You are on page 1of 7

‫أوال‪ :‬العقد لغة‬

‫العقد يف اللغة الشدة‪ ،1‬و الربط‪ ،2‬وامجلع‪ ،3‬والتوثيق‪ ،4‬والعهد‪ ،5‬والضامن‪ ،6‬ولكها معاين متقاربة تدل عىل‬
‫الشد‪ ،‬وشدة الوثوق‪ ،‬و يدل بعضها عىل املعىن احليس‪ ،‬كعقد احلبل‪ ،7‬وبعضها عىل املعىن املعنوي‪ ،‬كعقد‬
‫البيع والعهد‪.8‬‬
‫اثنيا‪ :‬العقد اصطالحا‬
‫‪ -1‬العقد يف الفقه االإساليم‪:‬‬
‫والعقد يف اصطالح الفقهاء يطلق عىل معنيني‪:‬‬
‫أ – املعىن العام للعقد‪:‬‬
‫ويراد به لك عهد والزتام ألزم به االإنسان نفسه‪ ،‬و هذا الالزتام قد يكون يف مقابل الزتام أخر اكلبيع‬
‫واالإجارة وغريهام من العقود اليت تنشأ إبرادة طرفني‪ ،‬أو بغري مقابل فيكون إبرادة منفردة اكلوقف‪ ،‬والنذر‬
‫وحنوهام‪.‬‬
‫وذلا جند املفرسين والفقهاء املتقدمني اإذا أطلقوا العقد فاإمنا يردون به املعىن العام للعقد‪.‬‬

‫‪ - 1‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ .23‬والقاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي‪ ،‬ص ‪.323‬‬
‫‪ - 2‬تهذيب األسماء واللغات‪ ،‬محي الدين ابن شرف النووي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ .228‬ولسان العرب‪،‬‬
‫محمد ابن مكرم ابن علي جمال الدين ابن منظور‪ ،‬دار صادرـ بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1414‬هـ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.296‬‬
‫‪ -3‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاني‪ ،‬تحقيق محمد حسن إسماعيل‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1421‬هـ‪2000 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.353‬و المنثور في القواعد‪ ،‬الزركشي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.397‬‬
‫‪ -4‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،‬ج ص‪ .86‬والمصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪ ،‬ص ‪ .160‬القاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي‪،‬‬
‫ص ‪.383‬‬
‫‪ - 5‬الصحاح‪ ،‬الجوهري‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ .510‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.297‬‬
‫‪ - 6‬القاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي‪ ،‬ص ‪.383‬‬
‫‪ - 7‬الصحاح‪ ،‬الجوهري‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ .510‬المصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪ - 8‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬األصفهاني‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪1‬‬
‫قال أبو بكر بن العريب‪ " : 1‬ربط العقد اترة يكون مع هللا‪ ،‬واترة يكون مع الديم‪ ،‬واترة يكون بلقول‪،‬‬
‫واترة يكون بلفعل"‪.2‬‬
‫وأطلق االإمام الشافعي‪ 3‬العقد عىل النذر‪.4‬‬
‫وقال االإمام أمحد‪ :5‬العقود يه العهود لكها‪.6‬‬
‫وهذه النصوص املذكورة تدل عىل أن العقد يشمل ما صدر من إارادة واحدة أومن إارادتني‪.‬‬
‫وأضاف أبو بكر اجلصاص‪ 7‬اإىل ذكل‪ ،‬الرشط املضاف اإىل املس تقبل فقال‪" :‬العقد ما يعقده العاقد عىل أمر‬
‫يفعهل هو‪ ،‬أو يعقد عىل غريه فعهل عىل وجه اإلزامه اإايه‪ ،‬ولك رشط رشطه اإنسان عىل نفسه يف يشء يفعهل‬
‫يف املس تقبل فهو عقد"‪.8‬‬

