Professional Documents
Culture Documents
لجنة المناقشة
الدكتور هشام الزربوح ........................................رئيسا ومشرفا
السنة 1الجامعية
الحمد هلل وحده ال شريك له على فضله وتوفيقه في انجاز هذا العمل
المتواضع بقول النبي محمد صلى هللا عليه وسلم " ال يشكر هللا من ال
يشكر الناس " فاني أتقدم بخالص شكري:
الى أستاذي الفاضل األستاذ والدكتور هشام الزربوح الذي أشرف
على هذا العمل ولم يبخل علي بجهد أو وقت خالل انجازه.
كما أتقدم بخالص الشكر لعميد كلية سيدي محمد بن عبد هللا األستاذ
محمد بوزالفة.
الى األساتذة المحترمين أعضاء لجنة المناقشة الدكتور حسن الرحيية
والدكتور هشام اسواني الذين تفضلوا بقبول مناقشة هذه الرسالة وما
تكبدوه من عناء في هذه الجائحة لتزويدي بمعلوماتهم وأفكارهم
وخبراتهم.
الى كل أفراد أسرتي وزوجي وأصدقائي وزمالئي الذين ساعدوني
وازروني ولم يبخلوا على بالدعاء إلنجاز هذا العمل المتواضع.
2
الئحة المختصرات
ق.ج :القانون الجنائي
ط :الطبعة
ص :الصفحة
م :المادة.
ع :عدد
ج :جزء
3
4
إن النهضة العالمية والتحوالت االقتصادية التي يشهدها العالم اليوم أثرت كثيرا في
المجتمعات ،إذ اعتبر مناخ المال واألعمال والتجارة المحرك والركيزة األساسية في أي بلد ،غير
أن ظاهرة عولمة التجارة واالقتصاد وتركيز األموال أفرزت تحديات كبرى ،لم تجعل جرائم
األعمال المالية والتجارية تتجاوز نطاق الدولة بل أصبحت عابرة للقارات بفعل كثير من المتغيرات
في النظام االقتصادي العالمي.1
وال شك أن عولمة االقتصاد ،واتساع نطاقه الحر والتطور التكنولوجي والعلمي المتزايد
والمتسارع ،ساهمت ال محالة في توفير مزايا عدة ورفاهية للبشرية إذ تمكن من خاللها مشاركة
األفراد كفاعلين في بناء الحياة االقتصادية ولم تتح هذه المزايا فقط للناس الشرفاء ،بل استغلها غير
األسوياء من المخالفين والمجرمين ،وارتقت إلى مرتبة األعمال االجرامية الممهدة حتما لوظائف
النشاط التجاري واالقتصادي.2
قد تفاوتت المساعي االنسانية في مختلف المراحل حول البحث عن وسائل اثبات الجريمة
ونسبتها إلى فاعلها وتبعا لذلك تنوعت مراحل ظهور نظم االثبات فمن مرحلة نظام األدلة القانونية
ثم مرحلة نظام االثبات الحر إلى نظام جديد وهو نظام األدلة العلمية ،حيث أصبح االثبات في
المسائل الجنائية ال يعتمد على الوسائل التقليدية فقط وإنما أصبح يعتمد على الوسائل العلمية الحديثة.
فمهما كان الجاني ذكيا ،ومهما كانت الوسائل التي يستعملها في جرمه فانه يمكن الوصول
إليه وكشفه من خالل االثار التي يتركها في مسرح الجريمة ،3حيث أصبح من السهل التحري على
الجناة والمشتبه فيهم لضبط تحركاتهم ومراقبة نشاطهم االجرامي وذلك عن طريق وسائل حديثة
كالتقاط الصور والتسجيل ...وغيرها.
5
اإلطار المفاهيمي للموضوع
فبالنسبة للناحية اللغوية فهو الدليل أو البرهان أو البينة أو الحجة ،ويسمى الدليل ثبتا ،أي يؤدي إلى
استقرار الحق لصاحبه بعد أن كان مخلخال بين المتداعين ،فيقال ال حكم بكذا إال بإثباته ،أي إال بحجة ثبت
الشيء المدعى به ،وإن تأكد الحق بالبينة ،يسمى إثبات ،ولفظ ثبت تطلق مجازا على من كان حجة ،أي
ثقة في روايته.4
أما من الناحية االصطالحية ،فال يختلف بين أحكام القانون المدني والجنائي ،وقد عرفه الفقه،5
الفرنسي بأنه ''ما يقنع الفكر بحقيقة ما'' ،كما أورده األستاذ ديدي توماس في مقال بعنوان ''التحوالت في
تقديم الدليل الجنائي'' ،مضيفا بأن االثبات يشكل أساس كل دعوى وهو شرط لتسيير النظام القضائي.
أما االثبات في المواد الجنائية المغربية فيعرف بأنه ''إقامة الدليل على وقوع الجرم ونسبته لشخص
معين فاعال كان أم شريكا ، ''6ويعرف أيضا بأنه ''إقامة الدليل لدى السلطة المختصة باإلجراءات الجنائية
على حقيقة قيام الجريمة أو عدم قيامها ،وبالطرق المشروعة قانونا ،وبيان حقيقة نسبتها إلى المتهم
وشركائه ،''7ويعرف االثبات الجنائي أيضا ''كل ما يتخذ من قبل سلطات العدالة في مجال التحقيق والحكم،
من إجراءات لكشف الغموض وإظهار الحقيقة ،في ظل ضمانات الحريات ،وحماية الحياة الخاصة ومراعاة
قرينة البراءة وحقوق االنسان".
وتجدر االشارة إلى أنه ال يوجد في التشريع المغربي وال في التشريع الفرنسي ،قانون متعلق باإلثبات
وذلك على عكس التشريع االنجليزي والسوداني ،اللذان يتوفران على قانون خاص باإلثبات بصفة عامة،
واإلثبات الجنائي بصفة خاصة .وهكذا فقد تم تنظيم وسائل االثبات الجنائي في قانون المسطرة الجنائية
الجديد رقم ، 22.01في الفرع األول من الباب األول م ن القسم الثالث من الكتاب الثاني وذلك من المادة
286إلى ، 296لكن مع التطورات التي شهدتها المجتمعات ،خاصة على مستوى ارتكاب الجرائم األمر
4معجم اللغة العربية ،المعجم الوسيط ،مصر ،الجزء األول ،الطبعة ،3لسنة ،1985ص .9
5الحسن الطيب عبد السالم األسمر الحضري" :اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية الحديثة ،دراسة مقارنة بين القانون
الجنائي الليبي والفقه المعاصر" ،رسالة لنيل شهادة الماستر ،جامعة مالك إبراهيم االسالمية الحكومية مالنج ،قسم الشريعة
والقانون ،رقم التسجيل 14751014فبراير ،2016مرجع رقمي ،PDFص .16
للتحميل الكتاب على الموقع التاليhttps://core.ac.uk/download/pdf/153144627.pdf :
6جمال نجيمي" :إثبات الجريمة في ضوء االجتهاد القضائي" ،دار هومة الجزائر ،لسنة ،2011طبعة ،2001ص .21
7نصر الدين مروك" :محاضرات في االثبات الجنائي" ،الجزء األول" ،النظرية العامة في االثبات" ،الجزائر ،دار هومة
للطباعة والنشر ،مكتبة نور ،ص .197
6
الذي دفع المشرع المغربي إلى إصدار مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية تقضي بتعديل وتتميم قانون
المسطرة الجنائية الحالي والتي جاءت ببعض المستجدات فيما يتعلق بوسائل االثبات الجنائي.
الوسائل قد جاء ذكر الوسيلة في الكتب العربية كثيرا كلها تنصب على مفهوم الذريعة فقد جاء على
لسان العرب أن الوسيلة هي المنزلة عند الملك.8
فقد عرفها الفقهاء في تعقيداتهم كما ورد في القاعدة المعروفة (الوسائل لها حكم المقاصد) كذلك
عرفها شراح األنظمة والقانونين على حد سواء ان هذه المفردة على قدمها لكن بتطور الوقت أخدت مفهوما
اخر يتعلق باآلليات واألساليب المعاصرة ويمكن أن تلخص ما يلي:
الوسيلة لغة هي كل ما يتوصل به ويقترب به الى أمر اخر بغض النظر عن المتقرب اليه.
أما اصطالحا فهو كل فعل ال يقصد لذاته ولكن يقصد للتوصل به الى فعل اخر أو لتحصيل فعل
اخر سواء كان هذا الفعل مصلحة أو مفسدة وسواء كان مشروعا أو ممنوعا.9
الحديثة هو ذلك التطور الذي يحصل في أمر معين .بما أن األساليب والوسائل العلمية تطورت
وتعددت والتي بات يلجأ إليها في مجال البحث عن الدليل الجنائي ،وذلك نتيجة لتطور فكر االجرام
والمجرم ،فهو قبل إقدامه على نشاطه اإلجرامي ،عليه التفكير في أسلوب ال يترك آثارا تدل على الفعل
المرتكب.
لذلك حاولت أجهزة البحث والتحقيق ،االستعانة بالوسائل العلمية الحديثة في اإلثبات الجنائي ،وهذا
من اجل تفكيك الخيوط المتشابكة للواقعة اإلجرامية.
الجريمة هي مصطلح مأخوذ من الجرم أي الذنب ،يقال أجرم ،اجترم ،في قول الحق ،وال يجرمنكم
شنآن قوم ويقال تجرم عليه ،أي ادعى عليه ذنبا لم يفعله ،وقد ورد لها ذكر في القرآن الكريم في عدد من
8أبو الفضل جمال الدين بن محمد ابن منظور" :لسان العرب" ،لبنان ،دار صادر بيروت ،الطبعة الثالثة ،لسنة 1994م،
ص .254
9وائل بن عبد الرحمن الثنيان و ناصر الجوفان (مشرف)" :وسائل التحقيق المستحدثة واثرها في االثبات الجنائي في
مرحلتي االستدالل والتحقيق االبتدائي- ،دراسة مقارنة ،"-الرياض ،رسالة ماجستير ،جامعة االمام محمد بن سعود
االسالمية ،المملكة العربية السعودية ،مكتبة المعهد العالي للقضاء ،لسنة 1424ه ،مرجع رقمي ،PDFص .40
7
اآليات نورد منها قوله جل وتعالى( :قل سيروا في األرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) .وقوله
تعالى (فمن أظلم ممن افترى على هللا كذبا أو كذب بآياته إنه ال يفلح المجرمون).
أما اصطالحا وبتعريف أكثر دقة فإن الجريمة "كل سلوك إنساني غير مشروع إيجابيا كان أم سلبيا
عمديا كان أم غير عمدي يرتب له القانون جزاء جنائيا" ،وعلى هذا األساس فإن التعريف للجريمة
بعموميتها في الفقه الشرعي اإلسالمي يتفق مع التعريف في فقه القانون الوضعي ،وليس ثمة اختالف يذكر
إال في كلمة أو عبارة من العبارات المترادفة نظرا لغزارة اللغة العربية ،ولذا يحرص الباحثون والدارسون
على تقريب وجهات النظر.
كل فعل أو امتناع يتضمن ضررا عاما للمجتمع ويستوجب المسؤولية ،10وحسب األستاذ جيالني
بغدادي " هي كل فعل أو امتناع عن فعل يعاقب عليه القانون جزائيا سواء كان هذا الفعل أو االمتناع
مخالفة أو جنحة أو جناية ".11
جرائم األعمال هي كل خرق للقوانين والنصوص الصادرة عن مختلف الهياكل والتي لها دور
بشكل مباشر أو غير مباشر في السياسة االقتصادية للدولة.
وتضم تسمية جرائم األعمال تحت لوائها مجموعة من األفعال والنشاطات ،وهي ليست من النمط
ذاته ،فمنها ما يتشكل من جرائم تصنف طبقا للقواعد العامة ضمن جرائم المال ،ومنها ما يتشكل من جرائم
ماسة باألخالق والشرف ،وأخرى تتجاوز معالم الجرائم البسيطة لتتشكل من مجموع جرائم تتركب منها
أفعال مجرمة قد يمتد أثرها إلى خارج حدود الدولة الواحدة.12
فجرائم األعمال ترتبط بالعديد من المجاالت االقتصادية والمالية ،وهي أنواع مختلفة :جرائم
الشركات وجرائم النقود والصرف والجرائم الضريبية والجمركية وجرائم السوق المالية وغسل األموال
وجرائم الملكية الصناعية ...الى غير ذلك.
10انوار احمد الغزي" :جريمة التهريب الجمركي (دراسة مقارنة)" ،طبعة أولى ،دار الكتاب الجامعي للنشر والتوزيع
بالرياض 1438ه2017 ،م ،ص .39
11بدوي أحمد زكي" :معجم المصطلحات القانونية" ،في دار الكتاب المصري ،القاهرة ،سنة 1989م ،ص .131
12جيالني بغدادي" :االجتهاد القضائي في المواد الجزائية" ،الجزء األول ،المؤسسة الوطنية لالتصال والنشر ،الجزائر،
سنة ،1996ص .296
8
نظرا لتعدد القوانين الخاصة بكل مجال من المجاالت االقتصادية والمالية فإن هناك اختالف بين
الفقهاء والمهتمين بهذا الموضوع بخصوص تسميتها فليس لهذه القوانين اسم واحد ،فهناك من يسميها
بالقوانين الزجرية المالية ،وهناك من يسميها بالقوانين االقتصادية الزجرية أو قانون المعامالت المالية
واالقتصادية ،أو القوانين المتخصصة ،وهناك من أطلق عليها القانون الجنائي لألعمال وهي التسمية
األقرب إلى الصواب ألنها تجمع وتشمل كل ميادين ومجاالت التجارة والمال واالقتصاد.
فالقانون الجنائي يهتم بالحياة االقتصادية والذي يستهدف توفير الحماية الجنائية لألفراد ضد أي شكل
من أشكال االنحراف أو اإلساءة .لقد بدأ هذا الفرع يمثل أرضا خصبة للجدل والنقاش بين الفقهاء والباحثين،
خاصة الفقه الفرنسي في السنوات العشر األخيرة ،حين بدأت وسائل اإلعالم المختلفة تسلط األضواء على
العديد من رجال األعمال والوزراء الذين انحرفوا بسلطتهم وجاههم وساهموا في تبديد رؤوس أموال العديد
من الشركات الفرنسية .هذا االنحراف الذي يمثل صداعا مزمنا للحكومات الفرنسية المتعاقبة ،مما جعلها
تتقدم بالعديد من مشروعات القوانين لتقوية قبضة القانون الجنائي في هذا المجال.
حتى في حال االتفاق على تسمية هذه القوانين المرتبطة بالمجاالت االقتصادية بالقانون الجنائي
لألعمال فإنه من المتعذر أن نضع له حدودا واضحة .فهو ليس قانونا مستقال يعاقب على جرائم معينة
مضمنة في مدونات خاصة بالتجريم والعقاب .بل انها مجرد فروع وأقسام في قوانين تنظيمية وتأسيسية
لمجاالت اقتصادية ،وكمثال على ذلك القانون التجاري أو قانون الشركات التي لها طابع مزدوج.13
ونخلص من كل ذلك إلى أنه ليس هناك تعريف واضح وواحد للقانون الجنائي لألعمال .وكل ما
يمكن قوله أنه " :فرع قانوني يحكم عالما يسمى بذات االسم (عالم األعمال) دون أن يستطيع الباحث
القانوني التعرف على حدوده بدقة " ،إذا كان تعريف القانون الجنائي لألعمال وتحديد مفهومه له أهميته
البالغة ،فإن اثباته ال يقل أهمية عنه.14
كان اإلنسان في العصور القديمة يقترف الجريمة بأسلوب بدائي يتناسب مع وسائل عصره فكانت
وسائل اإلثبات تقوم على إحساسات شخصيـة قد تكون صحيحة أو خاطئة ،بعدها كانت أساليب التحقيق
13محمد بن حم" :مفهوم جرائم رجال األعمال مقاصد ونطاق تطبيق القانون" ،رئيس غرفة بمحكمة النقض ،مرسلة
بواسطة الحقانية دار القانون للمحاماة في ،08:40.00 - 2015/08/24يوليوز ،2012ص .4
14محمد بن حم :مرجع سابق ،ص.6
9
تعتمد على السحر والشعوذة وكان الكهنة هم الذين يتولون القضاء ،أما في العصور الوسطى كان االعتقاد
أن دليل اإلثبات الوحيد ينحصر في االعتراف وكان التعذيب الوسيلة المثلى للحصول عليه.
بدأت طرق التعذيب تتالشى تدريجيا منذ قيام الثورة الفرنسية في أواخر القرن 18وحتى بداية
القرن 19في كافة المجتمعات ،منذ ذلك أجمعت اإلنسانية على تطوير العلوم واستحداث األساليب العلمية
التي يستعين بها المحقق في التحقيق لكشف الحقيقة واستبعدت األساليب القديمة غير اإلنسانية وبدأ منذ ذلك
التاريخ العمل على تطوير نظام اإلثبات وخطى التحقيق الجنائي خطوات كبيرة في ظل تطور العلوم
والوسائل العلمية.15
قبل فرض الحماية على المغرب سنة ، 1912ظل العمل بمبادئ الشريعة االسالمية في مجال
االثبات الجنائي ،حيث تركزت وسائل االثبات في الشهادة أساسا ،لكن هذا لم يمنع من وجود وسائل أخرى
كاليمين واالقرار .ومما ال شك فيه ،هو أن أول قانون للمسطرة الجنائية عرفه التشريع المغربي هو ظهير
رقم ، 1.58.261حيث تضمنت مقتضياته العديد من وسائل االثبات ،كاالعتراف وشهادة الشهود
والمحاضر ،والذي استمر العمل به إلى غاية 13نونبر ،1963حيث تم تغييره بمقتضى الظهير الشريف
رقم ، 1.63.271وبعد ذلك كمرحلة ثالثة ،تدخل المشرع مع بداية السبعينيات لتغيير وتعديل هذا األخير،
عن طريق قانون االجراءات االنتقالية ،بمقتضى ظهير ،1.74.448الصادر بتاريخ 28غشت ،1974
الذي بقي العمل به إلى حين دخول قانون رقم 22.01إلى حيز التطبيق ،بالرغم من أنه قد عرف عدة
تعديالت من بينها تعديل .1993
وال شك أن قانون المسطرة الجنائية الحالي الذي دخل حيز النفاذ في فاتح أكتوبر ،2003اعتبر في
مرحلة من بين أرقى القوانين االجرائي ة الجنائية ،نظرا للمستجدات التي أتى بها ،خاصة على مستوى
االثبات ،وتعتبر االجراءات المتعلقة بالتقاط المكالمات ،أهم وسيلة من وسائل االثبات الحديثة ،التي تضمنها
هذا القانون .لكن مع تطور الحياة االجتماعية ،واالقتصادية من الناحية العلمية ،والتي صاحبها تطور على
مستوى الجريمة ،تبين أن هناك نقص كبير في هذا القانون ،األمر الذي دفع وزارة العدل والحريات ،تفعيال
لمخطط االصالح الشامل والعميق لمنظومة العدالة ،إلى إطالق مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية
في 17نونبر ، 2014والذي تضمن مستجدات مهمة على مستوى وسائل اإلثبات ،والذي سيكون موضوع
نقاش وتحليل ،ضمن هذا البحث.
10
أما فكرة القانون الجنائي الذي جاء ليؤطر لنا جرائم األعمال فهو ليس وليد الصدفة ،وانما مر
بمجموعة من المراحل التاريخية التي طبعت مسيرته ،فهو كقانون أصبح يفرض وجوده على جل
التشريعات الحديثة ،وبحكم االرتباط التاريخي بين التشريع المغربي ومصدره الفرنسي ،كان بديهيا أن
ينتقل ارتباط القانون الجنائي بمجال األعمال الى المغرب ،ولكن ليس منذ ثالثينيات القرن الماضي ،بعد
مرحلة مخاض الميالد الرسمي للقانون الجنائي لألعمال الفرنسي ،على الرغم من وجود بعض مالمح
النصوص الجنائية المنظمة االقتصاد بالمغرب قبل ذلك منذ سنة ،1913عبر القانون التجاري الذي كان
ينص على نظام االفالس والتصفية القضائية ،وقانون شركات المساهمة ل 11غشت ، 1922والظهير
المتعلق بالشركات ذات المسؤولية المحدودة ل 1شتنبر ،1926والظهير المنظم للشيك بتاريخ 19يناير
،1939ثم ظهير الملكية الصناعية ل 23يونيو .161916
فمجال األعمال بهذا التصور يعد مظهرا من مظاهر تحول السياسة االقتصادية في العالم ،خصوصا
بعد الحرب العالمية الثانية وما خلفته من أزمات مالية واقتصادية ،حيث اتجهت معظم الدول بما فيها
الرأسمالية إلى األخذ بنظام االقتصاد الموجه ،بدال من االقتصاد الحر ،فأصبحت الدولة تتدخل في الشؤون
المالية والتجارية واالقتصادية ،وذلك عن طريق فرض القيود على حرية التجارة والصناعة والتعامالت
المالية بمجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية ،التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح وتقرير
حماية لها.17
هذا ما دعا إلى ضرورة تدخل القانون الجنائي في اثبات جرائم األعمال ،تصديا لالنحرافات عن
القواعد المنظمة لمختلف صور المعامالت والمصالح المالية والتجارية واالقتصادية ،وذلك في إطار ما
أطلق عليه الفقه بالقانون الجنائي لألعمال.18
وبعد ذلك لم تظهر إال خالل تسعينات القرن الماضي عدة قوانين المنظمة لمجال األعمال ،من خالل
مجموعة من القوانين منها القانون رقم 15-95المتعلق بمدونة التجارة لسنة ،1996وقانون رقم
الراجعة المباشرة غير والضرائب الجمارك مدونة 1.77.339
إلدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة سنة ،1977والقانون رقم 104-12المتعلق بحرية األسعار
إدريسي سكينة" :مفهوم القانون الجنائي لألعمال" باحثة طالبة بسلك الماستر 16
بكلية العلوم االقتصادية والقانونية طنجة ،مرجع الكتروني ،تاريخ الزيارة في 2021/01/15على الساعة 22
/مفهوم-القانون-الجنائي-لألعمال//https://www.droitetentreprise.com/
17رشيد بن فريحة" :خصوصية التجريم والعقاب في القانون الجنائي لألعمال ،جرائم الشركات التجارية نموذجا"،
أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم – تخصص قانون خاص ،تحت اشراف الدكتور شكري قلفاط ،جامعة أبو
بكر بلقايد بتلمسان ،كلية الحقوق قسم القانون الخاص ،سنة ،2017/2016ص.2
18رشيد بن فريحة :مرجع سابق ،ص .3
11
والمنافسة سنة ، 2014قانون الشركات التجارية بمختلف أشكالها ،مدونة الشغل ،وقانون حماية الملكية
الصناعية ،19وغيرها من القوانين المنظمة لمجال األعمال.
تكمن أهمية هذا البحث في أن اإلثبات يعتبر من أهم األعمدة التي يقوم عليها صرح العدالة الجنائية
برمتها ،إذ بواسطته تتحصل القناعة لدى المحكمة ،من خالل األدلة التي توفرت في الدعوى ،على حصول
واقعة مجرمة ،ومن نسبتها للمتابع أمامها من عدمه ،ومن هذه الزاوية تبتدئ أهمية نظام االثبات ،بل
خطورته البال غة ،وخصوصا على المتابع بخرق القانون الجنائي ،خصوصا في جرائم األعمال فهو يقوم
بقطع الطريق على مرتكب الجريمة ،وتعقب جريمته مهما ابتدع من أساليب لكي يفلت من العقاب .ألن
مثل (جرائم االعمال) تعرف انتشارا كبيرا خاصة عندما تكون القوانين متشعبة مما يسهل على مرتكبيها
التملص من العدالة.
أما القضاء والذي بمجرد وضع يده على القضية ،يعمل بكل تجرد ونزاهة ،للوصول إلى الحقيقة،
فيقر بأن الواقعة المتابع بها قد حصلت بالفعل ،أو أنها لم تحصل ،وفي حالة حصولها ،يقرر ما إذا كانت
تسند إلى المتابع بها أمامه أم ال تسند ،ليتأتى للمحكمة تبعا لما اقتنعت به ،إصدار حكمها في موضوع
الدعوى ،إما باإلدانة أو بالبراءة وباإلعفاء.20
إ ن الغاية المرجوة من هذا البحث هو تسليط الضوء على الطرق الحديثة لكشف جرائم األعمال،
وشد االنتباه الى أهمية هذه الوسائل الحديثة في تحقيق العدالة ،وتالفي العيوب التي قد تلحق بالقرارات
القضائية الصادرة في هذا المجال.
كما تهدف هذه الدراسة الى اعتماد وسائل جديدة في البحث والتحقيق في جرائم االعمال ،خاصة
تلك المتعلق بالتكنولوجيا ،مما يسهل عمل القضاة في كشف مالبسات كل جريمة على حدا ،ناهيك عن
تحقيق مبدأي األمن القانوني والقضائي.
19قانون حماية الملكية الصناعية والتجارية يعتبر من أهم القوانين التي تضمنت نصوصا جنائية لها عالقة بمجال
الصناعة والتجارة ،للمزيد حول الجانب الزجري لهذا القانون والتعمق أكثر راجع الى:
-فؤاد معالل" :الملكية الصناعية والتجارية ،دراسة في القانون المغربي واالتفاقيات الدولية" ،الطبعة األولى ،دار
األفاق المغربية للنشر والتوزيع ،الدار البيضاء ،سنة .2009
20عبد الواحد العلمي :أستاذ القانون الجنائي "شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية" ،الجزء الثاني ،مطبعة
النجاح الجديدة ،2018الدار البيضاء ،ص.377
12
ونظرا ألهمية الموضوع الذي يعد من أهم األسباب التي دفعتني الختياره ،كثرة ظهور األدلة الحديثة
واالعتداد بها كدليل والذي يعد نقلة نوعية في االثبات ،برغم من اهتمام الكثير من الباحثين بدراسة األدلة
الجنائية الحديثة في مجال األعمال اال أن التطور المستمر في مظاهر الحياة وعالم الجريمة يجعل منه
موضوعا متجددا.21
اشكالية البحث
عندما نكون بصدد الحديث عن االثبات في جرائم األعمال فان األمر يختلف عن باقي الجرائم
العادية .فاألكيد أن موضوع االثبات بالوسائل الحديثة في جرائم االعمال يطرح عدة اشكاليات نظرا لطابعه
العملي والرتبا طه بواقع الممارسة القضائية اليومية بشكل خاص ،ونظرا لتلك الخصوصية التي تتميز بها
هاته الجرائم على مستوى شخصية المجرم أو على مستوى ارتكاب الجريمة وظروفها.
ما مدى استيعاب وسائل اإلثبات الحديثة التي تم التوصل إليها في القانون
المغربي للدفع نحو تقوية روابطه االقتصادية وتحقيق محاكمة عادلة في جرائم
األعمال؟
-ما مدى ارتباط اثبات جرائم األعمال بالوسائل الحديثة في القانون المغربي؟
-ما هي الغاية من تسخير واستغالل وسائل علمية حديثة لإلثبات مبنية على حجية علمية؟
-ما أوجه القصور التي تعتري الوسائل الحديثة أمام الطابع التركيبي والمعقد لجرائم
الحسن الطيب عبد السالم األسمر الحضيري" :االثبات الجنائي بالوسائل العلمية الحديثة ،"...مرجع سابق ،ص 2و.3 21
13
المناهج المعتمدة
إن اإلشكالية المطروحة أعاله وكذا التساؤالت المنبثقة عنها تملي علينا ضرورة اعتماد المنهج
الوصفي التحليلي لمقاربة الموضوع من كل جوانبه.
خطة البحث
سنقوم في هذه الدراسة بالبحث عن القواعد العامة والخاصة لإلثبات الجنائي في مختلف جرائم
األعمال وبشكل أدق في فعالية الوسائل الحديثة في اإلثبات الجنائي في هذا النوع من الجرائم.
لإللمام بالموضوع وبمختلف اإل شكاالت التي يطرحها ،سيتم التطرق لذلك من خالل التصميم التالي:
الفصل الثاني :حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم
األعمال
14
15
الفصل األول :المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال
إن الهدف األساسي الذي تسعى إلى تحقيقه أجهزة العدالة في المجتمع من ناحية الجريمة ،هو عنصر
اإلثبات الذي يسعى الى تحقيق العدالة ،إلثبات وقوع الجريمة ونسبة الجريمة إلى الفاعل وبالتالي إنزال
العقوبة الرادعة بحق الفاعل الحقيقي للجريمة ،ونظرية اإلثبات في القانون تقوم على عدة مبادئ صاغها
فقهاء القانون لمساعدة السلطات المختصة لالستعانة بها في القضايا الجزائية المعروضة عليهم ،وبالتالي
وجود قواعد تحدد على القاضي الطريق الذي يسلكه في تتبع النزاع ،والحكم في نهاية المطاف .ومثل هذه
المبادئ تؤدي إلى عدم ازدواج األحكام القضائية في القضايا المتشابهة ،بسبب عشوائية القاضي في انتفاء
وسائل وعناصر إثبات دون أخرى ،وحريته في االقتناع الوجداني مبنية على شروط معينة ،وبالتالي تحقيق
العدالة النسبية للجميع.22
إن ا لتعامل مع األدلة العلمية يعتمد بشكل جوهري على الوسائل التكنولوجيـة ،لـذا فـإن العمل علـى
تزويـد المعامـلة الجنائية بأحـدث األجهـزة التـي تسـاعد علـى التثبـت مـن الحقـائق فــي القضــايا الجنائيــة،
باإلضــافة إلــى العمــل علــى إعــداد الجهاز القضــائي ( قضــاة ومحققـــين ) ،وتــدريبهم علــى كيفيــة
التعامــل مــع هــذه األدلــة ،ورفــع قــدرتهم وكفــاءتهم لمواكبــة التطــورات العلمية فــي هــذا المجال،
وأيضا وعبــر هــذه الدراســة والتــي تــدخل فــي إطــار الفقــه القــانوني ،فمنــذ البــدء كــان الفقه والقضاء
كل منهمــا عونــا لآلخــر لخلــق وحــدة فكرية حــول المشـكالت القانونيـة لمفهـوم االثبـات ،واالسـتقرار
فـي النظريـات القانونيـة هـو مفهـوم ال محـل لـه في التشريع إذ يجب أن يكون التشريع صدى لحاجات
المجتمعات وتطورها ،وبالتالي هـذه الدراسة تهدف إلى تسـليط الضـوء علـى وسـائل اإلثبـات الجنائية
بحيـث ال تعـود محصـورة علـى الوسـائل التقليديـة فقط ،بل ومعالجـة المشـكالت التـي قـد تـنجم عـن
األخـذ بهـذه الوسـائل ،واللجوء الى الوسائل المتطورة واألدلـة العملية الحديثـة سـواء كانـت مشكالت
قانونية أو عملية قد تعترضها.23
الشيء الذي ساعد في ظهور أنواع جديدة من الجرائم تختلف من حيث محلها ومن حيث أسلوب
ارتكابها عن الجرائم التقليدية ،مما أسفر عنه ظهور العديد من المشاكل التي كان أبرزها عجز القوانين
22أمال عبد الرحمن يوسف حسن" :األدلة العلمية الحديثة ودورها في االثبات الجنائي" ،رسالة ماجستير تحت اشراف
الدكتور محمد الجبور ،جامعة الشرق األوسط ،كلية الحقوق ،قسم القانون العام ،األردن ،سنة ،2012/2011ص .12
23أمال عبد الرحمن يوسف حسن" :األدلة العلمية الحديثة ودورها في االثبات الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .4
16
الجنائية الحالية ،التي وضعت نصوصها في ظروف تختلف عن الظروف الحالية التي خلقتها ثورة المال
والمعلومات عن مواجهة هذه األنواع الجديدة من الجرائم.24
ولعل من أهم أسباب تدخل القانون الجنائي في مجال األعمال هو تحقيق األمن القانوني للمعامالت
االقتصادية والتجارية في هذا المجال ،فضال عن ضرورة تدخله استجابة لحاجة الميدان االقتصادي للقواعد
الزجرية الجزائية من أجل مكافحة الجرائم التي تنخر في الجسد المالي واالقتصادي للمجتمع.25
ولجرائم األعمال مميزات تتجلى في كونها ليست يسيرة االكتشاف ،نظرا للتعقيد الذي يحيط
بارتكابها ،ألسبقية التخطيط والتنسيق من طرف الجناة قبل ارتكابها وفي خفاء ،فاالحترافية هي خاصية
هذا النوع من الجرائم التي ال مجال فيها لالرتجالية ،ألن الجناة في جرائم االعمال هم أشخاص يتمتعون
بحماية سياسية أو حماية علمية أو تقنية لدرايتهم بأمور تسهل لهم ذلك ،ويجعل أمر القائم على األبحاث في
حيرة وحرج ،ناهيك عن البعد الدولي الذي تتخذه في بعض األحيان.26
فاكتشاف الجريمة وإقامة الدليل عليها وكشف مفاتيح غموضها ينطلق من مسرحها ،الذي هو المكان
الذي تنبثق منه كافة األدلة ،27وقد يكون مكانا واحدا وقد يكون أمكنة متعددة ،متصلة أو متباعدة ،ومهما
كان حرص الجاني على إتالف األدلة وجودة رفعها ،تكون النتائج ذات أهمية وبأن تسمح للمحققين بالتخطيط
لعمليات البحث الجنائي قصد الوصول إلى كشف غموض الجرم والتعرف على الجاني بإقامة الدليل.
وعلى هذا األساس ،سنتكلم في هذا الفصل عن المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال وسنعمل
على تقسيمه إلى اإلطار النظري لإلثبات في جرائم األعمال (المبحث األول) وبعدها االثبات في جرائم
األعمال بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة (المبحث الثاني).
24ادريس النوازلي " :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،الجزء األول ،الطبعة االولى ،سنة ،2014ص
.11-12
25الزربوح هشام " :خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب" ،أطروحة الدكتورة في الحقوق ،جامعة المولى
إسماعيل ،مكناس ،السنة الجامعية ،2013/2014ص .35
26النوازلي ادريس " :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" مرجع سابق ،ص .18
27للتوسيع أكثر في ماهية مسرح الجريمة والتقنيات المرتبطة به راجع:
ياسين عزاوي " :التقنيات الحديثة في المسرح الجريمة وتأثيرها على اإلثبات الجنائي" – دراسة مقارنة تقنية بأبعادها
القانونية-أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول ،كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعي-2014 :
.2015
17
المبحث األول :اإلطار النظري لالثبات في جرائم األعمال
أصبح الجميع يسعى بطريقة أو بأخرى إلى الحصول على المال إلشباع رغباته وحاجياته
المختلفة ،كل بطريقته وحسب ظروفه وإمكانياته ،هذا السعي نحو المال تحول من مجرد إشباع للحاجيات
االنسانية العادية في حدود الدنيا لدى بعض أفراد المجتمع ،إلى هوس غايته في تكديس الثروة وتحقيق
الغنى الفاحش ،حتى ولو كان غير شرعي وبعيد عن مبادئ الصفة والطهارة في المعامالت والتبادالت
التجارية واالقتصادية.28
كل هذا أدى إلى ظهور جرائم مختلفة عن الجرائم التقليدية تؤثر بشكل كبير على االقتصاد الوطني
وتعيبه بالشلل بشكل خفي ،بعد أن تتراكم عليه جرائم اقتصادية ذات طبيعة خاصة ودون أن يكون لها أثر
واضح على الشعور الجماعي ألفراد المجتمع.
وبعد أن تم االحساس بهذه الحقيقة المؤلمة ،تكونت قناعة لدى المشرع الجنائي وترسخ له واجب
التدخل جنائيا في االقتصاد ،29هذا التدخل نتج عنه مجموعة من المبادئ القانونية من أبرزها البحث
والتحري لكشف عن هذه الجرائم ومدى نسبتها لمرتكبها ،وهنا نكون أمام اإلثبات الجنائي الذي يعرف بأنه
إقامة الدليل على مرتكب الجريمة .أي محاولة تحليل الفعل المرتكب بطريقة علمية ،وكذا فيما يعود على
القضاء من نفع وفعالية ،فيما يتعلق بإثبات الوقائع الجرمية ،كما أنها تعد أحد االمكانات الممنوحة للنيابة
العامة ،باعتبارها الطرف األصلي الذي يتحمل عبء االثبات ،وذلك في مواجهة ظاهرة االفالت من
العقاب .أما من الناحية العملية ،فيتجلى في عدة جوانب ،أهمها تخفيف العبء الملقى على كاهل النيابة
العامة وربح الوقت ،وكذا وضع القاضي الجنائي أمام عدة خيارات إثباتية ،يستسيغ منها اقتناعه الشخصي،
وأيضا فيما تحوزه هذه المستجدات من قوة ثبوتية مقارنة بالوسائل الواردة في القانون الحالي.
وقد اقتضت الدراسة العلمية االحاطة بمختلف جوانب هذا الموضوع ،وبالنظر إلى تعدد أساليب
وطرق البحث المستخدمة في العلوم القانونية واالجتماعية ،فالحديث عن اإلثبات الجنائي في مجال األعمال
يستوجب منا وقبل كل شيء الحديث عن ماهية االثبات الجنائي (المطلب األول) وبعد ذلك خصوصية
االثبات في بعض جرائم األعمال على ضوء القوانين الخاصة (المطلب الثاني).
28هشام الزربوح" :خصوصيات القانون الجنائي لألعمال بالمغرب" ،مرجع سابق ،ص .1
29الضغط االقتصادي دائما ما يكون هو السبب الرئيسي في ارتكاب الجرائم االقتصادية ،للتعمق أكتر حول تأثر مستويات
الجريمة بالعامل االقتصادي راجع:
محمد أحداف :علم االجرام " ،النظرية العلمية والسلوك االجرامي" ،طبعة 2015مطبعة سجل ماسة الزيتون مكناس،
الصفحة 216وما بعدها.
18
المطلب األول :ماهية االثبات الجنائي
ان نظرية االثبات في اثبات الجرائم هي االساس الذي تقوم عليه قواعد االجراءات الجنائية ،منذ
لحظة وقوع الجريمة ولحين صدور الحكم فيها من قبل السلطة القضائية ،فهو كل ما يؤدي الى اظهار
الحقيقة ،وألجل الحكم على المتهم ف ي المسائل الجنائية يجب ثبوت وقوع الجريمة في ذاتها ،وهذا يعني
إقامة الدليل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم ،ويمكن القول أن اإلثبات من الناحية الجنائية هو
النتيجة التي تتحقق باستعمال وسائله وطرقه المختلفة للوصول إلى الدليل الذي يستعين به القاضي
الستخ الص حقيقة الوقائع المعروضة عليه وفقا ألحكام القانون ،وقد طرأت على االثبات الجنائي تطورات
كبيرة بفضل الطفرة العلمية الهائلة في وسائل اإلثبات التي لم تكن معروفة من قبل ،والتي قامت على
نظريات وأصول علمية دقيقة زودت القاضي بأدلة قاطعة وحاسمة تربط أو تنفى العالقة بين المتهم
والجريمة ،فاصبح القضاء يعتمد عليها كأدلة فنية يؤسس عليها األحكام باإلدانة أو البراءة.
فاإلثبات هو النتيجة المحصل عليها باستعمال وسائل اإلثبات المختلفة ،أي إنتاج الدليل ،ويتم هذا
اإلنتاج عن طريق جمع األدلة بغية كشف الحقيقة قصد تحقيق العدالة ،وبدون هذا الدليل ال تثبت الجريمة
وال تستطيع الدولة تطبيق حقها في العقاب .فاإلثبات الجنائي يراد به إقامة الدليل اليقيني على صحة حدوث
الوقائع الجنائية المؤثرة في وقوع ماديات الجريمة وقيام شروطها كما تطلبها القانون بجميع ظروفها
ونسبتها إلى المتهم ،وفق الضوابط التي أخضعها لها المشرع .30ويمكن التمييز في هذه المرجعية القانونية،
بين قواعد وأحكام عامة تسري على نظام اإلثبات الجنائي عموما .وقواعد وأحكام خاصة تحكم كل وسيلة
من وسائل اإلثبات على حدة.
وسنتناول في هذا المطلب من خالل أنماط االثبات في المجال الجنائي (الفقرة األولى) وبعدها عن
النظام القانوني لإلثبات الجنائي (الفقرة الثانية).
30أنيس حسيب المحالوي " :القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي بوسائل اإلثبات الحديثة" ،دار الفكر الجامعي ،الطبعة
األولى ،2016االسكندرية ،ص 22و.27
19
الفقرة األولى :أنماط االثبات في المجال الجنائي
إن اإلثبات يتسم بالصعوبة والتعقيد نظرا لكونه يتوجه نحو إعادة إنتاج الواقع الذي انقضى في الزمن
الماضي ،فاإلثبات في الميدان الجنائي هو محاولة إلعادة صياغة وبناء الوقائع واألحداث في عملية تركيبية،
يقصد منها التعرف على الحقيقة.
لقد عرفت نظرية اإلثبات الجنائي عدة تطورات عبر حقب الزمن المتلفة قبل أن تتبلور بشكلها
الحالي في التقنيات المعاصرة لذلك يمكن القول بأن االثبات الجنائي مر من أربعة مراحل:
ساد في المجتمعات البدائية نظام االنتقام الفردي ،الذي تطور ليتخذ فيما بعد شكل العدالة الخاصة،
في وقت لم تظهر فيه بعد السلطة العامة أو الدولة .ويمكن القول بأن المجتمعات البدائية ،حرفت بعض
األساليب المختلفة إلثبات الجرائم ،وهي أساليب تتناسب ونمط العيش داخل المجتمع البدائي ،وتوافق تقاليده
وتتمشى مع عقليته.
إن أهم ما يميز اإلثبات الجنائي في هذه المرحلة هو أنه حصيلة التخمين القائم على مشاعر
وإحساسات خاصة .وقد لعب كائن المعبد ،في هذه الفترة ،الدور المنوط حاليا بالقاضي وكانت مهمة الكائن،
هي التوسط بين أفراد العشيرة ويبن اآللهة ،حيت يتلقى جوابا بشأن الجرائم المقترفة ،ويعمل على تنفيذ
أوامرها ،وفض المنازعات وفقا لتعاليمها.
وأهم األساليب التي عرفت التطبيق في هذه الفترة ،مجموعة من التحريات المتمثلة في جعل المتهم
يخضع لعدة تجارب وامتحانات والى جانب هذه التجارب طبقت وسائل أخرى كاإلثبات بالمبارزة أو
اإلثبات بيمين التزكية.
كما عرفت الشعوب القديمة وسائل إثبات أخرى ،على درجة من الذكاء أساسها محاكاة النفس البشرية
أو من ندعوه اليوم بالجانب النفسي السيكولوجي لإلنسان .ومن أمثلة ذلك ،أن الصينيين القدامى كانوا
يعطون المتهم كمية من الحنطة ويطلبون منه مضغها فاذا جف ريقه ،فذلك دليل على ارتكابه وإخفائه
لحقائق في خاطره.31
31الحبيب بيهي" :شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" ،الجزء األول ،البحث في الجرائم والتثبت منها البحث التمهيدي،
التحقيق االعدادي ،االثبات الجنائي ،الطبعة األولى ،2004الرباط – أكدال ،ص .279-278
20
ب -مرحلة اإلثبات القانوني
انتشر نظام االثبات القانوني ،بعد ظهور الدولة وتم تكريس هذا النظام من قبل عدة تشريعات قديمة.
يقوم االثبات القانوني او المقيد على وضع شروط قانونية محددة من طرف المشرع ،بحيث ال يجوز
للقاضي التصريح بثبوت الواقعة االجرامية ما لم تتوفر تلك الشروط ،وبتوفرها يتحتم الحكم وفقا لما جاءت
به ،بصرف النظر عن اقتناع القاضي.
ان نظام االثبات القانوني يقوم على اعتبار حماية حقوق المتهم وذلك عن طريق تقييد حرية القاضي
في اإلثبات .ويتولى المشرع تبعا لذلك تحديد وسائل اإلثبات على أساس افتراض صحة األدلة المعتمدة
قانونا وبصرف النظر عن الحقيقة الواقعية واختالف ظروف كل نازلة.32
اإلثبات القانوني نظام وطريق إلثبات يقوم على تحديد المشرع مسبقا لنوع الدليل وقيمته اإلقناعية
بحيث ال يكون القاضي وهو بصدد إصدار الحكم في القضية المعروضة أمامه قبول االستدالل بغير الطرق
التي حددها المشرع سلفا وال أن يجيد عما رصده من قيمة إثباتية للدليل الذي أوجب االستدالل به في
الخصومة الجنائية.
قد تطور هذا التيار الفكري بسرعة في فرنسا على الخصوص ودعمه جماعة من الفالسفة والفقهاء
ورجال الدين .وقد أجمع هؤالء على مناهضة الظلم القائم على تقييد ضمير القاضي ونادوا بإلغاء القانون
الصادر في 1670وهو أول قانون يكرس نظام االثبات القانوني.
وانصبت االنتقادات الفقهية والفلسفية على عقم محاولة تقييد القاضي في مجال االثبات الجنائي وعلى
عدم جدوى النظام التفتيشي.
وقد تبنت الجمعية التأسيسية في فرنسا سنة 1791مشروع القانون الذي ألغى االثبات القانوني
وأدخل نظام المحلفين وأقر مبدأ التحقيق الشفوي وتبنى نظام االثبات القائم على حرية االقتناع.
وقد انتشر نظام االثبات الحر في باقي دول أوربا وأصبح مند أواخر القرن التاسع عشر ،هو الشريعة
السائدة في أنحاء المعمور.33
وتبقى حرية اإلثبات إحدى أهم أسس وقواعد االثبات ،مما جعل المشرع يقر أغلب التشريعات (المبدأ
العام) في الشق الجنائي هو الحرية ،هذا المبدأ تقررت معه مجموعة من المبادئ الجوهرية األخرى
21
والمتمثلة أساسا في مبدأ القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي وعلى القاضي وهو في سبيل تكوين اقتناعه
عمال بالنظام الوجداني مراعاة بعض الضوابط وسنبرزها كما يلي:
-1البد من طرح الدليل في الجلسة لمناقشة شفاهيا وبحضور األطراف حتى يدلي كل واحد
برأي فيه ،وبالتالي ال يجوز للقاضي الفصل في الدعوى اعتمادا على دليل وصل إلى علمه
الشخصي مـن غير أن يطرح المناقشة في جلسة المحاكمة.
-2البد من بناء الحكم الجنائي على الجزم واليقين ال على مجرد الترجيح والتخمين ،والذي
تعتبر في منزلة الشك والذي يفسر لجهة مصلحة المتهم وفقا للقاعدة المأثورة ،وإال وقع
نقض الحكم المشوب بعيب الشك والتخمين ،وفي هذا الصدد صدر قرار للمجلس األعلى
بتاريخ ،07/11/19رقم 49منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد 20م .40أكد فيه
ما يلي" :فإذا كانت المحكمة قد صرحت بأنها لم يوضع تحت يديها دليل مادي قاطع يثبت
الجريمة ،ورغم ذلك فقد قررت إدانة المتهمة فهذا يكفي لنقض حكمها إذ األحكام يجب أن
تبنى على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين".
-3البد أن يكون اقتناع القاضي مبني على وسيلة إثبات مشروعة وصحيحة .والمشروعية في
البحث عن األدلة الجنائية ،يشمل مطابقة العمل للقانون ومطابقة للضمير واالستقامة
والنزاهة ،من لدن المكلف بجمع األدلة ،وخرق المشروعية في مجال األدلة قد يتخذ شكل
دليل محصل عليه بارتكاب جــريمـة كالخبرة المقامة بعد تقديم رشوة أو االعتراف المنتزع
بعنف وإكراه….34
-4البد أن تكون األدلة المعتمد عليها في تأسيس الحكم واقعية وقانونية مؤدية إلى النتيجة التي
35
أعلنها الحكم ومعلال بذلك تعليال واقعيا وماديا .وجاء في هذا الصدد قرار المجلس األعلى
مفاده " :يجـوز إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات ،إال في األحوال التي يستوجب
34لما كان القانون ( ) 286من قانون المسطرة الجنائية قد أعطى لقضاة الموضوع كامل الصالحية لتبيين قناعتهم ،ولم
يقيدهم بوسائل إثبات معينة إال في حاالت استثنائية محددة على سبيل الحصر ،فإن المحكمة تكون قد استعملت سلطتها
التقديرية التي ال رقابة عليها من قبل المجلس األعلى في ذلك:
قرار رقم 7931في 1983/12/5مجلة القضاء والمجلس األعلى عدد 35و 36م .219
قرار رقم 4/6213في 1997/11/26مجلة قضاء المجلس األعلى عدد 53و 54م .406
الحبيب بيهي" :المشروعية في البحث عن األدلة الجنائية" ،مقال بمجلة اإلشعاع ،الصادرة عن نقابة المحامين بالقنيطرة.
35قرار رقم 5977في 1990/6/28مجلة القضاء ص .289
22
القانون فيها أو يحضر وسيلة معينة من هذه الوسائل .ويحكم ،ويتعين أن يتضمن المقرر
األسباب الواقعية والقانونية التي تبرر اقتناع القاضي ولو في حالة البراءة.
