You are on page 1of 3

‫و اإلنسان‪  

‬الطبيعة‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫عالقة اإلنسان بالطبيعة كعالقة األم بطفلها في العطاء الالمحدود الذي ال يتوقف على الرغم مما تلقاه من نكران وجحود‪ ،‬فمن خيراتها‬
‫تن ّع م بحياته‪ ،‬ومن غضبها هرب لتطوير معارفه وحماية نفسه من أذى رعودها وأعاصيرها‪ .‬ومن جمال جبالها ووديانها وشمسها‬
‫‪.‬وقمرها وبحورها‪ ،‬استلهم روائع إبداعاته وفنونه‬

‫ارتباط اإلنسان بالطبيعة حقيقة وواقع ال يمكن تجاهله مهما تطور اإلنسان والصناعة والتكنولوجيا‪ .‬ويمكن تصور هذه العالقة التي‬
‫تلخص هذا االرتباط منذ بداية الحياة وحتى يومنا هذا‪ ،‬من خالل بعض الحقائق‪ ،‬زمنها أنه تنقي أشجار الشوارع الهواء من التلوث‬
‫بنسبة ‪ ،% 60‬ولكن هنا يبقى السؤال قائما‪ :‬هل تغلبت الصناعة على هذا األمر؟نظراً لقسوة عوامل الطبيعة في العصور القديمة‬
‫وتهديدها لحياة البشر‪ ،‬اندفع اإلنسان على مر العصور البتكار كل ما من شأنه أن يحميه من عواقبها‪ .‬ومع مضي الزمن تغلب الناس‬
‫على كل ما يهدد حياتهم ورزقهم‪ ،‬لكن األمر لم يقف عند هذا الحد‪ ،‬فمع رخاء العيش تولد الطموح ومع الطموح نشأ الجشع‪ ،‬ومع‬
‫‪.‬الجشع استعمر اإلنسان الطبيعة وقضى على مصادر عيشه األساسية‪ ،‬وعاد إلى نقطة البداية يلهث مستغيثا الستعادة ما فقده‬

‫وبالعودة إلى البداية‪ ،‬وانطالقا ً من الواقع‪ ،‬نجد أن عالقة اإلنسان بالطبيعة مرتبطة بعالقته بالمجتمع‪ ،‬وقد وضع العلماء‪ ،‬في كال‬
‫المحورين‪ ،‬العديد من البحوث والدراسات األكاديمية والعلمية‪ ،‬واتفق كال الطرفان بأن الحل لهذه المعضلة يكمن في العالقة بين‬
‫الموضوع والكائن‪ ،‬وبأن اإلشكالية تكمن في حالة االنفصال بينهما‪ .‬وهذا االنفصال ليس بالكامل‪ ،‬فالكائن ال يستثني الموضوع‪ ،‬بل‬
‫يتنازل عن االستقالل الخارجي له‪ ،‬ويجعل الموضوع أداة داخلية‪.‬وللسبب نفسه فإن الموضوع ال يستثني الكائن‪ ،‬بل يتنازل عن‬
‫االستقالل الخارجي له‪ ،‬ليصبح أداة داخلية للموضوع‪ .‬ولفهم هذه العالقة يمكن مقارنتها‪ ،‬بعالم الحيوان والكائنات األخرى التي تعيش‬
‫من خالل التأقلم مع العالم الخارجي‪ ،‬دون أي تأثير فيه‬

‫لم يكن اإلنسان في المراحل األولى من الحضارة المدنية واعيا ً بإشكالية عالقته مع الطبيعة‪ ،‬حيث كان يعتبر نفسه جزءاً ذكيا ً من‪.‬‬
‫يرتق‬
‫ِ‬ ‫بنيتها‪ .‬كان ذلك في زمن لم يكن هناك فواصل بين الطبيعة والمجتمع‪ ،‬حين كانت الحقيقة تتمثل فيما هو جيد وجميل‪ .‬ولم‬
‫اإلنسان إلى هذا الوعي إال في األزمنة الحديثة‪ ،‬حيث تنامت قدرة اإلنسان في إعادة تشكيل العالم الخارجي بصورة سريعة جعلته‬
‫‪.‬يدرك انفصاله أو استقالله عن الطبيعة‬

