You are on page 1of 22

‫وقال الرب‪" :‬روحي ال تدين يف اإلنسان إىل األبد‪ .

‬هو انسان وستكون ايامه مائة‬

‫وعشرين سنة "‪.‬‬

‫أوالدا ‪ ،‬وه‪--‬ؤالء هم‬


‫وبعد ذلك أيضا‪" :‬دخل بنو اهلل على بنات الرجال ‪ ،‬وول‪--‬دوا هلن ً‬
‫مشاهري الطغاة ‪ .‬ورأى الرب أن شر اإلنسان قد كثر يف األرض وأن أفكار قلبه كانت‬

‫شريرة كل يوم فقط ‪ ،‬فح‪-‬زن ال‪--‬رب ألن‪-‬ه عم‪--‬ل اإلنس‪-‬ان‪ -‬على األرض‪ .‬فح‪-‬زن قلب‪-‬ه وق‪-‬ال‬

‫ال‪--‬رب احمي من على وج‪--‬ه االرض االنس‪--‬ان ال‪--‬ذي خلقت‪--‬ه االنس‪--‬ان م‪--‬ع البه‪--‬ائم وال‪--‬دبابات‬

‫وطيور السماء‪ .‬ألنين حزنت ألين فعلت ذلك ‪ ،‬لكن نوح وجد نعمة يف الرب ! »‬

‫ميكن أن يق‪--‬ال يف ه‪--‬ذا‪ :‬أن أعظم خطيئ‪--‬ة هي تطل‪--‬ع اإلنس‪--‬ان إىل املعرف‪--‬ة واخلل‪--‬ود الل‪--‬ذين‬

‫حفظهم ‪--‬ا اهلل‪ .‬يف ه ‪--‬ذه الص ‪--‬ورة اهلل ه ‪--‬و املال ‪--‬ك ال ‪--‬ذي يك ‪--‬ره رعاي ‪--‬اه ليكش ‪--‬فوا ل ‪--‬ه أس ‪--‬رار‬

‫احلكم والبق ‪--‬اء ‪ ،‬ول ‪--‬ه الق ‪--‬درة على التق ‪--‬دير والتفك ‪--‬ري ‪ ،‬ولكن كم ‪--‬ا أن احلاكم ل ‪--‬ه س ‪--‬لطة‬

‫ف ‪--‬رض الق ‪--‬وانني وف ‪--‬رض العقوب ‪--‬ة والعق ‪--‬اب‪ ، -‬ول ‪--‬ه أن يعي ‪--‬د النظ ‪--‬ر فيم ‪--‬ا قض ‪--‬ى ب ‪--‬ه ‪ ،‬وأن‬

‫يبطله ‪ ،‬ويلغيه ‪ ،‬ويندم عليه ‪ ،‬كما يفعل امللوك يف سياسة الرعايا احملكومني‪.‬‬

‫يف الكتب‪ -‬املختلفة ‪ ،‬كان هناك حديث صريح عن تقسيم الثروة بني األفراد والش‪--‬عوب‬

‫منذ ما قبل الوالدة ‪ ،‬مبا يف ذلك التمييز بني إسرائيل على اآلخرين ‪ ،‬ومتييز يعق‪--‬وب عن‬

‫يس‪--‬وع ‪ ،‬ونس‪--‬ل يعق‪--‬وب على نس‪--‬ل يس‪--‬وع ‪ ،‬وكالمها ج‪--‬نني يف‪ .‬يف بطن أم‪--‬ه ‪ ..‬تف‪--‬رق‬
‫أحش‪--‬ائك يف بطنه‪--‬ا ‪ ..‬ف‪--‬ذهبت لتس‪--‬أل ال‪--‬رب فق‪--‬ال هلا ال‪--‬رب يف بطن‪--‬ك ش‪--‬عبان‪ -‬ق‪--‬وم على‬

‫قوم وشيوخ مستعبدون‪ -.‬بالصغري‪.‬‬

‫" الذي يعلم من بداية األخري"‪.‬‬

‫»‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬فإن "القدر" ك‪-‬ان ال ي‪-‬زال م‪-‬ع ب‪-‬ين إس‪-‬رائيل باعتب‪-‬اره إرادة احلاكم ال‪-‬ذي‬

‫يأمر ومينع ويعود مما أمره وأمره ‪ ،‬ومل يفهموا القدر على أنه نظ‪-‬ام ش‪-‬امل للوج‪-‬ود حيي‪-‬ط‬

‫ب ‪-- -‬الكون‪ ، -‬تتعب من أي من أفعاهلا ح ‪-- -‬ىت الغيب اجمله‪-- -‬ول ؛ املض‪-- -‬ي هبا بع ‪-- -‬د ذل‪-- -‬ك ‪ ،‬أو‬

‫الرجوع عنها ‪ ،‬والندم واخلطأ يف احلساب ‪.‬‬

‫يف س ‪--‬فر إش ‪--‬عياء ‪ ،‬وص ‪--‬ف اهلل بأن ‪--‬ه خ ‪--‬الق اإلنس ‪--‬ان ‪ ،‬وال جيوز لإلنس ‪--‬ان أن يراجع ‪--‬ه يف‬

‫حكم‪--‬ه‪ .‬ألن اخلزف ه‪--‬و ابن اخلزف فه‪--‬ل يق‪--‬ول الط‪--‬ائر الطن‪--‬ان لس‪--‬ابقه‪ :‬م‪--‬اذا تفع‪--‬ل؟ أم‬

‫يقول ‪ :‬عملك ليس له يد؟ »‬

‫لكن ه‪--‬ذا الفخ‪--‬ار يص‪--‬نع وي‪--‬رد ‪ ،‬ورأي الفخ‪--‬اري ال يكتفي‪ -‬حبفظ‪--‬ه أو حتطيم‪--‬ه ‪ ،‬فيتل‪--‬ف‬

‫بع‪--‬د حفظ‪--‬ه ‪ ،‬وحيف‪--‬ظ بع‪--‬د حتطيم‪--‬ه‪ .‬وك‪--‬ذلك ق‪--‬ال إرمي‪--‬ا‪" :‬قم ان‪--‬زل إىل بيت الفخ‪--‬اري"‪.‬‬

‫وهن‪-- - -‬اك‪ -‬مسعت كالمي ‪ ،‬ف‪-- - -‬نزلت إىل م‪-- - -‬نزل الفخ‪-- - -‬اري ‪ ،‬وه‪-- - -‬ا ه‪-- - -‬و يعم‪-- - -‬ل على عجل ‪-- -‬ة‬

‫قدرا‬
‫القيادة ‪ ،‬وقد أتلف اإلناء الذي كان يصنعه من الطني بيد الفخاري ‪ ،‬لذلك صنع ً‬
‫آخ‪-‬ر مثل‪-‬ه‪ .‬رج‪-‬ع الفخ‪-‬اري إىل كالم ال‪-‬رب ق‪-‬ائال‪ :‬ال أس‪-‬تطيع أن أفع‪-‬ل ب‪-‬ك هك‪-‬ذا بي‪-‬دي‬

‫ي‪--‬ا بيت‪ -‬إس‪--‬رائيل ‪ ،‬يق‪--‬ول ال‪--‬رب‪ :‬ه‪--‬ا ه‪--‬و ك‪--‬أس من اخلزف‪ .‬انتم هك‪--‬ذا يف ي‪--‬دي ي‪--‬ا بيت‬
‫اسرائيل‪ .‬أحيانًا أحتدث ضد أمة ومملكة ‪ ،‬مع اقتالع وهدم وت‪-‬دمري‪ .‬مث تع‪-‬ود تل‪-‬ك األم‪-‬ة‬

‫ال‪--‬يت حتدثت عنه‪--‬ا عن ش‪--‬رها ‪ ،‬وأن‪--‬دم على الش‪--‬ر ال‪--‬ذي قص‪--‬دت أن أفعل‪--‬ه هبا ‪ ،‬وأحيان ‪-‬اً‬

‫أحتدث‪ .‬على أم ‪--‬ة ومملك ‪--‬ة بالبن ‪--‬اء والغ ‪--‬رس ‪ ،‬فإهنا س ‪--‬تفعل الش ‪--‬ر يف عي ‪--‬ين ‪ ،‬ولن تس ‪--‬معوا‬

‫صويت ‪ ،‬لذلك ندمت على اخلري الذي قلت‪ :‬أحسنت به ‪" .‬‬

‫رمبا يك‪--‬ون‪ -‬من اجلي‪--‬د لليه‪--‬ود التمس‪--‬ك بفهم املص‪--‬ري اإلهلي يف ه‪--‬ذه الص‪--‬ورة‪ .‬ألهنم علق‪--‬وا‬

‫كل آماهلم يف اخلالص على "إله" منحاز هلم ‪ ،‬والذي يتحول من الغض‪--‬ب إىل القناع‪-‬ة‪ -‬؛‬

‫وإلنقاذهم من قوة أعدائهم أصروا على تصوير القدر ألنفسهم هبذه الطريقة رغم تق‪--‬دم‬

