You are on page 1of 11

‫‪ 

‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫األول من كتابات القدّ يس أغوسطينوس‬
‫الكتاب ّ‬

‫‪ ‬‬
‫توطئة‬
‫عن مدينة هللا المجيدة‪ ،‬في رحلتها ال ّدنيويّة حيث تسير وسط األثمة و"بإيمانها تحيا"*‪ ،‬أو في‬
‫ثبات مستقرّها األبديّ الّذي "بالصّبر تنتظره"* "إلى أن يعود القضاء إلى الع‪%%‬دل"*‪ ،‬فتنال‪%%‬ه بف‪%%‬ائق‬
‫برّها في نصر نهائيّ وسالم تا ّم‪ ،‬اعتزمت ال ّدفاع كما وعدتك يا بنيّ مركلّين‪%%‬وس العزي‪%%‬ز في ه‪%%‬ذا‬
‫الكتاب الّذي بدأت‪ #‬تأليفه ض ّد من يؤثرون على مؤسّسها آلهتهم؛ وهو عمل عظيم وعسير ولكنّ‬
‫"هللا معتصم‪ %‬لنا"*‪ .‬إذ أعلم إلى أيّة قوى جبّارة أحتاج ألثبت للمتكبّرين عظم‪%%‬ة فض‪%%‬يلة ال ّتواض‪%%‬ع‪،‬‬
‫الزمان الرّفعة الحقيقيّة الّتي لم‬ ‫الّذي به تسمو فوق‪ %‬ك ّل المعالي ال ّدنيويّة المتقلّبة الخاضعة لحركيّة ّ‬
‫ومؤس‪%‬س تل‪%%‬ك المدين‪%%‬ة الّ‪%‬تي‬ ‫ّ‬ ‫يختلسها الكبْر البشريّ ب‪%‬ل منحته‪%%‬ا ال ّنعم‪%‬ة اإلله ّي‪%%‬ة‪ .‬فق‪%%‬د كش‪%%‬ف مل‪%‬ك‬
‫اعتزمن‪%%‬ا الح‪%%‬ديث عنه‪%%‬ا لش‪%%‬عبه في الكت‪%%‬اب المق‪ّ %‬دس حكم ال ّن‪%%‬اموس اإللهيّ ‪" :‬هللا يق‪%%‬اوم المتك ّب‪%%‬رين‬
‫ويعطي ال ّنعمة للمتواضعين"*‪ %.‬هذا الفضل الّذي هو هلل‪ ،‬تريد ال ّنفس المنتفخة كبرا انتحال‪%%‬ه وتحبّ‬
‫أن ُتحمد به ويقال إ ّنها "تعفي الخاضعين و ُترضخ المتكبّرين"*‪ .‬لذا يجب أالّ نغفل مدين‪%%‬ة األرض‬
‫الس‪%‬يطرة‪،‬‬ ‫الش‪%‬عوب‪ ،‬تحت س‪%‬يطرة حبّ ّ‬ ‫بالس‪%‬يطرة‪ ،‬تق‪%‬ع هي نفس‪%‬ها‪ ،‬وإن أخض‪%‬عت ّ‬ ‫الّتي لهوسها‪ّ %‬‬
‫وأن نقول ما يقتضي موضوع‪ %‬هذا الكتاب الّذي شرعنا‪ #‬وتسمح به قدرتنا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ّ‬
‫‪ 1-1‬في أعداء اسم المسيح الذين أعفاهم البرابرة عند نهب المدينة مراعاة السم المسيح‬
‫من هذه المدينة فعال يأتي الخصوم الّذين يجب ال ّدفاع عن مدينة هللا ض ّدهم‪ .‬ومع أنّ كث‪%%‬يرين‬
‫الص‪%‬الح‪ ،‬إالّ أنّ‬
‫منهم‪ ،‬بعد إصالح خطإ الكفر‪ ،‬يص‪%%‬يرون فيه‪%%‬ا مواط‪%%‬نين على درج‪%%‬ة كب‪%%‬يرة من ّ‬
‫كثيرين يتميّزون‪ %‬حقدا عليها‪ ،‬ويجحدون‪ %‬أنعم فاديها الجليّة‪ ،‬ح ّتى أ ّنهم ما ك‪%%‬انوا ليحرّك‪%%‬وا‪ %‬ألس‪%%‬نتهم‪%‬‬
‫الس‪%‬المة الّ‪%%‬تي‬ ‫بذمّها ل‪%%‬و لم يج‪%%‬دوا عن‪%%‬د ف‪%%‬رارهم‪ %‬من س‪%%‬يوف األع‪%%‬داء في حرم‪%%‬ة بقاعه‪%%‬ا المق ّدس‪%%‬ة ّ‬
‫يتباهون اآلن بها‪َ .‬أولم يُعف البرابرة أولئك الرّوم‪%%‬ان ش‪%%‬انئي اس‪%%‬م المس‪%%‬يح مراع‪%‬اة الس‪%%‬م المس‪%%‬يح‬
‫شهداء ومشاهد‪ %‬الرّسل*‪ %‬الّتي آوت ذويها واألغراب الالّج‪%%‬ئين إليه‪%%‬ا‬ ‫تحديدا؟ تشهد بذلك مزارات ال ّ‬
‫بال تمييز أثناء نكبة المدينة*‪ .‬إلى أعتابها كان الع‪%%‬دوّ ينش‪%%‬ر ال‪ّ %‬دمار بوحش‪%‬يّة‪ ،‬وهن‪%%‬ا وج‪%%‬دت حميّ‪%‬ا‬
‫ال ّتقتيل ح ّدها‪ ،‬إلى هنا كان يقود أعداء انقلبوا رحماء من أعفوهم كذلك خ‪%%‬ارج تل‪%%‬ك األم‪%%‬اكن كيال‬
‫يقعوا في قبضة آخرين ال يتحلّون بنفس الرّ حمة‪ .‬كان نفس أولئك الّ‪%%‬ذين يعيث‪%%‬ون فتك‪%%‬ا على ع‪%%‬ادة‬
‫الحرب خارجها يأتونها‪ %‬فيحرّمون فيها على أنفسهم ما يحلّه قانون الحرب كابحين وحش‪%‬يّة القت‪%‬ال‬
‫وكابتين رغبة األسر‪ .‬هكذا نجا كثيرون يذمّون اآلن عصر المسيحيّة وينسبون للمسيح م‪%%‬ا ع‪%%‬انت‬
‫وأولى‪ %‬بهم‪ ،‬ل‪%%‬و ك‪%%‬انوا‬ ‫المدينة من ويالت‪ ،‬لك ّنهم ال ينسبون الفضل في بقائهم لمسيحنا بل لقدرهم‪ْ ،‬‬
‫يعقلون‪ ،‬أن ينسبوا المحن القاسية والممضّة الّتي عانوا من األعداء إلى ال ّتدبير اإللهيّ ال‪%%‬ذي دأب‬
‫ّ‬
‫بالثن‪%%‬اء بتل‪%%‬ك‬ ‫والحريّة ّ‬
‫َ‬ ‫على إصالح وعقاب مفاسد البشر بالحروب‪ ،‬وعجم حياة األبرار‪ %‬الصّالحة‬
‫أخ‪ %‬ر‪ .‬ك‪%%‬ان أح‪%%‬رى بهم‬ ‫مقام أرقى وأبقى أو يستبقيها على هذه األرض لمهمّات َ‬ ‫المحن لينقلها إلى ٍ‬
‫أن ينسبوا‪ %‬للعصور المسيحيّة إعف‪%%‬اء براب‪%%‬رة س‪ّ %‬فاحين لهم خالف‪%%‬ا ألع‪%%‬راف الح‪%%‬رب مراع‪%%‬اة الس‪%%‬م‬
‫المسيح في ش ّتى األماكن أو في مآو آمنة فسيحة مكرّسة السم المسيح اختيرت إلي‪%%‬واء حش‪%%‬ود‪ %‬من‬
‫الالّجئين لمعاملتهم برحم‪%%‬ة متناهي‪%%‬ة‪ ،‬ومن ث ّم يحم‪%%‬دوا هللا ويه ّب‪%%‬وا‪ %‬ص‪%%‬ادقي الع‪%%‬زم فينض‪%%‬ووا ليق‪%%‬وا‬
‫أنفسهم عذاب ال ّنار األبديّة تحت اسمه‪ -‬ذاك االسم الّذي انتحله كث‪%%‬يرون منهم زورا ليق‪%%‬وا أنفس‪%%‬هم‬