‫وكان الناس يعتقدون أن تغييرهم للطبيعة كان بتأثير من العالم الخارجي فقط‪ ،‬في حين عارض علماء الطبيعة هذا االعتقاد لقناعتهم‬
‫‪.‬أن التأثير ينبع من إرادة اإلنسان الحرة وليس من خارجها‪ ،‬بخالف علماء االجتماع‬

‫البيئة والنفس‬
‫تنقسم العالقة بين اإلنسان والطبيعة إلى قسمين‪ ،‬األول مرتبط بالتأثير السلبي لعالقة الناس بالبيئة من خالل موجات التلوث‪ ،‬وتدمير‬
‫الغابات‪ ،‬والنفايات‪ .‬والثاني يبقى مغيبا ً في الغالب‪ .‬إذا فما الذي يجري للناس عبر عالقتهم بالبيئة؟‬
‫تشير األدلة والتجارب إلى حقيقة تثبت وجود تأثير للطبيعة قوي على الناس‪ ،‬وهذا يتجلى من خالل اإلنسان نفسه‪ .‬فما الذي يحدث في‬
‫البلدان التي تعاني الجفاف‪ ،‬وتلوث المياه واألمراض التي تتسبب في قتلهم؟ وكذلك األمر مع الهواء الملوث الذي ينتقل من مدينة إلى‬
‫أخرى ومن بلد إلى آخر‪ ،‬عبر منتجات الصناعة واحتراق الغابات‪ .‬كذلك ما الذي يحدث حين ما يفقد الناس تواصلهم مع الطبيعة؟‬
‫نجد هنا انه يشعر اإلنسان باالغتراب والنكران وبحالة من الخدر واليأس وغيرها من مظاهر المعاناة النفسية‪ .‬ومؤكد أن تجاهل‬
‫اإلنسان للجزء الكامن فيه الذي ينشد التواصل مع الطبيعة والناس‪ ،‬يدفعه للشعور باالكتئاب والبحث عن سبل أخرى للعزاء‪ ،‬كالمال‬
‫‪.‬والطعام والمخدرات وغيرها‬

‫وبعيداً عن العوارض النفسية يفقد اإلنسان شعوره باالنتماء‪ ،‬فالبيئة هي موطن اإلنسان أسوة بجميع الكائنات األخرى‪ .‬وبمعنى آخر‬
‫فإن الناس تتجاهل أو تدمر جزءاَ من نفسها أو من سكينتها‪ ،‬وهذا يؤدي كما ذكرنا إلى نتائج سلبية على صعيد المشاعر والعقل‬
‫‪.‬والروح‬

‫تأثير ها على اإلنسان‬


‫تعتبر الطبيعة امتدادا لوجود اإلنسان واستقراره على الصعيد البيولوجي والروحي‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬عندما يستلقي المرء على‬
‫عشب أخضر أو يجلس على صخرة بين الجبال الخضراء‪ ،‬ونسيم الهواء العليل يلفح وجهه والعصافير تغرد من حوله‪ ،‬هل يمكن‬
‫ألحد تجاهل الشعور بالحبور الناجم من تواصله مع الطبيعة من حوله؟! إن مثل هذه اللحظات تمنح اإلنسان الشعور باالستقرار‬
‫‪.‬والهدوء‪ ،‬وتعالج حاالت القلق واألرق وغيرها من ما يعتمل في النفس‬

‫ولطالما كانت الطبيعة مصدر إلهام لعدد كبير من الكتاب‪ ،‬ويكفي هنا اطالعنا على ما تحفل به المكتبة العالمية من روائع األدب‬
‫‪.‬والشعر حول العالقة األزلية بين اإلنسان والطبيعة‪ ،‬والتي تتأرجح بين البغض والحب‪ ،‬بين التحدي والخضوع‬

‫ومنهم من كتب عن البحر الذي يعتمد اإلنسان في رزقه وحياته عليه‪ ،‬مثل رواية (الشيخ والبحر) للكاتب األميركي أرنست همنغواي‬
‫(‪ 1899‬ـ ‪ ،)1961‬ورواية موبي ديك لألميركي هيرمان ملفيل (‪ 1819‬ـ ‪ )1891‬وفي جغرافية الطبيعة‪ ،‬كالجبال التي وصفتها‬
‫‪.‬االنجليزية إميلي برونتي (‪ 1818‬ـ ‪ )1848‬في روايتها الخالدة (مرتفعات وذرينغ)‬

