Professional Documents
Culture Documents
الفهرس العام
بإمكانك الذهاب إلى محتويات الكتاب عن طريق الضغط على رقم الصفحة
ين هقلو ِبكم[ { ...آل عمران]١٠٣ : اء فأََلف َب َ َعد ًاللفظ الخامس عشر ِ...{ :إذ ْكهنتم أ َ
64
ّللا عِليم ِب َذ ِ
ور { [آل عمران]١١٩ : الص هد ِات ُّ اللفظ السابع عشر ِ...{ :إ َن َ َ َ
70
ِ
لوب هكم[ { ...آل عمران]١٢٦ : شرى لكم َوِلت ْط َمئ َن هق ه ّللا ِإالَ هب َ
له َ ه اللفظ الثامن عشر َ { :و َما َج َع ه
73
2
ّللا عِليم ِب َذ ِ
الص هدورِ { [المائدة [٧ : ات ُّ ّللا ِإ َن َ َ َ
اللفظ التاسع والعشرون َ ...{ :وا َتقوا َ َ
94
لوبنا[ { ...المائدة [١١٣ : ِ نر هيد أَن نأ ِ الرابع والثالثون { :قاهلوا ِ
نها َوت ْط َمئ َن هق ه ْكل م َ اللفظ
102
َ
ِ
وه[ { ...األنعام [٢٥: الخامس والثالثون َ ...{ :و َج َعَلنا َعلى هقلوِب ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه
قه ه اللفظ
104
ِ
درهه َضًيقا[ { ...األنعام [١٢٥ : هي ِرد أَن هيضَل هه َي َ
جع ْل َص َ
120 در َك َحَرج ِمْن هه[ { ...األعراف [٢ : اللفظ الثاني واألربعون ...{ :فال َيكن ِفي َص ِ
122 ورِهم ِمن ِغل[ { ...األعراف [٤٣ : ص هد ِ ِ
نز َعنا َما في ه اللفظ الثالث واألربعون َ { :و َ
سم هعو َن { [األعراف [١٠٠ : اللفظ الرابع واألربعون َ ...{:ون ْطَب هع َعلى هقلوِب ِهم ه
فهم ال َي َ
126
ِ ِ
شرى َوِلت ْط َمئ َن ِبه هق ه
لوبكم[ { ...األنفال [١٠ : ّللا ِإالَ هب َ الثامن واألربعون َ { :و َما َج َع ه
له َ ه اللفظ
137
ِِ ِ
ام { [األنفال[11: التاسع واألربعون َ ...{:وِلَيرِبط َعلى هقلوبكم َوهيثبت به األَ ْق َد َ اللفظ
140
[األنفال [٤٩:
154 ين هقلوِب ِهم لو أَْنفقت َما ِفي
اللفظان الرابع و الخمسون والخامس والخمسون َ { :وَأَلف َب َ
األ ِ ِ
ين هقلوِب ِهم[ { ...األنفال [٦٣: يعا َما أََل ْفت َب َ
َرض َجم ً
158 خير[ { ...األنفال [٧٠: ّللا ِفي هقلو ِبكم ََ ً االلفظ السادس والخمسون ِ...{ :إن َي َعل ِم َ ه
ِ
لوب ههم[ { ...التوبة [8: رض َونكم ِبأَ ْف َواه ِهم َوتأَْبى هق ه
اللفظ السابع والخمسون ...{ :هي ه
160
3
غيظ هقلوِب ِهم[ { ...التوبة [١٥-١٤:
ِ
اّلل واْليو ِم ِ
لوب ههم[ { ...التوبة [٤٥: اآلخ ِر َو َ
ارت َاب ْت هق ه اللفظ الستون ... { :ال هي ْؤمنو َن ِب َ َ َ
165
ِ ِِ
ليها َواْل هم َؤَلفة هق ه
لوب ههم[ { ...التوبة[٦٠ : اللفظ الحادي و الستون َ ...{ :واْل َعامل َ
ين َع َ
167
169 ورة تَن هبئ ههم ِب َما ِفي هقلوِب ِهم[ { ...التوبة [٦٤:
اللفظ الثاني و الستون ...{ :هس َ
171 قب ههم ِنفاًقا ِفي هقلوِب ِهم[ { ...التوبة [٧٧: اللفظ الثالث والستون { :فأ َ
َع َ
فهم ال َي ْفَق ههو َن { [التوبة [8٧: اللفظ الرابع والستون َ ...{ :وط ِب َع َعلى هقلوِب ِهم ه
174
فهم ال َيعَل همو َن { [التوبة [٩٣: ّللا َعلى هقلوِب ِهم ه اللفظ الخامس والستون َ ...{ :و َ
طب َع َ ه
176
178 ال هبْنَياهن هه هم اَل ِذي َبنوا ِر َيبة ِفي هقلوِب ِهم
اللفظان السادس والستون والسابع والستون ... { :ال َي َز ه
لوب ههم { [التوبة [١١٠: ِإالَ أَن َتق َ
ط َع هق ه
ِ ِ ِ
نهم[ { ...التوبة [١١٧: لوب َف ِريق م ه اللفظ الثامن والستون ...{:من َبعد َما َك َاد َي ِزيغ هق ه
180
[١٢
فؤ َاد َك{ ... الر هس ِل َمان َثبت ِب ِه َ اء ُّليك ِمن أَنب ِ
قص َع َ اللفظ السادس والسبعون َ { :و كالا َن ُّ
200
َ
[هود [١٢٠:
203 ّللا أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ
ّللا اللفظان السابع والسبعون و الثامن والسبعون ...{ :وت ْطمِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ
هه َ َ
لوب { [الرعد [٢8: ِ
ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه
206 اس تهوِي ِإلي ِهم[ { ...إبراهيم [٣٧: فاجع ْل أَ ْفِئ َد ًة ِم َن الَن ِ
اللفظ التاسع والسبعون َ ...{ :
ِ
تهم َه َواء[ { ...إبراهيم [٤٣ : فهم َوأَ ْفئ َد ه رتُّد ِإلي ِهم ه
طر ه اللفظ الثمانون ... { :ال َي َ
208
4
227 فؤ َاد[ { ...اإلسراء [٣٦: مع َواْلَب َصَر َواْل َالس َ اللفظ التاسع والثمانون ِ...{ :إ َن َ
230 َكَن ًة[ { ...اإلسراء [٤٦: اللفظ التسعون { :وجعَلنا على هقلوِب ِهم أ ِ
َ ََ َ
ِ ِ
وركم[ { ...اإلسراء [٥١: ص هد ِ كبهر في ه اللفظ الحادي والتسعون { :أَو ْخًلقا م َما َي ه
232
236 طنا َعلى هقلوِب ِهم[ { ...الكهف [١٤: اللفظ الثاني والتسعون َ { :وَرَب َ
239 كرنا[ { ...الكهف [٢8: التطع َمن أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن ِذ ِ اللفظ الثالث والتسعون ...{ :و ِ
َ
241 ِ
اللفظ الرابع والتسعون ِ...{ :إَنا َج َعَلنا َعلى هقلوِب ِهم أَكَن ًة[ { ...الكهف [٥٧:
243 شرح ِلي َصدرِي { [طه [٢٥: قال َرب ا َ اللفظ الخامس والتسعون َ { :
جوى[ { ...األنبياء [٣: ِ
َسُّروا الَن َ اللفظ السادس والتسعون { :الهَية هق ه
لوب ههم َوأ َ
246
ِ ِ
لوب ههم[ { ...الحج [٣٥: لت هق ه ّللا َو ِج ْ
ين ِإذا ذكَر َ ه اللفظ الثامن والتسعون { :اَلذ َ
252
ِ
لوب ههم َو ِجلة[ { ...المؤمنون [٦٠: ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه اللفظ الرابع بعد المئة َ { :واَلذ َ
263
265 غمرة ِمن َهذا[ { ...المؤمنون [٦٣: ِ
لوب ههم في َ اللفظ الخامس بعد المئة َ { :ب ْل هق ه
267 َبص َار َواألَ ْفِئ َدة[ { ...المؤمنون :
مع َواأل َ
الس َ اللفظ السادس بعد المئة َ { :وهه َو اَل ِذي أَْنش َأ َل هك هم َ
[٧8
َ ِ ِ
َبصار {[النور [٣٧: لوب َواأل َ
وما َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه السابع بعد المئة َ...{ :يخاهفو َن َي ً اللفظ
269
ِ
تابوا[ { ...النور [٥٠: الثامن بعد المئة { :أَفي هقلوِب ِهم َمَرض أَ ِم َار ه اللفظ
273
[١٠
5
ين أ ههوتوا اْل ِعْل َم{ ... اللفظ التاسع عشر بعد المئة { :بل هو ءايا ت بينا ت ِفي صد ِ ِ
ور اَلذ َ
300
هه ََ َ ْ هَ َ َ
[العنكبوت [٤٩:
ّللا على هق ِ ِ ِ
ين ال َيعَل همون {[الروم [٥٩: لوب اَلذ َ اللفظ العشرون بعد المئة { :كذل َك َي ْطَب هع َ ه َ
303
{[األحزاب [١٠:
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض... ِ ِ
اللفظ السادس والعشرون بعد المئة َ { :واِ ْذ َيقول اْل همنافقو َن َواَلذ َ
318
{[األحزاب [١٢:
320 عب[ { ...األحزاب [٢٦: الر َاللفظ السابع والعشرون بعد المئة َ ...{ :وقذف ِفي هقلوِب ِه هم ُّ
322 في ْط َم َع اَل ِذي ِفي قْل ِب ِه َمَرض... عن ِب ْاَل ِ
قول َ اللفظ الثامن والعشرون بعد المئة ...{ :فال ْ
تخ َض َ
{[األحزاب [٣٢:
ِ ان َ ِ ِ ِ
يما
يما َحل ً
ّللا َعل ً
ّللا َيعَل هم َما في هقلوبكم َوَك َ ه اللفظ التاسع والعشرون بعد المئة َ ...{ :و َ ه
324
{[األحزاب [٥١:
326 ذلكم أَ ْط َههر ِلهقلو ِبكم َوهقلوِب ِه َن{...
اللفظان الثالثون والحادي والثالثون بعد المئة ِ ... { :
[األحزاب [٥٣:
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض {... ِ ِ ِ ِ
اللفظ الثاني والثالثون بعد المئة { :لئن لم َيْنته اْل همنافقو َن َواَلذ َ
328
[األحزاب [٦٠:
330 اللفظ الثالث والثالثون بعد المئة َ ...{ :ح َتى ِإ ذا فز َع َعن هقلوِب ِهم[ { ...سبأ [٢٣:
332 الص هدور {[فاطر [٣8: ات ُّ اللفظ الرابع والثالثون بعد المئة ِ...{ :إَنه عِليم ِب َذ ِ
ه َ
334 اء َرَب هه ِبقْلب َسِليم { [الصافات [8٤: اللفظ الخامس والثالثون بعد المئة ِ { :إ ذ َج َ
336 الص هدور {[الزمر [٧: ذات ُّاللفظ السادس والثالثون بعد المئة ِ...{ :إَنه عِليم ِب ِ
ه َ
درهه ِل ِ
إلسال ِم ... ّللا َص َشر َح َ ه
َفمن َ اللفظان السابع والثالثون و الثامن والثالثون بعد المئة { :أ َ
338
[٢٣
ِ ِ
ين ال هي ْؤ ِمنو َن[ {...الزمر : لوب اَلذ َ
اشمأََزت هق ه
حد هه َ اللفظ األربعون بعد المئة َ { :واِذا ذكَر َ ه
ّللا َو َ
345
[٤٥
لوب َلدى اْل َحَن ِ َنذرهم يوم ِ ِ ِ ِ
اج ِر{ ... اآلزفة ِإذ ْاهلهق ه اللفظ الحادي و األربعون بعد المئة َ { :وأ ه َ َ
349
[غافر [١8:
6
351 الص هدور{ [غافر [١٩: اتخفي ُّاللفظ الثاني و األربعون بعد المئة { :يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وم ِ
ه ََ َ ه
ّللا َعلى ِ
كل قْل ِب هم َتكبر َجَبار{ [غافر : ِ
اللفظ الثالث واألربعون بعد المئة َ ... { :كذل َك َي ْطَب هع َ ه
354
[٣٥
ورِهم ِإالَ ِكبر ما هم ِبب ِال ِغ ِ ِ
يه[ { ...غافر : ص هد ِ اللفظ الرابع واألربعون بعد المئة ِ...{ :إ ن في ه
355
َ ه َ
[٥٦
ِ
وركم[ {...غافر [8٠: ص هد ِ اجة في ه اللفظ الخامس واألربعون بعد المئة َ ...{ :وِل َتهبلغوا َع َ
ليها َح َ
357
359 َكَنة ِم َما تدعونا ِإ ِ
ليه[ {...فصلت : اللفظ السادس واألربعون بعد المئة { :وقاهلوا هقلوبَنا ِفي أ ِ
هَ ه
[٥
ّللا ي ِ ِ
ختم َعلى اللفظان السابع واألربعون و الثامن واألربعون بعد المئة ...{ :فِإن َيشأ َ ه َ
362
[٢٤
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض [ { ...مح َمد [٢٩: ِ
اللفظ الخامس والخمسون بعد المئة { :أَم َح ِس َب اَلذ َ
377
379 لوب ْا ِ
لم ْؤ ِمن َ
ين{ ... ه
الس ِكَينة ِفي هق ِ اللفظ السادس والخمسون بعد المئة { :هه َو اَل ِذي أَْن َز َل َ
[الفتح [٤:
ليس ِفي هقلوِب ِهم[ { ...الفتح : ِ ِ
قولو َن ِبأَْلسنت ِهم َما َ اللفظ السابع والخمسون بعد المئة َ...{ :ي ه
381
[١١
383 ذل َك ِفي هقلو ِبكم[ { ...الفتح [١٢: ين ِ
اللفظ الثامن والخمسون بعد المئة ...{ :أََبًدا َو هز َ
385 فعِل َم َما ِفي هقلوِب ِهم[ { ...الفتح [١8: اللفظ التاسع والخمسون بعد المئة َ ...{ :
فروا ِفي هقلوِب ِه هم اْل َح ِمَية[ { ...الفتح [٢٦: ِ
ين َك ه اللفظ الستون بعد المئة ِ { :إ ذ َج َع َل اَلذ َ
388
ِ ِ
لوب ههم[ { ...الحجرات [٣: ّللا هق َ
تح َن َ ه
ام َين َ اللفظ الحادي و الستون بعد المئة...{ :أ َهولئ َك اَلذ َ
391
393 نه ِفي هقلو ِبكم{ ...
ان َوَزَي ه
يم َاإل َ ّللا َحَب َب ِإَل ه
يك هم ِ ِ
اللفظ الثاني والستون بعد المئة َ ...{ :ولك َن َ َ
[الحجرات [٧:
395 ان ِفي هقلو ِبكم[ { ...الحجرات [١٤: يم ه دخل ِ
اإل َ
اللفظ الثالث والستون بعد المئة َ ...{ :ول َما َي ِ
397 اء ِبقْلب همِنيب { [ق [٣٣: ِ ِ
حم َن ب ْالغيب َو َج َ الر َخش َي َ اللفظ الرابع والستون بعد المئة { :من ِ
َ
ِ ِ ِ ِ
ان َل هه َقْلب[ { ...ق [٣٧: كرى ل َمن َك َ اللفظ الخامس والستون بعد المئة ِ { :إ َن في ذل َك لذ َ
400
الفؤ هاد َما َأرَى { [النجم [١١: كذب َ اللفظ السادس والستون بعد المئة َ { :ما َ
403
7
407 الص هدور { [الحديد [٦: ات ُّ اللفظ السابع والستون بعد المئة ...{ :وهو عِليم ِب َذ ِ
َ هَ َ
اللفظان الثامن والستون و التاسع والستون بعد المئة { :أَلم يأ ِ ِ ِ
شع
تخ َ
امنوا أَن ْ ين َء َْن لَلذ َ
409
َ
لوب ههم[ { ...الحديد [١٦: ِ هقلوبهم ِل ِذ ْك ِر َ ِ
قس ْت هق ه َم هد َف َ
فطال َعليه هم األ َ
َ ّللا... هه
ِ ِ
وه َ ْأرف ًة[ { ...الحديد [٢٧: ين ا َتَب هع هلوب اَلذ َ اللفظ السبعون بعد المئة َ ...{ :و َج َعَلنا في هق ِ
411
ِ
لوب ههم ش َتى[ { ...الحشر [١٤: يعا َوهق ه تحسهب ههم َجم ً اللفظ السادس والسبعون بعد المئة َ ...{ :
424
لوب ههم[ { ...الصف [٥: ّللا هق َاللفظ السابع والسبعون بعد المئة َ ...{ :فل َما َزاغوا أ ََزاغ َ ه
426
[المنافقون [١:
ّللا عِليم ِب َذ ِ
ور { [التغابن [٤: الص هد ِ
ات ُّ اللفظ التاسع والسبعون بعد المئة َ ...{ :و َ ه َ
431
اّلل ي ِ
ِ
هد َقْلَب هه[ { ...التغابن [١١: اللفظ الثمانون بعد المئة َ ...{ :و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ
433
لوب هك َما[ { ...التحريم [٤: اللفظ الحادي والثمانون بعد المئة ِ { :إن هتتوبا ِإلى َ ِ
ّللا َفقد َصغت هق ه
436
َ
439 الص هدور {[الملك [١٣: ِ
اللفظ الثاني والثمانون بعد المئة ِ...{ :إَن هه َعِليم ِب َذات ُّ
442 َبص َار َواألَ ْفِئ َدة[ { ...الملك [٢٣:
مع َواأل َ الس َ اللفظ الثالث والثمانون بعد المئة َ ...{ :و َج َع َل َل هك هم َ
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرضَ [ { ... ِ
المدثر [٣١: يقول اَلذ َ
اللفظ الرابع والثمانون بعد المئة َ ...{ :وِل َ
444
446 اج َفة[ { ...النازعات [٧: اللفظ الخامس والثمانون بعد المئة { :هقهلوب َيومِئذ َو ِ
َ
448 ان َعلى هقلوِب ِهم َما كاهنوا َي ْك ِسهبو َن { اللفظ السادس والثمانون بعد المئة َ { :كالَ َب ْل َر َ
[المطففين [١٤:
در َك { [الشرح [١: لك َص َ نشرح َالسابع والثمانون بعد المئة { :أَلم َ اللفظ
451
453 الص هدور {[العاديات [٩: صل َما ِفي ُّ الثامن والثمانون بعد المئة َ { :و هح َ اللفظ
455 طِل هع َعلى األَ ْفِئ َد ِة { [الهمزة [٦:
التاسع والثمانون بعد المئة { :اَلِتي َت َ اللفظ
سو ِ ِ
اس { [الناس [٥:ور الَن ِ ص هد ِس في ه التسعون بعد المئة { :اَلذي هي َو ِ ه اللفظ
457
459 دعاء الختام
460 المصادر والمراجع
8
مقدمة الكتاب
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب العالمين ،القائل في كتابه المبين َ }:يوم ال َيْن َف هع مال َوال َبنو َن )ِ )88إالَ
َ َ
ّللا ِبقْلب َسلِيم {] الشعراء [ ٨٩- ٨٨:والصالة والسالم على إمام المرسلين ،
َمن أَتى َ َ
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،القائل» :إنه ُليغان على قلبي ،واني ألستغفر
هللا في اليوم مئة مرة« ،) ١ورضي هللا تعالى عن أصحابه الكرام « ) أجمعين ،وعلى
رأسهم سيدنا أبو بكر الصديق الذي قيل فيه) :ما سبقكم أبو بكر بكثرة صالة وال صيام
ولكن بشيء َوقر في قلبه ( ،وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ،الذين يقولون :
ِ
حمة ِإَن َك أَْنت اْل َوه ه
َاب { [آل عمران : لوبنا َب َ ِ
عد إذ َه َدَي َتنا َو َهب َلنا من َلهدْن َك َر َ }َرَبنا ال ِ
تزغ هق َ
الخير والشر
ُ . [٨وبعد :القلب في اإلنسان كالهدف للرامي ،ينزل عليه من عالم الغيب
بشكل مستمر دون انقطاع ،فيكون ككرة عليها بقع سوداء متفرقة ،إذا تدحرجت ترى هذه
البقع كالحلقة حول الكرة ،لعدم وجود وسعة يظهر فيها االنقطاع ،وحال القلب في نزول
الخير والشر عليه هكذا .الخير يأتي من هللا بواسطة المالئكة ،والشر يأتي من الشيطان
دائما في
إلى النفس ومن النفس يصل إلى القلب ،فحال هذا القلب أمر غامض ،وهو ً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه مسلم.
9
وعن أنس رضي هللا عنه قال : ()١
صلى هللا عليه وسلم يحلف » :ال ومقلِّ َب القلوب «
كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُيكثر أن يقول « :يا ُمقلِّب القلوب ثبت قلبي على
دينك« فقلت :يا نبي هللا !آمنا بك وبما جئت به ،فهل تخاف علينا؟ قال » :نعم ،إن
معنى ذلك أن قلوب جميع الناس القلوب بين أصبعين من أصابع هللا يقلِّبها كيف يشاء«
()2
تتقلب.
ورياضتها واجتناب المعاصي وفعل األوامر ،فيحصل له زكاء وتطهير .وهذا القلب ال
الجنة و َّ
النار وفي عذاب جل جالله ،ويتفكر في الحشر والنشر و َّ َّ
ويتفكر في مخلوقات هللا َّ
اجتناب نواهيه.والثاني :قلب منكوس ،ال يدخل فيه خير وال يخرج منه شر ،فكأنه
ُ وتعالى و
في بيت بارد جامد ،والعاَلم تحت الشمس ،فهل تصل إليه ح اررتها ؟ ال .وبهذا يذهب على
العمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه البخاري.
- ٢أخرجه الترمذي وحسنه.
10
أحيانا يكون في يد المالئكة و ً
أحيانا في يد الشياطين، ً والثالث :قلب تنور باإليمان ،لكنه
وملك آخر يجره إلى خير آخر ،وشيطان يجره إلى شر ،وشيطان
فمَلك يجره إلى خير َ ،
آخر يجره إلى شر آخر ،وهو متردد بين المالئكة والشياطين ،يحاول أن يخلص من
علماؤنا – رضي هللا تعالى عنهم -ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها وخواطرها
فاعلم أن هذا أمر غامض ،وقد وردت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع
العلماء بالشرع .فقد روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال: ) )١
بينها إال على سماسرة
قول
تعاَلى َي ُ
رضي هللا عنه :قال رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وسلم » :إ ن هللا َ
ِّ
لِّل َحفظة :إذا َهم َعب ِّدي ِّب َس َيئة فال ُ
تك ُتبوها فإن َع ِّملها ُ
فاك ُتبوها َس َيئةَ ،واذا َهم ِّب َح َسنة َولم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١سماسرة العلماء :نقادهم وأذكياؤهم .
