Professional Documents
Culture Documents
تأليــف
محمد عبد الغني الباجقني
الطبعة الولى 1968ف
الطبعة الثانية 1983ف
الطبعة الثالثة 2005ف
5
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمـد ل الذي هدانـا وعلمنـا مـا لم نكـن نعلم ،وشرع لنـا مـن الديـن
الحنيف ما به صلحنا في دنيانا وسعادتنا في أُخرانا ،وأرسل إلينا خاتم رسله
بآ خر شري عة لخ ير أ مة من خل قه ،وج عل ل نا ف يه أ سوة ح سنة و في هد يه سنة
متبعة ،وأوجب علينا تصديقه في كل ما أخبرنا به إطاعته في كل ما أمرنا به
أو نهانا عنه ،ووفق أصحابه وعلماء أمته لحمل شريعته وتبليغها بصدق وأمانة
يح مل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون (( وورع و صيانة ك ما قال في هم
عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)) رضي ال عنهم ووفقنا
لسلوك نهجهم والسير على سنتهم.
وبعـد فإن علم أصـول الفقـه مـن أجلّ العلوم وأفضلهـا لتوقـف معرفـة
أحوال الدلة الشرعية واستنباط الحكام الفقهية من مداركها عليها .وقد علمت
أن الطلب العلوم الشرعيـة يشرعون فـي دراسـته بكتـب موسـّعة ذات عبارات
مطولة واسـتطرادات كثيرة ،وأنهـم بعـد إتمام دراسـتهم يسـتصعبون تطـبيق
القواع ـد على الم سائل وا ستخراج الف ـروع من ال صـول أو عطف ها علي ها
وإضافتها إلى مناطاتها ،لنهم شُغلوا بالنظر أكثر من التطبيق وبمناقشة الراء
الصـولية أكثـر مـن مناقشـة الراء الفقهيـة وتخريجات المجتهديـن ،فعزمـت
مستعينا بال على تأليف كتاب صغير الحجم ،سهل الفهم ،قريب المأخذ ،خال
من ال ستطراد المر بك والتطو يل الم مل ،شواهده وأمثل ته من الكتاب وال سنة
وأقوال الفقهاء المخرﱠجة على قواعد الشريعة ومداركها الفقهية .
وقـد وجدت أقرب الكتـب الصـولية القديمـة إلى الكتاب الذي عزمـت
للعل مة المح قق )) على تألي فه (( مفتاح الو صول إلى بناء الفروع على ال صول
6
الشريـف التلمسـاني المالكـي المتوفـى سـنة إحدى وسـبعين وسـبعمئة للهجرة ،
تنقيـح (( فاعتمدتــه أصـلً لكتابـي ،واسـتعنت فـي البحوث الصـولية بكتاب
إرشاد (( المستصفى)) لبي حامد الغزالي و (( الفصول)) لشهاب الدين القرافي و
للسبكي بشرح )) جمع الجوامع (( للقاضي محمد بن علي الشوكاني و )) الفحول
الجلل المحلـي وحاشية عبد الرحمن البنانـي ،وفي المسائـل الفقهية بكتاب
)) للقاضي أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد و(( أقرب المسالك )) بداية المجتهد ((
)) المو طأ (( لح مد بن مح مد الدرد ير ،و في تخر يج الحاد يث وف قه ال سنة ب ـ
لم جد )) منت قى الخبار (( وشرحـه ال كبير للقاضـي سليمان بن خلف الباجـي و
للقاضي الشركاني و )) نيـل الوطار (( الدين بن تيمية وشرحـه المسمـى بـ
لعبـد الرؤوف المناوي ،وفـي تفسـير آيات الحكام )) (( شرح الجامـع الصـغير
لبي بكر بن العربي . )) بتفسير أبي عبد ال القرطبي و (( أحكام القرآن
فأر جو أن ي جد ف يه طلب العلم ما ي سهّل علي هم درا سة هذا العلم في
كتبه الموسّعة لمن يرغب في ذلك ،وال ولي التوفيق .
المؤلـف
محمد عبد الغني الباجقني
*
7
توطئــة
وهو ينقسم عند فقهاء المالكية إلى سنة ورغيبة وفضيلة . ()
8
والمكروه هو مقت ضى الخطاب المتعل ـق بف عل المكلف من ح يث أ نه
مكلف بتركه اقتضاء غير جازم .
والمباح هو مقتضى الخطاب المتعلق بفعل المكلف من حيث أنه مخير
بين فعله وتركه .
*
9
الستدلل عَلى الحكم الشرعي
10
كان فيمـا أُنزل مـن القرآن عشـر (( وأبـو داود والنسـائي عـن عائشـة قالت :
رضعات معلومات يحرﱢمـن ثم نسـخن بخمسـٍ معلومات فتوفـي رسـول ال
.فيقولون ل هم إ نه احتجاج ب ما سُمي قرآنا و هو )) و هو م ما يق ـرأ من القرآن
ليس بقرآن لنه غير متواتر فل تقوم به حجة ،فيقول الشافعية إن التواتر شرط
في التلوة ل في الحكم وإننا حين احتججنا بقول عائشة لم نقصد أنه قرآن يتلى
بل خبر مرفوع يبين الحدﱠ الدنـى مـن الرضاع المحرﱢم الذي جاء مجملً فـي
فهو مما نسخت تلوته وبقي حكمه . ()2
القرآن
ومنـه اسـتدلل الحنفيـة على أن كفارة اليميـن بصـيام ثلثـة أيام مـن
شروطها أن تكون متتابعــة فإن فُرﱢقت لم تجزىء لقراءة عبد ال بن مسعود
ف صيام ثل ثة أيام متتابعات)) فنقول ل هم ل يس من شرط ها أن تكون متتاب عة إذ ((
أن كلمة ((متتابعات)) زائدة ليست من القرآن لنها غيرمتواترة ،واستدللهم على
فإن (( أن الفيئة في اليلء محل ها الرب عة أش هر ل بعد ها بقراءة أب يّ بن ك عب
فاؤوا فيه نّ فإن ال غفور رحيم)) فنقول لهم إنما الفيئة بعد تمام الشهر الربعة
وكلمة ((في هن)) زائدة لي ست من القرآن لن ها لم تتوا تر ،فيجيبون نا بأن ا ستدللهم
بهاتين الكلمتين الزائدتين ل لنهما قرآن بل لنهما من الخبارالمعتمدة عندهم .
والتواترشرط في السّنة أيضا إذا كانت رافعة لمقتضى قرآني كاحتجاج
)) وأم ها تُ كم اللّ تي أرضْعن كم وأخواتك مُ من الرضا عة (( أي في قوله تعالى : ()
والمالك ية يع تبرون الرضاع المحرّم الذي جاء ف يه مطلقا ل مجملً وال صل في المطلق بقاؤه
على إطلقـه فيتحقـق ولو بوصـول قطرة واحدة إلى الجوف أثناء الحوليـن وبـه قال علي وابـن
عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري ومالك وأبو حنيفة والثوري والوزاعي
وعليه عمل أهل المدينة .
11
الجمهور في المسح على الخفين بالخبار الكثيرة الواردة عن الصحابة فقد نُقل
إن ها أخبار ()4
،فيق ـول المخالفون ()3
ل وفعلً عن ن حو سبعين من هم
الم سح قو ً
آحاد فل ترفـع مـا اقتضاه القرآن مـن وجوب غسـل الرجليـن فـي الوضوء ،
فيج يب الجمهور بأن تلك الخبار وإن لم يتوا تر كل وا حد من ها منفردا فإن ما
تضمنـه مجموعهـا مـن جواز المسـح على الخفيـن متواتـر وهذا وأمثاله هـو
المسمى بالتواتر المعنوي كجود حاتم الطائي مثلً فإنه لم ُينقل ،إليناعنه واقعة
معينة متواترة اقتضت وصفه بالجود وإنما نقلت إلينا وقائع متعـددة كل واحدة
منها بخبر الواحد تضمنت بمجموعها وصفـا مشتركـا بينها وهو جود حاتم .
خبـر الحـاد
خبـر الحاد هـو خبر أفراد لم يبلغوا في العـدد جماعات المتواتر ؛
ويتعلق العتراض على سنده من جهتين :جهـة إجمالية ،وجهة تفصيليـة .
أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه قال (( :حدثني سبعون من أصحاب رسول ()
ال صلى ال عل يه و سلم أ نه كان يم سح على الخف ين)) ،وقال الحا فظ بن ح جر في الف تح :
((صـرّح جمـع مــن الحفاظ بأن المسـح على الخفيـن متواتـر وجمـع بعضهـم رواتـه فجاوزوا
الثمانين منهم العشرة)) ،وقال النووي في شرح مسلم (( :روى المسح على الخفين خلئق ل
يحصون من الصحابة )) .
هم الشيعة المامية والخوارج . ()
12
إذا مسـﱠ أحدكـم (( ( )5وعلى انتقاض الوضوء بمـس الذكـر بقوله )) بولي
كلﱡ مُسكر حرام (( وعلى تحريم النبذة المسكرة بقوله () 6
)) ذكره فليتوضأ
،فيقول المخالفون في هذه المسائل الثلث :ل نسلم بصحة هذه الحاديث ()7
))
حديث (( ل نكاح إل بولي )) رواه أحمد وأصحاب السنن عن أبي موسى الشعري ()
وأخر جه الحا كم و صححه وقال قد صحت الروا ية ف يه عن أزواج ال نبي صلي ال عل يه و سلم
عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلثين صحابيا – انظر شرح هذا الحديث في
نيل الوطار للشوكاني .
حد يث (( إذا م سّ أحد كم ذكره فليتو ضأ )) رواه مالك والشاف عي وأح مد وأ صحاب ()
السنن وابـن خزيمة وابن حبان والحاكم عن بُسْرة بنت صفوان ،ورواه ابن ماجه أيضا عن أم
حبيبة ،ورواه كذلك أحمد وابن حبان والبيهقي والطبراني عن أبي هريرة .
حد يث (( كـل مسـكر حرام )) أخر جه أح مد والشيخان وغيرهـم عن أبـي مو سى ()
ورواه مالك والشيخان أيضا عن عائشة بلفظ (( كل شراب أسكر فهو حرام )) .
هذا القول المن سوب إلى ا بن مع ين لم يث بت ع نه ف قد قال الحا فظ ا بن ح جر (( :ل ()
يعرف هذا عن ا بن مع ين )) .وقال ا بن الجوزي (( :إن هذا ل يث بت عن ا بن مع ين و قد كان
مذهبه انتقاض الوضوء من مس الذكر )) .
رواه أحمد والشيخان عن )) البيعان بالخيار ما لم يفتر قا أو حتى يفترقا (( حديث ()
13
فيقول لهم الحنفية هذا خبر واحد فيما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجة فينبغي
أن يك ثر ناقلوه ويتوا تر و ما لم يتوا تر ف هو غ ير مقبول ،فيقول ل هم الشافعي ـة
والمالك ية أيضا إن خبر الوا حد مقبول عند نا مطلقا إذا جاء على شرو طه وإن ما
لم نقـل نحـن المالكيـة بخيار المجلس لن الفتراق عندنـا يتحقـق بالقول أي
باليجاب والقبول أو بالفعـل الدال عليهمـا كمـا جرى عليـه العمـل فـي المدينـة
والعمل عندنا مرجح على الخبر .
الجهـة التفصـيلية :يشترط لصـحة السـند أن يكون مقبول الرواة ،
. ()10
ومتصلً مرفوعا إلى النبي
ل وضابطا .
ويشترط لقبول الراوي أن يكون عد ً
فالع ـدل هو الم سلم البالغ العا قل ال سالم من أ سباب الف سق وخوارم المروءة ،
وتث بت عدال ته باشتهاره بح سن الحال وبالثناء الجم يل عل يه أو بتعد يل الئ مة له
ولو بروايتهم عنه .
ـا يتعلق
ـه وبعضهـ
ـا يتعلق بـ
ـي عدالة الراوي أمور بعضهـ
وتقدح فـ
بالحديث نفسـه .
فممـا يتعلق بالراوي العتراض على عدالتـه بأنـه متروك الحديـث أو
وضّاع أو مطعون في دينه أو مجهول العدالة أو بغير ذلك من القوادح ...
المتبايعان كل وا حد منه ما بالخيار على (( حك يم ا بن حزام ،ورواه مالك عن ا بن ع مر بل فظ
. )) صاحبه ما لم يتفرقا إل بيع الخيار
الموقوف على الصحابي أيضا حجة عندنا سواء كان قولً أو فعلً ،وكان إمامنا ()
يأخذ بفتاوى ال صحابة وأقضيتهم و قد أثبت كثيرا منها في موطّئه مع الحاديث المرفوعة ل نه
يرى أنهم إما أن يكونوا قد سمعوها أو شاهدوها من النبي صلى ال عليه وسلم أو فهموها من
كتاب ال عز وجل .
14
مثال الول اعتراض الشافعيـة على اسـتدللنا بروايـة خالد بـن الياس
كان ينهـض فـي الصـلة على أن رسـول ال (( بإسـناده عـن أبـي هريرة :
فقلنــا بعدم مشروعيـة جلسـة السـتراحة عنـد النهوض إلى )) صـدور قدميـه
الركعة الثانية والرابعة وخالـد متـروك الحديث ؛ فنجيبهم بـأن الحديث الذي
اسـتدللنـا بـه على عدم مشروعيـة هذه الهيئة لم نروه مـن طريـق خالد بإسـناده
عن أبي هريرة بـل رويناه بأسانيـد أخرى عن ابن مسعـود وابن عمر وابن
عباس وغيرهم كما استدللنـا أيضا على عدم مشروعيتها بما رواه ابن المنـذر
فكان أدركت غير واحد من أصحاب النبي (( عن النعمان بن عياش قال :
إذا ر فع رأ سه من ال سجـدة في أول رك عة و في الثالث ـة ق ـام ك ما هو ولم
. )) يجلس
ومثال الثا ني اعتراض نا على ا ستـدلل الحنف ية الذ ين يع ـدّون دا خل
الفـم والنـف مـن ظاهـر البدن المفروض غسـله على وجوب المضمضـة
أنـه قال : والستنشـاق في الغُسل من الجنابـة بما روي عن رسول ال
لن هذا الحد يث )) المضم ضة وال ستنشاق فريضتان في الغ سل من الجنا بة ((
وض عت لل نبي صلى ال عل يه و سلم ماء يغت سل به فأفرغ على (( قالت ميمو نة : ()
يديه فغسلهما مرتين أو ثلثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يـده بالرض ثم
مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلثا ثم أفرغ على جسده ثـم تنحى من
. )) مقامه فغسـل قدميـه قالت فأتيته بخرقة فلم يُرِدْها وجعل ينفض الماء بيده
15
لهـم حينئذ أن ذكـر المضمضـة والسـتنشاق فـي هذا الحديـث ل يــدل على
وجوبهما بل على ندبهما ( سنيتهما ) كما هما في الوضوء المنفرد عن الغسل .
من كان له (( ومثال الثالث اعتراض الشافع ية على ا ستدللنا بقوله
()12
فقلن ـا ب سقـوط الق ـراءة عن المأم ـوم )) إمام فق ـراءة المام له ق ـراءة
()13
بأن هذا الحد يث لم يروه مرفوعا إل جابر الجعفـي و هو يق ـول بالرﱠجعـة
فل يُح تج ب ما ينف ـرد برواي ته ،فنجيب هم بأن نا ن ـروي هذا الحد يث من غ ير
طريـق جابر الجعفـي ،نرويـه عـن سـفيان الثوري وسـفيان بـن عيينـة وشعبـة
وشَري ـك وغير هم من الثق ـات عن مو سى بن أ بي عائش ـة عن ع بد ال بن
،ونحـن نأخـذ بالحديــث المرســل إذا كــان شداد مرسـلً عـن النـبي
مر سلـه ث قة ول يس في سنـده علة تضعف ـه .ون ـروي أيضا عن مالك عن
نافع أن عبد ال بن عمر كان إذا سئـل هل يقـرأ أحد خلـف المام قـال :
إذا صلى أحدكـم خلـف المام فحسبه قـراءة المام وإذا صلى وحده فليقرأ .
ومثال الرابـع احتجاج فقهائنـا على جواز اسـتقبال القبلة أثناء قضاء
الحاجة عند وجود ساتر بينه وبينها بما روى خالد بن أبي الصلت بإسناده عن
ذُكـر لرسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أن أناسـا يكرهون أن (( عائشـة قالت :
ل يجوز عند نا أن يقرأ المأموم في ما يجه ـر ف يه المام لثبوت ن هي ال نبي صلى ()
وإذا قُرئ القرآن (( ال عل يه و سلم عن ذلك وأمره بالن صات أثناء قراء ته ولعموم قوله تعالى :
ويندب له أن يقرأ في ما ي سرّ ف يه المام ل ما رواه مالك في المو طأ أن )) فا ستمعوا له وأن صتوا
عروة بن الزبير والقاسم بن محمد ونافع بن جبير بن مطعم كانوا يقرؤون خلف المام فيما ل
يجهر فيه بالقراءة وقال المر عندنا أن يقرأ الرجل وراء المام فيما ل يجهر فيه المام بالقراءة
.
أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت . ()
16
، ()14
)) يسـتقبلوا القبلة بفروجهـم فقال أوقـد فعلوهـا حولــوا مقعدتـي قِبلَ القبلة
فيقول الحنفيـة :خالد بـن أبـي الصـلت مجهول ل يعرف مـن هـو والمجهول ل
يحتـج بروايتـه وتبقـى حجتنـا قائمـة على تحريـم اسـتقبالها مطلقا بمـا جاء فـي
قال ((:إذا أتيتم الغائط فل الصحيحين عن أبي أيوب النصاري عن النبي
،فنقول لهم إن الحديث )) تستقبلوا القبلة ول تستدبروها ولكن شرﱢقوا أو غرّبوا
الذي رواه خالد بن أبي الصلت بإسناده عن عائشة رواه عنه خالد الحذاء وهو
وقـد روى عـن ()15
ث قة والثقـة ل يروي إل عـن عدل معروف عنده على ال قل
خالد بن أبي الصلت مبارك بن فضالة وواصل مولى أبي عيينة وغيرهما .وأما
النهي عن استقبالها واستدبارها الوارد في حديث أبي أيوب فإنه محمول عليهما
في الفضاء بل ساتر ويدل عليه ما رواه أبوداود والحاكم عن مروان الصفرقال
رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت :أبا عبد الرحمن ((
أليس قد نُهي عن ذلك ؟ فقال :بلى إنما نُهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك
. )) وبين القبلة شيء يسترك فل بأس
ومما يتعلق بالحديث نفسه إنكار الصل وهو المروي عنه روايةَ الفرع
أي رواية الراوي كما إذا احتج فقهاؤنا على افتقار النكاح إلى وليّ بقوله
أي ما ام ـرأة نك حت بغ ير إذن ولي ها فنكاح ها با طل فنكاحه ـا با طل فنكاح ها ((
،فيقول الحنفية هذا الحديث يرويه ابن جُريج عن سليمان بن موسى ()16
)) باطل
17
عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة ،وقد قال ابن جريج سألت عنه
ابن شهاب حين لقيته فقال ل أعرفه والراوي إذا أنكر ما روي عنه لم يُحتج به
،فنجيبهـم بأن الصـل لم يصـرح بتكذيـب الفرع فإذا روى عنـه ()17
كالشهادة
العدل وجب قبول ما روى ول يضر نسيان المروي عنه وإل لزم تكذيب العدل
وفي ذلك من التناقض ما ل يخفى .
وم نه انفراد العدل بزيادة في الحد يث لم ترد في روايات الخر ين ك ما
إذا اح تج فقهاؤ نا على أن زكاة الحرث يع تبر في ها الن صاب بخم سة أو سُق .ب ما
أ نه قال (( :في ما سقت ال سماء والعيون أو كان عَثَريا صح عن ر سول ال
فيقول ()18
)) العشـر وفيمـا سـُقي بالنضـج نصـف العشـر إذا بلغ خمسـة أوسـُق
زيادة في هذا الحد يث لن الجما عة )) إذا بلغ خم سة أو سُق (( الحنف ية إن جملة
الذين رووه لم يذكروها فأوجب ذلك شكا في صحتها ويبقى الحديث علىعمومه
فتجب الزكاة في الكثيروالقليل من الحرث دون اعتبارلنصاب ،فيجيبهم فقهاؤنا
بأن روايات الجماعـة ل تتعارض مـع هذه الزيادة حكما لوجودهـا فـي حديـث
صحيح آخر يخصص عموم حديث الجماعة فقد قال عليـه الصـلة والسلم :
18
ل يس في ما دون خ مس َذوْد صدقة ول يس في ما دون خ مس أواق صدقة ول يس ((
حد يث (( ليـس في ما دون خ مس ذود صدقة )) . . .رواه مالك وأحمـد والشيخان ()
وأصحاب السنن عن أبي سعيد الخدري )) .
جاء في المدونة عن ابن القاسم قال وقال مالك :ل أعرف رفع اليدين في شيء ()
من تكبير الصلة ل في خفض ول في رفع إل في افتتاح الصلة يرفع يديه شيئا خفيفا .
19
)) مـن الركوع رفعهمـا كذلك أيضا وقال سـمع ال لمـن حمده ربنـا ولك الحمـد
فيجيبهم فقهاؤنا المغار بة بأنهم لم يرووا حديث علي عن يزيد بن أبي زياد بل
عن وكيع عن أبي بكر بن عبد ال المنهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه (( أن
.ويروون أيضا عـن ()21
)) عليا كان يرفـع يديـه إذا افتتـح الصـلة ثـم ل يعود
وكيع عن محمد بن أبي ليلى عن عيسى أخيه والحكم عن عبدالرحمن بن أبي
كان يرفع يديه إذا افتتح الصلة أن رسول ال (( ليلى عن البراء بن عازب
.ويروون كذلك عـن وكيـع عـن سـفيان ()22
)) ثــم ل يرفعهمـا حتـى ينصـرف
الثوري عن عا صم عن ع بد الرح من بن ال سود عن ال سود وعلق مة قال قال
قال ف صلى ولم أل أ صلي ب كم صلة ر سول ال (( ع بد ال بن م سعود :
. ()23
)) يرفع يديه إل مرة
الوجه الثاني أن يكـون الراوي ممن يزيد برأيه في الحديث فل يُعلم
و ما ف يه من زياد ته إل إذا رُوي الحد يث من ما ف يه من كلم ر سول ال
طريق آخر ،ومثاله احتجاج الحنفية على أن راتبة الظهر القبلية أربع ركعات
أربع قبل الظهر ليس (( قال : ل يُفصل بينها بسلم بما رُوي أن رسول ال
،فيقول فقهاؤنا هذا الحديث يرويه ()24
)) فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء
هذه الحاديث الثلثة من رواية سحنون في المدونة ،وحديث ابن مسعود رواه ()
أيضا أحمد وأبو داود والترمذي ورواه كذلك ابن عدي والدارقطني والبيهقي بلفظ (( صليت مع
ال نبي صلى ال عل يه و سلم وأ بي ب كر وع مر فلم يرفعوا أيدي هم إل ع ند ال ستفتاح )) و قد ح سنه
الترمذي وصححه ابن حزم وضعفه آخرون – انظر (( نيل الوطار )) .
راجع الهامش السابق ()
راجع الهامش السابق ()
حديث (( أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء )) أخرجه أبو ()
داود في ال سنن والترمذي في الشمائل وا بن خزي مة في ال صلة عن أ بي أيوب الن صاري و قد
20
عُبيدة بن معتّب الضبّي و قد ضع فه أئ مة الحد يث ح تى ل قد قال له يو سف بن
خال ـد ال سّمتي :هذا الذي ترو يه أكله سمعته أم بع ضه ؟ فقال بع ضه سمعته
وبع ضه أق يس عل يه ! فقال له يو سف :ار ِو ل نا ما سمعت ودع ما ق ست فإن نا
أعلم بالقياس منـك .ومـن كان هذا شأنـه فل يسـتدل بروايتـه لحتمال أن يكون
فيما يرويه شيء من رأيه .
أن ل يكون شروط اتصال السند :ويشترط في اتصال السند بالنبي
ف يه انقطاع أي بأن ليكون ب ين الرواة راوٍ محذوف ،وأن ل يكون موقوفا على
ال صحابي ،وأن ل يكون مر سلً ب سقوط ا سم ال صحابي م نه إل أن هذا الشرط
الخ ير ل يس متفقا عل يه فإن مالكا وأ با حني فة وأح مد في إحدى الروايت ين ع نه
وجمهور فقهاء مذاهبهـم يأخذون بالحديـث المرسـل إذا كان مرسـله مـن ثقات
التابعين .
إ ما النقطاع وإ ما الو قف إذا فالقوادح في ات صال ال سنـد بال نبي
وإما الرسال عند البعض .
مثال النقطاع احتجاج فقهائنــا على أن الخائف مــن تلف أو حدوث
احتملت فـي ليلة باردة (( مرض له أن يتيمـم بحديـث عمرو بـن العاص قال :
شديدة البرد في غزوة ذات ال سلسل فأشف قت إن اغت سلت أن أهلك فتيم مت ثم
ذكروا ذلك له صليت بأ صحابي صلة ال صبح فل ما قدم نا على ر سول ال
ذكرت قول ال عل يه (( فقلت : )) فقال ((:ياعمرو صليت بأ صحابك وأ نت ج نب
تعالى :ول تقتلوا أنفسكم إن ال كان بكم رحيما .فتيممت ثم صليت .فضحك
.فيقول الشافعيـة هذا الحديـث منقطـع فإن ))
()25
ولم يقـل شيئا رسـول ال
)) رمز السيوطي في جامعه الصغير لصحته ولكن يحيى القطان ضعفه – انظر (( فيض القدير
للمناوي .
حديـث عمرو بـن العاص هذا رواه أحمـد وأبـو داود والدارقطنـي وابـن حبان ()
21
روا ية ع بد الرح من ب ـن جُبير و هو لم ي سمع من عمرو بن العاص فل يح تج
بحديثه ،فنقول لهم إنه متصل بواسطة أبي قيس مولى عمرو عن عمرو .
ومثال الوقـف احتجاج فقهائنــا على أن العتكاف ل يصــح دون
السـنة على المعتكـف أن ل يعود (( بمـا روي عـن عائشـة قالت : ()26
صـوم
مريضا ول يشهدَ جنازة ول يَم سﱠ ام ـرأة ول يباشرَه ـا ول يخ ـرجَ لحا جة
. )) إل لما ل بدﱠ منـه ول اعتكاف إل بصوم ول اعتكاف إل في مسجد جامع
فيقول الشافع ية هذا الحد يث أخر جه أ بو داود وقال ف يه :غ ير ع بد الرح من بن
وأخرجـه أيضا النسائي غير مستهل )) السّنة ... (( إسحاق ل يقـول فيه قالت
ف هو إذا موقوف على عائ شة ،فتجيب هم بأن الحد يث وإن روي )) ال سنة (( بكل مة
من بعض طرقه موقوفـا فقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا وإذا
ثبت رفعه من طريق فل يضر وقفه من طريق آخر .
ومثال الرسـال احتجاج فقهائنــا على افتقار النكاح إلى الولي بقولــه
،فيقول الحنفيـة هذا الحديث رواه شعبة والثـوري )) ل نكاح إل بولي ((
وأبو بـردة لـم يسمع منه ، عن أبي إسحاق عن أبي بـردة عن النبي
فنجيبهم بأن المراسيل مقبولـة عندنا كما قدمنا بـل وعندكـم أيضا ومع ذلـك
فقـد رواه إسرائيـل عـن أبي إسحاق عن أبي بـردة عـن أبيـه عن النبي
وقــد كانوا يحدثون بالحديـث فيرسـلونـه فإذا قيــل لهــم عمـن ()27
وأخرجه البخاري تعليقا وقال الحافظ ابن حجر :إسناده قوي .
مـن السـلف القائليـن بعدم صـحة العتكاف دون صـوم ابـن عباس وابـن عمـر ()
وموله نافع والقاسم بن محمد ومالك وأبو حنيفة والثوري والوزاعي .
رواه أيضا مرفوعا أحمـد وأصـحاب السـنن عـن أبـي موسـى الشعري – انظـر ()
شرح الحديث في نيل الوطار .
22
أن )) ال سنة على المعت كف ... (( ت من قول عائش ـة
ه ـذا و قد علم َ
قول ال صحابي :ال سّنـة ك ـذا أو من ال سنة ك ـذا أو م ضت ال سنـة بك ـذا
بك ـذا أو أ مر بك ـذا أو يدخله في الحد يث المرفوع كقوله :ق ضى ال نبي
نهى عن كـذا .
*
23
اتضَاح دَللـة الدّليـل الصلي النّقـلي
يشترط في الدليل الصلي النقـلي بعد ثبوت صحته اتضاحُ دللته على
الح كم الم ستدل به عل يه .واتضاح الدللة يختلف باختلف الم تن من ح يث أ نه
قول أو فعل أو تقرير .
القسم الول من أقسام المتن وهو القول
القول يدل على الح كم إ ما بمنطو قه أي بالمع نى الذي يدل عل يه اللف ـظ
فـي محل النطق وهـو المعنى الـذي استعمل اللفـظ فيه حقيقة أو مجازا ،
وإ ما بمفهو مه أي ب ما يف هم م نه ف ـي غ ير م حل الن طق ب ـل في ما وراءه م ـن
فحوى القول ولحنه والمقصود منه .
دللـة القول بمنطوقه على الحكم
القول الدال بمنطوقـه على الحكم قـد يكون أمرا وقد يكون نهيا وقد
يكون تخييرا .
(، )28 ) فالمـر هو القول الدال على طلب الفعـل ،وصيغته ( افعلْ
وهي تـرد لمعانٍ كثيرة منها :
. )) أقيموا الصلوة وآتوا الزكوة (( المر المطلق كقوله تعالى :
فإذا قُض يت ال صلوة فانتشروا ف ـي الرض (( والذن ك ما في قول ـه تعالى :
. )) وابتغوا من فضل ال
. )) وأشهدوا إذا تبايعتم (( والشهاد كقولـه تعالى :
المراد ب ها كل ما يدل على ال مر من سائر صيغه وإن ما اخت ير الت عبير بأفعلْ ()
لخفته وكثرة دورانه في الكلم .
24
. ()29
)) ل ممـا يليـك
كْ (( لعمر بن أبي سلمة : والتأديب كقولـه
. )) انظروا إلى ثمره إذا أثمر و َينْـعِه (( والعتبار كقوله تعالى :
. )) فأذنـوا بحـرب من ال ورسوله (( والوعيد كقوله تعالى :
. )) ُذقْ إنـك أنـت العزيـز الكريم (( والهانة كقوله تعالى :
. )) فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (( والتكذيب كقوله تعالى :
. )) فاصبروا أو ل تصبروا سواء عليكم (( والتسوية كقوله تعالى :
. )) فاقضِ ما أنت قاض (( وعدم الكتراث كقول السحرة لفـرعون :
. )) حبَرون
ادخلوا الجنةَ أنتم وأزواجُكم تُ ْ (( والكرام كقوله تعالى :
. )) كونوا قردةً خاسئين (( والتكوين كقوله تعالى :
. )) كـنْ فيكــون (( وكمال القدرة كقوله تعالى :
. )) يأيها الملؤُ أَفتوني في أمري (( والمشورة كقول ملكة سبأ للمل من قومها :
والدعاء كقولنا :اللهم اغفر لنا وارحمنا .
وهــو أي القول الدال على طلب الفعـل حقيقــةٌ فـي المــر المطلق
ومجاز في المعاني الخرى
روى أحمد والشيخان عن عمر بن أبي سلمة قال (( :كنت غلما في حجر النبي ()
صلى ال عل يه و سلم وكا نت يدي تط يش في ال صفحة فقال لي :يا غلم سمّ ِ ال و كل بيمي نك
وكل مما يليك )) .
كالمام ف خر الد ين الرازي والقا ضي أ بي الط يب وأ بي حا مد ال سفراييني وأ بي ()
إسحاق الشيرازي وأبي المظفر السمعاني .
25
أن ال مر المطلق يقت ضي الوجوب ابتــداء ول يحمـل على غي ـره إل بقري نة
صـارفة لن الشارع حيـن أمــر المكلف أراد منـه الطاعـة وإطاعـة الشارع
ول يحمل على ()31
واجبة ،وذهب غيرهـم إلى أنه يقتضي الندب في الصل
غيره إل بقرينة لن الشارع ل يأمر إل بخيـر والخير مندوب إليـه على وجه
العموم ،فإذا جاءت قرينة تحمله على الوجـوب كان مقتضيا لـه بها وإل بقي
إلى أن ـه ل يقت ضي ابتداء وجوبا ول ندبا ()32
على أ صلـه ،وذ هب آخرون
لتردده بين الوجود والندب والباحـة وإنما بعـرف اقتضاؤه بما يلبسه مـن
القرائن والعتبارات المرج حة للمقت ضى ال ـذي أراده الشارع م ـن وا جب أو
مندوب أو مباح .
وقـد ترتب على اختلف الصوليين فـي هـذه المسألة الصولية
اختلف الفقهاء فـي كثيـر مـن الفروع الفقهيـة كاختلفهـم فـي الشهاد على
المراجعة هل هو واجب أو منـدوب ؟ فقال الشافعية بوجوبـه محتجين بقوله
فإذا بلغـن أجلهـن فأمسـكوهن بمعروف أو فارقوهـن بمعــروف (( تعالى :
أي على الم ساك وه ـو المراج عة ،وقال المالك ية )) وأشهدوا ذوي عدل من كم
والحنفيـة :لما كانـت المراجعـة ل تتوقف على القبـول فـل تتوقف على
الشهاد والمر بالشهاد هنا محمول على الندب للتوثق كما في سائـر الحقوق
المقبوضـة .
وكاختلف هم في غ سـل الن ـاء من شرب الكلب هل هو وا جب أو
()33
)) إذا شرب الكلب في إناء أحد كم فليغ سلْه سبع مرات (( مندوب لقوله
مذهب ضعيف ذهب إليه أبو هاشم الجبائي وبعض أصحابه من المعتزلة . ()
كأ بي حا مد الغزالي و سيف الد ين المدي والقا ضي أ بي ب كر الباقل ني و صرح ()
المام الشافعي في كتاب (( أحكام القرآن )) بتردده بين الوجوب والندب .
