You are on page 1of 13

-1-

-2-
‫تصميم غالف‪ :‬أمنية محمد‬

‫تصميم داخلي وتنسيق‪ :‬شيماء يحيى‬

‫نوع العمل‪ :‬قصة قصيرة‬

‫اسم العمل‪ :‬غروب‬

‫الكاتبة‪ :‬شيماء يحيى الغنيمي‬

‫‪-3-‬‬
‫«غـــــروب»‬
‫قد توارت الشمس‪ ،‬دخلت في أحضان السماء؛ فآتى الغروب بثوبه األسود‬
‫يكسوى الليل بظلمته‪ ،‬ففي الغروب نمضي فيه يكمن الصمت وحكايات‬
‫الشوق‪.‬‬

‫نلتقي في غروب مجهول حيث الظالم يتم فيه تضييع األحالم ونتوه في‬
‫الصمت الهارب‪ ،‬نرسم من الخيال حكايات‪ ..‬حكايات تُحكى لنا وكأننا نعيش‬
‫فيها‪ ،‬يَقصها علينا من نعشق حكاويهم لنا‪.‬‬

‫كانت تجلس الجدة على األريكة بعدما أدت صالة العشاء تُسبح وتستغفر‬
‫ربها‪ ،‬بعد لحظات طرق أحدهم باب غرفتها فإذا به يوسف أصغر أحفادها‬
‫وكان في العشرين من عمره‪ ،‬فتحت ذراعيها لتضمه‪ ،‬فقفز بين أحضانها‬
‫وكأنه ا‬
‫طفال في الخامسة من عمره وليس شاباا‪ ،‬أخذت الجدة أمال ترطب‬
‫على ظهره وهي تُتمتم ببعض األدعية التي دائ اما ما تدعو بها ألحفادها‪.‬‬

‫قال يوسف ومازال بين أحضانها الدافئة وابتسامته ال تغادر فاه‪-:‬‬

‫_ يا جدتي أكنتي ستخلدين إلى النوم قبل أن تحكي لي حكاية كل مساء؟‬

‫ضحكت الجدة وقالت‪-:‬‬

‫_ ألم تكبر على هذا يا يوسف فأوالد أخواتك الصغار ال يطلبون أن أحكي‬
‫لهم أياا من حكاياتي‪ ،‬فهم يمتلكون ا‬
‫عقال ناض اجا أكثر منك يا حفيدي‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫ت بالنسبة لي‬
‫_ ال يا جدتي مهما بلغ بي العمر لن أسئم من حكاياتك‪ ،‬فأن ِ‬
‫كدقات قلبي التي أحى بها فبدونك ليس ليوسف وجود‪ ،‬فأنا صغيرك‬
‫وسأظل صغيرك إلى األبد‪ ،‬هيا يا جدتي أحكي لي هيا فأنا متشوق لحكاية‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫ا‬ ‫الليلة‬

‫ابتسمت الجدة والدموع تمأل عينيها وقالت‪-:‬‬

‫_ حسناا يا صغيري سأحكي لك‪.‬‬

‫تمدد يوسف على األريكة ووضعه رأسه على قدم الجدة وبدأت الجدة‬
‫تقص عليه حكاية ككل ليلة‪.‬‬

‫كان يوسف شارد في مالمح جدته وكأنه إلتقى بها للتو‪ ،‬كان ينظر لكل‬
‫إنشا في وجهها‪ ،‬ويقول في نفسه وراء كل هذه التجاعيد حكايات‪ ،‬ولكنها‬
‫ليست بقصص تُحكى فقط؛ بل كانت تجارب وكل واحدة من هذه التجاعيد‬
‫خلفها قصة حدثت بالفعل‪ ،‬وكلهم تجمعوا ليحفروا معالم وجهك الجميل يا‬
‫جدتي الغالية‪ ،‬فهذه التجاعيد تجعلك ملكة جمال بدون أدنى شك‪ ،‬فيكفي‬
‫أنك تمتلكين قلباا كورد الياسمين‪.‬‬
‫ِ‬

‫انتبهت الجدة ليوسف وهو شارد وهزته من كتفه وقائلة‪- :‬‬

‫_فيما شردت يا يوسفي؟‬

‫استقام يوسف في جالسته ا‬


‫قائال‪-:‬‬

‫_شردت في ذات الحسن يا جدتي‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫ضحكت الجدة وقالت‪-:‬‬

