You are on page 1of 78

‫العلوم النبوية‬

‫عون معني القدومي‬

‫الطبعة الثانية ‪1438‬هـ ‪2016 -‬م‬

‫دار املعني للنرش والتوزيع‬


‫‪Dar Al. Mueein Publishing and Distribution‬‬
‫العلوم النبوية‬
‫العلوم النبوية‬
‫تأليف‪ :‬عون معني القدومي‬
‫الطبعة الثانية ‪1438‬هـ ‪2016 -‬م‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة باتفاق وعقد ©‬
‫قياس القطع‪17 × 12 :‬‬
‫الرقم املعياري الدويل‪ISBN 978-9957-595-39-5 :‬‬
‫رقم اإليداع لدى دائرة املكتبة الوطنية‪)2016 /11 /5236( :‬‬

‫مجيع احلقوق حمفوظة‪ .‬ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب‬


‫أو أي جزء منه أو ختزينه يف نطاق استعادة املعلومات أو نقله‬
‫بأي شكل من األشكال دون إذن خطي من النارش‪.‬‬

‫‪All rights reserved. No part of this book may be‬‬


‫‪reproduced in any form or by any electronic or‬‬
‫‪mechanical means, including information storage‬‬
‫‪and retrieval systems, without written permission‬‬
‫‪from the publisher.‬‬

‫‪Daralmueein‬‬

‫‪info daralmueein.com‬‬

‫‪00962 795 583 713‬‬ ‫دار املعني للنرش والتوزيع‬


‫‪www.daralmueein.com‬‬ ‫‪Dar Al. Mueein Publishing and Distribution‬‬
‫ﭑﭒﭓ‬
‫‪5‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرحيم‬
‫ﭒﭓ‬ ‫ﭑالرحمن‬
‫بسم الله‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‬

‫الحمد هلل الحي القيوم‪ ،‬والصالة والسالم على‬


‫السيد المعصوم سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وحزبه‬
‫وخواص القوم‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فهذه الطبعة الثانية مـن هذا القرطـاس النبوي‬


‫مزامنة مع إعدادات الموسم الثامن من مواسع ربيع‬
‫المحبـين بالبلد األردن‪ ،‬وخـالل العامين الماضيـين‬
‫في باكورة هـذا العمل تـم عقد العديد مـن الدورات‬
‫في التعريف بالعلوم النبوية في كل من األردن ومصر‬
‫وتونس ولبنان وأندونيسيا‪ ،‬ومراسلة عدد واسع من أهل‬
‫العلم والفضل في مختلف األقاليم واألمصار‪ ،‬ورأيت‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪6‬‬
‫تشجيع ًا ال يوصف وتأكيد ًا ال ُي َك ّيف في مواصلة المسار‬
‫للعمل على خدمة المعارف النبوية ضمن منهجية علمية‬
‫منضبطة ذوقية رائدة يقع بها التجديد في أمة الحبيب‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬و ُت َطـ ّبق نماذجها في أعمال وبرامج‬
‫موصولة بكمال المعرفة والمحبة والمتابعة لـه عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬

‫واهلل أسأل أن تكون هذه الجهود محض سرور‬


‫لقلب سيدنا رسول‪ ‬اهلل‪ ،‬وخدمة لجنابه الطاهر يستقيل‬
‫به المرء ذنوب عمر مضى في الغفلة واالنقطاع ليتجدد‬
‫شأن المتابعة واالنتفاع والوصل المستديم بالبدر الشعاع‬
‫عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫وكتبه ّ‬
‫األقل‪:‬‬ ‫الجمعة ‪ 10‬ظفر الخير‬
‫عون معين القدّ ومي‬ ‫‪1438‬هـ‬
‫‪7‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مقدمة الطبعة األولى‬

‫الحمد هلل على ما أوعب عباده بمظاهر التّكريم‪،‬‬


‫والسـالم على الحبيب الرؤوف الرحيم‪ ،‬وآله‬
‫والصالة ّ‬
‫ّ‬
‫وصحبه ذوي القدر العظيم‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فهذه محاولة تأصيل ّية لمعادلة الوراثة المحمد ّية‪،‬‬


‫والسالم‪،‬‬
‫الصالة ّ‬
‫تُعنى بخدمة صلة المؤمن بنب ّيه عليه ّ‬
‫وقد تك ّلم العلماء العارفون في أوائل األ ّمة زمان ًا ّ‬
‫أن آخر‬
‫عهد األمة بالكماالت هو صالة أفرادها على اإلمام‬
‫والسالم‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫األعظم والمتبوع األكرم عليه ّ‬
‫ّبوي تع ّلق ًا جعلني أبحث‬ ‫وقد تع ّل ُ‬
‫قت بالجناب الن ّ‬
‫والسالم‪،‬‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫عن منهجية جامعة لمعرفة الن ّ‬
‫يمكن صياغتها ألهـل العصر‪ ،‬وصناعة أفراد األ ّمة في‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪8‬‬
‫وعيهم على أنموذجها‪ ،‬فكانت أطروحة (العلوم النّبو ّية)‪.‬‬
‫ـت الماضية‬
‫الس ّ‬
‫فت بها خالل السـنين ّ‬ ‫طو ُ‬
‫وقد ّ‬
‫أرجاء المعمورة‪ ،‬ألُقدّ مها بين يدي العلماء‪ ،‬تارة في‬
‫خاصة ومجالسات مفردة‪ ،‬وتارة في مجامع‬
‫ّ‬ ‫مذاكرات‬
‫وأربطة‪ ،‬وثالثة في حلقات وبرامج‪ ،‬في انتـظار التّعديل‬
‫والتّصويب ألستكمل سيرة التأصيل والتّفصيل‪ ،‬هذا من‬
‫جهة المرجع ّية‪.‬‬
‫الحج ّية والمنهج ّية‪ ،‬فقد عكفت مع‬
‫ّ‬ ‫أ ّما من جهة‬
‫أح ّبتي وإخواني من طلبة معهد المعارج للدراسـات‬
‫الخاصة بالعلوم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشـرع ّية على دراسـة عدد من الكتب‬
‫العراقي»‬
‫ّ‬ ‫النّبو ّية ابتدا ًء من «سيرة ابن هشـام»‪ ،‬و«ألف ّية‬
‫للعامري‪ ،‬و«تهذيب‬
‫ّ‬ ‫السـيرة‪ ،‬و«بهجة المحافل»‬
‫في ّ‬
‫ّليدي‪ ،‬و«ذات ّ‬
‫الشفا» وشرحها‬ ‫المحمد ّية» للت ّ‬
‫ّ‬ ‫الخصائص‬
‫للمشايخ األكراد‪ ،‬و«المعجزات األحمد ّية» للنّورسي‪،‬‬
‫البدوي‬
‫ّ‬ ‫ّرمذي»‪ ،‬و«نظم الغزوات» ألحمد‬
‫ّ‬ ‫و«شمائل الت‬
‫نقيطي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الش‬
‫‪9‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫افعي بأمريكا‪ ،‬كانت‬


‫الش ّ‬‫وعبر اإلنترنت مع معهد ّ‬
‫المذاكرة في «حدائق األنوار» لِبحرق‪ ،‬وفي ٍّ‬
‫كـل مـن‬
‫المدرسة الفخر ّية بجاكرتا في أندونيسيا‪ ،‬وفندق فطاني‬
‫في تايلند مع ثالث مئة عالم هناك‪ ،‬وفي مساكن األشراف‬
‫قرب سوسة بتونس‪ ،‬ومع طلبة العلم بسنغافورة‪ ،‬والطلبة‬
‫الماليزيين في األردن بمدينة المفرق كانـت دراسـة‬
‫السـ ّيد عبد‪ ‬اهلل‬
‫األربعين الحديث المختارة التي جمعها ّ‬
‫الغماري في األحاديث المنتقاة في العلوم النّبو ّية الخمسة‬
‫ّ‬
‫(السيرة‪ ،‬الفضائل‪ ،‬الدّ الئل‪ ،‬الخصائص‪ّ ،‬‬
‫الشمائل)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وعرضـت مـوضـوع العلـوم النّبـو ّية من حيث‬
‫ُ‬
‫التّعريف والتّبويب والتّمثيل في عدد من حواضر العلم‪،‬‬
‫العدوي قـرب الجامع األزهر بمصر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كمضيفة ّ‬
‫الشيخ‬
‫الزيتون ّية بتونـس العاصمة‪ ،‬وعلى‬
‫وفي دار الحديث ّ‬
‫المحمد ّية مع طلبة العلم بزاوية س ّيدي‬
‫ّ‬ ‫هامش الدروس‬
‫محمد بلقايد‪ ،‬وفي تريم اليمن‬
‫ّ‬ ‫معـروف عند شـيخنا‬
‫بدار المصطفى للدّ راسـات اإلسـالم ّية بحضرة المر ّبي‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪10‬‬
‫الحبيب عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ‪ ،‬وعلى منبر‬
‫العيدروس بعـدن بحضور سـ ّيدي الحبيب أبي بكـر‬
‫المشهور‪ ،‬وفي جامعة العلوم ّ‬
‫الشرع ّية الحديدة مع طلبة‬
‫السلطان الفاتح في‬
‫محمد علي مرعي‪ ،‬وفي جامع ّ‬
‫شيخنا ّ‬
‫بيروت لبنان‪ ،‬وفي مجلس اإلثنينية بجدّ ة‪.‬‬
‫المهتمين مـن أهـل‬
‫ّ‬ ‫وزرت وراسـلت عدد ًا من‬
‫عصرنا ووقتنا بالكتابة والبحث في ّ‬
‫الشؤون النّبو ّية‪ ،‬مثل‬
‫الدّ كتور سـعيد مغناوي بفاس المغرب‪ّ ،‬‬
‫والشـيخ خليل‬
‫ملاّ خاطر المجاور في المدينة ّ‬
‫المنورة‪ ،‬والباحث ّ‬
‫الشاب‬
‫ولما‬
‫نقيطي من أهل المدينة المنورة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫عبد‪ ‬اهلل كابر ّ‬
‫الش‬
‫الس ّيد األزهري‬
‫عرضت األمر على أخي الدّ كتور أسامة ّ‬
‫نصحني ُم ِ‬
‫بارك ًا الفكرة أن أكتب فيها رسـالة موجزة‬
‫تعريف ّية أجعلها بين يدي سـادتي العلماء للتّصحيح‬
‫والتّصويب‪ ،‬ليكون مسـلك ًا عصر ّي ًا من مسالك الت ّ‬
‫ّحمل‬
‫واإلجازة من جهة على طريقة أهل مصطلح الحديث‪،‬‬
‫وتوثيق ًا للمسألة والرؤية من جهة أخرى‪ .‬وقد أودعت‬
‫تجربتي هذا القرطاس‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عملي‪ ،‬فقد أدرجنا هذه العلوم النّبو ّية‬ ‫ٍ‬


‫صعيد‬ ‫وعلى‬
‫ّ‬
‫كما ّدة أصل ّية في التّدريس بمعهد المعارج للدّ راسات‬
‫ّ‬
‫الشرع ّية‪ ،‬ومعهد الحوراء للتّأهيل والبناء‪.‬‬
‫لت فيها عدد ًا من الحلقات التّلفزيون ّية‪،‬‬
‫وسـج ُ‬
‫ّ‬
‫النبوي)‪ ،‬جعلت‬ ‫ّ‬ ‫قاربت ال ّثالثين‪ ،‬بعنـوان‪( :‬اإلرث‬
‫حلقاتها العشر األولى في معرفة رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬والعشر‬
‫ال ّثانية في مح ّبته‪ ،‬والعشر ال ّثالثة في اتّباعه‪ ،‬وكان التّفصيل‬
‫شـجعني‬
‫ّ‬ ‫في العشـر األولى لمعالم العلوم النّبو ّية‪ ،‬وقد‬
‫الشيخ نوح علي سـلمان القضاة‬ ‫بعد متابعتها أسـتاذي ّ‬
‫رحمه‪ ‬اهلل بالمواصلة‪.‬‬
‫أس ْسنا مركز ًا للدّ راسات بدار المعين‬ ‫ٍ‬
‫قريب َّ‬ ‫ومن‬
‫للنّشر‪ ،‬لخدمة محتويات العلوم النّبوية ومسائلها‪ ،‬خدمة‬
‫بحث ّية علم ّية مح ّققة ّ‬
‫محررة‪.‬‬
‫ّ‬
‫األردن‪ ،‬الموسم‬ ‫وال يزال عام ًا بعد عا ٍم في البلد‬
‫ّبوي (ربيع المح ّبين)‪ ،‬زاخر ًا بالتّرجمة العمل ّية لبذل‬
‫الن ّ‬
‫ال وتوصي ً‬
‫ال‬ ‫معاني ومعالم العلوم النّبو ّية ومدارستها تأصي ً‬
‫وتفصيالً‪..‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪12‬‬
‫السـادس في ُح َّلتـه المباركـة‬
‫وها هو الموسـم ّ‬
‫الرسالة استمداد ًا ألسانيد العلماء‪،‬‬
‫يستوعب طباعة هذه ّ‬
‫دعوي‬
‫ٍّ‬ ‫واستمزاج ًا لمقاليد ّ‬
‫الصلحاء‪ ،‬واستقرا ًء لمحتوى‬
‫ِّن من تفويج وتخريج دعاتنا اليوم كسفراء‬ ‫ٍ‬
‫ناضج ُي َمك ُ‬
‫للن ّّبوة من ب ْعد ٍ‬
‫وعي يتشكّل بمعرفة جل ّية باإلمام األعظم‬
‫والمتبوع األكرم صلوات‪ ‬اهلل وسالمه عليه‪.‬‬
‫والمعرف ُة ُت ْث ِم ُر المح ّبة‪ ،‬والمح ّب ُة تورث االتّباع‪،‬‬
‫وإن قدْ ر العبد‪ ‬عند ر ّبه بحسب قدْ ر نب ّيه عنده‪..‬‬‫َّ‬