رواه مالك )) إذا شرب الكلب فـي إناء أحدكـم فليغسـله سـبع مرات (( حديـث ()
26
فذهـب الشافعيـة والحنفيـة والحنابلة إلى الوجوب لنهـم رأوا المــر يقتضيـه
لنجاسـة سـؤر الكلب عندهــم تبعا النجاســة لعابــه ،وذهـب المالكيـة إلى
النـدب وإلى أنه تعبدي غير معلل لن سؤره طاهر عندهم تبعا لطهارة لعابـه
فكلـوا مما (( وطهارة عينه أيضا ويستدلون على طهـارة لعابه بقوله تعالى :
ويقولون لو كان لعا به نج سا لتن جس ال صيد بمما سته ،وع ـددُ )) أم س ْكنَ علي كم
مرات غسل الناء يؤيد ما ذهبوا إليه مـن عدم نجاسة سؤره لن النجاسات ل
يشترط في غسلها العدد .
هذا ويتعلق بالمر تسع مسائل رئيسية ينبني عليها كثير من الحكـام
الفقهيــة :
المسألـة الولى :ه ـل ال مر بالش ـيء يقت ضي المب ـادرة إليـه أم
ل يقتضيها ؟
اختلف في ذلك الصوليون واختلف أيضا الفقهــاء في بعض فروع
الف قه المبي نة على ه ـذا ال صل كاختلف المام ين أ بي حني فة والشاف عي في
فري ضة ال حج هل هي على الف ـور ف من أخر ها و هو متم كن م ـن أدائ ها كان
عاصيـا وهو مذهب أبي حنيفة ،أو هي على التراخي فمن أخرها وهو متمكن
و هو مذ هب الشاف عي ،وأ ما عندن ـا ()34
من أدائ ها ل يكون عا صيـا بالتأخ ير
وفقهائ نا العراقي ين ، ()35
ففي ها قولن :قول بأن ها على الف ـور و هو لمامن ـا
وأحمد والشيخان عن أبي هريرة وجاء في بعض رواياته ولغ بدل شرب ومعنى الولوغ الشرب
بطرف اللسان شأن الكلب عادة .
ول كن بشرط ين :الول أن ل يخاف فوات ها ،والثا ني أن يعزم على أدائ ها في ما ()
بعد وإل كان آثما بالتأخير الذي قد يفضي إلى الفوات .
قال القرافي في التنقيح :المر عند مالك للفور أُخذ ذلك من أمره بتعجيل الحج ()
ومنعه تفرقة الوضوء ومن عدة مسائل في مذهبه .
27
وقول بأن ها على الترا خي و هو لفقهائ نا المغار بة ول كن إلى ظن الفوات أو بلوغ
. ()36
الستين من العمر
والمحققـون من الصوليين يـرون أن المر المطلق ل يقتضي فورا
ول تراخيا إل بقيد ،لنه تارة يتقيد بالفوريـة كما إذا قال السيد لخادمه :سافر
الن فإ نه يقت ضي الفور ،وت ـارة يتقي ـد بالترا خي ك ما ل ـو قال ل ـه :سافر
بعد شهر فإنـه يقتضي التراخي ،فإذا أمره بأمر مطلق من غير تقييد بفـور
ل لهمـا ومـا كان محتملً لشيئيـن فل يكون مقتضيا
ول بتراخ فإنـه يكون محتم ً
لواحد منهما بعينه .
المسألـة الثانية :هل المر بالشيء يقتضي تكراره أم ل يقتضيه ؟
ذهب مالك إلى أن المر يقتضي التكرار كما فهـم من استقراء كلمه
لنه لو لـم يكن للتكرار ل متنع ورود النسخ عليه بعد فعله ولنه ضـد النهي
وهـو للتكرار فوجـب أن يكون مثله للتكرار ،وخالفـه جمهور فقهاء المذهـب
فقالوا إنــه للمرة الواحدة إل إذا عُــلق على شرط أو وصـف فيكون حينئذ
للتكرار لن الشرط سبب والحكم يتكرر بتكرر سببـه ولن الوصف علـة أو
كالعلـة والحكم يتكرر بتكرار علته .ورأى المحققـون من الصولييـن أنـه
ل يقتضي التكـرار ول المرة بل هـو صالح لكل منهما ول يتعين لحدهمـا
إل بمعيّن يصرفه إليه :فقد أمرنـا الشارع بصوم رمضان من كل سنة وأمرنا
بالحج مرة في العمر ولصـلح المر المطلق لكل واحد من القيدين حسن من
السامع الستفهام لما فيه من البهام فقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة قال :
فقال :يا أيها الناس قد فرض ال عليكم الحجﱠ فحجوا . خطبنا رسول ال ((
لن سنّ الستين تنذر بقرب ال جل أو بالع جز غالبا ولن ال أعذر إلى عبده عند ()
(( بلوغها فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :
أعذر ال إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة )) .
28
:لو فقال رجل :أكلﱠ عام يا رسول ال ؟ فسكت حتى قالها ثلثا فقال النبي
( )37ولول أن المر )) قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال :ذروني ما تركتكم
المطلق يحتمل التكرار والمرة الواحـدة لما سأل الرجل هذا السؤال .
المسألة الثالثة :هل المر المؤقت بوقت مو سّـع يتعلق بأول الوقت
خاصة أو بآخره خاصة أو ل يختص تعلقه بجزء معين منه ؟
اختلف فـي ذلك الصـوليون واختلف معهـم الفقهاء :فبعـض الشافعيـة
يرون ال مر المؤ قت بو قت مو سع متعلقا بأوله فإن تأ خر الف عل عن أول الو قت
ووقع في آخره فهو قضاء سدﱠ مسصصدﱠ الفرض ،والمحققون مصن الصصوليين يرونه
غير متعلق بجزء معين منه لنه لو تعلق بأولـه لكان المؤخر عاصيا بالتأخير
ولكان قاضيا ل مؤديا وحينئذ يجــب عليــه أن ينوي القضاء وهـــو خلف
ل ولوجـب عليـه أن
الجماع ،ولو تعلق بآخره لكان المقدم متطوعــا ل ممتث ً
ينوي التطوع ولما أجزأه فعله عن الواجب كما لو فعل قبل الوقت ،وهذا أيضا
خلف الجماع ،فث بت أن ال مر المؤ قت بو قت مو سّع ل يخ تص تعل قه بجزء
معين منه بل يتعلق بمجموع أجزاء الزمن الكائنـة بيـن الحدّين وعليه مذهبنا.
حديث أبي هريرة هذا رواه أحمد ومسلم والنسائي والرجل هو القرع بن حابس ()
. كما جاء عن ابن عباس في روايته لهذا الحديث
29
موسـع ل يختـص تعلقـه بجزء معيـن منـه يوجبون عليـه إعادة صـلته ل لن
وجوب ها يتعلق بآ خر الو قت بل لن صلته تلك كا نت م نه نافلة غ ير مفرو ضة
عليه والنافلة ل تسدﱡ مسدﱠ الفريضة .
ومثله اختلفهم في الوقت الفضل لداء صلة الصبح هـل التغليس أم
السفار ؟ فالشافعية يـرون التغليس أفضل لنه وقت الوجوب ،والحنفية يرون
السـفار أفضـل لنـه هـو وقـت الوجوب عندهـم ،والمالكيـة كالشافعيـة يرون
بعد أن صلى التغليس أفضل ولكن ل لنه وقت الوجوب بل لن رسول ال
. ()38
الصبح مـرة فأسفر بها لزم التغليس إلى أن توفـي
المسـألة الرابعـة :هـل المـر الذي يسـقط بفعـل بعـض المكلفيـن عـن
البعض الخر يتعلق ابتداء بالجميع ثم يسقط بفعل من فعله عمن لم يفعله أو إنما
يتعلق ابتداء ببعض المكلفين ؟
جمهور العلماء يرون أ نه يتعلق ابتداء بالجم يع لن العقاب ي عم الجم يع
إذا تركوه ول يعم العقاب إل لعموم الواجب .
وم ما ينب ني على هذه الم سألة أن الحا ضر ال صحيح إذا عدم الماء فإ نه
يتي مم للفرائض المتعي نة عل يه كال صلوات الخ مس ول يتي مم للنواف ـل ا ستقللً
وفي تيممه لصلة الجنازة خلف بناء على هذا الصل :فمن يرى صحة التيمم
لهـا يــرى وجوبهـا يتعلق ابتداء بجميـع المكلفيـن وهــذا الرأي عندنــا قوي
مدركــا وإن لم يشتهـر مذهبا ،ومـن يرى عدم صـحة التيمـم لهــا يرى
أخرج أ بو داود عن أ بي مسـعود الن صاري (( :أن ر سول ال صلى ال عل يه ()
وسلم صلى صلة الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلته بعد ذلك
التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يُ سْفر )) وأصله في الصحيحين والنسائي وابن ماجه ،وروى
مالك وأحمد والشيخان وأصحاب السنن عن عائشة قالت (( :إن كان رسول ال صلى ال عليه
وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن مايُعرَفن من الغلس )) .
30
وجوبهـا غير متعلق ابتداء بجميع المكلفين فكانت فـي حقه كالنافلـة ما دامت
غير متعينة عليه وهـذا الرأي عندنا هو المشهور في المذهب وإن كان ضعيفا
في المدرك .
المسألة الخامسة :هـل المر بواحد من أشياء يقتضي واحـدا منها
ل بعينـه أو يقتضيهـا جميعهـا وإن كان فعــل أحدهـا مجزِئا ؟ كالمــر فـي
كفارة اليم ين بإطعام عشرة م ساكين أو ك سوتهم أو تحر ير رق بة ،وكال مر في
كفارة صيام بعتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا .
فذهـب الجمهور إلى الول وهـو اقتضاء واحـد ل بعينـه لن مـن ترك
الجميع إنمـا يعاقب عقوبة من تـرك واجبا واحدا ل عقوبة من ترك واجبات
. ()39
كثيرة
ويظهـر أثـر الخلف فـي العبـد والمسـافر إذا كانـا إماميـن فـي صـلة
الجمعة هل تصح صلة المؤتمين بهما أو ل تصح ؟ فابن القاسم ل يراها تصح
بناء على أن الواجب في حق العبد والمسافر غير معيـن لنهما مخيـران بين
الجمعة والظهر فالواجب عليهما إحداهما ل بعينهـا وهما مفترضان في مطلق
الصـلة التـي هـي إحداهمـا ومتنفلن فـي خصـوص الجمعـة ،فإذا اقتدى بهمـا
الح ـرﱡ الحا ضر في الجم عة المعي نة عل يه كان اقتداؤه كاقتداء مفترض بمتن فل
،وأش هب يرا ها ت صح بح جة أن الجم عة كالظ هر واج بة على ()40
و هو ل ي صح
العبـد وعلى المسـافر بناء على أن المـر بواحـد مـن مأمورات يقتضـي عنده
وجوب الجميع وإن أجزأ واحد منها .
31
المسألة السادسة :المر بالشيء هل يقتضي فعله الجزاء أم ل ؟ أي
أن المكلف إذا فعـل ما أُمر به هل يلزم منه انقطاع التكليف عنه فيما فعله أو
ل يلزم بل يجوز بقاؤه فيه ؟
لل صوليين في هذه الم سألة قولن أرجحه ما الول و هو اقتضاء الف عل
الجزاءَ وانقطاعَ التكليف فيه ،وقـد بنى الفقهاء عليهما فروعـا كثيرة منها :
من لم يجد مـاء ول صعيدا ودخـل عليه وقت الصلة فإننا نأمـره
،ث ـم إذا صلى ()41
بال صلة ق بل خروج وقت ها على قول اب ـن القا سم وأش هب
هل يق ضي تل ـك ال صلة ع ند وج ـود الماء أو ال صعيـد أو ل يقضي ها ؟ أ ما
ابن القاسم فيأمـره بقضائها لنه ل يـرى انقطاع التكليف عنه في صلة أداها
بغ ير طهارة وإن أُ مر ب ها على تلك الحال ـة حر مة لوقت ها ،وأم ـا أش هب فل
يأمره بقضائها لنه يرى انقطاع التكليف عنه بأدائها كما أُمـر والمر يقتضي
الجزاء ويلزم من الجزاء سقوط القضاء .
كذلك من ل ـم ي جد ثوبا ي ستر ب ـه عور ته ف صلى عاريا ثم و جد ثوبا
بع ـد خروج الوق ـت هل يعي ـد صلته أو ل يعيد ها بناء على هذا ال صل ؟
الراجح عندنا في المذهب عدم العادة .
ل عارفـا
ومثلـه من التبست عليه القبلة في موضع لم يجـد فيه عد ً
ول محرابا قائما ف صلى إلى ج هة ظن أن ها القبلة ثم تبين له ب عد خروج الو قت
أنها ليست القبلة ففي وجوب العادة عليه قولن أرجحهما عدم الوجوب .
. الحدث
32
المسألة السابعة :هل يقتضي المر الموقوت بوقت قضاء المأمور به
بعـد فــوات وقتـه أو ل يقتضيــه ؟ أي أن العبــادة المحــدد وقتهـا إذا لــم
يفعلها المكلـف حتى خرج وقتهـا هل يجب عليه قضاؤهـا بالمـر الول أو
ل يجب عليه قضاؤها إل بأمر جديد كالمر بوجوب قضـاء صلة خرج وقتها
على نائم أو غافل وقضاء صوم رمضان على مريض أو مسافر لم يصمـه ؟
فـي هــذه المسـألة قولن للصـوليين :فإن بعضهـم يرون أن القضاء
وا جب بال مر الول لن ت ـرك المأمور به يجعله دين ـا عالق ـا بالذ مة ي جب
أداؤه ،وبعضهـم يــرون أن القضاء غيـر واجـب بالمـر الول وإنمـا يجــب
الوقت المحدد لـه ،أل ترى أن السيد إذا قـال لعبده إفعل كـذا يوم الخميس
مثلً فإن أمره هذا ل يتناول اليام التي بعده .
وبناء على هذيــن القوليـن اختلف الفقهاء فـي تارك الصـلة متعمدا
هـل يجب عليه قضاؤها كما وجب على النائم والغافل ؟
جمهور الفقهاء يوجبون عليه قضاءها بالمـر الول لنه بتعمد تركها
بقيـت دينــا عل يه والد ين ل ي سقط عـن المديـن إل بأدائه وديــن ال أ حق أن
يق ضى ،وابـن حبيب مـن فقهائنــا وداود وا بن حزم الظاهريــان ل يوجبون
عليـه قضاءهـا بعـد خروج وقتهـا لنـه لم يرد أمـر بذلك إل فـي حـق النائــم
إذا رقـد أحدكم عن الصلة أو غفل عنها فليصلّـها (( والغافل وهو قوله
ولم يرد مثله في ()42
)) إذا ذكر ها فإن ال عز وج ـل يقول أ قم ال صلة ل ِذكْري
المتعمد .
حديث (( إذا رقد أحدكم عن الصلة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها )) رواه مسلم ()
من نسي صـلة أو نام عنها (( في صحيحه عن أنـس بـن مالك ،ورواه عنه أيضا بلفـظ
فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها )) .
33
المسألة الثامنة :هـل المر بالشـيء يقتضي وسيلة المأمور به أو
()43
ل يقتضيها ؟ أي ما ل يتم الواجب إل به هل هو واجب أيضا أم ل ؟
جمهور الصوليين يرون أن المر يقتضي جميـع ما يتوقف عليه فعل
المأمور بـه لن الوسـيلة لو لم تكـن مأمورا بهـا أيضا لجاز للمكلف تركهـا ولو
جاز له تركها لجاز ترك الواجب الصلي لتوقفه عليها .
وعلى هذا الصل أوجب الفقهـاء طلب الماء للطهارة وقالوا لما كانت
الطهارة واج بة ول يتو صل إليه ـا إل بطلب الماء فطل ـب الماء واج ـب لن
ما ل ي تم الوا جب إل به ف هو وا جب ،ولذلك اتفقوا على أن من وج بت عل يه
كفـارة بالعتـق ولم تكن عنـده رقبـة وعنده ثمنها وجب عليه اشتراؤها لنه
ل يتوصل إلى العتـق الواجب عليه إل باشترائها فاشتراؤها إذا واجب عليه ،
ولذلك أوجبنـا اشتراء الماء للوضوء في السفر إذا لـم يكن ثمنه مجحفا .
المسألة التاسعة :هل المر بالشيء يتضمن النهي عن ضده ؟
جمهور ال صوليين والفقه ـاء يرون أن ال مر بالش يء يتض من الن هي
عن ضده وحجتهم أن الضد إما أن يكون مأمورا به أو مباحـا أو منهيا عنه ،
ول يصح أن يكون مأمورا به لنه ل يعقل أن يؤمر بفعل الشيء وضده معا ،
ول يصـح أن يكون مباحا لنـه لو كــان مباحا لجاز ترك المأمور بـه ،وترك
المأمور به ل يجوز فلم يبق إل أن يكون ضدﱡ المأمور به منهيا عنه .
وبعض الصوليين والفقهـاء ل يقولون بأن المر بالشيء نهـي عن
ضده لنهم يرون أن قصد الشارع من المر إنما هو فعل المأمور به فإذا فعله
المأمور حصل ما قصد إليه الشارع .
قال القرافي في التنقيح :ما ل يتم الواجب المطلق إل به -وهو مقدور للمكلف ()
-فهو واجب لتوقف الواجب عليه ،ثم شرحه شرحا شيقا فاطّلعْ عليه .
34
ويظهـر أثــر الخلف فـي عباد ٍة جمـع فيهـا المكلف بيـن المأمور بـه
وضده كأن جلس عمــدا فـي صـلة مفروضـة ثـم تلفـى القيام المأمور بـه ،
فالذين يرون أن المر بالشيء نهي عن ضده -وهم الكثرون -يحكمون على
صلته بالبطلن لتعمده جلوسا فيها منهيا عنه ،والذين ل يـرون المر بالشيء
نهيـا عن ضده يعدونها صحيحة لنه فعل فيها ما أُمر به .
ومثله ل ـو سجد على مكان ن جس وأع ـاد ال سجود على مكان طا هر
فإن صلته تعد باطلة عند الجمهور وصحيحة عند الخرين .
هــذا وكـل مـن يقول بمفهوم المخالفـة كإمامنـا وأكثــر علماء مذهبـه
والمام الشاف عي وأكث ـر علماء مذه به يقول ـون بأن ال مر بالش يء ن هي عن
ضده ،وأكثر علماء الحنفية ل يقولون به .
والنهي هـو القـول الـدال على طلب المتناع عن الفعل ،وصيغته
( ل تفعل ) وترد لمعان عدة منها :
يا أي ها الذ ين آمنوا ل تحرموا طيبات (( الن هي المطلق كقوله تعالى :
. )) ما أحلﱠ ال لكم
ل تسـألـوا عــن أشياء إن تُبْــَد لكـم (( والرشــاد كقوله تعالى :
. )) تسؤكــم
. )) ل تعتذروا اليوم (( والياس كقوله تعالى :
ول تمدنﱠ عينيـك إلى مـا متعنـا بـه (( وبيان الحقارة كقوله تعالى :
. )) أزواجا منهم زهر َة الحياة الدنيا لنفتنَـهُم فيه
ول تحسـبـنﱠ ال غافلً عمـا يعملُ (( ـة كقوله تعالى :
وبيان العاقبـ
. )) الظالمــون
والدعـاء كقولنا :اللهم ل َتكِلْنـا إلى أنفسنا طرفةَ عين .
35
وه ـو أي القول الدال على طلب المتناع عن الف عل حقيق ٌة في الن هي
المطلق ومجاز في المعاني الخرى ،وأهم ما يتعلق به مسألتان :
المسألة الولى :هـل النهي يقتضي التحريم أم الكراهة ؟
لن الصـحابة والتابعيــن كانوا ()44
الجمهور يرونــه مقتضيا للتحريـم
يحتجون ب ـه على التحر يم ولن فا عل ما نُ هي ع نه عاص والعا صي ي ستحق
العقاب وكل فعل يستحق صاحبه العقاب فهو حرام .وينبني على هـذا الصل
فروع كثيرة :
()45
منها الصلة في المواطن السبعة التي ورد النهي عن الصلة فيها
وهـي المزبلة والمجزرة والمقبــرة وقارعــة الطريـق والحمام وأعطان البـل
وفوق ظهـر الكعبة :فإن الفقهـاء اختلفوا في حكم الصلة فيها بيـن التحريم
والكراهة ،وأكثر المحققيـن من علمائنا يـرون أن النهي يـدل ابتـداء على
التحريـم و مع ذلك يعـدون الصلة في الموا طن المذكورة غيـر محرمة بل
لنهم يـرون حديث النهي عن الصلة فيها ()46
ول مكروهة إذا أُمنت النجاسة
جُعلت لي الرض مسـجدا وَطهورا (( على فرض صـحته منسـوخـا بقوله
والبعض ومنهم الغزالي يرونه مترددا بين التحريم والكراهة . ()
أخرج الترمذي عن ا بن ع مر (( :أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ن هى أن ُ ()
ي صلى في سـبعة مواطـن في المزبلة والمجزرة والمقـبرة وقار عة الطر يق و في الحمام و في
أعطان ال بل وفوق ظ هر ب يت ال )) وقال :إ سناده ل يس بالقوي لن ف يه ز يد بن جبيرة و هو
ضعيف ،وقـال النسائي :ليس بثقة ،وقال ابن معين والبخاري :متروك .
باستثناء أعطان البل فإن الصـلة فيها مكروهة عندنا كراهة تعبدية لقوله صلى ()
ال عليه وسلم (( :صلوا في مرابض الغنم ول تصلوا في أعطان البل )) رواه أحمد وابن ماجه
والترمذي وصححه عن أبي هريرة .
36
( )47لن ـه من فضائله التي )) فأيّم ـا رج ـل من أم تي أدركته ال صلة فلي صلّ
خصّـه ال بها وهي ل تنسخ قطعا .
ومنها اختلفهم فـي استقبال القبلة واستدبارها عنـد قضاء الحاجة هل
ه ـو حرام أو مكروه ؟ بناء على ما رواه أ بو أيوب الن صاري من قول ـه
إذا أتيتـم الغائـط فل تستقبلـوا القبلة ول تستدبرونهـا ولكـن شرّقـوا أو ((
. ()48
)) غرّبـوا
أما عند فقهائنـا فمحمول على التحريم في الفضاء بل ساتر كحائط أو
صخرة أو شجرة جمعا ب ين الحديث ين :حد يث أ بي أي ـوب ه ـذا وحد يث ا بن
رق يت يوم ـا على ب يت حف صة فرأ يت ال نبي (( ع مر الذي ق ـال في ـه :
فحمـل فقهاؤنــا حديـث أبـي ()49
)) على حاجتـه مسـتقبل الشام مسـتدبر الكعبـة
أيوب على الفضاء حيث ل ُستـرة وحملـوا حديث ابن عمر على الستـرة ،
وأ ما عن ـد الحنفي ـة فمحمول على التحر يم مطلقا سـواء في الفضاء أو في
البيوت لعموم النهي في حديث أبي أيوب بعـد أن رجحوه على حديث ابن عمر
لنهم رأوا في حديث أبي أيوب نهيـا صريحـا وفي حديث ابن عمر موافقة
للبراءة الصلية وهي عــدم الحكم مع احتمال تقدمـه على حديث النهي .
المسألة الثانية :هـل النهي يدل على فساد المنهي عنه أم ل ؟
أخرجـه الشيخان عـن جابر بـن عبـد ال قال (( :قال رسـول ال صـلى ال عليـه ()
وسلم اُعطيت خمسا لم ُيعطَهن أحد من النبياء قبلي ُنصرت بالرعب مسيرة شهر وُجعلت لي
الرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل
لحد قبلي وأعطي تُ الشفا عة وكان النبي ُيبعث إلى قومه خاصة وُبعثت إلى الناس عامة )) قاله
صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك أمام مل كبير من أصحابه .
حديث أبي أيوب هذا أخرجه الشيخان وأحمد وغيرهم . ()
حديث ابن عمر هذا رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن . ()
37
أك ثر الصوليين والفقه ـاء يرون أن النهي ي ـدل على فساد المنهـي
عنه إل ما خرج بدليل منفصل .وحجتهم أن الصحابة والتابعين كانـوا يقولون
بفسـاد أنكحــة وبيوع لورود النهـي عنهــا ولم ينكـر بعضهـم على بعــض
ال ستدلل بذلك بل ربم ـا عارض بعض هم بعض ـا بأدلة أخرى ،وأن الن هي
ل يس إل ل ـدرء مف سـدة في المن هي ع نه سواء كان في العب ــادات أو في
المعاملت والمتضمّن للمفسدة فاسد .
وعلى هذا الصل اختلف الفقهـاء في نكاح الشِغار هـل يفسخ أم ل ؟
.فمـن رأى النهـي يدل على فسـاد ()50
عنـه مـع اتفاقهـم على نهــي النـبي
،ومـن رآه ل يـدل على فساده لم يحكم بفسخه. ()51
المنهي عنه حكم بفسخه
واختلفوا في بيع وشرط وفي بيـع وسلف بعـد ورود النهي عنهمـا.
والمعوﱠل عليه في مذهبنـا أن النهي عن الشيء إن كان لحق ال عز
وجـل فإنه يفسـد المنهي عنه وإن كان لحـق العبـد فل يفسده .أل ترى أن
لُت صَرﱡوا البـل والغنم فمـن ابتاعها (( نهى عن التصرية فقال : النبي
بعد ذلك فهو بخيـر النظرين بعد أن يحلبها فإن رضيهـا أمسكها وإن سخطها
بفسخ البيـع لنه ليس بفاسد فلـم يحكم ()52
)) ردها وصاعـا من َتمْـر
ثب ـت الن هي عن نكاح الشغ ـار في عدة أحاد يث صحيحة أخرجه ــا أح مد ()
والشيخان وأصـحاب السـنن .ونكاح الشِغار هـو البُضـع بالبضـع مـن دون صـداق ،كأن يقول
رجل لخر أزوجك أختي مقابل تزويجي أختك من دون مهر .
عند المالكية يفسخ نكاح الشغار قبل الدخول مطلقا أي ولـو سمي فيه صـداق ()
وبعد الدخول وإن طال إن لم يسمﱠ فيه صداق فـإن سمي النكاح كـأن يقول :زوجتـك ابنتي
بكـذا على أن تزوجني ابنتك بكذا .
حديـث النهـي عـن التصـرية رواه الشيخان عـن أبـي هريرة ،والتصـرية ربـط ()
الضروع .
38
ولو كان فا سدا لح كم بف سخه ولم ـا ج عل للمشتري خي ـارا في الم ساك لن
الحق فيه للعبد ل ل عز وجل ،ولما نهـى ال تعالى عـن البيع وقت النداء
يا أيها الذين آمنوا إذا نـودي للصل ِة من يـوم الجمعة (( لصلة الجمعة فقال :
ك ـان نهي ـه ع نه لح قه في وجوب سعي )) فا سعوْا إلى ذ كر ال وذروا الب يع
عباده المؤمن ين ل ها فقل نا بف ساد البي ـع وقتئذ بالضا فة إلى حرمت ـه وبوجوب
فسخه إن تم إذ ل اختيـار للعباد في حقوق ال .
وهـذا هو وجه تفرقـة فقهائنا بين ما يفسخ من النكاح المنهي عنـه
بطلق وب ين ما يف سـخ بغ ير طلق ،فإن هم قالوا ك ـل نكاح كان لل ـزوج أو
للزوجة أو للولي إمضاؤه وفسخه فإنه يفسخ بطـلق لن النهي فيه لحـق من
له الخيار والنكـاح في نفسه منعقـد غير فاسد ،وكل نكـاح ل خيار فيه لحد
الثلثة فإنـه يفسخ بغير طلق لن الفسخ فيه ليس لحـق أحد منهم ولـو كان
لحق أحد منهم لسقط الفسخ بإسقاطـه حقه ولما لم يسقط الفسخ بإسقـاط أحدهم
علم نا أن ال حق ف يه ل عز و جل فكان فا سدا غ ير منع قد من أ ساسه فل يحتاج
فسخه إلى طلق لن الطلق إنما هو حـل عقد قائم فحيث ل عقد فل حَـل ،
هذه قاعدة مذهبنـا وما خرج عنها فإنما هو لدليل منفصل .
ثم إن النهي المطلق يقتضي الفـور والستمرار فيجـب فيه النتهـاء
حالً ويجب استمرار النتهاء .
والتخيي ـر هـو القول الدال على التخي ير ب ين الفع ـل والترك ،وه ـو ل يدل
ل مخ ير ب ين ال صوم والف طر ،
دائما على ا ستواء الطرف ين ،فإن الم سافـر مث ً
والصوم عندنـا أفضل إذا لم يشـق عليــه والفطر أفضل إذا شـق الصوم
عليه ،ومخير بين إتمــام الصلة وقصرها والقصر أفضل ،وهـو والعبد
مخيران بين صلة الجمعة وصلة الظهر وصلة الجمعة أفضل .
39
هـذا والذين يـرون المندوب مأمورا بـه والمكروه منهيـا عنه وهم
الجمهور يجعلون التخييـر مختصـا بالباحــة ،والباحــة حكـم شرعـي لنـه
عُرف من جهة الشرع وعند المعتزلـة حكم عقلي ثابت بالبراءة الصلية فيما
لم يرد عن الشارع تخيير فيه .
القول من حيث دللته على المعنى
اعلـم أن القول إما أن يـدل بالوضع على معنى واحد ل يحتمل غيره
وإما أن يحتمل معنيين .
فإن دل بالوضــع على معنـى واحــد ف قط فهـو ال نص ،وإن احت مل
معنيين ولم يكن راجحا في أحدهمـا فهو المجمل ،وإن كان راجحا في أحدهما
مـن جهــة لفظـه وضعا فهـو الظاهـر ،وإن كان راجحــا فـي أحدهمـا بدليـل
منفصل فهو المؤوّل .
النــص
النص هـو اللفظ الذي يدل بالوضـع على معنى واحد ل يحتمل غيره
ل على العدد المعلوم ،وهـو ل يقبـل العتراض مـن
كدللة لفـظ ( السـبعة ) مث ً
جهة دللته على ما هو نص فيه بل من جهات أخرى .
مثالـه احتجـاج فقهائنـا على أن غسل النـاء من شرب الكلب سبع
إذا شرب الكلب فـي إنــاء أحدكـم فلْيغسـلْـه سـبع (( : ل ثلث بقولــه
والحنفية يوجبون غسله ثلث مرات فقط لكنهم ل ينازعوننـا في ()53
)) مرات
دللة ل فظ ال سبـع على الع ـدد المعلوم بل يقولون كان أ بو هريرة يف تي بغ سل
حديث (( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغ سله سبع مرات )) رواه مالك وأح مد ()
والشيخان عن أبي هريرة .
40
النـاء ثلثا وهو راوي حديث غسله سبعـا فعلمنـا بذلك نسخـه ،فنقول لهم
قد أفتى أيضـا بغسله سبعـا ورواية فتواه الموافقة لحديثه المرفوع المتفق على
صحته أرجح سندا ونظرا من رواية فتواه المخالفة .
واحتجاج فقهائنــا أيضا على أن المام مخيـر في السرى بين المن
حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثا قَ فإمّـا منّـا بعد وإما (( والفداء بقوله تعالى :
ـر ،فيقول فقهاء
ـي التخييـ
ـص فـ
وهذا نـ )) فدا ًء حتى تض َع الحربُ أوزارَهـا
الحنفي ـة ه ـذا وإن كان ن صـا في التخي ير إل أ نه مغيّ ـى بغا ية مجهولة في
فوضْـ ُع الحرب أوزارها مجهول لنه )) حتى تض عَ الحر بُ أوزارَها (( قوله :
يحتمـل أن يكون المراد منـه حتـى ي قف القتــال وتنتهــي الحرب ويحتمـل أن
يكون المراد حتـى ل يبقــى كفـــار فيقـف الجهاد ويحتمـل غيــر ذلك
وبالختصار يحتمل أن الغاية قد وجدت فيرتفـع التخيير ويحتمل أنها ل تزال
فيبقى التخيير مستمـرا وإذا كان كذلك فاليـة ليست نصـا في مدلولهـا بل
مجملـة ،فيجيبهم فقهاؤنــا بأن مجاهدا وغيره من أثمـة التفسير رووا عن
ا بن عب ــاس تف سيرها بح تى ين ـزل عي سى عل يه ال سلم وح تى ل يب قى على
. ()54
الرض مشرك
هـذا وقد يتعين المعنى ويكـون اللفظ نصـا فيه ل من جهة الوضع
بل من القرينة والمناسبة الملبسة لـه ،ومثاله ما احتج به فقهاؤنـا على عدم
أينقـص (( حيــن سـئـل عـن ذلك : جواز اشتراء التمــر بالرطـب بقوله
،فيقول المعارضـون قوله )) الرطب إذا يـبس فقالـوا نعـم فقال فـل إذا
و قد يكون )) فل يجوز إذا (( ل ي تم إل بتقدي ـر محذوف ق ـد يكون )) فل إذا ((
انظر ما نقله القرطبي وابن كثير عن أئمة التفسير حول هذه الية وما استنبطه ()
منها أبو بكر ابن العربي في كتابه (( أحكام القرآن )) .