‫العقيدة اإلهلية يف عصر الفلسفة وعصر األديان السرية ‪.‬‬

‫هذا الفهم أعفهم من مشكلة القدر واألقدار بني أتباع ال‪-‬ديانات األخ‪-‬رى‪ .‬ألن املش‪-‬كلة‬

‫ت ‪--‬أيت من حماول ‪--‬ة التوفي ‪--‬ق بني اإلرادة اإلهلي ‪--‬ة ال ‪--‬يت تش ‪--‬مل ك ‪--‬ل ش ‪--‬يء وحمددة س ‪--‬ل ًفا لك ‪--‬ل‬

‫حساب ‪ ،‬وبني فعل اإلنسان للشر ؛ طواعية هلذه اإلرادة ‪ ،‬إذا كان اإلنس‪--‬ان‪ -‬ي‪--‬ؤمن باهلل‬

‫‪ ،‬فيمكن لإلنس ‪-- -‬ان أن يس ‪-- -‬تجيب ل ‪-- -‬ه بالطاع ‪-- -‬ة والعص ‪-- -‬يان ‪ ،‬وهبذا ميكن أن يتح‪-- -‬ول من‬

‫عقاب إىل ثواب ‪ ،‬ومن ثواب إىل عقاب‪.‬‬

‫‪ .‬هلذا الس‪--‬بب ‪ ،‬من الس‪--‬هل على رج‪--‬ل مث‪--‬ل جوزيف‪--‬وس أن يق‪--‬ول‪" :‬ك‪--‬ل األش‪--‬ياء حتدث‬

‫بق‪--‬در م‪--‬ا ه‪--‬و ممكن ‪ ،‬لكن‪--‬ه ال ين‪--‬تزع من اإلنس‪--‬ان حريت‪--‬ه يف فع‪--‬ل م‪--‬ا يش‪--‬اء‪ .‬ألن اهلل أراد‬

‫أيضا أن خيلط بني مصري اإلنسان‪ -‬وإرادته ؛ للسماح له بعمل اخلري والشر كما يشاء "‪.‬‬
‫ً‬
‫ه ‪--‬ذا ب ‪--‬الطبع ه ‪--‬و مض ‪--‬مون العقي ‪--‬دة اإلس ‪--‬رائيلية من ‪--‬ذ ب ‪--‬دايتها‪ ، -‬وليس مع ‪--‬ىن الفيلس ‪--‬وف‬

‫اإلس‪--‬رائيلي‪ -‬فيل‪--‬ون ال‪--‬ذي نش‪--‬أ يف اإلس‪--‬كندرية‪ -‬واس‪--‬تعري عقيدت‪--‬ه من فلس‪--‬فة وألغ‪--‬از الديان‪--‬ة‬

‫املص‪-- - -‬رية‪ .‬جس‪-- - -‬ديا ‪ ،‬ينق‪-- - -‬ل القض‪-- - -‬ية من ص‪-- - -‬ورة احلاكم واحملك‪-- - -‬وم إىل ص‪-- - -‬ورة املب ‪-- -‬دأين‬

‫املختلفني القائمني على اختالف العقل واجلسد ‪.‬‬

‫مث ب‪--‬دأت ال‪--‬دعوة‪ -‬املس‪--‬يحية يف عص‪--‬ر فيل‪--‬ون وجوزيف‪--‬وس ‪ ،‬وذك‪--‬ر الس‪--‬يد املس‪--‬يح األرواح‬

‫الشريرة اليت تسكن جسم اإلنسان ‪ ،‬لكنه مل يذكر أي شيء يشري إىل أصل الشر الذي‬

‫ورد يف الكتب اإلسرائيلية‪ -‬األوىل ‪.‬‬

‫بل إن العقائد فصلت الشريعة اإلهلي‪--‬ة ‪ ،‬واخلطيئ‪--‬ة البش‪--‬رية ‪ ،‬والتكف‪--‬ري عن ه‪--‬ذه اخلطيئ‪--‬ة ‪،‬‬

‫حبسب الرسول بولس يف عظاته وحواراته ‪ ،‬وخاصة رسالته التفصيلية إىل أهل رومي‪--‬ة ‪.‬‬

‫يف تلك الرسالة ‪ ،‬يقول الرسول بولس أن أص‪-‬ل الش‪--‬ر يف اإلنس‪--‬ان ه‪-‬و عص‪-‬يان‪ -‬آدم ألم‪-‬ر‬

‫ربه وأكله من الشجرة احملرمة ‪ ،‬وأن هذا اإلنسان‪ -‬يفعل الشر ؛ ألن‪--‬ه ورث ه‪--‬ذه املعص‪--‬ية‬

‫عن أبيه ‪ ،‬وال كفارة هلا إال املوت الذي ينزع عنه اجلسد ‪ ،‬وال يذوب ال‪--‬روح إال بتوب‪--‬ة‬

‫أخ ‪--‬رى ؛ إهنا كف ‪--‬ارة الس ‪--‬يد املس ‪--‬يح‪ .‬إن ال ‪--‬ذين يؤمن ‪--‬ون‪ -‬هبذه الكف ‪--‬ارة‪ -‬يس ‪--‬تحقون‪ -‬احلي ‪--‬اة‬

‫األبدي ‪--‬ة ‪ ،‬لكن ه ‪--‬ذا ال يقتص ‪--‬ر على اليه ‪--‬ود أو ب ‪--‬ين إس ‪--‬رائيل ‪ ،‬ب ‪--‬ل على مجي ‪--‬ع أبن ‪--‬اء آدم‬

‫وح‪--‬واء‪ .‬ك‪--‬ل وريث للخطيئ‪--‬ة ي‪--‬دخل يف اخلالص بالنعم‪--‬ة اإلهلي‪--‬ة ‪ ،‬واهلل وح‪--‬ده ه‪--‬و ال‪--‬ذي‬
‫يفصل بني الشرير والصاحل ‪ ،‬وهو الذي خيتاره العبيد للخالص األبدي أو اهلالك ال‪--‬دائم‬

‫كما يشاء ‪.‬‬

‫واخلزاف‪ .‬لنفي الظلم عن إرادة اهلل‬


‫يف ه ‪--‬ذه الرس ‪--‬الة ‪ ،‬رج ‪--‬ع ب ‪--‬ولس إىل مث ‪--‬ل الفخ ‪--‬اري ّ‬
‫تع ‪--‬اىل م ‪--‬اذا نق ‪--‬ول؟ ه ‪--‬ل ه ‪--‬ذا خط ‪--‬أ باهلل؟ ال مسح اهلل ألن موس ‪--‬ى يق ‪--‬ول‪ :‬إين أرحم من‬

‫أرحم وأرحم ال‪-- -‬رحيم ‪ ،‬ف‪-- -‬األمر ليس ملن يش‪-- -‬اء أو ملن يطلب‪-- -‬ه ‪ ،‬ب‪-- -‬ل اهلل ي‪-- -‬رحم ‪ ...‬ومن‬

‫أنتم‪ .‬أيه‪--‬ا اإلنس‪--‬ان جتاوب اهلل؟ رمبا س‪--‬يقول الطف‪--‬ل ملن ص‪--‬نعها‪ :‬ملاذا جعلت‪--‬ين هك‪--‬ذا؟ أال‬

‫ميل‪-‬ك الفخ‪-‬اري على البهل‪-‬وان‪ -‬أن يص‪-‬نع من كتل‪-‬ة إن‪-‬اء للش‪-‬رف وأخ‪-‬رى للع‪-‬ار؟ فم‪-‬اذا ل‪-‬و‬

‫أراد اهلل أن يظه ‪--‬ر غض ‪--‬به ويب ‪--‬ين قوت ‪--‬ه ‪ ،‬وحتم ‪--‬ل بص ‪--‬رب العدي ‪--‬د من أواين الغض‪- -‬ب‪ -‬املع ‪--‬دة‬

‫لل ‪--‬دمار ‪ ،‬وليب ‪--‬ين ث ‪--‬روات جمده على أواين الرمحة ال ‪--‬يت س ‪--‬بق أن أع ‪--‬دها للمج ‪--‬د ‪ ...‬ليس‬

‫ض‪-‬ا‪" :‬س‪-‬أدعو ال‪-‬ذين ليس‪-‬وا‬


‫أيضا ‪ ،‬كم‪-‬ا يق‪-‬ول يف هوش‪-‬ع أي ً‬
‫فقط من اليهود بل من األمم ً‬

‫شعيب شعيب ‪ ،‬والذين ليسوا أحباء هم أحباء ‪» .‬‬

‫ولكن ظه ‪--‬رت فيه ‪--‬ا املس ‪--‬يحية بع ‪--‬د ب ‪--‬ولس الرس ‪--‬ول طائفت ‪--‬ان من املدافعني عن معتق ‪--‬داهتا‬

‫وقضاياها ‪ ،‬مها طائفة املناظرين ‪ ،‬وطائفة من يربرون أو يعتذرون ‪.‬‬

‫ل‪-- - -‬ذلك حتول اجملادلون ‪ -‬أو ك ‪-- - -‬ادوا ‪ -‬إىل احلديث عن أبن ‪-- - -‬اء األمم األخ‪-- - -‬رى ‪ ،‬وحتول‬