‫ال ّل ّ‬
‫هم اجعلها وراث ًة تا ّمة كاملة جامعة من جميع‬
‫الوجوه وإظهار ًا لمعاني ّ‬
‫الصلوات والتّسليمات على س ّيد‬
‫سر التّجدّ د الحاصل‬‫السادات‪ ،‬مناسب ًة لروح العصر من ّ‬ ‫ّ‬
‫في ك ُِّل زمن وبما يربط آخر األّمة ّ‬
‫بأولها عنوان ًا لنهضتها‬
‫من َر ْقدَ تها‪ ،‬وقومتها من غفلتها‪ ،‬وبعثها من غفوتها‪.‬‬

‫وكتبه ّ‬
‫األقل‪:‬‬
‫الجمعة ‪ 5‬صفر ‪1436‬هـ‬
‫عون معين القدّ ومي‬
‫العلوم النبوية‬
‫المحمد ّية‬
‫ّ‬ ‫محاولة تأصيل ّية لمعادلة الوراثة‬

‫ـ عناوين الوجود اإلنساني‪.‬‬


‫ـ إرث النبوة‪.‬‬
‫المحمد ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ معادلة الوراثة‬
‫ـ العلوم النّبو ّية‪.‬‬

‫(تأصيل‪ ،‬تفصيل‪ ،‬توصيل)‪.‬‬


‫‪15‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عناوين الوجود اإلنساني‬

‫تأذن الحق الكريم بأن أوجدنا في هذه األرض‬


‫خالفة عنه‪..‬‬

‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ﴾ [البقرة‪ ،]30 :‬عمارة لها‪..‬‬

‫﴿ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ﴾ [هود‪ ،]61 :‬وعرض فيها أمانته‬
‫على مخلوقاته فأبت وأشفقت منها وحملها اإلنسان‪..‬‬

‫﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ﴾ [األحزاب‪ ،]72 :‬وجعـل العقـد الناظم لهـذه‬
‫الخالفة واألمانة والعمارة العبودية في أجلى معانيها‪..‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪16‬‬
‫﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [األحزاب‪.]56 :‬‬

‫ولما تهيأ الخليل إبراهيم أبو األنبياء لإلمامة في‬


‫الناس بصبره وشـكره أرادها باقية في عقبه ﴿ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [البقرة‪.]124 :‬‬

‫وتأذن‪ ‬اهلل أن تكون الرسالة والداللة في ذريته‪..‬‬


‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [الشعراء‪﴿ ،]84 :‬ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [البقرة‪.]129 :‬‬

‫ومن آثـار بنائه لبيت‪ ‬اهلل الحرام وخالفة ولـده‬


‫إسـماعيل عنه فيه‪ ،‬وبنائه لبيت المقدس وخالفة ولده‬
‫إسحاق عنه فيه‪ ،‬تسلسلت عهود النبوة والحكم والكتاب‬
‫حتى كـان اإلرث فيما أخبر‪ ‬اهلل عنه‪﴿ ..‬ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ﴾ [األنعام‪.]24 :‬‬
‫فظهرت نبـوة الهادي محمد ﷺ في البلد األمين‬
‫وخيار القرون‪ ،‬وكانت ذاته المشرفة ومعجزته الخالدة‬
‫‪17‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأيامه ولياليه أبرز عنوان للعبودية المحضة‪ ،‬والخالفة‬


‫الكاملة واإلمامة المطلقة‪ ،‬والعمارة المتسـعة لألرض‬
‫في الحس والمعنى بطولها والعرض‪.‬‬

‫وإذا أردنا لمسلم اليوم مع تداعيات طوفان العولمة‬


‫وتداخالت خصوصيات األمم والثقافات المختلفـة‬
‫وتناقضات الذوات في تفاعالتها مع األفكار وتطبيقاتها‪،‬‬
‫فال بد من أن نستصحب شوؤن الكمال الذي ظهر في‬
‫الرسالة الخاتمة وخاتم النبيين؛ لنستجلي مظاهر إرث‬
‫النبوة لتكميل شخصية المسـلم اليوم‪ ،‬اتزان ًا واستقرار ًا‬
‫وانسـجام ًا مع خطاب الوحي لداللة الخلق على الحق‬
‫ّ‬
‫جل جالله‪..‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪19‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إرث النبوة‬
‫إن المتأمل في كتاب‪ ‬اهلل سبحانه وتعالى يجد شأن‬ ‫ّ‬
‫اإلرث واملوروث ملعاين األمانة والديانة حارض ًا يف عدة‬
‫مواطن من الكتاب الكريم والذكر الحكيم‪ ،‬ففي وصف‬
‫الخطاب ﴿ﭐﱺ ﱻ ﱼ * ﱾ‬ ‫أهل اإليمان نجد‬
‫ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ﴾ [المؤمنون‪ ،]11-10 :‬فهذا‬
‫إرث يف دار البقاء‪ ،‬بل ومن أمارات الساعة وعالماهتا ما‬
‫جاء في زبور سـيدنا داود ﴿ﭐﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷ﴾ [األنبياء‪،]105 :‬‬
‫وهذا إشارة إلى إرث األرض((( بخالفة رائدة على منهاج‬

‫(( ( يضيق ويتسـع مصداق األرض في هذه اآلية عند جمهرة‬


‫المفسـرين‪ ،‬فمن قائل بعموم األرض ويشهد له الحديث‬
‫ببلوغ الدين ما بلغ الليل والنهار مع تمام الزمان‪ ،‬ومن قائل =‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪20‬‬
‫﴿ﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬ ‫النبوة‪ ،‬وفي شـأن الكتاب والنبوة‬
‫ﱗﱘﱙ﴾ [فاطر‪ ،]32 :‬فهذا إرث الكتاب‪ ،‬وأنواع‬
‫المواريث تعددت في كتاب‪ ‬اهلل‪ ،‬من ذلك أن‪ ‬اهلل سبحانه‬
‫وتعالى في صدر سـورة مريم ينبئنا عن تلك الدعوات‬
‫الباكية والوجهات الشـاكية من نبي‪ ‬اهلل زكريا ﴿ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [مريم‪ ،]2 :‬وإذ به يتفقد مؤهالت‬
‫الموالي من حوله ويجدها تضعف في ساحات بيت‬
‫المقدس عن حمل أعباء نبوته وإرث دعوته وما تسلسل‬
‫عن أسالفه وآبائه‪ ،‬وأبان‪ ‬اهلل سـر تلك الوجهة في طلب‬
‫الولـد ﴿ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ [مريم‪ ،]6 :‬ومعلو ٌم‬
‫والسالم‪« :‬إنا معشر‬
‫الصالة ّ‬
‫السـ ّيد المعصوم عليه ّ‬
‫بنص ّ‬
‫األنبياء ال ّنورث‪ ،‬ما تركت بعد مئونة عاملي‪ ،‬ونفقـة‬
‫نسائي‪ ،‬صدقة»(((‪.‬‬

‫= بخصوصها إشارة إلى بيت المقدس وآخر مظهر لألمة في‬


‫ساحته‪.‬‬
‫((( «مسند أحمد» (‪.)9971‬‬
‫‪21‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فما اإلرث المشار إليه في خطاب زكريا عن يحيى‬


‫وإرثه له؟ بل وإرثه آلل يعقوب وهم اإلثنا عشر سبط ًا‬
‫األنبياء؟ ومن تعاقب منهم من أهل الفتوة والنبوة؟‬
‫بل وعندما ننظر في الكتاب الكريم إلى مواهب‬
‫الملك العظيم التي حلى بها أنبياءه وأصفياءه‪ ،‬نجد الخبر‬
‫في سـورة (ص) وهي سـورة األوابين الذين أثنى‪ ‬اهلل‬
‫عليهم مع مظاهر االبتالء والفتنة‪ ،‬تارة في القضاء وتارة‬
‫الم ْلك وتارة في الصحة‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى يثبت‬‫في ُ‬
‫عالقة إرث بين المجاهد الخليفة األواب داود وابنه‬
‫السـلطان سـليمان‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ﴾‬
‫[النمل‪ ]16 :‬فأي إرث هذا؟‬
‫ومع تطاول نسـبة الزمن بين عصر نـوح األب‬
‫الثاني للبشـر وعهد الخليل إبراهيم‪ ،‬إال أننا نقرأ في‬
‫فصول الصافات معنى االنتساب والرابطة ﴿ﭰ ﭱ‬
‫المتلمح لتلك‬
‫ّ‬ ‫ﭲ ﭳ﴾ [الصافات‪ ،]83 :‬ولعل‬
‫والسالم ونداء‬
‫ّ‬ ‫الصالة‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫الحادثـة بعد وفاة الن ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪22‬‬
‫الصحب في األسواق‪ ،‬ليلحظ كيف فهم الصحابة‬
‫بعض ّ‬
‫ّبوي في حلقات التعليم في‬
‫وأدركوا معنى الموروث الن ّ‬
‫والسالم(((‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫مسجد الن ّ‬
‫فالعلم إذن منه المكتسـب ومنه الموهوب ومنه‬
‫الموروث‪ ،‬فالمكتسب شاهده قول الحق‪﴿ :‬ﯖﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [يوسف‪ ،]76 :‬والموهـوب شـاهده‪:‬‬

‫(( ( والقصة يرويها الطبراني في معجمه «األوسط» (‪)1429‬‬


‫عن أبي هريرة أنه مر بسوق المدينة‪ ،‬فوقف عليها‪ ،‬فقال‪« :‬يا‬
‫أهل السوق‪ ،‬ما أعجزكم» قالوا‪ :‬وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال‪:‬‬
‫«ذاك ميراث رسول‪ ‬اهلل ﷺ يقسم‪ ،‬وأنتم هاهنا ال تذهبون‬
‫فتأخذون نصيبكم منه» قالوا‪ :‬وأين هو؟ قال‪« :‬في المسجد»‬
‫فخرجوا سراع ًا إلى المسجد‪ ،‬ووقف أبو هريرة لهم حتى‬
‫رجعوا‪ ،‬فقال لهم‪« :‬ما لكم؟» قالوا‪ :‬يا أبا هريرة فقد أتينا‬
‫المسجد‪ ،‬فدخلنا‪ ،‬فلم َنر فيه شيئ ًا يقسم‪ .‬فقال لهم أبو هريرة‪:‬‬
‫«أما رأيتم في المسجد أحد ًا؟» قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬رأينا قوم ًا يصلون‪،‬‬
‫وقوم ًا يقرأون القرآن‪ ،‬وقوم ًا يتذاكرون الحالل والحرام‪،‬‬
‫فقال لهم أبو هريرة‪« :‬ويحكم‪ ،‬فذاك ميراث محمد ﷺ»‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫﴿ﯸ ﯹﯺﯻﯼ﴾ [البقرة‪ ،]282 :‬والموروث‬


‫مر من اآليات والنصوص في خبر وراثـة‬ ‫شـاهده ما ّ‬
‫األنبياء بعضهم بعض ًا للعلم والحلم والصفات والحكمة‬
‫واآليات‪.‬‬
‫وال يقف اإلرث هنا عند صورة العلم وحقيقته‬
‫بل يتعداه إلى الصفات المصاحبة واألحوال المقارنة‪،‬‬
‫وبالتالي يمكننا أن نفهم امتناع سيدنا علي من أن يدعو‬
‫على أهل الشام في قتالهم معه‪ ،‬متعل ً‬
‫ال بذلك بأن فيهم‬
‫األبدال(((‪ ،‬وأن األبدال هؤالء هم‪ :‬ثالثون وفي رواية‬

