Professional Documents
Culture Documents
يحتل موضوع العالقات االقتصادية الدولية مكانة متميزة في الفكر االقتصادؼ ،نظ ار
لحجم المعامالت المتبادلة التي تنشأ بين الدول في إطار التجارة الخارجية ،ىذه األخيرة التي
أخذت اىتمام االقتصاديين ،والبحث في مراحل تطورىا وتفسير سبب تمك العالقات التجارية.
وتعتمد الدولة التجارة الخارجية لمخروج من حالة العزلة والبحث عن طريق تصريف
منتجاتيا ،واالستفادة من فروقات األسعار ،وىو األمر الذؼ دعا إليو كل من" 4آدم سميث"،
و"دافيد ريكاردو" و"جون ستيوارت ميل" عن طريق االنفتاح التجارؼ ،أما الوجو اآلخر لمتجارة
يستخدم االنغالق وعدم سماح لدخول المنتجات األجنبية لمداخل.
4
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
تعتبر التجارة الخارجية من أىم األنشطة االقتصادية التي ترتكز عمييا الدول ،نظ ار
لما تقتضي الحاجة االقتصادية من تبادل السمع والخدمات وانتقال عناصر اإلنتاج ،وخاصة
وأنيا كانت الحل الوحيد لجميع الدول لمخروج من حالة العزلة ،ورغم اختالف النظم
السياسية واالقتصادية والقانونية ليذه الدول ،إال أنيا كانت حال أمثل لمدول التي كانت تنتج
بعض السمع فاقتضى األمر أن تتخصص كل دولة في إنتاج السمع والخدمات التي تنتجيا
بكفاءة و أقل تكمفة ،وتبادل منتجاتيا مع دول أخرػ التي ال تستطيع إنتاجيا بكفاءة الرتفاع
تكمفتيا ،فأصبحت بذلك التجارة الخارجية قائمة عمى مبدأ التخصص وتقسيم العمل بين
الدول.
يخضع معنى اصطالح "التجارة الخارجية" لتباين كبير في الرأؼ حول نطاق مضمونو
ولمصور التي يتألف منيا ،وفي ىذا الخصوص يمكن التفرقة بين مصطمح " التجارة
الخارجية بمعناىا الضيق " ومصطمح " التجارة الخارجية " بمعناىا الواسع.
يشمل مصطمح التجارة الخارجية بالمعنى الضيق كال من الصادرات والواردات المنظورة
وغير المنظورة ،في حين مصطمح التجارة الخارجية بالمعنى الواسع كال من4 1
-1سامي عفيفي حاتم ،التجارة الخارجية بين التنظير والتنظيم ،ط)،4مصر ،الدار المصرية اللبنانية ،( 3;;5 ،ص ص
.59-58
5
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
وأمام ىذا التباين في المفاىيم اتجو بعض الكتاب إلى استخدام مصطمح التجارة الخارجية
لمداللة عمى النطاق الضيق ليا.
بينما أطمق مفيوم التجارة الدولية لمداللة عمى التجارة الخارجية بالمعنى الواسع ،من
ىنا كان استخدام اصطالح " التجارة الخارجية" بدال من اصطالح "التجارة الدولية " أم ار
منطقيا في ظل الفيم والنيج الكالسيكي لطبيعة حركة عناصر اإلنتاج بين الدول ،حيث
افترضت ىذه النظرية عدم قدرة ىذه العناصر عمى االنتقال بين الدول لوجود العديد من
العوائق المادية والمعنوية التي تعيق انسيابيا بين ىذه الدول.
غير أنو في منتصف حقبة التسعينات من القرن الماضي حممت إلينا نيجا جديدا
لقضايا التجارة العالمية ،من خالل التوقيع عمى الوثيقة الختامية لنظام األورجواؼ – مراكش
– لمتجارة متعددة األطراف ،والتي حممت مسمى " جولة األوروجواؼ لمتجارة الدولية متعددة
األطراف " ،ومنذ ىذا التاريخ أصبح التبادل الدولي يشتمل عمى حركة السمع والخدمات،
وانتقاالت رؤوس األموال ،إلى جانب حقوق الممكية الفكرية ،وجوانب االستثمار المرتبطة
بالتجارة وغيرىا ،ومن ىنا كان طبيعيا أن يتغير مصطمح " التجارة الخارجية" ليصبح
مصطمح " التجارة الدولية " حيث أن األول جزء من الثاني.
سنتطرق في ىذا العنصر إلى أساس قيام التجارة الخارجية بين الدول ،والى أىم
العوامل الرئيسية المؤثرة في قيام وتشكيل ىيكل التخصص الدولي.
يقوم التبادل أساسا عمى مبدأ التخصيص الدولي ،حيث تتخصص كل دولة من الدول
في إنتاج سمعة أو مجموعة من السمع وتتبادليا مع غيرىا من الدول ،فكما يتخصص األفراد
6
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
كل منيم في حرفة معينة كذلك البمدان تتخصص في انتاج سمعة أو سمع معينة .1فال
نستطيع أؼ دولة أن تنتج كل ما تحتاجو من السمع وانما يقتضي األمر أن تتخصص في
انتاج السمع التي تؤىميا ظروفيا الطبيعية واالقتصادية ألنيا تنتجيا ثم تبادليا بمنتجات دول
أخرػ ال تستطيع إنتاجيا داخل حدودىا أو أنيا تستطيع ولكن بتكمفة مرتفعة ،وبذلك يمكن
القول بأن التخصص بين الدول ىو األساس القوؼ لقيام التبادل الدولي ،حيث سيؤدؼ إلى
زيادة الدخل الوطني لمدول المشتركة في ىذا التبادل وبالتالي زيادة مداخيل األفراد و ارتفاع
مستوػ رفاىيتيم االقتصادية وتتمثل أىم العوامل الرئيسية المؤثرة عمى قيام وتشكيل ىيكل
التخصص الدولي منيا4
حيث تختمف دول العالم اختالفا شاسعا فيما تمتمكو من موارد طبيعية ،وىذا ما يؤدؼ
إلى اختالف تخصص من دولة إلى أخرػ حسب ىذا التفاوت في الموارد الطبيعية .فيناك
دول تتوفر بيا أراضي زراعية مما يجعميا تتخصص في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية،
وىناك دول بيا حقول البترول فتخصص في انتاج النفط وىكذا مع بقية الدول.2
فوفرة األيدؼ العاممة في بعض الدول المكتظة بالسكان قد تؤدؼ إلى زيادة عرض
العمالة وبالتالي انخفاض األجور ،وىذا ما يؤدؼ إلى تفوق ىذه الدول في إنتاج بعض السمع
ذات الكثافة العالية لعنصر العمل ىذه األخيرة ال تتطمب ميارة فنية كبيرة ،أما الدول األخرػ
التي تعاني قمة في عرض القوة العاممة وبالتالي ارتفاع األجور ،فإنيا ستخصص في انتاج
السمع ذات الكثافة الرأسمالية الكبيرة.
-1عادل أحمد حشيش ،العالقات االقتصادية الدولية) ،مصر ،الدار الجامعية الجديدة ،(4222 ،ص .43
-2المرجع نفسه ،ص.44
7
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
سيؤدؼ تمتع بعض الدول برصيد ضخم من رؤوس األموال إلى تخصصيا في انتاج
السمع ذات الكثافة الرأسمالية طالما أن المقومات األخرػ ليذه الصناعات متوفرة لدييا ،أما
بالنسبة لمدول التي تعاني من ندرة نسبية لرأس المال فإنيا ستخصص في بعض الصناعات
البسيطة ذات الكثافة العممية ،ورغم أىمية رأس المال في مجال التخصص الدولي فقد أصبح
من الممكن التغمب عمى ندرة رأس المال عن طريق االستثمارات األجنبية ،لذا تسعى الدول
التي تعاني من العجز في رأس المال إلى جمبو من الخارج واستغاللو في مشروعات التنمية.
-4نفقات النقل
تمعب نفقات النقل دو ار ىاما في التجارة الدولية ،فيي أحد العوامل المؤثرة في التوطن
الدولي لمصناعات ،فالتوطن يتم إما بالقرب من المادة الخام أو بالقرب من األسواق أو
بالقرب من مواد الوقود أو القوة الكيربائية.1وقد ساعد النقل عمى قيام التخصص الدولي
بتوسيعو لدائرة السوق أمام منتجات الدول المختمفة ،و بعض الدول يمكنيا أن تخصص في
انتاج سمع معينة ولكن ارتفاع في تكمفة نقل ىذه السمع لمعالم الخارجي يفقدىا ميزة ىذا
التخصص.
