You are on page 1of 152

‫حم‬

‫جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬فاس‬


‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬

‫بحث لنيل شهادة الماستر في العدالة الجنائية والعلوم الجنائية‬

‫تحت إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬


‫هشام الزربوح‬ ‫خديجة علوي‬

‫لجنة المناقشة‬
‫الدكتور هشام الزربوح ‪ ........................................‬رئيسا ومشرفا‬

‫الدكتور حسن الرحيية‪ .................................................‬عضوا‬

‫الدكتور هشام اسواني‪...................................................‬عضوا‬

‫السنة ‪1‬الجامعية‬
‫الحمد هلل وحده ال شريك له على فضله وتوفيقه في انجاز هذا العمل‬
‫المتواضع بقول النبي محمد صلى هللا عليه وسلم " ال يشكر هللا من ال‬
‫يشكر الناس " فاني أتقدم بخالص شكري‪:‬‬
‫الى أستاذي الفاضل األستاذ والدكتور هشام الزربوح الذي أشرف‬
‫على هذا العمل ولم يبخل علي بجهد أو وقت خالل انجازه‪.‬‬
‫كما أتقدم بخالص الشكر لعميد كلية سيدي محمد بن عبد هللا األستاذ‬
‫محمد بوزالفة‪.‬‬
‫الى األساتذة المحترمين أعضاء لجنة المناقشة الدكتور حسن الرحيية‬
‫والدكتور هشام اسواني الذين تفضلوا بقبول مناقشة هذه الرسالة وما‬
‫تكبدوه من عناء في هذه الجائحة لتزويدي بمعلوماتهم وأفكارهم‬
‫وخبراتهم‪.‬‬
‫الى كل أفراد أسرتي وزوجي وأصدقائي وزمالئي الذين ساعدوني‬
‫وازروني ولم يبخلوا على بالدعاء إلنجاز هذا العمل المتواضع‪.‬‬

‫فجازى هللا عني الجميع خيرا‪ ،‬ووفقهم لما يحبه ويرضاه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الئحة المختصرات‬
‫ق‪.‬ج‪ :‬القانون الجنائي‬

‫ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪ :‬قانون المسطرة الجنائية المغربي‬

‫م‪.‬س‪ :‬مرجع سابق‬

‫ط‪ :‬الطبعة‬

‫ص‪ :‬الصفحة‬

‫م‪ :‬المادة‪.‬‬

‫ع‪ :‬عدد‬

‫ج‪ :‬جزء‬

‫‪3‬‬
4
‫إن النهضة العالمية والتحوالت االقتصادية التي يشهدها العالم اليوم أثرت كثيرا في‬
‫المجتمعات‪ ،‬إذ اعتبر مناخ المال واألعمال والتجارة المحرك والركيزة األساسية في أي بلد‪ ،‬غير‬
‫أن ظاهرة عولمة التجارة واالقتصاد وتركيز األموال أفرزت تحديات كبرى‪ ،‬لم تجعل جرائم‬
‫األعمال المالية والتجارية تتجاوز نطاق الدولة بل أصبحت عابرة للقارات بفعل كثير من المتغيرات‬
‫في النظام االقتصادي العالمي‪.1‬‬

‫وال شك أن عولمة االقتصاد‪ ،‬واتساع نطاقه الحر والتطور التكنولوجي والعلمي المتزايد‬
‫والمتسارع‪ ،‬ساهمت ال محالة في توفير مزايا عدة ورفاهية للبشرية إذ تمكن من خاللها مشاركة‬
‫األفراد كفاعلين في بناء الحياة االقتصادية ولم تتح هذه المزايا فقط للناس الشرفاء‪ ،‬بل استغلها غير‬
‫األسوياء من المخالفين والمجرمين‪ ،‬وارتقت إلى مرتبة األعمال االجرامية الممهدة حتما لوظائف‬
‫النشاط التجاري واالقتصادي‪.2‬‬

‫قد تفاوتت المساعي االنسانية في مختلف المراحل حول البحث عن وسائل اثبات الجريمة‬
‫ونسبتها إلى فاعلها وتبعا لذلك تنوعت مراحل ظهور نظم االثبات فمن مرحلة نظام األدلة القانونية‬
‫ثم مرحلة نظام االثبات الحر إلى نظام جديد وهو نظام األدلة العلمية‪ ،‬حيث أصبح االثبات في‬
‫المسائل الجنائية ال يعتمد على الوسائل التقليدية فقط وإنما أصبح يعتمد على الوسائل العلمية الحديثة‪.‬‬

‫فمهما كان الجاني ذكيا‪ ،‬ومهما كانت الوسائل التي يستعملها في جرمه فانه يمكن الوصول‬
‫إليه وكشفه من خالل االثار التي يتركها في مسرح الجريمة‪ ،3‬حيث أصبح من السهل التحري على‬
‫الجناة والمشتبه فيهم لضبط تحركاتهم ومراقبة نشاطهم االجرامي وذلك عن طريق وسائل حديثة‬
‫كالتقاط الصور والتسجيل ‪ ...‬وغيرها‪.‬‬

‫‪ 1‬لمزيد من التفاصيل حول التطورات االقتصادية المعاصرة انظر‪:‬‬


‫خالد محمد خالد‪" :‬المنظمات االقتصادية والنظام الدولي الجديد السياسات الدولية"‪ ،‬مجموعة النيل العربية‪ ،‬سنة ‪،2003‬‬
‫ص ‪.116-115‬‬
‫‪ 2‬هيكل أحمد عثمان‪" :‬جرائم رجال األعمال المالية والتجارية"‪ ،‬الندوة العلمية المنعقدة حول جرائم رجال األعمال المالية‬
‫والتجارية‪ ،‬المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬سنة ‪ ،2012‬ص‪.6‬‬
‫‪ 3‬محمد الدغيدي‪" :‬التحريات واالثبات الجنائي"‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪ ،‬سنة ‪ ،2006‬ص‪.642‬‬

‫‪5‬‬
‫اإلطار المفاهيمي للموضوع‬

‫اإلثبات يمكن تعريفه من الناحية اللغوية واالصطالحية والقانونية‪:‬‬

‫فبالنسبة للناحية اللغوية فهو الدليل أو البرهان أو البينة أو الحجة‪ ،‬ويسمى الدليل ثبتا‪ ،‬أي يؤدي إلى‬
‫استقرار الحق لصاحبه بعد أن كان مخلخال بين المتداعين‪ ،‬فيقال ال حكم بكذا إال بإثباته‪ ،‬أي إال بحجة ثبت‬
‫الشيء المدعى به‪ ،‬وإن تأكد الحق بالبينة‪ ،‬يسمى إثبات‪ ،‬ولفظ ثبت تطلق مجازا على من كان حجة‪ ،‬أي‬
‫ثقة في روايته‪.4‬‬

‫أما من الناحية االصطالحية‪ ،‬فال يختلف بين أحكام القانون المدني والجنائي‪ ،‬وقد عرفه الفقه‪،5‬‬
‫الفرنسي بأنه ''ما يقنع الفكر بحقيقة ما''‪ ،‬كما أورده األستاذ ديدي توماس في مقال بعنوان ''التحوالت في‬
‫تقديم الدليل الجنائي''‪ ،‬مضيفا بأن االثبات يشكل أساس كل دعوى وهو شرط لتسيير النظام القضائي‪.‬‬

‫أما االثبات في المواد الجنائية المغربية فيعرف بأنه ''إقامة الدليل على وقوع الجرم ونسبته لشخص‬
‫معين فاعال كان أم شريكا‪ ، ''6‬ويعرف أيضا بأنه ''إقامة الدليل لدى السلطة المختصة باإلجراءات الجنائية‬
‫على حقيقة قيام الجريمة أو عدم قيامها‪ ،‬وبالطرق المشروعة قانونا‪ ،‬وبيان حقيقة نسبتها إلى المتهم‬
‫وشركائه‪ ،''7‬ويعرف االثبات الجنائي أيضا ''كل ما يتخذ من قبل سلطات العدالة في مجال التحقيق والحكم‪،‬‬
‫من إجراءات لكشف الغموض وإظهار الحقيقة‪ ،‬في ظل ضمانات الحريات‪ ،‬وحماية الحياة الخاصة ومراعاة‬
‫قرينة البراءة وحقوق االنسان"‪.‬‬

‫وتجدر االشارة إلى أنه ال يوجد في التشريع المغربي وال في التشريع الفرنسي‪ ،‬قانون متعلق باإلثبات‬
‫وذلك على عكس التشريع االنجليزي والسوداني‪ ،‬اللذان يتوفران على قانون خاص باإلثبات بصفة عامة‪،‬‬
‫واإلثبات الجنائي بصفة خاصة‪ .‬وهكذا فقد تم تنظيم وسائل االثبات الجنائي في قانون المسطرة الجنائية‬
‫الجديد رقم ‪ ، 22.01‬في الفرع األول من الباب األول م ن القسم الثالث من الكتاب الثاني وذلك من المادة‬
‫‪ 286‬إلى ‪ ، 296‬لكن مع التطورات التي شهدتها المجتمعات‪ ،‬خاصة على مستوى ارتكاب الجرائم األمر‬

‫‪ 4‬معجم اللغة العربية‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬مصر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة ‪ ،3‬لسنة ‪ ،1985‬ص ‪.9‬‬
‫‪ 5‬الحسن الطيب عبد السالم األسمر الحضري‪" :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية الحديثة‪ ،‬دراسة مقارنة بين القانون‬
‫الجنائي الليبي والفقه المعاصر"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر‪ ،‬جامعة مالك إبراهيم االسالمية الحكومية مالنج‪ ،‬قسم الشريعة‬
‫والقانون‪ ،‬رقم التسجيل ‪ 14751014‬فبراير ‪ ،2016‬مرجع رقمي ‪ ،PDF‬ص ‪.16‬‬
‫للتحميل الكتاب على الموقع التالي‪https://core.ac.uk/download/pdf/153144627.pdf :‬‬
‫‪ 6‬جمال نجيمي‪" :‬إثبات الجريمة في ضوء االجتهاد القضائي"‪ ،‬دار هومة الجزائر‪ ،‬لسنة ‪ ،2011‬طبعة ‪ ،2001‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 7‬نصر الدين مروك‪" :‬محاضرات في االثبات الجنائي"‪ ،‬الجزء األول‪" ،‬النظرية العامة في االثبات"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومة‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬مكتبة نور‪ ،‬ص ‪.197‬‬

‫‪6‬‬
‫الذي دفع المشرع المغربي إلى إصدار مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية تقضي بتعديل وتتميم قانون‬
‫المسطرة الجنائية الحالي والتي جاءت ببعض المستجدات فيما يتعلق بوسائل االثبات الجنائي‪.‬‬

‫الوسائل قد جاء ذكر الوسيلة في الكتب العربية كثيرا كلها تنصب على مفهوم الذريعة فقد جاء على‬
‫لسان العرب أن الوسيلة هي المنزلة عند الملك‪.8‬‬

‫فقد عرفها الفقهاء في تعقيداتهم كما ورد في القاعدة المعروفة (الوسائل لها حكم المقاصد) كذلك‬
‫عرفها شراح األنظمة والقانونين على حد سواء ان هذه المفردة على قدمها لكن بتطور الوقت أخدت مفهوما‬
‫اخر يتعلق باآلليات واألساليب المعاصرة ويمكن أن تلخص ما يلي‪:‬‬

‫الوسيلة لغة هي كل ما يتوصل به ويقترب به الى أمر اخر بغض النظر عن المتقرب اليه‪.‬‬

‫أما اصطالحا فهو كل فعل ال يقصد لذاته ولكن يقصد للتوصل به الى فعل اخر أو لتحصيل فعل‬
‫اخر سواء كان هذا الفعل مصلحة أو مفسدة وسواء كان مشروعا أو ممنوعا‪.9‬‬

‫الحديثة هو ذلك التطور الذي يحصل في أمر معين‪ .‬بما أن األساليب والوسائل العلمية تطورت‬
‫وتعددت والتي بات يلجأ إليها في مجال البحث عن الدليل الجنائي‪ ،‬وذلك نتيجة لتطور فكر االجرام‬
‫والمجرم‪ ،‬فهو قبل إقدامه على نشاطه اإلجرامي‪ ،‬عليه التفكير في أسلوب ال يترك آثارا تدل على الفعل‬
‫المرتكب‪.‬‬

‫لذلك حاولت أجهزة البحث والتحقيق‪ ،‬االستعانة بالوسائل العلمية الحديثة في اإلثبات الجنائي‪ ،‬وهذا‬
‫من اجل تفكيك الخيوط المتشابكة للواقعة اإلجرامية‪.‬‬

‫الجريمة هي مصطلح مأخوذ من الجرم أي الذنب‪ ،‬يقال أجرم‪ ،‬اجترم‪ ،‬في قول الحق‪ ،‬وال يجرمنكم‬
‫شنآن قوم ويقال تجرم عليه‪ ،‬أي ادعى عليه ذنبا لم يفعله‪ ،‬وقد ورد لها ذكر في القرآن الكريم في عدد من‬

‫‪ 8‬أبو الفضل جمال الدين بن محمد ابن منظور‪" :‬لسان العرب"‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬لسنة ‪1994‬م‪،‬‬
‫ص ‪.254‬‬
‫‪ 9‬وائل بن عبد الرحمن الثنيان و ناصر الجوفان (مشرف)‪" :‬وسائل التحقيق المستحدثة واثرها في االثبات الجنائي في‬
‫مرحلتي االستدالل والتحقيق االبتدائي‪- ،‬دراسة مقارنة‪ ،"-‬الرياض‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة االمام محمد بن سعود‬
‫االسالمية‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬مكتبة المعهد العالي للقضاء‪ ،‬لسنة ‪1424‬ه‪ ،‬مرجع رقمي ‪ ،PDF‬ص ‪.40‬‬

‫‪7‬‬
‫اآليات نورد منها قوله جل وتعالى‪( :‬قل سيروا في األرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين)‪ .‬وقوله‬
‫تعالى (فمن أظلم ممن افترى على هللا كذبا أو كذب بآياته إنه ال يفلح المجرمون)‪.‬‬

‫أما اصطالحا وبتعريف أكثر دقة فإن الجريمة "كل سلوك إنساني غير مشروع إيجابيا كان أم سلبيا‬
‫عمديا كان أم غير عمدي يرتب له القانون جزاء جنائيا"‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن التعريف للجريمة‬
‫بعموميتها في الفقه الشرعي اإلسالمي يتفق مع التعريف في فقه القانون الوضعي‪ ،‬وليس ثمة اختالف يذكر‬
‫إال في كلمة أو عبارة من العبارات المترادفة نظرا لغزارة اللغة العربية‪ ،‬ولذا يحرص الباحثون والدارسون‬
‫على تقريب وجهات النظر‪.‬‬

‫ومن هنا نجد عدة تعريفات فقهية للجريمة نذكر منها‪:‬‬

‫كل فعل أو امتناع يتضمن ضررا عاما للمجتمع ويستوجب المسؤولية‪ ،10‬وحسب األستاذ جيالني‬
‫بغدادي " هي كل فعل أو امتناع عن فعل يعاقب عليه القانون جزائيا سواء كان هذا الفعل أو االمتناع‬
‫مخالفة أو جنحة أو جناية "‪.11‬‬

‫جرائم األعمال هي كل خرق للقوانين والنصوص الصادرة عن مختلف الهياكل والتي لها دور‬
‫بشكل مباشر أو غير مباشر في السياسة االقتصادية للدولة‪.‬‬
‫وتضم تسمية جرائم األعمال تحت لوائها مجموعة من األفعال والنشاطات‪ ،‬وهي ليست من النمط‬
‫ذاته‪ ،‬فمنها ما يتشكل من جرائم تصنف طبقا للقواعد العامة ضمن جرائم المال‪ ،‬ومنها ما يتشكل من جرائم‬
‫ماسة باألخالق والشرف‪ ،‬وأخرى تتجاوز معالم الجرائم البسيطة لتتشكل من مجموع جرائم تتركب منها‬
‫أفعال مجرمة قد يمتد أثرها إلى خارج حدود الدولة الواحدة‪.12‬‬

‫فجرائم األعمال ترتبط بالعديد من المجاالت االقتصادية والمالية‪ ،‬وهي أنواع مختلفة‪ :‬جرائم‬
‫الشركات وجرائم النقود والصرف والجرائم الضريبية والجمركية وجرائم السوق المالية وغسل األموال‬
‫وجرائم الملكية الصناعية‪ ...‬الى غير ذلك‪.‬‬

‫‪ 10‬انوار احمد الغزي‪" :‬جريمة التهريب الجمركي (دراسة مقارنة)"‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬دار الكتاب الجامعي للنشر والتوزيع‬
‫بالرياض ‪1438‬ه‪2017 ،‬م‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ 11‬بدوي أحمد زكي‪" :‬معجم المصطلحات القانونية"‪ ،‬في دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1989‬م‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪ 12‬جيالني بغدادي‪" :‬االجتهاد القضائي في المواد الجزائية"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المؤسسة الوطنية لالتصال والنشر‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫سنة ‪ ،1996‬ص ‪.296‬‬

‫‪8‬‬
‫نظرا لتعدد القوانين الخاصة بكل مجال من المجاالت االقتصادية والمالية فإن هناك اختالف بين‬
‫الفقهاء والمهتمين بهذا الموضوع بخصوص تسميتها فليس لهذه القوانين اسم واحد‪ ،‬فهناك من يسميها‬
‫بالقوانين الزجرية المالية‪ ،‬وهناك من يسميها بالقوانين االقتصادية الزجرية أو قانون المعامالت المالية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬أو القوانين المتخصصة‪ ،‬وهناك من أطلق عليها القانون الجنائي لألعمال وهي التسمية‬
‫األقرب إلى الصواب ألنها تجمع وتشمل كل ميادين ومجاالت التجارة والمال واالقتصاد‪.‬‬

‫فالقانون الجنائي يهتم بالحياة االقتصادية والذي يستهدف توفير الحماية الجنائية لألفراد ضد أي شكل‬
‫من أشكال االنحراف أو اإلساءة‪ .‬لقد بدأ هذا الفرع يمثل أرضا خصبة للجدل والنقاش بين الفقهاء والباحثين‪،‬‬
‫خاصة الفقه الفرنسي في السنوات العشر األخيرة‪ ،‬حين بدأت وسائل اإلعالم المختلفة تسلط األضواء على‬
‫العديد من رجال األعمال والوزراء الذين انحرفوا بسلطتهم وجاههم وساهموا في تبديد رؤوس أموال العديد‬
‫من الشركات الفرنسية‪ .‬هذا االنحراف الذي يمثل صداعا مزمنا للحكومات الفرنسية المتعاقبة‪ ،‬مما جعلها‬
‫تتقدم بالعديد من مشروعات القوانين لتقوية قبضة القانون الجنائي في هذا المجال‪.‬‬

‫حتى في حال االتفاق على تسمية هذه القوانين المرتبطة بالمجاالت االقتصادية بالقانون الجنائي‬
‫لألعمال فإنه من المتعذر أن نضع له حدودا واضحة‪ .‬فهو ليس قانونا مستقال يعاقب على جرائم معينة‬
‫مضمنة في مدونات خاصة بالتجريم والعقاب‪ .‬بل انها مجرد فروع وأقسام في قوانين تنظيمية وتأسيسية‬
‫لمجاالت اقتصادية‪ ،‬وكمثال على ذلك القانون التجاري أو قانون الشركات التي لها طابع مزدوج‪.13‬‬

‫ونخلص من كل ذلك إلى أنه ليس هناك تعريف واضح وواحد للقانون الجنائي لألعمال‪ .‬وكل ما‬
‫يمكن قوله أنه‪ " :‬فرع قانوني يحكم عالما يسمى بذات االسم (عالم األعمال) دون أن يستطيع الباحث‬
‫القانوني التعرف على حدوده بدقة "‪ ،‬إذا كان تعريف القانون الجنائي لألعمال وتحديد مفهومه له أهميته‬
‫البالغة‪ ،‬فإن اثباته ال يقل أهمية عنه‪.14‬‬

‫اإلطار التاريخي للموضوع‬

‫كان اإلنسان في العصور القديمة يقترف الجريمة بأسلوب بدائي يتناسب مع وسائل عصره فكانت‬
‫وسائل اإلثبات تقوم على إحساسات شخصيـة قد تكون صحيحة أو خاطئة‪ ،‬بعدها كانت أساليب التحقيق‬

‫‪ 13‬محمد بن حم‪" :‬مفهوم جرائم رجال األعمال مقاصد ونطاق تطبيق القانون"‪ ،‬رئيس غرفة بمحكمة النقض‪ ،‬مرسلة‬
‫بواسطة الحقانية دار القانون للمحاماة في ‪ ،08:40.00 - 2015/08/24‬يوليوز ‪ ،2012‬ص ‪.4‬‬
‫‪ 14‬محمد بن حم‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪9‬‬
‫تعتمد على السحر والشعوذة وكان الكهنة هم الذين يتولون القضاء‪ ،‬أما في العصور الوسطى كان االعتقاد‬
‫أن دليل اإلثبات الوحيد ينحصر في االعتراف وكان التعذيب الوسيلة المثلى للحصول عليه‪.‬‬

‫بدأت طرق التعذيب تتالشى تدريجيا منذ قيام الثورة الفرنسية في أواخر القرن ‪ 18‬وحتى بداية‬
‫القرن ‪ 19‬في كافة المجتمعات‪ ،‬منذ ذلك أجمعت اإلنسانية على تطوير العلوم واستحداث األساليب العلمية‬
‫التي يستعين بها المحقق في التحقيق لكشف الحقيقة واستبعدت األساليب القديمة غير اإلنسانية وبدأ منذ ذلك‬
‫التاريخ العمل على تطوير نظام اإلثبات وخطى التحقيق الجنائي خطوات كبيرة في ظل تطور العلوم‬
‫والوسائل العلمية‪.15‬‬

‫قبل فرض الحماية على المغرب سنة ‪ ، 1912‬ظل العمل بمبادئ الشريعة االسالمية في مجال‬
‫االثبات الجنائي‪ ،‬حيث تركزت وسائل االثبات في الشهادة أساسا‪ ،‬لكن هذا لم يمنع من وجود وسائل أخرى‬
‫كاليمين واالقرار‪ .‬ومما ال شك فيه‪ ،‬هو أن أول قانون للمسطرة الجنائية عرفه التشريع المغربي هو ظهير‬
‫رقم ‪ ، 1.58.261‬حيث تضمنت مقتضياته العديد من وسائل االثبات‪ ،‬كاالعتراف وشهادة الشهود‬
‫والمحاضر‪ ،‬والذي استمر العمل به إلى غاية ‪ 13‬نونبر ‪ ،1963‬حيث تم تغييره بمقتضى الظهير الشريف‬
‫رقم ‪ ، 1.63.271‬وبعد ذلك كمرحلة ثالثة‪ ،‬تدخل المشرع مع بداية السبعينيات لتغيير وتعديل هذا األخير‪،‬‬
‫عن طريق قانون االجراءات االنتقالية‪ ،‬بمقتضى ظهير ‪ ،1.74.448‬الصادر بتاريخ ‪ 28‬غشت ‪،1974‬‬
‫الذي بقي العمل به إلى حين دخول قانون رقم ‪ 22.01‬إلى حيز التطبيق‪ ،‬بالرغم من أنه قد عرف عدة‬
‫تعديالت من بينها تعديل ‪.1993‬‬

‫وال شك أن قانون المسطرة الجنائية الحالي الذي دخل حيز النفاذ في فاتح أكتوبر ‪ ،2003‬اعتبر في‬
‫مرحلة من بين أرقى القوانين االجرائي ة الجنائية‪ ،‬نظرا للمستجدات التي أتى بها‪ ،‬خاصة على مستوى‬
‫االثبات‪ ،‬وتعتبر االجراءات المتعلقة بالتقاط المكالمات‪ ،‬أهم وسيلة من وسائل االثبات الحديثة‪ ،‬التي تضمنها‬
‫هذا القانون‪ .‬لكن مع تطور الحياة االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية من الناحية العلمية‪ ،‬والتي صاحبها تطور على‬
‫مستوى الجريمة‪ ،‬تبين أن هناك نقص كبير في هذا القانون‪ ،‬األمر الذي دفع وزارة العدل والحريات‪ ،‬تفعيال‬
‫لمخطط االصالح الشامل والعميق لمنظومة العدالة‪ ،‬إلى إطالق مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية‬
‫في ‪ 17‬نونبر ‪ ، 2014‬والذي تضمن مستجدات مهمة على مستوى وسائل اإلثبات‪ ،‬والذي سيكون موضوع‬
‫نقاش وتحليل‪ ،‬ضمن هذا البحث‪.‬‬

‫انظر الموقع التالي‪/ :‬التطور‪-‬التاريخي‪-‬ألساليب‪-‬التحقيق‪-‬عبر‪-‬العصور‪https://www.mohamah.net/‬‬ ‫‪15‬‬

‫تاريخ االطالع‪ 2022/01/05 :‬على الساعة ‪.17:30‬‬

‫‪10‬‬
‫أما فكرة القانون الجنائي الذي جاء ليؤطر لنا جرائم األعمال فهو ليس وليد الصدفة‪ ،‬وانما مر‬
‫بمجموعة من المراحل التاريخية التي طبعت مسيرته‪ ،‬فهو كقانون أصبح يفرض وجوده على جل‬
‫التشريعات الحديثة‪ ،‬وبحكم االرتباط التاريخي بين التشريع المغربي ومصدره الفرنسي‪ ،‬كان بديهيا أن‬
‫ينتقل ارتباط القانون الجنائي بمجال األعمال الى المغرب‪ ،‬ولكن ليس منذ ثالثينيات القرن الماضي‪ ،‬بعد‬
‫مرحلة مخاض الميالد الرسمي للقانون الجنائي لألعمال الفرنسي‪ ،‬على الرغم من وجود بعض مالمح‬
‫النصوص الجنائية المنظمة االقتصاد بالمغرب قبل ذلك منذ سنة ‪ ،1913‬عبر القانون التجاري الذي كان‬
‫ينص على نظام االفالس والتصفية القضائية‪ ،‬وقانون شركات المساهمة ل ‪ 11‬غشت ‪ ، 1922‬والظهير‬
‫المتعلق بالشركات ذات المسؤولية المحدودة ل ‪ 1‬شتنبر ‪ ،1926‬والظهير المنظم للشيك بتاريخ ‪ 19‬يناير‬
‫‪ ،1939‬ثم ظهير الملكية الصناعية ل ‪ 23‬يونيو ‪.161916‬‬

‫فمجال األعمال بهذا التصور يعد مظهرا من مظاهر تحول السياسة االقتصادية في العالم‪ ،‬خصوصا‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية وما خلفته من أزمات مالية واقتصادية‪ ،‬حيث اتجهت معظم الدول بما فيها‬
‫الرأسمالية إلى األخذ بنظام االقتصاد الموجه‪ ،‬بدال من االقتصاد الحر‪ ،‬فأصبحت الدولة تتدخل في الشؤون‬
‫المالية والتجارية واالقتصادية‪ ،‬وذلك عن طريق فرض القيود على حرية التجارة والصناعة والتعامالت‬
‫المالية بمجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية‪ ،‬التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح وتقرير‬
‫حماية لها‪.17‬‬

‫هذا ما دعا إلى ضرورة تدخل القانون الجنائي في اثبات جرائم األعمال‪ ،‬تصديا لالنحرافات عن‬
‫القواعد المنظمة لمختلف صور المعامالت والمصالح المالية والتجارية واالقتصادية‪ ،‬وذلك في إطار ما‬
‫أطلق عليه الفقه بالقانون الجنائي لألعمال‪.18‬‬

‫وبعد ذلك لم تظهر إال خالل تسعينات القرن الماضي عدة قوانين المنظمة لمجال األعمال‪ ،‬من خالل‬
‫مجموعة من القوانين منها القانون رقم ‪ 15-95‬المتعلق بمدونة التجارة لسنة ‪ ،1996‬وقانون رقم‬
‫الراجعة‬ ‫المباشرة‬ ‫غير‬ ‫والضرائب‬ ‫الجمارك‬ ‫مدونة‬ ‫‪1.77.339‬‬
‫إلدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة سنة ‪ ،1977‬والقانون رقم ‪ 104-12‬المتعلق بحرية األسعار‬

‫إدريسي سكينة‪" :‬مفهوم القانون الجنائي لألعمال" باحثة طالبة بسلك الماستر‬ ‫‪16‬‬

‫بكلية العلوم االقتصادية والقانونية طنجة‪ ،‬مرجع الكتروني‪ ،‬تاريخ الزيارة في ‪ 2021/01/15‬على الساعة ‪22‬‬
‫‪/‬مفهوم‪-‬القانون‪-‬الجنائي‪-‬لألعمال‪//https://www.droitetentreprise.com/‬‬
‫‪ 17‬رشيد بن فريحة‪" :‬خصوصية التجريم والعقاب في القانون الجنائي لألعمال‪ ،‬جرائم الشركات التجارية نموذجا"‪،‬‬
‫أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم – تخصص قانون خاص‪ ،‬تحت اشراف الدكتور شكري قلفاط‪ ،‬جامعة أبو‬
‫بكر بلقايد بتلمسان‪ ،‬كلية الحقوق قسم القانون الخاص‪ ،‬سنة ‪ ،2017/2016‬ص‪.2‬‬
‫‪ 18‬رشيد بن فريحة‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪11‬‬
‫والمنافسة سنة ‪ ، 2014‬قانون الشركات التجارية بمختلف أشكالها‪ ،‬مدونة الشغل‪ ،‬وقانون حماية الملكية‬
‫الصناعية‪ ،19‬وغيرها من القوانين المنظمة لمجال األعمال‪.‬‬

‫أهمية الموضوع وأبعاده‬

‫تكمن أهمية هذا البحث في أن اإلثبات يعتبر من أهم األعمدة التي يقوم عليها صرح العدالة الجنائية‬
‫برمتها‪ ،‬إذ بواسطته تتحصل القناعة لدى المحكمة‪ ،‬من خالل األدلة التي توفرت في الدعوى‪ ،‬على حصول‬
‫واقعة مجرمة‪ ،‬ومن نسبتها للمتابع أمامها من عدمه‪ ،‬ومن هذه الزاوية تبتدئ أهمية نظام االثبات‪ ،‬بل‬
‫خطورته البال غة‪ ،‬وخصوصا على المتابع بخرق القانون الجنائي‪ ،‬خصوصا في جرائم األعمال فهو يقوم‬
‫بقطع الطريق على مرتكب الجريمة‪ ،‬وتعقب جريمته مهما ابتدع من أساليب لكي يفلت من العقاب‪ .‬ألن‬
‫مثل (جرائم االعمال) تعرف انتشارا كبيرا خاصة عندما تكون القوانين متشعبة مما يسهل على مرتكبيها‬
‫التملص من العدالة‪.‬‬

‫أما القضاء والذي بمجرد وضع يده على القضية‪ ،‬يعمل بكل تجرد ونزاهة‪ ،‬للوصول إلى الحقيقة‪،‬‬
‫فيقر بأن الواقعة المتابع بها قد حصلت بالفعل‪ ،‬أو أنها لم تحصل‪ ،‬وفي حالة حصولها‪ ،‬يقرر ما إذا كانت‬
‫تسند إلى المتابع بها أمامه أم ال تسند‪ ،‬ليتأتى للمحكمة تبعا لما اقتنعت به‪ ،‬إصدار حكمها في موضوع‬
‫الدعوى‪ ،‬إما باإلدانة أو بالبراءة وباإلعفاء‪.20‬‬

‫إ ن الغاية المرجوة من هذا البحث هو تسليط الضوء على الطرق الحديثة لكشف جرائم األعمال‪،‬‬
‫وشد االنتباه الى أهمية هذه الوسائل الحديثة في تحقيق العدالة‪ ،‬وتالفي العيوب التي قد تلحق بالقرارات‬
‫القضائية الصادرة في هذا المجال‪.‬‬

‫كما تهدف هذه الدراسة الى اعتماد وسائل جديدة في البحث والتحقيق في جرائم االعمال‪ ،‬خاصة‬
‫تلك المتعلق بالتكنولوجيا‪ ،‬مما يسهل عمل القضاة في كشف مالبسات كل جريمة على حدا‪ ،‬ناهيك عن‬
‫تحقيق مبدأي األمن القانوني والقضائي‪.‬‬

‫‪ 19‬قانون حماية الملكية الصناعية والتجارية يعتبر من أهم القوانين التي تضمنت نصوصا جنائية لها عالقة بمجال‬
‫الصناعة والتجارة‪ ،‬للمزيد حول الجانب الزجري لهذا القانون والتعمق أكثر راجع الى‪:‬‬
‫‪ -‬فؤاد معالل‪" :‬الملكية الصناعية والتجارية‪ ،‬دراسة في القانون المغربي واالتفاقيات الدولية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬
‫األفاق المغربية للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬سنة ‪.2009‬‬
‫‪ 20‬عبد الواحد العلمي‪ :‬أستاذ القانون الجنائي "شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة ‪ ،2018‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪.377‬‬

‫‪12‬‬
‫ونظرا ألهمية الموضوع الذي يعد من أهم األسباب التي دفعتني الختياره‪ ،‬كثرة ظهور األدلة الحديثة‬
‫واالعتداد بها كدليل والذي يعد نقلة نوعية في االثبات‪ ،‬برغم من اهتمام الكثير من الباحثين بدراسة األدلة‬
‫الجنائية الحديثة في مجال األعمال اال أن التطور المستمر في مظاهر الحياة وعالم الجريمة يجعل منه‬
‫موضوعا متجددا‪.21‬‬

‫اشكالية البحث‬

‫عندما نكون بصدد الحديث عن االثبات في جرائم األعمال فان األمر يختلف عن باقي الجرائم‬
‫العادية‪ .‬فاألكيد أن موضوع االثبات بالوسائل الحديثة في جرائم االعمال يطرح عدة اشكاليات نظرا لطابعه‬
‫العملي والرتبا طه بواقع الممارسة القضائية اليومية بشكل خاص‪ ،‬ونظرا لتلك الخصوصية التي تتميز بها‬
‫هاته الجرائم على مستوى شخصية المجرم أو على مستوى ارتكاب الجريمة وظروفها‪.‬‬

‫لذا سنكون أمام طرح إشكالية للموضوع والتي تتمحور حول‪:‬‬

‫ما مدى استيعاب وسائل اإلثبات الحديثة التي تم التوصل إليها في القانون‬
‫المغربي للدفع نحو تقوية روابطه االقتصادية وتحقيق محاكمة عادلة في جرائم‬
‫األعمال؟‬

‫ومن هنا يمكننا أن نتساءل عن‪:‬‬

‫‪ -‬ما مدى ارتباط اثبات جرائم األعمال بالوسائل الحديثة في القانون المغربي؟‬

‫‪ -‬ماهي القواعد التي تؤطر لنا وسائل اإلثبات الجنائي الحديث؟‬

‫‪ -‬ما هي الغاية من تسخير واستغالل وسائل علمية حديثة لإلثبات مبنية على حجية علمية؟‬

‫‪ -‬ما أوجه القصور التي تعتري الوسائل الحديثة أمام الطابع التركيبي والمعقد لجرائم‬

‫األعمال أمام القضاء المغربي؟‬

‫الحسن الطيب عبد السالم األسمر الحضيري‪" :‬االثبات الجنائي بالوسائل العلمية الحديثة‪ ،"...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 2‬و‪.3‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪13‬‬
‫المناهج المعتمدة‬

‫إن اإلشكالية المطروحة أعاله وكذا التساؤالت المنبثقة عنها تملي علينا ضرورة اعتماد المنهج‬
‫الوصفي التحليلي لمقاربة الموضوع من كل جوانبه‪.‬‬

‫خطة البحث‬

‫سنقوم في هذه الدراسة بالبحث عن القواعد العامة والخاصة لإلثبات الجنائي في مختلف جرائم‬
‫األعمال وبشكل أدق في فعالية الوسائل الحديثة في اإلثبات الجنائي في هذا النوع من الجرائم‪.‬‬

‫لإللمام بالموضوع وبمختلف اإل شكاالت التي يطرحها‪ ،‬سيتم التطرق لذلك من خالل التصميم التالي‪:‬‬

‫‪ ‬الفصل األول‪ :‬المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال‬

‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم‬
‫األعمال‬

‫‪14‬‬
15
‫الفصل األول‪ :‬المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال‬

‫إن الهدف األساسي الذي تسعى إلى تحقيقه أجهزة العدالة في المجتمع من ناحية الجريمة‪ ،‬هو عنصر‬
‫اإلثبات الذي يسعى الى تحقيق العدالة‪ ،‬إلثبات وقوع الجريمة ونسبة الجريمة إلى الفاعل وبالتالي إنزال‬
‫العقوبة الرادعة بحق الفاعل الحقيقي للجريمة‪ ،‬ونظرية اإلثبات في القانون تقوم على عدة مبادئ صاغها‬
‫فقهاء القانون لمساعدة السلطات المختصة لالستعانة بها في القضايا الجزائية المعروضة عليهم‪ ،‬وبالتالي‬
‫وجود قواعد تحدد على القاضي الطريق الذي يسلكه في تتبع النزاع‪ ،‬والحكم في نهاية المطاف‪ .‬ومثل هذه‬
‫المبادئ تؤدي إلى عدم ازدواج األحكام القضائية في القضايا المتشابهة‪ ،‬بسبب عشوائية القاضي في انتفاء‬
‫وسائل وعناصر إثبات دون أخرى‪ ،‬وحريته في االقتناع الوجداني مبنية على شروط معينة‪ ،‬وبالتالي تحقيق‬
‫العدالة النسبية للجميع‪.22‬‬

‫إن ا لتعامل مع األدلة العلمية يعتمد بشكل جوهري على الوسائل التكنولوجيـة‪ ،‬لـذا فـإن العمل علـى‬
‫تزويـد المعامـلة الجنائية بأحـدث األجهـزة التـي تسـاعد علـى التثبـت مـن الحقـائق فــي القضــايا الجنائيــة‪،‬‬
‫باإلضــافة إلــى العمــل علــى إعــداد الجهاز القضــائي ( قضــاة ومحققـــين )‪ ،‬وتــدريبهم علــى كيفيــة‬
‫التعامــل مــع هــذه األدلــة‪ ،‬ورفــع قــدرتهم وكفــاءتهم لمواكبــة التطــورات العلمية فــي هــذا المجال‪،‬‬
‫وأيضا وعبــر هــذه الدراســة والتــي تــدخل فــي إطــار الفقــه القــانوني‪ ،‬فمنــذ البــدء كــان الفقه والقضاء‬
‫كل منهمــا عونــا لآلخــر لخلــق وحــدة فكرية حــول المشـكالت القانونيـة لمفهـوم االثبـات‪ ،‬واالسـتقرار‬
‫فـي النظريـات القانونيـة هـو مفهـوم ال محـل لـه في التشريع إذ يجب أن يكون التشريع صدى لحاجات‬
‫المجتمعات وتطورها‪ ،‬وبالتالي هـذه الدراسة تهدف إلى تسـليط الضـوء علـى وسـائل اإلثبـات الجنائية‬
‫بحيـث ال تعـود محصـورة علـى الوسـائل التقليديـة فقط‪ ،‬بل ومعالجـة المشـكالت التـي قـد تـنجم عـن‬
‫األخـذ بهـذه الوسـائل‪ ،‬واللجوء الى الوسائل المتطورة واألدلـة العملية الحديثـة سـواء كانـت مشكالت‬
‫قانونية أو عملية قد تعترضها‪.23‬‬

‫الشيء الذي ساعد في ظهور أنواع جديدة من الجرائم تختلف من حيث محلها ومن حيث أسلوب‬
‫ارتكابها عن الجرائم التقليدية‪ ،‬مما أسفر عنه ظهور العديد من المشاكل التي كان أبرزها عجز القوانين‬

‫‪ 22‬أمال عبد الرحمن يوسف حسن‪" :‬األدلة العلمية الحديثة ودورها في االثبات الجنائي"‪ ،‬رسالة ماجستير تحت اشراف‬
‫الدكتور محمد الجبور‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬قسم القانون العام‪ ،‬األردن‪ ،‬سنة ‪ ،2012/2011‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 23‬أمال عبد الرحمن يوسف حسن‪" :‬األدلة العلمية الحديثة ودورها في االثبات الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪16‬‬
‫الجنائية الحالية‪ ،‬التي وضعت نصوصها في ظروف تختلف عن الظروف الحالية التي خلقتها ثورة المال‬
‫والمعلومات عن مواجهة هذه األنواع الجديدة من الجرائم‪.24‬‬

‫ولعل من أهم أسباب تدخل القانون الجنائي في مجال األعمال هو تحقيق األمن القانوني للمعامالت‬
‫االقتصادية والتجارية في هذا المجال‪ ،‬فضال عن ضرورة تدخله استجابة لحاجة الميدان االقتصادي للقواعد‬
‫الزجرية الجزائية من أجل مكافحة الجرائم التي تنخر في الجسد المالي واالقتصادي للمجتمع‪.25‬‬

‫ولجرائم األعمال مميزات تتجلى في كونها ليست يسيرة االكتشاف‪ ،‬نظرا للتعقيد الذي يحيط‬
‫بارتكابها‪ ،‬ألسبقية التخطيط والتنسيق من طرف الجناة قبل ارتكابها وفي خفاء‪ ،‬فاالحترافية هي خاصية‬
‫هذا النوع من الجرائم التي ال مجال فيها لالرتجالية‪ ،‬ألن الجناة في جرائم االعمال هم أشخاص يتمتعون‬
‫بحماية سياسية أو حماية علمية أو تقنية لدرايتهم بأمور تسهل لهم ذلك‪ ،‬ويجعل أمر القائم على األبحاث في‬
‫حيرة وحرج‪ ،‬ناهيك عن البعد الدولي الذي تتخذه في بعض األحيان‪.26‬‬

‫فاكتشاف الجريمة وإقامة الدليل عليها وكشف مفاتيح غموضها ينطلق من مسرحها‪ ،‬الذي هو المكان‬
‫الذي تنبثق منه كافة األدلة‪ ،27‬وقد يكون مكانا واحدا وقد يكون أمكنة متعددة‪ ،‬متصلة أو متباعدة‪ ،‬ومهما‬
‫كان حرص الجاني على إتالف األدلة وجودة رفعها‪ ،‬تكون النتائج ذات أهمية وبأن تسمح للمحققين بالتخطيط‬
‫لعمليات البحث الجنائي قصد الوصول إلى كشف غموض الجرم والتعرف على الجاني بإقامة الدليل‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬سنتكلم في هذا الفصل عن المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال وسنعمل‬
‫على تقسيمه إلى اإلطار النظري لإلثبات في جرائم األعمال (المبحث األول) وبعدها االثبات في جرائم‬
‫األعمال بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪ 24‬ادريس النوازلي‪ " :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬سنة ‪ ،2014‬ص‬
‫‪.11-12‬‬
‫‪ 25‬الزربوح هشام‪ " :‬خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب"‪ ،‬أطروحة الدكتورة في الحقوق‪ ،‬جامعة المولى‬
‫إسماعيل‪ ،‬مكناس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2013/2014‬ص ‪.35‬‬
‫‪ 26‬النوازلي ادريس‪ " :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 27‬للتوسيع أكثر في ماهية مسرح الجريمة والتقنيات المرتبطة به راجع‪:‬‬
‫ياسين عزاوي‪ " :‬التقنيات الحديثة في المسرح الجريمة وتأثيرها على اإلثبات الجنائي" – دراسة مقارنة تقنية بأبعادها‬
‫القانونية‪-‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعي‪-2014 :‬‬
‫‪.2015‬‬

‫‪17‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلطار النظري لالثبات في جرائم األعمال‬

‫أصبح الجميع يسعى بطريقة أو بأخرى إلى الحصول على المال إلشباع رغباته وحاجياته‬
‫المختلفة‪ ،‬كل بطريقته وحسب ظروفه وإمكانياته‪ ،‬هذا السعي نحو المال تحول من مجرد إشباع للحاجيات‬
‫االنسانية العادية في حدود الدنيا لدى بعض أفراد المجتمع‪ ،‬إلى هوس غايته في تكديس الثروة وتحقيق‬
‫الغنى الفاحش‪ ،‬حتى ولو كان غير شرعي وبعيد عن مبادئ الصفة والطهارة في المعامالت والتبادالت‬
‫التجارية واالقتصادية‪.28‬‬

‫كل هذا أدى إلى ظهور جرائم مختلفة عن الجرائم التقليدية تؤثر بشكل كبير على االقتصاد الوطني‬
‫وتعيبه بالشلل بشكل خفي‪ ،‬بعد أن تتراكم عليه جرائم اقتصادية ذات طبيعة خاصة ودون أن يكون لها أثر‬
‫واضح على الشعور الجماعي ألفراد المجتمع‪.‬‬

‫وبعد أن تم االحساس بهذه الحقيقة المؤلمة‪ ،‬تكونت قناعة لدى المشرع الجنائي وترسخ له واجب‬
‫التدخل جنائيا في االقتصاد‪ ،29‬هذا التدخل نتج عنه مجموعة من المبادئ القانونية من أبرزها البحث‬
‫والتحري لكشف عن هذه الجرائم ومدى نسبتها لمرتكبها‪ ،‬وهنا نكون أمام اإلثبات الجنائي الذي يعرف بأنه‬
‫إقامة الدليل على مرتكب الجريمة‪ .‬أي محاولة تحليل الفعل المرتكب بطريقة علمية‪ ،‬وكذا فيما يعود على‬
‫القضاء من نفع وفعالية‪ ،‬فيما يتعلق بإثبات الوقائع الجرمية‪ ،‬كما أنها تعد أحد االمكانات الممنوحة للنيابة‬
‫العامة‪ ،‬باعتبارها الطرف األصلي الذي يتحمل عبء االثبات‪ ،‬وذلك في مواجهة ظاهرة االفالت من‬
‫العقاب ‪ .‬أما من الناحية العملية‪ ،‬فيتجلى في عدة جوانب‪ ،‬أهمها تخفيف العبء الملقى على كاهل النيابة‬
‫العامة وربح الوقت‪ ،‬وكذا وضع القاضي الجنائي أمام عدة خيارات إثباتية‪ ،‬يستسيغ منها اقتناعه الشخصي‪،‬‬
‫وأيضا فيما تحوزه هذه المستجدات من قوة ثبوتية مقارنة بالوسائل الواردة في القانون الحالي‪.‬‬

‫وقد اقتضت الدراسة العلمية االحاطة بمختلف جوانب هذا الموضوع‪ ،‬وبالنظر إلى تعدد أساليب‬
‫وطرق البحث المستخدمة في العلوم القانونية واالجتماعية‪ ،‬فالحديث عن اإلثبات الجنائي في مجال األعمال‬
‫يستوجب منا وقبل كل شيء الحديث عن ماهية االثبات الجنائي (المطلب األول) وبعد ذلك خصوصية‬
‫االثبات في بعض جرائم األعمال على ضوء القوانين الخاصة (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ 28‬هشام الزربوح‪" :‬خصوصيات القانون الجنائي لألعمال بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ 29‬الضغط االقتصادي دائما ما يكون هو السبب الرئيسي في ارتكاب الجرائم االقتصادية‪ ،‬للتعمق أكتر حول تأثر مستويات‬
‫الجريمة بالعامل االقتصادي راجع‪:‬‬
‫محمد أحداف‪ :‬علم االجرام‪ " ،‬النظرية العلمية والسلوك االجرامي"‪ ،‬طبعة ‪ 2015‬مطبعة سجل ماسة الزيتون مكناس‪،‬‬
‫الصفحة ‪ 216‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ماهية االثبات الجنائي‬

‫ان نظرية االثبات في اثبات الجرائم هي االساس الذي تقوم عليه قواعد االجراءات الجنائية‪ ،‬منذ‬
‫لحظة وقوع الجريمة ولحين صدور الحكم فيها من قبل السلطة القضائية‪ ،‬فهو كل ما يؤدي الى اظهار‬
‫الحقيقة‪ ،‬وألجل الحكم على المتهم ف ي المسائل الجنائية يجب ثبوت وقوع الجريمة في ذاتها‪ ،‬وهذا يعني‬
‫إقامة الدليل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم‪ ،‬ويمكن القول أن اإلثبات من الناحية الجنائية هو‬
‫النتيجة التي تتحقق باستعمال وسائله وطرقه المختلفة للوصول إلى الدليل الذي يستعين به القاضي‬
‫الستخ الص حقيقة الوقائع المعروضة عليه وفقا ألحكام القانون‪ ،‬وقد طرأت على االثبات الجنائي تطورات‬
‫كبيرة بفضل الطفرة العلمية الهائلة في وسائل اإلثبات التي لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬والتي قامت على‬
‫نظريات وأصول علمية دقيقة زودت القاضي بأدلة قاطعة وحاسمة تربط أو تنفى العالقة بين المتهم‬
‫والجريمة‪ ،‬فاصبح القضاء يعتمد عليها كأدلة فنية يؤسس عليها األحكام باإلدانة أو البراءة‪.‬‬

‫فاإلثبات هو النتيجة المحصل عليها باستعمال وسائل اإلثبات المختلفة‪ ،‬أي إنتاج الدليل‪ ،‬ويتم هذا‬
‫اإلنتاج عن طريق جمع األدلة بغية كشف الحقيقة قصد تحقيق العدالة‪ ،‬وبدون هذا الدليل ال تثبت الجريمة‬
‫وال تستطيع الدولة تطبيق حقها في العقاب‪ .‬فاإلثبات الجنائي يراد به إقامة الدليل اليقيني على صحة حدوث‬
‫الوقائع الجنائية المؤثرة في وقوع ماديات الجريمة وقيام شروطها كما تطلبها القانون بجميع ظروفها‬
‫ونسبتها إلى المتهم‪ ،‬وفق الضوابط التي أخضعها لها المشرع‪ .30‬ويمكن التمييز في هذه المرجعية القانونية‪،‬‬
‫بين قواعد وأحكام عامة تسري على نظام اإلثبات الجنائي عموما‪ .‬وقواعد وأحكام خاصة تحكم كل وسيلة‬
‫من وسائل اإلثبات على حدة‪.‬‬

‫وسنتناول في هذا المطلب من خالل أنماط االثبات في المجال الجنائي (الفقرة األولى) وبعدها عن‬
‫النظام القانوني لإلثبات الجنائي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ 30‬أنيس حسيب المحالوي‪ " :‬القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي بوسائل اإلثبات الحديثة"‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،2016‬االسكندرية‪ ،‬ص ‪ 22‬و‪.27‬‬

‫‪19‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أنماط االثبات في المجال الجنائي‬

‫إن اإلثبات يتسم بالصعوبة والتعقيد نظرا لكونه يتوجه نحو إعادة إنتاج الواقع الذي انقضى في الزمن‬
‫الماضي‪ ،‬فاإلثبات في الميدان الجنائي هو محاولة إلعادة صياغة وبناء الوقائع واألحداث في عملية تركيبية‪،‬‬
‫يقصد منها التعرف على الحقيقة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التطور التاريخي لإلثبات الجنائي‬

‫لقد عرفت نظرية اإلثبات الجنائي عدة تطورات عبر حقب الزمن المتلفة قبل أن تتبلور بشكلها‬
‫الحالي في التقنيات المعاصرة لذلك يمكن القول بأن االثبات الجنائي مر من أربعة مراحل‪:‬‬

‫أ‪ -‬مرحلة اإلثبات الخرافي‬

‫ساد في المجتمعات البدائية نظام االنتقام الفردي‪ ،‬الذي تطور ليتخذ فيما بعد شكل العدالة الخاصة‪،‬‬
‫في وقت لم تظهر فيه بعد السلطة العامة أو الدولة‪ .‬ويمكن القول بأن المجتمعات البدائية‪ ،‬حرفت بعض‬
‫األساليب المختلفة إلثبات الجرائم‪ ،‬وهي أساليب تتناسب ونمط العيش داخل المجتمع البدائي‪ ،‬وتوافق تقاليده‬
‫وتتمشى مع عقليته‪.‬‬

‫إن أهم ما يميز اإلثبات الجنائي في هذه المرحلة هو أنه حصيلة التخمين القائم على مشاعر‬
‫وإحساسات خاصة‪ .‬وقد لعب كائن المعبد‪ ،‬في هذه الفترة‪ ،‬الدور المنوط حاليا بالقاضي وكانت مهمة الكائن‪،‬‬
‫هي التوسط بين أفراد العشيرة ويبن اآللهة‪ ،‬حيت يتلقى جوابا بشأن الجرائم المقترفة‪ ،‬ويعمل على تنفيذ‬
‫أوامرها‪ ،‬وفض المنازعات وفقا لتعاليمها‪.‬‬
‫وأهم األساليب التي عرفت التطبيق في هذه الفترة‪ ،‬مجموعة من التحريات المتمثلة في جعل المتهم‬
‫يخضع لعدة تجارب وامتحانات والى جانب هذه التجارب طبقت وسائل أخرى كاإلثبات بالمبارزة أو‬
‫اإلثبات بيمين التزكية‪.‬‬
‫كما عرفت الشعوب القديمة وسائل إثبات أخرى‪ ،‬على درجة من الذكاء أساسها محاكاة النفس البشرية‬
‫أو من ندعوه اليوم بالجانب النفسي السيكولوجي لإلنسان‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪ ،‬أن الصينيين القدامى كانوا‬
‫يعطون المتهم كمية من الحنطة ويطلبون منه مضغها فاذا جف ريقه‪ ،‬فذلك دليل على ارتكابه وإخفائه‬
‫لحقائق في خاطره‪.31‬‬

‫‪ 31‬الحبيب بيهي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬البحث في الجرائم والتثبت منها البحث التمهيدي‪،‬‬
‫التحقيق االعدادي‪ ،‬االثبات الجنائي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2004‬الرباط – أكدال‪ ،‬ص ‪.279-278‬‬

‫‪20‬‬
‫ب‪ -‬مرحلة اإلثبات القانوني‬

‫انتشر نظام االثبات القانوني‪ ،‬بعد ظهور الدولة وتم تكريس هذا النظام من قبل عدة تشريعات قديمة‪.‬‬
‫يقوم االثبات القانوني او المقيد على وضع شروط قانونية محددة من طرف المشرع‪ ،‬بحيث ال يجوز‬
‫للقاضي التصريح بثبوت الواقعة االجرامية ما لم تتوفر تلك الشروط‪ ،‬وبتوفرها يتحتم الحكم وفقا لما جاءت‬
‫به‪ ،‬بصرف النظر عن اقتناع القاضي‪.‬‬
‫ان نظام االثبات القانوني يقوم على اعتبار حماية حقوق المتهم وذلك عن طريق تقييد حرية القاضي‬
‫في اإلثبات‪ .‬ويتولى المشرع تبعا لذلك تحديد وسائل اإلثبات على أساس افتراض صحة األدلة المعتمدة‬
‫قانونا وبصرف النظر عن الحقيقة الواقعية واختالف ظروف كل نازلة‪.32‬‬
‫اإلثبات القانوني نظام وطريق إلثبات يقوم على تحديد المشرع مسبقا لنوع الدليل وقيمته اإلقناعية‬
‫بحيث ال يكون القاضي وهو بصدد إصدار الحكم في القضية المعروضة أمامه قبول االستدالل بغير الطرق‬
‫التي حددها المشرع سلفا وال أن يجيد عما رصده من قيمة إثباتية للدليل الذي أوجب االستدالل به في‬
‫الخصومة الجنائية‪.‬‬

‫ت‪ -‬مرحلة اإلثبات الوجداني أو القائم على حرية االقتناع‬

‫قد تطور هذا التيار الفكري بسرعة في فرنسا على الخصوص ودعمه جماعة من الفالسفة والفقهاء‬
‫ورجال الدين‪ .‬وقد أجمع هؤالء على مناهضة الظلم القائم على تقييد ضمير القاضي ونادوا بإلغاء القانون‬
‫الصادر في ‪ 1670‬وهو أول قانون يكرس نظام االثبات القانوني‪.‬‬

‫وانصبت االنتقادات الفقهية والفلسفية على عقم محاولة تقييد القاضي في مجال االثبات الجنائي وعلى‬
‫عدم جدوى النظام التفتيشي‪.‬‬
‫وقد تبنت الجمعية التأسيسية في فرنسا سنة ‪ 1791‬مشروع القانون الذي ألغى االثبات القانوني‬
‫وأدخل نظام المحلفين وأقر مبدأ التحقيق الشفوي وتبنى نظام االثبات القائم على حرية االقتناع‪.‬‬
‫وقد انتشر نظام االثبات الحر في باقي دول أوربا وأصبح مند أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬هو الشريعة‬
‫السائدة في أنحاء المعمور‪.33‬‬
‫وتبقى حرية اإلثبات إحدى أهم أسس وقواعد االثبات‪ ،‬مما جعل المشرع يقر أغلب التشريعات (المبدأ‬
‫العام) في الشق الجنائي هو الحرية‪ ،‬هذا المبدأ تقررت معه مجموعة من المبادئ الجوهرية األخرى‬

‫‪ 32‬الحبيب بيهي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 282- 281‬‬


‫‪ 33‬عبد الفتاح مراد‪" :‬التحقيق الجنائي الفني والبحث الجنائي"‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث لإلسكندرية‪ ،‬الطبعة االولى‬
‫‪ 1999‬ص ‪.162- 161‬‬

‫‪21‬‬
‫والمتمثلة أساسا في مبدأ القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي وعلى القاضي وهو في سبيل تكوين اقتناعه‬
‫عمال بالنظام الوجداني مراعاة بعض الضوابط وسنبرزها كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬البد من طرح الدليل في الجلسة لمناقشة شفاهيا وبحضور األطراف حتى يدلي كل واحد‬
‫برأي فيه‪ ،‬وبالتالي ال يجوز للقاضي الفصل في الدعوى اعتمادا على دليل وصل إلى علمه‬
‫الشخصي مـن غير أن يطرح المناقشة في جلسة المحاكمة‪.‬‬

‫‪ -2‬البد من بناء الحكم الجنائي على الجزم واليقين ال على مجرد الترجيح والتخمين‪ ،‬والذي‬
‫تعتبر في منزلة الشك والذي يفسر لجهة مصلحة المتهم وفقا للقاعدة المأثورة‪ ،‬وإال وقع‬
‫نقض الحكم المشوب بعيب الشك والتخمين‪ ،‬وفي هذا الصدد صدر قرار للمجلس األعلى‬
‫بتاريخ ‪ ،07/11/19‬رقم ‪ 49‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 20‬م ‪ .40‬أكد فيه‬
‫ما يلي‪" :‬فإذا كانت المحكمة قد صرحت بأنها لم يوضع تحت يديها دليل مادي قاطع يثبت‬
‫الجريمة‪ ،‬ورغم ذلك فقد قررت إدانة المتهمة فهذا يكفي لنقض حكمها إذ األحكام يجب أن‬
‫تبنى على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين"‪.‬‬

‫‪ -3‬البد أن يكون اقتناع القاضي مبني على وسيلة إثبات مشروعة وصحيحة‪ .‬والمشروعية في‬
‫البحث عن األدلة الجنائية‪ ،‬يشمل مطابقة العمل للقانون ومطابقة للضمير واالستقامة‬
‫والنزاهة‪ ،‬من لدن المكلف بجمع األدلة‪ ،‬وخرق المشروعية في مجال األدلة قد يتخذ شكل‬
‫دليل محصل عليه بارتكاب جــريمـة كالخبرة المقامة بعد تقديم رشوة أو االعتراف المنتزع‬
‫بعنف وإكراه…‪.34‬‬

‫‪ -4‬البد أن تكون األدلة المعتمد عليها في تأسيس الحكم واقعية وقانونية مؤدية إلى النتيجة التي‬
‫‪35‬‬
‫أعلنها الحكم ومعلال بذلك تعليال واقعيا وماديا‪ .‬وجاء في هذا الصدد قرار المجلس األعلى‬
‫مفاده‪ " :‬يجـوز إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات‪ ،‬إال في األحوال التي يستوجب‬

‫‪ 34‬لما كان القانون (‪ ) 286‬من قانون المسطرة الجنائية قد أعطى لقضاة الموضوع كامل الصالحية لتبيين قناعتهم‪ ،‬ولم‬
‫يقيدهم بوسائل إثبات معينة إال في حاالت استثنائية محددة على سبيل الحصر‪ ،‬فإن المحكمة تكون قد استعملت سلطتها‬
‫التقديرية التي ال رقابة عليها من قبل المجلس األعلى في ذلك‪:‬‬
‫قرار رقم ‪ 7931‬في ‪ 1983/12/5‬مجلة القضاء والمجلس األعلى عدد ‪ 35‬و‪ 36‬م ‪.219‬‬
‫قرار رقم ‪ 4/6213‬في ‪ 1997/11/26‬مجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 53‬و‪ 54‬م ‪.406‬‬
‫الحبيب بيهي‪" :‬المشروعية في البحث عن األدلة الجنائية"‪ ،‬مقال بمجلة اإلشعاع‪ ،‬الصادرة عن نقابة المحامين بالقنيطرة‪.‬‬
‫‪ 35‬قرار رقم ‪ 5977‬في ‪ 1990/6/28‬مجلة القضاء ص ‪.289‬‬

‫‪22‬‬
‫القانون فيها أو يحضر وسيلة معينة من هذه الوسائل‪ .‬ويحكم‪ ،‬ويتعين أن يتضمن المقرر‬
‫األسباب الواقعية والقانونية التي تبرر اقتناع القاضي ولو في حالة البراءة‪.‬‬

‫ث‪ -‬مرحلة االثبات العملي وهي مرحلة لم تكتمل معالمها بعد‬

‫لقد كان للتطور العلمي أثر كبير في ميدان اإلثبات‪ ،‬وقد شملت النهضة العلمية مجاالت التحقيق‬
‫قياس‬ ‫‪ Médecine‬وعلم‬ ‫الشرعي ‪légale‬‬ ‫العلمي ‪ Criminalistique‬والطب‬ ‫الجنائي‬
‫األعضاء ‪ Antopologie‬وعلم االجرام ‪ Criminologie‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫ونشأت الحاجة إلى لجوء القاضي بسبب افتقاره للمعرفة التقنية إلى األخصائيين من رجال العلم‪.‬‬
‫إن المرحلة العلمية في اإلثبات ما زالت طرية العود وفي طور التكوين‪ .‬وتتطلب مزيدا من الحيطة‬
‫والحذر بخصوص استعمال الوسائل العلمية في اإلثبات الجنائي‪.‬‬
‫ومع ذلك فان الطرق العلمية تسجل تحوال هاما في تاريخ اإلثبات وتعمق الهوة بين العلوم اإلنسانية‬
‫والعلوم الطبيعية القائمة على النهج التجريبي‪.‬‬
‫وما تزال مسيرة هذا التطور متواصلة الخطى وبالتالي فان مشكلة اإلثبات العلمي تعد مشكلة طارئة‬
‫في العصر الراهن وفي مطلع األلفية الثالثة وهي لذلك ما تزال تشغل بال الجنائيين‪ .‬ألنها تنطوي على‬
‫وطرح مشكلة مشروعية األدلة العلمية‪ ،‬واعتمادها أساسا‬ ‫‪36‬‬
‫العديد من الفوائد لكنها ال تخلو من المخاطر‬
‫تبنى عليه األحكام الجنائية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نظم اإلثبات في المادة الجنائية‬