ضب ََ ط العلماء أنفسها بالنصب والرفع ،وهما ظاهران ،إال أن -2قال النووي في شرحه لصحيح مسلم َ :
نفسه .قال ويدل عليه قوله :إن أحدن حدث َ أنفسها بالنصبُّ ، النصب أظهر وأشهر .قال القاضي عياض َ :
سوس ِّبهِّ
نع ُلم َما َتو ِّ ُ
أنفسها بالرفع ،يريدون بغير اختيارها .قال تعالى َ {:و َ
الطحاوي :وأهل اللغة يقولون ُ
َنف ُسه{] ق [. ١٦:وهللا أعلم.
- 3أخرجه البخاري ومسلم .
- 4أخرجه البخاري ومسلم.
11
العفو عن عمل القلب وهمه بالسيئة .وفي لفظ آخر »:من هم ِّبحسنة َفلم يعملها ِّ
كت َبت َل ُه َ َ َ َ ََ
ضعف َ ،و َمن َهم ِّب َس َيئة َفلم َيع َملها مائ ِّة ِّ حسنة ،ومن هم ِّبحسنة فع ِّملها ِّ
كت َبت َل ُه إَلى َسب َع َ َ ََ َ ََ ََ
تحدث ِّبأَن َيع َم َل َس َيئة فأَنا ِّ ِّ ِّ
تكتب َعليه وان َعملها كت َبت« ،وفي لفظ آخرَ » :واِّذا َ لم َ
وكل ذلك يدل على العفو .فأما ما يدل على المؤاخذة فقوله ِّ
أغف ُرها َل ُه َما لم َيع َملها«ُّ ،
شاء َوهي َع ِذ هب ّللا ِ ِ ِ ِ تبدوا ما في أْن ِ
فوه هي َحاسبكم ِبه َ ه َ
في ْغفهر ل َمن َي ه تخ هفسكم أو ْ سبحانه {:إن ه َ
مع
الس َ
إن َ لك ِب ِه ِعْلم َ
ليس َ
اء { ]البقرة ، [ ٢8٤:وقوله تعالى َ {:وال َت ْقف َما َ َمن َي َش ه
فدل على أن عمل الفؤاد سؤوال { ]اإلسراء َّ ، [ ٣٦: ان َعْن هه َم ه فؤ َاد ُّ ِ
كل أ َهولئ َك َك َ الب َصَر واهل َ
وَ
تمها تموا َ
الش َه َادة َو َمن َي هك َ تك هكعمل السمع والبصر ،فال ُيعفى عنه ،وقوله تعالى َ {:وال ه
غو في أيم ِانكم و ِ ّللا بالَل ِ ِ ِ
لكن َ َ فإَن هه آثم َقْلهب هه { ]البقرة ، [ 2٨3:وقوله تعالى } :ال هي َؤاخ ه
ذكم َ ه
الحق عندنا في هذه المسألة ال يوقف عليه ما لوبكم} ]البقرة [٢٢٥:و ُّ ِ ِ
كسَب ْت هق ه
هي َؤاخذكم ب َما َ
لم تقع اإلحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدأ ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح
،فنقول :أول ما يرد على القلب الخاطر ،كما لو خطر له مثال صورة امرأة وأنها وراء
ظهره في الطريق ،لو التفت إليها لرآها .والثاني :هيجان الرغبة إلى النظر ،وهو حركة
األول :
ُ ميل الطبع ،ويسمى
الشهوة في الطبع ،وهذا يتولد من الخاطر األول ،ونسميه َ :
حديث النفس.
كم القلب بأن هذا ينبغي أن ُيفعل ،أي :ينبغي أن ينظر إليها ،فإن الطبع إذا
والثالث ُ :ح ُ
مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف ،فإنه قد يمنعه حياء أو خوف من
االلتفات ،وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل ،وهو على كل حال ُحكم من جهة العقل
اعتقادا ،وهو يتبع الخاطر والميل .الرابع :تصميم العزم على
،ويسمى هذا ً :
ــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12
وقصدا ،وهذا الهم قد يكون له
ً هما بالفعل ونية
االلتفات وجزم النية فيه ،وهذا نسميه ً :
مبدأ ضعيف ،ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر األول حتى طالت مجاذبته للنفس َّ
تأكد
هذا الهم وصار إرادة مجزومة ،فإذا انجزمت اإلرادة فربما يندم بعد الجزم فيترك العمل ،
وربما يغفل بعارض فال يعمل به وال يلتفت إليه ،وربما يعوقه عائق فيتعذر عليه العمل .
فههنا أربع أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة :الخاطر وهو حديث النفس ،ثم الميل ،ثم
االعتقاد ،ثم الهم .فنقول :أما الخاطر فال يؤاخذ به ألنه ال يدخل تحت االختيار ،وكذلك
أيضا تحت االختيار ،وهما المرادان بقوله صلى
الميل وهيجان الشهوة ألنهما ال يدخالن ً
هللا عليه وسلمُ » :عفي عن أمتي ما حدثت به نفوسها« فحديث النفس عبارة عن الخواطر
التي تهجس في النفس وال يتبعها عزم على الفعل ،فأما الهم والعزم فال يسمى حديث
النفس ،بل حديث النفس كما روي عن عثمان بن مظعون حيث قال للنبي صلى هللا عليه
ِّ ِّ ِّ ِّ
وسلم :يا رسول هللا !نفسي تحدثني أن أطلق خولة ،قالَ «:مهال إن من ُسَّنتي الن َك َ
اح»
الصيام« قال : وب ِّ ِّ
ِّ اء أُمتي ُد ُؤ ُ
صُ قال :نفسي تحدثني أن أجب نفسي ،قالَ » :مهال خ َ
الحج« قال :نفسي تحدثني ِّ ِّ ِّ
نفسي تحدثني أن أترهب ،قالَ » :مهال َره َبانية أُمتي الج َه ُاد َو َ
ِّ ِّ ()١ ِّ ِّ
َطع َمنيه«
َكلته َو لو َسأَلت هللا أل َ
َصبتُ ُه أل ُ به َولو أ َأن أترك اللحم ،قالَ » :مهال فإني أُح ُ
رسول
َ ،فهذه الخواطر التي ليس معها عزم على الفعل هي حديث النفس ،ولذلك شاور
هللا صلى هللا عليه وسلم إذ لم يكن معه عزم وهم بالفعل .وأما الثالث :وهو االعتقاد وحكم
اختيار ،واألحوال تختلف
ًا القلب بأنه ينبغي أن يفعل ،فهذا تردد بين أن يكون اضطرًا
ار أو
فيه ،فاالختياري منه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١قال العراقي :رواه الحكيم الترمذي في النوادر من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب مرسال.
13
يؤاخذ به ،واالضطراري ال يؤاخذ به .وأما الرابع :وهو الهم بالفعل ؛ فإنه مؤاخذ به ،إال
تمام الغفلة عن هللا تعالى ،واالمتناعُ بالمجاهدة على خالف الطبع ،يحتاج إلى قوة
عظيمة ،فجده في مخالفة الطبع هو العمل هلل تعالى ،والعمل هلل تعالى أشد من جده في
على همه بالفعل ،وان تعوق الفعل بعائق أو تركه بعذر ال خوًفا من هللا تعالى كتبت عليه
سيئة ،فإن همه فعل من القلب اختياري .والدليل على هذا التفصيل ما روي في الصحيح
وحيث قال :فإن لم يعملها :أراد به تركها هلل ،فأما إذا عزم على فاحشة فتعذرت عليه
اس بسبب أو غفلة فكيف َُتكتب له حسنة ؟ وقد قال صلى هللا عليه وسلم» َّإن َما ُيح َش ُر َّ
الن ُ
مسلما أو يزني ،ونحن نعلم أن من عزم ليالً على أن يصبح ليقتل ()2 على ِّن ِّ
يات ِّهم «
ً َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه مسلم ،وأحمد في المسند عن أبي هريرة رضي هللا عنه.
-٢أخرجه ابن ماجه من حديث جابر رضي هللا عنه دون قوله (:إنما (.وأخرجه أحمد عن أبي هريرة( رضي هللا عنه) ».
إنما ُيبعث الناس على نياتهم »
14
والدليل القاطع فيه ما روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال » :إذا التَقى
تول ِّفي ال ِّ
نار« ،فقيل :يا رسول هللا !هذا القاتل فما بال ِّ المسلِّم ِّ ِّ
المُق ُ
ان ب َسيفيهما فاَلقات ُل و َ ُ َ
ِّ ِّ ()١
صاح ِّبه« ،وهذا نص في أنه صار بمجرد اإلرادة من المقتول؟ قال » :ألََّن ُه أ ََرَاد قت َل َ
كل هم
مظلوما ،فكيف ُيظن أن هللا ال يؤاخذ بالنية والهم ؟ بل ُّ
ً أهل النار ،مع أنه قتل
ونقض العزم بالندم حسنة، يكفره بحسنة ،دخل تحت اختيار العبد فهو مؤاخذ به ،إال أن ِّ
ُ
فلذلك كتبت له حسنة ،فأما فوت المراد بعائق فليس بحسنة .وأما الخواطر وحديث النفس
وهيجان الرغبة فكل ذلك ال يدخل تحت اختيار ،فالمؤاخذة به تكليف ما ال ُيطاق ،ولذلك
ِِ ِ ِ
ّللا } [البقرة : تبدوا ما في ْأهنفسكم أو هت هخ ه
فوه هي َحاسبكم به َ ه لما نزل قوله تعالى {:وان ه
، [ 2٨4جاء ناس من الصحابة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقالوا :كلِّفنا ما ال
يحاسب بذلك ،فقال » َ نطيق ،إن أحدنا ليحدث نفسه بما ال يحب أن يثبت في قلبه ثم
قولوا َس ِّمعنا َوأَطعنا«(َََ ، )2فقاُلوا : ِّ ِّ
صيناُ ، ود َ :سمعنا َو َع َ
الي ُه ُ قولو َن َ
كما َقاَلت َ لعلكم تُ ُ
َ :
سع َها } [ البقرة : ِ ِّ
ّللا َن ْف ًسا إال هو َ
الفرج بعد سنة بقوله }:ال هي َكلف َ ه َسمعنا َوأَطعنا ،فأنزل هللا َ
، [ 2٨٦فظهر به أن كل ما ال يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو الذي ال يؤاخذ
وكل من يظن أن كل ما يجري على القلب
به .فهذا هو كشف الغطاء عن هذا االلتباس ُّ .
يسمى حديث النفس ولم يفرق بين هذه األقسام الثالثة فال بد وأن يغلط ،وكيف ال يؤاخذ
بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياء والنفاق والحسد وجملة الخبائث من أعمال القلب ؟
بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤوال ؟ أي ما يدخل تحت االختيار .فلو
وقع البصر بغير اختيار على غير ذي محرم لم يؤاخذ به ،فإن أتبعها نظرة ثانية كان
مؤاخ ًذا به ألنه مختار ،فكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه البخاري ومسلم.
-٢أخرجه مسلم.
15
خواطر القلب تجري هذا المجرى ،بل القلب أولى بمؤاخذته ألنه األصل .قال رسول هللا
ّللا
نال َ َ
وقال هللا تعالى }:لن َي َ
()١
َش َار إَلى اَلقل ِّب«
ههنا َوأ َ َّ
صلى هللا عليه وسلم »:الت َقوى ُ
معاقبا عليه .ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته
ً بفعله ،فإن َّ
تذكر ثم تركه كان
ِّ
يعص بوطئها وان كانت أجنبية ،فإن ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصى بوطئها وان لم
فاالهتمام بالقلب ثابت في اآليات القرآنية وفي األحاديث النبوية .وقوله صلى هللا عليه
وسلم » :يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك«()5يدل على أن هللا تعالى أطلعه على
، ]٦٩ألننا إذا جاهدنا نخلِّص قلوبنا من سيطرة النفس األمارة ،وعندئذ إذا جاء الشيطان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه مسلم والترمذي .
فيحزها ،أو يحوزها لرقتها وصفائها ولينها ولطفها . حواز :بتشديد الواو والزاي يعني ما ِّ
يؤثر فيها ُّ َّ -2
العدني في مسنده موقوًفا عليه .
-3قال العراقي :أخرجه البيهقي من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه ،و َ
- 4أخرجه الطبراني وأحمد من حديث وابصة بلفظ ( :وان أفتاك الناس وأَفتوك (
-5أخرجه الترمذي وحسنه عن أنس رضي هللا عنه ،والحاكم وصححه عن جابر رضي هللا عنه.
16
وألهمية القلب فإن أهل التصوف مذ سيدنا أبي بكر وسيدنا علي رضي هللا عنهما ،وأولياء
هللا الكمل أمثال الشيخ عبدالقادر الجيالني ومعروف الكرخي واإلمام أبي الحسن الشاذلي
وشاه نقشبندي واإلمام الغزالي وبديع الزمان األستاذ سعيد ُّ
النورسي وغيرهم إلى آخر الدنيا
ويطهرجميعا يشتغلون بإصالح هذا القلب ،حتى يتوجه إلى هللا ُ
ً رضي هللا تعالى عنهم
ِّ
ويسكرون أبواب الشياطين ،ألن أهل كل المشارب وي َّ
زكى ُوتطبع فيه األوامر اإللهية ، ُ
والمسالك يأخذون من القرآن الكريم .ولفظ القلب صراحة وكناية جاء في القرآن الكريم )
( ١٩٠مرة ،تشمل) قلب – قلبين – قلوب – فؤاد – أفئدة – صدر– صدور) .ولكن
جل جالله وحكمته أن علماء الظاهر يوجهون الناس إلى األحكام الظاهرة ،
قدر هللا َّ
َ
ويبينون لهم أن هذا حالل وهذا حرام ،هذا أمر وهذا نهي ،وعلماء الباطن يشتغلون
بالقلب ،ألنه إذا صلح القلب صلح الجسد ،كما أنه إذا صلح أمير البلد يصلح البلد كله
صلحت صلح ،كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم» :أال وان في الجسد ُمضغة إذا َ
الجسد ُّ
كله واذا فسدت فسد الجسد كله أال وهي القلب«( . )١لكن االشتغال بإصالح القلب
ال يستلزم ترك ظاهر الشريعة ،ومن فعل ذلك فهو مقطوع عن الطريقة والشريعة ،بل
يجب أن يعمل بظاهره بظاهر الشريعة ،وبباطنه بما أمره هللا تعالى من إصالح القلب .
نرجو هللا تعالى أن يجعلنا ممن تمسك بأذيال هؤالء ،وأن يرحمنا من فضله وكرمه .
فالطريقة بدون شريعة عاطلة ،والشريعة بدون تصوف ليست مقبولة.ونبين في هذا الكتاب
-بعون هللا تعالى -آراء المفسرين رحمهم هللا باختصار حول أحوال القلب ،وما يترتب
عليه من الكفر واإليمان وغير ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي هللا عنهما.
17
شيئا من األخطاء اللغوية،
وانني أستعذر من بعض األحباب اُلقراء إذا وجدوا فيما أكتب ً
ألنني ال أتفكر في قواعد اللغة العربية ،وال في األمور المتعلقة باأللفاظ ،فنرجو ممن
َّ
اطلع على شيء من ذلك أن ُيصلحه بقلم اإلصالح ،فالعدم ال ُي َنقد بالنقصان ،واال يكون
جل جالله أن ينفعنا بديننا واسالمنا واعتقادنا الصحيح ،وأن يرحمنا يوما لحشر
نرجو هللا َّ
ونهيئها لنظر هللا تعالى إليها ،فالقلب محل نظر الرب ،لقول رسول هللا صلى
َ الناقصة ،
هللا عليه وسلم » :إن هللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أجسامكم ،ولكن ينظر إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن من صلحت نيَّته وصفا قلبه لم يضرَّه تركالجهال أو المتجاهلينَّ ،
-١ليس معنى هذا الحديث ،كما يفهمه بعض َّ
مقصر في حقوق هللا تعالى .واَّنما معنى
ًا فإن من صلح قلبه وصفت سريرته ال يمكن أن يكون
الواجبات والعبادات العملية َّ .
أن التلبُّس بصور الطاعات والعبادات دون أن يكون لها جذور من صالح القلب واخالصه ال يقرب العبد إلى هللا
الحديث َّ
محمد سعيد
القمة للدكتور َّ
استقر في أعماق نفسك ].أبحاث في َّ
َّ ظاهر أعمالك يرى ما قد
َ شيئاَّ ،
ألن هللا تعالى كما يرى ً
رمضان البوطي[.
-2أخرجه مسلم .
18
اللفظ األول
بسم هللا الرحمن الرحيم
ع ِظيم) ٧
لهم َع َذاب َ
ِ
َبص ِارِهم غ َش َاوة َو ه
ِ
ّللا َعلى هقلوبِ ِهم َو َعلى َسمع ِهم َو َعلى أ َ
تم َ ه
( َخ َ
[البقرة] ٧:
تحذير للمسلمين ،ألن أفعال
ًا أقول :هذه اآلية وان كانت نازلة في الكافرين إالَ َ
أن فيها
المسلمين ليست كلها من اإلسالم ،وأفعال الكافرين ليست كلها من الكفر .فعلينا أن نجتنب
المعاصي ونتمسك بشرع هللا تعالى وبإتباع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،حتى ال نقع
تحت هذه اآلية الكريمة .نرجو هللا تعالى السالمة لجميع المؤمنين .اه.
الختم :الكتم ُ ،سمي به االستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه ،ألنه كتم له.
الغشاوة ِّ :ف َعالة ِّ ،من غشاه إذا غطاه ُ ،بنيت لما يشتمل على الشيء ،كالعصابة
و ِّ
والعمامة .وال ختم وال تغشية على الحقيقة ،وانما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة
تمرِّنهم على استحباب الكفر والمعاصي ،واستقباح اإليمان والطاعات ،بسب غيهم
وانهماكهم في التقاليد واعراضهم عن النظر الصحيح ،فتجعل قلوبهم بحيث ال ينفذ فيها
الحق ،وأسماعهم تعاف استماعه ،فتصير كأنها مستوثق منها بالختم ،
19
كما تجتليها أعين ()١
وأبصارهم ال تجتلي اآليات المنصوبة لهم في األنفس واآلفاق
وقد اختلف الناس في هذا الختم ،ولهم قوالن :منهم من قال :الختم هو خلق الكفر في
قلوب الكفار) ،)3ومنهم من قال :هو خلق الداعية التي إذا انضمت إلى القدرة صار
()5( )4
. موجبا لوقوع الكفر
ً سببا
مجموع القدرة معها ً
وقد وردت اآلية الكريمة ناعية على الكافرين شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم ،فالختم
االعتراض بأنه إذا ختم هللا على قلوبهم وعلى سمعهم فمنعهم عن الهدى فكيف يستحقون
العقوبة؟
قال الشيخ في تفسيره :واسناد الختم إلى هللا للتنبيه على أن إباءهم عن قبول الحق كالشيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١والتي تدل على وحدانية هللا تعالى ،ولذا يبقون على الكفر .
-2تفسير البيضاوي .
القلب الذي ال يقبل اإليمان وال حقائق الربوبية ،وال ُي ِّقُّر باأللوهية الربَّانية ،ولذا خلق
-3ألن هللا تعالى يعلم في األزل َ
الختم عليه بالكفر في األزل.
جل وعال ،وكذلك تحريك الداعي إلى اإليمان مخلوق ً
أيضا ،ولكن اإلنسان لم ُي َسلب منه الجزء الداعي مخلوق هلل ََّّ - 4
االختياري الذي خلقه هللا تعالى فيه؛ فبعد تحريك الداعي يأتي دور القدرة -وهذا هو الجزء .االختياري ، -فإذا لم يستعمله
رضى لِّ ِّعَب ِّاد ِّه الكفر (]الزمر ]٧:
يبقى على كفره ،وهللا تعالى ) ال َي َ
- 5تفسير الرازي .
- ٦وأعطاهم الجزء االختياري.
20
وفي التأويالت النجمية :في الختم إشارة إلى بداية سوابق أحكام القدر بالسعادة والشقاوة
نهم َش ِقي َو َس ِعيد{ ] هود : ِ
على وفق الحكمة واإلرادة األزلية للخليقة ،كما قال تعالى َ{:فم ه
، [ ١٠5مع حسن استعداد جميعهم بقبول اإليمان والكفر ،ولهذا لما خاطب الحق ذراتهم
القلوب في
جميعا ،ثم أودع هللا الذرات في القلوب و َ
ً بخطاب ألست بربكم ؟ قالوا :بلى ،
القلوب كلها مفتوحة إلى ()١
األجساد في الدنيا في ظلمات ثالث ،وكانت روزنة
َ األجساد و
عالم الغيب بواسطة الذرات المودعات التي سمعت خطاب الحق وشاهدت كمال الحق إلى
وقت والدة كل إنسان ،كما قال عليه الصالة والسالم» :كل مولود يولد على فطرة اإلسالم
وفيه إشارة إلى أن هللا ِّ
يكل األشقياء إلى تربية ()2
فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه«
الوالدين في معنى الدين حتى يلقنوهم تقليد ما ألفوا عليه آباءهم من الضاللة فيضلوهم ،
كما قال تعالى {:أهَنتم َوَء َاب هاؤكم ِفي َضالل هم ِبين } [األنبياء ، [ 54:فكانت تلك الشقاوة
المقدرة مضمرة في ضاللة التقليد والصفات النفسانية الظلمانية والهوى والطبيعة ،ثم جعل
تأثيرها وظلمتها ورينها يندرج إلى القلوب فيقسيها ويسودها ويغطيها ويسد روزنتها إلى
الذرات فيعميها ويصمها حتى ال يبصر أهل الشقاوة ببصر الذرات من الحق ما كانوا
يبصرون وال يسمع بسمع الذرات من الحق ما كانوا يسمعون ،فينكرون على األنبياء
ويكفرون بهم وبما يدعونهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الروزنة :الكوة .
َ -١
-2أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي هللا عنه
21
ليها
ّللا َع َ
طب َع َ ه
إليه فيختم هللا شقاوتهم بكفرهم هذا ويطبع على قلوبهم كقوله تعالىَ {:ب ْل َ
()١
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١فإنهم لم يسلبوا الجزء االختياري الذي هم َّ
مكلفون به بتكاليف الشريعة ،وليس لهم علم بما سبق لهم في علم هللا األزلي َُ
هل هم من األشقياء أم من السعداء ،فهم مسؤولون بالجزء االختياري.
