Professional Documents
Culture Documents
ذات الخمسين ربيعا ساحر الكتب
ذات الخمسين ربيعا ساحر الكتب
تمر بنا السنين سريعا فال ننتبه لها وال نحسب أعمارنا إال حينما
نسأل عنها وحين نجيب ،نكتشف أننا وصلنا لعمر ال يقبلنا فيه من
حولنا وال ينظرون إلينا إال كمتقاعدون ال حق لهم باالشتراك في
أي شيء يخص مجتمعهم إال بالحكمة أو المشورة.
ويتوقعون منا أن نعيش في مقعد الذكريات ،نتحسر على أيامنا
الماضية ،ونقبع في زاويا النسيان بانتظار األبناء واألحفاد
ليعطفوا علينا بزيارة.
ذلك هو كل دورنا في الحياة.
عذرا فنحن لنا الحق بالحياة والحلم بيوم أفضل وأجمل وأروع.
عزيزة حسين إبراهيم الصويغ
2
( - )1الفصل األول -عيد ميالد إصرار
استيقظت إصرار من نومها العميق ،وتقلبت في فراشها ثم نظرت
إلى ساعة المنبه بجوار ها ووجدتها تقترب من الساعة العاشرة
صباحا.
وتعجبت إنها تأخرت في نومها ،فعادتها دوما االستيقاظ مبكرا
بعد صالة الفجر مباشرة ومراجعة جدولها اليومي.
وسمعت طرقا على باب غرفتها ،فقالت لمن عند الباب أدخل.
فإذا بابنتها زينة تحمل طاولة طعام صغيرة وعليها وردة حمراء
وقالب صغير من الكيك بتوسطها شمعة مضاءة.
وبدأت أبنتها بالغناء وهي تقفز فرحا وسعادة كل سنة وأنت طيبة
يا أمي وهللا يحفظك لي كل األيام ،تعيشي وتتهني وكل يوم تزيدي
جمال..
ولم تالحظ زينة أن الدموع بدأت تتساقط من عيني والدتها،
احتضنتها زينة بقوة ممازحة والدتها :الجميل ببيكي في يوم
ميالده لماذا.؟
3
()2
فمسحت إصرار دموعها وتبسمت قائلة ألبنتها :ألتك تذكرتني،
وألني أكملت عامي التاسع واألربعين وأنت تذكريني األن أنني
دخلت عامي الخمسين .!.فكيف لي باهلل عليك أن أفرح.؟
ضحكت زينة من كل قلبه ونظرت إلى أمها قائلة لها :أنظروا من
يتكلم.؟! جميلتي حفظك هللا لي يا غاليتي.
انت كلما كبرتي تزدادين جماال وبهاء وشقاوة األطفال تكاد تقفز
من عينيك أمي.
أنت قدوتي في الحياة ،وأتمنى ان أحافظ على جمالي ورشاقتي ما
شاء هللا حينما أصبح في مثل عمرك حبيبتي.
تعلمين أنني أفتخر بك أمام جميع صديقاتي ،وحين يقولون لي
أنني أشبهك كثيرا ،صدقيني أكون في غاية السعادة بل وأرد
عليهم أنا أشبه تلك المالك؟! مستحيل أن أحد يصل للقمر فهو
متميز بجماله.
وأدعو هللا كل يوم يا أمي أن يحفظك لي ويبارك لي في عمرك
غاليتي ،واألن كفي عن الدالل والتمنع.
وتناولي طعام الفطور والذي حرصت أن يكون الئقا بيومك
والذي أشرق حينما وصلتي إلى الدنيا ،وأسعدت قلوب كل من
عرفوك يا أمي.
كل عام وأنت بخير ،وكل عام وأنت تاج زمرد يزين رأسي
حبيبتي.
4
( )3زواج زينة
بدأت إصرار بالتجهيزات لزواج أبنتها الوحيدة زينة والذي سيتم
االحتفال به يوم الخميس القادم في إحدى قاعات األفراح الكبيرة
في مدينتها.
فزينة هي أبنتها الوحيدة من زوجها السابق عادل والذي تطلقت
منه بعد والدة زينة مباشرة.
عوامل كثيرة واختالف العادات والطبائع فرقت ما بينهما وكثرت
بينهما الخالفات واتفقا على الطالق ،حتى يبقى كل منهما على
وده واحترامه لألخر.
وتم الطالق بكل هدوء وذهب كل منهما في طريقه ،وتزوج هو
بعدها وأنجب ولدين ،أما هي ففضلت البقاء دون زواج لتربية
أبنتها.
واضعة في اعتبارها بأنه لن يوجد رجل يعوض غياب أبيها ،أو
يعطيها حنانه واهتمامه ورعايته.
ولهذا أبقت عالقتها مع والدها جيدة والتواصل بينهما شبه دائم
لمصلحة أبنتهما ولم تحرمه من رؤية أبنته في أي وقت يشاء.
واألن وبعد أن أصبحت عروسة بارك والدها زواجها ورتبا معا
كل شيء كما تكفل والدها بجميع مصاريف الزواج ولم يبخل
عليها بشيء.
وكثيرا ما سألتها زينة لماذا لم تتزوج بعد طالقها من والدها،
فكانت دوما تتهرب من اإلجابة ألنها في داخلها لم تكن تعلم.؟
أتقول لها بأنها لم تجد الرجل المناسب الذي يصلح أن ترتبط به
شريكا وحبيبا وسندا بعد هللا!
5
()4
أتقول لها أنها لم تحرص على البحث عنه ألنها تعلم كل العلم بأنه
موجود في مكان ما.
ولكن ال تعلم متى وكيف ستقابله ،وبأنها تركت كل ذلك بيد هللا
سبحانه وتعالى فلم تعد تهتم لهذا الموضوع أبدا ،فما سيكتبه هللا
لها سيكون فلما التفكير.؟
أشياء كثير مرت ببالها ،ربما لشعورها األن بالوحدة.
فها هي زينة تخطو بعيدا عنها لتستقل بحياتها مع زوج المستقبل
الذي اختارته شريكا لها.
وستسافر معه بعد الحفل مباشرة إلى إنجلترا حيث سيكمالن
دراستهما هناك ولمدة خمس سنوات متواصلة.
هل كانت مستعدة لهذا اليوم؟ هل أعدت نفسها لهذا االنفصال
المؤلم عن أبنتها.
ال تعلم وال تريد أن تعلم ،كل ما تشعر به األن هي تلك الغصة
العالقة في حنجرتها ،وال تريد البكاء حتى ال تفسد على زينة
فرحتها بحياتها الجديدة أما هي فكان هللا في عونها ،فالفراق
صعب مهما حاولت التظاهر بغير ذلك.
ولكنها تعودت أن تغلق على عواطفها فال يشعر بها أحد ،وال
تريد أيضا أن يشفق عليها أحد.
وبدأت في أغالق حقائب أبنتها وهي تدعو لها بالسعادة والتوفيق
والذرية الصالحة.
6
( )5الحفل
جاءت إلصرار بطاقة دعوة لحضور حفل زفاف أخت صديقتها
المقربة ،وستقام الدعوة في قاعة ملحقة بفندق جميل معروف يطل
على البحر مباشرة ،وقد أصبحت هذه القاعة مرغوبة من كبار
العائالت فقيمة أيجارها بالليلة باهظ الثمن.
وأرفق في بطاقة الدعوة أن المطربة الخليجية المعروفة ستحي
الحفل ،فرحت إصرار جدا بهذه الدعوة لعدة أسباب:
أوال ألنها تحتاج ومنذ فترة طويلة لتغير األجواء خاصة بعد سفر
أبنتها زينة وخلو البيت والجو الكئيب الذي بدأت تحس به.
ثانيا ألنها تعشق تلك المطربة وتحب جميع أغنياتها.
ثالثا وهو المهم أنها ال تستطيع رفض دعوة صديقتها فهي بمثابة
األخت لها وكانت إلى جانبها حين زوجت أبنتها زينة ،ولم تبخل
عليها بالمساعدة والمساندة والمشورة في كل شيء.
واستعدت للحفل بشراء فستان أعجبت به كثيرا لبساطته وجماله
في نفس الوقت رغم أن سعره كان مرتفعا نوعا ما لكنه كان
رائعا أنسجم مع جسمها المائل للنحافة.
وأخذت موعد لصالون تجميل قريب من منزلها لعمل تسريحة
شعر ومكياج يتناسب مع لون الفستان الذي كان باللون األسود
المفضل لديها.
وعندما انتهت ونظرت إلى المرآة شكرت خبيرة التجميل ألنها
جعلتها تبدو في غاية الجمال والمكياج كان متقن لدرجة تبهر
العيون من روعته ودقته.
7
()6
وحضرت الموظفات والتففن حولها يمزحنها قائالت :مدام
إصرار ما شاء هللا تبارك هللا ما هذا الجمال ،أنت العروسة اليوم
وال ينقصك إال العريس!.
وضحكت معهن من كل قلبها وقالت لهن :ال عاد إال العريس أنا
كدا مبسوطة جدا ليش النكد.؟
وتوجهت إلى صالة االحتفال ووجدت صديقتها في انتظارها،
واحتضنتها طالبة منها الوقوف إلى جوارها وهمست في أذنها:
إصرار ما شاء هللا جميلة بمعنى الكلمة ،هللا يحفظك حبيبتي،
صدقيني أتمنى أن يكون هذا الجمال الذي أراه والجمال الذي يشع
من قلبك ،أتمنى أن يقدره إنسان يستحقك ،يرى جمالك هذا وال
يتركك أبدا.
وأنتاب إصرار الصمت لم ترد على صديقتها ،ففي أعماقها
مازالت تشعر بأنها بحاجة إلى الحب ،إلى شخص يسكن قلبها،
يقدرها ويقف بجوارها ،مناسب لها من كل النواحي وضعا
وعمرا وظروفا.
ولكن السؤال المهم هو :أين هو؟ .سؤال تخلت بالبحث عن إجابته
منذ زمن ولم تعد تهتم أو تحرص على التفكير به ،فالمجتمع من
حولها ال يرحم من كانت في مثل سنها وظروفها االجتماعية
كمطلقة ولها سابق تجربة.
وبدأت السيدات بالحضور وامتألت القاعة بالسيدات وحضرت
المطربة التي رحب بها الجميع.
وعندما بدأت بالغناء أشعلت الحماس في جميع الحاضرات
وتجاوبن معها بالتصفيق والرقص.
8
وقامت الفتيات إلى منتصف الصالة حيث مسرح كبير خصص
للعروسة وأمامه ممر كبير مضاء باأللوان الجميلة التي تتناغم مع
صوت الموسيقى ،وبدأن بالرقص مع كل أغنية تشدو بها
المطربة.
9
()7
وأمسكت صديقة إصرار بيديها وجذبتها نحوها قائلة لها :هيا معي
إصرار سنرقص سويا أنا وأنت.
وتبسمت إصرار بخجل وقالت لها :أرجوك أعذرني فأنا ال أجيد
الرقص وال أحبه.
ولكنها لم تستمع لها بل دفعتها بهدوء أمامها وهي تقول لها ششش
أري فقط أن تصمتي وتمشي أمامي وتسمعي كالمي ،انا مثلك ال
أعرف شيئا ،فكوني بجواري لنشجع بعض فهذا زفاف أختي يا
هللا قدامي.
وحينما صعدت إصرار إلى منصة الحفل حيث كانت الفتيات
والسيدات منسجمات بالرقص على أنغام األغاني في جو من
الفرح والبهجة.
شعرت إصرار بالسعادة لصديقتها واندمجت مع جو الموسيقى
ذلك وعاشت لحظات من الفرح مع الجميع.
حتى أن صديقتها نظرت إليها بإعجاب وقالت لها هامسة في
أذنيها :أين كنت تخبئين كل ذلك الجمال واالحتراف ،صدقا فنانة
وجسمك ما شاء هللا في منتهى الروعة وكأنك أبنة العشرين.
وضحكتا سويا في سعادة وواصلت إصرار الرقص مع صديقتها.
ثم نزلت من المنصة واستأذنت من صديقتها بالذهاب إلى دورة
المياه حتى تعيد ترتيب مكياجها.
ودخلت هناك حيث كان دورة مياه كبيرة جدا بها مقاعد فاخرة
ومرايات كبيرة ووقفت أمام مرآة ترتب مكياجها وبينما هي
مستغرقة في التزيين ،سمعت صوتا لحديث بين سيدتين
متواجدتين في الجهة المقابلة بحيث تسمعهما وإال تراهما ،كان
10
الحديث هامسا نوعا ما ولكن ضحكاتهما ارتفعت ثم عال
صوتيهما.
11
()8
حينها وصل الصوت إليها ،لم تعرهما اهتماما بالبداية ولكنها
سمعت أسمها يتردد في وسط الحديث ،حينها أصغت لهما.
قالت أحدهما:أرأيت السيدة المبجلة التي لم تستحي من عمرها
وإال حقيقة أنها زوجت أبنتها قبل شهور قليلة وستصبح جدة عما
قريب
أجابتها:عمن تتحدثين.؟
ردت عليها صديقتها ساخرة :إصرار أم زينة عادل ،ترقص
وكأنها فتاة في العشرين!
نسيت نفسها وعمرها ،تتمايل أمام الجميع ،أظنها فقدت عقلها
واتزانها اليوم الذي زوجت فيه أبنتها.
وأرتفع صوت ضحكاتهما معا باستهزاء وشماتة.
وغصت إصرار من ألم االستهزاء بها ،وودت أن لو تستطيع
االختفاء ومغادرة الحفل فورا ،فقد شعرت بالضيق من تلك
الكلمات الجائرة.
ونظرت إلى نفسها بالمرآة وكادت أن ترى الدموع تأتي إلى
عينيها ،ولكنها نظرت بحدة وقوة وهزت رأسها بكل كبرياء ،ثم
وقفت رافعة رأسها وقالت في نفسها :أنا لست جبانة ألختبئ
وكأنني أجرمت أو فعلت شيئا ال يصح !.بل سأخرج لن أهتم
بهما.
فهما من الخباثة والجبن لم تستطيعا بأن توجهاني ،وفضال
التحدث عني وراء ظهري ،دليل ضعفهما..
وخرجت من مكانها ومشت أمامهما ونظرت إليهما مبتسمة،
فأصابهما الحرج والخجل خوفا من أن تكون قد سمعت حديثهما.
12
قالت لهما بكل هدوء :مرحبا بكما ،سعدت برؤيتكما ،فقد كنت
مشغولة مع صديقتي بمشاركتها فرحتها حتى أنني لم ألمحكما من
بعيد.
13
()9
أرجو ان تكونا قد استمتعتما بالحفل..
ثم غادرت من أمامهما وهي تمشي بكل ثقة وهدوء ورأسها يرتفع
عاليا فخورا.
وضحكت في سرها لصغر عقول البعض وتفكيرهم بطريقة
غيورة لكل من تستمتع بحياتها وال تلقي باال لكالم الناس من
حولها.
العمر ليس حاجزا بيننا وبين أن نعيش حياتنا بالطريقة التي
ترضي هللا أوال ثم أنفسنا ثانية.
أما الناس فرضاهم غاية ال تدرك أبدا .وخاطبت عمرها الخمسين
قائلة :كم بت أعشقك فكم من الوجوه سقطت أمامك.
14
( )10سفر زينة
تحدد موعد سفر زينة وزوجها إلى مدينة مانشستر ببريطانيا ال
كمال دراستهما الجامعية بالجامعة العريقة بالمدينة.
وانشغلت زينة بالتحضير واالستعداد للسفر وتركت لوالدتها
اختيار المالبس الضرورية التي ستحتاجها هناك ،وخاصة
المالبس الثقيلة كالمعاطف آلن الجو يختلف فاألمطار تغلب على
المدينة طيلة العام ،وتسود البرودة الشديدة فصل الشتاء مع
اعتدال المناخ باقي فصول السنة.
15
()11
وبقيت إصرار مشغولة بتجهيز حاجيات زينة وترتيب حقائبها،
وعادت بها الذاكرة إلى حملها بها وتجهيز مالبسها كأول مولودة
بعائلتها.
تذكرت كيف كانت هي ووالد زينة في منتهى السعادة حينما علما
أنهما سيرزقان بأول مولود لهما.
كم من الليالي سهرا سويا ليفكرا في أسم المولود إن كان صبيا
سيكون أسمه (عمر).
وإن كانت بنت ( زينة) ،وقد كان االسم من اختيار إصرار حتى
أنها تذكرت كيف ضحك طليقها طويال حينما سمعها تقول أسم
زينة.
وصار يردد أغنية زينة ،زينة ،زينة كلما رآها تمر من أمامه
فكانت إصرار تلقي بالوسائد على وجهه وهو يزداد ضحكا.
وأغمضت إصرار عينيها لتستعيد شريط الذكريات الجميل حتى
عادت إلى الليلة التي كانت في الشهر السابع وأبلغها الطبيب أنها
حامل في فتاة فطارت من الفرحة وأبلغت زوجها حينها ،طليقها
األن بالخبر فطار من الفرحة ألنه كان يريدها فتاة ليدللها كما كان
يقول.
ونامت إصرار ليلتها واستيقظت فجأة في منتصف الليل على
صوت يهمس بجوارها وفتحت عينيها لتشاهد زوجها يتحدث إلى
بطنها المنتفخ أمامها ،هامسا :زينة ،قريب راح تجي يا زينة،
زينة غالية علينا ،متى راح تجي يا زينة.؟.
ونظرت إليه بأعجاب ثم ضحكت بسعادة قائلة له :لماذا لم تنام
حتى األن.؟ أجابها في سعادة :لم أستطيع النوم فأحببت أن أكلم
16
أبنتي ولم أريد أن اوقظك من النوم ،ولكنني في انتظار وصولها
على أحر من الجمر.
17
()12
قولي لي متى حدد لك الطبيب موعدا للوالدة ،فقلبي لم يعد يحتمل
أريد أن أحمل أبنتي بين يدي ،أتخيلها تناديني بابا ،بابا.
وضحكا من كل قلبيهما.
ومن بداية شهرها التاسع عانت إصرار كثيرا من اآلالم الوضع
واستمرت بالذهاب إلى المستشفى يوميا ولمدة أسبوع.
كان الطبيب يبلغها بأنها في مرحلة ما قبل الوضع وعليها بالمشي
كثيرا حتى تساعد نفسها في تيسيرها وتسهيلها.
وذات يوم كانت تجلس فيه مع والد زينة يشاهدان التلفاز ،شعرت
إصرار بقليل من األلم لم تعر له انتباها ظنا منها أنه مجرد ألم
عابر وسيمر.
ولكن األلم أستمر بالقدوم كل نصف ساعة وكان يزيد قوة وألما،
فنظرت إلى والد زينة ووجدته متمددا على األريكة في حالة
استرخاء واستعداد للنوم.
صمتت وحاولت أن تشغل نفسها بترتيب غرفة الطفلة وحينما
انحنت لاللتقاط مجموعة من مالبس الطفلة ،شعرت بألم قوي يبدأ
من ظهرها ويمتد الى جميع جسمها فصرخت بقوة وعال صوتها
حتى جاء إليها والد زينة يركض فزعا وأمسك بيدها متسائال في
قلق :ما بك.؟
أجابته في تأثر وبصوت يغلبه األلم :أريد الذهاب الى المستشفى
األن.
وفي رعب وعدم استيعاب لما يحدث سألها :لماذا.؟ ما بك.؟ هل
أقترب موعد الوضع.؟
18
()13
فهزت رأسها أيجابا ،فأنطلق بها مسرعا كالمجنون إلى المستشفى
حيث قام باالتصال أوال بطبيب إصرار ليبلغه بما تمر به ،فطمئنه
وأبلغه بالتوجه إلى المستشفى وسيلحق بهم.
وتم استقبال إصرار بالطوارئ حيث حولت فورا إلى غرفة
الوضع وبقي زوجها في صالة االنتظار.
وبعد مرور حوالي ست ساعات جاءته إحدى الممرضات تبشره
بوصول طفلة جميلة بسالمة هللا وحفظه.
وسألها عن إصرار هل هي بخير.؟
أجابته :نعم هي والطفلة وهلل الحمد في أحسن حال .وأن بأماكنه
مشاهدة أبنته متى ما أراد.
عادت كل تلك الذكريات إلى إصرار وهي تعيد ترتيب مالبس
أبنتها ووضعت مالبسها بالقرب من فمها وانهالت عليها تقبيال ثم
احتضنتها بقوة وهي تقول لنفسها :ما أسرع ما تمر األيام أبنتي
كنتي طفلتي الصغيرة المدللة ،حملتك بين أيدي وتأملت يدك
الصغيرة وعينيك الجميلتين.
واألن كبرتي وصرت عروسة تركتي بيت أمك ورحلتي إلى بيت
زوجك ،وها أنت تخطين خطواتك نحو المستقبل تبنين به بيتك
وتنشئين أسرتك الجديدة.
سترحلين إلى بلد بعيدة عنك لن أراك فيها حبيبتي باأليام
والشهور ،كيف سأتحمل البعد عنك.
لقد خال البيت منك ومن ضحكتك ومشاغبتك ولعبك وكالمك الذي
كنت أستمتع به.
19
()14
وقصصك التي ال تنتهي وصديقاتك االتي كن يمألن البيت حيوية
وحركة طيلة اليوم
ها هو البيت األن أبنتي يخلو من كل شيء اال صدى غيابك.
ونظرت حولها وتأملت غرفة أبنتها وغص قلبها بين أضلعها
وتساقطت دموعها ال تدري أتبكي ابتعاد أبنتها عن حضنها؟ أم
تبكي صوت الوحدة الذي بدأ يعلو ويعلو
ويحيط بجدران المنزل.
وارتمت فوق سرير أبنتها وخبأت رأسها تحت وسادتها وأرتفع
ألول مرة صوت نحيبها
وقالت من بين دموعها :يا رب أسعدها ووفق خطاها وأحفظها
أينما كانت ،وصبر قلبي على فراقها يا رب.
20
( )15زيارة غير متوقعة
عادت إصرار إلى منزلها على عجلة من أمرها حوالي الساعة
الثانية عشر ظهرا ،بعد ان تلقت مكالمة من سوسن أبنة صديقتها
والتي حضرت حفل زفافها منذ ستة شهور مضت ،تقول لها فيها
أنها متواجدة في منزلها وتريدها على عجل في أمر مهم جدا وال
يحتمل التأجيل.
فأسرعت إصرار تحث الخطاء إلى منزلها ،وفي رأسها تضاربت
األفكار وتساءلت بينها وبين نفسها ما هو األمر العاجل الذي جعل
سوسن تترك منزلها في مثل هذا الوقت.
ولماذا أخترتها هي ولم تختار أمها للتحدث إليها في ذلك األمر
الطارئ ،أذن البد أنه أمر في غاية األهمية جعلها تترك بيتها
وتأتي إليها.
ونظرت إلى الطريق المزدحم أمامها والذي يحتاج إلى حوالي
نصف ساعة للوصول إلى المنزل ،وألول مرة تشعر بالضيق من
االزدحام.
ووصلت إلى منزلها وألقت بالمفاتيح وحقيبتها وعباءتها جانبا،
ودخلت إلى غرفة الجلوس مباشرة ونادت على سوسن ووجدتها
هناك تجلس في المقعد الكبير دون حراك وعينيها تحلق إلى البعيد
ولم تشعر بدخول إصرار إلى الغرفة.
وحينما نادت عليها مرة أخرى التفتت إليها ثم قامت من فورها
تركض إلى إصرار وارتمت في أحضانها ،ووضعت رأسها
الصغير على كتفها ثم بدأت تجهش بالبكاء بصوت مرتفع كاد أن
يمزق قلب إصرار ،فاحتضنتها بقوة ،وربتت على شعرها بهدوء
في محاولة منها لتهدئتها.
21
وحينما بدأت سوسن تهدأ ويخفت صوت بكاءها ،أخذتها إصرار
من يدها وأجلستها ،ثم طلبت لها كوب من عصير الليمون البارد،
وجعلتها تشربه وهي تنظر إليها بكل حنان وحب.
ثم ما أن شعرت بأن سوسن قد هدأت تماما وبدأت تتمالك نفسها
قالت لها :أرجو أن تكوني قد هدأتي األن ،ورجاء ال أريد أن
أراك بمثل هذه الحالة مرة أخرى ،فال شيء وال أي أحد في هذه
الدنيا يستحق أن يجعلك تنهارين وتذرفين تلك الدموع الغالية على
قلبي !.أفهمت!.
22
()16
واألن سأطلب طعام الغذاء وستتناولينه معي ،ثم تذهبين إلى غرفة
زينة لتخلدي إلى الراحة وتنالين قليال من النوم ،وحينها سنتحدث
سويا كما تشائين ويكون ذهنك قد صفى ،وأنا كلي آذان صاغية
لك يا أبنتي.
ونامت سوسن حتى التاسعة مساء ،ثم استيقظت ووجدت إصرار
في انتظارها ،وطلبت لهما كوبين من القهوة والتي تعلم كل العلم
بأن سوسن تعشقها.
فقد تربت سوسن في منزل إصرار وكانت غالب الوقت مع أبنتها
زينة ،لعبهما ،ضحكاتهما ،أسرارهما كلها معا ،كانتا كاألختين ،ال
صديقتين.
ووجدت كل منهما في األخرى ما ينقصها ن فسوسن كانت األبنة
الوحيدة مع ثالث شباب ،وزينة وحيدة أمها وال أخ وال أخت،
رغم أن والدها بعد انفصاله عن إصرار تزوج ورزقه هللا ولدين،
غير أنهما كانا بعيدين كل البعد عنها.
فكانت سوسن بالنسبة لزينة األخت التي لم تلدها أمها ،حتى أن
زواجهما كان في نفس الوقت فصل بينهما فقط أسبوع ،وزوجيهما
كانا أبناء عمومة.
وسعدت زينة كثيرا لذلك لكونها ستجتمع بسوسن بحكم قرابة
زوجيهما.
وجلست إصرار إلى جانب سوسن ونظرت إليها طويال ثم قالت
لها :تكلمي حبيبتي ،قولي لي ما بك.؟ وخذي راحتك تماما ولكن
بترتيب حتى أستطيع مساعدتك وأفهم منك جيدا ما هي المشكلة
التي تمرين بها.؟
23
تنهدت سوسن بعمق ثم قالت بصوت خافت حزين :تعلمين ماما
إصرار مكانتك في قلبي ،فأنا أعتبرك في مكانة والدتي ،وكم
لعبت في منزلك هذا وقضيت فيه أجمل وأسعد األوقات.
بل أن كل ذكريات طفولتي ومراهقتي فيه.
أكاد أسترجع كل لحظاتها الجميلة والسعيدة ،كنت لي نعم األم
الحنونة والمتفهمة.
24
()17
كم بحت لك بالكثير من أسراري التي كنت ال أجرؤ أن أخبر بها
أمي.
كنت لي األم والصديقة والمعلمة ومستودع أسراري الذي أعلم
كل العلم أن ال أحد سيعلم أو يطلع عليها حتى أمي نفسها.
وحين واجهتني مشكلتي هذه ،تلفت حولي وتساءلت إلى اين
أذهب بها ،من أستشيره وأعلم كل العلم أنه سيكون كفؤا ال
رشادي للطريق الصحيح والسليم.