‫((( يرد في أحاديث النبوة ألقاب وسمات ألصحاب وظائف‬


‫روحية أو مواهب باطنية مرتبطة بعضها بموطن أو مكان‬
‫أو مرحلة كوصف العصائب بأهل العراق‪ ،‬ووصف النجباء‬
‫بأهل مصر‪ ،‬ووصف األبدال بالشـام‪ ،‬وفي بعض الروايات‬
‫ارتبط هذا بمراحل في األمة‪ ،‬ومن ذلك ما رواه أبو داود في‬
‫سننه برقم (‪ )4286‬عن أم سلمة‪ ،‬زوج النبي ﷺ‪ ،‬عن النبي‬
‫ﷺ قال‪« :‬يكون اختالف عند موت خليفة‪ ،‬فيخرج رجل من‬
‫أهل المدينة هارب ًا إلى مكة‪ ،‬فيأتيـه ناس مـن أهل مكة =‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪24‬‬
‫أربعـون رج ً‬
‫ال على قلب إبـراهيم‪ ،‬وفي روايـة على‬
‫قدمه‪ ،‬وأن من صفاتهم أنّهم مجابو الدعوة(((‪ ،‬فهذه‬

‫= فيخرجونه وهو كاره‪ ،‬فيبايعونه بين الركن والمقام‪ ،‬ويبعث‬


‫إليه بعث من أهل الشـام‪ ،‬فيخسـف بهم بالبيداء بين مكة‬
‫والمدينة‪ ،‬فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام‪ ،‬وعصائب‬
‫أهل العراق‪ ،‬فيبايعونه بين الركن والمقام‪ ،‬ثم ينشأ رجل من‬
‫قريـش أخواله كلب‪ ،‬فيبعث إليهم بعث ًا‪ ،‬فيظهرون عليهم‪،‬‬
‫وذلك بعث كلب‪ ،‬والخيبة لمن لم يشـهد غنيمة كلب‪،‬‬
‫فيقسم المال‪ ،‬ويعمل في الناس بسـنة نبيهم ﷺ‪ ،‬ويلقي‬
‫اإلسـالم بجرانـه في األرض‪ ،‬فيلبث سبع سنين‪ ،‬ثم يتوفى‬
‫ويصلي عليه المسلمون»‪ .‬قال أبو داود‪ :‬قال بعضهم عن‬
‫هشام‪« :‬تسع سنين»‪ ،‬وقال بعضهم‪« :‬سبع سنين»‪ ،‬وورد‬
‫في كتاب «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (‪)254 :11‬‬
‫عن خبر النجباء‪« :‬ومنه حديث علي رضي‪ ‬اهلل عنه األبدال‬
‫بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق أراد أن التجمع‬
‫للحروب يكون بالعراق وقيل‪ :‬أراد جماعـة من الزهـاد‬
‫وسماهم بالعصائب ألنه قرنهم باألبدال والنجباء»‪.‬‬
‫(( ( حدثني شـريح يعني ابن عبيد‪ ،‬قال‪ :‬ذكر أهل الشـام عند‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬وهو بالعراق‪ ،‬فقالوا‪ :‬العنهم يا أمير =‬
‫‪25‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مواريث متسلسلـة متصلة مرتبطة ببركة األرض وما‬


‫أودع‪ ‬اهلل لعمارها من اسـتعدادات ومؤهالت‪ ،‬وليس‬
‫هذا محصور ًا في الشام‪ ،‬فنقرأ في «سنن أبي داود» أن‬
‫ثمة منظومة من أهل العراق يسمون بـ(العصائب)(((‪،‬‬
‫ومن أهل مصر يطلق عليهم (النجباء)‪ ،‬وكل مفردة من‬
‫هذه تحتاج إلى تحليل ومتابعة ألنها من كالم الحبيب‬
‫والسالم‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫المصطفى عليه ّ‬
‫يصرح لنا أن «العلماء‬
‫والسالم ّ‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫والن ّ‬

‫= المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬ال‪ ،‬إني سمعت رسول‪ ‬اهلل ﷺ يقول‪« :‬األبدال‬


‫يكونون بالشام‪ ،‬وهم أربعون رجالً‪ ،‬كلما مات رجل أبدل‪ ‬اهلل‬
‫مكانه رجالً‪ ،‬يسقى بهم الغيث‪ ،‬وينتصر بهم على األعداء‪،‬‬
‫ويصرف عـن أهل الشـام بهم العذاب»‪« .‬مسـند أحمد»‬
‫(‪ ،)896‬وحديث رقم (‪ )22751‬عن النبي ﷺ أنـه قال‪:‬‬
‫«األبدال في هذه األمة ثالثون مثل إبراهيم خليل الرحمن‬
‫كلما مات رجل أبدل‪ ‬اهلل مكانه رجال»‪« ،‬الفتن» لنعيم بن‬
‫حماد (‪.)663‬‬
‫((( انظر‪« :‬سنن أبي داود» حديث رقم (‪.)4286‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪26‬‬
‫المحمد ّية‬
‫ّ‬ ‫ورثة األنبيـاء»(((‪ ،‬ومقام العالم في األمـة‬
‫ّبي في بني إسـرائيل‪ ،‬ونجد أمثلة من هذا في‬
‫كمقام الن ّ‬
‫الصدر األظهر والعصر األطهر‪ ،‬يوم أن قال النبي عليه‬
‫األشعري‪« :‬يا أبا موسى‬
‫ّ‬ ‫الصالة والسـالم ألبي موسى‬
‫لقد أوتيت مزمار ًا من مزامير آل داود»(((‪ ،‬ومن هنـا‬
‫ش ّبه النبي عليه الصالة والسـالم بعض الصحابة ببعض‬
‫األنبياء كعروة بن مسـعود شبيه روح‪ ‬اهلل وكلمته عيسى‬
‫عليه السـالم‪ ،‬وكشبه بعض رجال أزد شنوءة((( بالكليم‬
‫موسى عليه السالم(((‪ ،‬وكشبه عبد‪ ‬العزى بن قطن ابن‬

‫((( «سنن أبي داود» (‪.)3641‬‬


‫((( «صحيح البخاري» (‪.)5048‬‬
‫اليمن سم ْ ِ ٍ‬
‫نهم‪ ،‬أو‬ ‫يت ل َشنآن َأي تباغض َوقع ب ْي ُ‬ ‫ِ ُ ِّ‬ ‫((( (قبي َل ٌة من‬
‫وح ْس ِن‬ ‫ُ ِ‬
‫لو نَسبهم ُ‬ ‫لتباعدهم عن بلدهم‪ ،‬وقال الخفاجي ل ُع ِّ‬
‫طاهر النَّسب ُذو ُمرو ًءة)‬‫ُ‬ ‫رجل َشنُو َءة‪َ ،‬أي‬
‫َأفعالهم‪ ،‬من َق ْولهم‪ٌ :‬‬
‫للزبيدي (‪.)288 :1‬‬
‫انظر‪« :‬تاج العروس» ّ‬
‫((( انظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪.)167‬‬
‫‪27‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أخت السيدة خديجة بالدجال((( في الوجـه السلبي‬


‫سر المشابهة‬
‫للمشابهة‪ ،‬وفي سـؤال بعض الصحابة عن ِّ‬
‫ووقوع التشبيه‪ ،‬مدخل لفهم هذا‪ ،‬من ذلك َّ‬
‫أن النبي عليه‬
‫الصالة والسالم رأى عمرو بن لحي في النار‪ ،‬وأخبر‬
‫أصحابه َّ‬
‫أن أشبههم به هـو أكثم بن أبي الجون‪ ،‬فسأله‪:‬‬
‫وهل َي ُضرني شبهه؟ فقال‪ :‬أنت مسلم وهو كافر(((‪.‬‬

‫والنبي عليه الصالة والسالم قال البن عمه الطيار‬


‫وخلقي»(((‪ ،‬وكانت وسام ًا تق َّلد‬
‫جعفر‪« :‬أشبهت َخلقي ُ‬
‫الط َّيار أيام عمرة القضاء في السابع للهجرة ببطن مكة‪،‬‬
‫ومن قبل في خبر القرآن شأن ذلك الحواري الصادق‬
‫الذي افتدى روح‪ ‬اهلل وكلمتـه عيسـى ﴿ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [النساء‪ ،]157 :‬جعل لهم التشبيه‬

‫(( ( انظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪.)3440‬‬


‫الصحيحين» (‪.)8789‬‬
‫(( ( انظر‪« :‬المستدرك على ّ‬
‫((( «صحيح البخاري» (‪.)4251‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪28‬‬
‫ّ‬
‫فإن سـيدنا ابن‬ ‫في الصورة بين التابع والمتبوع‪ ،‬وإلاّ‬
‫كوة روزنة البيت قبل أن يصلوا‬
‫مريم رفعه‪ ‬اهلل إليه من ّ‬
‫إليه ووقع لهم الشبه فيمن افتداه ولذا عهد‪ ‬اهلل بقرب منه‬
‫في الجنة بعين درجته(((‪.‬‬

‫ولقد حاولت زمن ًا أن أتتبع السبيل لِ ُي َح ِّصل الواحد‬


‫الصالة‬
‫وراثة األنبياء والمرسلين‪ ،‬ووراثة س ّيد النّاس عليه ّ‬
‫المحمد ّية على النّحو‬
‫ّ‬ ‫والسالم فانتهيت إلى معادلة الوراثة‬
‫ّ‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫و«البغوي» وغيرها من‬


‫ّ‬ ‫(( ( انظر «تفسير الطبري» و«ابن كثير»‬
‫كتب التفسـير في بيان معنى قوله تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ﴾‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ ّ‬
‫معادلة الوراثة المحمدية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪30‬‬
‫المحمدية تنتظم‬
‫ّ‬ ‫وتحقيق هذه المعادلة للوراثة‬
‫في ثالث دوائر كبرى‪:‬‬
‫األولى‪ :‬دائرة معرفة المؤمن بنبيه ﷺ لقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [المؤمنون‪،]69 :‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳﯴ‬
‫ﯵﯶ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ﴾ [سبأ‪ .]46 :‬فالتّفكّر‬
‫نبوته ورسول ّيته وشخص ّيته التي‬
‫في رسول‪ ‬اهلل والتّفكّر في ّ‬
‫رفع‪ ‬اهلل قدرها مأمورون به شرع ًا‪.‬‬
‫ال ّثانية‪ :‬محبة المؤمن لنبيه ﷺ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [األحزاب‪ ،]6 :‬وقول النبي‬
‫ﷺ‪« :‬اليؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده‬
‫وولده والناس أجمعين»(((‪ .‬فكمال اإليمان بمحبة النبي‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬والمحبة هذه موصلة لمراتب‬
‫ومواهب‪.‬‬

‫((( «صحيح البخاري» (‪.)14‬‬


‫‪31‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الثالثة‪ :‬اتباع المؤمن لنبيه ﷺ لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭮ‬


‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [آل عمران‪،]31 :‬‬
‫وقولـه تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [النساء‪ .]65 :‬وعلى قدر كمال‬
‫والسالم يكون حال المؤمن‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫المتابعة للن ّ‬
‫وسره‪.‬‬
‫ونوره ّ‬
‫ومع توازي الدّ وائر هذه (المعرفة‪ ،‬المح ّبة‪ ،‬االتباع)‬
‫إال أنها متراكبة ومتداخلة‪ ،‬وال بدّ للمؤمن في ّ‬
‫كل يوم أن‬
‫يزداد معرف ًة بنبيه ومحب ًة له واتباع ًا له ﷺ‪.‬‬

‫وتثمر المعرفة والمحبة واالتباع نسـبة مشاكلة‬


‫والسـالم ووارثه‪ ،‬من‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫ومقابلة بين الن ّ‬
‫والصورة‪،‬‬
‫الصفات ّ‬
‫حيث األفعال والهيئة‪ ،‬أو من حيث ّ‬
‫الصورة‬ ‫أو من حيث ّ‬
‫الذات والحقيقة‪ُ ،‬ع ِّبر عنها‪ :‬وراثة ّ‬
‫السريرة‪ ،‬وأكمل الوراثات التي‬
‫السيرة ووراثة ّ‬
‫ووراثة ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪32‬‬
‫بكل الوجوه في ّ‬
‫كل الوجوه وراثة‬ ‫تكون من كل الوجوه ّ‬
‫َّ‬
‫المبشر بـه‬ ‫المهدي‬
‫ّ‬ ‫كاملة تامة‪ ،‬لذلك جاء في حديث‬
‫«يواطئ اسمه اسمي»(((‪ ،‬فهي وراثة كاملة تا ّمة جامعة‪.‬‬

‫والسالم‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫والطريق إلى معرفة الن ّ‬
‫بأن يتأ ّمل الواحد منّـا في كتاب‪ ‬اهلل سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وقد ب َّين د‪ .‬محمد زكي خضر في مقدمة كتابه «ذكر‬
‫أن ‪ 2672‬موضع ًا ذكر فيه‬
‫القرآن الكريم للرسول ﷺ» ّ‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ في كتاب‪ ‬اهلل وهي موزعة على ‪1203‬‬
‫من اآليات‪ ،‬ويعني ذلك أن ما يقرب من ُخمـس آيات‬
‫للرسـول عليه‬
‫القرآن الكريم فيها ذكر بشـكل أو بآخر ّ‬
‫والسالم‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫ّ‬
‫يقرر ويذكر د‪ .‬سعيد المغناوي في كتابه «شخص ّية‬
‫وتصورات الدّ ارسين» ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫رسول‪ ‬اهلل بين تصوير الوحي‬
‫والسالم قد ذكره‪ ‬اهلل في كتابه‬
‫الصالة ّ‬
‫رسول‪ ‬اهلل عليه ّ‬

