You are on page 1of 132

‫المنتدى التونس ي للحقوق االقتصادية واالجتماعية‬

‫تأليف‪:‬‬
‫حياة العطار‬

‫توثيق وصور‬
‫فريق البحث الميداني‬
‫جابر كرعاني‬

‫مراجعة‬ ‫أميمة هنداوي‬


‫منير حسين‬ ‫جابر كرعاني‬
‫حياة العطار‬
‫تصميم‬
‫زياد الحاج عياد‬

‫أفريل ‪0202‬‬
‫‪08‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪10‬‬ ‫الهدف العام‬
‫‪10‬‬ ‫فكرة عامة عن املحتوى‬
‫‪12‬‬ ‫منهجية البحث‬
‫‪16‬‬ ‫االشكاليات‬
‫الجزء األول‪ :‬العمالة الفالحية النسوية جذور‬
‫‪21‬‬ ‫الهشاشة وتجلياتها‬
‫‪22‬‬ ‫‪ .I‬ذكورية السلطة والملكية‬
‫‪35‬‬ ‫‪ .II‬جذورالهشاشة‬
‫‪ .III‬مظاهرالهشاشة‪ :‬العمالة النسائية الفالحية‪:‬‬
‫‪46‬‬ ‫انتهاك الحقوق الشغلية والعنف المركب‬
‫‪46‬‬ ‫‪ .1‬واقع األجور‪:‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ .0‬غياب التغطية االجتماعية‬
‫‪ .2‬بين غياب وسائل الوقاية والسالمة المهنية وبين مخاطر‬
‫‪57‬‬ ‫الطريق‪ :‬ضحايا بال حقوق"‬
‫‪63‬‬ ‫‪ .4‬شاحنات الموت والنزيف المتواصل للحوادث‬
‫‪65‬‬ ‫‪ .5‬ارقام المنتدى‬
‫ّ‬
‫‪77‬‬ ‫‪ .6‬العامالت الفالحيات ضحايا عنف مركب‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المنظومة القانونية التونسية‬
‫وحقوق العامالت الفالحيات‪ :‬المكتسبات ‪87‬‬
‫والنقائص‬
‫‪ -1‬حقوق النساء في المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية ‪92‬‬
‫‪95‬‬ ‫‪ -2‬حقوق العمالة الفالحية في التشريع التونس ي‬
‫‪115‬‬ ‫التوصيات والمقترحات‬
‫‪118‬‬ ‫‪ -1‬توصيات الى الدولة‬
‫‪124‬‬ ‫‪ -0‬توصيات للمجتمع المدني والهياكل النقابية‬
‫‪127‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪129‬‬ ‫المصادروالمراجع‬
‫شكر‬
‫يعتبر انجاز اي عمل بحثي ميداني يتناول بالمسح والدراسة‬
‫والتحليل احدى الفئات الهشة في املجتمع من بين أصعب االمور‬
‫واكثرها حساسية لعدة اسباب ولجملة من االعتبارات سنأتي عليها‬
‫الحقا‪ .‬لذلك وجب في البداية تقديم عبارات شكر وامتنان لكل من‬
‫ساهم من بعيد أو من قريب في هذا العمل واالعتراف لهم ‪/‬هن‬
‫بقيمة ما قدموه‪/‬نه لنا حتى نتمكن من انجاز هذه الدراسة‬
‫المتواضعة التي نرجو أن تكون في مستوى تطلعاتهم‪/‬هن وتؤدي‬
‫األمانة كما هي‪.‬‬

‫فالشكر أوال للنساء العامالت‪ ،‬الكادحات‪ ،‬المناضالت من‬


‫شمال البالد الى جنوبها‪ .‬نشكرهن على رحابة صدورهن وصبرهن‬
‫تحمل اسئلتنا التي كانت مرفوقة بالكثير من الفضول‬ ‫على ّ‬
‫كن يرفضن التصريح بها في‬ ‫وااللحاح والنبش في زوايا أغلبهن ّ‬
‫البداية‪ ،‬ثم ي ُجدن بها علينا توضيحا وتفسيرا‪ .‬فهي احيانا ال تكاد‬
‫تتعد‪ ،‬بالنسبة لهن‪ ،‬حدود الفضفضة ألنهن يعتقدن أن ذلك لن‬
‫يغير من وضعهن شيئا‪ .‬نشكرهن ايضا على قبول لقاءنا في الحقول‬ ‫ّ‬
‫واثناء اوقات العمل ألننا نعي جيدا حجم التحدي الذي واجهنه‬
‫مقابل منحنا تلك اللحظات والسماح لنا بتوثيق الزيارات‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫والشكر ثانيا لألصدقاء والصديقات والرفاق والرفيقات‬
‫من املجتمع المدني ومن الحركات االجتماعية في كل الجهات التي‬
‫زرناها‪ .‬شكرا لهم‪/‬هن على حسن التنسيق والمرافقة الميدانية‬
‫وعلى املجهودات المبذولة ف ي تسهيل اللقاءات سواء مع النساء أو‬
‫مع الفالحين والناقلين‪.‬‬

‫وألن مرحلة الكتابة وترتيب االفكار وربطها هي آخر مراحل‬


‫العمل البحثي قد تقتض ي أن يتولى مهمتها شخص أو مجموعة‬
‫اشخاص بحسب متطلبات العمل‪ .‬فإنها تتويج لعمل مجموعة‬
‫كاملة تجد بصمتها في كل فكرة وفي كل رقم وفي كل معطى‪ .‬مجموعة‬
‫آمنت بالفكرة وحملت القضية وسخرت مجهودها ووقتها تطوعا‬
‫لتأدية االمانة‪ ،‬هنا ال بد من شكر خاص أوال‪ :‬آلنجا نعيجي وحلمي‬
‫صكوحي على ما بذاله من مجهودات وما أبدياه من التزام خالل‬
‫الزيارات التي شملت واليات الشمال الغربي والتي كانت في االيام‬
‫االولى من شهر أوت‪ .‬وثانيا‪ :‬لجابر كرعاني وأميمة هنداوي رفيقا‬
‫كل المراحل‪ ،‬شريكان في التخطيط والبرمجة والتنفيذ ملتزمان في‬
‫كل املحطات‪ ،‬متجندان للميدان طيلة األشهر الستة دون كلل أو‬
‫ملل‪ ،‬ايمانهما بالقضية والتزامهما الحقوقي هو الدافع األول‬
‫للتطوع‪ ،‬وقربهما من فئة العامالت الفالحيات سواء أسريا أو‬
‫اجتماعيا هو الدافع الثاني الذي يعكس لديهما دراية بواقع هذه‬
‫الفئة ورغبة في ايصال صوتها‪ .‬فكانت مساهمتهما كبيرة وحافزا على‬

‫‪6‬‬
‫انجاز هذه الدراسة في وقت قياس ي رغم ثقل الملف الذي تتناوله‬
‫والزخم المعلوماتي الذي يحتويه وتقاطع المشاكل واملجاالت التي‬
‫تتفرع عنه‪.‬‬

‫أملنا في المنتدى التونس ي للحقوق االقتصادية‬


‫واالجتماعية ان يكون هذا العمل‪ ،‬الذي نقدمه في سياق االعمال‬
‫البحثية التي تهتم بالفئات االجتماعية االكثر هشاشة‪ ،‬ضحايا‬
‫السياسات الال عادلة‪ ،‬مساهمة فعلية في االعداد لخارطة طريق‬
‫نرسم من خاللها‪ ،‬رفقة شركاءنا في املجتمع المدني ومدافعي‬
‫ومدافعات حقوق االنسان‪ ،‬خطة واضحة من اجل نزع االعتراف‬
‫بسواعد الكادحات وبداية السترجاع الحقوق المسلوبة والنهوض‬
‫بواقع فئة ينهض من خاللها قطاع كامل واقتصاد بالد‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫بين التنظير والواقع توجد مسافات بعيدة ّ‬
‫وهوة واسعة‬
‫يحكمها واقع معاش تختلف خصوصياته وظروفه من فئة الى‬
‫اخرى ومن مجموعة الى اخرى ومن فضاء الى آخر‪ .‬وتتغير‬
‫مستجداته بحسب السياقات والتحوالت‪ .‬وكل فكرة أو قرار أو‬
‫فعل ما لم يتالءم مع الواقع وما لم يأخذ بعين االعتبار‬
‫خصوصياته وابعاده فسيظل مجرد قوالب جامدة متعالية ال‬
‫عالقة لها بجمهور المستفيدين‪ ،‬هشة من حيث األسس‬
‫وفضفاضة من حيث املحتوى‪ .‬هو الحال بالنسبة ألغلب‬
‫المعالجات التي شهدتها القضايا االجتماعية طيلة العشرية‬
‫االخيرة‪ ،‬قرارات ارتجالية وقوانين مدفوعة بنزعة انفعالية وأحيانا‬
‫برغماتية كانت دون جدوى ال أثر لها يذكر‪.‬‬

‫تندرج هذه الدراسة المسحية في إطار اهتمام المنتدى‬


‫التونس ي للحقوق االقتصادية واالجتماعية بوضعية فئة من‬
‫الفئات الهشة في املجتمع والتزامه بالدفاع عنها ومناصرتها‪ ،‬وتطرح‬
‫قضية حقوقية تتقاطع فيها القضايا النسوية مع القضايا‬
‫االقتصادية واالجتماعية وقضايا السيادة الغذائية والتنمية‬
‫المستدامة ومصير الدول ومستقبلها بصفة عامة‪ .‬هي قضية‬

‫‪8‬‬
‫العمالة النسائية في القطاع الفالحي‪ .‬نعم هي قضية هامة وأهميتها‬
‫تكمن في اشعاعها على بقية القضايا االخرى وتفرعها على كل‬
‫مجاالت الحياة ماضيا وحاضرا ومستقبال‪ .‬وتسعى هذه الدراسة‬
‫الى طرح عدة جوانب منها المكشوفة ومنها غير المرئية‪ ،‬أو‬
‫المسكوت عنها‪ ،‬كما تحاول الكشف عن تمثالت هذه الفئة لكل ما‬
‫يتعلق بالدولة وبالقوانين وباملجتمع المدني وباإلعالم‪ ،‬اي تمثالتها‬
‫للعالم املحيط بها ورؤيتها لذاتها وما تطمح له‪ .‬لتزيح الغشاوة عن‬
‫اعيننا وتساعدنا في التوقي والمقاومة ورسم خارطة طريق إلنقاذ ما‬
‫يمكن إنقاذه والمساهمة في بناء تونس االخرى العادلة والمنصفة‬
‫والمستدامة التي حلمنا بها‪.‬‬

‫وككل عمل منجز بدايته في األصل فكرة‪ .‬فكرة ولدت‬


‫وطرحت داخل عائلة المنتدى آمنت بها االخيرة وطورتها بالنقاش‬
‫ودعمتها بالموارد الالزمة‪ .‬وقد شهدت الفكرة تراكما كميا وتحوال‬
‫نوعيا لتفض ي سيرورتها وصيرورتها الى دراسة‪ .‬كان لطارحـ(ت)ها‬
‫عدة دوافع‪ ،‬منها الذاتي‪ ،‬ومنها الموضوعي‪ ،‬ومنها ما هو مبني على‬
‫تمثالت اجتماعية أضحت في العشرية األخيرة مجاال خصبا‬
‫لالهتمام والنقاش والجدل وبناء التصورات‪ .‬وجاءت الدراسة‬
‫لتجيب عن عدة تساؤالت حول مدى نجاعة كل هذه الديناميكية‬
‫النضالية التي رافقت قضية العامالت الفالحيات وأسباب تعثرها‬
‫عن بلوغ أهدافها رغم االعتراف الواسع بأهميتها وكثرة الفاعلين‬

‫‪9‬‬
‫فيها ورغم خصوبة السياق السياس ي واالجتماعي والثقافي وقابليته‬
‫إلحداث التغيير المرجو‪.‬‬

‫تهدف الدراسة الى تعزيز الرصيد المعرفي للمجتمع المدني‬


‫ومدافعي ومدافعات حقوق االنسان‪ ،‬وتقاسم تجربة ميدانية‬
‫دامت مدة ستة أشهر شملت ‪ 10‬والية‪ ،‬اي بمعدل واليتين من كل‬
‫اقليم بالبالد‪ ،‬وتضع بين أيدي قرائها ما حصده فريق العمل من‬
‫معلومات وما أفرزه البحث الميداني بمنهاجيه النوعي والكمي من‬
‫قراءات ومن أرقام ومعطيات وطرحها للنقاش في مراحل الحقة‬
‫والتخطيط لمسار مناصرة ناجعة وفعالة‪ .‬وتستهدف باألساس‬
‫صناع القرار وراسمي السياسات العامة بغية التأسيس الفعلي‬
‫آلليات تقطع مع االنتهاكات المسلطة على عامالت القطاع الفالحي‬
‫وتحد من الهشاشة االقتصادية واالجتماعية لهذه الفئة وتنهض‬
‫بالقطاع وبكل المتدخلين‪/‬ات فيه‪.‬‬

‫تحتوي الدراسة على ثالثة أجزاء كبرى تتفرع عنها مجموعة من‬
‫املحاور وتتخللها شهادات وأمثلة واقعية مستقاة من الميدان‬

‫‪01‬‬
‫ومدعمة بأرقام واحصائيات مع ذكر مصادرها والمراجع المعتمدة‬
‫فيها‪.‬‬

‫الجزء الثالث‬ ‫الجزء الثاني‬ ‫الجزء األول‬

‫‪ -‬وضعية القطاع ‪ -‬االلتزامات الحقوقية ‪ -‬توصيات حول سياسات‬


‫عمومية تنهض بالقطاع‬ ‫الفالحي في تونس‪ :‬الدولية والمنظومة‬
‫الواقع والتحديات التشريعية الوطنية بين الفالحي وتنظم هيكلته وحول‬
‫آليات حماية اجتماعية تقطع‬ ‫النظري والتطبيقي‪:‬‬ ‫وانعكاساته على‬
‫قراءة نقدية في اآلليات مع االقصاء والتمييز ضد‬ ‫وضعية اليد‬
‫العملة في القطاع‬ ‫القانونية الضامنة‬ ‫العاملة فيه‬
‫‪ -‬توصيات حول آليات‬ ‫‪ -‬دور اليد العاملة للحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية للعامالت قانونية لحماية العامالت من‬ ‫النسوية في‬
‫االنتهاكات وأخرى تدعم‬ ‫القطاع والجذور الفالحيات في سياق‬
‫المبادرات النسائية في‬ ‫المكاسب الحقوقية‬ ‫التاريخية‬
‫االقتصاد االجتماعي‬ ‫للنساء في تونس‪.‬‬ ‫للهشاشة‬
‫‪ -‬تشخيص الواقع ‪ -‬قراءة نقدية في آليات والتضامني والتمكين‬
‫االقتصادي للنساء‬ ‫الحماية االجتماعية‬ ‫االقتصادي‬
‫واالجتماعي للنساء للعاملين والعامالت في ‪ -‬مقترحات بخصوص آليات‬
‫مناصرة ومسارات نضالية‬ ‫القطاع الفالحي‬ ‫العامالت في‬
‫لخلق قوة مجتمعية ومدنية‬ ‫والمطبات القانونية‬ ‫القطاع الفالحي‬
‫فاعلة في مواجهة ارتدادات‬ ‫التي تكرس التمييز‬ ‫االنتهاكات‪:‬‬
‫المنظومات السياسية‬ ‫والتفاوت بين‬ ‫التقاطعات‬
‫والتصدي لالنتهاكات‬ ‫القطاعات‪.‬‬ ‫والسياقات‬

‫‪00‬‬
‫اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج الكمي والمنهج النوعي‬
‫في بحث واحد واستندنا الى اشكال متنوعة من اجل فهم أعمق‬
‫للمشكل وتحليله‪ .‬فبدال من اعتماد مصدر بيانات واحد‪،‬‬
‫كاالستبيانات مثال‪ ،‬وحتى نفهم أكثر ما تعتقده المستجوبة وماهي‬
‫نكون رؤية معمقة‪ ،‬قمنا بإجراء مقابالت‬ ‫دوافعها وتصوراتها و ّ‬
‫فردية مع مجموعة من النساء العامالت في القطاع الفالحي وجها‬
‫لوجه في حقول العمل أو في بيوتهن أو عبر الهاتف‪ .‬وكانت االسئلة‬
‫معدة مسبقا بحسب اهداف البحث وأحيانا ارتجالية‬ ‫في معظمها ّ‬
‫تفرضها اللحظة وتطرحها وضعية الحالة‪ .‬كما اجرينا لقاءات مع‬
‫عدد آخر في إطار مجموعات تركيز (‪ )Focus groupe‬كانت ناجعة‬
‫لما لها من فائدة لإلجابة على االسئلة الثالث الرئيسية وهي "لماذا"‬
‫و"ماذا" و"كيف"‪.‬‬

‫أما بالنسبة لالستبيان فبعد الزيارات الميدانية االولى‬


‫للنساء ومقابلتهن في الحقول بدأت تتشكل لدينا مالمح البحث‬
‫والتحديات التي سنواجهها في عملنا وفرضية تعرض العامالت‬
‫للمضايقة والضغط من قبل مشغليهن خاصة في ظل وجود الفالح‬
‫أو من ينوبه اثناء زيارتنا‪ .‬سيما وأن األسئلة في أغلبها مباشرة‬
‫وتعكس الوضعية الشغلية للعامالت بكل أبعادها‪ .‬كما أن وقوفنا‬

‫‪01‬‬
‫بجانب العاملة وطرح األسئلة عليها يضطرها احيانا الى االنقطاع‬
‫عن العمل للحظات وهو ما يعتبره بعض الفالحين مضيعة للوقت‪،‬‬
‫لينطلق في هرسلة العامالت ودفعهن الى تعويض ما ضاع من‬
‫الوقت في المساء‪ .‬لذلك وحتى نتمكن من انجاز البحث اقتصرنا‬
‫على ‪ 522‬عينة من مختلف االعمار ومن كل الواليات التي زرناها‪.‬‬
‫وتوجهنا أكثر للمحادثات المباشرة واعتماد المالحظة وجمع‬
‫البيانات من خالل لقاء العامالت في فضاءات توفر الحد االدنى‬
‫من الراحة لهن وتكسر لديهن القيود النفسية وحتى الجغرافية‬
‫وتخلق بينهن ومعنا روابط ثقة‪.‬‬

‫وبقطع النظر عن الطريقة التي اعتمدناها في كل لقاء فقد‬


‫ّ‬
‫كنا على وعي بأن عملية جمع البيانات النوعية ستولد كمية كبيرة‬
‫من المعطيات باإلضافة الى تنوع املحتوى واختالف العينات‬
‫بحسب خصوصيات الجهات والمناطق والظروف االجتماعية‬
‫والبيئة الثقافية‪ .‬لذلك اعتمدنا بعد استشارة النساء واخذ اذنهن‪،‬‬
‫على التسجيالت الصوتية والفيديوهات والمالحظات المكتوبة‬
‫بخط اليد لكي نتمكن الحقا من العودة اليها وتحليل ما فيها من‬
‫بيانات‪ .‬ولم نكتف بذلك بل ساقنا الفضول والرغبة في تقاسم‬
‫بعض اللحظات معهن وخضنا تجربة ركوب "شاحنات الموت"‬
‫لعدة كيلومترات وكنا شاهدين على مشهد روتيني يعشنه يوميا‬
‫ذهابا وايابا بكل تفاصيله‪.‬‬
‫‪01‬‬
‫وألن الدراسات والبحوث السابقة ركيزة هامة في اعداد‬
‫محتوى اي عمل بحثي باإلمكان االستناد اليها أو اعتماد جزء منها‬
‫في قراءة الواقع وتطوراته أو في بناء مقارنات بين سياقات تاريخية‬
‫أو سياسية أو ثقافية أو اجتماعية‪ ،‬وعلى اعتبار وجود دراسات‬
‫متخصصة وتتناول نفس القضية من زاوية محددة أو تدرس‬
‫بالتحليل والبحث مجموعة معينة في نطاق ضيق جغرافيا أو‬
‫مجاليا كالتي صدرت مثال عن عامالت الفالحة بوالية سيدي بوزيد‬
‫أو جندوبة‪ ...‬فقد اعتمدنا على دراسات سابقة للمنتدى التونس ي‬
‫للحقوق االقتصادية واالجتماعية ولالتحاد العام التونس ي للشغل‬
‫ولمنظمات وهياكل أخرى كما اعتمدنا حق النفاذ الى المعلومة‬
‫للحصول على معطيات وأرقام من الهياكل الرسمية للدولة‬
‫تجدونها مضمنة ومذكورة بالمصدر‪.‬‬

‫اختيارنا للعمل على ‪ 10‬والية من جملة ‪ 04‬والية كان خيارا‬


‫مدروسا‪ ،‬أوال‪ :‬ألن الدراسة منذ أن كانت فكرة أردناها أن تكون‬
‫شاملة وال تقتصر على عينة بحثية واحدة مختارة على أساس‬
‫جغرافي‪ ،‬كأن تكون عن عامالت الفالحة بوالية القيروان مثال على‬
‫اعتبار قرب املجال الميداني لفريق العمل‪ .‬أو على الواليات التي‬
‫يوجد فيها فروع للمنتدى‪ .‬وانما أردنا ان تشمل أكبر عدد ممكن‬
‫من الواليات وأن تكون كل االقاليم ممثلة نظرا الختالف‬
‫الخصوصيات باختالف البيئة الثقافية والجغرافية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪01‬‬
‫وبهدف إضفاء أكثر نجاعة ومصداقية‪ .‬كما أن حرصنا على‬
‫التواجد الميداني والقرب من العامالت لقي تجاوبا ودعما من‬
‫المنتدى ومن االصدقاء والصديقات في الجهات لتسهيل التنقل‬
‫واجراء كل املحادثات مباشرة ووجها لوجه‪.‬‬

‫‪05‬‬
‫المؤكد والمثير للتساؤل أن قضية عامالت القطاع الفالحي‬
‫كانت طيلة السنوات االخيرة وعلى امتداد اثنتا عشر سنة بعد‬
‫الثورة مادة دسمة تتدفق بغزارة من كل الجهات ومن كل االطياف‪،‬‬
‫سياسية كانت أو اجتماعية أو حقوقية‪ ،‬للنقد والتنديد واالقتراح‬
‫والمناصرة‪ .‬كما مثلت احدى شرارات الفعل االحتجاجي الجماعي‬
‫والفردي الذي يندلع مع كل مناسبة أليمة ثم ينطفئ‪ .‬وتعود‬
‫لتطفو على سطح االحداث من جديد مع كل احتفالية وطنية أو‬
‫دولية بحقوق النساء‪ .‬وتتعالى االصوات بالتكذيب لكشف الوجه‬
‫املخفي لمقولة الريادة التونسية في مجال حقوق النساء‬
‫والمساواة بين الجنسين‪ .‬حمالت مناصرة عديدة قادتها منظمات‬
‫وجمعيات حقوقية ونسوية‪ .‬وقوانين عدة وقع اصدارها وترويجها‬
‫على اساس حلول لفائدة العامالت الفالحيات‪ .‬منظومات جديدة‬
‫احدثت قيل أنها تهدف الى الحد من الهشاشة االقتصادية‬
‫واالجتماعية لهذه الفئة وتمكنها من آليات الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫ارقام كبيرة ألموال تعلن عنها الدولة في كل مناسبة وتنسبها‬
‫لمشاريع لفائدة المرأة الريفية والمرأة العاملة في الفالحة‪ .‬أوامر‬
‫لتحدد االجر األدنى الفالحي واخرى صدرت لتنظم‬ ‫ئاسية تصدر ّ‬
‫ر‬
‫عملية نقل العامالت وانجازات على الورق ال تحص ى وال تعد‪ .‬في‬
‫‪06‬‬
‫المقابل ظلت دار لقمان على حالها‪ .‬قطاع فالحي يكاد يندثر وينازع‬
‫من اجل البقاء والصمود‪ ،‬يد عاملة في اغلبها نسائية وغير معترف‬
‫بها‪ ،‬نساء يحملن على اعتاقهن تبعات ازمات القطاع ويعملن في‬
‫ظروف ال انسانية وفي وضعية هشاشة وفي غياب تام ّ‬
‫لمقومات‬
‫السالمة المهنية‪ ،‬عرضة لالستغالل والعنف والتمييز والحوادث‬
‫القاتلة‪ .‬اضافة الى تفاقم ظاهرة تشغيل االطفال في الحقول‪ .‬هو‬
‫عرض مقتضب ووجيز للمشهد الشغلي للعامالت الفالحيات‬
‫وتداعياته االقتصادية واالجتماعية على هذه الفئة وفئات اخرى‬
‫هي بمثابة حلقات تتشابك معها في سلسلة القطاع‪.‬‬

‫هو واقع الحال اليوم لم يكن أبدا ضمن انتظارات من ثاروا‬


‫من اجل الكرامة والشغل الالئق وال من قاوموا لعقود من اجل‬
‫حقوق النساء وتحقيق المساواة التامة والفعلية بين كل الفئات‪.‬‬
‫وال من اهداف من ناضلوا من اجل تحقيق العدالة االجتماعية‬
‫وتكريس اسس التنمية المستدامة‪ .‬الواقع يهمس في اذاننا بأننا لم‬
‫نتقدم خطوة في منجز مسارنا النضالي ولم نحقق اي هدف من‬
‫اهدافنا طالما ال تزال عاملة الفالحة الى اليوم ترفع شعار نزع‬
‫االعتراف وتطالب بأبسط الحقوق وتنادي بالكرامة وترجو رفع‬
‫الظلم المسلط عليها‪.‬‬

‫‪07‬‬
‫هذا يدفعنا الى الوقوف لحظة تأمل ومراجعة لنتساءل‬
‫فيما بيننا عن اسباب قصورنا عن بلوغ ما ناشدناه لعقود من‬
‫الزمن‪ .‬ثم نوجه السؤال ذاته الى من وضعوا القوانين والمنظومات‬
‫ويعتبرونها انجازات لنذكرهم بفشلها‪ .‬فهل أن قضية عامالت‬
‫القطاع الفالحي هي قضية عنف مركب مسلط على النساء‬
‫اساسه التمييز المبني على النوع االجتماعي؟ أم أنها قضية فئة من‬
‫الفئات االجتماعية الهشة التي تحتاج برامج ادماج في منظومات‬
‫الحماية االجتماعية وآليات خصوصية لمنحها فرص البقاء‬
‫واالستمرارية؟ أم أن المسألة تتجاوز المقاربة الجندرية وتطوي‬
‫نظرية التفاوتات الطبقية لترفع الستار عن اشكاليات قطاع كامل‬
‫يعكس توجهات دولة عبثت بالفالحة منذ سبعينات القرن‬
‫الماض ي وانتهجت خيارات سياسية واقتصادية نيوليبيرالية‬
‫جعلت من االزمات العنوان االكبر للقطاع؟‬

‫ولإلجابة عن هذه التساؤالت نرشح ثالث فرضيات‪ .‬تتعلق‬


‫االولى بارتباط وضعية العامالت الفالحيات بوضعية القطاع‬
‫الفالحي‪ .‬الوضعية التي تحدد مالمحها طبيعة المستغالت‬
‫الفالحية التي تشتغل فيها النساء والتي تؤثر بصفة مباشرة على‬
‫وضعية الفالح والعاملة وبقية المتدخلين عدا المستفيدين من‬
‫األزمة والذين سنتحدث عنهم الحقا‪ .‬الى جانب التغييرات المناخية‬
‫وشح الموارد المائية وانهيار منظومات االنتاج وهي تلك العاصفة‬
‫‪08‬‬
‫الهوجاء التي تهدد القطاع والعاملين والعامالت فيه في ظل غياب‬
‫آليات التوقي والرؤى االستراتيجية للدولة‪ .‬واالكيد طبعا فإن انقاذ‬
‫الفالحة يتطلب اصالحات عميقة وجذرية مشروطة بتوفر االرادة‬
‫السياسية التي تعيد للقطاع قيمته وتنظم العالقات صلبه وتوليه‬
‫االهمية والدعم الالزمين‪.‬‬