‫_أتحب يا يوسف؟‬

‫_نعم يا جدتي إني عاشق المرأة سكنت فؤادي وتربعت على عرشه‪ ،‬قد‬
‫سحرتني بجمالها وطيبة قلبها‪ ،‬وعذوبة صوتها وهي تتحدث معي‪.‬‬

‫قاطعته الجدة قائلة‪-:‬‬

‫_ ألهذا الحد تعشقها! قد أخذت من الحظ نصبها عندما وقع في غرامها‬


‫حفيدي‪ ،‬قل لي من هي أال تريد أن تخبر جدتك؟‬

‫قال يوسف ُمبتس اما‪-:‬‬

‫_ ول َم أقول لها يا جدتي وهي معنا اآلن؟‬

‫نظرت الجدة حولها ثم قالت‪-:‬‬

‫_ أين هي يا صغيري‪ ،‬أتركتها واقفة خارج الغرفة كل هذا؟‬

‫_قهقهة يوسف بشدة ودخل في أحضان جدته وقال‪-:‬‬

‫_ ال يا جدتي لم أتركها بالخارج فهي هنا وأنا اآلن بين ذراعيها‪.‬‬

‫شعرت الجدة بسعادة تغمر قلبها‪ ،‬فحب يوسف لها ال يضاهي حبه ألحد‬
‫غيرها‪ ،‬رطبت على ظهر وقالت‪-:‬‬

‫_أتحبني كل هذا الحب يا صغيري؟ فلتترك شيئاا لوالديك‪.‬‬

‫قال يوسف‪-:‬‬

‫‪-6-‬‬
‫ت أبي وأمي وكل من لي يا جدتي‪ ،‬فأنا بدونك ضائع‪ ،‬كطير غادر‬
‫_ أن ِ‬
‫وطنه ولم يعرف طريق العودة‪ ،‬فأصبح شريد ال هو يعرف سبيل الديار‬
‫وال بمأوئ له يحميه من الحياة‪.‬‬

‫وضعت الجدة يديها على كتف صغيرها يوسف قائلة‪-:‬‬

‫_ لم أرى ح ابا من أحد كما رأيته منك يا صغيري فوهللا أنت في قلبي‪ ،‬بل‬
‫أنت قلبي يا يوسفي‪ ،‬فالكل عاشق حبيب‪ ،‬وأنت حبيب فؤادي يا صغيري‪،‬‬
‫لكن قل لي يا يوسفي أال توجد فتاة تحبها؟‬

‫_ وكيف أعرف أنني أحب يا جدتي‪ ،‬وما هو العشق؟‬

‫_ العشق يا صغيري اكسير هذه الحياة‪ ،‬وللعشق قواعد‪.‬‬

‫قال يوسف‪ :‬وما هي قواعد العشق يا جدتي؟‬

‫ردت الجدة قائلة‪-:‬‬

‫_ قواعد العشق تمكن في بضعة كلمات يا صغيري‪ ،‬االهتمام‪ ،‬األمان‪،‬‬


‫االحترام‪ ،‬التقدير‪ ،‬المسامحة‪.‬‬

‫عندما تحب يا يوسفي يجب أن تعطي للمرأة التي أحببتها هذه األشياء‪،‬‬
‫فبدونها ال تكتمل أي عالقة من العالقات‪.‬‬

‫_ تأتي بأولهم وهو االهتمام‪ ،‬فكن يا صغيري مهت اما بها وبكل ما يخصها‪.‬‬

‫قاطعها يوسف ضاحكاا‪-:‬‬

‫‪-7-‬‬
‫_ أتقصدين يا جدتي أن اهتم بمساحيق التجميل الخاصة بها‪ ،‬وبفرشة‬
‫أسنانها أين وضعتها‪ ،‬وبحذائها التي تحبه ومالبسها وكل هذه األشياء‬
‫السخيفة؟‬