41
وبهذا الحتم ـال يض عف ال ستدلل ،فنق ـول ل هم إن جوا به )) فل بأس إذا ((
لن ـه )) فل يجوز إذا (( إن ما يطا بق سؤال ال سائـل ويكون التقدي ـر حينئ ــذ
سأل عن الجواز ولن قرين ــة التعل يل بالن قص تدل على عدم جواز اشتراء التم ـر
بالرطب ،ويؤيـد ما قطعنــا به التصريح بالنهي في رواية مالك وأحمد وأصحاب
يُسـأل عن اشتراء سمعت رسول ال (( ال سنن عن سعد بن أ بي وقاص قال :
:أين قص الر طب إذا ي بس فقال ـوا نعم الت مر بالر طب فق ــال ر سول ال
. )) فنهى عن ذلك
المجمــل
المجمل هـو اللفظ الذي يحتمل معنيين غير راجح في أحدهما ،وهو
غير متضح الدللة إذ لـو كان متضح الدللة لما كان مجملً يفتقر إلى بيـان
يرجحه في أحد المعنيين ،وينحصر الكلم عنه في موضوعين :
الموضوع الول في أنواعه وهي خمسة : أ-
النوع الول احتمال اللفظ المفرد نفسه لمعنيين بسبب اشتراكه بينهما ،
ومثال ـه ا ستدلل فقهائنـا على أن العتداد بالطهار ل باِلحيَض بقوله تعالى :
والقرء في اللغـة الطهر كما )) صنَ بأنفسهن ثلثةَ قروء
والمطلقـاتُ يترب ْ ((
42
أي من أطهارهن بسبب تغيبك في الغزو ،فيق ـول فقهاء الحنفية لفظ
ع ال صلة
ت ـد ُ (( في الم ستحاضة : القرء يحت مل الح يض بدل يل قول ال نبي
.والمراد به ـا ه نا أيام ()56
)) أيام أقرائ ها ثم تغت سل وتتو ضأ ع ند كل صلة
الحيـض قطعــا والدليـل على ثبوت الشتراك بيـن المعنييـن لغـــة اختلف
الصحابة في ذلك وهم أهـل اللغة وأعرف بها ممن جاء بعدهم والمستدلـون
بالي ـة على العتداد بالطهار مطال ـبون بإثب ــات أن ل فظ القرء أر جح في
الطهر ،فنقـول لهم إن القرء وهو مفرد يحتمل الطهر والحيض فإن جمع على
ت ـدع ال صلة (( أق ـراء فالمراد به الح يض كما جاء في حد يث الم ستحاضة :
وإن جمـع على قروء فالمراد بـه الطهـر كمـا جاء فـي قول )) أيام أقرائهـــا
ول ما ج مع في ال ية على ق ـروء )) ل ما ضاع ف يه قروء ن سائكـا (( الشا عر :
علمنا أن المراد به الطهر ل الحيض ،ولكنهم يقدحون في قولنا هـذا فيقولون
لو كان ادعاؤكم صحيحـا لما اختلف الصحابة فيه وهم أهل اللغـة كما ذكرنا
واختلفهم يدل على بقــاء الحتمال في حالـة الجمـع كما كان فـي حالـة
حديث المستحاضة أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عدي بن ثابت عن ()
أب يه عن جده و هو حد يث ضع يف لن الذي رواه عن عدي بن ثا بت أ بو اليقظان عثمان بن
عمير وهو متروك الحديث ومنكره وقال ابن حبان :اختلط حتى ل يدري ما يقول .
الضغن كالضغينة :الحقد .الفرض :الضخم . ()
43
)) تُضار (( بالمتناع عـن إرضاعـه ،فيقول المخالفون يحتمـل أن يكون أصـل
تُضارِر بك سر الراء في صح ال ستدلل ويحت مل أن يكون أ صله تُضارَر بفتح ها
فل يصـح السـتدلل إذ يكون المعنـى حينئــذ ل تمنـع الوالدة مـن حقهــا فـي
ـم لن
ـم الجمهور بأن الحتمال الول أقوى وأحكــ
ـا ،فيجيبهـ
إرضاع ولدهـ
الخطاب فيه يتعلق بمعيّن وفي الحتمال الثاني يتعلـق بمبهم والمتوجـه عليه
المر والنهي من شرطه أن يكون معيّنـا ل مبهمـا .
النوع الثالث احتمـال اللفظ المفرد لمعنيين تبعا لصورته ،ومثــاله
احتجاج فقهائنـا على منع بيع ذهب وعَرَض بذهب بحديـث فَضالـة بن عُبيد
اشتريـت يوم خيـبر قلدة باثنـي عشـر دينارا فيهــا ذهـب وخرز (( قال :
فقال : فف صّلتها فوجدت فيها أكثر من اثني ع شر دينارا فذكرت ذلك للنبي
،فنهى عن البيع مجمـلً وأمر بالتفصيل بين ()58
)) ل تباع حتى تُفصـل ((
الذهـب والخرز فدل ذلك على عــدم جواز بيـع ذهـب وعَرض بذهـب ،فيقول
فقه ـاء الحنف ية قد ورد ه ـذا الحد يث في روا ية أخرى ح تى تفضُل بالضاد
المعجمة المخففة أي حتى يكون في الذهـب الذي اشتريت به فضل على مقدار
الذهب المضاف إلى الخـرز ولما كانت المسألة واحدة علمنا أن اللفظيـن معا
لختلف حروفهم ـا وتنا في معنييه ما وأن اللف ـظ لم يتلف ـظ به ما ال نبي
متردد بينه ما فل ي صح الحتجاج به ،فيجيب هم فقهاؤ نا بأن الذي ن طق به
رواية الصاد المهملة أصح عند المحدثين ويعضدها ما رواه أبو داود من طريق
فيجـب أن تكون إحدى الروايتيـن )) ل حــتى تميـز بينهمـا (( آخـر أنـه قال :
مفسرة للخرى وبذلك يزول الحتمال .
حديث فَضالة بن عبيد أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي . ()
44
النوع الرابع احتمال اللفظ المركب لمعنيين لشتراكه بينهما ،ومثـاله
احتجاج فقهائنـا على أن لب الزوجة أن يسقط نصـف الصداق المفـروض
أو يعف ـوَ الذي بي ـده عقدة (( على الزوج إذا طلق ها ق بل الم سيس بقوله تعالى :
لنــه هـو الذي بيده عقدة النكاح فـي ابنتـه ،فيقــول الحنفيـة )) النكــاح
والشافع ية هذا الل فظ مشترك ب ين ال ـزوج وول ـيّ الزوج ـة لن الزوج أيضا
يصـدق عليـه كون عقــدة النكاح بيده ،فيجيبهـم فقهاؤنـا بأن الــزوج بعـد أن
طلق لم تبق بيده عقدة النكاح وبـأن العفو إسقـاط حتى ول يتصور إسقاطـه
إل من صاحبه الذي يمل كه و هو المطلق ـة إن كا نت تملك أ مر نف سها أو من
وليها إن كانت في حجره ولن ال تعالى وهو يخاطـب الزواج لو عناهم لقال
فلمـا عــدل عـن خطابهـم إلى خطاب الغائب علمنــا أنـه عنـى )) أو تعفون ((
. ()59
الولـيّ ل الزوج
النوع الخامس احتمـال اللفظ المركب لمعني ين يصح أحده ما باعتبار
ويصح الخـر باعتبـار آخر ،ومثالـه احتجاج المام أبي حنيفـة وبعـض
َتمْرة (( ع نه : أ صحابه على جواز الوضوء في ال سفر بنبي ـذ الت مر بقوله
كما جاء في حديث أبي رافع مولى ابن عمر عن عبد ال )) طيبة وماء طَهور
ا بن مسعود ،فيقـول فقهاؤنا إن المعنى المقصود من هذا الل فظ أ نه مجموع
من تمـرة طيبة ومن ماء طهور ل أنه بعد الجمـع والنقـع يصدق عليه أنه
يؤي ـد احتجاج هم فقـد روى تمرة طيبـة وماء َطهور ،فيجيبونهـم بأن فعله
. )) تو ضأ ليلة ال جن بال نبيذ أن ر سول ال (( ا بن عباس عن ا بن م سعود
فيقول ل هم فقهاؤن ـا ه ــذا الحد يث غ ير مقبول من أ ساسه لضع فه ،ولثبوت
هذه الم سألة من الم سائل المعضلة ال تي اختلف في ها العلماء وتعدد في ها التأو يل ()
ل بي ب كر بن )) و (( أحكام القرآن )) وال ستدلل فار جع في ها إن شئت إلى (( تف سير القر طبي
العربي .
45
فلم (( ولقوله تعالى : ) (1 عدم وجود ابـن مسـعود ليلة الجـن مـع الرسـول
فلم يجعل بين الماء والصعيد وسطا طهورا ل )) تجدوا ماءً فتيمموا صعيدا طيبا
نبيذا ول غيره .
واحتجاج فقهائنـا على أن القتصار في الوضوء على مسح الناصيـة
ل يجزئ وأن المسـح على العمامـة وحدهـا ل يجزئ بمــا صـح أن النـبي
مسح بناصيته وعلى العمامة معـا ولو كان المسح على الناصية وحدها كافيـا
ل قت صر عل يه ولو كان الم سح على العما مة وحد ها كافي ـا ل قت صر عل يه ،
فيقول الحنابلة يحت مل أن يكون ه ـذا في وضوء وا حد ويحت مل أن يك ـون في
وضوءين مسح بناصيته في وضوء ومسح على عمــامته في وضوء آخر ،
فيجيبهـم فقهاؤنـا بأن راوي الحديـث وهـو المغيـرة بـن شعبـة قـال :
ــــــــــــــ
-1روى الدارقطني عن أبي محمد بن صاعد عن أبي الشعث عن بشر بن المفضل عن داود ابن
أبي هند عن عامر الشعبي عن علقمة بن قيس قال (( :قلت لعبد ال بن مسعود أشهد رسولَ ال صلى
ال عليـه وسـلم أحـد منكـم ليلة أتاه داعـي الجـن ؟ فقال ل )) ثـم قال الدارقطنـي :هذا إسـناد صـحيح ل
يختلف في عدالة رواته .وقال البيهقي :الحاديث الصحاح تدل على أن ابن مسعود لم يكن مع النبي
صلى ال عليه وسلم ليلة الجن وإنما سار معه حين انطلق به يريه آثار الجن وآثار نيرانهم .
()1 )) فمسـح بناصـيته وعلى العمامــة وعلى الخفيـن توضـأ رسـول ال ((
46
فإن الجمـع قـد )) ع الصلة أيام أقرائها
تدَ ُ (( على أقراء كما جاء في قوله
يختلف باختلف معنى المفرد وإن كان لفظه مشتركـا كلفظ ( المر ) المشترك
بين الطلب وجمعُه حينئــذ أوامر وبين الفعل والشأن والشيء وجمعُه إذ ذاك
أمور ،ثم إن اقتران عدد القروء في الي ـة بالتاء قرينـة لفظيـة أخرى ترجـح
معنـى الطهار على معنـى الِحي َض لن الطهــار مذكــرة فيقترن عددهـا
بالتـــاء فيقال ثلث حِي َض ولمـا جــاء عدد القروء مقترنا بالتاء علمنـا أن
المراد بها الطهار وإن كان الحنفية يجيبون عن هــذا التعليل بأن اقتران عدد
القروء بالتاء ملحظ فيه لفظ القرء ل معنـاه ولفظه مذكر .
والقرينة السياقية مثالها احتجاج الحنفية على جواز انعقاد النكاح بلفظ
وإذا جـاز انعقـاد )) وامرأةّ إن وهبـت نفسهـا للنبي (( الهبة بقوله تعالى :
بلفـظ الهبــة جاز انعقاده بــه لمتـه قياسـا عليـه ،فيقول النكاح للنـبي
دل ه ـذا على )) خال صةً لك من دون المؤمن ين (( الشافع ية ل ما قال ال تعالى :
بشيء دون المؤمنيـن وذلك الشيء يحتمـل أن يكون جواز اختصاصـه
ــــــــــــــ
-1حديث المغيرة أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه .
47
أمته بل يحصل بإسقاط الصداق عنه حتى يكون ربه الحف يّ به قـد ذكـر له
إنـا أحللنا لك (( ثلثة أنواع من الحللت :إحللً ب صَداق وهو قوله تعالى :
ل بملك يمين وهـو قولـه تعالى :
،وإحل ً )) أزواجَـك اللئي آتيت أجورهن
،وإحللً بل َصـداق بـــل )) ومـا ملكـت يمينــك ممـا أفــاء ال عليـك ((
وامرأةً مؤمن ًة إن وه بت نف سها لل نبي إن (( بمطلق الوه ـب و هو قوله تعالى :
والخلوص الذي ُمن حه )) أراد ال نبي أن ي ستنكحها خال ص ًة لك من دون المؤمن ين
. ()1 هو نكاحها إن أراده من غير صَداق وحده
والقرينة الخارجية هي موافقة أحد المعنيين لدليل منفصل من نص أو
قياس أو عمل .
مثال الول موافقة ما ذهب إليه فقهاؤنا من أن المراد بالقروء الطهار
فإنـه أمر )) يا أيها ال نبيﱡ إذا طلق تم الن ساء فطلقو هن لعدتهن (( لقوله تعالى :
في هذه اليـة عند إرادة الطلق أن يطلـقن طلقـا تعقبه عدتهن فل تتراخى
ــــــــــــــ
-1المالكية يتفقون مع الحنف ية في أن سياق الي ـة ير جح تخ صصه صلى ال عليه وسلم بجواز
النكاح له بالهبة من غير صداق ولكن ل يتفقون معهـم في جوازه لمته إل مع ذكر الصداق تحديدا أو
تفويضا .
48
بالحائل ولذلك كان ال ستبراء بالح يض ل بالط هر وإذا كان كذلك تعي ـن ح مل
القروء على الِحيَض ل على الطهار .
ومثال الثالث و هو مواف قة الع مل أي ع مل ال صحابة اتف ــاق جمهور
)) وأرجلَكــم (( الفقهاء على وجوب غسـل الرجليـن فـي الوضوء بقوله تعالى :
لفظـا ومعنى وبالجرﱢ أيضا )) وجوهَــكم وأيديَـكم (( بالنصب عطفـا على
إذ لم ُين قل عن جمهور ال صحابة ()1 عطف ـا على الل فظ دون المع نى للمجاورة
أنه مسح رجليه إل على الخفين وإنمـا كان إل الغسل ولم يصح عن النبي
يغسـلهما ويتوعــد مـن يمســح رجليـه ول يسـتوعبهما بالغسـل فـي أحاديـث
.فكـان ذلـك دليـلً على أن المـراد بقولـه تعالـى ()2 صحاح كثيـرة
ــــــــــــــ
ُيرَسـل (( -1جاء هذا النوع مـن العطـف اللفظـي فـي القرآن وفـي كلم العرب قال ال تعالى :
عليكما َشواظ من نار ونحاس )) بالجرّ في قراءة أبي عمرو وابن كثير ،وقال زهير :
بعدي سوافي المُور والقطرِ لعب الزمان بها وغيّرها
-2منها حديث عبد ال بن عمرو المتفق عليه قال (( :تخلف عنا رسول ال صلى ال عليه وسلم
في سفرة فأدركَن ـا و قد أرهق نا الع صر فجعل نا نتو ضأ ونم سح على أرجل نا فنادى بأعلى صوته و يل
للعقاب من النار مرتين أو ثلثا )) .
. ()1 غسلها ل مسحها سواء بقراءة النصب أو بقراءة الجر )) وأرجلكم ((
الظاهـر
الظا هر هو الل فظ الذي يحت مل معني ين راجحا في أحده ما من جه ـة
لف ظه وضعا فكان أظ هر ف يه ولذلك كان مت ضح الدللة .ول تّضاح الدللة من
جهة الوضع ثمانية أسباب :
49
فالحقيقـة هي اللفظ المستعمل فيما وضع لـه كاستعمال لفظ السـد
في الحيوان المفترس المعلوم ،والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع
له لعلقة بينه وبين ما وضع له كإطلق لفظ السد على الرجل الشجاع .
فإذا كان اللفــظ يحتمـل حقيقتـه ومجازه فإنـه َيعدﱡ راجحا فـي حقيقتـه
لنها هي الصل في الوضع .
والحقيقة تنقسم إلى ثلثة أقسام :حقيقـة لغوية ويقابلها مجاز لغوي ،
وحقيقة شرعية ويقابلها مجـاز شرعي ،وحقيقة عرفية ويقابلها مجاز عرفي .
أما الحقيقة اللغويـة فمثالها احتجاج الشافعية وابن حبيب من فقهائنـا
المتبايعـان كل واحـد منهما (( على مشروعيـة خيـار المجلس بقولـه
ــــــــــــــ
-1قراءت ها بالن صب لنا فع وا بن عا مر والك سائي وح فص وبال جر للخر ين ،وأ صح ما ق يل في
توج يه قراءة الجهر أن ها لع طف الر جل على الرؤوس لفظا للجوار ل حكما ،وخالف مح مد بن جرير
الطبري الجمهور فاعتبرها لعطف الرجل على الرؤوس لفظا وحكما وقال بالتخيير بين غسلها ومسحها
جاعلً القراءتين كالروايتين في الحديث يعمل بهما إذا لم يتناقضا ،وقال أبو زيد النصاري وغيره من
أئمة اللغة المسح في كلم العرب يطلق على الغسل الخفيف وعلى المسح أي أنه لفظ مشترك بينهما ،
ولما كانت السنة الصحيحة قد بينت بالعمل وبالقول أيضا المرادَ منهما وهو الغسل فقد زال الشكال .
،فيقول فقهاؤن ـا المراد بالمتبايع ين ()1 )) بالخيار على صاحبه ما لم يتفرق ـا
المتساومان وتفرقهما إنما هو بالقول أي أنهما في حال تساومهما بالخيـار ما لم
يبر ما الع قد ويمضياه فإذا أمضياه ف قد تفرق ـا ولزمه ما الع قد وإن لم يفارق ـا
ل يبع الرجل (( المجلس إذ قـد يطلق اسم الشيء على ما يقاربـه كقوله
وإن ما المراد بالبي ـع ه نا ال سـوم ل نه و سيلة للب يع ، ()2 )) على ب يع أخي ـه
وإطلق ()3 فيجيـب الشافعيـة بأن إطلق المتبايعيـن على المتسـاومين مجاز
التفرق على إبرام العقــد وإمضائه مجــاز أيضــا والحقيقـة مرجحـة على
المجـاز .
50
وأما الحقيقة الشرعية فقد أثبت جمهور الصوليين وجودها محتجيـن
عليه بالستقراء ،فإنه لما استقرئت ألفاظ الصلة والزكـاة والصيـام والحـج
وجدت مستعملة في لسان الشرع للعبــادات الشرعية المسماة بها ،وبالستناد
إليها احتج فقهاؤنا على أن المحْرم ل يتـزوج في حـال إحرامـه بقولـه
ــــــــــــــ
-1ه ــذه روا ية ا بن ع مر ك ما جاءت في المو طأ ،وروا ية حك يم بن حزام ك ما جاءت في
الصـحيحين (( البيعان بالخيار مـا لم يفترقـا أو حتـى يفترقـا )) والتفرق والفتراق معناهمـا واحـد على
الصحيح .
-2حديث (( ل يبع الرجل على بيع أخيه ول يخطب على خطبته إل أن يأذن له )) رواه أحمد ومسلم
عن ابن عمر .
-3لكن فقهاءنا ل يسلمون بأن إطلق المتبايعين على المتساومين مجاز بل يقولون بما ذهب إليه
المام من أن وصف المتساومين بالمتبايعين حقيقة حين مباشرة البيع ومحاولته ،ويقولون أن ترجيحنا
معنى التفرق بالقوال على معناه بالبدان يستند إلى دليلين :الول أن البيع عقـد معاوضة لم يثبت فيه
خيار المجلس كالنكاح ،والثاني عمل أهل المدينة المعارض لخيار المجلس وإن احتمله الحديث .
،فيقول الحنفية يحتمل أنه أراد ()1 )) ل ينكِح المحْـرِم ول يُنكَح ول يخطُب ((
بالنكاح هنــا الوطـء وبهذا الحتمــال يكون الحديـث دليلً على حرمـة الوطـء
تزوج النبي (( على المحرم ل على حرمـة العقـد ويرجحه قول ابن عباس :
،فيجيبهـم فقهاؤنــا بأن إطلق لفـظ النكاح ()2 )) ميمونـة وهــو ُمحْرم
على الو طء مجاز شر عي وعلى العق ـد حقي قة شرع ية وح مل الل فظ الشر عي
على حقيقت ـه الشرع ية أولى من حمله على مجازه الشر عي ،ويؤ يد ما ذهب نا
ونحن تزوجني رسول ال (( إليه قول ميمونة نفسها وهي صاحبة الواقعة :
. ()3 )) سرِف
حللن ب َ
51
وأما الحقيقة العرفية فمثالها ما ذا قـال الزوج لزوجته ( أنت طالق )
، ()4 وقال إنمـا أردت طلقهـا مـن وثاق والطلق بهذا المعنـى حقيقــة لغويـة
فيقال له هذا اللفـظ صــار حقيقـة عرفيـة فـي حـل عصـمة النكاح على حقيقتـه
. ()5 اللغوية العامة
ومثال ها من كلم الشارع ما اح تج به فقه ـاؤنا على أن الب كر يجبر ها
واليتيمة هي ()6 تُستأمر اليتيمة في نفسها (( أبوها على النكاح من قوله
التي ل أب لها فمفهومه أن غيراليتيمة وهي ذات الب تزوج من غير استئمار،
ــــــــــــــ
-1حد يث (( لينكِح المحرم ول ُينكح ول يخ طب )) رواه مالك وأح مد وم سلم وأ صحاب ال سنن عن
عثمان بن عفان .
-2حديث ابن عباس أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن .
-3حديث ميمونة أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم .
-4يقال طلَقت الناقة تطلُق طلوقا إذا انحل وثاقها فهي طالق .
-5العرف عندنا يخصص العام ويقيد المطلق ويفسر اللفاظ في العقود وكنايات الطلق وسائر
اللفاظ المصطلح على مفاهيمها .
-6رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم (( :نستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فل جواز عليها )) .
52
وإطلق ها على غير ها مجاز عر في وإذا كان كذلك كان ح مل )) إلي هم أموال هم
. ()1 اللفظ على حقيقته العرفية أولى من حمله على مجازه العرفي
الجمهور :ال صل في اللفاظ النفراد بالمعاني وذلك يقت ضي انفراد لفظ ال مر
بأحـد المعنييـن فـي الوضـع وأن تكون دللتـه على المعنـى الخـر بالمجاز وقـد
أجمع نا على أ نه حقي قة في القول الطل بي فتع ين كو نه مجازا في غيره والل فظ
يجب حمله على حقيقته قبل حمله على مجازه .
53
ال صل في اللفاظ أن تكون متباي نة في مدلولت ها ل متراد فة ،ومثاله
ما احتج به فقهاؤنا على أن التيمم يصح بكل ما صعد من الرض على وجهها
لن ال صعيد مش تق من ال صعود في عم كل ما صعد على و جه الرض من ها ،
فيقول الشافعية إن الصعيد مرادف للتراب كما نص عليه أهل اللغة وأكده المام
الشافعـي نفسـه إذ قال الصـعيد ل يقـع إل على التراب ،فيجيـب فقهاؤنــا بأن
الصعيد إذا سمي به التراب فإما أن تكون التسمية اشتقاقية من الصعود فيعم كل
ما صعد من الرض على وجه ها وإ ما أن تكون ارتجال ية فيلزم الترادف و هو
خلف ال صل ،لذلك رجح نا مباي نة ل فظ ال صعيد لل فظ التراب واشتقاقَ ـه من
الصعود فعم كل ما صعد من الرض سواء كان ترابـا أو حجرا أو غيرهما .
()1 ،فيقول الخرون مـن فقهائنـا )) أكـل ذي ناب مـن السـباع حرام (( قوله
ما أكل ته ال سباع حرام أكله ل أن ال سباع نف سها ل تؤ كل ويكون إن ما أراد
،فيجيبهـم )) ومـا أكــل السـبع إل مـا ذكيتـم (( الحديـث مطابقا لقوله تعالى :
الولون بأن حمل الكلم على ما يوافق اليـة يلزم عنه التقدير ويكون كأنه قال
مأكول كل ذي ناب من ال سباع حرام وبهذا التأو يل ل يكون الكلم في الحد يث
مكتفيـا بذاته والصل في الكلم الكتفاء .
54
ل من
ال سبب الخا مس :التأ سيس و هو إفادة الل فظ مع نى لم ي كن حا ص ً
قبل ويقابله التأكيد وهو تقرير معنى حاصل وتقويته .
مثاله استدلل فقهائنا على أن التمتيع غير واجب على من طلق امرأته
قبل المسيس ولم يكن قد فرض لها صداقا مسمّى بقوله تعالى ((:ومتعوهن على
وقوله )) الموسـِع قدْرُه وعلى المقتـر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسـنين
لن الواجب ل يختص )) تعالى (( :وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين
بالمحسنين ول بالمتقين بل يعم المحسن وغير المحسن والمتقي وغير المتقي ،
تأكيدا للوجوب أي يحـق )) حقا (( فيقول المخالفون وهـم الحنفيـة إنمـا قال تعالى
ذلك عليهـم حقا وأمـا قوله ((على المحسـنين)) و ((على المتقيـن)) فمعناه على
المؤمنيـن لن الناس جميعهـم مأمورون بأن يكونوا محسـنين ومتقيـن فيحسـنون
بأداء ما فرض ال علي هم ويتقون باجتناب ما نها هم ع نه وذك ـر ال المطلق ين
بهاتين الصفتين الحميدتين ليعملوا بما أمرهم من التمتيع رجـاء أن يتصفـوا
ــــــــــــــ
-1هم العراقيون من المالكيين وابن القاسم فقد رووا عن المام القول بكراهتها ل بتحريمها وهو
المعول عل يه المشهور في المذ هب .ان ظر شرح البا جي للحد يث في المو طأ وتف سيـر القر طبي لقوله
قل ل أجد في ما أوحي محرما على طاعم يطعمه )) وباب الطعمة في (( بداية المجتهد )) . (( تعالى :
بهما ،فيجيبهم فقهاؤنا بأن الصل في الكلم التأسيس والتأكيد خلف الصل .
55
)) يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتما سّا ثم يعـودون لما قالوا
أي من حـرم زوجته بالظهار فعليـه الكفارة أولً ثم يعود إلى وطئها سالمـا
من الثم وذلك أن الظهار في ذاته منكـر من القول وزور فكـان مجرد التلفظ
بـه موجبا للكفارة ،فيجيـب الجمهور بأن الصـل فـي الكلم بقاؤه على ترتيبـه
الذي جاء عليه والتقديـم والتأخيـر خلف الصل .
ــــــــــــــ
-1العود عند مالك كما قال في الموطأ أن ُيجمع بعد الظهار على إمساكها وإصابتها أي أن يعزم
على إمساكها ووطئها معا على ما فهمه ابن رشد من قوله أو على أحدهما على ما فهمه الباجي ،وعند
أبي حنيفة وأحمد وأصحاب مالك بروايتهم عنه أن يعزم على وطئها وهي المرجحة في المذهب ،وعند
الشاف عي أن يم سكها ب عد الظهار و هو قادر على طلق ها ،وتأول الجم يع مع نى اللم في ال ية بمع نى
(في) ،وتمسك أبو داود وأصحابه وابن حزم بظاهر اللفظ فقالوا ل يكون العود إل بتكرار لفظ الظهار
فإن لم يكرر فل عود ول كفارة .
-2سيأتي بيان تقييد المطلق عند الكلم على المؤول .
فكفارت ـه إطعام عش ـرة م ساكيـن م ـن أو سـط (( اليمي ـن بقول ـه تعالى :
وفـي كفــارة الظهــار )) مـا تُطعمون أهليكـم أو كسـوُتهم أو تحريــرُ رقبـة
والذيـن يظاهرون مـن نسـائهم ثـم يعودون لمـا قالوا فتحريـر (( بقولــه تعالى :
،فيق ـول فقهاؤ نا المراد بالرق بة في اليت ين الرقبة المؤم نة كما ُ صرح )) رق بة
،فيجيـب الحنفيـة بأن هذا تقييـد للفـظ المطلق ()1 بهـا فـي كفارة قتـل الخطـأ
وال صل بقاؤه على إطل قه ،فنقول لهـم إن نا ن سلم بأن بقاء الل فظ المطلق على
56
إطلقه هو الصل ولكن لما كانت الكفارة في اليتين قربة واجبة لم نر الكافر
. ()2 محلً لها كالزكاة
السـبب الثامـن :العموم وهـو شمول اللفـظ كلﱠ مـا يصـلح له ويقابله
. ()3 الخصوص وهو اقتصار اللفظ على بعض ما يصلح له
والعموم في الل فظ إم ـا أن يكون من جه ـة اللغ ـة ،وإ ما أن يكون
من جهة العرف ،وإما أن يكون من جهة العقل .
فالعموم اللغ ـوي هو العموم الذي دل عل يه الل فظ من الج هة اللغو ية ،
واللفظ الدال على العموم من هذه الجهة إما أن يكون عمومه من نفسه وإما أن
يكون من لفظ آخر يدل على العموم فيه .
ــــــــــــــ
-1إذ قال تعالى (( :ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة )) .
-2يقوي ما ذهب نا إل يه أن الحاد يث المرغّ بة في الع تق م صرح في أكثر ها بالرق بة الم سلمة من ها
قوله صلى ال عليه وسلم (( :من أعتق رقبة مسلمة أعتق ال بكل عضو منه عضوا من النار )) متفق
عليه ،وقوله (( :أيما امرىء مسلم أعتق امرأ مسلما كان َفكاكه من النار ُيجزى كلّ عضو منه عضوا
ل م سلما فإن ال تعالى (( جا عل
أخر جه الترمذي و صححه ،وقوله :أي ما ر جل م سلم أع تق رج ً )) م نه
وقاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار )) ...أخرجه أبو داود وا بن حبان .وهذا
العتق المرغب فيه قربة غير واجبة فبالولى إذا كان قربة واجبة .قال مالك في الموطأ :أما الرقاب
الواجبة التي ذكرها ال في الكتاب فإنه ل يعتق فيها إل رقبة مؤمنة .
-3سيأتي بحث التخصيص عنه الكلم على المؤول .
فأمـا اللفـظ العام بنفسـه فهـو ثلثـة أنواع :أسـماء الشرط وأسـمـاء
الستفهام والسماء الموصولة .
النوع الول أ سماء الشرط و هي تف يد العموم في كل ما ت صلح ل ـه ،
ومـن أمثلتهـا احتجاج الجمهور على أن كـل مـا فضـل مـن ذوي السـهام فهـو
ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو ل ْو لى رجــل ذكر (( للعَصَبة بقوله
أي لقرب ر جل من العَ صَبـة ،واحتجاج هم على ق تل كل مر تد رجلً )) ()1
57
،واحتجاج بعض فقهائنا ()2 )) من بدّل دينه فاقتلوه (( كان أو امرأة بقوله
تبع ـا ل بن القا سم على أن الذ مي أيض ـا يملك الرض إذا أحيا ها بقول ـه
لن الذمي مندرج تحت هـذا العموم . ()3 )) من أحيا أرضا ميتة فهي له ((
. )) تشـدﱡ عليها إزارهـا ثم شأنك بأعلها فقـال رسول ال
الن ـوع الثالث ال سماء المو صولـة و هي كذلك تفي ـد العموم في كل
ما تصلح له ،ومن أمثلتها احتجاج بعض فقهائنـا على حكايـة جميع ألفـاظ
ــــــــــــــ
-1حديـث (( الحقوا الفرائض بأهلهـا فمـا بقـي فهـو لوْ لى رجـل ذكـر )) رواه أحمـد والشيخان
وأصحاب السنن عن ابن عباس .
من بدل دي نه فاقتلوه )) رواه أح مد والبخاري وأ صحاب ال سنن عن ا بن عباس ورواه (( -2حد يث
مالك عن زيد بن أسلم بلفظ (( من غير دينه فاضربوا عنقه )) .
من أح يا أرضا مي تة ف هي به )) رواه أح مد والترمذي و صححه عن جابر ورواه أيضا (( -3حد يث
أحمد والترمذي وأبو داود عن سعيد بن زيد ورواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه .
58
مثال ( أي ) الشرطيـة احتجاج فقهائنــا على أن كـل امرأة ولو كانـت
(( :أيما عاقلة بالغـة إذا تزوجت بغير إذن وليها فإن زواجها باطل بقوله
امرأة نكح ـت بغي ـر إذن ولي ها فنكاحُه ـا با طل فنكاحه ـا با طل فنكاحه ـا
،واحتجاج بعـض فقهائنـــا على أن جلد الميتـة يطهره الدباغ )) ()2 باطـل
يقول أيمـا إهاب دُبـغ فقد سمعت رسول ال (( بحديث ابن عباس قال :
. ()3 )) طهر
ــــــــــــــ
رواه مالك وأح مد والشيخان وأ صحاب )) -1حد يث (( إذا سمعتم النداء فقولوا م ثل ما يقول المؤذن
السنن عن أبي سعيد الخدري ،وأخـذ ابن حبيب وغيره من فقهائنــا بالجمع بين حديث أبي سعيد
هذا وب ين حد يث ع مر بن الخطاب الذي رواه م سلم وأ بو داود وأخرج البخاري نحوه عن معاو ية وف يه
أن السامع يقول عند ( حيّ على الصلة ) وعند ( حيّ على الفلح ) ل حول ول قوة إل بال .
رواه أح مد وأ بو داود والترمذي )) أيم ـا امرأة نك حت بغير إذن وليها فنكاحها با طل (( -2حد يث
وحسنه وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححه عن عائشة .
رواه أح مد وم سلم والترمذي وا بن ما جه ورواه مالك )) أيم ـا إهاب د بغ ف قد ط هر (( -3حد يث
.ول كن أك ثر فقهائ نا يقولون بعدم طهار ته وإن د بغ عملً )) إذا د بغ الهاب فقد طه ـر (( أيضا بل فظ
كتب إلينا رسول ال صلى ال عليه وسلم (( بما رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد ال بن ُعكيم قال :
ويعدون حد يث ا بن عباس من سوخا أو )) ق بل وفا ته بش هر أن ل تنتفعوا من المي تة بإهاب ول ع صب
محمولً على الطهارة اللغو ية ،والقائلون بطهار ته الشرع ية بالدباغ يقولون إن حد يث ا بن ُعك يم منق طع
ومضطرب ،وحمل ألفاظ الشارع على الحقائق الشرعية أولى من حملها على الحقائق اللغوية – انظر
للباجي . )) شرح الموطأ (( للشوكاني و )) نيل الوطار ((
59
ومثال ( ل ) النافيـة للنكرات احتجاج فقهائنــا على أن المسـتفـاد من
غير ربح المال الصلي ل يُضـم إليه ول تجب فيه الزكاة حتى يحـول عليه
، ()2 )) ل زكاة فــي مال حتــى يحول عليــه الحول (( : الحول بقوله
: وكاحتجاج هم على وجوب تبييت ال صيام في صـوم التطوع أيضا بقوله
لن النكرة المنفية ()3 )) من لم ُيجمع الصيام قبل الفجـر فل صيــام له ((
تعــم .
ومثال لفظ ( كل ) احتجـاج فقهائنـا على تحريـم كل النبذة المسكرة
ــــــــــــــ
أي من )) أكثرها ثمنـا (( -1قال أصبغ وأكثر أصحاب المام المراد بقوله صلى ال عليه وسلم
ب ين الرقاب الم سلمة .ويؤ يد هذا المراد ترغي به في إعتاق الرق بة الم سلمة وعدم م صلحة الم سلمين في
تفضيل تحرير رقاب كافرة على تحرير رقاب مسلمة .
رواه أ بو داود عن علي ب سند ج يد ورواه )) ل زكاة في مال ح تى يحول عل يه الحول (( -2حد يث
ابن ماجه عن عائشة والدارقطني عن أنس .
رواه أحمد وأصحاب السنن عن ابن )) من لم يجمع الصيام قبل الفجر فل صيام لـه (( -3حديث
عمر عن أخته حفصة .