لقد كان للتطور العلمي أثر كبير في ميدان اإلثبات ،وقد شملت النهضة العلمية مجاالت التحقيق
قياس Médecineوعلم الشرعي légale العلمي Criminalistiqueوالطب الجنائي
األعضاء Antopologieوعلم االجرام Criminologieوما إلى ذلك.
ونشأت الحاجة إلى لجوء القاضي بسبب افتقاره للمعرفة التقنية إلى األخصائيين من رجال العلم.
إن المرحلة العلمية في اإلثبات ما زالت طرية العود وفي طور التكوين .وتتطلب مزيدا من الحيطة
والحذر بخصوص استعمال الوسائل العلمية في اإلثبات الجنائي.
ومع ذلك فان الطرق العلمية تسجل تحوال هاما في تاريخ اإلثبات وتعمق الهوة بين العلوم اإلنسانية
والعلوم الطبيعية القائمة على النهج التجريبي.
وما تزال مسيرة هذا التطور متواصلة الخطى وبالتالي فان مشكلة اإلثبات العلمي تعد مشكلة طارئة
في العصر الراهن وفي مطلع األلفية الثالثة وهي لذلك ما تزال تشغل بال الجنائيين .ألنها تنطوي على
وطرح مشكلة مشروعية األدلة العلمية ،واعتمادها أساسا 36
العديد من الفوائد لكنها ال تخلو من المخاطر
تبنى عليه األحكام الجنائية.
لعل ضابط اإلثبات في الميدان الجنائي هو الوصول إلى الحقيقة الواقعية بشتى الوسائل في ظل
الشرعية وقانون اإلجراءات ،لكن القاضي قد يصادفه عائق وهو يمارس مهامه بتحديد نوع من األدلة
إلثبات جرم معين ،فيحد من سلطته ويحجم إقناعه عن إصدار حكم عادل.
فحرية القاضي في االقتناع غايته تحقيق العدالة ويروم إلى بسط رقابته وتقييم األدلة ،بما ينطبق
على الواقعة بالدليل والبرهان ،كيفما كان مصدرها في ظل قواعد اإلثبات.37
36الحبيب بيهي" :شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" ،مرجع سابق ،ص .283
37ادريس النوازلي" :االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" الجزء الثاني ،الطبعة األولى ،2014المطبعة
والوراقة الوطنية بمراكش ،ص .24
23
أ -نظام األدلة القانونية
نظام األدلة القانونية هو ذلك النظام الذي يقيد القاضي أثناء إصدار حكمه في الدعوى المعروضة
أمامه بأنواع محددة من األدلة حددها المشرع ،ال يلعب القاضي دورا إيجابا في هذا النظام ،أي ال يكون
لقناعة القاضي أي دور ،حيث يقوم اقتناع المشرع بصحة اإلسناد أو عدم صحته مقام اقتناع القاضي،
ودور القاضي ال يتجاوز سوى مراعاة تطبيق القانون ،من حيث توفير الدليل أو شروطه.38
فالمشرع هو الذي يحدد حصرا األدلة التي يجوز للقاضي اللجوء إليها في اإلثبات ،وبالتالي فإن هذا
األخير يتقيد في حكمه باألدلة أو البراءة بأنواع معينة من األدلة ،أو بعض منها ،طبقا لما يرسمه التشريع
المطبق ،بحيث إذا لم تتوفر هذه الشروط وتلك الشكليات ،فإن القاضي ال يستطيع أن يحكم باإلدانة بصرف
النظر عن اعتقاده الشخصي ،أي حتى ول و اقتنع يقينا بأن المتهم مدان في الجريمة المسندة إليه .ولذلك فإن
هذا النظام يسمى بنظام اإلثبات القانوني أو المقيد ،حيث إن القانون قيد القاضي بقائمة من األدلة التي حدد
قيمتها اإلثباتية ،وهذا النظام ينتمي للقوانين ذات الصياغة األنجلوساكسونية ،مثل المملكة المتحدة (بريطانيا)
والواليات المتحدة األمريكية.39
نظام اإلثبات الحر هو ذلك النظام الذي ال يحدد فيه القانون طرق معينة لإلثبات يجعل القاضي مقيدا
بها ،بل يكون ألطراف الخصومة الحرية ليقدموا أدلتهم إلقناع القاضي.40
فالمشرع في هذا النظام ترك للقاضي الجنائي ،كقاعدة عامة ،حرية تقدير األدلة المقدمة في الخصومة
دون أن يقيده بأي دليل معين ، 41وبعبارة أخرى عملية اإلثبات في ظل هذا النظام أصبحت خاضعة لقناعة
24
القاضي ، 42فكل األدلة تتساوى في قيمتها اإلثباتية ،ولها نفس القوة والقيمة من حيث المبدأ ،سواء كانت
اع ترافا أو شهادة أو مستندات أو حتى مجرد قرائن ،وأي كانت طبيعة الجريمة المرتكبة ،وبمعنى آخر فكل
وسيلة تؤدي إلى اليقين هي وسيلة إثبات ،والقاضي ال يملك أن يستبعد أي دليل منها ،بدعوى أنه اإلثبات.
ومع ذلك فإن حرية القاضي الجنائي في االقتناع ليست مطلقة ،فالقانون وإن اعترف له بسلطة واسعة
في تقدير الدليل ،فإنه قد قيده من حيث القواعد التي تحدد كيفية حصوله عليها والشروط التي يتعين توفرها
فيه ،ومخالفة هذه الشروط قد تهدر قيمة الدليل وتشوب قضاءه بالبطالن.43
-إطالق حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته مما يؤدي إلى نتيجتين حتميتين هما :حرية القاضي
الجنائي في اختيار األدلة ،ثم حريته في تقرير األدلة.44
وهو النظام الذي يجمع بين النظامين السابقين ،ويقوم على أساس أن يحدد القانون أدلة معينة إلثبات
بعض الوقائع ،دون بعضها اآلخر ،ويشترط في الدليل شروطا في بعض األحوال ،أو يعطي القاضي
الحرية في تقدير القيمة اإلثباتية لألدلة القانونية ،45فهو ليس نظاما مستقال ،وإنما مزج أو توفيق بين
النظامين السابقين على نحو يجمع في سعيه نحو جالء الحقيقة وتأمين كل منهما.46
وقد أدى ذلك إلى اختالف القوانين اإلجرائية التي يأخذ بهذا النظام عن تلك التي يسودها نظام اإلثبات
الحر ،خاصة فيما يخص نطاق قبول األدلة المستمدة من الوسائل التقنية الحديثة كالحاسب اآللي في مجال
اإلثبات الجنائي.
42عبد هللا ادعول ":الدليل االلكتروني في اإلثبات الجنائي "رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة قاضي
عياض ،كلية الحقوق بمراكش ،السنة الجامعية ،2012/2011ص .64
43الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" مرجع سابق ،ص .64
44عبد هللا ادعول ":الدليل االلكتروني في اإلثبات الجنائي " مرجع سابق ،ص.64
45عفيفي كامل عفيفي" :جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنف الفنية ودور الشرطة والقانون"- ،دراسة مقارنة،-
الطبعة األولى ،2003منشورات الحلبي الحقوقية بيروت ،ص .392
46الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" مرجع سابق ،ص .272
25
ث -موقف المشرع المغربي
مما ال شك فيه أن المشرع المغربي يأخذ بنظام اإلثبات المختلط أو الوسط الذي سبق الحديث عنه.
وتبعا لذلك نجد المادة 286من ق.م.ج تنص على أنه ":يمكن إثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل اإلثبات،
ما ع دا في الحاالت التي تقضي القانون فيها بخالف ذلك ،ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن
يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند 8من المادة 365اآلتية بعده".
وانطالقا من ذلك ،يتضح أنه في ظل القانون المغربي يمكن للقاضي الجنائي -بخالف القاضي
المدني-أن يلعب دورا إيجابيا في استثمار مبدأ اإلثبات الحر ،والسيما إذا اتخذ المبادرة في البحث عن
الوسائل الناجعة التي تؤدي به إلى إظهار الحقيقة.
ففي قرار للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) جاء فيه " :لكن حيث إن الفصل 288من ق.م.ج
المستدل به في الوسيلة أعطى لمحكمة المو ضوع الصالحية لتكوين قناعتها من جميع وسائل اإلثبات ولم
يقيدها بوسيلة إثبات معينة إال في حاالت استثنائية منصوص عليها في القانون على سبيل الحصر.47"...
ومن تم نستنتج أن القانون المغربي قد أجاز اإلثبات في المسائل الجنائية بكافة صور األدلة ،أي كان
نوعها أو طبيعتها ،على هذا ال نحو تكون فيه جميع األدلة متساوية في قيمتها ،مقبولة أمام القضاء الجنائي
من حيث المبدأ ،خاضعة لتقدير المحكمة التي يكون لها الحق أن تكون عقيدتها في إدانة المتهم أو تبرئته،
نتيجة اقتناعها بأدلة معينة وطرحها ألدلة أخرى.
يتم هذا األساس القانوني عن طريق جمع األدلة في مرحلة أولى ،و تقديمها لقضاء التحقيق أو للنيابة
العامة قصد تمحيصها ،فإذا نتج عن هذا التمحيص أدلة تثبت اإلدانة ،أحيلت على مرحلة المحاكمة ،حيث
يتم تقدير قيمة الحجج و األخذ منها بتلك التي تولد الجزم و اليقين في دائرة اقتناع القاضي ،بحيث إذا تحقق
هذا الجزم ،وجب تبرئة ساحة المتهم.48
47قرار المجلس االعلى عدد 280/20المؤرخ في ،2005/01/19ملف جنحي عدد ،04/23297مجلة قضاء
المجلس االعلى ،عدد ،67يناير ،2007ص .36
48الحبيب بيهي":شرح قانون المسطرة المدنية الجديد" الجزء األول ،سلسلة أعمال جامعية من منشورات المجلة المغربية
اإلدارة المحلية والتنمية ،الطبعة األولى 2006م ،ص .275
26
أوال :نطاق الحق في اللجوء لوسائل اإلثبات المختلفة.
قرار عدد 8178ملف جنحي رقم 12879وتاريخ 1983/ 12/ 12ق.م.أ ،عدد ،255ص .36 – 35 49
27
المبدأ السابق له مستثنيات عمل المشرع الجنائي اإلجرائي من خاللها على تلطيف القوة االطالقية لمبدأ
الحرية في اإلثبات .فما مضمون هذه المستثنيات؟
االستثناء على المبدأ السابق مفاده أن صالحية وسائل اإلثبات لالستدالل بها أمام المحاكم الزجرية
قد تتعطل بإرادة المشرع في بعض الحاالت المحدودة جدا ،الذي فرض هذا األخير (أي المشرع) اإلثبات
فيها بوسائل محددة فقط ،أو يمنع أصال االستدالل بوسيلة معينة 50.ومن أمثلة االستثناءات نذكر ما يلي:
-الفصل 288من قانون المسطرة الجنائية الذي يقرر بأنه" :إذا كان إثبات الجريمة متوقفة على
حجج جارية عليها أحكام القانون المدني فيراعى عن القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور".
-كذلك الفصل 294من قانون المسطرة الجنائية الذي يقرر" :بأن الحجة الكتابية ال تنجم عن
المراسلة المتبادلة بين المتهم ووكيله" .وغيرها من االستثناءات الواردة على سبيل الحصر كما
أكدنا في المادتين 294و 325و . 193والحكمة من هذه االستثناءات هي تحقيق بعض الضمانات
اله ادفة إلى إظهار الحقيقة ،أو حماية حقوق الدفاع ،أو الحفاظ على بعض االعتبارات االجتماعية
51
أو األسرية.
-الفصل 493من مجموعة القانون الجنائي الذي يوجب في معرض إثبات الجرائم المنصوص
عليها في الفصلين 490و ، 491واألمر هنا يتعلق بكل من جريمتي الخيانة الزوجية ،والفساد.
أن يتم إثباتها بإحدى الفرضيات التالية كوسائل إلثبات تقيد حرية اقتناع القاضي ومبدأ الحرية في
اإلثبات ،إما بمحضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على
اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي.
يبقى السؤال المطروح ما هي الجهة التي يقع عليها عبء اإلثبات هل تكون دائما قضائية ،أم غير
قضائية سواء في شخص المدعي بتعرضه لفعل مجرم في القانون الجنائي أم المشتبه فيه؟ وهل التشريع
الجنائي يأخذ بمرجعية محددة بخصوص القيمة اإلقناعية لوسائل اإلثبات المثارة أمامه؟
50عبد الواحد العلمي" :شرح قانون المسطرة الجنائية" ،الجزء الثاني في "التحقيق اإلعدادي والمحاكمة" طبعة جديدة
،2000نظيم القضاء الجنائي -االختصاص -االختصاص-اجراءات المحاكمة-وسائل االثبات ،ص .246
51ما أنه البد من التأكيد على ضرورة التقييد بوسائل إثبات محددة بمقتضى نصوص خاصة ،في هذا الصدد قرار
زجري رقم ملفه 9128عدد 91 /27457صدر عنه بتاريخ 24 /9 /27مأخوذ من كتاب" :دليل القاضي في العمل
القضائي المدني" للدكتور عمر بوحموش الطبعة ،2001و جاء فيه "على المصاب في حادث سير على ذوي حقوقه أن
يدلوا للمحكمة بما يثبت األجر أو الكسب المهني".و في حالة عدم إثبات األجر أو الكسب المهني يفترض من المصاب أجر
يوازي الحد األدنى الوارد بالجدول المرفق بالظهير المذكور ,فقواعد هذا الظهير( ) 84 /10/ 2تعتبر أمرة ال مجال
الستعمال السلطة التقديرية معها.
28
ثانيا :عبء اإلثبات في المادة الجنائية
نقصد بعبء اإلثبات تحديد من المسؤول عن تقديم الدليل ،من الطرفين :جهة االتهام أو المتهم ،ولما
كان األصل في اإلنسان البراءة كان على من يدعي خالف هذا األصل إثبات ما يدعيه ،فلما كانت النيابة
العامة هي الموكول إليها سلطة االتهام ومهمتها إسناد الواقعة اإلجرامية إلى المتهم المقامة عليه الدعوى
للتوصل إلى الحكم بإدانته ،فإن عبء إثبات التهمة على عاتقها ،ويساعدها في ذلك المطالب بالحق المدني
إن وجد ،فإن عجزت النيابة العامة عن إقناع المحكمة قضت هذه األخيرة بالبراءة طالما لم يقع الدليل على
المتهم.52
يحمل اال تهام عبء االثبات ،أي تحمله النيابة العامة وهذه القاعدة تطبيق لمبدأ عام هو البينة على
من ادعى وهذا مبدأ عام يسري على فروع القانون كافة ،وسنده هو األصل في اإلنسان البراءة.
فإن عبء اإلثبات يتحمله من يدعي خالف هذا األصل ألنه ال معنى ألن يكلف الشخص المراد
مساءلته جنائيا بإثبات أنه بريء وهو كذلك بحب األصل ،سواء من الجريمة أو من االلتزام ،ولما كان
المدعى يقول بخالف هذا األصل ،فقد تعين عليه أن يثبت ادعاءه ،ويثبت توافر جميع أركان الجريمة
وبالنسبة لكل ركن على حده ،فإنه يتعين عليه أن يثبت جميع الوقائع المتطلبة لوقوع الجريمة ومسؤولية
ولما كان المتهم يحاول تبرئة ساحته مما نسب إليه ،فإن عبء نفي التهمة يقع على عاتقه، 53
المتهم عنها.
فإذا دفع المتهم أنه قام لديه مانع من موانع العقاب أو من موانع المسؤولية أو في حالة دفع المتهم بتوافر
سبب من أسباب االباحة لمصلحته ،فعليه إثبات ما يدعيه.
فهل يكفل بإثبات الوقائع التي يقوم سبب االباحة عليها دفعة؟ حيث أنه أصبح مدعيا واألصل أن يقع
عليه عبء إثبات ما يدفع ،وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن هذا األصل يطبق في هذه الحالة فيجب على
المتهم أن يثبت صحة دفعه وهذا الرأي محل نقد ذلك أن النيابة العامة ال تعتبر خصما عاديا للمتهم وانما
هي تمثل المجتمع ،فيجب أن تحرص على حريات األبرياء وحرصها على ادانة المجرمين ،هذا فضال
على أن المتهم ال يملك من الوسائل ما تملكه النيابة العامة من حيث امكانيات االثبات وأقدر منه على أن
52أنيس حسيب السيد المحالوي" :القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي بوسائل االثبات الحديثة" مرجع سابق ،ص .27
53د .محمود نجيب حسنى" :االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية" ،دار النهضة العربية ،سنة ،1992
ص .61 – 66
29
تكشف للقاضي الحقيقة في شأن هذا الدفع 54.هنا يجب أن يقع عبء االثبات بالنسبة لهذه الدفوع على عاتق
النيابة العامة ويرد على هذه القاعدة بعض االستثناءات:
-مثل تقرير المشرع لبعض المحاضر إثبات الجرائم حجية خاصة ،بحيث يتعين على القضاء أن
يسلم بما أثبت فيها ويعنى ذلك إعفاء النيابة العامة من اثبات ذلك وتحميل المتهم عبء عكسه ،وفى بعض
الحاالت يسبغ المشرع حجية قوية على المحضر ،فال يسمح للمتهم بإثبات عكس ما ورد فيه إال عن طريق
طعنه بتزويره.
-ويدخل في هذه االستثناءات القرائن القضائية حيث تخول للقاضي أن يستنتج من واقعه معلومة
واقعه مجهولة ،أو بتعبير أخر أن يستنتج من واقعة معلومة واقعة أقام االتهام الدليل عليها واقعة أخرى لم
يرد عليها اثبات ،مما يعادل اعفاءه من عبء االتهام.55
في حالة العجز عن إثبات ما وقع االدعاء به بالدليل القاطع ،فما على القاضي الجنائي إال براءة
المتهم المفترضة أصال ،بل له -أكثر من ذلك -أن يعلن البراءة حتى ولو قدم دليل في القضية لم يتمكن
معه القاضي من تكوين قناعته التامة في الجريمة المنسوبة إلى المتهم بسبب الشك ،ألن الشك كما هو
معلوم يفسر لمصلحة المتهم دوما.56
بل يجب إدانة المتهم عندما يقع الدليل القاطع على ارتكابه الجريمة بحيث يقتنع القاضي اقتناعا يقينا
بارتكابه الجريمة ونسبتها إلى المتهم ،فإذا ثار الشك لدى القاضي في صحة أدلة االثبات وجب أن يميل إلى
جانب األصل وهو البراءة ،أي أن الشك يجب أن يفسر لمصلحة المتهم 57حيث إذا لم يكن هناك دليل على
إجرامه فإن ذلك يعد قرينة قانونية على براءته.
54محمود محمود مصطفى " :االثبات في المواد الجنائية" ،القاهرة ،مطبعة جامعة القاهرة ،سنة ،1911ص – 55
.49
55محمود نجيب حسنى " :االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية" ،مرجع سابق ،ص.69
56عبد الواحد العلمي ":شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية" ،مرجع سابق ،ص .378
57فوزية عبد الستار " :شرح قانون االجراءات الجنائية" ،دار النهضة العربية ،الطبعة االولى ،1977ص .514
30
المطلب الثاني :خصوصية االثبات في بعض جرائم األعمال على ضوء القوانين
الخاصة
لإلثبات في ميدان األعمال مكانة خاصة تضاهي تلك التي يتبوأها في المجال الزجري ،لهذا فقد
أواله المشرع المغربي عناية واضحة سعيا منه إلى إثبات الجنح أو المخالفات ،وإسناد مسؤوليتها إلى
مرتكبيها تجنبا ألي ظلم أو جور ،وحرصا على عدم اإلفالت من العقاب.
فالمشرع لم يقيد اإلثبات في هذا المجال ،ولم ينص على آليات معينة تتحقق بها وحدها إقامة الدليل،
بل صرح بأنه يمكن اإلثبات بكل الوسائل الممكنة .حيث يمكن إثبات هذه األفعال بجميع الطرق القانونية،
ومن هنا ،يتضح أن كافة وسائل اإلثبات المعروفة في الميدان الجنائي يمكن اعتمادها في إثبات الجريمة،
كالمعاينة واالعتراف والقرائن والمحاضر وغيرها.
إال أن المشرع أفرد فصوال تتعلق باإلثبات في مجال األعمال ،من ضمنهم مدونة الجمارك كنمودج،
التي نستخلص منها بعض خصوصيات اإلثبات ،58من بينهم الفصل 234الذي نص في فقرته األولى "
أنه تثبت األفعال التي تشكل خرقا للقوانين واألنظمة الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث".
ولكن حديثنا في هذا العرض ،سيتمحور حول اثنتين فقط من آليات اإلثبات ووسائله ،لما لهما من حضور
قوي في هذا النطاق ،ولكثرة اعتمادهما في العمل القضائي ،وهما القرائن القانونية ،والمحاضر على
اختالفها .وبعدها سنشير الى اثبات الجرائم المتعلقة بالقانون الضريبي الذي يتجسد أساسا في تحديد الجرائم
الجبائية والجرائم المترتبة عنها وكيفية اثباتها ،وكذا المساطر الجبائية والجنائية التي ترافق مسلسل الجريمة
الضريبية ابتداء من تاريخ ارتكابها والكشف عنها الى االنتهاء بتوقيع الجزاء على القائم بها.
من هنا سنقسم المطلب الى االثبات في الجرائم الجمركية (الفقرة األولى) وبعدها االثبات في جرائم
التهرب الضريبي على ضوء القانون الجنائي والقوانين الخاصة (الفقرة الثانية).
31
الفقرة األولى :االثبات في الجرائم الجمركية
بالرغم من خضوع اإلثبات الجمركي للقواعد اإلجرائية المعمول بها في البحث والتحقيق والمحاكمة
المحددة في قانون المسطرة الجنائية بوضوح ،إال أن ثمة أمور يمتاز بها عن اإلثبات الجنائي وفي مقدمتها
قلب عبء اإلثبات من النيابة العامة (كجهة قضائية) وإدارة الجمارك (كجهة إدارية) إلى شخص المتهم
وبالتالي هدم "قرينة البراءة" ،بوصفها من المبادئ الراسخة في األنظمة القانونية الحديثة.
ومن هنا ،ندرك جيدا خطورة العمل القاضي في المواد الجمركية ،ألنه يترتب عن أحكامه مساس
بحرية األشخاص ،بخالف ما نجده مثال ،في القضاء المدني ،لذا كان لزاما في هذا الصدد ،تحري األدلة
واإلثباتات قبل النطق بحكم يدين المتهم .ف"إذا كان القاضي المدني يكتفي بما عرض عليه من وثائق من
جانب األطراف ،فإن القاضي الجنائي يتقصى ما حدث بالفعل ،ال ما رغب األطراف في ْ
إطالعه عليه،
فال يمكن الحكم باإلدانة ،وبالتالي إنزال العقاب دون الحصول على أدلة قاطعة ،ال تترك مجاال للشك في
إسناد الفعل اإلجرامي ،كما أن الهدف من اعتماد وسائل اإلثبات هو حماية المشتبَه فيه من تجاوز السلطات
المكلفة بالبحث والتحقيق في حدود الصالحيات الموكولة إليها ،وبالتالي تحقيق الغاية النبيلة المرجوة من
هذا الحق ،والمتمثل ة في تالفي األخطاء القضائية" .59كما يستفاد من هذا اإلثبات وأحكامه القانونية ،في
مجال العمل القضائي ،وهو ما يعكسه حجم األحكام والقرارات الصادرة عن أجهزة العدالة في هذا اإلطار .
إذا كانت القرائن أثير من حولها نقاش مستفيض في التشريعات الجنائية ،أسفر عن اقتناع بعضها
بالتخلي عن القرائن نهائيا ،وعدم االعتداد بها في مجال اإلثبات ،وعن لجوء بعضها اآلخر إلى تضييق
نطاق تطبيقها لتقتصر على المخالفات وبعض الجنح فقط ،إال أن القانون الجمركي لم يعرف مثل ذلك
النقاش والجدال ،بل عمل بمقتضى تلك القرائن ،لما لها من أثر واضح في مكافحة الغش والتهريب ،وأكثر
من ذلك نجده قد توسع فيها ،ولم يحصرها في ماديات الجريمة فحسب ،بل تجاوزها إلى قرائن اإلسناد
والمشاركة واالستفادة وغيرها مما يمت بصلة إلى الركن المعنوي للجريمة الجمركية ،وقد سار المقنن
الجمركي المغربي في هذا المتجه.
فرض المشرع الجمركي على ناقل البضائع ،في حالي التصدير واالستيراد ،جملة من االلتزامات،
59محمد ابريكي :المفيد في المصطلحات الجنائية ،مطبعة شمس برينت ،الرباط ،ط ،2008 ،1ص .15
32
وألزمه بالتقيد بعدد من الشروط ،حتى يكون سلوكه المادي مشروعا أو قانونيا ،واعتبر -بالمقابل -أي
خروج عن تلك القيود والشروط مخالفة جمركية تستوجب العقاب ،وبالتحديد فإنه قد وصف فعله ذاك
بالتهريب ،وعين قرائن دالة على حصوله.60
فالناقل الذي تضبط عنده بضاعة منقولة بصفة غير قانونية ،إما لعدم مرورها بمكتب جمركي في
خط حدودي أو ميناء أو مطار ،وإما لعدم تقييد تلك البضاعة في السجل التجاري أو ورقة الطريق ،...يعد
مهربا ،وفعله قرينة ذات حجية قاطعة على ارتكابه مخالفة جمركية ،يستحق عليها عقوبة .ويترتب عن
ذلك أنه ال يمكنه إثبات براءته عن طريق تقديم الدليل العكسي لتبرير النقل القانوني للبضاعة ،كما أنه ال
يمكنه إثبات حسن نيته ها هنا ،حتى وإن كان فعله الموصوف بأنه مخالف للتشريع الجمركي ،ناجما عن
خطإ تسببت فيه إدارة الجمارك ،أو عن إهمال من قبل أعوان هذه األخيرة ،أو نتيجة لظروف أخرى،
كإضراب هؤالء الذي عطل ذلك المرفق .فالمشرع هنا تمسك بفعل النقل كواقعة تم ضبط الشخص عليه،
ولم تكن ملتزمة بالمقتضيات القانونية ،لذا يتخذ ذلك قرينة على الجريمة ،ال يمكن قبول أي طعن فيها ،أو
أي تذرع بأسباب خارجية ،ما عدا حالة واحدة فقط أعطي المتهم حق دفع قرينة التهريب بفعل النقل غير
القانوني للبضائع ،والتملص منها ،بوصفها تحيل إلى سبب أجنبي غير متوقع لم يكن(Force majeur) ،
وهي حالة القوة القاهرة بإمكان الناقل دفعه أو تالفيه .وقد أشار إليها المشرع الجمركي كقاعدة عامة ،وإن
لم يعرفها كما فعل المقنن المدني.61
فإن إدارة الجمارك تعفى من إثبات الركن المادي للجريمة الجمركية عند ضبط ناقل يحوز بضاعة
بطريقة غير قانونية ،لكونها المستفيدة من هذه القرينة التي تلصق بموجبها الصفة التهريبية بتلك البضاعة.
وعليه ،فهي غير ملزمة بإثبات أن هذه األخيرة عبرت أو كانت ستعبر الحدود على نحو القانوني .كما أن
المحكمة ال يمكنها تبرئة الناقل على أساس الشك بمسوغ عدم تأكده من المرور غير القانوني للبضاعة عبر
الحدود .وقد سار المشرع الجمركي الفرنسي في هذا االتجاه في المادة 600فنص على أن البضائع
المحظور تصديرها التي تمر وراء أول مكتب للجمارك ،وتسلك ممرا مختلفا ،تعتبر مصدرة عن طريق
الغش أو التهريب .وأيده القضاء الفرنسي في كثير من قراراته ،من مثل ذاك الصادر عن محكمة النقض
الفرنسية بتاريخ .26/02/1948
حسب منطوق الفصل 181من م .ج .ض .غ .م .تقوم جريمة التهريب بفعل الحيازة غير القانونية
في حق الشخص الذي قام ببيع أو تفويت تلك البضاعة إذا لم يتمكن من اإلدالء بما يثبت ذلك خالل أجل
محدد قانونا .اذ أثارت عبارة وردت في الفصل المذكور نقاشا بين الفقهاء والباحثين ،فاعتبرت الجريمة
33
الجمركية قائمة بمجرد عجز الحائز عن تقديم اإلثباتات لعون الجمارك عند طلبها منه .وهو ما عد مساسا
صارخا بحقوق الدفاع ،وحرمان المتهم من حقه في إثبات براءته من المنسوب إليه .ولم تكن اإلدارة وال
جهاز العدالة بحاجة إلى إثبات جريمة الحيازة غير القانونية على غرار في جريمة التهريب بفعل النقل
غير المشروع للبضائع.
وأمام هذا الوضع ،كان ال بد من إعادة النظر في كيفية تعاطي المشرع الجمركي مع إشكال "اإلثبات
الفوري" ،لما ينطوي عليه من ظلم للمتهم ،فعمد إلى إجراء تعديل بمقتضى ظهير 06/05/200الذي
أعطى للحائز ،الذي يدعي امتالكه إثباتات ومستندات تؤكد براءته ،مهلة 48ساعة لإلدالء بما يدحض
قرينة الحيازة غير القانونية ،السيما وأنها تكون في مكان آخر ال يمكن معه تقديمها فوريا للعون بمجرد
طلبها .وعليه ،أضحت هذه القرينة – بمقتضى التعديل المذكور – مجرد قرينة بسيطة ،وليست قطعية،
بحيث يسمح للمتهم باإلدالء بما يبطل قرينة االحتياز غير المشروع للبضاعة ،ويدعم -بالمقابل -قانونية
امتالكها.
يكتسب المحضر حجية قانونية بمجرد توفره على جميع البيانات التي حددها المشرع في مدونة
الجمارك ،إال أن هذه الحجية تختلف حسب عدد األعوان المحررين للمحضر الجمركي ،وأيضا حسب ما
إذا ما كان المحضر متضمنا إلثباتات مادية من عدم توفرها عليها.
لدى اعتبر المحضر الذي يحرره عونان أو أكثر ،والمتضمن إلثباتات مادية ،مكتسبا لقوة ثبوتية
مطلقة ،ال يجوز الطعن فيها إال بالزور ،في حين اعتبر المشرع المغربي المحضر المحرر من قبل عون
واحد أو أعوان تابعين إلدارة أخرى 62يمتلك حجية نسبية ،أي هي تلك التي يمكن إثبات ما يخالفها ،وهي
التي تتضمن صدق اإلقرارات والتصريحات ،وذلك حسب ما نص عليه الفصل 242من المدونة المذكورة.
ولكي يكتسب المحضر الجمركي حجية ،سواء كانت نسبية أو مطلقة ،ال بد من أن يتضمن جميع البيانات
المنصوص عليها في الفصل 240من مدونة الجمارك ،وإال كان مصير المحضر هو البطالن.
من القانون الجمركي المغربي يقابله الفصل 235من القانون الفرنسي ،الذي يمنح نفس القيمة
للمحاضر المنجزة من قبل أعوان إدارة أخرى ،عكس المشرع المغربي الذي قصرها على أعوان اإلدارة
فقط .وبالتالي ،نسجل نقطة إيجابية في هذا النص ،الذي يعتبر متقدما بالفعل ،ويدع الطعن بإثبات العكس
في غير تحرير المحاضر من قبل أعوان اإلدارة .ومن األمثلة على هذا النوع من المحاضر الفصالن 65
حسن البكري :الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية ،مكتبة الرشاد ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى لسنة 2008ص .76 62
34
و 66من القانون 10أكتوبر 1917بشأن مخالفات المياه والغابات ،والفصل 28من ظهير 11أبريل
1922المتعلق بالصيد في المياه الداخلية.
ونظرا للقوة المطلقة للمحاضر الجمركية المنجزة من قبل عونين لإلدارة ،فهي قد تكون ضد العدالة
القانونية نظرا لعدم اشتغال هؤالء األعوان تحت إمرة النيابة العامة ،مما قد يتعسف معه في استعمال
هذا الحق .كما أنه في هذه الحالة ،ليس للقاضي أن يحكم باعتقاده الصميم ،بل عليه أن يأخذ بما جاء في
المحضر إذا كان صحيحا في الشكل فقط ،بينما يرى جانب من الفقه أن الحجية ال تعطل السلطة التقديرية
للمحكمة ،مؤكدا أن العلة من وراء إضفاء هذه الحجية على هذا النوع من المحاضر ترجع إلى صعوبة
اإلثبات في الجرائم التي تتناولها ،بحيث قد يتعذر اإلثبات بالطرق العادية ،كالشهادة واالعتراف .63ويمكن
إرجاع األسباب التي جعلت المشرع يضفي هذه الحجية القوية على هذا النوع من المحاضر إلى:
-صعوبة اإلثبات في المواد الجمركية :ذلك أن اإلثبات غالبا ما يتم في أماكن نائية ومعزولة ،بحيث يصعب
اكتشاف وإثبات الجرائم ال مرتكبة فيها ،وحيث ال يوجد شهود للتدليل على ارتكابها ،باستثناء األعوان
القائمين بالرقابة في هذه المناطق الحدودية ،من جمارك ودرك وشرطة.
-طول الحدود الجمركية ،وتشعبها ،وصعوبة المسالك والممرات :أمور تجعل من المستحيل توفير
اإلمكانيات المادية والبشرية الكافية لغرض فرض الرقابة الالزمة على طول هذه الحدود ،وضبط المتهمين
وهم يعبرون الحدود ذهابا وإيابا بالبضائع محل الغش ،مما استوجب تدخل المشرع بوضع قرائن قانونية
تسهل أمر إثبات جرائم التهريب ،وتمكن إدارة الجمارك والنيابة العامة من متابعة المتهمين ،وإن ضبطوا
بعيدا عن الحدود الجمركية داخل النطاق الجمركي أو حتى خارجه في بعض الحاالت ،وهم ينقلون أو
يحوزون بطريقة غير قانونية بضائع محل الغش ،وهو ما يشكل ضمانة معتبرة إلفالت العديد المهربين
من العقاب ،ومواجهة أساليبهم المتطورة في مجال التهريب.64
-عدم اكتراث الجمهور بالمخاطر التي تهدد المصلحة العامة في الجريمة الجمركية :فمن يغش ضد القانون
الجمركي ويكتشف أمره ،كثيرا ما يعتبر ،في نظر الجمهورضحية أكثر من اعتباره مذنبا ،بل ويعتبر أحيانا
بمثابة بطل ،مما يجعل كرامة المتهم في الجريمة الجمركية غير مهددة بإدانة محتملة ،وال يفقده اعتباره
بين الناس .وفي ظل هذه لوقائع ،يبدو أنه من الصعب جدا أن تتمكن إدارة الجمارك من جمع األدلة الكافية
63الحبيب بيهي :شرح قانون المسطرة الجنائية الجديدة ،مرجع سابق ،ص .301
64العيد سعادنة :اإلثبات في المادة الجمركية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،جامعة باتنة /الجزائر ،الموسم الجامعي ،2005/2006ص .224
35
إلثبات الجريمة الجمركية ،وبالخصوص جرائم التهريب ،مما يقتضي -بالتالي -اإلبقاء على القرائن
القانونية والحجية الخاصة للمحاضر في مجال اإلثبات الجمركي.65
الفقرة الثانية :االثبات في جرائم التهرب الضريبي على ضوء القانون الجنائي
والقوانين الخاصة
جرم المشرع المغربي كل أفعال االمتناع التي تؤدي إلى اإلخالء بالنظام الضريبي ،الشيء الذي
جعله يسن قوانين خاصة بالضرائب تعاقب على كل المخالفات التي تمس بهذا القانون ،على اعتبار أن
الضريبة تشكل أحد موارد الخزينة العامة للدولة ،التي بواسطتها تستطيع تنفيذ خططها التنموية وسياستها
االقتصادية 66وذلك بقصد تمويل نفقات عمومية.67
وموضوع القانون الجنائي الضريبي يستهدف مقاربة بين القانون الضريبي والقانون الجنائي،
و تتجلى هذه العالقة في الحالة التي تصبح فيها بعض التصرفات المرتبطة بالضريبة ،جريمة معاقب عليها
جنائيا.
يعد التهرب الضريبي جرما يعاقب عليه القانون في معظم بلدان العالم ،ويعرض الضالعين فيه
للمساءلة أمام القضاء وعقوبات مدنية وجنائية ،قد تصل إلى السجن .حيث عرف المغرب أول محاولة
لتجريم الغش الضريبي مع مشروع قانون اإلطار في سنة 1984في فصله 27حيث اقترحت ألول مرة
عقوبة الحبس ،وهكذا ورد في هذا النص ما يلي " سيجعل من الغش في ميدان الضرائب جنحة يعاقب
عليها القانون الجنائي" ،وانتظر المشرع المغربي الى غاية سنة 1996من أجل تجريم الغش الضريبي
وذلك بموجب قانون المالية االنتقالي لسنة .1997/1996
ويجب التمييز في هذا المجال بين التهرب الضريبي -المجرم قانونا -والتجنب الضريبي
Tax Avoidanceالذي يكون ب طرق وأساليب مشروعة ال يحاسب عليها القانون ،وإن كان بعضها
مدفوعا بنية استغالل الثغرات الموجودة في نصوص القوانين بنية تجنب الضريبة أو تخفيضها إلى أقصى
حد ممكن.
66نقال من مقال "القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية في التشريع المغربي" ،م .س.
66ادريس النوازلي " :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،مرجع سابق ،الجزء األول ،ص.129
67محمد شكيري" :القانون الضريبي المقارن" ،دراسة تحليلية ونقدية ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،
سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،العدد ،49السنة ،2004ص .33
36
أوال :ماهية التهرب الضريبي والغش الضريبي
تتميز الجريمة الضريبية عن غيرها من الجرائم بأنها تتضمن اعتداء على الخزينة العامة ،وتعرف
كذلك بكونها كل فعل أو امتناع يترتب عليه اإلخالل بمصلحة ضريبية يقرر القانون على ارتكابها عقابا.68
ذلك أن الحديث عن الضرائب هو حديث عن واحد من أصعب القضايا في الفكر السياسي ،واالقتصادي
واالداري ،ليس في كونها مورد أساسي للخزينة العامة ،بل العتبارها األساس الحقيقي في تحديد دور
الدولة وحدود ومكان الفرد ومسؤوليته.
فالحديث عن الجرائم الضريبية ،يؤدي بنا مباشرة إلى التحدث عن التهرب الضريبي والغش
الضريبي ،باعتبارها يكونان الوجه األساسي للقانون الجبائي الجنائي.69
ويجب تحديد المصطلحات بين التهرب الضريبي والغش الضريبي والتمييز بينهما ،إذ يتفق أغلب
الفقه على أن التهرب الضريبي يعني التخلص من عبء الضريبية كليا أو جزئيا دون مخالفة القانون،
ويتحقق بعدم قيام الفرد بالعمل الذي من شأنه أن يؤدي إلى حصول الواقعة المنشأة للضريبة ،كأن يمتنع
عن زيادة دخله إلى حد معين حتى ال يخضع للضريبة التصاعدية ،أو باتخاذ موقف إيجابي وذلك باستغالل
الثغرات والنقائص التي تكتنف النصوص الجبائية دون خرق قواعدها ،كأن تلجأ الشركة إلى توزيع أرباحها
في صورة أسهم تصدرها بدال من النقود متى كان القانون يقرر استحقاق الضريبة عند توزيع أرباح الشركة
على المساهمين نقدا ،أو كأن يهب المورث أمواله إلى وورثته خالل حياته حتى ينالوا تركة خالصة من
الضريبة.70
أما الغش الضريبي ،فيعرف بكونه كل الحركات المادية والعمليات القانونية والمحاسبة وكل الوسائل
والترتيبات التي تلجأ إليها المكلف أو الغير بهدف التخلص من دفع الضرائب والمساهمات.
وتتفق كل النصوص الضريبية على تعريف الغش أو التهرب الضريبي كاالتي :استعمال طرق
احتيالية للتملص أو محاولة التملص كليا أو جزئيا من تصفية أو دفع الضرائب والرسوم المفروضة.71
وإذا كان التهرب الضريبي حسب مفهومه السابق ال يشكل جرما وال يترتب عليه بالنتيجة أي جزاء،
فإن الغش الضريبي على خالف ذلك ،ينطوي على سلوك مجرم يستوجب متابعة وقمعه ،اعتبارا ونظرا
68أحمد فتحي سرور" :الجرائم الضريبية" ،دار النهضة العربية ،الطبعة االولى ،1990ص .36
69للتوضيح أكثر راجع:
عبد الرحيم حريكز" :إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب " ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ،وحدة التكوين والبحث
في المالية العامة ،جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء.2004/2003 ،
70أنظر المادة 206من مدونة الضرائب المغربي.
71ادريس النوازلي " :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،مرجع سابق ،الجزء األول ،ص.133
37
ألهمية الضريبة ومركزها في ميزانية الدولة خاصة مع اتساع مجال االستثمار من مداخل جبائية معرضة
أكثر من أي وقت مضى لإلفالت والتخلص من أدائها.
من خالل اإلثبات تتحقق للضريبة مشروعيتها سواء على مستوى الفرض أو التحصيل ،ومن خالله
أيضا تضفي المصداقية على أي امتياز جبائي قد يطال به الملزم سواء بإعفائه كليا أو جزئيا من الضريبة.
كما أن أهمية اإلثبات الجبائي تكمن أيضا في أنه يمكن اإلدارة الضريبية من إثبات وجود إلتزام بأداء
قدر معين من المساهمة في مواجهة شخص طبيعي أو معنوي في وقت تعتبر فيه الضرائب غير مرغوب
فيها من طرف الجميع ،هذا مع أن الجميع يعلم بأن الدولة ال يمكنها أن تحقق شيئا بدون أموال.
والمالحظ على مستوى القانون الضريبي المغربي أن هناك غياب ألية مقتضيات خاصة باإلثبات
في المادة الجبائية تتناول بالتحديد وبشكل صريح ومباشر المواضيع األساسية لهذا اإلثبات ،وتوزيع عبئه
وو سائل مناقشته والبحث عنه باستثناء بعض المقتضيات البسيطة الواردة في المادتين 149و 141من
المدونة العامة للضرائب.
لهذا ارتئينا البحث عن أهم معايير توزيع عبئ اإلثبات الجنائي في المادة وكذا خصوصية وسائل
اإلثبات في هذا المجال.
باعتبار أنه ال يمكن أ ن يوجد نص قانوني وال قاعدة موحدة من شأنها تنظيم عبئ اإلثبات في المادة
الجبائية على غرار ما عليه األمر في المادة الجنائية الذي تحكمه قادة البينة على المدعي ،سنحاول من
خالله الكشف عن جملة من القواعد أو المعايير التي تتحكم في توزيع عبئ اإلثبات في المادة الضريبية،
وكذا الحاالت التي يكمن أن يعفى فيها األطراف من عبئ اإلثبات.
علما أن اإلدارة تتمتع بحرية اإلثبات ،أي حرية اللجوء إلى أي وسيلة ،في حين أن الملزم مقيد
72
بالوسيلة التي حددها القانون المتمثلة في تقديم تصريح بذلك لإلدارة الضريبية
والمقصود هنا وجوب تحميل عبئ اإلثبات للطرف الذي كلفه المشرع باحترام إجراء أو مسطرة معينة،
ويكون ذلك حسب مجموعة من الحاالت نذكر من أهمها:
72كريم لحرش :شرح القانون الضريبي المغربي (وفقا لمستجدات قانون مالية ،)2014سلسة الالمركزية واإلدارة
الترابية ،العدد ،23مطبعة طوب بريس ،الطبعة الثانية2014 ،
38
-اإلدارة هي من تتحمل عبئ اإلثبات في حالة الفرض التلقائي وتباشر إجراءاته ،وبالتالي تلتزم
بإثبات مدى توفر موجبات اتباع هذه المسطرة المنصوص عليها في المواد 228و 229من المدونة العامة
للضرائب ،في حين يتحمل الملزم عبئ إثبات وجود تعسف في التقدير.
-اإلدارة والملزم يتحمالن عبئ اإلثبات في مسطرة التبليغ حسب من يباشر المسطرة ،إما اإلدارة
أو اللجن في مواجهة الملزم أو الملزم في مواجهة اإلدارة أو اللجن الضريبية.
والقاعدة هنا تقضي بأ ن من تحمل عبئ القيام بإجراء معين يتحمل عبئ إثبات قيامه بهذا اإلجراء
على الوجه القانوني المطلوب ،بينما يتحمل الطرف اآلخر إثبات العكس ،وهذه القاعدة منطقية ومقبولة
باعتبار أنه يجب تحميل عبئ اإلثبات للطرف الذي يحوز وسيلته.73
كما يقع عبء اإلثبات على إدارة الضرائب ،يقع كذلك على عاتق النيابة العامة ،كما يتعين على
قاضي الحكم في حالة اإل دانة بجريمة الغش الضريبي إبراز الركن المعنوي وإال كان حكمه مشوبا بالقصور
في السبب .وتقام البينة على توفر سوء النية لدى الجاني في غياب اإلقرار ،وذلك انطالقا من الظروف
والوقائع التي تحيط بالجرم ،إذا يمكن على سبيل المثال ،استخالص سوء نية المكلف في حالة معاينة
مخالفات مستندة على حساب غير صحيحة أو مزورة من كون المكلف بالضريبة المخالف ،متمرس وذو
دراية وخبرة في هذا المجال.
ينص المشرع على أن إثبات المخالفات هنا ال يمكن أن يتم إال بناء على محضر يحرره
مأموران بإدارة الضرائب من درجة مفتش على األقل ينتدبان خصيصا لهذا الغرض ،ومحلفين وفقا
للتشريع الجاري به العمل ،كما ال يمكن إثبات هذه المخالفات إال في إطار مراقبة ضريبية.
إذا كان المدين الملزم قد اصطنع حالة عسر لعرقلة عملية التحصيل والتملص من أداء واجبات
الدولة ،فإن المحاسب يكون مضطرا إلقامة ا لدليل على كون الطرف األول غير معسر ،وله رغبة في
التهرب من أداء وتسديد حقوق الخزينة ،عمال بمبدأ "البينة على من ادعى" .والعبء هنا يقع على عاتق
اإلدارة التي تتهم المكلف بعملية التسديد ،ألنها هي التي تدعي ذلك ،كما أن عليها أن تربط تلك التصرفات
73موالي عبد الرحمان أبليال" :اإلثبات في المادة الجبائية من القواعد العامة وخصوصيات المادة" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه ،.جامعة القاضي عياض ،مراكش ،السنة ،2007 – 2006ص.268 :
39
بالغاية منها ،وه ي عدم خضوع تلك األموال للتحصيل ،أي البد من إثبات العالقة السببية بين الفعل
اإلجرامي والغاية المقصودة منه مباشرة.74
ويمكن اعتبارا عدم استجابة المكلف بالضريبة لإلنذارات الموجهة له من طرف إدارة الضرائب
قرينة بسيطة على سوء نيته ،حيث تمكن العناصر المثبتة لحسن نية المدين بالضريبة ،في حرصه على
مواعد أداء التزاماته الجبائية ،وكذا في الجهود التي يبدلها لتسديد دينه الجبائي.75
واإلثبات يعتمد فيه بطبيعة الحال على كافة وسائل اإلثبات المعمول بها في الميدان القانوني،
والمنصوص عليها في النصوص التشريعية الجاري بها العمل ،خاصة القرائن البسيطة والشهود ،وغالبا
ما يلجأ المحاسب إلى مواجهة المدين بسند تنفيذي هو عبارة عن جدول ضريبي نافد المفعول ،حامل السم
هذا األخير للمبلغ المطلوب منه.76
74عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي" :اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومية" ،منشورات
المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،22السنة ،2000ص.122
75ادريس النوازلي " :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،مرجع سابق ،الجزء األول ،ص.278
76حفيظ وباسو" :الجرائم الضريبية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة موالس اسماعيل ،كلية
الحقوق مكناس ،سنة ،2010-2009ص .107
40
المبحث الثاني :االثبات في جرائم األعمال بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة
المشرع دائما يكون له الدور األساسي في نظام اإلثبات الجنائي من خالل التحديد المسبق لألدلة
المقدمة في الدعوى والتي يستند إليها القاضي الجنائي .وقد يشترط طرق معينة إلثبات الدليل ،أو يضيف
شروطا معينة للدليل الذي يحكم بناءا عليه بعقوبة معينة ،ولقد مرت وسائل اإلثبات الجنائي بمراحل عديدة
متطورة.
حيث تختلف وسائل االثبات الجنائي في نوعها وأهميتها ،ويبقى الغرض واحد هو الوصول إلى
كشف الحقيقة المتعلقة بالواقعة ونسبتها إلى المتهم .مما يستلزم وضع مقاربة قواعد اإلثبات التقليدية مع
وسائل اإلثبات العلمية الحديثة لخصوصية وحداثة القانون الجنائي لألعمال الذي يتميز بخصائص ال نجدها
في الجرائم التقليدية المنظمة بمقتضى القانون الجنائي العام .ودور هذه الوسائل في إقامة الدليل إلثبات
الحق أو نفيه في جرائم األعمال.