‫لعل ضابط اإلثبات في الميدان الجنائي هو الوصول إلى الحقيقة الواقعية بشتى الوسائل في ظل‬
‫الشرعية وقانون اإلجراءات‪ ،‬لكن القاضي قد يصادفه عائق وهو يمارس مهامه بتحديد نوع من األدلة‬
‫إلثبات جرم معين‪ ،‬فيحد من سلطته ويحجم إقناعه عن إصدار حكم عادل‪.‬‬

‫فحرية القاضي في االقتناع غايته تحقيق العدالة ويروم إلى بسط رقابته وتقييم األدلة‪ ،‬بما ينطبق‬
‫على الواقعة بالدليل والبرهان‪ ،‬كيفما كان مصدرها في ظل قواعد اإلثبات‪.37‬‬

‫‪ 36‬الحبيب بيهي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.283‬‬
‫‪ 37‬ادريس النوازلي‪" :‬االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2014‬المطبعة‬
‫والوراقة الوطنية بمراكش‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪23‬‬
‫أ‪ -‬نظام األدلة القانونية‬

‫نظام األدلة القانونية هو ذلك النظام الذي يقيد القاضي أثناء إصدار حكمه في الدعوى المعروضة‬
‫أمامه بأنواع محددة من األدلة حددها المشرع‪ ،‬ال يلعب القاضي دورا إيجابا في هذا النظام‪ ،‬أي ال يكون‬
‫لقناعة القاضي أي دور‪ ،‬حيث يقوم اقتناع المشرع بصحة اإلسناد أو عدم صحته مقام اقتناع القاضي‪،‬‬
‫ودور القاضي ال يتجاوز سوى مراعاة تطبيق القانون‪ ،‬من حيث توفير الدليل أو شروطه‪.38‬‬

‫فالمشرع هو الذي يحدد حصرا األدلة التي يجوز للقاضي اللجوء إليها في اإلثبات‪ ،‬وبالتالي فإن هذا‬
‫األخير يتقيد في حكمه باألدلة أو البراءة بأنواع معينة من األدلة‪ ،‬أو بعض منها‪ ،‬طبقا لما يرسمه التشريع‬
‫المطبق‪ ،‬بحيث إذا لم تتوفر هذه الشروط وتلك الشكليات‪ ،‬فإن القاضي ال يستطيع أن يحكم باإلدانة بصرف‬
‫النظر عن اعتقاده الشخصي‪ ،‬أي حتى ول و اقتنع يقينا بأن المتهم مدان في الجريمة المسندة إليه‪ .‬ولذلك فإن‬
‫هذا النظام يسمى بنظام اإلثبات القانوني أو المقيد‪ ،‬حيث إن القانون قيد القاضي بقائمة من األدلة التي حدد‬
‫قيمتها اإلثباتية‪ ،‬وهذا النظام ينتمي للقوانين ذات الصياغة األنجلوساكسونية‪ ،‬مثل المملكة المتحدة (بريطانيا)‬
‫والواليات المتحدة األمريكية‪.39‬‬

‫ب‪ -‬نظام اإلثبات الحر‬

‫نظام اإلثبات الحر هو ذلك النظام الذي ال يحدد فيه القانون طرق معينة لإلثبات يجعل القاضي مقيدا‬
‫بها‪ ،‬بل يكون ألطراف الخصومة الحرية ليقدموا أدلتهم إلقناع القاضي‪.40‬‬

‫فالمشرع في هذا النظام ترك للقاضي الجنائي‪ ،‬كقاعدة عامة‪ ،‬حرية تقدير األدلة المقدمة في الخصومة‬
‫دون أن يقيده بأي دليل معين‪ ، 41‬وبعبارة أخرى عملية اإلثبات في ظل هذا النظام أصبحت خاضعة لقناعة‬

‫‪ 38‬ادريس النوازلي‪ :‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫‪ 39‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مقال منشور بمجلة العلوم الجنائية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬الطبعة ‪ 2017‬ص ‪.286‬‬
‫‪ 40‬ادريس النوازلي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 41‬وترد على هذه القاعدة العامة‪ ،‬بالنسبة للدول التي تأخذ بهذا النظام كما هو الشأن بالنسبة للقانون المغربي والمصري‪،‬‬
‫من االستثناءات نذكر منها‪ :‬الفصل ‪ 493‬من ق‪.‬م‪.‬ج " الجرائم المعاقب عليها في الفصلين ‪ 490‬و‪ 491‬ال تثبت إال بناء‬
‫على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق‬
‫صادرة عن المتهم"‬
‫والمادة ‪ 276‬من قانون العقوبات المصري " األدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حال تلبسه‬
‫بالفعل أو اعترافه أو وجوب مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للجرم"‪.‬‬
‫والمالحظ هنا أن المشرع قد قيد القاضي الجنائي ببعض وسائل اإلثبات المحددة على سبيل الحصر بالنسبة لبعض‬
‫الجرائم‪ ،‬غير أنه لم يقيد قناعته منها‪ ،‬فله أن يقتنع بها أو ال يقتنع‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫القاضي‪ ، 42‬فكل األدلة تتساوى في قيمتها اإلثباتية‪ ،‬ولها نفس القوة والقيمة من حيث المبدأ‪ ،‬سواء كانت‬
‫اع ترافا أو شهادة أو مستندات أو حتى مجرد قرائن‪ ،‬وأي كانت طبيعة الجريمة المرتكبة‪ ،‬وبمعنى آخر فكل‬
‫وسيلة تؤدي إلى اليقين هي وسيلة إثبات‪ ،‬والقاضي ال يملك أن يستبعد أي دليل منها‪ ،‬بدعوى أنه اإلثبات‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن حرية القاضي الجنائي في االقتناع ليست مطلقة‪ ،‬فالقانون وإن اعترف له بسلطة واسعة‬
‫في تقدير الدليل‪ ،‬فإنه قد قيده من حيث القواعد التي تحدد كيفية حصوله عليها والشروط التي يتعين توفرها‬
‫فيه‪ ،‬ومخالفة هذه الشروط قد تهدر قيمة الدليل وتشوب قضاءه بالبطالن‪.43‬‬

‫وهكذا فإن هذا النظام يقوم على ركنين هما‪:‬‬

‫‪ -‬إطالق حرية اإلثبات بالنسبة للخصوم‪.‬‬

‫‪ -‬إطالق حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته مما يؤدي إلى نتيجتين حتميتين هما‪ :‬حرية القاضي‬
‫الجنائي في اختيار األدلة‪ ،‬ثم حريته في تقرير األدلة‪.44‬‬

‫ت‪ -‬نظام اإلثبات المختلط‬

‫وهو النظام الذي يجمع بين النظامين السابقين‪ ،‬ويقوم على أساس أن يحدد القانون أدلة معينة إلثبات‬
‫بعض الوقائع‪ ،‬دون بعضها اآلخر‪ ،‬ويشترط في الدليل شروطا في بعض األحوال‪ ،‬أو يعطي القاضي‬
‫الحرية في تقدير القيمة اإلثباتية لألدلة القانونية‪ ،45‬فهو ليس نظاما مستقال‪ ،‬وإنما مزج أو توفيق بين‬
‫النظامين السابقين على نحو يجمع في سعيه نحو جالء الحقيقة وتأمين كل منهما‪.46‬‬

‫وقد أدى ذلك إلى اختالف القوانين اإلجرائية التي يأخذ بهذا النظام عن تلك التي يسودها نظام اإلثبات‬
‫الحر‪ ،‬خاصة فيما يخص نطاق قبول األدلة المستمدة من الوسائل التقنية الحديثة كالحاسب اآللي في مجال‬
‫اإلثبات الجنائي‪.‬‬

‫‪ 42‬عبد هللا ادعول‪ ":‬الدليل االلكتروني في اإلثبات الجنائي "رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة قاضي‬
‫عياض‪ ،‬كلية الحقوق بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2012/2011‬ص ‪.64‬‬
‫‪ 43‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪ 44‬عبد هللا ادعول‪ ":‬الدليل االلكتروني في اإلثبات الجنائي " مرجع سابق‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫‪ 45‬عفيفي كامل عفيفي‪" :‬جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنف الفنية ودور الشرطة والقانون"‪- ،‬دراسة مقارنة‪،-‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2003‬منشورات الحلبي الحقوقية بيروت‪ ،‬ص ‪.392‬‬
‫‪ 46‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬

‫‪25‬‬
‫ث‪ -‬موقف المشرع المغربي‬

‫مما ال شك فيه أن المشرع المغربي يأخذ بنظام اإلثبات المختلط أو الوسط الذي سبق الحديث عنه‪.‬‬
‫وتبعا لذلك نجد المادة ‪ 286‬من ق‪.‬م‪.‬ج تنص على أنه‪ ":‬يمكن إثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل اإلثبات‪،‬‬
‫ما ع دا في الحاالت التي تقضي القانون فيها بخالف ذلك‪ ،‬ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن‬
‫يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند ‪ 8‬من المادة ‪ 365‬اآلتية بعده"‪.‬‬

‫وانطالقا من ذلك‪ ،‬يتضح أنه في ظل القانون المغربي يمكن للقاضي الجنائي ‪-‬بخالف القاضي‬
‫المدني‪-‬أن يلعب دورا إيجابيا في استثمار مبدأ اإلثبات الحر‪ ،‬والسيما إذا اتخذ المبادرة في البحث عن‬
‫الوسائل الناجعة التي تؤدي به إلى إظهار الحقيقة‪.‬‬

‫ففي قرار للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) جاء فيه‪ " :‬لكن حيث إن الفصل ‪ 288‬من ق‪.‬م‪.‬ج‬
‫المستدل به في الوسيلة أعطى لمحكمة المو ضوع الصالحية لتكوين قناعتها من جميع وسائل اإلثبات ولم‬
‫يقيدها بوسيلة إثبات معينة إال في حاالت استثنائية منصوص عليها في القانون على سبيل الحصر‪.47"...‬‬

‫ومن تم نستنتج أن القانون المغربي قد أجاز اإلثبات في المسائل الجنائية بكافة صور األدلة‪ ،‬أي كان‬
‫نوعها أو طبيعتها‪ ،‬على هذا ال نحو تكون فيه جميع األدلة متساوية في قيمتها‪ ،‬مقبولة أمام القضاء الجنائي‬
‫من حيث المبدأ‪ ،‬خاضعة لتقدير المحكمة التي يكون لها الحق أن تكون عقيدتها في إدانة المتهم أو تبرئته‪،‬‬
‫نتيجة اقتناعها بأدلة معينة وطرحها ألدلة أخرى‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬القواعد القانونية لالثبات الجنائي‬

‫يتم هذا األساس القانوني عن طريق جمع األدلة في مرحلة أولى‪ ،‬و تقديمها لقضاء التحقيق أو للنيابة‬
‫العامة قصد تمحيصها‪ ،‬فإذا نتج عن هذا التمحيص أدلة تثبت اإلدانة‪ ،‬أحيلت على مرحلة المحاكمة‪ ،‬حيث‬
‫يتم تقدير قيمة الحجج و األخذ منها بتلك التي تولد الجزم و اليقين في دائرة اقتناع القاضي‪ ،‬بحيث إذا تحقق‬
‫هذا الجزم‪ ،‬وجب تبرئة ساحة المتهم‪.48‬‬

‫‪ 47‬قرار المجلس االعلى عدد ‪ 280/20‬المؤرخ في ‪ ،2005/01/19‬ملف جنحي عدد ‪ ،04/23297‬مجلة قضاء‬
‫المجلس االعلى‪ ،‬عدد‪ ،67‬يناير ‪ ،2007‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 48‬الحبيب بيهي‪":‬شرح قانون المسطرة المدنية الجديد" الجزء األول‪ ،‬سلسلة أعمال جامعية من منشورات المجلة المغربية‬
‫اإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2006‬م‪ ،‬ص ‪.275‬‬

‫‪26‬‬
‫أوال‪ :‬نطاق الحق في اللجوء لوسائل اإلثبات المختلفة‪.‬‬

‫أ‪ -‬نطاق الحق في قانون المسطرة الجنائية‬


‫‪ -‬مبدأ حرية اإلثبات في الميدان الزجري‪ :‬يقصد بها حرية االستعانة بكافة طرق اإلثبات للوصول‬
‫إلى الحقيقة والكشف عنها‪ ،‬ووفقا لهذا المبدأ الذي يجد سنده في الفصل ‪ 286‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬الذي ينص على‬
‫أنه‪" :‬يمكن إثبات كافة الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات ما عدا األحوال التي يقضي القانون فيها‬
‫بخالف ذلك…" يتأسس المبدأ الذي نحن بصدد دراسته على كون اإلثبات في الشق الجنائي يرتكز على‬
‫وقائع إجرامية مادية و ليس على تصرفات قانونية تستلزم نوعا معينا من األدلة‪ ،‬لذلك وجب السماح بإثباتها‬
‫بجميع وسائل اإلثبات المعروفة من "شهادة وخبرة و قرائن ومحررات و اعترافات…إلخ"‪.‬‬
‫فإن اإلثبات في الميدان الزجري ‪-‬خالف المدني‪ -‬حر ‪ ،‬بمعنى أن كل وسائل اإلثبات التي يقرها‬
‫القانون يمكن االستدالل بها أمام القضاء الزج ري الذي ال يجوز له أن يرفضها ما لم ينص القانون على‬
‫خالف ذلك‪ ،‬ويمكن لكل أحد من األطراف االستعانة بأي دليل يراه منتجا في إقناع المحكمة بوجهة نظره‪.‬‬
‫لكن بالرجوع إلى الفقرة الثانية من ذات الفصل نجدها تقرر مبدأ آخر‪ ،‬واألمر يتعلق "بحرية االقتناع" بما‬
‫يطرح على قاضي الحكم من وسائل مختلفة بشأن قضية معينة‪ ،‬فإذا كان اإلثبات غير قائم قرر عدم إدانة‬
‫الشخص وحكم ببراءته‪.‬‬
‫‪ -‬مبدأ حرية القاضي الجنائي المغربي في تكوين عقيدته‪ :‬نصت عليها نفس المادة ‪ 286‬من ق‪.‬م‪.‬ج‬
‫على أنه "‪ ...‬ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي‪"...‬‬
‫فالقاضي الجنائي يحكم بما اقتنع ضميره على أساس أن يبرر اقتناعه‪ ،‬وأن تقييد القاضي بوجوب تبرير‬
‫اقتناعه هو أمر استحدته قانون مسطرة الجنائية لسنة ‪ ،2003‬و االحالة على البند ‪ 8‬من المادة ‪ 365‬تتعلق‬
‫بوجوب اشتمال الحكم على األسباب الواقعية و القانونية التي ينبني عليها الحكم أو القرار أو األمر‪ ،‬ولو‬
‫في حالة البراءة‪ .‬وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس األعلى ما يلي‪" :‬يجب أن يكون كل حكم معلل من‬
‫الناحيتين الواقعية والقانونية‪ ،‬وإال كان باطال‪ ،‬وأنه إذا كان من حق القضاة أن يكونوا اقتناعهم في جميع‬
‫األدلة المعروضة عليهم‪ ،‬فيجب أن تؤدي تلك األدلة منطقيا وعقال إلى النتيجة التي انتهوا إليها"‪.49‬‬
‫وبالتالي فاألصل هو حرية اإلثبات والذي يقابله الحرية في االقتناع الذي يجب أن يكون مبررا وهي‬
‫مجموعة من المبادئ التي تطبق في المادة الجنائية‪ .‬على أنه يبقى لكل قاعدة استثناء‪ ،‬واالستثناء حاضر‬
‫وواضح في نص الفصل ‪ 286‬الذي أكد بقوله "‪...‬ما لم يقضي القانون فيها بخالف ذلك" مما يعني أن‬

‫قرار عدد ‪ 8178‬ملف جنحي رقم ‪ 12879‬وتاريخ ‪ 1983/ 12/ 12‬ق‪.‬م‪.‬أ‪ ،‬عدد ‪ ،255‬ص ‪.36 – 35‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪27‬‬
‫المبدأ السابق له مستثنيات عمل المشرع الجنائي اإلجرائي من خاللها على تلطيف القوة االطالقية لمبدأ‬
‫الحرية في اإلثبات‪ .‬فما مضمون هذه المستثنيات؟‬

‫ب‪ -‬التلطيف من عمومية مبدأ الحرية في اإلثبات في القانون الجنائي‬

‫االستثناء على المبدأ السابق مفاده أن صالحية وسائل اإلثبات لالستدالل بها أمام المحاكم الزجرية‬
‫قد تتعطل بإرادة المشرع في بعض الحاالت المحدودة جدا‪ ،‬الذي فرض هذا األخير (أي المشرع) اإلثبات‬
‫فيها بوسائل محددة فقط‪ ،‬أو يمنع أصال االستدالل بوسيلة معينة‪ 50.‬ومن أمثلة االستثناءات نذكر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 288‬من قانون المسطرة الجنائية الذي يقرر بأنه‪" :‬إذا كان إثبات الجريمة متوقفة على‬
‫حجج جارية عليها أحكام القانون المدني فيراعى عن القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور"‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك الفصل ‪ 294‬من قانون المسطرة الجنائية الذي يقرر‪" :‬بأن الحجة الكتابية ال تنجم عن‬
‫المراسلة المتبادلة بين المتهم ووكيله"‪ .‬وغيرها من االستثناءات الواردة على سبيل الحصر كما‬
‫أكدنا في المادتين ‪ 294‬و‪ 325‬و‪ . 193‬والحكمة من هذه االستثناءات هي تحقيق بعض الضمانات‬
‫اله ادفة إلى إظهار الحقيقة‪ ،‬أو حماية حقوق الدفاع‪ ،‬أو الحفاظ على بعض االعتبارات االجتماعية‬
‫‪51‬‬
‫أو األسرية‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 493‬من مجموعة القانون الجنائي الذي يوجب في معرض إثبات الجرائم المنصوص‬
‫عليها في الفصلين ‪ 490‬و‪ ، 491‬واألمر هنا يتعلق بكل من جريمتي الخيانة الزوجية‪ ،‬والفساد‪.‬‬
‫أن يتم إثباتها بإحدى الفرضيات التالية كوسائل إلثبات تقيد حرية اقتناع القاضي ومبدأ الحرية في‬
‫اإلثبات‪ ،‬إما بمحضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على‬
‫اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي‪.‬‬
‫يبقى السؤال المطروح ما هي الجهة التي يقع عليها عبء اإلثبات هل تكون دائما قضائية‪ ،‬أم غير‬
‫قضائية سواء في شخص المدعي بتعرضه لفعل مجرم في القانون الجنائي أم المشتبه فيه؟ وهل التشريع‬
‫الجنائي يأخذ بمرجعية محددة بخصوص القيمة اإلقناعية لوسائل اإلثبات المثارة أمامه؟‬

‫‪ 50‬عبد الواحد العلمي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية"‪ ،‬الجزء الثاني في "التحقيق اإلعدادي والمحاكمة" طبعة جديدة‬
‫‪ ،2000‬نظيم القضاء الجنائي ‪-‬االختصاص ‪-‬االختصاص‪-‬اجراءات المحاكمة‪-‬وسائل االثبات‪ ،‬ص ‪.246‬‬
‫‪ 51‬ما أنه البد من التأكيد على ضرورة التقييد بوسائل إثبات محددة بمقتضى نصوص خاصة‪ ،‬في هذا الصدد قرار‬
‫زجري رقم ملفه ‪ 9128‬عدد ‪ 91 /27457‬صدر عنه بتاريخ ‪ 24 /9 /27‬مأخوذ من كتاب‪" :‬دليل القاضي في العمل‬
‫القضائي المدني" للدكتور عمر بوحموش الطبعة ‪ ،2001‬و جاء فيه "على المصاب في حادث سير على ذوي حقوقه أن‬
‫يدلوا للمحكمة بما يثبت األجر أو الكسب المهني"‪.‬و في حالة عدم إثبات األجر أو الكسب المهني يفترض من المصاب أجر‬
‫يوازي الحد األدنى الوارد بالجدول المرفق بالظهير المذكور‪ ,‬فقواعد هذا الظهير(‪ ) 84 /10/ 2‬تعتبر أمرة ال مجال‬
‫الستعمال السلطة التقديرية معها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ثانيا‪ :‬عبء اإلثبات في المادة الجنائية‬

‫نقصد بعبء اإلثبات تحديد من المسؤول عن تقديم الدليل‪ ،‬من الطرفين‪ :‬جهة االتهام أو المتهم‪ ،‬ولما‬
‫كان األصل في اإلنسان البراءة كان على من يدعي خالف هذا األصل إثبات ما يدعيه‪ ،‬فلما كانت النيابة‬
‫العامة هي الموكول إليها سلطة االتهام ومهمتها إسناد الواقعة اإلجرامية إلى المتهم المقامة عليه الدعوى‬
‫للتوصل إلى الحكم بإدانته‪ ،‬فإن عبء إثبات التهمة على عاتقها‪ ،‬ويساعدها في ذلك المطالب بالحق المدني‬
‫إن وجد‪ ،‬فإن عجزت النيابة العامة عن إقناع المحكمة قضت هذه األخيرة بالبراءة طالما لم يقع الدليل على‬
‫المتهم‪.52‬‬

‫أ‪ -‬وقوع عبئ االثبات على عاتق النيابة العامة‬

‫يحمل اال تهام عبء االثبات‪ ،‬أي تحمله النيابة العامة وهذه القاعدة تطبيق لمبدأ عام هو البينة على‬
‫من ادعى وهذا مبدأ عام يسري على فروع القانون كافة‪ ،‬وسنده هو األصل في اإلنسان البراءة‪.‬‬

‫فإن عبء اإلثبات يتحمله من يدعي خالف هذا األصل ألنه ال معنى ألن يكلف الشخص المراد‬
‫مساءلته جنائيا بإثبات أنه بريء وهو كذلك بحب األصل‪ ،‬سواء من الجريمة أو من االلتزام‪ ،‬ولما كان‬
‫المدعى يقول بخالف هذا األصل‪ ،‬فقد تعين عليه أن يثبت ادعاءه‪ ،‬ويثبت توافر جميع أركان الجريمة‬
‫وبالنسبة لكل ركن على حده‪ ،‬فإنه يتعين عليه أن يثبت جميع الوقائع المتطلبة لوقوع الجريمة ومسؤولية‬
‫ولما كان المتهم يحاول تبرئة ساحته مما نسب إليه‪ ،‬فإن عبء نفي التهمة يقع على عاتقه‪،‬‬ ‫‪53‬‬
‫المتهم عنها‪.‬‬
‫فإذا دفع المتهم أنه قام لديه مانع من موانع العقاب أو من موانع المسؤولية أو في حالة دفع المتهم بتوافر‬
‫سبب من أسباب االباحة لمصلحته‪ ،‬فعليه إثبات ما يدعيه‪.‬‬

‫فهل يكفل بإثبات الوقائع التي يقوم سبب االباحة عليها دفعة؟ حيث أنه أصبح مدعيا واألصل أن يقع‬
‫عليه عبء إثبات ما يدفع‪ ،‬وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن هذا األصل يطبق في هذه الحالة فيجب على‬
‫المتهم أن يثبت صحة دفعه وهذا الرأي محل نقد ذلك أن النيابة العامة ال تعتبر خصما عاديا للمتهم وانما‬
‫هي تمثل المجتمع‪ ،‬فيجب أن تحرص على حريات األبرياء وحرصها على ادانة المجرمين‪ ،‬هذا فضال‬
‫على أن المتهم ال يملك من الوسائل ما تملكه النيابة العامة من حيث امكانيات االثبات وأقدر منه على أن‬

‫‪ 52‬أنيس حسيب السيد المحالوي‪" :‬القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي بوسائل االثبات الحديثة" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ 53‬د‪ .‬محمود نجيب حسنى‪" :‬االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬سنة ‪،1992‬‬
‫ص ‪.61 – 66‬‬

‫‪29‬‬
‫تكشف للقاضي الحقيقة في شأن هذا الدفع‪ 54.‬هنا يجب أن يقع عبء االثبات بالنسبة لهذه الدفوع على عاتق‬
‫النيابة العامة ويرد على هذه القاعدة بعض االستثناءات‪:‬‬

‫‪ -‬مثل تقرير المشرع لبعض المحاضر إثبات الجرائم حجية خاصة‪ ،‬بحيث يتعين على القضاء أن‬
‫يسلم بما أثبت فيها ويعنى ذلك إعفاء النيابة العامة من اثبات ذلك وتحميل المتهم عبء عكسه‪ ،‬وفى بعض‬
‫الحاالت يسبغ المشرع حجية قوية على المحضر‪ ،‬فال يسمح للمتهم بإثبات عكس ما ورد فيه إال عن طريق‬
‫طعنه بتزويره‪.‬‬

‫‪ -‬ويدخل في هذه االستثناءات القرائن القضائية حيث تخول للقاضي أن يستنتج من واقعه معلومة‬
‫واقعه مجهولة‪ ،‬أو بتعبير أخر أن يستنتج من واقعة معلومة واقعة أقام االتهام الدليل عليها واقعة أخرى لم‬
‫يرد عليها اثبات‪ ،‬مما يعادل اعفاءه من عبء االتهام‪.55‬‬

‫ب‪ -‬تفسير الشك لمصلحة المتهم‬

‫في حالة العجز عن إثبات ما وقع االدعاء به بالدليل القاطع‪ ،‬فما على القاضي الجنائي إال براءة‬
‫المتهم المفترضة أصال‪ ،‬بل له ‪-‬أكثر من ذلك ‪ -‬أن يعلن البراءة حتى ولو قدم دليل في القضية لم يتمكن‬
‫معه القاضي من تكوين قناعته التامة في الجريمة المنسوبة إلى المتهم بسبب الشك‪ ،‬ألن الشك كما هو‬
‫معلوم يفسر لمصلحة المتهم دوما‪.56‬‬

‫بل يجب إدانة المتهم عندما يقع الدليل القاطع على ارتكابه الجريمة بحيث يقتنع القاضي اقتناعا يقينا‬
‫بارتكابه الجريمة ونسبتها إلى المتهم‪ ،‬فإذا ثار الشك لدى القاضي في صحة أدلة االثبات وجب أن يميل إلى‬
‫جانب األصل وهو البراءة‪ ،‬أي أن الشك يجب أن يفسر لمصلحة المتهم‪ 57‬حيث إذا لم يكن هناك دليل على‬
‫إجرامه فإن ذلك يعد قرينة قانونية على براءته‪.‬‬

‫‪ 54‬محمود محمود مصطفى‪ " :‬االثبات في المواد الجنائية"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،1911‬ص ‪– 55‬‬
‫‪.49‬‬
‫‪ 55‬محمود نجيب حسنى‪ " :‬االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ 56‬عبد الواحد العلمي‪ ":‬شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.378‬‬
‫‪ 57‬فوزية عبد الستار‪ " :‬شرح قانون االجراءات الجنائية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،1977‬ص ‪.514‬‬

‫‪30‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬خصوصية االثبات في بعض جرائم األعمال على ضوء القوانين‬
‫الخاصة‬

‫لإلثبات في ميدان األعمال مكانة خاصة تضاهي تلك التي يتبوأها في المجال الزجري‪ ،‬لهذا فقد‬
‫أواله المشرع المغربي عناية واضحة سعيا منه إلى إثبات الجنح أو المخالفات‪ ،‬وإسناد مسؤوليتها إلى‬
‫مرتكبيها تجنبا ألي ظلم أو جور‪ ،‬وحرصا على عدم اإلفالت من العقاب‪.‬‬
‫فالمشرع لم يقيد اإلثبات في هذا المجال‪ ،‬ولم ينص على آليات معينة تتحقق بها وحدها إقامة الدليل‪،‬‬
‫بل صرح بأنه يمكن اإلثبات بكل الوسائل الممكنة‪ .‬حيث يمكن إثبات هذه األفعال بجميع الطرق القانونية‪،‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتضح أن كافة وسائل اإلثبات المعروفة في الميدان الجنائي يمكن اعتمادها في إثبات الجريمة‪،‬‬
‫كالمعاينة واالعتراف والقرائن والمحاضر وغيرها‪.‬‬
‫إال أن المشرع أفرد فصوال تتعلق باإلثبات في مجال األعمال‪ ،‬من ضمنهم مدونة الجمارك كنمودج‪،‬‬
‫التي نستخلص منها بعض خصوصيات اإلثبات‪ ،58‬من بينهم الفصل ‪ 234‬الذي نص في فقرته األولى "‬
‫أنه تثبت األفعال التي تشكل خرقا للقوانين واألنظمة الجمركية عن طريق الحجز أو عن طريق البحث"‪.‬‬
‫ولكن حديثنا في هذا العرض‪ ،‬سيتمحور حول اثنتين فقط من آليات اإلثبات ووسائله‪ ،‬لما لهما من حضور‬
‫قوي في هذا النطاق‪ ،‬ولكثرة اعتمادهما في العمل القضائي‪ ،‬وهما القرائن القانونية‪ ،‬والمحاضر على‬
‫اختالفها‪ .‬وبعدها سنشير الى اثبات الجرائم المتعلقة بالقانون الضريبي الذي يتجسد أساسا في تحديد الجرائم‬
‫الجبائية والجرائم المترتبة عنها وكيفية اثباتها ‪ ،‬وكذا المساطر الجبائية والجنائية التي ترافق مسلسل الجريمة‬
‫الضريبية ابتداء من تاريخ ارتكابها والكشف عنها الى االنتهاء بتوقيع الجزاء على القائم بها‪.‬‬

‫من هنا سنقسم المطلب الى االثبات في الجرائم الجمركية (الفقرة األولى) وبعدها االثبات في جرائم‬
‫التهرب الضريبي على ضوء القانون الجنائي والقوانين الخاصة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ 58‬انظر تفاصيل في هذا الموضوع في‪:‬‬


‫محمد زاليجي‪ :‬جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها ومالءمة جزاءاتها (القسم األول)‪ ،‬مجلة "المناظرة"‪،‬إصدار‬
‫مجلس هيئة المحامين بوجدة‪ ،‬مطبعة المتقي برنتر‪ ،‬ع‪ ،4 .‬يونيو ‪ ،1999‬ص ‪.130-140‬‬

‫‪31‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االثبات في الجرائم الجمركية‬

‫بالرغم من خضوع اإلثبات الجمركي للقواعد اإلجرائية المعمول بها في البحث والتحقيق والمحاكمة‬
‫المحددة في قانون المسطرة الجنائية بوضوح‪ ،‬إال أن ثمة أمور يمتاز بها عن اإلثبات الجنائي وفي مقدمتها‬
‫قلب عبء اإلثبات من النيابة العامة (كجهة قضائية) وإدارة الجمارك (كجهة إدارية) إلى شخص المتهم‬
‫وبالتالي هدم "قرينة البراءة"‪ ،‬بوصفها من المبادئ الراسخة في األنظمة القانونية الحديثة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ندرك جيدا خطورة العمل القاضي في المواد الجمركية‪ ،‬ألنه يترتب عن أحكامه مساس‬
‫بحرية األشخاص‪ ،‬بخالف ما نجده مثال‪ ،‬في القضاء المدني‪ ،‬لذا كان لزاما في هذا الصدد‪ ،‬تحري األدلة‬
‫واإلثباتات قبل النطق بحكم يدين المتهم‪ .‬ف"إذا كان القاضي المدني يكتفي بما عرض عليه من وثائق من‬
‫جانب األطراف‪ ،‬فإن القاضي الجنائي يتقصى ما حدث بالفعل‪ ،‬ال ما رغب األطراف في ْ‬
‫إطالعه عليه‪،‬‬
‫فال يمكن الحكم باإلدانة‪ ،‬وبالتالي إنزال العقاب دون الحصول على أدلة قاطعة‪ ،‬ال تترك مجاال للشك في‬
‫إسناد الفعل اإلجرامي‪ ،‬كما أن الهدف من اعتماد وسائل اإلثبات هو حماية المشتبَه فيه من تجاوز السلطات‬
‫المكلفة بالبحث والتحقيق في حدود الصالحيات الموكولة إليها‪ ،‬وبالتالي تحقيق الغاية النبيلة المرجوة من‬
‫هذا الحق‪ ،‬والمتمثل ة في تالفي األخطاء القضائية"‪ .59‬كما يستفاد من هذا اإلثبات وأحكامه القانونية‪ ،‬في‬
‫مجال العمل القضائي‪ ،‬وهو ما يعكسه حجم األحكام والقرارات الصادرة عن أجهزة العدالة في هذا اإلطار ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬حجية االثبات القانونی للقرائن في الجريمة الجمركية‬

‫إذا كانت القرائن أثير من حولها نقاش مستفيض في التشريعات الجنائية‪ ،‬أسفر عن اقتناع بعضها‬
‫بالتخلي عن القرائن نهائيا‪ ،‬وعدم االعتداد بها في مجال اإلثبات‪ ،‬وعن لجوء بعضها اآلخر إلى تضييق‬
‫نطاق تطبيقها لتقتصر على المخالفات وبعض الجنح فقط‪ ،‬إال أن القانون الجمركي لم يعرف مثل ذلك‬
‫النقاش والجدال‪ ،‬بل عمل بمقتضى تلك القرائن‪ ،‬لما لها من أثر واضح في مكافحة الغش والتهريب‪ ،‬وأكثر‬
‫من ذلك نجده قد توسع فيها‪ ،‬ولم يحصرها في ماديات الجريمة فحسب‪ ،‬بل تجاوزها إلى قرائن اإلسناد‬
‫والمشاركة واالستفادة وغيرها مما يمت بصلة إلى الركن المعنوي للجريمة الجمركية‪ ،‬وقد سار المقنن‬
‫الجمركي المغربي في هذا المتجه‪.‬‬
‫فرض المشرع الجمركي على ناقل البضائع‪ ،‬في حالي التصدير واالستيراد‪ ،‬جملة من االلتزامات‪،‬‬

‫‪ 59‬محمد ابريكي‪ :‬المفيد في المصطلحات الجنائية‪ ،‬مطبعة شمس برينت‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،1‬ص ‪.15‬‬

‫‪32‬‬
‫وألزمه بالتقيد بعدد من الشروط‪ ،‬حتى يكون سلوكه المادي مشروعا أو قانونيا‪ ،‬واعتبر ‪ -‬بالمقابل‪ -‬أي‬
‫خروج عن تلك القيود والشروط مخالفة جمركية تستوجب العقاب‪ ،‬وبالتحديد فإنه قد وصف فعله ذاك‬
‫بالتهريب‪ ،‬وعين قرائن دالة على حصوله‪.60‬‬
‫فالناقل الذي تضبط عنده بضاعة منقولة بصفة غير قانونية‪ ،‬إما لعدم مرورها بمكتب جمركي في‬
‫خط حدودي أو ميناء أو مطار‪ ،‬وإما لعدم تقييد تلك البضاعة في السجل التجاري أو ورقة الطريق‪ ،...‬يعد‬
‫مهربا‪ ،‬وفعله قرينة ذات حجية قاطعة على ارتكابه مخالفة جمركية‪ ،‬يستحق عليها عقوبة‪ .‬ويترتب عن‬
‫ذلك أنه ال يمكنه إثبات براءته عن طريق تقديم الدليل العكسي لتبرير النقل القانوني للبضاعة‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يمكنه إثبات حسن نيته ها هنا‪ ،‬حتى وإن كان فعله الموصوف بأنه مخالف للتشريع الجمركي‪ ،‬ناجما عن‬
‫خطإ تسببت فيه إدارة الجمارك‪ ،‬أو عن إهمال من قبل أعوان هذه األخيرة‪ ،‬أو نتيجة لظروف أخرى‪،‬‬
‫كإضراب هؤالء الذي عطل ذلك المرفق‪ .‬فالمشرع هنا تمسك بفعل النقل كواقعة تم ضبط الشخص عليه‪،‬‬
‫ولم تكن ملتزمة بالمقتضيات القانونية‪ ،‬لذا يتخذ ذلك قرينة على الجريمة‪ ،‬ال يمكن قبول أي طعن فيها‪ ،‬أو‬
‫أي تذرع بأسباب خارجية‪ ،‬ما عدا حالة واحدة فقط أعطي المتهم حق دفع قرينة التهريب بفعل النقل غير‬
‫القانوني للبضائع‪ ،‬والتملص منها‪ ،‬بوصفها تحيل إلى سبب أجنبي غير متوقع لم يكن‪(Force majeur) ،‬‬
‫وهي حالة القوة القاهرة بإمكان الناقل دفعه أو تالفيه‪ .‬وقد أشار إليها المشرع الجمركي كقاعدة عامة‪ ،‬وإن‬
‫لم يعرفها كما فعل المقنن المدني‪.61‬‬
‫فإن إدارة الجمارك تعفى من إثبات الركن المادي للجريمة الجمركية عند ضبط ناقل يحوز بضاعة‬
‫بطريقة غير قانونية‪ ،‬لكونها المستفيدة من هذه القرينة التي تلصق بموجبها الصفة التهريبية بتلك البضاعة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فهي غير ملزمة بإثبات أن هذه األخيرة عبرت أو كانت ستعبر الحدود على نحو القانوني‪ .‬كما أن‬
‫المحكمة ال يمكنها تبرئة الناقل على أساس الشك بمسوغ عدم تأكده من المرور غير القانوني للبضاعة عبر‬
‫الحدود‪ .‬وقد سار المشرع الجمركي الفرنسي في هذا االتجاه في المادة ‪ 600‬فنص على أن البضائع‬
‫المحظور تصديرها التي تمر وراء أول مكتب للجمارك‪ ،‬وتسلك ممرا مختلفا‪ ،‬تعتبر مصدرة عن طريق‬
‫الغش أو التهريب‪ .‬وأيده القضاء الفرنسي في كثير من قراراته‪ ،‬من مثل ذاك الصادر عن محكمة النقض‬
‫الفرنسية بتاريخ ‪.26/02/1948‬‬
‫حسب منطوق الفصل ‪ 181‬من م‪ .‬ج‪ .‬ض‪ .‬غ‪ .‬م‪ .‬تقوم جريمة التهريب بفعل الحيازة غير القانونية‬
‫في حق الشخص الذي قام ببيع أو تفويت تلك البضاعة إذا لم يتمكن من اإلدالء بما يثبت ذلك خالل أجل‬
‫محدد قانونا‪ .‬اذ أثارت عبارة وردت في الفصل المذكور نقاشا بين الفقهاء والباحثين‪ ،‬فاعتبرت الجريمة‬

‫‪ 60‬تُنظر تفاصيل في هذا الموضوع في‪:‬‬


‫محمد زاليجي‪ :‬جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها ومالءمة جزاءاتها (القسم األول)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪147‬‬
‫– ‪.140‬‬
‫‪ 61‬الفصل ‪ 269‬من ق‪ .‬ل‪ .‬ع‪ .‬المغربي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الجمركية قائمة بمجرد عجز الحائز عن تقديم اإلثباتات لعون الجمارك عند طلبها منه‪ .‬وهو ما عد مساسا‬
‫صارخا بحقوق الدفاع‪ ،‬وحرمان المتهم من حقه في إثبات براءته من المنسوب إليه‪ .‬ولم تكن اإلدارة وال‬
‫جهاز العدالة بحاجة إلى إثبات جريمة الحيازة غير القانونية على غرار في جريمة التهريب بفعل النقل‬
‫غير المشروع للبضائع‪.‬‬
‫وأمام هذا الوضع‪ ،‬كان ال بد من إعادة النظر في كيفية تعاطي المشرع الجمركي مع إشكال "اإلثبات‬
‫الفوري"‪ ،‬لما ينطوي عليه من ظلم للمتهم‪ ،‬فعمد إلى إجراء تعديل بمقتضى ظهير ‪ 06/05/200‬الذي‬
‫أعطى للحائز‪ ،‬الذي يدعي امتالكه إثباتات ومستندات تؤكد براءته‪ ،‬مهلة ‪ 48‬ساعة لإلدالء بما يدحض‬
‫قرينة الحيازة غير القانونية‪ ،‬السيما وأنها تكون في مكان آخر ال يمكن معه تقديمها فوريا للعون بمجرد‬
‫طلبها‪ .‬وعليه‪ ،‬أضحت هذه القرينة – بمقتضى التعديل المذكور – مجرد قرينة بسيطة‪ ،‬وليست قطعية‪،‬‬
‫بحيث يسمح للمتهم باإلدالء بما يبطل قرينة االحتياز غير المشروع للبضاعة‪ ،‬ويدعم ‪ -‬بالمقابل ‪ -‬قانونية‬
‫امتالكها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الﻤﺤاضﺮ كﺂلﯿة الثﺒات الجرائم الﺠﻤﺮكﯿة‬

‫يكتسب المحضر حجية قانونية بمجرد توفره على جميع البيانات التي حددها المشرع في مدونة‬
‫الجمارك‪ ،‬إال أن هذه الحجية تختلف حسب عدد األعوان المحررين للمحضر الجمركي‪ ،‬وأيضا حسب ما‬
‫إذا ما كان المحضر متضمنا إلثباتات مادية من عدم توفرها عليها‪.‬‬

‫لدى اعتبر المحضر الذي يحرره عونان أو أكثر‪ ،‬والمتضمن إلثباتات مادية‪ ،‬مكتسبا لقوة ثبوتية‬
‫مطلقة‪ ،‬ال يجوز الطعن فيها إال بالزور‪ ،‬في حين اعتبر المشرع المغربي المحضر المحرر من قبل عون‬
‫واحد أو أعوان تابعين إلدارة أخرى‪ 62‬يمتلك حجية نسبية‪ ،‬أي هي تلك التي يمكن إثبات ما يخالفها‪ ،‬وهي‬
‫التي تتضمن صدق اإلقرارات والتصريحات‪ ،‬وذلك حسب ما نص عليه الفصل ‪ 242‬من المدونة المذكورة‪.‬‬
‫ولكي يكتسب المحضر الجمركي حجية‪ ،‬سواء كانت نسبية أو مطلقة‪ ،‬ال بد من أن يتضمن جميع البيانات‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 240‬من مدونة الجمارك‪ ،‬وإال كان مصير المحضر هو البطالن‪.‬‬

‫من القانون الجمركي المغربي يقابله الفصل ‪ 235‬من القانون الفرنسي‪ ،‬الذي يمنح نفس القيمة‬
‫للمحاضر المنجزة من قبل أعوان إدارة أخرى‪ ،‬عكس المشرع المغربي الذي قصرها على أعوان اإلدارة‬
‫فقط‪ .‬وبالتالي‪ ،‬نسجل نقطة إيجابية في هذا النص‪ ،‬الذي يعتبر متقدما بالفعل‪ ،‬ويدع الطعن بإثبات العكس‬
‫في غير تحرير المحاضر من قبل أعوان اإلدارة‪ .‬ومن األمثلة على هذا النوع من المحاضر الفصالن ‪65‬‬

‫حسن البكري‪ :‬الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية‪ ،‬مكتبة الرشاد‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى لسنة ‪ 2008‬ص ‪.76‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪34‬‬
‫و ‪ 66‬من القانون ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1917‬بشأن مخالفات المياه والغابات‪ ،‬والفصل ‪28‬من ظهير ‪ 11‬أبريل‬
‫‪ 1922‬المتعلق بالصيد في المياه الداخلية‪.‬‬

‫ونظرا للقوة المطلقة للمحاضر الجمركية المنجزة من قبل عونين لإلدارة‪ ،‬فهي قد تكون ضد العدالة‬

‫القانونية نظرا لعدم اشتغال هؤالء األعوان تحت إمرة النيابة العامة‪ ،‬مما قد يتعسف معه في استعمال‬

‫هذا الحق‪ .‬كما أنه في هذه الحالة‪ ،‬ليس للقاضي أن يحكم باعتقاده الصميم‪ ،‬بل عليه أن يأخذ بما جاء في‬
‫المحضر إذا كان صحيحا في الشكل فقط‪ ،‬بينما يرى جانب من الفقه أن الحجية ال تعطل السلطة التقديرية‬
‫للمحكمة‪ ،‬مؤكدا أن العلة من وراء إضفاء هذه الحجية على هذا النوع من المحاضر ترجع إلى صعوبة‬
‫اإلثبات في الجرائم التي تتناولها‪ ،‬بحيث قد يتعذر اإلثبات بالطرق العادية‪ ،‬كالشهادة واالعتراف‪ .63‬ويمكن‬
‫إرجاع األسباب التي جعلت المشرع يضفي هذه الحجية القوية على هذا النوع من المحاضر إلى‪:‬‬

‫‪-‬صعوبة اإلثبات في المواد الجمركية‪ :‬ذلك أن اإلثبات غالبا ما يتم في أماكن نائية ومعزولة‪ ،‬بحيث يصعب‬
‫اكتشاف وإثبات الجرائم ال مرتكبة فيها‪ ،‬وحيث ال يوجد شهود للتدليل على ارتكابها‪ ،‬باستثناء األعوان‬
‫القائمين بالرقابة في هذه المناطق الحدودية‪ ،‬من جمارك ودرك وشرطة‪.‬‬

‫‪ -‬طول الحدود الجمركية‪ ،‬وتشعبها‪ ،‬وصعوبة المسالك والممرات‪ :‬أمور تجعل من المستحيل توفير‬
‫اإلمكانيات المادية والبشرية الكافية لغرض فرض الرقابة الالزمة على طول هذه الحدود‪ ،‬وضبط المتهمين‬
‫وهم يعبرون الحدود ذهابا وإيابا بالبضائع محل الغش‪ ،‬مما استوجب تدخل المشرع بوضع قرائن قانونية‬
‫تسهل أمر إثبات جرائم التهريب‪ ،‬وتمكن إدارة الجمارك والنيابة العامة من متابعة المتهمين‪ ،‬وإن ضبطوا‬
‫بعيدا عن الحدود الجمركية داخل النطاق الجمركي أو حتى خارجه في بعض الحاالت‪ ،‬وهم ينقلون أو‬
‫يحوزون بطريقة غير قانونية بضائع محل الغش‪ ،‬وهو ما يشكل ضمانة معتبرة إلفالت العديد المهربين‬
‫من العقاب‪ ،‬ومواجهة أساليبهم المتطورة في مجال التهريب‪.64‬‬

‫‪ -‬عدم اكتراث الجمهور بالمخاطر التي تهدد المصلحة العامة في الجريمة الجمركية‪ :‬فمن يغش ضد القانون‬
‫الجمركي ويكتشف أمره‪ ،‬كثيرا ما يعتبر‪ ،‬في نظر الجمهورضحية أكثر من اعتباره مذنبا‪ ،‬بل ويعتبر أحيانا‬
‫بمثابة بطل‪ ،‬مما يجعل كرامة المتهم في الجريمة الجمركية غير مهددة بإدانة محتملة‪ ،‬وال يفقده اعتباره‬
‫بين الناس‪ .‬وفي ظل هذه لوقائع‪ ،‬يبدو أنه من الصعب جدا أن تتمكن إدارة الجمارك من جمع األدلة الكافية‬

‫‪ 63‬الحبيب بيهي‪ :‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.301‬‬
‫‪ 64‬العيد سعادنة‪ :‬اإلثبات في المادة الجمركية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة باتنة‪ /‬الجزائر‪ ،‬الموسم الجامعي ‪ ،2005/2006‬ص ‪.224‬‬

‫‪35‬‬
‫إلثبات الجريمة الجمركية‪ ،‬وبالخصوص جرائم التهريب‪ ،‬مما يقتضي ‪ -‬بالتالي ‪ -‬اإلبقاء على القرائن‬
‫القانونية والحجية الخاصة للمحاضر في مجال اإلثبات الجمركي‪.65‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االثبات في جرائم التهرب الضريبي على ضوء القانون الجنائي‬
‫والقوانين الخاصة‬

‫جرم المشرع المغربي كل أفعال االمتناع التي تؤدي إلى اإلخالء بالنظام الضريبي‪ ،‬الشيء الذي‬
‫جعله يسن قوانين خاصة بالضرائب تعاقب على كل المخالفات التي تمس بهذا القانون‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫الضريبة تشكل أحد موارد الخزينة العامة للدولة‪ ،‬التي بواسطتها تستطيع تنفيذ خططها التنموية وسياستها‬
‫االقتصادية‪ 66‬وذلك بقصد تمويل نفقات عمومية‪.67‬‬

‫وموضوع القانون الجنائي الضريبي يستهدف مقاربة بين القانون الضريبي والقانون الجنائي‪،‬‬
‫و تتجلى هذه العالقة في الحالة التي تصبح فيها بعض التصرفات المرتبطة بالضريبة‪ ،‬جريمة معاقب عليها‬
‫جنائيا‪.‬‬

‫يعد التهرب الضريبي جرما يعاقب عليه القانون في معظم بلدان العالم‪ ،‬ويعرض الضالعين فيه‬
‫للمساءلة أمام القضاء وعقوبات مدنية وجنائية‪ ،‬قد تصل إلى السجن‪ .‬حيث عرف المغرب أول محاولة‬
‫لتجريم الغش الضريبي مع مشروع قانون اإلطار في سنة ‪ 1984‬في فصله ‪ 27‬حيث اقترحت ألول مرة‬
‫عقوبة الحبس‪ ،‬وهكذا ورد في هذا النص ما يلي " سيجعل من الغش في ميدان الضرائب جنحة يعاقب‬
‫عليها القانون الجنائي"‪ ،‬وانتظر المشرع المغربي الى غاية سنة ‪ 1996‬من أجل تجريم الغش الضريبي‬
‫وذلك بموجب قانون المالية االنتقالي لسنة ‪.1997/1996‬‬

‫ويجب التمييز في هذا المجال بين التهرب الضريبي ‪-‬المجرم قانونا ‪ -‬والتجنب الضريبي‬

‫‪ Tax Avoidance‬الذي يكون ب طرق وأساليب مشروعة ال يحاسب عليها القانون‪ ،‬وإن كان بعضها‬
‫مدفوعا بنية استغالل الثغرات الموجودة في نصوص القوانين بنية تجنب الضريبة أو تخفيضها إلى أقصى‬
‫حد ممكن‪.‬‬

‫‪ 66‬نقال من مقال "القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية في التشريع المغربي"‪ ،‬م‪ .‬س‪.‬‬
‫‪ 66‬ادريس النوازلي‪ " :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪ 67‬محمد شكيري‪" :‬القانون الضريبي المقارن"‪ ،‬دراسة تحليلية ونقدية‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪،‬‬
‫سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية‪ ،‬العدد ‪ ،49‬السنة ‪ ،2004‬ص ‪.33‬‬

‫‪36‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية التهرب الضريبي والغش الضريبي‬

‫تتميز الجريمة الضريبية عن غيرها من الجرائم بأنها تتضمن اعتداء على الخزينة العامة‪ ،‬وتعرف‬
‫كذلك بكونها كل فعل أو امتناع يترتب عليه اإلخالل بمصلحة ضريبية يقرر القانون على ارتكابها عقابا‪.68‬‬
‫ذلك أن الحديث عن الضرائب هو حديث عن واحد من أصعب القضايا في الفكر السياسي‪ ،‬واالقتصادي‬
‫واالداري‪ ،‬ليس في كونها مورد أساسي للخزينة العامة‪ ،‬بل العتبارها األساس الحقيقي في تحديد دور‬
‫الدولة وحدود ومكان الفرد ومسؤوليته‪.‬‬

‫فالحديث عن الجرائم الضريبية‪ ،‬يؤدي بنا مباشرة إلى التحدث عن التهرب الضريبي والغش‬
‫الضريبي‪ ،‬باعتبارها يكونان الوجه األساسي للقانون الجبائي الجنائي‪.69‬‬

‫ويجب تحديد المصطلحات بين التهرب الضريبي والغش الضريبي والتمييز بينهما‪ ،‬إذ يتفق أغلب‬
‫الفقه على أن التهرب الضريبي يعني التخلص من عبء الضريبية كليا أو جزئيا دون مخالفة القانون‪،‬‬
‫ويتحقق بعدم قيام الفرد بالعمل الذي من شأنه أن يؤدي إلى حصول الواقعة المنشأة للضريبة‪ ،‬كأن يمتنع‬
‫عن زيادة دخله إلى حد معين حتى ال يخضع للضريبة التصاعدية‪ ،‬أو باتخاذ موقف إيجابي وذلك باستغالل‬
‫الثغرات والنقائص التي تكتنف النصوص الجبائية دون خرق قواعدها‪ ،‬كأن تلجأ الشركة إلى توزيع أرباحها‬
‫في صورة أسهم تصدرها بدال من النقود متى كان القانون يقرر استحقاق الضريبة عند توزيع أرباح الشركة‬
‫على المساهمين نقدا‪ ،‬أو كأن يهب المورث أمواله إلى وورثته خالل حياته حتى ينالوا تركة خالصة من‬
‫الضريبة‪.70‬‬

‫أما الغش الضريبي‪ ،‬فيعرف بكونه كل الحركات المادية والعمليات القانونية والمحاسبة وكل الوسائل‬
‫والترتيبات التي تلجأ إليها المكلف أو الغير بهدف التخلص من دفع الضرائب والمساهمات‪.‬‬

‫وتتفق كل النصوص الضريبية على تعريف الغش أو التهرب الضريبي كاالتي‪ :‬استعمال طرق‬
‫احتيالية للتملص أو محاولة التملص كليا أو جزئيا من تصفية أو دفع الضرائب والرسوم المفروضة‪.71‬‬

‫وإذا كان التهرب الضريبي حسب مفهومه السابق ال يشكل جرما وال يترتب عليه بالنتيجة أي جزاء‪،‬‬
‫فإن الغش الضريبي على خالف ذلك‪ ،‬ينطوي على سلوك مجرم يستوجب متابعة وقمعه‪ ،‬اعتبارا ونظرا‬

‫‪ 68‬أحمد فتحي سرور‪" :‬الجرائم الضريبية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،1990‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 69‬للتوضيح أكثر راجع‪:‬‬
‫عبد الرحيم حريكز‪" :‬إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب "‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬وحدة التكوين والبحث‬
‫في المالية العامة‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬الدار البيضاء‪.2004/2003 ،‬‬
‫‪ 70‬أنظر المادة ‪ 206‬من مدونة الضرائب المغربي‪.‬‬
‫‪ 71‬ادريس النوازلي‪ " :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.133‬‬

‫‪37‬‬
‫ألهمية الضريبة ومركزها في ميزانية الدولة خاصة مع اتساع مجال االستثمار من مداخل جبائية معرضة‬
‫أكثر من أي وقت مضى لإلفالت والتخلص من أدائها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإلثبات في الجرائم الضريبية‬

‫من خالل اإلثبات تتحقق للضريبة مشروعيتها سواء على مستوى الفرض أو التحصيل‪ ،‬ومن خالله‬
‫أيضا تضفي المصداقية على أي امتياز جبائي قد يطال به الملزم سواء بإعفائه كليا أو جزئيا من الضريبة‪.‬‬
‫كما أن أهمية اإلثبات الجبائي تكمن أيضا في أنه يمكن اإلدارة الضريبية من إثبات وجود إلتزام بأداء‬
‫قدر معين من المساهمة في مواجهة شخص طبيعي أو معنوي في وقت تعتبر فيه الضرائب غير مرغوب‬
‫فيها من طرف الجميع‪ ،‬هذا مع أن الجميع يعلم بأن الدولة ال يمكنها أن تحقق شيئا بدون أموال‪.‬‬
‫والمالحظ على مستوى القانون الضريبي المغربي أن هناك غياب ألية مقتضيات خاصة باإلثبات‬
‫في المادة الجبائية تتناول بالتحديد وبشكل صريح ومباشر المواضيع األساسية لهذا اإلثبات‪ ،‬وتوزيع عبئه‬
‫وو سائل مناقشته والبحث عنه باستثناء بعض المقتضيات البسيطة الواردة في المادتين ‪ 149‬و‪ 141‬من‬
‫المدونة العامة للضرائب‪.‬‬
‫لهذا ارتئينا البحث عن أهم معايير توزيع عبئ اإلثبات الجنائي في المادة وكذا خصوصية وسائل‬
‫اإلثبات في هذا المجال‪.‬‬

‫أ‪ -‬معايير توزيع عبئ اإلثبات الجنائي في المادة الجبائية‬

‫باعتبار أنه ال يمكن أ ن يوجد نص قانوني وال قاعدة موحدة من شأنها تنظيم عبئ اإلثبات في المادة‬
‫الجبائية على غرار ما عليه األمر في المادة الجنائية الذي تحكمه قادة البينة على المدعي‪ ،‬سنحاول من‬
‫خالله الكشف عن جملة من القواعد أو المعايير التي تتحكم في توزيع عبئ اإلثبات في المادة الضريبية‪،‬‬
‫وكذا الحاالت التي يكمن أن يعفى فيها األطراف من عبئ اإلثبات‪.‬‬
‫علما أن اإلدارة تتمتع بحرية اإلثبات‪ ،‬أي حرية اللجوء إلى أي وسيلة‪ ،‬في حين أن الملزم مقيد‬
‫‪72‬‬
‫بالوسيلة التي حددها القانون المتمثلة في تقديم تصريح بذلك لإلدارة الضريبية‬
‫والمقصود هنا وجوب تحميل عبئ اإلثبات للطرف الذي كلفه المشرع باحترام إجراء أو مسطرة معينة‪،‬‬
‫ويكون ذلك حسب مجموعة من الحاالت نذكر من أهمها‪:‬‬

‫‪ 72‬كريم لحرش‪ :‬شرح القانون الضريبي المغربي (وفقا لمستجدات قانون مالية ‪ ،)2014‬سلسة الالمركزية واإلدارة‬
‫الترابية‪ ،‬العدد ‪ ،23‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬الطبعة الثانية‪2014 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫‪-‬اإلدارة هي من تتحمل عبئ اإلثبات في حالة الفرض التلقائي وتباشر إجراءاته‪ ،‬وبالتالي تلتزم‬
‫بإثبات مدى توفر موجبات اتباع هذه المسطرة المنصوص عليها في المواد ‪ 228‬و‪ 229‬من المدونة العامة‬
‫للضرائب‪ ،‬في حين يتحمل الملزم عبئ إثبات وجود تعسف في التقدير‪.‬‬
‫‪ -‬اإلدارة والملزم يتحمالن عبئ اإلثبات في مسطرة التبليغ حسب من يباشر المسطرة‪ ،‬إما اإلدارة‬
‫أو اللجن في مواجهة الملزم أو الملزم في مواجهة اإلدارة أو اللجن الضريبية‪.‬‬
‫والقاعدة هنا تقضي بأ ن من تحمل عبئ القيام بإجراء معين يتحمل عبئ إثبات قيامه بهذا اإلجراء‬
‫على الوجه القانوني المطلوب‪ ،‬بينما يتحمل الطرف اآلخر إثبات العكس‪ ،‬وهذه القاعدة منطقية ومقبولة‬
‫باعتبار أنه يجب تحميل عبئ اإلثبات للطرف الذي يحوز وسيلته‪.73‬‬
‫كما يقع عبء اإلثبات على إدارة الضرائب‪ ،‬يقع كذلك على عاتق النيابة العامة‪ ،‬كما يتعين على‬
‫قاضي الحكم في حالة اإل دانة بجريمة الغش الضريبي إبراز الركن المعنوي وإال كان حكمه مشوبا بالقصور‬
‫في السبب‪ .‬وتقام البينة على توفر سوء النية لدى الجاني في غياب اإلقرار‪ ،‬وذلك انطالقا من الظروف‬
‫والوقائع التي تحيط بالجرم‪ ،‬إذا يمكن على سبيل المثال‪ ،‬استخالص سوء نية المكلف في حالة معاينة‬
‫مخالفات مستندة على حساب غير صحيحة أو مزورة من كون المكلف بالضريبة المخالف‪ ،‬متمرس وذو‬
‫دراية وخبرة في هذا المجال‪.‬‬

‫ب‪ -‬األشخاص المعنيين باالثبات‬

‫ينص المشرع على أن إثبات المخالفات هنا ال يمكن أن يتم إال بناء على محضر يحرره‬
‫مأموران بإدارة الضرائب من درجة مفتش على األقل ينتدبان خصيصا لهذا الغرض‪ ،‬ومحلفين وفقا‬
‫للتشريع الجاري به العمل‪ ،‬كما ال يمكن إثبات هذه المخالفات إال في إطار مراقبة ضريبية‪.‬‬

‫إذا كان المدين الملزم قد اصطنع حالة عسر لعرقلة عملية التحصيل والتملص من أداء واجبات‬
‫الدولة‪ ،‬فإن المحاسب يكون مضطرا إلقامة ا لدليل على كون الطرف األول غير معسر‪ ،‬وله رغبة في‬
‫التهرب من أداء وتسديد حقوق الخزينة‪ ،‬عمال بمبدأ "البينة على من ادعى"‪ .‬والعبء هنا يقع على عاتق‬
‫اإلدارة التي تتهم المكلف بعملية التسديد‪ ،‬ألنها هي التي تدعي ذلك‪ ،‬كما أن عليها أن تربط تلك التصرفات‬

‫‪ 73‬موالي عبد الرحمان أبليال‪" :‬اإلثبات في المادة الجبائية من القواعد العامة وخصوصيات المادة"‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه‪ ،.‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة ‪ ،2007 – 2006‬ص‪.268 :‬‬

‫‪39‬‬
‫بالغاية منها‪ ،‬وه ي عدم خضوع تلك األموال للتحصيل‪ ،‬أي البد من إثبات العالقة السببية بين الفعل‬
‫اإلجرامي والغاية المقصودة منه مباشرة‪.74‬‬