‫وفي العالم العربي برع الروائي السوري حنا مينا (‪ )1924‬في الكتابة عن البحر‪ ،‬ومن أعماله في هذا المجال «نهاية رجل شجاع»‪،‬‬
‫وفي عوالم الصحراء برز األديب الليبي ابراهيم الكوني الذي باتت رواياته بمثابة مرجع لعالقة اإلنسان بالصحراء‪ ،‬وفي ما يلي‬
‫مقتطف من روايته األخيرة (من أنت أيها المالك)‪ ،‬والتي يتابع فيها تحدثه عن ناموس الصحراء‪( :‬في الصحراء يأخذ اآلباء أبناءهم‬
‫من أحضان أمهاتهم ليعيدوهم إلى أحضان أمهّم الكبرى‪ ،‬أمّهم الحقيقية الصحراء‪ ،‬لتعلمهم الحكمة‪ .‬أما في دنيا العمران فاأل ّم هي‬
‫‪ .‬المعقل األول وهي المعقل األخير‪ ،)....‬ورواية (األرض) للكاتب المصري عبدالرحمن الشرقاوي (‪ 1920‬ـ ‪)1987‬‬

‫ومن أبلغ الشعراء اإلماراتيين الذي أبدعوا في أشعار المطر‪ ،‬فيلسوف الشعر النبطي الماجدي بن ظاهر‪ ،‬الذي عاش بين القرنين‬
‫السابع عشر والثامن عشر‪ ،‬حيث إن قبره في رأس الخيمة‪ .‬أما أجمل األشعار التي كتبت في المطر فهي قصيدة (أنشودة المطر)‬
‫‪:‬للشاعر العراقي بدر شاكر السياب‪ ،‬إذ بثها شوقه وحنينه لقريته ووطنه‪ ،‬وفي ما يلي مقتطف منها‬

‫ب تشربُ الغيو ْم‬


‫أقواس السحا ِـ‬
‫َ‬ ‫كأن‬

‫‪...‬وقطرةٌ فقطرة تذوبُ في المطر‬

‫‪،‬وكركر األطفا ُل في عرائش الكروم‬


‫َ‬
‫ْ‬
‫ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر‬

‫‪...‬أنشودةُ المطر‬

‫‪...‬مطر‬

‫‪...‬مطر‬

‫‪...‬مطر‬

‫الطبيعة ونشدان عطائها‬


‫قدمتـ الشعوب قبل ظهور الديانات‪ ،‬العديد من القرابين واألضحية والطقوس الشعائرية‪ ،‬استجداء لرحمة الطبيعة كي ال تضن عليهم‬
‫بخيراتها‪ ،‬وكي تقيهم من مخاطر غضبها‪ .‬وكانت (جوبيتر) عند الرومانيين آلهة الشمس وضوء القمر والريح والمطر‪ .‬كما كانت‬
‫‪.‬تعتقد شعوب المايا في أميركا الجنوبية بأن اآللهة المسؤولة عن إرسال المطر هي (إيتزمنا)‬

‫وفي تراث العرب الجاهليين قال الجاحظ في طقسهم الغريب للمطر الذي عرف بنار االستسقاء‪( :‬ونار أخرى‪ ،‬وهي النار التي كانوا‬
‫يستمطرون بها في الجاهلية األولى‪ .‬فإنهم كانوا إذا تتابعت عليهم األزمات‪ ،‬وركد عليهم البالء‪ ،‬واشت ّد الجدب واحتاجوا إلى‬
‫‪.‬االستمطار‪ .‬اجتمعوا‪ ،‬وجمعوا ما قدروا عليه من البقر‪ ،‬ثم عقدوا في أذنابها‪ ،‬وبين عراقيبها السَّلع‪ ،‬وال ُع َشر‬

‫ثم صعدوا بها في جبل وعر‪ ،‬وأشعلوا فيها النيران‪ .‬وضجّ وا بالدعاء‪ ،‬والتض ّرع‪ .‬فكان يرون أنّ ذلك من أسباب ال ُس ّقيا)‪ .‬وبعد الظهور‬
‫‪.‬الديانات وآخرها اإلسالم‪ ،‬أقيمت الصلوات وأدعية االستسقاء‬

You might also like