You are on page 1of 469

1

‫الفهرس العام‬
‫بإمكانك الذهاب إلى محتويات الكتاب عن طريق الضغط على رقم الصفحة‬

‫رقم الصفحة‬ ‫األلفاظ‬


‫‪9‬‬ ‫مقدمة الكتاب‬
‫ّللا على هقلوِب ِهم وعلى س ِ‬
‫مع ِهم ‪ ] {...‬البقرة ‪]٧:‬‬ ‫تم َ ه َ‬
‫اللفظ األول ‪َ { :‬خ َ‬
‫‪19‬‬
‫ََ َ‬
‫ِ‬
‫ضا ‪ [ { ....‬البقرة ‪]١٠ :‬‬ ‫اللفظ الثاني ‪ { :‬في هقلوِب ِهم َمَرض َف َزَاد هه هم َ ه‬
‫ّللا َمَر ً‬
‫‪25‬‬
‫‪29‬‬ ‫ذل َك ‪ [ } ...‬البقرة ‪] ٧٤:‬‬‫عد ِ‬ ‫اللفظ الثالث ‪{ :‬هث َم قست هقلوبكم ِمن ب ِ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫‪32‬‬ ‫غْلف ‪ [ } ...‬البقرة‪] 88 :‬‬
‫لوبَنا ه‬
‫اللفظ الرابع ‪َ { :‬وقاهلوا هق ه‬
‫جل ِب ْ‬
‫كف ِرِهم ‪[ }...‬البقرة ‪]٩٣:‬‬ ‫ِ‬ ‫اللفظ الخامس ‪... } :‬وأه ِ ِ‬
‫شرهبوا في هقلوِب ِه هم ْالع َ‬
‫‪34‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫له َعلى قْل ِب َك ِبِإ ْذ ِن َ‬
‫ّللا هم َصًدقا‪ [ {...‬البقرة‪] ٩٧ :‬‬ ‫اللفظ السادس ‪َ ..{ :‬فِإَن هه َ‬
‫نز ه‬
‫‪35‬‬
‫‪37‬‬ ‫ات ِلقوم هيوِقنو َن{ [البقرة‪]١١8 :‬‬ ‫اللفظ السابع ‪َ ...{ :‬ت َشابه ْت هقلوبهم قد بَيَنا اآلي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫هه‬ ‫ََ‬
‫‪39‬‬ ‫ّللا َعلى َما ِفي قْل ِب ِه‪[ { ...‬البقرة‪]٢٠٤ :‬‬ ‫اللفظ الثامن ‪َ ...{ :‬وهي ْش ِه هد َ َ‬
‫لوبكم‪[ { ...‬البقرة‪]٢٢٥ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كسَب ْت هق ه‬ ‫اللفظ التاسع ‪َ ...{ :‬ولكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬
‫‪43‬‬
‫‪48‬‬ ‫لكن ِلَي ْط َمِئ َن ْقلِبي‪[ { ...‬البقرة‪]٢٦٠ :‬‬ ‫اللفظ العاشر ‪...{ :‬قال بلى و ِ‬
‫ََ َ‬
‫‪50‬‬ ‫تمها َفِإَنهه َء ِاثم َقْلهب هه‪[ { ...‬البقرة‪]٢8٣ :‬‬ ‫اللفظ الحادي عشر ‪َ ...{ :‬و َمن َي هك َ‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َزيغ‪[ { ...‬آل عمران‪]٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثاني عشر ‪...{ :‬فأَ َما اَلذ َ‬
‫‪54‬‬
‫‪57‬‬ ‫عد ِإذ َه َدَي َتنا‪[ { ...‬آل عمران‪]8 :‬‬ ‫لوبنا َب َ‬ ‫التزغ هق َ‬ ‫اللفظ الثالث عشر ‪َ...{ :‬رَبنا ِ‬
‫وركم‪[ { ...‬آل عمران ‪]٢٩:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫ِ‬ ‫قل ِإن ْ‬
‫تخفوا َما في ه‬ ‫اللفظ الرابع عشر ‪ْ { :‬‬
‫‪60‬‬

‫ين هقلو ِبكم‪[ { ...‬آل عمران‪]١٠٣ :‬‬ ‫اء فأََلف َب َ‬ ‫َعد ً‬‫اللفظ الخامس عشر ‪ِ...{ :‬إذ ْكهنتم أ َ‬
‫‪64‬‬

‫ورههم أَ ْكَبهر‪[ { ...‬آل عمران‪]١١8 :‬‬ ‫ِ‬


‫ص هد ه‬‫اللفظ السادس عشر ‪َ ...{ :‬و َما تخفي ه‬
‫‪68‬‬

‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬
‫ور { [آل عمران‪]١١٩ :‬‬ ‫الص هد ِ‬‫ات ُّ‬ ‫اللفظ السابع عشر ‪ِ...{ :‬إ َن َ َ َ‬
‫‪70‬‬

‫ِ‬
‫لوب هكم‪[ { ...‬آل عمران‪]١٢٦ :‬‬ ‫شرى لكم َوِلت ْط َمئ َن هق ه‬ ‫ّللا ِإالَ هب َ‬
‫له َ ه‬ ‫اللفظ الثامن عشر ‪َ { :‬و َما َج َع ه‬
‫‪73‬‬

‫لقي ِفي هق ِ ِ‬ ‫اللفظ التاسع عشر ‪ { :‬سْن ِ‬


‫عب‪[ { ...‬آل عمران‪]١٥١ :‬‬ ‫الر َ‬‫فروا ُّ‬ ‫ين َك ه‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫‪75‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص هد ِ‬
‫وركم‬ ‫األلفاظ العشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون ‪َ ...{ :‬وِلَيَبتل َي َ ه‬
‫ّللا َما في ه‬
‫‪77‬‬

‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬


‫ور { [آل عمران‪]١٥٤ :‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫حص َما في هقهلو ِبكم َو َ ه َ‬ ‫َوِلهي َم َ‬
‫‪80‬‬ ‫سرة ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬آل عمران‪]١٥٦ :‬‬ ‫اللفظ الثالث والعشرون ‪ِ...{ :‬ليجعل َ ِ‬
‫ّللا ذل َك َح َ‬ ‫َ ََ ه‬
‫‪83‬‬ ‫فضوا‪[ { ...‬آل عمران ‪]١٥٩:‬‬ ‫لب ال ْن ُّ‬‫غليظ ْاَلْق ِ‬‫اللفظ ال اربع والعشرون ‪...{ :‬ولو كْنت فظًا ِ‬
‫َ‬
‫اليس ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬آل عمران ‪]١٦٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫قولو َن ِبأَ ْفواه ِهم َم َ‬ ‫اللفظ الخامس والعشرون‪َ...{ :‬ي ه‬
‫‪86‬‬

‫ّللا َما ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬النساء ‪]٦٣ :‬‬ ‫ِ ِ‬


‫ين َيعَل هم َ ه‬‫اللفظ السادس والعشرون ‪ { :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫‪88‬‬
‫‪90‬‬ ‫[‬ ‫قاتلوكم‪{ ...‬‬ ‫اللفظ السابع والعشرون ‪...{ :‬أَو جاءوكم ح ِصر ْت ص هدورهم أَن ي ِ‬
‫ه‬ ‫َ َ ه هه‬ ‫َ ه‬
‫النساء‪]90:‬‬
‫ليها‪[ { ...‬النساء ‪[١٥٥ :‬‬
‫ّللا َع َ‬
‫طب َع َ ه‬ ‫اللفظ الثامن والعشرون ‪َ ...{ :‬وقوِل ِهم هق ه‬
‫لوبنا هغْلف َب ْل َ‬
‫‪92‬‬

‫‪2‬‬
‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬
‫الص هدورِ { [المائدة ‪[٧ :‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫ّللا ِإ َن َ َ َ‬
‫اللفظ التاسع والعشرون ‪َ ...{ :‬وا َتقوا َ َ‬
‫‪94‬‬

‫اهم وجعَلنا هقلوبهم َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اسَية‪[ { ...‬المائدة ‪[١٣ :‬‬ ‫لعَن ه َ َ َ‬
‫قهم َ‬ ‫اللفظ الثالثون ‪ { :‬ف ِب َما ْنقض ِهم مَيثاَ ه‬
‫‪97‬‬
‫َه‬
‫‪99‬‬ ‫تؤ ِمن‬ ‫اللفظان الحادي والثالثون والثاني والثالثون ‪ ... { :‬قاهلوا ءامَنا ِبأَ ْفو ِ‬
‫اه ِهم و لم ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬المائدة ‪[٤١:‬‬
‫هق ه‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض هي َس ِار هعو َن‪[ { ...‬المائدة ‪[٥٢:‬‬ ‫ِ‬
‫الثالث والثالثون ‪َ { :‬ف َترى اَلذ َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪101‬‬

‫لوبنا‪[ { ...‬المائدة ‪[١١٣ :‬‬ ‫ِ‬ ‫نر هيد أَن نأ ِ‬ ‫الرابع والثالثون ‪ { :‬قاهلوا ِ‬
‫نها َوت ْط َمئ َن هق ه‬ ‫ْكل م َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪102‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وه‪[ { ...‬األنعام ‪[٢٥:‬‬ ‫الخامس والثالثون ‪َ ...{ :‬و َج َعَلنا َعلى هقلوِب ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه‬
‫قه ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪104‬‬

‫لوب ههم َوَزَي َن َل هه هم َ‬ ‫ِ‬


‫ان‪[ { ...‬األنعام‪[34 :‬‬
‫طه‬‫الشي َ‬ ‫قست هق ه‬ ‫السادس والثالثون ‪َ ...{ :‬ولكن َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪106‬‬
‫‪108‬‬ ‫تم َعلى هقلو ِبكم‪[ { ...‬‬‫َبص َاركم َو َخ َ‬
‫معكم وأ َ‬‫ّللا َس َ‬‫َرهَيتم ِإن أَخذ َ ه‬ ‫اللفظ السابع والثالثون ‪ْ { :‬‬
‫قل أَأ‬
‫األنعام ‪[٤٦:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َبص َارههم‪[ { ...‬األنعام ‪[110:‬‬ ‫اللفظ الثامن والثالثون ‪َ { :‬و َنقل هب أَ ْفئ َد ه‬
‫تهم َوأ َ‬
‫‪110‬‬

‫ين ال ي ْؤ ِمنو َن ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫اآلخَرِة‪[ { ...‬األنعام ‪[113:‬‬ ‫تصغى ِإليه أَ ْفئ َدة اَلذ َ ه‬ ‫اللفظ التاسع والثالثون ‪َ { :‬وِل َ‬
‫‪114‬‬

‫درهه ِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫إلسالم َو َمن‬ ‫شرح َص َ‬ ‫فمن هي ِرد َ ه‬
‫ّللا أَن َيهدَي هه َي َ‬ ‫اللفظان األربعون و الحادي و األربعون ‪َ { :‬‬
‫‪117‬‬

‫ِ‬
‫درهه َضًيقا‪[ { ...‬األنعام ‪[١٢٥ :‬‬ ‫هي ِرد أَن هيضَل هه َي َ‬
‫جع ْل َص َ‬
‫‪120‬‬ ‫در َك َحَرج ِمْن هه‪[ { ...‬األعراف ‪[٢ :‬‬ ‫اللفظ الثاني واألربعون ‪...{ :‬فال َيكن ِفي َص ِ‬
‫‪122‬‬ ‫ورِهم ِمن ِغل‪[ { ...‬األعراف ‪[٤٣ :‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫ِ‬
‫نز َعنا َما في ه‬ ‫اللفظ الثالث واألربعون ‪َ { :‬و َ‬
‫سم هعو َن { [األعراف ‪[١٠٠ :‬‬ ‫اللفظ الرابع واألربعون ‪َ ...{:‬ون ْطَب هع َعلى هقلوِب ِهم ه‬
‫فهم ال َي َ‬
‫‪126‬‬

‫ِ‬ ‫ّللا َعلى هق ِ‬ ‫ِ‬


‫لوب اْلكاف ِر َ‬
‫ين { [األعراف ‪[١٠١ :‬‬ ‫اللفظ الخامس واألربعون ‪... { :‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه‬
‫‪128‬‬
‫‪130‬‬ ‫لهم هقهلوب ال َي ْفَق ههو َن ِب َها‪[ { ...‬األعراف ‪[١٧٩ :‬‬ ‫السادس واألربعون ‪ ...{ :‬ه‬ ‫اللفظ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬األنفال ‪[٢ :‬‬ ‫لت هق ه‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬
‫ين ِإذا ذكَر َ ه‬ ‫السابع واألربعون ‪...{ :‬اَلذ َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪132‬‬

‫ِ ِ‬
‫شرى َوِلت ْط َمئ َن ِبه هق ه‬
‫لوبكم‪[ { ...‬األنفال ‪[١٠ :‬‬ ‫ّللا ِإالَ هب َ‬ ‫الثامن واألربعون ‪َ { :‬و َما َج َع ه‬
‫له َ ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪137‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ام { [األنفال‪[11:‬‬ ‫التاسع واألربعون ‪َ ...{:‬وِلَيرِبط َعلى هقلوبكم َوهيثبت به األَ ْق َد َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪140‬‬

‫هلقي ِفي هق ِ ِ‬ ‫الخمسون ‪...{ :‬سأ ِ‬


‫عب‪[ { ...‬األنفال ‪[١٢:‬‬ ‫الر َ‬
‫فروا ُّ‬ ‫ين َك ه‬ ‫لوب اَلذ َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪143‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ين اْل َمرِء َوقْل ِبه‪[ { ...‬األنفال ‪[٢٤:‬‬‫ول َب َ‬‫ّللا َي هح ه‬
‫َن َ َ‬ ‫لموا أ َ‬ ‫الحادي و الخمسون ‪َ ...{:‬و َ‬
‫اع ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪145‬‬
‫‪149‬‬ ‫الص هدورِ { [األنفال ‪[٤٣:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫الثاني و الخمسون ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب َذ ِ‬ ‫اللفظ‬
‫ه َ‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمرض‪{ ...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اْل همنافقو َن َواَلذ َ‬ ‫الثالث و الخمسون ‪ِ { :‬إ ذ َي هق ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪151‬‬

‫[األنفال ‪[٤٩:‬‬
‫‪154‬‬ ‫ين هقلوِب ِهم لو أَْنفقت َما ِفي‬
‫اللفظان الرابع و الخمسون والخامس والخمسون ‪َ { :‬وَأَلف َب َ‬
‫األ ِ ِ‬
‫ين هقلوِب ِهم‪[ { ...‬األنفال ‪[٦٣:‬‬ ‫يعا َما أََل ْفت َب َ‬
‫َرض َجم ً‬
‫‪158‬‬ ‫خير‪[ { ...‬األنفال ‪[٧٠:‬‬ ‫ّللا ِفي هقلو ِبكم ََ ً ا‬‫اللفظ السادس والخمسون ‪ِ...{ :‬إن َي َعل ِم َ ه‬
‫ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬التوبة ‪[8:‬‬ ‫رض َونكم ِبأَ ْف َواه ِهم َوتأَْبى هق ه‬
‫اللفظ السابع والخمسون ‪...{ :‬هي ه‬
‫‪160‬‬

‫ف ص هدور قوم م ْؤ ِمِنين * وي ِ‬ ‫ِ‬


‫ذهب‬ ‫اللفظان الثامن والخمسون و التاسع والخمسون ‪َ ...{ :‬وَي ْش ه‬
‫‪162‬‬
‫َ َه‬ ‫ه‬

‫‪3‬‬
‫غيظ هقلوِب ِهم‪[ { ...‬التوبة ‪[١٥-١٤:‬‬
‫ِ‬
‫اّلل واْليو ِم ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬التوبة ‪[٤٥:‬‬ ‫اآلخ ِر َو َ‬
‫ارت َاب ْت هق ه‬ ‫اللفظ الستون ‪... { :‬ال هي ْؤمنو َن ِب َ َ َ‬
‫‪165‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ليها َواْل هم َؤَلفة هق ه‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬التوبة‪[٦٠ :‬‬ ‫اللفظ الحادي و الستون ‪َ ...{ :‬واْل َعامل َ‬
‫ين َع َ‬
‫‪167‬‬
‫‪169‬‬ ‫ورة تَن هبئ ههم ِب َما ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬التوبة ‪[٦٤:‬‬
‫اللفظ الثاني و الستون ‪ ...{ :‬هس َ‬
‫‪171‬‬ ‫قب ههم ِنفاًقا ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬التوبة ‪[٧٧:‬‬ ‫اللفظ الثالث والستون ‪ { :‬فأ َ‬
‫َع َ‬
‫فهم ال َي ْفَق ههو َن { [التوبة ‪[8٧:‬‬ ‫اللفظ الرابع والستون ‪َ ...{ :‬وط ِب َع َعلى هقلوِب ِهم ه‬
‫‪174‬‬

‫فهم ال َيعَل همو َن { [التوبة ‪[٩٣:‬‬ ‫ّللا َعلى هقلوِب ِهم ه‬ ‫اللفظ الخامس والستون ‪َ ...{ :‬و َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫‪176‬‬
‫‪178‬‬ ‫ال هبْنَياهن هه هم اَل ِذي َبنوا ِر َيبة ِفي هقلوِب ِهم‬
‫اللفظان السادس والستون والسابع والستون ‪... { :‬ال َي َز ه‬
‫لوب ههم { [التوبة ‪[١١٠:‬‬ ‫ِإالَ أَن َتق َ‬
‫ط َع هق ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نهم‪[ { ...‬التوبة ‪[١١٧:‬‬ ‫لوب َف ِريق م ه‬ ‫اللفظ الثامن والستون ‪...{:‬من َبعد َما َك َاد َي ِزيغ هق ه‬
‫‪180‬‬

‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض‪[ { ...‬التوبة ‪[١٢٥:‬‬ ‫ِ‬


‫اللفظ التاسع والستون ‪َ { :‬وأَ َما اَلذ َ‬
‫‪182‬‬
‫‪184‬‬ ‫لوب ههم ِبأََن ههم قوم ال َي ْفَق ههو َن { [التوبة ‪[١٢٧:‬‬ ‫اللفظ السبعون ‪َ ...{ :‬صَرف َ ه‬
‫ّللا هق َ‬
‫‪186‬‬ ‫ور َو ههًدى‪[ { ...‬يونس ‪[٥٧:‬‬ ‫اللفظ الحادي والسبعون ‪َ ...{ :‬و ِش َفاء ِل َما ِفي ُّ‬
‫الص هد ِ‬
‫ين { [ يونس ‪[٧٤:‬‬ ‫لوب اْلم َ ِ‬ ‫كذل َك َن ْطَب هع َعلى هق ِ‬‫اللفظ الثاني والسبعون ‪ِ ... { :‬‬
‫عتد َ‬
‫‪189‬‬
‫ه‬
‫شدد َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬يونس ‪[88:‬‬ ‫َمو ِال ِهم َوا ه‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثالث والسبعون ‪َ...{ :‬رَبنا اطمس َعلى أ َ‬
‫‪191‬‬
‫‪194‬‬ ‫ور { [هود ‪[٥:‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ذات ُّ‬‫اللفظ الرابع والسبعون ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب ِ‬
‫ه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لعَل َك َت ِارك َب َ‬
‫در َك‪[{ ...‬هود ‪:‬‬ ‫ليك َو َضائق ِبه َص ه‬ ‫وحى ِإ َ‬ ‫عض َما هي َ‬ ‫اللفظ الخامس والسبعون ‪َ { :‬ف َ‬
‫‪197‬‬

‫‪[١٢‬‬
‫فؤ َاد َك‪{ ...‬‬ ‫الر هس ِل َمان َثبت ِب ِه َ‬ ‫اء ُّ‬‫ليك ِمن أَنب ِ‬
‫قص َع َ‬ ‫اللفظ السادس والسبعون ‪َ { :‬و كالا َن ُّ‬
‫‪200‬‬
‫َ‬
‫[هود ‪[١٢٠:‬‬
‫‪203‬‬ ‫ّللا أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا‬ ‫اللفظان السابع والسبعون و الثامن والسبعون ‪...{ :‬وت ْطمِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫هه‬ ‫َ َ‬
‫لوب { [الرعد ‪[٢8:‬‬ ‫ِ‬
‫ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه‬
‫‪206‬‬ ‫اس تهوِي ِإلي ِهم‪[ { ...‬إبراهيم ‪[٣٧:‬‬ ‫فاجع ْل أَ ْفِئ َد ًة ِم َن الَن ِ‬
‫اللفظ التاسع والسبعون ‪َ ...{ :‬‬
‫ِ‬
‫تهم َه َواء‪[ { ...‬إبراهيم ‪[٤٣ :‬‬ ‫فهم َوأَ ْفئ َد ه‬ ‫رتُّد ِإلي ِهم ه‬
‫طر ه‬ ‫اللفظ الثمانون ‪... { :‬ال َي َ‬
‫‪208‬‬

‫ِ‬ ‫كذل َك َنس ه ِ‬ ‫اللفظ الحادي والثمانون ‪ِ { :‬‬


‫ين { [الحجر ‪[١٢:‬‬ ‫جرِم َ‬
‫لم ِ‬ ‫لكه في هقلوب ْا ه‬
‫‪211‬‬
‫ه‬
‫‪213‬‬ ‫ورِهم ِمن ِغل‪[ { ...‬الحجر ‪[٤٧:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫ِ‬
‫نز َعنا َما في ه‬ ‫اللفظ الثاني والثمانون ‪َ { :‬و َ‬
‫ِ‬
‫قولو َن { [الحجر ‪[٩٧:‬‬ ‫در َك ِب َما َي ه‬ ‫لم أََن َك َيضيق َص ه‬ ‫اللفظ الثالث والثمانون ‪َ { :‬وَلقد َ‬
‫نع ه‬
‫‪215‬‬

‫لوب ههم همْن ِكَرة‪[ { ...‬النحل ‪[٢٢:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن ِباآلخَرِة هق ه‬ ‫اللفظ الرابع والثمانون ‪...{ :‬فاَلذ َ‬
‫‪218‬‬
‫‪221‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْفِئ َدة‪[ { ...‬النحل ‪[٧8:‬‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫الس َ‬‫اللفظ الخامس والثمانون ‪َ ...{ :‬و َج َع َل َل هك هم َ‬
‫ان و ِ‬
‫لكن‬ ‫يم ِ َ‬ ‫اللفظان السادس والثمانون والسابع والثمانون‪ِ...{ :‬إالَ َمن أه ْك ِرَه َوَقْلهب هه هم ْط َمِئن ِب ِ‬
‫اإل َ‬
‫‪223‬‬

‫در‪[ { ...‬النحل ‪[١٠٦:‬‬ ‫شر َح ِب ْا ِ‬


‫لكفر َص ًا‬ ‫َمن َ‬
‫ِ ِ‬
‫ّللا َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬النحل ‪[١٠8:‬‬
‫طب َع َ ه‬ ‫اللفظ الثامن والثمانون ‪ { :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬
‫‪225‬‬

‫‪4‬‬
‫‪227‬‬ ‫فؤ َاد‪[ { ...‬اإلسراء ‪[٣٦:‬‬ ‫مع َواْلَب َصَر َواْل َ‬‫الس َ‬ ‫اللفظ التاسع والثمانون ‪ِ...{ :‬إ َن َ‬
‫‪230‬‬ ‫َكَن ًة‪[ { ...‬اإلسراء ‪[٤٦:‬‬ ‫اللفظ التسعون ‪ { :‬وجعَلنا على هقلوِب ِهم أ ِ‬
‫َ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وركم‪[ { ...‬اإلسراء ‪[٥١:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫كبهر في ه‬ ‫اللفظ الحادي والتسعون ‪ { :‬أَو ْخًلقا م َما َي ه‬
‫‪232‬‬
‫‪236‬‬ ‫طنا َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬الكهف ‪[١٤:‬‬ ‫اللفظ الثاني والتسعون ‪َ { :‬وَرَب َ‬
‫‪239‬‬ ‫كرنا‪[ { ...‬الكهف ‪[٢8:‬‬ ‫التطع َمن أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن ِذ ِ‬ ‫اللفظ الثالث والتسعون ‪...{ :‬و ِ‬
‫َ‬
‫‪241‬‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الرابع والتسعون ‪ِ...{ :‬إَنا َج َعَلنا َعلى هقلوِب ِهم أَكَن ًة‪[ { ...‬الكهف ‪[٥٧:‬‬
‫‪243‬‬ ‫شرح ِلي َصدرِي { [طه ‪[٢٥:‬‬ ‫قال َرب ا َ‬ ‫اللفظ الخامس والتسعون ‪َ { :‬‬
‫جوى‪[ { ...‬األنبياء ‪[٣:‬‬ ‫ِ‬
‫َسُّروا الَن َ‬ ‫اللفظ السادس والتسعون ‪ { :‬الهَية هق ه‬
‫لوب ههم َوأ َ‬
‫‪246‬‬

‫تقوى ْاهلهق ِ‬ ‫ِ‬


‫لوب { [الحج ‪[٣٢:‬‬ ‫اللفظ السابع والتسعون ‪...{ :‬فِإَن َها من َ‬
‫‪249‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحج ‪[٣٥:‬‬ ‫لت هق ه‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬
‫ين ِإذا ذكَر َ ه‬ ‫اللفظ الثامن والتسعون ‪ { :‬اَلذ َ‬
‫‪252‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لوب‬ ‫لهم هقهلوب َيعقلو َن ب َها‪َ ...‬ولكن َ‬
‫تعمى ْاهلهق ه‬ ‫اللفظان التاسع والتسعون والمئة ‪َ ...{ :‬ف َتكو َن ه‬
‫‪255‬‬

‫الص هدور {[الحج ‪[٤٦:‬‬ ‫اَلِتي ِفي ُّ‬


‫ِ ِ‬ ‫اللفظان األول والثاني بعد المئة ‪ِ ...{ :‬ف ْتن ًة ِلَل ِذ ِ‬
‫ين في هقلوِب ِهم َمَرض َواْلَقاسَية هق ه‬
‫لوب ههم ‪{...‬‬
‫‪259‬‬
‫َ‬
‫[الحج ‪[٥٣:‬‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحج ‪[٥٤:‬‬ ‫تخِبت َلهه هق ه‬ ‫في ْؤ ِمنوا ِب ِه هف ْ‬
‫اللفظ الثالث بعد المئة ‪ ...{ :‬ه‬
‫‪261‬‬

‫ِ‬
‫لوب ههم َو ِجلة‪[ { ...‬المؤمنون ‪[٦٠:‬‬ ‫ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه‬ ‫اللفظ الرابع بعد المئة ‪َ { :‬واَلذ َ‬
‫‪263‬‬
‫‪265‬‬ ‫غمرة ِمن َهذا‪[ { ...‬المؤمنون ‪[٦٣:‬‬ ‫ِ‬
‫لوب ههم في َ‬ ‫اللفظ الخامس بعد المئة ‪َ { :‬ب ْل هق ه‬
‫‪267‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْفِئ َدة‪[ { ...‬المؤمنون ‪:‬‬
‫مع َواأل َ‬
‫الس َ‬ ‫اللفظ السادس بعد المئة ‪َ { :‬وهه َو اَل ِذي أَْنش َأ َل هك هم َ‬
‫‪[٧8‬‬
‫َ ِ ِ‬
‫َبصار {[النور ‪[٣٧:‬‬ ‫لوب َواأل َ‬
‫وما َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه‬ ‫السابع بعد المئة ‪َ...{ :‬يخاهفو َن َي ً‬ ‫اللفظ‬
‫‪269‬‬

‫ِ‬
‫تابوا‪[ { ...‬النور ‪[٥٠:‬‬ ‫الثامن بعد المئة ‪ { :‬أَفي هقلوِب ِهم َمَرض أَ ِم َار ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪273‬‬

‫فؤ َاد َك‪[ { ...‬الفرقان ‪[٣٢:‬‬ ‫كذل َك ِلَنثبت ِب ِه َ‬


‫التاسع بعد المئة ‪ِ ... {:‬‬ ‫اللفظ‬
‫‪274‬‬
‫‪276‬‬ ‫طلق ِل َس ِاني‪[ { ...‬الشعراء ‪[١٣:‬‬ ‫العاشر بعد المئة ‪ { :‬وي ِضيق صدرِي وال يْن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫اللفظ‬
‫‪278‬‬ ‫ّللا ِبقْلب َسِليم { [الشعراء ‪[88:‬‬ ‫الحادي عشر بعد المئة ‪ِ { :‬إالَ َمن أَتى َ َ‬ ‫اللفظ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين { [الشعراء ‪[١٩٤:‬‬ ‫الثاني عشر بعد المئة ‪َ { :‬على قْل ِب َك ِل َتكو َن م َن اْل همْنذ ِر َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪281‬‬

‫ِ‬ ‫لك ِ‬ ‫ِ‬


‫ين { [الشعراء ‪[١٩٩:‬‬ ‫جرِم َ‬
‫لم ِ‬ ‫ناه في هقلوب ْا ه‬ ‫الثالث عشر بعد المئة ‪ {:‬كذل َك َس َ ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪285‬‬
‫‪287‬‬ ‫اتك ُّن ص هدورههم وما ي ِ‬
‫علنو َن { [النمل ‪[٧٤:‬‬ ‫الرابع عشر بعد المئة ‪ { :‬واِ َن رَب َك ليعلم م ِ‬ ‫اللفظ‬
‫ه ه ََ ه‬ ‫َ َ ََ ه َ‬
‫‪291‬‬ ‫وسى ِ‬
‫فارغا‪ ...‬لوال أَن‬ ‫فؤ هاد أهم هم َ‬
‫َصب َح َ‬
‫اللفظان الخامس عشر والسادس عشر بعد المئة ‪َ { :‬وأ َ‬
‫َرَب َطنا َعلى ْقلِب َها‪[ { ...‬القصص ‪[١٠:‬‬
‫‪294‬‬ ‫علنو َن { [القصص ‪[٦٩:‬‬ ‫اللفظ السابع عشر بعد المئة ‪ { :‬ورُّب َك يعَلم م ِ‬
‫اتك ُّن ص هدورههم وما ي ِ‬
‫ه ه ََ ه‬ ‫ََ َ ه َ‬
‫ور ْا ِ‬ ‫ِ‬
‫ين { [العنكبوت ‪:‬‬ ‫ص هد ِ َ‬
‫لع َالم َ‬ ‫لم ِب َما في ه‬ ‫ّللا ِبأ َ‬
‫َع َ‬ ‫ليس َ ه‬
‫اللفظ الثامن عشر بعد المئة ‪...{ :‬أ ََو َ‬
‫‪297‬‬

‫‪[١٠‬‬

‫‪5‬‬
‫ين أ ههوتوا اْل ِعْل َم{ ‪...‬‬ ‫اللفظ التاسع عشر بعد المئة ‪ { :‬بل هو ءايا ت بينا ت ِفي صد ِ ِ‬
‫ور اَلذ َ‬
‫‪300‬‬
‫هه‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ هَ َ َ‬
‫[العنكبوت ‪[٤٩:‬‬
‫ّللا على هق ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ال َيعَل همون {[الروم ‪[٥٩:‬‬ ‫لوب اَلذ َ‬ ‫اللفظ العشرون بعد المئة ‪ { :‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه َ‬
‫‪303‬‬

‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬


‫الص هدور { [لقمان ‪[٢٣:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اللفظ الحادي والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬عملوا ِإ َن َ َ َ‬
‫‪305‬‬
‫‪307‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْفِئ َدة‪[ { ...‬السجدة ‪[٩:‬‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫اللفظ الثاني والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َج َع َل َل هك هم َ‬
‫الس َ‬
‫‪310‬‬ ‫ين ِفي َجوِف ِه‪[ { ...‬األحزاب ‪:‬‬ ‫ّللا ِلَر هجل ِمن قْلَب ِ‬
‫اللفظ الثالث والعشرون بعد المئة ‪َ { :‬ما َج َع َل َ ه‬
‫‪[٤‬‬
‫ِ‬
‫لوبكم‪[ { ...‬األحزاب ‪[٥:‬‬ ‫اللفظ الرابع والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ولكن َما َ‬
‫تع َم َد ْت هق ه‬
‫‪312‬‬

‫لوب اْل َحَن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اجَر‪...‬‬ ‫َبص هار َوَبلغت ْاهلهق ه‬ ‫اللفظ الخامس والعشرون بعد المئة ‪َ ...{:‬واِ ْذ َزاغت األ َ‬
‫‪315‬‬

‫{[األحزاب ‪[١٠:‬‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ السادس والعشرون بعد المئة ‪َ { :‬واِ ْذ َيقول اْل همنافقو َن َواَلذ َ‬
‫‪318‬‬

‫{[األحزاب ‪[١٢:‬‬
‫‪320‬‬ ‫عب‪[ { ...‬األحزاب ‪[٢٦:‬‬ ‫الر َ‬‫اللفظ السابع والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وقذف ِفي هقلوِب ِه هم ُّ‬
‫‪322‬‬ ‫في ْط َم َع اَل ِذي ِفي قْل ِب ِه َمَرض‪...‬‬ ‫عن ِب ْاَل ِ‬
‫قول َ‬ ‫اللفظ الثامن والعشرون بعد المئة ‪...{ :‬فال ْ‬
‫تخ َض َ‬
‫{[األحزاب ‪[٣٢:‬‬
‫ِ‬ ‫ان َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‬
‫يما َحل ً‬
‫ّللا َعل ً‬
‫ّللا َيعَل هم َما في هقلوبكم َوَك َ ه‬ ‫اللفظ التاسع والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َ ه‬
‫‪324‬‬

‫{[األحزاب ‪[٥١:‬‬
‫‪326‬‬ ‫ذلكم أَ ْط َههر ِلهقلو ِبكم َوهقلوِب ِه َن‪{...‬‬
‫اللفظان الثالثون والحادي والثالثون بعد المئة ‪ِ ... { :‬‬
‫[األحزاب ‪[٥٣:‬‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض ‪{...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثاني والثالثون بعد المئة ‪ { :‬لئن لم َيْنته اْل همنافقو َن َواَلذ َ‬
‫‪328‬‬

‫[األحزاب ‪[٦٠:‬‬
‫‪330‬‬ ‫اللفظ الثالث والثالثون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ح َتى ِإ ذا فز َع َعن هقلوِب ِهم‪[ { ...‬سبأ ‪[٢٣:‬‬
‫‪332‬‬ ‫الص هدور {[فاطر ‪[٣8:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اللفظ الرابع والثالثون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب َذ ِ‬
‫ه َ‬
‫‪334‬‬ ‫اء َرَب هه ِبقْلب َسِليم { [الصافات ‪[8٤:‬‬ ‫اللفظ الخامس والثالثون بعد المئة ‪ِ { :‬إ ذ َج َ‬
‫‪336‬‬ ‫الص هدور {[الزمر ‪[٧:‬‬ ‫ذات ُّ‬‫اللفظ السادس والثالثون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب ِ‬
‫ه َ‬
‫درهه ِل ِ‬
‫إلسال ِم ‪...‬‬ ‫ّللا َص َ‬‫شر َح َ ه‬
‫َفمن َ‬ ‫اللفظان السابع والثالثون و الثامن والثالثون بعد المئة ‪ { :‬أ َ‬
‫‪338‬‬

‫لوب ههم‪[ { ...‬الزمر ‪[٢٢:‬‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫َف َويل لْلَقاسَية هق ه‬
‫لودهم وهقلوبهم ِإلى ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا‪[ { ...‬الزمر ‪:‬‬ ‫ين هج ه ه َ ه ه‬ ‫اللفظ التاسع والثالثون بعد المئة ‪...{ :‬ث َم َتِل ه‬
‫‪342‬‬

‫‪[٢٣‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن‪[ {...‬الزمر ‪:‬‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫اشمأََزت هق ه‬
‫حد هه َ‬ ‫اللفظ األربعون بعد المئة ‪َ { :‬واِذا ذكَر َ ه‬
‫ّللا َو َ‬
‫‪345‬‬

‫‪[٤٥‬‬
‫لوب َلدى اْل َحَن ِ‬ ‫َنذرهم يوم ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ِر{ ‪...‬‬ ‫اآلزفة ِإذ ْاهلهق ه‬ ‫اللفظ الحادي و األربعون بعد المئة ‪َ { :‬وأ ه َ َ‬
‫‪349‬‬

‫[غافر ‪[١8:‬‬

‫‪6‬‬
‫‪351‬‬ ‫الص هدور{ [غافر ‪[١٩:‬‬ ‫اتخفي ُّ‬‫اللفظ الثاني و األربعون بعد المئة ‪ { :‬يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وم ِ‬
‫ه ََ‬ ‫َ ه‬
‫ّللا َعلى ِ‬
‫كل قْل ِب هم َتكبر َجَبار{ [غافر ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثالث واألربعون بعد المئة ‪َ ... { :‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه‬
‫‪354‬‬

‫‪[٣٥‬‬
‫ورِهم ِإالَ ِكبر ما هم ِبب ِال ِغ ِ‬ ‫ِ‬
‫يه‪[ { ...‬غافر ‪:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫اللفظ الرابع واألربعون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إ ن في ه‬
‫‪355‬‬
‫َ ه َ‬
‫‪[٥٦‬‬
‫ِ‬
‫وركم‪[ {...‬غافر ‪[8٠:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫اجة في ه‬ ‫اللفظ الخامس واألربعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وِل َتهبلغوا َع َ‬
‫ليها َح َ‬
‫‪357‬‬
‫‪359‬‬ ‫َكَنة ِم َما تدعونا ِإ ِ‬
‫ليه‪[ {...‬فصلت ‪:‬‬ ‫اللفظ السادس واألربعون بعد المئة ‪ { :‬وقاهلوا هقلوبَنا ِفي أ ِ‬
‫هَ‬ ‫ه‬
‫‪[٥‬‬
‫ّللا ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ختم َعلى‬ ‫اللفظان السابع واألربعون و الثامن واألربعون بعد المئة ‪...{ :‬فِإن َيشأ َ ه َ‬
‫‪362‬‬

‫ور { [الشورى ‪[٢٤:‬‬ ‫قْل ِب َك ‪ِ...‬إَنهه َعِليم ِب َذا ِت ُّ‬


‫الص هد ِ‬
‫‪365‬‬ ‫مع ِه َوقْل ِب ِه‪[ { ...‬الجاثية ‪[٢٣:‬‬ ‫اللفظ التاسع و األربعون بعد المئة ‪...{ :‬و َختم على س ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫اللفظان الخمسون و الحادي والخمسون بعد المئة ‪...{ :‬وجعَلنا لهم سمعا وأَبص ا ِ‬
‫ار َوأَ ْفئ َد ًة َ‬
‫فما‬
‫‪368‬‬
‫ه َ ً َ َ ً‬ ‫َ ََ‬
‫ِ‬
‫تهم‪[ { ...‬األحقاف ‪[٢٦:‬‬ ‫َبص هارههم َوال أَ ْفئ َد ه‬
‫مع ههم َوال أ َ‬
‫نهم َس ه‬ ‫أَ َغنى َع ه‬
‫ِ ِ‬
‫ّللا َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬مح َمد ‪[١٦:‬‬ ‫طب َع َ ه‬‫ين َ‬ ‫اللفظ الثاني والخمسون بعد المئة ‪...{ :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫‪370‬‬

‫اللفظ الثالث والخمسون بعد المئة ‪ ...{ :‬أرَيت اَل ِذ ِ‬


‫ليك‪...‬‬ ‫ظرو َن ِإ َ‬ ‫ين في هقلوِب ِهم َمَرض َيْن ه‬
‫‪372‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫{[مح َمد ‪[٢٠:‬‬
‫لها{ [مح َمد ‪:‬‬ ‫ان أَم َعلى هقلوب أَ ْقفاه َ‬ ‫اللفظ الرابع والخمسون بعد المئة ‪ { :‬أَفال َي َت َدَبهرو َن اْلقرَء َ‬
‫‪374‬‬

‫‪[٢٤‬‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض ‪[ { ...‬مح َمد ‪[٢٩:‬‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الخامس والخمسون بعد المئة ‪ { :‬أَم َح ِس َب اَلذ َ‬
‫‪377‬‬
‫‪379‬‬ ‫لوب ْا ِ‬
‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‪{ ...‬‬ ‫ه‬
‫الس ِكَينة ِفي هق ِ‬ ‫اللفظ السادس والخمسون بعد المئة ‪ { :‬هه َو اَل ِذي أَْن َز َل َ‬
‫[الفتح ‪[٤:‬‬
‫ليس ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬الفتح ‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫قولو َن ِبأَْلسنت ِهم َما َ‬ ‫اللفظ السابع والخمسون بعد المئة ‪َ...{ :‬ي ه‬
‫‪381‬‬

‫‪[١١‬‬
‫‪383‬‬ ‫ذل َك ِفي هقلو ِبكم‪[ { ...‬الفتح ‪[١٢:‬‬ ‫ين ِ‬
‫اللفظ الثامن والخمسون بعد المئة ‪...{ :‬أََبًدا َو هز َ‬
‫‪385‬‬ ‫فعِل َم َما ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬الفتح ‪[١8:‬‬ ‫اللفظ التاسع والخمسون بعد المئة ‪َ ...{ :‬‬
‫فروا ِفي هقلوِب ِه هم اْل َح ِمَية‪[ { ...‬الفتح ‪[٢٦:‬‬ ‫ِ‬
‫ين َك ه‬ ‫اللفظ الستون بعد المئة ‪ِ { :‬إ ذ َج َع َل اَلذ َ‬
‫‪388‬‬

‫ِ ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحجرات ‪[٣:‬‬ ‫ّللا هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬‫ين َ‬ ‫اللفظ الحادي و الستون بعد المئة‪...{ :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫‪391‬‬
‫‪393‬‬ ‫نه ِفي هقلو ِبكم‪{ ...‬‬
‫ان َوَزَي ه‬
‫يم َ‬‫اإل َ‬ ‫ّللا َحَب َب ِإَل ه‬
‫يك هم ِ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثاني والستون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ولك َن َ َ‬
‫[الحجرات ‪[٧:‬‬
‫‪395‬‬ ‫ان ِفي هقلو ِبكم‪[ { ...‬الحجرات ‪[١٤:‬‬ ‫يم ه‬ ‫دخل ِ‬
‫اإل َ‬
‫اللفظ الثالث والستون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ول َما َي ِ‬
‫‪397‬‬ ‫اء ِبقْلب همِنيب { [ق ‪[٣٣:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫حم َن ب ْالغيب َو َج َ‬ ‫الر َ‬‫خش َي َ‬ ‫اللفظ الرابع والستون بعد المئة ‪ { :‬من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َل هه َقْلب‪[ { ...‬ق ‪[٣٧:‬‬ ‫كرى ل َمن َك َ‬ ‫اللفظ الخامس والستون بعد المئة ‪ِ { :‬إ َن في ذل َك لذ َ‬
‫‪400‬‬

‫الفؤ هاد َما َأرَى { [النجم ‪[١١:‬‬ ‫كذب َ‬ ‫اللفظ السادس والستون بعد المئة ‪َ { :‬ما َ‬
‫‪403‬‬

‫‪7‬‬
‫‪407‬‬ ‫الص هدور { [الحديد ‪[٦:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اللفظ السابع والستون بعد المئة ‪...{ :‬وهو عِليم ِب َذ ِ‬
‫َ هَ َ‬
‫اللفظان الثامن والستون و التاسع والستون بعد المئة ‪ { :‬أَلم يأ ِ ِ ِ‬
‫شع‬
‫تخ َ‬
‫امنوا أَن ْ‬ ‫ين َء َ‬‫ْن لَلذ َ‬
‫‪409‬‬
‫َ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحديد ‪[١٦:‬‬ ‫ِ‬ ‫هقلوبهم ِل ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫قس ْت هق ه‬ ‫َم هد َف َ‬
‫فطال َعليه هم األ َ‬
‫َ‬ ‫ّللا‪...‬‬ ‫هه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َ ْأرف ًة‪[ { ...‬الحديد ‪[٢٧:‬‬ ‫ين ا َتَب هع ه‬‫لوب اَلذ َ‬ ‫اللفظ السبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َج َعَلنا في هق ِ‬
‫‪411‬‬

‫تب ِفي هقلوِب ِه هم ِ‬ ‫ِ‬


‫ان‪[ { ...‬المجادلة ‪[٢٢:‬‬ ‫يم َ‬
‫اإل َ‬ ‫اللفظ الحادي والسبعون بعد المئة ‪...{ :‬أ َهولئ َك َك َ‬
‫‪413‬‬
‫‪415‬‬ ‫عب‪[ { ...‬الحشر ‪[٢:‬‬ ‫الر َ‬ ‫اللفظ الثاني والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وقذف ِفي هقلوِب ِه هم ُّ‬
‫ِ‬
‫اجة‪[ { ...‬الحشر ‪[٩:‬‬ ‫ورِهم َح َ‬ ‫ص هد ِ‬ ‫اللفظ الثالث والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وال َي ِج هدو َن في ه‬
‫‪417‬‬
‫‪420‬‬ ‫التجع ْل ِفي هقلوِبنا ِغالا‪[ { ...‬الحشر ‪[١٠:‬‬ ‫اللفظ الرابع والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َ‬
‫ورِهم‪[ { ...‬الحشر ‪[١٣:‬‬ ‫شد ر ِ‬
‫ص هد ِ‬ ‫هبة في ه‬ ‫اللفظ الخامس والسبعون بعد المئة ‪ { :‬ألَ هنتم أَ ُّ َ َ‬
‫‪423‬‬

‫ِ‬
‫لوب ههم ش َتى‪[ { ...‬الحشر ‪[١٤:‬‬ ‫يعا َوهق ه‬ ‫تحسهب ههم َجم ً‬ ‫اللفظ السادس والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬‬
‫‪424‬‬

‫لوب ههم‪[ { ...‬الصف ‪[٥:‬‬ ‫ّللا هق َ‬‫اللفظ السابع والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬فل َما َزاغوا أ ََزاغ َ ه‬
‫‪426‬‬

‫فروا فط ِب َع َعلى هقلوِب ِهم‪{...‬‬ ‫ِ ِ‬


‫امنوا ث َم َك ه‬ ‫اللفظ الثامن والسبعون بعد المئة ‪ { :‬ذل َك بأََن ههم َء َ‬
‫‪428‬‬

‫[المنافقون ‪[١:‬‬
‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬
‫ور { [التغابن ‪[٤:‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫اللفظ التاسع والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َ ه َ‬
‫‪431‬‬

‫اّلل ي ِ‬
‫ِ‬
‫هد َقْلَب هه‪[ { ...‬التغابن ‪[١١:‬‬ ‫اللفظ الثمانون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ‬
‫‪433‬‬

‫لوب هك َما‪[ { ...‬التحريم ‪[٤:‬‬ ‫اللفظ الحادي والثمانون بعد المئة ‪ِ { :‬إن هتتوبا ِإلى َ ِ‬
‫ّللا َفقد َصغت هق ه‬
‫‪436‬‬
‫َ‬
‫‪439‬‬ ‫الص هدور {[الملك ‪[١٣:‬‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثاني والثمانون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إَن هه َعِليم ِب َذات ُّ‬
‫‪442‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْفِئ َدة‪[ { ...‬الملك ‪[٢٣:‬‬
‫مع َواأل َ‬ ‫الس َ‬ ‫اللفظ الثالث والثمانون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َج َع َل َل هك هم َ‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض‪َ [ { ...‬‬ ‫ِ‬
‫المدثر ‪[٣١:‬‬ ‫يقول اَلذ َ‬
‫اللفظ الرابع والثمانون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وِل َ‬
‫‪444‬‬
‫‪446‬‬ ‫اج َفة‪[ { ...‬النازعات ‪[٧:‬‬ ‫اللفظ الخامس والثمانون بعد المئة ‪ { :‬هقهلوب َيومِئذ َو ِ‬
‫َ‬
‫‪448‬‬ ‫ان َعلى هقلوِب ِهم َما كاهنوا َي ْك ِسهبو َن {‬ ‫اللفظ السادس والثمانون بعد المئة ‪َ { :‬كالَ َب ْل َر َ‬
‫[المطففين ‪[١٤:‬‬
‫در َك { [الشرح ‪[١:‬‬ ‫لك َص َ‬ ‫نشرح َ‬‫السابع والثمانون بعد المئة ‪ { :‬أَلم َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪451‬‬
‫‪453‬‬ ‫الص هدور {[العاديات ‪[٩:‬‬ ‫صل َما ِفي ُّ‬ ‫الثامن والثمانون بعد المئة ‪َ { :‬و هح َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪455‬‬ ‫طِل هع َعلى األَ ْفِئ َد ِة { [الهمزة ‪[٦:‬‬
‫التاسع والثمانون بعد المئة ‪ { :‬اَلِتي َت َ‬ ‫اللفظ‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫اس { [الناس ‪[٥:‬‬‫ور الَن ِ‬ ‫ص هد ِ‬‫س في ه‬ ‫التسعون بعد المئة ‪ { :‬اَلذي هي َو ِ ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪457‬‬
‫‪459‬‬ ‫دعاء الختام‬
‫‪460‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة الكتاب‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬القائل في كتابه المبين ‪َ }:‬يوم ال َيْن َف هع مال َوال َبنو َن )‪ِ )88‬إالَ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫ّللا ِبقْلب َسلِيم {] الشعراء ‪ [ ٨٩- ٨٨:‬والصالة والسالم على إمام المرسلين ‪،‬‬
‫َمن أَتى َ َ‬

‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬القائل‪» :‬إنه ُليغان على قلبي‪ ،‬واني ألستغفر‬

‫هللا في اليوم مئة مرة«‪ ،) ١‬ورضي هللا تعالى عن أصحابه الكرام « ) أجمعين ‪ ،‬وعلى‬

‫رأسهم سيدنا أبو بكر الصديق الذي قيل فيه‪) :‬ما سبقكم أبو بكر بكثرة صالة وال صيام‬

‫ولكن بشيء َوقر في قلبه ( ‪ ،‬وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬الذين يقولون ‪:‬‬

‫ِ‬
‫حمة ِإَن َك أَْنت اْل َوه ه‬
‫َاب { [آل عمران ‪:‬‬ ‫لوبنا َب َ ِ‬
‫عد إذ َه َدَي َتنا َو َهب َلنا من َلهدْن َك َر َ‬ ‫}َرَبنا ال ِ‬
‫تزغ هق َ‬

‫الخير والشر‬
‫ُ‬ ‫‪. [٨‬وبعد‪ :‬القلب في اإلنسان كالهدف للرامي ‪ ،‬ينزل عليه من عالم الغيب‬

‫بشكل مستمر دون انقطاع ‪ ،‬فيكون ككرة عليها بقع سوداء متفرقة ‪ ،‬إذا تدحرجت ترى هذه‬

‫البقع كالحلقة حول الكرة ‪ ،‬لعدم وجود وسعة يظهر فيها االنقطاع ‪ ،‬وحال القلب في نزول‬

‫الخير والشر عليه هكذا ‪.‬الخير يأتي من هللا بواسطة المالئكة ‪ ،‬والشر يأتي من الشيطان‬

‫دائما في‬
‫إلى النفس ومن النفس يصل إلى القلب ‪ ،‬فحال هذا القلب أمر غامض ‪ ،‬وهو ً‬

‫ير ما كان النبي‬ ‫ُّ‬


‫تقلب ‪.‬فعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال ‪:‬كث ًا‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وعن أنس رضي هللا عنه قال ‪:‬‬ ‫(‪)١‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم يحلف‪ » :‬ال ومقلِّ َب القلوب «‬

‫كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُيكثر أن يقول ‪ « :‬يا ُمقلِّب القلوب ثبت قلبي على‬

‫دينك« فقلت ‪:‬يا نبي هللا !آمنا بك وبما جئت به‪ ،‬فهل تخاف علينا؟ قال‪ » :‬نعم‪ ،‬إن‬

‫معنى ذلك أن قلوب جميع الناس‬ ‫القلوب بين أصبعين من أصابع هللا يقلِّبها كيف يشاء«‬
‫(‪)2‬‬

‫تتقلب‪.‬‬

‫صاحبه بمجاهدة النفس‬


‫ُ‬ ‫والقلب في تقلبه على واحد من ثالثة أحوال ‪:‬األول ‪:‬قلب يأخذ‬

‫ورياضتها واجتناب المعاصي وفعل األوامر ‪ ،‬فيحصل له زكاء وتطهير ‪.‬وهذا القلب ال‬

‫يحصل إال لمن َّ‬


‫وفقه هللا تعالى أن يحافظ على قلبه بأن ال يدخله سواه عز وجل‪.‬‬

‫وجوهر فيوجهونه إلى الخيرات ‪َّ ،‬‬


‫فيتفكر بما بعد الموت ‪،‬‬ ‫ًا‬ ‫طيبا‬
‫هذا القلب تجد منه المالئكة ً‬

‫الجنة و َّ‬
‫النار وفي عذاب‬ ‫جل جالله ‪ ،‬ويتفكر في الحشر والنشر و َّ‬ ‫َّ‬
‫ويتفكر في مخلوقات هللا َّ‬

‫فعل أوامر هللا سبحانه‬


‫هللا وعقابه وفي نعيمه ‪ ،‬فيغلب على قلب هذا اإلنسان وعقله وروحه ُ‬

‫اجتناب نواهيه‪.‬والثاني ‪:‬قلب منكوس ‪ ،‬ال يدخل فيه خير وال يخرج منه شر‪ ،‬فكأنه‬
‫ُ‬ ‫وتعالى و‬

‫في بيت بارد جامد‪ ،‬والعاَلم تحت الشمس‪ ،‬فهل تصل إليه ح اررتها ؟ ال ‪.‬وبهذا يذهب على‬

‫العمى‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ - ١‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ - ٢‬أخرجه الترمذي وحسنه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أحيانا يكون في يد المالئكة و ً‬
‫أحيانا في يد الشياطين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والثالث ‪:‬قلب تنور باإليمان ‪ ،‬لكنه‬

‫وملك آخر يجره إلى خير آخر ‪ ،‬وشيطان يجره إلى شر ‪ ،‬وشيطان‬
‫فمَلك يجره إلى خير ‪َ ،‬‬

‫آخر يجره إلى شر آخر ‪ ،‬وهو متردد بين المالئكة والشياطين ‪ ،‬يحاول أن يخلص من‬

‫عموما على ما أراد هللا من عباده من النوادر ‪.‬‬


‫ً‬ ‫الشياطين فال يستطيع‪ .‬وثبات القلب‬

‫جميعا بجاه سيد المرسلين عليه الصالة والسالم ‪.‬وقد بين‬


‫ً‬ ‫عصمنا هللا واياكم والمؤمنين‬

‫علماؤنا – رضي هللا تعالى عنهم ‪ -‬ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها وخواطرها‬

‫وقصودها وما ُيعفى عنه وال يؤاخذ به‪.‬‬

‫فاعلم أن هذا أمر غامض ‪ ،‬وقد وردت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع‬

‫العلماء بالشرع ‪.‬فقد روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬ ‫) ‪)١‬‬
‫بينها إال على سماسرة‬

‫وقال أبو هريرة‬ ‫(‪)3‬‬


‫ما لم تَتكلَّم ِّب ِّه أَو تع َمل ِّبه«‬ ‫(‪)2‬‬
‫فوسها‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫» ُعف َي َعن أُمتي ما َح َدثت به ُن َ‬

‫قول‬
‫تعاَلى َي ُ‬
‫رضي هللا عنه ‪:‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم‪ » :‬إ ن هللا َ‬
‫ِّ‬
‫لِّل َحفظة ‪:‬إذا َهم َعب ِّدي ِّب َس َيئة فال ُ‬
‫تك ُتبوها فإن َع ِّملها ُ‬
‫فاك ُتبوها َس َيئة‪َ ،‬واذا َهم ِّب َح َسنة َولم‬

‫فاك ُتبوها َح َسن ًة فإن َع ِّملها ُ‬


‫فاك ُتبوها َعش ًار(‪ «)4‬وهو دليل على‬ ‫َيع َملها ُ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬سماسرة العلماء ‪ :‬نقادهم وأذكياؤهم ‪.‬‬
‫ضب ََ ط العلماء أنفسها بالنصب والرفع‪ ،‬وهما ظاهران‪ ،‬إال أن‬ ‫‪ -2‬قال النووي في شرحه لصحيح مسلم ‪َ :‬‬
‫نفسه ‪.‬قال‬ ‫ويدل عليه قوله ‪ :‬إن أحدن حدث َ‬ ‫أنفسها بالنصب‪ُّ ،‬‬ ‫النصب أظهر وأشهر ‪.‬قال القاضي عياض ‪َ :‬‬
‫سوس ِّبهِّ‬
‫نع ُلم َما َتو ِّ ُ‬
‫أنفسها بالرفع‪ ،‬يريدون بغير اختيارها ‪.‬قال تعالى ‪َ {:‬و َ‬
‫الطحاوي ‪:‬وأهل اللغة يقولون ُ‬
‫َنف ُسه{] ق ‪ [. ١٦:‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪- 3‬أخرجه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫‪- 4‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫العفو عن عمل القلب وهمه بالسيئة ‪.‬وفي لفظ آخر‪ »:‬من هم ِّبحسنة َفلم يعملها ِّ‬
‫كت َبت َل ُه‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫ضعف ‪َ ،‬و َمن َهم ِّب َس َيئة َفلم َيع َملها‬ ‫مائ ِّة ِّ‬ ‫حسنة‪ ،‬ومن هم ِّبحسنة فع ِّملها ِّ‬
‫كت َبت َل ُه إَلى َسب َع َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ََ‬ ‫ََ‬
‫تحدث ِّبأَن َيع َم َل َس َيئة فأَنا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تكتب َعليه وان َعملها كت َبت« ‪ ،‬وفي لفظ آخر‪َ » :‬واِّذا َ‬ ‫لم َ‬
‫وكل ذلك يدل على العفو ‪.‬فأما ما يدل على المؤاخذة فقوله‬ ‫ِّ‬
‫أغف ُرها َل ُه َما لم َيع َملها«‪ُّ ،‬‬
‫شاء َوهي َع ِذ هب‬ ‫ّللا ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تبدوا ما في أْن ِ‬
‫فوه هي َحاسبكم ِبه َ ه َ‬
‫في ْغفهر ل َمن َي ه‬ ‫تخ ه‬‫فسكم أو ْ‬ ‫سبحانه ‪ {:‬إن ه َ‬
‫مع‬
‫الس َ‬
‫إن َ‬ ‫لك ِب ِه ِعْلم َ‬
‫ليس َ‬
‫اء { ]البقرة ‪ ، [ ٢8٤:‬وقوله تعالى ‪َ {:‬وال َت ْقف َما َ‬ ‫َمن َي َش ه‬
‫فدل على أن عمل الفؤاد‬ ‫سؤوال { ]اإلسراء ‪َّ ، [ ٣٦:‬‬ ‫ان َعْن هه َم ه‬ ‫فؤ َاد ُّ ِ‬
‫كل أ َهولئ َك َك َ‬ ‫الب َصَر واهل َ‬
‫وَ‬
‫تمها‬ ‫تموا َ‬
‫الش َه َادة َو َمن َي هك َ‬ ‫تك ه‬‫كعمل السمع والبصر ‪ ،‬فال ُيعفى عنه ‪ ،‬وقوله تعالى ‪َ {:‬وال ه‬
‫غو في أيم ِانكم و ِ‬ ‫ّللا بالَل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فإَن هه آثم َقْلهب هه { ]البقرة ‪ ، [ 2٨3:‬وقوله تعالى ‪} :‬ال هي َؤاخ ه‬
‫ذكم َ ه‬
‫الحق عندنا في هذه المسألة ال يوقف عليه ما‬ ‫لوبكم} ]البقرة ‪ [٢٢٥:‬و ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كسَب ْت هق ه‬
‫هي َؤاخذكم ب َما َ‬
‫لم تقع اإلحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدأ ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح‬
‫‪ ،‬فنقول ‪:‬أول ما يرد على القلب الخاطر ‪ ،‬كما لو خطر له مثال صورة امرأة وأنها وراء‬
‫ظهره في الطريق ‪ ،‬لو التفت إليها لرآها ‪.‬والثاني ‪:‬هيجان الرغبة إلى النظر ‪ ،‬وهو حركة‬
‫األول ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ميل الطبع ‪ ،‬ويسمى‬
‫الشهوة في الطبع ‪،‬وهذا يتولد من الخاطر األول ‪ ،‬ونسميه ‪َ :‬‬
‫حديث النفس‪.‬‬
‫كم القلب بأن هذا ينبغي أن ُيفعل ‪ ،‬أي ‪:‬ينبغي أن ينظر إليها ‪ ،‬فإن الطبع إذا‬
‫والثالث ‪ُ :‬ح ُ‬
‫مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف ‪ ،‬فإنه قد يمنعه حياء أو خوف من‬
‫االلتفات ‪ ،‬وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل ‪ ،‬وهو على كل حال ُحكم من جهة العقل‬
‫اعتقادا ‪ ،‬وهو يتبع الخاطر والميل ‪.‬الرابع ‪:‬تصميم العزم على‬
‫‪ ،‬ويسمى هذا ‪ً :‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪12‬‬
‫وقصدا ‪ ،‬وهذا الهم قد يكون له‬
‫ً‬ ‫هما بالفعل ونية‬
‫االلتفات وجزم النية فيه ‪ ،‬وهذا نسميه ‪ً :‬‬
‫مبدأ ضعيف ‪ ،‬ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر األول حتى طالت مجاذبته للنفس َّ‬
‫تأكد‬
‫هذا الهم وصار إرادة مجزومة ‪ ،‬فإذا انجزمت اإلرادة فربما يندم بعد الجزم فيترك العمل ‪،‬‬
‫وربما يغفل بعارض فال يعمل به وال يلتفت إليه ‪ ،‬وربما يعوقه عائق فيتعذر عليه العمل ‪.‬‬
‫فههنا أربع أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة ‪:‬الخاطر وهو حديث النفس ‪ ،‬ثم الميل ‪ ،‬ثم‬
‫االعتقاد ‪ ،‬ثم الهم ‪.‬فنقول ‪:‬أما الخاطر فال يؤاخذ به ألنه ال يدخل تحت االختيار ‪ ،‬وكذلك‬
‫أيضا تحت االختيار ‪ ،‬وهما المرادان بقوله صلى‬
‫الميل وهيجان الشهوة ألنهما ال يدخالن ً‬
‫هللا عليه وسلم‪ُ » :‬عفي عن أمتي ما حدثت به نفوسها« فحديث النفس عبارة عن الخواطر‬
‫التي تهجس في النفس وال يتبعها عزم على الفعل ‪ ،‬فأما الهم والعزم فال يسمى حديث‬
‫النفس ‪ ،‬بل حديث النفس كما روي عن عثمان بن مظعون حيث قال للنبي صلى هللا عليه‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وسلم ‪:‬يا رسول هللا !نفسي تحدثني أن أطلق خولة ‪ ،‬قال‪َ «:‬مهال إن من ُسَّنتي الن َك َ‬
‫اح»‬
‫الصيام« قال ‪:‬‬ ‫وب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫اء أُمتي ُد ُؤ ُ‬
‫صُ‬ ‫قال ‪ :‬نفسي تحدثني أن أجب نفسي‪ ،‬قال‪َ » :‬مهال خ َ‬
‫الحج« قال ‪:‬نفسي تحدثني‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫نفسي تحدثني أن أترهب‪ ،‬قال‪َ » :‬مهال َره َبانية أُمتي الج َه ُاد َو َ‬
‫ِّ ِّ (‪)١‬‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َطع َمنيه«‬
‫َكلته َو لو َسأَلت هللا أل َ‬
‫َصبتُ ُه أل ُ‬ ‫به َولو أ َ‬‫أن أترك اللحم ‪ ،‬قال‪َ » :‬مهال فإني أُح ُ‬
‫رسول‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬فهذه الخواطر التي ليس معها عزم على الفعل هي حديث النفس ‪ ،‬ولذلك شاور‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم إذ لم يكن معه عزم وهم بالفعل ‪.‬وأما الثالث ‪:‬وهو االعتقاد وحكم‬
‫اختيار ‪ ،‬واألحوال تختلف‬
‫ًا‬ ‫القلب بأنه ينبغي أن يفعل ‪ ،‬فهذا تردد بين أن يكون اضطرًا‬
‫ار أو‬
‫فيه ‪ ،‬فاالختياري منه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -١‬قال العراقي ‪:‬رواه الحكيم الترمذي في النوادر من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب مرسال‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫يؤاخذ به ‪ ،‬واالضطراري ال يؤاخذ به ‪.‬وأما الرابع ‪:‬وهو الهم بالفعل ؛ فإنه مؤاخذ به ‪،‬إال‬

‫وندما على همه كتبت له حسنة‬ ‫ِّ‬


‫أنه إن لم يفعل نظر فإن كان قد تركه خوًفا من هللا تعالى ً‬

‫نفسه حسنة ‪ ،‬والهم على وفق الطبع ‪ ،‬مما يدل على‬


‫ومجاهدته َ‬
‫َ‬ ‫امتناعه‬
‫‪ ،‬ألن همه سيئة و َ‬

‫تمام الغفلة عن هللا تعالى ‪ ،‬واالمتناعُ بالمجاهدة على خالف الطبع ‪ ،‬يحتاج إلى قوة‬

‫عظيمة ‪ ،‬فجده في مخالفة الطبع هو العمل هلل تعالى ‪ ،‬والعمل هلل تعالى أشد من جده في‬

‫موافقة الشيطان بموافقة الطبع ‪ِّ ،‬‬


‫فكتب له حسنة ‪ ،‬ألنه رجح جده في االمتناع وهمه به‬

‫على همه بالفعل ‪ ،‬وان تعوق الفعل بعائق أو تركه بعذر ال خوًفا من هللا تعالى كتبت عليه‬

‫سيئة ‪ ،‬فإن همه فعل من القلب اختياري ‪.‬والدليل على هذا التفصيل ما روي في الصحيح‬

‫لت الم ِّ‬


‫الئ َكة‬ ‫مفصال في لفظ الحديث ‪.‬قال رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم‪َ » :‬قاَ ِّ‬
‫َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫َعلي ِّه ُم‬
‫قال ‪:‬ارق ُبوهُ ‪ ،‬فإن ُه َو‬ ‫ك ُي ِّر ُيد أَن َيع َم َل َس َيئ ًة َو ُه َو أَب َ‬
‫ص ُر به ‪َ ،‬ف َ‬ ‫اك َعب ُد َ‬
‫السالم ‪َ :‬رب َذ َ‬
‫ُ‬

‫‪،‬‬ ‫فاك ُتبوها َل ُه َح َسن ًة ‪َّ ،‬إنما َتركها ِّمن َجرِّائي«‬


‫(‪)١‬‬
‫فاك ُتبوها َل ُه ِّب ِّمثلِّها ‪َ ،‬وان َتركها ُ‬
‫َع ِّملها ُ‬

‫وحيث قال ‪ :‬فإن لم يعملها ‪:‬أراد به تركها هلل ‪ ،‬فأما إذا عزم على فاحشة فتعذرت عليه‬

‫اس‬ ‫بسبب أو غفلة فكيف َُتكتب له حسنة ؟ وقد قال صلى هللا عليه وسلم» َّإن َما ُيح َش ُر َّ‬
‫الن ُ‬

‫مسلما أو يزني‬ ‫‪ ،‬ونحن نعلم أن من عزم ليالً على أن يصبح ليقتل‬ ‫(‪)2‬‬ ‫على ِّن ِّ‬
‫يات ِّهم «‬
‫ً‬ ‫َ‬

‫ويحشر على نيته ‪،‬وقد هم بسيئة ولم يعملها‪.‬‬ ‫ِّ‬


‫بامرأة فمات تلك الليلة مات ُمص ًار ‪ُ ،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه مسلم ‪ ،‬وأحمد في المسند عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -٢‬أخرجه ابن ماجه من حديث جابر رضي هللا عنه دون قوله ‪ (:‬إنما (‪.‬وأخرجه أحمد عن أبي هريرة( رضي هللا عنه) ‪».‬‬
‫إنما ُيبعث الناس على نياتهم »‬

‫‪14‬‬
‫والدليل القاطع فيه ما روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ » :‬إذا التَقى‬
‫تول ِّفي ال ِّ‬
‫نار« ‪ ،‬فقيل ‪:‬يا رسول هللا !هذا القاتل فما بال‬ ‫ِّ‬ ‫المسلِّم ِّ ِّ‬
‫المُق ُ‬
‫ان ب َسيفيهما فاَلقات ُل و َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِّ ِّ (‪)١‬‬
‫صاح ِّبه« ‪ ،‬وهذا نص في أنه صار بمجرد اإلرادة من‬ ‫المقتول؟ قال‪ » :‬ألََّن ُه أ ََرَاد قت َل َ‬
‫كل هم‬
‫مظلوما ‪ ،‬فكيف ُيظن أن هللا ال يؤاخذ بالنية والهم ؟ بل ُّ‬
‫ً‬ ‫أهل النار ‪ ،‬مع أنه قتل‬
‫ونقض العزم بالندم حسنة‪،‬‬ ‫يكفره بحسنة ‪،‬‬‫دخل تحت اختيار العبد فهو مؤاخذ به ‪ ،‬إال أن ِّ‬
‫ُ‬
‫فلذلك كتبت له حسنة ‪ ،‬فأما فوت المراد بعائق فليس بحسنة ‪.‬وأما الخواطر وحديث النفس‬
‫وهيجان الرغبة فكل ذلك ال يدخل تحت اختيار ‪ ،‬فالمؤاخذة به تكليف ما ال ُيطاق‪ ،‬ولذلك‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا } [البقرة ‪:‬‬ ‫تبدوا ما في ْأهنفسكم أو هت هخ ه‬
‫فوه هي َحاسبكم به َ ه‬ ‫لما نزل قوله تعالى ‪{:‬وان ه‬
‫‪ ، [ 2٨4‬جاء ناس من الصحابة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقالوا ‪ :‬كلِّفنا ما ال‬
‫يحاسب بذلك ‪ ،‬فقال »‬ ‫َ‬ ‫نطيق ‪ ،‬إن أحدنا ليحدث نفسه بما ال يحب أن يثبت في قلبه ثم‬
‫قولوا َس ِّمعنا َوأَطعنا«(‪َََ ، )2‬فقاُلوا ‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫صينا‪ُ ،‬‬ ‫ود ‪َ :‬سمعنا َو َع َ‬
‫الي ُه ُ‬ ‫قولو َن َ‬
‫كما َقاَلت َ‬ ‫لعلكم تُ ُ‬
‫‪َ :‬‬
‫سع َها } [ البقرة ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫ّللا َن ْف ًسا إال هو َ‬
‫الفرج بعد سنة بقوله‪ }:‬ال هي َكلف َ ه‬ ‫َسمعنا َوأَطعنا ‪ ،‬فأنزل هللا َ‬
‫‪ ، [ 2٨٦‬فظهر به أن كل ما ال يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو الذي ال يؤاخذ‬
‫وكل من يظن أن كل ما يجري على القلب‬
‫به ‪.‬فهذا هو كشف الغطاء عن هذا االلتباس ‪ُّ .‬‬
‫يسمى حديث النفس ولم يفرق بين هذه األقسام الثالثة فال بد وأن يغلط ‪ ،‬وكيف ال يؤاخذ‬
‫بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياء والنفاق والحسد وجملة الخبائث من أعمال القلب ؟‬
‫بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤوال ؟ أي ما يدخل تحت االختيار ‪.‬فلو‬
‫وقع البصر بغير اختيار على غير ذي محرم لم يؤاخذ به ‪ ،‬فإن أتبعها نظرة ثانية كان‬
‫مؤاخ ًذا به ألنه مختار ‪ ،‬فكذا‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ -٢‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫خواطر القلب تجري هذا المجرى ‪ ،‬بل القلب أولى بمؤاخذته ألنه األصل ‪.‬قال رسول هللا‬

‫ّللا‬
‫نال َ َ‬
‫وقال هللا تعالى‪ }:‬لن َي َ‬
‫(‪)١‬‬
‫َش َار إَلى اَلقل ِّب«‬
‫ههنا َوأ َ‬ ‫َّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ »:‬الت َقوى ُ‬

‫قوى ِمنكم { [ الحج‪ ،]3٧ :‬وقال‪ » :‬اإلث ُم َحواز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫له ال َت َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وم َها َوال د َم هاؤ َها َولكن َيناه ه‬
‫لح ه‬
‫ه‬

‫البر ما اط َمأَن إَلي ِّه َ‬


‫‪ ،‬وقال‪ِّ » :‬‬ ‫اُلُق ِّ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ك»‬
‫ك َوأَفتَو َ‬
‫القل ُب َوان أَفتَو َ‬ ‫لوب«‬

‫مخطئا فيه صار مث ًابا عليه ‪،‬‬


‫ً‬ ‫حتى إنا نقول ‪:‬إذا حكم القلب المفتي بإيجاب شيء وكان‬

‫بل من قد ظن أنه تطهر فعليه أن يصلي ‪ ،‬فإن َّ‬


‫صلى ثم َّ‬
‫تذكر أنه لم يتوضأ كان له ثواب‬

‫معاقبا عليه ‪.‬ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته‬
‫ً‬ ‫بفعله ‪ ،‬فإن َّ‬
‫تذكر ثم تركه كان‬

‫ِّ‬
‫يعص بوطئها وان كانت أجنبية ‪ ،‬فإن ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصى بوطئها وان‬ ‫لم‬

‫وكل ذلك نظر إلى القلب دون الجوارح‪.‬‬


‫كانت زوجته ‪ُّ .‬‬

‫فاالهتمام بالقلب ثابت في اآليات القرآنية وفي األحاديث النبوية ‪ .‬وقوله صلى هللا عليه‬

‫وسلم‪ » :‬يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك«(‪)5‬يدل على أن هللا تعالى أطلعه على‬

‫جميعا ‪.‬فال بد من المجاهدة ‪،‬‬


‫ً‬ ‫تقلب القلوب ‪ ،‬فطلب من هللا الثبات لقلبه وقلوب المؤمنين‬

‫ّللا َلمع ْالم ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين{ ]العنكبوت ‪:‬‬
‫حسن َ‬ ‫اههدوا فَينا َلنهدَيَن ههم هسهبَلنا َواِ َن َ َ َ َ ه‬ ‫لقول هللا تعالى ‪َ {:‬واَلذ َ‬
‫ين َج َ‬

‫‪ ، ]٦٩‬ألننا إذا جاهدنا نخلِّص قلوبنا من سيطرة النفس األمارة ‪ ،‬وعندئذ إذا جاء الشيطان‬

‫بالوساوس والخطرات نرجو هللا تعالى أن ال يؤاخذنا بها‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه مسلم والترمذي ‪.‬‬
‫فيحزها ‪ ،‬أو يحوزها لرقتها وصفائها ولينها ولطفها ‪.‬‬ ‫حواز ‪:‬بتشديد الواو والزاي يعني ما ِّ‬
‫يؤثر فيها ُّ‬ ‫‪َّ -2‬‬
‫العدني في مسنده موقوًفا عليه ‪.‬‬
‫‪ -3‬قال العراقي ‪:‬أخرجه البيهقي من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه‪ ،‬و َ‬
‫‪- 4‬أخرجه الطبراني وأحمد من حديث وابصة بلفظ‪ ( :‬وان أفتاك الناس وأَفتوك (‬
‫‪ -5‬أخرجه الترمذي وحسنه عن أنس رضي هللا عنه‪ ،‬والحاكم وصححه عن جابر رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وألهمية القلب فإن أهل التصوف مذ سيدنا أبي بكر وسيدنا علي رضي هللا عنهما ‪ ،‬وأولياء‬
‫هللا الكمل أمثال الشيخ عبدالقادر الجيالني ومعروف الكرخي واإلمام أبي الحسن الشاذلي‬
‫وشاه نقشبندي واإلمام الغزالي وبديع الزمان األستاذ سعيد ُّ‬
‫النورسي وغيرهم إلى آخر الدنيا‬
‫ويطهر‬‫جميعا يشتغلون بإصالح هذا القلب ‪ ،‬حتى يتوجه إلى هللا ُ‬
‫ً‬ ‫رضي هللا تعالى عنهم‬
‫ِّ‬
‫ويسكرون أبواب الشياطين ‪ ،‬ألن أهل كل المشارب‬ ‫وي َّ‬
‫زكى ُوتطبع فيه األوامر اإللهية ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والمسالك يأخذون من القرآن الكريم ‪.‬ولفظ القلب صراحة وكناية جاء في القرآن الكريم )‬
‫‪ ( ١٩٠‬مرة ‪ ،‬تشمل) قلب – قلبين – قلوب – فؤاد – أفئدة – صدر– صدور)‪ .‬ولكن‬
‫جل جالله وحكمته أن علماء الظاهر يوجهون الناس إلى األحكام الظاهرة ‪،‬‬
‫قدر هللا َّ‬
‫َ‬
‫ويبينون لهم أن هذا حالل وهذا حرام ‪ ،‬هذا أمر وهذا نهي ‪ ،‬وعلماء الباطن يشتغلون‬
‫بالقلب ‪ ،‬ألنه إذا صلح القلب صلح الجسد ‪ ،‬كما أنه إذا صلح أمير البلد يصلح البلد كله‬
‫صلحت صلح‬ ‫‪ ،‬كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪» :‬أال وان في الجسد ُمضغة إذا َ‬
‫الجسد ُّ‬
‫كله واذا فسدت فسد الجسد كله أال وهي القلب«(‪ . )١‬لكن االشتغال بإصالح القلب‬
‫ال يستلزم ترك ظاهر الشريعة ‪ ،‬ومن فعل ذلك فهو مقطوع عن الطريقة والشريعة ‪ ،‬بل‬
‫يجب أن يعمل بظاهره بظاهر الشريعة ‪ ،‬وبباطنه بما أمره هللا تعالى من إصالح القلب ‪.‬‬
‫نرجو هللا تعالى أن يجعلنا ممن تمسك بأذيال هؤالء ‪ ،‬وأن يرحمنا من فضله وكرمه ‪.‬‬
‫فالطريقة بدون شريعة عاطلة ‪ ،‬والشريعة بدون تصوف ليست مقبولة‪.‬ونبين في هذا الكتاب‬
‫‪-‬بعون هللا تعالى ‪ -‬آراء المفسرين رحمهم هللا باختصار حول أحوال القلب ‪ ،‬وما يترتب‬
‫عليه من الكفر واإليمان وغير ذلك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي هللا عنهما‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫شيئا من األخطاء اللغوية‪،‬‬
‫وانني أستعذر من بعض األحباب اُلقراء إذا وجدوا فيما أكتب ً‬

‫ألنني ال أتفكر في قواعد اللغة العربية ‪ ،‬وال في األمور المتعلقة باأللفاظ ‪ ،‬فنرجو ممن‬

‫َّ‬
‫اطلع على شيء من ذلك أن ُيصلحه بقلم اإلصالح ‪ ،‬فالعدم ال ُي َنقد بالنقصان‪ ،‬واال يكون‬

‫تحصيل حاصل ‪ ،‬وهلل در سيبويه حيث يقول‪:‬‬

‫ته في موقف الحشر َيسَل ُم‬ ‫ِّ‬


‫فيا َلي ُ‬ ‫كالمه‬ ‫لسان فصيح معرب في‬
‫‪١‬‬

‫جم‬ ‫وما ضر ذا تقوى لسان َ‬


‫مع ُ‬ ‫اب إن لم يكن تقى؟‬
‫ينفع اإلعر ُ‬
‫وهل ُ‬
‫‪١‬‬

‫جل جالله أن ينفعنا بديننا واسالمنا واعتقادنا الصحيح ‪ ،‬وأن يرحمنا يوما لحشر‬
‫نرجو هللا َّ‬

‫بفضله وكرمه ال بأعمالنا ‪ ،‬وأن ِّ‬


‫يوفقنا ألن َُ َننزه قلوبنا عن األخالق الذميمة واألوصاف‬

‫ونهيئها لنظر هللا تعالى إليها ‪ ،‬فالقلب محل نظر الرب ‪ ،‬لقول رسول هللا صلى‬
‫َ‬ ‫الناقصة ‪،‬‬

‫هللا عليه وسلم‪ » :‬إن هللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أجسامكم ‪ ،‬ولكن ينظر إلى‬

‫وم ال َيْن َف هع َمال َو ال َبنو َن )‪)88‬‬ ‫(‪)2( )١‬‬


‫قلوبكم » ‪ .‬اللهم اجعلنا ممن يأتونك بقلوب سليمة } َي َ‬

‫ّللا ِبقْلب َسلِيم} [الشعراء ‪[٨٩-٨٨:‬‬ ‫ِ‬


‫إالَ َمن أَتى َ َ‬

‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه َّ‬


‫وسلم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أحمد فتح هللا جامي‬
‫الش ِّاذلية الدرقاوية‬
‫خادم الطريقة َّ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أن من صلحت نيَّته وصفا قلبه لم يضرَّه ترك‬‫الجهال أو المتجاهلين‪َّ ،‬‬
‫‪ -١‬ليس معنى هذا الحديث‪ ،‬كما يفهمه بعض َّ‬
‫مقصر في حقوق هللا تعالى ‪.‬واَّنما معنى‬
‫ًا‬ ‫فإن من صلح قلبه وصفت سريرته ال يمكن أن يكون‬
‫الواجبات والعبادات العملية ‪َّ .‬‬
‫أن التلبُّس بصور الطاعات والعبادات دون أن يكون لها جذور من صالح القلب واخالصه ال يقرب العبد إلى هللا‬
‫الحديث َّ‬
‫محمد سعيد‬
‫القمة للدكتور َّ‬
‫استقر في أعماق نفسك ‪].‬أبحاث في َّ‬
‫َّ‬ ‫ظاهر أعمالك يرى ما قد‬
‫َ‬ ‫شيئا‪َّ ،‬‬
‫ألن هللا تعالى كما يرى‬ ‫ً‬
‫رمضان البوطي‪[.‬‬
‫‪ -2‬أخرجه مسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫اللفظ األول‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ع ِظيم‪) ٧‬‬
‫لهم َع َذاب َ‬
‫ِ‬
‫َبص ِارِهم غ َش َاوة َو ه‬
‫ِ‬
‫ّللا َعلى هقلوبِ ِهم َو َعلى َسمع ِهم َو َعلى أ َ‬
‫تم َ ه‬
‫( َخ َ‬

‫[البقرة‪] ٧:‬‬
‫تحذير للمسلمين ‪ ،‬ألن أفعال‬
‫ًا‬ ‫أقول ‪ :‬هذه اآلية وان كانت نازلة في الكافرين إالَ َ‬
‫أن فيها‬

‫المسلمين ليست كلها من اإلسالم ‪ ،‬وأفعال الكافرين ليست كلها من الكفر ‪.‬فعلينا أن نجتنب‬

‫المعاصي ونتمسك بشرع هللا تعالى وبإتباع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حتى ال نقع‬

‫تحت هذه اآلية الكريمة ‪.‬نرجو هللا تعالى السالمة لجميع المؤمنين ‪.‬اه‪.‬‬

‫الختم ‪:‬الكتم ‪ُ ،‬سمي به االستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه ‪ ،‬ألنه كتم له‪.‬‬

‫الغشاوة ‪ِّ :‬ف َعالة ‪ِّ ،‬من غشاه إذا غطاه ‪ُ ،‬بنيت لما يشتمل على الشيء ‪ ،‬كالعصابة‬
‫و ِّ‬

‫والعمامة ‪.‬وال ختم وال تغشية على الحقيقة ‪ ،‬وانما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة‬

‫تمرِّنهم على استحباب الكفر والمعاصي ‪ ،‬واستقباح اإليمان والطاعات ‪ ،‬بسب غيهم‬

‫وانهماكهم في التقاليد واعراضهم عن النظر الصحيح ‪ ،‬فتجعل قلوبهم بحيث ال ينفذ فيها‬

‫الحق ‪ ،‬وأسماعهم تعاف استماعه ‪ ،‬فتصير كأنها مستوثق منها بالختم ‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫كما تجتليها أعين‬ ‫(‪)١‬‬
‫وأبصارهم ال تجتلي اآليات المنصوبة لهم في األنفس واآلفاق‬

‫(‪)2‬‬ ‫المستبصرين ‪ ،‬فتصير كأنها ِّ‬


‫غطي عليها ‪.‬‬

‫وقد اختلف الناس في هذا الختم ‪ ،‬ولهم قوالن ‪ :‬منهم من قال ‪:‬الختم هو خلق الكفر في‬

‫قلوب الكفار)‪ ،)3‬ومنهم من قال ‪ :‬هو خلق الداعية التي إذا انضمت إلى القدرة صار‬

‫(‪)5( )4‬‬
‫‪.‬‬ ‫موجبا لوقوع الكفر‬
‫ً‬ ‫سببا‬
‫مجموع القدرة معها ً‬

‫وقد وردت اآلية الكريمة ناعية على الكافرين شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم ‪ ،‬فالختم‬

‫‪ ،‬فلو جاهدوا َّ‬


‫لوفقهم ‪ ،‬فسقط‬ ‫) ‪)٦‬‬
‫مجازاة لكفرهم ‪ ،‬وهللا تعالى قد يسر عليهم السبل‬

‫االعتراض بأنه إذا ختم هللا على قلوبهم وعلى سمعهم فمنعهم عن الهدى فكيف يستحقون‬

‫العقوبة؟‬

‫قال الشيخ في تفسيره ‪:‬واسناد الختم إلى هللا للتنبيه على أن إباءهم عن قبول الحق كالشيء‬

‫الخلقي غير العرضي ‪.‬اهـ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬والتي تدل على وحدانية هللا تعالى‪ ،‬ولذا يبقون على الكفر ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫القلب الذي ال يقبل اإليمان وال حقائق الربوبية‪ ،‬وال ُي ِّقُّر باأللوهية الربَّانية‪ ،‬ولذا خلق‬
‫‪ -3‬ألن هللا تعالى يعلم في األزل َ‬
‫الختم عليه بالكفر في األزل‪.‬‬
‫جل وعال‪ ،‬وكذلك تحريك الداعي إلى اإليمان مخلوق ً‬
‫أيضا‪ ،‬ولكن اإلنسان لم ُي َسلب منه الجزء‬ ‫الداعي مخلوق هلل َّ‬‫‪َّ - 4‬‬
‫االختياري الذي خلقه هللا تعالى فيه؛ فبعد تحريك الداعي يأتي دور القدرة ‪ -‬وهذا هو الجزء ‪ .‬االختياري‪ ، -‬فإذا لم يستعمله‬
‫رضى لِّ ِّعَب ِّاد ِّه الكفر (]الزمر ‪]٧:‬‬
‫يبقى على كفره‪ ،‬وهللا تعالى ) ال َي َ‬
‫‪- 5‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- ٦‬وأعطاهم الجزء االختياري‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وفي التأويالت النجمية ‪:‬في الختم إشارة إلى بداية سوابق أحكام القدر بالسعادة والشقاوة‬
‫نهم َش ِقي َو َس ِعيد{ ] هود ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫على وفق الحكمة واإلرادة األزلية للخليقة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ َ{:‬فم ه‬
‫‪ ، [ ١٠5‬مع حسن استعداد جميعهم بقبول اإليمان والكفر ‪ ،‬ولهذا لما خاطب الحق ذراتهم‬
‫القلوب في‬
‫جميعا ‪ ،‬ثم أودع هللا الذرات في القلوب و َ‬
‫ً‬ ‫بخطاب ألست بربكم ؟ قالوا ‪:‬بلى ‪،‬‬
‫القلوب كلها مفتوحة إلى‬ ‫(‪)١‬‬
‫األجساد في الدنيا في ظلمات ثالث ‪ ،‬وكانت روزنة‬
‫َ‬ ‫األجساد و‬
‫عالم الغيب بواسطة الذرات المودعات التي سمعت خطاب الحق وشاهدت كمال الحق إلى‬
‫وقت والدة كل إنسان ‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم‪» :‬كل مولود يولد على فطرة اإلسالم‬
‫وفيه إشارة إلى أن هللا ِّ‬
‫يكل األشقياء إلى تربية‬ ‫(‪)2‬‬
‫فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه«‬
‫الوالدين في معنى الدين حتى يلقنوهم تقليد ما ألفوا عليه آباءهم من الضاللة فيضلوهم ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ {:‬أهَنتم َوَء َاب هاؤكم ِفي َضالل هم ِبين } [األنبياء ‪ ، [ 54:‬فكانت تلك الشقاوة‬
‫المقدرة مضمرة في ضاللة التقليد والصفات النفسانية الظلمانية والهوى والطبيعة ‪ ،‬ثم جعل‬
‫تأثيرها وظلمتها ورينها يندرج إلى القلوب فيقسيها ويسودها ويغطيها ويسد روزنتها إلى‬
‫الذرات فيعميها ويصمها حتى ال يبصر أهل الشقاوة ببصر الذرات من الحق ما كانوا‬
‫يبصرون وال يسمع بسمع الذرات من الحق ما كانوا يسمعون ‪ ،‬فينكرون على األنبياء‬
‫ويكفرون بهم وبما يدعونهم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الروزنة ‪:‬الكوة ‪.‬‬
‫‪َ -١‬‬
‫‪ -2‬أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي هللا عنه‬

‫‪21‬‬
‫ليها‬
‫ّللا َع َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫إليه فيختم هللا شقاوتهم بكفرهم هذا ويطبع على قلوبهم كقوله تعالى‪َ {:‬ب ْل َ‬
‫(‪)١‬‬

‫كف ِرِهم{ ] النساء ‪]١55:‬‬


‫ِب ْ‬
‫قال القرطبي ‪:‬وأجمعت األمة على أن هللا عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على‬

‫كف ِرِهم { ‪َ ،‬‬


‫وذك َر حديث‬ ‫ليها ِب ْ‬
‫ّللا َع ََ َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫قلوب الكافرين ُمجازاة لكفرهم ‪ ،‬كما قال ‪َ}:‬ب ْل ََ َ‬
‫تقليب القلوب‪ » :‬يا مقلِّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك«وهو حديث صحيح وذكر حديث‬
‫حذيفة الذي في الصحيح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬قال تعرض الفتن على‬
‫عودا ‪ ،‬فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء‪ ،‬وأي قلب أنكرها‬
‫عودا ً‬
‫القلوب كالحصير ً‬
‫نكت فيه نكتة بيضاء ‪ ،‬حتى تصير على قلبين ‪ :‬على أبيض مثل الصفاء فال تضره فتنة‬
‫ال يعرف‬ ‫(‪)5‬‬
‫خيا‬
‫كالكوز ُم َج ً‬
‫(‪)|4‬‬
‫ما دامت السماوات واألرض)‪ ، )3‬واآلخر أسود مرباد‬
‫الحق عندي في ذلك ما‬
‫منكر إال ما أُشرب من هواه«‪ .‬قال ابن جرير ‪:‬و ُّ‬
‫معروًفا وال ينكر ًا‬
‫صح بنظيره الخبر عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ‪ ،‬فإن تاب ونزع واستعتب‬ ‫وسلم‪ » :‬إن المؤمن إذا أذنب ً‬
‫صقل قلبه ‪ ،‬وان زاد زادت حتى تعلو قلبه ‪ ،‬فذلك الران الذي قال هللا تعالى ‪َ {:‬كالَ َب ْل َر َ‬
‫ان‬
‫َعَلى َ هقلوبِ ِهم ما كاهنوا ي ِّ‬
‫كس ُبو َن{] المطففين ‪.»]١4:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬فإنهم لم يسلبوا الجزء االختياري الذي هم َّ‬
‫مكلفون به بتكاليف الشريعة‪ ،‬وليس لهم علم بما سبق لهم في علم هللا األزلي‬ ‫َُ‬
‫هل هم من األشقياء أم من السعداء‪ ،‬فهم مسؤولون بالجزء االختياري‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫البدن مطيَّة القلب ‪.‬‬
‫جل وعال بالقلب ال بالبدن‪ ،‬و ُ‬
‫سعيه إلى هللا َّ‬
‫‪ -3‬ألن اإلنسان ُ‬
‫بكدرة ‪.‬‬
‫‪َ -4‬رب َِّد ‪:‬اختلط سو ُاده َ‬
‫منكوسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الراوي بقوله ‪:‬‬
‫وفسره َّ‬
‫‪-5‬أي ‪:‬مائال‪َّ ،‬‬

‫‪22‬‬
‫هذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة والليث بن سعد وابن ماجه‬
‫عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ‪ ،‬ثالثتهم عن محمد ابن‬
‫عجالن به ‪ ،‬وقال الترمذي حسن صحيح ‪.‬ثم قال ابن جرير فأخبر رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ‪ ،‬واذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من‬
‫قبل هللا تعالى والطبع ‪ ،‬فال يكون لإليمان إليها مسلك وال للكفر عنها مخلص ‪ ،‬فذلك هو‬
‫ّللا على هقلوبِ ِهم وعلى س ِ‬
‫مع ِهم { نظير‬ ‫ََ َ‬ ‫تم َ ه َ‬
‫الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى ‪َ }:‬خ َ‬
‫الختم والطبع على ما تدركه األبصار من األوعية والظروف التي ال يوصل إلى ما فيها إال‬
‫بفض ذلك عنها ثم حلها‪ ،‬فكذلك ال يصل اإليمان إلى قلوب من وصف هللا أنه ختم على‬
‫عنها‪.‬‬ ‫قلوبهم وعلى سمعهم إال بعد فض خاتمه وحل رباطها‬
‫(‪)١‬‬

‫ّللا َعلى هقلوبِ ِهم { استئناف تعليلي لِّما سبق من الحكم ‪ ،‬وهو عدم‬
‫تم َ ه‬
‫قوله تعالى ‪َ َ{:‬خ َ‬
‫إيمانهم ‪.‬وحيث أُطلق القلب في لسان الشرع فليس المراد به الجسم الصنوبري الشكل ‪،‬‬
‫أيضا ‪ ،‬وهو جسم لطيف قائم‬
‫فإنه للبهائم ولألموات ‪ ،‬بل المراد معنى آخر يسمى بالقلب ً‬
‫العرض بمحله ‪ ،‬أو قيام الح اررة بالفحم(‪ ،)2‬وهذا القلب هو الذي‬
‫بالقلب اللحماني قيام َ‬
‫يحصل فيه اإلدراك ‪ ،‬وترتسم فيه العلوم والمعارف(‪. )3‬وهذا يوافق ما ذكره اإلمام الغزالي‬
‫رضي هللا عنه من أن القلب قلبان ‪:‬قلب رباني وقلب جسماني‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫َمر { ]األعراف ‪ [ 54:‬؛ فالقلب الصنوبري اللحماني من عالم الخلق‪ ،‬والقلب‬
‫‪ -2‬قول هللا تعالى ‪} :‬أَال َل ُه الخلق َواأل ُ‬
‫األمر أفضل من الخلق‪.‬‬‫المعنوي من عالم األمر ‪ ،‬و ُ‬
‫‪ -3‬حاشية الجمل‬

‫‪23‬‬
‫طلق وال يرضى إال بما جاء‬
‫أقول ‪:‬إذا خلص هذا القلب من سيطرة النفس األمارة فإنه هي َ‬

‫من جواره ‪ ،‬وهو هللا ج َل وعال‪.‬‬

‫فعلى المؤمن أن يجاهد نفسه ويطهر قلبه من األخالق الذميمة التي تضر اعتقاده‬

‫قلبه ودماغه وعقله‬


‫نور من عنده ‪ ،‬ينور به َ‬
‫وايمانه ‪ ،‬حينذاك يقذف هللا تعالى في قلبه ً ا‬

‫المنورات ‪ ،‬فتعمل كل لطيفة بالوظيفة‬


‫َ‬ ‫تمص اللطائف األخرى من هذه‬
‫ُّ‬ ‫‪ ،‬عندئذ‬

‫المخصوصة بها من ِقَبل خالقها وفق ما يرضيه ج َل وعال ‪ ،‬وبذلك يكون اإلنسان ًا‬
‫بشر‬

‫باطنا‪.‬‬
‫ظاهر ومَل ًكا ً‬
‫ًا‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم طهر قلوبنا عن ِ‬


‫كل وصف هيباعدنا عن مشاهدتك ومحَبتك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫اللفظ الثاني‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫ّللا مر ًضا ولهم ع َذاب أَلِيم ِبما كاهنوا ي ِ‬ ‫ِ‬
‫كذهبون(‪))10‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(في هقلوبِ ِهم َمَرض َف َزَاد هه هم َ ه َ َ َ ه َ‬

‫[البقرة ‪]١٠:‬‬

‫المرض صفة توجب وقوع الضرر في األفعال الصادرة عن موضع تلك الصفة‪ ،‬ولما كان‬

‫وعبوديته ‪ ،‬فإذا وقع في القلب من‬


‫ُ‬ ‫وطاعته‬
‫ُ‬ ‫األثر الخاص بالقلب إنما هو معرفة هللا تعالى‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫اضا للقلب‬
‫مانعا من هذه اآلثار كانت تلك الصفات أمر ً‬
‫الصفات ما صار ً‬

‫والمرض حقيقة فيما يعرض للبدن فيخرجه عن االعتدال الخاص به ويوجب الخلل في‬

‫أفعاله ‪ ،‬ومجاز في األعراض النفسانية التي تخل بكمالها ‪ ،‬كالجهل وسوء العقيدة والحسد‬

‫والضغينة وحب المعاصي ‪ ،‬ألنها مانعة من نيل الفضائل ‪ ،‬أو مؤدية إلى زوال الحياة‬

‫الحقيقية األبدية ‪.‬واآلية الكريمة تحتملهما ‪ ،‬فإن قلوبهم كانت متألمة تحرًقا على ما فات‬

‫وحسدا على ما يرون من ثبات أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬
‫ً‬ ‫عنهم من الرياسة ‪،‬‬

‫ونفوسهم‬
‫ُ‬ ‫يوما فيو ًما‪ ،‬وزاد هللا غمهم بما زاد في إعالء أمره واشادة ذكره‪،‬‬
‫واستعالء شأنه ً‬
‫(‪)2‬‬
‫وسلم ‪.‬‬ ‫كانت موصوفة بالكفر وسوء االعتقاد ومعاداة النبي صلى هللا عليه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وعن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول هللا‬
‫ِ‬
‫صلى هللا عليه وسلم في هذه اآلية } في هقلوبِ ِهم َمَرض { قال ‪ :‬شك ‪َ } ،‬ف َزَاد هه هم َ ه‬
‫ّللا‬
‫شكا ‪.‬وعن عكرمة وطاووس ‪ِ {:‬في هقلوبِ ِهم َمَرض { يعني الرياء (‪ )١‬وقال‬ ‫َمَر ًضا{ قال ‪ً :‬‬
‫ِ‬
‫الضحاك عن ابن عباس ‪ {:‬في هقلوبِ ِهم َمَرض { قال ‪:‬نفاق ‪َ } ،‬ف َزَاد هه هم َ ه‬
‫ّللا َمَر ًضا { قال ‪:‬‬
‫نفاًقا ‪ ،‬وهذا كاألول ‪.‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ِ {:‬في هقلوبِ ِهم َمَرض { قال ‪:‬هذا‬
‫المرض ‪:‬الشك الذي دخلهم‬ ‫مرضا في األجساد ‪ ،‬وهم المنافقون ‪ ،‬و ُ‬ ‫مرض في الدين وليس ً‬
‫ِ‬
‫امنوا‬ ‫رجسا‪ ،‬وق أر ‪ َ{:‬فأَ َما اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬ ‫ّللا َمَر ًضا { قال ‪ :‬زادهم هللا ً‬‫في اإلسالم ‪َ } ،‬ف َزَاد هه هم َ ه‬
‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض َ‬ ‫ِ‬ ‫فزَادتهم ِإيماًنا و ههم يس ِ‬
‫تهم ِر ً‬
‫جسا‬ ‫فزَاد ه‬ ‫تبشهرو َن { )‪َ { )١٢٤‬وأَ َما اَلذ َ‬ ‫َ ه َ َ ََ‬
‫ِإلى ِر ِ‬
‫جس ِهم } [ التوبة‪ [ ١25-١24‬قال‪ً :‬ا‬
‫شر إلى شرهم وضاللة إلى ضاللتهم ‪.‬وهذا الذي‬
‫قاله عبد الرحمن رحمه هللا حسن ‪ ،‬وهو الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬وكذلك قاله األولون ‪،‬‬
‫ِ‬
‫اهم { ] محمد ‪:‬‬
‫تقو ه‬
‫اهم َ‬
‫تدوا َزَاد ههم هه ًدى َو َء َات ه‬
‫اه َ‬ ‫أيضا‪َ { :‬واَلذ َ‬
‫ين َ‬ ‫وهو نظير قوله تعالى ً‬
‫(‪)2‬‬
‫‪. ]١٧‬‬
‫قال القاشاني في تأويل اآلية ‪:‬في قلوبهم حجاب من حجب الرذائل النفسانية الشيطانية‬
‫الحقانية(‪.)3‬‬ ‫والصفات البشرية عن تجليات الصفات‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬هذا للمؤمن ليس للكافر؛ ألن الكافر ال يوجد عنده عمل خالص حتى يدخله الرياء‪ ،‬أما المؤمن فإنه إذا‬
‫ياء وشهر ًَ ة يفسد العمل‪ ،‬ويكون كأنه لم يعمله‪.‬‬
‫عمل عم ًَ ال ر ً‬
‫‪ -2‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ويصدوا‬ ‫‪- 3‬ويبقى هذا الحجاب ما لم ينوروا قلوبهم‪ ،‬حتى يروا الحق حًقا والباطل باطال‪ ،‬فيتَّبعوا الحق‬
‫ين‬ ‫َّ ِّ‬ ‫وطهروا قلوبهم فإنهم ينالون رضا هللا َّ‬
‫جل وعال‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ { :‬والذ َ‬ ‫الباطل ‪.‬وأما الذين جاهدوا أنفسهم َّ‬
‫نهديَّنهم سبََلنا }] العنكبوت ‪ [. ٦٩:‬فعلى المؤمن أن ال يهمل هذه الحقيقة‪ ،‬حتى ال ِّ‬
‫يسكر على‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اه ُدوا فَينا َََل َ ُ ُ ُ َ‬
‫َج َ‬
‫النفس والشيطان والهوى‬
‫نفسه باب رحمة هللا تعالى‪ ،‬بإتباعه َ‬

‫‪26‬‬
‫ِ‬
‫وفي التأويالت النجمية ‪ {:‬في هقلوبِ ِهم َمَرض { وهو التفات إلى غير هللا ‪َ } ،‬ف َزَاد هه هم َ ه‬
‫ّللا‬
‫َمَر ًضا { أي زاد مرض االلتفات على مرض خداعهم ‪ ،‬فحرموا من الوصول والوصال‪،‬‬
‫لهم َع َذاب أ َِليم { من حرمان الوصول إلى هللا تعالى } ِب َما كاهنوا َي ْك ِذهبو َن{ بقولهم إنا‬
‫} َو ه‬
‫آمنا باهلل ‪ ،‬فإنهم ليسوا بمؤمنين حقيقة ‪ ،‬واإليمان الحقيقي نور إذا دخل القلب يظهر على‬
‫المؤمن حقيقته ‪ ،‬كما كان لحارثة لما سأله رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬كيف‬
‫حقا ‪ ،‬قال‪ »:‬يا حارثة إن ِّ‬
‫لكل حق حقيقة فما‬ ‫مؤمنا ً‬
‫ً‬ ‫أصبحت يا حارثة؟ قال ‪:‬أصبحت‬
‫أعرضت نفسي عن الدنيا ‪ -‬أي زهدت وانصرفت ‪ -‬فأظمأ نهارها‬
‫حقيقة إيمانك؟« قال ‪َ :‬‬
‫ذهُبها ‪ ،‬وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون والى‬
‫وأسهر ليلها ‪ ،‬واستوى عندي َح َج ُرها َو َ‬
‫أهل النار ينصاعون ‪ ،‬وكأني أنظر إلى عرش ربي ًا‬
‫بارز ‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫فالزم (‪.»)١‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وسلم‪ » :‬أصبت‬

‫أقول ‪:‬علينا ‪ -‬نحن المؤمنين ‪ -‬أن ال نحول أمورنا على هللا تعالى ‪ ،‬ونهمل مجاهدة‬
‫أنفسنا وتزكيتها وتطهيرها ‪ ،‬بل نرضى بقضاء هللا وقدره ‪ ،‬وال نترك تكاليف الشريعة‬
‫المح َمدية ‪ ،‬التي لم تهملنا كالبهائم ‪ ،‬نأكل ونشرب ونرتع ؛ فعلى عاتقنا التكاليف‬
‫الشرعية وتخليص القلب من سيطرة النفس األمارة ‪ ،‬حتى ال نتبع هواها ‪.‬نعوذ باهلل أن‬
‫اه { ]الجاثية ‪،]٢٣:‬‬ ‫َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ‬
‫له هه َه َو ه‬ ‫نكون من الذين قال هللا فيهم ‪{ :‬أ َأ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬قال ابن رجب الحنبلي ‪:‬حديث حارثة رضي هللا عنه المشهور ُروي من وجوه مرسلة وروي متصال‪،‬‬
‫والمرسل أصحاه جامع العلوم والحكم‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ربنا القدرة والجزء االختياري والعقل ‪.‬أما بعد األخذ باألسباب الحقيقية في‬
‫فقد أعطانا ُّ‬

‫داخل الشريعة فإننا نفوض أمرنا إلى هللا ج َل وعال‪.‬‬

‫نسأل هللا تعالى أن ِ‬


‫يوفقنا لمجاهدة أنفسنا وتزكيتها على الوجه الذي يرضيه عنا ‪،‬‬

‫إنه خير مسئول‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪28‬‬
‫اللفظ الثالث‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لح َج َارِة أَو أ ُّ‬ ‫) هث َم قست هقلوبكم ِمن ب ِ‬


‫عد ذلِ َك ف ِهي ك ْا ِ‬
‫قسوًة َواِ َن م َن اْلح َج َارة َ‬
‫َشد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫لما َيه ِبط ِمن‬
‫نها َ‬
‫ِ‬
‫اء َواِ َن م َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫لما َي َشقق َفَي ْخهر هج مْن هه ْا َ‬
‫لم ه‬ ‫نها َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي َتفجهَر مْن هه األَ ْن َه هار َواِ َن م َ‬
‫عملون ( ‪] ) ٧٤‬البقرة ‪] ٧٤:‬‬ ‫خشي ِة َ ِ‬
‫ّللا بغافل َع َما َت َ‬‫ّللا َو َما َ ه‬ ‫َْ‬

‫يعا لهم على ما شاهدوه من آيات هللا تعالى‬


‫توبيخا لبني إسرائيل وتقر ً‬
‫ً‬ ‫يقول هللا تعالى‬

‫واحيائه الموتى‪ {:‬ث َم قست هقلوبكم ِمن ب ِ‬


‫عد ذلِ َك { كله} ف ِهي ك ْا ِ‬
‫لح َج َارِة { التي ال تلين‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫أبدا ‪ .‬ولهذا نهى هللا المؤمنين عن مثل حالهم فقال‪ { :‬أَلم يأ ِ ِ ِ‬
‫شع‬
‫امنوا أَن َت ْخ َ‬ ‫ْن لَلذ َ‬
‫ين َء َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّللا وما َ ِ‬‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫فطال َعلي ِه هم‬
‫َ‬ ‫بل‬
‫تاب من َق ه‬ ‫كونوا كاَلذ َ‬
‫ين أ ههوتوا ْالك َ‬ ‫نز َل م َن اْل َح ِق َوال َي ه‬ ‫لوب ههم لذ ْك ِر َ َ َ‬
‫هق ه‬
‫(‪)١‬‬
‫فاسقو َن{ ] الحديد ‪]١٦:‬‬ ‫األَم هد َفقس ْت هقلوبهم و ِ‬
‫كثير ِمنهم ِ‬
‫ه‬ ‫هه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫خشَي ِة‬
‫لما َيه ِبط ِمن ْ‬
‫نها َ‬
‫ِ‬
‫اء َوِا َن م َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫لما َي َشقق َفَي ْخهر هج مْن هه ْا َ‬
‫لم ه‬ ‫نها َ‬
‫ِ‬
‫وقوله تعالى‪َ {:‬وِا َن م َ‬
‫ُ‬
‫َِ‬
‫ّللا { تعليل للتفضيل ‪ ،‬والمعنى أن الحجارة تتأثر وتنفعل ‪ ،‬فإن منها ما يتشقق فينبع‬

‫انقيادا لما أراد هللا‬


‫ً‬ ‫منه الماء ‪ ،‬وتنفجر منه األنهار ‪ ،‬ومنها ما يتردى من أعلى الجبل‬

‫(‪)2‬‬
‫تعالى به ‪.‬وقلوب هؤالء ال تتأثر وال تنفعل عن أمره تعالى ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫فالقلب من شأنه أن يتأثر عن مطالعة الدالئل واآليات و ِّ‬
‫العبر ‪ ،‬وتأثره عبارة عن ترك‬
‫التمرد والعتو واالستكبار(‪ ، )١‬واظهار الطاعة والخضوع هلل والخوف من هللا تعالى ‪ ،‬فإذا‬
‫شبيها بالحجر ‪ ،‬فيقال‬‫عرض للقلب عارض أخرجه عن هذه الصفة صار في عدم التأثر ً‬
‫تابا همتشا ِب ًها‬ ‫ِ‬
‫قسا القلب وغلظ‪ ،‬ولذلك فإن هللا تعالى وصف المؤمنين بالرقة فقال‪ { :‬ك ً‬
‫ِ‬ ‫م َث ِاني ْتق ِ‬
‫شعُّر ِمْن هه هج ه‬
‫لود اَلذ َ‬
‫ين َيخشو َن َرَب ههم { [الزمر ‪]23:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َ َ‬

‫ويبس القلب أن ييبس عن‬ ‫ِّ‬


‫لوبكم { َيب َست ‪ُ ،‬‬
‫قست هق ه‬ ‫قال بعض الحكماء ‪:‬معنى قوله } ث َم َ‬
‫ماءي ِّن ‪ ،‬أحدهما ‪:‬ماء خشية هللا تعالى ‪ ،‬والثاني ‪:‬ماء شفقة الخلق ‪.‬وكل قلب ال يكون فيه‬
‫َ‬
‫خشية هللا وال شفقة الخلق فهو كالحجارة أو أشد قسوة ‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ » :‬ال تكثروا الكالم بغير ذكر هللا فإن كثرة الكالم بغير ذكر هللا قسوة للقلب ‪ ،‬وان‬
‫(‪)3‬‬
‫أبعد الناس من هللا القلب القاسي«‬
‫أيضا‪ » :‬أربعة من الشقاء ‪:‬جمود العين وقسوة القلب وطول األمل والحرص على‬
‫وقال ً‬
‫(‪)١( )4‬‬
‫الدنيا»‬
‫___________________________________________________‬
‫‪ -١‬والعصيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 3‬أخرجه الترمذي عن ابن عمر رضي هللا عنهما والبيهقي وهو حديث حسن غريب ‪.‬‬
‫أيضا حتى نكون أغنياء‬ ‫‪- 4‬علينا أن نكتفي بالسعي على الرزق بقدر ما نكون به مستغنين عن السؤال‪ ،‬وأن نكتسب المال ً‬
‫بقصد أن نكون من أهل السخاء ‪ ،‬لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنما الدنيا ‪ » :‬ألربعة نفر ‪:‬عبد رزقه هللا ما ًَ ال‬
‫علما ولم يرزقه ماال‪ ،‬فهو‬
‫وعلما‪ ،‬فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم هلل فيه حًقا‪ ،‬فهذا بأفضل المنازل؛ وعبد رزقه هللا ً‬
‫ً‬
‫علما‪ ،‬فهو‬ ‫يرزقه‬ ‫ولم‬ ‫ماال‬ ‫هللا‬ ‫قه‬
‫ز‬ ‫ر‬ ‫وعبد‬ ‫اء‪،‬‬
‫و‬ ‫س‬ ‫هما‬
‫فأجر‬ ‫‪،‬‬‫ته‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬
‫ن‬ ‫فهو‬ ‫فالن‪،‬‬ ‫بعمل‬ ‫لعملت‬ ‫ماال‬ ‫لي‬ ‫أن‬ ‫لو‬‫‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫النية‬ ‫صادق‬
‫ً‬ ‫َّ ُ ُ‬
‫يخبط في ماله بغير علم‪ ،‬ال يتقي فيه ربه وال يصل فيه رحمه وال يعلم هلل فيه حًقا‪ ،‬فهذا بأخبث المنازل؛ وعبد لم يرزقه هللا‬
‫َّته‪ ،‬فوزرهما سواء« أخرجه الترمذي وقال ‪ :‬حديث‬ ‫ِّ‬
‫علما‪ ،‬فهو يقول‪ :‬لو أن لي ماال لعملت فيه بعمل فالن‪ ،‬فهو ني ُ‬‫ماال وال ً‬
‫=‬

‫‪30‬‬
‫واإلشارة في تحقيق اآلية أن اليهود وان شاهدوا عظيم اآليات فحين لم تساعدهم العناية لم‬

‫‪ ،‬فإن هللا أراهم اآليات الظاهرة فرأوها بنظر‬ ‫(‪)2‬‬


‫يزدهم كثرة اآليات إال قسوة على قسوة‬

‫(‪)3‬‬
‫الحسن ‪ ،‬ولم ُي ِّرهم البرهان الذي يراه القلب فيحجزهم عن التكذيب ‪.‬‬

‫النفس المذكورة في اآليتين‬


‫َ‬ ‫قال الكلبي ‪:‬أنكروا بعدما أروا ذلك ‪ ،‬وقالوا ‪:‬ما َََقتلنا ‪ -‬أي‬

‫تمو َن}‬ ‫فاد ْأ ِ‬


‫ّللا هم ْخ ِرج َما ْكهنتم ت ْك ه‬
‫يها َو َ ه‬ ‫نفسا َ َ‬
‫ارتم ف َ‬ ‫السابقتين بقوله تعالى‪َ { :‬واِ ْذ َق ْتهلتم ً‬

‫تكذيبا منهم لنبيهم عند ذلك‪.‬‬


‫ً‬ ‫قلبا وال أشد‬
‫]البقرة ‪ ،- [ ٧2:‬فما كانوا قط أعمى ً‬

‫فقلوبهم كالحجارة بل أشد ‪.‬أو إن شبهتم قلوبهم بالحجارة أصبتم ‪ ،‬وبما هو أشد أصبتم‪ ،‬بل‬

‫في الحجارة فضل عليها في اللين ‪ ،‬فإن منها ما تتفجر منه األنهار الكبار ‪ ،‬ومنها ما‬

‫تشقق فيخرج منه العيون الجارية ‪ ،‬ومنها ما تهبط من رأس الجبل من خشية هللا ‪.‬وفي‬

‫كل حجر َتردى من رأس جبل فهو من خشية هللا )‪ .‬وقلوبكم يا معشر‬
‫بعض األخبار ‪ُّ (:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫اليهود ال تلين وال تخشع وال تأتي بخير ‪ .‬نسأل هللا السالمة بمنه وكرمه ‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=حسن صحيح ‪.‬نرجو هللا جل جالله أن ِّ‬
‫يوفقنا لما يحب ويرضى‪ ،‬وأن يخرجنا من أسارة أنفسنا ومن إتباعنا للهوى‪.‬‬
‫‪ -١‬أخرجه البزار وغيره عن أنس رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ألن سبب عدم موافقتهم إنكار الحق‪ ،‬فهم بخالف النصارى‪ ،‬ال يقولون بالتثليث وال يشركون ً‬
‫أحدا مع هللا تعالى‪ ،‬إال‬
‫أنهم ينكرون ما يعرفون من صفة الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬لذا صاروا أخبث من النصارى‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪ -4‬تفسير البحر المديد‬

‫‪31‬‬
‫اللفظ الرابع‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫كف ِرِهم َفَقلِيال َما هي ْؤ ِمنو َن ( )‪[ ) 88‬البقرة ‪:‬‬


‫ّللا ِب ْ‬
‫لوبنا هغْلف َب ْل َل َعَن هه هم َ ه‬
‫(و قاهلوا هق ه‬
‫‪]88‬‬

‫غالف‪.‬‬
‫(‪)١‬‬
‫أغلف‪ ،‬وهو الذي عليه غشاوة ‪ ،‬وقيل أصله ُغلف ‪ ،‬فيكون جمع‬
‫ُغلف جمع َ‬

‫لوبنا هغْلف { أي وقال فريق من اليهود لخاتم األنبياء صلى هللا‬


‫قوله تعالى ‪َ {:‬و قاهلوا هق ه‬

‫عليه وسلم ‪ :‬قلوبنا مغشاة بأغطية ‪ ،‬ال تفقه ما تقول يا محمد ‪ ،‬قالوه سخرية واستهزاء ‪.‬‬

‫وليس األمر كما زعموا ‪ ،‬بل هم أناس مغضوب عليهم ‪ ،‬لعنهم هللا وطردهم من رحمته‬

‫(‪)2‬‬
‫بسبب كفرهم ‪ ،‬وقليل من يؤمن منهم ‪.‬‬

‫فقد رد هللا أن تكون قلوبهم مخلوقة كذلك ألنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق‬

‫كف ِرِهم َفَقلِيال َما هي ْؤ ِمنو َن { أي خذلهم وخالهم وشأنهم‬


‫ّللا ِب ْ‬
‫‪ ،‬وأَض َر َب وقال‪َ {:‬ب ْل َل َعَن هه هم َ ه‬

‫بسبب كفرهم العارض وابطالهم الستعدادهم بسوء اختيارهم بالمرة ‪.‬‬


‫(‪) 3‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬
‫‪- 2‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫أقول ‪:‬ليس للعبد أن يحول مخالفته للشريعة واتباعه لهواه وعدم تزكية نفسه وعدم‬

‫تنوير قلبه وعدم مجاهدة نفسه ‪ ،‬ليس له أن يحولها على هللا ؛ فعلينا أن نأخذ باألسباب‬

‫‪ ،‬وما عند هللا غائب عنا ‪ ،‬وهللا مطلع على سويداء قلوبنا ‪ ،‬فإذا كانت مط َهرة أو كنا‬

‫نجاهد حتى نطهرها يرحمنا برحمته العامة ‪ ،‬وينجينا بكرمه وفضله مما نخاف منه من‬

‫عذابه تعالى‪.‬‬

‫علينا باالستغفار والتوبة ‪ ،‬ولو كان بعد المعصية ‪ ،‬بشرط أن نعتقد أن هللا قادر على‬

‫العفو وقادر على العذاب ‪ ،‬حتى نكون من الذين أنعم هللا عليهم ال من الذين غضب هللا‬

‫عليهم‪.‬‬

‫الله َم اغفر لنا ذنوبنا ِ‬


‫وكفر عَنا سيئاتنا َ‬
‫وتوفنا مع األبرار‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫اللفظ الخامس‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اسم هعوا قاهلوا َس ِم َعنا‬ ‫تيناكم ِب َ‬


‫قوة َو َ‬ ‫ور هخذوا َما َءاَ َ‬ ‫ُّ‬
‫قكم الط َ‬
‫فو ه‬‫فعنا َ‬
‫ِ‬
‫( َواِذ أَخ َذنا مَيثاَقكم َوَر َ‬
‫ِ‬
‫يماهنكم ِإن ْكهنتم هم ْؤ ِمن َ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫كف ِرِهم ْ ِ‬
‫جل ِب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين(‬ ‫ْمهرهكم به إ َ‬
‫قل بْئ َس َما َيأ ه‬ ‫هش ِرهبوا في هقلوبِ ِه هم ْالع َ‬
‫َو َع َصَينا َوأ ْ‬
‫) ‪ ] (٩٣‬البقرة ‪] ٩:‬‬

‫كف ِرِهم { أي خالط حب العجل قلوبهم ‪ ،‬وامتزج‬


‫جل ِب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هش ِرهبوا في هقلوبِ ِه هم ْالع َ‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬وأ ْ‬
‫بدمائهم ‪ ،‬لفرط شغفهم به ومحبتهم له ؛ وهذه استعارة لطيفة ‪ ،‬كأن عبادة العجل شراب‬
‫سائغ لذيذ ‪ ،‬شربوه فامتزج بدمائهم وأبدانهم‪ ،‬بسبب الكفر الذي سيطر على قلوبهم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬القلب مخلوق لمعرفة هللا تعالى ج َل جالله ‪ ،‬ولكن المانع َ‬


‫أن فيه حب الدنيا وحب‬
‫خاليا‬
‫الرئاسة اللذين يسوقان اإلنسان إلى الضالل والكفر ‪ -‬نعوذ باهلل ‪ -‬فإذا كان القلب ً‬
‫تشرب حب غير هللا تعالى ‪ ،‬من المعاصي وغيرها من‬
‫من محبة هللا تعالى ج َل جالله َ‬
‫األخالق الذميمة والخبائث ‪ ،‬واَلتصق بها ‪ ،‬كتشرب الجامد من المائع والتصاقه به ‪،‬‬
‫حينذاك يكون ذلك القلب كأنه ميت ‪ ،‬بسبب حبه لغير هللا ج َل وعال‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫ونورها بأنوار محبتك ومعرفتك يا أرحم َ‬
‫حب الدنيا من قلوبنا ‪َ ،‬‬
‫الله َم أخرج َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫اللفظ السادس‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا مصدقا لِما بين يد ِ‬


‫ِ‬ ‫ان َعهدوا لِ ِج ِ‬
‫يه َو هه ًدى‬ ‫يل َفِإَن هه َنَزَل هه َعلى قْل ِب َك ِبِإ ْذ ِن َ ه َ ً َ َ َ َ َ‬
‫بر َ‬ ‫( هق ْل َمن َك َ‬
‫وبشرى لِ ِ‬
‫ين ( )‪ ] (٩٧‬البقرة ‪] ٩٧:‬‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ه‬ ‫َه َ‬

‫نزله على قْل ِبك ِبِإ ْذ ِن َ ِ‬ ‫ان َعهدوا لِ ِج ِ‬


‫ّللا { أي ‪ :‬قل يا‬ ‫َ‬ ‫يل َفِإَن هه َ ه َ‬
‫بر َ‬ ‫قل َمن َك َ‬
‫قوله تعالى ‪ْ {:‬‬

‫عدوا لجبريل فإنه عدو هلل ‪ ،‬ألن هللا أرسله بالوحي على‬
‫محمد لهؤالء اليهود ‪:‬من كان منكم ً‬

‫يل األمين نزل بهذا القرآن على قلبك يا محمد بأمر‬


‫رسله ‪ ،‬فمن عاداه فقد عادى هللا ‪ ،‬وجبر ُ‬
‫(‪)١‬‬
‫هللا تعالى واذنه وتيسيره ‪.‬‬

‫فإنه القابل األول للوحي‪،‬‬ ‫(‪)3( )2‬‬


‫‪،‬‬ ‫القلب بالذكر ألنه خزانة الحفظ وبيت الرب‬
‫َ‬ ‫وقد خص‬

‫والحفظ ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ومحل الفهم‬

‫أقول ‪:‬اعتبار اإلنسان بالقلب‪ ،‬والفم غطاؤه‪ ،‬فإما أن ينضح منه الجيد الحسن أواألحسن‬

‫‪ ،‬واما أن ينضح منه المخالِف ‪ ،‬على حسب ما في القلب‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫الصالحين‪ ،‬وأحبُّها إليه‬ ‫‪-2‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪َّ » :‬‬
‫إن هلل آنية من أهل األرض‪ ،‬وآنية ربكم قلو ُب عباده َّ‬
‫أرقها«‪ .‬أخرجه ابن ماجة عن أبي عنبسة ‪.‬‬ ‫ألينها و ُّ‬
‫‪- 3‬حاشية الجمل على الجاللين ‪.‬‬
‫‪- 4‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المنور ‪ ،‬ألنه ال يتعلق بهواه وال بالكبر‬
‫َ‬ ‫منوً ار ال يخرج منه إال الشيء‬
‫فمن كان قلبه َ‬

‫والعجب وغير ذلك من األخالق الذميمة ‪ ،‬حينذاك يكون مو ً‬


‫افقا ألوامر هللا ج َل وعال‬

‫ولسنة رسوله عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬العلم‬

‫علمان ‪:‬علم على اللسان ‪ ،‬وهو حجة هللا على خلقه يوم القيامة ‪ ،‬وعلم في‬

‫(‪.)١‬‬ ‫القلب ‪ ،‬فذلك العلم النافع«‬

‫نرجو هللا تعالى أن ِ‬


‫يوفقنا ألن نطهر باطننا بالمجاهدة ‪ ،‬ونزين ظاهرنا بالشريعة ‪ ،‬حتى‬

‫نكون من الصادقين ‪ ،‬ألن صفة الصدق أن يشتغل الظاهر بالشريعة والباطن بالمراقبة ؛‬

‫والمراقبة ليست خاصة بأهل الطريق ‪ ،‬ألنها تأتي من اإليمان ‪ ،‬فإذا رأت عين المؤمن‬

‫َين َما ْكهنتم { ] الحديد ‪ ،[ ٤:‬فيجتنب النظر المحرم‬


‫امرأة أجنبية يقول ‪َ { :‬و هه َو َم َعكم أ َ‬

‫ّللا هي ِح ُّب‬ ‫ِ‬


‫ويترك المعاصي ‪ ،‬فيكون من المحبوبين عند هللا ج َل وعال ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ }:‬إ َن َ َ‬

‫ين { ] البقرة ‪. [٢٢٢:‬‬ ‫لم ِ‬


‫تطهر َ‬ ‫ال َت َوا ِب َ ِ‬
‫ين َوهيح ُّب ْا ه‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا منهم بفضلك وكرمك يا َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬الجامع الصغير ج ‪ ،2‬حديث حسن عن جابر رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫اللفظ السابع‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ين ِمن قبلِ ِهم ِم ْث َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ال َيعَل همو َن لوال هيكلِ همنا‬ ‫ِ‬
‫قال اَلذ َ‬
‫ّللا أَو تأْتَينا َء َاية كذل َك َ‬
‫َه‬ ‫قال اَلذ َ‬
‫( َو َ‬
‫لِقوم هيوِقنو َن ( )‪ ] ( ١١8‬البقرة ‪] ١١:‬‬ ‫قولِ ِهم َت َشابه ْت هقلوبهم قد بَيَنا اآلي ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هه‬ ‫ََ‬

‫وعنادا ‪ ،‬قد صدرت ممن قبلهم من أسالفهم‪،‬‬


‫ً‬ ‫هذه المقالة التي صدرت من اليهود ‪ُّ ،‬‬
‫تعنتًا‬

‫ِ‬
‫هرة { ] النساء ‪ ، [ ١53:‬ومن النصارى فقالوا ‪َ { :‬ه ْل َي َستط ه‬
‫يع َرُّب َك‬ ‫فقالوا ‪ {:‬أ َِرنا َ َ‬
‫ّللا َج َ‬
‫السم ِ‬
‫اء { ] المائدة ‪ ، [ ١١2:‬ومن المشركين فقالوا ‪َ {:‬وقاهلوا لن‬ ‫ِ ِ‬
‫نزل َع َلينا َمائ َدة م َن َ َ‬
‫أَن هي َ‬
‫لك جَنة ِمن ِ‬
‫نخيل َو ِعَنب‬ ‫لك َح َتى ْتف هجَر َلنا ِم َن األ ِ‬
‫ْنؤ ِم َن َ‬
‫وعا ( ‪ ) ٩٠‬أَو َتكو َن َ َ‬
‫َرض َي هنب ً‬

‫ير } [ اإلسراء‪ . ]٩١ -٩٠ :‬فقد تماثلت قلوبهم في الكفر‬ ‫لها ِ‬


‫تفج ًا‬ ‫ِ‬
‫فجر األَ ْن َه َار خالَ َ‬
‫هف َت َ‬
‫(‪)١‬‬
‫والعناد‪ ،‬وتشابهت في العتو والفساد ‪.‬‬

‫لوب ههم { المراد منه أن المكذبين للرسل تتشابه أقوالهم وأفعالهم ‪،‬‬
‫فقوله تعالى ‪َ {:‬ت َش َاب َه ْت هق ه‬

‫أبدا في التعنت واقتراح األباطيل ‪ ،‬كقولهم ‪ { :‬لن نص ِبَر َعلى‬


‫فكما أن قوم موسى كانوا ً‬

‫كما لهم َءالِ َهة{ [ األعراف ‪:‬‬ ‫اجع ْل َلنا ِإ ً‬


‫لها َ‬
‫ِ‬
‫ط َعام َواحد{ ] البقرة ‪ ، [ ٦١:‬وقولهم ‪َ {:‬‬
‫َ‬

‫ِ‬
‫هرة{ [النساء ‪:‬‬ ‫‪ ، [ ١3٨‬وقولهم ‪ {:‬أَت َتخ َذنا هه هزًوا { ] البقرة ‪ ، [ ٦٧:‬وقولهم ‪ {:‬أ َِرنا َ َ‬
‫ّللا َج َ‬

‫الباطل ‪.‬‬ ‫‪ ، [ ١53‬فكذلك هؤالء المشركون يكونون ً‬


‫أبد ًَا في العناد واللجاج وطلب‬
‫(‪)2‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير الرازي‬

‫‪37‬‬
‫أقول ‪:‬وكذلك الذين ال يتوجهون إلى أوامر هللا ‪ ،‬وال يستنكفون عن المنكرات ‪ ،‬وال‬

‫يتعظون بموعظة القرآن وال الشريعة وال الرحمة ‪ ،‬وال يتوجهون كذلك إلى الحق والحقيقة‬

‫‪ ،‬وال يشفقون على خلق هللا ‪ ،‬فإنهم وان كان قولهم بألسنتهم ‪ :‬نحن مؤمنون‪ ،‬لكن‬

‫مفوض إلى ربهم ‪ ،‬إن شاء يعفو عنهم إذا خرجوا من الدنيا باإليمان ‪ ،‬وان شاء‬
‫أمرهم َ‬

‫يعذبهم بما تقتضي الحكمة اإللهية‪.‬‬

‫إذا صدر منهم اإليمان قوال ولم يعملوا بمقتضاه فإن كانت قلوبهم مصدقة به وذهبوا به‬

‫إلى اآلخرة لم يخَلدوا في نار جهَنم ‪ ،‬بل يخرجون منها برحمة هللا تعالى‪.‬‬

‫أجارنا هللا والمؤمنين من عذاب جهَنم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫اللفظ الثامن‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا َعلى َما ِفي قْل ِب ِه َو ههو أ ُّ‬


‫َلد‬ ‫الد َنيا َوهي ْش ِههد َ َ‬
‫عجبك َقوهله ِفي ْالحي ِ‬
‫اة ُّ‬ ‫ََ‬ ‫ه‬ ‫اس َمن هي ِ ه َ‬
‫( َو ِم َن الَن ِ‬
‫ِ‬ ‫اْل ِخصام ( ‪ ) ٢٠٤‬وِاذا توَلى سعى ِفي األ ِ ِ ِ ِ‬
‫ّللا ال‬ ‫لحرث َوالَن َ‬
‫سل َو َ ه‬ ‫يها َوهيهل َك ْا َ‬
‫َرض لهي ْفس َد ف َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫فس َاد (‪ ] (٢٠٥‬البقرة‪[٢٠٥-٢٠٤:‬‬ ‫ِ‬
‫هيح ُّب ْاَل َ‬

‫ّللا َعلى َما ِفي قْل ِب ِه { فيه قوالن ‪ :‬أحدهما ‪:‬أنه يقول إن هللا‬
‫قوله تعالى ‪َ { :‬وهي ْش ِه هد َ َ‬

‫يشهد أن ما ينطق به لساني هو الذي في قلبي ‪.‬والثاني ‪:‬أنه يقول اللهم اشهد علي بهذا‬

‫(‪)١‬‬
‫القول ‪.‬‬

‫نزلت في األخنس بن شريق الثقفي وكان حسن المنظر حلو المنطق يوالي رسول هللا صلى‬

‫هللا عليه وسلم ويدعي اإلسالم ‪ ،‬ودعوى المحبة والخلوص بدون المواطأة من فعل‬

‫المالحدة والزنادقة ‪ ،‬والمحب ال يفعل إال ما يحب محبوبه ‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫هذا لعمري في الفعال بديع‬ ‫تعصي اإلله وأنت تظهر حبه‬

‫‪١‬‬

‫‪١‬‬

‫(‪)2‬‬
‫إن المحب لمن أحب مطيع‬ ‫لو كان حبك صادًقا ألطعته‬

‫‪١‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪١‬‬

‫‪ -١‬تفسير زاد الميسر ‪.‬‬


‫‪ -2‬تفسير روح البيان‬

‫‪39‬‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب‬
‫وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم ‪ ،‬فأنزل هللا في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه ‪:‬‬
‫رض ِ‬
‫اة َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ َو ِم َن الَن ِ‬
‫ّللا { ]البقرة ‪ ، [ 2٠٧:‬وقيل بل ذلك عام‬ ‫اس َمن َيشرِي َن ْف َس هه ابت َ‬
‫غاء َم َ‬
‫في المنافقين كلِّهم وفي المؤمنين كلِّهم ‪ ،‬وهذا قول قتادة ومجاهد والربيع بن أنس وغير‬
‫واحد وهو الصحيح‪.‬‬

‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب‬
‫وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم ‪ ،‬فأنزل هللا في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه ‪:‬‬
‫رض ِ‬
‫اة َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ َو ِم َن الَن ِ‬
‫ّللا{ ] البقرة ‪ ، [ 2٠٧:‬وقيل بل ذلك عام‬ ‫اس َمن َيشرِي َن ْف َس هه ابت َ‬
‫غاء َم َ‬
‫في المنافقين كلِّهم وفي المؤمنين كلِّهم ‪ ،‬وهذا قول قتادة ومجاهد والربيع بن أنس وغير‬
‫واحد وهو الصحيح‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا َعلى َما في َقْل ِبه { فقرأه ابن محيصن ( َ‬
‫ويشهد هللاُ) بفتح الياء‬ ‫وأما قوله ‪َ { :‬وهي ْش ِه هد َ َ‬
‫وضم الجاللة ) على ما في قلبه ( ومعناه أن هذا وان أظهر لكم الحيل لكن هللا يعلم من‬
‫ّللا َيعَل هم‬ ‫نافقو َن قاهلوا َن ْشهد ِإَنك لرسول َ ِ‬
‫قلبه القبيح ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ِ { :‬إذا جاءك اْلم ِ‬
‫ّللا َو َ ه‬ ‫َه َ َ ه ه‬ ‫َ ََ ه‬ ‫َ‬
‫ناف ِقين ِ‬
‫ّللا ي ْشههد ِإ َن اْلم ِ‬
‫لكاذهبو َن{ ] المنافقون ‪ .[ ١:‬وقراءة الجمهور بضم‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ِإَن َك َلَر هسوهل هه َو َ ه َ َ‬
‫ّللا َع ََلى َما ِفي ََقْل ِب ِه { ومعناه أنه يظهر للناس اإلسالم‬‫الياء ونصب الجاللة } َوهي ْش ِه هد َ َ‬
‫اس َوال‬ ‫ست ْخفو َن ِم َن الَن ِ‬
‫ويبارز هللا بما في قلبه من الكفر والنفاق ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ي َ‬
‫ست ْخفو َن ِمن َ ِ‬
‫ّللا{ ] النساء ‪ [ ١٠٨:‬اآلية ‪.‬هذا معنى ما رواه ابن إسحاق عن محمد بن‬ ‫َي َ‬
‫َ‬
‫أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ‪.‬وقيل معناه أنه إذا أظهر‬

