You are on page 1of 184

‫المقدمة‬

‫تمر بنا السنين سريعا فال ننتبه لها وال نحسب أعمارنا إال حينما‬
‫نسأل عنها وحين نجيب‪ ،‬نكتشف أننا وصلنا لعمر ال يقبلنا فيه من‬
‫حولنا وال ينظرون إلينا إال كمتقاعدون ال حق لهم باالشتراك في‬
‫أي شيء يخص مجتمعهم إال بالحكمة أو المشورة‪.‬‬
‫ويتوقعون منا أن نعيش في مقعد الذكريات‪ ،‬نتحسر على أيامنا‬
‫الماضية‪ ،‬ونقبع في زاويا النسيان بانتظار األبناء واألحفاد‬
‫ليعطفوا علينا بزيارة‪.‬‬
‫ذلك هو كل دورنا في الحياة‪.‬‬
‫عذرا فنحن لنا الحق بالحياة والحلم بيوم أفضل وأجمل وأروع‪.‬‬
‫عزيزة حسين إبراهيم الصويغ‬

‫‪2‬‬
‫(‪ - )1‬الفصل األول ‪ -‬عيد ميالد إصرار‬
‫استيقظت إصرار من نومها العميق‪ ،‬وتقلبت في فراشها ثم نظرت‬
‫إلى ساعة المنبه بجوار ها ووجدتها تقترب من الساعة العاشرة‬
‫صباحا‪.‬‬
‫وتعجبت إنها تأخرت في نومها‪ ،‬فعادتها دوما االستيقاظ مبكرا‬
‫بعد صالة الفجر مباشرة ومراجعة جدولها اليومي‪.‬‬
‫وسمعت طرقا على باب غرفتها‪ ،‬فقالت لمن عند الباب أدخل‪.‬‬
‫فإذا بابنتها زينة تحمل طاولة طعام صغيرة وعليها وردة حمراء‬
‫وقالب صغير من الكيك بتوسطها شمعة مضاءة‪.‬‬
‫وبدأت أبنتها بالغناء وهي تقفز فرحا وسعادة كل سنة وأنت طيبة‬
‫يا أمي وهللا يحفظك لي كل األيام‪ ،‬تعيشي وتتهني وكل يوم تزيدي‬
‫جمال‪..‬‬
‫ولم تالحظ زينة أن الدموع بدأت تتساقط من عيني والدتها‪،‬‬
‫احتضنتها زينة بقوة ممازحة والدتها‪ :‬الجميل ببيكي في يوم‬
‫ميالده لماذا‪.‬؟‬

‫‪3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فمسحت إصرار دموعها وتبسمت قائلة ألبنتها‪ :‬ألتك تذكرتني‪،‬‬
‫وألني أكملت عامي التاسع واألربعين وأنت تذكريني األن أنني‬
‫دخلت عامي الخمسين‪ .!.‬فكيف لي باهلل عليك أن أفرح‪.‬؟‬
‫ضحكت زينة من كل قلبه ونظرت إلى أمها قائلة لها‪ :‬أنظروا من‬
‫يتكلم‪.‬؟! جميلتي حفظك هللا لي يا غاليتي‪.‬‬
‫انت كلما كبرتي تزدادين جماال وبهاء وشقاوة األطفال تكاد تقفز‬
‫من عينيك أمي‪.‬‬
‫أنت قدوتي في الحياة‪ ،‬وأتمنى ان أحافظ على جمالي ورشاقتي ما‬
‫شاء هللا حينما أصبح في مثل عمرك حبيبتي‪.‬‬
‫تعلمين أنني أفتخر بك أمام جميع صديقاتي‪ ،‬وحين يقولون لي‬
‫أنني أشبهك كثيرا‪ ،‬صدقيني أكون في غاية السعادة بل وأرد‬
‫عليهم أنا أشبه تلك المالك؟! مستحيل أن أحد يصل للقمر فهو‬
‫متميز بجماله‪.‬‬
‫وأدعو هللا كل يوم يا أمي أن يحفظك لي ويبارك لي في عمرك‬
‫غاليتي‪ ،‬واألن كفي عن الدالل والتمنع‪.‬‬
‫وتناولي طعام الفطور والذي حرصت أن يكون الئقا بيومك‬
‫والذي أشرق حينما وصلتي إلى الدنيا‪ ،‬وأسعدت قلوب كل من‬
‫عرفوك يا أمي‪.‬‬
‫كل عام وأنت بخير‪ ،‬وكل عام وأنت تاج زمرد يزين رأسي‬
‫حبيبتي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫(‪ )3‬زواج زينة‬
‫بدأت إصرار بالتجهيزات لزواج أبنتها الوحيدة زينة والذي سيتم‬
‫االحتفال به يوم الخميس القادم في إحدى قاعات األفراح الكبيرة‬
‫في مدينتها‪.‬‬
‫فزينة هي أبنتها الوحيدة من زوجها السابق عادل والذي تطلقت‬
‫منه بعد والدة زينة مباشرة‪.‬‬
‫عوامل كثيرة واختالف العادات والطبائع فرقت ما بينهما وكثرت‬
‫بينهما الخالفات واتفقا على الطالق‪ ،‬حتى يبقى كل منهما على‬
‫وده واحترامه لألخر‪.‬‬
‫وتم الطالق بكل هدوء وذهب كل منهما في طريقه‪ ،‬وتزوج هو‬
‫بعدها وأنجب ولدين‪ ،‬أما هي ففضلت البقاء دون زواج لتربية‬
‫أبنتها‪.‬‬
‫واضعة في اعتبارها بأنه لن يوجد رجل يعوض غياب أبيها‪ ،‬أو‬
‫يعطيها حنانه واهتمامه ورعايته‪.‬‬
‫ولهذا أبقت عالقتها مع والدها جيدة والتواصل بينهما شبه دائم‬
‫لمصلحة أبنتهما ولم تحرمه من رؤية أبنته في أي وقت يشاء‪.‬‬
‫واألن وبعد أن أصبحت عروسة بارك والدها زواجها ورتبا معا‬
‫كل شيء كما تكفل والدها بجميع مصاريف الزواج ولم يبخل‬
‫عليها بشيء‪.‬‬
‫وكثيرا ما سألتها زينة لماذا لم تتزوج بعد طالقها من والدها‪،‬‬
‫فكانت دوما تتهرب من اإلجابة ألنها في داخلها لم تكن تعلم‪.‬؟‬
‫أتقول لها بأنها لم تجد الرجل المناسب الذي يصلح أن ترتبط به‬
‫شريكا وحبيبا وسندا بعد هللا!‬

‫‪5‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أتقول لها أنها لم تحرص على البحث عنه ألنها تعلم كل العلم بأنه‬
‫موجود في مكان ما‪.‬‬
‫ولكن ال تعلم متى وكيف ستقابله‪ ،‬وبأنها تركت كل ذلك بيد هللا‬
‫سبحانه وتعالى فلم تعد تهتم لهذا الموضوع أبدا‪ ،‬فما سيكتبه هللا‬
‫لها سيكون فلما التفكير‪.‬؟‬
‫أشياء كثير مرت ببالها‪ ،‬ربما لشعورها األن بالوحدة‪.‬‬
‫فها هي زينة تخطو بعيدا عنها لتستقل بحياتها مع زوج المستقبل‬
‫الذي اختارته شريكا لها‪.‬‬
‫وستسافر معه بعد الحفل مباشرة إلى إنجلترا حيث سيكمالن‬
‫دراستهما هناك ولمدة خمس سنوات متواصلة‪.‬‬
‫هل كانت مستعدة لهذا اليوم؟ هل أعدت نفسها لهذا االنفصال‬
‫المؤلم عن أبنتها‪.‬‬
‫ال تعلم وال تريد أن تعلم‪ ،‬كل ما تشعر به األن هي تلك الغصة‬
‫العالقة في حنجرتها‪ ،‬وال تريد البكاء حتى ال تفسد على زينة‬
‫فرحتها بحياتها الجديدة أما هي فكان هللا في عونها‪ ،‬فالفراق‬
‫صعب مهما حاولت التظاهر بغير ذلك‪.‬‬
‫ولكنها تعودت أن تغلق على عواطفها فال يشعر بها أحد‪ ،‬وال‬
‫تريد أيضا أن يشفق عليها أحد‪.‬‬
‫وبدأت في أغالق حقائب أبنتها وهي تدعو لها بالسعادة والتوفيق‬
‫والذرية الصالحة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(‪ )5‬الحفل‬
‫جاءت إلصرار بطاقة دعوة لحضور حفل زفاف أخت صديقتها‬
‫المقربة‪ ،‬وستقام الدعوة في قاعة ملحقة بفندق جميل معروف يطل‬
‫على البحر مباشرة‪ ،‬وقد أصبحت هذه القاعة مرغوبة من كبار‬
‫العائالت فقيمة أيجارها بالليلة باهظ الثمن‪.‬‬
‫وأرفق في بطاقة الدعوة أن المطربة الخليجية المعروفة ستحي‬
‫الحفل‪ ،‬فرحت إصرار جدا بهذه الدعوة لعدة أسباب‪:‬‬
‫أوال ألنها تحتاج ومنذ فترة طويلة لتغير األجواء خاصة بعد سفر‬
‫أبنتها زينة وخلو البيت والجو الكئيب الذي بدأت تحس به‪.‬‬
‫ثانيا ألنها تعشق تلك المطربة وتحب جميع أغنياتها‪.‬‬
‫ثالثا وهو المهم أنها ال تستطيع رفض دعوة صديقتها فهي بمثابة‬
‫األخت لها وكانت إلى جانبها حين زوجت أبنتها زينة‪ ،‬ولم تبخل‬
‫عليها بالمساعدة والمساندة والمشورة في كل شيء‪.‬‬
‫واستعدت للحفل بشراء فستان أعجبت به كثيرا لبساطته وجماله‬
‫في نفس الوقت رغم أن سعره كان مرتفعا نوعا ما لكنه كان‬
‫رائعا أنسجم مع جسمها المائل للنحافة‪.‬‬
‫وأخذت موعد لصالون تجميل قريب من منزلها لعمل تسريحة‬
‫شعر ومكياج يتناسب مع لون الفستان الذي كان باللون األسود‬
‫المفضل لديها‪.‬‬
‫وعندما انتهت ونظرت إلى المرآة شكرت خبيرة التجميل ألنها‬
‫جعلتها تبدو في غاية الجمال والمكياج كان متقن لدرجة تبهر‬
‫العيون من روعته ودقته‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وحضرت الموظفات والتففن حولها يمزحنها قائالت‪ :‬مدام‬
‫إصرار ما شاء هللا تبارك هللا ما هذا الجمال‪ ،‬أنت العروسة اليوم‬
‫وال ينقصك إال العريس‪!.‬‬
‫وضحكت معهن من كل قلبها وقالت لهن‪ :‬ال عاد إال العريس أنا‬
‫كدا مبسوطة جدا ليش النكد‪.‬؟‬
‫وتوجهت إلى صالة االحتفال ووجدت صديقتها في انتظارها‪،‬‬
‫واحتضنتها طالبة منها الوقوف إلى جوارها وهمست في أذنها‪:‬‬
‫إصرار ما شاء هللا جميلة بمعنى الكلمة‪ ،‬هللا يحفظك حبيبتي‪،‬‬
‫صدقيني أتمنى أن يكون هذا الجمال الذي أراه والجمال الذي يشع‬
‫من قلبك‪ ،‬أتمنى أن يقدره إنسان يستحقك‪ ،‬يرى جمالك هذا وال‬
‫يتركك أبدا‪.‬‬
‫وأنتاب إصرار الصمت لم ترد على صديقتها‪ ،‬ففي أعماقها‬
‫مازالت تشعر بأنها بحاجة إلى الحب‪ ،‬إلى شخص يسكن قلبها‪،‬‬
‫يقدرها ويقف بجوارها‪ ،‬مناسب لها من كل النواحي وضعا‬
‫وعمرا وظروفا‪.‬‬
‫ولكن السؤال المهم هو‪ :‬أين هو؟‪ .‬سؤال تخلت بالبحث عن إجابته‬
‫منذ زمن ولم تعد تهتم أو تحرص على التفكير به‪ ،‬فالمجتمع من‬
‫حولها ال يرحم من كانت في مثل سنها وظروفها االجتماعية‬
‫كمطلقة ولها سابق تجربة‪.‬‬
‫وبدأت السيدات بالحضور وامتألت القاعة بالسيدات وحضرت‬
‫المطربة التي رحب بها الجميع‪.‬‬
‫وعندما بدأت بالغناء أشعلت الحماس في جميع الحاضرات‬
‫وتجاوبن معها بالتصفيق والرقص‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وقامت الفتيات إلى منتصف الصالة حيث مسرح كبير خصص‬
‫للعروسة وأمامه ممر كبير مضاء باأللوان الجميلة التي تتناغم مع‬
‫صوت الموسيقى‪ ،‬وبدأن بالرقص مع كل أغنية تشدو بها‬
‫المطربة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وأمسكت صديقة إصرار بيديها وجذبتها نحوها قائلة لها‪ :‬هيا معي‬
‫إصرار سنرقص سويا أنا وأنت‪.‬‬
‫وتبسمت إصرار بخجل وقالت لها‪ :‬أرجوك أعذرني فأنا ال أجيد‬
‫الرقص وال أحبه‪.‬‬
‫ولكنها لم تستمع لها بل دفعتها بهدوء أمامها وهي تقول لها ششش‬
‫أري فقط أن تصمتي وتمشي أمامي وتسمعي كالمي‪ ،‬انا مثلك ال‬
‫أعرف شيئا‪ ،‬فكوني بجواري لنشجع بعض فهذا زفاف أختي يا‬
‫هللا قدامي‪.‬‬
‫وحينما صعدت إصرار إلى منصة الحفل حيث كانت الفتيات‬
‫والسيدات منسجمات بالرقص على أنغام األغاني في جو من‬
‫الفرح والبهجة‪.‬‬
‫شعرت إصرار بالسعادة لصديقتها واندمجت مع جو الموسيقى‬
‫ذلك وعاشت لحظات من الفرح مع الجميع‪.‬‬
‫حتى أن صديقتها نظرت إليها بإعجاب وقالت لها هامسة في‬
‫أذنيها‪ :‬أين كنت تخبئين كل ذلك الجمال واالحتراف‪ ،‬صدقا فنانة‬
‫وجسمك ما شاء هللا في منتهى الروعة وكأنك أبنة العشرين‪.‬‬
‫وضحكتا سويا في سعادة وواصلت إصرار الرقص مع صديقتها‪.‬‬
‫ثم نزلت من المنصة واستأذنت من صديقتها بالذهاب إلى دورة‬
‫المياه حتى تعيد ترتيب مكياجها‪.‬‬
‫ودخلت هناك حيث كان دورة مياه كبيرة جدا بها مقاعد فاخرة‬
‫ومرايات كبيرة ووقفت أمام مرآة ترتب مكياجها وبينما هي‬
‫مستغرقة في التزيين‪ ،‬سمعت صوتا لحديث بين سيدتين‬
‫متواجدتين في الجهة المقابلة بحيث تسمعهما وإال تراهما‪ ،‬كان‬

‫‪10‬‬
‫الحديث هامسا نوعا ما ولكن ضحكاتهما ارتفعت ثم عال‬
‫صوتيهما‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫(‪)8‬‬
‫حينها وصل الصوت إليها‪ ،‬لم تعرهما اهتماما بالبداية ولكنها‬
‫سمعت أسمها يتردد في وسط الحديث‪ ،‬حينها أصغت لهما‪.‬‬
‫قالت أحدهما‪:‬أرأيت السيدة المبجلة التي لم تستحي من عمرها‬
‫وإال حقيقة أنها زوجت أبنتها قبل شهور قليلة وستصبح جدة عما‬
‫قريب‬
‫أجابتها‪:‬عمن تتحدثين‪.‬؟‬
‫ردت عليها صديقتها ساخرة‪ :‬إصرار أم زينة عادل‪ ،‬ترقص‬
‫وكأنها فتاة في العشرين!‬
‫نسيت نفسها وعمرها‪ ،‬تتمايل أمام الجميع‪ ،‬أظنها فقدت عقلها‬
‫واتزانها اليوم الذي زوجت فيه أبنتها‪.‬‬
‫وأرتفع صوت ضحكاتهما معا باستهزاء وشماتة‪.‬‬
‫وغصت إصرار من ألم االستهزاء بها‪ ،‬وودت أن لو تستطيع‬
‫االختفاء ومغادرة الحفل فورا‪ ،‬فقد شعرت بالضيق من تلك‬
‫الكلمات الجائرة‪.‬‬
‫ونظرت إلى نفسها بالمرآة وكادت أن ترى الدموع تأتي إلى‬
‫عينيها‪ ،‬ولكنها نظرت بحدة وقوة وهزت رأسها بكل كبرياء‪ ،‬ثم‬
‫وقفت رافعة رأسها وقالت في نفسها‪ :‬أنا لست جبانة ألختبئ‬
‫وكأنني أجرمت أو فعلت شيئا ال يصح‪ !.‬بل سأخرج لن أهتم‬
‫بهما‪.‬‬
‫فهما من الخباثة والجبن لم تستطيعا بأن توجهاني‪ ،‬وفضال‬
‫التحدث عني وراء ظهري‪ ،‬دليل ضعفهما‪..‬‬
‫وخرجت من مكانها ومشت أمامهما ونظرت إليهما مبتسمة‪،‬‬
‫فأصابهما الحرج والخجل خوفا من أن تكون قد سمعت حديثهما‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫قالت لهما بكل هدوء‪ :‬مرحبا بكما‪ ،‬سعدت برؤيتكما‪ ،‬فقد كنت‬
‫مشغولة مع صديقتي بمشاركتها فرحتها حتى أنني لم ألمحكما من‬
‫بعيد‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫(‪)9‬‬
‫أرجو ان تكونا قد استمتعتما بالحفل‪..‬‬
‫ثم غادرت من أمامهما وهي تمشي بكل ثقة وهدوء ورأسها يرتفع‬
‫عاليا فخورا‪.‬‬
‫وضحكت في سرها لصغر عقول البعض وتفكيرهم بطريقة‬
‫غيورة لكل من تستمتع بحياتها وال تلقي باال لكالم الناس من‬
‫حولها‪.‬‬
‫العمر ليس حاجزا بيننا وبين أن نعيش حياتنا بالطريقة التي‬
‫ترضي هللا أوال ثم أنفسنا ثانية‪.‬‬
‫أما الناس فرضاهم غاية ال تدرك أبدا‪ .‬وخاطبت عمرها الخمسين‬
‫قائلة‪ :‬كم بت أعشقك فكم من الوجوه سقطت أمامك‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫(‪ )10‬سفر زينة‬
‫تحدد موعد سفر زينة وزوجها إلى مدينة مانشستر ببريطانيا ال‬
‫كمال دراستهما الجامعية بالجامعة العريقة بالمدينة‪.‬‬
‫وانشغلت زينة بالتحضير واالستعداد للسفر وتركت لوالدتها‬
‫اختيار المالبس الضرورية التي ستحتاجها هناك‪ ،‬وخاصة‬
‫المالبس الثقيلة كالمعاطف آلن الجو يختلف فاألمطار تغلب على‬
‫المدينة طيلة العام‪ ،‬وتسود البرودة الشديدة فصل الشتاء مع‬
‫اعتدال المناخ باقي فصول السنة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫(‪)11‬‬
‫وبقيت إصرار مشغولة بتجهيز حاجيات زينة وترتيب حقائبها‪،‬‬
‫وعادت بها الذاكرة إلى حملها بها وتجهيز مالبسها كأول مولودة‬
‫بعائلتها‪.‬‬
‫تذكرت كيف كانت هي ووالد زينة في منتهى السعادة حينما علما‬
‫أنهما سيرزقان بأول مولود لهما‪.‬‬
‫كم من الليالي سهرا سويا ليفكرا في أسم المولود إن كان صبيا‬
‫سيكون أسمه (عمر)‪.‬‬
‫وإن كانت بنت ( زينة)‪ ،‬وقد كان االسم من اختيار إصرار حتى‬
‫أنها تذكرت كيف ضحك طليقها طويال حينما سمعها تقول أسم‬
‫زينة‪.‬‬
‫وصار يردد أغنية زينة‪ ،‬زينة‪ ،‬زينة كلما رآها تمر من أمامه‬
‫فكانت إصرار تلقي بالوسائد على وجهه وهو يزداد ضحكا‪.‬‬
‫وأغمضت إصرار عينيها لتستعيد شريط الذكريات الجميل حتى‬
‫عادت إلى الليلة التي كانت في الشهر السابع وأبلغها الطبيب أنها‬
‫حامل في فتاة فطارت من الفرحة وأبلغت زوجها حينها‪ ،‬طليقها‬
‫األن بالخبر فطار من الفرحة ألنه كان يريدها فتاة ليدللها كما كان‬
‫يقول‪.‬‬
‫ونامت إصرار ليلتها واستيقظت فجأة في منتصف الليل على‬
‫صوت يهمس بجوارها وفتحت عينيها لتشاهد زوجها يتحدث إلى‬
‫بطنها المنتفخ أمامها‪ ،‬هامسا ‪ :‬زينة‪ ،‬قريب راح تجي يا زينة‪،‬‬
‫زينة غالية علينا‪ ،‬متى راح تجي يا زينة‪.‬؟‪.‬‬
‫ونظرت إليه بأعجاب ثم ضحكت بسعادة قائلة له‪ :‬لماذا لم تنام‬
‫حتى األن‪.‬؟ أجابها في سعادة‪ :‬لم أستطيع النوم فأحببت أن أكلم‬

‫‪16‬‬
‫أبنتي ولم أريد أن اوقظك من النوم‪ ،‬ولكنني في انتظار وصولها‬
‫على أحر من الجمر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫(‪)12‬‬
‫قولي لي متى حدد لك الطبيب موعدا للوالدة‪ ،‬فقلبي لم يعد يحتمل‬
‫أريد أن أحمل أبنتي بين يدي‪ ،‬أتخيلها تناديني بابا‪ ،‬بابا‪.‬‬
‫وضحكا من كل قلبيهما‪.‬‬
‫ومن بداية شهرها التاسع عانت إصرار كثيرا من اآلالم الوضع‬
‫واستمرت بالذهاب إلى المستشفى يوميا ولمدة أسبوع‪.‬‬
‫كان الطبيب يبلغها بأنها في مرحلة ما قبل الوضع وعليها بالمشي‬
‫كثيرا حتى تساعد نفسها في تيسيرها وتسهيلها‪.‬‬
‫وذات يوم كانت تجلس فيه مع والد زينة يشاهدان التلفاز‪ ،‬شعرت‬
‫إصرار بقليل من األلم لم تعر له انتباها ظنا منها أنه مجرد ألم‬
‫عابر وسيمر‪.‬‬
‫ولكن األلم أستمر بالقدوم كل نصف ساعة وكان يزيد قوة وألما‪،‬‬
‫فنظرت إلى والد زينة ووجدته متمددا على األريكة في حالة‬
‫استرخاء واستعداد للنوم‪.‬‬
‫صمتت وحاولت أن تشغل نفسها بترتيب غرفة الطفلة وحينما‬
‫انحنت لاللتقاط مجموعة من مالبس الطفلة‪ ،‬شعرت بألم قوي يبدأ‬
‫من ظهرها ويمتد الى جميع جسمها فصرخت بقوة وعال صوتها‬
‫حتى جاء إليها والد زينة يركض فزعا وأمسك بيدها متسائال في‬
‫قلق‪ :‬ما بك‪.‬؟‬
‫أجابته في تأثر وبصوت يغلبه األلم‪ :‬أريد الذهاب الى المستشفى‬
‫األن‪.‬‬
‫وفي رعب وعدم استيعاب لما يحدث سألها‪ :‬لماذا‪.‬؟ ما بك‪.‬؟ هل‬
‫أقترب موعد الوضع‪.‬؟‬

‫‪18‬‬
‫(‪)13‬‬
‫فهزت رأسها أيجابا‪ ،‬فأنطلق بها مسرعا كالمجنون إلى المستشفى‬
‫حيث قام باالتصال أوال بطبيب إصرار ليبلغه بما تمر به‪ ،‬فطمئنه‬
‫وأبلغه بالتوجه إلى المستشفى وسيلحق بهم‪.‬‬
‫وتم استقبال إصرار بالطوارئ حيث حولت فورا إلى غرفة‬
‫الوضع وبقي زوجها في صالة االنتظار‪.‬‬
‫وبعد مرور حوالي ست ساعات جاءته إحدى الممرضات تبشره‬
‫بوصول طفلة جميلة بسالمة هللا وحفظه‪.‬‬
‫وسألها عن إصرار هل هي بخير‪.‬؟‬
‫أجابته‪ :‬نعم هي والطفلة وهلل الحمد في أحسن حال‪ .‬وأن بأماكنه‬
‫مشاهدة أبنته متى ما أراد‪.‬‬
‫عادت كل تلك الذكريات إلى إصرار وهي تعيد ترتيب مالبس‬
‫أبنتها ووضعت مالبسها بالقرب من فمها وانهالت عليها تقبيال ثم‬
‫احتضنتها بقوة وهي تقول لنفسها‪ :‬ما أسرع ما تمر األيام أبنتي‬
‫كنتي طفلتي الصغيرة المدللة‪ ،‬حملتك بين أيدي وتأملت يدك‬
‫الصغيرة وعينيك الجميلتين‪.‬‬
‫واألن كبرتي وصرت عروسة تركتي بيت أمك ورحلتي إلى بيت‬
‫زوجك‪ ،‬وها أنت تخطين خطواتك نحو المستقبل تبنين به بيتك‬
‫وتنشئين أسرتك الجديدة‪.‬‬
‫سترحلين إلى بلد بعيدة عنك لن أراك فيها حبيبتي باأليام‬
‫والشهور‪ ،‬كيف سأتحمل البعد عنك‪.‬‬
‫لقد خال البيت منك ومن ضحكتك ومشاغبتك ولعبك وكالمك الذي‬
‫كنت أستمتع به‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫(‪)14‬‬
‫وقصصك التي ال تنتهي وصديقاتك االتي كن يمألن البيت حيوية‬
‫وحركة طيلة اليوم‬
‫ها هو البيت األن أبنتي يخلو من كل شيء اال صدى غيابك‪.‬‬
‫ونظرت حولها وتأملت غرفة أبنتها وغص قلبها بين أضلعها‬
‫وتساقطت دموعها ال تدري أتبكي ابتعاد أبنتها عن حضنها؟ أم‬
‫تبكي صوت الوحدة الذي بدأ يعلو ويعلو‬
‫ويحيط بجدران المنزل‪.‬‬
‫وارتمت فوق سرير أبنتها وخبأت رأسها تحت وسادتها وأرتفع‬
‫ألول مرة صوت نحيبها‬
‫وقالت من بين دموعها‪ :‬يا رب أسعدها ووفق خطاها وأحفظها‬
‫أينما كانت‪ ،‬وصبر قلبي على فراقها يا رب‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫(‪ )15‬زيارة غير متوقعة‬
‫عادت إصرار إلى منزلها على عجلة من أمرها حوالي الساعة‬
‫الثانية عشر ظهرا‪ ،‬بعد ان تلقت مكالمة من سوسن أبنة صديقتها‬
‫والتي حضرت حفل زفافها منذ ستة شهور مضت‪ ،‬تقول لها فيها‬
‫أنها متواجدة في منزلها وتريدها على عجل في أمر مهم جدا وال‬
‫يحتمل التأجيل‪.‬‬
‫فأسرعت إصرار تحث الخطاء إلى منزلها‪ ،‬وفي رأسها تضاربت‬
‫األفكار وتساءلت بينها وبين نفسها ما هو األمر العاجل الذي جعل‬
‫سوسن تترك منزلها في مثل هذا الوقت‪.‬‬
‫ولماذا أخترتها هي ولم تختار أمها للتحدث إليها في ذلك األمر‬
‫الطارئ‪ ،‬أذن البد أنه أمر في غاية األهمية جعلها تترك بيتها‬
‫وتأتي إليها‪.‬‬
‫ونظرت إلى الطريق المزدحم أمامها والذي يحتاج إلى حوالي‬
‫نصف ساعة للوصول إلى المنزل‪ ،‬وألول مرة تشعر بالضيق من‬
‫االزدحام‪.‬‬
‫ووصلت إلى منزلها وألقت بالمفاتيح وحقيبتها وعباءتها جانبا‪،‬‬
‫ودخلت إلى غرفة الجلوس مباشرة ونادت على سوسن ووجدتها‬
‫هناك تجلس في المقعد الكبير دون حراك وعينيها تحلق إلى البعيد‬
‫ولم تشعر بدخول إصرار إلى الغرفة‪.‬‬
‫وحينما نادت عليها مرة أخرى التفتت إليها ثم قامت من فورها‬
‫تركض إلى إصرار وارتمت في أحضانها‪ ،‬ووضعت رأسها‬
‫الصغير على كتفها ثم بدأت تجهش بالبكاء بصوت مرتفع كاد أن‬
‫يمزق قلب إصرار‪ ،‬فاحتضنتها بقوة‪ ،‬وربتت على شعرها بهدوء‬
‫في محاولة منها لتهدئتها‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وحينما بدأت سوسن تهدأ ويخفت صوت بكاءها‪ ،‬أخذتها إصرار‬
‫من يدها وأجلستها‪ ،‬ثم طلبت لها كوب من عصير الليمون البارد‪،‬‬
‫وجعلتها تشربه وهي تنظر إليها بكل حنان وحب‪.‬‬
‫ثم ما أن شعرت بأن سوسن قد هدأت تماما وبدأت تتمالك نفسها‬
‫قالت لها‪ :‬أرجو أن تكوني قد هدأتي األن‪ ،‬ورجاء ال أريد أن‬
‫أراك بمثل هذه الحالة مرة أخرى‪ ،‬فال شيء وال أي أحد في هذه‬
‫الدنيا يستحق أن يجعلك تنهارين وتذرفين تلك الدموع الغالية على‬
‫قلبي‪ !.‬أفهمت‪!.‬‬

‫‪22‬‬
‫(‪)16‬‬
‫واألن سأطلب طعام الغذاء وستتناولينه معي‪ ،‬ثم تذهبين إلى غرفة‬
‫زينة لتخلدي إلى الراحة وتنالين قليال من النوم‪ ،‬وحينها سنتحدث‬
‫سويا كما تشائين ويكون ذهنك قد صفى‪ ،‬وأنا كلي آذان صاغية‬
‫لك يا أبنتي‪.‬‬
‫ونامت سوسن حتى التاسعة مساء‪ ،‬ثم استيقظت ووجدت إصرار‬
‫في انتظارها‪ ،‬وطلبت لهما كوبين من القهوة والتي تعلم كل العلم‬
‫بأن سوسن تعشقها‪.‬‬
‫فقد تربت سوسن في منزل إصرار وكانت غالب الوقت مع أبنتها‬
‫زينة‪ ،‬لعبهما‪ ،‬ضحكاتهما‪ ،‬أسرارهما كلها معا‪ ،‬كانتا كاألختين‪ ،‬ال‬
‫صديقتين‪.‬‬
‫ووجدت كل منهما في األخرى ما ينقصها ن فسوسن كانت األبنة‬
‫الوحيدة مع ثالث شباب‪ ،‬وزينة وحيدة أمها وال أخ وال أخت‪،‬‬
‫رغم أن والدها بعد انفصاله عن إصرار تزوج ورزقه هللا ولدين‪،‬‬
‫غير أنهما كانا بعيدين كل البعد عنها‪.‬‬
‫فكانت سوسن بالنسبة لزينة األخت التي لم تلدها أمها‪ ،‬حتى أن‬
‫زواجهما كان في نفس الوقت فصل بينهما فقط أسبوع‪ ،‬وزوجيهما‬
‫كانا أبناء عمومة‪.‬‬
‫وسعدت زينة كثيرا لذلك لكونها ستجتمع بسوسن بحكم قرابة‬
‫زوجيهما‪.‬‬
‫وجلست إصرار إلى جانب سوسن ونظرت إليها طويال ثم قالت‬
‫لها‪ :‬تكلمي حبيبتي‪ ،‬قولي لي ما بك‪.‬؟ وخذي راحتك تماما ولكن‬
‫بترتيب حتى أستطيع مساعدتك وأفهم منك جيدا ما هي المشكلة‬
‫التي تمرين بها‪.‬؟‬

