You are on page 1of 2

‫إن قضيّة المرأة هي قضيّة تحرّ ر‪ ،‬وما يبدو لنا اليوم بديهيّا ممّا نتمتع به من حقوق‪ ،‬لم يتحقّق

إالّ بعد‬
‫‪ .‬كثير من المعاناة‪ .،‬هي حقوق حصلت عليها المرأة بعد نضاالت قامت بها النساء في ك ّل أنحاء العالم‬
‫ولم تطبّق إال بعد نضاالت طويلة‪ ،‬وتضحيات جسيمة لنساء أهنّ ‪ ،‬ولنساء سجنّ ‪ ،‬ولنساء قتلن في‬
‫صة في البلدان التي سمحت فيها الظروف‬ ‫سبيل هذه الحقوق‪ .‬حصل هذا في كل أرجاء العالم وخا ّ‬
‫االقتصادية والسياسية للمرأة بالخروج إلى العمل‪ ،‬وتو ّفرت فيها إمكانيات النضال منذ القرن التاسع‬
‫‪.‬عشر‬
‫إنّ قضيّة المرأة هي مثل ك ّل قضايا التح ّرر تتجاوز الحدود اإلقليمية أو الزمانية‪ ،‬وهي ككل القضايا‬
‫العادلة تحتاج إلى تضافر الجهود والي الكثير من التضحيات‪ ،‬كذلك هي تحتاج إلى اإليمان بعدالتها‪،‬‬
‫‪..‬والوعي بطرق مناصرتها‬
‫مسيرة يجب أن ال تتو ّقف‬
‫وفي تونس اليوم اليمكن أن ننكر أن مجلّة األحوال الشخصيّة قد ضمنت للمرأة الكثير من الحقوق‪ ،‬ممّا‬
‫صة في البلدان العربية واإلسالمية ‪ ،‬حيث‬ ‫جعل حياتها أفضل من غيرها في كثير من بلدان العالم وخا ّ‬
‫مازالت المرأة محرومة من حقوق أساسيّة كالتعلّم ‪ ،‬والشغل‪ ،‬واالنتخاب‪ ،‬والمساواة في األجر‪ ،‬وحريّة‬
‫التنقل‪ ،‬واختيار الزوج‪ ،‬والطالق ‪........‬وغيرها كثير ممّا يضمن كرامتها كإنسان كامل‪ ،‬ويضمن حياة‬
‫‪.‬متوازنة لألسرة وتنشئة سويّة لجيل المستقبل‬
‫إن المرأة في بعض البلدان ما زالت اليوم محرومة من حقوق تبدو لنا تاهفة لبداهتها من قبيل أن تخرج‬
‫من البيت‪ ،‬أو أن تركب سيّارة‪ ،‬أو تخاطب شخصا في الطريق‪ ،‬أو تحمل ابنها إلى المستشفى ‪ .‬ولعلكم‬
‫ي حيث احترق عدد من الفتيات‪ ،‬ألن حريقا شبّ في مبيت‬ ‫سمعتم بالمأساة التي حصلت في بلد عرب ّ‬
‫للطالبات ولم يسمح لهنّ بالفرار‪ ،‬ألنه لم يكن هنالك أولياء لهنّ على عين المكان يأذنون بذلك‪ 1.‬إلى مثل‬
‫هذا الح ّد ‪ -‬ح ّد حرمان المرآة من حقها في الحياة ‪ -‬يصل الغباء والتعنّت في التعامل مع حقوق المرأة ‪.‬‬
‫وطبعا نحن في تونس تجاوزنا هذا الواقع‪ ،‬ولكن اعتزازنا بما توفرّ لنا من حقوق يجب أن ال يحجب ما‬
‫تعيشه المرأة التونسية اليوم من ظلم يمكن أن يرفع‪ ،‬ومن صعوبات يمكن أن تذلّل‪ ،‬فتستفيد بذلك العائلة‬
‫التونسية والمجتمع عموما‪ .‬إن تحرّ ر المرأة هو مسيرة نحو األفضل وال يجب لهذه المسيرة أن تتو ّقف‪.‬‬
‫ال أريد هنا أن أرسم قائمة بما يمكن أن تطالب به المرأة التونسية من حقوق‪ ،‬وإنما سأتوقف عند نقطة‬
‫أعتقد أنها أساسيّة في تحقيق أي تقدم في واقع المرأة‪ ،‬وهي ليست كفيلة فقط بتوفير حقوق جديدة‬
‫ي لما منحته مجلّة األحوال الشخصيّة من حقوق كثيرا ما تظ ّل‬ ‫للمرأة‪ ،‬بل هي التي تضمن التطبيق الفعل ّ‬
‫‪ .‬حبرا على ورق وال تطبّق في الممارسة الفعليّة‬
‫العقلية السائدة هي جوهر المشكلة‬
‫أعتقد أن واقع المرأة التونسية اليوم تحدّده مسألة من أعقد المسائل‪ ،‬وتتمثل في أن المجتمع‪ ،‬برجاله‬