-2تفسير روح البيان .
البدن مطيَّة القلب .
جل وعال بالقلب ال بالبدن ،و ُ
سعيه إلى هللا َّ
-3ألن اإلنسان ُ
بكدرة .
َ -4رب َِّد :اختلط سو ُاده َ
منكوسا.
ً الراوي بقوله :
وفسره َّ
-5أي :مائالَّ ،
22
هذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة والليث بن سعد وابن ماجه
عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ،ثالثتهم عن محمد ابن
عجالن به ،وقال الترمذي حسن صحيح .ثم قال ابن جرير فأخبر رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ،واذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من
قبل هللا تعالى والطبع ،فال يكون لإليمان إليها مسلك وال للكفر عنها مخلص ،فذلك هو
ّللا على هقلوبِ ِهم وعلى س ِ
مع ِهم { نظير ََ َ تم َ ه َ
الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى َ }:خ َ
الختم والطبع على ما تدركه األبصار من األوعية والظروف التي ال يوصل إلى ما فيها إال
بفض ذلك عنها ثم حلها ،فكذلك ال يصل اإليمان إلى قلوب من وصف هللا أنه ختم على
عنها. قلوبهم وعلى سمعهم إال بعد فض خاتمه وحل رباطها
()١
ّللا َعلى هقلوبِ ِهم { استئناف تعليلي لِّما سبق من الحكم ،وهو عدم
تم َ ه
قوله تعالى َ َ{:خ َ
إيمانهم .وحيث أُطلق القلب في لسان الشرع فليس المراد به الجسم الصنوبري الشكل ،
أيضا ،وهو جسم لطيف قائم
فإنه للبهائم ولألموات ،بل المراد معنى آخر يسمى بالقلب ً
العرض بمحله ،أو قيام الح اررة بالفحم( ،)2وهذا القلب هو الذي
بالقلب اللحماني قيام َ
يحصل فيه اإلدراك ،وترتسم فيه العلوم والمعارف(. )3وهذا يوافق ما ذكره اإلمام الغزالي
رضي هللا عنه من أن القلب قلبان :قلب رباني وقلب جسماني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير .
َمر { ]األعراف [ 54:؛ فالقلب الصنوبري اللحماني من عالم الخلق ،والقلب
-2قول هللا تعالى } :أَال َل ُه الخلق َواأل ُ
األمر أفضل من الخلق.المعنوي من عالم األمر ،و ُ
-3حاشية الجمل
23
طلق وال يرضى إال بما جاء
أقول :إذا خلص هذا القلب من سيطرة النفس األمارة فإنه هي َ
فعلى المؤمن أن يجاهد نفسه ويطهر قلبه من األخالق الذميمة التي تضر اعتقاده
المخصوصة بها من ِقَبل خالقها وفق ما يرضيه ج َل وعال ،وبذلك يكون اإلنسان ًا
بشر
باطنا.
ظاهر ومَل ًكا ً
ًا
24
اللفظ الثاني
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا مر ًضا ولهم ع َذاب أَلِيم ِبما كاهنوا ي ِ ِ
كذهبون())10 َ َ (في هقلوبِ ِهم َمَرض َف َزَاد هه هم َ ه َ َ َ ه َ
[البقرة ]١٠:
المرض صفة توجب وقوع الضرر في األفعال الصادرة عن موضع تلك الصفة ،ولما كان
()١
. اضا للقلب
مانعا من هذه اآلثار كانت تلك الصفات أمر ً
الصفات ما صار ً
والمرض حقيقة فيما يعرض للبدن فيخرجه عن االعتدال الخاص به ويوجب الخلل في
أفعاله ،ومجاز في األعراض النفسانية التي تخل بكمالها ،كالجهل وسوء العقيدة والحسد
والضغينة وحب المعاصي ،ألنها مانعة من نيل الفضائل ،أو مؤدية إلى زوال الحياة
الحقيقية األبدية .واآلية الكريمة تحتملهما ،فإن قلوبهم كانت متألمة تحرًقا على ما فات
وحسدا على ما يرون من ثبات أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم ،
ً عنهم من الرياسة ،
ونفوسهم
ُ يوما فيو ًما ،وزاد هللا غمهم بما زاد في إعالء أمره واشادة ذكره،
واستعالء شأنه ً
()2
وسلم . كانت موصوفة بالكفر وسوء االعتقاد ومعاداة النبي صلى هللا عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي .
-2تفسير البيضاوي.
25
وعن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول هللا
ِ
صلى هللا عليه وسلم في هذه اآلية } في هقلوبِ ِهم َمَرض { قال :شك َ } ،ف َزَاد هه هم َ ه
ّللا
شكا .وعن عكرمة وطاووس ِ {:في هقلوبِ ِهم َمَرض { يعني الرياء ( )١وقال َمَر ًضا{ قال ً :
ِ
الضحاك عن ابن عباس {:في هقلوبِ ِهم َمَرض { قال :نفاق َ } ،ف َزَاد هه هم َ ه
ّللا َمَر ًضا { قال :
نفاًقا ،وهذا كاألول .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ِ {:في هقلوبِ ِهم َمَرض { قال :هذا
المرض :الشك الذي دخلهم مرضا في األجساد ،وهم المنافقون ،و ُ مرض في الدين وليس ً
ِ
امنوا رجسا ،وق أر َ{:فأَ َما اَلذ َ
ين َء َ ّللا َمَر ًضا { قال :زادهم هللا ًفي اإلسالم َ } ،ف َزَاد هه هم َ ه
ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض َ ِ فزَادتهم ِإيماًنا و ههم يس ِ
تهم ِر ً
جسا فزَاد ه تبشهرو َن { )َ { )١٢٤وأَ َما اَلذ َ َ ه َ َ ََ
ِإلى ِر ِ
جس ِهم } [ التوبة [ ١25-١24قالً :ا
شر إلى شرهم وضاللة إلى ضاللتهم .وهذا الذي
قاله عبد الرحمن رحمه هللا حسن ،وهو الجزاء من جنس العمل ،وكذلك قاله األولون ،
ِ
اهم { ] محمد :
تقو ه
اهم َ
تدوا َزَاد ههم هه ًدى َو َء َات ه
اه َ أيضاَ { :واَلذ َ
ين َ وهو نظير قوله تعالى ً
()2
. ]١٧
قال القاشاني في تأويل اآلية :في قلوبهم حجاب من حجب الرذائل النفسانية الشيطانية
الحقانية(.)3 والصفات البشرية عن تجليات الصفات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١هذا للمؤمن ليس للكافر؛ ألن الكافر ال يوجد عنده عمل خالص حتى يدخله الرياء ،أما المؤمن فإنه إذا
ياء وشهر ًَ ة يفسد العمل ،ويكون كأنه لم يعمله.
عمل عم ًَ ال ر ً
-2تفسير ابن كثير .
ُّ
ويصدوا - 3ويبقى هذا الحجاب ما لم ينوروا قلوبهم ،حتى يروا الحق حًقا والباطل باطال ،فيتَّبعوا الحق
ين َّ ِّ وطهروا قلوبهم فإنهم ينالون رضا هللا َّ
جل وعال ،لقوله تعالى َ { :والذ َ الباطل .وأما الذين جاهدوا أنفسهم َّ
نهديَّنهم سبََلنا }] العنكبوت [. ٦٩:فعلى المؤمن أن ال يهمل هذه الحقيقة ،حتى ال ِّ
يسكر على ِّ ِّ
اه ُدوا فَينا َََل َ ُ ُ ُ َ
َج َ
النفس والشيطان والهوى
نفسه باب رحمة هللا تعالى ،بإتباعه َ
26
ِ
وفي التأويالت النجمية {:في هقلوبِ ِهم َمَرض { وهو التفات إلى غير هللا َ } ،ف َزَاد هه هم َ ه
ّللا
َمَر ًضا { أي زاد مرض االلتفات على مرض خداعهم ،فحرموا من الوصول والوصال،
لهم َع َذاب أ َِليم { من حرمان الوصول إلى هللا تعالى } ِب َما كاهنوا َي ْك ِذهبو َن{ بقولهم إنا
} َو ه
آمنا باهلل ،فإنهم ليسوا بمؤمنين حقيقة ،واإليمان الحقيقي نور إذا دخل القلب يظهر على
المؤمن حقيقته ،كما كان لحارثة لما سأله رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :كيف
حقا ،قال »:يا حارثة إن ِّ
لكل حق حقيقة فما مؤمنا ً
ً أصبحت يا حارثة؟ قال :أصبحت
أعرضت نفسي عن الدنيا -أي زهدت وانصرفت -فأظمأ نهارها
حقيقة إيمانك؟« قال َ :
ذهُبها ،وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون والى
وأسهر ليلها ،واستوى عندي َح َج ُرها َو َ
أهل النار ينصاعون ،وكأني أنظر إلى عرش ربي ًا
بارز ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه
فالزم (.»)١
()2
وسلم » :أصبت
أقول :علينا -نحن المؤمنين -أن ال نحول أمورنا على هللا تعالى ،ونهمل مجاهدة
أنفسنا وتزكيتها وتطهيرها ،بل نرضى بقضاء هللا وقدره ،وال نترك تكاليف الشريعة
المح َمدية ،التي لم تهملنا كالبهائم ،نأكل ونشرب ونرتع ؛ فعلى عاتقنا التكاليف
الشرعية وتخليص القلب من سيطرة النفس األمارة ،حتى ال نتبع هواها .نعوذ باهلل أن
اه { ]الجاثية ،]٢٣: َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ
له هه َه َو ه نكون من الذين قال هللا فيهم { :أ َأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١قال ابن رجب الحنبلي :حديث حارثة رضي هللا عنه المشهور ُروي من وجوه مرسلة وروي متصال،
والمرسل أصحاه جامع العلوم والحكم.
-2تفسير روح البيان.
27
ربنا القدرة والجزء االختياري والعقل .أما بعد األخذ باألسباب الحقيقية في
فقد أعطانا ُّ
28
اللفظ الثالث
بسم هللا الرحمن الرحيم
خشَي ِة
لما َيه ِبط ِمن ْ
نها َ
ِ
اء َوِا َن م َ
ِ َ
لما َي َشقق َفَي ْخهر هج مْن هه ْا َ
لم ه نها َ
ِ
وقوله تعالىَ {:وِا َن م َ
ُ
َِ
ّللا { تعليل للتفضيل ،والمعنى أن الحجارة تتأثر وتنفعل ،فإن منها ما يتشقق فينبع
()2
تعالى به .وقلوب هؤالء ال تتأثر وال تنفعل عن أمره تعالى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير .
-2تفسير البيضاوي.
29
فالقلب من شأنه أن يتأثر عن مطالعة الدالئل واآليات و ِّ
العبر ،وتأثره عبارة عن ترك
التمرد والعتو واالستكبار( ، )١واظهار الطاعة والخضوع هلل والخوف من هللا تعالى ،فإذا
شبيها بالحجر ،فيقالعرض للقلب عارض أخرجه عن هذه الصفة صار في عدم التأثر ً
تابا همتشا ِب ًها ِ
قسا القلب وغلظ ،ولذلك فإن هللا تعالى وصف المؤمنين بالرقة فقال { :ك ً
ِ م َث ِاني ْتق ِ
شعُّر ِمْن هه هج ه
لود اَلذ َ
ين َيخشو َن َرَب ههم { [الزمر ]23:
()2
َ َ
30
واإلشارة في تحقيق اآلية أن اليهود وان شاهدوا عظيم اآليات فحين لم تساعدهم العناية لم
()3
الحسن ،ولم ُي ِّرهم البرهان الذي يراه القلب فيحجزهم عن التكذيب .
فقلوبهم كالحجارة بل أشد .أو إن شبهتم قلوبهم بالحجارة أصبتم ،وبما هو أشد أصبتم ،بل
في الحجارة فضل عليها في اللين ،فإن منها ما تتفجر منه األنهار الكبار ،ومنها ما
تشقق فيخرج منه العيون الجارية ،ومنها ما تهبط من رأس الجبل من خشية هللا .وفي
كل حجر َتردى من رأس جبل فهو من خشية هللا ) .وقلوبكم يا معشر
بعض األخبار ُّ (:
()4
اليهود ال تلين وال تخشع وال تأتي بخير .نسأل هللا السالمة بمنه وكرمه .
31
اللفظ الرابع
بسم هللا الرحمن الرحيم
غالف.
()١
أغلف ،وهو الذي عليه غشاوة ،وقيل أصله ُغلف ،فيكون جمع
ُغلف جمع َ
عليه وسلم :قلوبنا مغشاة بأغطية ،ال تفقه ما تقول يا محمد ،قالوه سخرية واستهزاء .
وليس األمر كما زعموا ،بل هم أناس مغضوب عليهم ،لعنهم هللا وطردهم من رحمته
()2
بسبب كفرهم ،وقليل من يؤمن منهم .
فقد رد هللا أن تكون قلوبهم مخلوقة كذلك ألنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البحر المديد .
- 2التفسير الواضح الميسر .
- 3تفسير روح البيان.
32
أقول :ليس للعبد أن يحول مخالفته للشريعة واتباعه لهواه وعدم تزكية نفسه وعدم
تنوير قلبه وعدم مجاهدة نفسه ،ليس له أن يحولها على هللا ؛ فعلينا أن نأخذ باألسباب
،وما عند هللا غائب عنا ،وهللا مطلع على سويداء قلوبنا ،فإذا كانت مط َهرة أو كنا
نجاهد حتى نطهرها يرحمنا برحمته العامة ،وينجينا بكرمه وفضله مما نخاف منه من
عذابه تعالى.
علينا باالستغفار والتوبة ،ولو كان بعد المعصية ،بشرط أن نعتقد أن هللا قادر على
العفو وقادر على العذاب ،حتى نكون من الذين أنعم هللا عليهم ال من الذين غضب هللا
عليهم.
33
اللفظ الخامس
بسم هللا الرحمن الرحيم
الراحمين.
ونورها بأنوار محبتك ومعرفتك يا أرحم َ
حب الدنيا من قلوبنا َ ،
الله َم أخرج َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
34
اللفظ السادس
بسم هللا الرحمن الرحيم
عدوا لجبريل فإنه عدو هلل ،ألن هللا أرسله بالوحي على
محمد لهؤالء اليهود :من كان منكم ً
والحفظ .
()4
ومحل الفهم
أقول :اعتبار اإلنسان بالقلب ،والفم غطاؤه ،فإما أن ينضح منه الجيد الحسن أواألحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر .
الصالحين ،وأحبُّها إليه -2قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َّ » :
إن هلل آنية من أهل األرض ،وآنية ربكم قلو ُب عباده َّ
أرقها« .أخرجه ابن ماجة عن أبي عنبسة . ألينها و ُّ
- 3حاشية الجمل على الجاللين .
- 4تفسير البيضاوي.
35
المنور ،ألنه ال يتعلق بهواه وال بالكبر
َ منوً ار ال يخرج منه إال الشيء
فمن كان قلبه َ
ولسنة رسوله عليه الصالة والسالم ،ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« :العلم
علمان :علم على اللسان ،وهو حجة هللا على خلقه يوم القيامة ،وعلم في
نكون من الصادقين ،ألن صفة الصدق أن يشتغل الظاهر بالشريعة والباطن بالمراقبة ؛
والمراقبة ليست خاصة بأهل الطريق ،ألنها تأتي من اإليمان ،فإذا رأت عين المؤمن
رب العالمين.
الله َم اجعلنا منهم بفضلك وكرمك يا َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١الجامع الصغير ج ،2حديث حسن عن جابر رضي هللا عنه.
36
اللفظ السابع
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين ِمن قبلِ ِهم ِم ْث َل ِ ِ ِ ين ال َيعَل همو َن لوال هيكلِ همنا ِ
قال اَلذ َ
ّللا أَو تأْتَينا َء َاية كذل َك َ
َه قال اَلذ َ
( َو َ
لِقوم هيوِقنو َن ( ) ] ( ١١8البقرة ] ١١: قولِ ِهم َت َشابه ْت هقلوبهم قد بَيَنا اآلي ِ
ات َ َ هه ََ
ِ
هرة { ] النساء ، [ ١53:ومن النصارى فقالوا َ { :ه ْل َي َستط ه
يع َرُّب َك فقالوا {:أ َِرنا َ َ
ّللا َج َ
السم ِ
اء { ] المائدة ، [ ١١2:ومن المشركين فقالوا َ {:وقاهلوا لن ِ ِ
نزل َع َلينا َمائ َدة م َن َ َ
أَن هي َ
لك جَنة ِمن ِ
نخيل َو ِعَنب لك َح َتى ْتف هجَر َلنا ِم َن األ ِ
ْنؤ ِم َن َ
وعا ( ) ٩٠أَو َتكو َن َ َ
َرض َي هنب ً
لوب ههم { المراد منه أن المكذبين للرسل تتشابه أقوالهم وأفعالهم ،
فقوله تعالى َ {:ت َش َاب َه ْت هق ه
ِ
هرة{ [النساء : ، [ ١3٨وقولهم {:أَت َتخ َذنا هه هزًوا { ] البقرة ، [ ٦٧:وقولهم {:أ َِرنا َ َ
ّللا َج َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البحر المديد .
- 2تفسير الرازي
37
أقول :وكذلك الذين ال يتوجهون إلى أوامر هللا ،وال يستنكفون عن المنكرات ،وال
يتعظون بموعظة القرآن وال الشريعة وال الرحمة ،وال يتوجهون كذلك إلى الحق والحقيقة
،وال يشفقون على خلق هللا ،فإنهم وان كان قولهم بألسنتهم :نحن مؤمنون ،لكن
مفوض إلى ربهم ،إن شاء يعفو عنهم إذا خرجوا من الدنيا باإليمان ،وان شاء
أمرهم َ
إذا صدر منهم اإليمان قوال ولم يعملوا بمقتضاه فإن كانت قلوبهم مصدقة به وذهبوا به
إلى اآلخرة لم يخَلدوا في نار جهَنم ،بل يخرجون منها برحمة هللا تعالى.
38
اللفظ الثامن
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا َعلى َما ِفي قْل ِب ِه { فيه قوالن :أحدهما :أنه يقول إن هللا
قوله تعالى َ { :وهي ْش ِه هد َ َ
يشهد أن ما ينطق به لساني هو الذي في قلبي .والثاني :أنه يقول اللهم اشهد علي بهذا
()١
القول .
نزلت في األخنس بن شريق الثقفي وكان حسن المنظر حلو المنطق يوالي رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم ويدعي اإلسالم ،ودعوى المحبة والخلوص بدون المواطأة من فعل
١
١
()2
إن المحب لمن أحب مطيع لو كان حبك صادًقا ألطعته
١
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١
39
وعن ابن عباس رضي هللا عنهما أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب
وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم ،فأنزل هللا في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه :
رض ِ
اة َ ِ ِ { َو ِم َن الَن ِ
ّللا { ]البقرة ، [ 2٠٧:وقيل بل ذلك عام اس َمن َيشرِي َن ْف َس هه ابت َ
غاء َم َ
في المنافقين كلِّهم وفي المؤمنين كلِّهم ،وهذا قول قتادة ومجاهد والربيع بن أنس وغير
واحد وهو الصحيح.
وعن ابن عباس رضي هللا عنهما أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب
وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم ،فأنزل هللا في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه :
رض ِ
اة َ ِ ِ { َو ِم َن الَن ِ
ّللا{ ] البقرة ، [ 2٠٧:وقيل بل ذلك عام اس َمن َيشرِي َن ْف َس هه ابت َ
غاء َم َ
في المنافقين كلِّهم وفي المؤمنين كلِّهم ،وهذا قول قتادة ومجاهد والربيع بن أنس وغير
واحد وهو الصحيح.
ِ ِ
ّللا َعلى َما في َقْل ِبه { فقرأه ابن محيصن ( َ
ويشهد هللاُ) بفتح الياء وأما قوله َ { :وهي ْش ِه هد َ َ
وضم الجاللة ) على ما في قلبه ( ومعناه أن هذا وان أظهر لكم الحيل لكن هللا يعلم من
ّللا َيعَل هم نافقو َن قاهلوا َن ْشهد ِإَنك لرسول َ ِ
قلبه القبيح ،كقوله تعالى ِ { :إذا جاءك اْلم ِ
ّللا َو َ ه َه َ َ ه ه َ ََ ه َ
ناف ِقين ِ
ّللا ي ْشههد ِإ َن اْلم ِ
لكاذهبو َن{ ] المنافقون .[ ١:وقراءة الجمهور بضم َ ه ِإَن َك َلَر هسوهل هه َو َ ه َ َ
ّللا َع ََلى َما ِفي ََقْل ِب ِه { ومعناه أنه يظهر للناس اإلسالمالياء ونصب الجاللة } َوهي ْش ِه هد َ َ
اس َوال ست ْخفو َن ِم َن الَن ِ
ويبارز هللا بما في قلبه من الكفر والنفاق ،كقوله تعالى َ { :ي َ
ست ْخفو َن ِمن َ ِ
ّللا{ ] النساء [ ١٠٨:اآلية .هذا معنى ما رواه ابن إسحاق عن محمد بن َي َ
َ
أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .وقيل معناه أنه إذا أظهر
40
للناس اإلسالم حلف وأشهد هللا لهم أن الذي في قلبه موافق للسانه وهذا المعنى صحيح.
وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،واختاره ابن جرير وعزاه إلى ابن عباس وحكاه عن
مجاهد وهللا أعلم .
()١
اس { قوم ُحلو اللسان يقول ابن عجيبة رحمه هللا :يقول الحق جل جالله َ {:و ِم َن الَن ِ
له { فيها لرونقه وفصاحته َ { ،وهي ْش ِههد عجهب َك َق هو ه خراب الجنان ،إذا َّ
تكلم في شأن الدنيا } هي ِ
َ
ّللا { أي :يحلف على أنه موافق لقلبه ،وأن ظاهره موافق لباطنه ،وهو شديد الخصومة ََ
توَلى { أي :أدبر وانصرف عنك } َس َعى ِفي والعداوة للمسلمين ،أو أشد الخصوم َ } ،واِذا َ
ِ ِ ِ ِ األ ِ
سل { كما فعل لحرث َوالَن َ
يها َوهيهل َك ْا َ
َرض { أي مشى فيها بنية اإلفساد } لهي ْفس َد ف َ
األخنس ،أو كما فعله أهل الظلمَ ،فيحبس هللا اَلقط َر ،فيهلك الحرث والنسل بشؤم
فس َاد { أي ال يرتضيه ،فاحذروا غضبه . ِ
ّللا ال هيح ُّب ْاَل َ
معاصيهم َ } ،و َ ه
()2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
- 2تفسير البحر المديد.
