You are on page 1of 20

‫د‪ .

‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫مصادر الوقود األحفوري التقليدية‬

‫االستخدام البشري للطاقة‬

‫الطاقة هي القدرة على أداء عمل أو نقل ح اررة‪ ،‬في حين ينطوي العمل على نقل جسم (كتلة)‬
‫مسافة معينة مقابل بعض القوة (أي العمل = الكتلة × المسافة)‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬تقوم بعمل في‬
‫الصالة الرياضية عند رفع األوزان ضد قوة الجاذبية – وهو ما يصطلح عليه "التدريب"‪ .‬الطاقة التي‬
‫تمكنك من القيام بهذا العمل تأتي من الطعام الذي تتناوله‪ ،‬والذي هو في حد ذاته الطاقة الشمسية‬
‫التي تم تخزينها من قبل النباتات والحيوانات‪ .‬النقطة الرئيسية هنا هي أننا محاطون حرفيا بأشكال‬
‫مختلفة من الطاقة‪ .‬سوف نلقي نظرة سريعة على األشكال األساسية للطاقة‪.‬‬

‫تنتج الطاقة الكهربائية ‪ Electrical energy‬من حركة اإللكترونات من خالل مادة تسمى‬
‫موصل‪ ،‬مثل سلك نحاس أو لوحة دائرة كهربائية‪ .‬في العصر الحديث تعلم البشر بناء مولدات كهربائية‬
‫تنتج تدفق ثابت من اإللكترونات‪ ،‬والتي تتحرك عبر األسالك في ما نسميه الكهرباء‪ .‬الطاقة الكهربائية‬
‫هي واحدة من أكثر أشكال الطاقة فائدة في المجتمع اليوم‪ ،‬فهي تشغل كل شيء من المصابيح لمكيفات‬
‫الهواء للقطارات عالية السرعة‪.‬‬

‫تأتي الطاقة الكيميائية ‪ Chemical energy‬من الطاقة المخزنة في االواصر الكيميائية بين‬
‫الذرات المختلفة التي تشكل مركب‪ .‬جميع التفاعالت الكيميائية إما تحرر طاقة ح اررية (باعثة للح اررة)‬
‫أو تتطلب ح اررة (ماصة للح اررة)‪ .‬عندما نأكل‪ ،‬تقوم األحماض واالنزيمات في المعدة بتكسير االواصر‬
‫الكيميائية داخل الطعام‪ ،‬مما يؤدي إلى إطالق طاقة ح اررية وتشكيل مركبات جديدة‪ .‬الح اررة تبقينا‬
‫دافئين ‪ ،‬في حين يتم امتصاص المركبات الجديدة في الدم وتستخدم من قبل وظائف الجسم المختلفة‪،‬‬
‫مثل حركة العضالت‪ .‬مثال آخر للطاقة الكيميائية هو عندما تفتح الهاتف الخليوي الخاص بك ويتم‬
‫إجراء اتصال كهربائي بين مركبين مخزونين في البطارية‪ .‬وبمجرد إجراء االتصال‪ ،‬يحدث تفاعل‬
‫كيميائي يسمح لإللكترونات بالبدء بالتدفق من خالل الدوائر الكهربائية للهاتف‪.‬‬

‫الطاقة الح اررية ‪ Thermal energy‬تأتي من اهتزاز الذرات المنفردة أو الجزيئات‪ .‬ما نسميه‬
‫درجة الح اررة هو مقياس لح اررة االحتكاك التي تنتجها هذه االهت اززات‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬شريط معدني‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫يسحب من نار يكون حار ألن ذراته تهتز بسرعة وتولد قد ار كبي ار من الح اررة االحتكاكية‪ .‬عندما تتدفق‬
‫اإللكترونات عبر سلك‪ ،‬يصبح السلك دافئا ألن هناك قد ار معينا من المقاومة يجبر اإللكترونات على‬
‫اإلبطاء‪.‬‬

‫الطاقة الحركية ‪ Kinetic energy‬هي شكل من أشكال الطاقة التي تنتج من سرعة جسم (كتلة)‬
‫في حركة‪ ،‬ويتم حسابها عن طريق أخذ نصف كتلة الشيء وضربه في مربع سرعته (الطاقة الحركية‬
‫= ½ ‪ .)mv2‬وبالتالي فإن األجسام األثقل واألسرع تحتوي على كميات أكبر من الطاقة الحركية‪ .‬على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬فإن كويكب قطره ميل لديه كمية هائلة من الطاقة الحركية‪ ،‬في حين أن كويكب بحجم‬
‫القبضة يسافر في نفس السرعة لديه طاقة قليلة نسبيا‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬إذا كان اثنين من‬
‫الكويكبات بنفس الحجم‪ ،‬فإن االسرع سيكون بطبيعة الحال أكثر طاقة حركية‪.‬‬

‫الطاقة الكامنة ‪ Potential energy‬هي ببساطة الطاقة مخزونة في جسم ليس في الحركة‪،‬‬
‫ولكن قادر على التحرك‪ .‬األشكال المألوفة هي الطاقة الكهربائية الكامنة ‪،‬الجاذبية‪ ،‬والمرنة‪ .‬خذ على‬
‫سبيل المثال كيف يخلق سد بركة مرتفعة من المياه تسمى خزان‪ .‬بسبب االرتفاع المت ازيد للمياه‪ ،‬زادت‬
‫طاقة الجاذبية الكامنة للمياه‪ .‬عندما يتم تحرر الماء ويسمح له بالسقوط‪ ،‬تبدأ الطاقة المخزنة على‬
‫الفور في التحول إلى طاقة حركية‪ ،‬والتي يمكن استخدامها لتدوير مولد وصنع الكهرباء‪ .‬والمثال العملي‬
‫للطاقة المرنة الكامنة هو القوس والسهم‪ .‬عندما يسحب رامي السهام القوس‪ ،‬فإن القوس ينحني ويخزن‬
‫طاقة مرنة‪ .‬عندما يتم تحرير القوس‪ ،‬يتم نقل هذه الطاقة بسرعة إلى السهم وتحويلها إلى طاقة حركية‪.‬‬
‫مثال آخر هو التحرر المفاجئ للطاقة المرنة المخزنة في الصخور التي تؤدي إلى طاقة موجة تذبذبية‬
‫لزلزال‪.‬‬