‫((( انظر‪« :‬سنن التّرمذي» (‪.)2230‬‬


‫‪33‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫في ‪ 104‬سورة‪ 76 ،‬سورة منها مكية و‪28‬سورة مدنية‬


‫والسالم‬ ‫منها‪ 32 ،‬سورة افتتحها‪ ‬اهلل بذكره عليه ّ‬
‫الصالة ّ‬
‫والسالم(((‪.‬‬ ‫و‪ 39‬سورة ختمها بذكره عليه ّ‬
‫الصالة ّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫والسالم بين تصوير الوحي‬


‫الصالة ّ‬
‫(( ( «شخصية رسول‪ ‬اهلل عليه ّ‬
‫وتصورات الدّ ارسين»‪ ،‬د‪ .‬سعيد مغناوي‪.)429 :1( ،‬‬
‫ّ‬
‫‪35‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ ّ‬
‫العلوم النبوية‬
‫تأصيل‪ ..‬تفصيل‪ ..‬توصيل‬

‫خص‪ ‬اهلل به نبيه من‬


‫ويبدأ هذا المحب يطالع فيما ّ‬
‫أسماء جاءت في القرآن والسنة أو في الكتب السماوية‬
‫السابقة‪ ،‬وكذلك مما يزيد المعرفة بالنبي ﷺ مدارسة‬
‫ومطالعة العلوم التي تكلمت عن جنابه الشريف ويمكن‬
‫إجمالها في خمسة علوم‪:‬‬

‫السيرة‪ :‬ويبحث في أخبار الن ّ‬


‫ّبي عليـه‬ ‫‪ -1‬علم ّ‬
‫والسالم وأيامه ولياليه ﷺ من حين الوالدة‬
‫ّ‬ ‫الصالة‬
‫ّ‬
‫وحتّى الوفاة‪.‬‬
‫الصفات َ‬
‫الخلقية‬ ‫‪ -2‬علم ّ‬
‫الشـمائل‪ :‬ويبحث في ّ‬
‫ُ‬
‫والخلقية لرسول‪ ‬اهلل ﷺ ونسبه وأسمائه‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪36‬‬
‫‪ -3‬علم الفضائل‪ :‬ويبحث في مقاربات ومقارنات‬
‫والسـالم من‬
‫الصالة ّ‬
‫فضائل األنبياء مع فضائله عليه ّ‬
‫حيث اإلجمال والتّفصيل‪.‬‬

‫‪ -4‬علم الدّ الئل‪ :‬ويبحث في إرهاصات ّ‬


‫نبوته‬
‫والسالم‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫ومعجزاته وكراماته عليه ّ‬
‫‪ -5‬علم اخلصائص‪ :‬ويبحث يف خصائصه التّفضيل ّية‬
‫والسالم في ذاته وفي أ ّمته‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫والتّشريع ّية عليه ّ‬
‫ّ‬
‫المستقل‬ ‫وإن ّ‬
‫كل علم من هذه العلوم لـه كيانه‬ ‫ّ‬
‫معرفي ًا من حيث ما يتناول من محتويات ومسائل وكذا‬
‫مـن المصادر‪ ،‬وبالتّالي في اآلثـار والثمار لِمطال ِ ِع ِ‬
‫ـه‬ ‫ُ‬
‫ـه‪ ،‬والذي يهدف إليه البحث من هذا هو أن‬ ‫ودار ِس ِ‬
‫ِ‬
‫تتكامـل صورة التّوثيق للعلوم التي تناولت شـخصية‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬وبالتّالي تغدو إمكانيات التّطبيق ووسـائط‬
‫الن ّ‬
‫التّفعيل في حياتنا أنضج وأعمق‪ ،‬ونقف على فراغات‬
‫واحتياجات التّكميل من هذه العلوم ومحاورها ومؤ ّداها‬
‫مؤسساتنا التّعليم ّية واإلعالم ّية‪ ،‬بما يناسب ّ‬
‫الشرائح‬ ‫في ّ‬
‫‪37‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المجتمع ّية والخصائص العمريـة والمواقف المتعدّ دة‬


‫المتنوعة أل ّمتنا في هذا‪..‬‬
‫ّ‬
‫وما أحوجنا هنا إلى تأصيل هذه العلوم النّبوية من‬
‫حيث استقالليتها وموضوعها وفوائد دراستها‪ ،‬وكذلك‬
‫إلى تفصيل مسـائلها والمصادر التي اسـتندت إليها‪،‬‬
‫وتنزيل هذه العلوم في قوالب من أشـكال وصور تطوي‬
‫المسافة بين دارسها ومطالعها ومحتواها‪.‬‬
‫السابقين طرف ًا من اإلشارة إلى‬
‫ونلمح في كتابات ّ‬
‫هذا‪:‬‬
‫‪ )1‬يقول ابن كثير في كتابه «البداية والنّهاية»‪:‬‬

‫أوان إيراد ما بقي علينا من متع ّلقات ّ‬


‫السيرة‬ ‫«وهذا ُ‬
‫الشمائل وال ّثاني في‬
‫األول في ّ‬ ‫ّ‬
‫الشريفة وذلك أربعة كتب‪ّ :‬‬
‫الدّ الئل وال ّثالث في الفضائل ّ‬
‫والرابع في الخصائص»(((‪.‬‬
‫‪ )2‬هامش«كشف الظنون» لحاجي خليفة‪:‬‬

‫((( (‪.)12 :6‬‬


‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪38‬‬
‫السـيرة مشتمل على فنون‪ :‬ف ّن أسـمائه‪ ،‬ف ّن‬
‫«وعلم ّ‬
‫خصائصه‪ ،‬ف ّن شمائله‪ ،‬ف ّن مغازيه‪ ،‬ف ّن مولده ومبعثه»(((‪.‬‬

‫ونجد في التّصانيف من عهد التّابعين إلى يومنا‬


‫خصص كتاب ًا لواحد‬
‫هذا من جمع بينها في كتاب‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثم أسـهموا في نشـأة وتطور علم يهتم‬ ‫منها‪ِ :‬‬
‫ـن َّ‬
‫«وم ْ‬
‫َ‬
‫بأخباره ﷺ وأحواله وما يتع ّلق به وقد اتّسـع مجال هذا‬
‫العلم شيئا فشيئ ًا وأصبح مع مرور ّ‬
‫الزمن يشـتمل على‬
‫عدّ ة فنون»(((‪.‬‬

‫ّأما مصطلح (العلوم النّبو ّية) فقد ورد في الكتب‬


‫التّالية‪:‬‬

‫العامري في مقدمة كتابـه «بهجة المحافل‬


‫ّ‬ ‫ذكر‬
‫وبغية األماثل»‪:‬‬

‫((( (‪.)1012 :2‬‬


‫((( شخصية رسول‪ ‬اهلل عليه الصالة والسالم‪ ،‬د‪ .‬سعيد مغناوي‬
‫(‪.)694 :2‬‬
‫‪39‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫«فإن من َأ َج ِّل ما ينبغي معرفته وتعريفه وصرف‬


‫العناية إليه وتدوينه وتصنيفه‪ ،‬الكالم في العلوم النّبو ّية‬
‫الصدر الذي انبعثت‬
‫المحمد ّية؛ لصدورها عن ّ‬
‫ّ‬ ‫والصفات‬
‫ّ‬
‫عنه العلوم ك ّلها جملة وتفصيالً‪ ،‬فروع ًا وأصوالً‪ ،‬فشرف‬
‫العلم بشرف المعلوم منه‪ ،(((»...‬وبمثله أشار محدّ ث‬
‫المالكي في مقدّ مة كتابه‬
‫ّ‬ ‫محمد علوي‬
‫ّ‬ ‫الس ّيد‬
‫الحرمين ّ‬
‫«تاريخ األحوال والحوادث النّبو ّية»‪.‬‬
‫و ْي َّ‬
‫ـكأن هذا التّمرحل في توصيف هذه المعارف‬
‫على مـدى القـرون في تـدوين مـا اتّصل بشـخصيـة‬
‫والسـالم أخذ عدّ ة توصيفات‪ ،‬ففي‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫الن ّ‬
‫المراحل األولى من التّدوين كان يطلق عليها ُمتع َّلقات‬
‫ّ‬
‫المتأخرين‬ ‫السيرة‪ ،‬ومع‬
‫السيرة‪ ،‬وبعد ذلك غدت فنون ّ‬
‫ّ‬
‫تخصص ًا فيها لمحنا اسم (العلوم‬
‫ّ‬ ‫وبروز تصانيف أكثر‬
‫مناسب مع سيولة المعلومات‬
‫ٌ‬ ‫الز َ‬
‫مان‬ ‫أن َّ‬‫النّبو ّية)‪ ،‬و َأ ِجدُ َّ‬

‫((( (‪.)5 :1‬‬


‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪40‬‬
‫وحركة األفكار تأصيل هذه العلوم ككيانات معرفية ذات‬
‫استقاللية عن بعضها‪ ،‬مع وجود الخصوص والعموم في‬
‫المسائل‪ ،‬كما هو شأن ّ‬
‫كل العلوم‪.‬‬
‫وفيام ييل نبذة عن ّ‬
‫كل علم من هذه العلوم اخلمسة‪:‬‬
‫الشمائل‪ :‬وهو العلم الذي يبحث في‬‫‪ -1‬علم ّ‬
‫ّبي ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫والخلقية للن ّ‬ ‫الصفات َ‬
‫الخلقية‬
‫والشمائل مفردها َش ْملة أو شميلة‪ ،‬وهو ما يشتمل‬
‫ّ‬
‫به المرء من لباس يكتنفه‪ ،‬ويرجعها بعض العلماء إلى‬
‫ِّ‬
‫الشمال وهي طباع اإلنسان ونمطه(((‪.‬‬
‫حسـ ّيـة ظاهرة‬ ‫ّ‬
‫ولكل إنسـان صورتان‪ ،‬صورة ّ‬
‫تُرى باألبصار‪ ،‬وصورة معنوية باطنة تُرى بالبصائر‪،‬‬
‫الصورتَين ارتباط ونسبة‪ ،‬وكما قال العلماء ّ‬
‫فإن‬ ‫وبين ّ‬
‫المعنويات تظهـر على الجسمانيات‪ ،‬والجسمانيات‬
‫تظهر على المعنويات‪.‬‬

‫((( انظر‪« :‬لسان العرب»‪ ،‬البن منظور‪ ،)369 :11( ،‬و«تاج‬


‫العروس»‪ ،‬للزبيدي (‪.)1020 :1‬‬
‫‪41‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بـ(الخ ْلق)‪،‬‬
‫َ‬ ‫الحس ّيـة ال ّظاهرة‬
‫ّ‬ ‫الصورة‬ ‫و ُيع َّبر عن ّ‬
‫بـ(الخ ُلق)‪ ،‬وفي األثر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الصورة المعنو ّيـة الباطنـة‬
‫وعن ّ‬
‫«أن‪ ‬اهلل مـا بعث نبي ًا إال حسن الوجه حسن ّ‬
‫الصوت‪،‬‬
‫الصوت‪ ،‬وكان‬
‫وكان نب ّيـكم ﷺ حسن الوجه‪ ،‬حسن ّ‬
‫ال ُي َـر ِّجع»(((‪.‬‬
‫ودليل هذا العلم جاء في كتاب‪ ‬اهلل الكريم‪:‬‬
‫قال‪ ‬اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮜﮝﮞﮟﮠ ﮡ﴾‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫[البقرة‪ ،]144 :‬والوجه وجه س ّيدنا ّ‬
‫والصدر صدر‬
‫ّ‬ ‫﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [الشرح‪،]1 :‬‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫س ّيدنا ّ‬
‫﴿ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [الشرح‪ ،]3 :‬وال ّظهر ظهر س ّيدنا‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫ّ‬
‫﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [القيامة‪ ،]16 :‬وال ّلسان لسان‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫س ّيدنا ّ‬

‫((( ّ‬
‫«الشمائل المحمد ّية»‪ ،‬لإلمام التّرمذي (‪.)321‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪42‬‬
‫﴿ﮐﮑﮒ﴾ [البقرة‪ ،]97 :‬والقلب قلب س ّيدنا‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫ّ‬
‫﴿ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [الحجر‪ ،]88 :‬واليد يد‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫س ّيدنا ّ‬
‫والكف‬
‫ّ‬ ‫﴿ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [العنكبوت‪،]48 :‬‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كف س ّيدنا‬
‫ّ‬
‫﴿ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [التّوبة‪ ،]61 :‬واألذن أذن‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫س ّيدنا‬
‫﴿ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [الكهف‪ ،]28 :‬والعين عين‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫س ّيدنا‬
‫﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [الحجرات‪،]2 :‬‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫والصوت صوت س ّيدنا ّ‬
‫ّ‬
‫﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [التّوبة‪:‬‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫‪ ،]120‬والنّفس نفس س ّيدنا ّ‬
‫‪43‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن‪ ‬اهلل ذكر ثيابه ﷺ فقال ّ‬


