You are on page 1of 148

‫الوجيـز الميسـر‬

‫في أصـول الفقـه المالكي‬

‫تأليــف‬
‫محمد عبد الغني الباجقني‬
‫الطبعة الولى ‪ 1968‬ف‬
‫الطبعة الثانية ‪ 1983‬ف‬
‫الطبعة الثالثة ‪ 2005‬ف‬

‫‪5‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمـد ل الذي هدانـا وعلمنـا مـا لم نكـن نعلم ‪ ،‬وشرع لنـا مـن الديـن‬
‫الحنيف ما به صلحنا في دنيانا وسعادتنا في أُخرانا ‪ ،‬وأرسل إلينا خاتم رسله‬
‫بآ خر شري عة لخ ير أ مة من خل قه ‪ ،‬وج عل ل نا ف يه أ سوة ح سنة و في هد يه سنة‬
‫متبعة ‪ ،‬وأوجب علينا تصديقه في كل ما أخبرنا به إطاعته في كل ما أمرنا به‬
‫أو نهانا عنه ‪ ،‬ووفق أصحابه وعلماء أمته لحمل شريعته وتبليغها بصدق وأمانة‬
‫يح مل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون‬ ‫((‬ ‫وورع و صيانة ك ما قال في هم‬
‫عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)) رضي ال عنهم ووفقنا‬
‫لسلوك نهجهم والسير على سنتهم‪.‬‬
‫وبعـد فإن علم أصـول الفقـه مـن أجلّ العلوم وأفضلهـا لتوقـف معرفـة‬
‫أحوال الدلة الشرعية واستنباط الحكام الفقهية من مداركها عليها ‪ .‬وقد علمت‬
‫أن الطلب العلوم الشرعيـة يشرعون فـي دراسـته بكتـب موسـّعة ذات عبارات‬
‫مطولة واسـتطرادات كثيرة ‪ ،‬وأنهـم بعـد إتمام دراسـتهم يسـتصعبون تطـبيق‬
‫القواع ـد على الم سائل وا ستخراج الف ـروع من ال صـول أو عطف ها علي ها‬
‫وإضافتها إلى مناطاتها ‪ ،‬لنهم شُغلوا بالنظر أكثر من التطبيق وبمناقشة الراء‬
‫الصـولية أكثـر مـن مناقشـة الراء الفقهيـة وتخريجات المجتهديـن ‪ ،‬فعزمـت‬
‫مستعينا بال على تأليف كتاب صغير الحجم ‪ ،‬سهل الفهم ‪ ،‬قريب المأخذ ‪ ،‬خال‬
‫من ال ستطراد المر بك والتطو يل الم مل ‪ ،‬شواهده وأمثل ته من الكتاب وال سنة‬
‫وأقوال الفقهاء المخرﱠجة على قواعد الشريعة ومداركها الفقهية ‪.‬‬
‫وقـد وجدت أقرب الكتـب الصـولية القديمـة إلى الكتاب الذي عزمـت‬
‫للعل مة المح قق‬ ‫))‬ ‫على تألي فه (( مفتاح الو صول إلى بناء الفروع على ال صول‬

‫‪6‬‬
‫الشريـف التلمسـاني المالكـي المتوفـى سـنة إحدى وسـبعين وسـبعمئة للهجرة ‪،‬‬
‫تنقيـح‬ ‫((‬ ‫فاعتمدتــه أصـلً لكتابـي ‪ ،‬واسـتعنت فـي البحوث الصـولية بكتاب‬
‫إرشاد‬ ‫((‬ ‫المستصفى)) لبي حامد الغزالي و‬ ‫((‬ ‫الفصول)) لشهاب الدين القرافي و‬
‫للسبكي بشرح‬ ‫))‬ ‫جمع الجوامع‬ ‫((‬ ‫للقاضي محمد بن علي الشوكاني و‬ ‫))‬ ‫الفحول‬
‫الجلل المحلـي وحاشية عبد الرحمن البنانـي ‪ ،‬وفي المسائـل الفقهية بكتاب‬
‫))‬ ‫للقاضي أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد و(( أقرب المسالك‬ ‫))‬ ‫بداية المجتهد‬ ‫((‬

‫))‬ ‫المو طأ‬ ‫((‬ ‫لح مد بن مح مد الدرد ير ‪ ،‬و في تخر يج الحاد يث وف قه ال سنة ب ـ‬
‫لم جد‬ ‫))‬ ‫منت قى الخبار‬ ‫((‬ ‫وشرحـه ال كبير للقاضـي سليمان بن خلف الباجـي و‬
‫للقاضي الشركاني و‬ ‫))‬ ‫نيـل الوطار‬ ‫((‬ ‫الدين بن تيمية وشرحـه المسمـى بـ‬
‫لعبـد الرؤوف المناوي ‪ ،‬وفـي تفسـير آيات الحكام‬ ‫))‬ ‫(( شرح الجامـع الصـغير‬
‫لبي بكر بن العربي ‪.‬‬ ‫))‬ ‫بتفسير أبي عبد ال القرطبي و (( أحكام القرآن‬
‫فأر جو أن ي جد ف يه طلب العلم ما ي سهّل علي هم درا سة هذا العلم في‬
‫كتبه الموسّعة لمن يرغب في ذلك ‪ ،‬وال ولي التوفيق ‪.‬‬
‫المؤلـف‬
‫محمد عبد الغني الباجقني‬

‫*‬

‫‪7‬‬
‫توطئــة‬

‫أ صول الف قه هي القوا عد الكل ية ال تي تُعرف ب ها أحوال الدلة ووجوه‬


‫دللت ها على الحكام الشرع ية ‪ ،‬أو هي القوان ين الم ستنبطة من الكتاب وال سنة‬
‫ول غة العرب ال تي توزن ب ها الدلة التف صيلية ع ند ا ستنباط الحكام الفرع ية من‬
‫مداركهـا الشرعيـة وهـي الكتاب والسـنة وإجماع المـة وإجماع أهـل المدينـة‬
‫والستصحاب والقياس والمصلحة المرسلة والستحسان والعرف وس ّد الذرائع‪.‬‬
‫والصـولي هـو العارف بهـا وبطرق اسـتنباط المجتهديـن الحكام منهـا‬
‫بالستناد إلى الدلة التفصيلية‪.‬‬
‫ب من أدلتها التفصيلية ‪،‬‬
‫وأما الفقـه فهوالعلم بالحكام الشرعية المكتس ُ‬
‫أو هـو نفاذ بصـيرة الفقيـه فـي تعرﱡف المراد مـن اللفاظ الدالة على الحكام‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫والحكم الشرعي هو مقتضى الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين الخمسة‪:‬‬
‫الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح ‪.‬‬

‫فالواج ـب هو مقت ضى الخطاب المتعل ـق بف عل المكلف من حي ـث أ نه مكلف‬


‫بفعله اقتضاءً جازما ‪.‬‬
‫والمندوب هو مقتضى الخطاب المتعلـق بفعل المكلف مـن حيث أنه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مكلف بفعله اقتضاءً غير جازم‬
‫والمحرم هـو مقتضـى الخطاب المتعلق بفعـل المكلف مـن حيـث أنـه‬
‫مكلف بتركه اقتضاءً جازما ‪.‬‬

‫وهو ينقسم عند فقهاء المالكية إلى سنة ورغيبة وفضيلة ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪8‬‬
‫والمكروه هو مقت ضى الخطاب المتعل ـق بف عل المكلف من ح يث أ نه‬
‫مكلف بتركه اقتضاء غير جازم ‪.‬‬
‫والمباح هو مقتضى الخطاب المتعلق بفعل المكلف من حيث أنه مخير‬
‫بين فعله وتركه ‪.‬‬

‫*‬

‫‪9‬‬
‫الستدلل عَلى الحكم الشرعي‬

‫يُستدل على الحكم الشرعي إما بدليل أو بمتضمن للدليل ‪.‬‬


‫الدليل يكون بالكتاب والسنة والستصحاب والقياس ‪ ،‬والمتضمن للدليل‬
‫يكون بالجماع وقول ال صحابي والم صلحة المر سلة وال ستحسان والعرف و سدّ‬
‫الذرائع ‪.‬‬
‫ثم إن الدليل ينقسم إلى أصل وهو الكتاب والسنة والستصحاب ‪ ،‬وإلى‬
‫لزم عن أصل أي ناشئ عنه وهو القياس ‪.‬‬
‫والدليل الصلي إما أن يكون نقليا وهو الكتاب والسنة ‪ ،‬وإما أن يكون‬
‫عقليـا وهـو الستصحاب ‪.‬‬
‫الدليل الصلي النقلي‬
‫يشترط في الدليل الصلي النقلي أن يكون صحيح السند إلى الشارع‬
‫متضح الدللة على الحكم المقصود ‪ ،‬مستمر الحكم غير منسوخ ‪ ،‬راجحا على‬
‫كل ما يعارضه ‪ .‬فهذه شروط أربعة يجب اجتماعها فيه ليصح الستدلل به ‪.‬‬
‫سند الدليل الصلي النقلي‬
‫إن الدليل الصلي النقلي ‪ -‬وهو ما كان من الكتاب أو السنة ‪ -‬إما أن‬
‫يكون نقله بالتواتر أو بخبر الحاد ‪.‬‬
‫التواتـر‬
‫التواتر هو خبر جماعة عن جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب ‪،‬‬
‫وهو شرط في القرآن وليس شرطا في السنة ‪ ،‬فإن القرآن ل بد من تواتره فإن‬
‫لم يكن متواترا فليس بقرآن‪ .‬لذلك يعترض المالكية على الشافعية في احتجاجهم‬
‫على أن خمس رضعات هي التي تحرﱢم ول يس أقلﱡ من ها بما رواه مالك ومسلم‬

‫‪10‬‬
‫كان فيمـا أُنزل مـن القرآن عشـر‬ ‫((‬ ‫وأبـو داود والنسـائي عـن عائشـة قالت ‪:‬‬
‫رضعات معلومات يحرﱢمـن ثم نسـخن بخمسـٍ معلومات فتوفـي رسـول ال‬
‫‪ .‬فيقولون ل هم إ نه احتجاج ب ما سُمي قرآنا و هو‬ ‫))‬ ‫و هو م ما يق ـرأ من القرآن‬
‫ليس بقرآن لنه غير متواتر فل تقوم به حجة ‪ ،‬فيقول الشافعية إن التواتر شرط‬
‫في التلوة ل في الحكم وإننا حين احتججنا بقول عائشة لم نقصد أنه قرآن يتلى‬
‫بل خبر مرفوع يبين الحدﱠ الدنـى مـن الرضاع المحرﱢم الذي جاء مجملً فـي‬
‫فهو مما نسخت تلوته وبقي حكمه ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫القرآن‬
‫ومنـه اسـتدلل الحنفيـة على أن كفارة اليميـن بصـيام ثلثـة أيام مـن‬
‫شروطها أن تكون متتابعــة فإن فُرﱢقت لم تجزىء لقراءة عبد ال بن مسعود‬
‫ف صيام ثل ثة أيام متتابعات)) فنقول ل هم ل يس من شرط ها أن تكون متتاب عة إذ‬ ‫((‬

‫أن كلمة ((متتابعات)) زائدة ليست من القرآن لنها غيرمتواترة ‪ ،‬واستدللهم على‬
‫فإن‬ ‫((‬ ‫أن الفيئة في اليلء محل ها الرب عة أش هر ل بعد ها بقراءة أب يّ بن ك عب‬
‫فاؤوا فيه نّ فإن ال غفور رحيم)) فنقول لهم إنما الفيئة بعد تمام الشهر الربعة‬
‫وكلمة ((في هن)) زائدة لي ست من القرآن لن ها لم تتوا تر‪ ،‬فيجيبون نا بأن ا ستدللهم‬
‫بهاتين الكلمتين الزائدتين ل لنهما قرآن بل لنهما من الخبارالمعتمدة عندهم ‪.‬‬
‫والتواترشرط في السّنة أيضا إذا كانت رافعة لمقتضى قرآني كاحتجاج‬

‫))‬ ‫وأم ها تُ كم اللّ تي أرضْعن كم وأخواتك مُ من الرضا عة‬ ‫((‬ ‫أي في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫()‬
‫والمالك ية يع تبرون الرضاع المحرّم الذي جاء ف يه مطلقا ل مجملً وال صل في المطلق بقاؤه‬
‫على إطلقـه فيتحقـق ولو بوصـول قطرة واحدة إلى الجوف أثناء الحوليـن وبـه قال علي وابـن‬
‫عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري ومالك وأبو حنيفة والثوري والوزاعي‬
‫وعليه عمل أهل المدينة ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الجمهور في المسح على الخفين بالخبار الكثيرة الواردة عن الصحابة فقد نُقل‬
‫إن ها أخبار‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬فيق ـول المخالفون‬ ‫(‪)3‬‬
‫ل وفعلً عن ن حو سبعين من هم‬
‫الم سح قو ً‬
‫آحاد فل ترفـع مـا اقتضاه القرآن مـن وجوب غسـل الرجليـن فـي الوضوء ‪،‬‬
‫فيج يب الجمهور بأن تلك الخبار وإن لم يتوا تر كل وا حد من ها منفردا فإن ما‬
‫تضمنـه مجموعهـا مـن جواز المسـح على الخفيـن متواتـر وهذا وأمثاله هـو‬
‫المسمى بالتواتر المعنوي كجود حاتم الطائي مثلً فإنه لم ُينقل ‪ ،‬إليناعنه واقعة‬
‫معينة متواترة اقتضت وصفه بالجود وإنما نقلت إلينا وقائع متعـددة كل واحدة‬
‫منها بخبر الواحد تضمنت بمجموعها وصفـا مشتركـا بينها وهو جود حاتم ‪.‬‬
‫خبـر الحـاد‬
‫خبـر الحاد هـو خبر أفراد لم يبلغوا في العـدد جماعات المتواتر ؛‬
‫ويتعلق العتراض على سنده من جهتين ‪ :‬جهـة إجمالية ‪ ،‬وجهة تفصيليـة ‪.‬‬

‫الجهـة الجماليـة ‪ :‬اختلف الصـوليون فـي قبول أخبار الحاد جملة ؛‬


‫فإذا ا ستدل الم ستدل على ح كم من الحكام ب خبر الحاد يعار ضه المخالف إ ما‬
‫بعدم ت سليمه ب صحة ال خبر ‪ ،‬وإ ما ب ـوروده في ما ت عم به البلوى وتك ثر إل يه‬
‫الحا جة ‪ ،‬وإ ما بغ ير ذلك من التعليلت ال صولية ال تي يقول ب ها المخالف ‪...‬‬
‫نكاحـ إل‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫((‬ ‫كمـا إذا احتـج فقهاؤنـا على اشتراط الولي فـي النكاح بقوله‬

‫أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه قال ‪ (( :‬حدثني سبعون من أصحاب رسول‬ ‫()‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم أ نه كان يم سح على الخف ين)) ‪ ،‬وقال الحا فظ بن ح جر في الف تح ‪:‬‬
‫((صـرّح جمـع مــن الحفاظ بأن المسـح على الخفيـن متواتـر وجمـع بعضهـم رواتـه فجاوزوا‬
‫الثمانين منهم العشرة)) ‪ ،‬وقال النووي في شرح مسلم ‪ (( :‬روى المسح على الخفين خلئق ل‬
‫يحصون من الصحابة )) ‪.‬‬
‫هم الشيعة المامية والخوارج ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪12‬‬
‫إذا مسـﱠ أحدكـم‬ ‫((‬ ‫(‪ )5‬وعلى انتقاض الوضوء بمـس الذكـر بقوله‬ ‫))‬ ‫بولي‬
‫كلﱡ مُسكر حرام‬ ‫((‬ ‫وعلى تحريم النبذة المسكرة بقوله‬ ‫(‪) 6‬‬
‫))‬ ‫ذكره فليتوضأ‬
‫‪ ،‬فيقول المخالفون في هذه المسائل الثلث ‪ :‬ل نسلم بصحة هذه الحاديث‬ ‫(‪)7‬‬
‫))‬

‫ل نكا حَ‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫(‪)8‬‬


‫شيء‬ ‫فقد قال ابن معين ‪ :‬ثلثـة ل يصح فيها عن النبي‬
‫فنيجيبهـم بـأن‬ ‫))‬ ‫إل بولي وإذا مسﱠ أحدُكم ذكره فليتوضأ وكل مسكر حرام‬
‫هذا القول على فرض صحة نسبتـه إلى ابن معين ل يُر ّد به الحديث إذا جاء‬
‫على شرو طه لن سبب الرد لم يبينه ا بن مع ين ول عل له ف يه مذهبا خا صا ل‬
‫يواف قه عل يه غيره من أئ مة الحد يث والف قه ‪ ،‬و قد رووا هذه الحاد يث الثل ثة‬
‫بأسانيد صحيحة ل تترك مجالً للتردد في التسليم بصحتها وقوة الستدلل بها ‪.‬‬
‫وكما إذا احتج الشافعية على أن المتبايعين لهما الخيار في إمضاء البيع‬
‫(‪، ) 9‬‬ ‫))‬ ‫البيّعان بالخيار ما لم يفترقا‬ ‫((‬ ‫وفسخه ما داما في المجلس بقولـه‬

‫حديث (( ل نكاح إل بولي )) رواه أحمد وأصحاب السنن عن أبي موسى الشعري‬ ‫()‬
‫وأخر جه الحا كم و صححه وقال قد صحت الروا ية ف يه عن أزواج ال نبي صلي ال عل يه و سلم‬
‫عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلثين صحابيا – انظر شرح هذا الحديث في‬
‫نيل الوطار للشوكاني ‪.‬‬
‫حد يث (( إذا م سّ أحد كم ذكره فليتو ضأ )) رواه مالك والشاف عي وأح مد وأ صحاب‬ ‫()‬
‫السنن وابـن خزيمة وابن حبان والحاكم عن بُسْرة بنت صفوان ‪ ،‬ورواه ابن ماجه أيضا عن أم‬
‫حبيبة ‪ ،‬ورواه كذلك أحمد وابن حبان والبيهقي والطبراني عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫حد يث (( كـل مسـكر حرام )) أخر جه أح مد والشيخان وغيرهـم عن أبـي مو سى‬ ‫()‬
‫ورواه مالك والشيخان أيضا عن عائشة بلفظ (( كل شراب أسكر فهو حرام )) ‪.‬‬
‫هذا القول المن سوب إلى ا بن مع ين لم يث بت ع نه ف قد قال الحا فظ ا بن ح جر‪ (( :‬ل‬ ‫()‬
‫يعرف هذا عن ا بن مع ين )) ‪ .‬وقال ا بن الجوزي ‪ (( :‬إن هذا ل يث بت عن ا بن مع ين و قد كان‬
‫مذهبه انتقاض الوضوء من مس الذكر )) ‪.‬‬
‫رواه أحمد والشيخان عن‬ ‫))‬ ‫البيعان بالخيار ما لم يفتر قا أو حتى يفترقا‬ ‫((‬ ‫حديث‬ ‫()‬

‫‪13‬‬
‫فيقول لهم الحنفية هذا خبر واحد فيما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجة فينبغي‬
‫أن يك ثر ناقلوه ويتوا تر و ما لم يتوا تر ف هو غ ير مقبول ‪ ،‬فيقول ل هم الشافعي ـة‬
‫والمالك ية أيضا إن خبر الوا حد مقبول عند نا مطلقا إذا جاء على شرو طه وإن ما‬
‫لم نقـل نحـن المالكيـة بخيار المجلس لن الفتراق عندنـا يتحقـق بالقول أي‬
‫باليجاب والقبول أو بالفعـل الدال عليهمـا كمـا جرى عليـه العمـل فـي المدينـة‬
‫والعمل عندنا مرجح على الخبر ‪.‬‬
‫الجهـة التفصـيلية ‪ :‬يشترط لصـحة السـند أن يكون مقبول الرواة ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)10‬‬
‫ومتصلً مرفوعا إلى النبي‬
‫ل وضابطا ‪.‬‬
‫ويشترط لقبول الراوي أن يكون عد ً‬

‫فالع ـدل هو الم سلم البالغ العا قل ال سالم من أ سباب الف سق وخوارم المروءة ‪،‬‬
‫وتث بت عدال ته باشتهاره بح سن الحال وبالثناء الجم يل عل يه أو بتعد يل الئ مة له‬
‫ولو بروايتهم عنه ‪.‬‬
‫ـا يتعلق‬
‫ـه وبعضهـ‬
‫ـا يتعلق بـ‬
‫ـي عدالة الراوي أمور بعضهـ‬
‫وتقدح فـ‬
‫بالحديث نفسـه ‪.‬‬
‫فممـا يتعلق بالراوي العتراض على عدالتـه بأنـه متروك الحديـث أو‬
‫وضّاع أو مطعون في دينه أو مجهول العدالة أو بغير ذلك من القوادح ‪...‬‬

‫المتبايعان كل وا حد منه ما بالخيار على‬ ‫((‬ ‫حك يم ا بن حزام ‪ ،‬ورواه مالك عن ا بن ع مر بل فظ‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫صاحبه ما لم يتفرقا إل بيع الخيار‬
‫الموقوف على الصحابي أيضا حجة عندنا سواء كان قولً أو فعلً ‪ ،‬وكان إمامنا‬ ‫()‬
‫يأخذ بفتاوى ال صحابة وأقضيتهم و قد أثبت كثيرا منها في موطّئه مع الحاديث المرفوعة ل نه‬
‫يرى أنهم إما أن يكونوا قد سمعوها أو شاهدوها من النبي صلى ال عليه وسلم أو فهموها من‬
‫كتاب ال عز وجل ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مثال الول اعتراض الشافعيـة على اسـتدللنا بروايـة خالد بـن الياس‬
‫كان ينهـض فـي الصـلة على‬ ‫أن رسـول ال‬ ‫((‬ ‫بإسـناده عـن أبـي هريرة ‪:‬‬
‫فقلنــا بعدم مشروعيـة جلسـة السـتراحة عنـد النهوض إلى‬ ‫))‬ ‫صـدور قدميـه‬
‫الركعة الثانية والرابعة وخالـد متـروك الحديث ؛ فنجيبهم بـأن الحديث الذي‬
‫اسـتدللنـا بـه على عدم مشروعيـة هذه الهيئة لم نروه مـن طريـق خالد بإسـناده‬
‫عن أبي هريرة بـل رويناه بأسانيـد أخرى عن ابن مسعـود وابن عمر وابن‬
‫عباس وغيرهم كما استدللنـا أيضا على عدم مشروعيتها بما رواه ابن المنـذر‬
‫فكان‬ ‫أدركت غير واحد من أصحاب النبي‬ ‫((‬ ‫عن النعمان بن عياش قال ‪:‬‬
‫إذا ر فع رأ سه من ال سجـدة في أول رك عة و في الثالث ـة ق ـام ك ما هو ولم‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫يجلس‬
‫ومثال الثا ني اعتراض نا على ا ستـدلل الحنف ية الذ ين يع ـدّون دا خل‬
‫الفـم والنـف مـن ظاهـر البدن المفروض غسـله على وجوب المضمضـة‬
‫أنـه قال ‪:‬‬ ‫والستنشـاق في الغُسل من الجنابـة بما روي عن رسول ال‬
‫لن هذا الحد يث‬ ‫))‬ ‫المضم ضة وال ستنشاق فريضتان في الغ سل من الجنا بة‬ ‫((‬

‫ل ـم يُروَ إل من طر يق بر كة بن محم ـد وه ـو وضّاع ك ما قال الدارقط ني ‪،‬‬


‫فيجيبوننـا بأنهم لم يستدلوا بهذا الخبر بل بما رواه الشيخان وأصحـاب السنن‬
‫وفيـه المضمضـة والسـتنشـاق‬ ‫فـي وصـف غسـله‬ ‫(‪)11‬‬
‫عـن ميمونــة‬
‫فنقول‬ ‫))‬ ‫وإن كنت ـم جني ـا فاطّهروا‬ ‫((‬ ‫واع تبروه مبينا لمج مل قول ـه تعالى ‪:‬‬

‫وض عت لل نبي صلى ال عل يه و سلم ماء يغت سل به فأفرغ على‬ ‫((‬ ‫قالت ميمو نة ‪:‬‬ ‫()‬
‫يديه فغسلهما مرتين أو ثلثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يـده بالرض ثم‬
‫مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلثا ثم أفرغ على جسده ثـم تنحى من‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫مقامه فغسـل قدميـه قالت فأتيته بخرقة فلم يُرِدْها وجعل ينفض الماء بيده‬

‫‪15‬‬
‫لهـم حينئذ أن ذكـر المضمضـة والسـتنشاق فـي هذا الحديـث ل يــدل على‬
‫وجوبهما بل على ندبهما ( سنيتهما ) كما هما في الوضوء المنفرد عن الغسل ‪.‬‬
‫من كان له‬ ‫((‬ ‫ومثال الثالث اعتراض الشافع ية على ا ستدللنا بقوله‬
‫(‪)12‬‬
‫فقلن ـا ب سقـوط الق ـراءة عن المأم ـوم‬ ‫))‬ ‫إمام فق ـراءة المام له ق ـراءة‬
‫(‪)13‬‬
‫بأن هذا الحد يث لم يروه مرفوعا إل جابر الجعفـي و هو يق ـول بالرﱠجعـة‬
‫فل يُح تج ب ما ينف ـرد برواي ته ‪ ،‬فنجيب هم بأن نا ن ـروي هذا الحد يث من غ ير‬
‫طريـق جابر الجعفـي ‪ ،‬نرويـه عـن سـفيان الثوري وسـفيان بـن عيينـة وشعبـة‬
‫وشَري ـك وغير هم من الثق ـات عن مو سى بن أ بي عائش ـة عن ع بد ال بن‬
‫‪ ،‬ونحـن نأخـذ بالحديــث المرســل إذا كــان‬ ‫شداد مرسـلً عـن النـبي‬
‫مر سلـه ث قة ول يس في سنـده علة تضعف ـه ‪ .‬ون ـروي أيضا عن مالك عن‬
‫نافع أن عبد ال بن عمر كان إذا سئـل هل يقـرأ أحد خلـف المام قـال ‪:‬‬
‫إذا صلى أحدكـم خلـف المام فحسبه قـراءة المام وإذا صلى وحده فليقرأ ‪.‬‬

‫ومثال الرابـع احتجاج فقهائنـا على جواز اسـتقبال القبلة أثناء قضاء‬
‫الحاجة عند وجود ساتر بينه وبينها بما روى خالد بن أبي الصلت بإسناده عن‬
‫ذُكـر لرسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أن أناسـا يكرهون أن‬ ‫((‬ ‫عائشـة قالت ‪:‬‬

‫ل يجوز عند نا أن يقرأ المأموم في ما يجه ـر ف يه المام لثبوت ن هي ال نبي صلى‬ ‫()‬
‫وإذا قُرئ القرآن‬ ‫((‬ ‫ال عل يه و سلم عن ذلك وأمره بالن صات أثناء قراء ته ولعموم قوله تعالى ‪:‬‬
‫ويندب له أن يقرأ في ما ي سرّ ف يه المام ل ما رواه مالك في المو طأ أن‬ ‫))‬ ‫فا ستمعوا له وأن صتوا‬
‫عروة بن الزبير والقاسم بن محمد ونافع بن جبير بن مطعم كانوا يقرؤون خلف المام فيما ل‬
‫يجهر فيه بالقراءة وقال المر عندنا أن يقرأ الرجل وراء المام فيما ل يجهر فيه المام بالقراءة‬
‫‪.‬‬
‫أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪16‬‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)14‬‬
‫))‬ ‫يسـتقبلوا القبلة بفروجهـم فقال أوقـد فعلوهـا حولــوا مقعدتـي قِبلَ القبلة‬
‫فيقول الحنفيـة ‪ :‬خالد بـن أبـي الصـلت مجهول ل يعرف مـن هـو والمجهول ل‬
‫يحتـج بروايتـه وتبقـى حجتنـا قائمـة على تحريـم اسـتقبالها مطلقا بمـا جاء فـي‬
‫قال ‪ ((:‬إذا أتيتم الغائط فل‬ ‫الصحيحين عن أبي أيوب النصاري عن النبي‬
‫‪ ،‬فنقول لهم إن الحديث‬ ‫))‬ ‫تستقبلوا القبلة ول تستدبروها ولكن شرﱢقوا أو غرّبوا‬
‫الذي رواه خالد بن أبي الصلت بإسناده عن عائشة رواه عنه خالد الحذاء وهو‬
‫وقـد روى عـن‬ ‫(‪)15‬‬
‫ث قة والثقـة ل يروي إل عـن عدل معروف عنده على ال قل‬
‫خالد بن أبي الصلت مبارك بن فضالة وواصل مولى أبي عيينة وغيرهما ‪.‬وأما‬
‫النهي عن استقبالها واستدبارها الوارد في حديث أبي أيوب فإنه محمول عليهما‬
‫في الفضاء بل ساتر ويدل عليه ما رواه أبوداود والحاكم عن مروان الصفرقال‬
‫رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت ‪ :‬أبا عبد الرحمن‬ ‫((‬

‫أليس قد نُهي عن ذلك ؟ فقال ‪ :‬بلى إنما نُهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫وبين القبلة شيء يسترك فل بأس‬
‫ومما يتعلق بالحديث نفسه إنكار الصل وهو المروي عنه روايةَ الفرع‬
‫أي رواية الراوي كما إذا احتج فقهاؤنا على افتقار النكاح إلى وليّ بقوله‬
‫أي ما ام ـرأة نك حت بغ ير إذن ولي ها فنكاح ها با طل فنكاحه ـا با طل فنكاح ها‬ ‫((‬

‫‪ ،‬فيقول الحنفية هذا الحديث يرويه ابن جُريج عن سليمان بن موسى‬ ‫(‪)16‬‬
‫))‬ ‫باطل‬

‫رواه أح مد وا بن ما جه وقال النووي في شرح م سلم إ سناده ح سن ورجاله ثقات‬ ‫()‬


‫ميزان‬ ‫((‬ ‫معروفون ولكـن الذهـبي قال حديـث منكـر– انظـر ترجمـة خالد بـن أبـي الصـلت فـي‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫العتدال وتهذيب التهذيب‬
‫قال الدارقطنـي ‪ :‬تثبـت عدالة المجهول بروايـة ثقت ين ع نه ‪ ،‬ولكـن ال صح عدم‬ ‫()‬
‫ثبوت العدالة له بذلك وإن قبلت روايته ‪.‬‬
‫حديث (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل )) رواه أحمد وأبو داود‬ ‫()‬

‫‪17‬‬
‫عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة ‪ ،‬وقد قال ابن جريج سألت عنه‬
‫ابن شهاب حين لقيته فقال ل أعرفه والراوي إذا أنكر ما روي عنه لم يُحتج به‬
‫‪ ،‬فنجيبهـم بأن الصـل لم يصـرح بتكذيـب الفرع فإذا روى عنـه‬ ‫(‪)17‬‬
‫كالشهادة‬
‫العدل وجب قبول ما روى ول يضر نسيان المروي عنه وإل لزم تكذيب العدل‬
‫وفي ذلك من التناقض ما ل يخفى ‪.‬‬
‫وم نه انفراد العدل بزيادة في الحد يث لم ترد في روايات الخر ين ك ما‬
‫إذا اح تج فقهاؤ نا على أن زكاة الحرث يع تبر في ها الن صاب بخم سة أو سُق ‪ .‬ب ما‬
‫أ نه قال ‪ (( :‬في ما سقت ال سماء والعيون أو كان عَثَريا‬ ‫صح عن ر سول ال‬
‫فيقول‬ ‫(‪)18‬‬
‫))‬ ‫العشـر وفيمـا سـُقي بالنضـج نصـف العشـر إذا بلغ خمسـة أوسـُق‬
‫زيادة في هذا الحد يث لن الجما عة‬ ‫))‬ ‫إذا بلغ خم سة أو سُق‬ ‫((‬ ‫الحنف ية إن جملة‬
‫الذين رووه لم يذكروها فأوجب ذلك شكا في صحتها ويبقى الحديث علىعمومه‬
‫فتجب الزكاة في الكثيروالقليل من الحرث دون اعتبارلنصاب ‪ ،‬فيجيبهم فقهاؤنا‬
‫بأن روايات الجماعـة ل تتعارض مـع هذه الزيادة حكما لوجودهـا فـي حديـث‬
‫صحيح آخر يخصص عموم حديث الجماعة فقد قال عليـه الصـلة والسلم ‪:‬‬

‫والترمذي وحسنه وصححه ابن ماجه والحاكم وابن حبان ‪.‬‬


‫قال المناوي في (( ف يض القد ير )) أب طل الحا كم هذا النكار بأن أ با عا صم وع بد‬ ‫()‬
‫الرزاق ويحيى ابن أيوب وحجاج بن محمد صرحوا بسماعه عن الزهري ‪.‬‬
‫حد يث (( في ما سقت ال سماء والعيون ‪ )) ..‬رواه أح مد والبخاري وأ صحاب ال سنن‬ ‫()‬
‫عن ابن عمر دون جملة (( إذا بلغ خمسة أوسق )) وجاء في بعض رواياته ( بعلً ) بدل (عثريا)‬
‫والعثري هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي ( أي بعلي كما يقول العامة ) ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ل يس في ما دون خ مس َذوْد صدقة ول يس في ما دون خ مس أواق صدقة ول يس‬ ‫((‬

‫وبذلك ينتفـي كـل شـك فـي صـحتها وفـي‬ ‫(‪)19‬‬


‫))‬ ‫فيمـا دون خمسـة أوسـُق صـدقة‬
‫وجوب الخذ بها ‪.‬‬
‫الضابط ‪ :‬هو المتقن للرواية وذلك بأن يثبت في نفسه ما يرويه بحيث‬
‫يتمكـن مـن اسـتحضاره متـى شاء أو يثبتـه فـي صـحف يصـونها ليؤديـه منهـا‪.‬‬
‫ويعرف ضبطه بمقابلة حديثه بحديث الثقات المتقنين ‪.‬‬
‫والعتراض يرد عليه من وجهين ‪:‬‬
‫الوجه الول أن يكون الراوي كثير السهو والغفلة كما إذا احتج فقهاؤنا‬
‫المغار بة ل ما رواه ا بن القا سم عن المام من أن ر فع اليد ين في ال صلة ل يس‬
‫أ نه كان ير فع‬ ‫((‬ ‫ب ما روي عن علي بن أ بي طالب‬ ‫(‪)20‬‬
‫معروفا إل ع ند افتتاح ها‬
‫‪ ،‬فيقول فقهاؤنا المشارقة الذين أخذوا برواية ابن‬ ‫))‬ ‫إذا افتتح الصلة ثم ل يعود‬
‫وهب وأشهب عن المام أنهما يرفعان أيضا عند الركوع وعند الرفع منه ‪ :‬هذا‬
‫الحد يث يرو يه يز يد بن أ بي زياد الذي قال ف يه رجال الحد يث ل قد ساء حف ظه‬
‫واختلط ذهنـه في آ خر عمره ‪ ،‬والحديـث مع ذلك موقوف غ ير مرفوع ‪ .‬و قد‬
‫كان إذا قام إلى‬ ‫أن رسـول ال‬ ‫((‬ ‫روى أحمـد وأصـحاب السـنن عـن علي‬
‫الصلة المكتوبة كبّر ورفع يديه حَذْو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته‬
‫‪ .‬وروى أحمد والشيخان‬ ‫))‬ ‫وأراد أن ير كع وي صنعه إذا ر فع رأ سه من الركوع‬
‫إذا قام إلى الصلة رفع يديه حتى‬ ‫كان النبي‬ ‫((‬ ‫عن عبد ال بن عمر قال ‪:‬‬
‫يكونا بحذْو منكبيه ثم يكبر فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك وإذا رفع رأسه‬

‫حد يث (( ليـس في ما دون خ مس ذود صدقة ‪ )) . . .‬رواه مالك وأحمـد والشيخان‬ ‫()‬
‫وأصحاب السنن عن أبي سعيد الخدري )) ‪.‬‬
‫جاء في المدونة عن ابن القاسم قال وقال مالك ‪ :‬ل أعرف رفع اليدين في شيء‬ ‫()‬
‫من تكبير الصلة ل في خفض ول في رفع إل في افتتاح الصلة يرفع يديه شيئا خفيفا ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫))‬ ‫مـن الركوع رفعهمـا كذلك أيضا وقال سـمع ال لمـن حمده ربنـا ولك الحمـد‬
‫فيجيبهم فقهاؤنا المغار بة بأنهم لم يرووا حديث علي عن يزيد بن أبي زياد بل‬
‫عن وكيع عن أبي بكر بن عبد ال المنهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه (( أن‬
‫‪ .‬ويروون أيضا عـن‬ ‫(‪)21‬‬
‫))‬ ‫عليا كان يرفـع يديـه إذا افتتـح الصـلة ثـم ل يعود‬
‫وكيع عن محمد بن أبي ليلى عن عيسى أخيه والحكم عن عبدالرحمن بن أبي‬
‫كان يرفع يديه إذا افتتح الصلة‬ ‫أن رسول ال‬ ‫((‬ ‫ليلى عن البراء بن عازب‬
‫‪ .‬ويروون كذلك عـن وكيـع عـن سـفيان‬ ‫(‪)22‬‬
‫))‬ ‫ثــم ل يرفعهمـا حتـى ينصـرف‬
‫الثوري عن عا صم عن ع بد الرح من بن ال سود عن ال سود وعلق مة قال قال‬
‫قال ف صلى ولم‬ ‫أل أ صلي ب كم صلة ر سول ال‬ ‫((‬ ‫ع بد ال بن م سعود ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)23‬‬
‫))‬ ‫يرفع يديه إل مرة‬
‫الوجه الثاني أن يكـون الراوي ممن يزيد برأيه في الحديث فل يُعلم‬
‫و ما ف يه من زياد ته إل إذا رُوي الحد يث من‬ ‫ما ف يه من كلم ر سول ال‬
‫طريق آخر ‪ ،‬ومثاله احتجاج الحنفية على أن راتبة الظهر القبلية أربع ركعات‬
‫أربع قبل الظهر ليس‬ ‫((‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫ل يُفصل بينها بسلم بما رُوي أن رسول ال‬
‫‪ ،‬فيقول فقهاؤنا هذا الحديث يرويه‬ ‫(‪)24‬‬
‫))‬ ‫فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء‬

‫هذه الحاديث الثلثة من رواية سحنون في المدونة ‪ ،‬وحديث ابن مسعود رواه‬ ‫()‬
‫أيضا أحمد وأبو داود والترمذي ورواه كذلك ابن عدي والدارقطني والبيهقي بلفظ (( صليت مع‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم وأ بي ب كر وع مر فلم يرفعوا أيدي هم إل ع ند ال ستفتاح )) و قد ح سنه‬
‫الترمذي وصححه ابن حزم وضعفه آخرون – انظر (( نيل الوطار )) ‪.‬‬
‫راجع الهامش السابق‬ ‫()‬
‫راجع الهامش السابق‬ ‫()‬
‫حديث (( أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء )) أخرجه أبو‬ ‫()‬
‫داود في ال سنن والترمذي في الشمائل وا بن خزي مة في ال صلة عن أ بي أيوب الن صاري و قد‬

‫‪20‬‬
‫عُبيدة بن معتّب الضبّي و قد ضع فه أئ مة الحد يث ح تى ل قد قال له يو سف بن‬
‫خال ـد ال سّمتي ‪ :‬هذا الذي ترو يه أكله سمعته أم بع ضه ؟ فقال بع ضه سمعته‬
‫وبع ضه أق يس عل يه ! فقال له يو سف ‪ :‬ار ِو ل نا ما سمعت ودع ما ق ست فإن نا‬
‫أعلم بالقياس منـك ‪ .‬ومـن كان هذا شأنـه فل يسـتدل بروايتـه لحتمال أن يكون‬
‫فيما يرويه شيء من رأيه ‪.‬‬
‫أن ل يكون‬ ‫شروط اتصال السند‪ :‬ويشترط في اتصال السند بالنبي‬
‫ف يه انقطاع أي بأن ليكون ب ين الرواة راوٍ محذوف ‪ ،‬وأن ل يكون موقوفا على‬
‫ال صحابي ‪ ،‬وأن ل يكون مر سلً ب سقوط ا سم ال صحابي م نه إل أن هذا الشرط‬
‫الخ ير ل يس متفقا عل يه فإن مالكا وأ با حني فة وأح مد في إحدى الروايت ين ع نه‬
‫وجمهور فقهاء مذاهبهـم يأخذون بالحديـث المرسـل إذا كان مرسـله مـن ثقات‬
‫التابعين ‪.‬‬
‫إ ما النقطاع وإ ما الو قف‬ ‫إذا فالقوادح في ات صال ال سنـد بال نبي‬
‫وإما الرسال عند البعض ‪.‬‬
‫مثال النقطاع احتجاج فقهائنــا على أن الخائف مــن تلف أو حدوث‬
‫احتملت فـي ليلة باردة‬ ‫((‬ ‫مرض له أن يتيمـم بحديـث عمرو بـن العاص قال ‪:‬‬
‫شديدة البرد في غزوة ذات ال سلسل فأشف قت إن اغت سلت أن أهلك فتيم مت ثم‬
‫ذكروا ذلك له‬ ‫صليت بأ صحابي صلة ال صبح فل ما قدم نا على ر سول ال‬
‫ذكرت قول ال عل يه‬ ‫((‬ ‫فقلت ‪:‬‬ ‫))‬ ‫فقال‪ ((:‬ياعمرو صليت بأ صحابك وأ نت ج نب‬
‫تعالى ‪ :‬ول تقتلوا أنفسكم إن ال كان بكم رحيما ‪ .‬فتيممت ثم صليت ‪ .‬فضحك‬
‫‪ .‬فيقول الشافعيـة هذا الحديـث منقطـع فإن‬ ‫))‬
‫(‪)25‬‬
‫ولم يقـل شيئا‬ ‫رسـول ال‬

‫))‬ ‫رمز السيوطي في جامعه الصغير لصحته ولكن يحيى القطان ضعفه – انظر (( فيض القدير‬
‫للمناوي ‪.‬‬
‫حديـث عمرو بـن العاص هذا رواه أحمـد وأبـو داود والدارقطنـي وابـن حبان‬ ‫()‬

‫‪21‬‬
‫روا ية ع بد الرح من ب ـن جُبير و هو لم ي سمع من عمرو بن العاص فل يح تج‬
‫بحديثه ‪ ،‬فنقول لهم إنه متصل بواسطة أبي قيس مولى عمرو عن عمرو ‪.‬‬
‫ومثال الوقـف احتجاج فقهائنــا على أن العتكاف ل يصــح دون‬
‫السـنة على المعتكـف أن ل يعود‬ ‫((‬ ‫بمـا روي عـن عائشـة قالت ‪:‬‬ ‫(‪)26‬‬
‫صـوم‬
‫مريضا ول يشهدَ جنازة ول يَم سﱠ ام ـرأة ول يباشرَه ـا ول يخ ـرجَ لحا جة‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫إل لما ل بدﱠ منـه ول اعتكاف إل بصوم ول اعتكاف إل في مسجد جامع‬
‫فيقول الشافع ية هذا الحد يث أخر جه أ بو داود وقال ف يه ‪ :‬غ ير ع بد الرح من بن‬
‫وأخرجـه أيضا النسائي غير مستهل‬ ‫))‬ ‫السّنة ‪...‬‬ ‫((‬ ‫إسحاق ل يقـول فيه قالت‬
‫ف هو إذا موقوف على عائ شة ‪ ،‬فتجيب هم بأن الحد يث وإن روي‬ ‫))‬ ‫ال سنة‬ ‫((‬ ‫بكل مة‬
‫من بعض طرقه موقوفـا فقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا وإذا‬
‫ثبت رفعه من طريق فل يضر وقفه من طريق آخر ‪.‬‬
‫ومثال الرسـال احتجاج فقهائنــا على افتقار النكاح إلى الولي بقولــه‬
‫‪ ،‬فيقول الحنفيـة هذا الحديث رواه شعبة والثـوري‬ ‫))‬ ‫ل نكاح إل بولي‬ ‫((‬

‫وأبو بـردة لـم يسمع منه ‪،‬‬ ‫عن أبي إسحاق عن أبي بـردة عن النبي‬
‫فنجيبهم بأن المراسيل مقبولـة عندنا كما قدمنا بـل وعندكـم أيضا ومع ذلـك‬
‫فقـد رواه إسرائيـل عـن أبي إسحاق عن أبي بـردة عـن أبيـه عن النبي‬
‫وقــد كانوا يحدثون بالحديـث فيرسـلونـه فإذا قيــل لهــم عمـن‬ ‫(‪)27‬‬

‫رويتموه أسنـدوه ‪.‬‬

‫وأخرجه البخاري تعليقا وقال الحافظ ابن حجر ‪ :‬إسناده قوي ‪.‬‬
‫مـن السـلف القائليـن بعدم صـحة العتكاف دون صـوم ابـن عباس وابـن عمـر‬ ‫()‬
‫وموله نافع والقاسم بن محمد ومالك وأبو حنيفة والثوري والوزاعي ‪.‬‬
‫رواه أيضا مرفوعا أحمـد وأصـحاب السـنن عـن أبـي موسـى الشعري – انظـر‬ ‫()‬
‫شرح الحديث في نيل الوطار ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أن‬ ‫))‬ ‫ال سنة على المعت كف ‪...‬‬ ‫((‬ ‫ت من قول عائش ـة‬
‫ه ـذا و قد علم َ‬
‫قول ال صحابي ‪ :‬ال سّنـة ك ـذا أو من ال سنة ك ـذا أو م ضت ال سنـة بك ـذا‬
‫بك ـذا أو أ مر بك ـذا أو‬ ‫يدخله في الحد يث المرفوع كقوله ‪ :‬ق ضى ال نبي‬
‫نهى عن كـذا ‪.‬‬

‫*‬

‫‪23‬‬
‫اتضَاح دَللـة الدّليـل الصلي النّقـلي‬

‫يشترط في الدليل الصلي النقـلي بعد ثبوت صحته اتضاحُ دللته على‬
‫الح كم الم ستدل به عل يه ‪ .‬واتضاح الدللة يختلف باختلف الم تن من ح يث أ نه‬
‫قول أو فعل أو تقرير ‪.‬‬
‫القسم الول من أقسام المتن وهو القول‬
‫القول يدل على الح كم إ ما بمنطو قه أي بالمع نى الذي يدل عل يه اللف ـظ‬
‫فـي محل النطق وهـو المعنى الـذي استعمل اللفـظ فيه حقيقة أو مجازا ‪،‬‬
‫وإ ما بمفهو مه أي ب ما يف هم م نه ف ـي غ ير م حل الن طق ب ـل في ما وراءه م ـن‬
‫فحوى القول ولحنه والمقصود منه ‪.‬‬
‫دللـة القول بمنطوقه على الحكم‬
‫القول الدال بمنطوقـه على الحكم قـد يكون أمرا وقد يكون نهيا وقد‬
‫يكون تخييرا ‪.‬‬
‫(‪، )28‬‬ ‫)‬ ‫فالمـر هو القول الدال على طلب الفعـل ‪ ،‬وصيغته ( افعلْ‬
‫وهي تـرد لمعانٍ كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫أقيموا الصلوة وآتوا الزكوة‬ ‫((‬ ‫المر المطلق كقوله تعالى ‪:‬‬
‫فإذا قُض يت ال صلوة فانتشروا ف ـي الرض‬ ‫((‬ ‫والذن ك ما في قول ـه تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫وابتغوا من فضل ال‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫وأشهدوا إذا تبايعتم‬ ‫((‬ ‫والشهاد كقولـه تعالى ‪:‬‬