‫‪23‬‬
‫تنهدت سوسن بعمق ثم قالت بصوت خافت حزين‪ :‬تعلمين ماما‬
‫إصرار مكانتك في قلبي‪ ،‬فأنا أعتبرك في مكانة والدتي‪ ،‬وكم‬
‫لعبت في منزلك هذا وقضيت فيه أجمل وأسعد األوقات‪.‬‬
‫بل أن كل ذكريات طفولتي ومراهقتي فيه‪.‬‬
‫أكاد أسترجع كل لحظاتها الجميلة والسعيدة‪ ،‬كنت لي نعم األم‬
‫الحنونة والمتفهمة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫(‪)17‬‬
‫كم بحت لك بالكثير من أسراري التي كنت ال أجرؤ أن أخبر بها‬
‫أمي‪.‬‬
‫كنت لي األم والصديقة والمعلمة ومستودع أسراري الذي أعلم‬
‫كل العلم أن ال أحد سيعلم أو يطلع عليها حتى أمي نفسها‪.‬‬
‫وحين واجهتني مشكلتي هذه‪ ،‬تلفت حولي وتساءلت إلى اين‬
‫أذهب بها‪ ،‬من أستشيره وأعلم كل العلم أنه سيكون كفؤا ال‬
‫رشادي للطريق الصحيح والسليم‪.‬‬
‫كان أول من خطر على بالي أنت‪ ،‬من غيرك سيفهمني‪ ،‬سيشعر‬
‫بما أمر به‪ ،‬لن يلومني‪ ،‬لن يهاجمني‪.‬‬
‫فأنا أعلم كل العلم رأي والدتي‪ ،‬وأعلم أنها ستهزأ من مشاعري‬
‫ولن تستطيع فهم ما أمر به‪ ،‬وتستشعر الموقف الذي أعيشه‪.‬‬
‫فهي دائما تقف إلى صف زوجي وال تصغي إلى وتقول لي أنه‬
‫رجل وهو على حق‪ ،‬ويجب على احترامه وعدم مخالفته‪.‬‬
‫دائما تضع كل الخطأ واللوم علي أنا وحدي‪ ،‬وأنا أتفهم لماذا‬
‫تتصرف كذلك‪ ،‬ألنها تريد أن يشعر زوجي بأنه أبنها‪ ،‬وانها‬
‫ستكون بعيدة عن أدخال نفسها فيما ال يعنيها‪.‬‬
‫المشكلة ماما إصرار بأنني ومنذ ليلة زواجنا أشعر دوما بأنني‬
‫بعيدة عنه‪ ،‬كأنني من عالم وهو من عالم أخر‪.‬‬
‫هو ال يعترف بشيء أسمه مشاعر‪ ،‬رومانسية‪ ،‬ال يتصرف معي‬
‫بحنان وال رقة‪.‬‬
‫منذ ليلتنا األولى يشعرني بأنني آلة لسد رغباته فقط‪ ،‬دون اهتمام‬
‫بإحساسي أنا‪ ،‬أن كنت سعيدة أم ال‪ .‬ال يهمه أبدا‪.‬‬
‫أن أرادني فتمنعت عنه يغضب مني‪ ،‬ويتهمني بالدالل والعصيان‬
‫لرغباته‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫ثم يعاملني بعدها بجفاء‪ ،‬وال يتحدث معي لعدة أيام‪ ،‬بل ينام وحيدا‬
‫عقابا لي‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫(‪)18‬‬
‫وفي الفترة األخيرة ومنذ حوالي شهر مضى‪ ،‬الحظت أنه بدأ‬
‫يبتعد عني تماما‪ ،‬وال يطلب مني أي شيء كزوجين‪.‬‬
‫وأصبح يقضي جل وقته في محادثات هاتفية هامسة وبالساعات‪،‬‬
‫وإن سألته مع من يتحدث يقول لي مع صديقه‪ .‬فأشعر بأنه يكذب‬
‫على من نظرات عينيه التي يهرب فيها من النظر إلى عيني‪.‬‬
‫حتى ليلة البارحة‪ ،‬جاء متأخرا قبل الفجر بقليل من سهرة قال إنها‬
‫كانت عند مع أصدقائه‪ ،‬ودخل إلى الحمام ليغير مالبسه ويأخذ‬
‫حماما دافئا‪.‬‬
‫وأثناء استحمامه رن هاتفه الجوال أكثر من مرة‪.‬‬
‫اقتربت منه وقلبي يرتجف ال أعلم لماذا‪ ،‬وامسكت بالهاتف‬
‫وأجبت عليه دون أن أتحدث بكلمة واحدة‪.‬‬
‫فإذا بي أسمع صوت امرأة تقول‪ :‬أين أنت‪.‬؟ لقد نسيت ساعة يدك‬
‫عندي‪ .‬ألو الو لماذا ال تجيبني‪.‬؟‬
‫وأغلقت الهاتف دون أن أنطق بكلمة واحدة‪ ،‬فقد تجمد لساني‬
‫وارتعشت أطرافي‪ ،‬وأعدت الهاتف إلى مكانه وأنا في حالة من‬
‫الذهول‪.‬‬
‫يعلم هللا كيف كانت حالتي حينها‪ ،‬غضب‪ ،‬وقهر‪ ،‬وإحساس بأنني‬
‫أكاد أفقد عقلي كله‪ ،‬وسؤال يتردد في داخلي‪ :‬لماذا‪.‬؟‬
‫من هي تلك المرأة هل هي من أقربائه‪ ،‬هل هي عشيقته‪.‬؟‬
‫حبيبته‪.‬؟‬
‫هل مجرد عالقة عابرة‪.‬؟ أم عالقة قديمة جددها ثانية‪.‬؟‬
‫كيف سأتصرف معه‪.‬؟ هل أوجهه‪.‬؟ أسأله مباشرة من هي‪.‬؟‬

‫‪27‬‬
‫(‪)19‬‬
‫هل أسكت‪.‬؟‬
‫ودارت بي الدنيا لم أعرف ماذا أصنع كيف أتصرف ضعت‪،‬‬
‫ضعت تماما‪ ،‬حتى خرج من الحمام ونظر إلى وجهي مستغربا‬
‫وقال لي‪ :‬ما بك؟ هل أنت مريضة؟ لماذا يبدو وجهك شاحبا‪.‬؟‬
‫حاولت أن أجيبه غاص صوتي داخلي أسمع فقط صوت حشرجة‬
‫تكاد تخنقني وأكاد أن أصرخ في وجهه بكلمة واحدة‪( :‬خائن)‪.‬‬
‫ولكنني أجبته‪ :‬ال أشعر بأنني بخير‪ ،‬ربما سأصاب بالبرد‬
‫والزكام‪.‬‬
‫وذهبت إلى فراشي واختبأت تحت غطائي وأنا أرتجف‪.‬‬
‫وتظاهرت بالنوم‪.‬‬
‫وحين أشرق الصباح أول ما فعلته هو االتصال بك أنت‪.‬‬
‫ونظرت إصرار إلى سوسن‪ ،‬إلى تلك الطفلة الصغيرة والتي األن‬
‫من الصدمة والحزن وكأنما كبرت أربعون عاما‪.‬‬
‫هي في حالة صدمة من خيانة ربما أو ربما ال‪ ،‬قد تكون إحدى‬
‫قريباته‪ ،‬إحدى أخواته‪ ،‬البد أن تتروى‬
‫وإن كانت ال قدر هللا خيانته حقيقة ما الذي ستنصحها به‪ ،‬الخيانة‬
‫أول األشياء التي تمقتها في الرجل‪ ،‬وال يمكن أن تثق به بعدها‪،‬‬
‫فما العمل األن‪.‬‬
‫هي في مكانة أبنتها وطالما جاءت إليها فإنها أمانة لديها وال بد أن‬
‫توجهها االتجاه الصحيح‪.‬‬
‫تنفست إصرار بعمق ثم قالت بكل هدوء وبصوت ثابت لسوسن‪:‬‬
‫زوجك ال يعلم بأنك تركت المنزل‪.‬؟‬
‫أجابتها سوسن‪ :‬ال فقد سافر في مهمة عمل إلى لبنان وسيعود بعد‬
‫يومين إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫(‪)20‬‬
‫قالت ً إصرار‪ :‬ممتاز‪ ،‬أذن استمعي لي جيدا سوسن‪ ،‬أعتقد بانك‬
‫جئت إلى وأنت تعلمين جيدا بأنني أحكم دوما عقلي ولست‬
‫عاطفتي وقلبي‪ ،‬هذا طبعا لم يأت فجأة بل مع مرور السنين وعبر‬
‫التجارب الكثيرة التي مررت بها‪.‬‬
‫ربما لو كنت في مثل لعمرك‪ ،‬لتسرعت بالحكم على زوجك وقلت‬
‫لك بأنه خائن وأترك بيتك وعودي إلى بيت أهلك‪.‬‬
‫ولكن األن أنظر للموضوع بعقالنية ومن جانب زوجك أيضا‪ ،‬هل‬
‫من أتصلت عليه غريبة أم من األقرباء‪.‬؟‬
‫دعينا نضع االفتراض الحسن ونبعد عن الظن السيء به‪ ،‬بل‬
‫دعينا نعطيه كل األعذار‪.‬‬
‫ما أعجبني جدا بك هو حسن تصرفك وتمالكك ألعصابك‬
‫وهدوءك‪.‬‬
‫لم تفتعلي معه مشكلة كبيرة كانت لربما أدت إلى ماال يحمد عقباه‪،‬‬
‫أو على أقل التقدير كسرت الثقة ما بينك وبينه‪.‬‬
‫ألنه سيضع الخطأ عليك بأنك أجبت على مكالمة خاصة به‪،‬‬
‫وسيقول لك أنه ليس من حقك ذلك‪.‬‬
‫األن المطلوب منك إكمال ما بدأت به إال وهو التحكم في‬
‫أعصابك وعدم التطرق إلى ذلك الموضوع‪.‬‬
‫دعينا نعود إلى النقطة األساسية والتي بنت بينكما تلك الحواجز‬
‫وأصبح كل منكما في عالم بعيد عن الثاني والمفترض أن تكونا‬
‫قلبا وروحا واحدة‪.‬‬
‫فالزواج لم يبنى على الحب فقط بل على المودة والرحمة التي‬
‫يزرعها كل من الزوجين؛ حتى يحصدا هذا المعنى الكبير بعد‬
‫سنوات وسنوات من زواجهما‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫ولكن قبل ذلك البد أن يحدث الكثير من التفاهم والتقدير من كل‬
‫منكما لألخر‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫(‪)21‬‬
‫زوجك األن غائب وأنا ال أحب التسرع بالحكم عليه‪ ،‬قبل أن‬
‫أعرف وجهة نظره‪ ،‬وأستمع إليه‪.‬‬
‫فلنبدأ بك أنت‪ ،‬أريدك أن تعي تماما كل ما سأقوله لك وتنفذيه‬
‫بالحرف‪ ،‬ألن فيه أساس حياتكما معا واستقرارها بإذن هللا‪.‬‬
‫أعلم جيدا أن ما سأقوله لك صعب ولكني اعرفك جيدا‪ ،‬فأنت‬
‫أبنتي وال تفرقين عن زينة بشيء ولو كانت زينة في مكانك‬
‫سأقول لها نفس الشيء تأكدي من ذلك‪.‬‬
‫أين ذهبت روعة أيامكما األولى هال سألت نفسك‪.‬؟ لماذا اختفت‪.‬؟‬
‫لماذا صار يعاملك بجفاء ويبتعد عنك‪.‬‬
‫أين تلك األنثى التي تداعب وتشاغل عينيه‪.‬؟‪.‬‬
‫أين تلك الحبيبة التي انشغلت عنه فلم يعد هو من أول اهتماماتك‪.‬‬
‫يجب عليك أنت أعادة تلك الشعلة المتقدة لحياتكما معا‪ ،‬تغير‬
‫الروتين‪.‬‬
‫أبداي بتغير ديكور غرفة الجلوس و غرفة النوم‪ ،‬ضعي قليال من‬
‫لمساتك فيهما ‪ ,‬الشموع والورود وعطرك الخاص على وسادته ‪,‬‬
‫دعيه ال يراك إال في قمة جمالك مهما كان انشغالك‪،‬‬
‫أستقبليه بقبالتك وودعيه بها‪ ،‬عوديه عليها حتى يعود لك دوما‬
‫مطالبا بها‪.‬‬
‫أقتربي منه وأستمعي له‪.‬‬
‫وحين يعود من عمله متعبا مجهدا ال تنفريه منك بحديث ال يعني‬
‫له بشيء وأنتظري حتى يستريح ثم قولي له ما تريدين‪.‬‬
‫طالبيه بالخروج سويا نهاية كل أسبوع للعشاء أو الغذاء‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫(‪)22‬‬
‫دعي له مساحة من الحرية الخاصة فال تخنقيه‪ ،‬فالرجال يحبون‬
‫أن يشعروا بحريتهم رغم أنهم بالزواج واالرتباط يعلمون كل‬
‫العلم بأنها انتهت‪ .‬ولكن دعيه يفرح بها قليال‪.‬‬
‫ال تجسسي عليه وال تشعريه أنه مراقب‪ ،‬ال تتصلي عليه أن تأخر‬
‫كل خمس دقائق لتسأليه أين انت‪.‬‬
‫دعيه هو يعتذر لك أن تأخر عليك‪.‬‬
‫أظهري له دوما جانبك األنثوي‪ ،‬وداللك‪ ،‬فال يعني زواجكما أنه‬
‫أصبح ملكك‪ ،‬ال بل يجب أن تعديه حبيبا لك كل يوم‪ ،‬وال تخجلي‬
‫بالتودد إليه وإظهار الرغبة فيه فهو حاللك وال عيب من ذلك أبدا‪.‬‬
‫سيكون سعيدا جدا صدقيني‪.‬‬
‫صمتت إصرار وهي تنظر إلى سوسن لترى ردة فعلها على‬
‫كالمها معها‪ ،‬ووجدت الدموع تهبط من عينيها‪.‬‬
‫سألتها في قلق‪ :‬هل ضايقك كالمي حبيبتي‪.‬؟‬
‫فنظرت إليها سوسن بكل حب وقامت واحتضنتها بقوة وقالت لها‬
‫‪ :‬بل أحببت كل كلمة منها ‪ :‬ألنني أعلم كل العلم أنها الحقيقة‬
‫والصدق والطريق الذي كنت أبحث عنه طويال فأعدتني يا أمي‬
‫إليه‪ ،‬كم أحبك‪.‬‬
‫أخذتها إصرار في أحضانها ثم قالت لها ‪ :‬غدا أن شاء هللا حبيبتي‬
‫سنأخذك إلى صالون التجميل و ستعملين تغيرا كامال أو كما‬
‫يقولون ( نيولوك )‪.‬‬
‫حتى حينما يعود زوجك من السفر بأذن هللا يجد زوجته في قمة‬
‫جمالها وتألقها وأنوثتها بانتظاره‪.‬‬
‫وضحكتا سويا في سعادة ونسيت سوسن دموعها‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫(‪)23‬‬
‫قالت لها إصرار ‪ :‬أعدك بأنك ستعيشين معه عمرا بإذن هللا سعيدا‬
‫وستتغير أحوالكما إلى كل ما تودينه‪ .‬فقط استخدمي ذكائك الذي‬
‫عهدته فيك‪ .‬وحينما سيعود ستغرقان في العسل وستنسيني‪.‬‬
‫أجابتها سوسن ضاحكة‪ :‬كيف أنساك‪ ،‬ال أحد يستطيع صدقيني‪.‬‬
‫قالت لها إصرار‪ :‬أذن هذا وعد منك بتنفيذ تعليماتي صح‪.‬‬
‫وأجابتها سوسن‪ :‬صح جدا معلمتي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫(‪ )24‬الفصل الثاني ‪ -‬هشاشة العظام‬
‫انتهت إصرار من مراجعة جميع الفواتير والحسابات الخاصة بها‬
‫وبابنتها زينة‪ ،‬ومراجعة مصروف الشهر كامال‪.‬‬
‫بعدها شعرت بالملل والتعب فقررت الخروج إلى صديقتها التي‬
‫أتصلت عليها واتفقتا على اللقاء في المطعم المطل على شاطئ‬
‫البحر وتناول القهوة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫(‪)25‬‬
‫ثم توجهت إلى سيارتها بعد أن أبلغت السائق بتجهيز السيارة‬
‫لرغيتها بالخروج‪.‬‬
‫وما كادت أن تفتح باب السيارة‪ ،‬حتى اغلق الباب على كف يدها‬
‫بقوة‪ ،‬فصرخت من شدة األلم‪.‬‬
‫وسمع السائق صوت صراخها فجاء مسرعا وفتح الباب على‬
‫عجل‪ ،‬وأمسكت إصرار بيدها وشعرت بألم قوي بمعصم يدها‬
‫وعدم قدرتها على تحريك يدها تماما والحظت انتفاخا بظهر‬
‫كفها‪.‬‬
‫فطلبت من السائق التوجه بأقصى سرعة إلى أقرب مستشفى وهي‬
‫تحاول كتم صرخة ألم تود أن تبوح بها‪.‬‬
‫ووصلت إلى طوارئ المستشفى الذين قاموا فورا بعمل أشعة‬
‫مقطعية لكامل اليد‪.‬‬
‫ثم أحضروا لها طبيب المختص في طب العظام‪ ،‬ونظر إلى‬
‫صورة األشعة وقال لها بأنها ستحتاج إلى وضع يدها في الجبيرة‬
‫ولمدة شهرين كاملين ألن لديها كسر مضاعف في معصم اليد‬
‫وكذلك في كف اليد نفسه‪.‬‬
‫كما سيقوم بإعطائها مضادا حيويا مقاوما لاللتهاب ودواء أخر‬
‫مسكنا لأللم تأخذه وقت الحاجة فقط‪.‬‬
‫وحين راها تبكي من شدة األلم وتسأله عن وضع الكسر‪ ،‬أجابها‬
‫أنه يحتاج منها تحليال شامال للدم‪ ،‬وأشعة مقطعية خاصة بمعرفة‬
‫مدى كثافة العظام‪ ،‬ألنه رأى باألشعة السابقة بداية هشاشة‬
‫بالعظام قد يسبب لها العديد من المشاكل في المستقبل ال قدر هللا‬
‫إن لم تنتبه له‪ ،‬وتبدأ بعالجه في الوقت المناسب‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ألن إهمال العالج يعرضها للوقوع في التعرض للكسور من أقل‬
‫رضة أو سقوط‪.‬‬
‫ونظرت إلى الطبيب بعينين متسعتين من الدهشة وسألته قائلة‪ :‬كل‬
‫ذلك أيها الطبيب من كسر يدي؟ أيها الخمسين ربيعا ترفق بي‪!.‬‬

‫‪36‬‬
‫(‪)26‬‬
‫ضحك الطبيب حتى كاد أن يغص بضحكته وقال‪ :‬ما الذي قلتيه‬
‫األن؟‪.‬‬
‫خمسين ربيعا‪ !.‬صدقيني حين رأيتك لم أقدر عمرك إال في نهاية‬
‫الثالثين‪ ،‬وحين أتوا بأوراقك والملف الخاص بك نظرت إلى‬
‫العمر فلم أصدقه‪.‬‬
‫فمن الواضح أنك تعتنين بنفسك وصحتك جيدا‪ ،‬أما من ناحية‬
‫هشاشة العظام فنحن األطباء نطلق عليه أسم المرض الصامت‬
‫ألن غالب النساء يصبن به وال يشعرن بأي أعراض وال يعلمن‬
‫أنهن مصابات به إال في حالة مثل حالتك‪.‬‬
‫وعلميا هشاشة العظام (‪ )Osteoporosis‬تعني‪( :‬العظام‬
‫المنخورة‪.).‬‬
‫تؤدي االصابة بمرض هشاشة العظام الى اضعاف العظام لتصبح‬
‫هشة‪ ،‬الى درجة ان مجرد القيام بأعمال بسيطة جدا تحتاج الى‬
‫اقل قدر من الضغط‪ ،‬كاالنحناء الى االمام‪ ،‬او رفع مكنسة‬
‫كهربائية‪ ،‬او حتى السعال‪ ،‬قد يسبب كسورا في العظام‪.‬‬
‫يعود سبب ضعف العظام هذا‪ ،‬في معظم الحاالت‪ ،‬الى النقص في‬
‫مستوى الكالسيوم والفسفور‪ ،‬او النقص في معادن اخرى في‬
‫العظام‪.‬‬
‫وهو يظهر نتيجة لعوامل كثيرة منها عدم التعرض للشمس‪ ،‬و‬
‫عدم تناول األطعمة الغنية بفيتامين سي‪ ،‬وعدم تناول الحليب منذ‬
‫الصغر‪.‬‬
‫كذلك التدخين وعدم ممارسة الرياضة‪ ،‬وال ننسى العامل الوراثي‬
‫فهو مهم‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وفي هذه األيام سيدتي ومما أراه كطبيب متخصص بالعظام أن‬
‫هشاشة العظام صارت تصيب النساء وكذلك الرجال وحتى‬
‫الشباب الصغار بالسن ال همالهم الصحة العامة‪ ،‬والرياضة‪.‬‬
‫وكذلك اهمال الوجبات المفيدة لتقوية العظام‪ ،‬و عدم التعرض‬
‫ألشعة الشمس‪ ،‬وكذلك التدخين بشراهة مما يؤثر على الصحة‬
‫عامة وعلى العظام خاصة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫(‪)27‬‬
‫فال تقلقي سيدتي وأعلمي بأنه هنالك ثالثة عوامل حيوية تساهم‬
‫في تحسين صحة العظام على امتداد سني العمر‪:‬‬
‫‪-1‬ممارسة النشاط البدني بانتظام‪.‬‬
‫‪-2‬استهالك كميات كافية من الكالسيوم‪.‬‬
‫‪-3‬استهالك كميات كافية من فيتامين (د)‪ ،‬الذي يعد ضروريا‬
‫لتحفيز امتصاص الكالسيوم في الجسم‪.‬‬
‫وبناء عليه رحبي بسن الخمسين ربيعا كما قلتي‪ ،‬واحرصي على‬
‫عالج يدك وتناول كل ما حرصتك عليه من أطعمة‪.‬‬
‫وعليك االهتمام بصحة عظامك منذ األن وممارسة الرياضة وأهم‬
‫األشياء أقولها لك هي ‪:‬‬
‫المحافظة على طاقتك اإليجابية دوما‪ ،‬وتأكدي بإذن هللا بأنك‬
‫ستكونين بخير‪..‬‬

‫‪39‬‬
‫(‪ )28‬النادي الرياضي‬
‫شعرت إصرار بضعف وألم في مفصل الركبة وانتفاخ‪ ،‬فذهبت‬
‫إلى عيادة طبيب العظام المجاورة لبيتها‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫(‪)28‬‬
‫وكان موعدها العاشرة صباحا وأرشدتها الممرضة إلى غرفة‬
‫الفحص وبعد اإلجراءات الروتينية من قياس للضغط والحرارة‪،‬‬
‫ثم السؤال المهم جدا العمر‪.‬‬
‫وتسألت بينها وبين نفسها‪:‬لماذا ال يلغى هذا السؤال من قاموس‬
‫األطباء ويكتفون برؤية البطاقة الشخصية التي يذكر فيها تاريخ‬
‫الميالد فيحسبون العمر ويكتبونه تلقائيا دون سؤال المريضة‬
‫وإحراجها‪.‬؟!‪.‬‬
‫بالنسبة لي أشعر أنني ما زلت في العشرين من عمري‪ .‬وضحكت‬
‫حتى تعجبت منها الممرضة‪ .‬فسكتت واعتذرت لها بأنها تذكرت‬
‫شيئا أسعدها مما جعلها تبتسم دون وعي‪.‬؟‬
‫وحضر الطبيب وسألها عن حالها وما الذي تشكو منه‪ ،‬فأجابته‬
‫باختصار عما تشعر به منذ حوالي أسبوعين وسبب لها ألما و‬
‫إزعاج في الحركة‪.‬‬
‫وقام الطبيب بفحصها ثم وجهها للخضوع ألشعة للركبة حتى‬
‫تكتمل عنده الصورة وبعض الفحوصات للدم‪.‬‬
‫وانتظرت إصرار حوالي ساعة ونصف الساعة حتى أتت نتائج‬
‫الفحوصات جميعا ‪,‬ونظر لها الطبيب متفحصا ثم قال لها مبتسما‬
‫‪ :‬الحمد هلل مدام إصرار الفحوصات تبشر بالخير فليس هناك ما‬
‫يقلق‪ ،‬مجرد ألتهاب بسيط بالماء المحيط بالركبة سيزول بأذن هللا‬
‫بتناول الدواء‪..‬‬
‫ثم نصحها باالنضمام لنادي نسائي رياضي حتى تقوي من‬
‫عضالت قدميها وجسمها عامة‪.‬‬
‫وخرجت إصرار من عيادة الطبيب تشكر هللا سبحانه وتعالى على‬
‫كل شيء‪ ،‬ثم توجهت إلى نادي نسائي معروف بالمدينة وسجلت‬
‫‪41‬‬
‫فيه مباشرة ودفعت قيمة االشتراك وسجلت في أول حصة‬
‫رياضية تبدأ صباحا حوالي الساعة الثامنة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫(‪)29‬‬
‫وفي اليوم التالي توجهت للنادي بكل نشاط وحماس وفرح ينتابها‬
‫ال تعلم لماذا‪ ،‬شعرت بأنها كاألطفال وأنها تود أن تركض وتقفز‬
‫على كل األجهزة الموجودة بالنادي‪.‬‬
‫وبدأت تمارينها مع المدربة الشخصية بكل حماس والمدربة‬
‫تشجعها وتعجب بها وتردد قائلة لها ‪ :‬ماشا هللا مدام عندك إرادة‬
‫وعزيمة لم أراها في من هن أصغر منك عمرا‪ ،‬حتى بدأت أشك‬
‫أصال أنك في الخمسين من العمر‪.‬؟‬
‫تبسمت إصرار وضحكت من كل قلبها وردت قائلة للمدربة‪:‬‬
‫ولماذا تذكريني األن بالعمر‪ .‬فما اشعر به األن أنني في العاشرة‬
‫من عمري‪ ،‬أود تجربة كل شيء هنا‪ .‬رجاء أبقي حديث العمر‬
‫بعيدا حتى ال أبدأ أشعر به وألقي بنفسي عند أول مقعد حتى‬
‫أستريح‪!!..‬‬
‫وضحكتا طويال‪ .‬واستمعت إصرار وأحست براحة نفسية‬
‫وجسدية فالرياضة تعيد لك نشاطك وتجدد الدورة الدموية وتقوي‬
‫القلب وعضالت الجسم‪.‬‬
‫وبينما هي تتناول القليل من الماء‪ ،‬رأت شابة تجلس بعيدا واضعة‬
‫منشفة فوق كتفيها‪ .‬وتنظر إلى اآلالت من حولها بكل إحباط‬
‫وحزن‪.‬‬
‫فاقتربت منها إصرار بكل حنان وسألتها أوال عن اسمها فقالت‬
‫لها‪ :‬أسمي زينة‪ .‬أتسعت عينا إصرار وردت قائلة‪ :‬أسم ابنتي‬
‫حبيبتي‪.‬‬
‫ماذا بك يا أبنتي لماذا تجلسين بعيدا وال تشاركين بالتمارين‪.‬؟‬
‫أسفة أن سألتك ولكني شعرت أنك بحاجتي عذرا منك للتطفل‪.‬؟‬

‫‪43‬‬
‫تبسمت لها الفتاة وقالت ‪ :‬بالعكس فأنا أشعر بالوحدة هنا‪ ،‬ليس لي‬
‫صديقة تشجعني وال قريبة تقف معي حتى أتحرك ‪ ,‬وكلما‬
‫مارست رياضة ما شعرت بالدوار ثم التعب فاإلحباط‪ .‬وذهبت‬
‫إلى الطبيب وقمت بكافة الفحوصات وكانت سليمة تماما‪ .‬وال أعلم‬
‫لماذا أشعر بكل تلك األعراض؟‬