‫أما الفرضية الثانية فتتعلق بمدى تطابق المنظومة‬


‫التشريعية الوطنية مع مقولة الريادة التونسية فيما يتعلق‬
‫بالمكتسبات الحقوقية وببرامج التنمية والتمكين االقتصادي‬
‫للنساء‪ .‬اذ أن اغلب المبادرات والبرامج الوطنية والمنظومات‬
‫املحدثة في السنوات االخيرة ظلت قاصرة واصطدمت بمنظومة‬
‫تشريعية متكلسة تأبى أن تتكيف مع متغيرات املجتمع‪ .‬وتتعارض‬
‫في الكثير منها مع االلتزامات الدولية لتونس في مجال حقوق‬
‫االنسان في شموليتها وكونيتها‪ ،‬على غرار مجلة الشغل وقوانين‬
‫الحماية االجتماعية وقوانين االستثمار‪ .‬زد على ذلك حالة‬
‫السكيزوفرينيا التي بدت عليها المنظومة السياسية الحالية‬
‫واالنفصام التام بين احكام دستور جديد مسقط اسقاطا وبين‬
‫متطلبات المرحلة واستحقاقاتها االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫ونختم بالفرضية الثالثة والتي تضع كل ما سبق رهن عقلية‬


‫مجتمعية ذكورية باترياركية تكبل النساء وتجعل من العمل الهش‬

‫‪09‬‬
‫اإلطار الوحيد لليد العاملة النسوية في القطاع الفالحي‪ .‬وبالتالي‬
‫فهي اما عاملة غير قارة واما معينة عائلية وقتية مع فرض قيود‬
‫ونزعات دينية عقائدية واخرى ثقافية موروثة تحرم النساء من‬
‫حقهن في الميراث وتجعل من هذه المرجعيات أداة لتأبيد الفقر‬
‫ّ‬
‫التبعية للرجال‪.‬‬ ‫وتوريث‬

‫‪11‬‬
10
‫‪.‬‬

‫اثبت القطاع الفالحي في تونس على امتداد عقود متتالية‬


‫أنه قطاع استراتيجي وركيزة هامة من ركائز االقتصاد الوطني‬
‫وضمانة لألمن الغذائي‪ .‬فكان القاطرة التي تقود البالد في كل مرة‬
‫الى بر األمان نظرا لمساهمته الهامة في الناتج الداخلي الخام‬
‫ومقاومته لألزمات‪ .‬ولئن ظل القطاع صامدا رغم التحوالت التي‬
‫شهدها بعد فشل تجربة التعاضد واعتماد سياسة االنفتاح‬
‫االقتصادي في بداية سبعينات القرن الماض ي‪ ،‬فان السياسات‬
‫المنتهجة في تلك المرحلة وتوجه الدولة نحو اعتماد منوال‬
‫التنمية النيوليبيرالي في اواسط الثمانينات‪ ،‬افرزت تراجعا ملحوظا‬
‫في مساهمته في الناتج الوطني الخام من ‪ %04‬سنوات الستينات‬
‫الى ‪ %14‬أوائل التسعينات لتصل الى ‪ %9‬سنة ‪ 0219‬وتراجع‬
‫مساهمته في نسب التشغيل من ‪ %45‬من مجموع اليد العاملة‬
‫النشيطة سنوات الستينات الى ‪ %11‬سنة ‪ 0229‬ثم ‪ %15‬سنة‬
‫‪.0219‬‬

‫وفي ظل المنوال التنموي النيوليبيرالي القائم على تقليص‬


‫دور الدولة في كل ما يخص االستثمار والتشغيل وإدارة االقتصاد‬
‫لفائدة القطاع الخاص مع التفويت في االراض ي الخصبة وتوزيعها‬

‫‪11‬‬
‫عم الفساد‬ ‫بشكل غير عادل ولغير اصحاب االختصاص‪ّ ،‬‬
‫واستشرى في القطاع‪ ،‬وسيطرت قلة قليلة على مسالك التوزيع‬
‫وعلى سوق االنتاج‪ ،‬وأمام غياب اطار مؤسساتي وقانوني يحمي‬
‫صغار الفالحين مع غياب الدعم المادي واللوجستي لمقاومة‬
‫االزمات الداخلية والخارجية وتأثيراتها على المستغالت الصغرى‪،‬‬
‫التي تمثل ‪ %12‬من مجموع المستغالت وتعتمد باألساس على‬
‫االسواق املحلية ال على التصدير‪ ،‬باإلضافة الى انعكاسات‬
‫التغييرات المناخية ونضوب الموارد المائية وسوء التصرف فيها‬
‫وضعف التساقطات‪ ،‬اصبح القطاع الفالحي اليوم مهددا‬
‫باالندثار وباتت وضعية صغار الفالحين أكثر هشاشة‪ .‬هذه‬
‫الهشاشة ساهمت بشكل كبير في رسم مالمح اليد العاملة فيه وهو‬
‫ما نتبينه في الرسوم والجداول التالية التي نستند فيها الى ارقام‬
‫االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية في االستقصاء حول‬
‫متابعة الموسم الفالحي ‪ 0211-0212‬الصادر في اكتوبر ‪0219‬‬
‫والذي تحصلنا عليه بموجب حق النفاذ الى المعلومة في شهر‬
‫جويلية ‪.0200‬‬

‫‪11‬‬
‫جدول ّ‬
‫يبين مجموع الناشطين في القطاع الفالحي في الموسم ‪2112-2112‬‬

‫النسبة‬ ‫النسبة حسب الجنس‬ ‫املجموع‬ ‫العدد‬ ‫الصنف‬


‫الجملية‬ ‫الذكور‬ ‫االناث‬ ‫الذكور‬ ‫االناث‬
‫‪32,46%‬‬ ‫‪93,38%‬‬ ‫‪6,61%‬‬ ‫‪517364‬‬ ‫‪483128‬‬ ‫‪34236‬‬ ‫المستغلون‬
‫‪55,09%‬‬ ‫‪44,91%‬‬ ‫‪149082‬‬ ‫‪82144‬‬ ‫‪66938‬‬ ‫اليد العاملة‬
‫‪9,35%‬‬
‫المعينة القارة‬
‫‪33,7%‬‬ ‫‪66,3%‬‬ ‫‪591778‬‬ ‫‪199869‬‬ ‫‪391909‬‬ ‫اليد العاملة‬
‫‪37,13%‬‬
‫المعينة‬
‫‪84,87%‬‬ ‫‪15,13%‬‬ ‫‪51810‬‬ ‫‪43973‬‬ ‫‪7837‬‬ ‫العاملة‬ ‫اليد‬
‫الوقتية‬
‫‪3,25%‬‬
‫االجيرة القارة‬
‫‪56,76%‬‬ ‫‪43,23%‬‬ ‫‪283561‬‬ ‫‪160955‬‬ ‫‪122606‬‬ ‫اليد العاملة‬
‫‪17,79%‬‬
‫االجيرة الوقتية‬
‫‪1 593 595‬‬ ‫املجموع العام‬
‫المصدر‪ :‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول متابعة الموسم الفالحي (المرحلة الثانية)‬
‫‪ 2112-2112‬صادرفي مارس‪2112‬‬

‫جدول ّ‬
‫يبين مجموع الناشطين في القطاع الفالحي في الموسم ‪2112-2112‬‬

‫النسبة المئوية‬ ‫املجموع‬ ‫الصنف‬


‫‪36,18%‬‬ ‫‪536769‬‬ ‫المستغلون‬
‫‪10,10%‬‬ ‫‪149 978‬‬ ‫اليد العاملة المعينة القارة‬
‫‪37%‬‬ ‫‪548 978‬‬ ‫اليد العاملة المعينة الوقتية‬
‫‪3,25%‬‬ ‫‪47983‬‬ ‫اليد العاملة االجيرة القارة‬
‫‪13,47%‬‬ ‫‪199834‬‬ ‫اليد العاملة االجيرة الوقتية‬
‫‪1 483 542‬‬ ‫املجموع العام‬
‫المصدر‪ :‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول متابعة الموسم الفالحي‬
‫‪ 2112-2112‬صادرفي اكتوبر‪( 2112‬بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة)‬

‫‪11‬‬
‫مجموع الناشطين في القطاع الفالحي في املوسم ‪2018-2017‬‬
‫‪10%‬‬
‫اليد العاملة املعينة القارة‬
‫‪36%‬‬
‫اليد العاملة املعينة الوقتية‬
‫‪37%‬‬ ‫اليد العاملة االجيرة القارة‬

‫‪14%‬‬ ‫اليد العاملة االجيرة الوقتية‬

‫‪3%‬‬ ‫املستغلون‬

‫أول ما يثير االنتباه في الجداول التالية هو تراجع العدد‬


‫االجمالي للناشطين في القطاع الفالحي بنسبة ‪ %6‬بين الموسم‬
‫الفالحي ‪ 0215-0214‬والموسم الفالحي ‪ 0211-0212‬واالكيد أن‬
‫النسبة ارتفعت في المواسم االخيرة خاصة بعد ازمة كوفيد ‪19‬‬
‫واالزمات المتتالية التي أنهكت منظومات االعالف وااللبان‬
‫والحبوب وأدت الى غالء اسعار االسمدة واحتكارها‪.‬‬

‫أما فيما يخص اليد العاملة في القطاع فالمالحظ أن‪:‬‬

‫‪ -‬أوال‪ :‬الفالحة التونسية فالحة عائلية بامتياز تعتمد في االساس‬


‫على اليد العاملة المعينة التي سواء كانت قارة أو وقتية فهي ال‬
‫تمثل عبئا على اصحاب المستغالت وتعتمد على االنخراط في‬
‫خدمة االرض بوازع القرابة والروابط االسرية وأحيانا اضطرارا‬
‫بسبب غياب البديل وانعدام فرص الشغل خاصة في المناطق‬

‫‪15‬‬
‫الريفية وفي الجهات المعدومة تنمويا‪ .‬وبالتالي يتم االعتماد على‬
‫االعانة العائلية أو العمالة المؤجرة الغير قارة دون اعتراف رسمي‬
‫ودون عالقة شغلية مقننة‪ .‬قراءة تؤكدها نسبة اليد العاملة‬
‫األجيرة القارة التي بقيت في حدود ‪ 3,25%‬في كال الموسمين‬
‫والواضح أن هذه النسبة ال تنطبق على المستغالت الفالحية‬
‫الصغرى وانما تتركز اساسا في المستغالت الكبرى وفي الشركات‬
‫الفالحية‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬ترتكز الفالحة التونسية على العمالة النسائية بينما‬
‫يحظى الرجال بنصيب األسد في نسبة الملكية اذ أن أكثر من ‪92%‬‬
‫من مجموع المستغالت الفالحية تعود ملكيتها للذكور في حين ال‬
‫تمتلك االناث سوى أقل من ‪ 8%‬من مجموع المستغالت‪ .‬فعلى‬
‫سبيل المثال قدر عدد المستغلين في الزراعات الكبرى في اقليم‬
‫الشمال في الموسم الفالحي ‪ 0211-0212‬ب ـ ـ ‪ 46959‬من الرجال‬
‫مقابل ‪ 0222‬فقط من النساء وفي قطاع الزياتين بلغ العدد‬
‫‪ 10353‬من الذكور مقابل ‪ 572‬فقط نساء‪1 .‬‬

‫ذكورية الملكية وذكورية التصرف وذكورية القيادة الراجعة‬


‫باألساس الى العقلية الجمعية المهيمنة على االنماط الفكرية‬
‫والسلوكية والتي تستمد شرعيتها من المرجعيات الدينية‬

‫‪ 1‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول متابعة الموسم الفالحي ‪0211-0212‬‬
‫صادر في اكتوبر ‪0219‬‬

‫‪16‬‬
‫وتكرس تبعية النساء ّ‬
‫وتشرع للتمييز المبني على أساس‬ ‫العقائدية ّ‬
‫النوع االجتماعي‪ ،‬فتضع النساء موضع هشاشة دائمة وعدم‬
‫اعتراف‪ .‬وهو ما يأخذنا الى النقطة الثالثة التي نستخلصها من‬
‫ارقام الجداول‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬تنعكس طبيعة الفالحة العائلية في تونس وذكورية‬
‫التصرف والملكية على وضعية اليد العاملة النسائية انعكاسا‬
‫تترجمه األرقام التي وردت في الجدولين األول والثاني والمتعلقة‬
‫بأصناف الناشطين في القطاع الفالحي وتؤكده بقية الجداول‬
‫والرسوم الواردة أسفل النص والمتعلقة بتوزيع اليد العاملة‬
‫المعينة واألجيرة القارة والوقتية والمستغلين حسب الجنس‪ .‬والتي‬
‫تتلخص في ثالث نقاط‪:‬‬
‫‪ %1 -‬فقط من مجموع اصحاب المشاريع الفالحية ومالكيها هن‬
‫نساء بينما ‪ %92‬رجال‪ .‬وتشير دراسات اخرى أن هذه النسبة‬
‫الضئيلة للنساء تملك فقط‪ % 5‬من جملة المستغالت الفالحية‪2.‬‬

‫‪ -‬بالنسبة لليد العاملة المعينة القارة فإن نسبة الذكور تفوق‬


‫نسبة اإلناث في حين نسجل نسبة أعلى لإلناث في اليد العاملة‬
‫المعينة الوقتية‪ .‬واجماال تمثل اليد العاملة النسائية ‪ 62%‬من‬
‫مجموع اليد العاملة المعينة‪.‬‬

‫‪" 2‬من اجل ضمان حق النساء في الوصول الى االرث في الوسط الريفي" دراسة لجمعية دعم المبادرات‬
‫في القطاع الفالحي ديسمبر ‪0202‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬أما بخصوص اليد العاملة األجيرة فاالعتراف بالنساء وبعمالتهن‬
‫مازال بعيدا‪ .‬إذ تمثل نسبة اإلناث ‪ 37%‬من مجموع األجراء‬
‫الفالحيون في تفاوت واضح بينها وبين الذكور‪ .‬ويعكس هذا‬
‫التفاوت هشاشة العمل الفالحي النسائي واستبعاده من كل األطر‬
‫واآلليات التي تنظمه‪.‬‬

‫توزيع المستغلين حسب النشاط الرئيس ي للمستغلة والجنس‪ :‬موسم‬


‫‪2112-2112‬‬
‫الوحدة‪ :‬مستغل ‪/‬ة‬
‫املجموع‬ ‫التوزيع الجغرافي‬ ‫الجنس‬ ‫النشاط‬
‫الوطني‬ ‫الوسط الجنوب‬ ‫الشمال‬
‫‪3359‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪1253‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫اناث‬ ‫الزراعات الكبرى‬
‫‪57735‬‬ ‫‪785‬‬ ‫‪9991‬‬ ‫‪46959‬‬ ‫ذكور‬
‫‪2652‬‬ ‫‪724‬‬ ‫‪1144‬‬ ‫‪784‬‬ ‫اناث‬ ‫الخضروات‬
‫‪34889‬‬ ‫‪3480 11304‬‬ ‫‪20105‬‬ ‫ذكور‬
‫‪13582‬‬ ‫‪3142‬‬ ‫‪9868‬‬ ‫‪572‬‬ ‫اناث‬ ‫زياتين‬
‫‪141946‬‬ ‫‪27130 104463‬‬ ‫‪10353‬‬ ‫ذكور‬
‫‪6523‬‬ ‫‪3928‬‬ ‫‪2073‬‬ ‫‪522‬‬ ‫اناث‬ ‫اشجارمثمرة‬
‫‪72606‬‬ ‫‪48539 11011‬‬ ‫‪13056‬‬ ‫ذكور‬
‫‪10317‬‬ ‫‪3226‬‬ ‫‪5627‬‬ ‫‪1464‬‬ ‫اناث‬ ‫تربية الماشية‬
‫‪136310‬‬ ‫‪25657 64709‬‬ ‫‪45944‬‬ ‫ذكور‬
‫‪5029‬‬ ‫‪1611‬‬ ‫‪2259‬‬ ‫‪1159‬‬ ‫اناث‬ ‫انشطة اخرى‬
‫‪51821‬‬ ‫‪10255 16477‬‬ ‫‪25089‬‬ ‫ذكور‬
‫‪536769‬‬ ‫املجموع العام‬
‫المصدر‪ :‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول متابعة الموسم الفالحي ‪-0212‬‬
‫‪ 0211‬صادر في اكتوبر ‪( 0219‬بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة)‬

‫‪18‬‬
‫نسبة املستغلين حسب الجنس خالل موسم ‪2018-2017‬‬
‫‪8%‬‬

‫اناث‬
‫ذكور‬
‫‪92%‬‬

‫جدول المعينون الفالحيون حسب الصنف والجنس‪ ،‬الموسم الفالحي‬


‫‪2112-2112‬‬
‫الوحدة‪ :‬عامل ‪/‬ة‬
‫معينون وقتيون‬ ‫معينون قارون‬ ‫التوزيع الجغرافي‬
‫ذكور‬ ‫اناث‬ ‫ذكور‬ ‫اناث‬
‫‪69756‬‬ ‫‪88742‬‬ ‫‪38902‬‬ ‫‪23773‬‬ ‫الشمال‬
‫‪89699‬‬ ‫‪227462‬‬ ‫‪14885‬‬ ‫‪19054‬‬ ‫الوسط‬
‫‪27529‬‬ ‫‪45307‬‬ ‫‪28620‬‬ ‫‪24744‬‬ ‫الجنوب‬
‫‪186984 361511‬‬ ‫‪82407‬‬ ‫‪67571‬‬ ‫املجموع حسب الجنس‬
‫‪548 978‬‬ ‫‪149 978‬‬ ‫املجموع العام‬
‫‪34 ,1% 65 ,9%‬‬ ‫‪54 ,95%‬‬ ‫‪45,05%‬‬ ‫النسبة المئوية‬
‫المصدر‪ :‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول متابعة الموسم الفالحي ‪-0212‬‬
‫‪ 0211‬صادر في اكتوبر ‪( 0219‬بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة)‬

‫النسبة الجملية لليد العاملة امل ِعينة في القطاع الفالحي‬


‫حسب الجنس خالل موسم ‪2018-2017‬‬
‫‪38%‬‬
‫ذكور‬
‫‪62%‬‬
‫اناث‬

‫‪19‬‬
‫جدول توزيع اليد العاملة األجيرة حسب الصنف والجنس‪ ،‬الموسم‬
‫الفالحي ‪2112-2112‬‬
‫يد عاملة وقتية‬ ‫يد عاملة قارة‬ ‫التوزيع الجغرافي‬
‫(خالل شهرفيفري)‬
‫ذكور‬ ‫اناث‬ ‫ذكور‬ ‫اناث‬
‫‪19146‬‬ ‫‪17253‬‬ ‫‪23786‬‬ ‫‪2109‬‬ ‫الشمال‬
‫‪63672‬‬ ‫‪59967‬‬ ‫‪9761‬‬ ‫‪2601‬‬ ‫الوسط‬
‫‪31398‬‬ ‫‪8398‬‬ ‫‪7830‬‬ ‫‪1896‬‬ ‫الجنوب‬
‫‪114216‬‬ ‫‪85618‬‬ ‫‪41377‬‬ ‫‪6606‬‬ ‫املجموع حسب الجنس‬
‫‪199834‬‬ ‫‪47983‬‬ ‫املجموع العام‬
‫‪57 ,16%‬‬ ‫‪42 ,84%‬‬ ‫‪86,23%‬‬ ‫‪13,76%‬‬ ‫النسبة المئوية‬
‫المصدر‪ :‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول متابعة الموسم الفالحي ‪-0212‬‬
‫‪ 0211‬صادر في اكتوبر ‪( 0219‬بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة)‬

‫مجموع اليد العاملة األجيرة القارة والوقتية خالل موسم‬


‫‪2018 -2017‬‬

‫‪37%‬‬
‫ذكور‬ ‫اناث‬

‫‪63%‬‬

‫‪11‬‬
‫خالصة القول فيما يخص المشهد العام للعمل الفالحي‬
‫واعتمادا على االستقصاء حول متابعة موسم ‪ 0211 – 0212‬فان‬
‫مجموع اليد العاملة الفالحية قدرت بـ ‪ 946 773‬منها ‪ 521 306‬يد‬
‫عاملة نسائية موزعة بين أغلبية معينة وأقلية أجيرة مثلما يوضحه‬
‫الرسم البياني التالي‪.‬‬

‫طبيعة اليد العاملة النسائية في القطاع الفالحي موسم ‪2112-2112‬‬


‫‪400000‬‬
‫‪350000‬‬
‫‪300000‬‬
‫‪250000‬‬
‫‪200000‬‬
‫‪150000‬‬
‫‪100000‬‬
‫‪50000‬‬
‫‪0‬‬
‫أجيرة‬ ‫أجيرة‬ ‫معينة قارة‬ ‫معينة‬
‫قارة‬ ‫وقتية‬ ‫وقتية‬
‫طبيعة اليد العاملة النسائية في‬
‫القطاع الفالحي موسم ‪-2017‬‬ ‫‪6606‬‬ ‫‪85618‬‬ ‫‪67571‬‬ ‫‪361511‬‬
‫‪2018‬‬

‫قراءة هذه الجداول وهذه الرسوم تزيد من تأكيد فكرة أن‬


‫تأنيث العمل الفالحي وتهميش اليد العاملة النسائية هي سياسة‬
‫منتهجة من كل االطراف بدءا بالدولة واجهزتها الرقابية‬
‫وتشريعاتها التي تأبى تنظيم العمل الفالحي وهيكلته‪ ،‬الى الفالح‬
‫المشغل الذي يعمد اما الى تشغيل العامالت بشكل موسمي وغير‬
‫قار حتى ال يضطر الى التصريح بشغلهن وتحمل اعباء األجور‬

‫‪10‬‬
‫والتغطية االجتماعية أو الى المعينات العائليات (العملة من افراد‬
‫العائلة دون أجر) والالتي تحكمهن عقلية ذكورية وفكر باترياركي‬
‫يعطي للذكور فرص التعلم واالدماج وكسر القيود املجتمعية‬
‫والجغرافية للبحث عن فرص الشغل الالئق خارج فضاء العائلة‬
‫مع ضمان حق الملكية من خالل التمتع الكامل بالحق في الميراث‪.‬‬
‫بينما يلقي على اإلناث أعباء خدمة األرض وأعمال الرعاية وإعالة‬
‫العائلة دون مقابل‪ .‬مع حرمانهن في أكثر األوقات من التعلم‬
‫واختيار نوع ومكان وطبيعة الشغل‪ .‬كلها عوامل‪ ،‬سنأتي عليها‬
‫الحقا في األجزاء األخرى من الدراسة‪ ،‬ساهمت في تنامي ظواهر‬
‫العنف بأشكاله وزادت من نسب األمية لدى النساء باألخص في‬
‫الوسط الريفي‪.‬‬

‫اما بخصوص ارقام االجراء والمعيلون العائليون من‬


‫الذكور فهي تثير االستغراب‪ .‬اذ هناك تضارب بين ما تصرح به‬
‫نتائج االستقصاء حول متابعة الموسم الفالحي وارقام التقارير‬
‫الصادرة عن الجهات الرسمية وبين ما هو موجود على الميدان‪.‬‬
‫يمكن تفسير ذلك بعدم تحيين الوزارة ألرقامها وعدم القيام‬
‫بالمسح الميداني بطريقة دورية‪ .‬ففي أغلب الزيارات الميدانية‬
‫للحقول بمختلف جهات البالد‪ ،‬واعتمادا على أداة المالحظة في‬
‫البحث الميداني الذي قمنا به طيلة االشهر الستة الماضية‪ ،‬نادرا‬
‫ما سجلنا تواجدا للرجال من صنف العملة‪ .‬وان وجدوا فنسبة‬

‫‪11‬‬
‫قليلة ال تتجاوز الـ ‪ %12‬من املجموعة العاملة في الحقل وأحيانا‬
‫تنقص أو تزيد بحسب المواسم (في موسم جني الزيتون يرتفع‬
‫العدد نسبيا بينما في موسم جني الطماطم والخضروات يتقلص)‬
‫مع بعض االختالفات في الجهات ذات الخصوصية على غرار‬
‫واليات الجنوب حيث سجلنا تواجد الرجال في الواحات أكثر من‬
‫النساء في حين تكتسح النساء فضاءات العمل األخرى اين تقوم‬
‫بفرز التمور وتعليبها‪.‬‬

‫وفي بعض الجهات سجلنا وجود أطفال من الذكور ممن‬


‫انقطعوا عن الدراسة أو من الذين يعملون في فصل الصيف‬
‫لتأمين لوازم العودة المدرسية وتخفيف عبء المصاريف عن‬
‫الوالدين‪ .‬بينما يكاد ينعدم وجود الشباب من صنف العملة‪.‬‬
‫ظاهرة لها عدة تفسيرات من بينها عزوف الشباب عن العمل‬
‫الفالحي لضعف مردوديته المادية ولهشاشة ظروفه‪ .‬وايضا‬
‫لتوجه ابناء المناطق الريفية من الشباب اما الى الهجرة الى‬
‫الواليات األخرى للعمل أو الى الهجرة خارج أرض الوطن في أغلب‬
‫األحيان بطريقة غير نظامية‪.‬‬

‫أما النسبة القليلة التي تحدثنا عنها (‪ )%12‬فتكون مهمتها‬


‫إما رفع البضائع والمنتجات بعد أن تقوم النساء بجمعها في‬
‫الصناديق أو سياقة وصيانة المعدات أو "شيفان" اي أولئك‬

‫‪11‬‬
‫الذين تجدهم يجوبون الحقول يراقبون النساء ويتابعون سير‬
‫العمل‪ ،‬هؤالء هم في أغلب الحاالت عين الفالح في الحقل والناطق‬
‫الرسمي باسمه‪ .‬هم من يتمتعون باالستقاللية‪ ،‬يأخذون قسطا‬
‫من الراحة متى ارادوا ذلك‪ ،‬وهم ايضا من يمنحونك تأشيرة دخول‬
‫الحقل ومقابلة العامالت‪ .‬وحتى تتمكن من ذلك البد من طلب‬
‫االذن منهم ومن بناء عالقة ود معهم وعدم اظهار اي انحياز‬
‫للعامالت‪ .‬واال فستضع النساء في مأزق وتعرضهن للهرسلة‬
‫واالبتزاز مقابل اتمام عملك الميداني‪ .‬على هذا حرصنا في عملنا‬
‫قدر المستطاع على حماية العامالت وضمان خصوصية‬
‫الحوارات معهن واستشارتهن قبل توثيق اي زيارة‪ .‬واتمام‬
‫املحادثات معهن بالهاتف خارج اوقات العمل وبعيدا عن الحقول‬
‫التي "تسلبهن حرياتهن وتضطهدهن مستفيدة من تواطؤ الدولة‬
‫بأسرها وصمت املجتمع وتخاذله‪ .‬أرض فالحية مجندرة تغمرها‬
‫أوشحة مرهقة وعرق يتصبب غزيرا وأنوثة مستلبة" على حد تعبير‬
‫رضا كارم في ورقته التي صدرت في إطار كراسات المنتدى بعنوان‬
‫"النساء العامالت بحقول االستالب زمن الكورونا‪ ،‬ذكورية الفضاء‬
‫والهيمنة المزدوجة"‪.3‬‬

‫‪ 3‬النساء العامالت بحقول االستالب زمن الكورونا‪ ،‬ذكورية الفضاء والهيمنة المزدوجة‪ ،‬رضا كارم‬
‫‪/ https://ftdes.net/ar/les-travailleuses-agricoles-ridha-karem‬‬

‫‪11‬‬
‫هم‪ ،‬وان كانوا صورة عاكسة للعالقة الشغلية الغالبة في‬
‫مثل هذه الفضاءات الال منظمة والهشة‪ ،‬فهم ايضا عينة من‬
‫مجتمع ذكوري وعقلية جمعية قائمة على استضعاف النساء‬
‫ّ‬
‫واستغاللهن وسلبهن حرية تقرير مصيرهن‪ .‬بل وتحملهن أثقال‬
‫قوامة فعلية غير تلك القوامة الشكلية التي تنسب‪ ،‬احيانا‪ ،‬زورا‬
‫للرجال‪.‬‬

‫ابتليت بزوج ّ‬
‫سكير‪ ،‬ال يهتم ألبنائه وال يتحمل مسؤوليتهم‪،‬‬
‫«‬ ‫‪.‬‬

‫اعمل في الفالحة و اتحمل كل اشكال العنف واالهانة حتى اعود‬


‫بقوت ابنائي‪ ...‬ال يمكنني ان أبقى مكتوفة االيدي و ابنائي بحاجة‬
‫ّ‬
‫للوازم المدرسية وللمالبس ولألكل‪ ...‬حتى وان وفر لهم ذلك‬
‫فسأخرج للعمل هروبا من جحيم الحياة ومن االجواء‬