كان أول من خطر على بالي أنت ،من غيرك سيفهمني ،سيشعر
بما أمر به ،لن يلومني ،لن يهاجمني.
فأنا أعلم كل العلم رأي والدتي ،وأعلم أنها ستهزأ من مشاعري
ولن تستطيع فهم ما أمر به ،وتستشعر الموقف الذي أعيشه.
فهي دائما تقف إلى صف زوجي وال تصغي إلى وتقول لي أنه
رجل وهو على حق ،ويجب على احترامه وعدم مخالفته.
دائما تضع كل الخطأ واللوم علي أنا وحدي ،وأنا أتفهم لماذا
تتصرف كذلك ،ألنها تريد أن يشعر زوجي بأنه أبنها ،وانها
ستكون بعيدة عن أدخال نفسها فيما ال يعنيها.
المشكلة ماما إصرار بأنني ومنذ ليلة زواجنا أشعر دوما بأنني
بعيدة عنه ،كأنني من عالم وهو من عالم أخر.
هو ال يعترف بشيء أسمه مشاعر ،رومانسية ،ال يتصرف معي
بحنان وال رقة.
منذ ليلتنا األولى يشعرني بأنني آلة لسد رغباته فقط ،دون اهتمام
بإحساسي أنا ،أن كنت سعيدة أم ال .ال يهمه أبدا.
أن أرادني فتمنعت عنه يغضب مني ،ويتهمني بالدالل والعصيان
لرغباته.
25
ثم يعاملني بعدها بجفاء ،وال يتحدث معي لعدة أيام ،بل ينام وحيدا
عقابا لي.
26
()18
وفي الفترة األخيرة ومنذ حوالي شهر مضى ،الحظت أنه بدأ
يبتعد عني تماما ،وال يطلب مني أي شيء كزوجين.
وأصبح يقضي جل وقته في محادثات هاتفية هامسة وبالساعات،
وإن سألته مع من يتحدث يقول لي مع صديقه .فأشعر بأنه يكذب
على من نظرات عينيه التي يهرب فيها من النظر إلى عيني.
حتى ليلة البارحة ،جاء متأخرا قبل الفجر بقليل من سهرة قال إنها
كانت عند مع أصدقائه ،ودخل إلى الحمام ليغير مالبسه ويأخذ
حماما دافئا.
وأثناء استحمامه رن هاتفه الجوال أكثر من مرة.
اقتربت منه وقلبي يرتجف ال أعلم لماذا ،وامسكت بالهاتف
وأجبت عليه دون أن أتحدث بكلمة واحدة.
فإذا بي أسمع صوت امرأة تقول :أين أنت.؟ لقد نسيت ساعة يدك
عندي .ألو الو لماذا ال تجيبني.؟
وأغلقت الهاتف دون أن أنطق بكلمة واحدة ،فقد تجمد لساني
وارتعشت أطرافي ،وأعدت الهاتف إلى مكانه وأنا في حالة من
الذهول.
يعلم هللا كيف كانت حالتي حينها ،غضب ،وقهر ،وإحساس بأنني
أكاد أفقد عقلي كله ،وسؤال يتردد في داخلي :لماذا.؟
من هي تلك المرأة هل هي من أقربائه ،هل هي عشيقته.؟
حبيبته.؟
هل مجرد عالقة عابرة.؟ أم عالقة قديمة جددها ثانية.؟
كيف سأتصرف معه.؟ هل أوجهه.؟ أسأله مباشرة من هي.؟
27
()19
هل أسكت.؟
ودارت بي الدنيا لم أعرف ماذا أصنع كيف أتصرف ضعت،
ضعت تماما ،حتى خرج من الحمام ونظر إلى وجهي مستغربا
وقال لي :ما بك؟ هل أنت مريضة؟ لماذا يبدو وجهك شاحبا.؟
حاولت أن أجيبه غاص صوتي داخلي أسمع فقط صوت حشرجة
تكاد تخنقني وأكاد أن أصرخ في وجهه بكلمة واحدة( :خائن).
ولكنني أجبته :ال أشعر بأنني بخير ،ربما سأصاب بالبرد
والزكام.
وذهبت إلى فراشي واختبأت تحت غطائي وأنا أرتجف.
وتظاهرت بالنوم.
وحين أشرق الصباح أول ما فعلته هو االتصال بك أنت.
ونظرت إصرار إلى سوسن ،إلى تلك الطفلة الصغيرة والتي األن
من الصدمة والحزن وكأنما كبرت أربعون عاما.
هي في حالة صدمة من خيانة ربما أو ربما ال ،قد تكون إحدى
قريباته ،إحدى أخواته ،البد أن تتروى
وإن كانت ال قدر هللا خيانته حقيقة ما الذي ستنصحها به ،الخيانة
أول األشياء التي تمقتها في الرجل ،وال يمكن أن تثق به بعدها،
فما العمل األن.
هي في مكانة أبنتها وطالما جاءت إليها فإنها أمانة لديها وال بد أن
توجهها االتجاه الصحيح.
تنفست إصرار بعمق ثم قالت بكل هدوء وبصوت ثابت لسوسن:
زوجك ال يعلم بأنك تركت المنزل.؟
أجابتها سوسن :ال فقد سافر في مهمة عمل إلى لبنان وسيعود بعد
يومين إن شاء هللا.
28
()20
قالت ً إصرار :ممتاز ،أذن استمعي لي جيدا سوسن ،أعتقد بانك
جئت إلى وأنت تعلمين جيدا بأنني أحكم دوما عقلي ولست
عاطفتي وقلبي ،هذا طبعا لم يأت فجأة بل مع مرور السنين وعبر
التجارب الكثيرة التي مررت بها.
ربما لو كنت في مثل لعمرك ،لتسرعت بالحكم على زوجك وقلت
لك بأنه خائن وأترك بيتك وعودي إلى بيت أهلك.
ولكن األن أنظر للموضوع بعقالنية ومن جانب زوجك أيضا ،هل
من أتصلت عليه غريبة أم من األقرباء.؟
دعينا نضع االفتراض الحسن ونبعد عن الظن السيء به ،بل
دعينا نعطيه كل األعذار.
ما أعجبني جدا بك هو حسن تصرفك وتمالكك ألعصابك
وهدوءك.
لم تفتعلي معه مشكلة كبيرة كانت لربما أدت إلى ماال يحمد عقباه،
أو على أقل التقدير كسرت الثقة ما بينك وبينه.
ألنه سيضع الخطأ عليك بأنك أجبت على مكالمة خاصة به،
وسيقول لك أنه ليس من حقك ذلك.
األن المطلوب منك إكمال ما بدأت به إال وهو التحكم في
أعصابك وعدم التطرق إلى ذلك الموضوع.
دعينا نعود إلى النقطة األساسية والتي بنت بينكما تلك الحواجز
وأصبح كل منكما في عالم بعيد عن الثاني والمفترض أن تكونا
قلبا وروحا واحدة.
فالزواج لم يبنى على الحب فقط بل على المودة والرحمة التي
يزرعها كل من الزوجين؛ حتى يحصدا هذا المعنى الكبير بعد
سنوات وسنوات من زواجهما.
29
ولكن قبل ذلك البد أن يحدث الكثير من التفاهم والتقدير من كل
منكما لألخر.
30
()21
زوجك األن غائب وأنا ال أحب التسرع بالحكم عليه ،قبل أن
أعرف وجهة نظره ،وأستمع إليه.
فلنبدأ بك أنت ،أريدك أن تعي تماما كل ما سأقوله لك وتنفذيه
بالحرف ،ألن فيه أساس حياتكما معا واستقرارها بإذن هللا.
أعلم جيدا أن ما سأقوله لك صعب ولكني اعرفك جيدا ،فأنت
أبنتي وال تفرقين عن زينة بشيء ولو كانت زينة في مكانك
سأقول لها نفس الشيء تأكدي من ذلك.
أين ذهبت روعة أيامكما األولى هال سألت نفسك.؟ لماذا اختفت.؟
لماذا صار يعاملك بجفاء ويبتعد عنك.
أين تلك األنثى التي تداعب وتشاغل عينيه.؟.
أين تلك الحبيبة التي انشغلت عنه فلم يعد هو من أول اهتماماتك.
يجب عليك أنت أعادة تلك الشعلة المتقدة لحياتكما معا ،تغير
الروتين.
أبداي بتغير ديكور غرفة الجلوس و غرفة النوم ،ضعي قليال من
لمساتك فيهما ,الشموع والورود وعطرك الخاص على وسادته ,
دعيه ال يراك إال في قمة جمالك مهما كان انشغالك،
أستقبليه بقبالتك وودعيه بها ،عوديه عليها حتى يعود لك دوما
مطالبا بها.
أقتربي منه وأستمعي له.
وحين يعود من عمله متعبا مجهدا ال تنفريه منك بحديث ال يعني
له بشيء وأنتظري حتى يستريح ثم قولي له ما تريدين.
طالبيه بالخروج سويا نهاية كل أسبوع للعشاء أو الغذاء.
31
()22
دعي له مساحة من الحرية الخاصة فال تخنقيه ،فالرجال يحبون
أن يشعروا بحريتهم رغم أنهم بالزواج واالرتباط يعلمون كل
العلم بأنها انتهت .ولكن دعيه يفرح بها قليال.
ال تجسسي عليه وال تشعريه أنه مراقب ،ال تتصلي عليه أن تأخر
كل خمس دقائق لتسأليه أين انت.
دعيه هو يعتذر لك أن تأخر عليك.
أظهري له دوما جانبك األنثوي ،وداللك ،فال يعني زواجكما أنه
أصبح ملكك ،ال بل يجب أن تعديه حبيبا لك كل يوم ،وال تخجلي
بالتودد إليه وإظهار الرغبة فيه فهو حاللك وال عيب من ذلك أبدا.
سيكون سعيدا جدا صدقيني.
صمتت إصرار وهي تنظر إلى سوسن لترى ردة فعلها على
كالمها معها ،ووجدت الدموع تهبط من عينيها.
سألتها في قلق :هل ضايقك كالمي حبيبتي.؟
فنظرت إليها سوسن بكل حب وقامت واحتضنتها بقوة وقالت لها
:بل أحببت كل كلمة منها :ألنني أعلم كل العلم أنها الحقيقة
والصدق والطريق الذي كنت أبحث عنه طويال فأعدتني يا أمي
إليه ،كم أحبك.
أخذتها إصرار في أحضانها ثم قالت لها :غدا أن شاء هللا حبيبتي
سنأخذك إلى صالون التجميل و ستعملين تغيرا كامال أو كما
يقولون ( نيولوك ).
حتى حينما يعود زوجك من السفر بأذن هللا يجد زوجته في قمة
جمالها وتألقها وأنوثتها بانتظاره.
وضحكتا سويا في سعادة ونسيت سوسن دموعها.
32
()23
قالت لها إصرار :أعدك بأنك ستعيشين معه عمرا بإذن هللا سعيدا
وستتغير أحوالكما إلى كل ما تودينه .فقط استخدمي ذكائك الذي
عهدته فيك .وحينما سيعود ستغرقان في العسل وستنسيني.
أجابتها سوسن ضاحكة :كيف أنساك ،ال أحد يستطيع صدقيني.
قالت لها إصرار :أذن هذا وعد منك بتنفيذ تعليماتي صح.
وأجابتها سوسن :صح جدا معلمتي.
33
( )24الفصل الثاني -هشاشة العظام
انتهت إصرار من مراجعة جميع الفواتير والحسابات الخاصة بها
وبابنتها زينة ،ومراجعة مصروف الشهر كامال.
بعدها شعرت بالملل والتعب فقررت الخروج إلى صديقتها التي
أتصلت عليها واتفقتا على اللقاء في المطعم المطل على شاطئ
البحر وتناول القهوة.
34
()25
ثم توجهت إلى سيارتها بعد أن أبلغت السائق بتجهيز السيارة
لرغيتها بالخروج.
وما كادت أن تفتح باب السيارة ،حتى اغلق الباب على كف يدها
بقوة ،فصرخت من شدة األلم.
وسمع السائق صوت صراخها فجاء مسرعا وفتح الباب على
عجل ،وأمسكت إصرار بيدها وشعرت بألم قوي بمعصم يدها
وعدم قدرتها على تحريك يدها تماما والحظت انتفاخا بظهر
كفها.
فطلبت من السائق التوجه بأقصى سرعة إلى أقرب مستشفى وهي
تحاول كتم صرخة ألم تود أن تبوح بها.
ووصلت إلى طوارئ المستشفى الذين قاموا فورا بعمل أشعة
مقطعية لكامل اليد.
ثم أحضروا لها طبيب المختص في طب العظام ،ونظر إلى
صورة األشعة وقال لها بأنها ستحتاج إلى وضع يدها في الجبيرة
ولمدة شهرين كاملين ألن لديها كسر مضاعف في معصم اليد
وكذلك في كف اليد نفسه.
كما سيقوم بإعطائها مضادا حيويا مقاوما لاللتهاب ودواء أخر
مسكنا لأللم تأخذه وقت الحاجة فقط.
وحين راها تبكي من شدة األلم وتسأله عن وضع الكسر ،أجابها
أنه يحتاج منها تحليال شامال للدم ،وأشعة مقطعية خاصة بمعرفة
مدى كثافة العظام ،ألنه رأى باألشعة السابقة بداية هشاشة
بالعظام قد يسبب لها العديد من المشاكل في المستقبل ال قدر هللا
إن لم تنتبه له ،وتبدأ بعالجه في الوقت المناسب.
35
ألن إهمال العالج يعرضها للوقوع في التعرض للكسور من أقل
رضة أو سقوط.
ونظرت إلى الطبيب بعينين متسعتين من الدهشة وسألته قائلة :كل
ذلك أيها الطبيب من كسر يدي؟ أيها الخمسين ربيعا ترفق بي!.
36
()26
ضحك الطبيب حتى كاد أن يغص بضحكته وقال :ما الذي قلتيه
األن؟.
خمسين ربيعا !.صدقيني حين رأيتك لم أقدر عمرك إال في نهاية
الثالثين ،وحين أتوا بأوراقك والملف الخاص بك نظرت إلى
العمر فلم أصدقه.
فمن الواضح أنك تعتنين بنفسك وصحتك جيدا ،أما من ناحية
هشاشة العظام فنحن األطباء نطلق عليه أسم المرض الصامت
ألن غالب النساء يصبن به وال يشعرن بأي أعراض وال يعلمن
أنهن مصابات به إال في حالة مثل حالتك.
وعلميا هشاشة العظام ( )Osteoporosisتعني( :العظام
المنخورة.).
تؤدي االصابة بمرض هشاشة العظام الى اضعاف العظام لتصبح
هشة ،الى درجة ان مجرد القيام بأعمال بسيطة جدا تحتاج الى
اقل قدر من الضغط ،كاالنحناء الى االمام ،او رفع مكنسة
كهربائية ،او حتى السعال ،قد يسبب كسورا في العظام.
يعود سبب ضعف العظام هذا ،في معظم الحاالت ،الى النقص في
مستوى الكالسيوم والفسفور ،او النقص في معادن اخرى في
العظام.
وهو يظهر نتيجة لعوامل كثيرة منها عدم التعرض للشمس ،و
عدم تناول األطعمة الغنية بفيتامين سي ،وعدم تناول الحليب منذ
الصغر.
كذلك التدخين وعدم ممارسة الرياضة ،وال ننسى العامل الوراثي
فهو مهم.
37
وفي هذه األيام سيدتي ومما أراه كطبيب متخصص بالعظام أن
هشاشة العظام صارت تصيب النساء وكذلك الرجال وحتى
الشباب الصغار بالسن ال همالهم الصحة العامة ،والرياضة.
وكذلك اهمال الوجبات المفيدة لتقوية العظام ،و عدم التعرض
ألشعة الشمس ،وكذلك التدخين بشراهة مما يؤثر على الصحة
عامة وعلى العظام خاصة.
38
()27
فال تقلقي سيدتي وأعلمي بأنه هنالك ثالثة عوامل حيوية تساهم
في تحسين صحة العظام على امتداد سني العمر:
-1ممارسة النشاط البدني بانتظام.
-2استهالك كميات كافية من الكالسيوم.
-3استهالك كميات كافية من فيتامين (د) ،الذي يعد ضروريا
لتحفيز امتصاص الكالسيوم في الجسم.
وبناء عليه رحبي بسن الخمسين ربيعا كما قلتي ،واحرصي على
عالج يدك وتناول كل ما حرصتك عليه من أطعمة.
وعليك االهتمام بصحة عظامك منذ األن وممارسة الرياضة وأهم
األشياء أقولها لك هي :
المحافظة على طاقتك اإليجابية دوما ،وتأكدي بإذن هللا بأنك
ستكونين بخير..
39
( )28النادي الرياضي
شعرت إصرار بضعف وألم في مفصل الركبة وانتفاخ ،فذهبت
إلى عيادة طبيب العظام المجاورة لبيتها.
40
()28
وكان موعدها العاشرة صباحا وأرشدتها الممرضة إلى غرفة
الفحص وبعد اإلجراءات الروتينية من قياس للضغط والحرارة،
ثم السؤال المهم جدا العمر.
وتسألت بينها وبين نفسها:لماذا ال يلغى هذا السؤال من قاموس
األطباء ويكتفون برؤية البطاقة الشخصية التي يذكر فيها تاريخ
الميالد فيحسبون العمر ويكتبونه تلقائيا دون سؤال المريضة
وإحراجها.؟!.
بالنسبة لي أشعر أنني ما زلت في العشرين من عمري .وضحكت
حتى تعجبت منها الممرضة .فسكتت واعتذرت لها بأنها تذكرت
شيئا أسعدها مما جعلها تبتسم دون وعي.؟
وحضر الطبيب وسألها عن حالها وما الذي تشكو منه ،فأجابته
باختصار عما تشعر به منذ حوالي أسبوعين وسبب لها ألما و
إزعاج في الحركة.
وقام الطبيب بفحصها ثم وجهها للخضوع ألشعة للركبة حتى
تكتمل عنده الصورة وبعض الفحوصات للدم.
وانتظرت إصرار حوالي ساعة ونصف الساعة حتى أتت نتائج
الفحوصات جميعا ,ونظر لها الطبيب متفحصا ثم قال لها مبتسما
:الحمد هلل مدام إصرار الفحوصات تبشر بالخير فليس هناك ما
يقلق ،مجرد ألتهاب بسيط بالماء المحيط بالركبة سيزول بأذن هللا
بتناول الدواء..
ثم نصحها باالنضمام لنادي نسائي رياضي حتى تقوي من
عضالت قدميها وجسمها عامة.
وخرجت إصرار من عيادة الطبيب تشكر هللا سبحانه وتعالى على
كل شيء ،ثم توجهت إلى نادي نسائي معروف بالمدينة وسجلت
41
فيه مباشرة ودفعت قيمة االشتراك وسجلت في أول حصة
رياضية تبدأ صباحا حوالي الساعة الثامنة.
42
()29
وفي اليوم التالي توجهت للنادي بكل نشاط وحماس وفرح ينتابها
ال تعلم لماذا ،شعرت بأنها كاألطفال وأنها تود أن تركض وتقفز
على كل األجهزة الموجودة بالنادي.
وبدأت تمارينها مع المدربة الشخصية بكل حماس والمدربة
تشجعها وتعجب بها وتردد قائلة لها :ماشا هللا مدام عندك إرادة
وعزيمة لم أراها في من هن أصغر منك عمرا ،حتى بدأت أشك
أصال أنك في الخمسين من العمر.؟
تبسمت إصرار وضحكت من كل قلبها وردت قائلة للمدربة:
ولماذا تذكريني األن بالعمر .فما اشعر به األن أنني في العاشرة
من عمري ،أود تجربة كل شيء هنا .رجاء أبقي حديث العمر
بعيدا حتى ال أبدأ أشعر به وألقي بنفسي عند أول مقعد حتى
أستريح!!..
وضحكتا طويال .واستمعت إصرار وأحست براحة نفسية
وجسدية فالرياضة تعيد لك نشاطك وتجدد الدورة الدموية وتقوي
القلب وعضالت الجسم.
وبينما هي تتناول القليل من الماء ،رأت شابة تجلس بعيدا واضعة
منشفة فوق كتفيها .وتنظر إلى اآلالت من حولها بكل إحباط
وحزن.
فاقتربت منها إصرار بكل حنان وسألتها أوال عن اسمها فقالت
لها :أسمي زينة .أتسعت عينا إصرار وردت قائلة :أسم ابنتي
حبيبتي.
ماذا بك يا أبنتي لماذا تجلسين بعيدا وال تشاركين بالتمارين.؟
أسفة أن سألتك ولكني شعرت أنك بحاجتي عذرا منك للتطفل.؟
43
تبسمت لها الفتاة وقالت :بالعكس فأنا أشعر بالوحدة هنا ،ليس لي
صديقة تشجعني وال قريبة تقف معي حتى أتحرك ,وكلما
مارست رياضة ما شعرت بالدوار ثم التعب فاإلحباط .وذهبت
إلى الطبيب وقمت بكافة الفحوصات وكانت سليمة تماما .وال أعلم
لماذا أشعر بكل تلك األعراض؟
44
()30
أجابتها إصرار :وأنا أيضا ليست لي صديقة أو رفيقة تشاركني
الحماس وهذا أول يوم لي ما رأيك زينة بما أنك تحملين اسم
أبنتي الغالية .أن تكونين رفيقتي وأبنتي ونتشارك سويا في
التمارين ونشجع كل منا األخرى .هاه ما رأيك.؟
تبسمت الفتاة ومدت يدها مصافحة إصرار قائلة لها :وعد
تبسمت إصرار بكل سعادة :وعد.
ومنذ ذلك اليوم نسقا جدولهما ليكونا سويا ,وكانت إصرار للفتاة
األم والصديقة والمرشدة والباعثة للحماس والنشاط.حتى أن كل
من في النادي أعجب بتقدمهما معا.
فارق العمر بين األجيال ال يعني اختالف التفكير واختالف
المشاعر بل تعني أن كل جيل يدعم الثاني .األكبر بالخبرة
والمعرفة،واألصغر بالحماس وبث روح النشاط والتفاؤل.
وصار كل من يرى إصرار بعدها يتعجب من تماسك جسمها
ورشاقتها .ويسألونها عن السبب فتقول أسألوا عمري فهو من
أهداني كل ما أنا فيه بعد فضل رب العالمين علي الحمد هلل.
45
( )31هبات ساخنة
سافرت زينة مع زوجها إلى لندن حيث سيبدأن حياتهما الزوجية
الجديدة هناك ويكمالن دراستهما معا وبخطوات نحو مستقبل
زاهر بإذن هللا.
وبدأت إصرار ومنذ سفرهما تعاني وخاصة وقت النوم من
الشعور بحرارة غير عادية تبدأ من منطقة الرقبة ثم تمتد إلى
صدرها صاعدة إلى وجهها.
ويصاحب هذه الحرارة شعور بالتوتر والقلق وعدم االستقرار،
وال تطيق وضع غطاء على جسمها.
فتذهب إلى جهاز التكييف لتتأكد من درجة حرارته وتخفضه إلى
أقل درجة حرارة،
ولكن شعورها بتلك الحرارة ال يقل وال يختفي ،وتبقى في فراشها
تتقلب مع شعور بعدم الراحة ،وبعد حوالي نصف ساعة أو أكثر
يبدأ العرق الغزير ثم برودة في أطرافها.
أعادت تفسير ما تمر به نتيجة حالتها النفسية تأثرا بسفر أبنتها
وفراقها ،ثم الشعور بفراغ البيت عقب سفرها.
فهي تسكن في فيال كبيرة وواسعة ،أصبحت خالية إال من صور
زينة وصوت ضحكاتها وذكرياتها.
ولكن تكرار تلك الهبات الساخنة المزعجة حرمها من النوم ليالي
عديدة مما كان يصيبها باإلرهاق باقي اليوم كله.
فقررت االتصال بطبيبتها المتخصصة في أمراض النساء
والوالدة وأخذت أقرب موعد معها.
46
()23
وفي اليوم المحدد توجهت إلى عيادة الطبيبة وبالوقت المحدد لها،
ثم دخلت إلى غرفة الفحص حيث قامت الممرضة بالقيام بقياس
ضغط الدم والحرارة والوزن.
ثم أدخلتها إلى عيادة الطبيبة التي بدأت تسألها العديد من األسئلة،
وأهمها سؤال شعرت معه إصرار بالدهشة واالستغراب منه.
سألتها هل الطمث مازال مستمرا معها أم انقطع عنها.
فتعجبت إصرار وسألتها :لماذا هذا السؤال.؟
فأجابتها أن ما تعاني منه وما تمر به إصرار ما هو إال عارض
من أعراض ما يعرف بسن اليأس ،وما قبل انقطاع الطمث.
ال تعلم إصرار لماذا حينها شعرت بالبرودة تصيب أطرافها،
ولماذا بدأ جسمها يرتعش خوفا.
صدقا هل سينقطع الطمث ،شيء لم تفكر به وسط أشغالها كلها،
لم تفكر فيه أبدا،
وكأنما هو شيء خاص بها هي سيستمر معها ،ورغم تعليمها
وثقافتها وقراءتها للعديد من الكتب وخاصة تلك التي تتكلم عن
األمراض الخاصة بالنساء.
إال أنها لم تتوقع يوما أن يحدث ذلك األمر لها هي شخصيا،
وسيظل بعيدا عنها ،أو ربما ستمر به ولكن ليس األن.
وطال صمتها طويال واحترمت الطبيبة صمتها ،ثم قالت لها بكل
هدوء :مدام إصرار أنت إنسانة واعية ومتعلمة وتعلمين أن
النساء جميعا ال بد أن يعانين من هذه المرحلة بشكل أو بأخر.
47
()34
منهن من تمر بها مرور الكرام فال تعاني منها اال الشيء اليسير،
ومنهن من تعاني مسألة تغير الهرمونات األنثوية والخاصة
بالخصوبة ،وتتعرض للعديد من المشاكل الصحية.
تعاني الكثير من النساء من الهبات الساخنة أثناء مرحلة ما قبل
انقطاع الطمث ،وتتباين شدة حدوثها ومدتها ومدى تكرارها،
وغالبًا ما تحدث مشكالت النوم نتيجة للهبات الساخنة والتعرق
الليلي ،لكن أحيانًا يصبح النوم غير مستقر حتى مع عدم وجود
هبات ساخنة أو تعرق ليلي.
وكل هذه األعراض مقدور عليها بإذن هللا ،أوال بإجراء
الفحوصات الدورية للدم والثديين.
ثانيا بأخذ العالج المناسب لكل سيدة تمر في هذا العمر.
وتأكدي أنه يعتمد المرور بهذه المرحلة من العمر على الحالة
النفسية للمرأة نفسها ،وتقبلها للمرحلة التي تمر بها على أنها شيء
طبيعي ،وبأنها األن أصبحت أكثر ثقة في نفسها وأكثر نضجا
وتعيش حياتها بحرية فلم تعد مقيدة بحمل أو والدة ،وأن عليها
األن رعاية نفسها وداللها.
ونصحت الطبيبة إصرار بالعودة إليها أن أستمر معها الشعور
بالهبات الحرارية بعد انقطاع الطمث ،حينها ستكون بحاجة إلى
أعطاها عالجا هرمونيا مكمال يريحها من تلك األعراض.
أما األن فال تحتاج إال أي عالج فنتيجة جميع فحوصاتها جاءت
سليمة وهلل الحمد.