‫‪ -1‬هو أبوبكر محمد بن عبد هللا بن محمد المعروف بابن العربي اإلشبيلي‪ ،‬ولد سنة ‪468‬هـ‪ ،‬وتوفي سنة ‪543‬هـ‪،‬‬
‫ومنصرفه من مراكش‪ ،‬وحمل إلى فاس ودفن بباب المحروق‪ ،‬وقبره معروف متبرك به‪ .‬شجرة النورالزكية في طبقات‬
‫المالكية‪ ،‬محمد بن محمد بن عمر ابن علي ابن سالم مخلوف‪ ،‬دار الكتب العلمية – لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2003‬م‪،‬‬
‫ج ‪ 1‬ص‪.136‬‬
‫‪ -2‬أحكام القرءان‪ ،‬أبو بكر بن العربي‪ ،‬تحقيق محمد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية – ‪2003‬م‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.526‬‬
‫‪ -3‬هو محمد ين إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع‪ ،‬من بني المطلب من قريش‪ ،‬ولد سنة ‪150‬هـ‪ ،‬أحد أئمة المذاهب‬
‫األربعة‪ ،‬وإليه ينتسب الشافعية‪ ،‬جمع إلى علم الفقه القراءات وعلم األصول والحديث واللغة والشعر‪ ،‬كان شديد الذكاء‪،‬‬
‫نشر مذهبه بالحجاز والعراق‪ ،‬ثم انتقل إلى مصرسنة ‪199‬هـ‪ ،‬ونشر بها مذهبه أيضا‪ ،‬وبها توفي سنة ‪204‬هـ‪ .‬من‬
‫تصانيفه "األم" في الفقه‪ ،‬و"الرسالة" في أصول الفقه‪ ،‬و"أحكام القرآن" و"اختالف الحديث" وغيرها‪ .‬األعالم ‪ ،‬الزركلي‪،‬‬
‫ج‪ 1‬ص‪ ، 329‬وتذكرة الحفاظ شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن عثمان بن َقايْماز الذهبي توفي سنة ‪748‬هـ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪1419‬هـ‪1998 ،‬م‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ .329‬وطبقات الحنابلة‪ ،‬أبو الحسين ابن أبي‬
‫يعلى‪ ،‬محمد بن محمد توفي سنة ‪526‬هـ‪ ،‬تحقيق محمد حامد الفقي‪ ،‬دار المعرفة – بيروت‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،284-280‬وتاريخ‬
‫بغداد‪ ،‬أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي نوفي سنة ‪463‬هـ‪ ،‬تحقيق بشارعواد معروف‪،‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي – بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1422 ،‬هـ ‪ 2002 -‬م‪ ،‬ج ‪ 2‬ص‪.103-56‬‬
‫‪ -4‬أحكام القرآن‪ ،‬محمد ابن إدريس الشافعي‪ ،‬دار إحياء العلوم ـ بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1410‬هـ‪1990 ،‬م‪،‬‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪.67-65‬‬
‫‪ -5‬هوأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني‪ ،‬أبوعبد هللا‪ ،‬من بني ذهل بن شيبان الذين ينتمون إلى قبيلة بكر بن وائل‪ ،‬إمام‬
‫المذهب الحنبلي‪ ،‬وأحد أئمة الفقه األربعة‪ ،‬أصله من مرو‪ ،‬وولد ببغداد سنة ‪164‬هـ‪ ،‬امتحن في أيام المأمون والمعتصم‬
‫ليقول بخلق القرآن فأبى وأظهر هللا على يديه مذهب أهل السنة‪ ،‬ولما توفي الواثق وولي المتوكل أكرم أحمد‪ ،‬ومكث مدة ال‬
‫يولي أح دا إال بمشورته‪ ،‬له "المسند" وفيه ثالثون ألف حديث‪ ،‬و"المسائل"‪ ،‬و"األشربة" و "فضائل الصحابة" وغيرها‬
‫توفي سنة ‪241‬هـ‪ ،‬األعالم للزركلي ج‪ 1‬ص‪ ،192‬وطبقات الحنابلة ألبي يعلى ج ‪ 1‬ص ‪ ،20‬والبداية والنهاية‪ ،‬ج ‪10‬‬
‫ص ‪.343-325‬‬
‫‪ -6‬العقود‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬تقي الدين ابن تيمية‪ ،‬تحقيق محمد حامد الفقي‪ ،‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬مكتبة السنة المحمدية‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1386‬هـ ‪1949 -‬م‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ -7‬أحمد بن علي الرازي أبو بكر الجصاص‪ ،‬فاضل من أهل الرأي‪ ،‬سكن بغداد ومات بها‪ ،‬انتهت إليه رياسة الحنفية‪،‬‬
‫وخوطب في أن يلي القضاء فامتنع‪ ،‬ولد سنة ‪305‬هـ‪ ،‬وتوفي سنة ‪370‬هـ‪ ،‬من مؤلفاته أحكام القرءان و أصول الفقه‪.‬‬
‫األعالم‪ ،‬الزركلي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.171‬‬
‫‪ -8‬أحكام القرآن‪ ،‬أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص‪ ،‬تحقيق محمد صادق القمحاوي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –‬
‫بيروت ‪ ،1992‬ج ‪ 2‬ص ‪.294‬‬
‫‪2‬‬
‫‪2‬‬
‫ومن هذا االإطالق العام قول اللويس‪ 1‬يف تفسري قوهل تعاىل‪:‬‬
‫‪     ‬‬