‫‪ Nuclear energy‬هي الطاقة التي تربط أو تمسك النواة (البروتونات‬ ‫الطاقة النووية‬
‫والنيوترونات) لذرة ما معا ‪ -‬على النقيض من الطاقة الكيميائية التي تنطوي على االواصر بين الذ ارت‪.‬‬
‫الطاقة النووية هي شكل من أشكال الطاقة الكامنة من حيث أنه طاقة مخزونة‪ ،‬ولكن تتحرر فقط‬
‫عندما تخضع النواة لواحد من نوعين من التفاعالت‪ .‬تنطوي تفاعالت االنشطار النووي على انشطار‬
‫نواة وتفاعالت انصهار حيث تندمج اثنين من نوى منفصلة‪ ،‬يحرر كالهما كميات هائلة من الطاقة‬
‫الح اررية‪ .‬نالحظ أن االنصهار هو تفاعل سائد في الشمس‪ ،‬في حين أن محطات الطاقة النووية الحديثة‬

‫‪2‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫تعتمد على االنشطار‪ .‬أيضا‪ ،‬بقي باطن األرض ساخن بسبب التحرر المستمر للطاقة الح اررية من‬
‫التحلل االنشطاري للعناصر المشعة‪.‬‬

‫‪ Radiant energy‬هي المصطلح العام المستخدم لإلشارة إلى الطاقة‬ ‫الطاقة المشعة‬
‫الكهرومغناطيسية التي تسير على شكل موجات‪ .‬تتصاحب الطاقة المشعة مع أطوال الموجات المختلفة‬
‫في الطيف الكهرومغناطيسي (الراديو والموجات الدقيقة واألشعة تحت الحمراء والضوء المرئي واألشعة‬
‫فوق البنفسجية واألشعة السينية وأشعة غاما)‪ .‬وتسمى الطاقة المشعة عادة بالطاقة الشمسية ألن أطوال‬
‫الموجات الكهرومغناطيسية المتنوعة تنتج كلها في األفران النووية التي نسميها النجوم‪ ،‬والتي تشمل‬
‫بطبيعة الحال شمسنا‪.‬‬

‫الفحم‬

‫لقد أظهرت الدراسات الجيولوجية أن رواسب الفحم في العالم تتراوح في العمر ما بين ‪ 2‬مليون‬
‫إلى ‪ 053‬مليون سنة‪ ،‬وتشكلت من النباتات القديمة التي ازدهرت في ظروف مشابهة للمستنقعات في‬
‫مناخات رطبة‪ .‬أصبحت المادة النباتية في النهاية مدفونة‪ ،‬وعند نقطة حولت العمليات الجيولوجية هذه‬
‫المادة إلى رواسب فحم رسوبية‪ .‬على الرغم من أن الطبقات المنفردة من الفحم يمكن أن تكون أقل من‬
‫‪ 2.5‬سم سمكا‪ ،‬فإن الرواسب االقتصادية تبدأ عادة عند حوالي ‪ 25‬سم‪ ،‬مع بعضها يصل السمك إلى‬
‫أكثر من‪ 03‬م‪ .‬ويقدر أن ما يقرب من ‪ 0‬إلى ‪ 03‬أقدام من مادة عضوية مضغوطة مطلوب إلنتاج‬
‫قدم من الفحم‪ .‬غير أن يتطلب ظروف جيولوجية خاصة للمادة العضوية في مستنقع لتتحول إلى راسب‬
‫فحم اقتصادي‪ .‬أوال‪ ،‬يجب أن يظل المستنقع مشبعا لفترة طويلة من الزمن‪ .‬ألن الظروف المشبعة‬
‫تساعد على حجز األكسجين الحر (‪ ،)O2‬يختزل التحلل الميكروبي للمواد النباتية الميتة إلى حد كبير‪.‬‬
‫كما أن وفرة المياه تعزز أيضا نمو الغطاء النباتي المورق‪ ،‬والذي عندما يتحد مع معدالت التحلل‬
‫البطيء يقود تراكم كثيف للمواد النباتية المتحللة جزئيا‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬يجب أن تصبح هذه المادة العضوية‬
‫مدفونة حتى يتم الحفاظ عليها ضمن تتابع من الرواسب‪.‬‬

‫من أنواع الصخور الرسوبية التي تم العثور عليها متصاحبة مع الفحم‪ ،‬قرر الجيولوجيون أن‬
‫الفحم ينشأ في بيئات مشابهة لدلتاوات أنهر اليوم‪ .‬وكما هو مبين في الشكل أدناه‪ ،‬تعتبر الدلتا مثالية‬
‫ألنها تحتوي على مستنقعات ممتدة واسعة مع نباتات خضراء‪ .‬وهنا تساعد معدالت التدفق المنخفضة‬

‫‪3‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫في إنتاج ظروف مياه راكدة مع مستويات منخفضة من األوكسجين المذاب (‪ ،)O2‬مما يبطئ كثي ار‬
‫من تحلل المواد النباتية الميتة ويسمح بزيادة تراكم المواد العضوية‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬فإن الدلتاوات‬
‫الكبيرة عادة ما تشهد هبوطا حيث أن الوزن الهائل للرواسب يضغط على القشرة‪ .‬هذا الهبوط التدريجي‬
‫يسمح لكميات أكبر من المواد النباتية بالتراكم‪ ،‬والذي بدوره‪ ،‬يضغط المواد العضوية السفلية إلى شكل‬
‫أكثر إحكاما يسمى الخث ‪ .peat‬في بعض األحيان قد تهاجر قنوات النهر أو يرتفع مستوى سطح‬
‫البحر‪ ،‬دافنا الخث مع رواسب أحدث‪ .‬هذا الدفن يختم الخث بعيدا عن األكسجين الجوي‪ ،‬مما يزيد‬
‫من فرصة حفظه‪.‬‬

‫بما أن الدلتا تستمر باستقبال رواسب جديدة وتهبط‪ ،‬تدفن طبقات الخث أعمق وتتعرض لمستويات‬
‫أعلى من الح اررة والضغط تدريجيا‪ .‬وفي نهاية المطاف قد يصل الخث إلى العمق حيث تحوله عمليات‬
‫تحول من الدرجة الواطئة جدا إلى الصخور الرسوبية القابلة لالحتراق المعروفة بالفحم‪ .‬وخالل هذا‬
‫التحول‪ ،‬تخضع المادة النباتية األصلية لتغيرات الفيزيائية والكيميائية تطرد المياه وغيرها من المركبات‬
‫المتطايرة‪ ،‬تاركة وراءها فحم صلب يكون أكثر تركي از بالكربون‪ .‬ألن هذه العملية هي دالة لدرجة الح اررة‬
‫والضغط‪ ،‬لكي يزداد تركيز الكربون مع مرور الوقت يجب أن يصبح الفحم مدفونة أكثر عمقا‪ .‬وكما‬
‫هو مبين في الشكل أدناه‪ ،‬يتم ترتيب الفحم على أساس كمية الكربون والمواد المتطايرة التي يحتوي‬