‫‪1‬‬
‫عذاب البليّة الحاضرة‪ .‬فما كان كثيرون ممّن نراهم اليوم يسبّون بس‪%%‬فاهة وص‪%%‬فاقة خ‪ّ %‬دام المس‪%%‬يح‬
‫لينجوا من ذلك الهالك والرّدى‪ %‬المحتوم‪ %‬لو لم ينتحلوا‪ %‬صفة خ ّدام المسيح‪ .‬والي‪%%‬وم ه‪%%‬ا هم في ك ْب‪%%‬ر‬
‫الظلم‪%‬ات األبديّ‪%‬ة عقاب‪%‬ا‪،‬‬ ‫كنود وسُعر كفور يص ّدون عن اس‪%‬مه زائغ‪%%‬ة أفئ‪%‬دتهم عن اله‪%%‬دى لين‪%%‬الوا ّ‬
‫نيوي ّ‬
‫الزائل‪.‬‬ ‫بعدما فزعوا إليه قوال بأفواههم ورياء لينعموا بال ّنور ال ّد ّ‪%‬‬
‫‪ ‬‬
‫ّ‬
‫‪ 1-2‬في أنّ ال ّناس لم يخوضوا الحروب قط ليعفي الغالبون المغلوبين مراعاة آللهتهم‬
‫أخبار الحروب العديدة الّتي اندلعت قبل تأسيس رومية أو بعد نشأتها وبسط‪ %‬نفوذه‪%%‬ا مدوّ ن‪%%‬ة‪،‬‬
‫فليقرؤوها‪ %‬وليُظهروا‪ %‬أيّة مدينة غزاه‪%%‬ا أع‪%%‬داء أج‪%%‬انب‪ ،‬ف‪%%‬أعفى الغ‪%%‬زاة* من وق‪%%‬ع في قبض‪%%‬تهم من‬
‫األهالي الالّجئين إلى معابد آلهتهم‪ ،‬أو قائدا بربر ّيا‪ %‬أوع‪%%‬ز ب‪%%‬أالّ يُمسّ أح‪%%‬د بع‪%%‬د اقتح‪%%‬ام‪ %‬المدين‪%%‬ة إن‬
‫يلطخ الموق‪%%‬د الّ‪%%‬ذي أش‪%%‬عل‬ ‫وُ جد في هذا المعبد أو ذاك‪ .‬ألم ير أيناس برياموس‪ %‬في الهيكل "ودم‪%%‬ه ّ‬
‫الس‪%‬امق‬ ‫وأوديس‪%‬يوس‪" %‬بع‪%%‬دما ذبح‪%%‬ا ح‪%%‬رس الحص‪%%‬ن ّ‬ ‫ّ‬ ‫بيده ناره المق ّدسة"*؟ أولم يمس‪%%‬ك ديومي‪%%‬دس‪%‬‬
‫ّ‬
‫ال ّتمثال المق ّدس‪ ،‬ولم يتو ّرعا عن وضع أيديهما الملطخة بال ّدماء على ش‪%%‬رائط اإلله‪%%‬ة الع‪%%‬ذراء"*؟‬
‫لكن غير صحيح ما يلي‪" :‬منذ تلك اللّحظة انهارت واض‪%%‬محلّت آم‪%%‬ال اليون‪%%‬ان"*‪ ،‬فالحق‪%%‬ا غلب‪%%‬وا‪،‬‬
‫الحقا محقوا طروادة بالحديد‪ %‬وال ّنار‪ ،‬الحقا ضربوا عن‪%%‬ق بري‪%%‬اموس‪ %‬بع‪%%‬دما لج‪%%‬أ إلى المعب‪%%‬د‪ ،‬وم‪%%‬ا‬
‫أحرس ‪%‬ها ُت‪%%‬رى؟ ذاك‬‫َ‬ ‫هلكت طروادة إذن لفقدان مينرفة‪ .‬فماذا‪ %‬فقدت مينرفة لتهل‪%%‬ك هي األخ‪%%‬رى؟‬
‫لعمري صحيح إذ أمكن بعد قتلهم أخذها من معبدها‪ :‬فما كان صنمها يحفظ البشر بل كان البش‪%%‬ر‬
‫يحفظون الصّنم‪ .‬كيف كانت ُتعب‪%%‬د إذن لتح‪%%‬رس ال‪%%‬وطن والمواط‪%%‬نين وهي لم تس‪%%‬تطع‪ %‬أن تح‪%%‬رس‬
‫ح ّتى حرسها؟‪%‬‬
‫‪ ‬‬
‫الرومان في ظ ّنهم بأنّ آلهة المدينة الّتي لم تستطع حماية طروادة ستنفعهم‬ ‫تهور ّ‬‫‪ 1-3‬مدى ّ‬
‫لمثل هذه اآللهة وكل الرّومان فرحين حماية مدينتهم!‪ %‬فأيّ خطإ يثير الرّ ثاء! ث ّم هم يستشنعون‪%‬‬
‫أن نقول عن آلهتهم هذه الحقائق‪ ،‬وال يستشنعون أقوال ك ّتابهم الّذين بالعكس ي‪%%‬دفعون أج‪%%‬را لتعلّم‬
‫حكومي وتشريفات رس‪%‬ميّة‪ .‬فعن‪%‬د فرجيلي‪%%‬وس‪%‬‬ ‫ّ‪%‬‬ ‫ما كتبوا‪ ،‬ويعتبرون معلّميهم جديرين أيضا براتب‬
‫الغض‪%‬ة المتش‪%‬بّعة به‪%%‬ذا‬‫ّ‬ ‫الّ‪%%‬ذي يق‪%%‬رأه ص‪%%‬بيانهم‪ -‬ب‪%%‬ال ّتحقيق كيال يمح‪%%‬و ال ّنس‪%%‬يان ذك‪%%‬راه من نفوس‪%%‬هم‬
‫"الزجاج‪%%‬ة الجدي‪%%‬دة‬ ‫شاعر العظيم األشهر واألفض‪%‬ل‪ %‬من ك‪ّ %‬ل اآلخ‪%%‬رين‪ ،‬وف‪%‬ق‪ %‬بيت هوراتي‪%%‬وس‪ّ %:‬‬ ‫ال ّ‬
‫الطرواديّين تحرّ ض ض‪ّ %%‬دهم‬ ‫تحفظ العطر المسكوب فيها طويال"*‪ -‬نرى يونون في غضبها على ّ‬
‫أيليوس ملك الرّياح قائلة‪" :‬أمّة عدوّ ة لي تمخر سفينتها البح‪%%‬ر الترّي‪%%‬نيّ حامل‪%%‬ة معه‪%%‬ا إلى إيطالي‪%%‬ة‬
‫إليوم وآلهتها الهزيمة"*‪ .‬أفلتلك اآلله‪%%‬ة الهزيم‪%%‬ة ك‪%%‬ان يح‪%%‬رو بعقالء أن يكل‪%%‬وا رومي‪%%‬ة كيال ت‪%%‬ذوق‬
‫طعم الهزيمة؟‬
‫ّ‬
‫لكن قد يقال إنّ يونون كانت تتكلم كامرأة غضبى ال تعي م‪%%‬ا تق‪%%‬ول‪ ،‬أفال يق‪%%‬ول أين‪%%‬اس نفس‪%%‬ه‬
‫شاعر مرارا بال ّتقيّ ‪" :‬بنثوس اُألثريسيّ نفسه‪ ،‬كاهن الحص‪%%‬ن وفويب‪%%‬وس‪ %،‬يحم‪%%‬ل في‬ ‫الّذي ينعته ال ّ‬
‫الص‪%‬غير ويج‪%%‬ري في هل‪%%‬ع نح‪%%‬و ب‪%%‬اب المعب‪%%‬د"*؟ أال‬ ‫يده المق ّدسات واآللهة الهزيمة ويج‪ّ %‬ر حفي‪%%‬ده ّ‬
‫يخبرنا أنّ تلك اآللهة الّتي ال يتر ّدد في نعتها بالهزيم‪%%‬ة في عهدت‪%%‬ه ال العكس‪ ،‬ل ّم‪%%‬ا يق‪%%‬ول مخاطب‪%%‬ا‬
‫نفسه‪" :‬لك تكِل طروادة مق ّدساتها وآلهته‪%%‬ا"*؟ إذن إن ك‪%%‬ان فرجيلي‪%%‬وس ي‪%‬دعو تل‪%‬ك األص‪%‬نام آله‪%%‬ة‬
‫وهزيمة ويخبرنا أ ّنها وُ كلت لبشر لتنجو بنحو ما بصفتها مغلوب‪%%‬ة‪ ،‬ف‪%%‬أيّ خب‪%%‬ل تص‪%%‬وّ ر أنّ رومي‪%%‬ة‬
‫وُ كلت بحكمة إلى مثل أولئك الوكالء‪ ،‬وأ ّنها ال يمكن أن تدمَّر ما لم تفقدهم؟ ب‪%%‬ل ه‪%%‬ل إجالل آله‪%%‬ة‬
‫مغلوبة كنصراء وحماة سوى االعتماد على صكوك س‪%‬يّئة ال آله‪%%‬ة ج ّي‪%%‬دة*؟ فب‪%%‬دال من تص‪%%‬وّ ر‪ %‬أنّ‬
‫رومية ما كانت ل ُتمنى بهذا ال ّدمار لو لم تهلك قب‪ُ %‬ل تل‪%%‬ك اآلله‪%%‬ة‪ ،‬كم أحك ُم االعتق‪%%‬اد ب‪%%‬األحرى‪ %‬ب‪%%‬أنّ‬
‫تلك اآللهة كانت ستهلك حتما منذ أمد لو لم تحفظه‪%%‬ا رومي‪%%‬ة ق‪%%‬در إمكانه‪%%‬ا! من ال ي‪%%‬رى إذن عن‪%%‬د‬
‫االعتبار مدى سخف ظ ّنها أ ّنها لن ُتغلب وهي في عهدة حماة مغلوبين‪ ،‬وأ ّنها هلكت أل ّنه‪%%‬ا فق‪%%‬دت‬
‫آلهتها الحارسة‪ ،‬بينما يكفي سببا لهالكها إرادتها ا ّتخاذ أشياء آيلة إلى الهالك حماة؟ إذن فقد ك‪%%‬ان‬
‫شعراء وهم يكتبون عن اآللهة الهزيمة تلك األبي‪%%‬ات‪ ،‬ال ش‪%%‬عراء يس‪%%‬تهويهم زخ‪%%‬رف الك‪%%‬ذب ب‪%%‬ل‬ ‫ال ّ‬
‫أناسا صادقين تف‪%%‬رض عليهم الحقيق‪%‬ة االع‪%%‬تراف به‪%%‬ا‪ .‬لكن س‪%%‬يت ّم البحث في ه‪%%‬ذه المس‪%%‬ائل بعناي‪%%‬ة‬

‫‪2‬‬
‫وإسهاب في موضع‪ %‬آخر أنسب‪ ،‬أمّا اآلن فسأنهي‪ %‬بعجل قدر المستطاع ما كنت أع‪%%‬تزم قول‪%%‬ه عن‬
‫أولئك الجاحدين الّذين في كفرهم يعزون للمسيح م‪%%‬ا يقاس‪%%‬ون من ويالت ج‪%%‬زاء وفاق‪%%‬ا على فس‪%%‬اد‪%‬‬
‫‪%‬نزلون ح ّتى لمالحظت‪%%‬ه‪،‬‬ ‫شدائد بفض‪%%‬ل المس‪%%‬يح‪ ،‬فال يت‪ّ %‬‬ ‫أخالقهم‪ .‬أمّا أ ّنهم ُنجّوا رغم ذلك من تلك ال ّ‬
‫وال ينف ّكون في غيّهم المسعور‪ ،‬يسلقون اسمه بألسنتهم الّ‪%%‬تي انتحل‪%%‬وا به‪%%‬ا نفس ذل‪%%‬ك االس‪%%‬م لحف‪%%‬ظ‬
‫حياتهم وك ّفوها خوفا في تلك البق‪%%‬اع المكرّس‪%%‬ة ل‪%%‬ه‪ ،‬لحف‪%%‬ظ س‪%%‬المتهم وكيال ين‪%%‬الهم هن‪%%‬اك من الع‪%%‬دا‬
‫مكروه‪ ،‬ح ّتى إذا خرجوا منها قذفوه بال ّ‬
‫شتائم العدائيّة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الرس‪::‬ل حمت من‬ ‫يحم أحدا من اليون‪:‬ان وكن‪:‬ائس ّ‬ ‫‪       1-4 1-4‬معبد يونون في طروادة لم ْ‬
‫البرابرة كل ّ من لجؤوا إليها‬
‫شعب الرّومانيّ ‪ ،‬لم تستطع كما قلت بمعابد آلهتها حماية أهاليها من ن‪%%‬ار‬ ‫طروادة نفسها‪ ،‬أ ّم ال ّ‬
‫وأوديس‪%‬يوس ال‪ّ %‬رهيب كان‪%%‬ا يحتفظ‪%%‬ان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وحديد اليونان وهم يعبدون نفس اآلله‪%%‬ة‪ .‬ب‪%%‬ل إنّ "ف‪%%‬ونكس‬
‫حارسيْن مختارين‪ ،‬بالغنائم في معبد يونون‪ .‬هن‪%%‬اك ُك ّدس‪%%‬ت كن‪%%‬وز‪ %‬ط‪%%‬روادة المنهوب‪%%‬ة من المعاب‪%%‬د‬
‫المحترقة وهياكل اآللهة‪ ،‬وأق‪%%‬داح ال‪%ّ %‬ذهب المص‪%%‬مت والمالبس المس‪%%‬لوبة‪ .‬وحوله‪%%‬ا يق‪%%‬ف األطف‪%%‬ال‬
‫واألمّهات الجازعات طابورا‪ %‬طويال‪ *".‬هكذا اختير المكان المخصّص لتلك اإلله‪%%‬ة العظيم‪%%‬ة كم‪%%‬ا‬
‫نرى ال لمنع اقتياد‪ %‬األسرى منه بل لالستمتاع* بحشد األسرى داخله‪ .‬واآلن قارن حرم أيّ واحد‬
‫من جمع األرباب أو من رعاع اآللهة‪ ،‬بل أخت وعقيلة يوبتر‪ %‬نفسه وملكة اآللهة كلّه‪%%‬ا بم‪%%‬زارات‬
‫رسلنا‪ .‬هن‪%%‬اك ك‪%%‬ان الغ‪%%‬زاة يحمل‪%%‬ون األس‪%%‬الب المنتزع‪%%‬ة من اآلله‪%%‬ة والمعاب‪%‬د‪ %‬المحترق‪%%‬ة ال لر ّده‪%%‬ا‬
‫للمغلوبين بل لقسمتها بين الغالبين‪ ،‬أمّا هنا فح ّتى ما عُثر عليه في مكان آخ‪%%‬ر وه‪%%‬و خ‪%%‬اصّ به‪%%‬ذه‬
‫المشاهد المق ّدسة يُر ّد إليها بإجالل وتوقير مل‪%%‬ؤه ال ّتق‪%‬وى‪ .‬هن‪%‬اك ُتفق‪%‬د وهن‪%%‬ا ُتحف‪%%‬ظ الح ّر ّي‪%%‬ة‪ ،‬هن‪%‬اك‬
‫يُحبس األسرى وهنا يُمنع اإلسار‪ ،‬هناك يحشر المواطنين أعدا ٌء غالظ السترقاقهم‪ %‬وهن‪%%‬ا يقت‪%%‬ادهم‬
‫المتحض‪%‬رين‬
‫ّ‬ ‫أعداء رؤفاء‪ %‬لتحريرهم‪ ،‬أخيرا بينما اختار هناك معب َد يون‪%%‬ون جش‪%%‬ع وك ْب‪%%‬ر اليون‪%%‬ان‬
‫اختار هن‪%%‬ا تل‪%%‬ك الكن‪%%‬ائس المقام‪%‬ة للمس‪%%‬يح حلم وتواض‪%‬ع‪ %‬ال‪%%‬برابرة الّ‪%%‬ذين م‪%%‬ا زال‪%%‬وا على همجيّتهم‬
‫البدائيّة‪ .‬قد يقال إنّ اليونان في غمار انتصارهم ع ّفوا عن معابد اآللهة الّتي هم أيضا من عب‪%%‬دتها‬
‫الط‪%‬رواديّين البائس‪%‬ين الالّج‪%‬ئين إليه‪%‬ا‪ ،‬إ ّنم‪%‬ا اختل‪%‬ق تل‪%‬ك القص‪%‬ص‬ ‫ولم يجترئوا على قتل أو أس‪%‬ر ّ‬
‫شعراء؛ كالّ بل لم يزد عن تصوير أس‪%%‬اليب األع‪%%‬داء العاد ّي‪%%‬ة عن‪%%‬د ت‪%%‬دمير‬ ‫فرجيليوس‪ %‬على عادة ال ّ‬
‫المدن‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫شائعة تدمير المدن‬‫‪ 1-5‬رأي كاتون في عادة األعداء ال ّ‬
‫وهي أساليب لم يفت كاتون أيضا‪ ،‬حسب ما ذكر سالّستيوس المؤرّ خ المشهور‪ %‬بحبّه للحقيقة‪،‬‬
‫والص‪%‬بيان‪ ،‬ان‪%%‬تزاع‬
‫ّ‬ ‫الص‪%‬بايا‬
‫شيوخ حول المت‪%%‬آمرين‪ :‬خط‪%%‬ف ّ‬ ‫ال ّتذكير بها في خطبته أمام مجلس ال ّ‬
‫األطف‪%%‬ال من أحض‪%%‬ان آب‪%%‬ائهم‪ ،‬معامل‪%%‬ة أمّه‪%%‬ات الع‪%%‬ائالت كم‪%%‬ا يطيب للمنتص‪%%‬رين‪ ،‬نهب المعاب‪%%‬د‬
‫والبيوت‪ ،‬قتل األهالي وإحراق المباني‪ ،‬أخ‪%%‬يرا نش‪%%‬ر األس‪%%‬لحة وجثث القتلى وال‪ّ %‬دماء واله‪%%‬ول في‬
‫ك ّل مكان‪ .‬لو لم يذكر المعابد لج‪%%‬ال ببالن‪%‬ا أنّ من ع‪%‬ادة األع‪%‬داء إعف‪%‬اء معاب‪%‬د اآلله‪%%‬ة‪ .‬ب‪%%‬ل لم تكن‬
‫المعاب‪%%‬د الرّومان ّي‪%%‬ة تخش‪%%‬ى تل‪%%‬ك االنتهاك‪%%‬ات من أع‪%%‬داء أج‪%%‬انب‪ ،‬وإ ّنم‪%%‬ا من كاتلين‪%%‬ا وش‪%%‬ركائه‪ ،‬من‬
‫شيوخ ومواطنين رومان‪ .‬لك ّنهم ال جرم فجرة وقتلة وخونة‪.‬‬ ‫أعضاء بارزين بمجلس ال ّ‬
‫‪ ‬‬
‫ّ‬
‫يتورعوا في المدن التي غزوها عن قتل المغلوبين في معابدها‬ ‫ّ‬ ‫الرومان لم‬
‫‪ 1-6‬في أنّ ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فيم يتيه بنا الحديث إذن بعيدا بين شتى األمم المتحاربة التي لم تعف قط المغلوبين في معابد‬
‫آلهتهم‪ ،‬لننظر إلى الرّومان أنفسهم‪ ،‬أجل لنذكر ونعتبر الرّومان أنفس‪%%‬هم الّ‪%%‬ذين قي‪%%‬ل فيهم‪ ،‬ك‪%%‬أبرز‬
‫مناقبهم‪ ،‬إ ّنهم "يعفون الخاضعين ويرضخون المتم‪ّ %‬ردين"‪ ،‬وي‪%%‬ؤثرون ال ّتج‪%%‬اوز‪ %‬عن اإلس‪%%‬اءة على‬
‫ر ّدها‪ ،‬لمّا غزوا مدنا كبيرة كثيرة لبسط نفوذهم واحتلّوها ودمّروها‪ ،‬ليق ْل لن‪%%‬ا ق‪ّ %‬راء أخب‪%%‬ارهم أيّ‪%‬ة‬
‫معابد استثنوا من ال ّتخريب لتأمين وتحري‪%‬ر‪ %‬ك‪ّ %‬ل من يلج‪%%‬ؤون إليه‪%%‬ا‪ .‬أم لعلّهم ك‪%%‬انوا يفعل‪%%‬ون ذل‪%%‬ك‬
‫وإ ّنما أغفله مؤرّ خو مآثرهم؟ مهال‪ ،‬كيف أمكن ت‪%%‬رى ألولئ‪%%‬ك الّ‪%%‬ذين دأب‪%%‬وا على البحث بقص‪%%‬ارى‬