-5فروق األسعار
يؤثر االختالف في نفقات اإلنتاج ) تكمفة عوامل اإلنتاج( تأثي ار مباش ار عمى أسعار
السمع سراء في السوق الداخمي أو الخارجي .وليذا فإن األساس المبدئي لقيام التجارة
الخارجية يكاد ينحصر في فروق األسعار بين السمع المنتجة محميا والسمع المستوردة من
الخارج ،فالمستيمك الرشيد يسعى إلى الشراء من أرخص األسواق حتى يتمكن من تحقيق
أقصى إشباع ممكن أما المنتج فإنو يرغب في بيع منتجاتو في أغمى األسواق.
-1المرجع نفسه،ص.46
8
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
عمى الرغم من أن تبادل السمع والخدمات ما بين مختمف االقتصاديات القومية ،إنما
يتشابو مع تبادليا في الدخل االقتصاد القومي الواحد وعمى األخص من حيث األثر المشترك
في زيارة اإلنتاج وبالتالي زيادة إشباع الحاجات وذلك بسبب تقسيم العمل والتخصص ما بين
األفراد وما بين المناطق الجغرافية ،إال أنو يوجد في الواقع عدة عوامل من شأنيا تمييز
العالقات االقتصادية الدولية عن العالقات االقتصادية داخل االقتصاد القومي والتي تتمثل
فيما يمي41
تقوم العالقات االقتصادية الداخمية بين أفراد ووحدات تضميم حدود سياسية واحدة،
وبالتالي يخضعون الى قانون واحد وعادات وتقاليد ونظم تجارية واحدة ،في حين أن التجارة
الدولية تقوم بين أفراد ووحدات ينتمون لدول مختمفة ،لكل منيا قانونا وتقاليدىا ونظميا
االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،وال يقتصر األمر عمى مجرد القوانين التي تصدرىا
الحكومات والمؤسسات السياسة ،ولكنو يشمل أيضا مجموعة من النظم والعادات التي تعود
عمى أفراد المجتمع الواحد إتباعيا وممارستيا عبر قرون طويمة ،بحيث أصبحت تمثل ىذه
القواعد عرفا لو قوة ترفعو إلى مرتبة قد تعمو عمى مرتبات القانون.
لكل دولة من الدول سياساتيا االقتصادية التي تتبعيا ،والتي تيدف من ورائيا إلى
تحقيق بعض األىداف القومية ،ولعل أىم األىداف التي تصب إلييا الحكومات تحقيق
الرفاىية االقتصادية لمواطنييا دون غيرىا ،وبالتالي فإن الحكومات تراعي عادة من ناحيتيا
-1عادل أحمد حشيش ،مجدي محمود شهاب ،أساسيات االقتصاد الدولي)مصر ،منشورات الجلبي المقوقية،(4225 ،ص
ص .43-36
9
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
عدم التفرقة بين شخص وآخر يتمتع بجنسية الدولة ،في حين أنيا تعرض عمى معاممة
األجانب بأسموب مخالف لذلك والذؼ تعامل بو مواطنييا ،فالحكومات عادة ال تعطي عادة
لعوامل الربح والخسارة الناشئة لمتجارة الداخمية نفس االىتمام الذؼ تعطيو لتمك الناشئة عن
التجارة الخارجية فاألول ال تمثل سوػ تحويالت تصيب المراكز النسبية لممجتمع ككل .في
حين أن الثانية تنشأ عن فقدان لجزء من الثروة القومية أو إضافة جديدة إلى ىذه الثروة،
وبالتالي البد أن يكون ليا تأثير عمى الوضع االقتصادؼ عمى المجتمع سواء من حيث
مستوػ معيشتو ،أو من حيث دائنيتو ومديونيتو.
من المعروف أن ادخال النقود كوسيط في عممية التبادل يؤدؼ إلى تقسيميا إلى
عممتين منفصمتين .في العممية األولى يتم تبادل السمع التي يزيد عن حاجة الفرد بالنقود،
وىي عممية البيع .والثانية عممية تبادل النقود بالسمع التي يحتاجيا الفرد ،وىي عممية الشراء.
أما في التجارة الدولية فنجد أن عممية التبادل تنقسم إلى ثالث عمميات 4
وال تنشأ المشكمة من مجرد تجزئة عممية التبادل إلى ثالث أجزاء ،ولكنيا تنشأ أساسا
من أن لكل بمد من البمدان عممتيا الخاصة بيا ،والتي تختمف عن غيرىا بحيث ال توجد
عممة واحدة يتم عمى أساسيا التبادل التجارؼ فيما بين الدول كما ىو الحال بالنسبة لمتبادل
الداخمي ،وباإل ضافة إلى اختالف وحدات النقود بين البمدان المختمفة ،ىناك أيضا االختالف
في النظام المصرفي ،سواء كان بالنسبة لعممية إصدار البنكنوت أو بالنسبة لعممية الودائع،
أو منح االئتمان .ولعل اختالف شروط منح االئتمان من دولة إلى أخرػ تشكل العامل الميم
في التفرقة بين التجارة عمى المستوػ الدولي وبين التجارة عمى المستوػ المحمي.
:
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
يعتبر االختالف في طبيعة األسواق بين البمدان المختمفة ،من العوامل التي تؤثر
تأثي ار واضحا عمى العالقات االقتصادية الدولية وعمى طبيعة التبادل التجارؼ الدولي،
وبالتالي يعطي مبر ار لمعالجة مثل ىذا التبادل بأسموب خاص.
إن امكانية تنقل عوامل االنتاج من نشاط آلخر من شأنو أن يحقق التوازن في
السوق ،ويجعل من أسعار السمع المختمفة متناسبة مع احتياجات المستيمكين من ناحية ،ومع
ندرة عوامل اإلنتاج من ناحية أخرػ ،ومن ثم ال نتوقع أن ينشأ داخل البمد الواحد اختالف
في أسعار السمع ال تبرره حاجات المستيمكين أو ندرة عوامل االنتاج .أما إذا انتقمنا من
المستوػ المحمي إلى المستوػ الدولي ،فإننا نالحع أن عوامل اإلنتاج تتسم بالجمود النسبي،
من حيث قابميتيا لمتنقل ،وينشأ عن ىذا الجمود وجود اختالف في أسعار السمع المختمفة ،بل
واختالف في أسعار السمعة الواحدة من دولة إلى أخرػ .ويعزؼ ىذا االختالف بصفة أساسية
إلى عدم قابمية عوامل االنتاج لمتنقل من دولة إلى أخرػ بنفس السيولة واليسر التي تنتقل بو
من منطقة إلى أخرػ داخل حدود الدولة الواحدة.
;
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
لقد اختمفت نظريات التجارة الخارجية حول أسس وطبيعة الضوابط التي ينبغي أن
تحكم التجارة الخارجية ،وانقسمت النظريات إلى عدة مدارس ومن ىذه النظريات من جاءت
لتطور األفكار السابقة وتضيف عمييا بعض التحسينات وىناك من النظريات من جاءت
تناقض النظريات التي سبقتيا.
ظيرت النظرية الكالسيكية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر
كرد فعل عمى مذىب التجاريين الذين كانوا يرون أن المعادن النفيسة ىي المقياس األساسي
لقوة الدولة االقتصادية في ذلك الوقت ،لذلك كانت دعوتيم تنصب في فرض قيود عمى
التجارة الخارجية بغية الحصول عمى أكبر قدر من المعادن النفيسة ،ولقد ىاجم " الكالسيك"
آراء التجاريين وأخذو عمى عاتقيم بيان فوائد التبادل التجارؼ بين الدول ،وجاءت نظريتيم
لمدفاع عن حرية التجارة الخارجية وبين أن قوة الدولة ال تكمن فيما تحتويو من معادن نفيسة
فقط ،وانما ايضا فيما يتوافر لدييا من موارد اقتصادية حقيقية ،وأن حرية التجارة ىي
الوسيمة األنجع لزيادة ثروة البالد الحقيقية .وتقوم ىذه النظرية عمى مجموعة من الفروض
تتمثل فيما يمي4 1
.72-72 -1مجدؼ محمود شياب ،االقتصاد الدولي المعاصر )،مصر ،دار الجامعة الجديدة ،( 7002،ص ص
32
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
أن ىناك تشغيل كامل لمموارد ،وبالتالي فان تأثير التجارة الخارجية ينحصر في
اعادة تخصيص الموارد.