‫المراد ب ها كل ما يدل على ال مر من سائر صيغه وإن ما اخت ير الت عبير بأفعلْ‬ ‫()‬
‫لخفته وكثرة دورانه في الكلم ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)29‬‬
‫))‬ ‫ل ممـا يليـك‬
‫كْ‬ ‫((‬ ‫لعمر بن أبي سلمة ‪:‬‬ ‫والتأديب كقولـه‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫انظروا إلى ثمره إذا أثمر و َينْـعِه‬ ‫((‬ ‫والعتبار كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫فأذنـوا بحـرب من ال ورسوله‬ ‫((‬ ‫والوعيد كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫ُذقْ إنـك أنـت العزيـز الكريم‬ ‫((‬ ‫والهانة كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين‬ ‫((‬ ‫والتكذيب كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫فاصبروا أو ل تصبروا سواء عليكم‬ ‫((‬ ‫والتسوية كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫فاقضِ ما أنت قاض‬ ‫((‬ ‫وعدم الكتراث كقول السحرة لفـرعون ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫حبَرون‬
‫ادخلوا الجنةَ أنتم وأزواجُكم تُ ْ‬ ‫((‬ ‫والكرام كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫كونوا قردةً خاسئين‬ ‫((‬ ‫والتكوين كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫كـنْ فيكــون‬ ‫((‬ ‫وكمال القدرة كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫يأيها الملؤُ أَفتوني في أمري‬ ‫((‬ ‫والمشورة كقول ملكة سبأ للمل من قومها ‪:‬‬
‫والدعاء كقولنا ‪ :‬اللهم اغفر لنا وارحمنا ‪.‬‬
‫وهــو أي القول الدال على طلب الفعـل حقيقــةٌ فـي المــر المطلق‬
‫ومجاز في المعاني الخرى‬

‫واختلف ال صوليون في الم ـر المطلق ه ـل يقت ضي الوجوب ابتداء‬


‫أو يقتضـي الندب أو هـو متردد بينهمـا ول يحمـل على أحدهمـا إل بقرينــة‬
‫إلى ما ذهب إليـه مالك وأصحابـه من‬ ‫(‪)30‬‬
‫تصْرفه إليه ؟ فذهـب كثير منهم‬

‫روى أحمد والشيخان عن عمر بن أبي سلمة قال ‪ (( :‬كنت غلما في حجر النبي‬ ‫()‬
‫صلى ال عل يه و سلم وكا نت يدي تط يش في ال صفحة فقال لي ‪ :‬يا غلم سمّ ِ ال و كل بيمي نك‬
‫وكل مما يليك )) ‪.‬‬
‫كالمام ف خر الد ين الرازي والقا ضي أ بي الط يب وأ بي حا مد ال سفراييني وأ بي‬ ‫()‬
‫إسحاق الشيرازي وأبي المظفر السمعاني ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أن ال مر المطلق يقت ضي الوجوب ابتــداء ول يحمـل على غي ـره إل بقري نة‬
‫صـارفة لن الشارع حيـن أمــر المكلف أراد منـه الطاعـة وإطاعـة الشارع‬
‫ول يحمل على‬ ‫(‪)31‬‬
‫واجبة ‪ ،‬وذهب غيرهـم إلى أنه يقتضي الندب في الصل‬
‫غيره إل بقرينة لن الشارع ل يأمر إل بخيـر والخير مندوب إليـه على وجه‬
‫العموم ‪ ،‬فإذا جاءت قرينة تحمله على الوجـوب كان مقتضيا لـه بها وإل بقي‬
‫إلى أن ـه ل يقت ضي ابتداء وجوبا ول ندبا‬ ‫(‪)32‬‬
‫على أ صلـه ‪ ،‬وذ هب آخرون‬
‫لتردده بين الوجود والندب والباحـة وإنما بعـرف اقتضاؤه بما يلبسه مـن‬
‫القرائن والعتبارات المرج حة للمقت ضى ال ـذي أراده الشارع م ـن وا جب أو‬
‫مندوب أو مباح ‪.‬‬
‫وقـد ترتب على اختلف الصوليين فـي هـذه المسألة الصولية‬
‫اختلف الفقهاء فـي كثيـر مـن الفروع الفقهيـة كاختلفهـم فـي الشهاد على‬
‫المراجعة هل هو واجب أو منـدوب ؟ فقال الشافعية بوجوبـه محتجين بقوله‬
‫فإذا بلغـن أجلهـن فأمسـكوهن بمعروف أو فارقوهـن بمعــروف‬ ‫((‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫أي على الم ساك وه ـو المراج عة ‪ ،‬وقال المالك ية‬ ‫))‬ ‫وأشهدوا ذوي عدل من كم‬
‫والحنفيـة ‪ :‬لما كانـت المراجعـة ل تتوقف على القبـول فـل تتوقف على‬
‫الشهاد والمر بالشهاد هنا محمول على الندب للتوثق كما في سائـر الحقوق‬
‫المقبوضـة ‪.‬‬
‫وكاختلف هم في غ سـل الن ـاء من شرب الكلب هل هو وا جب أو‬
‫(‪)33‬‬
‫))‬ ‫إذا شرب الكلب في إناء أحد كم فليغ سلْه سبع مرات‬ ‫((‬ ‫مندوب لقوله‬

‫مذهب ضعيف ذهب إليه أبو هاشم الجبائي وبعض أصحابه من المعتزلة ‪.‬‬ ‫()‬
‫كأ بي حا مد الغزالي و سيف الد ين المدي والقا ضي أ بي ب كر الباقل ني و صرح‬ ‫()‬
‫المام الشافعي في كتاب (( أحكام القرآن )) بتردده بين الوجوب والندب ‪.‬‬
‫رواه مالك‬ ‫))‬ ‫إذا شرب الكلب فـي إناء أحدكـم فليغسـله سـبع مرات‬ ‫((‬ ‫حديـث‬ ‫()‬

‫‪26‬‬
‫فذهـب الشافعيـة والحنفيـة والحنابلة إلى الوجوب لنهـم رأوا المــر يقتضيـه‬
‫لنجاسـة سـؤر الكلب عندهــم تبعا النجاســة لعابــه ‪ ،‬وذهـب المالكيـة إلى‬
‫النـدب وإلى أنه تعبدي غير معلل لن سؤره طاهر عندهم تبعا لطهارة لعابـه‬
‫فكلـوا مما‬ ‫((‬ ‫وطهارة عينه أيضا ويستدلون على طهـارة لعابه بقوله تعالى ‪:‬‬
‫ويقولون لو كان لعا به نج سا لتن جس ال صيد بمما سته ‪ ،‬وع ـددُ‬ ‫))‬ ‫أم س ْكنَ علي كم‬
‫مرات غسل الناء يؤيد ما ذهبوا إليه مـن عدم نجاسة سؤره لن النجاسات ل‬
‫يشترط في غسلها العدد ‪.‬‬
‫هذا ويتعلق بالمر تسع مسائل رئيسية ينبني عليها كثير من الحكـام‬
‫الفقهيــة ‪:‬‬
‫المسألـة الولى ‪ :‬ه ـل ال مر بالش ـيء يقت ضي المب ـادرة إليـه أم‬
‫ل يقتضيها ؟‬
‫اختلف في ذلك الصوليون واختلف أيضا الفقهــاء في بعض فروع‬
‫الف قه المبي نة على ه ـذا ال صل كاختلف المام ين أ بي حني فة والشاف عي في‬
‫فري ضة ال حج هل هي على الف ـور ف من أخر ها و هو متم كن م ـن أدائ ها كان‬
‫عاصيـا وهو مذهب أبي حنيفة ‪ ،‬أو هي على التراخي فمن أخرها وهو متمكن‬
‫و هو مذ هب الشاف عي ‪ ،‬وأ ما عندن ـا‬ ‫(‪)34‬‬
‫من أدائ ها ل يكون عا صيـا بالتأخ ير‬
‫وفقهائ نا العراقي ين ‪،‬‬ ‫(‪)35‬‬
‫ففي ها قولن ‪ :‬قول بأن ها على الف ـور و هو لمامن ـا‬

‫وأحمد والشيخان عن أبي هريرة وجاء في بعض رواياته ولغ بدل شرب ومعنى الولوغ الشرب‬
‫بطرف اللسان شأن الكلب عادة ‪.‬‬
‫ول كن بشرط ين ‪ :‬الول أن ل يخاف فوات ها ‪ ،‬والثا ني أن يعزم على أدائ ها في ما‬ ‫()‬
‫بعد وإل كان آثما بالتأخير الذي قد يفضي إلى الفوات ‪.‬‬
‫قال القرافي في التنقيح ‪ :‬المر عند مالك للفور أُخذ ذلك من أمره بتعجيل الحج‬ ‫()‬
‫ومنعه تفرقة الوضوء ومن عدة مسائل في مذهبه ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وقول بأن ها على الترا خي و هو لفقهائ نا المغار بة ول كن إلى ظن الفوات أو بلوغ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)36‬‬
‫الستين من العمر‬
‫والمحققـون من الصوليين يـرون أن المر المطلق ل يقتضي فورا‬
‫ول تراخيا إل بقيد ‪ ،‬لنه تارة يتقيد بالفوريـة كما إذا قال السيد لخادمه ‪ :‬سافر‬
‫الن فإ نه يقت ضي الفور ‪ ،‬وت ـارة يتقي ـد بالترا خي ك ما ل ـو قال ل ـه ‪ :‬سافر‬
‫بعد شهر فإنـه يقتضي التراخي ‪ ،‬فإذا أمره بأمر مطلق من غير تقييد بفـور‬
‫ل لهمـا ومـا كان محتملً لشيئيـن فل يكون مقتضيا‬
‫ول بتراخ فإنـه يكون محتم ً‬
‫لواحد منهما بعينه ‪.‬‬
‫المسألـة الثانية ‪ :‬هل المر بالشيء يقتضي تكراره أم ل يقتضيه ؟‬
‫ذهب مالك إلى أن المر يقتضي التكرار كما فهـم من استقراء كلمه‬
‫لنه لو لـم يكن للتكرار ل متنع ورود النسخ عليه بعد فعله ولنه ضـد النهي‬
‫وهـو للتكرار فوجـب أن يكون مثله للتكرار ‪ ،‬وخالفـه جمهور فقهاء المذهـب‬
‫فقالوا إنــه للمرة الواحدة إل إذا عُــلق على شرط أو وصـف فيكون حينئذ‬
‫للتكرار لن الشرط سبب والحكم يتكرر بتكرر سببـه ولن الوصف علـة أو‬
‫كالعلـة والحكم يتكرر بتكرار علته ‪ .‬ورأى المحققـون من الصولييـن أنـه‬
‫ل يقتضي التكـرار ول المرة بل هـو صالح لكل منهما ول يتعين لحدهمـا‬
‫إل بمعيّن يصرفه إليه ‪ :‬فقد أمرنـا الشارع بصوم رمضان من كل سنة وأمرنا‬
‫بالحج مرة في العمر ولصـلح المر المطلق لكل واحد من القيدين حسن من‬
‫السامع الستفهام لما فيه من البهام فقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة قال ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أيها الناس قد فرض ال عليكم الحجﱠ فحجوا ‪.‬‬ ‫خطبنا رسول ال‬ ‫((‬

‫لن سنّ الستين تنذر بقرب ال جل أو بالع جز غالبا ولن ال أعذر إلى عبده عند‬ ‫()‬
‫((‬ ‫بلوغها فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫أعذر ال إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة )) ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ :‬لو‬ ‫فقال رجل ‪ :‬أكلﱠ عام يا رسول ال ؟ فسكت حتى قالها ثلثا فقال النبي‬
‫(‪ )37‬ولول أن المر‬ ‫))‬ ‫قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ‪ :‬ذروني ما تركتكم‬
‫المطلق يحتمل التكرار والمرة الواحـدة لما سأل الرجل هذا السؤال ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬هل المر المؤقت بوقت مو سّـع يتعلق بأول الوقت‬
‫خاصة أو بآخره خاصة أو ل يختص تعلقه بجزء معين منه ؟‬
‫اختلف فـي ذلك الصـوليون واختلف معهـم الفقهاء ‪ :‬فبعـض الشافعيـة‬
‫يرون ال مر المؤ قت بو قت مو سع متعلقا بأوله فإن تأ خر الف عل عن أول الو قت‬
‫ووقع في آخره فهو قضاء سدﱠ مسصصدﱠ الفرض ‪ ،‬والمحققون مصن الصصوليين يرونه‬
‫غير متعلق بجزء معين منه لنه لو تعلق بأولـه لكان المؤخر عاصيا بالتأخير‬
‫ولكان قاضيا ل مؤديا وحينئذ يجــب عليــه أن ينوي القضاء وهـــو خلف‬
‫ل ولوجـب عليـه أن‬
‫الجماع ‪ ،‬ولو تعلق بآخره لكان المقدم متطوعــا ل ممتث ً‬
‫ينوي التطوع ولما أجزأه فعله عن الواجب كما لو فعل قبل الوقت ‪ ،‬وهذا أيضا‬
‫خلف الجماع ‪ ،‬فث بت أن ال مر المؤ قت بو قت مو سّع ل يخ تص تعل قه بجزء‬
‫معين منه بل يتعلق بمجموع أجزاء الزمن الكائنـة بيـن الحدّين وعليه مذهبنا‪.‬‬

‫ومما ينبني على هـذا الصل اختلفهم في الصبي إن صلى في أول‬


‫الو قت ثم بلغ ق بل انقضائه فإن القائل ين بأن ال مر المؤ قت بو قت مو سّع يتعلق‬
‫بأوله يرون صلته تجزئه ول إعادة عليه لنه بلغ بعـد انقضاء زمن الوجوب‬
‫وقـد صـلها فيـه ‪ ،‬والقائليـن بأنـه يتعلق بآخره يــرون صـلته ل تجزئه لنـه‬
‫صلها قبل زمن الوجوب ولما أدركـه زمن الوجوب وهو بالغ وجب عليه أن‬
‫يعيدهـا فيـه ‪ ،‬وأمـا فقهاؤنـا فلبناء تخريجاتهـم على أن المــر المؤقـت بوقـت‬

‫حديث أبي هريرة هذا رواه أحمد ومسلم والنسائي والرجل هو القرع بن حابس‬ ‫()‬
‫‪.‬‬ ‫كما جاء عن ابن عباس في روايته لهذا الحديث‬

‫‪29‬‬
‫موسـع ل يختـص تعلقـه بجزء معيـن منـه يوجبون عليـه إعادة صـلته ل لن‬
‫وجوب ها يتعلق بآ خر الو قت بل لن صلته تلك كا نت م نه نافلة غ ير مفرو ضة‬
‫عليه والنافلة ل تسدﱡ مسدﱠ الفريضة ‪.‬‬
‫ومثله اختلفهم في الوقت الفضل لداء صلة الصبح هـل التغليس أم‬
‫السفار ؟ فالشافعية يـرون التغليس أفضل لنه وقت الوجوب ‪ ،‬والحنفية يرون‬
‫السـفار أفضـل لنـه هـو وقـت الوجوب عندهـم ‪ ،‬والمالكيـة كالشافعيـة يرون‬
‫بعد أن صلى‬ ‫التغليس أفضل ولكن ل لنه وقت الوجوب بل لن رسول ال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)38‬‬
‫الصبح مـرة فأسفر بها لزم التغليس إلى أن توفـي‬
‫المسـألة الرابعـة ‪ :‬هـل المـر الذي يسـقط بفعـل بعـض المكلفيـن عـن‬
‫البعض الخر يتعلق ابتداء بالجميع ثم يسقط بفعل من فعله عمن لم يفعله أو إنما‬
‫يتعلق ابتداء ببعض المكلفين ؟‬
‫جمهور العلماء يرون أ نه يتعلق ابتداء بالجم يع لن العقاب ي عم الجم يع‬
‫إذا تركوه ول يعم العقاب إل لعموم الواجب ‪.‬‬
‫وم ما ينب ني على هذه الم سألة أن الحا ضر ال صحيح إذا عدم الماء فإ نه‬
‫يتي مم للفرائض المتعي نة عل يه كال صلوات الخ مس ول يتي مم للنواف ـل ا ستقللً‬
‫وفي تيممه لصلة الجنازة خلف بناء على هذا الصل ‪ :‬فمن يرى صحة التيمم‬
‫لهـا يــرى وجوبهـا يتعلق ابتداء بجميـع المكلفيـن وهــذا الرأي عندنــا قوي‬
‫مدركــا وإن لم يشتهـر مذهبا ‪ ،‬ومـن يرى عدم صـحة التيمـم لهــا يرى‬

‫أخرج أ بو داود عن أ بي مسـعود الن صاري ‪ (( :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه‬ ‫()‬
‫وسلم صلى صلة الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلته بعد ذلك‬
‫التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يُ سْفر )) وأصله في الصحيحين والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬وروى‬
‫مالك وأحمد والشيخان وأصحاب السنن عن عائشة قالت ‪ (( :‬إن كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن مايُعرَفن من الغلس )) ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وجوبهـا غير متعلق ابتداء بجميع المكلفين فكانت فـي حقه كالنافلـة ما دامت‬
‫غير متعينة عليه وهـذا الرأي عندنا هو المشهور في المذهب وإن كان ضعيفا‬
‫في المدرك ‪.‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬هـل المر بواحد من أشياء يقتضي واحـدا منها‬
‫ل بعينـه أو يقتضيهـا جميعهـا وإن كان فعــل أحدهـا مجزِئا ؟ كالمــر فـي‬
‫كفارة اليم ين بإطعام عشرة م ساكين أو ك سوتهم أو تحر ير رق بة ‪ ،‬وكال مر في‬
‫كفارة صيام بعتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ‪.‬‬
‫فذهـب الجمهور إلى الول وهـو اقتضاء واحـد ل بعينـه لن مـن ترك‬
‫الجميع إنمـا يعاقب عقوبة من تـرك واجبا واحدا ل عقوبة من ترك واجبات‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)39‬‬
‫كثيرة‬
‫ويظهـر أثـر الخلف فـي العبـد والمسـافر إذا كانـا إماميـن فـي صـلة‬
‫الجمعة هل تصح صلة المؤتمين بهما أو ل تصح ؟ فابن القاسم ل يراها تصح‬
‫بناء على أن الواجب في حق العبد والمسافر غير معيـن لنهما مخيـران بين‬
‫الجمعة والظهر فالواجب عليهما إحداهما ل بعينهـا وهما مفترضان في مطلق‬
‫الصـلة التـي هـي إحداهمـا ومتنفلن فـي خصـوص الجمعـة ‪ ،‬فإذا اقتدى بهمـا‬
‫الح ـرﱡ الحا ضر في الجم عة المعي نة عل يه كان اقتداؤه كاقتداء مفترض بمتن فل‬
‫‪ ،‬وأش هب يرا ها ت صح بح جة أن الجم عة كالظ هر واج بة على‬ ‫(‪)40‬‬
‫و هو ل ي صح‬
‫العبـد وعلى المسـافر بناء على أن المـر بواحـد مـن مأمورات يقتضـي عنده‬
‫وجوب الجميع وإن أجزأ واحد منها ‪.‬‬

‫هذا في الواجبات المخيرة وأ ما في الواجبات المرت بة ك ما في كفارة الظهار فإ نه‬ ‫()‬


‫ل يجوز فيها العدول عن الول إل عند تعذره ‪.‬‬
‫رأي ا بن القا سم في عدم صحة إما مة الع بد والم سافر في صلة الجم عة منقول‬ ‫()‬
‫مثله عن المام في المدونة وعليه المذهب ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫المسألة السادسة ‪ :‬المر بالشيء هل يقتضي فعله الجزاء أم ل ؟ أي‬
‫أن المكلف إذا فعـل ما أُمر به هل يلزم منه انقطاع التكليف عنه فيما فعله أو‬
‫ل يلزم بل يجوز بقاؤه فيه ؟‬
‫لل صوليين في هذه الم سألة قولن أرجحه ما الول و هو اقتضاء الف عل‬
‫الجزاءَ وانقطاعَ التكليف فيه ‪ ،‬وقـد بنى الفقهاء عليهما فروعـا كثيرة منها ‪:‬‬
‫من لم يجد مـاء ول صعيدا ودخـل عليه وقت الصلة فإننا نأمـره‬
‫‪ ،‬ث ـم إذا صلى‬ ‫(‪)41‬‬
‫بال صلة ق بل خروج وقت ها على قول اب ـن القا سم وأش هب‬
‫هل يق ضي تل ـك ال صلة ع ند وج ـود الماء أو ال صعيـد أو ل يقضي ها ؟ أ ما‬
‫ابن القاسم فيأمـره بقضائها لنه ل يـرى انقطاع التكليف عنه في صلة أداها‬
‫بغ ير طهارة وإن أُ مر ب ها على تلك الحال ـة حر مة لوقت ها ‪ ،‬وأم ـا أش هب فل‬
‫يأمره بقضائها لنه يرى انقطاع التكليف عنه بأدائها كما أُمـر والمر يقتضي‬
‫الجزاء ويلزم من الجزاء سقوط القضاء ‪.‬‬
‫كذلك من ل ـم ي جد ثوبا ي ستر ب ـه عور ته ف صلى عاريا ثم و جد ثوبا‬
‫بع ـد خروج الوق ـت هل يعي ـد صلته أو ل يعيد ها بناء على هذا ال صل ؟‬
‫الراجح عندنا في المذهب عدم العادة ‪.‬‬
‫ل عارفـا‬
‫ومثلـه من التبست عليه القبلة في موضع لم يجـد فيه عد ً‬
‫ول محرابا قائما ف صلى إلى ج هة ظن أن ها القبلة ثم تبين له ب عد خروج الو قت‬
‫أنها ليست القبلة ففي وجوب العادة عليه قولن أرجحهما عدم الوجوب ‪.‬‬

‫فا قد الطهور ين ل ت جب عل يه ال صلة ول ت صح م نه في مشهور المذ هب أخذا‬ ‫()‬


‫بقول المام ول يقضي ها ب عد ذلك كالمجنون والمغ مى عل يه والحائض والنف ساء لفقدان شرط من‬
‫شروط الوجوب و هو التم كن من طهارة الحدث وشرط من شروط ال صحة و هو الطهارة من‬

‫‪.‬‬ ‫الحدث‬

‫‪32‬‬
‫المسألة السابعة ‪ :‬هل يقتضي المر الموقوت بوقت قضاء المأمور به‬
‫بعـد فــوات وقتـه أو ل يقتضيــه ؟ أي أن العبــادة المحــدد وقتهـا إذا لــم‬
‫يفعلها المكلـف حتى خرج وقتهـا هل يجب عليه قضاؤهـا بالمـر الول أو‬
‫ل يجب عليه قضاؤها إل بأمر جديد كالمر بوجوب قضـاء صلة خرج وقتها‬
‫على نائم أو غافل وقضاء صوم رمضان على مريض أو مسافر لم يصمـه ؟‬
‫فـي هــذه المسـألة قولن للصـوليين ‪ :‬فإن بعضهـم يرون أن القضاء‬
‫وا جب بال مر الول لن ت ـرك المأمور به يجعله دين ـا عالق ـا بالذ مة ي جب‬
‫أداؤه ‪ ،‬وبعضهـم يــرون أن القضاء غيـر واجـب بالمـر الول وإنمـا يجــب‬
‫الوقت المحدد لـه ‪ ،‬أل ترى أن السيد إذا قـال لعبده إفعل كـذا يوم الخميس‬
‫مثلً فإن أمره هذا ل يتناول اليام التي بعده ‪.‬‬
‫وبناء على هذيــن القوليـن اختلف الفقهاء فـي تارك الصـلة متعمدا‬
‫هـل يجب عليه قضاؤها كما وجب على النائم والغافل ؟‬
‫جمهور الفقهاء يوجبون عليه قضاءها بالمـر الول لنه بتعمد تركها‬
‫بقيـت دينــا عل يه والد ين ل ي سقط عـن المديـن إل بأدائه وديــن ال أ حق أن‬
‫يق ضى ‪ ،‬وابـن حبيب مـن فقهائنــا وداود وا بن حزم الظاهريــان ل يوجبون‬
‫عليـه قضاءهـا بعـد خروج وقتهـا لنـه لم يرد أمـر بذلك إل فـي حـق النائــم‬
‫إذا رقـد أحدكم عن الصلة أو غفل عنها فليصلّـها‬ ‫((‬ ‫والغافل وهو قوله‬
‫ولم يرد مثله في‬ ‫(‪)42‬‬
‫))‬ ‫إذا ذكر ها فإن ال عز وج ـل يقول أ قم ال صلة ل ِذكْري‬
‫المتعمد ‪.‬‬

‫حديث (( إذا رقد أحدكم عن الصلة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها )) رواه مسلم‬ ‫()‬
‫من نسي صـلة أو نام عنها‬ ‫((‬ ‫في صحيحه عن أنـس بـن مالك ‪ ،‬ورواه عنه أيضا بلفـظ‬
‫فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها )) ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫المسألة الثامنة ‪ :‬هـل المر بالشـيء يقتضي وسيلة المأمور به أو‬
‫(‪)43‬‬
‫ل يقتضيها ؟ أي ما ل يتم الواجب إل به هل هو واجب أيضا أم ل ؟‬
‫جمهور الصوليين يرون أن المر يقتضي جميـع ما يتوقف عليه فعل‬
‫المأمور بـه لن الوسـيلة لو لم تكـن مأمورا بهـا أيضا لجاز للمكلف تركهـا ولو‬
‫جاز له تركها لجاز ترك الواجب الصلي لتوقفه عليها ‪.‬‬
‫وعلى هذا الصل أوجب الفقهـاء طلب الماء للطهارة وقالوا لما كانت‬
‫الطهارة واج بة ول يتو صل إليه ـا إل بطلب الماء فطل ـب الماء واج ـب لن‬
‫ما ل ي تم الوا جب إل به ف هو وا جب ‪ ،‬ولذلك اتفقوا على أن من وج بت عل يه‬
‫كفـارة بالعتـق ولم تكن عنـده رقبـة وعنده ثمنها وجب عليه اشتراؤها لنه‬
‫ل يتوصل إلى العتـق الواجب عليه إل باشترائها فاشتراؤها إذا واجب عليه ‪،‬‬
‫ولذلك أوجبنـا اشتراء الماء للوضوء في السفر إذا لـم يكن ثمنه مجحفا ‪.‬‬
‫المسألة التاسعة ‪ :‬هل المر بالشيء يتضمن النهي عن ضده ؟‬
‫جمهور ال صوليين والفقه ـاء يرون أن ال مر بالش يء يتض من الن هي‬
‫عن ضده وحجتهم أن الضد إما أن يكون مأمورا به أو مباحـا أو منهيا عنه ‪،‬‬
‫ول يصح أن يكون مأمورا به لنه ل يعقل أن يؤمر بفعل الشيء وضده معا ‪،‬‬
‫ول يصـح أن يكون مباحا لنـه لو كــان مباحا لجاز ترك المأمور بـه ‪ ،‬وترك‬
‫المأمور به ل يجوز فلم يبق إل أن يكون ضدﱡ المأمور به منهيا عنه ‪.‬‬
‫وبعض الصوليين والفقهـاء ل يقولون بأن المر بالشيء نهـي عن‬
‫ضده لنهم يرون أن قصد الشارع من المر إنما هو فعل المأمور به فإذا فعله‬
‫المأمور حصل ما قصد إليه الشارع ‪.‬‬

‫قال القرافي في التنقيح ‪ :‬ما ل يتم الواجب المطلق إل به ‪ -‬وهو مقدور للمكلف‬ ‫()‬
‫‪ -‬فهو واجب لتوقف الواجب عليه ‪ ،‬ثم شرحه شرحا شيقا فاطّلعْ عليه ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ويظهـر أثــر الخلف فـي عباد ٍة جمـع فيهـا المكلف بيـن المأمور بـه‬
‫وضده كأن جلس عمــدا فـي صـلة مفروضـة ثـم تلفـى القيام المأمور بـه ‪،‬‬
‫فالذين يرون أن المر بالشيء نهي عن ضده ‪ -‬وهم الكثرون ‪ -‬يحكمون على‬
‫صلته بالبطلن لتعمده جلوسا فيها منهيا عنه ‪ ،‬والذين ل يـرون المر بالشيء‬
‫نهيـا عن ضده يعدونها صحيحة لنه فعل فيها ما أُمر به ‪.‬‬
‫ومثله ل ـو سجد على مكان ن جس وأع ـاد ال سجود على مكان طا هر‬
‫فإن صلته تعد باطلة عند الجمهور وصحيحة عند الخرين ‪.‬‬
‫هــذا وكـل مـن يقول بمفهوم المخالفـة كإمامنـا وأكثــر علماء مذهبـه‬
‫والمام الشاف عي وأكث ـر علماء مذه به يقول ـون بأن ال مر بالش يء ن هي عن‬
‫ضده ‪ ،‬وأكثر علماء الحنفية ل يقولون به ‪.‬‬
‫والنهي هـو القـول الـدال على طلب المتناع عن الفعل ‪ ،‬وصيغته‬
‫( ل تفعل ) وترد لمعان عدة منها ‪:‬‬
‫يا أي ها الذ ين آمنوا ل تحرموا طيبات‬ ‫((‬ ‫الن هي المطلق كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫ما أحلﱠ ال لكم‬
‫ل تسـألـوا عــن أشياء إن تُبْــَد لكـم‬ ‫((‬ ‫والرشــاد كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫تسؤكــم‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫ل تعتذروا اليوم‬ ‫((‬ ‫والياس كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ول تمدنﱠ عينيـك إلى مـا متعنـا بـه‬ ‫((‬ ‫وبيان الحقارة كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫أزواجا منهم زهر َة الحياة الدنيا لنفتنَـهُم فيه‬
‫ول تحسـبـنﱠ ال غافلً عمـا يعملُ‬ ‫((‬ ‫ـة كقوله تعالى ‪:‬‬
‫وبيان العاقبـ‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫الظالمــون‬
‫والدعـاء كقولنا ‪ :‬اللهم ل َتكِلْنـا إلى أنفسنا طرفةَ عين ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وه ـو أي القول الدال على طلب المتناع عن الف عل حقيق ٌة في الن هي‬
‫المطلق ومجاز في المعاني الخرى ‪ ،‬وأهم ما يتعلق به مسألتان ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬هـل النهي يقتضي التحريم أم الكراهة ؟‬
‫لن الصـحابة والتابعيــن كانوا‬ ‫(‪)44‬‬
‫الجمهور يرونــه مقتضيا للتحريـم‬
‫يحتجون ب ـه على التحر يم ولن فا عل ما نُ هي ع نه عاص والعا صي ي ستحق‬
‫العقاب وكل فعل يستحق صاحبه العقاب فهو حرام ‪ .‬وينبني على هـذا الصل‬
‫فروع كثيرة ‪:‬‬
‫(‪)45‬‬
‫منها الصلة في المواطن السبعة التي ورد النهي عن الصلة فيها‬
‫وهـي المزبلة والمجزرة والمقبــرة وقارعــة الطريـق والحمام وأعطان البـل‬
‫وفوق ظهـر الكعبة ‪ :‬فإن الفقهـاء اختلفوا في حكم الصلة فيها بيـن التحريم‬
‫والكراهة ‪ ،‬وأكثر المحققيـن من علمائنا يـرون أن النهي يـدل ابتـداء على‬
‫التحريـم و مع ذلك يعـدون الصلة في الموا طن المذكورة غيـر محرمة بل‬
‫لنهم يـرون حديث النهي عن الصلة فيها‬ ‫(‪)46‬‬
‫ول مكروهة إذا أُمنت النجاسة‬
‫جُعلت لي الرض مسـجدا وَطهورا‬ ‫((‬ ‫على فرض صـحته منسـوخـا بقوله‬

‫والبعض ومنهم الغزالي يرونه مترددا بين التحريم والكراهة ‪.‬‬ ‫()‬
‫أخرج الترمذي عن ا بن ع مر ‪ (( :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ن هى أن ُ‬ ‫()‬
‫ي صلى في سـبعة مواطـن في المزبلة والمجزرة والمقـبرة وقار عة الطر يق و في الحمام و في‬
‫أعطان ال بل وفوق ظ هر ب يت ال )) وقال ‪ :‬إ سناده ل يس بالقوي لن ف يه ز يد بن جبيرة و هو‬
‫ضعيف ‪ ،‬وقـال النسائي ‪ :‬ليس بثقة ‪ ،‬وقال ابن معين والبخاري ‪ :‬متروك ‪.‬‬
‫باستثناء أعطان البل فإن الصـلة فيها مكروهة عندنا كراهة تعبدية لقوله صلى‬ ‫()‬
‫ال عليه وسلم ‪ (( :‬صلوا في مرابض الغنم ول تصلوا في أعطان البل )) رواه أحمد وابن ماجه‬
‫والترمذي وصححه عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫(‪ )47‬لن ـه من فضائله التي‬ ‫))‬ ‫فأيّم ـا رج ـل من أم تي أدركته ال صلة فلي صلّ‬
‫خصّـه ال بها وهي ل تنسخ قطعا ‪.‬‬
‫ومنها اختلفهم فـي استقبال القبلة واستدبارها عنـد قضاء الحاجة هل‬
‫ه ـو حرام أو مكروه ؟ بناء على ما رواه أ بو أيوب الن صاري من قول ـه‬
‫إذا أتيتـم الغائـط فل تستقبلـوا القبلة ول تستدبرونهـا ولكـن شرّقـوا أو‬ ‫((‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)48‬‬
‫))‬ ‫غرّبـوا‬
‫أما عند فقهائنـا فمحمول على التحريم في الفضاء بل ساتر كحائط أو‬
‫صخرة أو شجرة جمعا ب ين الحديث ين ‪ :‬حد يث أ بي أي ـوب ه ـذا وحد يث ا بن‬
‫رق يت يوم ـا على ب يت حف صة فرأ يت ال نبي‬ ‫((‬ ‫ع مر الذي ق ـال في ـه ‪:‬‬
‫فحمـل فقهاؤنــا حديـث أبـي‬ ‫(‪)49‬‬
‫))‬ ‫على حاجتـه مسـتقبل الشام مسـتدبر الكعبـة‬
‫أيوب على الفضاء حيث ل ُستـرة وحملـوا حديث ابن عمر على الستـرة ‪،‬‬
‫وأ ما عن ـد الحنفي ـة فمحمول على التحر يم مطلقا سـواء في الفضاء أو في‬
‫البيوت لعموم النهي في حديث أبي أيوب بعـد أن رجحوه على حديث ابن عمر‬
‫لنهم رأوا في حديث أبي أيوب نهيـا صريحـا وفي حديث ابن عمر موافقة‬
‫للبراءة الصلية وهي عــدم الحكم مع احتمال تقدمـه على حديث النهي ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬هـل النهي يدل على فساد المنهي عنه أم ل ؟‬

‫أخرجـه الشيخان عـن جابر بـن عبـد ال قال ‪ (( :‬قال رسـول ال صـلى ال عليـه‬ ‫()‬
‫وسلم اُعطيت خمسا لم ُيعطَهن أحد من النبياء قبلي ُنصرت بالرعب مسيرة شهر وُجعلت لي‬
‫الرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل‬
‫لحد قبلي وأعطي تُ الشفا عة وكان النبي ُيبعث إلى قومه خاصة وُبعثت إلى الناس عامة )) قاله‬
‫صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك أمام مل كبير من أصحابه ‪.‬‬
‫حديث أبي أيوب هذا أخرجه الشيخان وأحمد وغيرهم ‪.‬‬ ‫()‬
‫حديث ابن عمر هذا رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪37‬‬
‫أك ثر الصوليين والفقه ـاء يرون أن النهي ي ـدل على فساد المنهـي‬
‫عنه إل ما خرج بدليل منفصل ‪ .‬وحجتهم أن الصحابة والتابعين كانـوا يقولون‬
‫بفسـاد أنكحــة وبيوع لورود النهـي عنهــا ولم ينكـر بعضهـم على بعــض‬
‫ال ستدلل بذلك بل ربم ـا عارض بعض هم بعض ـا بأدلة أخرى ‪ ،‬وأن الن هي‬
‫ل يس إل ل ـدرء مف سـدة في المن هي ع نه سواء كان في العب ــادات أو في‬
‫المعاملت والمتضمّن للمفسدة فاسد ‪.‬‬
‫وعلى هذا الصل اختلف الفقهـاء في نكاح الشِغار هـل يفسخ أم ل ؟‬
‫‪ .‬فمـن رأى النهـي يدل على فسـاد‬ ‫(‪)50‬‬
‫عنـه‬ ‫مـع اتفاقهـم على نهــي النـبي‬
‫‪ ،‬ومـن رآه ل يـدل على فساده لم يحكم بفسخه‪.‬‬ ‫(‪)51‬‬
‫المنهي عنه حكم بفسخه‬
‫واختلفوا في بيع وشرط وفي بيـع وسلف بعـد ورود النهي عنهمـا‪.‬‬
‫والمعوﱠل عليه في مذهبنـا أن النهي عن الشيء إن كان لحق ال عز‬
‫وجـل فإنه يفسـد المنهي عنه وإن كان لحـق العبـد فل يفسده ‪ .‬أل ترى أن‬
‫لُت صَرﱡوا البـل والغنم فمـن ابتاعها‬ ‫((‬ ‫نهى عن التصرية فقال ‪:‬‬ ‫النبي‬
‫بعد ذلك فهو بخيـر النظرين بعد أن يحلبها فإن رضيهـا أمسكها وإن سخطها‬
‫بفسخ البيـع لنه ليس بفاسد‬ ‫فلـم يحكم‬ ‫(‪)52‬‬
‫))‬ ‫ردها وصاعـا من َتمْـر‬

‫ثب ـت الن هي عن نكاح الشغ ـار في عدة أحاد يث صحيحة أخرجه ــا أح مد‬ ‫()‬
‫والشيخان وأصـحاب السـنن ‪ .‬ونكاح الشِغار هـو البُضـع بالبضـع مـن دون صـداق ‪ ،‬كأن يقول‬
‫رجل لخر أزوجك أختي مقابل تزويجي أختك من دون مهر ‪.‬‬
‫عند المالكية يفسخ نكاح الشغار قبل الدخول مطلقا أي ولـو سمي فيه صـداق‬ ‫()‬
‫وبعد الدخول وإن طال إن لم يسمﱠ فيه صداق فـإن سمي النكاح كـأن يقول ‪ :‬زوجتـك ابنتي‬
‫بكـذا على أن تزوجني ابنتك بكذا ‪.‬‬
‫حديـث النهـي عـن التصـرية رواه الشيخان عـن أبـي هريرة ‪ ،‬والتصـرية ربـط‬ ‫()‬
‫الضروع ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ولو كان فا سدا لح كم بف سخه ولم ـا ج عل للمشتري خي ـارا في الم ساك لن‬
‫الحق فيه للعبد ل ل عز وجل ‪ ،‬ولما نهـى ال تعالى عـن البيع وقت النداء‬
‫يا أيها الذين آمنوا إذا نـودي للصل ِة من يـوم الجمعة‬ ‫((‬ ‫لصلة الجمعة فقال ‪:‬‬
‫ك ـان نهي ـه ع نه لح قه في وجوب سعي‬ ‫))‬ ‫فا سعوْا إلى ذ كر ال وذروا الب يع‬
‫عباده المؤمن ين ل ها فقل نا بف ساد البي ـع وقتئذ بالضا فة إلى حرمت ـه وبوجوب‬
‫فسخه إن تم إذ ل اختيـار للعباد في حقوق ال ‪.‬‬
‫وهـذا هو وجه تفرقـة فقهائنا بين ما يفسخ من النكاح المنهي عنـه‬
‫بطلق وب ين ما يف سـخ بغ ير طلق ‪ ،‬فإن هم قالوا ك ـل نكاح كان لل ـزوج أو‬
‫للزوجة أو للولي إمضاؤه وفسخه فإنه يفسخ بطـلق لن النهي فيه لحـق من‬
‫له الخيار والنكـاح في نفسه منعقـد غير فاسد ‪ ،‬وكل نكـاح ل خيار فيه لحد‬
‫الثلثة فإنـه يفسخ بغير طلق لن الفسخ فيه ليس لحـق أحد منهم ولـو كان‬
‫لحق أحد منهم لسقط الفسخ بإسقاطـه حقه ولما لم يسقط الفسخ بإسقـاط أحدهم‬
‫علم نا أن ال حق ف يه ل عز و جل فكان فا سدا غ ير منع قد من أ ساسه فل يحتاج‬
‫فسخه إلى طلق لن الطلق إنما هو حـل عقد قائم فحيث ل عقد فل حَـل ‪،‬‬
‫هذه قاعدة مذهبنـا وما خرج عنها فإنما هو لدليل منفصل ‪.‬‬
‫ثم إن النهي المطلق يقتضي الفـور والستمرار فيجـب فيه النتهـاء‬
‫حالً ويجب استمرار النتهاء ‪.‬‬

‫والتخيي ـر هـو القول الدال على التخي ير ب ين الفع ـل والترك ‪ ،‬وه ـو ل يدل‬
‫ل مخ ير ب ين ال صوم والف طر ‪،‬‬
‫دائما على ا ستواء الطرف ين ‪ ،‬فإن الم سافـر مث ً‬
‫والصوم عندنـا أفضل إذا لم يشـق عليــه والفطر أفضل إذا شـق الصوم‬
‫عليه ‪ ،‬ومخير بين إتمــام الصلة وقصرها والقصر أفضل ‪ ،‬وهـو والعبد‬
‫مخيران بين صلة الجمعة وصلة الظهر وصلة الجمعة أفضل ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫هـذا والذين يـرون المندوب مأمورا بـه والمكروه منهيـا عنه وهم‬
‫الجمهور يجعلون التخييـر مختصـا بالباحــة ‪ ،‬والباحــة حكـم شرعـي لنـه‬
‫عُرف من جهة الشرع وعند المعتزلـة حكم عقلي ثابت بالبراءة الصلية فيما‬
‫لم يرد عن الشارع تخيير فيه ‪.‬‬
‫القول من حيث دللته على المعنى‬
‫اعلـم أن القول إما أن يـدل بالوضع على معنى واحد ل يحتمل غيره‬
‫وإما أن يحتمل معنيين ‪.‬‬
‫فإن دل بالوضــع على معنـى واحــد ف قط فهـو ال نص ‪ ،‬وإن احت مل‬
‫معنيين ولم يكن راجحا في أحدهمـا فهو المجمل ‪ ،‬وإن كان راجحا في أحدهما‬
‫مـن جهــة لفظـه وضعا فهـو الظاهـر ‪ ،‬وإن كان راجحــا فـي أحدهمـا بدليـل‬
‫منفصل فهو المؤوّل ‪.‬‬
‫النــص‬
‫النص هـو اللفظ الذي يدل بالوضـع على معنى واحد ل يحتمل غيره‬
‫ل على العدد المعلوم ‪ ،‬وهـو ل يقبـل العتراض مـن‬
‫كدللة لفـظ ( السـبعة ) مث ً‬
‫جهة دللته على ما هو نص فيه بل من جهات أخرى ‪.‬‬
‫مثالـه احتجـاج فقهائنـا على أن غسل النـاء من شرب الكلب سبع‬

‫إذا شرب الكلب فـي إنــاء أحدكـم فلْيغسـلْـه سـبع‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫ل ثلث بقولــه‬
‫والحنفية يوجبون غسله ثلث مرات فقط لكنهم ل ينازعوننـا في‬ ‫(‪)53‬‬
‫))‬ ‫مرات‬
‫دللة ل فظ ال سبـع على الع ـدد المعلوم بل يقولون كان أ بو هريرة يف تي بغ سل‬

‫حديث (( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغ سله سبع مرات )) رواه مالك وأح مد‬ ‫()‬
‫والشيخان عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫النـاء ثلثا وهو راوي حديث غسله سبعـا فعلمنـا بذلك نسخـه ‪ ،‬فنقول لهم‬
‫قد أفتى أيضـا بغسله سبعـا ورواية فتواه الموافقة لحديثه المرفوع المتفق على‬
‫صحته أرجح سندا ونظرا من رواية فتواه المخالفة ‪.‬‬
‫واحتجاج فقهائنــا أيضا على أن المام مخيـر في السرى بين المن‬
‫حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثا قَ فإمّـا منّـا بعد وإما‬ ‫((‬ ‫والفداء بقوله تعالى ‪:‬‬
‫ـر ‪ ،‬فيقول فقهاء‬
‫ـي التخييـ‬
‫ـص فـ‬
‫وهذا نـ‬ ‫))‬ ‫فدا ًء حتى تض َع الحربُ أوزارَهـا‬
‫الحنفي ـة ه ـذا وإن كان ن صـا في التخي ير إل أ نه مغيّ ـى بغا ية مجهولة في‬
‫فوضْـ ُع الحرب أوزارها مجهول لنه‬ ‫))‬ ‫حتى تض عَ الحر بُ أوزارَها‬ ‫((‬ ‫قوله ‪:‬‬
‫يحتمـل أن يكون المراد منـه حتـى ي قف القتــال وتنتهــي الحرب ويحتمـل أن‬
‫يكون المراد حتـى ل يبقــى كفـــار فيقـف الجهاد ويحتمـل غيــر ذلك‬
‫وبالختصار يحتمل أن الغاية قد وجدت فيرتفـع التخيير ويحتمل أنها ل تزال‬
‫فيبقى التخيير مستمـرا وإذا كان كذلك فاليـة ليست نصـا في مدلولهـا بل‬
‫مجملـة ‪ ،‬فيجيبهم فقهاؤنــا بأن مجاهدا وغيره من أثمـة التفسير رووا عن‬
‫ا بن عب ــاس تف سيرها بح تى ين ـزل عي سى عل يه ال سلم وح تى ل يب قى على‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)54‬‬
‫الرض مشرك‬
‫هـذا وقد يتعين المعنى ويكـون اللفظ نصـا فيه ل من جهة الوضع‬
‫بل من القرينة والمناسبة الملبسة لـه ‪ ،‬ومثاله ما احتج به فقهاؤنـا على عدم‬
‫أينقـص‬ ‫((‬ ‫حيــن سـئـل عـن ذلك ‪:‬‬ ‫جواز اشتراء التمــر بالرطـب بقوله‬
‫‪ ،‬فيقول المعارضـون قوله‬ ‫))‬ ‫الرطب إذا يـبس فقالـوا نعـم فقال فـل إذا‬
‫و قد يكون‬ ‫))‬ ‫فل يجوز إذا‬ ‫((‬ ‫ل ي تم إل بتقدي ـر محذوف ق ـد يكون‬ ‫))‬ ‫فل إذا‬ ‫((‬

‫انظر ما نقله القرطبي وابن كثير عن أئمة التفسير حول هذه الية وما استنبطه‬ ‫()‬
‫منها أبو بكر ابن العربي في كتابه (( أحكام القرآن )) ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وبهذا الحتم ـال يض عف ال ستدلل ‪ ،‬فنق ـول ل هم إن جوا به‬ ‫))‬ ‫فل بأس إذا‬ ‫((‬