‫ويمكن اعتبارا عدم استجابة المكلف بالضريبة لإلنذارات الموجهة له من طرف إدارة الضرائب‬
‫قرينة بسيطة على سوء نيته‪ ،‬حيث تمكن العناصر المثبتة لحسن نية المدين بالضريبة‪ ،‬في حرصه على‬
‫مواعد أداء التزاماته الجبائية‪ ،‬وكذا في الجهود التي يبدلها لتسديد دينه الجبائي‪.75‬‬

‫واإلثبات يعتمد فيه بطبيعة الحال على كافة وسائل اإلثبات المعمول بها في الميدان القانوني‪،‬‬
‫والمنصوص عليها في النصوص التشريعية الجاري بها العمل‪ ،‬خاصة القرائن البسيطة والشهود‪ ،‬وغالبا‬
‫ما يلجأ المحاسب إلى مواجهة المدين بسند تنفيذي هو عبارة عن جدول ضريبي نافد المفعول‪ ،‬حامل السم‬
‫هذا األخير للمبلغ المطلوب منه‪.76‬‬

‫‪ 74‬عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي‪" :‬اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومية"‪ ،‬منشورات‬
‫المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،22‬السنة ‪ ،2000‬ص‪.122‬‬
‫‪ 75‬ادريس النوازلي‪ " :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.278‬‬
‫‪ 76‬حفيظ وباسو‪" :‬الجرائم الضريبية"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة موالس اسماعيل‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق مكناس‪ ،‬سنة ‪ ،2010-2009‬ص ‪.107‬‬

‫‪40‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االثبات في جرائم األعمال بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة‬

‫المشرع دائما يكون له الدور األساسي في نظام اإلثبات الجنائي من خالل التحديد المسبق لألدلة‬
‫المقدمة في الدعوى والتي يستند إليها القاضي الجنائي‪ .‬وقد يشترط طرق معينة إلثبات الدليل‪ ،‬أو يضيف‬
‫شروطا معينة للدليل الذي يحكم بناءا عليه بعقوبة معينة‪ ،‬ولقد مرت وسائل اإلثبات الجنائي بمراحل عديدة‬
‫متطورة‪.‬‬

‫حيث تختلف وسائل االثبات الجنائي في نوعها وأهميتها‪ ،‬ويبقى الغرض واحد هو الوصول إلى‬
‫كشف الحقيقة المتعلقة بالواقعة ونسبتها إلى المتهم‪ .‬مما يستلزم وضع مقاربة قواعد اإلثبات التقليدية مع‬
‫وسائل اإلثبات العلمية الحديثة لخصوصية وحداثة القانون الجنائي لألعمال الذي يتميز بخصائص ال نجدها‬
‫في الجرائم التقليدية المنظمة بمقتضى القانون الجنائي العام‪ .‬ودور هذه الوسائل في إقامة الدليل إلثبات‬
‫الحق أو نفيه في جرائم األعمال‪.‬‬

‫إن ما يميز النصوص الجنائية التي نظمت جرائم األعمال كونها لم تستثني صراحة وسائل اإلثبات‬
‫المتعارف عليها في نظام االثبات الجنائي العام‪ ،‬لذلك فكثير من جرائم األعمال يمكن اثباتها بالوسائل‬
‫التقليدية والمتعارف عليها من قبيل االعتراف وشهادة الشهود والقرائن والمعاينات وغيرها‪ ،‬مادام االثبات‬
‫في االخير يبقى عملية برهنة أو تدليل‪.‬‬

‫سنتطر ق في هذا المبحث للقواعد الخاصة بكل وسيلة من وسائل اإلثبات‪ ،‬ونظرا لتعدد وكثرة تلك‬
‫الوسائل ارتئينا أن نقوم بتقسيم ذلك بحسب الطبيعة التي تميز بعضها عن اآلخر‪ ،‬وعليه فإننا قسمنا هذه‬
‫الوسائل إلى قسمين قسم خاص بوسائل اإلثبات التقليدية (المطلب األول)‪ ،‬والتي تبقى محدودة في حاالت‬
‫عدة عن إثبات الجريمة‪ ،‬وهو ما يفسح المجال أمام وسائل االثبات المتطورة التي تقوم على الكفاءة العلمية‬
‫والفنية وهي المتعلقة بوسائل اإلثبات الحديثة أو العلمية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلثبات الجنائي عن طريق الوسائل التقليدية‬

‫اإلثبات هو عملية تدليل وبرهنة على حقيقة نبحث عنها‪ ،‬وهي قابلة ألن تحمل أكثر من وجه في‬
‫سبيل الوصول إلى تحقيق يقين قضائي بواسطة وسائل مختلفة بالنظر إلى القيمة القانونية لكل دليل‪ ،‬وذلك‬
‫بوضع العناصر التي تتأسس عليها الواقعة من حيث االرتكاب واالنتساب‪ ،‬الشيء الذي يؤدي إلى القول‬
‫إلى مدى تأثير اإلجراءات على عملية البحث عن األدلة وعرضها وإقامتها أمام القضاء الذي ينتهي إلى‬
‫تقديرها تحديدا لما هو مقبول وما هو محظور‪ ،‬على اعتبار أن الدعوى العمومية هي صلة الوصل بين‬
‫ارتكاب الجريمة وإنزال العقاب وال يتحقق هذا إال بفضل قواعد اإلثبات‪.77‬‬

‫ال يجادل أحد في أن قواعد اإلثبات الجنائي عن طريق الوسائل التقليدية‪ ،‬كان مقتصرا على االعتراف‬
‫والمعاينة والشهادة والقرائن والخبرة‪ .‬وأصبح اليوم وإن اقتصر على نفس التسميات كقواعد عامة إال أنه‬
‫ألبسها حلة جديدة ولباس جديد وفي قالب الجريمة الحديثة‪.‬‬

‫وتبقى وسائل اإلثبات العادية‪ ،‬رغم ارتباطها بالجرائم التقليدية‪ ،‬قابلة للتطبيق في ميدان جرائم‬
‫األعمال‪ ،‬على اعتبار أن االعتراف وشهادة الشهود والكتابة والقرائن والمعاينات المجردة والتفتيش وغيرها‬
‫من الوسائل التي يمكن من خاللها إثبات جريمة األعمال‪ ،‬لكن تبقى غير ذات فعالية‪ ،‬ألن الدليل التقليدي‬
‫أو العادي‪ ،‬ال يحقق في كثير من األحيان‪ ،‬االقتناع المنتظر‪.‬‬

‫ويمكننا أن نلمس قيمة وسائل اإلثبات التقليدية في إثبات جرائم األعمال من خالل الوقوف على كل‬
‫وسيلة على حدة من هذه الوسائل‪ ،‬األدلة ذات القوة المطلقة وذات القوة المحدودة (الفقرة األولى)‪ ،‬واألدلة‬
‫المقبولة من المحكمة (الفقرة الثانية) كالمعاينة والخبرة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األدلة ذات القوة المطلقة وذات القوة المحدودة‬

‫فاإلثبات بالمعني القانوني هو غير اإلثبات بالمعنى العام‪ ،‬فاإلثبات بالمعني العام ال يتخصص بأن‬
‫يكون أمام القضاء وال بأن يكون بطرق محددة‪ ،‬بل هو طليق من هذه القيود فالباحث في التاريخ يستجمع‬
‫أدلته على صحة الوقائع التاريخية التي يقررها من المستندات التي تحت يده أو من أية طريقة أخرى يراها‬
‫كافيه لإلثبات‪ ،‬وهذا هو شأن الباحث في أي علم‪.‬‬

‫إدريس النوازلي‪" :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة" الجزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪42‬‬
‫للبينة والقرائن واالعتراف قوة مطلقة في إثبات الواقع المادية والتصرفات القانونية في المواد‬
‫التجارية واالقتصادية ‪ ،‬مما يفيد أن قوة شهادة الشهود والقرائن القضائية في مجال إثبات التصرفات الجنائية‬
‫هي قوة محدودة‪ ،‬هذا ما سوف نتطرق له من خالل ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األدلة ذات القوة المطلقة كاالعتراف نموذجا‬

‫هي األدل ة التي تقيد القاضي‪ ،‬وتكون كأصل عام مقبولة في كافة المواد‪ ،‬فالقاضي ليست له سلطة‬
‫تقديرية بشأنها‪ ،‬في حال توافرها بشروطها‪ .‬وتنقسم بدورها الى قسمين‪ :‬طرق إثبات سابقة وهي الكتابة‪،‬‬
‫وطرق إثبات الحقة كاالعتراف الذي سيكون موضوع للدراسة‪.‬‬

‫أ‪ -‬القواعد العامة لالعتراف‬

‫يبقى أقوى وسائل اإلثبات‪ ،‬ألنه يشكل شهادة المذنب على نفسه‪ ،‬ومفروض أنها أقرب‬ ‫‪78‬‬
‫االعتراف‬
‫للصدق متى كان صريحا‪ ، 79‬لذلك فإن جميع التحقيقات واألبحاث التي تتم من أجل التحقق من الجرائم‬
‫تستهدف دائما الوصول إلى الحقيقة من خالل اعتراف توضيحي من الضنين‪.‬‬

‫االعتراف هو إقرار المتهم على نفسه‪ ،‬بصدور الواقعة االجرامية عنه في مجلس القضاء إقرارا‬
‫صادرا عن إرادة حرة بصحة التهمة المسندة إليه‪ ،‬ومتى اطمأنت المحكمة لصدق االعتراف بهذا المعنى‬
‫فيعتبر هو من غير جدال سيد األدلة في التطبيق القضائي ‪.80‬‬

‫فكانت في العهد القديم كل األساليب مباحة للحصول على االعتراف حتى ولو بتعذيب المتهم‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهو دليل تحيطه الشبهات لما له من ماض مثقل باألوزار‪ ،81‬حيث أن فكرة التعذيب الزمت اعتراف المتهم‪،‬‬
‫حيث أنه يحمل في طياته تناقضا بين رغبة المتهم في العقاب وتقديمه بنفسه دليل إدانته‪.82‬‬

‫وتبدو أهمي ة االعتراف في أنه ال يوجد دليل أقوى على المتهم من إقراره على نفسه بارتكاب الجريمة‪،‬‬
‫فاالعتراف دليل االثبات األول بل ويعتبر أقوى دالئل االثبات‪ ،‬ويعتبر االعتراف دليال براقا يتطلع إليه‬

‫‪ 78‬يسمى أيضا اإلقرار رغم أن المصطلح األخير يستعمل في المجال المدني‪ ،‬مقابل ارتباط االعتراف بال مجال الجنائي‪،‬‬
‫وقد عرف فقهاء المالكية االعتراف بأنه قول يوجب حقا على قائله‪.‬‬
‫‪ 79‬أحمد أبو الروس‪" :‬المتهم" المكتب الجامعي الحديث اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة غير مذكورة‪ ،‬السنة ‪ ،2003‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 80‬محمد زكى أبو عامر‪ " :‬االثبات في المواد الجنائية"‪ ،‬محاولة فقهية وعملية إلرسال نظرية عامة‪ ،1995 ،‬الفنية‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬سنة ‪ ،2011‬ص ‪.199‬‬
‫‪ 81‬السيد عتيق‪ " :‬التفاوض على االعتراف"‪ ،‬في قانون االجراءات الفرنسي في ضوء أحدث التعديالت‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬
‫الناشر دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،2005‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 82‬سامي صادق المال‪ " :‬اعتراف المتهم"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬الناشر ‪:‬دار الفكر العربي مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫االولى سنة ‪ ،1968‬الطبعة الثانية ‪ ،1975‬سنة النشر| ‪ ،1986‬ص ‪.6‬‬

‫‪43‬‬
‫المحقق والقاضي‪ ،‬وذلك لإلحساس العام بأن المتهم ال يعترف اال إذا كان ارتكب ال جريمة حقا ومن ناحية‬
‫أخرى يطمئن ضمير القاضي إلى صحة اقتناعه‪ ،‬وخاصة إذا جاء االعتراف مؤيدا بأدلة أخرى ‪.83‬‬

‫ولقد نظم المشرع المغربي االعتراف الجنائي في المادة ‪ 293‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬والتي‬
‫جاء فيها‪" :‬يخضع االعتراف حجة كغيره من وسائل اإلثبات للسلطة التقديرية للقضاة"‪.‬‬

‫والمشرع المغربي بذلك لم يجعل االعتراف حجة مطلقة‪ ،‬وإنما جعلها خاضعة للسلطة التقديرية‬
‫للمحكمة ألسباب عدة أهمها االحتراز من صدور االعتراف بناء على تهديد أو خوف للمعترف‪ ،‬أو بغاية‬
‫إخفاء الحقيقة‪ ،‬وإبعاد الغير عن المساءلة الجنائية‪ ،‬بل إن المشرع المغربي كان أكثر وضوحا عندما نص‬
‫في الفقرة الثانية من المادة ‪ 293‬من ق‪.‬م‪.‬ج على أنه‪" :‬ال يعتد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو‬
‫باإلكراه‪."...‬‬

‫فاالعتراف في جرائم األعمال‪ ،‬يجب التعامل معه بكثير من الحذر‪ ،‬ليس فقط خوفا من إدانة أشخاص‬
‫بريئين‪ ،‬وإنما أيضا خوفا من توظيف االعتراف من طرف المرتكب الحقيقي لدفع المساءلة الجنائية عنه‬
‫وجعل غيره يتحمل وزر ذلك‪ ،‬نظرا لكون مجال المال والثروة‪ ،‬يدفع كثير من أصحاب المال إلى دفع‬
‫مبالغ باهظة للغير من أجل جعله يعترف بارتكابه أفعال جرمية لم يرتكبها أصال‪ ،‬وبغاية إعفاء المرتكب‬
‫الحقيقي للفعل الجرمي من المساءلة‪ ،‬فتكون االستفادة متبادلة بين المرتكب الحقيقي للفعل الجرمي‪ ،‬وبين‬
‫المعترف المؤدى له من اعترافه‪ ،‬فالمسألة بالنسبة لرجال األعمال جزء من نشاطه التجاري يدفع المال من‬
‫أجل كسب المال‪ ،‬في الوقت الذي تفرض الحاجة على بريء ربما يدفعه الطمع في كثير من األحيان إلى‬
‫االعتراف بفعل لم يرتكبه‪.84‬‬

‫التقسيم األ ساسي لالعتراف هو التميز بين االعتراف القضائي وهو ما يصدر أمام قضاء الحكم‪ ،‬أي‬
‫في مرحلة المحاكمة وفى جلساتها‪ ،‬واالعتراف غير القضائي وهو ما يصدر في غير الحاالت التي يصدر‬
‫فيها أمام قضاء الحكم فقد يصدر في مرحلة التحقيق االبتدائي أو في مرحلة من مراحل االستدالل وقد‬
‫يصدر أمام احدى سلطات االجراءات الجنائية‪.85‬‬

‫السيد عتيق‪ " :‬التفاوض على االعتراف"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪83‬‬

‫هشام الزربوح‪ " :‬خصوصية القانون الج نائي لألعمال بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.350‬‬ ‫‪84‬‬

‫محمود نجيب حسنى‪ " :‬االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪44‬‬
‫ب‪ -‬االعتراف كوسيلة اثبات في جرائم األعمال‬

‫فالمعترف بارتكاب جريمة األعمال‪ ،‬البد أن يخضع تقدير اعترافه للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي‪،‬‬
‫تطبيقا لمبدأ أن القاضي يحكم بقناعته‪ ،‬وأن يضمن مقرره القضائي ما يبرر ذلك‪ ،86‬علما على أن هناك من‬
‫التشريعات المقارنة من فضلت أكثر في االعتراف كوسيلة إثبات ونصت على ضرورة عدم تجزئة اعتراف‬
‫المتهم‪ ،‬من ذلك مثال التشريع العراقي‪ ،‬وهو التفصيل الذي انتقده بعض الفقه‪ ،‬إال أنه مع ذلك فإن االعتراف‬
‫ي جب أن يؤخذ بشموليته وال يمكن للمحكمة أن تجزئه باألخذ ببعضه‪ ،‬وترك البعض اآلخر‪ ،‬فعدم تجزئة‬
‫االعتراف تطبيق لمبدأ عام في القانون هو عدم تجزئة اإلقرار‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يمكن القول على أن االعتراف‪ ،‬يبقى دليال من األدلة التي يمكن أن يعتمد عليها‬
‫لإلثبات الجرائم‪ ،‬خاص ة جرائم األعمال‪ ،‬التي قد يصعب إثباتها في غياب اعتراف من المتهم بارتكابها فعل‬
‫جرمي‪ ،‬له عالقة بعالم المال واألعمال‪ .‬لذلك يمكن القول أيضا أن االعتراف في مجال األعمال‪ ،‬إن كان‬
‫محاطا بمجموعة من المخاطر‪ ،‬إال أنه مع ذلك وإن كان ال يشكل إثباتا قاطعا‪ ،‬فإنه على األقل يشكل مؤشرا‬
‫يساعد على اكتشاف الجرائم االقتصادية‪.‬‬

‫وهنا البد من اإلشارة إلى أن القضاء المغربي تشدد في كثير من األحكام في األخذ باالعتراف خاصة‬
‫في المجاالت التي لها عالقة بجرائم األعمال‪ ،‬من ذلك مثال ‪ -‬قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 2003/6/11‬والذي جاء في إحدى حيثياته‪" :‬حيث اقتصر‬ ‫‪87‬‬
‫األعلى سابقا) وهو القرار‬
‫القرار المطعون فيه عند سرده للوقائع التي ارتكزت المحكمة عليها في قضائها على القول‪" :‬حيث يستفاد‬
‫من محضر الضابطة القضائية عدد ‪ 260‬وتاريخ ‪ 1992/12/2‬أن المتهم (الطاعن) يتعاطى لإلتجار في‬
‫المخدرات دون بيان تاريخ ارتكاب الوقائع المنسوبة للعارض لهذا التاريخ من أهمية في تحديد بدء سريان‬
‫أجل تقادم تلك الجنحة خاصة وأن العارض يصرح أمام النيابة العامة بأنه قد انقطع عن اإلتجار في‬
‫المخدرات من سنة ‪ ، 1988‬الشيء الذي يكون معه القرار قد جاء ناقص التعليل نقصانا يوازي انعدامه‬
‫وهو ما لم يسمح لهذا المجلس بمراقبة حسن تطبيق المحكمة لقواعد التقادم والمتعلقة بالنظام العام‪ ،‬األمر‬
‫الذي يعرض القرار للنقض واإلبطال"‪.‬‬

‫‪ 86‬نصت المادة ‪ 286‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪" :‬ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع‬
‫القاضي"‪.‬‬
‫‪ 87‬قرار عدد ‪ 2/624‬بتاريخ ‪ 2003/06/11‬في الملف الجنحي عدد ‪ ،2000/10884‬منشور بمجلة العدد التاسع‪،‬‬
‫نونبر ‪ ،2006‬ص ‪.262‬‬

‫‪45‬‬
‫إذن محكمة النقض لم تطمئن العتراف المتهم‪ ،‬ألن اعترافه صدر دون تحديد للتاريخ مما جعلها‬
‫بنقض تقضي بنقض وإبطال قرار محكمة االستئناف الصادر بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪ 2000‬في القضية عدد‬
‫‪.99/1180‬‬

‫الخالصة أن االعتراف وحده في جرائم األعمال قد يكون كافيا إلثبات الجريمة‪ ،‬وسبب ذلك راجع‬
‫إلى كون الجريمة االقتصادية ذات طبيعة متميزة ومختلفة عن الجرائم العادية‪ ،‬فالغش في البضائع مثال‪،‬‬
‫ال يمكن االقتصار إلثباته على االعتراف‪ ،‬ألن االعتراف وحده في غياب محل الجريمة الذي هو الغش في‬
‫البضاعة‪ ،‬ال يستقيم لوحده إلدانة شخص ما بهذه الجريمة‪ ،‬ألن القاضي يكون دائما ملزما بتعليل حكمه‪،‬‬
‫خاصة إذا كان االعتراف المزعوم صدر أمام جهة أخرى غير المحكمة‪ ،‬وأن الظنين تراجع عن االعتراف‬
‫قيد صدور الحكم‪ ،‬أو كان االعتراف المذكور غامضا وغير واضح‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األدلة ذات القوة المحدودة كشهادة الشهود‬

‫ان شهادة الشهود تعد من األدلة المحدودة القوة‪ ،‬باعتبار أن القاضي يملك سلطة تقديرية بشأنها‪ ،‬هذا‬
‫ما سوف يتبين معنا من خالل‪:‬‬

‫أ‪ -‬القواعد العامة لشهادة الشهود‬

‫الشهادة إخبار أو رواية يرويها شخص عما أدركه مباشرة بحواسه عن واقعة معينة‪ ،‬وتأخذ شكل‬
‫تصريح يدلي به صاحبه‪ ،‬ويدون بمحضر‪ ،‬ويعتمد عليه في اإلثبات بعد أداء اليمين‪ ،‬وتوفر الشرو ط‬
‫القانونية‪ .‬ومع ذلك فإن الشهادة ال تؤدي دورها إال إذا كانت خالية من الموانع إذ أوجب القانون على‬
‫الشاهد‪ ،‬أداء اليمين القانونية طبقا للمواد ‪ 123‬و‪ 331‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وذلك بالصيغة التالية‪:‬‬

‫"أقسم باهلل العظيم على أن اشهد بدون حقد و ال خوف‪ ،‬وأن أقول الحق كل الحق‪ ،‬وأن ال أشهد إال‬
‫بالحق" إذ يترتب على عدم أداء اليمين القانونية بطالن الشهادة‪ ،‬وذلك بصريح نص المادة ‪ 331‬السابقة‬
‫التي تنص على أنه "يعتبر أداء اليمين القانونية أمام القضاء من طرف الشاهد‪ ،‬شرطا جوهريا‪ ،‬يترتب‬
‫البطالن عند اإلخالل به " إذ جاء في قرار عدد ‪ 6294‬ملف جنحي عدد ‪ 92/18568‬بتاريخ ‪7‬‬
‫يوليوز‪ 1994‬صادر عن المجلس األعلى (وارد في مجلة القضاء والقانون عدد ‪ 49-50‬م ‪ 243‬ما يلي‪" :‬‬
‫إن اكتفاء المحكمة بتصريحات الشهود أمام الضابطة القضائية‪ ،‬ودون حضورهم أمامها‪ ،‬وأدائهم اليمين‬
‫القانونية ‪،‬يعد خرق للفصل ‪ 323‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬مما يجعل القرار المطعون فيه بالنقض‪،‬‬
‫ناقص التعليل‪ ،‬ويستوجب النقض"‪ .88‬ويتعين على الشاهد المستدعى ألدائها أن يحضر‪ ،‬ويدلي بها‪ ،‬بعد‬

‫يمنع بعض األشخاص من أداء الشهادة وهم‪:‬‬ ‫‪88‬‬

‫‪46‬‬
‫أداء القسم‪ ،‬على أساس أن المشرع رتب على عدم القيام بهذه الواجبات جزاءات جنائية كالغرامة في حق‬
‫هذا الشاهد المتخلف عن الحضور‪ ،‬أو إلزامه وإجباره على ذلك أو متابعته بدعوى الزور‪ .‬ومنه نجد‬
‫المشرع قد عالج كيفية استدعاء الشهود‪.‬‬
‫شهادة الشهود تبقى أيضا من الوسائل التي يمكن االعتماد عليها من أجل إثبات جرائم األعمال‪ ،‬وإذا‬
‫كانت النصوص الجنائية المكونة للقانون الجنائي لألعمال‪ ،‬تطرقت أكثر للوسائل العملية الفنية‪ ،‬فإن هذا ال‬
‫يعني استبعاد شهادة الشهود التي تبقى لها دورها في إثبات وتوضيح كثير من جرائم األعمال‪ ،‬يجد أساسه‬
‫في قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬التي تبقى شريعة عامة على مستوى اإلجراءات واإلثبات‪ ،‬تمتد لتطبيق على‬
‫كل الجرائم التي ينص عليها القانون أيا كان نوعها‪.‬‬

‫إن المقصود بأنواع الشهادة هي الطريقة التي تؤدى بها هذه الشهادة‪ ،‬وتنقسم إلى عدة أنواع يمكن‬
‫استخالصها من خالل مناقشة الشاهد حول ما أدلى به من معلومات‪ ،‬بحيث قد يكون شاهدها أو سمعها‬
‫بنفسه وهي ( الشهادة المباشرة)‪ ،‬أو وصلت إلى مسامعه عن طريق الغير أو ما يسمى (بالشهادة غير‬
‫المباشرة أو السماعية)‪ ، 89‬أو وصلت إليه عن طريق أشخاص غير معنيين بذواتهم أي (الشهادة بالتسامح‬
‫أو بالشهرة العامة)‪ ، 90‬باإلضافة إلى أن الشهادة قد تكون (شفوية) وقد تكون (مكتوبة)‪.‬‬

‫ب‪ -‬شهادة الشهود كوسيلة اثبات في جرائم األعمال‬

‫االثبات بشهادة الشهود في جرائم األعمال يصطدم بمجموع من الحوائج‪ ،‬أهمها اعتماد الشاهد على‬
‫الذاكرة من جهة‪ ،‬واعتماده على إدراكه الشخصي أثناء أداء الشهادة من جهة ثانية‪ ،‬الشيء الذي يجعلها‬
‫خطيرة وضعيفة‪.‬‬

‫اذ من الصعب على الذاكرة تخزين كل المعلومات والوقائع‪ ،‬فإنه في أحيان كثيرة يصعب على‬
‫الشاهد تذكر كل الوقائع والحيثيات المتعلقة بجريمة ما‪ ،‬خاصة إذا مر على ارتكابها مدة ليست بالقصيرة‪،‬‬

‫المقيدون بالسر المهني (المادة ‪ 2/334‬من ق‪.‬م‪.‬ج) ‪ -‬الترجمان الذي يترجم في قضية معينة‪ - ،‬أو الذي يقل عمره عن‬
‫‪ 18‬سنة (المادة ‪ 120‬من ق‪.‬م‪.‬ج) ‪ -‬القضاة الذين يحكمون في القضية‪ ،‬أو أعضاء النيابة العامة الذين باشروا المتابعة ‪-‬‬
‫المطالب بالحق المدني الذي أقام نفسه مدعيا بالتعريف‪ ،‬و هو غير المشتكي الذي لم ينصب نفسه‪ ،‬و الذي يجوز اإلستماع‬
‫إليه كشاهد‪.‬و هناك أشخاص يتم اإلستماع إليهم دون أداء اليمين و هم ‪ - :‬األحداث الذي يقل عمرهم عن ‪ 18‬سنة (المادة‬
‫‪ - ،)1/332‬أصول المتهم و فروعه و زوجة (المادة ‪ 4/123‬و ‪ - )2/232‬المحكوم عليه بعقوبة جنائية (المادة‬
‫‪ )332‬و غير أن أداء اليمين من قبل األشخاص المعفيون منها ال يؤدي إلى بطالن الشهادة‪.‬‬

‫‪ 89‬إدوارد عيد‪" :‬موسوعة أصول المحاكمات واالثبات والتنفيذ"‪ ،‬الجزء السادس عشر‪ ،‬االثبات‪ ،‬اليمين‪ ،‬والشهادة ‪،‬‬
‫لبنان‪ ،1991‬ص ‪.172‬‬
‫‪Marcel Planiol , traité élémentaire de droit civil et compl2 par George R ipert 90‬‬
‫‪tomme deuxième obligation contrats suretés réelles librairie de droit et jurisprudence‬‬
‫‪1947.p70‬‬

‫‪47‬‬
‫بل إنه يكون ملزما بأدائها بشكل شفوي‪ ،‬وفي ظروف قد تؤثر على كيفية أدائه لها‪ ،‬أما االستعانة بالمكتوبات‬
‫ال يكون إال استثناء‪ .‬هكذا نصت المادة ‪ 337‬من ق م‪ .‬ج على أنه‪" :‬يؤدي الشاهد شهادته شفهيا ويمكنه‬
‫بصفة استثنائية أن يستعين بمذكرات بإذن من رئيس الهيئة‪.91‬‬

‫لذلك يمكن القول على أن االعتماد على شهادة الشهود إلثبات جرائم األعمال‪ ،‬وإن كان يساعد على‬
‫اإلثبات في بعضها‪ ،‬ف إنه في البعض اآلخر قد ال يساعد على ذلك‪ ،‬نظرا لكون الذاكرة اإلنسانية معرضة‬
‫للنسيان خاصة بالنسبة للجرائم التي تعتمد على تخزين معلومات دقيقة خاصة المتعلقة بجرائم ذكية وأكثر‬
‫دقة في اثباتها‪.92‬‬

‫هناك مجموعة من جرائم االعمال‪ ،‬يصعب أن يتم إدراك الوقائع المكونة لها بالحس‪ ،‬لكونها جرائم‬
‫تتم بدون شهود‪ ،‬من قبيل ذلك تزوير العالمات الت جارية وتحريفها والغش في البضائع وغيرها من األفعال‬
‫االجرامية‪ ،‬فهذه الجرائم تقوم على أعمال تقنية محضة يصعب على الشاهد العادي اثبات التزوير أو‬
‫التحريف الالحق بها بشكل مجرد‪.‬‬

‫اذن نستنتج أن شهادة الشهود في جرائم األعمال تبقى جد محدودة نظرا لطبيعة األفعال الجرمية التي‬
‫ترتكب في مجال األعمال‪ ،‬والتي يوظف فيها المجرم قدرته العلمية والمالية الجد هائلة‪ ،‬التي تجعل من‬
‫ال صعب على الشاهد ادراكها ما لم تكن له على أقل كفاءة مماثلة بل حتى ان كانت عنده هذه الكفاءة فان‬
‫عالقة التبعية التي قد تجمعه بالمجرم قد تجعل شهادته غير حاسمة خشية من فقدان مورد عيشي‪ ،‬ما يفرض‬
‫اللجوء الى وسائل أخرى من أجل االثبات‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األدلة المقبولة من المحكمة (الخبرة والمعاينة)‬

‫األدلة المقبولة هي تلك التي تتلقاها المحكمة وتنظر فيها ألغراض الفصل في قضية معينة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الخبرة‬

‫أ‪ -‬القواعد العامة للخبرة كوسيلة اثبات‬

‫‪ 91‬في هذا اإلطار ذهبت محكمة النقض المصرية الى تعريف الشهادة كما يلي‪ " :‬ان الشهادة تقوم على اخبار شفوي يدلي‬
‫به الشاهد في مجلس القضاء بعد يمين يؤديها على الوجه الصحيح" نقض مصري رقم ‪.6/1/1964‬‬
‫‪ 92‬أحمد فالح الخرابشة‪ ":‬االشكالية االجرائية للشهادة في المسائل الجزائية"‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫طبعة ‪ ،2010‬ص‪.32‬‬

‫‪48‬‬
‫يمكن تعريف الخبرة بأنها ذلك اإلجراء الذي يرمي إلى استخدام أحد ذوي االختصاص في مسألة‬
‫فنية ال يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لتكوين قناعته في النزاع المعروض أمامه‪ ،‬ويلجأ‬
‫القاضي إلى االستعانة بخبير أو أكثر في كل مسألة فنية أو علمية‪ ،‬ال يساعده تكوينه في التثبت منها وال‬
‫يتسع وقته لدراستها‪ .93‬مثال القاضي ال يستطيع معرفة نسبة العاهة المستديمة التي حصلت للضحية بسبب‬
‫الضرب الذي تعرض له‪ ،‬كما ال يمكنه أن يتعرف على السلع المغشوشة وال نسبة الغش فيها كما ال يستطيع‬
‫القاضي معرفة وتحديد سبب الوفاة والذي يكون من اختصاص الطبيب الشرعي‪.‬‬
‫وعليه فإذا كان القاضي ال يتوفر على البيانات التقنية التي تخرج عن إطار تكوينه وثقافته‪ ،‬فإنه يرى‬
‫نفسه مضطرا‪ ،‬سواء تعلق األمر بنقطة أساسية أو بمعطى ثانوي‪ ،‬أن يسند إلى أخصائي مهم إجراء خبرة‬
‫التي قال عنها أحد رجال القانون البارزين أنه " مسطرة تستهدف استعمال معارف أخصائي لتسليط الضوء‬
‫على مسألة يتوقف حلها على تقنية ال يتوفر عليها القاضي"‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق يتضح أن للخبرة أهمية بالغة في مسألة اإلثبات ولهذا نجد أن المشرع المغربي‬
‫قد اهتم بالخبرة كوسيلة إثبات وخاصة في المادة الجنائية حيث خصص لها الباب الحادي عشر من القسم‬
‫الثالث من الكتاب األول من ق‪.‬م‪.‬ج (المواد من ‪194‬إلى ‪ )209‬وكذلك مواد الفرع الرابع من الباب األول‬
‫من القسم الثالث من الكتاب الثاني المتعلقة باالستماع إلى الشهود والخبراء (المواد ‪ 347-325‬من ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬

‫ومن خالل هذه المواد سنحاول أن نفصل في النظام الذي تقوم عليه الخبرة باعتبارها وسيلة من‬
‫وسائل اإلثبات‪ ،‬وعليه فإننا سنبحث في سبل اللجوء إلى الخبرة وتعيين الخبراء وكذا حجية الخبرة في‬
‫اإلثبات‪ ،‬مستدلين في ذلك على اآلراء والتوجهات الفقهية مع دعمه بمواقف العمل واالجتهاد القضائيين‪.‬‬

‫ب‪ -‬طرق اللجوء إلى الخبرة‬

‫بالرجوع إلى الفقرة األولى من المادة ‪ 194‬من ق‪.‬م‪.‬ج نجد أنها تنص على أن "يمكن لكل هيئة من‬
‫هيأت التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسألة تقنية أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة‬
‫العامة أو األطراف"‪.‬‬
‫ويتضح من خالل هذه الفقرة أن مسألة إجراء الخبرة خاضعة باألساس للسلطة التقديرية للمحكمة‪،‬‬
‫حيث يمكن أن تثيرها من تلقاء نفسها أو بناءا على طلب من النيابة العامة أو األطراف ويكون للمحكمة إما‬
‫أن توافق عليه أو أن ترفضه‪.‬‬

‫الحبيب بيهي‪":‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.275‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪49‬‬
‫ومما يثار في مسألة الموافقة أو الرفض هذه‪ ،‬أنه إذا كانت الموافقة ال تثير أي إشكال فإن رفض‬
‫الطلب يطرح التساؤل حول هل تكون المحكمة مطالبة بتعليل ذلك الرفض أم ال؟‬

‫على هذا التساؤل وذلك من خالل‬ ‫ومع سكوت المشرع في الحكم عن هذه المسألة‪ ،‬جاوب الفقه‬
‫‪94‬‬

‫المادة ‪ 194‬من ق‪.‬م‪.‬ج وخاصة الفقرة الثالثة منه والمتعلقة بوجوب تعليل قاضي التحقيق أمره برفض‬
‫طلب الخبرة‪ ،‬حيث يري أصحاب هذا الطرح جواز تطبيق هذه الفقرة من المادة السابقة حتى بنسبة لقضاء‬
‫الموضوع ويعلل دعاة ه ذا التوجه الفقهي قولهم بأن في تعليل رفض الطلب إمكانية فتح المجال أمام المجلس‬
‫األعلى لمراقبة حكم الموضوع في مدى احترامها لحقوق الدفاع‪.‬‬
‫والغريب في األمر أن المجلس األعلى نفسه ال يشاطر الرأي الفقهي السابق في توجهه‪ ،‬حيث اتخذ‬
‫موقفا مخالفا تماما للرأي السابق‪ .‬وذلك من خالل قراره عدد ‪ 4463‬الصادر بتاريخ ‪ 29‬مايو ‪1984‬‬
‫ملف جنائي ‪ 84/9381‬الذي جاء فيه " الخبرة وسيلة إثبات تملك معها المحكمة سلط تقديرية ال تخضع‬
‫فيها لرقابة المجلس وإن عدم االستجابة لطلب إجراء الخبرة ال يؤثر في قرار المحكمة وأن السكوت عنه‬
‫يعد جوابا ضمنيا برفضه"‪.95‬‬
‫ويبقى التذكير بأن السلطة التقديرية للمحكمة في إجراء الخبرة يرد عليها بعض القيود نذكر منه ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫– تعيين الخبراء من القائمة التي تهيئها اللجنة المحددة بقرار وزير العدل الصادر في ‪ 9‬يوليوز‬
‫‪.1975‬‬

‫– إذا تم في حالة الضرورة تعيين خبير غير مدرج في الالئحة السابقة الذكر‪ ،‬وجب عليه تأدية‬
‫اليمين أمام المحكمة وفق المادة األولى من المادة ‪ 345‬من ق‪.‬م‪.‬ج من خالل الصيغة األتية "أقسم باهلل‬
‫"‪.‬‬
‫العظيم على أن أقدم مساعدتي للعدالة وفق ما يقتضيه الشرف والضمير‬
‫– وجوب تضمين مقرر تعيين الخبير المأمورية التي تكون المحكمة قد أناطتها به‪.‬‬

‫– تحديد المحكمة موعدا محددا للخبير من أجل إنجاز المهمة مع إمكانية تمديدها‪.‬‬

‫عبد الواحد العلمي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.420‬‬ ‫‪94‬‬

‫قرار منشور بمجوعة قرارات المجلس األعلى (‪.)1966-1995‬‬ ‫‪95‬‬

‫‪50‬‬
‫خالصة القول أن امر البث في طلب إجراء خبرة واألخذ بنتيجتها هو من األمور الواقعية الذي ال يخضع‬
‫فيها القاضي لرقابة محكمة النقض‪ ،‬غير انه يخضع لرقابة غير مباشرة وهي مراقبة التعليل فيتأتى لمحكمة‬
‫النقض نقض الحكم لعدم كفاية التعليل ذلك انه يصعب وضع حدود فاصلة بين ما يعتبر قانونا وما يعتبر‬
‫واقعا‪ ،‬وخضوع الخبرة لتقدير القاضي هي من األمور الواقعية أما ما يتعلق بتطبيق القانون وتفسيره فهي‬
‫المعتبرة قانونا‪ ،‬والرقابة التي تمارسها محكمة النقض قد تمتد إلى عناصر واقعية كمراقبة التعليل المتعلق‬
‫بالوقائع وطريق استخالص الدليل من لدن محكمة الموضوع كان ذلك سيؤدي بمحكمة النقض الى التأكد‬
‫من مدى صواب األساس القانوني الذي بني عليه الحكم قد يجعلها تمس ببعض الجوانب الموضوعية‪.‬‬
‫وبهذا يمكن القول على ان هناك عالقة وطيدة قائمة بين مؤسسة القضاء الجنائي ومؤسسة الخبرة القضائية‬
‫التي يطبعها طابع التعاون والتآزر لبلوغ هدف سامي وهو تحقيق العدالة لفائدة المتقاضين‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المعاينة‬

‫تعتبر المعاينة من أهم طرق اإلثبات واألدلة المباشرة في القضاء الرتباطها بالواقعة محل اإلثبات‪،‬‬
‫الستجالء الحقيقة في األنظمة العدلية بشكل عام‪.96‬‬

‫أ‪ -‬القواعد العامة للمعاينة كوسيلة اثبات‬

‫‪ -1‬تعريف المعاينة‬
‫يقصد بها فحص المكان وجمع األدلة المهمة الذي ارتكبت فيه الجريمة بما يحتويه من أشياء‬
‫وأشخاص بهدف التعرف على كل أو بعض الحقائق الجوهرية التي يستهدفها التحقيق الجنائي‪ ،‬واكتشاف‬
‫كما يمكن اعتبارها بأنها‪ ":‬ذلك الفحص الدقيق والمتأني لمكان‬ ‫‪97‬‬
‫ورفع ما يخلفه الجناة من آثار جنائية"‬
‫الحادث وما يتصل به من أشياء وأشخاص‪ ،‬يجريه المحقق أو أحد مساعديه بقصد جمع األدلة واثبات حالة‬
‫‪98‬‬
‫كل من مكان الجريمة‪ ،‬وشخص المتهم‪ ،‬والمجني عليه‪ ،‬واألشياء التي لها عالقة بالجريمة التي وقعت "‬
‫والجدير بالذكر أن المعاينة تتم بأية حاسة من الحواس سواء كانت اللمس أو السمع‪ ،‬البصر الشم والتذوق‪،‬‬
‫في حين يكون موضوع إثباتها اآلثار المادية المتخلفة عن الجريمة‪ ،‬أو إثبات حالة األشياء‪ ،‬أو األشخاص‪،‬‬

‫‪ 96‬عبد هللا بن صالح الفوزان‪ :‬منحة العالم "في شرح بلوغ المرام"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪.607‬‬

‫‪ 97‬العميد السيد المهدي‪ :‬مسرح الجريمة وداللته في تحديد شخصية الجاني‪ ،‬دار النشر بالمركز العربي للدراسات األمنية‬
‫والتدريب الرياض‪ ،1993 ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ 98‬أحمد بن دخيل هللا الردادي‪ :‬معاينة مسرح الجريمة بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مشروع مقدم استكماال لمتطلبات الماجستير‬
‫في العلوم األمنية‪ ،‬المركز العربي للدراسات األمنية والتدريب‪ ،‬الرياض ‪ ،1989‬ص ‪.8‬‬

‫‪51‬‬
‫ويكون‬ ‫أو األماكن التي لها عالقة بالجريمة‪ ،‬وكذلك إثبات الوسيلة أو األداة المستعملة في الجريمة‬
‫‪99‬‬

‫القاضي عن طريقها تكوين اعتقاده بمالمسته للوقائع ذاتها واستخالص الدليل من مشاهداته ال مما يقدمه‬
‫له الخصوم من أقوال ومستندات وبيانات‪ ، ...‬وهي ضرورية في بعض القضايا‪ ،‬اذ يتعين معاينة محل‬
‫النزاع وفحص حالته لتتمكن المحكمة من تكوين اعتقادها الصحيح عن حقيقة المنازعة وكيفية استخالص‬
‫الحكم فيها‪.‬‬

‫ولم ينص قانون المسطرة الجنائية صراحة على هذه الوسيلة " وردت في المادة ‪ ..." 362‬أنه يمكن‬
‫للمحكمة أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي‪ "...‬كما أن المبدأ العام " كل إجراء يعتبر جائزا إلى أن يمنعه‬
‫القانون " كما أن المادة ‪ 286‬من ق‪.‬م‪ .‬ج تبيح اللجوء إلى المعاينة كوسيلة من وسائل اإلثبات نصت على‬
‫ما يلي‪ " :‬يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات"‬

‫وبالتالي تخضع المعاينة لسائر القواعد التي تخضع لها أدلة االثبات األخرى‪ ،‬فيلزم تمكين المتهم من‬
‫الحضور بإعالنه أن لم يكن حاضرا‪ ،‬كما يجب أن تنتقل المحكمة بكامل هيئتها إلجرائها إال إذا تعذر ذلك‬
‫فتندب أحد أعضائها‪ ،‬وينبغي طرح محضر المعاينة للمناقشة في الجلسة في حضور الخصوم ويترتب على‬
‫‪.‬‬
‫مخالفة هذه القواعد بطالن إجراء المعاينة وبطالن سائر اآلثار المترتبة‬

‫‪ -2‬كيفية استعمال هذه الوسيلة‬


‫عند وصول أول ضابط الشرطة إلى مسرح الجريمة عليه القيام بأول إجراء وهو التحفظ على مسرح‬
‫الجريمة بما فيها من آثار متواجدة به‪ .100‬كما نصت عليه المادة ‪ 57‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‬
‫" يجب أن تحافظ على األدلة القابلة لالندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة وأن يحجر‬
‫األسلحة واألدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة الرتكابها وكذا جميع ما قد يكون‬
‫ناتجا عن هذه الجريمة "‪ ،‬وتعني بذلك إبقاء مكان الحادث في نفس الظروف المادية التي عليها عندما تركه‬
‫الجاني ومراعاة عدم لمس أو إزالة أي أثر مادي أو نقله‪ .101‬ومن أجل المحافظة على مسرح الجريمة‬
‫يجب على ضابط الشرطة القيام ببعض اإلجراءات المتمثلة في ‪ :‬العمل وفق خطة ومنهاج مرسوم وتأمين‬
‫شامل للمكان والمبكر لمسرح الجريمة بواسطة شريط االحاطة ‪ ،‬وكذلك إبعاد األشخاص الفضولين وعدم‬

‫‪ 99‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬التحقيق القضائي‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 100‬خلف عبد العزيز‪ :‬إجراءات البحث الفني والتقني بمسرح الجريمة‪ ،‬مجلة الشرطة الجزائرية عدد ‪ 07‬دجنبر ‪،2013‬‬
‫ص ‪.13‬‬
‫‪ 101‬خلف عبد العزيز‪ :‬مرجع سابق ص ‪.14‬‬

‫‪52‬‬
‫السماح ألي شخص الدخول إلى مسرح الجريمة باستثناء األطباء أو المكلفين بمساعدة المصابين‪ ،102‬وعدم‬
‫لمس أي شيء في مسرح الجريمة وعدم تحريكه من مكانه إلى غاية وصول المختصين‪ ،‬وعدم إتالف‬
‫اآلثار والعمل على التقليل إلى أبعد الحدود من التغييرات الضرورية‪ ،‬وتغطية اآلثار بالشكل المناسب كاثار‬
‫األقدام أو الدماء في األراضي المكشوفة عندما تكون عرضة للتأثر باألحوال الجوية‪ ،‬ووصف وضعية‬
‫المصابين واآلثار المتروكة من أعمال المحققين وتدوين كل التغييرات الطارئة‪ ،103‬وكذا المحافظة على‬
‫األماكن التي تساهم فعليا في نجاح التحقيق في قضية جنائية وال قيمة للدليل المادي ان لم يكن هناك حماية‬
‫لمسرح الجريمة كما تقصية األنظمة المعمول بها في ميدان األدلة الجنائية‪.104‬‬

‫كما يمكن للقاضي أن يستمع إلى الشهود بعين المكان ويأخذ الصور الممكنة ويهيئ تصميما للمكان‬
‫هذا في مجال القضاء الفردي‪ ،‬وأما في مجال القضاء الجماعي فتنتقل الهيأة كاملة أو تنتدب مستشارا مقررا‬
‫ينوب عنها‪.‬‬

‫المعاينة في جرائم األعمال‬ ‫ب‪-‬‬


‫تعتبر المعاينة من أهم الوسائل التي يتم اللجوء اليها إلثبات الجرائم‪ ،‬بما فيها جرائم األعمال‪ ،‬هكذا‬
‫مثال يمك ن الحديث عن المعاينة في قانون الزجر عن الغش في البضائع‪ ،‬اذ أن مأمورين االدارة المكلفين‬
‫يحررون محضرا بخصوص ما عاينوه‪ ، 105‬يتم توجيهه للسلطة المختصة من أجل القيام بما يفرضه القانون‪،‬‬
‫كذلك أعوان ادارة الجمارك يضمنون ما عاينوا في محضرهم‪ ،106‬علما أن المحضر الذي يحرر من طرف‬
‫عونين أو أكثر يتاق في مضمونه‪ ،‬وال يمكن اثبات عكسه اال بالطعن بالزور فيه‪.107‬‬

‫وتتم المعاينة سواء بانتقال المحكمة من تلقاء نفسها أو بطلب أحد الخصوم لمعاينة المتنازع عليه‬
‫منقوال كان أم عقارا أو بجلبه للمحكمة إذا كان باإلمكان ذلك أو استخالف القاضي الذي يقع في نطاق‬
‫اختصاصه محل النزاع‪ ،‬والمعاينة ليست ملزمة للمحكمة بمعنى أن طلب المعاينة من حيث القبول والرفض‬
‫يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة المختصة بنظر الدعوى مع بيان االسباب في حالة الرفض‪ ،‬ويجوز‬
‫للم حكمة أن تتحفظ على الشيء محل المعاينة أو وضعه تحت الحراسة القضائية لحين انتهاء الدعوى إذا‬
‫رأت أن ذلك يحقق المصلحة في الدعوى‪.‬‬

‫‪ 102‬د عباس عيسى‪ :‬الشرطة التقنية والعلمية‪ ،‬مذكرة نهاية دراسته‪ ،‬دورة ضباط الشرطة القضائية‪ ،‬سنة ‪– 2010‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪.25‬‬
‫‪ 103‬د عباس عيسى‪ :‬مرجع سابق ص ‪.26‬‬
‫‪ 104‬حمزة نجاة ‪ :‬معاينة مسرح الجريمة ودوره في الكشف عن الحقيقة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر في القانون الجنائي‪،‬‬
‫جامعة البويرة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 105‬الفقرة الثانية من المادة ‪ 24‬من قانون الزجر عن الغش في البضائع‪.‬‬
‫‪ 106‬المادة ‪ 233‬من مدونة الجمارك‪.‬‬
‫‪ 107‬الفقرة االولى من المادة ‪ 242‬من مدونة الجمارك‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ونخلص إلى أن المعاينة تعتبر من أهم طرق اإلثبات المباشرة في الدعوى بشكل عام وفق ما تراه‬
‫المحكمة المختصة لحفظ الحقوق قبل فواتها‪ ،‬أو حسب ما يتطلبه األمر في القضايا الجنائية قبل زوال األدلة‬
‫أو تلفها من جهة أخرى‪ ،‬مع ضرورة االهتمام بأصول وسالمة إجراءات المعاينة وسرعة االنتقال إلى‬
‫المكان وتوفر الخبرة والدقة والتأني وقوة المالحظة والترتيب المنطقي في إجراء المعاينة والمحافظة على‬
‫الحقوق والمحتويات واآلثار وتوثيق البينات المتوفرة بحسب طبيعة القضايا واختالف أنواعها‪ ،‬وبالجملة‬
‫تعتبر المعاينة من أهم األدلة الموصلة للحقيقة الرتباطها بالواقعة محل االثبات‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل الحديثة أو العلمية في جرائم األعمال‬

‫مما ال شك فيه أن اإلثبات الجنائي قد طرأت عليه تطورات شاسعة بفضل الطفرة العلمية الهائلة في‬
‫وسائل اإلثبات والتي لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬فهي طفرة قامت على نظريات وأصول علمية دقيقة‬
‫واستطاعت أن تزود القاضي الجنائي بأدلة قاطعة وحاسمة تربط أو تنفي العالقة بين المتهم والجريمة‪،‬‬
‫وأصبح القضاء بالتالي يعول عليها كأدلة فنية يؤسس عليها األحكام باإلدانة أو البراءة‪ .‬ويقصد بها االستعانة‬
‫باألساليب العلمية والفنية التي كشف عنها العلم الحديث في مجال إثبات الجريمة ونسبتها إلى مرتكبها أو‬
‫تبرئته من التهمة المنسوبة إليه‪.108‬‬

‫فكانت الجريمة من األفعال التي تقع غالبا في الخفاء وتحاط بالغموض ألن الجاني يسعى الى طمس‬
‫معالمها وعدم ترك أي أثر يمكن ان تستدل من خالله عليه‪ ،‬ولما كانت الجريمة يتم اكتشافها بعد ارتكابها‪.‬‬
‫وقد ال يكون أمام رجال التحقيق سوى مسرح الجريمة‪ .‬لذلك بات من الضروري أن يتم التعامل مع اآلثار‬
‫المادية التي توجد في مسرح الجريمة ومحاولة االستفادة منها في تتبع المجرم واكتشافه وفك الغموض‬
‫الذي يحيط بالجريمة محل التحقيق‪ .‬لكن مهما كان المجرم ذكيا فانه لن يستطيع أن يتغلب على كل االثار‬
‫التي يتم من خاللها االهتداء اليه‪ ،‬ويمكن أن تصلح ألن تكون دليال ضده أي بعبارة أخرى أن المجرم مهما‬
‫كان ذكيا فال بد أن يتم التغلب على ذكائه مهما اتخذ من االحتياطات التي من شأنها أن تمنع اكتشافه فالبد‬
‫من أن يؤمن المحقق بأن المجرم من الممكن أن تخونه احتياطاته‪.‬‬

‫‪ 108‬رضا عبد الحليم عبد المجيد‪" :‬الحماية القانونية للجين البشري – االستنساخ وتداعياته"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ،1998‬ص ‪.42‬‬

‫‪54‬‬
‫وللوقوف في هذا الموضوع أكتر سنتطرق الى مناقشة وسائل اإلثبات الجنائي والتكنولوجيا الحديثة‬
‫من خالل االثبات عن طريق الوسائل التقنية ألجهزة التسجيل والمراقبة (الفقرة األولى) وبعدها البصمات‬
‫(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االثبات عن طريق الوسائل التقنية ألجهزة التسجيل والمراقبة‬

‫جرائم األعمال ترتكب بأسلوبين أحدهما تقليدي واآلخر بشكل احترافي‪ ،‬وال نعني بذلك االحترافية‬
‫في ممارسة اإلجرام بشكل اعتيادي فحسب‪ ،‬بل نقصد منه ذلك الجاني الذي ينفذ جريمته بطريقة عالية من‬
‫الدقة وبتخطيط محكم بحيث تكون نسبة النجاح فيها كبيرة‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال بمعاونة مجموعة من الفاعلين‬
‫والحماية التي يمنحونها له‪ ،‬كما أن ارتكاب الجريمة عن طريق المعلوميات أو الوسائل اإللكترونية‪ .‬أضحى‬
‫يشكل عرقلة وسببا إلفالت الجناة من العقاب‪ ،‬إن لم نقل البطء في الوصول إليهم‪ .‬على اعتبار أن الجاني‬
‫اليوم في جرائم األعمال نظرا لمكانته االجتماعية أو االقتصادية أصبح مرتبطا في ارتكاب الجريمة بالعلم‬
‫الحديث‪ ،‬فمن مكانه ينفذ جريمته دون تحمل عناء االنتقال أو استعمال العنف‪ ،‬وقد ينفذها مباشرة بمفرده‬
‫وال يحتاج معونة سواء على مستوى التالعب بالمعطيات أو التجسس أو زرع الفيروسات‪.‬‬

‫التشريع الجنائي المغربي نجد أنه قد نظم هذه الوسيلة من المادة ‪ 108‬إلى المادة ‪ 116‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التقاط المكالمات الهاتفية‬

‫تعتبر هذه الوسيلة من أخطر الوسائل التي تقررت استنادا على حق اإلنسان في الخصوصية‪ ،‬ألن‬
‫المراقبة تتم دون علم الشخص‪ ،‬وتمكن من سماع وتسجيل أدق أسرار حياته‪ ،‬لذلك تم تقييد هذه الوسيلة‬
‫وجعل مسألة اللجوء إليها قاصرة على بعض الجرائم‪ ،‬كالجرائم المنظمة‪ ،‬والجرائم التي تمس بأمن الدولة‬
‫أو الجرائم اإلرهابية‪.109‬‬

‫أ‪ -‬مفهوم التقاط المكالمات في القانون‬

‫يعتبر التنصت على المكالمات الهاتفية من بين الوسائل العلمية التي يلجأ اليها القضاء لضبط وإثبات‬
‫الجريمة في مجال األعمال‪ ، 110‬اال أن هذا االجراء تتنازعه مصلحتان متعارضتان‪ ،‬أولهما حق االفراد في‬

‫‪ 109‬مصطفى مجدي هرجة‪" :‬اإلثبات في المواد الجنائية"‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬ص ‪52‬‬
‫‪ 110‬معاذ بن حدو‪ ":‬االثبات في جرائم المخدرات"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪،‬‬
‫كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية‪.2008-2007 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫التمتع بسرية الحياة الخاصة بهم وحقهم في عدم انتهاك حرمتها دون اذن‪ ،111‬وثانيها توفر حماية فعالة‬
‫للمجتمع في مواجهة الجرائم الخطيرة والمنظمة والوصول الى مرتكبيها‪ ،‬والتي تعتبر جرائم االعمال‬
‫واحدة منها‪.‬‬

‫وتعتبر المكالمات الهاتفية‪ ،‬وجميع االتصاالت المنجزة بواسطة الوسائل التكنولوجية الحديثة‪ ،‬وسيلة‬
‫من وسائل االثبات التي يمكن اعتمادها للتحقق من الجرائم‪ ،‬ليس فقط الجرائم العادية‪ ،‬وانما جرائم االعمال‬
‫على خالف اشكالها‪ ،‬بل ان بعض الفقهاء ذهب الى اعتبار مراقبة المحادثات الهاتفية بمثابة تفتيش‪ ،‬ورغم‬
‫المعارضة التي يتلقاها هذا التحليل ألن أسالك الهاتف ال تعتبر سكنا‪ ،‬والمحادثات ليست دليال ملموسا‪.‬‬
‫فالتقاط المكالمات الهاتفية وباقي االتصاالت المنجزة عن بعد‪ ،‬من وسائل االثبات التي تعتمد على التقنية‬
‫الفنية والعلمية‪ .‬ويعتبر مجال اجرام األعمال أهم المجاالت التي يمكن اللجوء فيها الى هذا النوع من‬
‫االثبات‪.‬‬

‫من المستجدات التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬النافذ ابتداء من فاتح أكتوبر ‪ ،2003‬أحكام‬
‫التنصت للمكالمات ضمن المواد ‪ 108‬الى ‪ 116‬من قانون المسطرة الجنائية‪ .‬ويعتبر هذا االجراء طريقة‬
‫لالستدالل‪ ،‬ووسيلة للحصول على قرائن وأدلة‪.112‬‬
‫وقد خول المشرع لقاضي التحقيق‪ ،‬والوكيل العام للملك هذه الصالحية ضمن شروط محددة‬
‫واجراءات محصورة‪.‬‬
‫وهكذا أكدت المادة ‪ 108‬في فقرتها االولى‪ ،‬على أن القاعدة هي منع التقاط المكالمات الهاتفية أو‬
‫االتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن بعد أو تسجليها أو أخد نسخ منها أو حجزها‪.‬‬
‫ويستفاد من هذه القاعدة‪ ،‬أن االصل هو منع التنصت‪ ،‬وأن الترخيص به يعتبر استثناء تستدعيه‬
‫متطلبات الكشف عن الجرائم والمجرمين وهذا االستثناء محاط بعدة ضمانات سنشير لها في الفقرة الموالية‪.‬‬

‫الجهات الموكول اليها حق االمر بالتقاط المكالمات‬ ‫ب‪-‬‬


‫أجاز القانون لكل من قاضي التحقيق والوكيل العام للملك لدى محكمة االستئناف حق المبادرة بإجراء‬
‫التنصت‪ ،‬كلما استدعت ذلك ضرورة البحث‪.‬‬

‫‪ 111‬بالحاج عبد هللا‪" :‬الوسائل الحديثة في االثبات الجنائي"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد‬
‫األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية‪.2009-2008 ،‬‬

‫الحبيب بيهي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216 – 215‬‬ ‫‪112‬‬

‫‪56‬‬
‫والمالحظ أن المشرع أعطى لقاضي التحقيق‪ ،‬حق اصدار االمر المباشر المكتوب بالتقاط المكالمات‬
‫الهاتفية‪ ،‬وكافة االتصاالت المنجزة بواسطة االتصال عن بعد‪ ،‬وتسجيلها وأخد نسخ منها أو حجزها‪ ،‬وينفذ‬
‫أمر قاضي التحقيق مباشرة دون قيد‪.‬‬
‫أما الوكيل العام للملك فقد قيد المشرع صالحيته‪ ،‬خالفا لقاضي التحقيق‪ ،‬وألزمه بتقديم ملتمس‬
‫للرئيس االول لمحكمة االستئناف‪ ،‬ولهذا االخير وحده حق اصدار االمر بالتنصت‪ ،‬وذلك في حدود الجرائم‬
‫الواردة حصرا في المادة ‪ 108‬من قانون المسطرة الجنائية وهي‪ :‬الجرائم الماسة بأمن الدولة وجريمة‬
‫االرهاب أو المتعلقة بالعصابات االجرامية وبالقتل أو التسميم وباالختطاف وأخد الرهائن أو بتزييف النفود‬
‫أو سندات القرض العام‪ ،‬أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية أو الذخيرة والمتفجرات أو بحماية الصحة‪.113‬‬
‫لكن المادة ‪ 108/4‬أجازت للوكيل العام للملك استثناء‪ ،‬وفي حالة االستعجال القصوى‪ ،‬أن يأمر‬
‫كتابة وبصفة مباشرة بالتقاط المكالمات الهاتفية‪ ،‬كلما استدعت ضرورة البحث التعجيل‪ ،‬مخالفة اندثار أدلة‬
‫االثبات وفي هذه الحالة االستعجالية‪ ،‬وفي حدود الجرائم المذكورة‪ ،‬يتعين على الوكيل العام أن يشعر فورا‬
‫الرئيس االول‪ ،‬خالل أربع وعشرين ساعة باألمر الصادر عنه‪ ،‬ويصدر الرئيس االول خالل أربع وعشرين‬
‫ساعة‪ ،‬مقررا بتأييد أو تعديل أو الغاء قرار الوكيل العام للملك‪.‬‬
‫فاذا ألغى الرئيس االول أمر الوكيل العام للملك‪ ،‬فان التقاط المكالمات الهاتفية واالتصاالت‪ ،‬يتم ايقافه‬
‫فورا‪ ،‬وال يعتد باإلجراءات المنجزة تنفيذا ألمر الوكيل العام‪ ،‬وال يقبل قرار الرئيس األول أي طعن‪.114‬‬

‫اجراءات التقاط المكالمات‬ ‫ت‪-‬‬


‫يشترط في االمر الصادر بإجراء التنصت أن يكون مكتوبا وأن يتضمن كل العناصر التي تعرف‬
‫بالمكالمات الهاتفية أو بالمراسلة المراد التقاطها‪ ،‬وتسجيلها‪ ،‬أو أخد نسخ منها‪ ،‬أو حجزها‪ ،‬وذكر الجريمة‬
‫التي تبرر ذلك‪ ،‬والمدة التي تتم خاللها العملية‪ ،‬والتي ال يجوز أن تتجاوز أربعة أشهر‪ ،‬قابلة للتجديد مرة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫ويتم التقاط المكالمات من طرف أي عون مختص‪ ،‬تابع لمصلحة أو لمؤسسة موضوعة تحت سلطة‬
‫أو وصاية الوزارة المكلفة باالتصاالت والمراسالت أو من أي عون مكلف باستغالل شبكة أو مزود مسموح‬
‫له بخدمات االتصال‪.‬‬

‫‪ 113‬هشام الزربوح‪ " :‬خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.375:‬‬
‫‪ 114‬عبد الفتاح مراد‪" :‬التحقيق الجنائي الفني والبحث الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.126 – 125‬‬