41
نسأل هللا تعالى أن يجعل ظواهرنا موافقة لبواطننا ،وأن يجعل بواطننا مط َهرة َ
منزهة
42
اللفظ التاسع
بسم هللا الرحمن الرحيم
الشافعي :هو ما سبق إليه اللسان من غير قصد عقد اليمين ،فال إثم وال كفارة له ،وقال
أبو حنيفة ومالك :هو أن يحلف على ما يعتقد فيتبين خالفه .
()١
صدر منكم من األيمان الالغية ،وهي التي ال يقصدها الحالف بل تجري على لسانه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١حاشية الصاوي .
كاذبا -أنه ما فعله ،فهذا ُيؤاخذ عليه ،وأما إذا َُ طلب منه الحلف
شيئا ،ثم إذا َُ طلب منه الحلف يحلف ً -
- 2كأن يفعل ً
على شيء لم يفعله فحلف على عدم فعله -صادًقا -فإنه ال ُيؤاخذ .أما الحلف بدون قصد والعمد بل جرى على لسانه
جهال بمعناه أو عادة فهذا اليمين ال ينعقد.
43
ان{ [ المائدة : اخذكم ِب َما َعَق ه قال مجاهد وغيره :وهي كقوله تعالى {:و ِ
لكن ي َؤ ِ
َيم َ
دت هم األ َ ه َ
()١
. [٨٩
َيم ِانكم { اللغو :الساقط الذي ال يعتد به من اخذكم َ ِ َ ِ ِ
ِ
قال البيضاوي {:ال هي َؤ ه ه
ّللا باللغو في أ َ
كالم وغيره ،ولغو اليمين ما ال عقد معه ،كما سبق به اللسان ،أو تكلم به جاهال لمعناه
كسَب ْت ِ ِ ِ
،كقول العرب :ال وهللا وبلى وهللا ،لمجرد التأكيد ،لقوله َ {:ولكن هي َؤاخذكم ب َما َ
لوبكم { والمعنى :ال يؤاخذكم هللا بعقوبة وال كفارة بما ال قصد معه ،ولكن يؤاخذكم بهما هق ه
أو بأحدهما بما قصدتم من األيمان وواطأت فيها قلوبكم ألسنتكم .وقال أبو حنيفة :اللغو أن
يحلف الرجل بناء على ظنه الكاذب .والمعنى :ال يعاقبكم بما أخطأتم فيه من األيمان ،
ّللا َغ هفور { حيث لم يؤاخذ باللغو } َحلِيم { حيث
ولكن يعاقبكم بما تعمدتم الكذب فيه َ {.و َ ه
بصا للتوبة . ِّ
لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجد تر ً
()2
44
هاتين اآليتين مجملة من وجه مبينة من وجه آخر ،فصارت كل واحدة منهما مفسرة
لألخرى من وجه ،وحصل من كل واحدة منهما أن كل يمين ذكر على سبيل الجد وربط
القلب فالكفارة واجبة فيها ،واليمين الغموس كذلك ،فكانت الكفارة واجبة فيها .
()١
غو ِفي
ّللا ِبالَل ِ
ذكم َ ه
ِ
فال يعارض هذه اآلية ما في [ المائدة [ ٨٩:من قوله تعالى {:ال هي َؤاخ ه
ِ أَيم ِانكم و ِ
لكن ي َؤ ِ
شرِة َم َساك َ
ين { الخ. ام َع َ ِ اخذكم ِبما َعَقهدتم األَيم َ َ
ان َف َكف َارهت هه إ ْط َع ه ه َ َ ه َ َ
بناء على أن مقتضى هذه المؤاخذة بالغموس ،ألنها من كسب القلب ،وتلك تقتضي
عدمها ،ألن اللغو فيها خالف المعقودة ،وهي ما يحلف فيها على أمر ماض متعمد
الكذب فيه ،ولغويته لعدم تحقق البر فيه الذي هو فائدة اليمين الشرعية ،ألن الشافعي
ألن العقد مجمل يحتمل عقد القلب ويحتمل ربط الشيء بالشيء ،والكسب مفسر ،ومن
القواعد حمل المجمل على المفسر ،واذا حمل عليه شمل الغموس ،وكان اللغو ما ال
قصد فيه ،ال خالف المعقودة ،إذ ال معقودة ،فتتحد اآليتان في المؤاخذة على الغموس
وفي التيسير :أن هذه اآلية في مؤاخذة اآلخرة ،فأما المؤاخذة المذكورة في قوله تعالى :
ان { فهي المؤاخذة بالكفارة ،لكنها في اليمين المعقودة . َ ِ ِ ِ
َيم َ
تم األ َ
{ َولكن هي َؤاخذكم ب َما َعقهد ه
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي .
-2تفسير روح المعاني.
45
ناشئا عن َّقلة المباالة } َحلِيم { حيث لم يعجل بالمؤاخذة )١(.وفيه إيذان بأن المؤاخذة
كونه ً
المعاقبة ،ال إيجاب الكفارة ،إذ هي التي تتعلق بها المغفرة ،والحلم دونه.
واإلشارة في اآلية :أن ما يجري على الظواهر من غير قصد ونية في البواطن ليس له
كثير خطر في الخير والشر وال زيادة أثر ،ولو كان له أثر في الخير لما عاب على قوم
اليس ِفي هقلوبِ ِهم{ ] الفتح ، [ ١١:وكذا ما يجري على اللسان بنية ِ ِ
قولو َن ِبأَْلسنت ِهم َم َ
}َي ه
مؤثر في القبول لما عاب قوما بقوله َ{ :كبر م ْقتا ِعْند َ ِ
ّللا القلب بال فعل الجوارح لو كان ًا
َ هَ َ ً
قولوا َما ال َت ْف َعلو َن{ ] الصف ،[ 3:ولو كان له أثر في البر لما وسع على قوم أَن هت ه
لوبكم ،وما عفا ِ ِ ِ غو ِفي أ ِ ّللا ِبالَل ِ ِ
كسَب ْت هق ه
َيمانكم َولكن هي َؤاخذكم ب َما ََ ذكم َ ه
بقوله َ{:ال هي َؤاخ ه
يم ِ ِ ِِ ِ
ان{ ] النحل ]١٠٦ : عن قوم بقوله {:إال َمن أه ْك ِرَه َوَقْلهب هه هم ْط َمئن باإل َ
وذلك ألن القلب كاألرض للزراعة ،والجوارح كاآلالت للحراثة ،واألعمال واألقوال كالبذر
؛ فالبذر ما لم يقع في األرض المربية للزراعة ال ينبت وان كان في آلة من آالت الحراثة
جدا .وأما إن كان لما يجري على الظواهر من الخير أدنى آثار في القلب ولو كان
فافهم ً
مثقال ذرة فإن هللا من كمال فضله وكرمه ال يضيعه ،حتى يكون القليل ًا
كثير والصغير
عظيما ،وان كان لما يجري على الظواهر من الشر أدنى أثر في القلب فإن هللا تعالى من
ً
()2
غاية لطفه واحسانه ال يؤاخذ العبد به بل يحلم عنه ويتوب عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ين ا ِّلقسط لَِّي ِّ
وم ض ُع ال َم َو ِّاز َ
طنك ،لكن في اآلخرة } َون َ
ظاهرك با َ
ُ -١فهو تعالى غفور بالستر ،حليم يعاملك بالحلم إذا خالف
امة { [األنبياء [4٧: ِّ
القَي َ
-2تفسير روح البيان.
46
تنبيه :كثرة الحلف مذموم يدل على الخفة والطيش ،وعدم الحلف بالكلية تعسف ،وخير
ومقلِّ َب
األمور أوسطها ،كان عليه الصالة والسالم يحلف في بعض أحيانه ،يقول » :ال ُ
()١
اُلقلوب« »،والذي َنف ُس محمد ِّب َيده« .وهللا تعالى أعلم.
أقول :على المؤمن أن يحافظ على قلبه ،ألنه هيفهم من هذه اآلية الكريمة أن اعتبار
مؤمنا ،واذا تردد في الشكوك عليه أن
ً اإلنسان بالقلب ،فإذا اطمأن قلبه باإليمان كان
يزيلها حتى يطمئن القلب في المسائل اإليمانية .فعلينا -جميع المؤمنين -أن نطهر
شكوكا علينا أن نسأل ً قلوبنا باتجاه علم رب العالمين المطلع عليها ،واذا وجدنا فيها
أهل الذكر ،حتى ال نخرج من الدنيا مع الشكوك ،فنبقى عاصين} فاسأَلوا أَهل ِ
الذ ْك ِر َ
ِإن كْنتم ال َتعَل همو َن{ ] النحل . [٤٣:على المؤمن أن يستحيي من هللا تعالى باجتناب
المعاصي ،واذا صدرت منه معصية عليه أن يستغفر ويتوب ويرجع إلى هللا تعالى :
ات{ ] الشورى ، [ ٢٥:أي سيئات وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ
الس َيئ ِ ِ
{ َو هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ
ّللا َس َيئا ِت ِهم َح َسَنات{ ] الفرقان [٧٠:علينا أن نعتمد على رحمة هللا
دل َ هكانت ،و } هيَب ه
الراحمين ،نسأل هللا تعالى االستقامة.
وعفوه ،فهو أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البحر المديد.
47
اللفظ العاشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
لكن لَِي ْط َم ِئ َناهيم رب أ َِرِني كيف تحِيي ْالموتى قال أَو لم ْتؤ ِمن قال بلى و ِ (واِذ قال ِ
ََ َ َ َ ََ إبر ه ََ َ
كل َجَبل ِمْن هه َن هجزًءا هث َم
اجعل َعلى ِ ير َف هصرهه َن ِإ َ
ليك ث َم َ ْ طِ ْقل ِبي قال فخذ أَربع ًة ِم َن ال َ
ََ َ
ّللا َع ِزيز َح ِكيم ( ) ] (٢٦٠البقرة ]٢٦٠: ِ
َن َ َ
اعلم أ َ
عيا َو َنك َس ًادع هه َن َيأْتَي َ
ه
قال محمد بن إسحق والقاضي :سبب السؤال أن سيدنا إبراهيم عليه الصالة والسالم مع
مناظرته مع نمروذ لما قال {:ربي اَل ِذي يحِيي وي ِميت قال أَنا أهحِيي وأ ِ
هميت{ ] البقرة : َ َ َه ه َ َ
محبوسا وقتل رجال ،قال إبراهيم :ليس هذا بإحياء واماتة ،وعند ذلك
ً ، [ 25٨فأطلق
ِ ِ
قال َ {:رب أ َِرني كيف تحيي ْا َ
لم َوتى { لتنكشف هذه المسألة عند نمرود وأتباعه .وروي
عن نمرود أنه قال :قل لربك حتى يحيي واال قتلتك ،فسأل هللا تعالى ذلك ،وقوله :
{ لَِي ْط َم ِئ َن ْقل ِبي { بنجاتي من القتل ،أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي وبرهاني ،وأن ُعدولي
()2( )١
. منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجة ،بل كان بسبب جهل المستمع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١ألنه عليه الصالة والسالم رسول إلى الخلق ،فال بد أن يقنعهم .فسؤاله إلقناع الخلق ال ليطمئن هو ،والسؤال في
الحقيقة إنما كان عن الكيفية.
-2تفسير الرازي.
48
أقول :سؤال سيدنا إبراهيم عليه الصالة والسالم عن الكيفية ليس عن الم ِ
قدرة ،فعين َ
سؤاله عليه الصالة والسالم ليس كسؤال سيدنا عزير عليه السالم عندما قال } :أََنى
عد َموِت َها { ] البقرة ، [ ٢٥٩:الفرق بين السؤالين بين ؛ فسيدنا إبراهيم ِ ِِ
ّللا َب َ
هيحيي َهذه َ ه
عليه الصالة والسالم سأل عن الكيفية ،حتى يرى بعينه كيفية إحياء هللا الموتى.
الراحمين.
الله َم ارزقنا إيمان عين اليقين وحق اليقين ،برحمتك يا أرحم َ
49
اللفظ الحادي عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
تمها َفِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه { أي يأثم قلبه أو قلبه يأثم .والجملة خبر إن،
قوله تعالى َ {:و َمن َي هك َ
،فإنه رئيس األعضاء وأفعاله أعظم األفعال ،وكأنه قيل :تمكن اإلثم في نفسه وأخذ
()2
أشرف أجزائه ( )١وفاق سائر ذنوبه .
قال السدي عن أشياخه َ }:فِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه { فإنه فاجر قلبه .قال القاضي أبو يعلى :إنما
وكتمان الشهادة إنما هو عقد النية أضاف اإلثم إلى القلب ألن المآثم َّ
تتعلق بعقد القلب ؛
ُ
()3
لترك أدائها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القلب من عالم
-١القلب ليس جزًءا من البدن ،بل هو الحاكم على جميع أجزاء البدن ،فإذا صلح الحاكم تصلح الرعية .و ُ
األمر أقوى من الخلق }أَال َل ُه الخلق َواألَم ُر { ] األعراف ،[ 54 :وقد اعتبر الغزالي البدن من عالم الخلق ،و ُ
األمر ،و ُ
َمر َربي} ] اإلسراء .[ ٨5:ولذا كان هذا االعتبار كله للقلب ،ومسؤولية الرو ُح ِّمن أ ِّ رحمه هللا أن القلب هو الروح } ِّ
قل ُّ
اإلنسان بالقلب.
-2تفسير البيضاوي .
-3تفسير زاد المسير.
50
تمها َفِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه{ كأنه قيل فإنه يأثم قلبه .فإن قلت هال
فقوله تعالى َ }:و َمن َي هك َ
اقتصر على قوله فإنه آثم؟ وما فائدة ذكر القلب والجمل َُ ة هي اآلثمة ال القلب وحده؟
مقترًفا بالقلب أُسند إليه َّ
قلت :كتمان الشهادة هو أن يضمرها وال يتكلم بها ،فلما كان اإلثم َ
اك تقول إذا أردت التوكيد :هذا
،ألن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ،أال تر َ
مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي؟ وألن القلب هو رأس األعضاء
والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله ،فكأنه قيل :فقد
تمكن اإلثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان منه ،ولئال ُيظن أن كتمان الشهادة من
وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه ،واللسان
اآلثام المتعلقة باللسان فقط ُ ،
ترجمان عنه ،وألن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ،وهي لها كاألصول التي
تتشعب منها ،أال ترى أن أصل الحسنات والسيئات اإليمان والكفر؟ وهما من أفعال
القلوب ؛ فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب .
اك باهلل ،لقوله تعالىَ } :فقد َحَرَم
وعن ابن عباس رضي هللا عنهما »:أكبر الكبائر اإلشر ُ
وكتمان الشهادة «. وشهادة الزور ّللا ع ِ
ليه اْل َجَنة { ]المائدة ، [ ٧2:
ُ َه َ
()١
ُ
وكتمان الشهادة
ُ شر فشر .
خير فخير وان ًاعملو َن َعلِيم { فيجازيكم به إن ًا } َو َ ِ
ّللا ب َما َت َ
ه
()2
وشهادة الزور من األعمال التي تجر صاحبها إلى النار ،فإنهما من عالمات سنخ
ُ
القلب ،قال تعالى َ } :فِإَن هه َء ِاثم َقْلهب هه { والمراد سنخ القلب ،ونعوذ باهلل من ذلك .وهما
وقوعا بين الناس ،والحوامل عليها كثيرة ،كالعداوة وغيرها.
أسهل ً
ــــــــــــــــــــ
( )١أخرجه الشيخان بلفظ » :أال أنبئكم بأكبر الكبائر :اإلشراك باهلل ،وعقوق الوالدين ،وقول الزور ،وشهادة الزور«
( )٢سنخ :زنخ.
51
واعلم أن أهل الدين طائفتان :الواقفون والسائرون .فالواقف من لزم عتبة الصورة ولم يفتح
له باب إلى عالم المعنى ،فهو كالفرخ المحبوس في قشر البيضة ،فيكون مشربه من
عالم المعامالت البدنية ،فال سبيل له إلى عالم القلب ومعامالته ،فهو محبوس في سجن
الجسد ،وعليه موكالن من الكرام الكاتبين يكتبان عليه أعماله الظاهرة بالنقير والقطمير .
والسائر من لم ُي ِّقم ولم ينزل في منزل ،فهو مسافر من عالم الصورة إلى عالم المعنى ،
ومن مضيق األجساد إلى متسع األرواح ،وهم صنفان :صنف سيار وصنف طيار؛
فالسيار من يسير بقدم الشرع والعقل على جادة الطريقة ،والطيار من يطير بجناحي
()2
. العشق والهمة في فضاء الحقيقة ،وفي رجله جلجلة الشريعة
()١
كلها تتكَلم عن القلب ،ألن القلب إذا صلح يتأثر به الكل ،وكذلك
أقول :هذه اآليات ُّ
ولذا جميع أسيادنا أهل الطريق -رضي هللا عنهم -يأمرون مريديهم بكثرة ذكر هللا
تعالى .وهللا تعالى في القرآن الكريم قَيد الذكر بالكثرة -وهذا عام لجميع المؤمنين
نور قلبه ،واذا
خاصا بأهل الطريق -فإذا أكثر المؤمن من ذكر هللا ج َل وعال هي َ
وليس ا
جميع ًَا .وكذلك اإليمان والتقوى واإلخالص واتباع
ً تنور القلب يضيء اللطائف الداخلية
َ
الرسول عليه الصالة والسالم ثمرتها تنوير القلب .فعلى المؤمن أن ينور قلبه بالتمسك
بشرع هللا واإلتباع لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١بل على رأسه تاج الشريعة .
- 2تفسير روح البيان.
52
واإلخالص في العبادة وكثرة ذكر هللا تعالى .هذا مقام العبدية ،وليس فوق مقام العبدية
53
اللفظ الثاني عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
قال الراغب :الزيغ الميل عن االستقامة إلى أحد الجانبين ،وزاغ وزال ومال متقاربة ،لكن
()١
يوغا .
يغانا وز ً
يغا وزيغونة وز ً
زاغ ال يقال إال فيما كان عن حق إلى باطل ومصدره ز ً
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح المعاني.
54
كمدة بقاء الدنيا ،ووقت قيام الساعة ،وخواص األعداد كعدد الزبانية ،أو بمبادل القاطع
امَنا ِب ِه{ استئناف قولو َن َء َ
على أن ظاهره غير مراد ولم يدل على ما هو المراد َ }.ي ه
موضح لحال الراسخين ،أو حال منهم ،أو خبر إن جعَلته مبتدأً }.هكل ِمن ِعْن ِد َرَبنا {
َلب ِ َ
اب { مدح للراسخين أي كل من المتشابه والمحكم من عنده َ } ،و َما َيذ َكهر ِإالَ أ ههولو األ َ
بجودة الذهن وحسن النظر ،واشارة إلى ما استعدوا به لالهتداء إلى تأويله ،وهو تجرد
()١
العقل عن غواشي الحس .
أما الذين يعلمون أنهم مسئولون يوم القيامة ،وأن عالم البرزخ يع َذب فيه المخالفون ،
سجنا ،فإنهم إذا أروا المخالفات يستنكفون عنها ،ويتكلمون بما
ً ويكون القبر لهم
يوافق الشريعة المح َمدية -على صاحبها أزكى السالم وأفضل التحية -وال يتبعون
منورة بنور اإليمان ،وهممهم عالية للتهيؤ لما
نفوسهم وال نفوس غيرهم ،ألن قلوبهم َ
بعد الموت ،ألن ما بعد الموت أبد اآلباد ،ال نهاية له ،فهم متيقظون على أن ال
قرون
يخربوا مستقبلهم بالشهوات الدنيوية الفانية .وهم مع ذلك هي ُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
55
بعجزهم وضعفهم ،فيتضرعون إلى هللا تعالى أن يفتح لهم باب رحمته ج َل وعال ،هؤالء
الراحمين.
الله َم اجعلنا منهم واحشرنا معهم يا أرحم َ
56
اللفظ الثالث عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
حمة ِإَن َك أَْنت ْا َلوه ه
َاب ( )(8 لوبنا َب َ ِ
عد إذ َه َدَي َتنا َو َهب َلنا من هلدْن َك َر َ (رَبنا ال تزغ هق َ
َ
]آل عمران ]8:
امَنا ِّ
قال في النوادر :لما رد الراسخون في العلم علم المتشابه إلى عالمه حيث قالوا َ }:ء َ
تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ،ولكن ثبتنا على صراطك
واطالق الوهاب ليتناول كل موهوب .وفيه داللة على أن الهدى والضالل من ِّقَبله ،وأنه
متفضل بما ينعم به على عباده من غير أن يجب عليه شيء ،وهذا حال الراسخين
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البحر المديد .
- 2تفسير ابن كثير
57
في الدعاء ،فانظر كيف ال يأمنون سوء الخاتمة ،وأداهم الخوف والخشية إلى الرجاء ،
فإياك والزيغ عن الصراط المستقيم بإتباع الهوى والشهوات ،قال رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم » :ما من قلب إال وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء أن يقيمه أقامه
واذا شاء أزاغه«( )١يعني قلب المؤمن بين توفيقه وخذالنه ،وانما قال من أصابع الرحمن
إشعار بأنه هو المتمكن من قلوب العباد والمتصرف فيها كيف
ًا ولم يقل من أصابع هللا
يشاء ،ولم يكلها إلى أحد من مالئكته ،رحمة منه وفضال ،لئال يطلع على سرائرهم
غيره .وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول » :اللهم يا مقلِّب القلوب واألبصار ثبت
قوما ويضع آخرين إلى يوم القيامة .وقال قلوبنا على دينك« ،والميزان بيد الرحمن يرفع ً
ظهر لبطن«(). )2قال
ًا صلى هللا عليه وسلمَ » :مثل القلب كريشة بأرض فالة تقلبها الرياح
الجنيد رحمه هللا :من أراد أن يسلم له دينه ويستريح في بدنه وقلبه فليعتزل الناس ،فإن
العاقل من اختار الوحدة .فدف ُن حبة الفؤاد والوجود في أرض الخمول
هذا زمان وحشة ،و ُ
جدا ،فما نبت مما لم يدفن لم يتم نتاجه وان ظهر نوره وانتاجه ،
مما ينتج ويتم نتاجه ً
السيل(.)3 كالذي نبت في حميل
فعليك بتزكية النفس واصالح الوجود كي تدرك نور الشهود وتقبل إلى االستقامة وتخلص
صورة مستقيم ،وكم من
ً قلبه وهو
من الزيغ والضالل في جميع األحوال .وكم من زائغ ُ
الصورة،
ُ مستقيم فؤ ُاده وهو في الظاهر غير مستقيم .والقلب هو محل النظر ال
ــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه الترمذي عن أنس وعائشة رضي هللا عنهما بألفاظ متقاربة .