كـل شراب أسـكر فهــو (( و ()1 )) كـل مسـكـر حــرام (( : بقولــه
(. )2 )) حرام
ومثال ( الــ ) الداخلة على غيـر معهود احتجاج الشافعيـة وأكثـر
()3 حرم ثمـن الكلب فقهائنــا على تحريـم بيـع كلب الصـيد لن النـبي
ولفـظ الكلب عام لنه معرف بـ ( الـ ) التي ليست للعهد فيعم كل أنواعه .
60
وأمـا اللفظ الذي يكون بعد اللفظ العام ويفيده العموم فهو المضاف إليه
المعرفة فإنه يفيد العموم في المضاف سواء كان المضاف مفردا أو جمعا .
ومثاله في المضاف المفرد احتجاج فقهائن ـا على أن صلة الجماع ـة
صلةُ الجما عة تف ضل (( : ل تتفا ضل بكثرة عدد الم صلين لقوله بقول ـه
فإن لفظ الجماعــة يعم كل جماعة ()4 )) صلة الفذ بسبع وعشرين درجة
مه ما كان عدد أفراد ها لذلك فإن صلة كل جما عة تف ضل صلة كل ف ـذ بهذا
العدد ول يكون ذلك إل إذا كانت الجماعات كلها في درجة واحدة من الفضل ،
ــــــــــــــ
رواه أحمد والشيخان وغيرهم عن أبي موسى الشعـري ورُوي )) -1حديث (( كل مسكر حرام
أيض ـا عن غيره من ال صحابـة كأ بي هريرة وأ نس بن مالك وع بد ال بن ع مر وع بد ال بن عباس
وعبد ال بن مسعود وجابر بن عبد ال .
رواه مالك وأحمد والشيخان عن عائشة . )) كل شراب أسكر فهـو حـرام (( -2حديث
إن رسول ال صلى ال عليه وسلم حرّم ثمـن الـدم وثمن الكلب وكسب (( -3قال أبو ُجحيفة :
رواه أحمـد والشيخان ،وروى مالك وأحمـد والشيخان وأصـحاب السـنن عـن أبـي مسـعود )) البغـي
إن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن )) . (( النصاري :
ولكن الحنفية وبعض فقهائنا كسحنون أجازوا ب يع كلب ال صيد والماش ية والزرع لما رواه م سلم وغيره
من أئمة الحديث عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال (( :من اقتنى كلبا إل كلب زرع أو
فأباح بقوله ه ــذا اتخاذ ما ا ستثناه من ها و ما أب يح )) غ نم أو صيد ين قص من أجره كل يوم قيراط
اتخاذه جاز بيعه كسائر الحيوان المأذون في اتخاذه للنتفاع به .
رواه أحمـد ومالك )) صـلة الجماعـة تفضـل صـلة الفــذ بسـبع وعشريـن درجـة (( -4حديـث
والشيخان عن عبد ال بن عمر .
صـلة الرجـل مع الرجـل أزكـى من (( : فيحتـج مخالفـونا بقولـه
صلتـه وحده و صلته مع الرجل ين أز كى من صلته مع الرج ـل و ما كان
،فنجيبهـم بأن فضـل الكثــر عددا ()1 )) أكثـر فهـو أحـب إلى ال تعالى
المنوه بـه فـي هذا الحديـث محمول على غيـر جماعات المسـاجـد وقوله
صلة الرجل مع الرجل وصلته مع الرجلين يشعر بذلك .
61
ومثاله في المضاف الجم ـع احتجاج فقهائن ـا على أن من د خل فـي
نافلة يرتبـط أولهـا بآخرهـا كالصـلة والصـيام والحــج والطواف ل يجوز له
والنافلة عمل فاندرجـت تحت )) ول تُبطلوا أعمالـكم (( قطعها بقوله تعالى :
هذا العموم ،واحتجاج المام الشافعـي على وجوب الكفارة فـي اليميـن الغموس
واليميـن الغموس مندرجـة فـي )) ذلك كفارة أيمانكـم إذا حلفتـم (( بقوله تعالى :
عموم اليمـان .
والعموم العرفــي هـو عموم اللفـظ المحــذوف الذي عينـه العرف ،
فإنه لما عيـن العـرف )) ُحرمت عليكم أمهاتكـم (( ومثالـه قولـه تعالى :
( ال ستمتاع ) للمحذوف ل ـزم تعل يق التحر يم بجم يع أنواع ال ستمتاع ،ول كن
إذا لم يكن عرف في محذوف معيّن فإن من العلماء من يرى العموم في جم يع
المقدرات ،ومنهم من يرى وجوب قصره على واحد منها يعيـن الحك مَ الشبه
بمراد الشارع أو الكث َر انطباقا على القياس .
مثال الول مـا احتـج بـه فقهاؤنــا على تحريـم النتفــاع بشيـء مـن
فإنه لمـا تعـذر تعليق )) حُرﱢ مت عليكم الميْتة (( الميتة مطلقـا بقوله تعالى :
التحريم بالميتـة نفسها وجب التقديـر ولما لم يتعين شيء بعينـه وجب تقدير
ــــــــــــــ
رواه أحمـد وأبـو داود )) صـلة الرجـل مـع الرجـل أزكـى مـن صـلته وحده ... (( -1حديـث
والنسائي وابن ماجه عن أبيّ بن كعب .
62
الش به بمراد الشارع فكــان مرفوع ـا عمـن أف طر نا سيا ،فيقــول المالك ية
وال ثم م ما ي صح تقديره بل هو الجدر بالتقد ير ل نه هو المج مع على ارتفا عه
عن المخ طئ والنا سي و هو الق يس لشَبَ ـه نا سي ال صوم بنا سي ال صلة وبذلك
يبقـى القضاء واجبا وجوب قضاء الصـلة المنسـية على أن تقديـر القضاء مـع
التسليم بارتفاع الثم يلزم منه التعميم في غير محل الضرورة .
والعموم العقلي منه عمـوم الحكم لعموم علته كما في القيـاس ،ومنه
عموم المفعولت ال تي يقتضي ها الف عل المن في ك ما إذا قلت ( وال ل آ كل ) فإ نك
تح نث ب كل مأك ـول ل نك لم ت صرح بالمفعول فكان عموم ـا عقلي ـا إذ ال كل
ل مه ما كان نو عه ،ولك نك لو صرحت بالمفعول ف قل
ي ستدعي بالضرورة مأكو ً
ل ( وال ل آكل لحما ) ونويت لحم الغنم دون غيره من اللحـوم الخـرى
مث ً
ــــــــــــــ
أخرجـه الطبرانـي فـي )) رفع عن أمتي الخطـأ والنسيان وما استكرهـوا عليه (( -1حديث
عن ثوبان وهو حديث ضعيف فل تقوم به حجة على سقوط القضاء عمن أفطر ناسيا وإنما )) (( الكبير
قال ر سول ال (( تقوم الحج ـة ب ما رواه أح مد والشيخان وأ بو داود والترمذي عن أ بي هريرة قال :
)) صلى ال عل يه و سلم من ن سي و هو صائـم فأ كل أو شرب فلي تم صومه فإنم ـا ال أطع مه و سقاه
) من ( ولكن المالكية يحملونه على صوم التطوع لعدم ذكر رمضان فيه ويرد عليهم مخــالفوهم بأن
الشرطية تفيد العموم – فتأمل .
63
فقــال زيـد وعلي وعثمان وابـن مسـعود ُ :تحجـب الم مـن الثلث إلى السـدس
بالخوين فأكثـر ،وقال ابن عباس :بل بالثلثة فأكثر .
ـم ،فقال المام وجمهور
ـي المقرّ لغيره بدراهـ
ـا فـ
واختلف فقهاؤنــ
أصحابه يلزمه ثلثة دراهم ،وقال ابن الماجشون يلزمه درهمان فقط بناء على
اختلفهم في أقل الجمع .
المـؤوّل
المؤول هـو اللفـظ الذي يحتمـل معنييـن راجحــا فـي أحدهمـا بدليــل
منف صل ،وه ـو مت ضح الدلل ـة في المع نى الذي تؤول ف يه لرجحان ـه ف يه ،
إل أن رجحانه لما كان بدليل منفصل لم يكن في اتضاح دللته كالظاهر الراجح
في أحد معنييه من جهة لفظه وضعا ،ويدخل في هـذا البحث سبعة تأويلت :
التأويـل الول :المجاز – وهــو حمـل اللفـظ على مجازه ل على
حقيقته ،وقد قدمنا أن الحقيقة لغوية وشرعية وعرفية ويقابل كل حقيقة مجازها.
ــــــــــــــ
-1نية الحالف عندنـا تختص العام وتقيد المطلق وتبين المجمل إذا لم يتعلـق الِحلف بحق الغير
فإن تعلق بحق الغير اعتبرت نية صاحب الحق .
أما المجار اللغوي فمثاله احتجاج فقهائنـا على أن من وجد متاعه عند
مشتري ـه المفلس ولم يق بض من ثم نه شيئ ـا ف هو أولى به من سائر الغرماء
من أدرك مال ـه بعين ـه ع ند ر جل أفلس ف هو أ حق به من (( : بقول ـه
،فيق ـول الحنف ية صاحب المتاع حقيقة في مشتر يه الحائز عل يه ()1 )) غيره
وهو المفلس ومجاز في الذي كان بيده والحقيقة أرجح من المجاز ،فيقـول لهم
فقهــاؤنا لقد دل الدليل هنا على ترجيح المجاز أل ترون أن جملة ( فهو أحق
64
به من غيره ) هي خبر ( من ) الشرط ية الدالة على صاحب المتاع قطع ـا ثم
الحاد يث الخرى الواردة في هذه القض ية فإن ها تدل ب صراحة على أن ال حق
بالمتاع صاحبه الول الذي باعه (. )2
وأما المجـاز الشرعي فمثــاله احتجاج الحنفية على أن الزنا يوجب
ول تَنكح ـوا ما ن كح آباؤك ـم من الن ساء (( حرم ـة الم صاهرة بقوله تعالى :
فإن المراد بالنكاح الو طء )) ل
إل ما قد سلف إ نه كان فاحش ًة ومقتا و ساء سبي ً
أي ل تطؤوا من وطِئهن آباؤكم ومن زنـا بها الب فقد وطئهــا فحرم على
ابنه وطؤها ،فيقـول فقهاء الشافعية وجمهور فقهائنا إنما المراد بالنكـاح العقد
ل نه حقي قة شرع ية ف يه وأم ــا في الو طء فمجاز شر عي والحقي قة الشرع ية
أر جح من المجاز الشر عي وعل يه فالزن ـا ل يو جب حرمة الم صاهرة ،فيقول
)) إل ما قد سلف (( الحنف ية بل المراد بالنكاح في الي ـة الو طء لقوله تعالى :
فـإن عرب الجاهلية الذين كانوا يخلفون آباءهم في نسائهم إنما كانوا يخلفونهم
ــــــــــــــ
)) -1حديث (( من أدرك ماله بعينه عند رجل قـد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به مـن غيره
رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة .
-2من ها ما رواه مالك في الموط ـأ (( :أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال :أي ما ر جل باع
متاعا فأفلس الذي ابتا عه م نه ولم يق بض الذي با عه من ثم نه شيئا فوجده بعي نه ف هو أ حق به وإن مات
الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء )) .
فـي الوطـء ل فـي العقـد لنهـم لم يكونــوا يجددون عليهـن عقــدا بـل كانوا
والفاحشـة هـي )) إنـه كان فاحشـة ومقتا (( يأخذونهـن بالرث ولقوله تعالى :
الف عل المتنا هي في الق بح وتطلق على الو طء المحرم ل على الع قد البا طل غ ير
المقرون بالو طء ،والم قت أشدﱡ الب غض وإذا كان الزن ـا في ذا ته فاح شة ك ما
)) ل
ول تقربوا الزن ـا إ نه كان فاح شة و ساء سبي ً (( ج ـاء في قوله تع ـالى :
65
ف ـإن و طء موط ـوءة الب فاح شة وم قت أيضا لغرا قه في الق بح المبغوض
أشـد البغض .
وأما المجاز العرفي فمثاله احتجاج فقهائنا على أن الظهـار يلزم السيد
والذيـن يظاهــرون مـن (( فـي َأمَتــه التـي يحـل لــه وطؤهـا بقوله تعالى :
لن المَـة من نسائنا ،فيقول مخالونا من فقهــاء المذاهب الثلثة )) نسائهم
للذيـن (( هذا اللفـظ خاص فـي العرف الشرعـي بالزوجــات فقـد قال تعالى :
يا أي ها ال ني قل لزوا جك (( وقال : )) يؤلون من ن سائهم تر بص أرب عة أش هر
والمراد بالنساء )) وبناتــك ونساء المؤمنين ُيدْنيـن عليهن من جلبيبهـن
فـي هاتيـن اليتيـن الزوجات بالتفاق ،فيجيبهـم فقهاؤنـا بأن التعـبير فـي اليـة
الظهار بل فظ الن ساء جارٍ مجرى الغالب ول ما ك ـان الظهار في الجاهل ية طلقا
كان خاصـاً بالزوجات ،ثـم لمـا نسـخ رجـع إلى تحريـم السـتمتاع ولمـا كان
الستمتاع عاما في الزوجات والماء شمل حكم الظهار المَـة فحرم الستمتاع
بها كما حرم بالزوجة قبل التكفير .
التأو يل الثا ني :التقد ير – ومثاله احتجاج الشافع ية على جواز مرور
يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة (( الجنب في المسجد للعبور بقوله تعالى :
إذ المراد )) وأن تم ُ سكارى ح تى تعلم ـوا ما تقولون ول جنبا إل عابري سبيل
ل تقربوا موا ضع ال صلة و هي الم ساجد وأن تم ج نب إل عابري أي مجتاز ين
غير لبثيـن ول مترددين ،فيقول لهم المالكية إن هذا فيه تقدير والصل عدمه
يدل على أن المراد ل تفعلوا الصلة )) حتى تعلموا ما تقولون (( وقوله تعالى :
أي ل تصلوا وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ول تصلـوا في المسجد أو
في غير المسجد ،وإن كنتم ل تزالون بالتيمم جنبا لن التيمم ل يرفع الجنابة بل
يبيح الصلة ما دام العذر الموجب له قائما .
66
التأويل الثالث :الترادف -ومثاله احتجاج جمهور فقهائنا على تحريم
ل تنتفع ـوا من المي تة بإه ـاب (( : النتفاع بجلد المي تة وإن دب ـغ بقوله
،فيقول المخالفون من فقهائ نا :الهاب ا سم خاص بالجلد ()1 )) ول عَ صَب
غير المدبوغ كما قال أهل اللغــة ولم يوضع للجلد غير المدبوغ اسم يخصه
غ ير الهاب فإن جعلناه مرادفا للجلد مطلقا ل ـزم م نه مخال فة أ صل الو ضع ،
فيجيب هم الجمهور بأن الخليل بن أح مد قال :الهاب الجلد ،ولم يقيده بأ نه غير
مدبوغ وهو أعرف باللغـة وأقرب إلى أهلها الوَل .
التأويـل الرابـع :التأكيـد -ومثاله احتجاج فقهائنـا على وجوب مسـح
أي امسـحوا )) وامسـحوا برؤوسـكم (( كـل الرأس فـي الوضوء بقوله تعالى :
رؤو سكم والباء زائدة لتأكي ـد الم سح كتأكيد ها لم سح الو جه في التي مم ،فيقول
الشافعيـة الباء هنـا للتبعيـض ل للتأكيـد لن التأكيـد خلف الصـل لعدم توقـف
وام سحوا (( المع نى عل يه وأ ما التبع يض فل يفه ـم إل ب ما يدل عل يه كالباء في
بناصيته دون سائر شعر رأسه كما جاء ويؤيـده مسح النبي )) برؤوسكم
في حديث المغيرة ،فيقول لهم فقهاؤنـا إن زيـادة الباء للتأكيد كثيرة الـورود
ــــــــــــــ
-1رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد ال بن ُعكيم قال (( :كتب إلينا رسول ال صلى ال عليه
إل أن فيـه انقطاعا واضطرابا )) وسـلم قبـل وفاتـه بشهـر أن ل تنتفعوا مـن الميتـة بإهاب ول عصـب
وحديث ابن عباس الذي رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه وقال فيه (( :سمعت رسول ال صلى
للشوكاني )) نيـل الوطار (( أصح منه – انظر )) ال عليه وسلم يقـول أيمـا إهـاب دبغ فقد طهر
للباجي تجد فيهما التفصيل والتحقيق . )) شرح الموطـأ (( و
أي )) وهُــزي إليـك بجِــذع النخلة (( والسـتعمـال ،قال ال تعـــالى :
أي إلحادا وقال فـي اليـة )) وم َن يردْ فيـه بإلحاد بظلم (( جذعـ النخلة وقال :
َ
أي وجوهَــكم وأيدَيكـم ،وإنكـم )) فامسـحوا بوجوهكـم وأيديكـم (( التيمـم :
تتفقون مع نا على وجوب م سح الو جه كله في التي مم ول توافقون نا على وجوب
67
مسـح الرأس كله فـي الوضوء ! ويؤيـد مـا ذهبنـا إليـه أن كـل الذيـن وصـفوا
قالوا إ نه م سح الرأس كل ـه وأ ما م سحُـه بنا صيته الذي جاء في وضوءه
تو ضأ ر سول ال (( حد يث المغيرة فإ نه ح جة ل نا ل ل كم إذ ق ـال المغيرة :
فكان مسحه على العمامة بعد مسح ما ()1 )) فمسح بناصيته وعــلى العمامة
ل لمسـح الرأس كله ولو كان مسـح مـا أدرك مـن رأسـه
أدرك مـن رأسـه إكما ً
ال تي كا نت حائ ــلً بي نه وب ين ()2 مجزئ ـا ل ما أكمله بالم سح على العما مة
. ()3 باقي الرأس فأجراها مجرى العصابة بنقل فرض المسح إليها
التأو يل الخا مس :التقد يم والتأخ ير -ومثاله تأو يل الحنف ية قوله
إذا حل فت على يم ين فرأ يت غير ها خيرا من ها (( سمُـرة :
لع بد الرح من بن َ
بأن فيه تقديمـا وتأخيـرا أن ()4 )) فكفـر عن يمينك وائت الذي هـو خير
ــــــــــــــ
-1حديث المغيرة أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه .
-2قال ابن القيم :لم يصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتـة
ولكن كان إذا مسح بناصيته أكمل على العمامة .
-3يغلب على الظـن أن مسـحه صـلى ال عليـه وسـلم على عمامتـه كان لعــذر اضطره إلى عدم
نزع ها ويقوي هذا ال ظن ما رواه أح مد وأ بو داود عن ثوبان قال (( :ب عث ر سول ال صلى ال عل يه
و سلم سرية فأ صابهم البرد فل ما قدموا على ال نبي صلى ال عل يه و سلم شكوا إل يه ما أ صابهم من البرد
أي على العمائم والخفاف حتى ل يؤذيهم البرد . )) فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين
)) إذا حلفت على يمين فرأيت غيرهـا خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير (( -4حديث
إذا حلفت على يمين فرأيـت غيرها خيرا منها فائت الذي (( رواه أحمد والشيخان ورووه أيضا بلفظ :
. )) هو خير وكفر عن يمينك
68
بأن إبقـــاء الحديـث على ترتيبـه يلزم ع نه وجوب تقديـم الكفارة على الحنـث
إذا حل فت (( بدللة ( ثم ) ال تي وردت في رواي تي الن سائي وأبي داود هك ـذا :
ول قائل بوجوب تقديمها ، )) على يميـن فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير
فيقول لهـم فقهاؤنــا لم ترد ( ثـم ) إل فـي بعـض الروايات ووردت الواو فـي
أكثرها وهي ل تفيـد ترتيبـا ول تعقيبـا وفي بعض روايات الواو جاء المر
بالتكف ير ق بل ال مر بإتي ـان الذي هو خ ير و في بعض ها بالع كس ولذلك رأي نا
التكفير جائزا قبـل الحنث وبعده وإن كان بعده أولى ليقع الحق بعد موجبه .
التأويل ال سادس :تقييـد المطلق -اعلم أن صورة التقيي ـد إما أن
تت حد مع صورة الطلق في ال سبب والح كم معا ،وإم ـا أن تت حد معه ـا في
الح كم وتختلف عن ها في ال سبب ،وإم ـا أن تت حد معه ـا في ال سبب وتختلف
عنها في الحكم ،وإمــا أن تختلف الصورتان في السبب وفي الحكم كليهما .
فإن اتحدت صورة التقييـد مع صورة الطلق في السبب وفي الحكم
ل نكـاح إل بولي (( : حمل المطلق على المقيـد بل خلف كما في قوله
فوجب ()2 )) ل نكاح إل بولـي وشاهدي عدل (( وقوله : ()1 )) وشاهدين
ــــــــــــــ
أخرجـه الطـبراني عـن أبـي موسـى الشعري ورمـز )) ل نكاح إل بولي وشاهديـن (( -1حديـث
السيوطي في جامعه الصغير لحسنه .
أخر جه البيه قي عن عمران بن ح صين و عن )) ل نكاح إل بولي وشاهد ين عدل (( -2حد يث
:إ سناده صحيح ،وأخر جه الدارقط ني عن ا بن عباس وقال : )) المهذب (( عائ شة وقال الذ هبي في
رجاله ثقات .
تقييد الشهود هنـا بالعدالة لن السبب وهو ثبوت النكـاح واحد في الصورتين
ولن الحكم وهـو وجوب الشهاد فيه واحد أيضـا في الصورتيـن ،وإنما
لم يشترط المام أ بو حني فة عدالة الشاهد ين في ع قد النكاح لن الحد يث الثا ني
69
الذي يقيد الشاهدين بالعدالة لم يثبت عنده لذلك بقي على رأيـه في أن المقصود
بالشهاد في العقد إعلنـه وهو ل يتوقف على عدالة شهوده .
وإذا كان الل فظ المطلق من القرآن واللف ـظ المقيّ ـد من أخبار الحاد
فإنه يتقيـد به عندنا ول يتقيد به عند أبي حنيفة لنه يرى اللفـظ الثابت بخبر
الحاد زيادة على اللف ــظ القرآ ني الثا بت بالتوات ـر ويرى الزيادة عل يه ن سخا
له ونسخ القرآن ل يجوز بخبر الحـاد ،ونحن ل نرى أخبــار الحاد زيادة
...وتحريمهـا (( : على اللفاظ القرآنيـة بـل بيانا لهـا ومثالــه تقييـد قوله
فإن الل فظ )) وذك َر ا س َم ر به ف صلـى (( لقوله تع ــالى : ()1 )) الت كبير ...
القرآني يقتضي بإطلقه صحة الدخول في الصلة بأي ِذكْـر ل وقـد أخذ به
المام أبو حنيفة ،والخبر يقيد مطلق ال ِذكْـر بالتكبير وبه أخذ الئمة الثلثة .
وإن اتحدت صورة التقييد مع صورة الطلق في الحكم واختلفت عنها
في السبب حمل المطْـلق على المقيد عندنا ومثالـه احتجاجنا بقوله تعالى في
على اعتبار )) ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (( كفارة القتل الخطأ :
اليمان في كفارتي الظهار واليمين فإن الكفارة في آية القتل مقيدة فحملنا عليها
كفارتي الظهار واليمين المطْـلقتين ،فيقـول مخالفونا وهم الحنفية ل يجب أن
ــــــــــــــ
رواه )) -1قال صلى ال عليه وسلم (( :مفتاح الصلة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم
أحمـد وأ بو داود والترمذي وابـن ما جه عن علي ،وقال الترمذي :هـو أ صح ش يء في ه ـذا الباب
ب عد أن ذ كر طر قه الكثي ـرة و ما ق يل في ها :وهذه )) ن يل الوطار (( وأح سنه ،وقال الشركا ني في
الطرق يقوي بعضها بعضا فيصلح الحديث للحتجاج به .
تحمـل كفارتـا الظهار واليميـن على كفارة القتـل لختلف السـبب وإن اتحــد
الحكم ،فنقول لهم إن الجميع كفارة وتحرير رقبة العبد صدقة عليه ومن شرط
القابـض للصـدقات الواجبــة اليمان كالزكاة فإنـه ل تجزئ إل بدفعهـا لمؤمـن
70
وهذه هي علة اعتبار اليمان في كفارة الق تل و هي بعين ها موجودة في كفار تي
الظهار واليمين فوجب اعتبار اليمان فيهما .
وإن أتحدث صـورة التقييـد مـع صـورة الطلق فـي السـبب واختلفـت
عن ها في الح كم ل يح مل المطلق على المق يد ع ند الجمهور ،ومثاله قوله تعالى
في كفارة اليمين (( :فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم
فقيّد الطعام بالوسط وأطلق الكسوة فلم يقيدها ، )) أو كسوتهم أو تحرير رقبة
ول ما كان ح كم الك سوة المط ـلقة غ ير ح كم الطعام المق يد أبقا ها الجمهور على
إطلقها فلم يقولوا بوجوبها من أوسط كسوة الهل (. )1
وإن اختلفـت صـورة التقييـد وصـورة الطلق معا فل يحمـل المطلق
)) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (( على القيد اتفاقـا ،ومثاله قوله تعالى :
يـا أيهـا الذيـن آمنوا إذا قمتـم إلى الصـلة فاغسـلوا وجوهكـم (( وقوله تعالى :
فإن اليدي في ال ية الولى مط ـلقة و في ال ية الثان ية )) وأيديَ كم إلى المرا فق
مقيدة ول ما كان سبب ذ كر اليدي المطل قة مختلفا عن سبب ذ كر اليدي المقيدة
وكان الح كم المحكوم به على الولى مختلفا عن الح كم المحكوم به على الثان ية
امتنع حمل المطلقة على المقيدة وو جب إبقاء الولى على إطلق ها والثان ية على
تقييدها بل خلف .
ــــــــــــــ
-1ذهب المامان مالك وأحمد إلى أن الواجب المجزئ من الكسوة للرجل ثوب يستر بدنه وللمرأة
درع سابغ وخمار .وذ هب المامان أ بو حني فة والشاف عي إلى أن الوا جب المجزئ من ها أ قل ما ينطلق
عليه اسم الكسوة كقميص أو رداء ساترين مع إضافة خمار للمرأة .
71
وأمـا التخصـيص بالمتصـل فيكون بالسـتثناء ويكون بغيره كالشرط
والغاية والصفة مما يذكر في مفهوم المخالفة .
والتخصيص بالستثناء تتعلق به مسألتان رئيستان :
المسألة الولى :اختلفهم في مقتضى الستثناء ،فقال المام الشافعي
وأك ثر فقهائن ـا إن ـه يقت ضي نق يض ح كم صدر الجملة في الم ستثنى أي ن في
حكم ال صدر الم ستثنى م نه عن الم ستثنى ف ـإذا قال قائ ـل مثلً ( عندي عشرة
إل ثلثـة ) فــإن العشرة مقصـودة كلهـا ابتــداء ثـم أُخرج منهـا المسـتثنى
بمعارضـة السـتثناء الذي اقتضـى نفـي حكـم الصـدر عـن المسـتثنى ،وقــال
الحنف ية وب عض فقهائ نا إن ال ستثناء كت ـكلم بالبا قي من الم ستثنى م نه و سكوت
عـن حكـم المسـتثنى فإذا قــال القائل ( عندي عشرة إل ثلثـة ) فكأنـه قــال
عندي سبعة وسكت عن الثلثة ،وعلى ذلك اختلف فقهاؤنا فيمن قال لزوجتـه
( أنـت طالق ثلثا إل ثلثا إل واحدة ) فعلى الول وهـو مشهور المذهـب تقـع
عل يه طلقت ـان ل نه ل ما قال إل ثلثا صار ذلك كالمعارض لل صـدر الم ستثنى
م نه ولم ـا ا ستغرقـه ب طل لبط ــلن ال ستثناء الم ستغرِق فو جب أن ُيل غى
ويـردّ الستثناء الخـر إلى الصدر الول فكأنـه قـال أنت طالـق ثلثـا
إل واحدة فوقعت عليه طلقتان ،وعلى الثاني تقع عليه طلقة واحدة فقـط لنه
لمـا قال فـي المسـتثنى ثلثا إل واحدة فكأنـه تكلم باثنتيــن فقال أنـت طالــق
ثلثـا إل اثنتين فوقعت عليه واحدة وممن قالوا بهذا ابن الحاجب وابن عرفة .
المسألـة الثانية :إذا جاء الستثناء بعد جمـل معطوفة بالواو فإنـه
72
يقبلونهـا والحنفيــة ل يقبلونهــا .وسـبب الخلف توجيـه السـتثناء فـي قوله
)) ول تقبلوا لهـم شهادةً أبدا وأولئك هـم الفاسـقـون إل الذيـن تابوا (( تعالى :
فالجمهور يوجهونه على الجملتين والحنفية يقصرونه على الخيرة منهما ويبقى
على عمو مه .والش به بال حق )) ول تقبلوا ل هم شه ــادة أبدا (( قوله تعالى :
في هذه الي ـة توجي هه على الجملت ين كلتيه ما لن ردﱠ الشهادة من علة الف سق
فإذا زال الفسق بالتوبة زال ردﱡ الشهادة (. )2
وأمـا التخصـيص بالمنفصـل فأهـم أنواعــه تخصـيص عموم الكتاب
)) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء (( بالكتاب كتخصيص قوله تعالى :
والذيــن ُيتوفّــوْن منكـم ويــذرون أزواجــا يتربصـْـنَ (( قوله تعالى :
الشامليـن لولت الحمال بقولـه تعالى : )) بأنفسهن أربعـةَ أشهر وعشْـرا
،وتخصـيص عموم )) وأولتُـ الحمــال أجلهــن أن يضعْنَـ حملــهن ((
في ما سقـت ال سماء والعي ـون أو (( : ال سنـة بال سنـة كتخ صيص قوله
ليـس فيما دون خمسـة أوسُـق (( : بقولـه ()3 كـان عَثَريا العشـر
ــــــــــــــ
-1بعـد أن ذكـر الغزالي قول القائليـن بالشمول والقائليـن بالقتصـار وحججهـم رج ّح الحتمال
والتو قف إلى أن يقوم دل يل وقال :والذي ي ـدل على أن التو قف أولى أ نه ورد في القرآن الق سام كل ها
من الشمول والقت صار على الخ ير والرجوع إلى ب عض الج مل ال سابقة – ان ظر ف صل تع قب الج مل
)) . المستصفى (( بالستثناء في
)) أحكام القرآن (( و )) تفسير القرطبي (( -2اطّلـعْ على أقوال العلماء في تأويل هذه اليـة في
لبن العربي .
رواه أحمـد والبخـــاري )) فيمـا سـقت السـماء والعيون أو كان عثريا العشـر (( -3حديـث
وأصحاب السنن عن عبد ال بن عمر جاء في بعض رواياته ( بعلً ) بدل ( عثريا ) والعثري هو الذي
يشرب بعروقه من غير سقي .
: ،وتخصيص عموم السنـة بالكتاب كتخصيص قولـه ()1 )) صدقـة
ومـن (( قوله تعالى : ()2 )) مـا ُقطـع مـن البهيمـة وهـي حيـة فهـو ميتـة ((
73
،وتخصـيص عموم )) أصـوافها وأوبارهـا وأشعارهـا أثاثا ومتاعــا إلى حيـن
الكتاب بالسـنة وإن لم تكـن متواترة عنـد الجمهور خلفا للذيـن يشترطون فـي
تخ صيصه بغ ير المتواترة أن يكون مخ صصا بش يء آ خر ح تى تض عف دلل ته
على العموم فيجوز حينئذ تخ صيصه ب خبر الوا حد ومثاله احتجاج فقهائن ـا على
، ()3 )) هو الطـهور مـاؤه الحِـلﱡ مَيْتته (( : حـلﱢ ميتة البحر بقوله
ولمـا لم )) ُحرمـت عليكـم الميتـة (( فيقول الحنفيـة هذا معارَض بقوله تعالى :
يخ صّص بشيء آخر لم يجز تخصيصه بهذا الخبر ،فيجيبهم فقهاؤنا بأن خبر
الوا حد يخ صص عموم القرآن لن عمو مه ظا هر في أفراده ول يس ب نص في ها
فتخصيصه به جمع بين الدليلين .
هذا ويجوز تخصيص العموم بالمفهوم عند القائلين به ،ومثاله احتجاج
فقهائنـا على أن الحــرّ القادر على التزوج بحرة مؤمنـة ل يحـل له أن يتزوج
ل أن ين كح المح صنات المؤمنات
و من لم ي ستطع من كم َطوْ ً (( أمَة بقوله تعالى :
فإن مفهومه يقتضي تحريم نكاح )) فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات
الماء على واجدي الطــوْل أي القدرة على نكاح الحرائر ،فيقول مخالفوهـم
ــــــــــــــ
رواه مالك وأحمد والشيخان وأ صحاب ال سنن )) ليس في ما دون خم سة أو سق صدقة (( -1حد يث
عن أبي سعيد الخدري .
رواه أح مد وأ بو داود ولترمذي عن أ بي )) ما ق طع من البهي مة و هي ح ية ف هو مي تة (( -2حد يث
واقد الليثي وابن ماجه والطبراني عن ابن عمر والحاكم عن أبي سعيد الخدري .
جاء رجل إلى رسول ال صلىال (( -3روى مالك وأحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة قال :
عليه وسلم فقال يا رسول ال إنا نركب البحر ونحمل معنـا القليل من المـاء فإن توضأنا به عطشنا
أفنتوضأ من ماء البحر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :هو الطهور ماؤه ،الحل ميتته )) .
، )) فانكحــوا مـا طاب لكـم مـن النسـاء (( هــذا معارَض بقولــه تعالى :
فيجيب هم فقهاؤن ـا بأن نا نقول بتخصيص العمــوم بالمفهوم لما ف يه من الج مع
74
)) فانكحوا ما طاب لكم من النساء (( بين الدليلين وبـأن معنى قولـه تعالى :
تزوجوا ما حـلﱠ لكم منهن ول نـرى كلمة النساء هنـا تشمل المَـة لواجد
الطول لن المَـة خرجت منهن بمفهوم الية الولى .