‫‪57‬‬
‫وتتولى المصالح المذكورة ضمن ظهير ‪ 7‬غشت ‪ 1997‬المنظم للبريد والمواصالت‪ ،‬مهمة وضع‬
‫جهاز االلتقاط‪ .‬وعند انجاز المهمة‪ ،‬تتولى السلطة القضائية المعينة من طرفها‪ ،‬تحرير محضر بالعمليات‬
‫التي تم انجازها في هذا الشأن‪ ،‬ويذكر المحضر تاريخ بداية عملية التنصت وتاريخ نهايتها‪.‬‬
‫وتوضع التسجيالت والمراسالت‪ ،‬في وعاء أو غالف مختوم‪ ،‬ثم تقوم السلطة المكلفة بالبحث أ و‬
‫التحقيق‪ ،‬أو الضابط المكلف من طرفها‪ ،‬بتدوين محتويات االتصاالت المقيدة إلظهار الحقيقة وذات الصلة‬
‫بالجريمة‪ ،‬وتحرر محضرا بهذا التدوين يوضع بملف القضية‪ ،‬ويمكن االستعانة بأهل االختصاص للتعرف‬
‫على الرموز وااللغاز‪.‬‬
‫كما تنقل كتابة االتصاالت والمراسالت التي تمت بلغة أجنبية الى اللغة العربية‪ ،‬بمساعدة ترجمان‬
‫يعين لهذا الغرض‪ ،‬ويؤدي اليمين كتابة على أن يترجم بأمانة وأال يفشي أسرار البحث والمراسالت‪ ،‬ويعفى‬
‫من اليمين ان كان مسجال بجدول التراجمة المقبولين‪.‬‬
‫وتتم ابادة التسجيل والمراسالت‪ ،‬بعد انصرام أجل تقادم الدعوى العمومية‪ ،‬أو بعد اكتساب الحكم‬
‫الصادر في الدعوى‪ ،‬قوة الشيء المقضي به‪ ،‬ويحرر محضر عن عملية االبادة ويحفظ بملف القضية‪.‬‬
‫وقد عاقبت المادة ‪ 115‬من قانون المسطرة الجنائية بالحبس من شهر الى ستة أو بالغرامة من‬
‫‪ 10.000‬الى ‪ 100.000‬درهم االفعال التالية‪:‬‬
‫‪ -‬كل من قام بوضع أجهزة التقاط المكالمات‪ ،‬أو قام فعال بالتقاطها عبر االتصال عن بعد‪ ،‬خالفا‬
‫للقواعد المنصوص عليها في باب التقاط المكالمات والرسائل‪.‬‬
‫‪ -‬كل عون من أعوان السلطة العمومية‪ ،‬أو أجير لدى شبكة عمومية‪ ،‬قام بمناسبة ممارسة مهامه‬
‫بالكشف عن وجود التقاط‪ ،‬أو أمر أو ارتكب أو سهل التقاط أو تبديد مراسالت‪ ،‬موجهة بواسطة وسائل‬
‫االتصال عن بعد‪.115‬‬

‫ث‪ -‬على مستوى جرائم األعمال‬

‫وبذلك تكون الجرائم التي يتم فيها اللجوء الى هذه الوسيلة من وسائل االثبات جد محدودة وليس من‬
‫ضمنها جرائم االعمال‪ ،‬ماعدا إذا استثنينا جرائم تزييف وتزوير النقود وسندات القرض العام وجرائم‬
‫المخدرات والمؤثرات العقلية والجرائم المتعلقة بالصحة العامة‪ ،‬على غرار تلك التي يحددها قانون الزجر‬
‫عن الغش في البضائع‪.‬‬

‫الحبيب بيهي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.217- 216- 215‬‬ ‫‪115‬‬

‫‪58‬‬
‫وطبعا هذه الوسيلة من وسائل االثبات كان باإلمكان توسيعها لتشمل مجموعة من الجرائم المتعلقة‬
‫باألعمال‪ ،‬والتي لها تأثير كبير على االقتصاد بشكل مباشر او غير مباشر‪.‬‬

‫وهنا البد من االشارة الى أنه إذا كان التسجيل الصوتي التليفوني ال يجوز اعتماده اال بناء على أمر‬
‫قضائي‪ ، 116‬فالمالحظ أن القضاء المغربي ميز بين التسجيل الصوتي والتنصت الهاتفي‪ ،‬واعتبر االول‬
‫غير متوقف على اذن ألنه مجرد تسجيل تم بالة تسجيل حتى ولو كانت هذه االلة هاتفا‪.‬‬

‫وإذا كان هو التحديد القانوني الذي جاء في نص الفقرة الثالثة من المادة ‪ 108‬من ق‪.‬م‪.‬ج فالمالحظ‬
‫أ ن االشارة الى الجرائم جاء بشكل فضفاض يمكن توسيعه ليشمل جرائم اخرى لم تتم االشارة اليها بشكل‬
‫مباشر في النص المذكور‪.‬‬

‫هكذا مثال جرائم العصابات االجرامية يمكن ان تشمل جميع أشكال جرائم االعمال‪ ،‬فكلما قام الجناة‬
‫بأعمال اجرامية لها عالقة بعالم المال والثروة في شكل عصابة اجرامية اال وأمكن اللجوء الى تقنية التقاط‬
‫المكالمات عن بعد‪ .‬علما أن العبرة في التكييف ليس بصدور حكم قضائي‪ ،‬وانما بالتكييف الذي تراه النيابة‬
‫العامة‪ ،‬فمتى أحالت هذه االخيرة ملفا على قاضي التحقيق كان موضوعه جرما لألعمال ارتكب في شكل‬
‫عصابة اجرامية‪ ،‬فان هذا االخير يحق له االمر بإجراء التقاط للمكالمات‪ ،‬ونفس االمر تمتلكه النيابة العامة‬
‫لدى محكمة االستئناف بناء على ملتمس تقدمه للرئيس االول لهذه المحكمة‪.117‬‬

‫ونفس االمر يمكن قوله عن مصطلح "حماية الصحة" الذي جاءت به الفقرة الثانية من المادة ‪108‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬على اعتبار ان كثيرا من جرائم االعمال تتعلق بالصحة العامة‪ ،‬من قبيل مثال الجرائم التي‬
‫نص عليها قانون الزجر عن الغش في البضائع‪ ،‬وقانون الزجر عن الجرائم الماسة بصحة االمة‪ ،‬وكذلك‬
‫قانون رقم ‪ 16.98‬المتعلق بالتبرع باألعضاء واالنسجة البشرية‪ ،‬والقانون المتعلق بالمخدرات الخاصة‬
‫بالتحاليل البيولوجية وهو القانون رقم ‪ ،12.01‬وكذلك القانون رقم ‪ 71.40‬المتعلق بمثابة مدونة االدوية‬
‫والصيدلية‪ ،‬والقانون المعتبر بمثابة نظام أساسي للمستشفيات‪ ،‬وغيرها من القوانين االخرى التي ترتبط‬
‫بشكل أو باخر بحماية الصحة العامة وتشكل وجها من وجوه القوانين التي نصت على جرائم االعمال‪.‬‬

‫التفصيل في شروط ذلك في القانون المغربي أنظر‪:‬‬ ‫‪116‬‬

‫‪-‬ادريس النوازلي‪ " :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.322:‬‬
‫هشام الزربوح‪ " :‬خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.375‬‬ ‫‪117‬‬

‫‪59‬‬
‫ثانيا‪ :‬االثبات بوسائل الطب الشرعي الحديث‬

‫يمكن استخدام البيانات المستقاة من األدلة الجنائية على الصعيد الدولي للربط بين سلسلة من الجرائم‬
‫عبر الوطنية‪ ،‬حيث تنقل العصابات اإلجرامية لجرائم األعمال التي تحاول الحصول على األموال بطريقة‬
‫غير مشروعة في جميع أنحاء العالم عبر البنوك‪ ،‬والشركات الصورية‪ ،‬والوسطاء‪ ،‬وناقلي األموال‪ ،‬في‬
‫محاولة لدمج األموال غير القانونية في أعمال تجارية واقتصادية مشروعة‪ .‬وفي الوقت الراهن‪ ،‬يضطلع‬
‫الناقلون بدور رئيسي في هذا السياق‪ .‬فهم أشخاص يعملون كوسطاء للعصابات اإلجرامية‪ ،‬حتى عندما ال‬
‫يعلمون أنهم يقومون بغسل أموال غير قانونية‪ ،‬ومن خالل هذه الخطورة االجرامية كان البد من البحث‬
‫عن األشخاص المرتكبين لمثل هذه الجرائم التي تمس بالنظام االقتصادي للدولة‪ ،‬ومن هنا نكون أمام كيفية‬
‫الوصول الى مرتكبي الجرائم الخطيرة ومن أهمها جرائم األعمال؟‬
‫فيمكن مثال التدقيق سريعا في بصمات األصابع لدى عبور مشتبه به للحدود بين بلدين‪ ،‬كما بات‬
‫التعرف إلى الوجوه علما بيومتريا سريع التطور يتيح لنا كما كبيرا من الفرص الجديدة لتبيان هوية المشتبه‬
‫بهم وحل الجرائم‪.‬‬

‫قواعد البيانات الجنائية التي تتضمن ما توفره لنا البلدان األعضاء من‬ ‫‪118‬‬
‫ونتدبر في اإلنتربول‬
‫بصمات األصابع وسمات ال بصمات الوراثية وصور عن الوجوه‪ ...‬بما يسمح ألجهزة الشرطة في جميع‬
‫أنحاء العالم بالربط بين المجرمين ومسارح الجريمة‪ .‬ونتولى كذلك تدريب الموظفين العاملين في خطوط‬
‫المواجهة على تقييم األدلة والحفاظ عليها وتشاركها مع جهات أخرى بما يتماشى مع الممارسات الفضلى‬
‫المعتمدة‪.‬‬

‫أ‪ -‬البصمة الوراثية‬

‫‪ 118‬بروتوكوالت اإلنتربول‪ ،‬في عام ‪ ،1984‬وضع اإلنتربول أول دليل لتحديد هوية ضحايا الكوارث‪ ،‬والذي يتم تحديثه‬
‫كل خمس سنوات‪ .‬ويشكل هذا الدليل المعيار الوحيد المقبول عالميا ً في بروتوكوالت تحديد هوية ضحايا الكوارث‪.‬‬

‫يمكن للبلدان األعضاء أن تلتمس من اإلنتربول المساعدة في تحديد هوية الضحايا في أعقاب كارثة ما‪ .‬فنحن قادرون على‬
‫تقديم المساعدة عبر‪:‬‬
‫توفير نسخة قابلة للتحميل من دليل تحديد هوية ضحايا الكوارث واالستمارات ذات الصلة‬ ‫‪‬‬
‫توفير الدعم من مركز العمليات والتنسيق‬ ‫‪‬‬
‫إيفاد فريق اإلنتربول للتحرك إزاء األحداث لتقديم الدعم الميداني‬ ‫‪‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -1‬مفهوم البصمة الوراثية ‪ADN‬‬
‫تعتبر من وسائل اإلثبات الحديثة‪ ،‬وقد "خرجت إلى الوجود عام ‪ 1984‬عندما نشر الدكتور "أليك‬
‫جيفري" عالم الوراثة بجامعة "ليستر" بلندن بحثا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات وتعيد‬
‫نفسها في تتبعات عشوائية غير مفهومة‪ ،‬وأن المتتابعات مميزة لكل فرد وال يمكن أن تتشابه بين اثنين‪.119‬‬
‫وتحدد الطبعة الجينية "نوع فصيلة دم اإلنسان‪ ،‬أنزيماته‪ ،‬بروتينه‪ ،‬شكل طبعات أصابعه ولون شعره‬
‫وبشرته‪ ،‬وتحتوي نواة الخلية على الكروموسومات التي تحمل المادة الوراثية (جينات)"‪ .‬وتتميز "جزيئات‬
‫الحمض النووي بترتيب خاص وثابت لكل إنسان بحيث يميزه عن شخص آخر‪ ،‬وهو ترتيب القواعد‬
‫النيتروجينية أو النيوكليوتيدات‪ .‬وتعتبر نتيجة البصمة الوراثية في اإلثبات عالية جدا تصل إلى نسبة‬
‫‪ % 99,99‬ألنه ال يوجد تطابق للقواعد النيتروجينية في الحمض النووي لشخصين"‪ .120‬ويتم "إنشاء‬
‫مختبرات خاصة مجهزة بوسائل تكنولوجية حديثة لغرض إجراء فحوصات ال‪ ، ADN‬وقد أصبحت اليوم‬
‫الطريقة األكثر اعتمادا لدى المحاكم في مجال اإلثبات الجنائي في أغلب البلدان وال سيما المتقدمة منها‬
‫تقنيا"‪.121‬‬

‫من أشهر القضايا التي عرفت االستعانة في اإلثبات بتقنية تحليل الحمض النووي‪" :‬قضية بيل‬
‫كلينتون ومونيكا لوينسكي‪ ،‬حيث ادعت هذه األخيرة أنها كانت على عالقة جنسية بالرئيس بيل كلينتون‪،‬‬
‫واستظهرت مالبسها الداخلية التي احتفظت بها ملطخة بسائله المنوي‪ ،‬وأجريت تحاليل لفحص ‪ADN‬‬
‫على السائل المنوي‪ ،‬وقبل الكشف عن النتائج خرج بيل كلينتون عن صمته وفضل أن يفضح نفسه بنفسه‬
‫بدال من أن يدان من طرف المحكمة"‪.122‬‬

‫وقد ورد النص على هذه الوسيلة في القانون رقم ‪ 22.01‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬المنشور‬
‫بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 30‬يناير ‪ ،2003‬إذ تنص الفقرة األخيرة من المادة ‪ 47‬من هذا القانون على ما‬
‫يلي‪" :‬يمكن لوكيل الملك لضرورة البحث إذا ما عرضت عليه مسألة فنية أن يستعين بأهل الخبرة والمعرفة‪.‬‬

‫‪ 119‬توفيق سلطاني‪" :‬حجية البصمة الوراثية في اإلثبات"‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية‪،‬‬
‫تخصص علوم جنائية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر – باتنة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم العلوم القانونية‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2011-2010‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 120‬فيصل مساعد العنزي‪" :‬أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان‪-‬دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "‪،‬‬
‫بحث مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العدالة الجنائية‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬كلية‬
‫الدراسات العليا‪ ،‬قسم العدالة الجنائية‪ ،‬تخصص‪ :‬التشريع الجنائي اإلسالمي‪ ،2007 ،‬ص ‪.94-93‬‬
‫‪ 121‬كوثر أحمد خالند‪" :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية ‪-‬دراسة تحليلية مقارنة"‪ ،‬رسالة ماجستير مقدمة كجزء من‬
‫متطلبات نيل الماجستير في القان ون‪ ،‬جامعة صالح الدين‪ ،‬مكتب التفسير للنشر واإلعالن‪ ،‬أربيل‪ ،‬الطبعة األولى‪،2007 ،‬‬
‫ص ‪.349‬‬
‫توفيق سلطاني‪" :‬حجية البصمة الوراثية في اإلثبات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.151- 150‬‬ ‫‪122‬‬

‫‪61‬‬
‫كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرة لتحديد فصيلة البصمات الجينية لألشخاص المشتبه فيهم الذين توجد قرائن‬
‫على تورطهم في ارتكاب إحدى الجرائم"‪.‬‬

‫‪ -2‬اثبات الجريمة المرتكبة بالبصمة الوراثية‬

‫يتولى اختصاصيو البيولوجيا العاملون في مجال األدلة الجنائية استخراج البصمة الوراثية في‬
‫مختبرات متخصصة‪ ،‬ويحدد كل بلد األدوات التي تستخدمها مختبراته لتحليل العالمات الجينية المعروفة‬
‫باسم "التكرارات الترادفية القصيرة"‪ ،‬والجمع بين هذه العالمات يشكل سمات البصمة الوراثية‪ .‬ويمكن‬
‫ألدوات مختلفة أن تستهدف عالمات مختلفة‪ ،‬ولكن تداخل هذه األدوات بما يكفي يتيح إجراء المقارنات بين‬
‫البلدان‪.‬‬

‫تسجل البلدان األعضاء سمات البصمة الوراثية في قاعدة بياناتنا الجينية التي تجري عندئذ عملية‬
‫بحث‪ .‬ويعطي البلد العضو كال من السمات رقما مرجعيا من دون تسجيل أي معلومات اسمية في قاعدة‬
‫البيانات‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه السمات موجودة أصال في قاعدة بياناتنا نتيجة إحالتها من قبل بلد آخر‪ ،‬يسفر البحث‬
‫عن نتيجة إيجابية‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬نبلغ كال البلدين بحصول تطابق‪ ،‬وندعوهما إلى متابعة التحقيقات بعد‬
‫التحقق من المطابقة في قاعدة البيانات‪.‬‬

‫أما إذا كانت السمات تسجل للمرة األولى في قاعدة البيانات‪ ،‬تكون نتيجة البحث سلبية‪ .‬وفي هذه‬
‫الحالة‪ ،‬يحتفظ بهذه السمات في قاعدة البيانات بعد الحصول على إذن من البلد العضو الذي وفرها‪،‬‬
‫الستخدامها في إجراء مطابقات محتملة في المستقبل‪.123‬‬

‫‪ -1‬تحديد الهوية عن طريق المقارنة المباشرة لسمات البصمة الوراثية‬

‫يمكن مقارنة عينة من البصمة الوراثية تعود مباشرة إلى الشخص المفقود‪ ،‬مثال عينة أخذت خالل‬
‫فحص طبي سابق أو من غرض شخصي كفرشاة األسنان‪ ،‬مع بصمة وراثية مرفوعة من جثة أو رفات‬

‫‪ 123‬يمكن للبصمة الوراثية أن تؤدي دورا حاسما في إدانة ‪-‬أو تبرئة ‪-‬المشتبه فيهم في جرائم‪ ،‬قاعدة بيانات البصمة‬
‫الوراثية‪ ،‬أُنشئت قاعدة بيانات البصمة الوراثية في اإلنتربول عام ‪ ،2002‬وهي تضم حاليا ً أكثر من ‪ 247000‬ألفا من‬
‫يزودنا بها ‪ 84‬بلدا ً من البلدان األعضاء‪.‬‬
‫سمات البصمة الوراثية التي ّ‬

‫‪62‬‬
‫بشري مجهول الهوية للبحث عن مطابقة‪ .‬وطريقة تحديد الهوية هذه تجرى عبر قاعدة بيانات اإلنتربول‬
‫للبصمة الوراثية منذ عام ‪.2004‬‬
‫‪ -2‬تحديد الهوية عن طريق مقارنة البصمة الوراثية العائلية‬

‫لدى األقارب البيولوجيين نسبة معينة مشتركة من البصمة الوراثية‪ ،‬تتوقف على درجة القرابة‪ .‬وفي‬
‫حا ل تعذر الحصول على عينة من البصمة الوراثية للشخص المفقود إلجراء مقارنة مباشرة‪ ،‬يمكن أيضا‬
‫مقارنة البصمة الوراثية ألفراد األسرة المقربين (الوالدان‪ ،‬األطفال‪ ،‬األشقاء)‪ .‬وهذا هو المجال الذي ستحقق‬
‫فيه قفزة نوعية‪.‬‬

‫ب‪ -‬بصمات األصابع‬

‫البصمات تعتبر من المسائل العلمية التـي ظهـرت حديثا‪ ،‬والبصمات قد تكون ظاهرية‪ ،‬حيث يمكن‬
‫أن يراها الخبير بالعين المجردة عند معاينة مكان الحادث‪ ،‬أو خفية‪ ،‬والتي ال يمكن إظهارها إال باستعمال‬
‫مواد كيماوية على شكل مسحوق أو سائل‪.‬‬
‫وقد أرشدنا هللا سبحانه وتعالى للبصمة وأهميتها من خالل قوله تعالى‪" :‬أيحسب اإلنسان أن لن نجمع‬
‫عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه"‪ .‬صدق موالنا الكريم‪ ،‬والبنان هو نهاية األصبع‪.‬‬

‫‪ -1‬مفهوم بصمات األصابع‬


‫ثبت علميا أن شكل بصمة أي أصبع من أصابع اإلنسان ال يتغير رسمها علـى اإلطالق مدى الحياة‪،‬‬
‫ألنه ال يوجد بين ماليـين البشر شخصان تتماث ل بصمات أصابعهما وهذا ما يضفي على البصمات أهمية‬
‫ويكسبها قيمتها في تحقيق الشخصية في العصر الحديث كدليل قاطع لما حققه علم البصمات من نجاح فـي‬
‫الجنائي‪.‬‬ ‫التحقيق‬ ‫إجراءات‬ ‫ضمن‬ ‫به‬ ‫االستعانة‬ ‫تم‬ ‫فقد‬ ‫الشخص‬ ‫هوية‬ ‫إثبات‬
‫ولتفادي األمر‪ ،‬طور باحثون هنديون أسلوبا جديدا للكشف عن بصمة األصابع باستخدام صيغ كيميائية‬
‫على شكل بخار تعتمد على صبغات ملونة وغير سامة‪ ،‬وأوضحوا أن مبدأ التقنية الجديدة يتمثل في أن‬
‫العرق الذي يفرزه اإلنسان يحتوي على مكونات غير عضوية وأيونات الكالسيوم‪ ،‬حيث تستخدم الصبغات‬
‫الفلويتينية فتلمع بصمات األصابع في ا لظالم‪ ،‬مما يساعد في الكشف عنها بسهولة‪ ،‬لكن مع اكتشاف البصمة‬
‫الوراثية ‪ ، ADN‬تبددت مخاوف تخلص المجرمين من البصمات‪ ،‬وأصبح التعرف على هوية مرتكبي‬
‫الجرائم أمرا سهال‪.124‬‬

‫‪ 124‬الوسائل الحديثة لإلثبات الجنائي على ضوء القانون المغربي‪ ،‬األحد ‪ 13‬يناير ‪ 2019‬على الساعة ‪ 11:40‬وتم‬
‫االطالع عليه في سنة ‪ 2022‬بتاريخ ‪ 02/10‬أنظر الموقع‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫وتتميز طبعات األصابع بعدم قابليتها للتغيير وثباتها فهي تتكون لدى اإلنسان قبل والدته وتبقى إلى‬
‫ما بعد وفاته‪ ،‬وبعدم تطابق الخطوط الموجودة في الطبعات لدى شخصين مختلفين‪ ،‬وتستخدم كذلك لتحديد‬
‫هويات المتوفين‪ .‬وهناك أربعة أشكال رئيسة لطبعات األصابع وهي‪ :‬المقوسات‪ ،‬المنحدرات‪ ،‬المستديرات‬
‫والمركبات‪ . 125‬وألجل تسهيل فحص ومضاهاة طبعات األصابع‪ ،‬يجب االعتماد على برامج الحاسوب‬
‫الخاصة ‪ software‬التي تتعامل مع نظام طبعات األصابع األوتوماتيكية التي تعطي نتائج قطعية‬
‫وحاسمة‪.126‬‬

‫وقد استوعب التشريع المغربي هذه الوسيلة في اإلثبات‪ ،‬إذ تنص المادة ‪ 57‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية على ما يلي‪" :‬يقوم ضابط الشرطة القضائية عند االقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب‬
‫الجريمة (حالة التلبس)‪ ،‬وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك‪ .‬كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرات عليها‬
‫وعلى بقية أدوات الجريمة واألشياء التي تم العثور عليها وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة أو لدى المشتبه‬
‫فيهم بارتكابها"‪.‬‬

‫‪ -2‬االثبات بواسطة بصمات األصابع‬

‫ويمكن أخذ بصمات األصابع إما عن طريق جهاز مسح إلكتروني أو يدويا باستعمال الحبر والورق‪،‬‬
‫ثم يتم استخدام ماسح ضوئي لحفظ البيانات إلكترونيا بالنسق المناسب‪ .127‬وتحفظ القيود ويجري تبادلها‬
‫بالنسق المحدد من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا ويصدر اإلنتربول وثيقة تقنية تتضمن المبادئ‬
‫التوجيهية لوضع تبادل البيانات البيومترية حيز التطبيق بما ينسجم مع هذا النسق‪ .‬وتعرض الصيغة األخيرة‬
‫(الصيغة ‪ )6‬الصادرة في عام ‪ 2020‬استخدام لغة الترميز الموسعة)‪ ، (XML‬وستحل في المستقبل محل‬
‫الصيغة السابقة (الصيغة ‪ .)5.03‬ويمكن تحميل المبادئ التوجيهية للصيغتين أدناه‪.‬‬

‫ولتسهيل إحالة بيانات بصمات األصابع‪ ،‬وضع اإلنتربول بتصرف البلدان األعضاء أداة‬
‫)‪ (image2NIST‬تحول الملفات بنسق ‪ jpeg‬إلى ملفات بنسق ‪NIST‬‬

‫وستوضع حيز التطبيق في المستقبل تكنولوجيا جديدة للتبين اآللي لبصمات األصابع تتيح إجراء‬
‫تقصيات أسرع وأدق‪ .‬وستدمج أيضا في مركز بيومتري جديد لتيسير إجراء تقصيات مبسطة في جميع‬

‫‪https://alhoriyatmaroc.yoo7.com/t2540-topic‬‬
‫‪ 125‬كوثر أحمد خالند‪" :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية‪ :‬دراسة تحليلية مقارنة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.288-284‬‬
‫‪ 126‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.348‬‬
‫‪ 127‬تعني المعاملة اآللية أن قاعدة البيانات قادرة على إجراء أكثر من ‪ 3 000‬مقارنة في اليوم الواحد‪ .‬وفي وسع‬
‫المنظومة أيضا تقصي بصمات راحة اليد وحفظها في ملفات‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫قواعد بيانات األدلة الجنائية لدى اإلنتربول‪ .‬وسيؤدي ذلك إلى تحقيق وفورات مهمة في الوقت ويكشف‬
‫عن صالت كانت بقيت مخفية لوال ذلك‪.‬‬

‫يجتمع فريق الخبراء العامل المعني بمنظومة التبين اآللي لبصمات األصابع مرتين في السنة لتبادل‬
‫المعلومات بشأن التكنولوجيا الجديدة‪ ،‬وإجراءات تحديد الهوية‪ ،‬واالحتياجات من التدريب‪ .‬ويحرص الفريق‬
‫العامل على تقيد منظومات اإلنتربول بالمعايير الضرورية‪.‬‬

‫‪ -‬التدريب‬

‫نقدم أيضا دورات تدريب ألجهزة الشرطة في بلداننا األعضاء لنكفل حصول أفراد الشرطة العاملين‬
‫في الخطوط األمامية على المعارف والكفاءات الالزمة لتقييم األدلة وحفظها وتبادلها بما يتماشى وأفضل‬
‫الممارسات‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬البصمات المتطورة‬

‫لقد ظهرت أساليب جديدة مثال ذلك بصمات قزحية العين وهي الجزء الموجود خلف القرنية والذي‬
‫يمنح العين لونها‪ ،‬وبصمة الصوت والشفاه اذ يمكن برمجة الحاسوب االلكتروني بحيث ال يصدر أوامره‬
‫بفتح نظامه السري اال بعد مطابقة كل هذه البصمات أو بعضها على البصمات المبرمجة في ذاكرته‪.‬‬
‫وتنقسم البصمات إلى عدة أنواع‪:‬‬

‫أوال‪ :‬االثبات بواسطة تحديد سمات الوجه‬

‫تحديد سمات الوجه بمساعدة الحاسوب هو تكنولوجيا حديثة العهد نسبيا‪ ،‬تستخدمها أجهزة إنفاذ‬
‫القانون في العالم أجمع لتحديد أشخاص ذوي أهمية خاصة بالنسبة إليها‪.‬‬
‫تحتوي منظومة اإلنتربول لتحديد سمات الوجه )‪ (IFRS‬على صور وجوه وردت من أكثر من‬
‫‪ 179‬بلدا‪ ،‬األمر الذي يجعلها قاعدة بيانات جنائية عالمية فريدة من نوعها‪.128‬‬

‫‪ 128‬ويمكن لهذه المنظومة‪ ،‬إذا استخدمت باالقتران ببرمجية بيومترية مؤتمتة‪ ،‬تحديد هوية شخص أو التحقق منها من‬
‫خالل مقارنة وتحليل أنماط سمات الوجه والمالمح وأشكالها وأبعادها‪ .‬تم زيارة الموقع االلكتروني بتاريخ ‪2021/11/24‬‬
‫‪https://www.interpol.int/ar/2/5/4‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -‬عوامل تحديد الهوية من خالل التعرف على سمات الوجه‬

‫بخالف بصمات األصابع والبصمة الوراثية‪ ،‬التي ال تتغير خالل حياة الشخص‪ ،‬يجب أن تأخذ‬
‫برمجية تحديد سمات الوجه في االعتبار عوامل مختلفة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫‪ ‬التقدم في السن‬
‫‪ ‬الجراحة التجميلية‬
‫‪ ‬مستحضرات التجميل‬
‫‪ ‬آثار تعاطي المخدرات أو التدخين‬
‫‪ ‬وضعية الشخص‬
‫‪ ‬والعمل استنادا إلى صور جيدة النوعية هو أيضا مسألة بالغة األهمية‪ .‬فالصور المنخفضة أو‬
‫المتوسطة النوعية قد يتعذر تقصيها في منظومة ‪ IFRS‬وإذا أمكن تقصيها فقد تؤثر هذه النوعية سلبا إلى‬
‫حد بعيد في دقة البحث وفي النتائج نفسها‪.‬‬

‫وإننا ننفذ على الدوام عملية يدوية ‪-‬نسميها تحديد الهوية من خالل التعرف على سمات الوجه ‪-‬‬
‫للتحقق من النتائج التي توصلت إليها المنظومة اآللية‪ .‬ثم يقوم موظفون مؤهلون وذوو خبرة من اإلنتربول‬
‫بمقارنة الصور بعناية للعثور على خصائص فريدة يمكن أن تؤدي إلى "صورة مرشحة محتملة" أو "ال‬
‫صور مرشحة" أو إلى نتيجة "غير حاسمة"‪.‬‬

‫وتحال هذه المعلومات إلى البلدان التي زودت بالصور‪ ،‬أو التي قد تكون معنية بالسمات أو بمطابقة‪.‬‬
‫ثم تعامل اإلشعارات بما ينسجم ونظام اإلنتربول لمعاملة البيانات الذي يضمن قانونية وجودة المعلومات‬
‫وحماية البيانات الشخصية‪.‬‬

‫ويمكن للبلدان األعضاء أيضا أن تطلب إجراء تقص من نوع "البحث فقط" في المنظومة‪ ،‬وذلك‬
‫على سبيل المثال لألشخاص ذوي األهمية الخاصة في المطارات أو المعابر الحدودية األخرى‪ .‬وتصدر‬
‫النتائج بسرعة لتيسير اتخاذ إجراءات المتابعة بشكل فوري‪ ،‬وال تُسجل الصور في المنظومة‪.‬‬
‫وقد أصدر فريق الخبراء دليال ألفضل الممارسات المتعلقة بجودة صور الوجه ونسقها وطرق‬
‫إحالتها لتشجيع تحديد سمات الوجه على نحو دقيق وفاعل‪ .‬وتشجع بلداننا األعضاء بشدة على االستعانة‬
‫بخدمة تحديد سمات الوجهة واتباع التوصيات‪.129‬‬

‫‪ 129‬تنظم أيض ا مرتين في السنة اجتماعات لفريق الخبراء العامل المعني بتحديد سمات الوجه‪ .‬وهذا هو فريق اإلنتربول‬
‫العامل المعني بالتكنولوجيا الجديدة‪ ،‬وإجراءات تحديد الهوية‪ ،‬واحتياجات التدريب‪ ،‬وإنتاج وثائق رسمية لمساعدة البلدان‬
‫األعضاء في هذا المجال‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ثانيا‪ :‬بصمة العرق أحد مصادر الرائحة‬

‫لكل إنسان بصمة الرائحة المميزة له عن سائر البشر‪ ،‬حيث يقول هللا تعالى على لسان يعقوب عليه‬
‫السالم‪(( :‬ولما فصلت العير قال أبوهم إني ألجد ريح يوسف لوال أن تفندون)) صدق هللا العظيم‪.‬‬
‫من هنا تم استغالل هذه البصمة المميزة في تتبع آثار أي شخص معين‪ .‬وأبرز مثال على ذلك‪ ،‬الكالب التي‬
‫تستطيع شم ماليين من البشر أن تخرج الشخص المعين من بين آالف البشر‪ .‬أي االستعراف المدربة‬
‫واستخدام التصوير الطيفي للكتل‪ ،‬وتستخدم لكشف المواد المحرم حيازتها أو تداولها‪ ،‬وإقامة الدليل على‬
‫أن شخصا معينا سبق وجوده في مكان معين‪.130‬‬

‫ثالثا‪ :‬بصمة الصوت‬

‫بعد دراسات طويلة على أسرار الصوت البشري تبين أن لكل إنسان صوته الذي يميزه عن أي‬
‫إنسان آخر‪ ...‬ويقول الخبراء إن صوت اإلنسان أكثر تعقيدا ً مما نتصور‪ ،‬اذ تعتبر أصواتنا فريدة أو أكثر‬
‫تميزاً من بصمات أصابعنا‪ .‬ألصواتنا خصائص محددة‪ ،‬يبلغ عددها أكثر من ‪ .100‬بعضها تتعلق بسماكة‬
‫وطول أحبالنا الصوتية‪ ،‬وشكل ألسنتنا‪ ،‬وكذلك الجيوب األنفية‪ .‬والـ ‪ ٪50‬األخرى تتعلق بشخصياتنا‪ ،‬مثل‬
‫النبرة والنغمة والسرعة‪.‬‬

‫لذلك يحاول العلماء اليوم استخدام الصوت بدالً من كلمات السر أو إثبات الشخصية‪ ،‬وبالتالي أصبح‬
‫بإمكان أي شخص أن يجري أي معاملة (في بنك مثالً) من خالل اتصال هاتفي فقط من دون استخدام أي‬
‫كلمة سر أو بطاقة ائتمان أو تعريف شخصية‪ ...‬فبصمة الصوت أدق من أي كلمة سر‪.‬‬

‫ولكن هل هناك إشارة في كتاب هللا تعالى إلى بصمة الصوت؟ إذا تدبرنا هذا الكتاب العظيم نجد أن‬
‫هللا تعالى حذر حبيبه عليه الصالة والسالم من المنافقين‪ ...‬ولكن كيف سيميز النبي الكريم هؤالء المنافقين‬
‫ويعرفهم‪ ...‬إنه تغير الصوت أو لحن القول !‬

‫َّللاُ يَ ْعلَ ُم أ َ ْع َمالَ ُك ْم))‪ ،‬ومعنى "لحن القول" أي إمالة الكالم‬


‫قال تعالى‪َ(( :‬ولَت َ ْع ِرفَنَّ ُه ْم فِي لَحْ ِن ْالقَ ْو ِل َو َّ‬
‫عن جهته الصحيحة‪ ،‬فهذا اللحن أو التغير في الصوت يدل على طبيعة وشخصية صاحبه‪ ،‬فطبيعة صوت‬
‫المؤمن تختلف عن طبيعة صوت المنافق أو الكاذب‪ .. .‬وهذه اآلية تدل على أن كل إنسان يحاول أن يكذب‬
‫أو يقول ما ليس في قلبه أو يزور الحقائق سوف يبدو ذلك واضحا ً من خالل صوته‪.‬‬

‫‪ 130‬جزاء غازي العصيمي الع مري‪" :‬إسهام البحث الجنائي في الكشف عن الجرائم المقيدة ضد مجهول"‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير‪ ،‬أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2002 ،‬ص ‪.172-168‬‬

‫‪67‬‬
‫يتم تحليل الصوت البشري إلكترونيا‪ ،‬وتحويله إلى خطوط مقروءة‪ ،‬وإذا كان عدد الكلمات التي تم‬
‫تسجيلها على الجاني قليلة بحيث ال يمكن استخدامها بشكل جيد في المضاهاة‪ ،‬فإن ذلك يضعف قدرة مسؤول‬
‫التحليل في التوصل إلى قرار قاطع‪.131‬‬

‫رابعا‪ :‬بصمة األذن‬

‫حتى التوائم المتطابقة لهم اختالفات في آذانهم‪ ،‬وتشهد اآلذان القليل من التغييرات على مر العمر ‪.‬‬
‫من خالل اقتراح دمج البصمة الحيوية في تطبيق الهاتف الذكي يأمل الباحثون التغلب على عدة حواجز‪.‬‬
‫مثل التكلفة الباهظة والتركيب المعقد ‪.‬‬

‫وعلى الرغم من نمو األذن واختالف شكلها مع تقدم العمر‪ ،‬إال أنها تحتفظ بعالمات من حيث الشكل‬
‫الخارجي‪ ،‬من الممكن استخدامها في التعرف على هوية األشخاص‪.‬‬
‫وبهذا الصدد‪ ،‬أعلن علماء جامعة ساوثهامبتون البريطانية أن هذا األسلوب في التعرف على هوية‬
‫األشخاص يحمل عددا من الميزات‪ ،‬من بينها أن األذن ذات هيكل بنيوي مستقر ومر ّكب‪ ،‬ال يتأثر بالتغيرات‬
‫التي تطرأ على الوجه مع تقدم العمر‪ .‬كذلك فإن األذن تقع في الجزء األوسط من وجه اإلنسان‪ ،‬ولذلك‪،‬‬
‫يصبح التكهن بمحيطها سهال‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬ومقارنة بقزحية العين وبصمة اإلصبع‪ ،‬فإن حجم األذن أكبر منهما‪ ،‬ما يجعل‬
‫التعرف على الشخص من شكل أذنيه‪ ،‬حين الدخول إلى غرفة مظلمة مثال‪ ،‬أمرا مريحا ومن مسافة معتبرة‪،‬‬
‫دون الحاجة إلجراء مسح ضوئي للعينين‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هناك أسبابا ال تزال تجعل التعرف على هوية الشخص من أذنيه أمرا صعبا‪ ،‬مثل أن‬
‫تكون األذن مغطاة بالشعر على سبيل المثال‪ ،‬أو ضرورة تصوير األذن من عدة زوايا مختلفة للوثائق‬
‫الثبوتية المختلفة‪ .‬لذلك سوف يكون من الصعب استخدام صورة األذن للتعرف على األشخاص على نطاق‬
‫واسع‪ ،‬كما هو الحال في بصمة األصابع أو قزحية العين‪.‬‬

‫‪ 131‬حسن بن محسن القرشي الزهراني‪" :‬الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها في المملكة العربية‬
‫السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجالت القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر الجزائية بديوان المظالم”‪ ،‬بحث‬
‫مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في تخصص التشريع الجنائي اإلسالمي‪ ،‬أكاديمية نايف العربية‬
‫للعلوم األمنية‪ ،‬معهد الدراسات ال عليا‪ ،‬قسم العدالة الجنائية‪ ،‬تخصص التشريع الجنائي اإلسالمي‪ ،‬الرياض‪ 1421 ،‬ه‪ ،‬ص‬
‫‪.181‬‬

‫‪68‬‬
‫خامسا‪ :‬بصمة العين‬

‫لقد عملت إحدى الشركات األمريكية لصناعة األجهزة الطبية على ابتكار بصمة العين‪ ،‬حيث أكدت‬
‫الشركة أنه ال توجد عينان متشابهتان في كل شيء‪ ،‬ويتم أخذ هذه البصمة عن طريق النظر في عدسة‬
‫الجهاز الذي يقوم بدوره بالتقاط صورة لشبك ة العين‪ ،‬وعند االشتباه في أي شخص‪ ،‬يتم الضغط على زر‬
‫معين بالجهاز‪ ،‬فتتم مقارنة صورته بالصورة المختزلة في الجهاز‪.‬‬
‫حيث تعد إحدى أهم البصمات التي يتم االعتماد عليها في اإلثبات‪ ،‬لكن بطريقة معقدة تستوجب‬
‫تكنولوجيا عالية‪ ،‬وتتميز هذه البصمة بكونها الوحيدة التي ال تتغير منذ والدة اإلنسان وحتى مماته‪.‬‬

‫وعموما فإن المحاكم الجنائية تعمل على األخذ بالبصمات كدليل إثبات قاطع بعد أن يثبت لها علميا‬
‫أن الشك ال يتطرق إليها‪.‬‬

‫لكن تبقى بعض الحاالت يمكن للجاني الفرار من المسؤولية الجنائية‪ ،‬وذلك بالتخلص من آثار‬
‫البصمات بالحرق‪ ،‬هذا فضال عن إمكانية إزالتها عن طريق الجراحة‪.132‬‬

‫فيتم تصوير شبكة العين في جهاز خاص ثم مقارنة ذلك ببعض صور العيون المسجلة في الحاسب‬
‫الملحق في الجهاز‪ ،‬وخالل ثانية ونصف يحدد الحاسب اآللي هوية الشخص وما إذا كان مشتبها فيه من‬
‫عدمه‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬بصمة الشفاه‬

‫وهي تلك العضالت القرمزية التي كثيرا ما تغنى بها الشعراء‪ ،‬وقد ثبت أن لبصمة الشفاه صفة‬
‫مميزة لدرجة أنه ال يختلف اثنان فيها‪ .‬ويتم أخذ بصمة الشفاه بواسطة جهاز به حبر غير مرئي‪ ،‬حيث يتم‬
‫الضغط على شفاه الشخص بعد أن يوضع عليها ورق من نوع النحاس فتطبع عليه البصمة‪.‬‬
‫وتعتبر هذه البصمة من وسائل اإلثبات ذات الفعالية الكبرى‪ ،‬وأكبر دليل على ذلك هو تمكن الخبراء من‬
‫التعرف على األشخاص بواسطة عقب سجارة‪.‬‬

‫مصطفى معتبر باحث في القانون الخاص‪ " :‬وسائل اإلثبات والقيود الواردة على سلطة القاضي الجنائي في تقدير‬ ‫‪132‬‬

‫األدلة"‪ ،‬كلية الحقوق طنجة‪ ،‬بتاريخ ‪ 26‬يوليو‪ .2020‬وتم االطالع عليه بتاريخ ‪ 2021/02/01‬أنظر الموقع‪:‬‬
‫‪https://www.alouatan24.com/?p=60910‬‬

‫‪69‬‬
‫توصلت دراسة نشرتها مجلة علوم طب األسنان الشرعي الى أن نمط المرتفعات والمنخفضات في‬
‫الشفتين فريد من نوعه مثل بصمات األصابع‪ ،‬ونظريا يمكن لرجال المباحث التوصل إلى الجاني من خالل‬
‫بصمة الشفاه المطبوعة على كوب أو سيجارة‪.133‬‬

‫‪ 133‬أنظر الموقع االتي‪ :‬بتاريخ غشت ‪ ،2021‬على الساعة ‪16‬‬


‫علوم‪-‬مسرح‪-‬الجريمة‪-12-‬بصمة‪-‬تكشف‪-‬هوية‪-‬المجرم‪-‬أخطاره‪« http://www.soutalomma.com/Article/814562/‬‬

‫‪70‬‬
71
‫الفصل الثاني‪ :‬حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم‬
‫األعمال‬

‫الهدف األسمى الذي تصب إل يه التشريعات هو أن يصيب القاضي الحقيقة في حكمه‪ ،‬سواء كان‬
‫باإلدانة أم بالبراءة‪ ،‬لهذا يجب على القاضي قبل أن يصدر قراره هذا أن يكون قد وصل الى الحقيقة‪ ،‬ونعني‬
‫بها هنا الوقوف على حقيقة الوقائع كما حدثت ال كما يصورها الخصوم‪ ،‬وهذه الحقيقة ال يمكن الوصول‬
‫إليها اال بعد البحث عنها وثبوتها باألدلة‪ ،‬والتوصل الى نسبتها وإسنادها للمتهم ماديا ومعنويا من خالل‬
‫إثبات اقترافها دون أدنى شك‪.134‬‬

‫ومما ال شك فيه أن التطورات العلمية الحديثة قد أحدثت متغيرات جذرية في وسائل االثبات الجنائي‪،‬‬
‫وأصبحت األدلة العلمية المستمدة من مختلف هذه الوسائل العلمية حجة يعول عليها القضاة كأدلة يؤسس‬
‫عليها األحكام بالبراءة أو اإلدانة‪ ،‬فهي تعتمد على الحقائق العلمية التي لم تكن معروفة في االزمنة والعصور‬
‫السابقة‪ ،‬وقد بدأت تحتل مركزها المناسب في مجال االثبات الجنائي وذلك بما تمثله من عناصر القوة‪،‬‬
‫وبما تتميز به من أصول الثبات واالستقرار والثقة ومصادرها العلمية‪.‬‬

‫ومن هنا جاءت أهمية سلطة القاضي الجنائي في تقدير األ دلة العلمية‪ ،‬لما لها من أهمية بالغة في‬
‫االثبات الجنائي الحديث‪ ،‬وسلطة القاضي هنا ال تخرج عن إطار أنظمة االثبات التي سبق وأن تطرقنا اليها‬
‫في الفصل األول‪.135‬‬

‫وما يهمنا ونحن نتحدث عن االثبات في جرائم االعمال هو أن االثبات حاليا أصبح يتم بواسطة اليات‬
‫ووسائل علمية جد متطورة‪ ،‬وهو ما يفتح المجال أمام تنوع وسائل االثبات التي يمكن للمحكمة اعتمادها‬
‫إلدانة مرتكبي االفعال والجرائم التي يتابعون بها‪ ،‬لكن أمام تنوع هذه الوسائل فانه يبقى اشكال اخر مرتبط‬
‫بمحدودية النص الجنائي في اثبات جرائم االعمال‪ ،‬وأن اثبات الجرم في هذه الجرائم على أساس الكفاءة‬
‫العلمية والفنية ال يتوقف فقط عن اقتناع القاضي وانما ال بد من تدخل خبير له كفاءة في مجال ما من أجل‬
‫توضيح الدليل ورفع اللبس‪ ،‬وربما هذ ا النوع من االثبات مطلوب بشدة في جرائم االعمال‪ .‬على أنه في‬
‫مقابل هذا التنوع في وسائل االثبات الجنائي‪ 136‬والتي تأسس لمبدأ الحرية في االقتناع‪ ،‬فان مع ذلك يتدخل‬

‫‪ 134‬خالد مصطفى الجسمي‪" :‬االثبات الجنائي باألدلة الرقمية"‪ ،‬مجلة القانون المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،34‬في مارس ‪،2017‬‬
‫ص ‪.5‬‬
‫‪ 135‬خالد مصطفى الجسمي‪" :‬االثبات الجنائي باألدلة الرقمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ 136‬محمد فرحات‪ " :‬المبادئ العامة في الفقه االسالمي"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1998‬ص‬
‫‪.490‬‬

‫‪72‬‬
‫المشرع في حاالت عدة يحدد فيها وسائل معينة ال يمكن االثبات اال بها في الفعل الجرمي لحماية حقوق‬
‫وحريات االفراد من جهة‪ ،‬ولطبيعة الجرم الذي ال يمكن أن يثبت بطريقة معينة من جهة أخرى‪ ،‬لذلك فان‬
‫االثبات في المجال الجنائي لألعمال ال يبقى مطلقا وانما قد تحدده مجموعة من المحددات‪ ،‬الن جرائم‬
‫االعمال تختلف عن الجرائم العادية بكونها جرائم يستند في ارتكابها على مؤهالت علمية ومالية جد مهمة‪.‬‬

‫وهذا ما يجعلنا نتساءل حول ما مدى مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال؟‬

‫وعلى هذا األساس سنتكلم في هذا الفصل عن فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي‬
‫لجرائم األعمال أمام القضاء المغربي وسنعمل على تقسيمه إلى األساس القانوني الستخدام الوسائل العلمية‬
‫الحديثة في مجال األعمال (المبحث األول) وبعد ذلك التوجهات الكبرى لمالئمة نظرية االثبات الجنائي‬
‫الحديث لجرائم لألعمال (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األساس القانوني الستخدام الوسائل العلمية الحديثة في مجال األعمال‬

‫جاءت المرحلة العلمية المرتكزة على وسائل البحث الحديثة وجاءت نظرا لعجز الدليل الكالسيكي‬
‫الذي يعتمد على أساليب بسيطة في الكشف عن الجريمة كالشهادة واالعتراف‪ ...‬نظرا لبساطة تنفيذ السلوك‬
‫اإلجرامي‪ ،‬وتتمثل معالم هذا النظام في استخدام وسائل علمية حديثة تساير وتيرة مواجهة الجريمة‬
‫المتصاعدة والمتشابكة في العصر الحديث والتغلب على كل محاوالت المتهم في تضليل العدالة خاصة في‬
‫جرائم األعمال لتعقدها في بعض الحاالت‪ ،‬فالمجرم اليوم اليترك أي وسيلة إال ويستعين بها من أجل‬
‫الوصول إلى هدفه اإلجرامي‪ ،‬مما جعل الوصول للجاني أمر عسير على السلطات المختصة‪.‬‬

‫هذا وقد أكد فقهاء العدالة الجنائية وعلماء القانون الجنائي أن الدليل بالنسبة للحق العام أو الخاص‬
‫هو بمثابة الركيزة األساسية لتحقيق العدالة الجنائية وهو بمثابة الروح للجسد‪ ،‬به تثبت الحقوق وفصل‬
‫المنازعات بين األفراد والجماعات‪ ،‬وبه يتحقق العدل واألمن وتعم الطمأنينة‪.‬‬

‫علما أن األصل في االقتصاد تنظمه القواعد القانونية المدنية‪ ،‬اال أن هذا لم يعد كافيا في ظل التطور‬
‫االقتصادي ال كبير‪ ،‬هذا ما استدعى تدخل التشريع الجنائي لحماية وضبط ما يرتبط باالقتصاد من جرائم‬
‫(اقتصادية)‪ .‬وبما أن االقتصاد سار الى التحرر ويتميز بالسرعة والمرونة‪ .‬اال أن التشريع الجنائي أهميته‬
‫تتزايد في ظل تزايد الجرائم االقتصادية في ظل الثورة االقتصادية المعاصرة التي شملت كل مناحي الحياة‪،‬‬
‫هذا من أهم العوامل التي أدت الى بوادر ظهور قوانين جنائية خاصة باالقتصاد باإلضافة الى القانون‬
‫الجنائي العام‪ ،‬فما يعرفه العالم االقتصادي اليوم من تطور أدى الى تزايد للحماية الجنائية للعالم االقتصادي‪،‬‬
‫وهذا ما كان له أثر على مستوى التشريع الجنائي االقتصادي بالمغرب‪.137‬‬

‫وجرائم االعمال رغم أن تحديدها جاء متفرقا بين عدة نصوص في القانون المغربي‪ ،‬فالمشرع‬
‫الجنائي المغربي اعتمد في تدخله في مجال االعمال على خلق مجموعة من النصوص القانونية المتناثرة‬
‫في هذا القانون او ذاك وه كذا مثال اوجد نصوصا تعبر عن ارادة المشرع الجنائي في مدونة التجارة وقانون‬
‫الشركات التجارية وقانون الملكية الصناعية والتجارية وقانون الجمارك ونفس النهج اعتمده ايضا في‬
‫قانون حماية حقوق المؤلف وقانون الزجر عن الغش في البضائع وقانون المنافسة و حرية االسعار وغيرها‬
‫من القوانين المشكلة للقانون الجنائي لألعمال المغربي‪ ،‬مما يوحي لتضخمه‪ ،‬االمر الذي يجعلنا نتساءل‬

‫محمد لفريخي‪" :‬االقتصاد والحماية الجنائية"‪ ،‬مجلة العلوم الجنائية‪ ،‬الطبعة ‪ ،2014‬العدد األول‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫‪137‬‬

‫‪74‬‬
‫عن مدى تجانس القواعد القانونية التي جاءت بها نصوص القانون الجنائي لألعمال المغربي؟‪ .138‬ومدى‬
‫استيعابها كذلك لنظم االثبات الخاصة بهاته الجرائم؟ وبتعبير اخر‪ ،‬هل المشرع الجنائي لألعمال عندما‬
‫نص على جرائم لها عالقة بعالم المال واالعمال يؤسس ذلك بناء سياسة جنائية تقوم على نظرية عامة‬
‫للتجريم والعقاب وتؤسس في نفس الوقت لنظم اثبات تراعي خصوصية هذا المجال؟ أم أن االمر ال يتعدى‬
‫وجود نصوص متناثرة هنا وهناك من أجل سد الباب‪.‬‬

‫فالعالقة بين التشريع الجنائي واالقتصادي عالقة جدلية‪ ،‬فاالقتصاد يؤثر في التشريعات الجنائية‪،‬‬
‫وقد يحد في بعض االحيان من فعاليتها‪ ،‬كما أن التشريع الجنائي يؤثر في االقتصاد من عدة جوانب أهمها‬
‫ضبط بعض التجاوزات التي يعرفها المجال االقتصادي‪ ،‬ونظرا الن الرغبة االقتصادية قد تحمل أصحابها‬
‫الى االخالل بما يتطلبه االمن االقتصادي‪.‬‬

‫لهذا فان هذا المبحث سيتم تقسيمه الى مطلبين‪ ،‬سنحاول في (المطلب االول) الحديث عن مشروعية‬
‫الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال‪ ،‬وفي (المطلب الثاني) تدخل المشرع الجنائي في قواعد اثبات‬
‫جرائم األعمال‪.‬‬

‫‪ 138‬هناك من سار في اتجاه الحكم على أن القانون الجنائي لألعمال بشكل عام (قانون العقوبات االقتصادي حسب رأيه)‬
‫غير متجانس ومتناقض‪ ،‬بخصوص هذا الرأي راجع لألستاذ هشام الزربوح‪" :‬خصوصية القانون الجنائي لألعمال‬
‫بالمغرب" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪75‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال‬

‫بدون األدلة تصبح إجراءات العدالة الجنائية ضربا من ضروب التخمين والدجل الذي كان سائدا في‬
‫قضاء العصور القديمة‪ .‬لذا أصبحت وظيفة جمع األدلة وتأمينها وتسخيرها الكتشاف الجرائم وتحقيق‬
‫العدالة علما أن المسؤولية تتحملها األجهزة المعنية كالشرطة القضائية‪ ،‬النيابة العامة‪ ،‬القضاء‪ ،‬المحامين‬
‫وخبراء الطب الشرعي‪.‬‬
‫هذا وتعتبر األدلة الجنائية هي كل ما يقود إلى برهان صحة الواقعة أو الوقائع موضوع التحقيق‬
‫ويتم تصنيف األدلة الجنائية إلى أربعة أنواع رئيسة هي‪ :‬األدلة القانونية‪ ،‬األدلة الفنية‪ ،‬األدلة المادية واألدلة‬
‫القولية‪ .‬ولألدلة الجنائية قواعدها وموجهاتها وتشريعاتها المتطورة مع تطور اإلنسان ومستجدات أساليب‬
‫ارتكاب الجريمة وأدواتها‪ .‬خصوصا جرائم األعمال‪.‬‬
‫باعتبار أن وسائل البحث التقليدية لم تستطع التصدي لمواجهة مرتكبي جرائم األعمال على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬من هنا تبرر حتمية االستعانة باألساليب العلمية‪.‬‬

‫إن مجرد الحصول على الدليل العلمي ال يمكن األخذ به إال إذا خضع لمبدأ المشروعية الذي يقضي‬
‫أن يكون الدليل تم الحصول عليه بإجراءات صحيحة‪ ،‬وطرق مشروعة يقرها العلم والقانون‪ ،‬ومن هنا‬
‫يمكننا التطرق له من خالل ضرورتين الضرورة األولى مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال‪،‬‬
‫و الضرورة الثانية تمثلها حاجة الميدان االقتصادي للتدخل الجنائي من أجل مكافحة الجرائم التي تنخر‬
‫الجسد المالي واالقتصادي‪.‬‬
‫تباينت آراء الفقهاء بخصوص قيمة الوسائل التقنية الحديثة في اإلثبات ما بين مؤيد ومعارض‬
‫الستخدامها‪ ،‬خاصة وأن غالبية هذه الطرق والوسائل قد يؤدي استخدامها إلى المساس بحقوق وحريات‬
‫األفراد الخاضعين لها‪ .139‬مما ال ريب فيه أن استخدام الوسائل التقنية الحديثة في اإلثبات الجنائي فيه‬
‫مساس بحرية اإلنسان وسالمته الشخصية وخرق لقاعدة عدم جواز تقديم اإلنسان دليل ضد نفسه‪ ،‬خاصة‬
‫وأن نتائج هذه األساليب والطرق الحديثة لم تتوصل إلى نتائج قاطعة‪ .140‬لهذا سنتطرق إلسناد الدليل العلمي‬
‫في اثبات جرائم األعمال (الفقرة األولى) وبعدها مشروعية الدليل العلمي في القوانين (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ 139‬فوده عبد الحكيم والدمريي سالم حسني ‪1996‬م‪" ،‬الطب الشرعي وجرائم االعتداء على األشخاص واألموال"‪،‬‬
‫اإلسكندرية دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 140‬عوض محمد محي الدين‪" :‬حقوق اإلنسان في اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬القاهرة ‪1989‬م‪ ،‬بدون دار نشر‪ ،‬ص ‪.286‬‬

‫‪76‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إسناد الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال‬

‫أوال‪ :‬مفهوم اإلسناد‬

‫اإلسناد هو نسبة األشياء إلى مصادرها ليتضح وجه الرابطة بينهما‪ ،‬وتهدف السلطة القضائية من‬
‫كافة االجراءات التي تباشرها في التحقيق إلى إسناد عناصر الجريمة إلى مقترفها الحقيقي‪ ،‬سواء كان هو‬
‫المتهم الماثل في ساحة الدعوى أو غيره مجهوال أو معلوما ويتم ذلك عن طريق التحقق من شخصيته‬
‫كمرتكب لها‪ ،‬وذلك بالتوصل بمقومات الشخصية والكامنة في الكيان االنسانية بصفات وخصائص فردية‬
‫و ذاتية التي يعرف بها ولتوضيح ذلك أكثر نذكر مثال بصمات األصابع‪ ،‬أثار األقدام‪ ،‬شكل الوجه و‬
‫األوصاف و المقاييس كلها تدخل ضمن العناصر الشخصية التي يتميز بها الفرد‪ .‬وتجدر االشارة أيضا أن‬
‫المقومات الشخصية ليست كلها قطعية الداللة ألن بعضها يكون أدلة ترجيحية وثم يمكن اعتباره دليال‬
‫مساندا أو معزوز‪.141‬‬

‫ومن ثم يتعين على المحكمة أن تبين األدلة بما فيها األدلة العلمية التي أسست عليها في تقرير اإلدانة‬
‫عند تسببيها للحكم سواء من حيث إثبات قيام الجريمة بأركانها الشرعية وكذا ظروفها المشددة أو المخففة‬
‫للعقوبة باإلضافة إلى أدلة اإلسناد في صورتها اإليجابية التي تربط بين المتهور والجريمة سواء كان كفاعل‬
‫أصلي أو مشارك فيها‪.‬‬

‫ذلك أن اإلسناد في حذ ذاته قد يكون إسناد وقائع أو آثار مادية ومخلفات‪ ،‬سواء كانت صادرة من‬
‫جسم الجاني أو من مالبسه التي كان يرتديها أو األدوات واآلالت التي كان يحملها أو يستعين بها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أصول إسناد الدليل العلمي‬

‫البد من التنويه أن األحكام الجنائية يجب أن تؤسس دا ئما على عناصر من أدلة قطعية ينعقد بها‬
‫اليقين‪ ،‬ويقصد بهذه العناصر األدلة التي تنتفي بها قرينة البراءة المفترضة أساسا في كل متهم فهو مبدأ‬
‫كرسه الدستور لتعتبر قرينة البراءة من أهم وأرقى ضمانات المحاكمة العادلة التي تضمن أمن األشخاص‬
‫وحماية حرياتهم الفردية ‪،‬حيث ارتقى بها المشرع إلى مصاف المبادئ الدستورية‪ ،‬إذ ثم التنصيص عليها‬
‫في الفصول ‪ 23‬و ‪ 119‬من الدستور‪ ،‬فالفصل ‪ 23‬ينص على‪" :‬قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة‬

‫‪ 141‬قنونـة فاطمة الزهراء‪" :‬الوسائل العلمية في االثبات الجنائي"‪ ،‬مذكرة نهاية الدراسة لنيل شهادة الماستر‪ ،‬جامعة عبد‬
‫الحميد بن باديس مستغانم‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم القانون الخاص‪ ،‬نوقشت في تاريخ ‪ ،2020/09/02‬ص‬
‫‪.43‬‬

‫‪77‬‬
‫مضمونان"‪ ،‬والفصل ‪ 119‬ينص على أنه‪" :‬يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن‬
‫تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به"‪ ،‬كما أخدت به المسطرة الجنائية‪ ،‬ونصت في‬
‫مادتها األولى على أن‪ " :‬كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بحكم‬
‫حائز لقوة الشيء المقضي به"‪ ،‬بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانوني‪ ،‬ومن ثم يتعين‬
‫على المحكمة أن تبين األدلة بما فيها األدلة العلمية التي أسست عليها في تقرير اإلدانة عند تسببيها للحكم‬
‫سواء من حيث إثبات قيام الجريمة بأركانها الشرعية و كذا ظروفها المشددة أو المخففة للعقوبة باإلضافة‬
‫إلى أدلة اإلسناد في صورتها اإليجابية التي تربط بين المتهور و الجريمة سواء كان كفاعل أصلي أو‬
‫مشارك فيها‪ ،‬ذلك أن اإلسناد في حذ ذاته قد يكون إسناد وقائع أو آثار مادية ومخلفات‪ ،‬سواء كانت صادرة‬
‫م ن جسم الجاني أو من مالبسه التي كان يرتديها أو األدوات و اآلالت التي كان يحملها أو يستعين بها‪.142‬‬