إن ما يميز النصوص الجنائية التي نظمت جرائم األعمال كونها لم تستثني صراحة وسائل اإلثبات
المتعارف عليها في نظام االثبات الجنائي العام ،لذلك فكثير من جرائم األعمال يمكن اثباتها بالوسائل
التقليدية والمتعارف عليها من قبيل االعتراف وشهادة الشهود والقرائن والمعاينات وغيرها ،مادام االثبات
في االخير يبقى عملية برهنة أو تدليل.
سنتطر ق في هذا المبحث للقواعد الخاصة بكل وسيلة من وسائل اإلثبات ،ونظرا لتعدد وكثرة تلك
الوسائل ارتئينا أن نقوم بتقسيم ذلك بحسب الطبيعة التي تميز بعضها عن اآلخر ،وعليه فإننا قسمنا هذه
الوسائل إلى قسمين قسم خاص بوسائل اإلثبات التقليدية (المطلب األول) ،والتي تبقى محدودة في حاالت
عدة عن إثبات الجريمة ،وهو ما يفسح المجال أمام وسائل االثبات المتطورة التي تقوم على الكفاءة العلمية
والفنية وهي المتعلقة بوسائل اإلثبات الحديثة أو العلمية (المطلب الثاني).
41
المطلب األول :اإلثبات الجنائي عن طريق الوسائل التقليدية
اإلثبات هو عملية تدليل وبرهنة على حقيقة نبحث عنها ،وهي قابلة ألن تحمل أكثر من وجه في
سبيل الوصول إلى تحقيق يقين قضائي بواسطة وسائل مختلفة بالنظر إلى القيمة القانونية لكل دليل ،وذلك
بوضع العناصر التي تتأسس عليها الواقعة من حيث االرتكاب واالنتساب ،الشيء الذي يؤدي إلى القول
إلى مدى تأثير اإلجراءات على عملية البحث عن األدلة وعرضها وإقامتها أمام القضاء الذي ينتهي إلى
تقديرها تحديدا لما هو مقبول وما هو محظور ،على اعتبار أن الدعوى العمومية هي صلة الوصل بين
ارتكاب الجريمة وإنزال العقاب وال يتحقق هذا إال بفضل قواعد اإلثبات.77
ال يجادل أحد في أن قواعد اإلثبات الجنائي عن طريق الوسائل التقليدية ،كان مقتصرا على االعتراف
والمعاينة والشهادة والقرائن والخبرة .وأصبح اليوم وإن اقتصر على نفس التسميات كقواعد عامة إال أنه
ألبسها حلة جديدة ولباس جديد وفي قالب الجريمة الحديثة.
وتبقى وسائل اإلثبات العادية ،رغم ارتباطها بالجرائم التقليدية ،قابلة للتطبيق في ميدان جرائم
األعمال ،على اعتبار أن االعتراف وشهادة الشهود والكتابة والقرائن والمعاينات المجردة والتفتيش وغيرها
من الوسائل التي يمكن من خاللها إثبات جريمة األعمال ،لكن تبقى غير ذات فعالية ،ألن الدليل التقليدي
أو العادي ،ال يحقق في كثير من األحيان ،االقتناع المنتظر.
ويمكننا أن نلمس قيمة وسائل اإلثبات التقليدية في إثبات جرائم األعمال من خالل الوقوف على كل
وسيلة على حدة من هذه الوسائل ،األدلة ذات القوة المطلقة وذات القوة المحدودة (الفقرة األولى) ،واألدلة
المقبولة من المحكمة (الفقرة الثانية) كالمعاينة والخبرة.
فاإلثبات بالمعني القانوني هو غير اإلثبات بالمعنى العام ،فاإلثبات بالمعني العام ال يتخصص بأن
يكون أمام القضاء وال بأن يكون بطرق محددة ،بل هو طليق من هذه القيود فالباحث في التاريخ يستجمع
أدلته على صحة الوقائع التاريخية التي يقررها من المستندات التي تحت يده أو من أية طريقة أخرى يراها
كافيه لإلثبات ،وهذا هو شأن الباحث في أي علم.
إدريس النوازلي" :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" الجزء الثاني ،مرجع سابق ،ص .25 77
42
للبينة والقرائن واالعتراف قوة مطلقة في إثبات الواقع المادية والتصرفات القانونية في المواد
التجارية واالقتصادية ،مما يفيد أن قوة شهادة الشهود والقرائن القضائية في مجال إثبات التصرفات الجنائية
هي قوة محدودة ،هذا ما سوف نتطرق له من خالل ما يلي:
هي األدل ة التي تقيد القاضي ،وتكون كأصل عام مقبولة في كافة المواد ،فالقاضي ليست له سلطة
تقديرية بشأنها ،في حال توافرها بشروطها .وتنقسم بدورها الى قسمين :طرق إثبات سابقة وهي الكتابة،
وطرق إثبات الحقة كاالعتراف الذي سيكون موضوع للدراسة.
يبقى أقوى وسائل اإلثبات ،ألنه يشكل شهادة المذنب على نفسه ،ومفروض أنها أقرب 78
االعتراف
للصدق متى كان صريحا ، 79لذلك فإن جميع التحقيقات واألبحاث التي تتم من أجل التحقق من الجرائم
تستهدف دائما الوصول إلى الحقيقة من خالل اعتراف توضيحي من الضنين.
االعتراف هو إقرار المتهم على نفسه ،بصدور الواقعة االجرامية عنه في مجلس القضاء إقرارا
صادرا عن إرادة حرة بصحة التهمة المسندة إليه ،ومتى اطمأنت المحكمة لصدق االعتراف بهذا المعنى
فيعتبر هو من غير جدال سيد األدلة في التطبيق القضائي .80
فكانت في العهد القديم كل األساليب مباحة للحصول على االعتراف حتى ولو بتعذيب المتهم ،وبالتالي
فهو دليل تحيطه الشبهات لما له من ماض مثقل باألوزار ،81حيث أن فكرة التعذيب الزمت اعتراف المتهم،
حيث أنه يحمل في طياته تناقضا بين رغبة المتهم في العقاب وتقديمه بنفسه دليل إدانته.82
وتبدو أهمي ة االعتراف في أنه ال يوجد دليل أقوى على المتهم من إقراره على نفسه بارتكاب الجريمة،
فاالعتراف دليل االثبات األول بل ويعتبر أقوى دالئل االثبات ،ويعتبر االعتراف دليال براقا يتطلع إليه
78يسمى أيضا اإلقرار رغم أن المصطلح األخير يستعمل في المجال المدني ،مقابل ارتباط االعتراف بال مجال الجنائي،
وقد عرف فقهاء المالكية االعتراف بأنه قول يوجب حقا على قائله.
79أحمد أبو الروس" :المتهم" المكتب الجامعي الحديث اإلسكندرية ،الطبعة غير مذكورة ،السنة ،2003ص .113
80محمد زكى أبو عامر " :االثبات في المواد الجنائية" ،محاولة فقهية وعملية إلرسال نظرية عامة ،1995 ،الفنية
للطباعة والنشر ،دار الجامعة الجديدة ،االسكندرية ،سنة ،2011ص .199
81السيد عتيق " :التفاوض على االعتراف" ،في قانون االجراءات الفرنسي في ضوء أحدث التعديالت ،دراسة مقارنة،
الناشر دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة ،2005ص .44
82سامي صادق المال " :اعتراف المتهم" ،رسالة دكتوراه ،جامعة عين شمس ،الناشر :دار الفكر العربي مصر ،الطبعة
االولى سنة ،1968الطبعة الثانية ،1975سنة النشر| ،1986ص .6
43
المحقق والقاضي ،وذلك لإلحساس العام بأن المتهم ال يعترف اال إذا كان ارتكب ال جريمة حقا ومن ناحية
أخرى يطمئن ضمير القاضي إلى صحة اقتناعه ،وخاصة إذا جاء االعتراف مؤيدا بأدلة أخرى .83
ولقد نظم المشرع المغربي االعتراف الجنائي في المادة 293من قانون المسطرة الجنائية ،والتي
جاء فيها" :يخضع االعتراف حجة كغيره من وسائل اإلثبات للسلطة التقديرية للقضاة".
والمشرع المغربي بذلك لم يجعل االعتراف حجة مطلقة ،وإنما جعلها خاضعة للسلطة التقديرية
للمحكمة ألسباب عدة أهمها االحتراز من صدور االعتراف بناء على تهديد أو خوف للمعترف ،أو بغاية
إخفاء الحقيقة ،وإبعاد الغير عن المساءلة الجنائية ،بل إن المشرع المغربي كان أكثر وضوحا عندما نص
في الفقرة الثانية من المادة 293من ق.م.ج على أنه" :ال يعتد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو
باإلكراه."...
فاالعتراف في جرائم األعمال ،يجب التعامل معه بكثير من الحذر ،ليس فقط خوفا من إدانة أشخاص
بريئين ،وإنما أيضا خوفا من توظيف االعتراف من طرف المرتكب الحقيقي لدفع المساءلة الجنائية عنه
وجعل غيره يتحمل وزر ذلك ،نظرا لكون مجال المال والثروة ،يدفع كثير من أصحاب المال إلى دفع
مبالغ باهظة للغير من أجل جعله يعترف بارتكابه أفعال جرمية لم يرتكبها أصال ،وبغاية إعفاء المرتكب
الحقيقي للفعل الجرمي من المساءلة ،فتكون االستفادة متبادلة بين المرتكب الحقيقي للفعل الجرمي ،وبين
المعترف المؤدى له من اعترافه ،فالمسألة بالنسبة لرجال األعمال جزء من نشاطه التجاري يدفع المال من
أجل كسب المال ،في الوقت الذي تفرض الحاجة على بريء ربما يدفعه الطمع في كثير من األحيان إلى
االعتراف بفعل لم يرتكبه.84
التقسيم األ ساسي لالعتراف هو التميز بين االعتراف القضائي وهو ما يصدر أمام قضاء الحكم ،أي
في مرحلة المحاكمة وفى جلساتها ،واالعتراف غير القضائي وهو ما يصدر في غير الحاالت التي يصدر
فيها أمام قضاء الحكم فقد يصدر في مرحلة التحقيق االبتدائي أو في مرحلة من مراحل االستدالل وقد
يصدر أمام احدى سلطات االجراءات الجنائية.85
السيد عتيق " :التفاوض على االعتراف" ،مرجع سابق ،ص .47 83
هشام الزربوح " :خصوصية القانون الج نائي لألعمال بالمغرب" ،مرجع سابق ،ص .350 84
محمود نجيب حسنى " :االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية" ،مرجع سابق ،ص .114 85
44
ب -االعتراف كوسيلة اثبات في جرائم األعمال
فالمعترف بارتكاب جريمة األعمال ،البد أن يخضع تقدير اعترافه للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي،
تطبيقا لمبدأ أن القاضي يحكم بقناعته ،وأن يضمن مقرره القضائي ما يبرر ذلك ،86علما على أن هناك من
التشريعات المقارنة من فضلت أكثر في االعتراف كوسيلة إثبات ونصت على ضرورة عدم تجزئة اعتراف
المتهم ،من ذلك مثال التشريع العراقي ،وهو التفصيل الذي انتقده بعض الفقه ،إال أنه مع ذلك فإن االعتراف
ي جب أن يؤخذ بشموليته وال يمكن للمحكمة أن تجزئه باألخذ ببعضه ،وترك البعض اآلخر ،فعدم تجزئة
االعتراف تطبيق لمبدأ عام في القانون هو عدم تجزئة اإلقرار.
وفي هذا اإلطار يمكن القول على أن االعتراف ،يبقى دليال من األدلة التي يمكن أن يعتمد عليها
لإلثبات الجرائم ،خاص ة جرائم األعمال ،التي قد يصعب إثباتها في غياب اعتراف من المتهم بارتكابها فعل
جرمي ،له عالقة بعالم المال واألعمال .لذلك يمكن القول أيضا أن االعتراف في مجال األعمال ،إن كان
محاطا بمجموعة من المخاطر ،إال أنه مع ذلك وإن كان ال يشكل إثباتا قاطعا ،فإنه على األقل يشكل مؤشرا
يساعد على اكتشاف الجرائم االقتصادية.
وهنا البد من اإلشارة إلى أن القضاء المغربي تشدد في كثير من األحكام في األخذ باالعتراف خاصة
في المجاالت التي لها عالقة بجرائم األعمال ،من ذلك مثال -قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس
الصادر بتاريخ 2003/6/11والذي جاء في إحدى حيثياته" :حيث اقتصر 87
األعلى سابقا) وهو القرار
القرار المطعون فيه عند سرده للوقائع التي ارتكزت المحكمة عليها في قضائها على القول" :حيث يستفاد
من محضر الضابطة القضائية عدد 260وتاريخ 1992/12/2أن المتهم (الطاعن) يتعاطى لإلتجار في
المخدرات دون بيان تاريخ ارتكاب الوقائع المنسوبة للعارض لهذا التاريخ من أهمية في تحديد بدء سريان
أجل تقادم تلك الجنحة خاصة وأن العارض يصرح أمام النيابة العامة بأنه قد انقطع عن اإلتجار في
المخدرات من سنة ، 1988الشيء الذي يكون معه القرار قد جاء ناقص التعليل نقصانا يوازي انعدامه
وهو ما لم يسمح لهذا المجلس بمراقبة حسن تطبيق المحكمة لقواعد التقادم والمتعلقة بالنظام العام ،األمر
الذي يعرض القرار للنقض واإلبطال".
86نصت المادة 286من ق .م .ج" :ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع
القاضي".
87قرار عدد 2/624بتاريخ 2003/06/11في الملف الجنحي عدد ،2000/10884منشور بمجلة العدد التاسع،
نونبر ،2006ص .262
45
إذن محكمة النقض لم تطمئن العتراف المتهم ،ألن اعترافه صدر دون تحديد للتاريخ مما جعلها
بنقض تقضي بنقض وإبطال قرار محكمة االستئناف الصادر بتاريخ 1مارس 2000في القضية عدد
.99/1180
الخالصة أن االعتراف وحده في جرائم األعمال قد يكون كافيا إلثبات الجريمة ،وسبب ذلك راجع
إلى كون الجريمة االقتصادية ذات طبيعة متميزة ومختلفة عن الجرائم العادية ،فالغش في البضائع مثال،
ال يمكن االقتصار إلثباته على االعتراف ،ألن االعتراف وحده في غياب محل الجريمة الذي هو الغش في
البضاعة ،ال يستقيم لوحده إلدانة شخص ما بهذه الجريمة ،ألن القاضي يكون دائما ملزما بتعليل حكمه،
خاصة إذا كان االعتراف المزعوم صدر أمام جهة أخرى غير المحكمة ،وأن الظنين تراجع عن االعتراف
قيد صدور الحكم ،أو كان االعتراف المذكور غامضا وغير واضح.
ان شهادة الشهود تعد من األدلة المحدودة القوة ،باعتبار أن القاضي يملك سلطة تقديرية بشأنها ،هذا
ما سوف يتبين معنا من خالل:
الشهادة إخبار أو رواية يرويها شخص عما أدركه مباشرة بحواسه عن واقعة معينة ،وتأخذ شكل
تصريح يدلي به صاحبه ،ويدون بمحضر ،ويعتمد عليه في اإلثبات بعد أداء اليمين ،وتوفر الشرو ط
القانونية .ومع ذلك فإن الشهادة ال تؤدي دورها إال إذا كانت خالية من الموانع إذ أوجب القانون على
الشاهد ،أداء اليمين القانونية طبقا للمواد 123و 331من قانون المسطرة الجنائية ،وذلك بالصيغة التالية:
"أقسم باهلل العظيم على أن اشهد بدون حقد و ال خوف ،وأن أقول الحق كل الحق ،وأن ال أشهد إال
بالحق" إذ يترتب على عدم أداء اليمين القانونية بطالن الشهادة ،وذلك بصريح نص المادة 331السابقة
التي تنص على أنه "يعتبر أداء اليمين القانونية أمام القضاء من طرف الشاهد ،شرطا جوهريا ،يترتب
البطالن عند اإلخالل به " إذ جاء في قرار عدد 6294ملف جنحي عدد 92/18568بتاريخ 7
يوليوز 1994صادر عن المجلس األعلى (وارد في مجلة القضاء والقانون عدد 49-50م 243ما يلي" :
إن اكتفاء المحكمة بتصريحات الشهود أمام الضابطة القضائية ،ودون حضورهم أمامها ،وأدائهم اليمين
القانونية ،يعد خرق للفصل 323من قانون المسطرة الجنائية ،مما يجعل القرار المطعون فيه بالنقض،
ناقص التعليل ،ويستوجب النقض" .88ويتعين على الشاهد المستدعى ألدائها أن يحضر ،ويدلي بها ،بعد
46
أداء القسم ،على أساس أن المشرع رتب على عدم القيام بهذه الواجبات جزاءات جنائية كالغرامة في حق
هذا الشاهد المتخلف عن الحضور ،أو إلزامه وإجباره على ذلك أو متابعته بدعوى الزور .ومنه نجد
المشرع قد عالج كيفية استدعاء الشهود.
شهادة الشهود تبقى أيضا من الوسائل التي يمكن االعتماد عليها من أجل إثبات جرائم األعمال ،وإذا
كانت النصوص الجنائية المكونة للقانون الجنائي لألعمال ،تطرقت أكثر للوسائل العملية الفنية ،فإن هذا ال
يعني استبعاد شهادة الشهود التي تبقى لها دورها في إثبات وتوضيح كثير من جرائم األعمال ،يجد أساسه
في قانون المسطرة الجنائية ،التي تبقى شريعة عامة على مستوى اإلجراءات واإلثبات ،تمتد لتطبيق على
كل الجرائم التي ينص عليها القانون أيا كان نوعها.
إن المقصود بأنواع الشهادة هي الطريقة التي تؤدى بها هذه الشهادة ،وتنقسم إلى عدة أنواع يمكن
استخالصها من خالل مناقشة الشاهد حول ما أدلى به من معلومات ،بحيث قد يكون شاهدها أو سمعها
بنفسه وهي ( الشهادة المباشرة) ،أو وصلت إلى مسامعه عن طريق الغير أو ما يسمى (بالشهادة غير
المباشرة أو السماعية) ، 89أو وصلت إليه عن طريق أشخاص غير معنيين بذواتهم أي (الشهادة بالتسامح
أو بالشهرة العامة) ، 90باإلضافة إلى أن الشهادة قد تكون (شفوية) وقد تكون (مكتوبة).
االثبات بشهادة الشهود في جرائم األعمال يصطدم بمجموع من الحوائج ،أهمها اعتماد الشاهد على
الذاكرة من جهة ،واعتماده على إدراكه الشخصي أثناء أداء الشهادة من جهة ثانية ،الشيء الذي يجعلها
خطيرة وضعيفة.
اذ من الصعب على الذاكرة تخزين كل المعلومات والوقائع ،فإنه في أحيان كثيرة يصعب على
الشاهد تذكر كل الوقائع والحيثيات المتعلقة بجريمة ما ،خاصة إذا مر على ارتكابها مدة ليست بالقصيرة،
المقيدون بالسر المهني (المادة 2/334من ق.م.ج) -الترجمان الذي يترجم في قضية معينة - ،أو الذي يقل عمره عن
18سنة (المادة 120من ق.م.ج) -القضاة الذين يحكمون في القضية ،أو أعضاء النيابة العامة الذين باشروا المتابعة -
المطالب بالحق المدني الذي أقام نفسه مدعيا بالتعريف ،و هو غير المشتكي الذي لم ينصب نفسه ،و الذي يجوز اإلستماع
إليه كشاهد.و هناك أشخاص يتم اإلستماع إليهم دون أداء اليمين و هم - :األحداث الذي يقل عمرهم عن 18سنة (المادة
- ،)1/332أصول المتهم و فروعه و زوجة (المادة 4/123و - )2/232المحكوم عليه بعقوبة جنائية (المادة
)332و غير أن أداء اليمين من قبل األشخاص المعفيون منها ال يؤدي إلى بطالن الشهادة.
89إدوارد عيد" :موسوعة أصول المحاكمات واالثبات والتنفيذ" ،الجزء السادس عشر ،االثبات ،اليمين ،والشهادة ،
لبنان ،1991ص .172
Marcel Planiol , traité élémentaire de droit civil et compl2 par George R ipert 90
tomme deuxième obligation contrats suretés réelles librairie de droit et jurisprudence
1947.p70
47
بل إنه يكون ملزما بأدائها بشكل شفوي ،وفي ظروف قد تؤثر على كيفية أدائه لها ،أما االستعانة بالمكتوبات
ال يكون إال استثناء .هكذا نصت المادة 337من ق م .ج على أنه" :يؤدي الشاهد شهادته شفهيا ويمكنه
بصفة استثنائية أن يستعين بمذكرات بإذن من رئيس الهيئة.91
لذلك يمكن القول على أن االعتماد على شهادة الشهود إلثبات جرائم األعمال ،وإن كان يساعد على
اإلثبات في بعضها ،ف إنه في البعض اآلخر قد ال يساعد على ذلك ،نظرا لكون الذاكرة اإلنسانية معرضة
للنسيان خاصة بالنسبة للجرائم التي تعتمد على تخزين معلومات دقيقة خاصة المتعلقة بجرائم ذكية وأكثر
دقة في اثباتها.92
هناك مجموعة من جرائم االعمال ،يصعب أن يتم إدراك الوقائع المكونة لها بالحس ،لكونها جرائم
تتم بدون شهود ،من قبيل ذلك تزوير العالمات الت جارية وتحريفها والغش في البضائع وغيرها من األفعال
االجرامية ،فهذه الجرائم تقوم على أعمال تقنية محضة يصعب على الشاهد العادي اثبات التزوير أو
التحريف الالحق بها بشكل مجرد.
اذن نستنتج أن شهادة الشهود في جرائم األعمال تبقى جد محدودة نظرا لطبيعة األفعال الجرمية التي
ترتكب في مجال األعمال ،والتي يوظف فيها المجرم قدرته العلمية والمالية الجد هائلة ،التي تجعل من
ال صعب على الشاهد ادراكها ما لم تكن له على أقل كفاءة مماثلة بل حتى ان كانت عنده هذه الكفاءة فان
عالقة التبعية التي قد تجمعه بالمجرم قد تجعل شهادته غير حاسمة خشية من فقدان مورد عيشي ،ما يفرض
اللجوء الى وسائل أخرى من أجل االثبات.
األدلة المقبولة هي تلك التي تتلقاها المحكمة وتنظر فيها ألغراض الفصل في قضية معينة.
أوال :الخبرة
91في هذا اإلطار ذهبت محكمة النقض المصرية الى تعريف الشهادة كما يلي " :ان الشهادة تقوم على اخبار شفوي يدلي
به الشاهد في مجلس القضاء بعد يمين يؤديها على الوجه الصحيح" نقض مصري رقم .6/1/1964
92أحمد فالح الخرابشة ":االشكالية االجرائية للشهادة في المسائل الجزائية" ،دراسة مقارنة ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
طبعة ،2010ص.32
48
يمكن تعريف الخبرة بأنها ذلك اإلجراء الذي يرمي إلى استخدام أحد ذوي االختصاص في مسألة
فنية ال يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لتكوين قناعته في النزاع المعروض أمامه ،ويلجأ
القاضي إلى االستعانة بخبير أو أكثر في كل مسألة فنية أو علمية ،ال يساعده تكوينه في التثبت منها وال
يتسع وقته لدراستها .93مثال القاضي ال يستطيع معرفة نسبة العاهة المستديمة التي حصلت للضحية بسبب
الضرب الذي تعرض له ،كما ال يمكنه أن يتعرف على السلع المغشوشة وال نسبة الغش فيها كما ال يستطيع
القاضي معرفة وتحديد سبب الوفاة والذي يكون من اختصاص الطبيب الشرعي.
وعليه فإذا كان القاضي ال يتوفر على البيانات التقنية التي تخرج عن إطار تكوينه وثقافته ،فإنه يرى
نفسه مضطرا ،سواء تعلق األمر بنقطة أساسية أو بمعطى ثانوي ،أن يسند إلى أخصائي مهم إجراء خبرة
التي قال عنها أحد رجال القانون البارزين أنه " مسطرة تستهدف استعمال معارف أخصائي لتسليط الضوء
على مسألة يتوقف حلها على تقنية ال يتوفر عليها القاضي".
ومن خالل ما سبق يتضح أن للخبرة أهمية بالغة في مسألة اإلثبات ولهذا نجد أن المشرع المغربي
قد اهتم بالخبرة كوسيلة إثبات وخاصة في المادة الجنائية حيث خصص لها الباب الحادي عشر من القسم
الثالث من الكتاب األول من ق.م.ج (المواد من 194إلى )209وكذلك مواد الفرع الرابع من الباب األول
من القسم الثالث من الكتاب الثاني المتعلقة باالستماع إلى الشهود والخبراء (المواد 347-325من ق.م.ج).
ومن خالل هذه المواد سنحاول أن نفصل في النظام الذي تقوم عليه الخبرة باعتبارها وسيلة من
وسائل اإلثبات ،وعليه فإننا سنبحث في سبل اللجوء إلى الخبرة وتعيين الخبراء وكذا حجية الخبرة في
اإلثبات ،مستدلين في ذلك على اآلراء والتوجهات الفقهية مع دعمه بمواقف العمل واالجتهاد القضائيين.
بالرجوع إلى الفقرة األولى من المادة 194من ق.م.ج نجد أنها تنص على أن "يمكن لكل هيئة من
هيأت التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسألة تقنية أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة
العامة أو األطراف".
ويتضح من خالل هذه الفقرة أن مسألة إجراء الخبرة خاضعة باألساس للسلطة التقديرية للمحكمة،
حيث يمكن أن تثيرها من تلقاء نفسها أو بناءا على طلب من النيابة العامة أو األطراف ويكون للمحكمة إما
أن توافق عليه أو أن ترفضه.
الحبيب بيهي":شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" ،مرجع سابق ،ص .275 93
49
ومما يثار في مسألة الموافقة أو الرفض هذه ،أنه إذا كانت الموافقة ال تثير أي إشكال فإن رفض
الطلب يطرح التساؤل حول هل تكون المحكمة مطالبة بتعليل ذلك الرفض أم ال؟
على هذا التساؤل وذلك من خالل ومع سكوت المشرع في الحكم عن هذه المسألة ،جاوب الفقه
94
المادة 194من ق.م.ج وخاصة الفقرة الثالثة منه والمتعلقة بوجوب تعليل قاضي التحقيق أمره برفض
طلب الخبرة ،حيث يري أصحاب هذا الطرح جواز تطبيق هذه الفقرة من المادة السابقة حتى بنسبة لقضاء
الموضوع ويعلل دعاة ه ذا التوجه الفقهي قولهم بأن في تعليل رفض الطلب إمكانية فتح المجال أمام المجلس
األعلى لمراقبة حكم الموضوع في مدى احترامها لحقوق الدفاع.
والغريب في األمر أن المجلس األعلى نفسه ال يشاطر الرأي الفقهي السابق في توجهه ،حيث اتخذ
موقفا مخالفا تماما للرأي السابق .وذلك من خالل قراره عدد 4463الصادر بتاريخ 29مايو 1984
ملف جنائي 84/9381الذي جاء فيه " الخبرة وسيلة إثبات تملك معها المحكمة سلط تقديرية ال تخضع
فيها لرقابة المجلس وإن عدم االستجابة لطلب إجراء الخبرة ال يؤثر في قرار المحكمة وأن السكوت عنه
يعد جوابا ضمنيا برفضه".95
ويبقى التذكير بأن السلطة التقديرية للمحكمة في إجراء الخبرة يرد عليها بعض القيود نذكر منه ما
يلي:
– تعيين الخبراء من القائمة التي تهيئها اللجنة المحددة بقرار وزير العدل الصادر في 9يوليوز
.1975
– إذا تم في حالة الضرورة تعيين خبير غير مدرج في الالئحة السابقة الذكر ،وجب عليه تأدية
اليمين أمام المحكمة وفق المادة األولى من المادة 345من ق.م.ج من خالل الصيغة األتية "أقسم باهلل
".
العظيم على أن أقدم مساعدتي للعدالة وفق ما يقتضيه الشرف والضمير
– وجوب تضمين مقرر تعيين الخبير المأمورية التي تكون المحكمة قد أناطتها به.
– تحديد المحكمة موعدا محددا للخبير من أجل إنجاز المهمة مع إمكانية تمديدها.
عبد الواحد العلمي" :شرح قانون المسطرة الجنائية" ،مرجع سابق ص .420 94
50
خالصة القول أن امر البث في طلب إجراء خبرة واألخذ بنتيجتها هو من األمور الواقعية الذي ال يخضع
فيها القاضي لرقابة محكمة النقض ،غير انه يخضع لرقابة غير مباشرة وهي مراقبة التعليل فيتأتى لمحكمة
النقض نقض الحكم لعدم كفاية التعليل ذلك انه يصعب وضع حدود فاصلة بين ما يعتبر قانونا وما يعتبر
واقعا ،وخضوع الخبرة لتقدير القاضي هي من األمور الواقعية أما ما يتعلق بتطبيق القانون وتفسيره فهي
المعتبرة قانونا ،والرقابة التي تمارسها محكمة النقض قد تمتد إلى عناصر واقعية كمراقبة التعليل المتعلق
بالوقائع وطريق استخالص الدليل من لدن محكمة الموضوع كان ذلك سيؤدي بمحكمة النقض الى التأكد
من مدى صواب األساس القانوني الذي بني عليه الحكم قد يجعلها تمس ببعض الجوانب الموضوعية.
وبهذا يمكن القول على ان هناك عالقة وطيدة قائمة بين مؤسسة القضاء الجنائي ومؤسسة الخبرة القضائية
التي يطبعها طابع التعاون والتآزر لبلوغ هدف سامي وهو تحقيق العدالة لفائدة المتقاضين.
ثانيا :المعاينة
تعتبر المعاينة من أهم طرق اإلثبات واألدلة المباشرة في القضاء الرتباطها بالواقعة محل اإلثبات،
الستجالء الحقيقة في األنظمة العدلية بشكل عام.96
-1تعريف المعاينة
يقصد بها فحص المكان وجمع األدلة المهمة الذي ارتكبت فيه الجريمة بما يحتويه من أشياء
وأشخاص بهدف التعرف على كل أو بعض الحقائق الجوهرية التي يستهدفها التحقيق الجنائي ،واكتشاف
كما يمكن اعتبارها بأنها ":ذلك الفحص الدقيق والمتأني لمكان 97
ورفع ما يخلفه الجناة من آثار جنائية"
الحادث وما يتصل به من أشياء وأشخاص ،يجريه المحقق أو أحد مساعديه بقصد جمع األدلة واثبات حالة
98
كل من مكان الجريمة ،وشخص المتهم ،والمجني عليه ،واألشياء التي لها عالقة بالجريمة التي وقعت "
والجدير بالذكر أن المعاينة تتم بأية حاسة من الحواس سواء كانت اللمس أو السمع ،البصر الشم والتذوق،
في حين يكون موضوع إثباتها اآلثار المادية المتخلفة عن الجريمة ،أو إثبات حالة األشياء ،أو األشخاص،
96عبد هللا بن صالح الفوزان :منحة العالم "في شرح بلوغ المرام" ،الجزء الثاني ،ص .607
97العميد السيد المهدي :مسرح الجريمة وداللته في تحديد شخصية الجاني ،دار النشر بالمركز العربي للدراسات األمنية
والتدريب الرياض ،1993 ،ص .66
98أحمد بن دخيل هللا الردادي :معاينة مسرح الجريمة بين النظرية والتطبيق ،مشروع مقدم استكماال لمتطلبات الماجستير
في العلوم األمنية ،المركز العربي للدراسات األمنية والتدريب ،الرياض ،1989ص .8
51
ويكون أو األماكن التي لها عالقة بالجريمة ،وكذلك إثبات الوسيلة أو األداة المستعملة في الجريمة
99
القاضي عن طريقها تكوين اعتقاده بمالمسته للوقائع ذاتها واستخالص الدليل من مشاهداته ال مما يقدمه
له الخصوم من أقوال ومستندات وبيانات ، ...وهي ضرورية في بعض القضايا ،اذ يتعين معاينة محل
النزاع وفحص حالته لتتمكن المحكمة من تكوين اعتقادها الصحيح عن حقيقة المنازعة وكيفية استخالص
الحكم فيها.
ولم ينص قانون المسطرة الجنائية صراحة على هذه الوسيلة " وردت في المادة ..." 362أنه يمكن
للمحكمة أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي "...كما أن المبدأ العام " كل إجراء يعتبر جائزا إلى أن يمنعه
القانون " كما أن المادة 286من ق.م .ج تبيح اللجوء إلى المعاينة كوسيلة من وسائل اإلثبات نصت على
ما يلي " :يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات"
وبالتالي تخضع المعاينة لسائر القواعد التي تخضع لها أدلة االثبات األخرى ،فيلزم تمكين المتهم من
الحضور بإعالنه أن لم يكن حاضرا ،كما يجب أن تنتقل المحكمة بكامل هيئتها إلجرائها إال إذا تعذر ذلك
فتندب أحد أعضائها ،وينبغي طرح محضر المعاينة للمناقشة في الجلسة في حضور الخصوم ويترتب على
.
مخالفة هذه القواعد بطالن إجراء المعاينة وبطالن سائر اآلثار المترتبة
99أحسن بوسقيعة ،التحقيق القضائي ،الطبعة السادسة ،دار هومة ،الجزائر ،2006 ،ص .86
100خلف عبد العزيز :إجراءات البحث الفني والتقني بمسرح الجريمة ،مجلة الشرطة الجزائرية عدد 07دجنبر ،2013
ص .13
101خلف عبد العزيز :مرجع سابق ص .14
52
السماح ألي شخص الدخول إلى مسرح الجريمة باستثناء األطباء أو المكلفين بمساعدة المصابين ،102وعدم
لمس أي شيء في مسرح الجريمة وعدم تحريكه من مكانه إلى غاية وصول المختصين ،وعدم إتالف
اآلثار والعمل على التقليل إلى أبعد الحدود من التغييرات الضرورية ،وتغطية اآلثار بالشكل المناسب كاثار
األقدام أو الدماء في األراضي المكشوفة عندما تكون عرضة للتأثر باألحوال الجوية ،ووصف وضعية
المصابين واآلثار المتروكة من أعمال المحققين وتدوين كل التغييرات الطارئة ،103وكذا المحافظة على
األماكن التي تساهم فعليا في نجاح التحقيق في قضية جنائية وال قيمة للدليل المادي ان لم يكن هناك حماية
لمسرح الجريمة كما تقصية األنظمة المعمول بها في ميدان األدلة الجنائية.104
كما يمكن للقاضي أن يستمع إلى الشهود بعين المكان ويأخذ الصور الممكنة ويهيئ تصميما للمكان
هذا في مجال القضاء الفردي ،وأما في مجال القضاء الجماعي فتنتقل الهيأة كاملة أو تنتدب مستشارا مقررا
ينوب عنها.
وتتم المعاينة سواء بانتقال المحكمة من تلقاء نفسها أو بطلب أحد الخصوم لمعاينة المتنازع عليه
منقوال كان أم عقارا أو بجلبه للمحكمة إذا كان باإلمكان ذلك أو استخالف القاضي الذي يقع في نطاق
اختصاصه محل النزاع ،والمعاينة ليست ملزمة للمحكمة بمعنى أن طلب المعاينة من حيث القبول والرفض
يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة المختصة بنظر الدعوى مع بيان االسباب في حالة الرفض ،ويجوز
للم حكمة أن تتحفظ على الشيء محل المعاينة أو وضعه تحت الحراسة القضائية لحين انتهاء الدعوى إذا
رأت أن ذلك يحقق المصلحة في الدعوى.
102د عباس عيسى :الشرطة التقنية والعلمية ،مذكرة نهاية دراسته ،دورة ضباط الشرطة القضائية ،سنة – 2010
،2011ص.25
103د عباس عيسى :مرجع سابق ص .26
104حمزة نجاة :معاينة مسرح الجريمة ودوره في الكشف عن الحقيقة ،مذكرة لنيل شهادة الماستر في القانون الجنائي،
جامعة البويرة ،الجزائر ،ص .22
105الفقرة الثانية من المادة 24من قانون الزجر عن الغش في البضائع.
106المادة 233من مدونة الجمارك.
107الفقرة االولى من المادة 242من مدونة الجمارك.
53
ونخلص إلى أن المعاينة تعتبر من أهم طرق اإلثبات المباشرة في الدعوى بشكل عام وفق ما تراه
المحكمة المختصة لحفظ الحقوق قبل فواتها ،أو حسب ما يتطلبه األمر في القضايا الجنائية قبل زوال األدلة
أو تلفها من جهة أخرى ،مع ضرورة االهتمام بأصول وسالمة إجراءات المعاينة وسرعة االنتقال إلى
المكان وتوفر الخبرة والدقة والتأني وقوة المالحظة والترتيب المنطقي في إجراء المعاينة والمحافظة على
الحقوق والمحتويات واآلثار وتوثيق البينات المتوفرة بحسب طبيعة القضايا واختالف أنواعها ،وبالجملة
تعتبر المعاينة من أهم األدلة الموصلة للحقيقة الرتباطها بالواقعة محل االثبات.
مما ال شك فيه أن اإلثبات الجنائي قد طرأت عليه تطورات شاسعة بفضل الطفرة العلمية الهائلة في
وسائل اإلثبات والتي لم تكن معروفة من قبل ،فهي طفرة قامت على نظريات وأصول علمية دقيقة
واستطاعت أن تزود القاضي الجنائي بأدلة قاطعة وحاسمة تربط أو تنفي العالقة بين المتهم والجريمة،
وأصبح القضاء بالتالي يعول عليها كأدلة فنية يؤسس عليها األحكام باإلدانة أو البراءة .ويقصد بها االستعانة
باألساليب العلمية والفنية التي كشف عنها العلم الحديث في مجال إثبات الجريمة ونسبتها إلى مرتكبها أو
تبرئته من التهمة المنسوبة إليه.108
فكانت الجريمة من األفعال التي تقع غالبا في الخفاء وتحاط بالغموض ألن الجاني يسعى الى طمس
معالمها وعدم ترك أي أثر يمكن ان تستدل من خالله عليه ،ولما كانت الجريمة يتم اكتشافها بعد ارتكابها.
وقد ال يكون أمام رجال التحقيق سوى مسرح الجريمة .لذلك بات من الضروري أن يتم التعامل مع اآلثار
المادية التي توجد في مسرح الجريمة ومحاولة االستفادة منها في تتبع المجرم واكتشافه وفك الغموض
الذي يحيط بالجريمة محل التحقيق .لكن مهما كان المجرم ذكيا فانه لن يستطيع أن يتغلب على كل االثار
التي يتم من خاللها االهتداء اليه ،ويمكن أن تصلح ألن تكون دليال ضده أي بعبارة أخرى أن المجرم مهما
كان ذكيا فال بد أن يتم التغلب على ذكائه مهما اتخذ من االحتياطات التي من شأنها أن تمنع اكتشافه فالبد
من أن يؤمن المحقق بأن المجرم من الممكن أن تخونه احتياطاته.
108رضا عبد الحليم عبد المجيد" :الحماية القانونية للجين البشري – االستنساخ وتداعياته" ،دار النهضة العربية ،طبعة
،1998ص .42
54
وللوقوف في هذا الموضوع أكتر سنتطرق الى مناقشة وسائل اإلثبات الجنائي والتكنولوجيا الحديثة
من خالل االثبات عن طريق الوسائل التقنية ألجهزة التسجيل والمراقبة (الفقرة األولى) وبعدها البصمات
(الفقرة الثانية).
جرائم األعمال ترتكب بأسلوبين أحدهما تقليدي واآلخر بشكل احترافي ،وال نعني بذلك االحترافية
في ممارسة اإلجرام بشكل اعتيادي فحسب ،بل نقصد منه ذلك الجاني الذي ينفذ جريمته بطريقة عالية من
الدقة وبتخطيط محكم بحيث تكون نسبة النجاح فيها كبيرة ،وهذا ال يتأتى إال بمعاونة مجموعة من الفاعلين
والحماية التي يمنحونها له ،كما أن ارتكاب الجريمة عن طريق المعلوميات أو الوسائل اإللكترونية .أضحى
يشكل عرقلة وسببا إلفالت الجناة من العقاب ،إن لم نقل البطء في الوصول إليهم .على اعتبار أن الجاني
اليوم في جرائم األعمال نظرا لمكانته االجتماعية أو االقتصادية أصبح مرتبطا في ارتكاب الجريمة بالعلم
الحديث ،فمن مكانه ينفذ جريمته دون تحمل عناء االنتقال أو استعمال العنف ،وقد ينفذها مباشرة بمفرده
وال يحتاج معونة سواء على مستوى التالعب بالمعطيات أو التجسس أو زرع الفيروسات.
التشريع الجنائي المغربي نجد أنه قد نظم هذه الوسيلة من المادة 108إلى المادة 116من قانون
المسطرة الجنائية.
تعتبر هذه الوسيلة من أخطر الوسائل التي تقررت استنادا على حق اإلنسان في الخصوصية ،ألن
المراقبة تتم دون علم الشخص ،وتمكن من سماع وتسجيل أدق أسرار حياته ،لذلك تم تقييد هذه الوسيلة
وجعل مسألة اللجوء إليها قاصرة على بعض الجرائم ،كالجرائم المنظمة ،والجرائم التي تمس بأمن الدولة
أو الجرائم اإلرهابية.109
يعتبر التنصت على المكالمات الهاتفية من بين الوسائل العلمية التي يلجأ اليها القضاء لضبط وإثبات
الجريمة في مجال األعمال ، 110اال أن هذا االجراء تتنازعه مصلحتان متعارضتان ،أولهما حق االفراد في
109مصطفى مجدي هرجة" :اإلثبات في المواد الجنائية" ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الرباط ،دون ذكر الطبعة ،ص 52
110معاذ بن حدو ":االثبات في جرائم المخدرات" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد األول،
كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية.2008-2007 ،
55
التمتع بسرية الحياة الخاصة بهم وحقهم في عدم انتهاك حرمتها دون اذن ،111وثانيها توفر حماية فعالة
للمجتمع في مواجهة الجرائم الخطيرة والمنظمة والوصول الى مرتكبيها ،والتي تعتبر جرائم االعمال
واحدة منها.
وتعتبر المكالمات الهاتفية ،وجميع االتصاالت المنجزة بواسطة الوسائل التكنولوجية الحديثة ،وسيلة
من وسائل االثبات التي يمكن اعتمادها للتحقق من الجرائم ،ليس فقط الجرائم العادية ،وانما جرائم االعمال
على خالف اشكالها ،بل ان بعض الفقهاء ذهب الى اعتبار مراقبة المحادثات الهاتفية بمثابة تفتيش ،ورغم
المعارضة التي يتلقاها هذا التحليل ألن أسالك الهاتف ال تعتبر سكنا ،والمحادثات ليست دليال ملموسا.
فالتقاط المكالمات الهاتفية وباقي االتصاالت المنجزة عن بعد ،من وسائل االثبات التي تعتمد على التقنية
الفنية والعلمية .ويعتبر مجال اجرام األعمال أهم المجاالت التي يمكن اللجوء فيها الى هذا النوع من
االثبات.
من المستجدات التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية ،النافذ ابتداء من فاتح أكتوبر ،2003أحكام
التنصت للمكالمات ضمن المواد 108الى 116من قانون المسطرة الجنائية .ويعتبر هذا االجراء طريقة
لالستدالل ،ووسيلة للحصول على قرائن وأدلة.112
وقد خول المشرع لقاضي التحقيق ،والوكيل العام للملك هذه الصالحية ضمن شروط محددة
واجراءات محصورة.
وهكذا أكدت المادة 108في فقرتها االولى ،على أن القاعدة هي منع التقاط المكالمات الهاتفية أو
االتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن بعد أو تسجليها أو أخد نسخ منها أو حجزها.
ويستفاد من هذه القاعدة ،أن االصل هو منع التنصت ،وأن الترخيص به يعتبر استثناء تستدعيه
متطلبات الكشف عن الجرائم والمجرمين وهذا االستثناء محاط بعدة ضمانات سنشير لها في الفقرة الموالية.
111بالحاج عبد هللا" :الوسائل الحديثة في االثبات الجنائي" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد
األول ،كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية.2009-2008 ،
الحبيب بيهي" :شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" ،مرجع سابق ،ص .216 – 215 112
56
والمالحظ أن المشرع أعطى لقاضي التحقيق ،حق اصدار االمر المباشر المكتوب بالتقاط المكالمات
الهاتفية ،وكافة االتصاالت المنجزة بواسطة االتصال عن بعد ،وتسجيلها وأخد نسخ منها أو حجزها ،وينفذ
أمر قاضي التحقيق مباشرة دون قيد.
أما الوكيل العام للملك فقد قيد المشرع صالحيته ،خالفا لقاضي التحقيق ،وألزمه بتقديم ملتمس
للرئيس االول لمحكمة االستئناف ،ولهذا االخير وحده حق اصدار االمر بالتنصت ،وذلك في حدود الجرائم
الواردة حصرا في المادة 108من قانون المسطرة الجنائية وهي :الجرائم الماسة بأمن الدولة وجريمة
االرهاب أو المتعلقة بالعصابات االجرامية وبالقتل أو التسميم وباالختطاف وأخد الرهائن أو بتزييف النفود
أو سندات القرض العام ،أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية أو الذخيرة والمتفجرات أو بحماية الصحة.113
لكن المادة 108/4أجازت للوكيل العام للملك استثناء ،وفي حالة االستعجال القصوى ،أن يأمر
كتابة وبصفة مباشرة بالتقاط المكالمات الهاتفية ،كلما استدعت ضرورة البحث التعجيل ،مخالفة اندثار أدلة
االثبات وفي هذه الحالة االستعجالية ،وفي حدود الجرائم المذكورة ،يتعين على الوكيل العام أن يشعر فورا
الرئيس االول ،خالل أربع وعشرين ساعة باألمر الصادر عنه ،ويصدر الرئيس االول خالل أربع وعشرين
ساعة ،مقررا بتأييد أو تعديل أو الغاء قرار الوكيل العام للملك.
فاذا ألغى الرئيس االول أمر الوكيل العام للملك ،فان التقاط المكالمات الهاتفية واالتصاالت ،يتم ايقافه
فورا ،وال يعتد باإلجراءات المنجزة تنفيذا ألمر الوكيل العام ،وال يقبل قرار الرئيس األول أي طعن.114
113هشام الزربوح " :خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب" ،مرجع سابق ،ص.375:
114عبد الفتاح مراد" :التحقيق الجنائي الفني والبحث الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .126 – 125
57
وتتولى المصالح المذكورة ضمن ظهير 7غشت 1997المنظم للبريد والمواصالت ،مهمة وضع
جهاز االلتقاط .وعند انجاز المهمة ،تتولى السلطة القضائية المعينة من طرفها ،تحرير محضر بالعمليات
التي تم انجازها في هذا الشأن ،ويذكر المحضر تاريخ بداية عملية التنصت وتاريخ نهايتها.
وتوضع التسجيالت والمراسالت ،في وعاء أو غالف مختوم ،ثم تقوم السلطة المكلفة بالبحث أ و
التحقيق ،أو الضابط المكلف من طرفها ،بتدوين محتويات االتصاالت المقيدة إلظهار الحقيقة وذات الصلة
بالجريمة ،وتحرر محضرا بهذا التدوين يوضع بملف القضية ،ويمكن االستعانة بأهل االختصاص للتعرف
على الرموز وااللغاز.
كما تنقل كتابة االتصاالت والمراسالت التي تمت بلغة أجنبية الى اللغة العربية ،بمساعدة ترجمان
يعين لهذا الغرض ،ويؤدي اليمين كتابة على أن يترجم بأمانة وأال يفشي أسرار البحث والمراسالت ،ويعفى
من اليمين ان كان مسجال بجدول التراجمة المقبولين.
وتتم ابادة التسجيل والمراسالت ،بعد انصرام أجل تقادم الدعوى العمومية ،أو بعد اكتساب الحكم
الصادر في الدعوى ،قوة الشيء المقضي به ،ويحرر محضر عن عملية االبادة ويحفظ بملف القضية.
وقد عاقبت المادة 115من قانون المسطرة الجنائية بالحبس من شهر الى ستة أو بالغرامة من
10.000الى 100.000درهم االفعال التالية:
-كل من قام بوضع أجهزة التقاط المكالمات ،أو قام فعال بالتقاطها عبر االتصال عن بعد ،خالفا
للقواعد المنصوص عليها في باب التقاط المكالمات والرسائل.
