You are on page 1of 20

‫‪1‬‬

‫‪+‬‬

‫التطور الحاصل في نظرية التجارة الدولية‬

‫يمكن القول بأن االهتمام بوضع نظرية للتجارة الدولية‪ ،‬بدأ في القرن السابع عشر‬
‫في اوروب ا حين أعطت (الميركانتلي ة ‪ )Mercantilism‬التج ارة وزن اً مهم اً في‬
‫تعزيز ثروة األمم‪ ،‬وعندما ظهرت المدرسة الكالسيكية اهتمت بالتوسع في االنتاج‬
‫وحرية التبادل وأنكرت كون التجارة مباراة صفرية المجموع تتحقق فيها مكاسب‬
‫للبعض على حساب خسائر اآلخرين‪ ،‬ونظرت الى التجارة على أنها "مباراة موجبة‬
‫المجم وع" « يمكن ان يتحق ق لك ل ط رف فيه ا ق در من المكاس ب» وتم الترك يز في‬
‫البداية على الخصائص المميزة لكل من االقتصادات الوطنية المش اركة في التجارة‬
‫الدولي ة‪ ،‬وم ع المزي د من الت دقيق في العالق ات التجاري ة الدولي ة ُوج د على أن‬
‫الخص ائص ال تي تتص ف به ا قطاع ات معين ة داخ ل ك ل دول ة تلعب دوراً مهم اً في‬
‫تجارتها الدولية‪ ،‬مما لفت االنظار الى تباين ماتملكه كل دولة من عناصر االنتاج‬
‫واختالف االنش طة في درج ة كثاف ة اس تخدامها لعنص ر معين من عناص ر االنت اج‬
‫المتاح ة‪ .‬وم ع التس ليم بش يوع المنافس ة االحتكاري ة وتم ايز المنتج ات في ص فاتها‪،‬‬
‫ومن ثم مفاضلة المستهلكين بينها امتد التحليل الى األخذ باالعتبار االختالفات بين‬
‫المنشآت‪ ،‬وعزز هذه النظرة تصاعد قوة الشركات متعدية الجنسية وما أدخلته على‬
‫التب ادل التج اري من تغي ير‪ ،‬وهك ذا اتس عت النظ رة من تب ادل بين االقتص ادات الى‬
‫تبادل بين القطاعات‪ ،‬ثم تبادل بين القطاعات ذاتها‪ ،‬واخيراً تبادل داخل المنشآت‪،‬‬
‫وم ع ه ذه التط ورات تط ور ال دور ال ذي يع زى الى الوح دات األص غر «الم ايكرو»‬
‫وفي إكساب عناصر اإلنتاج خصائص أفضل من وجهة نظر اساليب االنتاج ومدى‬
‫الحاجة الى مساندة هذا التعديل باتباع سياسات كلية مناسبة‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وسأعرض بإيجاز السمات العامة لنظريات التجارة الدولية وأهم مرتكزاتها (‪:)1‬‬

‫‪ -1‬الميركانتلية او التجارية‪:‬‬

‫وهي تعت بر ان ث روة األمم تتوق ف على م دى حيازته ا للمع ادن الثمين ة‪ ،‬وبالت الي‬
‫يتوجه النشاط االقتصادي الى جلب هذه المعادن من حيث توجد‪.‬‬

‫وتم ذل ك بال دعوة الى زي ادة الص ادرات على ال واردات ح تى تت دفق النق ود المعدني ة‬
‫س داداً لف ائض التص دير‪ ،‬وفي ض وء ه ذا التوج ه‪ ،‬ق امت بعض ال دول كإس بانيا‬
‫والبرتغال بغزو امريكا الالتينية لنهب مابها من ذهب وفضة‪ ،‬وصحب ذلك دعوة‬
‫الميركانتلي ة الى حماي ة الس وق المحلي ة لتقلي ل ال واردات والعم ل على تقليص‬
‫التكاليف وخاصة خفض األجور الكتساب التنافسية الخارجية‪.‬‬

‫وكان أهم انتقاد لهذه المدرسة‪ ،‬االنتقاد الذي وجهه المؤرخ االسكتلندي دافيد هيوم‪،‬‬
‫الذي أوضح ان هذه السياسة ستؤدي الى التضخم وارتفاع االسعار وبالتالي فقدان‬
‫الميزة التصديرية‪.‬‬

‫‪ -2‬الفيزوقراطيين «الطبيعيين»‪:‬‬

‫وق د راجت افك ار المدرس ة الطبيعي ة في فرنس ا خالل النص ف الث اني من الق رن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬التي ركزت على أن مصدر الثروة هو ماتوفره الطبيعة من منتجات‬
‫زراعية‪ ،‬ومن ثم اعتبار ان جهد الفالحين هو مصدر الثروة للمجتمع‪.‬‬

‫وعلى عكس مدرس ة التج اريين‪ ،‬ك ان من مص لحة االقتص اد ان تت دفق المنتج ات‬
‫االجنبي ة بال عوائ ق ومن ثم انطلقت دع وة «دع ه يعم ل‪ ..‬دع ه يم ر» ال تي م ازالت‬
‫ترمز الى الحرية االقتصادية‪ ،‬وقد تضمنت توجهات الفيزوقراط تقليص دور الدولة‬
‫وتخفيض ايراداتها العامة‪ .‬ويشابه سلوك الفيزوقراط سلوك الدولة الريعية‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -3‬التكاليف المطلقة آلدم سميث‪:‬‬

‫أكد آدم سميث في كتابه «ثروة األمم» أن مصدر الثروة هو االنت اج‪ ،‬وان توسعه‬
‫يتم من خالل تقس يم العم ل في ظ ل المنافس ة الكامل ة‪ ،‬وأدى امت داد ه ذا التفك ير الى‬
‫التعامل الخارجي مع الدعوة الى تقسيم العمل الدولي بقيام الدول بتصدير ما تتمتع‬
‫به من ميزة في انخفاض الكلفة مقارنة بالدول االخرى‪ ،‬حيث تقاس الكلفة بوحدات‬
‫العمل المبذول‪.‬‬

‫وامت دت دع وة آدم س ميث الى إطالق «الي د الخفي ة» للس وق من االقتص اد الوط ني‬
‫الى االقتص اد الع المي‪ .‬وفي رأي س ميث ان التج ارة الدولي ة تس هم في تقلي ل ش دة‬
‫االحتكارات الداخلية وتخلق المزيد من فرص العمل‪.‬‬