وخرجت إصرار من العيادة ووضعت نظارتها الشمسية لتخفي
عينيها فقد أحست فجأة أنها تريد أن تختفي وتخفي وجهها عن
العالم.
48
فقد شعرت بأنها لم تعد تلك الشابة ،وها هي عواصف سن
الخمسين الربيعي تقترب.
أهال بها ،فأنا األن مستعدة لها.
49
( )35عيادة تجميل
اجتمعت إصرار مع مجموعة من صديقاتها في منزلها فاجأنها
بزيارة سعدت بها جدا.
فقد شغلها عملها عن التواصل مع األهل والصديقات المقربات
منها.
وها هي الفرصة سنحت بقدومهن إليها في زيارة لم تتوقعها منهن
فكانت أجمل وأروع لو أنها خطط لها من قبل.
وأتت بالقهوة العربية الممزوجة بالهيل المطحون والتي تتفنن بها
ويحبها جميع من تتناولها من يديها و أعطت كل منهن كوب.
وبدأن بالحديث في شتى المواضيع ولكن أكثر ما لفت أنتباههن
هو جمال صديقتهن منال وصفاء بشرتها واختفاء كافة الخطوط
التي كانت ترتسم على جبهتها.
وكذلك امتالء شفتيها بطريقة جميلة لم تكن موجودة من قبل
فالمعروف عن منال أن لديها شفتين نحيلتين صغيرتين واألن
أختلف الوضع تماما.
وألتفت الجميع أليها طالبات منها تفسير لك التغيير المفاجئ
والمظهر الجذاب الذي جعلها تكون قبلة انظار الجميع.
وتبسمت منال في نعومة ودالل قائلة لهن :أنا لم افعل شيئا
صدقوني مجرد لمسات من المكياج بطريقة احترافية مع اختيار
لون أساس المكياج المناسب لبشرتي ،كما انني أعتني كل العناية
بوجهي وأضع له الكريمات المناسبة للمساء وللصباح،
50
()36
وأزور صالون التجميل لالعتناء الكامل بوجهي والقيام بتنظيف
للبشرة مما أدى إلى صفائها ونقائها تماما ،فأعطت النتيجة بشرة
صافية وخالية من أي حبوب أو بقع..
وهنا تصدت لها دالل صديقة إصرار قائلة وبكل جدية :هيا يا
منال علينا الكالم ذا ،انا دائما أذهب إلى الصالون وأعتني
ببشرتي ووجهي ولكن الواضح أنك ذهبت إلى عيادة تجميل
فالتغير واضح للعين ،فال تستقلي بنا وبعقولنا فنحن نعرفك عز
المعرفة ومنذ زمن هذا الكالم قوليه للناس ال يعرفونك منال هيا
هاتي ما عندك.؟!
ضحكت منال وقالت :حسنا قبل ستة اشهر ذهبت مع زوجي إلى
باريس في زيارة عمل خاصة به.
أقمنا في فندق شهير بالعاصمة الفرنسية كان به بالدور األول
عيادة كبيرة تأخذ الطابق األول كامال.
انتابني الفضول لزيارته ألن زوجي كان غارقا في عمله
واجتماعاته ،فأخذت اول موعد لزيارة العيادة وبالفعل شاهدني
استشاري الجلدية هناك ونصحني بالعالج المناسب وطلبت منه
أيضا بعض التكبير البسيط لشفتي التي عانيت من منظرها منذ
الصغر والنتيجة كما ترين األن.!!.
قالت دالل لمنال :نعم األن ظهرت الحقيقة كريمات ما كريمات
نحن النساء عندنا حس سريع االكتشاف ألبر الفيلينج والبوتكس.
وعال صوت ضحكاتهن.
ثم أكلمت دالل كالمها قائلة لمنال :من جد ومن كل قلبي أهنئك
على كل ما فعلته فالنتيجة حقا وووواووو .روووعة ما نرى ما
شاء هللا
51
()37
وألتفت إصرار إليها سائلة :هل تعلمين عن أسم عيادة معروفة
هنا حتى أذهب إليها ،فأنا أريد تجديد للبشرة وعالج بعض
الخطوط التي ارتسمت فوق جبهتي وكذلك شفتي!.
وما كادت منال تجيب إصرار على تساؤلها حتى اعترضتها
واحدة من الصديقات تدعى سناء قائلة وموجهة الحديث إلصرار
وبكل سخرية :ولماذا تريدين الذهاب يا إصرار ما لداعي ولمن
ستغيرين في نفسك وبشرتك؟
فانتي ال زوج لكي وال أحد حبيبتي والحمد هلل قريبا ستصبحين
جدة .فلمن ستقومين بالتجديد والدالل.؟ حينما تقوم المرأة
باالهتمام بجمالها يكون من أجل زوجها وأنت الحمد هلل معروف
وضعك.؟!.
هنا شعرت إصرار بغليان دمها وتلون وجهها باللون األحمر
وحاولت قدر اإلمكان أن تتحكم في أعصابها فال تفلت منها
وتنفجر في وجه صديقتها.
قالت لها وبصوت تمسكت أن يكون ثابتا هادئا جدا :عزيزتي
حينما نهتم بجمالنا ونعتني بصحتنا وبشرتنا وكل شيء يخصنا
فهو أوال وأخير نقوم به ألنفسنا وليس ألحد أخر سواء كان األخر
زوج أو غيره.
الجمال ينبع منا ومن داخلنا وكلما دللنا أنفسنا واعتنينا بها كانت
النتيجة راحة لنا خاصة حينما ننظر في المرآة فنقدر نعمة هللا
التي أعطانا إياها من جمال خارجي وداخلي.
أنا ال أحتاج من يقدر جمالي واهتمامي .بل وهلل الحمد معتزة جدا
بنفسي وجمالي واحب أن أرى نفسي في أجمل وأحسن حال.
52
وهنا توتر الجو وردت سناء :وهللا أنا أختلف معك تماما،أنا
أعتني بنفسي حتى أكون في عين زوجي قمة في الجمال ،أحب
أن يراني كل يوم في صورة ترضيه ،فأنا أحرص على جمالي
من أجله ومن أجل عينيه .ال يهمني غيره بالحياة اعتنائي بنفسي.
53
()38
هدية لحبيبي وزوجي ،فما جمالي إال له وحده أما الناس ال
يهموني بشيء .هو من يستحق أن أعتني بكل شيء في عزيزتي.
ثم اشاحت بوجهها بعيدا عن عيني إصرار التي كادت أن تفترسها
من أسلوبها وطريقتها بالحديث الذي وضح فيه السخرية منها
ومن ظروفها.
وكأنها تريد ان تضع قانونا يقول من ال زوج لها وال رجل في
حياتها فلتكف عن الذهاب إلى صالونات التجميل فلتكف عن
وضع المكياج ولتدع نفسها في مهب الريح انتظارا لمن يعطف
عليها وتكون من نصيبه .حينها فقط فلتعتني بجمالها .أي عقل هذا
وأي تفكير.
الجمال خلقه هللا لنا نعمة نعتني به لنا وحين يشع الجمال من
أنفسنا سيقدره األخرين.
وقالت إصرار لسناء وبكل هدوء :وجهة نظرك أحترمها ولها كل
تقدير ولكنني سأظل أعتني بنفسي وجمالي وسأذهب بإذن هللا إلى
عيادة تجميل حتى أعيد النضارة إلى بشرتي وأرى هناك ما
يناسب من عالج واحتمال أقوم بعمل تكبير لشفتي وأعود إليكن
بشفتين جميلتين وبكل ثقة.
ومدت إصرار شفتيها إلى األمام بطريقة مضحكة وضحك الجميع
من منظرها حتى دمعت أعينهن.
وانتهت السهرة على خير ما يرام مع رغبة قوية من إصرار
بالذهاب في أقرب وقت لعيادة تجميل حتى تعتني بوجهها
وبشرتها وترى ما يناسب لها ألعاده نضارتها.
فليس عيبا أن تعتني المرأة بنفسها لتبدو أكثر جماال ورقة في أي
عمر وفي أي مرحلة سواء كانت فتاة أو زوجة أو أم أو جدة.
54
( )39عندما يموت الضمير
55
تلقت إصرار مكاملة من المعقب الذي يشرف على أعمالها ولديه
توكيل خاص بمراجعة الدوائر الحكومية ألنهاء جميع معامالتها.
فهي كامرأة ال تستطيع مباشرة أعمالها بنفسها .آلنها تحتاج إلى
معرف ووكيل عنها.
طلب منها المعقب االجتماع بها في أقرب فرصة وفي الوقت
الذي يناسبها ،فطلبت منه موافاتها بالمنزل حول الساعة السابعة
مساءا .ألنها فضلت الخروج مبكرا من عملها لمالقاته.
وعادت إصرار إلى البيت قبل الموعد بنصف ساعة ورتبت جميع
أوراقها التي عادة ما يطلبها المعقب.
وأعدت كوبين من القهوة التركية المضبوطة فقد كان كلما جاء
إلى منزلها لمراجعة أخر المستجدات معها طلب كوب من القهوة
التركية المضبوطة.
وحضر المعقب في الموعد المحدد واستقبلته إصرار في مكتبها
الكائن في مدخل البيت خصصت له مكانا مميزا ومدخال خاصا
له مخرج وباب منفصل.
ووجد العاملة المنزلية ليندا في استقباله وأرشدته إلى المكان الذي
يعرفه جيدا ولكنه أتبع تعليمات ليندا صامتا.
واستقبلته إصرار بترحاب وهي ترتدي عباءة سوداء تغطيها
كاملة ما عدا وجهها وجلست أمامه في مكتبها المستدير.
وطلبت من ليندا إحضار كوبين القهوة على الفور.
وبعد أن تناول قهوته المفضلة قال لها على الفور :تسلم األيادي
سيدتي.
56
()40
قالت :هللا يسلمك .هاه هات ما عندك..
قال لها مبتسما :ال داعي للعجلة يكفي أنني سعدت برؤية وجهك
الصبوح وابتسامتك الجميلة التي قل ما أراها سيدة إصرار.
اليوم جئتك بمشروع مضمون أن شاء هللا مئة بالمئة وال تندمين
أبدا على المشاركة فيه وأنا شخصيا سأشارك معكي فيه ،وعلى
ضمانتي وكفالتي وتحملي كافة المسؤولية.
نظرت إليه إصرار بتعجب فهذه المرة األولى الذي بطلب منها
شيئا هكذا .فكل ما يربطها به هو العمل فقط ومراجعة كافة ما
يخصها من أوراق رسمية وخالفه!.
أما مشاريع أو أعمال خاصة مشتركة بينهما فلم يخطر ببالها أو
بباله يوما أن يخوضا فيه.
ما لذي جاء به اليوم ليطلب هكذا طلب.؟ بل ما لذي جعله بمثل
هذا الحماس حتى ينسى كل شيء ويطلب الدخول شريكا مع
موكلته.؟ أليس ذلك منافيا لعمله كمحامي؟
وانتظرت منه تفسيرا اكثر للموضوع.
قال لها بكل هدوء وثقة :عندي لكي مشروع سأكون فيه الشريك
بالمجهود وانتي برأس المال.
سأشرف على كل صغيرة وكبيرة فيه حرصا عليك وسنتقاسم
المال واألرباح النصف بالنصف أنت برأس مالك وانا بمجهودي
في متابعة العمل بنفسي.
سننشأ محال صغير للعناية وتصليح وصيانة كافة األجهزة
الكهربائية كالمكيفات والثالجات والتلفزيونات وجميع األجهزة
الكهربائية .ونحتاج فقط إلى محل صغير وسيارتين جيب نقل
وعدد أربع مهندسين متخصصين في صيانة األجهزة تلك..
57
()41
وصدقيني خالل شهرين فقط سيعود علينا المحل بربح مئة بالمئة.
ثقي بكالمي مليون بالمئة .ها ما رأيك.؟
أجابته إصرار بكل هدوء:وكم رأس المال المطلوب فضال.؟
أجاب بابتسامة عريضة كلها ثقة فيها :مئة ألف فقط .مبلغ صغير
بالنسبة لكي سيدة إصرار.
نظرت إليه إصرار بكل تعجب :صغير لمن لي أم لك؟ بالنسبة
لي فهو مبلغ كبير جدا ال أملك منه شيئا األن .ولكن دع لي
المشروع ودراسة الجدوى له ،وسأدرسه وأرد عليك في حينه ال
تقلق..
غادر المعقب منزلها على مضض ووعد بالرد عليه بأقرب وقت
إن شاء هللا.
وأخذت إصرار األوراق جميعها ودراسة الجدوى وراجعتها نقطة
نقطة وبند بند حتى المعامالت المطلوبة للمشروع درستها
وراجعتها بدل المرة ألف مرة حتى يطمئن قلبها.
ووجدت في نفسها القبول فالمشروع ممتاز وعليه أقبال من جميع
الفئات،آلننا نحتاج إلى صيانة وتصليح المعدات واألدوات
الكهربائية بجميع أنواعها وأحجامها وموديالتها المختلفة.
وفي اليوم التالي أتصلت بالمعقب وأبلغته موافقتها على شرط
واحد أجابها بفرح غامر يكاد يقفز من صوته :موافق موافق على
كل شروطك!.
ضحكت قائلة :أنتظر أنتظر وأستمع لي جيدا فضال !.أوال
المشاركة بالمال ستكون النصف بالنصف .أي أنا سأدفع خمسون
ألف وأنت خمسون ألف .األرباح تقسم بيننا مناصفة وكذلك ال
قدر هللا الخسائر.
58
()42
يكتب عقد رسمي بيننا عند كاتب عدل بشهود ومحضر رسمي مع
اصدار سجل تجاري للمشروع باسمي حتى يكون كل شيء
رسمي ومن خالل األوراق الرسمية لمكتب العمل.
سكت برهة ثم أجاب ببطء وكأن غصة أصابته :ولكنني ال أملك
الخمسون ألف مدام إصرار أنت تعلمين جيدا ظروفي العائلية
ووضعي المادي ،وكنت أتعشم أن تضعي يدك بيدي لنبدأ هذا
المشروع الذي رأيت الغالب من أهلي وخاصة أخواني يخوضون
فيه ويتمتعون بأرباح وفيرة مما غير من حياتهم تماما.
وودت أن أبدل وضعي المادي مثلهم ،وأخرج من تلك الحالة
المادية الخانقة.
أجابته :هذا شرطي تقبل به حياك هللا نبدأ سويا وأن شاء هللا
تحقق كل ما تتمناه وترجوه وكذلك أستفيد أن أيضا ويعطيني دفعة
لعملي ومورد مالي ثابت بأذن هللا.
أجابها بحزن :أن شاء هللا خير .أن شاء هللا خير مدام إصرار.
وغاب عنها ألسبوعين كاملين ثم عاد وأتصل بها مبلغها موافقته
وأنه سيحضر إلى منزلها معه الشهود وكافة األوراق المطلوبة
مع الوكالة الخاصة منها ليباشر اإلجراءات وطلب منها تجهيز
شيك خاص بمبلغ الخمسون ألف.
وبالفعل تم تجهيز جميع األوراق وأعطته إصرار الشيك الخاص
ووقعته باسمه وتاريخه مع وعد منه بإبالغها بالتطورات أوال
بأول.
ومنذ ذلك اليوم أتصل بها مرتين أو ثالث فقط يبلغها بتطور
المشروع واختياره المحل المناسب واعدا إياها باصطحابها لرؤية
العمل كيف يسير.
59
ومر بعدها أسبوع وأسبوعين حتى اكتمل الشهر ولم تسمع عنه
شيئا ولم يتصل عليها.
60
()43
أصابها القلق والتوتر وبدأت تشعر بأن هناك شيء صار معه،
وغص قلبها في صدرها ألنها شعرت أن أمرا ما غير مريح ال
تعلم ما هو لكنه حدث.
وذهبت إلى مكتبه ووجدته مغلق ،اتصلت على هاتفه المتحرك
أكثر من مرة ووجدته مغلق ،عادت إلى مكتبه بعد أسبوع ولم
تجده وبينما هي تعود إلى سيارتها أذا بها تصادف قريب له
فتنفست الصعداء وتوجهت إليه وسألته عنه.
أجابها أنه أغلق المكتب منذ شهر مضي وأنتقل مع زوجته وأبنيه
الى العاصمة حيث وجد عمال مناسبا هناك ،وأن هناك امرأة
كبيرة في السن أعطته مبلغا من المال كمساعدة له.
نظرت إليه إصرار في ذهول وسألته قائلة :من هي تلك المرأة
الكبيرة بالسن فضال.؟ هل تعلم ما أسمها.؟
أجابها قريبه وهو يبتسم ابتسامة تملؤها الخبث :بيني وبينك امرأة
عجوز كبيرة بالسن كانت تحبه المجنونة وتعشقه لدرجة انها
كانت تهبه المال بال مقابل،مجرد كلمة حب منه وهو كان يشفق
عليها ،ويسايرها حتى يستفيد منها.
وحين أنقضت مصلحته منها .تهرب بعد ان أخذ مبلغا جيدا.
وألقى بها وراء ظهره.
ما لذي كانت تتوقعه تلك العجوز المتعجرفة أن يتزوجها .صدق
غبية .هو سيدتي يبحث فقط عن المال والمال فقط عشقه وحبه
األزلي.
هنا صمتت إصرار ثم توجهت إلى سيارتها دون أي كلمة
وارتمت في مقعدها وهي ترتجف من الغضب والقهر والغيظ.
61
هو لم يسرق مالها فقط بل يستهزئ بها ويتعرض لها ولشرفها
ويتهمها بأشياء من أبشع وأقذر ما يكون.
كن محتاال نصابا سارقا أيا كان ،ولكن أن تكون معدوم الضمير
بل ميت الضمير لتخوض في عرضي وشرفي.
62
()44
بل ويتفاخر أمام اقربائه وأصدقائه بشيء هو يعرف جيدا أنه غير
صحيح.
لم أرى في حياتي مثل هذا اللؤم بل هذه الخباثة في البشر .أن
يتفاخروا بفوزهم على امرأة كل خطأها أنها وثقت بهم.
ما لعمل األن؟ هل تتجه إلى الشرطة وتبدأ بعمل محضر تعدي
وسرقة واحتيال؟
أم تدع األمر لمن هو أقوى منه وأعظم وأكبر وال وجه للمقارنة.
ستترك األمر كله هلل سبحانه وتعالى هو حسبه ونعم الوكيل.
أما تلك العجوز التي يعايرها بعمرها ويهينها ويقلل من قدرها
أمام رفاقه واقاربه فذلك الظفر الصغير من قدمها أثمن وأغلى
منه ومن من هم على شاكلته.
نعم ستدع جملة واحدة تكفيه :حسبنا هللا ونعم الوكيل.
وال عزاء لموت الضمير.
63
( )45الفصل الثالث -معاملة
وصل إلصرار توكيل من ابنتها زينة لتخليص معاملة لها
بالجامعة وأستالم راتبها الشهري المخصص لها.
واتصلت بالمحامي الذي تتعامل معه منذ مدة وطلب منها
الحضور إلى المحكمة مع إحضار أثنين شهود وكذلك معرفين
بها.
واحتارت من تحضر فأخاها الوحيد في رحلة عمل خارج البالد،
ففكرت باالتصال بطليقها لمساعدتها ،فهدأ من روعها وأبلغها بأنه
سيرتب كل شيء وسكون متواجدا أمام المحكمة في الوقت المحدد
بإذن هللا.
وحضرت إلى المحكمة ووجدت المحامي وطليفها والشهود
والمعرفين بانتظارها.
وقفت أمام القاضي الذي طلب شهادة الشهود والمعرفين،
ثم سألها سؤال عن رغبة أبنتها بتوكيلها هي ولما لم تختار والدها
طالما هو على قيد الحياة مبدئا تعجبه من رغبتها تلك .ثم رفض
التوقيع على المعاملة طالبا من والد زينة تغيير الوكالة باسمه فهو
من وجهة نظرة أفضل لمصلحة أبنته.
تعجبت إصرار من طلبه وتعجبت من تدخله في أمر اختارته
إنسانة بالغة وعاقلة تعلم كل العلم مصلحتها ومن تراه هي يصلح
للوكالة وتثق كل الثقة به.
وإن وكلت والدتها فذلك ال يعني عدم ثقتها بوالدها ،بل ألنها تعلم
أن مشاغله كثيرة وظروف عمله وسفره الدائم جعلتها تفضل
توكيل والدتها.
وتسألت ما العمل األن.؟
64
أجابها القاضي :بأن عليهم الحضور غدا ومعها نفس الشهود
والمعرفين ثم أن عليها وأمامه وفي حضوره االتصال بأبنتها
واالستماع إليها حتى يتأكد تماما أن تلك هي رغبتها وليس رغبة
والدتها لغاية في نفسها.
65
()46
وعادت إلى منزلها وهي تفكر في كل ما دار من أحداث اليوم،
واحتارت من كل ما حصل معها ،فالمعاملة بسيطة ال تحتاج لكل
تلك التعقيدات والقرارات ،فهي لن تكون مسؤولة عن أموال
شركة أو مصنع أو غيره!.
فقط ستستلم راتب أبنتها المخصص لها من الجامعة والذي مازال
مستمرا لم ينقطع ،رغم انضمام زينة إلى بعثة على حساب الدولة
هي وزوجها ،وهو مبلغ بسيط ،لهذا أرسلت زينة التوكيل لوالدتها
ألنها ستستطيع الدخول إلى قسم الطالبات بالجامعة.
بينما والدها يمنع عليه الدخول إليها.
أعياها التفكير وقررت بأال تعطل األمور أكثر من ذلك ،فاتصلت
بزينة وحددت معها موعدا على الساعة التاسعة صباحا حتى
تكون موجودة ليتم االتصال بها حسب رغبة القاضي وليستمع
إليها مباشرة،
وباليوم التالي ذهبت إلى المحكمة منذ الصباح الباكر وانتظرت
أمام غرفة القاضي حتى حضر طليفها ومن معه ،ثم حضر
القاضي ودخلوا جميعا إلى مكتبه وطلب منهم االتصال مباشرة
باألبنة.
وحينما حاولت إصرار استخدام هاتفها الجوال ،أشار القاضي بيده
وقال لها :رجاء دعي والدها هو من يقوم باالتصال أمامي
مباشرة.
واتسعت عينيها من خالل غطاء وجهها الثقيل ،وكادت أن تصرخ
بكل ما فيها ،ولكنها صمتت وأرخت يدها مستسلمة.
وقام األب باالتصال بأبنته وجاء صوتها حيث وضع األب
المحادثة عبر مكبر الصوت حتى يسمعها القاضي.
66
قال األب ألبنته :أبنتي الشيخ يريد أن يتحدث معك.
67
()47
فأجابته زينة :نعم أنا هنا ولكن ما المطلوب.؟
أجابها القاضي :هل أنت زينة.؟
قالت :نعمّ.
سألها :ما هو أسم أبيك كامال.؟
أجابته :أسمه عادل محمد صادق !.ولكن ما دخل أسمه بالتوكيل
الذي أرسلته لوالدتي.؟
قال لها القاضي بصوت قوي :أجيب فقط وال تسألي !.أفهمت !.ما
هو أسم والدتك كامال.؟
أجابته :إصرار محمود حسين.
سألها :هل توافقين على توكيل والدتك باستالم راتبك كامال.؟
أجابته :نعم أوافق!.
سألها ثانية :ولماذا ال تجعلين الوكالة لوالدك ولي أمرك طالما
هو على قيد الحياة حفظه هللا .فهو رجل وله الحرية المطلقة
بالتحرك وإنهاء جميع معامالتك ،أما والدتك حفظها فقد وصلت
لسن كبير قد يمنعها من الخروج من منزلها وقضاء حاجاتها ما
بالك بحاجتك أنت.؟ فضال عن كونها امرأة يصعب عليها مراجعة
الدواثر الحكومية ،وقد تجد الكثير من العقبات التي قد تعيفها،
وفي هذا العمر األفضل لها التزام بيتها والراحة تكريما لها.
وأجابته زينة بصوت حاولت قدر استطاعتها أن يكون هادئا:
سيدي أفضل والدتي رغم كل األشياء التي ذكرتها ،فوالدي حفظه
هللا كثير المشاغل والسفر بسبب عمله إلى الخارج ،وغالب وقته
غير متواجد في البالد.
68
()48
وال أريد ان أشغله في تلك األمور البسيطة التي تستطيع والدتي
حفظها هللا حلها واألشراف عليها ،كما تعودت دوما ومنذ طفولتي
أنها الوحيدة القادرة على ذلك مع تقديري واحترامي للجميع وعلى
رأسهم والدي حفظه هللا،
أرجو منكم تحقيق رغبتي بتوكيلها فيما كلفتها به وهذه رغبتي أنا
شخصيا لم تأتي بناء على ضغط من أي كان ،جزاكم هللا خير.
عندها أجابها القاضي :كما تشائين يا أبنتي ،ولكن أرجو أن ال
تعودي لنا باكية حينما تبحثين عن حقوقك ،لتجدين امك قد
صرفتها على أمور النساء كما تعلمين ،وأمانتي تحتم علي
تنبيهك ،ولكن طالما هذه رغبتك ،فال مانع لدي بالموافقة والتوقيع
على التوكيل.
ووقع األوراق ثم تم ختمها وسلمها إلى إصرار،التي أخذتها منه
واحتضنتها بقوة ثم خرجت من المكان تركض الهثة وهي تقبض
على األوراق بكل قوتها.
وفي السيارة نظرت إلى األوراق المختومة وبدأت دموعها
باالنهيار ليس حزنا ولكن هو شعور بالفخر والتحدي ،باإلصرار
والصمود.
ولسان حالها يقول :سأثبت لك وللعالم بأنني أستطيع أن أكون
كفؤا وأن أكون امرأة بمئة رجل ،تعتمد أبنتي علي بعد هللا
سبحانه.
هذي الوكالة هي شهادة كالوسام وتاج سأضعه على رأسي منذ
األن .بل وضعته منذ ولدت في هذه الدنيا.
مرحبا بك يا ربيعي الخمسين .فالمسألة ليست فقط تتعلق بالعمر،
بل بكل شيء بكوني امرأة تعتبر في نظر من حولها ضعيفة
69
وتحتاج إلى من يحميها ويقوم عنها بكل أمورها حتى ولو كان
غير أمينا عليها.
70
( )49جواز سفر
قررت إصرار السفر إلى مدينة لندن لتكون بالقرب من أبنتها
زينة التي بدأت تعاني من أعراض الحمل مسببة لها اإلرهاق
والشعور بالتعب ،فنصحها طبيبها بالخلود للراحة.
واتصلت زينة على والدتها لتبلغها بالخبر السعيد ،وكذلك حاجتها
لوجود أمها بقربها ،وألن وضعها الصحي األن ال يسمح لها
بالسفر لمسافات طويلة ،وكذلك ارتباط زوجها بدراسته.
فرحت إصرار بالخبر وانتابتها مشاعر كثيرة ،منها الفخر
واالعتزاز بأنها ترى أبنتها وقد اقتربت من األمومة ،وستجعل
منها جدة عما قريب.
أواه يا له من أحساس جميل ورائع ،أال يقولون باألمثال ما أعز
من الولد إال ولد الولد.!.