‫وفي نفس السياق أحاط المشرع الفرنسي طرق المراقبة اإللكترونية بضمانات كثيرة بمقتضى المواد‬
‫‪ ،100-7 ،100-5 ،100-4 ،100-2 ،100-1‬و‪ 101‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬والتي من بينها‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون قرار االعتراض صادرا عن قاضي التحقيق المادة ‪ 100‬فقرة ‪.1‬‬
‫‪ -‬أن يكون القرار الخاص بالتنصت أو اعتراض المراسالت مكتوبا المادة ‪ 100‬فقرة ‪.2‬‬
‫‪ -‬أن يتضمن القرار جميع العناصر البيانية التصال محل االعتراض‪ ،‬والجريمة التي تبرر اللجوء‬
‫إلى االعتراض‪ ،‬وكذا مدته المادة ‪.101‬‬
‫‪ -‬وضع التسجيالت في أظرفة مختومة ومغلقة المادة ‪.100-4‬‬
‫‪ -‬حظر تسجيل أي مكالمة مع محام تتعلق بممارسة حق الدفاع المادة ‪.100-7‬‬
‫‪ -‬حظر تسجيل المراسالت مع صحفي بغرض الكشف عن مصدر بالمخالفة للمادة ‪ 02‬من قانون‬
‫‪ 29‬جويلية ‪ 1881‬حول حرية الصحافة المادة ‪ 100-5‬الفقرة ‪.4‬‬
‫‪ -‬أال تتعدى مدة االعتراض أربعة أشهر قابلة للتجديد‪ ،‬المادة ‪.2-100‬‬

‫ثالثا‪ :‬اسناد الدليل العلمي في جرائم األعمال‬

‫المغرب على غرار باقي دول العالم خصوصا تلك السائرة في طريق النمو منها‪ ،‬عرف خالل‬
‫العقدين األخيرين ثورة تشريعية حقيقية همت الترسانة القانونية بشكل عام ومجال قانون األعمال‪ 143‬بشكل‬

‫قنونة فاطمة الزهراء‪" :‬الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪142‬‬

‫‪ 143‬ظهر مفهوم قانون األعمال بعد التحول السريع الذي عرفته األنشطة االقتصادية على المستوى العالمي‪ ،‬إذ أضحى‬
‫مفهوم القانون التجاري قاصر على استيعاب كل األنشطة االقتصادية خصوصا مع تحول عدة قطاعات من أنشطة مدنية‬

‫‪78‬‬
‫خاص‪ ،‬وذلك رغبة في االستجابة لمتطلبات االستثمار الداخلي والخارجي وكذا في الدفع نحو تقوية روابطه‬
‫االقتصادية مع مجموعة من األقطار بعد إبرام اتفاقية التعاون االقتصادي مع االتحاد األوروبي والوضع‬
‫المتقدم الذي منحه إياه هذا األخير‪ ،‬وكذا اتفاقية التبادل الحر مع الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫وهكذا تم تعديل مجموعة من القوانين وإصدار أخرى كلها تصبوا إلى زيادة حماية المشاريع‬
‫االقتصادية هذه الحماية المتمثلة في عدة إصالحات تشريعية مست إصالح نظام المحاسبة التجارية‪ ،‬والنظام‬
‫الجبائي‪ ،‬وكذا تنظيم هيكلة السوق المالي‪ ،‬وإصدار ميثاق االستثمار‪ ،‬وإصالح مدونة التجارة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫إنشاء قانون الشركات والذي كان موضوع إصالح شامل تمثل في إصدار قانون ‪ 17-95‬المتعلق بشركة‬
‫المساهمة المعدل سنة ‪ ،2008‬وكذا قانون ‪ 5-96‬المتعلق بباقي أنواع الشركات والمعدل هو اآلخر سنة‬
‫‪ 2006‬أضيف لها القانون المتعلقة بالمجموعات ذات النفع االقتصادي‪ ،‬كما همت هذه الثورة إصالح‬
‫قوانين الملكية الفكرية خصوصا ما تعلق منها بجانب الملكية الصناعية والتجارية وكذا القوانين المتعلقة‬
‫بمجال عالقات الشغل ا لفردية منها والجماعية وكذا ما تعلق منها بجانب التغطية الصحية اإلجبارية عن‬
‫المرض قبل أن يتوج ذلك بإصدار القانون ‪ 31.08‬الذي يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك‪ ،‬وهو ما‬
‫شكل دفعة قوية لتطوير مناخ األعمال والرغبة في ضبطه وتقنينه‪.144‬‬

‫من هنا يتضح أن هاجس المشرع المغربي كان يتمثل في ضمان تحقيق أهداف قانون األعمال عن‬
‫طريق إحاطة الواجبات التي فرضها بجزاءات تضمن احترامه‪ ،‬بدء من مرحلة اإلعداد للدخول في عالقات‬
‫تجارية واقتصادية إلى ما بعد تحقيق الربح أو الخسارة ال قدر هللا‪.145‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أن الجريمة في إطار قانون األعمال تتصف بالتنوع‪ ،‬كجرائم الشركات‬
‫التجارية‪ ،‬وجرائم األبناك‪ ،‬جرائم الجمارك‪ ،‬إضافة إلى اإلجرام المالي والضريبي‪ ،‬وجرائم الملكية‬
‫الصناعية… ‪ ،‬من هنا تظهر أهمية تأطير هذه الجريمة حتى يتم تمييزها عن غيرها من الجرائم المادية‬
‫الخاضعة للقانون الجنائي‪ ،‬كما أن ارتباطها بمجال المال واألعمال جعلها تتميز عن باقي الجرائم‪.‬‬

‫إلى أنشطة اقتصادية كالنقل وأعمال البنك‪( ...‬المواد من ‪ 6‬إلى ‪ 10‬من مدونة التجارة)‪ ،‬وإن كان بعض الشراح يتحيزون‬
‫إلى مفهوم يرونها أكثر عمقا وهو "القانون االقتصادي"‬
‫‪ 144‬قانون رقم ‪ 9.88‬بمثابة قانون للمحاسبة التجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.92.138‬بتاريخ‬
‫‪ ،1992/12/25‬جريدة الرسمية عدد ‪ 4183‬تاريخ النشر ‪.1992/12/30‬‬
‫‪ 145‬كما هو الشأن بالنسبة لصعوبات المقاولة (أنظر الكتاب الخامس من مدونة التجارة)‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ ‬من حيث مسطرة المتابعة واثباتها لمرتكبها‪.‬‬
‫إضافة إلى تعدد أصناف القائمين بالتحري من ضباط الشرطة القضائية والمكلفين بالبحث في جرائم‬
‫زجر الغش في البضائع ومأموري الجمارك‪ ،‬ومفتشي الشغل وغيرهم‪ ،‬ومراقبي الحسابات‪ ،‬فإننا نالحظ‬
‫تعدد المنفذين لهذه العقوبات‪ ،‬فباإلضافة إلى السلطة القضائية‪ ،‬نجد هناك مجموعة من المتدخلين لعل أهمهم‪:‬‬

‫‪ -1‬بنك المغرب‬
‫بنك المغرب أو البنك المركزي المختص في تطبيق عقوبات على بعض المؤسسات البنكية‬
‫ومؤسسات االئتمان المخالفة‪.‬‬

‫‪ -2‬األبناك‬
‫وال تي أوكل إليها المشرع المغربي إمكانية تطبيق عقوبات على بعض العمالء المخالفين من ذلك‬
‫مثال عقوبة الحظر (المنع) البنكي من إصدار الشيكات‪.‬‬

‫‪ -3‬إدارة الجمارك‬
‫وهي أول سلطة عمومية تراقب حركة السلع على مستوى الحدود والتي منحها المشرع إمكانية حجز‬
‫البضائع المغشوشة أو التي تحمل عالمات تجارية مقلدة أو مزيفة‪.‬‬

‫ومن هنا نستنتج أننا يمكن اثبات الجرائم المرتكبة في مجال األعمال بأي وسيلة وخصوصا الوسائل‬
‫الحديثة المتعارف عليها في الوقت الحالي وهو الدليل العلمي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مشروعية الدليل العلمي في التشريعات‬

‫يعتبر مبدأ الشرعية ضمانا هاما من ضمانات الحرية الفردية والمحاكمة العادلة‪ ،‬ويعد من القيم التي‬
‫يقوم عليها النظام الديمقراطي‪ ،‬ومن دعائم دولة القانون‪ ،146‬فإن مشروعية الدليل الجنائي لإلثبات الجنائي‬
‫تشترط فيها أن تكون صحيحة من حيث البحث عما يدين المتهم وبالتالي فإن االدانة تكون على أساس‬
‫األدلة المشروعة‪ ،‬التي يشترط أن يصل إليها بطرق مشروعة في إطار النظام القانوني المعمول به هذا ما‬
‫سوف نشير اليه من خالل االتي ذكره‪.‬‬

‫‪ 146‬أحمد الخمليشي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1980‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫ص ‪.10‬‬

‫‪80‬‬
‫أوال‪ :‬في القانون المغربي‬

‫ارتباطا بالسياق التاريخي فقد ظهر تطبيق هذا المبدأ ألول مرة في إنجلترا في العهد األعظم‪ ،‬بعد‬
‫ذلك سيرى النور في فرنسا وثم إقراره إثر قيام الثورة الفرنسية لحقوق اإلنسان والمواطن في عام ‪1789‬‬
‫والذي نص في مادته ‪ " 8‬ال جريمة وال عقاب إال بنص"‪ ،147‬ويقوم مبدأ الشرعية على دعامتين أساسيتن‬
‫أال وهما حماية الحرية الفردية وحماية المصلحة العامة‪ ،‬وأصل هذا المبدأ في الشريعة اإلسالمية قوله‬
‫وقوله عز وجل‪" :‬وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث‬ ‫‪148‬‬
‫تعالى‪" :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال"‬
‫في أمتها رسوال يتلو عليهم آياتنا"‪.149‬‬
‫ونظرا ألهمية هذا المبدأ فقد كرسه المشرع كذلك في الفصل الثالث من القانون الجنائي الذي جاء‬
‫فيه " ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعتبر جريمة بصريح القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها‬
‫القانون"‪ .‬كما منح المشرع المغربي أهمية لهدا المبدأ من خالل جعله قاعدة دستورية تماشيا مع العديد من‬
‫التشريعات الجنائية المعاصرة وجملة من الدساتير الحديثة ومع اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الذي جاء‬
‫فيه " ال يدان أي شخص من جراء فعل أو ترك‪ ،‬إال إذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني أو‬
‫الدولي‪ ،‬وقت ارتكابه ‪ ،‬وكذلك ال توقع عقوبة أشد من تلك التي كان يجب توقيعها وقت ارتكاب الجرم"‪.‬‬

‫من خالل كل ما سبق ذكره‪ ،‬نستكشف أن السلوك مهما كان ضارا بالمجتمع ال يمكن إخضاعه لجزاء‬
‫جنائي‪ ،‬ما لم يكون هناك نص صريح يجرمه ويحدد العقوبة المقررة له‪ ،‬لذا قبل اثباته يجب أن يكون فعل‬
‫مجرم في األصل ‪ ،‬يعني ال يكمن للقاضي أن يجرم أفعاال لم يجرمها القانون وال يمكنه البحث والتحري‬
‫الكتشاف أفعال ال يجرمها المشرع ويعاقب عليها بعقوبات لم يحددها القانون‪.150‬‬

‫فالقانون ال يأخذ بدليل باطل إلثبات واقعة ما‪ ،‬فيجب احترام القواعد والمبادئ التي رسمها التشريع‪،‬‬
‫فمجرد الحصول على الدليل العلمي ال يمكن األخذ به أو اإلعداد به إال بعد خضوعه لمبدأ المشروعية الذي‬
‫يقضي أن يكون الدليل تم الحصول عليه بإجراءات صحيحة‪ ،‬وطرق مشروعة يقرها العلم و القانون‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ما ينجر عنه دليل عن تفتيش باطل أو قبض واستجواب غير صحيح أو اعتراف منسوب بالبطالن‬
‫تحت طائلة الضغط النفسي‪ ،‬أو نتيجة مح رر مزور أو مسروق أو بشهادة الزور أو مخالفة النظام العام‬
‫كالتجسس من ثقوب األبواب والنوافذ أو عن طريق محضر ليخضع للقواعد االجرائية العامة‪.‬‬

‫‪ 147‬يونس العياشي‪" :‬المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي"‪،‬‬
‫مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬بحث نهاية التدريب للملحقين القضائيين سنة ‪ 2012‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 148‬سورة اإلسراء اآلية ‪. 15‬‬
‫‪ 149‬سورة القصص‪ :‬اآلية ‪.59‬‬
‫‪ 150‬نجاة الحافظي‪ :‬محاضرات في "النظرية العامة للقانون الجنائي" السداسي الثاني‪ ،‬كلية الحقوق بسطات السنة الجامعية‬
‫‪.2011\2010‬‬

‫‪81‬‬
‫وبالتالي فإن مشروعية الدليل الجنائي من أهم القيود التي تحد االثبات الجنائي‪ ،‬والهدف األسمى من‬
‫الدعوى الجنائية هو كشف الحقيقة بأي وسيلة من وسائل االثبات الجنائي التي تخضع لسلطة تقدير القاضي‪،‬‬
‫وبالتالي فإن االدانة تكون على أساس األدلة‪ ،‬التي يشترط أن يصل إليها بطرق مشروعة في إطار نظام‬
‫القانوني المعمول به‪ ،‬فمتى كانت حالته لجهات القضاء في البت فيه قواعد البحث والتحري عن الدليل و‬
‫قد تمت بإجراءات صحيحة ومقبولة قانونا وباستخدام رجال الضبطية القضائية وجهات التحقيق واالتهام‪،‬‬
‫وسائل تتميز بالمشروعية في الحصول عليه بشكل يحقق المساواة بين حق الدولة في العقاب ومصلحة‬
‫المجتمع في االقتصاص المتهم‪.151‬‬

‫باعتبار الدليل العلمي ذو طبيعة تقنية يحتاج إلى المعرفة والخبرة في التعامل معه واإلحاطة بكل‬
‫جوانبه‪ ،‬األمر الذي ال يتوفر لدى أجهزة العدالة والبحث والتحقيق‪ ،‬لذلك خول لهم المشرع المغربي إمكانية‬
‫االستعانة بذوي االختصاص أو الخبرة لما لهذه األخيرة من أهمية بارزة في تكوين االقتناع الصميم للقاضي‬
‫الجنائي‪ ،‬وذلك انطالقا من مجموعة من النصوص من قانون المسطرة الجنائية كالمادة ‪ 57‬الفقرة الرابعة‪،‬‬
‫والمادة ‪ ،64‬وكذلك المادة ‪ 47‬الفقرة األخيرة‪ ،‬وكذلك المادة ‪ 77‬الفقرة األخيرة‪ ،‬وما جاء في المادة ‪194‬‬
‫الفقرة األولى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬في القوانين المقارنة‬

‫يشترط في الدليل أن تتم مناقشته بجلسة المحاكمة‪ ،‬وابداء مالحظاته حوله‪ ،‬وهو ما ذكرته‪ ،‬المادة‬
‫‪ 302‬من قانون اإلجراءات الجنائية المصرية بنصها‪ :‬ال يجوز للقاضي أن يبني حكمه على أي دليل لم‬
‫يطرح أمامه في الجلسة‪ ،‬وبالتالي يكون القاضي ملزما بالحكم وفق الوقائع المثابة المعروضة أمامه وليس‬
‫له أن يحكم وفق أمور غير موجودة لديه‪ ،‬ومما يتضح أن المشرع تدخل في هذه النقطة ليمنع القاضي من‬
‫الحكم وفق أهوائه الشخصية‪ ،‬وهو ما ذكرته أيضا المادة ‪ 180‬من نظام اإلجراءات السعودية بقولها‪ :‬تعتمد‬
‫المحكمة في حكمها على األدلة المقدمة إليها أثناء النظر في القضية "وال يجوز للقاضي أن يقضي بعمله‬
‫ال بما يخالف علمه‪ ".‬وبما سبق ذكره ال يجوز للقاضي أن يقبل أدلة كانت نتيجة إجراءات باطلة أو مخالفة‬
‫للنظام العام واآلداب‪.‬‬

‫كما إن مشروعية الدليل الجنائي من أهم القيود التي تحد اإلثبات الجنائي وورد ذلك في المادة ‪47‬‬
‫من الدستور الجزائر لسنة ‪ 1996‬التي نصت على أنه‪ :‬ال يتابع أحد ال يوقف أو يحتجز إال في الحاالت‬

‫قنونة فاطمة الزهـراء‪" :‬الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪151‬‬

‫‪82‬‬
‫المحددة بالقانون وطبقا لألشكال التي تنص عليها‪ ،‬فإن مشروعية الدليل الجنائي يشكل سند قانوني يثير‬
‫إشكالية احترام اإلجراءات القانونية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬جزاء اإلخالل بمبدأ مشروعية الدليل العلمي‬

‫تتطلب قاعدة مشروعية الدليل العلمي وجوب الحصول عليه في إطار احترام القواعد القانونية‬
‫المقررة في مختلف القوانين السيما قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬مع االستعانة بالوسائل المشروعة ويترتب‬
‫على مخالفة ذلك بطالن الدليل العلمي المستمد منها‪ ،‬تطبيقا للقاعدة العامة التي مفادها "ما بني على الباطل‬
‫فهو باطل"‪ ،‬ويعرف البطالن عادة بأنه الجزاء الذي يترتب على إجراء معين فيبطله كليا أو جزئيا بسبب‬
‫إغفال عنصر يتطلب القانون توا فره في اإلجراء أو ألنه تم بطريقة مخالفة للقانون‪ .‬ومنه فإن الدليل العلمي‬
‫الناتج عن إجراءات باطلة أو وسائل غير مشروعة سيكون باطال و البطالن ال يترتب علة نص القانون فقط‬
‫بل قد يترتب أيضا على مخالفة قاعدة جوهرية والبطالن قد يكون في جميع مراحل الدعوى الجنائية ابتداء‬
‫بمرحلة جمع االستدالالت مرورا بإجراءات التحقيق وانتهاء بمرحلة المحاكمة من خالل عرضه الدليل‬
‫العلمي أمام القاضي والخصم في مرافعة علنية فعلى سبيل المثال فالدليل العلمي المتمثل في التحليل‬
‫البيولوجي قد يكون باطال وال يعتد به ما لم يناقش أمام الخصوم في جلسة علنية وشفوية وحضورية‪.152‬‬

‫قنونة فاطمة الزهـراء‪" :‬الوسائل العلمية في االثبات الجنائي" مرجع أعاله‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪83‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تأثيرات العولمة على التقنيات الحديثة في مجال األعمال‬

‫لقد نتج عن العولمة مساحة واسعة من المرونة وحرية انتقال األشخاص واألموال‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫امتداد أثرها واستغاللها من قبل المجرمين‪ ،‬حيث توسع نطاق اإلجرام باستحداث أساليب وتقنيات حديثة‬
‫الرتكاب الجريمة‪ ،‬وعليه تبين قصور التشريعات الوطنية في مكافحة الجريمة‪ ،‬خاصة الجريمة المتعلقة‬
‫باألعمال‪ ،‬كان من األهمية عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول‪ ،‬واألخذ بتنظيم أمني وقضائي إليجاد سبل ناجعة‬
‫وآليات مكافحة عالمية وضبط تقنيات نقل المحكوم عليهم لتنفيذ العقوبات‪ ،‬وتحديد أساليب التحقيق وأدلة‬
‫اإلثبات بين الدول‪.‬‬

‫أمام كل هذا ماتزال اإلشكاالت تثار حول كيفية الحد من الجريمة في ظل العولمة التي أصبحت‬
‫تقنياتها متطورة تكنولوجيا والتي قد تطمس معالم الجريمة وبالتالي ينعدم النص لتجريمها‪.153‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التقنيات العلمية الحديثة الثبات الحقيقة‬

‫لقد سبق أن تعرفنا الى االعتراف الناتج عن االستجواب وهي مسألة تقليدية لكن اليوم يلجأ إلى‬
‫االعتراف بسهولة باستعمال وسائل حديثة لم تكن من قبل معممة‪ .‬فهل يمكن لهذه التقنيات الحديثة تأثير‬
‫في مجال اإلثبات خصوصا في القضايا المستعصية كتلك التي يرتكبها بعض رجال األعمال‪.154‬‬

‫لهذا تعتبر قياس التغييرات الفسيولوجية والتنويم المغناطيسي والعقاقير المخدرة تعطل وتخفض من‬
‫درجة التحكم اإلرادي ونزع حواجز العقل الباطني بحثا عن المعلومات التي يرغب فيها المحقق وجلب‬
‫اعتراف في نطاق اإلثبات أو االستقصاء ووجه االستدالل والتحري‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حجية االعتراف كوسيلة اثبات بالعقاقير المخدرة‬

‫قد يثير االعتراف المتحصل من العقاقير المخدرة مجموعة من المالحظات من كونها تحتاج إلى ما‬
‫يؤكد هذا االعتراف على اعتبار أنه ليس دليال مستقال في اإلثبات خاصة وأن مجرمي األعمال يرفضون‬
‫دائما الخضوع لهذا اإلجراء دفعا لكل تأثير واإلفالت من العقاب ومع كل تبقى النتائج المتحصل عليها غير‬
‫صحيحة وهي بمجرد قرائن وليست أدلة ثابتة وكاملة‪.‬‬

‫‪ 153‬بن زرفة هوارية‪ " :‬العولمة وتأثيرها على الجريمة والعقاب"‪ ،‬المركز الجامعي أحمد زبانة غليزان‪ ،‬النشر على‬
‫الخط ‪ ،15/06/2021‬مجلد ‪ 25‬عدد ‪ 56‬السنة ‪ ،2021‬ص ‪.544‬‬
‫‪ 154‬ادريس النوازلي‪" :‬االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪84‬‬
‫الواقع أن أمر استخدام العقاقير المخدرة في مراحل الدعوى الجنائية من أكثر المشكالت التي حظيت‬
‫باهتمام الف قه الجنائي المقارن الشيء الذي أدى إلى تواتر اآلراء والحلول تختلف فيها وجهات النظر‪،‬‬
‫ويرجع السبب في ذلك إلى خلو التشريعات من نصوص صريحة قاطعة لمعالجة هذا اإلشكال‪ .‬فاستعمال‬
‫العقاقير المخدرة في الدعوى الجنائية يتعارض مع مبدأ النزاهة الذي يحكم التحقيق الجنائي‪ ،‬والذي يقتضي‬
‫بالضرورة أن تكون اإلقرارات واالعترافات التي يدلي بها المتهم وليدة استجواب نزيه بعيدا عن وسائل‬
‫المباغتة أو الحيل أو العنف‪ ،‬وإن كان الرضا قد يضفي المشروعية على استخدام مصل الحقيقة غير صحيح‬
‫علميا‪ ،‬هل تندرج في إطار الرضا من عدمه على اعتبار ان استعمال المخدر يحرر العقل الباطن من أي‬
‫قيود‪.‬‬

‫فاستخدام مصل الحقيقة برضا صاحب الشأن يسهم في تحقيق المصلحة االجتماعية ومصلحة الفرد‬
‫معا‪ ،‬فهو أسلوب علمي واقعي للبحث والتنقيب الجنائي يمكن المحقق من الحصول على نتيجة تتصل بدرجة‬
‫أو بأخرى بحقيقة الواقعة موضوع البحث والو قوف على وسائل ارتكاب الجريمة ودوافعها‪ ،‬كما يمكن‬
‫إخضاع كل نتيجة للمراجعة الدقيقة شأنها في ذلك شأن باقي طرق البحث التقليدية‪.155‬‬

‫وعلى المستوى القضائي قضت محكمة االستئناف لكسمبورج بأنه يحق لمحكمة الموضوع أن‬
‫ترفض طلب المتهم استجوابه بعد تخديره وال يعد اخالال منها بحق الدفاع إذ أن المحكمة ليس لها الحق في‬
‫استخدام كافة الوسائل في اإلثبات بل أنها مقيدة بالقواعد التي ينص عليها التشريع اإلجرائي وأن إجراء‬
‫كهذا قد يكون عديم األهلية‪ ،‬بل قد يحقق ضررا ومخاطر من الجهة االجتماعية‪.156‬‬

‫وهو نفي االتجاه الذي سار إليه كل من القضاء األمريكي والنمساوي وااليطالي لعلة أنه يعوق‬
‫حرية اإلرادة تماشيا مع لجنة حقوق اإلنسان بعدم جواز استعمال العقاقير المخدرة أو وسيلة أخرى من‬
‫شأنها شأن حرية المتهم في التصرف أو التأثير في ذاكرته وتمييزه‪ ،‬كما أوصت بعدم قبول أي اعتراف‬
‫يصدر من المتهم بواسطة هذه الوسائل‪.‬‬

‫ونخلص القول إن االعتراف القضائي هو الذي يصدر من المتهم أمام إحدى الجهات القضائية وقد‬
‫يكفي ولو كان الوسيلة الوحيدة في النازلة لتسبيب اإلدانة وهو ما يسهل عمل المحكمة أما االعتراف غير‬
‫القضائي فهو الذي يصدر أمام جهات غير قضائية أي خارج مجلس القضاء مثال كالرسائل الصوتية أو‬
‫الكتابية على الهواتف المحمولة أو عبر اإلنترنيت وهي مسألة تخضع لتقدير القاضي بحيث الذي عليه أن‬
‫يتحقق من توافر شروط صحته‪.‬‬

‫‪ 155‬تقرير لجنة حقوق االنسان في حق الفرد في عدم التعسف في القبض عليه أو حبسه أو نفيه المؤرخ في ‪ 5‬يناير‬
‫‪ ،1962‬ص ‪.315‬‬
‫‪ 156‬أنظر حكم محكمة لكسمبورغ في ‪ 1955/11/30‬مجلة قانون العقوبات وعلم االجرام‪ ،‬سنة ‪ ،1956‬ص ‪.1143‬‬

‫‪85‬‬
‫ثانيا‪ :‬قياس التغييرات الفسيولوجية (جهاز كشف الكذب)‬

‫يعد جهاز كشف الكذب أو قياس التغييرات الفسيولوجية من األجهزة الطبية المستخدمة في رصد‬
‫وتسجيل انفعاالت الشخص محل الفحص بدقة‪ ،‬فالشخص الذي يكذب تعتريه شحنة انفعالية تؤثر على جهاز‬
‫العصبي بسبب الصراط الداخلي الدائر بين الكذب والحقيقة ولعل ذلك راجع إلى خشية افتضاح أمره‪ .‬وقد‬
‫تم اكتشاف هذا الجهاز بتسجيل تلك التغييرات التي تحدث عادة للشخص إزاء ما يعتريه من انفعاالت نتيجة‬
‫الكذب‪.‬‬

‫طرح استخدام جهاز الكذب جدال قانونيا في بداية أمره من حيث قبول النتائج واالعترافات المتحصلة‬
‫منه التي تتطلب الخبرة في تشغيله واألسئلة التي يتعين طرحها بشيء من الدقة حتى تكون نتائجه العلمية‬
‫أكثر تفوقا من اإلجر اء التقليدي بحسب الظروف التي تم فيها استخدام الجهاز المذكور‪ ،‬وفي هذا الصدد‬
‫قال الدكتور قدري عبد الفتاح الشهاوي " أن جهاز قياس التغييرات الفسيولوجية يثير عدة مشكالت منها‬
‫فنية تتمثل في مدى صحة النتائج المستمدة من استخدامها وما هي نس الخطأ والصواب في هذه النتائج‬
‫حتى يمكن تحديد درجة إمكانية االعتماد عليها في الحصول على تحريات صادقة واستدالالت دقيقة ومشكلة‬
‫قانونية تتمثل في مدى ما يمكن أن يحدثه استخدام كل من هذه األساليب على حقوق المتهم‬
‫األساسية‪ ،‬وطبيعة هذا المساس وتأثيره على حق المتهم في الصمت والكذب والحق في سالمة الجسد‬
‫وسالمة النفسية وحق الخصوصية‪ .‬وكذلك تثور مشكلة تنظيمية في استخدام هذه األساليب الحديثة في شأن‬
‫جمع التحريات واالستخبارات وإجراء االستدالالت‪ ،‬ومن هذه المشكالت ما يتعلق بحاالت استخدامها‬
‫وشروطه وضماناته والقيمة اإلثباتية لما يسفر عن استخدامها من نتائج‪.157‬‬

‫يمكن قبول نتائج االختبار بجهاز كشف الكذب كوسيلة لإلثبات حيث يكون وعي المتهم تاما كما أنه‬
‫يمكن للشخص وباستطاعته في أي لحظة أن يوقف االختبار الحاصل عليه أو يجعله بتصرفه غير ذي‬
‫فائدة‪ ،‬في حين إذا خضع له الشخص بإرادته فإن الجهاز يمكن أن يستعمل كإحدى وسائل االكتشاف الكذب‬
‫وفي هذه الحالة ال يمكن االعتماد على نتيجة استعمال الجهاز بل البد من تأييده بأدلة أخرى لتأكيد االتهام‬
‫‪158‬‬
‫وهو ما ذهبت إليه محكمة سويسرا في ديسمبر سنة ‪.1954‬‬

‫فالرأي المؤيد لجهاز قياس التغييرات الفسيولوجية واستخدامه في البحث الجنائي قد يكون أمرا‬
‫مقبوال بأنه ال يمس وعي المتهم كما أن رأي الخبير المتفحص للعملية يحسم فيما إذا كان المتهم قال الحقيقة‬
‫أم ال ويمكن اعتبارها عنصرا من عناصر اإلثبات‪ ،‬إال أنها ال ترقى إلى مرتبة الدليل الكامل‪.‬‬

‫قدري عبد الفتاح الشهاوي‪" :‬حجية االعتراف كدليل إدانة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪125‬‬ ‫‪157‬‬

‫قدري عبد الفتاح الشهاوي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.257 – 256‬‬ ‫‪158‬‬

‫‪86‬‬
‫فيما الرأي المعارض كالقانون السوفيتي الذي يرى باستعمال الجهاز المذكور ال يرتب نتائج قانونية‬
‫لكونه سجل اضطرابات نفسية وبالتالي من الصعب تحقيق أدلة إثبات حاسمة على اعتبار أن هناك‬
‫اختالف بين الظواهر الطبيعية وبين أحاسيس البشر‪ .‬ونحن نؤيد هذا الرأي ألنه ال يمكن االعتماد على‬
‫جهاز قياس الكذب كوسيلة أحادية لإلثبات بل يتعين تدعيمها بوسائل أخرى كإضافة لتكوين قناعة المحكمة‬
‫بالشكل المقبول‪ ،‬خاصة وأن المتهم قد يكون تعتريه حاالت عصبية أو درجة كبيرة من الحساسية الشديدة‬
‫نتيجة للقلق الحاد‪ ،‬فضال أن هناك أشخاص لما لهم من قوة التحمل والتمرس في الخديعة وهدوء النفس‬
‫والطمأنينة لما ألفوه من كذب‪ ،‬ال يؤثر فيهم الجهاز بل يسيرون في اتجاه تغليط المعلومات وهو ما يلجأ‬
‫إليه بعض رجال األعمال إذ يستعملون أفعاال ال تنم عن الجرم بواسطة أشخاص يعملون لديهم حسني النية‬
‫وإن خضعوا للجهاز فال ينتج عنه أي أثر لكونهم يقولون الصدق وبالتالي ال يدركون التالعب الحاصل من‬
‫المشغل أو الرأس المدبر‪.‬‬

‫استعمال جهاز البوليغراف في جميع التحديات أضحى من أهم الوسائل المستحدثة‪ ،‬التي ال تمثل‬
‫انتهاكا لحرية األفراد أو تأثيرا على إرادتهم‪ .‬من أنه وسيلة مساعدة في جمع التحريات وإجراء االستدالالت‬
‫واالستخبارات الالزمة للتحقيق من التعرف على مدى م يل الشخص لقول الحقيقة وكشف محاوالت تصنع‬
‫العاهة العقلية أو الوقوف إلى حد كبير على دوافع الجريمة ومكان إخفاء األشياء متحصل عنها كما يمكن‬
‫تحديد األماكن التي يختفي فيها بعض األشخاص الذين يجري البحث عنهم وبالتالي يتعين إعمال المقارنة‬
‫بين األقوال المختلفة والمرسلة‪ ،‬والتحقق من مدى صحتها واالستفادة من نتائجها عند اإلعداد الستجواب‬
‫المتهم بعدها‪ .‬وبذلك يضحى في اإلمكان محاصرة المتهم في التناقضات والمالبسات التي قد يتم الكشف‬
‫عنها‪ ،‬وكذلك عند سماع أقوال الشهود حتى يمكن حصر الشبهات نحو المتهمين دون غيرهم‪ ،‬وأثر هذا‬
‫على تخفي ف عمليات البحث وتوجيهها للحصول على األدلة العامدة لإلدانة وتحاشي مشقة الخوض في‬
‫مسالك وطرق ال طائل من ورائها‪.159‬‬

‫أما عن موقف الشريعة اإلسالمية من االعترافات الصادرة عن طريق جهاز كشف الكذب‪ ،‬هللا‬
‫سبحانه وتعالى منح على لسان رسوله محمد صلى هللا عليه وسلم "كل مسلم على مسلم حرام دمه وماله‬

‫‪Turner (Détection scientifique du mensonge au service de la police judiciaire) 159‬‬


‫‪Chron int CK police. 1966. P13.‬‬

‫‪87‬‬
‫وعرضه" وقال ابن حزم "فال يحل االمتحان في شيء من األشياء بضرب وال بسجن وال بتهديد‪ ،‬ألنه لم‬
‫يوجب ذلك قرآن وال سنة ثابتة وال إجماع وال يحل أخذ شيء من الدين إال من هذه المصادر الثالثة"‪.160‬‬

‫ثالثا‪ :‬التنويم المغناطيسي ‪Hyponsis‬‬

‫هي من الوسائل التي تؤثر على عقل ونفسية المتهم‪ ،‬وقد أتى الطبيب النمساوي ‪Franz Anton‬‬
‫‪Mesmer‬بفكرة المغناطيسية الحيوية‪ ،‬في أواخر القرن الثاني عشر‪ ،‬وتحجب هذه الوسيلة الذات‬
‫الشعورية للنائم وتبقي ذاته الالشعورية تحت سيطرة ذات المنوم‪ .161‬ويعرف التنويم المغناطيسي بأنه‬
‫"حالة نوم صناعية لبعض ملكات العقل الظاهر عن طريق اإليحاء‪ ،‬يتقبل فيها النائم اإليحاء دون محاولة‬
‫طبيعية إليجاد التبرير المنطقي له‪ ،‬ويتمثل الغرض في استدعاء المعلومات واألفكار التي قد تكون عميقة‬
‫في الالشعور"‪ .162‬وبما أن "إرادة المنوم تخضع إليحاء القائم بعملية التنويم فإن هذا يؤدي إلى بطالن هذا‬
‫اإلجراء"‪ .163‬وقد حظرت بعض التشريعات صراحة استعمال هذه الوسيلة‪.‬‬

‫وفي إطار اعتماد التكنولوجيا الحديثة يمكن االستعانة بأجهزة كشف الكذب ‪ ،polygraphe‬حيث‬
‫يرصد هذا الجهاز االضطرابات وبصفة خاصة تلك التي تتعلق بالتنفس وضغط الدم‪ .‬وقد سبقت أمريكا‬
‫جميع دول العالم إلى استخدام هذا الجهاز‪ ،‬وليس له عالقة بوعي اإلنسان أبدا"‪ .164‬ويحيط بالنتائج التي‬
‫تحصل من هذا الجهاز الشك‪ ،‬فالشخص المنتمي إلى "النمط الطفلي هو شخص معتاد على الكذب‪ ،‬وعندما‬
‫يصدر سلوك الكذب عند هذه الشخصية‪ ،‬فإنها ال يراودها أية اضطرابات‪ ،‬وهذا يؤدي إلى عجز الجهاز‬
‫عن تسجيل أية انفعاالت غير عادية‪ ،‬وكذلك بالنسبة الستجواب معتادي اإلجرام الذين يعتبر الكذب لديهم‬

‫ابراهيم أحمد عثمان‪ ":‬مدى شرعية استعمال جهاز كشف الكذب في التحقيق ودوره في اثبات التهم"‪ ،‬المجلد ‪،10‬‬ ‫‪160‬‬

‫العدد ‪ 30( 23‬إبريل‪/‬نيسان ‪ ،)2008‬ص ‪.254‬‬


‫‪ 161‬فيصل مساعد العنزي‪" :‬أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان‪ ،‬دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ 162‬كوثر أحمد خالند‪" :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية‪-‬دراسة تحليلية مقارنة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ 163‬عقيلة بن الغة‪" :‬حجية أدلة اإلثبات الجنائية الحديثة"‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪-‬فرع القانون الجنائي والعلوم‬
‫الجنائية‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2012-2011‬ص ‪.107-105‬‬
‫كوثر أحمد خالند‪" :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية ‪-‬دراسة تحليلية مقارنة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.145-143-139‬‬ ‫‪164‬‬

‫‪88‬‬
‫نوعا من السلوك العادي"‪ ، 165‬كما أن في استخدامه "إجبارا للمتهم على تقديم دليل ضد نفسه"‪ .166‬ويرى‬
‫البعض أن "استعمال الجهاز يعتبر اعتداء على حق المتهم في الصمت‪ ،‬وحقه في حرية الدفاع"‪.167‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االثبات الحديث في الجرائم االلكترونية في مجال األعمال‬

‫تعرف الجرائم اإللكترونية بأنها تلك األفعال اإلجرامية الناتجة بواسطة استخدام المعلوماتية والتقنية‬
‫الحديثة المتمثلة في الكمبيوتر والمعالجة اآللية للبيانات أو نقلها‪ ،‬ولقد عرفتها منظمة التعاون االقتصادي‬
‫والتنمية ‪ 168OECD‬بأنها كل فعل أو امتناع من شأنه اعتداء على األموال المادية والمعنوية يكون ناتجا‬
‫مباشرة أو غير مباشرة عن تدخل التقنية المعلوماتية‪.169‬‬

‫واألهم هو أن ما تحقق للبشرية من مصلحة عبر الثورة التكنولوجية حقق أيضا ضررا لها وهو ما‬
‫أسس إلنشاء الجرائم اإللكترونية التي تختلف اختالفا جذريا عن أنواع الجرائم األخرى مع األخذ بعين‬
‫االعتبار أن الضرر الناجم عنها ال يمكن االستهانة به‪.170‬‬
‫لذا فباختالف هذا النوع من الجرائم بأنواع أخرى يعد اإلثبات باألدلة الرقمية من أبرز تطورات‬
‫العصر الحديث في كافة النظم القانونية‪.171‬‬
‫ومن هنا تبدو أهمية اإلثبات الجنائي بالدليل الرقمي في كون هذا األخير الوسيلة الوحيدة والرئيسية‬
‫إلثبات هذه الجرائم المستحدثة وفي كون جل التشريعات التقليدية ال تواكب اإلجرام اإللكتروني الذي ما‬
‫فتئ يتطور حتى وصل الى مجاالت متعددة من أبرزها مجال األعمال مما حدا بالتشريعات الدولية والعربية‬
‫إلى سن قوانين بالموازاة مع التطور االجتماعي لبلدها‪.‬‬

‫‪165‬عقيلة بن الغة‪" :‬حجية أدلة اإلثبات الجنائية الحديثة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ 166‬فيصل مساعد العنزي‪" ،‬أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان‪-‬دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪ 167‬فيصل مساعد العنزي‪" :‬أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان‪-‬دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.195-193‬‬
‫‪ 168‬محمد الشوا‪ :‬ثورة المعلومات وانعكاساتها على قانون العقوبات‪ ،‬الطبعة ‪2‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1994 ،‬‬
‫ص ‪.7‬‬
‫‪ 169‬أحمد خليفة الملط‪ ،‬الجرائم اإللكترونية‪ ،‬دار الفكر الجامعي الباهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 2005‬ص ‪.87‬‬
‫‪ 170‬علي عدنان الفيل‪ :‬اإلجرام اإللكتروني في دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى مكتبة زين الحقوقية طريق صيدا القديمة‬
‫لبنان ‪ 2011‬ص‪.7‬‬
‫‪171‬أحمد يوسف الطحاوي‪" :‬األدلة اإللكترونية في اإلثبات الجنائي دراسة مقارنة"‪ ،‬طبعة دار النهضة العربية القاهرة‬
‫‪ 2015‬ص‪.4‬‬

‫‪89‬‬
‫أوال‪ :‬إثبات الجريمة اإللكترونية المستحدثة‬

‫يعرف االثبات كما سبق وأشرنا له سابقا على أنه الحجة والبرهان وهو ما يدفع به الخصم إلثبات‬
‫حق من الحقوق‪ ،172‬سواء في مجال إثبات التهمة ونسبها إلى المتهم أو إثبات عدم إمكانية إسنادها إليه‪،‬‬
‫ويعد ذو أهمية كبرى ألنه يناصر الحقيقة ويبين مرتكب الجريمة وهو الذي يحول الشك إلى اليقين باعتبار‬
‫الحقيقة في معناها العام هي معرفة حقيقة الشيء بأن يكون أو ال يكون والذي ال يتحقق إال عن طريق‬
‫الدليل المعبر عن هذه الحقيقة‪ ،173‬فيعرف الدليل الرقمي باعتباره وسيلة اثبات على أنه الدليل المأخوذ من‬
‫أجهزة الحاسب اآللي ويكون في شكل مجاالت أو نبضات مغناطيسية يمكن تجميعها وتحليلها باستخدام‬
‫برامج وتطبيقات وتكنولوجيا خاصة‪ .‬ويتم تقديمها في شكل دليل يمكن اعتباره أمام القضاء وسيلة اثبات‪.174‬‬
‫أما فيما يخص التشريع المغربي فإن الواقع العملي فيه أثبت أن جريمة الدخول االحتيالي إلى نظم‬
‫المعالجة اآللية للمعطيات هي األصل وتتنوع عنها باقي الجرائم األخرى حيث أنها فرضت نفسها على‬
‫المشرع المغربي فسن قانون رقم ‪ 07.03‬في سنة‪ 2007‬بشأن مكافحة جرائم المس بنظم المعالجة اآللية‬
‫للمعطيات الواردة بمنظومة القانون الجنائي‪.‬‬
‫وفي إطار اهتمام المغرب بالجرائم اإللكترونية وفي إطار إسباغ الشرعية على الدليل اإللكتروني‬
‫فقد افتتح في نقر والية مراكش المختبر الجهوي لتحليل اآلثار الرقمية بتاريخ ‪ 25/12/2012‬وذلك حرصا‬
‫من المديرية العامة لألمن الوطني على مواكبة التطورات التي تعرفها الجريمة اإللكترونية في مجال‬
‫التجارة االلكترونية بفضل استخدام التكنولوجيا الرقمية ويقوم بهذا المختبر باألساس بتجميع األدلة الرقمية‬
‫المستعملة في اقتراف األفعال اإلجرائية أو المرتبطة بها واستقرار وتحليل الدعامات اإللكترونية المرتبطة‬
‫بالجريمة إلى جانب تقديم الدعم التقني إلى المحققين وإلى العدالة فيما يتعلق بالجريمة اإللكترونية‪.175‬‬
‫في ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي يعرفها العالم اليوم وبفعل الثورة االلكترونية التي تعتمد‬
‫على الفكر البشري والقدرة على اإلبداع والتطور واالستجابة للمتغيرات الحديثة التي تجاوزت الحدود‬
‫ظهرت التجارة االلكترونية كثمرة من ثمار التطور التقني ونمو المعامالت التجارية وتطوير قوانينها على‬
‫مستوى تكوين العقد وما يتصل بإثبات الحقوق الناشئة عنه دفعا للعقبات التي تعترض التجارة كواقع ملزوم‪.‬‬

‫‪ 172‬أحمد يوسف الطحاوي‪" :‬األدلة اإللكترونية في اإلثبات الجنائي دراسة مقارنة" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪،234 ،232‬‬
‫‪.246‬‬
‫‪ 173‬سيدي محمد ليشير‪ :‬دور الدليل الرقمي في إثبات الجرائم المعلوماتية‪ ،‬دراسة تحليلية وتطبيقية رسالة الماجستير في‬
‫العلوم الشرطية تخصص التحقيق والبحث الجنائي كلية الدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم األمنية الرياض لسنة‬
‫‪ 2010‬ص‪.21‬‬
‫‪ 174‬علي محمود‪ :‬األدلة المتحصلة من الوسائل اإللكترونية غي إطار نظرية اإلثبات الجنائي‪ ،‬المؤتمر العلمي األول حول‬
‫الجوانب القانونية واألمنية للعمليات اإللكترونية‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪،‬لسنة ‪ 2003‬ص‪.18‬‬
‫‪ 175‬عابد العمراني – امحمد أقبلي “القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح الطبعة األولى لسنة ‪ 2020‬ص ‪.304‬‬

‫‪90‬‬
‫علما أن التجارة االلكترونية في عالم افتراضي سرع من حركة التجارة العالمية عبر الصفقات والمعامالت‪.‬‬
‫كل ذلك استغله مجرمي األعمال في انجاز المعامالت وما استتبعه من اقتراف للجرائم‪.‬‬

‫لقد لعبت شبكة اإلنترنيت دورا مهما في تطوير التجارة بأن أصبحت تقود الميدان الحقيقي لتدفق‬
‫البيانات وتطور االتصاالت التي تتسارع لمواكبة التطورات التقنية الحديثة‪ ،‬كما أصبحت تعرف أقساما‬
‫متنوعة منها التوزيع المباشر حيث تتم التجارة بين المنتج أو الموزع والمستهلك النهائي للبضاعة‪ ،‬ويتم‬
‫السداد فيها من خالل بطاقات االئتمان والحسابات الرقمية والتجارة بين الشركات يتم التعامل فيها بين‬
‫شريكتين يكون السداد فيها من خالل التحويل المباشر والحسابات الرقمية أو البنوك اإللكترونية‪ ،‬ثم التجارة‬
‫المغلقة التي تتم بين شركات‪ ،‬غير أنها تتميز بمحدودية أطراف التعامل فال يسمح لشركة خارج نطاق شبكة‬
‫األنترنت الدخول أو االطالع على تفاصيل الصفقات‪.‬‬

‫إنه بالرغم ما عرفته التجارة على النحو المذكور فإنها ال تخلو من معوقات يتمثل في عدم كفاية‬
‫عناصر األمان بالنسبة لوسائل األداء‪ ،‬يتعين تحقيق ضوابط تنحصر في اجراءات التوقيع بالموافقة على‬
‫السحب النقدي أو األداء بالبطاقة والذي يعتبر عالمة شخصية مميزة لصاحبه وتعبيرا عن ارادته‪.176‬‬

‫فلتحقيق األمان للتوقيع اإللكتروني عندما يضيع الرقم السري أو سرقته‪ ،‬بحيث يحق للشخص الذي‬
‫فقد سواء بالضياع أو بالسرقة النقدية أن يبلغ الجهات المختصة بإيقاف التعامل بها شأن ذلك شأن التوقيع‬
‫التقليدي أو العادي حينما يتعرض للتزوير أو التقليد‪ ،‬فالرقم السري يعتبر كالتوقيع تماما فهو وسيلة إلقرار‬
‫المعلومات التي تضمنها السند‪ ،‬وكذلك وسيلة مأمونة لتحديد هوية الشخص الموقع إذ يمكن بعد إتباع‬
‫اإلجراءات المتفق عليها تأكد الحاسوب أن من قام بها هو الشخص صاحب البطاقة‪.‬‬

‫وإذا كانت للتجارة اإللكترونية مزايا من حيث إزالة الحواجز بين الدول وتحقيق العولمة االقتصادية‬
‫والوصول إلى األسواق أصبح متاحا بسهولة تكوين شركات وعالقات تكاملية ألنظمة البيع والشراء والدفع‬
‫اإللكتروني فإنها ال تخلو من سلبيات أخطار التزوير ومعالجة التوقيعات الرقمية والتعامل مع األشباح في‬
‫شبكة األنترنت وانهيار الشركات التي تعجز عن مسايرة التطور والتغيير‪.‬‬

‫‪ 176‬ادريس النوازلي‪" :‬االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42 – 41‬‬

‫‪91‬‬
‫ثانيا‪ :‬آليات الحصول على األدلة الرقمية الثبات الجرائم االلكترونية‬

‫في ارتكاب الجريمة العادية قد يترك بصمات يمكن الكشف عنها بطرق مباشرة أوغير مباشرة‪ ،‬على‬
‫خالف الجرائم االلكترونية تكون فيها البصمات الرقمية غير مرئية‪ ،‬أو أنها مرئية افتراضيا على األدلة‬
‫الرقمية في ذاكرة تخزين المعلومات‪ ،‬وهي قد تكون وحدات تخزين دائمة مثل‪Servers and‬‬

‫‪ ، CDs, Desks Hard‬ووحدات تخزين مؤقتة مثل ‪.Random Access Memory‬‬


‫)‪(RAM) and Read-Only Memory (ROM‬‬

‫هذه البصمات تأخذ أحد ثالثة أشكال‪ :‬ملفات فعالة‪ ،‬ملفات مؤرشفة‪ ،‬وملفات ممسوحة‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬هو عبارة عن ملفات يمكن الوصول إليها بسهولة ويسر‪ ،‬وال تحتاج إلى خبراء ومعامل‬
‫جنائية‪ ،‬وعادة هي متاحة وغير محمية بكلمة السر‪ ،‬ويتم استعادتها دون اللجوء إلى المعامل‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬وهي المعلومات المؤرشفة والمخزنة في وحدات تخزين دائمة مثل ‪servers‬‬
‫‪ ،network, disks flopy, CDs internet the and‬تشبه النوع األول‪ ،‬أي يمكن الوصول إليها‬
‫بسهولة ويسر‪ ،‬ودون اللجوء إلى الخبرة والمعامل الجنائية لضبطها ونسخها‪ ،‬وهي أقل تقلبا من النوع‬
‫األول كونها موجودة في وحدات تخزين دائمة ويمكن طباعتها بسهولة‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬هي المعلومات التي تم مسحها والتي يمكن استرجاعها لكن باستخدام تكنولوجيا هندسة‬
‫المعلومات المتطورة‪ ،‬وهي على خالف االعتقاد السائد بأن المعلومات التي يتم مسحها وتفريغ سلة‬
‫المهمالت منها ينعدم وجودها‪ ،‬بل هي تبقى مخزنة أوتوماتيكيا ولفترة مؤقتة في خوادم‪ .‬وهي تبقى هناك‬
‫حتى يتم تخزين ملفات جديدة فوق تلك الممسوحة‪.177‬‬

‫هذه األنواع الثالثة تختلف طبيعتها حسب المكان الذي تخزن فيه وحسب درجة تقلبها‪ .‬ويجب التعامل‬
‫معها بحذر حتى ال يتم تدميرها أو تغيير طبيعتها‪ ،‬حيث أن المعلومات المخزنة سهل فقدها‪ .‬فإذا ما لحق‬
‫بالدليل الرقمي أي من العوارض السابقة فإنه يصبح غير مقبول في اإلثبات‪ .‬لذلك‪ ،‬على مأموري الضبط‬
‫القضائي والمحققين وأعضاء النيابة العامة التعامل مع األدلة الرقمية بمسؤولية حتى ال يتم عطبها‪ ،‬وبالتالي‬
‫فقدانها وخسارتها‪ .‬كما يجب الحفاظ على النسخة األصلية حتى ال يطعن المتهم في سالمة الدليل الرقمي‬
‫وبأن المحققين قد عبثوا أو غيروا فيها‪.‬‬

‫‪ 177‬مصطفى عبد الباقي‪ :‬التحقيق في الجريمة اإللكترونية واثباتها في فلسطين‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬علوم الشريعة والقانون‪،‬‬
‫المجلد ‪ ،45‬عدد ‪ ،4‬ملحق ‪ ،2‬سنة ‪ ،2018‬ص ‪.292‬‬

‫‪92‬‬
‫ومع ازدياد استعمال الكمبيوتر واإلنترنت‪ ،‬والحاجة المتنامية إلدخال أنواع جديدة من األدلة الرقمية‪،‬‬
‫بدأ المشرعون تلمس أهمية تبنيها في التشريعات‪ ،‬حيث يحاولون أن يبقوا متناغمين مع التطور التكنولوجي‬
‫عن طريق سن تشريعات جديدة أو تعديل التشريعات السارية‪.178‬‬

‫لهذا تعتبر أدلة الحاسوب تطبيق من تطبيقات الدليل العلمي بما يتميز به من موضوعية‪ ،‬وحياد‪،‬‬
‫وكفاءة في إقناع القاضي الجنائي وهذه الصفات التي يتميز بها‪ ،‬دفع البعض الى االعتقاد‪ ،‬أنه كلما‬
‫اتسعت مساحة األدلة العلمية‪ ،‬ومنها أدلة الحاسوب‪ ،‬كلما تضاءل دور القاضي الجنائي في التقدير وبأن‬
‫يكون الدليل المذكور مستبعدا ألنه أثناء مناقشة دليل علمي‪ ،‬ومنها دليل الحاسوب يجب التمييز بين أمرين‬
‫مهمين‪ :‬األول القيمة العلمية القاطعة للدليل والثاني الظروف والمالبسات التي وجد فيها الدليل‪.‬‬

‫فالقاضي الجنائي عند تقديره لدليل الحاسوب ال يتطرق الى القيمة العلمية للدليل‪ ،‬ألنها حقيقة علمية‬
‫ثابتة‪ ،‬وألنه ليس من اختصا صه مناقشة األمور العلمية البحتة‪ ،‬إنما من اختصاص الخبراء المختصين في‬
‫هذا المجال ويستطيع القاضي االستعانة بهم‪ ،‬لمعرفة حقيقة هذا الدليل العلمي‪ ،‬أما بالنسبة لألمر الثاني فإن‬
‫القاضي الجنائي بإمكانه أن يرفض هذا الدليل عندما يرى أن وجوده ال يتناسب منطقيا مع ظروف ومالبسات‬
‫الواقعة‪ ،‬أما اذا اقتنع القاضي بأن الدليل المطروح صحيح‪ ،‬وأنه وجد في ظروف مالئمة لظروف ومالبسات‬
‫الواقعة‪ ،‬فإنه يستطيع األخذ به‪.179‬‬

‫مصطفى عبد الباقي‪ :‬التحقيق في الجريمة اإللكترونية واثباتها في فلسطين‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.293‬‬ ‫‪178‬‬

‫‪ 179‬هاللي عبد االه أحمد‪" :‬حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية‪ :‬دراسة مقارنة"‪ ،‬القاهرة جامعة‬
‫أسيوط‪ ،‬للطباعة ‪ 1999‬دار النهضة العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬تاريخ النشر ‪ ،2008‬ص ‪.46‬‬

‫‪93‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالئمة نظرية االثبات الجنائي الحديث لجرائم لألعمال‬

‫ضمانا لحق المجتمع في اثبات مرتكب الجريمة واصدار عقاب له من جهة‪ ،‬وحق الجاني في محاكمة‬
‫عادلة من جهة ثانية‪ ،‬كرس المشرع مبدأ الفصل بين سلطات القضاء الجنائي‪ ،‬حيث اعتبر النيابة العامة‬
‫سلطة ادعاء أو سلطة اتهام مستقلة وقائمة بذاتها إلى جانب سلطتي التحقيق والحكم‪ ،‬مع وضع قواعد‬
‫إجرائية تحدد سلطات النيابة العامة ابتداء من مرحلة تحريك هذه الدعوى‪ ،‬ثم مباشرتها والسير فيها إلى‬
‫غاية صدور حكم نهائي‪.‬‬

‫اذ يحتل نظام اإلثبات الجنائي درجة بالغة من األهمية في كافة فروع القانون‪ ،‬وتبرز أهمية قواعده‬
‫بصفة قصوى في المسائل الجزائية‪ ،‬لذا يعد موضوع اإلثبات من أهم المواضيع كون الهدف منه هو‬
‫الوصول إلى الحقيقة من حيث وقوع الجريمة أو عدم وقوعها‪ ،‬ومن حيث إسنادها للمتهم أو براءته منها‪،‬‬
‫وكما تكمن أهمية اإلثبات خصوصا لجرائم األعمال في وسائله‪ ،‬ذلك أن األسلوب جميع مراحل تطبيق‬
‫قواعد االجراءات الجزائية الذي يتبعه القاضي في إثبات مثل هذه الجرائم يتوقف عليه إحقاق الحق ورجحان‬
‫ميزان العدالة به‪.‬‬

‫وقد نص الفصل ‪ 289‬من قانون المسطرة الجنائية على انه "ال يمكن للقاضي ان يبني مقرره اال‬
‫على حجج عرضت اثناء االجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامه"‪.‬‬

‫والفصل ‪ 290‬من نفس القانون ينص على انه إذا كان اثبات الجريمة متوقفا على حجة جارية عليها‬
‫أحكام القانون المدني فيراعى القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور‪.‬‬

‫فإلثبات جريمة خيانة االمانة مثال يجب اثبات الوديعة التي وضعت عند المتهم والوديعة تثبت إذا‬
‫كانت قيمتها تفوق‪ 250‬درهم‪ .‬أو غير محددة القيمة بعقد كتابي‪ ،‬كما نص على ذلك الفصل ‪ 443‬من قانون‬
‫العقود وااللتزامات وال يمكن ان تثبت خيانة االمانة متى تعدى المبلغ المذكور‪ ،‬ولو أحضر المدعى‬
‫الشخصي الشهود الذين عاينوه وهو يدفع األمانة للمتهم او المتهم وهو يبدد األمانة الن القانون حدد اثبات‬
‫هذه الجريمة‪ ،‬لذلك نرى ان بعض الرواسب من الطريقة القانونية ال زالت موجودة في التشريع الجنائي‬
‫الحديث‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس قسمنا المبحث الثاني إلى مطلبين‪ ،‬أثر الشرعية االجرائية للوسائل الحديثة أمام‬
‫القضاء الجنائي (المطلب األول)‪ ،‬وبعدها التوجهات الحديثة التي تواجه االثبات الجنائي لجرائم األعمال‬
‫بالدليل الرقمي (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أثر الشرعية االجرائية للوسائل الحديثة أمام القضاء الجنائي‬

‫تعتبر المحاكمة العادلة حق من حقوق اإلنسان األساسية التي تهدف إلى حماية األفراد من المساس بحقوقهم‬
‫أو االنتقاص أو الحرمان منها‪ ،‬وألهميتها نصت عليها االتفاقيات الدولية وكرستها الدساتير الوطنية وعملت‬
‫التشريعات الداخلية اإلجرائية على تنظيمها‪ ،‬كما أنها مؤشر على مدى احترام الدولة لكرامة المواطن وفق‬
‫ما هو متعارف عليه دوليا‪ .‬ومقياسا أصيال في بناء دولة الحق والقانون ودليال على صحة وسالمة النظام‬
‫القضائي والجنائي‪.‬‬

‫وإذا كان المشرع الجنائي في قانون األبرياء أقر صراحة بمبدأ قرينة البراءة في مادته األولى ونص في‬
‫ختامه على أن اإلجراءات القانونية المتخذة من قبل األجهزة المتدخلة في سير المسطرة الجنائية يجب أن‬
‫تتم وفق ما أقره المشرع من قواعد تحت طائلة اعتبارها كأنها لم تنجز‪.‬‬

‫وأن تمس ك المتهم أمام المحكمة الزجرية ببطالن اإلجراءات المرتبطة بالبحث التمهيدي أو المتابعة أو‬
‫التحقيق او المحاكمة لوجود اخالالت مسطرية ماسة بحقوقه وحرياته ال يتأتى إال في شكل دفوع أولية‬
‫وشكلية وقتية قد تسقط بفوات الحق فيها‪.‬‬

‫ولذلك ال يقبل منطقا وال قانونا تصور محاكمة تختل فيها شرعية قواعد المسطرة والتي أحاطها المشرع‬
‫بجزاءات مختلفة ومنها البطالن واإلبطال‪.‬‬

‫وبما أن مبدأ الشرعية اإلجرائية صار من المبادئ الهامة‪ ،‬وهو بال شك يمثل ضمانة لكل أفراد المجتمع‬
‫قبل أن يعتبر من أهم ضمانات المتهم ألنه مبدأ موحد في كل دساتير العالم ويكاد مختلفا عن مبدأ شرعية‬
‫الجرائم والعقوبات‪ ،‬الذي يثير الكثير من االختالف عل مستوى األنظمة الوضعية المقارنة‪ .180‬من هنا‬
‫سنقسم المطلب الى اإلجراءات التي تبرز فيها استخدام وسائل التقنية الحديثة (المطلب األول)‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫حجية الدليل المستمد من الوسائل العلمية أمام القضاء الجنائي (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المحامي خالد هالل يكتب "المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية اإلجرائية"‪ ،‬زيارة الموقع سنة ‪ 2021‬في‬ ‫‪180‬‬

‫شهر شتنبر‪ ،‬أنظر الموقع ‪http://www.assahraa.ma/web/2020/148794‬‬

‫‪95‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اإلجراءات التي تبرز فيها استخدام وسائل التقنية الحديثة‪.‬‬

‫إن استخدام الوسائل العلمية التقنية الحديثة في مجال اإلثبات الجنائي‪ ،‬يجعل عملية اإلثبات قابلة‬
‫للتجديد والتطور وفقا لإلنجازات اإلنسانية المستمرة في مجال العلوم الطبية والكيمائية وغيرها من العلوم‪.‬‬
‫ونتيجة لإلنجازات والتطور وجب األخذ بما يفيد من نتائج ثبت بما ال يدع مجاال للشك استقرارها وخاصة‬
‫عندما ال تتعارض النتائج العلمية مع الضمانات التشريعية والطبيعية للحقوق اإلنسانية‪ ،‬والتي تحقق حرية‬
‫وإرادة اإلنسان ‪ ،‬وتحميه من كل ما يضر سالمته الجسدية والعقلية والنفسية‪ .‬وسوف أتناول هذه الفقرة من‬
‫خالل االتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مرحلة االستدالل في البحث والتحري‬

‫وهي مرحلة سابقة من تحريك الدعوى العمومية‪ ،‬تبدأ منذ علم السلطات المعنية بأمر الجريمة‪ ،‬سواء‬
‫عنها أو عن طريق الشكوى‪ ،‬وتشمل اإل جراءات هذه المرحلة البحث عن كافة الظروف والمالبسات التي‬
‫ارتكبت فيها الجريمة والتحري عن كافة المعلومات الخاصة بالجريمة المبلغ بها‪ ،‬واألدوات والوسائل‬
‫المستخدمة في ارتكابها وتحديد توقيت وقوعها والبحث عن فاعلها وضبط ما يوجد بمكان الجريمة من‬
‫أشياء استعملت وفحص ها بدقة مثل البصمات أو أصابع المتهم أو ترك أدوات لمعرفة الفاعل وجمع‬
‫االستدالالت التي تفيد التحقيق‪ ، 181‬وذلك من أجل تهيئة القضية وتقديمها للنيابة العامة لتقدير مدى ضرورة‬
‫عرضها على جهات التحقيق أو الحكم أو حفظ أوراقها‪.182‬‬