‫‪ -4‬نظرية التكاليف النسبية‪:‬‬

‫أخ ذ االقتص ادي االنكل يزي «ريك اردو» بنظري ة القيم ة بكلف ة العم ل في تفس يره‬
‫للتب ادل التج اري ال داخلي‪ ،‬وامت د به ا الى التج ارة الدولي ة‪ ،‬مبين اً ان اس تمتاع البش ر‬
‫يزيد منه إجراء توزيع أفضل للعمل عن طريق قيام كل دولة بإنتاج تلك السلعة‬
‫التي تتيح لها فيها اعتبارات الموطن المتمثلة في موقعها ومناخها ومزاياها االخرى‬
‫الطبيعية او المصطنعة مزايا مناسبة‪ ،‬ويتبادلها مع منتجات دول أخرى‪ ،‬وتستطيع‬
‫الدول ة االس تفادة من تص دير الس لعة ال تي تنخفض كلفته ا النس بية ل ديها والحص ول‬
‫مقابل ه على ق در أك بر من الس لعة االخ رى من الدول ة االخ رى ال تي تنخفض نس بة‬
‫كلفته ا ل ديها‪ ،‬وبالت الي تنش أ تج ارة دولي ة‪ ،‬وتحص ل ك ل دول ة على ق در أك بر من‬
‫المنتجات كما لو قامت بإنتاجها بنفسها‪.‬‬

‫وق د أض اف ج ون س تيوارت مي ل الى نم وذج ريك اردو تفس يراً لنس ب المقايض ة او‬
‫التب ادل بين الس لعتين مس تخدماً االنتاجي ة النس بية للبل دين ال تي تقيس نس بة الكمي تين‬
‫‪4‬‬

‫المنتج تين من الس لعتين بوح دة العم ل في ال دولتين‪ ،‬فالتب ادل التج اري يح دث عن د‬
‫مع دل مقايض ة يق ع بين الس عرين النس بيين في ال دولتين‪ ،‬ويتح دد ه ذا المع دل نتيج ة‬
‫التفاع ل بين حجم الطلب في ك ل من ال دولتين‪ .‬ويتحق ق الت وازن عن د النقط ة ال تي‬
‫تتساوى فيها قيمة الصادرات لكل دولة مع وارداتها‪.‬‬

‫فروض النظرية االقتصادية للكالسيكيين‬

‫هك ذا نج د أن النظري ة االقتص ادية لالقتص اديين الكالس يكيين تق وم على ع دد من‬
‫الفروض هي‪:‬‬

‫أ‪ -‬اعتبار العمل العنصر الوحيد المعبر عن الكلفة‪.‬‬

‫ب‪ -‬إن جميع وحدات العمل متجانسة التختلف من نشاط الى آخر‪.‬‬

‫ج‪ -‬تتمت ع عناص ر اإلنت اج باالنتقالي ة التام ة داخ ل ك ل دول ة‪ ،‬وع دم االنتقالي ة بين‬
‫الدول‪.‬‬

‫د ‪ -‬ثبات الغلة بالنسبة الى الكلفة‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تفترض النظرية وجود دولتين وسلعتين وعنصر إنتاج واحد‪.‬‬

‫و‪ -‬غياب تكاليف النقل‪.‬‬

‫ز‪ -‬حرية التجارة دون أية قيود او عوائق‪.‬‬

‫ح‪ -‬تحدد اسعار السلع بالكلفة الحقيقية «من العمل» لإلنتاج‪.‬‬

‫ط‪ -‬تسود المنافسة الكاملة في أسواق المنتجات وعناصر االنتاج‪.‬‬

‫وق د تعرض ت ه ذه النظري ة النتق ادات موض وعية هام ة‪ ،‬مم ا ادى الى ظه ور‬
‫نظريات أخرى تفسر التجارة الدولية‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -5‬نظرية حماية الصناعات الناشئة‪:‬‬

‫تس تند النظري ة الكالس يكية الى وج ود اختالف ات في اوض اع االقتص ادات الوطني ة‪،‬‬
‫وفي مقاب ل ذل ك ظه رت افك ار تش ير الى وج ود حاج ة ألخ ذ ظ روف الص ناعات‬
‫المختلف ة في االعتب ار‪ ،‬وك انت أول فك رة من ه ذا الن وع ص اغها وزي ر المالي ة‬
‫االمريكي ة الكس ندر ه اميلتون ‪ ،1791‬عن دما أش ار الى أن إدخ ال ص ناعات جدي دة‬
‫يحت اج الى ف ترة تكفي الكتس ابها ق درة على منافس ة المنش آت االجنبي ة ال تي تق وم‬
‫بتص دير منتجاته ا الى الدول ة المعني ة‪ .‬فالمنش آت الناش ئة تحت اج الى بعض ال وقت‬
‫إلقام ة عالق ات م ع أط راف التعام ل في الس وق‪ ،‬وت دبير العمال ة المدرب ة واكتس اب‬
‫الدراي ة في عملي ة االنت اج‪..‬الخ‪ ،‬ويتطلب ذل ك إحاط ة ه ذه الص ناعة الناش ئة بحماية‬
‫الى أن تق ف على ق دميها ومن ثم يمكن ان ت زال الحماي ة بع د اكتس اب الق درة‬
‫التنافسية مع معالجة المشاكل التي تواجهها بعض المنشآت األقل كفاءة في االنتاج‪.‬‬

‫ولقيت هذه الفكرة قبوالً في الواليات المتحدة وانتقلت منها الى الدول التي لم تكن‬
‫ق د دخلت مض مار الص ناعة ال ذي قادت ه بريطاني ا ومن بع دها فرنس ا‪ ،‬كم ا تبناه ا‬
‫االقتصادي األلماني «فردريك ليست»‪.‬‬

‫‪ -6‬نظرية التفاوت في هبات عناصر اإلنتاج‪:‬‬

‫أدخ ل االقتص ادي الس ويدي «هكش ر» وتلمي ذه «أولين» تع ديالً على النم وذج‬
‫الكالس يكي بإس قاط ف رض القيم ة بالعم ل وإ دخ ال عنص ر إنت اجي آخ ر ه و رأس‬
‫المال‪.‬وبذلك اصبحت فروض النظرية الكالسيكية تقوم على‪:‬‬