‫‪40‬‬
‫للناس اإلسالم حلف وأشهد هللا لهم أن الذي في قلبه موافق للسانه وهذا المعنى صحيح‪.‬‬
‫وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ ،‬واختاره ابن جرير وعزاه إلى ابن عباس وحكاه عن‬
‫مجاهد وهللا أعلم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫اس { قوم ُحلو اللسان‬ ‫يقول ابن عجيبة رحمه هللا ‪ :‬يقول الحق جل جالله ‪َ {:‬و ِم َن الَن ِ‬
‫له { فيها لرونقه وفصاحته ‪َ { ،‬وهي ْش ِههد‬ ‫عجهب َك َق هو ه‬ ‫خراب الجنان ‪ ،‬إذا َّ‬
‫تكلم في شأن الدنيا } هي ِ‬
‫َ‬
‫ّللا { أي ‪:‬يحلف على أنه موافق لقلبه ‪ ،‬وأن ظاهره موافق لباطنه ‪ ،‬وهو شديد الخصومة‬ ‫ََ‬
‫توَلى { أي ‪:‬أدبر وانصرف عنك } َس َعى ِفي‬ ‫والعداوة للمسلمين ‪ ،‬أو أشد الخصوم ‪َ } ،‬واِذا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫األ ِ‬
‫سل { كما فعل‬ ‫لحرث َوالَن َ‬
‫يها َوهيهل َك ْا َ‬
‫َرض { أي مشى فيها بنية اإلفساد } لهي ْفس َد ف َ‬
‫األخنس ‪ ،‬أو كما فعله أهل الظلم‪َ ،‬فيحبس هللا اَلقط َر ‪ ،‬فيهلك الحرث والنسل بشؤم‬
‫فس َاد { أي ال يرتضيه ‪ ،‬فاحذروا غضبه ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ّللا ال هيح ُّب ْاَل َ‬
‫معاصيهم ‪َ } ،‬و َ ه‬
‫(‪)2‬‬

‫افقا لظاهره ؛ فإذا تكَلم يكتفي بعلم‬


‫أقول ‪:‬على المؤمن أن يكون ظاهره كباطنه وباطنه مو ً‬
‫فيظهر ما يوافق اعتقاده وما أضمره في قلبه‪،‬‬ ‫َ‬
‫هللا فيه وأنه تعالى مطلع على قلبه‪ ،‬ه‬
‫حينذاك يكون من الصادقين ‪ ،‬لكن درجات الصدق ودرجات التقوى ودرجات الفهم من‬
‫كالم هللا ومن سَنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم متفاوتة بين الناس‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫نسأل هللا تعالى أن يجعل ظواهرنا موافقة لبواطننا ‪ ،‬وأن يجعل بواطننا مط َهرة َ‬
‫منزهة‬

‫مهَيأة لنظره ج َل وعال ‪ ،‬إَنه خير مسؤول‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫اللفظ التاسع‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا َغ هفور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غو ِفي أ ِ‬


‫ّللا ِبالَل ِ‬ ‫ِ‬
‫لوبكم َو َ ه‬
‫كسَب ْت هق ه‬
‫َيمانكم َولكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬
‫َ‬ ‫ذكم َ ه‬
‫( ال هي َؤاخ ه‬
‫َحلِيم ( )‪ ] (٢٢٥‬البقرة ‪] ٢٢٥:‬‬

‫َيم ِانكم { اختلف العلماء في معنى اللغو ‪ ،‬فقال‬ ‫اخذكم َ ِ َ ِ ِ‬


‫ّللا باللغو في أ َ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ َ{:‬ال هي َؤ ه ه‬

‫الشافعي ‪:‬هو ما سبق إليه اللسان من غير قصد عقد اليمين ‪ ،‬فال إثم وال كفارة له ‪ ،‬وقال‬

‫أبو حنيفة ومالك ‪:‬هو أن يحلف على ما يعتقد فيتبين خالفه ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫َيم ِانكم { أي ال يعاقبكم وال يلزمكم بما‬ ‫اخذكم َ ِ َ ِ ِ‬


‫ّللا باللغو في أ َ‬
‫ِ‬
‫فالمراد من قوله تعالى ‪ {:‬ال هي َؤ ه ه‬

‫صدر منكم من األيمان الالغية ‪ ،‬وهي التي ال يقصدها الحالف بل تجري على لسانه‬

‫كسَب ْت هقلوهبكم{ قال ابن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫عادة من غير تعقيد وال تأكيد ‪.‬وقوله ‪َ {:‬ولكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫عباس ومجاهد وغير واحد ‪:‬هو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬حاشية الصاوي ‪.‬‬
‫كاذبا ‪ -‬أنه ما فعله‪ ،‬فهذا ُيؤاخذ عليه‪ ،‬وأما إذا َُ طلب منه الحلف‬
‫شيئا‪ ،‬ثم إذا َُ طلب منه الحلف يحلف ‪ً -‬‬
‫‪- 2‬كأن يفعل ً‬
‫على شيء لم يفعله فحلف على عدم فعله ‪ -‬صادًقا ‪ -‬فإنه ال ُيؤاخذ ‪.‬أما الحلف بدون قصد والعمد بل جرى على لسانه‬
‫جهال بمعناه أو عادة فهذا اليمين ال ينعقد‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ان{ [ المائدة ‪:‬‬ ‫اخذكم ِب َما َعَق ه‬ ‫قال مجاهد وغيره ‪:‬وهي كقوله تعالى ‪ {:‬و ِ‬
‫لكن ي َؤ ِ‬
‫َيم َ‬
‫دت هم األ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫(‪)١‬‬
‫‪. [٨٩‬‬
‫َيم ِانكم { اللغو ‪:‬الساقط الذي ال يعتد به من‬ ‫اخذكم َ ِ َ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫قال البيضاوي ‪ {:‬ال هي َؤ ه ه‬
‫ّللا باللغو في أ َ‬
‫كالم وغيره ‪ ،‬ولغو اليمين ما ال عقد معه ‪ ،‬كما سبق به اللسان ‪ ،‬أو تكلم به جاهال لمعناه‬
‫كسَب ْت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬كقول العرب ‪:‬ال وهللا وبلى وهللا ‪ ،‬لمجرد التأكيد ‪ ،‬لقوله ‪َ {:‬ولكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬
‫لوبكم { والمعنى ‪:‬ال يؤاخذكم هللا بعقوبة وال كفارة بما ال قصد معه ‪ ،‬ولكن يؤاخذكم بهما‬ ‫هق ه‬
‫أو بأحدهما بما قصدتم من األيمان وواطأت فيها قلوبكم ألسنتكم ‪.‬وقال أبو حنيفة ‪:‬اللغو أن‬
‫يحلف الرجل بناء على ظنه الكاذب ‪.‬والمعنى ‪:‬ال يعاقبكم بما أخطأتم فيه من األيمان ‪،‬‬
‫ّللا َغ هفور { حيث لم يؤاخذ باللغو } َحلِيم { حيث‬
‫ولكن يعاقبكم بما تعمدتم الكذب فيه ‪َ {.‬و َ ه‬
‫بصا للتوبة ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجد تر ً‬
‫(‪)2‬‬

‫لوبكم { وقال في آية المائدة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫كسَب ْت هق ه‬
‫قال تعالى في هذه اآلية ‪َ {:‬و لكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬
‫ان { ‪ ،‬وعقد اليمين محتمل ألن يكون المراد منه عقد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َيم َ‬
‫تم األ َ‬
‫{ َولكن هي َؤاخذكم ب َما َعقهد ه‬
‫القلب به ‪ ،‬وألن يكون المراد به العقد الذي يضاد الحل ‪ ،‬فلما ذكر ههنا قوله ‪ِ {:‬ب َما‬
‫يضا ََذكر المؤاخذة‬
‫لوبكم { علمنا أن المراد من ذلك العقد هو عقد القلب ‪ ،‬وأ ً‬ ‫كسَب ْت هق ه‬ ‫َ‬
‫ههنا ‪ ،‬ولم يبين أن تلك المؤاخذة ما هي ‪ ،‬وبينها في آية المائدة بقوله ‪ {:‬و ِ‬
‫لكن ي َؤ ِ‬
‫اخذكم‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ان َف َك َف َارهت هه { فبين أن المؤاخذة هي الكفارة ‪ ،‬فكل واحدة من‬
‫َيم َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫تم األ َ‬
‫ب َما َعقهد ه‬
‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫هاتين اآليتين مجملة من وجه مبينة من وجه آخر ‪ ،‬فصارت كل واحدة منهما مفسرة‬

‫لألخرى من وجه ‪ ،‬وحصل من كل واحدة منهما أن كل يمين ذكر على سبيل الجد وربط‬

‫القلب فالكفارة واجبة فيها ‪ ،‬واليمين الغموس كذلك‪ ،‬فكانت الكفارة واجبة فيها ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫غو ِفي‬
‫ّللا ِبالَل ِ‬
‫ذكم َ ه‬
‫ِ‬
‫فال يعارض هذه اآلية ما في [ المائدة ‪ [ ٨٩:‬من قوله تعالى ‪ {:‬ال هي َؤاخ ه‬
‫ِ‬ ‫أَيم ِانكم و ِ‬
‫لكن ي َؤ ِ‬
‫شرِة َم َساك َ‬
‫ين { الخ‪.‬‬ ‫ام َع َ‬ ‫ِ‬ ‫اخذكم ِبما َعَقهدتم األَيم َ َ‬
‫ان َف َكف َارهت هه إ ْط َع ه‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫بناء على أن مقتضى هذه المؤاخذة بالغموس ‪ ،‬ألنها من كسب القلب ‪ ،‬وتلك تقتضي‬

‫عدمها ‪ ،‬ألن اللغو فيها خالف المعقودة ‪ ،‬وهي ما يحلف فيها على أمر ماض متعمد‬

‫الكذب فيه ‪ ،‬ولغويته لعدم تحقق البر فيه الذي هو فائدة اليمين الشرعية ‪ ،‬ألن الشافعي‬

‫حمل } ِب َما َعَق ه‬


‫دت هم { على كسب القلب ‪ ،‬من عقدت على كذا عزمت عليه ‪ ،‬ولم يعكس ‪،‬‬

‫ألن العقد مجمل يحتمل عقد القلب ويحتمل ربط الشيء بالشيء ‪ ،‬والكسب مفسر ‪ ،‬ومن‬

‫القواعد حمل المجمل على المفسر ‪ ،‬واذا حمل عليه شمل الغموس ‪ ،‬وكان اللغو ما ال‬

‫قصد فيه ‪ ،‬ال خالف المعقودة ‪ ،‬إذ ال معقودة ‪ ،‬فتتحد اآليتان في المؤاخذة على الغموس‬

‫وعدم المؤاخذة على اللغو ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫وفي التيسير ‪:‬أن هذه اآلية في مؤاخذة اآلخرة ‪ ،‬فأما المؤاخذة المذكورة في قوله تعالى ‪:‬‬

‫ان { فهي المؤاخذة بالكفارة ‪ ،‬لكنها في اليمين المعقودة ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َيم َ‬
‫تم األ َ‬
‫{ َولكن هي َؤاخذكم ب َما َعقهد ه‬

‫ّللا َغ هفور { حيث لم يؤاخذكم باللغو مع‬


‫فاآليتان في مؤاخذتين مختلفتين ‪َ {.‬و َ ه‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير روح المعاني‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ناشئا عن َّقلة المباالة } َحلِيم { حيث لم يعجل بالمؤاخذة ‪ )١(.‬وفيه إيذان بأن المؤاخذة‬
‫كونه ً‬
‫المعاقبة ‪ ،‬ال إيجاب الكفارة ‪ ،‬إذ هي التي تتعلق بها المغفرة ‪ ،‬والحلم دونه‪.‬‬

‫واإلشارة في اآلية ‪:‬أن ما يجري على الظواهر من غير قصد ونية في البواطن ليس له‬
‫كثير خطر في الخير والشر وال زيادة أثر ‪ ،‬ولو كان له أثر في الخير لما عاب على قوم‬
‫اليس ِفي هقلوبِ ِهم{ ] الفتح ‪ ، [ ١١:‬وكذا ما يجري على اللسان بنية‬ ‫ِ ِ‬
‫قولو َن ِبأَْلسنت ِهم َم َ‬
‫}َي ه‬
‫مؤثر في القبول لما عاب قوما بقوله ‪ َ{ :‬كبر م ْقتا ِعْند َ ِ‬
‫ّللا‬ ‫القلب بال فعل الجوارح لو كان ًا‬
‫َ‬ ‫هَ َ‬ ‫ً‬
‫قولوا َما ال َت ْف َعلو َن{ ] الصف ‪ ،[ 3:‬ولو كان له أثر في البر لما وسع على قوم‬ ‫أَن هت ه‬
‫لوبكم ‪ ،‬وما عفا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غو ِفي أ ِ‬ ‫ّللا ِبالَل ِ‬ ‫ِ‬
‫كسَب ْت هق ه‬
‫َيمانكم َولكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬‫َ‬ ‫ذكم َ ه‬
‫بقوله ‪ َ{:‬ال هي َؤاخ ه‬
‫يم ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ان{ ] النحل ‪]١٠٦ :‬‬ ‫عن قوم بقوله ‪ {:‬إال َمن أه ْك ِرَه َوَقْلهب هه هم ْط َمئن باإل َ‬
‫وذلك ألن القلب كاألرض للزراعة ‪ ،‬والجوارح كاآلالت للحراثة ‪ ،‬واألعمال واألقوال كالبذر‬
‫؛ فالبذر ما لم يقع في األرض المربية للزراعة ال ينبت وان كان في آلة من آالت الحراثة‬
‫جدا ‪.‬وأما إن كان لما يجري على الظواهر من الخير أدنى آثار في القلب ولو كان‬
‫فافهم ً‬
‫مثقال ذرة فإن هللا من كمال فضله وكرمه ال يضيعه ‪ ،‬حتى يكون القليل ًا‬
‫كثير والصغير‬
‫عظيما ‪ ،‬وان كان لما يجري على الظواهر من الشر أدنى أثر في القلب فإن هللا تعالى من‬
‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫غاية لطفه واحسانه ال يؤاخذ العبد به بل يحلم عنه ويتوب عليه ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ين ا ِّلقسط لَِّي ِّ‬
‫وم‬ ‫ض ُع ال َم َو ِّاز َ‬
‫طنك‪ ،‬لكن في اآلخرة } َون َ‬
‫ظاهرك با َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -١‬فهو تعالى غفور بالستر‪ ،‬حليم يعاملك بالحلم إذا خالف‬
‫امة { [األنبياء ‪[4٧:‬‬ ‫ِّ‬
‫القَي َ‬
‫‪ -2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫تنبيه ‪ :‬كثرة الحلف مذموم يدل على الخفة والطيش ‪ ،‬وعدم الحلف بالكلية تعسف ‪،‬وخير‬
‫ومقلِّ َب‬
‫األمور أوسطها ‪ ،‬كان عليه الصالة والسالم يحلف في بعض أحيانه ‪ ،‬يقول‪ » :‬ال ُ‬
‫(‪)١‬‬
‫اُلقلوب«‪ »،‬والذي َنف ُس محمد ِّب َيده«‪ .‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬

‫أقول ‪:‬على المؤمن أن يحافظ على قلبه ‪ ،‬ألنه هيفهم من هذه اآلية الكريمة أن اعتبار‬
‫مؤمنا ‪ ،‬واذا تردد في الشكوك عليه أن‬
‫ً‬ ‫اإلنسان بالقلب ‪ ،‬فإذا اطمأن قلبه باإليمان كان‬
‫يزيلها حتى يطمئن القلب في المسائل اإليمانية ‪.‬فعلينا ‪ -‬جميع المؤمنين ‪ -‬أن نطهر‬
‫شكوكا علينا أن نسأل‬ ‫ً‬ ‫قلوبنا باتجاه علم رب العالمين المطلع عليها ‪ ،‬واذا وجدنا فيها‬
‫أهل الذكر ‪ ،‬حتى ال نخرج من الدنيا مع الشكوك ‪ ،‬فنبقى عاصين} فاسأَلوا أَهل ِ‬
‫الذ ْك ِر‬ ‫َ‬
‫ِإن كْنتم ال َتعَل همو َن{ ] النحل ‪ . [٤٣:‬على المؤمن أن يستحيي من هللا تعالى باجتناب‬
‫المعاصي ‪ ،‬واذا صدرت منه معصية عليه أن يستغفر ويتوب ويرجع إلى هللا تعالى ‪:‬‬
‫ات{ ] الشورى ‪ ، [ ٢٥:‬أي سيئات‬ ‫وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ‬
‫الس َيئ ِ‬ ‫ِ‬
‫{ َو هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ‬
‫ّللا َس َيئا ِت ِهم َح َسَنات{ ] الفرقان ‪ [٧٠:‬علينا أن نعتمد على رحمة هللا‬
‫دل َ ه‬‫كانت ‪ ،‬و } هيَب ه‬
‫الراحمين ‪ ،‬نسأل هللا تعالى االستقامة‪.‬‬
‫وعفوه ‪ ،‬فهو أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫اللفظ العاشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لكن لَِي ْط َم ِئ َن‬‫اهيم رب أ َِرِني كيف تحِيي ْالموتى قال أَو لم ْتؤ ِمن قال بلى و ِ‬ ‫(واِذ قال ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫إبر ه َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كل َجَبل ِمْن هه َن هجزًءا هث َم‬
‫اجعل َعلى ِ‬ ‫ير َف هصرهه َن ِإ َ‬
‫ليك ث َم َ ْ‬ ‫طِ‬ ‫ْقل ِبي قال فخذ أَربع ًة ِم َن ال َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫ّللا َع ِزيز َح ِكيم ( )‪ ] (٢٦٠‬البقرة ‪]٢٦٠:‬‬ ‫ِ‬
‫َن َ َ‬
‫اعلم أ َ‬
‫عيا َو َ‬‫نك َس ً‬‫ادع هه َن َيأْتَي َ‬
‫ه‬

‫قال محمد بن إسحق والقاضي ‪:‬سبب السؤال أن سيدنا إبراهيم عليه الصالة والسالم مع‬

‫مناظرته مع نمروذ لما قال ‪ {:‬ربي اَل ِذي يحِيي وي ِميت قال أَنا أهحِيي وأ ِ‬
‫هميت{ ] البقرة ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َه‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬
‫محبوسا وقتل رجال ‪ ،‬قال إبراهيم ‪:‬ليس هذا بإحياء واماتة ‪ ،‬وعند ذلك‬
‫ً‬ ‫‪ ، [ 25٨‬فأطلق‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ‪َ {:‬رب أ َِرني كيف تحيي ْا َ‬
‫لم َوتى { لتنكشف هذه المسألة عند نمرود وأتباعه ‪ .‬وروي‬

‫عن نمرود أنه قال ‪:‬قل لربك حتى يحيي واال قتلتك ‪ ،‬فسأل هللا تعالى ذلك‪ ،‬وقوله ‪:‬‬

‫{ لَِي ْط َم ِئ َن ْقل ِبي { بنجاتي من القتل ‪ ،‬أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي وبرهاني‪ ،‬وأن ُعدولي‬

‫(‪)2( )١‬‬
‫‪.‬‬ ‫منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجة ‪ ،‬بل كان بسبب جهل المستمع‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬ألنه عليه الصالة والسالم رسول إلى الخلق‪ ،‬فال بد أن يقنعهم ‪.‬فسؤاله إلقناع الخلق ال ليطمئن هو‪ ،‬والسؤال في‬
‫الحقيقة إنما كان عن الكيفية‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫أقول ‪:‬سؤال سيدنا إبراهيم عليه الصالة والسالم عن الكيفية ليس عن الم ِ‬
‫قدرة ‪ ،‬فعين‬ ‫َ‬

‫اليقين موجود وحق اليقين موجود‪.‬‬

‫سؤاله عليه الصالة والسالم ليس كسؤال سيدنا عزير عليه السالم عندما قال ‪ } :‬أََنى‬

‫عد َموِت َها { ] البقرة ‪ ، [ ٢٥٩:‬الفرق بين السؤالين بين ؛ فسيدنا إبراهيم‬ ‫ِ ِِ‬
‫ّللا َب َ‬
‫هيحيي َهذه َ ه‬

‫عليه الصالة والسالم سأل عن الكيفية ‪ ،‬حتى يرى بعينه كيفية إحياء هللا الموتى‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم ارزقنا إيمان عين اليقين وحق اليقين ‪ ،‬برحمتك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫اللفظ الحادي عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫عضا فْلهي َؤد اَل ِذي‬‫عضكم َب ً‬ ‫َم َن َب ه‬ ‫وضة فإن أ ِ‬ ‫تجهدوا ِ‬


‫كاتًبا َف ِرَهان َم ْقهب َ‬ ‫(واِن ْكهنتم َعلى سفر َولم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللا ِب َما‬ ‫ِ‬ ‫الش َه َادة َومن َي هك َ ِ‬ ‫ِ‬
‫تمها َفإَن هه َءاثم َقْلهب هه َو َ ه‬ ‫َ‬ ‫تموا َ‬ ‫تك ه‬ ‫ته َوْلَي َت ِق َ َ‬
‫ّللا َرَب هه َوال ه‬ ‫َماََن ه‬
‫ْاؤتم َن أ َ‬
‫عملو َن َعلِيم( (‪ ] )٢8٣‬البقرة ‪]٢8٣:‬‬ ‫َت َ‬

‫تمها َفِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه { أي يأثم قلبه أو قلبه يأثم ‪.‬والجملة خبر إن‪،‬‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬و َمن َي هك َ‬

‫ونظيره ‪:‬العين زانية واألذن زانية‪ .‬أو للمبالغة‬


‫ُ‬ ‫مقترفه ‪،‬‬
‫واسناد اإلثم إلى القلب ألن الكتمان َ‬

‫‪ ،‬فإنه رئيس األعضاء وأفعاله أعظم األفعال ‪ ،‬وكأنه قيل ‪:‬تمكن اإلثم في نفسه وأخذ‬

‫(‪)2‬‬
‫أشرف أجزائه (‪ )١‬وفاق سائر ذنوبه ‪.‬‬

‫قال السدي عن أشياخه ‪َ }:‬فِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه { فإنه فاجر قلبه‪ .‬قال القاضي أبو يعلى ‪:‬إنما‬

‫وكتمان الشهادة إنما هو عقد النية‬ ‫أضاف اإلثم إلى القلب ألن المآثم َّ‬
‫تتعلق بعقد القلب ؛‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫لترك أدائها ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫القلب من عالم‬
‫‪ -١‬القلب ليس جزًءا من البدن‪ ،‬بل هو الحاكم على جميع أجزاء البدن‪ ،‬فإذا صلح الحاكم تصلح الرعية ‪ .‬و ُ‬
‫األمر أقوى من الخلق }أَال َل ُه الخلق َواألَم ُر { ] األعراف‪ ،[ 54 :‬وقد اعتبر الغزالي‬ ‫البدن من عالم الخلق‪ ،‬و ُ‬
‫األمر‪ ،‬و ُ‬
‫َمر َربي} ] اإلسراء ‪ .[ ٨5:‬ولذا كان هذا االعتبار كله للقلب‪ ،‬ومسؤولية‬ ‫الرو ُح ِّمن أ ِّ‬ ‫رحمه هللا أن القلب هو الروح } ِّ‬
‫قل ُّ‬
‫اإلنسان بالقلب‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير زاد المسير‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫تمها َفِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه{ كأنه قيل فإنه يأثم قلبه ‪.‬فإن قلت هال‬
‫فقوله تعالى ‪َ }:‬و َمن َي هك َ‬
‫اقتصر على قوله فإنه آثم؟ وما فائدة ذكر القلب والجمل َُ ة هي اآلثمة ال القلب وحده؟‬
‫مقترًفا بالقلب أُسند إليه‬ ‫َّ‬
‫قلت ‪:‬كتمان الشهادة هو أن يضمرها وال يتكلم بها ‪ ،‬فلما كان اإلثم َ‬
‫اك تقول إذا أردت التوكيد ‪:‬هذا‬
‫‪ ،‬ألن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ‪ ،‬أال تر َ‬
‫مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي؟ وألن القلب هو رأس األعضاء‬
‫والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله ‪ ،‬فكأنه قيل ‪:‬فقد‬
‫تمكن اإلثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان منه ‪ ،‬ولئال ُيظن أن كتمان الشهادة من‬
‫وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه ‪ ،‬واللسان‬
‫اآلثام المتعلقة باللسان فقط ‪ُ ،‬‬
‫ترجمان عنه ‪ ،‬وألن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ‪ ،‬وهي لها كاألصول التي‬
‫تتشعب منها ‪ ،‬أال ترى أن أصل الحسنات والسيئات اإليمان والكفر؟ وهما من أفعال‬
‫القلوب ؛ فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب ‪.‬‬
‫اك باهلل ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ } :‬فقد َحَرَم‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ »:‬أكبر الكبائر اإلشر ُ‬
‫وكتمان الشهادة «‪.‬‬ ‫وشهادة الزور‬ ‫ّللا ع ِ‬
‫ليه اْل َجَنة { ]المائدة ‪، [ ٧2:‬‬
‫ُ‬ ‫َه َ‬
‫(‪)١‬‬
‫ُ‬
‫وكتمان الشهادة‬
‫ُ‬ ‫شر فشر ‪.‬‬
‫خير فخير وان ًا‬‫عملو َن َعلِيم { فيجازيكم به إن ًا‬ ‫} َو َ ِ‬
‫ّللا ب َما َت َ‬
‫ه‬
‫(‪)2‬‬
‫وشهادة الزور من األعمال التي تجر صاحبها إلى النار ‪ ،‬فإنهما من عالمات سنخ‬
‫ُ‬
‫القلب ‪ ،‬قال تعالى ‪َ } :‬فِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه { والمراد سنخ القلب ‪ ،‬ونعوذ باهلل من ذلك ‪.‬وهما‬
‫وقوعا بين الناس ‪ ،‬والحوامل عليها كثيرة ‪ ،‬كالعداوة وغيرها‪.‬‬
‫أسهل ً‬

‫ــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )١‬أخرجه الشيخان بلفظ ‪ » :‬أال أنبئكم بأكبر الكبائر ‪:‬اإلشراك باهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬وشهادة الزور«‬
‫(‪ )٢‬سنخ ‪:‬زنخ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫واعلم أن أهل الدين طائفتان ‪:‬الواقفون والسائرون ‪.‬فالواقف من لزم عتبة الصورة ولم يفتح‬
‫له باب إلى عالم المعنى ‪ ،‬فهو كالفرخ المحبوس في قشر البيضة ‪ ،‬فيكون مشربه من‬
‫عالم المعامالت البدنية ‪ ،‬فال سبيل له إلى عالم القلب ومعامالته ‪ ،‬فهو محبوس في سجن‬
‫الجسد ‪ ،‬وعليه موكالن من الكرام الكاتبين يكتبان عليه أعماله الظاهرة بالنقير والقطمير ‪.‬‬
‫والسائر من لم ُي ِّقم ولم ينزل في منزل ‪ ،‬فهو مسافر من عالم الصورة إلى عالم المعنى ‪،‬‬
‫ومن مضيق األجساد إلى متسع األرواح ‪ ،‬وهم صنفان ‪ :‬صنف سيار وصنف طيار؛‬
‫فالسيار من يسير بقدم الشرع والعقل على جادة الطريقة ‪ ،‬والطيار من يطير بجناحي‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫العشق والهمة في فضاء الحقيقة ‪ ،‬وفي رجله جلجلة الشريعة‬
‫(‪)١‬‬

‫كلها تتكَلم عن القلب‪ ،‬ألن القلب إذا صلح يتأثر به الكل‪ ،‬وكذلك‬
‫أقول ‪:‬هذه اآليات ُّ‬

‫اإلثم مصدره القلب‪.‬‬

‫ولذا جميع أسيادنا أهل الطريق ‪ -‬رضي هللا عنهم ‪ -‬يأمرون مريديهم بكثرة ذكر هللا‬
‫تعالى ‪.‬وهللا تعالى في القرآن الكريم قَيد الذكر بالكثرة ‪ -‬وهذا عام لجميع المؤمنين‬
‫نور قلبه ‪ ،‬واذا‬
‫خاصا بأهل الطريق ‪-‬فإذا أكثر المؤمن من ذكر هللا ج َل وعال هي َ‬
‫وليس ا‬
‫جميع ًَا ‪.‬وكذلك اإليمان والتقوى واإلخالص واتباع‬
‫ً‬ ‫تنور القلب يضيء اللطائف الداخلية‬
‫َ‬
‫الرسول عليه الصالة والسالم ثمرتها تنوير القلب ‪.‬فعلى المؤمن أن ينور قلبه بالتمسك‬
‫بشرع هللا واإلتباع لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬بل على رأسه تاج الشريعة ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫واإلخالص في العبادة وكثرة ذكر هللا تعالى ‪.‬هذا مقام العبدية ‪ ،‬وليس فوق مقام العبدية‬

‫مقام إال مقام األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬

‫الله َم هم َن علينا بالعبدَية الحَقة لك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫الله َم هم َن علينا بالعبدَية الحَقة لك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪53‬‬
‫اللفظ الثاني عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫حكمات ه َن أ ُّهم ْا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لكتاب َوأه َخهر همتشا ِب َهات فأَ َما‬ ‫ه‬ ‫تاب مْن هه َء َايات هم َ َ‬ ‫ليك ْالك َ‬ ‫( هه َو اَلذي أَْن َز َل َع َ‬
‫غاء َتأ ِْويلِ ِه َو َما َيعَل هم َتأ ِْويَل هه‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫غاء اْلف ْتنة َوابت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َزيغ َ ِ‬
‫في َتب هعو َن َما َت َش َاب َه مْن هه ابت َ‬
‫ِ‬
‫اَلذ َ‬
‫َلب ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ّللا و َ ِ‬
‫اب)‬ ‫امَنا ِبه هكل من عْند َرَبنا َو َما َيذ َكهر ِإالَ أ ههولو األ َ‬ ‫قولو َن َء َ‬ ‫الراسخو َن في اْلعْلمِ َي ه‬ ‫ِإالَ َ ه َ‬
‫(‪] (٧‬آل عمران ‪]٧:‬‬

‫قال الراغب ‪:‬الزيغ الميل عن االستقامة إلى أحد الجانبين ‪ ،‬وزاغ وزال ومال متقاربة‪ ،‬لكن‬
‫(‪)١‬‬
‫يوغا ‪.‬‬
‫يغانا وز ً‬
‫يغا وزيغونة وز ً‬
‫زاغ ال يقال إال فيما كان عن حق إلى باطل ومصدره ز ً‬

‫في َت ِب هعو َن َما‬ ‫قوله تعالى‪ }:‬فأَ َما اَل ِذ ِ‬


‫ين في هقلوبِ ِهم َزيغ { عدول عن الحق ‪ ،‬كالمبتدعة} َ‬ ‫َ‬
‫نة { طلب أن يفتنوا الناس عن‬ ‫ابت َغاء اْل ِف ْت ِ‬
‫َت َشابه ِمْنه { فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل } ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ه‬
‫غاء َتأ ِْويلِ ِه { وطلب أن يؤولوه‬ ‫ِ‬
‫دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه ‪َ {.‬وابت َ‬
‫على ما يشتهونه ‪ ،‬ويحتمل أن يكون الداعي إلى اإلتباع مجموع الطلبتين ‪ ،‬أو كل واحدة‬
‫منهما على التعاقب واألول يناسب المعاند والثاني يالئم الجاهل ‪َ { .‬و َما َيعَل هم َتأ ِْويَل هه {‬
‫اسخو َن ِفي اْل ِعْل ِم { أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه‪،‬‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي يجب أن ُيحمل عليه } إالَ َ ه‬
‫ّللا َو َ‬
‫ِ‬
‫ومن وقف على } إالَ َ ه‬
‫ّللا { فسر المتشابه بما استأثر هللا بعلمه‪:‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح المعاني‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫كمدة بقاء الدنيا ‪ ،‬ووقت قيام الساعة ‪ ،‬وخواص األعداد كعدد الزبانية ‪ ،‬أو بمبادل القاطع‬
‫امَنا ِب ِه{ استئناف‬ ‫قولو َن َء َ‬
‫على أن ظاهره غير مراد ولم يدل على ما هو المراد ‪َ }.‬ي ه‬
‫موضح لحال الراسخين ‪ ،‬أو حال منهم ‪ ،‬أو خبر إن جعَلته مبتدأً ‪ }.‬هكل ِمن ِعْن ِد َرَبنا {‬
‫َلب ِ‬ ‫َ‬
‫اب { مدح للراسخين‬ ‫أي كل من المتشابه والمحكم من عنده ‪َ } ،‬و َما َيذ َكهر ِإالَ أ ههولو األ َ‬
‫بجودة الذهن وحسن النظر ‪ ،‬واشارة إلى ما استعدوا به لالهتداء إلى تأويله ‪ ،‬وهو تجرد‬
‫(‪)١‬‬
‫العقل عن غواشي الحس ‪.‬‬

‫ومتوجها إلى زعزعة‬


‫ً‬ ‫أقول ‪:‬هذا كله متعلق بالقلب ‪ ،‬فمن كان قلبه زائ ًغا عن الحق ‪،‬‬
‫إيمان المسلمين ‪ ،‬يدخل فيهم عن طريق حظوظهم النفسانية ‪ ،‬يأخذ الدروس من‬
‫الشيطان اإلنسي ومن النفس األمارة ‪ ،‬فيوجه المؤمنين إلى شهواتهم ؛ من حب الدنيا‬
‫وحب النساء ‪ ،‬والى المحرمات ‪ ،‬فينسون اآلخرة وعالم البرزخ ‪ ،‬وكأنهم يعيشون في‬
‫أبدا ‪.‬ولغفلتهم عن عواقب األمور يفعلون ما يشاؤون من المخالفات‪.‬‬
‫هذه الدنيا ً‬

‫أما الذين يعلمون أنهم مسئولون يوم القيامة ‪ ،‬وأن عالم البرزخ يع َذب فيه المخالفون ‪،‬‬
‫سجنا ‪ ،‬فإنهم إذا أروا المخالفات يستنكفون عنها ‪ ،‬ويتكلمون بما‬
‫ً‬ ‫ويكون القبر لهم‬
‫يوافق الشريعة المح َمدية ‪ -‬على صاحبها أزكى السالم وأفضل التحية‪ -‬وال يتبعون‬
‫منورة بنور اإليمان ‪ ،‬وهممهم عالية للتهيؤ لما‬
‫نفوسهم وال نفوس غيرهم ‪ ،‬ألن قلوبهم َ‬
‫بعد الموت ‪ ،‬ألن ما بعد الموت أبد اآلباد ‪ ،‬ال نهاية له ‪ ،‬فهم متيقظون على أن ال‬
‫قرون‬
‫يخربوا مستقبلهم بالشهوات الدنيوية الفانية ‪.‬وهم مع ذلك هي ُّ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫بعجزهم وضعفهم ‪ ،‬فيتضرعون إلى هللا تعالى أن يفتح لهم باب رحمته ج َل وعال ‪ ،‬هؤالء‬

‫هم الراسخون في العلم‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا منهم واحشرنا معهم يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫اللفظ الثالث عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬
‫حمة ِإَن َك أَْنت ْا َلوه ه‬
‫َاب ( )‪(8‬‬ ‫لوبنا َب َ ِ‬
‫عد إذ َه َدَي َتنا َو َهب َلنا من هلدْن َك َر َ‬ ‫(رَبنا ال تزغ هق َ‬
‫َ‬
‫]آل عمران ‪]8:‬‬

‫امَنا‬ ‫ِّ‬
‫قال في النوادر ‪ :‬لما رد الراسخون في العلم علم المتشابه إلى عالمه حيث قالوا ‪َ }:‬ء َ‬

‫شرَه النفس لطلبها ؛ فإن العلم لذيذ‪ ،‬وفتنة‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬


‫به هكل من عْند َرَبنا{ ] آل عمران ‪ ،[ ٧:‬خافوا َ‬

‫عد ِإذ َه َدَي َتنا َو َهب َلنا‬


‫لوبنا َب َ‬ ‫تلك اللذة لها عتاب ‪ ،‬ففزعوا إلى ربهم فقالوا ‪َ {:‬رَبنا ال ِ‬
‫تزغ هق َ‬

‫علما أن الرحمة تطفئ تلك الفتنة ‪.‬‬ ‫ِ‬


‫حمة { ‪ً ،‬‬
‫من هلدْن َك َر َ‬
‫(‪)١‬‬

‫عد ِإذ ه َدي َتنا { أي ال ِّ‬


‫تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ‪ ،‬وال‬ ‫لوبنا َب َ‬ ‫} َرَبنا ال ِ‬
‫ََ‬ ‫تزغ هق َ‬

‫تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ‪ ،‬ولكن ثبتنا على صراطك‬

‫حمة { تثبت بها قلوبنا وتجمع بها شملنا‬ ‫ِ‬


‫المستقيم ودينك القويم } َو َهب َلنا من هلدْن َك َر َ‬

‫يقانا } ِإَن َك أَْنت ْا َلوه ه‬


‫َاب {‪.‬‬ ‫إيمانا وا ً‬
‫وتزيدنا بها ً‬
‫(‪)2‬‬

‫واطالق الوهاب ليتناول كل موهوب ‪.‬وفيه داللة على أن الهدى والضالل من ِّقَبله ‪ ،‬وأنه‬

‫متفضل بما ينعم به على عباده من غير أن يجب عليه شيء ‪ ،‬وهذا حال الراسخين‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير ابن كثير‬

‫‪57‬‬
‫في الدعاء ‪ ،‬فانظر كيف ال يأمنون سوء الخاتمة ‪ ،‬وأداهم الخوف والخشية إلى الرجاء ‪،‬‬
‫فإياك والزيغ عن الصراط المستقيم بإتباع الهوى والشهوات ‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ » :‬ما من قلب إال وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء أن يقيمه أقامه‬
‫واذا شاء أزاغه«(‪ )١‬يعني قلب المؤمن بين توفيقه وخذالنه ‪ ،‬وانما قال من أصابع الرحمن‬
‫إشعار بأنه هو المتمكن من قلوب العباد والمتصرف فيها كيف‬
‫ًا‬ ‫ولم يقل من أصابع هللا‬
‫يشاء ‪ ،‬ولم يكلها إلى أحد من مالئكته ‪ ،‬رحمة منه وفضال ‪ ،‬لئال يطلع على سرائرهم‬
‫غيره ‪.‬وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪ » :‬اللهم يا مقلِّب القلوب واألبصار ثبت‬
‫قوما ويضع آخرين إلى يوم القيامة ‪.‬وقال‬ ‫قلوبنا على دينك«‪ ،‬والميزان بيد الرحمن يرفع ً‬
‫ظهر لبطن«(‪). )2‬قال‬
‫ًا‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪َ » :‬مثل القلب كريشة بأرض فالة تقلبها الرياح‬
‫الجنيد رحمه هللا ‪:‬من أراد أن يسلم له دينه ويستريح في بدنه وقلبه فليعتزل الناس ‪ ،‬فإن‬
‫العاقل من اختار الوحدة ‪.‬فدف ُن حبة الفؤاد والوجود في أرض الخمول‬
‫هذا زمان وحشة ‪ ،‬و ُ‬
‫جدا ‪ ،‬فما نبت مما لم يدفن لم يتم نتاجه وان ظهر نوره وانتاجه ‪،‬‬
‫مما ينتج ويتم نتاجه ً‬
‫السيل(‪.)3‬‬ ‫كالذي نبت في حميل‬

‫فعليك بتزكية النفس واصالح الوجود كي تدرك نور الشهود وتقبل إلى االستقامة وتخلص‬
‫صورة مستقيم‪ ،‬وكم من‬
‫ً‬ ‫قلبه وهو‬
‫من الزيغ والضالل في جميع األحوال ‪.‬وكم من زائغ ُ‬
‫الصورة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مستقيم فؤ ُاده وهو في الظاهر غير مستقيم ‪.‬والقلب هو محل النظر ال‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه الترمذي عن أنس وعائشة رضي هللا عنهما بألفاظ متقاربة ‪.‬‬
‫‪- 2‬أخرجه أحمد وابن ماجة عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه‪ ،‬والبيهقي عن أنس رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫اضع‪ ،‬وميزان الناقصين التكب ُر‪.‬‬
‫‪- 3‬ميزان الكاملين التو ُ‬

‫‪58‬‬
‫كما قال عليه الصالة والسالم ‪ » :‬إن هللا ال ينظر إلى صوركم بل إلى قلوبكم وأعمالكم«‬
‫(‪)١‬‬

‫فأي فائدة في القلب الزائغ عن الحق ؟ فنعوذ باهلل منه ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫أقول ‪:‬ثبات القلب على الخير بدون ُّ‬


‫تقلب من النوادر ؛ فإنه ولو كان َيخلص من شرور‬

‫الشيطان بأن إيمانه يقطع بأن هللا واقف على قلبه فيستحيي منه ج َل وعال ‪ ،‬إال أنه‬

‫االنتقال من ذاك الخير إلى خير آخر‪ .‬وهذا‬


‫ه‬ ‫الملك‬
‫حينذاك يأتيه من عالم الغيب بواسطة َ‬

‫يدل على عدم الثبات‪.‬‬

‫الله َم يا مقلِب القلوب ثبت قلوبنا على دينك‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪-١‬أخرجه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة ‪.‬‬

‫‪-2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫اللفظ الرابع عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫السماو ِ‬
‫ات َو َما ِفي‬ ‫ِ‬ ‫تخفوا َما ِفي هص هد ِ‬
‫( هق ْل ِإن ْ‬
‫لم َما في َ َ َ‬
‫ّللا َوَي َع ه‬
‫لمه َ ه‬
‫وه َي َع ه‬
‫تبد ه‬
‫وركم أَو ه‬
‫كل شيء َق ِدير ( )‪ ] (٢٩‬آل عمران ‪]٢٩:‬‬ ‫ّللا َعلى ِ‬ ‫األ ِ‬
‫َرض َو َ ه‬

‫يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر ‪ ،‬وأنه ال يخفى عليه منهم‬

‫واللحظات(‪،)١‬‬ ‫خافية ‪ ،‬بل علمه محيط بهم في سائر األحوال واألزمان واأليام‬

‫وجميع ما في األرض والسماوات ‪ ،‬ال يغيب عنه مثقال ذرة وال أصغر من ذلك في جميع‬

‫أقطار األرض والبحار والجبال ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫تخفوا َما ِفي هص هدوركم { من الضمائر التي من جملتها والية الكفرة‬


‫قل ِإن ْ‬
‫فقوله تعالى ‪{:‬ه ْ‬

‫ّللا { فيؤاخذكم بذلك عند مصيركم إليه ‪َ } ،‬وَيعَل هم َما ِفي‬


‫لمه َ ه‬
‫وه { فيما بينكم } َي َع ه‬
‫تبد ه‬
‫} أَو ه‬
‫السماو ِ‬
‫ات َوما ِفي األ ِ‬
‫َرض { ال يخفى عليه منه شيء قط‪ ،‬فال يخفى عليه سركم وعلنكم ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َََ‬

‫كل شيء َق ِدير} فيقدر‬


‫ّللا َعلى ِ‬
‫ير } َو َ ه‬
‫تأكيدا له وتقر ًا‬
‫وهو من باب إيراد العام بعد الخاص ً‬

‫على عقوبتكم بما ال مزيد عليه إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه ‪ ،‬وهذا بيان لقوله تعالى‪:‬‬

‫ّللا َن ْف َس هه { ] آل عمران ‪ ، [ 3٠:‬ألن نفسه)‪- )3‬وهي‬ ‫ِ‬


‫كم َ ه‬
‫{ َوهي َحذهر ه‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫أمره عجيب‪ ،‬لكن السبب هو الغفلة ‪.‬‬
‫‪- ١‬الذي يؤمن بهذا ويخالف الشريعة ُ‬
‫‪- 2‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- ١‬أي ‪:‬ألن ذاته العلية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫المتميزة من سائر الذوات ‪ -‬متصفة بعلم ذاتي ال يختص بمعلوم دون معلوم ‪ ،‬فهي متعلقة‬

‫بالمعلومات كلها ‪ ،‬وبقدرة ذاتية ال تختص بمقدور دون مقدور ‪ ،‬فهي قادرة على المقدورات‬

‫كلها ‪ ،‬فكان حقها أن تحذر ُوتتقى ‪ ،‬فال يجسر أحد على قبيح وال يقصر عن واجب‪ ،‬فإن‬

‫ذلك مطلع عليه ال محالة ‪ ،‬و ِّ‬


‫الحق به العذاب ‪.‬ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد‬

‫عيونا وبث من يتجسس عن بواطن‬


‫ً‬ ‫اإلطالع على أحواله مما يورد ويصدر ونصب عليه‬

‫أموره ألخذ حذره وتيقظ في أمره واتقى كل ما يتوقع فيه االسترابة به ‪ ،‬فما بال من علم أن‬

‫هللا الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن؟ اللهم إنا نعوذ بك من اغت اررنا بسترك ‪.‬‬

‫كذا في الكشاف‪.‬‬

‫فالعاقل يخاف من هللا ‪ ،‬ويكون حبه وبغضه هلل ‪ ،‬يوالي المؤمنين ويعادي الكافرين‪.‬‬

‫وخلق َسني ‪ ،‬والمحبة‬


‫والحب في هللا والبغض في هللا باب عظيم وأصل من أصول اإليمان ُ‬

‫الصادقة ال تكون إال عند المصافاة في الباطن ‪ ،‬وهي مبنية على اتفاق العقيدة والوجهة ‪،‬‬

‫ألن القلوب تتناسب فتتصافى ‪ ،‬فإن لم يكن بينها التوافق المعنوي واتفق بين أربابها‬

‫المصالحة والمؤانسة بحسب المماثلة النوعية واأللفة النفسية والجنسية الصورية أَع َدت‬

‫صاحب الفضائل باستغراق النفس ‪ ،‬فتشابه وتخالق ‪ ،‬كما قيل‪:‬‬


‫َ‬ ‫الرذائل‬
‫ُ‬

‫يقتدي‬ ‫فكل قرين بالمقارن‬ ‫عن المرء ال تسأل وأبصر قرينه‬

‫‪61‬‬
‫وقال علي رضي هللا عنه‪:‬‬

‫واياك واياه‬ ‫فال تصحب أخا الجهل‬


‫‪١‬‬
‫‪١‬‬

‫حليما حين آخاه‬


‫ً‬ ‫فكم من جاهل أردى‬
‫‪١‬‬
‫‪١‬‬

‫إذا ما هو ماشاه‬ ‫يقاس المرء بالمرء‬


‫‪١‬‬
‫‪١‬‬

‫دليل حين يلقاه‬ ‫وللقلب على القلب‬


‫‪١‬‬

‫‪١‬‬

‫واذا كان الرجل مبتلى بصحبة الف جار في سفره للحج أو للغزو ال يترك الطاعة‬

‫بصحبتهم ‪ ،‬ولكن يكره بقلبه وال يرضى به‪ ،‬فلعل الفاسق يتوب ببركة كراهة قلبه‪ُ .‬حكي أن‬

‫وشقيقا خرجا في سفر فصحبهما شيخ فاسق ‪ ،‬وكان يضرب بالمعزف في الطريق‬
‫ً‬ ‫حاتما‬
‫ً‬

‫ويطرب ويغني ‪ ،‬وكان حاتم ينتظر أن ينهاه شقيق ‪ ،‬فلم يفعل ذلك ‪ ،‬فلما كان في آخر‬

‫الطريق وأرادوا أن يتفرقوا قال لهما ذلك الشيخ الفاسق ‪:‬لم أر أثقل منكما‪ ،‬قد طربت بين‬

‫أيديكما كل الطرب فلم تنظروا إلى طربي ‪ ،‬فقال له حاتم ‪:‬يا شيخ اعذرنا فإن هذا شقيق‬

‫وأنا حاتم ‪ ،‬فتاب الرجل وكسر ذلك المعزف ‪ ،‬وجعل يتَّلمذ عندهما ويخدمهما ‪ ،‬فقال شقيق‬

‫وينبغي أن يعلم أن المؤمن كما يلزم له أن يقطع‬ ‫لحاتم ‪:‬كيف رأيت صبر الرجال؟‬
‫(‪)١‬‬

‫المواالة عن الكفار كذلك يقطع ذلك عن األقرباء الفجار‪ ،‬فإن قلت‪ :‬هذا مخالف للقرآن فإنه‬

‫اك َعلى أَن‬


‫اه َد َ‬
‫مطلقا ‪ ،‬قلت ‪:‬هو موافق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وِان َج َ‬
‫ً‬ ‫ناطق بصلة األرحام‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لك ِبه عْلم فال تط ه‬
‫عه َما{ ] لقمان ‪ [١5:‬فمن تسبب لشقاوتك يجب‬ ‫تش ِر َك ِبي َما َ‬
‫ليس َ‬ ‫ْ‬

‫تقاطعك عنه وان كان ذا قرابتك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫أحيانا يكون الصبر سبب اَل َ‬
‫فرج‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪-١‬‬

‫‪62‬‬
‫فعليك بقطع ُّ‬
‫التعلق من األغيار ‪ ،‬وباالقتداء بهدي األنبياء األخيار ‪.‬قال خليل هللا عليه‬
‫ين{ ] الشعراء ‪.] ٧٧:‬‬ ‫الصالة والسالم ‪ {:‬فِإَنهم ع هدو لِي ِإال ر َب ْا ِ‬
‫لعاَلم َ‬
‫(‪)١‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬

‫التحفظ واالحترام لعلم هللا تعالى بما في قلبه ‪ ،‬وعليه أن‬ ‫بد للمؤمن من ُّ‬
‫التيقظ و ُّ‬ ‫أقول ‪:‬ال َ‬
‫]النساء ‪.]١٣٥:‬‬ ‫ال يتبع هواه فيخرج عن العدالة} فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ‬
‫تعدلوا {‬ ‫ه ََ‬
‫شيئا مخال ًفا للحق ‪.‬وعليه أن يكون باطنه مائدة رَبانية ‪ ،‬فإن هوجد فيه‬ ‫وأن ال يقول ً‬
‫شيء مخالف هلل ج َل وعال عليه االستحياء واالستغفار والرجوع إلى هللا ج َل جالله ‪ ،‬فهو‬
‫يعفو عن السيئات‪.‬‬
‫نسأل هللا تعالى أن ال هيزيغ قلوبنا ‪ ،‬وأن هيخرجنا من الدنيا مع الشهادة واإليمان ‪ ،‬وأن‬
‫يجمع بيننا وبين المتقين مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ولكن استولى ضد اإليمان على اإليمان ‪ ،‬واستولت أفعال المسلمين بغير المشروع على‬
‫األخالق اإلسالمية ‪.‬كل هذا يثمر نتيجة ظلمانية في القلوب ‪ ،‬وال يمكن إخفاء ذلك عن‬
‫خالقنا ج َل وعال ‪ ،‬فهو م َ‬
‫طلع على أحوالنا‪.‬‬

‫علينا أن نتيَقظ ونكتفي بعلم هللا ج َل جالله ‪ ،‬فهو يرانا ويعلم ما في قلوبنا ويعلم أفعالنا‬
‫‪ ،‬فعلينا أن نتبع الشريعة حتى يحصل رضا ربنا عَنا‪.‬‬
‫نسأل هللا تعالى السالمة‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫اللفظ الخامس عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تص هموا‬‫تن ِإالَ وأهَنتم مسلِمو َن(‪ )١٠٢‬واع ِ‬


‫َ َ‬ ‫ه ه‬ ‫َ‬ ‫قات ِه َوال َت هم هو َ‬
‫ق َت ِ‬
‫آمنوا ا َتقوا َ‬
‫هللا َح َ‬ ‫ذين َ‬ ‫(يا أَُّي َها اَل َ‬
‫َ‬
‫فرقوا واذكروا ِنعمة َ ِ‬ ‫بل َ ِ ِ‬
‫اء فأََلف َب َ‬
‫ين هقلو ِبكم‬ ‫ّللا َعليكم ِإذ ْكهنتم أ َ‬
‫َعد ً‬ ‫َ‬ ‫يعا َوال َت َ َ ه‬ ‫ّللا َجم ً‬ ‫ِب َح ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فأَصبحتم ِبِن ِ ِ‬
‫ّللا لكم‬
‫ين َ ه‬ ‫عمته ِإ ْخ َو ًانا َو ْكهنتم َعلى َشفا هح ْفَرة م َن الَن ِار فأَْنقذكم م َ‬
‫نها َكذل َك هيَب ه‬ ‫َ‬ ‫َه‬
‫ِِ‬
‫تدو َن(‪[)١٠٣‬آل عمران‪]١٠٣-١٠٢:‬‬ ‫لعَلكم َ‬
‫ته ه‬ ‫َء َاياته َ‬

‫فوقعت بينهما العداوة ‪ ،‬وتطاولت الحروب مئة‬ ‫(‪)١‬‬


‫كان األوس والخزرج أخوين ألب وأم‬

‫وعشرين سنة ‪ ،‬إلى أن أطفأ هللا ذلك باإلسالم ‪ ،‬فاآلية إشارة إليهم والى أحوالهم ‪ ،‬فإنهم‬

‫بعضا ‪ ،‬فلما أكرمهم هللا تعالى‬


‫بعضا ‪ ،‬ويبغض بعضهم ً‬
‫قبل اإلسالم كان يحارب بعضهم ً‬

‫باإلسالم صاروا إخو ًانا متراحمين متناصحين ‪ ،‬وصاروا إخوة في هللا ‪.‬ونظير هذه اآلية‬

‫ّللا أََلف { ]األنفال ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فقت ما ِفي األ ِ ِ‬


‫يعا َما أََل ْفت َب َ‬
‫ين هقلوبِ ِهم َولك َن َ َ‬ ‫َرض َجم ً‬ ‫قوله ‪ َ{:‬لو أَْن ْ َ‬

‫‪[٦3‬‬

‫معاديا ألكثر الخلق ‪ ،‬ومن كان وجهه إلى‬


‫ً‬ ‫واعلم أن كل من كان وجهه إلى الدنيا كان‬

‫معاديا ألحد)‪ ،)2‬والسبب فيه أنه ينظر من الحق إلى الخلق فيرى‬
‫ً‬ ‫خدمة هللا تعالى لم يكن‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬يقصد أن القبيلتين من أصل واحد ‪.‬‬
‫‪- 2‬بعض أهل الطرق ‪ -‬مع أن هدفهم واحد ‪ -‬يبغضون أهل غير مسلكهم‪ ،‬فهذا ً‬
‫أيضا مخالف‪ ،‬ألن هللا تعالى أمر‬
‫أحب مسلكي ومشربي‪ ،‬ولكن ليس لك أن‬‫المؤمنين بالتوجه إلى هللا والى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬فلك أن تقول ‪:‬إني ُّ‬
‫تنكر وال أن تحتقر مشارب اآلخرين‪ ،‬ألنها حق كذلك‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫أحدا ‪ ،‬ولهذا قيل ‪:‬إن العارف إذا أمر أمر‬
‫أسير في قبضة القضاء والقدر فال يعادي ً‬
‫الكل ًا‬
‫برفق ‪ ،‬ويكون ناصحا ال ِّ‬
‫يعنف ويعير ‪ ،‬فهو مستبصر بسر هللا في القدر(‪. )١‬‬ ‫ً‬

‫واإلشارة أن أهل االعتصام طائفتان ‪.‬إحداهما أهل الصورة وهم المتعلقون باألسباب ألن‬
‫مشربهم األعمال ‪.‬والثانية أهل المعنى وهم المنقطعون عن األسباب(‪ )2‬ألن مشربهم األحوال‬
‫تصموا ِب َ ِ‬
‫اّلل هه َو َموالكم {] لحج ‪ ،[٧٨:‬أي مقصودكم ‪ ،‬وقال‬ ‫‪ ،‬فقال تعالى لهم ‪ {:‬و ِ‬
‫اع ه‬‫َ َ‬
‫كل سبب‬
‫يعا{ ] آل عمران ‪ ، [ ١٠3:‬وهو ُّ‬ ‫بل َ ِ ِ‬ ‫للمتعلِّقين باألسباب ‪ {:‬و ِ‬
‫تصموا ِب َح ِ‬
‫ّللا َجم ً‬ ‫اع ه‬‫َ َ‬
‫يتوسل به إلى هللا ‪ ،‬فالمعتصم بحبل هللا هو المتقرب إلى هللا بأعمال البر ووسائط القربة ‪،‬‬
‫واذا وجد االعتصام وجد عدم التفرق ‪ ،‬بخالف عدم االعتصام فإنه سبب للتفرق في‬
‫كائنا من كان ‪.‬وأما في‬
‫الظاهر والباطن ‪.‬فأما في الظاهر فيلزم منه مفارقة الجماعة فاقتلوه ً‬
‫الباطن فيظهر منه األهواء المختلفة التي توجب تفرق األمة ‪ ،‬كما قال عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ » :‬ستفترق أمتي اثنتين وسبعين فرقة الناجية منهم واحدة« قالوا ‪:‬يا رسول هللا‬
‫واعلم أنه تعالى‬ ‫(‪)3‬‬
‫ومن الفرقة الناجية ؟ قال ‪» :‬من كانوا على ما أنا عليه وأصحابي «‬

‫أمر المؤمنين أوالً بالتقوى ً‬


‫وثانيا باالعتصام وثالثًا بتذكر النعمة ‪ ،‬ألن فعل اإلنسان ال بد‬
‫وأن يكون َّ‬
‫معلال إما بالرهبة واما بالرغبة ‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المعطلة ‪.‬بل على المؤمن أن يأخذ باألسباب ويعتمد‬ ‫‪- 2‬أي بقلوبهم ‪.‬فليس ألهل المعاني أن يتركوا األسباب فيكونوا من‬
‫على مسبب األسباب ‪.‬فال يلزم من األخذ باألسباب االنقطاع عن المعاني ‪ ،‬فله أن يحب أهله وولده وماله ‪ ،‬ألن هذا كله‬
‫ّللا } ] النور ‪] 3٧:‬‬ ‫يهم ِّت َج َارة َو ال َبيع َعن ِّذ ِّ‬
‫كر َّ‬ ‫من فضل هللا ‪ ،‬وهو يحبهم لوجه هللا ‪ ،‬واال لِّم قال ربنا ‪ِّ } :‬ر َجال ال تل ِّه ِّ‬
‫َ‬
‫‪- 3‬أخرجه الترمذي عن ابن عمر رضي هللا عنهما بلفظ ‪ » :‬ستفترق أمتي ثالثًا وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في النار إال واحدة‪،‬‬
‫قيل ‪:‬ومن هم؟ قال ‪:‬الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي «‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫والرهبة متقدمة على الرغبة ‪ ،‬ألن دفع الضرر مقدم على جلب النفع‪ ،‬كما أن التخلية قبل‬
‫ق َتق ِات ِه{ ] آل عمران ‪ ، [ ١٠2:‬إشارة إلى التخويف من‬ ‫التحلية ‪ ،‬فقوله ‪ }:‬ا َتقوا َ َ‬
‫ّللا َح َ‬
‫سببا لألمر بالتمسك بدين هللا ‪ ،‬ثم أردفه بالرغبة ‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪:‬‬‫عقاب هللا ‪ ،‬ثم جعله ً‬
‫ّللا َعليكم {‪ .‬فعلى العاقل االنقياد ألمر هللا ‪ ،‬والطاعة لحكمه ‪،‬‬ ‫{ واذكروا ِنعمة َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ه‬
‫واالعتصام بحبله ‪ ،‬وعدم التفرق في الدين ‪ ،‬والتقوى حق التقى من هللا سبحانه‪.‬‬

‫قال الشيخ النصر آبادي ‪:‬عالمة المتقي أربعة ‪:‬حفظ الحدود ‪ ،‬وبذل المجهود ‪ ،‬والوفاء‬
‫بالعهود ‪ ،‬والقناعة بالموجود ‪.‬قال القشيري رحمه هللا ‪:‬حق التقوى أن يكون على وفق األمر‬
‫‪ ،‬ال يزيد من ِّقبل نفسه وال ُينقص ‪.‬وحق التقوى أوالً اجتناب الزلة ‪ ،‬ثم اجتناب الفضلة ‪،‬‬
‫ثم التوقي عن كل خلة ‪ ،‬ثم التقى عن كل علة ‪ ،‬فإذا اتقيت عن شهود تقواك بعد اتصافك‬
‫شركا‬
‫بتقواك فقد اتقيت حق تقواك ‪.‬انتهى ‪.‬فمن بقي فيه شيء من أثر الوجود فقد أشرك ً‬
‫خفيا ولم يصل إلى حقيقة الشهود ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬
‫ً‬

‫أقول ‪:‬على المؤمن أن يكون نظره إلى الخالق أوال ‪ ،‬ثم يرى أن الخلق كلهم عبيده تعالى‬
‫‪ ،‬وهو ج َل وعال يرحمهم ويرزقهم ؛ فإذا نظر إليهم على أنهم عبيد خالقه فإنه يعاملهم‬
‫معاملة األخ ‪ ،‬ما لم يكن معهم في حالة حرب‪.‬‬

‫وعلى المؤمن كذلك أن ينظر إلى العباد مذ زمان الرسول األعظم عليه الصالة والسالم‬
‫إلى آخر الدنيا أنهم كلهم أمته صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وما دام هو يحب هللا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬تفسير روح البيان‬

‫‪66‬‬
‫ورسوله فعليه أن يشفق على الخلق ويرحمهم ويعاملهم معاملة اإلخوة ‪ ،‬ألنهم من أمة‬

‫عبدا لنفسه‪.‬‬ ‫مح َمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬حينذاك يكون ً‬
‫عبدا هلل جل جالله ال ً‬

‫على المؤمن أن يحذر أن يكون عقله ميزًانا لهذه األمور ‪ ،‬بل الميزان هو الشريعة ‪،‬‬

‫فعليه أن يشفق على جميع خلق هللا جل جالله إال من استثنتهم الشريعة‪.‬‬

‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫نرجو هللا تعالى أن يحفظنا والمؤمنين‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪67‬‬
‫اللفظ السادس عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ْلونكم َخَباال َوُّدوا َما َعِن ُّتم قد َب َد ِت‬ ‫( يا أَُّيها اَل ِذين ءامنوا ال ت َت ِخذوا ِب َ ِ‬
‫طاَن ًة من هدوِنكم ال َيأ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫تعقلو َن‬‫ات ِإن ْكهنتم ِ‬ ‫اتخفي ص هدورهم أَ ْكبر قد بَيَنا َل هكم اآلي ِ‬
‫اه ِهم وم ِ‬ ‫غضاء ِمن أَ ْفو ِ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ه ه ه َه‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْا َلب َ ه‬
‫( ‪[ )١١8‬آل عمران ‪] ١١8:‬‬

‫ورههم أَ ْكَبهر { يعني ‪:‬الذي يظهر على لسان المنافق من‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬ماتخفي هص هد ه‬
‫عالمات البغضاء أقل مما في قلبه من النفرة ‪ ،‬والذي يظهر من عالمات الحقد على‬
‫لسانه أقل مما في قلبه من الحقد ‪ ،‬ثم بين تعالى أن إظهار هذه األسرار للمؤمنين من‬
‫عقلو َن{ أي من أهل العقل والفهم‬ ‫نعمه عليهم ‪ ،‬فقال‪ } :‬قد بَيَنا َل هكم اآلي ِ‬
‫ات ِإن ْكهنتم َت ِ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫الفصل بين ما يستحقه العدو والولي‪،‬‬ ‫عقلو َن {‬ ‫والدراية‪ ،‬وقيل ‪ِ }:‬إن ْكهنتم َت ِ‬
‫َ‬
‫والمقصود بعثهم على استعمال العقل في تأمل هذه اآلية وتدبر هذه البينات‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫ين ءامنوا { ‪ ،‬ونحن ُّ‬


‫كلنا مؤمنون ‪ ،‬فال َ‬
‫بد لنا أن‬ ‫َِ‬
‫أقول ‪:‬بما أن أول اآلية } َياأَُّي َها الذ َ َ َ‬
‫نعمل بمقتضى اإليمان ‪ ،‬ألن الموصوف إذا لم يوافق الوصف ال يحصل االمتزاج بين‬
‫الصفة والموصوف‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‬

‫‪68‬‬
‫صديقا ‪ ،‬فما بالك إذا كان المؤمن يعيش بما‬
‫ً‬ ‫هذه اآلية نهي للمؤمن أن يتخذ الكافر‬
‫يعيش به الكافر ‪ ،‬يفعل فعل الكفر من الربا والزنا والنظر الح ارم وأكل أموال األيتام‬
‫وأكل أموال الناس بغير حق وعدم الرعاية لحقوق الشريعة المح َمدية من تستر النساء‬
‫وعدم التجاوز عن الحد؟ هل هذا الفعل موافق إليمانكم؟ كلكم تقولون ‪:‬ال يوافق ‪.‬ما‬
‫فلم ترسلون بناتكم سافرات إلى الجامعة واألسواق؟ هذا الفعل ال يوافق‬
‫دام كذلك َ‬
‫إيماننا ‪.‬علينا أن ال نغتر بالشهرة ‪ ،‬فنقول ‪:‬فالن أرسل بنته إلى الجامعة فنحن نرسل‬
‫هكذا ‪ ،‬وفالن زوجته بال تحجب فنحن نفعل هكذا ‪ ،‬وهللا غفور رحيم ‪.‬هذا اغترار‬
‫باهلل تعالى مع عدم االستحياء منه ج َل وعال ‪.‬وهذا كله مصدره إتباع الهوى ‪ ،‬فعلينا‬
‫أن ال نتخذ أهواءنا بطانة ‪.‬كما أمرنا ربنا أن ال نتخذ الكفار بطانة كذلك نهانا أن نتبع‬
‫أهواءنا وأنفسنا ‪.‬علينا أن نرجع إلى أوامر هللا ونواهيه‪.‬‬

‫نسأل هللا جل وعال التوفيق لذلك‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪،‬‬

‫‪69‬‬
‫اللفظ السابع عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫امَنا َواِذا‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫نهم َوال هيحُّب َونكم َو ْتؤمنو َن باْلك َتاب كله َواِذا هلقوكم قاهلوا َء َ‬
‫( َها أهَنتم أهوالء تحُّب َو ه‬
‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصهد ِ‬
‫ور)‬ ‫ات ُّ‬ ‫قل هم هوتوا ِبغيظكم ِإ َن َ َ َ‬ ‫َخلوا َع ُّضوا َعَل ه‬
‫يك هم األ ََنام َل م َن ْالغيظ ْ‬
‫( ‪[ )١١٩‬آل عمران ‪]١١٩:‬‬

‫عن ابن مسعود والسدي والربيع بن أنس ‪:‬األنامل األصابع ‪ ،‬وهذا شأن المنافقين‬
‫يظهرون للمؤمنين اإليمان والمودة وهم في الباطن بخالف ذلك من كل وجه ‪ ،‬كما قال‬
‫امل ِمن ْا ِ‬
‫لغيظ { وذلك أشد الغيظ والحنق ‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬ ‫تعالى ‪َ }:‬وِاذا َخلوا َع ُّضوا َعَل ه‬
‫يك هم األ ََن َ َ‬
‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصهدور{ أي مهما كنتم تحسدون‬
‫ات ُّ‬ ‫قل هم هوتوا ِبغيظكم ِإ َن َ َ َ‬
‫هللا تعالى‪ْ }:‬‬
‫عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم فاعلموا أن هللا متم نعمته على عباده المؤمنين ومكمل‬
‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬
‫الص هد ِ‬
‫ور{ أي‬ ‫ات ُّ‬ ‫ومع ِّل كلمته ومظهر دينه فموتوا أنتم بغيظكم } ِإ َن َ َ َ‬
‫دينه ُ‬
‫هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل‬
‫للمؤمنين وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خالف ما تأملون وفي اآلخرة بالعذاب‬
‫(‪)١‬‬
‫الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها ال محيد لكم عنها وال خروج لكم منها ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الص هد ِ‬
‫ور { الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة‬ ‫فالمراد } ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬
‫فيه‪ ،‬وهي لكونها حالة في القلب منتسبة إليه فكانت ذات الصدور ‪ ،‬والمعنى أنه تعالى‬
‫عالم بكل ما حصل في قلوبكم من الخواطر والبواعث والصوارف ‪.‬‬
‫(‪) ١‬‬

‫فال تعجب ) يامحمد ( من إطالعي إياك على أسرارهم ‪ ،‬فإني عليم باألخفى من‬
‫(‪)2‬‬
‫ضمائرهم ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬نحن ال نخرج من ديننا ونتبع دينهم‪ ،‬لكننا نعيش في األخالق الذميمة كما هم‬

‫الحرص عليها عندنا مشهور ‪ ،‬فلو‬


‫ه‬ ‫اليهود ‪ ،‬و‬
‫ه‬ ‫يعيشون ‪.‬فأشد الناس ً‬
‫حرصا على الدنيا‬

‫فتش كل واحد منا قلبه وأحواله يرى تمسكه بالدنيا وحبه لها وحبه لغير المشروع من‬

‫الكسب كالربا مثال ‪ ،‬هذا كله من أخالق الكفار‪.‬‬

‫علينا أن نتمسك باألسباب في داخل الشريعة ‪ ،‬من الزراعة والتجارة والصناعة ‪،‬‬

‫حتى نستغني عن السؤال ‪ ،‬وننفق على عيالنا ‪ ،‬فإن لهم حقوًقا علينا ‪ ،‬ولكن ننفق‬

‫بدون إسراف ‪ ،‬ولنا أن نكتسب ماال ًا‬


‫كثير بنَية أن نتفضل على غيرنا ‪ ،‬حتى هن َ‬
‫عد من‬

‫اكم ال َت َكا هثهر{‬


‫َله ه‬
‫أهل السخاء ‪ ،‬ال لالشتهار والترفع‪ ،‬حتى ال نقع تحت قوله تعالى ‪ }:‬أ َ‬

‫[ التكاثر ‪]١:‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫علينا أن نرجع إلى أوامر خالقنا ج َل وعال ‪ ،‬وأن نمشي على وفق ما َ‬
‫حد لنا ‪ ،‬وأن‬

‫ال نتجاوز هذه الحدود‪.‬‬

‫جميعا لذلك‪.‬‬ ‫َ‬


‫وفقنا هللا واَياكم والمسلمين‬
‫ً‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫اللفظ الثامن عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا ِإالَ بشرى لكم ولِت ْطم ِئ َن هقلوبكم ِب ِه وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ‬
‫ّللا اْل َع ِز ِيز‬ ‫ه‬ ‫ََ‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬ ‫له َ ه ه َ‬ ‫( َو َما َج َع ه‬
‫اْل َح ِكي ِم ( )‪[ )١٢٦‬آل عمران ‪]١٢٦:‬‬

‫وتطمينا ‪ ،‬واال‬
‫ً‬ ‫وتطييبا لقلوبكم‬
‫ً‬ ‫أي وما أنزل هللا المالئكة وأعلمكم بإنزالهم إال بشارة لكم‬

‫فإنما النصر من عند هللا الذي لو شاء انتصر من أعدائه بدونكم ومن غير احتياج إلى‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نهم‬
‫تصَر م ه‬
‫ّللا ال ْن َ‬ ‫قتالكم لهم‪ ،‬كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال ‪َ {:‬ذل َك َولو َي َش ه‬
‫اء َ ه‬
‫ّللا َفلن ي ِض َل أَعماَلهم ) ‪ ( ٤‬سي ِ‬
‫هدي ِهم‬ ‫يل َ ِ‬ ‫عضكم ِببعض واَل ِذين ِ‬
‫قتلوا ِفي س ِب ِ‬ ‫وِ‬
‫لكن ِلَيهب َلو َب َ‬
‫ََ‬ ‫َ ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لهم {]محمد ‪]٦-4:‬‬ ‫لهم )‪َ ( ٥‬وهيدخهل هه هم اْل َجَنة َعَر َ‬
‫فها ه‬ ‫َوهيصل هح َباَ ه‬
‫{ وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ‬
‫ّللا { ال من العدة والعدد ‪ ،‬وهو تنبيه على أنه ال حاجة في‬ ‫ه‬ ‫ََ‬

‫طا على قلوبهم ‪ ،‬من حيث إن‬


‫بشارة لهم ورب ً‬
‫نصرهم إلى مدد وانما أمدهم ووعد لهم به ً‬
‫(‪)2‬‬
‫نظر العامة إلى األسباب أكثر ‪ ،‬وحثًا على أن ال يبالوا بمن تأخر عنهم ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬لو علمنا أن الموجودات كلها منغمسة في نعم هللا ج َل وعال لعلمنا أن هللا قادر‬

‫على كل شيء ؛ فالرزق والعلم والصحة كلها من عند هللا تعالى‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ومن النعم الكبيرة علينا توجيهنا إلى اإليمان‪ ،‬فعلينا أن نتمسك بمقتضى اإليمان‪،‬‬

‫ونطلب من خالقنا رحمته وكرمه وفضله ‪ ،‬مع األخذ باألسباب ‪.‬واألسباب دنيوية‬

‫وأخروية ‪:‬األسباب األخروية متعلِقة بالكتاب والسَنة ‪ ،‬وال يشك المؤمن في أنهما‬

‫سندان موَقعان بتوقيع هللا تعالى وتوقيع الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬

‫للخروج باإليمان من الدنيا إلى عالم الحشر ‪ ،‬ومنه إلى الجنة ‪.‬وأما األسباب الدنيوية‬

‫فقد سمح لنا ربنا أن نأخذ باألسباب ضمن الحدود التي أحَلتها لنا شريعتنا ‪ ،‬حينذاك‬

‫نكون سعداء في الدارين ؛ في الدنيا مرزوقين برزق هللا تعالى ‪ ،‬مع إيماننا بأن هذا‬

‫الرزق من عطاء خالقنا ‪ ،‬وفي اآلخرة لنا ما وعد ربنا به المؤمنين بقوله‪َ } :‬من َع ِم َل‬

‫نجزَيَن ههم أ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َحس ِن َما‬
‫َجرههم بأ َ‬ ‫َصال ًحا من ذكر أَو أهْنثى َو هه َو هم ْؤ ِمن َفهلنحِيَيَن هه َحَياة َ‬
‫طيب ًة َوَل ِ‬

‫كاهنوا َي َع هملو َن { ] النحل ‪.[٩٧:‬‬

‫نرجو هللا جل جالله أن يجعلنا من السعداء ‪ ،‬وأن يحشرنا مع السعداء‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫اللفظ التاسع عشر‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫الرعب ِبما أَشركوا ِب َ ِ‬ ‫لقي ِفي هق ِ ِ‬ ‫( سْن ِ‬


‫نزل ِبه هسلطاًنا َو َمأ َْو ه‬
‫اه هم‬ ‫اّلل َمالم هي ْ‬ ‫فروا ُّ َ َ َ‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫ين َك ه‬ ‫َ‬
‫ين ( )‪ ] (١٥١‬آل عمران ‪]١٥١:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الَنار وبِْئس مثوى ال َ‬
‫ظالم َ‬ ‫ه َ َ ََ‬

‫لقي ِفي هق ِ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ }:‬سْن ِ‬
‫عب { يريد ما قذف في قلوبهم من‬
‫الر َ‬
‫فروا ُّ‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫ين َك ه‬ ‫َ‬

‫الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ‪ ،‬ونادى أبو سفيان يا محمد‬

‫موعدنا موسم بدر القابل إن شئت ‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم‪ » :‬إن شاء هللا «‪.‬وقيل‬

‫لما رجعوا وكانوا ببعض الطريق ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم ليستأصلولهم ‪،‬‬

‫فألقى هللا الرعب في قلوبهم ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫فقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد هللا أن رسول هللا عليه وسلم قال ‪ » :‬أعطيت‬

‫وجعلت لي‬
‫خمسا لم ُيعطهن أحد من األنبياء قبلي ‪ :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫األرض مسجدا وطهورا‪ ،‬و َّ‬
‫أحلت لي الغنائم‪ ،‬وأُعطيت الشفاعة‪ ،‬وكان النبي ُيبعث إلى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫وبعثت إلى الناس عامة«‪.‬‬
‫قومه خاصة ُ‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير ابن كثير‬

‫‪75‬‬
‫جميعا أن ألقى الرعب في‬
‫ً‬ ‫أقول ‪:‬من ِن َعم هللا جل جالله على الصحابة الكرام وعلينا‬

‫قلوب الكافرين ‪ ،‬ولذا نحن اآلن نقول" ‪:‬ال إله إال هللا ‪ ،‬مح َمد رسول هللا "‪ ،‬فعلينا أن‬

‫نعرف قدر هذه النعمة اإللهية‪.‬‬

‫وكما أن هللا تعالى ألقى في قلوب الكفار الرعب ‪ ،‬فهو يلقي في قلوب المؤمنين‬

‫الشجاعة على اإليمان وترك المعاصي‪.‬‬

‫ما دام محل الرعب ومحل الشجاعة هو القلب ‪ ،‬فعلى المؤمن أن يتمسك بالشجاعة‬
‫توَك ِل اْل هم ْؤ ِمنو َن{‬ ‫ويتوكل على هللا ‪.‬محل التوكل كذلك هو القلب ‪ } :‬وعلى َ ِ‬
‫ّللا ْف َلي َ‬ ‫ََ‬
‫[التوبة ‪.[٥١:‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫حق التوكل يا أرحم َ‬
‫الله َم اجعلنا من المتوكلين عليك َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫األلفاظ العشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫تهم أَْنف هس ههم‬ ‫اسا َيغشى َطائف ًة ِمنكم َوطائفة قد أ َ‬
‫َه َم ه‬ ‫نع ً‬
‫ِ‬
‫(ث َم أَْن َز َل َعليكم من َبعد اْل َغم أ َ‬
‫َمن ًة َ‬
‫َمر كَل هه‬ ‫اهِلَي ِة يقولو َن َهل َلنا ِمن األ ِ ِ‬‫اّلل غير اْلح ِق َظ َن اْلج ِ‬ ‫ِ‬
‫قل ِإ َن األ َ‬
‫َمر من شيء ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ه‬ ‫َ‬ ‫ظنو َن ِب َ َ َ‬ ‫َي ُّ‬
‫ِ‬ ‫ان َلنا ِم َن األ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ّلل ي ْخفو َن ِفي أَْن ِ‬
‫اهناه قل‬
‫َمر َشيء َما قتَلنا َه ه‬ ‫قولو َن لو َك َ‬‫لك َي ه‬‫بدو َن َ‬‫فس ِهم َماال هي ه‬ ‫َ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫لو ْكهنتم ِفي بيوِتكم لبرَز اَل ِذين ِ‬
‫كت َب َعلي ِهم ْاَل ْق ِ‬
‫وركم‬
‫صهد ه‬ ‫ّللا َما في ه‬ ‫تل إلى َم َضاجع ِهم َوِلَيَبتل َي َ ه‬‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫هه‬
‫الصهدور ( )‪[ ( ١٥٤‬آل عمران ‪]١٥٤:‬‬
‫ّللا َعليم بذات ُّ‬
‫حص َما في هقلوبكم َو َ ه‬
‫َو هلي َم َ‬

‫علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل‬ ‫ّللا َما ِفي هص هد ِ‬
‫وركم { َّ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ }:‬ولَِيَبتل َي َ ه‬

‫لها أخرى مطوية لإليذان بكثرتها ‪ ،‬كأنه قيل فعل ما فعل لمصالح جمة ‪ ،‬وليبتلي أي‬

‫ليعاملكم معاملة من يبتلي ما في صدوركم من اإلخالص والنفاق ويظهر ما فيها من‬

‫حص َما ِفي هقلو ِبكم { من مخفيات األمور ويكشفها أو يخلصها من‬
‫السرائر } َولِهي َم َ‬

‫ور { أي السرائر والضمائر التي ال تكاد تفارق‬


‫الص هد ِ‬ ‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫الوساوس ‪َ } ،‬و َ ه َ‬
‫(‪)١‬‬
‫الصدور بل تالزمها وتصاحبها ‪.‬‬

‫حص َما ِفي هقلو ِبكم { فيه وجهان ‪:‬أحدهما ‪:‬أن هذه‬
‫قال الرازي ‪:‬وقوله } َولِهي َم َ‬

‫الواقعة تمحص قلوبكم عن الوساوس والشبهات‪.‬‬

‫ــ ــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫والثاني ‪:‬أنها تصير كفارة لذنوبكم فتمحصكم عن تبعات المعاصي والسيئات‪.‬‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { ‪ ،‬واعلم أن ذات الصدور هي األشياء الموجودة‬ ‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬و َ ه َ‬
‫في الصدور ‪ ،‬وهي األسرار والضمائر ‪ ،‬وهي ذات الصدور ألنها َّ‬
‫حالة فيها مصاحبة‬

‫لها ‪ ،‬وصاحب الشيء ذوه ‪ ،‬وصاحبته ذاته ‪ ،‬وانما ذكر ذلك ليدل به على أن ابتالءه لم‬

‫يكن ألنه يخفي عليه ما في الصدور ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬ألنه عالم بجميع المعلومات ‪،‬‬

‫(‪)١‬‬
‫وانما ابتالهم إما لمحض اإللهية أو لالستصالح ‪.‬‬

‫حص َما ِفي هقلو ِبكم { أي ‪:‬ليخلصها من التعلق باألسباب ‪،‬‬


‫أقول ‪:‬قوله تعالى ‪َ } :‬ولِهي َم َ‬

‫ويخرجها عن الطبيعة البشرية ‪ ،‬حتى ال تقول ‪:‬لو أني ما فعلت هكذا ما كان هكذا ‪،‬‬

‫رواْلَب ِ‬
‫حر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم َما في اْلَب َ‬
‫لم َها إال هه َو َوَي َع ه‬
‫فالكل بيد هللا تعالى ‪َ } :‬وعْن َد هه َم َفات هح ْالغيب ال َي َع ه‬

‫َرض َوال َر ْطب َوال َيا ِبس ِإال ِفي‬ ‫ظلم ِ‬


‫ات األ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم َها َوال َحَبة في ه َ‬
‫َو َما َت هسقط من َوَرقة إال َي َع ه‬

‫ِك َتاب هم ِبين { ] األنعام ‪. [٥٩:‬‬

‫أحيانا يبتلينا‬
‫أحيانا ربنا بفضله وكرمه يرحمنا ويعفو عما يخطر في قلوبنا ‪ ،‬و ً‬
‫ً‬

‫الصا ِب ِر َ‬
‫ين {‬ ‫ِ‬
‫بالمصائب والباليا لنصبر عليها فنكون عنده من الصابرين ‪ } :‬إ َن َ َ‬
‫ّللا َم َع َ‬

‫] البقرة ‪ ، [ ١٥٣:‬على كل حال ال بد لنا من التفويض إلى هللا والتسليم له ‪،‬‬

‫واالعتقاد بأن الحياة والموت والكفر واإليمان كله منه ‪ ،‬إال أننا مكلفون بتكاليف‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الشريعة ‪ ،‬فعلينا أن نستعمل الجزء االختياري في األخذ باألسباب الموافقة لرضا هللا‬

‫ج َل وعال‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من المرضيين عندك يا رب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫اللفظ الثالث والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِإذا َضَرهبوا ِفي األ ِ‬‫ين َك َفهروا َوقاهلوا ِإل ْخ َو ِان ِهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َرض أ ََو‬ ‫التكونوا كاَلذ َ‬
‫ه‬ ‫امنوا‬
‫ين َء َ‬ ‫( َياأَُّي َها اَلذ َ‬
‫ّللا هيحِيي‬ ‫ِ‬ ‫ّللا ذلِ َك‬ ‫ِ ِ‬ ‫كاهنوا غزى لو كاهنوا ِع َ‬
‫سرة في هقلوبِ ِهم َو َ ه‬
‫َح َ‬ ‫جع َل َ ه‬ ‫ندنا َما َماهتوا َو َما قتلوا لَي َ‬
‫عملو َن َب ِصير ( )‪ ] (١٥٦‬آل عمران ‪]١٥٦:‬‬ ‫َوهي ِميت َو َ ِ‬
‫ّللا ب َما َت َ‬
‫ه‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فروا { يعني المنافقين ‪َ } ،‬وقاهلوا‬ ‫التكونوا كاَلذ َ‬
‫ين َك ه‬ ‫ه‬ ‫امنوا‬ ‫قوله تعالى ‪َ }:‬ياأَُّي َها اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬

‫ِإل ْخ َو ِان ِهم { ألجلهم وفيهم ‪ ،‬ومعنى أُخوتهم اتفاقهم في النسب أو المذهب } ِإذا َضَرهبوا‬

‫ِفي األ ِ‬
‫َرض { إذا سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها } أَوكاهنوا غزى { جمع غاز ‪،‬‬

‫ندنا ما ماهتوا وما ِ‬


‫قتلوا { مفعول قالوا ‪ ،‬وهو يدل على أن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫كعاف وعفى} لو كاهنوا ع َ َ َ َ َ‬

‫سرة ِفي هقلوبِ ِهم { متعلِّق ب ـ‬ ‫إخوانهم لم يكونوا مخاطبين به ‪ } ،‬لِيجعل َ ِ‬


‫ّللا ذل َك َح َ‬
‫َ ََ ه‬

‫} قاهلوا { على أن الالم الم العاقبة ‪ ،‬مثلها في ليكون لهم ً‬


‫عدوا وحزًنا ‪ ،‬أو ال تكونوا‬

‫أي ال تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واالعتقاد ‪ ،‬ليجعله حسرة في قلوبهم خاصة‪،‬‬

‫فذلك إشارة إلى ما دل عليه قولهم من االعتقاد ‪ ،‬وقيل إلى ما دل عليه النهي ‪.‬أي ال‬

‫تكونوا مثلهم ليجعل هللا انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ‪ ،‬فإن مخالفتهم‬

‫ِ‬
‫ّللا هيحِيي َوهيميت { ً‬
‫ردا لقولهم أي هو المؤثر في الحياة‬ ‫ومضادتهم مما يغمهم ‪َ } ،‬و َ ه‬

‫‪80‬‬
‫والممات ال اإلقامة والسفر ‪ ،‬فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم‬

‫عملو َن َب ِصير { تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬ ‫والقاعد‪َ } ،‬و َ ِ‬
‫ّللا ب َما َت َ‬
‫ه‬

‫بد للمؤمن أن يكون مع هللا تعالى كالطفل مع والده أو والدته ‪ ،‬إذا كان ابن‬
‫أقول ‪:‬ال َ‬

‫ست أو خمس أو أربع أو ثالث سنوات يأخذ والده بيده ‪ ،‬فحيثما ذهب به ال يقول‪:‬‬

‫ياأبتي لِ َم تسافر بي من بلدي؟ لِ َم تخرجني من بيتي ؟ وكذلك المؤمن صاحب‬

‫الرب ويؤمن بقدرته ومعَيته واحاطته وقربه من ِ‬


‫كل‬ ‫االعتقاد الصحيح الذي يعرف َ‬

‫شيء ‪ ،‬وأنه ال يعزب عن علمه سبحانه وتعالى مثقال ذرة‪.‬‬

‫فعلى المؤمن أن ال يقول مثل قول الكفار أو المنافقين ‪ ،‬وأن ال يعتمد على األسباب ‪،‬‬

‫بل يعتمد ويتوكل على هللا تعالى ‪ ،‬فاألسباب مخلوقة ‪ ،‬واألخذ بها من أوامر هللا ‪ ،‬أما‬

‫التوكل على األسباب فإنه ليس من صفات أهل اإليمان‪.‬‬

‫ومن لم يكن هكذا مسلِما ألوامر هللا تعالى فإنه إذا حصل له شيء من الباليا‬

‫والمصائب وقلة الرزق والمضايق يكون ذلك حسرة عليه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬لو لم أفعل كذا ما‬

‫حصل كذا‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫والرسول صلى هللا عليه وسلم يقول‪ » :‬احرص على ما ينفعك واستعن باهلل وال‬

‫تعجز‪ ،‬وان أصابك شيء فال تقل لو ِأني فعلت كذا كان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل َ‬
‫قدَر هللا وما‬ ‫َ‬

‫«(‪.)١‬‬ ‫شاء فعل‪ ،‬فإن لو تفتح عمل الشيطان‬

‫وقد ِرك يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬ ‫الراضين بقضائك َ‬ ‫ِ‬
‫المتوكلين عليك ‪َ ،‬‬ ‫الله َم اجعلنا من‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫اللفظ الرابع والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫فضوا ِمن َحوِل َك َفاعف‬ ‫ظا غلِيظ ْاَلْق ِ‬


‫لب ال ْن ُّ‬ ‫( َف ِبما رحمة ِمن َ ِ‬
‫ّللا لِْنت لهم ولو كْنت ف ا‬
‫ه َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ّللا هي ِح ُّب‬ ‫توَك ْل َعلى َ ِ ِ‬ ‫شاورههم ِفي األ ِ‬
‫َمر فِإذا َع َزمت َف َ‬ ‫لهم َو ِ‬ ‫عنهم و ِ‬
‫ّللا إ َن َ َ‬ ‫استغفر ه‬
‫َ ه َ َ‬
‫ين ( )‪ ] (١٥٩‬آل عمران ‪]١٥٩:‬‬ ‫ْالم ِ ِ‬
‫توكل َ‬
‫هَ‬

‫لهم { ما ‪:‬مزيدة للتأكيد ‪ ،‬أي فبرحمة‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬ف ِبما رحمة ِمن َ ِ ِ‬
‫ّللا لْنت ه‬ ‫َ َ َ َ‬

‫عظيمة لهم كائنة من هللا تعالى وهي رب طه على جأشه وتخصيصه بمكارم‬

‫األخالق كنت لين الجانب لهم وعاملتهم بالرفق والتلطف بعدما كان منهم ما كان من‬

‫جافيا في‬ ‫ا‬


‫مخالفة أمرك واسالمك للعدو } َولو { لم تكن كذلك بل } كْنت فظا { ً‬
‫ُّ‬
‫فالفظ ‪:‬سيئ الخلق ‪ ،‬وغليظ‬ ‫المعاشرة قوال وفعال } غلِيظ ْاَلْقلب { قاسيه غير رقيق ‪،‬‬

‫القلب ‪:‬هو الذي ال يتأثر قلبه من شيء ‪ ،‬فقد ال يكون اإلنسان سيئ الخلق وال يؤذي‬

‫فضوا ِمن َحوِل َك { أي‬


‫أحدا ولكنه ال ير ُّق لهم وال يرحمهم ‪ ،‬فظهر الفرق بينهما ‪ } ،‬ال ْن ُّ‬
‫ً‬

‫لتفرقوا من عندك ولم يسكنوا إليك ‪ ،‬وتردوا في مهاوي الردى ‪َ } ،‬فاعف َع ه‬


‫نهم { فيما‬

‫إتماما‬
‫ً‬ ‫نهم { فيما يتعلق بحقوقه تعالى ‪،‬‬
‫يتعلق بحقوقك كما عفا هللا عنهم } َفاعف َع ه‬

‫شاورههم ِفي األ ِ‬


‫َمر { أي استخرج آراءهم ‪ ،‬واعلم ما‬ ‫للشفقة عليهم ‪ ،‬واكماال للبر بهم } َو ِ‬

‫عندهم في أمر الحرب ‪ ،‬إذ هو المعهود ‪ ،‬أو فيه وفي أمثاله مما تجرى فيه المشاورة‬

‫‪83‬‬
‫وتمهيدا َّ‬
‫لسنة المشاورة لألمة‬ ‫ً‬ ‫فعا ألقدارهم‬
‫وتطييبا لقلوبهم ور ً‬
‫ً‬ ‫استظهار بآرائهم‬
‫ًا‬ ‫عادة ‪،‬‬

‫} فِإذا ع َزمت { أي عقيب المشاورة على شيء واطمأنت به نفسك } َفتوَكل على َ ِ‬
‫ّللا{‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬

‫في إمضاء أمرك على ما هو أرشد وأصلح ‪ ،‬فإن ما هو أصلح لك ال يعلمه إال هللا ‪ ،‬ال‬

‫ّللا ي ِح ُّب ْالم ِ ِ‬


‫ين { عليه تعالى فينصرهم ويرشدهم إلى‬
‫توكل َ‬‫هَ‬ ‫أنت وال من تشاور ‪ِ } ،‬إ َن َ َ ه‬

‫ما فيه خير لهم وصالح ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫قال اإلمام أحمد رضي هللا عنه حدثنا حيوة حدثنا بقية حدثنا محمد بن زياد حدثني أبو‬

‫راشد الحراني قال ‪:‬أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي رضي هللا عنه وقال ‪:‬أخذ بيدي رسول‬

‫«(‪.)2‬‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ‪ » :‬ياأبا أمامة إن من المؤمنين من يلين له قلبي‬

‫فضوا ِمن حولِك { و ُّ‬


‫الفظ الغليظ ‪ ،‬المراد به ههنا‬ ‫ظا غلِيظ ْاَلْق ِ‬
‫لب ال ْن ُّ‬ ‫} ولو كْنت ف ا‬
‫َ َ‬ ‫َ‬

‫غليظ الكالم ‪ ،‬لقوله بعد ذلك } غلِيظ ْاَلْق ِ‬


‫لب { أي ولو كنت سيئ الكالم قاسي القلب‬

‫تأليفا لقلوبهم‪،‬‬
‫عليهم النفضوا عنك وتركوك ‪ ،‬ولكن هللا جمعهم عليك وأالن جانبك لهم ً‬

‫كما قال عبدهللا بن عمرو ‪:‬إني أرى صفة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الكتب‬

‫المتقدمة أنه ليس بفظ وال غليظ وال صخاب في األسواق وال يجزي بالسيئة السيئة ولكن‬

‫(‪)3‬‬
‫يعفو ويصفح ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفرد به أحمد ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫كالما عا اما‬
‫أحدا على أخالقه السيئة عليك أن تقول ً‬
‫أقول ‪:‬إذا أردت أن َتنبه ً‬

‫بالتعريض بدون تعيين‪ ،‬هذا واجب جميع المؤمنين وخاصة أهل العلم ؛ فإذا كان من‬

‫أهل الفطانة والذكاء والعقل يأخذ حصته من هذا الكالم العام ‪ ،‬ويمتنع عن أخالقه‬

‫الذميمة‪ ،‬ولكن الطبيعة البشرية ال تخلو عن االنزعاج حتى من التعريض والكالم العام‪.‬‬

‫واذا لم يفهم ولم يترك مخالفته لأل وامر اإللهية فلِ ِقَل ِة عقله ‪ ،‬ألن عقله لم هي َ‬
‫نور بنور‬

‫القلب ‪ ،‬ولذلك ال اعتبار له‪.‬‬

‫لم بدون ُّ‬ ‫ِ‬


‫التقى‪.‬‬ ‫ال عقل بدون األدب ‪ ،‬وال ع َ‬

‫الله َم نور قلوبنا وعقولنا حتى نكون من أهل األدب والتقوى‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫اللفظ الخامس والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لم ِق َتاال‬ ‫يل َ ِ‬ ‫(ولِيعلم اَل ِذين ناَ هفقوا وِقيل لهم تعاَلوا ِ‬
‫قاتلوا ِفي س ِب ِ‬
‫لونع ه‬ ‫ّللا أ َِو َاد ه‬
‫فعوا قاهلوا َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫اليس ِفي هقلوبِ ِهم‬ ‫ِ‬ ‫لكفر َيوم ِئذ أَ ْقَر هب ِم ه ِ ِ‬‫ِ‬
‫قولو َن ِبأَ ْفواه ِهم َم َ‬ ‫يم ِ‬
‫ان َي ه‬ ‫نهم لإل َ‬ ‫ال َتَب َعناكم ههم ل ِ َ‬
‫بما َي ْك هت همو َن ( )‪ ] (١٦٧‬آل عمران ‪]١٦٧ :‬‬
‫لم َ‬
‫َع ه‬
‫ّللا أ َ‬
‫َو َ ه‬

‫يم ِ‬
‫ان { استدلوا به على أن‬ ‫قال هللا عز وجل ‪ { :‬ههم لِلكف ِر َيوم ِئذ أَ ْقَر هب ِم ه ِ ِ‬
‫نهم لإل َ‬ ‫َ‬

‫الشخص قد تتقلب به األحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر وفي حال أقرب إلى‬

‫قولو َن‬ ‫يم ِ‬ ‫لكفر َيوم ِئذ أَ ْقَر هب ِم ه ِ ِ‬‫ِ‬


‫ان { ‪ ،‬ثم قال تعالى ‪َ { :‬ي ه‬ ‫نهم لإل َ‬ ‫اإليمان‪ ،‬لقوله ‪ { :‬ههم ل ِ َ‬

‫اليس ِفي هقلوبِ ِهم { يعني أنهم يقولون القول وال يعتقدون صحته ‪ ،‬ومنه‬ ‫ِ‬
‫ِبأَفواه ِهم َم َ‬
‫ِ‬
‫لونعلم ق َتاال ال َتَب َعناكم { فإنهم يتحققون أن ً‬
‫جندا من المشركين قد جاؤوا‬ ‫ه‬ ‫قولهم هذا ‪{ :‬‬

‫من بالد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من أشرافهم يوم بدر ‪ ،‬وهم‬

‫لم ِب َما‬
‫َع ه‬
‫ّللا أ َ‬
‫أضعاف المسلمين ‪ ،‬وأنه كائن بينهم قتال ال محالة ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬و َ ه‬
‫(‪)١‬‬
‫تمو َن} ‪.‬‬
‫َي ْك ه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫أقول ‪:‬ال بد من االكتفاء بعلم هللا ج َل وعال ‪ ،‬واذا لم يتفكر المؤمن بعلم هللا تعالى‬

‫ليس ِفي هقلوبِ ِهم { ‪ ،‬إما‬ ‫ِ‬


‫قولو َن ِبأَ ْفواه ِهم َما َ‬
‫فإنه يمكن أن يقع تحت قوله تعالى ‪َ { :‬ي ه‬

‫بسبب نفسه أو عقله أو طبيعته ‪ ،‬واما من مشاورة غير أهل المشورة‪.‬‬

‫تمو َن { في‬ ‫ِ‬


‫َعلم ب َما َي ْك ه‬
‫ّللا أ ه‬
‫الكتمان المذكور في اآلية الكريمة بقوله تعالى ‪َ { :‬و َ ه‬

‫حق الكفار ‪ ،‬لكن على المؤمن أن يبتعد عن هذه األخالق الكفرية المنافقية في كتمان‬

‫الحقائق‪.‬‬

‫كثير من المؤمنين يتعلقون باألسباب ‪ ،‬يقولون ‪:‬لو لم يكن هذا ما كان هكذا ‪ ،‬هذا‬

‫خالف اإليمان واالعتقاد الصحيح ‪.‬اعتقاد أهل السَنة والجماعة أنه إذا لم يوجد السبب‬

‫المقتول فإننا ال نعرف إذا كان المقتول‬


‫َ‬ ‫القاتل‬
‫ه‬ ‫فالنتيجة مجهولة ( مثال ‪:‬لو لم يضرب‬

‫سيموت في ذلك الوقت أم ال) ‪ ،‬ولذا علينا أن نفوض األمور إلى هللا ‪ ،‬ونقول ‪:‬هذا قدر‬

‫الكثر ‪ ،‬واذا ههدم الجدار‬


‫من هللا أصابنا ‪.‬أما أن تؤمن إذا جاءك المال الغزير واألوالد ه‬

‫على األوالد أو أصابهم الطاعون فماتوا أو ذهب ماهلك تقوم القيامة على رأسك ‪ ،‬فهذا‬

‫يسلِم له‪.‬‬
‫شيئا عب ًثا َ‬
‫ليس شأن المؤمن ‪.‬من يعلم أن هللا تعالى ال يفعل ً‬

‫يارب العالمين‪.‬‬
‫الله َم ارزقنا التسليم التام لك َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪87‬‬
‫اللفظ السادس والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َعرض عنهم و ِعظهم وقل لهم ِفي أَْن ِ‬


‫ّللا َما ِفي هقلوبِ ِهم فأ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فس ِهم قوالً‬ ‫َ ه َ ه َ ْ ه‬ ‫( أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َيعَل هم َ ه‬
‫َبلِي ًغا ( )‪ ] (٦٣‬النساء ‪]٦٣ :‬‬

‫ّللا َما ِفي هقلوبِ ِهم { من النفاق ‪ ،‬فال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قوله تعالى ‪ { :‬أ َهولئ َك { أي المنافقون } اَلذ َ‬
‫ين َيعَل هم َ ه‬

‫نهم { أي ال تقبل اعتذارهم‪،‬‬ ‫يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب } فأ ِ‬


‫َعرض َع ه‬

‫لهم ِفي‬
‫قل ه‬ ‫وال تفرج عنهم بدعائك } َو ِع ه‬
‫ظهم { أي ازجرهم عن النفاق والكيد } َو ْ‬
‫أَْن ِ‬
‫فس ِهم { أي في حق أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على الشرور التي يعلمها‬

‫مسار بالنصيحة ألنها في السر‬


‫ًا‬ ‫خاليا بهم ليس معهم غيرهم‬
‫هللا تعالى ‪ ،‬أو في أنفسهم ً‬

‫مطابقا لما سيق له المقصود والقول‬


‫ً‬ ‫أنجع } قوالً َب ِلي ًغا { ًا‬
‫مؤثر واصال إلى كنه المراد ‪،‬‬

‫البليغ بأن يقول ‪:‬إن هللا يعلم سركم وما في قلوبكم فال يغني عنكم إخفاؤه ‪،‬‬

‫فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم من رذيلة الكفر وداووها من مرض النفاق ‪ ،‬واال أنزل‬

‫وشر من ذلك ‪ ،‬وأغلظ عليهم عسى أن تنجع فيهم‬


‫هللا بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك ًا‬

‫(‪)١‬‬
‫الموعظة ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫هذا الضرب من الناس هم المنافقون ‪ ،‬وهللا يعلم ما في قلوبهم ‪ ،‬وسيجزيهم على‬

‫ذلك ‪ ،‬فإنه ال تخفى عليه خافية ‪ ،‬فاكتف به يا محمد فيهم ‪ ،‬فإنه عالم بظواهرهم‬

‫نهم { أي ال تعنفهم على ما في قلوبهم‬ ‫وبواطنهم ‪.‬ولهذا قال له ‪َ{ :‬فأ ِ‬


‫َعرض َع ه‬
‫} و ِعظهم { أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر } وقل لهم ِفي أَْن ِ‬
‫فس ِهم‬ ‫َ ْ ه‬ ‫َ ه‬

‫قوالً َبلِي ًغا { أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكالم بليغ رادع لهم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬هذا التوجيه الذي جاء من هللا تعالى إلى رسوله صلى هللا عليه وسلم هو‬

‫ِ‬
‫فاكتف بعلمه‬ ‫الطريق ‪ ،‬حيث قال له ما معناه ‪:‬هللا عالم بظواهر المنافقين وبواطنهم ‪،‬‬

‫وأعرض عنهم ‪ ،‬أي فوض أمرهم إليه ج َل وعال‪.‬‬

‫فعلى المؤمن أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ‪ ،‬ويكتفي بعلم هللا تعالى ‪ ،‬ثم‬

‫يفوض أمر الهداية إلى هللا ج َل وعال ‪ ،‬فال ينزعج من عدم قبول السامعين لنصيحته‬

‫أو توجيهه ‪ ،‬ألن القبول ليس وظيفته ‪ ،‬وظي هفته القول ‪ ،‬والهداية من هللا تعالى ‪،‬‬

‫فاالنزعاج من عدم القبول من حظوظ النفس‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم اهدنا و ِ‬


‫اهد بنا يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫اللفظ السابع والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ورههم أَن‬
‫اءوكم َحصَر ْت هصهد ه‬ ‫ين َيصلو َن ِإلى قوم َبَينكم َوَبَي ه‬
‫نهم مَيثاق أَو َج ه‬ ‫( ِإالَ اَلذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تزلوكم َفلم‬
‫اع َ‬ ‫لسَل ه‬
‫طهم َعليكم َفَلقاَهتلوكم فِإ ِن َ‬ ‫ّللا َ‬
‫اء َ ه‬ ‫قوم ههم َولو َش َ‬
‫هيقاتلوكم أَو هيقاتلوا َ‬
‫ّللا لكم َعلي ِهم َس ِبيال )‪ ] (٩٠‬النساء ‪]٩٠:‬‬ ‫قاتلوكم َوأََلقوا ِإَل ه‬‫ي ِ‬
‫فما َج َع َل َ ه‬
‫لم َ‬‫الس َ‬
‫يك هم َ‬ ‫ه‬

‫قاتلوكم { أي ضاقت عن أن يقاتلوكم مع قومهم‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬ح ِصر ْت ص هدورهم أَن ي ِ‬
‫ه‬ ‫َ َ ه هه‬
‫قوم ههم { معكم ‪ ،‬والمراد بالجائين الذين حصرت صدورهم عن المقاتلة بنوا‬ ‫ِ‬
‫{ أَو هيقاتلوا َ‬
‫يشا أن ال يقاتلوهم ‪،‬‬
‫مدلج ‪ ،‬وهم كانوا عاهدوا أن ال يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قر ً‬
‫فضاقت صدورهم عن قتالكم للعهد الذي بينكم وألنه تعالى قذف الرعب في قلوبهم ‪،‬‬
‫وضاقت صدورهم عن قتال قومهم لكونهم على دينهم ‪.‬نهى هللا تعالى عن قتل هؤالء‬
‫المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهد للمؤمنين ‪ ،‬ألن من انضم إلى قوم ذوي عهد فله‬

‫لسَل ه‬
‫طهم { أي بني مدلج } َعليكم { بأن قوى‬ ‫ّللا َ‬
‫اء َ ه‬
‫حكمهم في حقن الدم ‪َ } ،‬ولو َش َ‬
‫(‪)١‬‬
‫قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم ‪.‬‬
‫أقول ‪:‬وعلى هذا ‪:‬المذبذبون بين فريقين ال يرضى عنهم أحد ‪ ،‬ألن هذين الفريقين‬
‫بعضهم ضد لبعض ‪ ،‬ولكن علينا أن نحكم بظاهر الشريعة ونفوض أمرهم إلى هللا‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫هذا إذا كان التذبذب بين الكفار والمسلمين ؛ وأما إذا كان التذبذب في الطريق بين‬

‫شرَبين فإنه ال يجوز‪ ،‬ألن المذبذب ال يستفيد من هذا وال من ذاك ‪.‬فعليه أن يترك أحد‬
‫َم َ‬

‫الفريقين ويكون صاد ًقا مع الفريق اآلخر حتى يستفيد ‪ ،‬واال ال يستفيد من أيهما قط‪.‬‬

‫حق المؤمن أن ال يكون هكذا ‪ ،‬يتفكر في نفسه أنه يخدع هذا الفريق وهذا الفريق ؛‬

‫أحدا من الفريقين‪.‬‬
‫وهو في الحقيقة يضر نفسه ‪ ،‬وال يضر ً‬

‫هذا ليس من األخالق الحسنة وليس من صفات الصادقين‪.‬‬

‫الله َم ارزقنا الصدق في القول والعمل‪ ،‬واجعلنا من عبادك المخلصين‪ ،‬برحمتك يا‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫اللفظ الثامن والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اء ِب ِ‬ ‫ات َ ِ ِ‬ ‫كف ِرِهم ِبآي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫غير َحق َوقوِل ِهم هق ه‬
‫لوبَنا هغْلف‬ ‫ِ‬
‫ّللا َوق ْتل ِه هم األَنبَي َ‬ ‫َ‬ ‫( َف ِب َما ْنقض ِهم مَيثاَ ه‬
‫قهم َو ْ‬
‫كفرِهم فال هي ْؤ ِمنو َن ِإالَ قلِيال )‪ ] (١٥٥‬النساء ‪]١٥٥ :‬‬ ‫ليها ِب ِ‬
‫ّللا َع َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫َب ْل َ‬

‫مغشاة بأغشية ِّجِّبلِّية ال يكاد‬


‫لوبنا هغْلف { جمع أَغلف أي هي َّ‬
‫قوله تعالى ‪َ { :‬وقولِ ِهم هق ه‬

‫تخفيف ُغلف‬
‫ُ‬ ‫يصل إليها ما جاء به محمد عليه الصالة والسالم وال تفقه ما يقوله ‪ ،‬أو هو‬

‫بضم الغين والالم جمع غالف ‪ ،‬أي هي أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا‬

‫كف ِرِهم { كالم معترض بين المعطوفتين ‪ ،‬جيء به‬


‫يها ِب ْ‬
‫ّللا َعل َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫عن غيره ‪َ } ،‬ب ْل َ‬

‫على وجه االستطراد ‪ ،‬مسارعة على زعمهم الفاسد ‪ ،‬أي ليس كفرهم وعدم وصول‬

‫الجِّبَّلة ‪ ،‬بل األمر بالعكس حيث ختم هللا عليها‬


‫غلفا بحسب ِّ‬
‫الحق إلى قلوبهم لكونها ً‬

‫بسبب كفرهم ‪ ،‬وليست قلوبهم كما زعموا بل هي مطبوع عليها بسبب كفرهم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬هللا جل جالله من فضله وبركته ورحمته أعطانا العقل والقدرة ‪ -‬وان كانت‬

‫جزئية ‪ -‬وأعطانا الجزء االختياري ‪ ،‬وبَين لنا األمرين ‪:‬إما اإليمان واتباع القرآن‬

‫الكريم واتباع الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وثمرة ذلك رضا هللا تعالى ‪ ،‬واما الكفر‬

‫والعناد والنفاق والعصيان ‪ ،‬وثمرته سخط هللا ج َل وعال ‪ ،‬بهذا خَيرنا ‪ِ { :‬إَنا َه َدَي ه‬
‫ناه‬

‫فور{ ] اإلنسان ‪ ،[ ٣:‬فاإليمان المقبول عند هللا تعالى هو‬ ‫الس ِبيل ِإ َما ِ‬
‫شاكً ار َواِ َما هك ًا‬ ‫َ َ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫اإليمان االختياري ال الجبري ‪ ،‬ولو كان اإليمان الجبري مقبوال عنده ألعطاه لكل‬

‫الكافرين إن أراد } َولو ِشْئنا آلَ َتينا ك َل ْنفس هه َد َ‬


‫اها{ ] السجدة ‪.[١٣:‬‬

‫فنحن مخيرون وعلينا أن نستعمل هذا االختيار في إرضاء هللا تعالى ‪.‬فليس‬

‫لوبنا هغْلف { ‪ ،‬ألنها ‪ -‬كما قال هللا تعالى ‪َ }: -‬ب ْل‬


‫للكافرين أن يحتجوا بقولهم ‪ { :‬هق ه‬

‫كف ِرِهم { ‪ ،‬فهذا الطبع وان كان أز ًليا لكنهم ال علم لهم به ‪ ،‬وقد‬
‫ليها ِب ْ‬
‫ّللا َع َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫َ‬

‫استعملوا الجزء االختياري الذي أعطاهم إياه ربهم والقدرة التي خلقها فيهم استعملوها‬

‫في الكفر ولم يستعملوها في اإليمان‪.‬‬

‫وقبله في صلب أبيه ‪،‬‬


‫فاإلنسان كما أنه ليس له مداخلة في خلقه في بطن أمه ‪َ ،‬‬

‫كبر وتخلص من االعتقاد التقليدي‬


‫وبعده في مجيئه إلى هذا الوجود ‪ ،‬فإنه إذا ه‬
‫َ‬

‫المتلَقف من أبويه ‪ ،‬إذا فتح عينيه ورأى الكون ‪ ،‬وتفكر ‪:‬من أين جئت؟ والى أين‬

‫أذهب؟ ومن أوجدني؟ يصل إلى معرفة ربه خالقه ‪.‬وهذا واجب على العاقل ‪ -‬كما هو‬

‫مذهب الماتريدي رضي هللا عنه ‪ -‬ولو لم يصل إليه التبليغ ‪.‬فإذا تفكر بوجوده بعد‬

‫عدمه يثبت عنده أن هذه الدنيا ال تدوم ألحد ‪ ،‬واذا كان عاق ال يتفكر في الع َالم مذ‬

‫سيدنا آدم إلى اآلن ‪:‬من أين تأتي أرواحهم؟ وأين تذهب؟ ال بد من ح ِل هذا الطلسم ‪،‬‬

‫فإذا حَله عرف أنه ال بد أن يذهب إلى اآلخرة مثلهم ‪ ،‬فال يقول كما قال الكفار‪:‬‬

‫علي أن أرجع إلى هللا تعالى وأستغفره عساه أن يعفو عني‪.‬‬


‫لوبنا هغْلف { بل يقول ‪َ :‬‬
‫{ هق ه‬

‫وحسن الختام‪.‬‬
‫الله َم إنا نسألك العفو والعافية ه‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫اللفظ التاسع والعشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّللا عليكم و ِميثاَ َ ِ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قه الذي َواَ َثقكم ِبه ِإذ ْقهلتم َسم َعنا َوأ َ‬
‫َطعنا َوا َتقوا َ َ‬
‫ّللا‬ ‫َ َ ه‬ ‫عمة َ َ‬ ‫اذكروا ن َ‬
‫( َو ه‬
‫ّللا علِيم ِب ِ‬
‫ور )‪] (٧‬المائدة ‪]٧ :‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ذات ُّ‬ ‫ِإ َن َ َ َ‬

‫قه اَل ِذي َواَ َثقكم ِب ِه ِإذ ْقهلتم َس ِم َعنا‬ ‫} واذكروا ِنعمة َ ِ‬
‫ّللا َعليكم { باإلسالم } َو ِمَيثاَ ه‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬

‫وثيقا ‪ ،‬وهو الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين‬


‫عقدا ً‬
‫َطعنا { أي عاقدكم به ً‬
‫َوأ َ‬

‫بايعهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر‬

‫والمنشط والمكره ‪ ،‬فقبلوا وقالوا سمعنا وأطعنا ‪.‬وقيل ‪:‬هو الميثاق ليلة العقبة وفي‬

‫بيعة الرضوان ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬
‫جل‬ ‫الص هد ِ‬
‫ور { فإنه وعيد من هللا َّ‬ ‫ات ُّ‬ ‫ّللا ِإ َن َ َ َ‬
‫وأما قوله ‪َ { :‬وا َتقوا َ َ‬

‫اسمه للمؤمنين الذين أطافوا برسوله صلى هللا عليه وسلم من أصحابه ‪ ،‬وتهديد لهم أن‬

‫وعهدهم الذي عاهدوه فيه ‪ ،‬بأن يضمروا له‬


‫َ‬ ‫ينقضوا ميثاق هللا الذي واثقهم به في رسله‬

‫جل ثناؤه ‪:‬واتقوا هللا أيها المؤمنون ‪ ،‬فخافوه أن‬


‫خالف ما أبدوا له بألسنتهم ‪.‬يقول لهم َّ‬

‫تبدلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به ‪ ،‬أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم ‪:‬سمعنا‬

‫وأطعنا ‪ ،‬بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم ‪ ،‬فإن هللا مطلع على ضمائر‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير النسفي‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫صدوركم ‪ ،‬وعالم بما تخفيه نفوسكم‪ ،‬ال يخفى عليه شيء من ذلك ‪ ،‬فيحل بكم من‬

‫عقوبته ما ال ِّقبل لكم به ‪ ،‬كالذي َّ‬


‫حل بمن قبلكم من اليهود ‪ ،‬من المسخ وصنوف النقم‪،‬‬

‫(‪)١‬‬
‫وتصيروا في معادكم إلى سخط هللا وأليم عقابه ‪.‬‬

‫اجهم من ظلمة العدم إلى نور‬


‫واعلم أن أول النعم التي أنعم هللا بها على المؤمنين إخر ُ‬

‫وهدايتهم إلى الصراط المستقيم‬


‫ُ‬ ‫الوجود ‪ ،‬وخُلقهم في أحسن تقويم لقبول الدين القويم ‪،‬‬

‫وتوفيقهم للسمع والطاعة ‪ ،‬ولو لم تكن نعمة‬


‫ُ‬ ‫واستماع ألست بربكم وجواب بلى ‪،‬‬

‫التوفيق لقالوا ‪:‬سمعنا وعصينا ‪ ،‬كما قال أهل الخذالن والعصيان ‪ ،‬وعن عبد الرحمن‬

‫بن عوف بن مالك األشجعي قال ‪:‬كنا عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تسعة أو‬

‫ثمانية أو سبعة فقالوا ‪:‬أال تبايعون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وكنا حديثي عهد‬

‫ببيعته ‪ -‬فقلنا ‪:‬قد بايعناك يا رسول هللا ‪ ،‬قال‪ » :‬أال تبايعون رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫وسلم« فبسطنا أيدينا وقلنا ‪:‬قد بايعناك يا رسول هللا ‪ ،‬فعالم نبايعك؟ قال‪ «:‬أن تعبدوا‬

‫شيئا‪ ،‬وتصلوا الصلوات الخمس ‪ ،‬وتطيعوا أوامره جلية وخفية ‪ ،‬وال‬


‫هللا وال تشركوا به ً‬

‫أحدا يناوله‬
‫تسألوا الناس« فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط َسوط أحدهم فما يسأل ً‬
‫(‪)3( )2‬‬
‫‪.‬‬ ‫إياه حتى يكون هو ينزل فيأخذه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الطبري ‪.‬‬
‫‪ -2‬أخرجه مسلم عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك األشجعي بألفاظ متقاربة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫أقول ‪:‬علينا أن نكون على سيرة من بايعوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فال‬

‫يدل على قوة اإليمان ‪ ،‬وخال هف هه يدل على‬


‫شيئا مما نحتاج إليه ؛ فإن هذا ُّ‬
‫أحدا ً‬
‫نسأل ً‬

‫ضعف اإليمان ؛ ألن هللا تعالى يرزق من يشاء بغير حساب ‪ ،‬فإذا كنا نؤمن بأن‬

‫العطاء من هللا تعالى علينا أن نتمسك به ‪.‬وهذا ال هينافي السعي من أجل الكسب‬

‫الحالل ‪ ،‬لكنه ينافي القعود بدون عمل واالسترزاق بسؤال الناس‪.‬‬

‫بعض الناس يجعل علمه أو خدمته للدين آلة للرزق ‪ ،‬كما فعل بلعم بن باعوراء ‪،‬‬

‫التمشيخ والرئاسة ‪،‬‬


‫ه‬ ‫وهو مسلم عالم باسم هللا األعظم ‪.‬وبعضهم هيضمر في نفسه طلب‬

‫عدوا ‪.‬وبعضهم يطلب العطاء ممن ال يمكنه أن‬


‫فإذا لم هيعطها ولم هيسمح له بها يصير ا‬

‫سالحا تجاهه ‪ ،‬ويبغضه ويحقد‬


‫ً‬ ‫يعطيه ‪ ،‬أو يمكنه لكنه ال يعطي ‪ ،‬فيأخذ عدم إعطائه‬

‫عليه ويذمه ‪.‬هذا ليس شأن المؤمن‪.‬‬

‫يارب العالمين‪.‬‬
‫الله َم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫اللفظ الثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لوب ههم َقاسَية هي َحهرفو َن اْلكل َم َعن َم َواضعه َو ه‬
‫نسوا‬ ‫لعَن ه‬
‫اهم َو َج َعَلنا هق َ‬ ‫( َف ِب َما ْنقض ِهم مَيثاَ ه‬
‫قهم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ذكروا ِب ِه وال َت َز َ ِ‬
‫ا ِ ِ‬
‫اصفح‬
‫نهم َو َ‬
‫نهم َفاعف َع ه‬ ‫ال َتطل هع َعلى َخائنة مْن ههم ِإالَ َقليال م ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َحظا م َما ه‬
‫حسنين )‪ ] (١٣‬المائدة ‪]١٣ :‬‬
‫َ‬ ‫لم‬
‫حب ْا ه‬
‫ّللا هي ُّ‬
‫إن َ َ‬
‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعَن ه‬
‫اهم { أي فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬ف ِب َما ْنقض ِهم مَيثاَ ه‬
‫قهم َ‬
‫عليهم لعناهم أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى ‪ } ،‬وجعَلنا هقلوبهم ِ‬
‫قاسَي ًة{‬ ‫َه‬ ‫َ ََ‬
‫(‪)١‬‬
‫أي فال يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬في هذه اآلية الكريمة يلعن هللا تعالى الكافرين الذين نقضوا العهد ‪ ،‬لكن هذا‬

‫الوصف إذا صدر من المسلمين يكونون فاسقين عاصين ‪ ،‬والعصيان ينكت في القلب‬

‫ان على هقلوبِ ِهم َما‬


‫نكتة سوداء ‪ ،‬حتى إذا استولى على القلب يكون الران ‪َ { :‬كال َب ْل َر َ‬
‫كاهنوا ي ِ‬
‫كسهبو َن{ ] المطففين ‪ ، [ ١٤:‬واذا حصل الرين على القلب يصبح قاسًيا ‪ ،‬فال‬ ‫َ‬

‫تؤثر فيه قراءة القرآن وال حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال وعظ الواعظين‪،‬‬

‫حينذاك ينحرف صاحبه عن االستقامة الشرعية ‪ ،‬ويتمسك بنفسه وعقله المظلم ‪،‬‬

‫ويتوجه إلى الدنيا الفانية ‪ ،‬وينسى اآلخرة ‪.‬لكنه إذا تاب واستغفر ورجع إلى خالقه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫فإنه ج َل وعال يرحمه ويغفر له ويبدل سيئاته حسنات ‪ ،‬أما إذا لم يرجع ومات على‬

‫ذلك فأمره إلى هللا ‪ ،‬إن شاء عذبه وان شاء عفا عنه ‪ ،‬ولكن هللا تعالى يقول‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تدى{ ] طه ‪ ، [ 8٢:‬قَيد‬ ‫ام َن َو َعم َل َصالِ ًحا هث َم َ‬
‫اه َ‬ ‫تاب َوَء َ‬
‫ِ‬
‫} َواِني َل َغ َفار ل َمن َ‬

‫المغفرة باالهتداء وباالستقامة وبالعمل الصالح ‪ ،‬أما اإليمان المجرد فأمره إلى هللا‪.‬‬

‫قدمنا وما أ َخرنا ‪ ،‬وما َ‬


‫أسررنا وما أعلَنا ‪ ،‬وما أنت أعلم به مَنا ‪،‬‬ ‫الله َم اغفر لنا ما َ‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫اللفظان الحادي والثالثون والثاني والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لكفر ِمن اَل ِذين قاهلوا ءامَنا ِبأَ ْفو ِ‬ ‫ِ‬ ‫حز ِ‬
‫اه ِهم‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ين هي َس ِار هعو َن في ْا ِ َ‬ ‫نك اَلذ َ‬‫ول ال َي ه َ‬‫الر هس ه‬‫)َيا أَُّي َها َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْتوك‬
‫ين لم َيأ َ‬ ‫اعو َن لقوم َءا َخ ِر َ‬ ‫اعو َن لْلكذ ِب َس َم ه‬ ‫لوب ههم َو ِمن اَلذ َ‬
‫ين َه هادوا َس َم ه‬ ‫َولم ْتؤ ِمن هق ه‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فاحذروا‬
‫ه‬ ‫توه‬
‫ذوه َواِن لم ْتؤ ه‬ ‫قولو َن ِإن أهوِتهيتم َهذا َف هخ ه‬‫هي َحهرفو َن اْلكل َم من َبعد َم َواضعه َي ه‬
‫ّللا ً ِ ِ‬ ‫ّللا ِف ْتَنته َفلن تملِك َله ِمن َ ِ‬
‫هر‬
‫ط َ‬‫ّللا أَن هي َ‬ ‫ِ‬ ‫شيئا أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين لم هي ِرد َ ه‬ ‫َ ه َ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫َو َمن هي ِرد َ ه‬
‫اآلخرِة ع َذاب ع ِظيم (‪ )٤١‬س َماعو َن لِْل ِ‬
‫كذ ِب أَ َكاهلو َن‬ ‫الدنيا ِخزي ولهم ِفي ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ه‬ ‫لهم في ُّ َ‬ ‫لوب ههم ه‬‫هق َ‬
‫للسحت ( ‪] (٤٢‬لمائدة ‪]٤١:‬‬
‫ُّ‬

‫نزلت اآليات الكريمات في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة هللا ورسوله‬

‫المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع هللا عز وجل } ِمن اَل ِذين قاهلوا ءامَنا ِبأَ ْفو ِ‬
‫اه ِهم‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫َولم ْتؤ ِمن هق ه‬


‫لوب ههم { أي أظهروا اإليمان بألسنتهم وقلوبهم خراب خاوية منه ‪ ،‬وهؤالء‬

‫شيئا أهوَل ِئ َك‬ ‫ّللا ِف ْتَنته َفلن تملِك َله ِمن َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا ً‬ ‫َ ه َ‬ ‫ه‬ ‫هم المنافقون ‪.‬قال هللا تعالى ‪َ { :‬و َمن هي ِرد َ ه‬

‫اآلخَرِة َع َذاب َع ِظيم*‬


‫الدنيا ِخزي ولهم ِفي ِ‬
‫َ ه‬
‫ِ‬
‫لهم في ُّ َ‬
‫لوب ههم ه‬
‫طهر هق َ‬ ‫ِ‬
‫ين لم هي ِرد َ ه‬
‫ّللا أَن هي َ‬
‫ِ‬
‫اَلذ َ‬
‫لس ِ‬
‫حت { أي الحرام ‪ ،‬وهو الرشوة ‪ ،‬كما قاله‬ ‫س َماعو َن لِْل ِ‬
‫كذ ِب { أي الباطل } أَ َكاهلو َن لِ ُّ‬ ‫َ ه‬

‫ابن مسعود وغير واحد ‪.‬أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر هللا قلبه وأنى يستجيب‬

‫(‪)١‬‬
‫له ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫أقول ‪:‬ال بد للمؤمن أن يحذر من هذه الصفات المخصوصة بالمنافقين الذين رد هللا‬

‫عليهم كذبهم في دعواهم اإليمان‪.‬‬

‫علينا أن نتمسك بأوامر هللا ونجتنب نواهيه‪ ،‬ونتمسك بسنة الرسول صلى هللا عليه‬

‫وسلم ‪ ،‬لع َل هللا تعالى يخلصنا بفضله وكرمه من العذاب األليم ومن سخطه‪.‬‬

‫ال يكفي اإليمان باللسان فقط‪ ،‬بل ال َ‬


‫بد من القلب الصادق المصدق باإليمان حتى‬

‫يكون القول باللسان مقبوال‪.‬‬

‫ِ‬
‫لوب ههم { فإذا أراد هللا أن يطهر قلوبهم يحرك‬
‫طهر هق َ‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬لم هي ِرد َ ه‬
‫ّللا أَن هي َ‬
‫الداعي في قلوبهم ‪ ،‬ويأتي ذلك إلى القدرة الشخصية المخلوقة في اإلنسان ‪ ،‬حينذاك‬
‫يستعمل جزأه االختياري ويوجهه إلى فعل أوامر هللا تعالى ويجتنب نواهيه ‪.‬هذا الجزء‬
‫يل ِإ َما‬ ‫ناه َ ِ‬ ‫ِ‬
‫السب َ‬ ‫وجزئيا إال أن التكليف متعلق به ‪ِ { :‬إَنا َه َدَي ه‬
‫ً‬ ‫االختياري وان كان ضعي ًفا‬
‫طلت األحكام الشرعية ‪ ،‬نعوذ باهلل من‬ ‫فور{ ] اإلنسان ‪ ،[ ٣:‬واال تع َ‬ ‫ِ‬
‫شاكًار َواِ َما هك ًا‬
‫هذا التعطيل‪.‬‬

‫ربنا ال يريد منا اإليمان ‪ ،‬فقد بَين هللا سبل النجاة فقال‪:‬‬
‫ليس للكفار أن يقولوا ‪ُّ :‬‬
‫ّللا لمع ْالم ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين{ ] العنكبوت ‪ [ ٦٩:‬فالذي‬
‫حسن َ‬ ‫اههدوا فَينا َلنهدَيَن ههم هسهبَلنا َواِ َن َ َ َ َ ه‬ ‫} َواَلذ َ‬
‫ين َج َ‬

‫يجاهد باختياره يهديه هللا تعالى ويكون من المحسنين‪.‬‬

‫الله َم ِ‬
‫وفقنا لمجاهدة أنفسنا واجعلنا من المحسنين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫اللفظ الثالث والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( َفترى اَل ِذ ِ‬


‫قولو َن نخشى أَن تص َيبنا َدائَرة َ‬
‫فع َسى‬ ‫ين في هقلوبِ ِهم َمَرض هي َس ِار هعو َن في ِهم َي ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين(‪)٥٢‬‬ ‫ِِ‬
‫فس ِهم نادم َ‬ ‫ّللا أَن يأ ِْتي ِب ْاَل ْفت ِح أَو أَمر ِمن ِعْن ِد ِه َفيص ِبحوا على ما أَسُّروا ِفي أَْن ِ‬
‫ه ه َ َ َ‬ ‫َه َ َ‬
‫]المائدة ‪[٥٢:‬‬

‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { أي شك وريب ونفاق } هي َس ِار هعو َن‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ { :‬ف َترى اَلذ َ‬
‫ِ‬
‫قولو َن نخشى أَن‬ ‫في ِهم { أي يبادرون إلى مواالة الكفار ومودتهم في الباطن والظاهر } َي ه‬
‫تص َيبنا َد ِائَرة { أي يتأولون في مودتهم ومواالتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر‬
‫ِ‬
‫(‪)١‬‬
‫الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬علينا أن ال نميل إلى من ال نثق بدينه من أجل فائدة دنيوية ‪ ،‬ألن التقسيم‬
‫والفائدة كلها عند هللا تعالى ‪ ،‬فإذا أراد هللا أن هيعطي ال مانع إلعطائه ‪ ،‬واذا أراد أن‬
‫يمنع ال معطي لما منع ‪.‬فعلينا أن نحفظ ديننا من اختالط الدنيا به ‪ ،‬وأن نتوكل على‬
‫هللا ‪ ،‬ونقنع بما في أيدينا ‪ ،‬ونسعى على معيشتنا ‪ ،‬ونرضى بمقدار ما رزقنا هللا منها‪.‬‬

‫وهللا تعالى أخبرنا عن صفات المنافقين والكافرين لنجتنب أوصافهم وال نعيش‬
‫بأخالقهم‪.‬‬

‫أعاذنا هللا تعالى من صفات المنافقين ومن صفات الكافرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫اللفظ الرابع والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫نزل َع َلينا َم ِائ َدة ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يع َرُّب َك أَن هي َ‬
‫ري َم َه ْل َي َستط ه‬
‫ابن َم َ‬
‫يسى َ‬ ‫قال اْل َح َو ِارُّيو َن َيا ع َ‬
‫( إذ َ‬
‫ِ‬ ‫نر هيد أَن نأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫لوبنا‬
‫نها َوت ْط َمئ َن هق ه‬ ‫ْكل م َ‬‫َ‬ ‫ين ( ‪ ) ١١٢‬قاهلوا ِ‬ ‫هللا ِإن ْكهنتم هم ْؤ ِمن َ‬
‫قال ا َتقوا َ‬ ‫الس َماء َ‬
‫ري َم الَل هه َم‬ ‫ِ‬ ‫ونعلم أَن قد صد َق َتنا وَنكو َن عليها ِمن َ ِ ِ‬
‫ابن َم َ‬‫يسى ه‬ ‫قال ع َ‬‫ين ( ‪َ ) ١١٣‬‬ ‫الشاهد َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ََ‬
‫ارزَقنا َوأَْنت‬ ‫آخ ِرنا َوَء َاية ِمْن َك َو ه‬ ‫اء َتكو هن َلنا ِع ً‬
‫يدا أل ََولِنا و ِ‬
‫َ‬
‫السم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َنز ْل َع َلينا َمائ َدة م َن َ َ‬ ‫َرَبنا أ ِ‬
‫هع ِذهب هه َعذاباً‬ ‫ِ‬
‫عد منكم فِإني أ َ‬
‫نزلها عليكم فمن ي هكفر ب ه ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫هللا ِإني هم ه َ َ‬ ‫قال ه‬
‫ين ( ‪َ ) ١١٤‬‬ ‫الر ِازِق َ‬
‫َخ هير َ‬
‫لمين)‪ ] (١١٥‬المائدة ‪]١١٥-١١٢ :‬‬ ‫ال أ ِ‬
‫لعاَ َ‬ ‫من ْا َ‬
‫َح ًدا َ‬ ‫هعذهب هه أ َ‬
‫َ‬

‫الصحيح أن هذا السؤال من الحواريين لم يكن عن شك وارتياب في قدرة رب‬

‫األرباب‪ ،‬وانما كان سؤال استفسار واستخبار‪ ،‬عن إنزال هللا المائدة من السماء‪ ،‬فسؤالهم‬

‫يع َرُّب َك{؟‬ ‫ِ‬


‫كان لالطمئنان والتثبت‪ ،‬ولكنهم أخطؤوا في التعبير فقالوا ‪َ { :‬ه ْل َي َستط ه‬

‫ومرادهم هل يفعل ربك ذلك؟ وهل يجيبنا إلى هذا الطلب؟ ولهذا نبههم عيسى عليه‬

‫ِ‬
‫هللا ِإن ْكهنتم هم ْؤ ِمن َ‬
‫ين { أي اتقوا هللا‬ ‫قال ا َتقوا َ‬
‫السالم ‪ ،‬ولفت أنظارهم إلى هذا الخطأ } َ‬

‫في أمثال هذه األسئلة ‪ ،‬إن كنتم مصدقين بكمال قدرته تعالى ‪.‬قال الحسن البصري ‪:‬لم‬

‫ُّ‬
‫يشكوا في قدرة هللا تعالى ‪ ،‬وانما سألوه سؤال مستخبر ‪:‬هل ينزل أم ال؟ فإن كان‬