‫لن ـه‬ ‫))‬ ‫فل يجوز إذا‬ ‫((‬ ‫إن ما يطا بق سؤال ال سائـل ويكون التقدي ـر حينئ ــذ‬
‫سأل عن الجواز ولن قرين ــة التعل يل بالن قص تدل على عدم جواز اشتراء التم ـر‬
‫بالرطب ‪ ،‬ويؤيـد ما قطعنــا به التصريح بالنهي في رواية مالك وأحمد وأصحاب‬
‫يُسـأل عن اشتراء‬ ‫سمعت رسول ال‬ ‫((‬ ‫ال سنن عن سعد بن أ بي وقاص قال ‪:‬‬
‫‪ :‬أين قص الر طب إذا ي بس فقال ـوا نعم‬ ‫الت مر بالر طب فق ــال ر سول ال‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫فنهى عن ذلك‬

‫المجمــل‬
‫المجمل هـو اللفظ الذي يحتمل معنيين غير راجح في أحدهما ‪ ،‬وهو‬
‫غير متضح الدللة إذ لـو كان متضح الدللة لما كان مجملً يفتقر إلى بيـان‬
‫يرجحه في أحد المعنيين ‪ ،‬وينحصر الكلم عنه في موضوعين ‪:‬‬
‫الموضوع الول في أنواعه وهي خمسة ‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫النوع الول احتمال اللفظ المفرد نفسه لمعنيين بسبب اشتراكه بينهما ‪،‬‬
‫ومثال ـه ا ستدلل فقهائنـا على أن العتداد بالطهار ل باِلحيَض بقوله تعالى ‪:‬‬
‫والقرء في اللغـة الطهر كما‬ ‫))‬ ‫صنَ بأنفسهن ثلثةَ قروء‬
‫والمطلقـاتُ يترب ْ‬ ‫((‬

‫جاء في قول العشى ‪:‬‬


‫(‪)55‬‬
‫تشدﱡ لقصاها عزيمَ عزائكا‬ ‫وفي كل عـام أنت جاشمُ غزوة‬
‫لما ضاع فيها من قروء نسائكا‬ ‫مورﱢث ٍة عزا وفي الحيّ رفعـةً‬

‫الجاشم ‪ :‬المتكلف ‪ .‬عزيم عزائك ‪ :‬تصميم صبرك ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪42‬‬
‫أي من أطهارهن بسبب تغيبك في الغزو ‪ ،‬فيق ـول فقهاء الحنفية لفظ‬
‫ع ال صلة‬
‫ت ـد ُ‬ ‫((‬ ‫في الم ستحاضة ‪:‬‬ ‫القرء يحت مل الح يض بدل يل قول ال نبي‬
‫‪ .‬والمراد به ـا ه نا أيام‬ ‫(‪)56‬‬
‫))‬ ‫أيام أقرائ ها ثم تغت سل وتتو ضأ ع ند كل صلة‬
‫الحيـض قطعــا والدليـل على ثبوت الشتراك بيـن المعنييـن لغـــة اختلف‬
‫الصحابة في ذلك وهم أهـل اللغة وأعرف بها ممن جاء بعدهم والمستدلـون‬
‫بالي ـة على العتداد بالطهار مطال ـبون بإثب ــات أن ل فظ القرء أر جح في‬
‫الطهر ‪ ،‬فنقـول لهم إن القرء وهو مفرد يحتمل الطهر والحيض فإن جمع على‬
‫ت ـدع ال صلة‬ ‫((‬ ‫أق ـراء فالمراد به الح يض كما جاء في حد يث الم ستحاضة ‪:‬‬
‫وإن جمـع على قروء فالمراد بـه الطهـر كمـا جاء فـي قول‬ ‫))‬ ‫أيام أقرائهـــا‬
‫ول ما ج مع في ال ية على ق ـروء‬ ‫))‬ ‫ل ما ضاع ف يه قروء ن سائكـا‬ ‫((‬ ‫الشا عر ‪:‬‬
‫علمنا أن المراد به الطهر ل الحيض ‪ ،‬ولكنهم يقدحون في قولنا هـذا فيقولون‬
‫لو كان ادعاؤكم صحيحـا لما اختلف الصحابة فيه وهم أهل اللغـة كما ذكرنا‬
‫واختلفهم يدل على بقــاء الحتمال في حالـة الجمـع كما كان فـي حالـة‬

‫الفراد وقد قال الشاعر ‪:‬‬


‫(‪)57‬‬
‫له قروء كقروء الحائض‬ ‫يا رُبﱠ ذي ِضغن عليﱠ فارض‬
‫النوع الثانـي احتمال اللفـظ المفرد لمعنييـن تبعــا لصـيغته ‪ ،‬ومثاله‬
‫احتجاج جمهــور فقهائنــا على أن رضاع الولد حـق له ل لوالدتــه بقوله‬
‫فنهـى الوالدة عـن الضرار بولدهـا‬ ‫))‬ ‫ل تُضــارّ والدة بولدهـا‬ ‫((‬ ‫تعالى ‪:‬‬

‫حديث المستحاضة أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عدي بن ثابت عن‬ ‫()‬
‫أب يه عن جده و هو حد يث ضع يف لن الذي رواه عن عدي بن ثا بت أ بو اليقظان عثمان بن‬
‫عمير وهو متروك الحديث ومنكره وقال ابن حبان ‪ :‬اختلط حتى ل يدري ما يقول ‪.‬‬
‫الضغن كالضغينة ‪ :‬الحقد ‪ .‬الفرض ‪ :‬الضخم ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪43‬‬
‫))‬ ‫تُضار‬ ‫((‬ ‫بالمتناع عـن إرضاعـه ‪ ،‬فيقول المخالفون يحتمـل أن يكون أصـل‬
‫تُضارِر بك سر الراء في صح ال ستدلل ويحت مل أن يكون أ صله تُضارَر بفتح ها‬
‫فل يصـح السـتدلل إذ يكون المعنـى حينئــذ ل تمنـع الوالدة مـن حقهــا فـي‬
‫ـم لن‬
‫ـم الجمهور بأن الحتمال الول أقوى وأحكــ‬
‫ـا ‪ ،‬فيجيبهـ‬
‫إرضاع ولدهـ‬
‫الخطاب فيه يتعلق بمعيّن وفي الحتمال الثاني يتعلـق بمبهم والمتوجـه عليه‬
‫المر والنهي من شرطه أن يكون معيّنـا ل مبهمـا ‪.‬‬
‫النوع الثالث احتمـال اللفظ المفرد لمعنيين تبعا لصورته ‪ ،‬ومثــاله‬
‫احتجاج فقهائنـا على منع بيع ذهب وعَرَض بذهب بحديـث فَضالـة بن عُبيد‬
‫اشتريـت يوم خيـبر قلدة باثنـي عشـر دينارا فيهــا ذهـب وخرز‬ ‫((‬ ‫قال ‪:‬‬
‫فقال ‪:‬‬ ‫فف صّلتها فوجدت فيها أكثر من اثني ع شر دينارا فذكرت ذلك للنبي‬
‫‪ ،‬فنهى عن البيع مجمـلً وأمر بالتفصيل بين‬ ‫(‪)58‬‬
‫))‬ ‫ل تباع حتى تُفصـل‬ ‫((‬

‫الذهـب والخرز فدل ذلك على عــدم جواز بيـع ذهـب وعَرض بذهـب ‪ ،‬فيقول‬
‫فقه ـاء الحنف ية قد ورد ه ـذا الحد يث في روا ية أخرى ح تى تفضُل بالضاد‬
‫المعجمة المخففة أي حتى يكون في الذهـب الذي اشتريت به فضل على مقدار‬
‫الذهب المضاف إلى الخـرز ولما كانت المسألة واحدة علمنا أن اللفظيـن معا‬
‫لختلف حروفهم ـا وتنا في معنييه ما وأن اللف ـظ‬ ‫لم يتلف ـظ به ما ال نبي‬
‫متردد بينه ما فل ي صح الحتجاج به ‪ ،‬فيجيب هم فقهاؤ نا بأن‬ ‫الذي ن طق به‬
‫رواية الصاد المهملة أصح عند المحدثين ويعضدها ما رواه أبو داود من طريق‬
‫فيجـب أن تكون إحدى الروايتيـن‬ ‫))‬ ‫ل حــتى تميـز بينهمـا‬ ‫((‬ ‫آخـر أنـه قال ‪:‬‬
‫مفسرة للخرى وبذلك يزول الحتمال ‪.‬‬

‫حديث فَضالة بن عبيد أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪44‬‬
‫النوع الرابع احتمال اللفظ المركب لمعنيين لشتراكه بينهما ‪ ،‬ومثـاله‬
‫احتجاج فقهائنـا على أن لب الزوجة أن يسقط نصـف الصداق المفـروض‬
‫أو يعف ـوَ الذي بي ـده عقدة‬ ‫((‬ ‫على الزوج إذا طلق ها ق بل الم سيس بقوله تعالى ‪:‬‬
‫لنــه هـو الذي بيده عقدة النكاح فـي ابنتـه ‪ ،‬فيقــول الحنفيـة‬ ‫))‬ ‫النكــاح‬
‫والشافع ية هذا الل فظ مشترك ب ين ال ـزوج وول ـيّ الزوج ـة لن الزوج أيضا‬
‫يصـدق عليـه كون عقــدة النكاح بيده ‪ ،‬فيجيبهـم فقهاؤنـا بأن الــزوج بعـد أن‬
‫طلق لم تبق بيده عقدة النكاح وبـأن العفو إسقـاط حتى ول يتصور إسقاطـه‬
‫إل من صاحبه الذي يمل كه و هو المطلق ـة إن كا نت تملك أ مر نف سها أو من‬
‫وليها إن كانت في حجره ولن ال تعالى وهو يخاطـب الزواج لو عناهم لقال‬
‫فلمـا عــدل عـن خطابهـم إلى خطاب الغائب علمنــا أنـه عنـى‬ ‫))‬ ‫أو تعفون‬ ‫((‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)59‬‬
‫الولـيّ ل الزوج‬
‫النوع الخامس احتمـال اللفظ المركب لمعني ين يصح أحده ما باعتبار‬
‫ويصح الخـر باعتبـار آخر ‪ ،‬ومثالـه احتجاج المام أبي حنيفـة وبعـض‬
‫َتمْرة‬ ‫((‬ ‫ع نه ‪:‬‬ ‫أ صحابه على جواز الوضوء في ال سفر بنبي ـذ الت مر بقوله‬
‫كما جاء في حديث أبي رافع مولى ابن عمر عن عبد ال‬ ‫))‬ ‫طيبة وماء طَهور‬
‫ا بن مسعود ‪ ،‬فيقـول فقهاؤنا إن المعنى المقصود من هذا الل فظ أ نه مجموع‬
‫من تمـرة طيبة ومن ماء طهور ل أنه بعد الجمـع والنقـع يصدق عليه أنه‬
‫يؤي ـد احتجاج هم فقـد روى‬ ‫تمرة طيبـة وماء َطهور ‪ ،‬فيجيبونهـم بأن فعله‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫تو ضأ ليلة ال جن بال نبيذ‬ ‫أن ر سول ال‬ ‫((‬ ‫ا بن عباس عن ا بن م سعود‬
‫فيقول ل هم فقهاؤن ـا ه ــذا الحد يث غ ير مقبول من أ ساسه لضع فه ‪ ،‬ولثبوت‬

‫هذه الم سألة من الم سائل المعضلة ال تي اختلف في ها العلماء وتعدد في ها التأو يل‬ ‫()‬
‫ل بي ب كر بن‬ ‫))‬ ‫و (( أحكام القرآن‬ ‫))‬ ‫وال ستدلل فار جع في ها إن شئت إلى (( تف سير القر طبي‬
‫العربي ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫فلم‬ ‫((‬ ‫ولقوله تعالى ‪:‬‬ ‫)‬ ‫‪(1‬‬ ‫عدم وجود ابـن مسـعود ليلة الجـن مـع الرسـول‬
‫فلم يجعل بين الماء والصعيد وسطا طهورا ل‬ ‫))‬ ‫تجدوا ماءً فتيمموا صعيدا طيبا‬
‫نبيذا ول غيره ‪.‬‬
‫واحتجاج فقهائنـا على أن القتصار في الوضوء على مسح الناصيـة‬
‫ل يجزئ وأن المسـح على العمامـة وحدهـا ل يجزئ بمــا صـح أن النـبي‬
‫مسح بناصيته وعلى العمامة معـا ولو كان المسح على الناصية وحدها كافيـا‬
‫ل قت صر عل يه ولو كان الم سح على العما مة وحد ها كافي ـا ل قت صر عل يه ‪،‬‬
‫فيقول الحنابلة يحت مل أن يكون ه ـذا في وضوء وا حد ويحت مل أن يك ـون في‬
‫وضوءين مسح بناصيته في وضوء ومسح على عمــامته في وضوء آخر ‪،‬‬
‫فيجيبهـم فقهاؤنـا بأن راوي الحديـث وهـو المغيـرة بـن شعبـة قـال ‪:‬‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬روى الدارقطني عن أبي محمد بن صاعد عن أبي الشعث عن بشر بن المفضل عن داود ابن‬
‫أبي هند عن عامر الشعبي عن علقمة بن قيس قال ‪ (( :‬قلت لعبد ال بن مسعود أشهد رسولَ ال صلى‬
‫ال عليـه وسـلم أحـد منكـم ليلة أتاه داعـي الجـن ؟ فقال ل )) ثـم قال الدارقطنـي ‪ :‬هذا إسـناد صـحيح ل‬
‫يختلف في عدالة رواته ‪ .‬وقال البيهقي ‪ :‬الحاديث الصحاح تدل على أن ابن مسعود لم يكن مع النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ليلة الجن وإنما سار معه حين انطلق به يريه آثار الجن وآثار نيرانهم ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫فمسـح بناصـيته وعلى العمامــة وعلى الخفيـن‬ ‫توضـأ رسـول ال‬ ‫((‬

‫وهذا يفيد أنه في وضوء واحد ‪.‬‬


‫الموضوع الثاني في القرائن المرجحة وهي إما لفظية وإما سياقية وإما‬ ‫ب‪-‬‬
‫خارجية ‪.‬‬
‫والمطلقات‬ ‫((‬ ‫فالقرينـة اللفظيـة مثالهـا مـا قدمناه فـي قوله تعالى ‪:‬‬
‫و هو أن القرء إذا ج مع ع ـلى قروء ك ما جاء‬ ‫))‬ ‫يترب صن بأنف سهن ثلثةَ قروء‬
‫في الية كان المراد بـه الطهر ل الحيض إذ لو كان المراد به الح يض لجمع‬

‫‪46‬‬
‫فإن الجمـع قـد‬ ‫))‬ ‫ع الصلة أيام أقرائها‬
‫تدَ ُ‬ ‫((‬ ‫على أقراء كما جاء في قوله‬
‫يختلف باختلف معنى المفرد وإن كان لفظه مشتركـا كلفظ ( المر ) المشترك‬
‫بين الطلب وجمعُه حينئــذ أوامر وبين الفعل والشأن والشيء وجمعُه إذ ذاك‬
‫أمور ‪ ،‬ثم إن اقتران عدد القروء في الي ـة بالتاء قرينـة لفظيـة أخرى ترجـح‬
‫معنـى الطهار على معنـى الِحي َض لن الطهــار مذكــرة فيقترن عددهـا‬
‫بالتـــاء فيقال ثلث حِي َض ولمـا جــاء عدد القروء مقترنا بالتاء علمنـا أن‬
‫المراد بها الطهار وإن كان الحنفية يجيبون عن هــذا التعليل بأن اقتران عدد‬
‫القروء بالتاء ملحظ فيه لفظ القرء ل معنـاه ولفظه مذكر ‪.‬‬
‫والقرينة السياقية مثالها احتجاج الحنفية على جواز انعقاد النكاح بلفظ‬
‫وإذا جـاز انعقـاد‬ ‫))‬ ‫وامرأةّ إن وهبـت نفسهـا للنبي‬ ‫((‬ ‫الهبة بقوله تعالى ‪:‬‬
‫بلفـظ الهبــة جاز انعقاده بــه لمتـه قياسـا عليـه ‪ ،‬فيقول‬ ‫النكاح للنـبي‬
‫دل ه ـذا على‬ ‫))‬ ‫خال صةً لك من دون المؤمن ين‬ ‫((‬ ‫الشافع ية ل ما قال ال تعالى ‪:‬‬
‫بشيء دون المؤمنيـن وذلك الشيء يحتمـل أن يكون جواز‬ ‫اختصاصـه‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث المغيرة أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه ‪.‬‬

‫النكاح بمجرد اله بة من غ ير صداق ويحت مل أن يكون جوازه بل فظ اله بة مع‬


‫ال صَداق وإذا كان اللفظ محتملً للمعنيين فل يصح القياس عليه حتى يترجح أن‬
‫المراد بالختصاص جواز النكـاح له من غير َصداق ل جوازه بلفظ الهبـة ‪،‬‬
‫فيجيبهم الحنفية بأن سياق الية يرجح أن المراد جوازه له من غير صداق وذلك‬
‫((‬ ‫على أمته ونفي الحرج عنه فقال تعالى ‪:‬‬ ‫لن اليـة سيقت لبيان شرفـه‬
‫قد علم نا ما فرض نا عليه ـم في أزواج هم و ما مل كت أيم ــانُهم لكيل يكو نَ‬
‫والشرف ل يحصل بإباحة لفظ مجرد له وحجره على غيره من‬ ‫))‬ ‫عليك حـرج‬

‫‪47‬‬
‫أمته بل يحصل بإسقاط الصداق عنه حتى يكون ربه الحف يّ به قـد ذكـر له‬
‫إنـا أحللنا لك‬ ‫((‬ ‫ثلثة أنواع من الحللت ‪ :‬إحللً ب صَداق وهو قوله تعالى ‪:‬‬
‫ل بملك يمين وهـو قولـه تعالى ‪:‬‬
‫‪ ،‬وإحل ً‬ ‫))‬ ‫أزواجَـك اللئي آتيت أجورهن‬
‫‪ ،‬وإحللً بل َصـداق بـــل‬ ‫))‬ ‫ومـا ملكـت يمينــك ممـا أفــاء ال عليـك‬ ‫((‬

‫وامرأةً مؤمن ًة إن وه بت نف سها لل نبي إن‬ ‫((‬ ‫بمطلق الوه ـب و هو قوله تعالى ‪:‬‬
‫والخلوص الذي ُمن حه‬ ‫))‬ ‫أراد ال نبي أن ي ستنكحها خال ص ًة لك من دون المؤمن ين‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫هو نكاحها إن أراده من غير صَداق‬ ‫وحده‬
‫والقرينة الخارجية هي موافقة أحد المعنيين لدليل منفصل من نص أو‬
‫قياس أو عمل ‪.‬‬
‫مثال الول موافقة ما ذهب إليه فقهاؤنا من أن المراد بالقروء الطهار‬
‫فإنـه أمر‬ ‫))‬ ‫يا أيها ال نبيﱡ إذا طلق تم الن ساء فطلقو هن لعدتهن‬ ‫((‬ ‫لقوله تعالى ‪:‬‬
‫في هذه اليـة عند إرادة الطلق أن يطلـقن طلقـا تعقبه عدتهن فل تتراخى‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المالكية يتفقون مع الحنف ية في أن سياق الي ـة ير جح تخ صصه صلى ال عليه وسلم بجواز‬
‫النكاح له بالهبة من غير صداق ولكن ل يتفقون معهـم في جوازه لمته إل مع ذكر الصداق تحديدا أو‬
‫تفويضا ‪.‬‬

‫عنه ول يكون ذلك إل في الطهر لن الطلق في الحيض حرام ‪ ،‬والذين ذهبوا‬


‫إلى أن المراد بالقـروء الِحيَض وهم الحنفيـة يرجحون أيضـا ما ذهبوا إليه‬
‫ل من الِحيَض ل‬
‫فجعل الشهر بد ً‬ ‫))‬ ‫واللئي لم يحضْ نَ‬ ‫((‬ ‫لموافقته قوله تعالى ‪:‬‬
‫من الطهار ودل على أن الحيض هو الصل في العدة ‪.‬‬
‫ومثال الثا ني وه ـو مواف قة القياس قول الحنف ية المق صود من الع ـدة‬
‫استبـراء الرحم والعلمة الدالـة على براءتـه في العـادة إنمـا هي الحيض‬
‫ل الطهـر فإن الطهـر تشترك فيـه الحامـل والحائل والحيـض مختـص غالبــا‬

‫‪48‬‬
‫بالحائل ولذلك كان ال ستبراء بالح يض ل بالط هر وإذا كان كذلك تعي ـن ح مل‬
‫القروء على الِحيَض ل على الطهار ‪.‬‬
‫ومثال الثالث و هو مواف قة الع مل أي ع مل ال صحابة اتف ــاق جمهور‬
‫))‬ ‫وأرجلَكــم‬ ‫((‬ ‫الفقهاء على وجوب غسـل الرجليـن فـي الوضوء بقوله تعالى ‪:‬‬
‫لفظـا ومعنى وبالجرﱢ أيضا‬ ‫))‬ ‫وجوهَــكم وأيديَـكم‬ ‫((‬ ‫بالنصب عطفـا على‬
‫إذ لم ُين قل عن جمهور ال صحابة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫عطف ـا على الل فظ دون المع نى للمجاورة‬
‫أنه مسح رجليه إل على الخفين وإنمـا كان‬ ‫إل الغسل ولم يصح عن النبي‬
‫يغسـلهما ويتوعــد مـن يمســح رجليـه ول يسـتوعبهما بالغسـل فـي أحاديـث‬
‫‪ .‬فكـان ذلـك دليـلً على أن المـراد بقولـه تعالـى‬ ‫(‪)2‬‬ ‫صحاح كثيـرة‬
‫ــــــــــــــ‬
‫ُيرَسـل‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬جاء هذا النوع مـن العطـف اللفظـي فـي القرآن وفـي كلم العرب قال ال تعالى ‪:‬‬
‫عليكما َشواظ من نار ونحاس )) بالجرّ في قراءة أبي عمرو وابن كثير ‪ ،‬وقال زهير ‪:‬‬
‫بعدي سوافي المُور والقطرِ‬ ‫لعب الزمان بها وغيّرها‬
‫‪ -2‬منها حديث عبد ال بن عمرو المتفق عليه قال ‪ (( :‬تخلف عنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫في سفرة فأدركَن ـا و قد أرهق نا الع صر فجعل نا نتو ضأ ونم سح على أرجل نا فنادى بأعلى صوته و يل‬
‫للعقاب من النار مرتين أو ثلثا )) ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫غسلها ل مسحها سواء بقراءة النصب أو بقراءة الجر‬ ‫))‬ ‫وأرجلكم‬ ‫((‬

‫الظاهـر‬
‫الظا هر هو الل فظ الذي يحت مل معني ين راجحا في أحده ما من جه ـة‬
‫لف ظه وضعا فكان أظ هر ف يه ولذلك كان مت ضح الدللة ‪ .‬ول تّضاح الدللة من‬
‫جهة الوضع ثمانية أسباب ‪:‬‬

‫السبب الول ‪ :‬الحقيقة ويقابلها المجاز ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫فالحقيقـة هي اللفظ المستعمل فيما وضع لـه كاستعمال لفظ السـد‬
‫في الحيوان المفترس المعلوم ‪ ،‬والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع‬
‫له لعلقة بينه وبين ما وضع له كإطلق لفظ السد على الرجل الشجاع ‪.‬‬
‫فإذا كان اللفــظ يحتمـل حقيقتـه ومجازه فإنـه َيعدﱡ راجحا فـي حقيقتـه‬
‫لنها هي الصل في الوضع ‪.‬‬
‫والحقيقة تنقسم إلى ثلثة أقسام ‪ :‬حقيقـة لغوية ويقابلها مجاز لغوي ‪،‬‬
‫وحقيقة شرعية ويقابلها مجـاز شرعي ‪ ،‬وحقيقة عرفية ويقابلها مجاز عرفي ‪.‬‬
‫أما الحقيقة اللغويـة فمثالها احتجاج الشافعية وابن حبيب من فقهائنـا‬
‫المتبايعـان كل واحـد منهما‬ ‫((‬ ‫على مشروعيـة خيـار المجلس بقولـه‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬قراءت ها بالن صب لنا فع وا بن عا مر والك سائي وح فص وبال جر للخر ين ‪ ،‬وأ صح ما ق يل في‬
‫توج يه قراءة الجهر أن ها لع طف الر جل على الرؤوس لفظا للجوار ل حكما ‪ ،‬وخالف مح مد بن جرير‬
‫الطبري الجمهور فاعتبرها لعطف الرجل على الرؤوس لفظا وحكما وقال بالتخيير بين غسلها ومسحها‬
‫جاعلً القراءتين كالروايتين في الحديث يعمل بهما إذا لم يتناقضا ‪ ،‬وقال أبو زيد النصاري وغيره من‬
‫أئمة اللغة المسح في كلم العرب يطلق على الغسل الخفيف وعلى المسح أي أنه لفظ مشترك بينهما ‪،‬‬
‫ولما كانت السنة الصحيحة قد بينت بالعمل وبالقول أيضا المرادَ منهما وهو الغسل فقد زال الشكال ‪.‬‬

‫‪ ،‬فيقول فقهاؤن ـا المراد بالمتبايع ين‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫بالخيار على صاحبه ما لم يتفرق ـا‬
‫المتساومان وتفرقهما إنما هو بالقول أي أنهما في حال تساومهما بالخيـار ما لم‬
‫يبر ما الع قد ويمضياه فإذا أمضياه ف قد تفرق ـا ولزمه ما الع قد وإن لم يفارق ـا‬
‫ل يبع الرجل‬ ‫((‬ ‫المجلس إذ قـد يطلق اسم الشيء على ما يقاربـه كقوله‬
‫وإن ما المراد بالبي ـع ه نا ال سـوم ل نه و سيلة للب يع ‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫على ب يع أخي ـه‬
‫وإطلق‬ ‫(‪)3‬‬ ‫فيجيـب الشافعيـة بأن إطلق المتبايعيـن على المتسـاومين مجاز‬
‫التفرق على إبرام العقــد وإمضائه مجــاز أيضــا والحقيقـة مرجحـة على‬
‫المجـاز ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وأما الحقيقة الشرعية فقد أثبت جمهور الصوليين وجودها محتجيـن‬
‫عليه بالستقراء ‪ ،‬فإنه لما استقرئت ألفاظ الصلة والزكـاة والصيـام والحـج‬
‫وجدت مستعملة في لسان الشرع للعبــادات الشرعية المسماة بها ‪ ،‬وبالستناد‬
‫إليها احتج فقهاؤنا على أن المحْرم ل يتـزوج في حـال إحرامـه بقولـه‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ه ــذه روا ية ا بن ع مر ك ما جاءت في المو طأ ‪ ،‬وروا ية حك يم بن حزام ك ما جاءت في‬
‫الصـحيحين (( البيعان بالخيار مـا لم يفترقـا أو حتـى يفترقـا )) والتفرق والفتراق معناهمـا واحـد على‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث (( ل يبع الرجل على بيع أخيه ول يخطب على خطبته إل أن يأذن له )) رواه أحمد ومسلم‬
‫عن ابن عمر ‪.‬‬
‫‪ -3‬لكن فقهاءنا ل يسلمون بأن إطلق المتبايعين على المتساومين مجاز بل يقولون بما ذهب إليه‬
‫المام من أن وصف المتساومين بالمتبايعين حقيقة حين مباشرة البيع ومحاولته ‪ ،‬ويقولون أن ترجيحنا‬
‫معنى التفرق بالقوال على معناه بالبدان يستند إلى دليلين ‪ :‬الول أن البيع عقـد معاوضة لم يثبت فيه‬
‫خيار المجلس كالنكاح ‪ ،‬والثاني عمل أهل المدينة المعارض لخيار المجلس وإن احتمله الحديث ‪.‬‬

‫‪ ،‬فيقول الحنفية يحتمل أنه أراد‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫ل ينكِح المحْـرِم ول يُنكَح ول يخطُب‬ ‫((‬

‫بالنكاح هنــا الوطـء وبهذا الحتمــال يكون الحديـث دليلً على حرمـة الوطـء‬
‫تزوج النبي‬ ‫((‬ ‫على المحرم ل على حرمـة العقـد ويرجحه قول ابن عباس ‪:‬‬
‫‪ ،‬فيجيبهـم فقهاؤنــا بأن إطلق لفـظ النكاح‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫ميمونـة وهــو ُمحْرم‬
‫على الو طء مجاز شر عي وعلى العق ـد حقي قة شرع ية وح مل الل فظ الشر عي‬
‫على حقيقت ـه الشرع ية أولى من حمله على مجازه الشر عي ‪ ،‬ويؤ يد ما ذهب نا‬
‫ونحن‬ ‫تزوجني رسول ال‬ ‫((‬ ‫إليه قول ميمونة نفسها وهي صاحبة الواقعة ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫سرِف‬
‫حللن ب َ‬

‫‪51‬‬
‫وأما الحقيقة العرفية فمثالها ما ذا قـال الزوج لزوجته ( أنت طالق )‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫وقال إنمـا أردت طلقهـا مـن وثاق والطلق بهذا المعنـى حقيقــة لغويـة‬
‫فيقال له هذا اللفـظ صــار حقيقـة عرفيـة فـي حـل عصـمة النكاح على حقيقتـه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫اللغوية العامة‬
‫ومثال ها من كلم الشارع ما اح تج به فقه ـاؤنا على أن الب كر يجبر ها‬
‫واليتيمة هي‬ ‫(‪)6‬‬ ‫تُستأمر اليتيمة في نفسها‬ ‫((‬ ‫أبوها على النكاح من قوله‬
‫التي ل أب لها فمفهومه أن غيراليتيمة وهي ذات الب تزوج من غير استئمار‪،‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حد يث (( لينكِح المحرم ول ُينكح ول يخ طب )) رواه مالك وأح مد وم سلم وأ صحاب ال سنن عن‬
‫عثمان بن عفان ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث ابن عباس أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن ‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث ميمونة أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬يقال طلَقت الناقة تطلُق طلوقا إذا انحل وثاقها فهي طالق ‪.‬‬
‫‪ -5‬العرف عندنا يخصص العام ويقيد المطلق ويفسر اللفاظ في العقود وكنايات الطلق وسائر‬
‫اللفاظ المصطلح على مفاهيمها ‪.‬‬
‫‪ -6‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ (( :‬نستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فل جواز عليها )) ‪.‬‬

‫فيقول المخالفون الي تم في أ صل اللغ ـة هو النفراد مطلق ـا ولذلك يقال للفرد‬


‫مـن كـل شيـء حتـى البيـت المنفرد مـن الشعـر يقــال له يتيـم والدرة التـي ل‬
‫نظيـر لها يقـال لها يتيمة وعلى هـذا قـد يكون المراد باليتيمة التي ل زوج‬
‫لها كما جاء في قول القائل ‪:‬‬
‫ل اليتامى‬
‫النسوةَ الرامـ َ‬ ‫إن القبـور تن ِكحُ اليامى‬
‫فيق ـول فقهاؤ نا إن اليتي مة حقي قة عرف ية في ال تي ل أب ل ها ‪ ،‬قال ال‬
‫وابتلوا اليت ـامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آن ستم من هم رشدا فادفعوا‬ ‫((‬ ‫تعالى ‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫وإطلق ها على غير ها مجاز عر في وإذا كان كذلك كان ح مل‬ ‫))‬ ‫إلي هم أموال هم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫اللفظ على حقيقته العرفية أولى من حمله على مجازه العرفي‬

‫السبب الثاني ‪ :‬النفراد في الوضع بمعنى واحد ويقابلـه الشتراك ‪.‬‬


‫انفراد الل فظ بمع ني وا حد هو ال صل واشترا كه ب ين معني ين فأكث ـر‬
‫خلف الصــل ‪ ،‬ومثاله احتجاج جمهور العلماء على أن أمـــر النــبي‬
‫فلْيحذر الذيــن يخالفون عــن أمره أن‬ ‫((‬ ‫محمول على الوجوب بقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪ ،‬فيق ـول المخالف ـون يحت مل أن يراد‬ ‫))‬ ‫تُ صيبهم فت نة أو ي صيبهم عذاب أل يم‬
‫بأمره فـي ال ية القول الطلبـي ويحتمـل أن يراد به الحال والشأن ك ما في قوله‬
‫وإذا صح إطلق المر على غير القـول‬ ‫))‬ ‫وما أمر فرعون برشيد‬ ‫((‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫الطلبي لـزم اشتراكه بين المعنيين ومع الشتراك يضعف الستدلل ‪ ،‬فيقول‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬فيح تج المخ ـالفون حينئذ ب ما رواه أحمد وأ بو داود وا بن ماجه عن ا بن عب ـاس (( أن جار ية‬
‫بكرا أتت رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى ال‬
‫‪ .‬ويقولون أن مفهون قوله صلى ال عل يه و سلم (( ت ستأمر اليتي مة في نف سها )) ل ينتهض‬ ‫))‬ ‫عل يه و سلم‬
‫للحتجاج به تلقاء المنطوق – ان ظر باب موجبات صحة النكاح في (( بدا ية المجت هد )) ت جد ف يه درا سة‬
‫نفسية لهذه المسألة ونظرا فقهيا دقيقا لبن رشد ‪.‬‬

‫الجمهور ‪ :‬ال صل في اللفاظ النفراد بالمعاني وذلك يقت ضي انفراد لفظ ال مر‬
‫بأحـد المعنييـن فـي الوضـع وأن تكون دللتـه على المعنـى الخـر بالمجاز وقـد‬
‫أجمع نا على أ نه حقي قة في القول الطل بي فتع ين كو نه مجازا في غيره والل فظ‬
‫يجب حمله على حقيقته قبل حمله على مجازه ‪.‬‬

‫السبب الثالث ‪ :‬التباين ويقابله الترادف ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ال صل في اللفاظ أن تكون متباي نة في مدلولت ها ل متراد فة ‪ ،‬ومثاله‬
‫ما احتج به فقهاؤنا على أن التيمم يصح بكل ما صعد من الرض على وجهها‬
‫لن ال صعيد مش تق من ال صعود في عم كل ما صعد على و جه الرض من ها ‪،‬‬
‫فيقول الشافعية إن الصعيد مرادف للتراب كما نص عليه أهل اللغة وأكده المام‬
‫الشافعـي نفسـه إذ قال الصـعيد ل يقـع إل على التراب ‪ ،‬فيجيـب فقهاؤنــا بأن‬
‫الصعيد إذا سمي به التراب فإما أن تكون التسمية اشتقاقية من الصعود فيعم كل‬
‫ما صعد من الرض على وجه ها وإ ما أن تكون ارتجال ية فيلزم الترادف و هو‬
‫خلف ال صل ‪ ،‬لذلك رجح نا مباي نة ل فظ ال صعيد لل فظ التراب واشتقاقَ ـه من‬
‫الصعود فعم كل ما صعد من الرض سواء كان ترابـا أو حجرا أو غيرهما ‪.‬‬

‫السبب الرابع ‪ :‬الكتفاء ويقابله التقدير ‪.‬‬


‫الصـل فـي اللفــظ أن يكون مكتفيا بذاتـه فل يتوقـف معناه عـــلى‬
‫على تحريم أكل السباع وهـو‬ ‫(‪)1‬‬ ‫تقدير ‪ ،‬ومثاله ما احتج به بعض فقهــائنا‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬هم المدنيون من أ صحاب المام و قد رووا ع نه القول بتحر يم لحوم ال سباع العاد ية كال سد‬
‫والنمر والفهد والدب والكلب إذ قال في الموطأ بعد أن ذكر هذا الحديث بروايته عن أبي ثعلبة الخُشَني‬
‫وعن أبي هريرة ‪ :‬وهو المر عندنا ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫‪ ،‬فيقول الخرون مـن فقهائنـا‬ ‫))‬ ‫أكـل ذي ناب مـن السـباع حرام‬ ‫((‬ ‫قوله‬
‫ما أكل ته ال سباع حرام أكله ل أن ال سباع نف سها ل تؤ كل ويكون‬ ‫إن ما أراد‬
‫‪ ،‬فيجيبهـم‬ ‫))‬ ‫ومـا أكــل السـبع إل مـا ذكيتـم‬ ‫((‬ ‫الحديـث مطابقا لقوله تعالى ‪:‬‬
‫الولون بأن حمل الكلم على ما يوافق اليـة يلزم عنه التقدير ويكون كأنه قال‬
‫مأكول كل ذي ناب من ال سباع حرام وبهذا التأو يل ل يكون الكلم في الحد يث‬
‫مكتفيـا بذاته والصل في الكلم الكتفاء ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ل من‬
‫ال سبب الخا مس ‪ :‬التأ سيس و هو إفادة الل فظ مع نى لم ي كن حا ص ً‬
‫قبل ويقابله التأكيد وهو تقرير معنى حاصل وتقويته ‪.‬‬
‫مثاله استدلل فقهائنا على أن التمتيع غير واجب على من طلق امرأته‬
‫قبل المسيس ولم يكن قد فرض لها صداقا مسمّى بقوله تعالى ‪ ((:‬ومتعوهن على‬
‫وقوله‬ ‫))‬ ‫الموسـِع قدْرُه وعلى المقتـر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسـنين‬
‫لن الواجب ل يختص‬ ‫))‬ ‫تعالى ‪(( :‬وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين‬
‫بالمحسنين ول بالمتقين بل يعم المحسن وغير المحسن والمتقي وغير المتقي ‪،‬‬
‫تأكيدا للوجوب أي يحـق‬ ‫))‬ ‫حقا‬ ‫((‬ ‫فيقول المخالفون وهـم الحنفيـة إنمـا قال تعالى‬
‫ذلك عليهـم حقا وأمـا قوله ((على المحسـنين)) و ((على المتقيـن)) فمعناه على‬
‫المؤمنيـن لن الناس جميعهـم مأمورون بأن يكونوا محسـنين ومتقيـن فيحسـنون‬
‫بأداء ما فرض ال علي هم ويتقون باجتناب ما نها هم ع نه وذك ـر ال المطلق ين‬
‫بهاتين الصفتين الحميدتين ليعملوا بما أمرهم من التمتيع رجـاء أن يتصفـوا‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬هم العراقيون من المالكيين وابن القاسم فقد رووا عن المام القول بكراهتها ل بتحريمها وهو‬
‫المعول عل يه المشهور في المذ هب ‪ .‬ان ظر شرح البا جي للحد يث في المو طأ وتف سيـر القر طبي لقوله‬
‫قل ل أجد في ما أوحي محرما على طاعم يطعمه )) وباب الطعمة في (( بداية المجتهد )) ‪.‬‬ ‫((‬ ‫تعالى ‪:‬‬

‫بهما ‪ ،‬فيجيبهم فقهاؤنا بأن الصل في الكلم التأسيس والتأكيد خلف الصل ‪.‬‬

‫السبب السادس ‪ :‬الترتيب ويقابله التقديم والتأخير ‪.‬‬


‫مثاله ما احتج به الجمهور على أن العود في الظهار شرط في وجوب‬
‫والذيـن يُظاهرون مـن نسـائهـم ثـم يعودون لمـا‬ ‫((‬ ‫بقوله تعالى ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الكفارة‬
‫‪ ،‬فيقــول المخالفون الذيـن يرون‬ ‫))‬ ‫قالوا فتحريــ ُر رقبـة مـن قبـل أن يتماسـّا‬
‫والذيـن‬ ‫((‬ ‫رأي مجاهـد وطاوس إن فـي اليــة تقديما وتأخيرا وتقديرهــا‬

‫‪55‬‬
‫))‬ ‫يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتما سّا ثم يعـودون لما قالوا‬
‫أي من حـرم زوجته بالظهار فعليـه الكفارة أولً ثم يعود إلى وطئها سالمـا‬
‫من الثم وذلك أن الظهار في ذاته منكـر من القول وزور فكـان مجرد التلفظ‬
‫بـه موجبا للكفارة ‪ ،‬فيجيـب الجمهور بأن الصـل فـي الكلم بقاؤه على ترتيبـه‬
‫الذي جاء عليه والتقديـم والتأخيـر خلف الصل ‪.‬‬

‫السبب السابع ‪ :‬الطلق ويقابله التقييد ‪.‬‬


‫والصـل فيـه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫فاللفــظ إذا كان شائعــا فـي جنسـه يقال له ُمطْلَق‬
‫بقاؤه على إطلقه ‪ ،‬ومثاله احتجاج الحنفية على إجزاء الرقبة الكافرة في كفارة‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬العود عند مالك كما قال في الموطأ أن ُيجمع بعد الظهار على إمساكها وإصابتها أي أن يعزم‬
‫على إمساكها ووطئها معا على ما فهمه ابن رشد من قوله أو على أحدهما على ما فهمه الباجي ‪ ،‬وعند‬
‫أبي حنيفة وأحمد وأصحاب مالك بروايتهم عنه أن يعزم على وطئها وهي المرجحة في المذهب ‪ ،‬وعند‬
‫الشاف عي أن يم سكها ب عد الظهار و هو قادر على طلق ها ‪ ،‬وتأول الجم يع مع نى اللم في ال ية بمع نى‬
‫(في) ‪ ،‬وتمسك أبو داود وأصحابه وابن حزم بظاهر اللفظ فقالوا ل يكون العود إل بتكرار لفظ الظهار‬
‫فإن لم يكرر فل عود ول كفارة ‪.‬‬
‫‪ -2‬سيأتي بيان تقييد المطلق عند الكلم على المؤول ‪.‬‬

‫فكفارت ـه إطعام عش ـرة م ساكيـن م ـن أو سـط‬ ‫((‬ ‫اليمي ـن بقول ـه تعالى ‪:‬‬
‫وفـي كفــارة الظهــار‬ ‫))‬ ‫مـا تُطعمون أهليكـم أو كسـوُتهم أو تحريــرُ رقبـة‬
‫والذيـن يظاهرون مـن نسـائهم ثـم يعودون لمـا قالوا فتحريـر‬ ‫((‬ ‫بقولــه تعالى ‪:‬‬
‫‪ ،‬فيق ـول فقهاؤ نا المراد بالرق بة في اليت ين الرقبة المؤم نة كما ُ صرح‬ ‫))‬ ‫رق بة‬
‫‪ ،‬فيجيـب الحنفيـة بأن هذا تقييـد للفـظ المطلق‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بهـا فـي كفارة قتـل الخطـأ‬
‫وال صل بقاؤه على إطل قه ‪ ،‬فنقول لهـم إن نا ن سلم بأن بقاء الل فظ المطلق على‬

‫‪56‬‬
‫إطلقه هو الصل ولكن لما كانت الكفارة في اليتين قربة واجبة لم نر الكافر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫محلً لها كالزكاة‬
‫السـبب الثامـن ‪ :‬العموم وهـو شمول اللفـظ كلﱠ مـا يصـلح له ويقابله‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫الخصوص وهو اقتصار اللفظ على بعض ما يصلح له‬
‫والعموم في الل فظ إم ـا أن يكون من جه ـة اللغ ـة ‪ ،‬وإ ما أن يكون‬
‫من جهة العرف ‪ ،‬وإما أن يكون من جهة العقل ‪.‬‬
‫فالعموم اللغ ـوي هو العموم الذي دل عل يه الل فظ من الج هة اللغو ية ‪،‬‬
‫واللفظ الدال على العموم من هذه الجهة إما أن يكون عمومه من نفسه وإما أن‬
‫يكون من لفظ آخر يدل على العموم فيه ‪.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬إذ قال تعالى ‪ (( :‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة )) ‪.‬‬
‫‪ -2‬يقوي ما ذهب نا إل يه أن الحاد يث المرغّ بة في الع تق م صرح في أكثر ها بالرق بة الم سلمة من ها‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬من أعتق رقبة مسلمة أعتق ال بكل عضو منه عضوا من النار )) متفق‬
‫عليه ‪ ،‬وقوله ‪ (( :‬أيما امرىء مسلم أعتق امرأ مسلما كان َفكاكه من النار ُيجزى كلّ عضو منه عضوا‬
‫ل م سلما فإن ال تعالى (( جا عل‬
‫أخر جه الترمذي و صححه ‪ ،‬وقوله ‪ :‬أي ما ر جل م سلم أع تق رج ً‬ ‫))‬ ‫م نه‬
‫وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار ‪ )) ...‬أخرجه أبو داود وا بن حبان ‪ .‬وهذا‬
‫العتق المرغب فيه قربة غير واجبة فبالولى إذا كان قربة واجبة ‪ .‬قال مالك في الموطأ ‪ :‬أما الرقاب‬
‫الواجبة التي ذكرها ال في الكتاب فإنه ل يعتق فيها إل رقبة مؤمنة ‪.‬‬
‫‪ -3‬سيأتي بحث التخصيص عنه الكلم على المؤول ‪.‬‬

‫فأمـا اللفـظ العام بنفسـه فهـو ثلثـة أنواع ‪ :‬أسـماء الشرط وأسـمـاء‬
‫الستفهام والسماء الموصولة ‪.‬‬
‫النوع الول أ سماء الشرط و هي تف يد العموم في كل ما ت صلح ل ـه ‪،‬‬
‫ومـن أمثلتهـا احتجاج الجمهور على أن كـل مـا فضـل مـن ذوي السـهام فهـو‬
‫ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو ل ْو لى رجــل ذكر‬ ‫((‬ ‫للعَصَبة بقوله‬
‫أي لقرب ر جل من العَ صَبـة ‪ ،‬واحتجاج هم على ق تل كل مر تد رجلً‬ ‫))‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ ،‬واحتجاج بعض فقهائنا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫من بدّل دينه فاقتلوه‬ ‫((‬ ‫كان أو امرأة بقوله‬
‫تبع ـا ل بن القا سم على أن الذ مي أيض ـا يملك الرض إذا أحيا ها بقول ـه‬
‫لن الذمي مندرج تحت هـذا العموم ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫من أحيا أرضا ميتة فهي له‬ ‫((‬

‫النوع الثاني أسماء الستفهام وهي أيضـا تفيد العموم في كل ما تصلح‬


‫له ‪ ،‬و من أمثلت ها احتجاج فقهائن ـا على حل كل ا ستمتاع ب ما فوق الزار من‬
‫بـدن الحائض وحرمـة الستمتاع بما تحتـه بما رواه مالك عن زيد بن أسلم‬
‫فقال ما يح ـل لي من امرأ تي و هي حائض‬ ‫ل سأل ر سول ال‬
‫أن رج ً‬ ‫((‬

‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫تشـدﱡ عليها إزارهـا ثم شأنك بأعلها‬ ‫فقـال رسول ال‬
‫الن ـوع الثالث ال سماء المو صولـة و هي كذلك تفي ـد العموم في كل‬
‫ما تصلح له ‪ ،‬ومن أمثلتها احتجاج بعض فقهائنـا على حكايـة جميع ألفـاظ‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديـث (( الحقوا الفرائض بأهلهـا فمـا بقـي فهـو لوْ لى رجـل ذكـر )) رواه أحمـد والشيخان‬
‫وأصحاب السنن عن ابن عباس ‪.‬‬
‫من بدل دي نه فاقتلوه )) رواه أح مد والبخاري وأ صحاب ال سنن عن ا بن عباس ورواه‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حد يث‬
‫مالك عن زيد بن أسلم بلفظ (( من غير دينه فاضربوا عنقه )) ‪.‬‬
‫من أح يا أرضا مي تة ف هي به )) رواه أح مد والترمذي و صححه عن جابر ورواه أيضا‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حد يث‬
‫أحمد والترمذي وأبو داود عن سعيد بن زيد ورواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ‪.‬‬