-كل عون من أعوان السلطة العمومية ،أو أجير لدى شبكة عمومية ،قام بمناسبة ممارسة مهامه
بالكشف عن وجود التقاط ،أو أمر أو ارتكب أو سهل التقاط أو تبديد مراسالت ،موجهة بواسطة وسائل
االتصال عن بعد.115
وبذلك تكون الجرائم التي يتم فيها اللجوء الى هذه الوسيلة من وسائل االثبات جد محدودة وليس من
ضمنها جرائم االعمال ،ماعدا إذا استثنينا جرائم تزييف وتزوير النقود وسندات القرض العام وجرائم
المخدرات والمؤثرات العقلية والجرائم المتعلقة بالصحة العامة ،على غرار تلك التي يحددها قانون الزجر
عن الغش في البضائع.
الحبيب بيهي" :شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" ،مرجع سابق ،ص .217- 216- 215 115
58
وطبعا هذه الوسيلة من وسائل االثبات كان باإلمكان توسيعها لتشمل مجموعة من الجرائم المتعلقة
باألعمال ،والتي لها تأثير كبير على االقتصاد بشكل مباشر او غير مباشر.
وهنا البد من االشارة الى أنه إذا كان التسجيل الصوتي التليفوني ال يجوز اعتماده اال بناء على أمر
قضائي ، 116فالمالحظ أن القضاء المغربي ميز بين التسجيل الصوتي والتنصت الهاتفي ،واعتبر االول
غير متوقف على اذن ألنه مجرد تسجيل تم بالة تسجيل حتى ولو كانت هذه االلة هاتفا.
وإذا كان هو التحديد القانوني الذي جاء في نص الفقرة الثالثة من المادة 108من ق.م.ج فالمالحظ
أ ن االشارة الى الجرائم جاء بشكل فضفاض يمكن توسيعه ليشمل جرائم اخرى لم تتم االشارة اليها بشكل
مباشر في النص المذكور.
هكذا مثال جرائم العصابات االجرامية يمكن ان تشمل جميع أشكال جرائم االعمال ،فكلما قام الجناة
بأعمال اجرامية لها عالقة بعالم المال والثروة في شكل عصابة اجرامية اال وأمكن اللجوء الى تقنية التقاط
المكالمات عن بعد .علما أن العبرة في التكييف ليس بصدور حكم قضائي ،وانما بالتكييف الذي تراه النيابة
العامة ،فمتى أحالت هذه االخيرة ملفا على قاضي التحقيق كان موضوعه جرما لألعمال ارتكب في شكل
عصابة اجرامية ،فان هذا االخير يحق له االمر بإجراء التقاط للمكالمات ،ونفس االمر تمتلكه النيابة العامة
لدى محكمة االستئناف بناء على ملتمس تقدمه للرئيس االول لهذه المحكمة.117
ونفس االمر يمكن قوله عن مصطلح "حماية الصحة" الذي جاءت به الفقرة الثانية من المادة 108
من ق.م.ج ،على اعتبار ان كثيرا من جرائم االعمال تتعلق بالصحة العامة ،من قبيل مثال الجرائم التي
نص عليها قانون الزجر عن الغش في البضائع ،وقانون الزجر عن الجرائم الماسة بصحة االمة ،وكذلك
قانون رقم 16.98المتعلق بالتبرع باألعضاء واالنسجة البشرية ،والقانون المتعلق بالمخدرات الخاصة
بالتحاليل البيولوجية وهو القانون رقم ،12.01وكذلك القانون رقم 71.40المتعلق بمثابة مدونة االدوية
والصيدلية ،والقانون المعتبر بمثابة نظام أساسي للمستشفيات ،وغيرها من القوانين االخرى التي ترتبط
بشكل أو باخر بحماية الصحة العامة وتشكل وجها من وجوه القوانين التي نصت على جرائم االعمال.
-ادريس النوازلي " :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،الجزء األول ،مرجع سابق ،ص.322:
هشام الزربوح " :خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب" ،مرجع سابق ،ص.375 117
59
ثانيا :االثبات بوسائل الطب الشرعي الحديث
يمكن استخدام البيانات المستقاة من األدلة الجنائية على الصعيد الدولي للربط بين سلسلة من الجرائم
عبر الوطنية ،حيث تنقل العصابات اإلجرامية لجرائم األعمال التي تحاول الحصول على األموال بطريقة
غير مشروعة في جميع أنحاء العالم عبر البنوك ،والشركات الصورية ،والوسطاء ،وناقلي األموال ،في
محاولة لدمج األموال غير القانونية في أعمال تجارية واقتصادية مشروعة .وفي الوقت الراهن ،يضطلع
الناقلون بدور رئيسي في هذا السياق .فهم أشخاص يعملون كوسطاء للعصابات اإلجرامية ،حتى عندما ال
يعلمون أنهم يقومون بغسل أموال غير قانونية ،ومن خالل هذه الخطورة االجرامية كان البد من البحث
عن األشخاص المرتكبين لمثل هذه الجرائم التي تمس بالنظام االقتصادي للدولة ،ومن هنا نكون أمام كيفية
الوصول الى مرتكبي الجرائم الخطيرة ومن أهمها جرائم األعمال؟
فيمكن مثال التدقيق سريعا في بصمات األصابع لدى عبور مشتبه به للحدود بين بلدين ،كما بات
التعرف إلى الوجوه علما بيومتريا سريع التطور يتيح لنا كما كبيرا من الفرص الجديدة لتبيان هوية المشتبه
بهم وحل الجرائم.
قواعد البيانات الجنائية التي تتضمن ما توفره لنا البلدان األعضاء من 118
ونتدبر في اإلنتربول
بصمات األصابع وسمات ال بصمات الوراثية وصور عن الوجوه ...بما يسمح ألجهزة الشرطة في جميع
أنحاء العالم بالربط بين المجرمين ومسارح الجريمة .ونتولى كذلك تدريب الموظفين العاملين في خطوط
المواجهة على تقييم األدلة والحفاظ عليها وتشاركها مع جهات أخرى بما يتماشى مع الممارسات الفضلى
المعتمدة.
118بروتوكوالت اإلنتربول ،في عام ،1984وضع اإلنتربول أول دليل لتحديد هوية ضحايا الكوارث ،والذي يتم تحديثه
كل خمس سنوات .ويشكل هذا الدليل المعيار الوحيد المقبول عالميا ً في بروتوكوالت تحديد هوية ضحايا الكوارث.
يمكن للبلدان األعضاء أن تلتمس من اإلنتربول المساعدة في تحديد هوية الضحايا في أعقاب كارثة ما .فنحن قادرون على
تقديم المساعدة عبر:
توفير نسخة قابلة للتحميل من دليل تحديد هوية ضحايا الكوارث واالستمارات ذات الصلة
توفير الدعم من مركز العمليات والتنسيق
إيفاد فريق اإلنتربول للتحرك إزاء األحداث لتقديم الدعم الميداني
60
-1مفهوم البصمة الوراثية ADN
تعتبر من وسائل اإلثبات الحديثة ،وقد "خرجت إلى الوجود عام 1984عندما نشر الدكتور "أليك
جيفري" عالم الوراثة بجامعة "ليستر" بلندن بحثا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات وتعيد
نفسها في تتبعات عشوائية غير مفهومة ،وأن المتتابعات مميزة لكل فرد وال يمكن أن تتشابه بين اثنين.119
وتحدد الطبعة الجينية "نوع فصيلة دم اإلنسان ،أنزيماته ،بروتينه ،شكل طبعات أصابعه ولون شعره
وبشرته ،وتحتوي نواة الخلية على الكروموسومات التي تحمل المادة الوراثية (جينات)" .وتتميز "جزيئات
الحمض النووي بترتيب خاص وثابت لكل إنسان بحيث يميزه عن شخص آخر ،وهو ترتيب القواعد
النيتروجينية أو النيوكليوتيدات .وتعتبر نتيجة البصمة الوراثية في اإلثبات عالية جدا تصل إلى نسبة
% 99,99ألنه ال يوجد تطابق للقواعد النيتروجينية في الحمض النووي لشخصين" .120ويتم "إنشاء
مختبرات خاصة مجهزة بوسائل تكنولوجية حديثة لغرض إجراء فحوصات ال ، ADNوقد أصبحت اليوم
الطريقة األكثر اعتمادا لدى المحاكم في مجال اإلثبات الجنائي في أغلب البلدان وال سيما المتقدمة منها
تقنيا".121
من أشهر القضايا التي عرفت االستعانة في اإلثبات بتقنية تحليل الحمض النووي" :قضية بيل
كلينتون ومونيكا لوينسكي ،حيث ادعت هذه األخيرة أنها كانت على عالقة جنسية بالرئيس بيل كلينتون،
واستظهرت مالبسها الداخلية التي احتفظت بها ملطخة بسائله المنوي ،وأجريت تحاليل لفحص ADN
على السائل المنوي ،وقبل الكشف عن النتائج خرج بيل كلينتون عن صمته وفضل أن يفضح نفسه بنفسه
بدال من أن يدان من طرف المحكمة".122
وقد ورد النص على هذه الوسيلة في القانون رقم 22.01المتعلق بالمسطرة الجنائية ،المنشور
بالجريدة الرسمية بتاريخ 30يناير ،2003إذ تنص الفقرة األخيرة من المادة 47من هذا القانون على ما
يلي" :يمكن لوكيل الملك لضرورة البحث إذا ما عرضت عليه مسألة فنية أن يستعين بأهل الخبرة والمعرفة.
119توفيق سلطاني" :حجية البصمة الوراثية في اإلثبات" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية،
تخصص علوم جنائية ،جامعة الحاج لخضر – باتنة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم العلوم القانونية ،السنة الجامعية
،2011-2010ص .13
120فيصل مساعد العنزي" :أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان-دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "،
بحث مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العدالة الجنائية ،جامعة نايف العربية للعلوم األمنية ،كلية
الدراسات العليا ،قسم العدالة الجنائية ،تخصص :التشريع الجنائي اإلسالمي ،2007 ،ص .94-93
121كوثر أحمد خالند" :اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية -دراسة تحليلية مقارنة" ،رسالة ماجستير مقدمة كجزء من
متطلبات نيل الماجستير في القان ون ،جامعة صالح الدين ،مكتب التفسير للنشر واإلعالن ،أربيل ،الطبعة األولى،2007 ،
ص .349
توفيق سلطاني" :حجية البصمة الوراثية في اإلثبات" ،مرجع سابق ،ص .151- 150 122
61
كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرة لتحديد فصيلة البصمات الجينية لألشخاص المشتبه فيهم الذين توجد قرائن
على تورطهم في ارتكاب إحدى الجرائم".
يتولى اختصاصيو البيولوجيا العاملون في مجال األدلة الجنائية استخراج البصمة الوراثية في
مختبرات متخصصة ،ويحدد كل بلد األدوات التي تستخدمها مختبراته لتحليل العالمات الجينية المعروفة
باسم "التكرارات الترادفية القصيرة" ،والجمع بين هذه العالمات يشكل سمات البصمة الوراثية .ويمكن
ألدوات مختلفة أن تستهدف عالمات مختلفة ،ولكن تداخل هذه األدوات بما يكفي يتيح إجراء المقارنات بين
البلدان.
تسجل البلدان األعضاء سمات البصمة الوراثية في قاعدة بياناتنا الجينية التي تجري عندئذ عملية
بحث .ويعطي البلد العضو كال من السمات رقما مرجعيا من دون تسجيل أي معلومات اسمية في قاعدة
البيانات.
وإذا كانت هذه السمات موجودة أصال في قاعدة بياناتنا نتيجة إحالتها من قبل بلد آخر ،يسفر البحث
عن نتيجة إيجابية .وفي هذه الحالة ،نبلغ كال البلدين بحصول تطابق ،وندعوهما إلى متابعة التحقيقات بعد
التحقق من المطابقة في قاعدة البيانات.
أما إذا كانت السمات تسجل للمرة األولى في قاعدة البيانات ،تكون نتيجة البحث سلبية .وفي هذه
الحالة ،يحتفظ بهذه السمات في قاعدة البيانات بعد الحصول على إذن من البلد العضو الذي وفرها،
الستخدامها في إجراء مطابقات محتملة في المستقبل.123
يمكن مقارنة عينة من البصمة الوراثية تعود مباشرة إلى الشخص المفقود ،مثال عينة أخذت خالل
فحص طبي سابق أو من غرض شخصي كفرشاة األسنان ،مع بصمة وراثية مرفوعة من جثة أو رفات
123يمكن للبصمة الوراثية أن تؤدي دورا حاسما في إدانة -أو تبرئة -المشتبه فيهم في جرائم ،قاعدة بيانات البصمة
الوراثية ،أُنشئت قاعدة بيانات البصمة الوراثية في اإلنتربول عام ،2002وهي تضم حاليا ً أكثر من 247000ألفا من
يزودنا بها 84بلدا ً من البلدان األعضاء.
سمات البصمة الوراثية التي ّ
62
بشري مجهول الهوية للبحث عن مطابقة .وطريقة تحديد الهوية هذه تجرى عبر قاعدة بيانات اإلنتربول
للبصمة الوراثية منذ عام .2004
-2تحديد الهوية عن طريق مقارنة البصمة الوراثية العائلية
لدى األقارب البيولوجيين نسبة معينة مشتركة من البصمة الوراثية ،تتوقف على درجة القرابة .وفي
حا ل تعذر الحصول على عينة من البصمة الوراثية للشخص المفقود إلجراء مقارنة مباشرة ،يمكن أيضا
مقارنة البصمة الوراثية ألفراد األسرة المقربين (الوالدان ،األطفال ،األشقاء) .وهذا هو المجال الذي ستحقق
فيه قفزة نوعية.
البصمات تعتبر من المسائل العلمية التـي ظهـرت حديثا ،والبصمات قد تكون ظاهرية ،حيث يمكن
أن يراها الخبير بالعين المجردة عند معاينة مكان الحادث ،أو خفية ،والتي ال يمكن إظهارها إال باستعمال
مواد كيماوية على شكل مسحوق أو سائل.
وقد أرشدنا هللا سبحانه وتعالى للبصمة وأهميتها من خالل قوله تعالى" :أيحسب اإلنسان أن لن نجمع
عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه" .صدق موالنا الكريم ،والبنان هو نهاية األصبع.
124الوسائل الحديثة لإلثبات الجنائي على ضوء القانون المغربي ،األحد 13يناير 2019على الساعة 11:40وتم
االطالع عليه في سنة 2022بتاريخ 02/10أنظر الموقع:
63
وتتميز طبعات األصابع بعدم قابليتها للتغيير وثباتها فهي تتكون لدى اإلنسان قبل والدته وتبقى إلى
ما بعد وفاته ،وبعدم تطابق الخطوط الموجودة في الطبعات لدى شخصين مختلفين ،وتستخدم كذلك لتحديد
هويات المتوفين .وهناك أربعة أشكال رئيسة لطبعات األصابع وهي :المقوسات ،المنحدرات ،المستديرات
والمركبات . 125وألجل تسهيل فحص ومضاهاة طبعات األصابع ،يجب االعتماد على برامج الحاسوب
الخاصة softwareالتي تتعامل مع نظام طبعات األصابع األوتوماتيكية التي تعطي نتائج قطعية
وحاسمة.126
وقد استوعب التشريع المغربي هذه الوسيلة في اإلثبات ،إذ تنص المادة 57من قانون المسطرة
الجنائية على ما يلي" :يقوم ضابط الشرطة القضائية عند االقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب
الجريمة (حالة التلبس) ،وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك .كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرات عليها
وعلى بقية أدوات الجريمة واألشياء التي تم العثور عليها وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة أو لدى المشتبه
فيهم بارتكابها".
ويمكن أخذ بصمات األصابع إما عن طريق جهاز مسح إلكتروني أو يدويا باستعمال الحبر والورق،
ثم يتم استخدام ماسح ضوئي لحفظ البيانات إلكترونيا بالنسق المناسب .127وتحفظ القيود ويجري تبادلها
بالنسق المحدد من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا ويصدر اإلنتربول وثيقة تقنية تتضمن المبادئ
التوجيهية لوضع تبادل البيانات البيومترية حيز التطبيق بما ينسجم مع هذا النسق .وتعرض الصيغة األخيرة
(الصيغة )6الصادرة في عام 2020استخدام لغة الترميز الموسعة) ، (XMLوستحل في المستقبل محل
الصيغة السابقة (الصيغة .)5.03ويمكن تحميل المبادئ التوجيهية للصيغتين أدناه.
ولتسهيل إحالة بيانات بصمات األصابع ،وضع اإلنتربول بتصرف البلدان األعضاء أداة
) (image2NISTتحول الملفات بنسق jpegإلى ملفات بنسق NIST
وستوضع حيز التطبيق في المستقبل تكنولوجيا جديدة للتبين اآللي لبصمات األصابع تتيح إجراء
تقصيات أسرع وأدق .وستدمج أيضا في مركز بيومتري جديد لتيسير إجراء تقصيات مبسطة في جميع
https://alhoriyatmaroc.yoo7.com/t2540-topic
125كوثر أحمد خالند" :اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية :دراسة تحليلية مقارنة" ،مرجع سابق ،ص .288-284
126مرجع سابق ،ص .348
127تعني المعاملة اآللية أن قاعدة البيانات قادرة على إجراء أكثر من 3 000مقارنة في اليوم الواحد .وفي وسع
المنظومة أيضا تقصي بصمات راحة اليد وحفظها في ملفات.
64
قواعد بيانات األدلة الجنائية لدى اإلنتربول .وسيؤدي ذلك إلى تحقيق وفورات مهمة في الوقت ويكشف
عن صالت كانت بقيت مخفية لوال ذلك.
يجتمع فريق الخبراء العامل المعني بمنظومة التبين اآللي لبصمات األصابع مرتين في السنة لتبادل
المعلومات بشأن التكنولوجيا الجديدة ،وإجراءات تحديد الهوية ،واالحتياجات من التدريب .ويحرص الفريق
العامل على تقيد منظومات اإلنتربول بالمعايير الضرورية.
-التدريب
نقدم أيضا دورات تدريب ألجهزة الشرطة في بلداننا األعضاء لنكفل حصول أفراد الشرطة العاملين
في الخطوط األمامية على المعارف والكفاءات الالزمة لتقييم األدلة وحفظها وتبادلها بما يتماشى وأفضل
الممارسات.
لقد ظهرت أساليب جديدة مثال ذلك بصمات قزحية العين وهي الجزء الموجود خلف القرنية والذي
يمنح العين لونها ،وبصمة الصوت والشفاه اذ يمكن برمجة الحاسوب االلكتروني بحيث ال يصدر أوامره
بفتح نظامه السري اال بعد مطابقة كل هذه البصمات أو بعضها على البصمات المبرمجة في ذاكرته.
وتنقسم البصمات إلى عدة أنواع:
تحديد سمات الوجه بمساعدة الحاسوب هو تكنولوجيا حديثة العهد نسبيا ،تستخدمها أجهزة إنفاذ
القانون في العالم أجمع لتحديد أشخاص ذوي أهمية خاصة بالنسبة إليها.
تحتوي منظومة اإلنتربول لتحديد سمات الوجه ) (IFRSعلى صور وجوه وردت من أكثر من
179بلدا ،األمر الذي يجعلها قاعدة بيانات جنائية عالمية فريدة من نوعها.128
128ويمكن لهذه المنظومة ،إذا استخدمت باالقتران ببرمجية بيومترية مؤتمتة ،تحديد هوية شخص أو التحقق منها من
خالل مقارنة وتحليل أنماط سمات الوجه والمالمح وأشكالها وأبعادها .تم زيارة الموقع االلكتروني بتاريخ 2021/11/24
https://www.interpol.int/ar/2/5/4
65
-عوامل تحديد الهوية من خالل التعرف على سمات الوجه
بخالف بصمات األصابع والبصمة الوراثية ،التي ال تتغير خالل حياة الشخص ،يجب أن تأخذ
برمجية تحديد سمات الوجه في االعتبار عوامل مختلفة ،مثل:
التقدم في السن
الجراحة التجميلية
مستحضرات التجميل
آثار تعاطي المخدرات أو التدخين
وضعية الشخص
والعمل استنادا إلى صور جيدة النوعية هو أيضا مسألة بالغة األهمية .فالصور المنخفضة أو
المتوسطة النوعية قد يتعذر تقصيها في منظومة IFRSوإذا أمكن تقصيها فقد تؤثر هذه النوعية سلبا إلى
حد بعيد في دقة البحث وفي النتائج نفسها.
وإننا ننفذ على الدوام عملية يدوية -نسميها تحديد الهوية من خالل التعرف على سمات الوجه -
للتحقق من النتائج التي توصلت إليها المنظومة اآللية .ثم يقوم موظفون مؤهلون وذوو خبرة من اإلنتربول
بمقارنة الصور بعناية للعثور على خصائص فريدة يمكن أن تؤدي إلى "صورة مرشحة محتملة" أو "ال
صور مرشحة" أو إلى نتيجة "غير حاسمة".
وتحال هذه المعلومات إلى البلدان التي زودت بالصور ،أو التي قد تكون معنية بالسمات أو بمطابقة.
ثم تعامل اإلشعارات بما ينسجم ونظام اإلنتربول لمعاملة البيانات الذي يضمن قانونية وجودة المعلومات
وحماية البيانات الشخصية.
ويمكن للبلدان األعضاء أيضا أن تطلب إجراء تقص من نوع "البحث فقط" في المنظومة ،وذلك
على سبيل المثال لألشخاص ذوي األهمية الخاصة في المطارات أو المعابر الحدودية األخرى .وتصدر
النتائج بسرعة لتيسير اتخاذ إجراءات المتابعة بشكل فوري ،وال تُسجل الصور في المنظومة.
وقد أصدر فريق الخبراء دليال ألفضل الممارسات المتعلقة بجودة صور الوجه ونسقها وطرق
إحالتها لتشجيع تحديد سمات الوجه على نحو دقيق وفاعل .وتشجع بلداننا األعضاء بشدة على االستعانة
بخدمة تحديد سمات الوجهة واتباع التوصيات.129
129تنظم أيض ا مرتين في السنة اجتماعات لفريق الخبراء العامل المعني بتحديد سمات الوجه .وهذا هو فريق اإلنتربول
العامل المعني بالتكنولوجيا الجديدة ،وإجراءات تحديد الهوية ،واحتياجات التدريب ،وإنتاج وثائق رسمية لمساعدة البلدان
األعضاء في هذا المجال.
66
ثانيا :بصمة العرق أحد مصادر الرائحة
لكل إنسان بصمة الرائحة المميزة له عن سائر البشر ،حيث يقول هللا تعالى على لسان يعقوب عليه
السالم(( :ولما فصلت العير قال أبوهم إني ألجد ريح يوسف لوال أن تفندون)) صدق هللا العظيم.
من هنا تم استغالل هذه البصمة المميزة في تتبع آثار أي شخص معين .وأبرز مثال على ذلك ،الكالب التي
تستطيع شم ماليين من البشر أن تخرج الشخص المعين من بين آالف البشر .أي االستعراف المدربة
واستخدام التصوير الطيفي للكتل ،وتستخدم لكشف المواد المحرم حيازتها أو تداولها ،وإقامة الدليل على
أن شخصا معينا سبق وجوده في مكان معين.130
بعد دراسات طويلة على أسرار الصوت البشري تبين أن لكل إنسان صوته الذي يميزه عن أي
إنسان آخر ...ويقول الخبراء إن صوت اإلنسان أكثر تعقيدا ً مما نتصور ،اذ تعتبر أصواتنا فريدة أو أكثر
تميزاً من بصمات أصابعنا .ألصواتنا خصائص محددة ،يبلغ عددها أكثر من .100بعضها تتعلق بسماكة
وطول أحبالنا الصوتية ،وشكل ألسنتنا ،وكذلك الجيوب األنفية .والـ ٪50األخرى تتعلق بشخصياتنا ،مثل
النبرة والنغمة والسرعة.
لذلك يحاول العلماء اليوم استخدام الصوت بدالً من كلمات السر أو إثبات الشخصية ،وبالتالي أصبح
بإمكان أي شخص أن يجري أي معاملة (في بنك مثالً) من خالل اتصال هاتفي فقط من دون استخدام أي
كلمة سر أو بطاقة ائتمان أو تعريف شخصية ...فبصمة الصوت أدق من أي كلمة سر.
ولكن هل هناك إشارة في كتاب هللا تعالى إلى بصمة الصوت؟ إذا تدبرنا هذا الكتاب العظيم نجد أن
هللا تعالى حذر حبيبه عليه الصالة والسالم من المنافقين ...ولكن كيف سيميز النبي الكريم هؤالء المنافقين
ويعرفهم ...إنه تغير الصوت أو لحن القول !
130جزاء غازي العصيمي الع مري" :إسهام البحث الجنائي في الكشف عن الجرائم المقيدة ضد مجهول" ،رسالة
ماجستير ،أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية-الرياض ،الطبعة األولى ،2002 ،ص .172-168
67
يتم تحليل الصوت البشري إلكترونيا ،وتحويله إلى خطوط مقروءة ،وإذا كان عدد الكلمات التي تم
تسجيلها على الجاني قليلة بحيث ال يمكن استخدامها بشكل جيد في المضاهاة ،فإن ذلك يضعف قدرة مسؤول
التحليل في التوصل إلى قرار قاطع.131
حتى التوائم المتطابقة لهم اختالفات في آذانهم ،وتشهد اآلذان القليل من التغييرات على مر العمر .
من خالل اقتراح دمج البصمة الحيوية في تطبيق الهاتف الذكي يأمل الباحثون التغلب على عدة حواجز.
مثل التكلفة الباهظة والتركيب المعقد .
وعلى الرغم من نمو األذن واختالف شكلها مع تقدم العمر ،إال أنها تحتفظ بعالمات من حيث الشكل
الخارجي ،من الممكن استخدامها في التعرف على هوية األشخاص.
وبهذا الصدد ،أعلن علماء جامعة ساوثهامبتون البريطانية أن هذا األسلوب في التعرف على هوية
األشخاص يحمل عددا من الميزات ،من بينها أن األذن ذات هيكل بنيوي مستقر ومر ّكب ،ال يتأثر بالتغيرات
التي تطرأ على الوجه مع تقدم العمر .كذلك فإن األذن تقع في الجزء األوسط من وجه اإلنسان ،ولذلك،
يصبح التكهن بمحيطها سهال.
وعالوة على ذلك ،ومقارنة بقزحية العين وبصمة اإلصبع ،فإن حجم األذن أكبر منهما ،ما يجعل
التعرف على الشخص من شكل أذنيه ،حين الدخول إلى غرفة مظلمة مثال ،أمرا مريحا ومن مسافة معتبرة،
دون الحاجة إلجراء مسح ضوئي للعينين.
ومع ذلك ،فإن هناك أسبابا ال تزال تجعل التعرف على هوية الشخص من أذنيه أمرا صعبا ،مثل أن
تكون األذن مغطاة بالشعر على سبيل المثال ،أو ضرورة تصوير األذن من عدة زوايا مختلفة للوثائق
الثبوتية المختلفة .لذلك سوف يكون من الصعب استخدام صورة األذن للتعرف على األشخاص على نطاق
واسع ،كما هو الحال في بصمة األصابع أو قزحية العين.
131حسن بن محسن القرشي الزهراني" :الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها في المملكة العربية
السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجالت القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر الجزائية بديوان المظالم” ،بحث
مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في تخصص التشريع الجنائي اإلسالمي ،أكاديمية نايف العربية
للعلوم األمنية ،معهد الدراسات ال عليا ،قسم العدالة الجنائية ،تخصص التشريع الجنائي اإلسالمي ،الرياض 1421 ،ه ،ص
.181
68
خامسا :بصمة العين
لقد عملت إحدى الشركات األمريكية لصناعة األجهزة الطبية على ابتكار بصمة العين ،حيث أكدت
الشركة أنه ال توجد عينان متشابهتان في كل شيء ،ويتم أخذ هذه البصمة عن طريق النظر في عدسة
الجهاز الذي يقوم بدوره بالتقاط صورة لشبك ة العين ،وعند االشتباه في أي شخص ،يتم الضغط على زر
معين بالجهاز ،فتتم مقارنة صورته بالصورة المختزلة في الجهاز.
حيث تعد إحدى أهم البصمات التي يتم االعتماد عليها في اإلثبات ،لكن بطريقة معقدة تستوجب
تكنولوجيا عالية ،وتتميز هذه البصمة بكونها الوحيدة التي ال تتغير منذ والدة اإلنسان وحتى مماته.
وعموما فإن المحاكم الجنائية تعمل على األخذ بالبصمات كدليل إثبات قاطع بعد أن يثبت لها علميا
أن الشك ال يتطرق إليها.
لكن تبقى بعض الحاالت يمكن للجاني الفرار من المسؤولية الجنائية ،وذلك بالتخلص من آثار
البصمات بالحرق ،هذا فضال عن إمكانية إزالتها عن طريق الجراحة.132
فيتم تصوير شبكة العين في جهاز خاص ثم مقارنة ذلك ببعض صور العيون المسجلة في الحاسب
الملحق في الجهاز ،وخالل ثانية ونصف يحدد الحاسب اآللي هوية الشخص وما إذا كان مشتبها فيه من
عدمه.
وهي تلك العضالت القرمزية التي كثيرا ما تغنى بها الشعراء ،وقد ثبت أن لبصمة الشفاه صفة
مميزة لدرجة أنه ال يختلف اثنان فيها .ويتم أخذ بصمة الشفاه بواسطة جهاز به حبر غير مرئي ،حيث يتم
الضغط على شفاه الشخص بعد أن يوضع عليها ورق من نوع النحاس فتطبع عليه البصمة.
وتعتبر هذه البصمة من وسائل اإلثبات ذات الفعالية الكبرى ،وأكبر دليل على ذلك هو تمكن الخبراء من
التعرف على األشخاص بواسطة عقب سجارة.
مصطفى معتبر باحث في القانون الخاص " :وسائل اإلثبات والقيود الواردة على سلطة القاضي الجنائي في تقدير 132
األدلة" ،كلية الحقوق طنجة ،بتاريخ 26يوليو .2020وتم االطالع عليه بتاريخ 2021/02/01أنظر الموقع:
https://www.alouatan24.com/?p=60910
69
توصلت دراسة نشرتها مجلة علوم طب األسنان الشرعي الى أن نمط المرتفعات والمنخفضات في
الشفتين فريد من نوعه مثل بصمات األصابع ،ونظريا يمكن لرجال المباحث التوصل إلى الجاني من خالل
بصمة الشفاه المطبوعة على كوب أو سيجارة.133
70
71
الفصل الثاني :حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم
األعمال
الهدف األسمى الذي تصب إل يه التشريعات هو أن يصيب القاضي الحقيقة في حكمه ،سواء كان
باإلدانة أم بالبراءة ،لهذا يجب على القاضي قبل أن يصدر قراره هذا أن يكون قد وصل الى الحقيقة ،ونعني
بها هنا الوقوف على حقيقة الوقائع كما حدثت ال كما يصورها الخصوم ،وهذه الحقيقة ال يمكن الوصول
إليها اال بعد البحث عنها وثبوتها باألدلة ،والتوصل الى نسبتها وإسنادها للمتهم ماديا ومعنويا من خالل
إثبات اقترافها دون أدنى شك.134
ومما ال شك فيه أن التطورات العلمية الحديثة قد أحدثت متغيرات جذرية في وسائل االثبات الجنائي،
وأصبحت األدلة العلمية المستمدة من مختلف هذه الوسائل العلمية حجة يعول عليها القضاة كأدلة يؤسس
عليها األحكام بالبراءة أو اإلدانة ،فهي تعتمد على الحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في االزمنة والعصور
السابقة ،وقد بدأت تحتل مركزها المناسب في مجال االثبات الجنائي وذلك بما تمثله من عناصر القوة،
وبما تتميز به من أصول الثبات واالستقرار والثقة ومصادرها العلمية.
ومن هنا جاءت أهمية سلطة القاضي الجنائي في تقدير األ دلة العلمية ،لما لها من أهمية بالغة في
االثبات الجنائي الحديث ،وسلطة القاضي هنا ال تخرج عن إطار أنظمة االثبات التي سبق وأن تطرقنا اليها
في الفصل األول.135
وما يهمنا ونحن نتحدث عن االثبات في جرائم االعمال هو أن االثبات حاليا أصبح يتم بواسطة اليات
ووسائل علمية جد متطورة ،وهو ما يفتح المجال أمام تنوع وسائل االثبات التي يمكن للمحكمة اعتمادها
إلدانة مرتكبي االفعال والجرائم التي يتابعون بها ،لكن أمام تنوع هذه الوسائل فانه يبقى اشكال اخر مرتبط
بمحدودية النص الجنائي في اثبات جرائم االعمال ،وأن اثبات الجرم في هذه الجرائم على أساس الكفاءة
العلمية والفنية ال يتوقف فقط عن اقتناع القاضي وانما ال بد من تدخل خبير له كفاءة في مجال ما من أجل
توضيح الدليل ورفع اللبس ،وربما هذ ا النوع من االثبات مطلوب بشدة في جرائم االعمال .على أنه في
مقابل هذا التنوع في وسائل االثبات الجنائي 136والتي تأسس لمبدأ الحرية في االقتناع ،فان مع ذلك يتدخل
134خالد مصطفى الجسمي" :االثبات الجنائي باألدلة الرقمية" ،مجلة القانون المغربي ،العدد ،34في مارس ،2017
ص .5
135خالد مصطفى الجسمي" :االثبات الجنائي باألدلة الرقمية" ،مرجع سابق ،ص .6
136محمد فرحات " :المبادئ العامة في الفقه االسالمي" ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1998ص
.490
72
المشرع في حاالت عدة يحدد فيها وسائل معينة ال يمكن االثبات اال بها في الفعل الجرمي لحماية حقوق
وحريات االفراد من جهة ،ولطبيعة الجرم الذي ال يمكن أن يثبت بطريقة معينة من جهة أخرى ،لذلك فان
االثبات في المجال الجنائي لألعمال ال يبقى مطلقا وانما قد تحدده مجموعة من المحددات ،الن جرائم
االعمال تختلف عن الجرائم العادية بكونها جرائم يستند في ارتكابها على مؤهالت علمية ومالية جد مهمة.
وهذا ما يجعلنا نتساءل حول ما مدى مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال؟
وعلى هذا األساس سنتكلم في هذا الفصل عن فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي
لجرائم األعمال أمام القضاء المغربي وسنعمل على تقسيمه إلى األساس القانوني الستخدام الوسائل العلمية
الحديثة في مجال األعمال (المبحث األول) وبعد ذلك التوجهات الكبرى لمالئمة نظرية االثبات الجنائي
الحديث لجرائم لألعمال (المبحث الثاني).
73
المبحث األول :األساس القانوني الستخدام الوسائل العلمية الحديثة في مجال األعمال
جاءت المرحلة العلمية المرتكزة على وسائل البحث الحديثة وجاءت نظرا لعجز الدليل الكالسيكي
الذي يعتمد على أساليب بسيطة في الكشف عن الجريمة كالشهادة واالعتراف ...نظرا لبساطة تنفيذ السلوك
اإلجرامي ،وتتمثل معالم هذا النظام في استخدام وسائل علمية حديثة تساير وتيرة مواجهة الجريمة
المتصاعدة والمتشابكة في العصر الحديث والتغلب على كل محاوالت المتهم في تضليل العدالة خاصة في
جرائم األعمال لتعقدها في بعض الحاالت ،فالمجرم اليوم اليترك أي وسيلة إال ويستعين بها من أجل
الوصول إلى هدفه اإلجرامي ،مما جعل الوصول للجاني أمر عسير على السلطات المختصة.
هذا وقد أكد فقهاء العدالة الجنائية وعلماء القانون الجنائي أن الدليل بالنسبة للحق العام أو الخاص
هو بمثابة الركيزة األساسية لتحقيق العدالة الجنائية وهو بمثابة الروح للجسد ،به تثبت الحقوق وفصل
المنازعات بين األفراد والجماعات ،وبه يتحقق العدل واألمن وتعم الطمأنينة.
علما أن األصل في االقتصاد تنظمه القواعد القانونية المدنية ،اال أن هذا لم يعد كافيا في ظل التطور
االقتصادي ال كبير ،هذا ما استدعى تدخل التشريع الجنائي لحماية وضبط ما يرتبط باالقتصاد من جرائم
(اقتصادية) .وبما أن االقتصاد سار الى التحرر ويتميز بالسرعة والمرونة .اال أن التشريع الجنائي أهميته
تتزايد في ظل تزايد الجرائم االقتصادية في ظل الثورة االقتصادية المعاصرة التي شملت كل مناحي الحياة،
هذا من أهم العوامل التي أدت الى بوادر ظهور قوانين جنائية خاصة باالقتصاد باإلضافة الى القانون
الجنائي العام ،فما يعرفه العالم االقتصادي اليوم من تطور أدى الى تزايد للحماية الجنائية للعالم االقتصادي،
وهذا ما كان له أثر على مستوى التشريع الجنائي االقتصادي بالمغرب.137
وجرائم االعمال رغم أن تحديدها جاء متفرقا بين عدة نصوص في القانون المغربي ،فالمشرع
الجنائي المغربي اعتمد في تدخله في مجال االعمال على خلق مجموعة من النصوص القانونية المتناثرة
في هذا القانون او ذاك وه كذا مثال اوجد نصوصا تعبر عن ارادة المشرع الجنائي في مدونة التجارة وقانون
الشركات التجارية وقانون الملكية الصناعية والتجارية وقانون الجمارك ونفس النهج اعتمده ايضا في
قانون حماية حقوق المؤلف وقانون الزجر عن الغش في البضائع وقانون المنافسة و حرية االسعار وغيرها
من القوانين المشكلة للقانون الجنائي لألعمال المغربي ،مما يوحي لتضخمه ،االمر الذي يجعلنا نتساءل
محمد لفريخي" :االقتصاد والحماية الجنائية" ،مجلة العلوم الجنائية ،الطبعة ،2014العدد األول ،ص .149 137
74
عن مدى تجانس القواعد القانونية التي جاءت بها نصوص القانون الجنائي لألعمال المغربي؟ .138ومدى
استيعابها كذلك لنظم االثبات الخاصة بهاته الجرائم؟ وبتعبير اخر ،هل المشرع الجنائي لألعمال عندما
نص على جرائم لها عالقة بعالم المال واالعمال يؤسس ذلك بناء سياسة جنائية تقوم على نظرية عامة
للتجريم والعقاب وتؤسس في نفس الوقت لنظم اثبات تراعي خصوصية هذا المجال؟ أم أن االمر ال يتعدى
وجود نصوص متناثرة هنا وهناك من أجل سد الباب.
فالعالقة بين التشريع الجنائي واالقتصادي عالقة جدلية ،فاالقتصاد يؤثر في التشريعات الجنائية،
وقد يحد في بعض االحيان من فعاليتها ،كما أن التشريع الجنائي يؤثر في االقتصاد من عدة جوانب أهمها
ضبط بعض التجاوزات التي يعرفها المجال االقتصادي ،ونظرا الن الرغبة االقتصادية قد تحمل أصحابها
الى االخالل بما يتطلبه االمن االقتصادي.
لهذا فان هذا المبحث سيتم تقسيمه الى مطلبين ،سنحاول في (المطلب االول) الحديث عن مشروعية
الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال ،وفي (المطلب الثاني) تدخل المشرع الجنائي في قواعد اثبات
جرائم األعمال.
138هناك من سار في اتجاه الحكم على أن القانون الجنائي لألعمال بشكل عام (قانون العقوبات االقتصادي حسب رأيه)
غير متجانس ومتناقض ،بخصوص هذا الرأي راجع لألستاذ هشام الزربوح" :خصوصية القانون الجنائي لألعمال
بالمغرب" مرجع سابق ،ص .33
75
المطلب األول :مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال
بدون األدلة تصبح إجراءات العدالة الجنائية ضربا من ضروب التخمين والدجل الذي كان سائدا في
قضاء العصور القديمة .لذا أصبحت وظيفة جمع األدلة وتأمينها وتسخيرها الكتشاف الجرائم وتحقيق
العدالة علما أن المسؤولية تتحملها األجهزة المعنية كالشرطة القضائية ،النيابة العامة ،القضاء ،المحامين
وخبراء الطب الشرعي.
هذا وتعتبر األدلة الجنائية هي كل ما يقود إلى برهان صحة الواقعة أو الوقائع موضوع التحقيق
ويتم تصنيف األدلة الجنائية إلى أربعة أنواع رئيسة هي :األدلة القانونية ،األدلة الفنية ،األدلة المادية واألدلة
القولية .ولألدلة الجنائية قواعدها وموجهاتها وتشريعاتها المتطورة مع تطور اإلنسان ومستجدات أساليب
ارتكاب الجريمة وأدواتها .خصوصا جرائم األعمال.
باعتبار أن وسائل البحث التقليدية لم تستطع التصدي لمواجهة مرتكبي جرائم األعمال على وجه
الخصوص ،من هنا تبرر حتمية االستعانة باألساليب العلمية.
إن مجرد الحصول على الدليل العلمي ال يمكن األخذ به إال إذا خضع لمبدأ المشروعية الذي يقضي
أن يكون الدليل تم الحصول عليه بإجراءات صحيحة ،وطرق مشروعة يقرها العلم والقانون ،ومن هنا
يمكننا التطرق له من خالل ضرورتين الضرورة األولى مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال،
و الضرورة الثانية تمثلها حاجة الميدان االقتصادي للتدخل الجنائي من أجل مكافحة الجرائم التي تنخر
الجسد المالي واالقتصادي.
تباينت آراء الفقهاء بخصوص قيمة الوسائل التقنية الحديثة في اإلثبات ما بين مؤيد ومعارض
الستخدامها ،خاصة وأن غالبية هذه الطرق والوسائل قد يؤدي استخدامها إلى المساس بحقوق وحريات
األفراد الخاضعين لها .139مما ال ريب فيه أن استخدام الوسائل التقنية الحديثة في اإلثبات الجنائي فيه
مساس بحرية اإلنسان وسالمته الشخصية وخرق لقاعدة عدم جواز تقديم اإلنسان دليل ضد نفسه ،خاصة
وأن نتائج هذه األساليب والطرق الحديثة لم تتوصل إلى نتائج قاطعة .140لهذا سنتطرق إلسناد الدليل العلمي
في اثبات جرائم األعمال (الفقرة األولى) وبعدها مشروعية الدليل العلمي في القوانين (الفقرة الثانية).
139فوده عبد الحكيم والدمريي سالم حسني 1996م" ،الطب الشرعي وجرائم االعتداء على األشخاص واألموال"،
اإلسكندرية دار المطبوعات الجامعية ،ص .71
140عوض محمد محي الدين" :حقوق اإلنسان في اإلجراءات الجنائية" ،القاهرة 1989م ،بدون دار نشر ،ص .286
76
الفقرة األولى :إسناد الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال
اإلسناد هو نسبة األشياء إلى مصادرها ليتضح وجه الرابطة بينهما ،وتهدف السلطة القضائية من
كافة االجراءات التي تباشرها في التحقيق إلى إسناد عناصر الجريمة إلى مقترفها الحقيقي ،سواء كان هو
المتهم الماثل في ساحة الدعوى أو غيره مجهوال أو معلوما ويتم ذلك عن طريق التحقق من شخصيته
كمرتكب لها ،وذلك بالتوصل بمقومات الشخصية والكامنة في الكيان االنسانية بصفات وخصائص فردية
و ذاتية التي يعرف بها ولتوضيح ذلك أكثر نذكر مثال بصمات األصابع ،أثار األقدام ،شكل الوجه و
األوصاف و المقاييس كلها تدخل ضمن العناصر الشخصية التي يتميز بها الفرد .وتجدر االشارة أيضا أن
المقومات الشخصية ليست كلها قطعية الداللة ألن بعضها يكون أدلة ترجيحية وثم يمكن اعتباره دليال
مساندا أو معزوز.141
ومن ثم يتعين على المحكمة أن تبين األدلة بما فيها األدلة العلمية التي أسست عليها في تقرير اإلدانة
عند تسببيها للحكم سواء من حيث إثبات قيام الجريمة بأركانها الشرعية وكذا ظروفها المشددة أو المخففة
للعقوبة باإلضافة إلى أدلة اإلسناد في صورتها اإليجابية التي تربط بين المتهور والجريمة سواء كان كفاعل
أصلي أو مشارك فيها.
ذلك أن اإلسناد في حذ ذاته قد يكون إسناد وقائع أو آثار مادية ومخلفات ،سواء كانت صادرة من
جسم الجاني أو من مالبسه التي كان يرتديها أو األدوات واآلالت التي كان يحملها أو يستعين بها.
البد من التنويه أن األحكام الجنائية يجب أن تؤسس دا ئما على عناصر من أدلة قطعية ينعقد بها
اليقين ،ويقصد بهذه العناصر األدلة التي تنتفي بها قرينة البراءة المفترضة أساسا في كل متهم فهو مبدأ
كرسه الدستور لتعتبر قرينة البراءة من أهم وأرقى ضمانات المحاكمة العادلة التي تضمن أمن األشخاص
وحماية حرياتهم الفردية ،حيث ارتقى بها المشرع إلى مصاف المبادئ الدستورية ،إذ ثم التنصيص عليها
في الفصول 23و 119من الدستور ،فالفصل 23ينص على" :قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة
141قنونـة فاطمة الزهراء" :الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" ،مذكرة نهاية الدراسة لنيل شهادة الماستر ،جامعة عبد
الحميد بن باديس مستغانم ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم القانون الخاص ،نوقشت في تاريخ ،2020/09/02ص
.43
77
مضمونان" ،والفصل 119ينص على أنه" :يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن
تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به" ،كما أخدت به المسطرة الجنائية ،ونصت في
مادتها األولى على أن " :كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بحكم
حائز لقوة الشيء المقضي به" ،بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانوني ،ومن ثم يتعين
على المحكمة أن تبين األدلة بما فيها األدلة العلمية التي أسست عليها في تقرير اإلدانة عند تسببيها للحكم
سواء من حيث إثبات قيام الجريمة بأركانها الشرعية و كذا ظروفها المشددة أو المخففة للعقوبة باإلضافة
إلى أدلة اإلسناد في صورتها اإليجابية التي تربط بين المتهور و الجريمة سواء كان كفاعل أصلي أو
مشارك فيها ،ذلك أن اإلسناد في حذ ذاته قد يكون إسناد وقائع أو آثار مادية ومخلفات ،سواء كانت صادرة
م ن جسم الجاني أو من مالبسه التي كان يرتديها أو األدوات و اآلالت التي كان يحملها أو يستعين بها.142
وفي نفس السياق أحاط المشرع الفرنسي طرق المراقبة اإللكترونية بضمانات كثيرة بمقتضى المواد
،100-7 ،100-5 ،100-4 ،100-2 ،100-1و 101من قانون اإلجراءات الجزائية ،والتي من بينها:
-أن يكون قرار االعتراض صادرا عن قاضي التحقيق المادة 100فقرة .1
-أن يكون القرار الخاص بالتنصت أو اعتراض المراسالت مكتوبا المادة 100فقرة .2
-أن يتضمن القرار جميع العناصر البيانية التصال محل االعتراض ،والجريمة التي تبرر اللجوء
إلى االعتراض ،وكذا مدته المادة .101
-وضع التسجيالت في أظرفة مختومة ومغلقة المادة .100-4
-حظر تسجيل أي مكالمة مع محام تتعلق بممارسة حق الدفاع المادة .100-7
-حظر تسجيل المراسالت مع صحفي بغرض الكشف عن مصدر بالمخالفة للمادة 02من قانون
29جويلية 1881حول حرية الصحافة المادة 100-5الفقرة .4
-أال تتعدى مدة االعتراض أربعة أشهر قابلة للتجديد ،المادة .2-100
المغرب على غرار باقي دول العالم خصوصا تلك السائرة في طريق النمو منها ،عرف خالل
العقدين األخيرين ثورة تشريعية حقيقية همت الترسانة القانونية بشكل عام ومجال قانون األعمال 143بشكل
قنونة فاطمة الزهراء" :الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" مرجع سابق ،ص .44 142
143ظهر مفهوم قانون األعمال بعد التحول السريع الذي عرفته األنشطة االقتصادية على المستوى العالمي ،إذ أضحى
مفهوم القانون التجاري قاصر على استيعاب كل األنشطة االقتصادية خصوصا مع تحول عدة قطاعات من أنشطة مدنية
78
خاص ،وذلك رغبة في االستجابة لمتطلبات االستثمار الداخلي والخارجي وكذا في الدفع نحو تقوية روابطه
االقتصادية مع مجموعة من األقطار بعد إبرام اتفاقية التعاون االقتصادي مع االتحاد األوروبي والوضع
المتقدم الذي منحه إياه هذا األخير ،وكذا اتفاقية التبادل الحر مع الواليات المتحدة األمريكية.