‫أ‪ -‬توجد دولتان وسلعتان متجانستا الوحدات‪ ،‬وعنصران هما العمل ورأس المال‬
‫بكميات محدودة ولكن بنسب مختلفة للدولتين‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫ب‪ -‬تماثل التكنولوجيا في الدولتين‪ ،‬مايعني أن دالة إنتاج كل من السلعتين واحدة‬


‫في الدولتين‪.‬‬

‫ج‪ -‬يتم اإلنتاج بغلة ثابتة في الحالتين‪.‬‬

‫د‪ -‬تختلف كثافة استخدام العنصرين في السلعتين ولكنها متشابهة في الدولتين‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬األذواق والتفضيالت متماثلة في الدولتين‪.‬‬

‫و‪ -‬تسود المنافسة الكاملة في الدولتين‪.‬‬

‫ز‪ -‬حرية انتقال للعنصرين داخل كل دولة‪ ،‬ولكن اليوجد انتقال لهما بين الدولتين‪.‬‬

‫ح‪ -‬التوجد تكاليف للنقل‪.‬‬

‫ط‪ -‬التوجد أي عوائق تحد من انتقال السلع بين الدولتين‪.‬‬

‫وبموجب الصيغة التقليدية لنظرية هبات عناصر االنتاج‪ ،‬فإن التجارة بين دولتين‬
‫تع زى الى تف اوت تل ك الهب ات م ع تف اوت كثاف ة اس تخدامها في المنتج ات المختلف ة‬
‫بالش كل نفس ه لل دولتين‪ .‬ف إذا ماتش ابهت دولت ان في هب ات العناص ر‪ ،‬وفي أذواق‬
‫المستهلكين والدخل الفردي فلن تنشأ تجارة فيما بينهما‪.‬‬

‫لكن إذا ك ان باإلمك ان تفس ير تج ارة الم واد االولي ة وفق اً له ذه النظري ة‪ ،‬فإن ه فيم ا‬
‫يتعل ق بالس لع الص ناعية‪ ،‬الس يما المتط ورة منه ا‪ ،‬ف إن هن اك حاج ة الى مناقش ة أث ر‬
‫تغير فنون االنتاج واختالف مستويات الدخل واالنتاج في ظل تزايد الغلة مما يقود‬
‫الى التمييز بين الدول وفقاً لمدى تقدمها‪.‬‬

‫وح اول بعض االقتص اديين إثب ات قي ام التج ارة ح تى على ال رغم من التش ابه في‬
‫الهبات او اتخاذ التجارة مساراً مغايراً لنظرية «هكشر‪-‬أولين» نتيجة تعديل لبعض‬
‫‪7‬‬

‫فروضها فقد دعا الكاتب السويدي «ليندر» الى التركيز بدرجة أكبر على تقارب‬
‫دول الطلب وخاصة في السلع الصناعية على الرغم من إقراره صحة تلك النظرية‬
‫بالنسبة للتجارة في المواد األولية‪.‬‬

‫ولم يس تطع نم وذج «هكش ر‪ -‬أولين» تفس ير هيك ل التج ارة الدولي ة في الوالي ات‬
‫المتح دة مم ا ادى الى البحث عن ب دائل له ذا النم وذج‪ ،‬ومن ه ذه الب دائل ماقدم ه‬
‫«ريمون د فرن ون» من تفس ير ل دورة حي اة منتج جدي د في الوالي ات المتح دة الى أن‬
‫يس تقر على ص ورة معياري ة في ك ل مك ان‪ ،‬فبحكم ارتف اع ال دخل في الوالي ات‬
‫المتحدة والندرة النسبية لعنصر العمل‪ ،‬فإن المنتج الجديد يخاطب فئة الدخل العليا‬
‫ال تي يع وض ارتف اع دخله ا محدودي ة الطلب المب دئي وي ؤدي الى االقتص اد في‬
‫العنص ر الن ادر «العم ل» ويم ر المنتج الجدي د بثالث مراح ل‪ -1 :‬مرحل ة الب دء‬
‫باالنتاج داخل الواليات المتحدة‪ -2 .‬مرحلة النضج وتبدأ عند استقرار مواصفات‬
‫االنتاج واساليبه وتتم عملية االنتاج على نطاق واسع ويصدر جانب منه الى دول‬
‫اخرى‪ -3 .‬مرحلة الوصول الى المنتج المعياري‪ ،‬وتعود المستهلكين عليه وشيوع‬
‫المعرف ة بأس اليب انتاج ه ال تي تنتق ل بأس اليب مختلف ة الى المنتجين المحل يين‬
‫واالجانب‪ ،‬وقد ينتقل االنتاج الى دول نامية لالستفادة من انخفاض كلفة العمل‪.‬‬

‫وقد اثبتت الدراسات التطبيقية ان هناك عالقة وثيقة بين انشطة البحث والتطوير‬
‫ال تي تمث ل أس اس التوص ل الى منتج جدي د وتوس ع ال دول المتقدم ة في التص دير‪،‬‬
‫وتقوم الشركات متعدية الجنسية بدور هام في هذه المسألة فنظراً لمعرفتها القوية‬
‫بظروف االنتاج خارج الواليات المتحدة فقد بدأت تدفع باتجاه االنتاج خارجها‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫المنافسة االحتكارية‬

‫وي رى ب ول ر‪ .‬كروجم ان «‪ »Raul R. Krugman‬أن اختالف هب ات عناص ر‬


‫االنت اج يمكن ان يفس ر التج ارة في الم واد الخ ام والمنتج ات الزراعي ة‪ ،‬إال أن ه‬
‫اليس تطيع تفس ير التج ارة في الس لع الص ناعية المعق دة‪ ،‬ل ذا فق د ب نى نموذج ه على‬
‫أس اس عنص ر انت اجي واح د ه و «العم ل» م ع األخ ذ بفرض ين‪ :‬األول‪ -‬تزاي د غل ة‬
‫المنشأة مع توسعها نتيجة وفورات داخلية تلتحق بقدرة المنشأة على تحسين الكفاءة‬
‫االنتاجية لوحدات العمل المستخدمة‪ .‬والثاني ‪ -‬سيادة المنافسة االحتكارية‪.‬‬