‫‪3‬‬
‫الس‪%‬اطعة على تق‪%%‬واهم في نظ‪%%‬رهم‪ .‬يق‪%%‬ال إنّ م‪%%‬رقس‬ ‫الش‪%‬واهد ّ‬ ‫جهدهم عن مناقبهم أن يهملوا تل‪%%‬ك ّ‬
‫مركلّ‪%%‬وس‪ ،‬الّ‪%%‬ذي ه‪%%‬و من ألم‪%%‬ع حمل‪%%‬ة االس‪%%‬م الرّوم‪%%‬انيّ والّ‪%%‬ذي‪ %‬اس‪%%‬تولى على سرقوس‪%%‬ة ج‪%%‬وهرة‬
‫المدائن‪ ،‬بكاها قبل تدميرها*‪ ،‬وأه‪%%‬رق دموع‪%%‬ه قب‪%%‬ل دمائه‪%%‬ا حس‪%%‬رة عليه‪%%‬ا‪ ،‬واعت‪%%‬نى ك‪%%‬ذلك بحف‪%%‬ظ‬
‫األعراض الواجب حفظها ح ّتى لدى األعداء‪ .‬فقبل اإليعاز في غمار انتص‪%%‬اره باكتس‪%%‬اح المدين‪%%‬ة‪،‬‬
‫حظر بمرسوم‪ %‬أن يُمسّ أيّ شخص حرّ ‪ .‬مع ذلك تعرّضت المدينة لل ّتدمير وفق عرف الح‪%%‬روب‪،‬‬
‫وال نقرأ في أيّ مصدر أنّ الحلم والسّماحة بلغا بهذا القائد ح ّد ال ّنهي عن إي‪%%‬ذاء ك ‪ّ %‬ل من يلج‪%%‬أ إلى‬
‫هذا المعب‪%‬د أو ذاك؛ وم‪%‬ا ك‪%‬ان ذل‪%‬ك ليُغف‪%‬ل ل‪%‬ه قطع‪%‬ا‪ %‬بينم‪%‬ا لم يغف‪%‬ل ل‪%‬ه بك‪%‬اؤه وال نهي‪%‬ه عن هت‪%‬ك‬
‫األعراض‪ .‬بالمثل يُمدح فابيوس‪ %،‬مدمّر تارنتوم‪ ،‬باستنكافه عن نهب تماثيل اآللهة‪ ،‬إذ يُروى أ ّن‪%%‬ه‬
‫الس ‪%‬مح‪:‬‬ ‫لمّا طلب منه كاتبه أوامره بشأن تماثيل اآللهة الّتي ُأخذ عدد كبير منها‪ ،‬تبّل بملحة حلمه ّ‬
‫سأل كيف كانت‪ ،‬ولمّا ُأخبر بأنّ تماثيل كثيرة كانت فض‪%%‬ال عن ض‪%%‬خامتها‪ %‬مس‪%‬لّحة ق‪%%‬ال‪" :‬لن‪%%‬تركْ‬
‫لل ّتارنتيّين آلهتهم الغضبى!"*‪ %‬إذن ما دام كتبة مآثر الرّومان لم يغفلوا بكاء ذاك وال دعابة هذا‪ ،‬ال‬
‫سماحة ذاك المتع ّفف‪%%‬ة وال حلم ه‪%%‬ذا المتف ّك‪%%‬ه‪ ،‬ل‪%%‬و أعفي بعض األه‪%%‬الي احترام‪%%‬ا ألح‪%%‬د آلهتهم بمن‪%%‬ع‬
‫القتل واألسر في أحد المعابد كيف ال يذكرونه؟‬
‫‪ ‬‬
‫‪ 1-7‬في نكبة المدينة‪ ،‬ما ت ّم من أعمال العنف وقع وف‪:‬ق ع‪:‬ادة الح‪:‬رب‪ ،‬أ ّم‪:‬ا م‪:‬ا ت ّم من مظ‪:‬اهر‬
‫الرحمة فأتى من بركة اسم المسيح‬ ‫ّ‬
‫إذن ك‪ّ %‬ل م‪%‬ا ار ُتكب من أعم‪%‬ال ال ّتخ‪%‬ريب وال ّتقتي‪%‬ل وال ّنهب واإلح‪%‬راق وال ّتروي‪%‬ع‪ %‬خالل نكب‪%‬ة‬
‫رومية األخيرة ت ّم طبقا لما جرت عليه العادة في الحروب‪ .‬أمّا ما ت ّم وفق أس‪%%‬لوب مس‪%%‬تج ّد‪ -‬حيث‬
‫بدت وحشيّة البرابرة في ظاهرة غير مسبوقة على ق‪%%‬در ع‪%%‬ال من الرّف‪%%‬ق بل‪%%‬غ ح‪ّ %‬د تع‪%%‬يين كن‪%%‬ائس‬
‫يؤذ فيها أو يُسب منها أح‪%%‬د‪ ،‬ب‪%%‬ل اقت‪%%‬اد إليه‪%%‬ا‬‫فسيحة جُمع فيها األهالي لتجنيبهم أعمال العنف‪ ،‬فلم َ‬
‫عدي َد المواطنين أعداء رؤف‪%%‬اء إلطالق س‪%%‬راحهم‪ ،‬ولم يُحش‪%%‬دوا فيه‪%%‬ا ليحملهم أس‪%%‬رى أع‪%%‬داء جف‪%%‬اة‬
‫عتاة‪ ،-‬فمن ال يرى أ ّن‪%%‬ه يجب أن يع‪%%‬زى الس‪%‬م المس‪%‬يح وعص‪%‬ر المس‪%‬يحيّة أعمى‪ ،‬ومن ي‪%‬راه وال‬
‫الس‪%‬لوك إلى وحش‪%‬يّة‬ ‫ينوّ ه به جاحد‪ ،‬ومن يخالف من ينوّ ه به أرعن‪ .‬حاش‪%%‬ا أن ينس‪%%‬ب عاق‪%%‬ل ذل‪%%‬ك ّ‬
‫الس‪ّ %‬فاحين العت‪%%‬اة وكبحهم‪ %‬وليّنهم‪ %‬بنح‪%%‬و عجيب َمن ق‪%%‬ال ق‪%%‬ديما‪ %‬على‬ ‫ال‪%%‬برابرة‪ ،‬فإ ّنم‪%%‬ا أرهب أولئ‪%%‬ك ّ‬
‫لسان نبيّه‪" :‬أفتقد بالعصا معصيتهم‪ %‬وبالضّربات إثمهم‪ ،‬لك ّني ال أقطع عنهم رحمتي‪%*".‬‬
‫‪ ‬‬
‫والض ّراء يشترك غالبا فيهما األبرار واألشرار‬ ‫ّ‬ ‫س ّراء‬
‫‪ 1-8‬في أنّ ال ّ‬
‫هنا لقائل أن يقول‪" :‬لماذا إذن أصابت تلك ال ّرحمة ال ّربّانيّة ك‪%%‬ذلك الكف‪%%‬رة والجاح‪%%‬دين؟" أليّ‬
‫والص‪%‬الحين ويُمط‪%%‬ر‬ ‫ّ‬ ‫سبب‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬سوى أنّ مانحه‪%%‬ا ه‪%%‬و "من يُطل‪%%‬ع شمس‪%%‬ه على األش‪%%‬رار‬
‫ك أنّ البعض منهم‪ ،‬لمّا يتف ّك‪%%‬رون في أنعم‪%%‬ه‪ ،‬يثوب‪%%‬ون عن الكف‪%%‬ر‬ ‫ّ‬
‫والظالمين"*‪ .‬ال ش ّ‬ ‫على األبرار‬
‫ويتوبون‪ ،‬لكنّ آخرين كما يقول الرّسول* "يحتقرون غنى لطفه واحتماله وأناته وبقس‪%%‬اوة قل‪%%‬وبهم‪%‬‬
‫غير ال ّتائبة ي ّدخرون ألنفسهم غضبا ليوم الغضب واعتالن دينونة هللا العادلة‪ ،‬الّ‪%‬ذي س‪%‬يكافئ‪ %‬ك‪ّ %‬ل‬
‫الص‪%‬بر‪،‬‬‫واحد بحسب أعماله"*‪ .‬لكنّ أناة هّللا تدعو األشرار‪ %‬إلى ال ّتوبة‪ ،‬كما يعلّم س‪%‬وطه األخي‪%‬ار ّ‬
‫كذلك تنال رحمت‪%‬ه األخي‪%‬ار إلك‪%‬رامهم‪ ،‬كم‪%‬ا يص‪%‬يب بأس‪%‬ه األش‪%‬رار لعق‪%‬ابهم‪ .‬فق‪%‬د ش‪%‬اءت العناي‪%‬ة‬
‫اإللهيّة أن ُتع ّد ليوم آت خ‪%‬يرات لألب‪%‬رار لن ينعم به‪%‬ا األثم‪%‬ة‪ ،‬وللفجّ‪%‬ار أنك‪%‬اال س‪%‬يُج َّنبها األخي‪%‬ار‪.‬‬
‫لك ّنها شاءت أن يشترك في الخيرات وال‪%%‬ويالت ال ّدنيو ّي‪%%‬ة كال الف‪%%‬ريقين‪ ،‬كيال نف‪%%‬رط في حبّ تل‪%%‬ك‬
‫الخيرات الّتي نرى األشرار أيضا يملكونها‪ ،‬وال في تحاشي تلك األسواء الّتي غالبا م‪%%‬ا يتع‪%%‬رّ ض‬
‫له‪%%‬ا ك‪%%‬ذلك األخي‪%%‬ار‪ .‬فض‪%%‬ال عن ذل‪%%‬ك يه ّم كث‪%%‬يرا كي‪%%‬ف نتعام‪%%‬ل م‪%%‬ع م‪%%‬ا ن‪%%‬دعوه س‪%%‬رّ اء أو ض‪ّ %‬راء‪،‬‬
‫تحطمه جزعا بالياه‪%%‬ا‪ ،‬بينم‪%%‬ا المس‪%%‬يء يتل ّقى البالي‪%%‬ا‬ ‫ّ‬ ‫فالصّالح ال تستخ ّفه طربا مس ّرات ال ّدنيا‪ ،‬وال‬
‫عقابا ألنّ ال ّس ّراء تفس‪%%‬ده‪ .‬م‪%%‬ع ذل‪%%‬ك كث‪%%‬يرا م‪%%‬ا يب‪%%‬دي لن‪%%‬ا هللا أيض‪%%‬ا بجالء في ه‪%%‬ذا ال ّتوزي‪%%‬ع إحك‪%%‬ام‬
‫ْق ليوم ال ّدينونة أيّ عق‪%%‬اب‪،‬‬ ‫تدبيره‪ :‬فلو أنزل في هذه الحياة بك ّل خطيئة عقابا بيّنا لحسبناه لم يستب ِ‪%‬‬
‫وبالمقابل لو لم يعاقب بنحو صريح أيّة خطيئ‪%%‬ة في الحاض‪%‬ر‪ %‬لظن ّن‪%%‬ا أن ال وج‪%%‬ود للعناي‪%%‬ة اإللهيّ‪%‬ة‪.‬‬
‫شأن مماثل في نعم ال ّدنيا‪ :‬لو لم يمنحها هللا بسخاء ظاهر لبعض من يطلبونها لقلنا إ ّنه‪%%‬ا ليس‪%%‬ت‬ ‫وال ّ‬