ثم إن الع ـام إذا ورد على سبب خاص فإ نه ل ُيق صَر علي ــه بل ُ
يع طي لل سبب ما يخ صه ويب قى العموم على عمو مه في ما ع ـداه ،ومث ــاله
احتجاج الشافعيــة على وجوب الترتيـب بيـن العضاء الربعـة فـي الوضوء
( )1و ( مـا ) مـن ألفاظ )) نبدأ بمـا بدأ ال بـه (( بقوله صـلى ال عليـه وسـلم :
العموم لنها من السماء الموصولـة فاندرج الوضوء فيها لذلك وجب البتداء
بغسل الوجه فاليدين إلى آخر العضاء الربعة على الترتيب الذي جاء في قوله
يا أَيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى (( تعالى :
فيقول الحنفيـة أن قوله )) المرافـق وامسـحوا برؤوسـكم وأرجلكـم إلى الكعـبين
نبدأ بما بدأ ال به )) وبدأ بالصفا والعامﱡ إذا ورد على (( صلى ال عليه وسلم :
صرُ على سببه بل ُيح مل على عمو مه لن المقت ضي للعموم
سبب خاص ل ُيقت َ
قائـم والسبب ل يجـب أن يكون مانعا له فيعطي للسبب ما يخصه ويبقى حكم
ــــــــــــــ
رواه مالك وأحمــد وأصـحاب السـنـن هكــذا بنـــون )) -1حديـث (( نبدأ بمـا بدأ ال بـه
بصيغة )) بهمزة المضارعة ،ورواه النسائي أيضا (( فابـدؤوا )) أبـدُأ (( المضارعة ،ورواه مسلم
المر وكلهم عن جابر بن عبد ال .
75
اعلم أن المراد بالمفهوم ه نا ما ف هم من الق ـول في غ ير م حل الن طق
بل في ما وراء ذلك من فحواه ولح نه والمق صود م نه .والقول الدال بمفهوم ـه
على الحكم إما أن تكون دللتـه عليه بمفهوم الموافقة وإما أن تكـون بمفهوم
المخالفــة .
فمفهوم الموافقة هو ما يفهم منه أن المسكـوت عنه أولى بالحكم من
المنطـوق بـه ويسمى ( فحـوى الخطاب ) أو أنــه مسـاوٍ لـه ويسمـى
( لحن الخطاب ) .
مثال الول قولـه تعالى في وجوب إحسان معاملة الوالدين (( :فل تقل
فإ نه ل ما حرّم التأ فف منه ما ونهرهم ـا كان تحر يم )) ف ٍ ول تنهره ما
له ما أُ ّ
ل مثق ـال ذرة خيرا يره و من يع مل
ف من يعم ْ (( ضربه ما أولى ،وقوله تعالى :
فإنـه يفهـم منـه أن مـن يعمـل أكثـر مـن مثقال ذرة يراه )) مثقال ذرة شرا يره
ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطـار يؤدﱢه إليك (( بالولى ،وقولـه تعالى :
فإنه يفهم )) ومنهم من إن تأمنه بدينار ل يؤده إليك إل ما دمت عليــه قائما
منه أن من ل يؤدي الدينار إذا اؤتمن عليه ل يؤدي الكثر منه بالولى .
ــــــــــــــ
-1الصوليـون من المالكية أيضا يقولون بهذا إل أن المع ـول عليه عند جمهور فقهاء المذهب
أن الترت يب في غ سل أعضاء الوضوء الرب عة ل يس بوا جب بل هو سنة ويرون أن واو الع طف ك ما
يعطف بها الشياء المرتب بعضها على بعض يعطف بها أيضـا الشياء غير المرتبـة وأن العضاء
الربعة في الوضوء كأعضاء الجسد كله في الغسل من الجنابة أمر ال تعالى بغسلها وسنّ رسوله صلى
ال عليه وسلم بفعله الترتيب بينها .
إن الذ ين (( ومثال الثا ني قول ـه تعالى في تحر يم أك ـل أموال اليتا مى ظلما :
)) يأكلون أموال اليتا مى ظلما إن ما يأكلون في بطون هم ن ـارا و سيصلون سعيرا
76
فإنـه يفهم منه أيضا تحريم إتلفها وهو مسـاوٍ لتحريم أكلهـا ظلمـا لمساواة
إتلفها لكلها في إضاعتها على أصحابها .
ثم اعلم أن مفهوم الموافقة ،منه الجلي كما مثلنا لـه ،ومنه الخفي
الذي للن ظر والحتمال ف يه مجال فتعر ضت م سائله للخلف ،و من أمثل ته قول
: الجمه ـور بوجوب قضاء ال صلة المكتو بة على من ترك ها متعمدا بقوله
إذا رق ـد أحد كم عن ال صلة أو غ فل عن ها فلي صلها إذا ذكر ها فإن ال عز ((
ليؤاخِذُكـم ال باللغــو فـي أيمانــكم ولكـن يؤاخذكـم بمـا عقــدتم اليمان ((
فقالوا أن اليمين الغموس من اليمان المعقودة )) فكفّارتُـه إطعام عشرة مساكين
77
وإذا كانت الكفـارة واجبة على الحانث غير الثـم فوجوبها على الحانث الثم
أولى وآكـد ،ولكن فقهـاء المذاهب الثلثـة الخرى ل يـرون في اليمين
الغم ـوس كفارة لورود أحاديث التكفير في اليمــان المعقودة على المستقبل
ل على الماضي ويرونها أي الحاديث مبينة للمراد من الية .
ومفهوم المخالفة هو ما يفهم منه أن حكم المسكوت عنه مخالف لحكم
المنطوق بـه ويُسـمّـى أيضا ( دليــل الخطاب ) وقــد اختلفــت فيـه آراء
العلماء :فقال به الئمة مالك والشافعي وأحمد وأكثر علماء مذاهبهـم ولم يقل
مَطْل الغ ني (( به الم ـام أ بو حني فة وأك ثر علماء مذه به ،ومثاله قول ـه
فـإن مفهومه مطل غيـر الغني ليس ظلمـا وال تعالى يقـول : ()1 )) ظلم
.ومـن شروطـــه عنـد )) وإن كــان ذو عســرة فنظرة إلى ميســرة ((
حجر زوج أمها بأن كانت في بلد آخر مثلً وفارق الزوج أمها بعد الدخول فله
أن يتزوج ب ها على ما ذ هب إل يه الظاهر ية ،فنقول ل هم إن ما ذ كر هذا الق يد
وفاقا لغالب ما يكنﱠ عل يه ل شرط ـا في تحريم هن وبهذا سقط المفهوم وب قي
التحر يم على إطل قه في المدخول بأمهات هن سواء ك نّ في الحجور أم لم يكنﱠ
فإن )) ول تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تح صّنا (( فيها ،وكقوله تعالى :
مفهومه إباحة إكراههن عليـه إن لم يردن تحصنا ولكن لما جاء هذا القيد وفاقا
ــــــــــــــ
رواه مالك وأحمد والشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريـرة . )) مطل الغني ظلم (( -1حديث
78
صلة الل يل مث نى (( : وأن ل يأ تي جوابا عن سؤال مع ين كقوله
فإن هذا الحديث كان جوابا عن سؤال السائل عن صلة الليل فقد جاء )) مثنى
عن صلة الليل فقال رسول ل سأل رسول ال
أن رج ً (( عن ابن عمر :
صلة الل يل مث نى مث نى فإن خ شي أحد كم ال صبح صلى رك عة واحدة ال
ولما كان الحديث خاصا بصلة الليل المعينة في ()1 )) توتر له ما قـد صلى
السؤال لم يكن له مفهوم في صلة النهار .
وأن ل يكون ق صد الشارع تعظ يم شأن الح كم والتنو يه بحم يد فعله ك ما
ـر قدْرُه متاعا
ومتعوهنﱠ على الموس ـِع قدْرُه وعلى المقتـ (( ـي قوله تعالى :
فـ
وللمطلقات متاع بالمعروف (( وقوله تعالى : )) ـنين
بالمعروف حقا على المحسـ
حقا على المتقين )) فإن ُمتعة المطلقات وإن كانت حقا على المتصفين بالحسان
والتقوى فل يفهم منه أنها ليست حقا على غيرهم إذ حكمها يعم جميع المؤمنين
وما قصد الشارع من تسميتها حقا على المحسنين وعلى المتقين إل تعظيم شأنها
والتنويه بحميد فعلها ل سقوطها عن غيرهم .
وأن ل يكون الشارع بذكره عددا محدودا أراد القياس عل يه ل المخال فة
(( بقتل خمس فواسق في الحل والحرم :الغـراب بينه وبين غيره كأمره
فإن مفهوم هذا العدد أن ل يقـل ()2 )) حدَأة والعقرب والفأرة والكلب العقور
وال ِ
ما سواهـن ولكن الشـارع إنما ذكرهن لننظر إلى إيذائهن فنلحق بهن ما في
ــــــــــــــ
-1حديث ابن عمر هذا رواه مالك وأحمد والشيخان وأصحاب السنن .
-2حديث أمره صلى ال عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرام رواه أحمـد والشيخان
عن عائشة .
: معنا هن كالح ية والرتيلء وال سباع العاد ية والحشرات المؤذ ية ،ومثله قوله
اجتنبوا ال سبع الموبقات :الشرك بال والسحـر وق تل النف ـس ال تي حرم ال ((
79
إل بال حق وأ كل مال اليت يم وأ كل الر با والتولي يوم الز حف وقذف المح صنات
فإنه لم يقصد حصر الكبائر فيهن وإنما ذكرهن لنلحق ()1 )) الغافلت المؤمنات
بهن ما في معناهن من المعاصي المهلكات .
هذا وأ هم مفاه يم المخال فة مفهوم ال صفة ومفهوم الشرط ومفهوم الغا ية
ومفهوم العدد .
مثال مفهوم ال صفة احتجاج فقهائ نا على أن ث مر الن خل ال تي لم ُتؤبّر
ل قد ُأبّرت فثمرتها للبائع إل أن
من باع نخ ً (( : للمبتاع أي للمشتري بقوله
فإن مفهوم هذه ال صفة أن الن خل المبي عة إن لم ت كن قد ()2 )) يشترط ها المبتاع
أُب ـرت فثمرت ها للمشتري ،واحتجاج هم أيضا على أن الب كر ت جبر على النكاح
فإن مفهو مه أن ()3 )) (( :الث يب أ حق بنف سها من ولي ـها ب عد البلوغ قوله
غيـر الثيب ليست أحـق بنفسها فيكون وليّها أحق منها بها وإذا كان كذلك
فلـه إجبارهــا .
ــــــــــــــ
رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة . )) اجتنبوا السبع الموبقــات (( -1حديث
رواه مالك فـي )) مـن باع نخــلً قـد أبرت فثمرتهـا للبائع إل أن يشترط المبتاع (( -2حديـث
موطئه عن ابن عمر .يطلق العامة على تأبير النخل ( تدكيره ) .
قال ر سول ال صلى ال عل يه (( -3رواه أح مد وم سلم وأ صحاب ال سنن عن ا بن عباس ق ـال :
،فيقول المخالفـون )) وسلم :الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها
يو جب )) والب كر ت ستأذن في نف سها (( و هم الحنف ية أن قوله صلى ال عل يه و سلم في الحد يث نف سه
بعمومه استئذان كل بكر والعموم أقوى من المفهوم وإن ما جـاء في رواية لمسلم وأبي داود والنسائي
أن جارية بكرا أتت (( وما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس )) والبكر يستأمرها أبوها ((
رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهـة فخيرها النبي صلى ال عليه =
ومثال مفهوم الشرط مـا تقدم مـن احتجاج فقهائنـا على أن الحـر القادر
ومـن لم (( على التزوج بحرة مؤمنـة ل يحـل له أن يتزوج أَم َة بقوله تعالى :
80
ل أن ين كح المح صنات المؤمنات ف من ما مل كت أيمان كم من
ي ستطع من كم َطوْ ً
فإن مفهوم هذا الشرط يقتضـي تحريـم نكاح الماء على )) فتياتكـم المؤمنات
واجدي الطـوْل أي القدرة على نكاح الحرائر .
ومثال مفهوم الغاية احتجاج فقهائنا على أن الغسل يجزئ عن الوضوء
يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا (( بقوله تعالى :
فإن مفهو مه إن اغت سلتم )) ما تقولون ول جنبا إل عابري سبيل ح تى تغت سلوا
فلكم أن تقربوا الصلة .
ومثال مفه ـوم العدد احتجاج الشافعي ـة على أن النجا سة إذا أ صابت
(( :إذا كان الماء قلتيـن لم يحمـل مـا دون القلتيـن مـن الماء نجّسـته قوله
فإن مفهومه ما دون القلتين يحمل الخبث . ()1 )) الخبث
ــــــــــــــ
نص في وجوب استئمار الب ابن ته الب كر عند تزويجها وفي من عه من إكراه ها ،فيجيب )) و سلم =
فقهاؤنـا بأن العمـل فـي المدينـة كان يجري على حـق الباء فـي إجباربناتهـم البكار فقـد قال مالك فـي
بلغ ني أن القا سم بن مح مد و سالم بن ع بد ال و سليمان بن ي سار كانوا يقولون في الب كر (( المو طأ :
يزوجها أبوها بغير إذنها إن ذلك لزم لها وأن القاسم بن محمد وسالم بن عبد ال كانا ُينكحان بناتهما
البكار ول يسـتأمرانهن وذلك المـر عندنـا فـي نكاح البكار )) وعليـه ُيحمـل اسـتئذان الب ابنتـه أو
استئمارها على الستحباب ويحمل تخيير البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة على ضرر أصابها من
ذلك الزواج اقتضى تخييرها .
أخرجه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن عن )) إذا كان الماء ُقلتين لم يحمل الخبث (( -1حديث
عبد ال بن عمر ولكن ابن عبد البر قال في الستذكار :حديث معلول رده اسماعيل القاضي وتكلم فيه
وقال في التمهيد :ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة
الثر لنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولن القلتين لم يوقف على مبلغهما في أثر ثابت ،وقال
الطحاوي :إنا لم نقل به لن مقدار القلتين لم يثبت – انظر شرح هذا الحديث في (( نيل الوطار )) .
81
بعد أن فرغ نا من الكلم على الق سم الول من أقسام الم تن و هو القول
ننتقل إلى الكلم على الق سم الثانـي وهـو الفعل ونعني بـه فعل رسول ال
وهو إما واجب أو مندوب أو مباح .
فإن كان بيانا لما ثبتت مشروعيته فإن حكمه يتبع ما هو بيان له وجوبا
أو ندبا كفعله في الصلة والحج إذ أمرنا أن نصلي كما رأيناه يصلي فقد قال
،وأمرنا أن نأخذ مناسك الحج من أدائه ()1 )) صلوا كما رأيتموني أصلي (( :
ل ها فقال (( :خذوا ع ني منا سككم )) ( ، )2وأفعال ال صلة وال حج من ها الوا جب
ومنها المندوب .
وإن كان بقصد القربة إلى ال عز وجـل فهو مندوب كاعتكافه العشر
لن ظهور قصد القربة فيه مع عدم وجود دليل على ()3 الواخر من رمضان
الوجوب يرجح الفعل على الترك وهذا هو معنى الندب .
وإن لم ي كن بق صد القر بة بأن كان جبلّيا من الطبي عة البشر ية و صفاتها
الختيارية كحبه لبعض الطعمة وكرهه لبعضها وهيئة مشيه وجلوسه واتكائه
ــــــــــــــ
رواه أحمد والبخاري عن مالك بن الحويرث . )) صلوا كما رأيتموني أصلي (( -1حديث
رواه أحمـد ومسلم وأبـو داود والنسائي عن جابر قال : )) خـذوا عني مناسككم (( -2حديث
رأيت النبي صلى ال عليه وسلم يرمي على راحلتـه يوم النحر ويقول :لتأخذوا عني مناسككم فإني ((
.قال النووي :لم لتأخذوا هي لم المر ومعناه خذوا ،وقال )) ل أدري لعلي ل أحج بعد حجتي هذه
القر طبي :روايت نا لهذا الحد يث بلم الجرّ المفتو حة والنون ال تي هي مع اللف ضم ير أي (( ويقول ل نا
. )) خذوا عني مناسككم ...
-3حد يث اعتكا فه صلى ال عل يه و سلم الع شر الوا خر من رمضان رواه أح مد والشيخان عن
عائشة وعن ابن عمر .
82
ف هو محمول على البا حة لن صدوره م نه دل يل على الذن ف يه مع عدم وجود
دليل على قصد القربة وهذا هو معنى الباحة .
لها حكمها الخاص به دون أن يشمل أُمته وهناك أفعال خاصة به
كقيام الل يل فإ نه كان واجبا عل يه ولم ي جب على أُم ته ،وكالو صال في ال صوم
فإنـه كان مندوبــا له ولم يندب لمتـه ،وكالزيادة على أربـع زوجات فإنهـا
أبيحت له دون أمته .
ه ـذا ويُل حق بالف عل في الدللة التر كُ فإ نه ك ما ي ستدل بفعله على عدم
التحريـم يسـتدل بتركــه على عدم الوجوب ،ومثــاله احتجاج الجمهور على
أك ـل من أن ر سول ال (( عدم وجوب الوضوء م ما م سّت النار ب ما ث بت
(. )1 )) كتف شاة ثم قام فصلى ولم يتوضأ
القسم الثالث من أقسام المتن وهو التقرير
أحدا على معصـية لن التقريـر على فعـل المعصـية ل يقرﱡ النـبي
مع صية والعا صم له من ف عل المع صية عا صم له من التقر ير علي ها .ويشترط
بالفعـل ،وأن يكون قادرا على فـي التقريــر الذي هــو حجـة أن يعلم
إنكاره ،وأن ل يكون قد بيّن حكمه من قبل بيانـا ُيسقط عنه وجوب إنكاره .
والفعل إما أن يكون قد وقع في حضرته ،وإما أن يكون قد وقع في زمانه وإن
لم يكن في حضرته .
مث ـال الف عل الذي و قع في حضر ته ما اح تج به الشافع ية على قضاء
أن رسول (( فوائت النوافـل في الوقـات المنهي عن التنفـل فيها بما روى
ــــــــــــــ
-1رواه الشيخـــان عـن ميمونـة وابـن عباس وعمرو بـن أميـة الضمري ،وروى أبـو داود
كان آ خر المر ين من ر سول ال صلى ال عل يه (( والن سائي وا بن خزي مة وا بن حبان عن جابر قال :
. )) وسلم ترك الوضوء مما مست النار
83
رأى رج ـلً ي صلي ب عد صلة ال صبح ركعت ين فقال :صلة ال صبح ال
ركعتان ،فقال الر جل :إ ني لم أ كن صليت الركعت ين اللت ين قبله ما ف صليتهما
(. )1 )) الن فسكت
ومثال الف عل الذي و قع في زما نه م ـا اح تج به الشافع ية على جواز
أن معاذا (( إقتداء المفترَض بالمتنفــل بمـا رواه أحمـد والشيخان عـن جابــر
عشاء الخرة ثم رجع إلى قومــه فيصلي بهم تلك كان يصلي مع النبي
هي له تطوع ول هم (( ورواه الشاف عي والدارقط ني والبيهق ـي بزيادة )) ال صلة
. )) مكتوبة العشاء
*
ــــــــــــــ
-1رواه أ بو داود وابن خزيم ـة وا بن حب ـان والبيه قي ع ـن يح يي بن سعيد عن أب يه عن جده
قيس .وذهب المالكية إلى أن النوافـل من حيث هي ل تقضى بعد فوات وقتها إل ركعتي الفجر وأن
قضاء ها في الوقات المن هي عن أدائ ها في ها أ شد كرا هة من أدائ ها في ها .وأ ما ركع تا الف جر ف قد ورد
المر بقضائهما بعد طلـوع الش مس أي ع ند حل النافلة قال صلى ال عل يه وسلم (( :من ل ـم يصلﱢ
رواه الترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة ،وأما )) ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس
ما ثبت في الصحيح من صلته صلى ال عليه وسلم في بيته ركعتين بعد العصر قضاء أو أداء فإنه
أن رسول (( محمول على أنه من خصائصه كمواصلة الصوم والدليل عليه ما رواه أبو داود عن عائشة
. )) ال صلى ال عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال
84
85
اسْتمـرار حكم الدّليــل الصلـي النقلــي
يشترط في الدليــل الصلي النقلي بعد ثبوت صحته واتضاح دلل ته
ا ستمرار حك مه دون أن يعتر يه ن سـخ .والن سخ هو ر فع ح كم شر عي بدل يل
،ويُعلم بوجوه منها : ()1 شرعي متأخر عنه
كنـت نهيتكـم عـن زيارة القبور (( به كقـــوله : صراحة ال نبي
فــزوروها ونهيتكـم عـن لحــوم الضاحـي فوق ثلث فأمسـكوا مـا بدا لكـم
ونهيتكـم عـن النبيــذ إل فـي سـقــاء فاشربوا فـي السـقية كلهـا ول تشربوا
. ()2 )) مسكرا
ــــــــــــــ
-1يتع ين التأ خر بمعر فة و قت ن ـزول ال ية أو ورود الحد يث بال ستناد إلى ال سّنة أو الهجرة أو
الغزوة أو الفتح أو غير ذلك من الحداث التاريخية .
رواه مسلم والترمـذي وأبو داود عن )) كنت نهيتكم عن زيارة القبـور فـزوروها .. (( -2حديث
بريدة .
86
،وكقول جابر بن عبد ()2 )) من الماء رخص ًة في أول السلم ثم ُنهي عنها
ترك الوضوء مما مست النار)) (.)3 ال (( :كان آخرالمرين من رسول ال
وتأ خر إ سلم راوي ال خبر المعارض ل خبر روي ق بل إ سلمه كحد يث
من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه سِتر فقد (( قال : أبي هريرة عن النبي
وهل (( : وجب عليه الوضوء)) ( )4المعارض لحديث طَلـق بن علي عنه
( )5فإن إسلم أبي هريرة كان عام خيبر في السنة السابعة )) هو إل بَضعة منك
من الهجرة وإسلم طَلـق كان عند بناء مسجد المدينة في السنة الولى منها ،
المعارض ()6 وكخـبر أبـي محذورة فـي تثنيـة تكـبير الذان وتربيـع شهادتيـه
لخبر عبد ال بن زيد في تربيع التكبير وتثنية الشهادتين ( )7فإن أبـا محذورة
ممن
ــــــــــــــ
-1حديث سلمة بن الكوع رواه الشيخان وأصحاب السنن .
-2حديث أُبي بن كعب رواه بهذا اللفظ الترمذي وصححه ورواه أيضا أحمد وأبو داود بلفظ (( إن
الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول ال صلى ال عليه وسلم رخص بها في أول
السلم ثم أمرنا بالغتسال بعدها )) .
-3حديث جابر رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان .
-4حديث أبي هري ـرة رواه أح مد في م سنـده وا بن حبان فـي صحيحه وقال :حديث صحيح
سنده عدول نقل ته ،وروى مالك والشاف عي وأح مد أيضا وأ صحاب ال سنن عن ب سرة ب نت صفوان عن
وقال البخاري :هو أ صح ش يء )) إذا م سﱠ أحد كم ذكره فليتو ضأ (( ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال :
في هذا الباب .
-5حديث طَلـق رواه أصحاب السنـن وأحمد والدارقطني قال (( :قدمنا على رسول ال صلى
ال عل يه و سلم وعنده ر جل كأ نه بدوي فق ـال :يا ر سول ال ما ترى في م سّ الر جل ذكره ب عد أن
كما جاء في بعض الروايات . )) إنما هو بَضعة منك (( أو )) يتوضأ فقال :وهل هو إل بضعة منك
-6خبر أبي محذورة من رواية مسلم في صحيحه وسحنون في مدونته .
-7خبر عبد ال بن زيد من رواية أحمد وأبي داود والحاكم .
87
أسلموا بعـد الفتح في السنة الثامنة وعبد ال كان مسلما من قبل تشريع الذان.
وانعقاد الجماع على خلف حكـم سـابق يتضمـن النسـخ وإن لم يعرف
الناسخ ،ومثاله الجمــاع على جلد شارب الخمر دون قتله مهما تكرر شربه
ل وثاني ـا وثالث ـا بقتله
كان قـد أمـر بع ـد أن يجلد أو ً لها مع أن النبي
إذا شرب الرابعة (. )1
وعمـل أهـل المدينـة ونعنـي بهـم فقهاءهــا الذيـن تلقوا فقههـم العلمـي
في آخر حياته يسمعون والعملي من علماء الصحابة الذين كانوا مع النبي
آخـر أقواله ويشاهدون آخـر أفعاله فإن اتفاقهـم على قول أو عمـــل عارضـه
حد يث صحيح يتض من عند نا ن سخ ح كم ذلك الحد يث لن هم أب صر وأعلم ب ما
استقر المر عليه وانتهى إليه .
هذا والزيادة على النـص المطلق إذا لم ترفــع حكما تقدم فيهـا ليسـت
بنسخ إل عند الحنفية .
فقراءة الفات حة فرض في ال صلة عند نا وع ند الشافع ية والحنابلة لقوله
من صلى صلة لم (( وقوله : ()2 )) ل صلة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب (( :
،والطمأنينة أيضا فرض عندنـا في ()3 )) يقرأ فيها بـأم القرآن فهي خِداج
ــــــــــــــ
أن النبي صلى (( -1جـاء في مسند أحمد وسنـن أبي داود والترمـذي وابن ماجه عن معاوية
)) ال عليه وسلم قال :إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم
وقال الترمذي :إنما كان هذا في أول المر ثم نسخ بعد .
رواه أح مد والشيخان وأ صحاب ال سنن عن )) ل صلة ل من لم يقرأ بفات حة الكتاب (( -2حد يث
عبادة بن الصامت .
-3حديث (( من صلى صلة لم يقرأ فيها بـأم القرآن فهي خداج )) رواه مالك وأحمـد ومسلم
والترمذي وأبـو داود عـن أبـي هريرة .خِداج هنـا معناهـا ناقصـة ،وخَدَج وخَديجـة هـي المولود أو
المولودة قبل إتمام تسعة أشهر في رحم الوالدة .
88
وع ند الشافع ية والحنابل ـة ()1 جم يع أركانه ـا على ما صححه ا بن الحا جب
إذا قمت للصلة فكبر ثم (( للعرابي الذي لم يح سِن الصلة : كذلك لقوله
اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتـى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل
قائما ثم ا سجد ح تى تطمئن ساجدا ثم ار فع ح تى تطمئن جال سا ثم ا سجد ح تى
.والطهــارتان شرط في ()2 )) تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في الصلة كلها
الطواف صـلة (( : صـحة الطواف عندنـا وعنـد الشافعيـة والحنابلة لقوله
،وتغريب الزاني بعد ()4 ولنه طاف بعد أن توضأ ()3 )) فأقلـوا فيه الكلم
جلد مئة وتغريب (( : جلـده واجب عندنـا وعند الشافعية والحنابلة لقوله
. ()5 )) عـام
وعند الحنفية ما تيسر من القـرآن هو المفروض قراءته في الصلة
وأمـا قراءة الفاتحـة فزيــادة ، )) فاقرءوا مـا تيسـّر منـه (( لقوله تعالى :
يـا أيهـا (( والركوع المطلق والسـجود المطلق هـو المفروض مـن قوله تعالى :
والطمأني نة فيه ما زي ـادة ،والطواف المطلق )) الذ ين آمنوا اركعوا وا سجـدوا
والطهارة )) ولـيطوﱠفوا بالبيت العتيق (( هـو المفروض من قولـه تعالى :
ــــــــــــــ
-1ولكن المشهور في المذهب أنها سنة ولذلك قالوا من تركها أعاد الصلة إذا لم يخرج وقتها لن
النبي صلى ال عليه وسلم لم يأمر العرابي بإعادة صلواته السابقة .
-2حديث العرابي الذي لم يحسِن الصلة رواه أحمد والشيخان عن أبي هريرة .
رواه ال طبراني عن ا بن عباس وجزم الحا فظ )) الطواف صلة فأقلوا في ــه الكلم (( -3حد يث
. )) أقلوا الكلم في الطواف فإنما أنتم في صلة (( ابن حجر بصحته ورواه الشافعي أيضـا بلفظ
أن أول ما بدأ به النبي صلى ال عليه وسلم حين (( -4جاء في المسند والصحيحين عن عائشة :
. )) خذوا عني مناسككم (( وفعله في الحج بيان لقوله )) قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت
جاء في حديث طويل رواه مالك وأحمد )) جلد مئة وتغريب عام (( -5قوله صلى ال عليه وسلم :
)) والشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة وزيد بن خالد فارجع إليه وإلى شرحه للباجي في (( الموطأ
. )) نيل الوطار (( وللشوكاني في
89
الزاني ــة (( ف يه زيادة ،وجلد الزا ني ه ـو المأمور به في قوله تع ـالى :
والتغريب زيادة ،ويقولـون لو )) والزاني فاجلدوا كل واحـد منهما مِئة جلدة
فر ضت هذه الزي ـادات لكا نت ن سخا لحكام قطعي ــة ثب تت بن صوص قرآن ية
مطلقة ،والخبار المستدل بها على فرضيتها أخبار آحـاد وأخبار الحاد ظنية
فل تنسخ الحكام القطعية .
فيقول الجمهور ل نـرى في هــذه الزيادات وأمثالهـا نسخا لحكام
النصوص القرآنية حتى نضطر إلى ردها أو تضعيفها لكونها ظنية وردت على
قطعيـة بـل نراهـا قيودا مزيــدة على نصـوص مطلقـة ،وإذا وجـب القيـد كان
وجوبـه مضافا إلى وجوب الصـل ل رافعــا له كعبادة زيدت على عبادة فل
تكون الثانية ناسخة للولى .
هذا وق ـد ث بت نسخ بعض القرآن تـلوة وحكما ،روى مالك ومسلم
ع شر (( وأ بو داود والن سائي عن عائ شة قالت :كان في ما أن ـزل من القرآن
.وتلوة ل حكما ()1 )) رضعات معلومات يحرّ من ثم ن سخن بخ مس معلومات
الشيـخ والشيخـة إذا زنيـا (( فقـد جاء عـن زيـد بـن ثابـت قال :كنـا نقــرأ
،وحكما ل تلوة كن سخ اعتداد المتو فى عن ها زوج ها ()2 )) فارجموه ما الب تة
والذين ُيتوفـون منكم ويذرون أزواجا (( ل الذي جاء في قوله تعــالى :
حو ً
يتربصـن (( بقوله تعالى : )) وصـية لزواجهـم متاعا إلى الحول غيـر إخراج
وكنسخ وجوب صدقة النجوى الـذي جاء في )) بأنفسهن أربعـة أشهر وعَشْرا
ــــــــــــــ
-1ثم نسخت الخمس أيضا تلوة وحكما عند مالك وتلوة ل حكما عند الشافعي .
-2رواه النسائي والحافظ أبو يعلى الموصلي ،وأخرج أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة ابن
سهل عن خال ته العجماء (( أن في ما أنزل ال من القرآن :الش يخ والشي خة إذا زنيا فارجموهما البتة بما
،وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أُب يّ بن كعب أن آيـة الرجم كانت في )) قضيا من اللذة
سورة الحزاب .
90
يا أي ها الذ ين آمنوا إذا ناجيت ـم الر سول فق ـدموا ب ين يدي (( قول ـه تعالى :
فإذ لـم تفعلوا وتاب ال عليكـم فأقيمــوا (( بقوله تعـالى : )) نجواكم صدقة
. )) الصلة وآتـوا الزكاة وأطيعوا ال ورسوله
()1 ثـم إن نسـخ بعـض أحكام القرآن متفــق على جوازه ووقوعــه
ونسخ وجوب ()2 ومنه ما ذكرناه من نسخ اعتداد المتوفـى عنها زوجها حولً
صدقـة النجوى ،ومنه أيضا ما كان من التخيير بين صوم رمضان وإخراج
وعلى الذ ين يطيقو نه فدي ـة طع ـام (( فدي ـة الذي جاء في قول ـه تعال ـى :
،و من م صابرة الوا حد من ــا للعشرة من الكفار والمائة م نا ()3 )) م سكين
إن ي كن من كم عش ـرون صابرون (( لللف من هم الذي جاء في قوله تع ـالى :
. ()4 )) يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائـة يغلبوا ألفا من الذين كفروا
وبالخبر المتواتر عند مالك وأكثر العلماء لمساواته القرآن في الطريق
العلمي أي من حيث إن كلً منهما قطعي الثبوت وإنه من عند ال عـز وجل
فإنه ل ينسخ حكما لربه من تلقاء نفسه وإن جاء الخبـر على لسان رسوله
ــــــــــــــ
-1خالف أ بو م سلم ال صفهاني من المعت ـزلة فن فى الن سخ في الق ـرآن ورده إلى التخ صيص
وتكلّـف لـه التأويل .
-2قال ابن عبد البر :لم يختلف العلماء في أن العدة بالحـول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر ،
ل كما كانت في الجاهلية ثم ن سخ ال تعالى
وقال ابن العربي :كا نت عدة الوفاة في صدر ال سلم حو ً
ذلك بأربعة أشهر وعشر .
. )) -3نسخ بقوله تعالى (( :فمن شهد منكم الشهر فليصمه
-4نسـخ بقوله تعالى (( :الن خفـف ال عنكــم وعلم أن فيكـم ضعفا فإن يكـن منكـم مائة صـابرة
و هو من ن سخ )) يغلب ـوا مائت ين وإن يك ـن من كم ألف يغلب ـوا ألف ين بإذن ال وال مع ال صابريـن
الثقل بالخف .
91
ب ـل بو حي م نه إل أ نه بغي ـر ن ظم القرآن وذلك كن سخ حك ـم الم ساك في
واللتي يأتيـن الفاحشة من نسائكم (( البيوت الذي جـاء في قولـه تعالـى :
فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فـإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاه نّ
. ()1 بالرجم الثابت بالسنة المتواترة )) ل
ل ال لهن سبي ً
الموت أو يجع َ
وأما أخبـار الحـاد فينفي الجمهور نسخ الحكام القرآنية بهـا لعدم
مسـاواتها القرآن فـي الطريـق العلمـي لن القرآن قطعـي فل ينسـخ شيـء منـه
. ()2 بأخبار ظنية
*
ــــــــــــــ
-1هذا إذا كان المراد من النساء في الية الزواج كما ذهب إليه الكثيرون وأمـا إذا كان المراد
الج نس ك ما ذ هب إل يه غير هم من المحقق ين فإن ح كم الر جم الذي ث بت بال سنة المتواترة يتو جه على
الثيبات منهن كما بينته السنة نفسها إذ الناسخ لمساك البكار آية الجلد بمصاحبة السنة .
لمح مد )) -2لمزي ـد م ـن التفا صيل ح ـول ه ـذا الموض ـوع -را جع كتاب (( منا هل العرفان
عبد العظيم الزرقاني .