‫وتع ني المنافس ة االحتكاري ة ان األص ناف ال تي تنتجه ا المنش آت متم ايزة وليس ت‬
‫متجانسة مع حرية دخول الصناعة والخروج منها لكل صنف من األصناف‪ .‬وقد‬
‫تلج أ المنش آت الى أس اليب الدعاي ة واإلعالن لض مان تمس ك الجمه ور ال ذي يطلب‬
‫منتجها به‪ .‬ولكن بينما يكون منحى الطلب على المنشأة في المنافسة الكاملة أفقي اً‪،‬‬
‫ذا مرون ة النهائي ة‪ ،‬م ا يجع ل من المتع ذر عليه ا ان ت ؤثر في س عر منتجاته ا ال ذي‬
‫تحدده ظروف الطلب والعرض على مستوى الصناعة‪ ،‬فإن منحني الطلب في حالة‬
‫المنافسة االحتكارية يكون منحدراً الى أسفل وتكون الكلفة المتوسطة أقل من السعر‬
‫عند مستوى إنتاج المنشأة‪ ،‬مايوجد أرباح اً تدفع منتجين جدداً للدخول‪ ،‬ويعني هذا‬
‫زي ادة الب دائل المتاح ة أم ام المس تهلكين لألص ناف المختلف ة للس لعة نفس ها‪ .‬فيخفض‬
‫منح ني الطلب وت زداد مرونت ه ومن ثم تن اقص االس عار واالرب اح الى أن تختفي‬
‫االرباح كما في المنافسة الكاملة ولكن في األجل الطويل‪.‬‬

‫وعن د فتح الح دود بين ال دولتين يتس ع حجم الس وق أم ام ك ل منش أة فيهم ا ب دخول‬
‫مستهلكين من الدولة االخرى الذين يفضلون «الصنف» على ماكانوا يستهلكونه من‬
‫إنتاجها‪ ،‬ويتيح هذا فرصة لوفورات الحجم فتنخفض تكاليف االنتاج لجميع السلع‪.‬‬
‫ونتيجة لما يحدثه اتساع السوق من زيادة في حجم الطلب ترتفع نقطة التوازن الى‬
‫‪9‬‬

‫مس توى أعلى من االنت اج نظ راً النخف اض س عر الس لعة مقوم اً بمع دل األج ر وه و‬
‫مايعني ارتفاع األجر الحقيقي‪ ،‬وتستفيد كل من الدولتين من التجارة بارتفاع األجر‬
‫الحقيقي واالنت اج الكلي من ك ل س لعة‪ ،‬كم ا تس تفيد المنش أة مم ا يس مى الوف ورات‬
‫الديناميكي ة للحجم‪ ،‬من خالل م ايؤدي الي ه توس ع االنت اج من اكتس اب الق درة على‬
‫اإلتق ان والتعلم من خالل العم ل‪ ،‬ومن ثم تن اقص التك اليف وازدي اد الق درة على‬
‫التصدير‪.‬‬

‫‪ -7‬التنافسية‪:‬‬

‫مع تزايد انفتاح االقتصادات الوطنية على بعضها البعض من جراء انضمام معظم‬
‫دول الع الم الى منظم ة التج ارة العالمي ة‪ ،‬وبع د التط ورات الناجم ة على ص عيد‬
‫العالق ات االقتص ادية الدولي ة وبع د انهي ار االتح اد الس وفييتي وانف راد الوالي ات‬
‫المتحدة بقيادة النظام الرأسمالي العالمي وهيمنتها على القرار الدولي‪ ،‬وبسبب تزايد‬
‫االتج اه نح و إقام ة التكتالت االقتص ادية بين دول الع الم والش راكات بين ال دول‬
‫الصناعية المتقدمة والبلدان النامية‪ ،‬جرى توسيع لمفهوم القدرة التنافسية‪ ،‬فلم يعد‬
‫مقتص راً على الق درة على التص دير والف وز بحص ص متزاي دة من االس واق‬
‫الخارجي ة‪ ،‬ب ل ص ار من الض روري توس يع ه ذا المفه وم ليش مل ق درة المنتج ات‬
‫والمنشآت الوطنية على الصمود في وجه المنافسة التي تتولد عن تواجد المنتجات‬
‫االجنبية في االسواق الوطنية‪ ،‬وذلك لما قد يترتب على مثل هذه المنافسة من تهديد‬
‫للصناعات الوطنية‪.‬‬

‫التطورات الحاصلة في النظام االقتصادي العالمي‬


‫‪10‬‬

‫لعب التط ور الحاص ل في النظ ام االقتص ادي الع المي وتالي اً في النظ ام التج اري‬
‫العالمي دوراً مهماً في التطور الحاصل في النظرية التجارية الدولية‪.‬‬

‫ومم ا الش ك في ه‪ ،‬ف إن الع الم في ه ذا العص ر ق د تغ ير وانعكس ذل ك على النظ ام‬
‫االقتص ادي الع المي‪ ،‬كم ا يمكن الق ول ان النظ ام االقتص ادي الع المي بع د الح رب‬
‫العالمية الثانية قد انتقل منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي الى حقبة جديدة‬
‫يع بر عنه ا بحقب ة مابع د انته اء الح رب الب اردة في أث ر انهي ار االتح اد الس وفييتي‪،‬‬
‫وله ذا ولس هولة البحث س وف نقس مه الى مرحل تين‪ :‬االولى نتح دث فيه ا عن النظ ام‬
‫االقتصادي العالمي فيما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهاء الحرب الباردة‬
‫‪ .1990-1945‬والثانية تشمل التطورات الالحقة بعد عام ‪ 1990‬وحتى اآلن‪.‬‬

‫السمات العامة لمرحلة ‪1990-1945‬‬

‫ولعل أهم سمات هذه المرحلة هي‪:‬‬

‫‪ -1‬اعتم اد النظ ام الع المي على نظ ام القط بين الب ارزين على الس احة الدولي ة‪،‬‬
‫الواليات المتحدة واالتحاد السوفييتي‪ ،‬وقامت العالقة بينهما على أساس من التكافؤ‬
‫في القوة في المجاالت السياسية والعسكرية «السيما على صعيد األسلحة النووي ة»‪.‬‬
‫ولكن القوة االقتصادية كانت غير متكافئة‪ ،‬إذ انضم الغرب االوروبي ودول العالم‬
‫الرأس مالي بأس رها الى الوالي ات المتح دة إال أن التك افؤ السياس ي والعس كري ك ان‬
‫كافياً لخلق نوع من التوازن العام بين المعسكرين‪.‬‬