‫املربرون ‪ -‬أو كادوا ‪ -‬إىل مناقشة املعرتضني اليهود واملسيحيني ‪.‬‬


‫ّ‬
‫وكان أكرب حجة للمجداليين أن اهلل الكامل ال يسأل عن الشر وال حيبّ‪--‬ه ‪ ،‬وه‪--‬ذا الرج‪--‬ل‬

‫إذن هو مصدر اخلطيئة ويتحمل عبء عقوبتها ‪.‬‬

‫ك‪--‬انت أك‪--‬رب حج‪--‬ة للم‪--‬ربر ‪ ،‬على س‪--‬بيل املث‪--‬ال ‪ ،‬يف رس‪--‬الة ب‪--‬ولس الرس‪--‬ول هي اإلش‪--‬ارة‬

‫إىل أقوال مماثلة ملعتقدات املسيحيني يف كتب أنبياء بين إسرائيل ‪.‬‬

‫وم ‪--‬ع ذل ‪--‬ك ‪ ،‬وج ‪--‬د بعض اآلب ‪--‬اء املس ‪--‬يحيني ال ‪--‬ذين أنك ‪--‬روا م ‪--‬رياث اخلطيئ ‪--‬ة ‪ ،‬وق ‪--‬رروا أن‬

‫املوت نتيج‪--‬ة طبيعي ‪--‬ة للحي‪--‬اة ‪ ،‬وأن اإلنس‪--‬ان‪ -‬ميوت ح‪--‬ىت ل‪--‬و مل حتدث خطيئ‪--‬ة آدم ‪ ،‬وأن‬

‫ب‪--‬اب اخلالص مفت‪--‬وح لك‪--‬ل من ن‪--‬ال‪ .‬نعم‪--‬ة الس‪--‬ماء واإلميان باملس‪--‬يح وأش‪--‬هر ه‪--‬ؤالء ك‪--‬ان‬

‫القس اإلجنليزي "بالجيوس"‪.‬‬

‫الذي هنض يف هناية الق‪-‬رن الراب‪-‬ع ‪ ،‬وح‪-‬رك أبن‪-‬اء روم‪-‬ا ومشال إفريقي‪-‬ا وفلس‪-‬طني ‪ ،‬ودع‪-‬ا‬

‫إىل دعوت ‪--‬ه يف ك ‪--‬ل مك ‪--‬ان ؛ نفت ‪--‬ه مجي ‪--‬ع اجملالس املس ‪--‬يحية يف ذل ‪--‬ك ال ‪--‬وقت‪ ، -‬مبا يف ذل ‪--‬ك‬

‫جملس قرطاجن ‪--‬ة وجملس ليفي وجملس أفس ‪--‬س الث ‪--‬الث ‪ ،‬ال ‪--‬ذي اختتم الق ‪--‬رار بش ‪--‬أن‪ -‬ه ‪--‬ذه‬

‫القضايا يف عام ‪. 431‬‬

‫وبناءً على ذلك ‪ ،‬فق‪-‬د أص‪-‬بح من اخلط‪-‬أ يف ع‪-‬ادات أه‪-‬ل تل‪-‬ك اجملامع أن يعتق‪-‬د املس‪-‬يحي‬

‫أن ( ‪ -) 1‬كان آدم سيموت ل‪-‬و مل خيطئ‪ ) 2( .‬أن خطي‪-‬ة آدم أص‪-‬ابته وح‪-‬ده ومل ت‪-‬رث‬

‫بع‪--‬د يف نس‪--‬له البش‪--‬ري‪ .‬و (‪ -) 3‬أن األبن‪--‬اء‪ -‬املول‪--‬ودين هلم من ال‪--‬رباءة مل يكون‪--‬وا‪ -‬آلدم قب‪--‬ل‬

‫أن يرتكب اخلطيئة‪ ) 4( .‬أن كل أبناء آدم يستحقون القيامة جملرد قيام‪-‬ة املس‪-‬يح‪) 5( .‬‬
‫أن األطفال يستحقون احلياة األبدية بدون معمودي‪--‬ة‪ -) 6( .‬أن يك‪--‬ون اإلنس‪--‬ان‪ -‬يف م‪--‬أمن‬

‫من املعاصي باتباع الوصايا احلسنة واجتناب املعاصي احملرمة ‪.‬‬

‫جاستني الفيلسوف املسيحي وهذه اجملالس أصدرت قراراهتا يف عه‪--‬د الق‪--‬ديس الش‪--‬هري ‪،‬‬

‫مجيع‪--‬ا حس‪--‬ب م‪--‬ا ذهب‪--‬وا إلي‪--‬ه ‪ ،‬وكتب كتاب‪--‬ه عن "‬


‫ومل يش‪--‬هد أح‪--‬دهم ‪ ،‬ب‪--‬ل واف‪--‬ق عليه‪--‬ا ً‬
‫عقوب ‪--‬ة ومغف ‪--‬رة اخلطيئ ‪--‬ة "؛ لتوض ‪--‬يح الفك ‪--‬رة من وجه ‪--‬ة نظ ‪--‬ر ال ‪--‬دين ‪ ،‬ومن وجه ‪--‬ة نظ ‪--‬ر‬

‫الفلس‪--‬فة ‪ ،‬وملخص‪--‬ها‪ :‬أن آدم ك‪--‬ان ح‪--‬راً يف االختي‪--‬ار ‪ ،‬فه‪--‬ذه احلري‪--‬ة قادت‪--‬ه إىل اخلطيئ‪--‬ة ‪،‬‬

‫وأن أبنائ‪--‬ه ورث‪--‬وا من‪--‬ه اخلطيئ‪--‬ة ‪ ،‬ولكن مل حيرمهم الع‪--‬دل اإلهلي‪ -‬من وس‪--‬ائل اخلالص من‪--‬ه‪.‬‬

‫إهنا كفارة الصليب !‬

‫اإلميان ب‪--‬أن ذل‪--‬ك ليس س‪--‬هالً على العق‪--‬ل الفلس‪--‬في ‪ ،‬ح‪--‬ىت ل‪--‬و ك‪--‬ان لدي‪--‬ه إميان ق‪--‬وي مث‪--‬ل‬

‫إميان القديس "أغوستاين" ‪ ...‬ال يزال جيتمع نتيجة تأمل ه‪-‬ذا االعتق‪-‬اد أو ه‪-‬ذه العق‪-‬دة ‪،‬‬

‫لعنة عرّب عنه‪--‬ا يف كت‪--‬اب االعرتاف‪--‬ات‪ .‬حيث ق‪--‬ال‪" :‬لكن‪--‬ين هلذا احلن‪--‬ان ‪ ،‬وإذا كنت أؤمن‬

‫أن‪--‬ك ي‪--‬ا ربن‪--‬ا ‪ ،‬أنت اإلل‪--‬ه احلقيقي‪ -‬ال‪--‬ذي مل خيل‪--‬ق أرواحن‪--‬ا فق‪--‬ط ‪ ،‬ب‪--‬ل أجس‪--‬ادنا ‪ ،‬وليس‬

‫فق ‪--‬ط أرواحن ‪--‬ا وأجس ‪--‬ادنا ‪ ،‬ب ‪--‬ل ه ‪--‬و خلقت ك ‪--‬ل الكائن ‪--‬ات وك ‪--‬ل األش ‪--‬ياء ‪ ،‬خالي ‪--‬ة من‬

‫النقص والتغي‪-- - -‬ري ‪ ،‬ومن ك‪-- - -‬ل اختالف وحتول‪ .‬وم‪-- - -‬ع ذل‪-- - -‬ك ‪ ،‬مل أفهم دون ص ‪-- -‬عوبة أو‬

‫غم ‪--‬وض س ‪--‬بب وج ‪--‬ود الش ‪--‬ر يف الع ‪--‬امل ‪ ،‬وأرهقت نفس ‪--‬ي لفهم م ‪--‬ا مسعته من أن اإلرادة‬

‫احلرة كانت سبب أفعالنا السيئة‪ ، -‬وكان س‪--‬بب أملن‪--‬ا وأملن‪--‬ا ‪ ،‬ل‪--‬ذلك مل أمتكن من إدراك‪--‬ه‬
‫بشكل واضح وغ‪--‬ري مل‪--‬وث‪ .‬الغم‪-‬وض ‪ ،‬وكلم‪-‬ا ح‪-‬اولت أن أرف‪-‬ع نفس‪--‬ي وأرتف‪-‬ع برؤي‪--‬يت‬

‫من تل‪-‬ك اهلاوي‪-‬ة ع‪-‬دت إليه‪-‬ا وأغ‪-‬رقت فيه‪-‬ا ‪ ،‬مث ك‪-‬ررت احملاول‪-‬ة وك‪-‬ررت الع‪-‬ودة إليه‪-‬ا ‪،‬‬

‫لكن ه ‪--‬ذه اجمله ‪--‬ودات رفعت ‪--‬ين إىل ح ‪--‬د م ‪--‬ا الض ‪--‬وء ح ‪--‬ىت علمت أن ‪--‬ين أري ‪--‬د كم ‪--‬ا أعيش ‪،‬‬