- 2أخرجه أحمد وابن ماجة عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه ،والبيهقي عن أنس رضي هللا عنه .
اضع ،وميزان الناقصين التكب ُر.
- 3ميزان الكاملين التو ُ
58
كما قال عليه الصالة والسالم » :إن هللا ال ينظر إلى صوركم بل إلى قلوبكم وأعمالكم«
()١
الشيطان بأن إيمانه يقطع بأن هللا واقف على قلبه فيستحيي منه ج َل وعال ،إال أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة .
59
اللفظ الرابع عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
السماو ِ
ات َو َما ِفي ِ تخفوا َما ِفي هص هد ِ
( هق ْل ِإن ْ
لم َما في َ َ َ
ّللا َوَي َع ه
لمه َ ه
وه َي َع ه
تبد ه
وركم أَو ه
كل شيء َق ِدير ( ) ] (٢٩آل عمران ]٢٩: ّللا َعلى ِ األ ِ
َرض َو َ ه
يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر ،وأنه ال يخفى عليه منهم
واللحظات(،)١ خافية ،بل علمه محيط بهم في سائر األحوال واألزمان واأليام
وجميع ما في األرض والسماوات ،ال يغيب عنه مثقال ذرة وال أصغر من ذلك في جميع
على عقوبتكم بما ال مزيد عليه إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه ،وهذا بيان لقوله تعالى:
ــــــــــــــــــــــ
أمره عجيب ،لكن السبب هو الغفلة .
- ١الذي يؤمن بهذا ويخالف الشريعة ُ
- 2تفسير ابن كثير .
- ١أي :ألن ذاته العلية.
60
المتميزة من سائر الذوات -متصفة بعلم ذاتي ال يختص بمعلوم دون معلوم ،فهي متعلقة
بالمعلومات كلها ،وبقدرة ذاتية ال تختص بمقدور دون مقدور ،فهي قادرة على المقدورات
كلها ،فكان حقها أن تحذر ُوتتقى ،فال يجسر أحد على قبيح وال يقصر عن واجب ،فإن
أموره ألخذ حذره وتيقظ في أمره واتقى كل ما يتوقع فيه االسترابة به ،فما بال من علم أن
هللا الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن؟ اللهم إنا نعوذ بك من اغت اررنا بسترك .
كذا في الكشاف.
فالعاقل يخاف من هللا ،ويكون حبه وبغضه هلل ،يوالي المؤمنين ويعادي الكافرين.
الصادقة ال تكون إال عند المصافاة في الباطن ،وهي مبنية على اتفاق العقيدة والوجهة ،
ألن القلوب تتناسب فتتصافى ،فإن لم يكن بينها التوافق المعنوي واتفق بين أربابها
المصالحة والمؤانسة بحسب المماثلة النوعية واأللفة النفسية والجنسية الصورية أَع َدت
61
وقال علي رضي هللا عنه:
١
واذا كان الرجل مبتلى بصحبة الف جار في سفره للحج أو للغزو ال يترك الطاعة
بصحبتهم ،ولكن يكره بقلبه وال يرضى به ،فلعل الفاسق يتوب ببركة كراهة قلبهُ .حكي أن
وشقيقا خرجا في سفر فصحبهما شيخ فاسق ،وكان يضرب بالمعزف في الطريق
ً حاتما
ً
ويطرب ويغني ،وكان حاتم ينتظر أن ينهاه شقيق ،فلم يفعل ذلك ،فلما كان في آخر
الطريق وأرادوا أن يتفرقوا قال لهما ذلك الشيخ الفاسق :لم أر أثقل منكما ،قد طربت بين
أيديكما كل الطرب فلم تنظروا إلى طربي ،فقال له حاتم :يا شيخ اعذرنا فإن هذا شقيق
وأنا حاتم ،فتاب الرجل وكسر ذلك المعزف ،وجعل يتَّلمذ عندهما ويخدمهما ،فقال شقيق
وينبغي أن يعلم أن المؤمن كما يلزم له أن يقطع لحاتم :كيف رأيت صبر الرجال؟
()١
المواالة عن الكفار كذلك يقطع ذلك عن األقرباء الفجار ،فإن قلت :هذا مخالف للقرآن فإنه
ِ ِ ِ
لك ِبه عْلم فال تط ه
عه َما{ ] لقمان [١5:فمن تسبب لشقاوتك يجب تش ِر َك ِبي َما َ
ليس َ ْ
ــــــــــــــــــــــ
أحيانا يكون الصبر سبب اَل َ
فرج. ً -١
62
فعليك بقطع ُّ
التعلق من األغيار ،وباالقتداء بهدي األنبياء األخيار .قال خليل هللا عليه
ين{ ] الشعراء .] ٧٧: الصالة والسالم {:فِإَنهم ع هدو لِي ِإال ر َب ْا ِ
لعاَلم َ
()١
َ َ ه َ
التحفظ واالحترام لعلم هللا تعالى بما في قلبه ،وعليه أن بد للمؤمن من ُّ
التيقظ و ُّ أقول :ال َ
]النساء .]١٣٥: ال يتبع هواه فيخرج عن العدالة} فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ
تعدلوا { ه ََ
شيئا مخال ًفا للحق .وعليه أن يكون باطنه مائدة رَبانية ،فإن هوجد فيه وأن ال يقول ً
شيء مخالف هلل ج َل وعال عليه االستحياء واالستغفار والرجوع إلى هللا ج َل جالله ،فهو
يعفو عن السيئات.
نسأل هللا تعالى أن ال هيزيغ قلوبنا ،وأن هيخرجنا من الدنيا مع الشهادة واإليمان ،وأن
يجمع بيننا وبين المتقين مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
ولكن استولى ضد اإليمان على اإليمان ،واستولت أفعال المسلمين بغير المشروع على
األخالق اإلسالمية .كل هذا يثمر نتيجة ظلمانية في القلوب ،وال يمكن إخفاء ذلك عن
خالقنا ج َل وعال ،فهو م َ
طلع على أحوالنا.
علينا أن نتيَقظ ونكتفي بعلم هللا ج َل جالله ،فهو يرانا ويعلم ما في قلوبنا ويعلم أفعالنا
،فعلينا أن نتبع الشريعة حتى يحصل رضا ربنا عَنا.
نسأل هللا تعالى السالمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان.
63
اللفظ الخامس عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
وعشرين سنة ،إلى أن أطفأ هللا ذلك باإلسالم ،فاآلية إشارة إليهم والى أحوالهم ،فإنهم
باإلسالم صاروا إخو ًانا متراحمين متناصحين ،وصاروا إخوة في هللا .ونظير هذه اآلية
[٦3
معاديا ألحد) ،)2والسبب فيه أنه ينظر من الحق إلى الخلق فيرى
ً خدمة هللا تعالى لم يكن
ـــــــــــــــــــــ
- ١يقصد أن القبيلتين من أصل واحد .
- 2بعض أهل الطرق -مع أن هدفهم واحد -يبغضون أهل غير مسلكهم ،فهذا ً
أيضا مخالف ،ألن هللا تعالى أمر
أحب مسلكي ومشربي ،ولكن ليس لك أنالمؤمنين بالتوجه إلى هللا والى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .فلك أن تقول :إني ُّ
تنكر وال أن تحتقر مشارب اآلخرين ،ألنها حق كذلك.
64
أحدا ،ولهذا قيل :إن العارف إذا أمر أمر
أسير في قبضة القضاء والقدر فال يعادي ً
الكل ًا
برفق ،ويكون ناصحا ال ِّ
يعنف ويعير ،فهو مستبصر بسر هللا في القدر(. )١ ً
واإلشارة أن أهل االعتصام طائفتان .إحداهما أهل الصورة وهم المتعلقون باألسباب ألن
مشربهم األعمال .والثانية أهل المعنى وهم المنقطعون عن األسباب( )2ألن مشربهم األحوال
تصموا ِب َ ِ
اّلل هه َو َموالكم {] لحج ،[٧٨:أي مقصودكم ،وقال ،فقال تعالى لهم {:و ِ
اع هَ َ
كل سبب
يعا{ ] آل عمران ، [ ١٠3:وهو ُّ بل َ ِ ِ للمتعلِّقين باألسباب {:و ِ
تصموا ِب َح ِ
ّللا َجم ً اع هَ َ
يتوسل به إلى هللا ،فالمعتصم بحبل هللا هو المتقرب إلى هللا بأعمال البر ووسائط القربة ،
واذا وجد االعتصام وجد عدم التفرق ،بخالف عدم االعتصام فإنه سبب للتفرق في
كائنا من كان .وأما في
الظاهر والباطن .فأما في الظاهر فيلزم منه مفارقة الجماعة فاقتلوه ً
الباطن فيظهر منه األهواء المختلفة التي توجب تفرق األمة ،كما قال عليه الصالة
والسالم » :ستفترق أمتي اثنتين وسبعين فرقة الناجية منهم واحدة« قالوا :يا رسول هللا
واعلم أنه تعالى ()3
ومن الفرقة الناجية ؟ قال » :من كانوا على ما أنا عليه وأصحابي «
ـــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
ِّ
المعطلة .بل على المؤمن أن يأخذ باألسباب ويعتمد - 2أي بقلوبهم .فليس ألهل المعاني أن يتركوا األسباب فيكونوا من
على مسبب األسباب .فال يلزم من األخذ باألسباب االنقطاع عن المعاني ،فله أن يحب أهله وولده وماله ،ألن هذا كله
ّللا } ] النور ] 3٧: يهم ِّت َج َارة َو ال َبيع َعن ِّذ ِّ
كر َّ من فضل هللا ،وهو يحبهم لوجه هللا ،واال لِّم قال ربنا ِّ } :ر َجال ال تل ِّه ِّ
َ
- 3أخرجه الترمذي عن ابن عمر رضي هللا عنهما بلفظ » :ستفترق أمتي ثالثًا وسبعين فرقة ،كلها في النار إال واحدة،
قيل :ومن هم؟ قال :الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي «.
65
والرهبة متقدمة على الرغبة ،ألن دفع الضرر مقدم على جلب النفع ،كما أن التخلية قبل
ق َتق ِات ِه{ ] آل عمران ، [ ١٠2:إشارة إلى التخويف من التحلية ،فقوله }:ا َتقوا َ َ
ّللا َح َ
سببا لألمر بالتمسك بدين هللا ،ثم أردفه بالرغبة ،وهي قوله تعالى :عقاب هللا ،ثم جعله ً
ّللا َعليكم { .فعلى العاقل االنقياد ألمر هللا ،والطاعة لحكمه ، { واذكروا ِنعمة َ ِ
َ َ ه
واالعتصام بحبله ،وعدم التفرق في الدين ،والتقوى حق التقى من هللا سبحانه.
قال الشيخ النصر آبادي :عالمة المتقي أربعة :حفظ الحدود ،وبذل المجهود ،والوفاء
بالعهود ،والقناعة بالموجود .قال القشيري رحمه هللا :حق التقوى أن يكون على وفق األمر
،ال يزيد من ِّقبل نفسه وال ُينقص .وحق التقوى أوالً اجتناب الزلة ،ثم اجتناب الفضلة ،
ثم التوقي عن كل خلة ،ثم التقى عن كل علة ،فإذا اتقيت عن شهود تقواك بعد اتصافك
شركا
بتقواك فقد اتقيت حق تقواك .انتهى .فمن بقي فيه شيء من أثر الوجود فقد أشرك ً
خفيا ولم يصل إلى حقيقة الشهود .
()١
ً
أقول :على المؤمن أن يكون نظره إلى الخالق أوال ،ثم يرى أن الخلق كلهم عبيده تعالى
،وهو ج َل وعال يرحمهم ويرزقهم ؛ فإذا نظر إليهم على أنهم عبيد خالقه فإنه يعاملهم
معاملة األخ ،ما لم يكن معهم في حالة حرب.
وعلى المؤمن كذلك أن ينظر إلى العباد مذ زمان الرسول األعظم عليه الصالة والسالم
إلى آخر الدنيا أنهم كلهم أمته صلى هللا عليه وسلم ،وما دام هو يحب هللا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1تفسير روح البيان
66
ورسوله فعليه أن يشفق على الخلق ويرحمهم ويعاملهم معاملة اإلخوة ،ألنهم من أمة
عبدا لنفسه. مح َمد صلى هللا عليه وسلم ،حينذاك يكون ً
عبدا هلل جل جالله ال ً
على المؤمن أن يحذر أن يكون عقله ميزًانا لهذه األمور ،بل الميزان هو الشريعة ،
فعليه أن يشفق على جميع خلق هللا جل جالله إال من استثنتهم الشريعة.
جميعا.
ً نرجو هللا تعالى أن يحفظنا والمؤمنين
67
اللفظ السادس عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
ْلونكم َخَباال َوُّدوا َما َعِن ُّتم قد َب َد ِت ( يا أَُّيها اَل ِذين ءامنوا ال ت َت ِخذوا ِب َ ِ
طاَن ًة من هدوِنكم ال َيأ َ َ َ َ َ َ
تعقلو َنات ِإن ْكهنتم ِ اتخفي ص هدورهم أَ ْكبر قد بَيَنا َل هكم اآلي ِ
اه ِهم وم ِ غضاء ِمن أَ ْفو ِ
ه َ َ ه ه ه َه ََ َ ْا َلب َ ه
( [ )١١8آل عمران ] ١١8:
ورههم أَ ْكَبهر { يعني :الذي يظهر على لسان المنافق من ِ
قوله تعالىَ } :ماتخفي هص هد ه
عالمات البغضاء أقل مما في قلبه من النفرة ،والذي يظهر من عالمات الحقد على
لسانه أقل مما في قلبه من الحقد ،ثم بين تعالى أن إظهار هذه األسرار للمؤمنين من
عقلو َن{ أي من أهل العقل والفهم نعمه عليهم ،فقال } :قد بَيَنا َل هكم اآلي ِ
ات ِإن ْكهنتم َت ِ
ه َ َ
الفصل بين ما يستحقه العدو والولي، عقلو َن { والدراية ،وقيل ِ }:إن ْكهنتم َت ِ
َ
والمقصود بعثهم على استعمال العقل في تأمل هذه اآلية وتدبر هذه البينات ،وهللا أعلم .
()١
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي
68
صديقا ،فما بالك إذا كان المؤمن يعيش بما
ً هذه اآلية نهي للمؤمن أن يتخذ الكافر
يعيش به الكافر ،يفعل فعل الكفر من الربا والزنا والنظر الح ارم وأكل أموال األيتام
وأكل أموال الناس بغير حق وعدم الرعاية لحقوق الشريعة المح َمدية من تستر النساء
وعدم التجاوز عن الحد؟ هل هذا الفعل موافق إليمانكم؟ كلكم تقولون :ال يوافق .ما
فلم ترسلون بناتكم سافرات إلى الجامعة واألسواق؟ هذا الفعل ال يوافق
دام كذلك َ
إيماننا .علينا أن ال نغتر بالشهرة ،فنقول :فالن أرسل بنته إلى الجامعة فنحن نرسل
هكذا ،وفالن زوجته بال تحجب فنحن نفعل هكذا ،وهللا غفور رحيم .هذا اغترار
باهلل تعالى مع عدم االستحياء منه ج َل وعال .وهذا كله مصدره إتباع الهوى ،فعلينا
أن ال نتخذ أهواءنا بطانة .كما أمرنا ربنا أن ال نتخذ الكفار بطانة كذلك نهانا أن نتبع
أهواءنا وأنفسنا .علينا أن نرجع إلى أوامر هللا ونواهيه.
69
اللفظ السابع عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
عن ابن مسعود والسدي والربيع بن أنس :األنامل األصابع ،وهذا شأن المنافقين
يظهرون للمؤمنين اإليمان والمودة وهم في الباطن بخالف ذلك من كل وجه ،كما قال
امل ِمن ْا ِ
لغيظ { وذلك أشد الغيظ والحنق ،قال ِ تعالى َ }:وِاذا َخلوا َع ُّضوا َعَل ه
يك هم األ ََن َ َ
ّللا علِيم ِب َذ ِ ِ
الصهدور{ أي مهما كنتم تحسدون
ات ُّ قل هم هوتوا ِبغيظكم ِإ َن َ َ َ
هللا تعالىْ }:
عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم فاعلموا أن هللا متم نعمته على عباده المؤمنين ومكمل
ّللا علِيم ِب َذ ِ
الص هد ِ
ور{ أي ات ُّ ومع ِّل كلمته ومظهر دينه فموتوا أنتم بغيظكم } ِإ َن َ َ َ
دينه ُ
هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل
للمؤمنين وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خالف ما تأملون وفي اآلخرة بالعذاب
()١
الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها ال محيد لكم عنها وال خروج لكم منها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
70
الص هد ِ
ور { الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة فالمراد } ِب َذ ِ
ات ُّ
فيه ،وهي لكونها حالة في القلب منتسبة إليه فكانت ذات الصدور ،والمعنى أنه تعالى
عالم بكل ما حصل في قلوبكم من الخواطر والبواعث والصوارف .
() ١
فال تعجب ) يامحمد ( من إطالعي إياك على أسرارهم ،فإني عليم باألخفى من
()2
ضمائرهم .
أقول :نحن ال نخرج من ديننا ونتبع دينهم ،لكننا نعيش في األخالق الذميمة كما هم
فتش كل واحد منا قلبه وأحواله يرى تمسكه بالدنيا وحبه لها وحبه لغير المشروع من
علينا أن نتمسك باألسباب في داخل الشريعة ،من الزراعة والتجارة والصناعة ،
حتى نستغني عن السؤال ،وننفق على عيالنا ،فإن لهم حقوًقا علينا ،ولكن ننفق
[ التكاثر ]١:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي .
-2تفسير البحر المديد.
71
علينا أن نرجع إلى أوامر خالقنا ج َل وعال ،وأن نمشي على وفق ما َ
حد لنا ،وأن
72
اللفظ الثامن عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا ِإالَ بشرى لكم ولِت ْطم ِئ َن هقلوبكم ِب ِه وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ
ّللا اْل َع ِز ِيز ه ََ ه َ َ له َ ه ه َ ( َو َما َج َع ه
اْل َح ِكي ِم ( )[ )١٢٦آل عمران ]١٢٦:
وتطمينا ،واال
ً وتطييبا لقلوبكم
ً أي وما أنزل هللا المالئكة وأعلمكم بإنزالهم إال بشارة لكم
فإنما النصر من عند هللا الذي لو شاء انتصر من أعدائه بدونكم ومن غير احتياج إلى
ِ ِ
نهم
تصَر م ه
ّللا ال ْن َ قتالكم لهم ،كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال َ {:ذل َك َولو َي َش ه
اء َ ه
ّللا َفلن ي ِض َل أَعماَلهم ) ( ٤سي ِ
هدي ِهم يل َ ِ عضكم ِببعض واَل ِذين ِ
قتلوا ِفي س ِب ِ وِ
لكن ِلَيهب َلو َب َ
ََ َ ه ه َ َ َ َ َ
ِ ِ
لهم {]محمد ]٦-4: لهم )َ ( ٥وهيدخهل هه هم اْل َجَنة َعَر َ
فها ه َوهيصل هح َباَ ه
{ وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ
ّللا { ال من العدة والعدد ،وهو تنبيه على أنه ال حاجة في ه ََ
أقول :لو علمنا أن الموجودات كلها منغمسة في نعم هللا ج َل وعال لعلمنا أن هللا قادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2تفسير البيضاوي.
73
ومن النعم الكبيرة علينا توجيهنا إلى اإليمان ،فعلينا أن نتمسك بمقتضى اإليمان،
ونطلب من خالقنا رحمته وكرمه وفضله ،مع األخذ باألسباب .واألسباب دنيوية
وأخروية :األسباب األخروية متعلِقة بالكتاب والسَنة ،وال يشك المؤمن في أنهما
سندان موَقعان بتوقيع هللا تعالى وتوقيع الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ،
للخروج باإليمان من الدنيا إلى عالم الحشر ،ومنه إلى الجنة .وأما األسباب الدنيوية
فقد سمح لنا ربنا أن نأخذ باألسباب ضمن الحدود التي أحَلتها لنا شريعتنا ،حينذاك
نكون سعداء في الدارين ؛ في الدنيا مرزوقين برزق هللا تعالى ،مع إيماننا بأن هذا
الرزق من عطاء خالقنا ،وفي اآلخرة لنا ما وعد ربنا به المؤمنين بقولهَ } :من َع ِم َل
نجزَيَن ههم أ َ ِ ِ ِ
َحس ِن َما
َجرههم بأ َ َصال ًحا من ذكر أَو أهْنثى َو هه َو هم ْؤ ِمن َفهلنحِيَيَن هه َحَياة َ
طيب ًة َوَل ِ
74
اللفظ التاسع عشر
بسم هللا الرحمن الرحيم
لقي ِفي هق ِ ِ
قوله تعالى }:سْن ِ
عب { يريد ما قذف في قلوبهم من
الر َ
فروا ُّ لوب اَلذ َ
ين َك ه َ
الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ،ونادى أبو سفيان يا محمد
موعدنا موسم بدر القابل إن شئت ،فقال عليه الصالة والسالم » :إن شاء هللا «.وقيل
لما رجعوا وكانوا ببعض الطريق ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم ليستأصلولهم ،
فقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد هللا أن رسول هللا عليه وسلم قال » :أعطيت
وجعلت لي
خمسا لم ُيعطهن أحد من األنبياء قبلي :نصرت بالرعب مسيرة شهرُ ،
ً
األرض مسجدا وطهورا ،و َّ
أحلت لي الغنائم ،وأُعطيت الشفاعة ،وكان النبي ُيبعث إلى ً ً
()2
وبعثت إلى الناس عامة«.
قومه خاصة ُ
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي .
-2تفسير ابن كثير
75
جميعا أن ألقى الرعب في
ً أقول :من ِن َعم هللا جل جالله على الصحابة الكرام وعلينا
قلوب الكافرين ،ولذا نحن اآلن نقول" :ال إله إال هللا ،مح َمد رسول هللا " ،فعلينا أن
وكما أن هللا تعالى ألقى في قلوب الكفار الرعب ،فهو يلقي في قلوب المؤمنين
ما دام محل الرعب ومحل الشجاعة هو القلب ،فعلى المؤمن أن يتمسك بالشجاعة
توَك ِل اْل هم ْؤ ِمنو َن{ ويتوكل على هللا .محل التوكل كذلك هو القلب } :وعلى َ ِ
ّللا ْف َلي َ ََ
[التوبة .[٥١:
الراحمين.