وهكذا تم تعديل مجموعة من القوانين وإصدار أخرى كلها تصبوا إلى زيادة حماية المشاريع
االقتصادية هذه الحماية المتمثلة في عدة إصالحات تشريعية مست إصالح نظام المحاسبة التجارية ،والنظام
الجبائي ،وكذا تنظيم هيكلة السوق المالي ،وإصدار ميثاق االستثمار ،وإصالح مدونة التجارة ،إضافة إلى
إنشاء قانون الشركات والذي كان موضوع إصالح شامل تمثل في إصدار قانون 17-95المتعلق بشركة
المساهمة المعدل سنة ،2008وكذا قانون 5-96المتعلق بباقي أنواع الشركات والمعدل هو اآلخر سنة
2006أضيف لها القانون المتعلقة بالمجموعات ذات النفع االقتصادي ،كما همت هذه الثورة إصالح
قوانين الملكية الفكرية خصوصا ما تعلق منها بجانب الملكية الصناعية والتجارية وكذا القوانين المتعلقة
بمجال عالقات الشغل ا لفردية منها والجماعية وكذا ما تعلق منها بجانب التغطية الصحية اإلجبارية عن
المرض قبل أن يتوج ذلك بإصدار القانون 31.08الذي يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،وهو ما
شكل دفعة قوية لتطوير مناخ األعمال والرغبة في ضبطه وتقنينه.144
من هنا يتضح أن هاجس المشرع المغربي كان يتمثل في ضمان تحقيق أهداف قانون األعمال عن
طريق إحاطة الواجبات التي فرضها بجزاءات تضمن احترامه ،بدء من مرحلة اإلعداد للدخول في عالقات
تجارية واقتصادية إلى ما بعد تحقيق الربح أو الخسارة ال قدر هللا.145
كما تجدر اإلشارة إلى أن الجريمة في إطار قانون األعمال تتصف بالتنوع ،كجرائم الشركات
التجارية ،وجرائم األبناك ،جرائم الجمارك ،إضافة إلى اإلجرام المالي والضريبي ،وجرائم الملكية
الصناعية… ،من هنا تظهر أهمية تأطير هذه الجريمة حتى يتم تمييزها عن غيرها من الجرائم المادية
الخاضعة للقانون الجنائي ،كما أن ارتباطها بمجال المال واألعمال جعلها تتميز عن باقي الجرائم.
إلى أنشطة اقتصادية كالنقل وأعمال البنك( ...المواد من 6إلى 10من مدونة التجارة) ،وإن كان بعض الشراح يتحيزون
إلى مفهوم يرونها أكثر عمقا وهو "القانون االقتصادي"
144قانون رقم 9.88بمثابة قانون للمحاسبة التجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.138بتاريخ
،1992/12/25جريدة الرسمية عدد 4183تاريخ النشر .1992/12/30
145كما هو الشأن بالنسبة لصعوبات المقاولة (أنظر الكتاب الخامس من مدونة التجارة).
79
من حيث مسطرة المتابعة واثباتها لمرتكبها.
إضافة إلى تعدد أصناف القائمين بالتحري من ضباط الشرطة القضائية والمكلفين بالبحث في جرائم
زجر الغش في البضائع ومأموري الجمارك ،ومفتشي الشغل وغيرهم ،ومراقبي الحسابات ،فإننا نالحظ
تعدد المنفذين لهذه العقوبات ،فباإلضافة إلى السلطة القضائية ،نجد هناك مجموعة من المتدخلين لعل أهمهم:
-1بنك المغرب
بنك المغرب أو البنك المركزي المختص في تطبيق عقوبات على بعض المؤسسات البنكية
ومؤسسات االئتمان المخالفة.
-2األبناك
وال تي أوكل إليها المشرع المغربي إمكانية تطبيق عقوبات على بعض العمالء المخالفين من ذلك
مثال عقوبة الحظر (المنع) البنكي من إصدار الشيكات.
-3إدارة الجمارك
وهي أول سلطة عمومية تراقب حركة السلع على مستوى الحدود والتي منحها المشرع إمكانية حجز
البضائع المغشوشة أو التي تحمل عالمات تجارية مقلدة أو مزيفة.
ومن هنا نستنتج أننا يمكن اثبات الجرائم المرتكبة في مجال األعمال بأي وسيلة وخصوصا الوسائل
الحديثة المتعارف عليها في الوقت الحالي وهو الدليل العلمي.
يعتبر مبدأ الشرعية ضمانا هاما من ضمانات الحرية الفردية والمحاكمة العادلة ،ويعد من القيم التي
يقوم عليها النظام الديمقراطي ،ومن دعائم دولة القانون ،146فإن مشروعية الدليل الجنائي لإلثبات الجنائي
تشترط فيها أن تكون صحيحة من حيث البحث عما يدين المتهم وبالتالي فإن االدانة تكون على أساس
األدلة المشروعة ،التي يشترط أن يصل إليها بطرق مشروعة في إطار النظام القانوني المعمول به هذا ما
سوف نشير اليه من خالل االتي ذكره.
146أحمد الخمليشي" :شرح قانون المسطرة الجنائية" ،الجزء األول ،الطبعة األولى ،1980مكتبة المعارف ،الرباط،
ص .10
80
أوال :في القانون المغربي
ارتباطا بالسياق التاريخي فقد ظهر تطبيق هذا المبدأ ألول مرة في إنجلترا في العهد األعظم ،بعد
ذلك سيرى النور في فرنسا وثم إقراره إثر قيام الثورة الفرنسية لحقوق اإلنسان والمواطن في عام 1789
والذي نص في مادته " 8ال جريمة وال عقاب إال بنص" ،147ويقوم مبدأ الشرعية على دعامتين أساسيتن
أال وهما حماية الحرية الفردية وحماية المصلحة العامة ،وأصل هذا المبدأ في الشريعة اإلسالمية قوله
وقوله عز وجل" :وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث 148
تعالى" :وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال"
في أمتها رسوال يتلو عليهم آياتنا".149
ونظرا ألهمية هذا المبدأ فقد كرسه المشرع كذلك في الفصل الثالث من القانون الجنائي الذي جاء
فيه " ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعتبر جريمة بصريح القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها
القانون" .كما منح المشرع المغربي أهمية لهدا المبدأ من خالل جعله قاعدة دستورية تماشيا مع العديد من
التشريعات الجنائية المعاصرة وجملة من الدساتير الحديثة ومع اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الذي جاء
فيه " ال يدان أي شخص من جراء فعل أو ترك ،إال إذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني أو
الدولي ،وقت ارتكابه ،وكذلك ال توقع عقوبة أشد من تلك التي كان يجب توقيعها وقت ارتكاب الجرم".
من خالل كل ما سبق ذكره ،نستكشف أن السلوك مهما كان ضارا بالمجتمع ال يمكن إخضاعه لجزاء
جنائي ،ما لم يكون هناك نص صريح يجرمه ويحدد العقوبة المقررة له ،لذا قبل اثباته يجب أن يكون فعل
مجرم في األصل ،يعني ال يكمن للقاضي أن يجرم أفعاال لم يجرمها القانون وال يمكنه البحث والتحري
الكتشاف أفعال ال يجرمها المشرع ويعاقب عليها بعقوبات لم يحددها القانون.150
فالقانون ال يأخذ بدليل باطل إلثبات واقعة ما ،فيجب احترام القواعد والمبادئ التي رسمها التشريع،
فمجرد الحصول على الدليل العلمي ال يمكن األخذ به أو اإلعداد به إال بعد خضوعه لمبدأ المشروعية الذي
يقضي أن يكون الدليل تم الحصول عليه بإجراءات صحيحة ،وطرق مشروعة يقرها العلم و القانون ،ومن
ذلك ما ينجر عنه دليل عن تفتيش باطل أو قبض واستجواب غير صحيح أو اعتراف منسوب بالبطالن
تحت طائلة الضغط النفسي ،أو نتيجة مح رر مزور أو مسروق أو بشهادة الزور أو مخالفة النظام العام
كالتجسس من ثقوب األبواب والنوافذ أو عن طريق محضر ليخضع للقواعد االجرائية العامة.
147يونس العياشي" :المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي"،
مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ،بحث نهاية التدريب للملحقين القضائيين سنة 2012ص .3
148سورة اإلسراء اآلية . 15
149سورة القصص :اآلية .59
150نجاة الحافظي :محاضرات في "النظرية العامة للقانون الجنائي" السداسي الثاني ،كلية الحقوق بسطات السنة الجامعية
.2011\2010
81
وبالتالي فإن مشروعية الدليل الجنائي من أهم القيود التي تحد االثبات الجنائي ،والهدف األسمى من
الدعوى الجنائية هو كشف الحقيقة بأي وسيلة من وسائل االثبات الجنائي التي تخضع لسلطة تقدير القاضي،
وبالتالي فإن االدانة تكون على أساس األدلة ،التي يشترط أن يصل إليها بطرق مشروعة في إطار نظام
القانوني المعمول به ،فمتى كانت حالته لجهات القضاء في البت فيه قواعد البحث والتحري عن الدليل و
قد تمت بإجراءات صحيحة ومقبولة قانونا وباستخدام رجال الضبطية القضائية وجهات التحقيق واالتهام،
وسائل تتميز بالمشروعية في الحصول عليه بشكل يحقق المساواة بين حق الدولة في العقاب ومصلحة
المجتمع في االقتصاص المتهم.151
باعتبار الدليل العلمي ذو طبيعة تقنية يحتاج إلى المعرفة والخبرة في التعامل معه واإلحاطة بكل
جوانبه ،األمر الذي ال يتوفر لدى أجهزة العدالة والبحث والتحقيق ،لذلك خول لهم المشرع المغربي إمكانية
االستعانة بذوي االختصاص أو الخبرة لما لهذه األخيرة من أهمية بارزة في تكوين االقتناع الصميم للقاضي
الجنائي ،وذلك انطالقا من مجموعة من النصوص من قانون المسطرة الجنائية كالمادة 57الفقرة الرابعة،
والمادة ،64وكذلك المادة 47الفقرة األخيرة ،وكذلك المادة 77الفقرة األخيرة ،وما جاء في المادة 194
الفقرة األولى.
يشترط في الدليل أن تتم مناقشته بجلسة المحاكمة ،وابداء مالحظاته حوله ،وهو ما ذكرته ،المادة
302من قانون اإلجراءات الجنائية المصرية بنصها :ال يجوز للقاضي أن يبني حكمه على أي دليل لم
يطرح أمامه في الجلسة ،وبالتالي يكون القاضي ملزما بالحكم وفق الوقائع المثابة المعروضة أمامه وليس
له أن يحكم وفق أمور غير موجودة لديه ،ومما يتضح أن المشرع تدخل في هذه النقطة ليمنع القاضي من
الحكم وفق أهوائه الشخصية ،وهو ما ذكرته أيضا المادة 180من نظام اإلجراءات السعودية بقولها :تعتمد
المحكمة في حكمها على األدلة المقدمة إليها أثناء النظر في القضية "وال يجوز للقاضي أن يقضي بعمله
ال بما يخالف علمه ".وبما سبق ذكره ال يجوز للقاضي أن يقبل أدلة كانت نتيجة إجراءات باطلة أو مخالفة
للنظام العام واآلداب.
كما إن مشروعية الدليل الجنائي من أهم القيود التي تحد اإلثبات الجنائي وورد ذلك في المادة 47
من الدستور الجزائر لسنة 1996التي نصت على أنه :ال يتابع أحد ال يوقف أو يحتجز إال في الحاالت
قنونة فاطمة الزهـراء" :الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" مرجع سابق ،ص .44 151
82
المحددة بالقانون وطبقا لألشكال التي تنص عليها ،فإن مشروعية الدليل الجنائي يشكل سند قانوني يثير
إشكالية احترام اإلجراءات القانونية.
تتطلب قاعدة مشروعية الدليل العلمي وجوب الحصول عليه في إطار احترام القواعد القانونية
المقررة في مختلف القوانين السيما قانون اإلجراءات الجزائية ،مع االستعانة بالوسائل المشروعة ويترتب
على مخالفة ذلك بطالن الدليل العلمي المستمد منها ،تطبيقا للقاعدة العامة التي مفادها "ما بني على الباطل
فهو باطل" ،ويعرف البطالن عادة بأنه الجزاء الذي يترتب على إجراء معين فيبطله كليا أو جزئيا بسبب
إغفال عنصر يتطلب القانون توا فره في اإلجراء أو ألنه تم بطريقة مخالفة للقانون .ومنه فإن الدليل العلمي
الناتج عن إجراءات باطلة أو وسائل غير مشروعة سيكون باطال و البطالن ال يترتب علة نص القانون فقط
بل قد يترتب أيضا على مخالفة قاعدة جوهرية والبطالن قد يكون في جميع مراحل الدعوى الجنائية ابتداء
بمرحلة جمع االستدالالت مرورا بإجراءات التحقيق وانتهاء بمرحلة المحاكمة من خالل عرضه الدليل
العلمي أمام القاضي والخصم في مرافعة علنية فعلى سبيل المثال فالدليل العلمي المتمثل في التحليل
البيولوجي قد يكون باطال وال يعتد به ما لم يناقش أمام الخصوم في جلسة علنية وشفوية وحضورية.152
قنونة فاطمة الزهـراء" :الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" مرجع أعاله ،ص .47 152
83
المطلب الثاني :تأثيرات العولمة على التقنيات الحديثة في مجال األعمال
لقد نتج عن العولمة مساحة واسعة من المرونة وحرية انتقال األشخاص واألموال ،مما أدى إلى
امتداد أثرها واستغاللها من قبل المجرمين ،حيث توسع نطاق اإلجرام باستحداث أساليب وتقنيات حديثة
الرتكاب الجريمة ،وعليه تبين قصور التشريعات الوطنية في مكافحة الجريمة ،خاصة الجريمة المتعلقة
باألعمال ،كان من األهمية عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول ،واألخذ بتنظيم أمني وقضائي إليجاد سبل ناجعة
وآليات مكافحة عالمية وضبط تقنيات نقل المحكوم عليهم لتنفيذ العقوبات ،وتحديد أساليب التحقيق وأدلة
اإلثبات بين الدول.
أمام كل هذا ماتزال اإلشكاالت تثار حول كيفية الحد من الجريمة في ظل العولمة التي أصبحت
تقنياتها متطورة تكنولوجيا والتي قد تطمس معالم الجريمة وبالتالي ينعدم النص لتجريمها.153
لقد سبق أن تعرفنا الى االعتراف الناتج عن االستجواب وهي مسألة تقليدية لكن اليوم يلجأ إلى
االعتراف بسهولة باستعمال وسائل حديثة لم تكن من قبل معممة .فهل يمكن لهذه التقنيات الحديثة تأثير
في مجال اإلثبات خصوصا في القضايا المستعصية كتلك التي يرتكبها بعض رجال األعمال.154
لهذا تعتبر قياس التغييرات الفسيولوجية والتنويم المغناطيسي والعقاقير المخدرة تعطل وتخفض من
درجة التحكم اإلرادي ونزع حواجز العقل الباطني بحثا عن المعلومات التي يرغب فيها المحقق وجلب
اعتراف في نطاق اإلثبات أو االستقصاء ووجه االستدالل والتحري.
قد يثير االعتراف المتحصل من العقاقير المخدرة مجموعة من المالحظات من كونها تحتاج إلى ما
يؤكد هذا االعتراف على اعتبار أنه ليس دليال مستقال في اإلثبات خاصة وأن مجرمي األعمال يرفضون
دائما الخضوع لهذا اإلجراء دفعا لكل تأثير واإلفالت من العقاب ومع كل تبقى النتائج المتحصل عليها غير
صحيحة وهي بمجرد قرائن وليست أدلة ثابتة وكاملة.
153بن زرفة هوارية " :العولمة وتأثيرها على الجريمة والعقاب" ،المركز الجامعي أحمد زبانة غليزان ،النشر على
الخط ،15/06/2021مجلد 25عدد 56السنة ،2021ص .544
154ادريس النوازلي" :االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،الجزء الثاني ،مرجع سابق ،ص .37
84
الواقع أن أمر استخدام العقاقير المخدرة في مراحل الدعوى الجنائية من أكثر المشكالت التي حظيت
باهتمام الف قه الجنائي المقارن الشيء الذي أدى إلى تواتر اآلراء والحلول تختلف فيها وجهات النظر،
ويرجع السبب في ذلك إلى خلو التشريعات من نصوص صريحة قاطعة لمعالجة هذا اإلشكال .فاستعمال
العقاقير المخدرة في الدعوى الجنائية يتعارض مع مبدأ النزاهة الذي يحكم التحقيق الجنائي ،والذي يقتضي
بالضرورة أن تكون اإلقرارات واالعترافات التي يدلي بها المتهم وليدة استجواب نزيه بعيدا عن وسائل
المباغتة أو الحيل أو العنف ،وإن كان الرضا قد يضفي المشروعية على استخدام مصل الحقيقة غير صحيح
علميا ،هل تندرج في إطار الرضا من عدمه على اعتبار ان استعمال المخدر يحرر العقل الباطن من أي
قيود.
فاستخدام مصل الحقيقة برضا صاحب الشأن يسهم في تحقيق المصلحة االجتماعية ومصلحة الفرد
معا ،فهو أسلوب علمي واقعي للبحث والتنقيب الجنائي يمكن المحقق من الحصول على نتيجة تتصل بدرجة
أو بأخرى بحقيقة الواقعة موضوع البحث والو قوف على وسائل ارتكاب الجريمة ودوافعها ،كما يمكن
إخضاع كل نتيجة للمراجعة الدقيقة شأنها في ذلك شأن باقي طرق البحث التقليدية.155
وعلى المستوى القضائي قضت محكمة االستئناف لكسمبورج بأنه يحق لمحكمة الموضوع أن
ترفض طلب المتهم استجوابه بعد تخديره وال يعد اخالال منها بحق الدفاع إذ أن المحكمة ليس لها الحق في
استخدام كافة الوسائل في اإلثبات بل أنها مقيدة بالقواعد التي ينص عليها التشريع اإلجرائي وأن إجراء
كهذا قد يكون عديم األهلية ،بل قد يحقق ضررا ومخاطر من الجهة االجتماعية.156
وهو نفي االتجاه الذي سار إليه كل من القضاء األمريكي والنمساوي وااليطالي لعلة أنه يعوق
حرية اإلرادة تماشيا مع لجنة حقوق اإلنسان بعدم جواز استعمال العقاقير المخدرة أو وسيلة أخرى من
شأنها شأن حرية المتهم في التصرف أو التأثير في ذاكرته وتمييزه ،كما أوصت بعدم قبول أي اعتراف
يصدر من المتهم بواسطة هذه الوسائل.
ونخلص القول إن االعتراف القضائي هو الذي يصدر من المتهم أمام إحدى الجهات القضائية وقد
يكفي ولو كان الوسيلة الوحيدة في النازلة لتسبيب اإلدانة وهو ما يسهل عمل المحكمة أما االعتراف غير
القضائي فهو الذي يصدر أمام جهات غير قضائية أي خارج مجلس القضاء مثال كالرسائل الصوتية أو
الكتابية على الهواتف المحمولة أو عبر اإلنترنيت وهي مسألة تخضع لتقدير القاضي بحيث الذي عليه أن
يتحقق من توافر شروط صحته.
155تقرير لجنة حقوق االنسان في حق الفرد في عدم التعسف في القبض عليه أو حبسه أو نفيه المؤرخ في 5يناير
،1962ص .315
156أنظر حكم محكمة لكسمبورغ في 1955/11/30مجلة قانون العقوبات وعلم االجرام ،سنة ،1956ص .1143
85
ثانيا :قياس التغييرات الفسيولوجية (جهاز كشف الكذب)
يعد جهاز كشف الكذب أو قياس التغييرات الفسيولوجية من األجهزة الطبية المستخدمة في رصد
وتسجيل انفعاالت الشخص محل الفحص بدقة ،فالشخص الذي يكذب تعتريه شحنة انفعالية تؤثر على جهاز
العصبي بسبب الصراط الداخلي الدائر بين الكذب والحقيقة ولعل ذلك راجع إلى خشية افتضاح أمره .وقد
تم اكتشاف هذا الجهاز بتسجيل تلك التغييرات التي تحدث عادة للشخص إزاء ما يعتريه من انفعاالت نتيجة
الكذب.
طرح استخدام جهاز الكذب جدال قانونيا في بداية أمره من حيث قبول النتائج واالعترافات المتحصلة
منه التي تتطلب الخبرة في تشغيله واألسئلة التي يتعين طرحها بشيء من الدقة حتى تكون نتائجه العلمية
أكثر تفوقا من اإلجر اء التقليدي بحسب الظروف التي تم فيها استخدام الجهاز المذكور ،وفي هذا الصدد
قال الدكتور قدري عبد الفتاح الشهاوي " أن جهاز قياس التغييرات الفسيولوجية يثير عدة مشكالت منها
فنية تتمثل في مدى صحة النتائج المستمدة من استخدامها وما هي نس الخطأ والصواب في هذه النتائج
حتى يمكن تحديد درجة إمكانية االعتماد عليها في الحصول على تحريات صادقة واستدالالت دقيقة ومشكلة
قانونية تتمثل في مدى ما يمكن أن يحدثه استخدام كل من هذه األساليب على حقوق المتهم
األساسية ،وطبيعة هذا المساس وتأثيره على حق المتهم في الصمت والكذب والحق في سالمة الجسد
وسالمة النفسية وحق الخصوصية .وكذلك تثور مشكلة تنظيمية في استخدام هذه األساليب الحديثة في شأن
جمع التحريات واالستخبارات وإجراء االستدالالت ،ومن هذه المشكالت ما يتعلق بحاالت استخدامها
وشروطه وضماناته والقيمة اإلثباتية لما يسفر عن استخدامها من نتائج.157
يمكن قبول نتائج االختبار بجهاز كشف الكذب كوسيلة لإلثبات حيث يكون وعي المتهم تاما كما أنه
يمكن للشخص وباستطاعته في أي لحظة أن يوقف االختبار الحاصل عليه أو يجعله بتصرفه غير ذي
فائدة ،في حين إذا خضع له الشخص بإرادته فإن الجهاز يمكن أن يستعمل كإحدى وسائل االكتشاف الكذب
وفي هذه الحالة ال يمكن االعتماد على نتيجة استعمال الجهاز بل البد من تأييده بأدلة أخرى لتأكيد االتهام
158
وهو ما ذهبت إليه محكمة سويسرا في ديسمبر سنة .1954
فالرأي المؤيد لجهاز قياس التغييرات الفسيولوجية واستخدامه في البحث الجنائي قد يكون أمرا
مقبوال بأنه ال يمس وعي المتهم كما أن رأي الخبير المتفحص للعملية يحسم فيما إذا كان المتهم قال الحقيقة
أم ال ويمكن اعتبارها عنصرا من عناصر اإلثبات ،إال أنها ال ترقى إلى مرتبة الدليل الكامل.
قدري عبد الفتاح الشهاوي" :حجية االعتراف كدليل إدانة" ،مرجع سابق ،ص 125 157
قدري عبد الفتاح الشهاوي :مرجع سابق ،ص .257 – 256 158
86
فيما الرأي المعارض كالقانون السوفيتي الذي يرى باستعمال الجهاز المذكور ال يرتب نتائج قانونية
لكونه سجل اضطرابات نفسية وبالتالي من الصعب تحقيق أدلة إثبات حاسمة على اعتبار أن هناك
اختالف بين الظواهر الطبيعية وبين أحاسيس البشر .ونحن نؤيد هذا الرأي ألنه ال يمكن االعتماد على
جهاز قياس الكذب كوسيلة أحادية لإلثبات بل يتعين تدعيمها بوسائل أخرى كإضافة لتكوين قناعة المحكمة
بالشكل المقبول ،خاصة وأن المتهم قد يكون تعتريه حاالت عصبية أو درجة كبيرة من الحساسية الشديدة
نتيجة للقلق الحاد ،فضال أن هناك أشخاص لما لهم من قوة التحمل والتمرس في الخديعة وهدوء النفس
والطمأنينة لما ألفوه من كذب ،ال يؤثر فيهم الجهاز بل يسيرون في اتجاه تغليط المعلومات وهو ما يلجأ
إليه بعض رجال األعمال إذ يستعملون أفعاال ال تنم عن الجرم بواسطة أشخاص يعملون لديهم حسني النية
وإن خضعوا للجهاز فال ينتج عنه أي أثر لكونهم يقولون الصدق وبالتالي ال يدركون التالعب الحاصل من
المشغل أو الرأس المدبر.
استعمال جهاز البوليغراف في جميع التحديات أضحى من أهم الوسائل المستحدثة ،التي ال تمثل
انتهاكا لحرية األفراد أو تأثيرا على إرادتهم .من أنه وسيلة مساعدة في جمع التحريات وإجراء االستدالالت
واالستخبارات الالزمة للتحقيق من التعرف على مدى م يل الشخص لقول الحقيقة وكشف محاوالت تصنع
العاهة العقلية أو الوقوف إلى حد كبير على دوافع الجريمة ومكان إخفاء األشياء متحصل عنها كما يمكن
تحديد األماكن التي يختفي فيها بعض األشخاص الذين يجري البحث عنهم وبالتالي يتعين إعمال المقارنة
بين األقوال المختلفة والمرسلة ،والتحقق من مدى صحتها واالستفادة من نتائجها عند اإلعداد الستجواب
المتهم بعدها .وبذلك يضحى في اإلمكان محاصرة المتهم في التناقضات والمالبسات التي قد يتم الكشف
عنها ،وكذلك عند سماع أقوال الشهود حتى يمكن حصر الشبهات نحو المتهمين دون غيرهم ،وأثر هذا
على تخفي ف عمليات البحث وتوجيهها للحصول على األدلة العامدة لإلدانة وتحاشي مشقة الخوض في
مسالك وطرق ال طائل من ورائها.159
أما عن موقف الشريعة اإلسالمية من االعترافات الصادرة عن طريق جهاز كشف الكذب ،هللا
سبحانه وتعالى منح على لسان رسوله محمد صلى هللا عليه وسلم "كل مسلم على مسلم حرام دمه وماله
87
وعرضه" وقال ابن حزم "فال يحل االمتحان في شيء من األشياء بضرب وال بسجن وال بتهديد ،ألنه لم
يوجب ذلك قرآن وال سنة ثابتة وال إجماع وال يحل أخذ شيء من الدين إال من هذه المصادر الثالثة".160
هي من الوسائل التي تؤثر على عقل ونفسية المتهم ،وقد أتى الطبيب النمساوي Franz Anton
Mesmerبفكرة المغناطيسية الحيوية ،في أواخر القرن الثاني عشر ،وتحجب هذه الوسيلة الذات
الشعورية للنائم وتبقي ذاته الالشعورية تحت سيطرة ذات المنوم .161ويعرف التنويم المغناطيسي بأنه
"حالة نوم صناعية لبعض ملكات العقل الظاهر عن طريق اإليحاء ،يتقبل فيها النائم اإليحاء دون محاولة
طبيعية إليجاد التبرير المنطقي له ،ويتمثل الغرض في استدعاء المعلومات واألفكار التي قد تكون عميقة
في الالشعور" .162وبما أن "إرادة المنوم تخضع إليحاء القائم بعملية التنويم فإن هذا يؤدي إلى بطالن هذا
اإلجراء" .163وقد حظرت بعض التشريعات صراحة استعمال هذه الوسيلة.
وفي إطار اعتماد التكنولوجيا الحديثة يمكن االستعانة بأجهزة كشف الكذب ،polygrapheحيث
يرصد هذا الجهاز االضطرابات وبصفة خاصة تلك التي تتعلق بالتنفس وضغط الدم .وقد سبقت أمريكا
جميع دول العالم إلى استخدام هذا الجهاز ،وليس له عالقة بوعي اإلنسان أبدا" .164ويحيط بالنتائج التي
تحصل من هذا الجهاز الشك ،فالشخص المنتمي إلى "النمط الطفلي هو شخص معتاد على الكذب ،وعندما
يصدر سلوك الكذب عند هذه الشخصية ،فإنها ال يراودها أية اضطرابات ،وهذا يؤدي إلى عجز الجهاز
عن تسجيل أية انفعاالت غير عادية ،وكذلك بالنسبة الستجواب معتادي اإلجرام الذين يعتبر الكذب لديهم
ابراهيم أحمد عثمان ":مدى شرعية استعمال جهاز كشف الكذب في التحقيق ودوره في اثبات التهم" ،المجلد ،10 160
88
نوعا من السلوك العادي" ، 165كما أن في استخدامه "إجبارا للمتهم على تقديم دليل ضد نفسه" .166ويرى
البعض أن "استعمال الجهاز يعتبر اعتداء على حق المتهم في الصمت ،وحقه في حرية الدفاع".167
تعرف الجرائم اإللكترونية بأنها تلك األفعال اإلجرامية الناتجة بواسطة استخدام المعلوماتية والتقنية
الحديثة المتمثلة في الكمبيوتر والمعالجة اآللية للبيانات أو نقلها ،ولقد عرفتها منظمة التعاون االقتصادي
والتنمية 168OECDبأنها كل فعل أو امتناع من شأنه اعتداء على األموال المادية والمعنوية يكون ناتجا
مباشرة أو غير مباشرة عن تدخل التقنية المعلوماتية.169
واألهم هو أن ما تحقق للبشرية من مصلحة عبر الثورة التكنولوجية حقق أيضا ضررا لها وهو ما
أسس إلنشاء الجرائم اإللكترونية التي تختلف اختالفا جذريا عن أنواع الجرائم األخرى مع األخذ بعين
االعتبار أن الضرر الناجم عنها ال يمكن االستهانة به.170
لذا فباختالف هذا النوع من الجرائم بأنواع أخرى يعد اإلثبات باألدلة الرقمية من أبرز تطورات
العصر الحديث في كافة النظم القانونية.171
ومن هنا تبدو أهمية اإلثبات الجنائي بالدليل الرقمي في كون هذا األخير الوسيلة الوحيدة والرئيسية
إلثبات هذه الجرائم المستحدثة وفي كون جل التشريعات التقليدية ال تواكب اإلجرام اإللكتروني الذي ما
فتئ يتطور حتى وصل الى مجاالت متعددة من أبرزها مجال األعمال مما حدا بالتشريعات الدولية والعربية
إلى سن قوانين بالموازاة مع التطور االجتماعي لبلدها.
165عقيلة بن الغة" :حجية أدلة اإلثبات الجنائية الحديثة" ،مرجع سابق ،ص .103
166فيصل مساعد العنزي" ،أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان-دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "،
مرجع سابق ،ص .136
167فيصل مساعد العنزي" :أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان-دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "،
مرجع سابق ،ص .195-193
168محمد الشوا :ثورة المعلومات وانعكاساتها على قانون العقوبات ،الطبعة 2دار النهضة العربية ،القاهرة1994 ،
ص .7
169أحمد خليفة الملط ،الجرائم اإللكترونية ،دار الفكر الجامعي الباهرة ،الطبعة الثانية 2005ص .87
170علي عدنان الفيل :اإلجرام اإللكتروني في دراسة مقارنة ،الطبعة األولى مكتبة زين الحقوقية طريق صيدا القديمة
لبنان 2011ص.7
171أحمد يوسف الطحاوي" :األدلة اإللكترونية في اإلثبات الجنائي دراسة مقارنة" ،طبعة دار النهضة العربية القاهرة
2015ص.4
89
أوال :إثبات الجريمة اإللكترونية المستحدثة
يعرف االثبات كما سبق وأشرنا له سابقا على أنه الحجة والبرهان وهو ما يدفع به الخصم إلثبات
حق من الحقوق ،172سواء في مجال إثبات التهمة ونسبها إلى المتهم أو إثبات عدم إمكانية إسنادها إليه،
ويعد ذو أهمية كبرى ألنه يناصر الحقيقة ويبين مرتكب الجريمة وهو الذي يحول الشك إلى اليقين باعتبار
الحقيقة في معناها العام هي معرفة حقيقة الشيء بأن يكون أو ال يكون والذي ال يتحقق إال عن طريق
الدليل المعبر عن هذه الحقيقة ،173فيعرف الدليل الرقمي باعتباره وسيلة اثبات على أنه الدليل المأخوذ من
أجهزة الحاسب اآللي ويكون في شكل مجاالت أو نبضات مغناطيسية يمكن تجميعها وتحليلها باستخدام
برامج وتطبيقات وتكنولوجيا خاصة .ويتم تقديمها في شكل دليل يمكن اعتباره أمام القضاء وسيلة اثبات.174
أما فيما يخص التشريع المغربي فإن الواقع العملي فيه أثبت أن جريمة الدخول االحتيالي إلى نظم
المعالجة اآللية للمعطيات هي األصل وتتنوع عنها باقي الجرائم األخرى حيث أنها فرضت نفسها على
المشرع المغربي فسن قانون رقم 07.03في سنة 2007بشأن مكافحة جرائم المس بنظم المعالجة اآللية
للمعطيات الواردة بمنظومة القانون الجنائي.
وفي إطار اهتمام المغرب بالجرائم اإللكترونية وفي إطار إسباغ الشرعية على الدليل اإللكتروني
فقد افتتح في نقر والية مراكش المختبر الجهوي لتحليل اآلثار الرقمية بتاريخ 25/12/2012وذلك حرصا
من المديرية العامة لألمن الوطني على مواكبة التطورات التي تعرفها الجريمة اإللكترونية في مجال
التجارة االلكترونية بفضل استخدام التكنولوجيا الرقمية ويقوم بهذا المختبر باألساس بتجميع األدلة الرقمية
المستعملة في اقتراف األفعال اإلجرائية أو المرتبطة بها واستقرار وتحليل الدعامات اإللكترونية المرتبطة
بالجريمة إلى جانب تقديم الدعم التقني إلى المحققين وإلى العدالة فيما يتعلق بالجريمة اإللكترونية.175
في ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي يعرفها العالم اليوم وبفعل الثورة االلكترونية التي تعتمد
على الفكر البشري والقدرة على اإلبداع والتطور واالستجابة للمتغيرات الحديثة التي تجاوزت الحدود
ظهرت التجارة االلكترونية كثمرة من ثمار التطور التقني ونمو المعامالت التجارية وتطوير قوانينها على
مستوى تكوين العقد وما يتصل بإثبات الحقوق الناشئة عنه دفعا للعقبات التي تعترض التجارة كواقع ملزوم.
172أحمد يوسف الطحاوي" :األدلة اإللكترونية في اإلثبات الجنائي دراسة مقارنة" مرجع سابق ،ص ،234 ،232
.246
173سيدي محمد ليشير :دور الدليل الرقمي في إثبات الجرائم المعلوماتية ،دراسة تحليلية وتطبيقية رسالة الماجستير في
العلوم الشرطية تخصص التحقيق والبحث الجنائي كلية الدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم األمنية الرياض لسنة
2010ص.21
174علي محمود :األدلة المتحصلة من الوسائل اإللكترونية غي إطار نظرية اإلثبات الجنائي ،المؤتمر العلمي األول حول
الجوانب القانونية واألمنية للعمليات اإللكترونية ،اإلمارات العربية المتحدة،لسنة 2003ص.18
175عابد العمراني – امحمد أقبلي “القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح الطبعة األولى لسنة 2020ص .304
90
علما أن التجارة االلكترونية في عالم افتراضي سرع من حركة التجارة العالمية عبر الصفقات والمعامالت.
كل ذلك استغله مجرمي األعمال في انجاز المعامالت وما استتبعه من اقتراف للجرائم.
لقد لعبت شبكة اإلنترنيت دورا مهما في تطوير التجارة بأن أصبحت تقود الميدان الحقيقي لتدفق
البيانات وتطور االتصاالت التي تتسارع لمواكبة التطورات التقنية الحديثة ،كما أصبحت تعرف أقساما
متنوعة منها التوزيع المباشر حيث تتم التجارة بين المنتج أو الموزع والمستهلك النهائي للبضاعة ،ويتم
السداد فيها من خالل بطاقات االئتمان والحسابات الرقمية والتجارة بين الشركات يتم التعامل فيها بين
شريكتين يكون السداد فيها من خالل التحويل المباشر والحسابات الرقمية أو البنوك اإللكترونية ،ثم التجارة
المغلقة التي تتم بين شركات ،غير أنها تتميز بمحدودية أطراف التعامل فال يسمح لشركة خارج نطاق شبكة
األنترنت الدخول أو االطالع على تفاصيل الصفقات.
إنه بالرغم ما عرفته التجارة على النحو المذكور فإنها ال تخلو من معوقات يتمثل في عدم كفاية
عناصر األمان بالنسبة لوسائل األداء ،يتعين تحقيق ضوابط تنحصر في اجراءات التوقيع بالموافقة على
السحب النقدي أو األداء بالبطاقة والذي يعتبر عالمة شخصية مميزة لصاحبه وتعبيرا عن ارادته.176
فلتحقيق األمان للتوقيع اإللكتروني عندما يضيع الرقم السري أو سرقته ،بحيث يحق للشخص الذي
فقد سواء بالضياع أو بالسرقة النقدية أن يبلغ الجهات المختصة بإيقاف التعامل بها شأن ذلك شأن التوقيع
التقليدي أو العادي حينما يتعرض للتزوير أو التقليد ،فالرقم السري يعتبر كالتوقيع تماما فهو وسيلة إلقرار
المعلومات التي تضمنها السند ،وكذلك وسيلة مأمونة لتحديد هوية الشخص الموقع إذ يمكن بعد إتباع
اإلجراءات المتفق عليها تأكد الحاسوب أن من قام بها هو الشخص صاحب البطاقة.
وإذا كانت للتجارة اإللكترونية مزايا من حيث إزالة الحواجز بين الدول وتحقيق العولمة االقتصادية
والوصول إلى األسواق أصبح متاحا بسهولة تكوين شركات وعالقات تكاملية ألنظمة البيع والشراء والدفع
اإللكتروني فإنها ال تخلو من سلبيات أخطار التزوير ومعالجة التوقيعات الرقمية والتعامل مع األشباح في
شبكة األنترنت وانهيار الشركات التي تعجز عن مسايرة التطور والتغيير.
176ادريس النوازلي" :االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،الجزء الثاني ،مرجع سابق ،ص .42 – 41
91
ثانيا :آليات الحصول على األدلة الرقمية الثبات الجرائم االلكترونية
في ارتكاب الجريمة العادية قد يترك بصمات يمكن الكشف عنها بطرق مباشرة أوغير مباشرة ،على
خالف الجرائم االلكترونية تكون فيها البصمات الرقمية غير مرئية ،أو أنها مرئية افتراضيا على األدلة
الرقمية في ذاكرة تخزين المعلومات ،وهي قد تكون وحدات تخزين دائمة مثلServers and
هذه البصمات تأخذ أحد ثالثة أشكال :ملفات فعالة ،ملفات مؤرشفة ،وملفات ممسوحة.
النوع األول :هو عبارة عن ملفات يمكن الوصول إليها بسهولة ويسر ،وال تحتاج إلى خبراء ومعامل
جنائية ،وعادة هي متاحة وغير محمية بكلمة السر ،ويتم استعادتها دون اللجوء إلى المعامل.
النوع الثاني :وهي المعلومات المؤرشفة والمخزنة في وحدات تخزين دائمة مثل servers
،network, disks flopy, CDs internet the andتشبه النوع األول ،أي يمكن الوصول إليها
بسهولة ويسر ،ودون اللجوء إلى الخبرة والمعامل الجنائية لضبطها ونسخها ،وهي أقل تقلبا من النوع
األول كونها موجودة في وحدات تخزين دائمة ويمكن طباعتها بسهولة.
النوع الثالث :هي المعلومات التي تم مسحها والتي يمكن استرجاعها لكن باستخدام تكنولوجيا هندسة
المعلومات المتطورة ،وهي على خالف االعتقاد السائد بأن المعلومات التي يتم مسحها وتفريغ سلة
المهمالت منها ينعدم وجودها ،بل هي تبقى مخزنة أوتوماتيكيا ولفترة مؤقتة في خوادم .وهي تبقى هناك
حتى يتم تخزين ملفات جديدة فوق تلك الممسوحة.177
هذه األنواع الثالثة تختلف طبيعتها حسب المكان الذي تخزن فيه وحسب درجة تقلبها .ويجب التعامل
معها بحذر حتى ال يتم تدميرها أو تغيير طبيعتها ،حيث أن المعلومات المخزنة سهل فقدها .فإذا ما لحق
بالدليل الرقمي أي من العوارض السابقة فإنه يصبح غير مقبول في اإلثبات .لذلك ،على مأموري الضبط
القضائي والمحققين وأعضاء النيابة العامة التعامل مع األدلة الرقمية بمسؤولية حتى ال يتم عطبها ،وبالتالي
فقدانها وخسارتها .كما يجب الحفاظ على النسخة األصلية حتى ال يطعن المتهم في سالمة الدليل الرقمي
وبأن المحققين قد عبثوا أو غيروا فيها.
177مصطفى عبد الباقي :التحقيق في الجريمة اإللكترونية واثباتها في فلسطين :دراسة مقارنة ،علوم الشريعة والقانون،
المجلد ،45عدد ،4ملحق ،2سنة ،2018ص .292
92
ومع ازدياد استعمال الكمبيوتر واإلنترنت ،والحاجة المتنامية إلدخال أنواع جديدة من األدلة الرقمية،
بدأ المشرعون تلمس أهمية تبنيها في التشريعات ،حيث يحاولون أن يبقوا متناغمين مع التطور التكنولوجي
عن طريق سن تشريعات جديدة أو تعديل التشريعات السارية.178
لهذا تعتبر أدلة الحاسوب تطبيق من تطبيقات الدليل العلمي بما يتميز به من موضوعية ،وحياد،
وكفاءة في إقناع القاضي الجنائي وهذه الصفات التي يتميز بها ،دفع البعض الى االعتقاد ،أنه كلما
اتسعت مساحة األدلة العلمية ،ومنها أدلة الحاسوب ،كلما تضاءل دور القاضي الجنائي في التقدير وبأن
يكون الدليل المذكور مستبعدا ألنه أثناء مناقشة دليل علمي ،ومنها دليل الحاسوب يجب التمييز بين أمرين
مهمين :األول القيمة العلمية القاطعة للدليل والثاني الظروف والمالبسات التي وجد فيها الدليل.
فالقاضي الجنائي عند تقديره لدليل الحاسوب ال يتطرق الى القيمة العلمية للدليل ،ألنها حقيقة علمية
ثابتة ،وألنه ليس من اختصا صه مناقشة األمور العلمية البحتة ،إنما من اختصاص الخبراء المختصين في
هذا المجال ويستطيع القاضي االستعانة بهم ،لمعرفة حقيقة هذا الدليل العلمي ،أما بالنسبة لألمر الثاني فإن
القاضي الجنائي بإمكانه أن يرفض هذا الدليل عندما يرى أن وجوده ال يتناسب منطقيا مع ظروف ومالبسات
الواقعة ،أما اذا اقتنع القاضي بأن الدليل المطروح صحيح ،وأنه وجد في ظروف مالئمة لظروف ومالبسات
الواقعة ،فإنه يستطيع األخذ به.179
مصطفى عبد الباقي :التحقيق في الجريمة اإللكترونية واثباتها في فلسطين :دراسة مقارنة ،مرجع سابق ،ص.293 178
179هاللي عبد االه أحمد" :حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية :دراسة مقارنة" ،القاهرة جامعة
أسيوط ،للطباعة 1999دار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،تاريخ النشر ،2008ص .46
93
المبحث الثاني :مالئمة نظرية االثبات الجنائي الحديث لجرائم لألعمال
ضمانا لحق المجتمع في اثبات مرتكب الجريمة واصدار عقاب له من جهة ،وحق الجاني في محاكمة
عادلة من جهة ثانية ،كرس المشرع مبدأ الفصل بين سلطات القضاء الجنائي ،حيث اعتبر النيابة العامة
سلطة ادعاء أو سلطة اتهام مستقلة وقائمة بذاتها إلى جانب سلطتي التحقيق والحكم ،مع وضع قواعد
إجرائية تحدد سلطات النيابة العامة ابتداء من مرحلة تحريك هذه الدعوى ،ثم مباشرتها والسير فيها إلى
غاية صدور حكم نهائي.
اذ يحتل نظام اإلثبات الجنائي درجة بالغة من األهمية في كافة فروع القانون ،وتبرز أهمية قواعده
بصفة قصوى في المسائل الجزائية ،لذا يعد موضوع اإلثبات من أهم المواضيع كون الهدف منه هو
الوصول إلى الحقيقة من حيث وقوع الجريمة أو عدم وقوعها ،ومن حيث إسنادها للمتهم أو براءته منها،
وكما تكمن أهمية اإلثبات خصوصا لجرائم األعمال في وسائله ،ذلك أن األسلوب جميع مراحل تطبيق
قواعد االجراءات الجزائية الذي يتبعه القاضي في إثبات مثل هذه الجرائم يتوقف عليه إحقاق الحق ورجحان
ميزان العدالة به.
وقد نص الفصل 289من قانون المسطرة الجنائية على انه "ال يمكن للقاضي ان يبني مقرره اال
على حجج عرضت اثناء االجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامه".
والفصل 290من نفس القانون ينص على انه إذا كان اثبات الجريمة متوقفا على حجة جارية عليها
أحكام القانون المدني فيراعى القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور.
فإلثبات جريمة خيانة االمانة مثال يجب اثبات الوديعة التي وضعت عند المتهم والوديعة تثبت إذا
كانت قيمتها تفوق 250درهم .أو غير محددة القيمة بعقد كتابي ،كما نص على ذلك الفصل 443من قانون
العقود وااللتزامات وال يمكن ان تثبت خيانة االمانة متى تعدى المبلغ المذكور ،ولو أحضر المدعى
الشخصي الشهود الذين عاينوه وهو يدفع األمانة للمتهم او المتهم وهو يبدد األمانة الن القانون حدد اثبات
هذه الجريمة ،لذلك نرى ان بعض الرواسب من الطريقة القانونية ال زالت موجودة في التشريع الجنائي
الحديث.
وعلى هذا األساس قسمنا المبحث الثاني إلى مطلبين ،أثر الشرعية االجرائية للوسائل الحديثة أمام
القضاء الجنائي (المطلب األول) ،وبعدها التوجهات الحديثة التي تواجه االثبات الجنائي لجرائم األعمال
بالدليل الرقمي (المطلب الثاني).
94
المطلب األول :أثر الشرعية االجرائية للوسائل الحديثة أمام القضاء الجنائي
تعتبر المحاكمة العادلة حق من حقوق اإلنسان األساسية التي تهدف إلى حماية األفراد من المساس بحقوقهم
أو االنتقاص أو الحرمان منها ،وألهميتها نصت عليها االتفاقيات الدولية وكرستها الدساتير الوطنية وعملت
التشريعات الداخلية اإلجرائية على تنظيمها ،كما أنها مؤشر على مدى احترام الدولة لكرامة المواطن وفق
ما هو متعارف عليه دوليا .ومقياسا أصيال في بناء دولة الحق والقانون ودليال على صحة وسالمة النظام
القضائي والجنائي.
وإذا كان المشرع الجنائي في قانون األبرياء أقر صراحة بمبدأ قرينة البراءة في مادته األولى ونص في
ختامه على أن اإلجراءات القانونية المتخذة من قبل األجهزة المتدخلة في سير المسطرة الجنائية يجب أن
تتم وفق ما أقره المشرع من قواعد تحت طائلة اعتبارها كأنها لم تنجز.
وأن تمس ك المتهم أمام المحكمة الزجرية ببطالن اإلجراءات المرتبطة بالبحث التمهيدي أو المتابعة أو
التحقيق او المحاكمة لوجود اخالالت مسطرية ماسة بحقوقه وحرياته ال يتأتى إال في شكل دفوع أولية
وشكلية وقتية قد تسقط بفوات الحق فيها.
ولذلك ال يقبل منطقا وال قانونا تصور محاكمة تختل فيها شرعية قواعد المسطرة والتي أحاطها المشرع
بجزاءات مختلفة ومنها البطالن واإلبطال.
وبما أن مبدأ الشرعية اإلجرائية صار من المبادئ الهامة ،وهو بال شك يمثل ضمانة لكل أفراد المجتمع
قبل أن يعتبر من أهم ضمانات المتهم ألنه مبدأ موحد في كل دساتير العالم ويكاد مختلفا عن مبدأ شرعية
الجرائم والعقوبات ،الذي يثير الكثير من االختالف عل مستوى األنظمة الوضعية المقارنة .180من هنا
سنقسم المطلب الى اإلجراءات التي تبرز فيها استخدام وسائل التقنية الحديثة (المطلب األول) ،وبعد ذلك
حجية الدليل المستمد من الوسائل العلمية أمام القضاء الجنائي (المطلب الثاني).
المحامي خالد هالل يكتب "المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية اإلجرائية" ،زيارة الموقع سنة 2021في 180
95
الفقرة األولى :اإلجراءات التي تبرز فيها استخدام وسائل التقنية الحديثة.
إن استخدام الوسائل العلمية التقنية الحديثة في مجال اإلثبات الجنائي ،يجعل عملية اإلثبات قابلة
للتجديد والتطور وفقا لإلنجازات اإلنسانية المستمرة في مجال العلوم الطبية والكيمائية وغيرها من العلوم.