‫«‬ ‫المشحونة بالسب واالهانة والعنف‪ ...‬اعمل اضطرارال اختيارا‬

‫كثيرات هن الالتي مثل جميلة‪ .‬فأغلب النساء العامالت في‬


‫القطاع الفالحي لم يخترن العمل شغفا أو تعلقا باألرض أو عن‬
‫طواعية بل أغلبهن مضطرات اما هروبا من الفضاء العائلي الخانق‬
‫عنفا واهانة أو بدافع الحاجة لعدم توفر بديل في الفضاء‬
‫الجغرافي الريفي الضيق بكل ما يكتسيه من خصوصيات‬

‫‪15‬‬
‫اجتماعية وديمغرافية وتنموية وأو لغياب مواطن شغل‬
‫تستوعبهن وال تشترط مستوى تعليمي عال أو شهادة جامعية‪.‬‬
‫فحسب نتائج االستبيان الذي قمنا به فإن ‪ 90%‬من مجموع عينة‬
‫البحث هن من مناطق ريفية‪ 55% ،‬متزوجات‪ 14% ،‬أرامل‪ ،‬و‪4%‬‬
‫مطلقات‪ 60% ,‬من مجموع المتزوجات ازواجهن يعملون بصفة‬
‫صرحن بأن‬‫غير قارة وفي قطاعات أخرى هشة بينما ‪ %02‬منهن ّ‬
‫ازواجهن ال يعملون مطلقا ألسباب صحية أو حاملون إلعاقة‪.‬‬
‫فضاء االقامة‪ :‬من الريف أم من المدينة؟‬

‫‪10%‬‬

‫ريف‬ ‫مدينة‬

‫‪90%‬‬

‫الحالة المدنية‬

‫‪27%‬‬

‫‪55%‬‬
‫‪4%‬‬

‫‪14%‬‬

‫متزوجة‬ ‫أرملة‬ ‫مطلقة‬ ‫عزباء‬

‫‪16‬‬
‫بالنسبة للمتزوجات‪ :‬هل زوجك يشتغل؟‬

‫‪22%‬‬

‫‪58%‬‬
‫‪20%‬‬

‫نعم‬ ‫ال‬ ‫بصفة غير قارة‬

‫ارقام تفسر اسباب خروج النساء للعمل في الحقول‬


‫وتعكس وضعا اجتماعيا يجعل من العمل الهش خيارا تلجأ اليه‬
‫النساء ال فقط من الوسط الريفي‪ .‬بل حتى النساء الالتي يعشن‬
‫في المدن واستقطبهن العمل الفالحي‪ ،‬فأصبحن يمثلن ‪ 10%‬من‬
‫جملة اليد العاملة الفالحية النسائية نظرا لما شهده املجتمع من‬
‫تغييرات اقتصادية واجتماعية وديمغرافية‪ ،‬وما افرزته الهجرة‬
‫الداخلية من الريف الى المدينة واصطدام القادمين‪/‬ات من‬
‫الريف بواقع حضري ال يقل قساوة وبؤسا عن الذي تركوه بحثا‬
‫عن واقع أفضل‪ ،‬خاصة في االحياء شعبية وفي المدن الداخلية‪.‬‬
‫بل أكثر من ذلك أصبح العمل الفالحي المؤجر خيار قسريا لعدد‬
‫من النساء صاحبات الشهادات العليا سيما من المتزوجات الالتي‬
‫اضطرتهن ظروفهن االجتماعية وقصور ازواجهن على مجابهة غالء‬

‫‪17‬‬
‫المعيشة وتكاليف تعليم االبناء ومستلزمات الحياة الى الخروج الى‬
‫«‬
‫الحقول والعمل المؤجر‪.‬‬

‫يوم وجدت نفس ي مخيرة بين العمل بإحدى رياض االطفال‬


‫مقابل ‪211‬د‪ ،‬وبين الفالحة‪ ،‬اخترت العمل في الحقول‪...‬على األقل‬
‫هناك أضمن دخال شهريا قد يصل احيانا الى ‪011‬د‪ .‬صاحبة شهادة‬
‫ّ‬
‫عليا منذ سنة ‪ 2112‬تزوجت و انجبت اطفاال فقلت فرص الحصول‬
‫على شغل يليق بشهادتي العلمية‪ ،‬بل حتى وان وجدت فهي بالضرورة‬
‫خارج منطقتنا‪ .‬األمرالذي يجعل امكانية التنقل مستحيلة خاصة مع‬

‫«‬ ‫التزاماتي العائلية‪...‬‬

‫هي عفاف ذات‪ +‬الثمانية والثالثون سنة‪ ،‬تركب يوميا‬


‫الشاحنة وتذهب فجرا الى الحقل بعد أن توقظ ابناءها وتعد لهم‬
‫الفطور وتيهئ لهم مالبسهم ثم تنطلق في رحلتها الشاقة لتلتقي‬
‫بزميالتها الالتي سبقنها الى نقطة التجمع النتظار السمسار الذي‬
‫سيقلهن الى الحقل‪.‬‬
‫عفاف ليست الوحيدة من حامالت الشهادات العليا من‬
‫والية سيدي بوزيد الالتي لفظتهن البطالة بين حقول الفلفل‬
‫واشجار الزيتون وفي خلفيات الشاحنات‪ ،‬هدى ايضا صاحبة‬
‫شهادة استاذية في اللغة واآلداب اإلنجليزية اصيب زوجها بصدمة‬
‫نفسية جراء تعرضه لعملية تحيل ادت الى اصابته بمرض نفس ي‬

‫‪18‬‬
‫واضطرت االخيرة الى العمل في الفالحة لتغطية الحاجيات‬
‫االساسية ألبنائها وتأمين عالج زوجها‪.‬‬

‫دائما ما تتحمل النساء تبعات خيارات الدولة والسياسات‬


‫العمومية وتتأثر بنتائج االزمات االجتماعية واالقتصادية‪ .‬ولعل‬
‫مؤشرات البطالة التي يصدرها المعهد الوطني لإلحصاء سنويا هي‬
‫خير دليل على ذلك‪ .‬اذ غالبا ما تكون نسبة البطالة في صفوف‬
‫االناث اضعاف مثيلتها في صفوف الذكور‪ .‬فقد بلغت في الثاليثي‬
‫االخير من سنة ‪ 0200‬نسبة ‪ 32%‬مقابل ‪ 15.2%‬لدى الذكور من‬
‫قدر بـ ‪ 24,3%‬في صفوف حاملي الشهادات‬ ‫مجموع بطالة وطني ّ‬
‫العليا‪.‬‬
‫تطورنسبة البطالة حسب الجنس خالل الثالثي الثالث من سنة ‪2122‬‬
‫البطالة لدى حاملي‬ ‫البطالة لدى عموم‬ ‫الجنس‬
‫الشهادات العليا‬ ‫الناشطين‬
‫‪15.2%‬‬ ‫‪13.4%‬‬ ‫ذكور‬
‫‪32%‬‬ ‫‪20.4%‬‬ ‫اناث‬
‫‪24.3%‬‬ ‫‪15.3%‬‬ ‫النسبة الوطنية‬
‫المصدر‪ :‬المعهد الوطني لإلحصاء‪ ،‬مؤشرات التشغيل والبطالة للثالثي الثالث من سنة ‪2122‬‬

‫هنا أصبح القطاع الفالحي أحد القطاعات المستقطبة‬


‫للعمالة النسائية من حامالت الشهادات العليا‪ .‬فرغم هشاشته‬
‫يمثل لدى الكثيرات منهن حال وملجأ من البطالة والحاجة‪ .‬اذ‬

‫‪19‬‬
‫افرزت نتائج المسح الميداني الذي قمنا به نسبة ‪ 10%‬من مجموع‬
‫عينات البحث هن حامالت لشهادات عليا مقابل ‪ 49%‬لديهن‬
‫مستوى تعليم ابتدائي‪ .‬و‪ 29%‬لم يدخلن المدارس مطلقا‪ .‬وبالتالي‬
‫يمكن فهم العالقة السببية بين اللجوء الى العمل في الفالحة وبين‬
‫انسداد افق التشغيل في ظل عدم توفر مستوى تعليمي يسمح‬
‫باالختيار الحر مع وضع تنموي هزيل‪ ،‬خاصة بالجهات الداخلية‪،‬‬
‫زد عليه اكراهات املجتمع الضيق وعقلية عدم االستثمار في‬
‫الفتيات والتضحية بتعليمهن لعدة مبررات‪.‬‬

‫المستوى التعليمي للعاملة الفالحية‬


‫‪10%‬‬
‫‪12%‬‬
‫‪49%‬‬

‫‪29%‬‬

‫مستوى ابتدائي‬ ‫دون مستوى تعليمي‬ ‫مستوى ثانوي‬ ‫صاحبة شهادة عليا‬

‫فلئن كانت الظروف االجتماعية للعائلة من بين أحد‬


‫العوامل المساهمة في تحديد خيارات االبوين أو االبناء المتعلقة‬
‫اما بإنهاء مراحل التعليم والحصول على شهادة عليا أو باالنقطاع‬
‫عن الدراسة فان األمر في الوسط الريفي يختلف واسبابه تختلف‪.‬‬
‫فإلى جانب االسباب المعروفة كبعد المسافة بين المدرسة‬
‫والمسكن وغياب النقل المدرس ي ورداءة وضعية المدارس الريفية‬

‫‪11‬‬
‫وغياب ابسط مقومات التعليم الالئق كافتقار المدارس للماء‬
‫الصالح للشراب وتردي البنية التحتية ونقص اإلطار التربوي‪،‬‬
‫تطفو على السطح عقلية مازالت الى اليوم طاغية موغلة في التمييز‬
‫بين االناث والذكور‪ .‬بل مازالت تحصر دور االناث في العمل المنزلي‬
‫والزواج واالنجاب في سن مبكرة أو في الخروج الى العمل اما في‬
‫الفالحة أو في المنازل‪.‬‬

‫‪ 8%‬من عينات البحث الميداني لم تتجاوز أعمارهن‬


‫الثمانية عشرة سنة‪ .‬التقينا بهن في الحقول واستمعنا اليهن‪90% .‬‬
‫منهن انقطعن عن الدراسة في مستوى التعليم االعدادي‪ .‬اسبابهن‬
‫تختلف بين عجز الوالدين عن مصاريف التعليم وبين بعد‬
‫المعاهد والمدارس االعدادية وعدم توفر نقل مدرس ي‪ .‬هنا يكون‬
‫الخوف مبررا لحرمانهن من حقهن في التعليم‪ .‬واالنقطاع هو الحل‬
‫الوقائي الذي "يجنبهن مخاطر الفضاء الخارجي ويحميهن من‬
‫اشكال العنف" حسب قول والدة "أميرة" احدى الفتيات‬
‫العامالت في الفالحة في قرية من قرى معتمدية السبيخة من والية‬
‫القيروان "والدها رفض تدريسها في السبيخة المدينة خوفا عليها‪،‬‬
‫هو ككل رجال القرية ال يقبل ان تذهب ابنتنا وتعود في حافلة‬
‫مختلطة فارتأى أن يبقيها في المنزل وها هي تعمل معي في الفالحة‬
‫جنبا الى جنب" هنا تتحد الظروف االجتماعية والمعيقات‬
‫الجغرافية وتهميش الدولة للمناطق الريفية وقلة الوعي وتحجر‬

‫‪10‬‬
‫العقليات فتفرز ضحية يمارس عليها العنف بكل اشكاله من كل‬
‫االطراف دون مقاومة وال حماية‪.‬‬

‫أما "سيرين" فهي لم تطأ قدمها المدرسة يوما ولم تحظى‬


‫باي نوع من التعليم وال تعرف حتى كم بلغت من العمر‪ .‬فهي عينة‬
‫من اطفال القرى الريفية الذين ال أثر لهم في سجل الحالة‬
‫المدنية‪ .‬سيرين هي احدى الفتيات الالتي التقيناهن في زيارتنا‬
‫لدوار البالهدية‪ ،‬القرية المتاخمة للمنطقة العسكرية المغلقة‬
‫بجبل المغيلة والتابعة لمعتمدية السبالة‪ ،‬هناك ترى وتسمع‬
‫وتلحظ كل اشكال التهميش‪ ،‬هناك حيث ال وجود للدولة بكل‬
‫تجلياتها‪ ،‬حيث التالحم بين الجغرافيا والتاريخ يجعلك لوهلة‬
‫تشعر أن الزمن عاد بك عقودا الى الوراء تحديدا الى اربعينات‬
‫القرن الماض ي اين كان تعميم التعليم ومجانيته أحد مطالب‬
‫الحركة الوطنية زمن االستعمار‪ .‬وكأن آلة الزمن هناك توقفت في‬
‫تلك المرحلة‪ .‬امثال سيرين كثيرات في القرية منهن الالتي توفين في‬
‫عمر األربعة عشر والخمسة عشر سنة في حادثة ‪ 02‬أفريل ‪.0219‬‬
‫ومنهن الالتي نجون من الموت ولكن الحادث خلف لهن اضرار‬
‫جسدية ونفسية عميقة على غرار حورية التي بترت ذراعها وهدى‬
‫التي تعاني من مخلفات الكسور وآثار نفسية تجعلها تفكر في كثير‬
‫من االحيان في الحاق االذى بنفسها ووضع حد لشقاء العيش‬
‫وألمه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫صورة ألحد قبورضحايا فاجعة السبالة‪ :‬سمرالخضراوي توفيت في سن الرابعة عشر سنة‬

‫مؤشراعمارالعامالت الفالحيات‬
‫‪80%‬‬

‫‪60%‬‬

‫‪40%‬‬
‫‪61%‬‬
‫‪20%‬‬
‫‪21%‬‬
‫‪8%‬‬ ‫‪10%‬‬
‫‪0%‬‬
‫أقل من ‪ 18‬سنة‬ ‫بين ‪ 18‬و‪ 40‬سنة‬ ‫بين ‪ 40‬و‪ 60‬سنة‬ ‫فوق ‪ 60‬سنة‬

‫دائما استنادا الى نتائج المسح الميداني وعينات البحث‬


‫الكمي والنوعي الذي قمنا به إلعداد الدراسة فإن أغلب العامالت‬
‫الفالحيات تتراوح أعمارهن بين األربعين والستين سنة بنسبة تقدر‬
‫ب ـ ـ ‪ 61%‬مقابل ‪ 21%‬لمن اعمارهن بين الـ ‪ 11‬و‪ 42‬سنة و‪ 10%‬لمن‬
‫تفوق اعمارهن الستون سنة‪ .‬قراءة هذه االرقام تدل على تواجد‬
‫كل الشرائح العمرية في العمل الفالحي‪ .‬فهي ليست حكرا على فئة‬

‫‪11‬‬
‫مسنات‪ .‬يكفي‬ ‫كن أو ّ‬ ‫عمرية معينة بل هي ملجأ لكل النساء شابات ّ‬
‫أن تحط الحاجة رحالها لتخرج النساء للعمل تحت اي ظرف‪.‬‬
‫المالحظ أن اغلب العامالت الفالحيات الالتي يعملن رغم تقدم‬
‫سنهن هن مضطرات إما إلعالة ازواجهن الذين تقدم بهم العمر‬ ‫ّ‬
‫واصابهم العجز وأصبحوا غير قادرين على العمل (إحدى نتائج‬
‫الزواج المبكر للفتيات مع فارق السن الذي يفوق احيانا العقدين‬
‫والذي نشهده عند اغلب اجدادنا وجداتنا‪ ).‬أو إلعالة احفادهن‬
‫وتقاسم نفقات العيش مع ابنائهن‪ .‬هنا نستحضر وضعية عائشة‬
‫التي تبلغ من العمر سبعون سنة‪ ،‬من حامة الجريد والية توزر‪،‬‬
‫عائشة تعمل في فرز وتعليب التمور تقض ي ساعات اليوم الطويلة‬
‫منحنية الظهر في المعامل املجاورة (مستودعات) تحملت‬
‫مسؤولية تربية حفيدتها وتكاليف تعليمها‪ ،‬وتقاسمت االعباء مع‬
‫ابنها بعد وفاة زوجته‪ .‬عائشة عينة من آالف النساء في توزر الالتي‬
‫اتخذن من النخلة منبعا للحياة وموردا للرزق‪ ،‬جرحت اناملها‬
‫مرات ومرات من جراء قطع عراجين التمر وتسلق النخلة وشهدت‬
‫على حوادث كثيرة لعملة سقطوا من اعلى النخلة منهم من كسر‬
‫ظهره أو أحد اعضائه ومنهم من توفي‪ .‬تعلق عائشة وزميالتها في‬
‫والية توزر بالنخلة جعل منهن صوت دفاع عن الفالح في جهتهن‬
‫ونسين وضعياتهن‪ .‬فهن شاهدات على ازمة قطاع التمور ويرون أن‬
‫اندثار الواحات وتراجع انتاجها فيه اندثارهن‪ ،‬فهن ي ْست ْم ِد ْدن منها‬

‫‪11‬‬
‫وقو ُتهن‪" .‬حالنا وحال النخلة كيف كيف" هي عبارة رددتها‬
‫قوتهن َّ‬
‫احدى العامالت حين سألناها عن ظروف العمل وعن وضعية‬
‫النساء العامالت في القطاع بالجهة‪.‬‬

‫وان كان لخصوصية الجهة تأثير على ظروف النساء وعلى‬


‫اجورهن وفضاءات عملهن اال أن الوضعية ال تقل هشاشة عن‬
‫مثيالتها في بقية الجهات خاصة بالنسبة للنساء الالتي يعملن في‬
‫محالت عشوائية غير مرخصة أو عبر آلية المناولة (وسيط من‬
‫نوع آخر وعبودية ّ‬
‫مقننة)‪ .‬ربما يكمن االختالف في طبيعة نشاط‬
‫النساء في قطاع التمور ودورهن في سلسلة االنتاج وهيكلة‬
‫العالقات الشغلية في تلك الربوع وتوزيع االدوار بين الرجال‬
‫والنساء في العمل الفالحي ولكن غياب الحماية االجتماعية‬
‫وظروف النقل غير اآلمنة والتمييز في األجر يبقى عنوان العمل‬
‫النسائي في القطاع الفالحي في تونس‪.‬‬

‫صورة من معتمدية السبيخة‪-‬والية القيروان‬ ‫صورة من منزل تميم ‪-‬والية نابل‬

‫‪15‬‬
‫‪.‬‬

‫بقيت صفة "العمل غير المهيكل" هوية العمالة الفالحية‬


‫على امتداد عقود من الزمن اذ رغم التحوالت السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ورغم ما شهده املجتمع التونس ي من‬
‫انتفاضات وأزمات‪ ،‬ظل القطاع الفالحي على حاله‪ .‬بل زاد تأزما‬
‫وتفككا‪ .‬األمر الذي انعكس سلبا على أضعف حلقاته واكثرها‬
‫وهن العامالت فيه‪ .‬اذ تعكس وضعية اليد العاملة‬ ‫هشاشة‪ّ ،‬‬
‫النسائية الفالحية مفارقة كبرى بين أهمية القطاع كمحرك‬
‫أساس ي للتنمية وركيزة هامة لالقتصاد وبين السياسات الموجهة‬
‫له ومدى اهتمام الدولة به من جهة‪ ،‬ومدى تفعيل المساواة بين‬
‫الجنسين وتطبيق قوانين وتشريعات حماية النساء والتمكين‬
‫االقتصادي لهن من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ .1‬و اقع األجور‪:‬‬


‫ككل القطاعات الال منظمة ّ‬
‫تحدد األجور بحسب العرض‬
‫ّ‬
‫والطلب وبحسب مردودية النشاط وأحيانا بحسب أهواء المشغل‬

‫‪16‬‬
‫وال تخضع للرقابة أو املحاسبة‪ .‬ويجد األجير نفسه ملزما على‬
‫القبول لعدم توفر البديل ولغياب الحماية القانونية الكافية‪ .‬في‬
‫القطاع الفالحي رغم وجود إطار قانوني يضبط االجر األدنى‬
‫المضمون اال أن األجور تشهد حالة من االستقرار السلبي وعدم‬
‫المالءمة للتشريعات المنظمة لها‪ 4.‬مع غياب الرقابة المنصوص‬
‫عليها في القانون واملحمولة على تفقدية الشغل‪.‬‬
‫تطوراالجراالدنى الفالحي المضمون منذ سنة ‪2111‬‬
‫الوحدة‪ :‬دينار‪/‬يوم‬
‫االجر االدنى‬ ‫السنة‬
‫‪9.000‬‬ ‫‪2011‬‬
‫‪10.600‬‬ ‫‪2012‬‬
‫‪11.600‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪12.300‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪13.000‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪13.000‬‬ ‫‪2016‬‬
‫‪13.763‬‬ ‫‪2017‬‬
‫‪14.560‬‬ ‫‪2018‬‬
‫‪15.504‬‬ ‫‪2019‬‬
‫‪16.512‬‬ ‫‪2020‬‬
‫‪16.512‬‬ ‫‪2021‬‬
‫‪17.664‬‬ ‫‪2022‬‬
‫المصدر‪ :‬المعهد الوطني لالحصاء واالمرالرئاس ي عدد ‪ 222‬لسنة ‪ 2122‬المتعلق بتحديد األجراألدنى‬
‫الفالحي المضمون‬

‫‪ 4‬القانون عدد ‪ 02‬لسنة ‪ 1966‬المتعلق بإصدار مجلة الشغل‬

‫‪17‬‬
‫ّ‬
‫المصرح بها وفق نتائج المسح الميداني‪:‬‬ ‫االجور‬

‫‪2% 6%‬‬ ‫كم تتقاضين أجرا في اليوم؟‬

‫‪44%‬‬

‫‪48%‬‬

‫‪ 10‬دينارات أو أقل‬ ‫بين ‪10‬د و‪15‬د‬ ‫بين ‪15‬د و‪20‬د‬ ‫‪20‬د أو أكثر‬

‫تبرز نتائج االستبيان تفاوتا ملحوظا في األجر الممنوح‬


‫ّ‬
‫للعامالت‪ .‬اذ ‪ 48%‬من النساء المستجوبات يتحصلن على أجر‬
‫ّ‬
‫يتراوح بين ‪ 12‬دنانير و‪ 15‬دينار‪ ،‬و‪ 44%‬يتحصلن على أجر يتراوح‬
‫بين ‪15‬دينارا و‪ 02‬دينارا بينما ال تتجاوز نسبة النساء الالتي‬
‫يتحصلن على أجر يفوق العشرين دينارا ‪ .2%‬تعكس هذه‬
‫التفاوتات عدم مطابقة واقع االجور في القطاع الفالحي مع‬
‫مقتضيات النصوص القانونية المتعلقة بتحديد األجر األدنى‬
‫الفالحي كما تعكس حالة االستقرار السلبي لمعدل االجور مقارنة‬
‫يبينه الجدول اعاله‪ .‬كما تخضع هذه‬‫بتطورها‪ ،‬على هناته‪ ،‬مثلما ّ‬
‫الوضعية الى عدة قراءات‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬تعود مسألة ضعف أجر اليد العاملة النسوية في‬
‫الفالحة الى تداخل االدوار‪ ،‬اذ تمثل العاملة آخر حلقة في شبكة‬
‫العالقات داخل القطاع‪ .‬ونادرا ما تكون مسألة خالص االجور‬
‫تصرح اغلب العامالت بأن سبب ضعف‬ ‫مباشرة مع الفالح‪ .‬اذ ّ‬
‫األجر يعود الى اقتطاع الوسيط لمبلغ يتراوح بين ‪ 2‬و‪ 5‬دنانير مقابل‬
‫ّ‬
‫نقلهن إلى الحقول‪ .‬والى امتالكه سلطة اختيار العامالت وتشغيلهن‬
‫وهو ما يجعلهن مضطرات للقبول حفاظا على مورد رزقهن‪ .‬هنا‬
‫يلعب الوسيط دورا هاما في أغلبه سلبيا نظرا لهيمنته على شبكة‬
‫العالقات داخل القطاع‪ .‬فهو غالبا الرابط الوحيد بين الفالح‬
‫والعامالت وهو في ذات الوقت ناقلهم وأحيانا "بنك املجموعة"‬
‫والمتصرف المالي داخلها‪ .‬مما ادى الى تخلي الفالح عن دوره‬
‫كمشغل مقابل ّ‬‫ّ‬
‫تغول الوسيط وهيمنته على القطاع‪ .‬وحتى نفهم‬
‫أكثر هذه الظاهرة يجب ان ال نتعاطى معها من منظور فوقي وانما‬
‫يجب دراسة العالقات االجتماعية داخل منظومة العمل الفالحي‬
‫ومحاولة فك رموزها والنظر في اسباب تناميها‪ .‬هذه العالقات التي‬
‫ستبرز أكثر في مسألة النقل في الجزء الالحق‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيا‪ :‬غياب الدور الرقابي ألجهزة الدولة وعدم قيام‬


‫تفقديات الشغل بمهامها في كل ما يتعلق بالعمل الفالحي رغم‬
‫وجود نصوص قانونية تحدد ذلك على غرار الفصل الثالث من‬
‫القانون عدد ‪ 02‬لسنة ‪ 1966‬المتعلق بإصدار مجلة الشغل‬

‫‪19‬‬
‫"يعاقب عن دفع أجور دون المقدار األدنى لكل منها ـ الواقع ضبطه‬
‫باألحكام التشريعية والترتيبية أو العقود المشتركة أو االتفاقيات‬
‫أو المقررات التحكيمية التي صار العمل بها وجوبا ـ بالعقوبات‬
‫المنصوص عليها بالفصل ‪ 202‬من مجلة الشغل"‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫عدة تحفظات على العقوبات المنصوص عليها في مجلة الشغل‬
‫والتي سنأتي عليها الحقا في الجزء املخصص لإلطار القانوني‬
‫والتشريعي‪ ،‬فان غياب الرقابة وتراخي تفقديات الشغل عن اداء‬
‫دورها ساهم ال فقط في انتهاك حق العامالت في االجر الالئق وانما‬
‫ايضا في عدم االعتراف بهذه العمالة وعدم وجود احصائيات ثابتة‬
‫حول عددها واصنافها‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬ساهمت األزمات التي عصفت بالقطاع الفالحي‬
‫طيلة السنوات االخيرة في عزوف اليد العاملة الرجالية عن العمل‪،‬‬
‫وتراجع قدرة الفالح على تشغيل العمالة املختصة أو العمالة‬
‫القارة‪ .‬األمر الذي ادى الى استقطاب اليد العاملة النسوية‬
‫واستغالل هشاشة الوضعية االجتماعية واالقتصادية للنساء في‬
‫الوسط الريفي وتشغيلها مقابل اجور زهيدة وغير الئقة‪ .‬اذ تبرز‬
‫كل االرقام المتعلقة برصد اليد العاملة النشيطة في القطاع‬
‫الفالحي اكتساح االناث للحقول بصفة يد عاملة معينة غير قارة‬
‫أو اجيرة غير قارة مقابل تراجع نسب الذكور‪ .‬كما تخفي مسألة‬

‫‪51‬‬
‫تدني اجور العامالت وعدم مطابقتها للقوانين المعمول بها ظاهرة‬
‫التمييز الحاصل بين النساء والرجال في االجر‪.‬‬

‫هل انت راضية على االجر؟‬


‫‪7%‬‬

‫‪93%‬‬

‫نعم‬ ‫ال‬

‫هل يزعجك أن يتقاض ى الرجل اكثر منك اجرا؟‬

‫‪11%‬‬
‫‪15%‬‬
‫‪74%‬‬

‫نعم‬ ‫ال‬ ‫نتقاضى نفس االجر‬

‫‪50‬‬
‫تعكس االرقام في الرسوم البيانية اعاله حالة عدم الرضا‬
‫على االجر من قبل النساء العامالت في الفالحة اذ تصرح ‪ 93%‬من‬
‫المستجوبات أن االجر الذي تتحصل عليه ال يناسبها وال يسد‬
‫النفقات اليومية لها ولعائلتها‪ .‬في حين تصرح نسبة قليلة (‪)7%‬‬
‫بالقبول والرضا وهذه النسبة تعكس وضعيات العامالت الالتي‬
‫يتقاضين اجورهن مباشرة من الفالح والالتي ال يحتجن الى التنقل‬
‫وركوب الشاحنات للعمل‪ .‬أو الالتي يتنقلن في الشاحنة دون ان‬
‫يقع اقتطاع معلوم النقل من اجورهن وهي وضعيات نادرة جدا‬
‫التقينا بها في بعض ارياف والية الكاف ونابل والمهدية‪.‬‬