‫‪44‬‬
‫(‪)30‬‬
‫أجابتها إصرار‪ :‬وأنا أيضا ليست لي صديقة أو رفيقة تشاركني‬
‫الحماس وهذا أول يوم لي ما رأيك زينة بما أنك تحملين اسم‬
‫أبنتي الغالية‪ .‬أن تكونين رفيقتي وأبنتي ونتشارك سويا في‬
‫التمارين ونشجع كل منا األخرى‪ .‬هاه ما رأيك‪.‬؟‬
‫تبسمت الفتاة ومدت يدها مصافحة إصرار قائلة لها ‪ :‬وعد‬
‫تبسمت إصرار بكل سعادة ‪ :‬وعد‪.‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم نسقا جدولهما ليكونا سويا ‪,‬وكانت إصرار للفتاة‬
‫األم والصديقة والمرشدة والباعثة للحماس والنشاط‪.‬حتى أن كل‬
‫من في النادي أعجب بتقدمهما معا‪.‬‬
‫فارق العمر بين األجيال ال يعني اختالف التفكير واختالف‬
‫المشاعر بل تعني أن كل جيل يدعم الثاني‪ .‬األكبر بالخبرة‬
‫والمعرفة‪،‬واألصغر بالحماس وبث روح النشاط والتفاؤل‪.‬‬
‫وصار كل من يرى إصرار بعدها يتعجب من تماسك جسمها‬
‫ورشاقتها‪ .‬ويسألونها عن السبب فتقول أسألوا عمري فهو من‬
‫أهداني كل ما أنا فيه بعد فضل رب العالمين علي الحمد هلل‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫(‪ )31‬هبات ساخنة‬
‫سافرت زينة مع زوجها إلى لندن حيث سيبدأن حياتهما الزوجية‬
‫الجديدة هناك ويكمالن دراستهما معا وبخطوات نحو مستقبل‬
‫زاهر بإذن هللا‪.‬‬
‫وبدأت إصرار ومنذ سفرهما تعاني وخاصة وقت النوم من‬
‫الشعور بحرارة غير عادية تبدأ من منطقة الرقبة ثم تمتد إلى‬
‫صدرها صاعدة إلى وجهها‪.‬‬
‫ويصاحب هذه الحرارة شعور بالتوتر والقلق وعدم االستقرار‪،‬‬
‫وال تطيق وضع غطاء على جسمها‪.‬‬
‫فتذهب إلى جهاز التكييف لتتأكد من درجة حرارته وتخفضه إلى‬
‫أقل درجة حرارة‪،‬‬
‫ولكن شعورها بتلك الحرارة ال يقل وال يختفي‪ ،‬وتبقى في فراشها‬
‫تتقلب مع شعور بعدم الراحة‪ ،‬وبعد حوالي نصف ساعة أو أكثر‬
‫يبدأ العرق الغزير ثم برودة في أطرافها‪.‬‬
‫أعادت تفسير ما تمر به نتيجة حالتها النفسية تأثرا بسفر أبنتها‬
‫وفراقها‪ ،‬ثم الشعور بفراغ البيت عقب سفرها‪.‬‬
‫فهي تسكن في فيال كبيرة وواسعة‪ ،‬أصبحت خالية إال من صور‬
‫زينة وصوت ضحكاتها وذكرياتها‪.‬‬
‫ولكن تكرار تلك الهبات الساخنة المزعجة حرمها من النوم ليالي‬
‫عديدة مما كان يصيبها باإلرهاق باقي اليوم كله‪.‬‬
‫فقررت االتصال بطبيبتها المتخصصة في أمراض النساء‬
‫والوالدة وأخذت أقرب موعد معها‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫(‪)23‬‬
‫وفي اليوم المحدد توجهت إلى عيادة الطبيبة وبالوقت المحدد لها‪،‬‬
‫ثم دخلت إلى غرفة الفحص حيث قامت الممرضة بالقيام بقياس‬
‫ضغط الدم والحرارة والوزن‪.‬‬
‫ثم أدخلتها إلى عيادة الطبيبة التي بدأت تسألها العديد من األسئلة‪،‬‬
‫وأهمها سؤال شعرت معه إصرار بالدهشة واالستغراب منه‪.‬‬
‫سألتها هل الطمث مازال مستمرا معها أم انقطع عنها‪.‬‬
‫فتعجبت إصرار وسألتها‪ :‬لماذا هذا السؤال‪.‬؟‬
‫فأجابتها أن ما تعاني منه وما تمر به إصرار ما هو إال عارض‬
‫من أعراض ما يعرف بسن اليأس‪ ،‬وما قبل انقطاع الطمث‪.‬‬
‫ال تعلم إصرار لماذا حينها شعرت بالبرودة تصيب أطرافها‪،‬‬
‫ولماذا بدأ جسمها يرتعش خوفا‪.‬‬
‫صدقا هل سينقطع الطمث‪ ،‬شيء لم تفكر به وسط أشغالها كلها‪،‬‬
‫لم تفكر فيه أبدا‪،‬‬
‫وكأنما هو شيء خاص بها هي سيستمر معها‪ ،‬ورغم تعليمها‬
‫وثقافتها وقراءتها للعديد من الكتب وخاصة تلك التي تتكلم عن‬
‫األمراض الخاصة بالنساء‪.‬‬
‫إال أنها لم تتوقع يوما أن يحدث ذلك األمر لها هي شخصيا‪،‬‬
‫وسيظل بعيدا عنها‪ ،‬أو ربما ستمر به ولكن ليس األن‪.‬‬
‫وطال صمتها طويال واحترمت الطبيبة صمتها‪ ،‬ثم قالت لها بكل‬
‫هدوء ‪ :‬مدام إصرار أنت إنسانة واعية ومتعلمة وتعلمين أن‬
‫النساء جميعا ال بد أن يعانين من هذه المرحلة بشكل أو بأخر‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫(‪)34‬‬
‫منهن من تمر بها مرور الكرام فال تعاني منها اال الشيء اليسير‪،‬‬
‫ومنهن من تعاني مسألة تغير الهرمونات األنثوية والخاصة‬
‫بالخصوبة‪ ،‬وتتعرض للعديد من المشاكل الصحية‪.‬‬
‫تعاني الكثير من النساء من الهبات الساخنة أثناء مرحلة ما قبل‬
‫انقطاع الطمث‪ ،‬وتتباين شدة حدوثها ومدتها ومدى تكرارها‪،‬‬
‫وغالبًا ما تحدث مشكالت النوم نتيجة للهبات الساخنة والتعرق‬
‫الليلي‪ ،‬لكن أحيانًا يصبح النوم غير مستقر حتى مع عدم وجود‬
‫هبات ساخنة أو تعرق ليلي‪.‬‬
‫وكل هذه األعراض مقدور عليها بإذن هللا‪ ،‬أوال بإجراء‬
‫الفحوصات الدورية للدم والثديين‪.‬‬
‫ثانيا بأخذ العالج المناسب لكل سيدة تمر في هذا العمر‪.‬‬
‫وتأكدي أنه يعتمد المرور بهذه المرحلة من العمر على الحالة‬
‫النفسية للمرأة نفسها‪ ،‬وتقبلها للمرحلة التي تمر بها على أنها شيء‬
‫طبيعي‪ ،‬وبأنها األن أصبحت أكثر ثقة في نفسها وأكثر نضجا‬
‫وتعيش حياتها بحرية فلم تعد مقيدة بحمل أو والدة‪ ،‬وأن عليها‬
‫األن رعاية نفسها وداللها‪.‬‬
‫ونصحت الطبيبة إصرار بالعودة إليها أن أستمر معها الشعور‬
‫بالهبات الحرارية بعد انقطاع الطمث‪ ،‬حينها ستكون بحاجة إلى‬
‫أعطاها عالجا هرمونيا مكمال يريحها من تلك األعراض‪.‬‬
‫أما األن فال تحتاج إال أي عالج فنتيجة جميع فحوصاتها جاءت‬
‫سليمة وهلل الحمد‪.‬‬
‫وخرجت إصرار من العيادة ووضعت نظارتها الشمسية لتخفي‬
‫عينيها فقد أحست فجأة أنها تريد أن تختفي وتخفي وجهها عن‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫فقد شعرت بأنها لم تعد تلك الشابة‪ ،‬وها هي عواصف سن‬
‫الخمسين الربيعي تقترب‪.‬‬
‫أهال بها‪ ،‬فأنا األن مستعدة لها‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫(‪ )35‬عيادة تجميل‬
‫اجتمعت إصرار مع مجموعة من صديقاتها في منزلها فاجأنها‬
‫بزيارة سعدت بها جدا‪.‬‬
‫فقد شغلها عملها عن التواصل مع األهل والصديقات المقربات‬
‫منها‪.‬‬
‫وها هي الفرصة سنحت بقدومهن إليها في زيارة لم تتوقعها منهن‬
‫فكانت أجمل وأروع لو أنها خطط لها من قبل‪.‬‬
‫وأتت بالقهوة العربية الممزوجة بالهيل المطحون والتي تتفنن بها‬
‫ويحبها جميع من تتناولها من يديها و أعطت كل منهن كوب‪.‬‬
‫وبدأن بالحديث في شتى المواضيع ولكن أكثر ما لفت أنتباههن‬
‫هو جمال صديقتهن منال وصفاء بشرتها واختفاء كافة الخطوط‬
‫التي كانت ترتسم على جبهتها‪.‬‬
‫وكذلك امتالء شفتيها بطريقة جميلة لم تكن موجودة من قبل‬
‫فالمعروف عن منال أن لديها شفتين نحيلتين صغيرتين واألن‬
‫أختلف الوضع تماما‪.‬‬
‫وألتفت الجميع أليها طالبات منها تفسير لك التغيير المفاجئ‬
‫والمظهر الجذاب الذي جعلها تكون قبلة انظار الجميع‪.‬‬
‫وتبسمت منال في نعومة ودالل قائلة لهن ‪:‬أنا لم افعل شيئا‬
‫صدقوني مجرد لمسات من المكياج بطريقة احترافية مع اختيار‬
‫لون أساس المكياج المناسب لبشرتي‪ ،‬كما انني أعتني كل العناية‬
‫بوجهي وأضع له الكريمات المناسبة للمساء وللصباح‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫(‪)36‬‬
‫وأزور صالون التجميل لالعتناء الكامل بوجهي والقيام بتنظيف‬
‫للبشرة مما أدى إلى صفائها ونقائها تماما‪ ،‬فأعطت النتيجة بشرة‬
‫صافية وخالية من أي حبوب أو بقع‪..‬‬
‫وهنا تصدت لها دالل صديقة إصرار قائلة وبكل جدية‪ :‬هيا يا‬
‫منال علينا الكالم ذا‪ ،‬انا دائما أذهب إلى الصالون وأعتني‬
‫ببشرتي ووجهي ولكن الواضح أنك ذهبت إلى عيادة تجميل‬
‫فالتغير واضح للعين‪ ،‬فال تستقلي بنا وبعقولنا فنحن نعرفك عز‬
‫المعرفة ومنذ زمن هذا الكالم قوليه للناس ال يعرفونك منال هيا‬
‫هاتي ما عندك‪.‬؟!‬
‫ضحكت منال وقالت‪ :‬حسنا قبل ستة اشهر ذهبت مع زوجي إلى‬
‫باريس في زيارة عمل خاصة به‪.‬‬
‫أقمنا في فندق شهير بالعاصمة الفرنسية كان به بالدور األول‬
‫عيادة كبيرة تأخذ الطابق األول كامال‪.‬‬
‫انتابني الفضول لزيارته ألن زوجي كان غارقا في عمله‬
‫واجتماعاته‪ ،‬فأخذت اول موعد لزيارة العيادة وبالفعل شاهدني‬
‫استشاري الجلدية هناك ونصحني بالعالج المناسب وطلبت منه‬
‫أيضا بعض التكبير البسيط لشفتي التي عانيت من منظرها منذ‬
‫الصغر والنتيجة كما ترين األن‪.!!.‬‬
‫قالت دالل لمنال‪ :‬نعم األن ظهرت الحقيقة كريمات ما كريمات‬
‫نحن النساء عندنا حس سريع االكتشاف ألبر الفيلينج والبوتكس‪.‬‬
‫وعال صوت ضحكاتهن‪.‬‬
‫ثم أكلمت دالل كالمها قائلة لمنال ‪ :‬من جد ومن كل قلبي أهنئك‬
‫على كل ما فعلته فالنتيجة حقا وووواووو‪ .‬روووعة ما نرى ما‬
‫شاء هللا‬
‫‪51‬‬
‫(‪)37‬‬
‫وألتفت إصرار إليها سائلة ‪ :‬هل تعلمين عن أسم عيادة معروفة‬
‫هنا حتى أذهب إليها‪ ،‬فأنا أريد تجديد للبشرة وعالج بعض‬
‫الخطوط التي ارتسمت فوق جبهتي وكذلك شفتي‪!.‬‬
‫وما كادت منال تجيب إصرار على تساؤلها حتى اعترضتها‬
‫واحدة من الصديقات تدعى سناء قائلة وموجهة الحديث إلصرار‬
‫وبكل سخرية ‪ :‬ولماذا تريدين الذهاب يا إصرار ما لداعي ولمن‬
‫ستغيرين في نفسك وبشرتك؟‬
‫فانتي ال زوج لكي وال أحد حبيبتي والحمد هلل قريبا ستصبحين‬
‫جدة‪ .‬فلمن ستقومين بالتجديد والدالل‪.‬؟ حينما تقوم المرأة‬
‫باالهتمام بجمالها يكون من أجل زوجها وأنت الحمد هلل معروف‬
‫وضعك‪.‬؟!‪.‬‬
‫هنا شعرت إصرار بغليان دمها وتلون وجهها باللون األحمر‬
‫وحاولت قدر اإلمكان أن تتحكم في أعصابها فال تفلت منها‬
‫وتنفجر في وجه صديقتها‪.‬‬
‫قالت لها وبصوت تمسكت أن يكون ثابتا هادئا جدا ‪ :‬عزيزتي‬
‫حينما نهتم بجمالنا ونعتني بصحتنا وبشرتنا وكل شيء يخصنا‬
‫فهو أوال وأخير نقوم به ألنفسنا وليس ألحد أخر سواء كان األخر‬
‫زوج أو غيره‪.‬‬
‫الجمال ينبع منا ومن داخلنا وكلما دللنا أنفسنا واعتنينا بها كانت‬
‫النتيجة راحة لنا خاصة حينما ننظر في المرآة فنقدر نعمة هللا‬
‫التي أعطانا إياها من جمال خارجي وداخلي‪.‬‬
‫أنا ال أحتاج من يقدر جمالي واهتمامي‪ .‬بل وهلل الحمد معتزة جدا‬
‫بنفسي وجمالي واحب أن أرى نفسي في أجمل وأحسن حال‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫وهنا توتر الجو وردت سناء ‪ :‬وهللا أنا أختلف معك تماما‪،‬أنا‬
‫أعتني بنفسي حتى أكون في عين زوجي قمة في الجمال‪ ،‬أحب‬
‫أن يراني كل يوم في صورة ترضيه‪ ،‬فأنا أحرص على جمالي‬
‫من أجله ومن أجل عينيه‪ .‬ال يهمني غيره بالحياة اعتنائي بنفسي‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫(‪)38‬‬
‫هدية لحبيبي وزوجي‪ ،‬فما جمالي إال له وحده أما الناس ال‬
‫يهموني بشيء‪ .‬هو من يستحق أن أعتني بكل شيء في عزيزتي‪.‬‬
‫ثم اشاحت بوجهها بعيدا عن عيني إصرار التي كادت أن تفترسها‬
‫من أسلوبها وطريقتها بالحديث الذي وضح فيه السخرية منها‬
‫ومن ظروفها‪.‬‬
‫وكأنها تريد ان تضع قانونا يقول من ال زوج لها وال رجل في‬
‫حياتها فلتكف عن الذهاب إلى صالونات التجميل فلتكف عن‬
‫وضع المكياج ولتدع نفسها في مهب الريح انتظارا لمن يعطف‬
‫عليها وتكون من نصيبه‪ .‬حينها فقط فلتعتني بجمالها‪ .‬أي عقل هذا‬
‫وأي تفكير‪.‬‬
‫الجمال خلقه هللا لنا نعمة نعتني به لنا وحين يشع الجمال من‬
‫أنفسنا سيقدره األخرين‪.‬‬
‫وقالت إصرار لسناء وبكل هدوء‪ :‬وجهة نظرك أحترمها ولها كل‬
‫تقدير ولكنني سأظل أعتني بنفسي وجمالي وسأذهب بإذن هللا إلى‬
‫عيادة تجميل حتى أعيد النضارة إلى بشرتي وأرى هناك ما‬
‫يناسب من عالج واحتمال أقوم بعمل تكبير لشفتي وأعود إليكن‬
‫بشفتين جميلتين وبكل ثقة‪.‬‬
‫ومدت إصرار شفتيها إلى األمام بطريقة مضحكة وضحك الجميع‬
‫من منظرها حتى دمعت أعينهن‪.‬‬
‫وانتهت السهرة على خير ما يرام مع رغبة قوية من إصرار‬
‫بالذهاب في أقرب وقت لعيادة تجميل حتى تعتني بوجهها‬
‫وبشرتها وترى ما يناسب لها ألعاده نضارتها‪.‬‬
‫فليس عيبا أن تعتني المرأة بنفسها لتبدو أكثر جماال ورقة في أي‬
‫عمر وفي أي مرحلة سواء كانت فتاة أو زوجة أو أم أو جدة‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫(‪ )39‬عندما يموت الضمير‬

‫‪55‬‬
‫تلقت إصرار مكاملة من المعقب الذي يشرف على أعمالها ولديه‬
‫توكيل خاص بمراجعة الدوائر الحكومية ألنهاء جميع معامالتها‪.‬‬
‫فهي كامرأة ال تستطيع مباشرة أعمالها بنفسها‪ .‬آلنها تحتاج إلى‬
‫معرف ووكيل عنها‪.‬‬
‫طلب منها المعقب االجتماع بها في أقرب فرصة وفي الوقت‬
‫الذي يناسبها‪ ،‬فطلبت منه موافاتها بالمنزل حول الساعة السابعة‬
‫مساءا‪ .‬ألنها فضلت الخروج مبكرا من عملها لمالقاته‪.‬‬
‫وعادت إصرار إلى البيت قبل الموعد بنصف ساعة ورتبت جميع‬
‫أوراقها التي عادة ما يطلبها المعقب‪.‬‬
‫وأعدت كوبين من القهوة التركية المضبوطة فقد كان كلما جاء‬
‫إلى منزلها لمراجعة أخر المستجدات معها طلب كوب من القهوة‬
‫التركية المضبوطة‪.‬‬
‫وحضر المعقب في الموعد المحدد واستقبلته إصرار في مكتبها‬
‫الكائن في مدخل البيت خصصت له مكانا مميزا ومدخال خاصا‬
‫له مخرج وباب منفصل‪.‬‬
‫ووجد العاملة المنزلية ليندا في استقباله وأرشدته إلى المكان الذي‬
‫يعرفه جيدا ولكنه أتبع تعليمات ليندا صامتا‪.‬‬
‫واستقبلته إصرار بترحاب وهي ترتدي عباءة سوداء تغطيها‬
‫كاملة ما عدا وجهها وجلست أمامه في مكتبها المستدير‪.‬‬
‫وطلبت من ليندا إحضار كوبين القهوة على الفور‪.‬‬
‫وبعد أن تناول قهوته المفضلة قال لها على الفور ‪ :‬تسلم األيادي‬
‫سيدتي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫(‪)40‬‬
‫قالت ‪ :‬هللا يسلمك‪ .‬هاه هات ما عندك‪..‬‬
‫قال لها مبتسما‪ :‬ال داعي للعجلة يكفي أنني سعدت برؤية وجهك‬
‫الصبوح وابتسامتك الجميلة التي قل ما أراها سيدة إصرار‪.‬‬
‫اليوم جئتك بمشروع مضمون أن شاء هللا مئة بالمئة وال تندمين‬
‫أبدا على المشاركة فيه وأنا شخصيا سأشارك معكي فيه‪ ،‬وعلى‬
‫ضمانتي وكفالتي وتحملي كافة المسؤولية‪.‬‬
‫نظرت إليه إصرار بتعجب فهذه المرة األولى الذي بطلب منها‬
‫شيئا هكذا‪ .‬فكل ما يربطها به هو العمل فقط ومراجعة كافة ما‬
‫يخصها من أوراق رسمية وخالفه‪!.‬‬
‫أما مشاريع أو أعمال خاصة مشتركة بينهما فلم يخطر ببالها أو‬
‫بباله يوما أن يخوضا فيه‪.‬‬
‫ما لذي جاء به اليوم ليطلب هكذا طلب‪.‬؟ بل ما لذي جعله بمثل‬
‫هذا الحماس حتى ينسى كل شيء ويطلب الدخول شريكا مع‬
‫موكلته‪.‬؟ أليس ذلك منافيا لعمله كمحامي؟‬
‫وانتظرت منه تفسيرا اكثر للموضوع‪.‬‬
‫قال لها بكل هدوء وثقة‪ :‬عندي لكي مشروع سأكون فيه الشريك‬
‫بالمجهود وانتي برأس المال‪.‬‬
‫سأشرف على كل صغيرة وكبيرة فيه حرصا عليك وسنتقاسم‬
‫المال واألرباح النصف بالنصف أنت برأس مالك وانا بمجهودي‬
‫في متابعة العمل بنفسي‪.‬‬
‫سننشأ محال صغير للعناية وتصليح وصيانة كافة األجهزة‬
‫الكهربائية كالمكيفات والثالجات والتلفزيونات وجميع األجهزة‬
‫الكهربائية‪ .‬ونحتاج فقط إلى محل صغير وسيارتين جيب نقل‬
‫وعدد أربع مهندسين متخصصين في صيانة األجهزة تلك‪..‬‬
‫‪57‬‬
‫(‪)41‬‬
‫وصدقيني خالل شهرين فقط سيعود علينا المحل بربح مئة بالمئة‪.‬‬
‫ثقي بكالمي مليون بالمئة‪ .‬ها ما رأيك‪.‬؟‬
‫أجابته إصرار بكل هدوء‪:‬وكم رأس المال المطلوب فضال‪.‬؟‬
‫أجاب بابتسامة عريضة كلها ثقة فيها ‪ :‬مئة ألف فقط‪ .‬مبلغ صغير‬
‫بالنسبة لكي سيدة إصرار‪.‬‬
‫نظرت إليه إصرار بكل تعجب ‪ :‬صغير لمن لي أم لك؟ بالنسبة‬
‫لي فهو مبلغ كبير جدا ال أملك منه شيئا األن‪ .‬ولكن دع لي‬
‫المشروع ودراسة الجدوى له‪ ،‬وسأدرسه وأرد عليك في حينه ال‬
‫تقلق‪..‬‬
‫غادر المعقب منزلها على مضض ووعد بالرد عليه بأقرب وقت‬
‫إن شاء هللا‪.‬‬
‫وأخذت إصرار األوراق جميعها ودراسة الجدوى وراجعتها نقطة‬
‫نقطة وبند بند حتى المعامالت المطلوبة للمشروع درستها‬
‫وراجعتها بدل المرة ألف مرة حتى يطمئن قلبها‪.‬‬
‫ووجدت في نفسها القبول فالمشروع ممتاز وعليه أقبال من جميع‬
‫الفئات‪،‬آلننا نحتاج إلى صيانة وتصليح المعدات واألدوات‬
‫الكهربائية بجميع أنواعها وأحجامها وموديالتها المختلفة‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي أتصلت بالمعقب وأبلغته موافقتها على شرط‬
‫واحد أجابها بفرح غامر يكاد يقفز من صوته ‪ :‬موافق موافق على‬
‫كل شروطك‪!.‬‬
‫ضحكت قائلة ‪ :‬أنتظر أنتظر وأستمع لي جيدا فضال‪ !.‬أوال‬
‫المشاركة بالمال ستكون النصف بالنصف‪ .‬أي أنا سأدفع خمسون‬
‫ألف وأنت خمسون ألف‪ .‬األرباح تقسم بيننا مناصفة وكذلك ال‬
‫قدر هللا الخسائر‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫(‪)42‬‬
‫يكتب عقد رسمي بيننا عند كاتب عدل بشهود ومحضر رسمي مع‬
‫اصدار سجل تجاري للمشروع باسمي حتى يكون كل شيء‬
‫رسمي ومن خالل األوراق الرسمية لمكتب العمل‪.‬‬
‫سكت برهة ثم أجاب ببطء وكأن غصة أصابته ‪ :‬ولكنني ال أملك‬
‫الخمسون ألف مدام إصرار أنت تعلمين جيدا ظروفي العائلية‬
‫ووضعي المادي‪ ،‬وكنت أتعشم أن تضعي يدك بيدي لنبدأ هذا‬
‫المشروع الذي رأيت الغالب من أهلي وخاصة أخواني يخوضون‬
‫فيه ويتمتعون بأرباح وفيرة مما غير من حياتهم تماما‪.‬‬
‫وودت أن أبدل وضعي المادي مثلهم‪ ،‬وأخرج من تلك الحالة‬
‫المادية الخانقة‪.‬‬
‫أجابته ‪ :‬هذا شرطي تقبل به حياك هللا نبدأ سويا وأن شاء هللا‬
‫تحقق كل ما تتمناه وترجوه وكذلك أستفيد أن أيضا ويعطيني دفعة‬
‫لعملي ومورد مالي ثابت بأذن هللا‪.‬‬
‫أجابها بحزن ‪ :‬أن شاء هللا خير‪ .‬أن شاء هللا خير مدام إصرار‪.‬‬
‫وغاب عنها ألسبوعين كاملين ثم عاد وأتصل بها مبلغها موافقته‬
‫وأنه سيحضر إلى منزلها معه الشهود وكافة األوراق المطلوبة‬
‫مع الوكالة الخاصة منها ليباشر اإلجراءات وطلب منها تجهيز‬
‫شيك خاص بمبلغ الخمسون ألف‪.‬‬
‫وبالفعل تم تجهيز جميع األوراق وأعطته إصرار الشيك الخاص‬
‫ووقعته باسمه وتاريخه مع وعد منه بإبالغها بالتطورات أوال‬
‫بأول‪.‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم أتصل بها مرتين أو ثالث فقط يبلغها بتطور‬
‫المشروع واختياره المحل المناسب واعدا إياها باصطحابها لرؤية‬
‫العمل كيف يسير‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫ومر بعدها أسبوع وأسبوعين حتى اكتمل الشهر ولم تسمع عنه‬
‫شيئا ولم يتصل عليها‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫(‪)43‬‬
‫أصابها القلق والتوتر وبدأت تشعر بأن هناك شيء صار معه‪،‬‬
‫وغص قلبها في صدرها ألنها شعرت أن أمرا ما غير مريح ال‬
‫تعلم ما هو لكنه حدث‪.‬‬
‫وذهبت إلى مكتبه ووجدته مغلق‪ ،‬اتصلت على هاتفه المتحرك‬
‫أكثر من مرة ووجدته مغلق‪ ،‬عادت إلى مكتبه بعد أسبوع ولم‬
‫تجده وبينما هي تعود إلى سيارتها أذا بها تصادف قريب له‬
‫فتنفست الصعداء وتوجهت إليه وسألته عنه‪.‬‬
‫أجابها أنه أغلق المكتب منذ شهر مضي وأنتقل مع زوجته وأبنيه‬
‫الى العاصمة حيث وجد عمال مناسبا هناك‪ ،‬وأن هناك امرأة‬
‫كبيرة في السن أعطته مبلغا من المال كمساعدة له‪.‬‬
‫نظرت إليه إصرار في ذهول وسألته قائلة ‪ :‬من هي تلك المرأة‬
‫الكبيرة بالسن فضال‪.‬؟ هل تعلم ما أسمها‪.‬؟‬
‫أجابها قريبه وهو يبتسم ابتسامة تملؤها الخبث ‪ :‬بيني وبينك امرأة‬
‫عجوز كبيرة بالسن كانت تحبه المجنونة وتعشقه لدرجة انها‬
‫كانت تهبه المال بال مقابل‪،‬مجرد كلمة حب منه وهو كان يشفق‬
‫عليها‪ ،‬ويسايرها حتى يستفيد منها‪.‬‬
‫وحين أنقضت مصلحته منها‪ .‬تهرب بعد ان أخذ مبلغا جيدا‪.‬‬
‫وألقى بها وراء ظهره‪.‬‬
‫ما لذي كانت تتوقعه تلك العجوز المتعجرفة أن يتزوجها‪ .‬صدق‬
‫غبية‪ .‬هو سيدتي يبحث فقط عن المال والمال فقط عشقه وحبه‬
‫األزلي‪.‬‬
‫هنا صمتت إصرار ثم توجهت إلى سيارتها دون أي كلمة‬
‫وارتمت في مقعدها وهي ترتجف من الغضب والقهر والغيظ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫هو لم يسرق مالها فقط بل يستهزئ بها ويتعرض لها ولشرفها‬
‫ويتهمها بأشياء من أبشع وأقذر ما يكون‪.‬‬
‫كن محتاال نصابا سارقا أيا كان‪ ،‬ولكن أن تكون معدوم الضمير‬
‫بل ميت الضمير لتخوض في عرضي وشرفي‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫(‪)44‬‬
‫بل ويتفاخر أمام اقربائه وأصدقائه بشيء هو يعرف جيدا أنه غير‬
‫صحيح‪.‬‬
‫لم أرى في حياتي مثل هذا اللؤم بل هذه الخباثة في البشر‪ .‬أن‬
‫يتفاخروا بفوزهم على امرأة كل خطأها أنها وثقت بهم‪.‬‬
‫ما لعمل األن؟ هل تتجه إلى الشرطة وتبدأ بعمل محضر تعدي‬
‫وسرقة واحتيال؟‬
‫أم تدع األمر لمن هو أقوى منه وأعظم وأكبر وال وجه للمقارنة‪.‬‬
‫ستترك األمر كله هلل سبحانه وتعالى هو حسبه ونعم الوكيل‪.‬‬
‫أما تلك العجوز التي يعايرها بعمرها ويهينها ويقلل من قدرها‬
‫أمام رفاقه واقاربه فذلك الظفر الصغير من قدمها أثمن وأغلى‬
‫منه ومن من هم على شاكلته‪.‬‬
‫نعم ستدع جملة واحدة تكفيه ‪ :‬حسبنا هللا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫وال عزاء لموت الضمير‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫(‪ )45‬الفصل الثالث ‪ -‬معاملة‬
‫وصل إلصرار توكيل من ابنتها زينة لتخليص معاملة لها‬
‫بالجامعة وأستالم راتبها الشهري المخصص لها‪.‬‬
‫واتصلت بالمحامي الذي تتعامل معه منذ مدة وطلب منها‬
‫الحضور إلى المحكمة مع إحضار أثنين شهود وكذلك معرفين‬
‫بها‪.‬‬
‫واحتارت من تحضر فأخاها الوحيد في رحلة عمل خارج البالد‪،‬‬
‫ففكرت باالتصال بطليقها لمساعدتها‪ ،‬فهدأ من روعها وأبلغها بأنه‬
‫سيرتب كل شيء وسكون متواجدا أمام المحكمة في الوقت المحدد‬
‫بإذن هللا‪.‬‬
‫وحضرت إلى المحكمة ووجدت المحامي وطليفها والشهود‬
‫والمعرفين بانتظارها‪.‬‬
‫وقفت أمام القاضي الذي طلب شهادة الشهود والمعرفين‪،‬‬
‫ثم سألها سؤال عن رغبة أبنتها بتوكيلها هي ولما لم تختار والدها‬
‫طالما هو على قيد الحياة مبدئا تعجبه من رغبتها تلك‪ .‬ثم رفض‬
‫التوقيع على المعاملة طالبا من والد زينة تغيير الوكالة باسمه فهو‬
‫من وجهة نظرة أفضل لمصلحة أبنته‪.‬‬
‫تعجبت إصرار من طلبه وتعجبت من تدخله في أمر اختارته‬
‫إنسانة بالغة وعاقلة تعلم كل العلم مصلحتها ومن تراه هي يصلح‬
‫للوكالة وتثق كل الثقة به‪.‬‬
‫وإن وكلت والدتها فذلك ال يعني عدم ثقتها بوالدها‪ ،‬بل ألنها تعلم‬
‫أن مشاغله كثيرة وظروف عمله وسفره الدائم جعلتها تفضل‬
‫توكيل والدتها‪.‬‬
‫وتسألت ما العمل األن‪.‬؟‬

‫‪64‬‬
‫أجابها القاضي‪ :‬بأن عليهم الحضور غدا ومعها نفس الشهود‬
‫والمعرفين ثم أن عليها وأمامه وفي حضوره االتصال بأبنتها‬
‫واالستماع إليها حتى يتأكد تماما أن تلك هي رغبتها وليس رغبة‬
‫والدتها لغاية في نفسها‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫(‪)46‬‬
‫وعادت إلى منزلها وهي تفكر في كل ما دار من أحداث اليوم‪،‬‬
‫واحتارت من كل ما حصل معها‪ ،‬فالمعاملة بسيطة ال تحتاج لكل‬
‫تلك التعقيدات والقرارات‪ ،‬فهي لن تكون مسؤولة عن أموال‬
‫شركة أو مصنع أو غيره‪!.‬‬
‫فقط ستستلم راتب أبنتها المخصص لها من الجامعة والذي مازال‬
‫مستمرا لم ينقطع‪ ،‬رغم انضمام زينة إلى بعثة على حساب الدولة‬
‫هي وزوجها‪ ،‬وهو مبلغ بسيط‪ ،‬لهذا أرسلت زينة التوكيل لوالدتها‬
‫ألنها ستستطيع الدخول إلى قسم الطالبات بالجامعة‪.‬‬
‫بينما والدها يمنع عليه الدخول إليها‪.‬‬
‫أعياها التفكير وقررت بأال تعطل األمور أكثر من ذلك‪ ،‬فاتصلت‬
‫بزينة وحددت معها موعدا على الساعة التاسعة صباحا حتى‬
‫تكون موجودة ليتم االتصال بها حسب رغبة القاضي وليستمع‬
‫إليها مباشرة‪،‬‬
‫وباليوم التالي ذهبت إلى المحكمة منذ الصباح الباكر وانتظرت‬
‫أمام غرفة القاضي حتى حضر طليفها ومن معه‪ ،‬ثم حضر‬
‫القاضي ودخلوا جميعا إلى مكتبه وطلب منهم االتصال مباشرة‬
‫باألبنة‪.‬‬
‫وحينما حاولت إصرار استخدام هاتفها الجوال‪ ،‬أشار القاضي بيده‬
‫وقال لها ‪ :‬رجاء دعي والدها هو من يقوم باالتصال أمامي‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫واتسعت عينيها من خالل غطاء وجهها الثقيل‪ ،‬وكادت أن تصرخ‬
‫بكل ما فيها‪ ،‬ولكنها صمتت وأرخت يدها مستسلمة‪.‬‬
‫وقام األب باالتصال بأبنته وجاء صوتها حيث وضع األب‬
‫المحادثة عبر مكبر الصوت حتى يسمعها القاضي‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫قال األب ألبنته ‪ :‬أبنتي الشيخ يريد أن يتحدث معك‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫(‪)47‬‬
‫فأجابته زينة ‪ :‬نعم أنا هنا ولكن ما المطلوب‪.‬؟‬
‫أجابها القاضي‪ :‬هل أنت زينة‪.‬؟‬
‫قالت ‪ :‬نعمّ‪.‬‬
‫سألها ‪ :‬ما هو أسم أبيك كامال‪.‬؟‬
‫أجابته ‪ :‬أسمه عادل محمد صادق‪ !.‬ولكن ما دخل أسمه بالتوكيل‬
‫الذي أرسلته لوالدتي‪.‬؟‬
‫قال لها القاضي بصوت قوي‪ :‬أجيب فقط وال تسألي‪ !.‬أفهمت‪ !.‬ما‬
‫هو أسم والدتك كامال‪.‬؟‬
‫أجابته ‪ :‬إصرار محمود حسين‪.‬‬
‫سألها ‪ :‬هل توافقين على توكيل والدتك باستالم راتبك كامال‪.‬؟‬
‫أجابته ‪ :‬نعم أوافق‪!.‬‬
‫سألها ثانية ‪ :‬ولماذا ال تجعلين الوكالة لوالدك ولي أمرك طالما‬
‫هو على قيد الحياة حفظه هللا‪ .‬فهو رجل وله الحرية المطلقة‬
‫بالتحرك وإنهاء جميع معامالتك‪ ،‬أما والدتك حفظها فقد وصلت‬
‫لسن كبير قد يمنعها من الخروج من منزلها وقضاء حاجاتها ما‬
‫بالك بحاجتك أنت‪.‬؟ فضال عن كونها امرأة يصعب عليها مراجعة‬
‫الدواثر الحكومية‪ ،‬وقد تجد الكثير من العقبات التي قد تعيفها‪،‬‬
‫وفي هذا العمر األفضل لها التزام بيتها والراحة تكريما لها‪.‬‬
‫وأجابته زينة بصوت حاولت قدر استطاعتها أن يكون هادئا‪:‬‬
‫سيدي أفضل والدتي رغم كل األشياء التي ذكرتها‪ ،‬فوالدي حفظه‬
‫هللا كثير المشاغل والسفر بسبب عمله إلى الخارج‪ ،‬وغالب وقته‬
‫غير متواجد في البالد‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫(‪)48‬‬
‫وال أريد ان أشغله في تلك األمور البسيطة التي تستطيع والدتي‬
‫حفظها هللا حلها واألشراف عليها‪ ،‬كما تعودت دوما ومنذ طفولتي‬
‫أنها الوحيدة القادرة على ذلك مع تقديري واحترامي للجميع وعلى‬
‫رأسهم والدي حفظه هللا‪،‬‬
‫أرجو منكم تحقيق رغبتي بتوكيلها فيما كلفتها به وهذه رغبتي أنا‬
‫شخصيا لم تأتي بناء على ضغط من أي كان‪ ،‬جزاكم هللا خير‪.‬‬
‫عندها أجابها القاضي‪ :‬كما تشائين يا أبنتي‪ ،‬ولكن أرجو أن ال‬
‫تعودي لنا باكية حينما تبحثين عن حقوقك‪ ،‬لتجدين امك قد‬
‫صرفتها على أمور النساء كما تعلمين‪ ،‬وأمانتي تحتم علي‬
‫تنبيهك‪ ،‬ولكن طالما هذه رغبتك‪ ،‬فال مانع لدي بالموافقة والتوقيع‬
‫على التوكيل‪.‬‬
‫ووقع األوراق ثم تم ختمها وسلمها إلى إصرار‪،‬التي أخذتها منه‬
‫واحتضنتها بقوة ثم خرجت من المكان تركض الهثة وهي تقبض‬
‫على األوراق بكل قوتها‪.‬‬
‫وفي السيارة نظرت إلى األوراق المختومة وبدأت دموعها‬
‫باالنهيار ليس حزنا ولكن هو شعور بالفخر والتحدي‪ ،‬باإلصرار‬
‫والصمود‪.‬‬
‫ولسان حالها يقول ‪ :‬سأثبت لك وللعالم بأنني أستطيع أن أكون‬
‫كفؤا وأن أكون امرأة بمئة رجل‪ ،‬تعتمد أبنتي علي بعد هللا‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫هذي الوكالة هي شهادة كالوسام وتاج سأضعه على رأسي منذ‬
‫األن‪ .‬بل وضعته منذ ولدت في هذه الدنيا‪.‬‬
‫مرحبا بك يا ربيعي الخمسين‪ .‬فالمسألة ليست فقط تتعلق بالعمر‪،‬‬
‫بل بكل شيء بكوني امرأة تعتبر في نظر من حولها ضعيفة‬
‫‪69‬‬
‫وتحتاج إلى من يحميها ويقوم عنها بكل أمورها حتى ولو كان‬
‫غير أمينا عليها‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫(‪ )49‬جواز سفر‬
‫قررت إصرار السفر إلى مدينة لندن لتكون بالقرب من أبنتها‬
‫زينة التي بدأت تعاني من أعراض الحمل مسببة لها اإلرهاق‬
‫والشعور بالتعب‪ ،‬فنصحها طبيبها بالخلود للراحة‪.‬‬
‫واتصلت زينة على والدتها لتبلغها بالخبر السعيد‪ ،‬وكذلك حاجتها‬
‫لوجود أمها بقربها‪ ،‬وألن وضعها الصحي األن ال يسمح لها‬
‫بالسفر لمسافات طويلة‪ ،‬وكذلك ارتباط زوجها بدراسته‪.‬‬
‫فرحت إصرار بالخبر وانتابتها مشاعر كثيرة‪ ،‬منها الفخر‬
‫واالعتزاز بأنها ترى أبنتها وقد اقتربت من األمومة‪ ،‬وستجعل‬
‫منها جدة عما قريب‪.‬‬
‫أواه يا له من أحساس جميل ورائع‪ ،‬أال يقولون باألمثال ما أعز‬
‫من الولد إال ولد الولد‪.!.‬‬
‫وهي تريد أن ترى العديد من ولد الولد هذا‪ ،‬حتى تعوض أبنتها‬
‫الوحيدة التي لم ترزق بعدها بأبناء أو بنات غيرها‪.‬‬
‫وبدأت تتخيل أطفال أبنتها أمامها يلعبون في سعادة وهي تلبي كل‬
‫رغباتهم وتدللهم‪ ،‬وأبنتها تطلب منها عدم إفسادهم وتلبية رغباتهم‪.‬‬
‫وسرحت في خيالها للبعيد وتبسمت في سعادة غامرة وتسألت ما‬
‫االسم الذي ستدع أحفادها ينادونها به‪.‬؟‪ ،‬جدة إصرار‪.‬؟ أم تتيه‬
‫إصرار‪.‬؟ ال أفضل يمه‪.‬‬
‫وأنتابها ضحك ونظرت من حولها خوفا من أن يراها أحد وهي‬
‫تهذي وتتحدث مع نفسها ربما يعتقدون بأنها فقدت عقلها وجنت‪!.‬‬