‫بهذا نجد أن مرحلة االستدالل من أكثر المراحل في الدعوى الجنائية التي يبرز فيها استخدام التقنيات‬
‫الحديثة‪ ،‬بهدف الوصول إلى اآلثار المادية التي تدل على نوع الجريمة‪ ،‬حيث يعتبر مسرح الجريمة هو‬
‫اإلطار الذي يضم األدلة المادية‪ ،‬ولالستدالل عليها تستخدم وسائل إثبات تقنية إلثبات الوقائع والوصول‬
‫إلى كشف الحقيقة من خالل رفع اآلثار الموجودة في مكان الحادث لتحليلها بأجهزة علمية حديثة متخصصة‬
‫إلثبات عالقتها بالمجني عليه وبيان مدى ارتباطها بالجريمة من أجل تقوية األدلة ضد مرتكب الجريمة‪،183‬‬
‫مما يسمح بتقديم المتهم المحاكمة مباشرة ‪ ،‬أو تيسر لقاضي التحقيق اتخاذ إجراءاته‪ ،‬وهو ما يحقق سرعة‬
‫الفصل الدعوى العمومية‪.184‬‬

‫‪ 181‬فضيل العيش‪" :‬شرح قانون االجراءات الجزائية بين النظري والعلمي"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار البدر‪ ،‬ص ‪ 101‬و‪.102‬‬
‫‪ 182‬عبد هللا أوهابية‪" :‬شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومة عين مليلة ‪ ،2009‬ص ‪.193‬‬
‫‪ 183‬فيصل مساعد الغنزي‪" :‬أثر االثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق االنسان"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 184‬أحمد شوقي الشلقاني‪" :‬مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري"‪ ،‬الجزء ‪( ،2‬الجزائر‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية بن عكنون‪ ،‬سنة ‪ ،)1999‬ص ‪.166‬‬

‫‪96‬‬
‫ثانيا‪ :‬مرحلة التحقيق‬

‫التحقيق نشاط إجرائي تباشره سلطة قضائية مختصة للتحقيق‪ ،185‬ويهدف إلى جمع وقوع الجريمة‪،‬‬
‫كي ال تندثر وتضيع الحقيقة ويتعطل حق الدولة في العقاب‪ ،‬فضال عن أنه يمحض الشبهات واألدلة القائمة‬
‫قبل المتهم‪ ،‬فال يطرح على القضاء سوى الدعاوى المسندة إلى أساس متين من الوقائع والقانون‪ ،‬وال يضيع‬
‫وقته في دعاوى واهية األساس كان من الممكن حفظها‪.186‬‬

‫لهذا نجد أن هناك قواعد يتم إتيانها في التحقيق ويجب التقيد بها‪ ،‬كاالنتقال إلى مكان ارتكاب الجريمة‬
‫واجراء المعاينة قبل زوال أثار الجريمة أو تغيير معالم المكان‪ ،‬خوفا من ضياع الحقيقة إذا تباطأ المحقق‬
‫في االنتقال واالستفسار عن ظروف الواقعة من الحاضرين والشهود‪ ،‬والقيام بعملية ضبط األشياء المتعلقة‬
‫بالجريمة‪ ،‬وجمع األدلة عن طريق البحث واستخالص النتائج بهدف الوصول إلى الحقيقة‪.187‬‬

‫وفي سبيل السعي إلى كشف الحقيقة وإظهارها بات من الضروري على المحققين استخدام أو‬
‫االعتماد على الوسائل التي مكنها لهم التطور العلمي والتي يكون معترفا به من الناحية القانونية‪ ،‬أي يقبل‬
‫القانون والقضاء الركون إليها‪ ،‬واالستناد عليها‪ ،‬أي تكون فوق أنها مشروعة مقبولة منطقيا لدى القضاء‪.188‬‬

‫وقد تطورت وسائل التحقيق في هذا العصر تطورا كبيرا‪ ،‬مثل استخدام أشعة الليزر للكشف عن‬
‫البصمات وغيرها من الوسائل‪ ،‬وحتى تعطي هذه الوسائل الهدف المنشود منها البد من استخدامها بصورة‬
‫صحيحة‪ ،‬ومن خالل إلمام المحقق بها وتطبيق جميع ما يتعلق بالعناصر الحيوية للتحقيق الجنائي وفق‬
‫شروط تتلخص في أن تكون الوسيلة العلمية قد استقرت تماما لنتائجها العلمية‪ ،‬وأن تقتضي ضرورة‬
‫التحقيق اللجوء إليها‪ ،‬وأن يتولى ممارستها خبير مختص‪.189‬‬

‫غير أ نه ما يجب التنبيه عليه‪ ،‬هو أن التجاء المحقق لمثل هذه الوسائل يصطدم بعقبة أساسية هي‬
‫ضمانات الحرية الفردية التي تقرها القوانين وتسعى إلى ضمانها الدساتير‪ ،‬األمر الذي يجب أال يكون‬
‫السعي إلى كشف الحقيقة باستخدام هذه الوسائل‪ ،‬وما توفره من إمكانات للمحقق سبيال إلهدار تلك‬
‫الضمانات‪.190‬‬

‫‪ 185‬عبد هللا أوهابية‪" :‬شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫‪ 186‬أحمد شوقي الشلقاني‪" :‬مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ 187‬أنظر عبد هللا أوهابية‪" :‬شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.357‬‬
‫‪ 188‬محمد حماد الهيتي‪" :‬التحقيق الجنائي واألدلة الجرمية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمان دار المناهج للنشر والتوزيع‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،2010‬ص ‪.331‬‬
‫‪ 189‬فيصل مساعد العنزي‪" :‬أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪ 190‬محمد حماد الهيتي‪" :‬التحقيق الجنائي واألدلة الجرمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.331‬‬

‫‪97‬‬
‫ثالثا‪ :‬مرحلة المحاكمة‬

‫تعتبر مرحلة المحاكمة أخر مرحلة من مراحل إجراءات الدعوى الجزائية‪ ،‬وهي مرحلة الفصل‬
‫في الدعوى‪ ،‬وتكون بيد قاضي الحكم‪ ،‬وتشمل جميع اإلجراءات التي تباشر أمام قضاء الحكم منذ دخول‬
‫الدعوى في حوزة المحكمة إلى غاية صدور حكم نهائي وبات فيها‪ .191‬ففي هذه المرحلة التي تقدم فيها‬
‫الدعوى الجزائية أمام المحكمة ‪ ،‬تبدأ عملية طرح األدلة ومناقشتها في الجلسات التي تعقدها المحكمة لنظر‬
‫في القضية ‪ ،‬سواء تمثلت هذه األدلة في أدلة مباشرة كشهادة الشهود أو اإلقرار‪ ،‬أو بأدلة غير مباشرة‬
‫مستمدة من استخدام الوسائل العلمية والتقنية الحديثة‪ ،‬حيث نجد أن البيانات المستقاة من وسائل التقنية‬
‫الحديثة والتي تعتبر أساسا من أعمال الخبرة ال تأخذ بها المحكمة وال القاضي على علتها بل تخضع لتقييم‬
‫القاضي‪ ،‬ومن ثم فهي غير ملزمة له‪ ، 192‬فالقاضي في هذه المرحلة يحكم في الدعوى حسب العقيدة التي‬
‫تكونت لديه بكامل الحرية‪ .‬وال يسوغ للقاضي أن يبني قراره إال على األدلة المقدمة له في معرض‬
‫المرافعات والتي حصلت المناقشة فيها حضوريا أمامه‪ ،‬حسب الوسائل التي يستدل بها ومنها قد وصلوا‬
‫إلى تكوين اقتناعهم وال يرسم لهم القانون قواعد بها يتعين عليهم أن يخضعوا لها‪ ،‬ولكنه بأمرهم أن يسألوا‬
‫أنفسهم في صمت وتدبر‪ ،‬وأن يب حثوا بإخالص ضمائرهم في أي تأثير قد أحدثه في إدراكهم األدلة المسندة‬
‫إلى المتهم وأوجه الدفاع عنها‪ ،‬ولم يضع لهم القانون سوى هذا السؤال الذي يتضمن كل نطاق واجباتهم‪:‬‬
‫هل لديكم اقتناع شخصي؟‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حجية الدليل المستمد من الوسائل العلمية أمام القضاء الجنائي‬

‫الدليل العلمي في تطور مستمر‪ ،‬بسبب التقدم العلمي والتطورات المتالحقة‪ ،‬وتعدد جوانب‬
‫التخصص في المجاالت العلمية المختلفة‪ .‬كما هو معلوم ال يستمد قيمة الدليل في اإلثبات من ذاته وإنما من‬
‫قدرته على إحداث االقتناع لدى القاضي‪ ،‬فسلطة القاضي الجنائي في تقدير األدلة محكومة بمبدأ االقتناع‬
‫الشخصي الذي يقتضي بأن القاضي يحكم في الدعوى الجنائية حسب ما استقر في نفسه وضميره من اقتناع‬
‫و اعتقاد بوقوع الفعل اإلجرامي ونسبته إلى المتهم من عدمه من خالل األدلة المتوفرة‪ .‬ولكن حرية القاضي‬
‫الجنائي تحكمه ضوابط‪ ،‬هناك ضوابط تخضع لها األدلة‪ :‬كمشروعيتها‪ ،‬ووجوب مناقشة األدلة الواردة في‬
‫ملف الدعوى فقط‪ .‬وضوابط يخضع لها اقتناع القاضي‪ :‬وهي أن يبني اقتناعه على أساس الجزم واليقين‬
‫ال على أساس االحتمال والشك‪ ،‬وأن يكون اقتناعه مبني على أدلة مجتمعة دون تناقض فيما بينها ورغم‬

‫‪ 191‬عبد الرحمان خلفي‪" :‬محاضرات في قانون اإلجراءات الجزائية"‪ ،‬الجزائر دار الهدى‪ ،‬سنة ‪ ،2010‬ص ‪.91‬‬
‫‪ 192‬فيصل مساعد العنزي‪" :‬أثر االثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق االنسان"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬

‫‪98‬‬
‫أن مبدأ حرية القاضي الجنائ ي في إثبات هو الذي ينعكس على سلطته في تقدير الدليل إال أنه هناك اختالف‬
‫فقهي حول تقدير الدليل العلمي‪ ،‬يمكن حصره في فريقين ‪ :‬فريق يرى أن الدليل المستمد من الوسائل العلمية‬
‫له قوة ثبوتية ملزمة للقاضي‪ .‬واألخر يرى أن الدليل الناتج من الوسائل العلمية يخضع كباقي األدلة لمبدأ‬
‫االقتناع الشخصي للقاضي الجنائي وعليه سنقسم هذا الى‪:‬‬

‫أوال‪ :‬حرية القاضي الجنائي في االقتناع‬

‫إن سلطة القاضي الجنائي في تقدير األدلة محكومة بمبدأ حرية القاضي الجنائي في االقتناع‪ ،‬هذا‬
‫المبدأ يؤدي بطريقة م باشرة أو غير مباشرة إلى نتيجتين‪ :‬األولى هي حرية القاضي الجنائي في قبول‬
‫الدليل‪ ،‬على نحو يكون فيه جميع طرق اإلثبات مقبولة من حيث المبدأ – في المواد الجنائية‪ ،‬أما الثانية‬
‫فهي أن الدليل الجنائي يخضع لمطلق تقدير القاضي‪ .193‬غير أن حرية القاضي الجنائي في االقتناع‬
‫واستعمال سلطته في تقدير األدلة تحكمه ضوابط‪ ،‬لذا سنقسم هذا أيضا إلى‪:‬‬

‫أ‪ -‬الضوابط التي تخضع لها األدلة القانونية في اإلجراءات المسطرية‬

‫األصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد قناعته من أي دليل يطمئن إليه‪ ،‬غير أنه ترد على‬
‫هذا األصل بعض الضوابط يتعين على القاضي االلتزام بها وهو بصدد اختيار األدلة التي يستمد منها‬
‫اقتناعه وهذه الضوابط تتمثل في‪:‬‬

‫‪ -1‬مشروعية األدلة القانونية‬


‫تخضع قواعد اإلثبات الجنائي لمبدأ الشرعية ومقتضاه أن الدليل الجنائي ال يكون مشروعا ومن ثم‬
‫مقب وال في اإلثبات‪ ،‬إال إذا جرت عملية البحث عنه والحصول عليه وإقامته أمام القضاء في إطار أحكام‬
‫القانون واحترام قيم العدالة وأخالقياتها التي يحرص على حمايتها‪ ،‬فإذا كان المشرع يلقي على المحقق‬
‫مهمته كشف الحقيقة في شأن الجريمة وجمع أدلتها‪ ،‬فإن عمله مشروط بأن يتم في رحاب الشرعية‪ ،‬وذلك‬
‫باحترام حقوق األفراد وعدم المساس بها إال في الحدود التي يقررها القانون‪.194‬‬

‫‪ 193‬عبد الحكيم فوده‪" :‬حجية الدليل الفني في المواد الجنائية والمدنية"‪ ،‬مصر‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،1996‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 194‬ياسراألمير فاروق‪" :‬مراقبة األ حاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مصر دار المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬لسنة ‪ ،2009‬ص ‪.644‬‬

‫‪99‬‬
‫لذلك يجب أن يكون الدليل الذي استند إليه القاضي في حكمه أو قراره مستمد من إجراء صحيح‪،‬‬
‫أن يؤسس قاضي الموضوع حكمه أو قراره على دليل لحقه سبب يبطله ألن بطالن اإلجراء المستمد منه‬
‫الدليل يترتب عليه بطالن الدليل ذاته تطبيقا لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل‪.195‬‬

‫ومن هنا فإنه ال يجوز للقاضي الجنائي أن يقبل مثال الدليل المستمد من أجهزة التنصت والمراقبة‬
‫الذي يعد من أكثر األدلة اقتحاما وتعديا على حرمة الحياة الخاصة‪ ،‬إال إذا تم البحث عنه ولحصول عليه‬
‫في إطار أحكام القانون واحترام قيم العدالة وأخالقياتها‪.196‬‬

‫يذهب الفقه والقضاء في فرنسا إلى أن مشروعية المراقبة مشروط بخلوها من الحيل التي تتضمن‬
‫استخدام وسائل الغش والخداع‪ ،‬ذلك أن هذه الوسائل تتعارض من جهة مع مبدأ النزاهة في البحث عن‬
‫األدل ة وتنطوي من جهة أخرى على انتهاك لحق المتهم في الدفاع‪ .197‬وكما يقتضي بنا األمر إيضاحا‬
‫لمعنى مشروعية الدليل أن نقف على ما استقر عليه الفقه والقضاء المقارن في هذا التحديد التي سبق‬
‫االشارة لها من قبل‪.‬‬

‫قضت محكمة النقض البلجيكية بأن وصف الدليل غير المشروع ال يقتصر فقط على الفعل الذي‬
‫يحظره القانون صراحة‪ ،‬بل يشمل كل فعل يتعارض مع القواعد الجوهرية لإلجراءات الجنائية أو المبادئ‬
‫القانونية العامة وجدير باإلشارة أن الفقه في غالبيته يذهب إلى أن دليل اإلدانة هو الدليل الوحيد المقصود‬
‫به أن يكون مشروعا‪ ،‬أما دليل البراءة فال يلزم فيه ذلك‪ ،‬وهذا انطالقا من مبدأ افتراض البراءة باعتبارها‬
‫هي األصل‪.198‬‬

‫‪ -2‬وجوب مناقشة الدليل الوارد في ملف الدعوى‬


‫من القواعد األساسية في اإلجراءات الجنائية أنه ال يجوز للقاضي أن يبني حكمه على أدلة لم تطرح‬
‫لمناقشة الخصوم في الجلسة‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بوضعية الدليل‪ ،‬ومقتضى ذلك أن يكون للدليل أصل ثابت‬
‫في أوراق الدعوى‪ ،‬وأن تتاح للخصوم فرصة االطالع عليه ومناقشته والرد عليه وكال األمرين ينبغي‬
‫توافرهما‪ ، 199‬لذا يجب على المحكمة أال تبني حكمها إال على أسس صحيحة من أوراق الدعوى‬

‫‪ 195‬مروك نصر الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"‪،‬‬
‫دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الديوان الوطني ألشغال التربوية‪ ،‬سنة ‪" ،2003‬محاضرات في اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬ص ‪.459‬‬
‫‪ 196‬ياسر األمير فاروق‪" :‬مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪645‬‬
‫‪ 197‬ياسر األمير فاروق‪" :‬مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪646‬‬
‫‪ 198‬أغليس بوزيد‪" :‬مبدأ اإلثبات الحر باالقتناع الذاتي للقاضي الجزائي"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومة‪ ،‬عين مليلة‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 199‬ياسر األمير فاروق‪" :‬مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.696‬‬

‫‪100‬‬
‫وعناصرها‪ ،‬وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائما في تلك األوراق‪ ،‬ذلك أنه محظور على القاضي أن‬
‫يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة‪ ،‬ويستوي في ذلك أن يكون دليال على اإلدانة أو‬
‫البراءة‪ ،‬وهذا حتى يتسنى للخصوم االطالع عليه واإلدالء برأيهم فيه‪.200‬‬

‫فمن باب العدل والمنطق أن الشخص الذي تتم محاكمته بتهمة ما يجب أن يتم إخباره بما هو منسوب‬
‫إليه من أفعال أو أقوال‪ ،‬وأن يحاط علما بكافة الظروف والمالبسات المسجلة‪ ،‬هذه في ملف المتابعة‪ ،‬حيث‬
‫يتمكن من الدفاع عن نفسه على أحسن وجه‪.201‬‬

‫وتطبيقا لذلك فإنه ال يجوز للقاضي الناظر في دعوى أن يبني حكمه على أي دليل كان‪ ،‬بل يجب أن‬
‫يكون هذا الدليل قد طرح بجلسة المرافعة وتمت مناقشته بصفة حضورية‪.202‬‬

‫وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا حيث تنص الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 212‬من قانون اإلجراءات‬
‫الجزائية على أنه ال يسوغ للقاضي أن يبني قراره إال على األدلة المقدمة في معرض المرافعات والتي‬
‫حصلت المناقشة فيها حضوريا‪ ،‬لذلك يتعين على قضاة االستئناف أن يبينوا في قراراهم أدلة اإلثبات التي‬
‫أدت إلى اقتناعهم وأن هذه األدلة قد وقعت مناقشتها حضوريا‪ ،‬وأال ترتب على ذلك النقض‪.203‬‬

‫ب‪ -‬الضوابط التي تخضع لها اقتناع القاضي‬

‫بعد أن يتأكد القاضي من أن األدلة التي يخضعها للتقدير هي أدلة مشروعة وواردة بملف الدعوى‬
‫وبعد أن يقدم طرحها بجلسة المحاكمة وتحصل المناقشة فيها‪ ،‬عندها عليه أن يبني اقتناعه منها‪ ،‬وهنا أيضا‬
‫يجب عليه أن يخضع لضوابط معينة تتمثل في‪:‬‬

‫‪ 200‬حسين عبد السالم جابر‪" :‬التقرير الطبي بإصابة المجني عليه وأثره في اإلثبات في الدعويين الجنائية والمدنية"‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬المطبعة العربية الحديثة‪ ،‬ص ‪.5 – 4‬‬
‫‪ 201‬نجمي جمال‪" :‬إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي"‪ ،‬الجزائر دار هومة‪ ،‬لسنة ‪ ،2011‬ص ‪.106‬‬
‫‪ 202‬مروك نصر الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.458‬‬
‫‪ 203‬د‪-‬قرار صادر يوم ‪ ،27/05/1982‬من القسم الثاني للغرفة الجنائية الثانية في الطعن رقم ‪- .28 .25‬مروك نصر‬
‫الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.458‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -1‬بناء االقتناع على الجزم واليقين‬
‫اليقين المطلوب عند االقتناع ليس اليقين الشخصي للقاضي وإنما هو اليقين القضائي‪ ،‬الستقامته على‬
‫أدلة تحمل بذاتها معالم قوة في االقتناع‪ ،‬بحيث إذا عرضت هذه األدلة على مجموعة من القضاة وصلوا‬
‫في دراستها إلى ذات النتائج التي وصل إليها قاضي الموضوع‪ ،‬إذا أن هذا األدلة من طبيعتها تجلب االقتناع‬
‫التام لكل إنسان يتوافر لديه العقل والمنطق‪.204‬‬

‫هذا وال شك أن القاضي ال يؤسس اقتناعه على هوى عواطفه أو حدسه‪ ،‬وإنما هو اقتناع عقلي يجد‬
‫مصدره في العقل ال في العاطفة باعتباره عمال ذهنيا يحصله القاضي في صمت وخشوع وفي مناخ من‬
‫الصدق‪ ،‬ومن ثم فهو ملزم ببناء هذا االقتناع بالعمل الذهني الشاق‪ ،‬والمتبصر‪ ،‬والراعي والذي يخضع‬
‫لقواعد المنطق والجدلية الذهنية التي ترقي بالحس إلى العقل‪.205‬‬

‫ويترتب عل ى لزوم بلوغ االقتناع باألدلة درجة اليقين أنه إذا لم يدرك القاضي هذه الدرجة من االقتناع‬
‫كان معنى ذلك اقتناعه يتأرجح بين ثبوت التهمة ومسؤولية المتهم عنها وبين عدم ثبوتها أو عدم مسؤولية‬
‫المتهم عنها‪ ،‬وهذا االقتناع المتأرجح يعني الشك في ثبوت التهمة ومسؤولية المتهم عنها‪ ،‬والشك يفسر‬
‫لصالح المتهم‪ ،‬مما يستوجب على القاضي بالبراءة‪ ، 206‬هذا وال مجال لدحض أصل البراءة وافتراض‬
‫عكسها إال عندما يصل اقتناع القاضي أن يحكم إلى حد الجزم واليقين‪ ،‬وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة‬
‫العليا حين قرر أن األصل في اإلنسان البراءة حتى تثبت إدانته‪ ،‬ف كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة‬
‫قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون وترتيبا على ذلك‪ ،‬فإن األحكام والقرارات ال‬
‫تبنى على الشك واالفتراضات‪ ،‬وإنما على اليقين والجزم‪.207‬‬

‫‪ -2‬بناء االقتناع من أدلة مجتمعة دون تناقض فيما بينها‬


‫األدلة في المواد الجنائية متماسكة وتكمل بعضها البعض‪ ،‬فيكون اقتناع القاضي منها مجتمعة دون‬
‫تناقض أو تخاذل بينها‪ ،‬وتؤدي وفق قواعد العقل والمنطق إلى النتيجة التي انتهت إليها المحكمة‪.208‬‬

‫‪ 204‬ياسر األمير فاروق‪" :‬مراقبة األحاديث الخاصة اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.693 – 692‬‬
‫‪ 205‬عبد الحكيم فوده‪" :‬حجية الدليل الفني في المواد الجنائية والمدنية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23 – 22‬‬
‫‪ 206‬ياسر األمير فاروق‪" :‬مراقبة األحاديث الخاصة اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.693‬‬
‫‪ 207‬مروك نصر الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.513‬‬
‫‪ 208‬بلولهي مراد‪" :‬الحدود القانونية لسلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة"‪ ،‬مذكرة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة‬
‫الحاج لخضر‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬لستة ‪ ،2011‬ص ‪.123‬‬

‫‪102‬‬
‫فاقتناع القاضي الجنائي يتكون بطبيعة الحال من مجموع األدلة والقرائن وظروف الحال التي تمت‬
‫مناقشتها أمامه‪ ،‬بحيث أنه إذا سقط أحد األدلة وظهر بطالنه ألي سبب من أسباب البطالن‪ ،‬فإن اقتناع‬
‫القاضي يسقط بدوره‪ ،‬ألنه ال يمكن معرفة درجة تأثير ذلك الدليل مقارنة بباقي األدلة والقرائن‪ ،‬وبالتالي‬
‫يتعين نقض الحكم وإعادة المحاكمة‪.209‬‬

‫ومهما اختلفت األدلة فال وصول إلى منهج سليم في تساند األدلة‪ ،‬فإنه يتعين على القاضي أن يعتمد‬
‫على أساسين‪ :‬أولهما بيان مضمون األدلة بصفة واضحة ال لبس فيها بعيدا عن اإلبهام والغموض‪.‬‬

‫وهذا معناه أنه متى استند القاضي إلى دليل من أدلة اإلثبات بإدانة المتهم وجب عليه أن يتعرض في‬
‫أس باب الحكم إلى ما يتضمنه هذا الدليل‪ ،‬فال يقتصر على اإلشارة إلى أدلة اإلثبات دون تعرضه إلى‬
‫مضمونها‪ .210‬إذ ينبغي سرد مضمون الدليل بطريقة وافية‪ ،‬فال يكفي مجرد اإلشارة العابرة إليه أو التنويه‬
‫عنه تنويها مقتضبا ومخال‪ ،‬وذلك كي يتبين أن المحكمة حينما استعرضت الدليل في الدعوى كانت ملمة‬
‫به إلماما شامال هيأ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق‬
‫البحث لتتعرف على أوجه الحقيقة‪.211‬‬

‫وثانيهما هو انعدام التناقض والتخاذل بين هذه األدلة فيما بينها أو بينها وبين منطوق الحكم‪ ،‬فاألدلة‬
‫في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض تكون المحكمة عقيدتها منها مجتمعة‪ ،‬حيث إذا سقط أحدها‬
‫أو استبعد تعذر الوقوف على مبلغ األثر الذي كان لهذا الدليل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة‪ ،212‬لذا‬
‫يشترط في األدلة التي يستند عليها الحكم أال يكون بينها تناقض ينفي بعضها البعض اآلخر‪ ،‬بحيث ال يعرف‬
‫أي األمرين الذي قضت به المحكمة كما يجب أال يقع أي تناقض بين هذه األدلة ومنطوق الحكم‪.213‬‬

‫والتناقض بين بعض األدلة وبعضها اآلخر هو أن يتر اءى لمحكمة الموضوع أن دليال من األدلة‬
‫التي عولت عليها يساند دليال أخر مع أن الفهم الصحيح مشوب بالقصور مما يستوجب نقضه‪ ،‬وأما التناقض‬
‫الذي يبطل الحكم هو الذي يكون بين أسبابه ومنطوقه أو بين بعض األسباب وبعضها اآلخر‪.214‬‬

‫‪ 209‬نجيمي جمال‪" :‬إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪ 210‬بلولهي مراد‪" :‬الحدود القانونية لسلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ 211‬مروك نصر الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.645‬‬
‫‪ 212‬نجيمي جمال‪" :‬إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪ 213‬مروك نصر الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.645‬‬
‫‪ 214‬مروك نصر الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن والشريعة االسالمية"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.646‬‬

‫‪103‬‬
‫أما التداخل فهو تناقض ضمني أو مستتر وال يكتشف إال بإمعان النظر في معنى عباراته ومقارنتها‬
‫مع بعضها البعض‪ ،‬فهو أقل وضوحا من التناقض ويشير إلى أن بعض األدلة ال تتالءم مع غيرها عقال‪،‬‬
‫بحيث أن بعضها يخذل البعض األخر في داللتها فتكون غير ملتئمة في العقل معا‪ ،‬وقد يختلف فيه الرأي‬
‫بين نظر وأخر على عكس الت ناقض الذي هو تعارض واضح‪ ،‬ويعبر أحيانا عن التخاذل بأنه تهاتر فيما‬
‫بين األسباب‪ ،‬أو فيما بينها وبين المنطوق‪.215‬‬

‫ثانيا‪ :‬القيود الواردة على حرية القاضي الجنائي في االقتناع واألساس القانوني لرقابة‬
‫معقولية اقتناعه‬

‫تتحمل النيابة العامة قانونا عبء اإلثبات‪ ،‬فهي ليست ملزمة بتقدير أدلة بعينها حتى يقتنع القاضي‪،‬‬
‫طالما كانت كل عناصر اإلثبات قابلة ألن تحقق هذا االقتناع‪ ،‬لكن الحقيقة أن مبدأ حرية القاضي في االقتناع‬
‫لم يهدر كلية مصلحة المتهم والموقف المتميز الذي توفره له قرينة البراءة‪ ،‬ألن هذه الحرية الممنوحة‬
‫للقاضي تخضع لعدد من القواعد القانونية التي تستهدف أن يكون ذلك االقتناع متطابقا مع الحقيقة الواقعية‪،‬‬
‫وهو ما يشكل بطريقة غير مباشرة ضمانة للمتهم‪ ،‬واحتراما لنتائج قرينة البراءة‪ .‬إذ ينبغي أن يكون إقناع‬
‫القاضي باإلدانة اقتناعا عقليا ال عاطفيا‪.‬‬

‫أ‪ -‬القيود الواردة على حرية القاضي الجنائي في االقتناع‬

‫ليست حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه بالمطلقة‪ ،‬كما أن دراسة مختلف القيود الواردة على‬
‫حريته في االقتناع الزال يشوبها نوع من الخلط‪ ،‬بغيرها من القيود التي ترد على حرية القاضي في قبول‬
‫الدليل‪ ،‬ويرجع ذلك إلى أن الحدود الفاصلة بين حرية القاضي الجنائي في "قبول الدليل" وحرية القاضي‬
‫الجنائي في" تقدير الدليل" ال تزال مختلطة في نظر الفقه‪ ،‬ال سيما في فرنسا‪ ،‬إذ يجمع معظم الفقهاء هاتين‬
‫الحريتين معا لتشكل في النهاية أمرا واحدا‪ ،‬وهذا أمر ليس بصحيح‪ ،‬كيف ذلك؟ وما هي األسس التي ينبني‬
‫عليها االقتناع؟ حتى يكون لالقتناع مصداقية وجدانية البد من‪:‬‬

‫‪ 215‬رؤوف عبيد‪" :‬ضوابط تسبيب األحكام الجنائية وأوامر التصرف في التحقيق"‪ ،‬مصر دار الجيل للطباعة‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،1986‬ص ‪ 519‬نقال عن بلولهي مراد‪" :‬الحدود القانونية السلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.128‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -1‬تقييد القاضي في تقدير الدليل‬

‫أصبح القاضي بمناسبة نظره في ملفات الجرائم االقتصادية مجرد آلة التوزيع العقوبات المحددة‬
‫قانونا دون مراعاة ماديات الفعل وجسامته وال شخصية مقترفه‪ ،‬إذ يكفي إثبات توافر العنصر المادي للحكم‬
‫باإلدانة‪ ،‬ففي المجال الجمركي تنص المادة ‪ 281‬من قانون الجمارك "ال يجوز للقاضي تبرئة المخالفين‬
‫استنادا إلى نيتهم" وهو ما يؤكد الطابع االلي للعقوبات واستحالة نطق القضاة بالبراءة اعتمادا على النية‬
‫وإعمال القرائن القاطعة لإلدانة والقوة االثباتية المطلقة الممنوحة للمحاضر‪.216‬‬

‫لقد شكلت الحجية المطلقة للمحاضر المحررة في الشق المتعلق بجرائم األعمال قيدا على السلطة‬
‫التقديرية للقاضي‪ ،‬الذي أصبح دوره هامشيا ال يتعدى النطق باإلدانة‪ ،‬ففي المجال الجمركي‪ ،‬وحسب ما‬
‫تم بيانه أعاله ال يتعدى دوره المصادقة على طلبات إدارة الجمارك‪ ،‬وهو ما أدى إلى التساؤل عن جدوى‬
‫إحالة الدعوى الجمركية إلى القضاء طالما أن دوره يقتصر على النظر في مدى مطابقة طلبات إدارة‬
‫الجمارك للقانون والمصادقة عليها‪ . 217‬وعلى اعتبار أن إدارة الجمارك هي التي تتولى تقدير قيمة البضاعة‬
‫محل الغش فإنها بطريقة غير مباشرة هي التي تحدد قيمة العقوبة‪ ، 218‬وهو ما يجعل من إحالة الملف إلى‬
‫القضاء إجراءا شكليا ال غير‪ ،‬يتسبب في إطالة أمد النزاع باستعمال طرق الطعن التي تؤدي إلى التأخير‬
‫في الفصل في موضوع النزاع وارتفاع تكلفة المنازعة القضائية مما يؤدی إلى هدر أموال الخزينة‬
‫العمومية‪ ،‬ويفقد القاعدة الجزائية أهم أهدافها في المجال االقتصادي والمتمثل في عنصر االيالم الذي‬
‫يصيب الذمة المالية للمخالف‪.‬‬

‫ولم يجد المشرع عن هذا اإلطار في مجال التشريع المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش‪ ،‬إذ أعطت‬
‫المادة ‪ 31‬منه للمحاضر المحررة من طرف أعوان قمع الغش التابعين للوزارة المكلفة بحماية المستهلك‬
‫وحتى تلك المحررة من طرف ضباط الشرطة القضائية حجية قانونية حتى يثبت العكس‪ ،‬وهو الشيء الذي‬
‫من شأنه الحد من سلطة القاضي التقديرية بمناسبة تقدير قيمة الدليل المقدم أمامه‪ ،‬ويقع إثبات عكس ما‬
‫ورد به على العون االقتصادي المتابع جزائيا‪ ،‬و قد شملت هذه الحجية جرائم معقدة كتلك المتعلقة بعقود‬
‫قروض االستهالك فبالرغم من طبيعتها المدنية‪ ،‬ال يستساغ تجريمها وفي نفس الوقت إعطاء محاضر‬

‫‪ 216‬جبارة عمرو شوقي‪" :‬االقتناع الشخصي للقضاة على محك قانون الجمارك"‪ ،‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬عدد خاص‪،‬‬
‫الجزء الثاني‪.59 ،2002 ،‬‬
‫‪ 217‬بوسقيعة أحسن‪" :‬المنازعات الجمركية"‪ ،‬تعريف وتصنيف الجرائم الجمركية‪ ،‬متابعة وقمع الجرائم الجمركية‪،‬‬
‫الطبعة الثامنة‪ ،‬دار هومة الجزائر‪ ،2016 – 2015 ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ 218‬استقر قضاء المحكمة العليا على أن إدارة الجمارك هي الجهة المختصة بتقدير قيمة البضائع المتخذة كأساس‬
‫الحتساب الغرامة الجمركية‪ ،‬ونذكر‪- :‬القرار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث بالمحكمة العليا ملف رقم‬
‫‪ 140302‬قرار مؤرخ في ‪ 12‬مارس ‪ ،1996‬غير منشور ‪-‬القرار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث‬
‫بالمحكمة العليا ملف رقم ‪ 141061‬قرار مؤرخ في ‪ 30‬ديسمبر ‪ ،1996‬غير منشور‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫معاينتها حجية قيدت من خاللها سلطة القاضي‪ ،‬فكيف لمحضر محرر من طرف ضابط شرطة قضائية أن‬
‫يقرر بأن معاملة تعاقدية بين عون ا قتصادي ومستهلك تم في بنودها عدم مراعاة المصالح المادية والمعنوية‬
‫للمستهلك‪ ،‬وهل يمكن الضابط شرطة قضائية أو غيره من األعوان ضبط ماهية " المصالح المادية‬
‫والمعنوية للمستهلك " حتى يحرر بشأنها محضرة يكون ذا حجية مطلقة أمام القضاء‪.‬‬

‫كما أعطي المشرع في المجال الضريبي للمحاضر نفس الحجية‪ ،‬وفي هذا تنص المادة ‪ 505‬من‬
‫قانون الضرائب غير المباشرة "ويمكن أن تكون هذه المحاضر محررة من قبل عون واحد‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫تكون حجة أمام القضاء إلى أن يثبت العكس‪ ،‬وعندما تكون محررة من قبيل عونين تكون حجة إلى أن‬
‫يطعن في تزويرها"‪.‬‬

‫‪ -2‬القيود القضائية التي ترد على حرية القاضي في االقتناع‬

‫يتبين أن محكمة النقض الفرنسية والمصرية حسب ما نعتقد جعلت في رقابتها هي الوسيلة الوحيدة‬
‫لمنع انزالق حرية القاضي الجنائي في االقتناع إلى حد التحكم‪ ،‬فوجدت نفسها مضطرة ألن تقوم بدور هام‬
‫في "وضع تلك الحرية" في إطارها الطبيعي حتى يظل اقتناع القاضي‪ ،‬كما سبقت اإلشارة "اقتناعا عقليا"‬
‫و"يقينيا" قائما على أدلة يقينية ‪ ،‬بالمعنى القضائي فرضت عن طريق رقابتها لتسبيب الحكم عددا من‬
‫الضوابط القضائية التي تكفل عدم انزالق تلك الحرية إلى حد التحكم أو الهوى طبقا للقاعدة أن نقصان‬
‫التعليل يوازي انعدامه‪.‬‬

‫وهذا كله معناه أن القاضي الجنائي حر في انتقاء األدلة ذات األثر وتكوين عقيدته‪ ،‬وطرح ما عاداها‪،‬‬
‫ثم أنه غير ملزم في افصحاه عن أسباب حكمه واألدلة التي استقام عليها استخالصه للصورة الصحيحة‬
‫لواقعة الدعوى‪ ،‬بإيراد كافة األدلة التي سبقت في مجلس القضاء‪ ،‬بل إنه ملزم فقط ببيان األدلة التي تأسس‬
‫عليها اقتناعه أو باألدق ببيان ما يكفي منها لتبرير اقتناعه بعد استكماله في ضوء عالقته بغيره بالعقل‬
‫والمنطق‪ .‬ومع ذلك فينبغي أن يالحظ أنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى‪ ،‬فلها أن‬
‫تأخذ بها أو أن تطرح ها دون بيان العلة‪ ،‬إال أنها متى أفصحت عن األسباب التي من أجلها أخذت بها أو‬
‫أطرحتها‪ ،‬فإنه يلزم أن يكون ما أوردته واستدلت به مؤديا لما رتب عليه من نتائج من غير تعسف في‬
‫االستنتاج وال تنافر في حكم العقل والمنطق‪ 219‬ويكون لمحكمة النقض مراقبتها في ذلك‪.‬‬

‫‪ 219‬حكم محكمة النقض المصرية عدد ‪ 18‬صادر بتاريخ مارس ‪ ،1979‬مجلس أحكام النقض‪ ،‬س ‪ 30‬ق ‪ 75‬ص‬
‫‪.366‬‬

‫‪106‬‬
‫أما فيما يتعلق بحرية المحكمة في "استخالص صورة الواقعة"‪ ،‬فالمبدأ أن للمحكمة الحق في‬
‫استخالص صورة الواقعة بطريق االستنتاج واالستقراء وكافه الممكنات العقلية‪ ،‬من أقوال الشهود وسائر‬
‫العناصر المطروحة على بساط البحث حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن يطرح ما يخالفها‪ ،‬كل ذلك بشرط أن‬
‫يكون استخالصها سليما ال يخرج عن االقتضاء العقلي والمنطقي‪ ،‬أو ما دام استخالصها سائغا مستندا إلى‬
‫أدلة مقبولة في العقل والمنطق‪ ،‬ولها أصل في األوراق‪ .‬أو كما قال الفقيه ميرل وفتي فحرية تقدير القاضي‬
‫للدليل ال تصل إلى حد االستبداد المطلق في فحصه للدليل واستخالصه لصورة الدعوى‪.‬‬

‫وهذا معناه أن القانون قد أعطى للقاضي الجنائي كامل الحرية في بناء اقتناعه بأي دليل يرتاح إليه‬
‫من أي مصدر شاء وال تصح مصادرته في شيء من ذلك إال إذا قيده القانون بدليل معين بالنص عليه‪ ،‬أما‬
‫تسبيب األحكام الذي أوجبه القانون على القاضي فال يعني سوى تسجيل مجموعة األسانيد الواقعية‬
‫والمنطقية التي استقام عليها منطوق الحكم والعيوب التي تصيب هذا التسبيب إنما تصيب عملية التسجيل‬
‫أو تدوين أو تسطير اقتناع القاضي على األوراق‪.‬‬

‫الفرق بين معقولية اقتناع القاضي وبين شروط سالمة تسبيب الحكم فتسبيب الحكم ال يعني اقتناع‬
‫القاضي‪ ،‬وإنما هو "تسطير" هذا اإلقتناع من حيث الواقعة التي اقتنع بها واألدلة التي اعتمد عليها في بناء‬
‫هذا اإلقتناع‪ .‬وعيوب التسبيب ليست وفق هذا التصوير سوى "عرض" غامض أو ناقص أو متضارب‬
‫لهذا اإلقتناع‪ ،‬فهناك فارق بين "التسبيب المعيب" و" اإلقتناع غير المعقول" فالقصور المنطقي في‬
‫اإلقتناع شيء وقصور التسبيب شيء آخر‪.‬‬

‫ب‪ -‬األساس القانوني لرقابة معقولية اقتناع القاضي‬

‫هناك في الفقه من يؤيد محكمة النقض ليس فقط فيما ذهب إليه وإنما فوق ذلك في كافة وجوه النقض‬
‫المتصلة بالموضوع‪ .‬ويبدأ هذا الفقه رأيه من مقدمة مقتضاها أنه ليس في عمل القاضي ما يصح أن يكون‬
‫وقائع بال قانون أو قانون بال وقائع‪ ،‬بل إن عمله مزيج من الوقائع والقانون‪ .‬كما أن القرائن بأنواعها من‬
‫طرق اإلثبات غير المباشرة أي التي ال تنصب داللتها على الواقعة المراد إثباتها وإنما على واقعة أخرى‬
‫تسبقها أو تنتجها بمحض اللزوم العقلي‪.220‬‬

‫‪ 26/03/1973220‬أحكام النقض س ‪ 24‬ق ‪ 87‬ص ‪.416‬‬

‫‪107‬‬
‫ويعتبر الوعد أو اإلغراء قرين اإلكراه والتهديد لما له من تأثير على حرية المتهم في االختيار‪ ،‬أما‬
‫بمجرد الخوف أو الخشية فال يعد قرين اإلكراه المبطل لالعتراف ‪.221‬‬

‫فاالعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر االستدالل التي تملك محكمة الموضوع كامل‬
‫الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في اإلثبات‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن المحكمة ال تتقيد بما هو مدون في التحقيق االبتدائي أو محاضر جمع‬
‫االستدالالت إال إذا وجد في القانون نص علی خالف ذلك ألن األدلة المستمدة من هذه التحقيقات ليست‬
‫سوى عناصر إثبات تخضع في تقديرها لمطلق تقدير القاضي شأنها شأن أي دليل آخر تحمله ورقة عرفية‬
‫أو رسمية ولهذا تستقر محكمة النقض على أن األدلة في المواد الجنائية إقناعيه فللمحكمة أن تلتفت عن‬
‫دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت‬
‫إليها المحكمة من باقي األدلة القائمة في الدعوى‪ ،‬ولها أن تعتمد على أية ورقة من أوراق الدعوى في‬
‫حكمها وتطرح شهادة الشهود الذين سمعتهم‪.‬‬

‫‪ 221‬ان مرجع الخشية ال يمد قرين االكراه المبطل لالعتراف ال معنى وال حكما‪ ،‬نقض ‪ 1977/03/28‬أحكام النقض س‬
‫‪ 28‬ص ‪.393‬‬

‫‪108‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التوجهات الحديثة التي تواجه االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالدليل‬
‫الرقمي‬

‫لقد أدى التقدم التكنولوجي الذي شهده العالم الى التطور العلمي وانتشار التقنية الرقمية في التعامالت‬
‫اليومية‪ ،‬أصبحت تستعمل تلك التقنية كوسيلة الرتكاب الجرائم تارة‪ ،‬وكموضوع للجريمة تارة أخرى‪،‬‬
‫وبذلك اختلف الوسط الذي ترتكب فيه الجريمة‪ ،‬من وسط مادي إلى وسط معنوي أو ما يعرف بالوسط‬
‫االفتراضـي‪ ،‬وهو ما استتبع ظهور طائفة جديدة من األدلة تتفق وطبيعة الوسط الذي ارتكبت فيه الجريمة‪،‬‬
‫وهي األدلة الرقمية أو ما يسمى باألدلة اإللكترونية‪ ،‬حيث استفادت أجهزة البحث والتحقيق من وسائل‬
‫التقدم التكنولوجي في اإلثبات الجنائي ساعدت في ظهور وتعزيز الجرائم المستحدثة‪ ،‬وخصوصا جرائم‬
‫األعمال‪.‬‬

‫ويتكون هذا الدليل من بيانات ومعلومات ذات أهمية إلكترونية غير ملموسة ال تدرك بالحواس‬
‫العادية‪ ،‬فهو يحتاج إلى مجال معلوماتي يتعامل معه‪ ،‬وهذا يعني أنه يحتاج إلى بيئة التقنية التي يتكون فيها‬
‫لكونه من طبيعة تقنية المعلومات‪ ،‬كما يمتاز الدليل اإللكتروني بالسعة التخزينية العالية فآلة الفيديو الرقمية‬
‫يمكنها تخزين مئات الصور ودسك صغير يمكنه تخزين مكتبة صغيرة‪.‬‬

‫فمسألة اإلثبات في نظم الحاسوب واإلنترنيت تثير صعوبات كبيرة أمام القائمين على البحث والتحقيق‬
‫الجنائي‪ ،‬كإشكالية التخزين اإللكتروني للمعطيات الذي يجعلها غير مرئية وغير مفهومة بالعين المجردة‪،‬‬
‫يشكل انعدام الدليل المرئي عقبة كبيرة أمام كشف الجرائم‪ ،‬خاصة في مجال المال واألعمال‪ ،‬وقد يشكل‬
‫تشفير البيانات المخزنة إلكترونيا أو المنقولة عبر شبكات االتصال عن بعد عقبة كبيرة أمام إثبات الجريمة‬
‫والبحث عن األدلة‪ ،‬كما أن سهولة محو الدليل في زمن قصير تعد من أهم الصعوبات التي تعترض العملية‬
‫اإلثباتية في مجال جرائم الحاسوب واإلنترنيت‪ .‬وهو ما يسمى باألدلة االلكترونية‪.222‬‬

‫اذن فالمعلومة هي الهدف األول واألخير‪ ،‬بحيث أن سمات العالم االفتراضي الرقمي يعتمد أساسا‬
‫المعلومة كأداة للتعامل‪ ،‬ومسرح ال جريمة نفسه هو العالم الرقمي‪ ،‬بل وأدوات الجريمة هي أيضا من وإلى‬
‫العالم االفتراضي العلمي المعلوماتي‪ .‬وإجماال‪ ،‬يمكن القول بأن الجريمة اإللكترونية هي الفعل اإلجرامي‬
‫الذي يلحق األذى بمجني عليه‪ ،‬فردا كان أو مؤسسة‪ ،‬بواسطة الحاسوب أو أي جهاز تكنولوجي آخر مرتبط‬
‫بالفضاء الرقمي‪.‬‬

‫‪ 222‬ناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقرير األدلة الرقمية الناتجة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.266‬‬

‫‪109‬‬
‫ليبقى معه السؤال مطروحا حول مدى كفاية قواعد االثبات الجنائية للحصول على الدليل االلكتروني‬
‫(الفقرة األولى)‪ ،‬وبعدها سنتطرق لن طاق العمل بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي (الفقرة الثانية)‪.،‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مدى كفاية قواعد االثبات الجنائية للحصول على الدليل الرقمي‬

‫إذ يلزم أن تكون لهذا الدليل قيمة قانونية‪ ،‬وهذه القيمة للدليل الجنائي تتوقف على مسألتين رئيستين‪،‬‬
‫األولى المشروعية‪ ،‬والثانية اليقينية في داللته على الوقائع المراد إثباتها‪ ،‬ولذلك سنحاول في هذه الفقرة‬
‫على النحو التالي ( أوال) على مدى مالءمة قواعد اإلثبات في قانون المسطرة الجنائية مع متطلبات الحصول‬
‫على الدليل الرقمي قبل التعرض (ثانيا) لمدى استجابة مشروع قانون المسطرة الجنائية لمتطلبات الحصول‬
‫على الدليل الرقمي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مدى مالءمة قواعد قانون المسطرة الجنائية مع متطلبات الحصول على الدليل‬
‫الرقمي‬

‫الدليل الجنائي الرقمي هو الدليل المستخلص من أجهزة الحاسب اآللي وملحقاته‪ ،‬أو من شبكة‬
‫اإلنترنت‪ ،‬أو أي جهاز آخر له خاصية معالجة أو تخزين المعلومات‪ ،‬وهو عبارة عن مجاالت أو نبضات‬
‫مغناطيسية أو كهربائية‪ ،‬يمكن تجميعها وتحليلها باستخدام برامج وتطبيقات خاصة‪ ،‬لتشكل لنا معلومات أو‬
‫بيانات مختلفة‪ ،‬يمكن االعتماد عليها في مرحلة التحقيق أو المحاكمة‪ ،‬ومنه فهذا التعريف المقترح يعطي‬
‫مفهوما شامال للدليل الجنائي الرقمي من حيث استخالصه‪ ،‬بحيث أنه ال يشمل فقط األدلة المستخلصة من‬
‫أجهزة الحاسب اآللي فقط‪ ،‬ومن جهة أخرى يحدد الطبيعة الفنية والتقنية له‪ ،‬بحيث يمكن للخبراء‬
‫المتخصصين جمعها وتحليلها عبر وسائل وأساليب تقنية‪ ،‬لتشكل في األخير دليال جنائيا رقميا صالحا‬
‫لإلثبات‪.‬‬

‫أ‪ -‬الدليل الرقمي في قانون المسطرة الجنائية المغربية‬

‫من الجرائم الجديدة التي جاءت بها المنظومة‬ ‫‪223‬‬


‫تعتبر جرائم النظم المعالجة اآللية للمعطيات‬
‫التشريعية الجنائية المغربية‪ ،224‬والمشرع المغربي بإصداره لقانون ‪ 07.03‬المتعلق بالجرائم الماسة بنظم‬

‫‪ 223‬يقصد بهذه الجرائم جميع األفعال اإلجرامية التي تتناول األنظمة اإللكترونية لحفظ المعلومات ومعالجتها‪ ،‬وتستهدفها‬
‫إما با لقرصنة والسرقة كاالختراق غير المشروع للنظم المعلوماتية‪ ،‬واختالس بياناتها لتوظيفها في جريمة معينة أو‬
‫تسريبها لفائدة األغيار لقاء منفعة مادية أو معنوية‪ ،‬أو بالتخريب‪ ،‬كتخريب البرامج المعلوماتية‪ ،‬بطريقة الفيروس‪.‬‬
‫‪ 224‬المواد من ‪ 607-3‬إلى ‪ 11607-‬من القانون الجنائي المغربي صدر األمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.59.413‬صادر في ‪ 28‬جمادى الثانية ‪ 26( 1382‬نونبر ‪ )1962‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2640‬مكرر‬

‫‪110‬‬
‫المعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬يكون قد فطن إلى الطبيعة الخاصة ألفعال االعتداء على البرامج التي تتخذ‬
‫صورا متعددة ومتنوعة‪ ،‬وتختلف حسب الحالة التي تكون عليها الوثيقة المعلوماتية باعتبارها محال للجريمة‬
‫واالعتداء‪ ،‬والتي يتداخل فيها ما هو مادي (كالشرائط المغنطيسية‪ ،‬أي الديسكات‪ ،‬وكل ما يلزم الستقبال‬
‫أو تسجيل المعلومات)‪ ،‬وما هو معنوي (المحتوى الفكري)‪.‬‬

‫غير أن التحقيق الجنائي في الجرائم الماسة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات له خصوصيات تميزه‬
‫سواء من حيث األشخاص القائمين به‪ ،‬أو من حيث األدوات والمهارات المستعملة لتحصيل الدليل واقتفاء‬
‫األثر‪ ،‬األمر الذي يطرح معه تساؤل حول مدى مالءمة القواعد التقليدية في قانون المسطرة الجنائية‬
‫المغربي‪ 225‬مع متطلبات الحصول على الدليل اإللكتروني؟‬

‫باستقراء الفصول المتعلقة بالقانون المتعلق بالجرائم الماسة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات‪،226‬‬
‫يالحظ بأن المشرع المغربي قد أحال ضمنا على قواعد اإلثبات التقليدية الواردة في ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م حيث لم ينص‬
‫المشرع على أي مقتضيات تخص أساليب وطرق إثبات تلك الجرائم‪.‬‬

‫وهكذا فباستقراء المادة ‪ 59‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م نجد أنها تضمنت قواعد عامة يمكن أن تشمل حتى الجريمة‬
‫المعلوماتية‪ ،‬بحيث أناطت بضباط الشرطة القضائية كلما تعلق األمر بجناية أو جنحة‪ ،‬القيام بحجز جميع‬
‫األوراق والوثائق واألشياء والمستندات التي يملكها أشخاص يشتبه بارتكابهم للجريمة أو تتعلق باألفعال‬
‫اإلجرامية‪ ،‬كما خول المشرع لضباط الشرطة القضائية مهمة جمع وحفظ األدوات التي استعملت في‬
‫ارتكاب الجريمة وذلك بغض النظر عن طبيعة هذه األخيرة‪.‬‬

‫وإذا كان من ا لممكن لضباط الشرطة القضائية حجز وتفتيش الدعامات المادية المنظمة للمعطيات‪،‬‬
‫فإن التساؤل يثور بهذا الصدد حول مدى إمكانية ضبط وحجز البيانات الرقمية المفيدة في البحث والتحقيق‬
‫دون سواها من الدعامات واألجهزة التي تحتوي على هذه المعطيات؟‬

‫بتاريخ ‪ 12‬محرم ‪ 5( 1383‬يونيو ‪ )1963‬ص ‪ ،1253‬كما تم تعيله بالقانون رقم ‪ 103.13‬المتعلق بمحاربة العنف‬
‫ضد النساء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.18.19‬بتاريخ ‪ 5‬جمادى اآلخرة ‪ 22( 1439‬فبراير ‪)2018‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 6655‬بتاريخ ‪ 23‬جمادى اآلخرة ‪ 12( 1439‬مارس ‪ )2018‬ص ‪.1449‬‬
‫‪ 225‬قانون المسطرة الجنائية المغربي رقم ‪ 22.01‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.255‬المؤرخ في ‪25‬‬
‫رجب ‪ 13(1423‬أكتوبر ‪ )2002‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5078‬بتاريخ ‪ 27‬ذي القعدة ‪30( 1423‬‬
‫يناير‪ ،)2003‬ص ‪ ،315‬كما تم تعيله بالقانون القانون رقم ‪ 103.13‬المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الصادر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.18.19‬بتاريخ ‪ 5‬جمادى اآلخرة ‪ 22( 1439‬فبراير ‪ ،)2018‬الجريدة الرسمية عدد ‪6655‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬جمادى اآلخرة ‪ 12( 1439‬مارس ‪ )2018‬ص ‪.1449‬‬
‫‪ 226‬المواد من ‪ 3-607‬إلى ‪ 11-607‬من قانون الجنائي المغربي‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫يمكن القول أنه إذا كانت ال غاية من التفتيش الذي يباشره ضباط الشرطة القضائية هو ضبط األدلة‬
‫المادية التي تفيد في كشف الحقيقة‪ ،‬فإن هذا المفهوم يمتد ليشمل حتى البيانات اإللكترونية بمختلف أشكالها‪،‬‬
‫ذلك أن المشرع خول لضباط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه أن يضع يده على كل دليل مفيد في‬
‫الكشف عن الحقيقة‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 59‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م والتي جاء فيها‪" :‬إذا كان نوع الجناية أو‬
‫الجنحة مما يمكن إثباته بحجز أوراق أو وثائق أو "أشياء أخرى" في حوزة أشخاص يظن أنهم شاركوا في‬
‫الجريمة‪ ،‬أو بحوزته مستندات أو "أشياء" تتعلق باألفعال اإلجرامية‪ ،‬فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل‬
‫فورا إلى منزل هؤالء األشخاص"‪.‬‬

‫وعليه فإن عبارة "أشياء أخرى" يمكن تفسيرها بأنها تشمل أيضا البيانات المخزنة أو المعالجة‬
‫إلكترونيا‪ ،‬كما أن استقراء مقتضيات المادة ‪ 57‬من ق‪.‬م‪.‬ج يفيد أن المشرع قد أخذ بعين االعتبار عامل‬
‫الزمن في جمع األدلة المرتبطة بالجريمة اإللكترونية‪ ،‬فضابط الشرطة القضائية بمجرد حصول الجريمة‬
‫يتعين عليه االنتقال الفوري لمسرح الجريمة‪ ،‬وأن يجري المعاينات الالزمة‪ ،‬وأن يحافظ على األدلة القابلة‬
‫لالندثار‪ ،‬فالجريمة اإللكترونية تتميز بأنها ترتكب في مدة قصيرة‪ ،‬حيث تختفي معالمها بالتزامن مع الوقت‬
‫القصير الذي ترتكب فيه‪.‬‬

‫ومن المعلوم أيضا أن من مستجدات المسطرة الجنائية السماح بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة‬
‫االتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخا منها‪ ،‬أو حجزها كوسيلة للحصول على‬
‫األدلة‪ ، 227‬وبالتالي وانطالقا من هذه اإلمكانية التي أصبحت متاحة قانونيا للهيئات التي تتولى البحث‬
‫والتحقيق‪ ،‬وبسبب اقتران المعلوماتية باالتصال عن بعد‪ ،‬فإنه يمكن القول أنه أصبح باالمكان االستناد إلى‬
‫الدليل االلكتروني المتولد من كافة االتصاالت المنجزة عن بعد من بريد إلكتروني‪.‬‬

‫ب‪ -‬أنواع الدليل الرقمي وأشكاله‬

‫إن بالدليل الرقمي يحتم علينا تحديد أنواعه وأشكاله حتى يتسنى فهم الهيأة التي يتخذها للحكم على‬
‫قيمته القانونية فيما بعد‪ ،‬ولذ سنتناول أنواعه ثم نحدد األشكال التي يبدو عليها هذا الدليل وذلك على النحو‬
‫التالي‪:‬‬

‫انظر المواد من ‪ 108‬إلى ‪ 116‬من قانون المسطرة الجنائية المغربي‪.‬‬ ‫‪227‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ -1‬أنواع الدليل الرقمي‬
‫يمكن تقسيم الدليل الرقمي لنوعين رئيسين‪:‬‬

‫‪ -‬أدلة أعدت لتكون وسيلة إثبات‬

‫وهذا النوع من األدلة الرقمية يمكن إجماله فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬السجالت التي تم أنشاؤها بواسطة اآللة تلقائيا‪ ،‬وتعتبر هذه السجالت من مخرجات اآللة‬
‫التي لم يساهم اإلنسان في إنشائها مثل سجالت الهاتف وفواتير أجهزة الحاسب اآللي‪.228‬‬
‫‪ ‬السجالت التي جزء منها تم حفظه باإلدخال وجزء تم انشاؤه بواسطة اآللة ومن أمثلة ذلك‬
‫البيانات التي يتم إدخالها إلى اآللة وتتم معالجتها من خالل برنامج خاص‪ ،‬كإجراء العمليات‬
‫الحسابية على تلك البيانات‪.‬‬

‫‪ -‬أدلة لم تعد لتكون وسيلة إثبات‬

‫وهذا النوع من األدلة الرقمية نشأ دون إرادة الشخص‪ ،‬أي أنها أثر يتركه الجاني دون أن يكون‬
‫راغبا في وجوده‪ ،‬ويسمى هذا النوع من األدلة بالبصمة الرقمية‪ ،‬وهي ما يمكن تسميه أيضا باآلثار‬
‫المعلوماتية الرقمية‪ ،229‬هي تتجسد في اآلثار التي يتركها مستخدم الشبكة المعلوماتية بسبب تسجيل الرسائل‬
‫المرسلة منه أو التي يستقبلها وكافه االتصاالت التي تمت من خالل اآللة أو شبكة المعلومات العالمية‪.‬‬

‫والواقع أن هذا النوع من األدلة لم يعد أساسا للحفظ من قبل من صدر عنه‪ ،‬غير أن الوسائل الفنية‬
‫الخاصة تمكن من ضبط هذه األدلة ولو بعد فترة زمنية من نشوئها‪ ،‬فاالتصاالت التي تجرى عبر االنترنت‬
‫والمراسالت الصادر عن الشخص أو التي يتلقاها‪ ،‬كلها يمكن ضبطها بواسطة تقنية خاصة بذلك‪.230‬‬

‫‪ 228‬خالد ممدوح إبراهيم‪" :‬الدليل االلكتروني في جرائم المعلوماتية"‪ ،‬بحث منشور على االنترنت‪ ،‬ص‪ .2‬الموقع التالي‪:‬‬
‫‪ http://www.f-law.net‬بتاريخ ‪.2021‬‬

‫‪ 229‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬زبيدة محمد قاسم‪ ،‬عبد هللا عبد العزيز‪" :‬نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل الرقمي‬
‫لإلثبات في جرائم الكمبيوتر‪ ،‬منشور ضمن أعمال مؤتمر" األعمال المصرفية وااللكترونية نظمته كلية الشريعة والقانون‬
‫بجامعة اإلمارات العربية المتحدة وغرفة تجارة وصناعة دبي‪ ،‬في الفترة من ‪2003 5/12-10‬م‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬ص‬
‫‪.2238‬‬

‫‪ 230‬عبد الفتاح بيومي حجازي‪" :‬الدليل الرقمي والتزوير في جرائم الكمبيوتر واالنترنت"‪ ،‬دراسة معمقة في جرائم‬
‫الحاسب اآللي واالنترنت‪ ،‬بهجات للطباعة والتجليد‪ ،‬مصر‪ ،2009 ،‬هامش ص ‪.64-63‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ -‬وتبدو أهمية التمييز بين هذين النوعين فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬النوع الثاني من األدلة الرقمية هو األكثر أهمية من النوع األول لكونه لم يُعد أصالً ليكون‬
‫أثراً لمن صدر عنه‪ ،‬ولذا فهو في العادة سيتضمن معلومات تفيد في الكشف عن الجريمة‬
‫ومرتكبها‪.‬‬
‫‪ ‬يتميز النوع األول من األدلة الرقمية بسهولة الحصول عليه لكونه قد أُعد أصال ألن يكون‬
‫دليال على الوقائع التي يتضمنها‪ ،‬في حين يكون الحصول على النوع الثاني من األدلة بإتباع‬
‫تقنية خاصة ال تخلو من صعوبة وتعقيد‪.‬‬
‫‪ ‬ألن النوع األول قد أُعد كوسيلة إثبات لبعض الوقائع فإنه عادة ما يعمد إلى حفظه لالحتجاج‬
‫به الحقا وهو ما يقلل من إمكانية فقدانه‪ ،‬وعلى عكس النوع الثاني حيث لم يعد ليحفظ ما‬
‫يجعله عرض للفقدان ألسباب منها فصل التيار الكهربائي عن الجهاز مثال‪.‬‬