‫وعن ‪-- -‬دما أقب ‪-- -‬ل ش ‪-- -‬يًئا م ‪-- -‬ا أو أرفض ‪-- -‬ه ‪ ،‬فأنا أن ‪-- -‬ا نفس ‪-- -‬ي من أقب‪-- -‬ل أو أرفض ‪ ،‬وال أح‪-- -‬د‬

‫س ‪--‬واي ‪ ،‬وب ‪--‬دا يل حينه ‪--‬ا أن ه ‪--‬ذا ه ‪--‬و س ‪--‬بب اخلطيئ ‪--‬ة ‪ ،‬وك ‪--‬ل م ‪--‬ا فعلت ‪--‬ه خالفً ‪--‬ا إلراديت‬

‫وظلم‪-‬ا ‪ ،‬يف‬
‫ظلم‪-‬ا ً‬
‫أدركت حينها أنين أحتملها‪ .‬أكثر مين ‪ ،‬وأنه ليس فيه أن‪-‬ين مل أع‪-‬اقب ً‬
‫احلقيقة خطأي ‪ ،‬ب‪-‬ل عق‪-‬ايب ‪ ،‬وأرى ع‪-‬دلك معرتفً‪-‬ا ب‪-‬ه ‪ ،‬لك‪-‬ين أت‪-‬وب وأق‪-‬ول‪ :‬من خلق‪-‬ين‬

‫هكذا؟ أليس اهلل هو الذي ال يوصف بأنه كرمي فقط ‪ ،‬بل هو كرم خالص وك‪--‬ل خ‪--‬ري؟‬

‫فمن أين ميكنين إذن أن أرغب يف الش‪-‬ر ‪ ،‬ولكن ليس اخلري ‪ ،‬ح‪-‬ىت أع‪-‬اقب ه‪-‬ذا بالع‪-‬دل؟‬

‫من ال ‪--‬ذي أودع ذل ‪--‬ك يف طبيع ‪--‬يت ‪ ،‬وزرع في ‪--‬ه ب ‪--‬ذور املرارة ‪ ،‬وه ‪--‬و م ‪--‬ا خلقت ‪--‬ه بي ‪--‬د اهلل‬

‫احلالوة اليت ال مرارة؟ وإذا كان الشيطان هو السبب فمن أين أتى الش‪--‬يطان؟ وإذا ك‪--‬ان‬

‫أيضا من ملك ك‪--‬رمي إىل ش‪--‬يطان ملع‪--‬ون ‪ ،‬فمن‬


‫هذا الشيطان ‪ ،‬بطبيعته السيئة‪ ، -‬قد نزل ً‬

‫أين سيأيت ذلك الذي عكس طبيعته‪ -‬وجعله شيطانًا؟ "‬

‫لكن بع ‪--‬د ه ‪--‬ذا القل ‪--‬ق ظن أن ‪--‬ه اس ‪--‬رتاح من ه ‪--‬ذا اهلوس مبص ‪--‬احلة األبن ‪--‬اء على التناقض ‪--‬ات‪-‬‬

‫بالطريق‪--‬ة ال‪--‬يت ق‪--‬دمناها ‪ ،‬وك‪--‬ان حمور راحت‪--‬ه النفس‪--‬ية أن‪--‬ه س‪--‬بق معرف‪--‬ة عم‪--‬ل اخلري وعم‪--‬ل‬

‫اخلري‪ .‬صفة شريرة ‪ ،‬صفة ال تنفصل عن اجلوهر اإلهلي ‪ ،‬وأن اهلل يعلم ما س‪-‬يكون‪ -‬كم‪-‬ا‬
‫س‪--‬يكون‪ ، -‬ومن الض‪--‬روري تعليم‪--‬ه املعرف‪--‬ة الص‪--‬حيحة‪ .‬يعتم‪--‬د تق‪--‬ديره على معرفت‪--‬ه جبمي‪--‬ع‬

‫الكائنات ‪.‬‬

‫أعظم فيلس‪-- - -‬وف دي‪-- - -‬ين يف املس‪-- - -‬يحية بع‪-- - -‬د الق‪-- - -‬ديس أوغس‪-- - -‬طينوس‪ -‬ه‪-- - -‬و الق‪-- - -‬ديس توم ‪-- -‬ا‬

‫األكوي‪--‬ين ‪ ،‬وه‪--‬و يتف‪--‬ق م‪--‬ع معلم‪--‬ه الق‪--‬دمي ‪ ،‬وخيربن‪--‬ا أن اإلنس‪--‬ان‪ -‬يق‪--‬ود نفس‪--‬ه ‪ ،‬وال يُق‪--‬اد‬

‫كما تُقاد احليوانات‪ ، -‬وأن اإلرادة تتبع العقل والعق‪--‬ل‪ .‬ه‪--‬و من نعم‪--‬ة اهلل على اإلنس‪--‬ان ‪،‬‬

‫وأمسى تق‪-- -‬دير ل‪-- -‬ه مث‪-- -‬ل أمسى تق‪-- -‬دير ملعلم‪-- -‬ه أن‪-- -‬ه علم س‪-- -‬ابق من اهلل ‪ ،‬لكن‪-- -‬ه ك‪-- -‬ان يق ‪--‬اوم‬

‫أوغسطني يف نصيب‪ -‬األبناء بالرمحة ‪ ،‬فقال‪ :‬أضعفت املعصية جانب اخلري‪ .‬اإلنسان ومل‬

‫ميحوها كلها ‪ ،‬وأن هذا اجلانب هو ما يساعده على قبول التوبة واخلالص ‪.‬‬

‫ظ‪-‬ل الفقه‪-‬اء ال‪-‬دينيون‪ -‬يقول‪-‬ون إن الس‪-‬قوط ال‪-‬ذي أص‪-‬اب اإلنس‪-‬ان‪ -‬يف اخلطيئ‪-‬ة ه‪-‬و س‪-‬قوط‬

‫من عامل "ما وراء الطبيعة" إىل عامل الطبيعة ‪ ،‬وعندما دعاه لوثر ‪ ،‬أوض‪--‬ح الس‪--‬قوط على‬

‫أن ‪--‬ه تش ‪--‬ويه للطبيع ‪--‬ة واحنراف في ‪--‬ه ‪ ،‬وأرج ‪--‬ع للش ‪--‬يطان ‪ ،‬على عكس كلفن‪ .‬كالفين ال ‪--‬ذي‬

‫نسبه اىل مشيئة اهلل‪ .‬للحكمة اليت عرفها يف املاضي‪. -‬‬

‫على ذل‪-- -‬ك اجملم‪-- -‬ع ت‪-- -‬رينت ت رينت ال‪-- -‬ذي أقيم يف منتص‪-- -‬ف الق‪-- -‬رن الس‪-- -‬ادس عش‪-- -‬ر ع ‪--‬رض‬

‫موض‪--‬وع اخلطيئ‪--‬ة ‪ ،‬فق‪--‬رر أن أعم‪--‬ال الوثن‪--‬يني ومن ال يعتنق‪--‬ون‪ -‬املس‪--‬يحية ال تعت‪--‬رب خطاي‪--‬ا‬

‫وأن اإلميان وح ‪--‬ده ال يكفي‪ -‬للتكف ‪--‬ري عن ال ‪--‬ذنوب ‪ ،‬وحري ‪--‬ة البحث يف العص ‪--‬ر احلديث‬

‫مسحت لبعض الفقهاء بإنكار قض‪--‬ية اخلطيئ‪--‬ة ‪ ،‬وإعالن رج‪--‬ل ك‪--‬الطبيب كريل‪-‬ز إلينجت‪--‬ون‪-‬‬
‫يف كتاب ‪-- -‬ه "الس ‪-- -‬عيد األمحق"‪ :‬جتد‪ .‬وص ‪-- -‬فها بالع ‪-- -‬دل ‪ ،‬وإذا ك ‪-- -‬انت ه ‪-- -‬ذه هي العقي ‪-- -‬دة‪-‬‬

‫املسيحية ‪ ،‬يصعب علينا النظر يف تطهريها أمام ضمري األمة ‪» .‬‬

‫لكن ق ‪--‬رار الكن ‪--‬ائس هبذا الش ‪--‬أن ش ‪--‬يء ‪ ،‬وحبث فقه ‪--‬اء الكن ‪--‬ائس‪ -‬ش ‪--‬يء آخ ‪--‬ر‪ .‬ألهنا آراء‬

‫مدينون هبا ويعتمدون فيها على املنطق العلمي قبل االعتماد على نصوص الدين ‪.‬‬

‫وعن ‪--‬دما ظه ‪--‬رت ال ‪--‬دعوة اإلس ‪--‬المية ‪ ،‬انتفض‪ -‬املس ‪--‬لمون احلص ‪--‬ة األك ‪--‬رب يف قض ‪--‬ايا الع ‪--‬دل‬

‫والق‪-- -‬در‪ .‬ألهنا ق‪-- -‬دمت للبحث من جه‪-- -‬ات خمتلف‪-- -‬ة فيه‪-- -‬ا أه‪-- -‬ل ال‪-- -‬دين والتفس‪-- -‬ري ‪ ،‬وأه ‪--‬ل‬