‫‪4‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫عليها‪ .‬اللجنايت هو أدنى درجة‪ ،‬مع رتب أعلى تدريجيا تسمى تحت بيتيومين‪ ،‬بيتيومين‪ ،‬و أنثراسايت‪.‬‬
‫يالحظ كيف أن الفحوم األعلى رتبة هي عموما مضغوطة أكثر‪ ،‬وهو انعكاس لدفنها في أعماق أكبر‬
‫ويجري استبعاد المركبات المتطايرة‪.‬‬

‫بشكل عام‪ ،‬فإن أكثر فحوم مرغوبة هي البيتومين واألنثراسايت ألن لديها أعلى تركيز للكربون‪،‬‬
‫وبالتالي تحرر معظم الطاقة‪ .‬األنثراسايت نادر نسبيا‪ ،‬ويعتبر فحم متحول بسبب ارتفاع درجة الح اررة‬
‫والضغط الذي يتشكل عنده ‪ -‬بعد األنثراسيت‪ ،‬فإن الفحم سيتحول إلى معدن الغرافيت‪ .‬وتعزى‬
‫االختالفات في الرتبة إلى االختالفات في الظروف الجيولوجية (درجة الح اررة والضغط) التي تشكلت‬
‫فيها الفحوم‪.‬‬

‫اآلثار البيئية لتعدين الفحم‬

‫تم استخراج معظم الفحم القار في الواليات المتحدة في منطقة اآلباالش باستخدام تقنيات تحت‬
‫األرض‪ .‬في هذه المنطقة‪ ،‬تم العثور على طبقات فحم منكشفة على طول العديد من وديان مجاري‬
‫المياه التي قطعت من خالل تتابع مسطحة نسبيا من الصخور الرسوبية‪ .‬بدأ التعدين عادة عندما‬
‫انكشفت طبقات الفحم على السطح‪ ،‬وبعدها قام عمال المناجم بتتبع الطبقات أفقيا إلى تحت سطح‬
‫األرض‪ .‬ثم تم استخدام أنفاق عمودية للوصول إلى طبقات الفحم المدفونة عميقا داخل التالل‪ ،‬وخلق‬
‫شبكة من األنفاق االفقية والعمودية‪ .‬وهنا واجه عمال المناجم تحت األرض مخاطر عالية من تساقط‬
‫صخور وانهيار سقوف الكهوف في صخور رسوبية رخوة نسبيا‪ .‬وتشمل األخطار الشائعة األخرى‬
‫االنفجارات والحرائق المتصاحبة مع تراكم غاز الميثان وغبار الفحم‪ .‬كما يتسبب التعرض الطويل األمد‬

‫‪5‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫لغبار الفحم في حدوث حاالت عالية من سرطان الرئة بين عمال المناجم‪ ،‬المعروف أكثر باسم مرض‬
‫الرئة السوداء‪ .‬وقد أدت لوائح السالمة الحديثة وتقنيات التعدين اليوم إلى خفض كبير في عدد الوفيات‬
‫واإلصابات في مناجم الفحم الجوفية في الواليات المتحدة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى المخاطر التي يواجهها عمال المناجم‪ ،‬فإن التعدين تحت األرض يخلق مساحات‬
‫فارغة تميل إلى االنغالق بسبب الوزن الهائل للعمودي الصخري (ضغط الغطاء الصخري)‪ .‬أحيانا‬
‫تغلق الفراغات ببطء‪ ،‬وأحيانا أخرى تنهار فجأة‪ .‬إنخساف االرض غير مرغوب فيه حيث يمكن أن‬
‫يضر بخطوط المرافق المدفونة والطرق والمباني ويؤثر سلبا على الجداول والبرك‪ .‬االنخساف هو‬
‫مشكلة خاصة فوق مناجم الفحم الضحلة بسبب طريقة استخراج طبقات الفحم‪ ،‬وترك سطح المنجم‬
‫غير مدعم‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬في التقنية المسماة تعدين الجدار الطويل (الشكل أدناه ‪ )A‬تستخرج آلة‬
‫قطع الفحم في شرائط طويلة بينما تدعم الرافعات الهيدروليكية سقف المنجم‪ .‬ثم‪ ،‬بينما تتحرك االلة‬
‫أبعد إلى طبقة الفحم‪ ،‬يتم إزالة الرافعات في نهاية المطاف‪ ،‬ويسمح للسقف بالالنهيار عمدا‪ .‬وهناك‬
‫تقنية أقدم بكثير‪ ،‬تعرف بتعدين الغرفة والركيزة (الشكل ادناه ‪ ،)B‬وهي تشمل إزالة طبقة الفحم في نمط‬
‫مستطيل‪ ،‬وخلق فراغات كبيرة (غرف) محاطة بأعمدة (ركائز) من الفحم تدعم السطح‪ .‬ومن أجل‬
‫استخراج أكبر قدر ممكن من الفحم‪ ،‬يقوم بعض مشغلي المناجم بإزالة ركائز الفحم بشكل منهجي في‬
‫عملية تسمى "تراجع التعدين"‪.‬‬

‫معظم الفحم الذي يتم تعدينه في الواليات المتحدة اليوم على السطح باستخدام التعدين الشريطي‪.‬‬
‫تستخدم الرافعات المزودة بدالء سحب كبيرة لكشف الفحم عن طريق إزالة الطبقات العلوية من الصخور‬

‫‪6‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫غير المرغوب فيها‪ ،‬وتسمى الغطاء الصخري‪ .‬يستخدم التعدين الشريطي على نطاق واسع في غرب‬
‫الواليات المتحدة حيث أنها اقتصادية للغاية ألن طبقات الفحم قريبة نسبيا من السطح و بسمك قدره‬
‫‪ 025‬قدم‪ .‬حتى وقت قريب‪ ،‬كان التعدين الشريطي أقل اقتصادا في حقول فحم اباالشيان بسبب غطاء‬
‫صخري أكبر وطبقات الفحم أرق‪ .‬وقد أدى تطوير ال ارفعات الحديثة ودالء السحب االكبر من المعتاد‬
‫إلى تغيير اقتصاديات التعدين الشريطي‪ ،‬مما يجعله الشكل المهيمن لتعدين الفحم في جميع أنحاء‬
‫الواليات المتحدة‪ .‬وقد أدى هذا إلى شكل مثير للجدل جدا من التعدين الشريطي في أباالشيان يدعا‬
‫إزالة قمة الجبل‪ ،‬حيث تتم إ ازلة كميات كبيرة جدا من الغطاء الصخري الستخراج طبقات متعددة من‬
‫الفحم‪ .‬كما هو موضح في الشكل ادناه‪ ،‬هذه التقنية تسوي المشهد االرضي وتضع مواد النفايات الناتجة‬
‫في الوديان المجاورة‪ .‬وبمجرد إزالة الفحم‪ ،‬يتم عمل غطاء نباتي جديد وتحسينات أخرى بحيث يمكن‬
‫استخدام األراضي المستصلحة بطرق متنوعة‪ ،‬بما في ذلك تطوير المساكن والحدائق‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫العديد من السكان والمجتمعات تعارض بقوة تعدين قمة الجبل‪ .‬ويستشهدون بالتغييرات العميقة التي‬
‫طرأت على المناظر الطبيعية ومجموعة من المشاكل البيئية‪ ،‬وليس أقلها هو التغير الدائم في مجاري‬
‫المياه والنظم اإليكولوجية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫اآلثار البيئية الستخدام الفحم‬