‫من جهة اخرى تعكس االرقام المتعلقة بمدى قبول النساء‬


‫لمسألة التمييز في االجر بينهن وبين الرجال في العمل الفالحي‬
‫رفض وانزعاج ‪ 74%‬من النساء واعتبار ذلك عدم اعتراف‬
‫بمجهودهن وعملهن رغم قيامهن بأشغال ال تقل قيمة وثقل عما‬
‫يقوم به الرجال ويطالبن بالمساواة في األجر سيما وأن اغلب اليد‬
‫العاملة الفالحية هي يد عاملة نسوية‪ .‬في حين ترى ‪ 15%‬أن األمر‬
‫طبيعي وأن الرجال يقومون بمجهود كبير‪ .‬كما يبررن ذلك بعدم‬
‫قبول الرجال بنفس األجر على اعتبار انهم ارباب عائالت وأجرة‬
‫الخمس عشرة دينارا ال تكفي مصاريفهم الشخصية (التدخين‬
‫مثال) وأن ضعف االجر هو سبب عزوف الرجال عن العمل‬
‫الفالحي‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مبررات تعكس استبطان الفوارق بين الرجال والنساء‬
‫والقبول بها والنظرة الدونية للذات وهي نتاج فكر مجتمعي وعقلية‬
‫ّ‬
‫وتعمق الهوة بين الجنسين في‬ ‫ّ‬
‫وتشرع للتمييز‬ ‫تكرس‬‫جمعية ّ‬
‫الحقوق وفي المواقع‪.‬‬

‫وتعتبر وضعية االجور المتدنية للنساء في القطاع الفالحي‬


‫انتهاكا في حق هذه الفئة التي ال فقط تعمل بأجور زهيدة وتحت‬
‫سلطة الوسيط بل حتى األجر ال يتناسب من جهة مع معدل‬
‫ساعات العمل التي تتراوح بين ‪ 1‬و‪ 10‬ساعة يوميا‪ .‬ومع قدرة‬
‫انخراط العاملة في منظومة الضمان االجتماعي من جهة أخرى‪،‬‬
‫على اعتبار وضعية عدم االستقرار التي ّ‬
‫تميز العمل الفالحي وتخلي‬
‫الفالحين عن دورهم‪ ،‬احيانا بطريقة مقصودة‪ ،‬للتهرب من‬
‫مسؤولياتهم‪.‬‬
‫‪ .2‬غياب التغطية االجتماعية‪:‬‬

‫ان السؤال المطروح في بداية البحث الميداني هو‪ :‬ماهي‬


‫وضعية المرأة العاملة في القطاع الفالحي داخل منظومة الحماية‬
‫االجتماعية؟ وهل أن سياسات الحماية االجتماعية في تونس‬
‫وأنظمة العمل أخذت بعين االعتبار خصوصية العمل الفالحي؟‬
‫أم أن تهميش بعض الفئات والتمييز بين القطاعات هو ّ‬
‫شر ال بد‬
‫منه؟‬

‫‪51‬‬
‫كثيرا ما يقع الخلط بين منظومة التغطية االجتماعية وبين‬
‫بقية اآلليات االخرى للحماية االجتماعية عند النساء العامالت‬
‫أنفسهن عندما تتوجه إلحداهن بالسؤال عما إذا كانت منخرطة‬
‫في الضمان االجتماعي‪ .‬وهذا الخلط المفاهيمي يخفي قلة وعي‬
‫البعض بأهمية هذا الحق واستبعاد البعض اآلخر إلمكانية‬
‫الحصول عليه باعتبار هشاشة االجر وعدم االستقرار في العمل‪.‬‬
‫وقد افرزت نتائج االستبيانات ما يلي‪:‬‬
‫هل تتمتعين بتغطية اجتماعية؟‬

‫‪8%‬‬

‫‪92%‬‬

‫نعم‬ ‫ال‬

‫ولئن بدت النتائج صادمة فان االرقام التي افرزها االستبيان‬


‫ال تختلف كثيرا عن االرقام الواردة في الدراسات السابقة التي‬
‫تناولت نفس الفئة بالبحث والتقص ي‪ ،‬على غرار دراسة االتحاد‬

‫‪51‬‬
‫العام التونس ي للشغل الصادرة في اكتوبر ‪ 50202‬والدراسة التي‬
‫اجريت من قبل جمعية الحراك الثقافي وشركاؤها في مارس ‪0216‬‬
‫حول العامالت في القطاع الفالحي بسيدي بوزيد‪ 6‬أو الدراسة‬
‫الصادرة في سبتمبر ‪ 0202‬لوكالة الديمقراطية املحلية بالقيروان‪7‬‬

‫والتي تناولت بالبحث واليات القيروان وسيدي بوزيد والمهدية‪.‬‬

‫أشرنا في الفقرات السابقة الى الخلط بين منظومة التغطية‬


‫االجتماعية وبين بقية آليات الحماية االجتماعية التي تتمتع بها‬
‫اغلب النساء الالتي التقيناهن أو أزواجهن‪ .‬على غرار منظومات‬
‫العالج املجاني التي‪ ،‬على اهميتها‪ ،‬ال تعتبر حلوال مستدامة وانما‬
‫هي تأبيد للفقر وحياد بمستفيديها عن الحقوق االساسية‬
‫لهم‪/‬هن‪ .‬فاألغلبية الساحقة (‪ )92%‬التي ال تتمتع بالتغطية‬
‫االجتماعية هي بالتالي محرومة من التغطية الصحية وتمتلك‬
‫فقط احدى بطاقات العالج املجاني املخصصة للفئات المعوزة‬
‫تصرح ‪ 22%‬منهن بأنهن مستفيدات من‬ ‫ولذوي االعاقة‪ .‬بينما ّ‬
‫بطاقات الصندوق الوطني للتأمين على المرض مع ازواجهن‪.‬‬

‫‪ 5‬تحسين توظيف واستبقاء العامالت في القطاع الفالحي في تونس عبر تحسين ظروف التنقل في‬
‫العربات‪ ،‬اكتوبر ‪0202‬‬
‫‪ 6‬المرأة العاملة في القطاع الفالحي بسيدي بوزيد بين الحق واالنتهاك‪ ،‬مارس ‪0216‬‬
‫‪7‬المرأة العاملة بالقطاع الفالحي في تونس بين تحقيق التنمية واصالح ظروف العمل‬

‫‪55‬‬
‫اي نوع بطاقة العالج تمتلكين؟‬

‫‪6%‬‬

‫‪22%‬‬
‫‪47%‬‬

‫‪25%‬‬

‫كارني ابيض‬ ‫كارني اصفر‬ ‫كارني كنام‬ ‫بطاقة اعاقة‬

‫وتعكس هذه االرقام حجم االنتهاك الذي تتعرض له‬


‫العاملة في القطاع الفالحي والذي ال يمارسه الفالح فحسب وانما‬
‫هي عملية يشترك فيها الفالح مع الوسيط والدولة تحت حماية‬
‫قانونية ومنظومة تشريعية تسمح في جزء منها بهذه الخروقات‬
‫وتشرع للعنف المسلط على العامالت‪ .‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتكرس للتمييز‬
‫ساهمت هذه الوضعية الراجعة اساسا الى غياب االعتراف‬
‫الرسمي بالعمالة النسائية وغياب الصفة التعاقدية بين العاملة‬
‫ومشغلها في تحويل وجهة التعاطي مع الفئة من كونها يد عاملة لها‬
‫من الحقوق الشغلية ما لغيرها من العملة والعامالت في القطاعات‬
‫االخرى الى فئة معوزة تحتاج الى آليات ادماج واعالة‪ .‬وضعية‬
‫تنكشف أكثر وتظهر عيوبها خاصة في حالة تعرض احداهن الى‬

‫‪56‬‬
‫حادث شغل أو في حاالت حوادث النقل اين تجد العاملة نفسها‬
‫بين ضياع الحق في التعويض على الضرر وبين تردي الخدمات‬
‫الصحية املجانية وعدم توفر االدوية في المستشفيات العمومية‪.‬‬
‫وهذا يأخذنا الى العنصر الموالي الخاص بانتهاك الحق في النقل‬
‫اآلمن وغياب السالمة المهنية في مكان العمل وفي الطريق اليه‪.‬‬

‫‪ .0‬بين غياب وسائل الوقاية والسالمة المهنية وبين‬


‫مخاطرالطريق‪ :‬ضحايا بال حقوق"‬

‫التاريخ‪ :‬كان العاشر من سبتمبر ‪ .0200‬التوقيت‪ :‬الحادية عشر‬


‫صباحا‪ ،‬في درجة حرارة ال تقل عن ‪ 402‬أما المكان‪ :‬فكنا في الطريق‬
‫الرابطة بين معتمدتي "سيدي عيش" و"القصر" من والية قفصة‬
‫تحديدا في اتجاه عمادة عمرة‪ .‬والهدف‪ :‬كان مالقاة عامالت فالحيات‬
‫هناك‪ .‬فجأة يستوقفنا مشهد بدا لنا من بعيد وكأنه مجموعة من‬
‫االشخاص في انتظار ش يء ما‪ ،‬كأن يكون نقال جماعيا مثال‪ .‬وبمجرد‬
‫اقترابنا من المكان الحظنا الفتة مكتوب عليها "شركة ساي هاش أو‬
‫الفالحية" وتحت سور الشركة مجموعة من النساء يرتدين سترة‬
‫موحدة مكتوب عليها نفس االسم الموجود بالالفتة‪ .‬البعض يفترشن‬
‫األرض والبعض األخر اتخذن من الصناديق الفارغة مقاعد‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ّ‬
‫أوشحتهن ومظالتهن‪ .‬على مالمحهن‬ ‫يقيهن من الشمس غير‬‫ّ‬ ‫ال ش يء‬
‫تبدو عالمات الغضب والسخط‪ .‬الواضح أنهن يعملن في الشركة‪.‬‬
‫لكن المثير للفضول هو سبب بقائهن في الطريق في ذلك الوقت‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن وقت العودة من العمل المتفق عليه في الصيف ال يقل‬
‫عن الساعة الثانية بعد الزوال‪ .‬فنزلنا من السيارة وتوجهنا نحوهن‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبطريقتنا المعتادة استطعنا أن نندمج بينهن وأن نتمكن من معرفة‬
‫سبب هذا التجمع ومضمونه‪.‬‬

‫هن مجموعة من العامالت صلب الشركة المذكورة‪ .‬دخلن في اعتصام‬


‫مفتوح بلغ حينها يومه الخامس دون ان يتجاوب معهن اي طرف من‬
‫الشركة‪ .‬أحد اسباب اعتصامهن هو غياب السالمة المهنية وتعرضهن‬
‫المستمر لحوادث الشغل ولألمراض الناجمة عن استعمال االدوية‬
‫والمبيدات‪ .‬وقيامهن بأعمال شاقة ال تقل قيمة عما يقوم به زمالؤهن‬
‫من الرجال‪ .‬وقد طالبن في عديد المناسبات بالمساواة في االجور‬
‫ّ‬
‫مطالبهن كانت تقابل‬ ‫وتمكينهن من وسائل حماية وتوفير نقل آمن‪ .‬ولكن‬
‫بالتجاهل والتهديد بالطرد من قبل مديري الشركة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫كن يعملن في شركة فالحية‪ ،‬يفترض ان تكون وضعية‬ ‫هن وان ّ‬
‫العاملين فيها أكثر استقرارا من وضعيات اخرى‪ ،‬اال ان األمر ال‬
‫يختلف عندهن كثيرا‪ .‬وكأن جميع المشغلين اتفقوا على تعميم‬
‫الهشاشة والتطبيع مع االستغالل‪ .‬من بين المعتصمات من‬
‫صرحت بأنها تعمل في الشركة منذ ثالثة عشر سنة بأجر أقصاه‬ ‫ّ‬
‫‪ 16‬دينارا دون عقد عمل وال تغطية اجتماعية‪ .‬مع تمييز واضح بين‬
‫الرجال والنساء في االجور وفي ايام الراحة وفي الترقيات‪ .‬كل هذه‬
‫فهن وفق ما‬‫االشكاليات تنضاف اليها معضلة النقل الغير آمن‪ّ .‬‬
‫صرحن به‪ ،‬يتنقلن يوميا بواسطة الشاحنة قادمات من مختلف‬ ‫ّ‬
‫معتمديات والية قفصة ومنهن ايضا القادمات من معتمدية ماجل‬
‫بلعباس التابعة لوالية القصرين‪ .‬عشرات الكيلومترات يوميا في‬
‫خلفية الشاحنة واجسادهن متالصقة صيفا وشتاء‪ .‬حضرن على‬
‫عدة حوادث آخرها حادث ذهبت ضحيته عاملة بالشركة‪.‬‬

‫هو ليس االعتصام الوحيد وال االول من نوعه‪ .‬فقد شهدت عدة‬
‫شركات فالحية اشكاال احتجاجية مختلفة واعتصامات ومسيرات‬
‫نفذها عم ُلتها نتيجة عدم احترام الشركات لمعايير السالمة المهنية‬
‫وعدم االلتزام بخالص االجور وانتهاك الحق النقابي للعملة‬
‫والعامالت فيها‪ .‬الى جانب عدم تطبيق االتفاقات المبرمة بينهم وبين‬
‫العملة‪ .‬كل هذا أمام صمت وتواطؤ من قبل الدولة والهياكل‬
‫المهنية الكبرى‪ .‬ومن منطلق دفاعنا عن حقوق العملة والعامالت‬
‫راسلنا االدارة العامة للشركة وطالبنا بعقد جلسة تفاوض مع‬
‫المعتصمات والمعتصمين وايجاد صيغة اتفاق تنهي النزاع‬
‫‪59‬‬ ‫وتنصف العملة وتوفر مناخ عمل آمن للعامالت‪.‬‬

‫بقينا باتصال مع المعتصمات والمعتصمين لمتابعة الوضعية‬


‫راسلنا االدارة العامة للشركة وطالبنا بعقد جلسة تفاوض مع‬
‫المعتصمات والمعتصمين وايجاد صيغة اتفاق تنهي النزاع‬
‫وتنصف العملة وتوفر مناخ عمل آمن للعامالت‪.‬‬

‫بقينا باتصال مع المعتصمات والمعتصمين لمتابعة الوضعية‬


‫حتى بلغنا أن مديري الشركة قبلوا التفاوض مقابل فض‬
‫االعتصام‪ .‬وانعقدت جلسة بين ممثلي الشركة وبعض العملة‬
‫(الرجال) بحضور االتحاد الجهوي للشغل بقفصة افض ى الى تعهد‬
‫شفوي بتوفير وسائل الحماية وتزويد العملة والعامالت بأحذية‬
‫خاصة ومالبس تقيهم‪/‬هن من الحوادث في حين تأجلت بقية‬
‫المطالب الى أجل غير مسمى !!!!!‬

‫إذا كان االحتجاج واالضراب والدعوة الى التفاوض آلية من‬


‫آليات الدفاع عن الحقوق تعتمدها العامالت صلب الشركات‬
‫الفالحية قد تصل الى تحقيق جزئي للمطالب وقد ال تصل‪ .‬فان‬
‫ّ‬
‫االغلبية الساحقة من العامالت ال يفكرن اساسا في االحتجاج وال‬
‫ّ‬
‫يتجرأن على المطالبة حتى بكمامة أو ببعض االدوات التي تقيهن‬
‫من المبيدات واألدوية‪ .‬بل أكثر من ذلك فان اغلب العامالت لم‬
‫يتلقين تكوينا في كيفية استعمال االدوية وطرق الوقاية منها‪ .‬اذ‬
‫تشير ارقام دراسة انجزها االتحاد الوطني للمرأة بعنوان "الوضع‬
‫الصحي للمرأة العاملة في الوسط الريفي‪ :‬الواقع والتحديات"‬

‫‪61‬‬
‫شملت ‪ 14‬والية أن ‪ %19‬من العامالت يخلطن االدوية بأيديهن‬
‫و‪ %24‬منهن لم يتلقين أي تكوين وليس لديهن فكرة عن املخاطر‬
‫المنجرة عنها‪ %15 .‬من العامالت تعرضن إلصابات ويعانين من‬
‫مخلفات صحية وقد تصل احيانا الى االصابة بأمراض خطيرة‬
‫وبأمراض مزمنة دون أن يقع متابعة وضعياتهن الصحية في ظل‬
‫عدم توفر ال تغطية اجتماعية وال تأمين صحي‪ .‬اذ دائما بحسب‬
‫نفس الدراسة صرحت ‪ %12‬من جملة ‪ 1002‬عاملة بأنهن ال‬
‫يتمتعن بأي فحص طبي‪8 .‬‬

‫وقد ساهمت قلة اليد العاملة الرجالية في عدة حقول الى‬


‫تحمل النساء العامالت مسؤولية القيام بكل االعمال دون ّ‬
‫تأهب‪.‬‬
‫كما ساهم غياب الرقابة على المشغلين وعدم قيام تفقديات‬
‫الشغل بمهامها في تكريس االفالت من العقاب وعدم محاسبة‬
‫اصحاب االراض ي الفالحية التي تعرضت فيها العامالت الى حوادث‬
‫شغل‪ .‬نذكر أننا التقينا في احدى زياراتنا الميدانية لمنطقة‬
‫المغيلة التابعة لمعتمدية السبالة من والية سيدي بوزيد بإحدى‬
‫العامالت لالتي استقبلتنا في بيتها وحدثتنا عن معاناتها ورفيقاتها‬
‫بسبب قيامهن بكل االعمال الفالحية‪ ،‬مقابل أجر ال يتجاوز‬
‫الخمسة عشرة دنانير‪ ،‬وتعرضهن لكل اشكال العنف واالهانة من‬

‫‪" 8‬الوضع الصحي للمرأة العاملة في الوسط الريفي‪ :‬الواقع والتحديات" دراسة من انجاز االتحاد الوطني‬
‫للمرأة سنة ‪0211‬‬

‫‪60‬‬
‫قبل الفالح‪ .‬جميلة سقطت اثناء العمل فكسرت يدها وبقيت‬
‫اسابيع غير قادرة على تحريكها‪ .‬وتزامن حادث سقوطها مع وفاة‬
‫الفالح فاستحت من المطالبة بحقها ولم تجرأ حتى على طلب‬
‫مستحقاتها من زوجته وابنائه‪.‬‬

‫جميلة عاملة فالحية من منطقة المغيلة‬

‫وقد تصل احيانا مخاطر الشغل الى التسبب في حدوث‬


‫فواجع على غرار الحادثتين االخيرتين اللتان اودتا بحياة عاملتين‪.‬‬
‫االولى بتاريخ ‪ 09‬جوان ‪ 0200‬والمتمثلة في وفاة عاملة ابتلعتها آلة‬
‫جدت مؤخرا‬ ‫حصاد في معتمدية فرنانة من والية جندوبة والثانية ّ‬
‫في منطقة المرجة من معتمدية السرس من والية الكاف يوم ‪22‬‬
‫ديسمبر ‪ 0200‬تمثلت في وفاة عاملة على إثر سقوطها في جابية‬
‫حين كانت بصدد تشغيل مضخة السقي‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ .2‬شاحنات الموت والنزيف المتواصل للحوادث‪:‬‬

‫ساهمت المشاكل الهيكلية للقطاع الفالحي وهشاشة اليد‬


‫العاملة فيه وتخلي الدولة على دورها في تنظيمه ومراقبته في ظهور‬
‫تغول ّ‬
‫وتوسع‬ ‫طرف آخر لعب‪ ،‬بتطور الوقت‪ ،‬دورا محوريا وهاما ّ‬
‫رغم تداعياته السلبية على القطاع وعلى العامالت فيه‪ .‬هو‬
‫"الوسيط" أو كما يسميه البعض "الناقل" أو "السمسار"‪ .‬هو‬
‫ذاك الشخص الذي ينتفي في وجوده دور الفالح وال يبقى لهذا‬
‫االخير أثر غير االرض التي تعمل فيها النساء‪ .‬فالسمسار في اغلب‬
‫الحاالت "مؤجر بالوكالة" فهو من ينقل العامالت الى الحقول وهو‬
‫الذي يدفع لهن اجرتهن‪ ،‬بعد ان يقتطع منها معلوم النقل‪ ،‬هو‬
‫ّ‬
‫الرابط الوحيد بين المشغل والعامالت وأحيانا هو "بنك‬
‫ض العامالت والفالح ايضا‪ .‬وفي اغلب‬ ‫املجموعة" اي من ُيقر ُ‬
‫ِ‬
‫الحاالت تربط السمسار عالقات جوار أو عالقات عائلية‬
‫تغوله وسيطرته على القطاع‪.‬‬‫بالعامالت‪ .‬هذه العوامل ساهمت في ّ‬
‫كما زادت هشاشة الظروف االقتصادية واالجتماعية للنساء‬
‫وهشاشة اجورهن من توسيع مهامه‪ .‬فأصبحت الشاحنة‪ ،‬على‬
‫خطورتها وكلفتها الباهظة‪ ،‬المالذ الوحيد للعامالت في ظل صعوبة‬
‫الولوج الى الحقول ُوبعد المسافات وامتالك الوسيط لشبكة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المشغلين وتحكمه فيها‪ .‬فتركب العامالت يوميا الشاحنات في‬
‫ظروف غير انسانية وغير آمنة وبطريقة غير قانونية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫صورة من أحد أرياف والية القيروان (صورة لمنيارة مجبري)‬

‫وألن نقل العامالت بتلك الطريقة مخالف للقانون يقتض ي‬


‫سواق تلك الشاحنات في مطاردة‬ ‫عقوبة جزائية وخطية مالية تجد ّ‬
‫دائمة من قبل دوريات حرس المرور مما يضطرهم لدخول‬
‫المسالك الفالحية أو السير بسرعة جنونية األمر الذي سبب‬
‫عشرات الحوادث ذهبت ضحيتها عامالت كثيرات‪ .‬وقد رصدنا في‬
‫المنتدى التونس ي للحقوق االقتصادية واالجتماعية منذ سنة‬
‫‪ 0215‬الى حدود كتابة هذه الدراسة عدد ‪ 62‬حادثا خلفت ‪221‬‬
‫جريحة و‪ 50‬حالة وفاة‪ .‬في حين ّ‬
‫تبين ارقام وزارة الداخلية التي‬
‫تحصلنا عليها بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة أن االرقام‬
‫الصحيحة أكثر بكثير‪ .‬ونظرا لغياب المعلومة وعدم التبليغ عن‬
‫الحوادث أو عدم نشرها واالعالن عنها يتعذر عن فريق المنتدى‬
‫رصدها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫إحصائيات وزارة الداخلية حول حوادث نقل العامالت في القطاع الفالحي منذ ‪ .2112‬تحصلنا عليها‬
‫بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ 2122‬بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة‬

‫‪ .2‬ارقام المنتدى‪:‬‬
‫جدول لعدد الجرحى والوفيات بين ‪ 2112‬و‪2120‬‬
‫‪ 2120 2122 2121 2121 2112 2112 2112 2112 2112‬املجموع‬ ‫السنة‬
‫‪63‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪7‬‬ ‫عدد‬
‫الحوادث‬
‫‪731‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪151‬‬ ‫‪85‬‬ ‫عدد‬
‫الجرحى‬
‫‪52‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫عدد‬
‫الوفيات‬

‫‪65‬‬
‫جدول توزيع الحوادث حسب الواليات‪:‬‬
‫عدد الحوادث‬ ‫الوالية‬
‫‪14‬‬ ‫القيروان‬
‫‪18‬‬ ‫سيدي بوزيد‬
‫‪4‬‬ ‫القصرين‬
‫‪4‬‬ ‫زغوان‬
‫‪1‬‬ ‫نابل‬
‫‪2‬‬ ‫قفصة‬
‫‪1‬‬ ‫الكاف‬
‫‪3‬‬ ‫باجة‬
‫‪1‬‬ ‫جندوبة‬
‫‪2‬‬ ‫صفاقس‬
‫‪3‬‬ ‫سليانة‬
‫‪1‬‬ ‫قابس‬
‫‪2‬‬ ‫سوسة‬
‫‪2‬‬ ‫بنزرت‬
‫‪3‬‬ ‫منوبة‬
‫‪1‬‬ ‫المنستير‬
‫‪1‬‬ ‫مدنين‬

‫في قراءة لهذه االرقام يمكن ان نستنتج ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أوال‪ :‬تتصدر واليات الوسط الغربي المراتب االولى من حيث‬


‫عدد الحوادث‪ .‬اذ تحتل سيدي بوزيد المرتبة االولى بعدد ‪11‬‬
‫حادثا من جملة ‪ 62‬حادثا اي بنسبة ‪ .%09‬تليها والية القيروان‬
‫بعدد ‪ 14‬حادثا اي ما يعادل ‪ %00,5‬من مجموع الحوادث‪ .‬وقد‬
‫شهدت هذه الواليات فواجع ّ‬
‫متكررة نظرا لطابعها الزراعي وكثرة‬
‫اليد العاملة الفالحية فيها‪ .‬حيث تحتل‪ ،‬مع والية جندوبة‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫المراتب االولى في عدد العامالت (‪ 22‬ألف عاملة في القطاع‬
‫الفالحي في والية القيروان حسب تصريحات المندوب الجهوي‬
‫السابق للفالحة)‪ .‬كما تعود كثرة الحوادث في هذه الواليات الى‬
‫تردي البنية التحتية والهشاشة االقتصادية واالجتماعية وارتفاع‬
‫نسب البطالة والفقر وهجرة شباب المناطق الريفية الى الداخل‬
‫والخارج‪ .‬الى جانب عزوف الذكور عن العمل الفالحي واستقطاب‬
‫القطاع لليد العاملة النسوية‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬تواصل نزيف الحوادث في السنوات الثالثة االخيرة التي‬
‫ّ‬
‫تلت اصدار القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0219‬المتعلق بإحداث صنف‬
‫نقل خاص بالعملة والعامالت في القطاع الفالحي‪ .‬اذ سجلنا في‬
‫المنتدى التونس ي للحقوق االقتصادية واالجتماعية عدد ‪02‬‬
‫حادثا منذ بداية سنة ‪ 0202‬خلف ‪ 019‬جريحة و‪ 10‬حالة وفاة اي‬
‫دل على ش يء فهو‬ ‫بنسبة ‪ %40,1‬من مجموع الحوادث‪ .‬هذا ان ّ‬
‫يدل على حجم الهوة بين المنصوص والواقع وعدم نجاعة‬
‫القوانين الموضوعة وعجزها عن الحد من الكوارث والتصدي لها‪.‬‬
‫فقانون النقل‪ 9‬ونصوصه الترتيبية‪ ،‬املحدثة عبثا بعد فاجعة‬
‫السبالة وما تبعها من موجة غضب وتنديد‪ ،‬لم يكن في مستوى‬

‫‪ 9‬القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0219‬المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعامالت في القطاع‬
‫الفالحي واالمر الترتيبي عدد ‪ 204‬لسنة ‪ 0202‬المتعلق بأساليب تطبيق القانون سالف الذكر‬

‫‪67‬‬
‫االنتظارات وبقي مجرد حبر على ورق عليه مؤاخذات عدة سنأتي‬
‫عليها في الجزء القادم من الدراسة‪.‬‬
‫وتكرر حوادث "شاحنات‬ ‫‪ -‬ثالثا‪ :‬تعكس قضية نقل العامالت ّ‬
‫الموت" فشل تعاطي الدولة واملجتمع المدني مع القضية‪ .‬وعجز‬
‫وحل جذري للمشكل‪ .‬هذا‬ ‫تصور واضح ّ‬ ‫كال الطرفين عن ايجاد ّ‬
‫يدل على اننا نقف غالبا عند الشجرة التي تحجب الغابة وال نعالج‬
‫المسائل في عمقها ومن جذورها‪ .‬فمن خالل لقاءاتنا بالعامالت‬
‫تبين لنا أن مشكل النقل نتاج لجملة من‬ ‫وحواراتنا مع عدد ّ‬
‫منهن ّ‬
‫ّ‬
‫المشاكل‪ .‬منها ما يتعلق بإكراهات اقتصادية واجتماعية‪ .‬ومنها ما‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫هو متعلق بهيكلة القطاع ونظم العالقات داخله وهيمنة‬
‫الوسطاء‪ .‬ومنها ما هو نابع من احساس بعدم االنتماء للدولة‬
‫وعدم الشعور بالحماية وباألمان‪ .‬األمر الذي يدفع بالعاملة الى‬
‫ركوب شاحنة ذلك الوسيط الذي ترى فيه منقذها من البطالة‬
‫والجوع‪ .‬حتى أنها تقف دفاعا عنه كلما تطلب االمر ذلك‪.‬‬
‫ونستحضر هنا وقفة احتجاجية لعدد من العامالت الفالحيات‬
‫اصيالت معتمدتي كندار والنفيضة في فترة الحجر الصحي‬
‫وغلقهن الطريق احتجاجا على منع الوحدات األمنية مرور‬
‫معان‪.‬‬
‫الشاحنة‪ .‬حركة في ظاهرها احتجاج ولكنها تحمل عدة ٍ‬
‫فحين تصبح الضحية لسان دفاع عن جالدها هنا يجب الوقوف‬