أن ىناك بمدين فقط يتم بينيما التبادل.
من رواد ىذه النظرية نجد المفكر االقتصادؼ " آدم سميث " يعتمد ىذا األخير في
تفسيره عمى وجوب وجود التبادل الدولي من أجل عدم إعادة تقسيم العمل ،حيث أن ىذا
األخير ناتج عن اتساع نطاق السوق وبالتالي يسمح لكل دولة ان تتخصص في انتاج السمع
التي تكون ليا ميزة مطمقة في انتاجيا وبالتالي تقوم بتبادل فائضيا االنتاجي الناتج عن
استيالكيا مع فائض انتاج دولة أخرػ ليا ميزة مطمقة ،باإلضافة إلى ذلك فإن زيادة إنتاج
العمل يسمح بزيادة وزن النمو لرأس المال ،والعامل الوحيد الذؼ يدخل في تحديد نفقات
االنتاج الالزمة إلنتاج السمعة ىو العمل ،وأن الربح لكل دولة متبادلة غير مرتبط بالحصول
عمى الفائض في االنتاج.1
يعرف "آدم سميث" ثروة األمة بقدرتيا عمى تراكم األرصدة الدولية و المعادن
لم ّ
النفيسة كما عرفيا التجاريين بل عرفيا بقدرتيا عمى إنتاج السمع و الخدمات ،وبالتالي يجب
عمييا أن تبحث عن السبل التي تمكنيا من زيادة القدرة اإلنتاجية ،وىذا ال يتم إال عن طريق
الحرية االقتصادية؛ وأن دور الدولة محدود يتمثل في الحفاظ عمى كفاءة عمل األسواق
-1صدر الدين جواليمي ،النمو والتجارة الدولية لمدول النامية ،أطروحة دكتوراه )غير منشورة( كمية العموم االقتصادية
والعموم التجارية وعموم التسيير ،جامعة الجزائر،( 7002-7002)،ص.33
33
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
بصورة تنافسية دون قيود احتكارية ،وأن تقسيم العمل يحقق أعمى إنتاجية في ظل المنافسة
الكاممة.1
حيث يشكل اختالف النفقات المطمقة عند" آدم سميث " أساسا لمتخصص وتقسيم
العمل الدولي ،ولذلك فيذا االختالف في رأيو ىو سبب قيام التجارة الدولية.
ولكن يؤخذ عمى ذلك أن نظرية "سميث" لم تفسر أسباب قيام التجارة الخارجية بين
الدول في حالة وجود ميزة مطمقة لمدولة في انتاج سمعتين في حين ال تتمتع الدولة األخرػ
بأؼ ميزة في انتاج أؼ من السمعتين ،ومن ناحية أخرػ ال يرػ" سميث " داعيا لمتفرقة بين
التجارة الداخمية والخارجية ،فالثانية تعد امتداد لألولى وكالىما وسيمة لمتخمص من االنتاج
الفائض.
وتطبيق مبدأ تقسيم العمل والتخصص ،وقد كان " ريكاردو" ىو من أوضح ىذا
الفراق فيما أسماه بقانون النفقات النسبية.
فإلى جانب االنتقادات السابقة الذكر التي وجيت إلى نظرية التكاليف المطمقة "آلدم
سميث" وبعد أن صارت ىذه النظرية ال تستطيع إيجاد تفسير لواقع بعض حاالت تبادل
الدولي مثل4
حالة تمتع دولة معينة بإنتاج سمعة بتفوق مطمق ،بالرغم من ذلك ال تتخصص في
إنتاجيا ومن تم في تصديرىا.
حالة قيام التجارة بين بمدين ،بالرغم من أن أحدىما ال يتمتع بتفوق مطمق في إنتاج
أؼ من السمعتين ،في حين يتمتع البمد الثاني بتفوق مطمق في إنتاج السمعتين.
34
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ففي ىذه الحالة ىل أن البمد الثاني سيقوم بالتخصص في إنتاج السمعتين وتصدير
الفائض إلى البمد اآلخر ،حيث يبقى البمد األول دون تخصص وبالتالي دون اشتراكو في
عممية التبادل الدولي؟
إن اإلجابة عن ىذه التساؤالت قد تصدػ ليا " د .ريكاردو" من خالل مساىمتو في
التحميل االقتصادؼ الذؼ يعتمد عمى أن األساس في ظاىرة التخصص الدولي ىو التفوق
النسبي في نفقات اإلنتاج ،وليس التفوق المطمق كما يرػ" آدم سميث".
وقد تم ذلك من خالل عرض نظريتو المعروفة " نظرية التكاليف النسبية " التي تعتبر
بمثابة العمود الفقرؼ لمنظرية الكالسيكية في التجارة الخارجية ،وىي ال زالت في العديد من
جوانبيا صحيحة ،وقادرة عمى تفسير جوانب ىامة من ظواىر التبادل الدولي في الوقت
الراىن. 1
نشر" ريكاردو" كتابو مبادغ في االقتصاد السياسي عام 2222وقد بين فيو قانون
" النفقات النسبية "والذؼ يعد من أىم القوانين االقتصادية ،ويطمق عمى نظرية النفقات النسبية
أيضا نظرية المنافع المقارنة أو المزايا النسبية . 2وطبقا ليذه النظرية وفي ظل التجارة الحرة
فان كل دولة تتخصص في انتاج السمع التي تنتجيا بنفقات نسبية أقل من الدول األخرػ ،
وتقوم بتصديرىا لكي تستورد السمع التي تتمتع دول أخرػ في الخارج بإنتاجيا بنفقات نسبية
أقل ،ويتم التبادل الدولي بين الدولتين اذا اختمفت التكاليف النسبية األكثر عمومية وشمولية
فالشرط الضرورؼ والكافي لقيام تبادل تجارؼ بين دولتين تنتجان مجموعة من السمع ذاتيا
ىو أن تختمف النفقات النسبية إلنتاج ىذه السمع من دولة الى أخرػ.
35
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
رغم دفاع نظرية" الميزة النسبية "عن التخصص الدولي وحرية التجارة إال أنيا لم تسمم
من النقد فالنظرية مبسطة أكثر مما يجب حيث تبدو غريبة عن الواقع ،فيي تغفل امكانية
انتقال عناصر االنتاج بين الدول وأنيا تنتقل وبخاصية رأس المال ،وىي اذ نفترض ثبات
النفقة تغفل المدػ الذؼ تنخفض اليو بفضل االنتاج الكبير ،وتغفل نظرية نفقة التنقل
وتفترض كذلك استغالل جميع الموارد رغم أن دورة التجارة الخارجية يجب أن يؤدؼ إلى
تحقيق ىذا التشغيل الكامل يضاف إلى ذلك أن ىذه النظرية تقوم أساسا عمى نظرية العمل
في القيمة والتي تبين قصورىا عن مطابقة الواقع.
ويجب االشارة الى أن القصور الرئيسي ليذه النظرية انو يكمن في الطابع السكوني
الذؼ تتميز بو ،فما يكون ميزة نسبية اليوم قد ال يكون كذلك في المستقبل.1
وأن ىذه النظرية لم تعالج كيفية تحديد معدل التبادل الدولي ويرجع الفضل في ذلك إلى
"جون ستيوارت ميل " الذؼ كان لو السبق في سد ىذا النقص.
إن عجز " نظرية النفقات النسبية " في بيان الكيفية التي يتحدد بيا معدل التبادل
الدولي الفعمي ،حيث اقتصرت عمى مجال تحدده قيمة تمثل الحد األدنى وأخرػ تمثل الحد
األقصى وأن قيمة معدل التبادل الدولي يتراوح بينيما ،وبالتالي لم تستطع أن تحدد مقدار
الكسب الذؼ يحصل عميو كل طرف من طرفي التبادل الدولي ،لذلك جاءت نظرية" جون
ستيوارت ميل " لتبرز فكرة الميزة النسبية عوض التكاليف النسبية ،فبينما يرػ" ريكاردو" أن
النفقة النسبية ىو تثبيت كمية اإلنتاج إلبراز الفروق في نفقات اإلنتاج ،يرػ" جون ستيوارت
36
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ميل " يفرق بين حالة التبادل الداخمي وحالة التبادل الدولي حيث يرػ أن معدل التبادل
الداخمي يتحدد وفقا لنفقات اإلنتاج النسبية في الداخل ،وىذا ال ينطبق عمى التبادل الدولي.