‫باإلضافة إلى مسائل التعدين‪ ،‬فإن استخدام الفحم يعرض عددا من المشاكل البيئية الخطيرة‪ ،‬وكثير‬
‫منها يتصل بحقيقة أن الفحم يحتوي على معادن كبريتيدية فلزية‪ .‬نظ ار لبيئة األكسجين المنخفضة التي‬
‫يتشكل فيها الفحم‪ ،‬ترتبط الفلزات الثقيلة مع أيون الكبريتيد (‪ )S2-‬في مستنقع لتشكيل معادن كبريتيدية‪.‬‬
‫عندما يخضع الفحم لالحتراق‪ ،‬كما هو الحال في محطة توليد الطاقة‪ ،‬تتكسر االواصر المعدنية‪ ،‬مما‬
‫يسمح أليونات الكبريتيد باالتحاد مع األكسجين إلنتاج غاز ثاني أكسيد الكبريت (‪ .)SO2‬بعد أن يترك‬
‫ثاني أكسيد الكبريت المدخنة‪ ،‬فإنه يتفاعل مع ماء الغالف الجوي لتشكيل حامض الكبريتيك (‪،)H2SO4‬‬
‫الذي يسقط فيما بعد كمطر حامضي جنبا إلى جنب مع جزيئات صلبة تحتوي على فلزات ثقيلة‪.‬‬
‫األمطار الحامضية هي مشكلة ألنها تضر بالنظم اإليكولوجية ولها تأثير تآكلي على الجسور والطرق‬
‫السريعة‪ ،‬وغيرها من الهياكل المكونة من الخرسانة‪ .‬وفيما يتعلق بالفلزات الثقيلة‪ ،‬يعتبر الزئبق مصدر‬
‫قلق ألنه يمكن أن ينتقل من خالل السلسلة الغذائية إلى البشر ويسبب ضر ار عصبيا‪ .‬تحدث مشاكل‬
‫مماثلة مع تصريف المنجم الحامضي‪ ،‬إال أن المعادن الكبريتيد تتحلل كيميائيا بفعل مياه األمطار بدال‬
‫من االحتراق‪ .‬هنا تتحرر الفلزات الثقيلة والحامض الى البيئة عندما تتحلل المعادن الكبريتيدية عن‬
‫طريق المياه المترشحة من خالل المناجم وأكوام مواد النفايات‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬يحرر حرق الفحم أيضا ثاني أكسيد الكربون (‪ ،)CO2‬وهو غاز دفيئة يؤثر على كمية‬
‫الح اررة المحتجزة من قبل الغالف الجوي لألرض‪ .‬ويتفق معظم علماء المناخ على أن المدخالت‬
‫اإلضافية لثاني أكسيد الكربون تؤثر على نظام المناخ في كوكب األرض‪ ،‬وهي عامل رئيسي في‬
‫االتجاه الحالي لالحترار العالمي‪ .‬وألن االستهالك العالمي للفحم يسبب كميات هائلة من ثاني أكسيد‬
‫الكربون في الغالف الجوي‪ ،‬فإن استخدام الفحم في المستقبل غير مؤكد‪ .‬ولجعل الفحم أكثر قابلية‬
‫لالستمرار كمصدر للطاقة على المدى الطويل‪ ،‬يجري تطوير تكنولوجيات مصممة الستخالص ثاني‬
‫أكسيد الكربون وحقنه في طبقات صخرية نفاذة تحت سطح األرض‪.‬‬

‫البترول‬

‫البترول هو مصطلح عام يستخدمه الجيولوجيون لوصف كل من النفط والغاز الطبيعي‪ .‬ويتكون‬
‫النفط والغاز من أنواع مماثلة من الجزيئات العضوية‪ ،‬وعادة ما توجد معا تحت السطح تحت ظروف‬

‫‪8‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫جيولوجية مماثلة‪ .‬وهذا الوقود يشبه الفحم في كونهما يحتويان على الكربون القابل لالحت ارق الذي ينشأ‬
‫من المادة العضوية‪ .‬الفرق الرئيسي هو أن الجزيئات العضوية في النفط والغاز تحتوي على ذرات‬
‫هيدروجين أكثر بكثير من تلك الموجودة في الفحم‪ .‬في الواقع‪ ،‬غالبا ما يشار إلى النفط والغاز الطبيعي‬
‫باسم الهيدروكربونات ألن كتل البناء الجزيئية تتكون أساسا من ذرات الهيدروجين والكربون‪ .‬وكما هو‬
‫مبين في الشكل أدناه‪ ،‬فإن الغاز الطبيعي هو خليط من غازات الهيدروكربونات المختلفة‪ ،‬وأخفها غاز‬
‫الميثان (‪ )CH4‬ألنه يحتوي على اقل عدد من الذرات‪ .‬عندما يتم استخراج الغاز الطبيعي من تحت‬
‫سطح األرض يتم إرساله إلى مصنع التكرير حيث يتم فصل الغازات على أساس كثافاتها المختلفة‪.‬‬
‫من هذا نحصل على منتجات مألوفة مثل البروبان المستخدم في مشاوي الغاز والبيوتان للوالعات‪.‬‬
‫يتكون الغاز الطبيعي الذي يتم توصيله إلى منازلنا في الغالب من غاز الميثان‪ .‬وألن الميثان عديم‬
‫الرائحة‪ ،‬تضيف مصافي التكرير كميات صغيرة من مركب رائحة مميزة لتسهيل اكتشاف التسريبات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫يشير مصطلح النفط الخام إلى النفط غير المكرر الذي يتكون من خليط من جزيئات الهيدروكربون‬
‫الموجودة في الحالة السائلة‪ .‬يالحظ في الشكل أعاله كيف أن الجزيئات المكونة للنفط الخام تتالف من‬
‫سالسل طويلة من الهيدروجين وذرات الكربون‪ .‬على غرار الغاز الطبيعي‪ ،‬يتم معالجة النفط الخام في‬
‫مصفاة حيث يتم فصل الجزيئات المختلفة إلى منتجات بترولية مختلفة على أساس االختالفات في‬
‫الوزن أو الكثافة‪ .‬البنزين هو من بين األخف وزنا واألكثر تطاي ار من الهيدروكربونات السائلة‪ ،‬في حين‬
‫أن وقود الديزل وزيت المحركات هي تدريجيا أقل تطاي ار وتحتوي على جزيئات هيدروكربونية أثقل‪.‬‬