‫ويدل عليه قوله سبحانه ‪َ{ :‬قاهلوا‬


‫ينزل فاسأله لنا ‪ ،‬فسؤالهم كان لالطمئنان والتثبت ‪ُّ ،‬‬

‫نريد أَن نأْكل ِمنها وت ْطم ِئ َن هقلوبنا ونعلم أَن قد صد َق َتنا وَنكو َن عليها ِمن َ ِ ِ‬
‫ين{‬
‫الشاهد َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ه َ ََ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ِه‬

‫‪102‬‬
‫أي قال الحواريون ‪:‬نريد بسؤالنا المائدة أن نأكل منها ً‬
‫تبركا ‪ ،‬وتسكن نفوسنا بزيادة‬
‫يقينيا أنك قد صدقتنا في دعوى النبوة ‪ ،‬ونكون من الشاهدين عند‬
‫علما ً‬ ‫اليقين ‪ ،‬ونعلم ً‬
‫من لم يحضرها ‪ ،‬ليزداد المؤمنون بشهادتنا ً‬
‫إيمانا ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬على المؤمنين أن يتوكلوا على هللا ج َل وعال ‪.‬فالحواريون لفقرهم وعجزهم‬
‫اعتمدوا على رسالة سيدنا عيسى عليه السالم والتجؤوا إليه حتى يسأل ربهم َ‬
‫ليسد‬
‫احتياجهم ‪ ،‬ال لشكهم في إيمانهم أو في رسالة سيدنا عيسى عليه السالم ‪ ،‬ودليل هذا‬
‫أن هللا تعالى لما اطلع على قلوب الحواريين علم أنهم يسألون هذه النعمة لفقرهم‬
‫سيدنا عيسى وأعطاهم المائدة ‪ ،‬وشرط عليهم أن‬
‫وتكبر ‪ ،‬فأجاب َ‬
‫ًا‬ ‫عنادا‬
‫وعجزهم ‪ ،‬ال ً‬
‫أحدا من‬
‫عذابا ال يعذبه ً‬
‫ال يكفروا بهذه النعمة ‪ ،‬واذا أنكروها أو كفروا بها فإنه يعذبهم ً‬
‫العالمين‪.‬‬

‫حينذاك كان الحواريون مستقيمين على دين سيدنا عيسى عليه السالم ‪ ،‬فأجابهم هللا‬
‫وشرط عليهم أن ال يخونوا وال َ‬
‫يدخروا منها لغد ‪ ،‬فلما‬ ‫لها َعليكم { َ‬ ‫تعالى ‪ِ { :‬إِني هم ه‬
‫نز َ‬
‫لم يوفوا بالشروط مسخهم قردة وخنازير‪.‬وهذا يدل على أن المؤمن إذا تنعم بنعم هللا‬
‫تعالى ولم يشكره عليها ولم يؤد حقها وأسرف باستعمالها في الحرام وخان وتكَبر بها‬
‫الشكر‪.‬‬
‫ه‬ ‫قيد النعمة‬
‫على خلق هللا فإن هللا تعالى يأخذها منه ‪ ،‬ألن َ‬

‫الله َم اجعلنا من عبادك الشاكرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫اللفظ الخامس والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫وه َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا‬


‫قر َوِان‬ ‫ِ‬
‫ليك َو َج َعَلنا َعَلى هقلوبِ ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه‬
‫قه ه‬
‫ِ‬
‫نهم َمن َي َستم هع ِإ َ‬ ‫( َو ِم ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فروا ِإن َهذا ِإالَ‬ ‫قول اَلذ َ‬
‫ين َك ه‬ ‫نك َي ه‬ ‫وك هي َجاد َلو َ‬‫اء َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َيَروا ك َل َء َاية ال هي ْؤمنوا ب َها َح َتى إذا َج ه‬
‫أ ِ‬
‫ين( ‪ [ )٢٥‬األنعام ‪]٢٥:‬‬ ‫َساط هير األ ََولِ َ‬
‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َوِفي‬ ‫نهم َمن َي َستم هع ِإ َ‬
‫ليك َو َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم أَكَنة أَن َي ْفَق هه ه‬ ‫قوله تعالى ‪َ { :‬و ِم ه‬
‫قر َوِان َيَروا ك َل َء َاية ال هي ْؤ ِمنوا ِب َها { أي يجيئون ليستمعوا قراءتك وال‬ ‫َءا َذ ِان ِهم َو ًا‬
‫َكَن ًة { أي أغطية لئال يفقهوا القرآن‬ ‫شيئا‪ ،‬ألن هللا جعل } على هقلوبِ ِهم أ ِ‬ ‫تجزي عنهم ً‬
‫َ‬
‫(‪)١‬‬
‫صمما عن السماع النافع لهم ‪.‬‬
‫ً‬ ‫} َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا‬
‫قر { أي‬

‫أقول ‪:‬ال يقال ‪:‬ما دام هللا تعالى قال ‪ِ { :‬إَنا جعَلنا على هقلوبِ ِهم أ ِ‬
‫َكَن ًة{ ] الكهف ‪[٥٧:‬‬ ‫ََ َ‬
‫إ ًذا لو شاء هللا آمنا ولو ما شاء ما آمنا ‪ ،‬يحولون كفرهم على هللا تعالى ‪.‬هذا ال‬
‫يليق‪ ،‬ألن هللا ج َل جالله وجه اإلنسان إلى اإليمان والعمل الصالح ‪ ،‬وما سلب منه‬
‫ِ‬
‫جبريا ‪ ،‬وهللا تعالى ال يرضى من عبده اإليمان‬ ‫االختيار بالكلية ‪ ،‬واال يكون اإليمان ً‬
‫جد ِ‬
‫ين{ ] البلد ‪ ، [ ١٠:‬واذا خطر‬ ‫الجبري ‪ ،‬ألنه تعالى جعل العبد مخيًار } َو َه َدَي ه‬
‫ناه الَن َ‬
‫في بالنا أن معنى جعل األكنة على القلوب هو اإلجبار فهذا خالف األدب مع هللا تعالى‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ِ‬
‫تاهم‬
‫تدوا َزَاد ههم هه ًدى َوَءاَ ه‬
‫اه َ‬ ‫وخالف االعتقاد السليم ‪ ،‬وهللا تعالى يقول ‪َ { :‬واَلذ َ‬
‫ين َ‬

‫اهم{ ] محمد ‪.]١٧:‬‬


‫تقو ه‬
‫َ‬

‫وقوله تعالى ‪َ { :‬واِن َيَروا ك َل َء َاية ال هي ْؤ ِمنوا ِب َها { معناه أن الكفار مهما أروا من‬

‫المعجزات الدالة على صدق رسالة سيدنا مح َمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬كانشقاق‬

‫القمر‪ ،‬ونزول المطر ‪ ،‬وتكثير الطعام القليل ببركة دعائه ‪ ،‬ال يصدقون بهذه المعجزات‬

‫وال يؤمنون ‪ ،‬وذلك لعدم اختيارهم اإليمان على الكفر‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫متقَبال‪ ،‬يا أرحم َ‬
‫صالحا َ‬
‫ً‬ ‫نافعا‪ ،‬وعمال‬
‫وعلما ً‬
‫ً‬ ‫إيمانا كامال‪،‬‬
‫الله َم إنا نسألك ً‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫اللفظ السادس والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫يطان َما كاهنوا‬ ‫لوب ههم َوَزَي َن َل هه هم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الش ه‬ ‫قست هق ه‬
‫تضَر هعوا َولكن َ‬
‫ْسنا َ‬
‫اء ههم َبأ ه‬
‫( َفلوال إذ َج َ‬
‫عملو َن ( ‪ ] (٤٣‬األنعام ‪]٤٣ :‬‬ ‫َي َ‬

‫تضَر هعوا { لوال للتحضيض ‪ ،‬أي ‪:‬فه َ ال‬


‫ْسنا َ‬ ‫ِ‬
‫اء ههم َبأ ه‬
‫قال هللا تعالى ‪َ { :‬فلوال إذ َج َ‬

‫تضرعوا حين جاءهم العذاب ‪.‬وهذا عتاب على ترك الدعاء ‪ ،‬واخبار عنهم أنهم لم‬

‫لوب ههم { أي ‪:‬ولكن‬ ‫ِ‬


‫قست هق ه‬
‫يتضرعوا مع قيام ما يدعوهم إلى التضرع ‪َ } ،‬ولكن َ‬

‫ان َما كاهنوا‬


‫طه‬ ‫ظهر منهم النقيض حيث قست قلوبهم‪ ،‬فلم تلِّن لإليمان } َوَزَي َن َل هه هم َ‬
‫الشي َ‬

‫عملو َن { أي ‪:‬زين لهم المعاصي واإلصرار على الضالل ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬
‫َي َ‬

‫أقول ‪:‬من كان له إيمان فإنه في الرخاء بدون بالء يدعو ويتضرع إلى هللا تعالى ‪،‬‬

‫ْمون{‬ ‫ربا‪ ،‬فيلتجئ إليه ‪ ،‬ويعلم ‪ِ { :‬إ َن َع َذ َ ِ‬


‫اب َربهم َغ هير َمأ ه‬ ‫قطعيا أن له ً‬
‫ً‬ ‫ألنه يعلم‬

‫[ المعارج ‪.]٢8:‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬صفوة التفاسير‬

‫‪106‬‬
‫فاآلية ال تدل على أن التضرع الزم أثناء البالء فقط ‪ ،‬بل على الناس أن يعرفوا‬

‫ربهم قبل نزول البالء‪ ،‬ولكن الكفار ‪ -‬بقسوة قلوبهم وعدم إيمانهم وسوء اختيارهم‪-‬‬

‫صاروا كأنهم بعيدون عن الرب ج َل وعال ‪ ،‬فلم يتضرعوا قبل نزول العذاب ‪ ،‬ولذا‬

‫فإنهم بعد نزول العذاب لم ينتبهوا‪ ،‬فلم يتضرعوا كذلك‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫نعمك بدوامها ال بزوالها ‪ ،‬يا أرحم َ‬
‫الله َم عرفنا َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫اللفظ السابع والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا َيأ ِْتيكم ِب ِه‬


‫ّللا سمعكم وأَبصاركم و َختم على هقلو ِبكم من ِإَله َغير َ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َرهَيتم ِإن أَخذ َ ه َ َ‬
‫( هق ْل أَأ‬
‫صدفو َن (‪[ )٤٦‬األنعام ‪]٤٦ :‬‬ ‫ات ث َم هم ي ِ‬
‫ْانظر كيف نصرف اآلي ِ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫قل { لهؤالء المكذبين المعاندين‪:‬‬ ‫يقول هللا تعالى لرسوله صلى هللا عليه وسلم‪ْ }:‬‬
‫{ أَأ ِ‬
‫َبص َاركم { أي سلبكم إياها كما أعطاكموها ‪ ،‬كما قال‬ ‫معكم وأ َ‬ ‫َرهَيتم إن أَخذ َ ه‬
‫ّللا َس َ‬
‫َبص َار{ ] الملك ‪ ، [ 23:‬ويحتمل أن‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫تعالى ‪ {:‬هه َو اَل ِذي أَْنشأَكم َو َج َع َل َل هك هم َ‬
‫الس َ‬
‫تم َعلى هقلو ِبكم {‬
‫يكون هذا عبارة عن منع االنتفاع الشرعي ‪ ،‬ولهذا قال ‪َ {:‬و َخ َ‬
‫ّللا‬
‫َن َ َ‬
‫لموا أ َ‬
‫اع ه‬
‫َبص َار{ ] يونس ‪ ، [ 3١:‬وقال ‪َ }:‬و َ‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫كما قال ‪ {:‬أَ َمن َيملِ هك َ‬
‫الس َ‬
‫ّللا َيأ ِْتيكم ِب ِه {‬
‫يحول بين اْلمرِء وقْل ِب ِه{ ] األنفال ‪ ،] 24:‬وقوله ‪ {:‬من ِإَله َغير َ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َه ه َ َ َ َ‬
‫]األنعام ‪ ، [ 4٦:‬أي هل أحد غير هللا يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه هللا منكم؟ ال يقدر‬

‫(‪)١‬‬
‫على ذلك أحد سواه ‪.‬‬

‫جميعا النعم الكثيرة الظاهرة والباطنة ‪ ،‬كما قال‬


‫ً‬ ‫أقول ‪:‬هللا ج َل جالله أعطى لعباده‬
‫تعُّدوا‬ ‫اهرة وب ِ‬
‫تعالى ‪ { :‬وأَسبغ عليكم ِنعمه َ ِ‬
‫أيضا ‪َ {:‬واِن ه‬
‫اطن ًة{ ] لقمان ‪ ، [ ٢٠:‬وقال ً‬ ‫ظ َ ََ‬ ‫ََ ه‬ ‫َ َ َ‬
‫خصص في هذه اآلية السمع‬ ‫وها{ ] النحل ‪ ، [ ١8:‬ولكنه تعالى َ‬ ‫ِنعمة َ ِ‬
‫تحص َ‬
‫ه‬ ‫ّللا ال‬ ‫َ‬
‫بالذكر ألن اإلنسان يتف َكر أوال في شخصه وفيما أنعم هللا على جسده‪.‬‬ ‫والبصر ِ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‬

‫‪108‬‬
‫فنعمة الوجود بعد العدم ال يوازيها نعمة إذا هَقرنت باإليمان ‪ ،‬ثم أعطانا ربنا سبحانه‬
‫وتعالى الجوارح ‪ ،‬كالسمع لنسمع به القرآن الكريم ‪ ،‬والبصر للتفكر في دالئل‬
‫مر مثال‬
‫شيئا َا‬
‫حارسا على أفواهنا ‪ ،‬فإذا وجد ً‬
‫ً‬ ‫وحدانيته ج َل وعال ‪ ،‬والذوق جعله لنا‬
‫شيئا مقبوال يأكله ‪ ،‬وغير ذلك من النعم الكثيرة كالقلب واللطائف‬
‫يلفظه ‪ ،‬واذا وجد ً‬
‫الداخلية األخرى ‪.‬كل هذه النعم تدل على أنه سبحانه الخالق الواحد ‪ ،‬ليس له شريك‬
‫في هذا اإلنعام ‪ ،‬ال مانع لما أعطى ‪ ،‬وال معطي لما منع ‪.‬فعلى المؤمن أن يستعمل ما‬
‫أنعم هللا ج َل جالله به عليه فيما خلق له ‪ ،‬وفي مصالحه الدنيوية كذلك؛ فقد أعطاه‬
‫العين ليق أر القرآن الكريم والكتب الدينية ويتفكر في مخلوقات هللا تعالى ‪ ،‬حتى يقوى‬
‫إيمانه ‪ ،‬وليرى فيها مصالحه الدنيوية ‪ ،‬وأعطاه اللسان حتى يتكلم ويق أر القرآن‬
‫والكتب الدينية كذلك ‪ ،‬وخلق على عيوننا األهداب لتمنع عنها الغبار ‪ ،‬وهكذا ‪ ...‬لو لم‬
‫يخلق لنا اليدين كيف نأكل؟ لو لم ي ِ‬
‫عط جسمنا المفاصل كيف نصلِي وكيف نتحرك‪...‬؟‪:‬‬
‫وها{ ] النحل ‪.]١8:‬‬ ‫} واِن تعُّدوا ِنعمة َ ِ‬
‫التحص َ‬
‫ه‬ ‫ّللا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬

‫فعلى المؤمن أن يتفكر في هذه النعم ‪ ،‬وأن يستعملها فيما خلقت له ‪ ،‬واال يكون‬

‫كفرًانا للنعم ‪ ،‬ومن ال يعرف النعم ال يشكر المنعم ‪ ،‬ولذا جزاؤه جهَنم‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من عبادك الشاكرين يارب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫اللفظ الثامن والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫نن ِبها قل ِإَنما اآليات ِعْند ِ‬ ‫هد أ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫هللا َو َما‬ ‫َ‬ ‫تهم َء َاية َلهي ْؤ ِم َ َ ْ َ َ‬ ‫َيمان ِهم لئن َج َ‬
‫اء ه‬ ‫َقس هموا باهلل َج َ َ‬‫( َوأ َ‬
‫كما لم هي ْؤ ِمنوا ِب ِه‬
‫َبص َارههم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اءت ال هي ْؤ ِمنو َن ( ‪َ ) ١٠٩‬و َنقل هب أَ ْفئ َد ه‬
‫تهم َوأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هيشعهركم أََن َها إذا َج َ‬
‫عم ههو َن )‪ ] ( ١١٠‬األنعام ‪]١١٠-١٠٩ :‬‬ ‫طغيانهم َي َ‬ ‫أ ََو َل َمَرة َوَن َذهرههم في َ‬

‫تهم { عطف على } ال هي ْؤ ِمنو َن { أي وما يشعركم أنا حينئذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬و َنقل هب أَ ْفئ َد ه‬

‫نحول قلوبهم عن الحق فال يفهمون } َوأ َ‬


‫َبص َارههم { عن اجتالئه فال يبصرونه ؟ فال‬

‫كمالم هي ْؤ ِمنوا ِب ِه { أي بما جاء من اآليات } أ ََو َل َمَرة { من انشقاق القمر‬


‫يؤمنون بها } َ‬

‫ونحوه } َوَن َذهرههم { أي ندعهم ‪ ،‬عطف على } ال هي ْؤ ِمنو َن { داخل في حكم االستفهام‬

‫عم ههو َن { أي متحيرين ‪ ،‬ال نهديهم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫اإلنكاري } في ط ْغَيانهم { ضاللهم ‪ ،‬متعلق بنذرهم } َي َ‬

‫هداية المؤمنين ‪ ،‬فهو حال من الضمير المنصوب في } َوَن َذهرههم { ‪.‬‬

‫ووجه هذا التقليب والترك فساد استعدادهم واعراضهم عن الحق بالكلية ‪ ،‬فإن هللا‬

‫تعالى ال يفعل بهم ذلك مع توجههم إلى الحق واستعدادهم لقبوله ‪ ،‬فإنه إجبار محض ‪،‬‬

‫مطبوعا على قلبه فليعلم أن ذلك لعدم تأثير اللطف فيه أصال ‪ ،‬فلله‬
‫ً‬ ‫مقهور‬
‫ًا‬ ‫فإن كان‬

‫(‪)١‬‬
‫الحجة البالغة ‪ ،‬ومن هللا الهداية والتوفيق ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‬

‫‪110‬‬
‫قال العوفي عن ابن عباس رضي هللا عنهما في هذه اآلية ‪:‬لما جحد المشركون ما أنزل‬

‫وردت عن كل أمر ‪ ،‬وقال مجاهد في قوله ‪َ } :‬و َنقلِ هب‬


‫هللا لم تثبت قلوبهم على شيء ‪ُ ،‬‬

‫َبص َارههم { ونحول بينهم وبين اإليمان ‪ ،‬ولو جاءتهم كل آية فال يؤمنون ‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬
‫أَ ْفئ َد ه‬
‫تهم َوأ َ‬
‫(‪)١‬‬
‫حلنا بينهم وبين اإليمان أول مرة‪.‬‬

‫فالقدرة األصلية صالحة للضدين وللطرفين على السوية ‪ ،‬فإذا لم ينضم على تلك القدرة‬

‫داعية مرجحة امتنع حصول الرجحان ‪ ،‬فإذا انضمت الداعية المرجحة إما إلى جانب الفعل‬

‫قطعا للتسلسل ‪.‬‬


‫أو إلى جانب الترك ظهر الرجحان ‪ ،‬وتلك الداعية ليست إال من هللا تعالى ً‬

‫وقد ظهر صحة هذه المقدمات بالدالئل القاطعة اليقينية التي ال يشك فيها العاقل ‪.‬وهذا هو‬

‫المراد من قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ » :‬قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن‬

‫فالقلب كالموقوف بين داعية الفعل وبين داعية‬ ‫(‪)2‬‬


‫يقلبه كيف يشاء«‬

‫الترك‪ ،‬فإن حصل في القلب داعي الفعل ترجح جانب الفعل ‪ ،‬وان حصل فيه داعي‬

‫وهاتان الداعيتان لما كانتا ال تحصالن إال بإيجاد هللا‬ ‫‪،‬‬


‫(‪)3‬‬
‫الترك ترجح جانب الترك‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪ -2‬أخرجه الترمذي عن أنس وعائشة رضي هللا عنهما ‪.‬‬
‫‪َّ -3‬‬
‫للداعي أربع مراتب ‪:‬‬
‫األولى ‪:‬خلقية الداعي ‪.‬فاهلل تعالى خالق كل شيء‪ ،‬والداعي شيء‪ ،‬فخالقه هو هللا‪.‬‬
‫الثانية ‪:‬تحريك الداعي ‪.‬محرك الداعي هو هللا‪.‬‬
‫الثالثة ‪:‬ترجيح الفعل أو الترك ‪.‬هذا من الشخص‪ ،‬باستعمال الجزء االختياري‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬إما بالفعل أو بالترك‪.‬‬
‫الرابعة ‪:‬التنفيذ ‪.‬وهذا من الشخص ً‬
‫َّ‬
‫المكلف سواء كان من‬ ‫الداعي مكانه القلب‪ ،‬وهو حصول دافع الخير أو الشر فيه‪ ،‬وهو يأتي من عالم الغيب إلى قلب‬
‫الخيرات واألعمال الصالحة بفضل هللا تعالى بواسطة المالئكة‪ ،‬أو من الشرور والفساد بواسطة النفس والشيطان ‪.‬هذا هو‬
‫الداعي‪ ،‬وخالقه هو هللا ‪.‬فإذا حرَّك هللا تعالى ذلك الداعي ينزل إلى=‬

‫‪111‬‬
‫وتخليقه وتكوينه ‪ ،‬عبر عنهما بأصبعي الرحمن ‪.‬والسبب في حسن هذه االستعارة أن‬
‫الشيء الذي يحصل بين أصبعي اإلنسان يكون كامل القدرة عليه ‪ ،‬فإن شاء أمسكه وان‬
‫أيضا كذلك القلب واقف بين هاتين الداعيتين ‪ ،‬وهاتان الداعيتان‬
‫شاء أسقطه ‪ ،‬فههنا ً‬
‫حاصلتان بخلق هللا تعالى ‪ ،‬والقلب مسخر لهاتين الداعيتين ‪ ،‬فلهذا السبب حسنت هذه‬
‫االستعارة‪.‬‬

‫(‪)١‬‬
‫«‬ ‫وكان عليه الصالة والسالم يقول‪ » :‬يا مقلب القلوب واألبصار ثبت قلبي على دينك‬
‫والمراد من قوله ‪" :‬مقلب القلوب "أن هللا تعالى يقلبه تارة من داعي الخير إلى داعي‬
‫وبالعكس(‪.)2‬‬ ‫الشر‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َبص َارههم { محمول على هذا‬ ‫إذا عرفت هذه القاعدة فقوله تعالى‪َ }:‬و َنقل هب أَ ْفئ َد ه‬
‫تهم َوأ َ‬
‫المعنى الظاهر الجلي الذي يشهد بصحته كل طبع سليم وعقل مستقيم ‪ ،‬فال حاجة البتة‬
‫إلى ما ذكروه من التأويالت المستكرهة‪.‬‬

‫وانما قدم هللا تعالى ذكر تقليب األفئدة على تقليب األبصار ‪ ،‬ألن موضع الدواعي‬
‫والصوارف هو القلب ‪ ،‬فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر إليه شاء أم أبى‪،‬‬
‫واذا حصلت الصوارف في القلب انصرف البصر عنه ‪ ،‬فهو وان كان يبصره في‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫=اختيار َّ‬
‫المكلف‪ ،‬حينذاك إما أن يستعمله في مرضاة الخالق‪ ،‬واما أن يتبع النفس والشيطان‪ ،‬وهو بذلك‬
‫ين { [ البلد ‪ ،] ١٠:‬وهو اختيار أحد الشقين‪ ،‬وبهذا االختيار يكون العبد إما‬‫جد ِّ‬ ‫يكون مسؤوال‪َ } ،‬و َه َدَيناهُ َّ‬
‫الن َ‬
‫عاصيا‪ ،‬واذا استعمل هذا االختيار يثاب أو ُيعاَقب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طائعا أو‬
‫ً‬
‫‪ -١‬أخرجه الترمذي وحسنه‪ ،‬والحاكم وصححه عن جابر رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة ‪.‬‬
‫‪ -2‬كما أن هللا تعالى ال يمنع الكفار من رزقهم‪ ،‬بل يرزقهم كما يرزق المؤمنين واألولياء واألنبياء‪ ،‬فإنه‬
‫كذلك ال يمنع الذي يستعمل جزأه االختياري في اختيار عدم اإليمان من اختياره‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫سببا للوقوف على الفوائد المطلوبة(‪. )١‬وهذا هو‬
‫الظاهر إال أنه ال يصير ذلك اإلبصار ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه‬ ‫نهم َمن َي َستم هع ِإ َ‬
‫ليك َو َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه‬
‫قه ه‬ ‫المراد من قوله تعالى ‪َ {:‬و ِم ه‬

‫َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ً ا‬


‫قر } [األنعام ‪ ، ] 25:‬فلما كان المعدن هو القلب ‪ ،‬وأما السمع والبصر‬

‫فهما آلتان للقلب ‪ ،‬كانا ال محالة تابعين ألحوال القلب ‪ ،‬فلهذا السبب وقع االبتداء بذكر‬

‫تقليب القلوب في هذه اآلية ‪ ،‬ثم أتبعه بذكر تقليب البصر ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وتحقيقه على ما ذكره شيخ مشايخنا الكوراني أنه سبحانه حيث علم في األزل سوء‬

‫استعدادهم المخبوء في ماهياتهم أفاض عليهم ما يقتضيه ‪ ،‬وفعل بهم ما سألوه بلسان‬

‫االستعداد بعد أن رغبهم ورهبهم وأقام الحجة وأوضح المحجة ‪ ،‬وهلل تعالى الحجة‬

‫البالغة‪ ،‬وما ظلمهم هللا سبحانه ولكن كانوا هم الظالمين ‪.‬‬


‫(‪)3‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من الذين سبقت لهم منك الحسنى‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬ألن اإلبصار إذا لم يستفد من نور القلب يكون كعدم اإلبصار ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير الرازي‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير األلوسي‬

‫‪113‬‬
‫اللفظ التاسع والثالثون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫عض ههم ِإلى َبعض هز ْخهرف‬ ‫س واْل ِجن ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫( َوكذلِ َك َج َعَلنا لِ ِ‬
‫وحي َب ه‬ ‫ه‬ ‫اإل ْن ِ َ‬
‫ين ِ‬ ‫شياط َ‬ ‫كل َن ِبي َعهدوا َ‬
‫ور ولو َشاء رُّبك ما َفعلوه فذرهم وما ي ْف َترون ( ‪ ) ١١٢‬ولِتصغى ِإ ِ‬
‫ليه أَ ْف ِئ َدة‬ ‫ْاَل ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ه ه ََ َ ه َ‬ ‫غر ً ا َ‬ ‫قول ه‬
‫ين ال ي ْؤ ِمنو َن ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ترفوا َما ههم هم ْق َت ِرفو َن ( ‪)١١٣‬‬‫وه َولَِي ْق ِ‬ ‫اآلخَرِة َولَِي َ‬
‫رض ه‬ ‫اَلذ َ ه‬
‫]األنعام ‪[١١٣-١١٢ :‬‬

‫قوله تعالى ‪ {:‬ولِتصغى ِإ ِ‬


‫ليه { أي إلى زخرف القول ‪ ،‬والمراد هنا ولتميل إليه } أَ ْف ِئ َدة‬ ‫َ َ‬
‫ين ال ي ْؤ ِمنو َن ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخَرِة { أي على الوجه الواجب ‪.‬وخص عدم إيمانهم بها دون ما‬ ‫اَلذ َ ه‬

‫عداها من األمور التي يجب اإليمان بها وهم كافرون ‪ -‬قال موالنا شيخ اإلسالم‪-:‬‬

‫إشعار بما هو المدار في صغو أفئدتهم إلى ما ُيلقى إليهم ‪ ،‬فإن لذات اآلخرة محفوفة‬
‫ًا‬ ‫(‬

‫في هذه النشأة بالمكاره ‪ ،‬وآالمها مزينة بالشهوات ‪ ،‬فالذين ال يؤمنون بها وبأحوال ما‬

‫آالما ‪ ،‬وانما ينظرون ما‬


‫فيها ال يدرون أن وراء تلك المكاره لذات ودون هذه الشهوات ً‬

‫بدا لهم في الدنيا بادي الرأي ‪ ،‬فهم مضطرون إلى حب الشهوات التي من جملتها‬

‫مزخرفات األقاويل ومموهات األباطيل ‪ ،‬وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين‬

‫‪114‬‬
‫على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب األمور لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات‬
‫(‪)2‬‬
‫لعلمهم ببطالنها ووخامة عاقبتها (‪ )١‬اهـ ‪.‬‬
‫وه { ألنفسهم بعدما مالت إليه أفئدتهم } َولَِيَق ِ‬
‫ترفوا { أي‬ ‫قوله تعالى ‪َ {:‬ولَِي َ‬
‫رض ه‬
‫يكتسبوا بموجب ارتضائهم له } َما ههم هم ْق َت ِرفو َن { له من القبائح التي ال يليق ذكرها ‪،‬‬
‫ذنبا إذا عمله وماال إذا‬
‫وهي ما َُقضي عليهم في اللوح المحفوظ ‪ُ .‬يقال اقترف فالن ً‬
‫(‪)3‬‬

‫اكتسبه ‪.‬وفي اآلية إشارة إلى أن الباليا للسائرين إلى هللا هي المطايا ‪ ،‬وأن أشد البالء‬
‫شماتة األعداء ‪ ،‬فلما كانت رتبة األنبياء أعلى كانت عداوة الكفار لهم أوفى ‪ ،‬وفي‬
‫ذلك ترِّقيات لهم وتجلِّيات‪.‬‬

‫واإلشارة في شيطان اإلنس إلى النفس األمارة بالسوء(‪ ، )4‬وهي أعدى األعداء ‪،‬‬
‫ولهذا قدم ذكره على ِّ‬
‫الجن ههنا ‪ ،‬بخالف المواضع األخر ‪ ،‬وليعلم أن عداوة النفس‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬مع التأسف !اآلن المؤمنون اتبعوا هذه الزخارف والشهوات والميول الفاسدة‪ ،‬وتركوا أكثر أوامر هللا‬
‫تعالى‪ ،‬واتباع الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهم يركضون وراء اللذائذ الشهوانية‪ ،‬وصارت محاسن‬
‫اإلسالم عندهم قبائح‪ ،‬كتستر النساء مثال ‪.‬المؤمنة إذا أنكرت التستر تكفر‪ ،‬أما إذا لم تتستر بدون إنكار فإنها‬
‫عاصية ‪.‬حال المؤمنين هكذا ‪.‬ال نشك في إيمانهم ولو كانوا عاصين‪ ،‬لكن ليس هذا مقتضى اإليمان وال‬
‫مقتضى محبة القرآن ومحبة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬ففي حياتنا االجتماعية ال ُيرى أثر محبة هللا‬
‫ّللاَ ََفاتَِّّب ُع ِّ‬
‫وني‬ ‫ون َّ‬ ‫وال محبة الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬ألن هللا تعالى أمرنا بقوله‪َ } :‬قل ِّإن َ كُنتم َ ِّ‬
‫تحُّب َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ّللاُ { ]آل عمران ‪ ، [3١:‬فالذي ال يتبع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ينتفي عنه ما يترتب على‬ ‫بكم َّ‬ ‫ِّ‬
‫ُيحب ُ‬
‫اإلتباع‪ ،‬وهو محبة هللا تعالى ‪.‬أيها المسلمون !علينا أن ننتبه لهذه المصيبة‪ ،‬ونرجع إلى القرآن الكريم والى‬
‫أخالق الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير األلوسي ‪.‬‬
‫‪- 3‬اللوح المحفوظ مجهول عندنا‪ ،‬ونحن َّ‬
‫مكلفون بتكاليف الشريعة‪ ،‬ونعلم أن هللا ال يرضى لعباده الكفر وال‬
‫العصيان‪.‬‬
‫األمارة‪.‬‬
‫‪- 4‬شيطان اإلنس هو صاحب النفس َّ‬

‫‪115‬‬
‫وأصحاب النفوس أشد وأصعب من عداوة شياطين الجن ‪ ،‬فإن كيد الشيطان مع كيد‬

‫اإلنسان ضعيف ‪ ،‬وأرباب القلوب ال يصغون إلى زخارف أقوال أصحاب النفوس ‪ ،‬بل‬

‫كلما تشتد عداوة األعداء يقوى إيمان األولياء ‪.‬وانما يتسلط الشيطان على ابن آدم‬

‫بفضول النظر والكالم والطعام وبمخالطة الناس(‪ ، )١‬ومن اختلط فقد استمع إلى‬

‫(‪)2‬‬
‫األكاذيب ‪.‬‬

‫يارب العالمين‪.‬‬
‫الله َم احفظنا من شر شياطين اإلنس والجن َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬فعلى المؤمن أن يقلِل طعامه‪ ،‬فيأخذ منه بقدر االحتياج‪ ،‬وأن يقلل كالمه‪ ،‬ألن اإلنسان كما هيسأل عن‬
‫لفظ ِمن قول ِإالَ لد ِ‬
‫يه َرِقيب َع ِتيد { ] ق ‪ ،] ١8:‬وأن يقلل االختالط بالناس ما أمكن‪،‬‬ ‫فعله يسأل عن قوله كذلك } ما ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬
‫فال يقعد مع أهل الدنيا إال للضرورات‪ ،‬أي لإلصالح بين المؤمنين أو للوعظ والنصيحة ‪.‬أجارنا هللا‬
‫والمؤمنين من هذه الفضوليات‪.‬‬
‫‪ -٢‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫اللفظان األربعون و الحادي و األربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َِ‬ ‫درهه لِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫درهه َضًيقا‬ ‫َو َمن هي ِرد أَن هيضل هه َي َ‬
‫جع ْل َص َ‬ ‫إلسالمِ‬ ‫شرح َص َ‬ ‫( َف َمن هي ِرد َ ه‬
‫ّللا أَن َيهدَي هه َي َ‬
‫ِ‬ ‫حرجا كأََنما ي َص َع هد ِفي َ ِ ِ‬
‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن ‪)١٢٥‬‬‫الرجس َعلى اَلذ َ‬
‫َ‬ ‫ّللا‬
‫جع هل َ ه‬
‫الس َماء كذل َك َي َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ً‬
‫]األنعام ‪[١٢٥ :‬‬

‫اعلم أن هذه اآلية لفظها يدل على الدليل القاطع العقلي الذي في هذه المسألة ‪ ،‬وبيانه‬

‫أن العبد قادر على اإليمان وقادر على الكفر ‪ ،‬فقدرته بالنسبة إلى هذين األمرين حاصلة‬

‫على السوية ‪ ،‬فيمتنع صدور اإليمان عنه بدال من الكفر أو الكفر بدال من اإليمان إال إذا‬

‫حصل في القلب داعية إليه ‪ ،‬وتلك الداعية ال معنى لها إال علمه أو اعتقاده أو ظنه‬

‫بكون ذلك الفعل مشتمال على مصلحة زائدة ومنفعة راجحة ‪ ،‬فإنه إذا حصل هذا المعنى‬

‫في القلب دعاه ذلك إلى فعل ذلك الشيء ‪ ،‬وان حصل في القلب علم أو اعتقاد أو ظن‬

‫بكون ذلك الفعل مشتمال على ضرر زائد ومفسدة راجحة دعاه ذلك إلى تركه ‪،‬‬

‫وحصول هذه الدواعي البد وأن يكون من هللا تعالى ‪ ،‬وأن مجموع القدرة مع الداعي‬

‫(‪)١‬‬
‫يوجب الفعل ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫قال في التأويالت النجمية ‪ :‬كلما كان الحجاب أرق كان اإليمان أقوى والقلب أنور‬
‫إيقانا ‪ ،‬لكمال رقة الحجاب وتنور القلب‪ ،‬إلى أن يصير‬ ‫وأصفى ‪ ،‬إلى أن يصير اإليمان ً‬
‫عيانا عند رفع الحجاب وتجلي الحق بصفة جماله ‪َ } ،‬و َمن هيرد أَن هي ِضَل هه { أي‬
‫اإليقان ً‬
‫درهه َضًيقا َحَر ًجا { بحيث ينبو عن‬
‫جع ْل َص َ‬
‫يخلق فيه الضالل بصرف اختياره إليه } َي َ‬
‫(‪)١‬‬
‫قبول الحق‪ ،‬فال يدخله اإليمان ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬من أول هذه اآليات إلى اآلن نجد أن اإليمان والكفر والصالح والفساد كله بيد‬
‫هللا ‪ ،‬ليس بيد العبد شيء ‪.‬فعلى العبد أن يأخذ بالتمسك بالشريعة ألنه تكليف ‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يعتمد إال على هللا ‪ ،‬وال يعتمد على أي شيء آخر‪.‬‬

‫معرفة هللا ال يمكن حصولها بالوصف والتكلم عنها ‪ ،‬ولكنها تحصل للعبد إذا أعطاه‬
‫هللا إياها ‪ ،‬ألن ذات هللا ج َل وعال ال توصف حتى هيتكلم فيها ‪ ،‬لكن هللا تعالى أعطى‬

‫العبد الجزء االختياري ليقوم بالتكاليف الشرعية ‪.‬لذلك فإن الذي يصلي ً‬
‫رياء ال يثاب ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عم ْل‬
‫اء َربه ْف َلي َ‬
‫رجوا لَق َ‬
‫ان َي ه‬ ‫ألنه حصلت له مداخلة ‪ ،‬وبذلك يكون مسئوال ‪َ َ{ :‬‬
‫فمن َك َ‬
‫عمال صالِحا وال ي ِ ِ ِ ِ‬
‫َح ًدا { ] الكهف ‪.]١١٠:‬‬‫شرك ِبعَب َادة َربه أ َ‬ ‫ََ َ ً َ ه‬

‫فالكل بيد هللا ‪ ،‬ولم يبق للعبد إال األخذ بالشريعة ومجاهدة النفس وتوجيه القلب‬
‫إلى الخالق ج َل وعال ‪.‬هذا في وسع العبد وقدرته ‪ ،‬لم هَتسلب منه القدرة والجزء‬
‫االختياري ‪ ،‬واال لما كان هناك فرق بين اإلنسان والبهائم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫فاهلل تعالى أعطانا الوجود ‪ ،‬وخلق فينا القدرة والتمييز بين األخذ بالفعل وتركه ‪،‬‬

‫وأعطانا الجزء االختياري ‪.‬فالخالق للداعي هو هللا ‪ ،‬ومحرك َ‬


‫الداعي هو هللا ‪ ،‬لكن‬

‫للداعي هو اإلنسان ‪ ،‬بالجزء االختياري الذي أعطاه هللا للعبد ‪ ،‬فإن استعمله في‬
‫اآلخذ َ‬

‫الخير فخير ‪ ،‬وان استعمله في الشر فشر‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم ِ‬
‫وفقنا لطاعتك ‪ ،‬واالبتعاد عن مخالفتك ‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫اللفظ الثاني واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫درك حرج ِمْنه لِتْن ِذر ِب ِه وِذ ْكرى لِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين ( ‪)٢‬‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫(ك َتاب أهْن ِز َل ِإ َ‬
‫ليك فال َيكن في َص ِ َ َ َ‬
‫]األعراف ‪]٢ :‬‬

‫در َك َحَرج ِمْن هه { أي شك ما في حقيقته ‪ ،‬كما في قوله‬


‫قوله تعالى ‪َ{:‬فال َيكن ِفي َص ِ‬

‫تعالى ‪َ{:‬فِإن كْنت ِفي َشك ِم َما أ َ‬


‫َنزَلنا ِإ َ‬
‫ليك { ] يونس ‪ ، [ ٩4:‬خال أنه عبر عنه بما‬

‫يالزمه من الحرج ‪ ،‬فإن الشاك يعتريه ضيق الصدر ‪ ،‬كما أن المتيقن يعتريه انشراحه‪.‬‬

‫خاطب به النبي عليه الصالة والسالم والمراد األمة ‪ ،‬أي ‪:‬ال ترتابوا وال تشكوا ‪.‬قوله‪:‬‬

‫} ِمْن هه { متعلق بحرج ‪ ،‬يقال ‪:‬حرج منه أي ضاق به صدره ‪.‬ويجوز أن يكون الحرج‬

‫على حقيقته ‪ ،‬أي ‪:‬ال يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة أن يكذبوك ‪ ،‬فإنه عليه‬

‫الصالة والسالم كان يخاف تكذيب قومه له واعراضهم عنه ‪ ،‬فكان يضيق صدره‬

‫من األداء وال ينبسط له ‪ ،‬فأمنه هللا تعالى ونهاه عن المباالة بهم ‪.‬‬
‫(‪) ١‬‬

‫أقول ‪:‬هذه اآلية الكريمة تدل على أن الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم وأمته‬

‫مأمورون من هللا ج َل جالله بالتبليغ‪ ،‬سواء هَقبل هذا التبليغ أم لم هيقبل ‪.‬فمع أنه معلوم‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫حول التبليغ واإلنذار على رسول‬
‫عند هللا تعالى من يقبل ومن لم يقبل فإنه ج َل وعال َ‬

‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فأمره أن هينذر وال يضيق صدره بذلك ‪ ،‬ليكون } َوِذ ْكَرى‬

‫لِ ِ‬
‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين { الذين ثبت في علم هللا تعالى أنهم يؤمنون ‪ ،‬فإنهم ينتفعون به ‪ ،‬والباقون‬ ‫ه‬

‫استكبار ‪ ،‬فيكون التبليغ واإلنذار حجة عليهم ‪ ،‬ألنهم لم يستعملوا‬


‫ًا‬ ‫ال يؤمنون ً‬
‫عنادا و‬

‫الجزء االختياري في ترجيح اإليمان على الكفر‪.‬‬

‫فعلينا – معاشر المؤمنين ‪ -‬أن نتمسك باألسباب بواسطة الجزء االختياري‬

‫الذي خلقه هللا فينا ‪ ،‬ألننا ال نعرف األزل ‪ ،‬وهل نحن فيه من السعداء أم من‬

‫األشقياء ‪ ،‬واذا لم نتمسك باألسباب فإن هللا تعالى يقول لنا يوم القيامة ‪:‬أما قلنا لكم‪{ :‬‬

‫واَل ِذين جاهدوا ِفينا َل ِ‬


‫نهدَيَن ههم هسهبَلنا} ] العنكبوت ‪ [٦٩:‬؟‪.‬‬ ‫َ َ َ َه َ‬

‫جميعا ‪.‬رَبنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ‪ ،‬وهب لنا من‬


‫ً‬ ‫نرجو هللا تعالى أن هيصلحنا‬

‫لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫اللفظ الثالث واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّلل اَل ِذي‬


‫تحت ِهم األَ ْنهار وقاهلوا ْالحمد َِ ِ‬
‫َ ه‬ ‫َه َ‬ ‫ه‬
‫ورِهم ِمن ِغل تجرِي ِمن ِ‬ ‫نز َعنا َما ِفي هص هد ِ‬
‫( َو َ‬
‫هد َانا لِهذا وما كَنا لِ ِ‬
‫لح ِق َو ه‬
‫نودوا أَن‬ ‫اءت هر هس هل َرَبنا ِب ْا َ‬
‫ّللا َلقد َج َ‬
‫نهتد َي لوال أَن َه َد َانا َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ‬
‫عملو َن )‪ ] (٤٣‬األعراف ‪]٤٣ :‬‬ ‫هورهثتم َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وها ب َما ْكهنتم َت َ‬ ‫تْل هك هم اْل َجَنة أ ِ ه‬

‫نز َعنا { النزع قلع الشيء عن مكانه ‪َ } ،‬ما ِفي هصهد ِ‬


‫ورِهم { قلوبهم‬ ‫قوله تعالى ‪َ {:‬و َ‬

‫} ِمن ِغل { وهو الحقد الكامن والبغض المختفي في الصدور ‪ ،‬أي ‪:‬نخرج من قلوبهم‬

‫أسباب الحقد الذي كان لبعضهم في حق بعض في الدنيا ‪ ،‬فإن ذلك الحقد إنما نشأ من‬

‫التعلق بالدنيا وما فيها ‪ ،‬وبانقطاع تلك العالقة انتهى ما يتفرع عليه من الحقد ‪.‬ومن‬

‫أيضا أن الشيطان كان يلقي الوساوس إلى قلوب بني آدم في الدنيا وقد‬
‫جملة أسبابه ً‬

‫انقطع ذلك في اآلخرة ‪ ،‬بسبب أن الشيطان لما استغرق في عذاب النيران لم يتفرغ‬

‫إللقاء الوسوسة في قلب اإلنسان ‪.‬ويجوز أن يكون المراد ‪:‬نطهر قلوبهم من الغل نفسه‬

‫حتى ال يكون بينهم إال التواد ‪ ،‬يعني ال يحسد بعض أهل الجنة ً‬
‫بعضا إذا رآه أرفع‬

‫درجة منه ‪ ،‬وال يغتم بسبب حرمانه من الدرجات الرفيعة العالية ‪َ{.‬تجرِي ِمن ِ‬
‫تحت ِه هم{‬

‫أي من تحت شجرهم وغرفهم } األَ ْن َه هار { زيادة في لذتهم وسرورهم ‪َ } ،‬وقاهلوا { أي‬

‫ّلل اَل ِذي َه َد َانا { بفضله } لِ َهذا { أي لدين وعمل‬


‫أهل الجنة إذا أروا منازلهم ‪ْ {:‬الحمد َِ ِ‬
‫َ ه‬

‫‪122‬‬
‫ّللا { ووفقنا‬ ‫جزاؤه هذا } وماكَنا لِ ِ‬
‫نهتد َي { أي لهذا المطلب األعلى} لوال أَن َه َد َانا َ ه‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫له‪.‬‬

‫روي عن السدي أنه قال في هذه اآلية ‪:‬إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند‬
‫بابها شجرة في أصل ساقها عينان ‪ ،‬فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من‬
‫غل‪ ،‬وهو الشراب الطهور ‪ ،‬واغتسلوا من األخرى فجرت عليهم نضرة النعيم ‪ ،‬فلم‬
‫يشعثوا ولم يشحبوا بعده أ ًبدا ‪.‬والشعث انتشار شعر الرأس ‪ ،‬ويقال شحب جسمه يشحب‬
‫بالضم إذا تغير ‪.‬وشربوا واغتسلوا ‪ ،‬ويبشرهم خزنة الجنة قبل أن يدخلوها بأن يقولوا‬
‫تعملو َن } [ األعراف ‪ ، [ 43:‬فإذا‬ ‫هورهثتم َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وها ب َما ْكهنتم َ‬ ‫لكم اْل َجَنة أ ِ ه‬
‫لهم ‪ {:‬أَن ت ه‬
‫مد َِّلل {‪.‬واعلم أن الغل من ظلمة‬
‫لح ه‬
‫دخلوها واستقروا في منازلهم منها قالوا ‪ْ {:‬ا َ‬
‫الصفات البشرية وكدورتها ‪ ،‬وطهارة القلوب بنور اإليمان ‪ ،‬واألرواح بماء‬
‫العرفان‪ ،‬واألسرار بشراب طهور تجلي صفات الجمال ‪.‬وليس في صدور أهل الحقيقة‬
‫العقبى(‪.)١‬‬ ‫من غل وغش أصال ‪ ،‬ال في الدنيا وال في‬

‫وقيل ‪:‬إن هذا النزع إنما كان في الدنيا‪ ،‬والمراد عدم اتصافهم بذلك من أول األمر ‪،‬‬
‫أحيانا بالنزع‬
‫ً‬ ‫إال أنه عبر عن عدم االتصاف به مع وجود ما يقتضيه حسب البشرية‬
‫مجاز ‪ ،‬ولعل هذا بالنظر إلى كمل المؤمنين ‪ ،‬كأصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫ًا‬
‫بعضا كمحبته لنفسه ‪.‬أو المراد إزالته بتوفيق‬
‫وسلم ‪ ،‬فإنهم رحماء بينهم ‪ ،‬يحب بعضهم ً‬
‫هللا تعالى قبل الموت بعد أن كان بمقتضى الطباع البشرية ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير األلوسي‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫والحقد هو ضيق الصدر من الغير وهو أصل الحسد ‪ ،‬وهو معصية قلبية تجب التوبة‬
‫منه ومجاهدة النفس لتخلص منه ‪ ،‬ومن هنا افترق كبار الصالحين من صغارهم‪.‬‬
‫واعلم أن الناس ثالثة أقسام ‪:‬قسم خلصت قلوبهم من األمراض الباطنة ‪ ،‬فهم في الدنيا‬
‫الجنة في َّ‬
‫الجنة ‪ ،‬يحبون للناس ما يحبونه ألنفسهم ‪ ،‬وهم األنبياء ومن كان على‬ ‫كأهل َّ‬
‫قدمهم(‪ . )١‬وقسم لم تخلص قلوبهم غير أنهم لم يرضوا ألنفسهم بذلك‪ ،‬ويلومون أنفسهم‬
‫على ما في قلوبهم‪ ،‬وهؤالء المجاهدون ألنفسهم‪ ،‬وال يؤاخذون بذلك حينئذ‪ ،‬وقسم لم‬
‫تخلص قلوبهم وهم راضون ألنفسهم بذلك‪ ،‬وهؤالء فساق(‪ ، )2‬يجب عليهم مجاهدة‬
‫نفوسهم في تخليصهم من تلك اآلفات ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫أقول ‪:‬نزع الغل وان كان في اآلخرة إال أنه يثبت في الدنيا كذلك ‪ ،‬فإذا تمسك‬
‫المؤمن بشرع هللا تعالى وبالسَنة النبوَية مع اإليمان الكامل الشهودي والحضور التام‬

‫الدائم يخرج ما في قلبه من الغل ‪ ،‬ويكون من الذين قال هللا تعالى فيهم ‪َ {:‬و َ‬
‫نز َعنا َما‬
‫ورِهم ِمن ِغل { يثبت له ذلك في الدنيا قبل أن ينتقل لآلخرة ‪.‬فبإتباع السَنة‬
‫ِفي هص هد ِ‬
‫والشريعة‪ ،‬والتجنب عن المعاصي يحصل هذا ‪.‬ثمرة ذلك في الدنيا األذواق الحاصلة‬
‫من اإليمان الشهودي ‪ ،‬وفي اآلخرة جنة الزخارف ‪ ،‬وفوقها مظهر الجمال اإللهي ‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬الطريق ُوضع لهذا‪ ،‬ومن لم يشتغل به حتى يصل إلى النهاية أو إلى جزء منه فدعواه الطريقة‬
‫المحمدية‪ ،‬وهو اإلخالص‪ ،‬فإذا قوي‬
‫َّ‬ ‫والمجاهدة ليست صحيحة‪ ،‬ألن الطريق هو الجزء الثالث من الشريعة‬
‫العبد في ذلك يصل إلى ما كتب هللا له بحسب استعداده‪ ،‬أما إذا ترك المجاهدة فإنه ال يصل إلى شيء منه‪،‬‬
‫ويبقى مع نفسه‪ ،‬فتكون طبيعة وأخالق الذي وصل إلى نهاية الطريق أو إلى جزء منه ثقيلة عليه‪ ،‬ألن‬
‫اإلنسان عدو لما جهل؛ وحينئذ إما أن ينكر عليه في قلبه وينتقده‪ ،‬فيكون سبب حرمانه‪ ،‬واما أن يدفن ذلك‬
‫نار تحرق داخله‪ ،‬ومنهم من يخرج من الطريق ِّ‬
‫بالكلية‪ ،‬فيكون سبب حرمان نفسه‬ ‫استحياء فيكون ًا‬ ‫في قلبه‬
‫ً‬
‫وغيره ‪.‬وكل ذلك ألنه يقيس األولياء والصالحين والمريدين الصادقين على نفسه‪ ،‬وهو ناقص أو محروم‪.‬‬
‫فساق المؤمنين‪ ،‬ال يجاهدون أنفسهم‪ ،‬ويقولون ‪:‬هللا غفور رحيم ‪.‬‬
‫‪- 2‬من َّ‬
‫‪- 3‬تفسير الصاوي‬

‫‪124‬‬
‫كل هذا بترك األوصاف الذميمة من العجب والكبر والرياء واألنانية والحرص على‬

‫الدنيا وحب الرياسة ‪ ،‬ألن هذه األوصاف حجاب بين القلب والرب‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم طهر قلوبنا من ِ‬


‫كل وصف هيباعدنا عن مشاهدتك ومحَبتك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫اللفظ الرابع واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ ِ‬ ‫هد لَِل ِذين ي ِرثو َن األ َ ِ‬


‫( أَولم ي ِ‬
‫ناهم ِب هذنوبِ ِهم َو َ‬
‫نطب هع‬ ‫َصَب ه‬
‫اء أ َ‬
‫َرض من َبعد أَهل َها أَن لو َن َش ه‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫سم هعو َن ( ‪[ ) ١٠٠‬األعراف ‪[١٠٠ :‬‬ ‫فهم ال َي َ‬ ‫َعلى هقلوبِ ِهم ه‬

‫قوله تعالى ‪َ {:‬ون ْطَب هع َعلى هقلوبِ ِهم { قال أُبي بن كعب ‪:‬كان سبق لهم في علمه يوم‬
‫(‪)2( )١‬‬
‫‪.‬‬ ‫أقروا له بالميثاق أنهم ال يؤمنون به‬

‫أقول ‪:‬يلزم على المؤمن العاقل الذي يحب دينه أن ال يميل بقلبه وال بجوارحه إلى‬
‫وآخرته‬
‫وعدمه ه‬
‫ه‬ ‫المعاصي ‪ ،‬ألن المعاصي مخالفة لرضا هللا تعالى ‪ ،‬وحياهة اإلنسان‬
‫بقدرته ج َل وعال ؛ فال بد للمؤمن أن يستنكف عن المعاصي ‪ ،‬ألنها سبب إلهالك‬
‫الناس ‪ ،‬أو سبب لزوال ما أنعم هللا عليهم من أنواع النعم ‪ ،‬فيمكن أن تزول النعم‬
‫بسبب المعاصي ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ {:‬وما أَصابكم ِمن م ِصيبة ف ِبما َكسب ْت أَ ِ‬
‫يديكم َوَي هعفو‬ ‫َ ََ‬ ‫ه َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫عن ِ‬
‫كثير{ ] الشورى ‪]٣٠:‬‬ ‫َ‬

‫كثير في القرآن الكريم وفي األحاديث النبوية ‪ ،‬كما قال‬ ‫هذه التنبيهات الربانية توجد ًا‬
‫ّللا ال ي َغير ما ِبقوم ح َتى ي َغيروا ما ِبأَْن ِ‬
‫فس ِهم{ ] الرعد ‪. ]١١:‬فال بد‬ ‫ِ‬
‫َ ه ه َ‬ ‫ج َل وعال ‪ {:‬إ َن َ َ ه ه َ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬مع إقرارهم ‪ ،‬لكنهم لما جاؤوا إلى الدنيا نسوا ذلك ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير الخازن‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫من الحذر من مخالفة هللا ومخالفة رسوله عليه الصالة والسالم ‪ ،‬حتى ال نكون يوم‬

‫يك‬ ‫ِ ِ‬ ‫القيامة خاسرين ‪ ،‬وال نلوم أنفسنا إذا قيل لنا ‪ {:‬ا ْأ ِ‬
‫وم َعَل َ‬
‫قر ك َت َاب َك َكفى بن ْفس َك اْلَي َ‬‫َ‬

‫َح ِس ًيبا{ ] اإلسراء ‪.]١٤:‬‬

‫قبل أن نذهب ربنا يحذرنا من خسران اآلخرة إن لم نعمل بأوامره ولم نجتنب‬

‫نواهيه ‪.‬واذا قلت ‪:‬كله من عند هللا ‪ ،‬نقول ‪:‬آمنا به ‪ ،‬ولكن لم هيسلب من العبد الجزء‬

‫االختياري ‪ ،‬وهو مكلف به ‪ ،‬ولذا جاء القرآن الكريم يأمرنا باألوامر وينهانا عن‬

‫المعاصي ‪ ،‬فاغتنم هذه الدار قبل أن تنتقل إلى دار تحصل فيها الحسرة‪.‬‬

‫نسأل هللا تعالى التوفيق لنا وللمسلمين أجمعين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫اللفظ الخامس واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫فما كاهنوا لِهي ْؤ ِمنوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قص عليك ِمن أ ِ‬ ‫ِ‬
‫تهم هرهسهل ههم ب ْا َلبَينات َ‬‫اء ه‬ ‫َنبائ َها َوَلقد َج َ‬
‫َ‬ ‫قرى َن ُّ َ َ‬ ‫( تْل َك ْاهل َ‬
‫ِ‬ ‫ّللا َعلى هق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫ين ) ‪[ )١٠١‬األعراف ‪[١٠١ :‬‬ ‫لوب اْل َكاف ِر َ‬ ‫بل كذل َك َي ْطَب هع َ ه‬
‫ب َما كذهبوا من َق ه‬

‫ّللا َعلى‬ ‫ِ‬


‫قوله تعالى ‪ َ{:‬كذل َك َي ْطَب هع { أي مثل ذلك الطبع الشديد المحكم يطبع } َي ْطَب هع َ ه‬
‫ِ‬ ‫هق ِ‬
‫ين { أي من المذكورين وغيرهم فال يكاد يؤثر فيها اآليات والنذر (‪.)١‬‬ ‫لوب اْلكاف ِر َ‬

‫أقول ‪:‬لو لم يتعظ اإلنسان بالقرآن ولم يتعظ بالموت فمعناه إما أن يكون قلبه مطبوع‬
‫عليه بالكفر ‪ ،‬واما أن يكون من فساق هذه األمة ‪.‬من الناس من ينكر الحشر ومنهم‬
‫من ينكر الحساب ‪ ،‬ومنهم من ال يبالي بالكتاب وال بالسَنة وال يعمل بعمل أهل‬
‫الجنة ‪ ،‬ومنهم من يؤمن باهلل وباليوم اآلخر وبالقدر خيره وشره من هللا تعالى لكنهم‬
‫ال يعيشون عيش المؤمنين الموافقين ‪ ،‬بل يصرون على األخطاء والمعاصي‪ ،‬مع‬
‫إقرارهم بأن هذا خالف أمر هللا تعالى ‪ ،‬ولكن لضعف اإليمان وقوة سيطرة النفس‬
‫األمارة ال يتركون ما هم عليه ‪ ،‬وهؤالء أمرهم مفوض إلى هللا تبارك وتعالى‪.‬‬

‫وبما أن القلب محل المعرفة واإلحسان والخيرات والشرور والفساد ‪ ،‬وهو الحاكم‬
‫ذكره في كثير من آيات كتابه الكريم ‪ ،‬منها‬
‫كرر هللا تعالى َ‬
‫على الجسد ‪ ،‬فقد َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫ّللا َعلى هقلوبِ ِهم { [ النحل ‪ ، [ ١٠8:‬هذا الطبع موافق لعلم هللا‬
‫طب َع َ ه‬
‫قوله تعالى ‪َ َ{ :‬‬

‫األ زلي‪.‬‬

‫جميعا ‪ ،‬ألن عذاب هللا ال‬


‫ً‬ ‫إَنا هلل وانا إليه راجعون ‪ ،‬نرجو السالمة لنا وللمسلمين‬

‫هيحتمل ‪ ،‬ولهذا ال َ‬
‫بد أن نستشعر بعظمة هللا ‪ ،‬هذا االستشعار يأتي من هللا باإليمان ‪،‬‬

‫مهملين‬
‫وعلينا أن ال نترك مجاهدتنا ومخالفتنا للنفس والشيطان ‪ ،‬ألننا لسنا َ‬

‫كالبهائم ‪ ،‬فعلينا أن نختار ما ينفعنا عند هللا ج َل وعال بعد الموت‪.‬‬

‫الله َم ِ‬
‫وفقنا لذلك ‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫اللفظ السادس واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ير ِم َن اْل ِجن َو ِ‬ ‫ذرنا لِجهَنم ِ‬


‫َعين ال‬ ‫لهم أ ه‬ ‫ِب َها َو ه‬ ‫قهو َن‬
‫لهم هقهلوب ال َي َف ه‬ ‫س ه‬ ‫اإل ْن ِ‬ ‫كث ًا‬ ‫( َوَلقد َ ْأ َ َ َ‬
‫َض ُّل أ َهو ِلئ َك هه هم‬
‫أَ‬ ‫سم هعو َن ِب َها أ َهو ِلئ َك كاألَ ْن َعامِ َب ْل ههم‬ ‫ِ‬
‫هيبصهرو َن ِب َها َو ه‬
‫لهم َءا َذان ال َي َ‬
‫غافلو َن) ( ‪ [ )١٧٩‬األعراف ‪] ١٧٩ :‬‬ ‫اْل ِ‬

‫س { يعني المصرين‬ ‫ير ِم َن اْل ِجن َو ِ‬


‫اإل ْن ِ‬ ‫ذرنا { خلقنا } لِجهَنم ِ‬
‫كث ًا‬ ‫قوله تعالى ‪َ {:‬وَلقد َ ْأ‬
‫ََ َ‬

‫قهو َن ِب َها { إ ًذا ال‬ ‫قهو َن ِب َها ه‬


‫لهم هقهلوب ال َي َف ه‬ ‫لهم هقهلوب ال َي َف ه‬
‫على الكفر في علمه تعالى} ه‬
‫يلقونها إلى معرفة الحق والنظر في دالئله } ولهم أَعين ال ي ِ‬
‫بصهرو َن ِب َها { أي ال‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ ه‬

‫سم هعو َن { اآليات والمواعظ‬ ‫ينظرون إلى ما خلق هللا نظر اعتبار } َو ه‬
‫لهم َءا َذان ال َي َ‬

‫وتذكر } أ َهو ِلئ َك كاألَ ْن َعامِ { في عدم الفقه واإلبصار لالعتبار واالستماع‬
‫سماع تأمل ُّ‬

‫للتدبر(‪ ، )١‬أو في أن مشاعرهم وقواهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها } َب ْل‬

‫َض ُّل { فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضار ‪ ،‬وتجتهد في جلبها‬
‫ههم أ َ‬

‫ودفعها غاية جهدها ‪ ،‬وهم ليسوا كذلك ‪ ،‬بل أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار‬

‫(‪)2‬‬ ‫{ أهو ِلئك هم اْل ِ‬


‫غافلو َن { الكاملون في الغفلة ‪.‬‬ ‫َ َ هه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬ألنهم لم يستعملوا ما أعطاهم هللا من الحواس فيما خلقت له ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ِ‬
‫َعين ال هيبصهرو َن ِب َها َو ه‬
‫لهم َءا َذان ال‬ ‫قهو َن ِب َها َو ه‬
‫لهم أ ه‬ ‫لهم هقهلوب ال َي َف ه‬
‫فقوله تعالى ‪ {:‬ه‬
‫سم هعو َن ِب َها { يعني ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها هللا ً‬
‫سببا‬ ‫َي َ‬
‫للهداية‪ ،‬كما قال تعالى ‪ {:‬وجعَلنا لهم سمعا وأَبص ا ِ‬
‫مع ههم َوال‬ ‫فما أَ َغنى َع ه‬
‫نهم َس ه‬ ‫ار َوأَ ْفئ َد ًة َ‬
‫َ ََ ه َ ً َ َ ً‬
‫ّللا { [ األحقاف ‪.)١([2٦:‬‬ ‫ات َ ِ‬ ‫أَبصارهم وال أَ ْف ِئ َدتهم ِمن شيء ِإ ذ كاهنوا يجحهدو َن ِبآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ هه َ‬

‫ذرنا ِل َج َهَن َم { قال ‪:‬لقد خلقنا لجنهم‪.‬‬


‫أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ‪َ {:‬وَلقد َ ْأ‬
‫َعين ال‬
‫لهم أ ه‬
‫شيئا من أمر اآلخرة { َو ه‬ ‫قهو َن ِب َها { قال ‪:‬ال يفقهون ً‬
‫لهم هقهلوب ال َي َف ه‬
‫} ه‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬
‫سم هعو َن { الحق ‪ ،‬ثم جعلهم كاألنعام ‪ ،‬ثم‬‫لهم َءا َذان ال َي َ‬ ‫هيبصهرو َن ِب َها { الهدى } َو ه‬
‫َض ُّل { (‪ )3‬ثم أخبر أنهم الغافلون ‪.‬وهللا أعلم(‪.)4‬‬
‫شر من األنعام فقال } َب ْل ههم أ َ‬ ‫جعلهم ًا‬

‫أقول ‪:‬ولذا فإن األولياء الك َمل كلما ارتفع وسما مقامهم عند هللا تعالى يكون خوفهم‬
‫أكثر من رجائهم ‪ ،‬ألنهم يتحسسون بمثل هذه اآلية" ‪:‬ذرأنا "‪ "، ...‬جعلنا "‪ ، ...‬والذي‬
‫بشر ‪ ،‬بل هو خالق البشر ‪ ،‬وال نعرف نحن من أي صنف ‪.‬إال أن‬
‫يحكم بهذا ليس ًا‬

‫أحيانا يكون ً‬
‫غالبا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الرجاء‬

‫نرجو هللا تعالى السالمة‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬الذي يكون على هذا المنوال يأخذ سيرة الكافرين والمنافقين ولو كان ً‬
‫مؤمنا‪ ،‬ألن هذه سيرة من ال‬
‫يعرفون إال الحياة الدنيا ‪.‬وهذه األخالق ال توافق المؤمنين ً‬
‫أبدا‪ ،‬فالمؤمن يقدم أمامه آخرته ويشتغل بدنياه‬
‫كذلك‬
‫أحيانا يذهبون إلى المذبحة وبعضهم‬
‫‪- 3‬ألن الحيوان ليس عليه شيء من التكاليف‪ ،‬ولهم دنياهم فقط ‪ً .‬‬
‫يخرجون على بعض‪.‬‬
‫‪- 4‬تفسير الدر المنثور‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫اللفظ السابع واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا و ِجلت هقلوبهم وِاذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يماًنا‬ ‫تلَي ْت َعلي ِهم ء َاي هات هه َزَاد ه ِ‬
‫تهم إ َ‬ ‫َ‬ ‫هه َ‬ ‫لم ْؤ ِمنو َن اَلذ َ‬
‫ين ِإذا ذكَر َ ه َ‬ ‫ِ‬
‫( إَن َما ْا ه‬
‫نفقو َن ( ‪ )٣‬أ ِ‬ ‫الصالة و ِم َما رَزَقناهم ي ِ‬ ‫َِ ِ‬
‫هولئ َك هه هم‬ ‫ه ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يمو َن َ‬ ‫َو َعلى َرب ِهم َي َ‬
‫توَكلو َن ( ‪ )٢‬الذي َن هيق ه‬
‫لهم َدَر َجات ِعْن َد َرب ِهم َو َم ْغ ِفَرة َو ِرزق َك ِريم ) ‪] (٤‬األنفال ‪]٤ - ٢ :‬‬
‫لم ْؤ ِمنو َن َحَقا ه‬ ‫ْا ه‬

‫لم ْؤ ِمنو َن‬ ‫ِ‬


‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي هللا عنهما في قوله ‪ {:‬إَن َما ْا ه‬

‫ّللا َو ِج ْ‬ ‫اَل ِذ ِ ِ‬
‫لوب ههم { قال ‪:‬المنافقون ال يدخل َ‬
‫قلوبهم شيء من ذكر هللا‬ ‫لت هق ه‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬
‫َ‬

‫عند أداء فرائضه ‪ ،‬وال يؤمنون بشيء من آيات هللا ‪ ،‬وال يتوكلون ‪ ،‬وال يصلون إذا‬

‫غابوا ‪ ،‬وال يؤدون زكاة أموالهم ‪ ،‬فأخبر هللا تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ‪ ،‬ثم وصف هللا‬

‫لوب ههم { فأدوا فرائضه‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬ ‫المؤمنين فقال ‪ِ {:‬إَنما ْالم ْؤ ِمنو َن اَل ِذ ِ ِ‬
‫لت هق ه‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬
‫َ‬ ‫َ ه‬

‫تصديقا } َو َعلى َرب ِهم‬ ‫يماًنا { يقول ‪:‬زادتهم‬ ‫} َواِذا تلَِي ْت َعلي ِهم ء َاي هات هه َزَاد ه ِ‬
‫ً‬ ‫تهم إ َ‬ ‫َ‬

‫توَكلو َن { يقول ‪:‬ال يرجون غيره ‪.‬وقال مجاهد ‪َ {:‬و ِجلت هقهل ه‬
‫وب ههم { فرقت‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫َي َ‬

‫فزعت وخافت ‪.‬وكذا قال السدي وغير واحد ‪.‬وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا‬

‫ِ‬
‫ذكر هللا وجل قلبه ‪ ،‬أي خاف منه ففعل أوامره وترك زواجره ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ {:‬واَلذ َ‬
‫ين‬

‫ّللا فاست ْغفروا لِ هذنوبِ ِهم ومن ي ْغ ِفر ُّ‬


‫الذ َ ِ‬ ‫ِإذا فعلوا َف ِ‬
‫نوب إالَ َ ه‬
‫ّللا‬ ‫ََ َ ه‬ ‫ه‬ ‫ذكروا َ َ‬
‫فس ههم ه‬
‫لموا أهَن َ‬
‫ظه‬ ‫احش ًة أَو َ‬ ‫َ‬

‫لمو َن } ] آل عمران ‪ ، [ ١35:‬وكقوله تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬


‫فعلو َاو ههم َي َع ه‬
‫َولم هيصُّروا َعلى َما َ‬

‫لمأ َْوى{‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َع ِن ْا َ ى‬ ‫ِ‬


‫له َو (‪َ )٤٠‬فإ َن اْل َجَنة ه َي ْا َ‬ ‫نهى الَن ْف َ‬ ‫} َوأَ َما َمن خاف َمَق َ‬
‫ام َربه َو َ‬

‫‪132‬‬
‫[ النازعات ‪ ، [4١-4٠:‬ولهذا قال سفيان الثوري ‪:‬سمعت السدي يقول في قوله تعالى ‪:‬‬

‫لوب ههم { قال ‪:‬هو الرجل يريد أن يظلم أو‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬ ‫} ِإَنما ْالم ْؤ ِمنو َن اَل ِذ ِ ِ‬
‫لت هق ه‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬
‫َ‬ ‫َ ه‬

‫قال يهم بمعصية فيقال له ‪:‬اتق هللا ‪ ،‬فيجل قلبه ‪.‬وقال الثوري ً‬
‫أيضا عن عبد هللا بن‬

‫ِ‬
‫لم ْؤ ِمنو َن اَلذ َ‬
‫ين ِإذا‬ ‫ِ‬
‫عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء في قوله ‪ {:‬إَن َما ْا ه‬

‫لوب ههم { قالت ‪:‬الوجل في القلب كاحتراق السعفة(‪ ، )١‬أما تجد‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬ ‫ِ‬
‫لت هق ه‬ ‫ذكَر َ ه‬

‫قشعريرة؟ قال ‪:‬بلى ‪ ،‬قالت ‪:‬إذا وجدت ذلك فادع هللا عند ذلك فإن الدعاء ُيذهب ذلك‪.‬‬

‫نهم‬ ‫ِ‬ ‫يماًنا { كقوله ‪َ {:‬واِذا َما أ ِ‬ ‫وقوله ‪َ {:‬واِذا تلَِي ْت َعلي ِهم ء َاي هات هه َزَاد ه ِ‬
‫ورة فم ه‬
‫هنزلت هس َ‬ ‫تهم إ َ‬ ‫َ‬
‫فزَادتهم ِإيماًنا و ههم يس ِ‬
‫تبشهرو َن{‬ ‫ِ‬
‫يماًنا فأَ َما اَلذ َ‬ ‫ِِ ِ‬
‫امنوا َ ه َ َ َ َ‬ ‫ين َء َ‬ ‫قول أَُّيكم َزَاد ْت هه َهذه إ َ‬
‫َمن َي ه‬

‫] التوبة ‪ ، [ ١24:‬وقد استدل البخاري وغيره من األئمة بهذه اآلية وأشباهها على زيادة‬

‫اإليمان وتفاضله في القلوب كما هو مذهب جمهور األمة ‪ ،‬بل قد حكى اإلجماع عليه‬

‫غير واحد من األئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد ‪َ } ،‬و َعلى َرب ِهم َي َ‬
‫توَكلو َن{‬

‫أي ال يرجون سواه ‪ ،‬وال يقصدون إال إياه ‪ ،‬وال يلوذون إال بجنابه ‪ ،‬وال يطلبون‬

‫الحوائج إال منه ‪ ،‬وال يرغبون إال إليه ‪ ،‬ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪،‬‬

‫وأنه المتصرف في الملك وحده ‪ ،‬ال شريك له وال معقب لحكمه وهو سريع الحساب‪.‬‬

‫اإليمان(‪.)2‬‬ ‫ولهذا قال سعيد بن جبير ‪:‬التوكل على هللا جماع‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬السعفة ‪:‬ورق النخل ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫خائفا من هللا‪ ،‬ونظيره قوله تعالى‪:‬‬
‫مؤمنا إذا كان ً‬ ‫والمراد أن المؤمن إنما يكون ً‬
‫(‪)١‬‬

‫ين ههم ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين َيخشو َن َرَب ههم { ] الزمر ‪ ، [ 23:‬وقوله ‪ {:‬اَلذ َ‬ ‫شعُّر ِمْن هه هج ه‬
‫لود اَلذ َ‬
‫} ْتق ِ‬
‫شفقو َن { ]المؤمنون ‪ ، [5٧:‬وقوله ‪ {:‬اَل ِذين هم ِفي ص ِ‬
‫الت ِهم ِ‬
‫خاش هعو َن{‬ ‫خشي ِة رب ِهم م ِ‬
‫َ‬ ‫َ ه‬ ‫ه‬ ‫َْ َ‬
‫[ المؤمنون ‪[2:‬‬
‫لم ْؤ ِمنو َن { أي الكاملون في اإليمان‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫قال الشيخ إسماعيل حقي البروسوي ‪ {:‬إَن َما ْا ه‬
‫وب ههم { من هيبة الجالل‬ ‫ّللا { عندهم } َو ِج ْ‬ ‫المخلصون فيه } اَل ِذ ِ ِ‬
‫لت قهل ه‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬‫َ‬
‫وتصور عظمة المولى الذي ال يزال ‪ ،‬وهذا الخوف الزم ألهل كمال اإليمان سواء كان‬
‫نقيا ‪ ،‬وهذا بخالف خوف العقاب ‪ ،‬فإنه ال‬
‫تقيا ً‬
‫مؤمنا ً‬
‫نبيا مرسال أو ً‬
‫ملكا مقرًبا أو ً‬
‫ً‬
‫انتقاما من العصاة ‪ ،‬وأين‬
‫ً‬ ‫يحصل بمجرد ذكر هللا بل بمالحظة المعصية وذكر عقاب هللا‬
‫من يهم بمعصية فيقال له ‪:‬اتق هللا ‪ ،‬فينزع عنها خوًفا من عقابه ممن ينزع بمجرد‬
‫استعظاما لشأنه‬
‫ً‬ ‫ذكره من غير أن يذكر ‪.‬هناك ما يوجب النزع من صفاته وأفعاله‬
‫وتهيبا منه‪.‬‬
‫ً‬ ‫الجليل‬

‫واعلم أن شأن نور اإليمان أن يرقق القلب ويصفيه عن كدورات صفات النفس‬
‫وظلماتها ويلين قسوته فيلين إلى ذكر هللا ويجد شوًقا إلى هللا ‪ ،‬وهذا حال أهل البدايات ‪،‬‬
‫وأما حال أهل النهايات فالطمأنينة والسكون بالذكر ‪.‬ولما جاء قوم حديثوا عهد باإلسالم‬
‫فسمعوا القرآن كانوا يبكون ويتأوهون ‪ ،‬فقال أبو بكر رضي هللا عنه ‪ :‬هكذا كنا في‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫مؤمنا كامال ‪.‬‬
‫‪- ١‬أي ‪ً :‬‬
‫‪- 2‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫بداية اإلسالم ثم قست قلوبنا ‪ ،‬يشير بذلك إلى نهايته في االطمئنان ‪َ }.‬واِذا تلَِي ْت { قرئت }‬

‫تهم { أي تلك اآليات‬


‫ونهيا وغير ذلك } َزَاد ه‬
‫أمر ً‬‫َعلي ِهم َء َاي هات هه { أي آيات هللا‪ ،‬يعني القرآن ًا‬

‫ِ‬
‫قينا وطمأنينة نفس ‪ ،‬فإن تظاهر األدلة وتعاضد‬ ‫‪-‬واإلسناد مجازي ‪ } -‬إ َ‬
‫يماًنا { أي ي ً‬

‫الحجج والبراهين موجب لزيادة االطمئنان وقوة اليقين‪.‬‬

‫قال الفاضل التفتازاني وتبعه المولى أبو السعود في تفسيره ‪:‬إن نفس التصديق مما‬

‫يقبل الزيادة والنقصان ‪ ،‬للفرق الظاهر بين يقين األنبياء وأرباب المكاشفات وبين يقين‬

‫األمة ‪ ،‬ولهذا قال أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه ( لو كشف الغطاء ما ازددت‬

‫يقينا ) ‪ ،‬وكذا بين ما قام عليه دليل واحد من التصديقات وما قامت عليه أدلة كثيرة ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬
‫ً‬

‫اثقا بوعد هللا ووعيده كان من المتوكلين عليه ال على‬


‫واعلم أن المؤمن إذا كان و ً‬

‫غيره‪ ،‬وهي درجة عالية ومرتبة شريفة ‪ ،‬ألن اإلنسان يصير بحيث ال يبقى له اعتماد‬

‫في شيء من أموره إال على هللا عز وجل ‪.‬واعلم أن هذه المراتب الثالث أعني ‪:‬الوجل‬

‫عند ذكر هللا ‪ ،‬وزيادة اإليمان عند تالوة القرآن ‪ ،‬و ُّ‬
‫التوكل على هللا ‪ ،‬من أعمال‬

‫القلوب ‪.‬ولما ذكر هللا سبحانه وتعالى هذه الصفات الثالث أتبعها بصفتين من أعمال‬

‫الصالة و ِم َما رَزَقناهم ي ِ‬


‫نفقو َن { يعني ‪:‬يقيمون الصالة‬ ‫يمو َن َ‬ ‫َِ ِ‬
‫ه ه‬ ‫َ َ‬ ‫الجوارح ‪ {:‬الذي َن هيق ه‬

‫المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها ‪ ،‬وينفقون أموالهم فيما أمرهم هللا به من‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫اإلنفاق فيه ‪ ،‬ويدخل فيه النفقة في الزكاة والحج والجهاد وغير ذلك من اإلنفاق في‬
‫(‪)١‬‬
‫أنواع البر والقربات ‪.‬‬
‫أقول ‪:‬الذين أوفوا بهذه األوصاف الخمسة] ثالثة قلبية‪ ،‬واثنان جوارحية [‪ -‬التي‬
‫هي عمدة الظاهر والباطن ‪ -‬رَتب هللا تعالى على ذلك شهادة لهم بقوله ‪ {:‬أ ِ‬
‫هولئ َك هه هم‬ ‫ه‬
‫لهم َدَر َجات ِعْن َد َرب ِهم { أي مقامات } َو َم ْغ ِفَرة { أي‬
‫لم ْؤ ِمنو َن َحَقا { ووعدهم بأن } ه‬
‫ْا ه‬
‫ستر للذنوب } َو ِرزق َك ِريم { هو الجنة ‪.‬فعلى المؤمن أن يغتنم هذه النعمة الكبيرة ‪،‬‬
‫ويتصف بهذه األوصاف الخمسة ‪ ،‬وذلك رغم أنف من يقول ‪:‬نحن نتمسك بظاهر‬
‫الشريعة ‪ ،‬نقول له ‪:‬هذا جيد ‪ ،‬ولكن كيف نترك األوصاف الثالثة األولى؟ !فاآلية تدل‬
‫على أن هذه األمور القلبية ‪:‬من وجل القلب ‪ ،‬وزيادة اإليمان ‪ ،‬والتوكل على هللا ‪ ،‬قد‬
‫وجَهنا هللا تعالى إليها مع ظاهر الشريعة ‪ ،‬من إقامة الصالة والصوم والحج والزكاة‬
‫واإلنفاق ‪.‬وعن أبي هريرة رضي هللا عنه أنه قال ‪:‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم »‬
‫‪ :‬اإليمان بضع وسبعون شعبة ‪ ،‬أعالها شهادة أن ال إله إال هللا ‪ ،‬وأدناها‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز‬ ‫(‪)٢‬‬
‫إماطة األذى عن الطريق ‪ ،‬والحياء شعبة من اإليمان»‬
‫رضي هللا عنه أنه قال ‪ (:‬إن لإليمان هس ًننا وفرائض وشرائع‪ ،‬فمن استكملها استكمل‬
‫اإليمان‪ ،‬ومن لم يستكملها لم يستكمل اإليمان(‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من أهل اإليمان الكامل‪ ،‬بفضلك وكرمك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الخازن ‪.‬‬
‫‪- 2‬أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي هللا عنه‬

‫‪136‬‬
‫اللفظ الثامن واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا ِإالَ بشرى ولِت ْطم ِئ َن ِب ِه هقلوبكم وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ‬
‫ّللا ِإ َن‬ ‫ه‬ ‫ه ََ‬ ‫له َ ه ه َ َ َ‬ ‫( َو َما َج َع ه‬
‫ّللا َع ِزيز َح ِكيم (‪[ )١٠‬األنفال ‪[١٠ :‬‬ ‫ََ‬

‫بعضا‬ ‫ّللا ِإالَ هب َ‬


‫شرى { لم يجعل هللا إرداف المالئكة بعضها ً‬ ‫له َ ه‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬و َما َج َع ه‬

‫وتتابعها بالمصير إليكم أيها المؤمنون ً‬


‫مددا لكم إال بشرى لكم‪ ،‬أي ‪:‬بشارة لكم تبشركم‬

‫ِ ِ‬
‫بنصر هللا إياكم على أعدائكم ‪َ {.‬ولِت ْط َمئ َن ِبه هق ه‬
‫لوبكم { يقول ‪:‬ولتسكن قلوبكم بمجيئها‬

‫إليكم‪ ،‬وتوقن بنصرة هللا لكم ‪ } ،‬وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ‬
‫ّللا { يقول ‪:‬وما تنصرون‬ ‫ه‬ ‫ََ‬

‫على عدوكم أيها المؤمنون إال أن ينصركم هللا عليهم‪ ،‬ال بشدة بأسكم وقواكم‪ ،‬بل بنصر‬

‫ّللا َع ِزيز َح ِكيم {‪.‬‬


‫(‪)١‬‬ ‫ِ‬
‫هللا لكم‪ ،‬ألن ذلك بيده واليه‪ ،‬ينصر من يشاء من خلقه ‪ {.‬إ َن َ َ‬

‫ِ ِ‬ ‫ِّ‬
‫قال الشيخ إسماعيل حقي البروسوي ‪َ {:‬ولِت ْط َمئ َن ِبه { أي باإلمداد } هق ه‬
‫لوبكم{‬

‫فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم ‪.‬وفي ََقصر اإلمداد عليها إشعار بعدم مباشرة‬

‫المالئكة للقتال ‪ ،‬وانما كان إمدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سوادهم ونحوه ‪،‬‬

‫ولو بعثهم هللا بالمحاربة لكان يكفي َملك واحد ‪ ،‬فإن جبريل أهلك بريشة واحدة من‬

‫سبعا من مدائن قوم لوط ‪ ،‬وأهلك بصيحة واحدة جميع بالد ثمود ‪.‬قال الحدادي‬
‫جناحه ً‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الطبري‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫وهذا القول أقرب إلى ظاهر اآلية ‪ ،‬وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم األحزاب ويوم‬
‫(‪)١‬‬
‫حنين ‪.‬‬
‫أقول ‪:‬هذه البشرى بنزول المالئكة وان كانت خاصة بأصحاب الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ ،‬لكنها تحصل لغيرهم من المؤمنين عند سكرات الموت ‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪:‬‬
‫نزل علي ِهم اْلم ِ‬ ‫ِ‬
‫الئكة أَالَ تخاهفوا َوال َ‬
‫تحزنوا‬ ‫قاموا َت َت َ ه َ ه َ‬
‫اس َت ه‬
‫ّللا ث َم َ‬ ‫} ِإ َن اَلذ َ‬
‫ين قاهلوا َرُّبنا َ ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫توع هدو َن{ ] فصلت ‪ ، [ ٣٠:‬فكل مؤمن إذا حضره الموت‬ ‫َوأَبشهروا ِباْل َجَنة اَلتي ْكهنتم َ‬
‫يرى مقامه الذي ثبت له بعمله الصالح ومن فضل ربه ج َل وعال ‪ ،‬هذا من ثمرات‬

‫اإليمان ‪.‬ومن ثمرات اإليمان بشرى أخرى ‪ ،‬وهي أن المؤمن إذا كان إيمانه ً‬
‫قويا‬
‫وانتقل اعتقاده إلى اإليقان ‪ ،‬فإن هذا اإليقان باإليمان يختلط بسويداء قلبه ‪ ،‬فال تصل‬
‫الب ْشَرَيان تحصالن للمؤمن عند االحتضار ؛ وبعد‬
‫إليه يد الشيطان عند النزع ‪.‬هاتان ه‬
‫دخول القبر تكون روحه في عالم البرزخ في مجمع جماعة الرسول األعظم صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫وهناك بشرى ثالثة تحصل قبل ذلك في الدنيا ‪ ،‬لمن تمسك بكتاب هللا وبشرع هللا‬
‫وبسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبكثرة الذكر مع اإلخالص في العبادة ‪ ،‬فإنه‬

‫الراحمين‪ ،‬ويعلم بإيمانه القوي أنه وان كان ً‬


‫ناقصا ‪،‬‬ ‫يثبت عنده بإيمانه أن ربه أرحم َ‬
‫وعمله غير الئق بربه ج َل وعال ‪ ،‬فإن ربه ال ينظر إلى ضعفه وعجزه وعمله المختلط‬
‫والمشوب ‪ ،‬لكنه تعالى بفضله يعفو عنه ؛ هذه البشرى هي نوع من النفحات اإللهية‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫تحصل في وجدان المؤمن وهو في الدنيا ‪ ،‬إذا كان ‪ -‬مع عجزه وضعفه وفقره‪-‬‬

‫افقا لشرع هللا تعالى ‪ ،‬فيكون رجاؤه باهلل أقوى من رؤيته لضعفه ‪.‬ومن البشائر‬
‫مو ً‬

‫أيضا الرؤيا الصالحة ‪ ،‬يراها المؤمن أو هَترى له‪.‬‬


‫ً‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الله َم اجعلنا من الذين تقول لهم المالئكة ‪َ {:‬وأَبشهروا ِباْل َجَنة اَلتي ْكهنتم َ‬
‫توعهدو َن }‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫اللفظ التاسع واألربعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫طهركم ِب ِه َوهي ْذ ِه َب َعنكم‬ ‫اء م ِ‬


‫اء لهي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زل َعليكم م َن ال َس َم َ ً‬
‫ِ‬
‫َمن ًة مْن هه َوهيَن ه‬
‫اس أ َ‬ ‫يكم ُّ‬
‫الن َع َ‬
‫ِ ِ‬
‫( إذ هيغش ه‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫طِ ِ‬ ‫جز َ‬
‫ام ( )‪[ )١١‬األنفال ‪[١١:‬‬ ‫ان َولَيربِط َعلى هقلوبكم َوهيثبت به األَ ْق َد َ‬ ‫الشي َ‬ ‫ِر َ‬

‫َمن ًة ِمْن هه { أي واذكر إذ يلقي عليكم النعاس‬


‫اس أ َ‬ ‫يكم ُّ‬
‫الن َع َ‬
‫ِ ِ‬
‫قوله سبحانه وتعالى ‪ {:‬إذ هيغش ه‬
‫أمانا من هللا لكم من عدوكم أن يغلبكم ‪ ،‬قال ابن‬ ‫‪-‬وهو النوم الخفيف ‪ -‬أمنة منه أي ً‬
‫مسعود رضي هللا عنه ‪ :‬النعاس في القتال أمنة من هللا وفي الصالة من الشيطان‪.‬‬
‫والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال أن الخائف على نفسه ال يأخذه النوم ‪ ،‬فصار‬
‫حصول النوم وقت الخوف الشديد دليال على األمن وازالة الخوف ‪ ،‬وقيل ‪:‬إنهم لما‬
‫عطشا‬
‫ً‬ ‫خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم وقلة المسلمين وقلة عددهم وعطشوا‬
‫شديدا ألقى هللا عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة وزال عنهم الظمأ والعطش وتمكنوا‬
‫ً‬
‫خفيفا بحيث لو قصدهم العدو‬
‫من قتال عدوهم ‪ ،‬فكان ذلك النوم نعمة في حقهم ألنه كان ً‬
‫لعرفوا وصوله إليهم وقدروا على دفعه عنهم ‪.‬وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من هللا‬
‫وحصول النعاس لهذا‬
‫ُ‬ ‫تعالى أنه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة فناموا كلهم مع كثرتهم ‪،‬‬
‫الجمع الكثير مع وجود الخوف الشديد أمر خارج عن العادة ‪ ،‬فلهذا السبب قيل ‪:‬إن ذلك‬
‫النعاس كان في حكم المعجزة ألنه أمر خارق للعادة (‪. )١‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الخازن‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫طهركم ِب ِه { فإن ذلك مطر أنزله‬ ‫اء م ِ‬
‫اء لهي َ‬
‫وأما قوله تعالى ‪ {:‬ويَنزل عليكم ِمن َ ِ‬
‫الس َم َ ً‬ ‫َ‬ ‫َه ه َ‬

‫هللا من السماء يوم بدر ‪ ،‬ليطهر به المؤمنين لصالتهم ‪ ،‬ألنهم كانوا أصبحوا يومئذ‬

‫ُمجِّنبين على غير ماء ‪ ،‬فلما أنزل هللا عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا ‪.‬وكان الشيطان‬

‫وسوس لهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء ‪ ،‬فأذهب هللا ذلك من‬

‫قلوبهم بالمطر ‪ ،‬فذلك ربطه على قلوبهم وتقويته أسبابهم وتثبيته بذلك المطر أقدامهم ‪،‬‬

‫ألنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة هشاء فلبدها المطر حتى صارت األقدام عليها‬

‫ثابتة ال تسوخ فيها ‪ ،‬توطئة من هللا عز وجل لنبيه عليه الصالة والسالم وأوليائه أسباب‬

‫التمكن من عدوهم والظفر بهم ‪.‬وبمثل الذي قلنا تتابعت األخبار عن رسول هللا صلى هللا‬

‫عليه وسلم وغيره من أهل العلم ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫وقوله تعالى ‪َ {:‬ولَِيربِط َعلى هقلو ِبكم { الربط ‪:‬الشد والتقوية‪ ،‬وعلى ‪:‬صلة ‪.‬والمعنى‪:‬‬

‫وليربط قلوبكم ويشدها ويقويها بجعلها واثقة بلطف هللا تعالى وكرمه‪ ،‬وجيء بكلمة‬

‫} َعلى { لإليذان بأن قلوبهم امتألت من ذلك الربط حتى كأنه عال عليها وارتفع فوقها‬

‫ام { حتى ال تسوخ في الرمل ‪.‬ويجوز أن يكون‬ ‫ِِ‬


‫} َوهيثبت به { أي بذلك الماء } األَ ْق َد َ‬

‫الضمير للربط ‪ ،‬فإن األقدام إنما تثبت في الحرب بقوة القلب وتمكن الصبر والجراءة‬

‫(‪)2‬‬
‫فيه ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الطبري ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‬

‫‪141‬‬
‫أحيانا يكون النسيان نعمة‪ ،‬فالصحابة الكرام ‪ -‬رضي هللا تعالى عنهم‪-‬‬
‫أقول ‪ً :‬‬

‫بغشيان النعاس نسوا ما هم فيه من الشدائد‪.‬‬

‫عد ِعْلم ً‬
‫شيئا {‬ ‫لم َب َ‬ ‫ِ‬ ‫وكذلك فإن اإلنسان إذا كبر سنه هي ُّ‬
‫رد إلى أرذل العمر } لكي ال َي َع َ‬

‫] النحل ‪ ، [ ٧٠:‬حتى ال يتألم بأي شيء مضى ‪ ،‬من األلم والمرض وظلم الناس وغير‬

‫ذلك ‪.‬فاهلل تعالى أنزل النعاس على الصحابة الكرام رضي هللا عنهم حتى نسوا ما حصل ‪.‬‬

‫هذا من فضله ج َل وعال على عباده ‪ ،‬وهو من جملة نعمه التي ال تعد‬

‫عليهم ‪ ،‬وهي تأتي وتذهب ونحن ال نشعر بها ‪ ،‬ألننا ال نتف َكر في ذلك ‪.‬فاإلنسان‬

‫يمينا وشماال ‪ ،‬وهذا يدل على ضعفنا‬


‫جديدا ينظر إليه ً‬
‫ثوبا ً‬
‫ضعيف عاجز ‪ ،‬إذا لبس ً‬

‫وعجزنا ‪ ،‬وعلى عدم معرفتنا بأنفسنا وبخالقنا‪.‬‬

‫نتعرف عليك ‪ ،‬ألن من عرف نفسه عرف رَبه‪.‬‬


‫الله َم عرفنا على أنفسنا حتى َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫اللفظ الخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫هلقي ِفي هق ِ ِ‬ ‫الئ ِ‬


‫كة أَِني معكم َفثبتوا اَل ِذين ءامنوا سأ ِ‬ ‫وحي رُّبك ِإلى اْلم ِ‬
‫لوب اَلذ َ‬
‫ين‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫( ِإ ذ هي ِ َ َ‬
‫اق و ِ ِ‬
‫نهم ك َل َبنان) ( ‪[ )١٢‬األنفال ‪[١٢:‬‬‫اضرهبوا م ه‬ ‫فاضرهبوا فوق األَعَن ِ َ‬
‫ِ‬ ‫عب‬
‫الر َ‬
‫فروا ُّ‬
‫َك ه‬

‫ِ‬
‫امنوا { بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تقوى‬ ‫قوله تعالى ‪َ {:‬ف هثبتوا اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫به قلوبهم ‪ ،‬والتثبيت عبارة عن الحمل على الثبات في مواطن الحرب ‪ ،‬والجد في‬
‫هلقي ِفي هق ِ ِ‬
‫مقاساة شدائد القتال } سأ ِ‬
‫عب { أي ‪:‬سأقذف في قلوبهم‬
‫الر َ‬
‫فروا ُّ‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫ين َك ه‬ ‫َ‬
‫المخافة من المؤمنين ‪ ،‬وهو تلقين للمالئكة ما يثبتونهم به ‪ ،‬كأنه قيل ‪:‬قولوا لهم قولي‪:‬‬
‫(‪)١‬‬
‫‪...‬الخ‪.‬‬ ‫سألقي‬

‫أقول ‪:‬إعانة هللا ج َل جالله لعباده ال يشترط أن تكون مباشرة ‪ ،‬فإن هللا تعالى بإرادته‬
‫عَلق اإلعانة باألسباب ‪ ،‬ومن جملة األسباب جند هللا تعالى المالئكة ‪ ،‬فأوحى إليهم أن‬
‫يعينوا المسلمين المؤمنين بما أمرهم به ‪ ،‬سواء بإلقاء الرعب في قلوب الكفار أو‬
‫بضربهم مباشرة أثناء الحرب‪.‬‬

‫وكذلك المؤمن إذا أراد أن يستعمل جزأه االختياري فيما أمره هللا ج َل وعال فإنه‬
‫يرى العجز والضعف والفقر ‪ ،‬ولكن هللا ج َل جالله يعطيه األسباب ‪ ،‬فيقوي‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫عجزه بتوفيقه ‪ ،‬وضعفه بقوته ‪ ،‬وفقره بغناه ؛ حينذاك يحرك هللا بإرادته األسباب‬

‫لتقويته واصالحه ‪ ،‬فيتمسك العبد بهذه األسباب ‪ ،‬ويقول ‪:‬إني فعلت كذا وكذا ؛ نعوذ‬

‫يسر له‬
‫شيئا بنفسه ‪ ،‬لكن الخالق ج َل وعال َ‬
‫باهلل ‪ ،‬هذا شأن الغافلين ‪.‬العبد لم يفعل ً‬

‫األسباب وهيأها له ‪ ،‬فليس له الحق أن يتملك اإلنعام اإللهي ‪ ،‬ألن ذلك خالف الحق‬

‫بعد العبد عن نفسه وقوي إيمانه فإنه يعرف أن هذا ليس من شأنه‬
‫والحقيقة ‪.‬أما إذا ه‬

‫وال من ضعفه ‪ ،‬بل من ربه ‪ ،‬فيحصل له التوكل‪.‬‬

‫فباألخذ باألسباب تحصل الفرصة والنجاح والظفر ‪ ،‬وبتفويض هذه األسباب إلى هللا‬

‫يقوى اإليمان ‪ ،‬فيكون العبد من المتوكلين وال يغتر بنفسه‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من المتوكلين عليك ‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪144‬‬
‫اللفظ الحادي و الخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫تجيبوا َِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ّللا‬
‫َن َ َ‬
‫لموا أ َ‬
‫اع ه‬
‫ّلل َولِ َلرس ِ‬
‫ول ِإذا َد َعاكم ل َما هيحِييكم َو َ‬ ‫ه‬ ‫اس ِ ه‬ ‫امنوا َ‬ ‫( َياأَُّي َها اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫تحشهرو َن ( )‪ ]( ٢٤‬األنفال ‪[٢٤:‬‬ ‫ليه َ‬ ‫يحول بين ْالمرِء وْقل ِب ِه وأََنه ِإ ِ‬
‫َ ه‬ ‫َه ه َ َ َ َ‬

‫ين اْل َمرِء َوقْل ِب ِه { قال ابن عباس رضي هللا‬


‫ول َب َ‬
‫ّللا َي هح ه‬
‫َن َ َ‬
‫لموا أ َ‬
‫اع ه‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬و َ‬

‫عنهما ‪:‬يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين اإليمان ‪.‬رواه الحاكم في‬

‫مستدركه موقوًفا وقال صحيح‪.‬‬

‫قال اإلمام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حيوة أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا‬

‫عبد الرحمن الحبلي أنه سمع عبد هللا بن عمرو أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫يقول‪ » :‬إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف‬

‫شاء« ثم قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا‬

‫(‪)2( )١‬‬
‫‪.‬‬ ‫إلى طاعتك«‬

‫قال في القاموس ‪:‬كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما ‪.‬وهو تمثيل لغاية قربه من‬

‫العبد ‪ ،‬وهو أقرب إلى قلبه منه ‪ ،‬ألن ما حال بينك وبين الشيء فهو أقرب إلى الشيء‬

‫منك ‪ ،‬وتنبيه على أنه َّ‬


‫مطلع من مكنونات القلوب على ما عسى يغفل عنه صاحبها‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري ‪ ،‬فرواه مع النسائي من حديث حيوة بن شريح المصري ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫قال علي رضي هللا عنه ‪ ( :‬اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني ) ‪ ،‬أو حث على‬

‫المبادرة إلى إخالص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول هللا بينه وبين القلب بالموت أو‬

‫غيره من اآلفات ‪ ،‬كأنه قيل بادر إلى تكميل النفوس وتصفية القلوب بإجابة الرسول‬

‫أسبابا ال‬
‫ً‬ ‫المبعوث من عالم الغيوب قبل فوات الفرصة ‪ ،‬فإنها قد تفوت بأن يحدث هللا‬

‫يتمكن العبد معها من تصريف القلب فيما يشاؤه من إصالح أمره ‪ ،‬فيموت غير‬

‫تصوير تملكه تعالى قلب العبد‬


‫ُ‬ ‫مستجيب هلل ورسوله ‪.‬ويحتمل أن يكون المراد بالحيلولة‬

‫وغلبته عليه ‪ ،‬فيفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده ‪ ،‬وال يمكنه من إمضائها على حسب‬

‫إرادته ‪ ،‬فيحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ‪ ،‬وبينه وبين اإليمان إن قضى شقاوته‪،‬‬

‫كثير‪ » :‬يا مقلب القلوب واألبصار ثبت قلبي على‬


‫وكان عليه الصالة والسالم يقول ًا‬

‫نسيانا وما أشبه ذلك من األمور المعترضة‬


‫ً‬ ‫دينك « ‪ ،‬ويبدل باألمن خوًفا وبالذكر‬

‫المفوتة للفرصة ‪.‬فاهلل تعالى يحول بتجلي صفاته بين المرء وقلبه ‪ ،‬يعني إذا َّ‬
‫تجلى هللا‬

‫على قلب المرء يحول بسطوات أنوار جماله وجالله بين مرآة قلبه وظلمة أوصافه ‪،‬‬

‫تحشهرو َن{‬ ‫} وأََنه { أي ‪:‬واعلموا أيضا أن هللا تعالى } ِإ ِ‬


‫ليه { تعالى ال إلى غيره} َ‬ ‫ً‬ ‫َ ه‬

‫شر فشر ‪،‬‬ ‫تبعثون وتجمعون ‪ ،‬فيجازيكم على حسب أعمالكم ‪ ،‬إن ًا‬
‫خير فخير وان ًا‬

‫فسارعوا إلى طاعة هللا وطاعة رسوله ‪ ،‬وبالغوا في االستجابة لهما‬

‫‪146‬‬
‫أيضا االستجابة هلل إجابة‬
‫واعلم أن االستجابة هلل بالسرائر ‪ ،‬وللرسول بالظواهر ‪.‬و ً‬
‫األرواح للشهود ‪ ،‬واستجابة القلوب للشواهد ‪ ،‬واجابة الخفي للفناء في هللا ‪ ،‬واالستجابة‬
‫للرسول بالمتابعة في األقوال واألحوال واألفعال ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫قال أبو حيان ‪:‬وفي اآلية حض على المراقبة والخوف من هللا تعالى ‪ ،‬والمبادرة إلى‬
‫جل وعال‪.‬‬
‫االستجابة له َّ‬

‫أقول ‪:‬إذا أصغيت إلى قلبك أيها المؤمن وجدته ال يثبت أقل من لحظة على حالة من‬
‫الحاالت في عبادة وغيرها ‪ ،‬فكيف تتكل وتعتمد على نفسك ‪ ،‬وأنت في هذا الضعف؟‬
‫وعلى هذا ‪:‬التجئ إلى ربك ‪ ،‬واخرج من حولك وقوتك‪.‬‬

‫يقينا أن هللا خالق كل‬ ‫أهل َّ‬


‫السنة والجماعة ‪ -‬بإيماننا وباعتقادنا نعلم ً‬ ‫ونحن ‪َ -‬‬
‫شيء‪ ،‬بما في ذلك القلب وما حواه من اإليقان والكفر والعزائم واالستقامة على‬
‫التمسك بالشرع الشريف واتباع الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ‪.‬لكن هذا‬
‫االعتقاد ال يقودنا إلى أن نقول كما تقول بعض الفرق الضالة ‪:‬إذا كان األمر كذلك فما‬
‫معنى العبادة؟ وما معنى الدعاء؟ ألن هذه تكاليف الشريعة ‪ ،‬ونحن في الظاهر تحت‬
‫تكاليف الشريعة ‪ ،‬وفي الباطن تحت التصرفات اإللهية األزلية ‪ ،‬وهذه بالنسبة إلينا‬
‫مجهولة ‪ ،‬وبما أنها مجهولة وسيف الشريعة على عاتقنا فعلينا أن نأخذ بالتكاليف‬
‫الشرعية ‪ ،‬فنؤمن ونصلي ونصوم ونزكي ونحج ونذكر هللا تعالى ونجتنب المعاصي ‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫وال نعتمد على عبادتنا ‪ ،‬ألن هللا هو خالقنا ‪ ،‬أخرجنا من العدم إلى الوجود ‪ ،‬وأعطانا‬

‫فرضا محاال ‪ -‬أننا من أهل النار مع تمسكنا بالشريعة والسَنة‬


‫اإليمان ‪.‬ولو عرفنا ‪ً -‬‬

‫النبوَية فإننا نستمر بالعمل بمقتضى إيماننا ‪ ،‬ألن هللا تعالى هو ربنا وخالقنا ‪ ،‬وهو‬

‫الذي أعطانا اإليمان والعقل والحياة ‪ ،‬هذا لمحبتنا إياه‪.‬‬

‫شيئا من حطام الدنيا يكون كاألسير له ‪ ،‬أليس‬


‫إذا أعطى عبد عاجز لعبد عاجز ً‬

‫كذلك؟ هل يمكن لعاقل أن ينكر ذلك؟ ال ؛ فكيف ننكر ما أنعم هللا تعالى به علينا من‬

‫اإليجاد والقرآن واإليمان ‪ ،‬وأن صَيرنا من أمة مح َمد عليه الصالة والسالم؟ وكيف‬

‫نترك التمسك بالشريعة بحجة أن هللا يحول بين المرء وقلبه؟‬

‫الله َم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫اللفظ الثاني و الخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َمر َوَل ِك َن‬


‫ناز هعتم ِفي األ ِ‬ ‫ير َل ِ‬
‫فشهلتم َوَل َت َ‬ ‫امك َقلِيال ولو أَراكهم ِ‬
‫كث ًا‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫( ِإذ هي ِر َ‬
‫َ َ ه‬ ‫ّللا في َمَن َ‬
‫ه‬ ‫يك هه هم‬
‫ور ( )‪] )٤٣‬األنفال ‪[٤٣:‬‬ ‫الص هد ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلِيم ِب َذات ُّ‬ ‫ّللا َسَل َم ِإَن هه‬
‫ََ‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { أي الخواطر التي جعلت كأنها مالكة‬ ‫قوله تعالى ‪ِ {:‬إَنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ه َ‬

‫للصدور‪ ،‬والم ارد أنه يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ‪ ،‬ولذلك‬

‫(‪)١‬‬
‫دبر ما دبر ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬بما أن علمنا ناقص ‪ ،‬ونحن بهذا الناقص نرى الشيء مو ً‬


‫افقا لطبيعتنا أو‬

‫مخال ًفا لها ‪ ،‬وذات ذي الجالل ج َل وعال يعلم عواقب األمور ونتائجها وثمراتها ‪ ،‬ويعلم‬

‫ما في صدورنا ‪ ،‬ويتصَرف بما كان فيه مصلحة لديننا ودنيانا ‪ ،‬فعلينا أن نترك‬

‫حظوظنا ونتمسك بأمر ربنا ‪ ،‬ونعتمد على علمه تعالى ال على علمنا ‪ ،‬ونرضى‬

‫افقا لطبيعتنا أو مخال ًفا لها ‪.‬علينا أن نترك ما نحبه لما‬


‫بالقضاء والقدر سواء كان مو ً‬

‫الراحمين ‪ ،‬فإذا التجأنا إليه وسَلمنا له وفوضنا أمورنا‬


‫يحبه هو ج َل وعال ‪ ،‬ألنه أرحم َ‬

‫تو ِكلو َن { [ إبراهيم ‪]١٢ :‬‬ ‫إليه نكون من المتوكلين عليه ‪ {:‬وعلى َ ِ‬
‫ّللا فْلَي َ ِ‬
‫توَكل ْا ه‬
‫لم َ‬ ‫ََ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير األلوسي‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫ِ‬
‫وعلمه أم ال؟ نقول ‪:‬هذا هيعرف‬ ‫افقا لرضا هللا تعالى‬
‫فإن قيل ‪:‬كيف نعرف األمر مو ً‬

‫بميزان الشريعة والسَنة النبوَية‪.‬‬

‫هل يصعب على هللا جل جالله أن يهلك كل من حارب الرسول عليه الصالة والسالم؟‬

‫ال ‪ ،‬لكنه وجَه الرسول عليه الصالة والسالم والصحابة الكرام رضي هللا عنهم إلى‬

‫الحرب ليحصل الجوع والعطش والجرح والقتل ‪ ،‬فيميز المتقين والصادقين من‬

‫غيرهم ‪.‬هللا يعلم الصادق من غيره ألنه يعلم عواقب األمور ‪ ،‬ولكن هليظهر ذلك ألهل‬

‫الظاهر‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من الصادقين يارب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫اللفظ الثالث و الخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الء ِدينهم ومن يتوَكل على َ ِ‬


‫ِ‬ ‫نافقو َن واَل ِذ ِ‬
‫( ِإذ يقول اْلم ِ‬
‫ّللا‬ ‫ين في هقلوبِ ِهم َمَرض َغَر َه هؤ ه ه َ َ َ َ ْ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ه ه‬
‫ّللا َع ِزيز َح ِكيم ( )‪] ) ٤٩‬األنفال ‪[٤٩:‬‬ ‫ِ‬
‫َفإ َن َ َ‬

‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض { والذين لم يطمئنوا إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اْل همنافقو َن َواَلذ َ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ }:‬إذ َيق ه‬

‫اإليمان بعد وبقي في قلوبهم شبهة ‪ ،‬وقيل ‪:‬هم المشركون ‪ ،‬وقيل ‪:‬المنافقون‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعطف لتغاير الوصفين } َغَرَه هؤالء { يعنون المؤمنين } دهي ه‬
‫نهم { حتى تعرضوا لما‬

‫توَك ْل َعلى‬
‫ال يد لهم به ‪ ،‬فخرجوا وهم ثالثمئة وبضعة عشرة إلى زهاء ألف } َو َمن َي َ‬

‫قل } َح ِكيم{‬
‫ّللا َع ِزيز { غالب ‪ ،‬ال يذل من استجار به وان َّ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬
‫ّللا { جواب لهم } َفإ َن َ َ‬

‫يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ويعجز عن إدراكه ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫واعلم أن مرض القلوب على نوعين ‪:‬نوع منه ‪:‬الشك في اإليمان وال دين وحقيقته ‪،‬‬

‫فذلك مرض قلوب الكفار والمنافقين ‪ ،‬والثاني ‪:‬ميلها إلى الدنيا وشهواتها ومالحظة‬

‫الحظوظ النفسانية ‪ ،‬وهو مرض قلوب المسلمين‪.‬‬

‫واإلشارة فيه أن المعالجة لِّما يكون في قلوب الكفار والمنافقين باإليمان‬

‫والتصديق واليقين ‪ ،‬وان ماتوا في مرضهم فهم من الهالكين ‪.‬ومعالجة مرض قلوب‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫المسلمين بالتوبة واالستغفار والزهد والطاعة والورع والتقوى(‪ ، )١‬وان ماتوا في‬
‫مرضهم فهم من أهل النجاة من النار(‪ )2‬بعد العذاب وشفاعة األنبياء (‪ ، )3‬وربما يؤدي‬
‫مرضهم بترك المعالجة واالحتماء إلى الهالك ‪ ،‬وهو الكفر ‪.‬أال ترى إلى حال بعض‬
‫المسلمين من أهل مكة لما تركوا العالج وانقطعوا عن الطبيب وهو النبي عليه الصالة‬
‫نهم { هلكوا مع‬ ‫ِ ِ‬
‫والسالم ‪ ،‬وما احتموا عن الغذاء المخالف وهو قولهم ‪َ {:‬غَر َه هؤالء دهي ه‬
‫ظاهر وباط ًنا؟‬
‫ًا‬ ‫الهالكين‬

‫فعلى العاقل تحصيل حسن الحال قبل حلول األجل ‪ ،‬وهو إنما يكون بصحبة واصل‬
‫إلى هللا عز وجل ‪ ،‬وهللا تعالى يجود على الخلق عامة فكيف على العقالء والعشاق؟‬
‫اللهم ِّ‬
‫وفقنا لما تحب وترضى ‪ ،‬وسهل علينا مداواة هذه القلوب المرضى ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫أقول ‪:‬وعلى هذا ‪:‬عالجنا من مرض القلب أن نتوب إلى هللا ‪ ،‬ونتمسك بشرع هللا ‪،‬‬
‫وبسنة رسول هللا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ونكثر من ذكر هللا ج َل وعال ‪ ،‬مع اإلخالص‬
‫شيئا من المخالفات علينا أن‬
‫في العبادة ‪ ،‬وكلما طرح الشيطان أو النفس على قلوبنا ً‬
‫نستغفر هللا تعالى ‪ ،‬واذا هَقدرت علينا المعاصي وصدرت منا علينا أن نتوب توبة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬والتوبة الصحيحة هي الخجل والندم واالستحياء من هللا تعالى مما مضى من الذنوب واألخطاء ‪ ،‬بهذا‬
‫تثبت التوبة ‪.‬ال تثبت التوبة بدون ندم ‪ ،‬ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه‬
‫أحمد وابن ماجة والحاكم عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه» الندم توبة « وجاء في الحديث القدسي‬
‫ذكره الغزالي في البداية‪ » :‬أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي« فمن تاب وندم وحصل منه‬
‫الذي ََ َ‬
‫االستحياء والخجل على ما مضى وانكسر قلبه أفضل من المغرورين بعبادتهم ‪ ،‬ومن الذين يجعلون عبادتهم‬
‫معبودهم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ -2‬إذا خرجوا من الدنيا مع اإليمان ‪.‬‬
‫‪ -3‬والصلحاء ‪.‬‬
‫‪ -4‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫صادقة ‪.‬وعلينا كذلك أن نهتم أكثر بأداء الصالة المفروضة بالحضور مع هللا ج َل‬

‫وعال‪ ،‬ولكن الحضور التام الدائم ال يحصل إال بكثرة ذكر هللا تعالى ‪ ،‬ولذا قَيد هللا‬

‫الذكر بالكثرة ‪.‬بقي شيء آخر يفسد علينا عبادتنا واستقامتنا ‪،‬‬
‫تعالى في القرآن الكريم َ‬

‫وهو األخالق الذميمة ‪ ،‬فهي للمؤمنين المصلِين مثل السم في الطعام َيهقتل ‪ ،‬فاألخالق‬

‫إلي‬
‫الذميمة تفسد الطاعة ‪ ،‬ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬إن أحَبكم َ‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)١‬‬
‫مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخال ًقا«‬
‫ً‬ ‫وأقربكم مني‬

‫الله َم حسن أخالقنا ‪ ،‬بجاه صاحب ال هخلق العظيم ‪ ،‬سيدنا مح َمد عليه أفضل الصالة‬

‫وأتم التسليم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫اللفظان الرابع و الخمسون والخامس والخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫هللا هه َو اَلذي أََي َد َك ِبَن ِ‬


‫ين ( ‪)٦٢‬‬ ‫صرِه َو ِباْل هم ْؤ ِمن َ‬ ‫(واِن هي ِر هيدوا أَن َي ْخ َد هع َ ِ‬
‫وك َفإ َن َح َس َك ه‬ ‫َ‬
‫ّللا أََلف‬ ‫ِ‬ ‫فقت ما ِفي األ ِ ِ‬
‫ين هقلوبِ ِهم َولك َن َ َ‬ ‫يعا َما أََل ْفت َب َ‬
‫َرض َجم ً‬ ‫ِ‬
‫ين هقلوبِهم لو أَْن ْ َ‬ ‫َوأََلف َب َ‬
‫َب َين ههم إَن هه َعزيز َحكيم ( )‪] )٦٣‬األنفال ‪[٦٣ - ٦٢:‬‬

‫قوله تعالى ‪َ {:‬وأََلف َب َ‬


‫ين هقلوبِ ِهم { مع ما فيهم من العصبية والضغينة في أدنى شيء ‪،‬‬

‫والتهالك على االنتقام بحيث ال يكاد يأتلف فيهم قلبان ‪ ،‬حتى صاروا كنفس واحدة ‪،‬‬

‫فقت ما ِفي األ ِ ِ‬


‫يعا َما‬
‫َرض َجم ً‬ ‫وهذا من معجزاته صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وبياُنه ‪ َ{:‬لو أَْن ْ َ‬

‫أََل ْفت َب َ‬
‫ين هقلوبِ ِهم { أي تناهي عداوتهم إلى حد لو أنفق منفق في إصالح ذات بينهم ما‬

‫ِ‬
‫ّللا أََلف َبَي ه‬
‫نهم { بقدرته‬ ‫في األرض من األموال لم يقدر على األلفة واإلصالح } َولك َن َ َ‬

‫البالغة ‪ ،‬فإنه المالك للقلوب ‪ ،‬يقلبها كيف يشاء } ِإَن هه َع ِزيز { تام القدرة والغلبة ‪ ،‬ال‬

‫يعصى عليه ما يريده } َح ِكيم { يعلم كيف ينبغي أن يفعل ما يريده‪.‬‬

‫وقيل ‪:‬اآلية في األوس والخزرج ‪ ،‬كان بينهم محن ال أمد لها ووقائع هلكت فيها‬

‫(‪)١‬‬
‫أنصار ‪.‬‬
‫ًا‬ ‫ساداتهم ‪ ،‬فأنساهم هللا ذلك وألف بينهم باإلسالم‪ ،‬حتى تصافوا وصاروا‬

‫ين هقلوبِ ِهم { أي ‪:‬لِّما كان‬ ‫فقت ما ِفي األ ِ ِ‬


‫يعا َما أََل ْفت َب َ‬
‫َرض َجم ً‬ ‫فقوله تعالى ‪ َ{:‬لو أَْن ْ َ‬

‫بينهم من العداوة والبغضاء ‪ ،‬فإن األنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية بين‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫األوس والخزرج ‪ ،‬وأمور يلزم منها التسلسل في الشر ‪ ،‬حتى قطع هللا ذلك بنور‬
‫ين هقلو ِبكم‬ ‫اإليمان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ {:‬واذكروا ِنعمة َ ِ‬
‫اء فأَلف َب َ‬ ‫ّللا َعليكم ِإذ ْكهنتم أ َ‬
‫َعد ً‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فأَصبحتم ِبِن ِ ِ‬
‫ّللا‬
‫ين َ ه‬‫نها كذل َك هيَب ه‬ ‫عمته ِإ َ‬
‫خواًنا َو ْكهنتم َعلى َشفا هح ْفَرة م َن الَن ِار فأَْنقذكم م َ‬ ‫َ‬ ‫َه‬
‫تدو َن{ ] آل عمران ‪ ، [ ١٠3:‬وفي الصحيحين أن رسول هللا صلى‬ ‫ِِ‬
‫ته ه‬
‫لعلكم َ‬ ‫لكم َء َاياته َ‬
‫هللا عليه وسلم لما خطب األنصار في شأن غنائم حنين قال لهم ‪ »:‬يا معشر األنصار ألم‬
‫فألفكم هللا بي؟«‬ ‫أجدكم ضالَّال فهداكم هللا بي ‪ ،‬وعالة فأغناكم هللا بي ‪ ،‬وكنتم متفرقين َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ّللا أََلف َبَي ه‬
‫نهم ِإَن هه‬ ‫َمن ‪.‬ولهذا قال تعالى ‪َ {:‬ولك َن َ َ‬
‫شيئا قالوا ‪:‬هللا ورسوله أ َ‬
‫كلما قال ً‬
‫َع ِزيز َح ِكيم { أي ‪:‬عزيز الجناب ‪ ،‬فال يخيب رجاء من توكل عليه ‪ ،‬حكيم في أفعاله‬
‫وأحكامه‪.‬‬

‫عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪:‬قرابة الرحم تقطع ‪ ،‬ومنة النعمة تكفر ‪ ،‬ولم ير‬
‫فقت ما ِفي األ ِ ِ‬
‫يعا َما أََل ْفت َب َ‬
‫ين‬ ‫َرض َجم ً‬ ‫مثل تقارب القلوب ‪ ،‬يقول هللا تعالى ‪ {:‬لو أَْن ْ َ‬
‫هقلوبِ ِهم{‪.‬‬

‫وقال أبو إسحق السبيعي عن أبي األحوص عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‬
‫فقت ما ِفي األ ِ ِ‬
‫يعا َما أََل ْفت َب َ‬
‫ين هقلوبِ ِهم { قال ‪:‬هم‬ ‫َرض َجم ً‬ ‫سمعه يقول ‪ {:‬لو أَْن ْ َ‬
‫المتحابون في هللا ‪.‬وفي رواية ‪:‬نزلت في المتحابين في هللا ‪.‬رواه النسائي والحاكم في‬
‫(‪)١‬‬
‫مستدركه وقال صحيح ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‬

‫‪155‬‬
‫وقال أبو إدريس الخوالني لمعاذ ‪:‬إني أحبك في هللا ‪ ،‬فقال ‪:‬أبشر ثم أبشر ‪ ،‬فإني سمعت‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ » :‬تنصب لطائفة من الناس كراسي حول‬
‫العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم ال يفزعون ويخاف الناس‬
‫وهم ال يخافون وهم أولياء هللا الذين ال خوف عليهم وال هم يحزنون« فقيل ‪:‬من هؤالء‬
‫يارسول هللا؟ فقال‪ » :‬المتحابون في هللا«(‪. )١‬ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية‬
‫مؤثرة من البعض في البعض ‪ ،‬ألنهم لما تحابوا في هللا تواصوا بمحاسن األخالق ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ووقع القبول لوجود المحبة ‪ ،‬فانتفع لذلك المريد بالشيخ واألخ باألخ ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬على المؤمنين أن يجتمعوا على محبة هللا ومحبة رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ألن هذه المحبة تخرج الحظوظ من البين‪ ،‬فيبقى مجرد اإليمان ‪.‬ومن مقتضى‬
‫اإليمان والتحابب في هللا تعالى الصدق ‪ ،‬فإذا ثبت الصدق بين اثنين أو بين جماعة أو‬
‫بين الشيخ والمريد أو بين المعلم والتلميذ تكون ثمرته رضا هللا تعالى ‪ ،‬بشرط أن‬
‫تخرج النفس من البين ‪.‬فإذا دخلت النفس يرى اإلنسان نفسه أعلى من اآلخرين ‪،‬‬
‫هَ َ‬
‫وينظر إليهم بعين النقص ‪ ،‬هذا ميزان الناقصين ‪.‬ميزان الناقصين التكبر ‪ ،‬وميزان‬
‫الكاملين التواضع ‪.‬حينذاك تفشل المحبة بينهم ‪ ،‬ألن المحبة بدون محبة الدين ومحبة‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم فارغة ‪.‬فال بد للمحبة التي أَلف هللا تعالى بها بين‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ناسا ماهم بأنبياء والشهداء يغبطهم‬
‫‪ -١‬أخرجه أبو داود عن عمر رضي هللا عنه بلفظ «إن من عباد هللا أل ً‬
‫الناس لمكانهم من هللا‪ ،‬قالوا ‪:‬يارسول هللا خبرنا َمن هم؟ قال ‪:‬هم قوم تحابوا بروح هللا على غير أرحام بينهم‬
‫وال أموال يتعاطونها‪ ،‬فوهللا إن وجوههم لنور واَّنهم لعلى نور اليخافون إذا خاف الناس واليحزنون إذا حزن‬
‫نون {] يونس ‪[٦2:‬‬ ‫عَ ِّ‬ ‫الناس‪ ،‬ثم ق أر } َال ِّإ َّن أَولِّياء َّ ِّ‬
‫حز َ‬
‫ليهم َوال ُهم َي َ‬ ‫ّللا ال َخو ف َ َ‬ ‫ََ‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫المؤمنين برحمته وكرمه أن ال تكون معلولة ‪ ،‬ال بالدنيا وال بالمشيخة وال بأي شيء‪.‬‬

‫علينا أن نجرد محبتنا وطاعتنا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ِ {:‬إَن َما اْل هم ْؤ ِمنو َن ِإ ْخ َوة{‬

‫]الحجرات ‪ ، [ ١٠:‬فإذا صرنا إخوة بما قاله هللا تعالى لنا نكون من المتحابين في هللا‪،‬‬

‫فإن حصل بيننا بعض األمور إن كانت دينية نرجع في حلها إلى الكتاب والسنة ‪ ،‬وان‬

‫كانت دنيوية نتذاكر فيما بيننا ‪ -‬والمتذاكرون ليسوا أعداء لبعضهم ‪ -‬فتكون الثمرة‬

‫إن شاء هللا للمتحابين ال للمتباغضين ‪.‬واذا دخلت النفس تقطع المحبة بالكلِية ‪ ،‬فال بد‬

‫بين المتحابين من النصيحة ‪ ،‬فإن كان في واحد منهم شيء من األخالق الذميمة‬

‫وسمع الوعظ العام عليه أن يترك هذه األخالق ‪ ،‬واال فإنها تضره وتضر اآلخرين‬

‫كذلك ‪ ،‬هذا ليس شأن المتحابين في هللا‪.‬‬

‫المتحابون في هللا ج َل وعال ال يخافون في هللا لومة الئم‪ ،‬وال يمشون مع المخالفين‪.‬‬
‫ُّ‬

‫فالناس ال يخلون من المخالفات إال بعد تهذيب النفوس ‪ ،‬وهذا صعب على اإلنسان ‪،‬‬

‫لذلك عليك أن تتبع الكتاب والسنة ‪ ،‬وال تخدع بخداعهم ليغيروا استقامتك‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى أن يطهر قلوبنا من ِ‬


‫كل وصف هيباعدنا عن محبته ‪ ،‬ويثبت لنا‬

‫االستقامة‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫اللفظ السادس والخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫خيرا ِم َما‬ ‫ّللا ِفي هقلو ِبكم ًا‬ ‫( ياأَُّيها الَن ِبي قل لِمن ِفي أ ِ‬
‫َيديكم ِم َن األ َ ِ‬
‫خير هي ْؤِتكم ً‬ ‫َسرى إن َي َعلمِ َ ه‬ ‫ُّ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ّللا هغفور َر ِحيم ( )‪] ( ٧٠‬األنفال ‪[٧٠:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أهخذ منكم َوَي ْغفر لكم َو َ ه‬

‫ّللا ِفي هقلو ِبكم ًا‬


‫خير { يجب أن يكون المراد من هذا الخير‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ {:‬إن َي َعل ِم َ ه‬

‫اإليمان والعزم على طاعة هللا وطاعة رسوله في جميع التكاليف ‪ ،‬والتوبة عن الكفر‬

‫وعن جميع المعاصي ‪ ،‬ويدخل فيه العزم على نصرة الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬

‫(‪)١‬‬
‫والتوبة عن محاربته ‪.‬‬

‫ومعنى اآلية ‪:‬قل لهؤالء األسرى الذين وقعوا في األسر يوم بدر ‪:‬إن يعلم هللا في‬

‫خالصا يعطكم أفضل مما أُخذ منكم من الفداء ‪ ،‬ويمحو عنكم ما سلف‬
‫قلوبكم صدًقا وا ً‬

‫من الذنوب ‪ ،‬وهللا واسع المغفرة ‪ ،‬عظيم الرحمة لمن تاب وأناب‪.‬‬

‫أقول ‪:‬هذه اآلية في حق أسرى بدر ‪ ،‬وفيهم سيدنا العباس رضي هللا عنه ‪ ،‬فما بالك‬

‫بالمؤمن الذي أعطاه هللا اإليمان؟‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫نحن نشهد هللا ج َل وعال أن في قلوبنا محبته ومحبة رسوله عليه الصالة والسالم ‪،‬‬

‫ونرجوه تعالى ‪ -‬مع ضعفنا وعجزنا وفقرنا ‪ -‬أن يقوي هذا الخير في قلوبنا ‪ ،‬وال‬

‫يسلبه منا بسوء اختيارنا ‪ ،‬أو باتباع أنفسنا ‪ ،‬أو بسوء أخالقنا ‪ ،‬وأن يدوم معنا إلى‬

‫أن نخرج من الدنيا ونلتحق بجماعة المؤمنين مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في‬

‫عالم البرزخ‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫اللفظ السابع والخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫قبوا ِفيكم ِإالا َوال ِذ َمة هي ه‬


‫رض َونكم ِبأَ ْف َواه ِهم َوتأَْبى هق ه‬
‫لوب ههم‬ ‫( َكَيف َواِن َي ْظ َههروا َعليكم ال َيهر ه‬
‫فاسقو َن ( )‪[ )8‬التوبة ‪[ 8 :‬‬ ‫وأَ ْك َثرههم ِ‬
‫َ ه‬

‫رضونكم ِبأَ ْفو ِ‬


‫اه ِهم { حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ‪ ،‬ويعدون لكم‬ ‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪ {:‬هي ه َ‬

‫باإليمان والطاعة ‪ ،‬ويؤكدون ذلك باأليمان الفاجرة ‪ ،‬ويتعللون عند ظهور خالفه‬

‫بالمعاذير الكاذبة ‪.‬ونسبة اإلرضاء لألفواه لإليذان بأن كالمهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها‬

‫من غير أن يكون لها مصداق في قلوبهم } َوتأَْبى هق ه‬


‫لوب ههم { ما تتفوه به أفواههم ‪ ،‬يعني‪:‬‬

‫إن ألسنتهم تخالف قلوبهم ‪ ،‬وما في بواطنهم من الضغائن ينافي ما أظهروه بألسنتهم من‬

‫مكر وخديعة ‪.‬‬


‫حلوا ًا‬ ‫وعد اإليمان والطاعة والوفاء بالعهد ‪ ،‬فهم إنما يقولون ً‬
‫كالما ً‬
‫(‪)١‬‬

‫ِ‬
‫رض َونكم ِبأَ ْف َواه ِهم َوتأَْبى هقهل ه‬
‫وب ههم { نزل في الكفار‬ ‫أقول ‪:‬قول هللا تعالى ‪ {:‬هي ه‬

‫والمنافقين ‪ ،‬لكن إذا كان المؤمنون يقولون بأفواههم خال ًفا لما في قلوبهم فهذا عالمة‬

‫وهللا ال يرضى منهم هذا القول ‪ ،‬فإما أن يعفو أو ال يعفو ‪ -‬هذا ليس‬
‫على فسقهم ‪ ،‬ه‬

‫وظي َفتنا ‪ -‬لكنه عالمة الفسق‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫فعلينا أن نحافظ على أقوالنا بحيث ال نخرج إلى الفسق وال نتشبه بالكفار في نقض‬

‫منافقا‬
‫ً‬ ‫كن فيه كان‬
‫العهد ‪ ،‬فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬أربع من َ‬

‫منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ‪:‬إذا‬


‫َ‬ ‫خالصا ‪ ،‬ومن كانت فيه َخصلة‬
‫ً‬

‫اؤتمن خان ‪ ،‬واذا َ‬


‫حدث كذب ‪ ،‬واذا عاهد غدر ‪ ،‬واذا خاصم فجر « (‪ )١‬وقال عليه‬

‫إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إال‬
‫أيضا‪َ «:‬‬
‫الصالة والسالم ً‬

‫علينا أن نحذر من‬ ‫(‪)٢‬‬


‫ذراع‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها « ‪.‬‬

‫هذا‪.‬‬

‫نرجو هللا ج َل وعال السالمة لنا وللمسلمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -١‬أخرجه الستَّة إال ابن ماجة ‪.‬‬

‫‪-2‬أخرجه البخاري ومسلم عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫اللفظان الثامن والخمسون و التاسع والخمسون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( َق ِاتلوهم يع ِذبهم َ ِ‬


‫ور َقوم هم ْؤ ِمن َ‬
‫ين(‪)١٤‬‬ ‫نصركم َعلي ِهم َوَي ْشف هص هد َ‬ ‫ّللا ِبأَيديكم َوهي ْخ ِزهم َوَي ه‬
‫ه هَ هه ه‬
‫ّللا َعلِيم َح ِكيم ( )‪( ١٥‬‬ ‫ِ‬
‫اء َو َ ه‬
‫ّللا َعلى َمن َي َش ه‬ ‫َوهيذهب غيظ هقلوبِ ِهم َوَي ه‬
‫توب َ ه‬
‫[التوبة‪]١٥-١٤:‬‬

‫ّللا ِبأ ِ‬
‫َيديكم { هذا من لطف هللا تعالى بالمؤمنين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫به هم َ ه‬
‫لوهم هي َعذ ه‬
‫أقول ‪:‬قوله تعالى ‪ {:‬قات ه‬

‫ويشير إلى‬
‫وكرمه عليهم ‪ ،‬فالعذاب بيد هللا ج َل وعال ‪ ،‬لكنه ‪ -‬في هذه اآلية ‪ -‬هيشعر ه‬
‫ّللا ِبأ ِ‬
‫َيديكم { ولم‬ ‫ِ‬
‫به هم َ ه‬
‫أن الغلبة والقوة لدين اإلسالم وللمسلمين ‪ ،‬وذلك بقوله ‪ {:‬هي َعذ ه‬
‫ِ‬
‫ليشف صدور المؤمنين‬ ‫يقل بعذاب جهنم ‪ ،‬وان كان سيعذبهم بها ‪ ،‬فقوله ‪ِ {:‬بأ ِ‬
‫َيديكم {‬

‫نصركم َعلي ِهم { كما قال في آية أخرى‪:‬‬ ‫ِ‬


‫بهذا النصر العظيم } َوهي ْخ ِزهم { ويذلهم } َوَي ه‬
‫ِ‬
‫َعلو َن ِإن ْكهنتم هم ْؤ ِمن َ‬
‫ين { ] آل عمران ‪.[١٣٩:‬‬ ‫{ َوأَْن هت هم األ َ‬

‫نرجو هللا تعالى أن يرحمنا بحرمة هؤالء‪ ،‬وبحرمة سيد المرسلين عليه الصالة‬

‫والسالم ‪.‬اهـ ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه عن مسلم بن‬
‫يسار عن عائشة رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا غضبت‬
‫أخذ بأنفها وقال» ‪ :‬يا عويش قولي ‪:‬اللهم رب النبي محمد اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي‬
‫(‪)2‬‬
‫«‬ ‫وأجرني من مضالَّت الفتن‬
‫(‪)١‬‬

‫مذموما ‪ ،‬بشرط أن يكون هلل تعالى ولشعائر المسلمين ‪ ،‬ولذا قال‬


‫ً‬ ‫أقول ‪:‬الغضب ليس‬
‫ين اْلغيظ { ] آل عمران ‪ ، [ ١٣٤:‬أما إذا استولى الغضب على‬ ‫ِِ‬
‫هللا تعالى ‪َ {:‬واْلكاظم َ‬
‫العقل فإن الشيطان ينفخ في أنف العبد ‪ ،‬ويلعب به كما يلعب الصبيان بالكرة ‪ ،‬فال‬
‫يعرف أي شيء يقول ‪ ،‬وال يتفكر في قوله وال فعله ‪ ،‬وقد يكسر األواني ويضرب‬
‫ين َع ِن الَن ِ‬
‫اس{‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين اْلغيظ َواْل َعاف َ‬
‫وأما مدح هللا ج َل وعال بقوله ‪َ {:‬واْلكاظم َ‬ ‫األوالد‪.‬‬
‫(‪)٣‬‬

