Professional Documents
Culture Documents
نظرية التجارة الدولية
نظرية التجارة الدولية
+
يمكن القول بأن االهتمام بوضع نظرية للتجارة الدولية ،بدأ في القرن السابع عشر
في اوروب ا حين أعطت (الميركانتلي ة )Mercantilismالتج ارة وزن اً مهم اً في
تعزيز ثروة األمم ،وعندما ظهرت المدرسة الكالسيكية اهتمت بالتوسع في االنتاج
وحرية التبادل وأنكرت كون التجارة مباراة صفرية المجموع تتحقق فيها مكاسب
للبعض على حساب خسائر اآلخرين ،ونظرت الى التجارة على أنها "مباراة موجبة
المجم وع" « يمكن ان يتحق ق لك ل ط رف فيه ا ق در من المكاس ب» وتم الترك يز في
البداية على الخصائص المميزة لكل من االقتصادات الوطنية المش اركة في التجارة
الدولي ة ،وم ع المزي د من الت دقيق في العالق ات التجاري ة الدولي ة ُوج د على أن
الخص ائص ال تي تتص ف به ا قطاع ات معين ة داخ ل ك ل دول ة تلعب دوراً مهم اً في
تجارتها الدولية ،مما لفت االنظار الى تباين ماتملكه كل دولة من عناصر االنتاج
واختالف االنش طة في درج ة كثاف ة اس تخدامها لعنص ر معين من عناص ر االنت اج
المتاح ة .وم ع التس ليم بش يوع المنافس ة االحتكاري ة وتم ايز المنتج ات في ص فاتها،
ومن ثم مفاضلة المستهلكين بينها امتد التحليل الى األخذ باالعتبار االختالفات بين
المنشآت ،وعزز هذه النظرة تصاعد قوة الشركات متعدية الجنسية وما أدخلته على
التب ادل التج اري من تغي ير ،وهك ذا اتس عت النظ رة من تب ادل بين االقتص ادات الى
تبادل بين القطاعات ،ثم تبادل بين القطاعات ذاتها ،واخيراً تبادل داخل المنشآت،
وم ع ه ذه التط ورات تط ور ال دور ال ذي يع زى الى الوح دات األص غر «الم ايكرو»
وفي إكساب عناصر اإلنتاج خصائص أفضل من وجهة نظر اساليب االنتاج ومدى
الحاجة الى مساندة هذا التعديل باتباع سياسات كلية مناسبة.
2
وسأعرض بإيجاز السمات العامة لنظريات التجارة الدولية وأهم مرتكزاتها (:)1
-1الميركانتلية او التجارية:
وهي تعت بر ان ث روة األمم تتوق ف على م دى حيازته ا للمع ادن الثمين ة ،وبالت الي
يتوجه النشاط االقتصادي الى جلب هذه المعادن من حيث توجد.
وتم ذل ك بال دعوة الى زي ادة الص ادرات على ال واردات ح تى تت دفق النق ود المعدني ة
س داداً لف ائض التص دير ،وفي ض وء ه ذا التوج ه ،ق امت بعض ال دول كإس بانيا
والبرتغال بغزو امريكا الالتينية لنهب مابها من ذهب وفضة ،وصحب ذلك دعوة
الميركانتلي ة الى حماي ة الس وق المحلي ة لتقلي ل ال واردات والعم ل على تقليص
التكاليف وخاصة خفض األجور الكتساب التنافسية الخارجية.
وكان أهم انتقاد لهذه المدرسة ،االنتقاد الذي وجهه المؤرخ االسكتلندي دافيد هيوم،
الذي أوضح ان هذه السياسة ستؤدي الى التضخم وارتفاع االسعار وبالتالي فقدان
الميزة التصديرية.
-2الفيزوقراطيين «الطبيعيين»:
وق د راجت افك ار المدرس ة الطبيعي ة في فرنس ا خالل النص ف الث اني من الق رن
الثامن عشر ،التي ركزت على أن مصدر الثروة هو ماتوفره الطبيعة من منتجات
زراعية ،ومن ثم اعتبار ان جهد الفالحين هو مصدر الثروة للمجتمع.
وعلى عكس مدرس ة التج اريين ،ك ان من مص لحة االقتص اد ان تت دفق المنتج ات
االجنبي ة بال عوائ ق ومن ثم انطلقت دع وة «دع ه يعم ل ..دع ه يم ر» ال تي م ازالت
ترمز الى الحرية االقتصادية ،وقد تضمنت توجهات الفيزوقراط تقليص دور الدولة
وتخفيض ايراداتها العامة .ويشابه سلوك الفيزوقراط سلوك الدولة الريعية.