‫أصل البترول‬

‫تحول المادة العضوية إلى بترول هي عملية معقدة حيث ينشأ النفط والغاز عادة في مكان واحد‪،‬‬
‫ثم يهاجر ويتراكم في مكان آخر‪ .‬وعلى الرغم من وجود العديد من الفرضيات التي تم تطويرها على‬
‫مر السنين‪ ،‬إال أن اإلجماع العام اليوم هو أن معظم البترول ينبعث من صخور الطفل البحرية الغنية‬
‫بالمادة العضوية‪ ،‬وغالبا ما يشار إليها باسم صخور مصدر البترول‪ .‬واألمثلة الحديثة لألماكن التي‬
‫يتراكم فيها هذا النوع من الرواسب هي مياه هادئة نسبيا حيث تزدهر العوالق البحرية (نباتات المياه‬
‫المفتوحة والحيوانات) في األجزاء المضاءة من عمود الماء‪ .‬وعندما تموت هذه الكائنات المجهرية‪،‬‬
‫فإنها تسقط من التعليق وتتراكم على قاع البحر‪ .‬في المناطق التي تكون فيها مستويات األكسجين‬
‫منخفضة‪ ،‬تتباطأ عملية التحلل إلى النقطة التي تميل فيها إلى الحفاظ على العوالق الميتة‪ .‬وهذا يؤدي‬
‫إلى طبقات من الرواسب الغنية بالمادة العضوية‪.‬‬

‫ينبغي أن تصبح صخور مصدر البترول مدفونة تحت أكوام أسمك من الرواسب تدريجيا‪ ،‬يمكن‬
‫أن تتسبب الزيادة المناظرة في درجة الح اررة والضغط في تحجر أو تحول العوالق األصلية كيميائيا إلى‬
‫مركبات عضوية أبسط‪ .‬عندما تصل الصخور إلى عمق حوالي ‪ 2،033‬م تدخل ما يسميه الجيولوجيون‬
‫نافذة النفط ‪ .oil window‬هنا درجات الح اررة مرتفعة بما فيه الكفاية لتسبب بدء المركبات العضوية‬
‫في التحول إلى النفط والغاز الطبيعي‪ .‬وكما هو مبين في الشكل أدناه‪ ،‬سيظل النفط يتشكل إلى عمق‬
‫يبلغ حوالي ‪ 0،633‬متر‪ .‬بعد هذا العمق تأتي نافذة الغاز ‪ ،gas window‬حيث تؤدي درجات‬
‫الح اررة المرتفعة إلى انهيار النفط المتبقي إلى جزيئات بسيطة التي تشكل الغاز الطبيعي‪ .‬إذا دفنت‬
‫صخور المصدر أعمق من ‪ 02،233‬متر‪ ،‬سيتم تحول جزيئات الغاز إلى معدن الجرافيت‪ .‬يالحظ‬

‫‪10‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫في الشكل ادناه أن الغاز الحيوي يتشكل في البيئة القريبة من السطح‪ ،‬ومعظمه ميثان‪ .‬هذا النوع من‬
‫الغاز والذي أحيانا يشار له باسم غاز المستنقع‪ ،‬يتشكل عندما تتحلل المادة العضوية غير المتحجرة‬
‫في بيئات واطئة األوكسيجين (الالهوائية)‪ .‬الغاز الحيوي هو شائع في األراضي الرطبة ومواقع الطمر‪.‬‬

‫ولكي تصل صخور مصدر البترول إلى النافذة النفطية (الشكل أعاله)‪ ،‬يجب أن تكون هناك آلية‬
‫جيولوجية تسمح لها أن تدفن بكميات كبيرة من رواسب حديثة‪ .‬وعلى غرار تشكل الفحم‪ ،‬تشير الدالئل‬
‫الجيولوجية إلى أنه مع تراكم الرواسب‪ ،‬فإن الوزن اإلضافي يؤدي إلى هبوط قاع البحر‪ .‬وهذا بدوره‬
‫يسمح بزيادة تراكم الرواسب‪ ،‬ويرسل صخور المصدر إلى أعماق أكبر تدريجيا على مدى فترات طويلة‬
‫من الزمن الجيولوجي‪ .‬ويالحظ أنه نظ ار ألن الفحم والبترول يتشكالن في بيئات ترسيبية مماثلة‪ ،‬فإنه‬
‫ليس من غير المألوف أن يتم العثور على نوعي الوقود األحفوري في نفس الحوض الرسوبي‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من أوجه التشابه بينهما‪ ،‬فإن النفط والغاز يحتويان على مركبات غنية بالهيدروجين أكثر تطاي ار‬
‫ألنها مشتقة من العوالق البحرية‪ ،‬في حين أن الفحم أقل طاقة ألنه مشتق من النباتات البرية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫الهجرة والتراكم‬