وهي تريد أن ترى العديد من ولد الولد هذا ،حتى تعوض أبنتها
الوحيدة التي لم ترزق بعدها بأبناء أو بنات غيرها.
وبدأت تتخيل أطفال أبنتها أمامها يلعبون في سعادة وهي تلبي كل
رغباتهم وتدللهم ،وأبنتها تطلب منها عدم إفسادهم وتلبية رغباتهم.
وسرحت في خيالها للبعيد وتبسمت في سعادة غامرة وتسألت ما
االسم الذي ستدع أحفادها ينادونها به.؟ ،جدة إصرار.؟ أم تتيه
إصرار.؟ ال أفضل يمه.
وأنتابها ضحك ونظرت من حولها خوفا من أن يراها أحد وهي
تهذي وتتحدث مع نفسها ربما يعتقدون بأنها فقدت عقلها وجنت!.
71
()50
واتصلت في اليوم التالي بطليفها لتبلغه بقرارها بالسفر لتكون
بجوار أبنتهما وحتى يكون لديه علم بذلك.
وكذلك ألنها ستكون بحاجة ال صدار جواز سفر جديد ،فهي ومنذ
طالقهما لم تغادر البالد وتحتاج إلى جواز سفر تثبيت فيه أنها
مطلقة وطليفها لم تعد له السلطة أو المرجع المخول لها بالسماح
بالسفر.
ثم توجهت إلى مكتب الجوازات وعبئت البيانات التي توضح
رغبتها في استصدار جواز سفر جديد يفيد بوضعها االجتماعي
كمطلقة.
وتم فحص جميع أوراقها وعند الموافقة طلب منها وجود محرم
لها سواء كان األب أو األخ أن كان األب متوفي أو العم ومن هم
في مقامه.
فأجابتهم بعدم وجود محرم لها ألن أخاها الوحيد متواجد خارج
البالد منذ فترة طويلة الرتباطه بأعماله الخاصة هناك ،وليس
لديها في العائلة سواه.
فطلبوا منها احضار أما عم أو خال أو جد المهم أن تكون القرابة
جدا لصيقة ومن أهلها.
أجابتهم :وأن لم يكن لدي أحد بالمعنى العام :مقطوعة من شجرة!.
فجاءتها اإلجابة :هذه هي الشروط التي تسمح لك بإصدار جواز
سفر جديد ،وبإمكانية سفرك إلى خارج البالد ،وغير ذلك لن يتم
أعطاك جواز سفر.
وخرجت من المكتب وهي تشعر بأن الدنيا تدور بها ،امرأة في
مثل عمرها تحتاج إلى من يمنحها جواز سفر ومعه أذنا بالسفر.؟
72
أي منطق يقبل بذلك ،يتحدثون عن عمرها ويعايرونها به ،وبأنها
ناضجة بما فيه الكفاية ،ثم يخالفون كالمهم ذاك بعدم الموافقة
على منحها تصريحا بالسفر للضرورة ،اال بوجود محرم لها
يسمح لها بذلك.
73
()50
ماذا تفعل امرأة في مثل وضعها ،ال أهل واال أقارب ،ال خال وال
عم.؟
هل يكون الكبر في العمر في المشاعر واألحاسيس ،في اإلحساس
بالعجز والشيخوخة ،والتقوقع داخل نفسها،
وحرمانها من ممارسة دورها في مجتمعها الذي بنظرهم قد أنتهى
وتجمد.
وحين جاءت رغبتها بالسفر إلى أبنتها لتكون بجوارها نسوا كل
ذلك وألغوا فكرة العمر الناضج الكبير ،وعادت تحتاج لمن يأخذ
بيدها ،لمن يسمح لها بالسفر.
أي تناقض هذا ،أي عقول تلك التي تفكر بحدود ضيقة األفق ،ال
ترى أبعد من حذائها.
أيها الخمسين ربيعا تكلم األن ناقشني !.حاورني ،أقنعني ،فأنا لم
أقتنع بل لم أفهم شيئا حتى األن.
هل كبرت أم لم أكبر.؟
هل عقلت.؟ أم لم أعقل ،أم هل احتاج لمن يسمح لي أن أكون
كائنا حيا له مطلق الحرية بالحياة.؟
74
( ) 51البحث عن عمل
75
قررت إصرار أن تبدأ بالبحث عن عمل يشغلها عن التفكير في
وضعها الحالي ،وبإحساسها بفراغ عالمها بعد سفر أبنتها الوحيدة.
فهي لم تتعود ومنذ خمس وعشرون عاما أن تخلو حياتها من
االنشغال من قمة رأسها حتى أخمص قدميها بكل شيء يخص
أبنتها زينة ومنذ أول يوم حملتها فيه رضيعة بين يديها ،وحتى
دخولها أول مراحلها الدراسية حتى تخرجها من الجامعة ونيلها
شهادة البكالوريوس تخصص إدارة أعمال وبتفوق ،ثم زواجها
وسفرها برفقة زوجها.
كانت زينة هي كل عالمها الجميل المليء بالبراءة والضحكات
والمشاغبات.
كانت كل األلوان المبهجة لكل يوم من أيامها ،وكأنها كانت تمسك
بفرشاة األلوان فتهدي لها كل لونا تعريفه وصفاته تختلف عن
لون اليوم الذي قبله.
واألن تشعر باختفاء كل تلك األلوان وانسحابها بعيدا عنها ولم
يتبقى لها غير لونين األبيض واألسود ليل ونهار يتعاقبان بال
معنى من غير روح زينة ودفء وجودها بالبيت.
وقررت بأنه ال يصلح معها البقاء بالبيت وحيدة تشفق على نفسها
تعيش على رائحة الذكريات كل هذا سيؤدي إلى تعب وقلق وتوتر
أعصابها بال جدوى ،فهذه هي سنة الحياة ،البد لألبناء أن يكملوا
مسيرتهم ويبدون في تأسيس عائلة خاصة بهم تكون جزء ال
يتجزأ من العائلة الكبيرة.
وتجهزت منذ الصباح الباكر بجميع األوراق الخاصة بدراستها
الجامعية فهي خريجة كلية اآلداب قسم اللغة اإلنجليزية ،وال بد أن
تجد لها وظيفة مناسبة لتخصصها وكذلك راتب مناسب أيضا ،فقد
توقف طليفها عن أعطاها مصروفها الشهري ومنذ زواج أبنتهما،
76
موحي أليها أنه كان يقوم بواجبه تجاه أبنته أما فيما يتعلق األمر
بها فال عالقة له بها بعد ذلك.
77
()52
وهي لن ترضى أن تطلب منه مساعدة طالما بدر منه ذلك
الموقف ،وله كامل الحرية فهو أيضا له أسرة أخرى وأبناء
أخرون وزوجة مسؤول عنهم.
ولكن طال بها البحث عن عمل ،وقوبل طلبها في كثير من
األماكن التي ذهبت إليها بالرفض.
وحينما كانت تسأل عن السبب يجيبونها بإحراج أن عمرها ال
يسمح لهم بتوظيفها.
ففي كثير من الوظائف يكون عادة المطلوب هو فئة الشباب
لتمتعهم بالنشاط والقدرة على الحركة بحرية وسرعة أكثر.
تمتمت بينها وبين نفسها ما هذا الهراء ما هذا الكالم الغير مبرر
وغير معقول ،هل يعني وصولها لهذا العمر أنه ال تتوفر وظيفة
مناسبة لها ،وانه ال مكان لها لتخدم مجتمعها وتكون جزءا فعاال
منتجا فيه .شيء ال يصدق ومنطق أعمى غير منصف بتاتا.
هل أنتهى هنا دورها بالحياة ،وصارت على هامشها؟ هل عليها
أن تستسلم وتلتزم الصمت وتتجرع األلم.
وعادت إلى غرفتها وتوجهت إلى مرآتها ونظرت إليها
مطوال،تأملت نفسها وخاصة وجهها مطوال ،ثم بدأت تبكي
والدموع تتساقط من عينيها في غزارة.
لماذا تبكي األن.؟ ال لن تسمح لنفسها بالبكاء والشعور بذلك
الضعف والشفقة على نفسها ،ال لن تكون تلك الضعيفة التي تقبع
في غرفتها تنتظر من يسأل عنها ،من يرعاها .أبدا لن تسمح
بذلك.
ونظرت إلى وجهها وعينيها الغارقتين بالدموع وبكف يدها
مسحت دموعها وتحدثت بصوت مرتفع وهي تحدق في عينيها.
78
()53
ال لن تستسلمي إصرار بأذن هللا لن تستسلمي لمن يحاولون أن
يحبطوك ويهزموا عزيمتك وإرادتك أبدا.
أهدأي فقط وتنفسي بعمق ثم أجلسي بهدوء وفكري بالخطوة
القادمة ،ما الذي يجب عليك فعله ،ما الذي تطمحين إليه ،نعم
تطمحين إليه!.
من حقك أن تحلمي تفكري تخططي ،من حقك كل شيء ما دام
هللا ينعم عليك بالحياة ،فلن يستطيع أحد أن يمنعك أن تحققي كل
ما تريدينه فقط ركزي وبهدوء ودون أي انفعال.
وبالفعل جلست إصرار تفكر وبيدها ورقة وقلم.
وفجأة قامت تركض نحو خزنة تضعها داخل دوالب مالبسها
وفتحته بهدوء وأخرجت منه ورقة كبيرة كانت عبارة عن صك
آلرض تملكها منذ وفاة والدها رحمه هللا ،ورثتها عنه.
وقررت أن تبدأ فورا بعرضها للبيع فقد تذكرت أن األرض تقع
في منطقة جدا مهمة قريبة من شاطئ البحر ،وقد كانت تأتيها
عروض كثير عليها ولكنها حينها لم تكن تفكر في بيعها.
وبالفعل أعطت صك األرض لصاحب مكتب عقار مشهور
ومعروف عنه األمانة وطلبت منه بيعها بالسعر المناسب وألعلى
سعر يعرض عليه.
وبعد حوالي أقل من شهر جاءها عرض بمبلغ كبير لم تصدقه
عينيها وقال لها صاحب مكتب العقار أنها فرصة ال تعوض
وبالفعل باعت األرض وقبضت المبلغ.
ثم قامت باستخراج تصريح ألنشاء مركز نسائي كبير يكون أمام
شاطئ البحر يتكون من عدة طوابق ويشتمل على سبا ومقهى
وصالون تجميل وخصصت جزءا كبير منه للعناية بالشعر
79
والبشرة والجسم .وكذلك قسم خاص بالخياطة والتطريز وتصميم
األزياء.
80
()54
وتعاقدت مع أفضل الخبيرات في ذلك المجال ،وبدأت تشرف
على كل شيء بنفسها واختارت شركة كبيرة للدعاية واإلعالن
التي تولت مهمة اإلعالن عن المركز في وسائل األعالم المرئية
والمسموعة والمقروءة.
وخالل ستة أشهر بدأت تجني ثمرة تعبها ،وبدأ أسم مركزها
يصبح حديث السيدات بالمدينة .وصار األقبال عليه كبيرا حتى
تطلب األمر الحجز المسبق.
وأشتهر المركز بروعة موقعه وجمال وفخامة ديكوراته وكذلك
تعدد الخدمات في مكان واحد واألهم من ذلك كله حسن االستقبال
والمعاملة الممتازة والمشجعة للقاصدات للمركز من كبار سيدات
األعمال وكذلك الفتيات الباحثات عن العناية بالجمال.
وما أن مر حوالي العام إال وكانت إصرار تقف أمام كاميرات
التلفزيون وجمع من الصحافيات في حفل كبير أقامته احتفاالت
بنجاح المركز بفضل من هللا سبحانه
ثم بفضل تلك اإلرادة التي لم تقف عاجزة أمام كل ما مرت به من
معوقات.
وكانت بعد ذلك وفي كل ليلة تخلد فيها إلى النوم بعد انتهاء
دوامها تقف أمام مرآتها مبتسمة سعيدة تقول لنفسها :مرحبا بك
أيها الخمسين ربيعا.
81
( )55قرض من البنك
جلست إصرار مع صديقتها المقربة في مقهى تطل شرفته على
شاطئ البحر ،واستمتعا معا بالمنظر الرائع الذي أعاد لهما العديد
من الذكريات والمواقف الجميلة التي اشتركتا فيها معا .وتناولتا
عدة مواضيع منها رغبة صديقتها بمشاركتها في مشروع كبير
يعود عليهما بربح مريح على أن يكون رأس المال مناصفة
بينهما.
فطلبت منها ترك دراسة الجدوى وكافة األوراق الخاصة
بالمشروع لتدرسها وتقلب الموضوع من كافة جوانبه وتستخير
هللا سبحانه وتعالى ثم تبلغها بالرد أما بالموافقة أو خالفها.
وعندما عادت إصرار إلى منزلها وأخذت تتفحص جميع
المعلومات التي سجلتها صديقتها ،وأعجبها جدا دراسة الجدوى
للمشروع فقد عمل بطريقة محكمة ومعقولة تشرح األهداف من
المشروع والرؤية المستقبلية له ،وكيف سيكون منافسا قويا في
سوق العمل التجاري.
ولكنها اكتشفت رغم أعجابها بالمشروع ورغبتها باالشتراك به،
بأنها تحتاج إلى رأس مال كبير ال يتوفر عندها األن ،الرتباطها
بمركز التجميل الخاص بها ،والذي عملت كل جهدها ال نجاحه،
وكلفتها أيضا الدعاية له الكثير.
والنجاح الذي حققته وهلل الحمد من الصعب أن تتخلى عنه من
أجل المشروع الجديد والذي ال تعلم كيف سيكون مستقبله رغم
حماسها له.
وفي اليوم التالي استيقظت مبكرا وقد عقدت النية على التوجه إلى
البنك الوطني المعروف ،فقد خطرت على بالها فكرة بأن تأخذ
من البنك قرضا بالمبلغ.
82
()56
على أن ترهن منزال صغيرا تملكه كان يدر عليها مبلغا ال بأس
به كإيجار سنوي.
وتوجهت إلى البنك ومعها كافة األوراق الثبوتية التي تحتاجها من
بطاقة الهوية الشخصية ،وعقد ملكية المنزل ،وعقد إيجار المنزل.
وحين وصلت للبنك طلبت مقابلة مدير خدمة العمالء
والمتخصص في بند القروض الشخصية.
وطلب منها الجلوس في غرفة االنتظار حتى ينتهي من اجتماع
ألعضاء البنك سيأخذ حوالي نصف ساعة.
وبعد حوالي الساعة أذن لها بالدخول إلى مكتبه ،ورحب بها
وطلب لها فنجانا من القهوة ،كما كان لطيفا ودودا وفي غاية
الذوق واالحترام معها.
وأخذ منها جميع األوراق وطلب منها الحضور في اليوم التالي
مع إحضار كشف حساب من بنك أخر تتعامل معه فهذا شرط
أساسي للقرض المطلوب.
وفي الموعد المحدد لها عادت إلى البنك وأحضرت كشف
الحساب المطلوب منها وأعطته للمدير المسؤول عن حسابات
وقروض العمالء.
فأخذ منها جميع األوراق والمعامالت وطلب منها انتظار
االتصال بها خالل يومين إلى أربعة أيام عمل وسيأتيها الرد أم
بالموافقة أو الرفض.
وبعد حوالي األسبوع أتصل بها البنك طالبا منها دفع مبلغ حوالي
ثالثة األف وذلك مقابل خروج لجنة لمعاينة المنزل وتقدير،
وحين سألت عن سبب دفع ذلك المبلغ الذي شعرت بأنه مبالغا
83
فيه ،أجابوها بأنهم لجنة متخصصة بتقييم المنازل وسعرها
بالسوق ووضعها من ناحية البناء وحداثته أو قدمه وخالفه.
وكل تلك اإلجراءات تعني أنه تمت الموافقة على طلبها وما هي
اال عملية روتينية حتى يتم أعطاها القرض بطريقة سليمة
ونظامية.
84
()57
وسألتهم في لهفة :وهل يعني كل ذلك قبول طلبي.؟
فجأتها اإلجابة بأن مجرد خروج اللجنة للمعاينة تعني مبدئيا
القبول وأنه ليس عليها القلق من ذلك وأن تنتظر فقط نتيجة
المعاينة وسيتم حينها وضع المبلغ في حسابها.
ودفعت لهم المبلغ المطلوب ثم انتظرت أسبوع ثم أسبوعا أخر
دون أن تسمع منهم أي رد أو أجابه مما أصابها بالقلق والتوتر
ولم تعرف سببا لذلك التصرف.
وبعد حوالي الشهر رجاءها اتصال من البنك طالبين منها
الحضور لمقابلة مدير العمالء الذي استقبلها المرة األولى.
وأسرعت إلى البنك فقد شعرت أن الموضوع أنتهى تماما وأن
القرض الذي تنتظره بفارغ الصبر قد أصبح قريبا منها بإذن هللا
تعالى.
وأستقبلها مدير البنك للقروض العقارية نفس االستقبال األول بكل
ترحيب وابتسامة ترتسم على وجهه تدل بأن كل األمور تسير
على خير ما يرام.
وبعد حوالي ربع ساعة تكلمت إصرار وهي تحاول إظهار الثبات
والهدوء.
طمني هل تم قبول طلبي للقرض.؟
قال لها :لألسف لم يتم قبول طلبك وأنا جدا أسف ألننا أطلنا
عليك ولم يأتك ردنا في الوقت المحدد ،ذلك ألن البنك راجع
جميع أوراقك ومعلوماتك وبياناتك الشخصية ووجد أنها جميعا
سليمة وبأنك تستحقين القرض المطلوب ولكن!،،،،،
وصمت حينها قليال ثم نظر إليها مباشرة :أسف أن أبلغك أن إدارة
البنك رفضت قرضك لسبب واحد فقط،
85
قالت له بصوت حاولت أن يكون في غاية الهدوء :وما هو
فضال.؟
86
()58
أجابها وهو يتجنب النظر إليها :بلوغك سن الخمسين! فهذا العمر
ال يسمح لك فيه بالحصول على القرض!.
وحينها نظرت أليه وهي ال تكاد تصدق ما سمعته ،وانتابتها حالة
من الضحك المتالحق.
ضحكات سريعة حتى أصبحت كأنها كالقهقهة ،سريعة مجنونة ال
تريد أن تتوقف أبدا.
ثم تمالكت نفسها أخيرا وقالت له بكل هدوء :وأنا أسفه سيدي
ألنني جئت إلى بنك معروف عنه النزاهة واألمانة والمعاملة
الراقية ،ألكتشف أنه يتعامل معي بعقل متحجر يريد أن يعود بي
إلى العصور الوسطى يعايرني فيه بعمري ،ال ويشعرني بعجزي
ذاك ،وبأن بسبب عمري ال أستطيع أن امارس حقي بالحياة.
يضع قانونا غبيا وكأن وصولنا لهذا العمر رسالة بلزوم منازلنا
والراحة ألنه لم يعد لنا ضرورة لخدمة مجتمعنا ،وأن مجرد طلبنا
لقرض خارج عن حدود العقل ،فمن سيسدد للبنك وقد بلغنا من
العمر ما بلغنا..
وقامت من مكانها وحملت حقيبتها وتوجهت نحو باب الخروج،
فمد لها يده ليصافحها ويعتذر منها عن أمر خارج عن إرادته ليس
له يدا به.
فنظرت إليه مطوال ورفضت أن تمد له يدها قائلة له بكل هدوء:
أسفه لعدم مصافحتك ،فكما تعلم أنا بالخمسين يدي تصلبت في
مكانها عاجزة أن تصافحك تعلم بارك هللا فيك أن العمر له أحكام،
وحتى ال تشعر بإحساس الشفقة تجاه امرأة عجوز.
فأبتسم وقال لها بكل أعجاب :تحياتي واحترامي لك سيدتي فأنت
أكثر شبابا مني ومن وضع هذا الشرط التعجيزي .وصدقيني أثق
87
تماما أنك ستجدين حال للقرض دون اللجوء للبنوك ،لقد رأيت
ذلك في عينيك التي تتقدان تحديا وإصرارا ،بالفعل أنت أسم على
مسمى .كلي أعجاب وتقدير لك..
88
( )59مكالمة من مجهول
بينما كانت إصرار تستلقي باسترخاء في فراشها ،تراجع
مجموعة من األوراق ،وتدقق في الحسابات الخاصة بذلك اليوم.
وتقوم بالتوقيع على العديد من الفواتير التي أرسلتها لها المحاسبة.
شعرت بالتعب والنعاس يحالن عليها ،خلعت نظارة القراءة
وألقت بها جانبا ثم أطفأت نور المصباح إلى جوار سريرها ،وما
هي إال خمس دقائق بدأت تدخل بالنوم العميق.
وما هي إال حوالي نصف ساعة حتى سمعت صوت هاتفها
الجوال.
وما بين النوم واالستيقاظ رفعت الهاتف إليها ونظرت إلى الساعة
بشاشته وجدتها تعلن الساعة الثانية بعد منتصف الليل.
من الذي سيتصل بها في مثل هذا الوقت المتأخر ،ترددت بالرد
ولكن خطر في بالها أنه ربما يكون أمر طارئ ال بد أن تجيب
عليه .فالوقت يدل على أن المتصل في حاجة إليها.
وأجابت بصوت كله نوم ونعاس هامسة :الوو.
89
()60
وجاء صوت من الطرف األخر يقول لها :هال وغال حيا هللا هل
الصوت!.
فوجئت بالصوت فهو صوت غريب عنها لم تسمعه من قبل ولم
تتعرف عليه.
من هذا الذي يهل ويستظرف في مثل هذا الوقت ،ومن دون أي
تردد أغلقت الهاتف ثم وضعته على الصامت حتى ال يعود
ألزعجاها من جديد.
فالغد لديها اجتماع مهم وألبد أن تستيقظ مبكرا وتستعد له ،وال
يسعها الوقت للتفرغ لمثل هذه التفاهات.
وفي اليوم التالي ومنذ الصباح الباكر ،توجهت إلى مركز التجميل
وعقدت اجتماعا مهما مع مندوبة شركة عالمية في التجميل
لعرض أحدث منتجات هذه الشركة ،وأغلقت هاتفها الجوال ،حتى
ال يزعجها أحد.
وأنتهى االجتماع حوالي الساعة الثانية عشر ظهرا حيث أقامت
في المركز مأدبة غذاء لجميع العامالت.
ثم تذكرت هاتفها الجوال وأعادت تشغيله ثانية ،تعرف هل وردها
أي مكالمة مهمة وخاصة من أبنتها زينة.
ووجدت أن الرقم الذي أتصل عليها أمس في وقت متأخر من
الليل ،توجد منه فوق أكثر من أربع مكالمات فائتة .واستغربت
ممن يكون هذا المتصل المزعج.
ثم جاءتها رسالة من نفس الرقم تقول فيها ( :أحببت أن أسمع
صوتك و أطمئن عليك ،فقد شدتني إليك تلك البحة الرائعة
والمثيرة في صوتك ،فال تبخلين بالرد علي رجاء ،فأنا في حاجة
جدا لسماعها مرة أخرى) .
90
تعجبن إصرار من الرسالة الواضح أنه شخص ال يعرفها ،ولكنه
يتظاهر بمعرفتها وكأنه كان من األقرباء ،أسلوبه وطريقة كتابته
للرسالة تدل على أنه شخص ال.
91
()61
يوجد لديه ما يشغله ويريد أن يسلي وقت فراغه بالتحدث إلى أول
صوت أنثوي يصادفه.
وهزت رأسها في تعجب ثم قامت بعمل حجب وحظر لرقم
المتصل وهي تردد :عالم فاضية صحيح..
وعادت إلى منزلها حوالي الساعة العاشرة مساء وتناولت طعاما
خفيفا للعشاء ،ثم توجهت إلى غرفتها وجلست في فراشها لتستعد
للنوم ،فقد كان يومها طويال مرهقا لها.
وأمسكت بكتاب تقرأ فيه حتى يأتيها النوم ،ووضعت هاتفها
الجوال إلى جوارها ثم بدأت تشعر بالنعاس.
وما أن كادت تغمض عينيها حتى عال صوت هاتفها وأجابت على
المتصل وهي تشعر بالحنق والغضب من األن.
أجابها نفس الصوت الذي سمعته باألمس ولكن من رقم مختلف.
قائال لها :مرحبا كيف حالك حمدا هلل أنك أجبت على أتصالي.
أجابته إصرار :فضال من أنت.؟ ومع من تريد التحدث.؟ يبدو
بأنك أخطأت بالرقم عفوا.
أجابها سريعا :ال لم أخطأ فقد دلني قلبي عليك !.وأسرني صوتك
الدافئ الحنون !.جذبتني إليك تلك البحة المذهلة بنبراتها المثيرة.
فكيف أكون مخطئا !.ال يهمني من أنت ،ومن تكونين ،فقط دعيني
أستمع لهمس صوتك المغري ،دعيني أتخيلك حتى أستطيع رسم
مالمحك.
92
()62
ولم تجيب عليه إصرار فقد شعرت بأنه تجاوز حدود األدب
واالحترام بالتحدث معها بتلك الطريقة الغير الئقة بتاتا،
واألسلوب الذي يوحي بأنه شخص غير سوي أطالقا.
وأغلقت هاتفها ،ثم اخلدت إلى النوم وهي تردد عجيب أمر بعض
الرجال ،يبيحون ألنفسهم كل شيء ،وكأن المرأة لعبة يجري
عليها بحثه وتجاربه ،فيظن أن عبارات الغزل البالية تلك تنفع مع
كل النساء.
واستيقظت عند صالة الفجر ،وفي صالتها تذكرت أبنتها زينة،
ورفعت يديها إلى السماء تدعو هللا بأن يحفظها وييسر أمورها
كلها وأن يسهل لها والدتها ويقر عينيها برؤية حفيدها أو حفيدتها
عما قريب.
وتناولت طعام األقطار سريعا ،وبدأت تحضر نفسها للذهاب إلى
العمل ،وإذ بالهاتف يرن رنينا متواصال وملحا.
كأنما المتصل على عجلة من أمره وأن هناك أمر ضروري
التصاله في الصباح الباكر.
ونظرت إلى شاشة هاتفها لتكتشف بأنه نفس الرقم الذي أزعجها
ليلة البارحة ،فلم تجيبه كل ما فعلته أنها وضعت حظرا ومنعا
لالتصال حتى ال يستطيع االتصال بها مجدد وأزعجاها.
ورددت قائلة :من جد عالم فاضية ال تجد ما يشغلها..
وذهبت إلى عملها كالمعتاد ،وكان المركز مشغوال بالكامل ،فقد
كانت هناك أربع عرائس يصادف حفل زفافهن في نفس الليلة.
93
()63
فأعلنت إصرار إخالء المركز من الزبائن المعتادين وعدم
استقبال أي عميلة من السيدات.
غير العرائس األربعة وأهلهن والمرافقات لهن.
وأبلغت جميع العامالت بالمركز بالحرص عليهن واظهارهن
بالمظهر الالئق الجميل ،فذلك سيعود على المركز بالدعاية الجيدة
والسمعة الطيبة التي ستعود بإذن هللا بالخير للمركز.
والذي أشتهر منذ افتتاحه بالجودة والدقة واالنضباط والمهارة من
جميع العامالت فيه.
وكان أكثر ما تركز عليه إصرار وتحرص عليه دوما هو رضاء
جميع السيدات الزائرات للمركز والالتي أصبحت الغالبية منهن
يتمتعن بالعضوية فيه ،ولهن مزايا عديدة وخصومات خاصة بهن
فقط.