لذلك يعتمد في إطار تحميمو لحالة التبادل الدولي تثبيت النفقة والتي ىي وفق نظرية العمل
في القيمة ليبرز الفرق في اإلنتاج ومن ثم الفروق في اإلنتاجية حيث يرفض افتراض أن
إنتاجية العمل واحدة في كل من الطرفين المتبادلين ليحل محمو اختالف إنتاجية العمل من
دولة إلى أخرػ.
وعميو فقد اعتمدت" نظرية القيم الدولية " عمى اختالف الكفاءة النسبية لمعمل لتفسير
التجارة الخارجية ،وتعتبر أن معدل التبادل الدولي وشروطو ىو الذؼ عمى أساسو يتم توزيع
الكسب بين أطراف التجارة الدولية.
إن تحميل" نظرية القيم الدولية " وقصد صياغتيا ،فقد تم اإلعتماد عمى اشتقاق
منحن يي الطمب المتبادل من منحنيي اإلنفاق الكمي ،ومن ثم تمثيميا بيانيا قصد تحديد معدل
التبادل والذؼ بموجبو يتبين مقدار الكسب من التجارة الخارجية بالنسبة لطرفي التبادل
الدولي ،ومن ثم يمكن اعتبار أن" نظرية القيم الدولية " ىي امتداد" لنظرية التكاليف
النسبية " وبذلك تكون عناصر النظرية الكالسيكية قد اكتممت.
قام " جون ستيوارت ميل" بصقل وادخال بعض التعديالت عمى" نظرية ريكاردو"
في النفقات النسبية والتي أغفمت االجابة عمى سؤال ىام بخصوص تحديد معدل التبادل
الدولي والذؼ يتم عن أساسو تبادل السمع في التجارة الدولية ،وأغفمت " نظرية ريكاردو"
أيضا القيود التي تمعب دوار ىاما في تحديد معدل التبادل الدولي وتقسم مكاسب التجارة بين
البمدين المتاجرين ،وقد أبرز ميل أىمية قوة طمب الدولة عمى السمع التي تنتجيا الدولة
األخرػ ومرونة ىذا الطمب في تحديد معدل التبادل الدولي.
37
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
تتحدد فنسب التبادل الفعمية أو شروط التبادل الدولي >> طبقا ليذه النظرية <<
طبقا لقوة ومرونة طمب كل دولة عمى منتجات الدولة األخرػ ،أو بتعبير متكافئ عمى الطمب
المتبادل ،1ويضيف" ميل " أن معدل التبادل الدولي يتحدد بحدين الحد األول ىو معدل
التبادل المحمي بين السمعتين المنتجتين في الدولة األولى ،والحد الثاني ىو معدل التبادل
المحمي بين السمعتين المنتجتين في الدولة الثانية ،ويبين" ميل" أن من بين معدالت التبادل
الدولي التي تقع بين الحدين المذكورين معدال خاصا يحقق التعادل بين قيمة صادرات
وواردات البمد الواحد ،ولما كانت صادرات ىذا البمد ىي واردات البمد األخر ،وواردات ىذا
البمد ىي صادرات البمد األخر ،فان معدل التبادل الدولي التوازني يحقق التوازن التجارؼ بين
قيمة الصادرات والواردات في البمد اآلخر ،وأن أؼ معدل آخر يؤدؼ الى اختالل في الميزان
التجارؼ وظيور الفائض أو العجز في أحد البمدين ،وقد أوضح " جون ستيوارت ميل " أن
جميع معدالت التبادل الدولي الواقعة بين معدلي التبادل المحمي تؤدؼ الى مكاسب تجارية
لكل من البمدين ،وبصفة عامة فانو كمما اقترب معدل التبادل الدولي كثي ار من معدل التبادل
المحمي لدولة ما فان نصيب ىذه الدولة يكون ضئيال من المكاسب التجارية والعكس
صحيح.
رغم معالجة ىذه النظرية لكيفية تحديد معدالت التبادل إال أنيا ابتعدت عن الواقع
حين افترضت تكافؤ أطراف المبادلة ،فاذا ما كان التبادل الدولي يتم بين الدول غير متكافئة
فمن المحتمل أن ال يكون لمطمب المتبادل أؼ دور يذكر في تحديد نسبة التبادل الدولي،
حيث في وسع الدول الكبرػ أن تممي شروطيا ،كما أن شرط التكافؤ بين قيم صادرات
وواردات كل من الدولتين لتحقيق استقرار معدل التبادل الدولي يعد قيدا عمى تمك النظرية،
- 1سامي عفيفي حاتم ،االتجاىات الحديثة فب االقتصاد الدولي والتجارة الدولية ،الكتاب االول) ،مصر ،الدار المصرية
المبنانية (7002،ص ص .222 – 220
38
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
فما الحل عندما يكون التبادل في اتجاه واحد فقط ،باإلضافة إلى أن التفرقة بين العوامل التي
تحدد أثمانيا والمتمثمة في جانب الطمب تفرقة غير صحيحة ،فمن نظام التوازن الشامل
نعرف أن كال من العرض والطمب يحددان معا وفي نفس الوقت الكميات المباعة واألثمان
السائدة والصحيح ىو أن العوامل مجتمعة تحدد السمع الداخمة في التجارة الدولية ومعدالت
التبادل ليا.1
استمرت" النظرية التقميدية " في تفسير التجارة الخارجية ،الى غاية الحرب العالمية
األولى ،اال أن مرحمة االولى لمنظرية النيوكالسيكية ماىي اال اعادة صياغة" نظرية
النفقات النسبية" ،وذلك بإدخال المنفعة في تفسير التجارة الخارجية ،والتخمي عن النفقة
المحددة عمى أساس العمل ،أما المرحمة الثانية تتمثل في اعطاء أسباب وجود التجارة ،عن
طريق عوامل االنتاج وأسباب وجود االختالف في األسعار النسبية ،واألجور وفي ىذا الصدد
قامت " النظرية السويدية " بتقديم ىذا التفسير بواسطة الكاتبين الشييرين "ىيكشر" و"بريل
أولين"
في عام 2323قام االقتصادؼ السويدؼ" ىيكشر " بنشر مقالو تحت عنوان " اثر
التجارة الخارجية في توزيع الدخل" وقد تضمنت ىذه المقالة الخطوط الرئيسية لمنظرية
الحديثة في التجارة الدولية ،ولقد ربط " ىكشر " في مقالو بين نظرية" ريكاردو" وتفسيره
ألسباب اختالف المزايا النسبية بين الدول المجاورة ،ثم قام من بعده تمميذه" أولين " بتنقيح
39
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ما كتبو أستاذه ،ونشر كتابو المشيور عام 2333تحت عنوان " التبادل االقميمي والتجارة
الدولية " .1
وقد وجو" أولين " انتقاداتو الى نظرية" ريكاردو" والعتمادىا عمى نظرية العمل في
قياس القيمة ولكن انتقاداتو لم تتعرض الى جوىر نظرية" ريكاردو" وىذا ما يجعل نظرية
" ىكشر" و" أولين" نظرية مكممة وليست بديمة لنظرية " النفقات النسبية" ،حيث جاءت
لمنفقات النسبية " بدال من االكتفاء بالصياغة كمحاولة لتعميق التحميل الكالسيكي"
المبسطة ،وقبل أن نتناول ىذه الطريقة بالشرح والتحميل نستعرض أىم الفروض التي تقوم
عمييا.
ال يمتزم " ىكشر" و" أولين" والمحدثون بفرضية التقميديين والمتمثل في أن قيمة
السمعة تتحدد بكمية العمل المبذولة في انتاجيا ،لذلك سنسقط ىذا الفرض من قائمة فروض
التقميديين ،ويضيف " ىكشر" و" أولين" الفروض الباقية كما يمي 42
3:
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ترجع ىذه النظرية والتي جاء بيا كل من" ىكشر" و" أولين" سبب قيام التجارة
الخارجية ،الى التفاوت في ما بين الدول ومدػ وفرة عناصر االنتاج المختمفة في كل منيا،
فبعض الدول تمتاز بوفرة عنصر العمل وبعضيا غنية بعنصر األرض ،ىذا التفاوت يؤدؼ
إلى اختالف في أثمان عناصر االنتاج وبالتالي في أثمان المنتجات نظ ار لتفاوت السمع فيما
تحتاجو من شتى العناصر.1االمر الذؼ يمكن الدولة من استيراد السمع من الخارج بنفقة
انتاج أقل مما لو أنو تم انتاجيا محميا ،وتصدير السمع التي تمتمك وفرة في عنصر االنتاج
الداخل في انتاجيا ،ويرػ" أولين" أن أسعار المنتجات في النياية تتحدد بالطمب عمييا
والمعروض منيا أؼ يعتمد عمى العوامل األربعة التالية42
وطبقا لمفروض األساسية لمنظرية فانو يتبين لنا أن دوال االنتاج لسمعة ما متشابية
في كل دول العالم ،وأن ىيكل الدخل القومي ثابت ،وأن أذواق والتفضيالت لممستيمكين
متماثمة بين جميع الدول ،وبالتالي مصدر اختالف الميزة النسبية ىو عامل الوفرة النسبية
;3
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
لكميات عناصر االنتاج ،وبذلك فان نموذج " ىكشر" و" أولين" يعتمد عمى تفسير أسباب
قيام التجارة الخارجية عمى العوامل المتعمقة بجانب العرض دون العوامل المتعمقة بجانب
الطمب.