‫‪4‬‬
‫من شأنه‪ ،‬وبالمقابل لو منحها لك ّل من يطلبونها‪ %‬لظن ّنا من واجبنا أن نخدم‪%‬ه ألج‪%‬ل تل‪%‬ك المكاف‪%‬آت‬
‫فقط ولما جعلتنا تلك الخدمة أتقياء بل طمّاعين وجشعين باألحرى‪ .‬بل قُسمت هذه األم‪%%‬ور بحيث‬
‫يبتلى األخيار واألشرار على ح ّد سواء‪ ،‬ال ألنّ ال فرق‪ %‬بينهم ما دام ال يوج‪%%‬د ف‪%%‬رق‪ %‬في م‪%%‬ا يبتلى‬
‫به كال الفريقين‪ .‬إذ يبقى هناك ف‪%%‬رق بين المبتلين ح ّتى م‪%%‬ع تش‪%%‬ابه بل‪%%‬واهم‪ ،‬ورغم ال ّتع‪%%‬رّ ض لنفس‬
‫يدخن‪ ،‬ونفس‬ ‫الذهب يتوهّج وال ّتبن ّ‬ ‫البأساء ال تستوي‪ %‬الفضيلة والرّذيلة‪ .‬فكما أنّ نفس ال ّنار تجعل ّ‬
‫بالزيت وإن عُص‪%‬ر بنفس المكبس‪،‬‬ ‫الثفل ّ‬ ‫ضربة المد ّقة تسحق القشّ وتن ّقي القمح‪ ،‬وكما ال يمتزج ّ‬
‫الص‪%%‬الحين ف‪%%‬تز ّكيهم‪ %‬وتن ّقيهم وتستص‪%%‬فيهم وعلى األش‪%%‬رار‪ %‬فت‪%%‬دينهم‬ ‫ك‪%%‬ذلك تق‪%%‬ع نفس البليّ‪%%‬ة على ّ‬
‫وتدمّرهم‪ %‬وتمحقهم‪ .‬ل‪%%‬ذلك ن‪%%‬رى في نفس المحن‪%%‬ة األش‪%%‬رار‪ %‬يلعن‪%%‬ون هللا ويج‪ّ %‬دفون علي‪%%‬ه واألخي‪%%‬ار‬
‫يدعونه ويسبّحونه‪ .‬ما يفرّق بين الفريقين بشأو ليس نوع الباليا بل كيفيّة تحمّلها‪ :‬كما تخضخض‬
‫نفس الحركة الحمأة فتنشر نتنا كريها‪ ،‬والبخور فيتضوّ ع طيبا ذكيّا*‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫جراءها على األخيار واألشرار نفس ال ّنقمات‬ ‫‪ 1-9‬في أسباب المفاسد الّتي ينزل هللا ّ‬
‫هل تع ّرض المسيحيّون إذن في هذا ال ّدمار إلى سوء لم يسمح لهم‪ -‬إن اعت‪%%‬بروا تل‪%%‬ك الوق‪%‬ائع‪%‬‬
‫بإيمان صادق‪ -‬بال ّتق ّدم على طريق الخالص؟ أوّ ال بتفكيرهم بدخور‪ %‬في تلك اآلثام الّتي استوجبت‬
‫نقمة هللا فمأل العالم بتلك ال ُكرب العظام‪ ،‬فمهم‪%‬ا‪ %‬بع‪%%‬دوا عن األثم‪%%‬ة الكف‪%%‬رة الفج‪%%‬رة ال يبل‪%%‬غ بع‪%%‬دهم‬
‫عنهم قدرا يخوّ لهم ال ّتفكير بأ ّنهم برءاء من اآلثام فيخطر‪ %‬بب‪%%‬الهم أ ّنهم ال يس‪%%‬تح ّقون معان‪%%‬اة آالم في‬
‫الثن‪%%‬اء معرّض‪%%‬ا‬‫هذا العالم بسببها‪ .‬فبغضّ ال ّنظر عن كون أيّ بشر مهما بدت حياته جديرة بف‪%%‬ائق ّ‬
‫للوقوع أحيانا في شراك شهوات الجسد‪ ،‬وح ّتى إن لم يصل األمر ح ّد السّقوط في هاوي‪%%‬ة الكب‪%%‬ائر‬
‫وبؤرة المخازي‪ %‬وشناعة الكفر‪ ،‬قد يقع‪ ،‬نادرا ال محالة‪ ،‬في الخطايا‪ ،‬أو أكثر كلّما كانت أصغر‪،‬‬
‫بغضّ ال ّنظر عن ذلك َمن سنجد في نهاية األم‪%%‬ر أ ّن‪%%‬ه يتعام‪%%‬ل ويتع‪%%‬ايش‪ %‬م‪%%‬ع أولئ‪%%‬ك الخط‪%%‬أة الّ‪%%‬ذين‬
‫بسبب كبرهم المقيت وفجورهم وجشعهم وآثامهم المنكرة يمح‪%%‬ق هللا األرض حس‪%%‬بما أن‪%%‬ذر العب‪%%‬اد‬
‫الحق أ ّنا غالبا ما نتقاعس مخطئين عن وعظهم وإرشادهم‪%‬‬ ‫ّ‬ ‫كما يجب ال ّتعامل والعيش مع أمثالهم؟‬
‫بل وح ّتى تقريعهم وتقويمهم‪ %‬أحيانا‪ ،‬إمّا نفورا من ذلك العم‪%‬ل وإمّ‪%‬ا ا ّتق‪%‬اء إغ‪%‬اظتهم‪ %‬وإمّ‪%‬ا اجتن‪%‬اب‬
‫عداوتهم مخافة أن يعرقلونا‪ %‬أو يؤذونا‪ %‬في شؤون دنيانا سواء ما يبتغي جش‪%‬عنا نيل‪%%‬ه ف‪%‬وق‪ %‬ك‪ّ %‬ل م‪%‬ا‬
‫الص‪%‬الحون بنهج عيش األش‪%‬رار وتحاش‪%‬وا‪%‬‬ ‫لدينا أو ما يخشى جزعنا فقدانه‪ .‬هك‪%‬ذا ح ّتى إن س‪%‬يء ّ‬
‫استحقاق ما ُأع‪ّ %‬د لهم في اآلخ‪%%‬رة من ع‪%%‬ذاب اله‪%%‬ون‪ ،‬يس‪%%‬تح ّقون م‪%%‬ع ذل‪%%‬ك‪ ،‬لتغاض‪%%‬يهم عن خطاي‪%%‬ا‬
‫اآلخرين الجديرة باإلدانة مخافة أذايا بسيطة وهيّنة قد تنالهم منهم‪ ،‬أن يمسّهم معهم عذاب الحي‪%%‬اة‬
‫ال ّدنيا وإن ُأعفوا من عذاب الحي‪%%‬اة األبد ّي‪%%‬ة‪ .‬أج‪%%‬ل يس‪%%‬تح ّقون فعال أن ي‪%%‬نزل هللا عليهم عذاب‪%%‬ه معهم‬
‫فيذوقوا مرارة تلك الحياة الّ‪%%‬تي كره‪%%‬وا ح ّب‪%‬ا ً لحالوته‪%%‬ا أن يُم‪%%‬رّوا للخط‪%%‬أة في الخط‪%%‬اب*‪ .‬أ ّم‪%%‬ا من‬
‫يمتنع عن تقريع وتقويم المسيئين أل ّنه يتحيّن فرصة أنسب‪ ،‬أو يخشى أن يصيروا‪ %‬بس‪%%‬بب وعظ‪%%‬ه‬
‫أسوأ أو يمنعوا آخ‪%%‬رين ض‪%%‬عفاء من رياض‪%%‬ة أنفس‪%%‬هم على حي‪%%‬اة ال‪%%‬برّ وال ّتق‪%%‬وى ويض‪%%‬غطوا عليهم‬
‫الش‪%‬هوات ب‪%%‬ل من وحي المح ّب‪%%‬ة في هللا‪.‬‬ ‫ويص ّدوهم عن اإليم‪%%‬ان‪ ،‬فال يب‪%%‬دو موقف‪%%‬ه من إمالء حبّ ّ‬
‫يخطأ من يعيشون بأسلوب مختلف ويستنكفون عن سيّ ء األعمال إذ يتغاض‪%%‬ون عن خطاي‪%%‬ا‬ ‫َ‬ ‫فإ ّنما‬
‫اآلخرين الّتي واجبهم إصالحها أو إدانتها‪ ،‬متج ّنبين إغاظتهم مخافة أن ي‪%%‬ؤذيهم‪ %‬الخط‪%%‬أة في مت‪%%‬اع‬
‫الص‪%‬الحون بوج‪%%‬ه طيّب وحالل‪ ،‬لكن بش‪%%‬غف يتج‪%%‬اوز الح‪ّ %‬د الّ‪%%‬ذي يناس‪%%‬ب‬ ‫ال ّدنيا الّذي يستمتع ب‪%%‬ه ّ‬
‫مسافرين متغرّبين في هذا العالم يحملون عال َيهم رج‪%%‬اء االلتح‪%%‬اق ب‪%%‬الوطن العل‪%%‬ويّ ‪ .‬وليس أولئ‪%%‬ك‬
‫الض‪%‬عاف الّ‪%%‬ذين يعيش‪%%‬ون في ظ‪ّ %‬ل ال ّزوج ّي‪%%‬ة ولهم أو يح ّب‪%%‬ون أن يك‪%%‬ون لهم أبن‪%%‬اء ويملك‪%%‬ون بيوت‪%%‬ا‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعبيدا‪ -‬أولئك الذين يخاطبهم الرّسول في الكنائس لتنبيههم وإرشادهم‪ %‬إلى األس‪%%‬لوب ال‪%%‬ذي ينبغي‬
‫الزوج‪%‬ات م‪%%‬ع أزواجهنّ واألزواج م‪%‬ع زوج‪%‬اتهم‪ %،‬واألبن‪%‬اء م‪%‬ع آب‪%%‬ائهم واآلب‪%‬اء م‪%%‬ع‬ ‫أن تعيش ب‪%‬ه ّ‬
‫أبنائهم‪ ،‬والعبيد مع أسيادهم واألسياد‪ %‬مع عبيدهم‪ -‬هم وحدهم يحبّون اقتناء الكثير من متاع ال‪ّ %%‬دنيا‬
‫ويأسفون لفقدانه ويوجلون بسببه من إغاظة من تسوؤهم‪ %‬حياتهم المألى بالقبائح واآلثام‪ %.‬بل ح ّتى‬
‫الزوج ّي‪%%‬ة ويكتف‪%%‬ون بالكف‪%%‬اف‬‫أولئك الّذين بلغوا في الحياة درجة عليا من الصّالح وال تكبّلهم قيود‪ّ %‬‬
‫من القوت والكس‪%%‬اء‪ ،‬إذ كث‪%%‬يرا م‪%%‬ا يمنعهم الخ‪%%‬وف على س‪%%‬معتهم وس‪%%‬المتهم من مكائ‪%%‬د وهجم‪%%‬ات‬