وعادت إصرار إلى منزلها بعد منتصف الليل متعبة ومنهكة،
ولكن سعيدة جدا فقد ظهرت العرائس األربعة في قمة الجمال
والذوق والنعومة ولم تتركهن إال راضيات عن المظهر الذي
تمتعن به وغادرن وهن في قمة السعادة.
وألقت بنفسها في فراشها وهي متعبة مرهقة ال تكاد تستطيع فتح
عينيها ،ولكنه كان تعبا لذيذا ،التعب الذي يتحقق بفضل من هللا
سبحانه ،ثم بفضل اجتهادك وكفاحك يتوج بنجاح التألق والتفوق.
وما أن كادت تغمض عينيها المتعبتين حتى سمعت رنين هاتفها
الجوال ،ولم تعره اهتماما.
ولكن الرنين أستمر مطوال ،يصمت قليال ثم يعود ثانية
ومتواصال.
94
()64
فأجابت على المتصل ظنا منها أنها أحد من زبائنها االتي كن
اليوم متواجدات بالمركز.
ووجدته نفس الشخص الذي ظل يالحقها باتصاله منذ يومين.
قال لها معاتبا وكأنه يعرفها منذ زمن :لم أتوقع منك أن تضعي
لي حظرا ،فصاحبة الصوت الدافئ والعطوف تلك تتصرف معي
بكل تلك القسوة دون أن تعطيني فرصة ألشرح لها أو أعبر عن
أعجابي بها.
كيف هان عليك كسر قلبي المتشوق لسماع صوتك ،وهمسك،
وحديثك.
أود التعرف عليك أكثر واالقتراب من عالمك أكثر فأكثر ،فقط
أعطيني الفرصة لتتعرفي علي ،وتسمحين لي أيضا بالتعرف
عليك!.
هنا فقدت إصرار صبرها وقالت له بلهجة غاضبة :يا أخي أفهم
أنا ال أريد التعرف ،وال يهمني من أنت ومن تكون ،ولست ممن
يبحثن عن مغامرات عاطفية عن طريق المكالمات العاطفية.
لقد أخطأت في اختيارك لي ،فأن ال تعرف من أنا وال أريد أن
تعرف ،عذرا سأضطر إلنهاء االتصال األن.
أجابها سريعا :بال أعرفك تمام المعرفة ،وكنت قريبا منك جدا،
أنت إصرار طليقة رجل األعمال عادل.
لقد رأيتك معه قبل مدة في المحكمة ،هل تتذكرين.؟ لقد كنت من
ضمن الشهود ،طلب مني طليقك مرافقته إلى المحكمة لمساعدتك،
ووجودي كشاهد معك.
ومنذ أن رأيتك تعلق قلبي بك ،اعجبتني تلك القامة الطويلة،
ومشيتك المغرية والفاتنة والتي سحرتني تماما ،فلم اعد أفكر في
95
شيء غيرها منذ ذلك الوقت .
96
()65
وجدت رقمك ضمن أوراق المعاملة التي طلب إلى أن أوقع
عليها ،فحفظته عن ظهر قلب.
هنا أشتعل الغضب في إصرار وشعرت بحالة من الغيظ والحنق
تجاه هذا الرجل.
فاألن هو يعرفها معرفة شخصية ويتجرأ على مغازلتها
ومالحقتها بأسلوب غير محترم.
ويعتقد أنه بحديثه المنمق ذلك وكلمات الغزل السخيفة تلك
سيجذب أنتباهها ،وستسقط كالفراشة تجاه الضوء.
وال لما ال فهي مطلقة ووحيدة كل ظروفها متهيئة تماما ليحكم
لعبته بالوصول إليها.
فأنهت االتصال ،ثم قامت بعمل حظر للرقم ومنع أتصال مرة
أخرى.
وعادت تحاول النوم فقد أطاره من عينيها هذا السفيه.
وبعد ساعة وصلتها رسالة جاء فيها :من أنت أيتها المتكبرة،
المتعالية.؟ ! من أنت حتى تقومين بحظري،
لقد أصابك الغرور أيتها المتعجرفة ،واعتقدت أنك شيئا ما،
صحيح أخذت في نفسك مقلبا كبيرا أيتها العجوز الحمقاء.
لقد أشفقت عليك حين رأيتك بالمحكمة ورأيت كم أنت مسكينة
ووحيدة وتحتاجين إلى رجل يؤنس وحدتك ،ويلبي رغباتك.
فمن الذي سينظر إليك أيتها العجوز المتصابية ،وليكن بعلمك أنك
انت من تحتاجين لي.
فأنا شاب وفي عز شبابي وقوتي ،ولدي مجموعة كبيرة من
الفتيات المعجبات بي ،ويريدن فقط أرضائي وسعادتي.
97
()66
أحببت فقط أن أزيل عنك شبح الوحدة والعجز وأسليك ،من الذي
سينظر إليك صدقا مضحكة أنت.
أنا أن خرجت يوما معك سأمشي بعيدا عنك فأنا أخجل أن اضع
يدي بيد عجوز بشعة مثلك.
أذهبي إلى الجحيم يا عجوز ،وستندمين كل الندم أنك فرطتي في
وضيعت فرصة ثمينة بالتمتع بقربي.عودي إلى لونك األسود
والرمادي فهما اللونين الذي يلقيان بك يا شمطاء.
وستبقين أيام عمرك الباقية هكذا بال ونيس وال أنيس يسعدك،
فذلك ما تستحقينه أيتها المتصابية.
وانتهت الرسالة بهذه الكلمات ،ونظرت إلى هاتفها وقلبها تكاد
ضرباته تخترق أضلعها.
ووجهها يزداد احمرار وتلونا وهي تتساءل في نفسها :هل هذا
الرجل مجنون أم عاقل ،أم يمر بحالة نفسية معقدة ،فقد جن وفقد
تفكيره السليم بل المنطق ألي عقل سليم.
حينما رفضت أن أتحدث معه ،أو أن أتجاوب مع تفاهاته تلك،
اتهمني وقذفني بأبشع الوصف دونما أي وجه الحق ،فلم أوجه إليه
كلمة واحدة مهينة.
بينما هو تجرأ وتجاوز كل الحدود بمجموعة من الشتائم والقذائف
اللغوية التي تدل على مدى تدني تفكيره وأسلوبه.
ومتى تذكر عمري وأنني كبيرة بالسن ،حين رفضت التجاوب
معه ،حين أقفلت بوجهه كل السبل التي تؤدي إلى التقليل من
احترامي ومكانتي!.
حينها فقط علم أنني كبيرة بالسن.
98
()67
صدقا بعض العقليات مريضة وتفكيرها سقيم يحتاج إلى عالج
مكثف لتغيير ذلك األسلوب الشاذ والغير محترم.
شكرا لك يا عمري الخمسيني ،كم أصبحت أحبك األن أكثر ،ألنك
تجعلني أبعد عن أمثال هؤالء البشر الذين ال يعرفون وال يدركون
قيمة نعمة كونك في الخمسين .الحمد هلل.
وألقت بهاتفها الجوال بعيدا بعد ان وضعته على الصامت ،ثم
عادت إلى النوم ولم تشعر بأي شيء سوى بابتسامة تزين وجهها
ونور يضيء تلك التجاعيد الجميلة والتي أحاطت بعينيها.
وقالت لنفسها والنوم يداعب عينيها :كم أحبك يا عمري
الخمسيني ،بل كم أحبك يا نفسي وروحي الجميلة وقلبي الممتلئ
طفولة وجماال:.
وابتسمت في سعادة واستغرقت في نوم عميق.
99
( )68الفصل الرابع -اال معقول
وصلت إصرار إلى منزل صديقتها سميرة منذ الطفولة وأيام
الدراسة سواء المدرسة حتى سنوات الجامعة برفقة صديقتهما
المشتركة دالل.
لم يفرق بينهما شيء حتى الزواج واألنجاب ،ولكن بعد طالقها
بفترة الحظت إصرار ابتعاد وغياب من سميرة عزته إلى
انشغالها باألنجاب ثم تربية أطفالها الثالث ،فاألمومة ال تترك
مجاال للصديقات واال حتى أي وقت فراغ .فالصغار يحتاجون إلى
االم في أربع والعشرون ساعة من اليوم.
واألن وبعد أن مرت األعوام وكبر الصغار البنات والشباب ،لم
تكن تسمع عنها شيئا وانقطعت اخبارها ،حتى قابلتها صدفة في
أحد األسواق الكبيرة ،وظلت تنظر إليها وتحاول أن تتأكد ان هذه
هي صديقتها المقربة سميرة ،ولكنها الحظت أن سميرة تتعمد
تجاهلها ،وتتصنع عدم معرفتها ،حتى أتت صديقتهما المشتركة
دالل وقبلت إصرار ثم نظرت إلى سميرة معاتبة :اال تتذكرين
إصرار صديقة الدراسة هل فقدتي الذاكرة سميرة وانطلقت
تضحك من قلبها.
فأجابتها سميرة على مضض :بال أعرفها مرحبا بك إصرار كيف
حالك ،وماهي أخبارك ،سمعت أنك زوجتي ابنتك زينة.؟
100
()69
أجابتها إصرار :نعم تزوجت قبل ستة أشهر وأرسلت لك بطاقة
دعوة ولكنك لم تجيبي ،واعتقدت انك ربما تكونين خارج
المدينة!.
ردت عليها سميرة بامتعاض ملحوظ :نعم نعم كنت خارج المدينة
مع زوجي حسام .في رحلة استجمام لمدينة باريس!.
وهنا تدخلت دالل صديقتهما المشتركة قائلة :ما رأيك يا سميرة
أن نقوم أنا وإصرار بزيارتك في نهاية األسبوع القادم .فأنا أود
أن نعيد ذكرى أيام الدراسة والمشاغبة وتلك األيام الجميلة
البريئة !.ها ما رأيك سميرة؟ خالص من غير رد سنكون عندك
الخميس بإذن هللا !...ولم تدع لسميرة مجاال للتهرب والتملص من
الزيارة .فوافقت وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة وخرجت من
السوق.
فنظرت إصرار معاتبة دالل قائلة لها :لماذا أحرجتها؟ واضح انها
ال ترغب بزيارتنا أو القدوم لمنزلها .ربما هناك سبب ال نعلمه
يمنعها من استقبالنا .أحرجتها جدا دالل .هللا يسامحك بس.
أجابتها دالل وهي تضحك ممازحة :خليها إصرار كلما رأتني
قالت لي لماذا ال تزوريني ببيتي .اسمع دوما بأنك تزورين
إصرار كثيرا وتتجاهليني!.
األن قصدت أن أريها أنني وفية لكي وأنني صديقة لكما أنتما
االثنتين وال أحب أن أكون مع أحدكما دون األخرى .فنحن منذ
الصغر سويا ،فلماذا التفرقة األن إصرار.؟
وهكذا كان ووصلتا الى منزل سميرة سوية وطرقا جرس المنزل،
وانتظرتا قليال حتى فتحت لهما الباب العاملة المنزلية مبتسمة
تدعوهما الى الدخول وأرشدتهما الى مجلس الضيوف والذي كان
101
فاخرا بمعنى الكلمة بكل ركن فيها وتبدو لمسات الترتيب والنظام
والجمال فيه .مع رائحة بخور العود المنعشة في كل أنحاء
المنزل.
102
()70
وجلستا في انتظار سيدة المنزل حتى تأتي ومر حوالي نصف
ساعة حتى قدمت سميرة ترتدي ثوبا مطرزا لونه ذهبي وقد
رفعت شعرها إلى أعلى رأسها فبدت في غاية األناقة والجمال.
ونظرت إليهما ورحبت بهما ولكن دون أي ابتسام أو روح
توضح ترحابها بهما
وأشارت إلى العاملة المنزلية لتأتي بدلة القهوة العربية وأمرتها
بصبها لهما ثم حملت لهما طبق فاخر من الشكوالتة .كل هذا
وسميرة تضع ساقا على ساق وال تتحرك من مكانها ،بل تنظر
بكل تعال وضيق ناحية إصرار وحينما تأتي عيناهما سويا تشيح
بنظراتها بعيدا حتى ال توضح ما تخبئه في داخلها من شعور يكاد
يفضح نفسه لضيفتها.
وبعد حوالي ساعة دعتهما إلى مائدة العشاء حيث كانت هناك
أطباق عديدة من كل أنواع الطعام يكفي ألكثر من ست أشخاص
وليس الثنتين.
ونظرت إصرار إلى دالل نظرة عتاب بينهما االثنتين دون أن
تالحظ سميرة ذلك تكاد تقول لها ما كل هذا يا دالل.؟ ما هذا.؟
وبينما كانت أكواب الشاي بالنعناع تقدم إلصرار الحظت أن
سميرة طلبت من دالل التحدث إليها على انفراد بعيدا عنها.
وخرجا إلى الصالة الخارجية للمجلس وغابتا طويال جدا حتى
بدأت إصرار بالقلق وأصابها التوتر وتسألت في نفسها .ما الذي
يحدث؟ وما هذا الحديث المهم الذي ال يسمح لها بالمشاركة فيه.
ثم عادت االثنتين والحظت تغيرا في تعابير وجه صديقتها دالل
التي أومئت أليها أنه حان وقت االنصراف .فاستجابت لها
103
وانطلقتا خارجا وحين صعدتا السيارة تنفست إصرار الصعداء ثم
نظرت إلى دالل متسائلة :ماذا حل بك دالل لماذا هذا
104
()71
الصمت.؟ وما الذي دار بينك وبين سميرة حتى غبتما عني طيلة
هذا الوقت.؟ أجيبي دالل.؟
نظرت إليها دالل وهي حائرة ال تعلم ماذا تقول لها ولكنها قالت
لها أخيرا :إصرار أرجوك أستمعي إلي وأريد منك وعدا باال
يؤثر عليك ما سأقوله لكي أرجوك عديني بذلك.؟
نظرت إليها إصرار باستغراب وردت :أعدك باال أغضب ولكن
ماذا بك دالل تكلمي باهلل عليك قسم باهلل لقد أصبتني بالقلق.
تنهدت دالل ثم قالت لها :أوال أنا اسفة جدا إصرار ،ألنني
فرضت عليك وعلى سميرة هذه الزيارة .كان البد أن أستمع لكي
ولكن قدر هللا.
ثانيا :الموضوع ببساطة أن سميرة تغار منك جدا وتخاف على
زوجها حسام منك كونك امرأة مطلقة ومن وجهة نظرها أنت،
أسفة إصرار ال أود أن أتكلم ولكن هذا كالم سميرة ورأيها ال
رأي أنا .بما انك مطلقة وحرة وجميلة ما شاء هللا سيكون زوجها
هدفا سهال لك
!.
وهو كان من أيام الزواج األولى يتحدث عنك بأعجاب واحترام
ويستشهد بك في أي موقف يحدث بينهما.
فما بالك األن وبعد طالقك وزواج ابنتك أصبحت حرة بمعنى
الكلمة ولن تفوتين فرصة مثل زوجها حسام كونه رجل اعمال
معروف وغني ووو..
واسترسلت في الكالم الذي لم تعد إصرار تسمع منه شيئا غير
مطارق تنهال على رأسها بكل قسوة وعنف وصوت داخلها
يصرخ ويعلو قائال :منذ متى كنت بتلك المبادئ منذ متى رأت
مني سميرة ما يدلها على انني أبحث عن زواج وممن من زوجها
105
الذي لم أراه ابدا .وحتى أن رأيته فهل خلت الدنيا من الرجال
حتى يجذبني وأسرقه من صديقتي.؟
106
()72
أمعقول ما أسمعه ووضعت يديها على أذنيها ثم أغمضت عينيها
وصرخت بأعلى صوتها :كفى يا دالل كفى باهلل عليك ال أريد ان
اسمع منك المزيد كفى أرجوك
كفى باهلل عليك ،أن كانت هي بهذه القسوة وبال قلب وال عقل
يفكر ،فال تكوني مثلها ترددين كالمها كالببغاء أرجوك.
ما أسمعه غير معقول وال معقول وال مقبول فكفي عن الهراء
أرجوك أنا إصرار اال تعرفين من أنا دالل.
أنا ال أبحث عن الذهب وال أتمسك بنصف رجل أتفهمينني.
لو كنت أريد الزواج لعدت إلى طليقي أبو أبنتي،والذي ترجاني
طيلة السنين الماضية وعقب زواجه من أخرى.
وندمه على قراره ورجائه لي أن أعود له .ورفضت كل هذا حتى
ال أكون شريكة ألمرأه على ذمته.
رغم كوني كنت زوجته األولى ولي الحق كل الحق فيه ،ولكنني
رغم كل شيء رفضته وفضلت البقاء بال زواج حتى أبقى مع
أبنتي.
ما اسمعه هو تقليل مني ومن احترامي ولن أقبل به نهائيا.
نعم ما تقولينه دالل هو ال معقول أبدا .المعقول.
وهبطت من سيارة دالل ودخلت إلى منزلها وهي تركض بأقصى
ما فيها إلى غرفتها ثم ألقت بنفسها على فراشها وهي تنهج
بالبكاء.
بكاء شعور بالظلم وبالغيظ والغبن مما سمعت ومما رأته معا.
وظلت تبكي حتى شعرت أنها منهكة قامت ثم نظرت إلى نفسها
في المرآة ورأت عينيها الذابلتين واقتربت من تجاعيد عينيها
وبدأت تمر بيدها وتربت بعطف عليها.
107
()73
ثم قالت لنفسها باكية :كل هذا بسبب ماذا طالقي.؟ !
أم أنت يا عمري الخمسيني المنهك من ظلمهم.؟
ماذا يريدون مني؟.
أن أغلق على نفسي فال أعرف وال أرى احد وأن اكتفي بعد سنين
عمري.؟؟
خمسون عاما جميلة أراها جميلة رائعة ومازالت.
أنا كما أنا تغيرت مالمحي !،،نعم.
ولكن قلبي مازال كما هو ينبض بالحياة أم يريدون إيقافه
ليستريحوا.؟!!
وارتمت مرة أخرى على فراشها واضعة رأسها الصغير تحت
وسادتها لتختبئ هناك وأغمضت عينيها المبللتين بالبكاء ثم خلدت
إلى النوم وذلك السؤال يتردد :يا عمري الربيعي ما ذنبي ما ذنبي
أن بلغتك بكل شرف.؟
108
( )74السناب شات واألنستقرام والفيس
توسعت إصرار في عملها وأصبح لديها فرع لمركز التجميل
والسبا في الحي الراقي والذي يقع شمال المدينة حيث الموقع
الجميل والقرب من منطقة شاطئ البحر .ووجود غالب المقاهي
والمطاعم التي يرتادها العديد من سكان وزوار المدينة الساحلية
المعروفة والمحبوبة من الجميع.
وفكرت كثير ا في أن يكون لها مكانا أيضا في عالم األنترنت بعد
أن شاهدت غالب زبائنها من الفتيات الشابات يحملن هاتفهن
المحمول ويقمن بتصوير كل ما يصادفهن وتقع عليه أعينهن.
وأصاب إصرار الفضول والرغبة في التعرف على هذا العالم
الجديد بالنسبة لها والذي يتحدث عنه الجميع بحيث ال تخلو جلسة
سواء كانت عائلية أو مع الصديقات اال وشاهدت كاميرا الهاتف
الجوال تلتقط العديد من الصور وحين تسأل بدافع الفضول تأتيها
اإلجابة للسناب شات ,وأخرى تجيب لتحديث أخر معلومات
اإلنستقرام.
كما وجدتها فرصة حين جاءتها فتاة شابة تعرض أطباقا من الكب
كيك والبسكوت من صنع يديها تتميز بطعم جميل يحمل أسم الفتاة
وحين سألتها أنت من تقومين بطهي كل هذه الحلويات الشهية.؟
أجابتها الفتاة بابتسامة عريضة نعم بدأت لوحدي أوزع فقط داخل
محيط العائلة حتى أصبح األقبال عليها ماشا هللا كثير.
فبدأت بفكرة أن أحتكر المهنة وأضع لها اسما مميزا حتى تعرف
بها بين الجميع وكذلك قمت بتصميم صفحة مخصوص
باإلنستقرام الستقبال الطلبات.
109
()75
ووضعت رقم خاص وكذلك صممت بالسناب كيفية صنع هذه
الحلويات خطوة بخطوة.
ووضعت رقمي ،و كيف أرسل الطلبيات للعمالء.
.كما طورت من نفسي ألتخصص في صنع الحلويات المصممة
خصيصا لحفالت الزفاف مما زاد وهلل الحمد باألقبال علي.
واألن الحمد هلل أصبح لدي محال معروفا في السوق الشهير
القريب من مركز التجميل خاصتك.
تبسمت إصرار بإعجاب وقامت واحتضنت الفتاة وقالت لها :
أعجبني جدا اجتهادك وكفاحك وتصميمك وتطويرك لموهبتك
وأهم شيء أيمانك بها وثقة باهلل ثم بنفسك حبيبتي ،هذه العوامل
كلها ما شاء هللا أعطتك النجاح والتوفيق.
وبعد عودة إصرار إلى منزلها فكرت كثيرا في كالم الفتاة الشابة
وقالت في نفسها ولما ال يكون مركز التجميل تتوفر له نفس
العوامل أتعلم استخدام اإلنستقرام والسناب ،حتى أستفيد ويتسع
نطاق عملي ليدخل في كل بيت ومنطقة بإذن هللا.
لقد تطور الزمان وتوسعت األفاق وال بد أن نستغلها التقدم
الحضاري االستغالل الجيد المفيد والذي يخدم مصالحنا العملية
ويزيد من األقبال وكذلك اكتساب شهرة أحتاجها لعملي.
وبالفعل قامت بتصميم صفحة خاصة في اإلنستقرام وكذلك الفيس
ووضعت في كل منهما أسم السناب الخاص بها لمن تحب أن
تتابع أحدث المنتجات الموجودة في مركزها.
وكذلك رقم للهاتف المحمول حتى يستطيع الجميع االستفسار
وكذلك الطلب وبكل سهولة ويسر ويصل المنتج للزبونة حيثما
كانت.
110
()76
وبعد أن بدأت ترى النتائج الجيدة لتلك الخطوة ،وجدت كذلك في
نفس صفحة اإلنستقرام التعليقات السلبية من أناس ال تعرفهم
ولكن حب االنتقاد والحسد األسف ،عادة ما يالحق النجاح.
ومن ضمنها تعليق شعرت ان صاحبته تعرفها شخصيا وليست
غريبة عنها ولكنها تختبأ خلف أسما مستعارا قالت لها :يا ليتك
تحترمين عمرك يا مدام ومكانتك وتهتمي في بنتك اللي خلتك جدة
وقريب ببصير عندك حفيدة!.
وال داعي أن تتصرفين على أساس أنك صغيرة بالسن نونو و
مسوية فيها انك توك ،وشباب وكأن ما أحد يدري عنك.؟
تضحكي على مين يا مدام على نفسك وإال على الشعر األبيض
اللي مال رأسك .عيب يا مدام اتركي األشياء دي للبنات ومو لك
عيب.
نظرت إصرار للكالم وقرأته مرة ومرة وضحكت من كل قلبها
فأثار الغيرة واضح جدا يكاد يقفز من بين صفحات اإلنستقرام ولم
تكلف نفسها عناء الرد عليها.
بل أكتفت فقط بحجبها ومنعها من دخول صفحتها مرة أخرى ,
داعية لها بالشفاء من مرضها اال وهو الغيرة والحسد والحقد على
الناجحين.
أما العمر فال عالقة له باستخدام اإلنستقرام أو الفيس أو السناب
طالما استخدمناه بالشكل الحضاري المطلوب وبكل احترام .وكل
من يستخدمه سواء كان بالشكل الصحيح أو غيره فإنما يعبر عن
نفسه فقط ال أحد غيره.
الحمد هلل الذي أنعم علينا بكثير من النعم ومن ضمنها أن العالم
أصبح صغيرا فال شيء يقف بيننا وبين التواصل بين جميع
111
الشعوب.
112
( )77المذيع الالمع
تلقت إصرار مكالمة من مذيعة بالتلفزيون المحلي ،تريد اجراء
حديثا متلفزا معها ومع سيدات األعمال المعروفات بمدينتها
وعنوان الحوار (المرأة ومجاراة التطور وتحدي الصعاب).
وحددت لها موعدا للحضور في الساعة العاشرة صباح يوم
األربعاء حيث سيكون اللقاء مباشرا على الهواء ولكن سيكون
عليها أجراء بعض من التدريبات على األسئلة المطروحة قبل
الحوار الذي سيكون موعده الساعة الثانية عشرة ظهرا.
وافقت إصرار بكل فرح وسرور فهذا يعني لها الكثير الكثير،
ويدل على أن اسمها كسيدة اعمال معروفة بدأ بالظهور وبكل
احترام ،والحمد هلل كلل مجهودها وتعبها بالتوفيق والنجاح ،كما
أنها أصبحت عضوة بالغرفة التجارية وهذا شيء يعني الكثير
لغالبية سيدات األعمال.
وقبل الموعد المحدد يعشر دقائق كانت متواجدة في مبنى
التلفزيون حيث رحبت بها المذيعة بكل أدب ولطافة ،واعطتها
مجموعة من األوراق فيها األسئلة حتى تقرأها وتتعرف عليها ثم
قدمتها لعدد من سيدات األعمال التي سيشاركنها بالحوار.
ونظرت إصرار أليهن وابتسمت وصافحتهن في سعادة وتجاوبن
معها وتجاذبن الحديث وراجعن األسئلة سويا .ثم حضر المخرج
الذي وجههن إلى أماكن جلوس كل واحدة منهن ،وتم وضع
الميكرفون وتجربته وكذلك وجهت اإلضاءة بشكل جميل ومريح.
وكان جو األستديو عامة مريح يشيع جوا من البهجة والراحة
وقدمت لهن جميعا أكواب من العصير البارد الطازج ،وتناولهن
بكل سرور.
113
()78
وبدأ اللقاء والتفتت المذيعة بكل براعة ومهارة لكل واحدة من
الضيفات تسألها وتحاورها حتى جاء دور إصرار فتبسمت
وأجابتها على أسئلتها بكل ثقة وهدوء.
وعندما انتهى الحوار هنئها المخرج والمذيعة على أسلوبها
وطريقة أجابتها على األسئلة حيث تفوقت إصرار على الجميع
في إجاباتها وقال لها المخرج لقد أحبتك الكاميرا جدا ،فأنت
تلقائية وتشعرين كل من حولك باالرتياح.
فهل تقبلين أن تصبحين مذيعة وتشاركي معنا بالبرامج الحوارية.
فضحكت إصرار وقالت :الال اليوم فقط كنت أرتعش من الرهبة
وحاولت كل جهدي أن ابدو طبيعية ولكن أن تكون الرهبة تلك
كل يوم الال شكرا.
وبينما هي تقف مع المخرج والمذيعة تشكرهم على حسن
استقبالهم ،أذا أقبل عليهم رجل طويل القامة ممتلئ الجسم قليال
أبيض البشرة ،له شارب خفيف ويضع نظارة على عينيه .وهو
يبتسم للجميع ويطلب من المخرج أن يعرفه على إصرار.