‫فهذا للذي عنده اقتدار على االنتقام وعلى تنفيذ الغضب وال يفعل ما يقدر عليه ‪ ،‬فهذا‬
‫من األخالق الحسنة ‪.‬والكاظمون الغيظ لوجه هللا يشف صدورهم ويسكن غضبهم‪.‬‬

‫لكن أكثرنا َغ َضهب هه ليس هلل تعالى وال لشعائر اإلسالم بل ألنفسنا ‪ ،‬فإذا شتم شخص‬
‫الدين أو خالف الكتاب والسَنة ال يهمنا ‪ ،‬لكن إذا قال ألحدنا ‪:‬لست جميال أو لست‬‫َ‬
‫يقينا لسنا صادقين‪.‬‬
‫صاد ًقا نطرده أو نقاتله ‪ ،‬مع أننا ً‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه ابن ِّ‬
‫السني عن عائشة رضي هللا عنها في الجامع الصغير بدون لفظ "النبي ‪".‬‬
‫‪- 2‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫المحمدية أخذت ذلك بعين االعتبار‪ ،‬فعلى مذهب اإلمام األعظم أبي حنيفة‬
‫َّ‬ ‫‪- 3‬ولذا فإن الشريعة‬
‫رضي هللا عنه ‪:‬من وصل إلى هذه الحالة من الغضب َّ‬
‫وطلق زوجته فإن طالقه ال يقع ‪ ،‬ألن أقواله ال تعتبر‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫على العبد أن يتذكر عند الغضب وقوفه بين يدي هللا تعالى ‪ ،‬كما قال الهدهد لسيدنا‬

‫سليمان عليه السالم في حال غضبه عليه في غيبته عنه" ‪:‬اذكر وقوفك بين يدي هللا‪".‬‬

‫وح ِفظنا‬
‫أجارنا هللا تعالى من األخالق الذميمة ومن الغضب الذي يغلب على العقل ‪َ ،‬‬

‫خصوصا في حالة الغضب ‪ ،‬وما توفيقنا إال باهلل‪.‬‬


‫ً‬ ‫من الشيطان في كل األوقات ‪،‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫اللفظ الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫فهم ِفي َري ِب ِهم‬ ‫ِ‬


‫اّلل واْليو ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لوب ههم ه‬ ‫اآلخ ِر َو َ‬
‫ارت َاب ْت هق ه‬ ‫نك اَلذ َ‬
‫ين ال هي ْؤ ِمهنو َن ِب َ َ َ‬ ‫( ِإَن َما َي َستأْذ َ‬
‫َي َترَد هدو َن ( )‪] ( ٤٥‬التوبة‪[٤٥ :‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نك { أي ‪:‬في القعود ممن ال عذر له } اَلذ َ‬
‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن‬ ‫قوله تعالى ‪ِ {:‬إَن َما َي َستأْذ َ‬
‫ِ‬
‫اّلل واْليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر { أي ‪:‬ال يرجون ثواب هللا في الدار اآلخرة على أعمالهم } َو َ‬
‫ارت َاب ْت‬ ‫ِب َ َ َ‬

‫فهم ِفي َري ِب ِهم َي َترَدهدو َن { أي ‪:‬يتحيرون ‪،‬‬


‫لوب ههم { أي ‪:‬شكت في صحة ما جئتهم به } ه‬
‫هق ه‬

‫يقدمون ِّرجال ويؤخرون أخرى ‪ ،‬وليست لهم قدم ثابتة في شيء ‪ ،‬فهم قوم حيارى‬

‫(‪)١‬‬
‫هلكى ‪ ،‬ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء ‪ ،‬ومن يضلل هللا فلن تجد له سبيال ‪.‬‬

‫الشك فيه‬
‫التردد في اإليمان و ُّ‬
‫أقول ‪:‬كالم هللا ج َل وعال يأمرنا بتطهير القلب ‪ ،‬و ه‬

‫ومحل النفاق القلب ‪.‬فعلينا ‪ -‬معشر المؤمنين العاقلين‬


‫ُّ‬ ‫يحصل منه الكفر والنفاق ‪،‬‬

‫المتفكرين فيما بعد الموت الذين يريدون رضا هللا ‪ -‬أن نطهر قلوبنا من الشك‬

‫واالرتياب ‪ ،‬حتى نكون من المؤمنين الصادقين الصالحين ‪.‬ولكن القلب بدون مجاهدة‬

‫اههدوا ِفَينا‬ ‫ِ‬


‫ال يحصل له تطهير ‪ ،‬والمجاهدة ليست أمرنا ‪ ،‬بل أمر هللا ‪َ {:‬واَلذ َ‬
‫ين َج َ‬

‫ين { فبالمجاهدة يكون المؤمن من أهل اإلحسان‪.‬‬ ‫ّللا لمع ْالم ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حسن َ‬ ‫َلنهدَيَن ههم هسهبَلنا َواِ َن َ َ َ َ ه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫وترك المعاصي ‪،‬‬
‫ه‬ ‫عدم االتباع للنفس األمارة ‪ ،‬والمحاربة للشيطان ‪،‬‬
‫أول المجاهدة ه‬

‫النظر إلى النساء األجنبيات ؛ هذا سالح الشيطان والكفار‬


‫ه‬ ‫خصوصا في هذا العصر‬
‫ً‬

‫المسَلط على المؤمنين والمؤمنات ‪ ،‬ولكن أكثرهم ال يفهمون وال يتجَنبون ‪ ،‬لضعف‬

‫إيمانهم ‪.‬الذي ينظر إلى النساء وهو يعلم أن ربه ينظر إليه ما معنى إيمانه؟ لكنه إذا‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫نظر فتنَبه وغض بصره يحصل له الثواب ‪ ،‬وهللا أرحم َ‬

‫هذه المجاهدة للنفس تميز الفاسق من المؤمن الصادق ‪.‬يمكن للفاسق إذا جاهد نفسه‬

‫أن يرتفع إلى درجة المؤمنين الصادقين ‪ ،‬ولذا يوجهنا ربنا إلى المجاهدة ‪.‬بالمجاهدة‬

‫طاهر فإنه يصدر من‬


‫ًا‬ ‫الكل ‪ ،‬أما إذا لم يكن القلب‬
‫هيط َهر القلب‪ ،‬واذا طهر القلب َي هصلح ُّ‬

‫صاحبه أفعال مثل تلك التي تصدر من الكافر‪.‬‬

‫ولذا فإن التربية اإلسالمية تقتضي أن نطهر قلوبنا ‪ ،‬حتى يحصل لنا اإلصالح ؛‬

‫فاإلصالح غير الثواب ‪ ،‬الثواب سهل واإلصالح صعب ‪ ،‬فإذا طهر القلب تكون الصالة‬

‫صالة ؛ فكما نهتم بظاهر الصالة علينا أن نهتم بباطن الصالة ؛ بعد تحقيق أركان‬

‫اإليمان الستة ‪ ،‬وأركان اإلسالم الخمسة ‪ ،‬واإلكثار من ذكر هللا تعالى ‪ ،‬ال َ‬
‫بد من‬

‫مجاهدة النفس وترك المعاصي حتى هيط َهر القلب بذلك‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم طهر قلوبنا من ِ‬


‫كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبتك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫اللفظ الحادي و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اء واْلمس ِ‬ ‫الص َد َقات لِهل َف ِ‬


‫الر ِ‬
‫قاب‬ ‫ليها َواْل هم َؤَلفة هقهل ه‬
‫وب ههم َوِفي َ‬ ‫ين َع َ‬ ‫اك ِ‬
‫ين َواْل َعامل َ‬ ‫قر َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫) َما َ‬
‫ّللا َعلِيم َح ِكيم () ‪)٦٠‬‬ ‫يضة ِمن َ ِ‬ ‫الس ِب ِ‬ ‫يل َ ِ‬
‫ّللا َواِ ِ‬ ‫ين َوِفي س ِب ِ‬
‫ّللا َو َ ه‬ ‫َ‬ ‫يل َف ِر َ‬ ‫بن َ‬ ‫َ‬ ‫غارِم َ‬
‫َواْل ِ‬
‫]التوبة ‪]٦٠:‬‬

‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬واْل هم َؤَلفة هق ه‬
‫لوب ههم { وهم قوم كان يعطيهم رسول هللا ‪ ،‬ويتألفهم‬

‫بالصدقات على اإلسالم ‪ ،‬وكانوا رؤساء في كل قبيلة ‪ ،‬منهم أبو سفيان بن حرب‬

‫واألقرع بن حابس وعيينة بن حصن الفزاري وعباس بن مرداس السلمي وصفوان بن‬

‫أمية وغيرهم ‪.‬فلما ِّ‬


‫توفي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم جاؤوا إلى أبي بكر وطلبوا‬

‫كتابا ‪ ،‬فجاؤوا بالكتاب إلى عمر بن الخطاب ليشهدوه ‪ ،‬فقال ‪:‬أي شيء‬
‫منه‪ ،‬فكتب لهم ً‬

‫همنا ‪ ،‬فأخذ عمر رضي هللا عنه الكتاب ومزقه وقال ‪:‬إنما كان يعطيكم‬
‫هذا؟ فقالوا ‪َ :‬س ُ‬

‫النبي صلى هللا عليه وسلم يتألفكم على اإلسالم ‪ ،‬فأما اليوم فقد أعز هللا اإلسالم ‪ ،‬فإن‬

‫ثبتم على اإلسالم واال فبيننا وبينكم السيف ‪ ،‬فرجعوا إلى أبي بكر رضي هللا عنه فقالوا‪:‬‬

‫(‪)2( )١‬‬
‫‪.‬‬ ‫أنت الخليفة أم هو؟ قال ‪:‬هو إن شاء ‪ ،‬فبطل سهمهم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬فهذا الحكم اآلن منسوخ ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير السمرقندي ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫أقول ‪:‬على المسلم الفقير المتدين ‪ -‬إذا أمكن ‪ -‬أن ال يأخذ الزكاة والصدقات ‪ ،‬واذا‬

‫لم يمكنه ذلك لحاجته فإن الشريعة تفتي له باألخذ ‪ ،‬ولكن عليه أن ال َيسأل الناس ‪،‬‬

‫فإذا سأل يخرج عن العفة ‪ ،‬وعندئذ ال هي َعُّد من المتوكلين ‪.‬على اإلنسان أن يصبر‬

‫محتاجا فإن هللا يرسل إليه حاجته ‪َ {:‬و َمن َي َت ِق َ َ‬


‫ّللا‬ ‫ً‬ ‫ويكتفي بعلم هللا تعالى ‪ ،‬فإن كان‬

‫رزْق هه ِمن حيث ال يح ِ‬


‫تس هب{ ] الطالق ‪.[ ٣-٢:‬‬ ‫خر ًجا (‪َ )٢‬وَي ه‬
‫ََ‬ ‫َه‬ ‫جع ْل َل هه َم َ‬
‫َي َ‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫الله َم ارزقنا هحسن التوكل عليك يا َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫اللفظ الثاني و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا‬ ‫قل اس ِ ِ‬ ‫ورة َتن هبئ ههم ِبما ِفي هقلوبِ ِهم ِ‬
‫نز َل َعلي ِهم هس َ‬
‫( يح َذر اْلم ِ‬
‫نافقو َن أَن َت َ‬
‫تهزهئوا إ َن َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه ه‬
‫هم ْخ ِرج َما َتح َذهرو َن ( )‪ ](٦٤‬التوبة ‪[٦٤:‬‬

‫قوله تعالى ‪ {:‬يح َذر اْلمَن ِ‬


‫نز َل َعلي ِهم { أي على المؤمنين } هس َ‬
‫ورة تَن هبئ ههم {‬ ‫افقو َن أَن َت َ‬ ‫َ ه ه‬

‫أي تخبر تلك السورة المؤمنين } ِب َما ِفي هقلوبِ ِهم { أي قلوب المنافقين ‪ ،‬من الشرك‬

‫والنفاق ‪ ،‬فتفضحهم وتهتك عليهم أستارهم ‪ ،‬فالضميران األوالن للمؤمنين والثالث‬

‫للمنافقين ‪ ،‬وال يبالى بالتفكك عند ظهور األمر ‪ ،‬ويجوز أن تكون الضمائر كلها‬

‫نز َل َعلي ِهم { أي في شأنهم ‪ ،‬فإن ما‬ ‫للمنافقين ‪.‬فالمعنى ‪ {:‬يح َذر اْلم ِ‬
‫نافقو َن أَن َت َ‬ ‫َ ه ه‬

‫ورة َتن هبئ ههم ِب َما ِفي هقلوِب ِهم { من األسرار الخفية فضال‬
‫نزل في حقهم نازل عليهم } هس َ‬
‫(‪)١‬‬
‫عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من أقاويل الكفر والنفاق ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬على المؤمن أن يحذر من صفات المنافقين ‪ ،‬ألن هللا ذكر في القرآن الكريم‬

‫لسيد المرسلين ‪ ،‬وسيد المرسلين عليه الصالة والسالم فسر لنا قصة المنافقين لنحذر‬

‫ونحترس ونتحفظ من صفاتهم ؛ فإننا وان كنا مؤمنين والحمد هللا ‪ ،‬ولكن صفات‬

‫افر‬
‫المنافقين موجودة في كثير من المؤمنين ‪.‬وان لم يكن المؤمن بهذه الصفات ك ًا‬

‫لكنه يكون ً‬
‫فاسقا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫قلب المؤمن مملوء بعلم هللا به ومملوء باإليمان ‪ ،‬فكيف هيدخل هذه الصفات الرذيلة‬

‫على مكان النظر اإللهي ‪ ،‬على منبع اإليمان والمعرفة؟ هذا ال يليق ‪َ .‬‬
‫البد لنا أن‬

‫نستغفر ونرجع ‪ ،‬و نرجو هللا تعالى أن يقبل توبتنا‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫أبدا يا أرحم َ‬
‫نصوحا ال ننقض عهدها ً‬
‫ً‬ ‫الله َم تب علينا توبة‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫اللفظ الثالث و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫قب ههم ِنفاًقا ِف هيقلوبِ ِهم‬ ‫توَل ْوا َو ههم ُّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫عر هضو َن ( )‪َ )( ٧٦‬فأ َ‬
‫َع َ‬ ‫َتاهم من فضله َبخ ْلوا ِبه َو َ‬ ‫( َفل َمآ آ ه‬
‫وه َو ِب َما كاهنوا َي ْك ِذهبو َن ( )‪)٧٧‬‬
‫ّللا َما َو َعهد ه‬ ‫نه ِب َما أ ْ‬
‫َخهلفوا َ َ‬ ‫ِإلى َيومِ َيْل َ‬
‫قو ه‬
‫[التوبة ‪[٧٧-٧٦:‬‬

‫توَل ْوا َو ههم ُّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬


‫عر هضو َن { وهذا يدل على‬ ‫َتاهم من فضله َبخ ْلوا ِبه َو َ‬
‫قال تعالى ‪َ {:‬فل َمآ آ ه‬

‫أنه تعالى وصفهم بصفات ثالثة ‪:‬الصفة األولى ‪:‬البخل وهو عبارة عن منع الحق‪.‬‬

‫والصفة الثانية ‪:‬التولي عن العهد ‪.‬والصفة الثالثة ‪:‬اإلعراض عن تكاليف هللا وأوامره‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نه { وفيه مسائل ‪ ،‬إحداها‪:‬‬ ‫قب ههم ن َفاًقا في هقلوبِ ِهم ِإلى َيو ِم َيْل َ‬
‫قو ه‬ ‫َع َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ {:‬فأ َ‬

‫ظاهر هذه اآلية يدل على أن نقض العهد وخلف الوعد يورث النفاق ‪ ،‬فيجب على‬

‫المسلم أن يبالغ في االحتراز عنه ‪ ،‬فإذا عاهد هللا في أمر فليجتهد في الوفاء به ‪.‬ومذهب‬

‫الحسن البصري رحمه هللا أنه يوجب النفاق ال محالة ‪ ،‬وتمسك فيه بهذه اآلية وبقوله‬

‫عليه الصالة والسالم‪ » :‬ثالث من كن فيه فهو منافق وان صلى وصام وزعم أنه‬

‫مؤمن‪ ،‬إذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان« (‪.)١‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )١‬أخرجه أبو الشيخ عن أنس رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة ‪ ،‬وأخرجه البخاري ومسلم بلفظ ‪« :‬أربع من‬
‫كن فيه فهو منافق خالص وان صام َّ‬
‫وصلى وزعم َّأنه مؤمن ‪َ :‬من إذا حدث كذب ‪ ،‬واذا وعد أخلف ‪ ،‬واذا‬
‫اؤتمن خان ‪ ،‬واذا خاصم فجر«‬

‫‪171‬‬
‫وعن النبي عليه الصالة والسالم ‪ » :‬تقبلوا لي ستًا أتقبل لكم الجنة ‪ ،‬إذا حدثتم فال‬

‫تكذبوا ‪ ،‬واذا وعدتم فال تخلفوا ‪ ،‬واذا اؤتمنتم فال تخونوا ‪ُّ ،‬‬
‫وكفوا أبصاركم وأيديكم‬

‫(‪.)2‬‬ ‫«‬ ‫(‪)١‬‬


‫وفروجكم ‪:‬أبصاركم عن الخيانة ‪ ،‬وأيديكم عن السرقة‪ ،‬وفروجكم عن الزنا‬

‫وحب الرياسة يكون سبب ضاللة العبد ‪ ،‬ويكون كذلك ‪ -‬كما يقول‬
‫حب الدنيا ُّ‬
‫أقول ‪ُّ :‬‬

‫سببا لسوء الخاتمة ‪.‬نعوذ باهلل أن نخرج من الدنيا بدون حسن الخاتمة‪.‬‬
‫علماؤنا ‪ً -‬‬

‫مكان نظر الخالق ج َل وعال ‪ -‬بهذه الصفات الرذيلة ‪،‬‬


‫فعلينا أن ال نلوث قلوبنا ‪َ -‬‬

‫ألن ذلك ال يليق بالمسلم‪.‬‬

‫ما دام اسمنا مسلمين ومؤمنين ُّ‬


‫ونعد أنفسنا من أهل التربية اإلسالمية باسم الطريق‬

‫فعلينا أن نخرج هذه األوصاف الذميمة من قلوبنا ‪ ،‬سواء وافقت أنفسنا أو لم توافق‪.‬‬

‫استحي من الخالق ‪ ،‬حينذاك‬


‫ِ‬ ‫تستحي من الخلق ‪ ،‬بل‬
‫ِ‬ ‫الحق ولو على نفسك ‪ ،‬ال‬
‫َ‬ ‫قل‬

‫تطهر قلبك من األخالق الذميمة ‪ ،‬وال يبقى فيه إال اإليمان ونور الذكر اإللهي والعمل‬

‫بالشريعة والسَنة النبوَية‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني والبيهقي والحاكم عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه بلفظ ‪:‬‬
‫« اضمنوا لي ستَّا من أنفسكم أضمن لكم َّ‬
‫الجنة ‪:‬اصدقوا إذا حدثتم‪ ،‬وأوفوا إذا وعدتم‪ ،‬وأدوا إذا اؤتمنتم‪،‬‬
‫واحفظوا فروجكم‪ ،‬وغضوا أبصاركم‪ ،‬وكُّفوا أيديكم »‬
‫‪- 2‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫ال َت ِ‬
‫كذب من أجل أن ِ‬
‫تخلص نفسك ‪ ،‬ولو كان بالمعاريض ؛ فكما أن المدح الزائد عن‬

‫الكذب َيفتح باب الكفر ‪ ،‬وال يغير‬ ‫ذما كذلك التعريض في األمور هي َعُّد ً‬
‫كذبا ‪ ،‬و ه‬ ‫الحد هي َعُّد ً‬

‫القدر ‪ ،‬فما هَقدر لك يصيبك إن كذبت أو صدقت‪.‬‬


‫َ‬

‫الله َم طهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ‪ ،‬وأتمم تقصيرنا يا أرحم‬

‫الراحمين ‪ ،‬ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‪.‬‬
‫َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫اللفظ الرابع و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ط ِ ِ‬ ‫نك أهو ْلوا ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آمنوا ِب َ ِ‬


‫ِ‬
‫نهم‬
‫ول م ه‬ ‫اّلل َو َجاههدوْا َم َع َر هسولِه ِإ َست ْأ َذ َ ه‬ ‫ورة أَن ْ‬ ‫( َواِذآ أ ِ‬
‫هنزلت هس َ‬
‫ف َوط ِب َع َعلى هقلوبِ ِهم‬ ‫قاع ِدين )‪ (8٦‬ر هضوا ِبأَن يكونوا مع اْل َخوالِ ِ‬ ‫وقاهلوا ذرنا نكن َمع اْل ِ‬
‫َ ه ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫قهو َن ) ‪ ] (8٧‬التوبة ‪[8٧-8٦:‬‬
‫َف ههم ال َي َف ه‬
‫قوله تعالى ‪ {:‬ر هضوا ِبأَن يكونوا مع اْل َخوالِ ِ‬
‫ف { أي النساء كما روي عن ابن عباس‬ ‫َ ه ََ َ‬ ‫َ‬
‫وقتادة رضي هللا عنهما ‪ ،‬وهو جمع خالفة ‪ ،‬وأُطلق على المرأة ُّ‬
‫لتخلفها عن أعمال‬

‫الرجال كالجهاد وغيره ‪ ،‬والمراد ذمهم والحاقهم بالنساء في التخلف عن الجهاد ‪،‬‬

‫ويطلق الخالفة على من ال خير فيه ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫قهو َن { وقد عرفت أن الطبع عبارة عندنا‬ ‫قوله تعالى ‪َ {:‬وط ِب َع َعلى هقلوبِ ِهم ه‬
‫فهم ال َي َف ه‬

‫عن حصول الداعية القوية للكفر المانعة من حصول اإليمان ‪ ،‬وذلك ألن الفعل بدون‬

‫الداعي لما كان محاال ‪ ،‬فعند حصول الداعية الراسخة القوية للكفر ‪ ،‬صار القلب‬

‫كالمطبوع على الكفر ‪ ،‬ثم حصول تلك الداعية إن كان من العبد لزم التسلسل ‪ ،‬وان كان‬

‫من هللا فالمقصود حاصل ‪.‬وقال الحسن ‪:‬الطبع عبارة عن بلوغ القلب في الميل في‬

‫(‪)2‬‬
‫الكفر إلى الحد الذي كأنه مات عن اإليمان ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫‪- ١‬تفسير األلوسي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير الرازي ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫قال الحدادي ‪:‬معنى الطبع في اللغة جعل الشيء كالطابع ‪ ،‬نحو طبع الدينار والدرهم‪.‬‬
‫قال في المصادر والتركيب ‪:‬يدل على نهاية ينتهي إليها الشيء حتى يختم عندها ‪،‬‬
‫ويقاس على هذا طبع اإلنسان وطبيعته وطباعه ‪ ،‬أي ‪:‬سجيته التي جبل عليها ‪.‬وخص‬
‫قهو َن { ما في اإليمان باهلل وطاعته‬
‫فهم ال َي َف ه‬
‫القلب بالختم ألنه محل الفهم ‪ ،‬ولذا قال ‪ {:‬ه‬
‫في أوامره ونواهيه وموافقة الرسول والجهاد من السعادة ‪ ،‬وما في أضداد ذلك من‬
‫(‪)١‬‬
‫الشقاوة ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬قوله تعالى ‪َ {:‬وط ِب َع َعلى هقلوبِ ِهم { للمنافقين ‪ ،‬ولكن على المؤمن أن ال يأخذ‬
‫يتأثر بكالم هللا وكالم رسول هللا وال ينزجر به‪.‬‬
‫بهذه األوصاف ‪ ،‬فال َ‬

‫طبع على قلوبهم ‪،‬‬‫فإذا كان الطبع على قلوب الكفار والمنافقين فإن المؤمنين ال هي َ‬
‫ألنهم مصبوغون بصبغة هللا ‪ -‬وهي دين اإلسالم ‪ -‬الذي صبغ هللا به قلوبهم ‪،‬‬
‫وحفظهم به عن األوصاف التي تسبب الطبع على القلوب ‪.‬واذا وصل إلى قلوبهم‬
‫المنورة شيء من هذه األوصاف بواسطة الشيطان أو النفس األمارة فإن هللا تعالى قد‬
‫َ‬
‫جعل لهم التوبة واالستغفار ليمحو ذلك‪.‬‬

‫نرجو هللا ج َل وعال أن يتوب علينا ‪ ،‬ويغفر ذنوبنا ‪ ،‬ويعفو عن تقصيراتنا ‪،‬‬
‫إنه خير مسؤول‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫اللفظ الخامس و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ّللا‬
‫طب َع َ ه‬ ‫اء َر هضوا ِبأَن َي ه‬
‫كونوا َم َع اْل َخ َوالف و َ‬ ‫نك َو ههم أَغنَي ه‬
‫نو َ‬ ‫يل َعلى اَلذ َ‬
‫ين َي َستأْذ َ‬ ‫( ِإَنما َ ِ‬
‫السب ه‬ ‫َ‬
‫فهم ال َيعَل همو َن () ‪] (٩٣‬التوبة ‪]٩٣:‬‬ ‫َعلى هقلوبِ ِهم ه‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نك { في‬
‫نو َ‬ ‫يل { أي بالمعاتبة والمعاقبة } َعلى اَلذ َ‬
‫ين َي َستأْذ َ‬ ‫قوله تعالى ‪ِ {:‬إَنما َ ِ‬
‫السب ه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اء { واجدون لألُهبة قادرون على الخروج معك } َر هضوا ِبأَن َي ه‬
‫كونوا‬ ‫التخلف } َو ههم أَغنَي ه‬

‫ّللا َعلى هقلوبِ ِهم { خذلهم فغفلوا عن سوء العاقبة‬ ‫ِِ‬


‫طب َع َ ه‬
‫َم َع اْل َخ َوالف{ تقدم معناه } َو َ‬

‫فهم { بسبب ذلك } ال َيعَل همو َن { ً‬


‫أبدا وخامة ما رضوا به وما يستتبعه عاجال ‪ ،‬كما لم‬ ‫} ه‬

‫يعلموا نجاسة شأنه آجال ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬أيها المؤمن العاقل المحب هلل تعالى ولرسوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬علينا‬

‫جميعا أن نحذر من هذه األوصاف الخبيثة التي ال تليق بإيماننا ‪.‬علينا أن نستنصح‬
‫ً‬

‫بنصائح هللا تعالى ج َل وعال ‪ ،‬ونشكره على ما بَين في كتابه العزيز ‪ ،‬حتى َوقفنا على‬

‫هذه الرذائل ‪ ،‬لنجتنبها برحمة هللا وتوفيقه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير األلوسي ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫الذين لم يؤمنوا بقلوبهم اطلع هللا على أنهم يخدعون المؤمنين ‪ ،‬ويقولون بأفواههم‬

‫ما ليس في قلوبهم ‪ ،‬فطبع عليها ‪ ،‬وأما المؤمن فإنه يعتقد أن هللا تعالى م َ‬
‫طلع على‬

‫قلبه ‪ ،‬فال يكون لسانه مخال ًفا لما في قلبه‪.‬‬

‫نسأل هللا تعالى السالمة من هذه الرذائل ‪ ،‬وأن يعاملنا بفضله وكرمه ال بعدله‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫اللفظان السادس و الستون و السابع و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا َعلِيم َح ِكيم)‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ال هبْنَي هان هه هم اَلذي َبنوا ِر َيبة في هقلوبِ ِهم ِإالَ أَن َتقط َع هق ه‬
‫لوب ههم َو َ ه‬ ‫) ال َي َز ه‬
‫(‪[ )١١٠‬التوبة ‪[١١٠:‬‬

‫ال هبْنَي هان هه هم اَل ِذي َبنوا ِر َيبة ِفي هقلوبِ ِهم { والمعنى ‪:‬أن بناء ذلك البنيان‬
‫قال تعالى ‪ َ{:‬ال َي َز ه‬

‫سببا للريبة‪.‬‬
‫سببا لحصول الريبة في قلوبهم‪ ،‬فجعل نفس ذلك البنيان ريبة لكونه ً‬
‫صار ً‬

‫سببا للريبة وجوه ؛ الصحيح منها أن المنافقين عظم فرحهم ببناء مسجد‬
‫وفي كونه ً‬

‫الضرار ‪ ،‬فلما أمر الرسول ؟ بتخريبه ثقل ذلك عليهم وازداد بغضهم له وازداد‬

‫(‪)١‬‬
‫ارتيابهم في نبوته ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬على اإلنسان المؤمن أن ال يحكم بعقله ضد النصوص اإللهية أو األحاديث‬

‫النبوية ‪ ،‬ألن العقل ال يصل إلى معرفة األحكام الشرعية‪ ،‬لكنها تثبت إما بالقرآن‬

‫الكريم أو بالحديث النبوي ‪ ،‬وكالهما متعلِق بأمر سماوي إلهي رَباني‪.‬‬

‫حر حزيران أو تموز‬


‫تدبير اإلنسان ضد النصوص كالبناء على الجليد ‪ ،‬إذا جاء ُّ‬

‫يذوب الجليد ويخرب البناء ‪.‬هذا شأن العقل ‪ ،‬ألن العقل له حدود معينة ال يتجاوزها ‪،‬‬

‫أما النصوص فإنها تشمل األول واآلخر ‪ ،‬ألن علم هللا تعالى محيط بالماضي والحال‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫له َوى‬ ‫ِ‬
‫نص الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ألنه } َو َما َيْنطق َع ِن ْا َ‬
‫واالستقبال ‪ ،‬وكذلك ُّ‬

‫(‪ِ )٣‬إن هه َو ِإالَ َوحي هي َ‬


‫وحى{ ] النجم ‪.[٤- ٣:‬‬

‫مستقيما‪ ،‬ولذا فإن‬


‫ً‬ ‫نور بنور القلب‪ ،‬ألنه حينذاك يكون‬
‫العقل مقبول بشرط أن هي َ‬
‫نعم ! ه‬
‫هللا تعالى قال في كثير من اآليات الكريمة ‪ {:‬أَفال ِ‬
‫تعقلو َن{ ] آل عمران ‪،[٦٥:‬‬

‫المنور ال يخالف الشريعة ‪ ،‬وال يخالف النصوص ؛ فإذا‬


‫َ‬ ‫صاحب القلب والعقل والدماغ‬

‫عقله النصوص يقول ‪:‬الحمد هلل الذي أعطاني هذا الفكر الموافق ‪ ،‬واذا خالف‬
‫وافق ه‬

‫فكره النصوص فإنه يتركه ويرجع إلى النصوص‪.‬‬


‫ه‬

‫أما الذين يعتمدون على عقولهم دون الرجوع إلى النصوص الشرعية فإن عقولهم‬

‫تورطهم في كثير من أمورهم الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى السالمة لنا وللمسلمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫اللفظ الثامن و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫واألَنص ِار اَل ِذين ا َتبعوه ِفي ساع ِة ْالعسرِة ِمن ب ِ‬ ‫ّللا َعلى الَن ِبي َواْلم َه ِ‬
‫عد‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه َ‬ ‫َ َه ه‬ ‫َ َ‬ ‫اج ِر َ‬
‫ين‬ ‫ه‬ ‫اب َ ه‬
‫( َلقد َت َ‬
‫َعلي ِهم ِإَن هه ِب ِهم َرهءوف َر ِحيم ( )‪)١١٧‬‬ ‫ِ‬
‫تاب‬
‫نهم ث َم َ‬ ‫لوب َف ِريق م ه‬‫َما َك َاد َي ِزيغ هق ه‬
‫]التوبة ‪]١١٧:‬‬

‫وه ِفي‬ ‫ِ‬


‫َنص ِار اَلذ َ‬
‫ين ا َتَب هع ه‬ ‫ين َواأل َ‬ ‫ّللا َعلى الَن ِبي َواْلم َه ِ‬
‫اج ِر َ‬ ‫ه‬ ‫اب َ ه‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬لقد َت َ‬
‫سرِة { أي وهو الزمان الذي وقع فيه غزوة تبوك ‪ ،‬فإنه قد أصابتهم فيها مشقة‬ ‫س ِ‬
‫اعةاْل هع َ‬
‫َ َ‬

‫عظيمة من شدة الحر ‪ ،‬وقلة المركب ‪ ،‬حتى كانت العشرة تعتقب على بعير واحد ‪،‬‬

‫ومن قلة الزاد ‪ ،‬حتى قيل إن الرجلين كانا يقتسمان تمرة ‪ ،‬وربما مصها الجماعة‬

‫ليشربوا عليها الماء المتغير ‪ ،‬ومن قلة الماء ‪ ،‬حتى شربوا الفظ ‪ ،‬وهو ماء الكرش‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لوب َف ِريق م ه‬
‫نهم { أي يميل قلوب طائفة منهم عن الثبات مع‬ ‫} من َبعد َما َك َاد َي ِزيغ هق ه‬

‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬بأن هموا أن ينصرفوا في غير وقت االنصراف ‪ ،‬من‬

‫غير أن يؤذن لهم في ذلك ‪ ،‬لشدائد أصابتهم في تلك الغزوة‪ ،‬لكنهم صبروا واحتسبوا‬

‫وندموا على ما ظهر على قلوبهم ‪ ،‬فتاب هللا عليهم(‪. )١‬‬

‫ِ‬
‫َنص ِار اَلذ َ‬
‫ين‬ ‫ين َواأل َ‬ ‫ّللا َعلى الَن ِبي َواْلم َه ِ‬
‫اج ِر َ‬ ‫ه‬ ‫اب َ ه‬
‫قال ابن جرير في قوله تعالى ‪َ {:‬لقد َت َ‬

‫سرِة { أي من النفقة والطهر والزاد والماء‬ ‫ا َتبعوه ِفي س ِ‬


‫لع َ‬
‫اعة ْا ه‬
‫َ َ‬ ‫َه ه‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نهم { أي عن الحق ‪ ،‬ويشك في دين الرسول صلى‬‫لوب َف ِريق م ه‬
‫} من َبعد َما َك َاد َي ِزيغ هق ه‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم‬
‫اب َعلي ِهم { يقول ثم رزقهم اإلنابة إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه } ِإَن هه‬
‫} ث َم َت َ‬
‫(‪)١‬‬
‫ِب ِهم َرهءوف َر ِحيم { ‪.‬‬

‫االتباع في الوسعة وال َت ه‬


‫رك في الضيق‪.‬‬ ‫ه‬ ‫أقول ‪:‬االتباع في ساعة العسرة الزم ‪ ،‬ال‬

‫الفرج ‪ ،‬والغنى والفقر ‪ ،‬وفي كل األحوال ؛‬


‫اتق هللا في السر والعالنية ‪ ،‬والضيق و َ‬
‫فهو يعلم بحالك ‪ ،‬وهو أرحم بك من والديك ‪ ،‬فكيف يتركك مهمال هذا ليس شأن‬
‫الكرام من الناس ‪ ،‬فكيف يليق بالخالق ج َل وعال ؟ واذا لم تكن صاد ًقا في أقوالك‬
‫وأفعالك وسيرك ومشيك مع أوامره ج َل وعال ‪ ،‬وتحاول أن تكون األحكام واألعمال‬
‫واألفعال موافقة لحظوظك ‪ -‬وهو أعلم بك من نفسك ‪ -‬حينذاك يقلب ما تطلب‬
‫عليك‪ ،‬ألنك لست صاد ًقا بينك وبينه‪.‬‬

‫فاهلل تعالى يمتحن عباده ‪ ،‬ولكن ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬ال يتركهم مهملين ‪.‬وليس للعبد أن‬
‫مر علينا‪.‬‬
‫الحق ولو كان اا‬
‫َ‬ ‫يجرب ويمتحن ربه – حاشاه ‪ -.‬علينا أن نتبع‬

‫الله َم ارزقنا حالوة اإليمان يارب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫اللفظ التاسع و الستون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫فزادتهم ِّرجسا ِّإلى ِّر ِّ‬


‫جس ِّهم وماُتوا وهم ِّ‬
‫كاف ُرو َن‬ ‫ِّ‬ ‫َما َّال ِّذ ِّ‬
‫( )‪)١25‬‬ ‫ََ َُ‬ ‫ً‬ ‫ين في ُقلوبِّهم َم َرض َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫( َوأ َّ‬
‫]التوبة ‪]١25:‬‬

‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { يدل على أن الروح لها مرض ‪ ،‬فمرضها‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ }:‬وأَ َما اَلذ َ‬

‫الكفر واألخالق الذميمة ‪ ،‬وصحتها العلم واألخالق الفاضلة ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫مرضا ألن الحيرة في القلب مرض القلب ‪ ،‬كما أن‬


‫قال الحدادي ‪:‬سمى هللا النفاق ً‬

‫الوجع في البدن مرض البدن ‪.‬يقول الفقير] الشيخ إسماعيل حقي البروسوي رحمه هللا[‪:‬‬

‫كل منهما مؤد إلى الهالك ؛ أما المرض الظاهر فإلى هالك الجسم ‪ ،‬وأما المرض‬

‫تهم‬
‫فزَاد ه‬
‫الباطن فإلى هالك الروح ‪ ،‬فالبد من معالجة كل منهما بحسب ما يليق به ‪َ }،‬‬

‫مضموما إلى الكفر ‪ ،‬وعقائد باطلة وأخالًقا ذميمة‬ ‫كفر بها‬ ‫ِرجسا ِإلى ِر ِ‬
‫جس ِهم { أي ‪ً :‬ا‬
‫ً‬ ‫ً‬

‫كذلك ‪.‬والفرق بين الرجس والنجس أن الرجس أكثر ما يستعمل فيما يستقذر عقال ‪،‬‬

‫والنجس أكثر ما يستعمل فيما يستقذر طبعا ‪ } ،‬وماهتوا وهم َك ِ‬


‫افهرو َن { أي ‪:‬واستحكم‬ ‫ََ َه‬ ‫ً‬

‫ذلك إلى أن يموتوا عليه ‪.‬بين هللا تعالى أن بنزول سورة من السماء حصل للمؤمنين‬

‫أمران ‪:‬زيادة اإليمان واالستبشار‪ ،‬وحصل للمنافقين أمران مقابالن لهما ‪:‬زيادة‬

‫اما ويضع به‬


‫الرجس والموت على الكفر‪ ،‬وفي الحديث‪ » :‬إن هللا يرفع بهذا الكتاب أقو ً‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫)‬ ‫يعني ‪:‬إن من آمن بالقرآن َّ‬
‫وعظم شأنه وعمل به يرفع هللا درجته في‬ ‫(‪)١‬‬
‫آخرين «‬
‫اآلخرة ويرزقه عزة وشرًفا ‪ ،‬ومن لم يؤمن به أو لم يعمل به أولم يعظم شأنه خذله هللا‬
‫(‪)2‬‬
‫في الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫أحيانا ي َتبع ما‬


‫ً‬ ‫أقول ‪:‬ولو أن هذه اآلية نزلت في حق الكفار ‪ ،‬لكن المسلم المؤمن‬
‫ينزل على قلبه دون أن يميز بين ما يأتي من الشيطان وما يأتي من المالئكة ‪ ،‬فيتبع‬
‫الخطرات والوساوس الشيطانية فيخسر‪.‬‬

‫افقا لها‬
‫فعلى المؤمن أن يتفكر فيما ينزل على قلبه بميزان الشريعة ‪ ،‬فإن كان مو ً‬
‫فهو من هللا ‪ ،‬وان كان مخال ًفا فهو من الشيطان ‪.‬وهذا التمييز يحصل بالتقوى ‪ ،‬لقوله‬
‫ِ‬
‫جع ْل لكم َفرقاًنا{ ] األنفال ‪ ، [ ٢٩:‬فمن‬
‫ّللا َي َ‬ ‫ِ‬
‫امنوا إن َت َتقوا َ َ‬ ‫تعالى ‪َ {:‬ياأَُّي َها اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫يسكر باب النفس والشيطان ويتبع االستقامة ‪ ،‬ولذا قال هللا تعالى‪:‬‬ ‫حصل له التمييز ِ‬
‫يطان َتذ َكروا فِإذا هم م ِ‬ ‫ط ِائف ِم َن َ‬ ‫ِ‬
‫بصهرو َن {‬ ‫ه ه‬ ‫الش ِ ه‬ ‫} ِإ َن اَلذ َ‬
‫ين ا َتقوا ِإذا َم َس ههم َ‬
‫]األعراف ‪ ، [٢٠١:‬فالتقوى باب الذكر ‪ ،‬والذكر باب الكشف ‪ ،‬والكشف باب الفوز‬
‫األكبر ‪ ،‬وهو الفوز بلقاء هللا ج َل وعال‪.‬‬

‫وِذكر هللا ليس ألهل الطريق فقط ‪ ،‬بل هو عام لكل المؤمنين ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ {:‬ياأَُّي َها‬
‫ير { ] األحزاب ‪.[٤١:‬‬
‫كث ًا‬ ‫ّللا ِذ ًا‬
‫كر ِ‬
‫اذكروا َ َ‬
‫امنوا ه‬
‫ين َء َ‬
‫ِ‬
‫اَلذ َ‬

‫ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه مسلم عن عامر بن واثلة عن عمر رضي هللا عنهما ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‬

‫‪183‬‬
‫اللفظ السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬
‫عض ههم ِإلى َبعض َه ْل َيَراكم من أ َ‬
‫َحد ث َم اْن َصَرفوا َصَرف‬ ‫ورة نظَر َب ه‬ ‫هنزلت هس َ‬ ‫( َواِذا َما أ ِ‬
‫قهو َن)[ التوبة ‪]١٢٧:‬‬ ‫لوب ههم ِبأََن ههم َقوم ال َي َف ه‬
‫ّللا هق َ‬
‫َه‬

‫والمعنى يقول بعضهم لبعض ‪:‬هل يراكم من أحد من المؤمنين إن قمتم من مجلسكم‬

‫أحدا يراهم أقاموا فيه وثبتوا حتى‬


‫فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد ‪ ،‬وان علموا أن ً‬

‫لوب ههم { أي عن‬


‫ّللا هق َ‬
‫يفرغ عليه الصالة والسالم من خطبته ‪ ،‬ثم انصرفوا} َصرف َ ه‬

‫اإليمان حسب انصرافهم عن المجلس ‪ ،‬والجملة إخبارية أو دعائية } ِبأََن ههم { أي بسبب‬

‫قهو َن { لسوء الفهم أو لعدم التدبر‪.‬‬


‫أنهم } َقوم ال َي َف ه‬

‫وفي التأويالت النجمية ‪:‬ليس فقه القلب ‪ ،‬فإن فقه القلب من أمارات حياة القلب ‪ ،‬وهو‬

‫نور ُيهتدى به إلى الحق ‪ ،‬كما أن الجهل ظلمة يقيم عندها وال يدري ماذا يفعل ‪.‬اللهم‬

‫اجعلنا من المتدبرين والمتذكرين والمعتبرين‪.‬‬

‫وعن أبي بكر الوراق ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬أنه قال ‪:‬للقلب ستة أشياء ‪:‬حياة وموت وصحة‬

‫وسقم ويقظة ونوم ؛ فحياته الهدى ‪ ،‬وموته الضاللة ‪ ،‬وصحته الصفاء ‪ ،‬وعلته العالقة ‪،‬‬

‫ويقظته الذكر ‪ ،‬ونومه الغفلة ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫أقول ‪:‬القلب خلق لمعرفة هللا تعالى ج َل وعال ‪ ،‬فإذا لم توجد فيه معرفة هللا فذلك‬

‫حيا يمشي ويأكل‪.‬‬


‫القلب ميت ‪ ،‬ولو كان صاحبه ً‬

‫حياة القلب بتذكر الموت ‪ ،‬وبقراءة القرآن الكريم ‪ ،‬وبالتمسك بالشريعة ‪ ،‬وباتباع‬

‫الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وباإلخالص في العبادة ؛ حينذاك يحيا القلب‪.‬‬

‫الراحمين ‪ ،‬وارزقنا ك َل وصف يقربنا إلى‬


‫الله َم نور قلوبنا بمعرفتك يا أرحم َ‬

‫مشاهدتك ‪ ،‬وأبعدنا عن ِ‬
‫كل وصف يبعدنا عن مشاهدتك‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫اللفظ الحادي و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫حمة‬
‫ور َو هه ًدى َوَر َ‬ ‫وعظة ِمن َربكم َو ِش َفاء لِ َما ِفي ُّ‬
‫الص هد ِ‬ ‫اس قد َجاءتكم م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫(َياأَُّي َها الَن ه‬
‫لِ ِ‬
‫ين () ‪ ] (٥٧‬يونس ‪]٥٧:‬‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬‫ه‬

‫قوله تعالى ‪َ {:‬ياأَُّي َها الَن ه‬


‫اس { نداء عام كما في تفسير الكاشفي ‪ ،‬وخصصه في‬

‫اإلرشاد بكفار مكة } قد َجاءتكم م ِ‬


‫وعظة { هي التذكير بالعواقب ‪ ،‬سواء كان بالزجر‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫والترهيب أو باالستمالة والترغيب ‪ ،‬أي كتاب مبين لما يجب لكم وعليكم ‪ ،‬مرغب في‬

‫األعمال الحسنة منفر عن األفعال السيئة ‪ ،‬وهو القرآن } ِمن َربكم { متعلق بجاءتكم‬

‫} َو ِشفاء لِ َما ِفي ُّ‬


‫الص هد ِ‬
‫ور { ودواء من أمراض القلوب كالجهل والشك والشرك والنفاق‬

‫وغيرها من العقائد الفاسدة } َو هه ًدى { إلى طريق الحق واليقين ‪ ،‬باإلرشاد إلى االستدالل‬

‫بالدالئل المنصوبة في اآلفاق واألنفس } ورحمة لِ ِ‬


‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين { حيث نجوا بمجيء القرآن‬ ‫ََ َ ه‬

‫من ظلمات الكفر والضالل ‪.‬وهذه المصادر وصف بها القرآن للمبالغة ‪ ،‬كأنه عينها‪.‬‬

‫يقال ‪:‬القرآن موعظة للنفوس ‪ ،‬وشفاء للصدور ‪ ،‬وهدى لألرواح ‪.‬ويقال ‪:‬الموعظة‬

‫للعوام ‪ ،‬والشفاء للخواص ‪ ،‬والهدى لألخص ‪ ،‬والرحمة للكل حيث أوصلهم إلى‬

‫مراتبهم(‪. )١‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫فالحاصل أن الموعظة إشارة إلى تطهير ظواهر الخلق عما ال ينبغي وهو الشريعة ‪،‬‬

‫والشفاء إشارة إلى تطهير األرواح عن العقائد الفاسدة واألخالق الذميمة وهو الطريقة ‪،‬‬

‫والهدى وهو إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة ‪ ،‬والرحمة‬

‫وهي إشارة إلى كونها بالغة في الكمال واإلشراق إلى حيث تصير مكملة للناقصين وهي‬

‫النبوة ‪ ،‬فهذه درجات عقلية ومراتب برهانية مدلول عليها بهذه األلفاظ القرآنية ‪ ،‬ال‬

‫يمكن تأخير ما تقدم ذكره وال تقديم ما تأخر ذكره‪.‬‬

‫فضل َ ِ‬
‫ّللا‬ ‫ولما نبه هللا تعالى في هذه اآلية على هذه األسرار العالية اإللهية قال ‪ {:‬قل ِب ِ‬
‫ْ‬

‫جم هعو َن } ] يونس ‪ ،] 5٨:‬والمقصود منه اإلشارة‬ ‫ِ‬ ‫وبِر ِ ِ ِ ِ‬


‫حمته فبذل َك فْلَي ْفَر هحوا هه َو َخير م َما َي َ‬
‫ََ َ‬

‫إلى ما قرره حكماء اإلسالم من أن السعادات الروحانية أفضل من السعادات‬

‫(‪)١‬‬
‫الجسمانية ‪.‬‬

‫وهداه ‪ ،‬وال يضيع أوقاته بالجرائد‬


‫أقول ‪:‬على المؤمن العاقل أن يتبع القرآن ه‬

‫حاسب عليها ‪ ،‬فإما أن تكون له واما‬


‫والتلفزيون وما ال َيعني ‪ ،‬ألن هذه األوقات كلها هي َ‬

‫أن تكون عليه‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫والخالصة أن هذا القرآن نور وهداية للمؤمنين ‪ ،‬ونور وهداية كذلك لمن يترك الكفر‬

‫وءا أَو َيظلِم َن ْف َس هه هث َم‬


‫عم ْل هس ً‬
‫والنفاق ويتمسك به ‪ ،‬ولذا قال ربنا ج َل وعال ‪َ {:‬و َمن َي َ‬

‫ثما فِإَن َما َي ْك ِسهب هه َعلى ْنف ِس ِه‬ ‫ِ ِ‬


‫يما ( ‪َ ) ١١٠‬و َمن َيكسب إ ً‬
‫ّللا هغ ا ِ‬
‫فور َرح ً‬
‫ً‬
‫يست ْغ ِف ِر َ ِ ِ‬
‫ّللا َيجد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫يما { ] النساء ‪.]١١١-١١٠:‬‬ ‫ِ‬ ‫وكان َ ِ‬


‫يما َحك ً‬
‫ّللا َعل ً‬
‫َ َ ه‬

‫فعلى المؤمن إذا صدرت منه المعاصي ‪ -‬بالغفلة أو بعدم العلم ‪ -‬أن يستغفر هللا ‪،‬‬

‫فإن هللا غفور رحيم‪.‬‬

‫الله َم اغفر لنا ياغفور‪ ،‬وارحمنا يارحيم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫اللفظ الثاني و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫فما كاهنوا لِهي ْؤ ِمنوا ِب َما ك َذهبوا ِب ِه‬ ‫ِ‬ ‫فجاء ه ِ‬


‫وهم ب ْا َلبَينات َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫( هث َم َب َع َثنا من َبعده هر هسالً إلى قوم ِهم َ ه‬
‫ين () ‪ ] (٧٤‬يونس ‪]٧٤:‬‬ ‫لوب ْا ِ‬ ‫ِمن َقبل كذلِ َك َن ْطَب هع َعلى هق ِ‬
‫لم َعتد َ‬
‫ه‬ ‫ه‬

‫ين { أي كما طبع هللا على قلوب هؤالء فما آمنوا‬ ‫لوب ْا ِ‬
‫{ كذلِ َك َن ْطَب هع َعلى هق ِ‬
‫لم َعتد َ‬
‫ه‬

‫بسبب تكذيبهم المتقدم هكذا يطبع هللا على قلوب من أشبههم ممن بعدهم ويختم على‬

‫(‪)١‬‬
‫قلوبهم فال يؤمنوا حتى يروا العذاب األليم ‪.‬‬

‫فقوله تعالى ‪ َ{:‬كذلِ َك { أي مثل ذلك الطبع والختم المحكم الممتنع زواله } ن ْطَب هع َعلى‬

‫ين { المتجاوزين باختيار اإلصرار على الكفر‪.‬‬ ‫لوب ْا ِ‬


‫هق ِ‬
‫لم َعتد َ‬
‫ه‬

‫وكما أن هللا تعالى طبع على قلوب المكذبين للرسل بسوء اختيارهم وانهماكهم في‬

‫الغي والضالل كذلك طبع على قلوب المنكرين لألولياء بسوء معامالتهم وتهالكهم على‬

‫التقليد ‪ ،‬فما دخل في قلوبهم االعتقاد ‪ ،‬وما جرى على ألسنتهم اإلقرار ‪ ،‬كما لم يدخل‬

‫في قلوب األولين التصديق ولم يصدر من ألسنتهم ما يستدل به على التوفيق ‪ ،‬ثم هم مع‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫كثرتهم قد جاؤوا وذهبوا ولم يبق منهم أثر وال اسم ‪ ،‬وسيلحق بهم الموجودون ومن‬

‫يليهم إلى آخر الزمان ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬عندما خلق هللا تعالى األرواح سألهم ‪ {:‬أََلست ِبَربكم{ ] األعراف ‪[١٧٢:‬‬

‫جميعا ‪َ {:‬بلى { ‪ ،‬سواء‬


‫ً‬ ‫َفه َمهم هذا الخطاب األزلي حتى ال يبقى ألحد حجة‪ ،‬فقالوا‬
‫وأ َ‬

‫سعيدا ‪ ،‬لكن عندما نزلت األرواح إلى عالم‬


‫ً‬ ‫منهم من كان في ِ‬
‫العلم اإللهي شقَيا أو‬

‫الدنيا والتقت باألجساد ‪ ،‬منها من نسيت ذلك النداء األ زلي الذي سمعته هناك ‪،‬‬

‫أقرت ولم‬
‫كافر ‪ ،‬ومنها من َ‬
‫ونسيت ما أجابت به ‪ ،‬واتبعت الشقاوة ‪ ،‬فصار صاحبها ًا‬

‫مؤمنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تنس ‪ ،‬فصار صاحبها‬
‫َ‬

‫الله َم اجعلنا من سعداء الدنيا واآلخرة يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪190‬‬
‫اللفظ الثالث و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الد َنيا َرَبنا لِهي ِضُّلوا‬ ‫(وقال موسى رَبنا ِإَنك ءاَتيت ِفرعو َن ومألَه ِزينة وأَمواال ِفي ْالحي ِ‬
‫اة ُّ‬ ‫ََ‬ ‫َ ََ ه َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ه َ َ‬
‫موالِ ِهم َو ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اشدد َعلى هقلوبِ ِهم فال هي ْؤ ِمنوا َح َتى َيَرهوا اْل َع َذ َ‬
‫اب‬ ‫َعن َس ِبيل َك َرَبنا ا طمس َعلى أَ َ‬
‫يم () ‪ ] (88‬يونس ‪]88:‬‬ ‫ِ‬
‫األَل َ‬

‫وسى َرَبنا ِإَن َك َءاَتيت ِفر َعو َن َو َمأل هَه ِزَينة { أي ما يتزين به من‬
‫قال هم َ‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬و َ‬

‫اعا كثيرة من المال ‪،‬‬ ‫اللباس والمراكب ونحوهما } وأَمواال ِفي ْالحي ِ‬
‫اة ُّ‬
‫الد َْ َنيا { وأنو ً‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬

‫كالنقود والمتاع والضياع ‪ ،‬كما قال } َرَبنا { تكرير لألول ‪ ،‬أي آتيته ومأله هذه‬

‫الزينة واألموال } لِهي ِضُّلوا َعن َس ِبيلِ َك { أي لتكون عاقبة أمرهم أن يضلوا عبادك عن‬

‫طريق اإليمان ‪ ،‬فالالم للعاقبة ‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬

‫ودورنا لخراب الدهر نبنيها‬ ‫أموالنا لذوي الميراث نجمعها‬

‫‪١‬‬

‫مجاز ‪ ،‬ألن هللا تعالى‬


‫ًا‬ ‫أو ألجل أن يضلوا عن سبيلك ‪ ،‬فالالم للتعليل ال حقيقة بل‬

‫آتاهم ذلك ليؤمنوا ويشكروا نعمته ‪ ،‬فتوصلوا به إلى مزيد البغي والكفر ‪ ،‬فأشبهت هذه‬

‫الحالة حال من أعطى المال ألجل اإلضالل ‪ ،‬فورد الكالم بلفظ التعليل بناء على هذه‬

‫المشابهة ‪.‬وفي اآلية بيان أن حطام الدنيا سبب للضالل واإلضالل(‪ ، )١‬فإن اإلنسان‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫مذموما في نفسه ‪ ،‬بل المذموم استعماله‬
‫ً‬ ‫‪ -١‬إن لم ُيستعمل فيما أمر هللا تعالى به ‪ ،‬واال فإن المال والغنى ليس‬
‫في غير ما ُوضع له‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫ليطغى أن رآه استغنى ‪ ،‬ومن رأى الغير في زينة ورفاهية حال يتمنى أن يكون له مثل‬

‫ذلك‪ ،‬كما قالوا ‪:‬يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ‪ ،‬لما خرج في زينته ‪.‬ولذا َّ‬
‫حذر عن صحبة‬

‫األغنياء وأبناء الملوك ‪ ،‬وفي الحديث» ال تجالسوا الموتى«(‪ )١‬يعني األغنياء(‪ ، )2‬وعن أبي‬

‫الدرداء رضي هللا عنه ‪ :‬ألن أقع من فوق قصر فأنحطم ‪ -‬أي‬

‫أنكسر ‪ -‬أحب إلي من مجالسة الغني ‪ ،‬وذلك ألن مجالسته سارية وصحبته مؤثرة‪.‬‬

‫وقال أبو بكر رضي هللا عنه ‪ :‬اللهم ابسط لي الدنيا وزهدني فيها ‪ ،‬وال تزوها عني‬

‫َموالِ ِهم { دعاء عليهم بعد اإلنذار وعلمه أن ال سبيل‬ ‫ِ‬


‫وترغبني فيها ‪َ {.‬رَبنا اطمس َعلى أ َ‬

‫إلى إيمانهم ‪ ،‬وانما عرض إضاللهم أوال ليكون تقدمة لهذا الدعاء وأنهم مستحقون له‬

‫المحو وازالة األثر ‪.‬والمعنى ‪:‬أذهب منفعتها وامسخها وغيرها‬


‫ُ‬ ‫بسببه ‪.‬وأصل الطمس‬

‫عن هيأتها ‪ ،‬ألنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك ‪ ،‬وانما أمرتهم بأن يستعينوا بها‬

‫على طاعتك وسلوك سبيلك ؛ قالوا صارت دراهمهم ودنانيرهم وطعامهم من الجوز‬

‫والفول والعدس وغيرها كلها حجارة مصورة منقوشة على هيأتها ‪ ،‬وكذلك البيض‬

‫والمقاني وسائر أموالهم ‪ ،‬وهذه إحدى اآليات التسع‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ُ - ١‬روي عن أبي الدرداء رضي هللا عنه أنه قال ‪:‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪ «:‬إياكم ومجالسة الموتى»‬
‫ومن الموتى؟ قال ‪»:‬األغنياء» أخرجه الحاكم وصححه والترمذي بلفظ" األغنياء "بدل" الموتى‪".‬‬
‫قيل يارسول هللا ‪َ ،‬‬
‫جل وعال ‪ ،‬فإن الجلوس مع‬
‫‪- 2‬أي ‪:‬األغنياء الذين لم يأتمروا بأوامر هللا تعالى ولم ينتهوا عن نواهيه َّ‬
‫هؤالء مذموم ‪.‬أما األغنياء الذين هم مع غناهم متواضعون هلل تعالى ‪ ،‬ويشكرونه على ما أنعم به عليهم ‪،‬‬
‫ّللاِّ { [النور‪]37:‬‬
‫يهم ِّت َج َارة َوال َبيع َعن ِّذك ِّر َّ‬
‫له ِّ‬
‫جل وعال } ِّر َجال الت ِّ‬
‫‪.‬فهؤالء في عبادة ‪ ،‬ولذا قال ربنا َّ‬

‫‪192‬‬
‫اشهدد َعلى هقلوبِ ِهم { أصل الشد اإليثاق ‪ ،‬والمعنى ‪:‬اجعلها قاسية واختم عليها لئال‬
‫} َو ْ‬

‫يدخلها اإليمان (‪ }.)١‬فال هي ْؤ ِمنوا { جواب للدعاء } َح َتى َيَرهوا { أي ليروا ‪ ،‬أو إلى أن‬

‫يم { (‪.)2‬‬ ‫ِ‬


‫اب األَل َ‬
‫يروا } اْل َع َذ َ‬

‫حسن‬
‫قال الواحدي ‪:‬وهذا دليل على أن هللا تعالى يفعل ذلك بمن يشاء ‪ ،‬ولوال ذلك لما ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫من موسى عليه السالم هذا السؤال ‪.‬‬

‫اللهم يا مقلِّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك‪.‬‬

‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه َّ‬


‫وسلم‪.‬‬ ‫َّ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪-١‬ال ُيقال ‪:‬كيف دعا سيدنا موسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬عليهم بعدم اإليمان وهو رسول من أولي) العزم عليهم‬
‫السالم ألن هللا جل جالله أفهمه أو أوحى إليه أنهم لن يؤمنوا ؛ فدعاؤه عليهم بإلهام من هللا وليس من عنده ‪ ،‬ولذا قال هللا‬
‫تكما { ] يونس ‪ ]٨٩:‬فلولم تكن موافقة لمراده تعالى كيف يقول ‪:‬قد‬ ‫ِّ‬
‫عو َ‬‫تعالى في نهاية اآلية التي بعدها } قد أُج َيبت َد َ‬
‫أجيبت‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫اللفظ الرابع و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ين َي َستغشو َن ِثَي َاب ههم َيعَل هم َما هي ِسُّرو َن َو َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورههم لَي َست هخفوا مْن هه أَال ِح َ‬
‫هص هد َ‬ ‫( أَال ِإَن ههم َي هثنو َن‬
‫ور ( )‪] (٥‬هود ‪]٥:‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ِب َذ ِ‬ ‫هيعلِنو َن ِإَن هه َعلِيم‬

‫ورههم لَِي َست هخفوا ِمْن هه { روي عن مجاهد والحسن‬


‫قوله تعالى ‪ {:‬أَال ِإَن ههم َي ْثنو َن هص هد َ‬
‫شيئا أو عملوه فيظنون أنهم يستخفون‬
‫وغيرهم ‪:‬أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا ً‬
‫من هللا بذلك ‪ ،‬فأخبرهم هللا تعالى أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل‬
‫(‪)١‬‬
‫{ َيعَل هم َما هي ِسُّرو َن { من القول } َو َما هيعلِنو َن}‪.‬‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { مبالغ في اإلحاطة بمضمرات جميع‬ ‫} ِإَنه { أي هللا تعالى } علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث ال تفارقها أصال ‪ ،‬فكيف يخفى‬
‫عليه ما يسرون وما يعلنون؟ ومعنى اآلية أن الذين أضمروا الكفر والعداوة ال يخفون‬
‫علينا‪ ،‬وسنجازيهم على ما أبطنوا من سوء أعمالهم حق جزائهم (‪ ، )2‬فحقه أن ُيتقى‬
‫ويحذر وال ُيجت أر على شيء مما يخالف رضاه‪.‬‬
‫ُ‬

‫واعلم أن إصالح القلب أهم من كل شيء ‪ ،‬إذ هو كالملك المطاع في إقليم البدن النافذ‬
‫الحكم ‪ ،‬وظاهر األعضاء كالرعية والخدم له ‪ ،‬والنفاق صفة من صفاته المذمومة ‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬إما في الدنيا بالقتل ‪ ،‬واما في اآلخرة بدخول جهنم ‪ ،‬وذلك بسوء اختيارهم ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫وهو عدم موافقة الظاهر للباطن والقول للفعل ‪.‬وقال ناس البن عمر رضي هللا عنهما‪:‬‬

‫َّإنا لندخل إلى سلطاننا وأمرائنا فنقول لهم بخالف ما َّ‬


‫نتكلم إذا خرجنا من عندهم ‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫كنا نعد هذا نفاًقا على عهد رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم ‪.‬وقال حذيفة ‪:‬إن‬

‫المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول هللا ‪ ،‬قالوا ‪:‬وكيف ذلك؟ قال ‪:‬كانوا يومئذ‬

‫يسرون واليوم يجهرون‪.‬‬

‫ومن آفات القلب العداوة ‪ ،‬وعن علي رضي هللا عنه أنه قال ‪:‬العداوة شغل‪.‬‬

‫وفي اآلية إشارة إلى حال أهل اإلنكار ‪ ،‬فإن كفار الشريعة كانوا يتغطون بثيابهم لئال‬

‫يسمعوا القرآن وكالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذا منكروا الحقيقة ال يصغون‬

‫إلى ذكر الصوفية بالجهر ‪ ،‬وال يقبلون على استماع أسرار المشايخ وحقائق القرآن ‪ ،‬بل‬

‫يثنون صدورهم ويظنون أن هللا تعالى ال يعلم سرهم ونجواهم وال يجازيهم على‬

‫(‪)١‬‬
‫إعراضهم عن الحق وعداوتهم ألهله ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬الذي لم هيطهر قلبه ‪ -‬يعني باطنه ‪ -‬من األخالق الذميمة والخبائث َيعتمد على‬

‫عقله ‪ ،‬وال يقول ‪:‬إن مئات بل ألوف األولياء الذين جاؤوا كانوا على هذا المنوال ‪،‬‬

‫هيطهرون بواطنهم ‪ ،‬ويتوجهون إلى قراءة القرآن الكريم ‪ ،‬واتباع الرسول األعظم‬

‫عليه الصالة والسالم ‪ ،‬والتمسك بشرع هللا تعالى ‪ ،‬حتى ال يكونوا متصفين بصفة‬

‫المنافقين‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫اآلن هذه األوصاف توجد في بعض المؤمنين ‪ ،‬سَل َمنا هللا واياهم من هذه األخالق‬
‫الذميمة‪.‬‬

‫عدوه ‪ ،‬وهو الشيطان ووكالؤه ‪ ،‬ولذا قال ربنا ‪َ {:‬وِا َما‬


‫على المؤمن أن يعرف َ‬
‫تعذ ِب َ ِ‬
‫اّلل } ] فصلت ‪ ، [ ٣٦:‬ألنك إذا اعتمدت على عقلك‬ ‫ان َنزغ فاس ِ‬
‫طِ‬ ‫َيْن َزغَن َك ِم َن َ‬
‫الشي َ‬
‫َ‬
‫فإن عقلك ال يميز لك أن هذا من الشيطان وهذا من الرحمن ‪ ،‬فتقع في الخطأ ‪،‬‬
‫وتستعمل صفات ليست الئقة بإيمانك ‪.‬‬

‫فعليك أن تتبع ميزان الشريعة ‪ ،‬ألن الشريعة جاءت من عند هللا إلى رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهو بَلغ أمته إلى آخر الدنيا ‪.‬واذا لم تتبع هذا الميزان فإنك ال‬
‫تعرف التقوى وال تعرف األنانية وال الغرور ‪ ،‬وتترك العدالة ‪ ،‬حينذاك تدخل تحت قوله‬
‫َفرَيت َم ِن‬ ‫تعالى ‪َ{:‬فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ‬
‫تعدلوا{ ] النساء ‪ ، [ ١٣٥:‬وقوله تعالى ‪ {:‬أ َأ‬ ‫ه ََ‬
‫اه{ ] الجاثية ‪ [ ٢٣:‬نعوذ باهلل‪.‬‬ ‫ا َتخذ ِإ َ‬
‫له هه َه َو ه‬

‫إذا قيل لك ‪:‬إن الكفار المتقدمين كانوا يعبدون األصنام تستغرب حالهم ‪ ،‬وفيك‬
‫السهبعية أو الشيطانية أو الربوبية) يعني األنانية(‪.‬‬
‫شوائب من األخالق البهيمية أو َ‬

‫أنت تسجد بأنانيتك لهواك‪ ،‬وتنقد على من يسجد لألحجار!‬

‫حقا وارزقنا إتباعه وحببنا فيه‪ ،‬و ِأرنا الباطل باطال وارزقنا اجتنابه‬
‫الله َم ِأرنا الحق ً‬
‫وكرهنا فيه‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫اللفظ الخامس و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫عض ما يوحى ِإليك و َض ِائق ِب ِه صدرك أَن يقولوا لوال أهْن ِزل ع ِ‬
‫ليه َكْنز أَو‬ ‫َ َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ هَ‬ ‫َ َ‬ ‫لعَل َك َت ِارك َب َ َ ه َ‬ ‫( َف َ‬
‫ّللا َعلى هك ِل شيء َو ِكيل ( )‪ ](١٢‬هود ‪]١٢:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء َم َع هه َمَلك إَن َما أَْنت نذير َو َ ه‬
‫َج َ‬

‫وحى ِإ َ‬
‫ليك { تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك ‪ -‬وهو ما‬ ‫لعَل َك َت ِارك َب َ‬
‫عض َما هي َ‬ ‫} َف َ‬

‫يخالف رأي المشركين ‪ -‬مخافة ردهم واستهزائهم به ‪ ،‬وال يلزم من توقع الشيء لوجود‬

‫ما يدعو إليه وقوعه ‪ ،‬لجواز أن يكون ما يصرف عنه ‪ ،‬وهو عصمة الرسل عن‬

‫ِ ِ‬
‫أحيانا‬
‫ً‬ ‫الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ هاهنا ‪َ } ،‬و َضائق ِبه َص ه‬
‫در َك{ وعارض لك‬

‫ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة } أَن يقولوا لوال أهْن ِزل ع ِ‬
‫ليه َكْنز { ينفقه في‬ ‫َ َ‬ ‫َ ه‬

‫اء َم َع هه َمَلك { يصدقه ‪ ،‬وقيل الضمير في } ِب ِه { مبهم يفسره‬


‫االستتباع كالملوك } أَو َج َ‬

‫قولوا { ‪ِ } ،‬إَن َما أَْنت َن ِذير { ليس عليك إال اإلنذار بما أوحي إليك ‪ ،‬وال عليك‬
‫} أَن َي ه‬

‫كل شيء َو ِكيل { فتوكل‬


‫ّللا َعلى ِ‬
‫ردوا أو اقترحوا ‪ ،‬فما بالك يضيق به صدرك؟ } َو َ ه‬

‫عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫ترك التبليغ ِ‬
‫وترك وظيفة‬ ‫أقول ‪:‬عصمة هللا نبيه عليه الصالة والسالم تستلزم عدم ِ‬
‫َ‬
‫النبوة ‪ ،‬لكن هذا تسلية منه ج َل وعال لرسوله األعظم صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬المشفق‬
‫عصمته بعصمة هللا ‪ ،‬وحف هَ ظه بحفظ هللا ‪.‬وهذا يدل على‬
‫ه‬ ‫على أمته ‪ ،‬ألنه بشر ‪،‬‬
‫أن‬
‫عصم َك ِم َن الَن ِ‬
‫اس{‬ ‫ِ‬
‫ّللا َي ه‬
‫هللا تعالى يعصم ويحفظ دين أنبيائه ورسله ‪َ {:‬و َ ه‬
‫] المائدة ‪ ، [ ٦٧:‬يعني ‪:‬إن هللا يعصم دينك ونبوتك وتبليغك من الناس ‪ ،‬ال جسمك ؛‬
‫فقد أصابه أذاهم عليه الصالة والسالم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ {:‬لن َي هضُّروكم ِإالَ أَذى {‬
‫ِ‬
‫ككسر رباعيته ‪ ،‬لكن العصمة على ما‬ ‫] آل عمران ‪ ، [ ١١١:‬هذا األذى جسماني ‪،‬‬
‫أوحي إليه من النبوة‪.‬‬

‫فوظيفة الرسول عليه الصالة والسالم التبليغ ال الهداية ‪ ،‬ألن الهداية بيد هللا وحده‪.‬‬

‫يقولون ‪:‬كان األولياء الك َمل في الزمن القديم يهدون الناس إلى االستقامة بأنظارهم‬
‫أنفاسهم هداية هللا تعالى ‪ ،‬أما إذا لم توافق فهذا‬
‫ه‬ ‫وبأنفاسهم ‪.‬نقول ‪:‬نعم ‪ ،‬إذا وافقت‬
‫أبو جهل وأبو لهب وغيرهم سمعوا من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ولم يؤمنوا‬
‫فمن أفضل من رسول هللا عليه الصالة والسالم‬
‫به‪َ ،‬‬
‫قلت لواحد ‪:‬يا أخي !أنت تكذب ‪ ،‬اترك هذا الكذب ‪ ،‬قال لي جو ًابا ‪:‬عليكم أن‬
‫تطهروني‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫كثير من أهل الطرق يعتقدون ذلك ‪ ،‬وشيخهم يفخفخ وتكبر نفسه بحسن ظنهم ؛ فهم‬

‫بحسن ظنهم باألولياء يستكسبون الثواب ‪ ،‬وهو يأخذ الكبر والغرور ‪ ،‬كما قال هللا‬

‫حمهدوا ِب َما لم َي ْف َعلوا { ] آل عمران ‪.]١88:‬‬ ‫ِ‬


‫تعالى ‪َ {:‬وهيحُّبو َن أَن هي َ‬

‫الله َم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫اللفظ السادس و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫فؤ َاد َك َو َجاء َك ِفي َه ِذ ِه اْل َح ُّق َوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫قص عليك ِمن أَْنب ِ‬
‫وعظة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الر هس ِل َمان َثبت ِبه َ‬
‫اء ُّ‬ ‫َ‬ ‫( َوكالا َن ُّ َ َ‬
‫وِذكرى لِ ِ‬
‫ين ( )‪ ] (١٢٠‬هود ‪]١٢٠:‬‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ه‬ ‫َ َ‬

‫ِ‬ ‫قص عليك ِمن أَنب ِ‬


‫الر هس ِل َما ن َثبت ِبه َ‬
‫فؤ َاد َك { أي ‪:‬وكل أخبار‬ ‫اء ُّ‬ ‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ {:‬وكالا َن ُّ َ َ‬
‫نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم وكيف جرى لهم من‬
‫المحاجات والخصومات وما احتمله األنبياء من التكذيب واألذى وكيف نصر هللا حزبه‬
‫المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين كل هذا مما نثبت به فؤادك أي قلبك يا محمد ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫وعظة وِذكرى لِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬


‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين { إنه تعالى بين أنه جاء في هذه‬ ‫ه‬ ‫اء َك في َهذه اْل َح ُّق َو َم ِ َ َ‬
‫} َو َج َ‬
‫السورة أمور ثالثة ‪ :‬الحق والموعظة والذكرى‪.‬‬

‫أما الحق ‪ :‬فهو إشارة إلى البراهين الدالة على التوحيد والعدل والنبوة‪.‬‬
‫وأما الذكرى ‪ :‬فهي إشارة إلى اإلرشاد إلى األعمال الباقية الصالحة‪.‬‬
‫وأما الموعظة ‪ :‬فهي إشارة إلى التنفير من الدنيا وتقبيح أحوالها في الدار اآلخرة ‪،‬‬
‫المذكرة لما هنالك من السعادة والشقاوة ‪ ،‬وذلك ألن الروح إنما جاء من ذلك العالم ‪،‬‬
‫إال أنه الستغراقه في محبة الجسد في هذا العالم نسي أحوال ذلك العالم ‪ ،‬فالكالم اإللهي‬
‫يذكره أحوال ذلك العالم ‪ ،‬فلهذا السبب صح إطالق لفظ الذكر عليه‪.‬‬

‫ــ ــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ثم ههنا دقيقة أخرى عجيبة ‪ :‬وهي أن المعارف اإللهية ال بد لها من قابل ومن‬
‫موجب‪ ،‬وقابلها هو القلب ‪ ،‬والقلب ما لم يكن كامل االستعداد لقبول تلك المعارف‬
‫اإللهية والتجليات القدسية لم يحصل االنتفاع بسماع الدالئل ‪ ،‬فلهذا السبب قدم هللا تعالى‬
‫ذكر إصالح القلب ‪ ،‬وهو تثبيت الفؤاد ‪.‬ثم لما ذكر صالح حال القابل ‪ ،‬أردفه بذكر‬
‫الموجب ‪ ،‬وهو مجيء هذه السورة المشتملة على الحق والموعظة والذكرى ‪ ،‬وهذا‬
‫الترتيب في غاية الشرف والجاللة ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫قال القاشاني رحمه هللا في شرح التائية ‪ :‬للقلب وجه إلى الروح يسمى فؤ ًادا وهو‬
‫فؤ هاد َما َأرَى { ] النجم ‪ ، [ ١١:‬ووجه إلى‬
‫اكذب اْل َ‬
‫محل الشهود ‪ ،‬كما قال سبحانه ‪َ { :‬م َ‬

‫صدر وهو محل صور العلوم ‪ ،‬والقلب عرش الروح في عالم‬


‫ًا‬ ‫النفس (أي الذات) يسمى‬

‫الغيب ‪ ،‬كما أن العرش قلب الكائنات في عالم الشهادة ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫قص عليك ِمن أَنب ِ‬


‫الر هس ِل َما ن َثبت ِبه َ‬
‫فؤ َاد َك { يعني‬ ‫اء ُّ‬ ‫َ‬ ‫أقول ‪:‬قوله تعالى ‪َ {:‬و كالا َن ُّ َ َ‬
‫مرسلون تأذوا وتحملوا ‪ -‬على ما أوحي إليهم ‪ -‬ما‬ ‫المرسل األول ‪ ،‬فقبلك َ‬
‫َ‬ ‫لست أنت‬
‫نزل بهم من قومهم من الشدائد واألضرار ‪ ،‬أنت آخرهم ‪.‬وألنك إمام األنبياء‬
‫والمرسلين فإن ما نزل بك من قومك كان أكثر ‪ ،‬ألنك مرآة لألولين وقدوة لآلخرين ‪،‬‬
‫عليك صالة وسالم رب العالمين‪.‬‬
‫ألف ألف صالة وألف ألف سالم عليك يا رسول هللا ‪ ،‬نطلب شفاعتك‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫الله َم افتح لنا أبواب المعرفة والرضا‪ ،‬وأخرجنا من الدنيا على اإليمان‪ ،‬وشفعه بنا‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫بحرمته وبجاهه عندك وبمحبتك له يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫اللفظان السابع والسبعون و الثامن و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لوب () ‪)٢8‬‬ ‫ِ‬ ‫ّللا أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬


‫( اَل ِذين ءامنوا وت ْطم ِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫تطمئ ُّن اْلهق ه‬
‫ّللا َ‬ ‫هه‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫]الرعد‪]٢8:‬‬

‫اعتمادا عليه ورجاء منه ‪ ،‬أو‬ ‫} اَل ِذين ءامنوا وت ْطم ِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫أنسا به و ً‬
‫ّللا { ً‬ ‫هه‬ ‫َ َ َ َ َ‬

‫بذكر رحمته بعد القلق من خشيته ‪ ،‬أو بذكر دالئله الدالة على وجوده ووحدانيته ‪ ،‬أو‬

‫بكالمه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫لوب { تسكن إليه ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫} أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬


‫ّللا ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه‬
‫(‪)١‬‬

‫قال ابن كثير ‪ {:‬وت ْطم ِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬


‫ّللا { أي تطيب وتركن إلى جانب هللا وتسكن‬ ‫هه‬ ‫َ َ‬

‫لوب {‬ ‫ِ‬ ‫ونصير ولهذا قال ‪ }:‬أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬


‫ّللا ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه‬ ‫ًا‬ ‫عند ذكره وترضى به مولى‬
‫(‪)2‬‬

‫أقول ‪:‬إذا صفا قلب المؤمن عن محبة الدنيا وحطامها يحصل فيه اليقين ‪ ،‬أي يقذف‬

‫نور في قلوب عباده الذين يجاهدون أنفسهم ويطهرون بواطنهم من الخبائث‬


‫هللا ً ا‬

‫امتثاال ألمره تعالى ‪ {:‬واَل ِذين جاهدوا ِفينا َل ِ‬


‫نهدَيَن ههم هسهبَلنا{ ] العنكبوت ‪.]٦٩:‬‬ ‫َ َ َ َه َ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫فهذه الدنيا فانية لها انتهاء ‪ ،‬والذي له انتهاء ال هيعتمد عليه ‪ ،‬ألنه بانتهائه ينتج‬
‫الفناء ‪ ،‬فإذا جاهد العبد نفسه وشيطانه يحصل في قلبه حقيقة البقاء ‪ ،‬حينذاك يكون‬
‫اشتغاله بالباقي ‪ ،‬فيبقى مع الباقي ‪ ،‬وتدوم هذه الحقيقة وتنتقل معه إلى اآلخرة ‪،‬‬
‫فتثبت له السعادة ‪ ،‬وهي ضد الشقاوة التي تحصل من االشتغال بالدنيا‪.‬‬

‫المشتغل بالدنيا كالذي يريد أن يأخذ الماء بالغربال ‪ ،‬فهل هيمأل الغربال بالماء ولو‬
‫أخذ من البحر؟ ال ‪.‬سَلمنا هللا واياكم‪.‬‬

‫وهذا ال يستلزم أن نترك الدنيا بالكلَِية ‪ ،‬لكن نشتغل بها بقدر االحتياج ‪ ،‬وال‬
‫ننغمس فيها حتى يحصل في قلوبنا البخل والشح وعدم إنفاق الحق إلى صاحبه‪.‬‬
‫على العبد العاقل أن يكون شديد العناية بتقوية اليقين ‪ ،‬فإن اليقين هو رأس مال‬
‫فال َ‬
‫بد من‬ ‫(‪)١‬‬
‫الدين ‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ » :‬اليقين اإليمان كله«‬
‫ُّ‬
‫تعلم علم اليقين ‪ ،‬ثم ينفتح للقلب طريقه ‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪»:‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫تعَلم اليقين« ‪.‬‬

‫واذا ثبت عند المؤمن أن اآلخرة أبدية والدنيا فانية فإن إيمانه ويقينه ال يسمح له‬
‫بترجيح الفاني على الباقي ‪ ،‬فيتقرب إلى هللا تعالى ‪ ،‬ويقصر المسافة البعيدة بينه‬
‫وبين ربه ج َل وعال ‪ ،‬بكثرة الذكر ؛ ألن القرب صفة ذاتية هلل تعالى ‪ ،‬سواء كان العبد‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه بإسناد حسن ‪.‬‬
‫‪- 2‬أخرجه أبو َُنعيم‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫حاضر بقلبه معه ‪ ،‬فاهلل قريب من العبد على كل حال‪:‬‬
‫ًا‬ ‫غافال عن هللا تعالى أو‬

‫ِ‬
‫وتقر هب‬ ‫َلك ِعَبادي َعِني فِإِني َق ِريب { ] البقرة ‪ ، [ ١8٦:‬و ه‬
‫البعد صفة العبد ‪ُّ ،‬‬ ‫} َوِاذا َسأ َ‬

‫العبد إلى هللا ج َل وعال يكون بقلبه ‪ ،‬ال بجسده وبدنه وجوارحه ‪ ،‬فإذا استولى نور‬

‫القلب على الجوارح الظاهرية واللطائف الباطنية يرى العبد بقلبه أنه مع ربه ج َل وعال‬

‫ِ‬
‫كمن هه َو‬
‫ق َ‬‫بك اْل َح ُّ‬ ‫َفمن َيعَل هم أََن َما أهْن ِز َل ِإ َ‬
‫ليك من َر َ‬ ‫في كل األحوال ‪ ،‬ولذا قال ربنا ‪ { :‬أ َ‬
‫قضو َن ْا ِ‬ ‫هد َ ِ‬
‫اب ( ‪ ) ١٩‬اَل ِذين يوفو َن ِبع ِ‬
‫ََ َلب ِ‬
‫لمَيثاق‬ ‫ّللا َوال َيهن ه‬ ‫َ‬ ‫َ هه‬ ‫َعمى ِإَن َما َيتذ َكهر أ ههولو األ ْ‬
‫أ َ‬
‫ِ‬
‫لحس ِ‬ ‫(‪)٢٠‬واَل ِذين ي ِصلون ما أَمر َ ِ‬
‫اب‬ ‫وء ْا َ‬ ‫ّللا ِبه أَن هي َ‬
‫وص َل َوَي ْخشو َن َرَب ههم َوَيخاهفو َن هس َ‬ ‫َ َ ََ ه‬ ‫َ َ َ‬
‫الصالة وأَْن هفقوا ِم َما رَزَقناهم ِس ار وع ِ‬
‫النَية‬ ‫َقاموا َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪َ )٢١‬واَلذ َ‬
‫ََ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫غاء َوجه َربهم َوأ ه‬
‫ين َصَبهروا ابت َ‬

‫لح‬ ‫الد ِار ( ‪َ ) ٢٢‬جَنات َعدن َيد هخ َ‬


‫قبى َ‬ ‫ِ‬ ‫ويدرءون ِباْلحس ِ‬
‫لون َها َو َمن َص َ‬ ‫لهم هع َ‬
‫الس َيئة أ َهولئ َك ه‬
‫نة َ‬ ‫ََ َه َ َ َ‬
‫اج ِهم وذرَي ِات ِهم واْلم ِ‬
‫الئكة َيد هخلو َن َعلي ِهم ِمن هك ِل َباب) ‪َ )٢٣‬سالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َزو ِ َ‬ ‫من َءاَبائ ِهم َوأ َ‬

‫الد ِار { ]الرعد‪ ،]٢٤-١٩ :‬أولئك يحظون بهذا الحظ‬


‫قبى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عم هع َ‬
‫َعليكم ب َما َصَبهرتم فن َ‬

‫وموضع تجارة اآلخرة‬


‫ه‬ ‫موضع الهداية‬
‫ه‬ ‫األكبر في الدنيا ‪ ،‬ألن الدنيا التي نعيش فيها هي‬

‫‪ ،‬فالهداية توجد هنا ال في اآلخرة ‪ ،‬ولذا مدح هللا تعالى الذين يتصفون بهذه الصفات ‪،‬‬

‫فما بالنا نترك حظنا من الكتاب والسَنة والتقرب القلبي إلى ربنا ج َل وعال!‬

‫ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫اللفظ التاسع و السبعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الصالة‬
‫يموا َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َسكنت ِمن ذرَي ِتي ِبواد ِ ِ‬ ‫( َرَبنا ِإِني أ ْ‬
‫غير ذي َزرع عْن َد َبيت َك اْل هم َحَرِم َرَبنا لهيق ه‬ ‫َ‬
‫ارز ِ َ ِ‬ ‫فاجع ْل أَ ْف ِئ َد ًة ِم َن الَن ِ‬
‫كرو َن ( )‪)٣٧‬‬‫لعَل ههم َي هش ه‬ ‫قهم م َن الث َمَرات َ‬‫اس تهوِي ِإلي ِهم َو ه ه‬ ‫َ‬
‫]إبراهيم ‪]٣٧:‬‬

‫يعنون بالفؤاد القلب ‪.‬قوله تعالى ‪{َ :‬تهوِي ِإلي ِهم { قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫فالنا‬
‫تحن إليهم ‪.‬وقال قتادة ‪ :‬تنزع إليهم ‪ ،‬وقال الفراء ‪ :‬تريدهم ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬رأيت ً‬
‫يهوي نحوك ‪ ،‬أي يريدك ‪.‬وق أر بعضهم ‪ {:‬تهوِي ِإلي ِهم { بمعنى ‪ :‬تهواهم ‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫} َرِدف لكم } [ النمل ‪ ، [ ٧2:‬أي ‪ :‬ردفكم( ‪.‬والى )توكيد للكالم ‪.‬وقال ابن األنباري‪:‬‬
‫} تهوِي ِإلي ِهم { تنحط إليهم وتنحدر ‪.‬وفي معنى هذا الميل قوالن ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أنه الميل‬
‫إلى الحج ‪ ،‬قاله األكثرون ‪.‬والثاني ‪ :‬أنه حب سكنى مكة ‪ ،‬رواه عطية عن ابن عباس‪.‬‬
‫روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬لو كان إبراهيم قال ‪ :‬فاجعل‬
‫(‪)١‬‬
‫أفئدة الناس تهوي إليهم ‪ ،‬لحجت اليهود والنصارى ‪ ،‬ولكنه قال ‪ :‬من الناس ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬من يريد السعادة األبدية عليه أن يتمسك بالشريعة ‪ ،‬ويترك المعاصي ‪،‬‬
‫ويحافظ على الصالة ‪ ،‬ألن إبراهيم عليه الصالة والسالم مع أنه شيخ األنبياء وخليل‬
‫الصالة { ‪،‬‬
‫يموا َ‬ ‫ِِ‬
‫هللا تضرع إلى هللا ج َل وعال وقال ‪ { :‬لهيق ه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير زاد المسير ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫جميعا ‪ -‬معاشر‬
‫ً‬ ‫تحن إليهم ‪.‬علينا‬ ‫فاجع ْل أَ ْف ِئ َد ًة ِم َن الَن ِ‬
‫اس تهوِي ِإلي ِهم { أي ‪ُّ :‬‬ ‫} َ‬

‫المؤمنين ‪ -‬أن نحافظ على صلواتنا ‪ ،‬ألن الصلوات الخمس رابطة بين المؤمن وربه‪،‬‬

‫ِ‬ ‫كما قال ربنا ج َل وعال ‪ِ { :‬إ َن َ‬


‫لم ِ‬
‫نكر{ ] العنكبوت ‪] ٤٥:‬‬ ‫نهى َع ِن ْاَلفحشاء َوْا ه‬
‫الصالة ْت َ‬

‫واذا انتهى العبد المؤمن عن الكبائر نرجو هللا تعالى ببركة الصلوات الخمسة أن يعفو‬

‫أحيانا بفضله يبدل السيئات حسنات‪.‬‬


‫ً‬ ‫عنه الصغائر ‪ ،‬بل‬

‫ربنا اغفر لنا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫اللفظ الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َبص هار‬ ‫ِ ِ‬ ‫ظالِ همو َن ِإَن َما هي َؤ ِخهرههم لَِيوم ْ‬ ‫(والتحسب َن هللا َغ ِ‬
‫افال َع َما يعمل ال َ‬
‫خص فيه األ َ‬
‫تش ه‬ ‫َ َه‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫قن ِعي رء ِ‬ ‫(‪ ( ٤٢‬م ِ‬
‫هط ِعين م ِ‬
‫فهم َوأَ فئ َد ه‬
‫تهم َه َواء () ‪(٤٣‬‬ ‫رتُّد ِإلي ِهم ه‬
‫طر ه‬ ‫وس ِهم ال َي َ‬ ‫هه‬ ‫َ ه‬ ‫ه‬
‫[إبراهيم ‪]٤٣-٤٢ :‬‬

‫ين { أي‬ ‫ِِ‬


‫ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إلى قيام المحشر فقال ‪ { :‬همهطع َ‬
‫مسرعين ‪ {.‬م ِ‬
‫قن ِعي رء ِ‬
‫وس ِهم { قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد ‪ :‬رافعي رؤوسهم‬ ‫هه‬ ‫ه‬

‫فهم { أي أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر ال يطرفون‬ ‫رتُّد ِإلي ِهم ه‬
‫طر ه‬ ‫} ال َي َ‬

‫لحظة‪ ،‬لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم ‪ ،‬عيا ًذا باهلل العظيم من‬

‫ِ‬
‫ذلك‪ ،‬ولهذا قال ‪َ {:‬وأَ ْفئ َد ه‬
‫تهم َه َواء { أي وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء ‪ ،‬لكثرة‬

‫الوجل والخوف ‪ ،‬ولهذا قال قتادة وجماعة ‪ :‬إن أمكنة أفئدتهم خالية ‪ ،‬ألن القلوب لدى‬

‫شيئا‬
‫الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف ‪.‬وقال بعضهم ‪ :‬هي خراب ال تعي ً‬
‫(‪)١‬‬
‫مما أخبر به تعالى عنهم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫ِ‬
‫قال البيضاوي ‪َ {:‬وأَ ْفئ َد ه‬
‫تهم َه َواء { خالء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ‪،‬‬
‫ومنه يقال لألحمق وللجبان ‪ :‬قلبه هواء ‪ ،‬أي ال رأي فيه وال قوة ‪.‬وقيل ‪ :‬خالية عن‬
‫الخير خاوية عن الحق ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫والمراد بيان أن قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جميع الخواطر واألفكار ‪ ،‬لعظم ما‬
‫ينالهم من الحيرة ‪ ،‬ومن كل رجاء وأمل لما تحققوه من العقاب ‪ ،‬ومن كل سرور لكثرة‬
‫ما فيه من الحزن ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫أقول ‪:‬هذه ثمرة عملهم الدنيوي ‪ ،‬ت ه‬


‫طلع في اآلخرة ‪.‬فهذه اآلية وان نزلت في حق‬
‫ويشغل‬
‫الكفار لكنها تحث المؤمن على أن يتفكر في هذه الدنيا الفانية ‪ ،‬وال يغتر بها ه‬
‫عن السعادة األبدية ؛ ألنه كما أن اإلنسان إذا اتبع نفسه وهواه وشيطانه يميل إلى‬
‫المعاصي والمخالفات فإن عنده كذلك قابلية ألن يترك المعاصي بإذن هللا ‪ ،‬ويتوجه إلى‬
‫ِ‬
‫أوامر هللا وينتهي عن نواهيه ‪ ،‬فتكون ثمرة ذلك في اآلخرة ‪َ { :‬وَب ِش ِر اْل هم ْخ ِبت َ‬
‫ين{‬
‫] الحج ‪ ، [ ٣٤:‬المتواضعين المطيعين الذين ال يتبعون أهواءهم ‪.‬طالب المدارس إذا‬
‫حان وقت االمتحان يأخذهم القلق ‪ ،‬ويفكرون هل ينجحون أو ال؟ هذا من شؤون‬
‫الدنيا؛ وأما النجاح في اآلخرة فإنه متعلق بفعل أوامر هللا ج َل وعال ‪ ،‬واتباع الرسول‬
‫عليه أفضل الصالة والسالم في الدنيا ‪ ،‬وفي هذا االمتحان إذا خالف اإلنسان عليه أن‬
‫يستغفر ويتوب ويرجع إلى هللا تعالى ‪ ،‬وهو ج َل وعال قال‪:‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ‬
‫الس َيئ ِ‬
‫ات{ ] الشورى ‪ ، [ ٢٥:‬أما إذا‬ ‫ِ‬
‫} َو هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ‬

‫أصر على المعاصي بدون توبة وخرج من الدنيا على ذلك فإنه يع َذب بعصيانه ولو‬
‫َ‬

‫اما سفع من‬


‫صيبن أقو ً‬
‫مؤمنا ‪ ،‬فقد جاء أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ » :‬هلي َ‬
‫ً‬ ‫كان‬

‫(‪)١‬‬
‫الَنار بذنوب أصابوها«‪.‬‬

‫نرجو هللا ج َل وعال أن يرزقنا التوبة واإلنابة إليه واالستقامة‪ ،‬من فضله وكرمه‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أخرجه البخاري عن أنس رضي هللا عنه ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫اللفظ الحادي و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫( َكذلِك َنس ِ‬


‫ين (‪)١٣‬‬ ‫ين ( ‪)١٢‬ال هي ْؤ ِمنو َن ِبه َوقد َخ ْ‬
‫لت هسَنة األ ََولِ َ‬ ‫جرِم َ‬
‫لم ِ‬ ‫ِ‬
‫لكه في هقلوب ْا ه‬
‫َ ه ه‬
‫]الحجر ‪[١٣-١٢:‬‬

‫ِ‬
‫ين * ال هي ْؤ ِمنو َن‬
‫جرِم َ‬
‫لم ِ‬ ‫ِ‬
‫الكفر } في هقلوب ْا ه‬ ‫في التأويالت النجمية ‪ َ{ :‬كذلِ َك َن هس ه‬
‫لكه { أي َ‬

‫ِب ِه { بواسطة ُجرمهم ‪ ،‬فإن بالجرم يسلك الكفر في القلوب كما يسلك اإليمان‬

‫كف ِرِهم فال هي ْؤ ِمنو َن ِإالَ قلِيالً{‬


‫ليها ِب ْ‬
‫ّللا َع َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫بالعمل الصالح في القلوب ‪.‬نظيره } َب ْل َ‬
‫(‪)١‬‬
‫[ النساء ‪.] ١55:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جرِم َ‬
‫ين { أي أهل مكة أو جنس المجرمين ‪ ،‬فيدخلون فيه دخوال ً‬
‫أوليا‪.‬‬ ‫لم ِ‬
‫} في هقلوب ْا ه‬

‫مقرونا باالستهزاء غير مقبول لما تقتضيه الحكمة ‪ ،‬وحاصله أنه‬


‫ً‬ ‫ومعنى المثلية كونه‬

‫ًَأ‬
‫مستهز به غير مقبول ‪ ،‬ألنهم من أهل‬ ‫تعالى يلقي القرآن في قلوب المجرمين‬

‫الخذالن ‪ ،‬ليس لهم استحقاق لقبول الحق ‪ ،‬كما ألقى سبحانه كتب الرسل عليهم السالم‬

‫مستهز بها غير مقبولة كذلك ‪ ،‬وصيغة المضارع لكون المشبه به‬
‫َأ‬ ‫شيعهم‬
‫في قلوب َ‬

‫مقدما في الوجود ‪ ،‬وهو السلك الواقع في ِّش َي ِّع األولين ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬
‫ً‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير األلوسي ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫قال البيضاوي رحمه هللا ‪ َ{ :‬كذلِ َك َن هس ه‬
‫لكه { ِّ‬
‫ندخله ‪ ،‬والسلك ‪ :‬إدخال الشيء في‬
‫الرمح في المطعون ‪ ،‬و‬
‫الضمير لالستهزاء ‪.‬وفيه دليل‬ ‫المخيط ‪ ،‬و ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كالخيط في ِّ‬ ‫الشيء ‪،‬‬
‫ُ‬
‫على أن هللا يوجد الباطل في قلوبهم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬ال يقال ‪:‬مادام هللا قد جعل الباطل في قلوبهم فلِ َم يعذبهم؟ ألن هللا أمر عباده‬
‫فمن خالف الشريعة‬ ‫باألخذ بالمعروف واالنتهاء عن المنكر والتمسك بالشريعة ‪َ ،‬‬
‫واألمر اإللهي فإن هذا الكسب منه يستحق العقاب ‪.‬ليس للعبد ِعلم هل هو في َ‬
‫األزل‬
‫الس ِبيل ِإ َما ِ‬
‫فور{‬
‫شاكًار َواِ َما هك ًا‬ ‫ناه َ َ‬ ‫سعيد أم شقي ‪ ،‬ولكن هللا تعالى قال ‪ِ {:‬إَنا َه َدَي ه‬
‫ّللا ال ي ْظلِم الَناس ً ِ‬ ‫ِ‬
‫فس ههم‬ ‫شيئا َولك َن الَن َ‬
‫اس أَهن َ‬ ‫َ‬ ‫] اإلنسان ‪ ،[ ٣:‬وقال ج َل وعال ‪ {:‬إ َن َ َ َ ه‬
‫َي ْظلِ همو َن{ ] يونس ‪ ، [ ٤٤:‬مع هذا فإن عقيدتنا أن اإليمان والكفر والخير والشر كله‬
‫عملو َن { [الصافات ‪.[٩٦:‬‬‫ّللا َخَلقكم َو َما َت َ‬ ‫ِ‬
‫بخلق هللا ‪َ {:‬و َ ه‬

‫فما قاله المفسر ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في الحقيقة حق‪ ،‬ولكن إظهاره يضر بعض الناس ‪،‬‬
‫أهل العلم من‬
‫نع ه‬‫ألنه من الخفيات التي امتنع األنبياء والصادقون عن ذكرها ‪ ،‬ولذلك َم ََ َ‬
‫أفهامهم عن إدراكه‪.‬‬
‫ه‬ ‫قصهر‬
‫إفشاء سر القدر ‪ ،‬ألن أكثر الخلق َت ه‬

‫جميعا فال بد لنا من التمسك بالتكاليف الشرعية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫القدر خفي علينا وعلى الناس‬
‫وألن َ‬
‫تعملو َن { ‪،‬‬
‫ّللا َخَلقكم َو َما َ‬
‫أما في الحقيقة فكل التصرفات بيد هللا ج َل وعال ‪َ { :‬و َ ه‬
‫والبعض يميل بهذا إلى الجبر ‪ ،‬لكن أهل السَنة والجماعة بريئون من هذا الفكر‪.‬‬

‫الله َم سلِمنا وسلِم ديننا وايماننا ‪ ،‬بفضلك وكرمك يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫اللفظ الثاني و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ين ( ‪ ] (٤٧‬الحجر ‪]٤٧:‬‬ ‫ِ‬ ‫نزعنا ما ِفي ص هد ِ ِ ِ‬


‫ورِهم من غل ِإ ْخ َو ًانا َعلى هسهرر هم َتقا ِبل َ‬ ‫ه‬ ‫( َو َ َ َ‬

‫روى سعيد في تفسيره حدثنا ابن فضالة عن لقمان عن أبي أمامة قال ‪ :‬ال يدخل الجنة‬

‫مؤمن حتى ينزع هللا ما في صدره من غل حتى ينزع منه مثل السبع الضاري‪.‬‬

‫وهذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة حدثنا أبو المتوكل الناجي أن أبا سعيد‬

‫الخدري رضي هللا عنه حدثهم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪» :‬يخلص‬

‫المؤمنون من النار ‪ ،‬فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ‪.‬فيقتص لبعضهم من بعض‬

‫مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا ‪ ،‬أذن لهم في دخول الجنة«‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫نتزاع الغل إما أن يكون في الدنيا وذلك بتزكية النفس عن األوصاف القبيحة ‪ ،‬وتخلية‬

‫القلب عن سفساف األخالق ‪ ،‬وهو للكاملين ‪ ،‬واما أن يكون في اآلخرة ‪ ،‬وهو‬

‫للناقصين ‪.‬جعلنا هللا واياكم من المتصافين ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫كلها متعلِقة بالقلب ألن القلب محل المعرفة ‪ ،‬والعلماء‬
‫أقول ‪ :‬األوامر والنواهي ُّ‬

‫جميعا يشتغلون بهذه الحقيقة ‪ ،‬لكن علماء الظاهر يقولون ‪ :‬اترك المعاصي( الزنا ‪،‬‬
‫ً‬
‫شرب الخمر‪ ) ...‬ألنها حرام ‪ ،‬وال يقولون ‪:‬أثر المعاصي ينزل إلى القلب ويكون منه‬
‫الرين‪.‬‬
‫َ‬

‫إذا حصل الصفاء بالقلب فإيمانه يقتضي أن يعمل العمل الصالح وأن يجتنب المعاصي‬
‫وأن يحب الصالحين وأن ينظر إلى أن جميع المؤمنين على أنهم إخوة ‪ ،‬كل هذه‬
‫التزكية والمشرب والمسلك متعلق بالقلب ‪ ،‬فإذا فرغ القلب عن هذه الخبائث والرذائل‬
‫هملئ مكانه بالمعاملة والمكاشفة ‪ ،‬وهللا ينظر إلى القلب وهو مملوء بهذه المنافع‬
‫مؤمنا لكنه فارغ من الفوائد معلق‬
‫ً‬ ‫والفوائد ‪ ،‬فيعامله بما ثبت فيه ‪.‬أما إذا كان القلب‬
‫مفوض إلى ربه‪.‬‬
‫بالرذائل فالظاهر ال يستفيد ‪ ،‬وأمره َ‬

‫إذا كان الرجل قلبه مملوء بالخبائث وعليه أفخر الثياب وصورته جيدة وجيبه مملوء‬
‫بالفلوس هل ينفعه ذلك في اآلخرة؟ ال ؛ ألن اللباس الجيد الفاخر يستر معاِيَبنا عن‬
‫رؤية الخلق ‪ ،‬أما معايب القلب فليس لها ستر وال قشر يسترها عن نظر هللا تعالى ‪،‬‬
‫فعلينا أن نحاول تطهير قلوبنا ألنها موضع نظر معبودنا ج َل وعال‪.‬‬
‫وعلينا ‪ -‬جماعة المؤمنين ‪ -‬أن نتفكر فيما بعد الموت ‪ ،‬ألن هذه اآلية الكريمة‬
‫تتكلم وتبين ‪ ،‬والرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم بَلغها إلينا ‪ ،‬فعلينا أن نترك‬
‫الخبائث ونمأل قلوبنا بالمنافع‪.‬‬

‫نرجو هللا أن يطهر قلوبنا وينور عقولنا ويوجهنا إليه بفضله وكرمه‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫اللفظ الثالث و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الس ِ ِ‬
‫بك َوكن ِم َن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫اجد َ‬ ‫قولو َن ( ‪َ ) ٩٧‬ف َسبح ِب َحمد َر َ‬
‫در َك ِب َما َي ه‬
‫لم أََن َك َيضيق َص ه‬ ‫نع ه‬
‫( َوَلقد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين(‪ [)٩٩‬الحجر ‪]٩٩-٩٧:‬‬ ‫اعبد َرَب َك َح َتى َيأْتَي َك ْا َليق ه‬
‫(‪َ )٩8‬و ه‬

‫ِ‬
‫در َك ِب َما َي ه‬
‫قولو َن { أي ‪ :‬وانا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك‬ ‫لم أََن َك َيضيق َص ه‬
‫نع ه‬
‫} َوَلقد َ‬

‫هيدَّنك ذلك وال يثنينك عن إبالغك رسالة هللا‪،‬‬


‫من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض ‪ ،‬فال َي َ‬

‫وتوكل عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم ‪ ،‬فاشتغل بذكر هللا وتحميده وتسبيحه وعبادته‬

‫الس ِ ِ‬
‫بك َوكن ِم َن َ‬ ‫ِ‬
‫ين{‪.‬‬
‫اجد َ‬ ‫فسبح ِب َحمد َر َ‬
‫التي هي الصالة ‪ ،‬ولهذا قال ‪َ َ{:‬‬
‫(‪)١‬‬

‫اعلم أنه تعالى لما ذكر أن قومه يسفهون عليه والسيما أولئك المقتسمون وأولئك‬

‫ِ‬
‫در َك ِب َما َي ه‬
‫قولو َن { ألن الجبلة البشرية‬ ‫لم أََن َك َيضيق َص ه‬ ‫المستهزؤون قال له ‪َ { :‬وَلقد َ‬
‫نع ه‬
‫ِ‬
‫فسبح ِب َحمد َر َ‬
‫بك { ‪ ،‬فأمره بأربعة‬ ‫والمزاج اإلنساني يقتضي ذلك ‪ ،‬فعند هذا قال له ‪َ { :‬‬

‫أشياء ‪ :‬بالتسبيح والتحميد والسجود والعبادة ‪.‬واختلف الناس في أنه كيف صار اإلقبال‬

‫سببا لزوال ضيق القلب والحزن؟ فقال العارفون المحققون ‪ :‬إذا‬


‫على هذه الطاعات ً‬

‫اشتغل اإلنسان بهذه األنواع من العبادات انكشفت له أضواء عالم الربوبية ‪ ،‬ومتى‬

‫حصل ذلك االنكشاف صارت الدنيا بالكلية حقيرة ‪ ،‬واذا صارت حقيرة خف على‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫القلب فقدانها ووجدانها ‪ ،‬فال يستوحش من فقدانها وال يستريح بوجدانها ‪ ،‬وعند ذلك‬
‫يزول الحزن والغم ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫ِ‬
‫لم أََن َك َيضيق َص ه‬
‫در َك { من ضيق البشرية وغاية‬ ‫نع ه‬
‫وفي التأويالت النجمية ‪َ }:‬وَلقد َ‬
‫قولو َن { من أقوال األخيار ويعملون عمل األشرار} َ‬
‫فسبح‬ ‫الشفقة وكمال الغيرة} ِب َما َي ه‬
‫الس ِ ِ‬
‫بك { أنك لست منهم } َوكن ِم َن َ‬ ‫ِ‬
‫اعبد َرَب َك {‬
‫ين { هلل سجدة الشكر } َو ه‬
‫اجد َ‬ ‫ِب َحمد َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين { أي إلى األبد ‪ ،‬وذلك أن حقيقة اليقين المعرفة ‪ ،‬وال‬ ‫باإلخالص } َح َتى َيأْتَي َك ْا َليق ه‬
‫نهاية لمقامات المعرفة ‪.‬فكما أن الواصل إلى مقام من مقامات المعرفة يأتيه يقين بذلك‬
‫المقام في المعرفة ‪ ،‬كذلك يأتيه شك بمعرفة مقام آخر في المعرفة ‪ ،‬فيحتاج إلى يقين‬
‫آخر في إزالة هذا الشك إلى ما ال يتناهى ‪ ،‬فثبت أن اليقين ههنا إشارة إلى األبد‬
‫(انتهى كالمه)‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬هحزن الرسول األكرم عليه الصالة والسالم كان لحرصه على دخول عباد هللا‬
‫في دين هللا ‪ ،‬فكان يحزن على عدم إجابتهم له وعدم دخولهم في دين هللا ‪ ،‬وهذا‬
‫الحزن اليذهب بالعبادات الظاهرة ‪ ،‬بل بانكشاف الحقيقة التي عَبر عنها القرآن الكريم‬
‫جد ِ‬
‫ين { ] البلد ‪ ، [ ١٠:‬أي أن الهداية بيد هللا‪.‬‬ ‫ناه الَن َ‬
‫بقوله تعالى ‪َ {:‬و َه َدَي ه‬

‫فإذا تف َكر بذلك عليه الصالة والسالم يذهب عنه الهم والحزن والغم على عدم‬
‫دخولهم في دين هللا ‪ ،‬وال تحصل هذه الحقيقة إ َال لمقام النبوة ‪.‬أما أمثالنا فإذا حصل‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫لنا الغم والحزن على شيء ما علينا أن نقتدي برسولنا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬الذي‬
‫ِ‬
‫كونوا هم ْؤ ِمن َ‬
‫ين{ ] يونس ‪ ، [ ٩٩:‬معناه‪:‬‬ ‫قال له ربه تسلية } أَفأَْنت هت ْك ِرهه الَن َ‬
‫اس َح َتى َي ه‬
‫حزنه عليه الصالة والسالم على عدم دخولهم في الدين من لوازم الرسالة ‪ ،‬لكنه إذا‬
‫تفكر في أفعال الخالق ج َل وعال يذهب عنه الحزن بالكلَية ‪.‬ال بالصالة والصوم بل بما‬
‫اهم {‬
‫يك هه َد ه‬ ‫عز وجل ‪ ،‬كما قال في آية أخرى ‪َ {:‬ل َ‬
‫يس َعَل َ‬ ‫ربه َ‬
‫ساله به ُّ‬
‫] البقرة ‪ ، [٢٧٢:‬ففي ضمن هذه اآلية داللة على هذا المعنى ‪.‬فإذا دخلوا اإلسالم هذا‬
‫من فضل هللا ‪ ،‬واذا لم يدخلوه وبقوا على الكفر فهذا من عدل هللا وبما كسبت أيديهم‪.‬‬

‫فعلينا أن نتمسك برسولنا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فإذا حصل لنا الحزن بالطبيعة‬
‫البشرية لمرض أو مصيبة ‪ ،‬علينا أن نفوض األمر كله إلى هللا تعالى ألنه أرحم بنا‬
‫مَنا‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى أن يثبتنا على اعتقاد أهل السَنة والجماعة ‪ ،‬حتى نلتقي بالمؤمنين‬
‫الصادقين مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في عالم البرزخ ‪ ،‬وال تحصل لنا‬
‫الندامة‪.‬‬

‫ونرجوه ج َل وعال بفضله وكرمه أن يقدم ديننا أمامنا ‪ ،‬وأن ال يخرجنا في أمور‬
‫دنيانا عن الحدود الشرعية إنه خير مسؤول‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫اللفظ الرابع و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اآلخرِة هقلوبهم م ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وِ‬


‫نكَرة َو ههم هم َستك ِبهرو َن ( ‪ (٢٢‬ال َجَرَم‬ ‫هه ه‬ ‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن ِب َ‬ ‫احد فاَلذ َ‬ ‫َ‬ ‫لهكم ِإَله‬ ‫( ِإ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪ [)٢٣‬النحل‪]٢٣- ٢٢:‬‬ ‫لم َستك ِب ِر َ‬ ‫ِ‬
‫َما هيسُّرو َن َو َما هيعلنو َن إَن هه ال هيح ُّب ْا ه‬ ‫ّللا َيعَل هم‬
‫َن َ َ‬ ‫أَ‬

‫معبودكم الذي يستحق عليكم العبادة وافراد الطاعة له دون سائر‬


‫ُ‬ ‫يقول تعالى ِّذكره ‪:‬‬

‫األشياء معبود واحد ‪ ،‬ألنه ال تصلح العبادة إال له ‪ ،‬فأفردوا له الطاعة وأخلصوا له‬

‫لوب ههم همْن ِكَرة {‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يكا سواه ‪ {.‬فاَلذ َ‬
‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن ِباآلخَرِة هق ه‬ ‫العبادة وال تجعلوا معه شر ً‬

‫جل جالله ‪ :‬مستنكرة لما نقص عليهم من قدرة هللا وعظمته وجميل نعمته‬
‫يقول تعالى َّ‬

‫عليهم ‪ ،‬وأن العبادة ال تصلح إال له ‪ ،‬واأللوهية ليست لشيء غيره ‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫إتباعا منهم لما‬


‫ً‬ ‫} َو ههم هم َستك ِبهرو َن { عن إفراد هللا باأللوهية ‪ ،‬واإلقرار له بالوحدانية ‪،‬‬

‫مضى عليه من الشرك باهلل أسالفهم ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫ين ال ي ْؤ ِمنو َن ِب ِ‬ ‫ِ‬


‫اآلخَرِة { وأحوالها من البعث والجزاء وغير ذلك‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ {:‬فاَلذ َ ه‬

‫اإليمان في اللغة ‪ :‬التصديق بالقلب ‪ ،‬وفي الشريعة ‪ :‬هو االعتقاد بالقلب واإلقرار‬
‫ُ‬ ‫و‬

‫باللسان ‪.‬قال السهيلي في كتاب األمالي ‪ :‬الفرق بين التصديق واإليمان ‪ :‬أن التصديق‬

‫البد أن يكون في مقابلة خبر ‪ ،‬واإليمان قد يكون في مقابلة خبر صادق وقد يكون عن‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الطبري ‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫فكر ونظر ‪ ،‬فإذا نظرت في الصنعة وعرفت بها الصانع آمنت ولم تكن مصدًقا بخبر‪،‬‬

‫أيضا إن‬
‫إذ ال خبر هناك ‪ ،‬فإذا جاء الخبر بما آمنت به وأقررت صدقت الخبر ‪.‬و ً‬

‫التصديق قد يكون بالقلب وأنت ساكت ‪ ،‬تقول ‪ :‬سمعت الحديث فصدقته ‪.‬واإليمان ال بد‬

‫لوب ههم همْن ِكَرة { للوحدانية متصفة‬


‫من اجتماع اللفظ مع العقد فيه لغة وشرًعا (انتهى) } هق ه‬

‫االستكبار عن اعتراف‬
‫ُ‬ ‫بالنكارة ال بالمعرفة ‪َ } ،‬و ههم هم َستك ِبهرو َن { أي وهم قوم ال يزال‬

‫ّللا‬
‫َن َ َ‬
‫دأبهم ‪ ،‬كما أن اإلنكار سجيتهم ‪َ{.‬ال َجَرَم أ َ‬
‫التعظيم عن قبول الحق َ‬
‫ُ‬ ‫الوحدانية و‬

‫َيعَل هم َما هي ِسُّرو َن { من إنكار قلوبهم } َو َما هيعلِنو َن { من استكبارهم ‪َ{.‬ال َجَرَم { للتحقيق‬

‫حقا‪.‬‬
‫والتأكيد‪ ،‬بمنزلة ً‬

‫وفي العوارف ‪ِّ :‬‬


‫الكب ُر ‪ :‬ظن اإلنسان أنه أكبر من غيره ‪.‬والتكبر ‪ :‬إظهاره ذلك ‪.‬وفي‬

‫الحديث‪ » :‬ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر وال يدخل النار من في قلبه‬

‫مثقال ذرة من إيمان«(‪ ، )١‬وعن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا‬

‫عليه وسلم أنه قال‪» :‬قال هللا تعالى ‪:‬يا بني آدم خلقتكم من التراب ومصيركم إلى‬

‫التراب فال تتكبروا على عبادي في حسب وال مال فتكونوا علي أهون من الذر‪ ،‬وانما‬

‫تجزون يوم القيامة بأعمالكم ال بأحسابكم‪ ،‬وان المتكبرين في الدنيا أجعلهم يوم القيامة‬

‫مثل الذر يطؤهم الناس كما كانت البهائم تطؤه في الدنيا«‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه مسلم عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ‪ ،‬وأبو داود والترمذي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫التكبر عام ‪ ،‬يكون للكافر ويكون للمؤمن ‪ ،‬والمؤمن ال يدخل بالتكبر في‬
‫أقول ‪ُّ :‬‬

‫الكفر ‪ ،‬بل يأخذ بصفة من أوصاف الكفر ‪ ،‬ألن المؤمن ليس كل فعله فعل المؤمن ‪،‬‬

‫ولو أنه صدر من المؤمن ‪.‬واآليات الكريمة واألحاديث الشريفة تذم التكبر على الناس‪،‬‬

‫مع أن المتكبرين قد يكونون من أهل اإليمان ويصلون ويحجون ‪ ،‬فعلينا ‪ -‬جماعة‬

‫المؤمنين ‪ -‬أن نغير األوصاف الذميمة العارضة على القلب‪.‬‬

‫ومن تكبر على الناس ورأى أنه أفضل من غيره فإن صاحب اإليمان من العوام ال‬

‫وينفر من وعظه ونصيحته ‪ ،‬ويقول في نفسه ‪ :‬هذا‬


‫يقبل منه الوعظ والنصيحة ‪َ ،‬‬

‫الوعظ والنصيحة جيد لكن صاحبه متكبر ‪ ،‬يعرف ذلك بإيمانه‪.‬‬

‫واذا تكَلم واحد بكلمة موافقة فحصل في نفسه الفرح بها فهذا يدل على شائبة من‬

‫الكبر ‪.‬نسأل هللا تعالى أن يطهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عنه‪.‬‬

‫علينا أن نعرف ضعفنا وعجزنا‪ ،‬ونتضرع إلى هللا تعالى حتى ال يعاقبنا بهذه‬

‫األوصاف الذميمة العارضة على القلب ‪ ،‬ونرجوه تعالى أن يعفو عنا‪.‬‬

‫رَبنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫اللفظ الخامس و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َبص َار َواألَ ْف ِئ َدة‬


‫مع َواأل َ‬
‫الس َ‬ ‫َخَر َجكم ِمن هبطو ِن أه َم َه ِاتكم ال َتعَل همو َن ً‬
‫شيئا َو َج َع َل َل هك هم َ‬ ‫ّللا أ ْ‬
‫( َو َ ه‬
‫كرو َن () ‪ ] (٧8‬النحل ‪]٧8:‬‬ ‫تش ه‬ ‫لعلكم ََ ه‬ ‫َ‬

‫َبص َار َواألَ ْف ِئ َدة {أداة تتعلمون بها ‪ ،‬فتحسون بمشاعر‬


‫مع َواأل َ‬
‫الس َ‬
‫} َو َج َع َل َل هك هم َ‬
‫جزئيات األشياء فتدركونها ‪ ،‬ثم تتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرر‬
‫اإلحساس ‪ ،‬حتى تتحصل لكم العلوم البديهية ‪ ،‬وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية‬
‫كرو َن { كي تعرفوا ما أنعم عليكم ًا‬
‫طور بعد طور فتشكروه ‪.‬‬ ‫لعَلكم ه‬
‫تش ه‬ ‫بالنظر فيها‪َ }.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪ :‬القلب حاكم في بدن اإلنسان الظاهر ‪ -‬من الجوارح ‪ :‬مثل السمع والبصر‬
‫واللسان ‪ -‬وكذلك الباطن ‪ -‬من الشهوة والغضب واألنوار والعلوم الباطنية ‪ ، -‬فإذا‬
‫ينور الدماغ ‪ ،‬فيكون حفظه وخياله وتفكره‬
‫منوًار بنور معرفة هللا ج َل وعال َ‬
‫كان القلب َ‬
‫وينور كذلك العقل ؛ واذا تلوث القلب يكون ًا‬
‫أسير تحت أمر النفس‬ ‫افقا ‪َ ،‬‬‫كله مو ً‬
‫األمارة والشيطان ‪ ،‬فيغلب عليه الغضب والشهوات وحب الدنيا وما يشابهها ‪ ،‬حينذاك‬
‫مؤمنا لكنه غافل عن محل نظر المعبود ‪ ،‬ال يتفكر فيه وفي عتابه وفي‬
‫ً‬ ‫يكون صاحبه‬
‫عذابه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫إذا أراد القلب أن ال تفتح العين للنظر إلى األجنبيات ‪ ،‬وتف َكَر بأن خالقه يراه ‪ ،‬هل‬

‫يمكن للعين أن تفتح َوتنظر؟ وهل يمكن كذلك للسان أن يتكلم ‪ ،‬وللرجل أن تمشي‬

‫بدون إرادة القلب؟ كل هذا متعلق بالقلب ‪ ،‬فال بد أن يحافظ المؤمن على قلبه باتجاه‬

‫هللا ج َل وعال ‪ ،‬ألنه ليس هناك ساتر للقلب عن هللا تعالى ‪ ،‬فهو م َ‬
‫طلع عليه‪.‬‬

‫يامن تعلم أن هللا خلقك من العدم ‪ ،‬وأوجدك إلى الوجود ‪ ،‬وجاء‬


‫فيا أيها المؤمن ‪َ ،‬‬

‫بك إلى جماعة المؤمنين ‪ ،‬وجعلك من أمة سيد المرسلين عليه أفضل الصالة والسالم‪،‬‬

‫ورزقك أن تقول ‪ :‬ال اله إال هللا مح َمد رسول هللا ‪ ،‬وأعطى الشفقة لوالديك حتى‬

‫هيربيانك ‪ ،‬ولم يؤاخذك على فعل المعاصي وال على ترك الفضائل حتى بلغت الخامسة‬

‫َمام هذه النعم‬


‫وبعد كلفك بالشريعة المح َمدية على وفق الكتاب والسنة ؛ أ َ‬
‫عشرة ‪ ،‬ه‬

‫استحي من هللا ‪ ،‬وال تتكَبر ‪ ،‬وال تكفر النعم التي أنعم هللا تعالى بها عليك ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الجسيمة‬

‫واشكره عليها ‪ ،‬وطهر قلبك لخالقك‪.‬‬

‫الله َم أعَنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‪ ،‬وال تجعلنا عنك من الغافلين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫اللفظان السادس والثمانون و السابع و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ان و ِ‬
‫يم ِ َ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫عد ِإ ِ ِ ِ َ‬
‫اّلل ِمن ب ِ‬
‫(من َكفر ِب َ ِ‬
‫لكن َمن َشَر َح‬ ‫يمانه إال َمن أه ْك ِرَه َوَقْلهب هه هم ْط َمئن باإل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لهم َع َذاب َع ِظيم ) ) ‪[ )١٠٦‬النحل ‪[١٠٦ :‬‬ ‫در فعلي ِهم َغ َضب ِمن َ ِ‬
‫ّللا َو ه‬ ‫َ‬ ‫لكفر َص ًا َ‬‫ِب ْا ِ‬

‫وشرَح صدره بالكفر واطمأن به ‪،‬‬


‫أخبر تعالى عمن كفر به بعد اإليمان والتبصر ‪َ ،‬‬
‫ِّ ِّ‬
‫عظيما في الدار‬
‫ً‬ ‫أنه قد غضب عليه ‪ ،‬لعلمهم باإليمان ثم ُعدولِّهم عنه ‪ ،‬وأن لهم ً‬
‫عذابا‬

‫يم ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َِ‬


‫ان { فهو استثناء ممن كفر‬ ‫اآلخرة ‪.‬وأما قوله ‪ } :‬إال َمن أه ْك ِرَه َوَقْلهب هه هم ْط َمئن باإل َ‬

‫وقلبه يأبى ما يقول‪،‬‬ ‫ِّ‬


‫مكرًها ‪ ،‬لما ناله من ضرب وأذى ‪ُ ،‬‬
‫بلسانه ووافق المشركين بلفظه َ‬

‫وهو مطمئن باإليمان باهلل ورسوله ‪.‬وقد روى العوفي عن ابن عباس رضي هللا عنهما‬

‫أن هذه اآلية نزلت في عمار بن ياسر رضي هللا عنه ‪ ،‬حين عذبه المشركون حتى يكفر‬

‫معتذر إلى النبي صلى‬


‫ًا‬ ‫مكرًها ‪ ،‬وجاء‬
‫بمحمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فوافقهم على ذلك َ‬

‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل هللا هذه اآلية ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫يم ِ‬
‫ان { أي‪:‬لم تتغير عقيدته ‪.‬وفيه دليل على أن‬ ‫ِ ِِ‬
‫فقوله تعالى ‪َ } :‬وَقْلهب هه هم ْط َمئن باإل َ‬

‫نفسا‬ ‫شر َح ِب ْا ِ‬ ‫ِ‬


‫در { اعتقده وطاب به ً‬
‫لكفر َص ًا‬ ‫اإليمان هو التصديق بالقلب ‪َ } ،‬ولكن َمن َ‬

‫لهم َع َذاب َع ِظيم { إذ ال أعظم من جرمه ‪ُ .‬روي أن قر ً‬


‫يشا‬ ‫} فعلي ِهم َغ َضب ِمن َ ِ‬
‫ّللا َو ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ياسر وسمية على االرتداد ‪ ،‬فربطوا سمية رضي هللا عنها بين‬
‫عمار وأبويه ًا‬
‫ًا‬ ‫أكرهوا‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫بعيرين وجيء بحربة في َُ ُقبلها ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنك أسلمت من أجل الرجال ‪ُ ،‬ف ِّقتلت ‪َ ،‬وقتلوا‬
‫ياسر رضي هللا عنه ‪ ،‬وهما أول قتيلين في اإلسالم ‪ ،‬وأعطاهم عمار رضي هللا عنه‬
‫ًا‬
‫عمار كفر‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وسلم ‪» :‬‬
‫مكرًها ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يا رسول هللا إن ًا‬
‫بلسانه ما أرادوا َ‬
‫(‪)١‬‬
‫إيمانا من قرنه إلى قدمه ‪ ،‬واختلط اإليمان بلحمه ودمه «‬
‫عمار ُملئ ً‬
‫ًا‬ ‫كال ‪ ،‬إن‬

‫ويعرف من هذه اآلية الكريمة ‪ -‬إضافة إلى ما قاله المفسرون رحمهم هللا‪-‬‬
‫أقول ‪ :‬ه‬
‫أن اإليمان والكفر والصالح والشقاوة كلها من أوصاف القلب ‪ ،‬وال سلطان لإلكراه‬
‫عليه‪.‬‬

‫جبر على اإليمان ‪ ،‬لكنه‬


‫جبر على الكفر كما أنه ال هي َ‬
‫والمؤمن في هذا العصر ال هي َ‬
‫باختياره إما أن يميل إلى األعمال الصالحة ‪ ،‬وينور قلبه بذكر ربه وتالوة القرآن‬
‫وطاعة هللا تعالى واتباع رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فيكون عامال بمقتضى إيمانه‪،‬‬
‫عاصيا ؛ فإذا‬
‫ً‬ ‫واما أن يتبع هواه وشيطانه ويكون غافال عن هللا ج َل وعال ‪ ،‬فيكون‬
‫حصل العصيان علينا أن نتوب ونستغفر ونرجع إلى هللا ج َل وعال ‪ ،‬وهللا برحمته يعفو‬

‫وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ‬


‫الس َيئ ِ‬
‫ات {‬ ‫ِ‬
‫عنا ‪ ،‬ألنه تعالى قال ‪َ {:‬و هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ‬
‫ين{ ] البقرة‪:‬‬ ‫ين َوهي ِح ُّب اْل هم ِ‬
‫تطهر َ‬ ‫ّللا هي ِح ُّب ال َت َوا ِب َ‬ ‫ِ‬
‫أيضا ‪ {:‬إ َن َ َ‬ ‫] الشورى ‪ ، [٢٥:‬وقال ً‬
‫‪ ، [ ٢٢٢‬من األوساخ واألوصاف الذميمة‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى أن ِ‬


‫يوفقنا إلى ما يوافق رضاه‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫اللفظ الثامن و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مع ِهم وأَبص ِارِهم وأهو ِلئك هم اْل ِ‬


‫ّللا على هقلوبِ ِهم وس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫غافلو َن ( )‪)١٠8‬‬ ‫َ َ َ هه‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫طب َع َ ه َ‬ ‫(أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬
‫]النحل ‪[١٠8:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َبص ِارِهم { أي ‪:‬فطبع‬
‫ّللا َعلى هقلوبِ ِهم َو َسمع ِهم َوأ َ‬
‫طب َع َ ه‬ ‫قوله تعالى ‪ {:‬أه َولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬

‫شيئا ينفعهم ‪ ،‬وختم على سمعهم وأبصارهم فال ينتفعون‬


‫على قلوبهم فهم ال يعقلون بها ً‬
‫(‪)١‬‬
‫شيئا ‪ ،‬فهم غافلون عما يراد بهم ‪.‬‬
‫بها وال أغنت عنهم ً‬

‫أهل الغفلة في الدنيا هم أهل الخسارة في اآلخرة‪.‬‬


‫قال في التأويالت النجمية ‪:‬يعني ‪ُ :‬‬

‫وفيه إشارة أخرى ‪:‬وهي أن التغافل باألعضاء عن العبودية يورث خسران القلوب عن‬

‫مواهب الربوبية‪.‬‬

‫قال بعض األكابر ‪:‬وال حجاب إال جهالة النفس بنفسها وغفلتها عنها ‪ ،‬فلو ارتفعت‬

‫جهالتها وغفلتها لشاهدت األمر وعاينته كما تشاهد الشمس في وسط السماء وتعاينها‪.‬‬

‫قال وهب بن منبه ‪:‬خلق ابن آدم ذا غفلة‪ ،‬ولوال ذلك ما هنئ عيشه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫قال القاضي ‪:‬الطبع ليس يمنع من اإليمان‪ ،‬ويدل عليه وجوه ‪:‬األول ‪:‬أنه تعالى ذكر‬
‫ذلك في معرض الذم لهم ‪ ،‬ولو كانوا عاجزين عن اإليمان به لما استحقوا الذم بتركه‪.‬‬
‫والثاني ‪:‬أنه تعال أشرك بين السمع والبصر وبين القلب في هذا الطبع ومعلوم من حال‬

‫السمع والبصر أن من فقدهما قد يصح أن يكون ً‬


‫مؤمنا فضال عن طبع يلحقهما في‬
‫القلب ‪.‬والثالث ‪:‬وصفهم بالغفلة ‪ ،‬ومن منع من الشيء ال يوصف بأنه غافل عنه ‪،‬‬
‫فثبت أن المراد بهذا الطبع السمة والعالمة التي يخلقها في القلب ‪.‬‬
‫(‪) ١‬‬

‫أقول ‪:‬العبد هو الذي يستعمل األوصاف التي تستلزم الطبع على القلب وال يستعمل‬
‫األسباب التي تنور القلب ‪ ،‬فكما أن القلب قابل للطبع على الكفر كذلك هو قابل للفتح‬
‫على مقتضى اإليمان ‪ ،‬هذا بأسبابه وهذا بأسبابه ‪ ،‬ال يوجد فعل بدون داع ‪ ،‬إما هذا‬
‫ّللا َحَب َب‬ ‫ِ‬
‫واما ذاك ‪.‬واألسباب مبَينة في كتاب هللا تعالى ‪ ،‬كقوله ج َل جالله ‪َ {:‬ولك َن َ َ‬
‫نه ِفي هقلو ِبكم { ] الحجرات ‪ ،[ ٧:‬بعد تمسككم بمقتضى اإليمان ‪،‬‬ ‫ان َوَزَي ه‬
‫يم َ‬ ‫ِإَل ه ِ‬
‫يك هم اإل َ‬
‫ان { ‪ ،‬وهو ال يرضى لعباده الكفر والفسوق‬ ‫ِ‬ ‫كرَه ِإَل ه‬
‫فسوق َوْالع َ‬
‫صي َ‬ ‫لكفر َواْل ه‬
‫يك هم ْا َ‬ ‫} َو َ‬
‫وكل ذلك من كسبنا ‪ ،‬ولذا نؤاخذ عليه ‪ ،‬فعلينا أن نستغفر هللا ونتوب إليه‬
‫والعصيان ‪ُّ ،‬‬
‫بعد الوقوع في المعصية ؛ وما دام هللا يقبل اإليمان بعد الكفر فقبوله للتوبة بعد‬
‫العصيان من باب أولى‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم تب علينا وعلى جميع المسلمين ‪ ،‬واغفر ذنوبنا برحمتك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫اللفظ التاسع و الثمانون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫السمع واْلبصر واْلف َؤ َاد ُّ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫سئوال)‬
‫ان َعْن هه َم ه‬
‫كل أ َهولئ َك َك َ‬ ‫لك ِبه عْلم ِإ َن َ َ َ َ َ َ َ‬
‫اليس َ‬
‫( َوال َت ْقف َم َ‬
‫( ‪[ )٣٦‬اإلسراء ‪[٣٦:‬‬

‫لك ِب ِه ِعْلم { قال علي بن طلحة عن ابن عباس‬


‫ليس َ‬
‫قوله تعالى ‪َ {:‬وال َت ْقف َما َ‬

‫أحدا بما ليس لك به علم‪.‬‬


‫ترم ً‬
‫رضي هللا عنهما يقول ‪:‬ال تقل ‪.‬وقال العوفي عنه ‪:‬ال ِّ‬

‫وقال محمد بن الحنفية ‪:‬يعني شهادة الزور ‪.‬وقال قتادة ‪:‬ال تقل رأيت ولم َتر‪ ،‬سمعت‬

‫ولم تسمع‪ ،‬وعلمت ولم تعلم‪ ،‬فإن هللا تعالى سائلك عن ذلك كله ‪.‬ومضمون ما ذكروه‬

‫أن هللا تعالى نهى عن القول بال علم‪ ،‬بل بالظن الذي هو التوهم والخيال‪ ،‬كما قال‬

‫عض ال َ‬
‫ظن ِإ ْثم { ] الحجرات ‪ ، [ ١2:‬وفي الحديث »‬ ‫ير ِم َن ال َ‬
‫ظن ِإ َن َب َ‬ ‫تعالى ‪ {:‬اج ِتنبوا ِ‬
‫كث ًا‬ ‫َ ه‬

‫(‪)2( )١‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ :‬إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث«‬

‫كل أ َهو ِلئ َك { أي كل واحد من هذه الجوارح ‪ ،‬فأجراها‬


‫فؤ َاد ُّ‬
‫مع َواْلَب َصَر َواْل َ‬ ‫} ِإ َن َ‬
‫الس َ‬

‫مجرى العقالء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها ‪َ } ،‬ك َ‬
‫ان َعْن هه{‬

‫سئوال{ ‪.‬قال في بحر العلوم ‪:‬اعلم أن المراد‬


‫عن نفسه وعما فعل به صاحبه } َم ه‬

‫النهي عن إتباع كل ما فيه جهل مما يتعلق بالسمع والبصر والقلب ‪ ،‬كأنه تعالى قال‪:‬‬
‫ُ‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-١‬متفق عليه عن أبي هريرة رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫ال تسمع كل ما ال يجوز سماعه ‪ ،‬وال تبصر كل ما ال يجوز إبصاره ‪ ،‬وال تعزم‬

‫على كل ما ال يجوز لك العزم عليه ‪ ،‬ألن كل واحد منها يسأله هللا تعالى ويجازيه‪.‬‬