‫‪71‬‬
‫(‪)50‬‬
‫واتصلت في اليوم التالي بطليفها لتبلغه بقرارها بالسفر لتكون‬
‫بجوار أبنتهما وحتى يكون لديه علم بذلك‪.‬‬
‫وكذلك ألنها ستكون بحاجة ال صدار جواز سفر جديد‪ ،‬فهي ومنذ‬
‫طالقهما لم تغادر البالد وتحتاج إلى جواز سفر تثبيت فيه أنها‬
‫مطلقة وطليفها لم تعد له السلطة أو المرجع المخول لها بالسماح‬
‫بالسفر‪.‬‬
‫ثم توجهت إلى مكتب الجوازات وعبئت البيانات التي توضح‬
‫رغبتها في استصدار جواز سفر جديد يفيد بوضعها االجتماعي‬
‫كمطلقة‪.‬‬
‫وتم فحص جميع أوراقها وعند الموافقة طلب منها وجود محرم‬
‫لها سواء كان األب أو األخ أن كان األب متوفي أو العم ومن هم‬
‫في مقامه‪.‬‬
‫فأجابتهم بعدم وجود محرم لها ألن أخاها الوحيد متواجد خارج‬
‫البالد منذ فترة طويلة الرتباطه بأعماله الخاصة هناك‪ ،‬وليس‬
‫لديها في العائلة سواه‪.‬‬
‫فطلبوا منها احضار أما عم أو خال أو جد المهم أن تكون القرابة‬
‫جدا لصيقة ومن أهلها‪.‬‬
‫أجابتهم‪ :‬وأن لم يكن لدي أحد بالمعنى العام‪ :‬مقطوعة من شجرة‪!.‬‬
‫فجاءتها اإلجابة‪ :‬هذه هي الشروط التي تسمح لك بإصدار جواز‬
‫سفر جديد‪ ،‬وبإمكانية سفرك إلى خارج البالد‪ ،‬وغير ذلك لن يتم‬
‫أعطاك جواز سفر‪.‬‬
‫وخرجت من المكتب وهي تشعر بأن الدنيا تدور بها‪ ،‬امرأة في‬
‫مثل عمرها تحتاج إلى من يمنحها جواز سفر ومعه أذنا بالسفر‪.‬؟‬

‫‪72‬‬
‫أي منطق يقبل بذلك‪ ،‬يتحدثون عن عمرها ويعايرونها به‪ ،‬وبأنها‬
‫ناضجة بما فيه الكفاية‪ ،‬ثم يخالفون كالمهم ذاك بعدم الموافقة‬
‫على منحها تصريحا بالسفر للضرورة‪ ،‬اال بوجود محرم لها‬
‫يسمح لها بذلك‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫(‪)50‬‬
‫ماذا تفعل امرأة في مثل وضعها‪ ،‬ال أهل واال أقارب‪ ،‬ال خال وال‬
‫عم‪.‬؟‬
‫هل يكون الكبر في العمر في المشاعر واألحاسيس‪ ،‬في اإلحساس‬
‫بالعجز والشيخوخة‪ ،‬والتقوقع داخل نفسها‪،‬‬
‫وحرمانها من ممارسة دورها في مجتمعها الذي بنظرهم قد أنتهى‬
‫وتجمد‪.‬‬
‫وحين جاءت رغبتها بالسفر إلى أبنتها لتكون بجوارها نسوا كل‬
‫ذلك وألغوا فكرة العمر الناضج الكبير‪ ،‬وعادت تحتاج لمن يأخذ‬
‫بيدها‪ ،‬لمن يسمح لها بالسفر‪.‬‬
‫أي تناقض هذا‪ ،‬أي عقول تلك التي تفكر بحدود ضيقة األفق‪ ،‬ال‬
‫ترى أبعد من حذائها‪.‬‬
‫أيها الخمسين ربيعا تكلم األن ناقشني‪ !.‬حاورني‪ ،‬أقنعني‪ ،‬فأنا لم‬
‫أقتنع بل لم أفهم شيئا حتى األن‪.‬‬
‫هل كبرت أم لم أكبر‪.‬؟‬
‫هل عقلت‪.‬؟ أم لم أعقل‪ ،‬أم هل احتاج لمن يسمح لي أن أكون‬
‫كائنا حيا له مطلق الحرية بالحياة‪.‬؟‬

‫‪74‬‬
‫(‪ ) 51‬البحث عن عمل‬

‫‪75‬‬
‫قررت إصرار أن تبدأ بالبحث عن عمل يشغلها عن التفكير في‬
‫وضعها الحالي‪ ،‬وبإحساسها بفراغ عالمها بعد سفر أبنتها الوحيدة‪.‬‬
‫فهي لم تتعود ومنذ خمس وعشرون عاما أن تخلو حياتها من‬
‫االنشغال من قمة رأسها حتى أخمص قدميها بكل شيء يخص‬
‫أبنتها زينة ومنذ أول يوم حملتها فيه رضيعة بين يديها‪ ،‬وحتى‬
‫دخولها أول مراحلها الدراسية حتى تخرجها من الجامعة ونيلها‬
‫شهادة البكالوريوس تخصص إدارة أعمال وبتفوق‪ ،‬ثم زواجها‬
‫وسفرها برفقة زوجها‪.‬‬
‫كانت زينة هي كل عالمها الجميل المليء بالبراءة والضحكات‬
‫والمشاغبات‪.‬‬
‫كانت كل األلوان المبهجة لكل يوم من أيامها‪ ،‬وكأنها كانت تمسك‬
‫بفرشاة األلوان فتهدي لها كل لونا تعريفه وصفاته تختلف عن‬
‫لون اليوم الذي قبله‪.‬‬
‫واألن تشعر باختفاء كل تلك األلوان وانسحابها بعيدا عنها ولم‬
‫يتبقى لها غير لونين األبيض واألسود ليل ونهار يتعاقبان بال‬
‫معنى من غير روح زينة ودفء وجودها بالبيت‪.‬‬
‫وقررت بأنه ال يصلح معها البقاء بالبيت وحيدة تشفق على نفسها‬
‫تعيش على رائحة الذكريات كل هذا سيؤدي إلى تعب وقلق وتوتر‬
‫أعصابها بال جدوى‪ ،‬فهذه هي سنة الحياة‪ ،‬البد لألبناء أن يكملوا‬
‫مسيرتهم ويبدون في تأسيس عائلة خاصة بهم تكون جزء ال‬
‫يتجزأ من العائلة الكبيرة‪.‬‬
‫وتجهزت منذ الصباح الباكر بجميع األوراق الخاصة بدراستها‬
‫الجامعية فهي خريجة كلية اآلداب قسم اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وال بد أن‬
‫تجد لها وظيفة مناسبة لتخصصها وكذلك راتب مناسب أيضا‪ ،‬فقد‬
‫توقف طليفها عن أعطاها مصروفها الشهري ومنذ زواج أبنتهما‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫موحي أليها أنه كان يقوم بواجبه تجاه أبنته أما فيما يتعلق األمر‬
‫بها فال عالقة له بها بعد ذلك‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫(‪)52‬‬
‫وهي لن ترضى أن تطلب منه مساعدة طالما بدر منه ذلك‬
‫الموقف‪ ،‬وله كامل الحرية فهو أيضا له أسرة أخرى وأبناء‬
‫أخرون وزوجة مسؤول عنهم‪.‬‬
‫ولكن طال بها البحث عن عمل‪ ،‬وقوبل طلبها في كثير من‬
‫األماكن التي ذهبت إليها بالرفض‪.‬‬
‫وحينما كانت تسأل عن السبب يجيبونها بإحراج أن عمرها ال‬
‫يسمح لهم بتوظيفها‪.‬‬
‫ففي كثير من الوظائف يكون عادة المطلوب هو فئة الشباب‬
‫لتمتعهم بالنشاط والقدرة على الحركة بحرية وسرعة أكثر‪.‬‬
‫تمتمت بينها وبين نفسها ما هذا الهراء ما هذا الكالم الغير مبرر‬
‫وغير معقول‪ ،‬هل يعني وصولها لهذا العمر أنه ال تتوفر وظيفة‬
‫مناسبة لها‪ ،‬وانه ال مكان لها لتخدم مجتمعها وتكون جزءا فعاال‬
‫منتجا فيه‪ .‬شيء ال يصدق ومنطق أعمى غير منصف بتاتا‪.‬‬
‫هل أنتهى هنا دورها بالحياة‪ ،‬وصارت على هامشها؟ هل عليها‬
‫أن تستسلم وتلتزم الصمت وتتجرع األلم‪.‬‬
‫وعادت إلى غرفتها وتوجهت إلى مرآتها ونظرت إليها‬
‫مطوال‪،‬تأملت نفسها وخاصة وجهها مطوال‪ ،‬ثم بدأت تبكي‬
‫والدموع تتساقط من عينيها في غزارة‪.‬‬
‫لماذا تبكي األن‪.‬؟ ال لن تسمح لنفسها بالبكاء والشعور بذلك‬
‫الضعف والشفقة على نفسها‪ ،‬ال لن تكون تلك الضعيفة التي تقبع‬
‫في غرفتها تنتظر من يسأل عنها‪ ،‬من يرعاها‪ .‬أبدا لن تسمح‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ونظرت إلى وجهها وعينيها الغارقتين بالدموع وبكف يدها‬
‫مسحت دموعها وتحدثت بصوت مرتفع وهي تحدق في عينيها‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫(‪)53‬‬
‫ال لن تستسلمي إصرار بأذن هللا لن تستسلمي لمن يحاولون أن‬
‫يحبطوك ويهزموا عزيمتك وإرادتك أبدا‪.‬‬
‫أهدأي فقط وتنفسي بعمق ثم أجلسي بهدوء وفكري بالخطوة‬
‫القادمة‪ ،‬ما الذي يجب عليك فعله‪ ،‬ما الذي تطمحين إليه‪ ،‬نعم‬
‫تطمحين إليه‪!.‬‬
‫من حقك أن تحلمي تفكري تخططي‪ ،‬من حقك كل شيء ما دام‬
‫هللا ينعم عليك بالحياة‪ ،‬فلن يستطيع أحد أن يمنعك أن تحققي كل‬
‫ما تريدينه فقط ركزي وبهدوء ودون أي انفعال‪.‬‬
‫وبالفعل جلست إصرار تفكر وبيدها ورقة وقلم‪.‬‬
‫وفجأة قامت تركض نحو خزنة تضعها داخل دوالب مالبسها‬
‫وفتحته بهدوء وأخرجت منه ورقة كبيرة كانت عبارة عن صك‬
‫آلرض تملكها منذ وفاة والدها رحمه هللا‪ ،‬ورثتها عنه‪.‬‬
‫وقررت أن تبدأ فورا بعرضها للبيع فقد تذكرت أن األرض تقع‬
‫في منطقة جدا مهمة قريبة من شاطئ البحر‪ ،‬وقد كانت تأتيها‬
‫عروض كثير عليها ولكنها حينها لم تكن تفكر في بيعها‪.‬‬
‫وبالفعل أعطت صك األرض لصاحب مكتب عقار مشهور‬
‫ومعروف عنه األمانة وطلبت منه بيعها بالسعر المناسب وألعلى‬
‫سعر يعرض عليه‪.‬‬
‫وبعد حوالي أقل من شهر جاءها عرض بمبلغ كبير لم تصدقه‬
‫عينيها وقال لها صاحب مكتب العقار أنها فرصة ال تعوض‬
‫وبالفعل باعت األرض وقبضت المبلغ‪.‬‬
‫ثم قامت باستخراج تصريح ألنشاء مركز نسائي كبير يكون أمام‬
‫شاطئ البحر يتكون من عدة طوابق ويشتمل على سبا ومقهى‬
‫وصالون تجميل وخصصت جزءا كبير منه للعناية بالشعر‬
‫‪79‬‬
‫والبشرة والجسم‪ .‬وكذلك قسم خاص بالخياطة والتطريز وتصميم‬
‫األزياء‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫(‪)54‬‬
‫وتعاقدت مع أفضل الخبيرات في ذلك المجال‪ ،‬وبدأت تشرف‬
‫على كل شيء بنفسها واختارت شركة كبيرة للدعاية واإلعالن‬
‫التي تولت مهمة اإلعالن عن المركز في وسائل األعالم المرئية‬
‫والمسموعة والمقروءة‪.‬‬
‫وخالل ستة أشهر بدأت تجني ثمرة تعبها‪ ،‬وبدأ أسم مركزها‬
‫يصبح حديث السيدات بالمدينة‪ .‬وصار األقبال عليه كبيرا حتى‬
‫تطلب األمر الحجز المسبق‪.‬‬
‫وأشتهر المركز بروعة موقعه وجمال وفخامة ديكوراته وكذلك‬
‫تعدد الخدمات في مكان واحد واألهم من ذلك كله حسن االستقبال‬
‫والمعاملة الممتازة والمشجعة للقاصدات للمركز من كبار سيدات‬
‫األعمال وكذلك الفتيات الباحثات عن العناية بالجمال‪.‬‬
‫وما أن مر حوالي العام إال وكانت إصرار تقف أمام كاميرات‬
‫التلفزيون وجمع من الصحافيات في حفل كبير أقامته احتفاالت‬
‫بنجاح المركز بفضل من هللا سبحانه‬
‫ثم بفضل تلك اإلرادة التي لم تقف عاجزة أمام كل ما مرت به من‬
‫معوقات‪.‬‬
‫وكانت بعد ذلك وفي كل ليلة تخلد فيها إلى النوم بعد انتهاء‬
‫دوامها تقف أمام مرآتها مبتسمة سعيدة تقول لنفسها ‪ :‬مرحبا بك‬
‫أيها الخمسين ربيعا‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫(‪ )55‬قرض من البنك‬
‫جلست إصرار مع صديقتها المقربة في مقهى تطل شرفته على‬
‫شاطئ البحر‪ ،‬واستمتعا معا بالمنظر الرائع الذي أعاد لهما العديد‬
‫من الذكريات والمواقف الجميلة التي اشتركتا فيها معا‪ .‬وتناولتا‬
‫عدة مواضيع منها رغبة صديقتها بمشاركتها في مشروع كبير‬
‫يعود عليهما بربح مريح على أن يكون رأس المال مناصفة‬
‫بينهما‪.‬‬
‫فطلبت منها ترك دراسة الجدوى وكافة األوراق الخاصة‬
‫بالمشروع لتدرسها وتقلب الموضوع من كافة جوانبه وتستخير‬
‫هللا سبحانه وتعالى ثم تبلغها بالرد أما بالموافقة أو خالفها‪.‬‬
‫وعندما عادت إصرار إلى منزلها وأخذت تتفحص جميع‬
‫المعلومات التي سجلتها صديقتها‪ ،‬وأعجبها جدا دراسة الجدوى‬
‫للمشروع فقد عمل بطريقة محكمة ومعقولة تشرح األهداف من‬
‫المشروع والرؤية المستقبلية له‪ ،‬وكيف سيكون منافسا قويا في‬
‫سوق العمل التجاري‪.‬‬
‫ولكنها اكتشفت رغم أعجابها بالمشروع ورغبتها باالشتراك به‪،‬‬
‫بأنها تحتاج إلى رأس مال كبير ال يتوفر عندها األن‪ ،‬الرتباطها‬
‫بمركز التجميل الخاص بها‪ ،‬والذي عملت كل جهدها ال نجاحه‪،‬‬
‫وكلفتها أيضا الدعاية له الكثير‪.‬‬
‫والنجاح الذي حققته وهلل الحمد من الصعب أن تتخلى عنه من‬
‫أجل المشروع الجديد والذي ال تعلم كيف سيكون مستقبله رغم‬
‫حماسها له‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي استيقظت مبكرا وقد عقدت النية على التوجه إلى‬
‫البنك الوطني المعروف‪ ،‬فقد خطرت على بالها فكرة بأن تأخذ‬
‫من البنك قرضا بالمبلغ‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫(‪)56‬‬
‫على أن ترهن منزال صغيرا تملكه كان يدر عليها مبلغا ال بأس‬
‫به كإيجار سنوي‪.‬‬
‫وتوجهت إلى البنك ومعها كافة األوراق الثبوتية التي تحتاجها من‬
‫بطاقة الهوية الشخصية‪ ،‬وعقد ملكية المنزل‪ ،‬وعقد إيجار المنزل‪.‬‬
‫وحين وصلت للبنك طلبت مقابلة مدير خدمة العمالء‬
‫والمتخصص في بند القروض الشخصية‪.‬‬
‫وطلب منها الجلوس في غرفة االنتظار حتى ينتهي من اجتماع‬
‫ألعضاء البنك سيأخذ حوالي نصف ساعة‪.‬‬
‫وبعد حوالي الساعة أذن لها بالدخول إلى مكتبه‪ ،‬ورحب بها‬
‫وطلب لها فنجانا من القهوة‪ ،‬كما كان لطيفا ودودا وفي غاية‬
‫الذوق واالحترام معها‪.‬‬
‫وأخذ منها جميع األوراق وطلب منها الحضور في اليوم التالي‬
‫مع إحضار كشف حساب من بنك أخر تتعامل معه فهذا شرط‬
‫أساسي للقرض المطلوب‪.‬‬
‫وفي الموعد المحدد لها عادت إلى البنك وأحضرت كشف‬
‫الحساب المطلوب منها وأعطته للمدير المسؤول عن حسابات‬
‫وقروض العمالء‪.‬‬
‫فأخذ منها جميع األوراق والمعامالت وطلب منها انتظار‬
‫االتصال بها خالل يومين إلى أربعة أيام عمل وسيأتيها الرد أم‬
‫بالموافقة أو الرفض‪.‬‬
‫وبعد حوالي األسبوع أتصل بها البنك طالبا منها دفع مبلغ حوالي‬
‫ثالثة األف وذلك مقابل خروج لجنة لمعاينة المنزل وتقدير‪،‬‬
‫وحين سألت عن سبب دفع ذلك المبلغ الذي شعرت بأنه مبالغا‬

‫‪83‬‬
‫فيه‪ ،‬أجابوها بأنهم لجنة متخصصة بتقييم المنازل وسعرها‬
‫بالسوق ووضعها من ناحية البناء وحداثته أو قدمه وخالفه‪.‬‬
‫وكل تلك اإلجراءات تعني أنه تمت الموافقة على طلبها وما هي‬
‫اال عملية روتينية حتى يتم أعطاها القرض بطريقة سليمة‬
‫ونظامية‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫(‪)57‬‬
‫وسألتهم في لهفة‪ :‬وهل يعني كل ذلك قبول طلبي‪.‬؟‬
‫فجأتها اإلجابة بأن مجرد خروج اللجنة للمعاينة تعني مبدئيا‬
‫القبول وأنه ليس عليها القلق من ذلك وأن تنتظر فقط نتيجة‬
‫المعاينة وسيتم حينها وضع المبلغ في حسابها‪.‬‬
‫ودفعت لهم المبلغ المطلوب ثم انتظرت أسبوع ثم أسبوعا أخر‬
‫دون أن تسمع منهم أي رد أو أجابه مما أصابها بالقلق والتوتر‬
‫ولم تعرف سببا لذلك التصرف‪.‬‬
‫وبعد حوالي الشهر رجاءها اتصال من البنك طالبين منها‬
‫الحضور لمقابلة مدير العمالء الذي استقبلها المرة األولى‪.‬‬
‫وأسرعت إلى البنك فقد شعرت أن الموضوع أنتهى تماما وأن‬
‫القرض الذي تنتظره بفارغ الصبر قد أصبح قريبا منها بإذن هللا‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وأستقبلها مدير البنك للقروض العقارية نفس االستقبال األول بكل‬
‫ترحيب وابتسامة ترتسم على وجهه تدل بأن كل األمور تسير‬
‫على خير ما يرام‪.‬‬
‫وبعد حوالي ربع ساعة تكلمت إصرار وهي تحاول إظهار الثبات‬
‫والهدوء‪.‬‬
‫طمني هل تم قبول طلبي للقرض‪.‬؟‬
‫قال لها ‪ :‬لألسف لم يتم قبول طلبك وأنا جدا أسف ألننا أطلنا‬
‫عليك ولم يأتك ردنا في الوقت المحدد‪ ،‬ذلك ألن البنك راجع‬
‫جميع أوراقك ومعلوماتك وبياناتك الشخصية ووجد أنها جميعا‬
‫سليمة وبأنك تستحقين القرض المطلوب ولكن‪!،،،،،‬‬
‫وصمت حينها قليال ثم نظر إليها مباشرة‪ :‬أسف أن أبلغك أن إدارة‬
‫البنك رفضت قرضك لسبب واحد فقط‪،‬‬
‫‪85‬‬
‫قالت له بصوت حاولت أن يكون في غاية الهدوء‪ :‬وما هو‬
‫فضال‪.‬؟‬

‫‪86‬‬
‫(‪)58‬‬
‫أجابها وهو يتجنب النظر إليها‪ :‬بلوغك سن الخمسين! فهذا العمر‬
‫ال يسمح لك فيه بالحصول على القرض‪!.‬‬
‫وحينها نظرت أليه وهي ال تكاد تصدق ما سمعته‪ ،‬وانتابتها حالة‬
‫من الضحك المتالحق‪.‬‬
‫ضحكات سريعة حتى أصبحت كأنها كالقهقهة‪ ،‬سريعة مجنونة ال‬
‫تريد أن تتوقف أبدا‪.‬‬
‫ثم تمالكت نفسها أخيرا وقالت له بكل هدوء‪ :‬وأنا أسفه سيدي‬
‫ألنني جئت إلى بنك معروف عنه النزاهة واألمانة والمعاملة‬
‫الراقية‪ ،‬ألكتشف أنه يتعامل معي بعقل متحجر يريد أن يعود بي‬
‫إلى العصور الوسطى يعايرني فيه بعمري‪ ،‬ال ويشعرني بعجزي‬
‫ذاك‪ ،‬وبأن بسبب عمري ال أستطيع أن امارس حقي بالحياة‪.‬‬
‫يضع قانونا غبيا وكأن وصولنا لهذا العمر رسالة بلزوم منازلنا‬
‫والراحة ألنه لم يعد لنا ضرورة لخدمة مجتمعنا‪ ،‬وأن مجرد طلبنا‬
‫لقرض خارج عن حدود العقل‪ ،‬فمن سيسدد للبنك وقد بلغنا من‬
‫العمر ما بلغنا‪..‬‬
‫وقامت من مكانها وحملت حقيبتها وتوجهت نحو باب الخروج‪،‬‬
‫فمد لها يده ليصافحها ويعتذر منها عن أمر خارج عن إرادته ليس‬
‫له يدا به‪.‬‬
‫فنظرت إليه مطوال ورفضت أن تمد له يدها قائلة له بكل هدوء‪:‬‬
‫أسفه لعدم مصافحتك‪ ،‬فكما تعلم أنا بالخمسين يدي تصلبت في‬
‫مكانها عاجزة أن تصافحك تعلم بارك هللا فيك أن العمر له أحكام‪،‬‬
‫وحتى ال تشعر بإحساس الشفقة تجاه امرأة عجوز‪.‬‬
‫فأبتسم وقال لها بكل أعجاب‪ :‬تحياتي واحترامي لك سيدتي فأنت‬
‫أكثر شبابا مني ومن وضع هذا الشرط التعجيزي‪ .‬وصدقيني أثق‬
‫‪87‬‬
‫تماما أنك ستجدين حال للقرض دون اللجوء للبنوك‪ ،‬لقد رأيت‬
‫ذلك في عينيك التي تتقدان تحديا وإصرارا‪ ،‬بالفعل أنت أسم على‬
‫مسمى‪ .‬كلي أعجاب وتقدير لك‪..‬‬