3
أكد آدم سميث في كتابه «ثروة األمم» أن مصدر الثروة هو االنت اج ،وان توسعه
يتم من خالل تقس يم العم ل في ظ ل المنافس ة الكامل ة ،وأدى امت داد ه ذا التفك ير الى
التعامل الخارجي مع الدعوة الى تقسيم العمل الدولي بقيام الدول بتصدير ما تتمتع
به من ميزة في انخفاض الكلفة مقارنة بالدول االخرى ،حيث تقاس الكلفة بوحدات
العمل المبذول.
وامت دت دع وة آدم س ميث الى إطالق «الي د الخفي ة» للس وق من االقتص اد الوط ني
الى االقتص اد الع المي .وفي رأي س ميث ان التج ارة الدولي ة تس هم في تقلي ل ش دة
االحتكارات الداخلية وتخلق المزيد من فرص العمل.
أخ ذ االقتص ادي االنكل يزي «ريك اردو» بنظري ة القيم ة بكلف ة العم ل في تفس يره
للتب ادل التج اري ال داخلي ،وامت د به ا الى التج ارة الدولي ة ،مبين اً ان اس تمتاع البش ر
يزيد منه إجراء توزيع أفضل للعمل عن طريق قيام كل دولة بإنتاج تلك السلعة
التي تتيح لها فيها اعتبارات الموطن المتمثلة في موقعها ومناخها ومزاياها االخرى
الطبيعية او المصطنعة مزايا مناسبة ،ويتبادلها مع منتجات دول أخرى ،وتستطيع
الدول ة االس تفادة من تص دير الس لعة ال تي تنخفض كلفته ا النس بية ل ديها والحص ول
مقابل ه على ق در أك بر من الس لعة االخ رى من الدول ة االخ رى ال تي تنخفض نس بة
كلفته ا ل ديها ،وبالت الي تنش أ تج ارة دولي ة ،وتحص ل ك ل دول ة على ق در أك بر من
المنتجات كما لو قامت بإنتاجها بنفسها.
وق د أض اف ج ون س تيوارت مي ل الى نم وذج ريك اردو تفس يراً لنس ب المقايض ة او
التب ادل بين الس لعتين مس تخدماً االنتاجي ة النس بية للبل دين ال تي تقيس نس بة الكمي تين
4
المنتج تين من الس لعتين بوح دة العم ل في ال دولتين ،فالتب ادل التج اري يح دث عن د
مع دل مقايض ة يق ع بين الس عرين النس بيين في ال دولتين ،ويتح دد ه ذا المع دل نتيج ة
التفاع ل بين حجم الطلب في ك ل من ال دولتين .ويتحق ق الت وازن عن د النقط ة ال تي
تتساوى فيها قيمة الصادرات لكل دولة مع وارداتها.
هك ذا نج د أن النظري ة االقتص ادية لالقتص اديين الكالس يكيين تق وم على ع دد من
الفروض هي:
ب -إن جميع وحدات العمل متجانسة التختلف من نشاط الى آخر.
ج -تتمت ع عناص ر اإلنت اج باالنتقالي ة التام ة داخ ل ك ل دول ة ،وع دم االنتقالي ة بين
الدول.
وق د تعرض ت ه ذه النظري ة النتق ادات موض وعية هام ة ،مم ا ادى الى ظه ور
نظريات أخرى تفسر التجارة الدولية.
5
تس تند النظري ة الكالس يكية الى وج ود اختالف ات في اوض اع االقتص ادات الوطني ة،
وفي مقاب ل ذل ك ظه رت افك ار تش ير الى وج ود حاج ة ألخ ذ ظ روف الص ناعات
المختلف ة في االعتب ار ،وك انت أول فك رة من ه ذا الن وع ص اغها وزي ر المالي ة
االمريكي ة الكس ندر ه اميلتون ،1791عن دما أش ار الى أن إدخ ال ص ناعات جدي دة
يحت اج الى ف ترة تكفي الكتس ابها ق درة على منافس ة المنش آت االجنبي ة ال تي تق وم
بتص دير منتجاته ا الى الدول ة المعني ة .فالمنش آت الناش ئة تحت اج الى بعض ال وقت
إلقام ة عالق ات م ع أط راف التعام ل في الس وق ،وت دبير العمال ة المدرب ة واكتس اب
الدراي ة في عملي ة االنت اج..الخ ،ويتطلب ذل ك إحاط ة ه ذه الص ناعة الناش ئة بحماية
الى أن تق ف على ق دميها ومن ثم يمكن ان ت زال الحماي ة بع د اكتس اب الق درة
التنافسية مع معالجة المشاكل التي تواجهها بعض المنشآت األقل كفاءة في االنتاج.
ولقيت هذه الفكرة قبوالً في الواليات المتحدة وانتقلت منها الى الدول التي لم تكن
ق د دخلت مض مار الص ناعة ال ذي قادت ه بريطاني ا ومن بع دها فرنس ا ،كم ا تبناه ا
االقتصادي األلماني «فردريك ليست».