ووفقا ليذه النظرية فان سبب االختالفات النسبية ألثمان السمع المتبادلة ال يعود الى
عامل الوفرة أو الندرة لعناصر االنتاج فقط وانما يعود أيضا الى االختالف في دوال االنتاج
من سمعة الى أخرػ والذؼ يرجع بدوره الى المعامالت الفنية التي تحكم المزج بين عناصر
من اجل الحصول عمى تنمية الناتج بأكفأ طريقة ممكنة
و" أولين " لنسب ىكشر" يحتوؼ المنطق االفتراضي النظرؼ الثاني لنموذج"
عناصر االنتاج عمى أن الحركة غير المقيدة لمسمع تنعكس عمى أسعار عناصر االنتاج.
حيث تقوم ىذه النظرية عمى أن كل بمد سيتخصص في انتاج السمع الكثيفة في
استخدام عنصر االنتاج األكثر وفرة والذؼ يكون ثمنو مرتفعا ،وبقيام التجارة الخارجية فإن
الطمب عمى عنصر االنتاج األكثر وفرة يزيد ،بينما ينخفض الطمب عمى العنصر األقل
وفرة ،ويترتب عمى ذلك اتجاه ثمن العنصر الوفير الى االرتفاع ،واتجاه ثمن العنصر النادر
الى االنخفاض ،وبالتالي فيناك اتجاه نحو التعادل الجزئي عمى األقل بين عناصر االنتاج
المتفاوتة.
وكنتيجة لما توصمت إليو ىذه النظرية فإن " أولين" يعتبر أن حرية تبادل السمع
والخدمات تعد عامال معوضا عن الفرض الكالسيكي القائل بعدم قدرة عناصر االنتاج عمى
التنقل بين بالد العالم المختمفة .ويسجل " أولين" في ىذا المقام رأيو في أن قدرة عناصر
االنتاج عمى التنقل بين دول العالم المختمفة تعتبر شرطا ضروريا لحدوث التعادل التام بين
أسعار عناصر االنتاج ،ولما كان ىذا الشرط يتعارض مع الفروض األساسية لمنموذج فإنو
42
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
يمكن القول بأن نموذج " ىكشر" و" أولين" ال يسمم إال بإمكانية حدوث التعادل الجزئي بين
أسعار عناصر االنتاج.1
منذ صياغة نظرية " ىكشر" و" أولين" ظيرت عدة محاوالت الختبار صحتيا ،ومن
أبرز تمك المحاوالت االختبار الذؼ قام بو فاسيمي ليونتيف wassily leontiefعام 2322
من خالل دراستو لألساس الييكمي لمتجارة بين الواليات المتحدة األمريكية وبقية العالم ،حيث
استخدم فيو اسموبا جديدا في التحميل االقتصادؼ عرف باسم " جدول المدخالت
والمخرجات ".2
لقد استيل " ليونتيف" دراساتو التطبيقية مؤكدا عمى االقتناع والتوصيات التي انتيت
الييا الدراسة التحميمية لمنموذج " ىكشر" و" أولين" ،ولما كانت ىذه الدراسات التطبيقية
" ليونتيف" تركز عمى الواليات المتحدة األمريكية والتي كانت أكثر الدول وفرة لعنصر أٍرس
المال ،فمقد توقع " ليونتيف" وغيره من االقتصاديين المؤيدين لنموذج " ىكشر" و" أولين"
أن تقوم الواليات المتحدة األمريكية بإنتاج وتصدير السمع كثيفة رأس المال واستيراد السمع
كثيفة العمل ،غير أن األمر كان خالفا لذلك الكتشاف " ليونتيف" أن الصادرات لمواليات
المتحدة األمريكية تتكون أساسا من سمع كثيفة العمل ،وأن وارداتيا تتكون أساسا من سمع
كثيفة رأس المال ،وىي نتائج مخالفة لما جاءت بو نظرية " ىكشر" و" أولين" في" نسب
عناصر االنتاج".
ويستنتج " ليونتيف" من ذلك أن الرأؼ القائل بأن اقتصاد الواليات المتحدة األمريكية
يتميز بفائض نسبي في رأس المال ونقص نسبي في العمل أنو خاطئ وفي الحقيقة فان
43
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
العكس صحيح ،وىو بذلك يستخدم نظرية لمحكم عمى الواقع وال يستخدم الواقع لمحكم عمى
النظرية وىذا المبدأ معكوس في مجال الحكم عمى صحة النظرية العممية.1
لقد أثارت ىذه النتائج كثير من المناقشات األكاديمية لحل ىذا لمغز ،وفي نفس الوقت
أثارت العديد من األفكار الجديدة التي ساىمت في تطورىا وجعميا أكثر مالئمة لمواقع
االقتصادؼ لعالم اليوم.
الشك أن نظرية " ىكشر" و" أولين" قد سارت باألدب االقتصادؼ في مجال التجارة
الخارجية خطوة أبعد من النظرية التقميدية من خالل مجيوداتيا المتمثمة في البحث عن
أسباب اختالف النفقات النسبية ،إال أنيا تعرضت لمعديد من االنتقادات تتمثل أىميا فيما
يمي42
أن النظرية تعتمد عمى االختالف الكمي لعناصر االنتاج أؼ عمى درجة الوفرة أو
الندرة ليذه العناصر المقفمة بذلك الفروق النوعية لعناصر االنتاج.
اشتركت نظرية " ىكشر" و" أولين" مع نظرية " ريكاردو" في إىماليا االنتقال
عناصر االنتاج الدولية ،فمن غير الممكن تجاىل أثر حركتي عنصر العمل ورأس
المال دوليا ،عمى نشاط االقتصادؼ عامة والتبادل الخارجي خاصة.
تنص النظرية عمى ضرورة تماثل دالة االنتاج الواحدة بين الدول إال أن ىذا االفتراض
ال يتفق مع الواقع رغم إق ارراىا بإمكانية تغيير أسموب إنتاج السمعة الواحدة لكن في
حدود ضيقة.
تتميز نظرية " ىكشر" و" أولين" بالطابع السكوني غير أن األصل في الواقع ىو
التطور الذؼ يتم بشكل ديناميكي ،فقد نص في مرحمة معينة وضع بأنو يحقق ميزة
-1مجدؼ محمود شياب ،االقتصاد الدولي المعاصر ،مرجع سبق ذكره ،ص .22
-2دمحم عبد العزيز عجمية ،مدحت دمحم العقاد ،النقود والبنوك والعالقات االقتصادية الدولية)،مصر ،دار النيضة العربية ،
ب ت ( ،ص .732
44
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
نسبية ،لكن استمرار ىذا الوضع أمر غير متصور واقعيا ،فتغير الميزة النسبية أمر لم
تستطع نظرية " نسب عناصر االنتاج" إيجاد إجابة لو.
عمى الرغم من المحاوالت التي قامت بيا النظريات التي تعرضنا إلييا في تفسير
التجارة الخارجية ،اال أن الواقع مخالف لما توصمت إليو ىذه النظريات ،حيث أن جانبا كبي ار
من التجارة الخارجية يتم بين الدول الصناعية والتي تتميز بتشابو ظروفيا ،باإلضافة إلى أن
نسبة كبيرة منيا تتمثل في تصدير واستيراد المنتجات المتشابية ،وفي ىذا االطار فانو قد
ظيرت عدة محاوالت من أجل تقديم تفسير أكثر مالءمة لمتجارة الخارجية فقد اتخذت ىذه
المحاوالت اتجاىين رئيسين ،األول ييدف إلى ىدم نموذج " ىكشر" و" أولين" ،وايجاد
نموذج أكثر قبوال وعمومية لتفسير األوضاع القائمة ،أما االتجاه الثاني فيرػ ضرورة تطوير
نظرية" المزايا النسبية" و" نسب عوامل االنتاج " حتى يمكنيا من معالجة ما ظير من
مشكالت ،وفيما يمي نستعرض أىم المحاوالت التي جاءت في االتجاىين معا.