‫(‪. )1‬‬ ‫))‬ ‫ل ما يقـول المؤذن‬


‫إذا سمعتم النداء فقولوا مث َ‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫الذان بقولـه‬
‫وأما الل فظ العام بلفظ آخر فإمـا أن يكون ذلك اللفظ الخر قبل الل فظ‬
‫العام أو بعده ‪.‬‬
‫وأ ما الل فظ الذي يكون قبله ويفيده العموم ف ـ( أي ) الشرط ية و ( أي )‬
‫السـتفهامية و ( ل ) النافيـة للنكرات و ( كـل ) و ( الــ ) الداخلة على غيـر‬
‫معهود سواء كان مفردا أو جمعا فإنها تفيد العموم فيما تدخل عليه ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مثال ( أي ) الشرطيـة احتجاج فقهائنــا على أن كـل امرأة ولو كانـت‬
‫‪ (( :‬أيما‬ ‫عاقلة بالغـة إذا تزوجت بغير إذن وليها فإن زواجها باطل بقوله‬
‫امرأة نكح ـت بغي ـر إذن ولي ها فنكاحُه ـا با طل فنكاحه ـا با طل فنكاحه ـا‬
‫‪ ،‬واحتجاج بعـض فقهائنـــا على أن جلد الميتـة يطهره الدباغ‬ ‫)) (‪)2‬‬ ‫باطـل‬
‫يقول أيمـا إهاب دُبـغ فقد‬ ‫سمعت رسول ال‬ ‫((‬ ‫بحديث ابن عباس قال ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫طهر‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مالك وأح مد والشيخان وأ صحاب‬ ‫))‬ ‫‪ -1‬حد يث (( إذا سمعتم النداء فقولوا م ثل ما يقول المؤذن‬
‫السنن عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬وأخـذ ابن حبيب وغيره من فقهائنــا بالجمع بين حديث أبي سعيد‬
‫هذا وب ين حد يث ع مر بن الخطاب الذي رواه م سلم وأ بو داود وأخرج البخاري نحوه عن معاو ية وف يه‬
‫أن السامع يقول عند ( حيّ على الصلة ) وعند ( حيّ على الفلح ) ل حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫رواه أح مد وأ بو داود والترمذي‬ ‫))‬ ‫أيم ـا امرأة نك حت بغير إذن وليها فنكاحها با طل‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حد يث‬
‫وحسنه وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححه عن عائشة ‪.‬‬
‫رواه أح مد وم سلم والترمذي وا بن ما جه ورواه مالك‬ ‫))‬ ‫أيم ـا إهاب د بغ ف قد ط هر‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حد يث‬
‫‪ .‬ول كن أك ثر فقهائ نا يقولون بعدم طهار ته وإن د بغ عملً‬ ‫))‬ ‫إذا د بغ الهاب فقد طه ـر‬ ‫((‬ ‫أيضا بل فظ‬
‫كتب إلينا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫((‬ ‫بما رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد ال بن ُعكيم قال ‪:‬‬
‫ويعدون حد يث ا بن عباس من سوخا أو‬ ‫))‬ ‫ق بل وفا ته بش هر أن ل تنتفعوا من المي تة بإهاب ول ع صب‬
‫محمولً على الطهارة اللغو ية ‪ ،‬والقائلون بطهار ته الشرع ية بالدباغ يقولون إن حد يث ا بن ُعك يم منق طع‬
‫ومضطرب ‪ ،‬وحمل ألفاظ الشارع على الحقائق الشرعية أولى من حملها على الحقائق اللغوية – انظر‬
‫للباجي ‪.‬‬ ‫))‬ ‫شرح الموطأ‬ ‫((‬ ‫للشوكاني و‬ ‫))‬ ‫نيل الوطار‬ ‫((‬

‫ومثال ( أي ) السـتفهاميـة احتجاج ابـن القاســم على أن عتــق الكافــر إذا‬


‫ل من ع تق الم سلم إذا كان أق ـل م نه في الثم ـن بم ــا‬
‫كان أك ثر ثمنا أفض ُ‬
‫قلت يا ر سول ال أيﱡ العم ــال أف ضل‬ ‫((‬ ‫رواه الشيخان عن أ بي ذر قال ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬اليمان بال والجهاد في سبيل ال قلت ‪ :‬أي الرقاب أف ضل قال ‪ :‬أنف سها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫عند أهلها وأكثرها ثمنا‬

‫‪59‬‬
‫ومثال ( ل ) النافيـة للنكرات احتجاج فقهائنــا على أن المسـتفـاد من‬
‫غير ربح المال الصلي ل يُضـم إليه ول تجب فيه الزكاة حتى يحـول عليه‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫ل زكاة فــي مال حتــى يحول عليــه الحول‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫الحول بقوله‬
‫‪:‬‬ ‫وكاحتجاج هم على وجوب تبييت ال صيام في صـوم التطوع أيضا بقوله‬
‫لن النكرة المنفية‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫من لم ُيجمع الصيام قبل الفجـر فل صيــام له‬ ‫((‬

‫تعــم ‪.‬‬
‫ومثال لفظ ( كل ) احتجـاج فقهائنـا على تحريـم كل النبذة المسكرة‬

‫ــــــــــــــ‬
‫أي من‬ ‫))‬ ‫أكثرها ثمنـا‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬قال أصبغ وأكثر أصحاب المام المراد بقوله صلى ال عليه وسلم‬
‫ب ين الرقاب الم سلمة ‪ .‬ويؤ يد هذا المراد ترغي به في إعتاق الرق بة الم سلمة وعدم م صلحة الم سلمين في‬
‫تفضيل تحرير رقاب كافرة على تحرير رقاب مسلمة ‪.‬‬
‫رواه أ بو داود عن علي ب سند ج يد ورواه‬ ‫))‬ ‫ل زكاة في مال ح تى يحول عل يه الحول‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حد يث‬
‫ابن ماجه عن عائشة والدارقطني عن أنس ‪.‬‬
‫رواه أحمد وأصحاب السنن عن ابن‬ ‫))‬ ‫من لم يجمع الصيام قبل الفجر فل صيام لـه‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حديث‬
‫عمر عن أخته حفصة ‪.‬‬

‫كـل شراب أسـكر فهــو‬ ‫((‬ ‫و‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫كـل مسـكـر حــرام‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫بقولــه‬
‫(‪. )2‬‬ ‫))‬ ‫حرام‬
‫ومثال ( الــ ) الداخلة على غيـر معهود احتجاج الشافعيـة وأكثـر‬
‫(‪)3‬‬ ‫حرم ثمـن الكلب‬ ‫فقهائنــا على تحريـم بيـع كلب الصـيد لن النـبي‬
‫ولفـظ الكلب عام لنه معرف بـ ( الـ ) التي ليست للعهد فيعم كل أنواعه ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫وأمـا اللفظ الذي يكون بعد اللفظ العام ويفيده العموم فهو المضاف إليه‬
‫المعرفة فإنه يفيد العموم في المضاف سواء كان المضاف مفردا أو جمعا ‪.‬‬
‫ومثاله في المضاف المفرد احتجاج فقهائن ـا على أن صلة الجماع ـة‬
‫صلةُ الجما عة تف ضل‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫ل تتفا ضل بكثرة عدد الم صلين لقوله بقول ـه‬
‫فإن لفظ الجماعــة يعم كل جماعة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫))‬ ‫صلة الفذ بسبع وعشرين درجة‬
‫مه ما كان عدد أفراد ها لذلك فإن صلة كل جما عة تف ضل صلة كل ف ـذ بهذا‬
‫العدد ول يكون ذلك إل إذا كانت الجماعات كلها في درجة واحدة من الفضل ‪،‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه أحمد والشيخان وغيرهم عن أبي موسى الشعـري ورُوي‬ ‫))‬ ‫‪ -1‬حديث (( كل مسكر حرام‬
‫أيض ـا عن غيره من ال صحابـة كأ بي هريرة وأ نس بن مالك وع بد ال بن ع مر وع بد ال بن عباس‬
‫وعبد ال بن مسعود وجابر بن عبد ال ‪.‬‬
‫رواه مالك وأحمد والشيخان عن عائشة ‪.‬‬ ‫))‬ ‫كل شراب أسكر فهـو حـرام‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديث‬
‫إن رسول ال صلى ال عليه وسلم حرّم ثمـن الـدم وثمن الكلب وكسب‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬قال أبو ُجحيفة ‪:‬‬
‫رواه أحمـد والشيخان ‪ ،‬وروى مالك وأحمـد والشيخان وأصـحاب السـنن عـن أبـي مسـعود‬ ‫))‬ ‫البغـي‬
‫إن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن )) ‪.‬‬ ‫((‬ ‫النصاري ‪:‬‬
‫ولكن الحنفية وبعض فقهائنا كسحنون أجازوا ب يع كلب ال صيد والماش ية والزرع لما رواه م سلم وغيره‬
‫من أئمة الحديث عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬من اقتنى كلبا إل كلب زرع أو‬
‫فأباح بقوله ه ــذا اتخاذ ما ا ستثناه من ها و ما أب يح‬ ‫))‬ ‫غ نم أو صيد ين قص من أجره كل يوم قيراط‬
‫اتخاذه جاز بيعه كسائر الحيوان المأذون في اتخاذه للنتفاع به ‪.‬‬
‫رواه أحمـد ومالك‬ ‫))‬ ‫صـلة الجماعـة تفضـل صـلة الفــذ بسـبع وعشريـن درجـة‬ ‫((‬ ‫‪ -4‬حديـث‬
‫والشيخان عن عبد ال بن عمر ‪.‬‬

‫صـلة الرجـل مع الرجـل أزكـى من‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫فيحتـج مخالفـونا بقولـه‬
‫صلتـه وحده و صلته مع الرجل ين أز كى من صلته مع الرج ـل و ما كان‬
‫‪ ،‬فنجيبهـم بأن فضـل الكثــر عددا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫أكثـر فهـو أحـب إلى ال تعالى‬
‫المنوه بـه فـي هذا الحديـث محمول على غيـر جماعات المسـاجـد وقوله‬
‫صلة الرجل مع الرجل وصلته مع الرجلين يشعر بذلك ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ومثاله في المضاف الجم ـع احتجاج فقهائن ـا على أن من د خل فـي‬
‫نافلة يرتبـط أولهـا بآخرهـا كالصـلة والصـيام والحــج والطواف ل يجوز له‬
‫والنافلة عمل فاندرجـت تحت‬ ‫))‬ ‫ول تُبطلوا أعمالـكم‬ ‫((‬ ‫قطعها بقوله تعالى ‪:‬‬
‫هذا العموم ‪ ،‬واحتجاج المام الشافعـي على وجوب الكفارة فـي اليميـن الغموس‬
‫واليميـن الغموس مندرجـة فـي‬ ‫))‬ ‫ذلك كفارة أيمانكـم إذا حلفتـم‬ ‫((‬ ‫بقوله تعالى ‪:‬‬
‫عموم اليمـان ‪.‬‬
‫والعموم العرفــي هـو عموم اللفـظ المحــذوف الذي عينـه العرف ‪،‬‬
‫فإنه لما عيـن العـرف‬ ‫))‬ ‫ُحرمت عليكم أمهاتكـم‬ ‫((‬ ‫ومثالـه قولـه تعالى ‪:‬‬
‫( ال ستمتاع ) للمحذوف ل ـزم تعل يق التحر يم بجم يع أنواع ال ستمتاع ‪ ،‬ول كن‬
‫إذا لم يكن عرف في محذوف معيّن فإن من العلماء من يرى العموم في جم يع‬
‫المقدرات ‪ ،‬ومنهم من يرى وجوب قصره على واحد منها يعيـن الحك مَ الشبه‬
‫بمراد الشارع أو الكث َر انطباقا على القياس ‪.‬‬
‫مثال الول مـا احتـج بـه فقهاؤنــا على تحريـم النتفــاع بشيـء مـن‬
‫فإنه لمـا تعـذر تعليق‬ ‫))‬ ‫حُرﱢ مت عليكم الميْتة‬ ‫((‬ ‫الميتة مطلقـا بقوله تعالى ‪:‬‬
‫التحريم بالميتـة نفسها وجب التقديـر ولما لم يتعين شيء بعينـه وجب تقدير‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه أحمـد وأبـو داود‬ ‫))‬ ‫صـلة الرجـل مـع الرجـل أزكـى مـن صـلته وحده ‪...‬‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديـث‬
‫والنسائي وابن ماجه عن أبيّ بن كعب ‪.‬‬

‫كل ما يصح تقديره ووجب تعليق التحريم به كله ‪.‬‬


‫ومثال الثانـي مـا احتـج بـه الشافعيــة والحنفيــة على سـقوط القضاء‬
‫رُفـع عن أمتي الخطأ والنسيان‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫عمن أف طر ناسيا في رمضان بقوله‬
‫فإن كلً منهـا لمـا لم يرتفـع بنفسـه ُعلم أن فـي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫ومـا اسـتُكرهوا عليـه‬
‫الك ـلم حذف ـا ي جب تقديره لتعي ين الح كم والقضاءُ م ما ي صح تقديره وه ـو‬

‫‪62‬‬
‫الش به بمراد الشارع فكــان مرفوع ـا عمـن أف طر نا سيا ‪ ،‬فيقــول المالك ية‬
‫وال ثم م ما ي صح تقديره بل هو الجدر بالتقد ير ل نه هو المج مع على ارتفا عه‬
‫عن المخ طئ والنا سي و هو الق يس لشَبَ ـه نا سي ال صوم بنا سي ال صلة وبذلك‬
‫يبقـى القضاء واجبا وجوب قضاء الصـلة المنسـية على أن تقديـر القضاء مـع‬
‫التسليم بارتفاع الثم يلزم منه التعميم في غير محل الضرورة ‪.‬‬
‫والعموم العقلي منه عمـوم الحكم لعموم علته كما في القيـاس ‪ ،‬ومنه‬
‫عموم المفعولت ال تي يقتضي ها الف عل المن في ك ما إذا قلت ( وال ل آ كل ) فإ نك‬
‫تح نث ب كل مأك ـول ل نك لم ت صرح بالمفعول فكان عموم ـا عقلي ـا إذ ال كل‬
‫ل مه ما كان نو عه ‪ ،‬ولك نك لو صرحت بالمفعول ف قل‬
‫ي ستدعي بالضرورة مأكو ً‬
‫ل ( وال ل آكل لحما ) ونويت لحم الغنم دون غيره من اللحـوم الخـرى‬
‫مث ً‬

‫ــــــــــــــ‬
‫أخرجـه الطبرانـي فـي‬ ‫))‬ ‫رفع عن أمتي الخطـأ والنسيان وما استكرهـوا عليه‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬
‫عن ثوبان وهو حديث ضعيف فل تقوم به حجة على سقوط القضاء عمن أفطر ناسيا وإنما‬ ‫))‬ ‫(( الكبير‬
‫قال ر سول ال‬ ‫((‬ ‫تقوم الحج ـة ب ما رواه أح مد والشيخان وأ بو داود والترمذي عن أ بي هريرة قال ‪:‬‬
‫))‬ ‫صلى ال عل يه و سلم من ن سي و هو صائـم فأ كل أو شرب فلي تم صومه فإنم ـا ال أطع مه و سقاه‬
‫)‬ ‫من‬ ‫(‬ ‫ولكن المالكية يحملونه على صوم التطوع لعدم ذكر رمضان فيه ويرد عليهم مخــالفوهم بأن‬
‫الشرطية تفيد العموم – فتأمل ‪.‬‬

‫فل تح نث بأك ـل غ ير ما نو يت لن العم ـوم ف يه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫نفعت ـك ني تك عندن ـا‬


‫لغوي ل عقلـي ‪.‬‬
‫هذا واعلــم أن دللة العام على أقـل الجمـع قطعيـة وعلى كـل فرد‬
‫بخ صوصه ظن ية لحتمال ـه الخ صوص وإن لم يظ هر مخ صص ‪ .‬وأ قل الج مع‬
‫مختلف ف يه فق يل ثل ثة وق يل اثنان ‪ ،‬وعل يه اختلف علم ـاء ال صحابة في أق ـل‬
‫))‬ ‫فإن كان له إخوة فلم ـه ال سدس‬ ‫((‬ ‫مدلول لكل مة ( إخوة ) من قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫فقــال زيـد وعلي وعثمان وابـن مسـعود ‪ُ :‬تحجـب الم مـن الثلث إلى السـدس‬
‫بالخوين فأكثـر ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬بل بالثلثة فأكثر ‪.‬‬
‫ـم ‪ ،‬فقال المام وجمهور‬
‫ـي المقرّ لغيره بدراهـ‬
‫ـا فـ‬
‫واختلف فقهاؤنــ‬
‫أصحابه يلزمه ثلثة دراهم ‪ ،‬وقال ابن الماجشون يلزمه درهمان فقط بناء على‬
‫اختلفهم في أقل الجمع ‪.‬‬

‫المـؤوّل‬
‫المؤول هـو اللفـظ الذي يحتمـل معنييـن راجحــا فـي أحدهمـا بدليــل‬
‫منف صل ‪ ،‬وه ـو مت ضح الدلل ـة في المع نى الذي تؤول ف يه لرجحان ـه ف يه ‪،‬‬
‫إل أن رجحانه لما كان بدليل منفصل لم يكن في اتضاح دللته كالظاهر الراجح‬
‫في أحد معنييه من جهة لفظه وضعا ‪ ،‬ويدخل في هـذا البحث سبعة تأويلت ‪:‬‬
‫التأويـل الول ‪ :‬المجاز – وهــو حمـل اللفـظ على مجازه ل على‬
‫حقيقته‪ ،‬وقد قدمنا أن الحقيقة لغوية وشرعية وعرفية ويقابل كل حقيقة مجازها‪.‬‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬نية الحالف عندنـا تختص العام وتقيد المطلق وتبين المجمل إذا لم يتعلـق الِحلف بحق الغير‬
‫فإن تعلق بحق الغير اعتبرت نية صاحب الحق ‪.‬‬

‫أما المجار اللغوي فمثاله احتجاج فقهائنـا على أن من وجد متاعه عند‬
‫مشتري ـه المفلس ولم يق بض من ثم نه شيئ ـا ف هو أولى به من سائر الغرماء‬
‫من أدرك مال ـه بعين ـه ع ند ر جل أفلس ف هو أ حق به من‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫بقول ـه‬
‫‪ ،‬فيق ـول الحنف ية صاحب المتاع حقيقة في مشتر يه الحائز عل يه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫غيره‬
‫وهو المفلس ومجاز في الذي كان بيده والحقيقة أرجح من المجاز ‪ ،‬فيقـول لهم‬
‫فقهــاؤنا لقد دل الدليل هنا على ترجيح المجاز أل ترون أن جملة ( فهو أحق‬

‫‪64‬‬
‫به من غيره ) هي خبر ( من ) الشرط ية الدالة على صاحب المتاع قطع ـا ثم‬
‫الحاد يث الخرى الواردة في هذه القض ية فإن ها تدل ب صراحة على أن ال حق‬
‫بالمتاع صاحبه الول الذي باعه (‪. )2‬‬
‫وأما المجـاز الشرعي فمثــاله احتجاج الحنفية على أن الزنا يوجب‬
‫ول تَنكح ـوا ما ن كح آباؤك ـم من الن ساء‬ ‫((‬ ‫حرم ـة الم صاهرة بقوله تعالى ‪:‬‬
‫فإن المراد بالنكاح الو طء‬ ‫))‬ ‫ل‬
‫إل ما قد سلف إ نه كان فاحش ًة ومقتا و ساء سبي ً‬
‫أي ل تطؤوا من وطِئهن آباؤكم ومن زنـا بها الب فقد وطئهــا فحرم على‬
‫ابنه وطؤها ‪ ،‬فيقـول فقهاء الشافعية وجمهور فقهائنا إنما المراد بالنكـاح العقد‬
‫ل نه حقي قة شرع ية ف يه وأم ــا في الو طء فمجاز شر عي والحقي قة الشرع ية‬
‫أر جح من المجاز الشر عي وعل يه فالزن ـا ل يو جب حرمة الم صاهرة ‪ ،‬فيقول‬
‫))‬ ‫إل ما قد سلف‬ ‫((‬ ‫الحنف ية بل المراد بالنكاح في الي ـة الو طء لقوله تعالى ‪:‬‬
‫فـإن عرب الجاهلية الذين كانوا يخلفون آباءهم في نسائهم إنما كانوا يخلفونهم‬
‫ــــــــــــــ‬
‫))‬ ‫‪ -1‬حديث (( من أدرك ماله بعينه عند رجل قـد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به مـن غيره‬
‫رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬من ها ما رواه مالك في الموط ـأ ‪ (( :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ :‬أي ما ر جل باع‬
‫متاعا فأفلس الذي ابتا عه م نه ولم يق بض الذي با عه من ثم نه شيئا فوجده بعي نه ف هو أ حق به وإن مات‬
‫الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء )) ‪.‬‬

‫فـي الوطـء ل فـي العقـد لنهـم لم يكونــوا يجددون عليهـن عقــدا بـل كانوا‬
‫والفاحشـة هـي‬ ‫))‬ ‫إنـه كان فاحشـة ومقتا‬ ‫((‬ ‫يأخذونهـن بالرث ولقوله تعالى ‪:‬‬
‫الف عل المتنا هي في الق بح وتطلق على الو طء المحرم ل على الع قد البا طل غ ير‬
‫المقرون بالو طء ‪ ،‬والم قت أشدﱡ الب غض وإذا كان الزن ـا في ذا ته فاح شة ك ما‬
‫))‬ ‫ل‬
‫ول تقربوا الزن ـا إ نه كان فاح شة و ساء سبي ً‬ ‫((‬ ‫ج ـاء في قوله تع ـالى ‪:‬‬

‫‪65‬‬
‫ف ـإن و طء موط ـوءة الب فاح شة وم قت أيضا لغرا قه في الق بح المبغوض‬
‫أشـد البغض ‪.‬‬
‫وأما المجاز العرفي فمثاله احتجاج فقهائنا على أن الظهـار يلزم السيد‬
‫والذيـن يظاهــرون مـن‬ ‫((‬ ‫فـي َأمَتــه التـي يحـل لــه وطؤهـا بقوله تعالى ‪:‬‬
‫لن المَـة من نسائنا ‪ ،‬فيقول مخالونا من فقهــاء المذاهب الثلثة‬ ‫))‬ ‫نسائهم‬
‫للذيـن‬ ‫((‬ ‫هذا اللفـظ خاص فـي العرف الشرعـي بالزوجــات فقـد قال تعالى ‪:‬‬
‫يا أي ها ال ني قل لزوا جك‬ ‫((‬ ‫وقال ‪:‬‬ ‫))‬ ‫يؤلون من ن سائهم تر بص أرب عة أش هر‬
‫والمراد بالنساء‬ ‫))‬ ‫وبناتــك ونساء المؤمنين ُيدْنيـن عليهن من جلبيبهـن‬
‫فـي هاتيـن اليتيـن الزوجات بالتفاق ‪ ،‬فيجيبهـم فقهاؤنـا بأن التعـبير فـي اليـة‬
‫الظهار بل فظ الن ساء جارٍ مجرى الغالب ول ما ك ـان الظهار في الجاهل ية طلقا‬
‫كان خاصـاً بالزوجات ‪ ،‬ثـم لمـا نسـخ رجـع إلى تحريـم السـتمتاع ولمـا كان‬
‫الستمتاع عاما في الزوجات والماء شمل حكم الظهار المَـة فحرم الستمتاع‬
‫بها كما حرم بالزوجة قبل التكفير ‪.‬‬
‫التأو يل الثا ني ‪ :‬التقد ير – ومثاله احتجاج الشافع ية على جواز مرور‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة‬ ‫((‬ ‫الجنب في المسجد للعبور بقوله تعالى ‪:‬‬
‫إذ المراد‬ ‫))‬ ‫وأن تم ُ سكارى ح تى تعلم ـوا ما تقولون ول جنبا إل عابري سبيل‬
‫ل تقربوا موا ضع ال صلة و هي الم ساجد وأن تم ج نب إل عابري أي مجتاز ين‬
‫غير لبثيـن ول مترددين ‪ ،‬فيقول لهم المالكية إن هذا فيه تقدير والصل عدمه‬
‫يدل على أن المراد ل تفعلوا الصلة‬ ‫))‬ ‫حتى تعلموا ما تقولون‬ ‫((‬ ‫وقوله تعالى ‪:‬‬
‫أي ل تصلوا وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ول تصلـوا في المسجد أو‬
‫في غير المسجد ‪ ،‬وإن كنتم ل تزالون بالتيمم جنبا لن التيمم ل يرفع الجنابة بل‬
‫يبيح الصلة ما دام العذر الموجب له قائما ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫التأويل الثالث ‪ :‬الترادف ‪ -‬ومثاله احتجاج جمهور فقهائنا على تحريم‬
‫ل تنتفع ـوا من المي تة بإه ـاب‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫النتفاع بجلد المي تة وإن دب ـغ بقوله‬
‫‪ ،‬فيقول المخالفون من فقهائ نا ‪ :‬الهاب ا سم خاص بالجلد‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫ول عَ صَب‬
‫غير المدبوغ كما قال أهل اللغــة ولم يوضع للجلد غير المدبوغ اسم يخصه‬
‫غ ير الهاب فإن جعلناه مرادفا للجلد مطلقا ل ـزم م نه مخال فة أ صل الو ضع ‪،‬‬
‫فيجيب هم الجمهور بأن الخليل بن أح مد قال ‪ :‬الهاب الجلد ‪ ،‬ولم يقيده بأ نه غير‬
‫مدبوغ وهو أعرف باللغـة وأقرب إلى أهلها الوَل ‪.‬‬
‫التأويـل الرابـع ‪ :‬التأكيـد ‪ -‬ومثاله احتجاج فقهائنـا على وجوب مسـح‬
‫أي امسـحوا‬ ‫))‬ ‫وامسـحوا برؤوسـكم‬ ‫((‬ ‫كـل الرأس فـي الوضوء بقوله تعالى ‪:‬‬
‫رؤو سكم والباء زائدة لتأكي ـد الم سح كتأكيد ها لم سح الو جه في التي مم ‪ ،‬فيقول‬
‫الشافعيـة الباء هنـا للتبعيـض ل للتأكيـد لن التأكيـد خلف الصـل لعدم توقـف‬
‫وام سحوا‬ ‫((‬ ‫المع نى عل يه وأ ما التبع يض فل يفه ـم إل ب ما يدل عل يه كالباء في‬
‫بناصيته دون سائر شعر رأسه كما جاء‬ ‫ويؤيـده مسح النبي‬ ‫))‬ ‫برؤوسكم‬
‫في حديث المغيرة ‪ ،‬فيقول لهم فقهاؤنـا إن زيـادة الباء للتأكيد كثيرة الـورود‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد ال بن ُعكيم قال ‪ (( :‬كتب إلينا رسول ال صلى ال عليه‬
‫إل أن فيـه انقطاعا واضطرابا‬ ‫))‬ ‫وسـلم قبـل وفاتـه بشهـر أن ل تنتفعوا مـن الميتـة بإهاب ول عصـب‬
‫وحديث ابن عباس الذي رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه وقال فيه ‪ (( :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫للشوكاني‬ ‫))‬ ‫نيـل الوطار‬ ‫((‬ ‫أصح منه – انظر‬ ‫))‬ ‫ال عليه وسلم يقـول أيمـا إهـاب دبغ فقد طهر‬
‫للباجي تجد فيهما التفصيل والتحقيق ‪.‬‬ ‫))‬ ‫شرح الموطـأ‬ ‫((‬ ‫و‬

‫أي‬ ‫))‬ ‫وهُــزي إليـك بجِــذع النخلة‬ ‫((‬ ‫والسـتعمـال ‪ ،‬قال ال تعـــالى ‪:‬‬
‫أي إلحادا وقال فـي اليـة‬ ‫))‬ ‫وم َن يردْ فيـه بإلحاد بظلم‬ ‫((‬ ‫جذعـ النخلة وقال ‪:‬‬
‫َ‬
‫أي وجوهَــكم وأيدَيكـم ‪ ،‬وإنكـم‬ ‫))‬ ‫فامسـحوا بوجوهكـم وأيديكـم‬ ‫((‬ ‫التيمـم ‪:‬‬
‫تتفقون مع نا على وجوب م سح الو جه كله في التي مم ول توافقون نا على وجوب‬

‫‪67‬‬
‫مسـح الرأس كله فـي الوضوء ! ويؤيـد مـا ذهبنـا إليـه أن كـل الذيـن وصـفوا‬
‫قالوا إ نه م سح الرأس كل ـه وأ ما م سحُـه بنا صيته الذي جاء في‬ ‫وضوءه‬
‫تو ضأ ر سول ال‬ ‫((‬ ‫حد يث المغيرة فإ نه ح جة ل نا ل ل كم إذ ق ـال المغيرة ‪:‬‬
‫فكان مسحه على العمامة بعد مسح ما‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫فمسح بناصيته وعــلى العمامة‬
‫ل لمسـح الرأس كله ولو كان مسـح مـا أدرك مـن رأسـه‬
‫أدرك مـن رأسـه إكما ً‬
‫ال تي كا نت حائ ــلً بي نه وب ين‬ ‫(‪)2‬‬ ‫مجزئ ـا ل ما أكمله بالم سح على العما مة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫باقي الرأس فأجراها مجرى العصابة بنقل فرض المسح إليها‬
‫التأو يل الخا مس ‪ :‬التقد يم والتأخ ير ‪ -‬ومثاله تأو يل الحنف ية قوله‬
‫إذا حل فت على يم ين فرأ يت غير ها خيرا من ها‬ ‫((‬ ‫سمُـرة ‪:‬‬
‫لع بد الرح من بن َ‬
‫بأن فيه تقديمـا وتأخيـرا أن‬ ‫(‪)4‬‬ ‫))‬ ‫فكفـر عن يمينك وائت الذي هـو خير‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث المغيرة أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه ‪.‬‬
‫‪ -2‬قال ابن القيم ‪ :‬لم يصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتـة‬
‫ولكن كان إذا مسح بناصيته أكمل على العمامة ‪.‬‬
‫‪ -3‬يغلب على الظـن أن مسـحه صـلى ال عليـه وسـلم على عمامتـه كان لعــذر اضطره إلى عدم‬
‫نزع ها ويقوي هذا ال ظن ما رواه أح مد وأ بو داود عن ثوبان قال ‪ (( :‬ب عث ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم سرية فأ صابهم البرد فل ما قدموا على ال نبي صلى ال عل يه و سلم شكوا إل يه ما أ صابهم من البرد‬
‫أي على العمائم والخفاف حتى ل يؤذيهم البرد ‪.‬‬ ‫))‬ ‫فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين‬
‫))‬ ‫إذا حلفت على يمين فرأيت غيرهـا خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير‬ ‫((‬ ‫‪ -4‬حديث‬
‫إذا حلفت على يمين فرأيـت غيرها خيرا منها فائت الذي‬ ‫((‬ ‫رواه أحمد والشيخان ورووه أيضا بلفظ ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫هو خير وكفر عن يمينك‬

‫التكفير رافـع للحنث فل يجزئ إل بعـد وقوعـه ‪ ،‬فيقول فقهاؤنـا وغيرهم‬


‫ممـن احتجوا بهذا الحديـث على جواز التكفيـر قبــل الحنـث إن الصـل عدم‬
‫التقديــم والتأخيـر وبقاء الترتيـب على حالــه وإذا كان التكفيــر بعـد الحنـث‬
‫رافعـا له فإنه قبل الحنث مانع له ويحصل به مقصود الشارع ‪ ،‬فيجيب الحنفية‬

‫‪68‬‬
‫بأن إبقـــاء الحديـث على ترتيبـه يلزم ع نه وجوب تقديـم الكفارة على الحنـث‬
‫إذا حل فت‬ ‫((‬ ‫بدللة ( ثم ) ال تي وردت في رواي تي الن سائي وأبي داود هك ـذا ‪:‬‬
‫ول قائل بوجوب تقديمها ‪،‬‬ ‫))‬ ‫على يميـن فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير‬
‫فيقول لهـم فقهاؤنــا لم ترد ( ثـم ) إل فـي بعـض الروايات ووردت الواو فـي‬
‫أكثرها وهي ل تفيـد ترتيبـا ول تعقيبـا وفي بعض روايات الواو جاء المر‬
‫بالتكف ير ق بل ال مر بإتي ـان الذي هو خ ير و في بعض ها بالع كس ولذلك رأي نا‬
‫التكفير جائزا قبـل الحنث وبعده وإن كان بعده أولى ليقع الحق بعد موجبه ‪.‬‬
‫التأويل ال سادس ‪ :‬تقييـد المطلق ‪ -‬اعلم أن صورة التقيي ـد إما أن‬
‫تت حد مع صورة الطلق في ال سبب والح كم معا ‪ ،‬وإم ـا أن تت حد معه ـا في‬
‫الح كم وتختلف عن ها في ال سبب ‪ ،‬وإم ـا أن تت حد معه ـا في ال سبب وتختلف‬
‫عنها في الحكم ‪ ،‬وإمــا أن تختلف الصورتان في السبب وفي الحكم كليهما ‪.‬‬
‫فإن اتحدت صورة التقييـد مع صورة الطلق في السبب وفي الحكم‬
‫ل نكـاح إل بولي‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫حمل المطلق على المقيـد بل خلف كما في قوله‬
‫فوجب‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫ل نكاح إل بولـي وشاهدي عدل‬ ‫((‬ ‫وقوله ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫وشاهدين‬
‫ــــــــــــــ‬
‫أخرجـه الطـبراني عـن أبـي موسـى الشعري ورمـز‬ ‫))‬ ‫ل نكاح إل بولي وشاهديـن‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديـث‬
‫السيوطي في جامعه الصغير لحسنه ‪.‬‬
‫أخر جه البيه قي عن عمران بن ح صين و عن‬ ‫))‬ ‫ل نكاح إل بولي وشاهد ين عدل‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حد يث‬
‫‪ :‬إ سناده صحيح ‪ ،‬وأخر جه الدارقط ني عن ا بن عباس وقال ‪:‬‬ ‫))‬ ‫المهذب‬ ‫((‬ ‫عائ شة وقال الذ هبي في‬
‫رجاله ثقات ‪.‬‬

‫تقييد الشهود هنـا بالعدالة لن السبب وهو ثبوت النكـاح واحد في الصورتين‬
‫ولن الحكم وهـو وجوب الشهاد فيه واحد أيضـا في الصورتيـن ‪ ،‬وإنما‬
‫لم يشترط المام أ بو حني فة عدالة الشاهد ين في ع قد النكاح لن الحد يث الثا ني‬

‫‪69‬‬
‫الذي يقيد الشاهدين بالعدالة لم يثبت عنده لذلك بقي على رأيـه في أن المقصود‬
‫بالشهاد في العقد إعلنـه وهو ل يتوقف على عدالة شهوده ‪.‬‬
‫وإذا كان الل فظ المطلق من القرآن واللف ـظ المقيّ ـد من أخبار الحاد‬
‫فإنه يتقيـد به عندنا ول يتقيد به عند أبي حنيفة لنه يرى اللفـظ الثابت بخبر‬
‫الحاد زيادة على اللف ــظ القرآ ني الثا بت بالتوات ـر ويرى الزيادة عل يه ن سخا‬
‫له ونسخ القرآن ل يجوز بخبر الحـاد ‪ ،‬ونحن ل نرى أخبــار الحاد زيادة‬
‫‪ ...‬وتحريمهـا‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫على اللفاظ القرآنيـة بـل بيانا لهـا ومثالــه تقييـد قوله‬
‫فإن الل فظ‬ ‫))‬ ‫وذك َر ا س َم ر به ف صلـى‬ ‫((‬ ‫لقوله تع ــالى ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫الت كبير ‪...‬‬
‫القرآني يقتضي بإطلقه صحة الدخول في الصلة بأي ِذكْـر ل وقـد أخذ به‬
‫المام أبو حنيفة ‪ ،‬والخبر يقيد مطلق ال ِذكْـر بالتكبير وبه أخذ الئمة الثلثة ‪.‬‬
‫وإن اتحدت صورة التقييد مع صورة الطلق في الحكم واختلفت عنها‬
‫في السبب حمل المطْـلق على المقيد عندنا ومثالـه احتجاجنا بقوله تعالى في‬
‫على اعتبار‬ ‫))‬ ‫ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة‬ ‫((‬ ‫كفارة القتل الخطأ ‪:‬‬
‫اليمان في كفارتي الظهار واليمين فإن الكفارة في آية القتل مقيدة فحملنا عليها‬
‫كفارتي الظهار واليمين المطْـلقتين ‪ ،‬فيقـول مخالفونا وهم الحنفية ل يجب أن‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه‬ ‫))‬ ‫‪ -1‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬مفتاح الصلة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم‬
‫أحمـد وأ بو داود والترمذي وابـن ما جه عن علي ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬هـو أ صح ش يء في ه ـذا الباب‬
‫ب عد أن ذ كر طر قه الكثي ـرة و ما ق يل في ها ‪ :‬وهذه‬ ‫))‬ ‫ن يل الوطار‬ ‫((‬ ‫وأح سنه ‪ ،‬وقال الشركا ني في‬
‫الطرق يقوي بعضها بعضا فيصلح الحديث للحتجاج به ‪.‬‬

‫تحمـل كفارتـا الظهار واليميـن على كفارة القتـل لختلف السـبب وإن اتحــد‬
‫الحكم ‪ ،‬فنقول لهم إن الجميع كفارة وتحرير رقبة العبد صدقة عليه ومن شرط‬
‫القابـض للصـدقات الواجبــة اليمان كالزكاة فإنـه ل تجزئ إل بدفعهـا لمؤمـن‬

‫‪70‬‬
‫وهذه هي علة اعتبار اليمان في كفارة الق تل و هي بعين ها موجودة في كفار تي‬
‫الظهار واليمين فوجب اعتبار اليمان فيهما ‪.‬‬
‫وإن أتحدث صـورة التقييـد مـع صـورة الطلق فـي السـبب واختلفـت‬
‫عن ها في الح كم ل يح مل المطلق على المق يد ع ند الجمهور ‪ ،‬ومثاله قوله تعالى‬
‫في كفارة اليمين ‪ (( :‬فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم‬
‫فقيّد الطعام بالوسط وأطلق الكسوة فلم يقيدها ‪،‬‬ ‫))‬ ‫أو كسوتهم أو تحرير رقبة‬
‫ول ما كان ح كم الك سوة المط ـلقة غ ير ح كم الطعام المق يد أبقا ها الجمهور على‬
‫إطلقها فلم يقولوا بوجوبها من أوسط كسوة الهل (‪. )1‬‬
‫وإن اختلفـت صـورة التقييـد وصـورة الطلق معا فل يحمـل المطلق‬
‫))‬ ‫والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‬ ‫((‬ ‫على القيد اتفاقـا ‪ ،‬ومثاله قوله تعالى ‪:‬‬
‫يـا أيهـا الذيـن آمنوا إذا قمتـم إلى الصـلة فاغسـلوا وجوهكـم‬ ‫((‬ ‫وقوله تعالى ‪:‬‬
‫فإن اليدي في ال ية الولى مط ـلقة و في ال ية الثان ية‬ ‫))‬ ‫وأيديَ كم إلى المرا فق‬
‫مقيدة ول ما كان سبب ذ كر اليدي المطل قة مختلفا عن سبب ذ كر اليدي المقيدة‬
‫وكان الح كم المحكوم به على الولى مختلفا عن الح كم المحكوم به على الثان ية‬
‫امتنع حمل المطلقة على المقيدة وو جب إبقاء الولى على إطلق ها والثان ية على‬
‫تقييدها بل خلف ‪.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ذهب المامان مالك وأحمد إلى أن الواجب المجزئ من الكسوة للرجل ثوب يستر بدنه وللمرأة‬
‫درع سابغ وخمار ‪ .‬وذ هب المامان أ بو حني فة والشاف عي إلى أن الوا جب المجزئ من ها أ قل ما ينطلق‬
‫عليه اسم الكسوة كقميص أو رداء ساترين مع إضافة خمار للمرأة ‪.‬‬

‫التأويل السابع ‪ :‬التخصيص – أي قصر اللفـظ على بعض ما يصلح‬


‫له ‪ ،‬وهو إما أن يكون مخصص متصل أو بمخصص منفصل ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫وأمـا التخصـيص بالمتصـل فيكون بالسـتثناء ويكون بغيره كالشرط‬
‫والغاية والصفة مما يذكر في مفهوم المخالفة ‪.‬‬
‫والتخصيص بالستثناء تتعلق به مسألتان رئيستان ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬اختلفهم في مقتضى الستثناء ‪ ،‬فقال المام الشافعي‬
‫وأك ثر فقهائن ـا إن ـه يقت ضي نق يض ح كم صدر الجملة في الم ستثنى أي ن في‬
‫حكم ال صدر الم ستثنى م نه عن الم ستثنى ف ـإذا قال قائ ـل مثلً ( عندي عشرة‬
‫إل ثلثـة ) فــإن العشرة مقصـودة كلهـا ابتــداء ثـم أُخرج منهـا المسـتثنى‬
‫بمعارضـة السـتثناء الذي اقتضـى نفـي حكـم الصـدر عـن المسـتثنى ‪ ،‬وقــال‬
‫الحنف ية وب عض فقهائ نا إن ال ستثناء كت ـكلم بالبا قي من الم ستثنى م نه و سكوت‬
‫عـن حكـم المسـتثنى فإذا قــال القائل ( عندي عشرة إل ثلثـة ) فكأنـه قــال‬
‫عندي سبعة وسكت عن الثلثة ‪ ،‬وعلى ذلك اختلف فقهاؤنا فيمن قال لزوجتـه‬
‫( أنـت طالق ثلثا إل ثلثا إل واحدة ) فعلى الول وهـو مشهور المذهـب تقـع‬
‫عل يه طلقت ـان ل نه ل ما قال إل ثلثا صار ذلك كالمعارض لل صـدر الم ستثنى‬
‫م نه ولم ـا ا ستغرقـه ب طل لبط ــلن ال ستثناء الم ستغرِق فو جب أن ُيل غى‬
‫ويـردّ الستثناء الخـر إلى الصدر الول فكأنـه قـال أنت طالـق ثلثـا‬
‫إل واحدة فوقعت عليه طلقتان ‪ ،‬وعلى الثاني تقع عليه طلقة واحدة فقـط لنه‬
‫لمـا قال فـي المسـتثنى ثلثا إل واحدة فكأنـه تكلم باثنتيــن فقال أنـت طالــق‬
‫ثلثـا إل اثنتين فوقعت عليه واحدة وممن قالوا بهذا ابن الحاجب وابن عرفة ‪.‬‬
‫المسألـة الثانية ‪ :‬إذا جاء الستثناء بعد جمـل معطوفة بالواو فإنـه‬

‫يقت صر على الجملة الخيرة اتفاقا و في شمول ـه ما قبله ـا خلف (‪ ، )1‬وعلى‬


‫ذلك اختلفوا فـي قبول شهادة المحدود فـي القذف بعــد التوبـة ‪ :‬فالجمهور‬

‫‪72‬‬
‫يقبلونهـا والحنفيــة ل يقبلونهــا ‪ .‬وسـبب الخلف توجيـه السـتثناء فـي قوله‬
‫))‬ ‫ول تقبلوا لهـم شهادةً أبدا وأولئك هـم الفاسـقـون إل الذيـن تابوا‬ ‫((‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫فالجمهور يوجهونه على الجملتين والحنفية يقصرونه على الخيرة منهما ويبقى‬
‫على عمو مه ‪ .‬والش به بال حق‬ ‫))‬ ‫ول تقبلوا ل هم شه ــادة أبدا‬ ‫((‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫في هذه الي ـة توجي هه على الجملت ين كلتيه ما لن ردﱠ الشهادة من علة الف سق‬
‫فإذا زال الفسق بالتوبة زال ردﱡ الشهادة (‪. )2‬‬
‫وأمـا التخصـيص بالمنفصـل فأهـم أنواعــه تخصـيص عموم الكتاب‬
‫))‬ ‫والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء‬ ‫((‬ ‫بالكتاب كتخصيص قوله تعالى ‪:‬‬
‫والذيــن ُيتوفّــوْن منكـم ويــذرون أزواجــا يتربصـْـنَ‬ ‫((‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫الشامليـن لولت الحمال بقولـه تعالى ‪:‬‬ ‫))‬ ‫بأنفسهن أربعـةَ أشهر وعشْـرا‬
‫‪ ،‬وتخصـيص عموم‬ ‫))‬ ‫وأولتُـ الحمــال أجلهــن أن يضعْنَـ حملــهن‬ ‫((‬

‫في ما سقـت ال سماء والعي ـون أو‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫ال سنـة بال سنـة كتخ صيص قوله‬
‫ليـس فيما دون خمسـة أوسُـق‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫بقولـه‬ ‫(‪)3‬‬ ‫كـان عَثَريا العشـر‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بعـد أن ذكـر الغزالي قول القائليـن بالشمول والقائليـن بالقتصـار وحججهـم رج ّح الحتمال‬
‫والتو قف إلى أن يقوم دل يل وقال ‪ :‬والذي ي ـدل على أن التو قف أولى أ نه ورد في القرآن الق سام كل ها‬
‫من الشمول والقت صار على الخ ير والرجوع إلى ب عض الج مل ال سابقة – ان ظر ف صل تع قب الج مل‬
‫)) ‪.‬‬ ‫المستصفى‬ ‫((‬ ‫بالستثناء في‬
‫))‬ ‫أحكام القرآن‬ ‫((‬ ‫و‬ ‫))‬ ‫تفسير القرطبي‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬اطّلـعْ على أقوال العلماء في تأويل هذه اليـة في‬
‫لبن العربي ‪.‬‬
‫رواه أحمـد والبخـــاري‬ ‫))‬ ‫فيمـا سـقت السـماء والعيون أو كان عثريا العشـر‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حديـث‬
‫وأصحاب السنن عن عبد ال بن عمر جاء في بعض رواياته ( بعلً ) بدل ( عثريا ) والعثري هو الذي‬
‫يشرب بعروقه من غير سقي ‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪ ،‬وتخصيص عموم السنـة بالكتاب كتخصيص قولـه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫صدقـة‬
‫ومـن‬ ‫((‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫مـا ُقطـع مـن البهيمـة وهـي حيـة فهـو ميتـة‬ ‫((‬