‫ونسائه‪ ،‬لم يستوعب جيّدا الواقع الجديد للمرأة‪ .‬ومازال جزء كبير منه ينظر إلى المساواة على أنها‬
‫استنقاص من شأن الرجل‪ .‬ومازال ينظر إلى حرية المرأة على إنها انسياق منها وراء أهوائها‬
‫ورغباتها‪ .‬لم يع المجتمع عموما والرجل خاصة أن حريّة المرأة هي حقيقة فرضها الواقع االقتصادي‬
‫واالجتماعي وأن التحوّ ل الذي حصل في البالد هو الذي أخرج المرأة للشغل‪ ،‬ألن المجتمع محتاج إلى‬
‫‪.‬ساعديها‬
‫إن المواطن التونسي اليوم‪ ،‬لم يعد يستهلك ما ينتج في البيت من منتجات غذائية أو ألبسة وغيرها‪ ،‬بل‬
‫إن اإلنتاج اليوم قد تمركز في المعامل والورشات والمصانع‪ .‬وهذا التغيّر في البنية االقتصادية هو الذي‬
‫أخرج المرأة من المنزل العائلي‪ .‬ويجب أن نق ّر أن هذا التح ّول االجتماعي عام وال تتحمل المرآة‬
‫مسؤوليته ‪ .‬و ما نالحظه في مستوى العقليات هو أن اإلنسان التونسي ال يريد أن يعترف تماما بهذا ‪،‬‬
‫صة بما يتط ّلبه من حقوق للمرأة تساعدها في القيام بهذا الواجب الجديد الذي انضاف إلى واجبها‬ ‫وخا ّ‬
‫‪ .‬القديم المتمثل في االعتناء بالبيت واألطفال‬
‫بعض عوائق الحريّة‬
‫مازال المجتمع التونسي ينظر إلى عمل المرأة وكأنه هروب من واجباتها األصليّة باعتبارها زوجة وأمّا‬
‫‪ .:‬وينتج عن هذا عدّة مشاكل أر ّكز على ثالث منها‬
‫أولى هذه المشاكل هي تنزيل شغل المرأة في منزلة أقل من شغل الرجل‪ .‬ورغم أن مجلّة األحوال‬
‫الشخصية تضمن حق الشغل للمرأة‪ ،‬إال أن النظرة السائدة ترى أنّ المرأة إنما تشتغل لتساعد الرجل‪.‬‬
‫‪.‬فشغلها رديف ومكمّل‬
‫ويترتب عن هذه النظرة استهانة بالتجاوزات التي تحصل في حقوق العامالت‪ ،‬ونالحظ هذه الظاهرة‬
‫خاصة في األعمال النسائية البحتة كما في معامل النسيج والخياطة‪ ،‬ففيها تكثر التجاوزات مثل ضعف‬
‫األجر و البطالة وعدم توفر رخص خالصة األجر والطرد التعسفي وعدم تثمين الساعات الزائدة‪...‬‬
‫وعموما إهمال ج ّل الضمانات االجتماعية‪ .‬إنّ المجتمع عموما ما زال يقبل مثل هذه التجاوزات في‬
‫ي وإن التخلّي‬ ‫حقوق العامالت أكثر ممّا يقبلها في حقوق العمّال‪ ،‬ألنّه يعتبر أن شغل المرأة شيء إضاف ّ‬
‫‪ .‬عنه ليس له خطورة كبيرة مادام الشغل األصلي للمرأة في البيت‬
‫إن احتقار شغل المرأة واعتبار أن دورها األساسي هو االعتناء باألسرة لن يغيّر من واقع الحياة ولن‬
‫يعيد المرأة إلى البيت‪ .‬ألنه ‪ ،‬ال المجتمع وال العائلة بقادرين على االستغناء عن شغل المرأة‪ .‬وال يمكن‬
‫لمثل هذه النظرة أن تؤدي إلى تغيّر البنية االقتصادية للبالد ولكنها ستؤدي حتما إلى تسهيل استغالل‬
‫‪ .‬المرأة العاملة والتغاضي عن ذلك‬
‫ثانيا من المشاكل الناتجة عن هذه النظرة عدم تحمل الدولة والمجتمع عموما مسؤوليّة في توفير هياكل‬
‫ومؤسّسات تساعد األ ّم على تحمل أعباء االعتناء باألطفال ‪،‬من قبيل إنشاء رياض لألطفال تكون قريبة‬
‫من التجمّعات الع ّمالية وفي متناول المرأة العاملة‪ ،‬وأماكن لمراقبة األطفال وتنشيطهم في غير أوقات‬
‫‪ .‬الدراسة ‪ ،‬كذلك مطاعم تقدّم غذاء صالحا لألطفال عندما تكون األم في العمل‬

You might also like