‫جل وعال‪﴿ :‬ﯖ‬ ‫حتى َّ‬
‫ﯗ﴾ [المدّ ّثر‪.]4 :‬‬
‫فنحن عندما نتأ ّمل في صفة رسول‪ ‬اهلل ﷺ نتأ ّمل‬
‫ونتد ّبر القرآن‪.‬‬
‫الرغم من أنّهم ر َأ ْوا‬
‫بعض الصحابة على ّ‬ ‫َ‬
‫وكـان ُ‬
‫َ‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ كالحسن والحسين يذهبون إلى ربيب‬
‫الس ّيدة خديجة‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ هند بن أبي هالـة ابن ّ‬
‫الزهراء أ ّمهم من‬
‫رضي‪ ‬اهلل عنها‪ ،‬فهو خالهم ألنه أخ ّ‬
‫أ ّمها خديجة‪ ،‬ويسألونه أن يصف لهم رسـول‪ ‬اهلل ﷺ‬
‫كان َو َّصاف ًا‪.‬‬
‫ألنه َ‬
‫الخلقية‬ ‫الشمائل يتك ّلم عن صفات الن ّ‬
‫ّبي َ‬ ‫وعلم ّ‬
‫والخلقية فيتك ّلم عن ِحلم وشجاعة رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬وعن‬
‫ُ‬
‫احمر‬
‫ّ‬ ‫علي بن أبي طالب رضي‪ ‬اهلل عنه أنه قال‪ُ « :‬كنّا إذا‬ ‫ّ‬
‫البأس ولقي القو ُم القو َم ا ّت َق ْينا برسول‪ ‬اهلل ﷺ فما يكون‬
‫منّا أحد أدنى من القوم منه»(((‪.‬‬

‫((( «مسند أحمد» (‪.)156 :1‬‬


‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪44‬‬
‫«ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة‪ ،‬فانطلق الناس‬
‫الصوت‪ ،‬فاستقبلهم النبي ﷺ قد سـبق الناس إلى‬
‫قبل ّ‬
‫الصوت‪ ،‬وهو يقول‪« :‬لن تراعوا لن تراعوا» وهو على‬
‫ّ‬
‫فرس ألبي طلحة عري ما عليه سرج‪ ،‬في عنقه سيف‪،‬‬
‫فقال‪« :‬لقد وجدته بحر ًا‪ .‬أو‪ :‬إنّه لبحر»(((‪.‬‬
‫فما هذه ّ‬
‫الشجاعة!‬

‫وجاءه ركانة بن يزيد وهو أبرز مصارع في الجزيرة‬


‫العربية وأخبره بأنه إذا صرعه فسيسلم فصرعه النبي ﷺ‬
‫ثالث مرات فأسلم ركانة وقال‪ :‬أشهد أنك رسول‪ ‬اهلل‪،‬‬
‫فلم يفهم ركانة إال لغة المصارعة وأسلم بها على يد‬
‫سيدنا النبي ﷺ‪.‬‬

‫في رواية عن سعيد بن جبير‪ :‬أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ‬


‫كان بالبطحاء فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد‬
‫محمد هل لك أن تصارعني؟‬
‫ّ‬ ‫ومعه أعنز له فقال له‪ :‬يا‬

‫((( «صحيح البخاري» (‪.)6033‬‬


‫‪45‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فقال‪ :‬ما تسبقني‪ .‬قال‪ :‬شاة من غنمي‪ .‬فصارعه فصرعه‬


‫فأخذ شاة قال ركانة‪ :‬هل لك في العود؟ قال‪ :‬ما تسبقني‪.‬‬
‫قال‪ :‬أخرى ذكر ذلك مرار ًا فقال‪ :‬يا ّ‬
‫محمد واهلل ما وضع‬
‫أحد جنبي إلى األرض وما أنت الذي تصرعني‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫فأس َل َم‪ ،‬ور ّد عليه رسول‪ ‬اهلل ﷺ َ‬
‫غنمه(((‪.‬‬
‫فهو ﷺ أشجع العرب وفي الوقت نفسه كان َ‬
‫«أشدَّ‬
‫َحيا ًء ِم َن ال َع ْذراء في ِخدْ ِرها»(((‪ ،‬فإذا جلس مع أصحابه ال‬
‫يحدُّ هم بالنظر‪ ،‬فيجمع بين الشجاعة والحياء‪ ،‬وبين القوة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والح ْلم‪ ،‬ويجمع بين نبي الملحمة وبين نبي المرحمة‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وغاية هذا العلم‪ :‬أن تكون صورتنا مطابق ًة لصورة‬


‫ّبي ﷺ الخَ لقية والخُ لقية‪.‬‬
‫الن ّ‬
‫ومن أبرز الكتب التي تك ّلمت عن علم ّ‬
‫الشمائل‪:‬‬

‫للبيهقي (‪.)18 :10‬‬


‫ّ‬ ‫(( ( «السنن الكبرى»‪،‬‬
‫((( «صحيح البخاري» (‪.)230 :4‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪46‬‬
‫ّرمذي‪ ،‬وكتاب «وسائل‬
‫ّ‬ ‫المحمد ّية» للت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫«الشمائل‬
‫ّبهاني‪ ،‬وكتاب «الروض‬
‫الرسول» للن ّ‬
‫الوصول إلى شمائل ّ‬
‫الباسم» لعبد الرؤوف المناوي‪ ،‬وقد شرح هذه الكتب‬
‫العلماء في شروح عدة‪.‬‬

‫وإن إشـاعة هذا العلم في الزمن المعاصر مفيد‬‫ّ‬


‫في نشر الصورة المحمدية‪ ،‬لِ َما لهذه الصورة من منزلة‬
‫في العالمين‪ ،‬وأثـر في نمذجة وجهات أهـل العالم‪،‬‬
‫وخصوص ًا أن عالمنا اليوم تتغشاه الصور‪ ،‬وهو زمن‬
‫الصورة بكل أبعادها وظروفها‪.‬‬

‫‪ -2‬علم الدّ الئل‪ :‬هـو العلـم ا ّلذي يبحث في‬


‫ّبي ﷺ‪.‬‬
‫إرهاصات ومعجزات وكرامات الن ّ‬
‫والدّ الئل مفردها دليل(((‪ ،‬ويقصد بها دليل نبوة‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬ومثلها اآليات والحجج والبراهين واألعالم‬
‫الن ّ‬

‫(( ( الدالئل‪ :‬جمع دليلة‪ ،‬أو داللة‪ ،‬ويجمع الداللة على دالالت‪.‬‬
‫انظر‪« :‬تاج العروس»‪ ،‬للزبيدي (‪.)502 :28‬‬
‫‪47‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والمعالم‪ ،‬وجمعها العلماء فوجدوها أكثر من ‪3000‬‬


‫ّبي ﷺ‪ ،‬وتقسم على ثالثة أقسام رئيسة‪:‬‬
‫معجزة للن ّ‬
‫‪ -1‬اإلرهاصات والبشارات واآليات قبل الوالدة‪.‬‬

‫والسالم‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫‪ -2‬المعجزات في حياة الن ّ‬
‫المادية والمعنوية‪.‬‬

‫الرفيق‬
‫‪ -3‬الكرامات واإلخبارات بعد انتقاله إلى ّ‬
‫األعلى‪.‬‬

‫وحتت هذه األقسام أقسا ٌم‪ ،‬وهي عىل الوجه التّالي‪:‬‬

‫قبل والدته وبعثته ﷺ‪ ،‬وينقسم إلى ثالثة فروع‪:‬‬

‫والسالم‬
‫الصالة ّ‬
‫‪ -1‬البشارات التي جاءت به عليه ّ‬
‫السابقة‪.‬‬
‫في الكتب ّ‬
‫أ ّلف الشـيخ حسـين الجسـر رسـالة أسـماها‬
‫مكونة من ‪ 110‬أدلة من ّ‬
‫الزبور‬ ‫بـ«الرسالة الحميدية»‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫محمد ﷺ‪.‬‬
‫ّبي ّ‬
‫والتّوراة واإلنجيل على نبوة الن ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪48‬‬
‫والعرافين والحزّاءين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫والكهان‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬أخبار األحبار‬
‫أخرج ابن عساكر عن ابن مسـعود قال‪ :‬قال أبو‬
‫ّبي ﷺ‬
‫الصدّ يق‪ :‬خرجت إلى اليمن قبل أن يبعث الن ّ‬
‫بكر ّ‬
‫فنزلت على شـيخ من األزد عالم قد قرأ الكتب وأتت‬
‫عليه أربعمائة سنة إلاّ عشـر سنين فقال لي‪ :‬أحسبك‬
‫حرم ّي ًا؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬وأحسبك قرشـي ًا؟ قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأحسبك تيمي ًا؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬بقيت لي منك‬
‫واحدة‪ ،‬قلت‪ :‬ما هي؟ قال‪ :‬تكشف لي عن بطنك‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫أن نبي ًا يبعث في‬
‫الصادق ّ‬
‫لم ذاك؟ قال‪ :‬أجد في العلم ّ‬
‫الحرم يعاون على أمره فتى وكهل فأما الفتى فخواض‬
‫غمرات ودفاع معضالت وأ ّما الكهل فأبيض نحيف‬
‫على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى عالمة وما عليك‬
‫الصفة إلاّ ما َخ ِف َي َع َل ّي‪.‬‬
‫أن تريني فقد تكاملت لي فيك ّ‬
‫قال أبو بكر‪ :‬فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء‬
‫ورب الكعبة(((‪.‬‬
‫فوق سرتي فقال‪ :‬أنت هو ّ‬

‫((( «الخصائص الكبرى» (‪.)51 :1‬‬


‫‪49‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فذهب س ّيدنا أبو بكر في تجارته ثم رجع إلى‬


‫الكاهن فقال له الكاهن‪ :‬أخشى أن يدركني الموت وال‬
‫ّبي‪ ،‬وقد ألفت قصيدة في مدحه فإن‬
‫أتمكن من رؤية الن ّ‬
‫وصلت مكّة أهديه إياها‪ .‬وعندما وصل س ّيدنا أبو بكر‬
‫نبي‪.‬‬
‫إلى مكّة أخبره أهل النّدوة بأن صاحبه يزعم بأنه ّ‬
‫فذهب س ّيدنا أبو بكر إلى رسـول‪ ‬اهلل ﷺ وسأله عن‬
‫ّبي‪ :‬الخبر خبر صاحبك الذي رأيته في‬
‫الخبر‪ ،‬فقال له الن ّ‬
‫اليمن وأهداك القصيدة‪ .‬فأسلم س ّيدنا أبو بكر وقال ﷺ‪:‬‬
‫«ما دعوت أحد ًا إلى اإلسالم إلاّ كانت عنده كبوة وتر ّدد‬
‫ونظر إلاّ أبا بكر ما عتم منه حين ذكرته وما تر ّدد فيه»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬آيات ظهرت عند الوالدة ّ‬
‫الشريفة وقبل البعثة‬
‫تعدّ إرهاصات‪:‬‬
‫َ‬
‫أب�ان مول�دُ ه عـ�ن طـي�ب عنص�ره‬
‫ي�ا طـي�ب مـبـتدأ من�ه ومختت� ِ‬
‫م(((‬

‫للبيهقي (‪.)164 :2‬‬


‫ّ‬ ‫(( ( «دالئل الن ّّبوة»‪،‬‬
‫(( ( من قصيدة البردة‪ ،‬لإلمام شرف الدين البوصيري‪ ،‬الفصل الرابع‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪50‬‬
‫فسقطت في ليلة الوالدة الشريفة شرافات بيت‬
‫ِ‬
‫كسرى‪ ،‬وغاضت بحيرة ساوى‪ ،‬و ُأ ْطف َئ ْت ُ‬
‫نار المجوس‪،‬‬
‫والكواكب نزلت‪.‬‬

‫وفي الحديث‪« :‬إني عبد‪ ‬اهلل وخاتم النبيين وأبي‬


‫منجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك‪ ،‬أنا دعوة أبي‬
‫إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أ ّمي آمنة التي رأت وكذلك‬
‫أمهات النبيين يرين‪ ،‬وأن أم رسول‪ ‬اهلل ﷺ رأت حين‬
‫وضعته له نور ًا أضاءت لها قصور الشام»(((‪.‬‬