‫‪ -2‬عم د قطب ا النظ ام على بن اء ش بكة من العالق ات م ع ال دول «خ ارج الكتل تين‬
‫الش رقية‪ -‬االش تراكية‪ ،‬والغربي ة‪ -‬الرأس مالية» وتم إح داث اس تقطاب ثن ائي على‬
‫المس توى الع المي ك ان في النهاي ة لص الح المعس كر الغ ربي الرأس مالي ألس باب‬
‫تاريخية وموضوعية‪ ،‬وقد انصبت عملية االستقطاب خاصة على البلدان التي كانت‬
‫‪11‬‬

‫مستعمرة في آسيا وافريقيا وامريكا الالتينية حيث أعيد قسماً كبيراً من هذه البلدان‬
‫بع د حص ولها على االس تقالل السياس ي الى دائ رة التبعي ة واالس تغالل من قب ل دول‬
‫المرك ز الرأس مالي‪ .‬ورغم ان ه ذه البل دان ق د اتجهت الى خل ق كتل ة ثالث ة باس م‬
‫"الحي اد االيج ابي وع دم االنحي از" إال أنه ا لم تس تطع ف رض ش روطها في العالق ات‬
‫االقتصادية الدولية وان كانت قد استطاعت ان تحقق بعض النجاحات في المحافل‬
‫الدولية وخاصة في أروقة األمم المتحدة‪ ،‬وفي مؤتمر التجارة والتنمية «األونكتاد»‬
‫مم ا أس بغ عليه ا مص طلح الع الم الث الث ليع بر رمزي اً عن هوي ة جدي دة آخ ذة في‬
‫التش كل بين ع المين اعت بر اح دهما االول وه و الع الم الرأس مالي بقي ادة الوالي ات‬
‫المتحدة‪ ،‬والثاني يعبر عن دول المعسكر الشرقي بقيادة االتحاد السوفييتي‪.‬‬

‫وقد وضعت صيغة للتضامن بين دول الع الم األول وخاصة بين الواليات المتحدة‬
‫واوروب ا الغربي ة من خالل ص يغة «حل ف ش مال األطلس ي» في المج ال السياس ي‬
‫والعس كري‪ .‬وض من ص يغة «منظم ة التع اون االقتص ادي والتنمي ة» في المج ال‬
‫االقتص ادي‪ ،‬وانخ رطت الياب ان في الص يغة االخ يرة بحكم التق دم التكنول وجي‬
‫واالقتص ادي ال ذي أحرزت ه في الخمس ينيات والس تينيات ومابع د‪ ،‬م ع اس تمرار‬
‫استقصاء فاعليتها السياسية والعسكرية‪.‬‬

‫وعلى صعيد آخر شكل االتحاد السوفييتي حلف اً عسكرياً «حلف وارسو» ضم دول‬
‫اوروب ا الش رقية في مقاب ل حل ف الن اتو‪ ،‬كم ا ش كل فيم ا بين ال دول المنض مة الى‬
‫المعس كر الش رقي «مجلس المس اعدة االقتص ادية المتبادل ة» الكوميك ون‪ ،‬عم ل على‬
‫تقسيم العمل بين أعضائه وأوجد إطاراً لتبادل السلع وتدفقات رأس المال‪.‬‬

‫‪ -3‬تمتعت الوالي ات المتح دة االمريكي ة في إط ار م انجم عن النظ ام الع المي من‬


‫عالق ات الس بب والنتيج ة في ٍ‬
‫آن واح د‪ ،‬بم يزة ماي دعى «باالنقي اد الس لس» ل دول‬
‫المجموع ة االولى في المج االت السياس ية واالقتص ادية والعس كرية في مواجه ة‬
‫‪12‬‬

‫المعس كر الش رقي‪ ،‬وك ان ه ذا الموق ع ال ذي احتلت ه الوالي ات المتح دة‪ ،‬منطلق اً لقي ادة‬
‫االقتص اد الع المي‪ ،‬أمن له ا تغلغ ل االس تثمارات الخاص ة في اوروب ا وانتق ال‬
‫التكنولوجي ا من المش روعات االمريكي ة الى الياب ان‪ ،‬مم ا ادى الى تعظيم الف ائض‬
‫الرأسمالي الذي تعزز بهيمنة الدوالر على النظام النقدي العالمي‪ ،‬وكان لهذا أثره‬
‫الب ارز في دعم االقتص اد االم ريكي وتعزي ز مكانت ه العالمي ة‪ ،‬خاص ة عن دما تع زز‬
‫ذل ك باس تيعاب االقتص اد االم ريكي لتص اعد نفق ات س باق التس لح حيث اتخ ذت ه ذه‬
‫النفقات مدخالً لتنشيط كامل الجهاز االنتاجي والتكنولوجي على أساس «العسكرة»‪.‬‬

‫وق د نجم عن التط ورات الحاص لة في النظ ام الع المي نت ائج مباش رة وغ ير مباش رة‬
‫على النظام االقتصادي العالمي في هذه المرحلة‪ ،‬تمثلت في‪:‬‬

‫النتيجة االولى قيام نظامين اقتصاديين عالميين مسيطرين وهما النظام االقتصادي‬
‫العالمي للرأسمالية‪ ،‬والنظام العالمي للسوفييت «االتحاد السوفييتي وحلفاؤه» وكان‬
‫لكل نظام هيكله التنظيمي وإ طاره لتقسيم العمل وكذلك أسواقه‪.‬‬

‫وتش كل النظ ام الع المي للرأس مالية من ش قين هم ا‪ :‬دول المرك ز وه و مرك ز ثالثي‬
‫ضم الواليات المتحدة واوروبا الغربية واليابان‪ ،‬أما الشق الثاني فهو سائر بلدان‬
‫العالم الث الث اي األطراف‪ ،‬وكان لهذا النظام صيغة لتقسيم العمل وصيغة لتقسيم‬
‫الس وق‪ ،‬وتق وم الص يغتان على تقس يم العم ل ال دولي ال ذي «يحاف ظ» على العالق ات‬
‫غير المتكافئة لصالح الدول الصناعية مع بقاء بلدان العالم الثالث مصدراً للمواد‬
‫األولية وسوقاً لتصريف المنتجات الصناعية من خالل عالقة التخصص االنتاجي‬
‫والتكنولوجي بين المركز الصناعي المتقدم والمتفوق تكنولوجياً وبين البلدان التابعة‬
‫«في األطراف» ذات المس توى االدنى في التطور االنتاجي والتكنولوجي ب درجات‬
‫متفاوتة‪ .‬أما السوق فطابعها العام هو العالقات الرأسمالية انطالقاً من دول المركز‪،‬‬
‫‪13‬‬