أدخ ل االقتص ادي الس ويدي «هكش ر» وتلمي ذه «أولين» تع ديالً على النم وذج
الكالس يكي بإس قاط ف رض القيم ة بالعم ل وإ دخ ال عنص ر إنت اجي آخ ر ه و رأس
المال.وبذلك اصبحت فروض النظرية الكالسيكية تقوم على:
أ -توجد دولتان وسلعتان متجانستا الوحدات ،وعنصران هما العمل ورأس المال
بكميات محدودة ولكن بنسب مختلفة للدولتين.
6
ز -حرية انتقال للعنصرين داخل كل دولة ،ولكن اليوجد انتقال لهما بين الدولتين.
وبموجب الصيغة التقليدية لنظرية هبات عناصر االنتاج ،فإن التجارة بين دولتين
تع زى الى تف اوت تل ك الهب ات م ع تف اوت كثاف ة اس تخدامها في المنتج ات المختلف ة
بالش كل نفس ه لل دولتين .ف إذا ماتش ابهت دولت ان في هب ات العناص ر ،وفي أذواق
المستهلكين والدخل الفردي فلن تنشأ تجارة فيما بينهما.
لكن إذا ك ان باإلمك ان تفس ير تج ارة الم واد االولي ة وفق اً له ذه النظري ة ،فإن ه فيم ا
يتعل ق بالس لع الص ناعية ،الس يما المتط ورة منه ا ،ف إن هن اك حاج ة الى مناقش ة أث ر
تغير فنون االنتاج واختالف مستويات الدخل واالنتاج في ظل تزايد الغلة مما يقود
الى التمييز بين الدول وفقاً لمدى تقدمها.
وح اول بعض االقتص اديين إثب ات قي ام التج ارة ح تى على ال رغم من التش ابه في
الهبات او اتخاذ التجارة مساراً مغايراً لنظرية «هكشر-أولين» نتيجة تعديل لبعض
7
فروضها فقد دعا الكاتب السويدي «ليندر» الى التركيز بدرجة أكبر على تقارب
دول الطلب وخاصة في السلع الصناعية على الرغم من إقراره صحة تلك النظرية
بالنسبة للتجارة في المواد األولية.
ولم يس تطع نم وذج «هكش ر -أولين» تفس ير هيك ل التج ارة الدولي ة في الوالي ات
المتح دة مم ا ادى الى البحث عن ب دائل له ذا النم وذج ،ومن ه ذه الب دائل ماقدم ه
«ريمون د فرن ون» من تفس ير ل دورة حي اة منتج جدي د في الوالي ات المتح دة الى أن
يس تقر على ص ورة معياري ة في ك ل مك ان ،فبحكم ارتف اع ال دخل في الوالي ات
المتحدة والندرة النسبية لعنصر العمل ،فإن المنتج الجديد يخاطب فئة الدخل العليا
ال تي يع وض ارتف اع دخله ا محدودي ة الطلب المب دئي وي ؤدي الى االقتص اد في
العنص ر الن ادر «العم ل» ويم ر المنتج الجدي د بثالث مراح ل -1 :مرحل ة الب دء
باالنتاج داخل الواليات المتحدة -2 .مرحلة النضج وتبدأ عند استقرار مواصفات
االنتاج واساليبه وتتم عملية االنتاج على نطاق واسع ويصدر جانب منه الى دول
اخرى -3 .مرحلة الوصول الى المنتج المعياري ،وتعود المستهلكين عليه وشيوع
المعرف ة بأس اليب انتاج ه ال تي تنتق ل بأس اليب مختلف ة الى المنتجين المحل يين
واالجانب ،وقد ينتقل االنتاج الى دول نامية لالستفادة من انخفاض كلفة العمل.
وقد اثبتت الدراسات التطبيقية ان هناك عالقة وثيقة بين انشطة البحث والتطوير
ال تي تمث ل أس اس التوص ل الى منتج جدي د وتوس ع ال دول المتقدم ة في التص دير،
وتقوم الشركات متعدية الجنسية بدور هام في هذه المسألة فنظراً لمعرفتها القوية
بظروف االنتاج خارج الواليات المتحدة فقد بدأت تدفع باتجاه االنتاج خارجها.