فقدمها له على انها ضيفتهم بالبرنامج ،ووضح له كيف كانت
مبدعة ومتفوقة.
فتبسم الرجل وقال لها :أعرفك بنفسي أنا حمود مذيع نشرة
األخبار وكبير المذيعين بالتلفزيون والمنتج والمقدم لبرنامج
(الواقع يقول ) الذي يعرض كل يوم أثنين الساعة الثالثة عصرا.
فتبسمت له مرحبة واعتذرت لضيق الوقت وبأنها ال يد أن تغادر
إلى مقر عملها.
وفوجئت به يرافقها إلى باب الخروج حتى أوصلها إلى باب
سيارتها وقال لها وهو يغلق باب سيارتها :أتمنى أن أراكي مرة
114
أخرى وأن يكون بيننا تواصل أذا سمحتي.
تبسمت له مجاملة قائلة :إن شاء هللا .وانصرفت إلى عملها.
وبعد يومين من المقابلة التلفزيونية جاءتها مكالمة من المذيع
حمود ،تعجبت من أين اتى برقمها.
115
()79
أجابها ضاحكا :من العصفورة.
لم تريد ان تأخذ وتعطي معه ولكنه كان لطيفا في حديثه مهذبا
معها ولكن شيئا فيه لم يكن مريحا أبدا.
كان قلبها ال يتقبله وال يرتاح له .ولكنها قالت في نفسها لنرى ما
الذي يريده مني بعد كل هذه االتصاالت.
وبالفعل أستمر يسأل عنها ويتصل بها بين حين وحين.
حتى أتصل بها مرة ليفاجئها أنه جاء إلى مركز التجميل ويطلب
مقابلتها ,
فتعجبت منه قائلة :أنت تعلم أن المركز خاص بالسيدات فقط.
فكيف لك أن تطلب مقابلتي ,أعذرني األن فأنا مشغولة جدا.
قال لها بكل جدية :أريدك في موضوع مهم جدا.
قالت له :اال تستطيع قوله لي بالهاتف أو تنتظر حتى أفرغ من
عملي فأستطيع التحدث حينها معك.
قال لها سأنتظرك حتى تنتهين من دوامك فال بد من أن أتحدث
اليك اليوم.
الموضوع ال يحتمل التأجيل.
فتعجبت من إصراره فقالت له عندي ساعة للغذاء حوالي الثالثة
عصرا .سأذهب إلى المطعم القريب من عملي ألني سأضطر إلى
العودة بعد ساعة فال أملك إال ساعة واحدة فقط.
قال لها :أذن سأنتظرك هناك .فال تتأخرين رجاء .الموضوع في
غاية األهمية.
116
()80
وخرجت من عملها إلى المطعم لتجده في انتظارها في المدخل
وتقدمها إلى المكان الذي تم حجزه لهما والحظت انه أختاره بعيدا
عن الضوضاء وعن األعين الفضولية.
وجلست أمامه وضعت حقيبتها إلى جوارها والحظت أنه كان
يراقب كل حركة تقوم بها وعينيه تحمل نظرات غريبة ،جعلتها
تشعر بعدم راحة.
سكتت وانتظرت أن يتحدث ولكنه تابع النظر إليها بكل عمق.
كان ينظر لعينيها وأنفها وشفتيها .وانزعجت جدا من تلك
النظرات.
قالت له بامتعاض :رجاء تفضل وقول لي ما هو األمر العاجل
والضروري الذي تود أن تحدثني به.؟
أجابها هامسا :دعيني أوال اتأملك واشبع عيني من جمالك
وعذوبتك ورقتك ،صدقيني منذ أن رأيتك أول مرة وأنا مشغول
بك ،ال افكر إال فيك.
أجابته بغضب :أذا كنت ستستمر بالكالم بهذه الطريقة أنا أسفة
سأضطر لالنصراف.
أجابها فورا :ال أرجوك أبقي ،ال تحرجينني وتجرحين قلبي الذي
أنتظر هذه اللحظة بكل شوق ولهفة أرجوك.
أجابته :أرجوك أنت بكل أدب وأحترم أقول لك تكلم ما الذي
تريده ،فأنا ال أحب حديث العواطف ذاك وال يعجبني.
تنهد بعمق قائال لها :منذ أن رأيتك دخلتي قلبي مباشرة .نعومتك
وأنوثتك تلك التي لم أرى مثلها من قبل شدتني لكي وبقوة ،وحين
سمعت صوتك زاد حبي وأعجابي بك.
117
()81
سيدتي أن هدفي شريف فأنا أريد الزواج بك وأن تكوني لي
بالحالل ولكن ألنني رجل متزوج ولدي طفلين صغيرين ,فال
أستطيع أن أشهر زواجي فزوجتي هي قريبتي وال أريد أن
اغضب العائلة مني بالزواج عليها ،وفي نفس الوقت أريدك
أريدك وبقوة.
فهل تقبلين أن تكوني زوجتي ويكون الزواج بيننا نحن األثنين
فقط ال أحد يعلم به سوانا .علمت أن لديك أبنة شابة متزوجة،
اعتقد أنها لن توافق األن على زواجك،
فظروفنا واحدة ،نتزوج ونكون سويا وقت ما أستطيع ال أوعدك
أن أكون متواجدا غير أسبوع فقط من كل شهر أو شهرين حتى
ال ألفت انتباه زوجتي.
ما رأيك؟ أنا أحبك جدا صدقيني وأريدك فورا إن وافقتي نذهب
منذ الغد ونعقد قراننا وتكونين لي.
نظرت إصرار إليه وهي ال تكاد تصدق ما تسمع وتردد بينها
وبين نفسها :أهذا الرجل طبيعيا أم يعني من خطب ما في أجزاء
عقله..
امرأة لم يرها إال مرة واحدة وحادثها بالهاتف مرتين أو ثالثة
وهكذا يريدها زوجة وال بالسر والخفاء كاللصوص ،وكأنها شيء
يخجل أن يراه الناس معها.
تنفست بكل هدوء ونظرت إليه مطوال ثم اجابت وهي تحرص أن
يكون صوتها منخفضا وهادئا وواضحا بنفس الوقت.
قالت :حمود أو أخ حمود أفضل .شكرا لك على عرضك القيم
الذي فاجأتني به،
118
وأشكرك على اختيارك لي وثقتك بي ،ولكنني وعذرا منك ال أريد
الزواج ال منك وال من غيرك .وخاصة الزواج بهذه الطريقة التي
ذكرتها لي والتي أعتبرها تقليل من احترامي لنفسي وألسرتي
ولكل مبادئ التي تربيت عليها وأتمسك بها جيدا.
ما يكون بالظالم يبقى دائما بالظالم ويدل على أنه شيء غير
صحيح وإال لما يوجد هناك في العتمة مختبئا من الناس.
119
()82
من يريد االرتباط بي ال بد أن يفتخر ويرفع رأسه عاليا أنني
زوجته ال يختبئ خوفا وال يفرض علي أياما يتصدق بها علي.
من يريد االرتباط بي البد أن يكون متواجدا معي اربع وعشرون
ساعة وال يستطيع االبتعاد عني دقيقة واحدة ,وان غاب عاد
مشتاقا يكون أول شيء يريد رؤيته هو انا فقط ال غير.
أشكرك ولكنني اريد العودة إلى عملي وأرجو منك أن تنسى هذا
الموضوع تماما بل أرجوك أنسى أنك رأيتني في يوم ما .ورجاء
أمسح رقمي من جوالك ألنني سأفعل ذلك .عن أذنك في أمان هللا.
وخرجت من المطعم مسرعة وتركته ال يعرف ماذا يقول ولكن
وجهه كان محتقنا من الغضب ،فقد كان يعتقد ويؤمن بأنه وكمذيع
معروف وجذاب وفاتن النساء،
أن ترفضه واحدة منهن.
وجاءتها منه بعدها العديد من االتصاالت ولكنها لم تجبه أبدا.
حقا في عمرها هذا سترى العجب وتعيش العجب ،في بعض
البشر التي ال تحترم عمرا وال قدرا وال احتراما مع األسف.
يعتقدون أن مجرد وصول المرأة لعمر الخمسين فستوافق على
أي شيء واي شروط واحوال غير طبيعية لن تقبل بها إن كانت
أصغر عمرا.
فمثل هذه الزيجة تعتبر في نظره فرصة ال تعوض بل أعتقد انها
ستوافق مباشرة ،فمن هي حتى ترفض عرضا كهذا ،لتلحق ما
تبقى من سنين عمرها في كنف نصف رجل ونصف زواج ال
وبل تعيش في الظالم كالخفافيش.
أي عقل واي منطق يحرمنا أن نعيش كباقي النساء في مختلف
أعمارهن .تبا له ولتفكيره.
120
()83
المرأة من حقها في كل شيء بالزواج مهما بلغ عمرها .وال تقبل
أبدا بالمهانة وأن تكون مجرد متعة مؤقتة ال وتشكره على
وجوده.
وعادت إلى عملها وهي تهز رأسها ،وتقول في نفسها المرأة هي
نفسها المرأة في أي عمر تحتاج للزواج والحب ورفيق عمر
تستند عليه بعد هللا .ال أن يخفيها وراء ستار المجهول.
121
( )84رحلة إلى دبي
راجعت إصرار بريدها اإللكتروني سريعا فعادة ما تأتيها غالب
اإليميالت دعايات وعروض من شركات التجميل التي تتعامل
معهم ،وبها عروض جيدة وتخفيضات مغرية.
وشد أنتباهها دعوة شخصية لها لحضور المعرض الدولي لعالم
التجميل والمكياج والعطور والذي يشمل أحدث المنتجات
المتواجدة لجميع شركات التجميل في جميع أنحاء العالم.
وسيقام بمدينة دبي بدولة اإلمارات.
وأنتاب إصرار شعور غريب هو مزيج من الفرحة والفخر
واالمتنان لكل ما مرت به من ظروف لم تستلم لها ،بفضل من هللا
سبحانه وتعالى ثم عزيمتها وأرادتها ورغبتها في التفوق والنجاح.
122
()84
هذه العوامل كلها جعلتها محط أنظار الجميع كسيدة أعمال من
الطراز األول خاصة أن تفوقها جاء خالصة كفاحها سنين عديدة
حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.
وتفحصت الدعوة جيدا مراجعة التاريخ الذي سيقام به المعرض
ووجدته ال يتعارض مع جدول أعمالها ،فأجابت الدعوة بالقبول
وبكل سرور.
ثم قامت باالتصال بشركة الطيران لحجز مقعد على الطيران
المحلي وكذلك حجزت بفندق قريب من المكان المتواجد فيه
المعرض حرصا منها على استغالل األيام التي يقام فيها
بالحضور لجميع فعاليته واالستفادة منها.
كما وأنها المرة األولى التي تزور فيها هذه المدينة الساحرة التي
طالما سمعت عنها الكثير وتمنت زيارتها ،ولكن مشاغلها العديدة
منعتها من ذلك.
رتبت حقيبتها وجهزت أوراقها وابتاعت لها كاميرا حديثة
للتصوير فهي لن تضيع دقيقة إال وتسجلها في ذاكرة كاميرتها
ولن تكتفي بكاميرا هاتفها المحمول .بل تريد أن تكون صورها
أكثر دقة ووضوح.
وفي صباح اليوم التالي أتصلت بأبنتها زينة وودعتها راجية منها
الدعاء لها بالتوفيق في رحلتها هذي ،ثم توجهت إلى المطار حيث
أنته من كافة اإلجراءات وصعدت إلى طائرة الخطوط اإلماراتية
وفوجئت بتلك الفخامة والرقي في الطائرة حيث روعة االستقبال
والترحيب وجلست في مقعد الدرجة األولى ولم تصدق عينيها فقد
سافرت قبل هذه المرة مع العديد من شركات الطيران ولكن هنا
شيء اخر وتمددت في مقعدها بسرور وفرح وشعرت بأنها
123
كالطفلة التي تكافأ بلعبة جديدة فتغمرها البهجة وترتسم على
وجهها االبتسامة.
ووصلت إلى مطار دبي وفوجئت بمطار يتفوق على أكبر
مطارات العالم في كل شيء من ناحية التنظيم والفخامة واالتساع
والترتيب في كل زاوية منه ووقفت في طابور الجوازات حيث
جاء دورها لختم جواز سفرها بكل سهولة ويسر واستقبال أكثر
من
124
()85
رائع حيث شعرت بافتخارها بكونها امرأة،فقد كان االحترام لها
شيء ال يوصف والترحيب بها في بلدها الثاني جعلها تتمنى أن
ترى كل هذا الرقي والجمال في بلدها الحبيب.
لم تشعر بالتوتر والقلق كونها وحيدة بل جعلوها تشعر بأنها بين
أهلها وفي بلدها وخرجت من المطار ووجدت سيارة في انتظارها
أرسلها لها المنظمين للمعرض فشعرت بالراحة والسعادة في نفس
الوقت لخوفها من عدم معرفتها بالطرق فتضل الطريق إلى
الفندق الذي ستقيم فيه.
وبالطريق إلى الفندق أخرجت الكاميرا وبدأت التصوير حيث
ساعدها وصولها لدبي الساعة الثانية عشر ظهرا وبهرتها تلك
البنايات الشاهقة تقف في شموخ وكذلك اللون األخضر المنتشر
في كل الطرقات مع تشكيلة من الزهور الملونة في كل مكان
حتى تكاد تجزم بأنك لست في مدينة صحراوية بل مدينة
أوروبية.
تسارعت المناظر أمامها ووصلت إلى الفندق وصعدت إلى
غرفتها في الدور السادس والذي يطل منظره على برج العرب
معلم حضاري اخر تفتخر به مدينة دبي.
وطلبت كوبا من الشاي مع النعناع حتى ترتاح قليال تناولته
وخلدت للنوم لمدة ساعة،ثم توجهت إلى المعرض حيث تم
إعطائها بطاقتها الخاصة بها مسجل بها أسمها وبلدها.
وشعرت بالفخر واالعتزاز للترحيب الذي عوملت به واالحترام
لها ولبلدها.
ورافقها في تجولها أحد العاملين المسؤولين عن مرافقة كبار
الزوار شارحا لها كل ركن في المعرض ومن أي بلد هو.
125
كما تم أعطاها كتيبا صغيرا عن كافة المنتجات الحديثة
والشركات المسؤولة عنها واألسعار الخاصة بكل منتج.
126
()86
لم تشعر بالتعب أو مرور الوقت فقد حرصت على التعرف على
كل ما هو جديد ومثير في عالم التجميل والعطور وكافة ما يخص
المرأة ويثير اهتمامها.
كما كان معها بطاقة العمل التعريفية الخاصة بها وقدمتها لكل
المهتمين بعالم الجمال،حيث توضح فيها رقم هاتفها المحمول
وبريدها اإللكتروني في حالة اهتمام احد رجال األعمال أو
سيدات األعمال المهتمين بمجالها.
ربما تحصل على فرصة لتوسعة عملها خارج نطاق بلدها ويكون
أسمها معروف محليا وخارجيا بإذن هللا .وهذا ما تعمل عليه بكل
جد واجتهاد منذ أن أسست مركزها الذي أصبح أسما ال يستهان
به وتزوره العديد من الباحثات عن العناية بجمالهن وال يترددن
في العودة إليه مرة أخرى وبكل سرور.
وفي اليوم الثاني قامت إدارة المعرض بأخذها مع مجموعة من
سيدات األعمال من مختلف البلدان في جولة سياحية حول مدينة
دبي حيث قاموا بزيارة برج خليفة وكذلك برج العرب ودبي مول
والجميرا وجزيرة النخلة ومتحف دبي جولة جميلة رائعة ودت لو
تستمر فيها إلى ماال نهاية من المناظر الخالبة واألجواء الجميلة
ترتاح لها العين والقلب.
وسجلت كل ما تراه على كاميرتها وهي تتمنى اال يمر الوقت
سريعا،فهي تود أن تقضي هذه األربعة أيام في هذه المدينة
الساحرة باالستمتاع بكل لحظة بكل ركن فيها.
وجاء موعد العودة وأعدت حقائبها وهي تشعر في داخلها أن لها
عودة ثانية لدبي فقد أحبتها وقررت بينها وبين نفسها أن
127
حضورها المرة القادمة سيكون الفتتاح فرع لمركزها فيها
يحضره الجميع ويكون حدثا يتكلم عنه األعالم مدة طويلة.
128
()87
ورددت قائلة بينها وبين نفسها :إن شاء هللا قريبا سأعود يا دبي
قريبا سأعود .ما أجمل شعور المرأة بقيمتها وتقديرها،أنها رغم
نظرة المجتمع لها ولعمرها الذي أصبح عائقا بالنسبة لهم وليس
لها .فكلما تقدمنا في العمر اكتسبنا خبرة ومعرفة.
وتطور األشياء من حولنا ال يعني أننا ال نستطيع أن نشارك في
ذلك التطور بل نستطيع بإذن هللا أن نكون جزءا مهما فيه.
في أي عمر يستطيع المرء رجال كان أم امرأة أن يبدع ويتفوق
ويجتهد ليستمتع بنجاحه مثله مثل الشباب .الفرق هو أن الشباب
سن التسرع والحماس والمغامرة.
أما نحن فها هي األيام تهدينا أجمل ما فيها أن نكون منبع الثقة
والفخر واالعتزاز ألبنائنا وأحفادنا.
وأغلقت حقيبتها وهي تردد لن أقول وداعا يا دبي بل إلى لقاء
عما قريب.
129
( )89امرأة ولكن بمئة رجل
عادت إصرار من مدينة دبي وبدأت بالتفكير في حلمها الجديد،
أن يمتد مشروعها القائم في مدينتها وتفتح له فرعا أخر بمدينة
دبي حيث أنها أصبحت وبكل جدارة
130
()89
محط أنظار معظم رجال وسيدات األعمال لما تتمتع به من
سهولة وتيسير أجراء المعامالت بوقت قياسي وأنهاء كافة ما
يتعلق بأي مشروع دون أي تعقيد.
وبدأت بوضع دراسة جدوى كاملة للمشروع بدءا من رأس المال
والتصاريح والمكان المناسب والعمالة التي ستشارك معها في
بناء هذا المشروع بإذن هللا.
وتأملت كثيرا اختالف بيئة العمل هنا وهناك ودخلت على
األنترنت تراجع ماهي الخطوات القانونية والشروط الواجب
توافرها إلقامة مشروعها ،ووجدت العديد من المكاتب
االستشارية التي توفر لسيدات رجال األعمال كافة المعلومات
وتقوم بخدمة أنهاء كافة اإلجراءات الالزمة لذلك .فأخذت أرقام
هواتفهم حتى تتواصل معهم وتحدد أول فرصة لالجتماع بمن
يعطيها سعرا أفضل وتسهيالت أكبر.
وفي سعيها الدؤوب لتجميع أكبر قدر من المعلومات والتواصل
باإليميل مع الشركات المتخصصة في هذا المجال تم االتفاق على
الحضور إلى مدينة دبي مطلع الشهر القادم مع تجهيز كافة
المعلومات الخاصة بها كسيدة أعمال،وكذلك دفع مبلغ لمكتب
استشاري حتى يقوم عنها بأنهاء كافة اإلجراءات من تراخيص
وتصاريح ومكان أقامه المشروع وخالفه.
واحتجت انهاء بعض المعامالت قبل السفر فاتصلت بطليقها تسأله
المشورة وليتها لم تفعل فقد أجابها بأسلوب ساخر ما تعودته منه
من قبل ،قائال لها :ما الذي تريدينه من افتتاح فرع لمركز التجميل
الخاص بك هناك ,خالص يا شيخة ماشا هللا اللي في عمرك
131
جالسين مبسوطين مريحين و ما لك بالشقاء والتعب يكفيك
المركز دا!.
بالش تكابري وتسوي فيها لسه توك صغيرة وتبغي مشاريع
وسفر وروحة وجية .خلي هذا الكالم للشباب يا إصرار أسمعي
كالمي!.
132
()90
شكرته على حسن أصغائه لها وتشجيعه ثم أنهت المكالمة وهي
تتنهد قائلة :وأنت ألم تكبر على الزواج من ثانية ثم ثالثة أم هذا
شيء أخر يخص الرجال فقط.
أما نحن النساء فعلينا القبول بالتقدم بالعمر وكأنه نهاية كل شيء.
كال يا سيدي لن اقبل أن أهمش أو تقتل أحالمي في مهدها،
فالعمر ليس له دخل بالطموح والرغبة في التفوق.فهذا شيء
موجود في كل األعمار وليس حكرا على عمرا محدد.
والحمد هلل طالما من هللا علي بالصحة والعافية فلما كل هذا الكالم
الذي ال طائل منه وال منفعة.
ثم قررت االعتماد بعد هللا على نفسها وذهبت إلى جميع الدوائر
الخاصة بمعاملتها وتم أنهاء كل شيء بوقت قياسي مع تعاون من
الجميع وهلل والحمد.
وفي الوقت المحدد أخذت أول رحلة إلى مدينة دبي حيث اجتمعت
فورا مع المكتب االستشاري المشرف على مشروعها وأخذوها
في رحلة إلى العديد من المباني الفخمة حيث اختارت فيال كبيرة
تقع على شاطئ البحر وتطل جميع نوافذها على مناظر بديعة
خالبة،أمامها البحر،وحديقة عامة كلها ورود جميلة تسر النظر
وتريح النفس.
ووقعت عقد اإليجار السنوي وبدأت مع المكتب في تأسيس
المركز كافة بأحدث األجهزة والمعدات وتم اختيار طقم العمل
الخاص بالمركز.
ثم عادت بعد حوالي الشهر لتشرف على اللمسات النهائية وحين
رأت المكان قائما بكل ما فيه من عامالت وديكورات ومعدات
بكت من فرحتها وسجدت هلل سبحانه وتعالى أن من عليها بتحقيق
133
حلمها ورؤيته للنور بفضل منه عز وجل ثم بإصرارها على
تنفيذه وربطه بين مدينة دبي ومدينتها.
134
()91
وتم االتفاق على حفل كبير الفتتاح المركز يحضره جميع وسائل
األعالم المرئية والمسموعة والمقروءة.
وقال لها المدير العام للمكتب االستشاري :أسمحي لي ان أهنئك
بنفسي وأقسم لك أنك بالفعل أثبتي أنك امرأة بمئة رجل في قوة
اإلرادة والعزيمة والشجاعة وأتمنى لكي كل النجاح والتوفيق من
كل قلبي سيدتي..
ونظرت هي إلى البعيد وابتسمت بكل فخر واعتزاز .وبيد مسحت
دمعة فرح.
امرأة بمئة رجل نعم سيدي صدقت القول فعال.
135
( )92الفصل الخامس -حفل االفتتاح
وصلت إصرار إلى مدينة دبي صباح يوم األربعاء ،وذهبت
مباشرة إلى الفندق الذي ستقيم فيه ووضعت حقائبها.
ثم اتصلت بمدير المكتب االستشاري المشرف على إقامة
مشروعها الخاص بافتتاح أكبر مركز وسبا للتجميل على شاطئ
الجميرا ،حيث المنطقة الجميلة واجهة غالب السياح من عرب
وأجانب ،وبحيث يطل المركز على الشاطئ مباشرة من جميع
واجهاته..
وحتى يعطي جوا من الجمال ،مع رؤية البحر الممتد بلونه
األزرق الصافي والمريح للعين.
فتتمتع جميع القاصدات والزائرات للمركز بجو خاص بديع في
كل النواحي.
ووصلت إصرار إلى مكان المركز حيث كان العمل في اللمسات
النهائية للديكورات على قدم وساق.
ووصلت باقات الورود المختلفة ،وقامت إصرار بتوجيه العامالت
إلى األماكن التي ستوضع به.
ثم دخلت إلى غرفة ،غرفة وصالة ،صالة ،وهي تستمتع للمهندس
المختص بالديكور بكل اهتمام وهنئته على حسن اختياره وذوقه
الرائع.
بحيث مزج ما بين ما رسمته هي له على الورق وما بين خياله
المبدع وتصميمه المبهر للعين .والمريح للنفس.
بالفعل شعرت أنها بمكان تستطيع فيه أن تستلقي بكل أمان وراحة
وتدع البقية للمتخصصات في مجال التجميل والعناية بالبشرة.
وكذلك المساج الخاص لراحة الجسم،والحمامات التي تهتم بأعاده
نعومة البشرة ،وكل ما يتعلق بالنضارة والتألق التي حرصت منذ
136
البداية أن تكون هدفا للمركز.
137
()93
وراجعت معهم جميعا بطاقات الدعوة،واألماكن التي سيجلس بها
كبار الزوار وكذلك أماكن تواجد الصحفيين واإلعالميين الذين
دعتهم إصرار رسميا لحضور حفل االفتتاح بالغد
وعادت إلى غرفتها بالفندق واستلقت بفراشها بعد طول متعب
ولكن التعب اللذيذ ألن له طعم جميل يدعى التحدي والتوفيق
والنجاح بإذن هللا .ثم خلدت إلى النوم.
وفي صباح اليوم التالي تناولت فطورها على عجلة ثم توجهت
بسرعه إلى المركز حيث سيكون حفل االفتتاح حوالي الساعة
الثانية عشر ظهرا.
ووصلت قبل الموعد بكثير وكان مدير المكتب االستشاري في
استقبالها داعيا لها بالتوفيق والنجاح قائال لها :أنها تستحق كل
خير آلنها بالفعل تعبت واجتهدت حتى تصل إلى هذه اللحظة
المهمة انطالق فرع لمركزها من مدينة دبي والتي تعتبر المدينة
التي يحلم الجميع بها وبالتواجد بها سواء على الصعيد الشخصي
أو العملي فهي مصدر جذب لجميع الطبقات.
وفي تمام الساعة الثانية عشر ظهرا بالدقيقة بدأ االحتفال بحضور
جميع من وجهت إليهم بطاقات الدعوة مما أثلج صدرها.
وبدأ الحفل المنظم على كافة األصعدة بتالوة عطرة من القرآن
الكريم .ثم كلمة مدير المكتب االستشاري مقدما وعرفا عن
إصرار وطلب منها أن تلقي كلمتها أمام الجميع حيث قوبلت
بعاصفة من التصفيق المستمر حتى كادت أن تنهمر دموعها
ولكنها تبسمت من قلبها ابتسامة جميلة وهي تقترب من
الميكرفون وتنفست بكل هدوء ،ثم ألقت كلمتها شاكرة جميع من
138
حضر وجميع من ألتف حولها ووضع يده بيدها ودعمها سواء
كان على الصعيد المعنوي أو المادي.
139
()94
وجميع من شجعها على االستمرار بفكرتها تلك ،وبينما هي
تتحدث نظرت بين الحضور وجدت طليقها يقف بينهم مبتسما
رافعا بيديه أشاره النصر وهو يشير لها أن أستمري.
هنا شعرت إصرار بالسعادة لوجوده فقد كان وجوده مختلفا عن
الجميع.
لقد أرسلت إليه دعوة شخصية ،ولكنها لم تكن تعتقد للحظة بأنه
سيحضر أو حتى يهتم.
ولكن حضوره األن جعل له شيئا خاصا جعلها تشعر أنها تحلق
بين النجوم من فرحتها.
فهو عشرة عمر وصديق الطفولة وأب أبنتها وحبها له لم يقل
رغم مرور السنين.
فقد تحول إلى احترام ومودة وصداقة.