‫‪73‬‬
‫‪ ،‬وتخصـيص عموم‬ ‫))‬ ‫أصـوافها وأوبارهـا وأشعارهـا أثاثا ومتاعــا إلى حيـن‬
‫الكتاب بالسـنة وإن لم تكـن متواترة عنـد الجمهور خلفا للذيـن يشترطون فـي‬
‫تخ صيصه بغ ير المتواترة أن يكون مخ صصا بش يء آ خر ح تى تض عف دلل ته‬
‫على العموم فيجوز حينئذ تخ صيصه ب خبر الوا حد ومثاله احتجاج فقهائن ـا على‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫هو الطـهور مـاؤه الحِـلﱡ مَيْتته‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫حـلﱢ ميتة البحر بقوله‬
‫ولمـا لم‬ ‫))‬ ‫ُحرمـت عليكـم الميتـة‬ ‫((‬ ‫فيقول الحنفيـة هذا معارَض بقوله تعالى ‪:‬‬
‫يخ صّص بشيء آخر لم يجز تخصيصه بهذا الخبر ‪ ،‬فيجيبهم فقهاؤنا بأن خبر‬
‫الوا حد يخ صص عموم القرآن لن عمو مه ظا هر في أفراده ول يس ب نص في ها‬
‫فتخصيصه به جمع بين الدليلين ‪.‬‬
‫هذا ويجوز تخصيص العموم بالمفهوم عند القائلين به ‪ ،‬ومثاله احتجاج‬
‫فقهائنـا على أن الحــرّ القادر على التزوج بحرة مؤمنـة ل يحـل له أن يتزوج‬
‫ل أن ين كح المح صنات المؤمنات‬
‫و من لم ي ستطع من كم َطوْ ً‬ ‫((‬ ‫أمَة بقوله تعالى ‪:‬‬
‫فإن مفهومه يقتضي تحريم نكاح‬ ‫))‬ ‫فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات‬
‫الماء على واجدي الطــوْل أي القدرة على نكاح الحرائر ‪ ،‬فيقول مخالفوهـم‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مالك وأحمد والشيخان وأ صحاب ال سنن‬ ‫))‬ ‫ليس في ما دون خم سة أو سق صدقة‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حد يث‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪.‬‬
‫رواه أح مد وأ بو داود ولترمذي عن أ بي‬ ‫))‬ ‫ما ق طع من البهي مة و هي ح ية ف هو مي تة‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حد يث‬
‫واقد الليثي وابن ماجه والطبراني عن ابن عمر والحاكم عن أبي سعيد الخدري ‪.‬‬
‫جاء رجل إلى رسول ال صلىال‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬روى مالك وأحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة قال ‪:‬‬
‫عليه وسلم فقال يا رسول ال إنا نركب البحر ونحمل معنـا القليل من المـاء فإن توضأنا به عطشنا‬
‫أفنتوضأ من ماء البحر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هو الطهور ماؤه ‪ ،‬الحل ميتته )) ‪.‬‬

‫‪،‬‬ ‫))‬ ‫فانكحــوا مـا طاب لكـم مـن النسـاء‬ ‫((‬ ‫هــذا معارَض بقولــه تعالى ‪:‬‬
‫فيجيب هم فقهاؤن ـا بأن نا نقول بتخصيص العمــوم بالمفهوم لما ف يه من الج مع‬

‫‪74‬‬
‫))‬ ‫فانكحوا ما طاب لكم من النساء‬ ‫((‬ ‫بين الدليلين وبـأن معنى قولـه تعالى ‪:‬‬
‫تزوجوا ما حـلﱠ لكم منهن ول نـرى كلمة النساء هنـا تشمل المَـة لواجد‬
‫الطول لن المَـة خرجت منهن بمفهوم الية الولى ‪.‬‬
‫ثم إن الع ـام إذا ورد على سبب خاص فإ نه ل ُيق صَر علي ــه بل ُ‬
‫يع طي لل سبب ما يخ صه ويب قى العموم على عمو مه في ما ع ـداه ‪ ،‬ومث ــاله‬
‫احتجاج الشافعيــة على وجوب الترتيـب بيـن العضاء الربعـة فـي الوضوء‬
‫(‪ )1‬و ( مـا ) مـن ألفاظ‬ ‫))‬ ‫نبدأ بمـا بدأ ال بـه‬ ‫((‬ ‫بقوله صـلى ال عليـه وسـلم ‪:‬‬
‫العموم لنها من السماء الموصولـة فاندرج الوضوء فيها لذلك وجب البتداء‬
‫بغسل الوجه فاليدين إلى آخر العضاء الربعة على الترتيب الذي جاء في قوله‬
‫يا أَيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى‬ ‫((‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫فيقول الحنفيـة أن قوله‬ ‫))‬ ‫المرافـق وامسـحوا برؤوسـكم وأرجلكـم إلى الكعـبين‬
‫نبدأ بما بدأ ال به )) وبدأ بالصفا والعامﱡ إذا ورد على‬ ‫((‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫صرُ على سببه بل ُيح مل على عمو مه لن المقت ضي للعموم‬
‫سبب خاص ل ُيقت َ‬
‫قائـم والسبب ل يجـب أن يكون مانعا له فيعطي للسبب ما يخصه ويبقى حكم‬

‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مالك وأحمــد وأصـحاب السـنـن هكــذا بنـــون‬ ‫))‬ ‫‪ -1‬حديـث (( نبدأ بمـا بدأ ال بـه‬

‫بصيغة‬ ‫))‬ ‫بهمزة المضارعة ‪ ،‬ورواه النسائي أيضا (( فابـدؤوا‬ ‫))‬ ‫أبـدُأ‬ ‫((‬ ‫المضارعة ‪ ،‬ورواه مسلم‬
‫المر وكلهم عن جابر بن عبد ال ‪.‬‬

‫العموم جاريـا على سائـر أفراد العام (‪. )1‬‬

‫دللة القول بمفهومه على الحكم‬

‫‪75‬‬
‫اعلم أن المراد بالمفهوم ه نا ما ف هم من الق ـول في غ ير م حل الن طق‬
‫بل في ما وراء ذلك من فحواه ولح نه والمق صود م نه ‪ .‬والقول الدال بمفهوم ـه‬
‫على الحكم إما أن تكون دللتـه عليه بمفهوم الموافقة وإما أن تكـون بمفهوم‬
‫المخالفــة ‪.‬‬
‫فمفهوم الموافقة هو ما يفهم منه أن المسكـوت عنه أولى بالحكم من‬
‫المنطـوق بـه ويسمى ( فحـوى الخطاب ) أو أنــه مسـاوٍ لـه ويسمـى‬
‫( لحن الخطاب ) ‪.‬‬
‫مثال الول قولـه تعالى في وجوب إحسان معاملة الوالدين ‪ (( :‬فل تقل‬
‫فإ نه ل ما حرّم التأ فف منه ما ونهرهم ـا كان تحر يم‬ ‫))‬ ‫ف ٍ ول تنهره ما‬
‫له ما أُ ّ‬
‫ل مثق ـال ذرة خيرا يره و من يع مل‬
‫ف من يعم ْ‬ ‫((‬ ‫ضربه ما أولى ‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫فإنـه يفهـم منـه أن مـن يعمـل أكثـر مـن مثقال ذرة يراه‬ ‫))‬ ‫مثقال ذرة شرا يره‬
‫ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطـار يؤدﱢه إليك‬ ‫((‬ ‫بالولى ‪ ،‬وقولـه تعالى ‪:‬‬
‫فإنه يفهم‬ ‫))‬ ‫ومنهم من إن تأمنه بدينار ل يؤده إليك إل ما دمت عليــه قائما‬
‫منه أن من ل يؤدي الدينار إذا اؤتمن عليه ل يؤدي الكثر منه بالولى ‪.‬‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬الصوليـون من المالكية أيضا يقولون بهذا إل أن المع ـول عليه عند جمهور فقهاء المذهب‬
‫أن الترت يب في غ سل أعضاء الوضوء الرب عة ل يس بوا جب بل هو سنة ويرون أن واو الع طف ك ما‬
‫يعطف بها الشياء المرتب بعضها على بعض يعطف بها أيضـا الشياء غير المرتبـة وأن العضاء‬
‫الربعة في الوضوء كأعضاء الجسد كله في الغسل من الجنابة أمر ال تعالى بغسلها وسنّ رسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم بفعله الترتيب بينها ‪.‬‬

‫إن الذ ين‬ ‫((‬ ‫ومثال الثا ني قول ـه تعالى في تحر يم أك ـل أموال اليتا مى ظلما ‪:‬‬
‫))‬ ‫يأكلون أموال اليتا مى ظلما إن ما يأكلون في بطون هم ن ـارا و سيصلون سعيرا‬

‫‪76‬‬
‫فإنـه يفهم منه أيضا تحريم إتلفها وهو مسـاوٍ لتحريم أكلهـا ظلمـا لمساواة‬
‫إتلفها لكلها في إضاعتها على أصحابها ‪.‬‬
‫ثم اعلم أن مفهوم الموافقة ‪ ،‬منه الجلي كما مثلنا لـه ‪ ،‬ومنه الخفي‬
‫الذي للن ظر والحتمال ف يه مجال فتعر ضت م سائله للخلف ‪ ،‬و من أمثل ته قول‬
‫‪:‬‬ ‫الجمه ـور بوجوب قضاء ال صلة المكتو بة على من ترك ها متعمدا بقوله‬
‫إذا رق ـد أحد كم عن ال صلة أو غ فل عن ها فلي صلها إذا ذكر ها فإن ال عز‬ ‫((‬

‫و جل يقول أ قم ال صلوات لذِك ـري )) (‪ )1‬ول ما و جب قضاؤه ـا عل ـى الرا قد‬


‫والغاف ـل وه ما غ ير مخا طبين به ــا وقتئذ كان وجوب قضائ ها على متع مد‬
‫تفويت ها بالولى ‪ ،‬فيقول المخالفون و هم ا بن حبيب من فقهائ نا وأ بو داود وا بن‬
‫حزم الظاهريان ل يلزم مـن وجوب قضائهـا على الراقــد والغافــل وجوبـه‬
‫على المتعمد لن القضاء جبر وفوائت المتعمد أعظم من أن تجبر (‪. )2‬‬
‫بقوله تعالى ‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ومنها إيجـاب الشافعية الكفارة في اليمين الغموس‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مسلم في‬ ‫))‬ ‫إذا رقـد أحدكم عن الصلة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها ‪...‬‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬
‫من نسي صلة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها‬ ‫((‬ ‫صحيحه عن أنس بن مالك ‪ ،‬ورواه عنه أيضا بلفظ‬

‫إذا ذكرهـا )) ‪.‬‬


‫‪ -2‬ولنهم يرونها كسائر العبادات الموقوفـة ل يجب قضاؤها بعد فوات وقتها إل بأمر جديد –‬
‫راجع المسألة السابعة من مسائل المر ‪.‬‬
‫‪ -3‬قيد الشافعية وجوب الكفارة في اليمين الغموس بالتي لم يقتطع بها حـق الغير وأما التي يقتطع‬
‫من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم‬ ‫((‬ ‫بها حق الغير فل كفارة لها لقوله عيه الصلة والسلم‬
‫من اقتطـع حق امرئ مسلم بيمينه فقـد أوجب‬ ‫((‬ ‫وقوله‬ ‫))‬ ‫هو فيها فاجر لقي ال وهو عليه غضبان‬
‫ولنهـا جمعـت الحنـث والظلم فل ترفعهمـا الكفارة معا ول ترفـع الحنـث دون الظلم لن‬ ‫))‬ ‫ال له النار‬
‫رفع الحنث بالكفارة إنما هـو من باب التوبة والتــوبة ل تتبعض في الذنب الواحد ‪.‬‬

‫ليؤاخِذُكـم ال باللغــو فـي أيمانــكم ولكـن يؤاخذكـم بمـا عقــدتم اليمان‬ ‫((‬

‫فقالوا أن اليمين الغموس من اليمان المعقودة‬ ‫))‬ ‫فكفّارتُـه إطعام عشرة مساكين‬

‫‪77‬‬
‫وإذا كانت الكفـارة واجبة على الحانث غير الثـم فوجوبها على الحانث الثم‬
‫أولى وآكـد ‪ ،‬ولكن فقهـاء المذاهب الثلثـة الخرى ل يـرون في اليمين‬
‫الغم ـوس كفارة لورود أحاديث التكفير في اليمــان المعقودة على المستقبل‬
‫ل على الماضي ويرونها أي الحاديث مبينة للمراد من الية ‪.‬‬
‫ومفهوم المخالفة هو ما يفهم منه أن حكم المسكوت عنه مخالف لحكم‬
‫المنطوق بـه ويُسـمّـى أيضا ( دليــل الخطاب ) وقــد اختلفــت فيـه آراء‬
‫العلماء ‪ :‬فقال به الئمة مالك والشافعي وأحمد وأكثر علماء مذاهبهـم ولم يقل‬
‫مَطْل الغ ني‬ ‫((‬ ‫به الم ـام أ بو حني فة وأك ثر علماء مذه به ‪ ،‬ومثاله قول ـه‬
‫فـإن مفهومه مطل غيـر الغني ليس ظلمـا وال تعالى يقـول ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫ظلم‬
‫‪ .‬ومـن شروطـــه عنـد‬ ‫))‬ ‫وإن كــان ذو عســرة فنظرة إلى ميســرة‬ ‫((‬

‫القائلين بـه ‪:‬‬


‫أن ل يكون المنطوق به مذكـورا على وفـق الغالب كقولـه تعالى ‪:‬‬
‫فإن مفهو مه أن الربي بة ال تي لي ست في‬ ‫))‬ ‫وربائب ـكم اللئي في حجور كم‬ ‫((‬

‫حجر زوج أمها بأن كانت في بلد آخر مثلً وفارق الزوج أمها بعد الدخول فله‬
‫أن يتزوج ب ها على ما ذ هب إل يه الظاهر ية ‪ ،‬فنقول ل هم إن ما ذ كر هذا الق يد‬
‫وفاقا لغالب ما يكنﱠ عل يه ل شرط ـا في تحريم هن وبهذا سقط المفهوم وب قي‬
‫التحر يم على إطل قه في المدخول بأمهات هن سواء ك نّ في الحجور أم لم يكنﱠ‬
‫فإن‬ ‫))‬ ‫ول تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تح صّنا‬ ‫((‬ ‫فيها ‪ ،‬وكقوله تعالى ‪:‬‬
‫مفهومه إباحة إكراههن عليـه إن لم يردن تحصنا ولكن لما جاء هذا القيد وفاقا‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مالك وأحمد والشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريـرة ‪.‬‬ ‫))‬ ‫مطل الغني ظلم‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬

‫للغالب سقط المفهوم لن من لم ترد التح صن من الفتيات أي الماء ف من شأن ها‬


‫أن ل تحتاج إلى إكراه إذ ل يتصور فيها الكراه على الزنا وهي تريده ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫صلة الل يل مث نى‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫وأن ل يأ تي جوابا عن سؤال مع ين كقوله‬
‫فإن هذا الحديث كان جوابا عن سؤال السائل عن صلة الليل فقد جاء‬ ‫))‬ ‫مثنى‬
‫عن صلة الليل فقال رسول‬ ‫ل سأل رسول ال‬
‫أن رج ً‬ ‫((‬ ‫عن ابن عمر ‪:‬‬
‫صلة الل يل مث نى مث نى فإن خ شي أحد كم ال صبح صلى رك عة واحدة‬ ‫ال‬
‫ولما كان الحديث خاصا بصلة الليل المعينة في‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫توتر له ما قـد صلى‬
‫السؤال لم يكن له مفهوم في صلة النهار ‪.‬‬
‫وأن ل يكون ق صد الشارع تعظ يم شأن الح كم والتنو يه بحم يد فعله ك ما‬
‫ـر قدْرُه متاعا‬
‫ومتعوهنﱠ على الموس ـِع قدْرُه وعلى المقتـ‬ ‫((‬ ‫ـي قوله تعالى ‪:‬‬
‫فـ‬
‫وللمطلقات متاع بالمعروف‬ ‫((‬ ‫وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫))‬ ‫ـنين‬
‫بالمعروف حقا على المحسـ‬
‫حقا على المتقين )) فإن ُمتعة المطلقات وإن كانت حقا على المتصفين بالحسان‬
‫والتقوى فل يفهم منه أنها ليست حقا على غيرهم إذ حكمها يعم جميع المؤمنين‬
‫وما قصد الشارع من تسميتها حقا على المحسنين وعلى المتقين إل تعظيم شأنها‬
‫والتنويه بحميد فعلها ل سقوطها عن غيرهم ‪.‬‬
‫وأن ل يكون الشارع بذكره عددا محدودا أراد القياس عل يه ل المخال فة‬
‫(( بقتل خمس فواسق في الحل والحرم ‪ :‬الغـراب‬ ‫بينه وبين غيره كأمره‬
‫فإن مفهوم هذا العدد أن ل يقـل‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫حدَأة والعقرب والفأرة والكلب العقور‬
‫وال ِ‬
‫ما سواهـن ولكن الشـارع إنما ذكرهن لننظر إلى إيذائهن فنلحق بهن ما في‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث ابن عمر هذا رواه مالك وأحمد والشيخان وأصحاب السنن ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث أمره صلى ال عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرام رواه أحمـد والشيخان‬
‫عن عائشة ‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫معنا هن كالح ية والرتيلء وال سباع العاد ية والحشرات المؤذ ية ‪ ،‬ومثله قوله‬
‫اجتنبوا ال سبع الموبقات ‪ :‬الشرك بال والسحـر وق تل النف ـس ال تي حرم ال‬ ‫((‬

‫‪79‬‬
‫إل بال حق وأ كل مال اليت يم وأ كل الر با والتولي يوم الز حف وقذف المح صنات‬
‫فإنه لم يقصد حصر الكبائر فيهن وإنما ذكرهن لنلحق‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫الغافلت المؤمنات‬
‫بهن ما في معناهن من المعاصي المهلكات ‪.‬‬
‫هذا وأ هم مفاه يم المخال فة مفهوم ال صفة ومفهوم الشرط ومفهوم الغا ية‬
‫ومفهوم العدد ‪.‬‬
‫مثال مفهوم ال صفة احتجاج فقهائ نا على أن ث مر الن خل ال تي لم ُتؤبّر‬
‫ل قد ُأبّرت فثمرتها للبائع إل أن‬
‫من باع نخ ً‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫للمبتاع أي للمشتري بقوله‬
‫فإن مفهوم هذه ال صفة أن الن خل المبي عة إن لم ت كن قد‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫يشترط ها المبتاع‬
‫أُب ـرت فثمرت ها للمشتري ‪ ،‬واحتجاج هم أيضا على أن الب كر ت جبر على النكاح‬
‫فإن مفهو مه أن‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫‪ (( :‬الث يب أ حق بنف سها من ولي ـها‬ ‫ب عد البلوغ قوله‬
‫غيـر الثيب ليست أحـق بنفسها فيكون وليّها أحق منها بها وإذا كان كذلك‬
‫فلـه إجبارهــا ‪.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة ‪.‬‬ ‫))‬ ‫اجتنبوا السبع الموبقــات‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬
‫رواه مالك فـي‬ ‫))‬ ‫مـن باع نخــلً قـد أبرت فثمرتهـا للبائع إل أن يشترط المبتاع‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديـث‬
‫موطئه عن ابن عمر ‪ .‬يطلق العامة على تأبير النخل ( تدكيره ) ‪.‬‬
‫قال ر سول ال صلى ال عل يه‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬رواه أح مد وم سلم وأ صحاب ال سنن عن ا بن عباس ق ـال ‪:‬‬
‫‪ ،‬فيقول المخالفـون‬ ‫))‬ ‫وسلم ‪ :‬الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها‬
‫يو جب‬ ‫))‬ ‫والب كر ت ستأذن في نف سها‬ ‫((‬ ‫و هم الحنف ية أن قوله صلى ال عل يه و سلم في الحد يث نف سه‬
‫بعمومه استئذان كل بكر والعموم أقوى من المفهوم وإن ما جـاء في رواية لمسلم وأبي داود والنسائي‬
‫أن جارية بكرا أتت‬ ‫((‬ ‫وما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس‬ ‫))‬ ‫والبكر يستأمرها أبوها‬ ‫((‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهـة فخيرها النبي صلى ال عليه =‬

‫ومثال مفهوم الشرط مـا تقدم مـن احتجاج فقهائنـا على أن الحـر القادر‬
‫ومـن لم‬ ‫((‬ ‫على التزوج بحرة مؤمنـة ل يحـل له أن يتزوج أَم َة بقوله تعالى ‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫ل أن ين كح المح صنات المؤمنات ف من ما مل كت أيمان كم من‬
‫ي ستطع من كم َطوْ ً‬
‫فإن مفهوم هذا الشرط يقتضـي تحريـم نكاح الماء على‬ ‫))‬ ‫فتياتكـم المؤمنات‬
‫واجدي الطـوْل أي القدرة على نكاح الحرائر ‪.‬‬
‫ومثال مفهوم الغاية احتجاج فقهائنا على أن الغسل يجزئ عن الوضوء‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا‬ ‫((‬ ‫بقوله تعالى ‪:‬‬
‫فإن مفهو مه إن اغت سلتم‬ ‫))‬ ‫ما تقولون ول جنبا إل عابري سبيل ح تى تغت سلوا‬
‫فلكم أن تقربوا الصلة ‪.‬‬
‫ومثال مفه ـوم العدد احتجاج الشافعي ـة على أن النجا سة إذا أ صابت‬
‫‪ (( :‬إذا كان الماء قلتيـن لم يحمـل‬ ‫مـا دون القلتيـن مـن الماء نجّسـته قوله‬
‫فإن مفهومه ما دون القلتين يحمل الخبث ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫الخبث‬
‫ــــــــــــــ‬
‫نص في وجوب استئمار الب ابن ته الب كر عند تزويجها وفي من عه من إكراه ها ‪ ،‬فيجيب‬ ‫))‬ ‫و سلم‬ ‫=‬
‫فقهاؤنـا بأن العمـل فـي المدينـة كان يجري على حـق الباء فـي إجباربناتهـم البكار فقـد قال مالك فـي‬
‫بلغ ني أن القا سم بن مح مد و سالم بن ع بد ال و سليمان بن ي سار كانوا يقولون في الب كر‬ ‫((‬ ‫المو طأ ‪:‬‬
‫يزوجها أبوها بغير إذنها إن ذلك لزم لها وأن القاسم بن محمد وسالم بن عبد ال كانا ُينكحان بناتهما‬
‫البكار ول يسـتأمرانهن وذلك المـر عندنـا فـي نكاح البكار )) وعليـه ُيحمـل اسـتئذان الب ابنتـه أو‬
‫استئمارها على الستحباب ويحمل تخيير البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة على ضرر أصابها من‬
‫ذلك الزواج اقتضى تخييرها ‪.‬‬
‫أخرجه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن عن‬ ‫))‬ ‫إذا كان الماء ُقلتين لم يحمل الخبث‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬
‫عبد ال بن عمر ولكن ابن عبد البر قال في الستذكار ‪ :‬حديث معلول رده اسماعيل القاضي وتكلم فيه‬
‫وقال في التمهيد ‪ :‬ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة‬
‫الثر لنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولن القلتين لم يوقف على مبلغهما في أثر ثابت ‪ ،‬وقال‬
‫الطحاوي ‪ :‬إنا لم نقل به لن مقدار القلتين لم يثبت – انظر شرح هذا الحديث في (( نيل الوطار )) ‪.‬‬

‫القسم الثاني من أقسام المتن وهو الفعل‬

‫‪81‬‬
‫بعد أن فرغ نا من الكلم على الق سم الول من أقسام الم تن و هو القول‬
‫ننتقل إلى الكلم على الق سم الثانـي وهـو الفعل ونعني بـه فعل رسول ال‬
‫وهو إما واجب أو مندوب أو مباح ‪.‬‬
‫فإن كان بيانا لما ثبتت مشروعيته فإن حكمه يتبع ما هو بيان له وجوبا‬
‫أو ندبا كفعله في الصلة والحج إذ أمرنا أن نصلي كما رأيناه يصلي فقد قال‬
‫‪ ،‬وأمرنا أن نأخذ مناسك الحج من أدائه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫صلوا كما رأيتموني أصلي‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬
‫ل ها فقال ‪ (( :‬خذوا ع ني منا سككم )) (‪ ، )2‬وأفعال ال صلة وال حج من ها الوا جب‬
‫ومنها المندوب ‪.‬‬
‫وإن كان بقصد القربة إلى ال عز وجـل فهو مندوب كاعتكافه العشر‬
‫لن ظهور قصد القربة فيه مع عدم وجود دليل على‬ ‫(‪)3‬‬ ‫الواخر من رمضان‬
‫الوجوب يرجح الفعل على الترك وهذا هو معنى الندب ‪.‬‬
‫وإن لم ي كن بق صد القر بة بأن كان جبلّيا من الطبي عة البشر ية و صفاتها‬
‫الختيارية كحبه لبعض الطعمة وكرهه لبعضها وهيئة مشيه وجلوسه واتكائه‬

‫ــــــــــــــ‬
‫رواه أحمد والبخاري عن مالك بن الحويرث ‪.‬‬ ‫))‬ ‫صلوا كما رأيتموني أصلي‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬
‫رواه أحمـد ومسلم وأبـو داود والنسائي عن جابر قال ‪:‬‬ ‫))‬ ‫خـذوا عني مناسككم‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديث‬
‫رأيت النبي صلى ال عليه وسلم يرمي على راحلتـه يوم النحر ويقول ‪ :‬لتأخذوا عني مناسككم فإني‬ ‫((‬

‫‪ .‬قال النووي ‪ :‬لم لتأخذوا هي لم المر ومعناه خذوا ‪ ،‬وقال‬ ‫))‬ ‫ل أدري لعلي ل أحج بعد حجتي هذه‬
‫القر طبي ‪ :‬روايت نا لهذا الحد يث بلم الجرّ المفتو حة والنون ال تي هي مع اللف ضم ير أي (( ويقول ل نا‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫خذوا عني مناسككم ‪...‬‬
‫‪ -3‬حد يث اعتكا فه صلى ال عل يه و سلم الع شر الوا خر من رمضان رواه أح مد والشيخان عن‬
‫عائشة وعن ابن عمر ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ف هو محمول على البا حة لن صدوره م نه دل يل على الذن ف يه مع عدم وجود‬
‫دليل على قصد القربة وهذا هو معنى الباحة ‪.‬‬
‫لها حكمها الخاص به دون أن يشمل أُمته‬ ‫وهناك أفعال خاصة به‬
‫كقيام الل يل فإ نه كان واجبا عل يه ولم ي جب على أُم ته ‪ ،‬وكالو صال في ال صوم‬
‫فإنـه كان مندوبــا له ولم يندب لمتـه ‪ ،‬وكالزيادة على أربـع زوجات فإنهـا‬
‫أبيحت له دون أمته ‪.‬‬
‫ه ـذا ويُل حق بالف عل في الدللة التر كُ فإ نه ك ما ي ستدل بفعله على عدم‬
‫التحريـم يسـتدل بتركــه على عدم الوجوب ‪ ،‬ومثــاله احتجاج الجمهور على‬
‫أك ـل من‬ ‫أن ر سول ال‬ ‫((‬ ‫عدم وجوب الوضوء م ما م سّت النار ب ما ث بت‬
‫(‪. )1‬‬ ‫))‬ ‫كتف شاة ثم قام فصلى ولم يتوضأ‬
‫القسم الثالث من أقسام المتن وهو التقرير‬
‫أحدا على معصـية لن التقريـر على فعـل المعصـية‬ ‫ل يقرﱡ النـبي‬
‫مع صية والعا صم له من ف عل المع صية عا صم له من التقر ير علي ها ‪ .‬ويشترط‬
‫بالفعـل ‪ ،‬وأن يكون قادرا على‬ ‫فـي التقريــر الذي هــو حجـة أن يعلم‬
‫إنكاره ‪ ،‬وأن ل يكون قد بيّن حكمه من قبل بيانـا ُيسقط عنه وجوب إنكاره ‪.‬‬
‫والفعل إما أن يكون قد وقع في حضرته ‪ ،‬وإما أن يكون قد وقع في زمانه وإن‬
‫لم يكن في حضرته ‪.‬‬
‫مث ـال الف عل الذي و قع في حضر ته ما اح تج به الشافع ية على قضاء‬
‫أن رسول‬ ‫((‬ ‫فوائت النوافـل في الوقـات المنهي عن التنفـل فيها بما روى‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه الشيخـــان عـن ميمونـة وابـن عباس وعمرو بـن أميـة الضمري ‪ ،‬وروى أبـو داود‬
‫كان آ خر المر ين من ر سول ال صلى ال عل يه‬ ‫((‬ ‫والن سائي وا بن خزي مة وا بن حبان عن جابر قال ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫وسلم ترك الوضوء مما مست النار‬

‫‪83‬‬
‫رأى رج ـلً ي صلي ب عد صلة ال صبح ركعت ين فقال ‪ :‬صلة ال صبح‬ ‫ال‬
‫ركعتان ‪ ،‬فقال الر جل ‪ :‬إ ني لم أ كن صليت الركعت ين اللت ين قبله ما ف صليتهما‬
‫(‪. )1‬‬ ‫))‬ ‫الن فسكت‬
‫ومثال الف عل الذي و قع في زما نه م ـا اح تج به الشافع ية على جواز‬
‫أن معاذا‬ ‫((‬ ‫إقتداء المفترَض بالمتنفــل بمـا رواه أحمـد والشيخان عـن جابــر‬
‫عشاء الخرة ثم رجع إلى قومــه فيصلي بهم تلك‬ ‫كان يصلي مع النبي‬
‫هي له تطوع ول هم‬ ‫((‬ ‫ورواه الشاف عي والدارقط ني والبيهق ـي بزيادة‬ ‫))‬ ‫ال صلة‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫مكتوبة العشاء‬

‫*‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه أ بو داود وابن خزيم ـة وا بن حب ـان والبيه قي ع ـن يح يي بن سعيد عن أب يه عن جده‬
‫قيس ‪ .‬وذهب المالكية إلى أن النوافـل من حيث هي ل تقضى بعد فوات وقتها إل ركعتي الفجر وأن‬
‫قضاء ها في الوقات المن هي عن أدائ ها في ها أ شد كرا هة من أدائ ها في ها ‪ .‬وأ ما ركع تا الف جر ف قد ورد‬
‫المر بقضائهما بعد طلـوع الش مس أي ع ند حل النافلة قال صلى ال عل يه وسلم ‪ (( :‬من ل ـم يصلﱢ‬
‫رواه الترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة ‪ ،‬وأما‬ ‫))‬ ‫ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس‬
‫ما ثبت في الصحيح من صلته صلى ال عليه وسلم في بيته ركعتين بعد العصر قضاء أو أداء فإنه‬
‫أن رسول‬ ‫((‬ ‫محمول على أنه من خصائصه كمواصلة الصوم والدليل عليه ما رواه أبو داود عن عائشة‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال‬

‫‪84‬‬
85
‫اسْتمـرار حكم الدّليــل الصلـي النقلــي‬

‫يشترط في الدليــل الصلي النقلي بعد ثبوت صحته واتضاح دلل ته‬
‫ا ستمرار حك مه دون أن يعتر يه ن سـخ ‪ .‬والن سخ هو ر فع ح كم شر عي بدل يل‬
‫‪ ،‬ويُعلم بوجوه منها ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫شرعي متأخر عنه‬
‫كنـت نهيتكـم عـن زيارة القبور‬ ‫((‬ ‫به كقـــوله ‪:‬‬ ‫صراحة ال نبي‬
‫فــزوروها ونهيتكـم عـن لحــوم الضاحـي فوق ثلث فأمسـكوا مـا بدا لكـم‬
‫ونهيتكـم عـن النبيــذ إل فـي سـقــاء فاشربوا فـي السـقية كلهـا ول تشربوا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫مسكرا‬

‫ل ما‬ ‫((‬ ‫و صراحة الراوي به أو ب ما في معناه كقول سلمة بن الكوع ‪:‬‬


‫نزلت هذه الية ‪ -‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ‪ -‬كان من أراد أن‬
‫يعني قولـه تعالى ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫يفطر ويفتدي حتى نزلت الية التي بعدها فنسختها‬
‫إنما كان الماءُ‬ ‫((‬ ‫‪ ،‬وكقول أُبيّ بن كعب ‪:‬‬ ‫))‬ ‫فمن شهد منكم الشهر فليصمه‬ ‫((‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬يتع ين التأ خر بمعر فة و قت ن ـزول ال ية أو ورود الحد يث بال ستناد إلى ال سّنة أو الهجرة أو‬
‫الغزوة أو الفتح أو غير ذلك من الحداث التاريخية ‪.‬‬
‫رواه مسلم والترمـذي وأبو داود عن‬ ‫))‬ ‫كنت نهيتكم عن زيارة القبـور فـزوروها ‪..‬‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديث‬
‫بريدة ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ ،‬وكقول جابر بن عبد‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫من الماء رخص ًة في أول السلم ثم ُنهي عنها‬
‫ترك الوضوء مما مست النار)) (‪.)3‬‬ ‫ال ‪ (( :‬كان آخرالمرين من رسول ال‬
‫وتأ خر إ سلم راوي ال خبر المعارض ل خبر روي ق بل إ سلمه كحد يث‬
‫من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه سِتر فقد‬ ‫((‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫أبي هريرة عن النبي‬
‫وهل‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫وجب عليه الوضوء)) (‪ )4‬المعارض لحديث طَلـق بن علي عنه‬
‫(‪ )5‬فإن إسلم أبي هريرة كان عام خيبر في السنة السابعة‬ ‫))‬ ‫هو إل بَضعة منك‬
‫من الهجرة وإسلم طَلـق كان عند بناء مسجد المدينة في السنة الولى منها ‪،‬‬
‫المعارض‬ ‫(‪)6‬‬ ‫وكخـبر أبـي محذورة فـي تثنيـة تكـبير الذان وتربيـع شهادتيـه‬
‫لخبر عبد ال بن زيد في تربيع التكبير وتثنية الشهادتين (‪ )7‬فإن أبـا محذورة‬
‫ممن‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث سلمة بن الكوع رواه الشيخان وأصحاب السنن ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث أُبي بن كعب رواه بهذا اللفظ الترمذي وصححه ورواه أيضا أحمد وأبو داود بلفظ (( إن‬
‫الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول ال صلى ال عليه وسلم رخص بها في أول‬
‫السلم ثم أمرنا بالغتسال بعدها )) ‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث جابر رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان ‪.‬‬
‫‪ -4‬حديث أبي هري ـرة رواه أح مد في م سنـده وا بن حبان فـي صحيحه وقال ‪ :‬حديث صحيح‬
‫سنده عدول نقل ته ‪ ،‬وروى مالك والشاف عي وأح مد أيضا وأ صحاب ال سنن عن ب سرة ب نت صفوان عن‬
‫وقال البخاري ‪ :‬هو أ صح ش يء‬ ‫))‬ ‫إذا م سﱠ أحد كم ذكره فليتو ضأ‬ ‫((‬ ‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال ‪:‬‬
‫في هذا الباب ‪.‬‬
‫‪ -5‬حديث طَلـق رواه أصحاب السنـن وأحمد والدارقطني قال ‪ (( :‬قدمنا على رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم وعنده ر جل كأ نه بدوي فق ـال ‪ :‬يا ر سول ال ما ترى في م سّ الر جل ذكره ب عد أن‬
‫كما جاء في بعض الروايات ‪.‬‬ ‫))‬ ‫إنما هو بَضعة منك‬ ‫((‬ ‫أو‬ ‫))‬ ‫يتوضأ فقال ‪ :‬وهل هو إل بضعة منك‬
‫‪ -6‬خبر أبي محذورة من رواية مسلم في صحيحه وسحنون في مدونته ‪.‬‬
‫‪ -7‬خبر عبد ال بن زيد من رواية أحمد وأبي داود والحاكم ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫أسلموا بعـد الفتح في السنة الثامنة وعبد ال كان مسلما من قبل تشريع الذان‪.‬‬
‫وانعقاد الجماع على خلف حكـم سـابق يتضمـن النسـخ وإن لم يعرف‬
‫الناسخ ‪ ،‬ومثاله الجمــاع على جلد شارب الخمر دون قتله مهما تكرر شربه‬
‫ل وثاني ـا وثالث ـا بقتله‬
‫كان قـد أمـر بع ـد أن يجلد أو ً‬ ‫لها مع أن النبي‬
‫إذا شرب الرابعة (‪. )1‬‬
‫وعمـل أهـل المدينـة ونعنـي بهـم فقهاءهــا الذيـن تلقوا فقههـم العلمـي‬
‫في آخر حياته يسمعون‬ ‫والعملي من علماء الصحابة الذين كانوا مع النبي‬
‫آخـر أقواله ويشاهدون آخـر أفعاله فإن اتفاقهـم على قول أو عمـــل عارضـه‬
‫حد يث صحيح يتض من عند نا ن سخ ح كم ذلك الحد يث لن هم أب صر وأعلم ب ما‬
‫استقر المر عليه وانتهى إليه ‪.‬‬
‫هذا والزيادة على النـص المطلق إذا لم ترفــع حكما تقدم فيهـا ليسـت‬
‫بنسخ إل عند الحنفية ‪.‬‬
‫فقراءة الفات حة فرض في ال صلة عند نا وع ند الشافع ية والحنابلة لقوله‬
‫من صلى صلة لم‬ ‫((‬ ‫وقوله ‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫ل صلة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬
‫‪ ،‬والطمأنينة أيضا فرض عندنـا في‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫يقرأ فيها بـأم القرآن فهي خِداج‬
‫ــــــــــــــ‬
‫أن النبي صلى‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬جـاء في مسند أحمد وسنـن أبي داود والترمـذي وابن ماجه عن معاوية‬
‫))‬ ‫ال عليه وسلم قال ‪ :‬إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬إنما كان هذا في أول المر ثم نسخ بعد ‪.‬‬
‫رواه أح مد والشيخان وأ صحاب ال سنن عن‬ ‫))‬ ‫ل صلة ل من لم يقرأ بفات حة الكتاب‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حد يث‬
‫عبادة بن الصامت ‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث (( من صلى صلة لم يقرأ فيها بـأم القرآن فهي خداج )) رواه مالك وأحمـد ومسلم‬
‫والترمذي وأبـو داود عـن أبـي هريرة ‪ .‬خِداج هنـا معناهـا ناقصـة ‪ ،‬وخَدَج وخَديجـة هـي المولود أو‬
‫المولودة قبل إتمام تسعة أشهر في رحم الوالدة ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫وع ند الشافع ية والحنابل ـة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫جم يع أركانه ـا على ما صححه ا بن الحا جب‬
‫إذا قمت للصلة فكبر ثم‬ ‫((‬ ‫للعرابي الذي لم يح سِن الصلة ‪:‬‬ ‫كذلك لقوله‬
‫اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتـى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل‬
‫قائما ثم ا سجد ح تى تطمئن ساجدا ثم ار فع ح تى تطمئن جال سا ثم ا سجد ح تى‬
‫‪ .‬والطهــارتان شرط في‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في الصلة كلها‬
‫الطواف صـلة‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫صـحة الطواف عندنـا وعنـد الشافعيـة والحنابلة لقوله‬
‫‪ ،‬وتغريب الزاني بعد‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ولنه طاف بعد أن توضأ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫فأقلـوا فيه الكلم‬
‫جلد مئة وتغريب‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫جلـده واجب عندنـا وعند الشافعية والحنابلة لقوله‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫))‬ ‫عـام‬
‫وعند الحنفية ما تيسر من القـرآن هو المفروض قراءته في الصلة‬
‫وأمـا قراءة الفاتحـة فزيــادة ‪،‬‬ ‫))‬ ‫فاقرءوا مـا تيسـّر منـه‬ ‫((‬ ‫لقوله تعالى ‪:‬‬
‫يـا أيهـا‬ ‫((‬ ‫والركوع المطلق والسـجود المطلق هـو المفروض مـن قوله تعالى ‪:‬‬
‫والطمأني نة فيه ما زي ـادة ‪ ،‬والطواف المطلق‬ ‫))‬ ‫الذ ين آمنوا اركعوا وا سجـدوا‬
‫والطهارة‬ ‫))‬ ‫ولـيطوﱠفوا بالبيت العتيق‬ ‫((‬ ‫هـو المفروض من قولـه تعالى ‪:‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ولكن المشهور في المذهب أنها سنة ولذلك قالوا من تركها أعاد الصلة إذا لم يخرج وقتها لن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لم يأمر العرابي بإعادة صلواته السابقة ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث العرابي الذي لم يحسِن الصلة رواه أحمد والشيخان عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫رواه ال طبراني عن ا بن عباس وجزم الحا فظ‬ ‫))‬ ‫الطواف صلة فأقلوا في ــه الكلم‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حد يث‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫أقلوا الكلم في الطواف فإنما أنتم في صلة‬ ‫((‬ ‫ابن حجر بصحته ورواه الشافعي أيضـا بلفظ‬
‫أن أول ما بدأ به النبي صلى ال عليه وسلم حين‬ ‫((‬ ‫‪ -4‬جاء في المسند والصحيحين عن عائشة ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫خذوا عني مناسككم‬ ‫((‬ ‫وفعله في الحج بيان لقوله‬ ‫))‬ ‫قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت‬
‫جاء في حديث طويل رواه مالك وأحمد‬ ‫))‬ ‫جلد مئة وتغريب عام‬ ‫((‬ ‫‪ -5‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫))‬ ‫والشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة وزيد بن خالد فارجع إليه وإلى شرحه للباجي في (( الموطأ‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫نيل الوطار‬ ‫((‬ ‫وللشوكاني في‬

‫‪89‬‬
‫الزاني ــة‬ ‫((‬ ‫ف يه زيادة ‪ ،‬وجلد الزا ني ه ـو المأمور به في قوله تع ـالى ‪:‬‬
‫والتغريب زيادة ‪ ،‬ويقولـون لو‬ ‫))‬ ‫والزاني فاجلدوا كل واحـد منهما مِئة جلدة‬
‫فر ضت هذه الزي ـادات لكا نت ن سخا لحكام قطعي ــة ثب تت بن صوص قرآن ية‬
‫مطلقة ‪ ،‬والخبار المستدل بها على فرضيتها أخبار آحـاد وأخبار الحاد ظنية‬
‫فل تنسخ الحكام القطعية ‪.‬‬
‫فيقول الجمهور ل نـرى في هــذه الزيادات وأمثالهـا نسخا لحكام‬
‫النصوص القرآنية حتى نضطر إلى ردها أو تضعيفها لكونها ظنية وردت على‬
‫قطعيـة بـل نراهـا قيودا مزيــدة على نصـوص مطلقـة ‪ ،‬وإذا وجـب القيـد كان‬
‫وجوبـه مضافا إلى وجوب الصـل ل رافعــا له كعبادة زيدت على عبادة فل‬
‫تكون الثانية ناسخة للولى ‪.‬‬
‫هذا وق ـد ث بت نسخ بعض القرآن تـلوة وحكما ‪ ،‬روى مالك ومسلم‬
‫ع شر‬ ‫((‬ ‫وأ بو داود والن سائي عن عائ شة قالت ‪ :‬كان في ما أن ـزل من القرآن‬
‫‪ .‬وتلوة ل حكما‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫رضعات معلومات يحرّ من ثم ن سخن بخ مس معلومات‬
‫الشيـخ والشيخـة إذا زنيـا‬ ‫((‬ ‫فقـد جاء عـن زيـد بـن ثابـت قال ‪ :‬كنـا نقــرأ‬
‫‪ ،‬وحكما ل تلوة كن سخ اعتداد المتو فى عن ها زوج ها‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫فارجموه ما الب تة‬
‫والذين ُيتوفـون منكم ويذرون أزواجا‬ ‫((‬ ‫ل الذي جاء في قوله تعــالى ‪:‬‬
‫حو ً‬
‫يتربصـن‬ ‫((‬ ‫بقوله تعالى ‪:‬‬ ‫))‬ ‫وصـية لزواجهـم متاعا إلى الحول غيـر إخراج‬
‫وكنسخ وجوب صدقة النجوى الـذي جاء في‬ ‫))‬ ‫بأنفسهن أربعـة أشهر وعَشْرا‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ثم نسخت الخمس أيضا تلوة وحكما عند مالك وتلوة ل حكما عند الشافعي ‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه النسائي والحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ ،‬وأخرج أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة ابن‬
‫سهل عن خال ته العجماء (( أن في ما أنزل ال من القرآن ‪ :‬الش يخ والشي خة إذا زنيا فارجموهما البتة بما‬
‫‪ ،‬وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أُب يّ بن كعب أن آيـة الرجم كانت في‬ ‫))‬ ‫قضيا من اللذة‬
‫سورة الحزاب ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫يا أي ها الذ ين آمنوا إذا ناجيت ـم الر سول فق ـدموا ب ين يدي‬ ‫((‬ ‫قول ـه تعالى ‪:‬‬
‫فإذ لـم تفعلوا وتاب ال عليكـم فأقيمــوا‬ ‫((‬ ‫بقوله تعـالى ‪:‬‬ ‫))‬ ‫نجواكم صدقة‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫الصلة وآتـوا الزكاة وأطيعوا ال ورسوله‬
‫(‪)1‬‬ ‫ثـم إن نسـخ بعـض أحكام القرآن متفــق على جوازه ووقوعــه‬
‫ونسخ وجوب‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ومنه ما ذكرناه من نسخ اعتداد المتوفـى عنها زوجها حولً‬
‫صدقـة النجوى ‪ ،‬ومنه أيضا ما كان من التخيير بين صوم رمضان وإخراج‬
‫وعلى الذ ين يطيقو نه فدي ـة طع ـام‬ ‫((‬ ‫فدي ـة الذي جاء في قول ـه تعال ـى ‪:‬‬
‫‪ ،‬و من م صابرة الوا حد من ــا للعشرة من الكفار والمائة م نا‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫م سكين‬
‫إن ي كن من كم عش ـرون صابرون‬ ‫((‬ ‫لللف من هم الذي جاء في قوله تع ـالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫))‬ ‫يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائـة يغلبوا ألفا من الذين كفروا‬
‫وبالخبر المتواتر عند مالك وأكثر العلماء لمساواته القرآن في الطريق‬
‫العلمي أي من حيث إن كلً منهما قطعي الثبوت وإنه من عند ال عـز وجل‬
‫فإنه ل ينسخ حكما لربه من تلقاء نفسه‬ ‫وإن جاء الخبـر على لسان رسوله‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬خالف أ بو م سلم ال صفهاني من المعت ـزلة فن فى الن سخ في الق ـرآن ورده إلى التخ صيص‬
‫وتكلّـف لـه التأويل ‪.‬‬
‫‪ -2‬قال ابن عبد البر ‪ :‬لم يختلف العلماء في أن العدة بالحـول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر ‪،‬‬
‫ل كما كانت في الجاهلية ثم ن سخ ال تعالى‬
‫وقال ابن العربي ‪ :‬كا نت عدة الوفاة في صدر ال سلم حو ً‬
‫ذلك بأربعة أشهر وعشر ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫‪ -3‬نسخ بقوله تعالى ‪ (( :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه‬
‫‪ -4‬نسـخ بقوله تعالى ‪ (( :‬الن خفـف ال عنكــم وعلم أن فيكـم ضعفا فإن يكـن منكـم مائة صـابرة‬
‫و هو من ن سخ‬ ‫))‬ ‫يغلب ـوا مائت ين وإن يك ـن من كم ألف يغلب ـوا ألف ين بإذن ال وال مع ال صابريـن‬
‫الثقل بالخف ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ب ـل بو حي م نه إل أ نه بغي ـر ن ظم القرآن وذلك كن سخ حك ـم الم ساك في‬
‫واللتي يأتيـن الفاحشة من نسائكم‬ ‫((‬ ‫البيوت الذي جـاء في قولـه تعالـى ‪:‬‬
‫فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فـإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاه نّ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بالرجم الثابت بالسنة المتواترة‬ ‫))‬ ‫ل‬
‫ل ال لهن سبي ً‬
‫الموت أو يجع َ‬
‫وأما أخبـار الحـاد فينفي الجمهور نسخ الحكام القرآنية بهـا لعدم‬
‫مسـاواتها القرآن فـي الطريـق العلمـي لن القرآن قطعـي فل ينسـخ شيـء منـه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫بأخبار ظنية‬