‫ألن النفط والغاز ينشأن في بيئات رسوبية‪ ،‬فإن الجيولوجيين الذين يبحثون عن رواسب النفط والغاز‬
‫يركزون على مناطق ذات تتابع رسوبي سميك‪ .‬وكما هو مبين في الشكل أدناه‪ ،‬ستتشكل جزيئات‬
‫الهيدروكربون في حوض رسوبي بشرط وجود صخر مصدري مناسب كان قد دفن في وقت واحد داخل‬
‫نوافذ النفط والغاز‪ .‬جزيئات الهيدروكربونات أقل كثافة من المياه‪ ،‬لذلك سوف تهاجر نحو السطح من‬
‫خالل مسام الصخور‪ .‬وستصل جزيئات النفط والغاز المهاجرة في نهاية المطاف إلى طبقة أكثر نفاذية‬
‫داخل الحوض الرسوبي‪ ،‬مثل الحجر الرملي أو الحجر الجيري‪ .‬تذكر أن هذه الصخور النفاذة تعمل‬
‫أيضا كخزنات مائية ألنها تنقل المياه بسهولة‪ .‬وهذا يعني أنه عندما تدخل الهيدروكربونات طبقة مياه‬
‫جوفية يمكن أن تنتقل مع المياه الجوفية المتدفقة‪ .‬وهنا ترتفع جزيئات الهيدروكربونات األقل كثافة‬
‫وتتدفق في أعلى المياه داخل طبقة المياه الجوفية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫من أجل تكوين راسب اقتصادي في حوض رسوبي‪ ،‬يجب أن تصبح جزيئات النفط والغاز محاصرة‬
‫وتتراكم؛ واال فإنها سوف تتشتت وتستمر في االرتفاع ببطء نحو السطح‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬في الشكل‬
‫أعاله يمكن للمرء أن يرى أن الطبقات الرسوبية األصلية أصبحت مائلة ومطوية ‪ -‬بسبب القوى‬
‫التكتونية‪ .‬عندما تتحرك المياه الجوفية والبترول على طول طبقة نفاذة ويصادفان الطية‪ ،‬تصبح‬
‫الهيدروكربونات واطئة الكثافة محاصرة‪ ،‬في حين تستمر المياه بالتدفق‪ .‬يستخدم علماء الجيولوجيا‬
‫مصطلح مصيدة البترول ‪ petroleum trap‬لوصف أي تكوين من الصخور يسمح للهيدروكربونات‬
‫بالتراكم‪ ،‬ومكمن نفطي ‪ petroleum reservoir‬لتلك الصخور النفاذة حيث يتم تخزين النفط‬
‫والغاز‪ .‬اعتمادا على تاريخ الصخر المصدري وموقعه داخل نوافذ النفط والغاز‪ ،‬قد يحتوي المكمن‬
‫النفطي نفط‪ ،‬غاز‪ ،‬أو نفط وغاز على حدا سواء‪ .‬كلما كان كالهما موجودين‪ ،‬فإن الغاز الطبيعي‬
‫سوف يقع فوق النفط ألنه أقل كثافة‪ .‬في بعض الحاالت‪ ،‬بسبب الضغط يذوب الغاز داخل النفط نفسه‬
‫‪ -‬على غرار الطريقة التي يذوب بها ثاني أكسيد الكربون في مشروب غازي‪.‬‬

‫أحد األنواع األكثر شيوعا من المكامن والمصائد النفطية هي تلك التي يتم فيها طي الصخور‬
‫الرسوبية في قبة أو ما يدعوه الجيولوجيين بطية محدبة‪ ،‬مثل المثال في الشكل أعاله‪ .‬الحظ في‬
‫الصورة الجوية كيف أن نمط الصخور المتطبقة على السطح يعكس بوضوح التركيب الشبيه بالقبة‬
‫الذي يمتد إلى تحت سطح األرض‪ .‬ويقدم الشكل ادناه أمثلة على األنواع الشائعة األخرى من المصائد‬
‫والمكامن‪ .‬بعض المصائد (على سبيل المثال‪ ،‬الشعاب المرجانية و عدم التوافقات) لديها دليل قليل أو‬
‫معدوم على السطح‪ ،‬وبالتالي يصعب تحديد موقعها‪.‬‬

‫من السمات الهامة لجميع المصائد البترولية وجود غطاء صخري ‪ ،cap rock‬وهي طبقة‬
‫صخرية منخفضة النفاذية تعلو المصيدة‪ .‬إن غطاء صخري مناسب‪ ،‬والذي يتكون عادة من الطين أو‬
‫معادن المتبخرات‪ ،‬أمر بالغ األهمية ألنه يحد من قدرة النفط والغاز على الهروب من المكمن (الشكل‬
‫أدناه)‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن مصيدة جيدة وغطاء صخري ال يعني بالضرورة وجود كميات اقتصادية من‬
‫النفط أو الغاز‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬أي واحد من الحاالت التالية سوف يؤدي إلى خزان مليء بالمياه‬
‫بدال من الهيدروكربونات‪:‬‬

‫‪ .0‬لم يكن هناك صخر مصدري مناسب؛‬

‫‪13‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫‪ .2‬كان الصخر المصدري موجود‪ ،‬ولكن لم يصل إلى نافذة النفط؛‬

‫‪ .0‬تجاوزت درجة الح اررة نافذة الغاز‪ ،‬وتدمرت جميع الهيدروكربونات؛‬

‫‪ .0‬غطاء صخري مسرب سمح للبترول بالهروب مع الوقت؛‬

‫‪ .5‬تطور البترول وهاجر قبل تشكل المصيدة‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فإن المصائد التي تحتوي على كميات اقتصادية من البترول نادرة نسبيا من منظور‬
‫جيولوجي‪ .‬ويالحظ أنه بسبب التكنولوجيا الجديدة‪ ،‬يجري اآلن استخراج الغاز الطبيعي من تتابعات‬
‫سميكة من صخور الطفل الغنية بالمادة العضوية‪ ،‬الموجودة في أحواض رسوبية مختلفة في جميع‬
‫أنحاء العالم‪ .‬حجم ما يسمى بغاز الطفل كبير جدا‪ ،‬ومن المتوقع أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في‬
‫المعروض العالمي من الغاز الطبيعي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫آبار االستكشاف واإلنتاج‬

‫يتم حفر آبار النفط والغاز خالل الصخور الصلبة باستخدام لقمة حفر من الماس تعلق على‬
‫أنبوب فوالذي دوار‪ .‬يسمح هذا األسلوب للجيولوجيين في تحديد أنواع الصخور التي تواجههم عن‬
‫طريق فحص رقائق من الصخور التي تتحرك نحو االعلى إلى السطح أثناء الحفر‪ .‬وقد استخدمت‬
‫هذه التقنية األساسية منذ أكثر من مائة عام لتثبيت أول آبار نفطية ناجحة‪ .‬من خالل أخذ المعلومات‬
‫عن الصخور تحت سطح األرض والجمع بينها وبين الخرائط التي تبين موقع اآلبار الناجحة مقابل‬
‫غير المنتجة‪ ،‬أصبح من الممكن تحديد شكل وحجم المكمن النفطي‪ .‬سرعان ما كشف هذا النوع من‬
‫الخرائط أن النفط يميل إلى التراكم في مصائد قبوية‪ ،‬والتي يمكن أن يحددها الجيولوجيون بسهولة من‬
‫نمط الصخور المميزة الذي تصنعه هذه التراكيب على السطح‪ .‬وسرعان ما استعملت الطائرات في‬
‫تحديد القباب األخرى التي قد تحتوي أيضا على النفط‪ .‬تقريبا كل المصائد ذات مظهر سطحي واضح‬
‫تم تحديدها واختبارها منذ فترة طويلة‪ .‬وما تبقى هي مصائد مخفية في الغالب‪ ،‬يقع كثير منها في‬
‫عرض البحر على الرفوف القارية وفي المناخات القطبية‪.‬‬