حق التوكل يا أرحم َ
الله َم اجعلنا من المتوكلين عليك َ
76
األلفاظ العشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل ّللا َما ِفي هص هد ِ
وركم { َّ ِ
قوله تعالى َ }:ولَِيَبتل َي َ ه
لها أخرى مطوية لإليذان بكثرتها ،كأنه قيل فعل ما فعل لمصالح جمة ،وليبتلي أي
حص َما ِفي هقلو ِبكم { من مخفيات األمور ويكشفها أو يخلصها من
السرائر } َولِهي َم َ
حص َما ِفي هقلو ِبكم { فيه وجهان :أحدهما :أن هذه
قال الرازي :وقوله } َولِهي َم َ
ــ ــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
77
والثاني :أنها تصير كفارة لذنوبكم فتمحصكم عن تبعات المعاصي والسيئات.
الص هد ِ
ور { ،واعلم أن ذات الصدور هي األشياء الموجودة ّللا علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ ثم قال َ } :و َ ه َ
في الصدور ،وهي األسرار والضمائر ،وهي ذات الصدور ألنها َّ
حالة فيها مصاحبة
لها ،وصاحب الشيء ذوه ،وصاحبته ذاته ،وانما ذكر ذلك ليدل به على أن ابتالءه لم
يكن ألنه يخفي عليه ما في الصدور ،أو غير ذلك ،ألنه عالم بجميع المعلومات ،
()١
وانما ابتالهم إما لمحض اإللهية أو لالستصالح .
ويخرجها عن الطبيعة البشرية ،حتى ال تقول :لو أني ما فعلت هكذا ما كان هكذا ،
رواْلَب ِ
حر ِ ِ ِ ِ ِ
لم َما في اْلَب َ
لم َها إال هه َو َوَي َع ه
فالكل بيد هللا تعالى َ } :وعْن َد هه َم َفات هح ْالغيب ال َي َع ه
أحيانا يبتلينا
أحيانا ربنا بفضله وكرمه يرحمنا ويعفو عما يخطر في قلوبنا ،و ً
ً
الصا ِب ِر َ
ين { ِ
بالمصائب والباليا لنصبر عليها فنكون عنده من الصابرين } :إ َن َ َ
ّللا َم َع َ
واالعتقاد بأن الحياة والموت والكفر واإليمان كله منه ،إال أننا مكلفون بتكاليف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
78
الشريعة ،فعلينا أن نستعمل الجزء االختياري في األخذ باألسباب الموافقة لرضا هللا
ج َل وعال.
79
اللفظ الثالث والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِإذا َضَرهبوا ِفي األ ِين َك َفهروا َوقاهلوا ِإل ْخ َو ِان ِهم ِ ِ
َرض أ ََو التكونوا كاَلذ َ
ه امنوا
ين َء َ ( َياأَُّي َها اَلذ َ
ّللا هيحِيي ِ ّللا ذلِ َك ِ ِ كاهنوا غزى لو كاهنوا ِع َ
سرة في هقلوبِ ِهم َو َ ه
َح َ جع َل َ ه ندنا َما َماهتوا َو َما قتلوا لَي َ
عملو َن َب ِصير ( ) ] (١٥٦آل عمران ]١٥٦: َوهي ِميت َو َ ِ
ّللا ب َما َت َ
ه
ِ ِ
فروا { يعني المنافقين َ } ،وقاهلوا التكونوا كاَلذ َ
ين َك ه ه امنوا قوله تعالى َ }:ياأَُّي َها اَلذ َ
ين َء َ
ِإل ْخ َو ِان ِهم { ألجلهم وفيهم ،ومعنى أُخوتهم اتفاقهم في النسب أو المذهب } ِإذا َضَرهبوا
ِفي األ ِ
َرض { إذا سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها } أَوكاهنوا غزى { جمع غاز ،
أي ال تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واالعتقاد ،ليجعله حسرة في قلوبهم خاصة،
فذلك إشارة إلى ما دل عليه قولهم من االعتقاد ،وقيل إلى ما دل عليه النهي .أي ال
تكونوا مثلهم ليجعل هللا انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ،فإن مخالفتهم
ِ
ّللا هيحِيي َوهيميت { ً
ردا لقولهم أي هو المؤثر في الحياة ومضادتهم مما يغمهم َ } ،و َ ه
80
والممات ال اإلقامة والسفر ،فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم
بد للمؤمن أن يكون مع هللا تعالى كالطفل مع والده أو والدته ،إذا كان ابن
أقول :ال َ
ست أو خمس أو أربع أو ثالث سنوات يأخذ والده بيده ،فحيثما ذهب به ال يقول:
فعلى المؤمن أن ال يقول مثل قول الكفار أو المنافقين ،وأن ال يعتمد على األسباب ،
بل يعتمد ويتوكل على هللا تعالى ،فاألسباب مخلوقة ،واألخذ بها من أوامر هللا ،أما
ومن لم يكن هكذا مسلِما ألوامر هللا تعالى فإنه إذا حصل له شيء من الباليا
والمصائب وقلة الرزق والمضايق يكون ذلك حسرة عليه ،فيقول :لو لم أفعل كذا ما
حصل كذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
81
والرسول صلى هللا عليه وسلم يقول » :احرص على ما ينفعك واستعن باهلل وال
تعجز ،وان أصابك شيء فال تقل لو ِأني فعلت كذا كان كذا وكذا ،ولكن قل َ
قدَر هللا وما َ
82
اللفظ الرابع والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
لهم { ما :مزيدة للتأكيد ،أي فبرحمة قوله تعالى { :ف ِبما رحمة ِمن َ ِ ِ
ّللا لْنت ه َ َ َ َ
عظيمة لهم كائنة من هللا تعالى وهي رب طه على جأشه وتخصيصه بمكارم
األخالق كنت لين الجانب لهم وعاملتهم بالرفق والتلطف بعدما كان منهم ما كان من
القلب :هو الذي ال يتأثر قلبه من شيء ،فقد ال يكون اإلنسان سيئ الخلق وال يؤذي
إتماما
ً نهم { فيما يتعلق بحقوقه تعالى ،
يتعلق بحقوقك كما عفا هللا عنهم } َفاعف َع ه
عندهم في أمر الحرب ،إذ هو المعهود ،أو فيه وفي أمثاله مما تجرى فيه المشاورة
83
وتمهيدا َّ
لسنة المشاورة لألمة ً فعا ألقدارهم
وتطييبا لقلوبهم ور ً
ً استظهار بآرائهم
ًا عادة ،
} فِإذا ع َزمت { أي عقيب المشاورة على شيء واطمأنت به نفسك } َفتوَكل على َ ِ
ّللا{ َ ْ َ َ
في إمضاء أمرك على ما هو أرشد وأصلح ،فإن ما هو أصلح لك ال يعلمه إال هللا ،ال
قال اإلمام أحمد رضي هللا عنه حدثنا حيوة حدثنا بقية حدثنا محمد بن زياد حدثني أبو
راشد الحراني قال :أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي رضي هللا عنه وقال :أخذ بيدي رسول
«(.)2 هللا صلى هللا عليه وسلم فقال » :ياأبا أمامة إن من المؤمنين من يلين له قلبي
تأليفا لقلوبهم،
عليهم النفضوا عنك وتركوك ،ولكن هللا جمعهم عليك وأالن جانبك لهم ً
كما قال عبدهللا بن عمرو :إني أرى صفة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الكتب
المتقدمة أنه ليس بفظ وال غليظ وال صخاب في األسواق وال يجزي بالسيئة السيئة ولكن
()3
يعفو ويصفح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
- 2تفرد به أحمد .
- 3تفسير ابن كثير.
84
كالما عا اما
أحدا على أخالقه السيئة عليك أن تقول ً
أقول :إذا أردت أن َتنبه ً
بالتعريض بدون تعيين ،هذا واجب جميع المؤمنين وخاصة أهل العلم ؛ فإذا كان من
أهل الفطانة والذكاء والعقل يأخذ حصته من هذا الكالم العام ،ويمتنع عن أخالقه
الذميمة ،ولكن الطبيعة البشرية ال تخلو عن االنزعاج حتى من التعريض والكالم العام.
واذا لم يفهم ولم يترك مخالفته لأل وامر اإللهية فلِ ِقَل ِة عقله ،ألن عقله لم هي َ
نور بنور
85
اللفظ الخامس والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
لم ِق َتاال يل َ ِ (ولِيعلم اَل ِذين ناَ هفقوا وِقيل لهم تعاَلوا ِ
قاتلوا ِفي س ِب ِ
لونع ه ّللا أ َِو َاد ه
فعوا قاهلوا َ َ َ َ ه َ َ َ ََ َ
اليس ِفي هقلوبِ ِهم ِ لكفر َيوم ِئذ أَ ْقَر هب ِم ه ِ ِِ
قولو َن ِبأَ ْفواه ِهم َم َ يم ِ
ان َي ه نهم لإل َ ال َتَب َعناكم ههم ل ِ َ
بما َي ْك هت همو َن ( ) ] (١٦٧آل عمران ]١٦٧ :
لم َ
َع ه
ّللا أ َ
َو َ ه
يم ِ
ان { استدلوا به على أن قال هللا عز وجل { :ههم لِلكف ِر َيوم ِئذ أَ ْقَر هب ِم ه ِ ِ
نهم لإل َ َ
الشخص قد تتقلب به األحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر وفي حال أقرب إلى
اليس ِفي هقلوبِ ِهم { يعني أنهم يقولون القول وال يعتقدون صحته ،ومنه ِ
ِبأَفواه ِهم َم َ
ِ
لونعلم ق َتاال ال َتَب َعناكم { فإنهم يتحققون أن ً
جندا من المشركين قد جاؤوا ه قولهم هذا { :
من بالد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من أشرافهم يوم بدر ،وهم
لم ِب َما
َع ه
ّللا أ َ
أضعاف المسلمين ،وأنه كائن بينهم قتال ال محالة ،ولهذا قال تعالى َ { :و َ ه
()١
تمو َن} .
َي ْك ه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
86
أقول :ال بد من االكتفاء بعلم هللا ج َل وعال ،واذا لم يتفكر المؤمن بعلم هللا تعالى
حق الكفار ،لكن على المؤمن أن يبتعد عن هذه األخالق الكفرية المنافقية في كتمان
الحقائق.
كثير من المؤمنين يتعلقون باألسباب ،يقولون :لو لم يكن هذا ما كان هكذا ،هذا
خالف اإليمان واالعتقاد الصحيح .اعتقاد أهل السَنة والجماعة أنه إذا لم يوجد السبب
سيموت في ذلك الوقت أم ال) ،ولذا علينا أن نفوض األمور إلى هللا ،ونقول :هذا قدر
على األوالد أو أصابهم الطاعون فماتوا أو ذهب ماهلك تقوم القيامة على رأسك ،فهذا
يسلِم له.
شيئا عب ًثا َ
ليس شأن المؤمن .من يعلم أن هللا تعالى ال يفعل ً
يارب العالمين.
الله َم ارزقنا التسليم التام لك َ
87
اللفظ السادس والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
لهم ِفي
قل ه وال تفرج عنهم بدعائك } َو ِع ه
ظهم { أي ازجرهم عن النفاق والكيد } َو ْ
أَْن ِ
فس ِهم { أي في حق أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على الشرور التي يعلمها
البليغ بأن يقول :إن هللا يعلم سركم وما في قلوبكم فال يغني عنكم إخفاؤه ،
فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم من رذيلة الكفر وداووها من مرض النفاق ،واال أنزل
()١
الموعظة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
88
هذا الضرب من الناس هم المنافقون ،وهللا يعلم ما في قلوبهم ،وسيجزيهم على
ذلك ،فإنه ال تخفى عليه خافية ،فاكتف به يا محمد فيهم ،فإنه عالم بظواهرهم
قوالً َبلِي ًغا { أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكالم بليغ رادع لهم .
()١
أقول :هذا التوجيه الذي جاء من هللا تعالى إلى رسوله صلى هللا عليه وسلم هو
ِ
فاكتف بعلمه الطريق ،حيث قال له ما معناه :هللا عالم بظواهر المنافقين وبواطنهم ،
فعلى المؤمن أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،ويكتفي بعلم هللا تعالى ،ثم
يفوض أمر الهداية إلى هللا ج َل وعال ،فال ينزعج من عدم قبول السامعين لنصيحته
أو توجيهه ،ألن القبول ليس وظيفته ،وظي هفته القول ،والهداية من هللا تعالى ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
89
اللفظ السابع والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
قاتلوكم { أي ضاقت عن أن يقاتلوكم مع قومهم قوله تعالى { :ح ِصر ْت ص هدورهم أَن ي ِ
ه َ َ ه هه
قوم ههم { معكم ،والمراد بالجائين الذين حصرت صدورهم عن المقاتلة بنوا ِ
{ أَو هيقاتلوا َ
يشا أن ال يقاتلوهم ،
مدلج ،وهم كانوا عاهدوا أن ال يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قر ً
فضاقت صدورهم عن قتالكم للعهد الذي بينكم وألنه تعالى قذف الرعب في قلوبهم ،
وضاقت صدورهم عن قتال قومهم لكونهم على دينهم .نهى هللا تعالى عن قتل هؤالء
المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهد للمؤمنين ،ألن من انضم إلى قوم ذوي عهد فله
لسَل ه
طهم { أي بني مدلج } َعليكم { بأن قوى ّللا َ
اء َ ه
حكمهم في حقن الدم َ } ،ولو َش َ
()١
قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم .
أقول :وعلى هذا :المذبذبون بين فريقين ال يرضى عنهم أحد ،ألن هذين الفريقين
بعضهم ضد لبعض ،ولكن علينا أن نحكم بظاهر الشريعة ونفوض أمرهم إلى هللا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
90
هذا إذا كان التذبذب بين الكفار والمسلمين ؛ وأما إذا كان التذبذب في الطريق بين
شرَبين فإنه ال يجوز ،ألن المذبذب ال يستفيد من هذا وال من ذاك .فعليه أن يترك أحد
َم َ
الفريقين ويكون صاد ًقا مع الفريق اآلخر حتى يستفيد ،واال ال يستفيد من أيهما قط.
حق المؤمن أن ال يكون هكذا ،يتفكر في نفسه أنه يخدع هذا الفريق وهذا الفريق ؛
أحدا من الفريقين.
وهو في الحقيقة يضر نفسه ،وال يضر ً
الله َم ارزقنا الصدق في القول والعمل ،واجعلنا من عبادك المخلصين ،برحمتك يا
الراحمين.
أرحم َ
91
اللفظ الثامن والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
تخفيف ُغلف
ُ يصل إليها ما جاء به محمد عليه الصالة والسالم وال تفقه ما يقوله ،أو هو
بضم الغين والالم جمع غالف ،أي هي أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا
على وجه االستطراد ،مسارعة على زعمهم الفاسد ،أي ليس كفرهم وعدم وصول
بسبب كفرهم ،وليست قلوبهم كما زعموا بل هي مطبوع عليها بسبب كفرهم .
()١
أقول :هللا جل جالله من فضله وبركته ورحمته أعطانا العقل والقدرة -وان كانت
جزئية -وأعطانا الجزء االختياري ،وبَين لنا األمرين :إما اإليمان واتباع القرآن
الكريم واتباع الرسول عليه الصالة والسالم ،وثمرة ذلك رضا هللا تعالى ،واما الكفر
والعناد والنفاق والعصيان ،وثمرته سخط هللا ج َل وعال ،بهذا خَيرنا ِ { :إَنا َه َدَي ه
ناه
فور{ ] اإلنسان ،[ ٣:فاإليمان المقبول عند هللا تعالى هو الس ِبيل ِإ َما ِ
شاكً ار َواِ َما هك ًا َ َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
92
اإليمان االختياري ال الجبري ،ولو كان اإليمان الجبري مقبوال عنده ألعطاه لكل
فنحن مخيرون وعلينا أن نستعمل هذا االختيار في إرضاء هللا تعالى .فليس
كف ِرِهم { ،فهذا الطبع وان كان أز ًليا لكنهم ال علم لهم به ،وقد
ليها ِب ْ
ّللا َع َ
طب َع َ ه
َ
استعملوا الجزء االختياري الذي أعطاهم إياه ربهم والقدرة التي خلقها فيهم استعملوها
المتلَقف من أبويه ،إذا فتح عينيه ورأى الكون ،وتفكر :من أين جئت؟ والى أين
أذهب؟ ومن أوجدني؟ يصل إلى معرفة ربه خالقه .وهذا واجب على العاقل -كما هو
مذهب الماتريدي رضي هللا عنه -ولو لم يصل إليه التبليغ .فإذا تفكر بوجوده بعد
عدمه يثبت عنده أن هذه الدنيا ال تدوم ألحد ،واذا كان عاق ال يتفكر في الع َالم مذ
سيدنا آدم إلى اآلن :من أين تأتي أرواحهم؟ وأين تذهب؟ ال بد من ح ِل هذا الطلسم ،
فإذا حَله عرف أنه ال بد أن يذهب إلى اآلخرة مثلهم ،فال يقول كما قال الكفار:
وحسن الختام.
الله َم إنا نسألك العفو والعافية ه
93
اللفظ التاسع والعشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم
قه اَل ِذي َواَ َثقكم ِب ِه ِإذ ْقهلتم َس ِم َعنا } واذكروا ِنعمة َ ِ
ّللا َعليكم { باإلسالم } َو ِمَيثاَ ه َ َ ه
بايعهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر
والمنشط والمكره ،فقبلوا وقالوا سمعنا وأطعنا .وقيل :هو الميثاق ليلة العقبة وفي
ّللا علِيم ِب َذ ِ
جل الص هد ِ
ور { فإنه وعيد من هللا َّ ات ُّ ّللا ِإ َن َ َ َ
وأما قوله َ { :وا َتقوا َ َ
اسمه للمؤمنين الذين أطافوا برسوله صلى هللا عليه وسلم من أصحابه ،وتهديد لهم أن
تبدلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به ،أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم :سمعنا
وأطعنا ،بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم ،فإن هللا مطلع على ضمائر
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير النسفي.
94
صدوركم ،وعالم بما تخفيه نفوسكم ،ال يخفى عليه شيء من ذلك ،فيحل بكم من
()١
وتصيروا في معادكم إلى سخط هللا وأليم عقابه .
التوفيق لقالوا :سمعنا وعصينا ،كما قال أهل الخذالن والعصيان ،وعن عبد الرحمن
بن عوف بن مالك األشجعي قال :كنا عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تسعة أو
ثمانية أو سبعة فقالوا :أال تبايعون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم -وكنا حديثي عهد
ببيعته -فقلنا :قد بايعناك يا رسول هللا ،قال » :أال تبايعون رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم« فبسطنا أيدينا وقلنا :قد بايعناك يا رسول هللا ،فعالم نبايعك؟ قال «:أن تعبدوا
أحدا يناوله
تسألوا الناس« فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط َسوط أحدهم فما يسأل ً
()3( )2
. إياه حتى يكون هو ينزل فيأخذه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الطبري .
-2أخرجه مسلم عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك األشجعي بألفاظ متقاربة .
-3تفسير روح البيان.
95
أقول :علينا أن نكون على سيرة من بايعوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فال
ضعف اإليمان ؛ ألن هللا تعالى يرزق من يشاء بغير حساب ،فإذا كنا نؤمن بأن
العطاء من هللا تعالى علينا أن نتمسك به .وهذا ال هينافي السعي من أجل الكسب
بعض الناس يجعل علمه أو خدمته للدين آلة للرزق ،كما فعل بلعم بن باعوراء ،
يارب العالمين.
الله َم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم َ
96
اللفظ الثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ
لعَن ه
اهم { أي فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ قوله تعالى { :ف ِب َما ْنقض ِهم مَيثاَ ه
قهم َ
عليهم لعناهم أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى } ،وجعَلنا هقلوبهم ِ
قاسَي ًة{ َه َ ََ
()١
أي فال يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها .
أقول :في هذه اآلية الكريمة يلعن هللا تعالى الكافرين الذين نقضوا العهد ،لكن هذا
الوصف إذا صدر من المسلمين يكونون فاسقين عاصين ،والعصيان ينكت في القلب
تؤثر فيه قراءة القرآن وال حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال وعظ الواعظين،
حينذاك ينحرف صاحبه عن االستقامة الشرعية ،ويتمسك بنفسه وعقله المظلم ،
ويتوجه إلى الدنيا الفانية ،وينسى اآلخرة .لكنه إذا تاب واستغفر ورجع إلى خالقه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
97
فإنه ج َل وعال يرحمه ويغفر له ويبدل سيئاته حسنات ،أما إذا لم يرجع ومات على
ذلك فأمره إلى هللا ،إن شاء عذبه وان شاء عفا عنه ،ولكن هللا تعالى يقول:
ِ ِ
تدى{ ] طه ، [ 8٢:قَيد ام َن َو َعم َل َصالِ ًحا هث َم َ
اه َ تاب َوَء َ
ِ
} َواِني َل َغ َفار ل َمن َ
المغفرة باالهتداء وباالستقامة وبالعمل الصالح ،أما اإليمان المجرد فأمره إلى هللا.
الراحمين.
يا أرحم َ
98
اللفظان الحادي والثالثون والثاني والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
لكفر ِمن اَل ِذين قاهلوا ءامَنا ِبأَ ْفو ِ ِ حز ِ
اه ِهم َ َ َ َ ين هي َس ِار هعو َن في ْا ِ َ نك اَلذ َول ال َي ه َالر هس ه)َيا أَُّي َها َ
ِ ِ ِ ِ
ْتوك
ين لم َيأ َ اعو َن لقوم َءا َخ ِر َ اعو َن لْلكذ ِب َس َم ه لوب ههم َو ِمن اَلذ َ
ين َه هادوا َس َم ه َولم ْتؤ ِمن هق ه
ِ ِِ ِ ِ ِ
فاحذروا
ه توه
ذوه َواِن لم ْتؤ ه قولو َن ِإن أهوِتهيتم َهذا َف هخ ههي َحهرفو َن اْلكل َم من َبعد َم َواضعه َي ه
ّللا ً ِ ِ ّللا ِف ْتَنته َفلن تملِك َله ِمن َ ِ
هر
ط َّللا أَن هي َ ِ شيئا أ َهولئ َك اَلذ َ
ين لم هي ِرد َ ه َ ه َ ه ِ
َو َمن هي ِرد َ ه
اآلخرِة ع َذاب ع ِظيم ( )٤١س َماعو َن لِْل ِ
كذ ِب أَ َكاهلو َن الدنيا ِخزي ولهم ِفي ِ ِ
َ ه َ َ َ َ ه لهم في ُّ َ لوب ههم ههق َ
للسحت ( ] (٤٢لمائدة ]٤١:
ُّ
المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع هللا عز وجل } ِمن اَل ِذين قاهلوا ءامَنا ِبأَ ْفو ِ
اه ِهم َ َ َ َ َ
شيئا أهوَل ِئ َك ّللا ِف ْتَنته َفلن تملِك َله ِمن َ ِ ِ
ّللا ً َ ه َ ه هم المنافقون .قال هللا تعالى َ { :و َمن هي ِرد َ ه
ابن مسعود وغير واحد .أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر هللا قلبه وأنى يستجيب
()١
له .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
99
أقول :ال بد للمؤمن أن يحذر من هذه الصفات المخصوصة بالمنافقين الذين رد هللا
علينا أن نتمسك بأوامر هللا ونجتنب نواهيه ،ونتمسك بسنة الرسول صلى هللا عليه
وسلم ،لع َل هللا تعالى يخلصنا بفضله وكرمه من العذاب األليم ومن سخطه.