‫نظرة الجدة بعتاب ليوسف فسكت واستكملت هي حديثها قائلة‪-:‬‬

‫_ ال يا يوسف ليست هذه األشياء بسخيفة فهذه األمور بالنسبة ألي امرأة‬
‫بمهمة‪ ،‬ومن يهتم ألمرها يجب أن يهتم ألمر األشياء التي تحبها‪ ،‬وال‬
‫يستخف أو يقلل منها‪ ،‬وال يكمن االهتمام في هذه االمور فقط‪ ،‬بل في كل‬
‫جوانب حياتها‪ ،‬سواء كانت بصغيرة أو كبيرة‪ ،‬يا صغيري لو أهملت من‬
‫تحب‪ ،‬من سيهتم به‪ ،‬هي إختارتك أنت فال تخذلها يو اما‪.‬‬

‫_ صدقتي يا جدتي‪ ،‬فوهللا إن الخذالن م َمن نحب لهو من أشد اآلالم‪.‬‬

‫_ أحسنت يا صغيري‪ ،‬فحذاري أن تخذل من أحببت‪.‬‬

‫_ أما األمان فهو عمود أي عالقة فبدونه ال يوجد حب وال صداقة وال أي‬
‫صا على نفسه فال تخنه‪ ،‬لكن كن على قدر ثقته‬
‫شيء‪ ،‬عندما يأتمنك شخ ا‬
‫بك‪ ،‬وال تعطي إال األمان لمحبوبتك فهي أمانتك على قلبها‪ ،‬فإياك أن تخونه‬
‫أثرا في فؤادها‪.‬‬
‫أو تؤذيه‪ ،‬وإن أردت الرحيل‪ ،‬ارحل‪ ،‬لكن بدون جرح يترك ا‬

‫_ وكيف أعطيها األمان يا جدتي؟‬

‫أن تأمنك على سرها فال تفشيه‪ ،‬أن تأمنك على مالها فال تضعيه‪ ،‬أن تكون‬
‫لها خير سند في هذه الدنيا الخائنة‪ ،‬فتتكئ عليك من غير خوف‪ ،‬تكون‬
‫لها عوناا لها‪ ،‬ال عبئاا عليها‪ ،‬تكون لها األخ والصديق قبل الحبيب‪ ،‬وأعلم‬

‫‪-8-‬‬
‫يا صغيري أن المرأة إذا أحبت‪ ،‬فإنها تحب بكل غالي ونفيس‪ ،‬تثق وتعطي‬
‫األمان فال تردها يو اما خائبة األمل فمن عشقت‪.‬‬

‫_ فماذا عن اإلحترام والتقدير يا جدتي؟‬

‫_ هما يا صغيري أساس من أسس العالقات‪ ،‬فما بُني على إحترام وتقدير‬
‫ا‬
‫طويال‪ ،‬فعالقتك بمن أحببت إن لم يسودها التقدير واإلحترام‬ ‫فله أن يعيش‬
‫ستنتهي سريعاا كبرق ظهر في السماء‪ ،‬فأحدث ضجي اجا لبرهة‪ ،‬وعاد من‬
‫حيث آتى‪ ،‬تمكن لذة العالقات في اإلحترام المتبادل بينهما الكثير منها يُنى‬
‫على التقدير واإلحترام ويوجد عالقات تستمر بهما‪ ،‬فيكفي أن يقدر بعضكم‬
‫صا عليها وعلى قلبها‪.‬‬
‫البعض هذا كافي الستمرار حبكما‪ ،‬كن حري ا‬

‫_ أما عن المسامحة‪ ،‬فسامح وصافح‪ ،‬وال تدع ما يعكر صفو عالقتكما‪،‬‬


‫باق‪ ،‬كن معها ال عليها‪ ،‬كن عوناا لها‪ ،‬ال تكن‬
‫فكل شيء زائل وحبكما ِ‬
‫شوكة في حلقها‪ ،‬ال تدع أي شيئاا يعكر صفو حبكما‪ ،‬فاأليام معددوة والعمر‬
‫قصير واليوم الذي يذهب ال يأتي غيره‪ ،‬وال ندري كم من العمر سنحيا!‬
‫فإن كنا سنحيا يو اما آخر؛ لنعشه بكل حب وسالم‪ ،‬فالحظات الحب تُطيل‬
‫العمر آالف السنوات‪ ،‬ال تدع ال ُحزن والهجران يخيما على حياتك‪ ،‬فلتدع‬
‫أبواب السعادة والفرح والعشق مفتوحة على مسارعيها‪ ،‬ولتغلق أبواب‬
‫ال ُحزن وتلقي بمفاتيحها في أقصى المحيط‪ ،‬فال ندري أي يوم سنفارق من‬
‫نحب‪ ،‬فلنعش كل لحظة وكأنها األخيرة‪ ،‬لنأخذ منهم ذكريات نعش عليها‬
‫بعد رحليهم‪ ،‬ولتكن جميعها ذكريات جميلة‪ ،‬فنحن نريد أن نحيا على ذكرى‬