‫‪68‬‬
‫تأمال ّ‬
‫لعل هذه الحادثة تنير لنا بعض الزوايا المنسية وتضيئ لنا‬
‫السبيل لمعالجة المشكل من جذوره‪.‬‬
‫بعض االرقام في عالقة بمسألة النقل من نتائج االستبيان المو ّجه‬
‫للعامالت‪:‬‬

‫كيف تتنقلين الى الحقل؟‬ ‫هل تتنقلين بين الواليات‬


‫للذهاب الى الحقل؟‬
‫‪10% 2% 8%‬‬
‫‪11%‬‬
‫‪80%‬‬
‫‪89%‬‬

‫سيرا على االقدام‬ ‫بواسطة شاحنة‬


‫بواسطة عربة (كريطة)‬ ‫وسيلة اخرى‬ ‫نعم‬ ‫ال‬

‫‪ %11 -‬من جملة المستجوبات يتنقلن بين المدن للعمل في‬


‫الحقول املجاورة‪ .‬كأن تتنقل العامالت مثال من والية القصرين الى‬
‫والية قفصة‪ .‬أو كما هو معمول به في موسم جني الطماطم في‬
‫واليات الوطن القبلي‪ .‬اذ نظرا لقلة اليد العاملة ووفرة االنتاج‬
‫تتنقل العامالت من أرياف والية القيروان وسوسة والواليات‬
‫ّ‬
‫ومنهن من ُي ِقمن ألسابيع في‬ ‫املجاورة الى معتمديات والية نابل‪.‬‬
‫الحقول الى حين االنتهاء من جني الصابة‪.‬‬
‫‪ -‬أما بالنسبة لوسيلة النقل التي تعتمدها العامالت للوصول الى‬
‫حقول عملهن فهي تختلف باختالف المسافة بين مكان السكنى‬

‫‪69‬‬
‫ومكان العمل وباختالف خصوصيات الجهات‪ .‬ولئن كانت‬
‫الشاحنة هي الوسيلة االكثر استعماال وفق ما تعكسه نسبة الـ ـ‬
‫‪ %21‬من نتائج االستبيان فان ‪ %2‬منهن يتنقلن سيرا على االقدام‬
‫نظرا لقرب المسافة خاصة بالنسبة للنساء الالتي يعملن في‬
‫مستغالت فالحية عائلية أو مع الجوار وكذلك في وضعيات بعض‬
‫النساء الالتي يعملن في فرز وتعليب التمور في واليات الجنوب‪.‬‬
‫‪ %11 -‬من النساء العامالت في الفالحة ال يركبن شاحنات وال‬
‫يتنقلن على اقدامهن وال يستعملن وسائل النقل العمومي‪،‬‬
‫وسيلتهن هي عربة‪ ،‬وتسمى باللغة العامية "كريطة"‪ .‬في أحد أرياف‬
‫والية المهدية تعتبر "الكريطة" الوسيلة االولى واالكثر اعتمادا من‬
‫قبل النساء سواء في التنقل للعمل في الحقول أو ايضا في قضاء‬
‫ّ‬
‫والتسوق‪.‬‬ ‫حاجيات البيت‬

‫صورمن أحد ارياف والية المهدية‬

‫التقطت هذه الصور خالل زيارتنا لمنطقة اوالد جاب الله‬


‫التابعة لمعتمدية ملولش من والية المهدية‪ ،‬كان ذلك يوم الثالثاء‬

‫‪71‬‬
‫‪ 21‬نوفمبر ‪ ،0200‬تزامنت زيارتنا مع السوق االسبوعية‪ .‬اين‬
‫ّ‬
‫التسوق والبيع والشراء‪.‬‬ ‫وجدنا عددا كبيرا من نساء القرية بصدد‬
‫فقد حدثنا رجال القرية قبل يوم عن وضعية العامالت الفالحيات‬
‫بالمنطقة ومعاناتهن وتعرض عدد كبير منهن الى حوادث نقل‬
‫جراء تدهور وضعية الطرقات وغياب التنوير‬ ‫بواسطة العربات ّ‬
‫العمومي‪ .‬اغلبها تحدث في ساعات الفجر االولى حيث تكون النساء‬
‫تكررت مرات عدة ولم يقع معالجتها‬‫في الطريق الى الحقول‪ .‬حوادث ّ‬
‫أو حتى االعالن عنها‪ .‬وحتى نلتقي بالنساء ونتحدث اليهن مباشرة‬
‫قررنا العودة في الغد سيما بعد أن علمنا من رجال القرية أن‬
‫النساء يأتين صباحا الى السوق االسبوعية لقضاء حاجياتهن ثم‬
‫يتوجهن الى الحقول للعمل‪ .‬وفعال كنا في الموعد‪ ،‬خرجنا في‬ ‫ّ‬
‫الساعة الرابعة من صباح الغد من والية القيروان في اتجاه اوالد‬
‫جاب الله‪ ،‬ساعتان من الزمن كانتا كافيتان حتى نحط رحالنا أمام‬
‫مقهى القرية‪ .‬لم ننتظر كثيرا حتى بدأت العربات تقترب من كل‬
‫االتجاهات‪ ،‬تركبها نساء وفتيات‪ .‬الملفت لالنتباه أننا لم نرى رجال‬
‫واحدا يركب العربة‪ .‬بدأنا نتجول وسط الجموع يرافقنا في جولتنا‬
‫أحد االصدقاء‪"ُ ،‬معز" وهو اصيل المنطقة ودليلنا في الميدان‪،‬‬
‫ساعدنا وجوده معنا على تسهيل التواصل مع النساء ومع‬
‫الفالحين خاصة وأن األغلبية هناك فقدوا الرغبة في الحديث‬
‫لإلعالم وللمجتمع المدني واستنزفتهم التحركات االخيرة التي جدت‬

‫‪70‬‬
‫في فيفري ‪ .0201‬فتسمع الجميع يتحدث عن أزمة الفالحة‪ ،‬وعن‬
‫الخسائر الكبرى التي تكبدها فالحو المنطقة في السنوات االخيرة‬
‫وعن اضطرار الكثير منهم الى بيع ابقاره بسبب ازمة االعالف‬
‫وتراجع انتاج الحليب في المنطقة‪ .‬الحظنا ايضا وجود عدد من‬
‫النساء ُيمسكن سطوال مليئة بالبيض ويقفن في الصف ينتظرن‬
‫بيعها‪ ،‬واخريات ممسكات بأيديهن دجاجات أو ديكة رومية‪،‬‬
‫ينظرن الى الما ّرة عس ى أن يقف أحدهم للشراء‪ .‬وفي حديثنا مع‬
‫مجموعة من النساء علمنا أن نسبة كبيرة من اهالي القرية كانوا‬
‫يملكون االبقار وينتجون كميات جيدة من الحليب ويعيشون على‬
‫ّ‬
‫الفالحة وتربية الماشية‪ .‬ولكن األزمة االخيرة أثرت بشكل كبير على‬
‫الوضع االقتصادي واالجتماعي لألهالي خاصة في ظل عدم توفر‬
‫بديل للفالحة وغياب كل مقومات التنمية بالجهة مع تجاهل‬
‫الدولة لتحركاتهم ولمطالبهم‪.‬‬

‫وألن غالبا ما يكون وقع االزمات على الجنسين غير محايد‪،‬‬


‫تدفع النساء في كل أزمة ضريبة مضاعفة‪ .‬فرغم دورها الجوهري‬
‫في رسم مالمح كل نزاع ومشاركتها الفاعلة في كل محطات النضال‬
‫من اجل تكريس العدالة االجتماعية وافتكاك الحقوق‪ .‬اال انها‬
‫تبقى دائما اخر المستفيدين وأول المتضررين‪ .‬ففي كل‬
‫القطاعات تتأثر النساء بدرجة كبرى من ّ‬
‫الهزات االقتصادية‬
‫واالجتماعية نظرا لهشاشة آليات الحماية املخصصة لها وعدم‬

‫‪71‬‬
‫قابلية القوانين الموضوعة للتطبيق من جهة وللعقلية السائدة‬
‫الموروثة التي تلقي على عاتق النساء اعباء التصرف في الموارد‬
‫وتحملها مسؤولية أعمال الرعاية ومقاومة األزمة دون االعتراف‬‫ّ‬
‫بمجهوداتها أو حتى تشريكها في التخطيط والقرار‪ .‬ففي منطقة‬
‫اوالد جاب الله تعمل النساء في الساعات االخيرة قبل طلوع الفجر‬
‫في ترتيب البيت وتقديم العلف لما تبقى من االبقار والماشية وتعد‬
‫فطور العائلة ثم تركب العربة وتسلك طريقها الى الحقول للعمل‬
‫المؤجر خاصة في موسم جني الزيتون‪ .‬حيث يمثل قطاع الزيتون‬
‫ركيزة هامة من ركائز القطاع الفالحي بالجهة يساهم بنسبة ‪%12‬‬
‫من قيمة الناتج الفالحي الجملي وتمسح غابة الزيتون في والية‬
‫المهدية حوالي ‪ 151‬ألف هكتار اي ما يعادل ‪ %2‬من الرصيد‬
‫الوطني‪ 10.‬وتغطي حوالي ثلثي االراض ي الصالحة للزراعة بالمنطقة‪.‬‬
‫ويشهد موسم جني الزيتون حركية كبرى خاصة في المعتمديات‬
‫االكثر انتاجا على غرار ملولش‪ ،‬اوالد الشامخ‪ ،‬هبيرة والشابة اين‬
‫تتنقل النساء للعمل‪ .‬هنا نستنتج أن خصوصية الجهة قلصت من‬
‫فرص العمل الفالحي للنساء وخلقت حالة من عدم االستقرار‪.‬‬
‫فالعمل النسوي في الجهة هو عمل موسمي تتحكم فيه مردودية‬
‫قطاع الزيتون وكمية االنتاج ومنطق العرض والطلب‪.‬‬

‫‪ 10‬التقرير السنوي للمندوبية الجهوية للتنمية الفالحية بالمهدية لسنة ‪0219‬‬

‫‪71‬‬
‫وعادة ما ترافق موسم العمل الفالحي بالجهة فواجع‬
‫تسببت العربات في عدة حوادث ذهبت ضحيتها‬ ‫الطريق‪ .‬اذ ّ‬
‫عامالت جراء رداءة الطرقات وغياب التنوير العمومي‪ .‬وقد التقينا‬
‫في زيارتنا بإحدى ضحايا هذه الحوادث اكدت لنا بأنها ليست االولى‬
‫يتغير الوضع العام وطالما لم تتحسن‬‫ولن تكون االخيرة طالما لم ّ‬
‫وضعية القرية ولم تتوفر لسكانها فرص شغل وادماج في ظل‬
‫تراجع قيمة الفالحة‪ .‬حدثتنا ايضا عن غياب المرافق العمومية‬
‫بالمنطقة وعن الصعوبات التي تواجهها في عالجها وعن عجزها عن‬
‫تغطية تكاليف التنقل الى المستشفى لمتابعة حالتها الصحية‬
‫وعدم قدرتها على المش ي بسبب الحادث‪.‬‬

‫ضحية حادث عربة من اوالد جاب الله‬

‫‪71‬‬
‫لقد اكتشفنا في هذه الزيارة وجها آخر للحوادث التي تودي‬
‫بحياة عامالت الفالحة‪ .‬فليست الشاحنة وحدها التي تقتل‬
‫العامالت‪ .‬هناك في بعض الواليات نساء توفين وهن على متن عربة‬
‫يجرها حصان في طريق مظلمة متآكلة كالتي تربط منطقة اوالد‬
‫جاب الله بالمناطق املجاورة لها‪ .‬ولكن ضحاياها ال مرئيات ال‬
‫يعترف لهن بحق وال ُيعلن عنهن‪ .‬ففي وقت ليس ببعيد‪ ،‬تحديدا‬
‫يوم ‪ 02‬جانفي الفارط‪ ،‬توفيت عاملتان في منطقة عميرة الحجاج‬
‫التابعة لمعتمدية جمال من والية المنستير كانتا على متن العربة‬
‫في طريقهن الى العمل‪.‬‬

‫صورة حادث اصطدام عربة بالمنستير اودى بحياة عاملتي فالحة‬

‫ان ما تشترك فيه العامالت في القطاع الفالحي هو الكفاح‬


‫ألجل ش يء ما‪ .‬كأن يكون مثال ألجل تأمين تعليم األبناء‪ ،‬أو لتعويض‬

‫‪75‬‬
‫زوج عاجز عن العمل بسبب وضعه الصحي‪ ،‬أو ألجل ابن سجين‬
‫يقتض ي زيارة مرفوقة بمصاريف أو لكفالة احفاد واعالة ابناء‪.‬‬
‫ونادرا ما تهتم العامالت الفالحيات لظروف عملهن ولطريقة نقلهن‪.‬‬
‫اذ أن تركيزهن على كيفية تحصيل يوم عمل أكبر من تركيزهن على‬
‫املخاطر املحيطة ّ‬
‫بهن‪ .‬وكثيرا ما تقف النساء مدافعات عن الفالح‬
‫وعن الناقل (الوسيط) وتجد لهم االعذار‪ .‬اذ تعتبر اغلب العامالت‬
‫أن الوسيط والفالح هم ايضا ضحايا سياسات الدولة وضحايا‬
‫تهميش القطاع الفالحي‪ .‬هذا ما تؤكده نتائج االستبيان حين سألنا‬
‫العامالت عمن يرونه مسؤوال عن حوادث الشاحنات‪ .‬فبين‬
‫الوسيط والفالح والدولة ترى ‪ %22‬من العامالت أن الدولة هي‬
‫المسؤولة عن حوادث الشاحنات ويعتبرن أن تفاعل الحكومات‬
‫مع الحوادث المتكررة لم يكن في المستوى المطلوب‪ .‬بل ابعد من‬
‫ذلك فهن يعتبرن الدولة بمؤسساتها‪ ،‬خاصة األمنية‪ ،‬مساهمة‬
‫بدرجة كبيرة في الحوادث‪ .‬هنا نستحضر شهادات عامالت كثيرات‬
‫حول تعاطي الوحدات االمنية وحرس المرور مع سواق‬
‫الشاحنات‪ .‬فإما ان ّ‬
‫يبتز العون السائق مقابل مبلغ مالي (رشوة) أو‬
‫أن يقع مطاردة الشاحنة في الطرقات والمسالك الوعرة‪" .‬‬

‫‪76‬‬
‫عالقتك‬
‫ِ‬ ‫كيف تصفين‬ ‫من تعتبرين املسؤول عن‬
‫بالفالح؟‬ ‫حوادث الشاحنات؟‬
‫‪13%‬‬ ‫‪5%‬‬
‫‪30%‬‬

‫‪62%‬‬
‫‪15%‬‬

‫‪8%‬‬
‫‪67%‬‬

‫عالقة جيدة‬ ‫الفالح‬ ‫الدولة‬


‫عالقة متوترة‬
‫الوسيط‬ ‫جميعهم‬
‫ال توجد عالقة (ال اعرفه)‬

‫ّ‬
‫‪ .2‬العامالت الفالحيات ضحايا عنف مركب‬

‫نستهل هذا العنصر ببعض االرقام من نتائج االستبيان‬


‫الذي اجريناه مع عامالت الفالحة من مختلف الواليات‪ .‬فحول‬
‫سؤالنا عما إذا كانت العاملة تعرضت الى أحد اشكال العنف اثناء‬
‫أو في الطريق الى العمل‪ .‬صرحت ‪ %21‬من العامالت بأنهن‬
‫يتعرضن الى العنف‪ %12 ،‬منهن ينفين ذلك بينما رفضت ‪ %0‬من‬
‫العامالت التصريح‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫هل تتعرضين الى احد اشكال العنف أثناء أو في‬
‫الطريق الى العمل؟‬

‫‪3%‬‬
‫‪19%‬‬

‫‪78%‬‬

‫نعم‬ ‫ال‬ ‫ارفض التصريح‬

‫اذا كانت االجابة بنعم فماهو نوع العنف؟‬


‫‪70%‬‬
‫‪64%‬‬
‫‪60%‬‬
‫‪50%‬‬
‫‪40%‬‬
‫‪30%‬‬

‫‪15%‬‬ ‫‪20%‬‬
‫‪10%‬‬ ‫‪10%‬‬
‫‪5%‬‬ ‫‪5%‬‬
‫‪0%‬‬
‫اكثرمن نوع‬ ‫عنف جنس ي‬ ‫عنف مادي‬ ‫عنف لفظي‬ ‫ارفض التصريح‬

‫‪78‬‬
‫أما عن أنواع العنف فالمالحظ أن العنف اللفظي تتعرض‬
‫له العامالت بشكل كبير سواء من قبل مشغلهن المباشر أو من‬
‫صرحن بأنهن ّ‬
‫يتعرضن الى العنف‬ ‫ينوبه‪ .‬اذ أن ‪ %22‬من العامالت ّ‬
‫تعرضن للعنف‬‫اللفظي‪ %11 ،‬يتعرضن الى العنف الجنس ي‪ّ %2 ،‬‬
‫المادي أما ‪ %12‬من العامالت ّأكدن على ّ‬
‫تعرضهن ألكثر من نوع‪.‬‬

‫املخصص ألنواع العنف ذكر ثالث‬‫ّ‬ ‫لقد تعمدنا في السؤال‬


‫أنواع فقط وهي العنف اللفظي‪ ،‬العنف المادي والعنف الجنس ي‪،‬‬
‫على اعتبار ان كل العامالت هن ضحايا عنف اقتصادي وعنف‬
‫معنوي تترجمه الوضعية ككل وتعكسه حالة الهشاشة والتهميش‬
‫التي تعانيها العاملة‪ .‬كما أن تصريح العاملة ّ‬
‫بتعرضها الحد االنواع‬
‫تحد بالنسبة لها‪ .‬وتحرص في اغلب الحاالت‬ ‫الثالثة للعنف يعتبر ٍ‬
‫على التصريح به بشكل سري أو أن تمتنع عن ذلك كما فعلت ال ـ ـ‬
‫‪ %2‬منهن‪ .‬هذه االرقام ال تختلف كثيرا عن دراسة االتحاد العام‬
‫التونس ي للشغل الصادرة في اكتوبر ‪ 0202‬والتي ورد فيها أن ‪022‬‬
‫تعرضن للعنف اي ما يعادل نسبة ‪،%62,62‬‬ ‫عاملة من جملة ‪ّ 219‬‬
‫‪ 21‬عاملة منهن تعرضت للعنف الجنس ي بينما صرحت ‪ 165‬عاملة‬
‫بتعرضها للعنف المادي‪11.‬‬

‫‪ 11‬تحسين توظيف واستبقاء العامالت في القطاع الفالحي في تونس عبر تحسين ظروف التنقل في‬
‫العربات‪ ،‬اكتوبر ‪0202‬‬

‫‪79‬‬
‫وألن العنف الجنس ي ال يزال الى اليوم من االنتهاكات‬
‫المسكوت عنها والتي ترفض الضحايا التصريح بها خاصة في ظل‬
‫غياب الوعي بنتائجه وانعدام الشعور بالحماية‪ ،‬اجتماعيا ونفسيا‬
‫وقانونيا‪ ،‬الى جانب غياب البديل الشغلي عن العمل الفالحي‬
‫تضطر اغلب الضحايا الى الصمت خوفا من الطرد‪ .‬اال في حاالت‬
‫نادرة‪.‬‬

‫"هنا يختار الفالح والوسيط العامالت بمواصفات جسدية‬


‫معينة‪ ،‬يرفضون النساء الالتي تقدمن في السن‪ ،‬يتسارعون‬
‫من اجل تشغيل الفتيات العازبات أو المطلقات‪ ،‬عند صعودنا‬
‫في الشاحنة تجدهم يقفون خلفنا يراقبون حركتنا‪ ،‬وأحيانا‬
‫تكون العاملة منا منحنية الظهر بصدد العمل فيعمد أحدهم‬
‫صرحت به احالم (اسم مستعار) من‬ ‫الى التحرش بها" هذا ما ّ‬
‫معتمدية جبنيانة في حوارنا معها‪ .‬احالم قررت الخروج عن‬
‫صمتها وفضح ممارسات الوسيط والفالح في جهتها‪ .‬نظرا لما‬
‫تعيشه هي ورفيقاتها من استغالل وعنف ّ‬
‫وتحرش وابتزاز‪" .‬في‬
‫تعمد فالح الى التحرش بي وبصديقتي مستعمال‬ ‫احدى المرات ّ‬
‫احدى انواع الخضروات فقررنا ان ال نعود للعمل معه"‪" .‬هنا‬
‫َ ّ‬
‫في جبنيانة يستعمل الفالحون والوسطاء عبارة "ش ِك ْب‬
‫َ ْ‬
‫ش ْب ِعت" في اشارة إلحدى العامالت‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫بمعنى أن الفالح لم يعد يرغب في تشغيل العاملة المقصودة‬
‫ألنها اصبحت تطالب بحقوقها وترد الفعل و"فايقة" بعبارتهم‪.‬‬
‫"اال يكفي هذا لكي اخرج واحتج وادافع عن كرامتي وكرامة‬
‫رفيقاتي وافضح ممارسات من انتهكوا حقوقنا وتعدوا على‬
‫انسانيتنا" سؤال نسوقه بكل أمانة تجيبنا به أحالم حين‬
‫سألناها عما إذا كانت االحتجاجات االخيرة التي نفذتها هي‬
‫ورفيقاتها في جبنيانة نابعة عن قناعة ذاتية بالحق في االحتجاج‬
‫وعن مدى استعدادها لمواصلة المسيرة النضالية التي‬
‫اختارتها‪.‬‬
‫ليست كل الضحايا بجرأة أحالم واصرارها على مقاومة‬
‫اشكال العنف المسلط عليها وزميالتها‪ ،‬فهناك في ارياف بعض‬
‫الواليات‪ ،‬كسيدي بوزيد والقيروان والقصرين وجندوبة‪ ،‬من‬
‫اختارت قسرا الصمت وتعايشت مع الوضعية وجعلت من‬
‫االستغالل والعنف قدرا لها‪ ،‬فبجهل منها أو بسبب عجزها عن‬
‫المقاومة وجدت نفسها بمرور الوقت أسيرة لفالح يكبرها بعشرات‬
‫السنوات‪ .‬فإما أن يرض ى عنها ويتزوجها وإما ان يلقي بها خارج‬
‫الحقل‪ .‬فتنطلق في رحلة اخرى من المعاناة‪ .‬كل هذا وسط صمت‬
‫العائلة وخوفها من احكام املجتمع الصغير املحيط بها‪ .‬وليس هذا‬
‫من باب التجني أو بغاية استجداء العواطف ولكن هي أمانات‬
‫حملتنها شهادات واقعية وجب نقلها كما هي‪ .‬نعم الزالت النساء في‬

‫‪80‬‬
‫تونس الى اليوم تتعرض الى االغتصاب والتحرش واالهانة وتتحول‬
‫في لحظة من مفعول بها الى شريكة في الفعل وتعاقب من عائلتها‬
‫قبل املجتمع‪ .‬وتدفع وحدها ضريبة عقلية بالية تدين النساء حتى‬
‫في حاالت االعتداء عليها‪ .‬ويحدث هذا في مناطق هامش الهامش‪،‬‬
‫حيث ال وجود للدولة وال للقوانين وال أثر ملجتمع مدني وال إلعالم‪.‬‬
‫في مناطق تحكمها سلطة الجهل وغطرسة الذكورية‪.‬‬

‫ولما كان مفهوم العنف المسلط على النساء هو "كل‬


‫اعتداء مادي أو معنوي أو جنس ي أو اقتصادي أساسه التمييز‬
‫بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو‬
‫نفس ي أو جنس ي أو اقتصادي للمرأة‪ 12 "...‬فان ما تتعرض له‬
‫ّ‬
‫العاملة الفالحية في تونس هو عنف مضاعف ومركب ومتشعب‪.‬‬
‫مرتكبه‪،‬‬
‫يمارسه أكثر من طرف‪ .‬وان اختلف نوعه‪ ،‬وان اختلف ِ‬
‫وان اختلفت درجته فهو يبقى عنفا‪ .‬ساهمت تراكماته في خلق هذه‬
‫الهشاشة التي ذكرنا مظاهرها في االجزاء السابقة‪ .‬فصورة العاملة‬
‫الفالحية المضطهدة والمنسية والمقصية من كل البرامج‬
‫واملخططات الرسمية لم ترسمها العاملة ذاتها وال الفالح وال‬
‫الوسيط‪ ،‬وانما هي نتاج موروث ثقافي قيمي منظوماتي ومؤسساتي‬
‫اتفق فيه االجتماعي مع االقتصادي مع السياس ي فأفرز خيارات‬
‫وطبعت معه‪ .‬وحين نقول إن كل‬ ‫"شرعت" للعنف ّ‬ ‫وتوجهات ّ‬

‫‪ 12‬الفصل ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0212‬المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة‬

‫‪81‬‬
‫العامالت الفالحيات هن ضحايا عنف اقتصادي فهذا ليس من‬
‫باب التعميم أو التجني على أحد‪ .‬فالقانون الذي جاء لمناهضة‬
‫عرف العنف االقتصادي‬ ‫كل اشكال العنف المسلط على النساء ّ‬
‫على أنه "كل فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغالل المرأة أو‬
‫حرمانها من الموارد االقتصادية مهما كان مصدرها كالحرمان من‬
‫االموال أو األجر أو المداخيل‪ ،‬والتحكم في االجور أو المداخيل‬
‫وحضر العمل أو االجبار عليه"‪ .13‬اذن فالعاملة الفالحية التي‬
‫تتقاض ى أجرا أدنى من االجر المنصوص عليه في القانون والتي‬
‫تعمل دون عقد يحفظ حقوقها ويثبت عالقتها الشغلية بمشغلها‪،‬‬
‫والتي ال تتمتع بحقها في العطل وال في ممارسة العمل النقابي وال‬
‫تتمتع بتغطية اجتماعية وال حتى بظروف عمل آمنة وتعمل دون‬
‫وقاية من املخاطر‪ ،‬والتي تدفع ثلث أجرتها لوسيط يستغلها‪ ،‬والتي‬
‫تعمل احيانا في مستغالت تعود ملكيتها للعائلة دون أن يكون لها‬
‫نصيب منها في االرث هي أبرز مثال لضحية العنف االقتصادي‪.‬‬
‫عنف يمارسه أكثر من طرف بدءا بالعائلة الى الفالح الى الوسيط‬
‫الى مؤسسات الدولة وتشريعاتها‪ .‬وألن كل نوع من انواع العنف هو‬
‫سبب ونتيجة ومدخل لنوع آخر‪ ،‬فان كل ما تتعرض له العاملة في‬
‫القطاع الفالحي يندرج تحت طائلة العنف المعنوي‪ ،‬اي "كل‬
‫االفعال أو االقوال التي تنال من الكرامة االنسانية للمرأة أو ترمي‬

‫‪ 13‬الفصل ‪ 3‬من القانون عدد ‪ 85‬لسنة ‪ 7102‬المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة‬

‫‪81‬‬
‫ّ‬
‫الى اخافتها أو التحكم فيها‪ ".‬هنا نذكر على سبيل المثال ظروف‬
‫نقل العامالت في خلفية الشاحنات وما تخلفه رحلة الطريق‬
‫اليومية الى الحقل من شروخ نفسية عميقة‪ .‬أو حاالت الفزع التي‬
‫تنتاب العامالت في حال تمت مطاردة الشاحنة من قبل اعوان‬
‫الحرس‪ .‬أو في حاالت النجاة من الحوادث والعودة الى العمل‪ .‬كلها‬
‫ّ‬
‫اشكال للعنف والتمييز المسلط على هذه الفئة من النساء نشأت‬
‫وتغذت من التمييز على اساس النوع االجتماعي والتطبيع مع‬
‫االنتهاكات‪.‬‬