‫وحضرت الوالدة ثويبة جارية أبو لهب‪ ،‬وأم عثمان‬


‫بن أبي العاص وتخبرنا أم عثمان بقصة عجيبة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫«شهدت والدة آمنة برسول‪ ‬اهلل ﷺ وكان لي ً‬
‫ال فما شيء‬
‫أنظر إليه من البيت إلاّ ٌ‬
‫نور وإنّني أنظر إلى النّجوم تدنو‬
‫علي»(((‪.‬‬
‫وإنّي أقول لتقع ّن ّ‬

‫((( «المستدرك على الصحيحين» (‪.)3566‬‬


‫((( «أعالم النبوة» (‪.)240:1‬‬
‫‪51‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وكانت ّ‬
‫الشياطين والج ّن والمردة من قبل والدة‬
‫السمع‬
‫والسالم يسترقون ّ‬
‫ّ‬ ‫الصالة‬
‫محمد عليه ّ‬
‫ّ‬ ‫س ّيدنا‬
‫فيحصلوا األخبـار ﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ * ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [الجن‪.]9-8 :‬‬

‫فالسماء كانت محروسة لكن مع الوالدة الشريفة‬


‫ّ‬
‫ملئت حراسـة وأصبح هناك تعزيز مالئكي مـع ليلـة‬
‫الوالدة‪ ،‬و ُمنعت الشياطين والج ّن بعد ذلك من استراق‬
‫السمع‪.‬‬

‫حسان بن ثابت‪ ،‬أنه قال‪ :‬واهلل إني‬


‫وفي اآلثار عن ّ‬
‫لغالم يفعة ابن ثمان سنين‪ ،‬أو سبع‪ ،‬أعقل ما سمعت‪ ،‬إذ‬
‫سمعت يهودي ًا يصرخ على ُأ ُط ِم يثرب‪ :‬يا معشر اليهود‪،‬‬
‫حتى اجتمعوا إليه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ويلك ما َلك؟ قال‪« :‬طلع‬
‫نجم أحمد الذي ُولِدَ به»(((‪.‬‬
‫ا ّلليلة ُ‬

‫األصبهاني (‪.)35( )75 :1‬‬


‫ّ‬ ‫((( «دالئل الن ّّبوة»‪ ،‬ألبي نعيم‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪52‬‬
‫المعجزات (أثناء حياته ّ‬
‫الشريفة ﷺ) وتنقسم إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬ما ظهر في ذاته ّ‬
‫الشريفة‪.‬‬
‫‪ -2‬ما هو خارج عن ذاته ّ‬
‫الشريفة‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬

‫ومعنوي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قرآني‬
‫ّ‬ ‫‪-1‬‬

‫ّورسي في كتابه «المعجزات األحمد ّية»‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشيخ الن‬
‫قال‪ّ :‬‬
‫إن القرآن جاء يخاطب أربعين طبقة من عقول‬
‫النّاس وروحانياتهم ونفس ّياتهم‪ ،‬فيقرأه الوزير والغفير‪،‬‬
‫والذكر واألنثى والعرب والعجم‪.‬‬

‫والعقول مراتب في القرآن فهناك أولي األلباب‬


‫وأولي النُّهى وذوي الحجر ﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾‬
‫[الفجر‪ ،]5 :‬وأستاذي ّ‬
‫الشيخ عمر صب لبن رحمه‪ ‬اهلل قال‬
‫لي ذات يوم‪ :‬أن ِ‬
‫الح ْجر هو أعلى مرتبة للعقل‪ .‬فحكماء‬
‫العالم من الممكن أن نسميهم ذوي ِ‬
‫الح ْجر‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪53‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والنفوس كذلك سبع مراتب(((‪:‬‬


‫حال اإلنسان فيها‬ ‫لونها‬ ‫مقامها‬ ‫دليلها‬ ‫مرتبة النفس‬ ‫الرقم‬

‫﴿ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫تابع ًا لهواه تابع ًا لنفسه‬ ‫أسود‬ ‫األغيار‬ ‫األمارة بالسوء‬ ‫‪1‬‬
‫ﭙ ﴾ [يوسف‪.]53 :‬‬

‫[القيامة‪:‬‬ ‫﴿ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‬


‫أزرق‬ ‫األنوار‬ ‫ال َّلوامة‬ ‫‪2‬‬
‫‪.]2‬‬

‫يالحظ فيها المربـون المريدَ كما تالحظ‬ ‫﴿ﭬ ﭭ ﭮ﴾ ّ‬


‫[الشمس‪:‬‬
‫أحمر‬ ‫األسرار‬ ‫الم ْل َهمة‬
‫ُ‬ ‫‪3‬‬
‫األم أطفالها‪ ،‬وهذه من أخطر النفوس عند‬ ‫‪.]8‬‬

‫((( ذكر الشيخ عبيد الفواعرة شيخ ال ّطريقة القادر ّية في محافظة المفرق شرق األردن مراتب النفس وألوانها ومقاماتها‬
‫وحال أصحابها في رسالة كتبها في السلوك في ص‪ ،43-42‬ومن أراد االستزادة فدونه كتاب «مراتب النّفس»‬
‫للشيخ عبد الخالق الشبراوي الخلوتي‪ ،‬وكتاب «تحفة اإلخوان في آداب ال ّطريق» ّ‬
‫للشيخ أحمد الدّ ردير‪ ،‬وكتاب‬
‫الجيالني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫«الغنية» للشيخ عبد القادر‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪54‬‬
‫حال اإلنسان فيها‬ ‫لونها‬ ‫مقامها‬ ‫دليلها‬ ‫مرتبة النفس‬ ‫الرقم‬

‫اإلنسـان وهي مرحلة برزخية وتحتاج‬


‫مرب يدفعه إلى ما بعدها‪.‬‬
‫إلى شيخ ٍّ‬
‫من أجل كونك في البداية أحوالً‬
‫ال بـد مـن شـيـخ يـقـودك ّأوالً‬
‫وال بـد مـن شـيخ تسـير بسـيره‬
‫إلى اهلل مـن أهل النفـوس الزكية‬

‫ينتقل فيها املريد من التلوين إىل التمكني‪.‬‬ ‫أصفر‬ ‫الكمال‪ ،‬فالنفس‬ ‫﴿ﭡﭢﭣ﴾‬ ‫المطمئنة‬ ‫‪4‬‬
‫بلون القمر‬ ‫في هذه المرتبة‬ ‫[الفجر‪]27 :‬‬
‫تكون في أول‬
‫مراتب الكمال‬
‫يعـيش صاحبها بتمام الرضا والشـكر‬ ‫﴿ﭡﭢﭣ﴾‬
‫أبيض‬ ‫الوصال‬ ‫الراضية‬ ‫‪5‬‬
‫واألنس باهلل والصفاء‪.‬‬ ‫[الفجر‪]27 :‬‬

‫ال يرى صاحبها صدور األفعال إال من اهلل‪.‬‬ ‫أخضر‬ ‫تجليات األفعال‬ ‫﴿ﭩ﴾ [الفجر‪]28 :‬‬ ‫المرضية‬ ‫‪6‬‬
‫‪55‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حال اإلنسان فيها‬ ‫لونها‬ ‫مقامها‬ ‫دليلها‬ ‫مرتبة النفس‬ ‫الرقم‬

‫صاحبها يبقى باهلل‬ ‫تجليات األسماء‬ ‫قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫الكاملة‬ ‫‪7‬‬
‫والصفات‬ ‫«كمل من الرجال كثير‪،‬‬
‫ولـم يكمل مـن النسـاء‪:‬‬
‫إال آسـية امـرأة فرعون‪،‬‬
‫ومريم بنت عمران‪ّ ،‬‬
‫وإن‬
‫فضل عائشـة على النساء‬
‫كفضل الثريد على سائر‬
‫((‬ ‫(‬ ‫الطعام»(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫البخاري» (‪ ،)3411‬وتكملته من ذكر األسمـاء رواه ابن عساكر في «األربعين‬


‫ّ‬ ‫((( أصل الحديث في «صحيح‬
‫في مناقب أ ّمهات المؤمنين»‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪56‬‬
‫واألرواح كذلك منها الكثيف ومنها ال ّلطيف‪..‬‬
‫فالناس أنـواع والقرآن الكريم جـاء لكل هـذه‬
‫وكل يأخذ على قدره‪.‬‬‫الطبقات‪ٌّ ،‬‬

‫‪ -2‬مادي وكوني وجاء لسببين‪:‬‬


‫‪ -‬لتثبيت إيمان المؤمنين‪.‬‬
‫‪ -‬لكسر عناد الكافرين‪.‬‬
‫بعض العلماء إلى عشـرين قسم ًا‪ ،‬منها‬
‫وقسمها ُ‬
‫َّ‬
‫معجزاته في تكثير الطعام والمياه ونبعها من بين أصابعه‬
‫كما قال ساداتنا الشافعية‪:‬‬
‫وأفض�ل المي�اه م�اء ق�د نـبع‬
‫بـي�ن أصـاب�ع النب�ي المتـبع‬
‫يلي�ه مـ�اء زم�زم فالـكـوث�ر‬
‫فنيل مص�ر ثم باقي األنهـر(((‬

‫(( ( انظر‪« :‬حاشـية البجيرمي على الخطيب»‪ ،‬للبجيرمي الشـافعي‬


‫(‪.)76 :1‬‬
‫‪57‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وما كان من أخبار بئر َت ْفلة‪ ،‬الذي كان بئر ًا مالح ًا‪،‬‬
‫والسـالم فأصبح حلو ًا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصالة‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫فتفل فيه الن ّ‬
‫وما كان من تكثير الماء يوم الحديبية كما في «صحيح‬
‫البخاري» عن جابر بن عبد‪ ‬اهلل رضي‪ ‬اهلل عنهما‪ ،‬قـال‪:‬‬
‫ّ‬
‫عطش الناس يوم الحديبية والنبي ﷺ بين يديه ركوة‬
‫فتوضأ‪ ،‬فجهـش الناس نحوه‪ ،‬فقال‪« :‬ما لكم؟» قالوا‪:‬‬
‫ليس عندنا ماء نتوضأ وال نشـرب إال ما بين يديك‪،‬‬
‫فوضع يده في الركوة‪ ،‬فجعل الماء يثـور بين أصابعه‪،‬‬
‫كأمثال العيون‪ ،‬فشربنا وتوضأنا قلت‪ :‬كم كنتم؟ قال‪ :‬لو‬
‫كنا مائة ألف لكفانا‪ ،‬كنا خمس عشرة مائة»(((‪.‬‬
‫كم أبرأت ِ‬
‫وصب ًا باللمس راحته‬
‫وأطلقت أرب ًا من ربقة ال َّلم ِ‬
‫م(((‬

‫كذلك ما كان مـن معجزاته ﷺ مع الحيوانات‬


‫كالذئب والجمل والغزال وال ّطير‪.‬‬
‫ّ‬

‫((( صحيح البخاري (‪.)234 :4‬‬


‫(( ( من قصيدة الربدة‪ ،‬لإلمام رشف الدين البوصريي‪ ،‬الفصل اخلامس‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪58‬‬
‫وقال ابن عباس في تفسـيره آلية ﴿ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ﴾ [الفاتحة‪« :]1 :‬إن هلل ثمانية عشر ألف َعا َلم»(((‪،‬‬
‫والشيخ العالوي في كتابه «مفتاح ّ‬
‫الشـهود» أوصلها إلى‬ ‫ّ‬
‫أربعين ألف َعا َلم‪ ،‬وقال‪ ‬اهلل سبحانه وتعالى في كتابه‪:‬‬
‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [األنبياء‪ ،]107 :‬فالن ّ‬
‫ّبي‬
‫ﷺ رحمة ألربعين ألف َعا َلم‪.‬‬
‫والسالم في‬
‫الصالة ّ‬ ‫ّبي عليه ّ‬ ‫فالرعب َعا َلم‪ ،‬نصر الن ّ‬‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ب َمس َير َة َش ْه ٍر» ‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬
‫تبوك‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬نُص ْر ُت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬
‫(((‬

‫((( يذكر القرطبي في تفسيره (‪« :)138 :1‬وقال ابن عباس‪:‬‬


‫ال َعا َلمون الجن واإلنس‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬إن هلل عز‬
‫وجل ثمانية عشر ألف َعا َلم‪ ،‬الدنيا َعا َلم منها‪ .‬وقال أبو‬
‫سعيد الخدري‪ :‬إن هلل أربعين ألف َعا َلم‪ ،‬الدنيا من شرقها‬
‫إلى غربها َعا َلم واحد‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬ال َعا َلمون ثمانون ألف‬
‫َعا َلم‪ ،‬أربعون ألف َعا َلم في البر وأربعون ألف َعا َلم في‬
‫البحر‪ .‬وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال‪ :‬الجن‬
‫َعا َلم واإلنس َعا َلم وسوى ذلك لألرض أربع زوايا في كل‬
‫زاوية ألف وخمسمائة َعا َلم خلقهم لعبادته»‪.‬‬
‫البخاري» (‪.)91 :1‬‬
‫ّ‬ ‫((( «صحيح‬
‫‪59‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ِ‬
‫ـهر ًا أمامي وشـهر ًا خلفي»(((‪،‬‬
‫ب َش ْ‬ ‫رواية‪« :‬نُص ْر ُت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬
‫الم َذكَّر ومنها ُ‬
‫الم َؤنّث‪ ،‬جاء في‬ ‫والريح عالم ومن الريح ُ‬
‫«مسـند البزار» عن ابن عباس رضي‪ ‬اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬أتت‬
‫ريح الصبا؛ أي ريح الشـمال فقالت‪ :‬مري حتى ننصر‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ فقالت الشمال‪ :‬إن الحرة ال تسري بالليل‬
‫فكانت الريح التي نصر بها رسول‪ ‬اهلل ﷺ الصبا(((‪.‬‬