‫‪ -2‬أشكال الدليل الرقمي‬


‫يتخد الدليل الرقمي ثالثة أشكال رئيسة هي‪:‬‬

‫‪ -‬الصور الرقمية‪ :‬وهي عبارة عن تجسيد الحقائق المرئية حول الجريمة‪ ،‬وفى العادة تقدم الصورة‬
‫إما في شكل ورقي أو في شكل مرئي باستخدام الشاشة المرئية‪ ،‬والواقع أن الصورة الرقمية تمثل‬
‫تكنولوجيا بديلة للصورة الفوتوغرافية التقليدية وهي قد تبدو أكثر تطورا ولكنها ليست بالصورة‬
‫أفضل من الصور التقليدية‪.231‬‬
‫‪ -‬التسجيالت الصوتية‪ :‬وهي التسجيالت التي يتم ضبط وتخزينها بواسطة اآللة الرقمية‪ ،‬وتشمل‬
‫المحادثات الصوتية على االنترنت والهاتف‪ ....‬الخ‪.‬‬
‫‪ -‬النصوص المكتوبة‪ :‬وتشمل النصوص التي يتم كتابها بواسطة اآللة الرقمية‪ ،‬ومنها الرسائل‬
‫عبر البريد االلكتروني‪ ،‬والهاتف المحمول‪ ،‬والبيانات المسجلة بأجهزة الحاسب اآللي‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪ 231‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪" :‬أدلة الصور الرقمية في الجرائم عبر الكمبيوتر"‪ ،‬مركز شرطة دبي‪ ،‬لسنة ‪،2005‬‬
‫ص ‪.10-9‬‬

‫‪114‬‬
‫ثانيا‪ :‬مدى استجابة مشروع قانون المسطرة الجنائية لمتطلبات الحصول على الدليل‬
‫الرقمي‬

‫إذا كانت المقتضيات القانونية العامة السالفة الذكر توحي بأنها تنطبق على الجرائم الماسة بنظم‬
‫المعالجة اآللية للمعطي ات‪ ،‬من حيث تفتيش وحجز وضبط البيانات المعلوماتية‪ ،‬التي من شأنها إثبات تلك‬
‫الجرائم‪ ،‬فإنه من الضروري النص على مقتضيات خاصة بإثبات جرائم نظم المعالجة اآللية للمعطيات‬
‫ضمن النصوص القانونية التي تعرضت ألساليب جمع وتقصي األدلة المتعلقة بباقي الجرائم‪ ،‬أخذا بعين‬
‫اال عتبار خصوصية وطبيعة هذا النوع المستحدث من الجرائم‪.‬‬

‫وهو ما تداركه المشرع المغربي بمقتضى مشروع ق‪.‬م‪.‬ج المغربي الجديد حينما أدخل تعديالت‬
‫على المادة ‪ 59‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م حتى تكون إجراءات البحث والحجز تتسع لتشمل البيانات والوثائق والمعطيات‬
‫المعلوماتية‪ ،‬حيث خول مشروع القانون الجديد‪ ،‬لضباط الشرطة القضائية صالحية حجز "وثائق أو‬
‫معطيات أو أدوات أو برامج معلوماتية‪ ،" 232‬ويتم حجز المعطيات الرقمية والبرامج المعلوماتية الضرورية‬
‫إلظهار الحقيقة بوضع الدعامات المادية المتضمنة لهذه المعلومات رهن إشارة العدالة أو بأخذ نسخ منها‪.233‬‬

‫غير أن ما يمكن مالحظته بخصوص المادة ‪ 59‬من مشروع ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م أنها لم تجب على مشكل قد‬
‫يطرح في الحالة التي يتعذر فيها على ضابط الشرطة القضائية ضبط وتفتيش الحاسبات المركزية أو بعض‬
‫وحدات التشغيل في حالة وجودها في أماكن بعيدة داخل الوطن أو خارجه‪ ،‬ويكون حجز المعطيات الرقمية‬
‫أمرا في غاية االستعجال الحتمال اندثارها أو إتالفها قبل التمكن من حجز األجهزة والدعامات المادية‬
‫المثبتة لها‪.‬‬

‫كما يمكن أن نضيف أن مشروع ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م جاء بقواعد قانونية أكثر حداثة ومرونة حيث تتيح للشرطة‬
‫القضائية إمكانية إجراء التفتيش في بيئة معلوماتية‪ ،‬وذلك على غرار ما سلكته بعض التشريعات‬
‫المقارنة‪ ،234‬وذلك حينما نص على أنه‪" :‬يجري التفتيش في األماكن التي يعثر بها على برامج معلوماتية‬

‫‪ 232‬جاء في الفقرة األولى من المادة ‪ 59‬من مشروع ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪ .‬بأنه‪“ :‬إذا كان نوع الجناية أو الجنحة مما يمكن إثباته‬
‫بحجز أوراق ووثائق أو أشياء أخرى في حوزة أشخاص يظن أنهم شاركوا في الجريمة‪ ،‬أو يحوزون مستندات أو وثائق‬
‫أو معطيا ت أو أدوات أو برامج معلوماتية أو أشياء تتعلق باألفعال اإلجرامية‪ ،‬فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل فورا إلى‬
‫منزل هؤالء األشخاص ليجري فيه طبقا للشروط المحددة في المادتين ‪ 60‬و‪ 62‬تفتيشا يحرر محضرا بشأنه‪”.‬‬
‫‪ 233‬طبقا للفقرة السابعة من المادة ‪ 59‬من مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي‪.‬‬
‫‪ 234‬كالمادة ‪ 59‬من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية‪ ،‬حيث أقحم المشرع بمقتضاها الجريمة المعلوماتية ضمن‬
‫المقتضيات القانونية المنظمة لحجز األدوات التي يمكن استعمالها في ارتكاب الجريمة وقيدها بضرورة احتفاظ الشرطة‬
‫بالوثائق المعلوماتية الضرورية إلظهار الحقيقة‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫أو أشياء مفيدة في إظهار الحقيقة"‪ ،235‬ونص أيضا‪" :‬وإذا كان التفتيش سيجري في منزل شخص من الغير‬
‫يحتمل أن يكون في حوزته… برامج معلوماتية‪."236‬‬

‫أما بخصوص مسألة مصادرة الوثائق المعلوماتية التي استعملت في ارتكاب الجريمة فيمكن القول‪،‬‬
‫بأن الفصل ‪ 607-11‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪ .237‬خول للمحكمة التي تنظر في إحدى الجرائم الماسة بنظم المعالجة‬
‫اآللية للمعطيات إمكانية مصادرة الوسائل أو األشياء التي تم استغاللها في ارتكاب الجريمة‪ ،‬وطبعا يقع‬
‫بمنزل تلك األشياء التي تم استعمالها في ارتكاب مثل هذه الجرائم الوثائق أو البرامج المعلوماتية‪.‬‬

‫وهو ما تم تعزيزه بمقتضى مشروع ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪ ،‬بأن يتم حجز المعطيات والبرامج المعلوماتية‬
‫الضرورية إلظهار الحقيقة بوضع الدعامات المادية المتضمنة لهذه المعلومات رهن إشارة العدالة أو بأخذ‬
‫نسخ منها‪ ،‬بحضور األشخاص الذين حضروا التفتيش‪ ،‬توضع رهن إشارة العدالة‪.‬‬

‫وعلى خالف التشريعات المقارنة‪ 238‬التي تلزم الشاهد الذي يتوفر على البيانات أو وثائق معلوماتية‬
‫اإلدالء بها بناء على أمر قضائي‪ ،‬فإن المشرع المغربي لم ينص على هذا المقتضى بعد سواء في ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪،‬‬
‫أم في مشروع ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪ ،‬فااللتزامات التي فرضها المشرع على الشاهد تتجلى في الحضور وحلف اليمين‬
‫القانونية وذكر الحقيقة تحت طائلة العقاب‪.239‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نطاق العمل بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي‬

‫أصبح بذلك هذا الوسط مرتعا لطائفة من الجناة يطلق عليهم اسم المجرمين المعلوماتيين‪ ،‬فالجرائم‬
‫التي يرتكبها هؤالء تقع في الوسط االفتراضي أو ما يمكن تسميته بالعالم الرقمي‪ ،‬ولذا كان الدليل الرقمي‬
‫هو الدليل األفضل إلثبات هذا النوع من الجرائم‪ ،‬ألنه من طبيعة الوسط الذي ارتكبت فيه‪ ،‬ومن هنا بدت‬
‫أهمية هذا النوع من األدلة‪ ،‬ولكن أيعني ذلك أن الدليل الرقمي ينحصر مجاله كدليل إثبات فقط على جرائم‬
‫المعلوماتية؟ وكيف‪ :‬تعامل القضاء الجنائي المغربي مع الدليل الرقمي؟‬

‫‪ 235‬الفقرة الثالثة من المادة ‪ 59‬من مشروع ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬


‫‪ 236‬الفقرة الثانية من المادة ‪ 60‬من مشروع ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬
‫‪ 237‬تنص المادة ‪ 607-11‬من ق‪.‬ج‪.‬م على أنه‪“ :‬يجوز للمحكمة مع مراعاة حقوق الغير حسن النية أن تحكم بمصادرة‬
‫األدوات التي استعملت في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب والمتحصل عليها منها‪”.‬‬
‫‪ 238‬كالمادة ‪ 56‬و‪ 60‬من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي رقم ‪ 2000 /516‬الصادر بتاريخ ‪ 15‬يونيو‪ 2000‬الذي‬
‫دخل حيز التنفيذ منذ أول من يناير سنة ‪ ،2001‬كما عدل بالقانون رقم ‪ 239-2003‬الصادر بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪.2003‬‬
‫‪ 239‬أنظر المواد ‪ 129‬و‪ 123‬و‪ 118‬و‪ 339‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫أوال‪ :‬اثبات الجرائم بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي‬

‫يجب التنويه إلى أنه ال تالزم بين نطاق العمل بالدليل الرقمي ومشكلة اثبات الجريمة المعلوماتية‪،‬‬
‫فمن ناحية فإن الدليل الرقمي مثلما يصلح إلثبات الجريمة المعلوماتية ويعتبر في ذات الوقت الدليل األفضل‬
‫إلثباتها ‪ ،‬فإنه من ناحية أخرى يصلح إلثبات الجرائم التقليدية إن جاز التعبير‪ ،‬حيث يميز الفقه في هذا‬
‫الشأن بين نوعين من الجرائم‪.240‬‬

‫أ‪ -‬أشكال الجرائم المرتكبة‬

‫‪ -1‬الجرائم المرتكبة بواسطة اآللة‬

‫وهذا النوع من الجرائم يستخدم فيه الحاسب اآللي واالنترنت كوسيلة مساعده الرتكاب الجريمة‪،‬‬
‫مثل استخدامه في الغش أو االحتيال أو غسل األموال أو لتهريب المخدرات‪ ،‬وهذا النوع من الجرائم ال‬
‫صلة له بالوسط االفتراضي إال من حيث الوسيلة‪ ،‬وبكلمة أوضح فإن الجريمة في هذه الحالة هي جريمة‬
‫تقليدية استعملت في ارتكابها أداة رقمية‪ ،‬فبرغم عدم اتصال هذه الجريمة بالنظام المعلوماتي فإن الدليل‬
‫الرقمي يصلح كدليل إلثباتها‪.‬‬

‫‪ -2‬جرائم االنترنيت واآللة الرقمية‬

‫وهذا النوع من الجرائم يكون محله جهاز الحاسب اآللي أو اآللة بصفة عامة‪ ،‬بحيث يكون االعتداء‬
‫واقعا ً إما على الكيان المادي لآللة‪ ،‬وهذه يمكن اعتبارها جريمة تقليدية تلحق النوع األول‪ ،‬وإما يكون‬
‫االعتداء واقعا ً على الكيان المعنوي للحاسب أو اآللة أو على قاعدة البيانات أو المعلومات التي قد تكون‬
‫على شبكة المعلومات العالمية‪ ،‬مثال انتهاك الملكية الفكرية‪ ،‬وجرائم القرصنة وغيرها‪ ،‬وهذا النوع من‬
‫الجرائم هو ما يمكن تسميته بجرائم المعلوماتية والتي يكون الدليل الرقمي هو الدليل األفضل إلثباتها إن‬
‫وجد‪.241‬‬

‫‪ 240‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب وزبيدة محمد قاسم وعبد هللا عبد العزيز‪" :‬نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل‬
‫الرقمي لإلثبات في جرائم الكمبيوتر‪ ،‬منشور ضمن أعمال مؤتمر"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2237‬‬
‫‪ 241‬هناك خالف في الفقه حول تحديد مفهوم الجريمة المعلوماتية وليس في نيتنا التعرض لهذا الخالف‪ ،‬راجع ِبشأنه‪:‬‬
‫‪ -‬راشد بن حمد البلوشي‪" :‬الدليل في الجريمة المعلوماتية"‪ ،‬بحث مقدم للمؤتمر الدولي األول حول حماية‬
‫المعلومات والخصوصية في قانون االنترنت‪ ،‬القترة ‪ / 4-2‬يونيو ‪ ،2008‬منشور على االنترنت‪ ،‬ص ‪ 5‬وما‬
‫بعدها‪. http://www.f-law.net‬‬

‫‪117‬‬
‫ومع ذلك فإننا نعتقد أن الجريمة المعلوماتية رغم شدة صلتها بالدليل الرقمي إال أن إثباتها ال يقتصر‬
‫عليه‪ ،‬فمن الممكن إثباتها بأدلة اإلثبات التقليدية كالشهادة و االعتراف وغيرها‪ ،242‬ولذلك يمكننا أن نقول‬
‫إنه ال تالزم بين مشكلة الدليل الرقمي واثبات الجريمة المعلوماتية‪ ،‬فلهذه األخيرة إشكاليات قانونية أخرى‬
‫ال شأن لها بالدليل الرقمي‪ ،‬فإذا كانت غاية الدليل عموما ً هي اثبات الجريمة ونسبها إلى مربكها‪ ،‬فإن هذا‬
‫الدليل ال يكون قاصرا في تقديرنا ً إذا اقتصر على مجرد إثبات وقوع الجريمة دون تحديد مقترفها‪ ،‬إذ مع‬
‫ذلك تصح تسميته كدليل‪ ،‬وتبدو أهمية هذا النوع من األدلة بالنسبة للجريمة المعلوماتية لصعوبة إثبات‬
‫وقوعها عادة‪.‬‬

‫غير أ نه إذا كان من الصعوبات التي تواجه إثبات الجريمة المعلوماتية تحديد مفترق الجريمة‪ ،‬فإن‬
‫هذه المشكلة ال شأن لنا بها عند تناول إشكاليات الدليل الرقمي‪ ،‬فتلك مسألة ربما يتعذر إثباتها في بعض‬
‫الحاالت ومن ثم ال نكون في شأنها بصدد دليل‪ ،‬ونحن هنا في هذه الدراسة ندرس الدليل الرقمي حينما‬
‫يتوافر إلثبات واقعة معينة‪.‬‬

‫مع مالحظة أنه قد يكون الدليل الرقمي متضمنا إثبات الجريمة ومربكها معا‪ ،‬فجسم الجريمة‬
‫المعلوماتية عادة هو الدليل الرقمي ذاته‪ ،‬وقد يكون هذا الجسم "الدليل الرقمي" متضمنا ما يفيد نسبة الجريمة‬
‫لشخص ما‪ ،‬كما لو أرسل شخص آلخر رسالة عبر البريد االلكتروني تتضمن فيروسات تؤدى إلى إتالف‬
‫الموقع االلكتروني الخاص بذلك الشخص‪ ،‬فإن هذه الرسالة بذاتها تعد دليالً على وقوع الجريمة‪ ،‬وفى‬
‫الوقت نفسه ستعد دلي ً‬
‫ال على نسبة ارتكابها لشخص معين وهو المرسل إذا تضمنت بيانات تدل على‬
‫شخصية‪.‬‬

‫ومما تق دم نخلص إلى أن الدليل الرقمي يصلح اإلثبات الجريمة التي ترتكب باستعمال اآللة الرقمية‬
‫‪-‬حاسوب‪-‬هاتف‪ ... -‬الخ‪ ،‬أو الجريمة التي ترتكب ضد الكيان المعنوي لآللة أو ضد شبكة المعلومات‬
‫العالمية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإن هذا الدليل يصلح إلثبات بعض الجرائم وإن لم تكن من ضمن النوعين‬
‫المذكورين‪ ،‬وذلك إذا استعملت اآللة الرقمية للتمهيد الرتكاب الجريمة‪ ،‬أو إلخفاء معالمها‪ ،‬كالمراسالت‬

‫‪ 242‬مع مالحظة أن بعض األدلة التقليدية تحتاج لتطوير لتتناسب مع الطبيعة الخاصة لهذه الجرائم‪ ،‬فالخبرة مثالً تصلح‬
‫إلثبات الجريمة المعلوماتية إال أنها تحتاج إلى أن يكون الخبير متمتعا ً بمستوى عال من العلم والمهارة الفنية التي تمكنه‬
‫من شق طريقة بنجاح في مجال إثبات هذه الطائفة من الجرائم‪:‬‬
‫‪ -‬علي محمود علي حمودة‪" :‬األدلة المتحصلة من الوسائل االلكترونية في أطار نظرية اإلثبات الجنائي"‪ ،‬مقدم‬
‫ضمن أعمال المؤتمر العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات االلكترونية ونظمته أكاديمية‬
‫شرطة دبي‪ ،‬في الفترة من ‪ 4-26‬إلى ‪-2003-4-48‬دبي‪ ،‬ص ‪.23‬‬

‫‪118‬‬
‫التي يبعث بها الجاني لشريكه وتتضمن معلومات عن جريمة ينويان ارتكابها أو يطلب منه إخفاء معالم‬
‫هذه الجريمة‪ ،‬فتلك المراسلة تصلح كدليل إثبات لهذه الجريمة حا ل وقوقعها رغم أنها لم ترتكب ضد اآللة‬
‫الرقمية وال بواسطتها‪.243‬‬

‫ب‪ -‬تعامل القضاء الجنائي المغربي مع الدليل الرقمي‬

‫يتضح أن قضاتنا الجنائي يقبل ويأخذ بالدليل الرقمي في اإلثبات بطريقة مباشرة‪ ،‬كما يقبل به بطريقة‬
‫غير مباشرة‪ ،‬وهذا ما سيتم تحليله فيما يلي‪.‬‬

‫‪ -1‬قبول القضاء المغربي الدليل الرقمي بطريقة مباشرة‬


‫ومفاد ذلك أن القضاء يأخذ بالدليل االلكتروني عبر إدراجه في حيثيات مقرراته القضائية باعتباره‬
‫قرينة معززة لباقي وسائل اإلثبات‪ ،‬وهكذا جاء في حكم‪ 244‬صادر عن المحكمة االبتدائية بمراكش‪" :‬وحيث‬
‫اعترف الظنين تمهيديا بالمنسوب إليه‪ . ..‬وحيث أن انكاره للمنسوب إليه أمام المحكمة تكذبه تصريحاته‬
‫التمهيدية أمام الضابطة القضائية وكذا مختلف الصور والفيديوهات التي تم استخراجها من الموقع‬
‫االلكتروني العالمي المسمى فيسبوك الذي قام الظنين بالكشف للضباط الشرطة القضائية عن العناوين‬
‫السرية التي استعمل ها لالنخراط في الموقع المذكور"‪.‬‬

‫هكذا يتضح بجالء أن القضاء المغربي يأخذ بالدليل الرقمي متى كان هذا الدليل واضحا ال لبس فيه‪،‬‬
‫وهو ما يعطي اإلمكانية للقاضي الجنائي لألخذ به في مجال إثبات جرائم األعمال التي غالبا ما يتم ارتكابها‬
‫بواسطة هذه الوسائل‪.‬‬

‫‪ -2‬أخذ القضاء المغربي بالدليل الرقمي بطريقة غير مباشرة‬


‫ومعنى ذلك أن القضاء يأخذ بالدليل الرقمي االلكتروني في اإلثبات في حالتين‪ :‬إما استنادا إلى‬
‫االعترافات القضائية‪ ،‬واالعترافات غير القضائية الصادرة أمام الضابطة القضائية‪ ،‬وإما استنادا إلى حجية‬
‫محاضر الضابطة القضائية في الجنح والمخالفات‪.‬‬

‫‪ 243‬هاللي عبد اإلله احمد‪" :‬حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية"‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬بدون رقم طبعة او دار‬
‫نشر لسنة ‪ ،1999‬ص ‪.49‬‬
‫‪ 244‬حكم ابتدائي عدد ‪ 4‬صادر بتاريخ ‪ ،2012/01/02‬في الملف الجنحي التلبسي عدد ‪ ،11/2103/3823‬عن‬
‫المحكمة االبتدائية بمراكش‪ ،‬حكم غير منشور‪ ،‬عبد هللا ادعول‪ ،‬ص ‪.75‬‬

‫‪119‬‬
‫فبخصوص الحالة األولى التي يقبل فيها القضاء الدليل الرقمي استنادا إلى االعترافات القضائية‬
‫عن جنحه النصب والدخول إلى نظام‬ ‫‪245‬‬
‫فيؤكدها الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‬
‫المعالجة اآللية للمعطيات عن طريق االحتيال وتملك وحيازة برامج ومعطيات تستعمل لذلك ووضعها رهن‬
‫إشارة الغير‪.‬‬

‫حيث جاء فيه‪ " :‬وحيث أحضر الظنين أمام المحكمة في حالة اعتقال واعترف بما نسب إليه‪ ،‬وحيث‬
‫أنه لئن كانت محاضر الضابطة القضائية يوثق بمضمونها ما لم يثبت ما يخالفها‪ ،‬فإن االعتراف القضائي‬
‫يبقى خير دليل يمكن أن يدان بسبه المرء‪ ،‬حيث أن قيام الظنين بالدخول إلى النظام المعلوماتي الخاص‬
‫بشركة الخطوط الملكية عن طريق قرصنة القن السري لبطائق أداء أشخاص آخرين واقتناء تذاكر للسفر‬
‫عبر الخطوط الملكية واقتناء تذاكر ألشخاص آخرين يكون بذلك الظنين ارتكب جنحة الدخول إلى نظام‬
‫المعالجة اآللية للمعطيات عن طريق االحتيال‪."...‬‬

‫وهذه االعترافات القضائية في غالبها تأتي تأكيدا العترافات غير قضائية مدرجة في محاضر‬
‫الضابطة القضائية‪ ،‬وهذه األخيرة تأتي نتيجة مواجهة المتهم بأدلة إثبات مادية وأخرى إلكترونية‪ ،‬غير أن‬
‫هذه األخيرة ظلت حبيسة محاضر الضابطة القضا ئية ولم تدرجها المحكمة ضمن حيثيات الحكم بل اقتصرت‬
‫فقط على نتيجتها وهي اعتراف المتهم بالمنسوب إليه بناء عليها‪ ،‬لذلك نخلص إلى أن المحكمة تأخذ بالدليل‬
‫اإللكتروني في اإلثبات الجنائي بطريقة غير مباشرة‪.246‬‬

‫أما فيما يتعلق بالحالة الثانية التي يقبل فيها القضاء الدليل الرقمي استنادا إلى اعترافات غير قضائية‬
‫‪247‬‬
‫صادرة أمام الضابطة القضائية‪ ،‬فيؤكدها الحكم القضائي الصادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‬
‫بخصوص جنحة النصب وتزوير وثائق المعلوميات واستعمالها عن علم وتزوير وسيلة أداء‪.‬‬

‫حيث جاء فيه‪ " :‬وحيث أن الظنين يعترف تمهيد يا انه حصل من طرف أشخاص على أرقام بطائق‬
‫بنكية وأرقام خاصة بأشرطتها المغناطيسية تخص أشخاصا أجانب‪ ،‬فيقوم بتضمين تلك المعلومات المشفرة‬
‫بجهاز الحاسوب وآلة لقراءة تلك المعلومات ليتمكن من الحصول على بطائق مزورة ويسهل عليه األداء‬
‫بواسطتها‪ ...‬وحيث أن الظنينين ينكران ما نسب إليهما‪ ،...‬وحيث أن عنصر استعمال بطائق أداء مزورة‬
‫قائمة في حق الظنين استناد إلى تصريحاتهما التمهيدية"‪.‬‬

‫‪ 245‬حكم ابتدائي عدد ‪ ،907‬صادر بتاريخ ‪ ،2011/01/28‬في الملف الجنحي التلبسي عدد ‪ 11/10/68‬عن المحكمة‬
‫االبتدائي ة بالدار البيضاء‪ ،‬حكم غير منشور‪ ،‬أورده عبد هللا ادعول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 77‬و‪.78‬‬
‫‪ 246‬عبد هللا ادعول‪ " :‬الدليل اإللكتروني في اإلثبات الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪ 247‬حكم ابتدائي عدد ‪ ،6072‬صادر بتاريخ ‪ ،2010/07/15‬في الملف الجنحي التلبسي عدد ‪ 10/5071‬عن المحكمة‬
‫االبتدائي ة بالدار البيضاء‪ ،‬حكم غير منشور‪ ،‬أورده عبد هللا ادعول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ -3‬شروط قبول األدلة الرقمية كأدلة إثبات في المادة الجنائية‬
‫إذا كانت األدلة الرقمية قد توجس منها كل من الفقه والقضاء خفية من عدم تعبيرها عن الحقيقة‪،‬‬
‫نظرا لما يمكن أن تخضع له طرق الحصول عليها من التعرض للتزييف والتحريف واألخطاء المعتمدة‪،‬‬
‫فإن ذلك قد تطلب وجوب توافر مجموعة من الضوابط التي تحكم األدلة الناجمة عن الحاسب اآللي بشكل‬
‫عام‪ ،‬وتضفي عليها المصداقية‪ ،‬ومن تم اقترابها نحو الحقيقة وقبولها كأدلة إثبات في المواد الجنائية‪.248‬‬

‫ولذلك فإنه لقبول هذه األدلة كأساس تشيد عليه الحقيقة في الدعوى الجنائية في جرائم األعمال‪ ،‬فإنه‬
‫يلزم أن تتوافر فيها الشروط اآلتية‪.‬‬

‫‪ -‬شرط يقينية الدليل الرقمي‬


‫يشترط في األدلة المستخرجة من الحاسب واالنترنيت أن تكون غير قابلة للشك حتى يمكن الحكم‬
‫باإلدانة‪ ،‬ذلك أنه ال مجال لدحض قرينة البراءة وافتراض عكسها إال عندما يصل اقتناع القاضي إلى حد‬
‫الجزم واليقين‪ .‬إذ األحكام الجنائية ال تبني على الظن واالحتمال‪ ،‬بل على الجزم واليقين‪ .‬وهذه القاعدة‬
‫ضامنة للعدالة‪ ،‬وهي من المستلزمات الضرورية المنطقية‪ ،‬فال يصح أن يدان الشخص بناء على التخمينات‬
‫واستنادا إلى مجرد احتماالت وظنون ال ترقى إلى درجة اليقين‪ .249‬وترتيبا على ذلك فإن القول بأن القاضي‬
‫الجنائي يملك حرية تقدير األدلة بما فيها األدلة الرقمية وفقا لمبدأ حرية اإلثبات واالقتناع‪ ،‬ليس معناه أنه‬
‫يملك الحكم باإلدانة على غير أساس من التثبت واليقين‪.‬‬

‫ويشترط قانون البوليس واإلثبات في بريطانيا لسنة ‪1984‬م‪ ،‬حتى تتحقق يقينية األدلة االلكترونية‪،‬‬
‫أن تكون البيانات دقيقة وناتجة عن الحاسوب بصورة سليمة‪.‬‬

‫و في فرنسا مثال‪ ،‬فإنه ال محل لدحض أصل البراءة وافتراض عكسها إال عندما يصل اقتناع القاضي‬
‫إلى حد الجزم واليقين‪ ،‬إذ يشترط في األدلة سواء كانت تقليدية أو رقمية أن تكون يقينية حتى يمكن الحكم‬
‫باإلدانة‪.250‬‬

‫‪ 248‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪ 249‬لحسن بيهي‪ " :‬الدليل العلمي ودوره في تكوين اقتناع القاضي الجنائي"‪ ،‬سلسلة رسائل نهائية تدريب الملحقين‬
‫القضائيين‪ ،‬مجلة الملحق القضائي العدد األول‪ ،‬يناير ‪ ،2007‬ص ‪.5‬‬
‫‪Gorphe François : « les décisions de justice », étude psychologique et judiciaire, 250‬‬
‫‪Paris, Sirey, Presses universitaires de France, 1952, page : 123.‬‬

‫‪121‬‬
‫أما في المغرب فقد أكدت محكمة النقض على مبدأ يقينية األدلة في التدليل الجريمة ونسبتها إلى‬
‫شخص معين في العديد من قرارتها التي تناولت هذه الضمانة القضائية‪ ،‬ومن ذلك القرار‪ 251‬الذي يقضي‬
‫بأنه‪" :‬يجب أن تبنى األحكام على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين‪ ،‬ولهذا يتعرض للنقض‪ ،‬الحكم‬
‫الصادر باإلدانة في حين أن المحكمة صرحت بأنه لم يوضع بين يديها دليل مادي قاطع يثبت الجريمة‪".‬‬

‫وفي قرار آخر‪ 252‬لها قضت على أنه‪ ":‬وحيث إن األحكام الجنائية والقضائية باإلدانة يجب أن تبنى‬
‫على الجزم واليقين انطالقا من الوقائع المعروضة على المحكمة والمعززة بوسائل اإلثبات التي ال يرقى‬
‫إليها الشك واالحتمال‪ ...‬وأن القاضي الجنائي إذا كان حرا في تكوين قناعته اعتمادا على مختلف وسائل‬
‫اإلثبات المتاحة له قانونا بما فيها القرائن الموكولة إلى سلطته فإنه يتعين أن تكون هذه القرائن قوية وخالية‬
‫من البس ومستنبطة من وقائع ثابتة ومعلومة بيقين ومنتجة في الدعوى‪"...‬‬

‫ومن تم يتضح أن محكمة النقض تطبق قاعدة بناء األحكام على الجزم واليقين واشتراط تسبيبها‪،‬‬
‫وهي الطريقة التي تتوصل بها هذه المؤسسة باعتبارها جهة الطعن بالنقض‪ ،‬إلى بسط رقابتها على تقدير‬
‫القاضي لحجية الدليل‪.‬‬

‫وهكذا يستطيع القاضي من خالل ما يعرض عليه من مخرجات الحاسب اآللي‪ ،‬وما ينطبع في ذهنه‬
‫من تصورات واحتماالت بالنسبة لها‪ ،‬أن يحدد قوتها ا الستداللية على صدق نسبة الجريمة إلى شخص‬
‫معين من عدمه‪ ، 253‬خاصة وأن مجال األعمال أصبح يعتمد اليوم أكثر من أي وقت مضى على التكنولوجيا‬
‫الحديثة الرقمية التي أصبحت الوسيلة المفضلة لمجرمي األعمال الرتكاب مشاريعهم اإلجرامية‪.‬‬

‫‪ -‬شرط مشروعية الحصول على الدليل الرقمي‬


‫من ا لمقرر أن اإلدانة في أي جريمة ال بد أن تبنى على دليل أخالقي‪ ،‬وهذا يتطلب أن تكون األدلة‬
‫مشروعة‪ ،‬أي أن الحصول عليها يجب أن يكون قد تم وفق احترام قواعد القانون وحقوق اإلنسان‪ ،‬فمبدأ‬
‫مشروعية الدليل في جرائم األعمال يعني أن يكون هذا الدليل وما يتضمنه قد تم الحصول عليه وفق‬
‫اإلجراءات والقواعد القانونية واألنظمة الثابتة في وجدان المجتمع المتحضر‪.254‬‬

‫‪ 251‬القرار الجنائي عدد ‪ 49‬الصادر في ‪ 19‬نونبر ‪ ،1970‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪ 20‬لسنة‬
‫‪ ،1970‬ص ‪.33-32‬‬
‫‪ 252‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 8/474‬المؤرخ في ‪ ،2001/01/25‬ملف جنحي عدد ‪ ،00/7908‬منشور بمجلة‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬العدد المزدوج ‪ 57‬و‪ ،58‬لسنة ‪ ،2001‬ص ‪.419‬‬
‫‪ 253‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.276‬‬
‫‪ 254‬أحمد عوض بالل‪" :‬قاعدة استبعاد األدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة في اإلجراءات الجنائية المقارنة"‪ ،‬ط‪.‬‬
‫االولى ‪ ،1994‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪122‬‬
‫ومن تم فإن كل األدلة التي يتم الحصول عليها عن طريق انتهاك حق أساسي للمتهم تكون باطلة وال‬
‫يمكن التمسك بها ومراعاتها في أي مرحلة من مراحل الدعوى‪.255‬‬

‫ولذلك فإنه يجب أن تكون المخر جات االلكترونية أو األدلة الناتجة عن الحاسب اآللي أو األدلة‬
‫الرقمية‪ ،‬صحيحة ومشروعية حتى يمكن أن تبنى عليها اإلدانة في المواد الجنائية‪.256‬‬

‫وعلى ذلك فإنه يتعين على القاضي الجنائي أال يثبت توافر سلطة الدولة في عقاب المتهم بصفة عامة‬
‫والمتهم المعلوماتي بصفة خاصة‪ ،‬إال من خالل إجراءات مشروعية تحترم فيها الحريات وتؤمن فيها‬
‫الضمانات التي رسمها القانون‪.‬‬

‫ففي قانون اإلجراءات الجنائية الفرنسي نجد أنه رغم أنه عدم توفره على أية نصوص تتعلق بمبدأ‬
‫األمانة أو النزاهة في البحث عن الحقيقة‪ ،‬إال أن الفقه والقضاء كانا دائما بجانب هذا المبدأ‪ ،‬سواء في مجال‬
‫البحث في الجرائم التقليدية‪ ،‬أو في جرائم الحاسوب واألنترنيت‪ ،‬كان يستخدم أعضاء ضباط الشرطة‬
‫القضائية طرقا معلوماتية في أعمال التصنت على االتصاالت الهاتفية‪.257‬‬

‫أما في هولندا‪ ،‬فإنه إذا كانت بيانات الحاسوب مسجلة في ملفات الشرطة قانونية‪ ،‬فذلك يؤدي إلى‬
‫نتيجة مفادها ضرورة محو هذه البيانات‪ ،‬وعدم إمكانية استخدامها كدليل جنائي بسبب مبدأ استبعاد األدلة‬
‫غير القانونية‪.‬‬

‫‪ -‬إمكانية مناقشة الدليل الرقمي خالل جلسة الحكم‬


‫يعني مبدأ وجوب مناقشة الدليل الجنائي بصفة عامة أن القاضي ال يمكن أن يؤسس اقتناعه إال على‬
‫العناصر اإلثباتية التي طرحت في جلسات المحاكمة وخضعت لحرية مناقشتها من قبل أطراف الدعوى‪.‬‬
‫ويجد هذا الشرط أساسه القانوني في إطار المادة ‪ 278‬من ق‪.‬م‪.‬ج التي نصت على أنه‪ ":‬ال يمكن للمحكمة‬
‫أن تبني مقررها إال على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها"‪ .‬والقضاء المغربي‬

‫‪ 255‬رمزي رياض عوض‪ " :‬مشروعية الدليل الجنائي في مرحلة المحاكمة وما قبلها" –دراسة تحليلية‪-‬بدون طبعة‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.84 ،‬‬
‫‪256‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.278‬‬
‫‪ 257‬عفيفي كامل عفيفي‪ " :‬جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنفات الفنية ودور الشرطة والقانون "‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪.410‬‬

‫‪123‬‬
‫جاء فيه‪ ":‬حيث أن األحكام الجنائية تنبني‬ ‫‪258‬‬
‫هو اآلخر كرس هذا الشرط من خالل قرار لمحكمة النقض‬
‫في األصل على التحقيقات الشفوية التي تجريها المحكمة بالجلسة في مواجهة المتهم‪."...‬‬

‫وبخصوص الدليل الرقمي فإنه يتعين مناقشة مخرجات الوسائل االلكترونية أمام الخصوم في جلسة‬
‫المحاكمة تطبيقا لمبدأ شفوية المرافعة‪ ،‬وفي اإلطار يمكن للخبير المعلوماتي أن يحضر أطوار المحاكمة‬
‫بناء على أمر من المحكمة ويقرأ تقريره شفويا في الجلسة في مواجهة األطراف‪.259‬‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬فإن كل دليل يتم الحصول عليه من خالل بيئة تكنولوجيا المعلومات يجب أن‬
‫يعرض في الجلسة‪ ،‬ليس من خالل ملف الدعوى في مرحلة البحث التمهيدي أو مرحلة التحقق اإلعدادي‪،‬‬
‫لكن بصفة مباشرة أمام القاضي شخصيا‪ ،‬وذلك حتى يقيم اقتناعه على ما شاهده وسمعه بجلسة المحاكمة‪.260‬‬

‫ففي فرمسا مثال ينص قانون اإلجراءات الجنائية في فقرته الثانية من المادة ‪ 427‬على هذه القاعدة‬
‫الهامة بالقول أنه‪ ":‬ال يجوز للقاضي أن يؤسس حكمه إال على أدلة طرحت عليه أثناء المحاكمة ونوقشت‬
‫أمامه في مواجهة األطراف‪.261‬‬

‫وفي القانون المغربي تنص المادة ‪ 287‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪ ":‬ال يمكن للمحكمة أن‬
‫تبني مقررها إال على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها"‪.‬‬

‫بأنه‪ ":‬بمقتضى الفصل ‪ 287‬من‬ ‫‪262‬‬


‫وتكريسا لهذا المبدأ قضت محكمة النقض في أحد قرارتها‬
‫قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬فإن القاضي ال يمكن له تبني مقرره‪ ،‬إال على حجج عرضت أثناء اإلجراءات‬
‫ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامه‪ ،‬ول هذا يتعرض للنقض‪ ،‬المقرر الذي بني على رئيس الجلسة عندما قام‬
‫بالتحقيق سابقة"‪.‬‬

‫وبذلك فإن قاعدة وجوب مناقشة الدليل الجنائي سواء دليال تقليديا أم دليال إلكترونيا تعتبر ضمانه‬
‫هامة أكيدة للعدالة‪ ،‬خاصة في مجال جرائم األعمال التي غالبا ما يكون فيها الحصول على دليل كاف‬

‫‪ 258‬قرار عدد‪ 3270 :‬صادر بتاريخ ‪ 2012/11/1‬في الملف الجنائي عدد‪ ،2006/6/21023 :‬أشار إليه‪ :‬عماد‬
‫بولحبال‪" :‬دراسة قانونية عن قياس الظواهر االجرامية طبقا ً لإلحصائيات الجنائية "‪ ،‬طالب باحث بسلك الماسة‪ ،‬تخصص‬
‫القانون الجنائي و التعاون الجنائي الدولي‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية مكناس‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪ 259‬عماد بولحبال‪" :‬دراسة قانونية عن قياس الظواهر االجرامية طبقا ً لإلحصائيات الجنائية "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.259‬‬
‫‪ 260‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.277‬‬
‫‪Le juge ne peut fonder sa décision que sur des preuves qui lui sont apportées au 261‬‬
‫‪cours des débats et contradictoirement discutées devant lui‬‬
‫‪ 262‬قرار جنائي عدد ‪ 9‬بتاريخ ‪ 19‬نونبر ‪ .1970‬أشار إليه‪ :‬الناجم كوبان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.277‬‬

‫‪124‬‬
‫إلدانة المتهم أمرا ليس باليسر أبدا‪ ،‬وذلك حتى ال يحكم القاضي في هذه الجرائم بمعلوماته الشخصية أو‬
‫بناء على رأي الغير‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االقتناع القضائي واستقرار اليقين في تقدير الدليل الرقمي‬

‫فال بد من إطالق سلطة القاضي الجنائي في اإلثبات للوصول إلى الحقيقة وكشف الجريمة‪ ،‬خصوصا أن‬
‫المجرمين ال يرتكبون جرائمهم في العلن‪ ،‬وال يعلنون مقدما عما ينوون القيام به‪ ،‬مما يعطي أهمية كبيرة‬
‫لمبدأ السلطة التقديرية للقاضي الجنائي‪.263‬‬

‫وأصبح القضاء خاصة في مجال جرائم األعمال يعول عليها كأدلة فنية يؤسس عليها األحكام باإلدانة أو‬
‫البراءة‪ ،‬وذلك لما لها من عناصر القوة‪ ،‬وبما تتميز به أصول الثبات واالستقرار والثقة في مصادرها‬
‫العلمية‪.264‬‬

‫لكن إنه بمجرد الحصول على الدليل الرقمي وتقديمه للقضاء ال يكفي العتماده كدليل لإلدانة‪ ،‬إذ الطبيعة‬
‫الفنية الخاصة للدليل الرقمي تمكن من العبث بمضمونه على نحو يحرف الحقيقة دون أن يكون في قدرة‬
‫غير المتخصص إدراك ذلك العبث‪ ،‬فضال عن ذلك فإن نسبة الخطأ في إجراءات الحصول على دليل‬
‫صادق في اإلخبار عن الحقيقة تبدو عالية في مثل هذا النوع من األدلة‪ ،‬ولذلك تثور فكرة الشك في‬
‫مصداقيتها كأدلة لإلثبات الجنائي‪ ،‬فهل من شأن ذلك استبعاد الدليل الرقمي من دائرة أدلة اإلثبات الجنائي‬
‫لتعارضه وقرينة البراءة؟‬

‫أ‪ -‬الشك في تقدير الدليل الرقمي كأدلة لإلثبات الجنائي‬

‫إن سلطة القاضي الجنائي في تقدير الدليل ال يمكن أن نتوسع في شأنها بحيث يقال إن هذه السلطة‬
‫تمتد لتشمل األدلة العلمية‪ ،‬فالقاضي بثقافته القانونية ال يمكنه إدراك الحقائق المتعلقة بأصالة الدليل الرقمي‪،‬‬
‫فضال عن ذلك فإن هذا الدليل يتمتع من حيث قوته التدليلية بقيمة إثباتية قد تصل إلى حد اليقين‪ ،‬فهذا هو‬
‫شأن األدلة العلمية عموما‪ ،‬فالدليل الرقمي من حيث تدليله على الواقع تتوافر فيه شروط اليقين‪ ،‬مما ال‬
‫يمكن معه القبول بممارسة القاضي لسلطته في التأكد من ثبوت تلك الوقائع التي يعبر عنها ذلك لدليل‪،‬‬
‫ول كن هذا ال يناقض ما سبق أن قدمناه من أن الدليل الرقمي هو موضع شك من حيث سالمته من العبث‬

‫‪ 263‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪ 264‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في إطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.280‬‬

‫‪125‬‬
‫من ناحية وصحة اإلجراءات المتبعة في الحصول عليه من ناحية أخرى‪ ،‬حيث يشكك في سالمة الدليل‬
‫الرقمي من ناحيتين‪:‬‬

‫‪ -‬الناحية األولى‪ :‬الدليل الرقمي من الممكن خضوعه للعبث للخروج به على نحو يخالف الحقيقة‪،‬‬
‫ومن ثم فقد يقدم هذا الدليل معبرا عن واقعة معينة صنع أساسا ألجل التعبير عنها خالفا للحقيقة‪،‬‬
‫وذلك دون أن يكون في استطاعة غير المتخصص إدراك ذلك العبث‪ ،‬على نحو يمكن معه القول‬
‫إن ذلك قد أصبح هو الشأن في النظر لسائر األدلة الرقمية التي قد تقدم للقضاء‪ ،‬فالتقنية الحديثة‬
‫تمكن من العبث بالدليل الرقمي بسهولة ويسر بحيث يظهر وكأنه نسخة أصلية في تعبيرها عن‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬الناحية الثانية‪ :‬وإن كانت نسبة الخطأ الفني في الحصول على الدليل الرقمي نادرة للغاية‪ ،‬إال أنها‬
‫‪265‬‬
‫تظل ممكنة‪ ،‬ويرجع الخطأ في الحصول على الدليل الرقمي لسببين‪:‬‬

‫‪ ‬الخطأ في استخدام األداة المناسبة في الحصول على الدليل الرقمي‪ ،‬ويرجع ذلك للخلل في الشفرة‬
‫المستخدمة أو بسبب استخدام مواصفات خاطئة‪.‬‬
‫‪ ‬الخطأ في استخالص الدليل‪ ،‬ويرجع ذلك إلى اتخاذ قرارات الستخدام األداة تقل نسبة صوابها عن‬
‫‪ %100‬ويحدث هذا غالبا بسبب وسائل اختراق البيانات أو بسبب معالجة البيانات بطريقة تختلف‬
‫عن الطريقة األصلية التي تم تقييمها‪.‬‬

‫ومن ذلك فإننا نخلص إلى أن الشك في الدليل الرقمي ال يتعلق بمضمونه كدليل‪ ،‬وإنما بعوامل مستقلة‬
‫عنه‪ ،‬ولكنها تؤثر في مصداقيته‪ ،‬ولكن هل يمكن التثبت من سالمة الدليل الرقمي من حيث العيوب؟ وبكلمة‬
‫أوضح هل من الممكن أن يضفي على الدليل الرقمي اليقين من خالل إخضاعه للتقييم الفني الذي يمكن من‬
‫تفادي تلك العيوب التي تشوبه وما موقف القاضي الجنائي من هذا الدليل إذا ما خضع لمثل ذلك التقييم؟‬

‫مثلما يخضع الدليل الرقمي لقواعد معينة تحكم طرق الحصول عليه‪ ،‬فإنه يخضع لقواعد أخرى‬
‫للحكم على قيمته التدليلية‪ ،‬وذلك يرجع للطبيعية الفنية لهذا الدليل‪ ،‬عليه فهناك وسائل فنية من طبيعة هذا‬
‫الدليل تمكن من فحصه للتأكد من سالمته وصحة اإلجراءات المتبعة في الحصول عليه‪ ،‬وسوف نحاول‬
‫فيما يلي تناول بعض هذه الوسائل‪.‬‬

‫‪ 265‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬زبيده محمد قاسم‪ ،‬عبد هللا عبد العزيز‪" :‬نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل الرقمي‬
‫لإلثبات في جرائم الكمبيوتر‪ ،‬منشور ضمن أعمال مؤتمر"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2253‬‬

‫‪126‬‬
‫ب‪-‬وسائل تقييم الدليل الرقمي‬

‫سوف نتناول وسائل تقييم الدليل الرقمي من حيث سالمته من العبث‪ ،‬ثم وسائل تقييمه من حيث‬
‫سالمة اإلجراءات المتبعة للحصول عليه من الناحية الفنية وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬تقييم الدليل الرقمي من حيث سالمته من العبث‬

‫يمكن التأكد من سالمة الدليل الرقمي من العبث بعدة طرق نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -‬تبدو فكرة التحليل التناظري الرقمي من الوسائل المهمة للكشف عن مصداقية الدليل الرقمي‪ ،‬ومن‬
‫خاللها تتم مقارنة الدليل الرقمي المقدم للقضاء باألصل المدرج باآللة الرقمية‪ ،‬ومن خالل ذلك يتم التأكد‬
‫من مدى حصول عبث في النسخة المستخرجة أم ال‪.266‬‬

‫‪ -‬حتى في حالة عدم الحصول على النسخة األصلية للدليل الرقمي أو في حالة أن العبث قد وقع‬
‫على النسخة األصلية‪ ،‬ففي اإلمكان التأكد من سالمة الدليل الرقمي من التبديل أو العبث من خالل استخدام‬
‫عمليات حسابية خاصة تسمى بالخوارزميات‪.‬‬

‫‪ -‬هنا ك نوع من األدلة الرقمية يسمى بالدليل المحايد‪ ،‬وهو دليل ال عالقة له بموضوع الجريمة‪،‬‬
‫ولكنه يساهم في التأكد من مدى سالمة الدليل الرقمي المقصود من حيث عدم حصول تعديل أو تغيير في‬
‫النظام (الكمبيوتري)‪.267‬‬

‫فمن خالل هذه الطرق يمكن التأكد من سالمة الدليل الرقمي ومطابقته للواقع‪.‬‬

‫‪ 266‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬زبيده محمد قاسم‪ ،‬عبد هللا عبد العزيز‪" :‬نموذج مقترح لقواعد اعتماد الدليل الرقمي‬
‫لإلثبات في جرائم الكمبيوتر‪ ،‬منشور ضمن أعمال مؤتمر"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.2247-2246‬‬
‫‪ 267‬م مدوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬زبيدة محمد قاسم‪ ،‬عبد هللا عبد العزيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.2247‬‬

‫‪127‬‬
‫‪ -2‬تقييم الدليل الرقمي من حيث السالمة الفنية لإلجراءات المستخدمة في الحصول‬
‫عليه‬

‫مما ال شك فيه أن هذه اإلجراءات من الممكن أن يعتريها خطأ قد يشكك في سالمة نتائجها‪ ،‬ولذا‬
‫فإنه يمكن في هذا الشأن اعتماد ما يعرف باختبارات (داو بورت)‪ 268‬كوسيلة للتأكد من سالمة اإلجراءات‬
‫المتبعة في الحصول على الدليل الرقمي من حيث إنتاجها لدليل تتوافر فيه المصداقية لقبوله كدليل إثبات‪،‬‬
‫ولذا فإننا سنعرض باختصار للخطوات التي تتبع للتأكد من سالمة هذه اإلجراءات من الناحية الفنية‪:269‬‬

‫‪ -‬إخضاع األداة المستخدمة لعدة تجارب للتأكد من دقتها في إعطاء النتائج المبتغاة‪ ،‬وذلك بإتباع‬
‫اختبارين رئيسين هما‪:‬‬

‫‪ ‬اختبار السلبيات الزائفة‪ :‬ومفاد هذا االختبار أن تخضع األداة المستخدمة في الحصول على‬
‫الدليل الختبار يبين مدى قدرتها على عرض كافة البيانات المتعلقة بالدليل الرقمي‪ ،‬وأنه ال‬
‫يتم إغفال بيانات مهمة عنه‪.‬‬
‫‪ ‬اختبار االيجابيات الزائفة‪ :‬ومفاد ذلك أن تخضع األداة المستخدمة في الحصول على الدليل‬
‫الرقمي الختبار فني يمكن من التأكد من أن هذه األداة ال تعرض بيانات إضافية جديدة‪.‬‬

‫وبذلك يتم من خالل هذين االختبارين التأكد من أن األداة المستخدمة عرضت كل البيانات المتعلقة‬
‫بالدليل الرقمي وفى ذات الوقت لم تض ف إليها أي بيان جديد‪ ،‬وهذا يعطي للنتائج المقدمة عن طريق تلك‬
‫اآللة مصداقية في التدليل على الواقع‪.‬‬

‫‪ -‬االعتماد على األدوات التي أثبتت البحوث العلمية كفاءتها في تقديم نتائج أفضل‬

‫وال شك أن الخبرة تحتل في هذه الحالة دروا مهما في التثبت من صالحية هذا الدليل كأساس لتكوين‬
‫عقيدة القاضي‪ ،‬فبحث مصداقية هذا الدليل هي من صميم فن الخبير ال القاضي‪.‬‬

‫وهنا ننوه إلى عدم الخلط بين الشك الذي يشوب الدليل الرقمي بسبب إمكانية العبث به أو لوجود‬
‫خطأ في الحصول عليه وبين القيمة اإلقناعية لهذا الدليل‪ ،‬فالحالة األولى ال يملك القاضي الفصل فيها ألنها‬

‫‪ 268‬ترجع أصول هذا االختبار" اختبارات داو برت" للحكم الذي أصدرته المحكمة العليا األمريكية في قضية داو بورت‬
‫ضد ميريل دو للصناعات الدوائية ‪ - ،1993‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬زبيدة محمد قاسم‪ ،‬عبد هللا عبد العزيز‪،‬‬
‫ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬زبيدة محمد قاسم‪ ،‬عبد هللا عبد العزيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2248‬‬
‫‪ 269‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬زبيدة محمد قاسم‪ ،‬عبد هللا عبد العزيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 2294‬وما بعدها‬

‫‪128‬‬
‫مسألة فنية فالقول فيها هو قول أهل الخبرة‪ ،‬فإن سلم الدليل الرقمي من العبث والخـطأ‪ ،‬فإنه لن يكون‬
‫للقاضي سوى القبول بهذا الدليل وال يمكنه التشكيك في قيمته التدليلية لكونه وبحكم طبيعته الفنية يمثل‬
‫إخبارا صادقا عن الواقع‪ ،270‬ما لم يثبت عدم صلة الدليل بالجريمة المراد إثباتها‪.‬‬

‫نصت قوانين بعض الدول التي تعتنق نظام األدلة القانونية على الحجية القاطعة لألدلة الرقمية‪ ،‬راجع‪:‬‬ ‫‪270‬‬

‫‪ -‬هاللي عبد اإلله أحمد‪" :‬حجية المخرجات"‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.95‬‬

‫‪129‬‬
‫خاتمة‬
‫بهذا نكون قد انتهينا من دراستنا لهذا البحث‪ ،‬والذي حاولت أن أظهر فيه مجموعة من النقط المهمة‪،‬‬
‫باعتبار موضوع اإلثبات بالوسائل الحديثة‪ ،‬من أهم الركائز التي يقوم عليها نظام العدالة الجنائية و هو من‬
‫المواضيع الشائكة التي يصعب التحكم فيها خصوصا وأنه يطرح مجموعة من اإلشكاليات سواء على‬
‫المستوى النظري أو العملي‪ ،‬والتي تتضارب في شأنها اآلراء الفقهية وتختلف االتجاهات والمواقف‬
‫القضائية حولها‪ ،‬حيث أن موضوع اإلثبات في جرائم األعمال هو موضوع معقد‪ ،‬متشابك ومركب يختلط‬
‫فيه الموضوعي باإلجرائي‪ ،‬ويتداخل فيه ما هو اقتصادي بما هو قانوني‪.‬‬

‫كما أن هناك ارتباط واضح بين الجريمة وكيفية اثباتها‪ ،‬حيث استفادت العصابات من سهولة ارتكاب‬
‫األعمال االجرامية‪ ،‬خصوصا فيما يتعلق بجرائم األعمال‪ ،‬خاصة إذا ما استحضرنا هذه الجرائم فهي جرائم‬
‫عصرية ومتطورة تتم في خفاء شبه تام‪ ،‬تكاد ال تترك لسلطات البحت والتحري مجاال للكشف عنها‬
‫واإلحاطة بمسرحها‪ ،‬وحتى وإن تم ذلك يبقى أمر إثبات نسبها إلى متهم معين نادرا ما يتحقق‪.‬‬

‫إذ في عصر العولمة وصلت أليدي الناس كثير من التقنيات الحديثة‪ ،‬مما جعل العالم قرية صغيرة‪،‬‬
‫مع تزايد الطلب لفتح الحدود أمام األفراد والبضائع واألموال دون قيود‪ ،‬مما أثر على األمن واالقتصاد‪،‬‬
‫حيث أصبحت األموال تتحرك وتتحول الكترونيا دون معرفة الهويات ودون ضبطها‪ ،‬وهو ما ساعد على‬
‫انتشار جريمة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وغيرها من الجرائم‪ ،‬وظهور أشكال جديدة للنشاط اإلجرامي‬
‫كجرائم التالعب بالحسابات‪ ،‬مما ساهم في تفشي ظاهرة الفساد والجريمة المنظمة بأنواعها‪.‬‬

‫إذ يعتبر اإلثبات بالوسائل الحديثة والكشف عـن الحقيقة مـن أهـم المسائل التي تحظى باهتمام‬
‫القاضي‪ ،‬ولتحقق هذه الغاية يوجب فيها إقامة الدليل الكافي على ارتكاب الجريمة وإلى فاعلها‪ ،‬فالحق بدون‬
‫إقامة الدليل عليها يعتبر هو و العدم سواء‪ ،‬غير أننا في هذا العصر نشهد تراجع لوسائل وطرق اإلثبات‬
‫التقليدية في إثبات الجرائم‪ .‬مما أدى بذلك إلى تسخير واستغالل وسائل علمية حديثة لإلثبات مبنية على‬
‫حجية علمية ‪ ،‬فضال عـن ذلك اختصارها للزمن للقيام بالمهمة فأصبحت بذلك تحتل مكانة مقارنة باألدلة‬
‫الجنائية التقليدية‪.‬‬

‫من هنا تم التطرق فی الموضوع بشكل عام إلى المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال‪ ،‬وبشكل‬
‫خاص الى حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم األعمال‪ .‬حيث نهج نظام اإلثبات‬
‫المغربي المختلط "القضائي و القانوني" (المرن والجامد) قد أعطى لألفراد الحق في حرية اللجوء إلى كافة‬
‫وسائل اإلثبات‪ ،‬و في نفس الوقت أعطى للقضاء سلطة تقديرية شبه مطلقة في الحكم بناء على اقتناعه‬

‫‪130‬‬
‫الوجداني‪ ،‬كما تم التعرف على ماهية جرائم األعمال‪ ،‬والمثبتة باألدلة العلمية‪ ،‬وبعد ذلك تم التطرق الى‬
‫مشروعية هذه الوسائل في القانون المغربي حيث تم عرض هذه الوسائل وكيفية استغاللها وهل تم ذلك‬
‫بطرق مشروعة أو غير مشروعة‪ ،‬ألن الدليل المستمد من هذه الوسائل إذا جاء بطريقة غير مشروعة يعد‬
‫باطال‪ ،‬ألن ما بني على باطل فهو باطل‪.‬‬

‫لنخلص في األخير إلى أن هذه الوسائل مهما كانت قوة صفاتها وارتقت سماتها تحتاج إلى حس‬
‫قضائي ال يدركه إال القاضي ليخدم فيه بذلك الدعوى ويرضي العدالة ويحقق الغاية المرجوة‪ ،‬غير أنه‬
‫يجب عليه التزود بالمعارف العلمية المختلفة حتى يتسنى له فهمها‪.‬‬

‫ومن هنا سنقوم باستعراض النتائج المتوصل إليها وكذا المقترحات المختلفة التي فرضت نفسها في‬
‫هذا الشأن‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫النتائج‬

‫نستعرض أهم النتائج المتوصل إليها في هذه الدراسة كما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬يتضح توفق المشرع المغربي إلى حد كبير في استيعاب أحدث ما تم التوصل إليه عالميا في مجال‬
‫وسائل اإلثبات الجنائية العلمية الحديثة‪.‬‬
‫‪ ‬المغرب على غرار باقي دول العالم خصوصا تلك السائرة في طريق النمو منها‪ ،‬عرف خالل‬
‫العقدين األخيرين ثورة تشريعية حقيقية همت الترسانة القانونية بشكل عام ومجال قانون األعمال بشكل‬
‫خاص‪ ،‬وذلك رغبة في االستجابة لمتطلبات االستثمار الداخلي والخارجي وكذا في الدفع نحو تقوية روابطه‬
‫االقتصادية مع مجموعة من األقطار بعد إبرام اتفاقية التعاون االقتصادي مع االتحاد األوروبي والوضع‬
‫المتقدم الذي منحه إياه هذا األخير‪ ،‬وكذا اتفاقية التبادل الحر مع الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫‪ ‬تبنت المدرسة الوضعية موقفا يؤكد على الحجية المطلقة لألدلة العلمية استندت فيه على الدقة‬
‫العلمية لهذه األدلة‪ ،‬و أن مبدأ حرية القاضي في تقدير األدلة يعطي له سلطة تقديرية واسعة في تقدير قيمة‬
‫األدلة المعروضة عليه‪ ،‬آخذين بعين االعتبار أن القاضي يجب أن يكون اقتناعه بأدلة اإلدانة يقينيا‪ ،‬وأن‬
‫الشك يفسر دائما لفائدة المتهم‪.‬‬

‫‪ ‬البصمات التي يتم االعتماد عليها في اإلثبات‪ ،‬بطريقة معقدة تستوجب تكنولوجيا عالية‪ ،‬وتتميز‬
‫هذه البصمة بكونها الوحيدة التي ال تتغير منذ والدة اإلنسان وحتى مماته‪ ،‬وعموما فإن المحاكم الجنائية‬
‫تعمل على األخذ بالبصمات كدليل إثبات قاطع في الجرائم التقليدية عامة‪ ،‬وفي جرائم األعمال خاصة‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ ‬بالنسبة لإلثبات في جرائم األعمال نالحظ عموما أن المشرع المغربي لم يخرج عن طرق اإلثبات‬
‫المستعملة في القواعد العامة‪ ،‬إال أنها في بعض جرائم األعمال أعطى لبعض طرق اإلثبات فيها قوة ثبوتية‬
‫جعلتها تضفي عليها طبيعة خاصة عما هو عليها في القواعد العامة‪ ،‬ومثال ذلك المحاضر المحررة من‬
‫طرف عونين من مراقبي األسعار والجودة والمنافسة حيث ال يطعن فيها إال بالتزوير‪.‬‬
‫‪ ‬االعتراف هو أحد وسائل اإلثبات التقليدية‪ ،‬وتتمتع المحكمة بسلطة تقديرية في تقدير قيمة‬
‫االعتراف‪ ،‬بحيث تطرح المحكمة االعتراف إذا تناق ض مع خبرة فنية أو مع وسيلة من وسائل اإلثبات‬
‫الحديثة‪ ،‬أو مع تقرير خبرة فنية‪.‬‬
‫‪ ‬الشهادة وسيلة من وسائل اإلثبات التقليدية‪ ،‬إال أنه يتم استبعاد الشهادة في حال تناقضها مع وسيلة‬
‫من وسائل اإلثبات الحديثة‪.‬‬
‫‪ ‬أوضحت الدراسة بأن األدلة الرقمية لها الحجية أمام المحاكم المختصة‪ ،‬بشرط اتباع االجراءات‬
‫النظامية الصحيحة في استخالصها من قبل المحققين‪ ،‬ثم يتبع ذلك خضوعها للتدقيق والمناقشة أمام القاضي‬
‫حتى يكون قناعته ويبني عليه حكمه متى ما سلم من العوارض‪.‬‬
‫‪ ‬أن المشرع المغربي نص على آلية جديدة في إثبات الجرائم والمتمثلة في إجراء االختراق وذلك‬
‫عندما يتعلق بأحد الجرائم الواردة في المادة ‪ 108‬من المسودة‪.‬‬
‫‪ ‬ان ضابط الشرطة القضائية أو العون المنفذ للعملية ال يسمح له المشرع باإلدالء بشهادته إال في‬
‫حالة عدم توفر أي وسيلة أخرى‪.‬‬