‫حيث قال‪ :‬املراد هبا يعم مجيع ما ألزم هللا عباده وعقد علهيم من التاكليف والحاكم ادلينية وما يعقدون فهيا بيهنم‬
‫من عقود الماانت واملعامالت وحنوهام مما جيب الوفاء به‪. 3‬‬
‫و هذا هو املعىن العام للعقد اذلي ذكره املفرسون وكثري من الفقهاء يف كتهبم‪ ،‬وهو الشائع عند املتقدمني‪.‬‬
‫ب‪ -‬املعىن اخلاص للعقد‪:‬‬
‫ويراد به معىن الربط فقط‪ ،‬أي ربط االإجياب بلقبول عىل وجه يثبت الثر يف املعقود عليه‪ ،‬وهذا هو‬
‫الغالب عند االإطالق‪ ،‬ويعين أن العقد مبعناه اخلاص ال يقع اإال من طرفني فأكرث‪.‬‬
‫قال ابن عابدين‪ " :‬العقد امس جملموع االإجياب و القبول"‪.4‬‬
‫وقال ابن جنمي‪ " : 5‬املراد بلعقد مطلقا ناكحا اكن أو غريه‪ :‬مجموع اإجياب أحد املتلكمني مع قبول الخر"‪.6‬‬
‫وقال ادلردير‪ 7‬يف الرشح الصغري‪ " :‬وال يكون العقد اإال بني اثنني"‪.8‬‬