8
المنافسة االحتكارية
وتع ني المنافس ة االحتكاري ة ان األص ناف ال تي تنتجه ا المنش آت متم ايزة وليس ت
متجانسة مع حرية دخول الصناعة والخروج منها لكل صنف من األصناف .وقد
تلج أ المنش آت الى أس اليب الدعاي ة واإلعالن لض مان تمس ك الجمه ور ال ذي يطلب
منتجها به .ولكن بينما يكون منحى الطلب على المنشأة في المنافسة الكاملة أفقي اً،
ذا مرون ة النهائي ة ،م ا يجع ل من المتع ذر عليه ا ان ت ؤثر في س عر منتجاته ا ال ذي
تحدده ظروف الطلب والعرض على مستوى الصناعة ،فإن منحني الطلب في حالة
المنافسة االحتكارية يكون منحدراً الى أسفل وتكون الكلفة المتوسطة أقل من السعر
عند مستوى إنتاج المنشأة ،مايوجد أرباح اً تدفع منتجين جدداً للدخول ،ويعني هذا
زي ادة الب دائل المتاح ة أم ام المس تهلكين لألص ناف المختلف ة للس لعة نفس ها .فيخفض
منح ني الطلب وت زداد مرونت ه ومن ثم تن اقص االس عار واالرب اح الى أن تختفي
االرباح كما في المنافسة الكاملة ولكن في األجل الطويل.
وعن د فتح الح دود بين ال دولتين يتس ع حجم الس وق أم ام ك ل منش أة فيهم ا ب دخول
مستهلكين من الدولة االخرى الذين يفضلون «الصنف» على ماكانوا يستهلكونه من
إنتاجها ،ويتيح هذا فرصة لوفورات الحجم فتنخفض تكاليف االنتاج لجميع السلع.
ونتيجة لما يحدثه اتساع السوق من زيادة في حجم الطلب ترتفع نقطة التوازن الى
9
مس توى أعلى من االنت اج نظ راً النخف اض س عر الس لعة مقوم اً بمع دل األج ر وه و
مايعني ارتفاع األجر الحقيقي ،وتستفيد كل من الدولتين من التجارة بارتفاع األجر
الحقيقي واالنت اج الكلي من ك ل س لعة ،كم ا تس تفيد المنش أة مم ا يس مى الوف ورات
الديناميكي ة للحجم ،من خالل م ايؤدي الي ه توس ع االنت اج من اكتس اب الق درة على
اإلتق ان والتعلم من خالل العم ل ،ومن ثم تن اقص التك اليف وازدي اد الق درة على
التصدير.
-7التنافسية:
مع تزايد انفتاح االقتصادات الوطنية على بعضها البعض من جراء انضمام معظم
دول الع الم الى منظم ة التج ارة العالمي ة ،وبع د التط ورات الناجم ة على ص عيد
العالق ات االقتص ادية الدولي ة وبع د انهي ار االتح اد الس وفييتي وانف راد الوالي ات
المتحدة بقيادة النظام الرأسمالي العالمي وهيمنتها على القرار الدولي ،وبسبب تزايد
االتج اه نح و إقام ة التكتالت االقتص ادية بين دول الع الم والش راكات بين ال دول
الصناعية المتقدمة والبلدان النامية ،جرى توسيع لمفهوم القدرة التنافسية ،فلم يعد
مقتص راً على الق درة على التص دير والف وز بحص ص متزاي دة من االس واق
الخارجي ة ،ب ل ص ار من الض روري توس يع ه ذا المفه وم ليش مل ق درة المنتج ات
والمنشآت الوطنية على الصمود في وجه المنافسة التي تتولد عن تواجد المنتجات
االجنبية في االسواق الوطنية ،وذلك لما قد يترتب على مثل هذه المنافسة من تهديد
للصناعات الوطنية.
لعب التط ور الحاص ل في النظ ام االقتص ادي الع المي وتالي اً في النظ ام التج اري
العالمي دوراً مهماً في التطور الحاصل في النظرية التجارية الدولية.
ومم ا الش ك في ه ،ف إن الع الم في ه ذا العص ر ق د تغ ير وانعكس ذل ك على النظ ام
االقتص ادي الع المي ،كم ا يمكن الق ول ان النظ ام االقتص ادي الع المي بع د الح رب
العالمية الثانية قد انتقل منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي الى حقبة جديدة
يع بر عنه ا بحقب ة مابع د انته اء الح رب الب اردة في أث ر انهي ار االتح اد الس وفييتي،
وله ذا ولس هولة البحث س وف نقس مه الى مرحل تين :االولى نتح دث فيه ا عن النظ ام
االقتصادي العالمي فيما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهاء الحرب الباردة
.1990-1945والثانية تشمل التطورات الالحقة بعد عام 1990وحتى اآلن.
-1اعتم اد النظ ام الع المي على نظ ام القط بين الب ارزين على الس احة الدولي ة،
الواليات المتحدة واالتحاد السوفييتي ،وقامت العالقة بينهما على أساس من التكافؤ
في القوة في المجاالت السياسية والعسكرية «السيما على صعيد األسلحة النووي ة».