‫على هذا االساس‪ ،‬وحتى تكون معالجة الظاهرة بالنجاعة‬


‫ّ‬
‫المأمولة‪ ،‬وجب تناول قضية العنف المسلط على العامالت‬
‫ضدهن خارج مثلث العالقات التقليدي‪ ،‬اي‬ ‫والتمييز الذي يما س ّ‬
‫ر‬
‫تجاوز الثاليثي‪ :‬عاملة فالح‪ ،‬وسيط‪ .‬والنظر بأكثر عمق للمسائل‬
‫ّ‬
‫ولجذور العنف ومغذياته‪ .‬فاملجتمع الذي يعامل النساء كتوابع‬
‫للرجال ويحرمهن من ملكية االراض ي الفالحية‪ .‬ويقبل تشغيل‬
‫النساء في المهن الهشة ّ‬
‫ويبرر للتمييز بين الذكور واالناث في االجور‬
‫وفي فرص الشغل‪ .‬ويدين النضاالت النسوية ويحتكم الى مراجع‬
‫دينية تخدم مصالح ذكورية دون قياس ودون اجتهاد‪ .‬ويسكت عن‬
‫العنف وال ينتفض اال في حدوث فواجع ليعود لالنطفاء سريعا‪.‬‬
‫ويكرس للتمييز على اساس الجندر بأفكاره وتمثالته هو مجتمع‬ ‫ّ‬

‫‪81‬‬
‫عنيف‪ .‬وهو الذي يعنف النساء ويعنف عامالت الفالحة ويأبى‬
‫االعتراف بذلك‪.‬‬

‫أما الدولة التي تضع برامج تعمق من هشاشة النساء‪ .‬وتأبى‬


‫تنظيم قطاع تكتسحه اليد العاملة النسوية وال تعترف بمجهود‬
‫وقيمة العمالة النسوية الفالحية في االزمات‪ .‬وتتجاهل نداءات‬
‫املجتمع المدني‪ .‬وال تأخذ بمقترحات الخبراء‪ .‬وال تقوم مؤسساتها‬
‫يشرع للتمييز‬‫تسن قوانين بعضها ّ‬ ‫بالرقابة على املخالفين‪ .‬و ّ‬
‫وبعضها تجاوزه الزمن وال يتماش ى مع التزاماتها الحقوقية الدولية‬
‫ويتناقض مع قوانين اخرى وبعضها اآلخر فضفاض وغير قابل‬
‫للتطبيق‪ .‬هي ايضا دولة عنيفة ومجرمة في حق مواطناتها‪.‬‬
‫االطراف المسلطة للعنف على العامالت‬

‫الدولة‬

‫الوسيط‬ ‫العاملة‬ ‫الفالح‬

‫املجتمع‬

‫‪85‬‬
‫ّ‬
‫جذورالعنف المسلط من قبل الدولة‬
‫واملجتمع‬

‫العنف‬

‫الدولة‬ ‫املجتمع‬

‫قوانين متضاربة واخرى‬ ‫عقلية ذكورية ‪+‬‬


‫مؤسسات متخلية أو‬
‫غيرقابلة للتطبيق‬ ‫موروث ثقافي‬
‫عاجزة أو متواطئة‬
‫وبرامج بال رؤية‬ ‫وايديولوجي‬

‫‪86‬‬
87
‫ان الحديث عن المكتسبات الحقوقية والمنظومة‬
‫القانونية التونسية في عالقة بقضية عامالت القطاع الفالحي بعد‬
‫ّ‬
‫تشخيص الوضعية وجرد االنتهاكات المسلطة على هذه الفئة‬
‫ليس باألمر ّ‬
‫الهين‪ .‬فهو يضعنا في حيرة ويدفعنا الى طرح تساؤالت‬
‫عديدة قد نجد اجابة عن جزء وقد نعجز أمام جزء آخر‪ .‬وتأتي‬
‫هذه الحيرة بسبب المفارقة بين قيمة القطاع الفالحي تاريخيا‬
‫واستراتيجيا وواقعه الحالي من جهة‪ .‬وبين قيمة العمالة النسوية‬
‫في القطاع وواقع الهشاشة االقتصادية واالجتماعية من جهة‬
‫اخرى‪ .‬وايضا‪ ،‬واألهم‪ ،‬المفارقة بين المكتسبات الحقوقية للنساء‬
‫في تونس وبين نوعية الشعارات والمطالب التي مازالت عنوانا‬
‫لنضاالت هذه الفئة‪ .‬جملة من المفارقات ان دلت على ش يء فهي‬
‫الهوة بين النصوص والواقع وبين التنظير‬ ‫تدل على حجم ّ‬
‫والتطبيق وتعكس ارادة متوارثة ومتجذرة في تأبيد الهشاشة وفي‬
‫تعميق التفاوتات بين الجنسين وبين فئات املجتمع‪.‬‬

‫يهدف هذا الجزء من الدراسة أوال الى التذكير بالتزامات‬


‫تونس دوليا ووطنيا في مجال حقوق االنسان االقتصادية‬
‫واالجتماعية والحقوق الشغلية والسجل التشريعي والقانوني‬
‫الضامن لحقوق النساء الذي ما فتئت تتباهى به أمام الدول‬
‫خاصة دول االقليم الشمالي للقارة‪ ،‬وثانيا الى البحث في اسباب‬
‫قصور ترسانة القوانين واالتفاقيات عن تحقيق اهدافها وحماية‬

‫‪88‬‬
‫نصف مليون امرأة عاملة في قطاع وازن وهام كالقطاع الفالحي‪.‬‬
‫لعل ذلك يساعدنا في بناء تصورات وصياغة مقترحات لحماية‬
‫حقوق هذه الفئة والتصدي لالنتهاكات المسلطة عليها وتعزيز‬
‫مكانتها في املجتمع وفي القطاع‪.‬‬

‫ذكرنا في الجزء السابق من الدراسة كيف أن لهشاشة‬


‫وضعية العامالت الفالحيات اسباب عميقة مرتبطة اساسا‬
‫بالعقليات وبممارسات املجتمع وبثقافة جمعية قائمة على التمييز‬
‫بين النساء والرجال وتكريس تبعية النساء وتأبيدها‪ .‬ولها ايضا‬
‫اسباب هيكلية مرتبطة بكل ما هو قوانين ومؤسسات وسياسات‬
‫عامة ومنوال تنموي‪.‬‬

‫ولئن حققت الحركة الحقوقية النسوية في تونس جملة من‬


‫النجاحات وقادت نضاالت قبل االستقالل وبعده وقبل ثورة ‪0211‬‬
‫وبعدها وفرضت رؤيتها ومطالبها على السلطة السياسية على‬
‫امتداد الحكومات المتعاقبة وترجمتها االخيرة في شكل حزمة من‬
‫النصوص التشريعية والقانونية اال أن هذه المكتسبات كانت وال‬
‫تزال محل جدل ونقاش وبحث وتحليل‪.‬‬

‫وحيث أن حقوق االنسان مترابطة متكاملة شاملة ال تتجزأ‬


‫وال تقبل التفاضل بقيت مسألة المساواة التامة والفعلية بين‬
‫الجنسين في صميم القيم الحقوقية التي تناضل من اجلها كل‬
‫‪89‬‬
‫الحركات االجتماعية والمدنية والنسوية الى حد اللحظة‪ .‬اذ رغم‬
‫أن المساواة وعدم التمييز بين الناس من المبادئ االساسية التي‬
‫وردت في كل االتفاقيات الدولية‪ ،‬بدءا بأول وثيقة أممية نصت‬
‫صراحة في مادتها األولى على أنه "يولد جميع الناس أحرارا‬
‫متساوين في الكرامة والحقوق"‪ 14‬وفي كل المواثيق واالتفاقيات‬
‫وتعهدت بتطبيقها‪ ،‬ورغم ما شهدته البالد‬ ‫التي امضتها تونس ّ‬
‫خالل العقود االخيرة من تحوالت في البناء االجتماعي والثقافي الذي‬
‫يحكم العالقات بين الجنسين في الفضاء العام والخاص‪ ،‬والتراجع‬
‫النسبي للهيمنة الذكورية‪ ،‬والتقدم الهام في مستوى تكافؤ الفرص‬
‫واقتحام النساء لكل املجاالت‪ ،‬اال أن الفجوة بقيت قائمة‪ .‬مما‬
‫ّ‬
‫عطل مسار التمكين الفعلي للنساء وحكم على هذه المبادئ بأن‬
‫تطبق وال تترجم في السياسات العامة‬ ‫تبقى مجرد شعارات ال ّ‬
‫للبالد‪.‬‬

‫وحيث أن لقضية حقوق عامالت القطاع الفالحي‬


‫خصوصية تميزها عن بقية القضايا الحقوقية نظرا لتقاطع‬
‫حقوق هذه الفئة مع حقوق فئات اخرى تشكل معها نفس كتلة‬
‫المعنيين والمعنيات بها‪ .‬كما أن مشاكلها ومطالبها والحلول التي‬
‫ترجوها هي محل تدخل أكثر من قطاع وأكثر من طرف‪ .‬وتداعيات‬

‫‪ 14‬االعالن العالمي لحقوق االنسان المادة ‪1‬‬

‫‪91‬‬
‫ما تتعرض له من انتهاكات من شأنها أن تؤثر في أكثر من قطاع بل‬
‫حتى في مستقبل االجيال القادمة‪.‬‬

‫الترتيب الهرمي للنصوص القانونية في تونس‪ :‬هي اصناف‬


‫تتدرج في القوة في شكل منظومة‬‫من النصوص القانونية التي ّ‬
‫هرمية يمكن ترتيبها من االعلى الى االدنى على النحو التالي‬
‫لنعتمدها ونستند عليها في بناء حججنا والدفاع عن حقوقنا‪.‬‬

‫الدستور‬

‫ااالتفاقيات واملعاهدات الدولية‬

‫القوانين (االساسية ثم العادية)‬

‫املراسيم‬

‫االوامرالرئاسية واالوامرالحكومية‬

‫القرارات الوزارية‬

‫‪90‬‬
‫‪ .1‬حقوق النساء في المواثيق الدولية والتشريعات‬
‫الوطنية‬

‫بعد االستقالل مباشرة وبعد صدور مجلة االحوال‬


‫الشخصية في ‪ 12‬أوت ‪ 1956‬انخرطت تونس في مسار االعتراف‬
‫بحقوق النساء والقطع مع الصورة النمطية للمرأة والحد من‬
‫مظاهر العنف والتمييز االقتصادي واالجتماعي وترسيخ ثقافة‬
‫وجهود من الحركات‬
‫ٍ‬ ‫وبدفع‬
‫ٍ‬ ‫المساواة لدى االجيال المتعاقبة‪.‬‬
‫المناضلة الحقوقية والنسوية صادقت تونس على عدد هام من‬
‫االتفاقيات المتعلقة بحقوق النساء والمساواة منتهجة في ذلك‬
‫مقاربة النوع االجتماعي‪ ،‬على غرار اتفاقية منظمة العمل الدولية‬
‫حول المساواة في االجور الخاصة بمساواة العمال والعامالت في‬
‫األجر في حال تساوي قيمة العمل وذلك بموجب القانون عدد ‪01‬‬
‫لسنة ‪ .1961‬ثم على االتفاقية الدولية لمناهضة جميع اشكال‬
‫التمييز ضد المرأة بموجب القانون عدد ‪ 61‬لسنة ‪ .1915‬وفي سنة‬
‫‪ 1995‬التحقت ب ــ"منهاج عمل بيجين" حيث ّ‬
‫تعهدت بتعزيز مكانة‬
‫المرأة وضمان المساواة والتمكين االقتصادي للنساء مع مراعاة‬
‫مقاربة النوع االجتماعي في كل ما يتعلق برسم السياسات والبرامج‬
‫واملخططات‪ .‬وتواصل العمل بعد الثورة من خالل رفع جميع‬
‫تحفظاتها على اتفاقية "سيداو" واعالنها ذلك بشكل رسمي في ‪02‬‬
‫أفريل ‪ .0214‬ثم انضمت الى بروتوكول الميثاق اإلفريقي لحقوق‬

‫‪91‬‬
‫اإلنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة في أفريقيا وصادقت عليه‬
‫دون أي تحفظ على بنوده بموجب القانون األساس ي عدد ‪ 22‬لسنة‬
‫‪.0211‬‬
‫ّ‬
‫أما على الصعيد الوطني فقد مثل دستور الجمهورية‬
‫الثانية‪ ،‬دستور ‪ ،0214‬نقلة نوعية في النص التشريعي التونس ي‪.‬‬
‫إذ اعتمد ألول مرة الخطاب المبني على النوع االجتماعي ونص على‬
‫العديد من الحقوق التي تتمتع بها النساء والرجال على قدم‬
‫المساواة ودون تمييز‪ .‬فوردت في الباب الثاني المتعلق بالحقوق‬
‫والحريات جملة من الفصول على غرار الفصل ‪ 01‬الذي نص على‬
‫أن‪" :‬المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات‪،‬‬
‫وهم سواء أمام القانون من غير تمييز‪ .‬تضمن الدولة للمواطنين‬
‫ّ‬
‫والعامة‪ ،‬وتيهئ لهم أسباب‬ ‫والمواطنات الحقوق والحريات الفردية‬
‫العيش الكريم ‪".‬كما نص الفصل ‪ 42‬أن "العمل حق لكل مواطن‬
‫ومواطنة‪ ،‬وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس‬
‫الكفاءة واإلنصاف‪ .‬ولكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في‬
‫ظروف الئقة وبأجر عادل"‪ .‬اضافة الى تخصيص الدستور لحقوق‬
‫النساء ألول مرة في تونس بفصل مستقل وهو الفصل ‪ 46‬منه‬
‫الذي نص على أنه‪" :‬تلتزم الدولة بـحماية الحقوق المكتسبة للمرأة‬
‫وتعمل على دعمها وتطويرها‪ .‬تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين‬
‫الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع املجاالت‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في املجالس‬
‫المنتخبة‪ .‬تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد‬
‫المرأة"‪ .‬ورغم انتهاء العمل بدستور ‪ 0214‬واصدار دستور جديد‬
‫في ‪ 05‬جويلية ‪ 0200‬بكل ما يحمله من يثغرات فان المكتسبات‬
‫التشريعية‪ ،‬على هشاشتها‪ ،‬ال يمكن التراجع عنها وال من سبيل اال‬
‫للعمل على تعزيزها وتطويرها‪.‬‬

‫أما على مستوى القوانين فقد اصدرت تونس بعد سنوات‬


‫من النضال النسوي وبعد صوالت وجوالت ونقاشات قانونا ّ‬
‫يجرم‬
‫ّ‬
‫كل اشكال العنف المسلط على النساء وهو القانون عدد ‪51‬‬
‫لسنة ‪ 0212‬المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة‪ .‬هذا القانون‬
‫ّ‬
‫نعتبره مكسبا رغم تعثر مسار تطبيقه والتحديات التي رافقته‪ .‬قبل‬
‫ذلك صدر القانون عدد ‪ 61‬لسنة ‪ 0216‬المتعلق بمنع االتجار‬
‫باألشخاص "ومكافحته ومنع كل أشكال االستغالل التي يمكن أن‬
‫يتعرض لها األشخاص وخاصة النساء واألطفال ومكافحتها بمنع‬
‫االتجار بهم وزجر مرتكبيه وحماية ضحاياه ومساعدتهم"‪ .15‬كما‬
‫تتالت املجالس االستشارية والقرارات الحكومية منذ ‪0211‬‬
‫واعلنت في عديد المناسبات اجراءات من اجل ادراج النوع‬
‫االجتماعي في البرامج والخطط‪ .‬وكثيرا ما تتعالى االصوات المعلنة‬

‫‪ 15‬الفصل االول من الباب األول من القانون عدد ‪ 61‬لسنة ‪ 0216‬المتعلق بمنع االتجار باألشخاص‬

‫‪91‬‬
‫بذلك مع كل حادثة أو ذكرى احياء أحد االعياد الوطنية أو‬
‫الدولية ولكن تبقى مسألة انفاذها وتفعيلها محل جدل وتساؤل‪.‬‬

‫‪ .2‬حقوق العمالة الفالحية في التشريع التونس ي‪:‬‬

‫اما عن حقوق النساء العامالت في عالقة بالقطاع الفالحي‬


‫بشكل خاص فيمكن االستناد الى مجلة الشغل الصادرة بموجب‬
‫القانون عدد ‪ 02‬لسنة ‪ 1966‬كمرجع اساس ي ارتكزت عليه بقية‬
‫برامج وقوانين الحماية االجتماعية والقوانين المتعلقة بأنظمة‬
‫االجور والنقل واستمدت منها احكامها وبنودها‪ .‬كما مثلت ثورة‬
‫‪ 0211‬انطالقة جديدة لسيل من القوانين والبرامج تجسيما‬
‫لمبادئ العدالة والمساواة وتفعيال لشعارات الحرية والكرامة التي‬
‫رفعها الشعب التونس ي وناضل من اجلها‪ .‬فأبرم االتحاد العام‬
‫التونس ي للشغل واالتحاد الوطني للفالحة والصيد البحري‬
‫االتفاقية المشتركة االطارية في القطاع الفالحي التي صادقت عليها‬
‫رئاسة الحكومة ووزير الشؤون االجتماعية في ‪ 12‬نوفمبر‪0215‬‬
‫حيز النفاذ‪ .‬ثم تواصل ضغط املجتمع المدني والهياكل‬ ‫ودخلت ّ‬
‫النقابية خاصة بعد فاجعة السبالة في ‪ 02‬أفريل ‪ 0219‬التي كانت‬
‫بمثابة القطرة التي افاضت الكأس وكسرت حاجز الصمت في‬
‫ّ‬
‫صفوف العامالت‪ .‬فجاء القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0219‬المتعلق‬
‫بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعامالت في القطاع الفالحي‬

‫‪95‬‬
‫واالمر الحكومي عدد ‪ 204‬لسنة ‪ 0202‬المتعلق بأساليب تطبيقه‪.‬‬
‫ثم في نفس السنة أصدر رئيس الحكومة آنذاك "يوسف الشاهد"‬
‫أمرا حكوميا عدد ‪ 229‬مؤرخ في ‪ 00‬افريل ‪ 0219‬يتعلق بتنقيح‬
‫واتمام األمر عدد ‪ 916‬لسنة ‪ 0220‬المتعلق بأساليب تطبيق‬
‫القانون عدد ‪ 20‬لسنة ‪ 0220‬والمتعلق بنظام الضمان االجتماعي‬
‫لبعض االصناف من العملة والعامالت في القطاعين الفالحي وغير‬
‫الفالحي‪ .‬هذا األمر رافق احداث منظومة "احميني" في فترة حكم‬
‫يوسف الشاهد والتي تم الترويج لها على اساس حل لتمكين‬
‫العامالت من الضمان االجتماعي‪ ،‬فتحولت الى مشكال أرهق كاهل‬
‫أكثر من ‪ 0622‬منخرطة بديون مخلدة بالذمة تراوحت بين ‪222‬‬
‫و‪ 122‬دينار وفق تصريحات باعث التطبيقة ومؤسسها‪ .‬ثم‬
‫انخرطت وزارة المرأة ووزارة الشؤون االجتماعية في مسار من‬
‫المبادرات الرامية الى تمكين النساء وتمكين الفئات الهشة وذات‬
‫الدخل املحدود وادماجهم في برامج ومشاريع على غرار برنامج‬
‫االمان االجتماعي وبرنامج التمكين االقتصادي وبرنامج رائدات ‪...‬‬
‫ولكن لسائل أن يسأل‪ :‬هل ّ‬
‫غيرت هذه القوانين وهذه‬
‫البرامج من وضعية العامالت الفالحيات؟ هل توفر نقل آمن‬
‫والئق للعامالت الفالحيات بعد اصدار القانون عدد ‪21‬؟ هل‬
‫يمكن الحديث اليوم عن نسبة محترمة من العامالت لديهن‬
‫تغطية اجتماعية وصحية؟ هل تراجعت نسب العنف المسلط‬

‫‪96‬‬
‫على النساء وعلى العامالت بعد كل هذه القوانين واالتفاقيات؟‬
‫هل تتحصل العاملة الفالحية اليوم على األجرالمنصوص عليه‬
‫في القانون؟ هل تتالءم الظروف الشغلية للعاملة الفالحية‬
‫اليوم مع ما تقتضيه القوانين والتشريعات الضامنة للحقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية وللكرامة البشرية؟ وأسئلة اخرى‬
‫عديدة لن نعود هنا لإلجابة عنها ألن الجزء األول من الدراسة‬
‫ّ‬
‫ومدعم بأرقام ومعطيات‬ ‫كاف نابع من الميدان‬
‫يحمل تشخيصا ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متعددة المصادر‪ .‬وانما سنجيب عن سؤال يتعلق بأسباب تعثر‬
‫وقصور هذه الترسانة من القوانين على احداث التغيير المرجو‪.‬‬
‫وسنأخذ بعض االمثلة من القوانين التي لم تر النور ثم نبحث عن‬
‫ّ‬
‫معيقات انفاذها‪ .‬لعلنا نتوصل مستقبال الى مقترحات لتعديلها أو‬
‫مقترحات قوانين جديدة أكثر انصافا وقابلة للتطبيق‪.‬‬

‫مجلة الشغل‪ :‬ألن هذه املجلة هي منبع ومرجع كل القوانين‬


‫التي تتعلق بالحق في الشغل في تونس تنطبق أحكامها على "محالت‬
‫الصناعة والتجارة والفالحة وعلى توابعها‪ ،‬مهما كان نوعها‪ ،‬العامة‬
‫أو الخاصة‪ ،‬الدينية أو الال دينية ولو كانت لها صبغة مهنية أو‬
‫خيرية‪ .‬وتنطبق أيضا على المهن الحرة ومحالت الصناعة‬
‫التقليدية والتعاضديات والشركات المدنية والنقابات‬
‫والجمعيات والجماعات مهما كان نوعها"‪ 16‬صدرت املجلة ودخلت‬

‫‪ 16‬مجلة الشغل‪ :‬الفصل األول من باب األحكام العامة‬

‫‪97‬‬
‫ح ّيز النفاذ في غرة ماي ‪ 1966‬ونقحت بموجب القانون عدد ‪60‬‬
‫لسنة ‪ 1996‬هي نفسها اليوم وبعد قرابة الستة عقود ال تزال‬
‫مصدرا للتشريع ومرجعا للقوانين‪ .‬فهذه املجلة التي ورد في ديباجتها‬
‫"نحن الحبيب بورقيبة‪ ،‬رئيس الجمهورية التونسية‪ ...‬بعد موافقة‬
‫مجلس األمة أصدرنا القانون اآلتي نصه‪ ”:‬ماتزال احكامها سارية‬
‫على كل املجاالت والقطاعات‪ .‬ولم يقع تطويرها رغم اختالف‬
‫السياقات ورغم كل التحوالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية والديمغرافية‪ .‬فمثال في عالقة بمسألة الخطايا على‬
‫املخالفات ورد في املجلة فصل (الفصل ‪ )024‬يحدد قيمة الخطية‬
‫بمبلغ يتراوح بين ‪ 04‬و‪ 62‬دينارا لكل من خالف مقتضيات بعض‬
‫الفصول الواردة في املجلة والمتعلقة مثال بدفع أجر دون المقدار‬
‫االدنى الذي يحدده القانون والواقع ضبطه باألحكام التشريعية‬
‫والترتيبية أو بالعقود المشتركة أو االتفاقيات‪( ...‬الفصل ‪ )2‬أو‬
‫عند التمييز بين المرأة والرجل في تطبيق احكام هذه املجلة‬
‫مكرر)‪ .‬أو طرد العامل‪/‬ة دون اعالم تفقدية الشغل‬ ‫(الفصل ‪ّ 5‬‬
‫بذلك ودون اتمام اجراءات واثباتات اسباب الطرد (الفصل ‪.)01‬‬
‫أو في حال امتناع المؤجر على تمكين العامل‪/‬ة من شهادة تثبت‬
‫ممارسته للعمل ومدتها حين اقرار المغادرة (الفصل ‪ .)02‬وكذلك‬
‫ّ‬
‫في حاالت تقصير المشغل في مراعاة النصوص القانونية المتعلقة‬
‫بشروط العمل وحفظ الصحة واألمن والعمل الليلي وخدمة‬

‫‪98‬‬
‫النساء واالطفال (الفصل ‪ .)09‬وتساهم قيمة الخطايا في تكريس‬
‫ثقافة استسهال التجاوزات واالفالت من العقاب خاصة في ظل‬
‫غياب الدور الرقابي لتفقدية الشغل في املجال الفالحي‪ ،‬الغياب‬
‫الذي ترجعه االخيرة الى قلة االمكانيات اللوجستية ألعوانها للنفاذ‬
‫الى الحقول والقيام بالتفقد‪ ،‬وصعوبة اثبات التجاوزات‪ ،‬وعدم‬
‫مالءمة القوانين والعقوبات مع الواقع الحالي‪ .‬الى جانب عدم‬
‫مصادقة تونس على االتفاقية الدولية عدد ‪ 109‬لمنظمة العمل‬
‫الدولية المتعلقة بتفقد الشغل في القطاع الفالحي‪ .‬والتي من‬
‫شأنها أن تعزز مقومات بيئة عمل آمنة وصحية للعملة والعامالت‬
‫ّ‬
‫المشرع مراجعة املجلة واحكامها بما‬ ‫في القطاع‪ ،‬وتفرض على‬
‫يتناسب مع االلتزامات الحقوقية الدولية‪.‬‬

‫مسألة اخرى تثبت تعارض احكام املجلة مع االلتزامات‬


‫الدولية الحقوقية لتونس هي تلك المتعلقة بحماية حقوق الطفل‪.‬‬
‫ففي مجلة الشغل نص الفصل ‪ 54‬على أنه "يسمح بتشغيل‬
‫يقل عمرهم عن الستة عشر عاما في المؤسسات‬ ‫األطفال الذين ّ‬
‫التي يعمل فيها أعضاء العائلة فحسب تحت سلطة األب أو األم أو‬
‫أي تأثير سلبي على ّ‬
‫صحة‬ ‫الوص ي‪ .‬على أال يكون لهذا التشغيل ّ‬
‫ّ‬
‫ونموهم البدني والعقلي وعلى تعليمهم‪ ".‬هذا‬ ‫هؤالء األطفال‬
‫الفصل يفتح بابا واسعا للتأويالت ويسمح بتوظيفه بطريقة‬
‫تتعارض مع مقتضيات واهداف اتفاقية االمم المتحدة لحقوق‬

‫‪99‬‬
‫الطفل التي صادقت عليها تونس سنة ‪ ،1991‬ومع احكام مجلة‬
‫حماية الطفل الصادرة بموجب القانون عدد ‪ 90‬لسنة ‪ .1995‬كما‬
‫يتناقض مع احكام الفصل ‪ 50‬من دستور ‪( 0200‬الفصل ‪ 46‬في‬
‫دستور ‪ )0214‬الذي ينص على ّأن "حقوق الطفل مضمونة‪ .‬وعلى‬
‫أبويه وعلى الدولة أن يضمنوا له الكرامة والصحة والرعاية‬
‫والتربية والتعليم‪ .‬على الدولة ايضا توفير جميع انواع الحماية لكل‬
‫االطفال دون تمييز ووفق مصالح الطفل الفضلى"‪ .‬ولعل هذا ما‬
‫يفسر وجود االطفال اليوم في الحقول وانخراطهم في العمل‬ ‫ّ‬
‫الفالحي في سن مبكرة دون رقابة وال ردع لمشغليهم‪ .‬ونستشهد هنا‬
‫بضحايا فاجعة السبالة حيث أن عددا هاما ممن توفوا في الحادث‬
‫اعمارهم لم تتجاوز الخمسة عشر سنة‪ ،‬كنا قد زرنا مقابرهم‬
‫ووثقنا ذلك في صور نزلناها على صفحة المنتدى بتاريخ ‪ 24‬جانفي‬
‫‪ .0202‬الى جانب لقاءنا بعدد هام من االطفال خالل الزيارات‬
‫الميدانية‪ .‬اغلبهم يعملون كأجراء دون ان تتوفر فيهم صفة القرابة‬
‫بينهم وبين صاحب المستغلة الفالحية التي تحدث عنها الفصل ‪54‬‬
‫من مجلة الشغل‪ .‬كما أن هؤالء األطفال يتعرضون لكل انواع‬
‫االنتهاكات وال يتمتعون بأبسط حقوقهم اولها الحق في التعليم‪.‬‬
‫حيث أن عددا هاما من اطفال االرياف ينقطعون عن الدراسة‬
‫بسبب غياب النقل المدرس ي وتردي وضعية المدارس وعدم توفر‬
‫أدني ظروف التعليم الالئقة‪ .‬هنا نتساءل عن اي نوع من انواع‬