‫‪ -1‬هو محمود بن عبد هللا الحسيني األلوسيّ ‪ ،‬شهاب الدين أبو الثناء‪ ،‬مفسِّر مح ِّدث أديب من المجددين‪ .‬وُ لِد في بغداد سنة‬
‫‪1217‬هـ‪1802 /‬م‪ ،‬وعاش بها‪ ،‬كان عالمًا باختالف المذاهب‪ ،‬مطل ًعا على الملل والنحل‪ ،‬شافعيَّ المذهب‪ ،‬وكان شيخ‬
‫العلماء في العراق‪ ،‬سلفيَّ االعتقاد‪ ،‬مجته ًدا‪ ،‬نادر ًة من نوادر األيام‪ ،‬جمع كثيرً ا من العلوم حتى أصبح عالَّمة في المنقول‬
‫والمعقول‪ ،‬فهَّامة في الفروع واألصول‪ ،‬مح ِّد ًثا ال يُجارى‪ ،‬ومفسرً ا لكتاب هللا ال يبارى‪ُ .‬تو ِّفي يوم الجمعة ‪ 25‬من ذي‬
‫القعدة سنة ‪1270‬هـ الموافق ‪1854‬م‪ .‬وقيل‪ :‬توفي في ‪ 21‬من ذي القعدة‪ ،‬و ُدفِن بالقرب من الشيخ معروف الكرخي‪ ،‬وقبره‬
‫مشهور يُزار‪ .‬ألعالم‪ ،‬الزركلي ج ‪ 7‬ص ‪ ،176‬التفسير والمفسرون‪ ،‬محمد حسين الذهبي‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬الطبعة السابعة‪،‬‬
‫‪2000‬م‪ ،‬ج ‪1‬ص ‪ ،251‬ومعجم المؤلفين‪ ،‬كحالة‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪.175‬‬
‫‪ -2‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪ - 3‬روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني‪ ،‬شهاب الدين محمود بن عبد هللا الحسيني األلوسي‪ ،‬تحقيق علي‬
‫عبد الباري عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1415‬هـ‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.48‬‬
‫‪ -4‬حاشية ابن عابدين‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.509‬‬
‫‪ -5‬هو زين الدين بن إبراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم‪ ،‬من أهل مصر فقيه وأصولي حنفي‪ ،‬كان عالما محققا ومكثرا‬
‫من التصنيف‪ ،‬أخذ من شرف الدين البلقيني وشهاب الدين الشلبي وغيرهما‪ ،‬أجيز باإلفتاء والتدريس وانتفع به خالئق‪ ،‬من‬
‫تصانيفه "البحر الرائق في شرح كنز الدقائق" ‪ ،‬و "الفوائد الزينية في فقه الحنفية" ‪ ،‬و "األشباه والنظائر" ‪ ،‬و" شرح‬
‫المنار" في األصول‪ ،‬توفي سنة ‪970‬هـ ‪ ،‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب ‪ ،‬عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد‬
‫ال َعكري الحنبلي‪ ،‬أبو الفالح‪ ،‬تحقيق محمود األرناؤوط‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق – بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1406‬هـ ‪ 1986‬م‬
‫ج ‪ 8‬ص ‪ .358‬واألعالم‪ ،‬الزركلي‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،104‬ومعجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضا كحالة‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪.192‬‬
‫‪ -6‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬المعروف بابن نجيم المصري‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.85‬‬
‫‪ - 7‬هو أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد العدوي المصري األزهري‪ ،‬الشهير بالدردير‪ ،‬فاضل من فقهاء المالكية‪ ،‬ولد‬
‫في بني عدي بمصر‪ ،‬وتعلم باألزهر‪ ،‬من مؤلفاته‪" :‬شرح مختصر خليل"‪ ،‬و"أقرب المسالك لمذهب اإلمام مالك"‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪1201‬هـ‪ .‬وعجائب اآلثار في التراجم واألخبار‪ ،‬عبد الرحمان حسن الجبرتي‪ ،‬دار الجيل‪ -‬بيروت‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.223‬‬
‫‪ - 8‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير‪ ،‬بلغة السالك ألقرب المسالك‪ ،‬أحمد ابن محمد الخلوتي‪ ،‬الصاوي المالكي‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.16‬‬
‫‪3‬‬
‫وفرق ادلسويق‪ 1‬بني الطالق‪ ،‬والعتق‪ ،‬واحلدود‪ ،‬وبني العقود‪ ،‬جفعل العقود‪ :‬لك ما يتوقف عىل اإجياب‬
‫وقبول‪ ،‬أما الطالق والعتق فهيي اإخراجات‪ ،‬وال تتوقف عىل اإجياب‪ ،‬وقبول‪.2‬‬
‫وبناء عىل هذه النقول يتبني أن العقد اإذا أطلق عند املتأخرين يراد به املعىن اخلاص‪.‬‬
‫ومن هذا يتبني أن املناط يف وجود العقد عىل وجه االإجامل هو التحقق من وجود إاراديت العاقدين وتوافقهام‬
‫عىل اإنشاء الزتام بيهنام مبا يدل عىل عبارة أو كتابة أو اإشارة أو فعل‪ .‬وعىل ذكل فالعقد عند الفقهاء ال يكون‬
‫اإال بني طرفني وال يكون من طرف واحد‪ .‬و اإذا اكن من طرف واحد مل يكن عقدا‪ ،‬وإامنا مسي الزتاما أو‬
‫ترصفا‪ ،‬وقد يسمى عقدا تسمية لغوية‪.‬‬
‫فالعقد عىل هذا ليس بعقد‪ ،‬لنه يمت من املاكل وحده دون أن يشاركه فيه خشص أخر‪ ،‬وكذكل الطالق‬
‫اجملرد عن املال ليس عقدا‪ ،‬وكذكل العتق والتنازل عن احلقوق‪ :‬اكلتنازل عن حق الشفعة‪ ،‬والتنازل عن‬
‫حق املرور‪ ،‬أو حق املس يل‪ ،‬أو عن رد املبيع بسبب عيب يظهر فيه‪ ،‬كذكل ال يسمى عقدا وإامنا يسمى‬
‫ترصفا أو الزتاما من طرف واحد وإان اكن ملزما‪ ،‬فاإن مل يكن ملزما اكن وعدا‪.3‬‬
‫اللفاظ ذات الصةل‪:‬‬
‫‪ ‬الالزتام‪:‬‬
‫أصل الالزتام يف اللغة‪ ،‬من لزم ويلزم لزوما‪ :‬أي ثبت ودام‪ ،‬يقال لزمه املال‪ :‬وجب عليه‪ ،‬ولزمه الطالق‪:‬‬
‫وجب عليه حمكه‪ ،‬وألزمته املال والعمل فالزتم‪ ،‬والالزتام الاعتناق‪.4‬‬
‫ويف الاصطالح‪ ،‬اإلزام الشخص نفسه مامل يكن الزما عليه من قبل‪ ،‬وقال احلطاب‪" : 5‬اإنه اإلزام الشخص‬
‫نفسه شيئا من املعروف مطلقا أو معلقا عىل يشء ‪ ...‬وقد يطلق يف العرف عىل ما هو أخص من ذكل‪،‬‬
‫والزتام املعروف بلف الالزتام"‪.1‬‬