92
93
رجحـان الدّليــل الصلـي النقلــي
مرجحات السنـد
يرجّح الدليل الصلي النقلي على ما يعارضه بمرجحات من جهة سنده
أهمها عشرة .
المرجـح الول كـبر الراوي فإن الكـبير أثبـت وأضبـط لمـا يرويـه مـن
الصغير ،مثاله احتجاج فقهائنـا على أن الفراد بالحج أفضل بحديث ابن
،فيجيبهم فقهــاؤنا بأن أنسا كان في حجة الوداع صغيرا ()1 )) وحجا
ــــــــــــــ
-1حديث ابن عمر رواه مسلم في صحيحه .ورواه عنه أيضا بلفظ (( أهللنا مع رسول ال صلى
ال عليه وسلم بالحج مفردا )) .
94
وكان ابــن عمـر كـبيرا فكــان أثبـت وأضبـط لذلك رجحنـا روايتــه علــى
. ()2 رواية أنس
المرجح الثاني أن يكون الراوي لحد الحديثين أفقـه وأعلم من راوي
الحديـث الخـر ،ومثـــاله احتجاج فقهائنـا على أن الفراد بالحـج أفضــل
عام حجة الوداع خرجنا مع رسول ال (( بحديث عائشة التي قالت فيه :
، ()1 )) أهلﱠ بالحـج مفردِا إن رسـول ال (( عمـر الذي قــال فيـه :
فيقـول الحنفية حديث ابن عمر هـذا يعارضه حديث أنـس الذي قـال فيه :
يلبي بالحج والعمرة جميعــا يقـول لبيـك عمرة سمعت رسول ال ((
فمنا مَـن أهلﱠ بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج وحده ،
فإذا عورض بحديث أنس المذكـور قلنـا ()3 )) بالحـج وأهل رسول ال
في الجواب أن عائشة أفقـه وأعلم منه لهذا فحديثها مرجح على حديثه.
المرجـح الثالث أن يكون أحـــد الراوييـن أكثـر صـحبة مـن الخـر
فيكون أعلم م نه ب ما دام من الحكام وال سنن وب ما لم ي ـدم ،ومثال ـه ترج يح
كان ي صبـح جنب ـا أن ر سول ال (( فقهائن ـا حد يث عائ شة وأم سلمـة
على حدي ثي أ بي هريرة ()4 )) من جماع غي ـر احتلم في رمضان ثم ي صوم
إذا ن ـودي لل صلة صـلة ال صبح وأحدك ـم جن ـب (( قال : عن ال نبي
كان يأمرنـا بالفطـر إذا أصبح الرجــل (( وأنـه )) فل يص ْم حينئـذ
ــــــــــــــ
-1حديث أنس رواه أحمد في مسنده والشيخان في صحيحيهما .
-2يمكن الجمع بين الحديثين بأنـه صلى ال عليه وسلم أهـلﱠ بالحج مفردا ثم أردف عليه العمرة
:وذلك )) المو طأ (( إل أن مالكا ل يرى ل من أه ـــل ب حج مفرد أن يردف عل يه عمرة ويقول في
الذي أدركت عليه أهل العلم عندنا .
-3حديث عائشة عن إهللـه صلى ال عليه وسلم بالحج مفردا رواه مالك وأحمد والشيخان .
-4حديث عائشة وأم سلمة رواه أيضا مالك وأحمد والشيخان .
95
لن زوجتيـه بكثرة صـحبتهما له وعيشهمـا معـه إلى آخـر حياتـه ()1 )) جنبــا
كانتا أعلم من أبي هريرة بآخر أفعاله وبما دام من سننه .
مـن الخـر المرجـح الرابـع أن يكون أحدهمـا أقرب إلى النـبي
كترجيح فقهائن ـا حد يث ابن عمر في إف ـراده الحـج على حديث أنس ،فإن
سمعتـه يلبّي بال حج والعمرة (( ا بن ع مر ح ين قي ـل له إن أن سا يق ـول :
إن أنسـا كان صـغيرا يوكـل على النسـاء وهــن منكشفات (( قال : )) جميعا
. )) يمسّني لعابها أسمعه يلبّـي الرؤوس وكنت تحت ناقـة رسول ال
المرجـح الخامـس أن يكون أحـد الراوييـن مباشرا للواقعـــة بنفسـه
فتكون رواي ته عن ها أر جح من روا ية غيره لن المبا شر للواقع ـة أل صق ب ها
وأعرف وأث بت ،ومثاله ترج يح فقهائن ـا رواي ـة أ بي را فع على روا ية ا بن
تـزوج رسول (( عباس عن زواج ميمونة أم المؤمنين فقـد قـال أبو رافع :
وقـال ابن ()2 )) ل وكنت الرسول بينهما
ل وبنى بها حل ً
ميمونة حل ً ال
ول ما كان أ بو را فع ()3 )) ميمو نة وه ـو ُمحْ ـرم تزوج ال نبي (( عباس :
مباشرا للواقعة كان أعرف وأثبت فتكون روايته أرجح .
المرجـح السـادس أن يكون أحـد الراوييـن صـاحب الواقعــة فيكون
أعرف بها وروايته أقـوى وأرجح ،ومثاله ترجيح فقهائنـا حديث ميمونـة
ــــــــــــــ
-1حديث أبي هريرة الول من رواية أحمد وابن حبان والثاني من رواية النسائي والطبراني في
مسند الشاميين وقـد ثبت أن أبـا هريرة حين بلغه حديث عائشة وأم سلمة سلـم به وقال :هما أعلم ،
فتح الباري )) . (( ورد ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن عباس – انظر
-2حديث أبي رافع رواه أحمد والترمذي وحسنه .
-3حديث ابن عبــاس رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن ،وروى أبو داود أن سعيد بن
المسيب قال وَهِمَ ابن عباس في قوله تزوج النبي صلى ال عليه وسلم ميمونة وهو ُمحـرم .
96
عــلى رواية ()1 )) ونحن حللن بسَرِف تزوجني رسول (( إذ قالت :
ابن عباس المذكورة آنفـا .
97
أبي محذورة عن إسلم عبد ال بن زيـد ،وقـد مرﱠ ذكـر هذه الحاديث في
بيان وج ـوه معر فة الن سخ لن تأخ ـر إ سلم راوي الحد يث والمع ــارض
لحديث سابق مرو يٍ قبــل إسلمه فكما يع ّد وجهــا من الوجوه التي يعرف
ب ها الن سخ يعدﱡ سببـا من أ سباب الترج يح في ح ـال ع ـدم التف ــاق على
النســخ .
المرجح التاسع اتفـاق الرواية عن أحد الراوييـن واختلفهـا عن
...فإذا (( الخـر ،ومثالــه ترجيـح روا ية أنـس أن أبــا ب كر كتـب لهـم :
زادت -أي البل – على عشريـن ومئة ففي كل أربعين بنـت لبـون وفي
...فإذا زادت (( على روايـة عمرو بـن حزم : ()1 )) كـل خمسـين حِقـــة
فإنــه قـد روي عنــه أيضا مثـل )) على عشريـن ومئة اسـتؤنفت الفريضـة
. ()2 )) روايـة أنس
المر جح العا شر كثرة رواة أ حد الحديث ين ،ومث ـاله ترج يح فقهائن ـا
مسـ الذكــر على حديـث َطلــق بـن علي فــإن
ّ حديـث إيجاب الوضوء مـن
حد يث إيج ــاب الوضوء م نه رواه كث ير من ال صحابـة من هم أ بو هري ـرة
وبسرة بنت صفوان وأروى بنت أُنيس وأم حبيبـة وأم سلمـة وعائشـة وسعد
بن أ بي وق ـاص وجاب ـر بن ع بد ال وزي ـد بن خالد وع بد ال ب ـن عباس
وع بد ال بن ُع مر وع بد ال بن َعمرو وغير هم ،و ما كان أك ثر رواة كان
أثبت وأرجح .
ــــــــــــــ
-1حد يث أ نس هو ب عض حد يث طوي ـل في فرائض ال صدقة رواه أح مد والن سائي وأ بو داود
والبيهقي والحاكم والدارقطني وقال :إسناده صحيح ورواتـه كلهم ثقات ،وقال أبو محمد بن حزم :
هذا كتاب في نهاية الصحة عمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد .
-2رواي ـة عمرو بن حزم المتف قة مع روا ية أ نس أخرج ها الن سائي وأ بو داود وا بن حبان
والدارقطني .
98
مرجحـات المتـن
ير جح الدلي ـل الصلي النقلي على ما يعار ضه بمرجحات من جه ـة
متنه أهمها سبعة .
المرجـح الول أن يكون أحـــد المتنيـن قولً والخـر فعلً فيرجـح
القول على الفعل لنه أقـوى على الصح ،ومثالـه ترجيح فقهائنـا حديث
قـال :ل ينكِح المُحْـرم ول يُنكَـح أن رسـول ال (( عثمان بن عفـان
تـزوج ميمونة أن النبي (( ( )1على حديث ابن عباس : )) ول يخطُب
وذلك أن فعله يحتمـل الخصــوص بـه ول يــدل على ()2 )) وهــو ُمحْرم
استمرار الحكم وأما قولـه فينفي ه ـذا الحتمال وي ـدل على استمرار الحكم
إذا لم يـأت بعده قول آخر يرفع حكم الول .
ــــــــــــــ
-1حديث عثمان رواه مالك وأحمد ومسلم وأصحاب السنن .
-2حديث ابن عباس رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن .
رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن جابر وقد )) الجار أحق بشفعة جاره (( -3حديث
تكلم فيه كثير من أهل الحديث وضعّفوه ولكن الترمذي حسّنه .
-4حد يث قضائه صلى ال عل يه و سلم بالشف عة في كل ما ل ـم ُيق سم رواه أح مد والبخاري عن
قضى النبي صلى ال عليه وسلم بالشفعة في كـل ما لـم ُيقسم فإذا وقعـت الحــدود (( جابر قال :
. )) وصرفت الطرق فل شفعة
99
بالشفعة فيما لم ُيقسم لحصول الدللة فيه بوجهتين كترجيح فقهائنا (( قضاءه
فهذا يدل بمنطوقـه ()1 )) بيـن الشركاء فإذا وقعـت الحدود بينهـم فل شفعـة فيـه
وبمفهومه على أن ل شفعة للجار بل للشريك قبل القسمة وتعيين الحدود .
100
وهـو أن ما بين العصر والمغـرب أقل ممـا بين انتصـاف النهار والعصر
ول ي صح ذلك إل إذا كان أول و قت الع صر أن ي صير ظل كل ش يء مثل يه ،
ورأى فقهاؤن ـا أن هذا الحد يث إن ما ورد للتنو يه بف ضل ال تبارك وتعالى على
أمت نا ولم يـرد في تشريع حكم ي ستـدل به عليه ،وأما حد يث جبري ـل فإنه
ورد فـي حكـم أراد الشارع بيانـه بــه وهـو تحديـد أوقات الصـلوات الخمـس
فاقتضى أخذه منه ل من مفهوم حديث لم يرد فيه .
المرجح الرابع أن يكون أحـد المتنين واردا على سبب والخر واردا
على غيـر سبب فإن الوارد على سبب أرجح في سببه والوارد على غير سبب
ح ين مر بشاة مي تة كان أر جح في غ ير ال سبب ،ومث ـاله ترج يح قوله
على قوله : ()1 )) أفل انتفع تم بجلده ـا (( أعطا ها م ـولة لزوج ـه ميمون ـة
فإن الحد يث الول أر جح في ()2 )) (( ل تنتفعوا من المي تة بإهاب ول ع صب
جلد ما يؤكـل لحمه لنه كالنص فيه إذ هو السبب ،والحديث الثاني أرجح في
جلد ما ل يؤكل لحمه فل ينتفـع بـه وإن دبـغ لنه عام ورد على غير سبب.
المرجح الخامس أن يكون أحـد المتنين ظاهرا والخر مؤولً فيرجح
الظاهـر لتضاح دللتـه مـن جهـة لفظـه على المؤول لتضاح دللتـه بدليــل
منف صل لن الدل يل من جه ـة الل فظ ذا تي فكان أق ـوى من الدلي ـل المنف صل
ولن الظاهـر هــو الصـل وأمثلتـه هــي التـي سـبق التمثيـل بهــا لسـباب
ظهوره ،ولكن قـد يرجح المؤول لعتبار قـوي اقتضى ترجيح دليله على
ــــــــــــــ
مرﱠ رسول (( -1رواه مالك وأحمد والشيخان وغيرهـم من أئمـة الحديث عن ابن عباس قـال :
ال صلى ال عليه وسلم بشاة ميت ـة كان أعطاها مولة لميمون ـة فقال :أفل انتفعتم بجلدهـا فقالوا :
يا رسول ال إنها ميتة فقال صلى ال عليه وسلم :إنما حرم أكلها )) .
رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد ال بن )) ل تنتفعوا من الميتة بإهاب ول عصب (( -2حديث
إن شئت . )) نيل الوطار (( عكيم وفيه انقطاع واضطراب فارجع إليه في
101
دلي ــل الظا هر ك ما رأ يت في المثل ـة ال تي سبق التمثي ــل ب ها ل سباب
التأويـل .
المرجـح السـادس أن يكون أحــد المتنيــن واضـح الدللة والخـر
مجملً فيُرجـح الول لتضاح دللتـه ويعدﱡ مفســرا للمجمـل ،ومثاله ترجيـح
ل تصوموا حتى تروا الهلل ول تفطروا حتى تروه فإن ُ (( فقهائنـا قوله
الش هر ت سعة (( على روا ية من روى : ()1 )) غ مّ علي كم فأكملوا العدد ثلث ين
ُغمـ
وعشرون يوما فل تصـوموا حتـى تروا الهلل ول تفطروا حتـى تروه فإن ّ
فإن الحديـث الول نـص فـي عدد اليام التـي يجـب ()2 )) عليكـم فأقدروا له
إكمال ها إذا غم الهلل وبذلك ير جح على الحد يث الثا ني ويكون مف سرا ل ما ف يه
مـن التقديــر المطلوب هكذا :فإن غــم عليكـم فقدّروا أول الشهـر وأكملوا
الثلثين يوما .
المرجح السابع أن يكون أحـد المتنين مثبتـا والخر نافيا فإن المثبت
(( :إن رسول ال ()3 يرجح على النافي ،ومثاله ترجيح فقهائنا قول بلل
ــــــــــــــ
رواه مال ـك ع ـن )) ل ت صومـوا ح تى ت ـروا الهلل ... (( -1قول ـه صلى ال عل يه و سلم :
ابن عباس .
رواه مالك وأح مد وم سلم )) الش هر ت سعة وعشرون يوما ... (( -2قوله صلى ال عل يه و سلم :
عـن عبـد ال بـن عمـر وهـو تنـبيه لنــا على احتمال ترائي الهلل لتسـع وعشريـن مـن شعبان وتسـع
وعشرين من رمضان ومع ذلك فل نصوم لتسع وعشرين حتى نراه ول نفطر لتسع وعشرين حتى نراه
فإن غم علينا فنقدر له ونكمل الثلثين يوما كما جاء التصريح به في حديث ابن عباس وأكثر أحاديث
هذا الباب .
د خل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الب يت (( -3قول بلل هذا جاء في حد يث ل بن ع مر قال :
هو وأ سامة بن ز يد وبلل وعثمان بن طل حة فأغلقوا عليهم الباب فلما فتحوه ك نت أول من ولج فلقيت
رواه )) بللً فسألته :هل صلى فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :نعم بين العمودين اليمانيين
أحمد والشيخان .
102
إنه دعا في (( : ()1 على قول أسامة )) صلى في البيت بين العمودين اليمانيين
،فقــول بلل ل يحتمــل الشـك فـي حصـول )) نواحيـه كلهـا ولم يصـل فيـه
الصلة فعلً لنه رآه يصلي وعيّن المكان الذي صلى فيـه فقال بين العمودين
اليمانييـن ،وأمـا قول أسـامة فيحتمـل الشـك ل نه قد ل يكون رآه أثناء الصـلة
لسبب ما فقال دعا ولم يصل (. )2
*
ــــــــــــــ
أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى ال (( -1قول أسامة هذا جـاء في حديث لبن عباس قال :
عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع في قِبل البيت
رواه مسلم في صحيحه . )) ركعتين وقال هذه القبلة
-2قال النووي وغيره :يم كن الجمع ب ين إثبات بلل ونفي أسامة بأنهم ل ما دخلوا الكع بة اشتغلوا
بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى ال عليه وسلم يدعو فاشتغل بالدعاء في ناحية والنبي صلى ال عليه
وسـلم فـي ناحيـة ولمـا صلى رآه بلل لقربـه منـه ولم يره أسـامة لشتغاله بالدعاء فـي ناحيـة والضوء
ضعيف لن البيت كان مغلقا .
103
السْـتِصحَــاب
104
ي ستلمهـا المشتري ثم حدث الن ـزاع ب ين المتبايع ين هل كان هلك ها ق بل ع قد
البيــع أو بعده ؟ فإن ضمانهـا أي غرمهـا على المشتري إذ يقول البائع لقـد
كانـت السـلعة موجودة سـالمة قبـل العقــد فلزم أن تسـتمر سـلمتها إلى زمـن
ط ـروء هلك ها و قد طرأ ب عد الع قد إن لم ي قم دل يل على طروئه قبله فتع ين
هلكهـا على ضمان المشتري ،فيعارضهـم الكثرون مـن فقهائنــا بأن ذمـة
المشتري كانت بريئة من الضمان فلـزم استمرار تلك البراءة ما دامت السلعة
غائبة وعليه فل ضمان على المشتري .
ومثال ما يعارض بادعاء وجود ناقل عن الحالة الولى احتجاج فقهائنا
على أن سـؤر الكلب طاهـر بسـلمته مـن المخالطـة للنجاسـة قبـل الولوغ فلزم
استمرار طهارته إلى أن تتحقق مخالطتـه للنجــاسة ،فيقـول المخالفـون
أن هـذا الستصحاب يتم لـو لـم يوجد ناقل لتلك السلمة وهـو الولوغ فإنه
مظ نة المخالط ـة للنجا سة لن ها غالب أحوال الكلب ،فيجيب هم فقهاؤن ـا بأن
احتمال المخال طة للنجا سة ظ ني فل يل ـزم م نه النتقال عن الحال ـة ال صلية
و هي الطهارة ول ما كان ظنيا قل نا بكرا هة ا ستعمال سؤر الكلب وإن كان طاهرا
مراعاة لهذا الظن .
وأما الثاني وهو استصحاب حكم شرعي فإننا نجده في كل ما أباحـه
الشارع أو حرمه :فإباحة كل مباح تستمر إلى أن يقوم الدليل علـى تحريمه
كإباحـة عصير العنب فإنها تستمر إلى أن تتغير أو صافـه وتعرض له صفة
السـكار فيحرم حينئذ ،وكتحريـم النـبيذ المسـكر فإنـه يسـتمر إلى أن تتغيـر
أوصافه وتـزول عنه صفة السكار فيحل حينئذ .
وهذا النوع من الستصحاب كثيرا ما يختلف الفقهاء في انطباقـه على
الم سائل الجزئ ية ال تي تندرج تح ته كاحتجاج فقهائ نا على أن الرعاف ل ين قض
الوضوء بقول هم إن نا مجمعون على أن المتو ضئ متط هر قب ــل الرعاف فلزم
105
استصحاب وضوئه بعده إلى أن يـدل دليل على انتقاضه ،فيقول الحنفية إننا
نرد صحة ال ستصحاب في هذه الم سألة لن دل يل الح كم في ــه هو الجماع
والجماع بعـد الرعاف ليـس كمـا كان قبله فكيـف يسـتمر حكـم بعـد فقدان دليله
ل سيما وق ـد ق ـام الدل يل على انتقاض الوضوء بالرعاف و هو قول ر سول ال
من أصابه قيء أو رُعاف أو قَـلْس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن ((
*
ــــــــــــــ
-1رواه ابن ماجـه والدارقطني عن عائشة وضعّفـه ابن معين وغيـره من رجال الحديـث ،
و قد ذ هب ا بن عباس وا بن أ بي أوف ـى وأ بو هري ـرة وجابر بن ز يد و سعيـد بن الم سيب ومكحول
وربي عة إلى عدم انتقاض الوض ـوء من ال ـدم ،وذ هب أ بو حنيف ـة وأ صحابـه وأح مد إلى انتقا ضه
بالدم السائل .القلس :هو ما يخرج من الحلق ولو لم يتبعه قيء .
106
107
القيـــاس
القياس هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص
على حكمه لشتراك بينهما في علة الحكم طردا أو عكسا .وهو دليل شرعي ُ
تــرد بـه الحكام إلى الصـل الذي هـو الكتاب والسـنة ولذلك يعـد لزما عـن
أصل ،أي ناشئا عنه وملحقا به وراجعا إليه .والحكم الذي يدل عليه القياس
إما أن يكون مماثلً لحكم الصل أو مناقضا له :فإن كان مماثلً لحكم الصل
عرف قياســه بقياس الطــرد ،وإن كان مناقضا لحكـــم الصـل عرف
بقياس العكس .
قياس الطـرد
قياس الطرد هـو حمـل فرع مجهول الحكـم على أصـل معلوم الحكـم
لم ساواته له في العلة بغ ية إثبات ح كم للفرع مما ثل لح كم ال صل كقيا سنا ال نبيذ
المعلوم الح كم .فالخ مر هو ال صل المق يس ()1 المجهول الح كم على الخ مر
عليه ،والنبيذ هو الفرع المقيس ،والعلة التي تساويـا فيها هي السكـار ،
ــــــــــــــ
-1الخمر عند الجمهور كل شراب مسكر سواء صنع من العنب أو غيره ،والنبيذ كل شراب اتخذ
مـن عصـارة قابلة للتخمـر فإذا تخمرت وأسـكرت صـارت خمرا – أخرج أحمـد ومسـلم وأبـو داود
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :كل مسكر خمر وكل (( والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال :
،وع ند أ بي حني فة والثوري وب عض فقهاء الكو فة :الخ مر ما أ سكر من ع صير الع نب )) م سكر حرام
خاصة والنبيذ ما اعتصر من غيره .
108
والحكم المطلوب إثباتـه في الفـرع هـو التحريم الثابت مثله في الصل .
فقي ـاس الطرد إذا ه ـو إثبات ح كم للفرع كح كم ال صل لم ساواته له
في العلة ويقوم على أربعة أركان :الصل والعلة والفرع والحكم .
109
صــوم عاشوراء بوجــوب صـوم رمضان ومـن شــروط الصـل المقيـس
عل يه أن ل يكون من سوخـا ،فيج يب الحنف ية بأن نا لم نق ـس الفرع عل ــى
الصل في الحكم المنسوخ بـل في حكم آخر وهـو عدم وجوب تبييت الصوم
لنـه ل يلــزم مـن نسـخ حكـم وجــوب الصــوم نسـخ عــدم وجوب تـبييته
المقيس عليه .
الشرط الثالث أن ل يكون ال صل مخ صوصا بالح كم فإن ـه إذا ك ـان
مخصوصا بالحكم امتنع حمل غيره عليه وإل بطـل الخصوص ،وهذا الشرط
يتفرع إلى نوع ين :نوع نص الشارع على الخ صوص ف يه أو انع قد الجماع
عل يه ،ونوع ل ـم ي نص الشارع على الخ صوص ف يه إل أ نه لم يع قل معن ـاه
فتعذر حمل غيره عليه للجهل بالمعنى الذي لجلــه شرع الحكم في الصل .
أما النوع الول وهـو الذي نص الشارع على الخصوص فيه أو انعقد
لبي بـردة في التضحية بجدَعة مـن المعز : الجماع عليه فمثاله قولـه
فقد خصه ()2 وقبولُـه لشهادة خزيمة وحده ()1 )) إذبحها ول تصلح لغيرك ((
بذلك دون سائر ال صحابة ولو ح مل عل يه غيره لجرى القياس علي ـه في
كل شاهـد واحـد ولب طل اعتبار تع ـدد الشهـود .ومن هـذا النوع جميع
من الحكام فل يق ـاس علي ها وإن كان هن ـاك اخت ـلف ما اخ تص ب ـه
في جملة من الفروع هل هي ممـا اختص بـه أم ل ؟ كاختلفهم في صحـة
عقـد النكاح بلفـظ الهبــة فإن الشافعيـة ل يجيزونـه لنهـم يرونــه مختصـا
ــــــــــــــ
ضح ّى خال لي يقال له أبـو بردة قبـل (( -1روى أحمـد والشيخان عـن البراء بـن عازب قال :
الصلة فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم :شاتك شاة لحم فقال :يا رسول ال إن عندي جذَعة
.والجذعة من الشياه من بلغت ثمانية أشهر أو تسعة . )) من المعز قال :اذبحها ول تصلح لغيرك
-2قبوله صلى ال عل يه و سلم لشهادة خزي مة وحده جاء في حد يث أخر جه أح مد والن سائي وأ بو
من شهد له خزيمة فحسبه )) . (( وفي رواية قال : )) فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين (( داود وفيه :
110
وامــرأ ًة مؤمن ـ ًة إن وهبــت نف سهـا (( بدلي ـل قول ـه تعالى : بال نبي
، )) للنبــي إن أراد النـبي أن يسـتنكحهــا خالصـةً لك مـن دون المؤمنيـن
والحنف ية يجيزو نه لن هم يردون الخت صاص إلى سقوط ال صداق الذي ب ــه
يظ هر الشرف ور فع الحرج ل بالل فظ المجرد الذي يوج ــد ما يق ـوم مقا مه
من اللفاظ ،والشافعية يرون اختصاصه باللفـظ تابعا لختصاصه بمعنـاه ،
وأما نحن المالكية فنتفق مع الحنفيـة في اختصاصه بجواز النكـاح له بالهبة
من غير صداق لن الية سيقـت لبيان شرفه على أُمتـه ونفي الحرج عنـه
في ذلـك كما قدمنـا في الكلم على الترجيـح بالقرينـة السياقيـة ،ولكننا
ل نتفق معهم في قياس أُمتـه عليه لمانع الختصاص وإنما نجيز النكاح بلفظ
الهبـة إذا كان مصـحوبـا بذكـر الصـداق ل بالقياس بــل لن لفـظ الهبـة مـن
اللف ـاظ ال تي تقت ضي البق ـاء مدى الحياة كالعطاء والم نح والتمل يك فينعق ـد
ب ها النكاح إذا ذك ـر مع ها ال صـداق تحدي ـدا أو تفويضا لتت ـم بذكره دللت ها
على النكاح دون غيره .أ ما إذا ح صل الخلف في كون ال صـل مخ صوصا
أو غ ير مخ صوص ثابتا ب نص أو إجماع كاختلف هم في الشه يد ه ــل يغ سل
أن رسـول ال (( ويصـلى عليــه أم ل ؟ وقــد ورد فـي شهــداء أُحــد
فذهـب المالكيـة ()1 )) أمـر بدفنهـم فـي دمائهـم ولم يغسـلوا ولم يصـلﱠ عليهـم
والشافعية إلى أنه عـام يشمل كل شهيـد من شهداء أي معترك بين المسلمين
وأعدائهم ،وذهب الحنفية إلى أنه مخصوص بشهداء أُحـد فل يشمل غيرهم .
وأما النوع الثاني وهو الذي لم ينص الشارع على الخصوص فيه ولكن
ــــــــــــــ
)) أمرُ رسول ال صلى ال عليه وسلم بد فن قتلى أُحد في دمائ هم ولم يغ سلوا ولم يصلﱠ عليهم (( -1
رواه البخ ـاري والترمذي والن سائي وا بن ما جه عن جابر .وأخرج أح مد وأ بو داود والترمذي عن
أن شهداء أُحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصلﱠ عليهم )) . (( أنس
111
لم يع قل معناه فمثاله مع ظم التقديرات فإن ها غ ير معقولة المع نى ك سائر العمال
التعبد ية ال تي لم نع قل معنا ها فل يقاس علي ها لجهل نا بالمع نى الذي لجله شرع
الح كم في ها .فإن ق يل ل نا ل قد ق ستم تقد ير أ قل ال صداق على تقد ير أ قل ن صاب
السرقة وهو ربع دينار أو ثلثة دراهم ،وقستم تحديد اليد بالكوع في التيمم
على تحديدها في القطع بالسرقة ! قلنا ليس ذلك قياسا وإنما هو استشهاد على
أن (( القـل مـا هـو معتـبر ،وذلك أن الشارع أوجـب المال فـي النكاح فقال :
إظهارا لشرف النكاح وقدره والشرف )) تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين
ل يح صل بأ قل ما ي سمى مالً فإن الدر هم الوا حد مثلً ي سمى مالً ول كن ضآلة
قيمتـه ل ترفعـه إلى مسـتوى شرف النكاح وقدْره فوجـب تعييـن أقـل مقدار مـن
المال يكون له بال ولمـا كان ذلك مختلفا شرعا وعرفا وجـب الرجوع فيـه إلى
الشرع ل نه هو المو جب ل صل المال في النكاح تشريعا له فو جب اعتبار أ قل
ل ولم نجد أقل من نصاب السرقة فإن اليد ذات
الموال التي جعل الشرع لها با ً
قدْر ول ما قط عت في ر بع دينار دل ذلك على أن ر بع الدينار له بال فاع تبرناه
ال حد الد نى لل صداق ،وأ ما تحد يد ال يد بالكوع في التي مم فإن نا لم نق سه على
ل في الكف
تحديدها في القطع بالسرقة بل لن اليد إذا أُطلقت فإنها أظهر استعما ً
إذ هي حقي قة في ال كف ومجاز في ما وراء ها من ال ساعد والع ضد والل فظ إذا
احتمل الحقيقة والمجاز عُـدﱠ راجحا في حقيقته لنها هي الصل ولن الشارع
أمرنا في الوضوء بغسل اليدي إلى المرافق ولم يأمرنا في التيمم بمسحها إلى
حيـن علّم عمارا التيمم قال له (( :إنما يكفيك هكذا ، المرافـق ولن النبي
ــــــــــــــ
-1حديث عمار بن يا سر وحديث أبي الجه يم ال تي ه ما أ صح الحاد يث الواردة في صفة التيمم
وكان عمار يف تي ب عد وفاة ال نبي صلى ال عل يه و سلم بالقت صار على م سح الو جه والكف ين و هو من
علماء الصحابة وأعرف بالمراد مما رواه .
112
وضرب بكفيـه الرض ونفـخ فيهمـا ثـم مسـح بهمـا وجهـه وكفيـه )) رواه أحمـد
والشيخان .
الر كن الثا ني – العلة :و هي مَناط الح كم الذي أضاف الشارع الح كم
إليه وناطه به والوصف الجامع بين الصل والفرع كالسكار الجامع بين الخمر
الذي هو الصل وبين النبيذ الذي هو الفرع ،ولها شروط تتوقف حقيقتها على
وجودها ،ولها مسالك وهي الدلة التي تدل على أن الوصف علة في الحكم .
أما شروطها فنوجزها في ثلث مسائل رئيسية :
المسـألة الولى :يجوز بالتفاق تعليـل الحكـم الوجودي بالوصـف
الوجودي والحكـم العدمـي بالوصـف العدمـي وذلك كتعليـل وجوب الزكاة بملك
الن صاب وتعل يل عدم صحة الت صرف بعدم العقل ،وأ ما تعل يل الح كم الوجودي
بالوصـف العدمـي ففيـه خلف بيـن الصـوليين ومثاله قياس الجمهور الحاضـر
الصحيح في وجوب التيمم عليه عند فقده الماء على المسافر فاقد الماء ،فيقول
المخالفون فقدان الماء ليس علة في وجوب التيمم لنه وصف عدمي والوصف
العدمـي ل يكون علة فـي الحكـم الوجودي فإن العلة لبـد أن تشتمـل فـي نفسـها
على حكمـة أي على جلب مصـلحة أو على درء مفسـدة والعدم فـي نفسـه ل
. ()1 يشتمل على حكمه
ــــــــــــــ
-1لم يستند الجمهور إلى القياس وحده في وجوب التي مم على الحا ضر ال صحيح ع ند فق ـده الماء
بل ا ستدلوا ق بل ذلك بالكتاب وال سنة :ا ستدلوا بقوله تعالى (( :وإن كن تم مر ضى أو على سفر أو جاء
مرجحين عودة ضمير )) أحد منكم من الغائط أو لمستـم النساء فلم تجـدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا
على أصناف المحدِثين المسافرين والحاضرين ل على المسافرين وحدهم ،واستدلوا )) (( فلم تجدوا ماء
أقبل النبي صلى ال عليه وسلم من نحو بئر (( بما رواه أحمد والشيخان عن أبي جهيم النصاري قال :
جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى ال عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه
. )) ويديه ثم رد عليه السلم
113
المسألة الثانية :يجب أن يكون الوصف المعلّلُ الحكم به ظاهرا غير
خ في ل نه إذا كان خفيا كان أش به بالمغ يب فل ي صح التعل يل به وبناء القياس
عل يه ،ومثاله تعل يل الق صاص بالق تل الع مد فيقول المعترض الع مد ق صد نف سي
و هو خفي فل يصح التعليل به ولكن يصح بدلً منه ما يظن وجوده عنده وإن
كتعليلنا نقل الملك في ال ِعوَضين بالتراضي )) مِظنة (( كان بطبعه خفيا ويُسمّى
فإن )) بين المتبايعين وقد قال تعالى (( :إل أن يكون تجار ًة عن تـراض منكم
الر ضا و صف خ في ل نه من أحوال النفوس فل ي صح اعتباره علة بال ستقلل
ولكن يعتبر بأمور ظاهرة تدل عليه كاليجاب والقبول فإن قول البائع بع تُ دليل
على رضاه بخروج ال مبيع من مل كه لقاء دخول الث من في ماله وقول المشتري
قبل تُ دل يل على رضاه بخروج الث من من ماله لقاء دخول المشترَى في مل كه ،
ولما كان المعتبر عندنا وجود ما يدل على الرضا الذي هو المقصود في الصل
وكان الفعل أيضا يدل على الرضا مثل دللة القول عليه كالمعاطاة التي تحصل
بين المتبايعين ذهب فقهاؤنا إلى أن البيع ليس من شروطه الصيغة اللفظية خلفا
للشافع ية الذ ين ل يحكمون بانعقاد الب يع إل بال صيغة اللفظ ية الدالة على اليجاب
والقبول وأما الحنفية فيفرقون بين الشياء المبيعة فيشترطون في النفيسة الصيغة
اللفظية ويكتفون في الحقيرة بالمعاطاة وهذا عندهم من الستحسان ،ووجهه أن
الصيغة أدل على الرضا من المعاطـاة فيحسن أن يعتبـر في الشياء النفيسة
ما هو أدل عليه صونا للبيع من التعرض لنكار حصول الرضا فيه .