‫فأصاب‪ ‬اهلل سبحانه وتعالى ريح الشمال بالعقم‬


‫البخاري»‬
‫ّ‬ ‫ونصر حبيبه ﷺ بالصبا‪ ،‬وجاء في «صحيح‬
‫بالصبا و ُأ ْه ِلك ْ‬
‫َت عا ٌد بالدَّ ُب ِ‬
‫ور»(((‪،‬‬ ‫ت َّ‬ ‫أنّه ﷺ قال‪« :‬ن ُِص ْر ُ‬
‫والرياح‪ ،‬وذكر‪ ‬اهلل سبحانه‬
‫الريح ّ‬‫وفرق العلماء بين ّ‬
‫َّ‬
‫الرياح لواقح((( ﴿ﮈ ﮉ‬ ‫وتعالى في كتابـه أن ّ‬
‫ﮊ﴾ [الحجر‪ ،]22 :‬وأنها مبشرات ﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬

‫((( «المعجم الكبير» لل ّط ّ‬


‫براني‪.)6674( ،‬‬
‫((( انظر‪« :‬مسند البزار»‪.)39 :11( ،‬‬
‫البخاري» (‪.)40 :2‬‬
‫ّ‬ ‫((( «صحيح‬
‫ُدر ما ًء‪ ،‬تفسير ابن كثير‪.)٥٣٠ :٤( ،‬‬
‫حاب فت ُّ‬ ‫(( ( أي‪ :‬تُل ِّق ُح َّ‬
‫الس َ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪60‬‬
‫وأن هنالك ريح ًا صرصر ًا‬
‫ﮏ ﮐ﴾ [الروم‪ّ ،]46 :‬‬
‫عاتية ﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [الحاقة‪،]6 :‬‬
‫عالم تجنَّد ونصر وعرف رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪.‬‬
‫فالرياح ٌ‬
‫ّ‬
‫وعن عمر رضي‪ ‬اهلل عنه قال سـمعت رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ يقول‪« :‬إن‪ ‬اهلل عز وجل خلق ألف أمة ستمائة منها‬
‫في البحر‪ ،‬وأربعمائة في البر‪ ،‬فإن أول هالك هذه األمة‬
‫الجراد‪ ،‬فإذا هلك الجراد تتابعت األمم كنظام السلك»(((‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وكـل هـذه العوالم وهـذه المخلوقات تعرف‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪.‬‬
‫كل ُي َسـ ِّلم‬
‫وبحسـب القاعدة ا ّلتي ّقر ْرناها مرار ًا‪ٌّ :‬‬
‫بحسب استعداده‪ ،‬ويص ّلي بحسب استمداده‪.‬‬
‫نبوة‬
‫وغاية هذا العلم أن يقرر دراسة آية من آيات ّ‬
‫محمد‪ ،‬وعلم ًا من أعالم رسالته‪ ،‬ودلي ً‬
‫ال من أدلة‬ ‫س ّيدنا ّ‬
‫داللته على مواله‪.‬‬

‫(( ( «شعب اإليمان» (‪.)412 :12‬‬


‫‪61‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والسـالم)‬
‫ّ‬ ‫الصالة‬
‫الكرامات (بعد وفاتـه عليه ّ‬
‫وينقسم إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬ما أخبر عنه النبي ﷺ من حوادث ووقعت بعد‬
‫وفاته‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي‪ ‬اهلل عنه أن النبي ﷺ قـال‪:‬‬
‫«سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في‬
‫البحر؟» قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬يا رسول‪ ‬اهلل‪ ،‬قال‪« :‬ال تقوم الساعة‬
‫حتى يغزوها سبعون ألف ًا من بني إسحاق‪ ،‬فإذا جاءوها‬
‫نزلوا‪ ،‬فلم يقاتلوا بسالح ولم يرموا بسهم‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‬
‫إله إال‪ ‬اهلل واهلل أكبر‪ ،‬فيسقط أحد جانبيها ـ قال ثور‪ :‬ال‬
‫أعلمه إال قال ـ الذي في البحر‪ ،‬ثم يقولوا الثانية‪ :‬ال إله‬
‫إال‪ ‬اهلل واهلل أكبر‪ ،‬فيسقط جانبها اآلخر‪ ،‬ثم يقولوا الثالثة‪:‬‬
‫ال إله إال‪ ‬اهلل واهلل أكبر‪ ،‬فيفرج لهم‪ ،‬فيدخلوها فيغنموا‪،‬‬
‫فبينما هم يقتسمون المغانم‪ ،‬إذ جاءهم الصريخ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن الدجال قد خرج‪ ،‬فيتركون كل شيء ويرجعون»(((‪.‬‬

‫(( ( «صحيح مسلم» (‪.)2920‬‬


‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪62‬‬
‫وفي رواية‪« :‬فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس‪،‬‬
‫هو أكبر من ذلك‪ ،‬فجاءهم الصريخ‪ ،‬إن الدجال قد‬
‫خلفهم في ذراريهم‪ ،‬فيرفضون ما في أيديهم‪ ،‬ويقبلون‪،‬‬
‫فيبعثون عشرة فوارس طليعة‪ ،‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إني‬
‫ألعرف أسماءهم وأسماء آبائهم‪ ،‬وألوان خيولهم‪ ،‬هم‬
‫خير فوارس على ظهر األرض يومئذ ـ أو من خير فوارس‬
‫على ظهر األرض يومئذ ـ»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬الكرامات والتأييدات التي وقعت ألولياء األمة‬
‫المحمدية‪.‬‬
‫وغاية هذا العلم‪ ،‬علم الدالئل‪ ،‬أن نكون داللـ ًة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫ودالين على صدق نبوة الن ّ‬
‫وأبرز الكتب المؤلفة في علم الدّ الئل‪:‬‬
‫للبيهقي‪ ،‬و«المعجزات األحمد ّية»‬
‫ّ‬ ‫«دالئل الن ّّبوة»‬
‫لإلمام النّورسي‪ ،‬و«أعالم الن ّّبوة» لألصفهاني‪.‬‬

‫(( ( «صحيح مسلم» (‪.)2899‬‬


‫‪63‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -3‬علم الخصائص‪ :‬هو العلم الذي يبحث في‬


‫ّبي ﷺ التفضيلية والتشريعية في جميع‬
‫خصائص الن ّ‬
‫األطوار واألعمار‪.‬‬
‫والخصائص جمع ِخ ِّصيصة(((‪ ،‬وهو ما ينفرد بـه‬
‫المرء عن غيره‪.‬‬
‫ويقسم هذا العلم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -‬الخصائص التفضيلية (في ذاته ﷺ)‪:‬‬
‫فالنبي ﷺ يرى من خلفه كما يرى من أمامـه‪،‬‬
‫الضوء‪ ،‬وتنام عينه وال ينام‬
‫ويرى في العتمة كما يرى في ّ‬
‫قلبه ﷺ‪.‬‬
‫‪ -‬الخصائص التشريعية (في األحكام الشرعية التي‬
‫اختصه‪ ‬اهلل بها)‪:‬‬
‫ّ‬
‫ُأبيح للنبي ﷺ أن يتزوج فوق األربعة‪ ،‬ويف عام ‪7‬‬

‫((( الخصيصة‪ :‬الصفة التي تميز الشيء وتحدده‪ .‬انظر «المعجم‬


‫الوسيط»‪ ،‬باب (الخاء) (‪.)238 :1‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪64‬‬
‫حرم عليه أن يتزوج غير نسـائه‪ ،‬ولو ماتت‬
‫للهجرة ُ‬
‫واحدة أو ط َّلقها ال ّ‬
‫يحل له أن ُيبدِّ ل ﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾‬
‫[األحزاب‪ ،]52 :‬وبعدها بسنتين نزل قوله تعالى‪﴿ :‬ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [األحزاب‪ ،]51 :‬وكان‬
‫عنده ﷺ تسع نساء‪ ،‬أربعة تدور عليهن الليالي بزوجية‬
‫كاملة وخمسة في العصمة الشريفة لكن من دون مبيت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان‬ ‫ّبي ﷺ كان لـه‬
‫وكل زواج من زواجات الن ّ‬
‫ّبي ﷺ خطب ثالثين امرأة‪ ،‬منه ّن واحدة‬
‫ودالالت‪ ،‬والن ّ‬
‫وهبت نفسها‪ ،‬وإحدى عشـرة امرأة دخل بهن‪ ،‬وسبع‬
‫عقد عليه ّن ولم يدخل بهن‪ ،‬ومات من نسائه في حياته‬
‫اثنتان‪ ،‬وتوفي عن تسع‪ ،‬ولم يتزوج بكر ًا غير واحدة(((‪،‬‬
‫ومن زوجاته ال ّطويلة والقصيرة‪ ،‬ومنهن النّحيلة والمتينة‪،‬‬
‫ومنهن البيضاء والسمراء‪ ،‬ومنهن العربية وغير العربية‬

‫(( ( «إمتاع األسماع»‪ ،‬المقريزي‪.)24 :6( ،‬‬


‫‪65‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والحرة واأل َمة والمطلقة واألرملة‬


‫ّ‬ ‫والكتابية والمسلمة‬
‫وا ّلتي تلد وا ّلتي ال تلد‪ ،‬ومنهن الذكية ومنهن العادية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وكل زواج سيحصل في األمة فإن له نظير ًا في زواجات‬
‫الصحابة نقلوا‬
‫الرجال من ّ‬
‫أن ّ‬‫ّبي لنقتدي به ﷺ‪ ،‬وكما ّ‬
‫الن ّ‬
‫لنا نهاره ّ‬
‫فإن النّساء أ ّمهات المؤمنين نقلوا لنا ليله ﷺ‪.‬‬

‫ومن خصائصه ﷺ المكث في المسـجد جنُب ًا‪،‬‬


‫الصالة بعد استيقاظه من نومه‬
‫وكذلك المباشرة إلى ّ‬
‫السيوطي جلس أكثر من عشرين‬
‫دون وضوء‪ ،‬واإلمام ّ‬
‫ّبي ﷺ فجمع ‪1000‬‬
‫سنة وهو يؤلف في خصائص الن ّ‬
‫ّبي ﷺ(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خ ِّصيصة للن ّ‬
‫وأبرز الكتب المؤلفة في علم الخصائص‪:‬‬

‫للسـيوطـي‪ ،‬و«تهذيـب‬
‫«الخصائـص الكبرى» ّ‬
‫الخصائص النّبوية» ّ‬
‫للشـيخ عبد اهلل التّليدي‪ ،‬و«غاية‬

‫ّسائي»‪،‬‬
‫((( ذكر ذلك اإلمام السـيوطي في حاشيته على «سنن الن ّ‬
‫(‪.)210 :1‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪66‬‬
‫الم َل ِّقن‪.‬‬
‫الرسول» لإلمام ابن ُ‬
‫السول في خصائص ّ‬
‫ّ‬
‫وغاية هذا العلم‪ ،‬مالحظة الخصوصية في البشرية‬
‫والبشرية في الخصوصية‪ ،‬وكما قال بعض أهل العلم‪:‬‬
‫محمد ًا رسول‪ ‬اهلل‪.‬‬
‫أن ّ‬‫ت ُِع ْين على تحقيق معنى شهادة ّ‬
‫‪ -4‬علم الفضائل‪ :‬هو العلم الذي يبحث يف املقاربات‬
‫السالم‪.‬‬
‫ّبي ﷺ وبني األنبياء عليهم ّ‬
‫واملقارنات بني الن ّ‬
‫ّبي ﷺ‬
‫وأساسه أنه ما من فضيلة حازها نبي إال والن ّ‬
‫َف َض َله وزاد عليه فيها‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬سيدنا موسى عليه السالم ُش َّق له البحر والن ّ‬


‫ّبي‬
‫ﷺ ُش َّق له القمر‪.‬‬
‫السالم يقول‪﴿ :‬ﯗ ﯘ‬
‫‪ -2‬سيدنا موسى عليه ّ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [طه‪ ،]251 :‬واهلل يقول لنبيه‪﴿ :‬ﮥ ﮦ‬
‫[الشرح‪.]1 :‬‬
‫ﮧ ﮨ﴾ ّ‬