‫‪ -1‬هو محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي‪ ،‬فقيه مالكي من علماء العربية والفقه‪ ،‬من أهل َدسُوق بمصر‪ ،‬تعلم وأقام وتوفي‬
‫بالقاهرة‪ ،‬ودرَّ س باألزهر‪ ،‬من تصانيفه "حاشيته على الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي" و"حاشية على‬
‫شرح السنوسي لمقدمته أم البراهين" في العقائد‪ ،‬توفي سنة ‪1230‬هـ‪ ،‬األعالم ‪،‬الزركلي ج‪ 6‬ص‪ ،242‬ومعجم المؤلفين‪،‬‬
‫ج ‪ 9‬ص‪ ،292‬وشجرة النور الزكية ص‪.361 :‬‬
‫‪ - 2‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ 5‬و ‪.6‬‬
‫‪ - 3‬أحكام المعامالت الشرعية‪ ،‬علي خفيف‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪ -4‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة (لزم)‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪ .542‬و المصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪ ،‬مادة (لزم)‪ ،‬ص ‪.552‬‬
‫‪ -5‬هو محمد بن محمد بن عبد الرحمان الرُّ عيني المعروف بالحطاب‪ ،‬فقيه مالكي من علماء المتصوفين‪ ،‬أصله من‬
‫المغرب‪ ،‬ولد واشتهر بمكة‪ ،‬ومات في طرابلس الغرب‪ ،‬من مصنفاته "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" ستة‬
‫مجلدات‪ ،‬في الفقه المالكي‪ ،‬و"شرح نظم نظائر رسالة القيرواني" البن غازي‪ ،‬ورسالة في استخراج أوقات الصالة‬
‫باألعمال الفلكية بال آلة‪ ،‬وجزءان في اللغة‪ .‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج ‪ ،‬أحمد بابا بن أحمد بن الفقيه الحاج أحمد بن‬
‫عمر بن محمد التكروري التنبكتي السوداني‪ ،‬أبو العباس ‪ ،‬تقديم عبد الحميد عبد هللا الهرام‪ ،‬دار الكاتب‪ ،‬طرابلس – ليبيا‬
‫‪4‬‬
‫فااللزتام أمع من العقد بملعىن اخلاص‪.‬‬

‫‪ ‬الترصف‪:‬‬
‫الترصف يف اللغة‪ ،‬التقلب يف المور‪ ،‬والسعي يف طلب الكسب‪.2‬‬
‫ويفهم من الكم الفقهاء أن الترصف عندمه هو‪ :‬ما يصدر عن الشخص إبرادته‪ ،‬ويرتب الرشع عليه أحاكما‬
‫خمتلفة‪ ،‬ويشمل الترصف الفعال والقوال‪ ،‬وبناء عىل ذكل فالترصف أمع من العقد‪.3‬‬