‫ولمواجهة التحدي الصعب المتمثل في تحديد المصائد الخفية‪ ،‬طورت شركات النفط مجموعة‬
‫متنوعة من التقنيات الجيوفيزيائية إليجاد تراكيب جيولوجية مدفونة عميقا‪ .‬التقنية األكثر استخداما على‬
‫نطاق واسع تستفيد من نفس أنواع الموجات الزلزالية التي تسافر عبر باطن سطح األرض أثناء وقوع‬
‫زلزال‪ .‬وكما هو مبين في الشكل أدناه‪ ،‬يستخدم التنقيب الزلزالي جهاز تفجيري أو شاحنة ه اززة خاصة‬
‫كمصدر للطاقة لتوليد موجات زلزالية‪ .‬تعاني الموجات االنعكاس واالنكسار عندما تواجه طبقات‬
‫صخرية ذات كثافات مختلفة‪ ،‬ثم تسجل سلسلة من األدوات‪ ،‬تسمى الجيوفونات‪ ،‬الموجات التي تعود‬
‫إلى السطح (تستخدم السفن نهجا مماثال الستكشاف المناطق البحرية)‪ .‬من هذه البيانات‪ ،‬يمكن‬
‫للجيوفيزيائيين بناء مقاطع عرضية لطبقات صخرية مختلفة تحت سطح األرض‪ .‬وبتكرار هذه الطريقة‬
‫في شرائط متوازية طويلة‪ ،‬تستطيع شركات النفط الحصول على مناظر ثالثية األبعاد مفصلة لألحواض‬
‫الرسوبية على اليابسة وعلى الرفوف القارية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫بمجرد قيام شركة نفط بإجراء مسح زلزالي في حوض رسوبي‪ ،‬ستقوم فرق من الجيولوجيين‬
‫والجيوفيزيائيين بتحديد المصائد التي لديها أكبر االحتماالت على احتواء النفط والغاز‪ .‬على الرغم من‬
‫كل التكنولوجيا الزلزالية المتقدمة‪ ،‬إال أن الطريقة الوحيدة المؤكدة لمعرفة ما إذا كانت هناك مصيدة‬
‫محتملة قابلة للتطبيق تجاريا هي بحفر واحد أو أكثر من آبار االستكشاف‪ .‬تتيح عملية االستكشاف‬
‫الفرصة إلجراء اختبارات المسامية والنفاذية على صخور المكمن الفعلية والتحليل الكيميائي ألي‬
‫هيدروكربونات موجودة‪ .‬البيانات من هذه االختبارات تسمح للمهندسين بتقدير كمية النفط المخزن في‬
‫المكمن وكم يمكن في نهاية المطاف استخراجه أو استرداده‪ .‬وفي حالة النفط‪ ،‬يتراوح معدل االسترداد‬
‫بين ‪ 5‬و ‪ 03‬في المائة‪ ،‬وترتبط أعلى المعدالت بصخور مكمنية أكثر نفاذية ونفوط خام خفيفة نسبيا‬
‫منخفضة اللزوجة‪.‬‬

‫ألن جميع المكامن النفطية تحتوي على كمية محدودة من النفط أو الغاز‪ ،‬فهي مسألة وقت فقط‬
‫قبل أن يصل معدل اإلنتاج إلى الحد األقصى ويبدأ في االنخفاض‪ .‬في حالة مكامن النفط الكبيرة‪،‬‬
‫يكون ضغط السوائل داخل صخور المكمن مرتفعا بما فيه الكفاية بحيث يتدفق النفط بحرية على‬
‫السطح استنادا إلى المبدأ نفسه الذي تستخدمه آبار المياه االرتوازية‪ .‬ومع انخفاض ضغط المكمن في‬
‫نهاية المطاف‪ ،‬ترتفع تكاليف اإلنتاج حيث يجب استخدام المضخات الستخراج النفط (المكامن المحتوية‬

‫‪16‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫على غاز طبيعي فقط تمتلك جميعها آبار حرة التدفق)‪ .‬للحفاظ على ضغط المكمن عاليا‪ ،‬يقوم‬
‫المهندسين في كثير من األحيان بحقن مياه أو غاز غير مستخدم في داخل الصخرة المكمنية‪ .‬هذه‬
‫التقنية أيضا تدفع النفط بطريقة أكثر اتساقا نحو آبار الضخ وتزيد من معدل االسترداد الكلي‪ .‬وفي‬
‫حالة احتواء المكمن على نفط خام ثقيل وعالي اللزوجة‪ ،‬يمكن زيادة معدالت االسترداد عن طريق‬
‫تقليل لزوجة النفط من خالل أنظمة حقن البخار‪.‬‬

‫على الرغم من أن الحقن وغيرها من التقنيات يمكن أن تحسن معدالت االسترداد‪ ،‬فإن اإلنتاج‬
‫ينخفض في نهاية المطاف إلى النقطة التي تكون فيها تكلفة إزالة النفط من األرض أكبر من قيمتها‬
‫السوقية‪ .‬في مراحله المبكرة‪ ،‬يكون بئر النفط المنتج عادة مربحا للغاية ألنه ينتج كميات كبيرة من‬
‫النفط الخام وكميات أقل من المياه‪ .‬مع مرور الوقت فإنه سوف تنتج كميات أكبر تدريجيا من المياه‬
‫وأقل من النفط‪ ،‬مما يجعل عملها أقل ربحية‪ .‬وفي نهاية المطاف لن يكون هناك مبرر لتكاليف تشغيل‬
‫البئر‪ ،‬مما يضطر أصحابه إلى وقف اإلنتاج على الرغم من أن كمية معينة من النفط ال تزال موجودة‬
‫في المكمن‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬إذا كان سعر السوق للخام يزداد‪ ،‬قد يكون من المربح مواصلة استخراج النفط‬
‫المتبقي لفترة أطول من الزمن‪ ،‬وبالتالي زيادة معدل االسترداد الكلي‪.‬‬