‫*‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬هذا إذا كان المراد من النساء في الية الزواج كما ذهب إليه الكثيرون وأمـا إذا كان المراد‬
‫الج نس ك ما ذ هب إل يه غير هم من المحقق ين فإن ح كم الر جم الذي ث بت بال سنة المتواترة يتو جه على‬
‫الثيبات منهن كما بينته السنة نفسها إذ الناسخ لمساك البكار آية الجلد بمصاحبة السنة ‪.‬‬
‫لمح مد‬ ‫))‬ ‫‪ -2‬لمزي ـد م ـن التفا صيل ح ـول ه ـذا الموض ـوع ‪ -‬را جع كتاب (( منا هل العرفان‬
‫عبد العظيم الزرقاني ‪.‬‬

‫‪92‬‬
93
‫رجحـان الدّليــل الصلـي النقلــي‬

‫اعلم أن الرجحان في الدليل الصلي النقلي إما أن يأتي من جهة السند‬


‫وإما أن يأتي من جهة المتن ‪.‬‬

‫مرجحات السنـد‬
‫يرجّح الدليل الصلي النقلي على ما يعارضه بمرجحات من جهة سنده‬
‫أهمها عشرة ‪.‬‬
‫المرجـح الول كـبر الراوي فإن الكـبير أثبـت وأضبـط لمـا يرويـه مـن‬
‫الصغير ‪ ،‬مثاله احتجاج فقهائنـا على أن الفراد بالحج أفضل بحديث ابن‬
‫‪ ،‬فيجيبهم فقهــاؤنا بأن أنسا كان في حجة الوداع صغيرا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫وحجا‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث ابن عمر رواه مسلم في صحيحه ‪ .‬ورواه عنه أيضا بلفظ (( أهللنا مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بالحج مفردا )) ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وكان ابــن عمـر كـبيرا فكــان أثبـت وأضبـط لذلك رجحنـا روايتــه علــى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫رواية أنس‬
‫المرجح الثاني أن يكون الراوي لحد الحديثين أفقـه وأعلم من راوي‬
‫الحديـث الخـر ‪ ،‬ومثـــاله احتجاج فقهائنـا على أن الفراد بالحـج أفضــل‬
‫عام حجة الوداع‬ ‫خرجنا مع رسول ال‬ ‫((‬ ‫بحديث عائشة التي قالت فيه ‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫أهلﱠ بالحـج مفردِا‬ ‫إن رسـول ال‬ ‫((‬ ‫عمـر الذي قــال فيـه ‪:‬‬
‫فيقـول الحنفية حديث ابن عمر هـذا يعارضه حديث أنـس الذي قـال فيه ‪:‬‬
‫يلبي بالحج والعمرة جميعــا يقـول لبيـك عمرة‬ ‫سمعت رسول ال‬ ‫((‬

‫فمنا مَـن أهلﱠ بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج وحده ‪،‬‬
‫فإذا عورض بحديث أنس المذكـور قلنـا‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫بالحـج‬ ‫وأهل رسول ال‬
‫في الجواب أن عائشة أفقـه وأعلم منه لهذا فحديثها مرجح على حديثه‪.‬‬
‫المرجـح الثالث أن يكون أحـــد الراوييـن أكثـر صـحبة مـن الخـر‬
‫فيكون أعلم م نه ب ما دام من الحكام وال سنن وب ما لم ي ـدم ‪ ،‬ومثال ـه ترج يح‬
‫كان ي صبـح جنب ـا‬ ‫أن ر سول ال‬ ‫((‬ ‫فقهائن ـا حد يث عائ شة وأم سلمـة‬
‫على حدي ثي أ بي هريرة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫))‬ ‫من جماع غي ـر احتلم في رمضان ثم ي صوم‬
‫إذا ن ـودي لل صلة صـلة ال صبح وأحدك ـم جن ـب‬ ‫((‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫عن ال نبي‬
‫كان يأمرنـا بالفطـر إذا أصبح الرجــل‬ ‫((‬ ‫وأنـه‬ ‫))‬ ‫فل يص ْم حينئـذ‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث أنس رواه أحمد في مسنده والشيخان في صحيحيهما ‪.‬‬
‫‪ -2‬يمكن الجمع بين الحديثين بأنـه صلى ال عليه وسلم أهـلﱠ بالحج مفردا ثم أردف عليه العمرة‬
‫‪ :‬وذلك‬ ‫))‬ ‫المو طأ‬ ‫((‬ ‫إل أن مالكا ل يرى ل من أه ـــل ب حج مفرد أن يردف عل يه عمرة ويقول في‬
‫الذي أدركت عليه أهل العلم عندنا ‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث عائشة عن إهللـه صلى ال عليه وسلم بالحج مفردا رواه مالك وأحمد والشيخان ‪.‬‬
‫‪ -4‬حديث عائشة وأم سلمة رواه أيضا مالك وأحمد والشيخان ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫لن زوجتيـه بكثرة صـحبتهما له وعيشهمـا معـه إلى آخـر حياتـه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫جنبــا‬
‫كانتا أعلم من أبي هريرة بآخر أفعاله وبما دام من سننه ‪.‬‬
‫مـن الخـر‬ ‫المرجـح الرابـع أن يكون أحدهمـا أقرب إلى النـبي‬
‫كترجيح فقهائن ـا حد يث ابن عمر في إف ـراده الحـج على حديث أنس ‪ ،‬فإن‬
‫سمعتـه يلبّي بال حج والعمرة‬ ‫((‬ ‫ا بن ع مر ح ين قي ـل له إن أن سا يق ـول ‪:‬‬
‫إن أنسـا كان صـغيرا يوكـل على النسـاء وهــن منكشفات‬ ‫((‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫))‬ ‫جميعا‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫يمسّني لعابها أسمعه يلبّـي‬ ‫الرؤوس وكنت تحت ناقـة رسول ال‬
‫المرجـح الخامـس أن يكون أحـد الراوييـن مباشرا للواقعـــة بنفسـه‬
‫فتكون رواي ته عن ها أر جح من روا ية غيره لن المبا شر للواقع ـة أل صق ب ها‬
‫وأعرف وأث بت ‪ ،‬ومثاله ترج يح فقهائن ـا رواي ـة أ بي را فع على روا ية ا بن‬
‫تـزوج رسول‬ ‫((‬ ‫عباس عن زواج ميمونة أم المؤمنين فقـد قـال أبو رافع ‪:‬‬
‫وقـال ابن‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫ل وكنت الرسول بينهما‬
‫ل وبنى بها حل ً‬
‫ميمونة حل ً‬ ‫ال‬
‫ول ما كان أ بو را فع‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫ميمو نة وه ـو ُمحْ ـرم‬ ‫تزوج ال نبي‬ ‫((‬ ‫عباس ‪:‬‬
‫مباشرا للواقعة كان أعرف وأثبت فتكون روايته أرجح ‪.‬‬
‫المرجـح السـادس أن يكون أحـد الراوييـن صـاحب الواقعــة فيكون‬
‫أعرف بها وروايته أقـوى وأرجح ‪ ،‬ومثاله ترجيح فقهائنـا حديث ميمونـة‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث أبي هريرة الول من رواية أحمد وابن حبان والثاني من رواية النسائي والطبراني في‬
‫مسند الشاميين وقـد ثبت أن أبـا هريرة حين بلغه حديث عائشة وأم سلمة سلـم به وقال ‪ :‬هما أعلم ‪،‬‬
‫فتح الباري )) ‪.‬‬ ‫((‬ ‫ورد ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن عباس – انظر‬
‫‪ -2‬حديث أبي رافع رواه أحمد والترمذي وحسنه ‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث ابن عبــاس رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن ‪ ،‬وروى أبو داود أن سعيد بن‬
‫المسيب قال وَهِمَ ابن عباس في قوله تزوج النبي صلى ال عليه وسلم ميمونة وهو ُمحـرم ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫عــلى رواية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫ونحن حللن بسَرِف‬ ‫تزوجني رسول‬ ‫((‬ ‫إذ قالت ‪:‬‬
‫ابن عباس المذكورة آنفـا ‪.‬‬

‫المر جح ال سابع سماع الحد يث مواج هة من غ ير حجاب فإ نه أقوى‬


‫وأرجـح مـن معارضــه الذي ُسـمع مـن وراء حجاب ‪ ،‬ومثاله حديـث القاسـم‬
‫فإنــه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫أن بَريرة أُعتقـت وكان زوجهــا عبدا‬ ‫((‬ ‫وعروة عـن عائشـة‬
‫(‪. )3‬‬ ‫))‬ ‫أن زوج بريـرة كـان حرا‬ ‫((‬ ‫مرجح على رواية السود عن عائشة‬

‫المرجـح الثامـن أن يكون أحـــد الراوي ين متأخرا فـي إسـلمه عـن‬


‫الخـر فإن حديثــه حينئــذ يكون أقـل احتمالً للنسـخ فيرجـح على مـا هــو‬
‫ل له ‪ ،‬ومث ـاله ترج يح فقهائ نا حد يث أ بي هريرة وحد يث بُ سـرة‬
‫أكث ـر احتما ً‬
‫س الذك ـر على حد يث طَل ـق ب ـن‬
‫ب نت صفوان في إيجاب الوض ـوء من م ّ‬
‫علي لتـــأخر إسـلم أبـي هريرة وبُسـرة عــن إسـلم طلق ‪ ،‬وترجيحهــم‬
‫حد يث أ بي مح ـذورة في تثني ـة ت كبير الذان وترب يع شهادتي ـه على حد يث‬
‫عبد ال بـن زيد في تربيـع التكبيـر وتثنية الشهــادتين لتأخـر إســلم‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث ميمونة رواه أحمد ومسلم والترمذي وأبو داود واللفظ له ‪.‬‬
‫إن بريرة كانت تحت عبد فلما‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديث القاسم رواه أحمد والدارقطني عن عمته عائشة قالت ‪:‬‬
‫أعتقتها قال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اختاري فإن شئت أن تمكثي تحـت هــذا العبد وإن‬
‫أن رسول ال صلى ال‬ ‫((‬ ‫‪ ،‬وجاء عنه في صحيح مسلم وسنن أبي داود عن عائشة‬ ‫))‬ ‫شئت أن تفارقيه‬
‫‪ ،‬وحد يث عروة رواه ع نه أح مد وم سلم والترمذي وأ بو داود‬ ‫))‬ ‫عل يه و سلم خير ها وكان زوج ها عبدا‬
‫أن بريرة أُعتقـت وكان زوجهـا عبدا فخيرهـا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬ ‫((‬ ‫عـن خالتـه عائشـة‬
‫فاختارت نفسها ولو كان حرا لم يخيرها )) ‪.‬‬
‫كان‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حد يث ال سود رواه أح مد وأ صحاب ال سنن عن إبراه يم عن ال سود عن عائ شة قالت ‪:‬‬
‫زوج بريرة حرا فلما أعتقت خيرها رسول ال صلى ال عليه وسلم فاختارت نفسها )) ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫أبي محذورة عن إسلم عبد ال بن زيـد ‪ ،‬وقـد مرﱠ ذكـر هذه الحاديث في‬
‫بيان وج ـوه معر فة الن سخ لن تأخ ـر إ سلم راوي الحد يث والمع ــارض‬
‫لحديث سابق مرو يٍ قبــل إسلمه فكما يع ّد وجهــا من الوجوه التي يعرف‬
‫ب ها الن سخ يعدﱡ سببـا من أ سباب الترج يح في ح ـال ع ـدم التف ــاق على‬
‫النســخ ‪.‬‬
‫المرجح التاسع اتفـاق الرواية عن أحد الراوييـن واختلفهـا عن‬
‫‪ ...‬فإذا‬ ‫((‬ ‫الخـر ‪ ،‬ومثالــه ترجيـح روا ية أنـس أن أبــا ب كر كتـب لهـم ‪:‬‬
‫زادت ‪ -‬أي البل – على عشريـن ومئة ففي كل أربعين بنـت لبـون وفي‬
‫‪ ...‬فإذا زادت‬ ‫((‬ ‫على روايـة عمرو بـن حزم ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫كـل خمسـين حِقـــة‬
‫فإنــه قـد روي عنــه أيضا مثـل‬ ‫))‬ ‫على عشريـن ومئة اسـتؤنفت الفريضـة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫روايـة أنس‬
‫المر جح العا شر كثرة رواة أ حد الحديث ين ‪ ،‬ومث ـاله ترج يح فقهائن ـا‬
‫مسـ الذكــر على حديـث َطلــق بـن علي فــإن‬
‫ّ‬ ‫حديـث إيجاب الوضوء مـن‬
‫حد يث إيج ــاب الوضوء م نه رواه كث ير من ال صحابـة من هم أ بو هري ـرة‬
‫وبسرة بنت صفوان وأروى بنت أُنيس وأم حبيبـة وأم سلمـة وعائشـة وسعد‬
‫بن أ بي وق ـاص وجاب ـر بن ع بد ال وزي ـد بن خالد وع بد ال ب ـن عباس‬
‫وع بد ال بن ُع مر وع بد ال بن َعمرو وغير هم ‪ ،‬و ما كان أك ثر رواة كان‬
‫أثبت وأرجح ‪.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حد يث أ نس هو ب عض حد يث طوي ـل في فرائض ال صدقة رواه أح مد والن سائي وأ بو داود‬
‫والبيهقي والحاكم والدارقطني وقال ‪ :‬إسناده صحيح ورواتـه كلهم ثقات ‪ ،‬وقال أبو محمد بن حزم ‪:‬‬
‫هذا كتاب في نهاية الصحة عمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬رواي ـة عمرو بن حزم المتف قة مع روا ية أ نس أخرج ها الن سائي وأ بو داود وا بن حبان‬
‫والدارقطني ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مرجحـات المتـن‬
‫ير جح الدلي ـل الصلي النقلي على ما يعار ضه بمرجحات من جه ـة‬
‫متنه أهمها سبعة ‪.‬‬
‫المرجـح الول أن يكون أحـــد المتنيـن قولً والخـر فعلً فيرجـح‬
‫القول على الفعل لنه أقـوى على الصح ‪ ،‬ومثالـه ترجيح فقهائنـا حديث‬
‫قـال ‪ :‬ل ينكِح المُحْـرم ول يُنكَـح‬ ‫أن رسـول ال‬ ‫((‬ ‫عثمان بن عفـان‬
‫تـزوج ميمونة‬ ‫أن النبي‬ ‫((‬ ‫(‪ )1‬على حديث ابن عباس ‪:‬‬ ‫))‬ ‫ول يخطُب‬
‫وذلك أن فعله يحتمـل الخصــوص بـه ول يــدل على‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫وهــو ُمحْرم‬
‫استمرار الحكم وأما قولـه فينفي ه ـذا الحتمال وي ـدل على استمرار الحكم‬
‫إذا لم يـأت بعده قول آخر يرفع حكم الول ‪.‬‬

‫ل على الحكم بمنطوقه والخر‬


‫المرجح الثاني أن يكون أحد المتنين دا ً‬
‫دالً عليه بمفهومه فإن الدال بمنطوقه أرجح من الدال بمفهومه ‪ ،‬ومثاله ترجيح‬
‫قضائه بالشف عة‬ ‫((‬ ‫(( الجارأ حق بشف عة جاره)) (‪ )3‬على مفهوم‬ ‫الحنف ية قول ـه‬
‫فقالوا ب حق الجار في الشف عة وإن لم ي كن شريكا ‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫))‬ ‫في كل ما لم ُيق سم‬
‫ولكن إذا كان مـع المفهـوم منطوق انعكس المر حينئذ فصار هـو الرجح‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث عثمان رواه مالك وأحمد ومسلم وأصحاب السنن ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث ابن عباس رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن ‪.‬‬
‫رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن جابر وقد‬ ‫))‬ ‫الجار أحق بشفعة جاره‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حديث‬
‫تكلم فيه كثير من أهل الحديث وضعّفوه ولكن الترمذي حسّنه ‪.‬‬
‫‪ -4‬حد يث قضائه صلى ال عل يه و سلم بالشف عة في كل ما ل ـم ُيق سم رواه أح مد والبخاري عن‬
‫قضى النبي صلى ال عليه وسلم بالشفعة في كـل ما لـم ُيقسم فإذا وقعـت الحــدود‬ ‫((‬ ‫جابر قال ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫وصرفت الطرق فل شفعة‬

‫‪99‬‬
‫بالشفعة فيما لم ُيقسم‬ ‫لحصول الدللة فيه بوجهتين كترجيح فقهائنا (( قضاءه‬
‫فهذا يدل بمنطوقـه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫بيـن الشركاء فإذا وقعـت الحدود بينهـم فل شفعـة فيـه‬
‫وبمفهومه على أن ل شفعة للجار بل للشريك قبل القسمة وتعيين الحدود ‪.‬‬

‫المرجح الثالث أن يكون أحــد المتنين واردا في حـكم والخر ليس‬


‫واردا فيه ‪ .‬فإن ما ورد في حكم أرجح فـي الحكم مما لـم يـرد فيه كترجيح‬
‫صلى العصـر حين صار‬ ‫أن النبي‬ ‫((‬ ‫فقهائنا حديث جبريل الذي جـاء فيه‬
‫على الحديث الذي تمسك بـه المام أبو حنيفة من أن‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫ظل كل شيء مثله‬
‫قـال يوما‬ ‫أول وقت العصر أن يصير ظل كل شيء مثليه وهـو أن النبي‬
‫إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من المم كما بين صلة العصر إلى‬ ‫((‬ ‫لصحابه ‪:‬‬
‫غروب الشمس أُوتي أهل التوراة التـوراة فعملـوا بها حتى إذا انتصف النهار‬
‫عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أُو تي أ هل النج يل النج يل فعملوا إلى صلة‬
‫العصـر ثـم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثـم أوتينـا القرآن فعملنـا إلى غروب‬
‫الش مس فأعطي نا قيراط ين قيراط ين فق ـال أه ـل الكتابي ـن أي رب نا أعط يت‬
‫ه ـؤلء قيراط ين قيراط ين وأعطيتن ـا قيراطا قيراط ـا ون حن ك نا أك ثر عملً‬
‫قال ال هـل ظلمتكم مـن أجركم من شيء قالوا ل قال فهـو فضلي أوتيه من‬
‫فذهب أو حنيفة إلى مفهـوم ظاهر هـذا الحديث‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫أشاء‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مالك عن بن‬ ‫))‬ ‫قضائه صلى ال عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬
‫شهاب الزهري عن سعيد بن الم سيب و عن أ بي سلمة بن ع بد الرح من بن عوف وقال ‪ :‬وعلى ذلك‬
‫السنة التي ل اختلف فيها عندنا ‪.‬‬
‫‪ -2‬حد يث جبري ـل رواه بطوله أح مد والن سائي والترمذي بنحوه عن جابر بن ع بد ال وقال‬
‫البخاري ‪ :‬هو أصح شيء في المواقيت ‪.‬‬
‫رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر ‪.‬‬ ‫))‬ ‫إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من المم‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حديث‬

‫‪100‬‬
‫وهـو أن ما بين العصر والمغـرب أقل ممـا بين انتصـاف النهار والعصر‬
‫ول ي صح ذلك إل إذا كان أول و قت الع صر أن ي صير ظل كل ش يء مثل يه ‪،‬‬
‫ورأى فقهاؤن ـا أن هذا الحد يث إن ما ورد للتنو يه بف ضل ال تبارك وتعالى على‬
‫أمت نا ولم يـرد في تشريع حكم ي ستـدل به عليه ‪ ،‬وأما حد يث جبري ـل فإنه‬
‫ورد فـي حكـم أراد الشارع بيانـه بــه وهـو تحديـد أوقات الصـلوات الخمـس‬
‫فاقتضى أخذه منه ل من مفهوم حديث لم يرد فيه ‪.‬‬
‫المرجح الرابع أن يكون أحـد المتنين واردا على سبب والخر واردا‬
‫على غيـر سبب فإن الوارد على سبب أرجح في سببه والوارد على غير سبب‬
‫ح ين مر بشاة مي تة كان‬ ‫أر جح في غ ير ال سبب ‪ ،‬ومث ـاله ترج يح قوله‬
‫على قوله ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫أفل انتفع تم بجلده ـا‬ ‫((‬ ‫أعطا ها م ـولة لزوج ـه ميمون ـة‬
‫فإن الحد يث الول أر جح في‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫(( ل تنتفعوا من المي تة بإهاب ول ع صب‬
‫جلد ما يؤكـل لحمه لنه كالنص فيه إذ هو السبب ‪ ،‬والحديث الثاني أرجح في‬
‫جلد ما ل يؤكل لحمه فل ينتفـع بـه وإن دبـغ لنه عام ورد على غير سبب‪.‬‬
‫المرجح الخامس أن يكون أحـد المتنين ظاهرا والخر مؤولً فيرجح‬
‫الظاهـر لتضاح دللتـه مـن جهـة لفظـه على المؤول لتضاح دللتـه بدليــل‬
‫منف صل لن الدل يل من جه ـة الل فظ ذا تي فكان أق ـوى من الدلي ـل المنف صل‬
‫ولن الظاهـر هــو الصـل وأمثلتـه هــي التـي سـبق التمثيـل بهــا لسـباب‬
‫ظهوره ‪ ،‬ولكن قـد يرجح المؤول لعتبار قـوي اقتضى ترجيح دليله على‬
‫ــــــــــــــ‬
‫مرﱠ رسول‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬رواه مالك وأحمد والشيخان وغيرهـم من أئمـة الحديث عن ابن عباس قـال ‪:‬‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بشاة ميت ـة كان أعطاها مولة لميمون ـة فقال ‪ :‬أفل انتفعتم بجلدهـا فقالوا ‪:‬‬
‫يا رسول ال إنها ميتة فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنما حرم أكلها )) ‪.‬‬
‫رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد ال بن‬ ‫))‬ ‫ل تنتفعوا من الميتة بإهاب ول عصب‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديث‬
‫إن شئت ‪.‬‬ ‫))‬ ‫نيل الوطار‬ ‫((‬ ‫عكيم وفيه انقطاع واضطراب فارجع إليه في‬

‫‪101‬‬
‫دلي ــل الظا هر ك ما رأ يت في المثل ـة ال تي سبق التمثي ــل ب ها ل سباب‬
‫التأويـل ‪.‬‬
‫المرجـح السـادس أن يكون أحــد المتنيــن واضـح الدللة والخـر‬
‫مجملً فيُرجـح الول لتضاح دللتـه ويعدﱡ مفســرا للمجمـل ‪ ،‬ومثاله ترجيـح‬
‫ل تصوموا حتى تروا الهلل ول تفطروا حتى تروه فإن ُ‬ ‫((‬ ‫فقهائنـا قوله‬
‫الش هر ت سعة‬ ‫((‬ ‫على روا ية من روى ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫غ مّ علي كم فأكملوا العدد ثلث ين‬
‫ُغمـ‬
‫وعشرون يوما فل تصـوموا حتـى تروا الهلل ول تفطروا حتـى تروه فإن ّ‬
‫فإن الحديـث الول نـص فـي عدد اليام التـي يجـب‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫عليكـم فأقدروا له‬
‫إكمال ها إذا غم الهلل وبذلك ير جح على الحد يث الثا ني ويكون مف سرا ل ما ف يه‬
‫مـن التقديــر المطلوب هكذا ‪ :‬فإن غــم عليكـم فقدّروا أول الشهـر وأكملوا‬
‫الثلثين يوما ‪.‬‬
‫المرجح السابع أن يكون أحـد المتنين مثبتـا والخر نافيا فإن المثبت‬
‫‪ (( :‬إن رسول ال‬ ‫(‪)3‬‬ ‫يرجح على النافي ‪ ،‬ومثاله ترجيح فقهائنا قول بلل‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مال ـك ع ـن‬ ‫))‬ ‫ل ت صومـوا ح تى ت ـروا الهلل ‪...‬‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬قول ـه صلى ال عل يه و سلم ‪:‬‬
‫ابن عباس ‪.‬‬
‫رواه مالك وأح مد وم سلم‬ ‫))‬ ‫الش هر ت سعة وعشرون يوما ‪...‬‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬قوله صلى ال عل يه و سلم ‪:‬‬
‫عـن عبـد ال بـن عمـر وهـو تنـبيه لنــا على احتمال ترائي الهلل لتسـع وعشريـن مـن شعبان وتسـع‬
‫وعشرين من رمضان ومع ذلك فل نصوم لتسع وعشرين حتى نراه ول نفطر لتسع وعشرين حتى نراه‬
‫فإن غم علينا فنقدر له ونكمل الثلثين يوما كما جاء التصريح به في حديث ابن عباس وأكثر أحاديث‬
‫هذا الباب ‪.‬‬
‫د خل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الب يت‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬قول بلل هذا جاء في حد يث ل بن ع مر قال ‪:‬‬
‫هو وأ سامة بن ز يد وبلل وعثمان بن طل حة فأغلقوا عليهم الباب فلما فتحوه ك نت أول من ولج فلقيت‬
‫رواه‬ ‫))‬ ‫بللً فسألته ‪ :‬هل صلى فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬نعم بين العمودين اليمانيين‬
‫أحمد والشيخان ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫إنه دعا في‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫على قول أسامة‬ ‫))‬ ‫صلى في البيت بين العمودين اليمانيين‬
‫‪ ،‬فقــول بلل ل يحتمــل الشـك فـي حصـول‬ ‫))‬ ‫نواحيـه كلهـا ولم يصـل فيـه‬
‫الصلة فعلً لنه رآه يصلي وعيّن المكان الذي صلى فيـه فقال بين العمودين‬
‫اليمانييـن ‪ ،‬وأمـا قول أسـامة فيحتمـل الشـك ل نه قد ل يكون رآه أثناء الصـلة‬
‫لسبب ما فقال دعا ولم يصل (‪. )2‬‬

‫*‬

‫ــــــــــــــ‬
‫أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى ال‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬قول أسامة هذا جـاء في حديث لبن عباس قال ‪:‬‬
‫عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع في قِبل البيت‬
‫رواه مسلم في صحيحه ‪.‬‬ ‫))‬ ‫ركعتين وقال هذه القبلة‬
‫‪ -2‬قال النووي وغيره ‪ :‬يم كن الجمع ب ين إثبات بلل ونفي أسامة بأنهم ل ما دخلوا الكع بة اشتغلوا‬
‫بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى ال عليه وسلم يدعو فاشتغل بالدعاء في ناحية والنبي صلى ال عليه‬
‫وسـلم فـي ناحيـة ولمـا صلى رآه بلل لقربـه منـه ولم يره أسـامة لشتغاله بالدعاء فـي ناحيـة والضوء‬
‫ضعيف لن البيت كان مغلقا ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫السْـتِصحَــاب‬

‫ب عد أن فرغنـا من الكلم على الدل يل ال صلي النقلي الذي هو الكتاب‬


‫وال سنة ننت قل إلى الكلم على الدل يل ال صلي العقلي و هو ال ستصحاب وي ـراد‬
‫به ا ستمرار ال مر على ما هو عل يه إلى أن يقوم الدل يل على تغيره ع ما كان‬
‫عليه كطهارة المـاء فإنها تستمر مصاحبة لـه إلى أن يثبت تغيره بنجس ينقله‬
‫ع ما كان عل يه من الطهارة ‪ ،‬وكش غل ذ مة المد ين بالد ين فإ نه ي ستمر إلى أن‬
‫يثبـت أداؤه للديـن أو إبراؤه منـه ‪ .‬وهـو وإن عــدّ دليلً عقليا فإن الخـذ بـه‬
‫شر عي إذ قد ث بت بال ستقراء للحكام الشرع ية أن ها تب قى على ما ق ـام الدل يل‬
‫عليه إلى أن يقوم دليل آخر على التغير فيتغير الحكم بحسبه ‪.‬‬
‫والستصحاب بالجمال نوعان ‪ :‬استصحاب أمر عقلي ‪ ،‬واستصحاب‬
‫حكم شرعي ‪.‬‬
‫أما الول فهـو ما قضت غلبة الظن باستمراره على ما هو عليه إلى‬
‫أن يث بت تغيره كحياة من عل مت حيا ته في ز من مع ين فإن ـه يغلب على ال ظن‬
‫استمرارها إلى أن تثبت وفاته ‪ .‬وهذا النوع كثيرا ما يعارَض باستصحاب آخر‬
‫أو بوجود ناقـل له عن الحالة الولى ‪.‬‬
‫مثال مـا يعارَض باسـتصحاب آخـر اسـتدلل بعـض فقهائنـا على أن‬
‫ال سلعة الغائ بة إذا بي عت على العل ـم ب ها أو على و صفها وهل كت قب ــل أن‬

‫‪104‬‬
‫ي ستلمهـا المشتري ثم حدث الن ـزاع ب ين المتبايع ين هل كان هلك ها ق بل ع قد‬
‫البيــع أو بعده ؟ فإن ضمانهـا أي غرمهـا على المشتري إذ يقول البائع لقـد‬
‫كانـت السـلعة موجودة سـالمة قبـل العقــد فلزم أن تسـتمر سـلمتها إلى زمـن‬
‫ط ـروء هلك ها و قد طرأ ب عد الع قد إن لم ي قم دل يل على طروئه قبله فتع ين‬
‫هلكهـا على ضمان المشتري ‪ ،‬فيعارضهـم الكثرون مـن فقهائنــا بأن ذمـة‬
‫المشتري كانت بريئة من الضمان فلـزم استمرار تلك البراءة ما دامت السلعة‬
‫غائبة وعليه فل ضمان على المشتري ‪.‬‬
‫ومثال ما يعارض بادعاء وجود ناقل عن الحالة الولى احتجاج فقهائنا‬
‫على أن سـؤر الكلب طاهـر بسـلمته مـن المخالطـة للنجاسـة قبـل الولوغ فلزم‬
‫استمرار طهارته إلى أن تتحقق مخالطتـه للنجــاسة ‪ ،‬فيقـول المخالفـون‬
‫أن هـذا الستصحاب يتم لـو لـم يوجد ناقل لتلك السلمة وهـو الولوغ فإنه‬
‫مظ نة المخالط ـة للنجا سة لن ها غالب أحوال الكلب ‪ ،‬فيجيب هم فقهاؤن ـا بأن‬
‫احتمال المخال طة للنجا سة ظ ني فل يل ـزم م نه النتقال عن الحال ـة ال صلية‬
‫و هي الطهارة ول ما كان ظنيا قل نا بكرا هة ا ستعمال سؤر الكلب وإن كان طاهرا‬
‫مراعاة لهذا الظن ‪.‬‬
‫وأما الثاني وهو استصحاب حكم شرعي فإننا نجده في كل ما أباحـه‬
‫الشارع أو حرمه ‪ :‬فإباحة كل مباح تستمر إلى أن يقوم الدليل علـى تحريمه‬
‫كإباحـة عصير العنب فإنها تستمر إلى أن تتغير أو صافـه وتعرض له صفة‬
‫السـكار فيحرم حينئذ ‪ ،‬وكتحريـم النـبيذ المسـكر فإنـه يسـتمر إلى أن تتغيـر‬
‫أوصافه وتـزول عنه صفة السكار فيحل حينئذ ‪.‬‬
‫وهذا النوع من الستصحاب كثيرا ما يختلف الفقهاء في انطباقـه على‬
‫الم سائل الجزئ ية ال تي تندرج تح ته كاحتجاج فقهائ نا على أن الرعاف ل ين قض‬
‫الوضوء بقول هم إن نا مجمعون على أن المتو ضئ متط هر قب ــل الرعاف فلزم‬

‫‪105‬‬
‫استصحاب وضوئه بعده إلى أن يـدل دليل على انتقاضه ‪ ،‬فيقول الحنفية إننا‬
‫نرد صحة ال ستصحاب في هذه الم سألة لن دل يل الح كم في ــه هو الجماع‬
‫والجماع بعـد الرعاف ليـس كمـا كان قبله فكيـف يسـتمر حكـم بعـد فقدان دليله‬
‫ل سيما وق ـد ق ـام الدل يل على انتقاض الوضوء بالرعاف و هو قول ر سول ال‬
‫من أصابه قيء أو رُعاف أو قَـلْس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن‬ ‫((‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫على صلته وهو في ذلك ل يتكلم‬

‫*‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه ابن ماجـه والدارقطني عن عائشة وضعّفـه ابن معين وغيـره من رجال الحديـث ‪،‬‬
‫و قد ذ هب ا بن عباس وا بن أ بي أوف ـى وأ بو هري ـرة وجابر بن ز يد و سعيـد بن الم سيب ومكحول‬
‫وربي عة إلى عدم انتقاض الوض ـوء من ال ـدم ‪ ،‬وذ هب أ بو حنيف ـة وأ صحابـه وأح مد إلى انتقا ضه‬
‫بالدم السائل ‪ .‬القلس ‪ :‬هو ما يخرج من الحلق ولو لم يتبعه قيء ‪.‬‬

‫‪106‬‬
107
‫القيـــاس‬

‫القياس هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص‬
‫على حكمه لشتراك بينهما في علة الحكم طردا أو عكسا ‪ .‬وهو دليل شرعي ُ‬
‫تــرد بـه الحكام إلى الصـل الذي هـو الكتاب والسـنة ولذلك يعـد لزما عـن‬
‫أصل ‪ ،‬أي ناشئا عنه وملحقا به وراجعا إليه ‪ .‬والحكم الذي يدل عليه القياس‬
‫إما أن يكون مماثلً لحكم الصل أو مناقضا له ‪ :‬فإن كان مماثلً لحكم الصل‬
‫عرف قياســه بقياس الطــرد ‪ ،‬وإن كان مناقضا لحكـــم الصـل عرف‬
‫بقياس العكس ‪.‬‬
‫قياس الطـرد‬
‫قياس الطرد هـو حمـل فرع مجهول الحكـم على أصـل معلوم الحكـم‬
‫لم ساواته له في العلة بغ ية إثبات ح كم للفرع مما ثل لح كم ال صل كقيا سنا ال نبيذ‬
‫المعلوم الح كم ‪ .‬فالخ مر هو ال صل المق يس‬ ‫(‪)1‬‬ ‫المجهول الح كم على الخ مر‬
‫عليه ‪ ،‬والنبيذ هو الفرع المقيس ‪ ،‬والعلة التي تساويـا فيها هي السكـار ‪،‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬الخمر عند الجمهور كل شراب مسكر سواء صنع من العنب أو غيره ‪ ،‬والنبيذ كل شراب اتخذ‬
‫مـن عصـارة قابلة للتخمـر فإذا تخمرت وأسـكرت صـارت خمرا – أخرج أحمـد ومسـلم وأبـو داود‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬كل مسكر خمر وكل‬ ‫((‬ ‫والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال ‪:‬‬
‫‪ ،‬وع ند أ بي حني فة والثوري وب عض فقهاء الكو فة ‪ :‬الخ مر ما أ سكر من ع صير الع نب‬ ‫))‬ ‫م سكر حرام‬
‫خاصة والنبيذ ما اعتصر من غيره ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫والحكم المطلوب إثباتـه في الفـرع هـو التحريم الثابت مثله في الصل ‪.‬‬
‫فقي ـاس الطرد إذا ه ـو إثبات ح كم للفرع كح كم ال صل لم ساواته له‬
‫في العلة ويقوم على أربعة أركان ‪ :‬الصل والعلة والفرع والحكم ‪.‬‬

‫الركن الول ‪ :‬يشترط فيه ثلثة شروط أساسية ‪:‬‬


‫الشرط الول أن يكون الحكـم ثابتا فيـه فإنـه إن لم يكـن ثابتا فيـه فل‬
‫يتو جه عل يه القياس لن المق صود إثبات مثله في الفرع ‪ ،‬وإثب ـات مثل ـه في‬
‫الفرع متو قف على ثبوت ـه في ال صل ولو كان ثبو ته في ال صل بالقياس ع ند‬
‫أكثـر فقهائنـا على مـا فهموه مـن مسـائـل المام وأصـحابه ‪ ،‬وذلــك بأن كان‬
‫فرعـا قيس على أصل من الكتاب أو السنـة فأعطي حكمه وبثبـوت الحكم له‬
‫يصير أصلً فيجوز القياس عليه عند تعذر قياس الفرع الثاني على الصل من‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الكتاب والسنة‬
‫الشرط الثاني أن يكون حك مه م ستمرا غير منسوخ لنه إذا نسخ حكم‬
‫ال صل وبق يت عل ته ل ـم ي بق ل ها اعتبار لثمار ح كم مما ثل في فرع ل صل‬
‫من سوخ الح كم ‪ ،‬ول كن ق ـد ين سخ ح كم من أحكام ال صل فيتوه ـم سريـان‬
‫النسـخ إلى الحكـم الذي يطلب مثلــه فـي الفرع ‪ ،‬ومثالــه قول الحنفيـة بأن‬
‫تبييت الصوم غيـر واجب في صوم رمضان قياسا على صوم عاشوراء فإنه‬
‫ل من‬
‫رج ً‬ ‫أمر النبي‬ ‫((‬ ‫ل يجب فيه التبييت لحديث سلمة بن الكـوع قال ‪:‬‬
‫ن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم‬
‫أسلم أن أذﱢ ْ‬
‫(‪ ، )2‬فيقول فقهاؤنا لقد نسخ حكم الصل وهو وجوب‬ ‫))‬ ‫فإن اليوم يوم عاشوراء‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪.‬‬ ‫لبن رشد الكبير‬ ‫))‬ ‫‪ -1‬راجع في هذا الموضوع (( المقدمات الممهدات‬
‫‪ -2‬حديث سلمة بن الكوع رواه أحمد والشيخان ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫صــوم عاشوراء بوجــوب صـوم رمضان ومـن شــروط الصـل المقيـس‬
‫عل يه أن ل يكون من سوخـا ‪ ،‬فيج يب الحنف ية بأن نا لم نق ـس الفرع عل ــى‬
‫الصل في الحكم المنسوخ بـل في حكم آخر وهـو عدم وجوب تبييت الصوم‬
‫لنـه ل يلــزم مـن نسـخ حكـم وجــوب الصــوم نسـخ عــدم وجوب تـبييته‬
‫المقيس عليه ‪.‬‬
‫الشرط الثالث أن ل يكون ال صل مخ صوصا بالح كم فإن ـه إذا ك ـان‬
‫مخصوصا بالحكم امتنع حمل غيره عليه وإل بطـل الخصوص ‪ ،‬وهذا الشرط‬
‫يتفرع إلى نوع ين ‪ :‬نوع نص الشارع على الخ صوص ف يه أو انع قد الجماع‬
‫عل يه ‪ ،‬ونوع ل ـم ي نص الشارع على الخ صوص ف يه إل أ نه لم يع قل معن ـاه‬
‫فتعذر حمل غيره عليه للجهل بالمعنى الذي لجلــه شرع الحكم في الصل ‪.‬‬
‫أما النوع الول وهـو الذي نص الشارع على الخصوص فيه أو انعقد‬
‫لبي بـردة في التضحية بجدَعة مـن المعز ‪:‬‬ ‫الجماع عليه فمثاله قولـه‬
‫فقد خصه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وقبولُـه لشهادة خزيمة وحده‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫إذبحها ول تصلح لغيرك‬ ‫((‬

‫بذلك دون سائر ال صحابة ولو ح مل عل يه غيره لجرى القياس علي ـه في‬
‫كل شاهـد واحـد ولب طل اعتبار تع ـدد الشهـود ‪ .‬ومن هـذا النوع جميع‬
‫من الحكام فل يق ـاس علي ها وإن كان هن ـاك اخت ـلف‬ ‫ما اخ تص ب ـه‬
‫في جملة من الفروع هل هي ممـا اختص بـه أم ل ؟ كاختلفهم في صحـة‬
‫عقـد النكاح بلفـظ الهبــة فإن الشافعيـة ل يجيزونـه لنهـم يرونــه مختصـا‬
‫ــــــــــــــ‬
‫ضح ّى خال لي يقال له أبـو بردة قبـل‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬روى أحمـد والشيخان عـن البراء بـن عازب قال ‪:‬‬
‫الصلة فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬شاتك شاة لحم فقال ‪ :‬يا رسول ال إن عندي جذَعة‬
‫‪ .‬والجذعة من الشياه من بلغت ثمانية أشهر أو تسعة ‪.‬‬ ‫))‬ ‫من المعز قال ‪ :‬اذبحها ول تصلح لغيرك‬
‫‪ -2‬قبوله صلى ال عل يه و سلم لشهادة خزي مة وحده جاء في حد يث أخر جه أح مد والن سائي وأ بو‬
‫من شهد له خزيمة فحسبه )) ‪.‬‬ ‫((‬ ‫وفي رواية قال ‪:‬‬ ‫))‬ ‫فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين‬ ‫((‬ ‫داود وفيه ‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫وامــرأ ًة مؤمن ـ ًة إن وهبــت نف سهـا‬ ‫((‬ ‫بدلي ـل قول ـه تعالى ‪:‬‬ ‫بال نبي‬
‫‪،‬‬ ‫))‬ ‫للنبــي إن أراد النـبي أن يسـتنكحهــا خالصـةً لك مـن دون المؤمنيـن‬
‫والحنف ية يجيزو نه لن هم يردون الخت صاص إلى سقوط ال صداق الذي ب ــه‬
‫يظ هر الشرف ور فع الحرج ل بالل فظ المجرد الذي يوج ــد ما يق ـوم مقا مه‬
‫من اللفاظ ‪ ،‬والشافعية يرون اختصاصه باللفـظ تابعا لختصاصه بمعنـاه ‪،‬‬
‫وأما نحن المالكية فنتفق مع الحنفيـة في اختصاصه بجواز النكـاح له بالهبة‬
‫من غير صداق لن الية سيقـت لبيان شرفه على أُمتـه ونفي الحرج عنـه‬
‫في ذلـك كما قدمنـا في الكلم على الترجيـح بالقرينـة السياقيـة ‪ ،‬ولكننا‬
‫ل نتفق معهم في قياس أُمتـه عليه لمانع الختصاص وإنما نجيز النكاح بلفظ‬
‫الهبـة إذا كان مصـحوبـا بذكـر الصـداق ل بالقياس بــل لن لفـظ الهبـة مـن‬
‫اللف ـاظ ال تي تقت ضي البق ـاء مدى الحياة كالعطاء والم نح والتمل يك فينعق ـد‬
‫ب ها النكاح إذا ذك ـر مع ها ال صـداق تحدي ـدا أو تفويضا لتت ـم بذكره دللت ها‬
‫على النكاح دون غيره ‪ .‬أ ما إذا ح صل الخلف في كون ال صـل مخ صوصا‬
‫أو غ ير مخ صوص ثابتا ب نص أو إجماع كاختلف هم في الشه يد ه ــل يغ سل‬
‫أن رسـول ال‬ ‫((‬ ‫ويصـلى عليــه أم ل ؟ وقــد ورد فـي شهــداء أُحــد‬
‫فذهـب المالكيـة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫أمـر بدفنهـم فـي دمائهـم ولم يغسـلوا ولم يصـلﱠ عليهـم‬
‫والشافعية إلى أنه عـام يشمل كل شهيـد من شهداء أي معترك بين المسلمين‬
‫وأعدائهم ‪ ،‬وذهب الحنفية إلى أنه مخصوص بشهداء أُحـد فل يشمل غيرهم ‪.‬‬
‫وأما النوع الثاني وهو الذي لم ينص الشارع على الخصوص فيه ولكن‬
‫ــــــــــــــ‬
‫))‬ ‫أمرُ رسول ال صلى ال عليه وسلم بد فن قتلى أُحد في دمائ هم ولم يغ سلوا ولم يصلﱠ عليهم‬ ‫((‬ ‫‪-1‬‬
‫رواه البخ ـاري والترمذي والن سائي وا بن ما جه عن جابر ‪ .‬وأخرج أح مد وأ بو داود والترمذي عن‬
‫أن شهداء أُحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصلﱠ عليهم )) ‪.‬‬ ‫((‬ ‫أنس‬

‫‪111‬‬
‫لم يع قل معناه فمثاله مع ظم التقديرات فإن ها غ ير معقولة المع نى ك سائر العمال‬
‫التعبد ية ال تي لم نع قل معنا ها فل يقاس علي ها لجهل نا بالمع نى الذي لجله شرع‬
‫الح كم في ها ‪ .‬فإن ق يل ل نا ل قد ق ستم تقد ير أ قل ال صداق على تقد ير أ قل ن صاب‬
‫السرقة وهو ربع دينار أو ثلثة دراهم ‪ ،‬وقستم تحديد اليد بالكوع في التيمم‬
‫على تحديدها في القطع بالسرقة ! قلنا ليس ذلك قياسا وإنما هو استشهاد على‬
‫أن‬ ‫((‬ ‫القـل مـا هـو معتـبر ‪ ،‬وذلك أن الشارع أوجـب المال فـي النكاح فقال ‪:‬‬
‫إظهارا لشرف النكاح وقدره والشرف‬ ‫))‬ ‫تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين‬
‫ل يح صل بأ قل ما ي سمى مالً فإن الدر هم الوا حد مثلً ي سمى مالً ول كن ضآلة‬
‫قيمتـه ل ترفعـه إلى مسـتوى شرف النكاح وقدْره فوجـب تعييـن أقـل مقدار مـن‬
‫المال يكون له بال ولمـا كان ذلك مختلفا شرعا وعرفا وجـب الرجوع فيـه إلى‬
‫الشرع ل نه هو المو جب ل صل المال في النكاح تشريعا له فو جب اعتبار أ قل‬
‫ل ولم نجد أقل من نصاب السرقة فإن اليد ذات‬
‫الموال التي جعل الشرع لها با ً‬
‫قدْر ول ما قط عت في ر بع دينار دل ذلك على أن ر بع الدينار له بال فاع تبرناه‬
‫ال حد الد نى لل صداق ‪ ،‬وأ ما تحد يد ال يد بالكوع في التي مم فإن نا لم نق سه على‬
‫ل في الكف‬
‫تحديدها في القطع بالسرقة بل لن اليد إذا أُطلقت فإنها أظهر استعما ً‬
‫إذ هي حقي قة في ال كف ومجاز في ما وراء ها من ال ساعد والع ضد والل فظ إذا‬
‫احتمل الحقيقة والمجاز عُـدﱠ راجحا في حقيقته لنها هي الصل ولن الشارع‬
‫أمرنا في الوضوء بغسل اليدي إلى المرافق ولم يأمرنا في التيمم بمسحها إلى‬
‫حيـن علّم عمارا التيمم قال له ‪ (( :‬إنما يكفيك هكذا ‪،‬‬ ‫المرافـق ولن النبي‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث عمار بن يا سر وحديث أبي الجه يم ال تي ه ما أ صح الحاد يث الواردة في صفة التيمم‬
‫وكان عمار يف تي ب عد وفاة ال نبي صلى ال عل يه و سلم بالقت صار على م سح الو جه والكف ين و هو من‬
‫علماء الصحابة وأعرف بالمراد مما رواه ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫وضرب بكفيـه الرض ونفـخ فيهمـا ثـم مسـح بهمـا وجهـه وكفيـه )) رواه أحمـد‬
‫والشيخان ‪.‬‬
‫الر كن الثا ني – العلة ‪ :‬و هي مَناط الح كم الذي أضاف الشارع الح كم‬
‫إليه وناطه به والوصف الجامع بين الصل والفرع كالسكار الجامع بين الخمر‬
‫الذي هو الصل وبين النبيذ الذي هو الفرع ‪ ،‬ولها شروط تتوقف حقيقتها على‬
‫وجودها ‪ ،‬ولها مسالك وهي الدلة التي تدل على أن الوصف علة في الحكم ‪.‬‬
‫أما شروطها فنوجزها في ثلث مسائل رئيسية ‪:‬‬
‫المسـألة الولى ‪ :‬يجوز بالتفاق تعليـل الحكـم الوجودي بالوصـف‬
‫الوجودي والحكـم العدمـي بالوصـف العدمـي وذلك كتعليـل وجوب الزكاة بملك‬
‫الن صاب وتعل يل عدم صحة الت صرف بعدم العقل ‪ ،‬وأ ما تعل يل الح كم الوجودي‬
‫بالوصـف العدمـي ففيـه خلف بيـن الصـوليين ومثاله قياس الجمهور الحاضـر‬
‫الصحيح في وجوب التيمم عليه عند فقده الماء على المسافر فاقد الماء ‪ ،‬فيقول‬
‫المخالفون فقدان الماء ليس علة في وجوب التيمم لنه وصف عدمي والوصف‬
‫العدمـي ل يكون علة فـي الحكـم الوجودي فإن العلة لبـد أن تشتمـل فـي نفسـها‬
‫على حكمـة أي على جلب مصـلحة أو على درء مفسـدة والعدم فـي نفسـه ل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫يشتمل على حكمه‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬لم يستند الجمهور إلى القياس وحده في وجوب التي مم على الحا ضر ال صحيح ع ند فق ـده الماء‬
‫بل ا ستدلوا ق بل ذلك بالكتاب وال سنة ‪ :‬ا ستدلوا بقوله تعالى ‪ (( :‬وإن كن تم مر ضى أو على سفر أو جاء‬
‫مرجحين عودة ضمير‬ ‫))‬ ‫أحد منكم من الغائط أو لمستـم النساء فلم تجـدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا‬
‫على أصناف المحدِثين المسافرين والحاضرين ل على المسافرين وحدهم ‪ ،‬واستدلوا‬ ‫))‬ ‫(( فلم تجدوا ماء‬
‫أقبل النبي صلى ال عليه وسلم من نحو بئر‬ ‫((‬ ‫بما رواه أحمد والشيخان عن أبي جهيم النصاري قال ‪:‬‬
‫جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى ال عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫ويديه ثم رد عليه السلم‬