ويضم كال من منيج قابمية كثافة دوال االنتاج لإلنعاش و ىيكل الحماية التجارية ،نظرية
ليندر4
ويتمثل جوىر ىذه النظرية في رفض الفرض الذؼ تستند عميو نظرية" ىكشر" و
" أولين" في تحميميا والمتمثل في استبعادىا إلمكانية حدوث انعكاس لكثافة عناصر االنتاج
وفي ىذا الصدد فقد قام االقتصادؼ " منياس " minhasعام 2327اول تحميل مترابط
لظاىرة انعكاس كثافة عناصر االنتاج ولكي يبرىن عمى ذلك قام بتقدير ما أطمق عميو إسم
45
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
المرونات الثابتة لدوال االنتاج االحاللية مجموعة من الصناعات شممت إحدػ وعشرون
صناعة من مختمف الدول ،ودلت النتائج التي توصل الييا ىذا االقتصادؼ إال أن اختالف
مرونات االحالل بين الصناعات المختمفة تؤدؼ الى حدوث ظاىرة انعكاس كثافة عناصر
االنتاج عند مستويات مختمفة لألسعار النسبية ليذه العناصر ،ووفقا ليذا التحميل فانو من
الصعب ايجاد نمط واضح ومحدد ودائم لمتجارة الخارجية ألؼ دولة من الدول المشتركة في
التبادل الدولي ،وعمى كل حال ،فان" ليونتيف " و" بول " ballفقد أثبتا أن النتائج التي
أظيرىا "منحاس" كانت متحيزة ،وأن انعكاس الكثافة نادر الحدوث ،وعميو يجب األخذ
بنظرية " ىكشر" و" أولين" .1حيث توصل بول أنو بابتعاد ثالث قطاعات من بين اإلحدػ
والعشرين التي اختارىا " منحاس" ،فان معامل االرتباط بين الصناعات المتبقية يبقى ذا
أىمية وداللة كبيرة في كل من اليابان والواليات المتحدة االمريكية.
يعتمد ىذا المنيج في تحميمو لنمط التجارة الخارجية بين الدول بإدخال األثار الممكنة
لييكل الحماية التجارية القائم بعين االعتبار والمتمثل في وجود عقبات جمركية وغير
جمركية ،حيث حاول االقتصادؼ" تريز " traisبتفسير لغز " ليونتيف" باإلشارة الى أن
الرسوم الجمركية ليا تأثير ىام عمى التجارة الخارجية في الواليات المتحدة األمريكية ،ويرجع
ذلك إلى ما تخضع إليو الواردات األمريكية من السمع كثيفة العمل من حماية جمركية وغير
جمركية من أجل حماية الصناعات االمريكية الوطنية و المعتمدة عمى عنصر العمل ،وفي
الوقت ذاتو فان الواردات األمريكية كثيفة رأس المال ال تخضع ألؼ من ىذه القيود
الحمائية ،2ىذا ما يفسر تميز الصادرات األمريكية بالسمع كثيفة العمل ووارداتيا بالسمع كثيفة
رأس المال.
-1عمي عبد الفتاح ابو شرار ،مرجع سبق ذكره ،ص .222
-2سامي عفيفي حاتم ،االتجاىات الحديثة في االقتصاد الدولي والتجارة الدولية ،مرجع سبق ذكره ،ص.702
46
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
-3نظرية" ليندر"
يفرق" ليندر" في تفسيره لقيام التجارة الخارجية بين نوعين من السمع ،النوع األول
ىو السمع األولية والتي يرػ أن تبادليا يتم وفقا من ميزة النسبية وأن الميزة النسبية تتحدد
بنسب عناصر االنتاج ،وىو نفس تفسير " ىكشر" و" أولين" ،أما النوع الثاني والمتمثل
في السمع الصناعية فان تبادليا يستند إلى شرط ضرورؼ يتمثل في وجود طمب داخمي
عمى ىذه السمع ،إذ لكي يصبح في مقدور أؼ بمد أن يصدر سمعة معينة إلى الخارج ،ال بد
أن يكون ىناك طمب محمي عمى ىذه السمعة وال بد أن يكون انتاجيا منيا عمى األقل في
المراحل األولى موجيا ليذا الطمب المحمي ،ومن المسمم أن الطمب يتوقف باإلضافة إلى
عوامل أخرػ عمى الثمن ولذلك فالمقصود ىو وجود طمب محمي عمى السمع األثمان
السائدة في السوق الدولية ليذه السمع.
تعتبر كثافة التجارة في مفيوم" ليندر" كمقياس لحجم التجارة بين الدول ،حيث يمكن
القول أنو كمما تشابو ىيكل الطمب في بمدين كانت التجارة المحتممة بين ىذه البمدين أكثر
كثافة ،أما عن محددات الييكل الطمب في البالد المختمفة فيرجعو" ليندر" إلى مجموعة من
العوامل اىميا الدخل المتوسط ،فيو يرػ أنو كمما ارتفع متوسط الدخل في بمد ما أدػ ذلك
إلى تحول الطمب إلى سمع معقدة التركيب ،وعمى ذك فان التجارة المحتممة تكون أكثر كثافة
بين الدول التي يتقارب مستوػ الدخل المتوسط فييا ،فتشابو ىياكل الطمب الداخمية في الدول
المنتمية الى اقميم اقتصادؼ معني كنتيجة لتشابو مستويات الدخول الفردية ليذه الدول
ينعكس في صورة ارتفاع كثافة التجارة الخارجية بين الدول ،وىذا ما ينطبق عمى الدول
المتقدمة.
أما فيما يخص أثر قيام التبادل الدولي فان " ليندر" يفرق بين نوعين من الدول،
فيناك دول تتميز اقتصادياتيا بدرجة عالية من القدرة عمى اعادة تخصيص الموارد استجابة
47
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ألؼ تغيير في ىيكل األثمان وفرص التجارة وىي الدول المتقدمة والذؼ يكون التبادل مفيدا
ليا ،وىناك دول أخرػ تكون اقتصادياتيا عمى درجة عالية من الجمود وعدم القدرة عمى
اعادة تخصيص الموارد والذؼ يكون التبادل بالنسبة ليا ضرره أكبر من نفعو ،ومن ىنا فانو
من العسير اصدار حكم قاطع حول األثر الصافي لمتجارة الدولية عمى مختمف دول العالم.
ويضم كال من نظرية نسب عناصر االنتاج الجديدة و نظرية " اقتصاديات الحجم" و
نظرية " الفجوة التكنولوجية" ،نظرية "دورة حياة المنتوج 4
-1نظرية نسب عناصر االنتاج الجديدة
والتي تعرف ايضا بنظرية " رأس المال البشرؼ" ،والمبدأ األساسي ليذه النظرية
يتمثل في رفض الفرض الكالسيكي المتعمق بتجانس عنصر العمل ،ويحل محمو فرض
انقسام ىذا العنصر ومن ىنا يمكن القول أن ىذه النظرية تفرق بين العمل الماىر والعمل
غير الماىر ،وعميو فإن نموذج التحميل الذؼ تقترحو ىذه النظرية يتكون من ثالث عناصر
انتاجية ىي 4ال عمل الماىر ،والعمل غير الماىر ،وراس المال المادؼ ،وطبقا ليذه النظرية
تنقسم الى سمع ودول كثيفة األيدؼ العاممة الماىرة في جانب ،وسمع ودول نادرة األيدؼ
العاممة الماىرة في جانب آخر ،وىذه الطريقة أمكن ليذه النظرية أن تقدم حال لمغز
" ليونتيف" تتميز الواليات المتحدة االمريكية تكون صادراتيا كثيفة العمل يرجع الى ما
تحظى بو ىذه الدول من وفرة نسبية في عنصر رأس المال البشرؼ.1
وىي النظرية التي تحاول تغيير طبيعة التحميل االقتصادؼ من خالل ادخال عنصر
الزمن في التحميل ادخاال صريحا ،ويتحقق ذلك من خالل اسقاط الفرض الكالسيكي القائم
عمى ان ظروف االنتاج تخضع في تحميميا لقانون الغمة أو النفقة الثانية ،واحالل محمو
48
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
قانون تناقص الغمة والذؼ يحدث أثره كمما زادت كمية أحد العناصر بالنسبة لكمية العنصر
األخر ،وذلك بصرف النظر ع ن طبيعة العنصرين وفي ضوء ىذا التحميل فانو يمكن النظر
الى مزايا االنتاج الكبير والتي تعرف ايضا بوفرة االنتاج الكبير عمى انيا تشكل أحد
المصادر المكتسبة الختالف النفقات النسبية ،وبالتالي قيام التجارة الخارجية.1
فيذه النظرية تعتبر توافر سوق داخمي ضخم شرطا أساسيا لتصدير تمك السمع ،التي
يتم انتاجيا في ظل شروط اقتصاديات الحجم المتصمة في زيادة العائد مع زيادة االنتاج.