‫‪88‬‬
‫(‪ )59‬مكالمة من مجهول‬
‫بينما كانت إصرار تستلقي باسترخاء في فراشها‪ ،‬تراجع‬
‫مجموعة من األوراق‪ ،‬وتدقق في الحسابات الخاصة بذلك اليوم‪.‬‬
‫وتقوم بالتوقيع على العديد من الفواتير التي أرسلتها لها المحاسبة‪.‬‬
‫شعرت بالتعب والنعاس يحالن عليها‪ ،‬خلعت نظارة القراءة‬
‫وألقت بها جانبا ثم أطفأت نور المصباح إلى جوار سريرها‪ ،‬وما‬
‫هي إال خمس دقائق بدأت تدخل بالنوم العميق‪.‬‬
‫وما هي إال حوالي نصف ساعة حتى سمعت صوت هاتفها‬
‫الجوال‪.‬‬
‫وما بين النوم واالستيقاظ رفعت الهاتف إليها ونظرت إلى الساعة‬
‫بشاشته وجدتها تعلن الساعة الثانية بعد منتصف الليل‪.‬‬
‫من الذي سيتصل بها في مثل هذا الوقت المتأخر‪ ،‬ترددت بالرد‬
‫ولكن خطر في بالها أنه ربما يكون أمر طارئ ال بد أن تجيب‬
‫عليه‪ .‬فالوقت يدل على أن المتصل في حاجة إليها‪.‬‬
‫وأجابت بصوت كله نوم ونعاس هامسة ‪ :‬الوو‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫(‪)60‬‬
‫وجاء صوت من الطرف األخر يقول لها ‪ :‬هال وغال حيا هللا هل‬
‫الصوت‪!.‬‬
‫فوجئت بالصوت فهو صوت غريب عنها لم تسمعه من قبل ولم‬
‫تتعرف عليه‪.‬‬
‫من هذا الذي يهل ويستظرف في مثل هذا الوقت‪ ،‬ومن دون أي‬
‫تردد أغلقت الهاتف ثم وضعته على الصامت حتى ال يعود‬
‫ألزعجاها من جديد‪.‬‬
‫فالغد لديها اجتماع مهم وألبد أن تستيقظ مبكرا وتستعد له‪ ،‬وال‬
‫يسعها الوقت للتفرغ لمثل هذه التفاهات‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي ومنذ الصباح الباكر‪ ،‬توجهت إلى مركز التجميل‬
‫وعقدت اجتماعا مهما مع مندوبة شركة عالمية في التجميل‬
‫لعرض أحدث منتجات هذه الشركة‪ ،‬وأغلقت هاتفها الجوال‪ ،‬حتى‬
‫ال يزعجها أحد‪.‬‬
‫وأنتهى االجتماع حوالي الساعة الثانية عشر ظهرا حيث أقامت‬
‫في المركز مأدبة غذاء لجميع العامالت‪.‬‬
‫ثم تذكرت هاتفها الجوال وأعادت تشغيله ثانية‪ ،‬تعرف هل وردها‬
‫أي مكالمة مهمة وخاصة من أبنتها زينة‪.‬‬
‫ووجدت أن الرقم الذي أتصل عليها أمس في وقت متأخر من‬
‫الليل‪ ،‬توجد منه فوق أكثر من أربع مكالمات فائتة‪ .‬واستغربت‬
‫ممن يكون هذا المتصل المزعج‪.‬‬
‫ثم جاءتها رسالة من نفس الرقم تقول فيها ‪ ( :‬أحببت أن أسمع‬
‫صوتك و أطمئن عليك‪ ،‬فقد شدتني إليك تلك البحة الرائعة‬
‫والمثيرة في صوتك‪ ،‬فال تبخلين بالرد علي رجاء‪ ،‬فأنا في حاجة‬
‫جدا لسماعها مرة أخرى‪) .‬‬
‫‪90‬‬
‫تعجبن إصرار من الرسالة الواضح أنه شخص ال يعرفها‪ ،‬ولكنه‬
‫يتظاهر بمعرفتها وكأنه كان من األقرباء‪ ،‬أسلوبه وطريقة كتابته‬
‫للرسالة تدل على أنه شخص ال‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫(‪)61‬‬
‫يوجد لديه ما يشغله ويريد أن يسلي وقت فراغه بالتحدث إلى أول‬
‫صوت أنثوي يصادفه‪.‬‬
‫وهزت رأسها في تعجب ثم قامت بعمل حجب وحظر لرقم‬
‫المتصل وهي تردد ‪ :‬عالم فاضية صحيح‪..‬‬
‫وعادت إلى منزلها حوالي الساعة العاشرة مساء وتناولت طعاما‬
‫خفيفا للعشاء‪ ،‬ثم توجهت إلى غرفتها وجلست في فراشها لتستعد‬
‫للنوم‪ ،‬فقد كان يومها طويال مرهقا لها‪.‬‬
‫وأمسكت بكتاب تقرأ فيه حتى يأتيها النوم‪ ،‬ووضعت هاتفها‬
‫الجوال إلى جوارها ثم بدأت تشعر بالنعاس‪.‬‬
‫وما أن كادت تغمض عينيها حتى عال صوت هاتفها وأجابت على‬
‫المتصل وهي تشعر بالحنق والغضب من األن‪.‬‬
‫أجابها نفس الصوت الذي سمعته باألمس ولكن من رقم مختلف‪.‬‬
‫قائال لها ‪ :‬مرحبا كيف حالك حمدا هلل أنك أجبت على أتصالي‪.‬‬
‫أجابته إصرار ‪ :‬فضال من أنت‪.‬؟ ومع من تريد التحدث‪.‬؟ يبدو‬
‫بأنك أخطأت بالرقم عفوا‪.‬‬
‫أجابها سريعا ‪ :‬ال لم أخطأ فقد دلني قلبي عليك‪ !.‬وأسرني صوتك‬
‫الدافئ الحنون‪ !.‬جذبتني إليك تلك البحة المذهلة بنبراتها المثيرة‪.‬‬
‫فكيف أكون مخطئا‪ !.‬ال يهمني من أنت‪ ،‬ومن تكونين‪ ،‬فقط دعيني‬
‫أستمع لهمس صوتك المغري‪ ،‬دعيني أتخيلك حتى أستطيع رسم‬
‫مالمحك‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫(‪)62‬‬
‫ولم تجيب عليه إصرار فقد شعرت بأنه تجاوز حدود األدب‬
‫واالحترام بالتحدث معها بتلك الطريقة الغير الئقة بتاتا‪،‬‬
‫واألسلوب الذي يوحي بأنه شخص غير سوي أطالقا‪.‬‬
‫وأغلقت هاتفها‪ ،‬ثم اخلدت إلى النوم وهي تردد عجيب أمر بعض‬
‫الرجال‪ ،‬يبيحون ألنفسهم كل شيء‪ ،‬وكأن المرأة لعبة يجري‬
‫عليها بحثه وتجاربه‪ ،‬فيظن أن عبارات الغزل البالية تلك تنفع مع‬
‫كل النساء‪.‬‬
‫واستيقظت عند صالة الفجر‪ ،‬وفي صالتها تذكرت أبنتها زينة‪،‬‬
‫ورفعت يديها إلى السماء تدعو هللا بأن يحفظها وييسر أمورها‬
‫كلها وأن يسهل لها والدتها ويقر عينيها برؤية حفيدها أو حفيدتها‬
‫عما قريب‪.‬‬
‫وتناولت طعام األقطار سريعا‪ ،‬وبدأت تحضر نفسها للذهاب إلى‬
‫العمل‪ ،‬وإذ بالهاتف يرن رنينا متواصال وملحا‪.‬‬
‫كأنما المتصل على عجلة من أمره وأن هناك أمر ضروري‬
‫التصاله في الصباح الباكر‪.‬‬
‫ونظرت إلى شاشة هاتفها لتكتشف بأنه نفس الرقم الذي أزعجها‬
‫ليلة البارحة‪ ،‬فلم تجيبه كل ما فعلته أنها وضعت حظرا ومنعا‬
‫لالتصال حتى ال يستطيع االتصال بها مجدد وأزعجاها‪.‬‬
‫ورددت قائلة ‪ :‬من جد عالم فاضية ال تجد ما يشغلها‪..‬‬
‫وذهبت إلى عملها كالمعتاد‪ ،‬وكان المركز مشغوال بالكامل‪ ،‬فقد‬
‫كانت هناك أربع عرائس يصادف حفل زفافهن في نفس الليلة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫(‪)63‬‬
‫فأعلنت إصرار إخالء المركز من الزبائن المعتادين وعدم‬
‫استقبال أي عميلة من السيدات‪.‬‬
‫غير العرائس األربعة وأهلهن والمرافقات لهن‪.‬‬
‫وأبلغت جميع العامالت بالمركز بالحرص عليهن واظهارهن‬
‫بالمظهر الالئق الجميل‪ ،‬فذلك سيعود على المركز بالدعاية الجيدة‬
‫والسمعة الطيبة التي ستعود بإذن هللا بالخير للمركز‪.‬‬
‫والذي أشتهر منذ افتتاحه بالجودة والدقة واالنضباط والمهارة من‬
‫جميع العامالت فيه‪.‬‬
‫وكان أكثر ما تركز عليه إصرار وتحرص عليه دوما هو رضاء‬
‫جميع السيدات الزائرات للمركز والالتي أصبحت الغالبية منهن‬
‫يتمتعن بالعضوية فيه‪ ،‬ولهن مزايا عديدة وخصومات خاصة بهن‬
‫فقط‪.‬‬
‫وعادت إصرار إلى منزلها بعد منتصف الليل متعبة ومنهكة‪،‬‬
‫ولكن سعيدة جدا فقد ظهرت العرائس األربعة في قمة الجمال‬
‫والذوق والنعومة ولم تتركهن إال راضيات عن المظهر الذي‬
‫تمتعن به وغادرن وهن في قمة السعادة‪.‬‬
‫وألقت بنفسها في فراشها وهي متعبة مرهقة ال تكاد تستطيع فتح‬
‫عينيها‪ ،‬ولكنه كان تعبا لذيذا‪ ،‬التعب الذي يتحقق بفضل من هللا‬
‫سبحانه‪ ،‬ثم بفضل اجتهادك وكفاحك يتوج بنجاح التألق والتفوق‪.‬‬
‫وما أن كادت تغمض عينيها المتعبتين حتى سمعت رنين هاتفها‬
‫الجوال‪ ،‬ولم تعره اهتماما‪.‬‬
‫ولكن الرنين أستمر مطوال‪ ،‬يصمت قليال ثم يعود ثانية‬
‫ومتواصال‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫(‪)64‬‬
‫فأجابت على المتصل ظنا منها أنها أحد من زبائنها االتي كن‬
‫اليوم متواجدات بالمركز‪.‬‬
‫ووجدته نفس الشخص الذي ظل يالحقها باتصاله منذ يومين‪.‬‬
‫قال لها معاتبا وكأنه يعرفها منذ زمن ‪ :‬لم أتوقع منك أن تضعي‬
‫لي حظرا‪ ،‬فصاحبة الصوت الدافئ والعطوف تلك تتصرف معي‬
‫بكل تلك القسوة دون أن تعطيني فرصة ألشرح لها أو أعبر عن‬
‫أعجابي بها‪.‬‬
‫كيف هان عليك كسر قلبي المتشوق لسماع صوتك‪ ،‬وهمسك‪،‬‬
‫وحديثك‪.‬‬
‫أود التعرف عليك أكثر واالقتراب من عالمك أكثر فأكثر‪ ،‬فقط‬
‫أعطيني الفرصة لتتعرفي علي‪ ،‬وتسمحين لي أيضا بالتعرف‬
‫عليك‪!.‬‬
‫هنا فقدت إصرار صبرها وقالت له بلهجة غاضبة ‪ :‬يا أخي أفهم‬
‫أنا ال أريد التعرف‪ ،‬وال يهمني من أنت ومن تكون‪ ،‬ولست ممن‬
‫يبحثن عن مغامرات عاطفية عن طريق المكالمات العاطفية‪.‬‬
‫لقد أخطأت في اختيارك لي‪ ،‬فأن ال تعرف من أنا وال أريد أن‬
‫تعرف‪ ،‬عذرا سأضطر إلنهاء االتصال األن‪.‬‬
‫أجابها سريعا ‪ :‬بال أعرفك تمام المعرفة‪ ،‬وكنت قريبا منك جدا‪،‬‬
‫أنت إصرار طليقة رجل األعمال عادل‪.‬‬
‫لقد رأيتك معه قبل مدة في المحكمة‪ ،‬هل تتذكرين‪.‬؟ لقد كنت من‬
‫ضمن الشهود‪ ،‬طلب مني طليقك مرافقته إلى المحكمة لمساعدتك‪،‬‬
‫ووجودي كشاهد معك‪.‬‬
‫ومنذ أن رأيتك تعلق قلبي بك‪ ،‬اعجبتني تلك القامة الطويلة‪،‬‬
‫ومشيتك المغرية والفاتنة والتي سحرتني تماما‪ ،‬فلم اعد أفكر في‬
‫‪95‬‬
‫شيء غيرها منذ ذلك الوقت ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫(‪)65‬‬
‫وجدت رقمك ضمن أوراق المعاملة التي طلب إلى أن أوقع‬
‫عليها‪ ،‬فحفظته عن ظهر قلب‪.‬‬
‫هنا أشتعل الغضب في إصرار وشعرت بحالة من الغيظ والحنق‬
‫تجاه هذا الرجل‪.‬‬
‫فاألن هو يعرفها معرفة شخصية ويتجرأ على مغازلتها‬
‫ومالحقتها بأسلوب غير محترم‪.‬‬
‫ويعتقد أنه بحديثه المنمق ذلك وكلمات الغزل السخيفة تلك‬
‫سيجذب أنتباهها‪ ،‬وستسقط كالفراشة تجاه الضوء‪.‬‬
‫وال لما ال فهي مطلقة ووحيدة كل ظروفها متهيئة تماما ليحكم‬
‫لعبته بالوصول إليها‪.‬‬
‫فأنهت االتصال‪ ،‬ثم قامت بعمل حظر للرقم ومنع أتصال مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وعادت تحاول النوم فقد أطاره من عينيها هذا السفيه‪.‬‬
‫وبعد ساعة وصلتها رسالة جاء فيها ‪ :‬من أنت أيتها المتكبرة‪،‬‬
‫المتعالية‪.‬؟ ! من أنت حتى تقومين بحظري‪،‬‬
‫لقد أصابك الغرور أيتها المتعجرفة‪ ،‬واعتقدت أنك شيئا ما‪،‬‬
‫صحيح أخذت في نفسك مقلبا كبيرا أيتها العجوز الحمقاء‪.‬‬
‫لقد أشفقت عليك حين رأيتك بالمحكمة ورأيت كم أنت مسكينة‬
‫ووحيدة وتحتاجين إلى رجل يؤنس وحدتك‪ ،‬ويلبي رغباتك‪.‬‬
‫فمن الذي سينظر إليك أيتها العجوز المتصابية‪ ،‬وليكن بعلمك أنك‬
‫انت من تحتاجين لي‪.‬‬
‫فأنا شاب وفي عز شبابي وقوتي‪ ،‬ولدي مجموعة كبيرة من‬
‫الفتيات المعجبات بي‪ ،‬ويريدن فقط أرضائي وسعادتي‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫(‪)66‬‬
‫أحببت فقط أن أزيل عنك شبح الوحدة والعجز وأسليك‪ ،‬من الذي‬
‫سينظر إليك صدقا مضحكة أنت‪.‬‬
‫أنا أن خرجت يوما معك سأمشي بعيدا عنك فأنا أخجل أن اضع‬
‫يدي بيد عجوز بشعة مثلك‪.‬‬
‫أذهبي إلى الجحيم يا عجوز‪ ،‬وستندمين كل الندم أنك فرطتي في‬
‫وضيعت فرصة ثمينة بالتمتع بقربي‪.‬عودي إلى لونك األسود‬
‫والرمادي فهما اللونين الذي يلقيان بك يا شمطاء‪.‬‬
‫وستبقين أيام عمرك الباقية هكذا بال ونيس وال أنيس يسعدك‪،‬‬
‫فذلك ما تستحقينه أيتها المتصابية‪.‬‬
‫وانتهت الرسالة بهذه الكلمات‪ ،‬ونظرت إلى هاتفها وقلبها تكاد‬
‫ضرباته تخترق أضلعها‪.‬‬
‫ووجهها يزداد احمرار وتلونا وهي تتساءل في نفسها ‪ :‬هل هذا‬
‫الرجل مجنون أم عاقل‪ ،‬أم يمر بحالة نفسية معقدة‪ ،‬فقد جن وفقد‬
‫تفكيره السليم بل المنطق ألي عقل سليم‪.‬‬
‫حينما رفضت أن أتحدث معه‪ ،‬أو أن أتجاوب مع تفاهاته تلك‪،‬‬
‫اتهمني وقذفني بأبشع الوصف دونما أي وجه الحق‪ ،‬فلم أوجه إليه‬
‫كلمة واحدة مهينة‪.‬‬
‫بينما هو تجرأ وتجاوز كل الحدود بمجموعة من الشتائم والقذائف‬
‫اللغوية التي تدل على مدى تدني تفكيره وأسلوبه‪.‬‬
‫ومتى تذكر عمري وأنني كبيرة بالسن‪ ،‬حين رفضت التجاوب‬
‫معه‪ ،‬حين أقفلت بوجهه كل السبل التي تؤدي إلى التقليل من‬
‫احترامي ومكانتي‪!.‬‬
‫حينها فقط علم أنني كبيرة بالسن‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫(‪)67‬‬
‫صدقا بعض العقليات مريضة وتفكيرها سقيم يحتاج إلى عالج‬
‫مكثف لتغيير ذلك األسلوب الشاذ والغير محترم‪.‬‬
‫شكرا لك يا عمري الخمسيني‪ ،‬كم أصبحت أحبك األن أكثر‪ ،‬ألنك‬
‫تجعلني أبعد عن أمثال هؤالء البشر الذين ال يعرفون وال يدركون‬
‫قيمة نعمة كونك في الخمسين‪ .‬الحمد هلل‪.‬‬
‫وألقت بهاتفها الجوال بعيدا بعد ان وضعته على الصامت‪ ،‬ثم‬
‫عادت إلى النوم ولم تشعر بأي شيء سوى بابتسامة تزين وجهها‬
‫ونور يضيء تلك التجاعيد الجميلة والتي أحاطت بعينيها‪.‬‬
‫وقالت لنفسها والنوم يداعب عينيها ‪ :‬كم أحبك يا عمري‬
‫الخمسيني‪ ،‬بل كم أحبك يا نفسي وروحي الجميلة وقلبي الممتلئ‬
‫طفولة وجماال‪:.‬‬
‫وابتسمت في سعادة واستغرقت في نوم عميق‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫(‪ )68‬الفصل الرابع ‪ -‬اال معقول‬
‫وصلت إصرار إلى منزل صديقتها سميرة منذ الطفولة وأيام‬
‫الدراسة سواء المدرسة حتى سنوات الجامعة برفقة صديقتهما‬
‫المشتركة دالل‪.‬‬
‫لم يفرق بينهما شيء حتى الزواج واألنجاب‪ ،‬ولكن بعد طالقها‬
‫بفترة الحظت إصرار ابتعاد وغياب من سميرة عزته إلى‬
‫انشغالها باألنجاب ثم تربية أطفالها الثالث‪ ،‬فاألمومة ال تترك‬
‫مجاال للصديقات واال حتى أي وقت فراغ‪ .‬فالصغار يحتاجون إلى‬
‫االم في أربع والعشرون ساعة من اليوم‪.‬‬
‫واألن وبعد أن مرت األعوام وكبر الصغار البنات والشباب‪ ،‬لم‬
‫تكن تسمع عنها شيئا وانقطعت اخبارها‪ ،‬حتى قابلتها صدفة في‬
‫أحد األسواق الكبيرة‪ ،‬وظلت تنظر إليها وتحاول أن تتأكد ان هذه‬
‫هي صديقتها المقربة سميرة‪ ،‬ولكنها الحظت أن سميرة تتعمد‬
‫تجاهلها‪ ،‬وتتصنع عدم معرفتها‪ ،‬حتى أتت صديقتهما المشتركة‬
‫دالل وقبلت إصرار ثم نظرت إلى سميرة معاتبة‪ :‬اال تتذكرين‬
‫إصرار صديقة الدراسة هل فقدتي الذاكرة سميرة وانطلقت‬
‫تضحك من قلبها‪.‬‬
‫فأجابتها سميرة على مضض‪ :‬بال أعرفها مرحبا بك إصرار كيف‬
‫حالك‪ ،‬وماهي أخبارك‪ ،‬سمعت أنك زوجتي ابنتك زينة‪.‬؟‬

‫‪100‬‬
‫(‪)69‬‬
‫أجابتها إصرار‪ :‬نعم تزوجت قبل ستة أشهر وأرسلت لك بطاقة‬
‫دعوة ولكنك لم تجيبي‪ ،‬واعتقدت انك ربما تكونين خارج‬
‫المدينة‪!.‬‬
‫ردت عليها سميرة بامتعاض ملحوظ‪ :‬نعم نعم كنت خارج المدينة‬
‫مع زوجي حسام‪ .‬في رحلة استجمام لمدينة باريس‪!.‬‬
‫وهنا تدخلت دالل صديقتهما المشتركة قائلة‪ :‬ما رأيك يا سميرة‬
‫أن نقوم أنا وإصرار بزيارتك في نهاية األسبوع القادم‪ .‬فأنا أود‬
‫أن نعيد ذكرى أيام الدراسة والمشاغبة وتلك األيام الجميلة‬
‫البريئة‪ !.‬ها ما رأيك سميرة؟ خالص من غير رد سنكون عندك‬
‫الخميس بإذن هللا‪ !...‬ولم تدع لسميرة مجاال للتهرب والتملص من‬
‫الزيارة‪ .‬فوافقت وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة وخرجت من‬
‫السوق‪.‬‬
‫فنظرت إصرار معاتبة دالل قائلة لها‪ :‬لماذا أحرجتها؟ واضح انها‬
‫ال ترغب بزيارتنا أو القدوم لمنزلها‪ .‬ربما هناك سبب ال نعلمه‬
‫يمنعها من استقبالنا‪ .‬أحرجتها جدا دالل‪ .‬هللا يسامحك بس‪.‬‬
‫أجابتها دالل وهي تضحك ممازحة‪ :‬خليها إصرار كلما رأتني‬
‫قالت لي لماذا ال تزوريني ببيتي‪ .‬اسمع دوما بأنك تزورين‬
‫إصرار كثيرا وتتجاهليني‪!.‬‬
‫األن قصدت أن أريها أنني وفية لكي وأنني صديقة لكما أنتما‬
‫االثنتين وال أحب أن أكون مع أحدكما دون األخرى‪ .‬فنحن منذ‬
‫الصغر سويا‪ ،‬فلماذا التفرقة األن إصرار‪.‬؟‬
‫وهكذا كان ووصلتا الى منزل سميرة سوية وطرقا جرس المنزل‪،‬‬
‫وانتظرتا قليال حتى فتحت لهما الباب العاملة المنزلية مبتسمة‬
‫تدعوهما الى الدخول وأرشدتهما الى مجلس الضيوف والذي كان‬
‫‪101‬‬
‫فاخرا بمعنى الكلمة بكل ركن فيها وتبدو لمسات الترتيب والنظام‬
‫والجمال فيه‪ .‬مع رائحة بخور العود المنعشة في كل أنحاء‬
‫المنزل‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫(‪)70‬‬
‫وجلستا في انتظار سيدة المنزل حتى تأتي ومر حوالي نصف‬
‫ساعة حتى قدمت سميرة ترتدي ثوبا مطرزا لونه ذهبي وقد‬
‫رفعت شعرها إلى أعلى رأسها فبدت في غاية األناقة والجمال‪.‬‬
‫ونظرت إليهما ورحبت بهما ولكن دون أي ابتسام أو روح‬
‫توضح ترحابها بهما‬
‫وأشارت إلى العاملة المنزلية لتأتي بدلة القهوة العربية وأمرتها‬
‫بصبها لهما ثم حملت لهما طبق فاخر من الشكوالتة‪ .‬كل هذا‬
‫وسميرة تضع ساقا على ساق وال تتحرك من مكانها‪ ،‬بل تنظر‬
‫بكل تعال وضيق ناحية إصرار وحينما تأتي عيناهما سويا تشيح‬
‫بنظراتها بعيدا حتى ال توضح ما تخبئه في داخلها من شعور يكاد‬
‫يفضح نفسه لضيفتها‪.‬‬
‫وبعد حوالي ساعة دعتهما إلى مائدة العشاء حيث كانت هناك‬
‫أطباق عديدة من كل أنواع الطعام يكفي ألكثر من ست أشخاص‬
‫وليس الثنتين‪.‬‬
‫ونظرت إصرار إلى دالل نظرة عتاب بينهما االثنتين دون أن‬
‫تالحظ سميرة ذلك تكاد تقول لها ما كل هذا يا دالل‪.‬؟ ما هذا‪.‬؟‬
‫وبينما كانت أكواب الشاي بالنعناع تقدم إلصرار الحظت أن‬
‫سميرة طلبت من دالل التحدث إليها على انفراد بعيدا عنها‪.‬‬
‫وخرجا إلى الصالة الخارجية للمجلس وغابتا طويال جدا حتى‬
‫بدأت إصرار بالقلق وأصابها التوتر وتسألت في نفسها‪ .‬ما الذي‬
‫يحدث؟ وما هذا الحديث المهم الذي ال يسمح لها بالمشاركة فيه‪.‬‬
‫ثم عادت االثنتين والحظت تغيرا في تعابير وجه صديقتها دالل‬
‫التي أومئت أليها أنه حان وقت االنصراف‪ .‬فاستجابت لها‬

‫‪103‬‬
‫وانطلقتا خارجا وحين صعدتا السيارة تنفست إصرار الصعداء ثم‬
‫نظرت إلى دالل متسائلة‪ :‬ماذا حل بك دالل لماذا هذا‬

‫‪104‬‬
‫(‪)71‬‬
‫الصمت‪.‬؟ وما الذي دار بينك وبين سميرة حتى غبتما عني طيلة‬
‫هذا الوقت‪.‬؟ أجيبي دالل‪.‬؟‬
‫نظرت إليها دالل وهي حائرة ال تعلم ماذا تقول لها ولكنها قالت‬
‫لها أخيرا‪ :‬إصرار أرجوك أستمعي إلي وأريد منك وعدا باال‬
‫يؤثر عليك ما سأقوله لكي أرجوك عديني بذلك‪.‬؟‬
‫نظرت إليها إصرار باستغراب وردت‪ :‬أعدك باال أغضب ولكن‬
‫ماذا بك دالل تكلمي باهلل عليك قسم باهلل لقد أصبتني بالقلق‪.‬‬
‫تنهدت دالل ثم قالت لها‪ :‬أوال أنا اسفة جدا إصرار‪ ،‬ألنني‬
‫فرضت عليك وعلى سميرة هذه الزيارة‪ .‬كان البد أن أستمع لكي‬
‫ولكن قدر هللا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الموضوع ببساطة أن سميرة تغار منك جدا وتخاف على‬
‫زوجها حسام منك كونك امرأة مطلقة ومن وجهة نظرها أنت‪،‬‬
‫أسفة إصرار ال أود أن أتكلم ولكن هذا كالم سميرة ورأيها ال‬
‫رأي أنا‪ .‬بما انك مطلقة وحرة وجميلة ما شاء هللا سيكون زوجها‬
‫هدفا سهال لك‪
!.‬‬
‫وهو كان من أيام الزواج األولى يتحدث عنك بأعجاب واحترام‬
‫ويستشهد بك في أي موقف يحدث بينهما‪.‬‬
‫فما بالك األن وبعد طالقك وزواج ابنتك أصبحت حرة بمعنى‬
‫الكلمة ولن تفوتين فرصة مثل زوجها حسام كونه رجل اعمال‬
‫معروف وغني ووو‪..‬‬
‫واسترسلت في الكالم الذي لم تعد إصرار تسمع منه شيئا غير‬
‫مطارق تنهال على رأسها بكل قسوة وعنف وصوت داخلها‬
‫يصرخ ويعلو قائال ‪ :‬منذ متى كنت بتلك المبادئ منذ متى رأت‬
‫مني سميرة ما يدلها على انني أبحث عن زواج وممن من زوجها‬
‫‪105‬‬
‫الذي لم أراه ابدا‪ .‬وحتى أن رأيته فهل خلت الدنيا من الرجال‬
‫حتى يجذبني وأسرقه من صديقتي‪.‬؟‬

‫‪106‬‬
‫(‪)72‬‬
‫أمعقول ما أسمعه ووضعت يديها على أذنيها ثم أغمضت عينيها‬
‫وصرخت بأعلى صوتها‪ :‬كفى يا دالل كفى باهلل عليك ال أريد ان‬
‫اسمع منك المزيد كفى أرجوك‬
‫كفى باهلل عليك‪ ،‬أن كانت هي بهذه القسوة وبال قلب وال عقل‬
‫يفكر‪ ،‬فال تكوني مثلها ترددين كالمها كالببغاء أرجوك‪.‬‬
‫ما أسمعه غير معقول وال معقول وال مقبول فكفي عن الهراء‬
‫أرجوك أنا إصرار اال تعرفين من أنا دالل‪.‬‬
‫أنا ال أبحث عن الذهب وال أتمسك بنصف رجل أتفهمينني‪.‬‬
‫لو كنت أريد الزواج لعدت إلى طليقي أبو أبنتي‪،‬والذي ترجاني‬
‫طيلة السنين الماضية وعقب زواجه من أخرى‪.‬‬
‫وندمه على قراره ورجائه لي أن أعود له‪ .‬ورفضت كل هذا حتى‬
‫ال أكون شريكة ألمرأه على ذمته‪.‬‬
‫رغم كوني كنت زوجته األولى ولي الحق كل الحق فيه‪ ،‬ولكنني‬
‫رغم كل شيء رفضته وفضلت البقاء بال زواج حتى أبقى مع‬
‫أبنتي‪.‬‬
‫ما اسمعه هو تقليل مني ومن احترامي ولن أقبل به نهائيا‪.‬‬
‫نعم ما تقولينه دالل هو ال معقول أبدا‪ .‬المعقول‪.‬‬
‫وهبطت من سيارة دالل ودخلت إلى منزلها وهي تركض بأقصى‬
‫ما فيها إلى غرفتها ثم ألقت بنفسها على فراشها وهي تنهج‬
‫بالبكاء‪.‬‬
‫بكاء شعور بالظلم وبالغيظ والغبن مما سمعت ومما رأته معا‪.‬‬
‫وظلت تبكي حتى شعرت أنها منهكة قامت ثم نظرت إلى نفسها‬
‫في المرآة ورأت عينيها الذابلتين واقتربت من تجاعيد عينيها‬
‫وبدأت تمر بيدها وتربت بعطف عليها‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫(‪)73‬‬
‫ثم قالت لنفسها باكية ‪ :‬كل هذا بسبب ماذا طالقي‪.‬؟ !‬
‫أم أنت يا عمري الخمسيني المنهك من ظلمهم‪.‬؟‬
‫ماذا يريدون مني؟‪.‬‬
‫أن أغلق على نفسي فال أعرف وال أرى احد وأن اكتفي بعد سنين‬
‫عمري‪.‬؟؟‬
‫خمسون عاما جميلة أراها جميلة رائعة ومازالت‪.‬‬
‫أنا كما أنا تغيرت مالمحي‪ !،،‬نعم‪.‬‬
‫ولكن قلبي مازال كما هو ينبض بالحياة أم يريدون إيقافه‬
‫ليستريحوا‪.‬؟!!‬
‫وارتمت مرة أخرى على فراشها واضعة رأسها الصغير تحت‬
‫وسادتها لتختبئ هناك وأغمضت عينيها المبللتين بالبكاء ثم خلدت‬
‫إلى النوم وذلك السؤال يتردد‪ :‬يا عمري الربيعي ما ذنبي ما ذنبي‬
‫أن بلغتك بكل شرف‪.‬؟‬

‫‪108‬‬
‫(‪ )74‬السناب شات واألنستقرام والفيس‬
‫توسعت إصرار في عملها وأصبح لديها فرع لمركز التجميل‬
‫والسبا في الحي الراقي والذي يقع شمال المدينة حيث الموقع‬
‫الجميل والقرب من منطقة شاطئ البحر‪ .‬ووجود غالب المقاهي‬
‫والمطاعم التي يرتادها العديد من سكان وزوار المدينة الساحلية‬
‫المعروفة والمحبوبة من الجميع‪.‬‬
‫وفكرت كثير ا في أن يكون لها مكانا أيضا في عالم األنترنت بعد‬
‫أن شاهدت غالب زبائنها من الفتيات الشابات يحملن هاتفهن‬
‫المحمول ويقمن بتصوير كل ما يصادفهن وتقع عليه أعينهن‪.‬‬
‫وأصاب إصرار الفضول والرغبة في التعرف على هذا العالم‬
‫الجديد بالنسبة لها والذي يتحدث عنه الجميع بحيث ال تخلو جلسة‬
‫سواء كانت عائلية أو مع الصديقات اال وشاهدت كاميرا الهاتف‬
‫الجوال تلتقط العديد من الصور وحين تسأل بدافع الفضول تأتيها‬
‫اإلجابة للسناب شات ‪ ,‬وأخرى تجيب لتحديث أخر معلومات‬
‫اإلنستقرام‪.‬‬
‫كما وجدتها فرصة حين جاءتها فتاة شابة تعرض أطباقا من الكب‬
‫كيك والبسكوت من صنع يديها تتميز بطعم جميل يحمل أسم الفتاة‬
‫وحين سألتها أنت من تقومين بطهي كل هذه الحلويات الشهية‪.‬؟‬
‫أجابتها الفتاة بابتسامة عريضة نعم بدأت لوحدي أوزع فقط داخل‬
‫محيط العائلة حتى أصبح األقبال عليها ماشا هللا كثير‪.‬‬
‫فبدأت بفكرة أن أحتكر المهنة وأضع لها اسما مميزا حتى تعرف‬
‫بها بين الجميع وكذلك قمت بتصميم صفحة مخصوص‬
‫باإلنستقرام الستقبال الطلبات‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫(‪)75‬‬
‫ووضعت رقم خاص وكذلك صممت بالسناب كيفية صنع هذه‬
‫الحلويات خطوة بخطوة‪.‬‬
‫ووضعت رقمي‪ ،‬و كيف أرسل الطلبيات للعمالء‪.‬‬
‫‪.‬كما طورت من نفسي ألتخصص في صنع الحلويات المصممة‬
‫خصيصا لحفالت الزفاف مما زاد وهلل الحمد باألقبال علي‪.‬‬
‫واألن الحمد هلل أصبح لدي محال معروفا في السوق الشهير‬
‫القريب من مركز التجميل خاصتك‪.‬‬
‫تبسمت إصرار بإعجاب وقامت واحتضنت الفتاة وقالت لها ‪:‬‬
‫أعجبني جدا اجتهادك وكفاحك وتصميمك وتطويرك لموهبتك‬
‫وأهم شيء أيمانك بها وثقة باهلل ثم بنفسك حبيبتي‪ ،‬هذه العوامل‬
‫كلها ما شاء هللا أعطتك النجاح والتوفيق‪.‬‬
‫وبعد عودة إصرار إلى منزلها فكرت كثيرا في كالم الفتاة الشابة‬
‫وقالت في نفسها ولما ال يكون مركز التجميل تتوفر له نفس‬
‫العوامل أتعلم استخدام اإلنستقرام والسناب‪ ،‬حتى أستفيد ويتسع‬
‫نطاق عملي ليدخل في كل بيت ومنطقة بإذن هللا‪.‬‬
‫لقد تطور الزمان وتوسعت األفاق وال بد أن نستغلها التقدم‬
‫الحضاري االستغالل الجيد المفيد والذي يخدم مصالحنا العملية‬
‫ويزيد من األقبال وكذلك اكتساب شهرة أحتاجها لعملي‪.‬‬
‫وبالفعل قامت بتصميم صفحة خاصة في اإلنستقرام وكذلك الفيس‬
‫ووضعت في كل منهما أسم السناب الخاص بها لمن تحب أن‬
‫تتابع أحدث المنتجات الموجودة في مركزها‪.‬‬
‫وكذلك رقم للهاتف المحمول حتى يستطيع الجميع االستفسار‬
‫وكذلك الطلب وبكل سهولة ويسر ويصل المنتج للزبونة حيثما‬
‫كانت‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫(‪)76‬‬
‫وبعد أن بدأت ترى النتائج الجيدة لتلك الخطوة‪ ،‬وجدت كذلك في‬
‫نفس صفحة اإلنستقرام التعليقات السلبية من أناس ال تعرفهم‬
‫ولكن حب االنتقاد والحسد األسف‪ ،‬عادة ما يالحق النجاح‪.‬‬
‫ومن ضمنها تعليق شعرت ان صاحبته تعرفها شخصيا وليست‬
‫غريبة عنها ولكنها تختبأ خلف أسما مستعارا قالت لها ‪ :‬يا ليتك‬
‫تحترمين عمرك يا مدام ومكانتك وتهتمي في بنتك اللي خلتك جدة‬
‫وقريب ببصير عندك حفيدة‪!.‬‬
‫وال داعي أن تتصرفين على أساس أنك صغيرة بالسن نونو و‬
‫مسوية فيها انك توك‪ ،‬وشباب وكأن ما أحد يدري عنك‪.‬؟