‫السياس ‪--‬ة واخلالف ‪--‬ة ‪ ،‬وأه ‪--‬ل العلم والفلس ‪--‬فة ‪ ،‬وأه ‪--‬ل اجلدل والنق ‪--‬اش م ‪--‬ع أه ‪--‬ل ال ‪--‬ديانات‬

‫التوراتي‪-- -‬ة وغ‪-- -‬ري الكتابي‪-- -‬ة‪ -.‬تتالقى ‪ ،‬واختل‪-- -‬ط املس‪-- -‬لمون معهم يف ك‪-- -‬ل ج‪-- -‬زء من الدول ‪--‬ة‬

‫اإلسالمية‪. -‬‬

‫ال نعتق‪-- -‬د أن أح‪-- -‬داً من األق‪-- -‬وال يف مس‪-- -‬ألة األق‪-- -‬دار مل ي‪-- -‬رد يف نص‪-- -‬ه ‪ ،‬أو بع‪-- -‬د التع‪-- -‬ديل‬

‫واملراجع‪--‬ة ‪ ،‬من قب‪--‬ل مجاع‪--‬ة من املس‪--‬لمني ‪ ،‬لكنن‪--‬ا نلخص ك‪--‬ل ذل‪--‬ك يف املذاهب‪ -‬الثالث‬

‫ال‪-- -‬يت ينتمي إليه‪-- -‬ا الالهوتي‪-- -‬ون‪ .‬ينقس‪-- -‬مون يف ك‪-- -‬ل من القض‪-- -‬ايا‪ -‬الك‪-- -‬ربى ‪ ،‬وهم مجاع‪-- -‬ة‬

‫املتط‪--‬رفني يف ال‪--‬دليل ‪ ،‬وجمموع‪--‬ة املتط‪--‬رفني يف حال‪--‬ة اإلنك‪--‬ار ‪ ،‬وجمموع‪--‬ة املعت‪--‬دلني ال‪--‬ذين‬

‫يسعون إىل التوفيق بني هؤالء وأولئك‪.‬‬


‫أو هم يف مس‪--‬ألة الق‪--‬در ‪ ،‬وال س‪--‬يما مجاع‪--‬ة اجلربي‪--‬ين ‪ ،‬ومجاع‪--‬ة الق‪--‬ادريين ال‪--‬ذين مسوا هبذا‬

‫االسم‪ .‬ألهنم يقولون إن اإلنسان خيتار مع القدر خالفا ملا س‪-‬بقه من مع‪--‬ىن ه‪--‬ذا االس‪--‬م ‪،‬‬

‫مث مجاعة املعتدلني من أهل السنة الوسطى بني قول القوة وقول االختيار ‪.‬‬

‫أول من قال اجلرب يف بداية الدولة األموية‪ -‬كان جهم بن صفوان وأتباعه وتالميذه‪. -‬‬

‫ك‪--‬انوا يقول‪--‬ون‪ :‬اهلل خل‪--‬ق العب‪--‬اد وخل‪--‬ق هلم أفع‪--‬اهلم كم‪--‬ا خل‪--‬ق هلم أعض‪--‬ائهم وأل‪--‬واهنم ‪،‬‬

‫وزعم‪-- -‬وا ‪ -‬كم‪-- -‬ا ق‪-- -‬ال الش‪-- -‬ريف املرتض‪-- -‬ى ‪ -‬أن م‪-- -‬ا يف عب‪-- -‬د الكف‪-- -‬ر واإلميان والعقي ‪--‬دة‪.‬‬

‫معص‪--‬ية‪ -‬اهلل فاعل‪--‬ه كم‪--‬ا فع‪--‬ل لون‪--‬ه ومسعه وبص‪--‬ره وحيات‪--‬ه ‪ ...‬وأن اهلل ع‪--‬ز وج‪--‬ل س‪--‬يعاقبه‪-‬‬

‫من ذلك‪ .‬يفعل ما يشاء ويكافئه على ما يشاء ‪ ...‬كان جهم يقول يف ذل‪--‬ك‪ :‬خل‪--‬ق اهلل‬

‫طعام‪--‬ا يس‪--‬ند جس‪--‬ده ويفعل‪--‬ه‪ .‬ال جتع‪--‬ل‬


‫يف العب‪--‬د ق‪--‬وة يفع‪--‬ل هبا م‪--‬ا فعل‪--‬ه ‪ ،‬كم‪--‬ا خل‪--‬ق ل‪--‬ه ً‬
‫اخلادم يفعل أي شيء بناءً على حقيقة الفعل واإلرادة‪.‬‬

‫م‪--‬ذهب أيب احلس‪--‬ن األش‪--‬عري ق‪--‬ريب من م‪--‬ذهب جهم بن ص‪--‬فوان‪ .‬ألن خالص‪--‬ة مذهب‪--‬ه‬

‫أنين ال أؤثر على قدرة العبد على قدرته إطالقاً ‪ ،‬بل القدرة والقادر حقيقيان بق‪--‬درة اهلل‬

‫تعاىل‪ .‬يرى األشعري أن العبد يكتسب‪ -‬ألفعاله بقدرة ميتلكه‪--‬ا وقت الفع‪--‬ل وال تس‪--‬بقه ‪،‬‬

‫لكنه ال خيرج عن عقيدة اجلرب هبذا‪ .‬ألنه ينفي‪ -‬الق‪--‬درة على الت‪--‬أثري يف الن‪--‬اس ‪ ،‬وحييل‪--‬ه إىل‬

‫تفسري واحد‪ .‬إهنا مشيئة اهلل ‪.‬‬


‫وسأل معلمه أبا علي اجلبيعي‪ :‬ما قولك يف ثالثة إخوة‪ :‬اختار اهلل أحدهم قبل البلوغ ‪،‬‬

‫وبقي االثنان‪ ، -‬فآمن أحدمها وكف‪--‬ر اآلخ‪--‬ر ‪ ،‬ف‪--‬أين ي‪--‬ذهب األص‪--‬غر؟ ق‪--‬ال اجلبعي‪ :‬ي‪--‬ذهب‬

‫إىل مكان‪ -‬ليس فيه س‪-‬عادة وال ع‪-‬ذاب ‪ ..‬فس‪-‬أله األش‪-‬عري‪ :‬ملاذا ي‪-‬ذهب إىل ذل‪-‬ك املك‪-‬ان‪-‬‬

‫‪-‬ريا؟ فأج‪--‬اب‪ :‬امتحن ‪ ،‬وألن‪--‬ه علم أن‪--‬ه ل‪--‬و بلغه‪--‬ا لكف‪--‬ر! ق‪--‬ال‬
‫وه‪--‬و مل جيلب بش‪-ً -‬را وال خ‪ً -‬‬
‫األش‪-‬عري‪ :‬أحي‪-‬ا أح‪-‬دهم وكف‪--‬ر فلم‪--‬اذا مل ميت وه‪-‬و ص‪--‬غري؟ ال‪--‬تزم اجلب‪--‬اي الص‪--‬مت حي‪-‬ال‬

‫اإلجابة ‪.‬‬

‫واملراد باألش ‪--‬عري من ه ‪--‬ذه األس ‪--‬ئلة أن ‪--‬ه مهم ‪--‬ا ق ‪--‬ل من يق ‪--‬ول يف ت ‪--‬ربير التفري ‪--‬ق بني أه ‪--‬ل‬

‫الطاعة وأهل املعصية‪ -‬فإن ذلك يف هناية األمر يرجع إىل سبب واحد‪ .‬إهنا مشيئة اهلل ‪.‬‬

‫يعتق‪--‬د بعض اجلربين املعت‪--‬دلني أن الفع‪--‬ل ‪ ،‬كم‪--‬ا ه‪--‬و ‪ ،‬يتحق‪--‬ق بق‪--‬وة اهلل ‪ ،‬وأن‪--‬ه يتحق‪--‬ق‬

‫بقوة العبد من حيث الطاعة والعصيان ‪.‬‬

‫وه‪--‬ذا يق‪--‬رتب من نفي ص‪--‬فات اخلري والش‪--‬ر ‪ ،‬والثن‪--‬اء والت‪--‬وبيخ على مجي‪--‬ع األعم‪--‬ال ال‪--‬يت‬

‫ت‪-- -‬أيت من اهلل‪ .‬ألن اخلري والش‪-- -‬ر ال يص‪-- -‬ح إال يف حال‪-- -‬ة من ك‪-- -‬ثر ونقص ‪ ،‬ومن جرب ‪--‬ين ‪،‬‬

‫ومن ك‪--‬ل األش‪--‬ياء والتغي‪--‬ريات‪ ، -‬لكنهم‪--‬ا ال يص‪--‬حان يف حال‪--‬ة األب‪--‬دي البعي‪--‬د ع‪--‬ين‪ .‬ك‪--‬ل‬

‫حاالت االختالف ‪.‬‬

‫وكل مجاعة من القائلني عن الق‪--‬در هلا حجج وإس‪-‬ناد من آي‪--‬ات الق‪--‬رآن الك‪--‬رمي يعتم‪-‬دون‬