‫‪5‬‬
‫الذميم‪%%‬ة‪-‬‬ ‫األشرار‪ -‬ح ّتى إن لم يبلغ بهم درجة إتيان أفعال مماثلة رض‪%%‬وخا‪ %‬لتهدي‪%%‬داتهم وأس‪%%‬اليبهم‪ّ %‬‬
‫من تقريعهم‪ %‬على تلك الفع‪%%‬ال الّ‪%%‬تي ال يرتكبونه‪%‬ا‪ %‬هم أنفس‪%‬هم بينم‪%‬ا يمكنهم أن يص‪%‬لحوا‪ %‬ب‪%‬ال ّتقريع*‬
‫بعضا منه‪%%‬ا‪ ،‬وذل‪%%‬ك كيال يعرّض‪%%‬وا‪ %‬س‪%%‬المتهم وس‪%%‬معتهم‪ ،‬إن لم يتم ّكن‪%%‬وا من إص‪%%‬الحهم‪ ،‬للمخ‪%%‬اطر‬
‫والمهالك‪ ،‬ال باعتبار أنّ مصلحة تعليم ال ّناس تقتضي سالمتهم وحسن س‪%%‬معتهم‪ ،‬ب‪%%‬ل انقي‪%%‬ادا وراء‬
‫شعب وتع‪%%‬ذيب أو إمات‪%%‬ة أجس‪%%‬ادهم‬ ‫ضعفهم الّذي يهمّه إطراء األلسن وحكم ال ّناس ويخشى إدانة ال ّ‬
‫أي إذعانا لقيود حبّ ال ّدنيا ال استجابة لواجب المحبّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ليعذب الصّالحون أيضا مع المس‪%%‬يئين ل ّم‪%%‬ا يش‪%%‬اء هللا أن يس‪%‬لط‬ ‫لذلك يبدو لي هذا مبرّرا كافيا َّ‬
‫َ‬
‫عذاب ال ّدنيا أيضا عقابا لفساد األخالق‪ .‬هكذا إذن يع‪%َّ %‬ذبون مع‪%%‬ا ال أل ّنهم يعيش‪%%‬ون مع‪%%‬ا بس‪%%‬وء ب‪%%‬ل‬
‫أل ّنهم يحبّون معا‪ ،‬ال بنفس ال ّدرجة ال محالة لكن بنفس نوع الحبّ ‪ ،‬هذه الحياة ال‪ّ %‬دنيا الّ‪%%‬تي يح‪%%‬رو‬
‫باألخيار ازدراؤها‪ %‬لحمل اآلخرين بال ّتقريع وال ّتقويم‪ %‬على أن يسعوا لآلخرة س‪%%‬عيها‪ .‬ف‪%%‬إن رفض‪%%‬وا‪%‬‬
‫الس‪%‬عي له‪%%‬ا فليحتمل‪%%‬وهم‪ %‬أع‪%%‬داء وليح ّب‪%%‬وهم‪ ،‬فم‪%%‬ا دام‪%%‬وا على قي‪%%‬د الحي‪%%‬اة يظ‪ّ %‬ل‬ ‫االنض‪%%‬مام إليهم في ّ‬
‫احتمال تغيّر إرادتهم با ّتجاه الصّالح واردا‪ .‬في هذا المضمار يتح ّم‪%%‬ل وزرا‪ %‬ال أق‪%%‬ول مس‪%%‬اويا‪ %‬ب‪%%‬ل‬
‫أش ّد بكثير أولئك الّذين قيل عنهم على لسان ال ّنبيّ ‪" :‬تلك ال ّنفس تكون قد ُأخذت في إثمها لك ّني من‬
‫شعب‪ ،‬في الكن‪%%‬ائس لش‪%%‬جب الخطاي‪%%‬ا‬ ‫يد الرّقيب أطلب دمها"* فقد أقيم الرّقباء‪ ،‬أي الوكالء على ال ّ‬
‫دون تس‪%%‬اهل م‪%%‬ع أح‪%%‬د‪ .‬ك‪%%‬ذلك ي‪%%‬أتي غ‪%%‬يرهم الّ‪%%‬ذي لم يو َّكل بتل‪%%‬ك المه ّم‪%%‬ة ذنب‪%%‬ا‪ ،‬وإن لم يكن بنفس‬
‫الحجم‪ ،‬ل ّم‪%%‬ا ي‪%%‬رى في من جمعت‪%%‬ه بهم ض‪%%‬رورات ه‪%%‬ذه الحي‪%%‬اة كث‪%%‬يرا من الم‪%%‬ذا ّم يجب اللَّفت إليه‪%%‬ا‬
‫الطرف متحاشيا‪ %‬إغاظتهم مراعاة لخيرات هذه الحي‪%%‬اة الّ‪%%‬تي ال جن‪%%‬اح علي‪%%‬ه في‬ ‫وانتقادها‪ ،‬فيغضّ ّ‬
‫الص‪%‬الحين في ه‪%%‬ذه ال‪ّ %‬دنيا أدواء‬ ‫ال ّتم ّتع بها‪ ،‬لك ّنه يبدي كلفا مفرطا بها‪ .‬ويوجد‪ %‬سبب آخر لتصيب ّ‬
‫مس ‪%‬ت أ ّي‪%%‬وب‪ :‬ه‪%%‬و اختب‪%%‬ار اإلنس‪%%‬ان لنفس‪%%‬ه ومعرف‪%%‬ة مق‪%%‬دار ح ّب‪%%‬ه هلل بتق‪%%‬وى مج ‪%‬رّدة من‬ ‫ك‪%%‬الّتي ّ‬
‫األغراض‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الص ّديقين ال يخسرون شيئا عند فقدان متاع الدّ نيا‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1-10‬في أنّ‬
‫الص‪%‬حيح وال ّتمعّن فيه‪%%‬ا‪ ،‬انظ‪%%‬ر إن ك‪%%‬ان يمسّ المؤم‪%%‬نين‬ ‫بعد اعتبار هذه األم‪%%‬ور‪ %‬على الوج‪%%‬ه ّ‬
‫األتقياء ش ّر ال ينقلب خ‪%%‬يرا لهم‪ ،‬إالّ إن حس‪%%‬بنا لغ‪%%‬وا ب‪%%‬اطال ق‪%%‬ول الرّس‪%%‬ول‪" :‬ونحن نعلم أنّ الّ‪%%‬ذين‬
‫يحبّون هللا ك ّل شيء يعاونهم للخير‪ *".‬يق‪%%‬ال‪ :‬لك ّنهم فق‪%%‬دوا ك‪ّ %‬ل م‪%%‬ا يملك‪%%‬ون‪ .‬واإليم‪%%‬ان؟ وال ّتق‪%%‬وى؟‬
‫وخيرات اإلنسان ال ّداخليّ الّذي هو غنيّ عند هللا؟ تلك هي ثروات المسيحيّين الّذين كان الرّس‪%%‬ول‬
‫الثراء عند هللا يقول‪" :‬وفي الحقيقة ال ّتقوى المقترن‪%%‬ة بالقناع‪%%‬ة هي تج‪%%‬ارة عظيم‪%%‬ة‪ .‬أل ّن‪%%‬ا لم‬ ‫العظيم ّ‬
‫ندخل العالم بشيء ومن الواضح أ ّنا ال نستطيع‪ %‬أن نخرج منه بشيء‪ .‬فإذا كان لنا القوت والكسوة‬
‫فإ ّنا نقتنع بهما‪ .‬أمّا الّذين يرومون الغنى فيسقطون في ال ّتجربة والف ّخ وفي‪ %‬شهوات كث‪%%‬يرة س‪%%‬فيهة‬
‫مض ّرة تغرق ال ّناس في العطب والهالك‪ .‬ألنّ حبّ المال أصل ك ّل شرّ وهو الّذي رغب فيه ق‪%%‬وم‬
‫تلفت في ذل‪%‬ك ال‪ّ %‬دمار ك‪ّ %‬ل‬ ‫ْ‬ ‫فضلّوا عن اإليمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كث‪%%‬يرة‪ *".‬إن ك‪%%‬ان إذن َمن‬
‫ثرواتهم‪ %‬ال ّدنيويّة يملكونها‪ %‬بال ّنحو الّذي سمعوا من ذلك المعلّم الفقير ظاهرا والغ‪%‬نيّ باطن‪%%‬ا‪ ،‬أع‪%%‬ني‬
‫إن ك‪%%‬انوا "يس‪%‬تعملون ه‪%‬ذا الع‪%‬الم ك‪%‬أ ّنهم ال يس‪%%‬تعملونه"* يمكنهم الق‪%‬ول م‪%‬ع ذاك الّ‪%%‬ذي ابتلي بالء‬
‫عظيما فلم يُغلب‪" :‬عريانا خرجت من جوف أمّي وعريانا أعود إلى هناك‪ .‬الرّ بّ أعطى وال‪%%‬رّ بّ‬
‫أخذ فليكن اسم ال ّربّ مباركا‪ %*".‬كعبد صالح كان يعتبر ثروة عظيمة مشيئة ر ّب‪%%‬ه‪ ،‬في‪%%‬ثري‪ %‬روح ّي‪%‬ا‪%‬‬
‫با ّتباعها بد ّقة‪ ،‬وال يأسف لتجريده حيّا من ذلك المتاع الّذي لن يلبث أن يتخلّى عن‪%%‬ه ب‪%%‬الموت‪ .‬أ ّم‪%%‬ا‬
‫المؤمنون األضعف الّذين وإن لم يفضّلوا تلك الخيرات ال ّدنيو ّي‪%%‬ة على المس‪%%‬يح م‪%%‬ا انف ّك‪%%‬وا متعلّقين‬
‫به‪%‬ا بق‪%‬در م‪%‬ا من الح‪%%‬رص‪ ،‬فق‪%‬د أدرك‪%%‬وا بفق‪%‬دانها م‪%%‬دى خط‪%%‬يئتهم بحبّه‪%%‬ا‪ .‬إذ ت‪%‬ألّموا بالق‪%‬در الّ‪%%‬ذي‬
‫ذك‪%‬رت من كالم الرّس‪%‬ول أعاله‪ .‬ك‪%‬ان ال ب‪ّ %‬د من تلقينهم درس‬ ‫ُ‬ ‫عرّضوا به أنفسهم لآلالم وف‪%‬ق‪ %‬م‪%‬ا‬
‫ّ‬
‫ال ّتجربة أل ّنهم تلهّوا منذ أمد طويل عن درس أقواله‪ .‬فل ّم‪%%‬ا ق‪%%‬ال الرّس‪%%‬ول‪" :‬ال‪%%‬ذين يروم‪%%‬ون‪ %‬الغ‪%%‬نى‬
‫الثروات ال امتالكها‪ ،‬فلق‪%%‬د أوص‪%%‬انا‪ %‬في‬ ‫ك حبّ ّ‬ ‫يسقطون في ال ّتجربة‪.00‬إلخ"‪ ،‬كان يؤاخذ بدون ش ّ‬
‫موضع آخر قائال‪" :‬وصّ أغني‪%%‬اء ال‪ّ %‬دهر الحاض‪%%‬ر أن ال يس‪%%‬تكبروا‪ %‬وال ي ّتكل‪%%‬وا على الغ‪%%‬نى الغ‪%%‬ير‬
‫الثابت بل على هللا الحيّ الّذي يؤتينا ك ّل شيء بكثرة لنتم ّتع به‪ .‬وأن يصنعوا خ‪%%‬يرا ويتموّ ل‪%%‬وا‪ %‬من‬ ‫ّ‬