وتبسمت له بكل سعادة كاألطفال واستمرت في إلقاء خطابها ذاك
وحين انتهت سمعت دوي التصفيق يعلو عاليا جدا حتى قام
الجميع من أماكنهم وجاءوا إليها مهنئين مباركين متمنين لها
النجاح والتوفيق.
وكذلك قامت مراسله من التلفزيون المحلي وتلفزيون دبي بإجراء
مقابله معها عن بداياتها وعن تاريخ حياتها فأجابتهم بكل سعادة
وسرور.
وكذلك مقابلة مع محرر من مجلة معروفة وضع صورتها بحفل
االفتتاح على الغالف ،مع عنوان قصة كفاح من الصفر.
وأعجبها كثير العنوان ووافقت عليه ،فهي بالفعل بدأت من الصفر
ولكن بفضل من هللا ثم عزيمتها وإرادتها وإصرارها على
140
الوصول إلى القمة ،هي كل العوامل التي أدت إلى ماهي عليه
األن الحمد هلل.
141
()95
وقامت إصرار بتوزيع بطاقات تخفيض للزائرات كذلك التمتع
مجانا بالخدمات حينما تكون أكثر من خدمة واحدة.
وتجولت في جميع أرجاء المركز ووجدت العمل كخلية نحل.
فحمدت هللا سبحانه وتعالى على نعمته وفضله.
ثم جلست بالمقهى الصغير التي أقامته داخل المركز،ويطل
مباشرة وبدون حواجز على البحر بحيث تستمتع الزائرة للمركز
أو خارجه بتناول مشروبها المفضل من القهوة وكذلك توفر
الوجبات الخفيفة لألقطار أو الغذاء والعشاء.
ونظرت حولها بسعادة غامرة فالمقهى كان ممتلئا بالزائرات
والمكان تسوده روح الجمال والنظافة والترتيب.
كما حرصت على وضع لوحات فنية توحي بجو من الهدوء
والخصوصية ووفرت في ركن من المقهى مكتبة صغيرة لمن
يحب القراءة واالطالع حتى يجتمع حب القهوة مع حب الكتاب
فكالهما يداعب العقل والتفكير تذوق النكهة وفي نفس الوقت
تذوق األفكار وعبير الكلمات.
تبسمت إصرار فما اجمل أن تحقق حلمك حتى وإن كان صعبا
حتى وإن ذقت طعم الفشل مرة ومرات فالنجاح بعدهم له طعما ال
يقارن وحين تلمس الواقع وترى حلمك أمامك حينها تشعر بالفخر
واالعتزاز بنفسك.
رددت قائلة الحمد هلل وعادت إلى المركز لترى الزائرات له
وترحب بهن بنفسها.
142
( )96مسألة ثقة
عادت إصرار إلى منزلها باكرا على غير العادة ،فقد شعرت
بالتعب وصداع لم يفيد معه المسكن.
فاعتذرت عن إكمال بقية اليوم بالمركز واتصلت بالسائق ليعيدها
حتى تأخذ قسطا من الراحة حتى صباح اليوم التالي.
وما كادت تدخل منزلها وتأخذ حماما دافئا واستلقت في مقعدها
المفضل بجوار البلكون المطل على حديقة منزلها وبدأت بتناول
كوب من القهوة ،حتى سمعت جرس باب المنزل يعلو .فتسألت
من الذي يأتي في مثل هذا الوقت ،ومن غير اتصال مسبق ،البد
أن األمر ضروري.
وسمعت طرقا على باب غرفتها.
ثم أطلت ليندا العاملة المنزلية لديها منذ عشر سنوات وهي تبتسم
في خجل قائلة لها :مدام أسفة على أزعجاك ولكن جارتنا أم
عبدهللا تريدك في موضوع ضروري ال يحتمل التأجيل.
رددت إصرار في نفسها كلمة :اللهم أجعله خير .وقالت لليندا
أبلغيها أنني قادمة فورا فقط سأبدل مالبسي.
وخالل خمس دقائق فقط اتجهت إصرار إلى غرفة الضيوف لتجد
أم عبدهللا تجلس هناك وجهها متعب مجهد والقلق يبدو على
محياها.
فاحتضنتها وقبلتها ثم أشارت لها بالجلوس وسألتها عن حالها
وحال زوجها وأوالدها وبناتها .ثم سكتت في انتظار ما ستقوله.
ونظرت إليها أم عبدهللا وقالت :أسفة جدا أختي أم زينة على
قدومي في مثل هذا الوقت ولكنني رأيتك تدخلين المنزل قبل
نصف ساعه وأنا يعلم هللا حالتي والقلق والتوتر الذي أعيشه طيلة
اليوم ,ولم أجد بعد هللا أحد أستشيره وأستعين به غيرك أختي.
143
()97
تبسمت إصرار بهدوء ثم قالت لها :كلي أذان صاغية وتأكدي
أنني تحت أمرك فيما أستطيعه ،فقط اهدأي وتناولي كوب
العصير البارد ثم خذي راحتك بالحديث ولن أقاطعك حتى تنتهي
تماما .أهال وسهال بكي أختي أم عبدهللا عزيزة وغالية وهللا ولن
أرد لكي أي طلب.
تنهدت أم عبدهللا ثم قالت لها :سأحكي لكي كل شيء وأنت لكي
القرار .تعلمين كيف يفكر أبو عبدهللا وكيف خوفه على بناتنا
الثالثة مريم شيماء ومنيرة ،لو كان األمر بيده لما جعلهن يتممن
دراسة بعد االبتدائي وأكتفي بجلوسهن بالبيت وتزوجيهن ألول
عريس يتقدم لهن ،ولكنني أخالفه الرأي تماما وأرى أن تعليم
الفتاة شيء إلزامي لتكوين شخصيتها وصنع أم مستقبل واعية
فاهمة تستطيع تربية أبناءها ومساعدة زوجها في ظروف الحياة
الصعبة.
والحمد هلل تخرجت أبنتي مريم حفظها هللا من الجامعة العام
الماضي من كلية اآلداب قسم لغة اإلنجليزية وانتظرت أن تأتيها
الوظيفة الحكومية لتعمل بشهادتها التي تعبت واجتهدت فيها.
ولكن التعيين تأخر كثيرا ،فتقدمت إلى القطاع الخاص وخاصة
البنوك لما فيها من رواتب ممتازة وبدالت جيدة وكذلك يقومون
بأعطانها دورات لتكتسب خبرة تمكنها من العمل بالبنوك.
والحمد هلل منذ أسبوع قبلت في البنك المعروف في المدينة،فقط
يجب أن تذهب إلى الفرع الرئيسي للرجال حيث يقوم المدير العام
بعمل مقابلة شخصية لها ثم بعدها تستلم وظيفتها مباشرة.
هنا يا أم زينة جن جنون زوجي أبو عبدهللا وقلب البيت رأسا
على عقب وكاد أن يكسر رأس مريم وعال صوته بالبيت وهو
يؤنبني ويقول لي أنت السبب أنت التي أصريت على إكمال
144
تعليمها وهذي هي النتيجة ،البنت تريد أن تعصى أوامري وتخرج
عن طوعي وتعمل في وسط الرجال.
145
()98
وهذا الكالم يا أم زينة غير صحيح إطالقا وإال لما وافقت عليه
فأنا أخاف على مريم من الهواء ولكن البد من أجراء المقابلة
الشخصية حتى تتم جميع اإلجراءات الرسمية لتعينيها!.
ردت عليها إصرار :أهدئي أم عبدهللا لكل عقدة حل بأذن هللا
فكري بهدوء كيف تكسبين أبو عبدهللا إلى صفك وتنالين رضاه
وموافقته .لن يتم أي شيء اال بموافقته أرى الموضوع صعب
دون موافقته ،فهي أبنته أيضا ويهمه سالمتها ،رغم انني أرى أن
الموضوع ال يستحق كل هذا االنفعال .يستطيع الذهاب معها حتى
يطمئن قلبه عزيزتي.
أجابتها أم عبدهللا هو األن مصمم على رأيه ولكنه قال لي أنه
سيوافق فقط بشرط واحد.
قلت له ما هو :قال أن تذهب أم زينة مع أبنتي آلني سأكون
خارج المدينة في عمل وسترافقينني هناك لمدة أسبوع فمن
سيكون بجوار مريم؟ من سيكون عيننا التي ترعاها وتحرص
عليها غير جارتنا أم زينة ,هذي المرأة المكافحة الخلوقة هي
فقط من أثق بها وبحكمها ولن أقبل بأي أحد أخر حتى أخواتها أو
أخواتك.
إن وافقت سأدع مريم تذهب وإن ال فلن تذهب للمقابلة مهما قلتم
أو فعلتم!.
وها أنا أتي إليك راجية كأخت وجارة لم نرى منها إال كل خير
وطيب ،أن تقبلي بطلبنا نكون لكي شاكرين جدا أختي.
نظرت إصرار إلى أم عبدهللا ولم تعرف ماذا تقول لها ،فقد
فجاءها حديثها ذلك ،وشعرت بنوع من الفخر واالعتزاز أن يكون
رأي جارتها وزوجها فيها بشكل الرائع الذي أثلج صدرها تماما.
146
()99
فهم جيرانها منذ كانت زينة طفلة صغيرة وكانوا يدللونها
ويهدونها المالبس الجديدة واأللعاب وكأنها أبنتهم ،وكلما كان
بناتهن في الحديقة يلعبن نادين على زينة لتنضم إليهن.
كانوا نعم الجيران ونعم األهل أيضا فكم لهم من المواقف الجميلة
التي ال تنسى وخاصة عقب طالقها من والد زينة .كانت لها ام
عبدهللا أخت حنونة تسأل عنها وتزورها وتراعيها.
نظرت إصرار إلى ام عبدهللا وردت قائلة :غالي والطلب رخيص
أم عبدهللا سأذهب مع أبنتي مريم بكل سرور وهذا شيء قليل في
حقكم وحق جيرتكم الطيبة ،وأنا سعيدة جدا وفخورة بثقتك الغالية
وثقة أخي أبو عبدهللا بارك هللا فيه .متى تريديني أذهب معها فقط
حددي الموعد وسأرافقها بسيارتي يدي بيدها وأعيدها إلى البيت
يدي بيدها أيضا ،فال تشغلي بالك وال تقلقي تأكدي أن أبنتك مثل
أبنتي تماما يعني هي أمانة عندي أم عبدهللا.
هنا قامت أم عبدهللا واحتضنتها بقوة قائلة والنعم فيك أم زينة
والنعم فيك .أخت غالية وأم حنونة بارك هللا فيكي ،إذا غدا الساعة
العاشرة صباحا موعدكما والمقابلة حوالي ساعة فقط .ثم يكتب هللا
لها الخير وسأنتظر منك البشارة حبيبتي..
تبسمت إصرار من كل قلبها وقالت نعم حبيبتي هي مسألة ثقة
أعتز بها وهي وسام على صدري منحتموه لي بثقتكم بي .وأن
شاء هللا سأكون عند حسن ظنكم وثقتكم الغالية.
147
( )100فارس األحالم
ذهبت إصرار إلى البنك حوالي الساعة العاشرة صباحا لتودع
مبلغا من المال في حسابها الجاري ،وتطلب من خدمة العمالء
إصدار دفتر شيكات جديد ،فقد أنتهى دفتر شيكاتها القديم.
ووصلت إلى البنك في موعدها وانتهت من جميع معامالتها
واتجهت إلى سيارتها ،وما كادت أن تجلس في مقعدها حتى
سمعت صرير فرامل قوي ثم خبطة قوية من خلف سيارتها ،مما
أصابها بالفزع والخوف وارتجفت أطرافها ،ونزل السائق ليرى
ما أصاب السيارة وليطمئن عليها ،فأبلغته أنها بخير وطلبت منه
التأكد من السيارة راجية إال تكون قد تأثرت من الصدمة ،وهبط
من السيارة المتسببة في الحادث رجل في منتصف العمر يبدو
عليه األناقة والوسامة ،أبيض البشرة ذو لحية خفيفة ،ووقف مع
السائق وتجاذب معه أطراف الحديث وهي تراقبهم من بعيد ،ال
تسمع ما يقولونه.
أدارت رأسها سريعا حينما وجدت أنهم يقتربون منها ،ال تعلم
سبب تسارع ضربات قلبها ،وال سبب ارتباكها.
حتى أقترب من النافذة الني كانت تجلس بجوارها وطرق بيده
على الزجاج ،وبكل هدوء أنزلت الزجاج.
قال لها مباشرة :أسف جدا جدا سيدتي ،لقد كان الحادث غلطتي
أنا فقد شردت قليال مما أدى إلى غفلتي عن رؤية سيارتك وهي
تغادر المكان ،واحمد هللا على أنها كانت صدمة خفيفة ،وإال لما
كنت سامحت نفسي أبدا.
148
()101
تفضلي هذه بطاقتي الشخصية وأرقام الهواتف الخاصة بي،
قدري كم ستحتاج سيارتك إلى تصليح وأنا تحت امرك في أي
مبلغ تضعينه.
ونظرت حينها إليه مباشرة وتالقت عينهما وغاص صوتها فلم
تستطيع أن تجيب عليه بأي كلمة.
أما هو فقد جمدت نظراته وتلعثم في الكالم ،لم يعلم لماذا.؟.
قالت له بصوت حاولت أن يكون هادئا جدا وال يبدي الحيرة التي
تشعر بها
ال داعي سيدي لتعبك فالسيارة مؤمن عليها ،والصدمة كما أبلغني
السائق خفيفة لن تكلف ذاك الشيء كما فهمت ،فال تتعب نفسك،
سأتكفل أنا بتصليحها شكرا لك ،ال تهتم فضال ،يكفي الخوف الذي
شعرت به ،هذا ال يقدر بأي ثمن.
نظر إليها طويال ،كأنه يتأملها بدقة ،كأنه يعرفها من قبل ،تأمل
عينيها ،وجهها ،ثم أستدار سريعا بعينيه بعيدا ،فقد شعر بإحساس
غريب ،ال يدري ما هو ،أحساس فقده من زمن طويل جدا.
قال لها وهو يحاول أن يسيطر على نبرات صوته ثابتة :رجاء،
حتى ولو كان مبلغا بسيطا ،فهو خطأي أنا وأنا البد أن أتحمله
أرجوك ال تخالفيني ،فقط قدروا قيمة األضرار التي أصابت
سيارتك واتصلوا بي.
في أمان هللا .وذهب مسرعا إلى سيارته وهو يسأل نفسه :لماذا
يشعر باضطراب في نبضات قلبه.؟ لماذا أحس بأن تلك المرأة
التي لم يرها من قبل قريبة منه.؟ ما هذا الشعور الذي يعتريه
األن.؟
149
بل ما الذي يجذبه إليها.؟ هل هو نبرة صوتها وتلك البحة التي
تعتريه فتزيدها جاذبية ،أما ما شعر به من دفء وحنان صوتها،
مما جعله يود فقط أن يغمض عينيه ويستمع إلى صوتها أكثر،
إلى البحة الجميلة التي تميزها ،بحة زلزلت كيانه!!.
150
()102
لماذا األن.؟ مضت أعوام عديدة منذ وفاة زوجته ،وزواج أبنه
وشعر أن قلبه بعد ذلك أغلق أبوابه وأستسلم لمرور العمر
والوقت البطيء الممل.
لم يكن يتوقع أبدا أن قلبه المهجور ذاك مازال يملك حرية النبض
واإلحساس!.
أما إصرار فقد جمدت في مكانها بمقعدها بالسيارة ،كان السائق
يتحدث إليها ليبلغها بأنه سيوصلها إلى مقر عملها ،سيأخذ السيارة
إلى الورشة ،ثم يتصل بها ليبلغها عما سيقولونه عن تكلفة
إصالحها.
فكانت تهز رأسها موافقة وهي ال تكاد تسمع كلمة مما يقول ،كان
عقلها وتفكيرها معه هناك.
من هو هذا الرجل الذي أستطاع تحريك قلبها الساكن خلف قلعة
موصده منذ أعوام مضت ال تستطيع عدها.هل هو الذي كانت في
انتظاره طويال.؟ معقول األن بعد أن اقتربت من أن تصبح جدة
تعود ثانية للمشاعر تلك.؟ كيف ذلك وهزت رأسها في حركة
رفض قوية.
ثم ابتسمت في حياء وهي تنظر من حولها خجال أن يكون أحد
من حولها الحظ تلون وجهها.
ونظرت إلى بطاقته الشخصية حيث ذكر أن أسمه كان فارس
الحمد ،مدير عام شركة الفارس للسيارات والمعدات المحدودة.
وتبسمت في سعادة لم تعرف لها سببا وقالت لنفسها :حتى أسمه له
نغمة جميلة قريبة من القلب !.فارس.
وعادت إلى منزلها بعد انتهاء دوامها مع صديقتها ألن السيارة
كانت التزال في الورشة للتصليح.
151
()103
وأتصل بها سائقها ليبلغها أن مبلغ التصليح سيكلفها حوالي ألف
وخمسمائة،واحتمال أن يصل إلى ثالثة األف آلن المصباح
الخلفي ال يجدون له بديال بالوكالة وتحتاج إلى شراءه من خارج
الوكالة وشركة التأمين ال تغطي تلك التكاليف.
ال تعلم لماذا شعرت بالفرحة ،تصليح سيارتها سيكلفها أغلى مما
توقعته ! هي األن حجتها لالتصال به،ولكنها أبلغته بأنه مبلغ
بسيط ! واألن ماذا سيقول عنها.؟
وظلت تنظر إلى هاتفها وهي تقربه منها ثم تبعده عنها ،ثم وجدت
نفسها تستمع هادئ كأنه معزوفة مريحة يقول :ألو!..
صمتت طويال وقالت بحياء :ألو .قال لها مباشرة :أهال بك
سيدتي!.
طمئنيني عليك !.أرجو أال أكون قد تسببت لك بأي إزعاج.؟.
أجابته متعجبة :كيف تعرفت على صوتي.؟
قال لها :من نبرة صوتك ،هل تعلمين أن لك صوتا مميزا
أستطيع تميزه من بين العديد من األصوات رغم أنني سمعته مرة
واحدة إال أنه مثل البصمة تركت أثرها في نفسي!.
ودار بينهما حديث طويال في كل شيء وأي شيء إال حديث
تصليح السيارة.
تحدثا لمدة طالت ولم يشعرا بمرور الوقت.
شعرا سويا بأن هناك شيء ما يجمعهما سويا ويشدهما كل منهما
لألخر ،شيء لم يفهما ما هو بالضبط ،ولم يهتما بعدها بأن يفهما
ما يحدث معهما.
بل يريدا أن يستمتعا لذلك الدفء المنبعث من راحة صوتيهما كل
منهما إلى األخر.
152
ومنذ ذلك اليوم كان اتصاله بها كل صباح ليسمع صوتها ويتمنى
لها يوما سعيدا ،ثم مساءا ليتمنى لها نوما هانئا.
153
()104
ويطول الحديث بينهما وتطرقا إلى كل ما يخصهما هما األثنين
ظروفهما العائلية ،ترملهما وفقدانهما لشريك الحياة ،معاناتهما في
تربية أبنائهما.
وزاد تقاربهما سويا وأعجابهما كل منهما باألخر وخاصة تشابه
ظروفهما معا.
وشعرا بأن قلبيهما عاد ينبض بالحب من جديد وهو شيء لم
يحسبا له حسابا خاصة في مثل عمرهما ذاك.
وفي يوم أتصل بها قبل أن تخلد للنوم وكان واضح عليه أنه يريد
أن يفاتحها في موضوع ما .ألنه كان يصمت ثم يعود يتحدث
ويبلغها أن هناك أمر يشغله كثيرا وال يعرف كيف يبدأ به وكيف
يصارحها.
أصابها التوتر والقلق وقالت له متسائلة :أرجوك ما بك.؟ لم أعهد
نبرة صوتك مترددة وقلقه هل هناك أمر ما يزعجك.؟ أرجوك
صارحني.؟
فقال لها :ال تقلقي ولكنني أفكر كثيرا منذ أن بدأنا التحدث
معا،أفكر صراحة بالزواج.
قالت ونبضات قلبها تكاد نقفز من صدرها تريد أن تتزوج األن
من من..؟ هل لديك أحد معين في بالك.؟ صارحني.؟ من هي تلك
التي شغلت بالك هكذا فجأة.؟
وغاص صوتها حزنا ،فضحك من قلبه وأجابها :تغارين.؟
فأجابته :ال ولما أغار ولكنك فاجأتني بكالمك هذا !.من هي
سعيدة الحظ التي غيرت موقفك من الزواج فقد كنت طيلة هذه
المدة بعد وفاة زوجتك رحمها هللا ترفض مجرد التفكير فيه.؟
154
وعاد فارس للضحك من جديد قال لها :أتريدين أن تعرفي من
هي سعيدة الحظ؟ بل وهللا أنني أنا هو سعيد الحظ لمعرفتها وحبها
الذي غير من حياتي بعد كل هذه السنين ،أنظري إلى المرآة
إصرار فستعرفين من هي.؟
155
()105
أنها سحرتني منذ أن ألتقت عيني بعينيها ،لم أستطيع أن أبتعد
عنها.
شعرت منذ ذلك الحين أنني وبعد كل هذه السنين أنني أعود لتلك
المشاعر التي اعتقدت أنها رحلت مع رحيل زوجتي رحمها هللا.
عيناك سيدتي بحر غرقت فيه تتالطم فيه أمواج الحياة وتشدني
إليها بكل قوة فلم أستطيع إال االستسالم لها .عدت للحياة ثانية
إصرار وأعادتني عيناك تلك.
هل تقبلين بي زوجا لك.؟
أريدك لي زوجة وحبيبة وتؤام الروح التي معها أجد نفسي
وقلبي ،أريدك كلك كما أنت بحنانك بجنونك وبعصبتيك المثيرة
وعنادك الجذاب ،بصوتك المغري ،وبحة صوتك التي تسافر بي
إلى عالم بعيد.
أحبك جدا وكأنني لم أعرف الحب من قبل ،احبك ألنك حب
عمري الذي طالما حلمت به.
أحبك فال تحرمينني منك إصرار ،أريدك بالحالل وأمام العالم كله
ولي الشرف أن تكونين زوجتي.
صمتت إصرار ولم تعرف ماذا تقول وماذا تجيبه!.
هل تقول له أنها في غاية السعادة ألنه حلم عمرها وحب حياتها
الذي كانت تبحث عنه كثيرا.
أتقول له نعم وتضع يدها في يده وتعوض حرمان الليالي الطويلة
التي عانت فيها من الوحدة.
ماذا عن الناس وكالمهم عنها.؟ ماذا عن أبنتها زينة.؟ ماهي ردة
فعلها حينما تبلغها بذلك.؟ ماذا سيكون رأيها.؟ هل ستوافق.؟ أم
تعارض.؟
156
والعالم من حولها أهل زوجها أهلها.؟ ما الذي سيفكرون به
ويقولونه عنها.
157
()106
هل على استعداد لمواجهتهم ومواجهة سخريتهم وتهكمهم عليها,
ونظرة االستخفاف التي سترتسم على وجوههم!.
وتخيلت حديثهم الساخر عنها :تتزوج في مثل هذا العمر.؟ وقد
أصبحت جدة ولها حفيدة !!.أكيد جنت وتظن نفسها ما تزال شابة
تريد الزواج .عيب عيب.
كيف ستواجه كل ذلك كيف..؟
وجاء صوت فارس ليعيدها إلى الواقع وسمعته يسألها في قلق :
إصرار حبيبتي ماذا بك؟ لماذا ال تجبينني ؟
لم تعرف حقا بماذا سترد عليه ،ضاع الكالم منها وهي تتخيل ردة
فعل زينة...
158
( )107عندما تغضب زينة
أتصلت إصرار بابنتها زينة وطلبت منها الحضور في مساء ذلك
اليوم لمناقشة أمر هام معها.
تعجبت زينة من طلب والدتها وتسألت :أال تستطيعين قول ما
تريدينه يا أمي األن؟ فأنا جد مشغولة مع زوجي ,سيحضر
أصدقائه على العشاء ،أو أخري الموعد إلى نهاية األسبوع لربما
أستطيع التفرغ لك!.
وتنهدت إصرار من كل قلبها وردت قائلة لها ( :لربما )
ستتفرغين لي !
زينة أتعلمين كم مضى عليك لم تقومين بزيارتي؟ أم هل تدركين
منذ كم يوم لم تتصلين بي للسؤال عني.؟
أذا أنا لم أسأل عنك ال تسألين انت !.إن لم أقم باالتصال بك ال
تتصلين!.
إن لم أمر على بيتك ال راك فال تفكرين حتى بالمرور وزيارتي!.
أنا أمك يا زينة ،أمك هل نسيت كوني أمك!.؟
أجابتها زينة :المعذرة يا أمي ،أعلم أنني قصرت كثيرا في حقك،
ولكنك تعلمين المسؤولية وطفلتي الصغيرة ،حفيدتك ال تنام إال
بمواعيد محددة وإال أستطيع الخروج حتى ال يختلف عليها نظام
نومها ،وأعتقد أنك اكثر من سيتفهمني ويعذرني ،فالتقصير من
جهتي يا أمي ليس متعمدا ،أرجوك ال تغضبي مني أرجوك.
سكتت إصرار قليال ثم اجابت ابنتها :حسنا سأنتظرك يوم
الخميس في أي وقت تحبينه وتجدينه مناسبا لكي زينة ،ولكن
أرجوك ال تعتذري وال تأجلي القدوم إلي ،فالموضوع ال يحتمل
التأجيل.
159
ووعدتها زينة بالقدوم يوم الخميس الساعة الخامسة مساءا ألنها
مرتبطة الساعة السابعة بزيارة والدة زوجها للعشاء معها ،وال
تستطيع أن تتأخر عليها حتى ال يغضب منها زوجها وأمه.
أنهت إصرار المكالمة وهي تنظر إلى هاتفها باستغراب ،ما الذي
غير زينة ،ما الذي حولها من األبنة الشغوفة الودودة الحنونة إلى
ماهي عليه األن.
صحيح أن الدنيا مشاغل وعجلة الحياة سريعة ،ولكن ليس على
األم التي ضحت بكل شيء من أجلك.
160
()108
اال أستحق ساعة من وقتك فقط لتريني فيها ،اال أستحق خمس
دقائق فقط مكالمة تخصصينها لي تطمئنين علي بها.
وألول مرة تشعر بأن دموعها تنهال وال تستطيع منعها.
وصمتت وتداركت الموقف ومسحت دموعها وهي تدعو هللا
سبحانه بأن ال يؤاخذها وال يغضب عليها.
رغم كل شيء أنا أحبها وراضية عنها مهما بدر منها ،ورفعت
إصرار كفيها للسماء تدعو ألبنتها بالهداية والصالح وراحة البال
والسعادة مع زوجها ومع أبنتها.
وآتى يوم الخميس وجاءت زينة في موعدها ودخلت إلى غرفة
والدتها واحتضنتها وقبلتها قائلة :اشتقت إليك كثيرا أمي.
اشتقت إلى البيت وغرفتي وكل شيء فضلت البقاء بال زواج
حتى ال يشاركك في حبي رجل غريب وحتى ال يحرمني أبوك
منك.
حرصت على تربيتك وحدي وأن أكون بجوارك دائما ،ألنك كنتي
حياتي كلها وأجمل ما حصل لي يا حبيبتي.