‫ولم تتأثر هذه العالقة رغم إحراز الكتلة الشرقية بعض التقدم في إطار المبادالت‬
‫مع العالم الثالث ورغم إقامتها عالقات اقتصادية وثيقة مع بعضها‪.‬‬

‫النتيجة الثانية الناجمة عن التطورات الحاصلة في النظام العالمي في هذه المرحلة‬


‫«‪ »1990-1945‬هي هيمن ة الغ رب بقي ادة الوالي ات المتح دة على النظ ام‬
‫االقتص ادي الع المي‪ .‬ويتمث ل ذل ك على نح و ص ريح في س يطرة ال دول الرأس مالية‬
‫المتقدم ة على الش طر األعظم من الن اتج الع المي وعلى االس تحواذ على النص يب‬
‫األك بر في المب ادالت الدولي ة واحتكاره ا للعلم والتكنولوجي ا والس يطرة على ت دفقات‬
‫رأس الم ال وعلى اس تثمار الم وارد الطبيعي ة‪ .‬وق د أثبت تقس يم العم ل الرأس مالي‬
‫قدرت ه الديناميكي ة على تجدي د نفس ه من ال داخل‪ ،‬وعلى ثب ات العالق ة الهيكلي ة ال تي‬

‫ترب ط ال دول الص ناعية المركزي ة ذات النظ ام الرأس مالي ب البالد المتخلف ة اقتص ادياً‬
‫واألقل تطوراً على العموم‪ ،‬وهي عالقة غير متكافئة‪.‬‬

‫النتيجة الثالثة‪ :‬هي العالقة االستقطابية الثنائية المتمركزة حول قطبين‪:‬‬

‫‪-‬قطب ج اذب م وجب «فاع ل» يتمث ل في البل دان الص ناعية المتقدم ة وعلى رأس ها‬
‫الواليات المتحدة‪.‬‬

‫‪-‬قطب منج ذب س الب «منفع ل» يتمث ل في البل دان المتخلف ة اقتص ادياً والمرتبط ة‬
‫عضوياً بعالقة تقسيم العمل الدولي مع دول المركز‪ .‬وبينما استمرت دول المركز‬
‫في تحقيق التقدم التكنولوجي واالقتصادي والمالي‪ ،‬حرمت الدول المتخلفة ألسباب‬
‫موض وعية وذاتي ة ونتيج ة لخض وعها لق وانين النم و ذي الطبيع ة االس تقطابية‪ ،‬من‬
‫تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مما ادى الى زيادة الفجوة بينها وبين دول‬
‫المركز‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫إن النظام االقتصادي العالمي المحكوم بتوجهات النظام الرأسمالي أدى الى المزيد‬
‫من مراكم ة ومرك زة النم و في دول المرك ز‪ ،‬وك ذلك الى تعمي ق الرك ود وت راكم‬
‫عملية التخلف بجميع أبعادها السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعلمية في الدول‬
‫األطراف‪.‬‬

‫وق د تزاي د الش عور ل دى بعض النخب المثقف ة والقي ادات السياس ية في بل دان ع دم‬
‫االنحي از والحي اد االيج ابي ب أن الخ روج من أس ر الرك ود ومن اإلرث االس تعماري‬
‫القديم ومن سيطرة دول المركز الرأسمالي‪ ،‬مرهون بانتهاج سياسة اقتصادية جديدة‬
‫محورها تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية المستقلة‪ ،‬وإ يجاد نموذج اقتصادي‬
‫يق وم بدرج ة اساس ية على القط اع الع ام وت دخل الدول ة‪ ،‬وموج ه الى الس وق المحلي‬
‫ب دالً من التوج ه نح و التص دير‪ ،‬ويغلب مص لحة االقتص اد الوط ني على مص الح‬
‫الخارج‪ ،‬ويركز على الصناعة الوطنية ويحميها‪.‬‬

‫‪ -4‬ظهور األزمات االقتصادية وتفاقمها‪:‬‬

‫أ‪-‬ش هدت البل دان الص ناعية المتقدم ة بع د الح رب العالمي ة الثاني ة ازده اراً نس بياً‬
‫اس تمر ح تى نهاي ة الس بعينيات من الق رن الماض ي‪ ،‬وذل ك من خالل النش اط‬
‫االقتص ادي ال ذي انص ب على تعم ير ماخربت ه الح رب وانته اج سياس ة اجتماعي ة‬
‫متوازنة في ظل مادعي بـ «دولة الرفاه» ومحاولة إقامة أنظمة اقتصادية قوية في‬
‫مواجه ة التق دم ال ذي ب دأ يح رزه االتح اد الس وفييتي‪ ،‬وق د ك ان لحص ول ه ذه البل دان‬
‫على الموارد االولية الرخيصة من البلدان النامية‪ ،‬وخاصة النفط‪ ،‬دوراً بارزاً في‬
‫تحقيق ماوصلت اليه من تقدم‪.‬‬

‫وم ع بداي ة الس بعينيات‪ ،‬ب دأت البل دان الص ناعية المتقدم ة والنظ ام االقتص ادي‬
‫الرأس مالي ب التعرض ألزم ات اقتص ادية هيكلي ة تمثلت في األزم ة النقدي ة والبطال ة‬
‫‪15‬‬

‫والرك ود التض خمي‪ ،‬وامت دت األزم ة ح تى نهاي ة الثمانيني ات ومطل ع التس عينيات‪،‬‬
‫وسعت البلدان الصناعية المتقدمة الى الخروج من األزمة عبر محاولة تصديرها‪،‬‬
‫اي نق ل عبئه ا الى األط راف الخارجي ة «أي المجموع ة الس وفيتيية ودول الع الم‬
‫الثالث» وذلك من خالل آليات أهمها‪ :‬معاودة خفض أسعار الطاقة «والمواد االولية‬
‫االخ رى» بم ا ي ؤدي الى ت وطين الرك ود في بل دان الع الم الث الث‪ ،‬وإ ع ادة ت دوير‬
‫ف وائض النف ط المالي ة المجتمع ة في المص ارف الدولي ة وفي أس واق الس ندات‬
‫واالس تثمارات العقاري ة والمالي ة في ال دول الص ناعية المتقدم ة وب الوقت ذات ه ج رى‬
‫التوس ع في االق راض من قب ل البن وك التجاري ة وتوس ع الحكوم ات والمنظم ات‬
‫االقتصادية الدولية في تقديم ائتمانات التصدير والتسهيالت الموسعة‪ ،‬مما ادى الى‬
‫ارتف اع مس توى الت دفقات الرأس مالية والى ظه ور أزم ة ال ديون الخارجي ة ال تي‬
‫أغ رقت بل دان الع الم الث الث وأوقعته ا في أزم ة خدم ة ه ذه ال ديون‪ ،‬وزاد من ح دة‬
‫أزمة هذه البلدان إخفاق معظمها في تحقيق التنمية‪ ،‬وخلق آليات خاصة بها للنمو‬
‫الى ج انب إخفاقه ا في تص حيح العالق ات غ ير المتكافئ ة بينه ا وبين بل دان الع الم‬
‫الص ناعي المتق دم وبالت الي إبق اء التقس يم ال دولي غ ير الع ادل يعم ل لص الح ال دول‬
‫المتقدمة مما زاد في الفجوة التنموية والحضارية بين دول الشمال ودول الجنوب‪.‬‬