‫‪ ‬العهد والوعد‪:‬‬
‫العهد يف اللغة‪ ،‬الوصية‪ ،‬يقال‪ :‬عهد اإليه يعهد اإذا أوصاه‪ ،‬والعهد‪ :‬المان واملوثق واذلمة‪ ،‬ويطلق عىل لك ما‬
‫عوهد هللا عليه‪ ،‬ولك ما بني العباد من املواثيق‪.4‬‬
‫فهو هبذا املعىن قريب من معىن العقد بالإطالق العام‪ ،‬وأمع منه بالإطالق اخلاص‪.‬‬
‫أما الوعد يف اللغة‪ ،‬فهو االإخبار عن فعل املرء أمرا يف املس تقبل يتعلق بملوعود‪ .5‬ويف الاصطالح‪ ،‬ال‬
‫خيرج عن اس تعامهل اللغوي عند مجهور الفقهاء‪ ،‬خالفا للاملكية اذلين درجوا عىل اس تعامل لكمة "الوعد" و‬
‫خص‪ ،‬وهو "االإعالن عن رغبة الواعد يف اإنشاء معروف يف املس تقبل يعود بلنفع‬‫"العدة" يف الغالب مبعىن أ ّ‬
‫والفائدة عىل املوعود"‪.6‬‬
‫‪ -2‬العقد يف الترشيع املعارص‪:‬‬
‫لقد تعددت التعاريف القانونية اليت عرف هبا العقد‪ ،‬حىت أن البعض مهنا ياكد يكون صورة طبق الصل‬
‫لبعضها الخر‪ ،‬لكن املالحظة اجلوهرية‪ ،‬أن أغلب هذه التعاريف يه من صنع فقهاء القانون وال دخل‬
‫للترشيع فهيا‪.‬‬

‫الطبعة الثانية ‪ 2000‬م‪ ،‬ص‪ ،337‬واألعالم‪ ،‬الزركلي ج‪ 7‬ص ‪ ،286‬و المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب‪ ،‬أحمد‬
‫بك بن حسين النائب األنصار‪ ،‬تحقيق الشيخ فالح بن محمد الظاهري المهنوي‪ ،‬دارالفرجاني‪ -‬طرابلس‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.190‬‬
‫‪ -1‬فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك‪ ،‬محمد بن أحمد بن محمد عليش‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪217‬‬
‫و ‪.218‬‬
‫‪ - 2‬القاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي‪ ،‬ص ‪ ،827‬والمصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪ ،‬ص ‪.338‬‬
‫‪ - 3‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية – الكويت – ‪1983‬م‪ ،‬ج ‪ 30‬ص ‪.199‬‬
‫‪ - 4‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة ( عهد)‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،311‬والمصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪ ،‬مادة ( عهد)‪ ،‬ص ‪.435‬‬
‫‪ - 5‬أساس البالغة‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬تحقيق محمد باسل عيون السود‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫– بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1998‬م‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ .504‬و المفردات في غريب الفرآن‪ ،‬الراغب األصفهاني‪ ،‬ص ‪.875‬‬
‫‪ - 6‬تحرير الكالم في مسائل االلتزام‪ ،‬الحطاب‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي – بيروت – ‪1404‬هـ‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫‪5‬‬
‫مفعظم الترشيعات املدنية املعارصة مل تعرف العقد‪ ،‬مبا يف ذكل قانون الالزتامات والعقود املغريب‪ ،‬والقانون‬
‫املدين املرصي‪ ،‬و غريهام‪ ،‬لكن جند أن القانون املدين الفرنيس قد شذ يف هذا اخلصوص وعرف العقد يف‬
‫املادة‪ 1101 :‬من القانون املدين الفرنيس بأنه‪" :‬اتفاق يلزتم مبقتضاه خشص أو أكرث جتاه خشص أو عدة‬
‫أشخاص بإعطاء يشء أو بلقيام بعمل أو بالمتناع عنه"‪.1‬‬
‫ومصطلح االتفاق املنصوص عليه يف تعريف العقد من قبل املرشع الفرنيس يبقى واسع النطاق بملقارنة مع‬
‫ما مت اس تعامهل يف تعاريف بعض فقهاء القانون الفرنيس‪ ،‬اإذ اس تعملوا مصطلح التعهد اذلي يعد أضيق معىن‬
‫من االتفاق‪ ،‬فعرفوا العقد بأنه‪ " :‬تعهد أو مطابقة ل إالرادات من أجل اإنتاج أاثر قانونية"‪.2‬‬
‫وعرفه فقهاء القانون بأنه‪" :‬اتفاق ارادتني عىل اإنشاء حق‪ ،‬أو عىل نقهل‪ ،‬أو عىل اإهنائه"‪.3‬‬
‫ويالح من خالل هذه التعاريف أن هناك خلط وقع فيه فقهاء القانون‪ ،‬فاالتفاق قد ال ينتج أاثرا قانونية‪،‬‬
‫ومثاهل اتفاق طرفني عىل القيام بزنهة‪ ،‬يف حني أن االتفاق يف معناه القانوين الرصف يفيد اإنشاء الالزتام أو‬
‫نقهل أو اإهنائه‪.‬‬
‫أما العقد فاإنه يقترص يف الصل عىل اإنشاء الالزتام حفسب‪ ،‬و بلرمغ من النقاش الفقهيي القانوين اذلي‬
‫حصل خبصوص مسأةل التفرقة بني العقد واالتفاق‪ ،‬اإال أن الفقه القانوين املعارص يذهب اإىل جتنب اإاثرة مثل‬
‫هذه التفرقة‪ ،‬حبيث يراها عدمية الفائدة واجلدوى‪ ،‬اإذ يس توي التعبري بلعقد أو االتفاق مادامت العربة‬
‫مبضمون العقد أو االتفاق‪.4‬‬
‫و املرشع املغريب حنى هذا النحو‪ ،‬فيالح أنه مل يعر أي اهامتم لهذه التفرقة بني العقد و االتفاق‪ ،‬اإذ جنده‬
‫قد عرب عن العقد بالتفاق و عن االتفاق بلعقد يف عدة فصول من "قانون الالزتامات والعقود"‪ ،‬أذكر مهنا‬
‫الفصول التالية‪.478 ،260 ،228 ،24 ،22 ،19 ،1 :‬‬
‫اثلثا‪ :‬املوازنة بني التعريف الفقهيي و التعريف الترشيعي للعقد‬
‫يتضح بملوازنة بني التعريفني‪ ،‬أن العقد عند الفقهاء ليس هو اتفاق ا إالرادتني نفسه‪ ،‬بل هو الارتباط‬
‫احلاصل هبذا االتفاق‪ .‬فقد حيصل اتفاق بني إارادتني دون أن يتحقق ابرام العقد‪ ،‬ويف هذه احلاةل ال يعترب‬
‫ذكل عقدا رمغ اتفاق ا إالرادتني‪ ،‬فهو عقد بطل ال ينتج أي أثر‪.‬‬