ونتيجة لإلنجازات والتطور وجب األخذ بما يفيد من نتائج ثبت بما ال يدع مجاال للشك استقرارها وخاصة
عندما ال تتعارض النتائج العلمية مع الضمانات التشريعية والطبيعية للحقوق اإلنسانية ،والتي تحقق حرية
وإرادة اإلنسان ،وتحميه من كل ما يضر سالمته الجسدية والعقلية والنفسية .وسوف أتناول هذه الفقرة من
خالل االتي:
وهي مرحلة سابقة من تحريك الدعوى العمومية ،تبدأ منذ علم السلطات المعنية بأمر الجريمة ،سواء
عنها أو عن طريق الشكوى ،وتشمل اإل جراءات هذه المرحلة البحث عن كافة الظروف والمالبسات التي
ارتكبت فيها الجريمة والتحري عن كافة المعلومات الخاصة بالجريمة المبلغ بها ،واألدوات والوسائل
المستخدمة في ارتكابها وتحديد توقيت وقوعها والبحث عن فاعلها وضبط ما يوجد بمكان الجريمة من
أشياء استعملت وفحص ها بدقة مثل البصمات أو أصابع المتهم أو ترك أدوات لمعرفة الفاعل وجمع
االستدالالت التي تفيد التحقيق ، 181وذلك من أجل تهيئة القضية وتقديمها للنيابة العامة لتقدير مدى ضرورة
عرضها على جهات التحقيق أو الحكم أو حفظ أوراقها.182
بهذا نجد أن مرحلة االستدالل من أكثر المراحل في الدعوى الجنائية التي يبرز فيها استخدام التقنيات
الحديثة ،بهدف الوصول إلى اآلثار المادية التي تدل على نوع الجريمة ،حيث يعتبر مسرح الجريمة هو
اإلطار الذي يضم األدلة المادية ،ولالستدالل عليها تستخدم وسائل إثبات تقنية إلثبات الوقائع والوصول
إلى كشف الحقيقة من خالل رفع اآلثار الموجودة في مكان الحادث لتحليلها بأجهزة علمية حديثة متخصصة
إلثبات عالقتها بالمجني عليه وبيان مدى ارتباطها بالجريمة من أجل تقوية األدلة ضد مرتكب الجريمة،183
مما يسمح بتقديم المتهم المحاكمة مباشرة ،أو تيسر لقاضي التحقيق اتخاذ إجراءاته ،وهو ما يحقق سرعة
الفصل الدعوى العمومية.184
181فضيل العيش" :شرح قانون االجراءات الجزائية بين النظري والعلمي" ،الجزائر ،دار البدر ،ص 101و.102
182عبد هللا أوهابية" :شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري" ،الجزائر ،دار هومة عين مليلة ،2009ص .193
183فيصل مساعد الغنزي" :أثر االثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق االنسان" ،مرجع سابق ،ص .113
184أحمد شوقي الشلقاني" :مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري" ،الجزء ( ،2الجزائر ،ديوان المطبوعات
الجامعية بن عكنون ،سنة ،)1999ص .166
96
ثانيا :مرحلة التحقيق
التحقيق نشاط إجرائي تباشره سلطة قضائية مختصة للتحقيق ،185ويهدف إلى جمع وقوع الجريمة،
كي ال تندثر وتضيع الحقيقة ويتعطل حق الدولة في العقاب ،فضال عن أنه يمحض الشبهات واألدلة القائمة
قبل المتهم ،فال يطرح على القضاء سوى الدعاوى المسندة إلى أساس متين من الوقائع والقانون ،وال يضيع
وقته في دعاوى واهية األساس كان من الممكن حفظها.186
لهذا نجد أن هناك قواعد يتم إتيانها في التحقيق ويجب التقيد بها ،كاالنتقال إلى مكان ارتكاب الجريمة
واجراء المعاينة قبل زوال أثار الجريمة أو تغيير معالم المكان ،خوفا من ضياع الحقيقة إذا تباطأ المحقق
في االنتقال واالستفسار عن ظروف الواقعة من الحاضرين والشهود ،والقيام بعملية ضبط األشياء المتعلقة
بالجريمة ،وجمع األدلة عن طريق البحث واستخالص النتائج بهدف الوصول إلى الحقيقة.187
وفي سبيل السعي إلى كشف الحقيقة وإظهارها بات من الضروري على المحققين استخدام أو
االعتماد على الوسائل التي مكنها لهم التطور العلمي والتي يكون معترفا به من الناحية القانونية ،أي يقبل
القانون والقضاء الركون إليها ،واالستناد عليها ،أي تكون فوق أنها مشروعة مقبولة منطقيا لدى القضاء.188
وقد تطورت وسائل التحقيق في هذا العصر تطورا كبيرا ،مثل استخدام أشعة الليزر للكشف عن
البصمات وغيرها من الوسائل ،وحتى تعطي هذه الوسائل الهدف المنشود منها البد من استخدامها بصورة
صحيحة ،ومن خالل إلمام المحقق بها وتطبيق جميع ما يتعلق بالعناصر الحيوية للتحقيق الجنائي وفق
شروط تتلخص في أن تكون الوسيلة العلمية قد استقرت تماما لنتائجها العلمية ،وأن تقتضي ضرورة
التحقيق اللجوء إليها ،وأن يتولى ممارستها خبير مختص.189
غير أ نه ما يجب التنبيه عليه ،هو أن التجاء المحقق لمثل هذه الوسائل يصطدم بعقبة أساسية هي
ضمانات الحرية الفردية التي تقرها القوانين وتسعى إلى ضمانها الدساتير ،األمر الذي يجب أال يكون
السعي إلى كشف الحقيقة باستخدام هذه الوسائل ،وما توفره من إمكانات للمحقق سبيال إلهدار تلك
الضمانات.190
185عبد هللا أوهابية" :شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري" ،مرجع سابق ،ص .331
186أحمد شوقي الشلقاني" :مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري" ،مرجع سابق ،ص .211
187أنظر عبد هللا أوهابية" :شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري" ،مرجع سابق ،ص .357
188محمد حماد الهيتي" :التحقيق الجنائي واألدلة الجرمية" ،الطبعة األولى ،عمان دار المناهج للنشر والتوزيع ،سنة
،2010ص .331
189فيصل مساعد العنزي" :أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة " ،مرجع سابق ،ص .116
190محمد حماد الهيتي" :التحقيق الجنائي واألدلة الجرمية" ،مرجع سابق ،ص .331
97
ثالثا :مرحلة المحاكمة
تعتبر مرحلة المحاكمة أخر مرحلة من مراحل إجراءات الدعوى الجزائية ،وهي مرحلة الفصل
في الدعوى ،وتكون بيد قاضي الحكم ،وتشمل جميع اإلجراءات التي تباشر أمام قضاء الحكم منذ دخول
الدعوى في حوزة المحكمة إلى غاية صدور حكم نهائي وبات فيها .191ففي هذه المرحلة التي تقدم فيها
الدعوى الجزائية أمام المحكمة ،تبدأ عملية طرح األدلة ومناقشتها في الجلسات التي تعقدها المحكمة لنظر
في القضية ،سواء تمثلت هذه األدلة في أدلة مباشرة كشهادة الشهود أو اإلقرار ،أو بأدلة غير مباشرة
مستمدة من استخدام الوسائل العلمية والتقنية الحديثة ،حيث نجد أن البيانات المستقاة من وسائل التقنية
الحديثة والتي تعتبر أساسا من أعمال الخبرة ال تأخذ بها المحكمة وال القاضي على علتها بل تخضع لتقييم
القاضي ،ومن ثم فهي غير ملزمة له ، 192فالقاضي في هذه المرحلة يحكم في الدعوى حسب العقيدة التي
تكونت لديه بكامل الحرية .وال يسوغ للقاضي أن يبني قراره إال على األدلة المقدمة له في معرض
المرافعات والتي حصلت المناقشة فيها حضوريا أمامه ،حسب الوسائل التي يستدل بها ومنها قد وصلوا
إلى تكوين اقتناعهم وال يرسم لهم القانون قواعد بها يتعين عليهم أن يخضعوا لها ،ولكنه بأمرهم أن يسألوا
أنفسهم في صمت وتدبر ،وأن يب حثوا بإخالص ضمائرهم في أي تأثير قد أحدثه في إدراكهم األدلة المسندة
إلى المتهم وأوجه الدفاع عنها ،ولم يضع لهم القانون سوى هذا السؤال الذي يتضمن كل نطاق واجباتهم:
هل لديكم اقتناع شخصي؟
الفقرة الثانية :حجية الدليل المستمد من الوسائل العلمية أمام القضاء الجنائي
الدليل العلمي في تطور مستمر ،بسبب التقدم العلمي والتطورات المتالحقة ،وتعدد جوانب
التخصص في المجاالت العلمية المختلفة .كما هو معلوم ال يستمد قيمة الدليل في اإلثبات من ذاته وإنما من
قدرته على إحداث االقتناع لدى القاضي ،فسلطة القاضي الجنائي في تقدير األدلة محكومة بمبدأ االقتناع
الشخصي الذي يقتضي بأن القاضي يحكم في الدعوى الجنائية حسب ما استقر في نفسه وضميره من اقتناع
و اعتقاد بوقوع الفعل اإلجرامي ونسبته إلى المتهم من عدمه من خالل األدلة المتوفرة .ولكن حرية القاضي
الجنائي تحكمه ضوابط ،هناك ضوابط تخضع لها األدلة :كمشروعيتها ،ووجوب مناقشة األدلة الواردة في
ملف الدعوى فقط .وضوابط يخضع لها اقتناع القاضي :وهي أن يبني اقتناعه على أساس الجزم واليقين
ال على أساس االحتمال والشك ،وأن يكون اقتناعه مبني على أدلة مجتمعة دون تناقض فيما بينها ورغم
191عبد الرحمان خلفي" :محاضرات في قانون اإلجراءات الجزائية" ،الجزائر دار الهدى ،سنة ،2010ص .91
192فيصل مساعد العنزي" :أثر االثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق االنسان" ،مرجع سابق ،ص .117
98
أن مبدأ حرية القاضي الجنائ ي في إثبات هو الذي ينعكس على سلطته في تقدير الدليل إال أنه هناك اختالف
فقهي حول تقدير الدليل العلمي ،يمكن حصره في فريقين :فريق يرى أن الدليل المستمد من الوسائل العلمية
له قوة ثبوتية ملزمة للقاضي .واألخر يرى أن الدليل الناتج من الوسائل العلمية يخضع كباقي األدلة لمبدأ
االقتناع الشخصي للقاضي الجنائي وعليه سنقسم هذا الى:
إن سلطة القاضي الجنائي في تقدير األدلة محكومة بمبدأ حرية القاضي الجنائي في االقتناع ،هذا
المبدأ يؤدي بطريقة م باشرة أو غير مباشرة إلى نتيجتين :األولى هي حرية القاضي الجنائي في قبول
الدليل ،على نحو يكون فيه جميع طرق اإلثبات مقبولة من حيث المبدأ – في المواد الجنائية ،أما الثانية
فهي أن الدليل الجنائي يخضع لمطلق تقدير القاضي .193غير أن حرية القاضي الجنائي في االقتناع
واستعمال سلطته في تقدير األدلة تحكمه ضوابط ،لذا سنقسم هذا أيضا إلى:
األصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد قناعته من أي دليل يطمئن إليه ،غير أنه ترد على
هذا األصل بعض الضوابط يتعين على القاضي االلتزام بها وهو بصدد اختيار األدلة التي يستمد منها
اقتناعه وهذه الضوابط تتمثل في:
193عبد الحكيم فوده" :حجية الدليل الفني في المواد الجنائية والمدنية" ،مصر ،دار الفكر الجامعي ،االسكندرية ،سنة
،1996ص .17
194ياسراألمير فاروق" :مراقبة األ حاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية" ،الطبعة األولى ،مصر دار المطبوعات
الجامعية ،لسنة ،2009ص .644
99
لذلك يجب أن يكون الدليل الذي استند إليه القاضي في حكمه أو قراره مستمد من إجراء صحيح،
أن يؤسس قاضي الموضوع حكمه أو قراره على دليل لحقه سبب يبطله ألن بطالن اإلجراء المستمد منه
الدليل يترتب عليه بطالن الدليل ذاته تطبيقا لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل.195
ومن هنا فإنه ال يجوز للقاضي الجنائي أن يقبل مثال الدليل المستمد من أجهزة التنصت والمراقبة
الذي يعد من أكثر األدلة اقتحاما وتعديا على حرمة الحياة الخاصة ،إال إذا تم البحث عنه ولحصول عليه
في إطار أحكام القانون واحترام قيم العدالة وأخالقياتها.196
يذهب الفقه والقضاء في فرنسا إلى أن مشروعية المراقبة مشروط بخلوها من الحيل التي تتضمن
استخدام وسائل الغش والخداع ،ذلك أن هذه الوسائل تتعارض من جهة مع مبدأ النزاهة في البحث عن
األدل ة وتنطوي من جهة أخرى على انتهاك لحق المتهم في الدفاع .197وكما يقتضي بنا األمر إيضاحا
لمعنى مشروعية الدليل أن نقف على ما استقر عليه الفقه والقضاء المقارن في هذا التحديد التي سبق
االشارة لها من قبل.
قضت محكمة النقض البلجيكية بأن وصف الدليل غير المشروع ال يقتصر فقط على الفعل الذي
يحظره القانون صراحة ،بل يشمل كل فعل يتعارض مع القواعد الجوهرية لإلجراءات الجنائية أو المبادئ
القانونية العامة وجدير باإلشارة أن الفقه في غالبيته يذهب إلى أن دليل اإلدانة هو الدليل الوحيد المقصود
به أن يكون مشروعا ،أما دليل البراءة فال يلزم فيه ذلك ،وهذا انطالقا من مبدأ افتراض البراءة باعتبارها
هي األصل.198
195مروك نصر الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"،
دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،الجزائر ،الديوان الوطني ألشغال التربوية ،سنة " ،2003محاضرات في اإلثبات
الجنائي" ،ص .459
196ياسر األمير فاروق" :مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية" ،مرجع سابق ،ص 645
197ياسر األمير فاروق" :مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية" ،مرجع سابق ،ص 646
198أغليس بوزيد" :مبدأ اإلثبات الحر باالقتناع الذاتي للقاضي الجزائي" ،الجزائر ،دار هومة ،عين مليلة ،ص .119
199ياسر األمير فاروق" :مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية" ،مرجع سابق ،ص .696
100
وعناصرها ،وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائما في تلك األوراق ،ذلك أنه محظور على القاضي أن
يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة ،ويستوي في ذلك أن يكون دليال على اإلدانة أو
البراءة ،وهذا حتى يتسنى للخصوم االطالع عليه واإلدالء برأيهم فيه.200
فمن باب العدل والمنطق أن الشخص الذي تتم محاكمته بتهمة ما يجب أن يتم إخباره بما هو منسوب
إليه من أفعال أو أقوال ،وأن يحاط علما بكافة الظروف والمالبسات المسجلة ،هذه في ملف المتابعة ،حيث
يتمكن من الدفاع عن نفسه على أحسن وجه.201
وتطبيقا لذلك فإنه ال يجوز للقاضي الناظر في دعوى أن يبني حكمه على أي دليل كان ،بل يجب أن
يكون هذا الدليل قد طرح بجلسة المرافعة وتمت مناقشته بصفة حضورية.202
وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا حيث تنص الفقرة 2من المادة 212من قانون اإلجراءات
الجزائية على أنه ال يسوغ للقاضي أن يبني قراره إال على األدلة المقدمة في معرض المرافعات والتي
حصلت المناقشة فيها حضوريا ،لذلك يتعين على قضاة االستئناف أن يبينوا في قراراهم أدلة اإلثبات التي
أدت إلى اقتناعهم وأن هذه األدلة قد وقعت مناقشتها حضوريا ،وأال ترتب على ذلك النقض.203
بعد أن يتأكد القاضي من أن األدلة التي يخضعها للتقدير هي أدلة مشروعة وواردة بملف الدعوى
وبعد أن يقدم طرحها بجلسة المحاكمة وتحصل المناقشة فيها ،عندها عليه أن يبني اقتناعه منها ،وهنا أيضا
يجب عليه أن يخضع لضوابط معينة تتمثل في:
200حسين عبد السالم جابر" :التقرير الطبي بإصابة المجني عليه وأثره في اإلثبات في الدعويين الجنائية والمدنية"،
مصر ،المطبعة العربية الحديثة ،ص .5 – 4
201نجمي جمال" :إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي" ،الجزائر دار هومة ،لسنة ،2011ص .106
202مروك نصر الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"،
مرجع سابق ،ص .458
203د-قرار صادر يوم ،27/05/1982من القسم الثاني للغرفة الجنائية الثانية في الطعن رقم - .28 .25مروك نصر
الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية" ،مرجع سابق ،ص
.458
101
-1بناء االقتناع على الجزم واليقين
اليقين المطلوب عند االقتناع ليس اليقين الشخصي للقاضي وإنما هو اليقين القضائي ،الستقامته على
أدلة تحمل بذاتها معالم قوة في االقتناع ،بحيث إذا عرضت هذه األدلة على مجموعة من القضاة وصلوا
في دراستها إلى ذات النتائج التي وصل إليها قاضي الموضوع ،إذا أن هذا األدلة من طبيعتها تجلب االقتناع
التام لكل إنسان يتوافر لديه العقل والمنطق.204
هذا وال شك أن القاضي ال يؤسس اقتناعه على هوى عواطفه أو حدسه ،وإنما هو اقتناع عقلي يجد
مصدره في العقل ال في العاطفة باعتباره عمال ذهنيا يحصله القاضي في صمت وخشوع وفي مناخ من
الصدق ،ومن ثم فهو ملزم ببناء هذا االقتناع بالعمل الذهني الشاق ،والمتبصر ،والراعي والذي يخضع
لقواعد المنطق والجدلية الذهنية التي ترقي بالحس إلى العقل.205
ويترتب عل ى لزوم بلوغ االقتناع باألدلة درجة اليقين أنه إذا لم يدرك القاضي هذه الدرجة من االقتناع
كان معنى ذلك اقتناعه يتأرجح بين ثبوت التهمة ومسؤولية المتهم عنها وبين عدم ثبوتها أو عدم مسؤولية
المتهم عنها ،وهذا االقتناع المتأرجح يعني الشك في ثبوت التهمة ومسؤولية المتهم عنها ،والشك يفسر
لصالح المتهم ،مما يستوجب على القاضي بالبراءة ، 206هذا وال مجال لدحض أصل البراءة وافتراض
عكسها إال عندما يصل اقتناع القاضي أن يحكم إلى حد الجزم واليقين ،وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة
العليا حين قرر أن األصل في اإلنسان البراءة حتى تثبت إدانته ،ف كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة
قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون وترتيبا على ذلك ،فإن األحكام والقرارات ال
تبنى على الشك واالفتراضات ،وإنما على اليقين والجزم.207
204ياسر األمير فاروق" :مراقبة األحاديث الخاصة اإلجراءات الجنائية" ،مرجع سابق ،ص .693 – 692
205عبد الحكيم فوده" :حجية الدليل الفني في المواد الجنائية والمدنية" ،مرجع سابق ،ص .23 – 22
206ياسر األمير فاروق" :مراقبة األحاديث الخاصة اإلجراءات الجنائية" ،مرجع سابق ،ص .693
207مروك نصر الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"،
مرجع سابق ،ص .513
208بلولهي مراد" :الحدود القانونية لسلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة" ،مذكرة ماجستير غير منشورة ،جامعة
الحاج لخضر ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،لستة ،2011ص .123
102
فاقتناع القاضي الجنائي يتكون بطبيعة الحال من مجموع األدلة والقرائن وظروف الحال التي تمت
مناقشتها أمامه ،بحيث أنه إذا سقط أحد األدلة وظهر بطالنه ألي سبب من أسباب البطالن ،فإن اقتناع
القاضي يسقط بدوره ،ألنه ال يمكن معرفة درجة تأثير ذلك الدليل مقارنة بباقي األدلة والقرائن ،وبالتالي
يتعين نقض الحكم وإعادة المحاكمة.209
ومهما اختلفت األدلة فال وصول إلى منهج سليم في تساند األدلة ،فإنه يتعين على القاضي أن يعتمد
على أساسين :أولهما بيان مضمون األدلة بصفة واضحة ال لبس فيها بعيدا عن اإلبهام والغموض.
وهذا معناه أنه متى استند القاضي إلى دليل من أدلة اإلثبات بإدانة المتهم وجب عليه أن يتعرض في
أس باب الحكم إلى ما يتضمنه هذا الدليل ،فال يقتصر على اإلشارة إلى أدلة اإلثبات دون تعرضه إلى
مضمونها .210إذ ينبغي سرد مضمون الدليل بطريقة وافية ،فال يكفي مجرد اإلشارة العابرة إليه أو التنويه
عنه تنويها مقتضبا ومخال ،وذلك كي يتبين أن المحكمة حينما استعرضت الدليل في الدعوى كانت ملمة
به إلماما شامال هيأ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق
البحث لتتعرف على أوجه الحقيقة.211
وثانيهما هو انعدام التناقض والتخاذل بين هذه األدلة فيما بينها أو بينها وبين منطوق الحكم ،فاألدلة
في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض تكون المحكمة عقيدتها منها مجتمعة ،حيث إذا سقط أحدها
أو استبعد تعذر الوقوف على مبلغ األثر الذي كان لهذا الدليل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة ،212لذا
يشترط في األدلة التي يستند عليها الحكم أال يكون بينها تناقض ينفي بعضها البعض اآلخر ،بحيث ال يعرف
أي األمرين الذي قضت به المحكمة كما يجب أال يقع أي تناقض بين هذه األدلة ومنطوق الحكم.213
والتناقض بين بعض األدلة وبعضها اآلخر هو أن يتر اءى لمحكمة الموضوع أن دليال من األدلة
التي عولت عليها يساند دليال أخر مع أن الفهم الصحيح مشوب بالقصور مما يستوجب نقضه ،وأما التناقض
الذي يبطل الحكم هو الذي يكون بين أسبابه ومنطوقه أو بين بعض األسباب وبعضها اآلخر.214
209نجيمي جمال" :إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي" ،مرجع سابق ،ص .133
210بلولهي مراد" :الحدود القانونية لسلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة" ،مرجع سابق ،ص .125
211مروك نصر الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"،
مرجع سابق ،ص .645
212نجيمي جمال" :إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي" ،مرجع سابق ،ص .134
213مروك نصر الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"،
مرجع سابق ،ص .645
214مروك نصر الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"،
مرجع سابق ،ص .646
103
أما التداخل فهو تناقض ضمني أو مستتر وال يكتشف إال بإمعان النظر في معنى عباراته ومقارنتها
مع بعضها البعض ،فهو أقل وضوحا من التناقض ويشير إلى أن بعض األدلة ال تتالءم مع غيرها عقال،
بحيث أن بعضها يخذل البعض األخر في داللتها فتكون غير ملتئمة في العقل معا ،وقد يختلف فيه الرأي
بين نظر وأخر على عكس الت ناقض الذي هو تعارض واضح ،ويعبر أحيانا عن التخاذل بأنه تهاتر فيما
بين األسباب ،أو فيما بينها وبين المنطوق.215
ثانيا :القيود الواردة على حرية القاضي الجنائي في االقتناع واألساس القانوني لرقابة
معقولية اقتناعه
تتحمل النيابة العامة قانونا عبء اإلثبات ،فهي ليست ملزمة بتقدير أدلة بعينها حتى يقتنع القاضي،
طالما كانت كل عناصر اإلثبات قابلة ألن تحقق هذا االقتناع ،لكن الحقيقة أن مبدأ حرية القاضي في االقتناع
لم يهدر كلية مصلحة المتهم والموقف المتميز الذي توفره له قرينة البراءة ،ألن هذه الحرية الممنوحة
للقاضي تخضع لعدد من القواعد القانونية التي تستهدف أن يكون ذلك االقتناع متطابقا مع الحقيقة الواقعية،
وهو ما يشكل بطريقة غير مباشرة ضمانة للمتهم ،واحتراما لنتائج قرينة البراءة .إذ ينبغي أن يكون إقناع
القاضي باإلدانة اقتناعا عقليا ال عاطفيا.
ليست حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه بالمطلقة ،كما أن دراسة مختلف القيود الواردة على
حريته في االقتناع الزال يشوبها نوع من الخلط ،بغيرها من القيود التي ترد على حرية القاضي في قبول
الدليل ،ويرجع ذلك إلى أن الحدود الفاصلة بين حرية القاضي الجنائي في "قبول الدليل" وحرية القاضي
الجنائي في" تقدير الدليل" ال تزال مختلطة في نظر الفقه ،ال سيما في فرنسا ،إذ يجمع معظم الفقهاء هاتين
الحريتين معا لتشكل في النهاية أمرا واحدا ،وهذا أمر ليس بصحيح ،كيف ذلك؟ وما هي األسس التي ينبني
عليها االقتناع؟ حتى يكون لالقتناع مصداقية وجدانية البد من:
215رؤوف عبيد" :ضوابط تسبيب األحكام الجنائية وأوامر التصرف في التحقيق" ،مصر دار الجيل للطباعة ،سنة
،1986ص 519نقال عن بلولهي مراد" :الحدود القانونية السلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة" ،مرجع سابق ،ص
.128
104
-1تقييد القاضي في تقدير الدليل
أصبح القاضي بمناسبة نظره في ملفات الجرائم االقتصادية مجرد آلة التوزيع العقوبات المحددة
قانونا دون مراعاة ماديات الفعل وجسامته وال شخصية مقترفه ،إذ يكفي إثبات توافر العنصر المادي للحكم
باإلدانة ،ففي المجال الجمركي تنص المادة 281من قانون الجمارك "ال يجوز للقاضي تبرئة المخالفين
استنادا إلى نيتهم" وهو ما يؤكد الطابع االلي للعقوبات واستحالة نطق القضاة بالبراءة اعتمادا على النية
وإعمال القرائن القاطعة لإلدانة والقوة االثباتية المطلقة الممنوحة للمحاضر.216
لقد شكلت الحجية المطلقة للمحاضر المحررة في الشق المتعلق بجرائم األعمال قيدا على السلطة
التقديرية للقاضي ،الذي أصبح دوره هامشيا ال يتعدى النطق باإلدانة ،ففي المجال الجمركي ،وحسب ما
تم بيانه أعاله ال يتعدى دوره المصادقة على طلبات إدارة الجمارك ،وهو ما أدى إلى التساؤل عن جدوى
إحالة الدعوى الجمركية إلى القضاء طالما أن دوره يقتصر على النظر في مدى مطابقة طلبات إدارة
الجمارك للقانون والمصادقة عليها . 217وعلى اعتبار أن إدارة الجمارك هي التي تتولى تقدير قيمة البضاعة
محل الغش فإنها بطريقة غير مباشرة هي التي تحدد قيمة العقوبة ، 218وهو ما يجعل من إحالة الملف إلى
القضاء إجراءا شكليا ال غير ،يتسبب في إطالة أمد النزاع باستعمال طرق الطعن التي تؤدي إلى التأخير
في الفصل في موضوع النزاع وارتفاع تكلفة المنازعة القضائية مما يؤدی إلى هدر أموال الخزينة
العمومية ،ويفقد القاعدة الجزائية أهم أهدافها في المجال االقتصادي والمتمثل في عنصر االيالم الذي
يصيب الذمة المالية للمخالف.
ولم يجد المشرع عن هذا اإلطار في مجال التشريع المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش ،إذ أعطت
المادة 31منه للمحاضر المحررة من طرف أعوان قمع الغش التابعين للوزارة المكلفة بحماية المستهلك
وحتى تلك المحررة من طرف ضباط الشرطة القضائية حجية قانونية حتى يثبت العكس ،وهو الشيء الذي
من شأنه الحد من سلطة القاضي التقديرية بمناسبة تقدير قيمة الدليل المقدم أمامه ،ويقع إثبات عكس ما
ورد به على العون االقتصادي المتابع جزائيا ،و قد شملت هذه الحجية جرائم معقدة كتلك المتعلقة بعقود
قروض االستهالك فبالرغم من طبيعتها المدنية ،ال يستساغ تجريمها وفي نفس الوقت إعطاء محاضر
216جبارة عمرو شوقي" :االقتناع الشخصي للقضاة على محك قانون الجمارك" ،مجلة المحكمة العليا ،عدد خاص،
الجزء الثاني.59 ،2002 ،
217بوسقيعة أحسن" :المنازعات الجمركية" ،تعريف وتصنيف الجرائم الجمركية ،متابعة وقمع الجرائم الجمركية،
الطبعة الثامنة ،دار هومة الجزائر ،2016 – 2015 ،ص .35
218استقر قضاء المحكمة العليا على أن إدارة الجمارك هي الجهة المختصة بتقدير قيمة البضائع المتخذة كأساس
الحتساب الغرامة الجمركية ،ونذكر- :القرار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث بالمحكمة العليا ملف رقم
140302قرار مؤرخ في 12مارس ،1996غير منشور -القرار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث
بالمحكمة العليا ملف رقم 141061قرار مؤرخ في 30ديسمبر ،1996غير منشور.
105
معاينتها حجية قيدت من خاللها سلطة القاضي ،فكيف لمحضر محرر من طرف ضابط شرطة قضائية أن
يقرر بأن معاملة تعاقدية بين عون ا قتصادي ومستهلك تم في بنودها عدم مراعاة المصالح المادية والمعنوية
للمستهلك ،وهل يمكن الضابط شرطة قضائية أو غيره من األعوان ضبط ماهية " المصالح المادية
والمعنوية للمستهلك " حتى يحرر بشأنها محضرة يكون ذا حجية مطلقة أمام القضاء.
كما أعطي المشرع في المجال الضريبي للمحاضر نفس الحجية ،وفي هذا تنص المادة 505من
قانون الضرائب غير المباشرة "ويمكن أن تكون هذه المحاضر محررة من قبل عون واحد ،وفي هذه الحالة
تكون حجة أمام القضاء إلى أن يثبت العكس ،وعندما تكون محررة من قبيل عونين تكون حجة إلى أن
يطعن في تزويرها".
يتبين أن محكمة النقض الفرنسية والمصرية حسب ما نعتقد جعلت في رقابتها هي الوسيلة الوحيدة
لمنع انزالق حرية القاضي الجنائي في االقتناع إلى حد التحكم ،فوجدت نفسها مضطرة ألن تقوم بدور هام
في "وضع تلك الحرية" في إطارها الطبيعي حتى يظل اقتناع القاضي ،كما سبقت اإلشارة "اقتناعا عقليا"
و"يقينيا" قائما على أدلة يقينية ،بالمعنى القضائي فرضت عن طريق رقابتها لتسبيب الحكم عددا من
الضوابط القضائية التي تكفل عدم انزالق تلك الحرية إلى حد التحكم أو الهوى طبقا للقاعدة أن نقصان
التعليل يوازي انعدامه.
وهذا كله معناه أن القاضي الجنائي حر في انتقاء األدلة ذات األثر وتكوين عقيدته ،وطرح ما عاداها،
ثم أنه غير ملزم في افصحاه عن أسباب حكمه واألدلة التي استقام عليها استخالصه للصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى ،بإيراد كافة األدلة التي سبقت في مجلس القضاء ،بل إنه ملزم فقط ببيان األدلة التي تأسس
عليها اقتناعه أو باألدق ببيان ما يكفي منها لتبرير اقتناعه بعد استكماله في ضوء عالقته بغيره بالعقل
والمنطق .ومع ذلك فينبغي أن يالحظ أنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى ،فلها أن
تأخذ بها أو أن تطرح ها دون بيان العلة ،إال أنها متى أفصحت عن األسباب التي من أجلها أخذت بها أو
أطرحتها ،فإنه يلزم أن يكون ما أوردته واستدلت به مؤديا لما رتب عليه من نتائج من غير تعسف في
االستنتاج وال تنافر في حكم العقل والمنطق 219ويكون لمحكمة النقض مراقبتها في ذلك.
219حكم محكمة النقض المصرية عدد 18صادر بتاريخ مارس ،1979مجلس أحكام النقض ،س 30ق 75ص
.366
106
أما فيما يتعلق بحرية المحكمة في "استخالص صورة الواقعة" ،فالمبدأ أن للمحكمة الحق في
استخالص صورة الواقعة بطريق االستنتاج واالستقراء وكافه الممكنات العقلية ،من أقوال الشهود وسائر
العناصر المطروحة على بساط البحث حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن يطرح ما يخالفها ،كل ذلك بشرط أن
يكون استخالصها سليما ال يخرج عن االقتضاء العقلي والمنطقي ،أو ما دام استخالصها سائغا مستندا إلى
أدلة مقبولة في العقل والمنطق ،ولها أصل في األوراق .أو كما قال الفقيه ميرل وفتي فحرية تقدير القاضي
للدليل ال تصل إلى حد االستبداد المطلق في فحصه للدليل واستخالصه لصورة الدعوى.
وهذا معناه أن القانون قد أعطى للقاضي الجنائي كامل الحرية في بناء اقتناعه بأي دليل يرتاح إليه
من أي مصدر شاء وال تصح مصادرته في شيء من ذلك إال إذا قيده القانون بدليل معين بالنص عليه ،أما
تسبيب األحكام الذي أوجبه القانون على القاضي فال يعني سوى تسجيل مجموعة األسانيد الواقعية
والمنطقية التي استقام عليها منطوق الحكم والعيوب التي تصيب هذا التسبيب إنما تصيب عملية التسجيل
أو تدوين أو تسطير اقتناع القاضي على األوراق.
الفرق بين معقولية اقتناع القاضي وبين شروط سالمة تسبيب الحكم فتسبيب الحكم ال يعني اقتناع
القاضي ،وإنما هو "تسطير" هذا اإلقتناع من حيث الواقعة التي اقتنع بها واألدلة التي اعتمد عليها في بناء
هذا اإلقتناع .وعيوب التسبيب ليست وفق هذا التصوير سوى "عرض" غامض أو ناقص أو متضارب
لهذا اإلقتناع ،فهناك فارق بين "التسبيب المعيب" و" اإلقتناع غير المعقول" فالقصور المنطقي في
اإلقتناع شيء وقصور التسبيب شيء آخر.
هناك في الفقه من يؤيد محكمة النقض ليس فقط فيما ذهب إليه وإنما فوق ذلك في كافة وجوه النقض
المتصلة بالموضوع .ويبدأ هذا الفقه رأيه من مقدمة مقتضاها أنه ليس في عمل القاضي ما يصح أن يكون
وقائع بال قانون أو قانون بال وقائع ،بل إن عمله مزيج من الوقائع والقانون .كما أن القرائن بأنواعها من
طرق اإلثبات غير المباشرة أي التي ال تنصب داللتها على الواقعة المراد إثباتها وإنما على واقعة أخرى
تسبقها أو تنتجها بمحض اللزوم العقلي.220
107
ويعتبر الوعد أو اإلغراء قرين اإلكراه والتهديد لما له من تأثير على حرية المتهم في االختيار ،أما
بمجرد الخوف أو الخشية فال يعد قرين اإلكراه المبطل لالعتراف .221
فاالعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر االستدالل التي تملك محكمة الموضوع كامل
الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في اإلثبات.
وعلى هذا األساس فإن المحكمة ال تتقيد بما هو مدون في التحقيق االبتدائي أو محاضر جمع
االستدالالت إال إذا وجد في القانون نص علی خالف ذلك ألن األدلة المستمدة من هذه التحقيقات ليست
سوى عناصر إثبات تخضع في تقديرها لمطلق تقدير القاضي شأنها شأن أي دليل آخر تحمله ورقة عرفية
أو رسمية ولهذا تستقر محكمة النقض على أن األدلة في المواد الجنائية إقناعيه فللمحكمة أن تلتفت عن
دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت
إليها المحكمة من باقي األدلة القائمة في الدعوى ،ولها أن تعتمد على أية ورقة من أوراق الدعوى في
حكمها وتطرح شهادة الشهود الذين سمعتهم.
221ان مرجع الخشية ال يمد قرين االكراه المبطل لالعتراف ال معنى وال حكما ،نقض 1977/03/28أحكام النقض س
28ص .393
108
المطلب الثاني :التوجهات الحديثة التي تواجه االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالدليل
الرقمي
لقد أدى التقدم التكنولوجي الذي شهده العالم الى التطور العلمي وانتشار التقنية الرقمية في التعامالت
اليومية ،أصبحت تستعمل تلك التقنية كوسيلة الرتكاب الجرائم تارة ،وكموضوع للجريمة تارة أخرى،
وبذلك اختلف الوسط الذي ترتكب فيه الجريمة ،من وسط مادي إلى وسط معنوي أو ما يعرف بالوسط
االفتراضـي ،وهو ما استتبع ظهور طائفة جديدة من األدلة تتفق وطبيعة الوسط الذي ارتكبت فيه الجريمة،
وهي األدلة الرقمية أو ما يسمى باألدلة اإللكترونية ،حيث استفادت أجهزة البحث والتحقيق من وسائل
التقدم التكنولوجي في اإلثبات الجنائي ساعدت في ظهور وتعزيز الجرائم المستحدثة ،وخصوصا جرائم
األعمال.
ويتكون هذا الدليل من بيانات ومعلومات ذات أهمية إلكترونية غير ملموسة ال تدرك بالحواس
العادية ،فهو يحتاج إلى مجال معلوماتي يتعامل معه ،وهذا يعني أنه يحتاج إلى بيئة التقنية التي يتكون فيها
لكونه من طبيعة تقنية المعلومات ،كما يمتاز الدليل اإللكتروني بالسعة التخزينية العالية فآلة الفيديو الرقمية
يمكنها تخزين مئات الصور ودسك صغير يمكنه تخزين مكتبة صغيرة.
فمسألة اإلثبات في نظم الحاسوب واإلنترنيت تثير صعوبات كبيرة أمام القائمين على البحث والتحقيق
الجنائي ،كإشكالية التخزين اإللكتروني للمعطيات الذي يجعلها غير مرئية وغير مفهومة بالعين المجردة،
يشكل انعدام الدليل المرئي عقبة كبيرة أمام كشف الجرائم ،خاصة في مجال المال واألعمال ،وقد يشكل
تشفير البيانات المخزنة إلكترونيا أو المنقولة عبر شبكات االتصال عن بعد عقبة كبيرة أمام إثبات الجريمة
والبحث عن األدلة ،كما أن سهولة محو الدليل في زمن قصير تعد من أهم الصعوبات التي تعترض العملية
اإلثباتية في مجال جرائم الحاسوب واإلنترنيت .وهو ما يسمى باألدلة االلكترونية.222
اذن فالمعلومة هي الهدف األول واألخير ،بحيث أن سمات العالم االفتراضي الرقمي يعتمد أساسا
المعلومة كأداة للتعامل ،ومسرح ال جريمة نفسه هو العالم الرقمي ،بل وأدوات الجريمة هي أيضا من وإلى
العالم االفتراضي العلمي المعلوماتي .وإجماال ،يمكن القول بأن الجريمة اإللكترونية هي الفعل اإلجرامي
الذي يلحق األذى بمجني عليه ،فردا كان أو مؤسسة ،بواسطة الحاسوب أو أي جهاز تكنولوجي آخر مرتبط
بالفضاء الرقمي.
222ناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقرير األدلة الرقمية الناتجة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .266
109
ليبقى معه السؤال مطروحا حول مدى كفاية قواعد االثبات الجنائية للحصول على الدليل االلكتروني
(الفقرة األولى) ،وبعدها سنتطرق لن طاق العمل بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي (الفقرة الثانية).،
الفقرة األولى :مدى كفاية قواعد االثبات الجنائية للحصول على الدليل الرقمي
إذ يلزم أن تكون لهذا الدليل قيمة قانونية ،وهذه القيمة للدليل الجنائي تتوقف على مسألتين رئيستين،
األولى المشروعية ،والثانية اليقينية في داللته على الوقائع المراد إثباتها ،ولذلك سنحاول في هذه الفقرة
على النحو التالي ( أوال) على مدى مالءمة قواعد اإلثبات في قانون المسطرة الجنائية مع متطلبات الحصول
على الدليل الرقمي قبل التعرض (ثانيا) لمدى استجابة مشروع قانون المسطرة الجنائية لمتطلبات الحصول
على الدليل الرقمي.
أوال :مدى مالءمة قواعد قانون المسطرة الجنائية مع متطلبات الحصول على الدليل
الرقمي
الدليل الجنائي الرقمي هو الدليل المستخلص من أجهزة الحاسب اآللي وملحقاته ،أو من شبكة
اإلنترنت ،أو أي جهاز آخر له خاصية معالجة أو تخزين المعلومات ،وهو عبارة عن مجاالت أو نبضات
مغناطيسية أو كهربائية ،يمكن تجميعها وتحليلها باستخدام برامج وتطبيقات خاصة ،لتشكل لنا معلومات أو
بيانات مختلفة ،يمكن االعتماد عليها في مرحلة التحقيق أو المحاكمة ،ومنه فهذا التعريف المقترح يعطي
مفهوما شامال للدليل الجنائي الرقمي من حيث استخالصه ،بحيث أنه ال يشمل فقط األدلة المستخلصة من
أجهزة الحاسب اآللي فقط ،ومن جهة أخرى يحدد الطبيعة الفنية والتقنية له ،بحيث يمكن للخبراء
المتخصصين جمعها وتحليلها عبر وسائل وأساليب تقنية ،لتشكل في األخير دليال جنائيا رقميا صالحا
لإلثبات.
223يقصد بهذه الجرائم جميع األفعال اإلجرامية التي تتناول األنظمة اإللكترونية لحفظ المعلومات ومعالجتها ،وتستهدفها
إما با لقرصنة والسرقة كاالختراق غير المشروع للنظم المعلوماتية ،واختالس بياناتها لتوظيفها في جريمة معينة أو
تسريبها لفائدة األغيار لقاء منفعة مادية أو معنوية ،أو بالتخريب ،كتخريب البرامج المعلوماتية ،بطريقة الفيروس.
224المواد من 607-3إلى 11607-من القانون الجنائي المغربي صدر األمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم
1.59.413صادر في 28جمادى الثانية 26( 1382نونبر )1962منشور بالجريدة الرسمية عدد 2640مكرر
110
المعالجة اآللية للمعطيات ،يكون قد فطن إلى الطبيعة الخاصة ألفعال االعتداء على البرامج التي تتخذ
صورا متعددة ومتنوعة ،وتختلف حسب الحالة التي تكون عليها الوثيقة المعلوماتية باعتبارها محال للجريمة
واالعتداء ،والتي يتداخل فيها ما هو مادي (كالشرائط المغنطيسية ،أي الديسكات ،وكل ما يلزم الستقبال
أو تسجيل المعلومات) ،وما هو معنوي (المحتوى الفكري).
غير أن التحقيق الجنائي في الجرائم الماسة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات له خصوصيات تميزه
سواء من حيث األشخاص القائمين به ،أو من حيث األدوات والمهارات المستعملة لتحصيل الدليل واقتفاء
األثر ،األمر الذي يطرح معه تساؤل حول مدى مالءمة القواعد التقليدية في قانون المسطرة الجنائية
المغربي 225مع متطلبات الحصول على الدليل اإللكتروني؟
باستقراء الفصول المتعلقة بالقانون المتعلق بالجرائم الماسة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات،226
يالحظ بأن المشرع المغربي قد أحال ضمنا على قواعد اإلثبات التقليدية الواردة في ق.م.ج.م حيث لم ينص
المشرع على أي مقتضيات تخص أساليب وطرق إثبات تلك الجرائم.
وهكذا فباستقراء المادة 59من ق.م.ج.م نجد أنها تضمنت قواعد عامة يمكن أن تشمل حتى الجريمة
المعلوماتية ،بحيث أناطت بضباط الشرطة القضائية كلما تعلق األمر بجناية أو جنحة ،القيام بحجز جميع
األوراق والوثائق واألشياء والمستندات التي يملكها أشخاص يشتبه بارتكابهم للجريمة أو تتعلق باألفعال
اإلجرامية ،كما خول المشرع لضباط الشرطة القضائية مهمة جمع وحفظ األدوات التي استعملت في
ارتكاب الجريمة وذلك بغض النظر عن طبيعة هذه األخيرة.
وإذا كان من ا لممكن لضباط الشرطة القضائية حجز وتفتيش الدعامات المادية المنظمة للمعطيات،
فإن التساؤل يثور بهذا الصدد حول مدى إمكانية ضبط وحجز البيانات الرقمية المفيدة في البحث والتحقيق
دون سواها من الدعامات واألجهزة التي تحتوي على هذه المعطيات؟
بتاريخ 12محرم 5( 1383يونيو )1963ص ،1253كما تم تعيله بالقانون رقم 103.13المتعلق بمحاربة العنف
ضد النساء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19بتاريخ 5جمادى اآلخرة 22( 1439فبراير )2018
الجريدة الرسمية عدد 6655بتاريخ 23جمادى اآلخرة 12( 1439مارس )2018ص .1449
225قانون المسطرة الجنائية المغربي رقم 22.01الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255المؤرخ في 25
رجب 13(1423أكتوبر )2002منشور بالجريدة الرسمية عدد 5078بتاريخ 27ذي القعدة 30( 1423
يناير ،)2003ص ،315كما تم تعيله بالقانون القانون رقم 103.13المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 1.18.19بتاريخ 5جمادى اآلخرة 22( 1439فبراير ،)2018الجريدة الرسمية عدد 6655
بتاريخ 23جمادى اآلخرة 12( 1439مارس )2018ص .1449
226المواد من 3-607إلى 11-607من قانون الجنائي المغربي.
111
يمكن القول أنه إذا كانت ال غاية من التفتيش الذي يباشره ضباط الشرطة القضائية هو ضبط األدلة
المادية التي تفيد في كشف الحقيقة ،فإن هذا المفهوم يمتد ليشمل حتى البيانات اإللكترونية بمختلف أشكالها،
ذلك أن المشرع خول لضباط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه أن يضع يده على كل دليل مفيد في
الكشف عن الحقيقة ،وهذا ما نصت عليه المادة 59من ق.م.ج.م والتي جاء فيها" :إذا كان نوع الجناية أو
الجنحة مما يمكن إثباته بحجز أوراق أو وثائق أو "أشياء أخرى" في حوزة أشخاص يظن أنهم شاركوا في
الجريمة ،أو بحوزته مستندات أو "أشياء" تتعلق باألفعال اإلجرامية ،فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل
فورا إلى منزل هؤالء األشخاص".
وعليه فإن عبارة "أشياء أخرى" يمكن تفسيرها بأنها تشمل أيضا البيانات المخزنة أو المعالجة
إلكترونيا ،كما أن استقراء مقتضيات المادة 57من ق.م.ج يفيد أن المشرع قد أخذ بعين االعتبار عامل
الزمن في جمع األدلة المرتبطة بالجريمة اإللكترونية ،فضابط الشرطة القضائية بمجرد حصول الجريمة
يتعين عليه االنتقال الفوري لمسرح الجريمة ،وأن يجري المعاينات الالزمة ،وأن يحافظ على األدلة القابلة
لالندثار ،فالجريمة اإللكترونية تتميز بأنها ترتكب في مدة قصيرة ،حيث تختفي معالمها بالتزامن مع الوقت
القصير الذي ترتكب فيه.
ومن المعلوم أيضا أن من مستجدات المسطرة الجنائية السماح بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة
االتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخا منها ،أو حجزها كوسيلة للحصول على
األدلة ، 227وبالتالي وانطالقا من هذه اإلمكانية التي أصبحت متاحة قانونيا للهيئات التي تتولى البحث
والتحقيق ،وبسبب اقتران المعلوماتية باالتصال عن بعد ،فإنه يمكن القول أنه أصبح باالمكان االستناد إلى
الدليل االلكتروني المتولد من كافة االتصاالت المنجزة عن بعد من بريد إلكتروني.
إن بالدليل الرقمي يحتم علينا تحديد أنواعه وأشكاله حتى يتسنى فهم الهيأة التي يتخذها للحكم على
قيمته القانونية فيما بعد ،ولذ سنتناول أنواعه ثم نحدد األشكال التي يبدو عليها هذا الدليل وذلك على النحو
التالي:
112
-1أنواع الدليل الرقمي
يمكن تقسيم الدليل الرقمي لنوعين رئيسين:
السجالت التي تم أنشاؤها بواسطة اآللة تلقائيا ،وتعتبر هذه السجالت من مخرجات اآللة
التي لم يساهم اإلنسان في إنشائها مثل سجالت الهاتف وفواتير أجهزة الحاسب اآللي.228
السجالت التي جزء منها تم حفظه باإلدخال وجزء تم انشاؤه بواسطة اآللة ومن أمثلة ذلك
البيانات التي يتم إدخالها إلى اآللة وتتم معالجتها من خالل برنامج خاص ،كإجراء العمليات
الحسابية على تلك البيانات.
وهذا النوع من األدلة الرقمية نشأ دون إرادة الشخص ،أي أنها أثر يتركه الجاني دون أن يكون
راغبا في وجوده ،ويسمى هذا النوع من األدلة بالبصمة الرقمية ،وهي ما يمكن تسميه أيضا باآلثار
المعلوماتية الرقمية ،229هي تتجسد في اآلثار التي يتركها مستخدم الشبكة المعلوماتية بسبب تسجيل الرسائل
المرسلة منه أو التي يستقبلها وكافه االتصاالت التي تمت من خالل اآللة أو شبكة المعلومات العالمية.