ولكن القوة االقتصادية كانت غير متكافئة ،إذ انضم الغرب االوروبي ودول العالم
الرأس مالي بأس رها الى الوالي ات المتح دة إال أن التك افؤ السياس ي والعس كري ك ان
كافياً لخلق نوع من التوازن العام بين المعسكرين.
-2عم د قطب ا النظ ام على بن اء ش بكة من العالق ات م ع ال دول «خ ارج الكتل تين
الش رقية -االش تراكية ،والغربي ة -الرأس مالية» وتم إح داث اس تقطاب ثن ائي على
المس توى الع المي ك ان في النهاي ة لص الح المعس كر الغ ربي الرأس مالي ألس باب
تاريخية وموضوعية ،وقد انصبت عملية االستقطاب خاصة على البلدان التي كانت
11
مستعمرة في آسيا وافريقيا وامريكا الالتينية حيث أعيد قسماً كبيراً من هذه البلدان
بع د حص ولها على االس تقالل السياس ي الى دائ رة التبعي ة واالس تغالل من قب ل دول
المرك ز الرأس مالي .ورغم ان ه ذه البل دان ق د اتجهت الى خل ق كتل ة ثالث ة باس م
"الحي اد االيج ابي وع دم االنحي از" إال أنه ا لم تس تطع ف رض ش روطها في العالق ات
االقتصادية الدولية وان كانت قد استطاعت ان تحقق بعض النجاحات في المحافل
الدولية وخاصة في أروقة األمم المتحدة ،وفي مؤتمر التجارة والتنمية «األونكتاد»
مم ا أس بغ عليه ا مص طلح الع الم الث الث ليع بر رمزي اً عن هوي ة جدي دة آخ ذة في
التش كل بين ع المين اعت بر اح دهما االول وه و الع الم الرأس مالي بقي ادة الوالي ات
المتحدة ،والثاني يعبر عن دول المعسكر الشرقي بقيادة االتحاد السوفييتي.
وقد وضعت صيغة للتضامن بين دول الع الم األول وخاصة بين الواليات المتحدة
واوروب ا الغربي ة من خالل ص يغة «حل ف ش مال األطلس ي» في المج ال السياس ي
والعس كري .وض من ص يغة «منظم ة التع اون االقتص ادي والتنمي ة» في المج ال
االقتص ادي ،وانخ رطت الياب ان في الص يغة االخ يرة بحكم التق دم التكنول وجي
واالقتص ادي ال ذي أحرزت ه في الخمس ينيات والس تينيات ومابع د ،م ع اس تمرار
استقصاء فاعليتها السياسية والعسكرية.
وعلى صعيد آخر شكل االتحاد السوفييتي حلف اً عسكرياً «حلف وارسو» ضم دول
اوروب ا الش رقية في مقاب ل حل ف الن اتو ،كم ا ش كل فيم ا بين ال دول المنض مة الى
المعس كر الش رقي «مجلس المس اعدة االقتص ادية المتبادل ة» الكوميك ون ،عم ل على
تقسيم العمل بين أعضائه وأوجد إطاراً لتبادل السلع وتدفقات رأس المال.
المعس كر الش رقي ،وك ان ه ذا الموق ع ال ذي احتلت ه الوالي ات المتح دة ،منطلق اً لقي ادة
االقتص اد الع المي ،أمن له ا تغلغ ل االس تثمارات الخاص ة في اوروب ا وانتق ال
التكنولوجي ا من المش روعات االمريكي ة الى الياب ان ،مم ا ادى الى تعظيم الف ائض
الرأسمالي الذي تعزز بهيمنة الدوالر على النظام النقدي العالمي ،وكان لهذا أثره
الب ارز في دعم االقتص اد االم ريكي وتعزي ز مكانت ه العالمي ة ،خاص ة عن دما تع زز
ذل ك باس تيعاب االقتص اد االم ريكي لتص اعد نفق ات س باق التس لح حيث اتخ ذت ه ذه
النفقات مدخالً لتنشيط كامل الجهاز االنتاجي والتكنولوجي على أساس «العسكرة».
وق د نجم عن التط ورات الحاص لة في النظ ام الع المي نت ائج مباش رة وغ ير مباش رة
على النظام االقتصادي العالمي في هذه المرحلة ،تمثلت في:
النتيجة االولى قيام نظامين اقتصاديين عالميين مسيطرين وهما النظام االقتصادي
العالمي للرأسمالية ،والنظام العالمي للسوفييت «االتحاد السوفييتي وحلفاؤه» وكان
لكل نظام هيكله التنظيمي وإ طاره لتقسيم العمل وكذلك أسواقه.