‫‪011‬‬
‫الحماية وفرتها الدولة لهؤالء االطفال حين وصل بهم المسار الى‬
‫الموت في حادث شاحنة في الطريق الى الحقول؟ وأي مصلحة‬
‫فضلى للطفل في العمل الفالحي تجعل الدولة تصمت أمام هذا‬
‫االنتهاك وال ّ‬
‫تحرك ساكنا؟‬

‫ويمكن االشارة ايضا الى أن مجلة الشغل في اجزاء كثيرة منها‬


‫كرست التمييز بين القطاعات‪ .‬حيث تثير عبارات "في النشاط‬ ‫ّ‬
‫الغير فالحي" و "في النشاط الفالحي" التي نجدها تحت عناوين‬
‫بعض االبواب من املجلة عدة تساؤالت‪ .‬فمثال في الباب الثالث‬
‫الخاص "بتشغيل االطفال والنساء ليال" والقسم الثاني من الباب‬
‫السادس "في الساعات الزائدة" والباب السابع "في الراحة‬
‫االسبوعية" والباب التاسع "في الرخص السنوية الخالصة" يعكس‬
‫التقسيم بين النشاطين الفالحي والغير الفالحي نوعا من التمييز‬
‫بينهما‪ .‬وبالتالي ينعكس هذا التمييز على حقوق االجراء فيهما‪.‬‬
‫فسر هذا التقسيم باختالف طبيعة القطاعات‬ ‫ويمكن أن ُي َّ‬
‫ونوعية النشاطات التي يقوم بها العملة فيها‪ .‬ولكن أال يتعارض هذا‬
‫التمييز مع مبادئ حقوق االنسان في شموليتها وكونيتها؟ أال‬
‫يتعارض مع مبادئ العدل والمساواة في التمتع بالحقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية وآليات انفاذها؟ أال يعكس واقع القطاع‬
‫ويفسر الخيارات‬‫الفالحي اليوم نتائج هذا التمييز بين القطاعات ّ‬
‫السياسية والتنموية النيوليبرالية القائمة على خلق الثروة على‬

‫‪010‬‬
‫حساب حقوق االنسان ومستقبل االجيال القادمة؟ أال يمكن أن‬
‫نعتبر النص القانوني والتشريعي هو أحد اسباب األزمة بل هو‬
‫االرضية المالئمة التي هيأت وسهلت لها السبل؟‬

‫الحماية االجتماعية للعملة والعامالت في القطاع‬


‫الفالحي‪ :‬بدا التمييز ضد القطاع الفالحي جليا وأكثر وضوحا من‬
‫خالل اآلليات التي أقرتها الدولة لتمكين المؤجرين واالجراء من‬
‫الحق في التغطية االجتماعية‪ ،‬وسياسات الحماية االجتماعية‬
‫الموجهة للمتدخلين في القطاع والتي كرست التفاوتات بين الفئات‬
‫االجتماعية وعمقت الالمساواة بين القطاعات‪ .‬في البداية ال بد من‬
‫االشارة الى تاريخ صدور أول قانون يتعلق بالضمان االجتماعي‬
‫للعملة المؤجرون والمتعاضدون في القطاع الفالحي وهو القانون‬
‫عدد ‪ 26‬لسنة ‪ .1911‬هذا القانون صدر بعد أكثر من عشرين‬
‫سنة على صدور القانون عدد ‪ 22‬لسنة ‪ 1962‬المتعلق بتنظيم‬
‫أنظمة الضمان االجتماعي والذي أنشأ بمقتضاه "الصندوق‬
‫القومي للضمان االجتماعي"‬

‫وحيث نص القانون االخير في فصله الرابع والثالثون على‬


‫أنه "يتمتع بنظام الضمان االجتماعي المنصوص عليه بهذا‬
‫القانون أوال‪ :‬إجراء جميع مؤسسات التجارة والصناعة والمهن‬
‫الحرة والتعاضديات والشركات المدنية والنقابات والجمعيات‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫ثانيا‪ :‬العملة المشتغلون في المشاريع أو المؤسسات الفالحية‬
‫اآلتية سواء كانت ذات صبغة تعاضدية أم ال‪ :‬صناديق التعاون‬
‫للتأمين الفالحي ‪-‬صناديق التعاون للقرض الفالحي –‬
‫المالحات‪ .17"...‬اال أن الدولة تابعت اصدار قوانين أكثر تفصيال‪.‬‬
‫حيث خصت االجراء والمؤجرون في القطاع الفالحي بقوانين‬
‫اخرى على غرار القانون سالف الذكر‪ ،‬عدد ‪ 26‬لسنة ‪ ،1911‬ثم‬
‫واتم بالقانون عدد ‪ 22‬لسنة ‪ 1919‬الذي نص في الفصل ‪16‬‬ ‫ّنقح ّ‬
‫منه (الجديد) على أنه "تنطبق احكام هذا العنوان وجوبا على‬
‫المتعاضدين واالجراء العاملين لدى المؤسسات الفالحية التي لها‬
‫شكل شركة‪ ،‬وشركات االحياء والتعاضديات الفالحية وعلى جميع‬
‫الذوات المعنوية الفالحية غير الخاضعة لنظام قانوني للضمان‬
‫االجتماعي يغطي نفس االخطار"‪ .‬ثم جاء القانون عدد ‪ 20‬لسنة‬
‫ّ‬
‫‪ 0220‬المتعلق بنظام الضمان االجتماعي لبعض االصناف من‬
‫العملة في القطاعين الفالحي وغير الفالحي واالمر الحكومي‬
‫المتعلق بأساليب تطبيقه‪ .‬الى حين سنة ‪ 0219‬وبعد ضغط من‬
‫املجتمع المدني والهياكل النقابية تمخض جبل الحكومة آنذاك‬
‫ليصدر رئيسها يوسف الشاهد االمر الحكومي عدد ‪ 229‬لسنة‬
‫‪ 0219‬المتعلق بتنقيح االمر عدد ‪ 916‬لسنة ‪.0220‬‬

‫‪ 17‬الفصل ‪ 24‬من القانون عدد ‪ 22‬لسنة ‪ 1962‬المتعلق بتنظيم أنظمة الضمان االجتماعي‬

‫‪011‬‬
‫ترسانة من القوانين والنصوص تعتبر هامة من الناحية‬
‫الكمية ولكن الواقع يثبت ضعفها وقصورها النوعي في تعميم‬
‫الحق في الضمان االجتماعي وتمكين كل الفئات منه‪ .‬ذلك ألن‪:‬‬

‫‪ -‬أوال‪ :‬ساهم التمييز الحاصل بين القطاع الفالحي والقطاعات‬


‫االخرى في تعميق الهشاشة وفي تكريس التفاوت بين العملة‬
‫والعامالت واألجراء والمؤجرون فيها في مستوى المنافع‬
‫واالمتيازات والتعويضات‪ .‬هنا يمكن أن نعتمد بعض المراجع‬
‫لنفهم هذا التفاوت على غرار الجدول التالي من كتاب "التجربة‬
‫التونسية في مجال توسيع الحماية االجتماعية" لصاحبه محمد‬
‫يبين حجم التفاوت بين منافع التغطية االجتماعية‬ ‫شعبان الذي ّ‬
‫لدى اعوان القطاع العمومي واالجراء في القطاع غير الفالحي وبين‬
‫بقية االجراء خاصة في القطاع الفالحي ومحدودي الدخل‪.‬‬
‫محتوى التغطية االجتماعية‪:‬‬

‫‪011‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬أثرت السياسات الموجهة للقطاع الفالحي والمشاكل‬
‫الهيكلية وتراكم االزمات في عالقة بنضوب الموارد الطبيعية‬
‫وتأثيرات التغييرات المناخية وتراجع مردودية القطاع الفالحي في‬
‫قدرة المؤجرين على االنخراط في انظمة الضمان االجتماعي‬
‫خاصة منهم صغار الفالحين (الذين يملكون مستغالت فالحية ال‬
‫تفوق ال ـ‪ 5‬هكتارات بعلية أو هكتارا واحدا سقويا) وكذلك‬
‫الصيادين البحريين العاملين على مراكب ال تفوق حمولتها ‪5‬‬
‫أطنان حجمية‪ 18.‬وعدم قدرتهم على التصريح لفائدة أجرائهم من‬
‫لتعقد اإلجراءات اإلدارية عند التصريح‪،‬‬‫عملة وعامالت نظرا ّ‬
‫ٌ‬
‫الشغلية في ظل غياب عقد‬ ‫والتخوف من عدم استقرار العالقة‬
‫كتابي يربط بين الطرفين ويضمن حقوق كل طرف من جهة‪.‬‬
‫وغياب االستمرارية في العمل بالشكل الذي يتالءم مع مقتضيات‬
‫الفصل الثاني من األمر الحكومي المتعلق بأساليب تطبيق‬
‫القانون عدد ‪ 20‬لسنة ‪ 0220‬الخاص بنظام الضمان االجتماعي‬
‫لبعض االصناف من العملة والعامالت في القطاعين الفالحي وغير‬
‫الفالحي من جهة اخرى‪ .‬هذا الفصل الذي يشترط توفر مدة الـ ـ‪45‬‬
‫ّ‬
‫يوما من العمل في الثالثية الواحدة ال يتناسب مع المشغل لعدم‬
‫ضمان تشغيله نفس العامل أو العاملة كامل المدة‪ .‬وال يتناسب‬

‫‪ 18‬الفصل ‪ 1‬من القانون عدد ‪ 20‬لسنة ‪ 0220‬المتعلق بنظام الضمان االجتماعي لبعض االصناف من‬
‫العملة في القطاعين الفالحي وغير الفالحي‬

‫‪015‬‬
‫ايضا مع األجير‪/‬ة نظرا لطبيعة العمل الفالحي وحالة الال استقرار‬
‫الشغلي وضعف االجر الذي ال يخول له‪/‬ها دفع القسط من‬
‫االشتراكات املحمولة عليه‪/‬ها قانونا والتي تثقل كاهله‪/‬ها‪ .‬هذا ما‬
‫يفسر فشل منظومة "احميني" التي احدثت ببادرة شبابية ترمي‬
‫تمتع العامالت بحقهن في الضمان االجتماعي وتوظيف‬ ‫الى تسهيل ّ‬
‫التكنولوجيا في خدمة النساء في الوسط الريفي وتسهيل اجراءات‬
‫االنخراط‪ .‬اال أنها اصطدمت بواقع اقتصادي واجتماعي للعامالت‬
‫متكلس ساهم في فشلها ّ‬ ‫ّ‬
‫وحولها من حل الى مشكل‪.‬‬ ‫وبجدار قانوني‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬ساهم تراخي المؤسسات الرقابية للدولة وتخليها عن‬
‫مهامها في تعميق االنتهاكات المسلطة على اليد العاملة في القطاع‬
‫الفالحي‪ ،‬خاصة اليد العاملة النسائية‪ .‬وفتح هذا التراخي الباب‬
‫بمصراعيه أمام ظهور الوسطاء الذين لعبوا دورا سلبيا في‬
‫القطاع‪ ،‬واثروا على وضعية االجور والنقل وساعات العمل‪ .‬حتى‬
‫أنهم يتحكمون في العالقة الشغلية بين العامالت ومشغليهن‪.‬‬
‫وضعية وان كانت تؤرق العامالت وبعضا من الفالحين‪ ،‬اال أنها‬
‫تبدو مناسبة للبعض االخر‪ .‬فالواضح اليوم أن هشاشة الوضعية‬
‫الشغلية للعامالت الفالحيات وغياب التغطية االجتماعية نجدها‬
‫معممة على الالتي يعملن في مستغالت فالحية صغرى وحتى الالتي‬ ‫ّ‬
‫يعملن في مستغالت كبرى‪ .‬هنا يمكن أن نؤكد من خالل تجربتنا‬
‫الميدانية ومحادثاتنا مع عدد من الفالحين‪ ،‬منهم من يشغلون‬

‫‪016‬‬
‫مناصب في هياكل وطنية وجهوية ومحلية ويملكون اراض ي فالحية‬
‫ّ‬
‫متحججين في‬ ‫شاسعة‪ ،‬أنهم يشغلون العامالت بنفس الهشاشة‬
‫ذلك بغياب اليد العاملة املختصة وعزوف الشباب عن العمل‬
‫الفالحي وعدم استقرار العاملة في نفس الحقل‪ ،‬وكذلك الى عدم‬
‫معرفتهم بالعامالت واعتمادهم على الوسيط في جلب اليد العاملة‬
‫نظرا لوجود روابط اجتماعية تفوق قدرتهم على مجاراتها‪.‬‬
‫وتعمدهم‬‫والحقيقة انها اعذار تخفي تملصهم من المسؤولية ّ‬
‫عدم التصريح بالعملة والعامالت ّ‬
‫وتهربهم من ابرام عقود العمل‪.‬‬
‫كما يخفي ذلك تواطؤ المؤسسات الرقابية والهياكل العمالية‬
‫المعنية وتقصيرها في اداء مهامها‪.‬‬

‫قانون نقل العملة والعامالت في القطاع الفالحي هل هو‬


‫حل أم ذررماد على العيون؟ كثر الحديث في السنوات االخيرة عن‬
‫مدى تطبيق القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0219‬المتعلق بإحداث‬
‫صنف نقل خاص بالعملة والعامالت في القطاع الفالحي‪ .‬هذا‬
‫القانون الذي جاء بعد الفاجعة التي هزت املجتمع المدني‬
‫واالطياف السياسية واالجتماعية والحركات المدنية‪ ،‬و ّ‬
‫عرت‬
‫حجم االنتهاكات التي تتعرض لها العامالت في القطاع الفالحي‪،‬‬
‫ثان له وهو ايجاد حل لمسألة‬ ‫ّ‬
‫ووضعت المشرع أمام خيار واحد ال ٍ‬
‫النقل العشوائي والغير الئق للعامالت‪ .‬فرغم النداءات المتعددة‬
‫التي رفعتها الجمعيات الحقوقية منذ ‪ 0211‬ومطالبتها بإيقاف‬
‫‪017‬‬
‫نزيف الحوادث لم يصدر القانون اال بعد فاجعة السبالة في ‪02‬‬
‫أفريل ‪ 0219‬وخلفت ‪ 12‬ضحية من بينهم سائق الشاحنة ومرافقه‬
‫وعدد من االطفال الذين لم تتجاوز اعمارهم الخمسة عشر سنة‪.‬‬
‫فصادق مجلس نواب الشعب آنذاك على قانون ختمه رئيس‬
‫الجمهورية الراحل الباجي قائد السبس ي وانزل بالرائد الرسمي‬
‫للجمهورية في ‪ 11‬جوان ‪ .0219‬يحتوي القانون على اربعة فصول‪.‬‬
‫فصالن ُيعنيان بتنقيح فصول واردة بالقانون عدد ‪ 22‬لسنة‬
‫‪ 0224‬المتعلق بالنقل البري‪ .‬وفصل يستمد احكامه من القانون‬
‫عدد ‪ 2‬لسنة ‪ 0211‬المتعلق بقانون المالية لسنة ‪ .0210‬ثم فصل‬
‫أخير يتعلق بضبط مدة اصدار االمر الترتيبي المتعلق بأساليب‬
‫ّ‬
‫واملحددة بثالثة أشهر من تاريخ اصداره بالرائد‬ ‫تطبيق القانون‬
‫الرسمي للجمهورية‪ .‬وبعد أكثر من سنة على صدوره وبضغط من‬
‫املجتمع المدني آنذاك اصدرت رئاسة الحكومة االمر الحكومي‬
‫عدد ‪ 204‬لسنة ‪ 0202‬المتعلق بضبط شروط تعاطي نشاط نقل‬
‫العملة الفالحيين وشروط االنتفاع بهذه الخدمة‪.‬‬

‫الثابت ان حوادث النقل تواصلت حتى بعد اصدار هذا‬


‫القانون ولم يقع تطبيق اي فصل من فصوله‪ .‬وكنا في الجزء األول‬
‫من الدراسة قدمنا احصائيات الجرحى والوفيات وأبرزنا باألرقام‬
‫واالثباتات تواصل نزيف الحوادث خاصة في السنوات الثالثة‬
‫االخيرة‪ .‬هذا ما يدفعنا الى التساؤل حول مدى قابلية القانون‬

‫‪018‬‬
‫للتطبيق ومدى مالءمته لألوضاع االقتصادية واالجتماعية‬
‫للفئات المعنية به‪.‬‬

‫كنا قد اصدرنا في شهر جويلية ‪ 0201‬مقاال بعنوان‬


‫"شاحنات الال عودة‪ :‬التنقل على ايقاع الموت وصمت الدولة‬
‫املخزي" على إثر حادث انقالب شاحنة في أحد ارياف والية‬
‫القيروان‪ ،‬أصيبت خالله ‪ 12‬عاملة‪ .‬كان ذلك يوم ‪ 04‬جوان ‪0201‬‬
‫تزامنا مع فترة الحجر الصحي الشامل بالجهة جراء تفش ي العدوى‬
‫بفيروس كوفيد‪ .19-‬تضمن المقال تحيينا ألرقام الحوادث وقراءة‬
‫نقدية في القانون عدد ‪ .51‬وها هي مناسبة اخرى لنذكر بما سبق‬
‫وطالبنا به‪ .‬كما نؤكد على تمسكنا برؤيتنا خاصة وأن التجربة‬
‫الميدانية والقرب من الفئات المعنية‪ ،‬وكذلك االطالع على‬
‫محتوى القانون واالمر الحكومي المتعلق به‪ ،‬كلها تؤكد أن‬
‫معالجة هكذا قضايا ال تكون بإصدار النصوص وانما بسياسات‬
‫ناجعة‪ ،‬وبإرادة فعلية‪ ،‬وبدراية بخصائص الفئة واحتياجاتها‪،‬‬
‫وبتركيز آليات للتطبيق ومتابعتها‪ .‬كما ان عملية سن القوانين ال‬
‫يجب ان تكون بطريقة اعتباطية انفعالية أو مسقطة اسقاطا‪.‬‬
‫وانما يجب ان تكون نابعة من دراسة معمقة للواقع ولجذور‬
‫القضية لفهم الظاهرة وتشريك الباحثين االجتماعيين‬
‫واستشارتهم في صياغة مقترحات القوانين‪.‬‬

‫‪019‬‬
‫جزء من المقال المذكورللتأكيد على اسباب فشل القانون عدد ‪ 21‬على‬
‫التصدي للحوادث‪:‬‬
‫المالحظ أيضا أن عملية نقل النساء في الشاحنات مستمرة رغم وجود القانون‬
‫عدد ‪ 21‬لسنة ‪ 2112‬المتعلق بإحداث صنف نقل العملة والعامالت في القطاع‬
‫حيز التنفيذ منذ أكثر من سنتين وما تواصل الحوادث‬ ‫الفالحي والذي دخل ّ‬
‫ّ‬
‫وتكررها إال دليل على‪:‬‬
‫أوال ‪:‬انعدام اإلرادة السياسية في تطبيق القانون وغياب استراتيجية واضحة تحدد‬
‫المسؤوليات وتركز اآلليات الالزمة لتطبيقه ّ‬
‫وتسهل عملية النفاذ اليه من قبل‬
‫الفئات المعنية به‪ .‬الى جانب ضبابية الرؤية لدى مختلف المتدخلين في تطبيقه‪.‬‬
‫فالمشرع اكتفى بسن القانون والحكومة وضعت االوامر التطبيقية وتنصلت من‬ ‫ّ‬
‫مهامها فاكتفت بالجانب األمني في فرضه على الفئات الهشة ولم توفر االمكانيات‬
‫المالية والحوافز الجبائية لتسهيل تطبيقه وتركت للوزارات المتدخلة فيه كل‬
‫يلقي المسؤولية على اآلخر‪ .‬وهو ما يقوي انعدام الثقة في تفعيله وااللتزام به من‬
‫قبل الحكومة خاصة في ظل الجدل السياس ي القائم وصراع السلطات الثالثة‬
‫الهوة بينه وبين الطبقة‬ ‫يعمق ّ‬ ‫الذي ال يقدم حلوال جدية لمشاكل الشعب بقدر ما ّ‬
‫السياسية ويقوي االنقسامات داخله‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ان التشريعات وحدها ال تكفي لمعالجة قضايا وإشكاليات متعددة األبعاد‬
‫المشرع ولم تستوعبها القوانين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عواملها ومسبباتها ضاربة في العمق لم تحظ بفهم‬
‫فعندما ال تقع دراسة طبيعة كل فئة وخصوصياتها وديناميكية املجتمعات التي‬
‫ينتمون لها تصطدم القوانين بواقع يحول دون تطبيقها‪ .‬فربما كان من االجدر قبل‬
‫سن القوانين فهم هذه الفئات والتصاق أكثر بواقعهم المعيش واالقتراب‬
‫من همومهم وتساؤالتهم وتطلعاتهم وتشريكهم في التخطيط والتفكير‪ .‬وحتى نؤكد‬
‫ّ‬
‫هذه الفكرة نذكر بحركة احتجاجية قامت بها مجموعة من النساء العامالت في‬
‫القط ـ ـ ـ ـاع الفالحي أصي ـ ـ ـ ـالت معتمديتي كندار والنفيضة على إثر من ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع الوحدات‬

‫‪001‬‬
‫الفالحات بصفة عشوائية تطبيقا للقانون‬ ‫ّ‬ ‫األمنية أصحاب الشاحنات من نقل‬
‫كرد فعل على ما اعتبرنه قطع ألرزاقهن وأرزاق أصحاب‬ ‫عدد ‪ .51‬احتجاج جاء ّ‬
‫الشاحنات الذين تربطهن بهم عالقات مختلفة اجتماعية وأسرية وغالبا منفعية‪.‬‬
‫ّ‬
‫اذ يعتبر صاحب الشاحنة الوسيط بين العامالت والمشغل والضامن‬
‫الستمرارهن في العمل فتجد أول المساندين لهم هن الضحايا أنفسهن‪.‬‬
‫ّ‬
‫كما يعتبر أصحاب الشاحنات ان شروط النقل التي وردت في القانون وحددت‬
‫بأمر حكومي صادر في ‪ 21‬أوت ‪ 0202‬هي شروط تعجيزية وغير قابلة للتطبيق تثقل‬
‫كاهل الطرفين دون ان تساهم في تحسين ظروفهم االقتصادية واالجتماعية‪ .‬هنا‬
‫ال بد من قراءة هذه الحادثة وفهم مقاصدها وتفسير دواعيها وتفكيكها من اجل‬
‫اعتماد مقاربة سوسيولوجية في وضع القوانين حتى ال تكون مسقطة اسقاطا‬
‫وحتى ال تكون الحلول األمنية فقط هي السبيل الوحيد لتطبيق القانون ومعالجة‬
‫المشاكل‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬ال يمكن معالجة قضية نقل العامالت والتصدي للحوادث دون معالجة‬
‫حقيقية وجذرية للقضايا االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ودون رؤية تنموية تكرس‬
‫التوازن بين الجهات وتقض ي على الفقر والتهميش والبطالة‪ .‬كما ال يمكن الحديث‬
‫عن حقوق عامالت القطاع الفالحي دون معالجة مشاكل القطاع ذاته وإعطائه‬
‫األولوية بالنظر الى أهميته ودوره في االقتصاد الوطني‪ ،‬حيث يساهم بحوالي ‪%12‬‬
‫ّ‬
‫من الناتج الداخلي الخام‪ ،‬و‪ %11‬في الصادرات التونسية‪ ،‬ويشغل قرابة ‪ %15‬من‬
‫اليد العاملة النشيطة‪ ،‬وجب اذن انتشاله من حالة االنهيار التي يشهدها منذ‬
‫سنوات‪ ،‬ودعم صغار الفالحين وتقليص الفوارق بينهم وبين كبار الفالحين‬
‫وإسنادهم بالتشريعات التي تضمن صمودهم ونهوضهم بالقطاع‪ .‬وتمكين النساء‬
‫من فرص االستثمار في القطاع الفالحي من خالل تعزيز قدرتهن على ملكية‬
‫األراض ي وتمييزهن إيجابيا ودعم انخراطهن في الدورة االقتصادية‪ .‬وال ننس ى طبعا‬
‫ضرورة تنظيم العمل الموسمي للنساء العامالت في الحقول وفي المستغالت‬
‫الصغرى بما يتالءم وشروط العمل الالئق على غرار حقهن في الضمان االجتماعي‬

‫‪000‬‬
‫وفي التغطية الصحية واألجر الالئق‪ ،‬سيما وان الفالحة تعتمد بدرجة أولى على‬
‫قوة اليد العاملة النسائية وتستوعب قرابة النصف مليون امرأة أي ما يعادل‬
‫‪ %12‬من اليد العاملة في القطاع‪ .‬إجراءات وتوصيات أكد عليها المنتدى في‬
‫دراسة بعنوان“ المستغالت الفالحية الصغرى في تونس ”انجزها في اطار مشروع‬
‫“الحد من عدم المساواة في سلسلة قيمة زيت الزيتون” الذي تنفذه أوكسفام‬
‫بالشراكة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات‪ ،‬جمعية النساء التونسيات‬
‫للبحث حول التنمية‪ ،‬االتحاد العام التونس ي للشغل والمنتدى التونس ي‬
‫للحقوق االقتصادية واالجتماعية والذي يهدف الى المساهمة في الحد من‬
‫الهشاشة االقتصادية للعامالت الفالحيات وصغار الفالحين من خالل توجيه‬
‫االولوية السياسية نحو تنظيم العمل الموسمي وفقا لمعايير العمل الالئق‪.‬‬

‫هل تعتبرين القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 2019‬حال ملشكل الحوادث‬


‫التي تتعرض لها العامالت؟‬

‫‪8%‬‬
‫‪33%‬‬ ‫نعم‬
‫ال‬
‫ال ادري‬
‫‪59%‬‬

‫مالحظة‪ :‬قبل طرح هذا السؤال على العامالت قمنا بشرح القانون وتوضيحه لكل‬
‫المستجوبات‪.‬‬

‫‪001‬‬
‫ثم أن مسألة نقل العملة والعامالت في القطاع الفالحي ال‬
‫تهم وزارة النقل وحدها‪ .‬وانما هي مسؤولية كل الوزارات بدءا بوزارة‬
‫المالية ووزارة التجهيز مرورا بوزارة المرأة ووزارة الفالحة ووزارة‬
‫الشؤون االجتماعية وصوال الى وزارة الداخلية‪ .‬كما أن العمل على‬
‫تطبيق هذا القانون وحماية العامالت وتأمينهن من الحوادث ال‬
‫يتطلب مجهودات طرف واحد وال يطبق بمقاربة أمنية فحسب‪.‬‬
‫وانما يجب وضع خطة متكاملة وتحديد استراتيجية عمل تتشارك‬
‫فيها كل الوزارات المذكورة ويتحمل كل طرف مسؤوليته‪ .‬وكنا في‬
‫كل المناسبات قد طالبنا بعقد مجلس وزاري خاص بقضية نقل‬
‫العامالت الفالحيات وعيا منا بضرورة تضافر كل الجهود إلنقاذ‬
‫العامالت وحفظ كرامتهن‪ .‬ونحن واثقون أن كل هذا مشروط‬
‫بتوفر ارادة فعلية من قبل كل االطراف ومناخ سياس ي مالئم ورؤية‬
‫استراتيجية للحلول بعيدا عن الحلول الترقيعية‪.‬‬

‫وال ينسحب هذا فقط على قضية النقل وانما في كل‬


‫القضايا المتعلقة بعامالت القطاع الفالحي وجب المزيد من‬
‫التنسيق بين الوزارات والعمل بطريقة مشتركة‪ ،‬ألن ما نالحظه‬
‫اليوم من تشتت للمجهودات وغياب التنسيق وانعدام التواصل‬
‫بين الوزارات يعكس فشال ذريعا في ادارة االزمات وفشال في‬
‫التواصل والقدرة على التخطيط المشترك‪ .‬فوزارة المرأة مثال‬
‫احدثت برامج للتمكين االقتصادي وتقدم في كل فترة تمويالت‬
‫‪001‬‬
‫للنساء في إطار برنامج رائدات‪ .‬ووزارة الشؤون االجتماعية احدثت‬
‫برنامج االمان االجتماعي بموجب القانون عدد ‪ 12‬لسنة ‪،0219‬‬
‫وبرنامج التمكين االقتصادي لفائدة العائالت المعوزة ومحدودي‬
‫الدخل‪ ،‬وتقدم تمويالت مشاريع‪ .‬والجميع يتحدث عن ادراج‬
‫العامالت الفالحيات والنساء الريفيات في هذه البرامج‪ .‬بينما ال نرى‬
‫تغييرا واضحا على ارض الواقع‪ .‬ذلك ألن مثل هذه المبادرات‬
‫يعوزها التنسيق مع الوزارات االخرى على غرار وزارة الفالحة ووزارة‬
‫امالك الدولة والشؤون العقارية ووزارة العدل والسلطة‬
‫التشريعية من جهة‪ .‬ويصطدم منتفعوها في كثير من االحيان‬
‫بمنظومة قانونية بالية متكلسة تحول دون تحقيق اهدافهم‬
‫وببيروقراطية ادارية معقدة ومقيتة تعيق كل ارادة للتغيير من‬
‫جهة اخرى‪ .‬ثم ان من اهم االشكاليات التي تواجه هذه البرامج‬
‫وتضعها تحت مرصد النقد هو عدم وضوح الغاية االساسية‬
‫لوضعها‪ ،‬عدم الوضوح هذا هو الذي ادى الى استغاللها استغالال‬
‫سيئا أفقدها في بعض االحيان نجاعتها ومصداقيتها‪.‬‬