والواقع أن هذا النوع من األدلة لم يعد أساسا للحفظ من قبل من صدر عنه ،غير أن الوسائل الفنية
الخاصة تمكن من ضبط هذه األدلة ولو بعد فترة زمنية من نشوئها ،فاالتصاالت التي تجرى عبر االنترنت
والمراسالت الصادر عن الشخص أو التي يتلقاها ،كلها يمكن ضبطها بواسطة تقنية خاصة بذلك.230
228خالد ممدوح إبراهيم" :الدليل االلكتروني في جرائم المعلوماتية" ،بحث منشور على االنترنت ،ص .2الموقع التالي:
http://www.f-law.netبتاريخ .2021
229ممدوح عبد الحميد عبد المطلب ،زبيدة محمد قاسم ،عبد هللا عبد العزيز" :نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل الرقمي
لإلثبات في جرائم الكمبيوتر ،منشور ضمن أعمال مؤتمر" األعمال المصرفية وااللكترونية نظمته كلية الشريعة والقانون
بجامعة اإلمارات العربية المتحدة وغرفة تجارة وصناعة دبي ،في الفترة من 2003 5/12-10م ،المجلد الخامس ،ص
.2238
230عبد الفتاح بيومي حجازي" :الدليل الرقمي والتزوير في جرائم الكمبيوتر واالنترنت" ،دراسة معمقة في جرائم
الحاسب اآللي واالنترنت ،بهجات للطباعة والتجليد ،مصر ،2009 ،هامش ص .64-63
113
-وتبدو أهمية التمييز بين هذين النوعين فيما يلي:
النوع الثاني من األدلة الرقمية هو األكثر أهمية من النوع األول لكونه لم يُعد أصالً ليكون
أثراً لمن صدر عنه ،ولذا فهو في العادة سيتضمن معلومات تفيد في الكشف عن الجريمة
ومرتكبها.
يتميز النوع األول من األدلة الرقمية بسهولة الحصول عليه لكونه قد أُعد أصال ألن يكون
دليال على الوقائع التي يتضمنها ،في حين يكون الحصول على النوع الثاني من األدلة بإتباع
تقنية خاصة ال تخلو من صعوبة وتعقيد.
ألن النوع األول قد أُعد كوسيلة إثبات لبعض الوقائع فإنه عادة ما يعمد إلى حفظه لالحتجاج
به الحقا وهو ما يقلل من إمكانية فقدانه ،وعلى عكس النوع الثاني حيث لم يعد ليحفظ ما
يجعله عرض للفقدان ألسباب منها فصل التيار الكهربائي عن الجهاز مثال.
-الصور الرقمية :وهي عبارة عن تجسيد الحقائق المرئية حول الجريمة ،وفى العادة تقدم الصورة
إما في شكل ورقي أو في شكل مرئي باستخدام الشاشة المرئية ،والواقع أن الصورة الرقمية تمثل
تكنولوجيا بديلة للصورة الفوتوغرافية التقليدية وهي قد تبدو أكثر تطورا ولكنها ليست بالصورة
أفضل من الصور التقليدية.231
-التسجيالت الصوتية :وهي التسجيالت التي يتم ضبط وتخزينها بواسطة اآللة الرقمية ،وتشمل
المحادثات الصوتية على االنترنت والهاتف ....الخ.
-النصوص المكتوبة :وتشمل النصوص التي يتم كتابها بواسطة اآللة الرقمية ،ومنها الرسائل
عبر البريد االلكتروني ،والهاتف المحمول ،والبيانات المسجلة بأجهزة الحاسب اآللي ...الخ.
231ممدوح عبد الحميد عبد المطلب" :أدلة الصور الرقمية في الجرائم عبر الكمبيوتر" ،مركز شرطة دبي ،لسنة ،2005
ص .10-9
114
ثانيا :مدى استجابة مشروع قانون المسطرة الجنائية لمتطلبات الحصول على الدليل
الرقمي
إذا كانت المقتضيات القانونية العامة السالفة الذكر توحي بأنها تنطبق على الجرائم الماسة بنظم
المعالجة اآللية للمعطي ات ،من حيث تفتيش وحجز وضبط البيانات المعلوماتية ،التي من شأنها إثبات تلك
الجرائم ،فإنه من الضروري النص على مقتضيات خاصة بإثبات جرائم نظم المعالجة اآللية للمعطيات
ضمن النصوص القانونية التي تعرضت ألساليب جمع وتقصي األدلة المتعلقة بباقي الجرائم ،أخذا بعين
اال عتبار خصوصية وطبيعة هذا النوع المستحدث من الجرائم.
وهو ما تداركه المشرع المغربي بمقتضى مشروع ق.م.ج المغربي الجديد حينما أدخل تعديالت
على المادة 59من ق.م.ج.م حتى تكون إجراءات البحث والحجز تتسع لتشمل البيانات والوثائق والمعطيات
المعلوماتية ،حيث خول مشروع القانون الجديد ،لضباط الشرطة القضائية صالحية حجز "وثائق أو
معطيات أو أدوات أو برامج معلوماتية ،" 232ويتم حجز المعطيات الرقمية والبرامج المعلوماتية الضرورية
إلظهار الحقيقة بوضع الدعامات المادية المتضمنة لهذه المعلومات رهن إشارة العدالة أو بأخذ نسخ منها.233
غير أن ما يمكن مالحظته بخصوص المادة 59من مشروع ق.م.ج.م أنها لم تجب على مشكل قد
يطرح في الحالة التي يتعذر فيها على ضابط الشرطة القضائية ضبط وتفتيش الحاسبات المركزية أو بعض
وحدات التشغيل في حالة وجودها في أماكن بعيدة داخل الوطن أو خارجه ،ويكون حجز المعطيات الرقمية
أمرا في غاية االستعجال الحتمال اندثارها أو إتالفها قبل التمكن من حجز األجهزة والدعامات المادية
المثبتة لها.
كما يمكن أن نضيف أن مشروع ق.م.ج.م جاء بقواعد قانونية أكثر حداثة ومرونة حيث تتيح للشرطة
القضائية إمكانية إجراء التفتيش في بيئة معلوماتية ،وذلك على غرار ما سلكته بعض التشريعات
المقارنة ،234وذلك حينما نص على أنه" :يجري التفتيش في األماكن التي يعثر بها على برامج معلوماتية
232جاء في الفقرة األولى من المادة 59من مشروع ق.م.ج.م .بأنه“ :إذا كان نوع الجناية أو الجنحة مما يمكن إثباته
بحجز أوراق ووثائق أو أشياء أخرى في حوزة أشخاص يظن أنهم شاركوا في الجريمة ،أو يحوزون مستندات أو وثائق
أو معطيا ت أو أدوات أو برامج معلوماتية أو أشياء تتعلق باألفعال اإلجرامية ،فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل فورا إلى
منزل هؤالء األشخاص ليجري فيه طبقا للشروط المحددة في المادتين 60و 62تفتيشا يحرر محضرا بشأنه”.
233طبقا للفقرة السابعة من المادة 59من مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي.
234كالمادة 59من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية ،حيث أقحم المشرع بمقتضاها الجريمة المعلوماتية ضمن
المقتضيات القانونية المنظمة لحجز األدوات التي يمكن استعمالها في ارتكاب الجريمة وقيدها بضرورة احتفاظ الشرطة
بالوثائق المعلوماتية الضرورية إلظهار الحقيقة.
115
أو أشياء مفيدة في إظهار الحقيقة" ،235ونص أيضا" :وإذا كان التفتيش سيجري في منزل شخص من الغير
يحتمل أن يكون في حوزته… برامج معلوماتية."236
أما بخصوص مسألة مصادرة الوثائق المعلوماتية التي استعملت في ارتكاب الجريمة فيمكن القول،
بأن الفصل 607-11من ق.ج.م .237خول للمحكمة التي تنظر في إحدى الجرائم الماسة بنظم المعالجة
اآللية للمعطيات إمكانية مصادرة الوسائل أو األشياء التي تم استغاللها في ارتكاب الجريمة ،وطبعا يقع
بمنزل تلك األشياء التي تم استعمالها في ارتكاب مثل هذه الجرائم الوثائق أو البرامج المعلوماتية.
وهو ما تم تعزيزه بمقتضى مشروع ق.م.ج.م ،بأن يتم حجز المعطيات والبرامج المعلوماتية
الضرورية إلظهار الحقيقة بوضع الدعامات المادية المتضمنة لهذه المعلومات رهن إشارة العدالة أو بأخذ
نسخ منها ،بحضور األشخاص الذين حضروا التفتيش ،توضع رهن إشارة العدالة.
وعلى خالف التشريعات المقارنة 238التي تلزم الشاهد الذي يتوفر على البيانات أو وثائق معلوماتية
اإلدالء بها بناء على أمر قضائي ،فإن المشرع المغربي لم ينص على هذا المقتضى بعد سواء في ق.م.ج.م،
أم في مشروع ق.م.ج.م ،فااللتزامات التي فرضها المشرع على الشاهد تتجلى في الحضور وحلف اليمين
القانونية وذكر الحقيقة تحت طائلة العقاب.239
أصبح بذلك هذا الوسط مرتعا لطائفة من الجناة يطلق عليهم اسم المجرمين المعلوماتيين ،فالجرائم
التي يرتكبها هؤالء تقع في الوسط االفتراضي أو ما يمكن تسميته بالعالم الرقمي ،ولذا كان الدليل الرقمي
هو الدليل األفضل إلثبات هذا النوع من الجرائم ،ألنه من طبيعة الوسط الذي ارتكبت فيه ،ومن هنا بدت
أهمية هذا النوع من األدلة ،ولكن أيعني ذلك أن الدليل الرقمي ينحصر مجاله كدليل إثبات فقط على جرائم
المعلوماتية؟ وكيف :تعامل القضاء الجنائي المغربي مع الدليل الرقمي؟
116
أوال :اثبات الجرائم بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي
يجب التنويه إلى أنه ال تالزم بين نطاق العمل بالدليل الرقمي ومشكلة اثبات الجريمة المعلوماتية،
فمن ناحية فإن الدليل الرقمي مثلما يصلح إلثبات الجريمة المعلوماتية ويعتبر في ذات الوقت الدليل األفضل
إلثباتها ،فإنه من ناحية أخرى يصلح إلثبات الجرائم التقليدية إن جاز التعبير ،حيث يميز الفقه في هذا
الشأن بين نوعين من الجرائم.240
وهذا النوع من الجرائم يستخدم فيه الحاسب اآللي واالنترنت كوسيلة مساعده الرتكاب الجريمة،
مثل استخدامه في الغش أو االحتيال أو غسل األموال أو لتهريب المخدرات ،وهذا النوع من الجرائم ال
صلة له بالوسط االفتراضي إال من حيث الوسيلة ،وبكلمة أوضح فإن الجريمة في هذه الحالة هي جريمة
تقليدية استعملت في ارتكابها أداة رقمية ،فبرغم عدم اتصال هذه الجريمة بالنظام المعلوماتي فإن الدليل
الرقمي يصلح كدليل إلثباتها.
وهذا النوع من الجرائم يكون محله جهاز الحاسب اآللي أو اآللة بصفة عامة ،بحيث يكون االعتداء
واقعا ً إما على الكيان المادي لآللة ،وهذه يمكن اعتبارها جريمة تقليدية تلحق النوع األول ،وإما يكون
االعتداء واقعا ً على الكيان المعنوي للحاسب أو اآللة أو على قاعدة البيانات أو المعلومات التي قد تكون
على شبكة المعلومات العالمية ،مثال انتهاك الملكية الفكرية ،وجرائم القرصنة وغيرها ،وهذا النوع من
الجرائم هو ما يمكن تسميته بجرائم المعلوماتية والتي يكون الدليل الرقمي هو الدليل األفضل إلثباتها إن
وجد.241
240ممدوح عبد الحميد عبد المطلب وزبيدة محمد قاسم وعبد هللا عبد العزيز" :نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل
الرقمي لإلثبات في جرائم الكمبيوتر ،منشور ضمن أعمال مؤتمر" ،مرجع سابق ،ص.2237
241هناك خالف في الفقه حول تحديد مفهوم الجريمة المعلوماتية وليس في نيتنا التعرض لهذا الخالف ،راجع ِبشأنه:
-راشد بن حمد البلوشي" :الدليل في الجريمة المعلوماتية" ،بحث مقدم للمؤتمر الدولي األول حول حماية
المعلومات والخصوصية في قانون االنترنت ،القترة / 4-2يونيو ،2008منشور على االنترنت ،ص 5وما
بعدها. http://www.f-law.net
117
ومع ذلك فإننا نعتقد أن الجريمة المعلوماتية رغم شدة صلتها بالدليل الرقمي إال أن إثباتها ال يقتصر
عليه ،فمن الممكن إثباتها بأدلة اإلثبات التقليدية كالشهادة و االعتراف وغيرها ،242ولذلك يمكننا أن نقول
إنه ال تالزم بين مشكلة الدليل الرقمي واثبات الجريمة المعلوماتية ،فلهذه األخيرة إشكاليات قانونية أخرى
ال شأن لها بالدليل الرقمي ،فإذا كانت غاية الدليل عموما ً هي اثبات الجريمة ونسبها إلى مربكها ،فإن هذا
الدليل ال يكون قاصرا في تقديرنا ً إذا اقتصر على مجرد إثبات وقوع الجريمة دون تحديد مقترفها ،إذ مع
ذلك تصح تسميته كدليل ،وتبدو أهمية هذا النوع من األدلة بالنسبة للجريمة المعلوماتية لصعوبة إثبات
وقوعها عادة.
غير أ نه إذا كان من الصعوبات التي تواجه إثبات الجريمة المعلوماتية تحديد مفترق الجريمة ،فإن
هذه المشكلة ال شأن لنا بها عند تناول إشكاليات الدليل الرقمي ،فتلك مسألة ربما يتعذر إثباتها في بعض
الحاالت ومن ثم ال نكون في شأنها بصدد دليل ،ونحن هنا في هذه الدراسة ندرس الدليل الرقمي حينما
يتوافر إلثبات واقعة معينة.
مع مالحظة أنه قد يكون الدليل الرقمي متضمنا إثبات الجريمة ومربكها معا ،فجسم الجريمة
المعلوماتية عادة هو الدليل الرقمي ذاته ،وقد يكون هذا الجسم "الدليل الرقمي" متضمنا ما يفيد نسبة الجريمة
لشخص ما ،كما لو أرسل شخص آلخر رسالة عبر البريد االلكتروني تتضمن فيروسات تؤدى إلى إتالف
الموقع االلكتروني الخاص بذلك الشخص ،فإن هذه الرسالة بذاتها تعد دليالً على وقوع الجريمة ،وفى
الوقت نفسه ستعد دلي ً
ال على نسبة ارتكابها لشخص معين وهو المرسل إذا تضمنت بيانات تدل على
شخصية.
ومما تق دم نخلص إلى أن الدليل الرقمي يصلح اإلثبات الجريمة التي ترتكب باستعمال اآللة الرقمية
-حاسوب-هاتف ... -الخ ،أو الجريمة التي ترتكب ضد الكيان المعنوي لآللة أو ضد شبكة المعلومات
العالمية.
باإلضافة إلى ذلك فإن هذا الدليل يصلح إلثبات بعض الجرائم وإن لم تكن من ضمن النوعين
المذكورين ،وذلك إذا استعملت اآللة الرقمية للتمهيد الرتكاب الجريمة ،أو إلخفاء معالمها ،كالمراسالت
242مع مالحظة أن بعض األدلة التقليدية تحتاج لتطوير لتتناسب مع الطبيعة الخاصة لهذه الجرائم ،فالخبرة مثالً تصلح
إلثبات الجريمة المعلوماتية إال أنها تحتاج إلى أن يكون الخبير متمتعا ً بمستوى عال من العلم والمهارة الفنية التي تمكنه
من شق طريقة بنجاح في مجال إثبات هذه الطائفة من الجرائم:
-علي محمود علي حمودة" :األدلة المتحصلة من الوسائل االلكترونية في أطار نظرية اإلثبات الجنائي" ،مقدم
ضمن أعمال المؤتمر العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات االلكترونية ونظمته أكاديمية
شرطة دبي ،في الفترة من 4-26إلى -2003-4-48دبي ،ص .23
118
التي يبعث بها الجاني لشريكه وتتضمن معلومات عن جريمة ينويان ارتكابها أو يطلب منه إخفاء معالم
هذه الجريمة ،فتلك المراسلة تصلح كدليل إثبات لهذه الجريمة حا ل وقوقعها رغم أنها لم ترتكب ضد اآللة
الرقمية وال بواسطتها.243
يتضح أن قضاتنا الجنائي يقبل ويأخذ بالدليل الرقمي في اإلثبات بطريقة مباشرة ،كما يقبل به بطريقة
غير مباشرة ،وهذا ما سيتم تحليله فيما يلي.
هكذا يتضح بجالء أن القضاء المغربي يأخذ بالدليل الرقمي متى كان هذا الدليل واضحا ال لبس فيه،
وهو ما يعطي اإلمكانية للقاضي الجنائي لألخذ به في مجال إثبات جرائم األعمال التي غالبا ما يتم ارتكابها
بواسطة هذه الوسائل.
243هاللي عبد اإلله احمد" :حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية" ،دراسة مقارنة ،بدون رقم طبعة او دار
نشر لسنة ،1999ص .49
244حكم ابتدائي عدد 4صادر بتاريخ ،2012/01/02في الملف الجنحي التلبسي عدد ،11/2103/3823عن
المحكمة االبتدائية بمراكش ،حكم غير منشور ،عبد هللا ادعول ،ص .75
119
فبخصوص الحالة األولى التي يقبل فيها القضاء الدليل الرقمي استنادا إلى االعترافات القضائية
عن جنحه النصب والدخول إلى نظام 245
فيؤكدها الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء
المعالجة اآللية للمعطيات عن طريق االحتيال وتملك وحيازة برامج ومعطيات تستعمل لذلك ووضعها رهن
إشارة الغير.
حيث جاء فيه " :وحيث أحضر الظنين أمام المحكمة في حالة اعتقال واعترف بما نسب إليه ،وحيث
أنه لئن كانت محاضر الضابطة القضائية يوثق بمضمونها ما لم يثبت ما يخالفها ،فإن االعتراف القضائي
يبقى خير دليل يمكن أن يدان بسبه المرء ،حيث أن قيام الظنين بالدخول إلى النظام المعلوماتي الخاص
بشركة الخطوط الملكية عن طريق قرصنة القن السري لبطائق أداء أشخاص آخرين واقتناء تذاكر للسفر
عبر الخطوط الملكية واقتناء تذاكر ألشخاص آخرين يكون بذلك الظنين ارتكب جنحة الدخول إلى نظام
المعالجة اآللية للمعطيات عن طريق االحتيال."...
وهذه االعترافات القضائية في غالبها تأتي تأكيدا العترافات غير قضائية مدرجة في محاضر
الضابطة القضائية ،وهذه األخيرة تأتي نتيجة مواجهة المتهم بأدلة إثبات مادية وأخرى إلكترونية ،غير أن
هذه األخيرة ظلت حبيسة محاضر الضابطة القضا ئية ولم تدرجها المحكمة ضمن حيثيات الحكم بل اقتصرت
فقط على نتيجتها وهي اعتراف المتهم بالمنسوب إليه بناء عليها ،لذلك نخلص إلى أن المحكمة تأخذ بالدليل
اإللكتروني في اإلثبات الجنائي بطريقة غير مباشرة.246
أما فيما يتعلق بالحالة الثانية التي يقبل فيها القضاء الدليل الرقمي استنادا إلى اعترافات غير قضائية
247
صادرة أمام الضابطة القضائية ،فيؤكدها الحكم القضائي الصادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء
بخصوص جنحة النصب وتزوير وثائق المعلوميات واستعمالها عن علم وتزوير وسيلة أداء.
حيث جاء فيه " :وحيث أن الظنين يعترف تمهيد يا انه حصل من طرف أشخاص على أرقام بطائق
بنكية وأرقام خاصة بأشرطتها المغناطيسية تخص أشخاصا أجانب ،فيقوم بتضمين تلك المعلومات المشفرة
بجهاز الحاسوب وآلة لقراءة تلك المعلومات ليتمكن من الحصول على بطائق مزورة ويسهل عليه األداء
بواسطتها ...وحيث أن الظنينين ينكران ما نسب إليهما ،...وحيث أن عنصر استعمال بطائق أداء مزورة
قائمة في حق الظنين استناد إلى تصريحاتهما التمهيدية".
245حكم ابتدائي عدد ،907صادر بتاريخ ،2011/01/28في الملف الجنحي التلبسي عدد 11/10/68عن المحكمة
االبتدائي ة بالدار البيضاء ،حكم غير منشور ،أورده عبد هللا ادعول ،مرجع سابق ،ص 77و.78
246عبد هللا ادعول " :الدليل اإللكتروني في اإلثبات الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .76
247حكم ابتدائي عدد ،6072صادر بتاريخ ،2010/07/15في الملف الجنحي التلبسي عدد 10/5071عن المحكمة
االبتدائي ة بالدار البيضاء ،حكم غير منشور ،أورده عبد هللا ادعول ،مرجع سابق ،ص .79
120
-3شروط قبول األدلة الرقمية كأدلة إثبات في المادة الجنائية
إذا كانت األدلة الرقمية قد توجس منها كل من الفقه والقضاء خفية من عدم تعبيرها عن الحقيقة،
نظرا لما يمكن أن تخضع له طرق الحصول عليها من التعرض للتزييف والتحريف واألخطاء المعتمدة،
فإن ذلك قد تطلب وجوب توافر مجموعة من الضوابط التي تحكم األدلة الناجمة عن الحاسب اآللي بشكل
عام ،وتضفي عليها المصداقية ،ومن تم اقترابها نحو الحقيقة وقبولها كأدلة إثبات في المواد الجنائية.248
ولذلك فإنه لقبول هذه األدلة كأساس تشيد عليه الحقيقة في الدعوى الجنائية في جرائم األعمال ،فإنه
يلزم أن تتوافر فيها الشروط اآلتية.
ويشترط قانون البوليس واإلثبات في بريطانيا لسنة 1984م ،حتى تتحقق يقينية األدلة االلكترونية،
أن تكون البيانات دقيقة وناتجة عن الحاسوب بصورة سليمة.
و في فرنسا مثال ،فإنه ال محل لدحض أصل البراءة وافتراض عكسها إال عندما يصل اقتناع القاضي
إلى حد الجزم واليقين ،إذ يشترط في األدلة سواء كانت تقليدية أو رقمية أن تكون يقينية حتى يمكن الحكم
باإلدانة.250
248الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .274
249لحسن بيهي " :الدليل العلمي ودوره في تكوين اقتناع القاضي الجنائي" ،سلسلة رسائل نهائية تدريب الملحقين
القضائيين ،مجلة الملحق القضائي العدد األول ،يناير ،2007ص .5
Gorphe François : « les décisions de justice », étude psychologique et judiciaire, 250
Paris, Sirey, Presses universitaires de France, 1952, page : 123.
121
أما في المغرب فقد أكدت محكمة النقض على مبدأ يقينية األدلة في التدليل الجريمة ونسبتها إلى
شخص معين في العديد من قرارتها التي تناولت هذه الضمانة القضائية ،ومن ذلك القرار 251الذي يقضي
بأنه" :يجب أن تبنى األحكام على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين ،ولهذا يتعرض للنقض ،الحكم
الصادر باإلدانة في حين أن المحكمة صرحت بأنه لم يوضع بين يديها دليل مادي قاطع يثبت الجريمة".
وفي قرار آخر 252لها قضت على أنه ":وحيث إن األحكام الجنائية والقضائية باإلدانة يجب أن تبنى
على الجزم واليقين انطالقا من الوقائع المعروضة على المحكمة والمعززة بوسائل اإلثبات التي ال يرقى
إليها الشك واالحتمال ...وأن القاضي الجنائي إذا كان حرا في تكوين قناعته اعتمادا على مختلف وسائل
اإلثبات المتاحة له قانونا بما فيها القرائن الموكولة إلى سلطته فإنه يتعين أن تكون هذه القرائن قوية وخالية
من البس ومستنبطة من وقائع ثابتة ومعلومة بيقين ومنتجة في الدعوى"...
ومن تم يتضح أن محكمة النقض تطبق قاعدة بناء األحكام على الجزم واليقين واشتراط تسبيبها،
وهي الطريقة التي تتوصل بها هذه المؤسسة باعتبارها جهة الطعن بالنقض ،إلى بسط رقابتها على تقدير
القاضي لحجية الدليل.
وهكذا يستطيع القاضي من خالل ما يعرض عليه من مخرجات الحاسب اآللي ،وما ينطبع في ذهنه
من تصورات واحتماالت بالنسبة لها ،أن يحدد قوتها ا الستداللية على صدق نسبة الجريمة إلى شخص
معين من عدمه ، 253خاصة وأن مجال األعمال أصبح يعتمد اليوم أكثر من أي وقت مضى على التكنولوجيا
الحديثة الرقمية التي أصبحت الوسيلة المفضلة لمجرمي األعمال الرتكاب مشاريعهم اإلجرامية.
251القرار الجنائي عدد 49الصادر في 19نونبر ،1970منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى ،العدد 20لسنة
،1970ص .33-32
252قرار المجلس األعلى عدد 8/474المؤرخ في ،2001/01/25ملف جنحي عدد ،00/7908منشور بمجلة
المجلس األعلى ،العدد المزدوج 57و ،58لسنة ،2001ص .419
253الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .276
254أحمد عوض بالل" :قاعدة استبعاد األدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة في اإلجراءات الجنائية المقارنة" ،ط.
االولى ،1994دار النهضة العربية ،القاهرة ،ص .16
122
ومن تم فإن كل األدلة التي يتم الحصول عليها عن طريق انتهاك حق أساسي للمتهم تكون باطلة وال
يمكن التمسك بها ومراعاتها في أي مرحلة من مراحل الدعوى.255
ولذلك فإنه يجب أن تكون المخر جات االلكترونية أو األدلة الناتجة عن الحاسب اآللي أو األدلة
الرقمية ،صحيحة ومشروعية حتى يمكن أن تبنى عليها اإلدانة في المواد الجنائية.256
وعلى ذلك فإنه يتعين على القاضي الجنائي أال يثبت توافر سلطة الدولة في عقاب المتهم بصفة عامة
والمتهم المعلوماتي بصفة خاصة ،إال من خالل إجراءات مشروعية تحترم فيها الحريات وتؤمن فيها
الضمانات التي رسمها القانون.
ففي قانون اإلجراءات الجنائية الفرنسي نجد أنه رغم أنه عدم توفره على أية نصوص تتعلق بمبدأ
األمانة أو النزاهة في البحث عن الحقيقة ،إال أن الفقه والقضاء كانا دائما بجانب هذا المبدأ ،سواء في مجال
البحث في الجرائم التقليدية ،أو في جرائم الحاسوب واألنترنيت ،كان يستخدم أعضاء ضباط الشرطة
القضائية طرقا معلوماتية في أعمال التصنت على االتصاالت الهاتفية.257
أما في هولندا ،فإنه إذا كانت بيانات الحاسوب مسجلة في ملفات الشرطة قانونية ،فذلك يؤدي إلى
نتيجة مفادها ضرورة محو هذه البيانات ،وعدم إمكانية استخدامها كدليل جنائي بسبب مبدأ استبعاد األدلة
غير القانونية.
255رمزي رياض عوض " :مشروعية الدليل الجنائي في مرحلة المحاكمة وما قبلها" –دراسة تحليلية-بدون طبعة ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،ص.84 ،
256الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .278
257عفيفي كامل عفيفي " :جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنفات الفنية ودور الشرطة والقانون " ،مرجع سابق،
ص .410
123
جاء فيه ":حيث أن األحكام الجنائية تنبني 258
هو اآلخر كرس هذا الشرط من خالل قرار لمحكمة النقض
في األصل على التحقيقات الشفوية التي تجريها المحكمة بالجلسة في مواجهة المتهم."...
وبخصوص الدليل الرقمي فإنه يتعين مناقشة مخرجات الوسائل االلكترونية أمام الخصوم في جلسة
المحاكمة تطبيقا لمبدأ شفوية المرافعة ،وفي اإلطار يمكن للخبير المعلوماتي أن يحضر أطوار المحاكمة
بناء على أمر من المحكمة ويقرأ تقريره شفويا في الجلسة في مواجهة األطراف.259
وتأسيسا على ذلك ،فإن كل دليل يتم الحصول عليه من خالل بيئة تكنولوجيا المعلومات يجب أن
يعرض في الجلسة ،ليس من خالل ملف الدعوى في مرحلة البحث التمهيدي أو مرحلة التحقق اإلعدادي،
لكن بصفة مباشرة أمام القاضي شخصيا ،وذلك حتى يقيم اقتناعه على ما شاهده وسمعه بجلسة المحاكمة.260
ففي فرمسا مثال ينص قانون اإلجراءات الجنائية في فقرته الثانية من المادة 427على هذه القاعدة
الهامة بالقول أنه ":ال يجوز للقاضي أن يؤسس حكمه إال على أدلة طرحت عليه أثناء المحاكمة ونوقشت
أمامه في مواجهة األطراف.261
وفي القانون المغربي تنص المادة 287من قانون المسطرة الجنائية على أنه ":ال يمكن للمحكمة أن
تبني مقررها إال على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها".
وبذلك فإن قاعدة وجوب مناقشة الدليل الجنائي سواء دليال تقليديا أم دليال إلكترونيا تعتبر ضمانه
هامة أكيدة للعدالة ،خاصة في مجال جرائم األعمال التي غالبا ما يكون فيها الحصول على دليل كاف
258قرار عدد 3270 :صادر بتاريخ 2012/11/1في الملف الجنائي عدد ،2006/6/21023 :أشار إليه :عماد
بولحبال" :دراسة قانونية عن قياس الظواهر االجرامية طبقا ً لإلحصائيات الجنائية " ،طالب باحث بسلك الماسة ،تخصص
القانون الجنائي و التعاون الجنائي الدولي ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية مكناس ،ص .258
259عماد بولحبال" :دراسة قانونية عن قياس الظواهر االجرامية طبقا ً لإلحصائيات الجنائية " ،مرجع سابق ،ص .259
260الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .277
Le juge ne peut fonder sa décision que sur des preuves qui lui sont apportées au 261
cours des débats et contradictoirement discutées devant lui
262قرار جنائي عدد 9بتاريخ 19نونبر .1970أشار إليه :الناجم كوبان :مرجع سابق ،ص .277
124
إلدانة المتهم أمرا ليس باليسر أبدا ،وذلك حتى ال يحكم القاضي في هذه الجرائم بمعلوماته الشخصية أو
بناء على رأي الغير.
فال بد من إطالق سلطة القاضي الجنائي في اإلثبات للوصول إلى الحقيقة وكشف الجريمة ،خصوصا أن
المجرمين ال يرتكبون جرائمهم في العلن ،وال يعلنون مقدما عما ينوون القيام به ،مما يعطي أهمية كبيرة
لمبدأ السلطة التقديرية للقاضي الجنائي.263
وأصبح القضاء خاصة في مجال جرائم األعمال يعول عليها كأدلة فنية يؤسس عليها األحكام باإلدانة أو
البراءة ،وذلك لما لها من عناصر القوة ،وبما تتميز به أصول الثبات واالستقرار والثقة في مصادرها
العلمية.264
لكن إنه بمجرد الحصول على الدليل الرقمي وتقديمه للقضاء ال يكفي العتماده كدليل لإلدانة ،إذ الطبيعة
الفنية الخاصة للدليل الرقمي تمكن من العبث بمضمونه على نحو يحرف الحقيقة دون أن يكون في قدرة
غير المتخصص إدراك ذلك العبث ،فضال عن ذلك فإن نسبة الخطأ في إجراءات الحصول على دليل
صادق في اإلخبار عن الحقيقة تبدو عالية في مثل هذا النوع من األدلة ،ولذلك تثور فكرة الشك في
مصداقيتها كأدلة لإلثبات الجنائي ،فهل من شأن ذلك استبعاد الدليل الرقمي من دائرة أدلة اإلثبات الجنائي
لتعارضه وقرينة البراءة؟
إن سلطة القاضي الجنائي في تقدير الدليل ال يمكن أن نتوسع في شأنها بحيث يقال إن هذه السلطة
تمتد لتشمل األدلة العلمية ،فالقاضي بثقافته القانونية ال يمكنه إدراك الحقائق المتعلقة بأصالة الدليل الرقمي،
فضال عن ذلك فإن هذا الدليل يتمتع من حيث قوته التدليلية بقيمة إثباتية قد تصل إلى حد اليقين ،فهذا هو
شأن األدلة العلمية عموما ،فالدليل الرقمي من حيث تدليله على الواقع تتوافر فيه شروط اليقين ،مما ال
يمكن معه القبول بممارسة القاضي لسلطته في التأكد من ثبوت تلك الوقائع التي يعبر عنها ذلك لدليل،
ول كن هذا ال يناقض ما سبق أن قدمناه من أن الدليل الرقمي هو موضع شك من حيث سالمته من العبث
263الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .279
264الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مرجع سابق ،ص .280
125
من ناحية وصحة اإلجراءات المتبعة في الحصول عليه من ناحية أخرى ،حيث يشكك في سالمة الدليل
الرقمي من ناحيتين:
-الناحية األولى :الدليل الرقمي من الممكن خضوعه للعبث للخروج به على نحو يخالف الحقيقة،
ومن ثم فقد يقدم هذا الدليل معبرا عن واقعة معينة صنع أساسا ألجل التعبير عنها خالفا للحقيقة،
وذلك دون أن يكون في استطاعة غير المتخصص إدراك ذلك العبث ،على نحو يمكن معه القول
إن ذلك قد أصبح هو الشأن في النظر لسائر األدلة الرقمية التي قد تقدم للقضاء ،فالتقنية الحديثة
تمكن من العبث بالدليل الرقمي بسهولة ويسر بحيث يظهر وكأنه نسخة أصلية في تعبيرها عن
الحقيقة.
-الناحية الثانية :وإن كانت نسبة الخطأ الفني في الحصول على الدليل الرقمي نادرة للغاية ،إال أنها
265
تظل ممكنة ،ويرجع الخطأ في الحصول على الدليل الرقمي لسببين:
الخطأ في استخدام األداة المناسبة في الحصول على الدليل الرقمي ،ويرجع ذلك للخلل في الشفرة
المستخدمة أو بسبب استخدام مواصفات خاطئة.
الخطأ في استخالص الدليل ،ويرجع ذلك إلى اتخاذ قرارات الستخدام األداة تقل نسبة صوابها عن
%100ويحدث هذا غالبا بسبب وسائل اختراق البيانات أو بسبب معالجة البيانات بطريقة تختلف
عن الطريقة األصلية التي تم تقييمها.
ومن ذلك فإننا نخلص إلى أن الشك في الدليل الرقمي ال يتعلق بمضمونه كدليل ،وإنما بعوامل مستقلة
عنه ،ولكنها تؤثر في مصداقيته ،ولكن هل يمكن التثبت من سالمة الدليل الرقمي من حيث العيوب؟ وبكلمة
أوضح هل من الممكن أن يضفي على الدليل الرقمي اليقين من خالل إخضاعه للتقييم الفني الذي يمكن من
تفادي تلك العيوب التي تشوبه وما موقف القاضي الجنائي من هذا الدليل إذا ما خضع لمثل ذلك التقييم؟
مثلما يخضع الدليل الرقمي لقواعد معينة تحكم طرق الحصول عليه ،فإنه يخضع لقواعد أخرى
للحكم على قيمته التدليلية ،وذلك يرجع للطبيعية الفنية لهذا الدليل ،عليه فهناك وسائل فنية من طبيعة هذا
الدليل تمكن من فحصه للتأكد من سالمته وصحة اإلجراءات المتبعة في الحصول عليه ،وسوف نحاول
فيما يلي تناول بعض هذه الوسائل.
265ممدوح عبد الحميد عبد المطلب ،زبيده محمد قاسم ،عبد هللا عبد العزيز" :نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل الرقمي
لإلثبات في جرائم الكمبيوتر ،منشور ضمن أعمال مؤتمر" ،مرجع سابق ،ص.2253
126
ب-وسائل تقييم الدليل الرقمي
سوف نتناول وسائل تقييم الدليل الرقمي من حيث سالمته من العبث ،ثم وسائل تقييمه من حيث
سالمة اإلجراءات المتبعة للحصول عليه من الناحية الفنية وذلك على النحو التالي:
يمكن التأكد من سالمة الدليل الرقمي من العبث بعدة طرق نذكر منها:
-تبدو فكرة التحليل التناظري الرقمي من الوسائل المهمة للكشف عن مصداقية الدليل الرقمي ،ومن
خاللها تتم مقارنة الدليل الرقمي المقدم للقضاء باألصل المدرج باآللة الرقمية ،ومن خالل ذلك يتم التأكد
من مدى حصول عبث في النسخة المستخرجة أم ال.266
-حتى في حالة عدم الحصول على النسخة األصلية للدليل الرقمي أو في حالة أن العبث قد وقع
على النسخة األصلية ،ففي اإلمكان التأكد من سالمة الدليل الرقمي من التبديل أو العبث من خالل استخدام
عمليات حسابية خاصة تسمى بالخوارزميات.
-هنا ك نوع من األدلة الرقمية يسمى بالدليل المحايد ،وهو دليل ال عالقة له بموضوع الجريمة،
ولكنه يساهم في التأكد من مدى سالمة الدليل الرقمي المقصود من حيث عدم حصول تعديل أو تغيير في
النظام (الكمبيوتري).267
فمن خالل هذه الطرق يمكن التأكد من سالمة الدليل الرقمي ومطابقته للواقع.
266ممدوح عبد الحميد عبد المطلب ،زبيده محمد قاسم ،عبد هللا عبد العزيز" :نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل الرقمي
لإلثبات في جرائم الكمبيوتر ،منشور ضمن أعمال مؤتمر" ،مرجع سابق ،ص .2247-2246
267م مدوح عبد الحميد عبد المطلب ،زبيدة محمد قاسم ،عبد هللا عبد العزيز :مرجع سابق ،ص .2247
127
-2تقييم الدليل الرقمي من حيث السالمة الفنية لإلجراءات المستخدمة في الحصول
عليه
مما ال شك فيه أن هذه اإلجراءات من الممكن أن يعتريها خطأ قد يشكك في سالمة نتائجها ،ولذا
فإنه يمكن في هذا الشأن اعتماد ما يعرف باختبارات (داو بورت) 268كوسيلة للتأكد من سالمة اإلجراءات
المتبعة في الحصول على الدليل الرقمي من حيث إنتاجها لدليل تتوافر فيه المصداقية لقبوله كدليل إثبات،
ولذا فإننا سنعرض باختصار للخطوات التي تتبع للتأكد من سالمة هذه اإلجراءات من الناحية الفنية:269
-إخضاع األداة المستخدمة لعدة تجارب للتأكد من دقتها في إعطاء النتائج المبتغاة ،وذلك بإتباع
اختبارين رئيسين هما:
اختبار السلبيات الزائفة :ومفاد هذا االختبار أن تخضع األداة المستخدمة في الحصول على
الدليل الختبار يبين مدى قدرتها على عرض كافة البيانات المتعلقة بالدليل الرقمي ،وأنه ال
يتم إغفال بيانات مهمة عنه.
اختبار االيجابيات الزائفة :ومفاد ذلك أن تخضع األداة المستخدمة في الحصول على الدليل
الرقمي الختبار فني يمكن من التأكد من أن هذه األداة ال تعرض بيانات إضافية جديدة.
وبذلك يتم من خالل هذين االختبارين التأكد من أن األداة المستخدمة عرضت كل البيانات المتعلقة
بالدليل الرقمي وفى ذات الوقت لم تض ف إليها أي بيان جديد ،وهذا يعطي للنتائج المقدمة عن طريق تلك
اآللة مصداقية في التدليل على الواقع.
-االعتماد على األدوات التي أثبتت البحوث العلمية كفاءتها في تقديم نتائج أفضل
وال شك أن الخبرة تحتل في هذه الحالة دروا مهما في التثبت من صالحية هذا الدليل كأساس لتكوين
عقيدة القاضي ،فبحث مصداقية هذا الدليل هي من صميم فن الخبير ال القاضي.
وهنا ننوه إلى عدم الخلط بين الشك الذي يشوب الدليل الرقمي بسبب إمكانية العبث به أو لوجود
خطأ في الحصول عليه وبين القيمة اإلقناعية لهذا الدليل ،فالحالة األولى ال يملك القاضي الفصل فيها ألنها
268ترجع أصول هذا االختبار" اختبارات داو برت" للحكم الذي أصدرته المحكمة العليا األمريكية في قضية داو بورت
ضد ميريل دو للصناعات الدوائية - ،1993ممدوح عبد الحميد عبد المطلب ،زبيدة محمد قاسم ،عبد هللا عبد العزيز،
ممدوح عبد الحميد عبد المطلب ،زبيدة محمد قاسم ،عبد هللا عبد العزيز :مرجع سابق ،ص.2248
269ممدوح عبد الحميد عبد المطلب ،زبيدة محمد قاسم ،عبد هللا عبد العزيز :مرجع سابق ،ص 2294وما بعدها
128
مسألة فنية فالقول فيها هو قول أهل الخبرة ،فإن سلم الدليل الرقمي من العبث والخـطأ ،فإنه لن يكون
للقاضي سوى القبول بهذا الدليل وال يمكنه التشكيك في قيمته التدليلية لكونه وبحكم طبيعته الفنية يمثل
إخبارا صادقا عن الواقع ،270ما لم يثبت عدم صلة الدليل بالجريمة المراد إثباتها.
نصت قوانين بعض الدول التي تعتنق نظام األدلة القانونية على الحجية القاطعة لألدلة الرقمية ،راجع: 270
-هاللي عبد اإلله أحمد" :حجية المخرجات" ،مرجع سبق ذكره ،ص.95
129
خاتمة
بهذا نكون قد انتهينا من دراستنا لهذا البحث ،والذي حاولت أن أظهر فيه مجموعة من النقط المهمة،
باعتبار موضوع اإلثبات بالوسائل الحديثة ،من أهم الركائز التي يقوم عليها نظام العدالة الجنائية و هو من
المواضيع الشائكة التي يصعب التحكم فيها خصوصا وأنه يطرح مجموعة من اإلشكاليات سواء على
المستوى النظري أو العملي ،والتي تتضارب في شأنها اآلراء الفقهية وتختلف االتجاهات والمواقف
القضائية حولها ،حيث أن موضوع اإلثبات في جرائم األعمال هو موضوع معقد ،متشابك ومركب يختلط
فيه الموضوعي باإلجرائي ،ويتداخل فيه ما هو اقتصادي بما هو قانوني.
كما أن هناك ارتباط واضح بين الجريمة وكيفية اثباتها ،حيث استفادت العصابات من سهولة ارتكاب
األعمال االجرامية ،خصوصا فيما يتعلق بجرائم األعمال ،خاصة إذا ما استحضرنا هذه الجرائم فهي جرائم
عصرية ومتطورة تتم في خفاء شبه تام ،تكاد ال تترك لسلطات البحت والتحري مجاال للكشف عنها
واإلحاطة بمسرحها ،وحتى وإن تم ذلك يبقى أمر إثبات نسبها إلى متهم معين نادرا ما يتحقق.
إذ في عصر العولمة وصلت أليدي الناس كثير من التقنيات الحديثة ،مما جعل العالم قرية صغيرة،
مع تزايد الطلب لفتح الحدود أمام األفراد والبضائع واألموال دون قيود ،مما أثر على األمن واالقتصاد،
حيث أصبحت األموال تتحرك وتتحول الكترونيا دون معرفة الهويات ودون ضبطها ،وهو ما ساعد على
انتشار جريمة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وغيرها من الجرائم ،وظهور أشكال جديدة للنشاط اإلجرامي
كجرائم التالعب بالحسابات ،مما ساهم في تفشي ظاهرة الفساد والجريمة المنظمة بأنواعها.
إذ يعتبر اإلثبات بالوسائل الحديثة والكشف عـن الحقيقة مـن أهـم المسائل التي تحظى باهتمام
القاضي ،ولتحقق هذه الغاية يوجب فيها إقامة الدليل الكافي على ارتكاب الجريمة وإلى فاعلها ،فالحق بدون
إقامة الدليل عليها يعتبر هو و العدم سواء ،غير أننا في هذا العصر نشهد تراجع لوسائل وطرق اإلثبات
التقليدية في إثبات الجرائم .مما أدى بذلك إلى تسخير واستغالل وسائل علمية حديثة لإلثبات مبنية على
حجية علمية ،فضال عـن ذلك اختصارها للزمن للقيام بالمهمة فأصبحت بذلك تحتل مكانة مقارنة باألدلة
الجنائية التقليدية.
من هنا تم التطرق فی الموضوع بشكل عام إلى المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال ،وبشكل
خاص الى حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم األعمال .حيث نهج نظام اإلثبات
المغربي المختلط "القضائي و القانوني" (المرن والجامد) قد أعطى لألفراد الحق في حرية اللجوء إلى كافة
وسائل اإلثبات ،و في نفس الوقت أعطى للقضاء سلطة تقديرية شبه مطلقة في الحكم بناء على اقتناعه
130
الوجداني ،كما تم التعرف على ماهية جرائم األعمال ،والمثبتة باألدلة العلمية ،وبعد ذلك تم التطرق الى
مشروعية هذه الوسائل في القانون المغربي حيث تم عرض هذه الوسائل وكيفية استغاللها وهل تم ذلك
بطرق مشروعة أو غير مشروعة ،ألن الدليل المستمد من هذه الوسائل إذا جاء بطريقة غير مشروعة يعد
باطال ،ألن ما بني على باطل فهو باطل.
لنخلص في األخير إلى أن هذه الوسائل مهما كانت قوة صفاتها وارتقت سماتها تحتاج إلى حس
قضائي ال يدركه إال القاضي ليخدم فيه بذلك الدعوى ويرضي العدالة ويحقق الغاية المرجوة ،غير أنه
يجب عليه التزود بالمعارف العلمية المختلفة حتى يتسنى له فهمها.
ومن هنا سنقوم باستعراض النتائج المتوصل إليها وكذا المقترحات المختلفة التي فرضت نفسها في
هذا الشأن ،وذلك على النحو التالي:
النتائج
يتضح توفق المشرع المغربي إلى حد كبير في استيعاب أحدث ما تم التوصل إليه عالميا في مجال
وسائل اإلثبات الجنائية العلمية الحديثة.
المغرب على غرار باقي دول العالم خصوصا تلك السائرة في طريق النمو منها ،عرف خالل
العقدين األخيرين ثورة تشريعية حقيقية همت الترسانة القانونية بشكل عام ومجال قانون األعمال بشكل
خاص ،وذلك رغبة في االستجابة لمتطلبات االستثمار الداخلي والخارجي وكذا في الدفع نحو تقوية روابطه
االقتصادية مع مجموعة من األقطار بعد إبرام اتفاقية التعاون االقتصادي مع االتحاد األوروبي والوضع
المتقدم الذي منحه إياه هذا األخير ،وكذا اتفاقية التبادل الحر مع الواليات المتحدة األمريكية.
تبنت المدرسة الوضعية موقفا يؤكد على الحجية المطلقة لألدلة العلمية استندت فيه على الدقة
العلمية لهذه األدلة ،و أن مبدأ حرية القاضي في تقدير األدلة يعطي له سلطة تقديرية واسعة في تقدير قيمة
األدلة المعروضة عليه ،آخذين بعين االعتبار أن القاضي يجب أن يكون اقتناعه بأدلة اإلدانة يقينيا ،وأن
الشك يفسر دائما لفائدة المتهم.
البصمات التي يتم االعتماد عليها في اإلثبات ،بطريقة معقدة تستوجب تكنولوجيا عالية ،وتتميز
هذه البصمة بكونها الوحيدة التي ال تتغير منذ والدة اإلنسان وحتى مماته ،وعموما فإن المحاكم الجنائية
تعمل على األخذ بالبصمات كدليل إثبات قاطع في الجرائم التقليدية عامة ،وفي جرائم األعمال خاصة.
131
بالنسبة لإلثبات في جرائم األعمال نالحظ عموما أن المشرع المغربي لم يخرج عن طرق اإلثبات
المستعملة في القواعد العامة ،إال أنها في بعض جرائم األعمال أعطى لبعض طرق اإلثبات فيها قوة ثبوتية
جعلتها تضفي عليها طبيعة خاصة عما هو عليها في القواعد العامة ،ومثال ذلك المحاضر المحررة من
طرف عونين من مراقبي األسعار والجودة والمنافسة حيث ال يطعن فيها إال بالتزوير.
االعتراف هو أحد وسائل اإلثبات التقليدية ،وتتمتع المحكمة بسلطة تقديرية في تقدير قيمة
االعتراف ،بحيث تطرح المحكمة االعتراف إذا تناق ض مع خبرة فنية أو مع وسيلة من وسائل اإلثبات
الحديثة ،أو مع تقرير خبرة فنية.
الشهادة وسيلة من وسائل اإلثبات التقليدية ،إال أنه يتم استبعاد الشهادة في حال تناقضها مع وسيلة
من وسائل اإلثبات الحديثة.