‫تضحكي على مين يا مدام على نفسك وإال على الشعر األبيض‬
‫اللي مال رأسك‪ .‬عيب يا مدام اتركي األشياء دي للبنات ومو لك‬
‫عيب‪.‬‬
‫نظرت إصرار للكالم وقرأته مرة ومرة وضحكت من كل قلبها‬
‫فأثار الغيرة واضح جدا يكاد يقفز من بين صفحات اإلنستقرام ولم‬
‫تكلف نفسها عناء الرد عليها‪.‬‬
‫بل أكتفت فقط بحجبها ومنعها من دخول صفحتها مرة أخرى ‪,‬‬
‫داعية لها بالشفاء من مرضها اال وهو الغيرة والحسد والحقد على‬
‫الناجحين‪.‬‬
‫أما العمر فال عالقة له باستخدام اإلنستقرام أو الفيس أو السناب‬
‫طالما استخدمناه بالشكل الحضاري المطلوب وبكل احترام‪ .‬وكل‬
‫من يستخدمه سواء كان بالشكل الصحيح أو غيره فإنما يعبر عن‬
‫نفسه فقط ال أحد غيره‪.‬‬
‫الحمد هلل الذي أنعم علينا بكثير من النعم ومن ضمنها أن العالم‬
‫أصبح صغيرا فال شيء يقف بيننا وبين التواصل بين جميع‬
‫‪111‬‬
‫الشعوب‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫(‪ )77‬المذيع الالمع‬
‫تلقت إصرار مكالمة من مذيعة بالتلفزيون المحلي‪ ،‬تريد اجراء‬
‫حديثا متلفزا معها ومع سيدات األعمال المعروفات بمدينتها‬
‫وعنوان الحوار (المرأة ومجاراة التطور وتحدي الصعاب)‪.‬‬
‫وحددت لها موعدا للحضور في الساعة العاشرة صباح يوم‬
‫األربعاء حيث سيكون اللقاء مباشرا على الهواء ولكن سيكون‬
‫عليها أجراء بعض من التدريبات على األسئلة المطروحة قبل‬
‫الحوار الذي سيكون موعده الساعة الثانية عشرة ظهرا‪.‬‬
‫وافقت إصرار بكل فرح وسرور فهذا يعني لها الكثير الكثير‪،‬‬
‫ويدل على أن اسمها كسيدة اعمال معروفة بدأ بالظهور وبكل‬
‫احترام‪ ،‬والحمد هلل كلل مجهودها وتعبها بالتوفيق والنجاح‪ ،‬كما‬
‫أنها أصبحت عضوة بالغرفة التجارية وهذا شيء يعني الكثير‬
‫لغالبية سيدات األعمال‪.‬‬
‫وقبل الموعد المحدد يعشر دقائق كانت متواجدة في مبنى‬
‫التلفزيون حيث رحبت بها المذيعة بكل أدب ولطافة‪ ،‬واعطتها‬
‫مجموعة من األوراق فيها األسئلة حتى تقرأها وتتعرف عليها ثم‬
‫قدمتها لعدد من سيدات األعمال التي سيشاركنها بالحوار‪.‬‬
‫ونظرت إصرار أليهن وابتسمت وصافحتهن في سعادة وتجاوبن‬
‫معها وتجاذبن الحديث وراجعن األسئلة سويا‪ .‬ثم حضر المخرج‬
‫الذي وجههن إلى أماكن جلوس كل واحدة منهن‪ ،‬وتم وضع‬
‫الميكرفون وتجربته وكذلك وجهت اإلضاءة بشكل جميل ومريح‪.‬‬
‫وكان جو األستديو عامة مريح يشيع جوا من البهجة والراحة‬
‫وقدمت لهن جميعا أكواب من العصير البارد الطازج‪ ،‬وتناولهن‬
‫بكل سرور‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫(‪)78‬‬
‫وبدأ اللقاء والتفتت المذيعة بكل براعة ومهارة لكل واحدة من‬
‫الضيفات تسألها وتحاورها حتى جاء دور إصرار فتبسمت‬
‫وأجابتها على أسئلتها بكل ثقة وهدوء‪.‬‬
‫وعندما انتهى الحوار هنئها المخرج والمذيعة على أسلوبها‬
‫وطريقة أجابتها على األسئلة حيث تفوقت إصرار على الجميع‬
‫في إجاباتها وقال لها المخرج لقد أحبتك الكاميرا جدا‪ ،‬فأنت‬
‫تلقائية وتشعرين كل من حولك باالرتياح‪.‬‬
‫فهل تقبلين أن تصبحين مذيعة وتشاركي معنا بالبرامج الحوارية‪.‬‬
‫فضحكت إصرار وقالت ‪ :‬الال اليوم فقط كنت أرتعش من الرهبة‬
‫وحاولت كل جهدي أن ابدو طبيعية ولكن أن تكون الرهبة تلك‬
‫كل يوم الال شكرا‪.‬‬
‫وبينما هي تقف مع المخرج والمذيعة تشكرهم على حسن‬
‫استقبالهم‪ ،‬أذا أقبل عليهم رجل طويل القامة ممتلئ الجسم قليال‬
‫أبيض البشرة‪ ،‬له شارب خفيف ويضع نظارة على عينيه‪ .‬وهو‬
‫يبتسم للجميع ويطلب من المخرج أن يعرفه على إصرار‪.‬‬
‫فقدمها له على انها ضيفتهم بالبرنامج‪ ،‬ووضح له كيف كانت‬
‫مبدعة ومتفوقة‪.‬‬
‫فتبسم الرجل وقال لها ‪ :‬أعرفك بنفسي أنا حمود مذيع نشرة‬
‫األخبار وكبير المذيعين بالتلفزيون والمنتج والمقدم لبرنامج‬
‫(الواقع يقول ) الذي يعرض كل يوم أثنين الساعة الثالثة عصرا‪.‬‬
‫فتبسمت له مرحبة واعتذرت لضيق الوقت وبأنها ال يد أن تغادر‬
‫إلى مقر عملها‪.‬‬
‫وفوجئت به يرافقها إلى باب الخروج حتى أوصلها إلى باب‬
‫سيارتها وقال لها وهو يغلق باب سيارتها‪ :‬أتمنى أن أراكي مرة‬
‫‪114‬‬
‫أخرى وأن يكون بيننا تواصل أذا سمحتي‪.‬‬
‫تبسمت له مجاملة قائلة ‪ :‬إن شاء هللا‪ .‬وانصرفت إلى عملها‪.‬‬
‫وبعد يومين من المقابلة التلفزيونية جاءتها مكالمة من المذيع‬
‫حمود‪ ،‬تعجبت من أين اتى برقمها‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫(‪)79‬‬
‫أجابها ضاحكا‪ :‬من العصفورة‪.‬‬
‫لم تريد ان تأخذ وتعطي معه ولكنه كان لطيفا في حديثه مهذبا‬
‫معها ولكن شيئا فيه لم يكن مريحا أبدا‪.‬‬
‫كان قلبها ال يتقبله وال يرتاح له‪ .‬ولكنها قالت في نفسها لنرى ما‬
‫الذي يريده مني بعد كل هذه االتصاالت‪.‬‬
‫وبالفعل أستمر يسأل عنها ويتصل بها بين حين وحين‪.‬‬
‫حتى أتصل بها مرة ليفاجئها أنه جاء إلى مركز التجميل ويطلب‬
‫مقابلتها ‪,‬‬
‫فتعجبت منه قائلة ‪ :‬أنت تعلم أن المركز خاص بالسيدات فقط‪.‬‬
‫فكيف لك أن تطلب مقابلتي ‪ ,‬أعذرني األن فأنا مشغولة جدا‪.‬‬
‫قال لها بكل جدية ‪ :‬أريدك في موضوع مهم جدا‪.‬‬
‫قالت له ‪ :‬اال تستطيع قوله لي بالهاتف أو تنتظر حتى أفرغ من‬
‫عملي فأستطيع التحدث حينها معك‪.‬‬
‫قال لها سأنتظرك حتى تنتهين من دوامك فال بد من أن أتحدث‬
‫اليك اليوم‪.‬‬
‫الموضوع ال يحتمل التأجيل‪.‬‬
‫فتعجبت من إصراره فقالت له عندي ساعة للغذاء حوالي الثالثة‬
‫عصرا‪ .‬سأذهب إلى المطعم القريب من عملي ألني سأضطر إلى‬
‫العودة بعد ساعة فال أملك إال ساعة واحدة فقط‪.‬‬
‫قال لها ‪ :‬أذن سأنتظرك هناك‪ .‬فال تتأخرين رجاء‪ .‬الموضوع في‬
‫غاية األهمية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫(‪)80‬‬
‫وخرجت من عملها إلى المطعم لتجده في انتظارها في المدخل‬
‫وتقدمها إلى المكان الذي تم حجزه لهما والحظت انه أختاره بعيدا‬
‫عن الضوضاء وعن األعين الفضولية‪.‬‬
‫وجلست أمامه وضعت حقيبتها إلى جوارها والحظت أنه كان‬
‫يراقب كل حركة تقوم بها وعينيه تحمل نظرات غريبة‪ ،‬جعلتها‬
‫تشعر بعدم راحة‪.‬‬
‫سكتت وانتظرت أن يتحدث ولكنه تابع النظر إليها بكل عمق‪.‬‬
‫كان ينظر لعينيها وأنفها وشفتيها‪ .‬وانزعجت جدا من تلك‬
‫النظرات‪.‬‬
‫قالت له بامتعاض‪ :‬رجاء تفضل وقول لي ما هو األمر العاجل‬
‫والضروري الذي تود أن تحدثني به‪.‬؟‬
‫أجابها هامسا‪ :‬دعيني أوال اتأملك واشبع عيني من جمالك‬
‫وعذوبتك ورقتك‪ ،‬صدقيني منذ أن رأيتك أول مرة وأنا مشغول‬
‫بك‪ ،‬ال افكر إال فيك‪.‬‬
‫أجابته بغضب‪ :‬أذا كنت ستستمر بالكالم بهذه الطريقة أنا أسفة‬
‫سأضطر لالنصراف‪.‬‬
‫أجابها فورا‪ :‬ال أرجوك أبقي‪ ،‬ال تحرجينني وتجرحين قلبي الذي‬
‫أنتظر هذه اللحظة بكل شوق ولهفة أرجوك‪.‬‬
‫أجابته ‪ :‬أرجوك أنت بكل أدب وأحترم أقول لك تكلم ما الذي‬
‫تريده‪ ،‬فأنا ال أحب حديث العواطف ذاك وال يعجبني‪.‬‬
‫تنهد بعمق قائال لها‪ :‬منذ أن رأيتك دخلتي قلبي مباشرة‪ .‬نعومتك‬
‫وأنوثتك تلك التي لم أرى مثلها من قبل شدتني لكي وبقوة‪ ،‬وحين‬
‫سمعت صوتك زاد حبي وأعجابي بك‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫(‪)81‬‬
‫سيدتي أن هدفي شريف فأنا أريد الزواج بك وأن تكوني لي‬
‫بالحالل ولكن ألنني رجل متزوج ولدي طفلين صغيرين ‪ ,‬فال‬
‫أستطيع أن أشهر زواجي فزوجتي هي قريبتي وال أريد أن‬
‫اغضب العائلة مني بالزواج عليها‪ ،‬وفي نفس الوقت أريدك‬
‫أريدك وبقوة‪.‬‬
‫فهل تقبلين أن تكوني زوجتي ويكون الزواج بيننا نحن األثنين‬
‫فقط ال أحد يعلم به سوانا‪ .‬علمت أن لديك أبنة شابة متزوجة‪،‬‬
‫اعتقد أنها لن توافق األن على زواجك‪،‬‬
‫فظروفنا واحدة‪ ،‬نتزوج ونكون سويا وقت ما أستطيع ال أوعدك‬
‫أن أكون متواجدا غير أسبوع فقط من كل شهر أو شهرين حتى‬
‫ال ألفت انتباه زوجتي‪.‬‬
‫ما رأيك؟ أنا أحبك جدا صدقيني وأريدك فورا إن وافقتي نذهب‬
‫منذ الغد ونعقد قراننا وتكونين لي‪.‬‬
‫نظرت إصرار إليه وهي ال تكاد تصدق ما تسمع وتردد بينها‬
‫وبين نفسها ‪:‬أهذا الرجل طبيعيا أم يعني من خطب ما في أجزاء‬
‫عقله‪..‬‬
‫امرأة لم يرها إال مرة واحدة وحادثها بالهاتف مرتين أو ثالثة‬
‫وهكذا يريدها زوجة وال بالسر والخفاء كاللصوص‪ ،‬وكأنها شيء‬
‫يخجل أن يراه الناس معها‪.‬‬
‫تنفست بكل هدوء ونظرت إليه مطوال ثم اجابت وهي تحرص أن‬
‫يكون صوتها منخفضا وهادئا وواضحا بنفس الوقت‪.‬‬
‫قالت‪ :‬حمود أو أخ حمود أفضل‪ .‬شكرا لك على عرضك القيم‬
‫الذي فاجأتني به‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫وأشكرك على اختيارك لي وثقتك بي‪ ،‬ولكنني وعذرا منك ال أريد‬
‫الزواج ال منك وال من غيرك‪ .‬وخاصة الزواج بهذه الطريقة التي‬
‫ذكرتها لي والتي أعتبرها تقليل من احترامي لنفسي وألسرتي‬
‫ولكل مبادئ التي تربيت عليها وأتمسك بها جيدا‪.‬‬
‫ما يكون بالظالم يبقى دائما بالظالم ويدل على أنه شيء غير‬
‫صحيح وإال لما يوجد هناك في العتمة مختبئا من الناس‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫(‪)82‬‬
‫من يريد االرتباط بي ال بد أن يفتخر ويرفع رأسه عاليا أنني‬
‫زوجته ال يختبئ خوفا وال يفرض علي أياما يتصدق بها علي‪.‬‬
‫من يريد االرتباط بي البد أن يكون متواجدا معي اربع وعشرون‬
‫ساعة وال يستطيع االبتعاد عني دقيقة واحدة ‪ ,‬وان غاب عاد‬
‫مشتاقا يكون أول شيء يريد رؤيته هو انا فقط ال غير‪.‬‬
‫أشكرك ولكنني اريد العودة إلى عملي وأرجو منك أن تنسى هذا‬
‫الموضوع تماما بل أرجوك أنسى أنك رأيتني في يوم ما‪ .‬ورجاء‬
‫أمسح رقمي من جوالك ألنني سأفعل ذلك‪ .‬عن أذنك في أمان هللا‪.‬‬
‫وخرجت من المطعم مسرعة وتركته ال يعرف ماذا يقول ولكن‬
‫وجهه كان محتقنا من الغضب‪ ،‬فقد كان يعتقد ويؤمن بأنه وكمذيع‬
‫معروف وجذاب وفاتن النساء‪،‬‬
‫أن ترفضه واحدة منهن‪.‬‬
‫وجاءتها منه بعدها العديد من االتصاالت ولكنها لم تجبه أبدا‪.‬‬
‫حقا في عمرها هذا سترى العجب وتعيش العجب‪ ،‬في بعض‬
‫البشر التي ال تحترم عمرا وال قدرا وال احتراما مع األسف‪.‬‬
‫يعتقدون أن مجرد وصول المرأة لعمر الخمسين فستوافق على‬
‫أي شيء واي شروط واحوال غير طبيعية لن تقبل بها إن كانت‬
‫أصغر عمرا‪.‬‬
‫فمثل هذه الزيجة تعتبر في نظره فرصة ال تعوض بل أعتقد انها‬
‫ستوافق مباشرة‪ ،‬فمن هي حتى ترفض عرضا كهذا‪ ،‬لتلحق ما‬
‫تبقى من سنين عمرها في كنف نصف رجل ونصف زواج ال‬
‫وبل تعيش في الظالم كالخفافيش‪.‬‬
‫أي عقل واي منطق يحرمنا أن نعيش كباقي النساء في مختلف‬
‫أعمارهن‪ .‬تبا له ولتفكيره‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫(‪)83‬‬
‫المرأة من حقها في كل شيء بالزواج مهما بلغ عمرها‪ .‬وال تقبل‬
‫أبدا بالمهانة وأن تكون مجرد متعة مؤقتة ال وتشكره على‬
‫وجوده‪.‬‬
‫وعادت إلى عملها وهي تهز رأسها‪ ،‬وتقول في نفسها المرأة هي‬
‫نفسها المرأة في أي عمر تحتاج للزواج والحب ورفيق عمر‬
‫تستند عليه بعد هللا‪ .‬ال أن يخفيها وراء ستار المجهول‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫(‪ )84‬رحلة إلى دبي‬
‫راجعت إصرار بريدها اإللكتروني سريعا فعادة ما تأتيها غالب‬
‫اإليميالت دعايات وعروض من شركات التجميل التي تتعامل‬
‫معهم‪ ،‬وبها عروض جيدة وتخفيضات مغرية‪.‬‬
‫وشد أنتباهها دعوة شخصية لها لحضور المعرض الدولي لعالم‬
‫التجميل والمكياج والعطور والذي يشمل أحدث المنتجات‬
‫المتواجدة لجميع شركات التجميل في جميع أنحاء العالم‪.‬‬
‫وسيقام بمدينة دبي بدولة اإلمارات‪.‬‬
‫وأنتاب إصرار شعور غريب هو مزيج من الفرحة والفخر‬
‫واالمتنان لكل ما مرت به من ظروف لم تستلم لها‪ ،‬بفضل من هللا‬
‫سبحانه وتعالى ثم عزيمتها وأرادتها ورغبتها في التفوق والنجاح‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫(‪)84‬‬
‫هذه العوامل كلها جعلتها محط أنظار الجميع كسيدة أعمال من‬
‫الطراز األول خاصة أن تفوقها جاء خالصة كفاحها سنين عديدة‬
‫حتى وصلت إلى ما وصلت إليه‪.‬‬
‫وتفحصت الدعوة جيدا مراجعة التاريخ الذي سيقام به المعرض‬
‫ووجدته ال يتعارض مع جدول أعمالها‪ ،‬فأجابت الدعوة بالقبول‬
‫وبكل سرور‪.‬‬
‫ثم قامت باالتصال بشركة الطيران لحجز مقعد على الطيران‬
‫المحلي وكذلك حجزت بفندق قريب من المكان المتواجد فيه‬
‫المعرض حرصا منها على استغالل األيام التي يقام فيها‬
‫بالحضور لجميع فعاليته واالستفادة منها‪.‬‬
‫كما وأنها المرة األولى التي تزور فيها هذه المدينة الساحرة التي‬
‫طالما سمعت عنها الكثير وتمنت زيارتها‪ ،‬ولكن مشاغلها العديدة‬
‫منعتها من ذلك‪.‬‬
‫رتبت حقيبتها وجهزت أوراقها وابتاعت لها كاميرا حديثة‬
‫للتصوير فهي لن تضيع دقيقة إال وتسجلها في ذاكرة كاميرتها‬
‫ولن تكتفي بكاميرا هاتفها المحمول‪ .‬بل تريد أن تكون صورها‬
‫أكثر دقة ووضوح‪.‬‬
‫وفي صباح اليوم التالي أتصلت بأبنتها زينة وودعتها راجية منها‬
‫الدعاء لها بالتوفيق في رحلتها هذي‪ ،‬ثم توجهت إلى المطار حيث‬
‫أنته من كافة اإلجراءات وصعدت إلى طائرة الخطوط اإلماراتية‬
‫وفوجئت بتلك الفخامة والرقي في الطائرة حيث روعة االستقبال‬
‫والترحيب وجلست في مقعد الدرجة األولى ولم تصدق عينيها فقد‬
‫سافرت قبل هذه المرة مع العديد من شركات الطيران ولكن هنا‬
‫شيء اخر وتمددت في مقعدها بسرور وفرح وشعرت بأنها‬
‫‪123‬‬
‫كالطفلة التي تكافأ بلعبة جديدة فتغمرها البهجة وترتسم على‬
‫وجهها االبتسامة‪.‬‬
‫ووصلت إلى مطار دبي وفوجئت بمطار يتفوق على أكبر‬
‫مطارات العالم في كل شيء من ناحية التنظيم والفخامة واالتساع‬
‫والترتيب في كل زاوية منه ووقفت في طابور الجوازات حيث‬
‫جاء دورها لختم جواز سفرها بكل سهولة ويسر واستقبال أكثر‬
‫من‬

‫‪124‬‬
‫(‪)85‬‬
‫رائع حيث شعرت بافتخارها بكونها امرأة‪،‬فقد كان االحترام لها‬
‫شيء ال يوصف والترحيب بها في بلدها الثاني جعلها تتمنى أن‬
‫ترى كل هذا الرقي والجمال في بلدها الحبيب‪.‬‬
‫لم تشعر بالتوتر والقلق كونها وحيدة بل جعلوها تشعر بأنها بين‬
‫أهلها وفي بلدها وخرجت من المطار ووجدت سيارة في انتظارها‬
‫أرسلها لها المنظمين للمعرض فشعرت بالراحة والسعادة في نفس‬
‫الوقت لخوفها من عدم معرفتها بالطرق فتضل الطريق إلى‬
‫الفندق الذي ستقيم فيه‪.‬‬
‫وبالطريق إلى الفندق أخرجت الكاميرا وبدأت التصوير حيث‬
‫ساعدها وصولها لدبي الساعة الثانية عشر ظهرا وبهرتها تلك‬
‫البنايات الشاهقة تقف في شموخ وكذلك اللون األخضر المنتشر‬
‫في كل الطرقات مع تشكيلة من الزهور الملونة في كل مكان‬
‫حتى تكاد تجزم بأنك لست في مدينة صحراوية بل مدينة‬
‫أوروبية‪.‬‬
‫تسارعت المناظر أمامها ووصلت إلى الفندق وصعدت إلى‬
‫غرفتها في الدور السادس والذي يطل منظره على برج العرب‬
‫معلم حضاري اخر تفتخر به مدينة دبي‪.‬‬
‫وطلبت كوبا من الشاي مع النعناع حتى ترتاح قليال تناولته‬
‫وخلدت للنوم لمدة ساعة‪،‬ثم توجهت إلى المعرض حيث تم‬
‫إعطائها بطاقتها الخاصة بها مسجل بها أسمها وبلدها‪.‬‬
‫وشعرت بالفخر واالعتزاز للترحيب الذي عوملت به واالحترام‬
‫لها ولبلدها‪.‬‬
‫ورافقها في تجولها أحد العاملين المسؤولين عن مرافقة كبار‬
‫الزوار شارحا لها كل ركن في المعرض ومن أي بلد هو‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫كما تم أعطاها كتيبا صغيرا عن كافة المنتجات الحديثة‬
‫والشركات المسؤولة عنها واألسعار الخاصة بكل منتج‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫(‪)86‬‬
‫لم تشعر بالتعب أو مرور الوقت فقد حرصت على التعرف على‬
‫كل ما هو جديد ومثير في عالم التجميل والعطور وكافة ما يخص‬
‫المرأة ويثير اهتمامها‪.‬‬
‫كما كان معها بطاقة العمل التعريفية الخاصة بها وقدمتها لكل‬
‫المهتمين بعالم الجمال‪،‬حيث توضح فيها رقم هاتفها المحمول‬
‫وبريدها اإللكتروني في حالة اهتمام احد رجال األعمال أو‬
‫سيدات األعمال المهتمين بمجالها‪.‬‬
‫ربما تحصل على فرصة لتوسعة عملها خارج نطاق بلدها ويكون‬
‫أسمها معروف محليا وخارجيا بإذن هللا‪ .‬وهذا ما تعمل عليه بكل‬
‫جد واجتهاد منذ أن أسست مركزها الذي أصبح أسما ال يستهان‬
‫به وتزوره العديد من الباحثات عن العناية بجمالهن وال يترددن‬
‫في العودة إليه مرة أخرى وبكل سرور‪.‬‬
‫وفي اليوم الثاني قامت إدارة المعرض بأخذها مع مجموعة من‬
‫سيدات األعمال من مختلف البلدان في جولة سياحية حول مدينة‬
‫دبي حيث قاموا بزيارة برج خليفة وكذلك برج العرب ودبي مول‬
‫والجميرا وجزيرة النخلة ومتحف دبي جولة جميلة رائعة ودت لو‬
‫تستمر فيها إلى ماال نهاية من المناظر الخالبة واألجواء الجميلة‬
‫ترتاح لها العين والقلب‪.‬‬
‫وسجلت كل ما تراه على كاميرتها وهي تتمنى اال يمر الوقت‬
‫سريعا‪،‬فهي تود أن تقضي هذه األربعة أيام في هذه المدينة‬
‫الساحرة باالستمتاع بكل لحظة بكل ركن فيها‪.‬‬
‫وجاء موعد العودة وأعدت حقائبها وهي تشعر في داخلها أن لها‬
‫عودة ثانية لدبي فقد أحبتها وقررت بينها وبين نفسها أن‬

‫‪127‬‬
‫حضورها المرة القادمة سيكون الفتتاح فرع لمركزها فيها‬
‫يحضره الجميع ويكون حدثا يتكلم عنه األعالم مدة طويلة‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫(‪)87‬‬
‫ورددت قائلة بينها وبين نفسها ‪ :‬إن شاء هللا قريبا سأعود يا دبي‬
‫قريبا سأعود‪ .‬ما أجمل شعور المرأة بقيمتها وتقديرها‪،‬أنها رغم‬
‫نظرة المجتمع لها ولعمرها الذي أصبح عائقا بالنسبة لهم وليس‬
‫لها‪ .‬فكلما تقدمنا في العمر اكتسبنا خبرة ومعرفة‪.‬‬
‫وتطور األشياء من حولنا ال يعني أننا ال نستطيع أن نشارك في‬
‫ذلك التطور بل نستطيع بإذن هللا أن نكون جزءا مهما فيه‪.‬‬
‫في أي عمر يستطيع المرء رجال كان أم امرأة أن يبدع ويتفوق‬
‫ويجتهد ليستمتع بنجاحه مثله مثل الشباب‪ .‬الفرق هو أن الشباب‬
‫سن التسرع والحماس والمغامرة‪.‬‬
‫أما نحن فها هي األيام تهدينا أجمل ما فيها أن نكون منبع الثقة‬
‫والفخر واالعتزاز ألبنائنا وأحفادنا‪.‬‬
‫وأغلقت حقيبتها وهي تردد لن أقول وداعا يا دبي بل إلى لقاء‬
‫عما قريب‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫(‪ )89‬امرأة ولكن بمئة رجل‬
‫عادت إصرار من مدينة دبي وبدأت بالتفكير في حلمها الجديد‪،‬‬
‫أن يمتد مشروعها القائم في مدينتها وتفتح له فرعا أخر بمدينة‬
‫دبي حيث أنها أصبحت وبكل جدارة‬

‫‪130‬‬
‫(‪)89‬‬
‫محط أنظار معظم رجال وسيدات األعمال لما تتمتع به من‬
‫سهولة وتيسير أجراء المعامالت بوقت قياسي وأنهاء كافة ما‬
‫يتعلق بأي مشروع دون أي تعقيد‪.‬‬
‫وبدأت بوضع دراسة جدوى كاملة للمشروع بدءا من رأس المال‬
‫والتصاريح والمكان المناسب والعمالة التي ستشارك معها في‬
‫بناء هذا المشروع بإذن هللا‪.‬‬
‫وتأملت كثيرا اختالف بيئة العمل هنا وهناك ودخلت على‬
‫األنترنت تراجع ماهي الخطوات القانونية والشروط الواجب‬
‫توافرها إلقامة مشروعها‪ ،‬ووجدت العديد من المكاتب‬
‫االستشارية التي توفر لسيدات رجال األعمال كافة المعلومات‬
‫وتقوم بخدمة أنهاء كافة اإلجراءات الالزمة لذلك‪ .‬فأخذت أرقام‬
‫هواتفهم حتى تتواصل معهم وتحدد أول فرصة لالجتماع بمن‬
‫يعطيها سعرا أفضل وتسهيالت أكبر‪.‬‬
‫وفي سعيها الدؤوب لتجميع أكبر قدر من المعلومات والتواصل‬
‫باإليميل مع الشركات المتخصصة في هذا المجال تم االتفاق على‬
‫الحضور إلى مدينة دبي مطلع الشهر القادم مع تجهيز كافة‬
‫المعلومات الخاصة بها كسيدة أعمال‪،‬وكذلك دفع مبلغ لمكتب‬
‫استشاري حتى يقوم عنها بأنهاء كافة اإلجراءات من تراخيص‬
‫وتصاريح ومكان أقامه المشروع وخالفه‪.‬‬
‫واحتجت انهاء بعض المعامالت قبل السفر فاتصلت بطليقها تسأله‬
‫المشورة وليتها لم تفعل فقد أجابها بأسلوب ساخر ما تعودته منه‬
‫من قبل‪ ،‬قائال لها ‪:‬ما الذي تريدينه من افتتاح فرع لمركز التجميل‬
‫الخاص بك هناك ‪ ,‬خالص يا شيخة ماشا هللا اللي في عمرك‬

‫‪131‬‬
‫جالسين مبسوطين مريحين و ما لك بالشقاء والتعب يكفيك‬
‫المركز دا‪!.‬‬
‫بالش تكابري وتسوي فيها لسه توك صغيرة وتبغي مشاريع‬
‫وسفر وروحة وجية‪ .‬خلي هذا الكالم للشباب يا إصرار أسمعي‬
‫كالمي‪!.‬‬

‫‪132‬‬
‫(‪)90‬‬
‫شكرته على حسن أصغائه لها وتشجيعه ثم أنهت المكالمة وهي‬
‫تتنهد قائلة ‪ :‬وأنت ألم تكبر على الزواج من ثانية ثم ثالثة أم هذا‬
‫شيء أخر يخص الرجال فقط‪.‬‬
‫أما نحن النساء فعلينا القبول بالتقدم بالعمر وكأنه نهاية كل شيء‪.‬‬
‫كال يا سيدي لن اقبل أن أهمش أو تقتل أحالمي في مهدها‪،‬‬
‫فالعمر ليس له دخل بالطموح والرغبة في التفوق‪.‬فهذا شيء‬
‫موجود في كل األعمار وليس حكرا على عمرا محدد‪.‬‬
‫والحمد هلل طالما من هللا علي بالصحة والعافية فلما كل هذا الكالم‬
‫الذي ال طائل منه وال منفعة‪.‬‬
‫ثم قررت االعتماد بعد هللا على نفسها وذهبت إلى جميع الدوائر‬
‫الخاصة بمعاملتها وتم أنهاء كل شيء بوقت قياسي مع تعاون من‬
‫الجميع وهلل والحمد‪.‬‬
‫وفي الوقت المحدد أخذت أول رحلة إلى مدينة دبي حيث اجتمعت‬
‫فورا مع المكتب االستشاري المشرف على مشروعها وأخذوها‬
‫في رحلة إلى العديد من المباني الفخمة حيث اختارت فيال كبيرة‬
‫تقع على شاطئ البحر وتطل جميع نوافذها على مناظر بديعة‬
‫خالبة‪،‬أمامها البحر‪،‬وحديقة عامة كلها ورود جميلة تسر النظر‬
‫وتريح النفس‪.‬‬
‫ووقعت عقد اإليجار السنوي وبدأت مع المكتب في تأسيس‬
‫المركز كافة بأحدث األجهزة والمعدات وتم اختيار طقم العمل‬
‫الخاص بالمركز‪.‬‬
‫ثم عادت بعد حوالي الشهر لتشرف على اللمسات النهائية وحين‬
‫رأت المكان قائما بكل ما فيه من عامالت وديكورات ومعدات‬
‫بكت من فرحتها وسجدت هلل سبحانه وتعالى أن من عليها بتحقيق‬
‫‪133‬‬
‫حلمها ورؤيته للنور بفضل منه عز وجل ثم بإصرارها على‬
‫تنفيذه وربطه بين مدينة دبي ومدينتها‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫(‪)91‬‬
‫وتم االتفاق على حفل كبير الفتتاح المركز يحضره جميع وسائل‬
‫األعالم المرئية والمسموعة والمقروءة‪.‬‬
‫وقال لها المدير العام للمكتب االستشاري ‪ :‬أسمحي لي ان أهنئك‬
‫بنفسي وأقسم لك أنك بالفعل أثبتي أنك امرأة بمئة رجل في قوة‬
‫اإلرادة والعزيمة والشجاعة وأتمنى لكي كل النجاح والتوفيق من‬
‫كل قلبي سيدتي‪..‬‬
‫ونظرت هي إلى البعيد وابتسمت بكل فخر واعتزاز‪ .‬وبيد مسحت‬
‫دمعة فرح‪.‬‬
‫امرأة بمئة رجل نعم سيدي صدقت القول فعال‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫(‪ )92‬الفصل الخامس ‪ -‬حفل االفتتاح‬
‫وصلت إصرار إلى مدينة دبي صباح يوم األربعاء‪ ،‬وذهبت‬
‫مباشرة إلى الفندق الذي ستقيم فيه ووضعت حقائبها‪.‬‬
‫ثم اتصلت بمدير المكتب االستشاري المشرف على إقامة‬
‫مشروعها الخاص بافتتاح أكبر مركز وسبا للتجميل على شاطئ‬
‫الجميرا‪ ،‬حيث المنطقة الجميلة واجهة غالب السياح من عرب‬
‫وأجانب‪ ،‬وبحيث يطل المركز على الشاطئ مباشرة من جميع‬
‫واجهاته‪..‬‬
‫وحتى يعطي جوا من الجمال‪ ،‬مع رؤية البحر الممتد بلونه‬
‫األزرق الصافي والمريح للعين‪.‬‬
‫فتتمتع جميع القاصدات والزائرات للمركز بجو خاص بديع في‬
‫كل النواحي‪.‬‬
‫ووصلت إصرار إلى مكان المركز حيث كان العمل في اللمسات‬
‫النهائية للديكورات على قدم وساق‪.‬‬
‫ووصلت باقات الورود المختلفة‪ ،‬وقامت إصرار بتوجيه العامالت‬
‫إلى األماكن التي ستوضع به‪.‬‬
‫ثم دخلت إلى غرفة‪ ،‬غرفة وصالة‪ ،‬صالة‪ ،‬وهي تستمتع للمهندس‬
‫المختص بالديكور بكل اهتمام وهنئته على حسن اختياره وذوقه‬
‫الرائع‪.‬‬
‫بحيث مزج ما بين ما رسمته هي له على الورق وما بين خياله‬
‫المبدع وتصميمه المبهر للعين‪ .‬والمريح للنفس‪.‬‬
‫بالفعل شعرت أنها بمكان تستطيع فيه أن تستلقي بكل أمان وراحة‬
‫وتدع البقية للمتخصصات في مجال التجميل والعناية بالبشرة‪.‬‬
‫وكذلك المساج الخاص لراحة الجسم‪،‬والحمامات التي تهتم بأعاده‬
‫نعومة البشرة‪ ،‬وكل ما يتعلق بالنضارة والتألق التي حرصت منذ‬
‫‪136‬‬
‫البداية أن تكون هدفا للمركز‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫(‪)93‬‬
‫وراجعت معهم جميعا بطاقات الدعوة‪،‬واألماكن التي سيجلس بها‬
‫كبار الزوار وكذلك أماكن تواجد الصحفيين واإلعالميين الذين‬
‫دعتهم إصرار رسميا لحضور حفل االفتتاح بالغد‬
‫وعادت إلى غرفتها بالفندق واستلقت بفراشها بعد طول متعب‬
‫ولكن التعب اللذيذ ألن له طعم جميل يدعى التحدي والتوفيق‬
‫والنجاح بإذن هللا‪ .‬ثم خلدت إلى النوم‪.‬‬
‫وفي صباح اليوم التالي تناولت فطورها على عجلة ثم توجهت‬
‫بسرعه إلى المركز حيث سيكون حفل االفتتاح حوالي الساعة‬
‫الثانية عشر ظهرا‪.‬‬
‫ووصلت قبل الموعد بكثير وكان مدير المكتب االستشاري في‬
‫استقبالها داعيا لها بالتوفيق والنجاح قائال لها ‪ :‬أنها تستحق كل‬
‫خير آلنها بالفعل تعبت واجتهدت حتى تصل إلى هذه اللحظة‬
‫المهمة انطالق فرع لمركزها من مدينة دبي والتي تعتبر المدينة‬
‫التي يحلم الجميع بها وبالتواجد بها سواء على الصعيد الشخصي‬
‫أو العملي فهي مصدر جذب لجميع الطبقات‪.‬‬
‫وفي تمام الساعة الثانية عشر ظهرا بالدقيقة بدأ االحتفال بحضور‬
‫جميع من وجهت إليهم بطاقات الدعوة مما أثلج صدرها‪.‬‬
‫وبدأ الحفل المنظم على كافة األصعدة بتالوة عطرة من القرآن‬
‫الكريم‪ .‬ثم كلمة مدير المكتب االستشاري مقدما وعرفا عن‬
‫إصرار وطلب منها أن تلقي كلمتها أمام الجميع حيث قوبلت‬
‫بعاصفة من التصفيق المستمر حتى كادت أن تنهمر دموعها‬
‫ولكنها تبسمت من قلبها ابتسامة جميلة وهي تقترب من‬
‫الميكرفون وتنفست بكل هدوء‪ ،‬ثم ألقت كلمتها شاكرة جميع من‬

‫‪138‬‬
‫حضر وجميع من ألتف حولها ووضع يده بيدها ودعمها سواء‬
‫كان على الصعيد المعنوي أو المادي‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫(‪)94‬‬
‫وجميع من شجعها على االستمرار بفكرتها تلك‪ ،‬وبينما هي‬
‫تتحدث نظرت بين الحضور وجدت طليقها يقف بينهم مبتسما‬
‫رافعا بيديه أشاره النصر وهو يشير لها أن أستمري‪.‬‬
‫هنا شعرت إصرار بالسعادة لوجوده فقد كان وجوده مختلفا عن‬
‫الجميع‪.‬‬
‫لقد أرسلت إليه دعوة شخصية‪ ،‬ولكنها لم تكن تعتقد للحظة بأنه‬
‫سيحضر أو حتى يهتم‪.‬‬
‫ولكن حضوره األن جعل له شيئا خاصا جعلها تشعر أنها تحلق‬
‫بين النجوم من فرحتها‪.‬‬
‫فهو عشرة عمر وصديق الطفولة وأب أبنتها وحبها له لم يقل‬
‫رغم مرور السنين‪.‬‬
‫فقد تحول إلى احترام ومودة وصداقة‪.‬‬
‫وتبسمت له بكل سعادة كاألطفال واستمرت في إلقاء خطابها ذاك‬
‫وحين انتهت سمعت دوي التصفيق يعلو عاليا جدا حتى قام‬
‫الجميع من أماكنهم وجاءوا إليها مهنئين مباركين متمنين لها‬
‫النجاح والتوفيق‪.‬‬
‫وكذلك قامت مراسله من التلفزيون المحلي وتلفزيون دبي بإجراء‬
‫مقابله معها عن بداياتها وعن تاريخ حياتها فأجابتهم بكل سعادة‬
‫وسرور‪.‬‬
‫وكذلك مقابلة مع محرر من مجلة معروفة وضع صورتها بحفل‬
‫االفتتاح على الغالف‪ ،‬مع عنوان قصة كفاح من الصفر‪.‬‬
‫وأعجبها كثير العنوان ووافقت عليه‪ ،‬فهي بالفعل بدأت من الصفر‬
‫ولكن بفضل من هللا ثم عزيمتها وإرادتها وإصرارها على‬