‫‪-9-‬‬
‫سعيدة معهم لحين أن نلتقي بهم في مكاناا أفضل حيث األبدية والسعادة‬
‫الدائمة‪ ،‬حيث الفرح والسرو‪ ،‬فمن يدري متى سنفارق أحبتنا‪ ،‬لنجعل كل‬
‫لحظات حياتنا مليئة بالفرح‪ ،‬نُخلد ذكراهم بين ثنايا قلوبنا بصورة ألوانها‬
‫تشع ابتسامات وفرح‪.‬‬

‫كان يوسف يستمع لجدته ودموعه تمأل عينيه‪ ،‬فحديثها لمس قلبه‪ ،‬حقاا‬
‫لنعش بسعادة من يدري أي يو اما سنرحل ومن سيرحل ا‬
‫أوال‪.‬‬

‫ابتسمت الجدة بحب ليوسف قائلة‪-:‬‬

‫كثيرا أن أرى من سيقع في غرامها صغيري ذو العيون العسلية‪،‬‬


‫_ أتمنى ا‬
‫فهي ستنال أحن قلباا في الدنيا‪.‬‬

‫متأثرا بكالم جدته‪-:‬‬


‫ا‬ ‫رد يوسف ومازال‬

‫ت من سيختارها يا جدتي‪ ،‬فأنا أريدها مثلك في طيبة قلبك وجمال‬


‫_ أن ِ‬
‫روحك‪.‬‬

‫ردت الجدة وهي تشاور على قلب يوسف‪-:‬‬

‫_ ال يا صغيري هذا من سيختار محبوبته ال أنا وال أنت‪ ،‬فالقلب دائ اما رأياا‬
‫آخر في أمور العشق‪ ،‬فهو على دراية كاملة بها‪ ،‬فمن سيختارها قلبك‬
‫ستكون ملكة متوجة على عرشه يا يوسفي‪.‬‬

‫قال يوسف‪-:‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫_ هكذا تتهربين من اختيار زوجة حفيدك‪ ،‬قولي لي من أين تعملتي أمور‬
‫المكر هذه واللعب بالكالم يا جدتي‪.‬‬

‫ضحكت الجدة قائلة‪-:‬‬

‫_ ستظل هكذا دائ اما تحول كل أمور الجد إلى مزح‪ ،‬يا لك من طفل في‬
‫كثيرا وأنا أريد‬
‫ا‬ ‫عمر العشرين! هيا قم اذهب إلى غرفتك‪ ،‬قد تأخير الوقت‬
‫أن أخلد إلى النوم‪ ،‬فإني أشعر بالنعاس من بعد العشاء‪ ،‬وبفضلك حل‬
‫منتصف الليل ولم أنم‪.‬‬

‫وأدعك تنامين‪ ،‬لكن لحديثنا باقية‬


‫ِ‬ ‫_ حسناا يا جدتي سأذهب إلى غرفتي‬
‫في الغد‪.‬‬

‫ردت الجدة قائلة‪-:‬‬

‫ا‬
‫طويال؟‬ ‫_ إن كان يوجد غد يا صغيري فال نعلم هل سنستيقظ غداا أم سنرقد‬

‫قاطعها يوسف قائاال‪-:‬‬

‫_ ال تتفوهي بهذه الحديث مرةا أخرى يا جدتي فإنه يشطر قلبي نصفين‪،‬‬
‫وقَبل بعدها يديها ورأسها‪.‬‬