‫عليها يف إثبات ادعائهم ‪.‬‬


‫ومن اآليات اليت يعتمد عليها اجلربيدون ‪ :‬السجدة‬

‫أم ‪--‬ا الق ‪--‬ادريون فهم من املعتزل ‪--‬ة ‪ ،‬وهم يس ‪--‬مون أنفس ‪--‬هم أه ‪--‬ل الع ‪--‬دل والتوحي ‪--‬د‪ .‬ألهنم‬

‫ي ّدعون أهنم ينك‪--‬رون ظلم اهلل ويقول‪--‬ون‪ -‬إن اإلنس‪--‬ان ح‪-‬ر يف فع‪-‬ل اخلري والش‪-‬ر ؛ وألن اهلل‬

‫ال جيربه على فعل الشر فإنه يعاقبه عليه فيظلمه ويكافئه على غري عمله ‪.‬‬

‫وحبسب القدريين فإن االختيار السيئ الذي علمه اهلل يف علمه السابق باخللود هو ال‪--‬ذي‬

‫اس‪--‬تلزم م‪--‬ا ق‪--‬در اهلل هلم من طاع‪--‬ة أو معص‪--‬ية ‪ ،‬وإذا مل يس‪--‬تطع اإلنس‪--‬ان أن يفعل‪--‬ه ويغ‪--‬ادر‬

‫م ‪--‬ا ك ‪--‬ان ل ‪--‬ه‪ .‬يتم تكليفهم ‪ ،‬وهم يفرق ‪--‬ون بني اإلج ‪--‬راءات ال ‪--‬يت خيتاره ‪--‬ا الش ‪--‬خص مث ‪--‬ل‬

‫التح‪--‬رك ميينً‪--‬ا ويس‪-ً -‬ارا واألفع‪--‬ال ال‪--‬يت ليس لدي‪--‬ه خي‪--‬ار فيه‪--‬ا ‪ ،‬مث‪--‬ل رف‪--‬ع جس‪--‬ده يف الفض‪--‬اء‬

‫ب‪--‬دون مص‪--‬عد ‪ ،‬ويعتق‪--‬دون أن اهلل مل يكلف‪--‬ه‪ .‬أي ش‪--‬خص لدي‪--‬ه مث‪--‬ل ه‪--‬ذا الفع‪--‬ل ‪ ،‬ولكن‬

‫التخصيص هو مجيع اإلجراءات اليت يتم القيام هبا أو تركها باختياره ‪.‬‬

‫أم‪--‬ا الس‪--‬نة املعت‪--‬دلون فيقول‪--‬ون إن مش‪--‬يئة اهلل هي اإلرادة ‪ ،‬ويقول‪--‬ون إن اإلنس‪--‬ان خيت‪--‬ار م‪--‬ا‬

‫يعاقب علي‪--‬ه ‪ ،‬لكنهم يفرق‪--‬ون بني اإلرادة على اإلك‪--‬راه ‪ ،‬واإلرادة على األم‪--‬ر والتكلي‪--‬ف‬

‫‪.‬‬
‫وكال الق‪-- - -‬والن‪ -‬وص‪-- - -‬ية من اهلل ‪ ،‬ولكن إرادة األم‪-- - -‬ر تس‪-- - -‬تجيب بالطاع‪-- - -‬ة أو العص ‪-- -‬يان ‪،‬‬

‫وإرادة احلتمية واإلكراه تنفذ كما أمر بغري خالف ‪.‬‬

‫يتف‪-- -‬ق أه‪-- -‬ل الس‪-- -‬نة ومعتزل‪-- -‬ة على التمي‪-- -‬يز بني حرك‪-- -‬ات اجلرب وحرك‪-- -‬ات االختي‪-- -‬ار عن‪-- -‬د‬

‫اإلنس‪-‬ان ‪ ،‬فيقول‪-‬ون‪ :‬اإلنس‪-‬ان‪ -‬ليس أق‪-‬ل ذك‪-‬اءً وال أق‪-‬ل رغب‪-‬ة من احلي‪-‬وان‪ -‬ال‪-‬ذي ي‪-‬ركب ‪،‬‬

‫أو مث‪--‬ل أب‪--‬و اهلديل‪ .‬ق‪--‬ال العالف س‪--‬اخرا‪( :‬إن احلم‪--‬ار إنس‪--‬ان أحكم من اإلنس‪--‬ان ‪ ،‬ألن‬

‫احلمار إنسان ‪ ،‬إذا أحضرته إىل جدول صغري وض‪--‬ربته يقت‪--‬ل ‪ ،‬وإذا أحض‪--‬رته إىل ج‪-‬دول‬

‫كبري‪ .‬وضربه ال يبصقه‪ -‬ويتجنبه ‪ ،‬ألنه ف‪-‬رق بني م‪-‬ا يق‪--‬در على قتل‪-‬ه وم‪--‬ا ال يق‪--‬در علي‪-‬ه ‪،‬‬

‫وال يفرق اإلنسان‪ -‬بني ما يقدر عليه وما هو قادر عليه‪ .‬ليس‪.‬‬

‫وه ‪-- -‬ذه خالص ‪-- -‬ة مقتض ‪-- -‬بة ألط ‪-- -‬راف النق ‪-- -‬اش يف موض ‪-- -‬وع القض ‪-- -‬اء والق ‪-- -‬در بني املذاهب‪-‬‬

‫اإلسالمية‪ ، -‬ومن الواض‪-‬ح أن البي‪-‬ان اخلت‪-‬امي يف ه‪-‬ذا املوض‪-‬وع‪ -‬غ‪-‬ري واض‪-‬ح ملذهب واح‪-‬د‬

‫بني مجي‪--‬ع املذاهب‪ ، -‬وال نفك‪--‬ر في‪--‬ه‪ .‬أهنا جتم‪--‬ع لطائف‪--‬ة واح‪--‬دة يف ك‪--‬ل م‪--‬ا نعرف‪--‬ه وم‪--‬ا ه‪--‬و‬

‫مشابه ملا نعرفه‪ .‬ألن اإلشارة يف سر القدر والقدر إىل حكمة اهلل ‪ ،‬وحكمة اهلل مرتبط‪--‬ة‬

‫باخللود الذي ليس له بداية وال هناية ‪ ،‬وال عالقة هلذه احلقيقة‪ -‬أو تلك احلقيقة يف الزمان‬

‫الذي حتيط به املخلوقات‪. .‬‬

‫ليس من مطالبتن‪-- - -‬ا هن‪-- - -‬ا ‪ ،‬وال من عرض‪-- - -‬نا ‪ ،‬أن نتوص ‪-- -‬ل إىل الق‪-- - -‬ول الفص‪-- - -‬ل يف إح ‪-- -‬دى‬

‫القضايا اليت متت‪--‬د إىل آراء متباين‪-‬ة‪ -‬وال تنتهي بق‪--‬رار ؛ ألن الغ‪--‬رض األول من ه‪--‬ذا الكت‪--‬اب‬
‫هو حتديد مكانة الفلسفة القرآنية يف الدعوات الدينية اليت تنظم حياة اجلماعات البشرية‬

‫‪ ،‬ومكانة الفلسفة اإلسالمية بني تلك الدعوات واضحة وحمدودة ‪.‬‬

‫وال يوج‪-‬د يف اإلس‪-‬الم‪ -‬يف املس‪-‬يحية م‪--‬ا يكف‪-‬ر في‪-‬ه أح‪-‬د عن اآلخ‪-‬ر ‪ ،‬وال يق‪--‬ال أن اخلطيئ‪--‬ة‬

‫موروثة من غري ذنب املولود فيها‪ .‬ألن القرآن يقول‪:‬‬

‫أما موضوع التنازل ‪ ،‬فيجمع الق‪--‬رآن بني الق‪--‬ول ب‪--‬أن‪ -‬اإلنس‪--‬ان يس‪--‬تطيع أن يتلقى األوام‪--‬ر‬

‫والنواهي ‪ ،‬وتقدير كل شيء ‪.‬‬

‫إلثب ‪--‬ات ذل ‪--‬ك ‪ ،‬فإنن ‪--‬ا نف ‪--‬رض ك ‪--‬ل م ‪--‬ا ميكن فرض ‪--‬ه يف مس ‪--‬ألة التن ‪--‬ازل ؛ دعون ‪--‬ا ن ‪--‬رى‬

‫الفرضية األكثر جدارة باالعتقاد واألنسب‪ -‬لقبوهلا يف العقل والضمري ‪.‬‬

‫إما عامل ال يوجد فيه تفويض‪ -‬أو تعويض ‪.‬‬

‫أو عامل فيه التخصيص‪ -‬متساوي والعمل متساو والعقوبة‪ -‬متساوية ‪.‬‬

‫أو عامل يقع فيه التكليف والتقدير على اختالف كما نراه يف اختالف العامل الذي حنن‬

‫فيه ‪.‬‬

‫إن الع ‪--‬امل ال ‪--‬ذي ال والي ‪--‬ة في ‪--‬ه وال ج ‪--‬زاء مل يتخيل ‪--‬ه أح ‪--‬د من أتب ‪--‬اع ال ‪--‬ديانات وال من‬