‫‪113‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬يجب أن يكون الوصف المعلّلُ الحكم به ظاهرا غير‬
‫خ في ل نه إذا كان خفيا كان أش به بالمغ يب فل ي صح التعل يل به وبناء القياس‬
‫عل يه ‪ ،‬ومثاله تعل يل الق صاص بالق تل الع مد فيقول المعترض الع مد ق صد نف سي‬
‫و هو خفي فل يصح التعليل به ولكن يصح بدلً منه ما يظن وجوده عنده وإن‬
‫كتعليلنا نقل الملك في ال ِعوَضين بالتراضي‬ ‫))‬ ‫مِظنة‬ ‫((‬ ‫كان بطبعه خفيا ويُسمّى‬
‫فإن‬ ‫))‬ ‫بين المتبايعين وقد قال تعالى ‪ (( :‬إل أن يكون تجار ًة عن تـراض منكم‬
‫الر ضا و صف خ في ل نه من أحوال النفوس فل ي صح اعتباره علة بال ستقلل‬
‫ولكن يعتبر بأمور ظاهرة تدل عليه كاليجاب والقبول فإن قول البائع بع تُ دليل‬
‫على رضاه بخروج ال مبيع من مل كه لقاء دخول الث من في ماله وقول المشتري‬
‫قبل تُ دل يل على رضاه بخروج الث من من ماله لقاء دخول المشترَى في مل كه ‪،‬‬
‫ولما كان المعتبر عندنا وجود ما يدل على الرضا الذي هو المقصود في الصل‬
‫وكان الفعل أيضا يدل على الرضا مثل دللة القول عليه كالمعاطاة التي تحصل‬
‫بين المتبايعين ذهب فقهاؤنا إلى أن البيع ليس من شروطه الصيغة اللفظية خلفا‬
‫للشافع ية الذ ين ل يحكمون بانعقاد الب يع إل بال صيغة اللفظ ية الدالة على اليجاب‬
‫والقبول وأما الحنفية فيفرقون بين الشياء المبيعة فيشترطون في النفيسة الصيغة‬
‫اللفظية ويكتفون في الحقيرة بالمعاطاة وهذا عندهم من الستحسان ‪ ،‬ووجهه أن‬
‫الصيغة أدل على الرضا من المعاطـاة فيحسن أن يعتبـر في الشياء النفيسة‬
‫ما هو أدل عليه صونا للبيع من التعرض لنكار حصول الرضا فيه ‪.‬‬
‫الم سألة الثال ثة ‪ :‬ي جب أن يكون الو صـف منضبطا غ ير مضطرب‬
‫أي أن الشياء التـي تتفاوت فـي نفسـها كالمشقــة تضعـف وتقوى لذلك وجـب‬
‫ضبطهـا ليتأتـى بنــاء الحكـم عليهـا كالسـفـر مثلً فــإن الشارع رخــص‬
‫للم سافر في ق صر ال صلة لمش قة ال سفر ‪ ،‬ول كن المش قة المع تبرة في ال سفـر‬
‫غيـر منضبطة لنهـا تتفـاوت بطول السفـر وقصره وكثـرة الجهد وقلته‬

‫‪114‬‬
‫فل يتأتى بناء الحكم عليها إل إذا ُضبطت ‪ ،‬فعيّن الشـرع ما يضبطها وهو‬
‫السـفر مسـافة يوم وليلة بسـير البـل المحملة وحــددت هذه المسـافة بثمانيـة‬
‫ولذلك لم يحمل على السفر غيره من العمال المتعبة ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ل‬
‫وأربعين مي ً‬
‫وأ ما م سالك العلة و هي الدلة ال تي تدل عل ـى أن الو صف عل ـة في‬
‫الح كم فإن ها ستـة م سالك ‪ :‬ال صراحة واليمان والجماع والمنا سبة والدوران‬
‫والشّبـه ‪.‬‬
‫المسـلك الول ‪ :‬الصـراحة – وهـي أن يرد فـي الوصـف لفـظ التعليـل‬
‫مـا أفاء ال على رسـوله مـن أهـل القرى فلله‬ ‫((‬ ‫صريحا كمـا فـي قوله تعالى ‪:‬‬
‫وللر سول ول ـذي القر بى واليتا مى والم ساكيـن وا بن ال سبيل كي ل يك ـون‬
‫يا معشر الشباب من استطاع منكم‬ ‫((‬ ‫وفي قوله‬ ‫))‬ ‫دُولـةً بين الغنياء منكم‬
‫الباءة فليتزوج فإنه أغضﱡ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫فإنه له وجاء‬
‫المسـلك الثانـي ‪ :‬اليماء – وه ـو أن يذك ـر مع الح كم ما يب عد أن‬
‫إنها ليست بنجـس إنما هي‬ ‫((‬ ‫في الهـرة ‪:‬‬ ‫يكون لغيـر التعليل كقولـه‬
‫فلو لم يكـن التطواف علة لنفـي‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫مـن الطوافيـن عليكـم أو الطوافــات‬
‫النجاســة لــم يكـن لذكــره مـع هذا الحكـم فائــدة لنــه معلوم أنهـا مـن‬
‫الطوافات فكان في ذكره إيماء بأنه علة الحكم ‪.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬تقدر هذه الميال بثمانين كيلو مترا ‪.‬‬
‫رواه أحمـد والشيخــان‬ ‫))‬ ‫يـا معشــر الشباب مـن اسـتطاع منكـم الباءة فليتــزوج‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديـث‬
‫وأصحاب السنن عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫إنها ليست بنجس إنمـا هي من الطوافين عليكم أو‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬قوله صلى ال عليـه وسلم في الهـرة ‪:‬‬
‫رواه مالك وأحمـد وأصحاب السنن عـن كبشة بنت كعب بن مالك عـن حميهـا‬ ‫))‬ ‫الطوافــات‬
‫أبي قتادة ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫إنمــا يريــد‬ ‫((‬ ‫ومنـه قوله تعالى فـي بيان تعليـل تحريــم الخمـر والميسـر ‪:‬‬
‫الشيطان أن يوقع بينكم العـداوة والبغضاء في الخمـر والميسر ويصدكم عن‬
‫وهـو إيماء إلى تعليل يطّـرد في كل مسكر وفي كل‬ ‫))‬ ‫ذكر ال وعن الصلة‬
‫نوع من أنواع الميسر ‪.‬‬
‫عن و صف يعلم ـه ليب ني عل يه جواب ما سئل ع نه‬ ‫وم نه سؤاله‬
‫ولو لم ي كن الو صف للتعل يل لك ـان سؤاله ع نه وه ـو يعل مه خاليا من الفائدة‬
‫أَين قص الرط ـب إذا يب ـس‬ ‫((‬ ‫كقوله ح ين سئل عن اشتراء الت مر بالر طب ‪:‬‬
‫(‪. )1‬‬ ‫))‬ ‫فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬فنهى عن ذلك‬
‫حكما عقـب علمـه بواقعـة حديـث فنعلم أن تلك‬ ‫ومنــه أن يذكـر‬
‫ل أف طر في رمضان‬
‫أن رج ـ ً‬ ‫((‬ ‫الواق عة تتضم ـن على ذلك الح كم ك ما ث بت‬
‫أن يكفّر بعت ـق رقب ـة أو صيـام شهري ـن متتابع ين‬ ‫فأم ـره ر سول ال‬
‫فكأنــه قــال مـن أفطـر فـي رمضان عامدا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫أو إطعام سـتيـن مسـكين‬
‫فليـكفّر بعتـق رقبة أو بصيام شهريـن متتابعيـن أو بإطعام ستين مسكينا ‪.‬‬
‫وعلم نا أن العل ـة في وجوب إحدى ه ـذه الكفارات الثلث ه ـي انته ــاك‬
‫حر مة صوم رمضان بالفطار ف يه عمدا ‪ ،‬وق ـد خ صه الشافعي ـة بالوق ـاع‬
‫الذي جاء صريحـا في الرواي ـات الخرى وقالوا إ نه وحده العلة في وجوب‬
‫الكفارة فل ـم يوجبو ها بالك ـل أو الشرب المتعمّد ‪ ،‬وأ ما الحنف ية فن ــاطوا‬
‫وجوب الكفارة بمعنـى يتضمنه الوقاع وهـو اقتضاء شهـوة يجب المسـاك‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حد يث ع ـدم جواز اشتراء الت مر بالر طب رواه مالك وأحم ـد وأ صحاب ال سنن عن سعد بن‬
‫سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ي سأل عن اشتراء الت مر بالر طب فق ـال‬ ‫((‬ ‫أ بي وقاص قال ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أينقص الرطب إذا يبس فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬فنهى عن ذلك‬
‫‪ -2‬حد يث الر جل الذي أف طر في رمضان رواه مالك عن أ بي هريرة ورواه ع نه أيضا أح مد‬
‫والشيخان وأصحاب السنن وفيه أن الرجل أفطر بمواقعة امرأته ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫عنهــا فــإن الصـيام هــو المسـاك عـن اقتضاء شهوة البطـن والفرج لذلك‬
‫أوجبــوا الكفارة على مـن أكـل أو شرب عامدا فـي رمضان لمــا فيـه مـن‬
‫اقتضاء الشهوة المنا في لل صيام ول ـم يوجبو ها في ما ل تقتض يه الشهوة كابتلع‬
‫حصـاة أو نواة ‪ ،‬وأمـا المالكيـة فلــم يعتـبروا الشهوة مَناطا للحكـم لذلك لــم‬
‫يوجبوا الكفارة على مقت ضى الشهوة ب ـل على انته ــاك حر مة ال صوم بتع مد‬
‫إف ساده بأي مف سد له ول ـو م ما ل يشت هى كابتلع ن ـواة أو ح صاة وهذا م ما‬
‫يسمّى عنـد الصوليين بتنقيـح المناط وهـو أن يحـذف من محل الحكم ما‬
‫ل مدخل له فيه ويبقى ما له فيه مدخل واعتبار ‪.‬‬
‫الم سلك الثالث ‪ :‬الجماع – و هو أن يث بت كون الو صف عل ـة ف ـي‬
‫حكـم الصـل بالجماع كالقرابـة فـي اسـتحقاق الرث ‪ ،‬ومثاله إذا كان للمرأة‬
‫أخوان أحدهمـا شقيــق فإنــه أولى بعقـد نكاحهــا مـن الخ لب لن زيادة‬
‫القرابـة مـن جهـة الم سـبب تقديـم الخ الشقيـق فـي الميراث بالجماع فوجـب‬
‫تقديمه في ولية النكاح بالقياس عليه ‪.‬‬
‫المسـلك الرابـع ‪ :‬المناسـبة – وهـي أن يكون فــي المحكوم عليـه‬
‫و صف ينا سب الح كم كالخ مر مثلً فإن في ها و صفا ينا سب أن تحرم لجله و هو‬
‫السكار المذهـب للعقـل الذي هـو منـاط التكليف وسبب الحصول عــلى‬
‫السـعادتين المعاشيـة والمعاديـة ‪ ،‬والمناسـب هـو مـــا جاء على مقتضـى‬
‫المصـالح بحيـث إذا أضيـف الحكـم إليـه انتظـم كإضافـــة تحريـم الخمـر إلى‬
‫إسكارها المذهب للعقل وهو إما أن يكون قد نص الشرع على اعتباره أو ل ‪.‬‬
‫أما الذي نص الشرع على اعتباره فينقسم إلى مؤثر وملئم ‪.‬‬
‫فالمن ـاسب المؤ ثر ه ـو الذي يكون عي نه مع تبرا في ع ين الحكم كما‬
‫فإن عيـن السـرقة‬ ‫))‬ ‫والسـارق والسـارقة فاقطعوا أيدَيهمـا‬ ‫((‬ ‫فـي قوله تعالى ‪:‬‬
‫معتبر في عين القطع وهو كثير ‪...‬‬

‫‪117‬‬
‫والمنا سب الملئم هـو الذي يكون عينـه معتبــرا فـي جنـس الحكـم أو‬
‫جنسه في عين الحكم أو جنسه في جنس الحكم ‪.‬‬
‫فمثال الول القول بإجبار الث يب ال صغيرة على النكاح لن ال صغر علة‬
‫في إقامة الولية عليها في المال فيكون علـة في إقامة الوليـة عليهــا في‬
‫النكاح أيضا لن عين الصغر معتبر في جنس الولية ‪.‬‬
‫ومثال الثا ني تعل يل فقهائ نا الج مع ب ين ال صلتين في الح ضر بالم طر‬
‫للحرج الذي هو علة في الج مع بينه ما في ال سفر فإن ج نس الحرج مع تبر في‬
‫عين الجمع ‪.‬‬
‫ومثال الثالث تعل يل الق صاص في الطراف بالجنا ية ال تي هي مع تبرة‬
‫في القصاص في النفس فإن جنس الجناية معتبر في جنس القصاص ‪.‬‬
‫وأمـا المناسـب الذي لم ينـص الشارع على اعتباره فيقاس بـه إذا ثبـت‬
‫الح كم على وف قه في صورة من ال صور و هو الم سمّى بالغر يب كقياس فقهائ نا‬
‫المطل قة ثلثا في مرض الموت في ا ستحقاقها الميراث على القا تل في حرما نه‬
‫الميراث بجا مع التو صل إلى الغرض الفا سد بينه ما فينا سب أن يعا مل بنق يض‬
‫قصـده فإن التوصـل إلى الغرض الفاسـد لم ينـص الشارع على اعتباره أصـلً‬
‫ولك نه ر تب الح كم على وفق ـه في صورة القا تل ‪ ،‬أ ما إذا لم يث بت الح كم على‬
‫ويسمّى مرسلً ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وفقـه في صورة من الصور فل يقاس به‬
‫المسلك الخامس ‪ :‬الدوران – وهـو أن يوجــد الحكم عنـد وجود‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬شذ اللخمي من فقهائنا فقاس به وقال يجوز القتراع على إلقاء بعض أهل السفينة المشرفة على‬
‫الغرق للتخفيف من ثقلهم عليها فقد رآه مناسبا لن فيه نجاة بقيتهم ولكن الجمهور ل يقولون بجوازه لن‬
‫الرواح أكرم من أن يقترع عليها وما جرى ليونس عليه السلم فإنه كان خاصا بـه ليريه ربه عـز‬
‫وجل من قدرته وحكمته ما يزيده علما وإنابة وتسليما ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الو صف ويعدم ع ند عد مه فيعل ـم أن ذلك الو صف علة ذلك الح كم ‪ ،‬ومثال ـه‬
‫أن عصير العنب قبل أن يطرأ عليه السكار لم يكن محرﱠما فلمـا حـدث فيه‬
‫السـكار صـار محرما فإذا ذهـب عنـه السـكار ذهـب عنـه التحريـم ولمـا دار‬
‫التحريم مع السكار وجودا وعدما علمنا أن السكار علة التحريم ‪.‬‬
‫ومنه احتجاج فقهائنـا على طهارة عين الكلب والخنزير قياسا علـى‬
‫الشاة بجامـع الحياة بيـن الثلثـة ‪ ،‬ودليلنـا على أن الحياة على الطهارة هـو أن‬
‫الش ـاة إذا ما تت و في بطن ها جني ـن ح يّ صارت نج سة وب قي جنين ها ال حي‬
‫طاهرا ‪ .‬ول ما دارت الطه ـارة مع الحي ـاة وج ـودا وعدم ـا علم نا أن الحياة‬
‫علة الطهارة ‪.‬‬
‫المسـلك السـادس ‪ :‬الشّبَــه ‪ -‬وهـو أن يتردد المسـلك بيـن أصـلين‬
‫مختلف ين في الح كم فيغلّب شب هه بأحدهم ــا على شب هه بال خر كالوضوء مثلً‬
‫فإنه متردد بين التيمم وبين إزالة النجاسة فيشبه التيمم من حيث أن المزال بهما‬
‫و هو الحدث حك مي ويش به إزالة النجا سة في أن المزال به ما ح سي ‪ ،‬فالمالك ية‬
‫والشافع ية يوجبون الني ــة في الوضوء تغليب ـا لشبه ـه بالتيمم ‪ ،‬والحنفي ـة‬
‫ل يوجبون النيـة فيه تغليبا لشبهه بإزالة النجاسة ‪.‬‬
‫وكالعبد فإنه متردد بين الحر والدابة فيشبه الحـر لنه مثله في الدمية‬
‫و في أ صل التكل يف ويش به الدا بة ل نه مثل ها يباع ويشترى وتتف ــاوت قيم ته‬
‫بتفاوت أوصـافه كسـائر الموال ‪ ،‬فالذيـن غلّبوا شبهـه بالحــر أعطوه حـق‬
‫التملك والذين غلّبـوا شبهه بالدابـة لم يعطوه هذا الحق ‪ ،‬وقـد رأى الولون‬
‫شب هه بال حر أقوى من شب هه بالم ــال لن الش به في الدم ية أ صلي والش به‬
‫بالمال عرضـي والصـلي أقوى مـن العرضـي ‪ ،‬ورأى الخرون شبهـه بالمال‬
‫أقوى ليجاب القيمة بقتلـه بالغة ما بلغت على قاتلـه الحر وقالوا لو كان شبهه‬
‫بالحـر أقوى لوجب على قاتلـه القصاص ل القيمة ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الركـن الثالث ‪ :‬الفرع ‪ -‬ويشترط أن ل يكون فيـه نـص يثبـت حكمـه‬
‫لن القياس إنما يصار إليه عند خل ّو الفرع من الحكم الثابت له بالتنصيص وأما‬
‫الستـدلل بالقيـاس في مسألة ثبت حكمها بالنص فإنما هو لقنـاع المخالف‬
‫بصحة الحكم عند طعنه في النـص بما يـراه مضعفا للستدلل بـه ل لن‬
‫القياس هو الدليـل فيها ‪ ،‬وأن تكون العلـة موجـودة فيه لنها هـي الوصف‬
‫الجامع بينه وبين الصل فإذا لـم تكن موجودة فـي الفرع امتنع كونـه فرعا‬
‫لـه ولن المقصود وهو ثبوت مثـل حكم الصل متوقف على ثبوت علته فيه‬
‫ك ما في قي ـاس فقهائ نا عظام المي تة على لحم ها في النجا سة لن الحياة تحل ها‬
‫قال من يُحيي العظـا َم وهي رميم قـل يُحييهــا‬ ‫((‬ ‫بدليل قول ـه تعـالى ‪:‬‬
‫وما تحلـه الحيــاة يحله المـوت ‪.‬‬ ‫))‬ ‫ل مـرة‬
‫الذي أنشأهـا أو َ‬
‫الركـن الرابـع ‪ :‬الحكـم ‪ -‬ويشترط فيـه أن يكون شرعيا لن القياس‬
‫دليـل شرعـي فل يسـتدل بــه إل على حكـم شرعـي وعلى هـــذا فل يجوز‬
‫القياس في إثبات الحكام العقل ية ول في إثبات ال سماء اللغو ية على ال صح ‪،‬‬
‫وأن يكــون معللً لنـه إذا لم يكـن معللً فل يكــون اشتراك بيــن الفــرع‬
‫والصـل لفقدان الوصـف الذي يجمـع بينهمـا لذلك امتنـع القيــاس على مـا لم‬
‫يعق ـل معناه كمع ظم التقدي ـرات والعمال التعبدي ـة لخف ـاء المع نى ال ـذي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫لجله شرع الحكم فيها‬
‫هذا وق ـد يُعترض على القياس بنف ـي الح كم في ال صل ‪ ،‬أو بن في‬
‫وجود الوصف فيه ‪ ،‬أو بنفي كون الوصف علة ‪ ،‬أو بمعارضته بوصف آخر‬
‫في الفرع يقت ضي نق يض ح كم ال صل إلى غ ير ذلك من العتراض ـات ال تي‬
‫يمكن رد القياس بها ‪...‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬راجع الشرط الثالث من شروط الصل ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مثال العتراض بن في الح كم في ال صل احتجاج الشافع ية على غ سل‬
‫الناء سبع مرات من شرب الخنز ير بالقياس على شرب الكلب ‪ ،‬فين في الحنف ية‬
‫الحكم في الصل بتحديد مرات الغسل بالسبع محتجين بإفتاء أبي هريرة بغسل‬
‫وهو الراوي لحديث غسله سبع مرات‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الناء من شرب الكلب ثلث مرات‬
‫لنهم يرجحون العمل بتأويل الراوي ‪ ،‬ولكن الشافعية يرون الحكم بغسله سبع‬
‫إذا شرب الكلب في إناء أحدكم‬ ‫((‬ ‫مرات ثابتا في الصل بالنص وهو قوله‬
‫‪ ،‬وأ ما ن حن المالك ية فإن نا نوا فق الشافع ية على ثبوت‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫فليغ سله سبع مرات‬
‫الحكم في الصل بالنص إل أننا ل نوافقهم على القياس عليه لعتبار آخر وهو‬
‫أن نا نرى المر بغ سل الناء سبع مرات من شرب الكلب تعبديـا فهو من باب‬
‫ال صل المخصوص بالحكم وإن لم ينص الشارع على الخ صوص فيه ولكن لم‬
‫يعقل معناه فتعذر حمل غيره عليه ‪.‬‬
‫ومثال العتراض بنفـي وجود الوصـف فـي الصـل احتجاج الشافعيـة‬
‫على وجوب الترتيـب فـي الوضوء بقولهـم هـو عبادة يبطلهـا الحدث كمـا يبطـل‬
‫ال صلة لذلك فإن الترت يب ف يه وا جب بالقياس على وجو به في ال صلة ‪ ،‬فيقول‬
‫الجمهور مـن فقهائنـا ل نسـلم بوجود الوصـف الــذي هـو إبطال الحدث فـي‬
‫الصـل الذي هوالصـلة لن الحدث عندنـا ل يبطـل الصـلة وإنمـا يبطــل‬
‫الوضوء ‪ ،‬وببطلن الوضوء تب طل ال صلة لن ـه من ش ـروط صحتها فيث بت‬
‫الشافعيـة إبطال الحدث للصلة بقولهم من لم يجـد مـاء ول ترابـا إذا صلى‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬إفتاء أبي هريرة بغسل الناء من ولوغ الكلب ثلث مرات رواه الطحاوي والدارقطني ‪ ،‬ولكن‬
‫ثبت أيضا أ نه أفتى بغ سلـه سبعا كما جاء في الحديث المرفوع و قد رج حت الروا ية المواف قة للحديث‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫نيل الوطار‬ ‫((‬ ‫و‬ ‫))‬ ‫فتح الباري‬ ‫((‬ ‫على الرواية المخالفـة لـه إسنادا ونظرا ‪ -‬انظر‬
‫رواه مالك وأحمد والشيخان عن‬ ‫))‬ ‫إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديث‬
‫أبي هريرة ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫وأحدث في صلته بطلت صلته مع أنه ليس بمتوضئ ‪.‬‬
‫ومثال العتراض بنفــي كون الوصـف علة احتجاج الحنفيـة على أن‬
‫المعتقـة تحت حـ ّر لها الخيار بين البقاء في عصمته وبين مفارقته كالمعتقة‬
‫ت حت ع بد لن ها مل كت نف سها بالع تق ‪ ،‬فين في الجمهور كون ملكه ـا نف سهـا‬
‫بالعتق هو العلة ويقولون إنها ل تملك حق الخيار إل إذا أُعتقت وهي تحت عبد‬
‫وتكون العلة حينئذ عدم الكفاءة لن ها ل ما صارت حرة وزوج ها ع بد ل ـم ي بق‬
‫كفؤا لها فملكت عندئذ حق الخيار ‪ ،‬فيقول الحنفية لقد روينـا عن إبراهيم عن‬
‫أن زوج بريرة كان حرا فل ما أعت قت خير ها ر سول ال‬ ‫((‬ ‫ال سود عن عائ شة‬
‫‪ ،‬فيجيبهـم الجمهور بأن روايتـي القاسـم وعــروة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫فاختارت نفسـها‬
‫أر جح من روا ية ال سود لنه ما اثنان و سمعا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أن زوج ها كان عبدا‬ ‫((‬ ‫عن ها‬
‫منهـا مواجهة دون حجاب مقابل واحد سمع من وراء حجاب وروايته معلولة‬
‫كان زوج‬ ‫((‬ ‫ـن عباس ‪:‬‬
‫ـا قول ابـ‬
‫ـا قال البخاري ‪ ،‬يضاف إليهمـ‬
‫بالنقطاع كمـ‬
‫كما جاء في صحيح البخاري ‪.‬‬ ‫))‬ ‫بريرة عبدا أسود يقال له مغيث‬
‫ومثـــال المعارضـة بوصـف آخـر فـي الفرع يقتضـي نقيـض حكـم‬
‫الصـل احتجاج الشافعيـة على أن المديان تجـب عليـه الزكاة قياسـا على غيـر‬
‫المديان بجامع ملك النصاب ‪ ،‬فيقول فقهاؤنـا وفقهاء الحنفية لقد عارضَنا في‬
‫الفرع معارض وه ـو الدﱠي نْ الم ستهلك للن صاب فاقت ضى نق يض ح كم ال صل‬
‫الذي هـو وجوب الزكاة بسـبب تعلق حقــوق الغرمــاء بالمـــال ‪ ،‬فيجيـب‬
‫الشافعية بأن الدﱠي نْ ل يصلح للمعارضة لنه متعلق بذمـة المديـان ل بعيـن‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حديث السود عن عائشة رواه أحمد وأصحاب السنن ‪.‬‬
‫‪ -2‬روا ية القا سم عن عائ شة لحم ـد وم سلم وأ بي داود والدارقط ني ‪ ،‬وروا ية عروة لحمد وم سلم‬
‫وأبي داود والترمذي ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫المال إذ لـو هلك بسببـه أو بغير سببه لـم يسقـط الدين عنه ‪ ،‬وأما الزكاة‬
‫ف هي متعل قة بع ين الم ــال ل بالذ مة إذ ل ـو هلك المال بغ ير سببه ل سقطت‬
‫الزكاة عنه ‪.‬‬
‫قيـاس العكس‬
‫قياس العكس ه ـو إثبات ع كس ح كم ال صل في الفرع لتعاك سهما في‬
‫حين قيل لـه ‪ :‬أيأتي أحدنـا شهوته ويكون لـه فيها‬ ‫العلة ‪ ،‬ومثاله قوله‬
‫أرأيتم لـو وضعهــا في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلـك إذا‬ ‫((‬ ‫أجـر ؟‬
‫(‪. )1‬‬ ‫))‬ ‫وضعها في الحلل كان له أجر‬
‫فحكم الصل هنـا ثبوت الوزر بوضع الشهوة في الحرام وحكم الفرع‬
‫ثبوت الجـر بوضعهــا فـي الحلل وهمــا متعاكسـان ‪ ،‬وعلة ثبوت الوزر‬
‫وضع ها في الحرام وعلة ثبوت ال جر وضع ها في الحلل وهم ـا متعاك ستان‬
‫وتعاكسـهما هــو الذي اقتضـى تعــاكس الحكميـن لن كلً مــن الحكميـن‬
‫متر تب على علت ـه فل ما عاك ست عل ـة الفرع ال صل ث بت للفرع ع كس ح كم‬
‫الصـل ‪.‬‬
‫الستـدلل‬
‫اعلم أن الستدلل قياس منطقي يستنـد إلى تلزم بين الحكمين أو إلى‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬روى م سلم في صحيحه عن أ بي ذر (( أن نا سا من أ صحاب ال نبي صلى ال عل يه و سلم قالوا‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا رسول ال ذهب أهل الدثور بالجور يصلون كما نصلي ويصومون كما‬
‫نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال ‪ :‬أوَ ليس قد جعل ال لكم ما تصدقون ‪ ،‬إن بكل تسبيحة صدقة‬
‫وكل تكبيرة صدقـة وكل تحميدة صدقـة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر‬
‫صدقـة و في ب ضع أحد كم صدقة قالوا ‪ :‬يا ر سول ال أيأ تي أحد نا شهو ته ويكون له في ها أ جر قال ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له أجر‬

‫‪123‬‬
‫إلى تنافٍ بينهما ‪.‬‬
‫والول ثلثــة أنواع ‪ :‬اســتدلل بالعلة على المعلول ‪ ،‬واســتدلل‬
‫بالمعلول على العلة ‪ ،‬واستدلل بأحد المعلولين على الخر ‪.‬‬
‫والثا ني أيضا ثل ثة أنواع ‪ :‬ا ستدلل بالتن ــافي ب ين الحكم ين وجودا‬
‫وعدما ‪ ،‬واستدلل بالتنـافي بينهما وجودا فقط ‪ ،‬واستدلل بالتنــافي بينهما‬
‫عدمـا فقـط ‪.‬‬
‫ـع‬
‫ـائنا على أن بيـ‬
‫ـتدلل بالعلة على المعلول احتجاج فقهــ‬
‫مثال السـ‬
‫وأحـل ال البيع‬ ‫((‬ ‫الغائب صحيح بأنه حلل لدخولـه في مدلول قوله تعالى ‪:‬‬
‫ولمـا كان حللً كـان صحيحا لن الحل على الصحة ‪.‬‬ ‫))‬ ‫وحرم الربـا‬
‫ومثال السـتدلل بالمعلول على العلــة اسـتدلل فقهــائنا علــى أن‬
‫و ما يجوز‬ ‫(‪)1‬‬ ‫صلة الو تر نافلـة بأ نه يجوز للم سافر أن يؤديها على الراحلة‬
‫أن يؤدى على الراحلة فهـو نافلــة فصـلة الوتــر إذا نافلــة وذلك أن جواز‬
‫أداء الصلة على الراحلة معلول من معلولت النوافل التي يترخص فيهـا بما‬
‫ل يترخص في الفرائض ولذلك ل يصح أداء الفرائض على الراحلة ‪.‬‬
‫ومثال السـتـدلل بأحـد المعلوليـن على الخـر احتجـــاج الشافعيـة‬
‫على وجوب الزكاة على المديان فـي النقديــن بوجوبهـا عليـه فـي الحرث‬
‫والماش ية إذ ه ما معلولن لعل ـة واحدة و هي ملك الن صاب ‪ ،‬واحتجاج فقهائ نا‬
‫على أن المكره على الق تل يق تل بأن المكره على الق تل يحرم علي ـه الق تل ويعدﱡ‬
‫عاصيا بـه إجماعا وأن العصيان بالقتـل ووجوب القصاص به معلولن لعلة‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر قال ‪ (( :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلـم يسبح على‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫الراحلة ِقبَل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه ل يصلي عليها المكتوبة‬

‫واحـدة وهي أهلية القاتل للخطاب ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫ومثـــال السـتدلل بالتنافـي بيـن الحكميـن وجودا وعدما احتجاج‬
‫فقهائ نا على أن المديان ل ت جب عل يه الزكاة ب ـأن أخ ـذ الزكاة وإعط ــاءها‬
‫متنافيان وج ـودا وعدم ـا ‪ ،‬ل نه إ ما أن يعتب ـر غنيا وإ ما أن يع تبر فقي ـرا‬
‫وعلى كل العتب ــارين يتع ين أح ـد الحكم ين ويمت نع ال خر ‪ ،‬فإن اعتب ـر‬
‫غنيا و جب عل يه إعطاء الزكاة وح ـرم عل يه أخذه ـا ‪ ،‬وإن اعتب ـر فقي ـرا‬
‫ج ـاز له أخذهـا وسـقط عنـه إعطاؤهـا ‪ ،‬وإذا ثبـت التنــافي بيــن الحكميـن‬
‫وجودا وعدم ـا و جب بوجود أحدهم ــا ع ـدم ال خر ‪ ،‬ولم ــا ث بت ه نا‬
‫أحدهمـا وهــو جــواز أخــذه للزكاة إجماعا وجـب عــدم الخــر وهــو‬
‫وجوبها عليه ‪.‬‬
‫ومثــال الستدلل بالتنافي بين الحكمين وجودا فقط احتجاج الشافعية‬
‫والحنابلة على عدم نجاسـة المنـي بأن نجاسـته وجواز الصـلة بــه متنافيــان‬
‫ولما كانت الصلة به جائزة فهـو ليس بنجس ‪ ،‬ومستندهم في جواز الصلة‬
‫يسـلت المنـي مـن ثوبـه‬ ‫كــان رسـول ال‬ ‫((‬ ‫بـه حديـث عائشــة قالت ‪:‬‬
‫(‪. )1‬‬ ‫))‬ ‫بعرق ال ْذخِر ثم يصلي فيه ويحته من ثوبـه يابسا ثم يصلي فيه‬

‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬حد يث عائ شة ه ـذا رواه أح مد في م سنده وج ـاء في روايات أخرى لم سلم وأ صحاب ال سنن‬
‫أن ها كا نت تفر كه من ثوب ـه وي صلي ف يه ‪ ،‬ول كن المالك ية رجحوا روا ية الشيخ ين ال تي فيه ـا أنه ـا‬
‫‪ ...‬كنت أغسله من ثوب رسول ال صلى ال‬ ‫((‬ ‫كانت تغسله فقد جـاء في صحيح البخاري أنها قالت ‪:‬‬
‫أن‬ ‫((‬ ‫وجاء في صحيح م سلم عنه ـا‬ ‫))‬ ‫عل يه و سلم فيخرج إلى ال صلة وأثر الغ سل في ثو به بقع الماء‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلـى‬
‫فذهبوا إلى أ نه ن جس وأ نه بالحداث الخار جة من البدن أش به من ـه بالفض ــلت‬ ‫))‬ ‫أ ثر الغ سل ف يه‬
‫الطاهرة لخرو جه من مخرج البول ‪ .‬وأ ما الحنف ية فإن هم اتفقوا مع المالك ية على نجا سته إل أن هم قالوا‬
‫تزول بالفرك إذا كان يابسا جمعا بين رواية الغسل ورواية الفرك ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ومثال الستدلل بالتنـافي بين الحكمين عدما فقط احتجاج فقهائنا على‬
‫طهارة مَيْت ـة الب حر بعدم تحر يم أكل ها فإن الطهارة وحرم ـة ال كل ل يتفقان‬
‫لن كل ما ل يس بطا هر ف هو محرﱠم ال كل و كل ما ل يس بمحرم ال كل فه ـو‬
‫و جب أن تكون‬ ‫(‪)1‬‬ ‫طاه ـر ول ما كا نت ميت ـة الب حر لي ست بمحرم ـة ال كل‬
‫ميتة طاهرة ‪.‬‬

‫*‬

‫ــــــــــــــ‬
‫هـو الطهور ماؤه‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬لقولـه صلى ال عليه وسلم حين سئـل عن التوضؤ من مـاء البحر ‪:‬‬
‫رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة ‪.‬‬ ‫))‬ ‫الحل ميتتـه‬

‫‪126‬‬
127
‫المتضمـن للدليــل‬

‫علم نا أن ال ستدلل على الح كم الشر عي إ ما أن يك ـون بدل يل أ صلي‬


‫مـن الكتاب أو السـنـة أو السـتصحاب أو القياس وقــد تقــدم الكلم عليـه‬
‫والتمث يل ل كل نوع م نه ‪ ،‬وإم ــا أن يكون بمتض من للدلي ـل من إجم ـاع أو‬
‫قـول صحابي أو مصلحة مرسلـة أو استحسان أو عرف أو سدّ للذرائع ‪.‬‬
‫وإنمـا كان الجماع متضمنا للدليـل المعتبــر شرعا لمتناع إجماع‬
‫مجتهدي المة على حكم من غ ير ا ستناد فيه إلى دل يل شر عي وإن خفي علينا‬
‫في بعض ما انعقد إجماعهم عليه ‪.‬‬
‫كذلك ق ـول ال صحابي فإ نه أيضا متض من للدلي ـل لن ال صحابة كل هم‬
‫عدول لثناء ال ورسولـه عليهم فل يُظن بأي منهم القدام على قـول في الدين‬
‫دون استناد إلى دليل شرعي ‪.‬‬
‫ثم المصلحة المرسلة والستحسان والعرف وسـدّ الذرائع فإنها أيضا‬
‫من المدارك الشرعية والصـول الفقهية التي تبنى عليها الحكام في المسائل‬
‫المتصلة بها ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الجمـاع‬
‫في عصر‬ ‫الجماع هو اتفـاق مجتهدي المة بعد وفاة رسول ال‬
‫( طال أو قصر ) على حكم شرعي ‪.‬‬
‫ومن يشاقق الرسول‬ ‫((‬ ‫وهو حجة قطعية وتحرم مخالفته لقوله تعالى ‪:‬‬
‫من بعد ما تبين لـه الهدى ويتب ْع غير سبيل المؤمنين نولـه ما تولى ونصله‬
‫ف من ات بع غ ير سبيل المؤمن ين ان ـدرج في ه ــذا‬ ‫))‬ ‫جه نم و ساءت م صيرا‬
‫الوعيـد الشديـد لن مـــا أجمعوا عليـه مـن قول أو فعــل ل شـك فـي أنــه‬
‫سـبيلهم ول شـك فـي أنـه سـبيل هــدى لنهـم ل يجتمعون على ضللة وكــل‬
‫سبيل غي ـره سبيل ضلل ل يتب عه إل ضال من شق ع ـن جما عة المؤمن ين ‪،‬‬
‫ي ـد ال‬ ‫((‬ ‫وقول ـه ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫إن أم تي ل تجت مع على ضلل ـة‬ ‫((‬ ‫ولقول ـه‬
‫إن ال أجار كم من‬ ‫((‬ ‫وقوله ‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫مع الجما عة و من ش ـذﱠ ش ـذﱠ إلى النار‬
‫ثلث خِلل أن ل يدعـو عليكـم نـبيكم فتهلكوا جميعــا وأن ل يظهـر أهــل‬
‫ولحاديـث أخرى‬ ‫(‪)3‬‬ ‫))‬ ‫الباطـل على أهـل الحـق وأن ل تجتمعوا على ضللة‬
‫متواترة المعنى تتضمن عصمة المــة المحمدية من الضلل ومن الخطأ فيما‬
‫تجت مع عل يه روا ها كب ــار ال صحابة كع مر بن الخطاب وع بد ال بن عم ـر‬
‫وعبد ال بن مسعود وأبي هريـرة وأبي سعيـد الخدري وحذيفـة بن اليمان‪.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه ا بن ما جه عن أ نس بن مالك ورواه عن ـه‬ ‫))‬ ‫إن أم تي ل تجت مع على ضللة‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حد يث‬
‫ب عد كلم طوي ـل ‪ :‬وبالجملة‬ ‫))‬ ‫المقا صـد الح سنة‬ ‫((‬ ‫وقال ال سخاوي في‬ ‫))‬ ‫الفراد‬ ‫((‬ ‫الدارقط ني في‬
‫فهو حديث مشهور المتن ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة ‪.‬‬
‫رواه‬ ‫))‬ ‫ل تجت مع أم تي على ضلل ـة و يد ال مع الجما عة و من شذ شذ إلى النار‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حد يث‬
‫الترمذي عن ابن عباس ‪.‬‬
‫رواه أ بو داود وال طبراني عن أ بي مالك‬ ‫))‬ ‫إن ال أجار كم من ثلث خ ــلل ‪...‬‬ ‫((‬ ‫‪ -3‬حد يث‬
‫الشعــري ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫هذا ويتعلق بالجماع عشر مسائل رئيسية نوجزها فيما يلي ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬كل إجماع ل بـد أن يكون م ستندا إلى دليل شرعي‬
‫من الكتاب أو ال سنة أو القياس كالجم ــاع على تحر يم المي تة وال ـدم ول حم‬
‫حر مت علي كم المي تة والدم ول حم الخنز ير)) والجماع‬ ‫((‬ ‫الخنز ير لقوله تعالى ‪:‬‬
‫إذا رقــد أحدكم‬ ‫((‬ ‫على وجوب قضاء الصلة على النائم والغافـل لقوله‬
‫‪ ،‬والجمــاع على‬ ‫(‪)1‬‬ ‫))‬ ‫عـن الصـلة أو غفــل عنهـا فليصـلها إذا ذكرهـا‬
‫تحر يم ش حم الخنز ير بالقياس على لح مه ‪ ،‬والجم ـاع على تن جس الز يت إذا‬
‫ماتت فيه فأرة بالقياس على السمن المائع ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫الم سألـة الثان ية ‪ :‬الجماع ل يخ تص بال صحابة خلفا للظاهر ية‬
‫وإجماعهم يشمل المجتهدين من التابعين الذين كانوا معهم وقت إجماعهم لنهم‬
‫يعتبرون من عصرهم ‪.‬‬
‫المسألـة الثالثة ‪ :‬إذا أجمع التابعون على أحـد قولين للصحابة اعتبر‬
‫إجماعا لهـم كإجماعهـم على تحريـم بيـع أم الولد ‪ :‬فإن بعـض الصـحابة ومنهـم‬
‫ع مر وعثمان حرموا بيع ها ‪ ،‬وبعضه ـم كأ بي ب كر وعلي وجابر وأ بي سعيد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وابن عباس أجازوه وبه أخذ الظاهرية‬
‫ــــــــــــــ‬
‫رواه مسلـم‬ ‫))‬ ‫إذا رقـد أحدكم عن الصلة أو غفـل عنها فليصلهـا إذا ذكرها‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬حديث‬
‫من نسي صلة أو نـام عنها فكفارتهـا أن يصليهـا‬ ‫((‬ ‫عـن أنس بن مالك ورواه عنه أيضا بلفـظ‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫إذا ذكرهـا‬
‫‪ -2‬وللمشهور عن المام أح مد الذي يرى تع ـذر ض بط اتفاق م ـن بعد هم لكثرت هم وتباع ـد‬
‫مواطنهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬يقول الظاهرية لما انعقـد الجماع على أنها مملوكة قبل الولدة وجب أن تبقى على ذلك بعدها‬
‫إلى أن يدل الدليـل على غيره ‪ ،‬فيردّ عليهـم الجمهور بدعوى مماثلة إذ يقولون لمـا انعقـد الجماع على‬
‫تحريم بيعها وهي حامل وجب استمرار مقتضى هذا الجماع بعد وضعها حملها ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الم سألـة الراب عة ‪ :‬ل بد في الجماع من اتفاق كل مجتهدي الع صر‬
‫فل ينعقــد إذا خالــف بعضهــم ولو كان واحــدا إذا مـا خالف فيـه ممــا‬
‫ول كن يبق ـى ح جة لرجحان ـه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ي سوغ ف يه الجتهاد لعدم ورود نص في ـه‬
‫على ما ذهب إليه المخالف كاحتجاج الجمهور على العول في الفرائـض باتفاق‬
‫ال صحابة مع مخال فة ا بن عباس ‪ ،‬واحتجاج هم على انتقاض الوضوء بالن ـوم‬
‫المستغرق باتفاق الصحابة أيضا مع مخالفة أبي موسى ‪.‬‬
‫المسـألـة الخامسـة ‪ :‬ل يعتـبر فـي الجماع وفاق القدريـة والخوارج‬
‫والرافضـة وسـائر الفرق المنشقـة عـن أهـل السـنة ول يعت ّد بخلف مـن أنكـر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫القياس وتمسك بالظاهر وحده‬
‫المسألـة السادسة ‪ :‬ل إجماع يناقض إجماعـا سابقا لن ذلك يستلزم‬
‫تعارض دليليـن قطعييـن بناء على أن الجماع دليـل قطعـي وتعارض دليليـن‬
‫قطعيين محال ‪.‬‬
‫المسألـة السابعة ‪ :‬يثبت الجماع عندنا برواية الحاد له ‪ ،‬ول يثبت‬
‫بهـا عنــد الكثريـن باعتباره قطعيا وروايـة الحاد ظنيــة ول يصـح عندهـم‬
‫ثبوت القط عي بالظ ني ثم ل يعدو نه في ه ـذه الحال ـة ح جة لعدم ت سليمهـم‬
‫وإن كانوا ل يقطعون ببطلن مذهب المتمسكين به في العمل خاصة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫بثبوته‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬وأما ما ورد فيه نـص كربا الفضل فل يسوغ فيه الجتهاد ولذلك لـم يعتبر القول المنسوب‬
‫إلى ابن عباس بجواز ربـا الفضل مؤثّـرا في إجماع الصحابة للحاديث الصحيحة التي نصـت على‬
‫تحريمـه ‪.‬‬
‫‪ -2‬قال النووي في شرح م سلم ‪ :‬مخال فة داود الظاهري ل تقدح في انعقاد الجماع على المختار‬
‫الذي عليه الكثرون والمحققون ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقـد عــدﱠه البعـض حجـة لثبوتـه بالظـن الكافـي فـي العمـل ومنهـم إمــام الحرميـن والمدي‬
‫والماوردي ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الم سألـة الثام نة ‪ :‬الجماع ال سكوتي ح جة على ال صحيح وإن اختلف‬
‫فـي تسـميته إجماعا دون تقييده بالسـكوتي ‪ ،‬وهـو أن ينطـق بعـض المجتهديـن‬
‫بحكـم ويسـكت الباقون عنـه بعـد علمهـم بـه لن سـكوتهم المجرد عـن أمارة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الستنكار موافقة وإن لم ينطقوا بها‬
‫المسألـة التاسعة ‪ :‬إجماع أهل المدينة حجة عندنا في كل ما اجتمع‬
‫وأمثالهم كنافع مولى ابن عمر ومحمد بن‬ ‫(‪)2‬‬ ‫عليه علماؤها ‪ :‬الفقهاء السبعة‬
‫شه ـاب الزهري وربيع ـة بن ع بد الرح من التي مي وعب يد ال بن ع بد ال بن‬
‫عت بة وأب ـان بن عثمان بن عفان ‪ .‬ويرى مالك و قد تفق ـه بفقهه ـم وجم عه‬
‫وجو بَ أتباعهم فيما اجتمعوا عليه ويرجحه على الحديث إذا عملوا بخلفه لنه‬
‫أخذوه عـن آبائهـم وغيـر آبائهـم مـن‬ ‫كان يرى عملهـم مـن عمـل الرسـول‬
‫أصحابه الذين لزموه إلى أن توفي بينهم فكانوا أبصر وأعلم بما كان عليه آخر‬
‫أمره فعملوا به وأخذه عن هم أبناؤ هم وأحفاد هم الفقهاء ال سبعة وغير هم من كبار‬
‫علماء المدينة وأماثل أهلها فقها وورعا وحرصا على السنة وتوثقـا في الفتيا ‪.‬‬
‫هذا وإجماع أهــل المدينـة نوعان ‪ :‬نوع طريقـــة النقـل المتواتـر‬
‫أو‬ ‫ل كصفـة صلته وحجة‬
‫سواء كان المنقول قولً كالذان والقامة أو فع ً‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ُ -1‬ن سب إلى المام الشاف عي عدم اعتبار الجماع ال سكوتي ح جة لعدم اعتباره إي ـاه إجماعا وق يل‬
‫هو معنـي قول ـه ‪ ( :‬ل ينسـب إلى ساكت قول ) وإذا لم يكـن إجماعا فل يكون ح جة لن قول بعـض‬
‫مجتهدي المة ليس بحجة ‪ ،‬ولكن النووي قال في شرح الوسيط ‪ :‬الصحيح من مذهب الشافعي أنه حجة‬
‫وإجماع ول يناف يه قوله ل ين سب إلى ساكت قول ل نه محم ـول عن ــد المحقق ين على ن في الجماع‬
‫القطعـي فل ينافـي كونـه إجماعا ظنيا ويكون مراده بقوله ل ينسـب إلى سـاكت قول نفـي نسـبة القول‬
‫صريحا ل نفي الموافقة كما يسمى سكوت البكر عند استئذانها إذنا ول يسمى قولً ‪.‬‬
‫‪ -2‬هم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد ال بن‬
‫عمر وخارجة بن زيد بن ثابت النصاري وسليمان بن يسار الهللي وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن‬
‫عوف ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫إقرارا لمـا شاهده مـن أصـحابه أو تركا لمور ظاهرة لم يدخلهـا فـي حكــم‬
‫أشبه ها كترك ـه أ خذ الزكاة عن البقول مع كثرت ها في ب ساتين المدي نة ‪ ،‬ونوع‬
‫طريقة الجتهاد سواء كان فتاوى أم أقضية ‪.‬‬
‫أما النوع الذي طريقه النقل المتواتر فهو عندنـا حجة موجبـة للعلم‬
‫القطعي وملزمة لل خذ بـه ولترك ما خالفه من خبر أو قياس ل يح صل بهما‬
‫سوى الظن ‪.‬‬
‫وأ ما النوع الثا ني الذي طري قه الجتهاد فإن ب عض فقهائ نا ومن هم أك ثر‬
‫علماء المغرب يع تبرونه حجـة ويعزونـه إلى المام لتمسـكه به وتصـريحه فـي‬
‫ر سالته إلى الل يث بن سعد بوجوب اتباع أ هل المدي نة والتحذ ير من مخالفت هم‬
‫ولكنهم ل يرفعون حجيته إلى مستوى حجية النوع الول الموجبة للعلم القطعي‬
‫والتـي تُضعّف بهـا الخبار المعارضـة ويردﱡ العمـل بهـا مـع ثبوت صـحتها ‪،‬‬
‫وبعضهم ل يعتبرونه حجة ولكن يرجحونه على اجتهاد فقهاء المصارالخرى‪.‬‬
‫المسألة العاشرة ‪ :‬جاحد المجمع عليــه المعلوم من الدين بالضرورة‬
‫كوجوب ال صلة وال صيام وحر مة الزن ـا ول حم الخنز ير كا فر قطعا لن جحده‬
‫وكذا جا حد المشهور المن صوص علي ــه ك حل‬ ‫ي ستلزم تكذ يب ر سول ال‬
‫البيع وحرمة الربا على الصح ‪.‬‬
‫قول الصحابي‬
‫كان المام مالك يأخـذ بفتاوى الصـحابة ويرى الخـذ بهـا واجبــا‬
‫ومصدرا من مصادر الفقه ‪ ،‬لذلك دوﱠن‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ويعتبرها شعبة من شعب السّنـة‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬قال ابن القيم في أعلم الموقعين ‪ :‬فتلك الفتوى التي يفتي بها أحدهم ل تخرج عن ستة أوجه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يكون سمعها من النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون سمعها ممن سمعها منه صلى ال عليه وسلم ‪= .‬‬