‫ولم يذكر اللسان مع أنه من أعظمها ألن السمع يدل عليه ‪ ،‬ألنه ما يكب الناس على‬

‫مناخرهم في نار جهنم إال حصائد ألسنتهم ‪ ،‬وتلك الحصائد من ِّقبل المسموعات‬

‫الالزمة للسمع ‪.‬وفي اآلية داللة على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية ‪ ،‬كما قال‬

‫لوبكم { ] البقرة ‪ ، [ 225:‬أي بما كسبت مما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫كسَب ْت هق ه‬
‫تعالى ‪َ {:‬ولكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬

‫يدخل تحت االختيار من خبائث أعمال القلب ‪ ،‬من حب الدنيا ومن الرياء والعجب‬

‫والحسد والكبر والنفاق مثال ‪ ،‬وأما ما ال يدخل تحت االختيار فال يؤاخذ به ‪ ،‬أال ترى إلى‬

‫قوله عليه الصالة والسالم ‪ُ » :‬عفي عن أمتي ما حدثت بها نفوسها«(‪ .)١‬قال في‬

‫األشباه والنظائر ‪:‬حديث النفس ال يؤاخذ به ما لم َّ‬


‫يتكلم أو يعمل به ‪ ،‬كما في حديث‬

‫مسلم ‪.‬وحاصل ما قالوه أن الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس‬

‫مراتب ‪:‬الهاجس ‪:‬وهو ما يلقى فيها ‪ ،‬ثم جريانه فيها وهو الخاطر ‪ ،‬ثم حديث النفس‬

‫وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو ال ‪ ،‬ثم الهم وهو ترجيح قصد العمل ‪ ،‬ثم‬

‫إجماعا ‪ ،‬ألنه ليس من‬


‫ً‬ ‫العزم وهو قوة ذلك القصد والجزم به ‪.‬فالهاجس ال يؤاخذ به‬

‫فعله ‪ ،‬وانما هو شيء أُورد عليه ال قدرة له على رده وال صنعه ‪ ،‬والخاطر الذي‬

‫قادر على دفعه بصرف الهاجس أول وروده ‪ ،‬ولكن هو وما بعده من‬
‫بعده كان ًا‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح ‪ ،‬واذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله‬

‫(‪)١‬‬
‫باألَولى ‪.‬وقال بعض الكبار ‪:‬جميع الخواطر معفوة إال بمكة المكرمة ‪.‬‬

‫فسروا ‪ ،‬نرجو هللا ج َل وعال أن ال يؤاخذنا‬ ‫أقول ‪:‬جزى هللا المفسرين ًا‬
‫خير بما َ‬

‫بشيء من ذلك ‪ ،‬سواء الخطرات والوساوس والعزم والهم وغير ذلك من‬

‫األوصاف التي تعرض بواسطة الشيطان والنفس على قلوبنا ‪ ،‬ألن هذا من ضعفنا‬

‫وعجزنا ‪ ،‬ونتضرع إلى هللا ج َل وعال أن يسترنا ‪ ،‬وأن هيخمر اإليمان بلحومنا‬

‫ودمائنا وسويداء قلوبنا ‪ ،‬ويجعلنا من المتطهرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪) ١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫اللفظ التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫حد هه‬
‫ان َو َ‬ ‫وه َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا‬
‫قر َواِذا ذكرت َرَب َك ِفي ْاهلقرَء ِ‬ ‫ِ‬
‫( َو َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه‬
‫قه ه‬
‫فور () ‪ ](٤٦‬اإلسراء ‪]٤٦:‬‬ ‫َوَلوا َعلى أ َ‬
‫َدب ِارِهم هن ًا‬

‫قوله تعالى ‪ {:‬وجعَلنا على هقلوبِ ِهم أ ِ‬


‫َكَن ًة { وهي جمع كنان ‪:‬الذي يغشى القلب ‪،‬‬ ‫َ ََ َ‬

‫وه { أي لئال يفهموا القرآن ‪َ } ،‬وِفي َءا َذ ِان ِهم ًا‬


‫وقر { وهو الثقل الذي يمنعهم‬ ‫قه ه‬
‫} أَن َيف ه‬
‫(‪)١‬‬
‫ماعا ينفعهم ويهتدون به ‪.‬‬
‫من سماع القرآن س ً‬

‫الفطرة األصلية‬
‫وذلك التجافي والنبو إنما هو من تراكم الحجب المعنوية على القلب ‪ ،‬و ُ‬

‫وان كانت مقتضية للفقه ‪ -‬يعني فقه القلب ‪ -‬واإلدراك والخروج إلى نور العلم لكن‬

‫اردا في صورة التمثيل لكنه على‬


‫ظلمة تلك الحجب مانعة عن ذلك ‪ ،‬فالكالم وان كان و ً‬

‫مانعا عن سماعه الالئق به‪،‬‬


‫صمما وثقال ً‬
‫ً‬ ‫حقيقته في نفس األمر ‪َ } ،‬وِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا‬
‫قر {‬

‫صمما يمنع عن‬


‫ً‬ ‫ِّ‬
‫للحق ونبوها عن اإلصغاء إليه ‪ ،‬كأن بها‬ ‫وهو تمثيل لمج أسماعهم‬

‫معجز من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم‬


‫ًا‬ ‫سماعه ‪.‬ولما كان القرآن‬

‫(‪)2‬‬
‫المعنى حق فهمه وادراك اللفظ حق إدراكه ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬نفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫أقول ‪:‬النفس األمارة والشيطان عدو هللا ‪ -‬عليه اللعنة ‪ -‬مصيبتان خلقهما هللا ج َل‬

‫وعال لوصول العبد إلى رضا الخالق سبحانه وتعالى ‪ ،‬وذلك بامتحانه بهما ‪ ،‬واال فإن‬

‫هللا ج َل وعال قادر على إبعاد هذا اللعين واسكات النفس األمارة وتغليب القلب عليها ‪،‬‬

‫باطنا ‪ ،‬ولكن الحكمة اإللهية اقتضت االمتحان ‪ ،‬حتى‬


‫ظاهر ومَل ًكا ً‬
‫ًا‬ ‫بشر‬ ‫ِ‬
‫وجعل اإلنسان ًا‬

‫فيسأل عنهما يوم القيامة ‪.‬هذه حكمة إلهية مكتوبة‬


‫َيظهر للعبد خطؤه وصوابه ‪ ،‬ه‬
‫نخ ِرج َله يوم اْل ِقي ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َلزمناه َ ِ ِ‬
‫تابا‬
‫امة ك ً‬‫طائَرهه في هعنقه َو ْ ه ه َ َ َ َ‬ ‫ومقررة على العبد ‪َ {:‬وك َل ِإْن َسان أ َ َ ه‬
‫َ‬

‫ليك َح ِس ًيبا } [ اإلسراء ‪،]١٤-١٣:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫نشور ( ‪ْ ) ١٣‬أ ِ‬


‫وم َع َ‬
‫اقر ك َت َاب َك َكفى ب ْنفس َك اْلَي َ‬
‫َ‬ ‫قاه َم ًا‬
‫َيَل ه‬

‫مقرر عنده تعالى ‪ ،‬ونحن مكَلفون بالتمسك بالكتاب والسنة‪.‬‬


‫فهذا هح ْكم أزلي َ‬

‫يقيننا أننا سنق أر كتبنا هناك ونحن واقفون بين يدي هللا ج َل وعال ‪ ،‬وهو يسألنا‬
‫ه‬

‫سيئ أعماله أم يحب‬


‫َ‬ ‫قر ِك َت َاب َك{ ‪ ،‬فهل يحب المؤمن أن يق أر‬ ‫ويقول ِ‬
‫لكل واحد مَنا ‪ {:‬ا َ ْأ‬

‫أن يق أر ما عمل بتوفيق هللا من األعمال الصالحة في ذلك المحشر العظيم على مشهد‬

‫الناس أجمعين وعلى رأسهم سيد المرسلين وبين يدي رب العالمين األحسن أن تق أر‬

‫حسناتك بدال من قبائحك ‪ ،‬هذا هو االمتحان‪.‬‬

‫نرجو هللا ج َل جالله أن يرزقنا التوبة واإلنابة ‪ ،‬والتمسك بالكتاب والسنة ‪ ،‬إلى أن‬

‫نخرج من الدنيا‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫اللفظ الحادي و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫جديدا (‪ )٤٩‬قل كونوا حجارة أو‬ ‫خلقا ً‬ ‫أءنا لمبعوثون ً‬ ‫ورفاتا ِ‬


‫ً‬ ‫عظاما‬ ‫( وقالوا ِ‬
‫أءذا كنا‬
‫ً‬
‫وركم فسيقولو َن من ي ِعيدنا ِ ِ‬ ‫حديدا (‪ )٥٠‬أَو ْخًلقا ِم َما َي ْكهبهر ِفي هصهد ِ‬
‫قل اَلذي َ‬
‫فطركم أ ََو َل‬ ‫َ ه ه‬ ‫ََ ه‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫قل َع َسى أَن َيكو َن ِ‬
‫قر ًيبا (‪)٥١‬‬ ‫قولو َن َمتى هه َو ْ‬
‫وس ههم َوَي ه‬ ‫فسهينغ هضو َن ِإ َ‬
‫ليك هرهء َ‬ ‫َمَرة َ‬
‫] اإلسراء ‪]٥١-٤٩:‬‬

‫عظاما بالية وذرات متفتتة‬


‫ً‬ ‫أي ‪ :‬وقال السفهاء المنكرون للبعث والجزاء ‪:‬هل إذا أصبحنا‬

‫جديدا بعد أن نفنى ونبلى؟ قل لهم يا محمد ‪:‬لو‬


‫خلقا ً‬
‫مختلطة بتراب األرض ‪ ،‬هل ُسنخلق ً‬

‫كنتم من حجارة صماء أو حديد صلد أو من مادة أقسى من الحديد ألعادكم هللا إلى الحياة‬

‫مرة أخرى ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫قوله تعالى ‪ {:‬أَو ْخًلقا ِم َما َي ْكهبهر ِفي هص هد ِ‬


‫وركم { يعظم عندكم من قبول الحياة ‪ ،‬لكونه أبعد‬

‫شيء منها ‪ ،‬فإنكم مبعوثون ومعادون ال محالة ‪ ،‬أي فإن قدرته تعالى ال تقصر عن‬

‫عظاما مرفوتة وقد كانت‬


‫ً‬ ‫إحيائكم ‪ ،‬الشتراك األجسام في قبول األعراض ‪ ،‬فكيف إذا كنتم‬

‫أقبل لما ُعهد فيه مما لم ُيعهد ‪ ،‬واألمر وارد على‬


‫غضة موصوفة بالحياة قبل ‪ ،‬والشيء ُ‬

‫التمثيل يعني في المثل‪ ،‬كما في تفسير الكاشفي ‪.‬وقال في‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫الكواشي ‪:‬هو أمر تعجيز وتوبيخ ال أمر إلزام ‪.‬وقال في بحر العلوم ‪:‬ليس األمر ههنا على‬

‫حقيقته بل على المجاز ‪ ،‬ألن المقصود إهانتهم وقلة المباالة بهم ‪ ،‬ال طلب كونهم حجارة‬

‫حديدا ‪ ،‬لعدم قدرتهم على ذلك ؛ وما يكبر في صدورهم السموات والجبال ‪ ،‬والجمهور‬
‫أو ً‬

‫على أنه الموت ‪ ،‬إذ ليس في النفس شيء أكبر من الموت ‪.‬أي لو كنتم الموت بعينه‬

‫ألميتكم وألبعثكم‪.‬‬

‫فال بد من االستعداد ليوم القيامة باألعمال الصالحة واالجتناب عن المعاصي ‪ ،‬فإنه عما‬

‫عينا ‪.‬واعلم أنك إذا مت فقد قامت قيامتك ‪ ،‬ألن اإلنسان إذا مات فقد‬
‫قريب يصير العلم ً‬

‫عاين أمر القيامة ‪ ،‬ألنه يرى الجنة والنار والمالئكة ‪ ،‬وال يقدر على عمل من األعمال ‪،‬‬

‫فصار بمنزلة من حضر يوم القيامة فختم على عمله بالموت ‪ ،‬فيقوم يوم القيامة على ما‬

‫مات عليه ‪ ،‬فطوبى لمن كان خاتمته بخير‪.‬‬

‫قال في التأويالت النجمية ‪:‬فيه إشارة إلى أن اختصاص بعض العباد بتشريف اإلضافة‬

‫إلى نفسه يؤدي إلى تأثير نظر العناية فيهم ‪ ،‬فيخرج منهم القول األحسن والفعل األحسن‬

‫مخلصا ‪ ،‬وأما‬
‫ً‬ ‫وال َُ ُخلق األحسن ‪.‬أما القول األحسن فهو الدعاء إلى هللا بال إله إال هللا‬

‫متوجها إلى عالم الحقيقة ‪،‬‬


‫ً‬ ‫الفعل األحسن فهو ما كان على قانون الشريعة وآداب الطريقة‬

‫محسنا في طلبه‪ ،‬ومع الخلق بأن‬


‫ً‬ ‫الخلق األحسن فهو مع هللا بأن ُيسلم وجهه هلل‬
‫وأما ُ‬

‫يحسن إليهم بال طمع في اإلحسان والشكر منهم ‪ ،‬ويتجاوز‬

‫‪233‬‬
‫عن إساءتهم إليه‪ ،‬ويعيش فيهم بالنصيحة ‪ ،‬يأمرهم بالمعروف بال عنف وينهاهم عن‬

‫المنكر بال فضيحة ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫اعلم أنه تعالى لما تكلم أوال في اإللهيات ثم أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوات ‪ ،‬ذكر في‬

‫كثير أن مدار القرآن‬


‫هذه اآلية شبهات القوم في إنكار المعاد والبعث والقيامة ‪ ،‬وقد ذكرنا ًا‬

‫أيضا أن القوم‬
‫على المسائل األربعة وهي ‪:‬اإللهيات والنبوات والمعاد والقضاء والقدر‪ ،‬و ً‬

‫مسحور فاسد العقل ‪ ،‬فذكروا من جملة ما‬


‫ًا‬ ‫وصفوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بكونه‬

‫حيا عاقال‬
‫عظاما ورفاتًا فإنه يعود ً‬
‫ً‬ ‫يدل على فساد عقله أنه يدعي أن اإلنسان بعدما يصير‬

‫كما كان ‪ ،‬فذكروا هذا الكالم رواية عنه لتقرير كونه مختل العقل‪.‬‬

‫أما تقرير شبهة القوم ‪:‬فهي أن اإلنسان إذا مات جفت أعضاؤه وتناثرت وتفرقت في حوالي‬

‫العالم ‪ ،‬فاختلط بتلك األجزاء سائر أجزاء العالم ‪.‬أما األجزاء المائية في البدن فتختلط بمياه‬

‫العالم ‪ ،‬وأما األجزاء الترابية فتختلط بتراب العالم ‪ ،‬وأما األجزاء الهوائية فتختلط بهواء‬

‫العالم ‪ ،‬وأما األجزاء النارية فتختلط بنار العالم ‪.‬واذا صار األمر كذلك فكيف يعقل‬

‫اجتماعها بأعيانها مرة أخرى؟ وكيف يعقل عود الحياة إليها بأعيانها مرة أخرى؟ فهذا هو‬

‫تقرير الشبهة‪.‬‬

‫والجواب عنها ‪:‬أن هذا اإلشكال ال يتم إال بالقدح في كمال علم هللا وفي كمال قدرته ‪.‬أما‬

‫عالما بجميع الجزيئات فحينئذ هذه األجزاء وان‬ ‫َّ‬


‫كونه تعالى ً‬
‫إذا سلمنا َ‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫كونه تعالى‬ ‫َّ‬
‫اختلطت بأجزاء العالم إال أنها متمايزة في علم هللا تعالى ‪ ،‬ولما سلمنا َ‬

‫قادر على إعادة التأليف والتركيب والحياة والعقل إلى‬


‫قادر على كل الممكنات كان ًا‬
‫ًا‬

‫تلك األجزاء بأعيانها ‪ ،‬فثبت َّأنا متى سلمنا كمال علم هللا وكمال قدرته زالت هذه‬

‫(‪)١‬‬
‫الشبهة بالكلِّية ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬الذي َجمع في وجود اإلنسان الماء والهواء والنار والتراب بدون مثال كيف‬

‫هي َعقل عدم إمكانية إعادته هذه األجسام ثانية؟ هذه الشكوك عند الكافرين ‪ -‬كما قال‬

‫المفسرون رحمهم هللا ‪ -‬ليست إال من تعلق قلوبهم وأفئدتهم بلذائذ الدنيا ‪،‬‬

‫فتراكمت على قلوبهم اللذائذ الدنيوية التي أنعم هللا عليهم بها في مدة معينة ‪ ،‬ثم‬

‫هم يتركونها ‪ ،‬وتكون عليهم حسرة وندامة يوم القيامة‪.‬‬

‫سَل َمنا هللا تعالى والمسلمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫اللفظ الثاني و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ندع َو ِمن هدوِن ِه‬


‫َرض لن ه‬
‫السماو ِ‬
‫ات َواأل ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫طنا َعلى هقلوبِهم إ ذ ه‬
‫قاموا َفقاهلوا َرُّبنا َر ُّب َ َ َ‬ ‫( َوَرَب َ‬
‫لها َلقد ْقَلنا ِإ ًذا شططا ( )‪ ] (١٤‬الكهف ‪]١٤:‬‬ ‫ِإ ً‬

‫} َوَرَب ْطنا َعلى هقلوبِ ِهم { قويناها بالصبر ‪ ،‬فلم تزحزحها عواصف فراق األوطان وترك‬

‫األهل والنعيم واإلخوان ‪ ،‬ولم يزعجها الخوف من َملِّكهم الجبار ‪ ،‬ولم ُيرعها كثرة الكفار ‪.‬‬

‫وأصل الر ِّ‬


‫بط الشد المعروف ‪ ،‬واستعماله فيما َُذكر َمجاز ‪ ،‬كما قال غير واحد ‪.‬وفي‬

‫األساس ‪:‬ربطت الدابة شددتها برباط ‪ ،‬والمربط الحبل ‪.‬ومن المجاز ‪:‬رَبط هللا تعالى على‬

‫(‪)١‬‬
‫قلبه ‪:‬صبره ‪.‬‬

‫ِ ِ‬
‫طنا َعلى هقلوبِهم إ ذ ه‬
‫قاموا َفقاهلوا { يعني لئال يلتفتوا إلى الدنيا‬ ‫وفي التأويالت النجمية } َوَرَب َ‬

‫وزخارفها ‪ ،‬وينقطعوا إلى هللا بالكلِّية ‪ ،‬ولذلك ما اختاروا بعد البعث الحياَة في الدنيا ‪،‬‬

‫ورغبوا في أن يرجعوا إلى جوار الحق تعالى ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫أقول ‪:‬كما أن أصحاب الكهف رضي هللا تعالى عنهم بعد ثالثمائة سنة أو أكثر قاموا في‬

‫هذه الحياة فرغبوا عن زخارف الدنيا وما فيها ‪ ،‬فال بد للمؤمن – بحسب مقتضى إيمانه‬

‫‪-‬أن يخلي قلبه من التعلق إال باهلل واليوم اآلخر ‪.‬وقد جعل لنا ربنا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير األلوسي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫لذلك واسطة هو رسول هللا عليه الصالة والسالم ‪َ ،‬‬
‫وهدد وزجر من خالفه ‪ ،‬ورسول هللا‬

‫صلى هللا عليه وسلم بَلغ وبالغ في التبليغ حتى وصل ذلك إلينا ‪ ،‬والمئات بل اآلالف من‬

‫علمائنا وأوليائنا َو َقبلهم الصحابة رضي هللا تعالى عنهم يوجهوننا إلى اآلخرة ‪ ،‬لكن أي‬

‫آخرة؟ كل واحد يقول آخرة ‪ ،‬حقيقة اآلخرة البقاء مع رب العالمين ‪ ،‬ومع من تحب من‬

‫النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‪ ،‬والنظر إلى وجه هللا الكريم‪.‬‬

‫المهم أن تثبت في قلوبنا ثمرة اآلخرة ‪ ،‬وهي رضا هللا واالجتماع مع رسول هللا صلى هللا‬

‫عليه وسلم‪.‬‬

‫تف َكر أيها األخ المؤمن القارئ الكريم ‪ ،‬لو عشت في هذه الدنيا مائة سنة ‪ ،‬النتيجة‬

‫الوفاة ‪ ،‬ثم انتقال إلى اآلخرة ‪.‬وهل إذا كان قبرك روضة من رياض الجنة أحسن ‪ ،‬أم‬

‫حفرة من حفر النار؟‬

‫تغتر برحمة هللا ‪ ،‬وال بما أنعم هللا على عباده ‪ ،‬ألن هللا أنعم في الدنيا على من يحب‬
‫ال َ‬

‫وعلى من ال يحب وعلى من ينكره كذلك ‪ ،‬علينا أن نتفكر في هذه األمور ‪ ،‬فال نترك‬

‫التمسك باألوامر ونقع في المخالفات ‪.‬فالمؤمن يفعل األوامر بقدر اإلمكان‪ ،‬ويعتمد على‬

‫خالقه بالتوفيق والقبول ‪ ،‬والفاسق ال يعمل باألوامر وال يترك المناهي ويقول " ‪:‬هللا‬

‫غفور رحيم‪".‬‬

‫‪237‬‬
‫علينا أن نتفكر أن هذا الخالق العظيم الغني عن العالمين تكلم وأوحى إلى رسوله الكريم‬

‫متعلقا بالقلب ‪ ،‬معنى ذلك أن‬


‫ً‬ ‫موضعا في القرآن المبين‬
‫ً‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪/ ١٩٠ /‬‬

‫القلب مهم عنده تعالى ‪ ،‬ولذا يوجهنا إلى تطهيره ‪ ،‬وذلك بما جاء من عند هللا تعالى‬

‫ومن عند رسوله عليه الصالة والسالم ؛ فالذي يخالف ما وجَه إليه رب القلب فيما‬

‫يتعلق بالقلب إما كافر واما منافق واما مؤمن فاسق أو غافل‪.‬‬

‫فعلينا أن نتمسك بشرع هللا وبسنة رسول هللا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وأن ال نترك ذكر‬

‫هللا ‪ -‬فال يترك الذكر إال من اختل قلبه وعقله ‪ ، -‬وأن هَنخلص في العبادة ‪ ،‬حينئذ‬

‫نكون في الجنة قبل الموت‪.‬‬

‫اعملوا بذلك وال تقولوا ‪:‬فالن قال هكذا وفالن قال هكذا ‪ ،‬ألن النتيجة في الثمرة‪ .‬فكيف‬

‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫نرغب بالدنيا ونترك ثمرة اآلخرة؟ هذا ال يليق بنا‬

‫رب العالمين بفضلك وكرمك أن تخلصنا من سيطرة النفس األ َمارة ‪،‬‬
‫نلتجئ إليك يا َ‬

‫حتى نترك نواهيك ونتمسك بأوامرك‪ ،‬وأن ترضى عَنا يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫اللفظ الثالث و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫( واص ِبر ْنفسك مع اَل ِذين يدعو َن رَبهم ِب ْا ِ‬


‫ناك‬
‫عد َعَي َ‬
‫جه هه َوال َت ه‬‫لغداة َواْل َعشي هي ِر هيدو َن َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه َ ه‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫تطع َمن أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن ِذ ِ‬
‫الد نيا وال ِ‬ ‫تريد ِزينة ْا ِ‬
‫َمرهه‬
‫ان أ ه‬ ‫كرنا َوا َتَب َع َه َو ه‬
‫اه َوَك َ‬ ‫لحَياة ُّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫نهم ِ ه َ‬‫َع ه‬
‫هفهرطا ( )‪ ] (٢8‬الكهف ‪]٢8:‬‬

‫تطع َمن أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن ِذ ِ‬


‫كرنا َوا َتَب َع َه َو ه‬
‫اه { يدل على أن شر أحوال اإلنسان‬ ‫قوله ‪ {:‬وال ِ‬
‫َ‬

‫مملوءا من الهوى الداعي إلى االشتغال‬ ‫خاليا عن ذكر الحق ‪ ،‬ويكون‬


‫أن يكون قلبه ً‬
‫ً‬

‫وذكر غيره ظلمة ‪ ،‬فالقلب إذا أشرق فيه ذكر هللا‬


‫بالخلق ‪.‬وتحقيق القول أن ذكر هللا نور َ‬

‫فقد حصل فيه النور والضوء واإلشراق ‪ ،‬واذا توجه القلب إلى الخلق فقد حصل فيه الظلم‬

‫والظلمة بل الظلمات ‪ ،‬فلهذا السبب إذا أعرض القلب عن الحق وأقبل على الخلق فهو‬

‫الظلمة الخالصة التامة ‪ ،‬فاإلعراض عن الحق هو المراد بقوله ‪ { :‬أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن‬

‫اه }‪.‬‬
‫(‪)١‬‬
‫ِذ ِ‬
‫كرنا { ‪ ،‬واإلقبال على الخلق هو المراد بقوله ‪َ {:‬وا َتَب َع َه َو ه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫مس ًكا وال دليال للمؤمن لتبرير مخالفته ‪ ،‬وقلة الموافقين‬
‫أقول ‪:‬كثرة المخالفين ليست َم َ‬

‫يجب أن ال توحشه هفتبعده عن كالم ربه سبحانه وتعالى وسَنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‬

‫متعلقا‬
‫ً‬ ‫وأخالق أسيادنا الصالحين إلى رسول هللا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ألن إيماننا ليس‬

‫بكثرة المؤمنين وال بقلتهم ‪ ،‬وال باتباعهم لأل وامر وال بتركهم لها ‪ ،‬فعلينا بالتمسك‬

‫التمسك بشرع هللا تعالى وبسنة نبي هللا عليه‬


‫ه‬ ‫بالكتاب والسنة ‪ ،‬ألن من شروط العبدية‬

‫وهللا تعالى‬ ‫اإلخالص في العبادة ‪ ،‬مع كثرة ذكر هللا َ‬


‫عز وجل ‪ ،‬ه‬ ‫ه‬ ‫أفضل الصالة والسالم ‪ ،‬و‬

‫يرضى عن العبد المتصف بهذه الصفات ‪ ،‬وهذه هي بغية المؤمن ‪.‬وقد قال ج َل وعال ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫تحُّبو َن َ ِ ِ‬ ‫{ قل ِإن ْكهنتم ِ‬


‫ّللا{ ] آل عمران ‪ ، [ ٣١:‬فبإتباع رسول هللا‬ ‫ّللا فا َتب هعوني هيحب ه‬
‫بكم َ ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫صلى هللا عليه وسلم يحصل رضا هللا ومحبته للعبد‪.‬‬

‫جميعا لما تحب وترضى‪.‬‬ ‫الله َم ِ‬


‫وفقنا والمؤمنين‬
‫ً‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫اللفظ الرابع و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اه ِإَنا َج َعَلنا َعلى‬ ‫نسي َما َ‬ ‫به فأَعرض عنها و ِ‬ ‫ات ر ِ‬ ‫ذكر ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫( ومن أَ ْظ ِ‬
‫قد َمت َي َد ه‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫آي َ‬ ‫لم م َمن َ َ‬ ‫ه‬ ‫ََ‬
‫تدوا ِإذا أََب ًدا)‬
‫له َدى َفلن َي َه ه‬ ‫دع ههم ِإلى ْا ه‬ ‫وه َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا‬
‫قر َوِان َت ه‬
‫ِ‬
‫هقلوبِ ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه‬
‫قه ه‬
‫( ‪[ )٥٧‬الكهف ‪[٥٧:‬‬

‫ِ‬
‫وه { أي‬ ‫{ ِإَنا َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم { أي قلوب هؤالء } أَكَنة { أي أغطية وغشاوة } أَن َي َف ه‬
‫قه ه‬
‫(‪)١‬‬
‫لئال يفهموا هذا القرآن والبيان ‪.‬‬

‫وفي اآليات إشارات ‪:‬منها أن أسباب الهداية وان اجتمعت بالكلية ال يهتدي بها الناس وال‬

‫يؤمنون إال بجذبات العنايات ‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم‪ » :‬لوال هللا ما اهتدينا وال‬

‫حقا ‪ ،‬وذلك من‬ ‫(‪)2‬‬ ‫تصدقنا وال َّ‬


‫صلينا « ومنها أن أهل الباطل يرون الحق باطال والباطل ً‬

‫عمى قلوبهم وسخافة عقولهم ‪ ،‬فيجادلون األنبياء واألولياء جهال منهم وضاللة ‪ ،‬ويسعون‬

‫في إبطال الحق ‪ ،‬وأما أهل الحق فينقادون لألنبياء واألولياء ويستسلمون لهم من غير عناد‬

‫حقا ويتبعونه ويرون الباطل باطال‬


‫وجدال ‪ ،‬وذلك ألنهم ينظرون بنور هللا فيرون الحق ً‬

‫هزوا ‪ ،‬فيأتمرون بما أُمروا به وينتهون‬ ‫ويجتنبونه ‪.‬ال جرم أنهم يتخذون آيات هللا ً‬
‫جدا ال ً‬

‫عما نهوا عنه ‪.‬ومنها أن‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬أخرجه البخاري عن البراء رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫رحمة هللا تعالى في الدنيا تعم المؤمن والكافر ‪ ،‬ألنه ال يؤاخذهم بما كسبوا في الدنيا بقطع‬

‫الرزق ونحوه ‪ ،‬وتخص يوم القيامة المؤمن‪ ،‬والعذاب يخص الكافر‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬هناك فرق كبير بين األولياء الذين يصلون بجذبات العناية اإللهية وبين غيرهم‬

‫مشيهم مع شرع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهذه هي‬
‫من األولياء ‪ ،‬فهؤالء ه‬

‫الوالية الكبرى‪.‬‬

‫الجذبة الواحدة توازي عمل الثقلين ‪ ،‬وهذه العناية من هللا ج َل جالله مخصوصة بمن أراد‬

‫أن يصلحه وأن ينور قلبه ‪.‬وهؤالء يكونون قدوة للمسلمين في حياتهم ‪ ،‬وكذلك بعد‬

‫وفاتهم بكتبهم وأخالقهم وسيرتهم ‪ -‬رحمهم هللا ‪ -‬؛ وذلك الفضل من هللا ج َل وعال ‪،‬‬

‫فهو يعطي لمن يشاء ‪ ،‬وهو أعلم بالمصلحين ‪ ،‬فيعطيهم أسباب اإلصالح ‪.‬الله َم اجعلنا‬

‫من المصلحين‪.‬‬

‫ومحَبتنا لهؤالء الك َمل ‪ -‬رضوان هللا تعالى عليهم أجمعين ‪ -‬تكون ً‬
‫سببا لنجاتنا يوم‬

‫القيامة وعند سكرات الموت إن شاء هللا ‪ ،‬ألن هذه المحبة دخلت في سويداء قلوبنا ‪،‬‬

‫وصارت كأنها جزء من لحمنا ودمنا‪ ،‬فال يمكن وصول الشيطان إلى قلوبنا في حال‬

‫يارب العالمين‪.‬‬
‫ضعفنا عند سكرات الموت ‪.‬الله َم احفظنا َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫اللفظ الخامس و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اشرح لِي َصدرِي ) ‪َ ( ٢٥‬وَيسر لِي أَمرِي ( ‪ ] (٢٦‬طه ‪]٢٦-٢٥:‬‬


‫ال َرب َ‬
‫) َق َ‬

‫اشرح لِي‬
‫قال َرب َ‬
‫حاكيا عن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصالة والسالم ‪َ {:‬‬
‫قال تعالى ً‬

‫أمره هللا بخطب عظيم وأمر جسيم سأله أن يشرح صدره‬ ‫ِي‬ ‫ِ‬ ‫ِي‬
‫َصدر * َوَيسر لي أَمر { لما َ‬

‫ويفسح قلبه ‪ ،‬لتحمل أعبائه والصبر على مشاقه ‪ ،‬والتلقي لما ينزل عليه ويسهل األمر له‬

‫بإحداث األسباب ورفع الموانع ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫والمراد بالصدر هنا القلب ال العضو الذي فيه القلب ‪ ،‬أي وسع قلبي حتى ال يضيق‬

‫بسفاهة المعاندين ولجاجهم ‪ ،‬وال يخاف من شوكتهم وكثرتهم‪.‬‬

‫واعلم أن شرح الصدر من نعم هللا تعالى على األنبياء وكمل األولياء ‪ ،‬وقد أخذ منه نبينا‬

‫شق صدره في‬


‫عليه الصالة والسالم الحظ األوفى ‪ ،‬ألنه حصل له بصورته ومعناه ‪ ،‬إذ َّ‬

‫صباوته ‪ ،‬وألقي عنه العلقة التي هي حظ الشيطان ومغمزه ‪ ،‬و غسل في طست من‬

‫أيضا في البلوغ إلى األربعين ‪ ،‬لينشرح لتحمل أثقال الرسالة؛ وفي المعراج ‪،‬‬
‫الذهب ؛ و ً‬

‫ليتسع ألس ارر الحق تعالى ؛ فجاء حامال لألوصاف الجليلة‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫التي ال توصف ‪ ،‬من الحلم والعفو والصبر والكف واللطف والدعاء والنصيحة إلى غير‬

‫(‪)١‬‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬انشراح القلب يحصل ‪ -‬بعد اإليمان ‪ -‬بالموافقة والمتابعة والذكر والشفقة وترك‬

‫المناهي واألخذ باألوامر اإللهية ‪.‬كل هذه األمور موجودة في الطريق ‪ ،‬فالذي يتمسك‬

‫كثير‬
‫بآداب الطريق مع تمسكه بالشريعة وبسنة الرسول عليه الصالة والسالم ويذكر هللا ًا‬

‫ويخرج من قلبه ‪ -‬بفضل هللا‬


‫مخلصا في عبادته ويضع في قلبه أهمية اآلخرة ه‬
‫ً‬ ‫ويعبد هللا‬

‫وبتوفيقه ‪ -‬حب الدنيا وحب الرياسة يصل إلى انشراح القلب ووسعته ‪.‬هذا هو طريق‬

‫الوصول إلى هذه الحقيقة ‪ ،‬فإن عملت َتر ثمرة عملك‪ ،‬وان لم تعمل وذهبت إلى اآلخرة‬

‫مؤمنا ‪ -‬تجد هناك خسارتك وحسرتك ‪،‬‬


‫ً‬ ‫بدون عمل بمقتضى اإليمان فإنك ‪ -‬وان كنت‬

‫وتجد أنك ضيعت ما أنعم هللا عليك من السمع والبصر واللطائف المهمة في جسدك ‪،‬‬

‫تاب َك َكفى‬ ‫وضيعت حياتك القوية الشبابية ‪ ،‬فتجد هناك خسارتك حين يقال لك ‪ {:‬ا ْأ ِ‬
‫قر ك َ‬ ‫َ‬

‫ليك َح ِس ًيبا { [ اإلسراء ‪.[١٤:‬‬


‫وم َع َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب ْنفس َك اْلَي َ‬

‫ال إله إال هللا مح َمد رسول هللا‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫فاسمع كالم ربك وأطعه وأطع رسوله ‪ ،‬فإن من أطاع الرسول فقد أطاع هللا ‪ ،‬وال تكن‬

‫من المحبين للدنيا ‪ ،‬حتى ال يكون َق ْط هع روحك من الدنيا ‪ -‬عند سكرات الموت ‪َ -‬كقطع‬

‫الصوف أو الحرير المتعلق باألشواك إذا أردت تخليصه‪.‬‬

‫جميعا ‪.‬نعوذ باهلل من الخروج من الدنيا بدون إيمان‪.‬‬


‫ً‬ ‫تف َكر !فإن هذا َ‬
‫أمامنا‬

‫سيدنا موسى عليه الصالة والسالم يلتجئ ويتضرع إلى هللا‬


‫في هذه اآلية الكريمة ه‬

‫سبحانه وتعالى أن يشرح صدره في خطابه لمن يدعي األلوهية ‪.‬فهذا شأن أولي العزم‬

‫من الرسل عليهم الصالة والسالم ‪ ،‬وأما أمثاهلنا الضعفاء العاجزون فإن النفوس األمارة‬

‫في هذا العصر قد تفرعنت على أصحاب اإليمان بأنواع اإلفسادات والمخالفات‪ ،‬فعلينا أن‬

‫جميعا من شرور النفوس‬


‫ً‬ ‫نلتجئ ونتضرع إلى هللا ج َل وعال أن يحفظنا والمسلمين‬

‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفساق والكافرين‬
‫األمارة ومن فتنة النساء ومن بالء النساء ومن شر المنافقين و َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫اللفظ السادس و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسُّروا‬ ‫وه َو ههم َيْل َعهبو َن ( ‪ )٢‬الهَية هق ه‬
‫لوب ههم َوأ َ‬ ‫است َم هع ه‬ ‫( َما َيأ ِْتي ِهم ِمن ذ ْكر ِمن َرب ِهم هم َ‬
‫حدث ِإال َ‬
‫ظلموا هل هذا ِإال ب َشر ِم ْثلكم أَ َفتأْتو َن السحر وأهَنتم ِ‬ ‫ِ‬
‫تبصهرو َن ( [ األنبياء ‪:‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ين َ ه َ ْ َ‬ ‫جوى اَلذ َ‬ ‫الَن َ‬
‫‪[٣-٢‬‬

‫محدث في حال من‬


‫المعنى ‪ :‬ما يأتيهم ذكر من ربهم من الوحي والقرآن من عند هللا َ‬

‫األحوال إال حال استماعهم إياه العبين مستهزئين به الهين عنه متشاغلين عن التأمل فيه‬

‫‪ ،‬لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في األمور والتفكر في العواقب ‪.‬قدم اللعب‬

‫فاللعب الذي هو‬ ‫على اللهو تنبيها على أنهم إنما َ ِّ‬
‫قدموا على اللعب لذهولهم عن الحق؛‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬

‫السخرية واالستهزاء نتيجة اللهو الذي هو الغفلة عن الحق والذهول عن التفكر‪.‬‬

‫قال في التأويالت النجمية ‪:‬واآلية وان نزلت في منكري البعث من الكفار فهي تعم أكثر‬

‫مدعي اإلسالم في زماننا هذا ‪ ،‬فإنه ال يحدث هللا في عالِّم ر باني من أهل الذكر ‪ -‬وهم‬

‫سر من أسرار القرآن وحقيقة من حقائق العلوم‬


‫أهل القرآن الذين هم أهل هللا وخاصته ‪ً -‬ا‬

‫أهل العزة باهلل ‪ ،‬وهم ‪ -‬أي مدعوا اإلسالم ‪ -‬يستهزئون به وينكرونه‬ ‫ِّ‬
‫اللدنية إال أسمعه َ‬

‫وينكرون عليه ‪ ،‬الهية قلوبهم بمتابعة الهوى ‪ ،‬متعلقة بشهوات الدنيا‪ ،‬ساهية عن ذكر هللا‬

‫‪ ،‬غافلة عن طلبه ‪ ،‬وتناجوا في السر ‪ -‬الذين‬

‫‪246‬‬
‫ظلموا أنفسهم باإلنكار على األسرار ‪ -‬يقولون فيه ‪:‬ما يأتيكم به من الكالم المموه وأنتم‬

‫تبصرون أنه مموه كالسحر ‪ ،‬قل ‪ُ :‬‬


‫أمرهم إلى هللا ‪ ،‬فإنه يعلم قول أهل السماء ‪ ،‬سماء‬

‫السميع ألقوال أهل القلوب وأقوال أهل‬


‫ُ‬ ‫القلوب ‪ ،‬وقول أهل األرض ‪ ،‬أرض النفوس ‪ ،‬وهو‬

‫العليم بما في ضمائرهم وبأفعالهم وأوصافهم وأوصاف سرائرهم ‪ .‬بل‬


‫ُ‬ ‫النفوس وانكارهم ‪،‬‬

‫قالوا ‪:‬كالم المحققين خياالت فاسدة ‪.‬وقال بعض المنكرين ‪ :‬بل اختلقه من نفسه وادعى‬

‫أنه من مواهب الحق‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬قلوب أكثر الناس الهية بالدنيا‪ ،‬فإنهم مع وجود اإلسالم واإليمان واالعتقاد عندهم‬

‫ال يشتغلون لآلخرة كما يشتغلون للدنيا ‪.‬ترى الواحد منهم يشتغل في الدنيا من الصباح‬

‫إلى المساء ‪ ،‬وفي المساء يتفكر ماذا ربح وماذا خسر ‪ ،‬وهذا َلهو‪.‬‬

‫علينا أن نحافظ على محل النظر اإللهي وهو القلب ‪ ،‬وأن ال نمأله بحب الدنيا والنساء‬

‫أحيانا يخرج المال من يده وهو حي‬


‫والمال والمنال ‪.‬يقول اإلنسان ‪:‬مالي مالي ‪ ،‬و ً‬

‫أحيانا يخرج ابنه من يده وهو حي ‪ ،‬أو يموت هو وال‬


‫فيفلس ‪ ،‬ويقول ابني ابني ‪ ،‬و ً‬
‫ه‬
‫يحصل له من ابنه فائدة ‪.‬ولذا قال تعالى ‪ } :‬ال ْتل ِهكم أَمواهلكم وال أَوالدكم عن ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا {‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫احدا ‪ ،‬إذا هملئ بشيء ال يدخل فيه شيء آخر ‪،‬‬ ‫] المنافقون ‪ ،[ ٩:‬ألن لإلنسان ً‬
‫قلبا و ً‬

‫كاإلناء إذا هملئ بالماء ثم هوضع فيه لبن هل َي َس هع فيه ذلك؟‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫فالقلب إذا ملئ بحب الجاه والرياسة وحب الدنيا والمال ال َي َس هع فيه حب هللا والتهيؤ لما‬

‫بعد الموت من الحشر والنشر ثم الجنة أو النار‪.‬‬

‫كبير فإنه يوضع في السجن االنفرادي ‪ ،‬وكذلك‬


‫جرما ًا‬
‫أمامنا؟ إذا ارتكب أحد ً‬
‫أليس القبر َ‬

‫القبر حجرة انفرادية ‪ ،‬ماذا يقول هناك؟ ال يحصل له إال ما حصله في الدنيا من القرآن‬

‫وذكر هللا واإلخالص في العبادة‪.‬‬

‫كلما ازداد المال يزداد الحرص ‪ ،‬وكلما ازداد الحرص يزداد البخل ‪ ،‬وكلما ازداد البخل‬

‫يزداد البعد عن هللا ج َل وعال ‪ ،‬لقوله عليه الصالة والسالم ‪ » :‬البخيل بعيدمن هللا بعيد‬

‫(‪)١‬‬
‫من الناس بعيد من الجنة قريب من النار«‪.‬‬

‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫نرجو هللا تعالى السالمة لنا وللمسلمين‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬والبيهقي عن جابر رضي هللا عنه‪ ،‬والطبراني عن عائشة رضي هللا‬
‫عنها‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫اللفظ السابع و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫( َذلِ َك َومن هي َع ِظم شعائر هللا فِإَن َها ِمن ْتق َوى ْاهلهق ِ‬
‫لوب ( )‪ ]( ٣٢‬الحج ‪]٣٢:‬‬ ‫َ‬

‫نس ِّكه ‪ ،‬أو الهدايا ‪،‬‬ ‫} ذلِك ومن يع ِظم َشع ِائ َ ِ‬
‫دين هللا ‪ ،‬أو فرائض الحج ومواضع ُ‬
‫رّلل { َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ هَ‬
‫ِّ‬
‫مانا‬ ‫وتعظيمها أن تختارها ِّح ً‬
‫سانا س ً‬ ‫ُ‬ ‫ألنها من معالم الحج ‪ ،‬وهو أوفق لظاهر ما بعده ‪،‬‬
‫غالية األثمان ‪ُ .‬روي أنه صلى هللا عليه وسلم أهدى مائة بدنة ‪ ،‬فيها جمل ألبي جهل في‬
‫أنفه برة من ذهب ‪ ،‬وأن عمر رضي هللا تعالى عنه أهدى نجيبة‬
‫تقوى ْاهلهق ِ‬ ‫ِ‬
‫لوب { فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي‬ ‫طلبت منه بثالثمائة دينار‪ } .‬فِإَن َها من َ‬
‫تقوى القلوب ‪ ،‬فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من ‪ ،‬وذكر القلوب ألنها منشأ التقوى‬
‫بهما‪.‬‬ ‫والفجور أو اآلمرة‬
‫(‪)١‬‬

‫قال الجنيد ‪ -‬رحمه هللا ‪ -:‬من تعظيم شعائر هللا التوكل والتفويض والتسليم ‪ ،‬فإنها من‬
‫عظمه َّ‬
‫وعظم حرمته زين هللا ظاهره بفنون اآلداب‪،‬‬ ‫شعائر الحق في أسرار أوليائه ‪ ،‬فإذا َّ‬
‫تقوى اْلهق ِ‬ ‫ِ‬
‫وتخصيصها باإلضافة ألنها مركز‬
‫ُ‬ ‫لوب {‪،‬‬ ‫}فِإَن َها { أي فإن تعظيمها ناشئ }من َ‬
‫التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر األعضاء‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫ِ‬
‫شعائر هللا‬ ‫أقول ‪:‬شعائر هللا ج َل وعال ليست منحصرة في الحج والعمرة والهدي ‪ ،‬بل من‬

‫فعل أو ِ‬
‫امره والشفقة على خلقه واجتناب المعاصي كلها ‪ ،‬ألن كل ذلك عظيم عند‬ ‫أيضا ه‬
‫ً‬

‫هللا ج َل وعال وعند المؤمنين ‪ ،‬ومنها حفظ القلب من المخالفات كالحقد والحسد وغيرها‬

‫أمَرهم‬
‫فع َل ما َ‬
‫من األخالق الذميمة ؛ فإذا اتصف المؤمن بما وصف هللا المؤمنين به ‪َ ،‬و َ‬

‫باألخذ به يكون قلبه م َت ً‬


‫قيا‪.‬‬

‫وقد مدح هللا تعالى عباده المتقين في القرآن الكريم ‪ ،‬وعَلق بالتقوى الكثير من الخيرات‬

‫‪ ،‬ووعد عليها الكثير من الثواب واألجر ‪ ،‬وقد عَد علماؤنا من جملة ذلك اثنتي عشرة‬

‫خصلة‪:‬‬

‫األولى ‪:‬المدحة والثناء ‪ ،‬قال ج َل وعال ‪َ } :‬واِن تص ِبهروا َو ت َتقوا َفِإ َن ذلِ َك ِمن َعزمِ‬

‫] آل عمران ‪. [ ١8٦:‬‬ ‫هم ِ‬


‫ور {‬ ‫األ ه‬

‫الثانية ‪:‬الحفظ والحراسة من األعداء ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪َ } :‬وِان تص ِبهروا َوت َتقوا ال َي هضُّركم‬

‫شيئا { ] آل عمران ‪.[١٢٠:‬‬


‫يد ههم ً‬
‫َك ه‬

‫ين ههم م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫حسنو َن {‬ ‫ه‬ ‫ين ا َتقوا َواَلذ َ‬
‫ّللا َم َع اَلذ َ‬ ‫ِ‬
‫الثالثة ‪:‬التأييد والنصرة ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ } :‬إ َن َ َ‬
‫ّللا مع ْا ِ‬
‫لم َتق َ‬
‫ين { ] البقرة ‪.[١٩٤:‬‬ ‫َن َ َ َ َ ه‬
‫لموا أ َ‬
‫اع ه‬
‫أيضا { ‪َ } :‬و َ‬
‫] النحل ‪ ، [ ١٢8:‬وقال ً‬

‫جع ْل‬ ‫الرابعة ‪:‬النجاة من الشدائد ‪ ،‬والرزق من الحالل ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪َ } :‬و َمن َي َت ِق َ َ‬
‫ّللا َي َ‬
‫تس هب { ] الطالق ‪.[ ٣-٢ :‬‬ ‫رزْقهه ِمن حيث ال يح ِ‬
‫خر ًجا ( ‪َ )٢‬وَي ه‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َل هه َم َ‬

‫‪250‬‬
‫ِ‬
‫قولوا قوالً‬ ‫امنوا ا َتقوا َ َ‬
‫ّللا َو ه‬ ‫الخامسة ‪ :‬إصالح العمل ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪َ } :‬يا أَُّي َها اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫َعماَلكم[ ‪ ] {...‬األحزاب ‪. [ ٧١-٧٠:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدا (‪ )٧٠‬هيصلح لكم أ َ‬
‫َسد ً‬

‫نوبكم‪ ] {...‬األحزاب ‪[ ٧١:‬‬ ‫ِ‬


‫السادسة‪ :‬غفران الذنوب ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪َ } :‬وَي ْغفر هلكم هذ َ‬
‫ّللا ي ِح ُّب ْا ِ‬
‫لم َتق َ‬
‫ين { ] التوبة ‪:‬‬ ‫ه‬ ‫السابعة ‪ :‬محبة هللا ج َل جالله ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ِ } :‬إ َن َ َ ه‬
‫‪.[٧‬‬
‫ّللا ِمن ْا ِ‬ ‫ِ‬
‫ين { ] المائدة ‪.[ ٢٧:‬‬ ‫الثامنة ‪:‬القبول ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ } :‬إَن َما َي َتقَب هل َ ه َ ه‬
‫لم َتق َ‬
‫التاسعة ‪:‬اإلكرام واإلعزاز‪ ،‬قال هللا تعالى { ‪ِ } :‬إ َن أَ ْكرمكم ِعْند َ ِ‬
‫ّللا أ ََتقاكم { ]الحجرات ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫‪. [١٣‬‬
‫ِ‬
‫امنوا َوكاهنوا َي َتقو َن َل هه هم‬ ‫العاشرة ‪:‬البشارة عند الموت ‪ ،‬قال هللا ج َل وعال { ‪ } :‬اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫اآلخَرِة{ ] يونس ‪.[ ٦٤-٦٣:‬‬‫الدنيا وِفي ِ‬ ‫(‪ْ )٦٣‬البشرى ِفي ْا ِ‬
‫لحَياة ُّ َ َ‬
‫َ‬ ‫ه َ‬
‫ِ‬
‫عز وجل ‪ } :‬ث َم َننجي اَلذ َ‬
‫ين ا َتقوا { ] مريم ‪:‬‬ ‫الحادية عشرة ‪:‬النجاة من النار ‪ ،‬قال هللا َ‬
‫أيضا ‪َ } :‬و َسهي َجَنهب َها األ ََتقى { ] الليل ‪.[١٧:‬‬
‫‪ ، [٧٢‬وقال ً‬

‫الثانية عشرة ‪:‬الخلود في الجنة ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪َ } :‬و َس ِار هعوا ِإلى َم ْغ ِفَرة ِمن َربكم‬
‫هعَدت لِ ِ‬ ‫َرض أ ِ‬ ‫َو َجَنة َع ه‬
‫ين { ] آل عمران ‪.[١٣٣:‬‬ ‫لم َتق َ‬
‫ه‬ ‫الس َم َاوات َواأل ه‬
‫رض َها َ‬

‫ففي هذا بيان أن كل خير وسعادة في الدارين إنما يندرج تحت التقوى ‪ ،‬فال تنس‬
‫نصيبك أيها المؤمن منها‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من المتقين واحشرنا مع المتقين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫اللفظ الثامن و التسعون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الص ِ‬
‫الة َو ِم َما‬ ‫الصا ِب ِرين على ما أَصابهم وْالم ِق ِ‬
‫يمي َ‬ ‫لوب ههم َو َ‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬ ‫( اَل ِذ ِ ِ‬
‫َ َ َ َ َه َ ه‬ ‫لت هق ه‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬
‫َ‬
‫نفقو َن ( )‪ ] ( ٣٥‬الحج ‪]٣٥ :‬‬ ‫رَزَقناهم ي ِ‬
‫ه ه‬ ‫َ‬

‫لوب ههم { َهيبة منه ‪ِّ ،‬إلشراق أشعة جالله عليها‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬اَل ِذ ِ ِ‬
‫لت هق ه‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬
‫َ‬
‫(‪)١‬‬

‫وصفهم هللا تعالى بقوله ‪ }:‬اَل ِذ ِ ِ‬


‫ّللا َو ِجلت هقهل ه‬
‫وب ههم { فيظهر عليهم الخوف من‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫الوجل أثران‪ :‬أحدهما ‪:‬الصبر على‬


‫عقاب هللا تعالى ‪ ،‬والخشوعُ والتواضع هلل ‪ ،‬ثم لذلك َ‬

‫َص َاب ههم { ‪ ،‬وعلى ما يكون من ِّق َبل‬ ‫الصا ِب ِر َ‬


‫ين َعلى َما أ َ‬ ‫المكاره ‪ ،‬وذلك هو المراد بقوله ‪َ }:‬و َ‬

‫الصبر عليه ‪ ،‬كاألمراض والمحن والمصائب ‪ ،‬فأما ما‬


‫ُ‬ ‫هللا تعالى ‪ ،‬ألنه الذي يجب‬

‫فالصبر عليه غير واجب ‪ ،‬بل إن أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو‬ ‫يصيبهم من ِّقبل َّ‬
‫الظلمة‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫بالمقاتلة ‪.‬والثاني ‪:‬االشتغال بالخدمة ‪ ،‬وأعز األشياء عند اإلنسان نفسه وماله ؛ أما الخدمة‬

‫بالنفس فهي الصالة ‪ ،‬وهو المراد‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫يمي َ ِ‬‫بقوله ‪ } :‬وْالم ِق ِ‬
‫الصالة { ‪ ،‬وأما الخدمة بالمال فهو المراد من قوله ‪َ } :‬و ِم َما َرَزَق ه‬
‫ناهم‬ ‫ه‬
‫(‪)١‬‬ ‫يِ‬
‫نفقو َن {‬
‫‪.‬‬
‫ه‬

‫أقول ‪:‬الوجل والخوف الذي ذكره هللا تعالى في هذه اآلية الكريمة ال يحصل بدون ُّ‬
‫تهيؤ ‪،‬‬

‫بحيث إذا قال العبد" ‪:‬هللا أكبر "يحصل في قلبه الوجل ‪ ،‬ولكن ال بد له من تطهير القلب‬

‫حاضر مهَيًئا لنظر المعبود‬


‫ًا‬ ‫بذكر هللا تعالى ‪ ،‬واخراج األخالق الذميمة منه ‪ ،‬حتى يكون‬

‫التهيؤ ال يحصل مع الغفلة وال مع حب الدنيا وال مع المخالفات ‪ ،‬إنما‬


‫ُّ‬ ‫ج َل وعال ؛ هذا‬

‫يحصل بالتمسك بشرع هللا تعالى ‪ ،‬والتمسك بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬

‫واإلخالص في العبادة‪ ،‬وكثرة ذكر هللا َ‬


‫عز وجل‪.‬‬

‫قل ِإِني أَ َخاف ِإن َع َصيت َربي‬


‫قال هللا تعالى لرسوله األعظم عليه الصالة والسالم‪ْ } :‬‬

‫اب َيوم َع ِظيم { ] األنعام ‪ ، [ ١٥ :‬فإذا كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد‬
‫َع َذ َ‬

‫أهمر بالخوف فكيف أنت يا فقير؟ عليك أن تفزع إلى هللا وترجع وتتوب إليه حتى يحصل‬

‫لك هذا الوجل ‪.‬لكنك تأكل باشتهاء نفسك ‪ ،‬وتفعل ما تشاء باشتهاء نفسك‪ ،‬وتترك‬

‫الفضائل والورع والخشوع في الصالة فكيف يحصل الوجل؟‬

‫إني أقول لك ‪:‬يا أخي المسلم !انظر إلى صالتك ‪ ،‬هل تخشع في أربع ركعات أو‬

‫ثالث ركعات أو ركعتين أم تصلي وأنت غافل؟‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫خاصا بأهل‬
‫كيف يحصل الوجل في قلبك وأنت ال تكثر من ذكر هللا تعالى؟ الذكر ليس ً‬
‫ِ‬
‫ّللا‬
‫اذكروا َ َ‬
‫امنوا ه‬ ‫جميعا‪ ،‬لقول هللا ج َل وعال ‪َ }:‬يا أَُّي َها اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬ ‫ً‬ ‫الطريق ‪ ،‬بل هو للمؤمنين‬

‫ير { ] األحزاب ‪.[ ٤١:‬‬


‫كث ًا‬ ‫ِذ ًا‬
‫كر ِ‬

‫دوما في تحصيل الدنيا وهمومها من أين يحصل له الوجل من‬


‫ولكن إذا اشتغل العبد ً‬

‫هللا؟ وكيف يحصل الصبر؟ ال بد من الصبر على الطاعة ‪ ،‬و ِ‬


‫الصبر عن المعصية‪،‬‬

‫و ِ‬
‫الصبر على المصائب ‪ ،‬سواء كانت من الخلق أو من الخالق‪.‬‬

‫فإذا أردت أن تكون من الذين إذا ذكر هللا وجلت قلوبهم عليك أن تذكر هللا ًا‬
‫كثير وتق أر‬

‫كثير وتصلي صالة الخاشعين ‪ ،‬فليس هناك عبادة ‪ -‬بعد اإليمان‪ -‬أفضل من‬
‫القرآن ًا‬

‫صالة مع الخشوع ‪ ،‬حينذاك تقف على ما يفوتك من الخشوع وتطلع على ما يحصل لك‬

‫منه ‪ ،‬وهللا ج َل وعال يعينك‪.‬‬

‫وحسن عبادتك‪.‬‬ ‫ِ‬


‫الله َم أعنا على ذكرك وشكرك ه‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪254‬‬
‫اللفظان التاسع و التسعون والمئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫سم هعو َن ِب َها فِإَن َها ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( أَ َفلم َي ِس هيروا ِفي األ ِ‬
‫لهم هقهلوب َيعقلو َن ب َها أَو َءا َذان َي َ‬
‫َرض َف َتكو َن ه‬
‫ور ( )‪ ] ( ٤٦‬الحج ‪]٤٦:‬‬ ‫لوب اَل ِتي ِفي ُّ‬
‫الص هد ِ‬ ‫تعمى ْاهلهق ه‬
‫ِ‬
‫َبص هار َولكن َ‬
‫تعمى األ َ‬ ‫َ‬

‫َرض َف َتكو َن لهم هقهلوب ي ِ‬


‫عقلو َن ِب َها أَو َءا َذان‬ ‫أما قوله تعالى ‪ }:‬أَ َفلم َي ِس هيروا ِفي األ ِ‬
‫َ‬ ‫ه‬

‫سم هعو َن ِب َها { فالمقصود منه ذكر ما يتكامل به ذلك االعتبار ‪ ،‬ألن الرؤية لها حظ‬
‫َي َ‬

‫عظيم في االعتبار ‪ ،‬وكذلك استماع األخبار فيه مدخل ‪ ،‬ولكن ال يكمل هذان األمران إال‬

‫بتدبر القلب ‪ ،‬ألن من عاين وسمع ثم لم يتدبر ولم يعتبر لم ينتفع البتة ‪ ،‬ولو تفكر فيما‬

‫لوب اَل ِتي ِفي‬


‫تعمى ْاهلهق ه‬
‫ِ‬
‫َبص هار َولكن َ‬
‫ِ‬
‫سمع النتفع ‪ ،‬فلهذا قال ‪ } :‬فإَن َها ال َ‬
‫تعمى األ َ‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { كأنه قال ال عمى في أبصارهم فإنهم يرون بها ‪ ،‬لكن العمى في قلوبهم حيث‬ ‫ُّ‬

‫أبصروه‪.‬‬ ‫لم ينتفعوا بما‬


‫(‪)١‬‬

‫أي ليس الخلل في مشاعرهم ‪ ،‬وانما هو في عقولهم‪ ،‬بإتباع الهوى واالنهماك في الغفلة ‪.‬‬

‫وال ُيعتمد بعمى األبصار ‪ ،‬فكأنه ليس بعمى باإلضافة إلى عمى القلوب ؛ والعمى يقال‬

‫قصدا للتنبيه‬ ‫ونفي توهم التجوز‬ ‫ِّ‬


‫للتأكيد ِّ‬ ‫في افتقاد البصر وافتقاد البصيرة ‪.‬وذكر الصدور‬
‫ً‬

‫على أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يختص بالبصر ‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫وفي الحديث ‪ » :‬ما من عبد إال وله أربع أعين ‪:‬عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه‪،‬‬
‫‪ ،‬وأكثر الناس عميان بصر القلب ‪ ،‬ال‬ ‫(‪)١‬‬
‫وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه «‬
‫يبصرون به أمر دينهم‪.‬‬

‫وقلوبهم محجوبة‬
‫ُ‬ ‫قال في حقائق البقلي قدس سره ‪:‬الجهال يرون األشياء بأبصار الظاهر ‪،‬‬
‫عن رؤية حقائق األشياء ‪ ،‬التي هي تابعة أنوار الذات والصفات ‪ ،‬أعماهم هللا بغشاوة‬
‫اليسير من نور بصر القلب يغلب الهوى والشهوة ‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬ ‫الغفلة وغطاء الشهوة ‪.‬قال سهل ‪:‬‬
‫طا‬
‫عمي بصر القلب عما فيه غلبت الشهوة وتواترت الغفلة ‪ ،‬فعند ذلك يصير البدن متخب ً‬
‫في المعاصي غير منقاد للحق بحال‪.‬‬

‫وفي التأويالت النجمية ‪:‬في اآلية إشارة إلى أن العقل الحقيقي إنما يكون من نتائج صفاء‬
‫القلب بعد تصفية حواسه عن العمى والصمم ‪ ،‬فإذا صح وصف القلوب بنور اليقين تدرك‬
‫يح‬ ‫خبر عن يعقوب عليه السالم ‪ِ } :‬إِني أل ِ‬
‫َجهد ِر َ‬ ‫نسيم اإلقبال بمشام السر ‪ ،‬قال تعالى ًا‬
‫وسف { ] يوسف ‪ ، [ ٩4:‬وما كان ذلك إال بإدراك السرائر دون اشتمام ريح في الظاهر‬ ‫هي ه‬
‫فعلى العاقل أن يجتهد في تصفية الباطن وتجلية القلب وكشف الغطاء عنه بكثرة ذكر هللا‬
‫تعالى ‪.‬وعن مالك بن أنس رضي هللا عنه ‪ :‬بلغني أن عيسى بن مريم عليهما السالم قال ‪:‬‬
‫ال تكثروا الكالم في غير ذكر هللا فتقسو قلوبكم ‪ ،‬والقلب القاسي بعيد من هللا ولكن ال‬
‫تعلمون ‪.‬وقال مالك بن دينار ‪ :‬من لم يأنس بحديث هللا عن حديث المخلوقين فقد َّ‬
‫قل‬
‫عمله وعمي قلبه وضاع عمره ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه الديلمي في مسند الفردوس‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫‪ .‬وقال أبو عبد هللا‬ ‫(‪)١‬‬
‫وفي الحديث ‪ » :‬لكل شيء صقالة‪ ،‬وصقالة القلب ذكر هللا «‬
‫األنطاكي ‪ :‬دواء القلب خمسة أشياء ‪:‬مجالسة الصالحين ‪ ،‬وقراءة القرآن ‪ ،‬واخالء‬
‫الغافلين‪.‬‬ ‫البطن‪ ،‬وقيام الليل ‪ ،‬والتضرع عند الصبح ‪.‬كذا في تنبيه‬
‫(‪) 2‬‬

‫أقول ‪ :‬ولكن إذا جلس مع الصالحين ولم يسمع كالمهم فأية فائدة في تلك المجالسة؟ ال‬
‫هيطلق اسم الصالح على العلم بدون عمل ‪ ،‬بل على من نور قلبه بالمعرفة وترك‬
‫المعاصي وكثرة ذكر هللا تعالى ‪ ،‬كما قال المفسر رحمه هللا تعالى‪.‬‬

‫النفس األمارة ال تحب سماع الوعظ والنصيحة المتعلقة بما يوجد فيها ‪ ،‬وتنفر عن هذا‬
‫‪ ،‬وقد شاهدنا ذلك في بعض المؤمنين ‪ ،‬إنا هلل وانا إليه راجعون ‪ ،‬هذا مصيبة‪.‬‬

‫إذا كنا نعيش أربعين أو خمسين أو ستين سنة ونحن مع أنفسنا ال مع الحق فما‬
‫معنى مجالسة الصالحين أو أهل الدين؟‬

‫على المؤمن إذا سمع عن شيء من عيوب نفسه أن يجاهد نفسه حتى يذهب ذلك‬
‫ّللا ِ‬
‫لغني َع ِن‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫العيب عنه ‪ ،‬ولذا قال ربنا ج َل وعال ‪َ } :‬ومن َج َ ِ‬
‫اه َد فإَن َما هي َجاههد لَن ْفسه إ َن َ َ‬ ‫َ‬
‫ين { ] العنكبوت ‪.[٦:‬‬ ‫ْا ِ‬
‫لعاَلم َ‬
‫َ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه ابن أبي الدنيا عن البيهقي عن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫عليك يا أخي المؤمن أن تجاهد نفسك األمارة ‪ -‬بتركها ومخالفتها ومحاربة الشيطان ‪-‬‬

‫رخيصا ‪ ،‬خالق السموات‬


‫ً‬ ‫حتى نكون من الذين مدحهم هللا تعالى ‪ ،‬فإن هذا ليس ً‬
‫شيئا‬

‫واألرض يمدحك في كتابه العزيز الذي نزل على سيد المرسلين صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬

‫كل أموال الدنيا ال توازيه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫وهللا ُّ‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم ِ‬
‫وفقنا لمجاهدة النفس ومخالفة الشيطان ‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫اللفظان األول و الثاني بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫( وما أرسلنا من قبلك من رسول وال نبي إال إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ‬
‫لقي‬ ‫هللا ما يلقي الشيطان ثم يحكم هللا آياته وهللا عليم حكيم ( )‪ ( ٥٢‬لِيجعل ما ي ِ‬
‫َ ََ َ ه‬
‫لفي ِشَقاق َب ِعيد) [‬
‫ظالِ ِمين ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫طان ِف ْتن ًة لَِل ِذ ِ‬
‫لوب ههم َواِ َن ال َ َ‬
‫ين في هقلوبِ ِهم َمَرض َواْلَقاسَية هق ه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الشي َ ه‬
‫الحج ‪]٥٣-٥٢:‬‬

‫ان { علة لتمكين الشيطان منه ‪ ،‬وذلك يدل على أن‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬لِيجعل ما ي ِ‬
‫لقي َ‬
‫الشي َط ه‬ ‫َ ََ َ ه‬

‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { أي‪ :‬شك‬ ‫ِ ِِ‬


‫} ف ْتن ًة لَلذ َ‬ ‫الملقى أمر ظاهر َع َرفه المحق والمبطل ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬

‫ونفاق ‪ ،‬ألنه مرض قلبي مؤد إلى الهالك الروحاني‪ ،‬كما أن المرض القلبي ( ‪) 2‬مؤد‬

‫القسوة غلظ القلب ‪ ،‬وأصله‬ ‫ِ ِ‬


‫لوب ههم{ أي المشركين ‪.‬و ُ‬
‫إلى الهالك الجسماني ‪َ } ،‬واْلَقاسَية هق ه‬
‫(‪)3‬‬
‫من حجر قاس ‪.‬والمقاساة معالجة ذلك‪.‬‬

‫أقول ‪:‬الذي ال ِ‬
‫يؤثر فيه وعظ الواعظين وال قراءة القرآن وال ذكر الموت فقد حصل‬

‫وعالجه ‪:‬أن يرجع إلى هللا ويستغفر ويتوب توبة صحيحة ويجاهد‬
‫ه‬ ‫له مرض القلب ‪،‬‬

‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫اءة القر ِ‬
‫آن و‬ ‫ِ‬
‫نفسه حتى يطهر قلبه من األخالق الذميمة ‪ ،‬لكي تؤثر فيه قر ه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫‪- 2‬هكذا في األصل ‪ ،‬ولعل الصواب ‪ :‬الجسمي ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫وذكر الموت ‪ ،‬حينذاك تحصل له السعادة إن شاء هللا ‪ ،‬ألن هللا‬
‫النبوية ووعظ الواعظين ه‬

‫وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ‬


‫الس َيئ ِ‬
‫ات{ ]الشورى ‪،[ ٢٥:‬‬ ‫ِ‬
‫تعالى قال ‪َ } :‬و هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ‬

‫فعلى المؤمن أن ال يقنط من رحمة هللا ولو زنا ولو سرق ولو فعل ما فعل ‪ ،‬ألن هذا‬

‫وعد هللا ‪ ،‬فال تكونوا ممن خسر اآلخرة‪.‬‬

‫من خسر في الدنيا بأن اشترى بمئة وباع بخمسين يمتنع عنه النوم ‪ ،‬فكيف تهون‬

‫عليكم خسارة اآلخرة وال تبالون بها؟ وهللا المستعان وال حول وال قوة إال باهلل العلي‬

‫العظيم‪.‬‬

‫الله َم ال تجعلنا من الخاسرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫اللفظ الثالث بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا‬ ‫في ْؤ ِمنوا ِب ِه هف ْ‬


‫تخ ِبت َل هه هقهل ه‬
‫وب ههم َواِ َن َ َ‬ ‫بك ه‬
‫( ولِيعلم اَل ِذين أهوتوا اْل ِعْلم أََنه اْلح ُّ ِ‬
‫ق من َر َ‬ ‫َ ه َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ ََ َ‬
‫تقيم ( )‪] (٥٤‬الحج ‪]٥٤:‬‬ ‫َله ِاد اَل ِذين ءامنوا ِإلى ِصراط مس ِ‬
‫َ هَ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬

‫وفي التأويالت‬ ‫تخ ِبت َل هه هق ه‬


‫لوب ههم { أي تخضع وتذل له قلوبهم‪.‬‬ ‫قوله تعالى‪ } :‬هف ْ‬
‫(‪)١‬‬

‫النجمية ‪:‬إن هللا ليبتلي المؤمن المخلص بفتنة وبالء ‪ ،‬ويرزقه حسن بصيرة يميز بها بين‬

‫الحق والباطل ‪ ،‬فال يظله غمام الريب ‪ ،‬وينجلي عنه غطاء الغفلة ‪ ،‬فال يؤثر فيه دخان‬

‫الفتنة والبالء ‪ ،‬كما ال تأثير للضباب الغداة في شعاع الشمس عند متوع النهار‪ -‬أي‬

‫ارتفاعه ‪ ،-‬وان الهداية من هللا ومن تأييده ال من اإلنسان وطبعه ‪ ،‬وان من َوَكله هللا إلى‬

‫نفسه وخذله بطبعه ال يزول عنه الشك والكفر والضاللة إلى األبد ‪ ،‬ولو عالجه‬

‫الصالحون‪ .‬فعلى العاقل أن يستسلم ألمر القرآن المبين ويجتهد في إصالح النفس األمارة‬

‫(‪)2‬‬
‫إلى أن يأتي اليقين ‪ ،‬فإن النفس سحارة ومكارة ومحتالة وغدارة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫أقول ‪:‬الذي يؤمن بالقرآن عليه أن يتصف باألوصاف التي وصف هللا بها عباده في‬

‫القرآن ‪ ،‬من التواضع واالنقياد ألوامر هللا تعالى وعدم االعتراض عليها والعيش بها ‪،‬‬

‫حتى تصير أخالقه أخالق القرآن‪ ،‬وذلك بعد المجاهدة والسعي الكبير‪.‬‬

‫فكما أن اإلنسان إذا أراد أن يكون ً‬


‫غنيا ال يقعد في البيت ‪ ،‬بل يسعى حتى يصل إلى‬

‫َن‬
‫ذلك ‪ ،‬كذلك هؤالء عليهم أن يجاهدوا النفس ويخالفوا الشيطان ‪.‬قال هللا ج َل وعال ‪َ } :‬وأ َ‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يما فا َت ِب هع ه‬
‫وه{ ]األنعام ‪ ، [ ١٥٣:‬ما هو هذا الصراط؟ صراط هللا هو‬ ‫َهذا صَراطي هم َستق ً‬

‫القرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪.‬ولما قال} ‪ :‬فا َت ِب هع ه‬
‫وه { هعرف الضد‬

‫الكبر‬
‫الرياء و ه‬
‫االنغماس في الدنيا و ه‬
‫ه‬ ‫ُّ‬
‫وضد الصراط المستقيم‬ ‫بالضد‪ ،‬أي وال تتبعوا ضده ‪،‬‬

‫وغير ذلك من األخالق الذميمة‪ ،‬وبذلك يحصل اإلخبات‪.‬‬


‫ه‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من المخبتين يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫اللفظ الرابع بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬
‫لوب ههم َو ِجَلة أََن ههم ِإلى َرب ِهم َر ِ‬
‫اج هعو َن ( )‪[ (٦٠‬المؤمنون ‪]٦٠‬‬ ‫( َواَلذ َ‬
‫ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه‬

‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬واَلذ َ‬
‫ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا { أي يعطون ما أعطوه من الزكوات والصدقات‬

‫وتوسلوا به إلى هللا تعالى من الخيرات والمبرات ‪.‬وصيغة المضارع للداللة على االستم ارر‬

‫ِّ‬
‫فاعل يؤتون ‪ ،‬أي والحال أن‬ ‫لوب ههم َو ِجلة {حال من‬
‫‪ ،‬والماضي على التحقق ‪َ } ،‬وهق ه‬

‫قلوبهم خائفة أشد الخوف ‪.‬قال الراغب ‪:‬الوجل استشعار الخوف ‪ }.‬أََن ههم ِإلى َرب ِهم َر ِ‬
‫اج هعو َن‬

‫{أي من أن رجوعهم إليه تعالى ‪ ،‬على أن مناط الوجل أن ال ُيقبل منهم ذلك وأن ال يقع‬

‫على الوجه الالئق فيؤاخذوا به حينئذ ‪ ،‬ال مجرد رجوعهم إليه تعالى‪.‬‬

‫قال بعض الكبار ‪َ :‬و َج ُل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته ‪ ،‬ألن المخالفة‬

‫تمحى بالتوبة ‪ ،‬والطاعة تطلب بتصحيحها واإلخالص والصدق فيها ‪.‬فإذا كان فاعل‬

‫(‪)١‬‬
‫خائفا مضطرًبا فكيف ال يخاف غيره؟‬
‫الطاعات ً‬

‫ِ‬
‫لوب ههم َو ِجَلة أََن ههم ِإلى َرب ِهم َر ِ‬
‫اج هعو َن { أي‬ ‫فقوله تعالى ‪َ } :‬واَلذ َ‬
‫ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه‬

‫يعطون العطاء وهم خائفون َو ِّجلون أن ال يتقبل منهم ‪ ،‬لخوفهم أن يكونوا قد‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫قصروا في القيام بشروط اإلعطاء ‪ ،‬وهذا من باب اإلشفاق واالحتياط ‪ ،‬كما قال اإلمام‬

‫أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مالك بن مغول حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن‬

‫ِ‬
‫عائشة رضي هللا عنها أنها قالت ‪ :‬يا رسول هللا ! } َواَلذ َ‬
‫ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه‬
‫لوب ههم‬

‫َو ِجلة{ والذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف هللا عز وجل قال ‪» :‬ال يا بنت‬

‫الصديق ‪ ،‬ولكنه الذي يصلِّي ويصوم ويتصدق وهو يخاف هللا عز وجل «‬
‫(‪)١‬‬

‫اإلخالص والموافقة للشريعة ‪ ،‬فإذا اجتمع هذان الشرطان في‬


‫ه‬ ‫أقول ‪ :‬شرط قبول الطاعة‬

‫شخص فإنه ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬يكون من المحسنين ‪.‬فعلى المؤمن أن يتفكر في عبادته‬

‫‪ ،‬فإذا وجد فيها بعض التقصير عليه أن يستغفر ويرجع إلى هللا ‪ ،‬ألننا ‪ -‬لضعفنا‬

‫وعجزنا ‪ -‬ال يمكن لنا أن نثبت قلوبنا على الحضور في كل العبادة‪ ،‬فنرى أن عبادتنا ال‬

‫أن‬
‫تليق بربنا ج َل وعال ‪ ،‬واذا حصل هذا االستشعار يحصل عندنا الوجل والخوف من َ‬

‫عملنا هل قبل منا أم ال؟ فنتضرع إلى هللا تعالى ‪ ،‬ونهتم باإلخالص في عبادتنا‪.‬‬
‫َ‬

‫الله َم اجعلنا من المخلصين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫اللفظ الخامس بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( وال َ ِ‬


‫سع َها َو َلدَينا ك َتاب َينطق ِب ْا َ‬
‫لح ِق َو ههم ال هي ْظَل همو َن ( ‪َ ( ٦٢‬ب ْل هقهل ه‬
‫وب ههم‬ ‫نكلف َن ْف ًسا ِإالَ هو َ‬ ‫َ‬
‫املو َن ( )‪ ])٦٣‬المؤمنون ‪-٦٢:‬‬ ‫ِفي غمرة ِمن هذا ولهم أَعمال ِمن هدو ِن ذلِك هم لها ع ِ‬
‫َ ه َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه‬ ‫َ‬
‫‪]٦٣‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬وال َ ِ‬


‫سع َها و َلدَينا ك َتاب َينطق ِب ْا َ‬
‫لح ِق َو ههم ال هي ْظَل همو َن {‬ ‫نكلف َن ْف ًسا ِإالَ هو َ‬ ‫َ‬

‫حسانا ‪ ،‬فإن جميع التكاليف‬


‫أحدا من العباد ما ال يطيق ‪ ،‬تفضال منا وا ً‬
‫أي‪ :‬وال نكلف ً‬

‫الشرعية في مقدور اإلنسان وطاقته ‪ ،‬وعندنا كتاب أعمال العباد ‪ ،‬يشهد عليهم بما عملوا ‪،‬‬

‫غمرة ِمن َهذا‬ ‫ِ‬


‫وب ههم في َ‬ ‫دون زيادة وال نقصان ‪ ،‬وال ُيظلم أحد من عمله ً‬
‫شيئا ‪َ } ،‬ب ْل هقهل ه‬
‫ذلك هم لها ع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املو َن { الغمرة ‪:‬الغفلة والجهالة ‪ ،‬أي قلوب هؤالء‬ ‫َعمال من هدو ِن َ ه َ َ‬
‫لهم أ َ‬
‫َو ه‬

‫الكفار في غفلة وجهالة غامرة وساترة لهم عن فهم كالم هللا ‪ ،‬ال يفهمون آيات القرآن وال‬

‫يتدبرون مواعظه ‪ ،‬ولهم أعمال خبيثة كثيرة غير الكفر واإلشراك ‪ ،‬هم مقيمون عليها ال‬

‫(‪)١‬‬
‫ينفكون عنها ‪ ،‬كالسخرية واالستهزاء ‪ ،‬وفعل أنواع الموبقات والمعاصي‪.‬‬

‫أقول ‪:‬اآلية تهديد وتأمين من الخوف والظلم ؛ تهديد للكفار لعدم إصغائهم لكتاب هللا‬

‫صالحا بأنه ال هيظلم ‪.‬والكتاب الذي ينطق‬


‫ً‬ ‫ج َل جالله ‪ ،‬وتأمين لمن يعمل عمال‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫بالحق هو علم هللا األزلي المكتوب في اللوح المحفوظ ‪ -‬كما قال أكثر المفسرين‪-‬‬

‫ولكن هذا العلم بالنسبة إلينا مجهول ‪ ،‬وكذلك فإن الكافر إذا آمن يمحو هللا ما يشاء‬

‫يقينا هيع َذب ‪ ،‬لكن إيمان الكافر أو عدمه بالنسبة إلينا ً‬


‫أيضا‬ ‫ويثبت ‪ ،‬واذا لم يؤمن فإنه ً‬

‫مجهول ‪ ،‬فنحول أمره إلى هللا ج َل وعال ‪ ،‬وهو اآلن مكَلف بالتكاليف الشرعية ومسؤول‬

‫عنها ‪ ،‬واال فما هو معنى التكليف؟ وما هو دور الجزء االختياري؟ وما هو حكم قول هللا‬

‫فوهم ِإَن ههم َم ه‬


‫سئ هولون{ ] الصافات ‪ [ ٢٤:‬ومن نفى ذلك فإنه ينسب الظلم‬ ‫تعالى ‪َ } :‬وِق ه‬

‫إلى هللا تعالى ‪ ،‬حاشاه من ذلك‪.‬‬

‫الله َم أعَنا على القيام بما كَلفتنا به يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫اللفظ السادس بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫كرو َن ( )‪ ] (٧8‬المؤمنون ‪]٧8:‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْف ِئ َدة َقلِيال َما ه‬


‫تش ه‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫( َو هه َو اَل ِذي أَْنشأَ َل هك هم َ‬
‫الس َ‬

‫ذكر تعالى نعمه على‬


‫َ‬ ‫َبص َار َواألَ ْف ِئ َدة{‬
‫مع َواأل َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬و هه َو اَل ِذي أَْنش َأ َل هك هم َ‬
‫الس َ‬

‫عباده أن جعل لهم السمع واألبصار واألفئدة ‪ ،‬وهي العقول والفهوم التي يذكرون بها‬

‫األشياء ويعتبرون بما في الكون من اآليات الدالة على وحدانية هللا ‪ ،‬وأنه الفاعل المختار‬

‫عليكم‪.‬‬ ‫كرو َن { أي ‪:‬ما َّ‬


‫أقل شكركم هلل على ما أنعم به‬ ‫لما يشاء ‪ ،‬وقوله ‪َ }:‬قلِيال َما ه‬
‫تش ه‬
‫(‪)١‬‬

‫وفي اآلية إشارة إلى معان ثالثة ‪:‬أحدها ‪:‬إظهار إنعامه العظيم وافضاله الجسيم بهذه النعم‬

‫الجليلة من السمع واألبصار واألفئدة ‪.‬وثانيها ‪:‬مطالبة العباد بالشكر على هذه النعم ‪.‬‬

‫وثالثها ‪:‬الشكاية من العباد إذ الشاكر منهم قليل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وَقلِيل ِمن ِعَب ِاد َي‬

‫وشكر هذه النعم استعمالها في طاعة المنعم وعبوديته ‪ ،‬فشكر‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫الشكور} [سبأ ‪]١3:‬‬

‫السمع حفظه عن استماع المنهيات وأن ال يسمع إال هلل وباهلل وعن هللا ‪ ،‬وشكر البصر‬

‫حفظه عن النظر إلى المحرمات وأن ينظر بنظر العبرة هلل وباهلل وعن هللا ‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫وشكر القلب تصفيته عن رين األخالق الذميمة وقطع تعلقه عن الكونين فال يشهد غير هللا‬
‫(‪)١‬‬
‫وال يحب إال هللا ‪.‬‬

‫مقيدا بمقابلة النعم ‪ ،‬ألن العبد عليه أن يعمل‬


‫أقول ‪ :‬طلب رضا هللا ج َل جالله ليس ً‬
‫يمن‬
‫بعبوديته ‪ ،‬سواء أنعم هللا عليه بما يوافق نفسه أم ال ‪ ،‬ألنه خالقه ‪ ،‬ولكن هلل أن َ‬
‫على عباده بالنعم ألنه خالقهم ‪ ،‬وهذا أكبر النعم ‪ ،‬ومع هذا فقد أنعم عليهم بالسمع‬
‫والبصر والفؤاد ‪ ،‬فعلى العبد أن يستعمل ما أنعم هللا به عليه فيما خلق له ‪ ،‬ألن عدم‬
‫استعمال النعم فيما خلقت له كفران للنعمة ‪.‬إذا أنعم عبد على عبد آخر فلم يشكره هي َعُّد‬
‫ذلك كفرًانا للنعمة ‪ ،‬فشكر العبد للعبد مشروع مع أن أصل اإلنعام من هللا ‪ ،‬لقول النبي‬
‫(‪)٢‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪» :‬ال يشكر هللا من ال يشكر الناس «‬

‫ووجوده به وحياهته به وايماهنه به وحفظه به؟ عليه أن يستعمل ما‬


‫ه‬ ‫فكيف شكر العبد هلل ‪،‬‬
‫أنعم هللا به عليه فيما هَ خلق له ‪ ،‬وخاصة القلب ‪ ،‬ألن القلب ليس له إال جهتان ‪:‬جهة‬
‫موافقة الشيطان والنفس ‪ ،‬التي إذا أَخذ بها هيس َكر باب رحمة هللا على العبد ‪ ،‬وجهة‬
‫استعمال النعم فيما خلقت له ِمن فعل أوامر هللا واجتناب نواهيه ‪ ،‬التي إذا أخذ بها‬
‫افيا لما أنعم هللا به عليه فعلى األقل ال يستعمل‬
‫شكره و ً‬
‫يتمسك بالفضائل ‪ ،‬وان لم يكن ه‬
‫النعم فيما ال يرضى هللا تعالى به ‪.‬هذه وظيفة العبد التي يطلبها الرب منه‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من الشاكرين واحشرنا مع الشاكرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان والبخاري في األدب المفرد‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫اللفظ السابع بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تاء َ ِ‬ ‫ّللا واِ َقا ِم َ ِ‬


‫الة واِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزَكاة َيخاهفو َن َي ً‬
‫وما‬ ‫الص َ َ‬ ‫( ِر َجال ال ْتل ِهي ِهم ت َج َارة َوال َبيع َعن ذ ْك ِر َ َ‬
‫َبص هار ( ) ‪ ] (٣٧‬النور ‪[٣٧:‬‬ ‫َ ِ ِ‬
‫لوب َواأل َ‬ ‫َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه‬

‫قوله تعالى ‪ِ } :‬رجال ال تلهيهم ِتجارة وال بيع عن ِذ ْك ِر َ ِ‬


‫ّللا { ال تشغلهم الدنيا وزخرفها‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫ومالذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم ‪ ،‬الذي هو خالقهم و ارزقهم ‪ ،‬والذي يعلمون أن‬ ‫وزينتها‬

‫الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم ‪ ،‬ألن ما عندهم ينفذ وما عند هللا باق ‪ ،‬ولهذا‬

‫الزَك ِ‬ ‫ّللا واِقا ِم َ ِ‬


‫الة واِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اة{ أي‪:‬‬ ‫تاء َ‬ ‫الص َ َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬ال ْتل ِهي ِهم ت َج َارة َوال َبيع َعن ذ ْك ِر َ َ‬

‫وقوله تعالى ‪َ } :‬يخاهفو َن َي ً‬


‫وما‬ ‫يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم ‪ُ ،‬‬

‫َبص هار { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬الذي تتقلب فيه القلوب واألبصار ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫َ ِ ِ‬
‫لوب َواأل َ‬
‫َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه‬
‫(‪)١‬‬
‫من شدة الفزع وعظمة األهوال‪.‬‬

‫فإنه سبحانه بين أن هؤالء الرجال وان تعبدوا بذكر هللا والطاعات فإنهم مع ذلك موصوفون‬

‫َ ِ ِ‬
‫َبص هار { وذلك الخوف إنما‬
‫لوب َواأل َ‬ ‫بالوجل والخوف ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬يخاهفو َن َي ً‬
‫وما َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه‬
‫كان لعلمهم بأنهم ما عبدوا هللا حق عبادته ‪.‬واختلفوا في المراد ُّ‬
‫بتقلب القلوب واألبصار‬

‫على أقوال ‪ :‬فالقول األول ‪:‬أن القلوب تضطرب من الهول‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫لوب اْل َح ِ‬
‫ناجَر {‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َبص هار َوَبلغت ْاهلهق ه‬
‫والفزع وتشخص األبصار لقوله ‪َ } :‬واِ ْذ َزاغت األ َ‬
‫مطبوعا عليها ال‬
‫ً‬ ‫]األحزاب ‪ ، [ ١٠ :‬الثاني ‪:‬أنها تتغير أحوالها فتفقه القلوب بعد أن كانت‬
‫تفقه ‪ ،‬وتبصر األبصار بعد أن كانت ال تبصر ‪ ،‬فكأنهم انقلبوا من الشك إلى الظن ‪،‬‬
‫كونوا‬ ‫ومن الظن إلى اليقين ‪ ،‬ومن اليقين إلى المعاينة ‪ ،‬لقوله ‪ } :‬وبدا لهم ِمن َ ِ‬
‫ّللا ما لم َي ه‬ ‫َ ََ ه َ‬
‫غفلة ِمن َهذا فكش َفنا َعْن َك‬‫تسهبو َن { ]الزمر ‪ ، [ 4٧ :‬وقوله ‪َ } :‬لقد كْنت ِفي ْ‬ ‫يح ِ‬
‫ََ‬
‫وحذر‬
‫ًا‬ ‫طمعا في النجاة‬
‫اء َك { ] ق ‪ ، [22 :‬الثالث ‪ :‬أن القلوب تتقلب في ذلك اليوم ً‬ ‫طَ‬‫ِغ َ‬
‫َمن ناحية اليمين أم من ناحية‬ ‫من الهالك ‪ ،‬واألبصار تنقلب من أي ناحية يؤمر بهم ‪ ،‬أ ِّ‬
‫الشمال؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم ‪ ،‬أ ِّ‬
‫َمن ِّق َبل األيمان أم من قبل الشمائل؟ الرابع ‪:‬أن‬ ‫ُ‬
‫القلوب تزول عن أماكنها فتبلغ الحناجر‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬إذا أراد هللا تعالى ج َل جالله أن يهيئ قلب العبد للتوجه إلى اإليمان اليقيني والى‬
‫حق اليقين يفتح له باب النظر ‪ -‬بإيمانه ‪ -‬لما بعد الموت ‪ ،‬فكأنه اآلن يعيش في‬
‫المحشر ‪ ،‬ويلتقي بتلك األهوال ‪ ،‬من تقلب القلوب واألبصار وغيرها ‪ ،‬فينظر إلى إيمانه‬
‫هل يصدق ذلك أم ال؟ وينظر إلى من مضى من المرسلين واألنبياء والصالحين ‪ ،‬هل‬
‫ماتوا وانتقلوا من هذه الدنيا أم بقوا فيها؟ ويخطر بقلبه قوله تعالى ‪ِ } :‬إَن َك َميت َواَِن ههم‬
‫ويحاسب‬
‫َ‬ ‫َمهيتو َن { ] الزمر ‪ ، [ ٣٠:‬فيتحقق عنده بهذا اإليمان أنه سيمر بهذا الحشر‬
‫ويلتقي بهذه األهوال ‪ ،‬فإذا ثبت عنده ذلك ال يغتر بهذه الدنيا وما فيها من األموال‬
‫واألوالد ‪ ،‬بل يكتفي منها بقدر حاجة الطبيعة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫البشرية ‪ ،‬فإذا أرادت نفسه أن يشتغل بها ويترك ما ثبت عنده من االلتقاء باألهوال فإنه‬
‫ينزل إلى منزلة الصبيان الذين يلعبون بالجوز والبندق وغيرها‪.‬‬

‫لو أنك وصفت رجال بأوصاف الصبيان فقلت له ‪:‬أنت طفل ‪ ،‬فإنه ال يقبل ذلك‪ -‬مع أن‬
‫األطفال ال يؤاخذون ‪ -‬فكيف يقبل االشتغال بالدنيا مع إيمانه بذلك الهول العظيم؟‬
‫نرجو هللا تعالى أن ينبهنا من نوم الغفلة ‪ ،‬وأن هيرجعنا إلى القرآن العظيم والعمل به ‪،‬‬
‫وأن ال يجعلنا فتنة للذين كفروا وال ألنفسنا كذلك‪.‬‬

‫فمعنى قوله تعالى ‪ِ } :‬رجال ال ْتل ِهي ِهم ِتجارة وال بيع عن ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا { أن قلوبهم معمورة‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الرزاق هو هللا ‪ ،‬ال يتركون األسباب ألن تركها‬
‫منورة ‪ ،‬يعرفون أن َ‬ ‫منورة ‪ ،‬وعقولهم َ‬
‫أي َ‬
‫تعطيل ‪ ،‬لكن يأخذون بها بأمر هللا ‪ ،‬ألن األخذ باألسباب دعاء فعلي ‪ ،‬وفي أثناء البيع‬
‫أحدا ‪ ،‬وتكون معاملتهم كلها موافقة لظاهر الشريعة‬
‫يغشون ً‬
‫يرون رَبهم في قلوبهم ‪ ،‬فال ُّ‬
‫‪ ،‬وقلوبهم متطهرة من األخالق الذميمة وحب الدنيا‪ ،‬وقد أزالوا األغيار منها ‪ ،‬فإذا جاء‬
‫؛ فإذا قالوا ‪ِ } :‬بسمِ‬ ‫(‪)١‬‬
‫وقت الصالة يدخلون فيها‪ ،‬فيقيمونها‪ ،‬أي يقيمون روح الصالة‬
‫الر ِحي ِم { أرادوا بذلك التبرك ‪ ،‬وفهموا أن معناها أن األمور كلها بيد هللا ج َل‬
‫حم ِن َ‬ ‫َِ‬
‫الر َ‬
‫ّللا َ‬
‫وعال ‪ ،‬كما ذكر ذلك اإلمام الغزالي في اإلحياء في الباب الثالث (في الشروط الباطنة‬
‫من أعمال القلب(‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جل وعال‪.‬‬
‫‪ -١‬من الخشوع والتذلل والحضور مع هللا َّ‬

‫‪271‬‬
‫عبهد { ]الفاتحة ‪ [ ٤:‬أي‬ ‫ويتفكرون بذلك ويوجهون قلوبهم إلى هللا ‪ ،‬فإذا قالوا ‪ِ } :‬إَي َ‬
‫اك َن ه‬

‫ين{ يعني يارب نطلب االستعانة منك على أن تهدينا‬ ‫ِ‬


‫نستع ه‬
‫اك َ‬
‫نخصك بالعبادة ‪َ } ،‬وِاَي َ‬

‫الصراط المستقيم‪.‬‬

‫وكذلك فإنهم يؤتون الزكاة ‪ ،‬فيدفعونها بأمر هللا من مال الذي أعطاهم ‪ ،‬مع هذا يخافون‬

‫يو ًما تتقلب فيه القلوب واألبصار ‪.‬إيمان هؤالء التجار كأنهم ذهبوا قبل أن يذهبوا ‪،‬‬

‫وكأنهم واقفون في ذلك اليوم ؛ ومادامت نيتهم هلل وقلوبهم متعلقة باهلل فإن هللا يجزيهم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس‬ ‫ين َي ِرثو َن اْل ِف َ‬
‫رد َ‬ ‫أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله } أ َهولئ َك هه هم اْل َو ِارثو َن (‪ )١٠‬اَلذ َ‬

‫يها خالِ هدو َن { ]المؤمنون ‪[ ١١-١٠ :‬‬ ‫ِ‬


‫ههم ف َ‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم احشرنا معهم واجعلنا من المحبين لهم يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫اللفظ الثامن بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫} َلقد أنزلنا آيات مبينات و َ ِ‬


‫آمَنا‬
‫قولو َن َ‬ ‫ّللا َيهدي من يشاء إلى صَراط مستقيم ( ‪َ ) ٤٦‬و ِي ه‬ ‫َ ه‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫عد ذلِ َك وما أولئك بالمؤمنين ) ‪)٤٧‬‬ ‫تولى فريق منهم من ب ِ‬ ‫َطعنا ثم ي‬ ‫ِب َ ِ‬
‫اّلل َو ِب َ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫الر هسول َوأ َ‬
‫عر هضو َن ( ‪ ) ٤8‬وان يكن َل هه هم‬ ‫ّللا ورسولِ ِه ليحكم بينهم ِإذا فريق منهم ُّم ِ‬ ‫واِذا دعوا ِإلى َ ِ‬
‫َ ه هْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق يأتوا إليه مذعنين ( ‪ )٤٩‬أَفي هقلوبِ ِهم َمَرض أَمِ َار ه‬
‫تابوا أَم َيخاهفو َن أَن َيحيف َ ه‬
‫ّللا‬
‫ظالِ همو َن (‪[ } )٥٠‬النور‪]٥٠-٤٦:‬‬ ‫َعلي ِهم ورسوهل هه بل أهو ِلئ َك ههم ال َ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ََ ه‬

‫قوله تعالى ‪ } :‬أ َِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { يعني ‪:‬ال يخرُج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض‬
‫ض لها شك في الدين ‪ ،‬أو يخافون أن يجور هللا ورسوله عليهم في‬ ‫الزم لها ‪ ،‬أو قد َع َر َ‬
‫الحكم ؛ و ًأيا ما كان فهو كفر محض ‪ ،‬وهللا عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من هذه‬
‫(‪)١‬‬
‫الصفات‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬قوله تعالى ‪ } :‬أ َِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { في هذه اآلية مخصوص بالذين ذهبوا ليحكم‬
‫فح َك َم هللا تعالى بكفرهم بقوله ‪:‬‬
‫الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم بينهم فأعرضوا ‪َ ،‬‬
‫}أهو ِلئ َك ههم ال َ‬
‫ظالِ همو َن { ؛ أما أهل اإليمان فإذا هوجد في قلوبهم مرض ال هيحكم بكفرهم ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولكن تطلب منهم التوبة واإلنابة واالستغفار ‪ ،‬حتى يطهروا قلوبهم عن ذلك المرض‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫اللفظ التاسع بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ناه‬ ‫اح َدة كذلِ َك لَِنثبت ِبه َ‬
‫فؤ َاد َك َوَرَتَل ه‬
‫ان جمل ًة و ِ‬
‫نزل َعليه ْاهلقرَء ه ه َ َ‬
‫فروا لوال َ‬ ‫قال اَلذ َ‬
‫ين َك ه‬ ‫( َو َ‬
‫َترِتيال( (‪ [ )٣٢‬الفرقان‪]٣٢:‬‬

‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ } :‬كذلِ َك لَِنثبت ِبه َ‬
‫فؤ َاد َك { إشارة إلى ما ُيفهم من كالمهم ‪ ،‬أي ‪:‬مثل ذلك‬

‫مغاير له ‪ ،‬لنقوي بذلك التنزيل المفرق‬


‫ًا‬ ‫التنزيل المفرق الذي قدحوا فيه نزلناه ‪ ،‬ال تنزيال‬

‫تيسير لحفظ النظم وفهم المعنى وضبط األحكام والعمل بها ‪،‬‬
‫ًا‬ ‫فؤادك ‪ ،‬أي ‪:‬قلبك ‪ ،‬فإن فيه‬

‫أال ترى أن التوراة أُنزلت دفعة َّ‬


‫فشق العمل على بني إسرائيل؟ وألنه كلما نزل عليه وحي‬

‫نجما‬
‫ال القرآن ُم ً‬
‫جديد في كل أمر وحادثة ازداد هو قوة قلب وبصيرة ؛ وبالجملة ‪ :‬إنز ُ‬

‫فضيلة خص بها نبينا عليه السالم من بين سائر النبيين ‪ ،‬فإن المقصود من إنزاله أن‬

‫َّ‬
‫يتخلق قلبه المنير بأخالق القرآن ‪ ،‬ويتقوى بنوره ويتغذى بحقائقه وعلومه ‪ ،‬وهذه الفوائد‬

‫إنما تكمل بإنزاله مفرًقا ‪ ،‬أال ُيرى أن الماء لو نزل من السماء جملة واحدة لما كانت تربية‬

‫فقوله تعالى ‪} :‬كذلِ َك لَِنثبت ِب ِه‬ ‫الزروع به مثلها إذا نزل مفرًقا إلى أن يستوي الزرع؟‬
‫(‪)١‬‬

‫فؤ َاد َك { أي‪ :‬كذلك أنزلناه مفرًقا َفتَقوى بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ‪ ،‬ألن حاله‬
‫َ‬

‫أميا وكانوا يكتبون ‪،‬‬


‫يخالف حال موسى وداود وعيسى ‪ ،‬حيث كان عليه الصالة والسالم ً‬

‫فلو ألقي عليه جملة لعيل ‪ -‬أي ‪:‬عجز – بحفظه ‪ ،‬ولعله لم يستتب له ‪ ،‬فإن التلقف ال‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫فشيئا ‪ ،‬وألن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى ‪،‬‬
‫شيئا ً‬
‫يتأتى إال ً‬

‫منجما وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ‪ ،‬وألنه‬
‫ً‬ ‫وألنه إذا نزل‬

‫إذا نزل به جبريل حاال بعد حال يثبت به فؤاده‪ ،‬ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ‪ ،‬ومنها‬

‫انضمام القرائن الحالية إلى الدالالت اللفظية ‪ ،‬فإنه يعين على البالغة‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أيضا أنه لو نزل به الوحي دفعة واحدة‪ -‬كالتوراة‬


‫َما ً‬
‫أقول ‪:‬ومن فوائد تنزيل القرآن منج ً‬

‫واإلنجيل ‪ -‬هيقطع أمل الموحى إليه عن مجيء جبرائيل في المستقبل ‪ ،‬أما إذا نزل‬

‫متفرًقا فإنه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬كلما جاء الوحي يفرح بمجيئه ويأخذ عنه ويحكم‬

‫به وينتظر مع االشتياق المجيء التالي ‪.‬هذه هي الطبيعة البشرية بالنسبة إلى من‬

‫احدا من أحبابه يأتي من الغربة ‪ ،‬فإنه ينتظر لقاءه باشتياق‪ ،‬فإذا جاء هيقطع‬
‫ينتظر و ً‬

‫هذا االشتياق ؛ هذه حكمة إلهية ‪ ،‬وهو العالِم بمراده ج َل وعال‪ ،‬فعلينا التسليم والقبول‬

‫على الرأس والعين بالقلب والروح‪.‬‬

‫الله َم ارزقنا التسليم ال َتام لك َ‬


‫يارب العالمين‪.‬‬

‫وصلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‬

‫‪275‬‬
‫اللفظ العاشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫عو َن أَال َي َتقو َن ( ‪) ١١‬‬ ‫ِ‬ ‫نادى رُّبك موسى أَ ِن ْائت ْاَلقوم ال َ ِ ِ‬
‫قوم فر َ‬
‫ين ( ‪َ ) ١٠‬‬
‫ظالم َ‬ ‫َ‬ ‫( َواِذ َ َ َ ه َ‬
‫قال رب ِإني أَ َخاف أَن ي َك ِذبو ِن ( ‪ ) ١٢‬وي ِضيق صدرِي و ال يْنطلِق لِس ِاني فأ ِ‬
‫َرس ْل ِإلى‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ه ه‬ ‫ََ‬
‫َه هارو َن (‪ [ ))١٣‬الشعراء‪]١٣-١٠:‬‬

‫اعلم أن التكذيب سبب لضيق القلب ‪ ،‬وضيق القلب سبب لتعسر الكالم على َمن يكون في‬

‫لسانه حبسة ‪ ،‬ألنه عند ضيق القلب ينقبض الروح والح اررة الغريزية إلى باطن القلب ‪ ،‬واذا‬

‫انقبضا إلى الداخل ازدادت الحبسة في اللسان ‪ ،‬فلهذا بدأ عليه السالم بخوف التكذيب ثم‬

‫َّثنى بضيق الصدر ثم َّثلث بعدم انطالق اللسان ‪ ،‬وسأل تشريك أخيه هارون ‪ ،‬فإنه لو لم‬

‫وسبب عقدة لسانه عليه‬


‫يشرك به في األمر الختلفت المصلحة المطلوبة من بعثة موسى ‪ُ .‬‬
‫(‪)١‬‬
‫السالم احتراقه من الجمرة عند امتحان فرعون‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬إذا حصل لإلنسان بعض المعاني فإنها تأتي إلى القلب ‪ ،‬فإذا جاءت إلى القلب‬

‫ولم يمكن له أن يعبر عنها بعبارة شافية أو بلسان فصيح يحصل معه حبسة في اللسان‬

‫بانقباض الروح إلى باطن القلب‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫شيئا وحاول النطق به فلم يقدر ولم يفهم أبواه ما‬
‫وهذا األمر نالحظه عند الطفل إذا فهم ً‬
‫يريد ‪ ،‬فإنه في النهاية يبكي لعدم استطاعته التعبير عما يريد‪.‬‬

‫قال أخونا الدكتور بشير حفظه هللا تعالى ‪:‬وهذا األمر همالحظ كذلك عند المرضى‬
‫المصابين بمرض دماغي يمنعهم عن الكالم مع االحتفاظ بالقدرة على الفهم ‪ ،‬فإننا نراهم‬
‫هيع َذبون بمحاولة التعبير وال يستطيعون فيبقى المعنى ً‬
‫دفينا في قلوبهم‪.‬‬

‫كرر فلم يمكن له‬ ‫شخصا عند االحتضار يريد أن يتكَلم فلم يقدر ‪َ ،‬‬
‫كرر َ‬ ‫ً‬ ‫وكذلك إني رأيت‬
‫التبيين ‪ ،‬حينذاك قطع أمله وسكت‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم احفظنا والمسلمين من ِ‬


‫كل مكروه يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫اللفظ الحادي عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا ِبقْلب َسلِيم ) ‪ ] ( 8٩‬الشعراء ‪:‬‬ ‫ِ‬


‫وم ال َين َف هع َمال َوال َبنو َن ) ‪ ( 88‬إالَ َمن أَتى َ َ‬
‫)َي َ‬
‫‪]8٩-88‬‬

‫وم ال َين َف هع َمال { أي ‪:‬ال يقي المرَء من عذاب هللا ماُله ولو افتدى بملء‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬ي َ‬

‫جميعا ‪ ،‬وال ينفع يومئذ إال‬


‫ً‬ ‫ذهبا ‪َ } ،‬وال َبنو َن { أي ‪:‬ولو افتدى بمن على األرض‬
‫األرض ً‬

‫ِ‬
‫اإليمان باهلل واخالص الدين له والتبري من الشرك وأهله ؛ ولهذا قال ‪} :‬إالَ َمن أَتى َ َ‬
‫ّللا‬

‫ِبقْلب َسلِيم { أي ‪:‬سالم من الدنس والشرك ‪.‬قال ابن سيرين‪ :‬القلب السليم أن يعلم أن هللا‬

‫حق وأن الساعة آتية ال ريب فيها وأن هللا يبعث من في القبور ‪.‬وقال ابن عباس رضي هللا‬

‫ّللا ِبقْلب َسلِيم { َحِّيي أن يشهد أن ال إله إال هللا ‪.‬وقال مجاهد‬ ‫ِ‬
‫عنهما ‪ } :‬إالَ َمن أَتى َ َ‬
‫َ‬
‫والحسن وغيرهما ‪ِ } :‬بقْلب َسلِيم { يعني من الشرك ‪.‬وقال سعيد بن المسيب ‪:‬القلب السليم‬

‫هو القلب الصحيح ‪ ،‬وهو قلب المؤمن ‪ ،‬ألن قلب الكافر والمنافق مريض‪ ،‬قال هللا تعالى ‪:‬‬

‫} ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { ] البقرة ‪ . [ ١٠ :‬قال أبو عثمان النيسابوري ‪:‬هو القلب الخالي‬

‫(‪)١‬‬
‫من البدعة ‪ ،‬المطمئن على السنة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫ِ‬
‫ّللا ِبقْلب َسليم { أن يكون ً‬
‫خاليا عن العقائد الفاسدة‬ ‫ِ‬
‫قال اإلمام الرازي ‪ } :‬إالَ َمن أَتى َ َ‬
‫والميل إلى شهوات الدنيا َّ‬
‫ولذاتها‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫وم ال َين َف هع َمال َوال َبنو َن { للوصول إلى الحضرة لقبول الفيض اإللهي‬
‫وفي البحر ‪َ } :‬ي َ‬

‫ّللا { عند المراقبة } ِبقْلب َسلِيم { وهو فطرة هللا التي فطر الناس عليها ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫} إالَ َمن أَتى َ َ‬

‫فإنه َُ خلق مرآة قابلة لتجلِّي صفات جمال هللا وجالله ‪ ،‬كما كان آلدم عليه السالم أول‬

‫فتجلى فيه قبل أن يصدأ ُّ‬


‫بتعلقات الكونين ‪ ،‬أشار بقوله ‪ِ } :‬إالَ َمن { إلى التخلق‬ ‫فطرته ‪َّ ،‬‬

‫متصفا بطهارة‬
‫ً‬ ‫سليما بال عيب إال إذا كان‬
‫بخلق هللا واالتصاف بصفته ‪ ،‬إذ لم يكن القلب ً‬

‫قدس الحق عن النظر إلى الخلق ‪.‬قال ابن عطاء‪ :‬السليم الذي ال يشوشه شيء من آفات‬

‫ِّ‬
‫وترك‬ ‫قال ‪:‬بالوقوف على حد اليقين‬ ‫بم تنال سالمة الصدر؟‬ ‫الكون ‪ُ .‬‬
‫وسئل بعضهم ‪َ :‬‬

‫اإلرادة في التلوين والتمكين‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫صافيا مهَيأً‬ ‫أقول ‪:‬إذا كان القلب سالما من العجب و ِ‬


‫الكبر والرياء وحب الدنيا ‪ ،‬وكان‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ً‬

‫لنزول النور اإللهي فيه بواسطة إتباع الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬حينذاك‬

‫يرضى هللا تعالى عنه إلتباعه لرسول هللا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ويتجلى فيه عندما‬

‫خاليا عن هذه األخالق الذميمة‪.‬‬


‫يطلع عليه فيراه ً‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫قال هللا ج َل وعال ‪ } :‬و ههو يتوَلى َ ِ‬
‫الصال ِح َ‬
‫ين{ ]األعراف ‪ ، [ ١٩٦ :‬فإن كنت من‬ ‫َ َ ََ‬

‫وباطنا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ظاهر‬
‫ًا‬ ‫الصالحين يتوالك هللا ويدبر أمورك ‪ ،‬بشرط أن تتعلق به وبرسوله‬

‫فتتخلق بأخالق الرسول صلى هللا عليه وسلم وأخالق القرآن الكريم‪.‬‬

‫مؤمنا‬
‫ً‬ ‫منافقا ‪ -‬نعوذ باهلل من الكفر والنفاق – أو‬
‫ً‬ ‫صاحب القلب إما أن يكون ً ا‬
‫كافر أو‬

‫سالما ويكون‬
‫ً‬ ‫سالما يكون عمله‬
‫ً‬ ‫مؤمنا صاد ًقا صافي القلب ‪ ،‬فمن كان قلبه‬
‫ً‬ ‫فاسقا أو‬
‫ً‬

‫من أهل السعادة في اآلخرة بفضل هللا وكرمه‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى أن نكون منهم ‪ ،‬وأن تكون قلوبنا مثل قلوبهم ‪ ،‬وأن يقبل أعمالنا‬

‫كما قبل أعمالهم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫اللفظ الثاني عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َمين ( ‪ ) ١٩٣‬على قْل ِبك لِ َتكو َن ِمن ْا ِ‬


‫لمنذ ِر َ‬
‫ين ( ‪[ (١٩٤‬الشعراء ‪-١٩٣:‬‬ ‫َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وح األ ه‬ ‫(َن َز َل ِب ِه ُّ‬
‫الر ه‬
‫‪]١٩٤‬‬

‫نزل به جبريل كما هو على قلب محمد عليه الصالة والسالم ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬على قْل ِب َك {‬

‫ته بقلبك ‪ ،‬فخص القلب بالذكر ألنه محل الوعي‬


‫أي ‪ :‬تاله عليك يا محمد حتى َو َعي ُ‬

‫والتثبيت ‪ ،‬ومعدن الوحي واإللهام ‪ ،‬وليس شيء في وجود اإلنسان يليق بالخطاب والفيض‬

‫غيره ‪ ،‬وهو عليه الصالة السالم مختص بهذه الرتبة العلية والكرامة السنية من بين سائر‬

‫احدة على صورتهم ال على‬


‫األنبياء ‪ ،‬فإن كتبهم منزلة في األلواح والصحائف جملة و ً‬

‫قلوبهم ‪ ،‬كما في التأويالت النجمية ‪.‬‬


‫(‪)١‬‬

‫وفي قوله تعالى ‪َ } :‬على قْل ِب َك { قوالن‪ :‬األول ‪:‬أنه إنما قال ‪َ }:‬على قْل ِب َك { وان كان‬

‫إنما أنزله عليه ليؤكد به أن ذلك المنزل محفوظ للرسول متمكن في قلبه ال يجوز عليه‬

‫التغيير ‪ ،‬فيوثق باإلنذار الواقع منه الذي بين هللا تعالى أنه هو المقصود ‪ ،‬ولذلك قال ‪}:‬‬

‫لِ َتكو َن ِمن ْا ِ‬


‫لمنذ ِر َ‬
‫ين {‬ ‫َ ه‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫الثاني ‪:‬أن القلب هو المخاطب في الحقيقة ألنه موضع التمييز واالختبار ‪ ،‬وأما سائر‬

‫األعضاء فمسخرة له ‪ ،‬والدليل عليه القرآن والحديث والمعقول ؛ أما القرآن فآيات ‪ ،‬إحداها‬

‫نز َل ِب ِه‬
‫له َعلى َقْل ِب َك { ‪ ،‬وقال ههنا ‪َ } :‬‬ ‫‪:‬قوله تعالى في سورة البقرة (‪َ } : )٩٧‬فِإَن هه َ‬
‫نز ه‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َعلى قْل ِب َك { ‪ ،‬وقال ‪ِ }:‬إ َن في ذل َك لذ َ‬
‫كرى ل َمن َك َ‬
‫ان َل هه َقْلب{ ] ق ‪.[ 3٧:‬‬ ‫وح األَم ه‬
‫الر ه‬
‫ُّ‬

‫وثانيها ‪:‬أنه ذكر أن استحقاق الجزاء ليس إال على ما في القلب من المساعي‪ ،‬فقال ‪}:‬ال‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخذكم َ ِ َ ِ ِ‬


‫ِ‬
‫أيمانكم َو لكن هي َؤاخذكم ِب َما َك َسَبت هق ه‬
‫لوبكم { ]البقرة ‪، [ 225:‬‬ ‫ّللا باللغو في َ‬
‫هي َؤ ه ه‬

‫قوى ِمنكم { ]الحج ‪، [3٧ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫له ال َت َ‬
‫وم َها َوال د َم هاؤ َها َو لكن َيناه ه‬
‫لح ه‬
‫ّللا ه‬
‫نال َ َ‬
‫وقال‪ } :‬لن َي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قوى{ ] الحجرات ‪:‬‬
‫لوب ههم لل َت َ‬
‫ّللا هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬ ‫والتقوى في القلب‪ ،‬ألنه تعالى قال ‪}:‬أه َولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬

‫صل َما ِفي ُّ‬


‫الص هدور { ]العاديات ‪ [ ١٠ :‬وثالثها ‪:‬قوله تعالى‬ ‫‪ ، [ 3‬وقال تعالى ‪َ } :‬و هح َ‬

‫الس ِعير { ]الملك ‪١٠:‬‬


‫اب َ‬‫َصح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سم هع أَو َنعق هل َما كَنا في أ َ‬
‫حكاية عن أهل النار‪ } :‬لو كَنا َن َ‬

‫فؤ َاد‬
‫مع َواْلَب َصَر َواْل َ‬ ‫[‪ ،‬ومعلوم أن العقل في القلب‪ ،‬والسمع منفذ إليه ‪ ،‬وقال ‪ِ } :‬إ َن َ‬
‫الس َ‬

‫سئوال { ]اإلسراء ‪ ، [3٦ :‬ومعلوم أن السمع والبصر ال يستفاد‬


‫كان َعْن هه َم ه‬ ‫ُّ ِ‬
‫كل أ َهولئ َك َ‬

‫سؤاال عن القلب ‪،‬‬ ‫منهما إال ما يؤديانه إلى القلب ‪ ،‬فكان السؤال عنهما في الحقيقة‬

‫ِّ‬
‫تخف‬ ‫ور { ]غافر ‪،[ ١٩ :‬ولم‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ‬
‫الص هد ه‬
‫تخفي ُّ‬ ‫ه ََ‬ ‫َ ه‬

‫األعين إال بما تضمر القلوب عند التحديق بها ‪ .‬ورابعها ‪:‬قوله تعالى} { ‪َ :‬و َج َع َل َل هك هم‬

‫كرو َن { ]السجدة ‪َ ، [ ٩:‬‬


‫فخص هذه الثالثة بإلزام‬ ‫َبص َار َواألَ ْف ِئ َدة َقلِيال َما ه‬
‫تش ه‬ ‫مع َواأل َ‬
‫الس َ‬
‫َ‬

‫الحجة منها واستدعاء الشكر عليها ‪ ،‬وقد قلنا ‪:‬ال طائل في السمع واألبصار إال بما‬

‫يؤديان إلى القلب ‪ ،‬ليكون القلب هو القاضي فيه والمتحكم عليه ‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬

‫‪282‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فما أَ َغنى َع ه‬
‫نهم‬ ‫َبص ًارا َوأَ ْفئ َد ًة َ‬
‫معا َوأ َ‬ ‫يما ِإن َم َكَناكم فيه َو َج َعَلنا ه‬
‫لهم َس ً‬ ‫} َوَلقد َم َكَن ه‬
‫اهم ف َ‬

‫تهم ِمن شيء { ]األحقاف ‪ ، [ 2٦ :‬فجعل هذه الثالثة‬ ‫ِ‬


‫َبص هارههم َوال أَ ْفئ َد ه‬
‫مع ههم َوال أ َ‬
‫َس ه‬

‫تمام ما ألزمهم من حجته‪ ،‬والمقصود من ذلك هو الفؤاد القاضي فيما يؤدي إليه السمع‬

‫والبصر‪.‬‬

‫َبص ِارِهم { ]البقرة ‪:‬‬ ‫ِ‬


‫ّللا َعلى هقلوبِ ِهم َو َعلى َسمع ِهم َو َعلى أ َ‬
‫تم َ ه‬
‫وخامسها ‪ :‬قوله تعالى‪َ } :‬خ َ‬

‫قهو َن ِب َها َو ه‬
‫لهم‬ ‫لهم هقهلوب ال َي ْف ه‬
‫الزما على هذه الثالثة ‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬ه‬
‫‪ [٧‬فجعل العذاب ً‬

‫سم هعو َن ِب َها { ]األعراف ‪َ ، [١٧٩:‬وج ُه الداللة أنه‬ ‫ِ‬


‫َعين ال هيبصهرو َن ِب َها َو ه‬
‫لهم َءا َذان ال َي َ‬ ‫أ ه‬

‫أسا ‪ ،‬فلو ثبت العلم في غير القلب كثباته في القلب لم يتم‬


‫قص َد إلى نفي العلم عنهم ر ً‬
‫َ‬

‫ومشاكلها ناطقة بأجمعها أن القلب هو المقصود بإلزام الحجة ‪ ،‬وقد‬


‫الغرض ‪ ،‬فهذه اآليات ُ‬

‫بينا أن ما قرن بذكره من ذكر السمع والبصر فذلك ألنهما آلتان للقلب في تأدية صور‬

‫المحسوسات والمسموعات‪ .‬وأما الحديث فما روى النعمان بن بشير رضي هللا عنه قال‬

‫سمعته عليه الصالة والسالم يقول ‪ »:‬أال وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‬

‫كله‪ ،‬واذا فسدت فسد الجسد ُّ‬


‫كله أال وهي القلب«‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫وأما المعقول فوجوه ‪:‬أحدها ‪:‬أن القلب إذا غشي عليه فلو قطع سائر األعضاء لم يحصل‬

‫الشعور به ‪ ،‬واذا أفاق القلب فإنه يشعر بجميع ما ينزل باألعضاء من اآلفات‪ ،‬فدل ذلك‬

‫على أن سائر األعضاء تبع للقلب ‪ ،‬ولذلك فإن القلب إذا فرح أو حزن فإنه يتغير حال‬

‫األعضاء عند ذلك ‪ ،‬وكذا القول في سائر األعراض النفسانية ‪.‬وثانيها ‪:‬أن القلب منبع‬

‫ِّ‬
‫المشاق الباعثة على األفعال الصادرة من سائر األعضاء ‪ ،‬واذا كانت‬

‫‪283‬‬
‫المشاق مبادئ لألفعال ومنبعها هو القلب كان اآلمر المطلق هو القلب ‪.‬وثالثها ‪:‬أن معدن‬
‫ُّ‬
‫العقل هو القلب ‪ ،‬واذا كان كذلك كان اآلمر المطلق هو القلب‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪ :‬ما قاله المفسر رحمه هللا تعالى ‪ -‬مستدال باآلية الكريمة – قطعي ‪ ،‬فقد ثبت‬
‫ارح خدمه ؛ فعلينا‬
‫عند أهل الدين أن االعتبار بالقلب ‪ ،‬ألنه الرئيس في الجسد ‪ ،‬والجو ه‬
‫أن نرجع إلى الرئيس حتى نستفيد بواسطته من الجوارح ‪ ،‬وهذا ال يحصل إال بعد تطهير‬
‫ِ ِ‬
‫القلب ‪ ،‬وهذا التطهير ال يحصل إال بإرادة هللا ج َل وعال ‪ ،‬كما قال تعالى‪ } :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين‬
‫اآلخَرِة َع َذاب َع ِظيم {‬
‫الدَنيا ِخزي وَلهم ِفي ِ‬
‫ََ ه‬
‫ّللا أَن يطهر َ هقلوبهم َ ِ‬
‫لهم في ُّ ْ َ‬‫ََلم هي ِرِد َ ه ه َ ه َ ه َ ه‬
‫البد من المجاهدة‪ ،‬لقوله تعالى ‪ } :‬واَل ِذين جاهدوا ِفينا َل ِ‬
‫نهدَيَن ههم‬ ‫]المائدة ‪ ، [ ٤١:‬ولكن َ‬
‫َ َ َ َه َ‬
‫ين { ] العنكبوت ‪.[ ٦٩:‬‬ ‫ّللا لمع ْالم ِ ِ‬
‫حسن َ‬ ‫هسهبَلنا َواِ َن َ َ َ َ ه‬

‫علينا أن ِ‬
‫نطهر قلوبنا من األخالق الذميمة والمعاصي ‪ ،‬ونزينها باإلخالص وقراءة القرآن‬
‫ِ‬
‫ليها َما‬
‫كسَب ْت َو َع َ‬
‫لها َما َ‬ ‫نفسا ِإال هو َ‬
‫سع َها َ‬ ‫ّللا ً‬
‫واألمور الخيرية بقدر اإلمكان ‪ } :‬ال هي َكلف َ ه‬
‫تسَب ْت{ ]البقرة ‪.[ ٢8٦ :‬‬
‫ا ْك َ‬

‫علينا أن نتف َكر بهذا التطهير حتى ال تحصل الندامة بعد الموت‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم طهر قلوبنا من كل وصف يبعدنا عن مشاهدتك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‬

‫‪284‬‬
‫اللفظ الثالث عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عض األ ِ‬


‫َه َعلي ِهم َما كاهنوا ِبه هم ْؤ ِمن َ‬
‫ين ( ‪( ١٩8‬‬ ‫قر ه‬
‫ين ( ‪َ )١٩٧‬ف َأ‬
‫َعجم َ‬
‫َ‬ ‫ناه َعلى َب ِ‬ ‫( َولو َ‬
‫نزَل ه‬
‫اب األَلِيم (‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ( ‪ ) ١٩٩‬ال هي ْؤ ِمنو َن ِبه َح َتى َيَرهوْا اْل َع َذ َ‬
‫جرِم َ‬
‫لم ِ‬ ‫ِ‬
‫كناه في هقلوب ْا ه‬
‫كذل َك َسَل ه‬
‫‪ [ )٢٠٠‬الشعراء‪]٢٠٠-١٩٧:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫جرِم َ‬
‫ين { أي ‪ :‬مثل هذا السلك سلكناه في‬ ‫لم ِ‬
‫كناه في هقلوب ْا ه‬
‫قوله تعالى ‪ } :‬كذل َك َسَل ه‬

‫قلوبهم ‪ ،‬وهكذا َّ‬


‫مكناه وقررناه فيها ‪.‬وكيفما فعل بهم فال سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه‬

‫أيضا مما يفيد تسلية الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ألنه إذا‬
‫من الجحود واإلنكار ‪.‬وهذا ً‬

‫عرف رسول هللا إصرارهم على الكفر ‪ ،‬وأنه قد جرى القضاء األزلي بذلك حصل اليأس ‪،‬‬

‫(‪)١‬‬ ‫وفي الم ِّ‬


‫ثل ‪:‬اليأس إحدى الراحتين‪.‬‬ ‫َ‬

‫أقول ‪:‬هذا بين هللا تعالى وبين حبيبه صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فقد أخبره بما جرى به القلم‬

‫في األزل من أنهم ال يؤمنون ‪ ،‬وأما بالنسبة إلى غيره عليه الصالة والسالم فإنهم ال‬

‫فاسقا حتى يقولوا‪ :‬مادام هللا كتب علينا‬


‫ً‬ ‫منافقا أو‬
‫ً‬ ‫يعلمون من كتب في األزل ً ا‬
‫كافر أو‬

‫الشقاوة فإننا ال نؤمن أو ال نعبد ‪ ،‬ألن هذا بالنسبة إلى اإلنسان مجهول‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫صالحا من ذكر أو أنثى فإن‬ ‫آن قد بَين أن من عمل‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ما دام عْل هم هللا األ زلي مجهوال والقر ه‬

‫حول كفره‬ ‫ِ‬


‫المنكر إذا َ‬ ‫هللا سيحييه حياة طيبة في الدنيا ‪ ،‬وسيجزيه أجره في اآلخرة ‪ ،‬فإن‬

‫أو فسقه على القضاء األ زلي ولم يعمل بالشريعة والسَنة يخسر عمره ‪ ،‬وذلك بسبب كفره‬

‫مؤمنا لكن ال يعمل‬


‫ً‬ ‫منافقا أو بسبب فسقه إذا كان‬
‫ً‬ ‫كافر أو بسبب نفاقه إذا كان‬
‫إذا كان ًا‬

‫قطعا هيسألون؟ } كذلِ َك أَت ْت َك َء َاياه َتنا‬


‫بالشريعة ويبقى على فسقه ‪ ،‬فهؤالء يوم القيامة ً‬

‫نسى { ] طه ‪.[ ١٢٦:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وم ْت َ‬
‫تها َو كذل َك اْلَي َ‬
‫َفنسَي َ‬

‫الله َم اجعلنا من المؤمنين المتمسكين بكتابك وبسَنة نبيك يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫اللفظ الرابع عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ورههم َو َما هيعلِنو َن ( )‪ ] ( ٧٤‬النمل ‪]٧٤:‬‬ ‫ِ‬


‫( َواِ َن َرَب َك َليعَل هم َما هتك ُّن هص هد ه‬

‫ورههم { أي ‪:‬ما تخفيه من األسرار التي من‬ ‫ِ‬


‫لم َما تك ُّن هص هد ه‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬وِا َن َرَب َك َلي َع ه‬
‫جملتها عداوتك ‪ }،‬وما ي ِ‬
‫علنو َن { أي ‪ :‬وما يظهرونه من األقوال واألفعال التي من جملتها‬ ‫ََ ه‬

‫ما حكى عنهم ؛ فليس تأخير عقوبتهم لخفاء حالهم عليه سبحانه ‪ ،‬أو فيجازيهم على ذلك ‪.‬‬

‫الحب والبغض والتصديق والتكذيب والعزم المصمم على طاعة‬


‫وفعل القلب ‪ -‬إذا كان مثل ُ‬
‫ُ‬

‫أو معصية ‪ -‬فهو مما يجازى عليه ‪.‬وفي اآلية إيذان بأن لهم قبائح غير ما حكى عنهم ‪.‬‬

‫جل وعال ‪ ،‬أو ألن‬


‫وتقديم االكتنان ليظهر المراد من استواء الخفي والظاهر في علمه َّ‬

‫مضمرات الصدور سبب لما يظهر على الجوارح ‪ ،‬والى الرمز إلى فساد صدورهم التي هي‬

‫عليه النظم الكريم على أن يقال ‪:‬وان ربك ليعلم ما يكنون‬ ‫(‬ ‫المبدأ لسائر أفعالهم أ ِّ‬
‫ُوث َر ما‬

‫وما يعلنون(‪ )١‬وههنا بحث عقلي ‪ ،‬وهو أنه قدم ما َ ِّ‬


‫تكُّنه صدورهم على ما يعلنون من العلم‬ ‫ُ‬

‫‪ ،‬والسبب أن ما تكنه صدورهم هو الدواعي واُلقصود ‪ ،‬وهي أسباب لما يعلنون ‪ ،‬وهي‬

‫أفعال الجوارح ‪ ،‬والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول ‪ ،‬فهذا هو السبب في ذلك التقديم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير األلوسي‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫قرئ} ِ‬
‫تك ُّن{ يقال ‪ :‬كننت الشيء و أكننته إذا سترته وأخفيته ‪ ،‬يعني أنه تعالى يعلم ما‬

‫(‪)١‬‬
‫ومكايدهم‪.‬‬ ‫يخفون وما يعلنون من عداوة الرسول‬

‫قال في بحر الحقائق ‪:‬هذا يدل على أنه ما غاب عن علمه شيء من المغيبات الموجود‬

‫منها والمعدوم ‪ ،‬واستوى في علمه وجودها وعدمها على ما هي به بعد إيجادها ‪ ،‬فال تغير‬

‫في علمه تعالى عند تغيرها باإليجاد‪ ،‬فيتغير المعلوم وال يتغير العلم بجميع حاالته على ما‬

‫هو به ‪.‬انتهى‪ .‬فعلى اإلنسان ترك النسيان والعصيان ‪ ،‬فإن هللا تعالى مطلع عليه وعلى‬

‫أفعاله وان اجتهد في اإلخفاء‪ .‬ثم إنه ينبغي للمؤمن أن يكون سليم الصدر وال يكن في‬

‫وحسدا وعداوة ألحد ‪ ،‬وفي الحديث‪ » :‬إن أول َمن يدخل من هذا الباب رجل‬
‫ً‬ ‫حقدا‬
‫نفسه ً‬

‫من أهل الجنة « فدخل عبد هللا بن سالم رضي هللا عنه ‪ ،‬فقام إليه ناس من أصحاب‬

‫رسول هللا فأخبروه بذلك ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لو أخبرتنا بأوثق عملك ترجو به ‪ ،‬فقال ‪:‬إني ضعيف ‪،‬‬

‫ففي هذا الخبر شيئان ‪.‬أحدهما ‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫وترك ماال يعنيني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وان أوثق ما أرجو به سالمة الصدر‬

‫إخباره عليه السالم عن الغيب ‪ ،‬ولكن بواسطة الوحي وتعليم هللا تعالى‪ ،‬فإن علم الغيب‬

‫بالذات مختص باهلل تعالى ‪.‬والثاني ‪:‬أن سالمة الصدر من أسباب َّ‬
‫الجنة ‪.‬وفي‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫جلوسا عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪. ( :‬ليطُل َّ‬
‫عن عليكم‬ ‫‪ -2‬ذكره المنذري في الترغيب والترهيب بلفظ ‪َّ :‬‬
‫كنا‬
‫ً‬
‫رجل من هذا الباب من أهل الجنة ‪ ،‬فجاء سعد بن مالك فدخل منه)‬

‫‪288‬‬
‫شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم‬
‫الحديث ‪» :‬ال يبلغني أحد من أصحابي عن أحد ً‬
‫‪ ،‬وذلك أن المرء ما دام لم يسمع عن أخيه إال مناقبه يكون سليم الصدر‬ ‫(‪)١‬‬
‫الصدر«‬
‫اقعا أو غير واقع يتغير له خاطره‪.‬‬
‫شيئا من مساوية و ً‬
‫في حقه ‪ ،‬فإذا سمع ً‬

‫والنصيحة في هذا للعقالء أن ال يصيخوا إلى الواشي والنمام والغياب والعياب ‪ ،‬فإن‬
‫كد ِّم ِّه ‪ ،‬وال ينبغي إساءة الظن في حق المؤمن بأدنى سبب ‪ ،‬وقد ورد‪:‬‬
‫ض المؤمن َ‬
‫ِّ‬
‫عر َ‬
‫(‪)3‬‬
‫» الفتنة نائمة ‪ ،‬لعن هللا من أيقظها(‪« )2‬‬

‫فسره المفسرون – أن يتجنب عن‬


‫أقول ‪:‬على المؤمن ‪ -‬بعد هذه النصوص القاطعة وما َ‬
‫َمَر بعدم نقل الكالم بين الناس‬
‫النميمة والوشاية ‪.‬مادام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أ َ‬
‫حتى ال يؤثر على سالمة الصدر ‪ -‬أي القلب ‪ -‬علينا أن نتمسك بأمر رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم ؛ فالطبيعة البشرية لها أثر عظيم في إصالح اإلنسان واصالح قلبه ‪،‬‬
‫وكذلك في إفساد اإلنسان وافساد قلبه‪ ،‬واذا تغيرت سالمة القلب فإن أثر ذلك يبقى فيه‬
‫ولو لم يتكلم به‪ ،‬إال إذا تاب وأصلح ‪ ،‬فإنه حينئذ يمكن أن يزول األثر من القلب‪.‬‬
‫أحدا وال‬
‫الطبيعة البشرية هكذا ‪ ،‬لكن اإلنسان ال يؤاخذ بالطبيعة الداخلية ‪ ،‬فقد يحب ً‬
‫يحب آخر ‪ ،‬ألنه ال يحب فعله ‪ ،‬هذا ال يضره إذا لم يبغض ذاته التي تحمل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫‪- 2‬رواه الرافعي عن أنس رضي هللا عنه ‪ ،‬كما جاء في تنوير األذهان للصابوني ‪ ،‬عن الفتح الكبير ‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫اإليمان ‪ ،‬ألن الفعل غير اإليمان ‪ ،‬فعدم محبته لفعله المخالف ال يدل على أنه ال يحب‬

‫إيمانه‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫وحب عمل يقربنا إلى حبك يا أرحم َ‬
‫يحبك َ‬
‫وحب من ُّ‬
‫الله َم ارزقنا حَبك َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫اللفظان الخامس عشر و السادس عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تبدي ِب ِه لوال أَ ن َرَب َ‬


‫طنا َعلى ْقل ِب َها لِ َتكو َن ِم َن‬ ‫فارغا ِإن كادت هل ِ‬
‫َ‬ ‫وسى ِ‬
‫فؤ هاد أهم هم َ‬
‫َصب َح َ‬
‫( َوأ َ‬
‫ْا ِ‬
‫ين ( )‪ ] (١٠‬القصص ‪]١٠:‬‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ه‬

‫مخبر عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر أنه أصبح فارًغا ‪ ،‬أي‬
‫ًا‬ ‫يقول تعالى‬

‫من كل شيء من أمور الدنيا إال من موسى ‪.‬قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن‬

‫(‪)١‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬ ‫جبير وأبو عبيدة والضحاك والحسن البصري وقتادة‬