‫املفكرين املنكريني ‪.‬‬


‫ختي‪--‬ل أرس‪--‬طو إهلً‪--‬ا ليس ل‪--‬ه ت‪--‬رتيب يف الك‪--‬ون‪ -‬وال عالق‪--‬ة ل‪--‬ه ب‪--‬اخللق ‪ ،‬س‪--‬واء ك‪--‬ان أك‪--‬ثر أو‬

‫أقل ‪.‬‬

‫إنه إل‪-‬ه ال يص‪-‬ح إميان‪--‬ه ب‪-‬ه من وجه‪--‬ة نظ‪-‬ر ديني‪-‬ة وال من وجه‪-‬ة نظ‪-‬ر اجتماعي‪-‬ة ‪ ،‬واإلميان‬

‫به غري صحيح من الناحية الفلسفية بأي حال من األحوال ‪.‬‬

‫ب‪-‬دال من ذل‪-‬ك ‪ ،‬حص‪-‬ر أرس‪-‬طو عم‪-‬ل اإلل‪-‬ه باحلرك‪-‬ة األوىل‪ .‬ألن‪-‬ه ك‪-‬ان ي‪-‬ؤمن أن الوج‪-‬ود‬

‫الض‪--‬روري ه‪--‬و أش‪--‬رف املوج‪--‬ود ‪ ،‬وأن أش‪--‬رف املوج‪--‬ود ه‪--‬و أك‪--‬ثر املعق‪--‬والت عقالني‪--‬ة ؛‬

‫وه‪-‬و ه‪-‬و نفس‪-‬ه ‪ ،‬ل‪-‬ذا ف‪--‬إن ك‪--‬ل تفك‪-‬ري يف ش‪-‬يء آخ‪-‬ر غ‪--‬ري ذل‪-‬ك ه‪--‬و تأم‪--‬ل غ‪--‬ري ص‪-‬حيح يف‬

‫نظره إىل اهلل ‪.‬‬

‫كي‪--‬ف ه‪--‬ذه احلرك‪--‬ة األوىل ال‪--‬يت توق‪--‬ف فيه‪--‬ا عم‪--‬ل اهلل؟ ه‪--‬ل أتت من الك‪--‬ون‪ -‬تش‪--‬تاق إىل‬

‫اهلل؟ أم أهنا جاءت من عند اهلل كرغبة يف أن يأيت الكون‪ -‬إليه؟‬

‫قادرا على احلرك‪-‬ة ‪ ،‬ف‪-‬إن ق‪-‬ول احملرك األول غ‪-‬ري ص‪-‬احل ‪،‬‬
‫ال رأي متسق‪ .‬إذا كان الكون ً‬
‫وإذا ك ‪-- -‬انت احلرك ‪-- -‬ة من اهلل ‪ ،‬ف ‪-- -‬إن احلرك ‪-- -‬ة الواح‪-- -‬دة تش ‪-- -‬به أل ‪-- -‬ف حرك ‪-- -‬ة ‪ ،‬مث‪-- -‬ل ك‪-- -‬ل‬

‫احلركات من أكرب الكائنات إىل أصغر اخلاليا ‪.‬‬


‫وم‪--‬ع ذل‪--‬ك ‪ ،‬فال تن‪--‬اقض إطالق ‪-‬اً بني تفك‪--‬ريه‪ -‬يف اخلل‪--‬ق وتفك‪--‬ريه‪ -‬يف أنب‪--‬ل الكائن‪--‬ات‪ .‬ألن‬

‫الوجود األكثر شرفًا هو الوج‪-‬ود ال‪-‬ذي يلي‪-‬ق باهلل اخلالق والف‪-‬اعلي والق‪-‬دير ‪ ،‬ولن يك‪-‬ون‪-‬‬

‫إهلًا بدون خلق ‪ ،‬وال ينعم بغري نعمة ‪ ،‬وال يقدر إال بتقدير‪.‬‬

‫يتم استبعاده‪ -‬من حساب البشر ‪ ،‬وال يصلح هلم يف جمال اإلميان أو جمال التفكري ‪.‬‬

‫أما العامل ال‪-‬ذي تتس‪-‬اوى في‪-‬ه املهم‪-‬ة ‪ ،‬والعم‪-‬ل متس‪-‬اوي ‪ ،‬والعقوب‪-‬ة متس‪-‬اوية ‪ ،‬فه‪-‬و ليس‬

‫موجودا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫عاملا‬
‫ً‬
‫عامل يتساوى فيه كل شيء ‪ ،‬ال يوجد فيه شيء ‪.‬‬

‫ألن "التشيؤ"‪ -‬يعين متييز شيء عن آخر ‪ ،‬وحدوث اختالفات بني األشياء واألشياء ‪.‬‬

‫ول‪-- -‬و تس‪-- -‬اوت األش‪-- -‬ياء ‪ ،‬ك‪-- -‬ان ال‪-- -‬زمن خيتل‪-- -‬ف فيه‪-- -‬ا ‪ ،‬ول‪-- -‬و تس‪-- -‬اوى ال‪-- -‬زمن ‪ ،‬فال مع‪-- -‬ىن‬

‫الختالف الش‪-- - -‬يء عن اآلخ‪-- - -‬ر ‪ ،‬ويف تع‪-- - -‬دده يتش‪-- - -‬ابه يف مجي‪-- - -‬ع اخلص‪-- - -‬ائص ويف مجي‪-- - -‬ع‬

‫األعمال ‪ ،‬و يف مجيع األوقات ‪.‬‬

‫فامتنعنا عن االختالف عن غري األشياء ‪.‬‬

‫واملساواة‪ -‬بينهما عند جتديد االختالف بينهما ناقصة وغري عادلة وال تنسجم مع العقل‬

‫‪.‬‬

‫إذا حدث العامل املخلوق ‪ ،‬فال بد أن يكون‪ -‬هناك اختالف فيه ‪.‬‬
‫إذا ك‪--‬ان هن‪--‬اك اختالف يف ذل‪--‬ك ‪ ،‬جيب أن يك ‪--‬ون هن ‪--‬اك اختالف يف التق ‪--‬ييم ‪ ،‬ومهم ‪--‬ة‬

‫خمتلفة ‪ ،‬وفرق يف العمل ‪.‬‬

‫وأما إبطال املخلوق ‪ ،‬وإبطال ص‪--‬فات املخل‪--‬وق الالزم‪--‬ة ‪ ،‬فه‪--‬ذا يع‪--‬ين أن اهلل خيل‪--‬ق اخلالق‬

‫مثله يف كمال ودميومة بال بداية وال هناية ‪.‬‬

‫هذا مستحيل ‪.‬‬

‫أقل اختالف يف ذلك هو أن هناك تفوقًا على اهلل اخلالق على اهلل املخلوق ‪.‬‬

‫مث يل‪--‬زم من ذل ‪--‬ك م‪--‬ا يقتض ‪--‬يه أص‪--‬حاب رأي العق ‪--‬ول العش ‪--‬ر ‪ ،‬أو خالف ‪--‬ة الكائن‪--‬ات‪ -‬من‬

‫الوج‪--‬ود الض‪--‬روري إىل العق‪--‬ل األول إىل ب‪--‬اقي العق‪--‬ول واألرواح ال‪--‬يت تتب‪--‬ع من مص‪--‬در إىل‬

‫مصدر يف العامل‪ .‬عامل االحتماالت ‪.‬‬

‫إن اإلل‪--‬ه املخل‪--‬وق س‪--‬يخلق إهلً‪--‬ا حتت‪--‬ه يف ص‪--‬فات الكم‪--‬ال ‪ ،‬واإلل‪--‬ه ال‪--‬ذي خلق‪--‬ه س‪--‬يخلق م‪--‬ا‬

‫ه‪--‬و دون‪--‬ه ح‪--‬ىت ينتهي‪ -‬األم‪--‬ر مبخلوق‪--‬ات مث‪--‬ل ه‪--‬ذه املخلوق‪--‬ات ال‪--‬يت نراه‪--‬ا م‪--‬ع اختالف‪--‬ات‬

‫كبرية يف العمل والتقدير ‪.‬‬

‫العامل الذي ال فرق فيه ال شيء فيه ‪.‬‬

‫والعامل الذي ختتلف فيه األشياء من املستحيل أن يكون التقييم والتخصيص‪ -‬متفقني ‪.‬‬
‫مل يبق من الواجبات الدينية إال ما يقبله العقل ويستقيم العقيدة‪ -.‬إن فرض اهلل ه‪--‬و ال‪--‬ذي‬

‫خلق اخللق بتقديرات وختصيصات خمتلفة ‪.‬‬

‫وال م ‪--‬انع من ه ‪--‬ذا االف ‪--‬رتاض إال الق ‪--‬ول ب ‪--‬أن تفري ‪--‬ق الن ‪--‬اس بب ‪--‬ذل الس ‪--‬عادة لبعض الن ‪--‬اس‬

‫وبذل البؤس على آخرين ظلم يتعارض مع صفة العدل اليت مييزها اهلل تعاىل الرمحن ‪.‬‬

‫ولكن‪--‬ه اع‪--‬رتاض ال يص‪--‬مد ط‪--‬ويالً‪ -‬دون أن ي‪--‬درك أن‪--‬ه مل يتم إثبات‪--‬ه على أس‪--‬اس م‪--‬تني‪ .‬ألن‬