‫‪133‬‬
‫كثيرا منهـا إلى جانـب الحاديـث النبويـة وتلقاهــا أصـحابه‬ ‫))‬ ‫موطئه‬ ‫((‬ ‫فـي‬
‫بالقب ـول واحتج ـوا ب ها كاحتجاج هم على وجوب كفارة واحدة على م ـن كان‬
‫له عـدة زوجات فظاهـر منهن معـا بظهار واحد بقـول عمر بن الخطـاب‬
‫(‪، )1‬‬ ‫))‬ ‫إذا كان ت حت الر جل أر بع ن سوة فظاه ـر من هن تجز يه كفارة واحدة‬ ‫((‬

‫وذهب أبو حنيفـة إلى أن قـول الصحابي إذا خالـف القيـاس كان حجة لنه‬
‫ل مدخـل للرأي فيـه فل يكون إل بتوقيـف وإذا وافــق القياس لم يكـن حجـة‬
‫لحتمال الرأي فيه ‪.‬‬
‫أكثر ما يبقى الولـد في بطن‬ ‫((‬ ‫فمثال ما خالـف القياس قول عائشة‬
‫فإن هذا التحديـد ل يُهدى إليــه بقياس ‪ ،‬ومثـــال مـا وافـق‬ ‫))‬ ‫أمـه سـنتان‬
‫فإن هـذا يؤخـذ من القياس ‪.‬‬ ‫))‬ ‫الخوان ليس إخوة‬ ‫((‬ ‫القياس قول ابن عباس‬
‫المصلحة المرسلة‬
‫لمـا كان المراد مـن الشريعـة صـلح العباد وقيام مصـالحهم الدينيـة‬
‫ــــــــــــــ‬
‫= الثالث ‪ :‬أن يكون فهمها من آيـة من كتاب ال فهما خفي علينا ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم ولم ينقل إلينا إل قول المفتي بها وحده ‪.‬‬
‫الخا مس‪ :‬أن يكون لكمال عل مه بالل غة ودللة الل فظ على الو جه الذي انفرد به ع نا أو لقرائن حال ية‬
‫اقترنـت بالخطاب أو لمجموع أمور فهمهـا على طول الزمان مـن رؤيـة النـبي صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫ومشاهدة أفعاله وسـيرته وسـماع كلمـه والعلم بمقاصـده وشهود نزول الوحـي ومشاهدة تأويله بالفعـل‬
‫يكون له من الفهم ما ل نفهمه نحن وعلى هذه التقارير الخمسة تكون فتواه حجة علينا ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬أن يكون فهـم ما لم يرده النبي صلى ال عليه وسلم وأخطأ في فهمه وعلى هذا التقدير‬
‫ل يكون قوله حجة ‪ ،‬ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد‬
‫معين ولذلك يفيد ظنا غالبا قويا وليس المطلوب إل الظن الغالب والعمل به متعين ‪.‬‬
‫‪ -1‬رواه الدارقط ني وروى مالك عن هشام بن عروة عن أب يه أ نه قال في ر جل تظا هر من أر بع‬
‫ن سوة له بكلم ـة واحدة ( ل يس عل يه إل كفارة واحدة ) وروى مثله عن ربي عة بن ع بد الرح من وقال ‪:‬‬
‫وعلى ذلك المر عندنا ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫والدنيو ية على الو جه الذي شر عه ال ل هم من الوا جب في ما لم يرد ف يه نص أو‬
‫أصـل يقاس عليـه ملحظــة مقاصـد الشريعـــة ومراعاة مصـالح الفراد‬
‫والجماعات بالمحافظة على حقوقهم ودفع الضرر عنهم ‪.‬‬
‫وقـد بُدئ بالمصـلحة منــذ عهـد الصـحابة رضوان ال عليهـم فإنهـم‬
‫أحدثوا أمورا لم يتقدم لهـا شاهـد بالعتبار ول بعدمـه ‪ ،‬منهـا تدويــن عمـر‬
‫الدّواو ين و سك النقود واتخ ـاذ ال سجون ‪ ،‬وكتاب ـة عثمان الم صاحف وهد مه‬
‫الوقاف التـي كانـت بإزاء المسـجد وتوسـعته بهـا وزيادتـه الذان الول على‬
‫الزوراء يوم الجمعة حين كثر الناس واتسعت المدينة ‪.‬‬
‫ولمـا كانت المصالح الواجب مراعاتها في استنباط الحكام ل تعرف‬
‫إل بتعريـف الشــرع لهـا ول تقدر إل بميزانــه قسـمت مـن هذه الوجهـة إلى‬
‫ثلثـة أقسـام ‪ :‬مصـالح معتـبرة مـن الشارع قـد عُرف اعتباره لهـا بالقيــاس‬
‫المع تبر شرع ـا ‪ ،‬وم صالح غ ير مع تبرة من الشارع قد عُرف ع ـدم اعتباره‬
‫ل ها كالم نع من غرس ش جر الع نب لئل يع صر خمرا ‪ ،‬وم صالح لم يرد له ـا‬
‫في الشرع اعتبار ول عدمـه بل تركت مرسلة أي مطلقة دون شهادة لها بشيء‬
‫وهذه هــي التـي سـُميت بالمصـالح المرسـلة وتكثــر فـي المعاملت وسـياسة‬
‫الرعية وتُعـدﱡ عندنا من مدارك الشريعة وأصولها التي تبنى عليها الحكام كما‬
‫تبنى على القياس ولكن بشروط ثلثة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن تكون ملئ مة لمقا صـد الشرع الضرور ية لقي ـام م صالح‬
‫العباد ‪ ،‬تلك المقا صد ال تي إذا أُهملت لم ت سِر حيات هم في دنيا هم على ا ستقامـة‬
‫حفـظ الديــن‬ ‫(‬ ‫ونظام وإنصـاف بـل على عوج واضطراب وعدوان وهــي‬
‫ل من أصول الشريعة‬
‫والنفس والعقـل والنسل والمال ) وذلك بأن ل تنافي أص ً‬
‫ول دليلً من أدلتها القطعية ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن تكون معقولة في ذاتها أي جارية على الوصاف المناسبة‬

‫‪135‬‬
‫المعقولة التي إذا عُرضت على العقول تلقتها بالقبول ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يكون في الخ ـذ ب ها ح فظ أ مر ضروري أو د فع ضرر‬
‫بيّن أو رفع حرج شاق ‪.‬‬
‫وذلك كجواز بيعـة المفضول مـع وجود الفاضـل الولى بالخلفـة درءا‬
‫للفتنة والفساد واضطراب الحوال ‪ ،‬وتوظيف المام على الغنيــاء ما يكفي‬
‫لحاجة الجند وسـدّ الثغور وإقامة السبل والمرافق العــامة إذا لـم يكن في‬
‫بيت المـال ما يكفـي لذلك ‪ ،‬وجواز قتل الجماعـة بالواحد إذا اشتركوا في‬
‫قتله ولم يتبيـن من حصل الموت من فعلـه لن القتيل معصوم الـدم وإهدار‬
‫دم ـه يح مل على خرم أ صل الق صاص وعلى اتخاذ ال ستعانــة ذري عة للق تل‬
‫إذا عُلم ع ـدم الق صاص ف يه ‪ ،‬وجواز بت ـر ع ضو من مر يض يتو قف على‬
‫بتره شف ـاؤه وح فظ حيا ته لن من م صلحته تح مل أل ـم بت ـره وضرر فقدا نه‬
‫في سبيل شفائه وح فظ حيات ـه ‪ ،‬وهكذا سائـر الجراحات ال تي يتو قف علي ها‬
‫شفاء المرضى ‪ ،‬ومثلها كل حالـة تنحصر بين ضرريـن متفاوتين فإن من‬
‫المصلحة إتيان الخف منهما درءا للشد ‪.‬‬
‫الستحسـان‬
‫(‪)1‬‬ ‫ال ستحسان مدرك من مدارك الشري عة في مذهب نا ق ـال به إمام نا‬
‫في عدة م سائل خرﱠج علي ها فقهاؤن ـا كثيرا من النظائر والشي ــاء ‪ ،‬و هو‬
‫الترخص في مخالفة مقتضى الدليل لمعارضة دليل آخر له في بعض مقتضياته‬
‫من مراعاة لمقتضى الضرورة وجلب التيسيـر ورفع الحرج ودفع الضرر إلى‬
‫غيـر ذلك من السبـاب المعتبرة شرعـا كالترخيص لقاضي بلـدة ليس فيها‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪-1‬وقال به أيضا المام أبو حنيفة ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫من تنط بق عل يه شروط الع ـدالة في قبول شهادة أقرب هم إلى الخ ير وال صدق‬
‫حتـى ل تتعطـل مصـالحهم ‪ ،‬والترخيـص فـي الطلع على العــورات عنــد‬
‫الضرورة للمداواة والتمريض ‪ ،‬وتضمين أصحاب الطواحين وحاملي الطعمة‬
‫مـا يهلك عندهـم إذا لم يقيموا البينـة على هلكــه مـن غيـر سـبـب منهـم ‪،‬‬
‫مـا يدﱠعون هلكــه وذلك منعــا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وتضميـن الصـناع المنتصـبين للنــاس‬
‫للتهاون في حفظ أمـوال الناس مع أن الصل عدم التضمين في غير التعمد ‪،‬‬
‫وعدم إلزام الزوجـة الشريفـة بالرضاع إذا كان يلحقهـــا بـه تعييــر أو‬
‫والوالدات يرضعـن أولدهـن )) ‪،‬‬ ‫((‬ ‫انتقاص اسـتثنا ًء مـن قوله تعـــالى ‪:‬‬
‫والمطل قة يرت فع حيض ها بل سبب يكفيه ـا انتظار ت سعة أشه ـر ( مدة الح مل‬
‫غالبا ) وثلثة أشهر ( عِدﱠة ) ثم تتـزوج مع أنها ليست من ذوات الشهر لنها‬
‫لو بقيت دون زواج منتظرة معــاودة الحيض أو بلـوغ سن اليأس لتضررت‬
‫وتعرضت للزلل ولن المقصود من العدة وهو تحقيق البراءة من الحمل يتحقق‬
‫بانقضاء المدة الغالبة له فتتحول إلى العتداد بالشهر ‪.‬‬
‫هذا ولم يقل بعض علمائنا بالستحسان وردوا هـذه المسائل وأشباهها‬
‫إلى القياس أو المصلحة أو العرف ‪.‬‬
‫العــرف‬
‫العرف هو ما اعتاده فر يق من الناس في أقوال هم وأفعال هم ومجاري‬
‫ل مـن‬
‫إذا لم يخالف نصـا قطعيا ونعتـبره أصـ ً‬ ‫(‪)2‬‬ ‫حياتهـم ‪ .‬ونحـن نأخـذ بـه‬
‫الصول الفقهيـة المعينة على تعيين الحكام الشرعية المطلوبـة للوقائـع التي‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ال صناع من هؤلء يعرف بالمشترك ‪ .‬والذي ل ينت صب للناس يعرف بالخاص و هو غ ير‬
‫ضامن وعند غيرنا الصانع الخاص هو الذي يعمل في منزل المستأجر له ‪.‬‬
‫‪ -2‬والحنفية أيضا يأخذون بـه ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫تتصـل بهـا أو تجرى بحسـبه ‪ .‬وهـو عندنـا يخصـص العام ويقيـــد المطلق‬
‫ويفسـر اللفاظ فـي العقود واليمـــان وكنايات الطلق وسـائر اللفـــاظ‬
‫المتعارف على مفاهيمهـــا ‪ ،‬وهــو تابـع للتبــدل وبحسـب تبدله يكــون‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الفتاء والقضاء‬
‫سـ ّد الذرائـع‬
‫الذرائع هي الو سائل المؤدي ـة إلى م صالح أو مفا سد ‪ ،‬وحكم ها كح كم‬
‫ما تؤدي إليه من حلل أو حرام أو غيرهما ‪ ،‬والصل في اعتبارها هـو النظر‬
‫في نتائج الفعـال وما تؤدي إليه ل في نية فاعلها وإن كان للنية اعتبارها عند‬
‫ال الذي له وحده حق محاسبته عليها ‪.‬‬
‫والمراد بسـدّ الذرائع منع الوسائل المؤدية إلى مفاسد وتنقسم إلى ثلثة‬
‫أقسام رئيسية ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ما يكون أداؤه إلى المفسدة يقينيا كحفر بئر غيـر مسوﱠرة في‬
‫ل ‪ ،‬وكالخلوة بشابة أجنبية ‪ ،‬ومصاحبة أهـل الدعارة‬
‫مكان يمر م نه الناس لي ً‬
‫والفجور ‪ ،‬وهذا حرام يجب منعه لدائه القطعي إلى المفسدة ‪.‬‬
‫الثا ني ‪ :‬ما يكون أداؤه إلى المف سدة راجحا كح فر بئ ـر غ ير م سوﱠرة‬
‫ل وكـبيع العنـب لخمار وكشـف الشابـة الجميلة‬
‫فـي مكان ل يمـر منـه الناس لي ً‬
‫وجههـا للجانـب ‪ ،‬وهــذا شبيــه بالحرام يجــب منعـه لرجحان أدائه إلى‬
‫المفسـدة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ما يكون أداؤه إلى المفسدة نادرا كحفر بئر في مكـان غيـر‬
‫مطـروق وكبيع مبيـد للحشـرات قاتـل للنسان وكشـف المرأة المسنة أو‬
‫ــــــــــــــ‬
‫للقرافي ‪.‬‬ ‫))‬ ‫الفروق‬ ‫((‬ ‫‪ -1‬انظر‬

‫‪138‬‬
‫الدميمـة وجههـا للجانـب ‪ ،‬وهذا مباح لندرة أدائه إلى الضــرر مـع قيام‬
‫المصلحة وأصل الذن ‪.‬‬
‫وأما الذرائـع المؤدية إلى مصالح فل يجوز سدﱡها ول سيما إذا كانت‬
‫الم صالح متوق فة علي ها وتكون حينئذ واج بة أو مندو بة أو مبا حة بح سب ح كم‬
‫المصلحة نفسها كالسعي لصلة الجمعـة والسفر للستزادة من العلم والتنقل بين‬
‫البلدان للتعرف عليها ‪.‬‬
‫هذا والذرائع أ صل من ال صول الفقه ية عند نا والخ ـذ ب ها ثا بت في‬
‫المذاهـب الربعـة وإن لم ي صرح بــه فـي بعضهـا ‪ ،‬وقــد اعتمـد عليـه مالك‬
‫وأحمد أكثر من الشافعي وأبي حنيفـة اللذين لم يعتبـراه أصلً قائمـا بذاتـه‬
‫بل مندرجا في الصول الخرى المقررة عندهما ‪.‬‬

‫*‬

‫‪139‬‬
‫الجتهــــاد‬

‫الجته ـــاد هو بذل الفق يه ما في و سعه من ج هد ل ستنباط الحكام‬


‫الشرعيـة مـن مداركهـا الفقهيـة ‪ .‬وهـو مقصـور على اسـتنبـاط الحكام ذات‬
‫الدل ـة الظني ـة لن الحكام الثابت ـة بأدل ـة قطع ية ل تد خل في دائرت ـه إل‬
‫ما كان من متعلقه ـا و هو المحكوم عل يه أي المكلف والمحكوم ف يه أي الف عل‬
‫وما له من صفات وشروط وقيود وغيرها ‪...‬‬
‫ول يعدﱡ الفقيه مجتهدا إل إذا كان جامعا لشروط الجتهـاد من معرفة‬
‫بالل غة العرب ية وبلغت ها وبأ صول الفق ـه ومدارك الحكام ومتعلق ها من كتاب‬
‫وسنة وإجماع وأسباب نـزول وورود وناسخ ومنسوخ ونص ومجمـل وظاهر‬
‫ومؤول وعام وخاص وسـائر أوجــه الــدللت حتـى اكتســب بذلك قــدرة‬
‫على ف هم الن صوص الشرع ية ومرامي ها كمالك والشاف عي وأ بي حنيف ـة وأح مد‬
‫والل يث بن سعد و سفيان الثوري وع بد الرح من الوزا عي ومح مد بن جري ـر‬
‫الطبري ‪ ...‬فكل من هؤلء الفقهـاء الئمة مجتهد مطلق لـه أصوله وقواعده‬
‫ونهجه في الستدلل واستنباط الحكام ‪.‬‬
‫ويأتي بعد المجتهد المطلق مجتهد المذهب وهـو الفقيه المتضلع القادر‬
‫على الستدلل واستنباط الحكام من مداركها على نهج إمامه وأصوله وأقواله‬
‫في المسائل دون أن يلتزم موافقته في كل اجتهاداته ‪ ،‬فقـد يخالفه في بعضها‬
‫لظه ـور ما يو جب عل يه ذلك من دل يل وجده أ صح أو فه مه ل ـه رآه أ صوب‬
‫كع بد الرح من بن الق ـاسم وع بد ال بن و هب وأش هب بن ع بد العزي ـز في‬
‫مذ هب مالك ‪ ،‬والرب يع بن سليمان المرادي وإ سمـاعيل بن يح يي المزن ـي‬

‫‪140‬‬
‫ويو سف بن يح يي البوي طي في مذه ـب الشاف عي ‪ ،‬وأ بي يو سف بن إبراه يم‬
‫النصاري ومحمد بن الحسن الشيباني وزفـر بن الهذيل الكوفي في مذهـب‬
‫أبي حنيفة ‪ ،‬وأبي بكر الثرم وإسحاق بن راهويه المروزي وأحمـد بن محمد‬
‫ابن الحجاج المروزي في مذهب أحمد ‪.‬‬
‫ويأتي بعد مجتهد المذهب مجتهد الترجيح وهوالفقيه المتبحر في مذهب‬
‫إما مه أ صولً وفروع ــا ‪ ،‬المتم كن من ترج يح قول على آ خر وتمي يز أ صح‬
‫القوال من غير ها بال ستنـاد إلى الدلة ومرجحات ها وأ صول المام وم سائله‬
‫وما روي عنه وعن أصحابـه وما دُوﱢن من فتـاويهم ولرائهـم الفقهيـة ‪.‬‬
‫وه ـذا النوع من الجتهاد ق ـد يتجزأ فيُع نى ب عض الفقه ـاء بالتخ صص في‬
‫بعـض أبواب الفقـه كالعبـــادات أو المواريـث والوصـايا أو النكاح والطلق‬
‫والتزاماته ما ‪ ،‬أو البيوع والعقود في الرجوع إلى مداركه ـا وا ستقراء م سائلها‬
‫وأدلتها وعلل أحكامها إلى أن يبلغوا فيها مرتبة الترجيح ‪.‬‬
‫ويلي هذه الطبقة فقهـاء مقلدون اقتصروا على دراسة ما تيسر لهم من‬
‫مؤلف ـات مَن قبله ـم فحفظ ـوه ك ما ه ـو وعلّموه لغيره ـم ك ما تعلموه دون‬
‫أن يكون لهـم أثــر فيـه غيـر التلخيـص والشرح والتعليـق والشارة إلى مــا‬
‫اختُـلف فيـه من الفـروع وما استقـر المذهـب عليه ‪ ،‬وهؤلء فريقـان ‪:‬‬

‫فريـق أخذوا مـع القــوال مسـتنداتها ووجوههـا ومـع الحكام أدلتهـا‬


‫وعلل ها ول كن دون أن تكون له ـم آراء ذاتي ـة في تلك الق ـوال أو موازن ـة‬
‫بيـن الدلة ترفعهـم إلى مرتبـة المرجحيـن فبقوا مقلديـن ولكـن عــلى بصـيرة‬
‫لطلعهم على أصـول إمامهم ومـدارك فقهه والدلـة التي استنـد إليهـا‬
‫في ا ستنباطاتـه والم سائل ال تي رو يت ع نه و عن أ صحابه و ما خر ﱠ جه كبار‬
‫الفقهاء عليه ــا من الفروع في كل باب من أبواب الفق ـه وف صوله وتحق يق‬

‫‪141‬‬
‫المرجحين فيما اختلفوا فيه منها ‪ ،‬وهؤلء أحرياء لن يعتبروا فقهــاء متبعين‬
‫ل علماء مقلدين ‪.‬‬
‫وفريق أخذوا القـوال مجردة عن مستنداتهــا والحكام عارية عن‬
‫أدلتهـا واكتفوا بمعرفـة الفروع الفقهيـة المبوبــة والفتــاوي المدونــة دون‬
‫الرجوع إلى أ صولهـا وشواهده ـا ‪ ،‬وهؤلء أكث ـر عددا ولكن هم أد نى مرت بة‬
‫من الفريق الول وأشدﱡ منهم تقيـدا بالتقليد وتعصبا لـه لقصْـر علمهم عليه ‪،‬‬
‫وح صر أنف سهم في فل كه ‪ ،‬ل ي ستشفون م ـا وراءه من أضواء شموس الدلة‬
‫ال تي تك شف عن مدارك الحكام ومناطات ها وتن ير سبيــل الو صول إلى الف قه‬
‫المثل بالعلم الكمل ‪.‬‬
‫والئمـة المجتهدون كلهم على هدى من ربهم لنهم بذلوا في اجتهادهم‬
‫أق صى ما في و سعهم من ج هد على ما عُ ـرف عن هم ودلت عل يه آثاره ـم ‪،‬‬
‫وكانوا حائزيـن على شروط الجتهاد مطلعيــن على مدارك الشريعـة وأدلتهـا‬
‫ومقاصدها ‪ ،‬مع ما أوتوا من بصيرة نافــذة ورأي فقهي مسدﱠد في استنباط‬
‫الحكام وتعليلهــا وحرص شديد على ارتيــاد الحق وتحري الصواب ‪.‬‬
‫ح إل يه وأذن به العلماء‬
‫في ما لم يو َ‬ ‫ه ـذا وق ـد اجته ـد ر سول ال‬
‫كيـف‬ ‫((‬ ‫مـن أصحابه كمعـاذ بن جبل حين أرسلـه إلى اليمن وقـال لـه ‪:‬‬

‫تقضي إذا عـرض لك قضاء ؟ قـال ‪ :‬أقضي بما فـي كتاب ال ‪ .‬قال ‪ :‬فإن‬
‫قـال ‪ :‬فـإن لم يكن‬ ‫لـم يكن في كتاب ال ؟ قال ‪ :‬فبسنـة رسول ال‬
‫بيده في صدره‬ ‫في سنة رسول ال ؟ قال ‪ :‬أجتهد رأيي ول آلو ‪ .‬فضرب‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫ل ال‬
‫ل ال لمـا يرضــاه رسـو ُ‬
‫وقال ‪ :‬الحمـد ل الذي وفـق رسـولَ رسـو ِ‬
‫وإقراره اجتهاد عمرو بن العاص في ال صلة بأ صحابـه بالتي مم وه ـو ج نب‬
‫‪ ،‬وإقراره اجتهـــاد‬ ‫(‪)1‬‬ ‫إشفاقا على نفسـه مـن الهلك بالبــرد إن اغتسـل‬

‫‪142‬‬
‫أ صحابه الذ ين صلوا الع صر ق بل و صولهم إلى ب ني قريظ ـة تخوفا من فوات‬
‫وقتهـا ‪ ،‬واجتهاد الذيـن لم يصـلّوهـا إل عنــد وصـولهم كمـا أمرهـم فلم يلُم‬
‫هؤلء ول هؤلء ‪.‬‬
‫واجتهـد عمر بن الخطـاب وأمر شُريحا بالجتهاد حين ولﱠه قضاء‬
‫الكوفة فكتب إليه ‪ :‬إذا أتـاك أمـر فاقـضِ بما فيه في كتاب ال فإن أتـاك‬
‫ما ل يس في كتاب ال فاق ضِ بما سنﱠ في ــه ر سول ال فإن أتاك ما ل يس في‬
‫كتاب ال ولم يسنّ رسول ال فاق ضِ بما أجمع عليه الناس فـإن أتـاك ما ليس‬
‫ول ـم يتكلم في ـه أ حد فأيﱠ المر ين‬ ‫في كتاب ال ولم ي سّن ف يه ر سول ال‬
‫شئت فخ ـذ ب ـه ‪ .‬وك تب إلى أ بي مو سى الشعري يق ـول ل ـه ‪ :‬إن القضاء‬
‫فريضة مُحْكمة وسُنّة متبعة ‪ ...‬الفهم الفهـم فيما تلجلج في صـدرك مما ليس‬
‫ثم اعرف الشبـاه والمثال وقـس المور‬ ‫في كتاب ال ول سنة رسولـه‬
‫عند ذلك بنظائرها واعمد إلى أقربها إلى ال وأشبهها بالحق ‪...‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬روى أحمد وأبو داود وابن حبان والدارقطني والبخاري تعليقا عـن عمرو بن العاص قـال ‪:‬‬
‫(( احتل مت في ليلة باردة شديدة البرد في غزوة ذات ال سلسل فأشف قت إن اغت سلت أن أهلك فتيم مت ثم‬
‫صليت بأصحابي صلة الصبح فلمـا قدمنا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال ‪:‬‬
‫يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فقلت ذكرت قول ال تعالى ‪ :‬ول تقتلوا أنفسكم إن ال كان بكم‬
‫رحيما ‪ ،‬فتيممت ثم صليت ‪ ،‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يقل شيئا )) ‪.‬‬

‫واجتهد غير عمر ومعاذ وأبي موسى كثير من علماء الصحابة كعثمان‬
‫وعلي وابن مسعـود وابن عباس وزيـد بن ثابـت إل أن عمر كان أرسخهم‬
‫ف يه قدما ل ما أو تي من عم ـق في الن ظر و سـداد في الرأي وجرأة في قول‬
‫الحق لـم يُعرف مثلها لغيره من الصحاب حتى لقد كانت بعض آرائه في عهد‬
‫ين ـزل القرآن ب ها ‪ ،‬ولم ي كن يقت صر في اجتهاده ع ـلى ظوا هر‬ ‫الر سول‬
‫النصوص بل كان ينظر أيضا إلى روحها ومعانيها الخفية وإلى مقاصد الشريعة‬

‫‪143‬‬
‫في حفظها لمصالح المة وتنظيم شؤونها ‪ :‬فقد أفتى بأن المطلقة إذا كانت من‬
‫ذات القراء وارتفع حيضها لغير سبب من حمل أو رضاع أو مرض تنتظـر‬
‫تسعة أشهر ( مدة الحمل غالبا ) وثلثة أشهر ( عدة ) ثم لها أن تتزوج مع أنها‬
‫لي ست من ذوات الش هر ناظرا إلى المق صود من العدة و هو تحق يق البراءة من‬
‫الحمل ‪ ،‬وإلى مصلحة المطلقـة بإبعادها عن الضرر وخطـر الزلل إذا بقيت‬
‫‪ ،‬وأشرك الخوة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ـض أو بلوغ سـنّ اليأس‬
‫دون زواج منتظرة معاودة الحيـ‬
‫الشقاء مـع الخوة لم إذا لم يبـق للشقاء شيـء بعـد أخـذ ذوي الفروض‬
‫فروضهم لنه رأى الجميع يدلـون إلى مورثهم بأمهم ولن في حرمان القوى‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫إدلء إليـه باسـتئثار الضعـف إدلء بمـا فرض له ضررا على القوى‬
‫وو قف أرا ضي العراق والشام وم صر ال تي فت حت عنوة على جم يع الم سلمين‬
‫لي صرف خراج ها في م صالحهم في توف ير ال سلحة والرزاق للمجاهد ين وبناء‬
‫الجسـور والمسـاجد وغيرهـا مـن المرافـق العامـة ‪ ،‬وذلك حيـن رأى الدولة‬
‫السلميـة ومدنها وتخومها قــد اتسعت بالفتـوح وعظمت نفقاتها ووافقـه‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬وروي أيضا عن ابن عباس وأخذ به مالك ‪.‬‬
‫‪ -2‬ووافقـه على اجتهـاده في هـذه المسألة من الصحاب زيد وعثمان وأخذ به من الئمة مالك‬
‫والشافعي ‪.‬‬

‫شيــوخ المهـــاجرين والنصـار على اجتهاده هـــذا بعـد أن أقنعهــم‬


‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بصوابه‬
‫هذا وأن اختلف المجتهد ين رح مة من ال بعبادة إذ أراد به ـم الي سر‬
‫ولم يرد ب هم الع سر ولم يج عل علي هم في الد ين من حرج وإن كان الم صيـب‬
‫في ما اختلفوا ف يه واحدا من هم والخرون مخطئون غي ـر آثم ين بل مأج ـورون‬
‫لنهم بذلـوا ما في وسعهم من جهــد لتحصيل الحكم الشبـه بالحق فـي‬

‫‪144‬‬
‫كل م سألـة ل يس فيه ـا نص قطع ـي يعيّن حكم ها بدل يل قط عي ‪ .‬ه ــذا‬
‫مذ هب الجمهور ومن هم إ سماعيل بن إ سحاق والقرا في وا بن الحاج ـب وا بن‬
‫فورك و سيف الد ين المدي وفخ ـر الد ين ال ـرازي وإ سحـاق بن راهوي ـه‬
‫وأ بو إ سحاق ال سفرارييني ونق ـل عن مالك والل يث وأ بي حني فة والشافع ـي ‪.‬‬
‫قال أشهب ‪ :‬سمعت مالكا يقـول ما الحق إل واحد قـولن مختلفان ل يكونان‬
‫‪ :‬إن ال شرع الشرائع‬ ‫))‬ ‫تنق يح الف صول‬ ‫((‬ ‫صوابا معا ‪ .‬وق ـال القرا في في‬
‫لتحصـيل المصـالح الخالصـة أو الراجحـة ودرء المفاسـد الخالصـة أو الراجحـة‬
‫ويستحيل وجودها في النقيضين فيتحد الحكم ‪.‬‬
‫في بع ـض الم سائل وخطّ ـأ‬ ‫وق ــد اختلف أ صحاب ر سول ال‬
‫إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فلـه‬ ‫((‬ ‫بعضهم أقـوال بعض ‪ ،‬وقـال‬
‫أي إذا أراد الحاكـم‬ ‫(‪)2‬‬ ‫))‬ ‫أجران وإذا حكـم فاجتهـــد ثـم أخطــأ فله أجــر‬
‫الح كم فاجته ـد فحك ـم ‪ ...‬الخ ‪ ،‬فبيّن أن الجته ــاد في ـه الخ طأ ك ما ف يه‬
‫الصـواب ‪.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬وأخذ به مالك والمراد من وقفها هنا تركها غير مقسومة ل الوقف المصطلح عليه ‪.‬‬
‫رواه أحمد والشيخان وأصحاب‬ ‫))‬ ‫إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فلـه أجران ‪...‬‬ ‫((‬ ‫‪ -2‬حديـث‬
‫السنن عن عمرو بن العاص وعن أبي هريرة ‪.‬‬

‫وذهب بعض الفقهاء إلى أن كل مجتهد مصيب وقالوا ليس في الواقعة‬


‫ص في ها ح كم مع ين بل الح كم في ها يت بع الجته ــاد وحكم ال تعالى‬
‫ال تي ل ن ّ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫على كل مجتهد ما أدﱠى إليه اجتهاده‬

‫*‬

‫‪145‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬لمزيد من الطـلع على حجج كـل من فريقي التصويب والتخطئـة ومناقشتها يراجع كتاب‬
‫للقرافي‬ ‫))‬ ‫تنقيح الفصول‬ ‫((‬ ‫للغوالـي الذي يقــول بالتصويب وينتصر لـه ‪ ،‬وفي‬ ‫))‬ ‫المستصفى‬ ‫((‬

‫للشوكاني اللذين يقولن بالتخطئة وينتصران لها ‪.‬‬ ‫))‬ ‫إرشاد الفحول‬ ‫((‬ ‫و‬

‫‪146‬‬
‫التقــليدُ والتبــاع‬

‫‪ :‬التقليد هو أخــذ القول من غير‬ ‫))‬ ‫جمع الجوامع‬ ‫((‬ ‫قال السبكي في‬
‫معرفة دليله ويلزم غير المجتهد ‪.‬‬
‫المستصفى)) ‪ :‬التقليد هو قبول قول بل حجة وليس‬ ‫((‬ ‫وقال الغزالي في‬
‫ذلك طريقا إلى العلم ل في الصول ول في الفروع ‪.‬‬
‫‪ :‬التقليد هو قبول قول القائل بل‬ ‫))‬ ‫الورقات‬ ‫((‬ ‫وقال إمام الحرمين في‬
‫حجة يذكرها وليس للعال ِم أن يقلد غيره لتمكنه بالقوة من الجتهاد ‪.‬‬
‫‪ :‬التباع هو أن‬ ‫))‬ ‫جامع بيان العلم وفضله‬ ‫((‬ ‫وقـال ابن عبد البر في‬
‫تت بع القائ ـل على ما بان لك من ف ضل قول ـه و صحة مذهب ـه ‪ ،‬والتقل يد أن‬
‫تق ـول بقوله وأ نت ل تعر فه ول تعرف وج ـه الق ـول ول معناه وتأ بى من‬
‫سواه أو أن يتبي ـن لك خطأه فتتب عه مها بة خلف ـه وه ـذا محرم في د ين ال‬
‫عز و جل ‪ .‬وق ـال أيضا ‪ :‬الق ـول ل ي صح لف ضل قائله وإن ما ي صـح بدللة‬

‫‪147‬‬
‫الدليل عليه ‪ ،‬وقـال نقلً عن ابن خُويز مِنَـداد ‪ :‬كل من اتبعت قولـه من‬
‫غ ير أن ي جب علي ـك لدل يل يوجب ـه علي ـك فأن ـت مقل ـده و كل من أو جب‬
‫عليك الدليـل اتبـاع قولـه فأنت متبعـه والتباع في الديـن مسوﱠغ وأمــا‬
‫التقليـد فممنوع ‪ ...‬ثـم قال ‪ :‬لم يختلف العلماء فـي وجوب تقليــد العــامة‬
‫فاسألوا أهـل الذكر إن‬ ‫((‬ ‫علماءَها وأنهم هم المرادون بقـول ال عـز وجل ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫))‬ ‫كنتم ل تعلمون‬
‫ل عن ابن القصار قال مالك ‪:‬‬
‫نق ً‬ ‫))‬ ‫تنقيح الفصول‬ ‫((‬ ‫وقال القرافي في‬
‫يجب على العوام تقليد المجتهدين في الحكام كما يجب على المجتهدين الجتهاد‬
‫في أعيان الدل ـة ‪ .‬وق ـال مال ـك أيضا ‪ :‬ل يس كل ما ق ـال ر جل ق ـولً وإن‬
‫الذيـن يسـتمعون القول‬ ‫((‬ ‫كان لــه فضـل يُتبـع عليـه فإن ال تعالى يقــول ‪:‬‬
‫وقــال‬ ‫))‬ ‫فيتبعون أحسـنه أولئك الذيـن هداهــم ال وأولئك هــم أولو اللباب‬
‫أيضا ‪ :‬إن ه ـذا العلم د ين فانظروا عمن تأخذون دينـكم لق ـد أدركت سبعين‬
‫عنــد هــذه السـاطين ‪ -‬وأشار إلى‬ ‫ل ممـن يقول قال رسـول ال‬
‫رج ً‬
‫المسجد ‪ -‬فما أخـذت عنهم وإن أحدهـم لو اؤتمن على بيت مال لكان أمينا‬
‫إل أنهـم لم يكونوا مـن أهـل هذا الشأن ( يعنـي الحديـث والفتيـا ) ‪ .‬وقال أيضا‬
‫أدر كت بهذا البلد أقواما لو ا ستُقي بهم المطر ل سُقوا قـد سمعوا العلم والحد يث‬
‫كثيرا ‪ ،‬ما حدثت عن أحد منهم شيئا لنهم كانوا ألزموا أنفسهم خوف ال وهذا‬
‫الشأن يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة وإتقان وعلم وفهم ما يخرج من‬
‫رأسه وما يصل إليه ‪.‬‬
‫هذه جملة مـن أقوالهـم في التقليـد والتباع ب سطتها لك لتتدبرهـا وأ نت‬
‫تدرس أصول الف قه وفروعه فتعمل على تحرير نفسك من دائرة التقليد المغل قة‬
‫إلى ساحـة التباع الم ستنيـرة بأنوار الدلة فإنها أجدر بطلب العلم وأو جب إذ‬
‫ل ينبغي لمن يعلم أن يبقى في مستوى من ل يعلم ول يجوز له أن يلتزم التقليد‬

‫‪148‬‬
‫المحض وهو قادر على التباع بعطف الفروع على الصول وقرنها بأدلتها من‬
‫الكتاب وال سنة والجماع والقياس و سائر المدارك الفقه ية و ما ذلك بع سير على‬
‫من يجدﱡ في الطلب ويثابر عليه ‪ .‬ول ترجئ الدخول في ساحة التباع المشرقة‬
‫إلى أن تح يط علما بالفروع وال صول بل اع مل له وأ نت تدرس واجعله بغي تك‬
‫ح جدك في الطلب‬
‫ال تي تطلبه ـا وهد فك الذي تر مي إل يه ‪ ،‬فيقوّي هذا الطمو ُ‬
‫وحر صك على ر بط الفروع بأ صولها والم سائل بأدلت ها ‪ ،‬إلى أن تفرغ به ـذه‬
‫الطريقة من دراسة جميع أبواب الفقه وما يعرض لك فيها من المسائل فتجد في‬
‫نفسك حينئـذ الميل إلى التوسع والستقصاء في المهات من كتب الفقه والفتيا‬
‫والصـول وفـي آيات الحكام وأحاديتهـا مـن كتـب التفسـير والسـنة ‪ ،‬وإلى‬
‫الطلع على فهـم الئمـة لهـا وطرق اسـتنباطهم الحكام منهـا ومـا اتفقوا عليـه‬
‫واختلفوا فيـه ‪ ،‬وإلى تحري أسـباب الخلف وعوامـل الترجيـح والموازنـة بيـن‬
‫الدلة والمرجحات بالستناد إلى ما كسبته من ملكة فقهية نيرة ‪ ،‬وإلى التمحيص‬
‫العلمي العميق وال المستعان وهو ولي التوفيق ‪.‬‬

‫انتهـى والحمد ل ‪-‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪149‬‬
‫المحـــتَوى‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫‪5‬‬ ‫المقدمة ‪........................................................‬‬


‫‪7‬‬ ‫توطئة ‪.........................................................‬‬
‫‪9‬‬ ‫الستدلل على الحكم الشرعي‪..................................‬‬
‫‪10‬‬ ‫التواتـر‪.......................................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫خبر الحاد‪.....................................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫اتضاح دللة الدليل الصلي النقلي ‪.............................‬‬
‫‪23‬‬ ‫القسم الول من أقسام المتن وهو القول ‪.........................‬‬
‫‪23‬‬ ‫دللة القول بمنطوقه – المر والنهي والتخيير‪...................‬‬
‫‪39‬‬ ‫القول من حيث دللته على المعنى‪..............................‬‬
‫‪40‬‬ ‫النـص ‪.......................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫المجمل وأنواعه والقرائن المرجحة لحد الحتمالين ‪............‬‬
‫‪49‬‬ ‫الظاهر وأسباب اتضاح دللته ‪.................................‬‬
‫‪63‬‬ ‫المؤول وأدلة رجحانه في المعاني التي تؤول فيها ‪..............‬‬
‫‪75‬‬ ‫دللة القول بمفهومه ‪...........................................‬‬
‫‪81‬‬ ‫القسم الثاني من أقسام المتن وهو الفعل ‪........................‬‬
‫‪82‬‬ ‫القسم الثالث من أقسام المتن وهو التقرير‪.......................‬‬
‫‪85‬‬ ‫استمرار حكم الدليل الصلي النقلي – النسخ ‪...................‬‬
‫‪93‬‬ ‫رجحان الدليل الصلي النقلي ‪..................................‬‬

‫‪150‬‬
‫‪93‬‬ ‫مرجحات السند ‪...............................................‬‬
‫‪98‬‬ ‫مرجحات المتن ‪...............................................‬‬
‫‪103‬‬ ‫الستصحاب ‪..................................................‬‬
‫‪107‬‬ ‫القيــاس ‪....................................................‬‬
‫‪107‬‬ ‫قياس الطرد وأركانه الربعة ‪..................................‬‬
‫‪108‬‬ ‫الصـل ‪......................................................‬‬
‫‪112‬‬ ‫العلــة ‪......................................................‬‬
‫‪119‬‬ ‫الفـرع ‪.......................................................‬‬
‫‪120‬‬ ‫الحكـم ‪.......................................................‬‬
‫‪122‬‬ ‫قياس العكس ‪..................................................‬‬
‫‪122‬‬ ‫الستدلل المنطقي ‪............................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫المتضمن للدليل ‪...............................................‬‬
‫‪128‬‬ ‫الجمـــاع ‪................................................‬‬
‫‪130‬‬ ‫إجماع أهل المدينة ‪............................................‬‬
‫‪132‬‬ ‫قول الصحابي ‪................................................‬‬
‫‪133‬‬ ‫المصلحة المرسلة ‪............................................‬‬
‫‪135‬‬ ‫الستحسان ‪...................................................‬‬
‫‪136‬‬ ‫العـرف ‪.....................................................‬‬
‫‪137‬‬ ‫سد الذرائع ‪...................................................‬‬
‫‪139‬‬ ‫الجتهاد وشروطه ‪............................................‬‬
‫‪147‬‬ ‫التقليد والتباع ‪................................................‬‬

‫•* *‬
‫‪151‬‬
‫الوجيـز الميسـر‬
‫في أصـول الفقـه المالكي‬

‫تأليــف‬
‫محمد عبد الغني الباجقني‬

‫الطبعة الولى ‪ 1968‬ف‬


‫الطبعة الثانية ‪ 1983‬ف‬
‫الطبعة الثالثة ‪ 2005‬ف‬

‫‪152‬‬

You might also like