‫‪6‬‬
‫األعمال الصّالحة ويكونوا‪ %‬أسخياء في ال ّتوزيع مرتاحين إلى المؤاس‪%%‬اة‪ .‬م‪ّ %‬دخرين ألنفس‪%%‬هم أساس‪%%‬ا‬
‫الطريق‪%%‬ة في ث‪%%‬رواتهم‬ ‫حسنا للمستقبل ح ّتى يفوزوا‪ %‬بالحياة الحقيقيّة‪ *".‬من ك‪%%‬انوا يتص‪%%‬رّفون به‪%%‬ذه ّ‬
‫الطفيف‪%%‬ة‪ ،‬وفرح‪%%‬وا‪ %‬بخ‪%%‬يرات حفظوه‪%%‬ا بنح‪%%‬و آمن بإعطائه‪%%‬ا‬ ‫‪%‬زوا‪ %‬بأرب‪%%‬اح وف‪%%‬يرة عن خس‪%%‬ائرهم ّ‬ ‫تع‪ّ %‬‬
‫بسهولة‪ ،‬أكثر ممّا أسفوا على الّتي فقدوها بسهولة أكبر بال ّتشبّث بها بإشفاق‪ .‬فإ ّنما أمكن أن يتلف‬
‫في األرض ما تراخى صاحبه عن نقله منها‪ .‬أ ّم‪%%‬ا من عمل‪%%‬وا بوص‪%‬يّة ربّهم إذ يق‪%%‬ول‪" :‬ال تك‪%%‬نزوا‪%‬‬
‫لكم كنوزا على األرض حيث يُفسد السّوس واآلكلة وبنقُب السّارقون ويسرقون؛ لكن اك‪%%‬نزوا‪ %‬لكم‬
‫الس‪%‬ارقون وال يس‪%%‬رقون؛ أل ّن‪%%‬ه حيث‬ ‫الس‪%‬ماء حيث ال يُفس‪%%‬د س‪%%‬وس وال آكل‪%%‬ة وال ينقُب ّ‬ ‫كن‪%%‬وزا‪ %‬في ّ‬
‫يكون كنزك هناك يك‪%%‬ون قلب‪%%‬ك"*‪ ،‬فق‪%%‬د اخت‪%%‬بروا في أ ّي‪%%‬ام المحن‪%%‬ة كم ك‪%%‬انوا أعق‪%%‬ل وأص‪%%‬وب‪ %‬بع‪%%‬دم‬
‫االس‪%%‬تخفاف بوص‪%%‬ايا‪ %‬أص‪%%‬دق معلّم وآمن وأض‪%%‬من ح‪%%‬ارس ل‪%%‬ثرواتهم‪ .‬فلئن ف‪%%‬رح الكث‪%%‬يرون ب‪%%‬أنّ‬
‫ثرواتهم‪ %‬كانت في موضع‪ %‬ا ّتفق أن لم يصل إليه العدوّ ‪ ،‬فكم أمكن لمن نقلوا ك‪%%‬نزهم عمال بوص ‪%‬يّة‬
‫ربّهم إلى حيث ال يمكن الوص‪%%‬ول أب‪%%‬دا أن يبتهج‪%%‬وا بثق‪%%‬ة وطمأنين‪%%‬ة أك‪%%‬بر‪ .‬من ه‪%%‬ؤالء ص‪%%‬ديقنا‬
‫بولينوس أسقفّ ن‪%‬وال* الّ‪%%‬ذي تخلّى اختياريّ‪%‬ا‪ %‬عن ثروات‪%‬ه الواس‪%%‬عة ليص‪%‬ير‪ %‬فق‪%‬يرا مع‪%‬دما وص‪ّ %‬ديقا‬
‫الثراء عند هللا‪ ،‬فلمّا عاث البرابرة فسادا في نوال ووق‪%%‬ع بين أي‪%%‬ديهم ج‪%%‬أر إلى هللا في قلب‪%%‬ه‪-‬‬ ‫واسع ّ‬
‫الذهب والفضّة‪ ،‬فإ ّنك تعلم أين‬ ‫أعذب من أجل ّ‬ ‫كما علمنا منه الحقا‪ -‬بهذا ال ّدعاء‪" :‬اللّه ّم ال تدعْ ني َّ‬
‫توجد ك ّل أمالكي‪ ".‬فعال كان يحتفظ بها حيث دعاه إلى إخفائها وكنزه‪%‬ا من أنب‪%‬أ من‪%‬ذ أم‪%‬د طوي‪%‬ل‬
‫عن حلول هذه المصائب بالعالم‪ .‬بذلك أمكن لمن عملوا بوصيّة ربّهم أين وكيف يجب أن يكنزوا‪%‬‬
‫أالّ يفقدوا في غزوات البرابرة ثرواتهم‪ %‬ال ّدنيويّة‪ ،‬أمّا من لم يمتثلوا لها مع األسف فإن لم يتعلّم‪%%‬وا‬
‫من الحكمة السّابقة قد تعلّموا من ال ّتجربة الالّحقة ماذا يجب أن يفعلوا بها‪.‬‬
‫صحيح أنّ بعض األخيار‪ ،‬ومن بينهم مسيحيّون‪ ،‬ع ُّذبوا ليس‪%‬لّموا لألع‪%‬داء خ‪%‬يراتهم؛ لكن م‪%‬ا‬
‫أمكنهم تسليم وال خسران* خير هم به أخيار‪ .‬أمّا إن اخت‪%%‬اروا‪ %‬ال ّتع‪%%‬ذيب على تس‪%%‬ليم معب‪%%‬ود اإلثم*‬
‫ال‪%‬ذهب‪ ،‬كم ك‪%%‬ان يج‪%‬در‬ ‫فما هم باألخيار‪ .‬والحال أ ّنهم ُأنذروا‪ ،‬هم الّذين قاسوا‪ %‬م ّر الع‪%%‬ذاب بس‪%‬بب ّ‬
‫بهم أن يتحمّلوا ألجل المسيح فيتعلّموا‪ %‬أن يحبّوه ه‪%%‬و الّ‪%%‬ذي يهب من يتع‪%ّ %‬ذبون ألجل‪%%‬ه ث‪%%‬روة ال ّنعيم‬
‫والفض‪%‬ة اللّ‪%%‬ذين ك‪%‬ان غبن‪%‬ا حقيق‪%‬ا بالرّث‪%%‬اء تح ّم‪%%‬ل الع‪%%‬ذاب ألجلهم‪%‬ا‪ ،‬س‪%‬واء‬‫ّ‬ ‫الذهب‬‫األبديّ بدال من ّ‬
‫شدائد أضاع المس‪%%‬يح ب‪%%‬اإلقرار‪ %‬ب‪%%‬ه وال‬ ‫إلخفائهما بالكذب أو تسليمهما باإلقرار‪ %.‬فال أحد في تلك ال ّ‬
‫حفظ ذهبه إالّ بإنكاره‪ .‬لذلك ربّما كانت تلك األنكال‪ ،‬بتعليمها‪ %‬حبّ الخير الّذي ال يدرك‪%%‬ه الفس‪%%‬اد‪،‬‬
‫أنفع من تلك الخيرات الّتي ما ف‪%%‬تئت تع‪%ّ %‬ذب أص‪%%‬حابها بحبّه‪%%‬ا دون كس‪%%‬ب أ ّي‪%%‬ة منفع‪%%‬ة‪ .‬ص‪%%‬حيح أنّ‬
‫بعض المواط‪%%‬نين الّ‪%%‬ذين ال يملك‪%%‬ون ش‪%%‬يئا يس ‪%‬لّمونه تعرّض‪%%‬وا هم أيض‪%%‬ا لل ّتع‪%%‬ذيب‪ ،‬ألنّ الغ‪%%‬زاة لم‬
‫يص ّدقوهم‪ .‬هم أيضا ربّما ك‪%%‬انوا يح ّب‪%%‬ون امتالك أم‪%%‬وال ولم يكون‪%%‬وا فق‪%%‬راء بزه‪%%‬د اختي‪%%‬اريّ وقلب‬
‫نقيّ ‪ ،‬فلزم أن يبيَّن لهم أ ّنهم بحبّها ال بامتالكه‪%%‬ا اس‪%‬تح ّقوا ذل‪%%‬ك الع‪%‬ذاب‪ .‬أمّ‪%‬ا من ك‪%‬انوا الختي‪%%‬ارهم‬
‫عذب الغزاة أحدهم ظ ّنا أ ّن‪%%‬ه يمل‪%%‬ك‬ ‫حياة أفضل ال يملكون ذهبا وال فضّة‪ ،‬فال أدري إن حصل أن ّ‬
‫ك أنّ من ك‪%%‬ان يُق‪ّ %‬ر في غم‪%%‬رات ال ّتع‪%%‬ذيب بفق‪%%‬ره ال ّنقيّ من حبّ‬ ‫أمواال‪ ،‬لكن ح ّتى إن حصل فال ش ّ‬
‫يعذب وه‪%%‬و‬ ‫عرض ال ّدنيا كان يق ّر بالمسيح‪ ،‬لذا ما أمكن‪ ،‬ح ّتى إن لم ينجح في إقناع األعداء‪ ،‬أن َّ‬
‫ّ‪%‬‬
‫يستحق مكافأة في السّماء‪.‬‬ ‫يقرّ بفقره ال ّنقيّ دون أن‬
‫يقال أيضا إنّ مجاعة طويلة فتكت كذلك بالمسيحيّين‪ .‬ذلك أيضا يحوّ له المؤمنون الصّالحون‬
‫إلى ص‪%%‬الحهم إذ يتحمّلون‪%%‬ه بقلب تقيّ نقيّ ‪ .‬فالّ‪%%‬ذين أفنتهم‪ %‬تل‪%%‬ك المجاع‪%%‬ة ان‪%%‬تزعتهم من أدواء ه‪%%‬ذه‬
‫الحياة كما يخلّصنا الموت من أسقام البدن‪ .‬أمّا من لم ت‪%‬ذهب بهم فعلّمتهم‪ %‬العيش على الكف‪%%‬اف من‬
‫الرّزق والمواظبة أكثر على الصّوم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ 1-11‬في حتم ّية انتهاء الحياة ال ّدنيا طالت أم قصرت‬
‫صحيح كذلك أنّ كثيرا من المسيحيّين قُ ّتلوا وأبيدوا‪ %‬بميتات فظيعة شتى‪ .‬ذلك وإن شق تحمّله‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ك بين ك ّل من ُخلقوا لهذه الحياة‪ :‬فمعل‪%%‬وم أنّ م‪%%‬ا من أح‪%%‬د م‪%%‬ات لم يكن مقض‪%‬يّا‬ ‫مآل مشترك بال ش ّ‬
‫ّ‬
‫بأن يموت يوما ما‪ ،‬وأنّ نهاية الحي‪%%‬اة تس‪%%‬اوي‪ %‬بين الطويل‪%%‬ة والقص‪%%‬يرة‪ ،‬فال أفض‪%%‬ل أو أس‪%%‬وأ‪ ،‬وال‬
‫أطول أو أقصر في أشياء استحالت عدما على ح ّد سواء‪ .‬ث ّم فيم يه ّم نوع الموت الّ‪%%‬ذي ينهي ه‪%%‬ذه‬

‫‪7‬‬
‫الحياة ما دام من تنتهي حياته غير مجبر على الم‪%%‬وت ثاني‪%%‬ة؟ ك‪%%‬ذلك م‪%%‬ا دامت ميت‪%%‬ات ال تحص‪%%‬ى‬
‫ته ّدد ك ّل الفناة في غمار الحوادث اليوميّة لهذه الحي‪%%‬اة‪ ،‬وم‪%%‬ا دمت ال أعلم يقين‪%%‬ا أ ّي‪%%‬ا منه‪%%‬ا س‪%%‬تكون‬
‫نص‪%%‬يبي‪ ،‬أتس‪%%‬اءل إن لم يكن تحمّ‪%%‬ل إح‪%%‬داها ب‪%%‬الموت خ‪%%‬يرا من الخ‪%%‬وف باس‪%%‬تمرار منه‪%%‬ا كلّه‪%%‬ا‬
‫باالستمرار‪ %‬في الحياة‪ .‬ال أجهل كم نؤثر االستمرار في العيش طويال تحت وطأة الخوف من ك ّل‬
‫تلك الميتات على الموت بالفعل م ّرة هي األولى واآلخرة فال نخشى بعد أيّا منها‪ .‬لكنّ فرار حسّ‬
‫الجسد الضّعيف‪ %‬الفزع من المصير المحتوم ش‪%‬يء‪ ،‬وش‪%‬يء س‪%‬واه م‪%‬ا يقنعن‪%‬ا ب‪%‬ه ال ّتفك‪%‬ير العقالنيّ‬
‫َ‬
‫الم‪%‬وت ش‪%‬رّ ا غ‪%‬ي ُر م‪%‬ا‬ ‫الصّافي‪ .‬ال يجب فعال أن ن ُع ّد ش ّرا موتا سبقته حي‪%‬اة ص‪%‬الحة‪ ،‬إذ ال يجع‪%‬ل‬
‫ّ‬
‫الموت‪ .‬لذا ال يجب أن ينشغل كثيرا من هم آيلون حتما إلى الموت بالحادث الذي س‪%%‬يموتون‬ ‫َ‬ ‫يتبع‬
‫ّ‬
‫به‪ ،‬بل فقط بالمح ّل الذي سيُجبرون على االنتق‪%‬ال إلي‪%‬ه ب‪%‬الموت‪ .‬وبم‪%‬ا أنّ المس‪%‬يحيّين يعلم‪%‬ون أنّ‬
‫موت المسكين ال ّتقيّ بين ألسنة الكالب وهي تلحس قروحه أفضل بكثير من م‪%%‬وت الغ‪%%‬نيّ الك‪%%‬افر‬
‫في األرجوان والب ّز‪ ،‬فيم تضير تلك الميتات الفظيعة الموتى الّذين عاشوا حياة تقوى وصالح؟*‬
‫‪ ‬‬
‫‪ 1-12‬في أنّ منع دفن جثث المسيح ّيين ال ُيفقدهم شيئا‬
‫يتيس‪%‬ر ال محال‪%%‬ة دفن الكث‪%%‬يرين‪ .‬ذاك أيض‪%%‬ا ال يخش‪%%‬اه‬ ‫في هذه الكوم‪%%‬ة الكب‪%%‬يرة من الجثث لم ّ‬
‫الحق بأنّ افتراس‪ %‬السّباع لألجساد ال يمنع بعثه‪%%‬ا و"ال تهل‪%%‬ك من‬ ‫ّ‬ ‫اإليمان الصّادق الواثق من وعد‬
‫الحق قطعا ليقول‪" :‬ال تخ‪%‬افوا‪ %‬ممّن يقت‪%‬ل الجس‪%%‬د وال يس‪%‬تطيع‪ %‬أن يقت‪%‬ل‬ ‫ّ‬ ‫رؤوسها‪ %‬شعرة"*‪ .‬ما كان‬
‫ال ّنفس"* لو كان يمنع الحيا َة األخرى ما ش‪%%‬اء األع‪%%‬داء أن يفعل‪%%‬وا بأجس‪%%‬اد‪ %‬القتلى‪ .‬اللّه ّم إالّ إن بل‪%%‬غ‬
‫الزعم بأ ّنه ال ينبغي الخوف قبل الموت ممّن يقتل‪%%‬ون الجس‪%%‬د وينبغي‪ %‬الخ‪%%‬وف من‬ ‫الخرق بأح ٍد ح ّد ّ‬
‫ٌأ‬
‫عدم السّماح بعد الموت بدفن الجسد الّذي غدا بال حياة! خط إذن قول المسيح‪" :‬من يقت‪%%‬ل الجس‪%%‬د‬
‫ليس ل‪%‬ه بع‪%%‬د أن يفع‪%%‬ل أك‪%%‬ثر"* إن ك‪%%‬انوا يملك‪%%‬ون ح ّق‪%%‬ا ه‪%%‬ذه الق‪%%‬درة على فع‪%%‬ل م‪%%‬ا يش‪%%‬اؤون بجثث‬
‫الحق‪ ،‬فهو يقول إنّ القاتلين يفعلون ش‪%%‬يئا س‪%%‬اعة القت‪%%‬ل‬ ‫ّ‬ ‫األموات‪ .‬بل حاشا أن يكون خطًأ ما يقول‬
‫يتأثر بالقتل‪ ،‬أمّا بعده فما لهم ما يفعلون ألنّ الجس‪%%‬د الّ‪%%‬ذي قتل‪%%‬وا غ‪%%‬دا خل‪%%‬وا‬ ‫ألنّ الحسّ في الجسد ّ‬
‫من الحسّ تماما‪ .‬كثرة من أجساد المسيحيّين لم توارها األرض‪ ،‬لكن ال أحد فص‪%%‬ل أ ّي‪%%‬ا منه‪%%‬ا عن‬
‫السّماء واألرض الّتي يمألها كلّها بحضوره من يعلم من أين سيبعث ك َّل ما خلق‪ .‬يق‪%%‬ول ص‪%%‬احب‬
‫المزامير ال محالة‪" :‬جعلوا جثث عبيدك طعاما لطيور السّماء‪ ،‬لحو َم أصفيائك لوحوش األرض؛‬
‫سفكوا دماءهم حول أورشليم مثل الم‪%%‬اء ولم يكن من دافن"* لكن إلظه‪%%‬ار وحش‪%‬يّة مرتك‪%%‬بي تل‪%%‬ك‬
‫الفظائع ال إلب‪%%‬راز ب‪%%‬ؤس من تعرّض‪%%‬وا له‪%%‬ا‪ .‬فح ّتى‪ %‬إن ب‪%%‬دت تل‪%%‬ك المحن قاس‪%%‬ية وش‪%%‬ا ّقة* في نظ‪%%‬ر‬
‫الش‪%‬ؤون أع‪%%‬ني العناي‪%%‬ة بش‪%%‬عائر‪%‬‬ ‫موت أصفيائه"*‪ .‬وبال ّتالي ك ّل تلك ّ‬ ‫ُ‬ ‫البشر‪" ،‬كريم في عيني ال ّربّ‬
‫المأتم والقيام بال ّدفن ومراسيم‪ %‬الجنازة هي لعزاء األحي‪%%‬اء أك‪%%‬ثر م ّم‪%%‬ا هي إلس‪%%‬عاف‪ %‬األم‪%%‬وات‪ .‬وإن‬
‫يكن ثمّة نفع للكافر في إقامة مأتم مفتخر‪ ،‬فثمّة مضرّ ة لل ّتقيّ في إقام‪%%‬ة م‪%%‬أتم متواض‪%%‬ع أو ال م‪%%‬أتم‬
‫إطالقا‪ .‬أع ّد طاقم الخدم لسيّدهم المسجّى باألرجوان مأتما ساطعا‪ %‬في أعين ال ّن‪%%‬اس‪ ،‬لكنّ المس‪%%‬كين‬
‫ت له مأتما أسطع في عيني هللا المالئك ُة القائمة على خدمته‪ ،‬الّتي لم تضعه في جدث‬ ‫المق ّرح أع ّد ْ‬
‫من المرمر‪ %‬بل نقلته إلى حضن إبراهيم‪.‬‬
‫اعتزمت رد تخرّصاتهم‪ %‬عن مدينة هللا‪ .‬م‪%%‬ع ذل‪%%‬ك أب‪%%‬دى فالس‪%%‬فتهم‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يضحك من هذا الكالم من‬
‫استخفافهم بمسألة دفنهم‪ .‬بل كثيرا ما رأينا جيوشا ج ّرارة قبيل الموت من أجل ال‪%%‬وطن األرض‪%%‬يّ‬
‫ال تعير باال بمثوى أجس‪%‬ادها أو أليّ‪%‬ة س‪%‬باع س‪%‬تكون طعام‪%‬ا‪ .‬عن ه‪%‬ذا الموض‪%‬وع‪ %‬أمكن أن يق‪%‬ول‬
‫شعراء ويحظوا باالستحسان‪" :‬يجد في السّماء غطاء من لم يجد مرمدة لرماد جثمان‪%%‬ه"*‪.‬‬ ‫بعض ال ّ‬
‫وهم غير مح ّقين في تعيير المسيحيّين بعدم دفن أجسادهم الّتي وعد هللا بإعادة تكوين لحمها وك ّل‬
‫أعضائها‪ %‬ال من األرض فقط بل كذلك من جوف بق ّي‪%%‬ة العناص‪%%‬ر الخفيّ حيث تب‪ّ %‬ددت جثثهم هب‪%%‬اء‬
‫منثورا في السّاعة المق ّدرة لبعثها بكامل هيئتها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ص ّديقين‬
‫مبرر دفن أجساد ال ّ‬ ‫‪ 1-13‬ما ّ‬
‫م‪%%‬ع ذل‪%%‬ك ال ينبغي إهم‪%%‬ال أجس‪%%‬اد الم‪%%‬وتى وتركه‪%%‬ا في الع‪%%‬راء‪ ،‬وب‪%%‬األخصّ أجس‪%%‬اد األب‪%%‬رار‬