‫وسى { أصبح بمعنى صار ‪ ،‬والفؤاد ‪:‬القلب ‪ ،‬لكن يقال‬


‫فؤ هاد أهم هم َ‬
‫َصب َح َ‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬وأ َ‬
‫له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤُّد أي ‪:‬التحرق و ُّ‬
‫التوقد ‪ ،‬كما في المفردات والقاموس ‪.‬‬

‫فالفؤاد من القلب كالقلب من الصدر ‪ ،‬يعني ‪:‬الفؤاد وسط القلب وباطنه الذي يحترق بسبب‬

‫المحبة ونحوها ‪.‬قال بعضهم ‪:‬الصدر معدن نور اإلسالم ‪ ،‬والقلب معدن نور اإليقان ‪،‬‬

‫والفؤاد معدن نور البرهان ‪ ،‬والنفس معدن القهر واالمتحان ‪ ،‬والروح معدن الكشف والعيان‬

‫وخاليا‬
‫ً‬ ‫صفر من العقل‬
‫‪ ،‬والسر معدن لطائف البيان ‪َ } ،‬فارغا { الفراغ خالف الشغل ‪ ،‬أي ًا‬

‫من الفهم ‪ ،‬لِّما غشيها من الخوف والحيرة‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫حين سمعت بوقوع موسى في يد فرعون ‪َّ ،‬‬
‫دل عليه الربط اآلتي ‪ ،‬فإنه تعالى قال في وقعة‬

‫بدر ‪َ } :‬ولَِيربِط َعلى هقلو ِبكم { ] األنفال ‪ [ ١١:‬إشارة إلى نحو قوله ‪ } :‬هه َو اَل ِذي أَْن َز َل‬

‫لوب ْا ِ‬ ‫الس ِكَينة ِفي َ هق ِ‬


‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين { ]الفتح ‪ [ 4:‬فإنه لم تكن أفئدتهم هواء ‪ ،‬أي خالية فارغة‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬

‫عن العقل والفهم لفرط الحيرة ‪ِ } ،‬إن { أي إنها } َ‬


‫كادت { قاربت من ضعف البشرية‬

‫تبدي ِب ِه{ لتظهر بموسى وأنه ابنها وتفشي سرها وأنها ألقته في النيل ‪.‬‬
‫وفرط االضطراب } هل ِ‬

‫قال في عرائس البيان ‪:‬وقع على أم موسى ما وقع على آسية من أنها رأت أنوار الحق من‬

‫وجه موسى ‪ِّ ،‬‬


‫فشف ََقت عليه ‪ ،‬ولم يبق في فؤادها صبر من الشوق إلى وجه موسى ؛‬

‫وذلك الشوق من شوق لقاء هللا تعالى ‪ ،‬فغلب عليها شوقه ‪ ،‬وكادت تبدي ِّسرها } لوال أَن‬

‫طنا َعلى ْقل ِب َها { َ‬


‫شددنا عليه بالصبر والثبات بتذكير ما سبق من الوعد ‪ ،‬وهو َرده‬ ‫َرَب َ‬

‫إليها وجعله من المرسلين ‪.‬والربط ‪:‬الشد ‪ ،‬وهو العقد القوي ‪ } ،‬لِ َتكو َن ِمن ْا ِ‬
‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين {‬ ‫َ ه‬
‫أي ‪:‬من المصدقين بما وعدها هللا بقوله } ِإَنا رُّادوه ِإ ِ‬
‫ليك { ] القصص ‪ ، [ ٧ :‬ولم يقل من‬ ‫َ ه‬

‫للذكور‪.‬‬ ‫المؤمنات تغلي ًبا‬


‫(‪)١‬‬

‫وعد هللا ج َل وعال السابق بأن يرَد ابنها إليها هو فرط محبتها‬
‫أقول ‪ :‬سبب نسيانها َ‬

‫الملكي ‪ ،‬بل أوحي إليها باإللهام‪.‬‬


‫البنها ‪ ،‬وألنها ليست نبَية حتى يوحى إليها بالوحي َ‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‬

‫‪292‬‬
‫شيئا فال يمكن لجميع الخلق أن يمنعوه ‪ ،‬فعلينا أن نكتفي بعلم ربنا ونفرح‬
‫واذا أراد هللا ً‬

‫به ونحمده ونشكره على خلقه لنا ‪ ،‬مع ضعفنا وعجزنا وتقصيرنا‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا كذلك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫اللفظ السابع عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ورههم َو َما هيعلِنو َن ( )‪ ] (٦٩‬القصص ‪]٦٩:‬‬ ‫ِ‬


‫( َوَرُّب َك َيعَل هم َما تك ُّن هص هد ه‬

‫ورههم { أي ما ُي ِّكُّنون ويخفون في صدورهم من‬ ‫ِ‬


‫قوله تعالى ‪َ } :‬وَرُّب َك َيعَل هم َما تك ُّن هص هد ه‬

‫االعتقادات الباطلة ومن عداوتهم لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ونحو ذلك ‪َ } ،‬و َما‬

‫هيعلِنو َن { وما يظهرونه من األفعال الشنيعة والطعن فيه عليه الصالة والسالم وغير ذلك ‪،‬‬

‫ولعله للمبالغة في خباثة باطنهم ‪ -‬ألن ما فيه مبدأ لما يكون في الظاهر من القبائح ‪ -‬لم‬

‫(‪)١‬‬
‫يقل ‪:‬ما ُي ِّكُّنون كما قال ‪:‬ما يعلنون‪.‬‬

‫أقول ‪:‬ما دام خالقنا ج َل وعال يخبرنا أن علمه نافذ في باطننا مع ظاهرنا فال بد أن‬

‫ستحيي منه ‪ ،‬وال نتكلم بما يخالف باطننا‪.‬‬

‫قطعيا نستحيي من‬


‫ً‬ ‫إذا قرأنا أو كتبنا أو أملينا على أحد هذه اآلية الكريمة وأمثالها فإننا‬

‫هللا ج َل جالله من أفعالنا الظاهرة ‪ ،‬ألننا نرى فينا وفي غيرنا أن الظاهر مخالف للباطن ‪.‬‬

‫عرف ذلك؟ نقول ‪:‬اإلناء ينضح بما فيه ويرشح منه مما فيه ؛ فكما أن‬
‫فإن قلتم ‪:‬كيف هي َ‬

‫بيتا يتحسس ريح الطعام الذي فيه‪،‬‬


‫اإلنسان إذا دخل ً‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير األلوسي‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫كذلك إذا تكلم اإلنسان بما يخالف باطنه تفوح منه ريح المخالفة ‪ ،‬لذلك قال رسول هللا‬

‫(‪)١‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور هللا«‪.‬‬

‫ظاهر بما يخالف الباطن ‪ ،‬واذا كنا ال نعلم الباطن ‪ -‬وكلنا ال نعلم ‪-‬‬
‫ًا‬ ‫فعلينا أن ال نتكَلم‬

‫ِ‬
‫نكتف بعلمه تعالى ولم‬ ‫فعلينا أن نكتفي بعلم هللا الذي ال تخفى عليه خافية ‪ ،‬واذا لم‬

‫نستحي منه فإننا في اآلجلة هَنسأل عن هذا هونع َذب عليه ‪ ،‬فعلينا أن نتدارك األمر هنا‬
‫ِ‬

‫قبل أن نذهب‪.‬‬

‫قال‬
‫نرجو هللا تعالى أن ينفعنا والمسلمين بالصدق الذي يرضى ربنا به ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ } :‬‬

‫يها أََب ًدا‬ ‫تحتها األَ ْنهار خالِ ِد ِ‬


‫ّللا هذا يوم يْن َفع ال َص ِاد ِقين ِص هدقهم لهم جَنات تجرِي ِمن ِ‬
‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َه‬ ‫َ‬ ‫ه ه َ‬ ‫َ‬ ‫َه َ َ ه َ ه‬

‫فربنا يرضى عنا‬


‫يم { ]المائدة ‪ُّ .[ ١١٩ :‬‬ ‫ِ‬ ‫نهم َوَر هضوا َعْن هه ذلِ َك ْاَل ه‬ ‫ِ‬
‫فوز اْل َعظ ه‬ ‫ّللا َع ه‬
‫َرض َي َ ه‬

‫بالصدق ‪ ،‬ونحن نرضى عنه بلطفه وكرمه ورحمته وبأن يعاملنا بالفضل ال بالعدل‪.‬‬

‫الكفار لكنه يشمل‬ ‫ورههم { وان كان المرهاد منه‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫فقوله تعالى ‪َ }:‬وَرُّب َك َيعَل هم َماتك ُّن هص هد ه‬

‫خاصا لكن األمر عام ‪ ،‬وكلنا مسؤولون عن هذا‬


‫المؤمنين ‪ ،‬فإنه ولو كان سبب النزول ً‬

‫العلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه الطبراني والترمذي من حديث أبي أُمامة رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫فإن قلتم ‪ :‬كلنا صادقون مع هللا تعالى ‪ ،‬نقول ‪:‬أفعالنا ‪ -‬من معاملتنا وأمور معيشتنا ‪-‬‬

‫تدل على عدم صدقنا‪ ،‬وعلى األقل عدم تستر أهلنا وبناتنا يدل على ذلك‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من الصادقين واحشرنا مع الصادقين‪ ،‬وحسبنا هللا ونعم الوكيل‪ ،‬وال‬

‫حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫اللفظ الثامن عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اب َ ِ‬
‫ّللا‬ ‫كع َذ ِ‬ ‫اّلل فِإذا أهوِذي ِفي َ ِ‬
‫ّللا َج َع َل ِف ْتنة الَن ِ‬ ‫اس من يقول ءامَنا ِب َ ِ‬ ‫( َو ِم َن الَن ِ‬
‫اس َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه َ َ‬
‫لم ِب َما ِفي هص هد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور‬ ‫ّللا ِبأ َ‬
‫َع َ‬ ‫ليس َ ه‬‫لن ِإَنا كَنا َم َعكم أ ََو َ‬‫بك َلَيهق هو َ‬
‫اء َنصر من َر َ‬
‫َو لئن َج َ‬
‫ين) )‪ ](١٠‬العنكبوت ‪[١٠:‬‬ ‫ْا ِ‬
‫لعاَلم َ‬‫َ‬

‫ور ْا ِ‬ ‫ِ‬
‫ين { أي بأعلم منهم بما في‬ ‫َعلم ِب َما في هص هد ِ َ‬
‫لعاَلم َ‬ ‫ليس َ ِ‬
‫ّللا بأ َ‬
‫قوله تعالى ‪ } :‬أ ََو َ ه‬

‫صدورهم ‪ ،‬من اإلخالص والنفاق ‪ ،‬حتى يفعلوا ما يفعلون من االرتداد واإلخفاء وادعاء‬

‫(‪)١‬‬
‫كونهم منهم لنيل الغنيمة‪.‬‬

‫فقد بين هللا تعالى أنهم أرادوا التلبيس ‪ ،‬وال يصح ذلك لهم ‪ ،‬ألن التلبيس إنما يكون عندما‬

‫يخالف القول القلب ‪ ،‬فالسامع يبني األمر على قوله وال يدري ما في قلبه ‪ ،‬فيلتبس األمر‬

‫عليه ؛ وأما هللا تعالى فهو عليم بذات الصدور ‪ ،‬وهو أعلم بما في صدر اإلنسان من‬

‫اإلنسان ‪ ،‬فال يلتبس عليه األمر ‪.‬وهذا إشارة إلى أن االعتبار بما في القلب ‪ ،‬فالمنافق‬

‫ويضمر‬
‫المكره الذي ُيظهر الكفر ُ‬
‫َ‬ ‫ويضمر الكفر كافر ‪ ،‬والمؤمن‬
‫الذي ُيظهر اإليمان ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫اإليمان مؤمن ‪.‬وهللا أعلم بما في صدور العالمين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫ويبطن خالَفه فإن ذلك ال يلتبس على هللا تعالى الذي يعلم‬
‫أقول ‪ :‬من هيظهر الصدق ه‬

‫الظاهر والباطن ‪ ،‬بل يلتبس على من يسمع منه ‪ ،‬وهذا القول منه يضر إيمانه ‪ ،‬كما‬

‫يضر اعتقاد السامع في هذا الموضوع ‪ ،‬ألنه يعتمد على ظاهر المتكلم وال يعلم ما في‬

‫ضميره‪ .‬الخروج من هذه األخالق الذميمة ال يكون إال بالمجاهدة ‪ ،‬والمجاهدة ال تكون‬

‫إال بالتمسك بقول من تمسك بمن قبله إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ودخل في‬

‫الحلقة التي رئيسها الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬والصادقون جاؤوا بعد ذلك‬

‫من كل مكان ‪ ،‬ويبقون إلى آخر الدنيا؛ فال يقال ‪:‬ال يوجد أحد منهم في هذا الزمان ‪ ،‬بل‬

‫الحلقة موجودة والباب مفتوح ‪ ،‬لكن الذي يريد أن يدخل فيها عليه أن يطهر باطنه من‬

‫كرَمنا َبِني َء َاد َم{ ]اإلسراء ‪:‬‬


‫طنه َمَل ًكا } َوَلقد َ‬
‫إنسانا وبا ه‬
‫ً‬ ‫ظاهره‬
‫ه‬ ‫الخبائث ‪ ،‬حتى يكون‬

‫‪.[٧٠‬‬

‫باب التوبة مفتوح كما أن باب الحلقة مفتوح ؛ باب التوبة مفتوح بنص قول هللا تعالى‪:‬‬

‫وبة َعن ِعَب ِاد ِه{ ]الشورى ‪ ، [٢٥ :‬وباب الحلقة النورانية مفتوح‬ ‫ِ‬
‫} َو هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ‬
‫ِ‬ ‫السا ِبقو َن األ ََولو َن ِم َن اْلم َه ِ‬
‫حسان‬
‫وهم بإ َ‬ ‫ين َواألَ ْن َص ِار َواَلذ َ‬
‫ين ا َتَب هع ه ِِ‬ ‫اج ِر َ‬ ‫ه‬ ‫بقول هللا كذلك ‪َ } :‬و َ‬

‫نهم َوَر هضوا َعْن هه] التوبة ‪ ، [ ١٠٠:‬وبقول‬ ‫ِ‬


‫ّللا َع ه‬
‫َرض َي َ ه‬

‫‪298‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ » :‬ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ال‬

‫(‪)١‬‬
‫يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر هللا وهم كذلك«‪.‬‬

‫ملحقين بهم ‪ ،‬ال نجترئ أن نقول منه م‪ ،‬لكن نرجو هللا‬


‫نرجو هللا تعالى أن نكون َ‬

‫ويلحقنا بهم‪.‬‬
‫تعالى أن يحشرنا معهم ه‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫اللفظ التاسع عشر بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫جحهد ِبآي ِاتَنا ِإالَ ال َ‬


‫ظ ِال همو َن‬ ‫ِ‬ ‫( بل هو ءايات بينات ِفي صد ِ ِ‬
‫ور اَلذ َ‬
‫ين أ ههوتوا اْلعْل َم َو َما َي َ َ‬ ‫هه‬ ‫َ ْ هَ َ َ ََ‬
‫( ‪ ])٤٩‬العنكبوت ‪[٤٩:‬‬

‫قوله تعالى ‪َ }:‬ب ْل هه َو { أي القرآن } َء َايات َبَينات{ واضحات ثابتات راسخات } ِفي‬

‫ين أ ههوتوا اْل ِعْل َم { من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه ‪ ،‬بحيث ال يقدر أحد‬ ‫صد ِ ِ‬
‫ور اَلذ َ‬ ‫هه‬

‫ظا في الصدور من خصائص القرآن ‪ ،‬ألن من تقدم كانوا‬


‫على تحريفه ‪.‬يعني كونه محفو ً‬

‫شيئا سوى األنبياء‪ .‬وما نقل عن‬ ‫ال يقرؤون كتبهم إال ًا‬
‫نظر ‪ ،‬فإذا أطبقوها لم يعرفوا منها ً‬

‫قارون من أنه كان يق أر التوراة عن ظهر القلب فغير ثابت‪.‬‬

‫حسدتكم اليهود والنصارى على شيء كحفظ القرآن‪ .‬قال أبو أمامة ‪:‬‬
‫وفي بعض اآلثار ‪:‬ما َ‬

‫قلبا وعى القرآن ‪.‬وقال عليه الصالة والسالم‪ » :‬القلب الذي ليس‬
‫إن هللا ال يعذب بالنار ً‬

‫‪ ،‬وفي الحديث ‪ » :‬تعاهدوا القرآن فو الذي‬ ‫(‪)١‬‬


‫فيه شيء من القرآن كالبيت الخراب«‬

‫أي ‪:‬من اإلبل المعقلة إذا أطلقها‬ ‫(‪)2‬‬ ‫نفس محمد بيده لهو أشد ُّ‬
‫تفلتًا من اإلبل من ُعقلها«‬

‫صاحبها ‪ ،‬والتعاهد والتعهد ‪:‬التحفظ ‪ ،‬أي ‪:‬المحافظة‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس رضي هللا عنهما بلفظ ‪ (:‬إن الذي ليس في جوفه شيء من ‪ .‬القرآن كالبيت‬
‫الخرب)‬
‫‪- 2‬أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه‬

‫‪300‬‬
‫وتجديد األمر به ‪ ،‬والمراد هنا األمر بالمواظبة على تالوته والمداومة على تك ارره ‪ ،‬فمن‬
‫سنة القارئ أن يق أر القرآن كل يوم وليلة كيال ينساه ‪ ،‬وعن النبي عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫ذنبا أكبر من آية أو سورة أُوتيها الرجل ثم نسيها‬
‫(‪)١‬‬
‫» ُعرضت علي ذنوب أمتي فلم َأر ً‬
‫«‬
‫والنسيان أن ال يمكنه القراءة من المصحف ‪ ،‬كذا في القنية ‪.‬وكان ابن عيينة يذهب إلى‬
‫ترك العمل به ‪.‬والنسيان في‬ ‫أن النسيان الذي يستحق صاحبه اللوم ويضاف إليه اإلثم ُ‬
‫اذكهروا ِب ِه { ]األعراف ‪ [ ١٦5 :‬أي ‪:‬‬
‫لسان العرب التَّرك ‪ .‬قال تعالى } ‪َ :‬فل َما نسوا م ِ‬
‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫ّللا { ] التوبة ‪ ، [ ٦٧ :‬أي‪ :‬تركوا طاعته ‪َ } ،‬ف ِ‬
‫نسَي ههم {‬ ‫نسوا َ َ‬
‫تركوا ‪.‬وقال تعالى ‪ } :‬ه‬
‫أي ‪ :‬فترك رحمتهم ‪.‬قال شارح الجزرية ‪:‬وقراءة القرآن من المصحف أفضل من قراءة‬
‫القرآن من حفظه ؛ هذا هو المشهور عن السلف ‪ ،‬ولكن ليس هذا على إطالقه ‪ ،‬بل إن‬
‫كان القارئ ِّمن ِّحفظه يحصل له التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل له‬
‫من المصحف فالق ارءة من الحفظ أفضل ‪ ،‬وان تساويا فمن المصحف أفضل ‪ ،‬ألن النظر‬
‫في المصحف عبادة‪.‬‬
‫واستماعُ القرآن من الغير في بعض األحيان من السنن‪.‬‬

‫قال في كشف األسرار ‪ :‬قلوب الخواص من العلماء باهلل خزائن الغيب ‪ ،‬فيها براهين حقه‬
‫وبينات سره ودالئل توحيده وشواهد ربوبيته ‪ ،‬فقانون الحقائق قلوبهم ‪ ،‬وكل شيء ُيطلب‬
‫(‪)2‬‬
‫من موطنه ومحله‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫‪ -٢‬تفسير روح البيان‬

‫‪301‬‬
‫أقول ‪:‬هللا يعلم ما في السرائر ‪ ،‬فال بد لنا كلنا أن نكون صادقين ‪.‬عدم الصدق في‬

‫المعاملة الدنيوية ولو لم يكن مقبوال عند هللا ج َل وعال لكنهم يقولون ‪:‬يدبر شغله ‪ ،‬أما‬

‫أبدا ‪ ،‬ألن الدين معاملة هلل تعالى ‪ ،‬فال َ‬


‫بد أن ال نخالف‪.‬‬ ‫في الدين فال َي هصلح ً‬

‫الله َم اجعلنا من الصادقين ‪ ،‬وألحقنا بالصادقين ‪ ،‬يا رب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫اللفظ العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آن ِمن ِ‬ ‫اس ِفي َهذا اْلقر ِ‬


‫(وَلقد َضَرَبنا لِلَن ِ‬
‫فرْوا ِإن‬ ‫آية َلَيقوَل َن اَلذ َ‬
‫ين َك ه‬ ‫تهم ِب َ‬
‫كل َمثل َولئن ِجْئ ه‬ ‫َ‬
‫ّللا على هق ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمو َن ) ( ‪)٥٩‬‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫ين ال َي َع ه‬ ‫أهَنتم ِإالَ همبطلو َن ( ‪ ) ٥8‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه َ‬
‫]الروم‪]٥٩-٥8:‬‬

‫قوله تعالى ‪ } :‬و ِلئن ِجْئتهم ِبآية َليقوَل َن اَل ِذين َكفروا ِإن أهَنتم ِإالَ م ِ‬
‫بطلو َن { أي ‪:‬إذا‬ ‫ه‬ ‫َ هْ‬ ‫ه َ َ‬ ‫َ‬

‫ّللا‬ ‫ِ‬
‫جئتهم بآية من آيات القرآن ‪ ،‬قالوا ‪:‬جئتنا بزور وباطل‪ ،‬ثم قال ‪ } :‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه‬
‫على هق ِ ِ‬
‫لوب اَلذ َ‬
‫ين ال َيعَل همو َن{ أي ‪ :‬مثل ذلك الطبع يطبع هللا على قلوب الجهلة‪.‬‬ ‫َ‬

‫ومعنى طبع هللا ‪:‬منع األلطاف التي ينشرح لها الصدور حتى تقبل الحق ‪ ،‬وانما يمنعها‬

‫َمن َعلِّ َم أنها ال تجدي عليه وال تغني عنه ‪ ،‬كما يمنع الواعظ الموعظة عمن يتبين له أن‬

‫الموعظة تلغو وال تنجع فيه ؛ فوقع ذلك كناية عن قسوة قلوبهم وركوب الصدأ والرين إياها‬

‫المحقين ِّ‬
‫مبطلين‪ ،‬وهم أعرف‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،‬فكأنه قال ‪:‬كذلك تقسو وتصدأ قلوب الجهلة‪ ،‬حتى ُي َسموا‬

‫(‪)١‬‬
‫خلق هللا في تلك الصفة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير َّ‬
‫الكشاف‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫تجر ذيلها على المؤمنين إذا‬
‫أقول ‪:‬إن هذه اآليات وان كانت في حق الكافرين لكنها ُّ‬

‫كانت فيهم هذه الصفات ‪ ،‬فال يمكن لمؤمن أن هيخرج نفسه من تحت هذه التهديدات‬

‫اإللهية‪.‬‬

‫ال بد للمؤمن أن يصبر على مخالفة النفس‪ ،‬وأن ال يتفكر أنه ال يمكنه أن يخالفها‬

‫طول العمر ‪ ،‬فهذا التفكير يدل على أن إيمانه بيوم القيامة وبالحساب وبالحشر‬

‫ضعيف ‪.‬مهما طال عمر اإلنسان في الدنيا فإنه في النهاية يموت ‪ ،‬ويجد في اآلخرة‬

‫لذة وسعادة مخالفته لنفسه ‪ ،‬ويجد رضا ربه ج َل وعال بذلك‪.‬‬

‫واذا لم يصبر على مخالفة النفس فإن هذا العمر له انتهاء ‪ ،‬فكيف يصبر في اآلخرة‬

‫على عذاب هللا تعالى الدائم أو المؤقت بقدر ذنبه ؟ وكيف يصبر على االستحياء‬

‫بحضور خالقه وبحضور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وحزنه على مخالفته ؟ أليس‬

‫غرَنكم ِب َ ِ‬
‫اّلل اْل َغهرور {‬ ‫الد َنيا َوال َي َ‬ ‫غرَن ه‬
‫كم اْل َحَياهة ُّ‬ ‫ذلك أشد من مخالفة النفس األمارة ‪ } :‬فال َت َ‬

‫] فاطر ‪.[ ٥:‬‬

‫الراحمين ‪ ،‬ووجه قلوبنا إليك ‪ِ ،‬‬


‫وخلصنا من النفوس‬ ‫الله َم ِ‬
‫عاملنا بفضلك يا أرحم َ‬
‫األمارة ومن شياطين اإلنس والجن‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫اللفظ الحادي و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬


‫الصهد ِ‬
‫ور‬ ‫ات ُّ‬ ‫رج هع ههم َف َنن هبئ ههم ِب َما َعملوا ِإ َن َ َ َ‬
‫نك هك ْفهرهه ِإ َلينا م ِ‬
‫َ‬ ‫حز َ‬
‫فر فال َي ه‬
‫( َو َمن َك َ‬
‫( ‪ ] ( ٢٣‬لقمان ‪]٢٣:‬‬

‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬
‫الص هد ِ‬
‫ور { أي ‪:‬ال يخفى عليه سرهم وعالنيتهم ‪،‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫قوله تعالى ‪ِ } :‬إ َن َ َ َ‬
‫(‪)١‬‬
‫فينبئهم بما أضمرته صدورهم ‪.‬وذات الصدور هي المهلك‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬لكل إنسان ظاهر وهو جوارحه ‪ ،‬وباطن وهو قلبه‪ ،‬فعلينا – معشر المؤمنين ‪-‬‬

‫كما أننا إذا أردنا أن ِ‬


‫نصلي نطهر أعضاءنا حتى تصح الصالة ‪ ،‬علينا أوال أن نطهر‬

‫قلوبنا حتى يصح إيماننا وصالتنا واجتنابنا للمعاصي ويثبت في قلوبنا أن هللا جل جالله‬

‫س ِب ِه‬ ‫تو ِ‬
‫سو ه‬ ‫لم َما َ‬
‫نع ه‬
‫ان َو َ‬ ‫مطلع على قلوبنا ‪ ،‬كما قال ج َل وعال ‪َ } :‬وَلقد َخ َلقنا ِ‬
‫اإل ْن َس َ‬

‫َن ْف هس هه { ] ق ‪ ، [ ١٦ :‬فهو سبحانه يعلم ما في الصدور ‪ ،‬ألنه يعلم السر وأخفى ‪.‬‬

‫والسر مثل قرص الكومبيوتر)‪ . (CD‬إذا وضعت فيه أي علم عندما تشغله يظهر فيه ‪،‬‬

‫افقا لرضا ربه ج َل وعال‪.‬‬


‫فإذا طهر القلب ال يخرج في ظاهره وال في باطنه إال ما كان مو ً‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫الس ِبيل ِإ َما ِ‬
‫شاكًار‬ ‫ناه َ َ‬ ‫فسبيل السعادة والشقاوة في الدنيا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ِ } :‬إَنا َه َدَي ه‬

‫فور{ ]اإلنسان ‪ ، [ ٣:‬وثمرة ذلك في اآلخرة‪.‬‬


‫َوِا َما هك ًا‬

‫ما دمنا نعيش في الدنيا ولم نذهب إلى اآلخرة ‪ ،‬فعلينا أن نتمسك بشرع هللا تعالى وسنة‬

‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ونترك األخالق الذميمة والمعاصي ‪ ،‬ونكثر من ذكر ( ال‬

‫إله إال هللا ) ‪ ،‬ومن الصالة على رسول هللا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬مع اإلخالص في‬

‫نعد بفضل هللا ج َل وعال وكرمه من أهل السعادة‪.‬‬


‫القلب ‪ ،‬هو َ‬
‫ه‬ ‫العبادة ‪ ،‬حتى هيط َهَر‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من سعداء الدنيا واآلخرة يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫اللفظ الثاني و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫كرو َن)‬ ‫َبص َار َواألَ ْف ِئ َدة َقلِيال َما ه‬


‫تش ه‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫وح ِه َو َج َع َل َل هك هم َ‬
‫الس َ‬ ‫ه‬
‫( هث َم س َواه وَنفخ ِف ِ‬
‫يه ِمن ر ِ‬
‫َ هَ‬
‫( ‪[ )٩‬السجدة ‪[٩:‬‬

‫وح ِه { أي ‪ :‬ثم سوى اإلنسان الذي بدأ خلقه من‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬ث َم س َواه وَنفخ ِف ِ‬
‫يه ِمن ر ِ‬
‫ه‬ ‫َ هَ‬

‫ناطقـا(‪َ } ، )١‬و َج َع َـل{ وخلـق }‬


‫حيـا ً‬
‫سويا معتدال ‪ ،‬ونفخ فيه من روحه فصار ً‬
‫خلقا ً‬
‫طين ً‬

‫مع { لتسمعوا اآليات التنزيلية الناطقة بالبعث وبالتوحيد }‬


‫الس َ‬
‫َل هك هم { لمنافعكم يا بني آدم } َ‬

‫َبص َار { لتبصروا اآليـات التكوينيـة المشـاهدة فيهمـا } َواألَ ْف ِئ َـدة { َلتعقلـوا وتسـتدلوا بهـا‬
‫َواأل َ‬

‫اعتبـر فـي القلـب‬


‫على حقيقة اآليتـين ‪.‬جم ُـع فـؤاد ‪ ،‬بمعنـى القلـب ‪ ،‬لكـن إنمـا يقـال فـؤاد إذا ُ‬

‫كرو َن { أي تشكرون رب هذه النعم ًا‬


‫شكر قلـيال ‪،‬‬ ‫معنى التفؤُّد ‪ ،‬أي التوقد ‪َ } .‬قلِيال َما ه‬
‫تش ه‬

‫على أن القلة بمعنى النفي والعدم ‪ ،‬فهو بيان لكفرهم بتلك النعم وربها ‪.‬وفيه إشـارة إلـى أن‬

‫قليال من اإلنسان يعرف نفسه بالمرآتية ليعرف ربه بالمحسنية المتجلي فيها ‪ ،‬وقد خلقه هللا‬

‫عب هـدو ِن {‬ ‫ِ‬


‫ـس ِإال لَي ه‬ ‫تعـالى لمعرفـة ذاتـه وصـفاته ‪ ،‬كمـا قـال ‪َ } :‬ومـا َخ ْلقـت اْل ِج َـن َو ِ‬
‫اإل ْن َ‬ ‫َ‬

‫]الذاريات ‪ ، [ 5٦:‬أي ليعرفون ‪.‬وانمـا يصـل اإلنسـان إلـى مرتبـة المعرفـة الحقيقيـة بداللـة‬

‫ووراثه‪.‬‬ ‫الرسول‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الطبري ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫الترتيب في السمع واألبصار واألفئدة على مقتضى الحكمة ‪ ،‬وذلك ألن اإلنسان يسمع‬

‫أمور فيفهمها ‪ ،‬ثم يحصل له بسبب ذلك بصيرة فيبصر األمور‬


‫أوالً من األبوين أو الناس ًا‬

‫‪.‬‬ ‫ويجربها ‪ ،‬ثم يحصل له بسبب ذلك إدراك تام وذهن كامل ‪ ،‬فيستخرج األشياء من ِّقَبلِّ ِّه‬

‫ومثاله شخص يسمع من أستاذ شي ًئا ثم يصير له أهلية مطالعة الكتب وفهم معانيها ‪ ،‬ثم‬

‫كتابا ‪ ،‬فكذلك اإلنسان يسمع ثم يطالع صحائف‬


‫يصير له أهلية التصنيف فيكتب من قلبه ً‬

‫الخفية‪.‬‬ ‫الموجودات ثم يعلم األمور‬


‫(‪)١‬‬

‫وح ِه { أضاف هللا ج َل وعال الروح إليه‬ ‫أقول ‪ :‬في قوله تعالى ‪ } :‬وَنفخ ِف ِ‬
‫يه ِمن ر ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬

‫وتكريما لإلنسان ‪ ،‬وهي إضافة هملك إلى مالك ومخلوق إلى خالق ‪ ،‬فال بد‬
‫ً‬ ‫تشري ًفا‬

‫تكرم هللا به عليه بهذا التشريف والتكريم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وَلقد‬
‫لإلنسان أن يعرف ما َ‬
‫كرَمنا َبِني َء َاد َم { ] اإلسراء ‪ ، [ ٧٠:‬ولكن شرط تكريم اإلنسان إتباع الرسول األعظم‬
‫َ‬
‫ومحبوبا عند خالقه ج َل‬
‫ً‬ ‫ومشرًفا‬
‫َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فباإلتباع يكون اإلنسان هم َ‬
‫كرًما‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعال ‪ ،‬ومن رحمته بعباده قال ج َل وعال ‪ِ ْ } :‬‬
‫قل إن ْكهنتم تحُّبو َن َ َ‬
‫ّللا فا َتب هعوني هيحب ه‬
‫بكم‬
‫ّللا { ]آل عمران ‪ ، [ ٣١:‬فقد رَتب محبته األبدية الباقية على اتباع عباده لرسوله‬ ‫َه‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪.‬هذا التوجيه من رحمته وكرمه سبحانه وتعالى على عباده ‪ ،‬واال‬
‫محتاجا ألن نتبع رسوله عليه الصالة والسالم‬
‫ً‬ ‫فإنه عز وجل غني عن العالمين‪ ،‬وليس‬
‫حتى يحبنا‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‬

‫‪308‬‬
‫لو تفكرت في هذه الفائدة العظيمة الجسيمة فإنك ‪ -‬إذا لم تؤثر الذنوب على عقلك ولم‬

‫يخرب وجدانك ‪ -‬تحاول بقدر ما تستطيع أن ال تترك إتباع رسولك صلى هللا عليه وسلم‬

‫محبوبا عند هللا تعالى‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪ ،‬حتى تكون‬

‫َهنا سبحانه‬
‫سيدنا مح َمد المصطفى عليه الصالة والسالم بشر ‪ ،‬ونحن كذلك بشر ‪ ،‬فوج َ‬

‫خارجا عن‬
‫ً‬ ‫وتعالى إلى إتباع البشر ‪ ،‬ألن ذلك ليس فيه مشقة وال تعب ‪ ،‬وليس‬

‫االستطاعة ‪ ،‬وثمرته المحبوبية من هللا تعالى ‪ ،‬ومرتبة المحبوبين فوق مرتبة المحبين‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من الذين اتبعوا رسولك عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫اللفظ الثالث و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ظ ِ‬
‫اههرو َن ِمْن هه َن‬ ‫اج هك هم الالَ ِئي ت َ‬ ‫ِ‬ ‫ّللا لِرجل ِمن قْلب ِ ِ‬
‫ين في َجوِفه َو َما َج َع َل أ َ‬
‫َزو َ‬ ‫َ‬ ‫( َما َج َع َل َ ه َ ه‬
‫ق وهو ي ِ‬ ‫َدعياءكم أَبناءكم ذلِكم َقولكم ِبأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هدي‬ ‫قول اْل َح َ َ ه َ َ‬
‫ّللا َي ه‬
‫َفواهكم َو َ ه‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫أه َم َهاتكم َو َما َج َع َل أ َ َ َ َ‬
‫بيل ( )‪] ( ٤‬األحزاب ‪[٤:‬‬ ‫الس َ‬‫َ‬

‫ين ِفي َجوِف ِه { أي ‪ :‬ما جمع قلبين في جوف ‪،‬‬


‫ّللا لَِر هجل ِمن قْلَب ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬ما َج َع َل َ ه‬

‫ألن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس اإلنساني أوالً ‪ ،‬ومنبع القوى بأسرها ‪،‬‬

‫التعدد‪.‬‬ ‫وذلك يمنع‬


‫(‪)١‬‬

‫قال بعضهم ‪:‬هذا رد على ما كانت العرب تزعم من أن للعاقل المجرب لألمور قلبين ‪.‬‬

‫ولذلك قيل ألبي معمر ‪ :‬ذي القلبين ‪ ،‬وكان من أحفظ العرب وأدراهم وأهدى الناس إلى‬

‫مبغضا للنبي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكان هو أو جميل بن أسد‬


‫ً‬ ‫طريق البلدان ‪ ،‬وكان‬

‫يقول ‪ :‬في صدري قلبان أعقل بهما أفضل مما يعقل محمد بقلبه ‪ ،‬وكان الناس يظنون أنه‬

‫صادق في دعواه ‪ ،‬فلما هزم هللا المشركين يوم بدر انهزم فيهم وهو يعدو في الرمضاء ‪،‬‬

‫واحدى نعليه في يده واألخرى في رجله ‪ ،‬فلقيه أبو سفيان وهو يقول ‪:‬أين نعلي أين نعلي؟‬

‫وال يعقل أنها في يده ‪ ،‬فقال له ‪:‬إحدى نعليك في يدك واألخرى في رجلك ‪ ،‬فعلموا يومئذ‬

‫أنه لو كان له قلبان ما نسي نعله في يده ‪.‬وفي‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫اآلية إشارة إلى أن القلب خلق للمحبة فقط ‪ ،‬فالقلب واحد والمحبة واحدة ‪ ،‬فال تصلح إال‬

‫وقلبا ثم ادعى حب اآلخرةبل حب هللا‬


‫قالبا ً‬
‫لمحبوب واحد ال شريك له ‪ ،‬فمن اشتغل بالدنيا ً‬

‫دعواه‪.‬‬ ‫فهو كاذب في‬


‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬لفظ القلب هيطلق لمعنيين ‪:‬المعنى األول ‪:‬القلب الصنوبري ‪ ،‬وهو ليس محل‬

‫المعرفة والعلوم ‪ ،‬ويوجد في الحيوان كذلك ‪.‬أما المعنى الثاني للقلب فهو لطيفة ربانَية‬

‫روحانية لها عالقة بالقلب الجسماني ‪ ،‬وتلك اللطيفة هي حقيقة اإلنسان‪ ،‬وهذا القلب‬

‫هو المخاطب والمعاَقب والمعاَتب والمطاَلب ‪.‬وقد تحَيرت عقول أكثر الخلق في إدراك‬

‫تعلقه به هيضاهي ُّ‬


‫تعلق األعراض باألجسام‬ ‫حقيقة تعلقه بالقلب الجسماني ‪ ،‬فإن ُّ‬

‫واألوصاف بالموصوفات ‪ ،‬كما ذكر ذلك اإلمام الغزالي في اإلحياء في كتاب شرح عجائب‬

‫القلب ‪.‬نقول ‪:‬وهذا ُّ‬


‫التعلق معنوي ‪ ،‬وهو كتعلق المغناطيس بالحديد ‪ ،‬بحيث يجذبه قبل‬

‫أن يصل إليه‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اصرف عن قلوبنا كل ما يشغلها عنك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‬

‫‪311‬‬
‫اللفظ الرابع و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الدين َو َم َوالِيكم‬ ‫اء ههم َفِإ ْخ َواهنكم ِفي‬ ‫( ادعوهم آلب ِائ ِهم هو أَ ْقسط ِعْند َ ِ‬
‫ِ‬ ‫لموا َء َاب َ‬ ‫ّللا فِإن لم َ‬
‫تع ه‬ ‫َ‬ ‫هَ َ‬ ‫ه ه َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حيما ( )‪٥‬‬ ‫فور َر ً‬
‫ّللا هغ ًا‬
‫ان َ ه‬‫لوبكم َوَك َ‬ ‫يما أَخطأْتم ِبه َولكن َما َ‬
‫تع َم َد ْت هق ه‬ ‫ليس َعليكم هجَناح ف َ‬ ‫َو َ‬
‫( ]األحزاب ‪]٥:‬‬

‫اء ههم َفِإ ْخ َواهنكم ِفي‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬ادعوهم آلب ِائ ِهم هو أَ ْقسط ِعْند َ ِ‬
‫لموا َء َاب َ‬ ‫ّللا فِإن لم َ‬
‫تع ه‬ ‫َ‬ ‫هَ َ‬ ‫ه ه َ‬

‫الدين َو َم َوالِيكم { أي ‪ :‬ردوا نسب هؤالء الذين جعلتموهم لكم أبناء إلى آبائهم األصالء ‪،‬‬
‫ِ‬

‫فهذا هو العدل والقسط والصدق في النسب ‪ ،‬فإن لم تعرفوا آباءهم الحقيقيين فهم إخوانكم‬

‫في اإلسالم وأولياؤكم في الدين ‪ ،‬فليقل أحدكم ‪ :‬يا أخي ‪ ،‬و يا موالي ‪ ،‬يقصد بذلك أخوة‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا‬
‫ان َ ه‬
‫لوبكم َوَك َ‬ ‫يما أَخطأْتم ِبه َولكن َما َ‬
‫تع َم َد ْت هق ه‬ ‫ليس َعليكم هجَناح ف َ‬
‫الدين وواليته ‪َ } ،‬و َ‬

‫حيما { أي ‪ :‬ليس عليكم إثم وال ذنب فيمن نسبتموهم إلى غير آبائهم مخطئين ‪،‬‬
‫فور َر ً‬
‫هغ ًا‬

‫بالسهو أو النسيان أو بطريق الشفقة والحنان ‪ ،‬كقول القائل ‪:‬يا ابني أو يا بني أو يا أبي‬

‫بطريق االحترام والتعظيم‪ ،‬ولكن اإلثم فيما تعمدته قلوبكم بعد النهي ‪ ،‬وكان هللا واسع‬

‫المغفرة عظيم الرحمة بالعباد ‪.‬روى البخاري عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما أنه‬

‫قال ‪ ( :‬إن زيد بن حارثة مولى‬

‫‪312‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ما َّ‬
‫كنا ندعوه إال" ز َيد بن محمد "‪ ،‬حتى نزل القرآن‪:‬‬
‫} ادعوهم آلب ِائ ِهم هو أَ ْقسط ِعْند َ ِ‬
‫ّللا { ‪ ،‬فصرنا نقول بعد ذلك ‪:‬زيد بن حارثة)‪)١( .‬‬ ‫َ‬ ‫هَ َ‬ ‫ه ه َ‬

‫أقول ‪:‬الوقوع في المنهي عنه ال يؤاخذ العبد عليه مادام لم يثبت به العزم وال‬
‫الهم ولم يعقد عليه قلبه ‪ ،‬بل وقع فيه بالخطأ أو بعدم العلم بأنه منهي عنه ‪ ،‬فإذا‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫سع َها{ ] البقرة ‪ ، [٢8٦ :‬واذا انتبه إلى‬ ‫نفسا ِإالَ هو َ‬
‫ّللا ََ ً‬
‫لم يعقد عليه قلبه } ال هي َكلف َ ه‬
‫ّللا ِب هك هم ْا هلي َ‬
‫سر َوال‬ ‫الخطأ عليه أن يستغفر ويرجع إلى هللا تعالى ج َل جالله } هي ِر هيد َ ه‬
‫لعسر { ] البقرة ‪.[ ١8٥:‬‬ ‫هي ِر هيد ِب هك هم ْا ه‬

‫اللجوء والتضرع إلى الخالق ج َل وعال بعد العلم‬ ‫ه‬ ‫وعالمة الخطأ وعدمِ العلم بالمنهي عنه‬
‫ِ‬
‫الراحمين بعباده ‪ .‬نرجو هللا تعالى أن يعفو عَنا ‪َ } :‬و هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ‬
‫وبة‬ ‫‪ ،‬وهو أرحم َ‬
‫ات { ] الشورى ‪ ، [ ٢٥:‬فإذا وقع العبد في المنهي عنه‬ ‫َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ‬
‫الس َيئ ِ‬

‫خطأ بدون عمد وال قصد هيرفع عنه إن شاء هللا تعالى ‪ ،‬ألن هللا ج َل وعال قال ‪َ } :‬و‬
‫يما أَخطأْتم ِب ِه { فقد قيد عدم المؤاخذة بالخطأ ‪ ،‬لكن إذا وقع‬ ‫ِ‬
‫ليس َعليكم هجَناح ف َ‬
‫َ‬
‫لوبكم‬ ‫ِ‬
‫تع َم َد ْت هق ه‬
‫عمدا فال شك أنه مؤاخذ ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ } :‬ولكن َما َ‬
‫اإلنسان بالمنهي عنه ً‬
‫فور‬
‫ّللا هغ ًا‬
‫ان َ ه‬
‫{‪ ،‬والعفو عند هللا ‪.‬وفي نهاية اآلية الكريمة يقول هللا ج َل وعال ‪َ } :‬وَك َ‬
‫نسيانا‬ ‫يما { هذا يدل على عدم مؤاخذة العبد بالوقوع في المنهي عنه إذا وقع خطأً أو‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َرح ً‬
‫ثم رجع وتاب إلى هللا تعالى‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫إصر كما حملته على الذين‬
‫رَبنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ‪ ،‬رَبنا وال تحمل علينا ً ا‬

‫من قبلنا ‪ ،‬رَبنا وال تحملنا ما ال طاقة لنا به ‪ ،‬واعف عَنا واغفر لنا وارحمنا‪ ،‬أنت موالنا‬

‫فانصرنا على القوم الكافرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪314‬‬
‫اللفظ الخامس و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لوب اْل َح ِ‬
‫ناجَر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( ِإذ جاءوكم ِمن فوِقكم و ِمن أَس ِ‬
‫َبص هار َوَبلغت اْلهق ه‬
‫فل منكم َواِ ْذ َزاغت األ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه‬
‫نونا ( )‪ ] ( ١٠‬األحزاب ‪]١٠:‬‬ ‫تظنو َن َ ُّ‬ ‫َو ُّ‬
‫باّلل الظ َ‬

‫فل ِمنكم { من جانب الغرب‪،‬‬ ‫ِ‬


‫قوله تعالى ‪ } :‬من فوِقكم { أي من جانب الشرق } َو ِمن أ َ‬
‫َس َ‬

‫}‬ ‫وشخوصا‪.‬‬ ‫َبص هار{ مالت عن مستوى نظرها َحيرة‬ ‫ِ‬


‫} َواِ ْذ َزاغت األ َ‬ ‫وهم أهل مكة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)١‬‬
‫ً‬
‫لوب اْل َحَن ِ‬
‫اجَر { جمع حنجرة وهي الحلقوم ‪ ،‬مدخل الطعام والشراب ‪ ،‬أي بلغت‬ ‫ِ‬
‫َوَبلغت ْاهلهق ه‬

‫وغما ‪ ،‬ألن الرئة تنتفخ من شدة الفزع والغم ‪ ،‬فيرتفع القلب‬


‫عبا ً‬
‫رأس الغلصمة من خارج ر ً‬

‫بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ‪ ،‬وهو مشاهد في مرض الخفقان من غلبة السوداء ‪ .‬قال‬

‫قتادة ‪:‬شخصت عن أماكنها ‪ ،‬فلوال أنه ضاق الحلقوم بها عن أن تخرج لخرجت ‪.‬وقال‬

‫بعضهم ‪:‬كادت تبلغ ‪ ،‬فإن القلب إذا بلغ الحنجرة مات اإلنسان ‪ .‬فعلى هذا يكون الكالم‬

‫تمثيال الضطراب القلوب من شدة الخوف وان لم تبلغ الحناجر حقيقة ‪.‬واعلم أنهم وقعوا في‬

‫الخوف من وجهين ‪ ،‬األول ‪:‬خافوا على أنفسهم من األحزاب ‪ ،‬ألن األحزاب كانوا‬

‫قض بنو قريظة العهد ‪ ،‬وقد‬


‫أضعافهم ‪ ،‬والثاني ‪:‬خافوا على ذ ارريهم في المدينة بسبب أن َن َ‬

‫قاسوا شدائد البرد‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير البيضاوي‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫والجوع ‪ ،‬كما قال بعض الصحابة ‪:‬لبثنا ثالثة أيام ال نذوق زًادا ‪ ،‬وربط عليه الصالة‬
‫والسالم الحجر على بطنه من الجوع ‪ ،‬وهو ال ينافي قوله ‪ » :‬إني لست مثلكم إني‬
‫‪ ،‬فإنه قد يحصل االبتالء في بعض األحيان‬ ‫(‪)١‬‬
‫أبيت عند ربي يطعمني ربي ويسقين«‬
‫للثواب‪.‬‬ ‫تعظيما‬
‫(‪)2‬‬
‫ً‬

‫أقول ‪:‬الذي يحصل له الخوف على أوالده أو على نفسه عليه أن يتوكل على هللا ج َل‬
‫وعال الذي خلقه من العدم وأوجده إلى الوجود ‪ ،‬وهو أرحم به من نفسه ‪ ،‬لكن الشدة‬
‫وتلك الحالة التي ذكرها المفسرون ‪ -‬رحمهم هللا تعالى ‪ -‬تحصل بالطبيعة البشرية ‪،‬‬
‫لكن في هذا الزمان ليس هناك مثل تلك الشدة وال تلك الحروب‪.‬‬

‫علينا أن ال ننزل من االعتقاد الصحيح إلى مستوى النفس األ َمارة والشيطان حتى يضيق‬
‫صدرنا ‪ ،‬فنكون بذلك من الذين يظنون باهلل ظن السوء‪.‬‬

‫نرجو من هللا تعالى ج َل جالله أن ِ‬


‫يوفقنا ويعطينا الثبات واالعتماد عليه ‪ ،‬ولو كان مع‬
‫التمسك باألسباب ‪ ،‬ألن األسباب سنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬والتوكل على هللا‬
‫لم ْؤ ِمنو َن { ] التوبة ‪ ، [ ٥١:‬هذا كالم رب العالمين ليس‬ ‫أقوى } وعلى َ ِ‬
‫ّللا فْلَي َ ِ‬
‫توَكل ْا ه‬ ‫ََ‬
‫كالم المفسرين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه البخاري ومسلم بلفظ ‪:‬قالوا نراك تواصل يا رسول هللا ‪ ،‬قال ‪ « :‬لست كأحدكم أَِّبيت عند ربي يطعمني ويسقين»‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫علينا أن نستحيي من أن هذه الشدائد كلها وقعت بالصحابة الكرام رضي هللا تعالى عنهم‬
‫وبرسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى يقول الكفار" ‪:‬ال إله إال هللا مح َمد رسول هللا "أو‬
‫يعطوا الجزية ونحن نتساهل في أمور الدين ‪ ،‬فنأكل ونشرب وال نتف َكر في ذلك الضيق‬
‫وب هعدنا عن‬
‫الذي وقع بهم ‪ ،‬كأننا لسنا منهم ‪ -‬نعوذ باهلل – أَخذنا بالطبيعة البشرية َ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعن مقتضى اإلسالم بسهولة ‪ ،‬نقول ‪:‬أهل أورَبا هكذا‬
‫سن مع االختالط ‪ ،‬وال نتفكر بأن هذه الحياة‬ ‫يقولون وهكذا يعيشون ‪ ،‬ونساؤهم هكذا ه‬
‫يدر َ‬
‫لها نهاية ‪ ،‬وأننا سنموت كما تموت الدنيا ‪ ،‬كيف نجيب هللا تعالى إذا سألنا عن إتباع‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم واتباع الصحابة رضي هللا عنهم؟ علينا أن نرجع إلى كتابنا‬
‫والى رسولنا ‪ ،‬فهذا ديننا‪.‬‬

‫نحن من أ َمة سيد المرسلين عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فال بد أن نكون ممن قال هللا‬
‫نهو َن َع ِن اْل همْن َك ِر َو ْتؤ ِمنو َن‬ ‫اس َتأْمرو َن ِباْلم ِ‬ ‫ِ‬
‫عروف َوْت َ‬
‫َ ه‬ ‫هخ ِر َج ْت للَن ِ ه ه‬
‫خير أه َمة أ ْ‬
‫فيهم ‪ْ }:‬كهنتم َ‬
‫اّلل { ] آل عمران ‪ ، [١١٠ :‬هذه الخيرَية لها شرطان ‪:‬األمر بالمعروف والنهي عن‬ ‫ِب َ ِ‬

‫المنكر مع اإليمان ‪.‬ال نشك في إيمان أحد ‪ ،‬ولكنكم تعيشون في الدنيا بين الناس‬
‫فالحكم لكم ‪ ،‬أنتم تحكمون‬
‫وتقرؤون سيرة الرسول صلى هللا عليه وسلم والصحابة الكرام ه‬
‫على أنفسكم‪.‬‬
‫نرجو هللا تعالى أن ينفعنا بكتابنا وبسنة رسولنا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وأن ال‬
‫يخرجنا من الدنيا إال مع اإليمان‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫اللفظ السادس و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫نافقو َن واَل ِذ ِ‬
‫( واِذ يقول اْلم ِ‬
‫ورا)‬ ‫ّللا َوَر هسوهل هه ِإالَ ه‬
‫غر ً‬ ‫ين في هقلوبِ ِهم َمَرض َما َو َع َدنا َ ه‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ َ‬
‫( ‪ ] (١٢‬األحزاب ‪[١٢:‬‬

‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { ضعف اعتقاد ‪.‬فإن قلت ‪ :‬ما الفرق بين‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬واَلذ َ‬

‫تكذيبا ال يعتريه فيه شك ‪ ،‬والمريض‬ ‫المنافق والمريض؟ قلت ‪:‬المنافق من َّ‬


‫كذب الشيء‬
‫ً‬

‫ّللا َعلى َحرف فِإن أ َ‬


‫َص َاب هه َخير‬ ‫عب هد َ َ‬ ‫من قال هللا تعالى في حقه ‪َ } :‬و ِم َن الَن ِ‬
‫اس َمن َي ه‬

‫لب َعلى َوج ِه ِه { ]الحج ‪ ، [ ١١:‬كذا في األسئلة‬ ‫ِ‬ ‫ا ْطمأ َ ِ‬


‫َن ِبه َواِن أ َ‬
‫َص َاب ْت هه ف ْتَنة اْنَق َ‬ ‫َ‬

‫المقحمة ‪.‬قال الراغب ‪:‬المرض ‪:‬الخروج عن االعتدال الخاص باإلنسان ‪ ،‬وهو ضربان ‪:‬‬

‫وشبه النفاق والكفر‬


‫َ‬ ‫الخلقية‪،‬‬
‫جسمي ونفسي‪ ،‬كالجهل والجبن والنفاق ونحوها من الرذائل ُ‬

‫ونحوهما من الرذائل بالمرض إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل ‪ ،‬كالمرض المانع عن‬

‫التصرف الكامل ‪ ،‬واما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة األخروية المذكورة في قوله ‪}:‬‬

‫الدار ِ‬
‫اآلخَرة ل ِه َي اْل َحَي َو ه‬
‫ان { ]العنكبوت‪ ، [٦4 :‬واما لميل النفس بها إلى االعتقادات‬ ‫َواِ َن َ َ‬

‫‪.‬‬ ‫الرديئة ميل بدن المريض إلى األشياء المضرة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫أقول ‪:‬مَيز هللا تعالى في هذه اآلية الكريمة بين المنافقين وبين الذين في قلوبهم مرض‬

‫ألن المنافقين خارجون من الدين باعتقادهم‪ ،‬أما المرض الذي هو األخالق الذميمة في‬

‫صالحا ال يضر دنياه وال جسده‬


‫ً‬ ‫قلب المؤمن فإنه يجعله فاسقا ً‪ ،‬ألنه إذا رأى عمال‬

‫يتبعه ويستقيم عليه ‪ ،‬أما إذا كان العمل يضر دنياه أو جسده فإنه ينحرف عن تلك‬

‫االستقامة ؛ وذلك من ضعف اعتقاده وضعف إيمانه ‪.‬أما المؤمن القوي فإنه يخالف هذه‬

‫الطبيعة المذمومة ويبقى على اعتقاده وايمانه الصحيح ‪ ،‬سواء أضر بدنياه أو بجسمه‬

‫ظاهرا‪ ،‬وهو خارج عن هذا الموضوع ‪،‬‬


‫ً‬ ‫أو ال ؛ وأما المنافق فإنه ال يوصف باإليمان إال‬

‫مريضا فقط ‪ ،‬بل ال هي ِقُّر باإليمان بالحشر بعد الموت وغير ذلك من األمور‬
‫ً‬ ‫فهو ليس‬

‫الغيبية ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬لكنه يحفظ عَنقه من السيف وأمواَله من السلب بإظهاره لإليمان‪.‬‬

‫الفساق من المؤمنين‬
‫قد يعَبر عن قلوب الكفار والمنافقين بأن فيها مرض وعن قلوب َ‬

‫بأن فيها مرض ‪ ،‬ولكن هذا المرض ليس مثل ذلك المرض ؛ المرض الذي في قلب‬
‫َ‬

‫المنافق والكافر هيخرجه عن اإليمان ‪ ،‬أما المرض الذي في قلب الفاسق من المؤمنين‬

‫فال هيخرجه عن اإليمان‪.‬‬

‫الله َم سلِم قلوبنا من األمراض يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫اللفظ السابع و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اصي ِهم َوقذف ِفي هقلوبِ ِه هم ُّ‬


‫تاب ِمن صي ِ‬ ‫هل ْا ِ‬
‫وهم ِمن أَ ِ‬ ‫ِ‬
‫عب ِ‬
‫فرًيقا‬ ‫الر َ‬ ‫ََ‬ ‫لك ِ‬ ‫ظاههر ه‬
‫ين َ‬ ‫( َوأَْن َز َل اَلذ َ‬
‫فرًيقا ( )‪ ] (٢٦‬األحزاب ‪]٢٦:‬‬‫َت ْقهتلو َن َوَتأ ِْسهرو َن ِ‬

‫تاب ِمن صي ِ‬ ‫َهل ْا ِ‬


‫وهم ِمن أ ِ‬ ‫ِ‬
‫اصي ِهم { أي ‪ :‬وأنزل تعالى‬ ‫ََ‬ ‫لك ِ‬ ‫ظاههر ه‬
‫ين َ‬‫قوله تعالى ‪َ }:‬وأَْن َز َل اَلذ َ‬

‫يهود بني قريظة الذين أعانوا المشركين ونقضوا عهدهم مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫وانقلبوا على رسول هللا وأصحابه أنزلهم من حصونهم وقالعهم‬

‫الرعب{ أي ‪:‬الخوف والفزع ‪ ،‬بحيث َّ‬ ‫ِ‬


‫سلموا أنفسهم للقتل وأهليهم‬ ‫} َوقذف في هقلوبِ ِه هم ُّ َ‬

‫فرًيقا َت ْقهتلو َن { يعني رجالهم} َوَتأ ِْسهرو َن‬


‫وأوالدهم لألسر‪ ،‬حسبما ينطق به قوله تعالى ‪ِ }:‬‬

‫فضالً عن‬ ‫ِ‬


‫فرًيقا { يعني نساءهم و صبيانهم ‪ ،‬من غير أن يكون من جهتهم حركة‬

‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫المخالفة‬

‫أقول ‪:‬هيفهم من هذه اآلية الكريمة أن نقض العهد مع هللا ومع رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫انهاكم‬
‫ذوه َو َم َ‬
‫ول َف هخ ه‬
‫الر هس ه‬
‫اك هم َ‬
‫وسلم ال يليق بالمؤمنين ‪ ،‬ألن هللا ج َل وعال قال ‪َ }:‬و َما َء َات ه‬

‫تهوا{ ] الحشر ‪ ، [ ٧:‬هذا هو إتباع الرسول عليه الصالة والسالم ؛ فيجب على‬
‫َعْن هه ف ْاَن ه‬

‫المؤمن أن ال ينحرف عن القرآن الكريم وعن السَنة النبوَية ؛‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‬

‫‪320‬‬
‫َموال‬ ‫ِ‬ ‫قل ِإن َك َ‬
‫اجكم َو َعش َيرتكم َوأ َ‬
‫َزو ه‬
‫خواهنكم َوأ َ‬
‫َبن هاؤكم َوِا َ‬
‫ان َء َاب هاؤكم َوأ َ‬ ‫ولذا قال تعالى‪ْ } :‬‬

‫ّللا َوَر هسوِل ِه َو ِج َهاد‬


‫ترضونها أَح َب ِإليكم ِمن َ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ا َق َترهفتم َ ِ‬
‫وها َوت َج َارة تخشو َن َ‬
‫كس َاد َها َو َم َساك هن َ َ َ َ‬ ‫ه‬
‫ّللا ال ي ِ‬
‫هدي اْلَقوم اْل ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين { ]التوبة ‪. [ ٢٤:‬‬
‫فاسق َ‬ ‫َ‬ ‫َمرِه َو َ ه َ‬
‫ّللا ِبأ ِ‬
‫في َسبيله َف َترَب هصوا َح َتى َيأْت َي َ ه‬

‫هذا العهد الذي عاهدناه هلل بأن يكون َ‬


‫أحب إلينا من أنفسنا ‪ ،‬ووعدناه أن ال ننقض‬

‫العهد معه وأن نتبع رسوله عليه الصالة والسالم يجعل من غير الالئق بالمؤمن أن‬

‫نسيانا عليه أن يرجع إلى هللا بالتوبة الصحيحة ال توبة‬


‫ً‬ ‫يخالف ‪ ،‬فإذا خالف خطأً أو‬

‫المصر على الذنب ‪ ،‬وعلماؤنا يقولون ‪:‬توبة المصر على الذنب ليست مقبولة ‪ ،‬بل‬

‫عليه أن يقطع ويترك المعاصي‪.‬‬

‫يغرنا بهذه الدنيا الفانية‪.‬‬


‫نرجو هللا تعالى أن يقبل توبتنا ويوجهنا إليه وال َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫اللفظ الثامن و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫في ْط َم َع اَل ِذي ِفي‬ ‫عن ِب ْاَل ِ‬


‫قول َ‬ ‫تخ َض َ‬
‫تن فال ْ‬ ‫تن كأ ِ ِ‬
‫النس ِ‬
‫اء ِإ ِن ا َتَقهي َ‬ ‫َحد م َن َ‬
‫َ‬ ‫اء الَن ِبي َل هس َ‬ ‫ِ‬
‫( َيا ن َس َ‬
‫ِ‬
‫عرًوفا ( )‪ ] (٣٢‬األحزاب ‪]٣٢:‬‬ ‫قْل ِبه َمَرض َو قْل َن قوالً َم ه‬

‫لستن كجماعة واحدة‬ ‫تن كأ ِ ِ‬ ‫اء الَن ِبي َل هس َ‬ ‫ِ‬


‫َحد م َن الن َساء { المعنى ‪ُ :‬‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬يا ن َس َ‬

‫من جماعات النساء في الفضل والشرف بسبب صحبة النبي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فإن‬

‫تن { مخالفة حكم هللا ورضا رسوله ‪ ،‬وهو‬ ‫المضاف إلى الشريف شريف ‪ِ } ،‬إ ِن ا َت ه‬
‫قي َ‬ ‫(‪)١‬‬

‫ِّ‬
‫طا لِّخيريتهن ً‬
‫وبيانا أن‬ ‫استئناف ‪ ،‬والكالم تام على أحد من النساء ‪ ،‬ويحتمل أن يكون شر ً‬

‫عن‬ ‫فضيلتهن إنما تكون بالتقوى ال باتصالهن بالنبي عليه الصالة والسالم ‪ } ،‬فال ْ‬
‫تخ َض َ‬

‫لينا مثل قول المطمعات ‪،‬‬


‫خاضعا ً‬ ‫قول { عند مخاطبة الناس‪ ،‬أي ال ِّ‬
‫تجب َن بقولكن‬ ‫ِب ْاَل ِ‬
‫ً‬

‫والخضوع ‪ :‬التطامن والتواضع والسكون ‪.‬والمرأة‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬وعلى هذا فالمؤمنون والمؤمنات ُّ‬
‫كلهم شرفاء ألنهم منسوبون إلى اإليمان‪ ،‬ألن هللا يرضى لعباده اإليمان وال يرضى‬
‫الكفر والفسوق والعصيان‪.‬‬
‫ما دمنا نحن وأزواجنا وبناتنا منسوبون إلى اإليمان باهلل ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فعلينا أن نحفظ هذا الشرف‪ ،‬وأن‬
‫ال نقع في الريبة كما شاع في زماننا هذا من اختالط النساء بالرجال‪.‬‬
‫الحسن والعقل لتستعمل هذا العقل في آخرتها‪ ،‬فإذا خالفت أمر هللا واتباع رسول هللا‬
‫هللا تعالى أنعم على البنت بالجمال و ُ‬
‫عذابا ونقمة في‬
‫صلى هللا عليه وسلم فإنها إذا ماتت ‪ -‬وهي بالضرورة تموت ‪ -‬عندئذ تنقلب تلك النعمة الجسيمة عليها ً‬
‫القبر ‪.‬هذا ليس شأن المؤمن ‪.‬الذي َّ‬
‫يتفكر في إيمانه وفي اعتقاده الصحيح ال يعمل هكذا‪.‬هذه اآلية الكريمة وان كانت في‬
‫حق نساء النبي صلى هللا عليه وسلم لكن هذا الحكم عام‪ ،‬لذلك نحن مسئولون عن هذه المخالفات‪.‬‬
‫جميعا‬
‫ً‬ ‫وهللا ولي التوفيق ‪.‬نسأل هللا تعالى السالمة لنا وللمؤمنين والمؤمنات‬

‫‪322‬‬
‫مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت األجانب لقطع األطماع ‪ ،‬فإذا أتى الرجل باب‬

‫إنسان وهو غائب فال يجوز للمرأة أن تلين بالقول معه وترقق الكالم له ‪ ،‬فإنه يهيج الشهوة‬

‫في ْط َم َع اَل ِذي ِفي قْل ِب ِه َمَرض { أي ‪ :‬محبة فجور ‪َ }،‬وقْل َن‬
‫ويورث الطمع ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬‬

‫بعيدا من التهمة واألطماع ‪ ،‬بجد وخشونة ال بتكسر ُّ‬


‫وتغنج كما يفعله‬ ‫عرًوفا { ً‬
‫قوالً َم ه‬

‫َّ‬
‫المخنث ‪ ،‬فالزنا من أسباب الهالك المعنوي ‪ ،‬كالمرض من أسباب الهالك الصوري ‪،‬‬

‫والمطاوعة‪.‬‬ ‫وسببه المالينة‬


‫(‪)١‬‬

‫اللهم احفظ المسلمين ونساءهم من الفتن ‪ ،‬ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬

‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسَّلم‪.‬‬


‫َّ‬

‫ـــــــــــــــــــ‬

‫‪-١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫اللفظ التاسع و العشرون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ليك‬
‫ناح َع َ‬
‫َع َزْلت فال هج َ‬ ‫اء َو َم ِن َابتغيت ِم َمن‬ ‫ليك َمن َت َش ه‬
‫رجي من َت َش ِ‬
‫اء مْن هه َن َو ْتؤوِي ِإ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫( هت ِ‬
‫ّللا َيعَل هم َما ِفي‬
‫َو َ ه‬
‫ته َن ُّ‬
‫كل هه َن‬ ‫ين ِب َما َءاَ َتي ه‬
‫رض َ‬‫حز َن َوَي َ‬
‫نه َن َو ال َي َ‬
‫َعي ه‬‫قر أ ه‬‫ذلِ َك أ ََدنى أَن َت َ‬
‫ليما ( )‪ ] (٥١‬األحزاب ‪]٥١:‬‬
‫ليما َح ً‬
‫ّللا َع ً‬
‫كان َ ه‬
‫هقلوبكم َو َ‬

‫ّللا َيعَل هم َما ِفي هقلو ِب هكم {خطاب له صلى هللا عليه وسلم وألزواجه‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬و َ ه‬

‫المطهرات ‪ ،‬على سبيل التغليب ‪.‬والمراد بما في القلوب عام ‪ ،‬ويدخل فيه ما يكون في‬

‫قلوبهن من الرضا بما دبر هللا تعالى في ِّ‬


‫حقهن من تفويض األمر إليه صلى هللا عليه‬

‫وسلم‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫ِ‬
‫ّللا‬ ‫ّللا َيعَل هم َما في هقلو ِبكم { من الضمائر والخواطر ‪ ،‬فاجتهدوا في إحسانها‪َ } ،‬وَك َ‬
‫ان َ ه‬ ‫} َو َ ه‬

‫يما { ال يعاجل بالعقوبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫مبالغا في العلم ‪ ،‬فيعلم ما تبدونه وما تخفونه ‪َ } ،‬حل ً‬
‫ً‬ ‫يما {‬
‫َعل ً‬

‫إهمال‪.‬‬ ‫فإنه إمهال ال‬ ‫فال تغتروا بتأخيرها‬


‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير األلوسي ‪.‬‬
‫‪- 2‬علينا أن ال نكون على هذا الوصف حتى ال نكون من فساق المؤمنين ‪ -‬كما قال المفسرون رحمهم هللا‬
‫النغَّر بعدم إهالكنا في الدنيا‪ ،‬فإن مخالفتنا تضرنا في اآلخرة‪.‬‬
‫‪-‬علينا أن َ‬
‫‪- 3‬تفسير روح البيان‬

‫‪324‬‬
‫وقسمتها ‪ ،‬سواء كان ذا‬
‫ه‬ ‫نصيبها‬
‫ه‬ ‫ترض فإنه‬
‫أقول ‪:‬سواء رضيت الزوجة عن زوجها أولم َ‬

‫هخلق ‪ ،‬ذا دين ‪ ،‬ذا مال ‪ ،‬أو لم يكن ‪ ،‬فعليها أن تحفظ حدود ما أمرها هللا ج َل وعال به ‪،‬‬

‫لئال تكون ً‬
‫سببا للخالفات والمناقشات التي قد توصل إلى ما يحصل لبعضهن‪.‬‬

‫التحمل ‪ ،‬بخالف ما‬


‫ُّ‬ ‫على األزواج أن يتح َملوا أقوال وأخالق النساء التي تدخل في مجال‬

‫ال يدخل في التحمل من أمور الغيرة ‪ ،‬فإن تحمل أخالق النساء من شؤون الرجال‬

‫الك َمل ‪.‬علينا ‪ -‬إذا لم توجد المودة ‪ -‬أن نأخذ بالرحمة ‪ ،‬كما قال هللا تعالى ‪َ } :‬و َج َع َل‬

‫َبَينكم َم َوَدة َوَر َ‬


‫حمة { ] الروم ‪.[ ٢١ :‬‬

‫يكن صالحات قانتات حافظات للغيب وحافظات للمال وحافظات للع َفة‬
‫وعلى الزوجات أن َ‬

‫وحافظات للدين ‪ ،‬هذه وظيفة المرأة ‪ ،‬وتفوض أمرها بعد ذلك إلى هللا تعالى‪.‬‬

‫فكما أنه للرجال على النساء حق ‪ ،‬كذلك للنساء على الرجال حق ‪ .‬حفظ هذه الحقوق‬

‫واجب في الشريعة الغراء على المؤمنين ‪ ،‬وال يجوز أن تكون العالقة مبنَية على تكبر‬

‫الرجال وترفعهم على النساء فيظلمونهن ‪ ،‬بل على أسس المعاملة الحسنة ‪ ،‬ألن هللا‬

‫تعالى قال ‪ِ } :‬إ َن أَ ْكرمكم ِعْند َ ِ‬


‫ّللا أ ََتقاكم{ ] الحجرات ‪ .[١٣:‬فيمكن أن تكون المرأة أتقى‬ ‫َ‬ ‫ََ‬

‫من الرجل‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من المتقين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫اللفظان الثالثون والحادي والثالثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ِإَن ه‬
‫اه‬ ‫غير ناظ ِر َ‬ ‫ذن لكم ِإلى َ‬
‫ط َعام َ‬ ‫امنوا ال َتد هخلوا هبهيوت الَن ِبي ِإالَ أَن هي ْؤ َ‬ ‫( َيا أَُّي َها اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫ان هي ْؤِذي‬ ‫ِ‬ ‫تشروا وال مستأِْن ِس ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين ل َحديث ِإ َن ذلكم َك َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َولكن إذا هدعهيتم َفاد هخلوا فإذا طع همتم ف ْاَن ه َ ه َ‬
‫َلوه َن ِمن‬
‫تاعا فاسأ ه‬
‫وه َن َم ً‬
‫ِ ِ‬
‫ّللا ال َي َستحيي م َن اْل َح ِق َواِذا َسأَهل ه‬
‫تم ه‬
‫ِ ِ‬
‫في َستحيي منكم َو َ ه‬‫الَن ِب َي َ‬
‫اء ِحجاب ذلِكم أَ ْطهر ِلهقلو ِبكم و هقلوبِ ِه َن وما َكان لكم أَن ْتؤذوا رسول َ ِ‬
‫ّللا َوال أَن‬ ‫ور ِ‬
‫َه َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َه‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫]األحزاب ‪]٥٣:‬‬ ‫ظيما ( )‪(٥٣‬‬
‫ّللا َع ً‬
‫ان عْن َد َ‬
‫إن ذلكم َك َ‬
‫اج هه من َبعده أََب ًدا َ‬
‫َزو َ‬
‫نكحوا أ َ‬
‫َت ه‬

‫قوله تعالى ‪ } :‬ذلِكم { أي ‪ :‬سؤال المتاع من وراء الحجاب } أَ ْط َههر لِهقلو ِبكم َوهقلوبِ ِه َن{‬

‫تطهير من الخواطر النفسانية والخياالت الشيطانية ‪ ،‬فإن كل واحد من الرجل‬


‫ًا‬ ‫أي أكثر‬

‫والمرأة إذا لم َير اآلخر لم يقع في قلبه شيء‪.‬‬

‫قال في كشف األسرار‪َ :‬نَقلهم عن مألوف العادة إلى معروف الشريعة ومفروض العبادة ‪،‬‬

‫وبين أن البشر بشر وان كانوا من الصحابة وأزواج النبي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فال يأمن‬

‫أحد على نفسه من الرجال والنساء ‪ ،‬ولهذا شدد األمر في الشريعة بأن ال يخلو رجل بامرأة‬

‫ليس بينهما محرمية ‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم ‪ »:‬ال يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما‬

‫(‪)2‬‬
‫«‪.‬‬
‫(‪)١‬‬
‫الشيطان‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه أحمد في مسنده وصححه الحاكم وابن حبان ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫جميعا‬
‫ً‬ ‫أقول ‪:‬هذا الحكم ألزواج الرسول صلى هللا عليه وسلم والصحابة رضي هللا عنهم‬

‫‪ ،‬فكيف حال المسلمين في هذا العصر من االختالط بين الرجال والنساء وعدم االهتمام‬

‫بهذه اآلية الكريمة؟ إذا قلنا ‪:‬هذا متعلِق بزمن الصحابة وال يمكن أن يطَبق وال ين َفذ اآلن‬

‫على المسلمين والمسلمات نكون قد أبطلنا أحكام الشريعة ‪ ،‬واذا قلنا ‪:‬الرجال والنساء‬

‫في هذا العصر أطهر وأوثق منهم رضي هللا تعالى عنهم فهذا ال يقبله الشيطان ‪ ،‬فكيف‬

‫وبتخل ِقنا‬
‫ُّ‬ ‫يقبله المؤمن؟ بقي شيء ثالث ‪:‬وهو أن ِ‬
‫نقَر هببعدنا عن الشريعة المح َمدَية ‪،‬‬

‫يامن تصلِي وتصوم وتحج كيف‬


‫باألخالق الغربَية ‪.‬الغرب أخالقهم كفرَية ‪ ،‬أما أنت َ‬
‫تسوق بنتك إلى الرجال؟ أين اإليمان؟ أين ِ‬
‫االتباع؟ أين االستحياء من هللا؟ أين حفظ‬

‫العفة واألدب؟ عليك أن تتفكر بهذا ‪.‬ارجع إلى هللا بالتوبة النصوح ‪ ،‬وامنع بناتك‬

‫ونساءك من االختالط ‪ ،‬حتى ال تكون هذه اللذائذ الفانية واألخالق المخالفة سبب فناء‬

‫آخرتهن‪.‬‬

‫شأن المؤمنين ‪ ،‬ليس من‬


‫جميعا‪ ،‬ولكن هذا ليس َ‬
‫ً‬ ‫حفظنا هللا واياكم والمسلمين‬

‫شأن المسلمين هذه الشناعة‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪327‬‬
‫اللفظ الثاني والثالثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫رج هفون ِفي ْالم ِدي ِ‬


‫نة هلن ْغ ِرَيَن َك ِب ِهم‬ ‫نافقو َن واَل ِذ ِ‬ ‫( َل ِئن لم يْن ِ‬
‫ته اْلم ِ‬
‫َ َ‬ ‫لم ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ين في هقلوبِهم َمَرض َوْا ه‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫يها ِإالَ َقلِيال ( )‪ ] (٦٠‬األحزاب ‪]٦٠:‬‬ ‫اورو ِ‬
‫نك ف َ‬‫ث َم ال هي َج ِ ه َ َ‬

‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { ضعف إيمان وقلة ثبات عليه ‪ ،‬أو فجور من‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬واَلذ َ‬

‫تزلزلهم في الدين وما يستتبعه مما ال خير فيه ‪ ،‬أو من فجورهم وميلهم إلى الزنى‬

‫(‪)١‬‬
‫والفواحش‪.‬‬

‫أقول ‪:‬ال نحكم على أحد من المؤمنين والمؤمنات بالفسق ومرض القلب‪ .‬والذي انتبهت‬

‫روحه وخلصت من سيطرة النفس األمارة عليه أن ال يبرئ نفسه من خبائثها ‪ ،‬كما قال‬

‫س ألَ َم َارة ِب ُّ‬ ‫سيدنا يوسف عليه السالم ‪ } :‬وما أهبر ه ِ‬


‫السوء { ] يوسف ‪:‬‬ ‫ئ نفسي ِإ َن الَن ْف َ‬ ‫ََ َ‬

‫‪ ،[ ٥٣‬ألن النفس البشرية أ َمارة بالسوء } ِإالَ َما َر ِح َم َربي{ هذا مستثنى‪.‬‬

‫الذي يقف على خباثة نفسه يعلم ما ينزل في زوايا قلبه من الشيطان وما يأتي من‬

‫الرحمن بواسطة المالئكة ‪ ،‬فإذا وقف على هذا عليه أن يتجَنب المخالفة قبل الوقوع ‪.‬‬

‫لكن صاحب هذا الوصف هو بإيمانه يحكم على قلبه ‪ ،‬نحن ال نحكم على‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض{‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلبه وال نعرف ؛ الم َ ِ‬
‫طلع هو هللا ‪ ،‬والمتكلم هو هللا ‪َ } :‬واَلذ َ‬
‫فصاحب اإليمان المطلع على زوايا قلبه هو يحكم على نفسه بنفسه ‪ ،‬عندئذ – إن شاء‬

‫هللا ‪ -‬يكون ً‬
‫جيدا ‪ ،‬وهللا يعينه ‪ .‬ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لسيدنا علي‬
‫(‪)١‬‬
‫رضي هللا عنه ‪ » :‬يا علي ال تتبع النظرة النظرة‪ ،‬فإن لك األولى وليست لك األخرى«‬
‫فمحل ِ‬
‫الكل هو القلب‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تحرك الشهوة كيف يحصل النظر إلى النساء؟ ‪،‬‬
‫إذا لم يحصل ُّ‬

‫الطريق والتقوى يأمران باالنتباه إلى هذه األمور الخفية ‪ ،‬ولذا فإن مفتاح السير‬
‫التحرك الروحي باتجاه هللا تعالى والمنع عن الرذائل ما هي إال‬
‫ُّ‬ ‫والسلوك القلبي ووسائل‬
‫ذكر هللا ‪.‬السلوك القلبي ‪:‬بالمجاهدة ‪ ،‬والوسائل الروحية ‪:‬بتوجيه الروح إلى موافقة هللا ‪،‬‬
‫واالبتعاد عن مخالفته‪ .‬المراد من دخول الطريق تزكية النفس األمارة ‪ ،‬ألن مصدر‬
‫المنور بنور اإليمان ينكر‬
‫َ‬ ‫النفس األمارة وأستاهذها الشيطان الملعون ؛ و ه‬
‫القلب‬ ‫ه‬ ‫الخبائث‬
‫خاليا من محبة هللا تعالى‬ ‫عليها ‪ ،‬واذا لم ينكر عليها يكون ًا‬
‫أسير لها‪ .‬إذا كان القلب ً‬
‫القلب الرَباني‪ ،‬ال القلب الصنوبري الذي يوجد في الحيوان‬
‫َ‬ ‫ميتا ‪ ،‬ونعني بالقلب هنا‬
‫عد ً‬‫هي ُّ‬
‫كذلك‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫َحي قلوبنا بنور معرفتك يا أرحم َ‬
‫الله َم أ ِ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن ُبريدة رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫اللفظ الثالث والثالثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬
‫قال َرُّبكم‬ ‫اعة ِعْن َد هه ِإالَ لِ َمن أَذ َن َل هه َح َتى ِإذا َ‬
‫فزع َعن هقلوبِ ِهم قاهلوا َماذا َ‬ ‫فع َ‬
‫الش َف َ‬ ‫( َوال تْن ه‬
‫ق َو هه َو اْل َعلِ ُّي ْالك ِب هير ( )‪ ] (٢٣‬سبأ ‪]٢٣:‬‬ ‫قاهلوا اْل َح َ‬

‫قوله تعالى ‪َ }:‬ح َتى ِإذا َ‬


‫فزع َعن هقلوبِ ِهم { التفزيع ‪:‬إزالة الفزع ‪.‬أي ‪:‬حتى إذا زال الفزع‬

‫والخوف عن قلوب الشفعاء ‪ ،‬من المالئكة واألنبياء(‪ ، )١‬وظهرت لهم تباشير اإلجابة‬

‫}قاهلوا {أي ‪:‬المشفوع لهم ‪ ،‬إذ هم المحتاجون إلى اإلذن والمهتمون بأمره ‪َ } :‬ماذا َ‬
‫قال‬

‫ِّ‬
‫المباشرون لالستئذان بالذات ‪،‬‬ ‫َرُّبكم { أي ‪:‬في شأن اإلذن} قاهلوا { أي ‪:‬الشفعاء ‪ ،‬ألنهم‬

‫المتوسطون بينهم وبينه تعالى بالشفاعة } اْل َح َ‬


‫ق { أي‪ :‬قال ربنا القول الحق ‪ ،‬وهو اإلذن‬

‫فما َتْن َف هع ههم‬


‫في الشفاعة للمستحقين لها ‪ ،‬فقد أذن هللا فيها للمؤمنين فقط‪ ،‬أما الكفار} َ‬
‫(‪)2‬‬

‫جل وعال المنفرد بالعلو والكبرياء ‪ ،‬العظيم‬ ‫اف ِعين { ] ِّ‬


‫المدثر ‪ ، [4٨ :‬وهو َّ‬ ‫َش َفاعة َ ِ‬
‫الش َ‬ ‫َ‬

‫وجالله‪.‬‬ ‫في سلطانه‬


‫(‪)3‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪ -3‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫أقول ‪ :‬من كان في الدنيا من أهل اإلحسان الذين وصفهم رسول هللا صلى هللا عليه‪:‬‬
‫‪ ،‬وسلم بقوله وكان‬ ‫(‪)١‬‬
‫» اإلحسان ‪:‬أن تعبد هللا كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك «‬
‫من الذين ال ينسون رَبهم ‪ ،‬ويتمسكون بالشريعة والسَنة النبوَية واإلخالص في العبادة ‪،‬‬
‫عليه أن ال يشتغل بأنه هل سيكون من أهل النجاة بحسن الخاتمة أم سيكون من أهل‬
‫ميسر لما خلق له‬
‫سوء الخاتمة ‪ ،‬ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم قال‪ » :‬اعملوا فكل َ‬
‫«(‪ ، )٢‬مع هذا ال بَد له من الخوف ‪ ،‬وكذلك الرجاء ‪ .‬على المكَلف أن يستوي خوفه‬
‫ورجاؤه‪ ،‬وما دام يعتقد أنه عبد هلل تعالى فليس له أن يسأل سيده ‪ :‬ماذا تفعل بي؟ بل‬
‫يفوض أمره إليه ج َل وعال ‪ ،‬فإذا كان من أهل اإلحسان ‪ -‬بفضل هللا ‪ -‬فإن هللا يعامله‬
‫بفضله وكرمه ال ِبعدله ‪ ،‬فهو تعالى يقبل عبادة المؤمنين والمؤمنات بفضله وكرمه‪.‬‬

‫فالعبد يفوض أمره إلى هللا تعالى ‪ ،‬ويرضى بما يحصل له من السعادة أو الشقاوة‪ ،‬ألن‬
‫تغيير ذلك ليس بيده ‪.‬ولكن عليه أن هيحسن المقدمات ‪ -‬كما أسلفنا‪ -‬من التمسك‬
‫بالشريعة والسَنة النبوَية واإلخالص في العبادة ‪ ،‬ثم يرجو رحمة هللا تعالى‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫وفقنا لذلك ِ‬


‫بمنك وكرمك يا أرحم َ‬ ‫الله َم ِ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المستخرج‪ ،‬واإلمام مسلم في صحيحه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪- ١‬أخرجه الحاكم في‬
‫‪- 2‬أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي هللا عنهما‬

‫‪331‬‬
‫اللفظ الرابع والثالثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َرض ِإَنه علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّللا َعالِم ِ‬ ‫ِ‬


‫الص هد ِ‬
‫ور ( )‪ ] (٣8‬فاطر ‪]٣8:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫الس َم َاوات َواأل ِ ه َ‬
‫غيب َ‬ ‫( إ َن َ َ ه‬

‫َرض { أي ‪:‬ما غاب فيهما عنكم ‪ِ}،‬إَن هه‬ ‫السماو ِ‬


‫ات َواأل ِ‬ ‫ّللا َعالِم ِ‬ ‫ِ‬
‫غيب َ َ َ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬إ َن َ َ ه‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { ‪ ،‬تعليل لما قبله ؛ ألنه إذا علم ما في الصدور ‪ ،‬وهي أخفى ما‬ ‫علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫َ‬
‫(‪)١‬‬
‫ووساوسها‪.‬‬ ‫مضم اُرتها‬
‫َ‬ ‫يكون ‪ ،‬فقد علم كل غيب في العالم ‪.‬وذات الصدور ‪:‬‬

‫أقول ‪:‬األخالق السيئة هي السموم القاتلة والمهلكات الدامغة والرذائل الواضحة والخبائث‬

‫المبعدة عن جوار رب العالمين ‪ ،‬وتجعل صاحبها ينخرط في سلك الشياطين ‪ ،‬وهي‬

‫األبواب المفتوحة إلى نار هللا الموقدة التي تطلع على األفئدة‪ ،‬كما أن األخالق الجميلة‬

‫الرحمن‪.‬‬ ‫هي األبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم ِ‬


‫الجنان وجوار َ‬

‫األخالق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس ‪ ،‬إال أن هذه األمراض تفوت حياة األبد‬

‫‪ ،‬وأين منها المرض الذي ال يفوت إال حياة الجسد؟ ومهما اشتدت عناية‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫األطباء بضبط قوانين العالج لألبدان فليس في مرضها إال فوت الحياة الفانية‪ ،‬فالعناية‬

‫بضبط قوانين العالج ألمراض القلوب التي في مرضها فوت الحياة الباقية أَولى ‪.‬وهذا‬

‫النوع من الطب واجب ُّ‬


‫تعلمه على ِ‬
‫كل ذي هَلب ‪ ،‬إذ ال يخلو قلب من القلوب عن أسقام‬

‫اب َمن‬ ‫وشاهد ذلك قوله تعالى ‪ } :‬قد أَ ْفَل َح َمن َزَك َ‬
‫اها (‪َ (٩‬و قد َخ َ‬ ‫ه‬ ‫‪ ،‬لو أههملت تراكمت‪،‬‬

‫َد َساها { ] الشمس ‪.[١٠-٩:‬‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { عليم بهذه الخفايا وعليم بهذه األسقام ‪ ،‬فعلى‬ ‫وبما أنه تعالى } علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫َ‬

‫العبد أن يعالج أسقام قلبه حتى ال يتراكم بعضها على بعض ‪ ،‬فيكون ممن قال هللا فيهم ‪:‬‬

‫} َكالَ َب ْل َر َ‬
‫ان َع ََلى هَ هقلوبِ ِهم { ]المطففين ‪ ، [ ١٤:‬فإذا عالجها بالمجاهدة يناله وعد‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لمح ِسن َ‬
‫ين { ] العنكبوت ‪[٦٩:‬‬ ‫اههدوا فَينا َلنهدَيَن ههم هسهبَلنا َواِ َن َ َ‬
‫ّللا َل َم َع ْا ه‬ ‫هللا ‪َ } :‬واَلذ َ‬
‫ين َج َ‬

‫فيكون من أهل اإلحسان‪ ،‬عندئذ المحسن ج َل وعال ال يعذب عبده المحسن‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من المحسنين‪ ،‬وال تعذبنا يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫اللفظ الخامس والثالثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اء َرَب هه ِبقْلب َسلِيم ( ‪[ ) 8٤‬الصافات ‪]8٤-8٣:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( واِ َن ِمن ِش ِ ِ‬
‫يعته ِإل َبراه َ‬
‫يم ( ‪ ) 8٣‬إذ َج َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫قوله تعالى ‪ِ } :‬بقْلب َسلِيم { أي ‪:‬سالم من العالئق الدنيوية ‪ ،‬بمعنى أنه ليس فيه شيء‬

‫(‪)١‬‬
‫أهلها‪.‬‬ ‫من محبتها والركون إليها والى‬

‫أو سليم من آفات القلوب ‪ ،‬أو من العالئق ‪ ،‬خالص هلل أو مخلص له ‪.‬وقيل‪ :‬حزين ‪،‬‬

‫اللديغ‪.‬‬ ‫من السليم بمعنى‬


‫(‪)2‬‬

‫فالقلب السليم يوحي بجميع صفات النقاء والكمال ‪ ،‬فهو قلب مؤمن نقي طاهر ‪ ،‬سالم من‬

‫الحياة‪)3( .‬‬ ‫الحقد والغل والحسد والكبر والمكر والخبث ‪ ،‬لم تدنسه شهوات‬

‫أقول ‪:‬القلب الخالص ال توجد فيه هذه األخالق الذميمة التي عدها المفسر‪ -‬حفظه هللا‬

‫يضر‬
‫ذميما ُّ‬
‫ً‬ ‫أوصلها بعضهم إلى اثنين وأربعين هخ ًلقا‬
‫تعالى ‪ -‬والتي ال تنحصر بها ‪ ،‬بل َ‬

‫قلب المؤمن ‪ ،‬وعلى رأسها ِإتباع الهوى مع األنانية‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير األلوسي ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير البيضاوي ‪.‬‬
‫‪- 3‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫اه { ] الجاثية ‪ ، [ ٢٣:‬فهذا من الذنوب الكبائر ‪ ،‬ولذا هدَد‬ ‫َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ‬
‫له هه َه َو ه‬ ‫} أ َأ‬

‫َفرَيت{‪.‬‬
‫هللا تعالى بقوله ‪ }:‬أ َأ‬

‫الله َم خلِصنا من األخالق الذميمة يا أرحم َ‬


‫الراحمين ‪ ،‬واجعلنا من أهل خصوصيتك يا‬

‫لكن هللا ج َل وعال من فضله‬


‫رب العالمين ‪.‬فإننا وان كنا بعيدين عنهم بأعمالنا وأخالقنا َ‬
‫َ‬

‫وكل شيء عند هللا تعالى سهل ‪ ،‬ال مانع لما يعطي ج َل‬
‫وكرمه جعل محبتهم في قلوبنا ‪ُّ ،‬‬

‫عال‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫اللفظ السادس والثالثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫رض هه لكم َوال‬


‫كروا َي َ‬ ‫ّللا َغِني عنكم وال ي َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫تك ه ِ‬ ‫( ِإن ه‬
‫تش ه‬
‫لكفر َواِن ه‬
‫رضى لعَباده ْا َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫فروا َفإ َن َ َ‬
‫رجعكم َفيَن هبئكم ِبما ْكهنتم َتعملو َن ِإَنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خرى ث َم ِإ لى َربكم َم ِ ه ه‬
‫زر أه َ‬‫َت ِزهر َو ِازَرة ِو َ‬
‫الص هد ِ‬
‫ور ( )‪ ] (٧‬الزمر ‪]٧:‬‬ ‫ُّ‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { يعني أنه يمكنه أن ينبئكم بأعمالكم ‪ ،‬ألنه عالم‬ ‫قوله تعالى ‪ِ } :‬إَنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ه َ‬

‫بجميع المعلومات ‪ ،‬فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي و الصوارف ‪ .‬وقال صلى هللا عليه‬

‫وسلم ‪ :‬إن هللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أقوالكم ‪ ،‬ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم «‬
‫(‪)١‬‬

‫بمضمرات القلوب ‪ ،‬فكيف‬ ‫الص هد ِ‬


‫ور{ أي ‪ :‬مبالغ في العلم‬ ‫فقوله تعالى ‪ } :‬علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫باألعمال الظاهرة ؟ وفي اآلية دليل على أن ضرر الكفر والطغيان يعود إلى نفس الكافر ‪،‬‬

‫كما أن نفع الشكر واإليمان يعود إلى نفس الشاكر ‪ ،‬وهللاُ غني عن العالمين ‪ ،‬كما وقع‬

‫َّ‬
‫وجنكم كانوا على أتقى‬ ‫في الكلمات القدسية ‪ » :‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم‬

‫شيئا ‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم‬


‫قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ُملكي ً‬

‫َّ‬
‫وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫خير فليحمد هللا‪ ،‬ومن‬
‫‪ ،‬وفي آخر الحديث ‪ » :‬فمن وجد ًا‬ ‫(‪)١‬‬
‫شيئا«‬
‫ذلك من ملكي ً‬
‫يلومن إال نفسه« ‪.‬‬
‫وجد غير ذلك فال َ‬
‫(‪)2‬‬

‫طلِع على خفايا ضميره وقلبه ‪ ،‬وهذا ال بد منه حتى‬


‫أقول ‪:‬المؤمن ‪ -‬بعد هللا تعالى ‪ -‬م َ‬

‫كافر بل يكون‬
‫يخرج من الفسق ‪ ،‬ألن المؤمن إذا كان ظاهره خالف باطنه ال يكون ًا‬
‫فاسقا ‪ ،‬وهو حينذاك ال يكتفي بعلم هللا بما في ضميره ‪ ،‬بل يحاول بلسانه أن يوضح‬
‫ً‬
‫ّللا‬ ‫ِ‬ ‫خالف ما في قلبه { } رُّبكم أَعلم ِبما ِفي هن ِ‬
‫} َوهي َحذهرهك هم َ ه‬ ‫فوسكم { ] اإلسراء ‪[ ٢٥:‬‬ ‫َ ه َ‬ ‫َ‬
‫البقرة ‪[٢٢٠:‬‬ ‫ّللا َيعَل هم اْل هم ْف ِس َد ِم َن اْل همصلِ ِح{ ]‬
‫َن ْف َس هه{ ] آل عمران ‪َ } ، [ ٣٠:‬و َ ه‬

‫من كان يؤمن بكالمه ج َل وعال ويؤمن بوحدانيته ويؤمن بصفاته عليه أن ال يخالف‬
‫طنه ‪ ،‬وأن ال يتكلم إال بالصدق ؛ ال يلزم أن يتكَلم ك َل الصدق ‪ ،‬لكن كَلما تكَلم‬
‫ظاهره با َ‬
‫ه‬
‫جميعا أن نشكر هللا جل جالله على ما أنعم علينا ‪ ،‬من‬ ‫ً‬ ‫عليه أن يتكَلم بالصدق ‪.‬علينا‬
‫اإليمان واتباع الرسول عليه الصالة والسالم ودراسة القرآن الكريم ومفاهيمه ‪ ،‬وهو أرحم‬
‫عبيدا للدنيا وال ألنفسنا‪.‬‬ ‫الراحمين ‪ ،‬يعفو عنا ج َل وعال بشرط أن نكون ً‬
‫عبيدا له ال ً‬ ‫َ‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫عبيدا خالصين لك يا أرحم َ‬
‫الله َم اجعلنا ً‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫اللفظان السابع والثالثون و الثامن والثالثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لوب ههم ِمن ِذ ْك ِر‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫درهه لِ ِ‬


‫فه َو َعلى نور من َربه َف َويل لْلَقاسَية هق ه‬
‫إلسالمِ ه‬ ‫ّللا َص َ‬
‫شر َح َ ه‬
‫َفمن َ‬‫(أ َ‬
‫ئك في َضالل همبين ( ) ‪ ] (٢٢‬الزمر ‪]٢٢:‬‬ ‫ّللا أهوَل َ‬
‫َ‬

‫أي ‪ :‬هل من أنار بصيرته وشرح صدره لإلسالم فاستضاء بنوره واهتدى ‪ ،‬وفي اآلية‬

‫ودل على هذا المحذوف ما‬


‫محذوف تقديره ‪:‬كمن هو أعمى القلب ‪ ،‬مطموس البصيرة؟ َّ‬

‫اسي ِة َ هقلوبهم ِمن ِذ ْك ِر َ ِ‬


‫ّللا { أي‪ :‬فهالك ودمار‬ ‫ِ ِ‬
‫بعده ‪ ،‬وهو قوله سبحانه ‪َ } :‬ف َويل لْلَق َ ه ه ه‬

‫لهؤالء القساة القلوب ‪ ،‬الذين ال تلين قلوبهم وال تخشع عند سماع آي الذكر الحكيم ‪ ،‬أولئك‬

‫في بعد عن الحق وضالل واضح بين ‪.‬والنفس إذا كانت خبيثة ال يزيدها القرآن إال قسوة‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫وغلظة وشقاء وخسرًانا‬

‫قال في اإلرشاد ‪ :‬شرُح الصدر لإلسالم عبارة عن تكميل االستعداد له ‪ ،‬فإن الصدر محل‬

‫القلب ‪ ،‬الذي هو منبع للروح التي تتعلق بها النفس القابلة لإلسالم ‪ ،‬فانشراحه مستدع‬

‫درهه {‬
‫ّللا َص َ‬
‫شر َح َ ه‬
‫التساع القلب واستضاءته بنوره ‪ ،‬فهذا شرح قبل اإلسالم ال بعده ‪َ } ،‬‬

‫مستعدا لإلسالم ‪ ،‬فبقي على الفطرة األصلية ولم يتغير بالعوارض‬


‫ً‬ ‫أي ‪َ :‬خَلقه متسع الصدر‬

‫المكتسبة القادمة فيها} فهو { بموجب ذلك مستقر } على نور { عظيم } ِمن ر ِ‬
‫به {وهو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هَ‬

‫اللطف اإللهي الفائض عليه عند مشاهدة‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫اآليات التكوينية والتنزيلية ‪ ،‬والتوفيق لالهتداء بها إلى الحق ‪ ،‬كمن قسا قلبه وحرج صدره‬
‫بسبب تبديل فطرة هللا بسوء اختياره ‪ ،‬واستولت عليه ظلمات الغي والضاللة فأعرض عن‬
‫تلك اآليات بالكلِّية حتى ال يتذكر بها وال يغتنمها‪.‬‬

‫ّللا { القسوة ‪:‬غلظ القلب ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬من أجل ذكره ‪،‬‬ ‫اسي ِة هقلوبهم ِمن ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫هه‬ ‫} َف َويل لْلَق َ‬
‫حقه أن تنشرح له الصدور وتطمئن به القلوب ‪.‬أي ‪:‬إذا ذكر هللا تعالى عندهم وآياُته‬ ‫الذي ُّ‬

‫]التوبة ‪:‬‬ ‫اشمأزوا من أجله وازدادت قلوبهم قساوة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ } :‬ف َزَاد ْت ههم ِر ً‬
‫جسا {‬
‫‪ُ ، [١25‬وقرِّئ ‪" :‬عن ذكر هللا " أي ‪ :‬فويل للذين غلظت قلوبهم عن قبول ذكر هللا‪.‬‬

‫وفي التأويالت النجمية ‪ :‬يشير إلى أن اإليمان نور ينور هللا به مصباح قلوب عباده‬
‫المؤمنين ‪ ،‬واإلسالم ضوء نور اإليمان تستضيء به مشكاة صدورهم ‪ ،‬ففي الحقيقة من‬
‫شرح هللا صدره بضوء نور اإلسالم فهو على نور من نظر عناية ربه ‪.‬ومن أمارات ذلك‬
‫محو آثار ظلمات الصفات الذميمة النفسانية من حب الدنيا وزينتها وشهواتها ‪،‬‬ ‫النور ُ‬
‫واثبات حب اآلخرة واألعمال الصالحة والتحلية باألخالق الكريمة الحميدة ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫اء َوهي ْث ِبت { ]الرعد ‪ ، [ 3٩:‬ومن أماراته أن تلين قلوبهم لذكر هللا ‪،‬‬
‫ّللا َما َي َش ه‬
‫محوا َ ه‬
‫} َي ه‬
‫فتزداد أشواقهم إلى لقاء هللا تعالى وجواره ‪ ،‬فيسأمون من محن الدنيا وحمل أثقال أوصاف‬
‫البهيمية والسبعية والشيطانية ‪ ،‬فيفرون إلى هللا ويتنورون بأنوار صفاته ‪ ،‬منها نور اللوائح‬
‫بنور العلم ‪ ،‬ثم نور اللوامع ببيان الفهم ‪ ،‬ثم نور المحاضرة بزوائد اليقين ‪ ،‬ثم نور‬
‫المكاشفة بتجلي الصفات ‪ ،‬ثم نور المشاهدة‬

‫‪339‬‬
‫بظهور الذات ‪ ،‬ثم أنوار جالل الصمدية بحقائق التوحيد ‪ ،‬فعند ذلك ال َوجد وال وجود وال‬
‫وجهه ‪،‬‬
‫كل شيء هالك إال َ‬ ‫قصد وال مقصود وال قرب وال ُبعد وال وصال وال ِّهجران ‪ ،‬إذ ُّ‬
‫(‪)١‬‬
‫كال بل هو هللا الواحد القهار‪.‬‬

‫أقول ‪:‬قسوة القلوب نوعان ‪:‬قسوة للكفار والمنافقين ‪ -‬نعوذ باهلل ‪ ،‬وننزه المؤمنين من‬
‫أحيانا بتلك القسوة يكونون فاسقين ؛ وذلك بإهمالهم‬
‫ً‬ ‫ذلك ‪ -‬وقسوة للمؤمنين ‪ ،‬فهم‬
‫لقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه ‪ ،‬وعدم التمسك بسَنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪،‬‬
‫مع عدم االهتمام باإلخالص في العبادة ‪ ،‬هذه كلها من أسباب قسوة القلب للمؤمنين ‪.‬‬
‫شيئا مخال ًفا لطبيعته البشرية ‪ ،‬التي َتْن ِفهر من الفوائد الدينية‬
‫ومن قسا قلبه فإنه ال يحب ً‬
‫لوب ههم‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫بواسطة النفس ‪.‬فعلى المؤمن أن ال يقع تحت التهديد اإللهي ‪َ } :‬ف َويل لْلَقاسَية هق ه‬
‫لكن التاجر في محلِه إذا‬ ‫ذكر هللا ليس بقول ‪ ( :‬ال إله إالَ هللا ) فقط ‪َ ،‬‬ ‫ِمن ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا { ؛ ه‬
‫تف َكر في بيعه وشرائه أن رَبه يراه فكيف يخالف أوامره؟ فهو حينذاك ذاكر هلل ‪ ،‬والذي‬
‫يق أر القرآن كذلك ‪ ،‬والذي يتمسك بالسَنة النبوَية كذلك‪.‬‬

‫بعض أهل التصوف يرجحون بعض األذكار التي سمعوها من شيوخهم أو إخوانهم على‬
‫ؤخر عن الوصول إلى رضا هللا‬ ‫سنة الرسول صلى هللا عليه وسلم ؛ هذا خطأ كبير ‪ ،‬ي ِ‬
‫ه‬
‫واتباع الرسول عليه الصالة والسالم ‪.‬مسألة واحدة من التمسك بالشريعة والسَنة النبوَية‬
‫توازي جميع األوراد ‪ ،‬فال بد للسالك أن يرجح التمسك بالشريعة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫والسَنة النبوَية على أوراده ‪ ،‬ألن الطرق الموصولة باهلل ‪ -‬بسبب التمسك بالسَنة‬

‫النبوَية‪ -‬تضيء مثل الشمس في وسط النهار‪.‬‬

‫تمسك بالسَنة ‪.‬ولكن ليس ألحد أن يقول‪ :‬شيخي‬


‫أوراد طريقتنا من السَنة ‪ ،‬فقراءتها ُّ‬

‫متمسكا بالسَنة في هذا األمر؛ لكنه إذا‬


‫ً‬ ‫فعل هكذا فأنا أفعل مثله ‪ ،‬فربما ال يكون شيخه‬

‫تمسك بالسَنة فإن شيخه يفرح به‪.‬‬

‫غتر بها ‪ ،‬وبعض‬


‫األذواق والواردات ال هيسأل العبد عنها عند هللا ‪ ،‬لكنها تعطى وال هي ُّ‬

‫الكشوف قد تكون سبب االنقطاع عن التمسك بالشريعة والسَنة النبوَية ‪ ،‬وقد يحصل‬

‫بسببها الغرور ‪ ،‬ثم قسوة القلب بالتدريج ‪ ،‬ويمكن أن ال ي َ‬


‫طلع اإلنسان على ذلك إلى أن‬

‫يخرج من الدنيا ‪ ،‬حينذاك يندم وال ينفعه الندم‪.‬‬

‫على المؤمنين أن يكون بعضهم أولياء بعض ‪ ،‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‪،‬‬

‫تع َاونوا َعلى اْل ِبر َوال َت َ‬


‫قوى { ] المائدة ‪ ، [ ٢:‬وذلك بأن تقول لي ‪:‬‬ ‫لقول هللا تعالى ‪َ } :‬و َ‬

‫فعلي أن أتركه‪.‬‬
‫هذا الفعل غير موافق للشريعة ‪ ،‬واذا كان كذلك َ‬

‫الله َم اجعلنا من الذين يستمعون القول في َتبعون أحسنه‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫اللفظ التاسع والثال ثون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫نزل أَحسن اْلح ِد ِ‬


‫يث ِكتابا متشا ِبها م َث ِاني ْتق ِ‬
‫شعُّر ِمْن هه هج ه‬
‫لود اَلذ َ‬
‫ين َيخشو َن َرَب ههم ث َم‬
‫ً َ َ‬ ‫ً ه‬ ‫ّللا َ َ َ َ َ‬ ‫( َه‬
‫ّللا‬ ‫ِِ‬ ‫َتلِين جلودهم وهقلوبهم ِإلى ذكر هللا ذلِك هدى َ ِ ِ ِ ِ‬
‫اء َو َمن هيضلل َ ه‬‫ّللا َيهدي به َمن َي َش ه‬ ‫َ هَ‬ ‫ه ه ه ه َ هه‬
‫َف َما َل هه من َهاد ( )‪ ] (٢٣‬الزمر ‪]٢٣:‬‬

‫لوب ههم ِإلى ِذ ْك ِر‬


‫لود ههم َو هق ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شعُّر ِمْن هه هج ه‬
‫لود اَلذ َ‬
‫ين َيخشو َن َرَب ههم ث َم َتل ه‬
‫ين هج ه‬ ‫قوله تعالى‪ْ } :‬تق ِ‬

‫َِ‬
‫ّللا { أي ‪:‬هذه صفة األبرار عند سماع كالم الجبار المهيمن العزيز الغفار ‪ ،‬لِّما يفهمون‬

‫منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف } ث َم‬

‫(‪)١‬‬ ‫َتلِين جلودهم وهقلوبهم ِإلى ِذ ْك ِر َ ِ‬


‫ّللا { لِّما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه‬
‫‪.‬‬
‫ه ه ه ه َ هه‬

‫وفيه مسائل‪:‬‬

‫المسألة األولى ‪:‬معنى( تقشعر جلودهم ) تأخذهم قشعريرة ‪ ،‬وهي تغير يحدث في جلد‬

‫اإلنسان عند الوجل والخوف ‪ ،‬قال المفسرون ‪:‬والمعنى ‪:‬أنهم عند سماع آيات الرحمة‬

‫واإلحسان يحصل لهم الفرح ‪ ،‬فتلين قلوبهم إلى ذكر هللا ‪ ،‬وأقول ‪:‬إن‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫المحققين من العارفين قالوا ‪:‬السائرون في مبدأ إجالل هللا إن نظروا إلى عالم الجالل‬
‫طاشوا ‪ ،‬وان الح لهم أثر من عالم الجمال عاشوا‪.‬‬

‫يجب علينا أن نذكر في هذا الباب مزيد شرح وتقرير ‪ ،‬فنقول ‪:‬اإلنسان إذا تأمل في‬
‫الدالئل الدالة على أنه يجب تنزيه هللا عن التحيز والجهة فهنا يقشعر جلده ‪ ،‬ألن إثبات‬
‫موجود ال داخل العالم وال خارجه وال متصل بالعالم وال منفصل عن العالم مما يصعب‬
‫تصوره ‪ ،‬فههنا تقشعر الجلود ‪ ،‬أما إذا تأمل في الدالئل الدالة على أنه يجب أن يكون‬
‫أحدا ‪ ،‬وثبت أن كل متحيز فهو منقسم ‪ ،‬فههنا يلين جلده وقلبه إلى ذكر هللا‪.‬‬
‫فردا ً‬
‫ً‬

‫المسألة الثانية ‪:‬روى الواحدي في" البسيط "عن قتادة أنه قال ‪:‬القرآن َّ‬
‫دل على أن أولياء‬
‫هللا موصوفون بأنهم عند المكاشفات والمشاهدات تارة تقشعر جلودهم وأخرى تلين جلودهم‬
‫(‪)١‬‬
‫وقلوبهم إلى ذكر هللا ‪.‬‬
‫ويستعمل ذلك في األجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني ‪.‬‬
‫اللين ‪:‬ضد الخشونة ‪ُ ،‬‬
‫والجلود ‪:‬عبارة عن األبدان ‪ ،‬والقلوب ‪:‬عن النفوس ‪ ،‬كما في المفردات‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ثم إذا ذكروا رحمة هللا وعموم مغفرته النت أبدانهم ونفوسهم ‪ ،‬وزال عنها ما كان بها‬
‫هبتهم رغبة ‪.‬وتعدية اللين بـ} ِإلى {‬
‫خشيتهم رجاء ور ُ‬
‫من الخشية والقشعريرة ‪ ،‬بأن تبدلت ُ‬
‫لتضمنه معنى السكون واالطمئنان ‪ ،‬كأنه قيل ‪:‬تسكن وتطمئن إلى‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫‪ ،‬أو تلين ساكنة مطمئنة إلى ذكر‬ ‫(‪)١‬‬
‫ذكر هللا لينة غير منقبضة ‪ ،‬راجية غير خاشعة‬

‫إيذانا بأنها أول ما يخطر بالبال عند ذكره‬


‫هللا وانما أُطلق ذكر هللا ولم ُيصرح بالرحمة ً‬

‫ثانيا؟ قلت ‪َ :‬لتَقدم‬ ‫ِّ‬


‫فإن قلت ‪ :‬ل َم ذكرت الجلود وحدها أوال ثم قرنت بها القلوب ً‬ ‫تعالى‬
‫(‪)2‬‬

‫الخشية التي هي من عوارض القلوب ‪ ،‬فكأنه قيل ‪:‬تقشعر جلودهم من آيات الوعيد ‪،‬‬

‫وتخشى قلوبهم من أول وهلة ‪ ،‬فإذا ذكروا هللا ومبنى أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا‬

‫‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫لينا في جلودهم‬
‫بالخشية رجاء في قلوبهم ‪ ،‬وبالقشعريرة ً‬

‫فالجملتان إشارة إلى الخوف والرجاء أو القبض والبسط أو الهيبة واألنس أو التجلِّي‬

‫(‪)4‬‬
‫واالستتار‪.‬‬

‫اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين‪.‬‬

‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه َّ‬


‫وسلم‪.‬‬ ‫َّ‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬كذا في األصل ‪ ،‬ولعل الصواب ‪:‬خاشية ‪.‬‬
‫ينور قلبه أكثر ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫‪ -2‬ألن ذكر هللا جل جالله ينور القلوب ويزيل عنها األخالق الذميمة ‪ ،‬فكلما ذكر المؤمن ربَّه أكثر َّ‬
‫]الزمر ‪:‬‬ ‫ّللاِّ }‬
‫تنور القلب أكثر يزداد اطمئنانه وتوكله ووجله ‪ ،‬ولذا قيَّد هللا تعالى لين القلوب بقوله‪ِّ } :‬إلى ِّذك ِّر َّ‬
‫وكلما َّ‬
‫أيضا ‪ ،‬فيغترون بالرحمة ‪ ،‬وقد يتركون ذكر هللا َّ‬
‫جل وعال ‪،‬‬ ‫‪ ، [23‬ولو قيَّدها برحمته فرحمتُ ُه أوسع ‪ ،‬تشمل أهل المعاصي ً‬
‫ألن المؤمنين إذا سمعوا الرحمة تلين قلوبهم ويحصل لهم الرجاء واألمل برحمته ولطفه تبارك وتعالى ‪.‬فلفظ الذكر في هذه‬
‫أرشد من الرحمة‪.‬‬
‫اآلية الكريمة ُ‬
‫شيئا من ذكر هللا أو آيات الوعد والوعيد تحصل في جلده قشعريرة ‪ ،‬وهذا‬‫‪ (-3‬تقشعر جلودهم ) ‪ :‬المؤمن إذا سمع ً‬
‫يحصل قبل االنتقال إلى القلب ‪ ،‬ألنه ِّ‬
‫متعلق بالسماع ‪ ،‬والسماعُ متعلق بالظواهر قبل القلوب ‪.‬ولذا ترى أهل الذكر إذا‬
‫ضرب الباب بشدة أو َُفتح بشدة يرتجفون ‪ ،‬فهذا يحصل أوال من الجسد‪.‬‬‫ُ‬
‫‪- 4‬تفسير روح البيان‬

‫‪344‬‬
‫اللفظ األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ين ِمن هدوِن ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ين ال ي ْؤ ِمنو َن ِب ِ‬


‫اآلخَرِة َواِ ذا ذكَر اَلذ َ‬
‫ِ‬
‫لوب اَلذ َ ه‬
‫اشمأََزت هق ه‬
‫حد هه َ‬
‫ّللا َو َ‬ ‫ِ‬
‫( َواِذا ذكَر َ ه‬
‫بشهرو َن ( )‪ [ )٤٥‬الزمر ‪]٤٥:‬‬‫ست ِ‬
‫ِإذا ههم َي َ‬

‫اعلم أن هذا نوع من األعمال القبيحة للمشركين ‪ ،‬وهو أنك إذا ذكرت هللا وحده تقول ‪:‬ال‬

‫إله إال هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬ظهرت آثار النفرة من وجوههم وقلوبهم ‪ ،‬واذا ذكرت‬

‫األصنام واألوثان ظهرت آثار الفرح والبشارة في قلوبهم وصدورهم ‪ ،‬وذلك يدل على الجهل‬

‫والحماقة ‪ ،‬ألن ذكر هللا رأس السعادات وعنوان الخيرات ‪ ،‬وأما ذكر األصنام ‪ -‬التي هي‬

‫الجمادات الخسيسة ‪ -‬فهو رأس الجهاالت والحماقات ‪ ،‬فنفرتهم عن ذكر هللا وحده‬

‫واستبشارهم بذكر هذه األصنام من أقوى الدالئل على الجهل الغليظ والحمق الشديد ‪.‬قال‬

‫صاحب" َّ‬
‫الكشاف" ‪:‬وقد يقابل االستبشار واالشمئزاز ‪ ،‬إذ كل واحد منهما غاية في بابه ‪،‬‬

‫سرور ‪ ،‬حتى يظهر أثر ذلك السرور في بشرة وجهه ويتهلل‬


‫ًا‬ ‫ألن االستبشار أن يمتلئ قلبه‬

‫‪ ،‬واالشمئزاز أن يعظم غمه وغيظه ‪ ،‬فينقبض الروح إلى داخل القلب ‪ ،‬فيبقى في أديم‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫الوجه أثر الغبرة والظلمة األرضية‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫متعاكسا مع المشرك ‪ ،‬إذا سمع كلمة التوحيد" ال إله إال‬
‫ً‬ ‫اإلشارة ‪ :‬ينبغي للمؤمن أن يكون‬

‫هللا " فرح وانبسط ‪ ،‬واذا ذكر اللغو واللعب اشمأز وانقبض ‪ ،‬والعابد أو الزاهد إذا سمع ما‬

‫يدل على الطاعة واالستعداد لآلخرة فرح ونشط ‪ ،‬واذا سمع ما يدل على الدنيا والبطالة‬

‫اشمأز وانقبض ‪ ،‬والمريد السائر إذا سمع ما يقرب إلى هللا فرح وانبسط ‪ ،‬واذا سمع ما ُيبعد‬

‫عنه من ذكر السوى اشمأز وانقبض ‪ ،‬وأما الواصل الكامل فال ينقبض من شيء ‪ ،‬قد‬

‫النصيب‬
‫ُ‬ ‫النصيب من كل شيء ‪ ،‬وال يأخذ‬
‫َ‬ ‫فنيت دائرة حسه واتسعت دائرة معرفته ‪ ،‬يأخذ‬

‫‪)١( .‬‬ ‫شيئا‬


‫منه ً‬

‫يقول بديع الزمان األستاذ سعيد النورسي رحمه هللا ‪:‬ولكن على الرغم مما فيهما‪ -‬أي‬

‫الوالية والطريقة ‪ -‬من أهمية قصوى فقد انحاز قسم من ِّ‬


‫الفرق الضالة إلى إنكار أهميتهما‬

‫فحرموا اآلخرين من أنوار ُهم محرومون منها ‪.‬ومما يؤسف له بالغ األسف أن ً‬
‫عددا من‬ ‫‪َ ،‬‬

‫وقسما من أهل السياسة الغافلين ‪،‬‬


‫ً‬ ‫علماء أهل َّ‬
‫السنة والجماعة الذين يحكمون على الظاهر‬

‫المنسوبين إلى أهل َّ‬


‫السنة والجماعة ‪ ،‬يسعون إليصاد أبواب تلك الخزينة العظمى‪ ،‬خزينة‬

‫الوالية والطريقة ‪ ،‬متذرعين بما يرونه من أخطاء قسم من أهل الطريقة وسوء تصرفاتهم ‪،‬‬

‫وتجفيف ذلك النبع الفياض بالكوثر الباعث على‬ ‫بل يبذلون جهدهم لهدمها وتدميرها‬

‫الحياة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنوار الحقيقة( مباحث في التصوف والسلوك)‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫أقول ‪:‬على المؤمن أن ال يترك صحبة األخيار ‪ ،‬وال هيخدع بصحبة أهل الدنيا فيما ال‬
‫يعنيه ‪ ،‬ألن هذه الصحبة قد تؤدي إلى ترك بعض مسائل الشريعة والسَنة النبوَية‪ ،‬أو‬
‫إلى ما يخالف حضور القلب مع هللا ج َل وعال ‪ ،‬فإن هذا يضره ؛ ونتيجة ذاك الضرر‬
‫يراها في اآلخرة وفي عالم البرزخ ‪ ،‬فهو مؤمن و » من هحسن إسالم المرء تركه ما ال‬
‫يعنيه« صحبة األخيار تن ِبت في قلب المؤمن الخشوع والتواضع وترك الهوى وأمثال‬
‫ذلك‪ ،‬كما أن صحبة أهل الدنيا تنبت محبة الدنيا وزخارفها في القلب ‪ ،‬والمؤمن يتضرر‬
‫بذلك‪.‬‬

‫عده الحشر الجسماني ‪ ،‬فال يليق بالمؤمن أن يصرف أوقاته‬


‫وب َ‬
‫أمامنا القبر وعالم البرزخ َ‬
‫َ‬
‫وزمانه فيما ال يعنيه ‪ ،‬ألن كل يوم يمضي من العمر يذهب وال يرجع‪.‬‬

‫خذوا بنصيحة هللا وبسَنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأكثروا من ذكر هللا ج َل وعال‬
‫ين ههم ِفي‬ ‫ِ‬
‫لم ْؤ ِمنو َن (‪ )١‬اَلذ َ‬
‫‪ ،‬وكونوا من الذين قال هللا تعالى في حقهم ‪ } :‬قد أَ ْفَل َح ْا ه‬
‫خاش هعو َن{ ]المؤمنون ‪ . [٢-١:‬الخشوع ال يحصل بدون ذكر هللا وبدون‬ ‫ص ِ‬
‫الت ِهم ِ‬
‫َ‬
‫أسبابا مخلوقة‬
‫ً‬ ‫التدبر في قراءة القرآن وبدون ذكر الموت ‪ ،‬هذه أسباب ‪.‬كما أن للمعيشة‬
‫نأخذ بها ‪ ،‬وكذلك للسعادة أسباب بَينها هللا تعالى في‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫القلب والقلوب والفؤاد واألفئدة والصدر والصدور ‪ ،‬حتى يشتغل‬‫َ‬ ‫فذكر‬
‫القرآن الكريم ‪َ ،‬‬
‫المؤمن بقلبه ويهتم به ‪ ،‬واال هي َعُّد قلبه ً‬
‫ميتا‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من الخاشعين ‪ ،‬يارب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫اللفظ الحادي و األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ين ِمن َح ِميم َوال َش ِفيع‬ ‫اج ِر ِ‬


‫كاظ ِمين ما لِل َ ِ ِ‬ ‫لوب َل َدى اْل َحَن ِ‬ ‫َنذرهم يوم ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظالم َ‬ ‫َ َ‬ ‫اآلزفة ِإذ ْاهلهق ه‬ ‫( َوأ ه َ َ‬
‫اع ( )‪ ] (١8‬غافر ‪]١:‬‬ ‫ط ه‬
‫هي َ‬

‫ِِ‬ ‫لوب َلدى اْل َحَن ِ‬ ‫ِ‬


‫اج ِر{ تقرير للخوف الشديد‪ ،‬وقوله } َكاظم َ‬
‫ين {‬ ‫قوله تعالى ‪ِ }:‬إذ ْاهلهق ه‬

‫تقرير للعجز عن الكالم ‪ ،‬فإن الملهوف إذا قدر على الكالم وبث الشكوى حصل له‬

‫ظم اضطرابه واشتد حاله‪.‬‬ ‫ن‬


‫نوع خفة وسكو ‪ ،‬واذا لم يقدر َع َ‬
‫(‪)١‬‬

‫اآلز ِ‬
‫فة { أمر من ربنا ج َل وعال لرسوله عليه‬ ‫وم ِ‬ ‫ِ‬
‫أقول ‪ :‬قوله تعالى ‪َ } :‬وأَنذرههم َي َ‬

‫الصالة والسالم أن ينذر الناس من يوم القيامة ومن أهواله ‪.‬نحن ال نتكلم عن‬

‫الكافر والمنافق بل نتكلم عن المؤمن الذي يؤمن بوقوع القيامة ويؤمن بالحساب‬

‫تاب َك { ]اإلسراء‪:‬‬ ‫والكتاب ‪ ،‬كيف يكون حالك يا مؤمن إذا قال لك ربك ‪ْ } :‬أ ِ‬
‫اقر ك َ‬ ‫َ‬

‫ع في المخالفات الشرعية‬
‫ترك الصالة وترك الصوم والوقو ه‬
‫‪ ،[١٤‬وكان في كتابك ه‬

‫وعدم المحافظة على حدود هللا التي بَينها الرسول الكريم عليه الصالة والسالم في‬
‫ه‬

‫وم‬ ‫ِ‬
‫الشريعة المح َمدية وفي سنته المط َهرة؟ أال تدخل تحت هذا اإلنذار ‪َ } :‬وأَنذرههم َي َ‬
‫اآلز ِ‬
‫فة { على أي شيء تعتمد حتى تتجاوز على حدود هللا؟ ليس هذا إال من ضعف‬ ‫ِ‬

‫إيمانك وقلة اهتمامك بذلك اليوم الرهيب ‪ ،‬ومن إتباعك لنفسك وشيطانك وهواك ‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫حينذاك تترك العدالة ‪ ،‬كما قال ربنا ج َل وعال‪ } :‬فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ‬
‫تعدلوا { ]النساء ‪:‬‬ ‫ه ََ‬

‫‪ ، [ ١٣٥‬فمن اتبع الهوى تذهب عدالته ويقع في المعاصي التي نهاه هللا عنها ‪.‬عالج‬

‫ذلك أن تستغفر وتتوب وترجع إلى هللا تعالى ‪ ،‬وهو يقبل التوبة ‪ ،‬بل ويحب التائبين ‪،‬‬

‫ّللا هي ِح ُّب ال َت َوا ِب َ‬


‫ين{ ]البقرة ‪.[٢٢٢:‬‬ ‫ِ‬
‫كما قال عز وجل ‪ } :‬إ َن َ َ‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا منهم يا َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫اللفظ الثاني و األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ور ( ) ‪ ] (١٩‬غافر ‪]١٩ :‬‬ ‫( يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ‬


‫الص هد ه‬
‫تخفي ُّ‬ ‫ه ََ‬ ‫َ ه‬

‫ور { أي يعلم سبحانه النظرة الخائنة ‪،‬‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ‬
‫الص هد ه‬
‫تخفي ُّ‬ ‫ه ََ‬ ‫َ ه‬

‫ويعلم السر المستور ‪ ،‬وما تخفيه الصدور ‪ ،‬ال تخفى عليه خافية ‪.‬قال ابن عباس رضي‬

‫هللا عنهما ‪ (:‬هو الرجل يكون ً‬


‫جالسا مع الناس ‪ ،‬فتمر المرأة ‪ ،‬فيسارقهم النظر إليها (‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫خير كانت أو‬


‫مطلقا ‪ً ،‬ا‬ ‫ور { أي ‪:‬من الضمائر واألسرار‬ ‫فقوله تعالى ‪ }:‬وما ِ‬
‫ً‬ ‫الص هد ه‬
‫تخفي ُّ‬ ‫ََ‬

‫شر‪.‬‬
‫ًا‬

‫َثبت بهذا أن أفعال القلوب معلومة هلل تعالى ‪ ،‬وكذا أفعال الجوارح تكون ؛ ألن أخفاها‬

‫سائر أفعال الجوارح يكون أولى‬


‫وهي خائنة األعين كانت معلومة هلل تعالى ‪ ،‬فعلمه تعالى َ‬

‫الحاكم إذا بلغ في العلم إلى الحد وجب أن يكون خوف المجرم منه أشد وأقوى ‪ ،‬فقوله‬
‫‪،‬و ُ‬

‫الص هدور{ في قوة التعليل لألمر باإلنذار‪.‬‬ ‫تعالى ‪ } :‬يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ‬
‫تخفي ُّ‬ ‫ه ََ‬ ‫َ ه‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫ومستحسنات‬ ‫َّ‬
‫متمنيات النفوس‬ ‫ور { من‬ ‫وفي التأويالت النجمية ‪ }:‬وما ِ‬
‫َ‬ ‫الص هد ه‬
‫تخفي ُّ‬ ‫ََ‬

‫فالحق به خبير ‪ ،‬ويكون السالك موقوًفا بها حتى يخرج من‬


‫ُّ‬ ‫القلوب ومرغوبات األرواح‬

‫تعلقها‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫ففي هذه اآلية الكريمة يخبر عز وجل عن علمه التَّام المحيط بجميع األشياء ‪ ،‬جليلها‬

‫وحقيرها ‪ ،‬صغيرها وكبيرها ‪ ،‬دقيقها ولطيفها ‪ ،‬ليحذر الناس علمه فيهم‪ ،‬فيستحيوا من هللا‬

‫تعالى حق الحياء (‪ )2‬ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ‪ ،‬فإنه عز وجل يعلم‬

‫العين الخائنة وان أبدت أمانة ‪ ،‬ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر‬

‫َعي ِن‬ ‫ِ‬


‫والسرائر ‪.‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما في قوله تعالى ‪َ } :‬يعَل هم َخائنة األ ه‬

‫ور{ هو الرجل يدخل على أهل البيت َبيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمر‬ ‫وم ِ‬
‫لص هد ه‬
‫اتخفي ا ُّ‬ ‫ََ‬

‫به وبهم المرأة الحسناء فإذا غفلوا لحظ إليها ‪ ،‬فإذا فطنوا غض بصره عنها ‪ ،‬فإذا غفلوا‬

‫اطلع هللا تعالى من قلبه أنه ود أن لو َّ‬


‫اطلع على } ما‬ ‫لحظ ‪ ،‬فإذا فطنوا غض ‪ ،‬وقد َّ‬

‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫أمكن له أن ينظر منها {‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬وهذا االستحياء ال يحصل إال بعد اإليمان الكامل ‪ ،‬فكما يؤمن العبد بوجود هللا و وحدانيته يؤمن كذلك بصفاته ‪،‬‬
‫عليما ‪ ،‬حينذاك يستحي من هللا ‪ ،‬واال فبمجرد اإليمان بوجود هللا ال يستحيي العبد من هللا ‪.‬‬
‫بصير ً‬
‫ًا‬ ‫سميعا‬
‫ً‬ ‫ومنها كونه تعالى‬
‫وهذا اإليمان مقبول ‪ ،‬لكنه ليس إيمان عين اليقين وال حق اليقين بل إيمان علم اليقين‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير ابن كثير‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫أقول ‪ :‬كيف يخالف العبد ربه ج َل وعال مع علمه أنه تعالى يعلم خائنة األعين وما‬

‫تخفي الصدور؟ وقد أعطاه من فضله وكرمه وأنعم عليه بالعقل والقلب والجسد وغير‬

‫شر يخالفون ربهم‪.‬‬


‫فالب ه‬
‫ذلك من النعم التي ال تحصى ‪.‬مع ذلك َ‬

‫الراحمين ‪ ،‬لكنه بَين لنا أنه يعلم أن العبد ضعيف ‪،‬‬


‫هللا تعالى غفور رحيم ‪ ،‬بل أرحم َ‬

‫فإذا انحرف عن االستقامة وعن أمر هللا عليه أن ال يكون هم ِصَار على ذلك‪ ،‬بل يرجع‬

‫الرب يفرح بتوبة وانابة عبده‬


‫بالتوبة واالستغفار واإلنابة حتى يعفو عنه ج َل وعال ‪.‬و ُّ‬

‫رحيما فتاب إليه ‪ ،‬فيعفو عنه مع القدرة سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫ً‬ ‫غفور‬
‫ًا‬ ‫ربا‬
‫الذي علم أن له ً‬

‫الله َم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫اللفظ الثالث و األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫غير سلطان أَتاهم كبر مًقتا ِعْند َ ِ‬ ‫ات َ ِ ِ‬


‫( اَل ِذين يج ِادلو َن ِفي ءاي ِ‬
‫ّللا َو ِعْن َد اَلذ َ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ّللا ب ِ ه‬ ‫ََ‬ ‫َ هَ‬
‫كل قْل ِب همتكبر َجَبار ( )‪ ] (٣٥‬غافر ‪] ٣٥:‬‬ ‫ّللا َعلى ِ‬ ‫ِ‬
‫امنوا كذل َك َي ْطَب هع َ ه‬
‫َء َ‬

‫ِّ‬
‫الطابع هو هللا تعالى ‪ ،‬والمطبوعَ هو القلب ‪ ،‬وسبب الطبع هو التكبر والجبارية ‪،‬‬ ‫اعلم أن‬

‫وحكمه أن ال يخرج من القلب ما فيه من الكفر والنفاق والزيغ والضالل‪ ،‬فال يدخل فيه ما‬

‫في الخارج من اإليمان واإلخالص والسداد والهدى ‪ ،‬وهو أعظم عقوبة من هللا عليه ‪.‬فعلى‬

‫العاقل أن يتشبث باألسباب المؤدية إلى شرح الصدر ال إلى طبع القلب ‪.‬قال إبراهيم‬

‫الخواص قدس سره ‪ :‬دواء القلب خمسة ‪ :‬قراءة القرآن بالتدبر ‪ ،‬وخالء البطن ‪ ،‬وقيام الليل‬

‫الصالحين‪.‬‬ ‫‪ ،‬والتضرع إلى هللا عند السحر ‪ ،‬ومجالسة‬


‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬نرجو هللا تعالى أن ال يكون المؤمنون على هذه األوصاف فيطبع هللا تعالى‬

‫على قلوبهم بتكبرهم وتجبرهم وعدم تمسكهم بأسباب الفالح و النجاح‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫اللفظ الرابع و األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ورِهم ِإالَ ِكبر َما ههم‬


‫َتاهم ِإن ِفي هصهد ِ‬ ‫ات َ ِ‬
‫ّللا ِب ِ‬ ‫( ِإ َن اَل ِذين يج ِادلو َن ِفي ءاي ِ‬
‫غير هسلطان أ ه‬ ‫ََ‬ ‫َ هَ‬
‫يع ْا َلب ِص هير ( )‪ ] (٥٦‬غافر‪]٥٦:‬‬ ‫ِ‬
‫اّلل ِإَنه هو ا َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫لسم ه‬ ‫فاستعذ ِب َ ه ه َ‬ ‫بَبالغيه َ‬

‫َتاهم ِإن ِفي هص هد ِ‬


‫ورِهم‬ ‫ات َ ِ‬
‫ّللا ِب َغ ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ِ } :‬إ َن اَل ِذين يج ِاد لو َن ِفي ءاي ِ‬
‫ير هسلطان أ ه‬ ‫ََ‬ ‫َ هَ‬
‫ِإالَ ِكبر ما هم ِببالِ ِغ ِ‬
‫يه{ أي ‪:‬إن الذين يخاصمون في آيات هللا ‪ ،‬ودالئل وحدانيته ووجوده‬ ‫َ ه َ‬

‫‪ ،‬بغير حجة وال برهان ‪ ،‬ما في قلوبهم إال تكبر عن قبول الحق وطغيان وفجور يمنعهم‬

‫تعذ ِب َ ِ‬
‫اّلل ِإَن هه هه َو‬ ‫من اتباعك ‪ ،‬وليسوا بواصلين إلى مرادهم من إطفاء نور هللا‪ } ،‬فاس ِ‬
‫َ‬

‫السميع‬
‫ُ‬ ‫يع ْا َلب ِص هير { أي ‪:‬فالتجئ وتحصن باهلل من شرهم وكيدهم ‪ ،‬فإن ربك هو‬ ‫َِ‬
‫السم ه‬
‫(‪)١‬‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫صير بأحوالهم ‪ ،‬ولن يضروك ً‬
‫ألقوالهم الب ُ‬

‫أيضا يجادلون بدعاوي باطلة ‪،‬‬


‫أقول ‪:‬ولو كان هذا في حق الكفار لكن بعض المؤمنين ً‬

‫وتحت ظل هذه الدعاوي الباطلة يطلبون الرياسة ويتمسكون بنفوسهم ويتركون ما‬

‫هيصلحهم ويوصلهم إلى السعادة األبدية ‪ ،‬من التمسك بالشريعة والسَنة النبوَية‬

‫واإلخالص في العبادة والقعود مع الفقراء في حلق الذكر لتنزل عليهم‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫رحمة هللا ج َل وعال ‪ ،‬وال يسلِمون أنفسهم لمن يوجههم ‪ ،‬ممن يحمل على رأسه تاج‬