تعتمد نظرية " الفجوة التكنولوجية " ،في تفسيرىا لييكل التجارة الخارجية بين الدول،
عمى امكانية حيازة احدػ الدول عمى طرق فنية متقدمة لإلنتاج تمكنيا من انتاج سمع جديدة
او منتجات ذات جودة أفضل أو منتجات بنفقات أقل ،األمر الذؼ يؤىل الدول الى اكتساب
مزايا نسبية مستقمة عن غيرىا من الدول وتؤدؼ بذلك الى قيام التجارة الخارجية من خالل4
أ -زيادة الكفاءة النسبية ألحدػ الدول في انتاج السمع التي تنتج في جميع الدول أطراف
التبادل الدولي ،وبالتالي اكتساب ىذه الدولة لميزة نسبية دون غيرىا من الدول.
دخول إحدػ الدول بمنتجات جديدة ذات مستويات تكنولوجية متقدمة الى االسواق ب-
الدولية في الوقت الذؼ ال تستطيع الدول األخرػ انتاجيا داخميا بسبب الضعف
التكنولوجي.
وقد أطمق االقتصادؼ " بوسنر " اسم تجارة الفجوة التكنولوجية عمى النموذج الذؼ
أسسو " نموذج الفجوة التكنولوجية " مكن تحديدىا بيانيا كالتالي42
49
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
انتاج وتصدير
انتاج وتصدير
المصدر :سامي عفيفي حاتم ،االتجاهات الحديثة في االقتصاد الدولي والتجارة الدولية،
مرجع سبق ذكره ،ص.242
تنشأ " دورة حياة المنتوج " من اختالل وضعين متوازيين يتخمميما حدوث ضاىرة
تخصص دولة معينة في انتاج سمعة معينة ،ال يفسر قيام التجارة الخارجية فييا عمى اساس
4:
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
اختالف المزايا النسبية الطبيعية ويحدث ذلك في الدول األكثر تقدما ويراىا " قرنون" تمر
بثالث مراحل 4
وبمرور المنتوج من مرحمة االختراع الى مرحمة التنميط ،فان معدل الطمب عمى ىذا
المنتوج سوف يتعرض صعودا أو ىبوطا ففي المرحمة االولى ،نجد أن معدل الطمب ىذا
يتميز بالبطء ليأخذ في االرتفاع خالل مرحمة النضج ثم يعود مرة أخرػ الى اليبوط عندما
يصبح المنتوج نمطيا ،كما يصاحب ىذه المراحل المختمفة لنمو الطمب تغيرات مناظرة في
االىمية النسبية لعناصر االنتاج المختمفة المتمثمة في االرض ،العمل الماىر ،العمل غير
الماىر ،راس المال المادؼ التكنولوجي وىي تغيرات من شأنيا تنعكس عمى مستوػ االنتاج
وىيكل التجارة الخارجية.1
;4
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
منذ القديم شيدة السياسة التجارية تغييرات وتطورات كبيرة من الحرية الى الحماية او
العكس ,وىذا التغيير مرتبط اساسا بما يمد بو االقتصاد الدولي من رواج او كساد.
وبالتالي تتعرض التجارة الدولية في مختمف بمدان العالم سواء المتقدمة او النامية،
التشريعات والموائح الرسمية من جانب الدولة التي تعمل عمى تنفيذىا بدرجة اؼ تحريرىا من
القيود الجمركية وغير الجمركية .
ان استقراء تاريخ الفكر االقتصادؼ المعاصر في مجال السياسات التجارية الدولية
يشير الى ان ىناك نوعين من ىذه السياسات التي تأخذ بيا الدول المختمفة .
ففي المراحل االولى لتطور المجتمعات ,كانت المبادالت الدولية تتسم بطابع الحرية
المطمقة بمعنى لم تعرف آنذاك قيود تعترض حركة السمع ,الى ان جاءت المدرسة التجارية
التي سادت في القرنين السادس عشر والسابع عشر ,لتضع القيود الحمائية في وجو التجارة
الدولية .
أخدت ىذا الفكر في االصطالح التدريجي مع مطمع القرن الثامن بدافع الظروف
االقتصادية التي سادت تمك الفترة اال انو لم يختفي ,بحيث تحول مع الزمن الى سياسة
تجارية تطبق كأسموب من قبل الدولة ،ألسباب عديدة من بينيا حماية الصناعات الناشئة .
فعرفت المرحمة الجديدة ،فكر مغاير تماما لألول ،والذؼ وضع حولو آلدم سميث
حيث كان يدعو لمحرية االقتصادية بمعنى "دعو يعمل اتركو يمر" الفمسفة التي قادت ىذا
الفكر لموصول الى مفيوم جديد الذؼ يرفع جميع القيود الحمائية امام حركة السمع بين الدول
المختمفة .
52
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ظير من ذلك الحين في مناخ السياسات التجارية الدولية تقيم ثنائي ،اولو سياسة
حماية التجارة ،والثاني سياسة حرية التجارة ،فمن الدول التي تؤيد حرية التجارة ومنيم من
يعارضيا محبذة حمايتيا ،وفق المحافظة عمى مصالحيا االقتصادية ،اال انو مع قيام
المنظمة العالمية لمتجارة ،ترسخت سيادة سياسة حرية التجارة الدولية مرة اخرػ .
يمكن تعريف السياسة التجارية في اؼ دولة عمى انيا " 4مجموعة القواعد واالساليب
واالدوات واالجراءات والتدابير التي تقوم بيا الدولة في مجال التجارة الدولية لتعظيم العائد
من التعامل مع باقي دول العالم وفي اطار تحقيق االىداف االقتصادية االخرػ لممجتمع
خالل فترة زمنية معينة"1
ولعل من الضرورؼ توضيح النموذج الواقعي لمسياسة التجارية الدولية التي تطبق
اليوم فيي عبارة عن مزيج لمسياسة التجارية الدولية التي تطبق اليوم فيي عبارة عن مزيج
لسياسة الحرية و الحمائية التجارية ،بحيث انا المنظمة العالمية لمتجارة رخصت لمدول حق
الحماية من سياسة االغراق من جية وحماية الصناعات الناشئة من جية اخرػ .
وبالتالي ال يوجد صورة مطمقة لحماية التجارة الدولية او سياسة حرية التجارة الدولية
-1عبد المطمب عبد الحميد ،السياسات االقتصادية)تحميل كمي(،الجزء الثاني) ،القاىرة ،مجموعة النيل العربية،(7007،
ص.272
53
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
تسعى السياسة التجارية الدولية الى البحث عن تعظيم الفائدة من التعامل مع باقي
دول العالم مع تحقيق التوازن الخارجي ،وباإلضافة الى ذلك ىناك اىداف اخرػ نذكر من
بينيا41
تقسم السياسات التجارية الدولية من طرف االقتصاديين الى نوعين رئيسيين وىما4
54
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
سياسة حماية (تقييد ) التجارة ،وىذا بحسب اختالف النظم االقتصادية .
يقصد بحماية التجارة الدولية ،تقييد التجارة مع الخارج من خالل تدخل السمطات
العامة في الدولة في كل او بعض المؤثرات التي تتدخل لتسيير المبادالت الخارجية وفقا لما
تفرضو المصمحة العميا ليا.
وفي ىذا اإلطار يمكن تعريف سياسة حماية التجارة الدولية بانيا عبارة عن" مجموعة
من القواعد واالجراءات والتدابير التي تقع تضع قيودا مباشرة او غير مباشرة كمية او غير
كمية ،تعريفية او غير تعريفية عمى تدفق التجارة الدولية عبر حدود الدولة ،لتحقيق اىداف
اقتصادية معينة.1
فمقد نادػ الكثير من االقتصاديين بتقييد التجارة الخارجة وضرورة حمايتيا باستخدام
الدولة لسياستيا التجارية لمتأثير عمى اتجاه المبادالت مع الخارج ،وعمى حجميا ومن اىم
الحجج التي جاء بيا انصار ىذه السياسة تنقسم عادة الى حجج اقتصادية وغير اقتصادية.