‫أك‪--‬رب عدال‪--‬ة هي العدال‪--‬ة ال ‪--‬يت ي ‪--‬ؤمتن عليه‪--‬ا عيش الكائن ‪--‬ات املوج ‪--‬ودة ‪ ،‬وال يوج ‪--‬د عيش‬

‫للكائنات املوجودة ‪ ،‬كما ذكرنا ساب ًقا ‪ ،‬مع املساواة‪ -‬املطلقة يف التقدير والتخصيص‪. -‬‬

‫وألن عدل اهلل األزيل مرتبط باخللود كله ‪ ،‬وال يقتص‪--‬ر على إح‪-‬دى احلاالت ال‪--‬يت تت‪--‬واىل‬

‫فيها األزمنة ‪ ،‬ويف جمال اخللود يوجد جمال للتصحيح والتعديل ‪ ،‬وراحة دائمة للت‪--‬وازن‪-.‬‬

‫واملراجعة ‪ ،‬والتسوية بني األقدار واملراحل ‪ ،‬لنهاية حمتملة ‪ ،‬أو إىل ما ال هناية ‪.‬‬

‫من أراد من اخلل‪--‬ود أن يقتص‪--‬ر حكمت‪--‬ه على حلظ‪--‬ة واح‪--‬دة أو حقب‪--‬ة واح‪--‬دة أو ك‪--‬وكب‬

‫واح ‪--‬د من ه ‪--‬ذه الع ‪--‬وامل ‪ -‬ال ‪--‬يت ال نع ‪--‬رف ع ‪--‬ددها ‪ -‬فق ‪--‬د أخط ‪--‬أ يف حكم العق ‪--‬ل ‪ ،‬ومل‬

‫متاما يف حكمه‪ .‬الدين ‪.‬‬


‫خيطئ ً‬

‫وم‪-- - -‬ع ذل‪-- - -‬ك ‪ ،‬ميكنن‪-- - -‬ا أن نالح‪-- - -‬ظ يف التق‪-- - -‬ديرات الزمني‪-- - -‬ة بعض ال‪-- - -‬دالئل على احلكم ‪-- -‬ة‬

‫األبدية ‪ ،‬واليت تقتصر على تصورات أبناء الفناء‪.‬‬


‫إن وجود اهلل مل حيرم الناس من احلرية اليت كانوا سيحصلون عليها بدون وجود اهلل ‪.‬‬

‫لق ‪--‬د أعط ‪--‬اهم اهلل ف ‪--‬رص احلري ‪--‬ة ‪ ،‬ه ‪--‬ذه هي الف ‪--‬رص ال ‪--‬يت ل ‪--‬ديهم يف ه ‪--‬ذه احلي ‪--‬اة ‪ .‬لكن‬

‫املنك ‪--‬رين اعت ‪--‬ادوا االس ‪--‬تهزاء‪ -‬هبذا الق ‪--‬ول ‪ ،‬وص ‪--‬ياغته بص ‪--‬يغة يعتربوهنا مناس ‪--‬بة للس ‪--‬خرية‬

‫وال‪--‬دحض ‪ ،‬فيقول‪--‬ون‪ :‬نعم ‪ ،‬خل‪--‬ق اهلل للن‪--‬اس احلري‪--‬ة ‪ ...‬أي أج‪--‬ربهم على ذل‪--‬ك‪ .‬جماين‬

‫وخمتار ‪...‬‬

‫يقولون ذلك ويعتربونه غاية السخرية والتفني‪-‬د‪ .‬وإذا متكن‪-‬وا من مقابلت‪-‬ه بش‪-‬كل واح‪-‬د مت‬

‫تسليمه من اإلحالة ‪ ،‬فيحق هلم االستهزاء به وعدم التأكد منه ‪.‬‬

‫‪-‬رارا كم‪--‬ا أراد‬


‫أحرارا ‪ ،‬فعندئذ أصبحوا أح‪ً -‬‬
‫إذا كان اهلل قد أجرب الناس على أن يكونوا ً‬
‫‪ ،‬وهذا ما يعنينا‪ -‬باحلرية ‪ ،‬مهما كانت طريقة حتقيقها ‪.‬‬

‫وال خيالف هذا القول إال أنه يقال‪ :‬بل جيب على الناس أن خيلقوا احلرية ألنفس‪--‬هم كم‪--‬ا‬

‫يريدون ‪ ،‬وأن األكوان‪ -‬تطيعهم يف كل ما يريدون ‪ ،‬وأن تطي‪--‬ع ك‪--‬ل منهم على ح‪--‬دة يف‬

‫كل فكر يأيت إليه‪ .‬واحد منهم وكل رغبة تطارد ضمريي هذا أو ذاك ‪.‬‬

‫ليس هذا هو القول الذي يفلت صاحبه من السخرية والتفنيد‪ .‬ألهنا حال‪-‬ة من ال‪--‬وهم ‪،‬‬

‫وهي حالة غري ص‪-‬حيحة يف اخلي‪--‬ال ‪ ،‬ناهي‪-‬ك عن التفك‪--‬ري الص‪--‬حيح أو االعتق‪--‬اد الص‪-‬حيح‬

‫‪.‬‬
‫وعن‪--‬دما نع‪--‬ود إىل اهلل خبل‪--‬ق احلري‪--‬ة ؛ كي‪--‬ف خل‪--‬ق اهلل ه‪--‬ذه احلري‪--‬ة؟ ه‪--‬ل خل‪--‬ق اهلل لك‪--‬ل‬

‫إنسان حرية إله فعال ملا يريد؟‬

‫هذا مستحيل ‪.‬‬

‫أم أهنا ختلق هلم حرية املساواة يف املصري واألفعال؟‬

‫هذا شيء ال تقوم به قوة األصول يف عامل احلدود ‪.‬‬

‫إذا مل تكن حري‪-- -‬ة اآلهلة وال احلري‪-- -‬ة هي ال‪-- -‬يت تنك‪-- -‬ر االختالف‪-- -‬ات واألق‪-- -‬دار ‪ ،‬فه‪-- -‬ذه هي‬

‫فرص احلرية اليت رأيناها للخلق يف هذه احلياة ‪.‬‬

‫يس ‪--‬اء فهم ‪--‬ه من قب ‪--‬ل من ي ‪--‬رى أن اهلل ق ‪--‬د وض ‪--‬ع اخلليق ‪--‬ة أساس ‪--‬ها هبذه ال ‪--‬ثروات ‪ ،‬وق ‪--‬د‬

‫أس‪-- - -‬اء فهم ه‪-- - -‬ذا القس‪-- - -‬م وه‪-- - -‬ذه األق‪-- - -‬دار ‪ ،‬مث فات‪-- - -‬ه أن أس‪-- - -‬اس اخلل‪-- - -‬ق ال ينتهي ب ‪-- -‬الظلم‬

‫واالض‪-- -‬طراب ‪ ،‬وه ‪-- -‬و يف ظ ‪-- -‬ل محاي‪-- -‬ة الغيب‪ -‬وض‪-- -‬مانة اخلل ‪-- -‬ود ‪ ،‬وال ميكن أن تك‪-- -‬ون‪ -‬يف‬

‫احلاضر ‪ ،‬وال يف ذمة املعرفة اليت حتيط بأبناء الفناء ‪.‬‬

‫وعلى ه‪--‬ذا ‪ ،‬ميكن للمس‪-‬لم أن ي‪--‬ؤمن بك‪--‬ل حكم من أحك‪--‬ام الق‪--‬رآن يف احلكم والق‪--‬در ؛‬

‫لتعدد جوانب‪ -‬هذه األحك‪-‬ام ؛ ألن‪--‬ه يعتق‪-‬د بعقالني‪-‬ة‪ -‬أن وج‪-‬ود اهلل يبط‪-‬ل إنش‪--‬اء التن‪--‬ازل ‪،‬‬

‫وأن إنش‪-- - - -‬اء التن‪-- - - -‬ازل ال يبط‪-- - - -‬ل االختالف يف احلظ والق‪-- - - -‬در ‪ ،‬وأن االختالف يف احلظ‬

‫والقدر ال خيتم قدرة اهلل يف األبدية على حتقيق العدل فيما ق ّدره ‪.‬‬
‫وهنا مكان اإلميان فيما خيص الغيب‪ -‬وال تقيده الشهادة ‪.‬‬

‫لكن اإلميان بالغيب‪ -‬نوعان‪ :‬اإلميان مبا هو غري معقول ‪ ،‬وهو خضوع مضطرب ‪.‬‬

‫واإلميان مبا يص ‪--‬ل إلي ‪--‬ه العق ‪--‬ل عن ‪--‬دما يص ‪--‬ل إىل ح ‪--‬ده ‪ ،‬وهك ‪--‬ذا يك ‪--‬ون‪ -‬اإلميان إذا ك ‪--‬ان‬

‫اإلميان ضروريًا ‪.‬‬

‫جيب أن يكون لديه إميان ‪.‬‬

You might also like