‫ب‪ -‬على ص عيد آخ ر‪ ،‬فق د ش هد النص ف الث اني من عق د الثمانيني ات في االتح اد‬
‫الس وفييتي ت دهوراً في االوض اع االقتص ادية واالجتماعي ة والسياس ية مم ا ادى الى‬
‫فش ل البيروس تريكا وأوج د المن اخ النهي ار االتح اد الس وفييتي وتفك ك المنظوم ة‬
‫االش تراكية‪ ،‬س اعد على ذل ك الجم ود الفك ري وتمرك ز الس لطة والبيروقراطي ة‬
‫والفس اد‪ ،‬وراف ق ذل ك إزال ة ج دار ب رلين وتوحي د ألماني ا‪ ،‬وأح داث يوغوس الفيا‪،‬‬
‫وتص اعدت األزم ة الناجم ة عن غ زو الع راق للك ويت‪ ،‬فق امت الوالي ات المتح دة‬
‫بحشد جيوش أكثر من ثالثين دولة إلخراج العراق من الكويت‪ ،‬وعندما تحقق لها‬
‫‪16‬‬

‫ذلك أعلن الرئيس االمريكي عن قيام نظام عالمي جديد وحيد القطب وصورت هذه‬
‫االحداث جميعاً وكأنها انتصاراً للنظام الرأسمالي وزعيمة هذا النظام أي الواليات‬
‫المتحدة االمريكية‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪:1990‬‬

‫إن زوال النظام الدولي القائم على القطبية الثنائية‪ ،‬ومناداة الواليات المتحدة لنفسها‬
‫بزعامة العالم وقيام نظام دولي جديد‪ ،‬أدى الى نشوء حالة جديدة من هيمنتها على‬
‫الق رار ال دولي على الص عيدين السياس ي واالقتص ادي‪ ،‬وق د أت اح له ا ه ذا إحك ام‬
‫القبضة على مقدرات العالم الثالث واستخدام المنظمات الدولية لفرض المزيد من‬
‫آليات التبعية على الدول والشعوب واالستمرار في نهب ثرواتها وإ سقاط برامجها‬
‫التنموي ة وتهميش ها وف رض ب رامج إص الح اقتص ادي "ج وهر الليبرالي ة االقتص ادية‬
‫الجديدة"‪.‬‬

‫وق د حص لت تط ورات هام ة على الص عيد االقتص ادي الع المي‪ ،‬ق ادت الى "العولمة‬
‫االقتصادية" وكانت اهم السمات التي تتميز بها هذه المرحلة هي‪:‬‬

‫أ‪ -‬الث ورة العلمي ة والتكنولوجي ة والتط ور الحاص ل في مج ال االتص االت والت دفق‬
‫المذهل للمعلومات‪ .‬إن الثورة العلمية والتكنولوجية اصبحت تغطي ثالثة مجاالت‬
‫حاس مة في العلم واالنت اج‪ ،‬واص بحت قاع دة للص ناعة الجدي دة‪ ،‬كم ا أنه ا أدت الى‬
‫تقس يم دولي جدي د للعم ل يس تبعد ع دداً كب يراً من ال دول التابع ة من المجتم ع‬
‫المعلوم اتي‪ ،‬لق د اص بح ت دويل الحي اة االقتص ادية ه و الش كل المح دد ال ذي يكتس به‬

‫تقسيم العمل الدولي‪ ،‬وهو الشكل المحدد للطابع الدولي لإلنتاج‪ ،‬وهما يشكالن مع اً‬
‫القوة المحركة لمسار االقتصاد الدولي حالياً‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫ب‪ -‬وت برز في ه ذا الص دد مرحل ة جدي دة من تط ور الرأس مالية‪ ،‬تتم يز ب النمو‬
‫الديناميكي للشركات متعدية الجنسية التي اصبحت تتولى قيادة عملية تدويل االنتاج‬
‫حركة رأس المال‪.‬‬

‫ج‪ -‬تميزت هذه المرحلة في إطار عولمة االقتصاد بالتوسع الهائل في المؤسسات‬
‫المالية وفي حركة األموال‪ ،‬فقد اصبح بإمكان مليارات الدوالرات اجتياز الحدود‬
‫بمج رد لمس ة إص بع على أح د ازرار الحاس ب االلك تروني‪ .‬ويش ير تقري ر التنمي ة‬
‫البشرية لعام ‪ 1999‬على أن التعامل في أسواق العمالت في العالم وصل الى مبلغ‬
‫يناهز ‪5‬ر‪ 1‬تريليون دوالر يومياً في ذلك الوقت‪.‬‬

‫د‪ -‬تبل ورت اس تراتيجية ال دول الص ناعية في المي دان االقتص ادي من خالل آلي تين‬
‫رئيسيتين‪:‬‬

‫االولى‪ :‬داخلي ة عنوانه ا القي ام بمجموع ة من االص الحات االقتص ادية واالداري ة‬
‫وإ تاح ة الفرص ة واالمكان ات الالزم ة لزي ادة ق درة الش ركات التنافس ية لض مان‬
‫وجوده ا في االس واق المعولم ة‪ ،‬وك انت اب رز النت ائج دمج العدي د من الش ركات‬
‫وتصفية شركات اخرى وتعديل القوانين بما يسمح الوروبا العمل بالتصرف بحري ة‬
‫اك برفي تس ريح العم ال وتقليص حجم العمال ة م ع التط ورات التكنولوجي ة ‪ ،‬وق د‬
‫نجحت الش ركات الص ناعية بالفع ل‪ ،‬من خالل تط بيق ب رامج اع ادة البن اء‪ ،‬من‬
‫تحس ين موازنته ا المالي ة ورف ع درج ة كفاءته ا التقني ة واالس تعداد لمواجه ة ش روط‬
‫المنافسة الدولية المتزايدة‪.‬‬