الحجج غير االقتصادية وىي الخوف من الحرب و حماية النظام الز ارعي و المحافظة
عمى الطابع الوطني .
الحجج االقتصادية وتتمثل في حماية الصناعات الوليدة واستقطاب رؤوس االموال
االجنبية الى داخل الوطن و تنويع االنتاج وتحقيق االستقرار االقتصادؼ ،معالجة
البطالة وتحسين مستوػ العمالة ،زيادة الضرائب الجمركية .
ان معظم الحجج المقدمة من قبل انصار الحماية غبر مقنعة الى حد كبير ،اال ان
الحجة الخاصة بحماية الصناعات الناشئة من المنافسة الدولية ،تبقى من الحجج التي
-1المرجع نفسو،ص.232
55
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ليا وزنيا االقتصادؼ ودلك لعدم نضجيا والصمود امام صناعات اجنبية استكممت قدرتيا
عمى المنافسة فيتحقق من خال ل حمايتيا ،المحافظة عمى النسيج الصناعي الوليد في
الدولة.
ولعمو من المالحع كذلك أن مجمل ىذه القيود المختمفة المفروضة عمى التجارة
الدولية ،بدأت مجمل الدول المستعممة ليا في التخفيف منيا والتحول تدريجيا الى رفع جميع
العراقيل عنيا ،وبالتالي تحرير التجارة الخارجية ،وفق برامج االصالح االقتصادؼ المدعم من
قبل صندوق النقد الدولي ،في كثير من الدول النامية ،ويمكن اضافة الى ذلك ما ترمي اليو
المنظمة العالمية لمتجارة.
يقصد بحرية التجارة الدولية ،عدم تدخل الدولة في نشاط المبادالت التجارية
الدولية ،بمعنى تركيا تسير بدون قيود سواء كانت جمركية أو غير جمركية ،وفي ىذا االطار
يمكن تعريف سياسة حرية التجارة الدولية بأنيا عبارة عن " مجموعة من القواعد واالجراءات
والتدابير التي تعمل عمى ازالة أو تخفيض القيود المباشرة أو غير المباشرة الكمية وغير
الكمية ،التعريفية وغير التعريفية ،لتعمل عمى تدفق التجارة الدولية عبر حدود الدولة لتحقيق
أىداف اقتصادية معينة".1
فمقد نادػ الكثير من االقتصاديين الى تحرير التجارة الدولية وجعميا خالية من القيود
والعقبات ،فال يحق فرض أؼ حواجز تعرقل دخول السمع عبر الحدود.
56
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
وينادؼ أنصار سياسة حرية التجارية بضرورة القيام بالتبادل الدولي من أجل تحقيق
المكاسب ،وفي نظام دولي خالي من القيود والعراقيل ،واستنادا الى مجموعة من الحجج
أىميا41
-1التخصيص في االنتاج
تتنافس عدة دول في فروع واحدة من االنتاج دون ان تجد كل منيا مصمحة واضحة
في االنتصار عمى فروع دون غيره ،باإلضافة الى ذلك فان الظروف االنتاجية التي تدعوا
الى التخصص معرضة لمتغيير ومن الصعب في الفترة القصيرة أن يتكيف تركيب االنتاج ،
بحيث يتناسب وىذه الظروف الجديدة السيما اذا اعتمدنا عمى قوػ السوق وحدىا لتحقيق ىذا
التكيف.
فيي تراعي مصمحة المستيمك وتيمل وجية نظر المنتج الوطني نظ ار ألنو ليس من
السيل أن ينتجو المنتج الى فرع جديد يكون العائد فيو أعمى من الفرع الذؼ يفقده بسبب
حرية التجارة وشدة المنافسة األجنبية ،وبذلك فان من المحتمل أن تؤدؼ الحرية الى االضرار
بمصالح بعض المنتجين ،ومن جية اخرػ توجد احتكارات دولية تظم المنتجين الوطنيين
واالجانب وتقسم بينيم األسواق وبذلك قد يتحقق االحتكار لممنتج المحمي حتى في ظل حرية
التجارة وقدرة المحتكر الداخمي عمى البقاء بعيدا عن المنافسة الدولية تتوقف عمى مشكالت
المنافسة ونفقات النقل ،فيمكن أن يتمتع المنتج المحمي باالحتكار نظ ار لبعد المسافة وارتفاع
نفقات نقل السمع من الخارج الى الداخل مما يجعل ثمنيا أعمى من ثمن السمع المماثمة
المنتجة محميا.
-1عادل أحمد حشيش ومجدؼ محمود شياب ،مرجع سبق ذكره ،ص .772
57
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
يرد عمى ىذه الحجة أنيا تيتم بمصمحة المستيمك عمى حساب المنتج ،كون طبيعة
المنافسة ىي البقاء لألصمح والقضاء عمى المنتج الضعيف وبذلك إذا حصل المنتج الخارجي
عمى أؼ تفوق في االنتاج نتيجة التقدم الفني ،ونجح في ذلك فسيؤدؼ الى سحب السوق
المحمي من المنتج الوطني ،وبالتالي اضمحالل ىذا الفرع من االنتاج واالعتماد عمى
االستيراد لتمويل احتياجات االستيالك.
لقد ظيرت ىذه الحجة في االوساط االقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية وأساسيا
ىو ان الرسوم الجمركية العالية قد تدعو الى خفض حجم التجارة الدولية بوجو عام الن
التقميل من حجم الواردات ينتيي عادة بنقص في حجم الصادرات وحيث ان التجارة الدولية
ماىي اال تبادل ومقايضة في السمع والخدمات بين الدول فمن تستطيع الدولة أن تصدر
فائض انتاجيا بصفة مستمرة دون ان تستورد فائض انتاج العالم الخارجي.
58
نظريات التجارة الخارجية وأهمية السياسة التجارية لها الفصل األول
ممخص الفصل
من خالل عرضنا ليذا الفصل توصمنا الى انو توجد في الواقع عدة عوامل من شأنيا
تمييز العالقات االقتصادية الدولية عن العالقات االقتصادية داخل االقتصاد الوطني ،كما
ان التجارة الخارجية ليا عدة أثار عمى العديد من المتغيرات والمؤشرات االقتصادية كالنمو
االقتصادؼ ،الدخل القومي ،توزيع الدخل.
ومن مختمف النظريات التي قمنا بسردىا في ىذا الفصل نستخمص أن النظرية
الكالسيكية والنيوكالسكية تسمح بتفسير جزء من التبادل الدولي الحالي ،حيث انيا تفسر
التبادل في الواقع ما بين الدول دول الشمال ودول الجنوب وسبب قيامو بينما تسمح بإعطاء
نظرة ايجابية لمتجارة الدولية عمى االقتصاديات التي تقوم بالتجارة الدولية وأنيا تعود
بالمكاسب عمى كل الدول القائمة بالتبادل ،أما االتجاىات الحديثة في تفسير التجارة الدولية
بأنيا تفسر الجزء الثاني من التبادل والمتعمق بالعالقة بين الدول المصنعة الجديدة والدول
الصناعية ،أما النظريات الحديثة فإنيا تفسر الجزء الثالث من التبادل الدولي والمتعمق بالدول
المتقدمة فيما بينيا ،حيث ترجع التبادل ما بين ىذه الدول الى اقتصاديات الحجم والى تشابو
االذواق والى تنوع المنتجات.
ومن خالل عرضنا لتطور سياسات التجارة بنوعييا الحمائية وسياسات التقييد وحجم
انصار كل من السياستين ،واالىداف المتوخاة من كل سياسة تبين لنا أن السياسة التجارية
انما تعود الى طبيعة النظام االقتصادؼ المتعمد في كل دولة كما ان تحقيق اىداف السياسة
االقتصادية العامة والمتمثمة في تحقيق االستقرار االقتصادؼ ،تحقيق مستوػ أعمى لمتشغيل،
ال يأتي اال بالتكامل بين مختمف السياسات االقتصادية بصفة عامة وبينيا وبين السياسة
التجارية بصفة خاصة.
وباعتبار التجارة الخارجية أداة ىامة لتحقيق النمو االقتصادؼ ومن ثم فانو يتعين
االستفادة من ىذا الدور التي تقوم بو التجارة الخارجية عن طريق اتباع سياسات تجارية
متحيرة تمكنيا من االستفادة من التجارة كقطاع قائد لمتنمية الصناعية.
59