‫‪140‬‬
‫الوصول إلى القمة‪ ،‬هي كل العوامل التي أدت إلى ماهي عليه‬
‫األن الحمد هلل‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫(‪)95‬‬
‫وقامت إصرار بتوزيع بطاقات تخفيض للزائرات كذلك التمتع‬
‫مجانا بالخدمات حينما تكون أكثر من خدمة واحدة‪.‬‬
‫وتجولت في جميع أرجاء المركز ووجدت العمل كخلية نحل‪.‬‬
‫فحمدت هللا سبحانه وتعالى على نعمته وفضله‪.‬‬
‫ثم جلست بالمقهى الصغير التي أقامته داخل المركز‪،‬ويطل‬
‫مباشرة وبدون حواجز على البحر بحيث تستمتع الزائرة للمركز‬
‫أو خارجه بتناول مشروبها المفضل من القهوة وكذلك توفر‬
‫الوجبات الخفيفة لألقطار أو الغذاء والعشاء‪.‬‬
‫ونظرت حولها بسعادة غامرة فالمقهى كان ممتلئا بالزائرات‬
‫والمكان تسوده روح الجمال والنظافة والترتيب‪.‬‬
‫كما حرصت على وضع لوحات فنية توحي بجو من الهدوء‬
‫والخصوصية ووفرت في ركن من المقهى مكتبة صغيرة لمن‬
‫يحب القراءة واالطالع حتى يجتمع حب القهوة مع حب الكتاب‬
‫فكالهما يداعب العقل والتفكير تذوق النكهة وفي نفس الوقت‬
‫تذوق األفكار وعبير الكلمات‪.‬‬
‫تبسمت إصرار فما اجمل أن تحقق حلمك حتى وإن كان صعبا‬
‫حتى وإن ذقت طعم الفشل مرة ومرات فالنجاح بعدهم له طعما ال‬
‫يقارن وحين تلمس الواقع وترى حلمك أمامك حينها تشعر بالفخر‬
‫واالعتزاز بنفسك‪.‬‬
‫رددت قائلة الحمد هلل وعادت إلى المركز لترى الزائرات له‬
‫وترحب بهن بنفسها‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫(‪ )96‬مسألة ثقة‬
‫عادت إصرار إلى منزلها باكرا على غير العادة‪ ،‬فقد شعرت‬
‫بالتعب وصداع لم يفيد معه المسكن‪.‬‬
‫فاعتذرت عن إكمال بقية اليوم بالمركز واتصلت بالسائق ليعيدها‬
‫حتى تأخذ قسطا من الراحة حتى صباح اليوم التالي‪.‬‬
‫وما كادت تدخل منزلها وتأخذ حماما دافئا واستلقت في مقعدها‬
‫المفضل بجوار البلكون المطل على حديقة منزلها وبدأت بتناول‬
‫كوب من القهوة‪ ،‬حتى سمعت جرس باب المنزل يعلو‪ .‬فتسألت‬
‫من الذي يأتي في مثل هذا الوقت‪ ،‬ومن غير اتصال مسبق‪ ،‬البد‬
‫أن األمر ضروري‪.‬‬
‫وسمعت طرقا على باب غرفتها‪.‬‬
‫ثم أطلت ليندا العاملة المنزلية لديها منذ عشر سنوات وهي تبتسم‬
‫في خجل قائلة لها ‪ :‬مدام أسفة على أزعجاك ولكن جارتنا أم‬
‫عبدهللا تريدك في موضوع ضروري ال يحتمل التأجيل‪.‬‬
‫رددت إصرار في نفسها كلمة ‪ :‬اللهم أجعله خير‪ .‬وقالت لليندا‬
‫أبلغيها أنني قادمة فورا فقط سأبدل مالبسي‪.‬‬
‫وخالل خمس دقائق فقط اتجهت إصرار إلى غرفة الضيوف لتجد‬
‫أم عبدهللا تجلس هناك وجهها متعب مجهد والقلق يبدو على‬
‫محياها‪.‬‬
‫فاحتضنتها وقبلتها ثم أشارت لها بالجلوس وسألتها عن حالها‬
‫وحال زوجها وأوالدها وبناتها‪ .‬ثم سكتت في انتظار ما ستقوله‪.‬‬
‫ونظرت إليها أم عبدهللا وقالت ‪ :‬أسفة جدا أختي أم زينة على‬
‫قدومي في مثل هذا الوقت ولكنني رأيتك تدخلين المنزل قبل‬
‫نصف ساعه وأنا يعلم هللا حالتي والقلق والتوتر الذي أعيشه طيلة‬
‫اليوم ‪ ,‬ولم أجد بعد هللا أحد أستشيره وأستعين به غيرك أختي‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫(‪)97‬‬
‫تبسمت إصرار بهدوء ثم قالت لها ‪ :‬كلي أذان صاغية وتأكدي‬
‫أنني تحت أمرك فيما أستطيعه‪ ،‬فقط اهدأي وتناولي كوب‬
‫العصير البارد ثم خذي راحتك بالحديث ولن أقاطعك حتى تنتهي‬
‫تماما‪ .‬أهال وسهال بكي أختي أم عبدهللا عزيزة وغالية وهللا ولن‬
‫أرد لكي أي طلب‪.‬‬
‫تنهدت أم عبدهللا ثم قالت لها ‪ :‬سأحكي لكي كل شيء وأنت لكي‬
‫القرار‪ .‬تعلمين كيف يفكر أبو عبدهللا وكيف خوفه على بناتنا‬
‫الثالثة مريم شيماء ومنيرة‪ ،‬لو كان األمر بيده لما جعلهن يتممن‬
‫دراسة بعد االبتدائي وأكتفي بجلوسهن بالبيت وتزوجيهن ألول‬
‫عريس يتقدم لهن‪ ،‬ولكنني أخالفه الرأي تماما وأرى أن تعليم‬
‫الفتاة شيء إلزامي لتكوين شخصيتها وصنع أم مستقبل واعية‬
‫فاهمة تستطيع تربية أبناءها ومساعدة زوجها في ظروف الحياة‬
‫الصعبة‪.‬‬
‫والحمد هلل تخرجت أبنتي مريم حفظها هللا من الجامعة العام‬
‫الماضي من كلية اآلداب قسم لغة اإلنجليزية وانتظرت أن تأتيها‬
‫الوظيفة الحكومية لتعمل بشهادتها التي تعبت واجتهدت فيها‪.‬‬
‫ولكن التعيين تأخر كثيرا‪ ،‬فتقدمت إلى القطاع الخاص وخاصة‬
‫البنوك لما فيها من رواتب ممتازة وبدالت جيدة وكذلك يقومون‬
‫بأعطانها دورات لتكتسب خبرة تمكنها من العمل بالبنوك‪.‬‬
‫والحمد هلل منذ أسبوع قبلت في البنك المعروف في المدينة‪،‬فقط‬
‫يجب أن تذهب إلى الفرع الرئيسي للرجال حيث يقوم المدير العام‬
‫بعمل مقابلة شخصية لها ثم بعدها تستلم وظيفتها مباشرة‪.‬‬
‫هنا يا أم زينة جن جنون زوجي أبو عبدهللا وقلب البيت رأسا‬
‫على عقب وكاد أن يكسر رأس مريم وعال صوته بالبيت وهو‬
‫يؤنبني ويقول لي أنت السبب أنت التي أصريت على إكمال‬
‫‪144‬‬
‫تعليمها وهذي هي النتيجة‪ ،‬البنت تريد أن تعصى أوامري وتخرج‬
‫عن طوعي وتعمل في وسط الرجال‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫(‪)98‬‬
‫وهذا الكالم يا أم زينة غير صحيح إطالقا وإال لما وافقت عليه‬
‫فأنا أخاف على مريم من الهواء ولكن البد من أجراء المقابلة‬
‫الشخصية حتى تتم جميع اإلجراءات الرسمية لتعينيها‪!.‬‬
‫ردت عليها إصرار ‪ :‬أهدئي أم عبدهللا لكل عقدة حل بأذن هللا‬
‫فكري بهدوء كيف تكسبين أبو عبدهللا إلى صفك وتنالين رضاه‬
‫وموافقته‪ .‬لن يتم أي شيء اال بموافقته أرى الموضوع صعب‬
‫دون موافقته‪ ،‬فهي أبنته أيضا ويهمه سالمتها‪ ،‬رغم انني أرى أن‬
‫الموضوع ال يستحق كل هذا االنفعال‪ .‬يستطيع الذهاب معها حتى‬
‫يطمئن قلبه عزيزتي‪.‬‬
‫أجابتها أم عبدهللا هو األن مصمم على رأيه ولكنه قال لي أنه‬
‫سيوافق فقط بشرط واحد‪.‬‬
‫قلت له ما هو ‪ :‬قال أن تذهب أم زينة مع أبنتي آلني سأكون‬
‫خارج المدينة في عمل وسترافقينني هناك لمدة أسبوع فمن‬
‫سيكون بجوار مريم؟ من سيكون عيننا التي ترعاها وتحرص‬
‫عليها غير جارتنا أم زينة ‪ ,‬هذي المرأة المكافحة الخلوقة هي‬
‫فقط من أثق بها وبحكمها ولن أقبل بأي أحد أخر حتى أخواتها أو‬
‫أخواتك‪.‬‬
‫إن وافقت سأدع مريم تذهب وإن ال فلن تذهب للمقابلة مهما قلتم‬
‫أو فعلتم‪!.‬‬
‫وها أنا أتي إليك راجية كأخت وجارة لم نرى منها إال كل خير‬
‫وطيب‪ ،‬أن تقبلي بطلبنا نكون لكي شاكرين جدا أختي‪.‬‬
‫نظرت إصرار إلى أم عبدهللا ولم تعرف ماذا تقول لها‪ ،‬فقد‬
‫فجاءها حديثها ذلك‪ ،‬وشعرت بنوع من الفخر واالعتزاز أن يكون‬
‫رأي جارتها وزوجها فيها بشكل الرائع الذي أثلج صدرها تماما‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫(‪)99‬‬
‫فهم جيرانها منذ كانت زينة طفلة صغيرة وكانوا يدللونها‬
‫ويهدونها المالبس الجديدة واأللعاب وكأنها أبنتهم‪ ،‬وكلما كان‬
‫بناتهن في الحديقة يلعبن نادين على زينة لتنضم إليهن‪.‬‬
‫كانوا نعم الجيران ونعم األهل أيضا فكم لهم من المواقف الجميلة‬
‫التي ال تنسى وخاصة عقب طالقها من والد زينة‪ .‬كانت لها ام‬
‫عبدهللا أخت حنونة تسأل عنها وتزورها وتراعيها‪.‬‬
‫نظرت إصرار إلى ام عبدهللا وردت قائلة‪ :‬غالي والطلب رخيص‬
‫أم عبدهللا سأذهب مع أبنتي مريم بكل سرور وهذا شيء قليل في‬
‫حقكم وحق جيرتكم الطيبة‪ ،‬وأنا سعيدة جدا وفخورة بثقتك الغالية‬
‫وثقة أخي أبو عبدهللا بارك هللا فيه‪ .‬متى تريديني أذهب معها فقط‬
‫حددي الموعد وسأرافقها بسيارتي يدي بيدها وأعيدها إلى البيت‬
‫يدي بيدها أيضا‪ ،‬فال تشغلي بالك وال تقلقي تأكدي أن أبنتك مثل‬
‫أبنتي تماما يعني هي أمانة عندي أم عبدهللا‪.‬‬
‫هنا قامت أم عبدهللا واحتضنتها بقوة قائلة والنعم فيك أم زينة‬
‫والنعم فيك‪ .‬أخت غالية وأم حنونة بارك هللا فيكي‪ ،‬إذا غدا الساعة‬
‫العاشرة صباحا موعدكما والمقابلة حوالي ساعة فقط‪ .‬ثم يكتب هللا‬
‫لها الخير وسأنتظر منك البشارة حبيبتي‪..‬‬
‫تبسمت إصرار من كل قلبها وقالت نعم حبيبتي هي مسألة ثقة‬
‫أعتز بها وهي وسام على صدري منحتموه لي بثقتكم بي‪ .‬وأن‬
‫شاء هللا سأكون عند حسن ظنكم وثقتكم الغالية‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫(‪ )100‬فارس األحالم‬
‫ذهبت إصرار إلى البنك حوالي الساعة العاشرة صباحا لتودع‬
‫مبلغا من المال في حسابها الجاري‪ ،‬وتطلب من خدمة العمالء‬
‫إصدار دفتر شيكات جديد‪ ،‬فقد أنتهى دفتر شيكاتها القديم‪.‬‬
‫ووصلت إلى البنك في موعدها وانتهت من جميع معامالتها‬
‫واتجهت إلى سيارتها‪ ،‬وما كادت أن تجلس في مقعدها حتى‬
‫سمعت صرير فرامل قوي ثم خبطة قوية من خلف سيارتها‪ ،‬مما‬
‫أصابها بالفزع والخوف وارتجفت أطرافها‪ ،‬ونزل السائق ليرى‬
‫ما أصاب السيارة وليطمئن عليها‪ ،‬فأبلغته أنها بخير وطلبت منه‬
‫التأكد من السيارة راجية إال تكون قد تأثرت من الصدمة‪ ،‬وهبط‬
‫من السيارة المتسببة في الحادث رجل في منتصف العمر يبدو‬
‫عليه األناقة والوسامة‪ ،‬أبيض البشرة ذو لحية خفيفة‪ ،‬ووقف مع‬
‫السائق وتجاذب معه أطراف الحديث وهي تراقبهم من بعيد‪ ،‬ال‬
‫تسمع ما يقولونه‪.‬‬
‫أدارت رأسها سريعا حينما وجدت أنهم يقتربون منها‪ ،‬ال تعلم‬
‫سبب تسارع ضربات قلبها‪ ،‬وال سبب ارتباكها‪.‬‬
‫حتى أقترب من النافذة الني كانت تجلس بجوارها وطرق بيده‬
‫على الزجاج‪ ،‬وبكل هدوء أنزلت الزجاج‪.‬‬
‫قال لها مباشرة ‪ :‬أسف جدا جدا سيدتي‪ ،‬لقد كان الحادث غلطتي‬
‫أنا فقد شردت قليال مما أدى إلى غفلتي عن رؤية سيارتك وهي‬
‫تغادر المكان‪ ،‬واحمد هللا على أنها كانت صدمة خفيفة‪ ،‬وإال لما‬
‫كنت سامحت نفسي أبدا‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫(‪)101‬‬
‫تفضلي هذه بطاقتي الشخصية وأرقام الهواتف الخاصة بي‪،‬‬
‫قدري كم ستحتاج سيارتك إلى تصليح وأنا تحت امرك في أي‬
‫مبلغ تضعينه‪.‬‬
‫ونظرت حينها إليه مباشرة وتالقت عينهما وغاص صوتها فلم‬
‫تستطيع أن تجيب عليه بأي كلمة‪.‬‬
‫أما هو فقد جمدت نظراته وتلعثم في الكالم‪ ،‬لم يعلم لماذا‪.‬؟‪.‬‬
‫قالت له بصوت حاولت أن يكون هادئا جدا وال يبدي الحيرة التي‬
‫تشعر بها‬
‫ال داعي سيدي لتعبك فالسيارة مؤمن عليها‪ ،‬والصدمة كما أبلغني‬
‫السائق خفيفة لن تكلف ذاك الشيء كما فهمت‪ ،‬فال تتعب نفسك‪،‬‬
‫سأتكفل أنا بتصليحها شكرا لك‪ ،‬ال تهتم فضال‪ ،‬يكفي الخوف الذي‬
‫شعرت به‪ ،‬هذا ال يقدر بأي ثمن‪.‬‬
‫نظر إليها طويال‪ ،‬كأنه يتأملها بدقة‪ ،‬كأنه يعرفها من قبل‪ ،‬تأمل‬
‫عينيها‪ ،‬وجهها‪ ،‬ثم أستدار سريعا بعينيه بعيدا‪ ،‬فقد شعر بإحساس‬
‫غريب‪ ،‬ال يدري ما هو‪ ،‬أحساس فقده من زمن طويل جدا‪.‬‬
‫قال لها وهو يحاول أن يسيطر على نبرات صوته ثابتة‪ :‬رجاء‪،‬‬
‫حتى ولو كان مبلغا بسيطا‪ ،‬فهو خطأي أنا وأنا البد أن أتحمله‬
‫أرجوك ال تخالفيني‪ ،‬فقط قدروا قيمة األضرار التي أصابت‬
‫سيارتك واتصلوا بي‪.‬‬
‫في أمان هللا‪ .‬وذهب مسرعا إلى سيارته وهو يسأل نفسه‪ :‬لماذا‬
‫يشعر باضطراب في نبضات قلبه‪.‬؟ لماذا أحس بأن تلك المرأة‬
‫التي لم يرها من قبل قريبة منه‪.‬؟ ما هذا الشعور الذي يعتريه‬
‫األن‪.‬؟‬

‫‪149‬‬
‫بل ما الذي يجذبه إليها‪.‬؟ هل هو نبرة صوتها وتلك البحة التي‬
‫تعتريه فتزيدها جاذبية‪ ،‬أما ما شعر به من دفء وحنان صوتها‪،‬‬
‫مما جعله يود فقط أن يغمض عينيه ويستمع إلى صوتها أكثر‪،‬‬
‫إلى البحة الجميلة التي تميزها‪ ،‬بحة زلزلت كيانه‪!!.‬‬

‫‪150‬‬
‫(‪)102‬‬
‫لماذا األن‪.‬؟ مضت أعوام عديدة منذ وفاة زوجته‪ ،‬وزواج أبنه‬
‫وشعر أن قلبه بعد ذلك أغلق أبوابه وأستسلم لمرور العمر‬
‫والوقت البطيء الممل‪.‬‬
‫لم يكن يتوقع أبدا أن قلبه المهجور ذاك مازال يملك حرية النبض‬
‫واإلحساس‪!.‬‬
‫أما إصرار فقد جمدت في مكانها بمقعدها بالسيارة‪ ،‬كان السائق‬
‫يتحدث إليها ليبلغها بأنه سيوصلها إلى مقر عملها‪ ،‬سيأخذ السيارة‬
‫إلى الورشة‪ ،‬ثم يتصل بها ليبلغها عما سيقولونه عن تكلفة‬
‫إصالحها‪.‬‬
‫فكانت تهز رأسها موافقة وهي ال تكاد تسمع كلمة مما يقول‪ ،‬كان‬
‫عقلها وتفكيرها معه هناك‪.‬‬
‫من هو هذا الرجل الذي أستطاع تحريك قلبها الساكن خلف قلعة‬
‫موصده منذ أعوام مضت ال تستطيع عدها‪.‬هل هو الذي كانت في‬
‫انتظاره طويال‪.‬؟ معقول األن بعد أن اقتربت من أن تصبح جدة‬
‫تعود ثانية للمشاعر تلك‪.‬؟ كيف ذلك وهزت رأسها في حركة‬
‫رفض قوية‪.‬‬
‫ثم ابتسمت في حياء وهي تنظر من حولها خجال أن يكون أحد‬
‫من حولها الحظ تلون وجهها‪.‬‬
‫ونظرت إلى بطاقته الشخصية حيث ذكر أن أسمه كان فارس‬
‫الحمد‪ ،‬مدير عام شركة الفارس للسيارات والمعدات المحدودة‪.‬‬
‫وتبسمت في سعادة لم تعرف لها سببا وقالت لنفسها‪ :‬حتى أسمه له‬
‫نغمة جميلة قريبة من القلب‪ !.‬فارس‪.‬‬
‫وعادت إلى منزلها بعد انتهاء دوامها مع صديقتها ألن السيارة‬
‫كانت التزال في الورشة للتصليح‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫(‪)103‬‬
‫وأتصل بها سائقها ليبلغها أن مبلغ التصليح سيكلفها حوالي ألف‬
‫وخمسمائة‪،‬واحتمال أن يصل إلى ثالثة األف آلن المصباح‬
‫الخلفي ال يجدون له بديال بالوكالة وتحتاج إلى شراءه من خارج‬
‫الوكالة وشركة التأمين ال تغطي تلك التكاليف‪.‬‬
‫ال تعلم لماذا شعرت بالفرحة‪ ،‬تصليح سيارتها سيكلفها أغلى مما‬
‫توقعته ! هي األن حجتها لالتصال به‪،‬ولكنها أبلغته بأنه مبلغ‬
‫بسيط ! واألن ماذا سيقول عنها‪.‬؟‬
‫وظلت تنظر إلى هاتفها وهي تقربه منها ثم تبعده عنها‪ ،‬ثم وجدت‬
‫نفسها تستمع هادئ كأنه معزوفة مريحة يقول‪ :‬ألو‪!..‬‬
‫صمتت طويال وقالت بحياء ‪ :‬ألو‪ .‬قال لها مباشرة ‪ :‬أهال بك‬
‫سيدتي‪!.‬‬
‫طمئنيني عليك‪ !.‬أرجو أال أكون قد تسببت لك بأي إزعاج‪.‬؟‪.‬‬
‫أجابته متعجبة‪ :‬كيف تعرفت على صوتي‪.‬؟‬
‫قال لها ‪ :‬من نبرة صوتك‪ ،‬هل تعلمين أن لك صوتا مميزا‬
‫أستطيع تميزه من بين العديد من األصوات رغم أنني سمعته مرة‬
‫واحدة إال أنه مثل البصمة تركت أثرها في نفسي‪!.‬‬
‫ودار بينهما حديث طويال في كل شيء وأي شيء إال حديث‬
‫تصليح السيارة‪.‬‬
‫تحدثا لمدة طالت ولم يشعرا بمرور الوقت‪.‬‬
‫شعرا سويا بأن هناك شيء ما يجمعهما سويا ويشدهما كل منهما‬
‫لألخر‪ ،‬شيء لم يفهما ما هو بالضبط‪ ،‬ولم يهتما بعدها بأن يفهما‬
‫ما يحدث معهما‪.‬‬
‫بل يريدا أن يستمتعا لذلك الدفء المنبعث من راحة صوتيهما كل‬
‫منهما إلى األخر‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم كان اتصاله بها كل صباح ليسمع صوتها ويتمنى‬
‫لها يوما سعيدا‪ ،‬ثم مساءا ليتمنى لها نوما هانئا‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫(‪)104‬‬
‫ويطول الحديث بينهما وتطرقا إلى كل ما يخصهما هما األثنين‬
‫ظروفهما العائلية‪ ،‬ترملهما وفقدانهما لشريك الحياة‪ ،‬معاناتهما في‬
‫تربية أبنائهما‪.‬‬
‫وزاد تقاربهما سويا وأعجابهما كل منهما باألخر وخاصة تشابه‬
‫ظروفهما معا‪.‬‬
‫وشعرا بأن قلبيهما عاد ينبض بالحب من جديد وهو شيء لم‬
‫يحسبا له حسابا خاصة في مثل عمرهما ذاك‪.‬‬
‫وفي يوم أتصل بها قبل أن تخلد للنوم وكان واضح عليه أنه يريد‬
‫أن يفاتحها في موضوع ما‪ .‬ألنه كان يصمت ثم يعود يتحدث‬
‫ويبلغها أن هناك أمر يشغله كثيرا وال يعرف كيف يبدأ به وكيف‬
‫يصارحها‪.‬‬
‫أصابها التوتر والقلق وقالت له متسائلة‪ :‬أرجوك ما بك‪.‬؟ لم أعهد‬
‫نبرة صوتك مترددة وقلقه هل هناك أمر ما يزعجك‪.‬؟ أرجوك‬
‫صارحني‪.‬؟‬
‫فقال لها‪ :‬ال تقلقي ولكنني أفكر كثيرا منذ أن بدأنا التحدث‬
‫معا‪،‬أفكر صراحة بالزواج‪.‬‬
‫قالت ونبضات قلبها تكاد نقفز من صدرها تريد أن تتزوج األن‬
‫من من‪..‬؟ هل لديك أحد معين في بالك‪.‬؟ صارحني‪.‬؟ من هي تلك‬
‫التي شغلت بالك هكذا فجأة‪.‬؟‬
‫وغاص صوتها حزنا‪ ،‬فضحك من قلبه وأجابها ‪ :‬تغارين‪.‬؟‬
‫فأجابته ‪ :‬ال ولما أغار ولكنك فاجأتني بكالمك هذا‪ !.‬من هي‬
‫سعيدة الحظ التي غيرت موقفك من الزواج فقد كنت طيلة هذه‬
‫المدة بعد وفاة زوجتك رحمها هللا ترفض مجرد التفكير فيه‪.‬؟‬

‫‪154‬‬
‫وعاد فارس للضحك من جديد قال لها ‪ :‬أتريدين أن تعرفي من‬
‫هي سعيدة الحظ؟ بل وهللا أنني أنا هو سعيد الحظ لمعرفتها وحبها‬
‫الذي غير من حياتي بعد كل هذه السنين‪ ،‬أنظري إلى المرآة‬
‫إصرار فستعرفين من هي‪.‬؟‬

‫‪155‬‬
‫(‪)105‬‬
‫أنها سحرتني منذ أن ألتقت عيني بعينيها‪ ،‬لم أستطيع أن أبتعد‬
‫عنها‪.‬‬
‫شعرت منذ ذلك الحين أنني وبعد كل هذه السنين أنني أعود لتلك‬
‫المشاعر التي اعتقدت أنها رحلت مع رحيل زوجتي رحمها هللا‪.‬‬
‫عيناك سيدتي بحر غرقت فيه تتالطم فيه أمواج الحياة وتشدني‬
‫إليها بكل قوة فلم أستطيع إال االستسالم لها‪ .‬عدت للحياة ثانية‬
‫إصرار وأعادتني عيناك تلك‪.‬‬
‫هل تقبلين بي زوجا لك‪.‬؟‬
‫أريدك لي زوجة وحبيبة وتؤام الروح التي معها أجد نفسي‬
‫وقلبي‪ ،‬أريدك كلك كما أنت بحنانك بجنونك وبعصبتيك المثيرة‬
‫وعنادك الجذاب‪ ،‬بصوتك المغري‪ ،‬وبحة صوتك التي تسافر بي‬
‫إلى عالم بعيد‪.‬‬
‫أحبك جدا وكأنني لم أعرف الحب من قبل‪ ،‬احبك ألنك حب‬
‫عمري الذي طالما حلمت به‪.‬‬
‫أحبك فال تحرمينني منك إصرار‪ ،‬أريدك بالحالل وأمام العالم كله‬
‫ولي الشرف أن تكونين زوجتي‪.‬‬
‫صمتت إصرار ولم تعرف ماذا تقول وماذا تجيبه‪!.‬‬
‫هل تقول له أنها في غاية السعادة ألنه حلم عمرها وحب حياتها‬
‫الذي كانت تبحث عنه كثيرا‪.‬‬
‫أتقول له نعم وتضع يدها في يده وتعوض حرمان الليالي الطويلة‬
‫التي عانت فيها من الوحدة‪.‬‬
‫ماذا عن الناس وكالمهم عنها‪.‬؟ ماذا عن أبنتها زينة‪.‬؟ ماهي ردة‬
‫فعلها حينما تبلغها بذلك‪.‬؟ ماذا سيكون رأيها‪.‬؟ هل ستوافق‪.‬؟ أم‬
‫تعارض‪.‬؟‬
‫‪156‬‬
‫والعالم من حولها أهل زوجها أهلها‪.‬؟ ما الذي سيفكرون به‬
‫ويقولونه عنها‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫(‪)106‬‬
‫هل على استعداد لمواجهتهم ومواجهة سخريتهم وتهكمهم عليها‪,‬‬
‫ونظرة االستخفاف التي سترتسم على وجوههم‪!.‬‬
‫وتخيلت حديثهم الساخر عنها ‪ :‬تتزوج في مثل هذا العمر‪.‬؟ وقد‬
‫أصبحت جدة ولها حفيدة‪ !!.‬أكيد جنت وتظن نفسها ما تزال شابة‬
‫تريد الزواج‪ .‬عيب عيب‪.‬‬
‫كيف ستواجه كل ذلك كيف‪..‬؟‬
‫وجاء صوت فارس ليعيدها إلى الواقع وسمعته يسألها في قلق ‪:‬‬
‫إصرار حبيبتي ماذا بك؟ لماذا ال تجبينني ؟‬
‫لم تعرف حقا بماذا سترد عليه‪ ،‬ضاع الكالم منها وهي تتخيل ردة‬
‫فعل زينة‪...‬‬

‫‪158‬‬
‫(‪ )107‬عندما تغضب زينة‬
‫أتصلت إصرار بابنتها زينة وطلبت منها الحضور في مساء ذلك‬
‫اليوم لمناقشة أمر هام معها‪.‬‬
‫تعجبت زينة من طلب والدتها وتسألت ‪ :‬أال تستطيعين قول ما‬
‫تريدينه يا أمي األن؟ فأنا جد مشغولة مع زوجي ‪ ,‬سيحضر‬
‫أصدقائه على العشاء‪ ،‬أو أخري الموعد إلى نهاية األسبوع لربما‬
‫أستطيع التفرغ لك‪!.‬‬
‫وتنهدت إصرار من كل قلبها وردت قائلة لها ‪ ( :‬لربما )‬
‫ستتفرغين لي !‬
‫زينة أتعلمين كم مضى عليك لم تقومين بزيارتي؟ أم هل تدركين‬
‫منذ كم يوم لم تتصلين بي للسؤال عني‪.‬؟‬
‫أذا أنا لم أسأل عنك ال تسألين انت‪ !.‬إن لم أقم باالتصال بك ال‬
‫تتصلين‪!.‬‬
‫إن لم أمر على بيتك ال راك فال تفكرين حتى بالمرور وزيارتي‪!.‬‬
‫أنا أمك يا زينة‪ ،‬أمك هل نسيت كوني أمك‪!.‬؟‬
‫أجابتها زينة ‪ :‬المعذرة يا أمي‪ ،‬أعلم أنني قصرت كثيرا في حقك‪،‬‬
‫ولكنك تعلمين المسؤولية وطفلتي الصغيرة‪ ،‬حفيدتك ال تنام إال‬
‫بمواعيد محددة وإال أستطيع الخروج حتى ال يختلف عليها نظام‬
‫نومها‪ ،‬وأعتقد أنك اكثر من سيتفهمني ويعذرني‪ ،‬فالتقصير من‬
‫جهتي يا أمي ليس متعمدا‪ ،‬أرجوك ال تغضبي مني أرجوك‪.‬‬
‫سكتت إصرار قليال ثم اجابت ابنتها ‪ :‬حسنا سأنتظرك يوم‬
‫الخميس في أي وقت تحبينه وتجدينه مناسبا لكي زينة‪ ،‬ولكن‬
‫أرجوك ال تعتذري وال تأجلي القدوم إلي‪ ،‬فالموضوع ال يحتمل‬
‫التأجيل‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫ووعدتها زينة بالقدوم يوم الخميس الساعة الخامسة مساءا ألنها‬
‫مرتبطة الساعة السابعة بزيارة والدة زوجها للعشاء معها‪ ،‬وال‬
‫تستطيع أن تتأخر عليها حتى ال يغضب منها زوجها وأمه‪.‬‬
‫أنهت إصرار المكالمة وهي تنظر إلى هاتفها باستغراب‪ ،‬ما الذي‬
‫غير زينة‪ ،‬ما الذي حولها من األبنة الشغوفة الودودة الحنونة إلى‬
‫ماهي عليه األن‪.‬‬
‫صحيح أن الدنيا مشاغل وعجلة الحياة سريعة‪ ،‬ولكن ليس على‬
‫األم التي ضحت بكل شيء من أجلك‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫(‪)108‬‬
‫اال أستحق ساعة من وقتك فقط لتريني فيها‪ ،‬اال أستحق خمس‬
‫دقائق فقط مكالمة تخصصينها لي تطمئنين علي بها‪.‬‬
‫وألول مرة تشعر بأن دموعها تنهال وال تستطيع منعها‪.‬‬
‫وصمتت وتداركت الموقف ومسحت دموعها وهي تدعو هللا‬
‫سبحانه بأن ال يؤاخذها وال يغضب عليها‪.‬‬
‫رغم كل شيء أنا أحبها وراضية عنها مهما بدر منها‪ ،‬ورفعت‬
‫إصرار كفيها للسماء تدعو ألبنتها بالهداية والصالح وراحة البال‬
‫والسعادة مع زوجها ومع أبنتها‪.‬‬
‫وآتى يوم الخميس وجاءت زينة في موعدها ودخلت إلى غرفة‬
‫والدتها واحتضنتها وقبلتها قائلة ‪ :‬اشتقت إليك كثيرا أمي‪.‬‬
‫اشتقت إلى البيت وغرفتي وكل شيء فضلت البقاء بال زواج‬
‫حتى ال يشاركك في حبي رجل غريب وحتى ال يحرمني أبوك‬
‫منك‪.‬‬
‫حرصت على تربيتك وحدي وأن أكون بجوارك دائما‪ ،‬ألنك كنتي‬
‫حياتي كلها وأجمل ما حصل لي يا حبيبتي‪.‬‬
‫والحمد هلل استطعت أن أنشأ فتاة رائعة متعلمة مثقفة ومحبوبة من‬
‫الجميع‪ ،‬فتاتي األن أصبحت زوجة وأم مسؤولة عن أسرتها‬
‫الصغيرة والتي ال مكان لي فيها‪ ،‬غير أن ادعمها وأقف بجوارها‬
‫بالنصيحة والمشورة فقط إن احتجتها يا أبنتي‪.‬‬
‫أعيش األن وحيدة‪ ،‬أعانق ذكرياتي‪ ،‬احتضن صورنا معا‪ ،‬أشتاق‬
‫أليامي معك‪ ،‬تمر بي األيام وأنا تحدث فقط إلى نفسي في هذا‬
‫البيت الكبير‪ ،‬فال اجد غير جدران باردة ال ترد علي‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫(‪)109‬‬
‫ال أحد يسمعني سوى ربي‪ .‬وبينما أنا في وحدتي هذه أرسل هللا‬
‫في طريقي رجال حنونا عطوفا وكريما‪ ،‬أستطاع ان يتفهمني‪،‬‬
‫ويتفهم كل ظروفي‪ ،‬آلنه يعيش نفس الظروف وحيدا بعد وفاة‬
‫زوجته رحمها هللا‪ ،‬وزواج ابنه الوحيد وسفره إلى الخارج‪.‬‬
‫جمعتنا ظروفنا‪ ،‬معاناتنا‪ ،‬وحدتنا‪ ،‬حاجتنا لمن يفهمنا‪ ،‬وإلى كل‬
‫منا لألخر‪.‬‬
‫ولقد تقدم إلي طالبا الزواج على سنة هللا ورسوله‪.‬‬
‫ولقد أمهلته مدة حتى أفكر باألمر وأستشيرك أبنتي‪ ،‬فأنا لن أقوم‬
‫بأي خطوة إال بعد موافقتك ورضاك حبيبتي‪.‬‬
‫وسكتت إصرار عن الكالم ونظرت إلى وجه أبنتها الذي كان في‬
‫غاية الشحوب‪ ،‬بل إنها كانت تنظر إليها بعينين متسعتين كأنها ال‬
‫تصدق ما تسمعه من أمها‪.‬‬
‫وأخيرا أجابت والدتها قائلة لها في ذهول‪ :‬أمي تمزحين معي‬
‫صح‪.‬؟ هل ما سمعته األن صحيح‪.‬؟ هل أنتي جادة في كالمك‪.‬؟‬
‫أم هل أنت تعاقبيني لغيابي وتقصيري‪.‬؟‬
‫إن كان هذا ما تلمحين له اليوم سأكلم زوجي باالنتقال والسكن‬
‫معك‪!.‬‬
‫إن كانت تلك رغبتك لفتح عيني وتنبيهي بتقصيري‪ ،‬فأنا أسفة يا‬
‫أمي سأحاول منذ اللحظة أن أخصص كل الوقت لكي‪ ،‬سأترك كل‬
‫شيء من أجلك‪!.‬‬
‫أمي أجبينني هل هذا هو قصدك‪.‬؟ أرجوك أجيبي قولي بأنك‬
‫تمزحين معي رجاء‪ ،‬قولي أي شيء غير الذي سمعته منك األن‪!.‬‬
‫أجابتها إصرار بكل هدوء جاهدة أن تهدأ من انفعال ابنتها ذاك‪:‬‬
‫حبيبتي ما قلته لك هو حقيقة وأمر واقع‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫أعلمي بأنه ال شأن لك فيما أقوله األن‪ ،‬أعلم كل العلم أن من حقك‬
‫الحفاظ على حياتك الزوجية‪ ،‬فقد ربيتك حبيبتي على احترام‬
‫الزوج وأعطاءه كل األولويات‪ ،‬فهو أوال وقبل كل شيء‪ ،‬حتى لو‬
‫كانت أمك التي هي أنا‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫(‪)110‬‬
‫لم تصدق زينة ما سمعته من والدتها ونظرت إليها طويال وأحمر‬
‫وجهها غضبا ثم حملت أبنتها بعيدا عن ذراعي إصرار وقالت لها‬
‫‪ :‬أتريدين أن تعرفي ما رأي‪ ،‬حسنا‪ !.‬هل تعلمين أنك أصبحت‬
‫جدة‪.‬؟ أم غابت عن بالك تلك المعلومة المهمة وسرح خيالك في‬
‫أوهامك بأنك ما زلت شابة تبحث عن الحب والزواج واالستقرار‪.‬‬
‫ماذا أصابك‪.‬؟ تبحثين عن زوج وزواج في مثل عمرك هذا هل‬
‫جننتي‪.‬؟!‬
‫هل أصابتك األنانية وحب الذات لدرجة أنك صرتي تفكرين‬
‫بنفسك فقط ونسيت كل شيء عني أنا‪ ،‬انا أبنتك‪.‬؟!‬
‫ألم تفكري بي ولو قليال؟ بزوجي ماذا سيقول عنك‪.‬؟ ماذا ستقول‬
‫أمه التي طالما تحدثت عنكي وأغضبتني بحديثها‪.‬؟ ماذا سأقول‬
‫لها األن‪.‬؟ بل كيف سأرفع عيني في عينيها بعد األن‪.‬؟‬
‫ماذا سأقول ألهل زوجي جميعا حينما يبدؤون بالكالم عنك‪.‬؟‬
‫زواج يا أمي وفي مثل عمرك وفي مثل وضعك؟ ما الذي‬
‫أصابك؟ ما بك‪.‬؟‬
‫أعدت إلى عمر المراهقة فحسبتي نفسك ما زلت تلك الصغيرة‬
‫التي تحب ويرغب بالزواج منها‪.‬؟‬
‫األن‪ !...‬يا امي ؟ لماذا‪،‬لماذا‪.‬؟‬
‫أتريدين أن تصيبيني بالخيبة أمام الناس‪.‬؟ تريدين أن يأكلوا وجهي‬
‫بالحديث عنك‪.‬؟‬
‫ماذا فعلت لك حتى يكون هذا جزائي يا أمي‪.‬؟ ماذا تريدن يا‬
‫إصرار‪.‬؟‬
‫أنا غير موافقة أبدا‪،‬أبدا‪.!.‬‬