‫حرمون من هذه الفوائد اإليمانية والقرآنية‪.‬‬ ‫السَنة النبوَية ‪ ،‬ه‬


‫في َ‬

‫هذا التوجيه ليس مقَي ًدا بشيخ الطريقة فقط ‪ ،‬لكن إذا هوجد شيخ الطريقة الذي تعتقد أنه‬

‫متمسك بالشريعة والسَنة النبوَية فهذه نعمة جسيمة فا َتبعه ‪ ،‬فإن لم تجد من يحمل هذه‬

‫غير األ ِ‬
‫َرض‬ ‫َرض َ‬ ‫احدا من علماء الظاهر الذين يخافون } َي َ‬
‫وم هتَبَد هل األ ه‬ ‫األوصاف فاتخذ و ً‬

‫اح ِد ْاَلق َه ِار{ ] إبراهيم ‪ ، [ ٤8:‬وخذ بنصيحته وبتوجيهاته ‪ ،‬وان‬ ‫ِِ‬


‫ّلل اْلو ِ‬
‫الس َم َوات َوَبَرهزوا َ َ‬
‫َو َ‬

‫لم تجد هذا وال ذاك فإذا كان لك صديق يكلِمك على عيوب نفسك فا َتبعه ‪ ،‬لقول هللا‬

‫عضهم أَولِياء بعض يأْمرو َن ِب ْالمعر ِ‬


‫وف َوَيْن َهو َن َع ِن‬ ‫َ ه‬ ‫َ هه‬ ‫َ ه َ‬ ‫لم ْؤ ِمنات َب ه ه‬ ‫تعالى ‪َ } :‬وْا ِ‬
‫لم ْؤمنو َن َوْا ه‬
‫ه‬

‫لم ِ‬
‫نكر { ]التوبة ‪.[٧١:‬‬ ‫ْا ه‬

‫جميعا أن ال نتكبر وال نترك ما أمرنا به هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬من‬
‫ً‬ ‫علينا‬

‫الذكر وقراءة القرآن بالتدبر وعدم الغرور برياسة الدنيا وبالمال وباألوالد ‪ ،‬كما قال ربنا‬

‫الدكم ِف ْتَنة { ] التغابن[ ‪ ،١٥:‬فالعمر قصير والزاد قليل ‪ ،‬وال‬ ‫ج َل وعال ‪ِ }:‬إَن َما أ َ‬
‫َمواهلكم َوأَو ه‬

‫بد من التهيؤ لما بعد الموت‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم ِ‬
‫وفقنا لذلك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫اللفظ الخامس و األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫اجة ِفي هص هد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫تحملو َن‬
‫ليها َو َعلى ْاهلْفلك َ‬
‫وركم َو َع َ‬ ‫يها َمَناف هع َولِ َتهبلغوا َع َ‬
‫ليها َح َ‬ ‫( َولكم ف َ‬
‫(‪ [ )8٠‬غافر‪] 8٠:‬‬

‫أي ‪:‬ولكم في هذه األنعام منافع عديدة ‪ ،‬من الوبر والصوف والشعر واللبن والسمن والزبد‬

‫وغير ذلك ‪ ،‬ولتبلغوا عليها قضاء حوائجكم ‪ ،‬من حمل األثقال في األسفار البعيدة قبل أن‬

‫تظهر وسائل النقل الحديثة ‪ ،‬من سيارات وطائرات ومراكب كهربائية ‪ ،‬وعلى اإلبل في‬

‫البر ‪ ،‬وعلى السفن في البحر تحملون ‪ ،‬فهي لكم مراكب برية ومراكب بحرية ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬يريكم هللا تعالى آياته ويعدد بعض نعمه عليكم‪ ،‬فقد أنعم ج َل وعال على عباده‬

‫وها { ]النحل ‪[ ١8:‬‬ ‫بأنواع النعم التي ال تعد وال تحصى‪ } :‬واِن تعُّدوا ِنعمة َ ِ‬
‫تحص َ‬
‫ّللا ال ه‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬

‫‪ ،‬ففي أنفسكم فقط تجدون العقل والحافظة والعين واألذن واللسان واالستعداد وغير ذلك‬

‫تعدوها ‪ ،‬وخارج أنفسكم َخلق لكم كل ما تحتاجون إليه ‪،‬‬


‫من النعم التي ال يمكن أن ُّ‬

‫ومن جملتها وسائط النقل ‪ ،‬من اإلبل والفلك ‪ ،‬وفي هذا العصر الوسائط البرية‬

‫كالسيارات والجوية كالطائرات وغيرها ؛ فعلينا أن نتف َكر ‪َ :‬من خل ق لنا هذه الوسائط‬

‫حتى نصل بها إلى حوائجنا؟ هذه ِ‬


‫النعم كلها من هللا تعالى ‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫ومادامت من هللا تعالى أفليس من العجيب أن يتمسك العبد بهذه النعم وينسى المنعم؟‬
‫خصوصا أهل اإليمان ‪.‬عليك أن تتفكر أنه في النهاية‬
‫ً‬ ‫هذا غريب بالنسبة ألهل العقل ‪،‬‬
‫تفنى دنياك وتفنى النعم التي أنعم هللا تعالى بها عليك ‪ ،‬وتخرج من الدنيا ال يتبعك إال‬
‫س ََفران ‪:‬سفر في الدنيا هيحمل فيه على الفلك واإلبل والسيارات‬
‫فالس ََفر َ‬
‫َ‬ ‫عملك ‪،‬‬
‫خصوصا أهل‬
‫ً‬ ‫وغيرها ‪ ،‬وسفر من الدنيا إلى اآلخرة ‪ ،‬وهذا السفر ال ينكره أهل العقل ‪،‬‬
‫اإليمان ‪ ،‬فإنه من المحقق أن اإلنسان يموت ‪ ،‬لكن هل يستريح في عالم البرزخ أم ال؟‬

‫كيف تتفكر في دنياك التي لها نهاية وفيما خلق هللا لك فيها من الوسائط والوسائل حتى‬
‫تقضي بها حوائجك وتترك آخرتك التي تدوم أبد اآلباد؟‬

‫عليك أن تتفكر فيما بعد الموت ‪ ،‬وأن تتزود من دنياك آلخرتك ‪ ،‬بفعل أوامر هللا تعالى‬
‫واجتناب نواهيه وبالتقوى والصبر والصالح واإلصالح ‪ ،‬حتى تكون من أهل السعادة‬
‫خصوصا في عالم البرزخ ‪ ،‬فتلتقي مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هناك ‪،‬‬
‫ً‬ ‫األبدية ‪،‬‬
‫ألنك آمنت به وبما جاء به من عند هللا ‪ ،‬فهو ركن ديننا ‪.‬علينا أن ننتبه لهذه النعمة‬
‫ربنا عَنا‪.‬‬
‫الجسيمة عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وأن نتبعه ليرضى ُّ‬

‫الله َم ِ‬
‫وفقنا إلتباع رسولك ‪ ،‬سيدنا مح َمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬في األقوال واألفعال‬
‫الراحمين‪.‬‬
‫واألحوال ‪ ،‬بجاهه عندك ‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫اللفظ السادس و األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اذاننا َوْقر َو ِمن َب ِيننا َوَب ِين َك ِح َجاب‬ ‫ِ ِ‬


‫ليه وِفي ء ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫لوبَنا في أَكَنة م َما ه‬
‫تدع َونا إ َ َ‬ ‫( َو قاهلوا هق ه‬
‫املو َن ( )‪] (٥‬فصلت‪] ٥:‬‬ ‫فاعمل ِإَننا ع ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬

‫قوله تعالى ‪ } :‬هقلوبنا ِفي أ ِ‬


‫َكَنة{ جمع كنان ‪ ،‬وهو الغطاء الذي يكن فيه الشيء ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ه‬
‫يحفظ ويستر ‪ ،‬أي ‪ :‬في أغطية متكافئة } َتدعونا ِإ ِ‬
‫ليه { أي ‪:‬تمنعنا من فهم ما تدعونا‬ ‫هَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫إليه ُو ِّ‬
‫تورُده علينا‪.‬‬

‫حقا وان قالوا على‬ ‫وفي التأويالت النجمية ‪ } :‬وِفي ء ِ‬


‫اذاننا َوْقر { ما ينفعنا كالمك ‪ ،‬قالوه ً‬ ‫َ َ‬

‫أكَّن ِّة ُحب الدنيا وزينتها ‪ ،‬مقفولة بقفل‬


‫سبيل االستهانة واالستهزاء ‪ ،‬ألن قلوبهم في ِّ‬

‫توحيدا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫الشهوات واألوصاف البشرية ‪ ،‬ولو قالوا ذلك على بصيرة لكان ذلك منهم‬

‫(‪)١‬‬
‫فتعرضوا للمقت لِّ َما فقدوا من صدق القلب‪.‬‬

‫أقول ‪:‬على المؤمن أن ال يكون قلبه همَقفال على حب الدنيا وزينتها ‪ ،‬من الرياسة‬

‫وتجميع المال وغير ذلك ‪ ،‬ألن ذلك ال يليق بالمؤمن‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫تجر ذيلها على أخالق المؤمن المنغمس في الدنيا‬
‫اآلية نازلة في حق الكفار‪ ،‬لكنها ُّ‬

‫وحبها وشهواتها ولذائذها ‪ ،‬حتى يخسر ما أعد هللا لعباده المؤمنين في اآلخرة‪.‬‬

‫واذا قيل لهؤالء ‪:‬هذا ال يليق بمقتضى إيمانكم وال إسالمكم ‪ ،‬يقولون ‪:‬ال يمكن ترك‬

‫توجيها يمنعهم من فعل ما هم‬


‫ً‬ ‫الدنيا ‪.‬نحن نلتقي بهذا النوع من الناس ‪ ،‬فإذا سمعوا‬

‫عليه يتركون الصحبة ‪.‬اهـ‪.‬‬

‫اإلشارة ‪:‬كان الرسول عليه الصالة والسالم يدعو إلى اإليمان بالقرآن والعمل به ‪ ،‬وخلفاؤه‬

‫من مشايخ التربية َيدعون إلى تصفية البواطن ‪ ،‬لتتهيأ لفهمه والغوص عن أس ارره وحضور‬

‫ألسنتهم تتلوا وقلوبهم تجول في‬


‫ض أكثر الناس عن صحبتهم ‪ُ ،‬‬
‫(‪)١‬‬
‫فأعر َ‬
‫القلب عند تالوته ‪َ ،‬‬

‫تدبر ‪ ،‬فال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬فإذا طلبوا من المشايخ ‪-‬‬
‫أودية الدنيا ‪ ،‬فال حضور وال َ‬

‫‪ ،‬يقولون ما قالت الرسل ‪:‬إنما نحن بشر‪ ،‬يوحى إلينا‬ ‫(‪)2‬‬


‫الذين هم أطبة القلوب – الكرامة‬

‫وحي إلهام بوحدانية الحق وانفراده بالوجود‪ ،‬فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم ‪ ،‬واستغفروه من‬
‫َ‬
‫سالف زالتكم ‪ ،‬فإن بقيتم على ما‬

‫ـــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬وبعضهم ينقدون عليهم ‪ ،‬ويريدون تهديم سيرتهم الجميلة ‪ ،‬فيكونون ً‬
‫سببا في حرمان أنفسهم وحرمان غيرهم ‪ ،‬ألن‬
‫نفوسهم ال تريد المجاهدة وال إتباع المواعظ ‪ ،‬ألنها عدوة هللا‪.‬‬
‫مقدمة عندهم على الشريعة ‪ ،‬وبذلك فإنهم‬‫‪- 2‬يقولون ‪:‬أنتم تطلبون ما لم ُيطلب منكم ‪.‬الكشف والكرامات وخوارق العادات َّ‬
‫ي ِّ‬
‫سكرون على أنفسهم باب ما يطلبه هللا تعالى منهم ويفتحون باب توجيه الناس إلى أنفسهم ‪ ،‬بنوع من خوارق العادة أو نوع‬ ‫ُ‬
‫يجيا بال شعور‪ .‬نحن ال َُننكر الكرامات وال الكشوفات وال خوارق‬
‫بعدون عن هللا تعالى تدر ً‬
‫من الكرامة وأمثال هذا ‪ ،‬وبهذا َي ُ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫العادات ‪ ،‬فإنها تحصل على يد الصالحين ‪ ،‬لكن على المؤمن أن ال يتعلق بها ‪ ،‬ألن التعلق بالكشف والكرامة كالتعلق‬
‫سبيل النجاح والسعادة ليس هكذا‬
‫بالمادة ‪ُ .‬‬

‫‪360‬‬
‫أنتم عليه من الشرك ورؤية السوى فويل للمشركين الذين ال يزكون أنفسهم ‪ ،‬وهم باآلخرة ‪-‬‬

‫حيث لم يتأهبوا لها كل التأهب ‪ -‬هم كافرون ‪.‬إن الذين آمنوا إيمان الخصوص ‪ ،‬بصحبة‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫الخصوص ‪ ،‬لهم أجر غير ممنون ؛ وهو شهود الحق على الدوام ‪.‬وهللا تعالى أعلم‬

‫الله َم ِ‬
‫وفقنا للعمل بشريعتك واتباع سنة نبيك عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -١‬تفسير البحر المديد‬

‫‪361‬‬
‫اللفظان السابع واألربعون و الثامن واألربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا ْالب ِ‬
‫اط َل َوهي ِح ُّ‬ ‫شأ َ ِ‬ ‫كذبا فِإن ي ِ‬
‫( أَم يقولو َن ا َفترى على َ ِ ِ‬
‫ق‬ ‫مح َ ه َ‬ ‫ّللا َيختم َعلى قْل ِب َك َوَي ه‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ّللا ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ ه‬
‫ور ( )‪ ] (٢٤‬الشورى ‪]٢٤:‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ات ُّ‬‫ق ِب َكلِم ِات ِه ِإَنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ه َ‬ ‫اْل َح َ َ‬

‫محمدا كذب على هللا بهذا القرآن من عند نفسه؟ لو كان‬


‫ً‬ ‫أي ‪:‬هل يقول المشركون ‪:‬إن‬

‫األمر كما زعموا لختمنا على قلبك يا محمد ‪ ،‬فأنسيناك هذا القرآن وسلبناه من صدرك ‪،‬‬

‫كذبا ‪ ،‬ولهذا أيدناك وسددناك ‪.‬واآلية فيها تكذيب لدعاوى‬ ‫ولكنك لم ِّ‬
‫تفتر على هللا ً‬
‫المشركين ‪ ،‬ووعيد وتهديد لمن كذب على هللا ‪.‬وختم اآلية بقوله ‪ِ } :‬إَنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات‬ ‫ه َ‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { أي ‪:‬هو تعالى العالم بما في القلوب ‪ ،‬فلو حدثتك نفسك أن تفتري ما يقوله‬ ‫ُّ‬

‫عض‬
‫قو َل َع َلينا َب َ‬
‫لطب َع هللا على قلبك وأماتك ‪ ،‬كقوله سبحانه ‪َ } :‬ولو َت َ‬
‫السفهاء َ‬
‫ين { ] َّ‬ ‫ِ‬ ‫يل(‪ )٤٤‬ألَخ َذنا ِمْن هه ِب ْا َلي ِم ِ‬
‫َقاو ِ‬
‫الحاقة ‪[4٦-44:‬‬ ‫قطعنا مْن هه ْا َلوِت َ‬
‫ين (‪ )٤٥‬ث َم َل َ‬ ‫األ ِ‬

‫أي ‪:‬كنا نقطع نياط قلبه حتى يموت ‪.‬وفي هذا تأكيد لحفظ هللا لكتابه ‪ ،‬وعصمته لرسوله‬

‫(‪)١‬‬
‫‪ ،‬مما نسبه إليه المفترون‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫ّللا ي ِ‬
‫ختم َعلى قْل ِب َك { يعني أنك‬ ‫ِ‬
‫قال في التأويالت النجمية ‪:‬قوله تعالى‪ } :‬فِإن َيشأ َ ه َ‬
‫إن افتريته ختم هللا على قلبك ‪ ،‬ولكنك لم تكذب على ربك فلم يختم على قلبك ‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪ :‬في هذه اآلية الكريمة تأكيد من هللا جل جالله لكذب الكافرين على رسول هللا‬
‫ظاهر ‪ ،‬لكنه في الحقيقة ألمته‬
‫ًا‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وتهديد له عليه الصالة والسالم‬
‫‪ ،‬لمن خالف منهم أمر هللا ج َل وعال‪.‬‬

‫فعلينا _ معشر المسلمين _ أن نحفظ قلوبنا من الخيانة والغل والغش ‪ ،‬ومن اتخاذ‬

‫َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ‬
‫له هه‬ ‫أهوائنا آلهة لنا ‪ ،‬نعوذ باهلل تعالى من ذلك‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أ َأ‬
‫تعد لوا {‬‫أيضا { ‪} :‬فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ‬
‫اه{ ] الجاثية ‪ ، [٢٣:‬وكما قال ً‬
‫ه ََ‬ ‫َه َو ه‬
‫] النساء ‪ ، [ ١٣٥:‬فإذا تركت الهوى تحصل العدالة‪.‬‬

‫الهوى محله القلب ‪ ،‬والذي يتبع الهوى يحصل له الكبر واألنانية والعجب بنفسه والترفع‬
‫على الغير واحتقارهم ‪ ،‬حينذاك يترك العدالة ؛ أما الذي يترك الهوى فإنه يخاف من هللا‬
‫تعالى وال يخالف الحقيقة ‪ ،‬ألن إيمانه يحكم عليه أن ربه ينظر إليه ويعلم ما في قلبه‪.‬‬
‫وتطهير القلب ال يحصل إال بترك المعاصي وقراءة القرآن الكريم بتدبر وكثرة ذكر هللا‬
‫تعالى ‪ ،‬والصالة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬وال تقل _ أيها القارئ الكريم ‪_:‬‬
‫نحن لسنا من أهل الطريق حتى نكثر من ذكر هللا تعالى ‪ ،‬فإنك من أهل القرآن ‪ ،‬انظر‬
‫وباطنا ‪َ ،‬تر فيه أن هللا تعالى قَيد‬
‫ً‬ ‫ظاهر‬
‫ًا‬ ‫في القرآن وتدبر معانيه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫ذكره بالكثرة ‪ ،‬فكثرة ذكر هللا عز وجل ليست خاصة بأهل التصوف الذي تفرون منه‬
‫فراركم من األسد‪.‬‬

‫وال تقولوا ‪:‬يكفي أن نصلي على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في العمر مرة ‪ ،‬فإنه‬
‫يسقط الفرض بها ‪ ،‬فإنكم إذا وصل إليكم شيء من الدنيا ‪ -‬وأنتم منغمسون فيها إلى‬
‫فلم تكتفون بالقليل واألقل من القليل من‬ ‫شحمتي أذنيكم ‪ -‬ال تقولوا يكفينا ما نحن فيه ‪َ ،‬‬
‫لوب { [الرعد ‪، [٢8:‬‬ ‫ِ‬ ‫ذكر هللا تعالى؟ وربنا ج َل وعال يقول ‪ } :‬أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه‬
‫وكيف تكتفون بالصالة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في العمر مرة ‪ ،‬ورسول‬
‫علي صالة واحدة صَلى هللا عليه بها‬‫هللا عليه الصالة والسالم يقول ‪ » :‬من صَلى َ‬
‫(‪)١‬‬
‫عشر صَلى هللا عليه مئة« ‪.‬‬ ‫عشر ‪ ،‬ومن صَلى َ‬
‫علي ًا‬ ‫ًا‬

‫كثير ال يبقى للسانه مجال للوقوع في الغيبة والنميمة وغيرها من‬


‫ومن يذكر هللا تعالى ًا‬
‫المخالفات‪.‬‬

‫أسعدكم هللا ‪ -‬كما أسعدكم باإليمان ‪ -‬أسعدكم بذكره ج َل وعال وبالتمسك بشريعته‬
‫وبسنة رسوله عليه الصالة والسالم وبترك األخالق الذميمة وباإلخالص بالعبادة ‪ ،‬وكل‬
‫نور قلوب المؤمنين باإليمان ‪ ،‬فعلى المؤمن أن يأخذ‬
‫ذلك محله القلب ‪ ،‬وهللا تعالى َ‬
‫بمقتضى اإليمان‪.‬‬

‫جميعا لذلك‪.‬‬ ‫َ‬


‫وفقنا هللا‬
‫ً‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬عزاه المنذري إلى الطبراني في الصغير ‪ ،‬وأصل الحديث في مسلم‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫اللفظ التاسع و األربعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مع ِه َوقْل ِب ِه َو َج َع َل َعلى‬


‫ّللا على ِعْلم و َختم على س ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َضَل هه َ ه َ‬
‫اه َوأ َ‬ ‫َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ‬
‫له هه َه َو ه‬ ‫( أ َأ‬
‫عد َ ِ‬
‫ّللا أَفال َت َذ َكهرو َن ( )‪ ] (٢٣‬الجاثية ‪]٢٣:‬‬ ‫يه ِمن ب ِ‬ ‫هد ِ‬
‫بص ِرِه ِغ َشاوة فمن ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬

‫اه { أي ‪:‬أباح لنفسه كل ما تهواه ‪،‬‬ ‫َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ‬


‫له هه َه َو ه‬ ‫جل جالله ‪} :‬أ َأ‬
‫يقول الحق َّ‬

‫مباحا أو غير مباح ‪ ،‬فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه ‪ ،‬واليه أشار في‬
‫ً‬ ‫سواء كان‬

‫المباحث بقوله‪:‬‬

‫معبوده هواهُ‬
‫ُ‬ ‫فإنما‬ ‫النفس ما تهواهُ‬
‫أباح َ‬‫ومن َ‬
‫َ‬

‫‪١‬‬

‫‪١‬‬

‫فاآلية وان نزلت في هوى الكفر ‪ ،‬فهي متناولة لكل هوى النفس األمارة ؛ ومتابعة الهوى‬

‫مباحا بقي‬ ‫ُّ‬


‫محرما أفضى بصاحبه إلى العقاب ‪ ،‬وان كان ً‬
‫ً‬ ‫كلها مذمومة ‪ ،‬فإن كان ما هوته‬

‫صاحبه في غم الحجاب وسوء الحساب وأَس ِّر نفسه َ‬


‫وكد طبعه ‪.‬وفي الحديث عنه صلى‬

‫‪ ،‬وقال‬ ‫(‪)١‬‬
‫أبغض إلى هللا تعالى من هوى«‬
‫ُ‬ ‫هللا عليه وسلم ‪ » :‬ما ُعِّبد تحت السماء‬

‫صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬ثالث مهلكات ‪:‬شح مطاع‪ ،‬وهوى متَّبع ‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة ‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫أيضا‪ » :‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ‪،‬‬
‫وقال ً‬
‫(‪)١‬‬
‫واعجاب المرء بنفسه«‬

‫(‪)2‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها َّ‬
‫وتمنى على هللا«‬

‫كل ما تعشقه النفس وتميل إليه من الحظوظ العاجلة ‪ ،‬ويجري ذلك‬


‫اإلشارة ‪ :‬حقيقة الهوى ُّ‬

‫نفسه في ترك‬ ‫ِّ‬


‫العبد َ‬
‫في المآكل والمشارب والمالبس والمناكح والجاه ورفع المنزلة ‪ ،‬فليجاهد ُ‬

‫يقرب إلى هللا ‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬


‫ذلك كله ‪ ،‬حتى ال تحب إال ما هو طاعة ُ‬

‫‪ ،‬فإن كان في طريق اإلرادة‬ ‫» ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه ً‬


‫تبعا لما جئت به«‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫كل ما تميل إليه نفسه وتسكن إليه‬
‫ك َّ‬
‫والتربية َتر َ‬

‫أقول ‪:‬للنفس البشرية وجهان ‪:‬وجه للحظوظ والتلذذ ‪ ،‬ووجه آخر إلقامة الطاعة‪ .‬فلو‬

‫يضر عقله ‪ ،‬فعليه أن يأكل من المباحات‬


‫أضر اإلنسان بطعامه الذي هو بقدر االحتياج ُّ‬
‫َ‬

‫باألمر وينتهي باألمر ‪.‬وكذلك الحظوظ األخرى ‪ ،‬كالزواج ‪ ،‬فإن من استقام على الشريعة‬

‫والسَنة النبوَية يتزوج ‪ ،‬وزوجته تتعلق به ‪ ،‬فإذا أخ َل بهذا االشتياق النفسي يسبب‬

‫ضررا لها‪.‬‬
‫ً‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نعيم عن أنس رضي هللا عنه بسند ضعيف ‪.‬‬
‫‪ -١‬أخرجه البزار والطبراني وأبو َُ َ‬
‫صحح على شرط البخاري ‪.‬وفي‬
‫فوعا ‪.‬وقال الحاكم ُ‬
‫‪ -2‬أخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم والترمذي عن شداد بن أوس مر ً‬
‫رواية بزيادة‪( :‬األماني)‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث حسن صحيح عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫‪ -4‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫الركون إلى الكرامات والوقوف مع المقامات ُّ‬
‫كله أهوية تمنع مما هو أعلى منها من‬

‫مقام العيان ‪ ،‬فال يزال المريد يجاهد نفسه ويرحلها عن هذه الحظوظ حتى تتمحَض‬

‫وعدم نسبتها إلى هللا تعالى‬


‫َ‬ ‫العجب بها‬
‫محبتها في الحق تعالى ؛ فإن رؤية العبادة و َ‬

‫كل هذا من الهوى‪.‬‬


‫وعدم رؤية أنها من توفيقه ج َل وعال ‪ُّ ،‬‬
‫َ‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم احفظنا من إتباع أهوائنا بفضلك وكرمك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪367‬‬
‫اللفظان الخمسون و الحادي والخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫يه وجعَلنا لهم سمعا وأَبص ا ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫( وَلقد م َكَن ِ‬


‫فما أَ َغنى َع ه‬
‫نهم‬ ‫يما ِإن َم َكَناكم ف َ َ َ ه َ ً َ َ ً‬
‫ار َوأَ ْفئ َد ًة َ‬ ‫اهم ف َ‬
‫َ َ ه‬
‫ات َ ِ‬
‫ّللا َو َحاق ِب ِهم َما‬ ‫سمعهم وال أَبصارهم وال أَ ْف ِئ َدتهم ِمن شيء ِإذ كاهنوا يجحهدو َن ِبآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ هه َ‬ ‫َ هه َ‬
‫تهزهئو َن ( )‪ ] (٢٦‬األحقاف‪] ٢٦:‬‬ ‫َكاهنوا ِب ِه َي َس ِ‬

‫َبص ًارا َوأَ ْف ِئ َد ًة { ليستعملوها فيما خلقت له ‪ ،‬ويعرفوا بكل‬


‫معا َوأ َ‬
‫لهم َس ً‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬و َج َعَلنا ه‬

‫منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم‪ ،‬ويستدلوا بها على شؤون منعمها عز وجل ‪،‬‬

‫ويدوموا على شكرها‪.‬‬

‫فما { نافية‬ ‫ُّ‬


‫والفؤاد من القلب كالقلب من الصدر ‪ُ ،‬سمي به لتفؤُّده ‪ ،‬أي لتوقده تحرًقا ‪َ } ،‬‬

‫مع ههم { حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل ‪َ } ،‬وال‬ ‫} أَ َغنى َع ه‬
‫نهم َس ه‬

‫َبص هارههم { حيث لم يجتلوا بها اآليات التكوينية المنضوية في صحائف العالم ‪}،‬‬
‫أ َ‬

‫تهم { حيث لم يستعملوها في معرفة هللا سبحانه ‪ِ } ،‬من شيء { أي ً‬ ‫ِ‬


‫شيئا‬ ‫َوال أَ ْفئ َد ه‬
‫(‪)١‬‬ ‫ات َ ِ‬
‫ّللا{‬ ‫من اإلغناء ‪ِ }،‬إذ كاهنوا يجح هدو َن ِبآي ِ‬
‫‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫أقول ‪:‬القلب مخصوص بمعرفة هللا تعالى ‪ ،‬فإذا كان فار ًغا منها تكون الجوارح الظاهرة‬

‫مقطوعة عنه ‪ ،‬فال هيستعمل السمع والبصر وال غير ذلك من الجوارح فيما هيعرف هللا‬

‫تعالى به من الدال ئل الكونية‪.‬‬

‫القلب حاكم على الجوارح ‪ ،‬فإذا ع َ‬


‫طل وظيفته فالرعية بطريق األولى ال يشتغلون في‬

‫وظيفتهم‪.‬‬

‫ُّ‬
‫التفكر في مخلوقات هللا هو القلب ‪ ،‬فإذا تعطل كيف ينظر البصر إلى‬ ‫مثال ‪ :‬محل‬

‫السماء ويتف َكر فيها؟‬

‫من لم يستعمل ما أنعم هللا تعالى به عليه ‪ -‬سواء من الجوارح الظاهرة أو الباطنة‬

‫كالفؤاد أو االستعداد أو العقل أو الحافظة أو غيرها من النعم ‪ -‬من لم يستعملها فيما‬

‫األشجار موجودة لكنه متحير كيف يفعل ‪ ،‬كيف‬


‫ه‬ ‫خلقت له كأنه بيده آلة لقطع األشجار و‬

‫يحتطب ويجمع الحطب ويشعل النار ‪.‬اآللة بيده وال يستعملها ‪ ،‬هل هيقال ‪:‬هذا عاقل؟ ال‬

‫‪ ،‬وكذلك صاحب الجوارح الظاهرة المقطوعة عن األفئدة الخالية عن محبة هللا ؛ فاألفئدة‬

‫ميتة والجوارح ميتة ‪.‬إنا هلل وانا إليه راجعون‪:‬‬

‫السمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َجل‬ ‫نه َما ِإالَ ِب ْا َ‬
‫لح ِق َوأ َ‬ ‫َرض َو َما َبَي ه‬
‫ات َواأل َ‬ ‫} أ ََولم َي َتف َكهروا في أَْنفس ِهم َما َخلق َ ه‬
‫ّللا َ َ َ‬
‫قاء رب ِهم ِ‬
‫ير ِمن الَن ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لكافهرو َن { [ الروم ‪.[ 8 :‬‬ ‫اس ِبل َ‬ ‫هم َسمى َواِ َن كث ًا َ‬

‫يارب العالمين‪.‬‬
‫الله َم ال تقطع قلوبنا عنك وال تفرغها من محَبتك َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫اللفظ الثاني و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫قال‬ ‫خر هجوا من عْند َك قاهلوا لَلذ َ‬
‫ين أ ههوتوا اْلعْل َم َماذا َ‬ ‫ليك َح َتى ِإذا َ‬
‫نهم َمن َي َستم هع ِإ َ‬ ‫( َو ِم ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ههم ( )‪ ] (١٦‬مح َمد ‪]١٦:‬‬ ‫ّللا َعلى هقلوبِ ِهم َوا َتَب هعوا أ َ‬
‫َهو َ‬ ‫طب َع َ ه‬
‫ين َ‬ ‫َءانفا أ َهولئ َك اَلذ َ‬

‫ِ‬
‫ِّ‬
‫توجهها نحو الخير أصال ‪،‬‬ ‫تم عليها ‪ ،‬لعدم‬ ‫ِِ‬
‫ّللا َعلى هقلوبهم { َخ َ‬
‫طب َع َ ه‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬اَلذ َ‬
‫ين َ‬

‫فيه‪.‬‬ ‫اء ههم { الباطلة ‪ ،‬فلذلك فعلوا ما فعلوا مما ال خير‬ ‫} َوا َتَب هعوا أ َ‬
‫َهو َ‬
‫(‪)١‬‬

‫ِّ‬
‫المذكر من أهل التنوير نهض المستمع له إلى‬ ‫اإلشارة ‪ :‬مجلس الوعظ والتذكير ‪ ،‬إن كان‬

‫قطعا ‪ ،‬فمنهم من يصل النور إلى‬


‫قطعا ‪ ،‬لكن ذلك يتفاوت على قدر َس َريان النور فيه ً‬
‫هللا ً‬

‫ظاهر قلبه ‪ ،‬ومنهم من يصل إلى داخل القلب ‪ ،‬ومنهم من يصل إلى روحه ‪ ،‬ومنهم من‬

‫يصل إلى سره ‪ ،‬وذلك على قدر التفرغ واالستعداد؛ فمن وصل النور إلى ظاهر قلبه‬

‫نهض إلى العمل الظاهر ‪ ،‬وكان بين حب الدنيا واآلخرة ‪ ،‬ومن وصل إلى قلبه نهض‬

‫بقلبه إلى هللا ‪ ،‬ورفض الدنيا وراءه ‪ ،‬ومن وصل إلى روحه انكشف عنه الحجاب ‪ ،‬ومن‬

‫(‪)2‬‬
‫الحق‪.‬‬ ‫وصل إلى سره َّ‬
‫تمكن من شهود‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫الشهود المعنوي ‪ ،‬فكما أن إيمانه غيبي كذلك شهوده‬
‫ه‬ ‫أقول ‪:‬المقصود بشهود الحق‬

‫مشهوده َ‬
‫لشدة يقينه‪.‬‬ ‫ه‬ ‫غيبيا ‪ ،‬فيكون كأنه‬
‫بعين اليقين وحق اليقين يكون ً‬

‫يتمسك بالوحي النازل من خالق‬


‫َ‬ ‫وهو ال يبالي بالكشف والكرامات ‪ ،‬بل يحاول أن‬

‫العالمين إلى رسول رب العالمين ‪ ،‬وباتباع سيد المرسلين عليه الصالة والسالم حتى‬

‫يخلص وينقطع ع َما سوى هللا تعالى‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من أهل الشهود يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫اللفظ الثالث و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‬
‫اْلق َت ه‬ ‫يها‬
‫حك َمة َوذكَر ف َ‬
‫ورة هم َ‬ ‫ورة فِإذا أ ِ‬
‫هنزلت هس َ‬ ‫نزلت هس َ‬
‫امنوا لوال َ‬ ‫قول اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬ ‫( َوَي ه‬
‫لهم)‬ ‫أرَيت اَل ِذين ِفي هقلوبِ ِهم مرض يْنظرون ِإليك نظر اْلم ْغ ِشي ع ِ‬
‫ليه ِمن اْلم ِ‬
‫فأ ََولى ه‬ ‫وت‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ه َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪] (٢٠‬مح َمد ‪]٢٠:‬‬

‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض { أي ‪:‬ضعف في الدين أو نفاق ‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬أرَيت اَلذ َ‬

‫األظهر‪.‬‬

‫متعينا عليه كذلك يلزم في‬


‫ً‬ ‫اعلم أنه كما يلزم الصدق واإلجابة في الجهاد األصغر إذا كان‬

‫إذا اضطر إليه(‪ ،)2‬وذلك بالرياضات والمجاهدات ‪ ،‬على وفق إشارة‬ ‫(‪)١‬‬
‫الجهاد األكبر‬

‫سبب الحرمان من غنائم‬ ‫ِّ‬


‫الطبيعة و ِّ‬
‫النفس ُ‬ ‫المرشد أو العقل السليم (‪ ، )3‬واال فالقعود في بيت‬

‫حصول ما هو خير منه ‪ ،‬وهو الشهود ‪ ،‬واألصل اإليمان‬


‫ُ‬ ‫القلب والروح ‪ ،‬وفي بذل الوجود‬

‫‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫واليقين‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يما فاتَِّّب ُعوهُ} [األنعام ‪ ،[ ١53:‬فالجهاد األكبر مقيَّد بالصراط المستقيم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫جل وعال ‪َ { :‬وأَ َّن َهذا ص َراطي ُم َستق ً‬
‫‪ -١‬قال ربنا َّ‬
‫السنة النبويَّة واإلخالص في العبادة‪ ،‬مع اإليمان الكامل واليقين‪ ،‬بدون طلب الشهود‪.‬‬ ‫أي ‪:‬بالتمسك بالشريعة و َّ‬
‫التعلقات غير المقبولة‪ ،‬وكذلك من ُّ‬
‫التعلقات باألشباح‬ ‫كلنا محتاجون إلى تطهير بواطننا من األخالق الذميمة ومن ُّ‬ ‫‪ُّ - 2‬‬
‫المقبولة‪ ،‬والى ترك ما سوى هللا تعالى‪ ،‬أي ‪:‬حتى الذي يرشدنا ال َّ‬
‫نتعلق بشبحه‪ ،‬بل بسر الطريق الذي وصل إليه من رسول‬
‫ومن َبعده‪.‬‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم َ‬
‫‪ -3‬العقل السليم إذا كان موافًقا للشريعة والسنة النبوية مع تمسكه بمجاهدة النفس يرشد صاحبه كما يرشده المرشد فيكون‬
‫يسًيا‪ ،‬ويحصل له االنتقال من مقامات إلى مقامات بالجذب اإللهي وبالعناية اإللهية‪.‬‬ ‫أُو ِّ‬
‫َ‬
‫‪ -4‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫أقول ‪:‬الشهود هو اإليقان ‪ ،‬واذا وجدنا في كالم بعض األولياء رضي هللا عنهم عبارة‬

‫"رؤية هللا ج َل وعال "فليس المقصود منه الرؤية على الحقيقة ‪ ،‬بل المقصود هو‬

‫اإليقان ‪.‬فإذا ثبت اإليقان يثبت معنى قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬أن تعبد‬

‫هللا كأنك تراه « ‪ ،‬هذا هو الشهود ‪ ،‬وال يرى أحد خالقه في الدنيا ‪،.‬‬

‫أحيانا عن حصول التجلِيات الصفاتية بالرؤية ‪ ،‬والحقيقة أن ك َل ذلك إيقان‪،‬‬


‫ً‬ ‫ويعَبر‬

‫فلشدة اإليقان كأنهم يرون تلك التجلِيات ‪ ،‬أو كأنهم يرون رَبهم‪.‬‬

‫وهذا سر من أسرار الطريق ‪ ،‬وهو أمر معنوي يأتي من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫ويمتد إلى قلوب من يتصلون بهذا السر ‪ ،‬بواسطة خادم الطريق – أي مرشد الطريق ‪-‬‬

‫بمحبتهم له واعتقادهم بأن هذا الطريق متصل بالمركز األصلي ‪ ،‬وهو رسول هللا صلى‬

‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأما من َ‬


‫يدعي االنتساب أو االنتماء إلى الطريق فإنه ال يقع على باله‬

‫هذا االتصال المعنوي برسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فيبقى على حاله ‪ ،‬لكنه إذا‬

‫صَلى وترك الكبائر نرجو هللا تعالى أن يكون من أهل النجاة‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا من أهل الشهود اإليقان يا رب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫اللفظ الرابع و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫لها ( )‪ ] (٢٤‬مح َمد ‪]٢٤:‬‬ ‫تدَبهرو َن اْلقرَء َ‬


‫ان أَم َعلى هقلوب أَ َقفاه َ‬ ‫( أَفال َي َ‬

‫ان { قال القشيري ‪:‬إذا تدبروا القرآن أفضى بهم إلى ِّحس‬
‫تدَبهرو َن اْلقرَء َ‬
‫قوله تعالى ‪ }:‬أَفال َي َ‬

‫العرفان ‪ ،‬وأزاحهم عن ظلمة التحير ‪} ،‬أَم َعلى هقلوب أَ َقفاه َ‬


‫لها { أقفل الحق على قلوب‬

‫‪ ،‬فال يدخلها زواجر التنبيه ‪ ،‬وال ينبسط عليها شعاع العلم ‪ ،‬وال يحصل فيهم‬ ‫(‪)١‬‬
‫الكفار‬

‫الباب إذا كان ُمَقفال فكما ال يدخل فيه شيء ال يخرج ما فيه‪ ،‬كذلك هي قلوب‬
‫الخطاب ؛ و ُ‬

‫دعون إليه يدخل في قلوبهم‪.‬‬


‫الكفار ُمَقفلة ‪ ،‬فال الكفر الذي فيها يخرج ‪ ،‬وال اإليمان الذي ُي َ‬

‫تدَبهرو َن ْاهلقرَء َ‬
‫ان { فإن فيه علوم الظاهر والباطن ‪ ،‬لكن إذا زالت عن‬ ‫اإلشارة ‪}:‬أَفال َي َ‬

‫االنهماك في الحظوظ‬
‫ُ‬ ‫وحاصلها أربعة ‪:‬حب الدنيا ‪ ،‬وحب الرئاسة ‪ ،‬و‬
‫ُ‬ ‫القلوب األقفال ؛‬

‫َّ‬
‫وتجلت فيه أسرار‬ ‫وكثرة العالئق والشواغل ؛ فإن َسلِّم من هذه صفا قلبه ‪،‬‬
‫والشهوات ‪ُ ،‬‬

‫معاني الذات والصفات ‪ ،‬فيتدبر القرآن‪ ،‬ويغوص في بحر أس ارره‪ ،‬ويستخرج يواقيته ودرره ‪.‬‬

‫التوفيق‪.‬‬ ‫وباهلل‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬بسوء اعتقادهم ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫َ‬ ‫تدَبهرو َن اْلقرَء َ‬
‫ان { فإن فيه شفاء من كل داء ‪ُ ،‬ليفضي‬ ‫وفي التأويالت النجمية ‪ } :‬أَفال َي َ‬

‫ِّ‬
‫بهم إلى ُحسن العرفان ‪ ،‬ويخلصهم من سجن الهجران ‪ } ،‬أَم َعلى هقلوب أَ َقفاه َ‬
‫لها { أم َقفل‬

‫الحق على قلوب أهل الهوى بسوء اعتقادهم ‪ ،‬فال يدخلها زواجر التنبيه ‪ ،‬وال ينبسط عليها‬
‫ُّ‬

‫فهم الخطاب ‪.‬واذا كان الباب ُمَقفال فال الشك واإلنكار الذي‬
‫شعاع العلم ‪ ،‬وال يحصل لها ُ‬

‫(‪)١‬‬
‫دعون إليه يدخل في قلوبهم‬
‫فيها يخرج ‪ ،‬وال الصدق واليقين الذي هم ُي َ‬

‫كل هذا بتوفيق هللا ج َل وعال ‪ ،‬ولكنه تعالى بَين لنا سبيل الهدى وطريق‬
‫أقول ‪ُّ :‬‬

‫المجاهدة ‪.‬فالمجاهدة ليست بترك الحالل بالكلَِية ‪ ،‬كالزواج واألكل والنوم وغير ذلك‪،‬‬

‫ولكن الذي يرى أن نفسه تغلبه من ناحية الشهوة مثال فإنه يكثر من الصوم حتى يكسر‬

‫شهوتها ‪ ،‬فيقلل علف النفس ويثقل ِحملها ‪ ،‬لتكون ساكنة تحت أمر القلب ال تتجاوز‬

‫ِ‬
‫اطمئنانا ‪ ،‬كما قال ربنا ج َل وعال ‪ } :‬أَال بذكر هللا ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه‬
‫لوب {‬ ‫ً‬ ‫عليه ‪ ،‬فيزداد القلب‬

‫]الرعد ‪. [ ٢8:‬فعلى المؤمن أن ال يتبع الهوى وال النفس وال الخلق‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫أكثر الناس يهتمون بنظر الخلق إليهم‪ ،‬فيقولون ‪:‬لو لبسنا هكذا ماذا يقولون؟ ولو‬

‫عملنا هكذا ماذا يقولون؟ ينبغي للمؤمن أن يقول ‪:‬هذا أمر الشرع والقرآن ‪َ ،‬‬
‫علي أن‬

‫وي َفتح القفل ‪ ،‬من دون‬


‫أعمل به لوجه هللا تعالى ‪ ،‬حينذاك يأتي الفتح من هللا ج َل وعال‪ ،‬ه‬

‫مفتاح حسي ‪ ،‬بل بمفتاح هللا تعالى ‪.‬هذا هو فتح العارفين‪.‬‬

‫الله َم افتح أقفال قلوبنا وقلوب المؤمنين بنور القرآن الكريم وباتباع السَنة النبوَية‬

‫على صاحبها أفضل الصالة والتسليم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫اللفظ الخامس و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫( أَم ح ِسب اَل ِذ ِ‬


‫نهم ( )‪ ] (٢٩‬مح َمد ‪]٢:‬‬
‫َضغاَ ه‬ ‫ين في هقهلوِب ِهم َمَرض أَن لن هي ْخ ِر َج َ ه‬
‫ّللا أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { أي ‪:‬المنافقون ‪ ،‬فإن النفاق مرض قلبي‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ }:‬أَم َح ِس َب اَلذ َ‬
‫َضغاَنهم { واألضغان ‪:‬جمع ِّ‬
‫ضغن ‪ ،‬وهو الحقد ‪.‬وهو إمساك‬ ‫كالشك ‪ }،‬أَن لن هي ْخ ِر َج َ ه‬
‫ّللا أ َ ه‬

‫َح ِّس َب الذين في قلوبهم حقد وعداوة‬


‫العداوة في القلب والتربص لفرصتها ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬بل أ َ‬

‫للمؤمنين أن لن ُيخرج هللا أحقادهم ولن ُيبرزها لرسول هللا وللمؤمنين ‪ ،‬فتبقى أمورهم‬

‫مستورة؟ أي أن ذلك مما ال يكاد يدخل تحت االحتمال‪.‬‬

‫وفي بعض اآلثار ‪:‬ال يموت ذو زيغ في الدين حتى يفتضح ‪ ،‬وذلك ألنه كحامل الثوم‪،‬‬

‫فالبد من أن تظهر رائحته ؛ كما أن الثابت في طريق َّ‬


‫السنة كحامل المسك ‪ ،‬إذ ال يقدر‬

‫(‪)١‬‬
‫على إمساك رائحته ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬صاحب األخالق الذميمة تفوح رائحة أخالقه من َبشرة وجهه ‪ ،‬قبل أن يفتح فمه‬

‫حتى يفوح مثل رائحة الثوم والبصل ‪.‬فإذا سمع المواعظ القرآنية والسَنة النبوَية أو ق أر‬

‫كتب القوم واألولياء وعرف أنه متصف بهذه األخالق فإنه يحاول أن يتخلص منها ‪،‬‬

‫قميصا وس ًخا ال َيرى أنه الئق أن يذهب إلى جماعة‬


‫ً‬ ‫ألنه إذا لبس‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫الملوث ‪ ،‬فيتفكر في نفسه أنه ال بد أن يترك األخالق الذميمة حتى يكون‬
‫بهذا القميص َ‬

‫طاهر مهَيًئا لنظر عالَم الغيوب‪.‬‬


‫ًا‬ ‫قلبه‬

‫نرجو هللا ج َل وعال أن يهدينا إلى أحسن األخالق ‪ ،‬فإنه ال يهدي إلى أحسنها إال هو ‪،‬‬

‫عدوان لنا ‪ ،‬نعوذ باهلل من‬


‫ونرجو منه تعالى التطهير ألنفسنا ‪ ،‬ألن النفس والشيطان َ‬

‫العدوين الخبيثين‪.‬‬
‫َ‬ ‫شرورهما ‪ ،‬ألننا ال نطيق وال نقدر على دفع هذين‬

‫هذه اآلية الكريمة في حق المنافقين الذين هم كفار في الحقيقة ‪ ،‬لكن المؤمن يمكن أن‬

‫يحمل صفات المنافقين ويعمل بها ‪ ،‬من غير أن يشعر بذلك ‪ ،‬فال يشتغل بتركها ؛ لكنه‬

‫إذا استشعر بخباثة هذه األخالق فإنه ال يرضى بها ‪ ،‬أل نه إذا رأى هذه األخالق في‬

‫غيره ال يرضى بها ‪ ،‬فمن باب أولى أن ال يرضاها لنفسه ‪ ،‬لكنه ال يراها في نفسه ؛‬

‫فرض عين ‪ -‬كما قال اإلمام الغزالي رضي هللا عنه ‪ -‬ألن‬
‫ولذا فإن الدخول في الطريق ه‬

‫اإلنسان ال ي َ‬
‫طلع على عيوب نفسه بنفسه ‪ ،‬فال بد له من األستاذ الحقيقي ‪ ،‬الذي‬

‫لص منه ‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬


‫يوجهه إلى ترك ما ال ينبغي ‪ ،‬حتى َي ْخ هَ َ‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم هم َن علينا بالخالص من عيوبنا ‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫اللفظ السادس و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِِ‬ ‫( هه َو اَل ِذي أَْن َز َل َ‬


‫يم ِان ِهم َو َّلل هجهن ه‬
‫ود‬ ‫ِ‬
‫يماًنا َم َع إ َ‬
‫ِ‬ ‫ين لَِي َ‬
‫زد هادوا إ َ‬
‫لوب ْا ِ‬
‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ه‬
‫الس ِكَينة ِفي هق ِ‬
‫ِ‬ ‫َرض وَكان َ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫يما ( )‪] (٤‬الفتح ‪]٤:‬‬ ‫يما َحك ً‬ ‫الس َم َوات َواأل ِ َ َ ه‬
‫ّللا َعل ً‬

‫قوله تعالى ‪ }:‬هه َو اَل ِذي أَْن َز َل َ‬


‫الس ِكَينة { أي جعل الطمأنينة ‪ ،‬قاله ابن عباس رضي هللا‬

‫عنهما ‪ ،‬وعنه ‪:‬الرحمة ‪.‬وقال قتادة ‪:‬الوقار في قلوب المؤمنين – وهم الصحابة رضي هللا‬

‫عنهم يوم الحديبية ‪ -‬الذين استجابوا هلل ولرسوله وانقادوا لحكم هللا ورسوله ‪ ،‬فلما اطمأنت‬

‫إيمانا مع إيمانهم ‪.‬وقد استدل بها البخاري وغيره من األئمة‬


‫قلوبهم بذلك واستقرت زادهم ً‬

‫القلوب‪.‬‬ ‫على تفاضل اإليمان في‬


‫(‪)١‬‬

‫لوب ْالم ْؤ ِمِنين { لئال تنزعج قلوبهم لما ي ِّرد عليهم ‪َّ ،‬‬
‫فسلموا لقضاء هللا‬ ‫قوله تعالى ‪ِ }:‬في هق ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬

‫‪ ،‬وكانوا قد اشتد عليهم صد المشركين لهم عن البيت ‪ ،‬حتى قال عمر رضي هللا عنه ‪:‬‬

‫عالم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬أنا عبد هللا ورسوله‬
‫َ‬

‫ثم أوقع هللا الرضا بما جرى في قلوب المسلمين‬ ‫(‪)2‬‬


‫لن أخالف أمره ولن يضيعني «‬

‫(‪)3‬‬
‫وأطاعوا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فسلموا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪َ -2‬وَرَد في الصحيحين بلفظ ‪ { :‬إني رسول هللا ولست أعصيه وهو ناصري} انظر فقه السيرة ‪ ،‬للدكتور محمد سعيد‬
‫رمضان البوطي‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير زاد المسير ‪.‬‬

‫‪379‬‬
‫عيانيا مع‬
‫ً‬ ‫ذوقيا‬
‫وجدانيا ً‬
‫ً‬ ‫إيمانا‬
‫قال حضرة الهدائي قدس سره في مجالسه المنيفة ‪ :‬ليزدادوا ً‬

‫إيمانهم العلمي الغيبي ‪ ،‬فإن السكينة نور في القلب يسكن به إلى ما شاهده ويطمئن ‪،‬‬

‫وسرور‪.‬‬ ‫وهو من مبادي عين اليقين بعد علم اليقين ‪ ،‬كأنه وجدان يقيني معه لذة‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪ :‬كلما ازداد العبد في التوجه إلى هللا تعالى مع الصدق في ذلك فإن هللا تعالى ‪-‬‬

‫الراحمين ‪ -‬يعطيه السكينة واالزدياد في اإليمان وقوة اليقين‬


‫وهو أكرم األكرمين وأرحم َ‬

‫في عين اليقين ‪ ،‬ثم ينقله بفضله وكرمه إلى حق اليقين ‪ ،‬فإنه جواد سبحانه وتعالى ‪،‬‬

‫عبد ِه ‪ -‬إذا اشتغل بدينه ‪ -‬أن يعرفه ‪ ،‬وأن يستفيد من معرفة ربوبية خالقه‬
‫يحب ِمن ِ‬

‫ج َل وعال‪.‬‬

‫ق بابه مرة أو مرتين أو ثالث مرات فإنه يفتح لنا ويجيبنا ‪ ،‬فكيف‬
‫إذا ذهبنا إلى عبد َنهد ُّ‬

‫بنا إذا جاهدنا أنفسنا في دين اإلسالم ال نزداد هداية وال سكينة؟ هذا ال يليق بالعبد‬

‫فكيف باهلل تعالى؟ إنه يعطي العبد ما يطلبه بشرط أن يكون صاد ًقا‪.‬‬

‫الله َم افتح علينا فتوح العارفين ‪ ،‬واهدنا الصراط المستقيم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫اللفظ السابع و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫غفر َلنا يقولو َن ِبأَْل ِس ِ‬


‫اب ش َغْل َتنا أَمواهَلنا وأَهلونا فاست ِ‬ ‫ِ‬
‫نت ِهم‬ ‫َ ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ هَ‬ ‫لمخَلفو َن م َن األ َ‬
‫َعر ِ‬
‫لك ْا ه‬
‫قول َ‬
‫( َسَي ه‬
‫ما ليس ِفي هقلوبِ ِهم قل فمن يملِك لكم ِمن َ ِ‬
‫شيئا ِإن أََرَاد ِبكم َض ار أَو أََرَاد ِبكم ً‬
‫نفعا َب ْل‬ ‫ً‬ ‫ّللا‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ه‬ ‫َ َ‬
‫عم لو َن خ ِب ًا‬
‫ير ( )‪ ] (١١‬الفتح ‪]١١:‬‬ ‫ان َ ِ‬
‫ّللا ب َما َت َ‬
‫َك َ ه‬

‫لما قصد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم التوجه إلى الحديبية َّ‬
‫تخلف قوم من األعراب عنه‪،‬‬

‫َه َلونا { ‪ ،‬فأطلعه هللا سبحانه على كذبهم ونفاقهم ؛ وأنهم ال‬
‫َمواهَلنا َوأ ه‬
‫وقالوا ‪ } :‬ش َغْل َتنا أ َ‬
‫(‪)١‬‬
‫إخالصا ‪ ،‬وعندهم سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ‪.‬‬
‫ً‬ ‫يقولون ذلك‬

‫اب ش َغْل َتنا أَمواهَلنا وأَهلونا فاس ِ‬ ‫ِ‬


‫تغفر َلنا‬ ‫َ‬ ‫َ َ هَ‬ ‫لمخَلفو َن م َن األ َ‬
‫َعر ِ‬
‫لك ْا ه‬
‫قول َ‬
‫فقوله تعالى ‪َ } :‬سَي ه‬
‫يقولو َن ِبأَْل ِس ِ‬
‫نت ِهم ما ليس ِفي هقلوبِ ِهم { أي ‪:‬سيقول الذين َّ‬
‫تخلفوا عن الخروج معك عام‬ ‫َ َ‬ ‫َ ه‬
‫الحديبية إذا رجعت إليهم ‪ِّ :‬‬
‫شغلنا عن الخروج معك بسبب األموال واألوالد ‪ ،‬فاطلب لنا‬

‫ُّ‬
‫التخلف لم يكن باختيار ‪ ،‬وانما كان عن اضطرار ‪ ،‬وهم كاذبون‬ ‫العفو من هللا ‪ ،‬ألن هذا‬

‫فمن َيملِ هك لكم‬ ‫في هذا القول ‪ ،‬يقولون خالف ما يبطنون ‪ ،‬وهذا هو النفاق القبيح‪ْ } ،‬‬
‫قل َ‬
‫ان َ ِ‬ ‫ِمن َ ِ‬
‫عم لو َن خ ِب ًا‬
‫ير { أي ‪:‬‬ ‫ّللا ب َما َت َ‬ ‫شيئا ِإن أََرَاد ِبكم َض ار أَو أََرَاد ِبكم ً‬
‫نفعا َب ْل َك َ ه‬ ‫ً‬ ‫ّللا‬ ‫َ‬

‫قل لهم ‪:‬من يمنعكم أو يدفع عنكم ما قدره هللا لكم من ضر أو نفع ؟‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير القشيري ‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫(‪)١‬‬
‫فإذا أراد هللا عليكم القتل والهزيمة ‪ ،‬أو أراد لكم النصر والغنيمة ‪ ،‬فمن يمنع ذلك عنكم؟‬

‫وفي اآلية إشارة إلى أن القلوب الغافلة عن هللا يقولون ‪ -‬أي أهلها ‪ -‬بألسنتهم ما ليس له‬
‫شعور لقلوبهم على حقيقة ما يقولون ‪ ،‬فإنهم يقولون ويريدون به معنى آخر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حقيقة ‪ ،‬وال‬
‫اعتذار لتخلفهم ‪ ،‬ولقولهم ‪" :‬شغلتنا "‬
‫ًا‬ ‫مجاز ‪ ،‬يريدون به‬
‫ًا‬ ‫كقولهم ‪ ":‬شغلتنا أموالنا وأهلونا "‬
‫حقيقة ‪ ،‬وذلك أن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن ذكر هللا واالئتمار بأوامره وعن متابعة النبي‬
‫(‪)2‬‬
‫بها‪.‬‬ ‫عليه الصالة والسالم وهم مأمورون‬

‫منافقا فقد خرج‬


‫ً‬ ‫منافقا ‪ ،‬ومن صار‬
‫ً‬ ‫أقول ‪:‬اآلية تدل على أن المنافق بعدم صدقه صار‬
‫من الدين ‪ ،‬فعلى المؤمن أن ال يكون موصوًفا بصفات المنافقين ‪ ،‬الذين هم مؤمنون‬

‫بألسنتهم يطلبون من رسول هللا االستغفار لهم ‪ ،‬وقلوبهم مخالفة أللسنتهم ‪ ،‬ه‬
‫وهللا تعالى‬
‫طلع على قلوبهم ‪ ،‬وبذلك ثبت كفرهم بالنص القرآني‪.‬‬‫مَ‬

‫شيئا بلسانه مخال ًفا لما في قلبه فهو فاسق ‪ ،‬فعلينا أن نحترز من هذه‬
‫والمؤمن إذا قال ً‬
‫الصفة ‪ ،‬ألن هللا يعلم إذا كانت األلسنة مخالفة للقلوب ‪ ،‬هذا واحد ‪ ،‬واآلخر أننا إذا‬
‫كذبنا من أجل شيء نريده من الخلق فإذا جاء ضرر من عند هللا بسبب كذبنا هل هناك‬
‫أحد يدفع هذا الضرر عنا؟ إذا كان ذلك غير ممكن فما فائدة الكذب؟‪.‬‬

‫الله َم خلِص المؤمنين من صفات المنافقين يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫اللفظ الثامن و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ين ذلِ َك ِفي هقلو ِبكم‬ ‫ِ‬


‫لم ْؤ ِمنو َن ِإلى أَهلي ِهم أََب ًدا َوهز َ‬
‫ول َوْا ه‬ ‫ظْنهنتم أَن لن َيْنقلِ َب َ‬
‫الر هس ه‬ ‫( َب ْل َ‬
‫ور ( )‪ ] (١٢‬الفتح ‪]١٢:‬‬ ‫وما هب ً ا‬ ‫ظ َن َ ِ‬
‫السوء َو ْكهنتم َق ً‬ ‫ظْنهنتم َ‬‫َو َ‬

‫يقول تعالى ذكره لهؤالء األعراب ‪ -‬المعتذرين إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عند‬

‫َه َلونا { ] الفتح ‪ : - ] ١١:‬ما‬


‫َمواهَلنا َوأ ه‬
‫منصرفه من سفره إليهم بقولهم ‪ } :‬ش َغْل َتنا أ َ‬
‫َّ‬
‫تخلفتم خالف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين شخص عنكم وقعدتم عن صحبته من‬

‫ظنا منكم أن رسول هللا صلى‬


‫أجل شغلكم بأموالكم وأهليكم ‪ ،‬بل تخلفتم بعده في منازلكم ً‬

‫هللا عليه وسلم ومن معه من أصحابه سيهلكون ‪ ،‬فال يرجعون إليكم ً‬
‫أبدا باستئصال العدو‬

‫وحسن الشيطان ذلك في قلوبكم وصححه عندكم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إياهم ‪ } ،‬وهز ِ ِ‬
‫ين ذل َك في هقلوبكم{ َ‬
‫َ َ‬

‫الس ِ‬
‫وء { يقول ‪:‬‬ ‫ظ َن َ‬
‫ظْنهنتم َ‬
‫حسن عندكم التخلف عنه‪ ،‬فقعدتم عن صحبته } َو َ‬
‫حتى ُ‬

‫محمدا صلى هللا عليه وسلم وأصحابه المؤمنين على أعدائهم ‪،‬‬
‫ً‬ ‫وظننتم أن هللا لن ينصر‬

‫فيقتلونهم‪.‬‬ ‫وأن العدو سيقهرونهم ويغلبونهم‬


‫(‪)١‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الطبري ‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫أقول ‪:‬هذه اآلية الكريمة والتي قبلها نزلتا في حق من تخَلف عن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم وادعى دعوى غير صادقة ‪ ،‬لكنها ُّ‬
‫تجر ذيلها في كل عصر إلى من ال تهمه‬
‫تقوى هللا ‪ ،‬وال تهمه الصالة ‪ ،‬وال يهمه الصدق ‪ ،‬ويتخبط مع نفسه ‪ ،‬سواء كان في‬
‫البيع والشراء أو في المعاملة الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫فعلى المؤمن أن يكون صاد ًقا‪ ،‬كلما أراد أن يتكلم عليه أن يتكلم بالصدق ‪ ،‬ولكن ال يلزم‬
‫افقا إلعالنه يكون‬
‫وسره مو ً‬
‫افقا لباطنه ُّ‬
‫عليه أن يتكلم بكل الصدق ‪ ،‬فإذا كان ظاهره مو ً‬
‫من الصادقين ‪ ،‬أما إذا كان يرجح الدنيا والفلوس واألكاذيب فإنه يخرج عن صف‬
‫الصادقين ‪ ،‬فعليه أن يتوب ويستغفر ويرجع إلى هللا تعالى فهو غفور رحيم ‪ ،‬لئال يقع‬
‫لهم‬ ‫الص ِاد ِق ِ‬
‫قهم ه‬‫ين صهد ه‬
‫َ‬ ‫وم َيْن َف هع َ‬
‫في الهالك ‪ ،‬وحتى يدخل تحت قول هللا تعالى ‪َ } :‬هذا َي ه‬
‫نهم َوَر هضوا َعْنه ذلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫تحتها األَ ْنهار خالِ ِد ِ‬
‫جَنات تجرِي ِمن ِ‬
‫ّللا َع ه‬
‫يها أََب ًدا َرض َي َ ه‬
‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يم { [ المائدة ‪.[ ١١٩:‬‬ ‫ِ‬
‫فوز اْل َعظ ه‬
‫ْاَل ه‬
‫مدار هذه اآلية الكريمة تزيين الشيطان بعض األمور في قلوب المؤمنين ‪ ،‬فعلى المؤمن‬
‫العاقل أن يتجنب األخالق الرديئة التي يزينها له الشيطان ‪ ،‬ألنها خالف مقتضى‬
‫اإليمان ‪ ،‬وأن ال يبرر وال يدافع عن نفسه ‪ ،‬ألن الكذب في أمر ما يؤثر على إيمان‬
‫المخاطب فيه‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى ج َل جالله أن هيصلح ظاهرنا وباطننا ‪ ،‬وأن يجعلنا من المتمسكين‬
‫باتباع الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬والمقتدين بأخالقه الكريمة‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫اللفظ التاسع و الخمسون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫َما ِفي هقلوبِ ِهم َفأَْن َز َل‬ ‫فعلِ َم‬ ‫ّللا ع ِن ْا ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َجَرِة َ‬ ‫ين ِإ ذ هيَبايِ هع َو َ‬
‫نك تحت َ‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ه‬ ‫( َلقد َرض َي َ ه َ‬
‫َِ‬
‫قر ًيبا ( )‪ ] (١8‬الفتح ‪]١8:‬‬ ‫تحا ِ‬ ‫السكَينة َعلي ِهم َوأ َ‬
‫َثاب ههم ْف ً‬

‫أي رضي هللا عن المؤمنين الذين بايعوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على الموت في‬

‫ّللا {‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬


‫وخلع عليهم ربهم خلعة الرضوان‪َ } ،‬لقد َرض َي َ ه‬
‫َ‬ ‫سبيل هللا ‪ ،‬فقد فازوا برضا الرحمن ‪،‬‬

‫وحدد المكان الذي بايعوا فيه وهي الشجرة ‪ ،‬وحضر هذه البيعة روح القدس جبريل عليه‬

‫السالم ‪ ،‬ولهذا ُس ِّطرت في الكتاب المبين‪ ،‬فما أكرمها من بيعة! وما أعظمه من أجر و‬

‫فعلِ َم َما ِفي هقلوبِ ِهم { من الصدق والوفاء فرزقهم الطمأنينة وسكون النفس عند‬
‫ثواب!‪َ } ،‬‬
‫(‪)١‬‬ ‫ِّ‬
‫الجنان‪.‬‬ ‫البيعة ‪ ،‬ألنها كانت بيعة على الموت ‪ ،‬وجازاهم على هذا اإليمان بدخول‬

‫قال القشيري ‪:‬علم ما في قلوبهم من االضطراب والتشكيك(‪ ،)2‬وذلك أنه صلى هللا عليه‬

‫َّ‬
‫وسلم رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين ‪ ،‬فبشر أصحابه ‪ ،‬فلما ُ‬
‫صدوا‬

‫لس ِكَينة َعلي ِهم { أي ‪:‬اليقين والطمأنينة ‪ ،‬فذهب‬


‫قلوبهم شك ‪ } ،‬فأَْن َز َل { هللا }ا َ‬
‫خامر َ‬

‫عنهم ‪.‬ثم قال ‪ :‬وفي اآلية دليل على أنه قد يخطر ببال اإلنسان خواطر مشككة ‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬هذه الوساوس والخطرات ال يؤاخذ العبد بها مادامت لم تنتقل إلى الهم والعزم ‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫خير ألزم التوحيد قلبه‪ ،‬وقارن‬
‫وفي الريب موقعة ‪ ،‬ثم ال عبرة ‪ ،‬فإن هللا تعالى إذا أراد بعبده ًا‬

‫ط ِائف‬ ‫ِ‬
‫التحقيق سره ‪ ،‬فال يضره كيد الشيطان ‪.‬قال تعالى ‪ِ } :‬إ َن اَلذ َ‬
‫ين ا َتقوا ِإذا َم َس ههم َ‬

‫ان تذ َكروا فِإذا هم م ِ‬


‫بصهرو َن { [ األعراف ‪.] 2٠١ :‬‬ ‫ِم َن َ‬
‫ه ه‬ ‫طِ ه‬ ‫الشي َ‬

‫أقول ‪:‬على المؤمن أن يكون على سيرة الصحابة رضي هللا عنه ‪ ،‬فإننا ‪ -‬وان لم نكن‬

‫في الدرجة مثلهم ‪ -‬لكننا في االعتقاد واإليمان مثلهم ‪ ،‬ألن االعتقادات اإليمانية ال‬

‫تتغير ‪ ،‬وهم بايعوا النبي عليه الصالة والسالم بيعة على الموت ‪ ،‬وبسبب ذلك الصدق‬

‫الذي علمه هللا في قلوبهم أرضاهم ورضي عنهم‪.‬‬

‫فعلى المؤمن أن يكون صاد ًقا في كالمه وفي معاملته وفي عبادته ‪ ،‬ألن هللا م َ‬
‫طلع عليه‬

‫‪ ،‬ويعامله بما يوافق علمه تعالى فيه ‪ ،‬ال بما يوافق علم العباد أو أقوالهم ‪،‬ولذا قال ربنا‬

‫حسان َر ِضي‬ ‫ِ‬ ‫السا ِبقو َن األ ََولو َن ِم َن اْلم َه ِ‬


‫َ‬ ‫وهم بإ َ‬ ‫ين َواألَ ْن َص ِار َواَلذ َ‬
‫ين ا َتَب هع ه ِِ‬ ‫اج ِر َ‬ ‫ه‬ ‫ج َل وعال ‪َ } :‬و َ‬

‫ين ِفي َها أََب ًدا ذلِ َك ْاَل ه‬ ‫ِِ‬


‫فوز‬ ‫تها األَ ْن َه هار خالد َ‬ ‫لهم َجَنات تجرِي َ‬
‫تح َ‬ ‫َعَد ه‬
‫نهم َوَر هضوا َعْن هه َوأ َ‬
‫ّللا َع ه‬
‫َه‬

‫يم { [ التوبة ‪ ، [ ١٠٠ :‬اإلحسان ‪:‬أن تؤمن أن ربك يعلم ما في قلبك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اْل َعظ ه‬

‫احذروا من مخالفة ألسنتكم لما في قلوبكم ‪ ،‬فاهلل م َ‬


‫طلع على ما في قلوبكم وهو‬

‫يعلم المفسد من المصلح‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البحر المديد‬

‫‪386‬‬
‫علينا أن نصلِح هونطهر بواطننا ‪ ،‬فإذا قلتم ‪:‬كيف نطهر قلوبنا؟ الجواب‪ :‬بإيمانكم بأن‬

‫هللا تعالى يعلم ما في قلوبكم‪.‬‬

‫بتدبر وطبقوا األوصاف التي وصف هللا بها عباده المؤمنين‬


‫اذكروا هللا واقرؤوا القرآن ُّ‬

‫على أنفسكم تكونوا من الذين رضي هللا عنهم‪.‬‬

‫يغترون باألماني وتقول ‪" :‬هللا غفور رحيم "‬


‫كل هذا يحصل في الدنيا ‪ ،‬أما إذا كنت ممن ُّ‬
‫ُّ‬

‫فإنه غفور رحيم لمن تاب وأناب وترك المخالفات ‪ ،‬أما أن تصر على المخالفات وتقول ‪:‬‬

‫"هللا غفور رحيم " فهذا غرور‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫أبدا ‪ ،‬يا أرحم َ‬
‫نصوحا ‪ ،‬ال ننقض عهدها ً‬
‫ً‬ ‫الله َم ارزقنا توبة‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪387‬‬
‫اللفظ الستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫ته َعلى َر هسولِ ِه‬ ‫اهلَِي ِة فأَْن َزل َ ِ‬
‫ّللا َسكَيَن ه‬
‫َ ه‬
‫(ِإذ جعل اَل ِذين َكفروا ِفي هقلوبِ ِهم اْلح ِمَية ح ِمَية اْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ ه‬ ‫َََ‬
‫ِ‬ ‫ان َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعلى ْا ِ‬
‫يما (‬
‫ّللا ب هكل َشيء َعل ً‬ ‫لها َوَك َ ه‬ ‫ق ِب َها َوأ َ‬
‫َه َ‬ ‫قوى َوكاهنوا أ َ‬
‫َح َ‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين َوأَْل َزَم ههم كل َمة ال َت َ‬ ‫ه‬ ‫ََ‬
‫(‪] )٢٦‬الفتح ‪[٢٦:‬‬

‫اهلَِي ِة { أي حين دخلت‬


‫قوله تعالى ‪ِ }:‬إذ جعل اَل ِذين َكفروا ِفي هقلوبِ ِهم اْلح ِمَية ح ِمَية اْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ ه‬ ‫َََ‬

‫إلى نفوس المشركين العصبية الجاهلية أنفة وغطرسة ‪ ،‬فمنعوكم من دخول مكة وأداء‬

‫مناسك العمرة ‪ ،‬ورفضوا أن يكتبوا في وثيقة الصلح ‪ " :‬بسم هللا الرحمن الرحيم " كما‬

‫رفضوا أن يكتبوا ‪" :‬محمد رسول هللا " وقالوا ‪ :‬اكتب اسمك واسم أبيك‪ .‬وفي أبي السعود‪:‬‬

‫ته { أي ‪:‬فأنزل هللا الطمأنينة والصبر والوقار على قلب رسوله صلى هللا‬ ‫} فأَْن َزل َ ِ‬
‫ّللا َسكَيَن ه‬
‫َ ه‬

‫عليه وسلم وقلوب المؤمنين ‪ ،‬ولم تلحقهم العصبية الجاهلية كما لحقت المشركين ‪ ،‬وثبتهم‬

‫على كلمة اإليمان والتوحيد ‪" :‬ال إله إال هللا محمد رسول هللا "واإلذعان والطاعة هلل ورسوله‬

‫(‪)١‬‬
‫المسلمين‪.‬‬ ‫‪ ،‬مع أن شروط الصلح كانت مجحفة بحقوق‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫فال يصل العبد إلى مواله حتى تكون نفسه أرضية ‪ ،‬وروحه سماوية ‪ ،‬يدور مع الحق أينما‬

‫دار ‪ ،‬ويخضع للحق أينما ظهر ‪ ،‬وألهله أينما ظهروا ‪ ،‬لم تبق فيه حمية وال َأنفة ‪ ،‬بل‬

‫يكون كاألرض يطؤها َ‬


‫البر والفاجر وال َُتميز بينهما ‪ ،‬وأما من فيه حمية الجاهلية فهو من‬

‫ته َعلى َر هسوِل ِه {‬ ‫أهل الخذالن ‪ ،‬وأما أهل العناية فأشار إليهم بقوله ‪َ } :‬فأَْن َزل َ ِ‬
‫ّللا َسكَيَن ه‬
‫َ ه‬

‫لعلى هخلق َع ِظيم { ] القلم ‪،[ 4:‬‬


‫لينا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬واَِن َك َ‬
‫اضعا سهال ً‬
‫فكان متو ً‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫} وعلى ْا ِ‬
‫نهم { [ الفتح ‪:‬‬ ‫اء َعلى ْالكف ِار هر َح َم ه‬
‫اء َبَي ه‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين { فأخبر عنهم بقوله ‪ } :‬أَشَد ه‬ ‫ه‬ ‫ََ‬
‫كلمة ال َتقوى{ " ال إله إال هللا" ‪ ،‬ألنها ِّ‬
‫ِ‬
‫تهذب األخالق ‪ُ ،‬وتخرج ما‬ ‫َ‬ ‫‪ [2٩‬اآلية ‪َ }،‬وأَْل َزَم ههم َ‬

‫في القلب من األمراض والنفاق ‪ ،‬ألن النفي تنزيه وتخلية ‪ ،‬واإلثبات ‪:‬نور وتحلية ‪ ،‬فال‬
‫َ‬
‫يزال النفي ُيخرج من القلب ما فيه من الظلمة والمساوئ حتى يتطهر ويتصف بكمال‬
‫ُ‬
‫المحاسن‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬العزة الموجودة في المؤمنين هي عزة الدين ‪ ،‬العزة العنصرية وال القرابة وال غيرها‬

‫‪ ،‬ولوال ذلك لما سكت الصحابة الكرام رضي هللا تعالى عنهم على ما صدر من الكفار من‬

‫عدم موافقتهم على كتابة " مح َمد رسول هللا " صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وطلبهم أن يكتب‬

‫اسمه الشريف واسم أبيه ‪.‬فإن ذلك لم يحرك في قلوبهم رضي هللا تعالى عنهم األخذ‬

‫بالشدة وهم في مجلس رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ألن هللا تعالى أسكت العزة‬

‫والغيرة التي في قلوبهم ‪ ،‬فتحملوا ذلك لئال تفسخ شروط المصالحة ‪ ،‬التي اتفق عليها‬

‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مع الكفار ‪،‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫أل نه في الحقيقة أخذ بعين االعتبار ما رآه في الرؤيا ‪ ،‬واجتهد أن يكون ذلك الصلح‬
‫ضد الكفار ‪ ،‬وأن يكون فيه فوائد كثيرة للمسلمين ‪.‬وأنت تعلم ‪ -‬أيها القارئ الكريم ‪ -‬ما‬
‫فعله سيدنا عمر ‪ ،‬وما قاله لسيدنا أبي بكر رضي هللا تعالى عنهما ‪ ،‬وأنهما رجعا إلى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فقال لهما ‪ » :‬إني عبد هللا ورسوله ولن يضيعني «‬

‫فغيرة المسلم وعزته ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬بالدين وليست بالعصبية‪.‬‬

‫علينا ‪ -‬معاشر المسلمين ‪ -‬أن نحافظ على ديننا واسالمنا وكتابنا الذي يبقى فينا إلى‬
‫آخر الدنيا ‪ ،‬حتى ال نضيع ما أعطانا هللا تعالى ببركة الرسول األعظم صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ .‬فال يجوز للمؤمن أن يتجاوز عن حق العموم في اإلسالم ‪ ،‬ولكن له أن يتجاوز‬
‫ويسامح في حقه‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى أن يثبتنا على اإلسالم واإليمان وسنة الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬انظر تخريج الحديث في هامش اللفظ السادس والخمسون بعد المئة‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫اللفظ الحادي و الستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ول َ ِ ِ ِ‬ ‫تهم ِعْن َد َرس ِ‬ ‫ِ‬


‫قوى‬
‫لوب ههم لل َت َ‬
‫ّللا هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬ ‫ّللا أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ه‬ ‫غضو َن أ َ‬
‫َصواَ ه‬ ‫( ِإ َن اَلذ َ‬
‫ين َي ُّ‬
‫فرة َوأَجر َعظيم () ‪ ] (٣‬الحجرات ‪]٣:‬‬ ‫َل ههم َم ْغ َ‬

‫أي ‪:‬إن الذين يغضون أصواتهم في مجلس النبي صلى هللا عليه وسلم مراعاًة لألدب هؤالء‬

‫هم الذين أخلص هللا قلوبهم لمرضاته‪ ،‬وجعلها أهال ومحال لتقوى هللا واإلجالل لرسوله‪ ،‬لهم‬

‫(‪)١‬‬
‫النعيم‪.‬‬ ‫على أدبهم المغفرة والثواب العظيم في َّ‬
‫جنات‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قوى { أي كائنة للتقوى مختصة بها ‪،‬‬
‫لوب ههم لل َت َ‬
‫ّللا هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬ ‫فقوله تعالى ‪ } :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬

‫لصها للتقوى ‪ ،‬أي جعلها خالصة ألجل التقوى‪ ،‬أو أخلصها لها ‪ ،‬فلم يبق‬
‫أخ َ‬
‫أو المراد َ‬

‫لهم َم ْغ ِفَرة َوأَجر‬ ‫لغير التقوى فيها حق ‪ ،‬كأن القلوب خلصت ً‬


‫ملكا للتقوى‪ ،‬وهذا أبلغ } ه‬

‫َع ِظيم { قال اإلمام أحمد في كتاب الزهد حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور عن‬

‫مجاهد قال ‪ :‬كتب إلى عمر ‪ :‬يا أمير المؤمنين ! رجل ال يشتهي المعصية وال يعمل بها‬

‫أفضل أم رجل يشتهي المعصية وال يعمل بها؟ فكتب عمر رضي هللا عنه ‪ :‬إن الذين‬

‫لهم َم ْغ ِفَرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫قوى ه‬
‫لوب ههم لل َت َ‬
‫ّلل هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬ ‫يشتهون المعصية وال يعملون بها } أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬
‫(‪)3‬‬
‫َوأَجر َع ِظيم }‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير األلوسي ‪.‬‬
‫‪ -3‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫قال اإلمام القشيري رحمه هللا ‪:‬أولئك هم الذين امتحن هللا قلوبهم للتقوى بانتزاع حب‬

‫(‪)١‬‬
‫اعوا األدب ‪.‬‬
‫الشهوات منها‪ ،‬فاتَقوا سوء األخالق ‪ ،‬ور َ‬

‫لوب ههم { ال أجسامهم ‪ ،‬فاعتبار اإلنسان بالقلب ال بالجسد ‪،‬‬


‫ّللا هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬
‫أقول ‪َ } :‬‬

‫الجسد َخَلقه هللا تعالى للطاعة والركوع والسجود ‪ ،‬ألن الجوارح تحت سيطرة القلب وهو‬
‫و ه‬

‫لوب ههم { أي‪ :‬أخلصها للتقوى‪.‬‬


‫ّللا هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬
‫أمير عليها ‪ ،‬ولذا قال هللا ج َل جالله ‪َ } :‬‬

‫الله َم أخلص قلوبنا بفضلك وكرمك يا رب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-١‬تفسير القشيري ‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫اللفظ الثاني و الستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا َحَب َب ِإَل ه‬ ‫ِ‬ ‫َمر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن ِفيكم رسول َ ِ‬


‫يك هم‬ ‫لعن ُّتم َو لك َن َ َ‬ ‫يعكم في كثير م َن األ ِ َ‬ ‫ّللا لو هيط ه‬ ‫َه َ‬ ‫لموا أ َ‬‫اع ه‬
‫( َو َ‬
‫اشهدو َن)‬ ‫ان أ َهو ِلئ َك هه هم َ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫فسوق َوْالع َ‬
‫صي َ‬ ‫لكفر َواْل ه‬
‫يك هم ْا َ‬ ‫نه ِفي هقلو ِبكم َو َ‬
‫كرَه ِإَل ه‬ ‫ان َوَزَي ه‬
‫يم َ‬ ‫ِ‬
‫اإل َ‬
‫)‪ ] (٧‬الحجرات ‪]٧:‬‬

‫نه ِفي هقلو ِبكم { أي ‪:‬قربه وأدخله في قلوبكم ‪ ،‬ثم‬


‫ان َوَزَي ه‬
‫يم َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬حَب َب ِإَل ه ِ‬
‫يك هم اإل َ‬

‫شيئا‬
‫يم ُّل ً‬
‫زينه فيها بحيث ال تفارقونه وال يخرج من قلوبكم ‪ ،‬وهذا ألن من يحب أشياء فقد َ‬

‫حسنا ‪ ،‬ولكن من كانت عبادته‬


‫اإليمان كل يوم يزداد ً‬
‫ُ‬ ‫منها إذا حصل عنده وطال لبثه ‪ ،‬و‬

‫أكثر وتحمله لمشاق التكليف أتم تكون العبادة والتكاليف عنده ألذ وأكمل‪ ،‬ولهذا قال في‬

‫نه ِفي هقلو ِبكم { كأنه قربه إليهم ثم أقامه‬


‫ثانيا ‪َ } :‬وَزَي ه‬ ‫األول ‪َ } :‬حَب َب ِإَل ه‬
‫يك هم { وقال ً‬
‫(‪)١‬‬
‫في قلوبهم ‪.‬‬

‫محبوبا إليكم وحسنه في‬ ‫فاهلل تعالى ِّ‬


‫بمنه وفضله َح ِّفظكم ونور بصائركم وجعل اإليمان‬
‫ً‬

‫صار أغلى عندكم من كل شيء ‪َّ ،‬‬


‫ونغص إلى نفوسكم الكفر‬ ‫قلوبكم‪ ،‬حتى َ‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫اشهدو َن { أي ‪ :‬والذين َّ‬
‫تحلوا بهذه‬ ‫والمعاصي والخروج عن طاعة الرحمن ‪ } ،‬أ َهو ِلئ َك هه هم َ‬
‫الر ِ‬

‫(‪)١‬‬
‫الصفات الجليلة هم الراشدون الموفقون للخيرات وسلوك طريق السعادة ‪.‬‬

‫يدل على أن اعتبار اإلنسان باإليمان ‪،‬‬


‫ان { ُّ‬
‫يم َ‬ ‫أقول ‪:‬قوله تعالى ‪َ } :‬حَب َب ِإَل ه ِ‬
‫يك هم اإل َ‬

‫وقيمته وأفضليته باإليمان ‪ ،‬ال بالحسب والنسب والشكل وغير ذلك‪ ،‬ألنه إذا َثبت في‬

‫اإليمان القطعي فإنه يعزم ويتكلم ويفعل ما يوافق إيمانه ‪.‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫ه‬ ‫قلب العبد‬

‫نه ِفي هقلو ِبكم { يدل على أن التزيين ال يحصل إال باإليمان ‪ ،‬ومكان التزيين هو‬
‫{ َوَزَي ه‬

‫افقا لإليمان ‪،‬‬


‫القلب ‪ ،‬فإذا َثبت التزيين في القلب ال يخرج من الجوارح إال ما كان مو ً‬

‫إسالميا ‪ ،‬فال يتكلم عن‬


‫ً‬ ‫إيمانيا‬
‫ً‬ ‫فتكون حركات العبد إيمانية ‪ ،‬وأفعاله إيمانية ‪ ،‬وكالمه‬

‫حظوظه النفسانية ‪ ،‬ألن الفم غطاء القلب ‪ ،‬فإذا فتح الفم يخرج الكالم إما بصفة‬

‫اإليمان أو بالعكس ‪ ،‬من الكذب واالفتراء والتكبر ‪ ،‬والناس َي ِقفون على ما يصدر عن‬

‫افقا لإليمان المزَين في القلب يحسنونه ‪ ،‬وان خرج من األنانية‬


‫بعضهم ‪ ،‬فإن كان مو ً‬

‫والكبر واالحتيال على الناس ال َيقبلون به‪.‬‬

‫هذه ثمرة اإليمان الثابت في القلب وتزيينه لألخالق واألقوال واألفعال ‪.‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫يارب العالمين‪.‬‬
‫الله َم زين قلوبنا بحسن ال هخلق َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫اللفظ الثالث و الستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا َحَب َب ِإَل ه‬ ‫ِ‬ ‫َمر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن ِفيكم رسول َ ِ‬
‫يك هم‬ ‫لعن ُّتم َولك َن َ َ‬ ‫يعكم في كثير م َن األ ِ َ‬ ‫ّللا لو هيط ه‬ ‫َه َ‬ ‫لموا أ َ‬‫اع ه‬
‫( َو َ‬
‫اشهدو َن) (‪)٧‬‬ ‫ان أ َهو ِلئ َك هه هم َ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫فسوق َوْالع َ‬
‫صي َ‬ ‫لكفر َواْل ه‬
‫يك هم ْا َ‬ ‫نه ِفي هقلو ِبكم َو َ‬
‫كرَه ِإَل ه‬ ‫ان َوَزَي ه‬
‫يم َ‬ ‫ِ‬
‫اإل َ‬
‫[ الحجرات‪]٧:‬‬

‫نه ِفي هقلو ِبكم { أي ‪:‬قربه وأدخله في قلوبكم ‪ ،‬ثم زينه‬


‫ان َوَزَي ه‬
‫يم َ‬ ‫قوله تعالى‪َ }:‬حَب َب ِإَل ه ِ‬
‫يك هم اإل َ‬

‫شيئا منها‬
‫يم ُّل ً‬
‫فيها بحيث ال تفارقونه وال يخرج من قلوبكم ‪ ،‬وهذا ألن من يحب أشياء فقد َ‬

‫حسنا ‪ ،‬ولكن من كانت عبادته أكثر‬


‫اإليمان كل يوم يزداد ً‬
‫ُ‬ ‫إذا حصل عنده وطال لبثه ‪ ،‬و‬

‫وتحمله لمشاق التكليف أتم تكون العبادة والتكاليف عنده ألذ وأكمل ‪ ،‬ولهذا قال في األول ‪:‬‬

‫(‪)١‬‬
‫قلوبهم‪.‬‬ ‫نه ِفي هقلو ِبكم { كأنه قربه إليهم ثم أقامه في‬
‫ثانيا ‪َ } :‬وَزَي ه‬ ‫} َحَب َب ِإَل ه‬
‫يك هم { وقال ً‬

‫محبوبا إليكم وحسنه في‬ ‫فاهلل تعالى ِّ‬


‫بمنه وفضله َح ِّفظكم ونور بصائركم وجعل اإليمان‬
‫ً‬

‫صار أغلى عندكم من كل شيء ‪َّ ،‬‬


‫ونغص إلى نفوسكم الكفر والمعاصي‬ ‫َ‬ ‫قلوبكم ‪ ،‬حتى‬

‫اش هدو َن { أي ‪:‬والذين َّ‬


‫تحلوا بهذه الصفات‬ ‫والخروج عن طاعة الرحمن ‪ } ،‬أه َو ِلئ َك هه هم َ‬
‫الر ِ‬

‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الجليلة هم الراشدون الموفقون للخيرات وسلوك طريق السعادة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 2‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫يدل على أن اعتبار اإلنسان باإليمان ‪،‬‬
‫ان { ُّ‬
‫يم َ‬ ‫أقول ‪:‬قوله تعالى ‪َ } :‬حَب َب ِإَل ه ِ‬
‫يك هم اإل َ‬

‫وقيمته وأفضليته باإليمان ‪ ،‬ال بالحسب والنسب والشكل وغير ذلك ‪ ،‬ألنه إذا َثبت في‬

‫اإليمان القطعي فإنه يعزم ويتكلم ويفعل ما يوافق إيمانه ‪.‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫ه‬ ‫قلب العبد‬

‫نه ِفي هقلو ِبكم { يدل على أن التزيين ال يحصل إال باإليمان ‪ ،‬ومكان التزيين هو‬
‫} َوَزَي ه‬

‫القلب ‪ ،‬فإذا َثبت التزيين في القلب ال يخرج من الجوارح إال ما كان موافًقا لإليمان ‪،‬‬

‫إسالميا ‪ ،‬فال يتكلم عن‬


‫ً‬ ‫إيمانيا‬
‫ً‬ ‫فتكون حركات العبد إيمانية ‪ ،‬وأفعاله إيمانية ‪ ،‬وكالمه‬

‫حظوظه النفسانية ‪ ،‬ألن الفم غطاء القلب ‪ ،‬فإذا هَفتح الفم يخرج الكالم إما بصفة‬

‫اإليمان أو بالعكس ‪ ،‬من الكذب واالفتراء والتكبر ‪ ،‬والناس َي ِق هَفون على ما يصدر عن‬

‫افقا لإليمان المزَين في القلب يحسنونه ‪ ،‬وان خرج من األنانية‬


‫بعضهم ‪ ،‬فإن كان مو ً‬

‫والكبر واالحتيال على الناس ال َيقبلون به‪.‬‬

‫هذه ثمرة اإليمان الثابت في القلب وتزيينه لألخالق واألقوال واألفعال ‪.‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫الله َم زين قلوبنا بحسن ال هخلق يا َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪396‬‬
‫اللفظ الرابع والستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اء ِبقْلب همِنيب ( )‪ ] (٣٣‬ق‪]٣٣:‬‬ ‫ِ ِ‬


‫حم َن ب ْالغيب َو َج َ‬
‫الر َ‬
‫( من ِ‬
‫خش َي َ‬ ‫َ‬

‫أي خاف الرحمن وأطاعه واتبع أمره‪ ،‬دون أن يرى ربه ‪ ،‬لقوة إيمانه ويقينه ‪ ،‬وجاء بقلب‬

‫(‪)١‬‬
‫والمنكرات‪.‬‬ ‫نقي وطاهر ‪ِّ ،‬‬
‫غير ملوث بالقذارات من الكفر‬

‫الرحم َن ِب ْا ِ‬
‫لغيب { أي كانت خشيتهم قبل ظهور األمور حيث‬ ‫ِ‬
‫فقوله تعالى ‪َ }:‬من خش َي َ َ‬

‫اء ِبقْلب همِنيب { إشارة إلى صفة مدح أخرى ‪ ،‬وذلك‬


‫ترى رأي العين ‪ ،‬وقوله تعالى ‪َ } :‬و َج َ‬

‫ألن الخاشي قد يهرب ويترك القرب من المخشي وال ينتفع ‪ ،‬واذا علم الخاشي أنه تحت‬

‫حكمه تعالى علم أنه ال ينفعه الهرب ‪ ،‬فيأتي المخشي وهو (غير) خاش ‪ ،‬فقال‪َ } :‬و َجاء}َ‬

‫وجوها‬
‫ً‬ ‫ولم يذهب كما يذهب اآلبق‪ ،‬وقوله تعالى ‪ِ } :‬بقْلب همِنيب{ الباء فيه يحتمل‬

‫ذكرناها في قوله تعالى ‪ }:‬وجاءت سكرة اْلم ِ‬


‫وت ِباْل َح ِق { [ ق ‪ [١٩ :‬أحدها ‪:‬التعدية أي‬ ‫ََ َ َ َ َ‬

‫سليما ‪ ،‬كما يقال ذهب به إذا أذهبه ؛ ثانيها‪ :‬المصاحبة ‪ ،‬يقال ‪:‬اشترى فالن‬
‫قلبا ً‬
‫أحضر ً‬

‫الفرس بسرجه أي مع سرجه ‪ ،‬وجاء فالن بأهله أي مع أهله ؛ ثالثها ‪: -‬وهو أعرفها ‪-‬‬

‫الباء للسبب ‪ ،‬يقال ‪:‬ما أخذ فالن إال بقول فالن ‪ ،‬وجاء بالرجاء له ‪ ،‬فكأنه تعالى قال ‪:‬‬

‫جاء وما جاء إال بسبب إنابة في قلبه ‪ ،‬علم أنه ال‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫القلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى ‪:‬‬
‫مرجع إال إلى هللا ‪ ،‬فجاء بسبب قلبه المنيب ‪.‬و ُ‬
‫الصافات ‪ ، [ ٨4:‬أي سليم من الشرك ‪ ،‬ومن سلم من‬‫َّ‬ ‫اء َرَب هه ِبقْلب َسلِيم { ]‬ ‫ِ‬
‫} إذ َج َ‬
‫منيبا ‪ ،‬ومن أناب إلى هللا برئ من الشرك‬
‫الشرك يترك غير هللا ويرجع إلى هللا ‪ ،‬فكان ً‬
‫سليما‪)١( .‬‬
‫فكان ً‬
‫لغيب { أي من خاف هللا في ِّسره حيث ال يراه أحد‬
‫الرحم َن ِب ْا ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن كثير ‪َ } :‬من خش َي َ َ‬
‫خاليا ففاضت‬‫إال هللا عز وجل ‪ ،‬كقوله صلى هللا عليه وسلم‪ » :‬ورجل ذكر هللا تعالى ً‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عيناه «‬
‫اء ِبقْلب همِنيب { لم يقل بنفس مطيعة ‪ ،‬بل قال ‪ :‬بقلب منيب ‪ ،‬ليكون للعصاة‬‫} َو َج َ‬
‫قد ِّم فلهم األسف بقلوبهم وصدق‬
‫في هذا أمل ‪ ،‬وان قصروا بنفوسهم وليس لهم صدق اَل َ‬
‫(‪)4‬‬
‫الندم‪.‬‬
‫اء ِبقْلب همِنيب { إلى ربه ‪ ،‬معرض عما سواه ‪ ،‬مقبل عليه‬
‫وفي التأويالت النجمية ‪َ } :‬و َج َ‬
‫(‪)5‬‬
‫بكلِّيته ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 2‬متَّفق عليه ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 4‬تفسير القشيري ‪.‬‬
‫‪- 5‬تفسير روح البيان‬

‫‪398‬‬
‫أقول ‪:‬خوف العبد من هللا تعالى بينه وبين هللا ج َل جالله ‪ ،‬ال يعلمه أحد من الخلق‪ ،‬وال‬

‫ألن محل الخوف هو القلب‪.‬‬ ‫يَ‬


‫طلع عليه أحد من المالئكة ‪َ ،‬‬

‫والخوف من هللا إما أن يكون لعظمته أو لعقابه ؛ فإذا كان لعظمته يحصل االستحياء‬

‫منه تعالى ‪ ،‬وأما إذا كان لعقابه فهو أقل درجة‪.‬‬

‫ألن هللا تعالى ال هيرى في الدنيا ‪ ،‬لكن اإليمان الغيبي يقع معنى‬
‫والخوف من اإليمان؛ َ‬
‫ً‬
‫مكان الرؤية ‪ ،‬يعني كأَنه يراه ‪ ،‬فمن كان يؤمن بمعيته كأَنه يراه فإن هذا يقع مكان‬

‫الرؤية‪.‬‬

‫إيمانيا‬
‫ً‬ ‫شعورا‬
‫ً‬ ‫وان حصل هذا فليس من طهارة قلوبنا ‪ ،‬بل من فضله تعالى أعطانا‬

‫بالغيب رغم عدم الرؤية ؛ هذه ِمَنة كبيرة ‪ ،‬حتى نبقى مع هذا اإليمان أبد األبد ‪ ،‬ونبقى‬

‫‪-‬في اآلخرة ‪ -‬على المحبة هلل ال للجَنة ‪ ،‬وهذا أمر ال يوازيه شيء‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا كذلك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫اللفظ الخامس والستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مع َو هه َو َش ِهيد ( )‪ ] (٣٧‬ق‪]٣٧:‬‬ ‫ان َل هه َقْلب أَو أََلقى َ‬
‫الس َ‬ ‫( ِإ َن في ذل َك لذ َ‬
‫كرى ل َمن َك َ‬

‫أي ‪ :‬إن فيما ذكرناه من إهالك األمم الباغية لتذكرة وموعظة لمن كان له قلب سليم وفكر‬

‫نير يتدبر به ما يسمع ‪ ،‬أو أصغى إلى الموعظة وهو حاضر القلب ليتذكر ويعتبر ‪،‬‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه ‪.‬وعبر عن الفعل بالقلب َّ‬
‫ألنه موضعه‬

‫كثير ما أهلك هللا من النفوس المتمردة في القرون الماضية ًا‬


‫زجر لمن يأتي بعدهم‬ ‫اإلشارة ‪ً :‬ا‬

‫‪ ،‬ففي ذلك ذكرى لمن كان له قلب سليم من ُّ‬


‫تعلقات الكونين‪.‬‬

‫قال القشيري ‪:‬فالقلوب أربعة ‪:‬قلب فاسد ؛ وهو قلب الكافر‪ ،‬وقلب مقفول ؛ وهو قلب‬

‫المنافق ‪ ،‬وقلب مطمئن ؛ وهو قلب المؤمن ‪ ،‬وقلب سليم ؛ وهو قلب المحبين والمحبوبين‬

‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬الذي هو مرآة صفات جمال هللا وجالله‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫أقول ‪:‬البَد لإلنسان أن يتفكر بعقله فيمن مضى من األمم ‪ ،‬فقد مضى مئة وأربع‬

‫وعشرون ألف نبي ‪ ،‬كلهم َ‬


‫دعوا إلى توحيد هللا والى رسالة رسول ذلك الوقت وأحكام تلك‬
‫الشرائع َ‬
‫المنزلة بالوحي اإللهي على أولئك الرسل‪.‬‬

‫لو تف َكر اإلنسان بعقله فيمن مضى من الناس وما ذاقوا من العذاب ‪ ،‬وفي أولئك‬
‫األنبياء ومن وافقهم ومن خالفهم ‪ ،‬وأنهم كلهم انقرضوا ولم يبق لهم أثر ‪ ،‬يحصل له‬
‫االعتبار بأنه فرد واحد من الذين ذهبوا والذين بقوا ‪ ،‬فيتفكر بأن ال يخالف أمر خالقه‬
‫واتباع رسوله آخر األنبياء عليه الصالة والسالم ‪ ،‬المبعوث لإلنس والجن تكلي ًفا‬
‫وللمالئكة تشري ًفا‪.‬‬

‫على اإلنسان أن يتفكر بأنه فرد مثل أولئك األفراد الذين ذهبوا ولم يرجع أحد منهم حتى‬
‫نسأله أي شيء ينفع و أي شيء يضر هناك ‪ ،‬هذا أوال‪.‬‬

‫َ‬
‫المنزه عن الشركاء ‪،‬‬ ‫وثانيا ‪:‬يجب أن يحصل اإليمان القطعي في جناب الذات األعظم‬
‫ً‬
‫القادر على كل شيء‪.‬‬

‫بالمسألة األولى تحصل الذكرى ‪ ،‬وبهذا اإليمان يحصل القلب الشهيد ‪ ،‬الذي يشهد‬
‫عظمة هللا ‪ ،‬ويؤمن بقوة هللا وقدرته ج َل وعال‪.‬‬

‫بهذا يخلص اإلنسان من التقليد واالشتغال باألمور الفارغة الفانية ‪ ،‬ومن االشتغال الزائد‬

‫عن الحاجة بهذه الدنيا ‪ ،‬ويتمسك باهلل تعالى ‪ ،‬ويكون من الذين مدحهم هللا تعالى‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫مع َو هه َو َش ِهيد {‬ ‫ان َل هه َقْلب أَو أََلقى َ‬
‫الس َ‬ ‫بقوله ‪ِ } :‬إ َن في ذل َك لذ َ‬
‫كرى ل َمن َك َ‬

‫‪401‬‬
‫فإذا سمع الموعظة القرآنية أو السَنة النبوَية يتعظ بها ‪ ،‬ويدخل تحت مدح هللا لعباده‬

‫الذين اتصفوا بهذه األوصاف‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا منهم يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫اللفظ السادس والستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫نه َعلى َما َيَرى ) ‪ ] ( (١٢‬النجم ‪]١٢-١١:‬‬ ‫فؤ هاد َما َأرَى (‪ (١١‬أَ هف َ‬
‫تم هارَو ه‬ ‫كذب اْل َ‬
‫) َما َ‬

‫أقول ‪:‬هذه اآلية الكريمة قريبة من المتشابهات ‪ ،‬وليس لنا أن نؤول اآليات الكريمة‬

‫واألحاديث الشريفة ‪ ،‬بل نكتب ما قاله المفسرون والمحدثون ‪ -‬رحمهم هللا تعالى – اهـ‪.‬‬

‫فؤ هاد { أي ‪ :‬فؤاد محمد عليه الصالة والسالم } َما َأرَى { أي ‪:‬‬
‫كذب اْل َ‬
‫فقوله تعالى ‪َ }:‬ما َ‬

‫ما رآه ببصره من صورة جبريل على تلك الكيفية ‪ ،‬أو ‪ :‬من نور الحق تعالى ‪ ،‬الذي تجلى‬

‫كذبا ؛ ألنه عرفه بقلبه كما‬ ‫له ‪ .‬أي ‪ :‬ما قال فؤاده لِّ َما رآه ‪ :‬لم ِّ‬
‫أعرف َك ‪ ،‬ولو قال ذلك لكان ً‬

‫وقيل ‪:‬على إسقاط الخافض ‪ ،‬أي ‪ :‬ما كذب القلب فيما رآه البصر ‪ ،‬بل‬ ‫‪.‬‬
‫(‪)١‬‬
‫عرفه ببصره‬

‫ما رآه ببصره حققه ‪ .‬وفي الحديث ‪ُ :‬سئل صلى هللا عليه وسلم‪ :‬هل رأيت ربك؟ قال ‪» :‬‬

‫‪ ،‬حديث آخر‪ُ » :‬جعل نور بصري في فؤادي ‪ ،‬فنظرت إليه‬ ‫(‪)2‬‬


‫رأيت ربي بفؤادي مرتين«‬

‫يعني أنه انعكس نور البصر إلى نور‬ ‫(‪)3‬‬


‫بفؤادي «‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬ألن اإليمان لم يحصل له ‪ -‬عليه الصالة والسالم – بالرؤية ‪ ،‬بل حصل له اإليقان بالقلب قبل ذلك ؛ وما دام اإليمان‬
‫الحاصل بالقلب ال يدخل فيه شك وال ريب فإنه كاإليمان الحاصل بالبصر‪.‬‬
‫ُخرى ( ‪ ،‬قال ‪:‬رآه‬
‫فؤ ُاد َما َأرَى) ) َوَلقد َرآهُ َنزَلة أ َ‬ ‫‪ -2‬روى اإلمام مسلم عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪َ ):‬ما َ‬
‫كذب ال َ‬
‫بفؤاده مرتين‪.‬‬
‫‪- 3‬قال ابن كثير في تفسيره ‪:‬ذكره الحافظ ابن عساكر بسند ضعيف ‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫أيضا ‪:‬أنه لما انتهى إلى العرش صار كله‬
‫البصيرة ‪ ،‬فرأى ببصره ما رأته البصيرة ‪.‬وجاء ً‬

‫بصر ؛ وبهذا يرتفع الخالف ‪ ،‬وأنه رآه ببصر رأسه ‪.‬وقوله عليه الصالة والسالم حين سأله‬
‫ًا‬

‫أبو ذر ‪ :‬هل رأيت ربك؟ فقال ‪ » :‬نور َّأنى أراه « ‪ ،‬وفي طريق آخر ‪ » :‬رأيت ًا‬
‫نور « ‪.‬‬

‫وحاصلها أنه رأى ذات الحق متجلية بنور من نور جبروته ‪ ،‬إذ ال يمكن أنترى الذات إال‬
‫ُ‬

‫بواسطة التجلِّيات‪.‬‬

‫قس َم رؤيته وكالمه بين محمد‬


‫وقال كعب البن عباس رضي هللا عنهما ‪:‬إن هللا تعالى َ‬
‫وموسى عليهما الصالة والسالم ‪َّ ،‬‬
‫فكلم موسى عليه الصالة والسالم مرتين ‪ ،‬ورآه محمد‬

‫صلى هللا عليه وسلم مرتين ‪ .‬وقيل البن عباس رضي هللا عنهما ‪ :‬ألم يقل هللا سبحانه‬

‫[ األنعام ‪ [١٠3 :‬قال ‪:‬ذلك إذا َّ‬


‫تجلى بنوره الذي هو‬ ‫َبصار {‬ ‫وتعالى ‪ }:‬ال ِ‬
‫كه األ َ‬
‫تدر ه‬
‫(‪)١‬‬

‫يتجلى لخلقه على ما يطيقون ‪ ،‬ولو تجلَّى بنوره‬


‫نوره األصلي ‪ .‬يعني أن هللا تعالى َّ‬

‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫األصلي لتالشى الخلق‬

‫والجمهور على أن المرئي مرتين هو جبريل ‪ ،‬وعن ابن عباس وعكرمة رضي هللا عنهما ‪:‬‬

‫أنكرت ذلك عائشة رضي هللا‬


‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ‪ ،‬و َ‬
‫(‪)3‬‬
‫مرتين‪.‬‬ ‫عنها وقالت ‪َّ :‬إنه رأى جبريل في صورته‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عدم الرؤية ‪ ،‬كما ال يلزم ‪ .‬من عدم‬
‫‪ -١‬قال ابن كثير في تفسيره ‪:‬المراد باإلدراك اإلحاطة ‪ ،‬وال يلزم من عدم اإلحاطة ُ‬
‫يطون ِّبشيء ِّمن ِّعل ِّم ِّه ِّإالَّ ِّب َما َشاء ) [ البقرة ‪[255:‬‬
‫عدم العلم ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬وال ُي ِّح َ‬
‫إحاطة العلم ُ‬
‫‪- 2‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬
‫‪- 3‬صفوة التفاسير‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫قال مسروق ‪ :‬دخلت على عائشة رضي هللا عنها فقلت ‪ :‬هل رأى محمد ربه؟ فقالت‪ :‬لقد‬
‫لكبرى{‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف له شعري ‪ ،‬فقلت ‪ً :‬‬
‫رويدا ‪ ،‬ثم قرأت‪َ } :‬لقد َأرَى من َء َايات َربه ْا َ‬ ‫تكلمت بشيء َق َّ‬
‫محمدا رأى ربه‬
‫ً‬ ‫] النجم ‪ ، [ ١٨ :‬فقالت ‪:‬أين يذهب بك؟ إنما هو جبريل ‪ .‬من أخبرك أن‬
‫اع ِة‬ ‫ّللا ِعْن َد هه ِعْل هم َ‬
‫الس َ‬ ‫ِ‬
‫شيئا مما أُمر به أو يعلم الخمس التي قال هللا تعالى ‪ } :‬إ َن َ َ‬
‫ِّ‬ ‫أو كتم ً‬
‫غدا َو َما تدرِي َن ْفس ِبأَي‬ ‫َرحا ِم َو َما تدرِي َن ْفس َماذا َت ْك ِس هب ً‬ ‫ِ‬
‫لم َما في األ َ‬
‫زل اْلغيث َوَي َع ه‬
‫َوهيَن ه‬
‫ّللا علِيم خ ِبير { ] لقمان ‪ ، [ 34:‬فقد أعظم على هللا ِّ‬
‫الفرية ‪ ،‬ولكنه رأى‬ ‫أَرض َت هموت ِإ َن َ َ َ‬
‫مرة عند سدرة المنتهى ومرة في أجياد ‪ ،‬وله ستمئة‬
‫جبريل ‪ ،‬لم ي َره في صورته إال مرتين ‪ً ،‬‬
‫األفق‪.‬‬ ‫جناح قد سد‬
‫(‪)١‬‬

‫وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى ‪ ،‬ثم اختلف هؤالء‬
‫فذهب جماعة إلى أنه صلى هللا عليه وسلم رأى ربه بفؤاده دون عينيه‪ ،‬وذهب جماعة إلى‬
‫بعينيه‪.‬‬ ‫أنه رآه‬
‫(‪)2‬‬

‫كثير من العلماء المتقدمين يقولون ‪ :‬رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫أقول ‪:‬لكن ًا‬
‫رَبه بعيني رأسه ‪ ،‬كما قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪.‬‬

‫ولكن أمر معراج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليس من أركان اإليمان ‪ ،‬بل هو من‬
‫نور اإليمان ‪ ،‬ألنه عليه الصالة والسالم ذهب بالوالية ورجع بالرسالة ‪ ،‬الوالية قابلة‬
‫ِ‬
‫للظلَِية والرسالة َ‬
‫منزهة عن الظلية ‪.‬الذين يقولون ‪" :‬رأى" والذين يقولون ‪ " :‬لم َير "هذا‬
‫من اجتهادهم رضي هللا تعالى عنهم ‪ ،‬وان اعتقادي وايماني أنه – عليه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪- 2‬شرح اإلمام النووي على صحيح مسلم‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫الصالة والسالم ‪ -‬رأى ربه بعينيه ‪ ،‬بما يليق بين الحبيب والمحبوب ‪ ،‬ألن العبد العاجز‬

‫الفقير إذا جاهد نفسه في هللا تعالى ‪ -‬وهو في مقعده ‪ -‬يرى رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫وسلم في أعلى علِيين ‪ ،‬فكيف ال يرى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ربه في ذاك‬

‫المعراج؟‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم ال تحرمنا النظر إلى وجهك الكريم في الجنة يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫اللفظ السابع والستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫يل وهو علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫( يولِج الَل ِ‬


‫الص هد ِ‬
‫ور ( )‪( ٦‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫يل في الَن َه ِار َوهيولِ هج الَن َه َار في الَل ِ َ ه َ َ‬
‫َ‬ ‫ه ه‬
‫[الحديد‪]٦:‬‬

‫الص هد ِ‬
‫ور { أي ‪ :‬بمكنوناتها الالزمة لها ‪ ،‬من الهواجس‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬وهو علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫َ هَ َ‬

‫والخواطر ‪.‬بيان إلحاطة علمه تعالى بما يضمرونه من ِّنياتهم وخواطرهم ‪ ،‬بعد بيان‬

‫صالحها‬ ‫إحاطته بأعمالهم التي يظهرونها على جوارحهم ‪ ،‬أو بحقائق الصدور من‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫وفسادها ‪َّ ،‬‬
‫كنى بها عن القلوب ‪.‬وهللا تعالى أعلم‬

‫أقول ‪ :‬النَية ُّ‬


‫محلها القلب ‪ ،‬كما في الصالة ‪ ،‬و ُّ‬
‫التلفظ بها ليوافق اللسان القلب ‪،‬فعلينا‬

‫ربنا ‪ -‬في أثناء الصالة أو‬


‫أن نحافظ على قلوبنا ‪ ،‬واذا جاء عليها شي ء ال يرضى به ُّ‬

‫خارج الصالة ‪ -‬علينا أن نستعيذ باهلل ونرجع إليه ونستغفره ‪ -‬لكن في الصالة بدون‬

‫قلوبنا بالخبائث والخطرات‬


‫تصبغ ه‬ ‫ُّ‬
‫تلفظ ‪ -‬حتى ال تدخل هذه الخبائث في قلوبنا ‪ ،‬وال َ‬

‫وغيرها‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫تعرض على القلب من الشيطان‬
‫هذه الوساوس والهواجس والخطرات المخالفة التي هَ َ‬

‫فعلماء اإلسالم يقولون ‪ُّ " :‬‬


‫تخي هل الكفر ليس بكفر "‬ ‫ه‬ ‫نرجو هللا تعالى أن ال يؤاخذنا بها ‪،‬‬

‫عدو عباد هللا ‪ -‬هو الذي هيلقي في قلوب المؤمنين ما ال‬


‫عدو هللا و َ‬
‫‪ ،‬ألن الشيطان ‪َ -‬‬

‫يليق بإيمانهم‪.‬‬

‫الله َم إنا نعوذ بك من شروره ومن شرور أنفسنا‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫اللفظان الثامن و الستون و التاسع و الستون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ّللا وما َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫( أَلم يأ ِ ِ ِ‬


‫كونوا كاَلذ َ‬
‫ين‬ ‫لح ِق َوال َي ه‬
‫نز َل م َن ْا َ‬ ‫لوب ههم لذ ْك ِر َ َ َ‬
‫شع هق ه‬
‫تخ َ‬ ‫امنوا أَن ْ‬ ‫ْن لَلذ َ‬
‫ين َء َ‬ ‫َ‬
‫اسقو َن )‬ ‫كثير ِمنهم َف ِ‬ ‫لكتاب ِمن َقبل فطال علي ِهم األَم هد َفقس ْت هقلوبهم و ِ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫هه َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه َ‬ ‫ه‬ ‫أ ههوتوا ْا َ‬
‫)‪ ] (١٦‬الحديد‪]١٦:‬‬

‫ّللا وما َ ِ‬‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬أَلم يأ ِ ِ ِ‬


‫لح ِق{ أي ‪:‬‬
‫نز َل م َن ْا َ‬ ‫لوب ههم لذ ْك ِر َ َ َ‬
‫شع هق ه‬
‫تخ َ‬
‫امنوا أَن ْ‬ ‫ْن لَلذ َ‬
‫ين َء َ‬ ‫َ‬

‫ألم يجئ وقت أن تخشع قلوبهم لذكره تعالى وتطمئن به ويسارعوا إلى طاعته باالمتثال‬

‫ألوامره واالنتهاء عما نهوا عنه من غير توان وال فتور؟ قال بعضهم‪ :‬الذكر إن كان غير‬

‫ِّق وتلين قلوبهم إذا ذكر هللا ‪ ،‬فإن َ‬


‫ذكر هللا سبب لخشوع‬ ‫القرآن يكون المعنى ‪ :‬أن تر َّ‬

‫القلوب أي سبب ‪ ،‬فالذكر مضاف إلى مفعوله والالم بمعنى الوقت‪ .‬وان كان القرآن فهو‬

‫لوب ههم { فهي كالحجارة أو أشد قسوة ‪ ،‬والقسوة‬


‫قس ْت هق ه‬
‫مضاف إلى الفاعل والالم للعلة } َف َ‬

‫غلظ القلب ‪ ،‬وانما تحصل من إتباع الشهوة ‪ ،‬فإن الشهوة والصفوة ال تجتمعان‬
‫(‪)١‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪409‬‬
‫أقول ‪:‬هذه القسوة في حق الك َفار والمنافقين ‪ ،‬نرجو هللا تعالى أن يحفظ قلوب المؤمنين‬

‫منها ‪.‬أ َما الغفلة فهي ثابتة ألكثر المؤمنين ؛ فإنهم ‪ -‬مع إيمانهم– منغمسون في‬

‫الدنيا والشهوات والبعد عن أحكام هللا تعالى وشرعه وعن إتباع رسول هللا عليه الصالة‬

‫تضر آخرة المؤمن‪.‬‬


‫والسالم بسبب الغفلة ‪ ،‬وهذه الغفلة ُّ‬

‫متمسكا بالكتاب والسَنة ‪ ،‬مع‬


‫ً‬ ‫أما إذا كان المؤمن حاضر القلب مع الرب ج َل وعال ‪،‬‬

‫اإلخالص في العبادة ‪ ،‬فإنه إن أخطأ – وال بد أن يخطئ ألنه بشر ‪ -‬عليه أن يستغفر‬

‫خدع بهذه الدنيا‬


‫ويرجع إلى هللا وال يقدم دنياه على دينه وعلى آخرته ‪ ،‬وعليه أن ال هي َ‬

‫ويغفل عن اآلخرة ‪.‬وهللا ولي التوفيق‪.‬‬


‫الفانية َ‬

‫الله َم اجعلنا ممن يقدمون دينهم وآخرتهم على دنياهم‪َ ،‬‬


‫يارب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫اللفظ السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫يل َو َج َعْلنا ِفي‬ ‫اه ِ ِ‬


‫اإل نج َ‬ ‫تين ه‬
‫ري َم َو َءاَ َ‬ ‫يسى ِ‬
‫ابن َم َ‬
‫َ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫( هث َم قفَينا َعلى َءا َث ِارهم بهر هسلنا َو قفَينا بع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫هق ِ ِ‬
‫ضو ِ‬
‫ان‬ ‫غاء ِر َ‬ ‫ناها َعلي ِهم إالَ ابت َ‬
‫وها َما َك َتب َ‬ ‫هب ِانَية َاب َ‬
‫تد هع َ‬ ‫وه َ ْأرف ًة َوَر َ‬
‫حمة َوَر َ‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫ين ا َتَب هع ه‬
‫اسقو َن) )‪٢٧‬‬ ‫كثير ِمنهم َف ِ‬‫ق ِرعاي ِتها فآَتينا اَل ِذين ءامنوا ِمنهم أَجرهم و ِ‬ ‫َِ‬
‫ه‬ ‫ه َه َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫وها َح َ َ َ َ‬ ‫فما َر َع َ‬
‫ّللا َ‬
‫( ]الحديد‪]٢٧:‬‬

‫قوله تعالى ‪ }:‬وجعَلنا ِفي هق ِ ِ‬


‫وه { على دينه ‪ ،‬يعني الحواريين وأتباعهم ‪}،‬‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫ين ا َتَب هع ه‬ ‫َ ََ‬

‫بعضا ‪.‬وقيل ‪:‬هذا إشارة إلى أنهم أُمروا في‬ ‫َ ْأرف ًة َوَر َ‬
‫حمة { أي مودة ‪ ،‬فكان يواد بعضهم ً‬

‫اإلنجيل بالصلح وترك إيذاء الناس وأالن هللا قلوبهم لذلك ‪ ،‬بخالف اليهود الذين قست‬

‫(‪)١‬‬
‫قلوبهم وحرفوا الكلِّم عن مواضعه ‪.‬والرأفة ‪:‬اللين ‪ ،‬والرحمة ‪:‬الشفقة‪.‬‬

‫إن هللا ج َل وعال أنزل في القرآن الكريم صفات المتقدمين من اليهود والنصارى‬
‫أقول ‪َ :‬‬

‫ومن قبلهم ِ‬
‫ليحذر المؤمنين من حقد اليهود وكفر الكافرين ‪ ،‬وليثبتهم على محبة هللا‬ ‫َ َ‬

‫ورسوله والتمسك بكتابه وشرعه‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير القرطبي ‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫فهذه اآليات وان كانت نازلة في الكفار أهل اإلنجيل والتوراة وغيرهم ‪ ،‬لكن المؤمنين‬

‫بد ألمة الرسول األعظم صلى‬ ‫عض ههم أَولَِي ه‬


‫اء َبعض { ] الجاثية ‪ ، [ ١٩:‬فال َ‬ ‫كذلك } َب ه‬

‫هللا عليه وسلم أن تكون المحبة بينهم أكثر من المحبة بين حواريي عيسى عليه السالم‬

‫يتمسكوا بأخالق الصحابة الكرام‬


‫‪ ،‬كما كان الصحابة رضي هللا عنهم ‪.‬فعلى المؤمنين أن َ‬

‫‪ ،‬التي حاز بعضهم التبشير بالجَنة عليها‪.‬‬

‫نعم !نحن ال نكون صحابة وال نصل إلى درجاتهم ‪ ،‬ولكن أهمرنا أن يكون اعتقادنا مثل‬

‫اعتقادهم وأخالقنا مثل أخالقهم ‪ ،‬لكي يرحمنا ربنا من فضله وكرمه برضاه عنا‪.‬‬

‫كل وصف هيباعدنا عن مشاهدتك ‪ ،‬وجملنا ِ‬


‫بكل وصف يقربنا‬ ‫الله َم طهر قلوبنا من ِ‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫إليك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫اللفظ الحادي و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫( ال َت ِجد قوما ي ْؤ ِمنو َن ِب َ ِ‬


‫اء ههم‬ ‫اّلل َواْلَيو ِم اآلخ ِر هي َو ُّادو َن َمن َح َاد َ َ‬
‫ّللا َوَر هسوَل هه َولو كاهنوا َء َاب َ‬ ‫ه ً ه‬
‫ان َوأََي َد ههم ِبهروح ِمْن هه‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَو أَبناءهم أَو ِإ خواَنهم أَ و ع ِشيرتهم أهو ِلئك َك ِ‬
‫تب في هقلوبِه هم اإل َ‬
‫يم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ه َ َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ َه‬
‫نهم َوَر هضوا َعْن هه أ َهو ِلئ َك‬ ‫ِ‬ ‫تحتها األَ ْنهار خالِ ِد ِ‬ ‫دخلهم جَنات تجرِي ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا َع ه‬
‫يها َرض َي َ ه‬ ‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َه‬ ‫َ‬ ‫َوهي ه َ‬
‫لمفلِ هحو َن ( )‪ ] (٢٢‬المجادلة‪]٢٢:‬‬ ‫ّللا أَال ِإ َن ِحزب َ ِ‬
‫ِحزب َ ِ‬
‫ّللا هه هم ْا ه‬ ‫َ‬ ‫ه‬

‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬ال َت ِجد قوما ي ْؤ ِمنو َن ِب َ ِ‬


‫اّلل َواْلَيو ِم اآلخ ِر هي َو ُّادو َن َمن َح َاد َ َ‬
‫ّللا َوَر هسوَل هه {‬ ‫ه ً ه‬

‫أي ‪:‬ال ُيتصور وال يمكن أن يجتمع في قلب واحد حب هللا وحب أعدائه ‪ ،‬كما ال يمكن أن‬

‫أحدا امتنع أن يحب عدوه‪.‬‬


‫يجتمع النور والظالم ‪ ،‬ألن من أحب ً‬

‫واآلية جاءت للتحذير عن محبة ومصادقة الكفرة والمجرمين‪َّ ،‬‬


‫ولكنها في صورة خبر‪،‬‬

‫مباَلغة في النهي والتحذير ‪َّ ،‬‬


‫كأنه يقول ‪:‬هذا ال يحدث وال ُيتصور أن يحب مؤمن من‬

‫ِ‬
‫نهم أَ و َعش َير ه‬
‫تهم { أي ولو‬ ‫ناء ههم أَو ِإ َ‬
‫خواَ ه‬ ‫اء ههم أَو أََب َ‬
‫عادى هللا ورسوله } َولو كاهنوا َء َاب َ‬

‫كان هؤالء أقرب الناس إليهم‪ ،‬كاألب واالبن واألخ والعشيرة ‪ ،‬فإن قضية اإليمان تقتضي‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫معاداة أعداء هللا ‪ } ،‬أهو ِلئك َك ِ‬


‫ان َوأََي َد ههم ِبهروح مْن هه َوهيدخ ه‬
‫لهم َجَنات‬ ‫ِ ِ‬
‫تب في هقلوبِه هم اإل َ‬
‫يم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫يه { أي هؤالء المؤمنون الصادقون ‪ ،‬الذين ث بت‬ ‫تحتها األَ ْنهار خالِ ِد ِ‬
‫تجري ِمن ِ‬
‫ِ‬
‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َه‬ ‫َ‬

‫اسخا كالجبل ‪ ،‬وقواهم ونصرهم بعون منه وتأييد‬ ‫هللا َّ‬


‫ومكن في قلوبهم اإليمان حتى صار ر ً‬

‫إلهي على أعدائهم ‪ ،‬ويدخلهم في اآلخرة حدائق وبساتين ‪ ،‬تجري من تحت قصورها أنهار‬

‫نهم َوَر هضوا َعْن هه أ َهو ِلئ َك‬


‫ّللا َع ه‬
‫ِ‬
‫أبدا من غير زوال وال انتقال } َرض َي َ ه‬ ‫َّ‬
‫الجنة ‪ ،‬ماكثين فيها ً‬
‫ّللا أَال ِإ َن ِحزب َ ِ‬
‫ّللا هه هم اْل همْفلِ هحو َن {‬ ‫ِحزب َ ِ‬
‫َ‬ ‫ه‬

‫‪413‬‬
‫أي تقبل هللا منهم أعمالهم فرضي عنهم ‪ ،‬ونالوا ثوابه العظيم ‪ ،‬فرضوا بما أعطاهم ربهم ‪،‬‬

‫وهؤالء هم جند هللا وأنصاره وأحبابه ‪ ،‬وهم الفائزون َ‬


‫بخيري الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫شر إلى حزبين ‪ (:‬حزب الرحمن ) و ( حزب الشيطان) ونبه إلى أن‬ ‫الب َ‬
‫قسم هللا تعالى َ‬
‫حزب الرحمن هم الفائزون المنتصرون في الدنيا واآلخرة ‪ ،‬اللهم اجعلنا من حزبك وأوليائك‬
‫العالمين‪.‬‬ ‫يا رب‬
‫(‪)١‬‬

‫وضعفه ‪ ،‬فمن كان إيمانه باهلل وبرسوله‬


‫ه‬ ‫قوة اإليمان‬
‫مدار هذه اآلية الكريمة ه‬
‫أقول ‪ :‬ه‬
‫قويا ال يطأطئ رأسه لمن خالف أمر هللا ج َل وعال وأمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ً‬
‫أس هه عال مرتفع ‪ ،‬ألنه‬
‫‪ ،‬وال ينزل عن صدقه ‪.‬الذي َثبتت عظمة هللا تعالى في قلبه ر ه‬
‫يعرف أن الدنيا تنتهي واآلخرة باقية ‪ ،‬فيرجح اآلخرة على الدنيا بترجيح هللا لها ‪ ،‬ألن‬
‫ور { [ آل عمران ‪ ] ١8٥ :‬وقال ‪}:‬‬ ‫غر ِ‬ ‫الد َنيا ِإالَ َم َت ه‬
‫اع اْل ه‬ ‫هللا تعالى قال ‪َ } :‬و َما اْل َحَياهة ُّ‬
‫الدار ِ‬
‫اآلخَرة ل ِه َي اْل َحَي َو ه‬
‫فمن كان إيمانه هكذا ال يرجع عنه‬‫ان { ] العنكبوت ‪َ ، [٦٤:‬‬ ‫َواِ َن َ َ‬
‫وال عن مقتضاه ‪ ،‬وأما من كان إيمانه ضعي ًفا فإنه يتوجَه إلى الدنيا‪ ،‬وبمقتضى توجُّهه‬
‫ِ‬
‫قربى { ]األنعام ‪:‬‬ ‫يتكَلم ويعمل ‪ ،‬وهللا ج َل وعال قال ‪َ } :‬واِذا ْقهلتم فاعدلوا َولو َك َ‬
‫ان ذا َ‬
‫ضد من يتكَلم بحسب الدنيا وبحسب شاكلته‪.‬‬ ‫‪ ،[١٥٢‬وهذا ُّ‬

‫الله َم اجعلنا ممن يرجحون اآلخرة على الدنيا برحمتك يا أرحم َ‬


‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫اللفظ الثاني و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تاب ِمن ِدَي ِارِهم ِأل ََو ِل اْل َح ْش ِر َما َ‬


‫ظْنهنتم أَن‬ ‫لك ِ‬ ‫َهل ْا ِ‬
‫فروا ِمن أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫( هه َو اَل ِذي أ ْ‬
‫َخَر َج اَلذ َ‬
‫ين َك ه‬
‫تسهبوا َوقذف‬ ‫ّللا ِمن حيث لم يح ِ‬ ‫ظنوا أََنهم م ِانعتهم حصونهم ِمن َ ِ‬ ‫َي ْخهر هجوا َو ُّ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫اه هم َ ه‬
‫ّللا َفأ ََت ه‬ ‫ه َ َ ه ههه ه َ‬
‫َيدي ْا ِ‬ ‫َيدي ِهم وأ ِ‬
‫الرعب ي ْخ ِربو َن بيوتهم ِبأ ِ‬ ‫ِ‬
‫فاعت ِبهروا َيا أهولِي األ َ‬
‫َبص ِار) )‬ ‫ين َ‬ ‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫في هقلوبِ ِه هم ُّ َ ه ه ه ه َ ه‬
‫‪] (٢‬الحشر‪]٢:‬‬

‫العقل‪،‬‬
‫َ‬ ‫عب ‪:‬خوف يمأل القلب ‪ ،‬فيغير‬
‫عب { الر ُ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬وقذف ِفي هقلوبِ ِه هم ُّ‬
‫الر َ‬
‫البدن ‪.‬والمعنى ‪:‬أثبت فيها‬
‫التدبير ‪ ،‬ويضر َ‬
‫َ‬ ‫أي ‪ ،‬ويفرق‬ ‫النفس ‪ ،‬ويشوش الر َ‬
‫ويعجز َ‬ ‫ُ‬
‫‪) ١( .‬‬ ‫الخوف الذي يرعبها ويملؤها‬
‫وكيف ال يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي َُنصر بالرعب مسيرة شهر صلوات‬
‫هللا وسالمه عليه؟ (‪)2‬‬

‫كل المسالك إنما يحصل من‬ ‫وقطع األمل من ِ‬‫ه‬ ‫أقول ‪:‬الخوف والرعب وضيق الَنفس‬
‫التوكل على هللا ‪ ،‬فإذا حصل للمؤمن ُّ‬
‫التوك هل على هللا ‪ -‬بعلمه أنه ال يمكنه‬ ‫عدم ُّ‬
‫خير لها ‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫شر عن نفسه وال أن يجلب ً ا‬
‫أن يدفع ًا‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫تكثرت‬
‫الس َ‬
‫لغيب َ‬
‫لم ْا َ‬
‫َع ه‬
‫ّللا َولو كْنت أ َ‬ ‫نفعا َوال َضَار إالَ َما َش َ‬
‫اء َ ه‬ ‫قل ال أَمل هك لنفسي ً‬
‫} ْ‬

‫وء ِإن أَنا ِإالَ َن ِذير َوَب ِشير لَِقوم هي ْؤ ِمنو َن { ] األعراف‪:‬‬ ‫لخير َو َما َم َسِن َي ُّ‬
‫الس ه‬ ‫ِم َن ْا ِ‬

‫‪ ، [ ١88‬فإن الرعب والفزع وضيق الَنفس يذهب بالكلَِية ‪ ،‬واذا لم يحصل التوكل‬

‫يثبت الخوف والرعب والفزع والضيق‪.‬‬

‫رب العالمين‪.‬‬ ‫الله َم ارزقنا هحسن ُّ‬


‫التوكل عليك يا َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫اللفظ الثالث و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اجَر ِإَلي ِهم َوال َي ِجهدو َن ِفي هص هد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإليم ِ‬ ‫ِ‬
‫ورِهم‬ ‫ان من قبل ِهم هيحُّبو َن َمن َه َ‬ ‫الد َار َو ِ َ َ‬
‫ين َتب َوهءوا َ‬‫( َواَلذ َ‬
‫فس ِه‬
‫ان ِب ِهم َخصاصة ومن يوق ش َح َن ِ‬
‫َ َ ََ ه‬ ‫فس ِهم َولو َك َ‬ ‫حاجة ِم َما أهوتوا وي ْؤِثرو َن على أَْن ِ‬
‫َ‬ ‫ه َه ه‬ ‫َ َ‬
‫لمفلِ هحو َن ( )‪ ] (٩‬الحشر ‪]٩:‬‬ ‫ِ‬
‫فأ َهولئ َك هه هم ْا ه‬

‫اجَر ِإلي ِهم َوال َي ِجهدو َن ِفي هص هد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإليم ِ‬ ‫ِ‬
‫ورِهم‬ ‫ان من قبل ِهم هيحُّبو َن َمن َه َ‬
‫الد َار َو ِ َ َ‬ ‫} َواَلذ َ‬
‫ين َتب َوهءوا َ‬

‫اجة ِم َما أ ههوتوا { هذه اآلية ثناء ومديح على األنصار ‪ ،‬أي ‪ :‬وأما األنصار الذين سكنوا‬
‫َح َ‬

‫وسكنا ‪ ،‬وآمنوا قبل هجرة الرسول صلى هللا عليه وسلم‬


‫ً‬ ‫المدينة المنورة ‪ ،‬فجعلوها منزال لهم‬

‫حسدا‬
‫ً‬ ‫حبا صادًقا ‪ ،‬وال يجدون في صدورهم‬
‫إليهم ‪ ،‬فهؤالء يحبون إخوانهم المهاجرين ً‬

‫ظا وح اززة لما أُعطي إخوانهم المهاجرون من الغنيمة دونهم ‪ ،‬حيث قسم الرسول صلى‬
‫وغي ً‬

‫شيئا ‪،‬‬ ‫هللا عليه وسلم غنائم بني النضير بين المهاجرين فقط ‪ ،‬ولم ي ِّ‬
‫عط األنصار منها ً‬ ‫ُ‬

‫فرضوا بحكم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ولم ينقموا على إخوانهم المهاجرين ‪ ،‬بل‬

‫وصل بهم األمر إلى درجة اإليثار ‪ ،‬أن يفضل اإلنسان غيره على نفسه ‪ ،‬ولهذا قال‬

‫اصة َو َمن هيوق ش َح ْنف ِس ِه َفأ َهو ِلئ َك هه هم‬


‫ان ِب ِهم َخ َص َ‬
‫تعالى ‪ } :‬وي ْؤِثرو َن على أَْن ِ‬
‫فس ِهم َولو َك َ‬ ‫َ‬ ‫َه ه‬

‫اْل همْفلِ هحو َن { أي يفضلون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم فقر أو حاجة ‪،‬‬

‫ومن وقاه هللا شر رذيلة البخل فهو الفائز السعيد ‪.‬والشح ‪:‬البخل الشديد ‪.‬ولعل في قصة‬

‫الذي أطعم‬

‫‪417‬‬
‫جياعا ‪ -‬وهي قصة فريدة في دنيا اإليثار – ما يعطينا‬
‫ً‬ ‫ضيفه وترك نفسه وأهله وأوالده‬