‫ردت الجدة وهي تتمت بالدعاء وقالت‪-:‬‬

‫_ خذ بيدي إلى الفراش يا صغيري‪.‬‬

‫أخذها يوسف إلى الفراش‪ ،‬وساعدها على التمدد عليه ودثرها بالغطاء‬
‫جيداا‪ ،‬ثم أطفئ نور الغرفة وذهب لغرفته‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫هنا فاق يوسف من شروده على يد تداعب شعره؛ ولكنها ليست بيد جدته‪،‬‬
‫بل والدته وهي توقظه لصالة الفجر ظنت أنه نائم‪ ،‬لكنه كان شارد في‬
‫أخر ليلة له مع جدته‪ ،‬قد توفها هللا في هذه الليلة التي كانت بها مع‬
‫يوسف‪ ،‬قد كانت آخر ليلة تجمعه معها‪ ،‬ومن ذلك الوقت وهو ال يفارق‬
‫غرفتها رغم أنه َمر على وفاتها عامين‪ ،‬أصبح في تلك الفترة ال يريد‬
‫شيء سوى المكوث في غرفة جدته‪.‬‬

‫قالت األم‪-:‬‬

‫_ هيا يا بني لتأدية صالة الفجر في المسجد‪ ،‬قام يوسف وقبل أن تراه‬
‫أمه مسح الدموع التي تغرق وجهه وقام لكي يتوضى‪ ،‬وقبل أن يذهب‬
‫للمسجد نظر لصورة جدته‪ ،‬وطال النظر في مالمح وجهها التي اشتاق‬
‫كثيرا‪ ،‬شرد يوسف في الصورة ا‬
‫قائال‪-:‬‬ ‫ا‬ ‫إليه‬

‫_ يا عذاب فؤادي من بعد فراق محبوته‪ ،‬ويا ويل روحي تحترق من فرط‬
‫رحيلك‪ ،‬وأصبح الوجع يعصف بي‪ ،‬فل َم‬
‫ِ‬ ‫األلم‪ ،‬قد دأب جسدي حزناا من بعد‬
‫ت الروح قبل القلب؟‬
‫الفراق يا من سكن ِ‬

‫أنك رو احا أحيا بها‪ ،‬وقلباا ينبض بداخلي؟ يا‬


‫ت تعلمين ِ‬
‫ل َم الرحيل إذن وأن ِ‬
‫ذهابك عني كان موتي‪ ،‬فتاهلل إني أحيا حياة األموات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ب لي‬
‫أول دقة قل ِ‬
‫جسد منهك‪ ،‬قلباا مزقه األلم‪ ،‬رو احا تصرخ من فرط األحزان‪ ،‬أترين ماذا‬
‫بفراقك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫رحيلك بي؟ يا أول حب طرق باب فؤادي‪ ،‬أنا قد مللت الحياة‬
‫ِ‬ ‫فعل‬
‫إلك‪ ،‬ل َم الرحيل يا قرة عين صغيرك؟‬
‫سواك‪ ،‬وما هوى الفؤاد ِ‬
‫ِ‬ ‫فما عشقت‬

‫‪- 12 -‬‬
‫فحفيدك قد‬
‫ِ‬ ‫لرؤياك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫فياليت الموت يُريح قلباا قد بات يحيا بنيران الشوق‬
‫نال من ال ُحزن ما يكفي أالف من الناس‪.‬‬

‫مسح دموعه التي ما جفت من يوم فراق جدته‪ ،‬وقرأ لها الفاتحة وخرج‬
‫لكي يلحق الصالة‪.‬‬

‫أثناء عودته نظر للسماء ب ُحزن يمزق داخله قائال‪-:‬‬

‫_ ساعات قليلة وستشرق شمس يو اما جديداا‪ ،‬لكنها سترحل‪ ،‬ويأتي‬


‫الغروب محمل بالغيوم والظالم‪ ،‬فعند الغروب ت ُق ِلِّب الهموم‪ ،‬وت ُحبس‬
‫الدموع‪ ،‬ت ُفتح الذكريات‪ ،‬وت ُسكب ال َعبرات من اشتياق طال‪ ،‬وحنين زاد‪،‬‬
‫وفراق حال‪ ،‬وجرح غار‪ ،‬وحب ضاع؛ فخلف جفن الغروب عين نائمة‬
‫بجوار من تحب‪ ،‬وعين تترقب عودة من تحب‪ ،‬وأخرى مألها دمع الحنين‬
‫لمن تحب‪.‬‬

‫يعلمنا الغروب أنِّه ال بد من الرحيل‪ ،‬سيرحل عنا من نحب وسنرحل يو اما‬


‫عن من نحب‪ ،‬ولن يبقى سوى طيب األثر‪.‬‬

‫تمت بحمدهللا‬

‫‪- 13 -‬‬

You might also like