ِ
لوب ههم { فإذا أراد هللا أن يطهر قلوبهم يحرك
طهر هق َ قوله تعالى { :لم هي ِرد َ ه
ّللا أَن هي َ
الداعي في قلوبهم ،ويأتي ذلك إلى القدرة الشخصية المخلوقة في اإلنسان ،حينذاك
يستعمل جزأه االختياري ويوجهه إلى فعل أوامر هللا تعالى ويجتنب نواهيه .هذا الجزء
يل ِإ َما ناه َ ِ ِ
السب َ وجزئيا إال أن التكليف متعلق به ِ { :إَنا َه َدَي ه
ً االختياري وان كان ضعي ًفا
طلت األحكام الشرعية ،نعوذ باهلل من فور{ ] اإلنسان ،[ ٣:واال تع َ ِ
شاكًار َواِ َما هك ًا
هذا التعطيل.
ربنا ال يريد منا اإليمان ،فقد بَين هللا سبل النجاة فقال:
ليس للكفار أن يقولوا ُّ :
ّللا لمع ْالم ِ ِ ِ ِ ِ
ين{ ] العنكبوت [ ٦٩:فالذي
حسن َ اههدوا فَينا َلنهدَيَن ههم هسهبَلنا َواِ َن َ َ َ َ ه } َواَلذ َ
ين َج َ
الله َم ِ
وفقنا لمجاهدة أنفسنا واجعلنا من المحسنين.
100
اللفظ الثالث والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { أي شك وريب ونفاق } هي َس ِار هعو َن ِ
قوله تعالى َ { :ف َترى اَلذ َ
ِ
قولو َن نخشى أَن في ِهم { أي يبادرون إلى مواالة الكفار ومودتهم في الباطن والظاهر } َي ه
تص َيبنا َد ِائَرة { أي يتأولون في مودتهم ومواالتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر
ِ
()١
الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك .
أقول :علينا أن ال نميل إلى من ال نثق بدينه من أجل فائدة دنيوية ،ألن التقسيم
والفائدة كلها عند هللا تعالى ،فإذا أراد هللا أن هيعطي ال مانع إلعطائه ،واذا أراد أن
يمنع ال معطي لما منع .فعلينا أن نحفظ ديننا من اختالط الدنيا به ،وأن نتوكل على
هللا ،ونقنع بما في أيدينا ،ونسعى على معيشتنا ،ونرضى بمقدار ما رزقنا هللا منها.
وهللا تعالى أخبرنا عن صفات المنافقين والكافرين لنجتنب أوصافهم وال نعيش
بأخالقهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
101
اللفظ الرابع والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
األرباب ،وانما كان سؤال استفسار واستخبار ،عن إنزال هللا المائدة من السماء ،فسؤالهم
ومرادهم هل يفعل ربك ذلك؟ وهل يجيبنا إلى هذا الطلب؟ ولهذا نبههم عيسى عليه
ِ
هللا ِإن ْكهنتم هم ْؤ ِمن َ
ين { أي اتقوا هللا قال ا َتقوا َ
السالم ،ولفت أنظارهم إلى هذا الخطأ } َ
في أمثال هذه األسئلة ،إن كنتم مصدقين بكمال قدرته تعالى .قال الحسن البصري :لم
ُّ
يشكوا في قدرة هللا تعالى ،وانما سألوه سؤال مستخبر :هل ينزل أم ال؟ فإن كان
نريد أَن نأْكل ِمنها وت ْطم ِئ َن هقلوبنا ونعلم أَن قد صد َق َتنا وَنكو َن عليها ِمن َ ِ ِ
ين{
الشاهد َ َ َ َ َ ََ ه َ ََ َ َ َ َ ِه
102
أي قال الحواريون :نريد بسؤالنا المائدة أن نأكل منها ً
تبركا ،وتسكن نفوسنا بزيادة
يقينيا أنك قد صدقتنا في دعوى النبوة ،ونكون من الشاهدين عند
علما ً اليقين ،ونعلم ً
من لم يحضرها ،ليزداد المؤمنون بشهادتنا ً
إيمانا .
()١
أقول :على المؤمنين أن يتوكلوا على هللا ج َل وعال .فالحواريون لفقرهم وعجزهم
اعتمدوا على رسالة سيدنا عيسى عليه السالم والتجؤوا إليه حتى يسأل ربهم َ
ليسد
احتياجهم ،ال لشكهم في إيمانهم أو في رسالة سيدنا عيسى عليه السالم ،ودليل هذا
أن هللا تعالى لما اطلع على قلوب الحواريين علم أنهم يسألون هذه النعمة لفقرهم
سيدنا عيسى وأعطاهم المائدة ،وشرط عليهم أن
وتكبر ،فأجاب َ
ًا عنادا
وعجزهم ،ال ً
أحدا من
عذابا ال يعذبه ً
ال يكفروا بهذه النعمة ،واذا أنكروها أو كفروا بها فإنه يعذبهم ً
العالمين.
حينذاك كان الحواريون مستقيمين على دين سيدنا عيسى عليه السالم ،فأجابهم هللا
وشرط عليهم أن ال يخونوا وال َ
يدخروا منها لغد ،فلما لها َعليكم { َ تعالى ِ { :إِني هم ه
نز َ
لم يوفوا بالشروط مسخهم قردة وخنازير.وهذا يدل على أن المؤمن إذا تنعم بنعم هللا
تعالى ولم يشكره عليها ولم يؤد حقها وأسرف باستعمالها في الحرام وخان وتكَبر بها
الشكر.
ه قيد النعمة
على خلق هللا فإن هللا تعالى يأخذها منه ،ألن َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
103
اللفظ الخامس والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ
وه َوِفي نهم َمن َي َستم هع ِإ َ
ليك َو َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم أَكَنة أَن َي ْفَق هه ه قوله تعالى َ { :و ِم ه
قر َوِان َيَروا ك َل َء َاية ال هي ْؤ ِمنوا ِب َها { أي يجيئون ليستمعوا قراءتك وال َءا َذ ِان ِهم َو ًا
َكَن ًة { أي أغطية لئال يفقهوا القرآن شيئا ،ألن هللا جعل } على هقلوبِ ِهم أ ِ تجزي عنهم ً
َ
()١
صمما عن السماع النافع لهم .
ً } َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا
قر { أي
أقول :ال يقال :ما دام هللا تعالى قال ِ { :إَنا جعَلنا على هقلوبِ ِهم أ ِ
َكَن ًة{ ] الكهف [٥٧: ََ َ
إ ًذا لو شاء هللا آمنا ولو ما شاء ما آمنا ،يحولون كفرهم على هللا تعالى .هذا ال
يليق ،ألن هللا ج َل جالله وجه اإلنسان إلى اإليمان والعمل الصالح ،وما سلب منه
ِ
جبريا ،وهللا تعالى ال يرضى من عبده اإليمان االختيار بالكلية ،واال يكون اإليمان ً
جد ِ
ين{ ] البلد ، [ ١٠:واذا خطر الجبري ،ألنه تعالى جعل العبد مخيًار } َو َه َدَي ه
ناه الَن َ
في بالنا أن معنى جعل األكنة على القلوب هو اإلجبار فهذا خالف األدب مع هللا تعالى،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
104
ِ
تاهم
تدوا َزَاد ههم هه ًدى َوَءاَ ه
اه َ وخالف االعتقاد السليم ،وهللا تعالى يقول َ { :واَلذ َ
ين َ
وقوله تعالى َ { :واِن َيَروا ك َل َء َاية ال هي ْؤ ِمنوا ِب َها { معناه أن الكفار مهما أروا من
المعجزات الدالة على صدق رسالة سيدنا مح َمد صلى هللا عليه وسلم ،كانشقاق
القمر ،ونزول المطر ،وتكثير الطعام القليل ببركة دعائه ،ال يصدقون بهذه المعجزات
الراحمين.
متقَبال ،يا أرحم َ
صالحا َ
ً نافعا ،وعمال
وعلما ً
ً إيمانا كامال،
الله َم إنا نسألك ً
105
اللفظ السادس والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
تضرعوا حين جاءهم العذاب .وهذا عتاب على ترك الدعاء ،واخبار عنهم أنهم لم
أقول :من كان له إيمان فإنه في الرخاء بدون بالء يدعو ويتضرع إلى هللا تعالى ،
[ المعارج .]٢8:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١صفوة التفاسير
106
فاآلية ال تدل على أن التضرع الزم أثناء البالء فقط ،بل على الناس أن يعرفوا
ربهم قبل نزول البالء ،ولكن الكفار -بقسوة قلوبهم وعدم إيمانهم وسوء اختيارهم-
صاروا كأنهم بعيدون عن الرب ج َل وعال ،فلم يتضرعوا قبل نزول العذاب ،ولذا
الراحمين.
نعمك بدوامها ال بزوالها ،يا أرحم َ
الله َم عرفنا َ
107
اللفظ السابع والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
قل { لهؤالء المكذبين المعاندين: يقول هللا تعالى لرسوله صلى هللا عليه وسلمْ }:
{ أَأ ِ
َبص َاركم { أي سلبكم إياها كما أعطاكموها ،كما قال معكم وأ َ َرهَيتم إن أَخذ َ ه
ّللا َس َ
َبص َار{ ] الملك ، [ 23:ويحتمل أن مع َواأل َ تعالى {:هه َو اَل ِذي أَْنشأَكم َو َج َع َل َل هك هم َ
الس َ
تم َعلى هقلو ِبكم {
يكون هذا عبارة عن منع االنتفاع الشرعي ،ولهذا قال َ {:و َخ َ
ّللا
َن َ َ
لموا أ َ
اع ه
َبص َار{ ] يونس ، [ 3١:وقال َ }:و َ مع َواأل َ كما قال {:أَ َمن َيملِ هك َ
الس َ
ّللا َيأ ِْتيكم ِب ِه {
يحول بين اْلمرِء وقْل ِب ِه{ ] األنفال ،] 24:وقوله {:من ِإَله َغير َ ِ
ه َ ُ َه ه َ َ َ َ
]األنعام ، [ 4٦:أي هل أحد غير هللا يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه هللا منكم؟ ال يقدر
()١
على ذلك أحد سواه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير
108
فنعمة الوجود بعد العدم ال يوازيها نعمة إذا هَقرنت باإليمان ،ثم أعطانا ربنا سبحانه
وتعالى الجوارح ،كالسمع لنسمع به القرآن الكريم ،والبصر للتفكر في دالئل
مر مثال
شيئا َا
حارسا على أفواهنا ،فإذا وجد ً
ً وحدانيته ج َل وعال ،والذوق جعله لنا
شيئا مقبوال يأكله ،وغير ذلك من النعم الكثيرة كالقلب واللطائف
يلفظه ،واذا وجد ً
الداخلية األخرى .كل هذه النعم تدل على أنه سبحانه الخالق الواحد ،ليس له شريك
في هذا اإلنعام ،ال مانع لما أعطى ،وال معطي لما منع .فعلى المؤمن أن يستعمل ما
أنعم هللا ج َل جالله به عليه فيما خلق له ،وفي مصالحه الدنيوية كذلك؛ فقد أعطاه
العين ليق أر القرآن الكريم والكتب الدينية ويتفكر في مخلوقات هللا تعالى ،حتى يقوى
إيمانه ،وليرى فيها مصالحه الدنيوية ،وأعطاه اللسان حتى يتكلم ويق أر القرآن
والكتب الدينية كذلك ،وخلق على عيوننا األهداب لتمنع عنها الغبار ،وهكذا ...لو لم
يخلق لنا اليدين كيف نأكل؟ لو لم ي ِ
عط جسمنا المفاصل كيف نصلِي وكيف نتحرك...؟:
وها{ ] النحل .]١8: } واِن تعُّدوا ِنعمة َ ِ
التحص َ
ه ّللا َ ه َ
فعلى المؤمن أن يتفكر في هذه النعم ،وأن يستعملها فيما خلقت له ،واال يكون
كفرًانا للنعم ،ومن ال يعرف النعم ال يشكر المنعم ،ولذا جزاؤه جهَنم.
109
اللفظ الثامن والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
تهم { عطف على } ال هي ْؤ ِمنو َن { أي وما يشعركم أنا حينئذ ِ ِ
قوله تعالى َ {:و َنقل هب أَ ْفئ َد ه
ونحوه } َوَن َذهرههم { أي ندعهم ،عطف على } ال هي ْؤ ِمنو َن { داخل في حكم االستفهام
ووجه هذا التقليب والترك فساد استعدادهم واعراضهم عن الحق بالكلية ،فإن هللا
تعالى ال يفعل بهم ذلك مع توجههم إلى الحق واستعدادهم لقبوله ،فإنه إجبار محض ،
مطبوعا على قلبه فليعلم أن ذلك لعدم تأثير اللطف فيه أصال ،فلله
ً مقهور
ًا فإن كان
()١
الحجة البالغة ،ومن هللا الهداية والتوفيق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان
110
قال العوفي عن ابن عباس رضي هللا عنهما في هذه اآلية :لما جحد المشركون ما أنزل
َبص َارههم { ونحول بينهم وبين اإليمان ،ولو جاءتهم كل آية فال يؤمنون ،كما ِ
أَ ْفئ َد ه
تهم َوأ َ
()١
حلنا بينهم وبين اإليمان أول مرة.
فالقدرة األصلية صالحة للضدين وللطرفين على السوية ،فإذا لم ينضم على تلك القدرة
داعية مرجحة امتنع حصول الرجحان ،فإذا انضمت الداعية المرجحة إما إلى جانب الفعل
وقد ظهر صحة هذه المقدمات بالدالئل القاطعة اليقينية التي ال يشك فيها العاقل .وهذا هو
المراد من قوله صلى هللا عليه وسلم » :قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن
الترك ،فإن حصل في القلب داعي الفعل ترجح جانب الفعل ،وان حصل فيه داعي
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير .
-2أخرجه الترمذي عن أنس وعائشة رضي هللا عنهما .
َّ -3
للداعي أربع مراتب :
األولى :خلقية الداعي .فاهلل تعالى خالق كل شيء ،والداعي شيء ،فخالقه هو هللا.
الثانية :تحريك الداعي .محرك الداعي هو هللا.
الثالثة :ترجيح الفعل أو الترك .هذا من الشخص ،باستعمال الجزء االختياري.
أيضا ،إما بالفعل أو بالترك.
الرابعة :التنفيذ .وهذا من الشخص ً
َّ
المكلف سواء كان من الداعي مكانه القلب ،وهو حصول دافع الخير أو الشر فيه ،وهو يأتي من عالم الغيب إلى قلب
الخيرات واألعمال الصالحة بفضل هللا تعالى بواسطة المالئكة ،أو من الشرور والفساد بواسطة النفس والشيطان .هذا هو
الداعي ،وخالقه هو هللا .فإذا حرَّك هللا تعالى ذلك الداعي ينزل إلى=
111
وتخليقه وتكوينه ،عبر عنهما بأصبعي الرحمن .والسبب في حسن هذه االستعارة أن
الشيء الذي يحصل بين أصبعي اإلنسان يكون كامل القدرة عليه ،فإن شاء أمسكه وان
أيضا كذلك القلب واقف بين هاتين الداعيتين ،وهاتان الداعيتان
شاء أسقطه ،فههنا ً
حاصلتان بخلق هللا تعالى ،والقلب مسخر لهاتين الداعيتين ،فلهذا السبب حسنت هذه
االستعارة.
()١
« وكان عليه الصالة والسالم يقول » :يا مقلب القلوب واألبصار ثبت قلبي على دينك
والمراد من قوله " :مقلب القلوب "أن هللا تعالى يقلبه تارة من داعي الخير إلى داعي
وبالعكس(.)2 الشر
ِ ِ
َبص َارههم { محمول على هذا إذا عرفت هذه القاعدة فقوله تعالىَ }:و َنقل هب أَ ْفئ َد ه
تهم َوأ َ
المعنى الظاهر الجلي الذي يشهد بصحته كل طبع سليم وعقل مستقيم ،فال حاجة البتة
إلى ما ذكروه من التأويالت المستكرهة.
وانما قدم هللا تعالى ذكر تقليب األفئدة على تقليب األبصار ،ألن موضع الدواعي
والصوارف هو القلب ،فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر إليه شاء أم أبى،
واذا حصلت الصوارف في القلب انصرف البصر عنه ،فهو وان كان يبصره في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=اختيار َّ
المكلف ،حينذاك إما أن يستعمله في مرضاة الخالق ،واما أن يتبع النفس والشيطان ،وهو بذلك
ين { [ البلد ،] ١٠:وهو اختيار أحد الشقين ،وبهذا االختيار يكون العبد إماجد ِّ يكون مسؤوالَ } ،و َه َدَيناهُ َّ
الن َ
عاصيا ،واذا استعمل هذا االختيار يثاب أو ُيعاَقب. ً طائعا أو
ً
-١أخرجه الترمذي وحسنه ،والحاكم وصححه عن جابر رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة .
-2كما أن هللا تعالى ال يمنع الكفار من رزقهم ،بل يرزقهم كما يرزق المؤمنين واألولياء واألنبياء ،فإنه
كذلك ال يمنع الذي يستعمل جزأه االختياري في اختيار عدم اإليمان من اختياره.
112
سببا للوقوف على الفوائد المطلوبة(. )١وهذا هو
الظاهر إال أنه ال يصير ذلك اإلبصار ً
ِ ِ
وه نهم َمن َي َستم هع ِإ َ
ليك َو َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه
قه ه المراد من قوله تعالى َ {:و ِم ه
فهما آلتان للقلب ،كانا ال محالة تابعين ألحوال القلب ،فلهذا السبب وقع االبتداء بذكر
تقليب القلوب في هذه اآلية ،ثم أتبعه بذكر تقليب البصر .
()2
وتحقيقه على ما ذكره شيخ مشايخنا الكوراني أنه سبحانه حيث علم في األزل سوء
استعدادهم المخبوء في ماهياتهم أفاض عليهم ما يقتضيه ،وفعل بهم ما سألوه بلسان
االستعداد بعد أن رغبهم ورهبهم وأقام الحجة وأوضح المحجة ،وهلل تعالى الحجة
الراحمين.
الله َم اجعلنا من الذين سبقت لهم منك الحسنى ،يا أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١ألن اإلبصار إذا لم يستفد من نور القلب يكون كعدم اإلبصار .
- 2تفسير الرازي.
- 3تفسير األلوسي
113
اللفظ التاسع والثالثون
بسم هللا الرحمن الرحيم
عض ههم ِإلى َبعض هز ْخهرف س واْل ِجن ي ِ ِ ( َوكذلِ َك َج َعَلنا لِ ِ
وحي َب ه ه اإل ْن ِ َ
ين ِ شياط َ كل َن ِبي َعهدوا َ
ور ولو َشاء رُّبك ما َفعلوه فذرهم وما ي ْف َترون ( ) ١١٢ولِتصغى ِإ ِ
ليه أَ ْف ِئ َدة ْاَل ِ
َ َ َ َ َ َ َ ه ه ََ َ ه َ غر ً ا َ قول ه
ين ال ي ْؤ ِمنو َن ِب ِ ِ
ترفوا َما ههم هم ْق َت ِرفو َن ( )١١٣وه َولَِي ْق ِ اآلخَرِة َولَِي َ
رض ه اَلذ َ ه
]األنعام [١١٣-١١٢ :
عداها من األمور التي يجب اإليمان بها وهم كافرون -قال موالنا شيخ اإلسالم-:
إشعار بما هو المدار في صغو أفئدتهم إلى ما ُيلقى إليهم ،فإن لذات اآلخرة محفوفة
ًا (
في هذه النشأة بالمكاره ،وآالمها مزينة بالشهوات ،فالذين ال يؤمنون بها وبأحوال ما
بدا لهم في الدنيا بادي الرأي ،فهم مضطرون إلى حب الشهوات التي من جملتها
مزخرفات األقاويل ومموهات األباطيل ،وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين
114
على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب األمور لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات
()2
لعلمهم ببطالنها ووخامة عاقبتها ( )١اهـ .
وه { ألنفسهم بعدما مالت إليه أفئدتهم } َولَِيَق ِ
ترفوا { أي قوله تعالى َ {:ولَِي َ
رض ه
يكتسبوا بموجب ارتضائهم له } َما ههم هم ْق َت ِرفو َن { له من القبائح التي ال يليق ذكرها ،
ذنبا إذا عمله وماال إذا
وهي ما َُقضي عليهم في اللوح المحفوظ ُ .يقال اقترف فالن ً
()3
اكتسبه .وفي اآلية إشارة إلى أن الباليا للسائرين إلى هللا هي المطايا ،وأن أشد البالء
شماتة األعداء ،فلما كانت رتبة األنبياء أعلى كانت عداوة الكفار لهم أوفى ،وفي
ذلك ترِّقيات لهم وتجلِّيات.
واإلشارة في شيطان اإلنس إلى النفس األمارة بالسوء( ، )4وهي أعدى األعداء ،
ولهذا قدم ذكره على ِّ
الجن ههنا ،بخالف المواضع األخر ،وليعلم أن عداوة النفس
ـــــــــــــــــــــ
- ١مع التأسف !اآلن المؤمنون اتبعوا هذه الزخارف والشهوات والميول الفاسدة ،وتركوا أكثر أوامر هللا
تعالى ،واتباع الرسول عليه الصالة والسالم ،وهم يركضون وراء اللذائذ الشهوانية ،وصارت محاسن
اإلسالم عندهم قبائح ،كتستر النساء مثال .المؤمنة إذا أنكرت التستر تكفر ،أما إذا لم تتستر بدون إنكار فإنها
عاصية .حال المؤمنين هكذا .ال نشك في إيمانهم ولو كانوا عاصين ،لكن ليس هذا مقتضى اإليمان وال
مقتضى محبة القرآن ومحبة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .ففي حياتنا االجتماعية ال ُيرى أثر محبة هللا
ّللاَ ََفاتَِّّب ُع ِّ
وني ون َّ وال محبة الرسول عليه الصالة والسالم ،ألن هللا تعالى أمرنا بقولهَ } :قل ِّإن َ كُنتم َ ِّ
تحُّب َ ُ ُ ُ
ّللاُ { ]آل عمران ، [3١:فالذي ال يتبع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ينتفي عنه ما يترتب على بكم َّ ِّ
ُيحب ُ
اإلتباع ،وهو محبة هللا تعالى .أيها المسلمون !علينا أن ننتبه لهذه المصيبة ،ونرجع إلى القرآن الكريم والى
أخالق الرسول عليه الصالة والسالم.