أوضحت الدراسة بأن األدلة الرقمية لها الحجية أمام المحاكم المختصة ،بشرط اتباع االجراءات
النظامية الصحيحة في استخالصها من قبل المحققين ،ثم يتبع ذلك خضوعها للتدقيق والمناقشة أمام القاضي
حتى يكون قناعته ويبني عليه حكمه متى ما سلم من العوارض.
أن المشرع المغربي نص على آلية جديدة في إثبات الجرائم والمتمثلة في إجراء االختراق وذلك
عندما يتعلق بأحد الجرائم الواردة في المادة 108من المسودة.
ان ضابط الشرطة القضائية أو العون المنفذ للعملية ال يسمح له المشرع باإلدالء بشهادته إال في
حالة عدم توفر أي وسيلة أخرى.
المقترحات
من بين المقترحات التي نرى أنها ضرورية خالل ما تم التوصل إليه بهذه الدراسة ما يلي:
أن المشرع المغربي لم ينص على بعض الضمانات المتعلقة بتنفيذ تلك اإلجراءات الخاصة
كإخطار الشخص بمراقبة أحاديثه بعد انتهاء عملية المراقبة ،وتمكينه من االطالع عليها ومناقشتها
واالعتراض عليها خالل التحقيق االبتدائي ،إضافة إلى خلو قانون اإلجراءات الجزائية من بيان مصير
التسجيالت المتحصل عليها بعد انتهاء الغرض منها ،وكيفية المحافظة عليها بوضعها في أحرار مختومة
لتفادي العبث فيها باإلضافة أو الحذف.
تبقى بعض الحاالت يمكن للجاني الفرار من المسؤولية الجنائية ،وذلك بالتخلص من آثار البصمات
بالحرق ،هذا فضال عن إمكانية إزالتها عن طريق الجراحة.
132
التشريع الجنائي لألعمال الحالي ما فتئ عاجزا عن التصدي لجرائم األعمال خاصة في ظل تطور
هذه األخيرة ،والذي تزامن مع تطور التجارة اإللكترونية ،وهو ما يفرض مالءمة التشريع الجنائي مع هذه
الجرائم لكي ال تبقى خارج نطاق التجريم ،وتسهيل على القضاء اثبات الجرائم المرتكبة فيها.
التعاون الدولي السيما العربي منها ،في مجال التحقيق واإلثبات في الجرائم المستحدثة.
ضرورة ابتعاد المشرع المغربي عن تقليد غيره من المشرعين والسيما المشرع الفرنسي
كاالقتباس الحرفي للنصوص التشريعية.
تدريب وتطوير قدرات األجهزة األمنية لمواكبة تطور الجريمة المعتمدة على التقنية ،والتغلب
عليها ،و تعزيز أجهزة األدلة الجنائية بالخبرات والكفاءات العلمية والتقنية البشرية ،نظرا لقلة الخبرات
والتخصصات في مجاالت التحقيق الجنائي المتطور واألجهزة الحديثة المتطورة.
إرسال القضاة والمحققين الجنائيين إلى دورات فنية متخصصة في مجال التعامل مع األدلة العلمية
الحديثة بشكل حرفي متخصص ،والتعاون في هذا المجال مع البلدان األخرى سواء كانت أجنبية أم عربية.
التأهيل القضائي للتعرف على طبيعة األدلة الرقمية المستخلصة من األجهزة االلكترونية وذلك
للوقوف على أهميته كدليل إثبات لتالفي الوقوع في األخطاء أثناء استخدام القاضي سلطته التقديرية في
تكييف الدليل الرقمي.
السعي إلى تجميع النصوص الجنائية المنظمة لمجال األعمال في مدونة واحدة تشكل تجميعا
وتنسيقا لمبادئ القانون الجنائي لألعمال ،باإلضافة إلى نصوص مسطرية جنائية تحدد بشكل واضح كيفية
إجراء األبحاث التمهيدية والتحقيقات والمحاكمة في هذا النوع من الجرائم ،مع ضرورة تحديد التأطير
القانوني لمخلف وسائل اإلثبات المعتمدة في ذلك ،خاصة ما يتعلق بالجوانب الفنية لجمعها ومناقشتها في
جلسة الحكم.
توفير التأطير القانوني لوسائل اإلثبات الحديثة ،خاصة تلك المرتبطة بعالم األنترنت التي تبقى
من بين أهم الوسائل لتوفير اإلثبات في جرائم األعمال التي لها عالقة بالشبكة العنكبوتية ،علما أن العلم
الحديث يوفر مجموعة من الوسائل المتطورة لإلثبات ،يكفي فقط فهمها وتأطير كيفية الحصول عليها
واستعمالها قانونا ،مع ضرورة أخد القاضي الجنائي بها ،لكونها تساهم في تعزيز أدلة اإلثبات األخرى.
التفكير في إيجاد محاكم متخصصة في جرائم األعمال بها قضاة للحكم والتحقيق والنيابة العامة
متخصصين في جرائم األعمال ،مع ضرورة تخويل النيابة العامة لدى هذه الحاكم حق تحريك الدعوى
العمومية ومتابعيها ،بدل االكتفاء بإحالة الملف على النيابة العامة لدى المحاكم العادية.
133
الئحة المراجع باللغة العربية
مراجع عامة
الجندي أحمد حسني" :القانون الجنائي للمعامالت التجارية" ،الكتاب األول ،القانون الجنائي
للشركات ،النشر دار النهضة العربية ،مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي ،القاهرة.1989 ،
بدوي أحمد زكي" :معجم المصطلحات القانونية" ،دار الكتاب المصري ،القاهرة ،سنة 1989م.
عوض م حمد محي الدين" :حقوق اإلنسان في اإلجراءات الجنائية" ،القاهرة ،بدون دار نشر ،لسنة
.1989
إدوارد عيد" :موسوعة أصول المحاكمات واالثبات والتنفيذ" ،الجزء السادس عشر ،االثبات،
اليمين ،والشهادة ،لبنان.1991
محمود نجيب حسنى " :االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية" ،القاهرة دار النهضة
العربية ،سنة .1992
أبو الفضل جمال الدين بن محمد ابن منظور" :لسان العرب" ،لبنان ،دار صادر بيروت ،الطبعة
الثالثة ،لسنة 1994م.
محمد الشوا :ثورة المعلومات وانعكاساتها على قانون العقوبات ،الطبعة الثانية ،دار النهضة
عبد الفتاح مراد" :التحقيق الجنائي الفني والبحث الجنائي" ،المكتب الجامعي الحديث لإلسكندرية،
الطبعة االولى .1999
134
عبد الرحيم صدقي" :االجرام المنظم" ،جريمة القرن الحادي والعشرون دراسة في مصر والبالد
العربية تاريخ النشر ، 30/12/1998الناشر المكتب الجامعي الحديث دار الهاتي للطباعة ،السنة
.2000
خالد محمد خالد" :المنظمات االقتصادية والنظام الدولي الجديد السياسات الدولية" ،مجموعة النيل
العربية ،سنة .2003
أحمد خليفة الملط" :الجرائم اإللكترونية" ،دار الفكر الجامعي القاهرة ،الطبعة الثانية ،لسنة .2005
منصور رحماني" :الوجيز في القانون الجنائي العام" ،الجزائر ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،لسنة
.2006
محمد الدغيدي" :التحريات واالثبات الجنائي" ،دار الكتب القانونية ،مصر ،سنة .2006
عباس أبو شامة عبد المحمود" :عولمة الجريمة االقتصادية" جامعة نايف للعلوم األمنية ،الرياض،
السنة .2007
فؤاد معالل" :الملكية الصناعية والتجارية ،دراسة في القانون المغربي واالتفاقيات الدولية" ،الطبعة
األولى ،دار األفاق المغربية للنشر والتوزيع الدار البيضاء.2009 ،
ابن خدة رضي" :في محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية -تأصيل وتفصيل ،»-الطبعة
األولى ،يوليوز .2010
أحمد فالح الخرابشة ":االشكالية االجرائية للشهادة في المسائل الجزائية- ،دراسة مقارنة ،"-دار
الثقافة للنشر والتوزيع ،طبعة .2010
محمد زكى أبو عامر " :االثبات في المواد الجنائية" ،محاولة فقهية وعملية إلرسال نظرية عامة،
، 1995الفنية للطباعة والنشر ،دار الجامعة الجديدة ،االسكندرية ،سنة .2011
نجمي جمال" :إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي" ،الجزائر دار هومة ،لسنة .2011
محمد بن حم" :مفهوم جرائم رجال األعمال مقاصد ونطاق تطبيق القانون" ،رئيس غرفة بمحكمة
النقض ،دار القانون للمحاماة في ،08:40.00-2015/08/24يوليوز .2012
محمد أحداف :علم االجرام " ،النظرية العلمية والسلوك االجرامي" ،طبعة 2015مطبعة سجلماسة
الزيتون مكناس.
135
مراجع متخصصة في الموضوع
محمود محمود مصطفى " :االثبات في المواد الجنائية" ،القاهرة ،مطبعة جامعة القاهرة ،سنة
.1911
فوزية عبد الستار " :شرح قانون االجراءات الجنائية" ،دار النهضة العربية ،الطبعة االولى ،لسنة
.1977
أحمد الخمليشي" :شرح قانون المسطرة الجنائية" ،الجزء األول ،الطبعة األولى ،1980مكتبة
المعارف ،الرباط.
معجم اللغة العربية ،المعجم الوسيط ،مصر ،الجزء األول ،الطبعة الثالثة ،لسنة .1985
أحمد بن دخيل هللا الردادي :م األمنية ،المركز العربي للدراسات األمنية والتدريب ،الرياض
.1989
أحمد فتحي سرور" :الجرائم الضريبية" ،دار النهضة العربية ،الطبعة االولى ،لسنة .1990
أحمد شوقي عمر أبو خطوة" :المساواة في القانون الجنائي ،دراسة مقارنة " القاهرة دار النهضة
العربية ،سنة .1991
العميد السيد المهدي :مسرح الجريمة وداللته في تحديد شخصية الجاني ،دار النشر بالمركز العربي
للدراسات األمنية والتدريب الرياض ،لسنة .1993
أحمد عوض بالل " :قاعدة استبعاد األدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة في اإلجراءات الجنائية
المقارنة" ،الطبعة االولى ،1994دار النهضة العربية ،القاهرة.
أحمد مرسي " :الحاسوب والقانون" ،مؤسسة الكويت التقدم العلمي ،إدارة التأليف الترجمة والنشر،
الطبعة األولى .1995
محمد مؤنس محب الدين" :شرح قانون االجراءات الجنائية -االثبات الجنائي" ،مكتبة االنجلو
مصرية ،مصر لسنة .1995
رمسيس بنهنام" :الجريمة والمجرم في الواقع الكوني" طبعة ،1996- 1995منشأة المعارف
االسكندرية ،مصر.
عبد الحكيم فوده" :حجية الدليل الفني في المواد الجنائية والمدنية" ،مصر ،دار الفكر الجامعي،
االسكندرية ،سنة .1996
رضا عبد الحليم عبد المجيد" :الحماية القانونية للجين البشري – االستنساخ وتداعياته" ،دار
النهضة العربية ،لسنة .1998
136
عبد الواحد العلمي" :شرح قانون المسطرة الجنائية" ،الجزء الثاني في "التحقيق اإلعدادي
والمحاكمة" طبعة جديدة ،لسنة ،2000نظيم القضاء الجنائي -االختصاص -اجراءات المحاكمة
-وسائل االثبات.
أحمد أبو الروس" :المتهم" المكتب الجامعي الحديث اإلسكندرية ،الطبعة غير مذكورة ،السنة
.2003
مروك نصر الدين" :الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن
والشريعة االسالمية" ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،الجزائر ،دار هومة للطباعة والنشر ،الديوان
الوطني ألشغال التربوية ،سنة " ، 2003محاضرات في اإلثبات الجنائي" ،الجزء األول" ،النظرية
العامة في االثبات".
ممدوح عبد الحميد عبد المطلب" :استخدام برتوكول تي سي بي في بحث وتحقيق الجرائم"،
المؤتمر العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات اإللكترونية ،مركز البحوث
والدراسات ،تاريخ .2003/04/29
ابو الوفاء محمد ابو الوفاء ابراهيم " :المطالبة بقيمة الشيك امام القضاء االستعجالي" دراسة
تأصيلية تحليلية في القانون المقارن والفقه االسالمي ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية القاهرة،
سنة .2003
عفيفي كامل عفيفي " :جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنفات الفنية ودور الشرطة والقانون
" ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،2003منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت.
محمد شكيري" :القانون الضريبي المقارن" ،دراسة تحليلية ونقدية ،منشورات المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،العدد ،49السنة .2004
الحبيب بيهي" :شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" ،الجزء األول ،البحث في الجرائم والتثبت
منها البحث التمهيدي ،التحقيق االعدادي ،االثبات الجنائي ،الطبعة األولى ،2004الرباط أكدال.
السيد عتيق " :التفاوض على االعتراف" ،في قانون االجراءات الفرنسي في ضوء أحدث
التعديالت ،دراسة مقارنة ،الناشر دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة .2005
قدري عبد الفتاح الشهاوي" :حجية االعتراف كدليل إدانة" ،االسكندرية (مصر) ،منشاة المعارف
.2005
ممدوح عبد الحميد عبد المطلب" :أدلة الصور الرقمية في الجرائم عبر الكمبيوتر" ،مركز شرطة
دبي ،سنة .2005
137
سناء الوزيري" :السياسة الجنائية في ميدان الشركات التجارية "كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية الرباط ،بسنة .2006 – 2005
الحبيب بيهي" :شرح قانون المسطرة المدنية الجديد" الجزء األول ،سلسلة أعمال جامعية من
منشورات المجلة المغربية اإلدارة المحلية والتنمية ،الطبعة األولى 2006م.
ممدوح عبد الحميد عبد المطلب" :البحث والتحقيق الجنائي في جرائم الكمبيوتر واالنترنت" ،دار
الكتب الوطنية ،مصر ،سنة .2006
أحسن بوسقيعة" :التحقيق القضائي" ،الطبعة السادسة ،دار هومة ،الجزائر.2006 ،
سامي علي حامد عياد " :الجريمة المعلوماتية وإجرام األنترنيت" ،اإلسكندرية ،دار الفكر العربي،
الطبعة األولى ،لسنة .2007
هاللي عبد االه أحمد" :حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية -دراسة مقارنة" ،القاهرة،
جامعة أسيوط ،النشر الذهبي للطباعة ،لسنة ،1999دار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،تاريخ
النشر.2008
محمد ابريكي :المفيد في المصطلحات الجنائية ،مطبعة شمس ،الرباط ،الطبعة األولى ،لسنة
.2008
عبد االله معزوزي " :الحماية القانوني للشيك في التشريع المغربي" الطبعة األولى ،دار النشر،
الدار البيضاء المغرب.2008 ،
عبد الفتاح بيومي حجازي" :الدليل الرقمي والتزوير في جرائم الكمبيوتر واالنترنت" ،دراسة
معمقة في جرائم الحاسب اآللي واالنترنت ،بهجات للطباعة والتجليد ،مصر ،سنة .2009
عبد هللا أوهابية" :شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري" ،الجزائر ،دار هومة عين مليلة
.2009
ياسراألمير فاروق" :مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية" ،الطبعة األولى ،مصر
دار المطبوعات الجامعية ،لسنة .2009
فضيل العيش" :شرح قانون االجراءات الجزائية بين النظري والعلمي" ،الجزائر ،دار البدر.
محمد حماد الهيتي" :التحقيق الجنائي واألدلة الجرمية" ،الطبعة األولى ،عمان دار المناهج للنشر
والتوزيع ،سنة .2010
عبد الرحمان خلفي" :محاضرات في قانون اإلجراءات الجزائية" ،الجزائر دار الهدى ،سنة
.2010
138
نجاة الحافظي :محاضرات في "النظرية العامة للقانون الجنائي" السداسي الثاني ،كلية الحقوق
بسطات السنة الجامعية .2011\2010
جمال نجيمي" :إثبات الجريمة في ضوء االجتهاد القضائي" ،دار هومة ،الجزائر ،طبعة 2001
لسنة .2011
عمر العسرى" :الحماية الجنائية للمتعاملين بالبورصة" سلسلة ندوات محكمة االستئناف بالرباط،
االقتصاد الخفي والجرائم المالية ودورها في اعاقة التنمية ،أوجه الوقاية والمكافحة ،العدد ،6السنة
.2012
ادريس النوازلي " :اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" ،المطبعة والوراقة الوطنية،
مراكش ،الجزء األول ،الطبعة األولى والثاني ،سنة .2014
كريم لحرش :شرح القانون الضريبي المغربي (وفقا لمستجدات قانون مالية ،)2014سلسة
الالمركزية واإلدارة الترابية ،العدد ،23مطبعة طوب بريس ،الطبعة الثانية.2014 ،
أحمد يوسف الطحاوي ،األدلة اإللكترونية في اإلثبات الجنائي دراسة مقارنة ،طبعة دار النهضة
انوار احمد الغزي" :جريمة التهريب الجمركي (دراسة مقارنة)" ،طبعة أولى ،دار الكتاب الجامعي
للنشر والتوزيع بالرياض 1438ه ،لسنة .2017
عبد الواحد العلمي :أستاذ القانون الجنائي "شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية"،
الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،2018الدار البيضاء.
عابد العمراني – امحمد أقبلي" :القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح" الطبعة األولى،
لسنة .2020
األطروحات
سامي صادق المال " :اعتراف المتهم" ،رسالة دكتوراه ،جامعة عين شمس ،الناشر ،دار الف كر
العربي مصر ،الطبعة االولى سنة ،1968الطبعة الثانية .1975
أبو بكر األنصاري" :الحماية الجنائية للمستهلك" دراسة مقارنة بين القانون المغربي والقانون
الليبي ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق الدار
البيضاء ،الموسم الجامعي .1997-1996
139
الصديق جعوان " :اشكالية التهرب الضريبي في المغرب" أطروحة الدكتوراه في الحقوق ،شعبة
القانون الخاص ،مادة قانون االعمال ،جامعة محمد الخامس ،كلية الحقوق أكدال ،الرباط ،الموسم الجامعي
.2002-2001
عبد الرحيم حريكز" :إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب " ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق،
وحدة التكوين والبحث في المالية العامة ،جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء.2004/2003 ،
هدى حامد قشقوش " :جرائم الحاسب اإللكتروني في التشريع المقارن" ،البحث حاصل على جائزة
البحوث الممتازة لجامعة عين شمس القاهرة ،دار النهضة العربية ،1992 ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
عمان الطبعة .2006
العيد سعادنة :اإلثبات في المادة الجمركية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة باتنة /الجزائر ،الموسم الجامعي .2006
موالي عبد الرحمان أبليال" :اإلثبات في المادة الجبائية من القواعد العامة وخصوصيات المادة"،
أطروحة لنيل الدكتوراه ،جامعة القاضي عياض ،مراكش ،السنة .2007 – 2006
يونس العياشي" :المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية
والعمل القضائي" ،مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ،بحث نهاية التدريب للملحقين
القضائيين سنة .2012
الزربوح هشام " :خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب" ،أطروحة الدكتورة في الحقوق،
جامعة المولى إسماعيل ،مكناس ،السنة الجامعية .2013/2014
ياسين عزاوي " :التقنيات الحديثة في المسرح الجريمة وتأثيرها على اإلثبات الجنائي" – دراسة
مقارنة تقنية بأبعادها القانونية-أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول ،كلية
الحقوق وجدة ،السنة الجامعي.2015-2014 :
رشيد بن فريحة" :خصوصية التجريم والعقاب في القانون الجنائي لألعمال ،جرائم الشركات
التجارية نموذجا" ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم – تخصص قانون خاص ،تحت اشراف
الدكتور شكري قلفاط ،جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان ،كلية الحقوق قسم القانون الخاص ،سنة
.2017/2016
140
الرسائل
كوثر أحمد خالند“ :اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية -دراسة تحليلية مقارنة” ،رسالة ماجستير
مقدمة كجزء من متطلبات نيل الماجستير في القانون ،جامعة صالح الدين ،مكتب التفسير للنشر واإلعالن،
أربيل ،الطبعة األولى2007 ،
فيصل مساعد العنزي" :أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان-دراسة تأصيلية
مقارنة تطبيقية " ،بحث مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العدالة الجنائية ،جامعة
نايف العربية للعلوم األمنية ،كلية الدراسات العليا ،قسم العدالة الجنائية ،تخصص :التشريع الجنائي
اإلسالمي.2007 ،
معاذ بن حدو ":االثبات في جرائم المخدرات" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
جامعة محمد األول ،كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية .2008-2007
بالحاج عبد هللا" :الوسائل الحديثة في االثبات الجنائي" ،رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون
الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية .2009-2008
حفيظ وباسو" :الجرائم الضريبية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة موالي
اسماعيل ،كلية الحقوق مكناس ،سنة .2010-2009
حفيظ وباسو" :الجرائم الضريبية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة موالس
اسماعيل ،كلية الحقوق مكناس ،سنة .2010-2009
سيدي محمد ليشير :دور الدليل الرقمي في إثبات الجرائم المعلوماتية ،دراسة تحليلية وتطبيقية
رسالة الماجستير في العلوم الشرطية تخصص التحقيق والبحث الجنائي كلية الدراسات العليا
بجامعة نايف العربية للعلوم األمنية الرياض لسنة .2010
توفيق سلطاني" :حجية البصمة الوراثية في اإلثبات" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في
العلوم القانونية ،تخصص علوم جنائية ،جامعة الحاج لخضر – باتنة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم
العلوم القانونية ،السنة الجامعية .2011-2010
رؤوف عبيد" :ضوابط تسبيب األحكام الجنائية وأوامر التصرف في التحقيق" ،مصر دار الجيل
للطباعة ،سنة ،1986ص 519نقال عن بلولهي مراد" :الحدود القانونية السلطة القاضي الجزائي في
تقدير األدلة" ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الجنائي ،جامعة الحاج لخضر ،باتنة2010 ،
،2011،ص .128
د عباس عيسى :الشرطة التقنية والعلمية ،مذكرة نهاية دراسته ،دورة ضباط الشرطة القضائية،
سنة .2011 – 2010
141
جزاء غازي العصيمي العمري" :إسهام البحث الجنائي في الكشف عن الجرائم المقيدة ضد
مجهول" ،رسالة ماجستير ،أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية-الرياض ،الطبعة األولى.2002 ،
امال عبد الرحمن يوسف حسن" :األدلة العلمية الحديثة ودورها في االثبات الجنائي" ،رسالة
ماجستير تحت اشراف األستاذ الدكتور محمد الجبور ،جامعة الشرق األوسط ،كلية الحقوق ،قسم القانون
العام ،األردن ،سنة .2012/2011
عبد هللا ادعول ":الدليل االلكتروني في اإلثبات الجنائي "رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص ،جامعة قاضي عياض ،كلية الحقوق بمراكش ،السنة الجامعية .2012/2011
عقيلة بن الغة" :حجية أدلة اإلثبات الجنائية الحديثة" ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير-فرع القانون
الجنائي والعلوم الجنائية ،جامعة الجزائر ،كلية الحقوق ،بن عكنون ،السنة الجامعية .2012-2011
حسن بن محسن القرشي الزهراني" :الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها ف ي
المملكة العربية السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجالت القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر
الجزائية بديوان المظالم" ،بحث مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في تخصص
التشريع الجنائي اإلسالمي ،أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية ،معهد الدراسات العليا ،قسم العدالة
الجنائية ،تخصص التشريع الجنائي اإلسالمي ،الرياض1421 ،ه.
بلولهي مراد" :الحدود القانونية لسلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة" ،مذكرة ماجستير غير
منشورة ،جامعة الحاج لخضر ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،لسنة .2011
وائل بن عبد الرحمن الثنيان و ناصر الجوفان (مشرف)" :وسائل التحقيق المستحدثة واثرها في
االثبات الجنائي في مرحلتي االستدالل والتحقيق االبتدائي- ،دراسة مقارنة ،"-الرياض ،رسالة ماجستير،
جامعة االمام محمد بن سعود االسالمية ،المملكة العربية السعودية ،مكتبة المعهد العالي للقضاء ،لسنة
1424ه.
الحسن الطيب عبد السالم األسمر الحضيري " :االثبات الجنائي بالوسائل العلمية الحديثة ،دراسة
مقارنة بين القانون الجنائي الليبي والفقه المعاصر" ،رسالة الماجيستير ،رقم التسجيل ،14751014قسم
الشريعة والقانون ،كلية الدراسات العليا ،جامعة موالنا مالك ابراهيم االسالمية الحكومية ماالنج ،سنة
.2016/2017
قن ونـة فاطمة الزهراء" :الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" ،مذكرة نهاية الدراسة لنيل شهادة
الماستر ،جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم القانون الخاص،
نوقشت في تاريخ .2020/09/02
142
حمزة نجاة :معاينة مسرح الجريمة ودوره في الكشف عن الحقيقة ،مذكرة لنيل شهادة الماستر في
القانون الجنائي ،جامعة البويرة ،الجزائر.
عماد بولحبال" :دراسة قانونية عن قياس الظواهر االجرامية طبقا ً لإلحصائيات الجنائية " ،طالب
باحث بسلك الماستر ،تخصص القانون الجنائي و التعاون الجنائي الدولي ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية
و االجتماعية مكناس.
المقاالت
محمد سيد أحمد :حول "اشكالية االزدواجية شمال/جنوب" ،ورقة عمل قدمت الى الحلقة النقاش
للمركز العربي لبحوث التنمية المستقلة المنعقدة في القاهرة ،لسنة .1998
عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي" :اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون
العمومية" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،22السنة .2000
جبارة عمرو شوقي" :االقتناع الشخصي للقضاة على محك قانون الجمارك" ،مجلة المحكمة العليا،
عدد خاص ،الجزء الثاني.2002 ،
علي محمود :األدلة المتحصلة من الوسائل اإللكترونية غي إطار نظرية اإلثبات الجنائي ،المؤتمر
العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات اإللكترونية ،اإلمارات العربية المتحدة،
لسنة .2003
ممدوح عبد الحميد عبد المطلب وزبيدة محمد قاسم و عبد هللا عبد العزيز أنموذج مقترح "لقواعد
اعتماد الدليل الرقمي لإلثبات في جرائم الكمبيوتر" ،منشور ضمن أعمال مؤتمر "األعمال المصرفية
وااللكترونية" ،نظمته كلية الشريعة والقانون بجامعة اإلمارات العربية المتحدة وغرفة تجارة وصناعة
دبي ،في الفترة من ،2003 5/12-10المجلد الخامس.
علي محمود علي حمودة" :األدلة المتحصلة من الوسائل االلكترونية في أطار نظرية اإلثبات
الجنائي" ،مقدم ضمن أعمال المؤتمر العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات االلكترونية
ونظمته أكاديمية شرطة دبي ،في الفترة من 4-26إلى -2003-4-48دبي.
اإلثبات الجنائي والمستجدات العلمية ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون المقارن ،عدد ،40لسنة
.2003
فنينخ عبد القادر " :جنحة استعمال أموال الشركات التجارية في التشريع الجزائري" ،مقال منشور
بمجلة المؤسسة والتجارة عدد 1سنة .2005
143
عبد المجيد غميجة" :دور العدالة الجنائية في ميدان االعمال واالقتصاد ،المقاولة والسياسة الجنائية
" أشغال الندوة التي تضمنتها وزارة العدل بمكناس أيام 11-10-9دجنبر ،2004المجلد الثاني ،الطبعة
االولى ،منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية ،سلسلة الندوات وااليام الدراسية ،العدد
الرابع ،سنة .2005
لحسن بيهي " :الدليل العلمي ودوره في تكوين اقتناع القاضي الجنائي" ،سلسلة رسائل نهائية
تدريب الملحقين القضائيين ،مجلة الملحق القضائي العدد األول ،يناير .2007
ابراهيم أحمد عثمان " ،مدى شرعية استعمال جهاز كشف الكذب في التحقيق ودوره في اثبات
التهم" ،المجلد ،10العدد 30( 23إبريل/نيسان .)2008
هيكل أحمد عثمان" :جرائم رجال األعمال المالية والتجارية" ،الندوة العلمية المنعقدة حول جرائم
رجال األعمال المالية والتجارية ،المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية ،بيروت – لبنان،
سنة .2012
محمد المقريني" :جريمة التهرب الضريبي" ،مجلة الملف ،العدد 21أكتوبر .2013
محمد لفريخي" :االقتصاد والحماية الجنائية" ،مجلة العلوم الجنائية ،الطبعة ،2014العدد األول.
العربي البوبكري" :تجريم اإلثراء غير المشروع مرتكز أساسي لمكافحة الفساد المالي بالمغرب"
مقال منشور بالمجلة المغربية للقانون الجنائي والعلوم الجنائية ،العدد الثاني ،السنة .2015
الناجم كوبان" :سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في
إطار نظرية اإلثبات الجنائي" ،مقال منشور بمجلة العلوم الجنائية ،العدد الرابع ،الطبعة .2017
خالد مصطفى الجسمي" :االثبات الجنائي باألدلة الرقمية" ،مجلة القانون المغربي ،العدد ،34في
مارس .2017
محمد العروصي" :المختصر في التحقيق اإلعدادي ووسائل اإلثبات" ،مكتبة الوراقة بالرباط ،العدد
دون ذكر السنة.
مقال أنس بوزفور "القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية في التشريع المغربي" ،المنشور إلكترونيا
في موقع "مجلة القانون واألعمال الدولية".
بن زرفة هوارية " :العولمة وتأثيرها على الجريمة والعقاب" ،المركز الجامعي أحمد زبانة
غليزان ،النشر على الخط ،15/06/2021مجلد 25عدد 56السنة .2021
144
القوانين والقرارات
القوانين
ظهير شريف رقم 1.59.413صادر في 28من جمادى الثانية 26( 1382نونير،)1962
منشور بالجريدة الرسمية عدد 2640مكرر بتاريخ 12محرم 5( 1383يونيو )1963بالمصادقة على
مجموعة القانون الجنائي.
ظهير شريف رقم 1.02.255صادر في 25من رجب 3( 1423أكتوبر )2002بتنفيذ القانون
رقم 22.01المتعلق بالمسطرة الجنائية ،الجريدة الرسمية عدد 5078بتاريخ 27ذي القعدة 30( 1424
يناير.)2003
قانون المسطرة الجنائية الفرنسي رقم 2000 /516الصادر بتاريخ 15يونيو 2000الذي دخل
حيز التنفيذ منذ أول من يناير سنة ،2001كما عدل بالقانون رقم 239-2003الصادر بتاريخ 18مارس
.2003
ظهير شريف رقم 1.07.79صادر في 28من ربيع األول 17( 1428أبريل )2007بتنفيذ
القانون رقم 43.05المتعلق بمكافحة غسل األموال.
مرسوم تطبيق القانون رقم 08.31القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك المنشور في الجريدة
الرسمية رقم 5932بتاريخ 7أبريل ،2011إلى تحديد كيفيات تطبيق هذا القانون فيما يتعلق بإعالم
المستهلك والممارسات التجارية والضمان التعاقدي والخدمة بعد البيع واالستدانة وجمعيات حماية
المستهلكين ومسطرة البحث عن المخالفات وإثباتها.
ظهير شريف رقم 1.83.108صادر في 9محرم 5( 1405أكتوبر )1984بتنفيذ القانون رقم
13.83المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع.
مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم
1.77.339بتاريخ 25شوال (9 1397أكتوبر )1977كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص
بمقتضى القانون رقم 99.02المصادق عليه بالظهير رقم 222-00-1بتاريخ 2ربيع األول 5 ،1421
يونيو .2000
ظهير شريف رقم 1-96-83صادر في 15من ربيع األول 1417بتنفيذ القانون رقم 15-95
المتعلق بمدونة التجارة (الجريدة الرسمية ،بتاريخ 19جمادى األولى 3- 1417أكتوبر .)1996
قانون رقم 9.88بمثابة قانون للمحاسبة التجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 92.138.1
بتاريخ ،1992/12/25جريدة الرسمية عدد 4183تاريخ النشر .1992/12/30
بروتوكوالت اإلنتربول في عام .1984
145
القرارات
قرار رقم 7931في 1983/12/5مجلة القضاء والمجلس األعلى عدد 35و 36م .219
قرار رقم 4/6213في 1997/11/26مجلة قضاء المجلس األعلى عدد 53و 54م .406
قرار رقم 5977في 1990/6/28مجلة القضاء.
قرار المجلس االعلى عدد 280/20المؤرخ في ،2005/01/19ملف جنحي عدد
،04/23297مجلة قضاء المجلس االعلى ،عدد ،67يناير .2007
قرار عدد 8178ملف جنحي رقم 12879وتاريخ 1983/ 12/ 12ق.م.أ ،عدد .255
قرار زجري رقم ملفه 9128عدد 91 /27457صدر عنه بتاريخ 24 /9 /27مأخوذ من
كتاب" :دليل القاضي في العمل القضائي المدني" للدكتور عمر بوحموش الطبعة .2001
قرار عدد 2/624بتاريخ 2003/06/11في الملف الجنحي عدد ،2000/10884منشور
بمجلة العدد التاسع ،نونبر .2006
تقرير لجنة حقوق االنسان في حق الفرد في عدم التعسف في القبض عليه أو حبسه أو نفيه المؤرخ
في 5يناير .1962
أنظر حكم محكمة لكسمبورغ في 1955/11/30مجلة قانون العقوبات وعلم االجرام ،سنة
.1956
146
القر ار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث بالمحكمة العليا ملف رقم 140302
قرار مؤرخ في 12مارس ،1996غير منشور -القرار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث
بالمحكمة العليا ملف رقم 141061قرار مؤرخ في 30ديسمبر ،1996غير منشور.
حكم محكمة النقض المصرية عدد 18صادر بتاريخ مارس ،1979مجلس أحكام النقض ،س
30ق .75
حكم ابتدائي عدد 4صادر بتاريخ ،2012/01/02في الملف الجنحي التلبسي عدد
، 11/2103/3823عن المحكمة االبتدائية بمراكش ،حكم غير منشور ،أورده عبد هللا ادعول.
حكم ابتدائي عدد ،907صادر بتاريخ ،2011/01/28في الملف الجنحي التلبسي عدد:
11/10/68عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،حكم غير منشور ،أورده عبد هللا ادعول.
القرار الجنائي عدد 49الصادر في 19نونبر ،1970منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى،
العدد 20لسنة .1970
قرار المجلس األعلى عدد 8/474المؤرخ في ،2001/01/25ملف جنحي عدد،00/7908 :
منشور بمجلة المجلس األعلى ،العدد المزدوج 57و ،58لسنة .2001
قرار جنائي عدد 9بتاريخ 19نونبر .1970أشار إليه :الناجم كوبان.
حكم ابتدائي عدد ،6072صادر بتاريخ ،2010/07/15في الملف الجنحي التلبسي عدد
10/5071عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،حكم غير منشور ،أورده عبد هللا ادعول.
قرار عدد 3270 :صادر بتاريخ 2012/11/1في الملف الجنائي عدد،2006/6/21023 :
أشار إليه :عماد بولحبال.
مواقع االنترنيت
الوسائل الحديثة لإلثبات الجنائي على ضوء القانون المغربي ،األحد 13يناير 2019على
الساعة ،11:40أنظر الموقعhttps://alhoriyatmaroc.yoo7.com/t2540-topic :
إدريسي سكينة" :مفهوم القانون الجنائي لألعمال" باحثة طالبة بسلك الماستر بكلية العلوم
االقتصادية والقانونية طنجة .أنظر الموقع:
/مفهوم-القانون-الجنائي-لألعمال/https://www.droitetentreprise.com/
مصطفى معتبر باحث في القانون الخاص" :وسائل اإلثبات والقيود الواردة على سلطة القاضي
الجنائي في تقدير األدلة" ،كلية الحقوق طنجة ،بتاريخ 26يوليو .2020أنظر الموقع:
https://www.alouatan24.com/?p=60910
147
الموقع االلكتروني https://www.interpol.int/ar/2/5/4بتاريخ .2021
خالد ممدوح إبراهيم" :الدليل االلكتروني في جرائم المعلوماتية" ،بحث منشور على االنترنت،
زيارة الموقع سنة 2021وهوhttp://www.f-law.net :
راشد بن حمد البلوشي" :الدليل في الجريمة المعلوماتية" ،بحث مقدم للمؤتمر الدولي األول حول
حماية المعلومات والخصوصية في قانون االنترنت ،القترة / 4-2يونيو ،2008منشور على االنترنت.
http://www.f-law.net
محمد زروق" :حجية الدليل اإللكتروني ومشروعيته أمام القاضي الجنائي" ،باحث في القانون
الموقع: أنظر ،2018 يونيو 1 بتاريخ واألعمال، القانون مجلة الخاص،
https://www.droitetentreprise.com.
المحامي خالد هالل يكتب "المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية اإلجرائية" ،زيارة الموقع سنة 2021
في شهر شتنبر ،أنظر الموقع http://www.assahraa.ma/web/2020/148794
اطراسي محمد الصديق" :مدخل لدراسة القانون الجنائي لألعمال" ،مجلة القانون واألعمال ،باحث
بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق ،جامعة الحسن األول ،تاريخ االطالع 2022/01/06على الموقع
/مدخل-لدراسة-القانون-الجنائي-لألعمال/https://www.droitetentreprise.com/
1990.
Chekraoui Hassania: «droit Pénal des Affaires (l’entreprise
commerciale) » 1 edi, Imprimerie Najah El Jadida, Casablanca 2003.
Wilfrid Jean Didier : « Droit Pénal des Affaires » Dalloz 2eme édition,
Paris.
Frederie Jean Pansier : « Que sais-je ? Le droit pénal des affaires »,
148
assises nationales ; organisé par le ministre de justice ; Meknès 9-10-11
décembre 2004 ; éd 2004.
Jean Marie Robert: « le droit pénal des affaires- que sais-j e », 1ere
2011.
Dahmani drifa: «Le commissaire aux comptes », étude de droit
149
فهرس
الئحة المختصرات 3 --------------------------------------------------------------------------
الفصل األول :المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال 16 ---------------------------------------------
المبحث األول :اإلطار النظري لالثبات في جرائم األعمال 18 -----------------------------------------------------
المطلب األول :ماهية االثبات الجنائي 19 -----------------------------------------------------------------------
الفقرة األولى :أنماط االثبات في المجال الجنائي 20 ---------------------------------------------------------------
أوال :التطور التاريخي لإلثبات الجنائي 20 ----------------------------------------------------------------------
أ-مرحلة اإلثبات الخرافي 20 ---------------------------------------------------------------------------------
ب-مرحلة اإلثبات القانوني 21 ---------------------------------------------------------------------------------
ت-مرحلة اإلثبات الوجداني أو القائم على حرية االقتناع 21 -------------------------------------------------------
ث-مرحلة االثبات العملي وهي مرحلة لم تكتمل معالمها بعد 23 ----------------------------------------------------
ثانيا :نظم اإلثبات في المادة الجنائية 23 -------------------------------------------------------------------------
أ-نظام األدلة القانونية 24 ------------------------------------------------------------------------------------
ب-نظام اإلثبات الحر 24 -------------------------------------------------------------------------------------
ت-نظام اإلثبات المختلط 25 -----------------------------------------------------------------------------------
ث-موقف المشرع المغربي 26 --------------------------------------------------------------------------------
الفقرة الثانية :القواعد القانونية لالثبات الجنائي 26 ----------------------------------------------------------------
أوال :نطاق الحق في اللجوء لوسائل اإلثبات المختلفة27 ---------------------------------------------------------- .
أ-نطاق الحق في قانون المسطرة الجنائية 27 -------------------------------------------------------------------
ب-التلطيف من عمومية مبدأ الحرية في اإلثبات في القانون الجنائي 28 ---------------------------------------------
ثانيا :عبء اإلثبات في المادة الجنائية 29 ------------------------------------------------------------------------
أ-وقوع عبئ االثبات على عاتق النيابة العامة 29 ----------------------------------------------------------------
ب-تفسير الشك لمصلحة المتهم 30 -----------------------------------------------------------------------------
المطلب الثاني :خصوصية االثبات في بعض جرائم األعمال على ضوء القوانين الخاصة 31 --------------------------
الفقرة األولى :االثبات في الجرائم الجمركية 32 ------------------------------------------------------------------
أوال :حجية االثبات القانونی للقرائن في الجريمة الجمركية 32 -----------------------------------------------------
ثانيا :المحاضر كﺂلية الثبات الجرائم الجمركية 34 ----------------------------------------------------------------
الفقرة الثانية :االثبات في جرائم التهرب الضريبي على ضوء القانون الجنائي والقوانين الخاصة 36 --------------------
أوال :ماهية التهرب الضريبي والغش الضريبي 37 ---------------------------------------------------------------
ثانيا :اإلثبات في الجرائم الضريبية 38 --------------------------------------------------------------------------
أ-معايير توزيع عبئ اإلثبات الجنائي في المادة الجبائية 38 -------------------------------------------------------
ب-األشخاص المعنيين باالثبات 39 ----------------------------------------------------------------------------
المبحث الثاني :االثبات في جرائم األعمال بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة 41 ---------------------------------
المطلب األول :اإلثبات الجنائي عن طريق الوسائل التقليدية 42 ----------------------------------------------------
الفقرة األولى :األدلة ذات القوة المطلقة وذات القوة المحدودة 42 ----------------------------------------------------
أوال :األدلة ذات القوة المطلقة كاالعتراف نموذجا 43 -------------------------------------------------------------
أ-القواعد العامة لالعتراف 43 --------------------------------------------------------------------------------
ب-االعتراف كوسيلة اثبات في جرائم األعمال 45 ---------------------------------------------------------------
ثانيا :األدلة ذات القوة المحدودة كشهادة الشهود 46 ---------------------------------------------------------------
أ-القواعد العامة لشهادة الشهود 46 ----------------------------------------------------------------------------
ب-شهادة الشهود كوسيلة اثبات في جرائم األعمال 47 ------------------------------------------------------------
الفقرة الثانية :األدلة المقبولة من المحكمة (الخبرة والمعاينة) 48 ----------------------------------------------------
150
أوال :الخبرة 48 ----------------------------------------------------------------------------------------------
أ-القواعد العامة للخبرة كوسيلة اثبات 48 -----------------------------------------------------------------------
ب-طرق اللجوء إلى الخبرة 49 --------------------------------------------------------------------------------
ثانيا :المعاينة 51 ---------------------------------------------------------------------------------------------
أ-القواعد العامة للمعاينة كوسيلة اثبات 51 ----------------------------------------------------------------------
ب-المعاينة في جرائم األعمال 53 ------------------------------------------------------------------------------
المطلب الثاني :اإلثبات الجنائي بالوسائل الحديثة أو العلمية في جرائم األعمال 54 ------------------------------------
الفقرة األولى :االثبات عن طريق الوسائل التقنية ألجهزة التسجيل والمراقبة 55 --------------------------------------
أوال :التقاط المكالمات الهاتفية 55 ------------------------------------------------------------------------------
أ-مفهوم التقاط المكالمات في القانون 55 -----------------------------------------------------------------------
ب-الجهات الموكول اليها حق االمر بالتقاط المكالمات 56 ---------------------------------------------------------
ت-اجراءات التقاط المكالمات 57 ------------------------------------------------------------------------------
ث-على مستوى جرائم األعمال 58 -----------------------------------------------------------------------------
ثانيا :االثبات بوسائل الطب الشرعي الحديث 60 -----------------------------------------------------------------
أ-البصمة الوراثية 60 -------------------------------------------------------------------------------------
ب-بصمات األصابع 63 -------------------------------------------------------------------------------------
الفقرة الثانية :البصمات المتطورة 65 ---------------------------------------------------------------------------
أوال :االثبات بواسطة تحديد سمات الوجه 65 --------------------------------------------------------------------
ثانيا :بصمة العرق أحد مصادر الرائحة 67 ----------------------------------------------------------------------
ثالثا :بصمة الصوت 67 --------------------------------------------------------------------------------------
رابعا :بصمة األذن 68 ----------------------------------------------------------------------------------------
خامسا :بصمة العين 69 ---------------------------------------------------------------------------------------
سادسا :بصمة الشفاه 69 --------------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني :حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم األعمال 72 ----------------------
المبحث األول :األساس القانوني الستخدام الوسائل العلمية الحديثة في مجال األعمال 74 ------------------------------
المطلب األول :مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال 76 ------------------------------------------------
الفقرة األولى :إسناد الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال 77 -----------------------------------------------------
أوال :مفهوم اإلسناد 77 ---------------------------------------------------------------------------------------
ثانيا :أصول إسناد الدليل العلمي 77 ----------------------------------------------------------------------------
ثالثا :اسناد الدليل العلمي في جرائم األعمال 78 ------------------------------------------------------------------
الفقرة الثانية :مشروعية الدليل العلمي في التشريعات 80 ---------------------------------------------------------
أوال :في القانون المغربي 81 ----------------------------------------------------------------------------------
ثانيا :في القوانين المقارنة 82 ----------------------------------------------------------------------------------
ثالثا :جزاء اإلخالل بمبدأ مشروعية الدليل العلمي 83 -------------------------------------------------------------
المطلب الثاني :تأثيرات العولمة على التقنيات الحديثة في مجال األعمال 84 -----------------------------------------
الفقرة األولى :التقنيات العلمية الحديثة الثبات الحقيقة 84 ----------------------------------------------------------
أوال :حجية االعتراف كوسيلة اثبات بالعقاقير المخدرة 84 ---------------------------------------------------------
ثانيا :قياس التغييرات الفسيولوجية (جهاز كشف الكذب) 86 -------------------------------------------------------
ثالثا :التنويم المغناطيسي88 ----------------------------------------------------------------------- HYPONSIS
الفقرة الثانية :االثبات الحديث في الجرائم االلكترونية في مجال األعمال 89 -----------------------------------------
أوال :إثبات الجريمة اإللكترونية المستحدثة 90 ------------------------------------------------------------------
ثانيا :آليات الحصول على األدلة الرقمية الثبات الجرائم االلكترونية 92 ---------------------------------------------
المبحث الثاني :مالئمة نظرية االثبات الجنائي الحديث لجرائم لألعمال 94 -------------------------------------------
151
المطلب األول :أثر الشرعية االجرائية للوسائل الحديثة أمام القضاء الجنائي 95 --------------------------------------
الفقرة األولى :اإلجراءات التي تبرز فيها استخدام وسائل التقنية الحديثة96 ----------------------------------------- .
أوال :مرحلة االستدالل في البحث والتحري 96 -------------------------------------------------------------------
ثانيا :مرحلة التحقيق 97 --------------------------------------------------------------------------------------
ثالثا :مرحلة المحاكمة 98 -------------------------------------------------------------------------------------
الفقرة الثانية :حجية الدليل المستمد من الوسائل العلمية أمام القضاء الجنائي 98 ---------------------------------------
أوال :حرية القاضي الجنائي في االقتناع 99 ----------------------------------------------------------------------
أ-الضوابط التي تخضع لها األدلة القانونية في اإلجراءات المسطرية 99 --------------------------------------------
ب-الضوابط التي تخضع لها اقتناع القاضي 101 ----------------------------------------------------------------
ثانيا :القيود الواردة على حرية القاضي الجنائي في االقتناع واألساس القانوني لرقابة معقولية اقتناعه 104 --------------
أ-القيود الواردة على حرية القاضي الجنائي في االقتناع 104 -----------------------------------------------------
ب-األساس القانوني لرقابة معقولية اقتناع القاضي 107 ----------------------------------------------------------
المطلب الثاني :التوجهات الحديثة التي تواجه االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالدليل الرقمي 109 ---------------------
الفقرة األولى :مدى كفاية قواعد االثبات الجنائية للحصول على الدليل الرقمي 110 -----------------------------------
أوال :مدى مالءمة قواعد قانون المسطرة الجنائية مع متطلبات الحصول على الدليل الرقمي 110 ----------------------
أ-الدليل الرقمي في قانون المسطرة الجنائية المغربية 110 -------------------------------------------------------
ب-أنواع الدليل الرقمي وأشكاله 112 --------------------------------------------------------------------------
ثانيا :مدى استجابة مشروع قانون المسطرة الجنائية لمتطلبات الحصول على الدليل الرقمي 115 ----------------------
الفقرة الثانية :نطاق العمل بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي 116 -----------------------------------------------
أوال :اثبات الجرائم بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي 117 -----------------------------------------------------
أ-أشكال الجرائم المرتكبة 117 -------------------------------------------------------------------------------
ب-تعامل القضاء الجنائي المغربي مع الدليل الرقمي 119 --------------------------------------------------------
ثانيا :االقتناع القضائي واستقرار اليقين في تقدير الدليل الرقمي 125 -----------------------------------------------
أ-الشك في تقدير الدليل الرقمي كأدلة لإلثبات الجنائي 125 -------------------------------------------------------
ب-وسائل تقييم الدليل الرقمي 127 -----------------------------------------------------------------------------
خاتمة 130 --------------------------------------------------------------------------------
الئحة المراجع باللغة العربية 134 ---------------------------------------------------------------
المراجع باللغة الفرنسية148 -------------------------------------------------------------------
152