وتش كل النظ ام الع المي للرأس مالية من ش قين هم ا :دول المرك ز وه و مرك ز ثالثي
ضم الواليات المتحدة واوروبا الغربية واليابان ،أما الشق الثاني فهو سائر بلدان
العالم الث الث اي األطراف ،وكان لهذا النظام صيغة لتقسيم العمل وصيغة لتقسيم
الس وق ،وتق وم الص يغتان على تقس يم العم ل ال دولي ال ذي «يحاف ظ» على العالق ات
غير المتكافئة لصالح الدول الصناعية مع بقاء بلدان العالم الثالث مصدراً للمواد
األولية وسوقاً لتصريف المنتجات الصناعية من خالل عالقة التخصص االنتاجي
والتكنولوجي بين المركز الصناعي المتقدم والمتفوق تكنولوجياً وبين البلدان التابعة
«في األطراف» ذات المس توى االدنى في التطور االنتاجي والتكنولوجي ب درجات
متفاوتة .أما السوق فطابعها العام هو العالقات الرأسمالية انطالقاً من دول المركز،
13
ولم تتأثر هذه العالقة رغم إحراز الكتلة الشرقية بعض التقدم في إطار المبادالت
مع العالم الثالث ورغم إقامتها عالقات اقتصادية وثيقة مع بعضها.
ترب ط ال دول الص ناعية المركزي ة ذات النظ ام الرأس مالي ب البالد المتخلف ة اقتص ادياً
واألقل تطوراً على العموم ،وهي عالقة غير متكافئة.
-قطب ج اذب م وجب «فاع ل» يتمث ل في البل دان الص ناعية المتقدم ة وعلى رأس ها
الواليات المتحدة.
-قطب منج ذب س الب «منفع ل» يتمث ل في البل دان المتخلف ة اقتص ادياً والمرتبط ة
عضوياً بعالقة تقسيم العمل الدولي مع دول المركز .وبينما استمرت دول المركز
في تحقيق التقدم التكنولوجي واالقتصادي والمالي ،حرمت الدول المتخلفة ألسباب
موض وعية وذاتي ة ونتيج ة لخض وعها لق وانين النم و ذي الطبيع ة االس تقطابية ،من
تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية ،مما ادى الى زيادة الفجوة بينها وبين دول
المركز.
14
إن النظام االقتصادي العالمي المحكوم بتوجهات النظام الرأسمالي أدى الى المزيد
من مراكم ة ومرك زة النم و في دول المرك ز ،وك ذلك الى تعمي ق الرك ود وت راكم
عملية التخلف بجميع أبعادها السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعلمية في الدول
األطراف.
وق د تزاي د الش عور ل دى بعض النخب المثقف ة والقي ادات السياس ية في بل دان ع دم
االنحي از والحي اد االيج ابي ب أن الخ روج من أس ر الرك ود ومن اإلرث االس تعماري
القديم ومن سيطرة دول المركز الرأسمالي ،مرهون بانتهاج سياسة اقتصادية جديدة
محورها تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية المستقلة ،وإ يجاد نموذج اقتصادي
يق وم بدرج ة اساس ية على القط اع الع ام وت دخل الدول ة ،وموج ه الى الس وق المحلي
ب دالً من التوج ه نح و التص دير ،ويغلب مص لحة االقتص اد الوط ني على مص الح
الخارج ،ويركز على الصناعة الوطنية ويحميها.
أ-ش هدت البل دان الص ناعية المتقدم ة بع د الح رب العالمي ة الثاني ة ازده اراً نس بياً
اس تمر ح تى نهاي ة الس بعينيات من الق رن الماض ي ،وذل ك من خالل النش اط
االقتص ادي ال ذي انص ب على تعم ير ماخربت ه الح رب وانته اج سياس ة اجتماعي ة
متوازنة في ظل مادعي بـ «دولة الرفاه» ومحاولة إقامة أنظمة اقتصادية قوية في
مواجه ة التق دم ال ذي ب دأ يح رزه االتح اد الس وفييتي ،وق د ك ان لحص ول ه ذه البل دان
على الموارد االولية الرخيصة من البلدان النامية ،وخاصة النفط ،دوراً بارزاً في
تحقيق ماوصلت اليه من تقدم.