‫ام ا اآللي ة الثاني ة‪ :‬فهي بل ورة سياس ة التكت ل االقليمي فال دول الص ناعية على ال رغم‬
‫من قوته ا االقتص ادية تش عر انه ا ليس ت ق ادرة على مواجه ة المنافس ة الح رة م ع‬
‫الشركات الصناعية المتعددة الجنسية التي تسيطر على االقتصاد العالمي‪ ،‬وانها اذا‬
‫‪18‬‬

‫أرادت ان تضاعف من فرصها في احتالل مواقع جديدة في االسواق العالمية فإن‬


‫مقتضيات ذلك بناء اسواق اقليمية وسيطة تكون اكثر قدرة على حمايتها والسيطرة‬
‫عليها‪ ،‬مما يساعدها في مواجهة المنافسة الحرة بخطوط أقوى ووجود أقوى‪.‬‬

‫هك ذا تص ور االتح اد االوروبي ثم نش أت رابط ة تع اون دول جن وب ش رق آس يا‬


‫المس ماة «آس يان» وك رد عليه ا أقيمت منظم ة التج ارة الح رة االمريكي ة الكندي ة‬
‫المكس يكية «نافت ا» وك ان اله دف دائم اً ه و مواجه ة اس تحقاق الس وق العالمي ة او‬
‫العولمة من خالل‪:‬‬

‫‪ -1‬العم ل على ه دم النظم االقليمي ة القديم ة واذابته ا في نظم جدي دة لطمس‬


‫شخصيتها االقليمية المستقلة‪.‬‬

‫‪ -2‬إقامة ترتيبات ذات طابع أقل إحكام اً من الناحية التنظيمية‪ ،‬وأدنى في األجل‪،‬‬
‫وأكثر غموضاَ في العقيدة السياسية من النظم السابقة‪.‬‬

‫‪ -3‬جع ل الوالي ات المتح دة «القاس م المش ترك االعظم» واحيان اً من خالل وكي ل‪-‬‬
‫داخ ل الترتيب ات االقليمي ة الجدي دة لتك ون أق رب الى اعتباره ا «ترتيب ات امريكي ة»‬
‫ونشهد ذلك في المشروعات التي تطرحها الواليات المتحدة «مثل الشرق االوسط‬
‫الكبير» والمناطق الحرة والشراكات التي تقيمها مع دول المنطقة العربية خاصة‪.‬‬
‫وبوج ه ع ام‪ ،‬ف إن التكت ل االقتص ادي في ظ ل التط ورات االخ يرة يحق ق المزاي ا‬
‫االقتصادية التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬رفع الكفاءة االقتصادية نتيجة العمال قانون المزايا النسبية‪.‬‬

‫‪ -2‬زيادة حجم االنتاج لالستفادة من اتساع السوق واقتصادات الحجم والنطاق‪.‬‬


‫‪19‬‬

‫‪ -3‬تحس ين الق درة التفاوض ية على الص عيد ال دولي بفض ل حجم الس وق بم ا ي ؤدي‬
‫الى تحسن شروط التجارة‪.‬‬

‫‪ -4‬االرتف اع بالكف اءة االقتص ادية نتيج ة المنافس ة والقابلي ة للمنافس ة الن اجم عن‬
‫تخفيض موانع دخول السوق للسلع والخدمات‪.‬‬

‫‪ -5‬تحس ين عملي ة االنت اج لالرتف اع بمس توى عناص ر االنت اج وكفاءته ا‪ ،‬وط رق‬

‫تنظيم العمل‪ ،‬خاصة اذا ماصاحب االتفاقية تدفقاً لالستثمار االجنبي المباشر محمالً‬
‫بمعارف واساليب انتاج جديدة‪ ،‬ونقل التكنولوجيا وتوطينها‪.‬‬

‫‪ -6‬تحقيق نمو اقتصادي مستمر كنتيجة لالثار الديناميكية المتعلقة بحجم السوق‬
‫والوف ورات وتحس ن من اخ االس تثمار وتعزي ز الق درة التنافس ية وزي ادة المنافس ة‬
‫الناجمة عن فتح االسواق وازالة معوقات انتقال البضائع‪ ،‬الخدمات واالفراد ورأس‬
‫المال فيما بين دول الكتل االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -7‬ان اتفاقي ة من اطق التج ارة الح رة‪ ،‬ك أدنى مس توى من مس تويات التع اون‬
‫االقتص ادي س تكون بمثاب ة الجس ر للوص ول الى مس تويات اعلى من التع اون‬
‫االقتصادي االقليمي‪ ،‬وهكذا فإن كل مرحلة من مراحل التكامل االقتصادي ستكون‬
‫دافع اً للوص ول الى مرحل ة اعلى مم ا يس مح بالت الي بتوحي د السياس ات االقتص ادية‬
‫والمالية والنقدية توصالً للوحدة االقتصادية‪.‬‬

‫النظام التجاري العالمي الجديد‬

‫في ‪ 15/4/1994‬اجتم ع ممثل و ‪ 125‬دول ة في م راكش للتوقي ع المب دئي على م ا‬


‫تمخض ت عن ه جول ة اورج واي من اتفاقي ات وم ذكرات تف اهم وق رارات وزاري ة‪،‬‬
‫وكانت هذه الجولة من المفاوضات المتعددة االطراف قد بدأت عام ‪ 1986‬لتنتهي‬
‫الى إقرار المبادىء االساسية لقيام النظام التجاري العالمي الجديد ومنظمته "منظمة‬
‫‪20‬‬

‫التجارة العالمية ‪ "WTO‬وقد ترتب على ذلك نشوء اوضاع جديدة تتأثر بها جميع‬
‫دول الع الم‪ ،‬س واء ك انت عض واً في ‪ WTO‬ام ك انت خارجه ا‪ .‬ولمنظم ة التج ارة‬
‫العالمية التي تشكل االطار التنظيمي للنظام التجاري العالمي‪> .‬‬

You might also like