الم سألة الثال ثة :ي جب أن يكون الو صـف منضبطا غ ير مضطرب
أي أن الشياء التـي تتفاوت فـي نفسـها كالمشقــة تضعـف وتقوى لذلك وجـب
ضبطهـا ليتأتـى بنــاء الحكـم عليهـا كالسـفـر مثلً فــإن الشارع رخــص
للم سافر في ق صر ال صلة لمش قة ال سفر ،ول كن المش قة المع تبرة في ال سفـر
غيـر منضبطة لنهـا تتفـاوت بطول السفـر وقصره وكثـرة الجهد وقلته
114
فل يتأتى بناء الحكم عليها إل إذا ُضبطت ،فعيّن الشـرع ما يضبطها وهو
السـفر مسـافة يوم وليلة بسـير البـل المحملة وحــددت هذه المسـافة بثمانيـة
ولذلك لم يحمل على السفر غيره من العمال المتعبة . ()2 ل
وأربعين مي ً
وأ ما م سالك العلة و هي الدلة ال تي تدل عل ـى أن الو صف عل ـة في
الح كم فإن ها ستـة م سالك :ال صراحة واليمان والجماع والمنا سبة والدوران
والشّبـه .
المسـلك الول :الصـراحة – وهـي أن يرد فـي الوصـف لفـظ التعليـل
مـا أفاء ال على رسـوله مـن أهـل القرى فلله (( صريحا كمـا فـي قوله تعالى :
وللر سول ول ـذي القر بى واليتا مى والم ساكيـن وا بن ال سبيل كي ل يك ـون
يا معشر الشباب من استطاع منكم (( وفي قوله )) دُولـةً بين الغنياء منكم
الباءة فليتزوج فإنه أغضﱡ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم
. ()2 )) فإنه له وجاء
المسـلك الثانـي :اليماء – وه ـو أن يذك ـر مع الح كم ما يب عد أن
إنها ليست بنجـس إنما هي (( في الهـرة : يكون لغيـر التعليل كقولـه
فلو لم يكـن التطواف علة لنفـي ()3 )) مـن الطوافيـن عليكـم أو الطوافــات
النجاســة لــم يكـن لذكــره مـع هذا الحكـم فائــدة لنــه معلوم أنهـا مـن
الطوافات فكان في ذكره إيماء بأنه علة الحكم .
ــــــــــــــ
-1تقدر هذه الميال بثمانين كيلو مترا .
رواه أحمـد والشيخــان )) يـا معشــر الشباب مـن اسـتطاع منكـم الباءة فليتــزوج (( -2حديـث
وأصحاب السنن عن ابن مسعود .
إنها ليست بنجس إنمـا هي من الطوافين عليكم أو (( -3قوله صلى ال عليـه وسلم في الهـرة :
رواه مالك وأحمـد وأصحاب السنن عـن كبشة بنت كعب بن مالك عـن حميهـا )) الطوافــات
أبي قتادة .
115
إنمــا يريــد (( ومنـه قوله تعالى فـي بيان تعليـل تحريــم الخمـر والميسـر :
الشيطان أن يوقع بينكم العـداوة والبغضاء في الخمـر والميسر ويصدكم عن
وهـو إيماء إلى تعليل يطّـرد في كل مسكر وفي كل )) ذكر ال وعن الصلة
نوع من أنواع الميسر .
عن و صف يعلم ـه ليب ني عل يه جواب ما سئل ع نه وم نه سؤاله
ولو لم ي كن الو صف للتعل يل لك ـان سؤاله ع نه وه ـو يعل مه خاليا من الفائدة
أَين قص الرط ـب إذا يب ـس (( كقوله ح ين سئل عن اشتراء الت مر بالر طب :
(. )1 )) فقالوا :نعم ،فنهى عن ذلك
حكما عقـب علمـه بواقعـة حديـث فنعلم أن تلك ومنــه أن يذكـر
ل أف طر في رمضان
أن رج ـ ً (( الواق عة تتضم ـن على ذلك الح كم ك ما ث بت
أن يكفّر بعت ـق رقب ـة أو صيـام شهري ـن متتابع ين فأم ـره ر سول ال
فكأنــه قــال مـن أفطـر فـي رمضان عامدا ()2 )) أو إطعام سـتيـن مسـكين
فليـكفّر بعتـق رقبة أو بصيام شهريـن متتابعيـن أو بإطعام ستين مسكينا .
وعلم نا أن العل ـة في وجوب إحدى ه ـذه الكفارات الثلث ه ـي انته ــاك
حر مة صوم رمضان بالفطار ف يه عمدا ،وق ـد خ صه الشافعي ـة بالوق ـاع
الذي جاء صريحـا في الرواي ـات الخرى وقالوا إ نه وحده العلة في وجوب
الكفارة فل ـم يوجبو ها بالك ـل أو الشرب المتعمّد ،وأ ما الحنف ية فن ــاطوا
وجوب الكفارة بمعنـى يتضمنه الوقاع وهـو اقتضاء شهـوة يجب المسـاك
ــــــــــــــ
-1حد يث ع ـدم جواز اشتراء الت مر بالر طب رواه مالك وأحم ـد وأ صحاب ال سنن عن سعد بن
سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ي سأل عن اشتراء الت مر بالر طب فق ـال (( أ بي وقاص قال :
. )) رسول ال صلى ال عليه وسلم :أينقص الرطب إذا يبس فقالوا :نعم ،فنهى عن ذلك
-2حد يث الر جل الذي أف طر في رمضان رواه مالك عن أ بي هريرة ورواه ع نه أيضا أح مد
والشيخان وأصحاب السنن وفيه أن الرجل أفطر بمواقعة امرأته .
116
عنهــا فــإن الصـيام هــو المسـاك عـن اقتضاء شهوة البطـن والفرج لذلك
أوجبــوا الكفارة على مـن أكـل أو شرب عامدا فـي رمضان لمــا فيـه مـن
اقتضاء الشهوة المنا في لل صيام ول ـم يوجبو ها في ما ل تقتض يه الشهوة كابتلع
حصـاة أو نواة ،وأمـا المالكيـة فلــم يعتـبروا الشهوة مَناطا للحكـم لذلك لــم
يوجبوا الكفارة على مقت ضى الشهوة ب ـل على انته ــاك حر مة ال صوم بتع مد
إف ساده بأي مف سد له ول ـو م ما ل يشت هى كابتلع ن ـواة أو ح صاة وهذا م ما
يسمّى عنـد الصوليين بتنقيـح المناط وهـو أن يحـذف من محل الحكم ما
ل مدخل له فيه ويبقى ما له فيه مدخل واعتبار .
الم سلك الثالث :الجماع – و هو أن يث بت كون الو صف عل ـة ف ـي
حكـم الصـل بالجماع كالقرابـة فـي اسـتحقاق الرث ،ومثاله إذا كان للمرأة
أخوان أحدهمـا شقيــق فإنــه أولى بعقـد نكاحهــا مـن الخ لب لن زيادة
القرابـة مـن جهـة الم سـبب تقديـم الخ الشقيـق فـي الميراث بالجماع فوجـب
تقديمه في ولية النكاح بالقياس عليه .
المسـلك الرابـع :المناسـبة – وهـي أن يكون فــي المحكوم عليـه
و صف ينا سب الح كم كالخ مر مثلً فإن في ها و صفا ينا سب أن تحرم لجله و هو
السكار المذهـب للعقـل الذي هـو منـاط التكليف وسبب الحصول عــلى
السـعادتين المعاشيـة والمعاديـة ،والمناسـب هـو مـــا جاء على مقتضـى
المصـالح بحيـث إذا أضيـف الحكـم إليـه انتظـم كإضافـــة تحريـم الخمـر إلى
إسكارها المذهب للعقل وهو إما أن يكون قد نص الشرع على اعتباره أو ل .
أما الذي نص الشرع على اعتباره فينقسم إلى مؤثر وملئم .
فالمن ـاسب المؤ ثر ه ـو الذي يكون عي نه مع تبرا في ع ين الحكم كما
فإن عيـن السـرقة )) والسـارق والسـارقة فاقطعوا أيدَيهمـا (( فـي قوله تعالى :
معتبر في عين القطع وهو كثير ...
117
والمنا سب الملئم هـو الذي يكون عينـه معتبــرا فـي جنـس الحكـم أو
جنسه في عين الحكم أو جنسه في جنس الحكم .
فمثال الول القول بإجبار الث يب ال صغيرة على النكاح لن ال صغر علة
في إقامة الولية عليها في المال فيكون علـة في إقامة الوليـة عليهــا في
النكاح أيضا لن عين الصغر معتبر في جنس الولية .
ومثال الثا ني تعل يل فقهائ نا الج مع ب ين ال صلتين في الح ضر بالم طر
للحرج الذي هو علة في الج مع بينه ما في ال سفر فإن ج نس الحرج مع تبر في
عين الجمع .
ومثال الثالث تعل يل الق صاص في الطراف بالجنا ية ال تي هي مع تبرة
في القصاص في النفس فإن جنس الجناية معتبر في جنس القصاص .
وأمـا المناسـب الذي لم ينـص الشارع على اعتباره فيقاس بـه إذا ثبـت
الح كم على وف قه في صورة من ال صور و هو الم سمّى بالغر يب كقياس فقهائ نا
المطل قة ثلثا في مرض الموت في ا ستحقاقها الميراث على القا تل في حرما نه
الميراث بجا مع التو صل إلى الغرض الفا سد بينه ما فينا سب أن يعا مل بنق يض
قصـده فإن التوصـل إلى الغرض الفاسـد لم ينـص الشارع على اعتباره أصـلً
ولك نه ر تب الح كم على وفق ـه في صورة القا تل ،أ ما إذا لم يث بت الح كم على
ويسمّى مرسلً . ()1 وفقـه في صورة من الصور فل يقاس به
المسلك الخامس :الدوران – وهـو أن يوجــد الحكم عنـد وجود
ــــــــــــــ
-1شذ اللخمي من فقهائنا فقاس به وقال يجوز القتراع على إلقاء بعض أهل السفينة المشرفة على
الغرق للتخفيف من ثقلهم عليها فقد رآه مناسبا لن فيه نجاة بقيتهم ولكن الجمهور ل يقولون بجوازه لن
الرواح أكرم من أن يقترع عليها وما جرى ليونس عليه السلم فإنه كان خاصا بـه ليريه ربه عـز
وجل من قدرته وحكمته ما يزيده علما وإنابة وتسليما .
118
الو صف ويعدم ع ند عد مه فيعل ـم أن ذلك الو صف علة ذلك الح كم ،ومثال ـه
أن عصير العنب قبل أن يطرأ عليه السكار لم يكن محرﱠما فلمـا حـدث فيه
السـكار صـار محرما فإذا ذهـب عنـه السـكار ذهـب عنـه التحريـم ولمـا دار
التحريم مع السكار وجودا وعدما علمنا أن السكار علة التحريم .
ومنه احتجاج فقهائنـا على طهارة عين الكلب والخنزير قياسا علـى
الشاة بجامـع الحياة بيـن الثلثـة ،ودليلنـا على أن الحياة على الطهارة هـو أن
الش ـاة إذا ما تت و في بطن ها جني ـن ح يّ صارت نج سة وب قي جنين ها ال حي
طاهرا .ول ما دارت الطه ـارة مع الحي ـاة وج ـودا وعدم ـا علم نا أن الحياة
علة الطهارة .
المسـلك السـادس :الشّبَــه -وهـو أن يتردد المسـلك بيـن أصـلين
مختلف ين في الح كم فيغلّب شب هه بأحدهم ــا على شب هه بال خر كالوضوء مثلً
فإنه متردد بين التيمم وبين إزالة النجاسة فيشبه التيمم من حيث أن المزال بهما
و هو الحدث حك مي ويش به إزالة النجا سة في أن المزال به ما ح سي ،فالمالك ية
والشافع ية يوجبون الني ــة في الوضوء تغليب ـا لشبه ـه بالتيمم ،والحنفي ـة
ل يوجبون النيـة فيه تغليبا لشبهه بإزالة النجاسة .
وكالعبد فإنه متردد بين الحر والدابة فيشبه الحـر لنه مثله في الدمية
و في أ صل التكل يف ويش به الدا بة ل نه مثل ها يباع ويشترى وتتف ــاوت قيم ته
بتفاوت أوصـافه كسـائر الموال ،فالذيـن غلّبوا شبهـه بالحــر أعطوه حـق
التملك والذين غلّبـوا شبهه بالدابـة لم يعطوه هذا الحق ،وقـد رأى الولون
شب هه بال حر أقوى من شب هه بالم ــال لن الش به في الدم ية أ صلي والش به
بالمال عرضـي والصـلي أقوى مـن العرضـي ،ورأى الخرون شبهـه بالمال
أقوى ليجاب القيمة بقتلـه بالغة ما بلغت على قاتلـه الحر وقالوا لو كان شبهه
بالحـر أقوى لوجب على قاتلـه القصاص ل القيمة .
119
الركـن الثالث :الفرع -ويشترط أن ل يكون فيـه نـص يثبـت حكمـه
لن القياس إنما يصار إليه عند خل ّو الفرع من الحكم الثابت له بالتنصيص وأما
الستـدلل بالقيـاس في مسألة ثبت حكمها بالنص فإنما هو لقنـاع المخالف
بصحة الحكم عند طعنه في النـص بما يـراه مضعفا للستدلل بـه ل لن
القياس هو الدليـل فيها ،وأن تكون العلـة موجـودة فيه لنها هـي الوصف
الجامع بينه وبين الصل فإذا لـم تكن موجودة فـي الفرع امتنع كونـه فرعا
لـه ولن المقصود وهو ثبوت مثـل حكم الصل متوقف على ثبوت علته فيه
ك ما في قي ـاس فقهائ نا عظام المي تة على لحم ها في النجا سة لن الحياة تحل ها
قال من يُحيي العظـا َم وهي رميم قـل يُحييهــا (( بدليل قول ـه تعـالى :
وما تحلـه الحيــاة يحله المـوت . )) ل مـرة
الذي أنشأهـا أو َ
الركـن الرابـع :الحكـم -ويشترط فيـه أن يكون شرعيا لن القياس
دليـل شرعـي فل يسـتدل بــه إل على حكـم شرعـي وعلى هـــذا فل يجوز
القياس في إثبات الحكام العقل ية ول في إثبات ال سماء اللغو ية على ال صح ،
وأن يكــون معللً لنـه إذا لم يكـن معللً فل يكــون اشتراك بيــن الفــرع
والصـل لفقدان الوصـف الذي يجمـع بينهمـا لذلك امتنـع القيــاس على مـا لم
يعق ـل معناه كمع ظم التقدي ـرات والعمال التعبدي ـة لخف ـاء المع نى ال ـذي
. ()1 لجله شرع الحكم فيها
هذا وق ـد يُعترض على القياس بنف ـي الح كم في ال صل ،أو بن في
وجود الوصف فيه ،أو بنفي كون الوصف علة ،أو بمعارضته بوصف آخر
في الفرع يقت ضي نق يض ح كم ال صل إلى غ ير ذلك من العتراض ـات ال تي
يمكن رد القياس بها ...
ــــــــــــــ
-1راجع الشرط الثالث من شروط الصل .
120
مثال العتراض بن في الح كم في ال صل احتجاج الشافع ية على غ سل
الناء سبع مرات من شرب الخنز ير بالقياس على شرب الكلب ،فين في الحنف ية
الحكم في الصل بتحديد مرات الغسل بالسبع محتجين بإفتاء أبي هريرة بغسل
وهو الراوي لحديث غسله سبع مرات ()1 الناء من شرب الكلب ثلث مرات
لنهم يرجحون العمل بتأويل الراوي ،ولكن الشافعية يرون الحكم بغسله سبع
إذا شرب الكلب في إناء أحدكم (( مرات ثابتا في الصل بالنص وهو قوله
،وأ ما ن حن المالك ية فإن نا نوا فق الشافع ية على ثبوت ()2 )) فليغ سله سبع مرات
الحكم في الصل بالنص إل أننا ل نوافقهم على القياس عليه لعتبار آخر وهو
أن نا نرى المر بغ سل الناء سبع مرات من شرب الكلب تعبديـا فهو من باب
ال صل المخصوص بالحكم وإن لم ينص الشارع على الخ صوص فيه ولكن لم
يعقل معناه فتعذر حمل غيره عليه .
ومثال العتراض بنفـي وجود الوصـف فـي الصـل احتجاج الشافعيـة
على وجوب الترتيـب فـي الوضوء بقولهـم هـو عبادة يبطلهـا الحدث كمـا يبطـل
ال صلة لذلك فإن الترت يب ف يه وا جب بالقياس على وجو به في ال صلة ،فيقول
الجمهور مـن فقهائنـا ل نسـلم بوجود الوصـف الــذي هـو إبطال الحدث فـي
الصـل الذي هوالصـلة لن الحدث عندنـا ل يبطـل الصـلة وإنمـا يبطــل
الوضوء ،وببطلن الوضوء تب طل ال صلة لن ـه من ش ـروط صحتها فيث بت
الشافعيـة إبطال الحدث للصلة بقولهم من لم يجـد مـاء ول ترابـا إذا صلى
ــــــــــــــ
-1إفتاء أبي هريرة بغسل الناء من ولوغ الكلب ثلث مرات رواه الطحاوي والدارقطني ،ولكن
ثبت أيضا أ نه أفتى بغ سلـه سبعا كما جاء في الحديث المرفوع و قد رج حت الروا ية المواف قة للحديث
. )) نيل الوطار (( و )) فتح الباري (( على الرواية المخالفـة لـه إسنادا ونظرا -انظر
رواه مالك وأحمد والشيخان عن )) إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات (( -2حديث
أبي هريرة .
121
وأحدث في صلته بطلت صلته مع أنه ليس بمتوضئ .
ومثال العتراض بنفــي كون الوصـف علة احتجاج الحنفيـة على أن
المعتقـة تحت حـ ّر لها الخيار بين البقاء في عصمته وبين مفارقته كالمعتقة
ت حت ع بد لن ها مل كت نف سها بالع تق ،فين في الجمهور كون ملكه ـا نف سهـا
بالعتق هو العلة ويقولون إنها ل تملك حق الخيار إل إذا أُعتقت وهي تحت عبد
وتكون العلة حينئذ عدم الكفاءة لن ها ل ما صارت حرة وزوج ها ع بد ل ـم ي بق
كفؤا لها فملكت عندئذ حق الخيار ،فيقول الحنفية لقد روينـا عن إبراهيم عن
أن زوج بريرة كان حرا فل ما أعت قت خير ها ر سول ال (( ال سود عن عائ شة
،فيجيبهـم الجمهور بأن روايتـي القاسـم وعــروة ()1 )) فاختارت نفسـها
أر جح من روا ية ال سود لنه ما اثنان و سمعا ()2 أن زوج ها كان عبدا (( عن ها
منهـا مواجهة دون حجاب مقابل واحد سمع من وراء حجاب وروايته معلولة
كان زوج (( ـن عباس :
ـا قول ابـ
ـا قال البخاري ،يضاف إليهمـ
بالنقطاع كمـ
كما جاء في صحيح البخاري . )) بريرة عبدا أسود يقال له مغيث
ومثـــال المعارضـة بوصـف آخـر فـي الفرع يقتضـي نقيـض حكـم
الصـل احتجاج الشافعيـة على أن المديان تجـب عليـه الزكاة قياسـا على غيـر
المديان بجامع ملك النصاب ،فيقول فقهاؤنـا وفقهاء الحنفية لقد عارضَنا في
الفرع معارض وه ـو الدﱠي نْ الم ستهلك للن صاب فاقت ضى نق يض ح كم ال صل
الذي هـو وجوب الزكاة بسـبب تعلق حقــوق الغرمــاء بالمـــال ،فيجيـب
الشافعية بأن الدﱠي نْ ل يصلح للمعارضة لنه متعلق بذمـة المديـان ل بعيـن
ــــــــــــــ
-1حديث السود عن عائشة رواه أحمد وأصحاب السنن .
-2روا ية القا سم عن عائ شة لحم ـد وم سلم وأ بي داود والدارقط ني ،وروا ية عروة لحمد وم سلم
وأبي داود والترمذي .
122
المال إذ لـو هلك بسببـه أو بغير سببه لـم يسقـط الدين عنه ،وأما الزكاة
ف هي متعل قة بع ين الم ــال ل بالذ مة إذ ل ـو هلك المال بغ ير سببه ل سقطت
الزكاة عنه .
قيـاس العكس
قياس العكس ه ـو إثبات ع كس ح كم ال صل في الفرع لتعاك سهما في
حين قيل لـه :أيأتي أحدنـا شهوته ويكون لـه فيها العلة ،ومثاله قوله
أرأيتم لـو وضعهــا في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلـك إذا (( أجـر ؟
(. )1 )) وضعها في الحلل كان له أجر
فحكم الصل هنـا ثبوت الوزر بوضع الشهوة في الحرام وحكم الفرع
ثبوت الجـر بوضعهــا فـي الحلل وهمــا متعاكسـان ،وعلة ثبوت الوزر
وضع ها في الحرام وعلة ثبوت ال جر وضع ها في الحلل وهم ـا متعاك ستان
وتعاكسـهما هــو الذي اقتضـى تعــاكس الحكميـن لن كلً مــن الحكميـن
متر تب على علت ـه فل ما عاك ست عل ـة الفرع ال صل ث بت للفرع ع كس ح كم
الصـل .
الستـدلل
اعلم أن الستدلل قياس منطقي يستنـد إلى تلزم بين الحكمين أو إلى
ــــــــــــــ
-1روى م سلم في صحيحه عن أ بي ذر (( أن نا سا من أ صحاب ال نبي صلى ال عل يه و سلم قالوا
للنبي صلى ال عليه وسلم :يا رسول ال ذهب أهل الدثور بالجور يصلون كما نصلي ويصومون كما
نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال :أوَ ليس قد جعل ال لكم ما تصدقون ،إن بكل تسبيحة صدقة
وكل تكبيرة صدقـة وكل تحميدة صدقـة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر
صدقـة و في ب ضع أحد كم صدقة قالوا :يا ر سول ال أيأ تي أحد نا شهو ته ويكون له في ها أ جر قال :
. )) أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له أجر
123
إلى تنافٍ بينهما .
والول ثلثــة أنواع :اســتدلل بالعلة على المعلول ،واســتدلل
بالمعلول على العلة ،واستدلل بأحد المعلولين على الخر .
والثا ني أيضا ثل ثة أنواع :ا ستدلل بالتن ــافي ب ين الحكم ين وجودا
وعدما ،واستدلل بالتنـافي بينهما وجودا فقط ،واستدلل بالتنــافي بينهما
عدمـا فقـط .
ـع
ـائنا على أن بيـ
ـتدلل بالعلة على المعلول احتجاج فقهــ
مثال السـ
وأحـل ال البيع (( الغائب صحيح بأنه حلل لدخولـه في مدلول قوله تعالى :
ولمـا كان حللً كـان صحيحا لن الحل على الصحة . )) وحرم الربـا
ومثال السـتدلل بالمعلول على العلــة اسـتدلل فقهــائنا علــى أن
و ما يجوز ()1 صلة الو تر نافلـة بأ نه يجوز للم سافر أن يؤديها على الراحلة
أن يؤدى على الراحلة فهـو نافلــة فصـلة الوتــر إذا نافلــة وذلك أن جواز
أداء الصلة على الراحلة معلول من معلولت النوافل التي يترخص فيهـا بما
ل يترخص في الفرائض ولذلك ل يصح أداء الفرائض على الراحلة .
ومثال السـتـدلل بأحـد المعلوليـن على الخـر احتجـــاج الشافعيـة
على وجوب الزكاة على المديان فـي النقديــن بوجوبهـا عليـه فـي الحرث
والماش ية إذ ه ما معلولن لعل ـة واحدة و هي ملك الن صاب ،واحتجاج فقهائ نا
على أن المكره على الق تل يق تل بأن المكره على الق تل يحرم علي ـه الق تل ويعدﱡ
عاصيا بـه إجماعا وأن العصيان بالقتـل ووجوب القصاص به معلولن لعلة
ــــــــــــــ
-1جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر قال (( :كان رسول ال صلى ال عليه وسلـم يسبح على
. )) الراحلة ِقبَل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه ل يصلي عليها المكتوبة
124
ومثـــال السـتدلل بالتنافـي بيـن الحكميـن وجودا وعدما احتجاج
فقهائ نا على أن المديان ل ت جب عل يه الزكاة ب ـأن أخ ـذ الزكاة وإعط ــاءها
متنافيان وج ـودا وعدم ـا ،ل نه إ ما أن يعتب ـر غنيا وإ ما أن يع تبر فقي ـرا
وعلى كل العتب ــارين يتع ين أح ـد الحكم ين ويمت نع ال خر ،فإن اعتب ـر
غنيا و جب عل يه إعطاء الزكاة وح ـرم عل يه أخذه ـا ،وإن اعتب ـر فقي ـرا
ج ـاز له أخذهـا وسـقط عنـه إعطاؤهـا ،وإذا ثبـت التنــافي بيــن الحكميـن
وجودا وعدم ـا و جب بوجود أحدهم ــا ع ـدم ال خر ،ولم ــا ث بت ه نا
أحدهمـا وهــو جــواز أخــذه للزكاة إجماعا وجـب عــدم الخــر وهــو
وجوبها عليه .
ومثــال الستدلل بالتنافي بين الحكمين وجودا فقط احتجاج الشافعية
والحنابلة على عدم نجاسـة المنـي بأن نجاسـته وجواز الصـلة بــه متنافيــان
ولما كانت الصلة به جائزة فهـو ليس بنجس ،ومستندهم في جواز الصلة
يسـلت المنـي مـن ثوبـه كــان رسـول ال (( بـه حديـث عائشــة قالت :
(. )1 )) بعرق ال ْذخِر ثم يصلي فيه ويحته من ثوبـه يابسا ثم يصلي فيه
ــــــــــــــ
-1حد يث عائ شة ه ـذا رواه أح مد في م سنده وج ـاء في روايات أخرى لم سلم وأ صحاب ال سنن
أن ها كا نت تفر كه من ثوب ـه وي صلي ف يه ،ول كن المالك ية رجحوا روا ية الشيخ ين ال تي فيه ـا أنه ـا
...كنت أغسله من ثوب رسول ال صلى ال (( كانت تغسله فقد جـاء في صحيح البخاري أنها قالت :
أن (( وجاء في صحيح م سلم عنه ـا )) عل يه و سلم فيخرج إلى ال صلة وأثر الغ سل في ثو به بقع الماء
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلـى
فذهبوا إلى أ نه ن جس وأ نه بالحداث الخار جة من البدن أش به من ـه بالفض ــلت )) أ ثر الغ سل ف يه
الطاهرة لخرو جه من مخرج البول .وأ ما الحنف ية فإن هم اتفقوا مع المالك ية على نجا سته إل أن هم قالوا
تزول بالفرك إذا كان يابسا جمعا بين رواية الغسل ورواية الفرك .
125
ومثال الستدلل بالتنـافي بين الحكمين عدما فقط احتجاج فقهائنا على
طهارة مَيْت ـة الب حر بعدم تحر يم أكل ها فإن الطهارة وحرم ـة ال كل ل يتفقان
لن كل ما ل يس بطا هر ف هو محرﱠم ال كل و كل ما ل يس بمحرم ال كل فه ـو
و جب أن تكون ()1 طاه ـر ول ما كا نت ميت ـة الب حر لي ست بمحرم ـة ال كل
ميتة طاهرة .
*
ــــــــــــــ
هـو الطهور ماؤه (( -1لقولـه صلى ال عليه وسلم حين سئـل عن التوضؤ من مـاء البحر :
رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة . )) الحل ميتتـه
126
127
المتضمـن للدليــل
128
الجمـاع
في عصر الجماع هو اتفـاق مجتهدي المة بعد وفاة رسول ال
( طال أو قصر ) على حكم شرعي .
ومن يشاقق الرسول (( وهو حجة قطعية وتحرم مخالفته لقوله تعالى :
من بعد ما تبين لـه الهدى ويتب ْع غير سبيل المؤمنين نولـه ما تولى ونصله
ف من ات بع غ ير سبيل المؤمن ين ان ـدرج في ه ــذا )) جه نم و ساءت م صيرا
الوعيـد الشديـد لن مـــا أجمعوا عليـه مـن قول أو فعــل ل شـك فـي أنــه
سـبيلهم ول شـك فـي أنـه سـبيل هــدى لنهـم ل يجتمعون على ضللة وكــل
سبيل غي ـره سبيل ضلل ل يتب عه إل ضال من شق ع ـن جما عة المؤمن ين ،
ي ـد ال (( وقول ـه : ()1 )) إن أم تي ل تجت مع على ضلل ـة (( ولقول ـه
إن ال أجار كم من (( وقوله : ()2 )) مع الجما عة و من ش ـذﱠ ش ـذﱠ إلى النار
ثلث خِلل أن ل يدعـو عليكـم نـبيكم فتهلكوا جميعــا وأن ل يظهـر أهــل
ولحاديـث أخرى ()3 )) الباطـل على أهـل الحـق وأن ل تجتمعوا على ضللة
متواترة المعنى تتضمن عصمة المــة المحمدية من الضلل ومن الخطأ فيما
تجت مع عل يه روا ها كب ــار ال صحابة كع مر بن الخطاب وع بد ال بن عم ـر
وعبد ال بن مسعود وأبي هريـرة وأبي سعيـد الخدري وحذيفـة بن اليمان.
ــــــــــــــ
رواه ا بن ما جه عن أ نس بن مالك ورواه عن ـه )) إن أم تي ل تجت مع على ضللة (( -1حد يث
ب عد كلم طوي ـل :وبالجملة )) المقا صـد الح سنة (( وقال ال سخاوي في )) الفراد (( الدارقط ني في
فهو حديث مشهور المتن ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة .
رواه )) ل تجت مع أم تي على ضلل ـة و يد ال مع الجما عة و من شذ شذ إلى النار (( -2حد يث
الترمذي عن ابن عباس .
رواه أ بو داود وال طبراني عن أ بي مالك )) إن ال أجار كم من ثلث خ ــلل ... (( -3حد يث
الشعــري .
129
هذا ويتعلق بالجماع عشر مسائل رئيسية نوجزها فيما يلي :
المسألة الولى :كل إجماع ل بـد أن يكون م ستندا إلى دليل شرعي
من الكتاب أو ال سنة أو القياس كالجم ــاع على تحر يم المي تة وال ـدم ول حم
حر مت علي كم المي تة والدم ول حم الخنز ير)) والجماع (( الخنز ير لقوله تعالى :
إذا رقــد أحدكم (( على وجوب قضاء الصلة على النائم والغافـل لقوله
،والجمــاع على ()1 )) عـن الصـلة أو غفــل عنهـا فليصـلها إذا ذكرهـا
تحر يم ش حم الخنز ير بالقياس على لح مه ،والجم ـاع على تن جس الز يت إذا
ماتت فيه فأرة بالقياس على السمن المائع .
()2 الم سألـة الثان ية :الجماع ل يخ تص بال صحابة خلفا للظاهر ية
وإجماعهم يشمل المجتهدين من التابعين الذين كانوا معهم وقت إجماعهم لنهم
يعتبرون من عصرهم .
المسألـة الثالثة :إذا أجمع التابعون على أحـد قولين للصحابة اعتبر
إجماعا لهـم كإجماعهـم على تحريـم بيـع أم الولد :فإن بعـض الصـحابة ومنهـم
ع مر وعثمان حرموا بيع ها ،وبعضه ـم كأ بي ب كر وعلي وجابر وأ بي سعيد
. ()3 وابن عباس أجازوه وبه أخذ الظاهرية
ــــــــــــــ
رواه مسلـم )) إذا رقـد أحدكم عن الصلة أو غفـل عنها فليصلهـا إذا ذكرها (( -1حديث
من نسي صلة أو نـام عنها فكفارتهـا أن يصليهـا (( عـن أنس بن مالك ورواه عنه أيضا بلفـظ
. )) إذا ذكرهـا
-2وللمشهور عن المام أح مد الذي يرى تع ـذر ض بط اتفاق م ـن بعد هم لكثرت هم وتباع ـد
مواطنهم .
-3يقول الظاهرية لما انعقـد الجماع على أنها مملوكة قبل الولدة وجب أن تبقى على ذلك بعدها
إلى أن يدل الدليـل على غيره ،فيردّ عليهـم الجمهور بدعوى مماثلة إذ يقولون لمـا انعقـد الجماع على
تحريم بيعها وهي حامل وجب استمرار مقتضى هذا الجماع بعد وضعها حملها .
130
الم سألـة الراب عة :ل بد في الجماع من اتفاق كل مجتهدي الع صر
فل ينعقــد إذا خالــف بعضهــم ولو كان واحــدا إذا مـا خالف فيـه ممــا
ول كن يبق ـى ح جة لرجحان ـه ()1 ي سوغ ف يه الجتهاد لعدم ورود نص في ـه
على ما ذهب إليه المخالف كاحتجاج الجمهور على العول في الفرائـض باتفاق
ال صحابة مع مخال فة ا بن عباس ،واحتجاج هم على انتقاض الوضوء بالن ـوم
المستغرق باتفاق الصحابة أيضا مع مخالفة أبي موسى .
المسـألـة الخامسـة :ل يعتـبر فـي الجماع وفاق القدريـة والخوارج
والرافضـة وسـائر الفرق المنشقـة عـن أهـل السـنة ول يعت ّد بخلف مـن أنكـر
. ()2 القياس وتمسك بالظاهر وحده
المسألـة السادسة :ل إجماع يناقض إجماعـا سابقا لن ذلك يستلزم
تعارض دليليـن قطعييـن بناء على أن الجماع دليـل قطعـي وتعارض دليليـن
قطعيين محال .
المسألـة السابعة :يثبت الجماع عندنا برواية الحاد له ،ول يثبت
بهـا عنــد الكثريـن باعتباره قطعيا وروايـة الحاد ظنيــة ول يصـح عندهـم
ثبوت القط عي بالظ ني ثم ل يعدو نه في ه ـذه الحال ـة ح جة لعدم ت سليمهـم
وإن كانوا ل يقطعون ببطلن مذهب المتمسكين به في العمل خاصة. ()3 بثبوته
ــــــــــــــ
-1وأما ما ورد فيه نـص كربا الفضل فل يسوغ فيه الجتهاد ولذلك لـم يعتبر القول المنسوب
إلى ابن عباس بجواز ربـا الفضل مؤثّـرا في إجماع الصحابة للحاديث الصحيحة التي نصـت على
تحريمـه .