والحمد هلل استطعت أن أنشأ فتاة رائعة متعلمة مثقفة ومحبوبة من
الجميع ،فتاتي األن أصبحت زوجة وأم مسؤولة عن أسرتها
الصغيرة والتي ال مكان لي فيها ،غير أن ادعمها وأقف بجوارها
بالنصيحة والمشورة فقط إن احتجتها يا أبنتي.
أعيش األن وحيدة ،أعانق ذكرياتي ،احتضن صورنا معا ،أشتاق
أليامي معك ،تمر بي األيام وأنا تحدث فقط إلى نفسي في هذا
البيت الكبير ،فال اجد غير جدران باردة ال ترد علي.
161
()109
ال أحد يسمعني سوى ربي .وبينما أنا في وحدتي هذه أرسل هللا
في طريقي رجال حنونا عطوفا وكريما ،أستطاع ان يتفهمني،
ويتفهم كل ظروفي ،آلنه يعيش نفس الظروف وحيدا بعد وفاة
زوجته رحمها هللا ،وزواج ابنه الوحيد وسفره إلى الخارج.
جمعتنا ظروفنا ،معاناتنا ،وحدتنا ،حاجتنا لمن يفهمنا ،وإلى كل
منا لألخر.
ولقد تقدم إلي طالبا الزواج على سنة هللا ورسوله.
ولقد أمهلته مدة حتى أفكر باألمر وأستشيرك أبنتي ،فأنا لن أقوم
بأي خطوة إال بعد موافقتك ورضاك حبيبتي.
وسكتت إصرار عن الكالم ونظرت إلى وجه أبنتها الذي كان في
غاية الشحوب ،بل إنها كانت تنظر إليها بعينين متسعتين كأنها ال
تصدق ما تسمعه من أمها.
وأخيرا أجابت والدتها قائلة لها في ذهول :أمي تمزحين معي
صح.؟ هل ما سمعته األن صحيح.؟ هل أنتي جادة في كالمك.؟
أم هل أنت تعاقبيني لغيابي وتقصيري.؟
إن كان هذا ما تلمحين له اليوم سأكلم زوجي باالنتقال والسكن
معك!.
إن كانت تلك رغبتك لفتح عيني وتنبيهي بتقصيري ،فأنا أسفة يا
أمي سأحاول منذ اللحظة أن أخصص كل الوقت لكي ،سأترك كل
شيء من أجلك!.
أمي أجبينني هل هذا هو قصدك.؟ أرجوك أجيبي قولي بأنك
تمزحين معي رجاء ،قولي أي شيء غير الذي سمعته منك األن!.
أجابتها إصرار بكل هدوء جاهدة أن تهدأ من انفعال ابنتها ذاك:
حبيبتي ما قلته لك هو حقيقة وأمر واقع.
162
أعلمي بأنه ال شأن لك فيما أقوله األن ،أعلم كل العلم أن من حقك
الحفاظ على حياتك الزوجية ،فقد ربيتك حبيبتي على احترام
الزوج وأعطاءه كل األولويات ،فهو أوال وقبل كل شيء ،حتى لو
كانت أمك التي هي أنا.
163
()110
لم تصدق زينة ما سمعته من والدتها ونظرت إليها طويال وأحمر
وجهها غضبا ثم حملت أبنتها بعيدا عن ذراعي إصرار وقالت لها
:أتريدين أن تعرفي ما رأي ،حسنا !.هل تعلمين أنك أصبحت
جدة.؟ أم غابت عن بالك تلك المعلومة المهمة وسرح خيالك في
أوهامك بأنك ما زلت شابة تبحث عن الحب والزواج واالستقرار.
ماذا أصابك.؟ تبحثين عن زوج وزواج في مثل عمرك هذا هل
جننتي.؟!
هل أصابتك األنانية وحب الذات لدرجة أنك صرتي تفكرين
بنفسك فقط ونسيت كل شيء عني أنا ،انا أبنتك.؟!
ألم تفكري بي ولو قليال؟ بزوجي ماذا سيقول عنك.؟ ماذا ستقول
أمه التي طالما تحدثت عنكي وأغضبتني بحديثها.؟ ماذا سأقول
لها األن.؟ بل كيف سأرفع عيني في عينيها بعد األن.؟
ماذا سأقول ألهل زوجي جميعا حينما يبدؤون بالكالم عنك.؟
زواج يا أمي وفي مثل عمرك وفي مثل وضعك؟ ما الذي
أصابك؟ ما بك.؟
أعدت إلى عمر المراهقة فحسبتي نفسك ما زلت تلك الصغيرة
التي تحب ويرغب بالزواج منها.؟
األن !...يا امي ؟ لماذا،لماذا.؟
أتريدين أن تصيبيني بالخيبة أمام الناس.؟ تريدين أن يأكلوا وجهي
بالحديث عنك.؟
ماذا فعلت لك حتى يكون هذا جزائي يا أمي.؟ ماذا تريدن يا
إصرار.؟
أنا غير موافقة أبدا،أبدا.!.
164
وإن أردت أن تتزوجي رغما عني ،فأعلمي أنني لن أدخل بيتا فيه
رجل غريب ،ولن اجعل أبنتي تصافح رجال غريبا عنها.
165
()111
هذا رأي ولكل كامل الحرية في االختيار ولكن أنسي تماما أن لك
ابنة أسمها زينة.
وغادرت البيت مسرعة صافقة الباب بقوة من ورائها تاركة أمها
في حالة من الذهول وعدم التصديق مما سمعته ورأته.
أخر شيء كانت تتوقعه منها هو ردة فعلها العنيفة تلك ،بل وكل
تلك األلفاظ التي خرجت من فمها ورفضها حتى الحوار الهادئ،
رافضة تماما أن تستمع بصوت العقل ال بصوت العاطفة.
وانهارت إصرار وجلست في مكانها وهي تكتم صرخة ألم
وحسرة وقهر أن يصل بينهما الحال إلى هذه الدرجة.
ونظرت إلى الغرفة من حولها ووجدت أن ال تكاد تستقر بها،
وشعرت بدوار قوي فأغمضت عينيها وغابت عن الوعي.؟
166
( )122الرجال مواقف ( فارس الموقف).
تفاجأت العاملة المنزلية لدى دخولها إلى غرفة المعيشة ،بسيدتها
إصرار وهي غائبة عن الوعي وال تستجيب لندائها ،حاولت كل
جهدها بإيقاظها ولكن دون جدوى ،مما أصابها بالرعب والفزع،
وظلت تنادي عليها باسمها :مدام إصرار ،مدام إصرار .ولكن ال
تجيبني.
167
()112
كل هذا جعلها في حالة من الخوف عليها وصارت يديها ترتجفان
من الخوف ،فهي تعتبر إصرار بمثابة والدتها ال ربة عملها ،ألن
إصرار كانت تعاملها كفرد من العائلة ،تصاحبها معها في غالب
األوقات.وكأنها أبنتها ،مما عزز حبها في قلبها.
وأخذت هاتف إصرار واتصلت بابنتها زينة ولكنها لم ترد عليها،
أعادت االتصال مرات ومرات ولكن ال أحد يجيب عليها.
انهارت ولم تعلم كيف تتصرف وفكرت باالتصال بسيارة
اإلسعاف وهم يعرفون كيف يتعاملون مع حالتها تلك .وحينما
همت باالتصال أذا الهاتف يرن وبسرعة أجابت بصوتها
المرعوب المرتجف معتقدة أنها زينة أبنة إصرار وصرخت
بأعلى صوتها :من.؟
أجابها صوت رجل :أنا فارس أين السيدة إصرار.؟
فصرخت بأعلى صوتها :أرجوك سيدي تعال بسرعة فالسيدة
إصرار غائبة عن الوعي منذ مدة وال تجيبني .أرجوك سيدي
تعال بأسرع ما يمكن!.
ولم تمر سوى عشر دقائق فقط حتى وجدته أمام الباب وركض
إلى إصرار ووجدها ال تستجيب لندائه عليه ،فحملها بين يديه
كالطفلة ووضعها في المقعد األمامي لسيارته, ،انطلق مسرعا إلى
أقرب مستشفى.
حيث أدخلها قسم الطوارئ والحاالت العاجلة وكان ينادي بأعلى
صوته :أرجوكم المساعدة بسرعه أريد طبيبا بالحال.!.
وكان صوته يرتجف خوفا ورعبا وهو ينظر إلى وجهها الشاحب
وقلبه يكاد يخترق صدره ،قائال لها :ما الذي جرى لك حبيبتي
168
أجيبن باهلل عليك ،أرجوك ردي ،ال تتركيني ،أبقي من اجلي ومن
أجلك أرجوك.!.
ووضعوها في غرفة الفحص وأنتظر هو خارجا يكاد ينهار من
خوفه عليها وتمر بباله خياالت واحتماالت تكاد تعصف به.
169
()113
ما الذي حدث لها؟ ،هل سيفقدها كما فقد زوجته من قبل.
وانقبض قلبه رعبا ،وأستعاذ باهلل من الشيطان الرجيم وردد قائال
:اللهم اشفها وعافها وردها إلي سالمة يا رب ،فأنا احبها وأريدها
في حياتي ألنها أصبحت كل حياتي ،يا رب ال تحرمني وجودها.
وحارب الدمع في عينيه ونظر ووجد الطبيب المسؤول عن
إصرار يبحث عنه
قال له :هل أنت قريبها.؟
قال له مباشرة :نعم أنا زوجها.؟ أرجوك طمئني عليها.؟ ماذا
بها.؟ ما الذي أصابها.؟.
فهدأ الطبيب من روعه وطلب منه الجلوس ليتحدثا سوية:
الواضح بأنها تعرضت لصدمة عصبية قوية ،لم تتحملها أدت إلى
إصابتها بانهيار عصبي وأغماء ،ولكن أطمئن ،سنقوم بإجراء
كافة الفحوصات لنطمئن عليها أكثر.
وال تقلق سنكون حولها حتى تستعيد وعيها ،وسنبقيها بالمستشفى
حتى تستقر حالتها الصحية..
تسأل فارس بقلق :أرجوك هل حالتها خطرة ،أرجوك أرح قلبي و
ال تخبئ عني شيئا..
ضحك الطبيب وأمسك بيد فارس قائال :أهدأ ،اشرب قليال من
الماء البارد وال تخاف أرجوك سيدي ،فقط نريد أم نطمئن عليها،
وأن يعود ضغط الدم إلى معدله الطبيعي.
أرتاح األن يا سيدي وأذهب إلى بيتك فهي بين أيدي أمينة ال
تقلق:.
نظر إليه فارس قائال :لن أذهب إلى أي مكان ،أرجوك أريد البقاء
إلى جوارها!.
170
هل أستطيع ذلك أيها الطبيب.؟.
171
()114
تبسم الطبيب قائال له :طبعا ،طبعا يا سيدي ،ال حرمكما هللا من
بعضكما ،الغرفة التي سنبقيها فيها تسمح أنظمة المستشفى بوجود
مرافق للمريضة ،ال بأس عليك.
حاول فارس بعد ذلك االتصال بزينة من هاتف والدتها ولكنها لم
تجيبه وال من هاتفه أيضا.
وقرر أن يعاود االتصال بها صباح الغد مع رجاء أن تكون
إصرار أفضل حاال بإذن هللا.
وأتجه إلى غرفة إصرار وجذب أقرب كرسي وجلس إلى جوار
سريرها ،يتأملها وقلبه يدعو هللا أن يشفيها ويحفظها له.
ومد يده وأمسك بيدها وقبلها بحنان ،ثم رأسه إلى جوارها يدها
تلك وأستغرق في نوم عميق.
لم يشعر بالوقت وإال بدخول الممرضات الالتي كن حين يرونه
نائما هكذا ،يتصرفن بمنتهى الهدوء حرصا على عدم إيقاظه وهن
يبدين أعجابهن بذلك الحب والوفاء وحرصه على البقاء إلى جوار
حبيبته.
وحاولن أقناعه بالنوم على سرير المرافق ولكنه كان يرفض،
طالبا منهن أن يدعنه على راحته.
مستغرقا بالنوم ورأسه فوق يد إصرار ،إذا به يسمع صوتها
ينادي عليه ،فتح عينيه ونظر إليها طويال حتى يتأكد أنه ال يحلم
وأن ذلك الصوت الحنون الضعيف الذي سمعه هو صوتها
الحبيب.
وجدها تبتسم له في رقة وحنان ووجهها يشع في أنحاء الغرفة
تزينه تلك االبتسامة الرائعة التي لو سأله الناس عنها األن ألجابهم
بأنها أجمل ما رأت عينيه.
172
()115
قفز من مكانه فرحا ويقول لها :حمد هلل على سالمتك حبيبتي،
سالمتك يا غالية ،سالمتك ألف سالمة على قلبك حبيبتي.
لماذا جعلتني أعيش كل ذلك الخوف عليك ،سامحك هللا ،لقد كدت
أن أموت من خوفي عليك..
وأمسك يدها بكل قوة وأنهال تقبيال لها ،فتبسمت وأمسكت يده
وقبلتها قائلة :ال حرمني هللا منك..
منذ متى وأنت هنا.؟ بل منذ متى وأنا هنا بالمستشفى.؟.
أجابها فارس :أرتاحي األن حبيبتي وال ترهقي نفسك باألسئلة،
المهم أنك األن بخير وهلل الحمد ،أزمة بسيطة وعدت على خير..
ودخل الطبيب وحين رآهما هكذا قال لهما ممازحا :أستطيع
القدوم في وقت أخر..
حمد هلل على سالمتك سيدة إصرار ،الحمد هلل جميع الفحوصات
التي أجريناها لك سليمة ،الظاهر تعرضت لتعب وإجهاد وارتفاع
بسيط في ضغط الدم.
إن شاء هللا سأكتب لك تصريحا بالخروج نهاية اليوم ،أشكري
زوجك على إحضاره لك واهتمامه بك فقد ظل إلى جوارك طيلة
الليل ،رافضا أن يتركك ولو للحظة واحدة..
وخرج الطبيب من الغرفة.
ونظرت إصرار إلى فارس ممتنة وعيناها تمألها الدموع وقالت :
زوجتك !.أنا زوجتك فارس.؟.
قال لها وهو يهمس بحب :نعم زوجتي ولي الشرف والفخر أن
تقبلي بي ملكة لقلبي ،انت ال تعلمين قيمتك ومكانتك الغالية
بالقلب ،بل في قلوب كل من يعرفونك،
173
()116
فأنت امرأة نادرة الوجود ،امرأة بمعنى الكلمة ،يتمناك كل رجل
أن تكوني من نصيبه..
زاد من أعجابي بك روحك المكافحة الخالقة ،وطفولة قلبك
المشاغب العنيد.
فهل تعتقدين بعد هذا كله أدعك تضيعين من يدي إصرار ،يا
امرأة تذوب رقة وأنوثة لم أراها في كل نساء العالم..
وفي هذه اللحظة دخلت زينة إلى الغرفة ،فقد وصلتها رسالة من
فارس يبلغها بحالة والدتها وأنها ال بد أن تكون بجوارها في مثل
هذا الوقت .وتمنى منها أن تحضر لتكون بجوار والدتها حين تفتح
عينيها ،فتقر بها وتفرح لرؤيتها.
أرتمت زينة بين يدي والدتها ،تقبلهما بجنون ،وهي تقاوم البكاء،
قائلة لها :سالمتك يا غالية يا حبيبة قلبي أنت ،سالمتك ،ما
تشوفين شر إن شاء هللا.
حبيبتي أرجوك ،أرجوك سامحيني ،ال أعلم كيف جرؤت أن أقول
كل تلك الكلمات ،كيف رفعت صوتي عليك ،سامحيني يا أمي..
وانهالت تقبيال ليديها ورأسها احتضنتها إصرار بين يديها تخفف
عنها وتمسح دموعها وهي تبكي معها.
قالت لها :أرجوك يا أبنتي ال تبكي فأنا بخير وهلل الحمد..
ونظرت زينة من بين دموعها إلى فارس وأطالت النظر وأشاحت
بوجهها بعيدا عنه.
ثم نظرت إلى وجه أمها رأتها تنظر إليها بقلق وتوتر.
قالت ألمها بهدوء :أمي أسفه على موقفي منك ،إن كان في
راحتك وسعادتك أن ترتبطي بمن ترينه مناسبا لك ،فلن اعترض
بل سأقف مع قرارك أيا كان.
174
ولن احرمك سعادتك وأكون انانية ،أحب نفسي فال أفكر في
مصلحتك.
175
()117
أنا أصبح لي اسرة وزوج وطفلة انشغلت بهم عنك ،وأنت من لك
بعد هللا في وحدتك.
أن كان الزواج سعادتك فتأكدي أنني موافقة ولن أكون إال سعيدة
لسعادتك.
ثم قامت وصافحت فارس :أشكرك على وقوفك إلى جوار والدتي
في أصعب وقت كانت فيه تحتاج إلى وجود من يهتم بها ،وكان
هذا أنت.
لقد جعلتني أشعر كم كنت صغيرة العقل وأنانية لم أفكر إال في
كالم الناس من حولي ،لم أفكر في أمي ومشاعرها وبأن من حقها
الحياة بكرامة بجوار من اختارته وهو أنت.
كم كنت غبية حينما لم أنظر إليها ليس كأمي ولكن كإنسانة تحتاج
للرعاية واهتمام وقبل كل شيء قلب صادق يحبها ويقدرها..
أرجو أن تكون لها الزوج والصديق والحبيب ،فأنا موافقة من كل
قلبي على زواجكما ،وليس ألحد في هذه الدنيا الحق باالعتراض
عليه.
ونظرت إصرار إلى فارس ونظر إليها فرحا غير مصدقا ما
سمعه.
وقالت زينة لوالدتها :متى سمح لك الطبيب بالخروج من
المستشفى.؟.
أجابتها :اليوم المساء إن شاء هللا..
قالت زينة :أذن بإذن هللا سيكون زواجكما في عطلة هذا األسبوع،
وأنا من ستقوم باألشراف على الحفل.
ولكما مني أن يكون حفل زفافكما ليلة ال تنسى أبدا ،كم إصرار
عندنا واحدة فقط.
176
,احتضنت أمها وهي تمسك بيدها ويد فارس معا ،وأضاءت
الغرفة الصغيرة روح المحبة تلك التي غمرتهم جميعا.
177
( ( )118رسالة إلى نساء الربيع )
وصل فارس إلى المنزل مبكرا على غير عادته وألقى بمفاتيح
البيت على أقرب طاولة صادفته
ثم بدأ بالبحث عن إصرار.
بحث مطوال في جميع الغرف لم يجدها ،أحتار أين تكون في مثل
هذا الوقت فعادة هي تسترخي بالمنزل آلنه يوم أجازتها
األسبوعية.
وأتجه مسرعا نحو غرفة المكتبة فهي عادة ما تحب أن تتواجد
بها لمراجعة جدول أعمالها وتوقيع بعض األوراق المهمة.
ودخل إلى غرفة المكتب ووجدها تجلس على مقعد يطل على
الحديقة وتحمل بين يديها حفيدتها ليان وهي تحضنها في حنان
وحب والصغيرة نائمة بكل هدوء.
نظر إليهما مطوال وأنتابه شعور بالدفء والحنان وأبتسم لها .ثم
اقترب منها وهي تشير له أال يصدر صوتا حتى ال يوقظ
الصغيرة.
وقفت وحملتها واستأذنت منه لوضعها في فراشها ،وأقترب فارس
من المكتب وجلس في المقعد الخاص به ووجد مجموعة من
األوراق جذبت انتباهه ألنها كانت بخط إصرار ومعنونه باللون
األحمر بجملة امرأة ذات الخمسين ربيعا.
شده العنوان جدا وبدأ بالقراءة .لم يشعر بالوقت يمر لم ينتبه أن
إصرار عادت إلى المكتب وجلست بهدوء أمامه دون أي كلمة
فقط تتابعه عينيها بفرحة وسعادة لرؤيته يقرأ ما خطته يداها من
مشروع رواية تتحدث عن مرحلة عمرية عاشتها ومرت بها .لم
تتنطق بكلمة في انتظار ردة فعله.
178
وصل فارس إلى نهاية الكتاب وبدأ في قرأته بتمعن .كلمة كلمة
وحرف بحرف.
إلى نساء الربيع أينما كنتن :
1-ضعي دوما في اعتبارك أنك جميلة في أي عمر وأي مرحلة
بحياتك.
سواء كنتي أنسة لم تتزوج أو متزوجة أنعم هللا عليك باألسرة
واألبناء والبنات ،ثم بعدها جدة لك أحفاد.
فجمالك هنا ينبع من كل تلك النعم التي أنعمها هللا سبحانه وتعالى
عليك.
فشكرك للنعم وتمتعك بها ينعكس جماال وسالما بمظهرك
الخارجي وكذلك جمال روحك وقلبك.
-2أرتدي ما تحبينه وتشعرين أنه مناسب لك ،ال لغيرك.
وتذكري أن كل األلوان تليق بك
.وال دخل لأللوان بالعمر .فال يعني أنك بالخمسين أن تلبسي
رمادي أو ألوان قاتمة تقول للجميع هذا هو لون عمري.
ال عزيزتي لم يخصص لونا محدد للعمر ،نحن من وضعنا قانون
يربط العمر باللون ،فخالفيه برغبتك و ال تهتمي.
179
()119
-3أظهري دوما روح المرح،،
وشعي تفاءال وأمال،،ومارسي حقك بالعيش في جو من البهجة
وأبعدي كلية عن جو االكتئاب والمشاعر السلبية التي ال تفيدك
أبدا .فالتقدم بالعمر ال يعني أن تكوني كئيبة ال تعرف االبتسامة
طريقها لشفتيك.
4-كوني دوما المستشارة لمن هم في حاجتك ،فما مررت به
واكتسبته من الخبرة في الحياة تجعلك مدرسة لكل من حولك.
-5أن تكوني في الخمسين ال يعني أنك لست جميلة بل تأكدي أن
جمالك يشرق ويتألق في عيون جميع من يحبونك .وقبلهم نفسك.
-6من يحبونك ،،يرونك دوما كالوردة الجميلة كلما تفتحت زاد
عبيرها وفاح عطرها على جميع من حولها .فأنعشي قلوب أحبتك
بعطرك الخاص بك وال تتشبهي بأحد غير نفسك.
-7مارسي الرياضة ،خاصة المشي يوميا لمدة ساعة لتساعدي
جسمك على االسترخاء وكذلك تنشيط الدورة الدموية وتقوية
عظامك وتجنب هشاشة العظام.
-8شاركي باألنشطة الخاصة بخدمة مجتمعك،
أما بمالك أو بمجهودك .من رعاية األيتام واألرامل وخاصة في
نطاق أسرتك وصديقاتك فهن أولى بمساعدتك ووقوفك إلى
جوارهم.
-9خططي لحياتك ،وأعملي فالعمل يشغل وقتك وال تدعين
الفراغ يسيطر عليك ويدخلك في دائرة الملل واالنتظار حضور
أو سؤال من حولك.
180
()120
فالوقت من ذهب أبدعي وتألقي وأنتجي وسترين أنك ستكتشفين
أشياء تبدعين بها لم تكن موجودة النشغالك بأسرتك وأبناءك
وحان الوقت األن لظهورها والتباهي بها.
قد تكتشفين مثال أنك رسامة مبدعه اضطرت ان تلقي بألوانها
لرعاية صغارها.
أو كاتبة متألقة مبدعه اضطرت لنسيان قلمها للذهاب إلى مدرسة
بناتها.
أو سيدة أعمال متفوقة اضطرت للبقاء بجوار أبناءها .فتخلت عن
حلمها من أجلهم.
-10إن كنتي مطلقة أو ارملة أو حتى أنسة لم تتزوج حتى ذلك
العمر أو حتى أكبر فال تخجلين من االرتباط حينما تجدين الرجل
المناسب لك.
وال تلقين باال لمن يتهمك بعدم مراعاة عمرك وغيرها من
األحاديث األنانية التي ال همها إال االنتقاد فقط دون مرعاه
لمشاعرك واحتياجاتك.
فطالما وجدتي الشريك المناسب الذي يريد االرتباط بك بالحالل
فهذا شيء يعود لك فقط وال يخص أحدا غيرك.
فهي حياتك أنت وال تخجلين أن تعلني ذلك للجميع.
بل وتظهرين مع زوجك ويدك بيده وأنت في منتهى السعادة .فقد
يعوضك هللا برجل ينسيك كل األيام التي قضيتها وحيدة ولم يسأل
عنك من يلومنك األن.
عزيزتي الزواج في أي عمر كان بركة وخير .فال تصغي ألحد.
بل عيشي حياتك.
-11من يقول لك أن عمرك ال يسمح لك إال بالبقاء بالمنزل.
181
فليكن ردك عليه بالتفوق بعمل ما تحبينه وتجيدينه.
فالعمل شرف لكل األعمار طالما من هللا عليك بالصحة والعافية.
182
()121
نساء الربيع ،،،أرفعن رأسكن عاليا فالحياة ترحب بالجميالت في
أي عمر كنتن فيه ،والجميالت هنا ليس بمقياس المظهر الخارجي
فقط ،ولكن جمال قلبك وروحك المتعطشة دوما لألمام ،للمزيد من
العلم والمعرفة
-12ال تشككي أبدا بقدراتك وال تلتفتي لرأي الناس فيك ضعي
إيمانك باهلل فوق كل شيء واحرصي على رضاه وحده ،وال
تهتمي بعدها بإرضاء الناس.
-13مهما اشتد الظالم من حولك،
أضيء شمعة تنير طريقك وتبعد عنك اشباح الماضي،
ضوء هذه الشمعة منبعه إيمانك ،باهلل وثقتك وحسن ظنك به.
-14تأخذنا الحياة في زورق يمر في بحر أمواجه تتغير بين مد
وجزر وعلو وانخفاض ً وعلينا الصبر على كل تلك التغيرات،،،
والتمسك بزورق اسمه األمل في هللا.
-15نحتاج من وقت آلخر تشكيل وتجديد حياتنا بألوان الفرح،
ونترك تلك األلوان القاتمة التي فرضناها ًعلى أنفسنا ً
سنكتشف حينها ألوان جديدة لم نكن نلتفت لها من قبل ألوانا غابت
عنا وفوجئنا انها اجمل وأروع مما كّنا نتخيله ً.
183
()122
-16الحياة ال تخلو من الهموم والمشاكل،،التي مهما علت
وارتفعت واشتدت فإنها ستهدا بإذن هللا مثل تلك الرياح العاصفة
وتعود الحياة إلى جمالها.
فقط بقليل من الصبر والشكر هلل في كل األحوال.
-17كوني دائما برفقة من يشعرونك بطاقة إيجابية ،ويدفعونك
إلى األمام.
وابتعدي كل البعد عن كل من يمدونك بطاقة سلبية ونظرة
متشائمة للحياة،ال يرونها إال بمنظار أسود وال يشعرون بنعم هللا
من حولهم.
-18اإلصرار والعزيمة حينما يجتمعان معا ،وتمسكت بهما.
تأكدي بإذن هللا بأنه ال أحد يستطيع أن يقف في طريق نجاحك
وتميزك.
-19الطموح يتغير باختالف األيام واألشخاص والظروف ،ولكن
اإلرادة أقوى من كل الظروف.
184