‫‪8‬‬
‫والمؤمنين األتقياء الّتي استخدمها‪ %‬الرّوح كآنية للكرامة إلنجاز ش ّتى أعمال البرّ ‪ .‬فإن ك‪%%‬ان ل‪%%‬رداء‬
‫المعزة‪ #‬بق‪%%‬در م‪%%‬ا يك ّن‪%%‬ون ل‪%%‬ه من‬
‫ّ‬ ‫وخاتم األب وما شابههما ممّا كان يحمل في حياته عند بنيه من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فائق المحبّة‪ ،‬فال ينبغي بحال من األحوال االس‪%‬تخفاف باألجس‪%‬اد ال‪%‬تي هي ب‪%‬التحقيق أوث‪%‬ق ص‪%‬لة‬
‫وارتباطا‪ %‬بنا من أيّة حلية حملنا‪ ،‬فما هي وسائل زين‪%%‬ة أو وقاي‪%%‬ة تق‪َّ %‬دم لن‪%%‬ا من الخ‪%%‬ارج ب‪%%‬ل تق‪%%‬ترن‬
‫ص ّديقين األوّ لين وتش‪%%‬ييع جن‪%%‬ائزهم وت‪%%‬رتيب‬ ‫بطبيعتنا كبشر‪ .‬لذلك اع ُتني بب ّر وتقوى‪ %‬بإقامة مآتم لل ّ‬
‫دفنهم‪ ،‬وأوصوا‪ %‬هم أنفسهم في حياتهم‪ %‬بنيهم ب‪%%‬دفن‪ ،‬وأحيان‪%‬ا‪ %‬نق‪%%‬ل جثم‪%%‬انهم‪ %.‬وارتض‪%‬ى‪ %‬هللا طوب ّي‪%%‬ا*‬
‫الث‪%%‬الث من بين األم‪%%‬وات‬ ‫لدفنه الموتى بشهادة مالك ال ّربّ ‪ .‬وربّنا‪ %‬المسيح نفسه الّذي قام في اليوم ّ‬
‫الثمن‬ ‫نوّ ه‪ -‬موصيا من خالل ذلك ال ّتنويه‪ -‬بمب ّرة المرأة ال ّديّنة الّتي أفاضت على جسده طيبا كثير ّ‬
‫الص‪%‬ليب واهت ّم‪%%‬وا بتكفين‪%%‬ه‬ ‫وش‪%‬كر‪ %‬في اإلنجي‪%%‬ل من تل ّق‪%%‬وا جس‪%%‬ده من على ّ‬ ‫إعدادا لدفنه‪ ،‬كم‪%%‬ا ُذك‪%%‬ر ُ‬
‫ودفنه بعناية وإجالل‪ .‬ح ّقا ال تفيد هذه المصادر‪ %‬المق ّدسة بوج‪%%‬ود‪ %‬أيّ حسّ في جثث هام‪%%‬دة‪ ،‬وإ ّنم‪%%‬ا‬
‫تعني أنّ العناية اإللهيّة الّتي ترتضي تلك ال ّتطوّ عات المألى بالب ّر وال ّتق‪%%‬وى تهت ّم بأجس‪%%‬اد الم‪%%‬وتى‬
‫إلنم‪%%‬اء إيمانن‪%%‬ا ب‪%%‬البعث‪ .‬فيه‪%%‬ا نتعلّم ك‪%%‬ذلك لمص‪%%‬لحة خالص‪%%‬نا أيّ ث‪%%‬واب عظيم يمكن أن يج‪%%‬ازي‬
‫إحساننا إلى األحياء ال ّنابضين باإلحساس‪ ،‬ما دام هللا ال يضيع أجر برّنا واعتنائنا بأجس‪%%‬اد بش‪%%‬ريّة‬
‫الص‪ّ %‬ديقين تتعلّ‪%%‬ق ب‪%%‬دفن أو نق‪%%‬ل أجس‪%%‬ادهم أرادوا‬ ‫بارحتها الحياة‪ .‬هناك طبعا أقوال أخرى لآلب‪%%‬اء ّ‬
‫شأن‪.‬‬ ‫إفهامنا أ ّنهم قالوها بوحي الرّوح‪ ،‬لكن ليس هذا مح ّل الحديث عنها ويكفي ما قلنا بهذا ال ّ‬
‫لكن إن كان فقدان المتطلّبات الضّروريّة لحفظ بقاء األحياء كالقوت والكسوة‪ ،‬مهما سبّب من‬
‫األلم‪ ،‬ال يكسر طاقة الصّالحين على ال ّتحمّل والصّبر‪ %‬وال يستأصل ال ّتقوى من قلوبهم ب‪%%‬ل يجعله‪%%‬ا‬
‫الش‪%‬عائر المأتم ّي‪%%‬ة ودفن‬ ‫بالمراس أكثر عطاء‪ ،‬فما أعجز غياب تل‪%%‬ك الّ‪%%‬تي تس‪%%‬تلزمها‪ %‬ع‪%%‬ادةُ إقام‪%%‬ة ّ‬
‫أجس‪%%‬اد الم‪%%‬وتى عن جعلهم يبتئس‪%%‬ون بع‪%%‬دما نعم‪%%‬وا بالرّاح‪%%‬ة األبد ّي‪%%‬ة في مقام‪%%‬ات األب‪%%‬رار المخف‪%%‬اة‬
‫شعائر جثث المسيحيّين أثناء ذلك ال‪ّ %‬دمار الّ‪%‬ذي تعرّض‪%‬ت‬ ‫بحجب الغيب! لذا لمّا حُرمت من تلك ال ّ‬
‫له رومية أو المدن األخرى‪ ،‬ال جناح على األحي‪%%‬اء الّ‪%%‬ذين لم يس‪%%‬تطيعوا إقامته‪%%‬ا‪ ،‬وال ض‪%%‬ير على‬
‫األموات الّذين ال يمكن أن يحسّوا بها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الص ّديقين الّذين لم تغب عنهم أبدا تعزيات هللا‬ ‫‪ 1-14‬في أسر ّ‬
‫قد يقال‪ :‬لكنّ عديدا من المسيحيّين اقتيدوا‪ %‬أسرى‪ %‬كذلك‪ .‬ذاك أمر مؤس‪%%‬ف ح ّق‪%%‬ا إن أمكن أن‬
‫يُقتادوا إلى مكان لم يجدوا فيه إلههم‪ .‬ث ّم إنّ في الكتاب المق ّدس أعظم عزاء على هذا القرح‪ :‬فلق‪%%‬د‬
‫ك‬‫الثالثة ودانيال* وأنبياء آخرون‪ ،‬ولم يتخ ّل عنهم هللا واهب العزاء‪ .‬ال ش ‪ّ %‬‬ ‫وقع في األسر األبناء ّ‬
‫إذن أ ّنه لم يتخ ّل عن عباده المؤمنين لمّا وقعوا‪ %‬تحت سيطرة شعب همجيّ ال محالة لكن إنس‪%%‬انيّ ‪،‬‬
‫الس‪%‬خرية من ه‪%%‬ذه الوق‪%%‬ائع‬ ‫هو الّذي لم يتخ ّل عن نبيّه في جوف الحوت‪ .‬يؤثر‪ %‬من نناضل ض ّدهم ّ‬
‫شهير‪،‬‬ ‫على تصديقها‪ ،‬مع أ ّنهم يص ّدقون‪ %‬ما جاء في كتبهم عن أريوس‪ %‬المثيمنيّ عازف القيثارة ال ّ‬
‫قص ‪%‬ة س ‪%‬يّدنا‪%‬‬‫أ ّنه عند سقوطه من على متن السّفينة وقع على ظهر دلفين حمل‪%%‬ه إلى اليابس‪%%‬ة‪ .‬لكنّ ّ‬
‫يونس أصعب على ال ّتص‪%%‬ديق‪ :‬هي ب‪%%‬ال ّتحقيق أص‪%%‬عب على ال ّتص‪%%‬ديق أل ّنه‪%%‬ا أعجب‪ ،‬وهي أعجب‬
‫ألنّ قدرة أعظم تتجلّى فيها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫سد مثال أعلى على تح ّمل األسر اختيار ّيا بدافع الدّ ين ولم تس‪::‬عفه‬ ‫ّ‬
‫‪ 1-15‬في ريقولوس الذي يج ّ‬
‫مع ذلك اآللهة الّتي كان يعبد‬
‫عندهم مع ذلك مثال شهير‪ ،‬ألحد رجالهم البارزين‪ ،‬على تحمّل األسر اختياريّا وبدافع ال ّدين‬
‫‪%‬اني م‪%%‬رقس‪ %‬ريقول‪%%‬وس‪ %‬أس‪%%‬يرا في أي‪%%‬دي القرط‪%%‬اج ّنيّين‪ ،‬وإليث‪%%‬ارهم‬ ‫ك‪%%‬ذلك‪ .‬فق‪%%‬د وق‪%%‬ع القائ‪%%‬د الرّوم‪%ّ %‬‬
‫استرداد أسراهم من الرّومان على االحتفاظ بأسرى‪ %‬الرّومان‪ ،‬أرس‪%‬لوا إلى رومي‪%‬ة اللتم‪%‬اس ذل‪%‬ك‬
‫مع وفد من مفوّ ضيهم ريقولوس‪ %‬بعدما حصلوا منه على تعهّد تحت القسم بالعودة إلى قرط‪%%‬اج‪ %‬إن‬
‫طلب منه إذ لم يكن يرى مبادلة األسرى‬ ‫شيوخ بعكس ما ُ‬ ‫لم يح ّقق مبتغاهم‪ %.‬فذهب وأقنع مجلس ال ّ‬
‫في صالح الجمهوريّة الرّومان ّي‪%%‬ة‪ .‬بع‪%%‬د إقن‪%%‬اع الرّوم‪%%‬ان بوجه‪%%‬ة نظ‪%%‬ره لم ي‪%%‬ر ّدوه قس‪%%‬ر إرادت‪%%‬ه إلى‬
‫األعداء‪ ،‬بل فعل من تلقاء نفسه وفاء بعهده‪ .‬فقتلوه مسلّطين علي‪%%‬ه أفظ‪%%‬ع فن‪%%‬ون ال ّتع‪%%‬ذيب‪ ،‬حبس‪%%‬وه‬