وم ع بداي ة الس بعينيات ،ب دأت البل دان الص ناعية المتقدم ة والنظ ام االقتص ادي
الرأس مالي ب التعرض ألزم ات اقتص ادية هيكلي ة تمثلت في األزم ة النقدي ة والبطال ة
15
والرك ود التض خمي ،وامت دت األزم ة ح تى نهاي ة الثمانيني ات ومطل ع التس عينيات،
وسعت البلدان الصناعية المتقدمة الى الخروج من األزمة عبر محاولة تصديرها،
اي نق ل عبئه ا الى األط راف الخارجي ة «أي المجموع ة الس وفيتيية ودول الع الم
الثالث» وذلك من خالل آليات أهمها :معاودة خفض أسعار الطاقة «والمواد االولية
االخ رى» بم ا ي ؤدي الى ت وطين الرك ود في بل دان الع الم الث الث ،وإ ع ادة ت دوير
ف وائض النف ط المالي ة المجتمع ة في المص ارف الدولي ة وفي أس واق الس ندات
واالس تثمارات العقاري ة والمالي ة في ال دول الص ناعية المتقدم ة وب الوقت ذات ه ج رى
التوس ع في االق راض من قب ل البن وك التجاري ة وتوس ع الحكوم ات والمنظم ات
االقتصادية الدولية في تقديم ائتمانات التصدير والتسهيالت الموسعة ،مما ادى الى
ارتف اع مس توى الت دفقات الرأس مالية والى ظه ور أزم ة ال ديون الخارجي ة ال تي
أغ رقت بل دان الع الم الث الث وأوقعته ا في أزم ة خدم ة ه ذه ال ديون ،وزاد من ح دة
أزمة هذه البلدان إخفاق معظمها في تحقيق التنمية ،وخلق آليات خاصة بها للنمو
الى ج انب إخفاقه ا في تص حيح العالق ات غ ير المتكافئ ة بينه ا وبين بل دان الع الم
الص ناعي المتق دم وبالت الي إبق اء التقس يم ال دولي غ ير الع ادل يعم ل لص الح ال دول
المتقدمة مما زاد في الفجوة التنموية والحضارية بين دول الشمال ودول الجنوب.
ب -على ص عيد آخ ر ،فق د ش هد النص ف الث اني من عق د الثمانيني ات في االتح اد
الس وفييتي ت دهوراً في االوض اع االقتص ادية واالجتماعي ة والسياس ية مم ا ادى الى
فش ل البيروس تريكا وأوج د المن اخ النهي ار االتح اد الس وفييتي وتفك ك المنظوم ة
االش تراكية ،س اعد على ذل ك الجم ود الفك ري وتمرك ز الس لطة والبيروقراطي ة
والفس اد ،وراف ق ذل ك إزال ة ج دار ب رلين وتوحي د ألماني ا ،وأح داث يوغوس الفيا،
وتص اعدت األزم ة الناجم ة عن غ زو الع راق للك ويت ،فق امت الوالي ات المتح دة
بحشد جيوش أكثر من ثالثين دولة إلخراج العراق من الكويت ،وعندما تحقق لها
16
ذلك أعلن الرئيس االمريكي عن قيام نظام عالمي جديد وحيد القطب وصورت هذه
االحداث جميعاً وكأنها انتصاراً للنظام الرأسمالي وزعيمة هذا النظام أي الواليات
المتحدة االمريكية.
إن زوال النظام الدولي القائم على القطبية الثنائية ،ومناداة الواليات المتحدة لنفسها
بزعامة العالم وقيام نظام دولي جديد ،أدى الى نشوء حالة جديدة من هيمنتها على
الق رار ال دولي على الص عيدين السياس ي واالقتص ادي ،وق د أت اح له ا ه ذا إحك ام
القبضة على مقدرات العالم الثالث واستخدام المنظمات الدولية لفرض المزيد من
آليات التبعية على الدول والشعوب واالستمرار في نهب ثرواتها وإ سقاط برامجها
التنموي ة وتهميش ها وف رض ب رامج إص الح اقتص ادي "ج وهر الليبرالي ة االقتص ادية
الجديدة".
وق د حص لت تط ورات هام ة على الص عيد االقتص ادي الع المي ،ق ادت الى "العولمة
االقتصادية" وكانت اهم السمات التي تتميز بها هذه المرحلة هي:
أ -الث ورة العلمي ة والتكنولوجي ة والتط ور الحاص ل في مج ال االتص االت والت دفق
المذهل للمعلومات .إن الثورة العلمية والتكنولوجية اصبحت تغطي ثالثة مجاالت
حاس مة في العلم واالنت اج ،واص بحت قاع دة للص ناعة الجدي دة ،كم ا أنه ا أدت الى
تقس يم دولي جدي د للعم ل يس تبعد ع دداً كب يراً من ال دول التابع ة من المجتم ع
المعلوم اتي ،لق د اص بح ت دويل الحي اة االقتص ادية ه و الش كل المح دد ال ذي يكتس به
تقسيم العمل الدولي ،وهو الشكل المحدد للطابع الدولي لإلنتاج ،وهما يشكالن مع اً
القوة المحركة لمسار االقتصاد الدولي حالياً.
17
ب -وت برز في ه ذا الص دد مرحل ة جدي دة من تط ور الرأس مالية ،تتم يز ب النمو
الديناميكي للشركات متعدية الجنسية التي اصبحت تتولى قيادة عملية تدويل االنتاج
حركة رأس المال.