‫‪164‬‬
‫وإن أردت أن تتزوجي رغما عني‪ ،‬فأعلمي أنني لن أدخل بيتا فيه‬
‫رجل غريب‪ ،‬ولن اجعل أبنتي تصافح رجال غريبا عنها‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫(‪)111‬‬
‫هذا رأي ولكل كامل الحرية في االختيار ولكن أنسي تماما أن لك‬
‫ابنة أسمها زينة‪.‬‬
‫وغادرت البيت مسرعة صافقة الباب بقوة من ورائها تاركة أمها‬
‫في حالة من الذهول وعدم التصديق مما سمعته ورأته‪.‬‬
‫أخر شيء كانت تتوقعه منها هو ردة فعلها العنيفة تلك‪ ،‬بل وكل‬
‫تلك األلفاظ التي خرجت من فمها ورفضها حتى الحوار الهادئ‪،‬‬
‫رافضة تماما أن تستمع بصوت العقل ال بصوت العاطفة‪.‬‬
‫وانهارت إصرار وجلست في مكانها وهي تكتم صرخة ألم‬
‫وحسرة وقهر أن يصل بينهما الحال إلى هذه الدرجة‪.‬‬
‫ونظرت إلى الغرفة من حولها ووجدت أن ال تكاد تستقر بها‪،‬‬
‫وشعرت بدوار قوي فأغمضت عينيها وغابت عن الوعي‪.‬؟‬

‫‪166‬‬
‫(‪ )122‬الرجال مواقف ( فارس الموقف‪).‬‬
‫تفاجأت العاملة المنزلية لدى دخولها إلى غرفة المعيشة‪ ،‬بسيدتها‬
‫إصرار وهي غائبة عن الوعي وال تستجيب لندائها‪ ،‬حاولت كل‬
‫جهدها بإيقاظها ولكن دون جدوى‪ ،‬مما أصابها بالرعب والفزع‪،‬‬
‫وظلت تنادي عليها باسمها ‪ :‬مدام إصرار‪ ،‬مدام إصرار‪ .‬ولكن ال‬
‫تجيبني‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫(‪)112‬‬
‫كل هذا جعلها في حالة من الخوف عليها وصارت يديها ترتجفان‬
‫من الخوف‪ ،‬فهي تعتبر إصرار بمثابة والدتها ال ربة عملها‪ ،‬ألن‬
‫إصرار كانت تعاملها كفرد من العائلة‪ ،‬تصاحبها معها في غالب‬
‫األوقات‪.‬وكأنها أبنتها‪ ،‬مما عزز حبها في قلبها‪.‬‬
‫وأخذت هاتف إصرار واتصلت بابنتها زينة ولكنها لم ترد عليها‪،‬‬
‫أعادت االتصال مرات ومرات ولكن ال أحد يجيب عليها‪.‬‬
‫انهارت ولم تعلم كيف تتصرف وفكرت باالتصال بسيارة‬
‫اإلسعاف وهم يعرفون كيف يتعاملون مع حالتها تلك‪ .‬وحينما‬
‫همت باالتصال أذا الهاتف يرن وبسرعة أجابت بصوتها‬
‫المرعوب المرتجف معتقدة أنها زينة أبنة إصرار وصرخت‬
‫بأعلى صوتها ‪ :‬من‪.‬؟‬
‫أجابها صوت رجل ‪ :‬أنا فارس أين السيدة إصرار‪.‬؟‬
‫فصرخت بأعلى صوتها ‪ :‬أرجوك سيدي تعال بسرعة فالسيدة‬
‫إصرار غائبة عن الوعي منذ مدة وال تجيبني‪ .‬أرجوك سيدي‬
‫تعال بأسرع ما يمكن‪!.‬‬
‫ولم تمر سوى عشر دقائق فقط حتى وجدته أمام الباب وركض‬
‫إلى إصرار ووجدها ال تستجيب لندائه عليه‪ ،‬فحملها بين يديه‬
‫كالطفلة ووضعها في المقعد األمامي لسيارته‪, ،‬انطلق مسرعا إلى‬
‫أقرب مستشفى‪.‬‬
‫حيث أدخلها قسم الطوارئ والحاالت العاجلة وكان ينادي بأعلى‬
‫صوته ‪ :‬أرجوكم المساعدة بسرعه أريد طبيبا بالحال‪.!.‬‬
‫وكان صوته يرتجف خوفا ورعبا وهو ينظر إلى وجهها الشاحب‬
‫وقلبه يكاد يخترق صدره‪ ،‬قائال لها ‪ :‬ما الذي جرى لك حبيبتي‬

‫‪168‬‬
‫أجيبن باهلل عليك‪ ،‬أرجوك ردي‪ ،‬ال تتركيني‪ ،‬أبقي من اجلي ومن‬
‫أجلك أرجوك‪.!.‬‬
‫ووضعوها في غرفة الفحص وأنتظر هو خارجا يكاد ينهار من‬
‫خوفه عليها وتمر بباله خياالت واحتماالت تكاد تعصف به‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫(‪)113‬‬
‫ما الذي حدث لها؟‪ ،‬هل سيفقدها كما فقد زوجته من قبل‪.‬‬
‫وانقبض قلبه رعبا‪ ،‬وأستعاذ باهلل من الشيطان الرجيم وردد قائال‬
‫‪ :‬اللهم اشفها وعافها وردها إلي سالمة يا رب‪ ،‬فأنا احبها وأريدها‬
‫في حياتي ألنها أصبحت كل حياتي‪ ،‬يا رب ال تحرمني وجودها‪.‬‬
‫وحارب الدمع في عينيه ونظر ووجد الطبيب المسؤول عن‬
‫إصرار يبحث عنه‬
‫قال له ‪ :‬هل أنت قريبها‪.‬؟‬
‫قال له مباشرة ‪ :‬نعم أنا زوجها‪.‬؟ أرجوك طمئني عليها‪.‬؟ ماذا‬
‫بها‪.‬؟ ما الذي أصابها‪.‬؟‪.‬‬
‫فهدأ الطبيب من روعه وطلب منه الجلوس ليتحدثا سوية‪:‬‬
‫الواضح بأنها تعرضت لصدمة عصبية قوية‪ ،‬لم تتحملها أدت إلى‬
‫إصابتها بانهيار عصبي وأغماء‪ ،‬ولكن أطمئن‪ ،‬سنقوم بإجراء‬
‫كافة الفحوصات لنطمئن عليها أكثر‪.‬‬
‫وال تقلق سنكون حولها حتى تستعيد وعيها‪ ،‬وسنبقيها بالمستشفى‬
‫حتى تستقر حالتها الصحية‪..‬‬
‫تسأل فارس بقلق‪ :‬أرجوك هل حالتها خطرة‪ ،‬أرجوك أرح قلبي و‬
‫ال تخبئ عني شيئا‪..‬‬
‫ضحك الطبيب وأمسك بيد فارس قائال‪ :‬أهدأ‪ ،‬اشرب قليال من‬
‫الماء البارد وال تخاف أرجوك سيدي‪ ،‬فقط نريد أم نطمئن عليها‪،‬‬
‫وأن يعود ضغط الدم إلى معدله الطبيعي‪.‬‬
‫أرتاح األن يا سيدي وأذهب إلى بيتك فهي بين أيدي أمينة ال‬
‫تقلق‪:.‬‬
‫نظر إليه فارس قائال‪ :‬لن أذهب إلى أي مكان‪ ،‬أرجوك أريد البقاء‬
‫إلى جوارها‪!.‬‬
‫‪170‬‬
‫هل أستطيع ذلك أيها الطبيب‪.‬؟‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫(‪)114‬‬
‫تبسم الطبيب قائال له‪ :‬طبعا‪ ،‬طبعا يا سيدي‪ ،‬ال حرمكما هللا من‬
‫بعضكما‪ ،‬الغرفة التي سنبقيها فيها تسمح أنظمة المستشفى بوجود‬
‫مرافق للمريضة‪ ،‬ال بأس عليك‪.‬‬
‫حاول فارس بعد ذلك االتصال بزينة من هاتف والدتها ولكنها لم‬
‫تجيبه وال من هاتفه أيضا‪.‬‬
‫وقرر أن يعاود االتصال بها صباح الغد مع رجاء أن تكون‬
‫إصرار أفضل حاال بإذن هللا‪.‬‬
‫وأتجه إلى غرفة إصرار وجذب أقرب كرسي وجلس إلى جوار‬
‫سريرها‪ ،‬يتأملها وقلبه يدعو هللا أن يشفيها ويحفظها له‪.‬‬
‫ومد يده وأمسك بيدها وقبلها بحنان‪ ،‬ثم رأسه إلى جوارها يدها‬
‫تلك وأستغرق في نوم عميق‪.‬‬
‫لم يشعر بالوقت وإال بدخول الممرضات الالتي كن حين يرونه‬
‫نائما هكذا‪ ،‬يتصرفن بمنتهى الهدوء حرصا على عدم إيقاظه وهن‬
‫يبدين أعجابهن بذلك الحب والوفاء وحرصه على البقاء إلى جوار‬
‫حبيبته‪.‬‬
‫وحاولن أقناعه بالنوم على سرير المرافق ولكنه كان يرفض‪،‬‬
‫طالبا منهن أن يدعنه على راحته‪.‬‬
‫مستغرقا بالنوم ورأسه فوق يد إصرار‪ ،‬إذا به يسمع صوتها‬
‫ينادي عليه‪ ،‬فتح عينيه ونظر إليها طويال حتى يتأكد أنه ال يحلم‬
‫وأن ذلك الصوت الحنون الضعيف الذي سمعه هو صوتها‬
‫الحبيب‪.‬‬
‫وجدها تبتسم له في رقة وحنان ووجهها يشع في أنحاء الغرفة‬
‫تزينه تلك االبتسامة الرائعة التي لو سأله الناس عنها األن ألجابهم‬
‫بأنها أجمل ما رأت عينيه‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫(‪)115‬‬
‫قفز من مكانه فرحا ويقول لها‪ :‬حمد هلل على سالمتك حبيبتي‪،‬‬
‫سالمتك يا غالية‪ ،‬سالمتك ألف سالمة على قلبك حبيبتي‪.‬‬
‫لماذا جعلتني أعيش كل ذلك الخوف عليك‪ ،‬سامحك هللا‪ ،‬لقد كدت‬
‫أن أموت من خوفي عليك‪..‬‬
‫وأمسك يدها بكل قوة وأنهال تقبيال لها‪ ،‬فتبسمت وأمسكت يده‬
‫وقبلتها قائلة‪ :‬ال حرمني هللا منك‪..‬‬
‫منذ متى وأنت هنا‪.‬؟ بل منذ متى وأنا هنا بالمستشفى‪.‬؟‪.‬‬
‫أجابها فارس‪ :‬أرتاحي األن حبيبتي وال ترهقي نفسك باألسئلة‪،‬‬
‫المهم أنك األن بخير وهلل الحمد‪ ،‬أزمة بسيطة وعدت على خير‪..‬‬
‫ودخل الطبيب وحين رآهما هكذا قال لهما ممازحا ‪ :‬أستطيع‬
‫القدوم في وقت أخر‪..‬‬
‫حمد هلل على سالمتك سيدة إصرار‪ ،‬الحمد هلل جميع الفحوصات‬
‫التي أجريناها لك سليمة‪ ،‬الظاهر تعرضت لتعب وإجهاد وارتفاع‬
‫بسيط في ضغط الدم‪.‬‬
‫إن شاء هللا سأكتب لك تصريحا بالخروج نهاية اليوم‪ ،‬أشكري‬
‫زوجك على إحضاره لك واهتمامه بك فقد ظل إلى جوارك طيلة‬
‫الليل‪ ،‬رافضا أن يتركك ولو للحظة واحدة‪..‬‬
‫وخرج الطبيب من الغرفة‪.‬‬
‫ونظرت إصرار إلى فارس ممتنة وعيناها تمألها الدموع وقالت ‪:‬‬
‫زوجتك‪ !.‬أنا زوجتك فارس‪.‬؟‪.‬‬
‫قال لها وهو يهمس بحب ‪ :‬نعم زوجتي ولي الشرف والفخر أن‬
‫تقبلي بي ملكة لقلبي‪ ،‬انت ال تعلمين قيمتك ومكانتك الغالية‬
‫بالقلب‪ ،‬بل في قلوب كل من يعرفونك‪،‬‬

‫‪173‬‬
‫(‪)116‬‬
‫فأنت امرأة نادرة الوجود‪ ،‬امرأة بمعنى الكلمة‪ ،‬يتمناك كل رجل‬
‫أن تكوني من نصيبه‪..‬‬
‫زاد من أعجابي بك روحك المكافحة الخالقة‪ ،‬وطفولة قلبك‬
‫المشاغب العنيد‪.‬‬
‫فهل تعتقدين بعد هذا كله أدعك تضيعين من يدي إصرار‪ ،‬يا‬
‫امرأة تذوب رقة وأنوثة لم أراها في كل نساء العالم‪..‬‬
‫وفي هذه اللحظة دخلت زينة إلى الغرفة‪ ،‬فقد وصلتها رسالة من‬
‫فارس يبلغها بحالة والدتها وأنها ال بد أن تكون بجوارها في مثل‬
‫هذا الوقت‪ .‬وتمنى منها أن تحضر لتكون بجوار والدتها حين تفتح‬
‫عينيها‪ ،‬فتقر بها وتفرح لرؤيتها‪.‬‬
‫أرتمت زينة بين يدي والدتها‪ ،‬تقبلهما بجنون‪ ،‬وهي تقاوم البكاء‪،‬‬
‫قائلة لها‪ :‬سالمتك يا غالية يا حبيبة قلبي أنت‪ ،‬سالمتك‪ ،‬ما‬
‫تشوفين شر إن شاء هللا‪.‬‬
‫حبيبتي أرجوك‪ ،‬أرجوك سامحيني‪ ،‬ال أعلم كيف جرؤت أن أقول‬
‫كل تلك الكلمات‪ ،‬كيف رفعت صوتي عليك‪ ،‬سامحيني يا أمي‪..‬‬
‫وانهالت تقبيال ليديها ورأسها احتضنتها إصرار بين يديها تخفف‬
‫عنها وتمسح دموعها وهي تبكي معها‪.‬‬
‫قالت لها‪ :‬أرجوك يا أبنتي ال تبكي فأنا بخير وهلل الحمد‪..‬‬
‫ونظرت زينة من بين دموعها إلى فارس وأطالت النظر وأشاحت‬
‫بوجهها بعيدا عنه‪.‬‬
‫ثم نظرت إلى وجه أمها رأتها تنظر إليها بقلق وتوتر‪.‬‬
‫قالت ألمها بهدوء‪ :‬أمي أسفه على موقفي منك‪ ،‬إن كان في‬
‫راحتك وسعادتك أن ترتبطي بمن ترينه مناسبا لك‪ ،‬فلن اعترض‬
‫بل سأقف مع قرارك أيا كان‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫ولن احرمك سعادتك وأكون انانية‪ ،‬أحب نفسي فال أفكر في‬
‫مصلحتك‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫(‪)117‬‬
‫أنا أصبح لي اسرة وزوج وطفلة انشغلت بهم عنك‪ ،‬وأنت من لك‬
‫بعد هللا في وحدتك‪.‬‬
‫أن كان الزواج سعادتك فتأكدي أنني موافقة ولن أكون إال سعيدة‬
‫لسعادتك‪.‬‬
‫ثم قامت وصافحت فارس‪ :‬أشكرك على وقوفك إلى جوار والدتي‬
‫في أصعب وقت كانت فيه تحتاج إلى وجود من يهتم بها‪ ،‬وكان‬
‫هذا أنت‪.‬‬
‫لقد جعلتني أشعر كم كنت صغيرة العقل وأنانية لم أفكر إال في‬
‫كالم الناس من حولي‪ ،‬لم أفكر في أمي ومشاعرها وبأن من حقها‬
‫الحياة بكرامة بجوار من اختارته وهو أنت‪.‬‬
‫كم كنت غبية حينما لم أنظر إليها ليس كأمي ولكن كإنسانة تحتاج‬
‫للرعاية واهتمام وقبل كل شيء قلب صادق يحبها ويقدرها‪..‬‬
‫أرجو أن تكون لها الزوج والصديق والحبيب‪ ،‬فأنا موافقة من كل‬
‫قلبي على زواجكما‪ ،‬وليس ألحد في هذه الدنيا الحق باالعتراض‬
‫عليه‪.‬‬
‫ونظرت إصرار إلى فارس ونظر إليها فرحا غير مصدقا ما‬
‫سمعه‪.‬‬
‫وقالت زينة لوالدتها‪ :‬متى سمح لك الطبيب بالخروج من‬
‫المستشفى‪.‬؟‪.‬‬
‫أجابتها‪ :‬اليوم المساء إن شاء هللا‪..‬‬
‫قالت زينة‪ :‬أذن بإذن هللا سيكون زواجكما في عطلة هذا األسبوع‪،‬‬
‫وأنا من ستقوم باألشراف على الحفل‪.‬‬
‫ولكما مني أن يكون حفل زفافكما ليلة ال تنسى أبدا‪ ،‬كم إصرار‬
‫عندنا واحدة فقط‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫‪,‬احتضنت أمها وهي تمسك بيدها ويد فارس معا‪ ،‬وأضاءت‬
‫الغرفة الصغيرة روح المحبة تلك التي غمرتهم جميعا‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫(‪ ( )118‬رسالة إلى نساء الربيع )‬
‫وصل فارس إلى المنزل مبكرا على غير عادته وألقى بمفاتيح‬
‫البيت على أقرب طاولة صادفته‬
‫ثم بدأ بالبحث عن إصرار‪.‬‬
‫بحث مطوال في جميع الغرف لم يجدها‪ ،‬أحتار أين تكون في مثل‬
‫هذا الوقت فعادة هي تسترخي بالمنزل آلنه يوم أجازتها‬
‫األسبوعية‪.‬‬
‫وأتجه مسرعا نحو غرفة المكتبة فهي عادة ما تحب أن تتواجد‬
‫بها لمراجعة جدول أعمالها وتوقيع بعض األوراق المهمة‪.‬‬
‫ودخل إلى غرفة المكتب ووجدها تجلس على مقعد يطل على‬
‫الحديقة وتحمل بين يديها حفيدتها ليان وهي تحضنها في حنان‬
‫وحب والصغيرة نائمة بكل هدوء‪.‬‬
‫نظر إليهما مطوال وأنتابه شعور بالدفء والحنان وأبتسم لها‪ .‬ثم‬
‫اقترب منها وهي تشير له أال يصدر صوتا حتى ال يوقظ‬
‫الصغيرة‪.‬‬
‫وقفت وحملتها واستأذنت منه لوضعها في فراشها‪ ،‬وأقترب فارس‬
‫من المكتب وجلس في المقعد الخاص به ووجد مجموعة من‬
‫األوراق جذبت انتباهه ألنها كانت بخط إصرار ومعنونه باللون‬
‫األحمر بجملة امرأة ذات الخمسين ربيعا‪.‬‬
‫شده العنوان جدا وبدأ بالقراءة‪ .‬لم يشعر بالوقت يمر لم ينتبه أن‬
‫إصرار عادت إلى المكتب وجلست بهدوء أمامه دون أي كلمة‬
‫فقط تتابعه عينيها بفرحة وسعادة لرؤيته يقرأ ما خطته يداها من‬
‫مشروع رواية تتحدث عن مرحلة عمرية عاشتها ومرت بها‪ .‬لم‬
‫تتنطق بكلمة في انتظار ردة فعله‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫وصل فارس إلى نهاية الكتاب وبدأ في قرأته بتمعن‪ .‬كلمة كلمة‬
‫وحرف بحرف‪.‬‬
‫إلى نساء الربيع أينما كنتن ‪:‬‬
‫‪ 1-‬ضعي دوما في اعتبارك أنك جميلة في أي عمر وأي مرحلة‬
‫بحياتك‪.‬‬
‫سواء كنتي أنسة لم تتزوج أو متزوجة أنعم هللا عليك باألسرة‬
‫واألبناء والبنات‪ ،‬ثم بعدها جدة لك أحفاد‪.‬‬
‫فجمالك هنا ينبع من كل تلك النعم التي أنعمها هللا سبحانه وتعالى‬
‫عليك‪.‬‬
‫فشكرك للنعم وتمتعك بها ينعكس جماال وسالما بمظهرك‬
‫الخارجي وكذلك جمال روحك وقلبك‪.‬‬
‫‪ -2‬أرتدي ما تحبينه وتشعرين أنه مناسب لك‪ ،‬ال لغيرك‪.‬‬
‫وتذكري أن كل األلوان تليق بك‬
‫‪ .‬وال دخل لأللوان بالعمر‪ .‬فال يعني أنك بالخمسين أن تلبسي‬
‫رمادي أو ألوان قاتمة تقول للجميع هذا هو لون عمري‪.‬‬
‫ال عزيزتي لم يخصص لونا محدد للعمر‪ ،‬نحن من وضعنا قانون‬
‫يربط العمر باللون‪ ،‬فخالفيه برغبتك و ال تهتمي‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫(‪)119‬‬
‫‪ -3‬أظهري دوما روح المرح‪،،‬‬
‫وشعي تفاءال وأمال‪،،‬ومارسي حقك بالعيش في جو من البهجة‬
‫وأبعدي كلية عن جو االكتئاب والمشاعر السلبية التي ال تفيدك‬
‫أبدا‪ .‬فالتقدم بالعمر ال يعني أن تكوني كئيبة ال تعرف االبتسامة‬
‫طريقها لشفتيك‪.‬‬
‫‪ 4-‬كوني دوما المستشارة لمن هم في حاجتك‪ ،‬فما مررت به‬
‫واكتسبته من الخبرة في الحياة تجعلك مدرسة لكل من حولك‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تكوني في الخمسين ال يعني أنك لست جميلة بل تأكدي أن‬
‫جمالك يشرق ويتألق في عيون جميع من يحبونك‪ .‬وقبلهم نفسك‪.‬‬
‫‪ -6‬من يحبونك‪ ،،‬يرونك دوما كالوردة الجميلة كلما تفتحت زاد‬
‫عبيرها وفاح عطرها على جميع من حولها‪ .‬فأنعشي قلوب أحبتك‬
‫بعطرك الخاص بك وال تتشبهي بأحد غير نفسك‪.‬‬
‫‪ -7‬مارسي الرياضة‪ ،‬خاصة المشي يوميا لمدة ساعة لتساعدي‬
‫جسمك على االسترخاء وكذلك تنشيط الدورة الدموية وتقوية‬
‫عظامك وتجنب هشاشة العظام‪.‬‬
‫‪ -8‬شاركي باألنشطة الخاصة بخدمة مجتمعك‪،‬‬
‫أما بمالك أو بمجهودك‪ .‬من رعاية األيتام واألرامل وخاصة في‬
‫نطاق أسرتك وصديقاتك فهن أولى بمساعدتك ووقوفك إلى‬
‫جوارهم‪.‬‬
‫‪ -9‬خططي لحياتك‪ ،‬وأعملي فالعمل يشغل وقتك وال تدعين‬
‫الفراغ يسيطر عليك ويدخلك في دائرة الملل واالنتظار حضور‬
‫أو سؤال من حولك‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫(‪)120‬‬
‫فالوقت من ذهب أبدعي وتألقي وأنتجي وسترين أنك ستكتشفين‬
‫أشياء تبدعين بها لم تكن موجودة النشغالك بأسرتك وأبناءك‬
‫وحان الوقت األن لظهورها والتباهي بها‪.‬‬
‫قد تكتشفين مثال أنك رسامة مبدعه اضطرت ان تلقي بألوانها‬
‫لرعاية صغارها‪.‬‬
‫أو كاتبة متألقة مبدعه اضطرت لنسيان قلمها للذهاب إلى مدرسة‬
‫بناتها‪.‬‬
‫أو سيدة أعمال متفوقة اضطرت للبقاء بجوار أبناءها‪ .‬فتخلت عن‬
‫حلمها من أجلهم‪.‬‬
‫‪ -10‬إن كنتي مطلقة أو ارملة أو حتى أنسة لم تتزوج حتى ذلك‬
‫العمر أو حتى أكبر فال تخجلين من االرتباط حينما تجدين الرجل‬
‫المناسب لك‪.‬‬
‫وال تلقين باال لمن يتهمك بعدم مراعاة عمرك وغيرها من‬
‫األحاديث األنانية التي ال همها إال االنتقاد فقط دون مرعاه‬
‫لمشاعرك واحتياجاتك‪.‬‬
‫فطالما وجدتي الشريك المناسب الذي يريد االرتباط بك بالحالل‬
‫فهذا شيء يعود لك فقط وال يخص أحدا غيرك‪.‬‬
‫فهي حياتك أنت وال تخجلين أن تعلني ذلك للجميع‪.‬‬
‫بل وتظهرين مع زوجك ويدك بيده وأنت في منتهى السعادة‪ .‬فقد‬
‫يعوضك هللا برجل ينسيك كل األيام التي قضيتها وحيدة ولم يسأل‬
‫عنك من يلومنك األن‪.‬‬
‫عزيزتي الزواج في أي عمر كان بركة وخير‪ .‬فال تصغي ألحد‪.‬‬
‫بل عيشي حياتك‪.‬‬
‫‪ -11‬من يقول لك أن عمرك ال يسمح لك إال بالبقاء بالمنزل‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫فليكن ردك عليه بالتفوق بعمل ما تحبينه وتجيدينه‪.‬‬
‫فالعمل شرف لكل األعمار طالما من هللا عليك بالصحة والعافية‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫(‪)121‬‬
‫نساء الربيع‪ ،،،‬أرفعن رأسكن عاليا فالحياة ترحب بالجميالت في‬
‫أي عمر كنتن فيه‪ ،‬والجميالت هنا ليس بمقياس المظهر الخارجي‬
‫فقط‪ ،‬ولكن جمال قلبك وروحك المتعطشة دوما لألمام‪ ،‬للمزيد من‬
‫العلم والمعرفة‬
‫‪ -12‬ال تشككي أبدا بقدراتك وال تلتفتي لرأي الناس فيك ضعي‬
‫إيمانك باهلل فوق كل شيء واحرصي على رضاه وحده‪ ،‬وال‬
‫تهتمي بعدها بإرضاء الناس‪.‬‬
‫‪-13‬مهما اشتد الظالم من حولك‪،‬‬
‫أضيء شمعة تنير طريقك وتبعد عنك اشباح الماضي‪،‬‬
‫ضوء هذه الشمعة منبعه إيمانك‪ ،‬باهلل وثقتك وحسن ظنك به‪.‬‬
‫‪ -14‬تأخذنا الحياة في زورق يمر في بحر أمواجه تتغير بين مد‬
‫وجزر وعلو وانخفاض ً وعلينا الصبر على كل تلك التغيرات‪،،،‬‬
‫والتمسك بزورق اسمه األمل في هللا‪.‬‬
‫‪ -15‬نحتاج من وقت آلخر تشكيل وتجديد حياتنا بألوان الفرح‪،‬‬
‫ونترك تلك األلوان القاتمة التي فرضناها ًعلى أنفسنا ً‬
‫سنكتشف حينها ألوان جديدة لم نكن نلتفت لها من قبل ألوانا غابت‬
‫عنا وفوجئنا انها اجمل وأروع مما كّنا نتخيله ً‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫(‪)122‬‬
‫‪ -16‬الحياة ال تخلو من الهموم والمشاكل‪،،‬التي مهما علت‬
‫وارتفعت واشتدت فإنها ستهدا بإذن هللا مثل تلك الرياح العاصفة‬
‫وتعود الحياة إلى جمالها‪.‬‬
‫فقط بقليل من الصبر والشكر هلل في كل األحوال‪.‬‬
‫‪ -17‬كوني دائما برفقة من يشعرونك بطاقة إيجابية‪ ،‬ويدفعونك‬
‫إلى األمام‪.‬‬
‫وابتعدي كل البعد عن كل من يمدونك بطاقة سلبية ونظرة‬
‫متشائمة للحياة‪،‬ال يرونها إال بمنظار أسود وال يشعرون بنعم هللا‬
‫من حولهم‪.‬‬
‫‪ -18‬اإلصرار والعزيمة حينما يجتمعان معا‪ ،‬وتمسكت بهما‪.‬‬
‫تأكدي بإذن هللا بأنه ال أحد يستطيع أن يقف في طريق نجاحك‬
‫وتميزك‪.‬‬
‫‪ -19‬الطموح يتغير باختالف األيام واألشخاص والظروف‪ ،‬ولكن‬
‫اإلرادة أقوى من كل الظروف‪.‬‬

‫‪184‬‬

You might also like