‫‪9‬‬
‫مرش‪%‬ق‪ %‬بأس‪ّ %‬نة ح‪%%‬ا ّدة ُأج‪%%‬بر على البق‪%%‬اء واقف‪%%‬ا داخل‪%%‬ه دون أن يس‪%%‬تطيع‪%‬‬
‫ّ‬ ‫في صندوق خش‪%%‬بيّ ض‪%‬يّق‬
‫ّ‬
‫ال ّتحرّك بأيّ ا ّتج‪%%‬اه دون الت‪%‬أذي بوخزه‪%%‬ا الم‪%%‬ب ّرح؛ به‪%‬ذا وبإرغام‪%‬ه على البق‪%‬اء س‪%‬اهدا باس‪%%‬تمرار‬
‫ّ‬
‫الثناء على شجاعته األعظم من بالئه العظيم‪ .‬كان قد أقس‪%‬م‪ %‬بآله‪%%‬ة‬ ‫ك ّ‬ ‫يحق ال ش ّ‬ ‫قضوا على حياته‪ّ .‬‬
‫يرى خصومنا أنّ حظر عبادتها سبّب ه‪%%‬ذه الك‪%%‬وارث للجنس البش‪%%‬ريّ ‪ :‬ف‪%%‬إن أرادت أو قبلت‪ ،‬هي‬
‫الّ‪%‬تي ك‪%‬انت ُتعب‪%%‬د لتجع‪%‬ل ه‪%%‬ذه الحي‪%‬اة مر ّفه‪%%‬ة‪ ،‬أن يتع‪%%‬رّ ض ذل‪%%‬ك الرّج‪%%‬ل الم‪%%‬وفي بعه‪%%‬ده إلى تل‪%%‬ك‬
‫األنكال‪ ،‬ماذا كانت ستصنع أسوأ منها لو أغضبها بالحنث بيمينه؟‬
‫لكن لم ال أختم استداللي‪ %‬باألحرى به‪%%‬ذين االس‪%%‬تنتاجين‪ :‬أوّ ال من ال‪%%‬بيّن أنّ ذل‪%%‬ك الرّج‪%%‬ل عب‪%%‬د‬
‫اآللهة بتفان بلغ ح ّد الرّضى بمبارحة وطن‪%%‬ه وف‪%%‬اء بيمين‪%%‬ه‪ ،‬ال لل‪%ّ %‬ذهاب إلى أيّ مك‪%%‬ان يعجب‪%%‬ه‪ ،‬ب‪%%‬ل‬
‫للعودة إلى أعدائه اللّ ّد دون أدنى تر ّدد‪ .‬فإن كان يرى في ذلك نفع‪%%‬ا لحيات‪%%‬ه الحاض‪%%‬رة‪ ،‬وق‪%‬د‪ُ %‬م‪%%‬ني‬
‫ك أ ّنه كان مخطئا في ظ ّنه‪ ،‬ولقد علّمنا بمثاله أنّ ال نفع لآللهة الوثن ّي‪%%‬ة‬ ‫بذلك المصير‪ %‬الفظيع‪ ،‬ال ش ّ‬
‫في جلب سعادة ال ّدنيا مادام ذلك ال ّرجل المتفاني في عبادتها قد ُغلب واقتيد‪ %‬أسيرا‪ ،‬ولرفضه فع‪%%‬ل‬
‫وحشي مستج ّد لم يُسمع قب ُل بمثله‪ .‬ثاني‪%%‬ا‪ ،‬إن ك‪%%‬انت‬
‫ّ‪%‬‬ ‫غير ما أقسم عليه بع ّزتها‪ %‬مات ضحيّة تعذيب‬
‫عبادة تلك اآللهة ُتجزى بال ّنعيم‪ %‬بعد ه‪%%‬ذه الحي‪%%‬اة فلِم يثلب‪%%‬ون عص‪%%‬ر المس‪%%‬يحيّة زاعمين أنّ رومي‪%%‬ة‬
‫ُدهيت بتلك الكارثة النقطاعها عن عبادة آلهتها‪ ،‬بينما كان ممكن‪%%‬ا أن تتع‪%%‬رّ ض ح ّتى وهي مث‪%%‬ابرة‬
‫على عبادته‪%%‬ا إلى مص‪%%‬ير‪ %‬تعيس كالّ‪%%‬ذي آل إلي‪%‬ه ريقول‪%%‬وس؟‪ %‬اللّه ّم إالّ إن ع‪%%‬ارض مك‪%%‬ابر الحقيق‪%%‬ة‬
‫السّاطعة بعمى أرعن عجاب‪ ،‬م ّدعيا سفها استحالة أن تشقى مدينة بأكملها تعبد تل‪%%‬ك اآلله‪%%‬ة‪ ،‬وإن‬
‫أمكن ذلك بال ّنسبة لفرد واحد ألنّ قوّ ة اآللهة أقدر‪ %‬على حفظ الجماعة من حفظ الفرد‪ ،‬والح‪%%‬ال أنّ‬
‫الجماعة قوامها‪ %‬األفراد‪.‬‬
‫أمّا إن قالوا إ ّنه أمكن لريقولوس‪ ،‬وهو في األسر وتحت ال ّتعذيب الجسديّ ‪ ،‬أن ينعم بالسّعادة‬
‫الس‪%‬عادة‪.‬‬‫لفضيلة نفسه‪ ،‬فليلتمسوا‪ %‬باألحرى الفضيلة الحقيقيّة الّتي يمكن للمدينة أيضا أن تجد به‪%%‬ا ّ‬
‫فهي ال تستم ّد سعادتها من مصدر غير الّذي يستم ّد منه الفرد سعادته‪ ،‬فما المدينة سوى مجموعة‬
‫من المواطنين تعيش في وئام‪ .‬ال أجادل بعد في حقيقة الفضيلة الّتي يتحلّى به‪%%‬ا ريقول‪%%‬وس‪ ،‬يكفي‬
‫في الوقت الحاضر‪ %‬أنّ هذا المثال الرّائع يفرض عليهم االعتراف بأ ّن‪%%‬ه ال يجب أن يعب‪%%‬د اإلنس‪%%‬ان‬
‫اآللهة طمعا في الخيرات الجسديّة أو األعراض الّتي تأتيه من الخارج‪ ،‬فإنّ ذل‪%%‬ك الرّج‪%%‬ل آث‪%%‬ر أن‬
‫يُحرم منها كلّها على إهانة اآللهة الّتي أقسم بها‪ .‬لكن م‪%%‬ا العم‪%%‬ل م‪%%‬ع أن‪%%‬اس يفخ‪%%‬رون أن ك‪%%‬ان لهم‬
‫مواطن مثله ويخشون أن تكون لهم مدينة بمث‪%%‬ل ش‪%%‬يمه؟ إن لم يكون‪%%‬وا يخش‪%%‬ون ذل‪%%‬ك فليُق‪%%‬رّوا‪ %‬إذن‬
‫بإمكان تع ّرض مدينة مواظبة على عبادة آلهتها لمثل م‪%%‬ا حص‪%%‬ل لريقول‪%%‬وس‪ ،‬وليك ّف‪%%‬وا اف‪%%‬تراءاتهم‬
‫عن عص‪%%‬ر المس‪%%‬يحيّة‪ .‬لكن بم‪%%‬ا أ ّنهم أث‪%%‬اروا‪ %‬المس‪%%‬ألة ح‪%%‬ول المس‪%%‬يحيّين الّ‪%%‬ذين ُأس‪%%‬روا هم أيض‪%%‬ا‪،‬‬
‫فليتأمّل في هذا ويخرس من يسخرون بسفاهة وسخافة* من ال ّدين المنقذ ح ّق‪%%‬ا وص‪%%‬دقا‪ %.‬إن لم يكن‬
‫عارا على آلهتهم أنّ ذلك الرّج‪%‬ل المتف‪%‬اني في عبادته‪%‬ا اض‪%‬طرّ لحرص‪%‬ه على الوف‪%‬اء بقس‪%‬مه إلى‬
‫مفارقة وطنه الّذي ليس له سواه‪ ،‬ث ّم تعرّ ض عند أعدائه إلى عذاب لم يسبق له في القسوة مثي‪%%‬ل‪،‬‬
‫ومات بعد احتضار مرير‪ ،‬فما أق ّل ح ّقهم في تعيير ال ّدين المسيحيّ بأس‪%%‬ر ص‪ّ %‬ديقيه الّ‪%%‬ذين يعلم‪%%‬ون‬
‫أ ّنهم غرباء ح ّتى في منازلهم وينتظرون الوطن العلويّ بإيمان صادق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تعرضت لها في األسر العذارى الن‪::‬اذرات العف‪:‬ة‪ :‬أن تل‪:ّ :‬وث‬ ‫ّ‬
‫‪ 1-16‬هل أمكن للفواحش التي ر ّبما ّ‬
‫عفاف أنفسهنّ دون رضا إرادتهنّ‬
‫يتصوّ رون أ ّنهم يع ّي‪%%‬رون المس‪%%‬يحيّات بمثلب‪%%‬ة ك‪%%‬برى ل ّم‪%%‬ا يض‪%%‬يفون عارض‪%%‬ين ه‪%%‬وان أس‪%%‬رهنّ‬
‫الفواحش الّتي مورست ال على المحصنات واألبكار البالغات فقط بل كذلك على بعض من نذرن‬
‫هلل عذرتهنّ ‪ .‬في الحقيقة ال يقع في إشكال هنا اإليمان وال ال ّتقوى وال الفضيلة الّتي ندعوها الع ّفة‪،‬‬
‫بل الخيار بين صيانة العرض واالمتثال للعقل‪ .‬ال يعنينا هنا الرّ ّد على أقوال الغير قدر م‪%%‬ا تهمّن‪%%‬ا‬
‫تعزية أخواتنا‪ .‬ل ُنق ّر إذن ونؤ ّكد‪ %‬أوّ ال أنّ الفضيلة الّتي بها نعيش باستقامة تمليها ال ّنفس مقرُّ ها على‬
‫أعضاء الجسد‪ ،‬وأنّ زكاء الجسد مستم ّد من زكاء اإلرادة الّتي تسيّره فطالما‪ %‬بقيت ثابتة وص‪%%‬امدة‬
‫ليس في ك ّل ما يفعل الغير بجسد أو في جسد أح‪%%‬د ال يس‪%%‬تطيع تحاش‪%%‬يه دون أن ي‪%%‬رتكب ه‪%%‬و ذات‪%%‬ه‬

‫‪10‬‬
‫إثما من إثم على المفعول به‪ .‬لكن بما أنّ من الممكن ممارس‪%%‬ة فع‪%%‬ل على جس‪%%‬م الغ‪%%‬ير ال إلح‪%%‬داث‬
‫األلم فقط بل كذلك إلحداث اللّ ّذة‪ ،‬ك ّل فعل من هذا القبيل‪ ،‬ح ّتى إن لم يُزل العفاف إن ّ‬
‫تمس ‪%‬كت ب‪%%‬ه‬
‫ال ّنفس بصمود قد يخدش* مع ذلك الحياء‪ ،‬ج ّراء الخوف من أن يُظنّ أن ق‪%%‬د ت ّم برض‪%%‬ا اإلرادة م‪%%‬ا‬
‫لم يمكن ربّما وقوعه بدون التذاذ الجسد‪.‬‬
‫<<‬

‫‪11‬‬

You might also like