-2قال النووي في شرح م سلم :مخال فة داود الظاهري ل تقدح في انعقاد الجماع على المختار
الذي عليه الكثرون والمحققون .
-3وقـد عــدﱠه البعـض حجـة لثبوتـه بالظـن الكافـي فـي العمـل ومنهـم إمــام الحرميـن والمدي
والماوردي .
131
الم سألـة الثام نة :الجماع ال سكوتي ح جة على ال صحيح وإن اختلف
فـي تسـميته إجماعا دون تقييده بالسـكوتي ،وهـو أن ينطـق بعـض المجتهديـن
بحكـم ويسـكت الباقون عنـه بعـد علمهـم بـه لن سـكوتهم المجرد عـن أمارة
. ()1 الستنكار موافقة وإن لم ينطقوا بها
المسألـة التاسعة :إجماع أهل المدينة حجة عندنا في كل ما اجتمع
وأمثالهم كنافع مولى ابن عمر ومحمد بن ()2 عليه علماؤها :الفقهاء السبعة
شه ـاب الزهري وربيع ـة بن ع بد الرح من التي مي وعب يد ال بن ع بد ال بن
عت بة وأب ـان بن عثمان بن عفان .ويرى مالك و قد تفق ـه بفقهه ـم وجم عه
وجو بَ أتباعهم فيما اجتمعوا عليه ويرجحه على الحديث إذا عملوا بخلفه لنه
أخذوه عـن آبائهـم وغيـر آبائهـم مـن كان يرى عملهـم مـن عمـل الرسـول
أصحابه الذين لزموه إلى أن توفي بينهم فكانوا أبصر وأعلم بما كان عليه آخر
أمره فعملوا به وأخذه عن هم أبناؤ هم وأحفاد هم الفقهاء ال سبعة وغير هم من كبار
علماء المدينة وأماثل أهلها فقها وورعا وحرصا على السنة وتوثقـا في الفتيا .
هذا وإجماع أهــل المدينـة نوعان :نوع طريقـــة النقـل المتواتـر
أو ل كصفـة صلته وحجة
سواء كان المنقول قولً كالذان والقامة أو فع ً
ــــــــــــــ
ُ -1ن سب إلى المام الشاف عي عدم اعتبار الجماع ال سكوتي ح جة لعدم اعتباره إي ـاه إجماعا وق يل
هو معنـي قول ـه ( :ل ينسـب إلى ساكت قول ) وإذا لم يكـن إجماعا فل يكون ح جة لن قول بعـض
مجتهدي المة ليس بحجة ،ولكن النووي قال في شرح الوسيط :الصحيح من مذهب الشافعي أنه حجة
وإجماع ول يناف يه قوله ل ين سب إلى ساكت قول ل نه محم ـول عن ــد المحقق ين على ن في الجماع
القطعـي فل ينافـي كونـه إجماعا ظنيا ويكون مراده بقوله ل ينسـب إلى سـاكت قول نفـي نسـبة القول
صريحا ل نفي الموافقة كما يسمى سكوت البكر عند استئذانها إذنا ول يسمى قولً .
-2هم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد ال بن
عمر وخارجة بن زيد بن ثابت النصاري وسليمان بن يسار الهللي وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف .
132
إقرارا لمـا شاهده مـن أصـحابه أو تركا لمور ظاهرة لم يدخلهـا فـي حكــم
أشبه ها كترك ـه أ خذ الزكاة عن البقول مع كثرت ها في ب ساتين المدي نة ،ونوع
طريقة الجتهاد سواء كان فتاوى أم أقضية .
أما النوع الذي طريقه النقل المتواتر فهو عندنـا حجة موجبـة للعلم
القطعي وملزمة لل خذ بـه ولترك ما خالفه من خبر أو قياس ل يح صل بهما
سوى الظن .
وأ ما النوع الثا ني الذي طري قه الجتهاد فإن ب عض فقهائ نا ومن هم أك ثر
علماء المغرب يع تبرونه حجـة ويعزونـه إلى المام لتمسـكه به وتصـريحه فـي
ر سالته إلى الل يث بن سعد بوجوب اتباع أ هل المدي نة والتحذ ير من مخالفت هم
ولكنهم ل يرفعون حجيته إلى مستوى حجية النوع الول الموجبة للعلم القطعي
والتـي تُضعّف بهـا الخبار المعارضـة ويردﱡ العمـل بهـا مـع ثبوت صـحتها ،
وبعضهم ل يعتبرونه حجة ولكن يرجحونه على اجتهاد فقهاء المصارالخرى.
المسألة العاشرة :جاحد المجمع عليــه المعلوم من الدين بالضرورة
كوجوب ال صلة وال صيام وحر مة الزن ـا ول حم الخنز ير كا فر قطعا لن جحده
وكذا جا حد المشهور المن صوص علي ــه ك حل ي ستلزم تكذ يب ر سول ال
البيع وحرمة الربا على الصح .
قول الصحابي
كان المام مالك يأخـذ بفتاوى الصـحابة ويرى الخـذ بهـا واجبــا
ومصدرا من مصادر الفقه ،لذلك دوﱠن ()1 ويعتبرها شعبة من شعب السّنـة
ــــــــــــــ
-1قال ابن القيم في أعلم الموقعين :فتلك الفتوى التي يفتي بها أحدهم ل تخرج عن ستة أوجه :
الول :أن يكون سمعها من النبي صلى ال عليه وسلم .
الثاني :أن يكون سمعها ممن سمعها منه صلى ال عليه وسلم = .
133
كثيرا منهـا إلى جانـب الحاديـث النبويـة وتلقاهــا أصـحابه )) موطئه (( فـي
بالقب ـول واحتج ـوا ب ها كاحتجاج هم على وجوب كفارة واحدة على م ـن كان
له عـدة زوجات فظاهـر منهن معـا بظهار واحد بقـول عمر بن الخطـاب
(، )1 )) إذا كان ت حت الر جل أر بع ن سوة فظاه ـر من هن تجز يه كفارة واحدة ((
وذهب أبو حنيفـة إلى أن قـول الصحابي إذا خالـف القيـاس كان حجة لنه
ل مدخـل للرأي فيـه فل يكون إل بتوقيـف وإذا وافــق القياس لم يكـن حجـة
لحتمال الرأي فيه .
أكثر ما يبقى الولـد في بطن (( فمثال ما خالـف القياس قول عائشة
فإن هذا التحديـد ل يُهدى إليــه بقياس ،ومثـــال مـا وافـق )) أمـه سـنتان
فإن هـذا يؤخـذ من القياس . )) الخوان ليس إخوة (( القياس قول ابن عباس
المصلحة المرسلة
لمـا كان المراد مـن الشريعـة صـلح العباد وقيام مصـالحهم الدينيـة
ــــــــــــــ
= الثالث :أن يكون فهمها من آيـة من كتاب ال فهما خفي علينا .
الرابع :أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم ولم ينقل إلينا إل قول المفتي بها وحده .
الخا مس :أن يكون لكمال عل مه بالل غة ودللة الل فظ على الو جه الذي انفرد به ع نا أو لقرائن حال ية
اقترنـت بالخطاب أو لمجموع أمور فهمهـا على طول الزمان مـن رؤيـة النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
ومشاهدة أفعاله وسـيرته وسـماع كلمـه والعلم بمقاصـده وشهود نزول الوحـي ومشاهدة تأويله بالفعـل
يكون له من الفهم ما ل نفهمه نحن وعلى هذه التقارير الخمسة تكون فتواه حجة علينا .
السادس :أن يكون فهـم ما لم يرده النبي صلى ال عليه وسلم وأخطأ في فهمه وعلى هذا التقدير
ل يكون قوله حجة ،ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد
معين ولذلك يفيد ظنا غالبا قويا وليس المطلوب إل الظن الغالب والعمل به متعين .
-1رواه الدارقط ني وروى مالك عن هشام بن عروة عن أب يه أ نه قال في ر جل تظا هر من أر بع
ن سوة له بكلم ـة واحدة ( ل يس عل يه إل كفارة واحدة ) وروى مثله عن ربي عة بن ع بد الرح من وقال :
وعلى ذلك المر عندنا .
134
والدنيو ية على الو جه الذي شر عه ال ل هم من الوا جب في ما لم يرد ف يه نص أو
أصـل يقاس عليـه ملحظــة مقاصـد الشريعـــة ومراعاة مصـالح الفراد
والجماعات بالمحافظة على حقوقهم ودفع الضرر عنهم .
وقـد بُدئ بالمصـلحة منــذ عهـد الصـحابة رضوان ال عليهـم فإنهـم
أحدثوا أمورا لم يتقدم لهـا شاهـد بالعتبار ول بعدمـه ،منهـا تدويــن عمـر
الدّواو ين و سك النقود واتخ ـاذ ال سجون ،وكتاب ـة عثمان الم صاحف وهد مه
الوقاف التـي كانـت بإزاء المسـجد وتوسـعته بهـا وزيادتـه الذان الول على
الزوراء يوم الجمعة حين كثر الناس واتسعت المدينة .
ولمـا كانت المصالح الواجب مراعاتها في استنباط الحكام ل تعرف
إل بتعريـف الشــرع لهـا ول تقدر إل بميزانــه قسـمت مـن هذه الوجهـة إلى
ثلثـة أقسـام :مصـالح معتـبرة مـن الشارع قـد عُرف اعتباره لهـا بالقيــاس
المع تبر شرع ـا ،وم صالح غ ير مع تبرة من الشارع قد عُرف ع ـدم اعتباره
ل ها كالم نع من غرس ش جر الع نب لئل يع صر خمرا ،وم صالح لم يرد له ـا
في الشرع اعتبار ول عدمـه بل تركت مرسلة أي مطلقة دون شهادة لها بشيء
وهذه هــي التـي سـُميت بالمصـالح المرسـلة وتكثــر فـي المعاملت وسـياسة
الرعية وتُعـدﱡ عندنا من مدارك الشريعة وأصولها التي تبنى عليها الحكام كما
تبنى على القياس ولكن بشروط ثلثة :
الول :أن تكون ملئ مة لمقا صـد الشرع الضرور ية لقي ـام م صالح
العباد ،تلك المقا صد ال تي إذا أُهملت لم ت سِر حيات هم في دنيا هم على ا ستقامـة
حفـظ الديــن ( ونظام وإنصـاف بـل على عوج واضطراب وعدوان وهــي
ل من أصول الشريعة
والنفس والعقـل والنسل والمال ) وذلك بأن ل تنافي أص ً
ول دليلً من أدلتها القطعية .
الثاني :أن تكون معقولة في ذاتها أي جارية على الوصاف المناسبة
135
المعقولة التي إذا عُرضت على العقول تلقتها بالقبول .
الثالث :أن يكون في الخ ـذ ب ها ح فظ أ مر ضروري أو د فع ضرر
بيّن أو رفع حرج شاق .
وذلك كجواز بيعـة المفضول مـع وجود الفاضـل الولى بالخلفـة درءا
للفتنة والفساد واضطراب الحوال ،وتوظيف المام على الغنيــاء ما يكفي
لحاجة الجند وسـدّ الثغور وإقامة السبل والمرافق العــامة إذا لـم يكن في
بيت المـال ما يكفـي لذلك ،وجواز قتل الجماعـة بالواحد إذا اشتركوا في
قتله ولم يتبيـن من حصل الموت من فعلـه لن القتيل معصوم الـدم وإهدار
دم ـه يح مل على خرم أ صل الق صاص وعلى اتخاذ ال ستعانــة ذري عة للق تل
إذا عُلم ع ـدم الق صاص ف يه ،وجواز بت ـر ع ضو من مر يض يتو قف على
بتره شف ـاؤه وح فظ حيا ته لن من م صلحته تح مل أل ـم بت ـره وضرر فقدا نه
في سبيل شفائه وح فظ حيات ـه ،وهكذا سائـر الجراحات ال تي يتو قف علي ها
شفاء المرضى ،ومثلها كل حالـة تنحصر بين ضرريـن متفاوتين فإن من
المصلحة إتيان الخف منهما درءا للشد .
الستحسـان
()1 ال ستحسان مدرك من مدارك الشري عة في مذهب نا ق ـال به إمام نا
في عدة م سائل خرﱠج علي ها فقهاؤن ـا كثيرا من النظائر والشي ــاء ،و هو
الترخص في مخالفة مقتضى الدليل لمعارضة دليل آخر له في بعض مقتضياته
من مراعاة لمقتضى الضرورة وجلب التيسيـر ورفع الحرج ودفع الضرر إلى
غيـر ذلك من السبـاب المعتبرة شرعـا كالترخيص لقاضي بلـدة ليس فيها
ــــــــــــــ
-1وقال به أيضا المام أبو حنيفة .
136
من تنط بق عل يه شروط الع ـدالة في قبول شهادة أقرب هم إلى الخ ير وال صدق
حتـى ل تتعطـل مصـالحهم ،والترخيـص فـي الطلع على العــورات عنــد
الضرورة للمداواة والتمريض ،وتضمين أصحاب الطواحين وحاملي الطعمة
مـا يهلك عندهـم إذا لم يقيموا البينـة على هلكــه مـن غيـر سـبـب منهـم ،
مـا يدﱠعون هلكــه وذلك منعــا ()1 وتضميـن الصـناع المنتصـبين للنــاس
للتهاون في حفظ أمـوال الناس مع أن الصل عدم التضمين في غير التعمد ،
وعدم إلزام الزوجـة الشريفـة بالرضاع إذا كان يلحقهـــا بـه تعييــر أو
والوالدات يرضعـن أولدهـن )) ، (( انتقاص اسـتثنا ًء مـن قوله تعـــالى :
والمطل قة يرت فع حيض ها بل سبب يكفيه ـا انتظار ت سعة أشه ـر ( مدة الح مل
غالبا ) وثلثة أشهر ( عِدﱠة ) ثم تتـزوج مع أنها ليست من ذوات الشهر لنها
لو بقيت دون زواج منتظرة معــاودة الحيض أو بلـوغ سن اليأس لتضررت
وتعرضت للزلل ولن المقصود من العدة وهو تحقيق البراءة من الحمل يتحقق
بانقضاء المدة الغالبة له فتتحول إلى العتداد بالشهر .
هذا ولم يقل بعض علمائنا بالستحسان وردوا هـذه المسائل وأشباهها
إلى القياس أو المصلحة أو العرف .
العــرف
العرف هو ما اعتاده فر يق من الناس في أقوال هم وأفعال هم ومجاري
ل مـن
إذا لم يخالف نصـا قطعيا ونعتـبره أصـ ً ()2 حياتهـم .ونحـن نأخـذ بـه
الصول الفقهيـة المعينة على تعيين الحكام الشرعية المطلوبـة للوقائـع التي
ــــــــــــــ
-1ال صناع من هؤلء يعرف بالمشترك .والذي ل ينت صب للناس يعرف بالخاص و هو غ ير
ضامن وعند غيرنا الصانع الخاص هو الذي يعمل في منزل المستأجر له .
-2والحنفية أيضا يأخذون بـه .
137
تتصـل بهـا أو تجرى بحسـبه .وهـو عندنـا يخصـص العام ويقيـــد المطلق
ويفسـر اللفاظ فـي العقود واليمـــان وكنايات الطلق وسـائر اللفـــاظ
المتعارف على مفاهيمهـــا ،وهــو تابـع للتبــدل وبحسـب تبدله يكــون
. ()1 الفتاء والقضاء
سـ ّد الذرائـع
الذرائع هي الو سائل المؤدي ـة إلى م صالح أو مفا سد ،وحكم ها كح كم
ما تؤدي إليه من حلل أو حرام أو غيرهما ،والصل في اعتبارها هـو النظر
في نتائج الفعـال وما تؤدي إليه ل في نية فاعلها وإن كان للنية اعتبارها عند
ال الذي له وحده حق محاسبته عليها .
والمراد بسـدّ الذرائع منع الوسائل المؤدية إلى مفاسد وتنقسم إلى ثلثة
أقسام رئيسية :
الول :ما يكون أداؤه إلى المفسدة يقينيا كحفر بئر غيـر مسوﱠرة في
ل ،وكالخلوة بشابة أجنبية ،ومصاحبة أهـل الدعارة
مكان يمر م نه الناس لي ً
والفجور ،وهذا حرام يجب منعه لدائه القطعي إلى المفسدة .
الثا ني :ما يكون أداؤه إلى المف سدة راجحا كح فر بئ ـر غ ير م سوﱠرة
ل وكـبيع العنـب لخمار وكشـف الشابـة الجميلة
فـي مكان ل يمـر منـه الناس لي ً
وجههـا للجانـب ،وهــذا شبيــه بالحرام يجــب منعـه لرجحان أدائه إلى
المفسـدة .
الثالث :ما يكون أداؤه إلى المفسدة نادرا كحفر بئر في مكـان غيـر
مطـروق وكبيع مبيـد للحشـرات قاتـل للنسان وكشـف المرأة المسنة أو
ــــــــــــــ
للقرافي . )) الفروق (( -1انظر
138
الدميمـة وجههـا للجانـب ،وهذا مباح لندرة أدائه إلى الضــرر مـع قيام
المصلحة وأصل الذن .
وأما الذرائـع المؤدية إلى مصالح فل يجوز سدﱡها ول سيما إذا كانت
الم صالح متوق فة علي ها وتكون حينئذ واج بة أو مندو بة أو مبا حة بح سب ح كم
المصلحة نفسها كالسعي لصلة الجمعـة والسفر للستزادة من العلم والتنقل بين
البلدان للتعرف عليها .
هذا والذرائع أ صل من ال صول الفقه ية عند نا والخ ـذ ب ها ثا بت في
المذاهـب الربعـة وإن لم ي صرح بــه فـي بعضهـا ،وقــد اعتمـد عليـه مالك
وأحمد أكثر من الشافعي وأبي حنيفـة اللذين لم يعتبـراه أصلً قائمـا بذاتـه
بل مندرجا في الصول الخرى المقررة عندهما .
*
139
الجتهــــاد
140
ويو سف بن يح يي البوي طي في مذه ـب الشاف عي ،وأ بي يو سف بن إبراه يم
النصاري ومحمد بن الحسن الشيباني وزفـر بن الهذيل الكوفي في مذهـب
أبي حنيفة ،وأبي بكر الثرم وإسحاق بن راهويه المروزي وأحمـد بن محمد
ابن الحجاج المروزي في مذهب أحمد .
ويأتي بعد مجتهد المذهب مجتهد الترجيح وهوالفقيه المتبحر في مذهب
إما مه أ صولً وفروع ــا ،المتم كن من ترج يح قول على آ خر وتمي يز أ صح
القوال من غير ها بال ستنـاد إلى الدلة ومرجحات ها وأ صول المام وم سائله
وما روي عنه وعن أصحابـه وما دُوﱢن من فتـاويهم ولرائهـم الفقهيـة .
وه ـذا النوع من الجتهاد ق ـد يتجزأ فيُع نى ب عض الفقه ـاء بالتخ صص في
بعـض أبواب الفقـه كالعبـــادات أو المواريـث والوصـايا أو النكاح والطلق
والتزاماته ما ،أو البيوع والعقود في الرجوع إلى مداركه ـا وا ستقراء م سائلها
وأدلتها وعلل أحكامها إلى أن يبلغوا فيها مرتبة الترجيح .
ويلي هذه الطبقة فقهـاء مقلدون اقتصروا على دراسة ما تيسر لهم من
مؤلف ـات مَن قبله ـم فحفظ ـوه ك ما ه ـو وعلّموه لغيره ـم ك ما تعلموه دون
أن يكون لهـم أثــر فيـه غيـر التلخيـص والشرح والتعليـق والشارة إلى مــا
اختُـلف فيـه من الفـروع وما استقـر المذهـب عليه ،وهؤلء فريقـان :
141
المرجحين فيما اختلفوا فيه منها ،وهؤلء أحرياء لن يعتبروا فقهــاء متبعين
ل علماء مقلدين .
وفريق أخذوا القـوال مجردة عن مستنداتهــا والحكام عارية عن
أدلتهـا واكتفوا بمعرفـة الفروع الفقهيـة المبوبــة والفتــاوي المدونــة دون
الرجوع إلى أ صولهـا وشواهده ـا ،وهؤلء أكث ـر عددا ولكن هم أد نى مرت بة
من الفريق الول وأشدﱡ منهم تقيـدا بالتقليد وتعصبا لـه لقصْـر علمهم عليه ،
وح صر أنف سهم في فل كه ،ل ي ستشفون م ـا وراءه من أضواء شموس الدلة
ال تي تك شف عن مدارك الحكام ومناطات ها وتن ير سبيــل الو صول إلى الف قه
المثل بالعلم الكمل .
والئمـة المجتهدون كلهم على هدى من ربهم لنهم بذلوا في اجتهادهم
أق صى ما في و سعهم من ج هد على ما عُ ـرف عن هم ودلت عل يه آثاره ـم ،
وكانوا حائزيـن على شروط الجتهاد مطلعيــن على مدارك الشريعـة وأدلتهـا
ومقاصدها ،مع ما أوتوا من بصيرة نافــذة ورأي فقهي مسدﱠد في استنباط
الحكام وتعليلهــا وحرص شديد على ارتيــاد الحق وتحري الصواب .
ح إل يه وأذن به العلماء
في ما لم يو َ ه ـذا وق ـد اجته ـد ر سول ال
كيـف (( مـن أصحابه كمعـاذ بن جبل حين أرسلـه إلى اليمن وقـال لـه :
تقضي إذا عـرض لك قضاء ؟ قـال :أقضي بما فـي كتاب ال .قال :فإن
قـال :فـإن لم يكن لـم يكن في كتاب ال ؟ قال :فبسنـة رسول ال
بيده في صدره في سنة رسول ال ؟ قال :أجتهد رأيي ول آلو .فضرب
. )) ل ال
ل ال لمـا يرضــاه رسـو ُ
وقال :الحمـد ل الذي وفـق رسـولَ رسـو ِ
وإقراره اجتهاد عمرو بن العاص في ال صلة بأ صحابـه بالتي مم وه ـو ج نب
،وإقراره اجتهـــاد ()1 إشفاقا على نفسـه مـن الهلك بالبــرد إن اغتسـل
142
أ صحابه الذ ين صلوا الع صر ق بل و صولهم إلى ب ني قريظ ـة تخوفا من فوات
وقتهـا ،واجتهاد الذيـن لم يصـلّوهـا إل عنــد وصـولهم كمـا أمرهـم فلم يلُم
هؤلء ول هؤلء .
واجتهـد عمر بن الخطـاب وأمر شُريحا بالجتهاد حين ولﱠه قضاء
الكوفة فكتب إليه :إذا أتـاك أمـر فاقـضِ بما فيه في كتاب ال فإن أتـاك
ما ل يس في كتاب ال فاق ضِ بما سنﱠ في ــه ر سول ال فإن أتاك ما ل يس في
كتاب ال ولم يسنّ رسول ال فاق ضِ بما أجمع عليه الناس فـإن أتـاك ما ليس
ول ـم يتكلم في ـه أ حد فأيﱠ المر ين في كتاب ال ولم ي سّن ف يه ر سول ال
شئت فخ ـذ ب ـه .وك تب إلى أ بي مو سى الشعري يق ـول ل ـه :إن القضاء
فريضة مُحْكمة وسُنّة متبعة ...الفهم الفهـم فيما تلجلج في صـدرك مما ليس
ثم اعرف الشبـاه والمثال وقـس المور في كتاب ال ول سنة رسولـه
عند ذلك بنظائرها واعمد إلى أقربها إلى ال وأشبهها بالحق ...
ــــــــــــــ
-1روى أحمد وأبو داود وابن حبان والدارقطني والبخاري تعليقا عـن عمرو بن العاص قـال :
(( احتل مت في ليلة باردة شديدة البرد في غزوة ذات ال سلسل فأشف قت إن اغت سلت أن أهلك فتيم مت ثم
صليت بأصحابي صلة الصبح فلمـا قدمنا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال :
يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فقلت ذكرت قول ال تعالى :ول تقتلوا أنفسكم إن ال كان بكم
رحيما ،فتيممت ثم صليت ،فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يقل شيئا )) .
واجتهد غير عمر ومعاذ وأبي موسى كثير من علماء الصحابة كعثمان
وعلي وابن مسعـود وابن عباس وزيـد بن ثابـت إل أن عمر كان أرسخهم
ف يه قدما ل ما أو تي من عم ـق في الن ظر و سـداد في الرأي وجرأة في قول
الحق لـم يُعرف مثلها لغيره من الصحاب حتى لقد كانت بعض آرائه في عهد
ين ـزل القرآن ب ها ،ولم ي كن يقت صر في اجتهاده ع ـلى ظوا هر الر سول
النصوص بل كان ينظر أيضا إلى روحها ومعانيها الخفية وإلى مقاصد الشريعة
143
في حفظها لمصالح المة وتنظيم شؤونها :فقد أفتى بأن المطلقة إذا كانت من
ذات القراء وارتفع حيضها لغير سبب من حمل أو رضاع أو مرض تنتظـر
تسعة أشهر ( مدة الحمل غالبا ) وثلثة أشهر ( عدة ) ثم لها أن تتزوج مع أنها
لي ست من ذوات الش هر ناظرا إلى المق صود من العدة و هو تحق يق البراءة من
الحمل ،وإلى مصلحة المطلقـة بإبعادها عن الضرر وخطـر الزلل إذا بقيت
،وأشرك الخوة ()1 ـض أو بلوغ سـنّ اليأس
دون زواج منتظرة معاودة الحيـ
الشقاء مـع الخوة لم إذا لم يبـق للشقاء شيـء بعـد أخـذ ذوي الفروض
فروضهم لنه رأى الجميع يدلـون إلى مورثهم بأمهم ولن في حرمان القوى
، ()2 إدلء إليـه باسـتئثار الضعـف إدلء بمـا فرض له ضررا على القوى
وو قف أرا ضي العراق والشام وم صر ال تي فت حت عنوة على جم يع الم سلمين
لي صرف خراج ها في م صالحهم في توف ير ال سلحة والرزاق للمجاهد ين وبناء
الجسـور والمسـاجد وغيرهـا مـن المرافـق العامـة ،وذلك حيـن رأى الدولة
السلميـة ومدنها وتخومها قــد اتسعت بالفتـوح وعظمت نفقاتها ووافقـه
ــــــــــــــ
-1وروي أيضا عن ابن عباس وأخذ به مالك .
-2ووافقـه على اجتهـاده في هـذه المسألة من الصحاب زيد وعثمان وأخذ به من الئمة مالك
والشافعي .
144
كل م سألـة ل يس فيه ـا نص قطع ـي يعيّن حكم ها بدل يل قط عي .ه ــذا
مذ هب الجمهور ومن هم إ سماعيل بن إ سحاق والقرا في وا بن الحاج ـب وا بن
فورك و سيف الد ين المدي وفخ ـر الد ين ال ـرازي وإ سحـاق بن راهوي ـه
وأ بو إ سحاق ال سفرارييني ونق ـل عن مالك والل يث وأ بي حني فة والشافع ـي .
قال أشهب :سمعت مالكا يقـول ما الحق إل واحد قـولن مختلفان ل يكونان
:إن ال شرع الشرائع )) تنق يح الف صول (( صوابا معا .وق ـال القرا في في
لتحصـيل المصـالح الخالصـة أو الراجحـة ودرء المفاسـد الخالصـة أو الراجحـة
ويستحيل وجودها في النقيضين فيتحد الحكم .
في بع ـض الم سائل وخطّ ـأ وق ــد اختلف أ صحاب ر سول ال
إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فلـه (( بعضهم أقـوال بعض ،وقـال
أي إذا أراد الحاكـم ()2 )) أجران وإذا حكـم فاجتهـــد ثـم أخطــأ فله أجــر
الح كم فاجته ـد فحك ـم ...الخ ،فبيّن أن الجته ــاد في ـه الخ طأ ك ما ف يه
الصـواب .
ــــــــــــــ
-1وأخذ به مالك والمراد من وقفها هنا تركها غير مقسومة ل الوقف المصطلح عليه .
رواه أحمد والشيخان وأصحاب )) إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فلـه أجران ... (( -2حديـث
السنن عن عمرو بن العاص وعن أبي هريرة .
*
145
ــــــــــــــ
-1لمزيد من الطـلع على حجج كـل من فريقي التصويب والتخطئـة ومناقشتها يراجع كتاب
للقرافي )) تنقيح الفصول (( للغوالـي الذي يقــول بالتصويب وينتصر لـه ،وفي )) المستصفى ((
للشوكاني اللذين يقولن بالتخطئة وينتصران لها . )) إرشاد الفحول (( و
146
التقــليدُ والتبــاع
:التقليد هو أخــذ القول من غير )) جمع الجوامع (( قال السبكي في
معرفة دليله ويلزم غير المجتهد .
المستصفى)) :التقليد هو قبول قول بل حجة وليس (( وقال الغزالي في
ذلك طريقا إلى العلم ل في الصول ول في الفروع .
:التقليد هو قبول قول القائل بل )) الورقات (( وقال إمام الحرمين في
حجة يذكرها وليس للعال ِم أن يقلد غيره لتمكنه بالقوة من الجتهاد .
:التباع هو أن )) جامع بيان العلم وفضله (( وقـال ابن عبد البر في
تت بع القائ ـل على ما بان لك من ف ضل قول ـه و صحة مذهب ـه ،والتقل يد أن
تق ـول بقوله وأ نت ل تعر فه ول تعرف وج ـه الق ـول ول معناه وتأ بى من
سواه أو أن يتبي ـن لك خطأه فتتب عه مها بة خلف ـه وه ـذا محرم في د ين ال
عز و جل .وق ـال أيضا :الق ـول ل ي صح لف ضل قائله وإن ما ي صـح بدللة
147
الدليل عليه ،وقـال نقلً عن ابن خُويز مِنَـداد :كل من اتبعت قولـه من
غ ير أن ي جب علي ـك لدل يل يوجب ـه علي ـك فأن ـت مقل ـده و كل من أو جب
عليك الدليـل اتبـاع قولـه فأنت متبعـه والتباع في الديـن مسوﱠغ وأمــا
التقليـد فممنوع ...ثـم قال :لم يختلف العلماء فـي وجوب تقليــد العــامة
فاسألوا أهـل الذكر إن (( علماءَها وأنهم هم المرادون بقـول ال عـز وجل :
. )) كنتم ل تعلمون
ل عن ابن القصار قال مالك :
نق ً )) تنقيح الفصول (( وقال القرافي في
يجب على العوام تقليد المجتهدين في الحكام كما يجب على المجتهدين الجتهاد
في أعيان الدل ـة .وق ـال مال ـك أيضا :ل يس كل ما ق ـال ر جل ق ـولً وإن
الذيـن يسـتمعون القول (( كان لــه فضـل يُتبـع عليـه فإن ال تعالى يقــول :
وقــال )) فيتبعون أحسـنه أولئك الذيـن هداهــم ال وأولئك هــم أولو اللباب
أيضا :إن ه ـذا العلم د ين فانظروا عمن تأخذون دينـكم لق ـد أدركت سبعين
عنــد هــذه السـاطين -وأشار إلى ل ممـن يقول قال رسـول ال
رج ً
المسجد -فما أخـذت عنهم وإن أحدهـم لو اؤتمن على بيت مال لكان أمينا
إل أنهـم لم يكونوا مـن أهـل هذا الشأن ( يعنـي الحديـث والفتيـا ) .وقال أيضا
أدر كت بهذا البلد أقواما لو ا ستُقي بهم المطر ل سُقوا قـد سمعوا العلم والحد يث
كثيرا ،ما حدثت عن أحد منهم شيئا لنهم كانوا ألزموا أنفسهم خوف ال وهذا
الشأن يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة وإتقان وعلم وفهم ما يخرج من
رأسه وما يصل إليه .
هذه جملة مـن أقوالهـم في التقليـد والتباع ب سطتها لك لتتدبرهـا وأ نت
تدرس أصول الف قه وفروعه فتعمل على تحرير نفسك من دائرة التقليد المغل قة
إلى ساحـة التباع الم ستنيـرة بأنوار الدلة فإنها أجدر بطلب العلم وأو جب إذ
ل ينبغي لمن يعلم أن يبقى في مستوى من ل يعلم ول يجوز له أن يلتزم التقليد
148
المحض وهو قادر على التباع بعطف الفروع على الصول وقرنها بأدلتها من
الكتاب وال سنة والجماع والقياس و سائر المدارك الفقه ية و ما ذلك بع سير على
من يجدﱡ في الطلب ويثابر عليه .ول ترجئ الدخول في ساحة التباع المشرقة
إلى أن تح يط علما بالفروع وال صول بل اع مل له وأ نت تدرس واجعله بغي تك
ح جدك في الطلب
ال تي تطلبه ـا وهد فك الذي تر مي إل يه ،فيقوّي هذا الطمو ُ
وحر صك على ر بط الفروع بأ صولها والم سائل بأدلت ها ،إلى أن تفرغ به ـذه
الطريقة من دراسة جميع أبواب الفقه وما يعرض لك فيها من المسائل فتجد في
نفسك حينئـذ الميل إلى التوسع والستقصاء في المهات من كتب الفقه والفتيا
والصـول وفـي آيات الحكام وأحاديتهـا مـن كتـب التفسـير والسـنة ،وإلى
الطلع على فهـم الئمـة لهـا وطرق اسـتنباطهم الحكام منهـا ومـا اتفقوا عليـه
واختلفوا فيـه ،وإلى تحري أسـباب الخلف وعوامـل الترجيـح والموازنـة بيـن
الدلة والمرجحات بالستناد إلى ما كسبته من ملكة فقهية نيرة ،وإلى التمحيص
العلمي العميق وال المستعان وهو ولي التوفيق .
149
المحـــتَوى
الصفحة الموضوع
150
93 مرجحات السند ...............................................
98 مرجحات المتن ...............................................
103 الستصحاب ..................................................
107 القيــاس ....................................................
107 قياس الطرد وأركانه الربعة ..................................
108 الصـل ......................................................
112 العلــة ......................................................
119 الفـرع .......................................................
120 الحكـم .......................................................
122 قياس العكس ..................................................
122 الستدلل المنطقي ............................................
127 المتضمن للدليل ...............................................
128 الجمـــاع ................................................
130 إجماع أهل المدينة ............................................
132 قول الصحابي ................................................
133 المصلحة المرسلة ............................................
135 الستحسان ...................................................
136 العـرف .....................................................
137 سد الذرائع ...................................................
139 الجتهاد وشروطه ............................................
147 التقليد والتباع ................................................
•* *
151
الوجيـز الميسـر
في أصـول الفقـه المالكي
تأليــف
محمد عبد الغني الباجقني
152