‫صورة مشرقة مضيئة عما كان الصحابة يتحلون به من مكارم الفضائل واألخالق‪ ،‬والقصة‬

‫(‪)١‬‬
‫عجيبة ذكرها اإلمام البخاري في صحيحه من كتاب التفسير‪.‬‬

‫قال اإلمام القشيري ‪َ } :‬وال َي ِجهدو َن ِفي هص هد ِ‬


‫ورِهم َح َ‬
‫اجة { مما خصص به المهاجرون من‬

‫الفيء ‪ ،‬وال يحسدونهم على ذلك ‪ ،‬وال يعترضون بقلوبهم على حكم هللا بتخصيص‬

‫(‪)2‬‬
‫المهاجرين ‪ ،‬حتى لو كانت بهم حاجة أو اختالل أحوال‪.‬‬

‫أقول ‪:‬على المؤمن أن يكون دستوره القرآن الكريم وسيرة أصحاب رسول هللا صلى هللا‬

‫عليه وسلم ‪ ،‬ومن جملة ذلك أن يفتش قلبه ‪ ،‬هل يوجد فيه خيانة إلخوانه المؤمنين؟‬

‫لم ْؤمنو َن ِإ ْخ َوة { ]الحجرات ‪[ ١٠:‬؛ فأ َ‬


‫هخوة اإليمان َ‬
‫مقدمة‬ ‫ِ‬
‫وهللا تعالى يقول ‪ } :‬إَن َما ْا ه‬

‫األخوة من أبوين إذا لم يوجد اإليمان‪.‬‬


‫َ‬ ‫على‬

‫وكل‬
‫التمسك بالرأي ‪ُّ ،‬‬ ‫الحسد و ِ‬
‫الك هبر و‬ ‫ه‬ ‫مشكلتنا ومصيبتنا – نحن المؤمنين المسلمين –‬
‫ه‬

‫ما يصيبنا مما كسبت أيدينا ؛ فاألخالق اإلسالمية ليست موجودة عند أكثر المسلمين ‪،‬‬

‫وبفقدنا هذه األخالق الحميدة يكون بيننا وبين المؤمنين والمسلمين خشونة ‪ ،‬فال نحب‬

‫ألخينا المؤمن كما نحب ألنفسنا‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير القشيري‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫علينا أن ال نرضى بهذه األخالق المخالِفة ‪ ،‬وأن نحاول أن تكون أخالقنا موافقة‬

‫إلسالمَيتنا ولديننا ‪ .‬الحمد هلل على دين اإلسالم‪.‬‬

‫الله َم خلِقنا بأخالق نبينا مح َمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬برحمتك يا أرحم َ‬
‫الراحمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫اللفظ الرابع و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يم ِ‬
‫ان َوال‬ ‫قونا باإل َ‬ ‫قولو َن َرَبَنا اغفر َلنا َوِإل ْخ َوانَنا اَلذ َ‬
‫ين َسَب َ ِ ِ‬ ‫اءوا من َبعدهم َي ه‬ ‫( َواَلذ َ‬
‫ين َج ه‬
‫امنوا َرَبنا إَن َك َرهءوف َرحيم ( )‪ (١٠‬الحشر‪] ١٠:‬‬ ‫لوبنا غالا لَل َ‬
‫ذين َء َ‬ ‫جع ْل في هق َ‬
‫َت َ‬

‫أي والذين جاءوا بعد المهاجرين واألنصار يحبون إخوانهم السابقين ‪ ،‬ويدعون لهم بالرحمة‬

‫والغفران ‪ ،‬ويقولون في دعائهم ‪:‬اللهم اغفر لنا ذنوبنا ‪ ،‬وارحم إخواننا الذين سبقونا باإليمان‬

‫بغضا ألحد من المؤمنين‪.‬‬


‫‪ ،‬وال تجعل في قلوبنا ً‬

‫َّ‬
‫وصنفهم ثالثة أصناف ‪- ١( :‬المهاجرون‪- 2 ،‬األنصار‪- 3 ،‬‬ ‫قسم تعالى المؤمنين‬

‫التابعون لهم بإحسان ) ‪ ،‬ولفظ التابعين يشمل جميع المؤمنين إلى قيام الساعة ‪ ،‬فمن لم‬

‫خارجا عن هذه األصناف‬


‫ً‬ ‫محبا إلخوانه المؤمنين ‪ ،‬كان‬
‫عف اللسان ‪ً ،‬‬
‫يكن نقي القلب ‪َّ ،‬‬

‫الثالثة ‪ ،‬وليس له في اإلسالم نصيب ‪ ،‬وقد ظهرت فئات من الخوارج والرافضة تزعم‬

‫اإلسالم ‪ ،‬وهي تطعن في أخص صحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهؤالء الذين‬

‫عنتهم السيدة عائشة في حديثها ‪ ،‬فقد روى مسلم عن عائشة أنها قالت لعروة بن الزبير ‪:‬‬

‫فسبوهم ) ‪،‬‬
‫( يا ابن أختي !أُمروا أن يستغفروا ألصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اءوا من َبعدهم {‪ .‬وروى جابر قال ‪ :‬قيل لعائشة ‪:‬إن ً‬
‫ناسا‬ ‫وتلت اآلية ‪َ } :‬واَلذ َ‬
‫ين َج ه‬

‫يتناولون أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬

‫‪420‬‬
‫حتى أبا بكر وعمر ‪ .‬فقالت ‪ :‬وما تعجبون من ذلك !انقطع عنهم العمل ‪ ،‬فأحب هللا أن‬

‫(‪)١‬‬
‫ال يقطع عنهم األجر ‪ ،‬هؤالء شرار الخلق عند هللا‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تجع ْل في هقلوبِنا غالا { أي ‪ً :‬‬
‫حقدا ‪ ،‬وهو ذميمة فاحشة ‪َ ،‬فوَرَد‪ :‬المؤمن‬ ‫قوله تعالى ‪َ }:‬وال َ‬
‫ِِ‬
‫امنوا { على إطالق ‪ ،‬صحابة أو تابعين ‪ ،‬وفيه إشارة إلى أن‬ ‫ليس بحقود ‪ } ،‬لَلذ َ‬
‫ين َء َ‬

‫الئقا‪.‬‬ ‫الحقد على غيرهم الئق لغيرة الدين ‪ ،‬وان لم يكن الحسد‬
‫(‪)2‬‬
‫ً‬

‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫امنوا { أنه على‬ ‫تجع ْل في هقلوبِنا غالا لَلذ َ‬
‫ين َء َ‬ ‫أقول ‪ :‬هيفهم من قوله تعالى ‪َ } :‬وال َ‬

‫األخوة‬
‫َ‬ ‫المؤمن أن ال يحقد على المؤمن ‪ ،‬ألن المؤمنين إخوة‪ ،‬فعليه أن ال يخالف حقيقة‬

‫اإليمانية‪.‬‬

‫باإليمان يتصل المؤمن الغريب بالمؤمن الغريب ‪ ،‬وبعدم اإليمان ال يتصل الكافر بأخيه‬

‫أخوة النسب‪.‬‬
‫المؤمن ؛ فقيمة اإليمان عند هللا أكبر من َ‬

‫واذا صدر من واحد من المؤمنين فعل مخالف للشريعة والسَنة النبوَية فأخوه المؤمن ال‬

‫مؤمنا ‪ ،‬وهذا‬
‫ً‬ ‫يحقد عليه ‪ ،‬لكن ال يحب هذا الفعل ‪ ،‬ألنه إذا أبغض ذاته يكون قد أبغض‬

‫مخالف للدين‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫وعدم محبة الفعل مشروط بأن ال يكون لغرض شخصي ‪ ،‬ألنه إذا كان لغرض شخصي‬

‫لم ْؤ ِمنو َن ِإ ْخ َوة { ] الحجرات ‪ [ ١٠ :‬وال يكون‬ ‫ِ‬


‫يرفع المحافظة على قوله تعالى ‪ } :‬إَن َما ْا ه‬

‫فالنا لفعله الفالني إذا لم يكن صاد ًقا في محبته‬


‫المبغض صاد ًقا في قوله ‪:‬إنني أبغض ً‬

‫له ‪.‬فللمؤمن أن يبغض فعل المؤمن المخالف ‪ ،‬وليس له أن يبغض ذاته ‪ ،‬وعليه حينئذ‬

‫أن ينصحه ‪ ،‬فإن ق ِب َل ق ِب َل ‪ ،‬وان لم يقبل يفوض أمره إلى هللا تعالى‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم ِ‬
‫حققنا بذلك ‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫اللفظ الخامس و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ورِهم ِمن َ ِ ِ‬
‫هبة ِفي هص هد ِ‬
‫ّللا ذل َك ِبأََن ههم َقوم ال َي َف ه‬
‫قهو َن ( ) ‪ ] (١٣‬الحشر‪:‬‬ ‫َ‬ ‫( أل هَنتم أَ ُّ‬
‫شد َر َ‬
‫‪]١٣‬‬

‫أي أنتم يا معشر المسلمين أشد خوًفا وخشية في قلوب المنافقين من هللا ‪ ،‬فإنهم يرهبون‬
‫جانبكم ويخافون منكم أشد وأكثر من خشيتهم من هللا ‪ ،‬وذلك ألنهم ال يعرفون عظمة هللا‬
‫(‪)١‬‬
‫وجالله حتى يخشوه حق خشيته ‪ ،‬وهذا من سفههم وعدم فقههم لدين هللا ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬الذي هيداهن ويتساهل في الدين خوًفا من العباد عليه أن يتنَبه لهذه اآلية الكريمة‬
‫دك ِبخير فال َارَد‬
‫اشف َل هه ِإالَ هه َو َواِن هي ِر َ‬‫ّللا ِب هضر فال َك ِ‬
‫سك َ ه‬
‫مس َ‬‫ولقوله تعالى ‪َ } :‬واِن َي َ‬
‫يم { ] يونس ‪. [ ١٠٧:‬من آمن‬ ‫لِفضلِ ِه ي ِصيب ِب ِه من ي َشاء ِمن ِعب ِاد ِه و ههو اْل َغ هفور َ ِ‬
‫الرح ه‬ ‫ه‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ه‬ ‫ه ه‬
‫وبأن هذا كالم هللا فإنه ال يخاف إال من هللا ‪ ،‬وبهذا هيمَيز‬ ‫بهذه اآلية وبرب هذه اآلية َ‬
‫جميعا أن نقوي إيماننا بخالقنا ج َل وعال‪.‬‬
‫ً‬ ‫بين اإليمان القوي واإليمان الضعيف ‪.‬علينا‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم يا ربنا قو إيماننا بك ‪ ،‬بفضلك وكرمك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫اللفظ السادس و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قاتلونكم ج ِم ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫حسهب ههم‬
‫نهم َشديد َت َ‬ ‫يعا إالَ في ًقرى هم َح َصنة أَو من َوَراء هجهدر َبأ ه‬
‫ْس ههم َبَي ه‬ ‫َ ً‬ ‫)ال هي َ‬
‫عقلو َن ( )‪ ] (١٤‬الحشر‪]١٤:‬‬ ‫ج ِميعا وهقلوبهم ش َتى ذلِك ِبأََنهم َقوم ال ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ ه‬ ‫َ ً َ هه‬

‫يعا { أي ‪:‬مجتمعين ذوي ألفة‬ ‫ِ‬


‫حسهب ههم { أي ‪:‬المنافقين واليهود ‪َ } ،‬جم ً‬
‫قوله تعالى ‪َ } :‬ت َ‬
‫(‪)١‬‬
‫بينها‪.‬‬ ‫لوب ههم ش َتى { متفرقة ال ألفة‬
‫واتحاد ‪َ } ،‬وهق ه‬

‫أبدا‪ ،‬موافقون وان تفرقوا باألبدان وتباينوا بالظواهر‪ ،‬وأهل‬


‫قال سهل ‪:‬أهل الحق مجتمعون ً‬

‫الباطل متفرقون ً‬
‫أبدا وان اجتمعوا باألبدان وتوافقوا بالظواهر ‪ ،‬ألن هللا تعالى يقول‬

‫تحسبهم‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫جب كل تخاذل‪ ،‬واتفاق‬


‫ومو ُ‬
‫أصل كل فساد ُ‬
‫ُ‬ ‫قال القشيري ‪:‬اجتماع النفوس مع تنافر القلوب‬

‫(‪)3‬‬
‫وسعادة‪.‬‬ ‫القلوب واالشتراك في المهمة والتساوي في القصد يوجب كل ظفر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫أقول ‪:‬الذي ال يعتقد بطريقتنا المتصلة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه أن‬

‫يخرج منها ؛ ال لبغضنا إياه ‪ ،‬بل شفقة عليه ‪ ،‬ألنه ال ينتفع منها في هذه الحالة‪،‬‬

‫وعليه أن يذهب إلى أي طريق يشاء ‪ ،‬لكن إذا بقي في طريقتنا مع عدم االعتقاد بها‬

‫يقينا ال يستفيد‪ ،‬بل يمكن أن يتضرر ويتضرر اآلخرون منه كذلك‪.‬‬


‫فإنه ً‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم ارزقنا الثبات واالستقامة يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫اللفظ السابع و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫( واِذ قال موسى لِقو ِم ِه ياَ قومِ لِم ْتؤذو ِنني و قد َتعَلمو َن أَِني رسول َ ِ‬
‫ّللا ِإليكم َفل َما َزاغوا‬ ‫َه ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ه َ‬ ‫َ‬
‫ين ( )‪ ] (٥‬الصف ‪]٥:‬‬ ‫ّللا ال ي ِ‬
‫هدي ْاَلقوم اْل ِ ِ‬
‫فاسق َ‬ ‫َ‬ ‫لوب ههم َو َ ه َ‬
‫ّللا هق َ‬
‫أ ََزاغ َ ه‬

‫ين { أي ‪ :‬فلما‬ ‫ّللا ال ي ِ‬


‫هدي ْاَلقوم ْاَل ِ ِ‬
‫فاسق َ‬ ‫َ‬ ‫لوب ههم َو َ ه َ‬
‫ّللا هق َ‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬فل َما َزاغوا أ ََزاغ َ ه‬
‫مالوا عن الحق وحادوا عنه صرف هللا قلوبهم عن الهدى‪ ،‬وهللا ال ِّ‬
‫يوفق للخير الخارجين‬

‫فاذهب أَْنت‬
‫عن طاعة الرحمن ‪.‬واإلشارة في اآلية إلى إذاية موسى ‪ ،‬يراد بها هنا قولهم‪َ } :‬‬
‫ورُّبك َفَق ِاتال ِإَنا هاهنا ِ‬
‫قاع هدو َن { ] المائدة ‪ ، [ 24:‬وذلك حين ندبهم إلى قتال الجبابرة‬ ‫َ ه‬ ‫ََ َ‬
‫(‪)١‬‬
‫متعددة‪.‬‬ ‫‪ ،‬مع إذايات أخرى‬

‫موجودا فاإلمكان موجود ‪ -‬أن‬


‫ً‬ ‫أقول ‪:‬على المؤمنين – مهما أمكن‪ ،‬وما دام العقل‬

‫يجمعوا قلوبهم على دينهم وشريعة نبيهم واإلخالص في عبادة ربهم‪ ،‬فإنهم ولو كانوا‬

‫شيئا مخال ًفا‬ ‫متفرقين من حيث األقوام لكنهم مجتمعون باإليمان ‪.‬واذا خ َ‬
‫ططوا بعقولهم ً‬

‫للشريعة والسَنة النبوَية فإن القوانين المتعلِقة بالعقل تفسد عليهم حياتهم وال تصلح ‪،‬‬

‫ألن اإلصالح ال يكون إال باالجتماع على شرع هللا وعلى سَنة رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫وسلم‪ ،‬وخالف ذلك ُّ‬


‫تشتت وفشل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫فعلى المؤمن أن يحافظ على إيمانه وعلى شرع هللا وعلى سَنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪ ،‬وال يلتفت إلى الشيطان الذي يقول له ‪:‬افعل كذا وكذا حتى تخلص من الورطة الفالنية‬

‫‪ ،‬فيوقعه في ورطة أكبر ‪ ،‬وهي مخالفة الشريعة‪.‬‬

‫الله َم اجعلنا موافقين لشريعتك ‪ ،‬متبعين لسنة نبيك ‪ ،‬بارب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪427‬‬
‫اللفظ الثامن و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا َي ْش َههد ِإ َن‬ ‫ِ‬ ‫نافقو َن قاهلوا َن ْشهد ِإَنك لرسول َ ِ‬ ‫( ِإذا جاءك اْلم ِ‬
‫ّللا َيعَل هم إَن َك َلَر هسوهل هه َو َ ه‬
‫ّللا َو َ ه‬ ‫َه َ َ ه ه‬ ‫َ ََ ه‬
‫يل َ ِ ِ‬ ‫نهم هجَنة فصُّدوا َعن س ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اء َما كاهنوا‬ ‫ّللا إَن ههم َس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين لكاذهبو َن (‪ )١‬ا َت هخذوا أ َ‬
‫َيماَ ه‬ ‫اْل همنافق َ‬
‫قهو َن ( (‪[ )٣‬‬ ‫فروا فط ِب َع َعلى هقلوبِ ِهم ه‬ ‫ِ ِ‬
‫فهم ال َي ْف ه‬ ‫عملو َن ) ‪ ( ٢‬ذل َك بأََن ههم َء َ‬
‫امنوا ث َم َك ه‬ ‫َي َ‬
‫المنافقون‪]٣-١:‬‬

‫في اآلية مباحث‪:‬‬

‫البحث األول ‪:‬أنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من ََقبل ‪ ،‬ولم يقل ‪:‬إنهم ساء ما كانوا يعملون‬

‫‪ََ ،‬فلِّ َم قلنا هنا؟ نقول ‪:‬إن أفعالهم مقرونة باأليمان الكاذبة التي جعلوها ُجَّنة ‪ ،‬أي سترة‬

‫ألموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون كما مر‪.‬‬

‫الثاني ‪:‬المنافقون لم يكونوا إال على الكفر الثابت الدائم ‪ ،‬فما معنى قوله تعالى ‪َ } :‬ء َ‬
‫امنوا‬

‫امنوا { نطقوا بكلمة‬ ‫َّ‬


‫فروا { ؟ نقول ‪:‬قال في الكشاف ثالثة أوجه ‪ ،‬أحدهما ‪َ } :‬ء َ‬
‫ث َم َك ه‬

‫فروا { ثم ظهر كفرهم بعد ذلك ‪،‬‬


‫الشهادة ‪ ،‬وفعلوا كما يفعل من يدخل اإلسالم } ث َم َك ه‬

‫فروا{ نطقوا بالكفر عند‬


‫امنوا{ نطقوا باإليمان عند المؤمنين } ث َم َك ه‬
‫وثانيهما ‪َ } :‬ء َ‬
‫ِ‬
‫امَنا ‪] {...‬‬
‫امنوا قاهلوا َء َ‬ ‫شياطينهم استهزاء باإلسالم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ } :‬واِذا هلقوا اَلذ َ‬
‫ين َء َ‬

‫أهل الذمة منهم‪.‬‬


‫البقرة ‪ ، [ ١4:‬وثالثهما ‪:‬أن يراد ُ‬

‫‪428‬‬
‫الثالث ‪:‬الطبع على القلوب ال يكون إال من هللا تعالى ‪َ ،‬ولما طبع هللا على قلوبهم ال‬

‫يمكنهم أن يتدبروا ويستدلوا بالدالئل ‪ ،‬ولو كان كذلك لكان هذا حجة لهم على هللا تعالى‪،‬‬

‫فيقولون ‪:‬إعراضنا عن الحق لغفلتنا ‪ ،‬وغفلُتنا بسبب أنه تعالى طبع على قلوبنا‪ ،‬فنقول ‪:‬‬

‫هذا الطبع من هللا تعالى لسوء أفعالهم ‪ ،‬وقصدهم اإلعراض عن الحق‪ ،‬فكأنه تعالى‬

‫الباطلة‪)١( .‬‬ ‫تركهم في أنفسهم الجاهلة وأهوائهم‬

‫أقول ‪:‬على المؤمن أن يتجَنب أخالق المنافقين ‪ ،‬من الكذب والغدر وعدم الوفاء بالعهد‬

‫‪ ،‬فقد ح َذَرنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من ذلك بقوله ‪ » :‬أربع من َ‬
‫كن فيه كان‬

‫خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ‪:‬إذا‬
‫ً‬ ‫منافقا‬
‫ً‬

‫وعليه أن يحافظ على‬ ‫(‪)٢‬‬


‫َ‬
‫حدث كذب واذا عاهد غدر واذا خاصم فجر واذا اؤتمن خان«‬

‫أخالقه اإلسالمية‪.‬‬

‫المنافق ال هيكتب على جبهته ‪" :‬هذا منافق " لكن النفاق في القلب كما أن اإلخالص في‬

‫القلب ‪ ،‬فيمكن أن يوجد النفاق في القلب ولو كان اإلنسان يصلِي ‪.‬فعلى المؤمن أن‬

‫سره وأخفاه ‪ ،‬حتى ال يخالف في شيء وال يداهن في شيء من دين‬


‫يعتقد أن هللا يعلم َ‬

‫هللا‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 2‬أخرجه البخاري ومسلم بروايات مختلفة‪.‬‬

‫‪429‬‬
‫ام ال‬
‫تحصل لكل أحد ‪ ،‬والعو ُّ‬ ‫ِ‬
‫الحقيقة ال‬ ‫ِ‬
‫وعين اليقين و‬ ‫اإليمان بالذو ِق الروحي‬
‫ِ‬ ‫حالوة‬
‫ه‬ ‫ه‬

‫هيسألون عن هذا ‪ ،‬وال عن أدلة اإليمان التفصيلية ‪ ،‬لكنهم يسمعون بوجود هللا وبالحشر‬

‫ظاهرهم‬
‫َ‬ ‫وبالنبوة والرسالة فيؤمنون بذلك ‪ ،‬وهذا يكفي لهم ؛ ولكن إذا خالف با ه‬
‫طنهم‬

‫يمكن أن يقعوا في النفاق ‪ ،‬فقد يكذبون مثال ‪ ،‬أو إذا خلوا عن الناس ال ُّ‬
‫يصلون أو‬

‫يشربون الخمر ‪ ،‬وقد يتركون بعض المخالفات الشرعية خوًفا من لوم الناس‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعل ظواهرنا وبواطننا موافقة لرضاك برحمتك يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫اللفظ التاسع و السبعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( َيعَل هم ما ِفي السماوات َواأل ِ‬


‫ات‬ ‫لم َما هَتسُّرو َن َو َما تعلنو َن َو َ ه َ‬
‫َرض َوَي َع ه‬ ‫َ‬
‫ور ( )‪ ] (٤‬التغابن‪]٤:‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ُّ‬

‫قوله تعالى ‪َ } :‬يعَل هم ما ِفي السماوات َواأل ِ‬


‫َرض { أي ‪:‬يعلم ما في الكائنات من أجرام‬ ‫َ‬
‫تسُّرو َن َو َما تعلِنو َن { أي ‪ :‬ويعلم ما تخفونه وما تظهرونه من‬
‫ومخلوقات ‪ } ،‬ويعلم ما ِ‬
‫َََ ه َ‬
‫ور { أي ‪:‬عالم بما في الصدور من األسرار‬‫الص هد ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ّللا علِيم ِب َذ ِ‬
‫نواياكم وأعمالكم ‪َ } ،‬و َ ه َ‬
‫والخفايا ‪ ،‬فكيف تخفى عليه أعمالكم الظاهرة؟‬

‫نبه تعالى بعلمه بما في السماوات واألرض ‪ ،‬ثم بعلمه بما يخفيه العباد‬ ‫قال في البحر ‪َ :‬‬
‫أكنته الصدور ‪ ،‬على أنه تعالى ال يغيب عن علمه شيء ال‬ ‫وما يعلنونه ‪ ،‬ثم بعلمه بما َّ‬
‫من الكلِّيات وال من الجزئيات ‪ ،‬فابتدأ بالعلم الشامل ‪ ،‬ثم بسر العباد وعالنيتهم ‪ ،‬ثم بما‬
‫تنطوي عليه صدورهم ‪ ،‬وهذا كله في معنى الوعيد ‪ ،‬إذ هو تعالى المجازي عليه بالثواب‬
‫والعقاب‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬صفوة التفاسير ‪.‬‬

‫‪431‬‬
‫كله متعلِق بإيمان العبد ‪ ،‬فإذا كان إيمانه باهلل صاد ًقا ويؤمن بعلم هللا بما في‬
‫أقول ‪:‬هذا ُّ‬

‫ظاهره ‪ ،‬ويتجَنب عن المخالفة‬


‫ه‬ ‫قلبه وما هيعلِ هن‬ ‫ِ‬
‫صدره وما في قلبه فإنه يحذر فيما هيسُّر ه‬

‫القلبية أكثر من المخالفة الظاهرية ‪ ،‬ألنه يعلم أن هللا ج َل وعال ال يغيب عن علمه شيء‬

‫مما في صدور البشر‪.‬‬

‫نرجو هللا تعالى السالمة‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪432‬‬
‫اللفظ الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫كل شيء َعلِيم‬


‫ّللا ِب ِ‬ ‫ّللا ومن ي ْؤ ِمن ِب َ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( ما أَص ِ‬
‫اّلل َيهد َقْلَب هه َو َ ه‬ ‫اب من همص َيبة ِإالَ ِبِإ ْذ ِن َ َ َ ه‬
‫َ َ َ‬
‫( ‪ ] (١١‬التغابن ‪]١١:‬‬

‫قوله تعالى ‪ } :‬ما أَصاب ِمن م ِصيبة ِإالَ ِبِإ ْذ ِن َ ِ‬


‫ّللا { قال ابن عباس ‪ :‬بأمر هللا ‪ .‬يعني‬ ‫ه َ‬ ‫َ َ َ‬

‫ّللا ِبك ِل شيء َعلِيم { أي‪ :‬ومن‬ ‫عن قدره ومشيئته ‪ } ،‬ومن ي ْؤ ِمن ِب َ ِ ِ‬
‫اّلل َيهد َقْلَب هه َو َ ه‬ ‫ََ ه‬ ‫َ‬

‫أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء هللا وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء هللا هدى هللا‬

‫ويقينا صادًقا ‪ ،‬وقد ُيخلِّف عليه ما كان أُخذ‬


‫قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ً‬

‫خير منه ‪.‬قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي هللا عنهما ‪َ } :‬و َمن‬
‫منه أو ًا‬

‫هد َقْلبه { يعني ‪ِّ :‬‬


‫اّلل ي ِ‬
‫ِ‬
‫يهد قلبه لليقين ‪ ،‬فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما‬ ‫َه‬ ‫هي ْؤ ِمن ِب َ َ‬

‫عجبا للمؤمن ال يقضي هللا له‬


‫أخطأه لم يكن ليصيبه ‪.‬وفي الحديث المتفق عليه ‪ً » :‬‬

‫خير له وان أصابته سراء شكر‬


‫خير له ؛ إن أصابته ضراء صبر فكان ًا‬
‫قضاء إال كان ًا‬

‫خير له ‪ ،‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن « فال تقع مصيبة على أحد في نفسه أو ماله‬
‫فكان ًا‬

‫سبق ‪ ،‬ومن يؤمن باهلل يهد قلبه للصبر والرضا‪ ،‬ويثبته على‬
‫بقدر من هللا ُم َ‬
‫أو ولده إال َ‬
‫اّلل ي ِ‬
‫ِ‬
‫هد َقْلَب هه { قال ابن مسعود رضي هللا عنه ‪:‬هو الذي إذا‬ ‫اإليمان‪َ }،‬و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ‬

‫أصابته مصيبة رضي وعرف أنها‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫كل شيء َعلِيم { أي ‪:‬عالم بكل ما يحدث في الكون من خير أو شر ‪،‬‬ ‫ّللا ِب ِ‬
‫من هللا ‪َ }،‬و َ ه‬
‫ِّ‬
‫ويستكبر‪.‬‬ ‫عرض عن هللا‬ ‫يعلم من يصبر ومن ُي ِّ‬

‫وفائدة االعتقاد بالقضاء والقدر أنها تهون المصيبة على المؤمن ‪ ،‬فيصبر على قضاء هللا‬
‫(‪)١‬‬
‫ويستسلم لحكمه ‪ ،‬فيكون هذا اإليمان راحة للقلب وسلوى للنفس‪.‬‬

‫اّلل ي ِ‬
‫ِ‬
‫هد َقْلَب هه { أي ‪:‬يسهل عليه المصائب واالبتالء ‪ ،‬بإيمانه أنها‬ ‫أقول ‪َ } :‬و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ‬
‫ع وعدم التسليم عند المصيبة مصيبة أخرى ‪ ،‬فيكون مصيبة‬ ‫الج َز ه‬
‫من هللا ج َل جالله ‪.‬و َ‬
‫على مصيبة ‪ ،‬ألنه ال يهون المصيبة على صاحبها َ‬
‫ويحرمه من ثوابها ‪ ،‬والمصيبة‬
‫باقية كما هي‪.‬‬

‫فعلى المؤمن العاقل أن يعلم أن الجزع والحزن واألمور التي تخرجه عن حد التسليم‬
‫للقضاء والقدر ليست من شأن المؤمن وال من شأن العاقل ‪ ،‬ألنه هل يمكن إذا مات أحد‬
‫نقبل بذلك؟‬
‫أن ال َ‬

‫ُّ‬
‫ويشقون‬ ‫المؤمن يرضى إن شاء هللا ‪ ،‬لكن كثير من المؤمنين يجزعون وال يصبرون ‪،‬‬
‫الجيوب ويضربون الوجوه‪.‬‬

‫الموت طريق وضعه هللا ‪ ،‬وكل اإلنس والجن يمشون فيه ‪ ،‬حتى يأتي الحشر‪ .‬فليس‬
‫من شأن المؤمن أن يجزع ؛ وأما الكفار فال يعلمون إال الحياة الدنيا وهم عن اآلخرة‬
‫غافلون‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫جميعا أن ال نخرج عن الحدود الشرعية والسَنة النبوَية ‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫َ‬
‫وفقنا هللا واياكم‬
‫ً‬

‫يحزن على الفراق ويبكي كذلك ‪ ،‬هذا من الشفقة ‪ ،‬لكن عليه أن ال يتجاوز الحد ويخرج‬

‫عن الشريعة‪.‬‬

‫وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬

‫وصَلى هللا وسَلم على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫اللفظ الحادي و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫يل‬ ‫ّللا هه َو َموالَ هه َو ِج ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫( ِإن هتتوبا ِإلى َ ِ‬


‫بر ه‬ ‫تظاهَار َعليه َفإ َن َ َ‬
‫َ‬ ‫لوب هك َما َواِن‬
‫ّللا َفقد َصغت هق ه‬ ‫َ‬
‫ظ ِهير ( )‪] (٤‬التحريم‪]٤:‬‬ ‫عد ذلِ َك َ‬ ‫وصالِح ْالم ْؤ ِمِنين واْلم ِ‬
‫الئكة َب َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ه ه‬

‫كما { أي ‪:‬إن تتوبا إلى هللا فهو األسلم‬ ‫قوله تعالى ‪ِ } :‬إن هتتوبا ِإلى َ ِ‬
‫لوب َ‬
‫ّللا َفقد َصغت هق ه‬ ‫َ‬

‫واألصلح لكما ‪ ،‬من إيذاء قلب هذا النبي الرحيم ‪َ } ،‬فقد َصغت { أي ‪:‬مالت قلوبكما عن‬

‫الحق ‪ ،‬وعما يجب في حق سيد الخلق ‪ ،‬من اإلخالص له بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه‬

‫‪ ،‬فقد استوجب األمر عليكما أن تتوبا ‪ ،‬ألنه سركما ما أحزن النبي عليه السالم ‪ ،‬من‬

‫يل‬ ‫ّللا هه َو َموالَ هه َو ِج ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫بر ه‬ ‫تظاهَار َعليه َفإ َن َ َ‬
‫َ‬ ‫تحريم مملوكته على نفسه إرضاء لكما ‪َ } ،‬واِن‬

‫عد ذلِ َك َ‬
‫ظ ِهير { أي ‪:‬وان تتعاونا على النبي صلى هللا عليه‬ ‫وصالِح ْالم ْؤ ِمِنين واْلم ِ‬
‫الئكة َب َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ه ه‬

‫يل { رئيس المالئكة‬ ‫وسلم بما يسوؤه ويحزنه فإن هللا هو ناصره ‪ ،‬وهو ولي أمره ‪َ } ،‬و ِج ِ‬
‫بر ه‬
‫‪ ،‬والصالحون من المؤمنين األبرار ‪ ،‬والمالئكة جميعا في ِّ‬
‫صفه أعوان له وأنصار ‪ ،‬فماذا‬ ‫ً‬

‫يصنع تآمر امرأتين ‪ ،‬أمام هذا الحشد الرباني؟ فإلى جانب محمد صلى هللا عليه وسلم رب‬

‫يل وأبو بكر وعمر والمالئكة األبرار األطهار ‪.‬والمراد بصالح المؤمنين ‪:‬‬
‫العزة والجالل وجبر ُ‬

‫أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما ‪ ،‬والِّدا عائشة وحفصة ‪ ،‬كما قاله ابن عباس ‪ ،‬ويشهد له‬

‫ما رواه مسلم أن عمر رضي هللا عنه قال ‪:‬يا رسول هللا ! ما يشق عليك من أمر النساء؟‬

‫‪436‬‬
‫فإن كنت طلقتهن فإن هللا معك ومالئكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك )‬
‫تعظيما له ‪ ،‬إذ هو‬
‫ً‬ ‫يل بالذكر‬ ‫ظ ِهير { أي ‪:‬معين ونصير ‪َ .‬‬
‫أفرد جبر َ‬ ‫‪ ،‬ومعنى قوله ‪َ } :‬‬
‫فذكره على الخصوص ثم مع العموم ‪ ،‬ألنه‬ ‫ظهار لمكانته عند هللا ‪َ ،‬‬
‫أفضل المالئكة ‪ ،‬وا ًا‬
‫ومرة مع العموم ‪ ،‬ووسط‬ ‫داخل في صف المالئكة ‪ ،‬فيكون قد ذكره مرتين ‪ً ،‬‬
‫مرة في اإلفراد ً‬
‫شادة بفضل التُّقى‬
‫صالح المؤمنين بين جبريل والمالئكة تشر ًيفا لهم ‪ ،‬واعتناء بهم ‪ ،‬وا ً‬
‫عد ذلِ َك َ‬ ‫والصالح ‪ ،‬وختم اآلية بذكر } واْلم ِ‬
‫ظ ِهير { وهم أعظم المخلوقات‪َ ،‬‬
‫وجعلهم‬ ‫الئكة َب َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫أنصار للنبي الكريم ‪ ،‬ليكون أفخم لشأنه صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬‫ظهراء ‪ ،‬أي ‪:‬أعو ًانا و ًا‬
‫َ‬
‫نصرة لنبيه المختار‬ ‫ِّ‬
‫وأعظم لمكانته واالنتصار له ‪ ،‬إذ هم بمثابة جيش جرار يمأل القفار ‪ً ،‬‬
‫‪ ،‬فمن ذا الذي يستطيع أن يناوئ الرسول صلى هللا عليه وسلم ويعاديه بعد ذلك؟ أما‬
‫المرأتان اللتان تظاهرتا على النبي صلى هللا عليه وسلم فهما ‪:‬حفصة وعائشة ‪ ،‬فقد روى‬
‫يصا على أن أسأل عمر‬ ‫البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما أنه قال ‪( :‬لم أزل حر ً‬
‫توبا ِإلى‬
‫عن المرأتين من أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم اللتين قال هللا فيهما ‪ِ } :‬إن هت َ‬
‫كما { فمكثت َسن ًة أريد أن أسأله ‪ ،‬فما أستطيع أن أسأله هيبة له ‪،‬‬ ‫َِ‬
‫لوب َ‬
‫ّللا َفقد َصغت هق ه‬
‫اجا فخرجت معه‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ! َمن اللتان تظاهرتا على النبي‬ ‫حتى خرج ح ً‬
‫اعجبا لك يا ابن عباس !تلك حفصة وعائشة ‪(...‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم من أزواجه؟ فقال ‪:‬و ً‬
‫وذكر الحديث بطوله ‪.‬أخرجه البخاري ‪.‬ثم فصل تعالى أمر هؤالء النسوة اللواتي سيبدلهن‬
‫(‪)١‬‬
‫تخويفا لزوجاته‪.‬‬
‫ً‬ ‫هللا لرسوله ‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬التفسير الواضح الميسر‪.‬‬

‫‪437‬‬
‫لوب هك َما {‬
‫ففيه إرادة خير لحفصة وعائشة بإرشادهما إلى ما هو أوضح لهما ‪َ }،‬فقد َصغت هق ه‬
‫والمعنى ‪ :‬فقد وجد منكما ما يوجب التوبة من ميل قلوبكما عما يجب عليكما من مخالصة‬
‫يكرهه‪.‬‬ ‫رسول هلل وحب ما يحبه وكراهة ما‬
‫(‪)١‬‬

‫أقول ‪:‬رسول هللا عليه الصالة والسالم بأخالقه العظيمة وبصبره وحلمه وكرمه وجوده‬
‫تحم َل أخالق زوجاته رضي هللا تعالى عنهن ‪ ،‬ولكن الحق ج َل جالله } ال َي َستحِيي ِم َن‬
‫اْل َح ِق { ] األحزاب ‪ ، [٥٣:‬فبين في هذه اآلية الكريمة تأذي النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫لوب هك َما { عن محبته ‪ ،‬وحصل‬ ‫لهن ‪ِ } :‬إن هتتوبا ِإلى َ ِ‬
‫ّللا َفقد َصغت هق ه‬ ‫َ‬ ‫بأخالقهن‪ ،‬وقال َ‬
‫لكما الفرح ‪ ،‬وحصل له األذى عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫فعلى المؤمن أن يترك هواه ‪ ،‬وأن يترك ما يريده إلرضاء خالقه ج َل وعال ‪ ،‬وان لم يكن‬
‫هكذا فحاهله مسجَل عند هللا ج َل وعال ‪ ،‬وهو مسؤول عنه يوم القيامة إال أن يرجع في‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫تظاهَار‬
‫َ‬ ‫عنهن ‪ -‬في قوله تعالى ‪َ } :‬وِان‬ ‫َ‬ ‫هذه التهديدات ألمهات المؤمنين ‪ -‬رضي هللا‬
‫ظ ِهير { ليست‬ ‫عد ذلِ َك َ‬ ‫بريل وصالِح ْالم ْؤ ِمِنين واْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الئكة َب َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ّللا هه َو َموالَ هه َوج ِ ه َ َ ه ه‬
‫َعليه َفإ َن َ َ‬
‫بهن حتى ال‬
‫حالهن ‪ ،‬بل لعظمة حبيبه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ولرحمة هللا تعالى َ‬ ‫َ‬ ‫لشنيع‬
‫نه‪.‬‬
‫يخال َف ه‬
‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم ِ‬
‫وفقنا إلتباعه وعدم مخالفته يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪438‬‬
‫اللفظ الثاني و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الص هد ِ‬
‫ور ( )‪ ] (١٣‬الملك ‪]١٣:‬‬ ‫َسُّروا قولكم أ َِو اجهروا ِب ِه ِإَنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫( وأ ِ‬
‫ه َ‬ ‫َه‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫أي ‪ :‬أخفوا كالمكم وحديثكم أيها الناس أو أظهروه وأعلنوه ‪ ،‬فسواء أخفيتموه أو أظهرتموه‬

‫فإن هللا تعالى يعلمه ‪ ،‬ألنه سبحانه يعلم السر وأخفى ‪ ،‬فكيف تخفى عليه أعمالكم؟ أال‬

‫يعلم الخالق مخلوقاته؟ وهو الذي خلقها وأوجدها؟ وهو اللطيف بالعباد ‪ ،‬الخبير الذي ال‬

‫(‪)١‬‬
‫يغيب عن علمه شيء ‪ ،‬يرى النملة السوداء ‪ ،‬في الليلة الظلماء ‪،‬على الصخرة الصماء‬

‫ور{ أي ‪:‬مبالِّغ في اإلحاطة ِّب ُمض َمرات جميع الناس وأسرارهم‬


‫الص هد ِ‬ ‫} ِإَنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ه َ‬

‫َّ‬
‫المستكنة في صدورهم ‪ ،‬بحيث ال تكاد تفارقها أصال ‪ ،‬فكيف يخفى عليه ما‬ ‫الخفية‬

‫(‪)2‬‬
‫به؟‪.‬‬ ‫تسرونه وتجهرون‬

‫والنجوى‪)3( .‬‬ ‫خوفهم بعلمه ‪ ،‬وندبهم إلى مراقبته ‪ ،‬ألنه يعلم السر وأخفى ‪ ،‬ويسمع الجهر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير القشيري ‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫وفي اآلية وجهان ‪:‬الوجه األول ‪ :‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما ‪:‬كانوا ينالون من رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم فيخبره جبريل ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ِّ :‬أسروا قولكم لئال يسمع إله‬
‫محمد ‪ ،‬فأنزل هللا هذه اآلية ‪.‬القول الثاني ‪:‬أنه خطاب عام لجميع الخلق في جميع‬
‫األعمال ؛ والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل ُوجد فالحال واحد في علمه تعالى ‪،‬‬
‫سر كما تحترزون عنها ًا‬
‫جهر ‪ ،‬فإنه ال يتفاوت ذلك بالنسبة‬ ‫بهذا فاحذروا من المعاصي ًا‬
‫إلى علم هللا تعالى ‪ ،‬وكما بين أنه تعالى عالم بالجهر وبالسر بين أنه عالم بخواطر‬
‫(‪)١‬‬
‫القلوب ‪.‬‬

‫عليما بذات الصدور ‪ ،‬وعلمه هذا كامل ينتهي إلى جميع القلوب ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أقول ‪ :‬مادام هللا‬
‫فالبد للمؤمنين أن يحفظوا قلوبهم باتجاه ذلك العلم الكامل الذي يطلع هللا تعالى به على‬
‫قلوبهم ‪.‬وهذا االنتباه لهذا االطالع يكون على قدر اإليمان ليس إال‪.‬‬

‫اإلنسان المؤمن يصل إلى قرب هللا ج َل وعال بعلمه أن هللا تعالى قريب منه ؛ وبذلك يرق‬
‫الحجاب بينه وبين خالقه سبحانه وتعالى ‪ ،‬فيحصل له الوصول إلى هللا ج َل جالله‪.‬‬

‫العلم بقرب‬
‫اإليمان و ه‬
‫ه‬ ‫منزه عن أن يصل إليه شيء ‪ ،‬ولكن المقصود بالوصول‬ ‫هللا تعالى َ‬
‫قطعيا عن المعاصي‪ ،‬وان كان ال يخرج‬
‫ً‬ ‫هللا ج َل وعال ‪ ،‬فإذا وصل العبد إلى ذلك يستنكف‬
‫عن بشريته ‪ ،‬لكن استنكافه عن المعاصي بإيمانه يجعل طبيعته ملكية‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫فعلى المؤمن أن يرجح آخرته على دنياه ‪ ،‬واليتبع النفس والشيطان ‪ ،‬وهذا ال يحصل إال‬

‫قطعيا أن هللا تعالى مطلع على قلبه ‪ ،‬كيف يترك رضا ربه ويتبع‬
‫ً‬ ‫باإليمان ‪ ،‬فإن من آمن‬

‫النفس األمارة والشيطان اللعين؟‬

‫جميعا ‪ ،‬وال تجعلنا من الغافلين عن هذا العلم اإللهي ‪ ،‬حتى ال‬


‫ً‬ ‫الله َم احفظنا والمسلمين‬

‫نقع في المحظورات‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫اللفظ الثالث و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫كرو َن)‬ ‫َبص َار َواألَ ْف ِئ َدة َقلِيال َما ه‬


‫تش ه‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫( هق ْل هه َو اَل ِذي أَْنشأَكم َو َج َع َل َل هك هم َ‬
‫الس َ‬
‫( ‪ [ )٢٣‬الملك ‪]٢٣:‬‬

‫َِ‬
‫مع { لتسمعوا آيات هللا ‪ ،‬وتمتثلوا‬
‫الس َ‬ ‫قل هه َو الذي أَْنشأَكم { إنشاء ً‬
‫بديعا } َو َج َع َل َل هك هم َ‬ ‫} ْ‬

‫َبص َار { لتنظروا بها إلى اآليات‬


‫ما فيها من األوامر والنواهي ‪ ،‬وتتعظوا بمواعظها ‪َ } ،‬واأل َ‬

‫التكوينية الشاهدة بشؤون هللا تعالى ‪َ }،‬واألَ ْف ِئ َدة { لتتفكروا بها فيما تسمعونه وتشاهدونه من‬

‫(‪)١‬‬
‫اآليات التنزيلية والتكوينية ‪ ،‬لتترقوا في معاريج اإليمان والمعرفة‪.‬‬

‫أي ‪ :‬هللا هو الذي خلقكم بهذا الشكل البديع‪ ،‬وركب فيكم هذه الحواس ) السمع‪ ،‬والبصر‪،‬‬

‫والعقل ( أعطاكم السمع لتسمعوا ما ينفعكم ‪ ،‬والبصر لتدركوا دالئل قدرة ربكم في هذا‬

‫كرو َن { أي ‪ :‬ما أقل‬ ‫الكون‪ ،‬والعقل لتتأملوا وتفكروا في عظمة هذا الخالق} قلِيالً َما ه‬
‫تش ه‬

‫شكركم لنعم خالقكم!؟ تذكرون ربكم وقت الشدة وتنسونه وقت الرخاء !وانما َخص هذه‬

‫األعضاء بالذكر ( السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والعقل ) ألنها أداة العلوم والمعارف ‪ ،‬ووسائل الفهم‬

‫واإلدراك‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير البحر المديد ‪.‬‬
‫‪- 2‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪442‬‬
‫اعلم أنه تعالى لما أورد البرهان أوال من حال سائر الحيوانات ‪ ،‬وهو وقوف الطير في‬

‫الهواء ‪ ،‬أورد البرهان بعده من أحوال الناس‪ ،‬وهو هذه اآلية ‪ ،‬وذكر من عجائب ما فيه‬

‫تنبيها على دقيقة لطيفة ‪ ،‬كأنه تعالى‬


‫حال السمع والبصر والفؤاد ‪ ،‬فاعلم أن في ذكرها ً‬
‫َ‬

‫قال ‪:‬أعطيتكم هذه اإلعطاءات الثالثة مع ما فيها من القوى الشريفة ‪ ،‬لكنكم ضيعتموها فلم‬

‫تقبلوا ما سمعتموه وال اعتبرتم بما أبصرتموه ‪ ،‬وال تأملتم في عاقبة ما عقلتموه ‪ ،‬فكأنكم‬

‫كرو َن { ‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫ضيعتم هذه النعم وأفسدتم هذه المواهب ‪ ،‬فلهذا قال‪َ } :‬قلِيال َما ه‬
‫تش ه‬

‫شكر نعمة هللا تعالى هو أن يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه ‪ ،‬وأنتم لما صرفتم السمع‬

‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫والبصر والعقل ال إلى طلب مرضاته فأنتم ‪ .‬ما شكرتم نعمته ألبته‬

‫أقول ‪:‬علينا أن نشكر هللا ج َل وعال على ما أنعم به علينا من النعم التي ال تعد وال‬

‫جعلنا من المسلمين ومن أمة سيد المرسلين عليه الصالة والسالم ‪،‬‬
‫تحصى ‪ ،‬وعلى أن َ‬

‫فهذا كله منه سبحانه وتعالى ليس منا ‪.‬واذا وصل إلينا شئ من النعم على يد واحد من‬

‫الخلق علينا أن نعتقد أن هللا ج َل وعال هو الذي سخره ليسوق تلك النعمة إلينا على‬

‫يده ‪.‬والشريعة المح َمدية تأمرنا أن نشكر الواسطة بعد أن» ال يشكر هللا من ال يشكر‬

‫الناس « نشكر هللا تعالى ‪ ،‬لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫الله َم اجعلنا من الشاكرين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪- 2‬انظر تخريج الحديث في اللفظ السادس بعد المئة‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫اللفظ الرابع و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الئك ًة وما جعَلنا ِعدَتهم ِإالَ ِف ْتن ًة لَِل ِذين َكفروا لِيس ِ‬
‫تيق َن‬ ‫( وما جعَلنا أَصحاب الَن ِار ِإالَ م ِ‬
‫َ ه ََ‬ ‫ه‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم ْؤ ِمنو َن‬
‫تاب َوْا ه‬
‫ين أ ههوتوا ْالك َ‬ ‫اب اَلذ َ‬‫رت َ‬
‫يماًنا َوال َي َ‬ ‫ِ‬
‫ين آمنوا إ َ‬ ‫زد َاد اَلذ َ‬
‫تاب َوَي َ‬ ‫اَلذ َ‬
‫ين أ ههوتوا ْالك َ‬
‫ّللا َمن‬ ‫ِ ِ‬ ‫كافهرو َن ما ذا أََرَاد َ ِ‬ ‫ولِيقول اَل ِذين ِفي هقلوبِ ِهم مرض واْل ِ‬
‫ّللا ب َهذا َمثالً كذل َك هيض ُّل َ ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫كرى لِْلَب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شر (‬ ‫بك ِإالَ هه َو َو َما ه َي ِإالَ ذ َ‬
‫نود َر َ‬
‫اء َو َما َيعَل هم هج َ‬
‫اء َوَيهدي َمن َي َش ه‬ ‫َي َش ه‬
‫(‪ [ )٣١‬المدثر‪]٣١:‬‬

‫ّللا ِب َهذا َمثالً { أي ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬ولِيقول اَل ِذ ِ‬


‫ين في هقلوبِ ِهم َمَرض َواْلكافهرو َن َماذا أََرَاد َ ه‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬

‫وليقول المنافقون الذين في قلوبهم مرض النفاق ‪ ،‬والكافرون من أهل مكة ‪ :‬أي شيء أراد‬

‫ردا عليهم ‪{ :‬‬ ‫ِّ‬


‫هللا بهذا الحديث؟ ولماذا يخوفنا من سقر وخزنتها التسعة عشر؟ قال تعالى ً‬

‫اء{ أي ‪:‬كما أضل هللا مشركي قريش كذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫اء َوَيهدي َمن َي َش ه‬
‫ّللا َمن َي َش ه‬
‫كذل َك هيض ُّل َ ه‬

‫يضل هللا من أراد إضالله ‪ ،‬ويهدي من أراد هدايته ؛ فهو سبحانه يعلم القلب التقي النقي‬

‫واإليمان‪ ،‬ويعلم القلب الزائغ الفاسد ‪،‬‬ ‫(‬ ‫الذي هو أهل للخير والصالح ‪ ،‬فيوفقه للهداية‬

‫(‪)١‬‬
‫فيتركه لهوى النفس و نزغات الشيطان ‪.‬‬

‫أقول ‪:‬إذا لم يتفكر اإلنسان بإيمانه ولم َيسأل قلبه عن تصديق هللا وكتابه ورسوله فإنه‬

‫ينحرف ‪ ،‬وهذا االنحراف يكون ً‬


‫سببا لشقاوته األ زلية الثابتة في علم هللا تعالى ج َل جالله‬

‫؛ فاهلل تعالى كَلف العبد باالنقياد ألوامره ‪ ،‬وهو يعلم في األزل ما إذا كان‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫معلوما عند العبد ‪ ،‬فعليه أن يؤمن‬
‫ً‬ ‫لكن ِعْل َم هللا ليس‬
‫سينقاد لتلك األوامر أم ال ‪َ ،‬‬

‫بتكاليف هللا عليه وينقاد لها ‪ ،‬واذا لم َينقد ولم هيسلِم فقد يحصل عنده االستهزاء‬

‫وهللا خلق األسباب حتى يظهر علمه األ زلي في‬


‫والسخرية منها ‪ ،‬وهذه كلها أسباب ؛ ه‬

‫الموافقين والكافرين‪.‬‬

‫فالمؤمنون يؤمنون بتسعة عشر أو بواحد أو بغير ذلك ‪ ،‬ألنهم يعلمون أن هللا قادر ج َل‬

‫عددا من قرى قوم لوط بجناحه َوَق َلبها ‪ ،‬هل هذا‬


‫وعال ‪.‬فهذا جبريل عليه السالم قد رفع ً‬

‫بقوِته؟ ال ‪ ،‬لكن هللا ج َل وعال بعظمته خلق هذه القوة في جبريل‪.‬‬


‫َ‬

‫نحن نؤمن بذلك ‪ ،‬والذي ال يؤمن َيس َخهر فيكون َ‬


‫سبب كف ِره‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫الله َم اجعلنا من أهل اإليمان الكامل يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫اللفظ الخامس و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫( هقهلوب َيوم ِئذ َو ِ‬


‫اج َفة ( ‪ )٧‬أبصارها خاشعة ( ‪ [ )8‬النازعات‪]8-٧:‬‬ ‫َ‬

‫قال في التأويالت النجمية ‪ } :‬هقهلوب َيوم ِئذ َو ِ‬


‫اج َفة { أي ‪:‬شديدة االضطراب من سوء‬ ‫َ‬

‫أعمالهم وقبح أفعالهم‪ ،‬فإن الوجيف عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف‬

‫وعلم منه أن الواجفة ليست جميع القلوب ‪ ،‬بل قلوب الكفار‪ ،‬فإن أهل اإليمان ال‬
‫والوجل ‪ُ .‬‬

‫وم ِئذ‬
‫كما بين ذلك اإلمام الرازي في تفسيره حيث قال ‪ :‬قوله تعالى ‪ }:‬هقهلوب َي َ‬
‫(‪)١‬‬
‫يخافون‪.‬‬

‫َو ِ‬
‫اجفة * أبصارها خاشعة { اعلم أنه تعالى لم يقل ‪:‬القلوب يومئذ واجفة‪ ،‬فإنه ثبت بالدليل‬

‫أن أهل اإليمان ال يخافون‪ ،‬بل المراد منه قلوب الكفار‪ ،‬ومما يؤكد ذلك أنه تعالى حكى‬

‫ودو َن ِفي اْلح ِ‬


‫افَرِة { ] النازعات ‪ ،[ ١٠:‬وهذا كالم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫رد ه‬ ‫قولو َن أَئَنا َ‬
‫لم ه‬ ‫عنهم أنهم يقولون ‪َ } :‬ي ه‬

‫الكفار ال كالم المؤمنين ‪ ،‬وقوله‪} :‬أبصارها خاشعة { ألن المعلوم من حال المضطرب‬

‫الخائف أن يكون نظره نظر خاشع ذليل خاضع يترقب ما ينزل به من األمر العظيم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫أقول ‪ :‬نرجو هللا تعالى أن يخلِص المؤمنين من هذه التهديدات ‪ ،‬وأن يحفظ قلوبنا‬

‫وجوارحنا من ذلك ‪ ،‬فليس لنا إال التضرع وااللتجاء إليه ج َل وعال ‪ ،‬نشكو ضعفنا‬

‫وعجزنا وفقرنا إليه سبحانه ‪ ،‬ونسأله أن يلهمنا الصواب ِ‬


‫ويوفقنا لما يرضيه عنا ‪ ،‬إنه‬

‫سميع مجيب‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫اللفظ السادس و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ان على هقلوبِ ِهم ما كاهنوا ي ِ‬


‫كسهبو َن ( )‪ ] (١٤‬المطففين ‪] ١٤:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫( َكالَ َب ْل َر َ َ‬

‫ان على هقلوبِ ِهم ما كاهنوا ي ِ‬


‫كسهبو َن { أي ‪:‬أفعالهم الماضية صارت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬كالَ َب ْل َر َ َ‬

‫سببا لحصول الرين في قلوبهم ‪.‬قال أبو معاذ النحوي ‪:‬الرين أن َ‬


‫يسود القلب من الذنوب ‪،‬‬ ‫ً‬

‫والطبع أن ُيطبع على القلب ‪ ،‬وهو أشد من الرين ‪ ،‬واإلقفال أشد من الطبع ‪ ،‬وهو أن ُيقفل‬

‫على القلب‪.‬‬

‫إن اإلنسان إذا واظب على اإلتيان ببعض أنواع الذنوب ‪ ،‬حصلت في قلبه َملكة نفسانية‬

‫على اإلتيان بذلك الذنب ‪ ،‬وال معنى للذنب إال ما يشغلك بغير هللا ‪ ،‬وكل ما يشغلك بغير‬

‫هللا فهو ظلمة ‪ ،‬فإن الذنوب كلها ظلمات وسواد ‪ ،‬ولكل واحد من األعمال السالفة التي‬

‫الملكة أثر في حصولها ‪ ،‬فذلك هو المراد من قولهم ‪ :‬كلما‬


‫حصول تلك َ‬
‫َ‬ ‫مجموعها‬
‫ُ‬ ‫أَورث‬

‫الملكات‬
‫أذنب اإلنسان حصلت في قلبه نكته سوداء حتى يسود القلب‪ .‬ولما كانت مراتب َ‬

‫في الشدة والضعف مختلفة ال جرم كانت مراتب هذا السواد والظلمة مختلفة ‪ ،‬فبعضها‬

‫يكون َري ًنا وبعضها ً‬


‫طبعا وبعضها إقفاال ‪ .‬قال القاضي ‪:‬ليس المراد من الرين أن قلبهم قد‬

‫تغير وحصل فيه منع ‪ ،‬بل المراد أنهم صاروا إليقاع الذنب حاال بعد حال متجرئين عليه ‪،‬‬

‫وقويت دواعيهم إلى ترك التوبة‬

‫‪448‬‬
‫كسبهم ‪ ،‬ومعلوم‬ ‫َّ‬
‫وترك اإلقالع ‪ ،‬فاستمروا وصعب األمر عليهم ‪ ،‬ولذلك بين أن علة الرين ُ‬

‫والتوبة‪.‬‬ ‫أن إكثارهم من اكتساب الذنوب ال يمنع من اإلقالع‬


‫(‪)١‬‬

‫قال الحسن البصري ‪:‬الران ‪:‬هو الذنب على الذنب حتى َ‬


‫يسود القلب ويعمى فيموت ‪.‬وفي‬

‫الحديث الشريف ‪ » :‬إن العبد إذا أذنب ذنبا ِّ‬


‫نكتت في قلبه نكتة سوداء ‪ ،‬فإن تاب ونزع‬ ‫ً‬

‫قلبه ‪ ،‬وان عاد ‪ -‬أي إلى الذنب ‪ -‬زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي‬
‫صقل ُ‬
‫واستغفر ُ‬
‫ان على هقلوبِ ِهم ما كاهنوا ي ِ‬
‫‪.‬‬ ‫كسهبو َن{ «‬ ‫ذكر هللا ‪َ } :‬كالَ َب ْل َر َ َ‬
‫(‪)٣‬‬ ‫(‪)٢‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫أبدا‪ ،‬وان أُطلق عليها الصدأُ‬


‫وقال بعض الكبار ‪:‬القلب مرآة مصقولة ‪ ،‬كلها وجه فال تصدأ ً‬

‫في نحو حديث ‪ » :‬إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وان جالءها ذكر هللا وتالوة القرآن‬

‫فليس المراد بذلك الصدأ أنه طخاء ‪ -‬أي ‪:‬الطالء ‪ ،‬يقال طيخ الشيء ‪ ،‬أي ‪:‬طاله‬ ‫(‪)4‬‬
‫«‬

‫بالقطران ‪ -‬طلع على وجه القلب ‪ ،‬ولكنه لما َّ‬


‫تعلق واشتغل بعلم األسباب عن العلم‬

‫مانعا من تجلِّي الحق إليه ‪ ،‬إذ‬ ‫ُّ‬


‫بالمسبب كان تعلقه بغير هللا صدأً على وجه القلب ‪ً ،‬‬

‫الحضرة اإللهية متجلية على الدوام ‪ ،‬ال ُيتصور في حقها حجاب َّ‬
‫عنا ‪ ،‬فلما لم َيقبلها هذا‬

‫القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود َو ِّقبل غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ والران‬

‫ِ ِ ِ‬
‫لوبنا في أَكَنة م َما ه‬
‫تدع َونا‬ ‫واَلقفل وغير ذلك ‪ ،‬وقد نبه هللا على ذلك في قوله‪َ } :‬وقاهلوا هق ه‬
‫ِإَل ِ‬
‫يه { ] فصلت ‪ ، [5:‬فهي في َّ‬
‫أكنة مما يدعوها‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير الرازي ‪.‬‬
‫‪ -2‬أخرجه الترمذي ‪.‬‬
‫‪ -3‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪ -4‬أخرجه ابن شاهين بألفاظ متقاربة‬

‫‪449‬‬
‫مطلقا ‪ ،‬فلما تعلقت بغير ما َُتدعى إليه عميت عن‬
‫الرسول إليه خاصة ‪ ،‬ال ألنها في كن ً‬
‫أبدا لم تزل مفطورة على الجالء مصقولة‬
‫شيئا ‪ ،‬فالقلوب ً‬
‫إدراك ما ُدعيت إليه ‪ ،‬فلم تبصر ً‬
‫صافية‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫ان على هقلوِب ِهم ما كاهنوا ي ِ‬


‫كسهبو َن { تدل على أن الران‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أقول ‪:‬اآلية الكريمة ‪َ } :‬كالَ َب ْل َر َ َ‬
‫للكافر ‪ ،‬أما الحديث الشريف ‪ » :‬إن العبد إذا أذنب ذنبا ِ‬
‫نكتت في قلبه نكتة سوداء«‬ ‫ً‬

‫العبد بالكافر ‪.‬فالمؤمن ‪ -‬كما جاء في الحديث ‪ » :-‬فإن تاب ونزع‬


‫َ‬ ‫فإنه لم يقيد‬

‫قلبه « ولكن الكافر إذا أسلم وتاب فإنه هيصقل قلبه‪.‬‬


‫واستغفر هصقل ه‬

‫فعلى العبد المؤمن إذا صدرت منه المعاصي أن ال يقنط من رحمة هللا ‪ ،‬بل يبادر إلى‬

‫ِ‬
‫التوبة واالستغفار ولو رجع إلى الذنب والمعصية سبعين مرة ‪َ } ،‬و هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ‬
‫وبة‬

‫َعن ِعَب ِاد ِه { ] الشورى ‪ ، [٢٥:‬ج َل وعال ‪ ،‬ولم يقيد عفوه بعدم الرجوع إلى الذنب ‪ ،‬لكن‬

‫على العبد المؤمن أن ال تكون توبته محتاجة إلى توبة ثانية ‪ ،‬فتكون توبة الكاذبين‪.‬‬

‫باب التوبة مفتوح ‪ ،‬فعلى العبد أن ال ي ِ‬


‫سكره على نفسه ‪ ،‬حتى ال هيحرم من رحمة‬ ‫ه‬

‫هللا ج َل جالله‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬
‫أبدا يا أرحم َ‬
‫نصوحا ال ننقض عهدها ً‬
‫ً‬ ‫الله َم ارزقنا توبة‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير روح البيان‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫اللفظ السابع و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫در َك ( )‪] (١‬الشرح ‪]١:‬‬


‫لك َص َ‬
‫نشرح َ‬
‫( أَلم َ‬

‫أي ‪ :‬لقد شرحنا لك يا أيها الرسول صدرك بالهداية واإليمان ‪ ،‬ونورناه بسواطع آيات القرآن‬
‫(‪)١‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬تفضال عليك من الرحمن ‪ ،‬فاشكر ربك على هذه النعمة‬

‫اسعا ‪ ،‬وكما شرح هللا صدره كذلك جعل‬


‫رحيبا و ً‬
‫فسيحا ً‬
‫ً‬ ‫قال ابن كثير ‪:‬أي نورناه وجعلناه‬
‫سمحا سهال ‪ ،‬ال حرج فيه وال إحراج وال ضيق‪.‬‬
‫فسيحا ً‬
‫ً‬ ‫شرعه‬

‫وقال أبو حيان ‪:‬شرح الصدر تنويره بالحكمة وتوسيعه ِّ‬


‫لتلقي ما ُيوحى إليه‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫قول الجمهور‪.‬‬

‫فقد انفتح صدره عليه الصالة والسالم حتى أنه كان يتسع لجميع المهمات ‪ ،‬ال يقلق وال‬
‫يضجر وال يتغير ‪ ،‬بل هو في حالتي البؤس والفرح ُمنشرح الصدر ‪ ،‬مشتغل بأداء ما كلِّف‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫به‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬صفوة التفاسير ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير الرازي ‪.‬‬

‫‪451‬‬
‫طهر بالوحي النازل عليه بواسطة‬
‫صدر الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم هَ َ‬
‫أقول ‪ :‬ه‬

‫جبريل عليه السالم ‪ ،‬وهذا ال يحصل لنا‪ ،‬فقد انقطع الوحي ‪ ،‬ولكن لم ينقطع حكمه‪:‬‬

‫درهه لِ ِ‬
‫إلسالمِ { ] األنعام ‪ ، [١٢٥:‬فنحن مسؤولون عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شرح َص َ‬ ‫فمن هي ِرد َ ه‬
‫ّللا أَن َيهدَي هه َي َ‬ ‫} َ‬

‫هذا الذي نزل على قلب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬مسؤولون عن القرآن الكريم ‪،‬‬

‫فال بد لنا أن نقرأه ونتبع أوامره ونبتعد عن نواهيه مهما أمكن ‪ ،‬واذا صدر منا شيء‬

‫مخالف بالطبيعة البشرية ‪ ،‬علينا أن نتوب ونستغفر ونرجع إلى هللا تعالى ‪َ } :‬و هه َو اَل ِذي‬

‫ات { ] الشورى ‪ ، [ ٢٥:‬وباب رحمته سبحانه‬ ‫وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ‬
‫الس َيئ ِ‬
‫َي ْقَب هل ال َت َ‬

‫وتعالى مفتوح لعباده ‪ ،‬فال يليق بنا أن نضيع أوقاتنا ودقائق وساعات أعمارنا فيما ال‬

‫يعني‪ ،‬وال أن نهمل تطهير قلوبنا واالستغفار والتوبة إلى خالقنا وكثرة ذكرنا له ج َل وعال‬

‫‪ ،‬حتى يثبت لنا في آخرتنا وفي عالم البرزخ جوار رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬

‫نرجو هللا تعالى أن يشفعه فينا ‪ ،‬حينذاك نكون من المفلحين‪.‬‬

‫جميعا أن التقوى والصدق واجتناب المعاصي كله من أفعال‬


‫ً‬ ‫ومعلوم عند المؤمنين‬

‫القلوب ‪ ،‬فعلينا أن نطهر قلوبنا قبل أن يفوت األوان‪.‬‬

‫الراحمين‪.‬‬ ‫الله َم ِ‬
‫وفقنا لذلك ‪ ،‬يا أرحم َ‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫اللفظ الثامن و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫صل َما ِفي ُّ‬


‫الص هد ِ‬
‫ور ( ‪ [ )١٠‬العاديات‪-٩:‬‬ ‫) أَفال يعَلم ِإذا ب ِ‬
‫عثَر َما في اْل ِ‬
‫قبور ) ‪َ ( ٩‬و هح َ‬ ‫َ ه ه‬
‫‪]١٠‬‬

‫قلبت القبور وأُخرج ما فيها من الموتى؟ و كشف‬ ‫أي ‪ :‬أفال يعلم هذا الغافل الجاهل ‪ ،‬إذا َ ِّ‬
‫ُ‬
‫ما في صدور الناس من األسرار والخفايا التي ُي ِّسرونها (‪ ، )١‬التي من جملتها ما يخفيه‬
‫المنافقون من الكفر والمعاصي‪ ،‬فضال عن األعمال الجلية‪.‬‬
‫فتخصيص أعمال القلب ألنه لوال البواعث واإلرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح‬
‫‪ ،‬فالقلب أصل وأعمال الجوارح تابعة له ‪ ،‬ولذا قال تعالى ‪َ } :‬ء ِاثم َقْلهب هه { ] البقرة ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ، ] 2٨3‬وقال عليه الصالة والسالم ‪ُ » :‬يبعثون على نياتهم « (‪. )2‬‬

‫واعلم أن َّ‬
‫حظ الوعظ منه أن يقال ‪:‬إنك تستعد فيما ال فائدة لك فيه ‪ ،‬فتبني المقابر وتشتري‬
‫العجوز الكفن ‪ ،‬فيقال ‪:‬هذا كله للديدان ‪ ،‬فأين ُّ‬
‫حظ‬ ‫ُ‬ ‫التابوت ‪ ،‬وتفصل الكفن ‪ ،‬وتغزل‬
‫طفل لك فما‬ ‫ِّ‬
‫ثيابا ‪ ،‬فإذا قلت لها ‪:‬ال َ‬
‫الرحمن؟ بل المرأة إذا كانت حامال فإنها تعد للطفل ً‬
‫هذا االستعداد؟ فتقول ‪:‬أليس ُيبعثر ما في بطني؟ فيقول الرب لك ‪:‬أال يبعثر ما في بطن‬
‫(‪)4‬‬
‫األرض ‪ ،‬فأين االستعداد؟‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬
‫‪- 2‬انظر تخريج الحديث في مقدمة الكتاب ‪.‬‬
‫‪- 3‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫‪- 4‬تفسير الرازي ‪.‬‬

‫‪453‬‬
‫أقول ‪:‬االنتباه إلى هذه األمور تابع لقوة اإليمان وضعفه بالنسبة للمؤمنين ‪ ،‬أما الكفار‬

‫فال إيمان لهم ‪.‬فصاحب اإليمان القوي إذا انزلقت قدمه عن االستقامة وانحرف واطلع‬

‫على انحرافه عن الصراط المستقيم يتذ َكر رحمة هللا وعذابه ؛ يتذكر رحمته فيتوب ويرجع‬

‫ويستغفر ويثبت ‪ ،‬ويتذ َكر عقابه فيخاف أن ال يعفو عنه بل يؤاخذه ويعاقبه ‪ ،‬فيحصل‬

‫ِ‬
‫خالق السماوات واألرض ‪ ،‬ويقول‬ ‫ِ‬
‫الذات األقدس‪،‬‬ ‫معه االستحياء من هللا ج َل جالله ‪،‬‬

‫في نفسه ‪:‬إني عبد حقير عاجز ‪ ،‬خلقت من نقطة من ماء مهين ‪ ،‬كيف أعصي هذا‬

‫اإلله العظيم؟‬

‫وعلى كل ‪ ،‬إذا صدرت مَنا المخالفة علينا أن نرجع إلى هللا بالتوبة واالستغفار والتضرع‬

‫واللجوء إليه ج َل وعال ‪ ،‬ونرجوه أن يعفو عنا‪.‬‬

‫الله َم ارزقنا حياء منك يمنعنا عن مخالفتك ‪ ،‬يا رب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫‪454‬‬
‫اللفظ التاسع و الثمانون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫طلِ هع َعلى األَ ْف ِئ َد ِة ) ‪] (٧‬الهمزة‪]٧-٦:‬‬ ‫ِ‬


‫ّللا اْلموَق َدة ) ‪( ٦‬اَل ِتي َت َ‬
‫( َن هار َ ه‬

‫طلِ هع َعلى األَ ْف ِئ َد ِة { ‪ ،‬أي ‪:‬تعلو أوساط القلوب وتغشاها ‪ ،‬فإن الفؤاد‬
‫قوله تعالى ‪ } :‬اَل ِتي َت َ‬

‫وسط القلب ‪ ،‬ومتصل بالروح ‪ ،‬يعني ‪:‬إن تلك النار تحطم العظام وتأكل اللحوم ‪ ،‬فتدخل‬

‫في أجواف أهل الشهوات وتصل إلى صدورهم وتستولي على أفئدتهم‪ ،‬إال أنها ال تحرقها‬

‫بالكلِّية ‪ ،‬إذ لو احترقت لمات أصحابها ‪ ،‬ثم إن هللا تعالى ُيعيد لحومهم وعظامهم مرة‬

‫تألما بأدنى أذى يمسه‬


‫وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد ألطف ما في الجسد‪ ،‬وأشد ً‬
‫ُ‬ ‫أخرى ‪.‬‬

‫‪ ،‬أو ألنه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة ومنشأ األعمال السيئة ‪ ،‬فاطالعها على‬

‫األفئدة التي هي خزانة الجسد ومحل ودائعه يستلزم االطالع على جميع الجسد بطريق‬

‫األولى‪.‬‬
‫(‪)١‬‬

‫وفي الحديث » أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ‪ ،‬ثم أوقد عليها ألف سنة حتى‬

‫(‪)2‬‬
‫ابيضت ‪ ،‬ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ‪ ،‬فهي سوداء مظلمة« ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬تفسير روح البيان ‪.‬‬
‫مرفوعا واألصح َّأنه موقوف ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪- 2‬أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي هللا عنه‬

‫‪455‬‬
‫أقول ‪:‬على المؤمن ‪ -‬ال نتكلم عن الكافر والمنافق ‪ -‬أن يحفظ إيمانه ‪ ،‬ويعتقد أن هذا‬

‫كالم ربه ‪ ،‬أنزله على سيد المرسلين ‪ ،‬سيدنا مح َمد عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وهو بَلغ‬

‫أمته إلى آخر الدنيا ‪ ،‬فال ينفك واحد من المسلمين عن هذه التهديدات إذا خالف أوامر‬

‫هللا تعالى ولم يتب ولم يرجع‪.‬‬

‫فإن قيل ‪َ } :‬نار َ ِ‬


‫ّللا اْل هموَق َدة { للكافر ‪ ،‬نقول ‪:‬هذا محقق ‪ ،‬وال نشك في إحراق هللا‬ ‫ه‬

‫نص القرآن الكريم يدل‬


‫للكافر وتعذيبه له في اآلخرة ‪ ،‬فالشك في ذلك تهلكة ‪ ،‬لكن َ‬

‫على أنه ال بَد للمؤمن أن يحفظ إيمانه واسالمه من النفاق والفسق وأفعال الكفار‪.‬‬

‫جميعا من فضله وكرمه‪.‬‬


‫ً‬ ‫نسأل هللا تعالى التوفيق لنا وللمسلمين‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫اللفظ التسعون بعد المئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اس ( ‪ِ )٥‬م َن اْل ِجَن ِة َوالَن ِ‬


‫اس) [ الناس‪] ٦-٥:‬‬ ‫س ِفي هص هد ِ‬
‫ور الَن ِ‬ ‫( اَل ِذي هي َو ِ‬
‫سو ه‬

‫أي ‪:‬الذي ُيلقي ‪ -‬لشدة خبثه ‪ -‬في قلوب البشر صنوف الوساوس واألوهام الباطلة‪:‬‬

‫ور { ] النساء ‪ ، [ ١2٠:‬ووسوسته ‪:‬هي‬ ‫ان ِإالَ ه‬


‫غر ً ا‬ ‫طه‬ ‫} َي ِعهد ههم َوهي َمِني ِهم َو َما َي ِعهد هه هم َ‬
‫الشي َ‬

‫الدعاء لطاعته بكالم خفي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت ‪ ،‬وفي الحديث‬

‫الشريف ‪ » :‬إن الشيطان واضع خطمه ‪ -‬أي ‪:‬مقدم أنفه وفمه ‪ -‬على قلب ابن آدم ‪،‬‬

‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)١‬‬
‫فإذا ذكر هللا خنس ‪ -‬أي توارى وتأخر ‪ -‬واذا نسي التقم قلبه فوسوس«‬

‫قال ابن جزي ‪:‬وسوسة الشيطان بأنواع كثيرة ‪ ،‬منها فساد اإليمان والتشكيك في العقائد ‪،‬‬

‫فإن لم يقدر على ذلك ثبطه عن الطاعات ‪ ،‬فإن لم يقدر على ذلك أدخل الرياء في‬

‫الطاعات ليحبطهم ‪ ،‬فإن َسلِّ َم من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه واستكثار عمله ‪.‬ومن‬

‫ذلك ‪:‬أنه ُي ِّ‬


‫وقد في القلب نار الحسد والحقد والغضب ‪ ،‬حتى يقود اإلنسان إلى سوء‬

‫األعمال وأقبح األحوال ‪.‬وعالج وسوسته بثالثة أشياء ‪ ،‬وهي ‪:‬اإلكثار من ذكر هللا‬

‫تعالى ‪ ،‬و االستعاذة منه ‪ ،‬ومن أنفع شيء في ذلك ‪:‬قراءة سورة الناس‪.‬اهـ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫‪- ١‬أخرجه الحافظ الموصلي ‪.‬‬
‫‪- 2‬التفسير الواضح الميسر ‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫قلت ‪:‬ال يقلع الوسوسة من القلب بالكلية إال صحبة العارفين أهل التربية ‪ ،‬حتى ُيدخلوه‬
‫مقام الفناء ‪ ،‬واال فالخواطر ال تنقطع عن العبد‪.‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫الموسوس بقوله ‪ } :‬م َن اْلجَنة { أي ‪:‬الجن } َوالَناس { ‪ ،‬ووسو ُ‬
‫اس الناس أعظم ؛‬ ‫ثم بين‬
‫ألن وسواس الجن َيذهب بالتعوذ ‪ ،‬بخالف وسوسة الناس ‪ ،‬والمراد بوسوسة الناس ‪ :‬ما‬

‫ُيدخلون عليك من َ‬
‫الشبه في الدين ‪ ،‬وخوض في الباطل ‪ ،‬أو سوء اعتقاد في الناس‪ ،‬أو‬
‫(‪)١‬‬
‫غير ذلك‪.‬‬
‫ط ِائف ِم َن َ‬ ‫ِ‬
‫الش ِ‬
‫يطان َتذ َكهروا {‬ ‫أقول ‪ :‬قال هللا تعالى ‪ِ } :‬إ َن اَلذ َ‬
‫ين ا َتقوا ِإذا َم َس ههم َ‬
‫منوًار‬
‫] األعراف ‪ ،[ ٢٠١:‬بهذا المس يأتي شيء مخالف للشريعة ‪ ،‬فإذا كان القلب َ‬
‫يعرف أن هذا من الشيطان ‪ ،‬فال ي َتبعه ‪ ،‬ال بفعله وال بفكره ‪.‬ولذا إذا سكت اإلنسان‬
‫بدون كالم ‪ ،‬بدون قراءة ‪ ،‬بدون عمل ‪ ،‬تأتيه األفكار ‪.‬أكثر الشباب يسترسلون وراء‬
‫التفكر بالشهوات ‪ ،‬وأهل الدنيا يتفكرون بالفلوس ‪.‬على اإلنسان أن ِ‬
‫يسكَر هذا الباب‪.‬‬ ‫ه‬

‫المس من الشيطان‪،‬‬ ‫قوله تعالى‪ } :‬تذ َكهروا { أي ‪:‬تذ َكروا هللا تعالى ‪ ،‬وتذ َكروا أن هذا َ‬
‫أن عليهم أن يستعيذوا باهلل من الشيطان ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ } :‬وِا َما َيْن َزغَن َك ِم َن‬ ‫وتذ َكروا َ‬
‫تعذ ِب َ ِ‬
‫اّلل { ] األعراف ‪.[٢٠٠:‬‬ ‫ان َنزغ فاس ِ‬
‫طِ‬ ‫ا َ‬
‫لشي َ‬
‫َ‬

‫الله َم إَنا نعوذ بك من شياطين اإلنس والجن ‪َ ،‬‬


‫يارب العالمين‪.‬‬

‫وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -١‬تفسير البحر المديد‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫دعاء الختام‬

‫ك ‪ ،‬أو أنزَلته في كتابك ‪ ،‬أو‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫نفس َ‬
‫هو لك ‪ ،‬سميت به َ‬
‫اللهم إني أسألك بكل اسم َ‬

‫أحدا من خلقك ‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك‪ ،‬أن تجعل القرآن‬ ‫َّ‬
‫عل َمته ً‬

‫بيع قلبي ‪ ،‬وجالء همي وحزني ‪ ،‬وقائدي إلى َّ‬


‫جناتك‬ ‫نور صدري ‪ ،‬ور َ‬
‫العظيم َ‬
‫َ‬
‫جنات النعيم ‪ ،‬اللهم علِّمني منه ما جهلت ‪ِّ ،‬‬
‫وذكرني منه ما نسيت ‪ ،‬وارزقني‬ ‫َّ‬

‫تالوته آناء الليل وأط ار ف َّ‬


‫النهار ‪ ،‬مع كمال التدبر والفهم لمعانيه‪ ،‬برحمتك‬ ‫َ‬
‫وسلم على خاتم األنبياء والمرسلين ‪ِّ ،‬‬
‫سيدنا‬ ‫وصلى هللا َّ‬
‫َّ‬ ‫ياأرحم الراحمين ‪،‬‬

‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪- ١‬أبحاث في القمة ‪ -‬محمد سعيد رمضان البوطي – ‪َّ 3/١‬‬
‫مجلد ‪ -‬دار الفارابي ‪-‬‬
‫دمشق‪.‬‬
‫‪- ٢‬تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل ‪ -‬ناصر الدين البيضاوي – ‪َّ 2٠/١‬‬
‫مجلد ‪ -‬دار‬
‫الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪- ٣‬أنوار الحقيقة – مباحث في التصوف والسلوك – من كليات رسائل النور – الشيخ‬
‫سعيد النورسي – ترجمة إحسان الصالحي – طبعة مصرية‪.‬‬
‫‪- ٤‬تفسير بحر العلوم – أبو الليث السمرقندي – ‪َّ 3/١‬‬
‫مجلد – دار الكتب العلمية –‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪- ٥‬البحر المديد في تفسير القرآن المجيد – أبو العباس أحمد بن عجيبة– تحقيق ‪:‬عمر‬
‫أحمد الراوي – ‪ ٨/١‬مجلد – دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪- ٦‬تفسير جامع البيان – أبو جعفر محمد بن جرير الطبري – ‪َّ ١3/١‬‬
‫مجلد مع الفهارس‬
‫–دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪- ٧‬جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم – ابن رجب الدمشقي –‬
‫تحقيق ‪:‬شعيب األرناؤوط – مؤسسة الرسالة – بيروت‪.‬‬
‫‪- 8‬تفسير الجامع ألحكام القرآن – أبو عبدهللا محمد األنباري القرطبي– ‪َّ ١١/١‬‬
‫مجلد –‬
‫دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪- ٩‬حاشية الجمل على الجاللين – سليمان بن عمر الشافعي‪ ،‬الشهير بالجمل– ‪4/١‬‬
‫َّ‬
‫مجلد – دار إحياء التراث العربي – بيروت‪.‬‬
‫‪ - ١٠‬حاشية الصاوي على الجاللين – أحمد الصاوي المالكي – ‪َّ ٦/١‬‬
‫مجلد‪ -‬دار‬
‫الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪ - ١١‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور – جالل الدين السيوطي – ‪َّ ٧/١‬‬
‫مجلد مع‬
‫الفهارس – دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫حقي الخلوتي البروسوي –‬ ‫‪ - ١٢‬روح البيان في تفسير القرآن – إسماعيل ِّ‬
‫تحقيق ‪:‬عبدالرزاق المهدي – ‪َّ ١٠/١‬‬
‫مجلد – دار احياء التراث العربي ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ - ١٣‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني – شهاب الدين محمود‬
‫األلوسي – ضبطه وصححه عبدالباري عطية – ‪َّ ١١/١‬‬
‫مجلد‪ -‬دار الكتب العلمية –‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ - ١٤‬زاد المسير في علم التفسير – أبو الفرج ابن الجوزي – تحقيق ‪:‬أحمد شمس الدين‬
‫– ‪َّ 4/١‬‬
‫مجلد ‪ -‬دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪ - ١٥‬صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – ‪َّ 3/١‬‬
‫مجلد – دار الكتب العلمية‪-‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ - ١٦‬تفسير القرآن العظيم – ابن كثير الدمشقي أبو الفداء– ‪َّ 4/١‬‬
‫مجلد – دار الفكر –‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ - ١٧‬التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب – فخر الدين الرازي – ‪َّ ١٧/١‬‬
‫مجلد مع الفهارس‬
‫–دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫الكشاف – أبو القاسم الزمخشري – ‪َّ 4/١‬‬
‫مجلد – دار الكتب العلمية –‬ ‫‪ - ١8‬تفسير َّ‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ – ١٩‬تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل – عالء الدين علي بن محمد بن إبراهيم‬
‫الخازن – ‪َّ 4/١‬‬
‫مجلد – دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪ - ٢٠‬تفسير لطائف اإلشارات – أبو القاسم عبدالكريم القشيري – ‪َّ 3 /١‬‬
‫مجلد‪ -‬دار‬
‫الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪ - ٢١‬تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل – عبدهللا بن أحمد النسفي – ‪َّ 2/١‬‬
‫مجلد –‬
‫دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪ - ٢٢‬المنهاج في شرح صحيح مسلم – لإلمام النووي – ‪ ٩/١‬في َّ‬
‫مجلد – دار ابن حزم‬
‫–بيروت‪.‬‬
‫‪ - ٢٣‬التفسير الواضح الميسر – محمد علي الصابوني – َّ‬
‫مجلد واحد – المكتبة العصرية‬
‫–بيروت‬

‫‪461‬‬
‫الفهرس العام‬
‫بإمكانك الذهاب إلى محتويات الكتاب عن طريق الضغط على رقم الصفحة‬

‫رقم الصفحة‬ ‫األلفاظ‬


‫‪13‬‬ ‫مقدمة الكتاب‬
‫ّللا على هقلوِب ِهم وعلى س ِ‬
‫مع ِهم ‪ ] {...‬البقرة ‪]٧:‬‬ ‫تم َ ه َ‬
‫اللفظ األول ‪َ { :‬خ َ‬
‫‪23‬‬
‫ََ َ‬
‫ِ‬
‫ضا ‪ [ { ....‬البقرة ‪]١٠ :‬‬ ‫اللفظ الثاني ‪ { :‬في هقلوِب ِهم َمَرض َف َزَاد هه هم َ ه‬
‫ّللا َمَر ً‬
‫‪29‬‬
‫‪33‬‬ ‫ذل َك ‪ [ } ...‬البقرة ‪] ٧٤:‬‬‫عد ِ‬ ‫اللفظ الثالث ‪{ :‬هث َم قست هقلوبكم ِمن ب ِ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫‪36‬‬ ‫غْلف ‪ [ } ...‬البقرة‪] 88 :‬‬
‫لوبَنا ه‬
‫اللفظ الرابع ‪َ { :‬وقاهلوا هق ه‬
‫جل ِب ْ‬
‫كف ِرِهم ‪[ }...‬البقرة ‪]٩٣:‬‬ ‫ِ‬ ‫اللفظ الخامس ‪... } :‬وأه ِ ِ‬
‫شرهبوا في هقلوِب ِه هم ْالع َ‬
‫‪38‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫له َعلى قْل ِب َك ِبِإ ْذ ِن َ‬
‫ّللا هم َصًدقا‪ [ {...‬البقرة‪] ٩٧ :‬‬ ‫اللفظ السادس ‪َ ..{ :‬فِإَن هه َ‬
‫نز ه‬
‫‪39‬‬
‫‪41‬‬ ‫ات ِلقوم هيوِقنو َن{ [البقرة‪]١١8 :‬‬ ‫اللفظ السابع ‪َ ...{ :‬ت َشابه ْت هقلوبهم قد بَيَنا اآلي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫هه‬ ‫ََ‬
‫‪43‬‬ ‫ّللا َعلى َما ِفي قْل ِب ِه‪[ { ...‬البقرة‪]٢٠٤ :‬‬ ‫اللفظ الثامن ‪َ ...{ :‬وهي ْش ِه هد َ َ‬
‫لوبكم‪[ { ...‬البقرة‪]٢٢٥ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كسَب ْت هق ه‬ ‫اللفظ التاسع ‪َ ...{ :‬ولكن هي َؤاخذكم ب َما َ‬
‫‪47‬‬
‫‪52‬‬ ‫لكن ِلَي ْط َمِئ َن ْقلِبي‪[ { ...‬البقرة‪]٢٦٠ :‬‬ ‫اللفظ العاشر ‪...{ :‬قال بلى و ِ‬
‫ََ َ‬
‫‪54‬‬ ‫تمها َفِإَنهه َء ِاثم َقْلهب هه‪[ { ...‬البقرة‪]٢8٣ :‬‬ ‫اللفظ الحادي عشر ‪َ ...{ :‬و َمن َي هك َ‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َزيغ‪[ { ...‬آل عمران‪]٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثاني عشر ‪...{ :‬فأَ َما اَلذ َ‬
‫‪58‬‬
‫‪61‬‬ ‫عد ِإذ َه َدَي َتنا‪[ { ...‬آل عمران‪]8 :‬‬ ‫لوبنا َب َ‬ ‫التزغ هق َ‬ ‫اللفظ الثالث عشر ‪َ...{ :‬رَبنا ِ‬
‫وركم‪[ { ...‬آل عمران ‪]٢٩:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫ِ‬ ‫قل ِإن ْ‬
‫تخفوا َما في ه‬ ‫اللفظ الرابع عشر ‪ْ { :‬‬
‫‪64‬‬

‫ين هقلو ِبكم‪[ { ...‬آل عمران‪]١٠٣ :‬‬ ‫اء فأََلف َب َ‬ ‫َعد ً‬‫اللفظ الخامس عشر ‪ِ...{ :‬إذ ْكهنتم أ َ‬
‫‪68‬‬

‫ورههم أَ ْكَبهر‪[ { ...‬آل عمران‪]١١8 :‬‬ ‫ِ‬


‫ص هد ه‬‫اللفظ السادس عشر ‪َ ...{ :‬و َما تخفي ه‬
‫‪72‬‬

‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬
‫ور { [آل عمران‪]١١٩ :‬‬ ‫الص هد ِ‬‫ات ُّ‬ ‫اللفظ السابع عشر ‪ِ...{ :‬إ َن َ َ َ‬
‫‪74‬‬

‫ِ‬
‫لوب هكم‪[ { ...‬آل عمران‪]١٢٦ :‬‬ ‫شرى لكم َوِلت ْط َمئ َن هق ه‬ ‫ّللا ِإالَ هب َ‬
‫له َ ه‬ ‫اللفظ الثامن عشر ‪َ { :‬و َما َج َع ه‬
‫‪77‬‬

‫لقي ِفي هق ِ ِ‬ ‫اللفظ التاسع عشر ‪ { :‬سْن ِ‬


‫عب‪[ { ...‬آل عمران‪]١٥١ :‬‬ ‫الر َ‬‫فروا ُّ‬ ‫ين َك ه‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫‪79‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص هد ِ‬
‫وركم‬ ‫األلفاظ العشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون ‪َ ...{ :‬وِلَيَبتل َي َ ه‬
‫ّللا َما في ه‬
‫‪81‬‬

‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬


‫ور { [آل عمران‪]١٥٤ :‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫حص َما في هقهلو ِبكم َو َ ه َ‬ ‫َوِلهي َم َ‬
‫‪84‬‬ ‫سرة ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬آل عمران‪]١٥٦ :‬‬ ‫اللفظ الثالث والعشرون ‪ِ...{ :‬ليجعل َ ِ‬
‫ّللا ذل َك َح َ‬ ‫َ ََ ه‬
‫‪87‬‬ ‫فضوا‪[ { ...‬آل عمران ‪]١٥٩:‬‬ ‫لب ال ْن ُّ‬‫غليظ ْاَلْق ِ‬‫اللفظ الرابع والعشرون ‪...{ :‬ولو كْنت فظًا ِ‬
‫َ‬
‫اليس ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬آل عمران ‪]١٦٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫قولو َن ِبأَ ْفواه ِهم َم َ‬ ‫اللفظ الخامس والعشرون‪َ...{ :‬ي ه‬
‫‪90‬‬

‫ّللا َما ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬النساء ‪]٦٣ :‬‬ ‫ِ ِ‬


‫ين َيعَل هم َ ه‬‫اللفظ السادس والعشرون ‪ { :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫‪92‬‬
‫‪94‬‬ ‫[‬ ‫قاتلوكم‪{ ...‬‬ ‫اللفظ السابع والعشرون ‪...{ :‬أَو جاءوكم ح ِصر ْت ص هدورهم أَن ي ِ‬
‫ه‬ ‫َ َ ه هه‬ ‫َ ه‬
‫النساء‪]90:‬‬

‫‪462‬‬
‫ليها‪[ { ...‬النساء ‪[١٥٥ :‬‬ ‫ّللا َع َ‬ ‫طب َع َ ه‬
‫لوبنا هغْلف َب ْل َ‬ ‫اللفظ الثامن والعشرون ‪َ ...{ :‬وقوِل ِهم هق ه‬
‫‪96‬‬

‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬
‫الص هدور {[المائدة ‪[٧ :‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫ّللا ِإ َن َ َ َ‬
‫اللفظ التاسع والعشرون ‪َ ...{ :‬وا َتقوا َ َ‬
‫‪98‬‬

‫اهم و َجعَلنا هقلوبهم َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللفظ الثالثون ‪ { :‬ف ِبم ْ ِ‬


‫اسَية‪[ { ...‬المائدة ‪[١٣ :‬‬ ‫لعَن ه َ َ‬ ‫قهم َ‬ ‫انقض ِهم مَيثاَ ه‬
‫‪101‬‬
‫َه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫امَنا ِبأَ ْف َواه ِهم و لم ْ‬
‫تؤ ِمن‬ ‫اللفظان الحادي والثالثون والثاني والثالثون ‪ ... { :‬قاهلوا َء َ‬
‫‪103‬‬

‫لوب ههم‪[ { ...‬المائدة ‪[٤١:‬‬


‫هق ه‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض هي َس ِار هعو َن‪[ { ...‬المائدة ‪[٥٢:‬‬ ‫ِ‬
‫الثالث والثالثون ‪َ { :‬ف َترى اَلذ َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪105‬‬

‫لوبنا‪[ { ...‬المائدة ‪[١١٣ :‬‬ ‫ِ‬ ‫نر هيد أَن نأ ِ‬ ‫الرابع والثالثون ‪ { :‬قاهلوا ِ‬
‫نها َوت ْط َمئ َن هق ه‬ ‫ْكل م َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪106‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وه‪[ { ...‬األنعام ‪[٢٥:‬‬ ‫الخامس والثالثون ‪َ ...{ :‬و َج َعَلنا َعلى هقلوِب ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه‬
‫قه ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪108‬‬

‫لوب ههم َوَزَي َن َل هه هم َ‬ ‫ِ‬


‫ان‪[ { ...‬األنعام‪[34 :‬‬
‫طه‬‫الشي َ‬ ‫قست هق ه‬ ‫السادس والثالثون ‪َ ...{ :‬ولكن َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪110‬‬
‫‪112‬‬ ‫تم َعلى هقلو ِبكم‪[ { ...‬‬‫َبص َاركم َو َخ َ‬
‫معكم وأ َ‬‫ّللا َس َ‬‫َرهَيتم ِإن أَخذ َ ه‬ ‫اللفظ السابع والثالثون ‪ْ { :‬‬
‫قل أَأ‬
‫األنعام ‪[٤٦:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َبص َارههم‪[ { ...‬األنعام ‪[110:‬‬ ‫اللفظ الثامن والثالثون ‪َ { :‬و َنقل هب أَ ْفئ َد ه‬
‫تهم َوأ َ‬
‫‪114‬‬

‫ين ال ي ْؤ ِمنو َن ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫اآلخَرِة‪[ { ...‬األنعام ‪[113:‬‬ ‫تصغى ِإليه أَ ْفئ َدة اَلذ َ ه‬ ‫اللفظ التاسع والثالثون ‪َ { :‬وِل َ‬
‫‪118‬‬

‫درهه ِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫إلسالم َو َمن‬ ‫شرح َص َ‬ ‫فمن هي ِرد َ ه‬
‫ّللا أَن َيهدَي هه َي َ‬ ‫اللفظان األربعون و الحادي و األربعون ‪َ { :‬‬
‫‪120‬‬

‫ِ‬
‫درهه َضًيقا‪[ { ...‬األنعام ‪[١٢٥ :‬‬ ‫هي ِرد أَن هيضَل هه َي َ‬
‫جع ْل َص َ‬
‫‪124‬‬ ‫در َك َحَرج ِمْن هه‪[ { ...‬األعراف ‪[٢ :‬‬ ‫اللفظ الثاني واألربعون ‪...{ :‬فال َيكن ِفي َص ِ‬
‫‪126‬‬ ‫ورِهم ِمن ِغل‪[ { ...‬األعراف ‪[٤٣ :‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫ِ‬
‫نز َعنا َما في ه‬ ‫اللفظ الثالث واألربعون ‪َ { :‬و َ‬
‫سم هعو َن { [األعراف ‪[١٠٠ :‬‬ ‫فهم ال َي َ‬ ‫اللفظ الرابع واألربعون ‪َ ...{:‬ون ْطَب هع َعلى هقلوِب ِهم ه‬
‫‪130‬‬

‫ِ‬ ‫ّللا َعلى هق ِ‬ ‫ِ‬


‫ين { [األعراف ‪[١٠١ :‬‬ ‫لوب اْلكاف ِر َ‬ ‫اللفظ الخامس واألربعون ‪... { :‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه‬
‫‪132‬‬
‫‪134‬‬ ‫لهم هقهلوب ال َي ْفَق ههو َن ِب َها‪[ { ...‬األعراف ‪[١٧٩ :‬‬ ‫اللفظ السادس واألربعون ‪ ...{ :‬ه‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬األنفال ‪[٢ :‬‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬ ‫اللفظ السابع واألربعون ‪...{ :‬اَل ِذ ِ ِ‬
‫لت هق ه‬ ‫ين إذا ذكَر َ ه‬
‫‪136‬‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫لوبكم‪[ { ...‬األنفال ‪[١٠ :‬‬‫شرى َوِلت ْط َمئ َن ِبه هق ه‬ ‫ّللا ِإالَ هب َ‬‫له َ ه‬‫اللفظ الثامن واألربعون ‪َ { :‬و َما َج َع ه‬
‫‪141‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ام { [األنفال‪[11:‬‬ ‫اللفظ التاسع واألربعون ‪َ ...{:‬وِلَيرِبط َعلى هقلوبكم َوهيثبت به األَ ْق َد َ‬
‫‪144‬‬

‫هلقي ِفي هق ِ ِ‬ ‫اللفظ الخمسون ‪...{ :‬سأ ِ‬


‫عب‪[ { ...‬األنفال ‪[١٢:‬‬ ‫الر َ‬‫فروا ُّ‬ ‫ين َك ه‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫‪147‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين اْل َمرء َوقْلبه‪[ { ...‬األنفال ‪[٢٤:‬‬ ‫ن‬
‫ول َب َ‬‫ّللا َي هح ه‬
‫َن َ َ‬ ‫لموا أ َ‬
‫اع ه‬‫اللفظ الحادي و الخمسو ‪َ ...{:‬و َ‬
‫‪149‬‬
‫‪153‬‬ ‫الص هدور {[األنفال ‪[٤٣:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اللفظ الثاني و الخمسون ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب َذ ِ‬
‫ه َ‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمرض‪{ ...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اْل همنافقو َن َواَلذ َ‬ ‫اللفظ الثالث و الخمسون ‪ِ { :‬إ ذ َي هق ه‬
‫‪155‬‬

‫[األنفال ‪[٤٩:‬‬
‫‪158‬‬ ‫ين هقلوِب ِهم لو أَْنفقت َما ِفي‬ ‫اللفظان الرابع و الخمسون والخامس والخمسون ‪َ { :‬وأََلف َب َ‬
‫األ ِ ِ‬
‫ين هقلوِب ِهم‪[ { ...‬األنفال ‪[٦٣:‬‬ ‫يعا َما أََل ْفت َب َ‬
‫َرض َجم ً‬
‫‪162‬‬ ‫خير‪[ { ...‬األنفال ‪[٧٠:‬‬ ‫ّللا ِفي هقلو ِبكم ً ا‬ ‫اللفظ السادس والخمسون ‪ِ...{ :‬إن َي َعل ِم َ ه‬
‫ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬التوبة ‪[8:‬‬ ‫رض َونكم ِبأَ ْف َواه ِهم َوتأَْبى هق ه‬ ‫اللفظ السابع والخمسون ‪...{ :‬هي ه‬
‫‪164‬‬

‫‪463‬‬
‫ف صدور قوم م ْؤ ِمِنين * وي ِ‬
‫ذهب‬ ‫اللفظان الثامن والخمسون و التاسع والخمسون ‪َ ...{ :‬وَي ْش ِ ه ه‬
‫‪166‬‬
‫َ َه‬ ‫ه‬
‫غيظ هقلوِب ِهم‪[ { ...‬التوبة ‪[١٥-١٤:‬‬
‫اّلل واْليو ِم ِ‬‫ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬التوبة ‪[٤٥:‬‬ ‫اآلخ ِر َو َ‬
‫ارت َاب ْت هق ه‬ ‫اللفظ الستون ‪... { :‬ال هي ْؤمنو َن ِب َ َ َ‬
‫‪169‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليها َواْل هم َؤَلفة هق ه‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬التوبة‪[٦٠ :‬‬ ‫ين َع َ‬‫اللفظ الحادي و الستون ‪َ ...{ :‬واْل َعامِل َ‬
‫‪171‬‬
‫‪173‬‬ ‫ورة تَن هبئ ههم ِب َما ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬التوبة ‪[٦٤:‬‬
‫اللفظ الثاني و الستون ‪ ...{ :‬هس َ‬
‫‪175‬‬ ‫قب ههم ِنفاًقا ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬التوبة ‪[٧٧:‬‬ ‫اللفظ الثالث والستون ‪ { :‬فأ َ‬
‫َع َ‬
‫فهم ال َي ْفَق ههو َن { [التوبة ‪[8٧:‬‬ ‫اللفظ الرابع والستون ‪َ ...{ :‬وط ِب َع َعلى هقلوِب ِهم ه‬
‫‪178‬‬

‫فهم ال َيعَل همو َن { [التوبة ‪[٩٣:‬‬ ‫ّللا َعلى هقلوِب ِهم ه‬ ‫اللفظ الخامس والستون ‪َ ...{ :‬و َ‬
‫طب َع َ ه‬
‫‪180‬‬
‫‪182‬‬ ‫ال هبْنَياهن هه هم اَل ِذي َبنوا ِر َيبة ِفي هقلوِب ِهم‬
‫اللفظان السادس والستون والسابع والستون ‪... { :‬ال َي َز ه‬
‫لوب ههم { [التوبة ‪[١١٠:‬‬ ‫ِإالَ أَن َتق َ‬
‫ط َع هق ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نهم‪[ { ...‬التوبة ‪[١١٧:‬‬ ‫لوب َف ِريق م ه‬ ‫اللفظ الثامن والستون ‪...{:‬من َبعد َما َك َاد َي ِزيغ هق ه‬
‫‪184‬‬

‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض‪[ { ...‬التوبة ‪[١٢٥:‬‬ ‫ِ‬


‫اللفظ التاسع والستون ‪َ { :‬وأَ َما اَلذ َ‬
‫‪186‬‬
‫‪188‬‬ ‫لوب ههم ِبأََن ههم قوم ال َي ْفَق ههو َن { [التوبة ‪[١٢٧:‬‬ ‫اللفظ السبعون ‪َ ...{ :‬صَرف َ ه‬
‫ّللا هق َ‬
‫‪190‬‬ ‫ور َو ههًدى‪[ { ...‬يونس ‪[٥٧:‬‬ ‫اللفظ الحادي والسبعون ‪َ ...{ :‬و ِش َفاء ِل َما ِفي ُّ‬
‫الص هد ِ‬
‫ين { [ يونس ‪[٧٤:‬‬ ‫لوب اْلم َ ِ‬ ‫اللفظ الثاني والسبعون ‪ِ ... { :‬‬
‫كذل َك َن ْطَب هع َعلى هق ِ‬
‫عتد َ‬
‫‪193‬‬
‫ه‬
‫شدد َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬يونس ‪[88:‬‬‫َمو ِال ِهم َوا ه‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثالث والسبعون ‪َ...{ :‬رَبنا اطمس َعلى أ َ‬
‫‪195‬‬
‫‪198‬‬ ‫ور { [هود ‪[٥:‬‬ ‫الص هد ِ‬ ‫اللفظ الرابع والسبعون ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب ِ‬
‫ذات ُّ‬ ‫ه َ‬
‫ِ ِ‬ ‫لعَل َك َت ِارك َب َ‬
‫ليك َو َضائق ِبه َص ه‬
‫در َك‪[{ ...‬هود ‪:‬‬ ‫وحى ِإ َ‬ ‫عض َما هي َ‬ ‫اللفظ الخامس والسبعون ‪َ { :‬ف َ‬
‫‪201‬‬

‫‪[١٢‬‬
‫فؤ َاد َك‪{ ...‬‬ ‫الر هس ِل َمان َثبت ِب ِه َ‬ ‫اء ُّ‬‫ليك ِمن أَنب ِ‬
‫قص َع َ‬ ‫اللفظ السادس والسبعون ‪َ { :‬و كالا َن ُّ‬
‫‪204‬‬
‫َ‬
‫[هود ‪[١٢٠:‬‬
‫‪207‬‬ ‫ّللا أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا‬ ‫اللفظان السابع والسبعون و الثامن والسبعون ‪...{ :‬وت ْطمِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫هه‬ ‫َ َ‬
‫لوب { [الرعد ‪[٢8:‬‬ ‫ِ‬
‫ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه‬
‫‪210‬‬ ‫اس تهوِي ِإلي ِهم‪[ { ...‬إبراهيم ‪[٣٧:‬‬ ‫فاجع ْل أَ ْفِئ َد ًة ِم َن الَن ِ‬
‫اللفظ التاسع والسبعون ‪َ ...{ :‬‬
‫ِ‬
‫تهم َه َواء‪[ { ...‬إبراهيم ‪[٤٣ :‬‬ ‫فهم َوأَ ْفئ َد ه‬ ‫رتُّد ِإلي ِهم ه‬
‫طر ه‬ ‫اللفظ الثمانون ‪... { :‬ال َي َ‬
‫‪212‬‬

‫ِ‬ ‫كذل َك َنس ه ِ‬ ‫اللفظ الحادي والثمانون ‪ِ { :‬‬


‫ين { [الحجر ‪[١٢:‬‬ ‫جرِم َ‬
‫لم ِ‬ ‫لكه في هقلوب ْا ه‬
‫‪215‬‬
‫ه‬
‫‪217‬‬ ‫ورِهم ِمن ِغل‪[ { ...‬الحجر ‪[٤٧:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫ِ‬
‫نز َعنا َما في ه‬ ‫اللفظ الثاني والثمانون ‪َ { :‬و َ‬
‫ِ‬
‫قولو َن { [الحجر ‪[٩٧:‬‬ ‫در َك ِب َما َي ه‬ ‫لم أََن َك َيضيق َص ه‬ ‫اللفظ الثالث والثمانون ‪َ { :‬وَلقد َ‬
‫نع ه‬
‫‪219‬‬

‫لوب ههم همْن ِكَرة‪[ { ...‬النحل ‪[٢٢:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن ِباآلخَرِة هق ه‬ ‫اللفظ الرابع والثمانون ‪...{ :‬فاَلذ َ‬
‫‪222‬‬
‫‪225‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْفِئ َدة‪[ { ...‬النحل ‪[٧8:‬‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫الس َ‬‫اللفظ الخامس والثمانون ‪َ ...{ :‬و َج َع َل َل هك هم َ‬
‫ان و ِ‬
‫لكن‬ ‫يم ِ َ‬ ‫اللفظان السادس والثمانون والسابع والثمانون‪ِ...{ :‬إالَ َمن أه ْك ِرَه َوَقْلهب هه هم ْط َمِئن ِب ِ‬
‫اإل َ‬
‫‪227‬‬

‫در‪[ { ...‬النحل ‪[١٠٦:‬‬ ‫شر َح ِب ْا ِ‬


‫لكفر َص ًا‬ ‫َمن َ‬

‫‪464‬‬
‫ِ ِ‬
‫ّللا َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬النحل ‪[١٠8:‬‬
‫طب َع َ ه‬‫ين َ‬ ‫الثامن والثمانون ‪ { :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪229‬‬
‫‪231‬‬ ‫فؤ َاد‪[ { ...‬اإلسراء ‪[٣٦:‬‬‫مع َواْلَب َصَر َواْل َ‬
‫الس َ‬‫التاسع والثمانون ‪ِ...{ :‬إ َن َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪234‬‬ ‫َكَن ًة‪[ { ...‬اإلسراء ‪[٤٦:‬‬ ‫التسعون ‪ { :‬وجعَلنا على هقلوِب ِهم أ ِ‬ ‫اللفظ‬
‫َ ََ َ‬
‫وركم‪[ { ...‬اإلسراء ‪[٥١:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫الحادي والتسعون ‪ { :‬أَو ْخًلقا ِم َما ي ِ‬
‫كبهر في ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪236‬‬
‫َ ه‬
‫‪240‬‬ ‫طنا َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬الكهف ‪[١٤:‬‬ ‫الثاني والتسعون ‪َ { :‬وَرَب َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪243‬‬ ‫كرنا‪[ { ...‬الكهف ‪[٢8:‬‬ ‫التطع َمن أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن ِذ ِ‬
‫اللفظ الثالث والتسعون ‪...{ :‬و ِ‬
‫َ‬
‫‪245‬‬ ‫َكَن ًة‪[ { ...‬الكهف ‪[٥٧:‬‬ ‫اللفظ الرابع والتسعون ‪ِ...{ :‬إَنا جعَلنا على هقلوِب ِهم أ ِ‬
‫ََ َ‬
‫‪247‬‬ ‫شرح ِلي َصدرِي { [طه ‪[٢٥:‬‬ ‫قال َرب ا َ‬ ‫اللفظ الخامس والتسعون ‪َ { :‬‬
‫جوى‪[ { ...‬األنبياء ‪[٣:‬‬ ‫ِ‬
‫َسُّروا الَن َ‬‫لوب ههم َوأ َ‬‫اللفظ السادس والتسعون ‪ { :‬الهَية هق ه‬
‫‪250‬‬

‫تقوى ْاهلهق ِ‬ ‫ِ‬


‫لوب { [الحج ‪[٣٢:‬‬ ‫اللفظ السابع والتسعون ‪...{ :‬فِإَن َها من َ‬
‫‪253‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحج ‪[٣٥:‬‬ ‫لت هق ه‬ ‫ّللا َو ِج ْ‬
‫ين ِإذا ذكَر َ ه‬ ‫اللفظ الثامن والتسعون ‪ { :‬اَلذ َ‬
‫‪256‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لوب‬ ‫لهم هقهلوب َيعقلو َن ب َها‪َ ...‬ولكن َ‬
‫تعمى ْاهلهق ه‬ ‫اللفظان التاسع والتسعون والمئة ‪َ ...{ :‬ف َتكو َن ه‬
‫‪259‬‬

‫الص هدور {[الحج ‪[٤٦:‬‬ ‫اَلِتي ِفي ُّ‬


‫ِ ِ‬ ‫اللفظان األول والثاني بعد المئة ‪ِ ...{ :‬ف ْتن ًة ِلَل ِذ ِ‬
‫ين في هقلوِب ِهم َمَرض َواْلَقاسَية هق ه‬
‫لوب ههم‪...‬‬
‫‪263‬‬
‫َ‬
‫{[الحج ‪[٥٣:‬‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحج ‪[٥٤:‬‬ ‫تخِبت َل هه هق ه‬ ‫في ْؤ ِمنوا ِب ِه هف ْ‬
‫اللفظ الثالث بعد المئة ‪ ...{ :‬ه‬
‫‪265‬‬

‫ِ‬
‫لوب ههم َو ِجلة‪[ { ...‬المؤمنون ‪[٦٠:‬‬ ‫ين هي ْؤتو َن َما َءَاتوا َوهق ه‬ ‫اللفظ الرابع بعد المئة ‪َ { :‬واَلذ َ‬
‫‪267‬‬
‫‪269‬‬ ‫غمرة ِمن َهذا‪[ { ...‬المؤمنون ‪[٦٣:‬‬ ‫ِ‬
‫لوب ههم في َ‬ ‫اللفظ الخامس بعد المئة ‪َ { :‬ب ْل هق ه‬
‫‪271‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْفِئ َدة‪[ { ...‬المؤمنون ‪:‬‬
‫مع َواأل َ‬ ‫اللفظ السادس بعد المئة ‪َ { :‬و هه َو اَل ِذي أَْنش َأ َل هك هم َ‬
‫الس َ‬
‫‪[٧8‬‬
‫َ ِ ِ‬
‫َبصار {[النور ‪[٣٧:‬‬‫لوب َواأل َ‬‫وما َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه‬ ‫اللفظ السابع بعد المئة ‪َ...{ :‬يخاهفو َن َي ً‬
‫‪273‬‬

‫ِ‬
‫تابوا‪[ { ...‬النور ‪[٥٠:‬‬ ‫اللفظ الثامن بعد المئة ‪ { :‬أَفي هقلوِب ِهم َمَرض أَ ِم َار ه‬
‫‪277‬‬

‫فؤ َاد َك‪[ { ...‬الفرقان ‪[٣٢:‬‬ ‫كذل َك ِلَنثبت ِب ِه َ‬


‫اللفظ التاسع بعد المئة ‪ِ ... {:‬‬
‫‪278‬‬
‫‪280‬‬ ‫طلق ِل َس ِاني‪[ { ...‬الشعراء ‪[١٣:‬‬ ‫اللفظ العاشر بعد المئة ‪ { :‬وي ِضيق صدرِي وال يْن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫‪282‬‬ ‫ّللا ِبقْلب َسِليم { [الشعراء ‪[88:‬‬ ‫اللفظ الحادي عشر بعد المئة ‪ِ { :‬إالَ َمن أَتى َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين { [الشعراء ‪[١٩٤:‬‬ ‫اللفظ الثاني عشر بعد المئة ‪َ { :‬على قْل ِب َك ِل َتكو َن م َن اْل همْنذ ِر َ‬
‫‪285‬‬

‫ِ‬ ‫لك ِ‬ ‫ِ‬


‫ين { [الشعراء ‪[١٩٩:‬‬ ‫جرِم َ‬
‫لم ِ‬ ‫ناه في هقلوب ْا ه‬ ‫اللفظ الثالث عشر بعد المئة ‪ {:‬كذل َك َس َ ه‬
‫‪289‬‬
‫‪291‬‬ ‫اتك ُّن ص هدورههم وما ي ِ‬
‫علنو َن { [النمل ‪[٧٤:‬‬ ‫اللفظ الرابع عشر بعد المئة ‪ { :‬واِ َن رَب َك ليعلم م ِ‬
‫ه ه ََ ه‬ ‫َ َ ََ ه َ‬
‫‪295‬‬ ‫وسى ِ‬
‫فارغا‪ ...‬لوال أَن‬ ‫فؤ هاد أهم هم َ‬
‫َصب َح َ‬
‫اللفظان الخامس عشر والسادس عشر بعد المئة ‪َ { :‬وأ َ‬
‫َرَب َطنا َعلى ْقلِب َها‪[ { ...‬القصص ‪[١٠:‬‬
‫‪298‬‬ ‫علنو َن { [القصص ‪[٦٩:‬‬ ‫اللفظ السابع عشر بعد المئة ‪ { :‬ورُّب َك يعَلم م ِ‬
‫اتك ُّن ص هدورههم وما ي ِ‬
‫ه ه ََ ه‬ ‫ََ َ ه َ‬
‫ين { [العنكبوت ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ص هد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعاَلم َ‬
‫ور ْا َ‬ ‫لم ب َما في ه‬
‫َع َ‬
‫ّللا بأ َ‬
‫ليس َ ه‬
‫اللفظ الثامن عشر بعد المئة ‪...{ :‬أ ََو َ‬
‫‪301‬‬

‫‪465‬‬
‫‪[١٠‬‬
‫ين أ ههوتوا اْل ِعْل َم ‪{...‬‬ ‫اللفظ التاسع عشر بعد المئة ‪ { :‬بل هو ءايا ت بينا ت ِفي صد ِ ِ‬
‫ور اَلذ َ‬
‫‪304‬‬
‫هه‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ هَ َ َ‬
‫[العنكبوت ‪[٤٩:‬‬
‫ّللا على هق ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ال َيعَل همون {[الروم ‪[٥٩:‬‬ ‫لوب اَلذ َ‬ ‫اللفظ العشرون بعد المئة ‪ { :‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه َ‬
‫‪307‬‬

‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬


‫الص هدور { [لقمان ‪[٢٣:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اللفظ الحادي والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬عملوا ِإ َن َ َ َ‬
‫‪309‬‬
‫‪311‬‬ ‫َبص َار َواألَ ْفِئ َدة‪[ { ...‬السجدة ‪[٩:‬‬ ‫مع َواأل َ‬ ‫اللفظ الثاني والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َج َع َل َل هك هم َ‬
‫الس َ‬
‫‪314‬‬ ‫ين ِفي َجوِف ِه‪[ { ...‬األحزاب ‪:‬‬ ‫ّللا ِلَر هجل ِمن قْلَب ِ‬
‫اللفظ الثالث والعشرون بعد المئة ‪َ { :‬ما َج َع َل َ ه‬
‫‪[٤‬‬
‫ِ‬
‫لوبكم‪[ { ...‬األحزاب ‪[٥:‬‬ ‫اللفظ الرابع والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ولكن َما َ‬
‫تع َم َد ْت هق ه‬
‫‪316‬‬

‫لوب اْل َحَن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اجَر‪...‬‬ ‫َبص هار َوَبلغت ْاهلهق ه‬ ‫اللفظ الخامس والعشرون بعد المئة ‪َ ...{:‬واِ ْذ َزاغت األ َ‬
‫‪319‬‬

‫{[األحزاب ‪[١٠:‬‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ السادس والعشرون بعد المئة ‪َ { :‬وِا ْذ َيقول اْل همنافقو َن َواَلذ َ‬
‫‪322‬‬

‫{[األحزاب ‪[١٢:‬‬
‫‪324‬‬ ‫عب‪[ { ...‬األحزاب ‪[٢٦:‬‬ ‫الر َ‬‫اللفظ السابع والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وقذف ِفي هقلوِب ِه هم ُّ‬
‫‪326‬‬ ‫في ْط َم َع اَل ِذي ِفي قْل ِب ِه َمَرض‪...‬‬ ‫عن ِب ْاَل ِ‬
‫قول َ‬ ‫اللفظ الثامن والعشرون بعد المئة ‪...{ :‬فال ْ‬
‫تخ َض َ‬
‫{[األحزاب ‪[٣٢:‬‬
‫ِ‬ ‫ان َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‬
‫يما َحل ً‬
‫ّللا َعل ً‬
‫ّللا َيعَل هم َما في هقلوبكم َوَك َ ه‬ ‫اللفظ التاسع والعشرون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َ ه‬
‫‪328‬‬

‫{[األحزاب ‪[٥١:‬‬
‫‪330‬‬ ‫ذلكم أَ ْط َههر ِلهقلو ِبكم َوهقلوِب ِه َن‪{...‬‬
‫اللفظان الثالثون والحادي والثالثون بعد المئة ‪ِ ... { :‬‬
‫[األحزاب ‪[٥٣:‬‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثاني والثالثون بعد المئة ‪ { :‬لئن لم َيْنته اْل همنافقو َن َواَلذ َ‬
‫‪332‬‬

‫{[األحزاب ‪[٦٠:‬‬
‫‪334‬‬ ‫اللفظ الثالث والثالثون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ح َتى ِإ ذا فز َع َعن هقلوِب ِهم‪[ { ...‬سبأ ‪[٢٣:‬‬
‫‪336‬‬ ‫الص هدور {[فاطر ‪[٣8:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اللفظ الرابع والثالثون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب َذ ِ‬
‫ه َ‬
‫ِ‬
‫اء َرَب هه ِبقْلب َسليم { [الصافات ‪[8٤:‬‬ ‫اللفظ الخامس والثالثون بعد المئة ‪ِ { :‬إ ذ َج َ‬
‫‪338‬‬
‫‪340‬‬ ‫الص هدور {[الزمر ‪[٧:‬‬ ‫اللفظ السادس والثالثون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب ِ‬
‫ذات ُّ‬ ‫ه َ‬
‫درهه ِل ِ‬
‫إلسال ِم ‪...‬‬ ‫ّللا َص َ‬‫شر َح َ ه‬
‫َفمن َ‬ ‫اللفظان السابع والثالثون و الثامن والثالثون بعد المئة ‪ { :‬أ َ‬
‫‪342‬‬

‫لوب ههم‪[ { ...‬الزمر ‪[٢٢:‬‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫َف َويل لْلَقاسَية هق ه‬
‫لودهم وهقلوبهم ِإلى ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫ّللا‪[ { ...‬الزمر ‪:‬‬ ‫ين هج ه ه َ ه ه‬ ‫اللفظ التاسع والثالثون بعد المئة ‪...{ :‬ث َم َتِل ه‬
‫‪346‬‬

‫‪[٢٣‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ال هي ْؤ ِمنو َن‪[ {...‬الزمر ‪:‬‬ ‫لوب اَلذ َ‬
‫اشمأََزت هق ه‬
‫حد هه َ‬ ‫اللفظ األربعون بعد المئة ‪َ { :‬واِذا ذكَر َ ه‬
‫ّللا َو َ‬
‫‪349‬‬

‫‪[٤٥‬‬
‫لوب َلدى اْل َحَن ِ‬ ‫َنذرهم يوم ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ِر{ ‪...‬‬ ‫اآلزفة ِإذ ْاهلهق ه‬ ‫اللفظ الحادي و األربعون بعد المئة ‪َ { :‬وأ ه َ َ‬
‫‪353‬‬

‫‪466‬‬
‫[غافر ‪[١8:‬‬
‫‪355‬‬ ‫الص هدور{ [غافر ‪[١٩:‬‬ ‫تخفي ُّ‬ ‫اللفظ الثاني و األربعون بعد المئة ‪ { :‬يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ‬
‫ه ََ‬ ‫َ ه‬
‫كل قْل ِب هم َتكبر َجَبار{ [غافر ‪:‬‬‫ّللا َعلى ِ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثالث واألربعون بعد المئة ‪َ ... { :‬كذل َك َي ْطَب هع َ ه‬
‫‪358‬‬

‫‪[٣٥‬‬
‫ورِهم ِإالَ ِكبر ما هم ِبب ِال ِغ ِ‬ ‫ِ‬
‫يه‪[ { ...‬غافر ‪:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫اللفظ الرابع واألربعون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إ ن في ه‬
‫‪359‬‬
‫َ ه َ‬
‫‪[٥٦‬‬
‫ِ‬
‫وركم‪[ {...‬غافر ‪[8٠:‬‬ ‫ص هد ِ‬ ‫اجة في ه‬
‫ليها َح َ‬‫اللفظ الخامس واألربعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وِل َتهبلغوا َع َ‬
‫‪361‬‬
‫‪363‬‬ ‫َكَنة ِم َما تدعونا ِإ ِ‬
‫ليه‪[ {...‬فصلت ‪:‬‬ ‫اللفظ السادس واألربعون بعد المئة ‪ { :‬وقاهلوا هقلوبَنا ِفي أ ِ‬
‫هَ‬ ‫ه‬
‫‪[٥‬‬
‫ّللا ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ختم َعلى‬ ‫اللفظان السابع واألربعون و الثامن واألربعون بعد المئة ‪...{ :‬فِإن َيشأ َ ه َ‬
‫‪366‬‬

‫ور { [الشورى ‪[٢٤:‬‬ ‫الص هد ِ‬


‫ات ُّ‬‫قْل ِبك ‪ِ...‬إَنهه عِليم ِب َذ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪369‬‬ ‫ِ‬
‫معه َوقْل ِبه‪[ { ...‬الجاثية ‪[٢٣:‬‬ ‫ِ‬ ‫اللفظ التاسع و األربعون بعد المئة ‪...{ :‬و َختم على س ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫اللفظان الخمسون و الحادي والخمسون بعد المئة ‪...{ :‬وجعَلنا لهم سمعا وأَبص ا ِ‬
‫ار َوأَ ْفئ َد ًة َ‬
‫فما‬
‫‪372‬‬
‫ه َ ً َ َ ً‬ ‫َ ََ‬
‫ِ‬
‫تهم‪[ { ...‬األحقاف ‪[٢٦:‬‬ ‫َبص هارههم َوال أَ ْفئ َد ه‬
‫مع ههم َوال أ َ‬
‫نهم َس ه‬ ‫أَ َغنى َع ه‬
‫ِ ِ‬
‫ّللا َعلى هقلوِب ِهم‪[ { ...‬مح َمد ‪[١٦:‬‬ ‫طب َع َ ه‬ ‫اللفظ الثاني والخمسون بعد المئة ‪...{ :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫ين َ‬
‫‪374‬‬

‫اللفظ الثالث والخمسون بعد المئة ‪ ...{ :‬أرَيت اَل ِذ ِ‬


‫ليك‪...‬‬ ‫ظرو َن ِإ َ‬
‫ين في هقلوِب ِهم َمَرض َيْن ه‬
‫‪376‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫{[مح َمد ‪[٢٠:‬‬

‫ان أَم َعلى هقلوب أَ ْقفاه َ‬


‫لها{ [مح َمد ‪:‬‬ ‫اللفظ الرابع والخمسون بعد المئة ‪ { :‬أَفال َي َت َدَبهرو َن اْلقرَء َ‬
‫‪378‬‬

‫‪[٢٤‬‬
‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض ‪[ { ...‬مح َمد ‪[٢٩:‬‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الخامس والخمسون بعد المئة ‪ { :‬أَم َح ِس َب اَلذ َ‬
‫‪381‬‬
‫‪383‬‬ ‫لوب ْا ِ‬
‫لم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‪{ ...‬‬ ‫ه‬ ‫اللفظ السادس والخمسون بعد المئة ‪ { :‬هه َو اَل ِذي أَْن َز َل َ‬
‫الس ِكَينة ِفي هق ِ‬
‫[الفتح ‪[٤:‬‬
‫ليس ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬الفتح ‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫قولو َن ِبأَْلسنت ِهم َما َ‬ ‫اللفظ السابع والخمسون بعد المئة ‪َ...{ :‬ي ه‬
‫‪385‬‬

‫‪[١١‬‬
‫‪387‬‬ ‫ذل َك ِفي هقلو ِبكم‪[ { ...‬الفتح ‪[١٢:‬‬ ‫ين ِ‬
‫اللفظ الثامن والخمسون بعد المئة ‪...{ :‬أََبًدا َو هز َ‬
‫‪389‬‬ ‫فعِل َم َما ِفي هقلوِب ِهم‪[ { ...‬الفتح ‪[١8:‬‬ ‫اللفظ التاسع والخمسون بعد المئة ‪َ ...{ :‬‬
‫فروا ِفي هقلوِب ِه هم اْل َح ِمَية‪[ { ...‬الفتح ‪[٢٦:‬‬ ‫ِ‬
‫ين َك ه‬‫اللفظ الستون بعد المئة ‪ِ { :‬إ ذ َج َع َل اَلذ َ‬
‫‪392‬‬

‫ِ ِ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحجرات ‪[٣:‬‬ ‫ّللا هق َ‬
‫تح َن َ ه‬
‫ام َ‬ ‫ين َ‬ ‫اللفظ الحادي و الستون بعد المئة‪...{ :‬أ َهولئ َك اَلذ َ‬
‫‪395‬‬
‫‪397‬‬ ‫نه ِفي هقلو ِبكم‪{ ...‬‬
‫ان َوَزَي ه‬
‫يم َ‬‫اإل َ‬ ‫ّللا َحَب َب ِإَل ه‬
‫يك هم ِ‬ ‫ِ‬
‫اللفظ الثاني والستون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ولك َن َ َ‬
‫[الحجرات ‪[٧:‬‬
‫‪399‬‬ ‫ان ِفي هقلو ِبكم‪[ { ...‬الحجرات ‪[١٤:‬‬ ‫يم ه‬ ‫دخل ِ‬
‫اإل َ‬
‫اللفظ الثالث والستون بعد المئة ‪َ ...{ :‬ول َما َي ِ‬
‫‪401‬‬ ‫اء ِبقْلب همِنيب { [ق ‪[٣٣:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫حم َن ب ْالغيب َو َج َ‬ ‫الر َ‬ ‫خش َي َ‬ ‫اللفظ الرابع والستون بعد المئة ‪ { :‬من ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ان َل هه َقْلب‪[ { ...‬ق ‪[٣٧:‬‬ ‫كرى ِل َمن َك َ‬ ‫اللفظ الخامس والستون بعد المئة ‪ِ { :‬إ َن في ذل َك لذ َ‬
‫‪404‬‬

‫‪467‬‬
‫الفؤ هاد َما َأرَى { [النجم ‪[١١:‬‬
‫كذب َ‬ ‫اللفظ السادس والستون بعد المئة ‪َ { :‬ما َ‬
‫‪407‬‬
‫‪411‬‬ ‫الص هدور { [الحديد ‪[٦:‬‬ ‫ات ُّ‬‫اللفظ السابع والستون بعد المئة ‪...{ :‬وهو عِليم ِب َذ ِ‬
‫َ هَ َ‬
‫اللفظان الثامن والستون و التاسع والستون بعد المئة ‪ { :‬أَلم يأ ِ ِ ِ‬
‫شع‬
‫تخ َ‬
‫امنوا أَن ْ‬ ‫ْن لَلذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫‪413‬‬
‫َ‬
‫لوب ههم‪[ { ...‬الحديد ‪[١٦:‬‬ ‫ِ‬ ‫هقلوبهم ِل ِذ ْك ِر َ ِ‬
‫قس ْت هق ه‬
‫َم هد َف َ‬
‫فطال َعليه هم األ َ‬
‫َ‬ ‫ّللا‪...‬‬ ‫هه‬

‫اللفظ السبعون بعد المئة ‪...{ :‬وجعَلنا ِفي هق ِ ِ‬


‫وه َ ْأرف ًة‪[ { ...‬الحديد ‪[٢٧:‬‬ ‫ين ا َتَب هع ه‬‫لوب اَلذ َ‬
‫‪415‬‬
‫َ ََ‬
‫تب في هقلوِب ِه هم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪[ { ...‬المجادلة ‪[٢٢:‬‬ ‫يم َ‬‫اإل َ‬ ‫اللفظ الحادي والسبعون بعد المئة ‪...{ :‬أ َهولئ َك َك َ‬
‫‪417‬‬
‫‪419‬‬ ‫عب‪[ { ...‬الحشر ‪[٢:‬‬ ‫الر َ‬ ‫اللفظ الثاني والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وقذف ِفي هقلوِب ِه هم ُّ‬
‫ِ‬
‫اجة‪[ { ...‬الحشر ‪[٩:‬‬ ‫ورِهم َح َ‬ ‫ص هد ِ‬ ‫اللفظ الثالث والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وال َي ِج هدو َن في ه‬
‫‪421‬‬
‫‪424‬‬ ‫التجع ْل ِفي هقلوِبنا ِغالا‪[ { ...‬الحشر ‪[١٠:‬‬ ‫اللفظ الرابع والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َ‬
‫ورِهم‪[ { ...‬الحشر ‪[١٣:‬‬ ‫شد ر ِ‬
‫ص هد ِ‬‫هبة في ه‬ ‫اللفظ الخامس والسبعون بعد المئة ‪ { :‬ألَ هنتم أَ ُّ َ َ‬
‫‪427‬‬

‫ِ‬
‫لوب ههم ش َتى‪[ { ...‬الحشر ‪[١٤:‬‬ ‫يعا َوهق ه‬ ‫تحسهب ههم َجم ً‬ ‫اللفظ السادس والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬‬
‫‪428‬‬

‫لوب ههم‪[ { ...‬الصف ‪[٥:‬‬ ‫ّللا هق َ‬‫اللفظ السابع والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬فل َما َزاغوا أ ََزاغ َ ه‬
‫‪430‬‬

‫فروا فط ِب َع َعلى هقلوِب ِهم‪{...‬‬ ‫ِ ِ‬


‫امنوا ث َم َك ه‬ ‫اللفظ الثامن والسبعون بعد المئة ‪ { :‬ذل َك بأََن ههم َء َ‬
‫‪432‬‬

‫[المنافقون ‪[١:‬‬
‫ّللا عِليم ِب َذ ِ‬
‫ور { [التغابن ‪[٤:‬‬ ‫الص هد ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫اللفظ التاسع والسبعون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َ ه َ‬
‫‪435‬‬

‫اّلل ي ِ‬
‫ِ‬
‫هد َقْلَب هه‪[ { ...‬التغابن ‪[١١:‬‬ ‫اللفظ الثمانون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ‬
‫‪437‬‬

‫لوب هك َما‪[ { ...‬التحريم ‪[٤:‬‬ ‫اللفظ الحادي والثمانون بعد المئة ‪ِ { :‬إن هتتوبا ِإلى َ ِ‬
‫ّللا َفقد َصغت هق ه‬
‫‪440‬‬
‫َ‬
‫‪443‬‬ ‫الص هدور {[الملك ‪[١٣:‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اللفظ الثاني والثمانون بعد المئة ‪ِ...{ :‬إَنه عِليم ِب َذ ِ‬
‫ه َ‬
‫ِ‬
‫َبص َار َواألَ ْفئ َدة‪[ { ...‬الملك ‪[٢٣:‬‬ ‫اللفظ الثالث والثمانون بعد المئة ‪َ ...{ :‬و َج َع َل َل هك هم َ‬
‫مع َواأل َ‬ ‫الس َ‬
‫‪446‬‬

‫ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض‪َ [ { ...‬‬ ‫ِ‬


‫المدثر ‪[٣١:‬‬ ‫اللفظ الرابع والثمانون بعد المئة ‪َ ...{ :‬وِليقو َل اَلذ َ‬
‫‪448‬‬
‫‪450‬‬ ‫اج َفة‪[ { ...‬النازعات ‪[٧:‬‬ ‫اللفظ الخامس والثمانون بعد المئة ‪ { :‬هقهلوب َيومِئذ َو ِ‬
‫َ‬
‫‪452‬‬ ‫ِ‬
‫ان َعلى هقلوِب ِهم َما كاهنوا َي ْكسهبو َن {‬ ‫اللفظ السادس والثمانون بعد المئة ‪َ { :‬كالَ َب ْل َر َ‬
‫[المطففين ‪[١٤:‬‬
‫در َك { [الشرح ‪[١:‬‬ ‫لك َص َ‬ ‫نشرح َ‬‫السابع والثمانون بعد المئة ‪ { :‬أَلم َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪455‬‬
‫‪457‬‬ ‫الص هدور {[العاديات ‪[٩:‬‬ ‫صل َما ِفي ُّ‬ ‫الثامن والثمانون بعد المئة ‪َ { :‬و هح َ‬ ‫اللفظ‬
‫‪459‬‬ ‫طِل هع َعلى األَ ْفِئ َد ِة { [الهمزة ‪[٦:‬‬
‫التاسع والثمانون بعد المئة ‪ { :‬اَلِتي َت َ‬ ‫اللفظ‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫اس { [الناس ‪[٥:‬‬‫ور الَن ِ‬ ‫ص هد ِ‬‫س في ه‬ ‫التسعون بعد المئة ‪ { :‬اَلذي هي َو ِ ه‬ ‫اللفظ‬
‫‪461‬‬
‫‪463‬‬ ‫دعاء الختام‬
‫‪464‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪468‬‬
469

You might also like