‫السالم يقول‪﴿ :‬ﮫ‬


‫‪ -3‬سيدنا موسى عليه ّ‬
‫‪67‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [طه‪ ]84 :‬واهلل يقول لنب ّيه‪﴿ :‬ﮄ‬


‫[الضحى‪.]5 :‬‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ﴾ ّ‬

‫ّبهاني‪:‬‬ ‫وقال ّ‬
‫الشيخ يوسف الن ّ‬
‫نع�ل محم ٍ‬
‫�د‬ ‫عل�ى رأس ه�ذا الك�ون ُ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ظالله‬ ‫َع َل ْ‬
‫�ت‪ ،‬فجمي�ع الخل�ق تح�ت‬
‫لدى ال ّطور نودي موسى اخلع‪ ،‬وأحمد‬
‫ِ‬
‫نعاله‬ ‫ل�دى الع�رش ل�م ُي ْؤم�ر بخل�ع‬
‫إشارة إلى قول‪ ‬اهلل تعالى لسيدنا موسى‪﴿ :‬ﯮ‬
‫ّبي ﷺ اخترق سـبع سـماوات‬
‫ﯯ﴾ [طه‪ ،]12 :‬والن ّ‬
‫بخ ْلع نِعاله‪.‬‬
‫ولم ُي ْؤ َمر َ‬

‫‪ -4‬س ّيدنا إبراهيم يقـول‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧﭨ﴾‬


‫[الشعراء‪ ،]87 :‬واهللُ تأ َّذن لنب ّيه فقال‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ّ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [التّحريم‪.]8 :‬‬
‫وأبرز الكتب المؤلفة في علم الفضائل‪:‬‬
‫للس ّيد‬
‫«األحاديث المنتقاة في فضائل رسول‪ ‬اهلل» ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪68‬‬
‫ّبي‬
‫الغماري‪ ،‬و«جواهر البحار في فضائـل الن ّ‬
‫ّ‬ ‫عبد اهلل‬
‫المختار» ّ‬
‫للشيخ يوسف النّبهاني‪.‬‬
‫جمعـت في هذا العلم رسـال ًة بعنوان‪:‬‬
‫ُ‬ ‫والفقير‬
‫(الفضائل األحمدية والفواضل المحمد ّية)‪.‬‬
‫السيرة(((‪ :‬هـو العلم الذي يبحث في‬
‫‪ -5‬علم ّ‬
‫ّبي‬
‫األيام والليالي والحوادث والمواقف التي عاشها الن ّ‬
‫نيوي من الوالدة إلى الوفاة‪.‬‬
‫ﷺ في عمره الدّ ّ‬
‫السيرة يتك ّلم عن الثالث وستين سنة القمرية‬
‫فعلم ّ‬
‫ّبي ﷺ على ظهر األرض‬ ‫الهجرية ِ‬
‫الهالل ّية التي عاشها الن ّ‬
‫والتي أقسـم‪ ‬اهللُ بها في القرآن ﴿ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ﴾ [الحجر‪.]72 :‬‬

‫((( أكرمني‪ ‬اهلل في خواتيم عام ‪1436‬هـ بتسجيل ‪ 15‬حلقة‬


‫على التلفزيون الرسمي األردني بعنوان (وهذا النبي)‪،‬‬
‫ملخصة ألخبار السيرة من الوالدة وحتى الوفاة‪ ،‬وفي العام‬
‫‪1437‬هـ بدأت بسلسة خطب منبرية في الجمعة في السيرة‬
‫المشرفة وصلنا فيها إلى خبر المعراج‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فكل يوم ّ‬
‫وكل ليلة من ليالي هذا العمر ُم ْق َس ٌم به‪..‬‬ ‫ّ‬

‫الصالة‬
‫ّبي عليـه ّ‬
‫السـيرة حياة الن ّ‬
‫ويتنـاول علم ّ‬
‫الس ّيدة آمنة‪ ،‬وما‬
‫والسالم من ليلة الوالدة وما حصل مع ّ‬
‫ّ‬
‫الرضاعة والكفالة والتنشئة في بادية بني‬
‫كان بعدها من ّ‬
‫سـعد وكيف كانت طفولته ﷺ‪ ،‬وأين كان يقضي أيامه‬
‫وقصة زواجاته وتجارته والمعاهدة التي دخل بها في‬
‫ِ‬
‫ح ْلف الفضول‪ّ ،‬‬
‫والصحابة الذين أسـلموا‪ ،‬والحصار في‬
‫ِّ‬
‫الشعب‪ ،‬والهجرة إلى الحبشة‪ ،‬وعام الحزن‪ ،‬والخروج‬
‫إلى الطائف‪ ،‬واإلسـراء والمعراج‪ ،‬وبيعة العقبة األولى‬
‫والثانيـة‪ ،‬والهجرة إلى المدينة‪ ،‬والموادعة والمؤاخاة‪،‬‬
‫السوق‪ ،‬وما كان‬
‫وبناء المسجد‪ ،‬وتوزيع البيوت‪ ،‬وتنظيم ّ‬
‫من الغزوات وهي ‪ 27‬غزوة و‪ 47‬سرية‪ ،‬وتهيئة المدينة‬
‫إلقامة حكومة النبوة ودولة الرسالة‪ ،‬ومراسلة ‪ 14‬حاكم‬
‫وملك‪ ،‬وما كان من استقبال ‪ 70‬وفد ًا‪ ،‬حتى جاءت حجة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫الصالة ّ‬
‫ّبي عليه ّ‬
‫الوداع ووفاة الن ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪70‬‬

‫مؤلفو السيرة‪:‬‬
‫السيرة النّبو ّية هو عروة بن‬ ‫‪ّ -1‬أول من أ َّل َ‬
‫ف في ّ‬
‫الزبير في عام ‪92‬هـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫السيرة النّبو ّية هو أبان بن‬ ‫‪ -2‬ثاني من َأ َّل َ‬
‫ف في ّ‬
‫عثمان في عام ‪105‬هـ‪.‬‬
‫السيرة النّبو ّية هو وهب بن‬ ‫‪ -3‬ثالث من َأ َّل َ‬
‫ف في ّ‬
‫منبه في عام ‪110‬هـ‪.‬‬
‫السيرة النّبو ّية هو شرحبيل‬ ‫‪ -4‬رابع من َأ َّل َ‬
‫ف في ّ‬
‫ابن سعد في عام ‪123‬هـ‪.‬‬
‫‪ -5‬يليه ابن شهاب الزهري عام ‪124‬هـ‪.‬‬
‫‪ -6‬يليه عبد اهلل بن أبي بكر بن حزم عام ‪130‬هـ‪.‬‬
‫‪ -7‬يليه موسى ابن عقبة عام ‪141‬هـ‪.‬‬
‫‪ -8‬يليه معمر بن راشد عام ‪150‬هـ‪.‬‬
‫محمد بن إسـحاق وألف كتاب ًا في‬
‫ّ‬ ‫‪ -9‬ثم جاء‬
‫السيرة ّأول أيام العباسيين عام ‪152‬هـ‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -10‬وجاء بعده زياد البكائي والواقدي‪.‬‬


‫‪ -11‬وبعدهم ابن هشام وهذب سيرة ابن إسحاق‬
‫عام ‪218‬هـ‪.‬‬
‫ومر على هذا الكتاب بعد ابن هشام اإلمام‬
‫‪ّ -12‬‬
‫«الروض األنف» في عام ‪581‬هـ‪.‬‬
‫هيلي وشرحه في ّ‬
‫الس ّ‬‫ّ‬
‫‪ -13‬وجاء أبو ذر الخشني وهذب سيرة ابن هشام‬
‫عام ‪604‬هـ‪.‬‬
‫‪ -14‬وبدر الدين العيني عام ‪805‬هـ في كتاب‬
‫«كشف ا ّللثام في سيرة ابن هشام»‪.‬‬
‫‪ -15‬واختصرها برهان الدين الشافعي في كتاب‬
‫السيرة»‪.‬‬ ‫ّ‬
‫«الذخيرة في مختصر ّ‬
‫الواسـطي في «مختصر‬
‫ّ‬ ‫‪ -16‬وبعده أبـو العباس‬
‫سيرة ابن هشام»‪.‬‬
‫محمد الدميري عام ‪793‬هـ‬
‫‪ -17‬ونظمها اإلمام ّ‬
‫في كتاب «الفتح القريب في سيرة الحبيب»‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪72‬‬
‫للمؤرخ المح ّقق‬
‫ّ‬ ‫و«تهذيب سـيرة ابن هشـام»‬
‫السـالم هارون هـو مـن أجود وألطف التّهذيبات‬
‫عبد ّ‬
‫لسيرة ابن هشام‪.‬‬

‫للعامري‪ ،‬وسيرة‬
‫ّ‬ ‫وهناك كتاب «بهجة المحافل»‬
‫«س ُبـل الهدى‬
‫أحمد زيني دحالن‪ ،‬والسيرة الشامية ُ‬
‫لمحمد بن يوسف الصالحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والرشاد»‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪73‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -1‬األربعين في مناقب أ ّمهات المؤمنين‪ ،‬البن عساكر‪.‬‬

‫‪ -2‬أعالم النبوة‪ ،‬للماوردي‪.‬‬

‫‪ -3‬إمتاع األسماع‪ ،‬للمقريزي‪.‬‬

‫‪ -4‬البداية والنهاية‪ ،‬البن كثير‪.‬‬

‫‪ -5‬بهجة المحافل وبغية األماثل في تلخيص المعجزات والسير‬


‫والشمائل‪ ،‬للعامري‪.‬‬

‫‪ -6‬تاج العروس‪ ،‬للزبيدي‪.‬‬

‫‪ -7‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪ -8‬تفسير القرطبي‪.‬‬

‫‪ -9‬حاشية البجيرمي على الخطيب‪ ،‬للبجيرمي‪.‬‬


‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪74‬‬
‫‪ -10‬حاشية السندي على سنن النسائي‪ ،‬للسيوطي‪.‬‬

‫‪ -11‬الخصائص الكبرى‪ ،‬للسيوطي‪.‬‬

‫‪ -12‬دالئل النبوة‪ ،‬ألبي نعيم األصبهاني‪.‬‬

‫‪ -13‬دالئل النبوة‪ ،‬للبيهقي‪.‬‬

‫‪ -14‬رسالة في السلوك‪ ،‬للشيخ عبيد الفواعرة‪.‬‬

‫‪ -15‬سنن الترمذي‪.‬‬

‫‪ -16‬السنن الكبرى‪ ،‬للبيهقي‪.‬‬

‫والسالم بين تصوير الوحي‬ ‫‪ -17‬شخصية رسول‪ ‬اهلل عليه ّ‬


‫الصالة ّ‬
‫وتصورات الدّ ارسين‪ ،‬د‪ .‬سعيد مغناوي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -18‬شعب اإليمان‪ ،‬ألبي بكر البيهقي‪.‬‬

‫المحمدية‪ ،‬للترمذي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -19‬الشمائل‬

‫‪ -20‬صحيح البخاري‪.‬‬

‫‪ -21‬صحيح مسلم‪.‬‬

‫‪ -22‬عون المعبود شرح سنن أبي داود‪ ،‬لمحمد أشرف بن أمير‬


‫ابن علي بن حيدر‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -23‬الفتن‪ ،‬لنعيم بن حماد‪.‬‬

‫‪ -24‬قصيدة البردة‪ ،‬لإلمام شرف الدين البوصيري‪.‬‬

‫‪ -25‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬لحاجي خليفة‪.‬‬

‫‪ -26‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.‬‬

‫‪ -27‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬للحاكم النيسابوري‪.‬‬

‫‪ -28‬مسند اإلمام أحمد‪.‬‬

‫‪ -29‬مسند البزار = البحر الزخار‪ ،‬للبزار‪.‬‬

‫‪ -30‬المعجم األوسط‪ ،‬للطبراني‪.‬‬

‫‪ -31‬المعجم الكبير‪ ،‬للطبراني‪.‬‬

‫‪ -32‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪77‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فهرس المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫مقدمة الطبعة الثانية ‪5..........................................‬‬
‫مقدمة الطبعة األولى ‪7.........................................‬‬
‫عناوين الوجود اإلنساني ‪15....................................‬‬
‫إرث النبوة ‪19..................................................‬‬
‫المحمدية ‪29....................................‬‬
‫ّ‬ ‫معادلة الوراثة‬
‫العلوم النبوية (تأصيل‪ ..‬تفصيل‪ ..‬توصيل) ‪35..................‬‬
‫مصطلح العلوم النبوية ‪38......................................‬‬
‫علم الشمائل‪40................................................‬‬
‫علم الدالئل‪46.................................................‬‬
‫علم الخصائص ‪63.............................................‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪78‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫علم الفضائل‪66................................................‬‬
‫علم السيرة‪68..................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪73.........................................‬‬
‫فهرس المحتويات ‪77..........................................‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

You might also like