ج -تميزت هذه المرحلة في إطار عولمة االقتصاد بالتوسع الهائل في المؤسسات
المالية وفي حركة األموال ،فقد اصبح بإمكان مليارات الدوالرات اجتياز الحدود
بمج رد لمس ة إص بع على أح د ازرار الحاس ب االلك تروني .ويش ير تقري ر التنمي ة
البشرية لعام 1999على أن التعامل في أسواق العمالت في العالم وصل الى مبلغ
يناهز 5ر 1تريليون دوالر يومياً في ذلك الوقت.
د -تبل ورت اس تراتيجية ال دول الص ناعية في المي دان االقتص ادي من خالل آلي تين
رئيسيتين:
االولى :داخلي ة عنوانه ا القي ام بمجموع ة من االص الحات االقتص ادية واالداري ة
وإ تاح ة الفرص ة واالمكان ات الالزم ة لزي ادة ق درة الش ركات التنافس ية لض مان
وجوده ا في االس واق المعولم ة ،وك انت اب رز النت ائج دمج العدي د من الش ركات
وتصفية شركات اخرى وتعديل القوانين بما يسمح الوروبا العمل بالتصرف بحري ة
اك برفي تس ريح العم ال وتقليص حجم العمال ة م ع التط ورات التكنولوجي ة ،وق د
نجحت الش ركات الص ناعية بالفع ل ،من خالل تط بيق ب رامج اع ادة البن اء ،من
تحس ين موازنته ا المالي ة ورف ع درج ة كفاءته ا التقني ة واالس تعداد لمواجه ة ش روط
المنافسة الدولية المتزايدة.
ام ا اآللي ة الثاني ة :فهي بل ورة سياس ة التكت ل االقليمي فال دول الص ناعية على ال رغم
من قوته ا االقتص ادية تش عر انه ا ليس ت ق ادرة على مواجه ة المنافس ة الح رة م ع
الشركات الصناعية المتعددة الجنسية التي تسيطر على االقتصاد العالمي ،وانها اذا
18
-2إقامة ترتيبات ذات طابع أقل إحكام اً من الناحية التنظيمية ،وأدنى في األجل،
وأكثر غموضاَ في العقيدة السياسية من النظم السابقة.
-3جع ل الوالي ات المتح دة «القاس م المش ترك االعظم» واحيان اً من خالل وكي ل-
داخ ل الترتيب ات االقليمي ة الجدي دة لتك ون أق رب الى اعتباره ا «ترتيب ات امريكي ة»
ونشهد ذلك في المشروعات التي تطرحها الواليات المتحدة «مثل الشرق االوسط
الكبير» والمناطق الحرة والشراكات التي تقيمها مع دول المنطقة العربية خاصة.
وبوج ه ع ام ،ف إن التكت ل االقتص ادي في ظ ل التط ورات االخ يرة يحق ق المزاي ا
االقتصادية التالية:
-3تحس ين الق درة التفاوض ية على الص عيد ال دولي بفض ل حجم الس وق بم ا ي ؤدي
الى تحسن شروط التجارة.
-4االرتف اع بالكف اءة االقتص ادية نتيج ة المنافس ة والقابلي ة للمنافس ة الن اجم عن
تخفيض موانع دخول السوق للسلع والخدمات.
-5تحس ين عملي ة االنت اج لالرتف اع بمس توى عناص ر االنت اج وكفاءته ا ،وط رق
تنظيم العمل ،خاصة اذا ماصاحب االتفاقية تدفقاً لالستثمار االجنبي المباشر محمالً
بمعارف واساليب انتاج جديدة ،ونقل التكنولوجيا وتوطينها.
-6تحقيق نمو اقتصادي مستمر كنتيجة لالثار الديناميكية المتعلقة بحجم السوق
والوف ورات وتحس ن من اخ االس تثمار وتعزي ز الق درة التنافس ية وزي ادة المنافس ة
الناجمة عن فتح االسواق وازالة معوقات انتقال البضائع ،الخدمات واالفراد ورأس
المال فيما بين دول الكتل االقتصادية.
-7ان اتفاقي ة من اطق التج ارة الح رة ،ك أدنى مس توى من مس تويات التع اون
االقتص ادي س تكون بمثاب ة الجس ر للوص ول الى مس تويات اعلى من التع اون
االقتصادي االقليمي ،وهكذا فإن كل مرحلة من مراحل التكامل االقتصادي ستكون
دافع اً للوص ول الى مرحل ة اعلى مم ا يس مح بالت الي بتوحي د السياس ات االقتص ادية
والمالية والنقدية توصالً للوحدة االقتصادية.
التجارة العالمية "WTOوقد ترتب على ذلك نشوء اوضاع جديدة تتأثر بها جميع
دول الع الم ،س واء ك انت عض واً في WTOام ك انت خارجه ا .ولمنظم ة التج ارة
العالمية التي تشكل االطار التنظيمي للنظام التجاري العالمي> .