‫تكرير النفط‬

‫يستخدم تكرير النفط عملية التقطير على غرار طريقة عمل المياه العذبة عن طريق تسخين المياه‬
‫المالحة‪ ،‬ثم جمع بخار الماء والسماح له بالتبريد والتكثف إلى سائل‪ .‬وعلى عكس الماء‪ ،‬يحتوي النفط‬
‫الخام على أنواع مختلفة من جزيئات الهيدروكربونات‪ ،‬لكل منها كثافة مختلفة ودرجة ح اررة مقابلة‬
‫تتكثف فيها‪ .‬كما هو مبين في الشكل أدناه‪ ،‬تبدأ عملية التكرير عندما يتم تسخين النفط الخام إلى‬
‫النقطة التي تتبخر فيها معظم جزيئات الهيدروكربون إلى الغازات‪ ،‬ثم ترتفع إلى برج التقطير‪ .‬درجات‬
‫الح اررة داخل البرج هي أكثر سخونة بالقرب من القاع‪ ،‬وتصبح ابرد تدريجيا نحو األعلى‪ .‬وألن جزيئات‬
‫الهيدروكربونات األثقل (القير والشحوم والزيوت وغيرها) سوف تتكثف عند درجات ح اررة أعلى‪ ،‬يتم‬
‫إزالتها من األجزاء السفلى من البرج ومن ثم تنقل باألنابيب إلى خزانات مستقلة‪ .‬متحركة صعودا في‬
‫البرج حيث درجات الح اررة أقل‪ ،‬تجمع الجزيئات األخف وزنا واألكثر تطاي ار وتتكثف إلى سوائل (على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬الكيروسين‪ ،‬وقود الطيران‪ ،‬والبنزين)‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫تذكر أن بعض النفوط الخام تعتبر ثقيلة نسبيا وأكثر لزوجة مقارنة بما يسمى بالنفوط الخام‬
‫الخفيفة‪ .‬والفرق األساسي هو أن النفوط الخام الثقيلة لديها نسبة أعلى من سالسل طويلة لجزيئات‬
‫الهيدروكربون‪ ،‬مما يجعلها أكثر كثافة وأكثر لزوجة‪ .‬يمكن تكرير المزيد من البنزين من برميل نفط‬
‫خام خفيف ألنه يحتوي أكثر على الجزيئات األقصر التي تشكل البنزين‪ .‬وألن البنزين عليه طلب مرتفع‬
‫كوقود للنقل‪ ،‬فإن النفوط الخام الخفيفة تتحكم بارتفاع سعر السوق مقارنة بالنفوط الثقيلة‪ .‬ويمكن‬
‫للمصافي زيادة كمية البنزين عالي الربحية باستخدام عملية تسمى التكسير‪ ،‬حيث يتم تكسير سالسل‬
‫هيدروكربونية طويلة وثقيلة إلى جزيئات أقصر وأخف وزنا‪ .‬النفوط الخام األخف هي المرغوبة اكثر‬
‫ليس فقط ألنها تنتج المزيد من وقود النقل‪ ،‬ولكن أيضا ألنها أسهل في األستخراج من المكامن النفطية‬
‫ولها معدالت استرداد أعلى‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن معظم النفط الخام الذي استخرجته شركات النفط خالل‬
‫السنوات المائة الماضية كان خفيفا نسبيا‪ .‬وقد أدى ذلك إلى أن الجزء األكبر من رواسب العالم غير‬
‫المستغلة المتبقية تتألف من نفوط لزجة وثقيلة أكثر‪ ،‬وهذا بالطبع أكثر صعوبة في استخراجه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫أخيرا‪ ،‬من الم ثير لالهتمام أن النفط الخام ال يوفر فقط وقود البنزين والديزل التي تشغل سياراتنا‬
‫وشاحناتنا‪ ،‬كما أنه يوفر ايضا القطران واألسفلت التي تمهد الطرق السريعة‪ .‬وهناك أيضا عدد ال‬
‫يحصى من المنتجات االستهالكية التي تنشأ من النفط المكرر‪ ،‬وتشكل األساس لما يعرف بصناعة‬
‫البتروكيماويات‪ .‬ولعل المنتجات المعروفة أكثر هي تلك المصنوعة من النايلون وأنواع مختلفة من‬
‫البالستيك‪ ،‬من الهاتف الخليوي الخاص بك‪ ،‬وزجاجات المياه والمالبس‪ ،‬وأحذية التنس‪ ،‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫واألهم من ذلك هو المبيدات الزراعية واألسمدة القائمة على النيتروجين التي يتم تصنيعها من النفط‬
‫والغاز الطبيعي‪ .‬وباإلضافة إلى المعدات الزراعية التي تعتمد على الديزل‪ ،‬كانت هذه األسمدة ومبيدات‬
‫اآلفات مسؤولة إلى حد كبير عن الزيادات الضخمة في إنتاج األغذية خالل القرن الماضي‪ .‬وبدون‬
‫النفط‪ ،‬لم يكن من الممكن ببساطة أن يصل سكان األرض إلى مستواه الحالي الذي يزيد على ‪ 6‬مليار‬
‫نسمة‪.‬‬

‫اآلثار البيئية للبترول‬

‫حينما يتم حرق النفط والغاز‪ ،‬تنطلق مجموعة متنوعة من الملوثات إلى الغالف الجوي‪ ،‬وكثير‬
‫منها خطر على صحة اإلنسان‪ .‬على الرغم من أن بعض المنتجات الثانوية لالحتراق مثل السخام‬
‫يمكن أن ينظر إليها بالعين المجردة‪ ،‬إال أن معظم غازاتها غير مرئية‪ .‬وخالل عملية االحتراق هذه‪،‬‬
‫سترتبط ذرات الهيدروجين والكربون باألكسجين لتكوين الماء (‪ )H2O‬وثاني أكسيد الكربون (‪.)CO2‬‬
‫ألن االحتراق لن يكمل ‪ ، ٪033‬تنتج هذه العملية أيضا الهيدروكربونات غير المحروقة وغاز أول‬
‫أكسيد الكربون‪ .‬على عكس ثاني أكسيد الكربون‪ ،‬أول أكسيد الكربون مشابه في الحجم لجزيء األكسجين‬
‫(‪ )O2‬ويمكن أن يؤخذ من خالل الرئتين ويمتص في الدم‪ .‬غاز أول اوكسيد الكربون سام جدا‪ .‬وتشمل‬
‫فئة أخرى من ملوثات الهواء غازات أكسيد النيتروجين المختلفة التي تتشكل عندما يتم سحب النيتروجين‬
‫الجوي (‪ )N2‬إلى غرفة االحتراق لمحركات البنزين والديزل‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى تلوث الهواء‪ ،‬أدى استخدام المجتمع للنفط إلى مجموعة متنوعة من المشاكل‬
‫البيئية األخرى‪ ،‬وال سيما االنسكابات النفطية التي يمكن أن تلحق الضرر بالنظم اإليكولوجية وتلوث‬
‫إمدادات المياه‪ .‬وقد أدى حفر آبار النفط تاريخيا إلى حدوث انسكابات‪ ،‬خاصة عند مواجهة نطاق‬
‫ضغط عالي وفقد المشغلون السيطرة على البئر‪ .‬عندما يحدث هذا‪ ،‬سوف يهرب النفط أو الغاز تحت‬

‫‪19‬‬
‫د‪ .‬محمود فاضل‬ ‫محاضرات في الجيولوجيا البيئية‬

‫ضغط شديد في ما يعرف باسم االنفجار ‪ .blowout‬وكما هو مبين في الشكل أدناه‪ ،‬فإن االنفجار ال‬
‫يؤدي إلى تسرب النفط فحسب‪ ،‬بل يمكن أن ينتج عنه حريق شديد الخطورة يصعب إخماده‪.‬‬

‫‪20‬‬

You might also like