‫‪ -1‬مصادر االلتزام‪ ،‬الكتاب األول‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬دار األمان – الرباط‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪2013‬م‪،‬‬
‫ص ‪.30‬‬
‫‪ -2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -3‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬مصطفى أحمد الزرقاء‪ ،‬مطابع ألف باء – األديب – دمشق‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪1968‬م‪،‬‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪.292‬‬
‫‪ - 4‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان‪،‬‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪.150‬‬
‫‪6‬‬
‫وهذا جيعل التعريف القانوين للعقد يشمل العقد الباطل اذلي يعتربه الترشيع لغوا‪ ،‬ال ارتباط فيه وال أثر هل‪،‬‬
‫ذكل أن التعريف القانوين إامنا ّعرف العقد بواقعته املادية‪ ،‬ويه اتفاق ا إالرادتني‪ ،...‬أما التعريف الفقهيي‬
‫فيعرفه حبسب واقعته الاعتبارية‪.‬‬
‫"اإن تعريف فقهائنا للعقد أدق تصورا وأحمك منطقا‪ ،‬اإن اكن التعريف القانوين أوحض تصويرا وأسهل فهام يف‬
‫طريق التعلمي"‪ ، 1‬اإذ التعريف الفقهيي للعقد ميتاز يف تصوير احلقيقة العقدية ببيان الداة املكونة للعقد‪ ،‬ويه‬
‫يعرف وجوده‪ ،‬فيبقى خفيا حىت يكشفه االإجياب‬ ‫االإجياب والقبول‪ ،‬لن مضمن اتفاق ا إالرادتني يف ذاته ال ّ‬
‫والقبول الذلان يعتربان من عنارص العقد مبا فهيام من اإعراب عن حترك لك ا إالرادتني حنو الخرى و تالقهيام‬
‫وفاقا‪.‬‬

‫‪ - 1‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬مصطفى أحمد الزرقاء‪ ،‬ص ‪.295‬‬


‫‪7‬‬

You might also like