‫‪001‬‬
‫بداية وقبل تقديم التوصيات والمقترحات دعونا نتفق أوال‬
‫على مسألة في غاية األهمية‪ .‬هي أن قضية عامالت القطاع‬
‫الفالحي ليست قضية فئة اجتماعية هشة فحسب‪ ،‬وال هي فقط‬
‫قضية انتهاك حقوق اقتصادية واجتماعية وتمييز ضد النساء‬
‫على اساس النوع االجتماعي‪ ،‬وانما هي اشمل من ذلك‪ .‬جذورها‬
‫أعمق من مجرد ثقافة جمعية قائمة على تكريس تبعية النساء وال‬
‫ّ‬
‫من وضع اقتصادي واجتماعي خلق أزمة وغذاها‪ .‬كما أن نتائجها‬
‫أخطر من تلك االنتهاكات التي نرفضها ونن ّدد بها دائما‪ .‬ان قضية‬
‫العمل الفالحي النسائي هي بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة‪ .‬وهي‬
‫ايضا الطوفان الذي سيقض ي على قطاع يرتكز عليه امننا الغذائي‬
‫وسيادتنا الغذائية‪ ،‬وعلى حقوق االجيال القادمة في تنمية عادلة‬
‫نعجل في انقاذها وتمكينها وتعزيز قدراتها‬ ‫ومستدامة ما لم ّ‬
‫وحقوقها‪ .‬كما ال ننس ى أن مشاكل عامالت القطاع الفالحي تعكس‬
‫مشاكل النساء ونساء االرياف بشكل خاص ومشاكل الوسط‬
‫الريفي عموما‪ .‬ومشاكل القطاع الفالحي‪ .‬وبالتالي فهي حلقة هامة‬
‫ومحورية من حلقات االقتصاد‪ .‬ال يجب ان نستبسط مشاكلها‬
‫ونغفل عن تداعياتها على مستقبل االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫‪005‬‬
‫ان الدولة باعتبارها الراعية لمواطنيها ومواطناتها‬
‫والمسؤولة على حمايتهم‪/‬هن احدثت على امتداد عقود شرخا‬
‫عميقا بينها وبين هذه الفئة وعمقت سياساتها وخياراتها من الهوة‬
‫بينهما‪ .‬فالمرأة الريفية الحاضرة في كل الخطابات السياسية‬
‫والبرامج االنتخابية وفي كل املحافل الوطنية والدولية‪ ،‬والتي مثلت‬
‫محورا وهدفا إلبرام تونس لعدة اتفاقيات دولية‪ ،‬هي ثروة بشرية‬
‫ّ‬
‫كبيرة لها من الطاقات ما يمكنها من خلق وتنمية الموارد‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وتمتاز بإمكانيات كبيرة على النمو‬
‫وتحقيق التوازن‪ .‬لكنها الى اليوم منزوعة الحقوق تفتقد للحماية‬
‫القانونية واالجتماعية والمعنوية والمادية‪ .‬بينها وبين الدولة‬
‫مسافات بعيدة ال نقدرها باألمتار وانما باإلرادة التي تجسدها‬
‫االفعال والمقاربات ومدى تفعيل الوعود والتواصل والحوار‪.‬‬

‫كنا قد وجهنا سؤاال للعامالت الفالحيات حول عالقتهن‬


‫بالدولة فكانت اجاباتهن في اغلبها تعكس قطيعة وغضبا واستياء‪.‬‬
‫‪ %42‬يعتبرنها عالقة عدم ثقة وخوف من املجهول‪ %01 ،‬يشعرن‬
‫باالستياء بسبب الوعود الكاذبة‪ %02 ،‬ال يعترفن بوجود عالقة‬
‫من اساسه‪ .‬فالدولة في مفهومها وتجلياتها وخصائصها الجغرافية‬
‫والتاريخية واالقتصادية واالجتماعية وبمؤسساتها وهياكلها‬
‫وافرادها وسلطاتها بدأت تفقد مصداقيتها ورمزيتها عند الكثيرين‬
‫منهم عامالت الفالحة‪ .‬غضب واستياء لم يأتي من فراغ وانما‬

‫‪006‬‬
‫ساهمت فيه الخيبات المتتالية واالزمات المتواترة وزادت من‬
‫ّ‬
‫حدته المعالجات الفاشلة لكبرى القضايا االجتماعية‪.‬‬

‫كيف ّ‬
‫تقي مين عالقتك بالدولة؟‬
‫‪10% 2%‬‬

‫‪21%‬‬ ‫‪40%‬‬

‫‪27%‬‬
‫عالقة ثقة وشعور باألمان‬ ‫عدم ثقة وخوف من املجهول‬
‫ال توجد عالقة اساس‬ ‫استياء بسبب الوعود الكاذبة‬
‫شعور بالالانتماء‬

‫كيف ّ‬
‫تقي مين عالقتك باملجتمع املدني واالعالم؟‬
‫‪13%‬‬

‫‪20%‬‬
‫‪49%‬‬

‫‪18%‬‬

‫عالقة ثقة بسبب دفاعهم عن قضايانا‬ ‫عالقة عدم ثقة‬


‫ال توجد عالقة اصال‬ ‫عالقة استياء بسبب التناول املوسمي لقضايانا‬

‫‪007‬‬
‫أما عن املجتمع المدني واالعالم فباكتساحهما للفضاءات‬
‫العامة والخاصة وقربهما من الميدان والتزام الكثير منهم بالقضايا‬
‫الحقوقية‪ ،‬وتبنيهم لعدة ملفات اجتماعية‪ ،‬وقيامهم بمبادرات‬
‫عدة عوضوا فيها الدولة ومؤسساتها‪ ،‬استطاعوا كسب ثقة‬
‫اصحاب الحقوق وأصبحوا يمثلون لهم سندا ومنفذا من منافذ‬
‫االمل‪ .‬فكانت االجابات في مجملها تحفز على المزيد من العمل‬
‫وتحمل كال الطرفين مسؤولية كبرى في معركة الحقوق والكرامة‪.‬‬

‫‪ .1‬توصيات الى الدولة‪:‬‬


‫على المستوى التشريعي‪:‬‬

‫‪ -‬مراجعة مجلة الشغل واحداث تعديالت على بعض الفصول‬


‫بما يجعلها مناسبة مع متطلبات المرحلة ومع االلتزامات الدولية‬
‫والوطنية لتونس في مجال حقوق االنسان‪ :‬تعديل الفصل ‪024‬‬
‫المتعلق بقيمة الخطايا المنجرة على مخالفة احكام بعض‬
‫الفصول االخرى ‪ +‬الغاء الفصل ‪ 54‬الذي يسمح بتشغيل االطفال‬
‫في المستغالت الفالحية ويفتح بابا للتأويل والتوظيف السلبي ‪+‬‬
‫الغاء الفوارق بين القطاعات في احكام الفصول خاصة المتعلقة‬
‫بحقوق النساء واالطفال في املجلة من خالل حذف عبارات "في‬
‫النشاط الفالحي‪ /‬في النشاط غير الفالحي) لتكريس المساواة بين‬
‫العملة والعامالت في الحقوق والواجبات في كل القطاعات مع‬
‫مراعاة بعض االختالفات المسموح بها حسب اهدافها‪.‬‬
‫‪008‬‬
‫‪ -‬االسراع بالمصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد‬
‫ّ‬
‫المتعلقة ّ‬
‫بتفقد الشغل في القطاع الفالحي‬ ‫‪109‬‬
‫‪ -‬تعديل االمر الحكومي عدد ‪ 204‬لسنة ‪ 0202‬الخاص بأساليب‬
‫تطبيق القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0219‬المتعلق بإحداث صنف نقل‬
‫خاص بالعملة والعامالت في القطاع الفالحي والتنصيص على‬
‫تمكين اصحاب وسائل النقل من امتيازات جبائية‪ .‬مع تحديد‬
‫تعريفة منخفضة للنقل تكون في شكل مرسوم أو قرار ّ‬
‫يحدد‬
‫ويحدد قيمة الخطايا المنجرة عن مخالفته‪.‬‬‫المبلغ ّ‬
‫‪ -‬الترفيع في قيمة االجر االدنى الفالحي بما يتالءم مع المتغيرات‬
‫االقتصادية واالجتماعية ويحفظ كرامة العاملة والعامالت‬
‫(‪ 1150‬مليم تعتبر زيادة هزيلة جدا)‬
‫‪ -‬تعديل قانون الضمان االجتماعي للعملة والعامالت في القطاع‬
‫الفالحي مع الغاء شرط الـ ـ‪ 45‬يوم عمل في الثالثية أو التخفيف‬
‫فيه بما يراعي ظروف العمل الفالحي وطبيعته الموسمية‪،‬‬
‫واحداث آلية جديدة لدعم الضمان االجتماعي لهذه الفئة (مثال‬
‫من خالل اقرار مساهمات من قطاعات اخرى لفائدة القطاع‬
‫الفالحي) وتعميم منافع الضمان االجتماعي على كل الفئات‬
‫العاملة واالجيرة سواء في القطاع العام أو القطاع الفالحي خاصة‬
‫في مسألة التأمين على الوفاة‪.‬‬

‫‪009‬‬
‫على المستوى المؤسساتي‪:‬‬

‫‪ -‬بعث مشاريع تنموية في المناطق الريفية والنهوض بوضعية‬


‫ّ‬
‫سكان االرياف وخلق مواطن شغل للشباب المعطل عن العمل‬
‫من خالل تطبيق برنامج التمكين االقتصادي لفائدة العائالت‬
‫المعوزة والفئات محدودة الدخل لما من شأنه أن يخفف العبء‬
‫على النساء في تلك االوساط ويحد من فرص استغاللهن‬
‫وتشغيلهن بطرق هشة‪.‬‬
‫‪ -‬تحسين وضعية المدارس والمؤسسات التربوية في االرياف‬
‫ّ‬
‫التسرب‬ ‫وتوفير نقل مدرس ي للمساهمة في الحد من ظاهرة‬
‫المدرس ي في صفوف الفتيات‪.‬‬
‫‪ -‬تعميم برنامج التعليم مدى الحياة في كل المناطق‬
‫والمعتمديات خاصة المناطق المعزولة واالرياف‪.‬‬
‫‪ -‬التحيين السنوي للدراسات ولنتائج المسوحات الميدانية من‬
‫قبل وزارة الفالحة والوزارات االخرى ونشرها على المواقع‬
‫الرسمية‪ ،‬وتسهيل النفاذ اليها إلحصاء ومعرفة عدد العملة‬
‫والعامالت ومتابعة كل ما يتعلق بالوضعية الشغلية وبأنظمة‬
‫الحماية االجتماعية وبطبيعة واصناف اليد العاملة المتوفرة‪.‬‬
‫هذا من شأنه أن يسهل عمل مؤسسات الدولة واملجتمع المدني‬
‫ويخلق قاعدة بيانات واضحة ويحدد مالمح القطاع والمتدخلين‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫‪ -‬تفعيل آليات الرقابة على المؤسسات الفالحية وعلى الحقول‬
‫والمستغالت الصغرى والكبرى وتكثيف الزيارات الميدانية‬
‫ألعوان تفقديات الشغل ورصد املخالفات ورفعها وتطبيق القانون‬
‫على املخالفين‪.‬‬
‫‪ -‬التكوين المتواصل والمستمر لموظفي وموظفات االدارات‬
‫العمومية والمصالح املختصة في القوانين وتمكينهم ‪/‬هن من‬
‫آليات تنفيذها لضمان الحد االدنى من التنسيق واالنسجام بين‬
‫المنظومة التشريعية (القوانين والبرامج) وبين االجهزة التنفيذية‬
‫(االدارات)‬
‫‪ -‬تمكين العامالت الفالحيات من شهادة تثبت ممارستهن للعمل‬
‫الفالحي‪ .‬وتعميم الشهادة على كل العامالت بقطع النظر عن‬
‫االستقرار في مستغلة واحدة من عدمه‪ .‬هذه الشهادة يجب ان‬
‫تقدم لكل من تعمل في الفالحة أو في جمع املحار والصيد بقطع‬
‫النظر عن الرغبة في التسجيل في الضمان االجتماعي من عدمه اذ‬
‫يمكن استغاللها كخطوة لحصر عدد الي العاملة الفالحية ودليل‬
‫لالعتراف بها في سلسلة القطاع‪.‬‬
‫‪ -‬احداث برامج للنهوض بالقطاع الفالحي ودعم صغار الفالحين‬
‫بالحوافز والتشجيعات وتنظيم هيكلة القطاع والمنظومات‬
‫المكونة له للقطع مع الظواهر واالزمات التي أنهكت الفالح ودمرت‬
‫منظومة االنتاج والتسويق والتصدير‪.‬‬

‫‪010‬‬
‫‪ -‬تفعيل خاليا االرشاد الفالحي واستعادة دورها االستشاري‬
‫ومرافقتها للفالحين خاصة الذين ال خبرة لهم في املجال نظرا لما‬
‫لها من دور هام في تأهيل الفالحين وتوعيتهم في كيفية التصرف في‬
‫االزمات وتفاديها‪.‬‬
‫‪ -‬تكوين اليد العاملة في القطاع الفالحي وتمكينها من مهارات‬
‫ومعارف في كل ما يخص االنشطة الفالحية وكيفية استعمال‬
‫االدوية والمبيدات والتوقي من االصابات باألمراض‪ ،‬واتباع‬
‫اجراءات السالمة المهنية‪.‬‬
‫‪ -‬تفعيل االقتصاد االجتماعي والتضامني وتكوين الراغبات في‬
‫احداث مشاريع وتمكينهن من حوافز مالية وتسهيالت اجرائية‬
‫وتخفيف شروط احداث المشاريع خاصة فيما يتعلق بمسألة‬
‫توفير المقرات وتسهيل الحصول عليها‪.‬‬
‫‪ -‬المزيد من التنسيق والتواصل بين الوزارات المتدخلة في‬
‫القطاع الفالحي وفي وضعية العاملة فيه‪ .‬والقطع مع القرارات‬
‫االرتجالية والبرامج الفضفاضة من اجل تمكين فعلي للنساء في‬
‫الوسط الريفي والعامالت الفالحيات‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم مجلس وزاري لوضع استراتيجية عمل تخص ملف‬
‫العامالت الفالحيات وتحديد المهام واالولويات ثم المواظبة على‬
‫انعقاده سنويا لمتابعة الخطة وتقييمها وتعديلها‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫‪ -‬ادراج وتشريك الناقلين (الوسطاء) ممن يرغبون في ذلك‪،‬‬
‫كن نساء‪ ،‬في ايجاد حل لمسألة النقل يكون في شكل‬ ‫خاصة إذا ّ‬
‫شركة تعاونية ذات صفة قانونية مهمتها نقل العامالت وتوفير‬
‫اليد العاملة للفالحين بطريقة الئقة وبمنطق الخدماتي بعيدا عن‬
‫االستغالل ومخالفة القوانين‪ .‬هذا المقترح نابع من تجربة ميدانية‬
‫وصادر عن مجموعة من العامالت في احدى معتمديات والية نابل‪.‬‬
‫حيث أن الوسيطة التي تقوم بعملية نقلهن للحقول بشكل يومي‬
‫يعتبرنها مثاال ناجحا المرأة كسرت القاعدة وقطعت مع الصورة‬
‫النمطية للوسيط‪ ،‬واصبحت صوتهن المدافع عن حقوقهن‬
‫والمفاوض عن اجورهن أمام الفالحين‪ ،‬ال تقتطع لهن معلوم‬
‫النقل بل يقوم الفالح بخالصها بعيدا عن أجرة العامالت‪ .‬الش يء‬
‫ّ‬
‫تجمعهن بها عالقة‬ ‫الذي خلق لديهن نوعا من الثقة واصبحت‬
‫وطيدة‪ .‬وفي لقاءنا بها اعربت عن رغبتها في احداث مشروع يكون‬
‫نموذجا ّ‬
‫مشعا ودافعا لبقية النساء ممن ترى في نفسها القدرة على‬
‫تحمل المسؤولية وتعزيز روح التضامن النسوي في كل املجاالت‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وكذلك بالنسبة للنساء جامعات املحار في معتمدية جبنيانة من‬
‫والية صفاقس ومنطقة بوغرارة من والية مدنين الالتي يرغبن في‬
‫انشاء مشاريع في إطار االقتصاد االجتماعي والتضامني والحد من‬
‫هيمنة الوسيط واستغالله لهن‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫‪ .2‬توصيات للمجتمع المدني والهياكل النقابية‪:‬‬
‫‪ -‬تعزيز قدرات النساء العامالت في القطاع الفالحي في التواصل‬
‫والتفاوض وتمكينهن من اآلليات القانونية الوطنية والدولية‬
‫للدفاع عن حقوقهن والتصدي لالنتهاكات بأنواعها‪.‬‬
‫‪ -‬مرافقة العامالت ومتابعة وضعياتهن والتعهد بضحايا العنف‬
‫الالتي يتم كشفها وتمكينها من مرافقة قانونية ونفسية‪.‬‬
‫‪ -‬تكثيف العمل الميداني والزيارات الميدانية وتوثيق االنتهاكات‬
‫ورصدها ومتابعتها وفضحها‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم حمالت توعوية لفائدة النساء العامالت في القطاع‬
‫الفالحي في الحقوق االقتصادية واالجتماعية ورفع من مستوى‬
‫الوعي بالحقوق لديهن من خالل النفاذ الى المنطق الريفية‬
‫واالحتكاك مباشرة بهن أو بالتنسيق وعقد شراكات مع‬
‫المؤسسات التابعة لوزارة الشؤون االجتماعية على غرار مصالح‬
‫النهوض االجتماعي ومصالح تعليم الكبار‪.‬‬
‫‪ -‬المساندة الميدانية للعامالت في احتجاجاتهن ومسيراتهن‬
‫وتأطيرهن وتوفير الدعم اللوجستي والمعنوي لهن‪.‬‬
‫‪ -‬توسيع وتقوية حمالت المناصرة الرامية الى تمكين النساء في‬
‫الوسط الريفي من حقهن في االرث على غرار مبادرة جمعية "دعم‬
‫المبدرات في القطاع الفالحي ‪"AISA‬‬

‫‪011‬‬
‫‪ -‬إطالق حملة مناصرة واسعة والتشبيك بين المنظمات‬
‫والجمعيات الوطنية والجهوية واملحلية من اجل تعديل القوانين‬
‫أو احداث قوانين جديدة وايجاد آليات ناجعة للنهوض بوضعية‬
‫العامالت الفالحيات‪.‬‬
‫‪ -‬تشريك العامالت في الملتقيات والحوارات واالخذ بمقترحاتهن‬
‫وتحسينها وبلورتها في شكل ورقات سياسية تحتوي على حلول‬
‫منطقية وقابلة للتنفيذ ومناصرتها بكل االليات الممكنة‪.‬‬
‫‪ -‬على وسائل االعالم بأنواعها أن تراعي في اعمالها وحواراتها‬
‫وريبرتاجاتها وطريقة طرحها لقضايا العامالت الفالحيات مقاربة‬
‫حقوقية متوازنة تسلط الضوء على قيمة العمل الفالحي النسوي‬
‫وعلى ضرورة القضاء على كل اشكال التمييز‪ .‬كما يجب أن تقطع‬
‫مع الصورة النمطية للمرأة المستضعفة التي تزيد من تعميق‬
‫الهشاشة وتحول وجهة التعاطي مع حقوق الفئة وتدرجها في خانة‬
‫الفئات المعوزة‪.‬‬
‫‪ -‬على االتحاد العام التونس ي للشغل تعميم تجربة النقابات‬
‫وتأطير العامالت وعضوات النقابات االساسية التي تأسست‬
‫وتمكينهن من آليات التفاوض والتواصل وتعزيز قدراتهن‪ ،‬وحث‬
‫العامالت في كل البالد على االنخراط في النقابات مع مراعاة‬
‫خصوصياتهن فيما يتعلق بمسالة االشتراكات‪.‬‬

‫‪015‬‬
‫‪ -‬على االتحاد التونس ي للفالحة والصيد البحري تطبيق احكام‬
‫ومقتضيات االتفاقية المشتركة االطارية في القطاع الفالحي وحث‬
‫منظوريهم على احترام بنودها والقطع مع الممارسات التي ساهمت‬
‫في تردي وضعية القطاع ووضعية اليد العاملة فيه‪.‬‬

‫‪016‬‬
‫ان هذه الدراسة‪ ،‬وان كانت في جانب كبير منها منحازة‬
‫محددة من فئات املجتمع على اعتبارها أضعف‬ ‫لحقوق فئة ّ‬
‫الحلقات واكثرها هشاشة في القطاع الفالحي‪ ،‬اال أنها تحمل في‬
‫طياتها تنبيهات من تداعيات ما تمر به العامالت الفالحيات من‬
‫مشاكل على القطاع ومستقبله ومستقبل االقتصاد الوطني وعلى‬
‫السيادة واألمن الغذائيين‪ .‬اذ ال بد من الوقوف اليوم وقفة جادة‬
‫وناجعة أمام سيل االنتهاكات التي تتعرض لها اليد العاملة‬
‫النسوية في كل القطاعات أوال‪ ،‬وأمام التمييز المسلط على الفئات‬
‫العمالية في قطاعات دون االخرى ثانيا‪ ،‬وأمام التخريب والتفكيك‬
‫الممنهج للقطاع الفالحي وارادة تدميره ثالثا‪.‬‬
‫ان طرح قضية عامالت القطاع الفالحي هو طرح لقضايا‬
‫الحركات االجتماعية والمدنية ونضاالتها ضد التمييز واالقصاء‬
‫والالعدالة االجتماعية‪ .‬وهو ايضا طرح لمدى انسجام وضعية‬
‫حقوق االنسان في تونس اليوم مع ترسانة االلتزامات الدولية‬
‫والوطنية في دولة الريادة والسبق االقليمي والقاري في مجال‬
‫الحقوق والحريات‪ .‬كما تكشف وضعية القطاع الفالحي‬
‫وتداعياتها االقتصادية واالجتماعية المباشرة والغير مباشرة‬
‫استنفاذ المنوال التنموي الحالي لكل فرص الصمود والمقاومة‪،‬‬
‫‪017‬‬
‫وتدق نواقيس الخطر من اجل تغيير السياسات المتبعة وتركيز‬
‫خطط انقاذ ناجعة عاجلة واخرى بعيدة المدى لتكريس حقوق‬
‫االجيال الحالية وحماية حقوق االجيال القادمة‪.‬‬
‫ختاما‪ ،‬نأمل أن تكون هذه الدراسة وبقية الدراسات التي‬
‫انجزت في سياق االهتمام والمناصرة للعامالت الفالحيات‪ ،‬حافزا‬
‫لنا جميعا افرادا وهياكل وجماعات لمزيد من العمل والبحث‬
‫ُ‬
‫والرصد والتفكير‪ ،‬وأن تلحق بأعمال اخرى أكثر عمقا واحترافية‪،‬‬
‫تتوج بحمالت مناصرة واسعة وفعالة وبمقترحات نافذة‬ ‫وأن ّ‬
‫وقابلة للتطبيق‪ .‬كما نأمل أن ّ‬
‫تتوحد كل الجهود‪ ،‬وأن تلتقي كل‬
‫القوى المدنية واالجتماعية والسياسية على اختالف تصوراتها‬
‫وتمثالتها في تحالف واسع هدفه النهوض بوضعية القطاع الفالحي‬
‫وهيكلته وانصاف اليد العاملة وفق مبادئ المساواة والعدالة‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪018‬‬
‫الدراسات والوثائق االدارية‪:‬‬
‫‪ -‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول‬
‫متابعة الموسم الفالحي (المرحلة الثانية) ‪ 0215-0214‬صادر في‬
‫مارس‪0216‬‬
‫‪ -‬االدارة العامة للدراسات والتنمية الفالحية‪ .‬االستقصاء حول‬
‫متابعة الموسم الفالحي ‪ 0211-0212‬صادر في اكتوبر ‪0219‬‬
‫(بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة)‬
‫‪" -‬من اجل ضمان حق النساء في الوصول الى االرث في الوسط‬
‫الريفي" دراسة لجمعية دعم المبادرات في القطاع الفالحي‬
‫ديسمبر ‪0202‬‬
‫‪" -‬النساء العامالت بحقول االستالب زمن الكورونا‪ ،‬ذكورية‬
‫الفضاء والهيمنة المزدوجة‪ ،‬رضا كارم في إطار كراسات المنتدى‬
‫التونس ي للحقوق االقتصادية واالجتماعية‬
‫‪" -‬تحسين توظيف واستبقاء العامالت في القطاع الفالحي في‬
‫تونس عبر تحسين ظروف التنقل في العربات"‪ ،‬دراسة االتحاد‬
‫العام التونس ي للشغل اكتوبر ‪0202‬‬

‫‪019‬‬
‫‪" -‬المرأة العاملة في القطاع الفالحي بسيدي بوزيد بين الحق‬
‫واالنتهاك"‪ ،‬جمعية الحراك الثقافي بالرقاب‪ ،‬مارس ‪0216‬‬
‫‪" -‬المرأة العاملة بالقطاع الفالحي في تونس بين تحقيق التنمية‬
‫واصالح ظروف العمل"‪ ،‬رضوان الفطناس ي‬
‫‪" -‬الوضع الصحي للمرأة العاملة في الوسط الريفي‪ :‬الواقع‬
‫والتحديات" دراسة االتحاد الوطني للمرأة سنة ‪0211‬‬
‫‪ -‬التقرير السنوي للمندوبية الجهوية للتنمية الفالحية بالمهدية‬
‫لسنة ‪0219‬‬
‫‪ -‬إحصائيات وزارة الداخلية حول حوادث نقل العامالت في‬
‫القطاع الفالحي منذ ‪ .0215‬تحصلنا عليها بتاريخ ‪ 00‬جويلية‬
‫‪ 0200‬بموجب مطلب نفاذ الى المعلومة‬

‫القوانين واالتفاقيات‪:‬‬
‫‪ -‬القانون عدد ‪ 02‬لسنة ‪ 1966‬المتعلق بإصدار مجلة الشغل‬
‫‪ -‬االمر الرئاس ي عدد ‪ 261‬لسنة ‪ 0200‬المتعلق بتحديد األجر‬
‫األدنى الفالحي المضمون‬
‫‪ -‬القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0219‬المتعلق بإحداث صنف نقل‬
‫خاص بالعملة والعامالت في القطاع الفالحي واالمر الترتيبي عدد‬
‫‪ 204‬لسنة ‪ 0202‬المتعلق بأساليب تطبيق القانون سالف الذكر‬

‫‪011‬‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪ 0212‬المتعلق بالقضاء‬
‫على العنف ضد المرأة‬
‫‪ -‬االعالن العالمي لحقوق االنسان المادة ‪1‬‬
‫‪ -‬الفصل االول من الباب األول من القانون عدد ‪ 61‬لسنة ‪0216‬‬
‫المتعلق بمنع االتجار باألشخاص‬
‫‪ -‬مجلة الشغل‪ :‬الفصل األول من باب األحكام العامة‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 24‬من القانون عدد ‪ 22‬لسنة ‪ 1962‬المتعلق بتنظيم‬
‫أنظمة الضمان االجتماعي‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 1‬من القانون عدد ‪ 20‬لسنة ‪ 0220‬المتعلق بنظام‬
‫الضمان االجتماعي لبعض االصناف من العملة في القطاعين‬
‫الفالحي وغير الفالحي‬

‫‪010‬‬
011

You might also like