‫المقترحات‬

‫من بين المقترحات التي نرى أنها ضرورية خالل ما تم التوصل إليه بهذه الدراسة ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬أن المشرع المغربي لم ينص على بعض الضمانات المتعلقة بتنفيذ تلك اإلجراءات الخاصة‬
‫كإخطار الشخص بمراقبة أحاديثه بعد انتهاء عملية المراقبة‪ ،‬وتمكينه من االطالع عليها ومناقشتها‬
‫واالعتراض عليها خالل التحقيق االبتدائي‪ ،‬إضافة إلى خلو قانون اإلجراءات الجزائية من بيان مصير‬
‫التسجيالت المتحصل عليها بعد انتهاء الغرض منها‪ ،‬وكيفية المحافظة عليها بوضعها في أحرار مختومة‬
‫لتفادي العبث فيها باإلضافة أو الحذف‪.‬‬

‫‪ ‬تبقى بعض الحاالت يمكن للجاني الفرار من المسؤولية الجنائية‪ ،‬وذلك بالتخلص من آثار البصمات‬
‫بالحرق‪ ،‬هذا فضال عن إمكانية إزالتها عن طريق الجراحة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ ‬التشريع الجنائي لألعمال الحالي ما فتئ عاجزا عن التصدي لجرائم األعمال خاصة في ظل تطور‬
‫هذه األخيرة‪ ،‬والذي تزامن مع تطور التجارة اإللكترونية‪ ،‬وهو ما يفرض مالءمة التشريع الجنائي مع هذه‬
‫الجرائم لكي ال تبقى خارج نطاق التجريم‪ ،‬وتسهيل على القضاء اثبات الجرائم المرتكبة فيها‪.‬‬

‫‪ ‬التعاون الدولي السيما العربي منها‪ ،‬في مجال التحقيق واإلثبات في الجرائم المستحدثة‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة ابتعاد المشرع المغربي عن تقليد غيره من المشرعين والسيما المشرع الفرنسي‬
‫كاالقتباس الحرفي للنصوص التشريعية‪.‬‬
‫‪ ‬تدريب وتطوير قدرات األجهزة األمنية لمواكبة تطور الجريمة المعتمدة على التقنية‪ ،‬والتغلب‬
‫عليها‪ ،‬و تعزيز أجهزة األدلة الجنائية بالخبرات والكفاءات العلمية والتقنية البشرية‪ ،‬نظرا لقلة الخبرات‬
‫والتخصصات في مجاالت التحقيق الجنائي المتطور واألجهزة الحديثة المتطورة‪.‬‬
‫‪ ‬إرسال القضاة والمحققين الجنائيين إلى دورات فنية متخصصة في مجال التعامل مع األدلة العلمية‬
‫الحديثة بشكل حرفي متخصص‪ ،‬والتعاون في هذا المجال مع البلدان األخرى سواء كانت أجنبية أم عربية‪.‬‬
‫‪ ‬التأهيل القضائي للتعرف على طبيعة األدلة الرقمية المستخلصة من األجهزة االلكترونية وذلك‬
‫للوقوف على أهميته كدليل إثبات لتالفي الوقوع في األخطاء أثناء استخدام القاضي سلطته التقديرية في‬
‫تكييف الدليل الرقمي‪.‬‬
‫‪ ‬السعي إلى تجميع النصوص الجنائية المنظمة لمجال األعمال في مدونة واحدة تشكل تجميعا‬
‫وتنسيقا لمبادئ القانون الجنائي لألعمال‪ ،‬باإلضافة إلى نصوص مسطرية جنائية تحدد بشكل واضح كيفية‬
‫إجراء األبحاث التمهيدية والتحقيقات والمحاكمة في هذا النوع من الجرائم‪ ،‬مع ضرورة تحديد التأطير‬
‫القانوني لمخلف وسائل اإلثبات المعتمدة في ذلك‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالجوانب الفنية لجمعها ومناقشتها في‬
‫جلسة الحكم‪.‬‬
‫‪ ‬توفير التأطير القانوني لوسائل اإلثبات الحديثة‪ ،‬خاصة تلك المرتبطة بعالم األنترنت التي تبقى‬
‫من بين أهم الوسائل لتوفير اإلثبات في جرائم األعمال التي لها عالقة بالشبكة العنكبوتية‪ ،‬علما أن العلم‬
‫الحديث يوفر مجموعة من الوسائل المتطورة لإلثبات‪ ،‬يكفي فقط فهمها وتأطير كيفية الحصول عليها‬
‫واستعمالها قانونا‪ ،‬مع ضرورة أخد القاضي الجنائي بها‪ ،‬لكونها تساهم في تعزيز أدلة اإلثبات األخرى‪.‬‬
‫‪ ‬التفكير في إيجاد محاكم متخصصة في جرائم األعمال بها قضاة للحكم والتحقيق والنيابة العامة‬
‫متخصصين في جرائم األعمال‪ ،‬مع ضرورة تخويل النيابة العامة لدى هذه الحاكم حق تحريك الدعوى‬
‫العمومية ومتابعيها‪ ،‬بدل االكتفاء بإحالة الملف على النيابة العامة لدى المحاكم العادية‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الئحة المراجع باللغة العربية‬
‫مراجع عامة‬

‫‪ ‬الجندي أحمد حسني‪" :‬القانون الجنائي للمعامالت التجارية"‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬القانون الجنائي‬
‫للشركات‪ ،‬النشر دار النهضة العربية‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي‪ ،‬القاهرة‪.1989 ،‬‬
‫‪ ‬بدوي أحمد زكي‪" :‬معجم المصطلحات القانونية"‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ ‬عوض م حمد محي الدين‪" :‬حقوق اإلنسان في اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون دار نشر‪ ،‬لسنة‬
‫‪.1989‬‬
‫‪ ‬إدوارد عيد‪" :‬موسوعة أصول المحاكمات واالثبات والتنفيذ"‪ ،‬الجزء السادس عشر‪ ،‬االثبات‪،‬‬
‫اليمين‪ ،‬والشهادة‪ ،‬لبنان‪.1991‬‬

‫‪ ‬محمود نجيب حسنى‪ " :‬االختصاص واالثبات في قانون االجراءات الجنائية"‪ ،‬القاهرة دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬سنة ‪.1992‬‬
‫‪ ‬أبو الفضل جمال الدين بن محمد ابن منظور‪" :‬لسان العرب"‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪ ،‬لسنة ‪1994‬م‪.‬‬
‫محمد الشوا‪ :‬ثورة المعلومات وانعكاساتها على قانون العقوبات‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫‪‬‬

‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬السنة ‪.1994‬‬


‫‪ ‬جيالني بغدادي‪" :‬االجتهاد القضائي في المواد الجرائية"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المؤسسة الوطنية لالتصال‬
‫والنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة ‪.1996‬‬
‫‪ ‬محمد فرحات‪ " :‬المبادئ العامة في الفقه االسالمي"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫سنة ‪.1998‬‬
‫‪ ‬محمد زاليجي‪ :‬جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها ومالءمة جزاءاتها (القسم األول)‪،‬‬
‫مجلة "المناظرة‪ ،‬إصدار مجلس هيئة المحامين بوجدة‪ ،‬مطبعة المتقي‪ ،‬بتاريخ ‪ 4‬يونيو ‪.1999‬‬
‫‪ ‬هاللي عبد اإلله احمد‪" :‬حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية"‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬بدون‬
‫رقم طبعة او دار نشر لسنة ‪.1999‬‬
‫‪ ‬أحمد شوقي الشلقاني‪" :‬مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري"‪ ،‬الجزء ‪ ،2‬الجزائر‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون‪ ،‬سنة ‪.1999‬‬

‫‪ ‬عبد الفتاح مراد‪" :‬التحقيق الجنائي الفني والبحث الجنائي"‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث لإلسكندرية‪،‬‬
‫الطبعة االولى ‪.1999‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ ‬عبد الرحيم صدقي‪" :‬االجرام المنظم"‪ ،‬جريمة القرن الحادي والعشرون دراسة في مصر والبالد‬
‫العربية تاريخ النشر ‪ ، 30/12/1998‬الناشر المكتب الجامعي الحديث دار الهاتي للطباعة‪ ،‬السنة‬
‫‪.2000‬‬
‫‪ ‬خالد محمد خالد‪" :‬المنظمات االقتصادية والنظام الدولي الجديد السياسات الدولية"‪ ،‬مجموعة النيل‬
‫العربية‪ ،‬سنة ‪.2003‬‬
‫‪ ‬أحمد خليفة الملط‪" :‬الجرائم اإللكترونية"‪ ،‬دار الفكر الجامعي القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬لسنة ‪.2005‬‬
‫‪ ‬منصور رحماني‪" :‬الوجيز في القانون الجنائي العام"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬لسنة‬
‫‪.2006‬‬
‫‪ ‬محمد الدغيدي‪" :‬التحريات واالثبات الجنائي"‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪ ،‬سنة ‪.2006‬‬
‫‪ ‬عباس أبو شامة عبد المحمود‪" :‬عولمة الجريمة االقتصادية" جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫السنة ‪.2007‬‬
‫‪ ‬فؤاد معالل‪" :‬الملكية الصناعية والتجارية‪ ،‬دراسة في القانون المغربي واالتفاقيات الدولية"‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬دار األفاق المغربية للنشر والتوزيع الدار البيضاء‪.2009 ،‬‬
‫‪ ‬ابن خدة رضي‪" :‬في محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية ‪-‬تأصيل وتفصيل‪ ،»-‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬يوليوز ‪.2010‬‬

‫‪ ‬أحمد فالح الخرابشة‪ ":‬االشكالية االجرائية للشهادة في المسائل الجزائية‪- ،‬دراسة مقارنة‪ ،"-‬دار‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬طبعة ‪.2010‬‬
‫‪ ‬محمد زكى أبو عامر‪ " :‬االثبات في المواد الجنائية"‪ ،‬محاولة فقهية وعملية إلرسال نظرية عامة‪،‬‬
‫‪ ، 1995‬الفنية للطباعة والنشر‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬سنة ‪.2011‬‬
‫‪ ‬نجمي جمال‪" :‬إثبات الجريمة على ضوء االجتهاد القضائي"‪ ،‬الجزائر دار هومة‪ ،‬لسنة ‪.2011‬‬

‫‪ ‬محمد بن حم‪" :‬مفهوم جرائم رجال األعمال مقاصد ونطاق تطبيق القانون"‪ ،‬رئيس غرفة بمحكمة‬
‫النقض‪ ،‬دار القانون للمحاماة في ‪ ،08:40.00-2015/08/24‬يوليوز ‪.2012‬‬
‫‪ ‬محمد أحداف‪ :‬علم االجرام‪ " ،‬النظرية العلمية والسلوك االجرامي"‪ ،‬طبعة ‪ 2015‬مطبعة سجلماسة‬
‫الزيتون مكناس‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مراجع متخصصة في الموضوع‬

‫‪ ‬محمود محمود مصطفى‪ " :‬االثبات في المواد الجنائية"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،‬سنة‬
‫‪.1911‬‬
‫‪ ‬فوزية عبد الستار‪ " :‬شرح قانون االجراءات الجنائية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬لسنة‬
‫‪.1977‬‬

‫‪ ‬أحمد الخمليشي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1980‬مكتبة‬
‫المعارف‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‪ ‬معجم اللغة العربية‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬مصر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬لسنة ‪.1985‬‬
‫‪ ‬أحمد بن دخيل هللا الردادي‪ :‬م األمنية‪ ،‬المركز العربي للدراسات األمنية والتدريب‪ ،‬الرياض‬
‫‪.1989‬‬
‫‪ ‬أحمد فتحي سرور‪" :‬الجرائم الضريبية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬لسنة ‪.1990‬‬

‫‪ ‬أحمد شوقي عمر أبو خطوة‪" :‬المساواة في القانون الجنائي‪ ،‬دراسة مقارنة " القاهرة دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬سنة ‪.1991‬‬
‫‪ ‬العميد السيد المهدي‪ :‬مسرح الجريمة وداللته في تحديد شخصية الجاني‪ ،‬دار النشر بالمركز العربي‬
‫للدراسات األمنية والتدريب الرياض‪ ،‬لسنة ‪.1993‬‬
‫‪ ‬أحمد عوض بالل‪ " :‬قاعدة استبعاد األدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة في اإلجراءات الجنائية‬
‫المقارنة"‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،1994‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ ‬أحمد مرسي‪ " :‬الحاسوب والقانون"‪ ،‬مؤسسة الكويت التقدم العلمي‪ ،‬إدارة التأليف الترجمة والنشر‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.1995‬‬
‫‪ ‬محمد مؤنس محب الدين‪" :‬شرح قانون االجراءات الجنائية ‪-‬االثبات الجنائي"‪ ،‬مكتبة االنجلو‬
‫مصرية‪ ،‬مصر لسنة ‪.1995‬‬
‫‪ ‬رمسيس بنهنام‪" :‬الجريمة والمجرم في الواقع الكوني" طبعة ‪ ،1996- 1995‬منشأة المعارف‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ ‬عبد الحكيم فوده‪" :‬حجية الدليل الفني في المواد الجنائية والمدنية"‪ ،‬مصر‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪،‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬سنة ‪.1996‬‬
‫‪ ‬رضا عبد الحليم عبد المجيد‪" :‬الحماية القانونية للجين البشري – االستنساخ وتداعياته"‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬لسنة ‪.1998‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ ‬عبد الواحد العلمي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية"‪ ،‬الجزء الثاني في "التحقيق اإلعدادي‬
‫والمحاكمة" طبعة جديدة‪ ،‬لسنة ‪ ،2000‬نظيم القضاء الجنائي ‪-‬االختصاص ‪-‬اجراءات المحاكمة‬
‫‪-‬وسائل االثبات‪.‬‬
‫‪ ‬أحمد أبو الروس‪" :‬المتهم" المكتب الجامعي الحديث اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة غير مذكورة‪ ،‬السنة‬
‫‪.2003‬‬

‫‪ ‬مروك نصر الدين‪" :‬الحماية الجنائية للحق في سالمة الجسم في القانون الجزائري والمقارن‬
‫والشريعة االسالمية"‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر‪ ،‬الديوان‬
‫الوطني ألشغال التربوية‪ ،‬سنة ‪" ، 2003‬محاضرات في اإلثبات الجنائي"‪ ،‬الجزء األول‪" ،‬النظرية‬
‫العامة في االثبات"‪.‬‬
‫‪ ‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪" :‬استخدام برتوكول تي سي بي في بحث وتحقيق الجرائم"‪،‬‬
‫المؤتمر العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات اإللكترونية‪ ،‬مركز البحوث‬
‫والدراسات‪ ،‬تاريخ ‪.2003/04/29‬‬

‫‪ ‬ابو الوفاء محمد ابو الوفاء ابراهيم‪ " :‬المطالبة بقيمة الشيك امام القضاء االستعجالي" دراسة‬
‫تأصيلية تحليلية في القانون المقارن والفقه االسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‪،‬‬
‫سنة ‪.2003‬‬
‫‪ ‬عفيفي كامل عفيفي‪ " :‬جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنفات الفنية ودور الشرطة والقانون‬
‫"‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2003‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ ‬محمد شكيري‪" :‬القانون الضريبي المقارن"‪ ،‬دراسة تحليلية ونقدية‪ ،‬منشورات المجلة المغربية‬
‫لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية‪ ،‬العدد ‪ ،49‬السنة ‪.2004‬‬
‫‪ ‬الحبيب بيهي‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬البحث في الجرائم والتثبت‬
‫منها البحث التمهيدي‪ ،‬التحقيق االعدادي‪ ،‬االثبات الجنائي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2004‬الرباط أكدال‪.‬‬
‫‪ ‬السيد عتيق‪ " :‬التفاوض على االعتراف"‪ ،‬في قانون االجراءات الفرنسي في ضوء أحدث‬
‫التعديالت‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الناشر دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪.2005‬‬

‫‪ ‬قدري عبد الفتاح الشهاوي‪" :‬حجية االعتراف كدليل إدانة"‪ ،‬االسكندرية (مصر)‪ ،‬منشاة المعارف‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ ‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪" :‬أدلة الصور الرقمية في الجرائم عبر الكمبيوتر"‪ ،‬مركز شرطة‬
‫دبي‪ ،‬سنة ‪.2005‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ ‬سناء الوزيري‪" :‬السياسة الجنائية في ميدان الشركات التجارية "كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية الرباط‪ ،‬بسنة ‪.2006 – 2005‬‬
‫‪ ‬الحبيب بيهي‪" :‬شرح قانون المسطرة المدنية الجديد" الجزء األول‪ ،‬سلسلة أعمال جامعية من‬
‫منشورات المجلة المغربية اإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2006‬م‪.‬‬

‫‪ ‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب‪" :‬البحث والتحقيق الجنائي في جرائم الكمبيوتر واالنترنت"‪ ،‬دار‬
‫الكتب الوطنية‪ ،‬مصر‪ ،‬سنة ‪.2006‬‬
‫‪ ‬أحسن بوسقيعة‪" :‬التحقيق القضائي"‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪.2006 ،‬‬
‫‪ ‬سامي علي حامد عياد‪ " :‬الجريمة المعلوماتية وإجرام األنترنيت"‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬لسنة ‪.2007‬‬
‫‪ ‬هاللي عبد االه أحمد‪" :‬حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية ‪-‬دراسة مقارنة"‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫جامعة أسيوط‪ ،‬النشر الذهبي للطباعة‪ ،‬لسنة‪ ،1999‬دار النهضة العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬تاريخ‬
‫النشر‪.2008‬‬

‫‪ ‬محمد ابريكي‪ :‬المفيد في المصطلحات الجنائية‪ ،‬مطبعة شمس‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لسنة‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ ‬عبد االله معزوزي‪ " :‬الحماية القانوني للشيك في التشريع المغربي" الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر‪،‬‬
‫الدار البيضاء المغرب‪.2008 ،‬‬
‫‪ ‬عبد الفتاح بيومي حجازي‪" :‬الدليل الرقمي والتزوير في جرائم الكمبيوتر واالنترنت"‪ ،‬دراسة‬
‫معمقة في جرائم الحاسب اآللي واالنترنت‪ ،‬بهجات للطباعة والتجليد‪ ،‬مصر‪ ،‬سنة ‪.2009‬‬
‫‪ ‬عبد هللا أوهابية‪" :‬شرح قانون االجراءات الجزائية الجزائري"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومة عين مليلة‬
‫‪.2009‬‬

‫‪ ‬ياسراألمير فاروق‪" :‬مراقبة األحاديث الخاصة في اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مصر‬
‫دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬لسنة ‪.2009‬‬
‫‪ ‬فضيل العيش‪" :‬شرح قانون االجراءات الجزائية بين النظري والعلمي"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار البدر‪.‬‬
‫‪ ‬محمد حماد الهيتي‪" :‬التحقيق الجنائي واألدلة الجرمية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمان دار المناهج للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬سنة ‪.2010‬‬
‫‪ ‬عبد الرحمان خلفي‪" :‬محاضرات في قانون اإلجراءات الجزائية"‪ ،‬الجزائر دار الهدى‪ ،‬سنة‬
‫‪.2010‬‬

‫‪138‬‬
‫‪ ‬نجاة الحافظي‪ :‬محاضرات في "النظرية العامة للقانون الجنائي" السداسي الثاني‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫بسطات السنة الجامعية ‪.2011\2010‬‬

‫‪ ‬جمال نجيمي‪" :‬إثبات الجريمة في ضوء االجتهاد القضائي"‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬طبعة ‪2001‬‬
‫لسنة ‪.2011‬‬
‫‪ ‬عمر العسرى‪" :‬الحماية الجنائية للمتعاملين بالبورصة" سلسلة ندوات محكمة االستئناف بالرباط‪،‬‬
‫االقتصاد الخفي والجرائم المالية ودورها في اعاقة التنمية‪ ،‬أوجه الوقاية والمكافحة‪ ،‬العدد ‪ ،6‬السنة‬
‫‪.2012‬‬
‫‪ ‬ادريس النوازلي‪ " :‬اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة"‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة األولى والثاني‪ ،‬سنة ‪.2014‬‬

‫‪ ‬كريم لحرش‪ :‬شرح القانون الضريبي المغربي (وفقا لمستجدات قانون مالية ‪ ،)2014‬سلسة‬
‫الالمركزية واإلدارة الترابية‪ ،‬العدد ‪ ،23‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬الطبعة الثانية‪.2014 ،‬‬
‫أحمد يوسف الطحاوي‪ ،‬األدلة اإللكترونية في اإلثبات الجنائي دراسة مقارنة‪ ،‬طبعة دار النهضة‬ ‫‪‬‬

‫العربية القاهرة ‪.2015‬‬


‫‪ ‬أنيس حسيب السيد المحالوي‪" :‬القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي بوسائل االثبات الحديثة"‬
‫االسكندرية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬سنة ‪.2016‬‬

‫‪ ‬انوار احمد الغزي‪" :‬جريمة التهريب الجمركي (دراسة مقارنة)"‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬دار الكتاب الجامعي‬
‫للنشر والتوزيع بالرياض ‪1438‬ه‪ ،‬لسنة ‪.2017‬‬
‫‪ ‬عبد الواحد العلمي‪ :‬أستاذ القانون الجنائي "شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية"‪،‬‬
‫الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،2018‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫عابد العمراني – امحمد أقبلي‪" :‬القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح" الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫لسنة ‪.2020‬‬

‫األطروحات‬

‫‪ ‬سامي صادق المال‪ " :‬اعتراف المتهم"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬الناشر‪ ،‬دار الف كر‬
‫العربي مصر‪ ،‬الطبعة االولى سنة ‪ ،1968‬الطبعة الثانية ‪.1975‬‬
‫‪ ‬أبو بكر األنصاري‪" :‬الحماية الجنائية للمستهلك" دراسة مقارنة بين القانون المغربي والقانون‬
‫الليبي‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية الحقوق الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الموسم الجامعي ‪.1997-1996‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ ‬الصديق جعوان‪ " :‬اشكالية التهرب الضريبي في المغرب" أطروحة الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬شعبة‬
‫القانون الخاص‪ ،‬مادة قانون االعمال‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية الحقوق أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬الموسم الجامعي‬
‫‪.2002-2001‬‬
‫‪ ‬عبد الرحيم حريكز‪" :‬إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب "‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪،‬‬
‫وحدة التكوين والبحث في المالية العامة‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬الدار البيضاء‪.2004/2003 ،‬‬
‫‪ ‬هدى حامد قشقوش‪ " :‬جرائم الحاسب اإللكتروني في التشريع المقارن"‪ ،‬البحث حاصل على جائزة‬
‫البحوث الممتازة لجامعة عين شمس القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1992 ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان الطبعة ‪.2006‬‬
‫‪ ‬العيد سعادنة‪ :‬اإلثبات في المادة الجمركية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة باتنة‪ /‬الجزائر‪ ،‬الموسم الجامعي ‪.2006‬‬
‫‪ ‬موالي عبد الرحمان أبليال‪" :‬اإلثبات في المادة الجبائية من القواعد العامة وخصوصيات المادة"‪،‬‬
‫أطروحة لنيل الدكتوراه‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة ‪.2007 – 2006‬‬

‫‪ ‬يونس العياشي‪" :‬المحاكمة العادلة بين النظرية والتطبيق على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية‬
‫والعمل القضائي"‪ ،‬مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬بحث نهاية التدريب للملحقين‬
‫القضائيين سنة ‪.2012‬‬
‫‪ ‬الزربوح هشام‪ " :‬خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب"‪ ،‬أطروحة الدكتورة في الحقوق‪،‬‬
‫جامعة المولى إسماعيل‪ ،‬مكناس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2013/2014‬‬
‫‪ ‬ياسين عزاوي‪ " :‬التقنيات الحديثة في المسرح الجريمة وتأثيرها على اإلثبات الجنائي" – دراسة‬
‫مقارنة تقنية بأبعادها القانونية‪-‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعي‪.2015-2014 :‬‬
‫‪ ‬رشيد بن فريحة‪" :‬خصوصية التجريم والعقاب في القانون الجنائي لألعمال‪ ،‬جرائم الشركات‬
‫التجارية نموذجا"‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم – تخصص قانون خاص‪ ،‬تحت اشراف‬
‫الدكتور شكري قلفاط‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان‪ ،‬كلية الحقوق قسم القانون الخاص‪ ،‬سنة‬
‫‪.2017/2016‬‬

‫‪140‬‬
‫الرسائل‬

‫‪ ‬كوثر أحمد خالند‪“ :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل العلمية ‪-‬دراسة تحليلية مقارنة”‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫مقدمة كجزء من متطلبات نيل الماجستير في القانون‪ ،‬جامعة صالح الدين‪ ،‬مكتب التفسير للنشر واإلعالن‪،‬‬
‫أربيل‪ ،‬الطبعة األولى‪2007 ،‬‬

‫‪ ‬فيصل مساعد العنزي‪" :‬أثر اإلثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق اإلنسان‪-‬دراسة تأصيلية‬
‫مقارنة تطبيقية "‪ ،‬بحث مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العدالة الجنائية‪ ،‬جامعة‬
‫نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬قسم العدالة الجنائية‪ ،‬تخصص‪ :‬التشريع الجنائي‬
‫اإلسالمي‪.2007 ،‬‬
‫‪ ‬معاذ بن حدو‪ ":‬االثبات في جرائم المخدرات"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة محمد األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2008-2007‬‬
‫‪ ‬بالحاج عبد هللا‪" :‬الوسائل الحديثة في االثبات الجنائي"‪ ،‬رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2009-2008‬‬
‫‪ ‬حفيظ وباسو‪" :‬الجرائم الضريبية"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة موالي‬
‫اسماعيل‪ ،‬كلية الحقوق مكناس‪ ،‬سنة ‪.2010-2009‬‬
‫‪ ‬حفيظ وباسو‪" :‬الجرائم الضريبية"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة موالس‬
‫اسماعيل‪ ،‬كلية الحقوق مكناس‪ ،‬سنة ‪.2010-2009‬‬

‫‪ ‬سيدي محمد ليشير‪ :‬دور الدليل الرقمي في إثبات الجرائم المعلوماتية‪ ،‬دراسة تحليلية وتطبيقية‬
‫رسالة الماجستير في العلوم الشرطية تخصص التحقيق والبحث الجنائي كلية الدراسات العليا‬
‫بجامعة نايف العربية للعلوم األمنية الرياض لسنة ‪.2010‬‬
‫‪ ‬توفيق سلطاني‪" :‬حجية البصمة الوراثية في اإلثبات"‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في‬
‫العلوم القانونية‪ ،‬تخصص علوم جنائية‪ ،‬جامعة الحاج لخضر – باتنة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم‬
‫العلوم القانونية‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2011-2010‬‬
‫‪ ‬رؤوف عبيد‪" :‬ضوابط تسبيب األحكام الجنائية وأوامر التصرف في التحقيق"‪ ،‬مصر دار الجيل‬
‫للطباعة‪ ،‬سنة ‪ ،1986‬ص ‪ 519‬نقال عن بلولهي مراد‪" :‬الحدود القانونية السلطة القاضي الجزائي في‬
‫تقدير األدلة"‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الجنائي‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪2010 ،‬‬
‫‪ ،2011،‬ص ‪.128‬‬
‫‪ ‬د عباس عيسى‪ :‬الشرطة التقنية والعلمية‪ ،‬مذكرة نهاية دراسته‪ ،‬دورة ضباط الشرطة القضائية‪،‬‬
‫سنة ‪.2011 – 2010‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ ‬جزاء غازي العصيمي العمري‪" :‬إسهام البحث الجنائي في الكشف عن الجرائم المقيدة ضد‬
‫مجهول"‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪.2002 ،‬‬
‫‪ ‬امال عبد الرحمن يوسف حسن‪" :‬األدلة العلمية الحديثة ودورها في االثبات الجنائي"‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير تحت اشراف األستاذ الدكتور محمد الجبور‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬قسم القانون‬
‫العام‪ ،‬األردن‪ ،‬سنة ‪.2012/2011‬‬
‫‪ ‬عبد هللا ادعول‪ ":‬الدليل االلكتروني في اإلثبات الجنائي "رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة قاضي عياض‪ ،‬كلية الحقوق بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2012/2011‬‬
‫‪ ‬عقيلة بن الغة‪" :‬حجية أدلة اإلثبات الجنائية الحديثة"‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪-‬فرع القانون‬
‫الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2012-2011‬‬

‫‪ ‬حسن بن محسن القرشي الزهراني‪" :‬الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها ف ي‬
‫المملكة العربية السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجالت القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر‬
‫الجزائية بديوان المظالم"‪ ،‬بحث مقدم استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في تخصص‬
‫التشريع الجنائي اإلسالمي‪ ،‬أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬معهد الدراسات العليا‪ ،‬قسم العدالة‬
‫الجنائية‪ ،‬تخصص التشريع الجنائي اإلسالمي‪ ،‬الرياض‪1421 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ ‬بلولهي مراد‪" :‬الحدود القانونية لسلطة القاضي الجزائي في تقدير األدلة"‪ ،‬مذكرة ماجستير غير‬
‫منشورة‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬لسنة ‪.2011‬‬
‫‪ ‬وائل بن عبد الرحمن الثنيان و ناصر الجوفان (مشرف)‪" :‬وسائل التحقيق المستحدثة واثرها في‬
‫االثبات الجنائي في مرحلتي االستدالل والتحقيق االبتدائي‪- ،‬دراسة مقارنة‪ ،"-‬الرياض‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫جامعة االمام محمد بن سعود االسالمية‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬مكتبة المعهد العالي للقضاء‪ ،‬لسنة‬
‫‪1424‬ه‪.‬‬

‫‪ ‬الحسن الطيب عبد السالم األسمر الحضيري ‪" :‬االثبات الجنائي بالوسائل العلمية الحديثة‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة بين القانون الجنائي الليبي والفقه المعاصر"‪ ،‬رسالة الماجيستير‪ ،‬رقم التسجيل ‪ ،14751014‬قسم‬
‫الشريعة والقانون‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬جامعة موالنا مالك ابراهيم االسالمية الحكومية ماالنج‪ ،‬سنة‬
‫‪.2016/2017‬‬

‫‪ ‬قن ونـة فاطمة الزهراء‪" :‬الوسائل العلمية في االثبات الجنائي"‪ ،‬مذكرة نهاية الدراسة لنيل شهادة‬
‫الماستر‪ ،‬جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم القانون الخاص‪،‬‬
‫نوقشت في تاريخ ‪.2020/09/02‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ ‬حمزة نجاة‪ :‬معاينة مسرح الجريمة ودوره في الكشف عن الحقيقة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر في‬
‫القانون الجنائي‪ ،‬جامعة البويرة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ ‬عماد بولحبال‪" :‬دراسة قانونية عن قياس الظواهر االجرامية طبقا ً لإلحصائيات الجنائية "‪ ،‬طالب‬
‫باحث بسلك الماستر‪ ،‬تخصص القانون الجنائي و التعاون الجنائي الدولي‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية‬
‫و االجتماعية مكناس‪.‬‬

‫المقاالت‬

‫‪ ‬محمد سيد أحمد‪ :‬حول "اشكالية االزدواجية شمال‪/‬جنوب"‪ ،‬ورقة عمل قدمت الى الحلقة النقاش‬
‫للمركز العربي لبحوث التنمية المستقلة المنعقدة في القاهرة‪ ،‬لسنة ‪.1998‬‬
‫‪ ‬عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي‪" :‬اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون‬
‫العمومية"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،22‬السنة ‪.2000‬‬
‫‪ ‬جبارة عمرو شوقي‪" :‬االقتناع الشخصي للقضاة على محك قانون الجمارك"‪ ،‬مجلة المحكمة العليا‪،‬‬
‫عدد خاص‪ ،‬الجزء الثاني‪.2002 ،‬‬

‫‪ ‬علي محمود‪ :‬األدلة المتحصلة من الوسائل اإللكترونية غي إطار نظرية اإلثبات الجنائي‪ ،‬المؤتمر‬
‫العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات اإللكترونية‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪،‬‬
‫لسنة ‪.2003‬‬
‫‪ ‬ممدوح عبد الحميد عبد المطلب وزبيدة محمد قاسم و عبد هللا عبد العزيز أنموذج مقترح "لقواعد‬
‫اعتماد الدليل الرقمي لإلثبات في جرائم الكمبيوتر"‪ ،‬منشور ضمن أعمال مؤتمر "األعمال المصرفية‬
‫وااللكترونية"‪ ،‬نظمته كلية الشريعة والقانون بجامعة اإلمارات العربية المتحدة وغرفة تجارة وصناعة‬
‫دبي‪ ،‬في الفترة من ‪ ،2003 5/12-10‬المجلد الخامس‪.‬‬
‫‪ ‬علي محمود علي حمودة‪" :‬األدلة المتحصلة من الوسائل االلكترونية في أطار نظرية اإلثبات‬
‫الجنائي"‪ ،‬مقدم ضمن أعمال المؤتمر العلمي األول حول الجوانب القانونية واألمنية للعمليات االلكترونية‬
‫ونظمته أكاديمية شرطة دبي‪ ،‬في الفترة من ‪ 4-26‬إلى ‪-2003-4-48‬دبي‪.‬‬
‫‪ ‬اإلثبات الجنائي والمستجدات العلمية‪ ،‬المجلة المغربية لالقتصاد والقانون المقارن‪ ،‬عدد ‪ ،40‬لسنة‬
‫‪.2003‬‬

‫‪ ‬فنينخ عبد القادر‪ " :‬جنحة استعمال أموال الشركات التجارية في التشريع الجزائري"‪ ،‬مقال منشور‬
‫بمجلة المؤسسة والتجارة عدد ‪ 1‬سنة ‪.2005‬‬

‫‪143‬‬
‫‪ ‬عبد المجيد غميجة‪" :‬دور العدالة الجنائية في ميدان االعمال واالقتصاد‪ ،‬المقاولة والسياسة الجنائية‬
‫" أشغال الندوة التي تضمنتها وزارة العدل بمكناس أيام ‪ 11-10-9‬دجنبر ‪ ،2004‬المجلد الثاني‪ ،‬الطبعة‬
‫االولى‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الندوات وااليام الدراسية‪ ،‬العدد‬
‫الرابع‪ ،‬سنة ‪.2005‬‬
‫‪ ‬لحسن بيهي‪ " :‬الدليل العلمي ودوره في تكوين اقتناع القاضي الجنائي"‪ ،‬سلسلة رسائل نهائية‬
‫تدريب الملحقين القضائيين‪ ،‬مجلة الملحق القضائي العدد األول‪ ،‬يناير ‪.2007‬‬
‫‪ ‬ابراهيم أحمد عثمان‪ " ،‬مدى شرعية استعمال جهاز كشف الكذب في التحقيق ودوره في اثبات‬
‫التهم"‪ ،‬المجلد ‪ ،10‬العدد ‪ 30( 23‬إبريل‪/‬نيسان ‪.)2008‬‬
‫‪ ‬هيكل أحمد عثمان‪" :‬جرائم رجال األعمال المالية والتجارية"‪ ،‬الندوة العلمية المنعقدة حول جرائم‬
‫رجال األعمال المالية والتجارية‪ ،‬المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية‪ ،‬بيروت – لبنان‪،‬‬
‫سنة ‪.2012‬‬

‫‪ ‬محمد المقريني‪" :‬جريمة التهرب الضريبي"‪ ،‬مجلة الملف‪ ،‬العدد ‪ 21‬أكتوبر ‪.2013‬‬
‫‪ ‬محمد لفريخي‪" :‬االقتصاد والحماية الجنائية"‪ ،‬مجلة العلوم الجنائية‪ ،‬الطبعة ‪ ،2014‬العدد األول‪.‬‬
‫‪ ‬العربي البوبكري‪" :‬تجريم اإلثراء غير المشروع مرتكز أساسي لمكافحة الفساد المالي بالمغرب"‬
‫مقال منشور بالمجلة المغربية للقانون الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة ‪.2015‬‬
‫‪ ‬الناجم كوبان‪" :‬سلطة القاضي الجنائي في تقدير األلة الرقمية الناجمة عن الجرائم المعلوماتية في‬
‫إطار نظرية اإلثبات الجنائي"‪ ،‬مقال منشور بمجلة العلوم الجنائية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬الطبعة ‪.2017‬‬
‫‪ ‬خالد مصطفى الجسمي‪" :‬االثبات الجنائي باألدلة الرقمية"‪ ،‬مجلة القانون المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،34‬في‬
‫مارس ‪.2017‬‬
‫‪ ‬محمد العروصي‪" :‬المختصر في التحقيق اإلعدادي ووسائل اإلثبات"‪ ،‬مكتبة الوراقة بالرباط‪ ،‬العدد‬
‫دون ذكر السنة‪.‬‬
‫‪ ‬مقال أنس بوزفور "القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية في التشريع المغربي"‪ ،‬المنشور إلكترونيا‬
‫في موقع "مجلة القانون واألعمال الدولية"‪.‬‬

‫‪ ‬بن زرفة هوارية‪ " :‬العولمة وتأثيرها على الجريمة والعقاب"‪ ،‬المركز الجامعي أحمد زبانة‬
‫غليزان‪ ،‬النشر على الخط ‪ ،15/06/2021‬مجلد ‪ 25‬عدد ‪ 56‬السنة ‪.2021‬‬

‫‪144‬‬
‫القوانين والقرارات‬

‫القوانين‬
‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 1.59.413‬صادر في ‪ 28‬من جمادى الثانية ‪ 26( 1382‬نونير‪،)1962‬‬
‫منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2640‬مكرر بتاريخ ‪ 12‬محرم ‪5( 1383‬يونيو ‪ )1963‬بالمصادقة على‬
‫مجموعة القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 1.02.255‬صادر في ‪ 25‬من رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ )2002‬بتنفيذ القانون‬
‫رقم ‪ 22.01‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5078‬بتاريخ ‪ 27‬ذي القعدة ‪30( 1424‬‬
‫يناير‪.)2003‬‬

‫‪ ‬قانون المسطرة الجنائية الفرنسي رقم ‪ 2000 /516‬الصادر بتاريخ ‪ 15‬يونيو‪ 2000‬الذي دخل‬
‫حيز التنفيذ منذ أول من يناير سنة ‪ ،2001‬كما عدل بالقانون رقم ‪ 239-2003‬الصادر بتاريخ ‪ 18‬مارس‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 1.07.79‬صادر في ‪ 28‬من ربيع األول ‪ 17( 1428‬أبريل ‪ )2007‬بتنفيذ‬
‫القانون رقم ‪ 43.05‬المتعلق بمكافحة غسل األموال‪.‬‬
‫‪ ‬مرسوم تطبيق القانون رقم ‪ 08.31‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك المنشور في الجريدة‬
‫الرسمية رقم ‪ 5932‬بتاريخ ‪ 7‬أبريل ‪ ،2011‬إلى تحديد كيفيات تطبيق هذا القانون فيما يتعلق بإعالم‬
‫المستهلك والممارسات التجارية والضمان التعاقدي والخدمة بعد البيع واالستدانة وجمعيات حماية‬
‫المستهلكين ومسطرة البحث عن المخالفات وإثباتها‪.‬‬
‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 1.83.108‬صادر في ‪ 9‬محرم ‪ 5( 1405‬أكتوبر ‪ )1984‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 13.83‬المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع‪.‬‬
‫‪ ‬مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم‬
‫‪ 1.77.339‬بتاريخ ‪ 25‬شوال ‪ (9 1397‬أكتوبر ‪ )1977‬كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص‬
‫بمقتضى القانون رقم ‪ 99.02‬المصادق عليه بالظهير رقم ‪ 222-00-1‬بتاريخ ‪2‬ربيع األول ‪5 ،1421‬‬
‫يونيو ‪.2000‬‬
‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 1-96-83‬صادر في ‪ 15‬من ربيع األول ‪ 1417‬بتنفيذ القانون رقم ‪15-95‬‬
‫المتعلق بمدونة التجارة (الجريدة الرسمية‪ ،‬بتاريخ ‪ 19‬جمادى األولى ‪ 3- 1417‬أكتوبر ‪.)1996‬‬
‫‪ ‬قانون رقم ‪ 9.88‬بمثابة قانون للمحاسبة التجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪92.138.1‬‬
‫بتاريخ ‪ ،1992/12/25‬جريدة الرسمية عدد ‪ 4183‬تاريخ النشر ‪.1992/12/30‬‬
‫‪ ‬بروتوكوالت اإلنتربول في عام ‪.1984‬‬

‫‪145‬‬
‫القرارات‬
‫‪ ‬قرار رقم ‪ 7931‬في ‪ 1983/12/5‬مجلة القضاء والمجلس األعلى عدد ‪ 35‬و‪ 36‬م ‪.219‬‬
‫‪ ‬قرار رقم ‪ 4/6213‬في ‪ 1997/11/26‬مجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 53‬و‪ 54‬م ‪.406‬‬
‫‪ ‬قرار رقم ‪ 5977‬في ‪ 1990/6/28‬مجلة القضاء‪.‬‬
‫‪ ‬قرار المجلس االعلى عدد ‪ 280/20‬المؤرخ في ‪ ،2005/01/19‬ملف جنحي عدد‬
‫‪ ،04/23297‬مجلة قضاء المجلس االعلى‪ ،‬عدد‪ ،67‬يناير ‪.2007‬‬
‫‪ ‬قرار عدد ‪ 8178‬ملف جنحي رقم ‪ 12879‬وتاريخ ‪ 1983/ 12/ 12‬ق‪.‬م‪.‬أ‪ ،‬عدد ‪.255‬‬
‫‪ ‬قرار زجري رقم ملفه ‪ 9128‬عدد ‪ 91 /27457‬صدر عنه بتاريخ ‪ 24 /9 /27‬مأخوذ من‬
‫كتاب‪" :‬دليل القاضي في العمل القضائي المدني" للدكتور عمر بوحموش الطبعة ‪.2001‬‬
‫‪ ‬قرار عدد ‪ 2/624‬بتاريخ ‪ 2003/06/11‬في الملف الجنحي عدد ‪ ،2000/10884‬منشور‬
‫بمجلة العدد التاسع‪ ،‬نونبر ‪.2006‬‬

‫‪ ‬قرار منشور بمجوعة قرارات المجلس األعلى (‪.)1966-1995‬‬


‫‪ ‬حكم ابتدائي عدد ‪ ،4‬صادر بتاريخ ‪ ،2012/01/2‬في ملف جنحي تلبسي عدد‬
‫‪ ،11/2103/3823‬عن المحكمة االبتدائية بمراكش‪ ،‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪ ‬قرار ع‪ ،7/509‬الصادر بتاريخ ‪ ،2000/2/17‬في ملف جنائي عدد ‪ ،99/20399‬مشار إليه‬
‫عند وزارة العدل‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪.‬‬
‫‪ ‬حكم ابتدائي عدد ‪ ،1774‬صادر بتاريخ ‪ ،2010/02/26‬في ملف جنحي عدد ‪،1/10/ 1328‬‬
‫عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‪ ،‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪ ‬حكم ابتدائي ‪ ،907‬صادر بتاريخ ‪ ،2011/1/28‬في ملف جنحي تلبسي ‪ ،11/10/68‬عن‬
‫المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‪ ،‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪ ‬قرار عدد ‪ 525‬بتاريخ ‪ 1969-04-17‬مشار إليه في كتاب أبحاث في الفقه والقضاء‬
‫لإلستاد إدريس بالمحجوب‪ :‬كلمة السيد إدريس بلمحجوب الرئيس األول لمحكمة االستئناف‬
‫بالرباط‪ ،‬الناشر‪ :‬محكمة االستئناف بالرباط والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ونقابة هيئة‬
‫المحامين بالرباط‪ .‬المؤلف الرئيسي‪.‬‬

‫‪ ‬تقرير لجنة حقوق االنسان في حق الفرد في عدم التعسف في القبض عليه أو حبسه أو نفيه المؤرخ‬
‫في ‪ 5‬يناير ‪.1962‬‬
‫‪ ‬أنظر حكم محكمة لكسمبورغ في ‪ 1955/11/30‬مجلة قانون العقوبات وعلم االجرام‪ ،‬سنة‬
‫‪.1956‬‬

‫‪146‬‬
‫‪ ‬القر ار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث بالمحكمة العليا ملف رقم ‪140302‬‬
‫قرار مؤرخ في ‪ 12‬مارس ‪ ،1996‬غير منشور ‪-‬القرار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات القسم الثالث‬
‫بالمحكمة العليا ملف رقم ‪ 141061‬قرار مؤرخ في ‪ 30‬ديسمبر ‪ ،1996‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ ‬حكم محكمة النقض المصرية عدد ‪ 18‬صادر بتاريخ مارس ‪ ،1979‬مجلس أحكام النقض‪ ،‬س‬
‫‪ 30‬ق ‪.75‬‬
‫‪ ‬حكم ابتدائي عدد ‪ 4‬صادر بتاريخ ‪ ،2012/01/02‬في الملف الجنحي التلبسي عدد‬
‫‪ ، 11/2103/3823‬عن المحكمة االبتدائية بمراكش‪ ،‬حكم غير منشور‪ ،‬أورده عبد هللا ادعول‪.‬‬
‫‪ ‬حكم ابتدائي عدد ‪ ،907‬صادر بتاريخ ‪ ،2011/01/28‬في الملف الجنحي التلبسي عدد‪:‬‬
‫‪ 11/10/68‬عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‪ ،‬حكم غير منشور‪ ،‬أورده عبد هللا ادعول‪.‬‬
‫‪ ‬القرار الجنائي عدد ‪ 49‬الصادر في ‪ 19‬نونبر ‪ ،1970‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‪،‬‬
‫العدد ‪ 20‬لسنة ‪.1970‬‬
‫‪ ‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 8/474‬المؤرخ في ‪ ،2001/01/25‬ملف جنحي عدد‪،00/7908 :‬‬
‫منشور بمجلة المجلس األعلى‪ ،‬العدد المزدوج ‪ 57‬و‪ ،58‬لسنة ‪.2001‬‬
‫‪ ‬قرار جنائي عدد ‪ 9‬بتاريخ ‪ 19‬نونبر ‪ .1970‬أشار إليه‪ :‬الناجم كوبان‪.‬‬
‫‪ ‬حكم ابتدائي عدد ‪ ،6072‬صادر بتاريخ ‪ ،2010/07/15‬في الملف الجنحي التلبسي عدد‬
‫‪ 10/5071‬عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‪ ،‬حكم غير منشور‪ ،‬أورده عبد هللا ادعول‪.‬‬
‫‪ ‬قرار عدد‪ 3270 :‬صادر بتاريخ ‪ 2012/11/1‬في الملف الجنائي عدد‪،2006/6/21023 :‬‬
‫أشار إليه‪ :‬عماد بولحبال‪.‬‬

‫مواقع االنترنيت‬

‫‪ ‬الوسائل الحديثة لإلثبات الجنائي على ضوء القانون المغربي‪ ،‬األحد ‪ 13‬يناير ‪ 2019‬على‬
‫الساعة ‪ ،11:40‬أنظر الموقع‪https://alhoriyatmaroc.yoo7.com/t2540-topic :‬‬

‫‪ ‬إدريسي سكينة‪" :‬مفهوم القانون الجنائي لألعمال" باحثة طالبة بسلك الماستر بكلية العلوم‬
‫االقتصادية والقانونية طنجة‪ .‬أنظر الموقع‪:‬‬
‫‪/‬مفهوم‪-‬القانون‪-‬الجنائي‪-‬لألعمال‪/https://www.droitetentreprise.com/‬‬
‫‪ ‬مصطفى معتبر باحث في القانون الخاص‪" :‬وسائل اإلثبات والقيود الواردة على سلطة القاضي‬
‫الجنائي في تقدير األدلة"‪ ،‬كلية الحقوق طنجة‪ ،‬بتاريخ ‪ 26‬يوليو‪ .2020‬أنظر الموقع‪:‬‬
‫‪https://www.alouatan24.com/?p=60910‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ ‬الموقع االلكتروني ‪ https://www.interpol.int/ar/2/5/4‬بتاريخ ‪.2021‬‬
‫‪ ‬خالد ممدوح إبراهيم‪" :‬الدليل االلكتروني في جرائم المعلوماتية"‪ ،‬بحث منشور على االنترنت‪،‬‬
‫زيارة الموقع سنة ‪ 2021‬وهو‪http://www.f-law.net :‬‬
‫‪ ‬راشد بن حمد البلوشي‪" :‬الدليل في الجريمة المعلوماتية"‪ ،‬بحث مقدم للمؤتمر الدولي األول حول‬
‫حماية المعلومات والخصوصية في قانون االنترنت‪ ،‬القترة ‪ / 4-2‬يونيو ‪ ،2008‬منشور على االنترنت‪.‬‬
‫‪http://www.f-law.net‬‬
‫محمد زروق‪" :‬حجية الدليل اإللكتروني ومشروعيته أمام القاضي الجنائي"‪ ،‬باحث في القانون‬ ‫‪‬‬

‫الموقع‪:‬‬ ‫أنظر‬ ‫‪،2018‬‬ ‫يونيو‬ ‫‪1‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫واألعمال‪،‬‬ ‫القانون‬ ‫مجلة‬ ‫الخاص‪،‬‬
‫‪https://www.droitetentreprise.com.‬‬
‫‪ ‬المحامي خالد هالل يكتب "المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية اإلجرائية"‪ ،‬زيارة الموقع سنة ‪2021‬‬
‫في شهر شتنبر‪ ،‬أنظر الموقع ‪http://www.assahraa.ma/web/2020/148794‬‬
‫اطراسي محمد الصديق‪" :‬مدخل لدراسة القانون الجنائي لألعمال"‪ ،‬مجلة القانون واألعمال‪ ،‬باحث‬ ‫‪‬‬

‫بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة الحسن األول‪ ،‬تاريخ االطالع ‪ 2022/01/06‬على الموقع‬
‫‪/‬مدخل‪-‬لدراسة‪-‬القانون‪-‬الجنائي‪-‬لألعمال‪/https://www.droitetentreprise.com/‬‬

‫المراجع باللغة الفرنسية‬


‫‪ Pradel(Jean): «droit économique », deuxième édition, Dalloz, paris,‬‬

‫‪1990.‬‬
‫‪ Chekraoui‬‬ ‫‪Hassania: «droit Pénal des Affaires (l’entreprise‬‬
‫‪commerciale) » 1 edi, Imprimerie Najah El Jadida, Casablanca 2003.‬‬

‫‪ Wilfrid Jean Didier : « Droit Pénal des Affaires » Dalloz 2eme édition,‬‬

‫‪Paris.‬‬
‫‪ Frederie Jean Pansier : « Que sais-je ? Le droit pénal des affaires »,‬‬

‫‪2eme édition, 1996, Paris.‬‬


‫‪ Abid Kabadi : « la protection pénal de l’économie national. La‬‬

‫‪politique pénal au Maroc ; réalité et perspectives », Tome 1 ; actes des‬‬

‫‪148‬‬
assises nationales ; organisé par le ministre de justice ; Meknès 9-10-11
décembre 2004 ; éd 2004.
 Jean Marie Robert: « le droit pénal des affaires- que sais-j e », 1ere

éd. Presses universitaires de France ; 1976.


 Chahid Slimani: « Criminologie » imp ; oumayma, Fès. 1ere édition,

2011.
 Dahmani drifa: «Le commissaire aux comptes », étude de droit

comparé ; SES ; université Mohamed V, faculté du droit, Rabat.


 .1951 ‫المجلة الدولية لعلم االجرام والبوليس الفني سنة‬

Orphie le sens de l’aveu criminel dans une critique scientifique des


preuves.
 Turner (Détection scientifique du mensonge au service de la police
judiciaire) Chron int CK police. 1966.
 Gorphe François: « les décisions de justice », étude psychologique
et judiciaire, Paris, Sirey, Presses universitaires de France, 1952
 Le juge ne peut fonder sa décision que sur des preuves qui lui sont
apportées au cours des débats et contradictoirement discutées devant lui
 Marcel Planiol: traité élémentaire de droit civil et compl2 par George
Ripert tomme deuxième obligation contrats suretés réelles librairie de droit
et jurisprudence 1947

149
‫فهرس‬
‫الئحة المختصرات ‪3 --------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الفصل األول‪ :‬المبادئ العامة لإلثبات في جرائم األعمال ‪16 ---------------------------------------------‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلطار النظري لالثبات في جرائم األعمال ‪18 -----------------------------------------------------‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ماهية االثبات الجنائي ‪19 -----------------------------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أنماط االثبات في المجال الجنائي ‪20 ---------------------------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬التطور التاريخي لإلثبات الجنائي ‪20 ----------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬مرحلة اإلثبات الخرافي ‪20 ---------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬مرحلة اإلثبات القانوني ‪21 ---------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ت‪-‬مرحلة اإلثبات الوجداني أو القائم على حرية االقتناع ‪21 -------------------------------------------------------‬‬
‫ث‪-‬مرحلة االثبات العملي وهي مرحلة لم تكتمل معالمها بعد ‪23 ----------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬نظم اإلثبات في المادة الجنائية ‪23 -------------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬نظام األدلة القانونية ‪24 ------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬نظام اإلثبات الحر ‪24 -------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ت‪-‬نظام اإلثبات المختلط ‪25 -----------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ث‪-‬موقف المشرع المغربي ‪26 --------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬القواعد القانونية لالثبات الجنائي ‪26 ----------------------------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬نطاق الحق في اللجوء لوسائل اإلثبات المختلفة‪27 ---------------------------------------------------------- .‬‬
‫أ‪-‬نطاق الحق في قانون المسطرة الجنائية ‪27 -------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬التلطيف من عمومية مبدأ الحرية في اإلثبات في القانون الجنائي ‪28 ---------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬عبء اإلثبات في المادة الجنائية ‪29 ------------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬وقوع عبئ االثبات على عاتق النيابة العامة ‪29 ----------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬تفسير الشك لمصلحة المتهم ‪30 -----------------------------------------------------------------------------‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬خصوصية االثبات في بعض جرائم األعمال على ضوء القوانين الخاصة ‪31 --------------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االثبات في الجرائم الجمركية ‪32 ------------------------------------------------------------------‬‬
‫أوال ‪ :‬حجية االثبات القانونی للقرائن في الجريمة الجمركية ‪32 -----------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬المحاضر كﺂلية الثبات الجرائم الجمركية ‪34 ----------------------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االثبات في جرائم التهرب الضريبي على ضوء القانون الجنائي والقوانين الخاصة ‪36 --------------------‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية التهرب الضريبي والغش الضريبي ‪37 ---------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلثبات في الجرائم الضريبية ‪38 --------------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬معايير توزيع عبئ اإلثبات الجنائي في المادة الجبائية ‪38 -------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬األشخاص المعنيين باالثبات ‪39 ----------------------------------------------------------------------------‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االثبات في جرائم األعمال بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة ‪41 ---------------------------------‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلثبات الجنائي عن طريق الوسائل التقليدية ‪42 ----------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األدلة ذات القوة المطلقة وذات القوة المحدودة ‪42 ----------------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬األدلة ذات القوة المطلقة كاالعتراف نموذجا ‪43 -------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬القواعد العامة لالعتراف ‪43 --------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬االعتراف كوسيلة اثبات في جرائم األعمال ‪45 ---------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬األدلة ذات القوة المحدودة كشهادة الشهود ‪46 ---------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬القواعد العامة لشهادة الشهود ‪46 ----------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬شهادة الشهود كوسيلة اثبات في جرائم األعمال ‪47 ------------------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬األدلة المقبولة من المحكمة (الخبرة والمعاينة) ‪48 ----------------------------------------------------‬‬

‫‪150‬‬
‫أوال‪ :‬الخبرة ‪48 ----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬القواعد العامة للخبرة كوسيلة اثبات ‪48 -----------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬طرق اللجوء إلى الخبرة ‪49 --------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬المعاينة ‪51 ---------------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬القواعد العامة للمعاينة كوسيلة اثبات ‪51 ----------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬المعاينة في جرائم األعمال ‪53 ------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اإلثبات الجنائي بالوسائل الحديثة أو العلمية في جرائم األعمال ‪54 ------------------------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االثبات عن طريق الوسائل التقنية ألجهزة التسجيل والمراقبة ‪55 --------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬التقاط المكالمات الهاتفية ‪55 ------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬مفهوم التقاط المكالمات في القانون ‪55 -----------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬الجهات الموكول اليها حق االمر بالتقاط المكالمات ‪56 ---------------------------------------------------------‬‬
‫ت‪-‬اجراءات التقاط المكالمات ‪57 ------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ث‪-‬على مستوى جرائم األعمال ‪58 -----------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬االثبات بوسائل الطب الشرعي الحديث ‪60 -----------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬البصمة الوراثية ‪60 -------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬بصمات األصابع ‪63 -------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬البصمات المتطورة ‪65 ---------------------------------------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬االثبات بواسطة تحديد سمات الوجه ‪65 --------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬بصمة العرق أحد مصادر الرائحة ‪67 ----------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثالثا‪ :‬بصمة الصوت ‪67 --------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫رابعا‪ :‬بصمة األذن ‪68 ----------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫خامسا‪ :‬بصمة العين ‪69 ---------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫سادسا‪ :‬بصمة الشفاه ‪69 --------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حدود فعالية وسائل االثبات الحديثة في القانون المغربي لجرائم األعمال ‪72 ----------------------‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األساس القانوني الستخدام الوسائل العلمية الحديثة في مجال األعمال ‪74 ------------------------------‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مشروعية الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال ‪76 ------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إسناد الدليل العلمي في اثبات جرائم األعمال ‪77 -----------------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم اإلسناد ‪77 ---------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬أصول إسناد الدليل العلمي ‪77 ----------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثالثا‪ :‬اسناد الدليل العلمي في جرائم األعمال ‪78 ------------------------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مشروعية الدليل العلمي في التشريعات ‪80 ---------------------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬في القانون المغربي ‪81 ----------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬في القوانين المقارنة ‪82 ----------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثالثا‪ :‬جزاء اإلخالل بمبدأ مشروعية الدليل العلمي ‪83 -------------------------------------------------------------‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تأثيرات العولمة على التقنيات الحديثة في مجال األعمال ‪84 -----------------------------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التقنيات العلمية الحديثة الثبات الحقيقة ‪84 ----------------------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬حجية االعتراف كوسيلة اثبات بالعقاقير المخدرة ‪84 ---------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬قياس التغييرات الفسيولوجية (جهاز كشف الكذب) ‪86 -------------------------------------------------------‬‬
‫ثالثا‪ :‬التنويم المغناطيسي‪88 ----------------------------------------------------------------------- HYPONSIS‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االثبات الحديث في الجرائم االلكترونية في مجال األعمال ‪89 -----------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬إثبات الجريمة اإللكترونية المستحدثة ‪90 ------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬آليات الحصول على األدلة الرقمية الثبات الجرائم االلكترونية ‪92 ---------------------------------------------‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالئمة نظرية االثبات الجنائي الحديث لجرائم لألعمال ‪94 -------------------------------------------‬‬

‫‪151‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أثر الشرعية االجرائية للوسائل الحديثة أمام القضاء الجنائي ‪95 --------------------------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اإلجراءات التي تبرز فيها استخدام وسائل التقنية الحديثة‪96 ----------------------------------------- .‬‬
‫أوال‪ :‬مرحلة االستدالل في البحث والتحري ‪96 -------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬مرحلة التحقيق ‪97 --------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثالثا‪ :‬مرحلة المحاكمة ‪98 -------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حجية الدليل المستمد من الوسائل العلمية أمام القضاء الجنائي ‪98 ---------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬حرية القاضي الجنائي في االقتناع ‪99 ----------------------------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬الضوابط التي تخضع لها األدلة القانونية في اإلجراءات المسطرية ‪99 --------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬الضوابط التي تخضع لها اقتناع القاضي ‪101 ----------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬القيود الواردة على حرية القاضي الجنائي في االقتناع واألساس القانوني لرقابة معقولية اقتناعه ‪104 --------------‬‬
‫أ‪-‬القيود الواردة على حرية القاضي الجنائي في االقتناع ‪104 -----------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬األساس القانوني لرقابة معقولية اقتناع القاضي ‪107 ----------------------------------------------------------‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التوجهات الحديثة التي تواجه االثبات الجنائي لجرائم األعمال بالدليل الرقمي ‪109 ---------------------‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مدى كفاية قواعد االثبات الجنائية للحصول على الدليل الرقمي ‪110 -----------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬مدى مالءمة قواعد قانون المسطرة الجنائية مع متطلبات الحصول على الدليل الرقمي ‪110 ----------------------‬‬
‫أ‪-‬الدليل الرقمي في قانون المسطرة الجنائية المغربية ‪110 -------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬أنواع الدليل الرقمي وأشكاله ‪112 --------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬مدى استجابة مشروع قانون المسطرة الجنائية لمتطلبات الحصول على الدليل الرقمي ‪115 ----------------------‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬نطاق العمل بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي ‪116 -----------------------------------------------‬‬
‫أوال‪ :‬اثبات الجرائم بالدليل الرقمي أمام القضاء المغربي ‪117 -----------------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬أشكال الجرائم المرتكبة ‪117 -------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬تعامل القضاء الجنائي المغربي مع الدليل الرقمي ‪119 --------------------------------------------------------‬‬
‫ثانيا‪ :‬االقتناع القضائي واستقرار اليقين في تقدير الدليل الرقمي ‪125 -----------------------------------------------‬‬
‫أ‪-‬الشك في تقدير الدليل الرقمي كأدلة لإلثبات الجنائي ‪125 -------------------------------------------------------‬‬
‫ب‪-‬وسائل تقييم الدليل الرقمي ‪127 -----------------------------------------------------------------------------‬‬
‫خاتمة ‪130 --------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الئحة المراجع باللغة العربية ‪134 ---------------------------------------------------------------‬‬
‫المراجع باللغة الفرنسية‪148 -------------------------------------------------------------------‬‬

‫‪152‬‬

You might also like