- 2تفسير األلوسي .
- 3اللوح المحفوظ مجهول عندنا ،ونحن َّ
مكلفون بتكاليف الشريعة ،ونعلم أن هللا ال يرضى لعباده الكفر وال
العصيان.
األمارة.
- 4شيطان اإلنس هو صاحب النفس َّ
115
وأصحاب النفوس أشد وأصعب من عداوة شياطين الجن ،فإن كيد الشيطان مع كيد
اإلنسان ضعيف ،وأرباب القلوب ال يصغون إلى زخارف أقوال أصحاب النفوس ،بل
كلما تشتد عداوة األعداء يقوى إيمان األولياء .وانما يتسلط الشيطان على ابن آدم
بفضول النظر والكالم والطعام وبمخالطة الناس( ، )١ومن اختلط فقد استمع إلى
()2
األكاذيب .
يارب العالمين.
الله َم احفظنا من شر شياطين اإلنس والجن َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١فعلى المؤمن أن يقلِل طعامه ،فيأخذ منه بقدر االحتياج ،وأن يقلل كالمه ،ألن اإلنسان كما هيسأل عن
لفظ ِمن قول ِإالَ لد ِ
يه َرِقيب َع ِتيد { ] ق ،] ١8:وأن يقلل االختالط بالناس ما أمكن، فعله يسأل عن قوله كذلك } ما ي ِ
َ َ َ ه
فال يقعد مع أهل الدنيا إال للضرورات ،أي لإلصالح بين المؤمنين أو للوعظ والنصيحة .أجارنا هللا
والمؤمنين من هذه الفضوليات.
-٢تفسير روح البيان.
116
اللفظان األربعون و الحادي و األربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
اعلم أن هذه اآلية لفظها يدل على الدليل القاطع العقلي الذي في هذه المسألة ،وبيانه
أن العبد قادر على اإليمان وقادر على الكفر ،فقدرته بالنسبة إلى هذين األمرين حاصلة
على السوية ،فيمتنع صدور اإليمان عنه بدال من الكفر أو الكفر بدال من اإليمان إال إذا
حصل في القلب داعية إليه ،وتلك الداعية ال معنى لها إال علمه أو اعتقاده أو ظنه
بكون ذلك الفعل مشتمال على مصلحة زائدة ومنفعة راجحة ،فإنه إذا حصل هذا المعنى
في القلب دعاه ذلك إلى فعل ذلك الشيء ،وان حصل في القلب علم أو اعتقاد أو ظن
بكون ذلك الفعل مشتمال على ضرر زائد ومفسدة راجحة دعاه ذلك إلى تركه ،
وحصول هذه الدواعي البد وأن يكون من هللا تعالى ،وأن مجموع القدرة مع الداعي
()١
يوجب الفعل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
117
قال في التأويالت النجمية :كلما كان الحجاب أرق كان اإليمان أقوى والقلب أنور
إيقانا ،لكمال رقة الحجاب وتنور القلب ،إلى أن يصير وأصفى ،إلى أن يصير اإليمان ً
عيانا عند رفع الحجاب وتجلي الحق بصفة جماله َ } ،و َمن هيرد أَن هي ِضَل هه { أي
اإليقان ً
درهه َضًيقا َحَر ًجا { بحيث ينبو عن
جع ْل َص َ
يخلق فيه الضالل بصرف اختياره إليه } َي َ
()١
قبول الحق ،فال يدخله اإليمان .
أقول :من أول هذه اآليات إلى اآلن نجد أن اإليمان والكفر والصالح والفساد كله بيد
هللا ،ليس بيد العبد شيء .فعلى العبد أن يأخذ بالتمسك بالشريعة ألنه تكليف ،ولكنه
ال يعتمد إال على هللا ،وال يعتمد على أي شيء آخر.
معرفة هللا ال يمكن حصولها بالوصف والتكلم عنها ،ولكنها تحصل للعبد إذا أعطاه
هللا إياها ،ألن ذات هللا ج َل وعال ال توصف حتى هيتكلم فيها ،لكن هللا تعالى أعطى
العبد الجزء االختياري ليقوم بالتكاليف الشرعية .لذلك فإن الذي يصلي ً
رياء ال يثاب ،
ِ ِ
عم ْل
اء َربه ْف َلي َ
رجوا لَق َ
ان َي ه ألنه حصلت له مداخلة ،وبذلك يكون مسئوال َ َ{ :
فمن َك َ
عمال صالِحا وال ي ِ ِ ِ ِ
َح ًدا { ] الكهف .]١١٠:شرك ِبعَب َادة َربه أ َ ََ َ ً َ ه
فالكل بيد هللا ،ولم يبق للعبد إال األخذ بالشريعة ومجاهدة النفس وتوجيه القلب
إلى الخالق ج َل وعال .هذا في وسع العبد وقدرته ،لم هَتسلب منه القدرة والجزء
االختياري ،واال لما كان هناك فرق بين اإلنسان والبهائم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
118
فاهلل تعالى أعطانا الوجود ،وخلق فينا القدرة والتمييز بين األخذ بالفعل وتركه ،
للداعي هو اإلنسان ،بالجزء االختياري الذي أعطاه هللا للعبد ،فإن استعمله في
اآلخذ َ
الراحمين. الله َم ِ
وفقنا لطاعتك ،واالبتعاد عن مخالفتك ،يا أرحم َ
119
اللفظ الثاني واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
يالزمه من الحرج ،فإن الشاك يعتريه ضيق الصدر ،كما أن المتيقن يعتريه انشراحه.
خاطب به النبي عليه الصالة والسالم والمراد األمة ،أي :ال ترتابوا وال تشكوا .قوله:
} ِمْن هه { متعلق بحرج ،يقال :حرج منه أي ضاق به صدره .ويجوز أن يكون الحرج
على حقيقته ،أي :ال يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة أن يكذبوك ،فإنه عليه
الصالة والسالم كان يخاف تكذيب قومه له واعراضهم عنه ،فكان يضيق صدره
من األداء وال ينبسط له ،فأمنه هللا تعالى ونهاه عن المباالة بهم .
() ١
أقول :هذه اآلية الكريمة تدل على أن الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم وأمته
مأمورون من هللا ج َل جالله بالتبليغ ،سواء هَقبل هذا التبليغ أم لم هيقبل .فمع أنه معلوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
120
حول التبليغ واإلنذار على رسول
عند هللا تعالى من يقبل ومن لم يقبل فإنه ج َل وعال َ
هللا صلى هللا عليه وسلم ،فأمره أن هينذر وال يضيق صدره بذلك ،ليكون } َوِذ ْكَرى
لِ ِ
لم ْؤ ِمن َ
ين { الذين ثبت في علم هللا تعالى أنهم يؤمنون ،فإنهم ينتفعون به ،والباقون ه
الذي خلقه هللا فينا ،ألننا ال نعرف األزل ،وهل نحن فيه من السعداء أم من
األشقياء ،واذا لم نتمسك باألسباب فإن هللا تعالى يقول لنا يوم القيامة :أما قلنا لكم{ :
121
اللفظ الثالث واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
} ِمن ِغل { وهو الحقد الكامن والبغض المختفي في الصدور ،أي :نخرج من قلوبهم
أسباب الحقد الذي كان لبعضهم في حق بعض في الدنيا ،فإن ذلك الحقد إنما نشأ من
التعلق بالدنيا وما فيها ،وبانقطاع تلك العالقة انتهى ما يتفرع عليه من الحقد .ومن
أيضا أن الشيطان كان يلقي الوساوس إلى قلوب بني آدم في الدنيا وقد
جملة أسبابه ً
انقطع ذلك في اآلخرة ،بسبب أن الشيطان لما استغرق في عذاب النيران لم يتفرغ
إللقاء الوسوسة في قلب اإلنسان .ويجوز أن يكون المراد :نطهر قلوبهم من الغل نفسه
حتى ال يكون بينهم إال التواد ،يعني ال يحسد بعض أهل الجنة ً
بعضا إذا رآه أرفع
درجة منه ،وال يغتم بسبب حرمانه من الدرجات الرفيعة العالية َ{.تجرِي ِمن ِ
تحت ِه هم{
أي من تحت شجرهم وغرفهم } األَ ْن َه هار { زيادة في لذتهم وسرورهم َ } ،وقاهلوا { أي
122
ّللا { ووفقنا جزاؤه هذا } وماكَنا لِ ِ
نهتد َي { أي لهذا المطلب األعلى} لوال أَن َه َد َانا َ ه
َ ََ
له.
روي عن السدي أنه قال في هذه اآلية :إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند
بابها شجرة في أصل ساقها عينان ،فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من
غل ،وهو الشراب الطهور ،واغتسلوا من األخرى فجرت عليهم نضرة النعيم ،فلم
يشعثوا ولم يشحبوا بعده أ ًبدا .والشعث انتشار شعر الرأس ،ويقال شحب جسمه يشحب
بالضم إذا تغير .وشربوا واغتسلوا ،ويبشرهم خزنة الجنة قبل أن يدخلوها بأن يقولوا
تعملو َن } [ األعراف ، [ 43:فإذا هورهثتم َ ِ ِ
وها ب َما ْكهنتم َ لكم اْل َجَنة أ ِ ه
لهم {:أَن ت ه
مد َِّلل {.واعلم أن الغل من ظلمة
لح ه
دخلوها واستقروا في منازلهم منها قالوا ْ {:ا َ
الصفات البشرية وكدورتها ،وطهارة القلوب بنور اإليمان ،واألرواح بماء
العرفان ،واألسرار بشراب طهور تجلي صفات الجمال .وليس في صدور أهل الحقيقة
العقبى(.)١ من غل وغش أصال ،ال في الدنيا وال في
وقيل :إن هذا النزع إنما كان في الدنيا ،والمراد عدم اتصافهم بذلك من أول األمر ،
أحيانا بالنزع
ً إال أنه عبر عن عدم االتصاف به مع وجود ما يقتضيه حسب البشرية
مجاز ،ولعل هذا بالنظر إلى كمل المؤمنين ،كأصحاب رسول هللا صلى هللا عليه
ًا
بعضا كمحبته لنفسه .أو المراد إزالته بتوفيق
وسلم ،فإنهم رحماء بينهم ،يحب بعضهم ً
هللا تعالى قبل الموت بعد أن كان بمقتضى الطباع البشرية .
()2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان.
- 2تفسير األلوسي.
123
والحقد هو ضيق الصدر من الغير وهو أصل الحسد ،وهو معصية قلبية تجب التوبة
منه ومجاهدة النفس لتخلص منه ،ومن هنا افترق كبار الصالحين من صغارهم.
واعلم أن الناس ثالثة أقسام :قسم خلصت قلوبهم من األمراض الباطنة ،فهم في الدنيا
الجنة في َّ
الجنة ،يحبون للناس ما يحبونه ألنفسهم ،وهم األنبياء ومن كان على كأهل َّ
قدمهم( . )١وقسم لم تخلص قلوبهم غير أنهم لم يرضوا ألنفسهم بذلك ،ويلومون أنفسهم
على ما في قلوبهم ،وهؤالء المجاهدون ألنفسهم ،وال يؤاخذون بذلك حينئذ ،وقسم لم
تخلص قلوبهم وهم راضون ألنفسهم بذلك ،وهؤالء فساق( ، )2يجب عليهم مجاهدة
نفوسهم في تخليصهم من تلك اآلفات .
()3
أقول :نزع الغل وان كان في اآلخرة إال أنه يثبت في الدنيا كذلك ،فإذا تمسك
المؤمن بشرع هللا تعالى وبالسَنة النبوَية مع اإليمان الكامل الشهودي والحضور التام
الدائم يخرج ما في قلبه من الغل ،ويكون من الذين قال هللا تعالى فيهم َ {:و َ
نز َعنا َما
ورِهم ِمن ِغل { يثبت له ذلك في الدنيا قبل أن ينتقل لآلخرة .فبإتباع السَنة
ِفي هص هد ِ
والشريعة ،والتجنب عن المعاصي يحصل هذا .ثمرة ذلك في الدنيا األذواق الحاصلة
من اإليمان الشهودي ،وفي اآلخرة جنة الزخارف ،وفوقها مظهر الجمال اإللهي ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١الطريق ُوضع لهذا ،ومن لم يشتغل به حتى يصل إلى النهاية أو إلى جزء منه فدعواه الطريقة
المحمدية ،وهو اإلخالص ،فإذا قوي
َّ والمجاهدة ليست صحيحة ،ألن الطريق هو الجزء الثالث من الشريعة
العبد في ذلك يصل إلى ما كتب هللا له بحسب استعداده ،أما إذا ترك المجاهدة فإنه ال يصل إلى شيء منه،
ويبقى مع نفسه ،فتكون طبيعة وأخالق الذي وصل إلى نهاية الطريق أو إلى جزء منه ثقيلة عليه ،ألن
اإلنسان عدو لما جهل؛ وحينئذ إما أن ينكر عليه في قلبه وينتقده ،فيكون سبب حرمانه ،واما أن يدفن ذلك
نار تحرق داخله ،ومنهم من يخرج من الطريق ِّ
بالكلية ،فيكون سبب حرمان نفسه استحياء فيكون ًا في قلبه
ً
وغيره .وكل ذلك ألنه يقيس األولياء والصالحين والمريدين الصادقين على نفسه ،وهو ناقص أو محروم.
فساق المؤمنين ،ال يجاهدون أنفسهم ،ويقولون :هللا غفور رحيم .
- 2من َّ
- 3تفسير الصاوي
124
كل هذا بترك األوصاف الذميمة من العجب والكبر والرياء واألنانية والحرص على
الدنيا وحب الرياسة ،ألن هذه األوصاف حجاب بين القلب والرب.
125
اللفظ الرابع واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
قوله تعالى َ {:ون ْطَب هع َعلى هقلوبِ ِهم { قال أُبي بن كعب :كان سبق لهم في علمه يوم
()2( )١
. أقروا له بالميثاق أنهم ال يؤمنون به
أقول :يلزم على المؤمن العاقل الذي يحب دينه أن ال يميل بقلبه وال بجوارحه إلى
وآخرته
وعدمه ه
ه المعاصي ،ألن المعاصي مخالفة لرضا هللا تعالى ،وحياهة اإلنسان
بقدرته ج َل وعال ؛ فال بد للمؤمن أن يستنكف عن المعاصي ،ألنها سبب إلهالك
الناس ،أو سبب لزوال ما أنعم هللا عليهم من أنواع النعم ،فيمكن أن تزول النعم
بسبب المعاصي ،كما قال تعالى {:وما أَصابكم ِمن م ِصيبة ف ِبما َكسب ْت أَ ِ
يديكم َوَي هعفو َ ََ ه َ ََ َ َ
عن ِ
كثير{ ] الشورى ]٣٠: َ
كثير في القرآن الكريم وفي األحاديث النبوية ،كما قال هذه التنبيهات الربانية توجد ًا
ّللا ال ي َغير ما ِبقوم ح َتى ي َغيروا ما ِبأَْن ِ
فس ِهم{ ] الرعد . ]١١:فال بد ِ
َ ه ه َ ج َل وعال {:إ َن َ َ ه ه َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١مع إقرارهم ،لكنهم لما جاؤوا إلى الدنيا نسوا ذلك .
- 2تفسير الخازن.
126
من الحذر من مخالفة هللا ومخالفة رسوله عليه الصالة والسالم ،حتى ال نكون يوم
يك ِ ِ القيامة خاسرين ،وال نلوم أنفسنا إذا قيل لنا {:ا ْأ ِ
وم َعَل َ
قر ك َت َاب َك َكفى بن ْفس َك اْلَي ََ
قبل أن نذهب ربنا يحذرنا من خسران اآلخرة إن لم نعمل بأوامره ولم نجتنب
نواهيه .واذا قلت :كله من عند هللا ،نقول :آمنا به ،ولكن لم هيسلب من العبد الجزء
االختياري ،وهو مكلف به ،ولذا جاء القرآن الكريم يأمرنا باألوامر وينهانا عن
المعاصي ،فاغتنم هذه الدار قبل أن تنتقل إلى دار تحصل فيها الحسرة.
127
اللفظ الخامس واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
فما كاهنوا لِهي ْؤ ِمنوا ِ ِ قص عليك ِمن أ ِ ِ
تهم هرهسهل ههم ب ْا َلبَينات َاء ه َنبائ َها َوَلقد َج َ
َ قرى َن ُّ َ َ ( تْل َك ْاهل َ
ِ ّللا َعلى هق ِ ِ ِ َ ِ
ين ) [ )١٠١األعراف [١٠١ : لوب اْل َكاف ِر َ بل كذل َك َي ْطَب هع َ ه
ب َما كذهبوا من َق ه
أقول :لو لم يتعظ اإلنسان بالقرآن ولم يتعظ بالموت فمعناه إما أن يكون قلبه مطبوع
عليه بالكفر ،واما أن يكون من فساق هذه األمة .من الناس من ينكر الحشر ومنهم
من ينكر الحساب ،ومنهم من ال يبالي بالكتاب وال بالسَنة وال يعمل بعمل أهل
الجنة ،ومنهم من يؤمن باهلل وباليوم اآلخر وبالقدر خيره وشره من هللا تعالى لكنهم
ال يعيشون عيش المؤمنين الموافقين ،بل يصرون على األخطاء والمعاصي ،مع
إقرارهم بأن هذا خالف أمر هللا تعالى ،ولكن لضعف اإليمان وقوة سيطرة النفس
األمارة ال يتركون ما هم عليه ،وهؤالء أمرهم مفوض إلى هللا تبارك وتعالى.
وبما أن القلب محل المعرفة واإلحسان والخيرات والشرور والفساد ،وهو الحاكم
ذكره في كثير من آيات كتابه الكريم ،منها
كرر هللا تعالى َ
على الجسد ،فقد َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
128
ّللا َعلى هقلوبِ ِهم { [ النحل ، [ ١٠8:هذا الطبع موافق لعلم هللا
طب َع َ ه
قوله تعالى َ َ{ :
األ زلي.
هيحتمل ،ولهذا ال َ
بد أن نستشعر بعظمة هللا ،هذا االستشعار يأتي من هللا باإليمان ،
مهملين
وعلينا أن ال نترك مجاهدتنا ومخالفتنا للنفس والشيطان ،ألننا لسنا َ
الله َم ِ
وفقنا لذلك ،آمين.
129
اللفظ السادس واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
سم هعو َن { اآليات والمواعظ ينظرون إلى ما خلق هللا نظر اعتبار } َو ه
لهم َءا َذان ال َي َ
وتذكر } أ َهو ِلئ َك كاألَ ْن َعامِ { في عدم الفقه واإلبصار لالعتبار واالستماع
سماع تأمل ُّ
للتدبر( ، )١أو في أن مشاعرهم وقواهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها } َب ْل
َض ُّل { فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضار ،وتجتهد في جلبها
ههم أ َ
ودفعها غاية جهدها ،وهم ليسوا كذلك ،بل أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١ألنهم لم يستعملوا ما أعطاهم هللا من الحواس فيما خلقت له .
-2تفسير البيضاوي.
130
ِ
َعين ال هيبصهرو َن ِب َها َو ه
لهم َءا َذان ال قهو َن ِب َها َو ه
لهم أ ه لهم هقهلوب ال َي َف ه
فقوله تعالى {:ه
سم هعو َن ِب َها { يعني ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها هللا ً
سببا َي َ
للهداية ،كما قال تعالى {:وجعَلنا لهم سمعا وأَبص ا ِ
مع ههم َوال فما أَ َغنى َع ه
نهم َس ه ار َوأَ ْفئ َد ًة َ
َ ََ ه َ ً َ َ ً
ّللا { [ األحقاف .)١([2٦: ات َ ِ أَبصارهم وال أَ ْف ِئ َدتهم ِمن شيء ِإ ذ كاهنوا يجحهدو َن ِبآي ِ
َ َ َ ه َ هه َ
ِ
سم هعو َن { الحق ،ثم جعلهم كاألنعام ،ثملهم َءا َذان ال َي َ هيبصهرو َن ِب َها { الهدى } َو ه
َض ُّل { ( )3ثم أخبر أنهم الغافلون .وهللا أعلم(.)4
شر من األنعام فقال } َب ْل ههم أ َ جعلهم ًا
أقول :ولذا فإن األولياء الك َمل كلما ارتفع وسما مقامهم عند هللا تعالى يكون خوفهم
أكثر من رجائهم ،ألنهم يتحسسون بمثل هذه اآلية" :ذرأنا " "، ...جعلنا " ، ...والذي
بشر ،بل هو خالق البشر ،وال نعرف نحن من أي صنف .إال أن
يحكم بهذا ليس ًا
أحيانا يكون ً
غالبا. ً الرجاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2الذي يكون على هذا المنوال يأخذ سيرة الكافرين والمنافقين ولو كان ً
مؤمنا ،ألن هذه سيرة من ال
يعرفون إال الحياة الدنيا .وهذه األخالق ال توافق المؤمنين ً
أبدا ،فالمؤمن يقدم أمامه آخرته ويشتغل بدنياه
كذلك
أحيانا يذهبون إلى المذبحة وبعضهم
- 3ألن الحيوان ليس عليه شيء من التكاليف ،ولهم دنياهم فقط ً .
يخرجون على بعض.
- 4تفسير الدر المنثور.
131
اللفظ السابع واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا َو ِج ْ اَل ِذ ِ ِ
لوب ههم { قال :المنافقون ال يدخل َ
قلوبهم شيء من ذكر هللا لت هق ه ين إذا ذكَر َ ه
َ
عند أداء فرائضه ،وال يؤمنون بشيء من آيات هللا ،وال يتوكلون ،وال يصلون إذا
غابوا ،وال يؤدون زكاة أموالهم ،فأخبر هللا تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ،ثم وصف هللا
لوب ههم { فأدوا فرائضه ّللا َو ِج ْ المؤمنين فقال ِ {:إَنما ْالم ْؤ ِمنو َن اَل ِذ ِ ِ
لت هق ه ين إذا ذكَر َ ه
َ َ ه
تصديقا } َو َعلى َرب ِهم يماًنا { يقول :زادتهم } َواِذا تلَِي ْت َعلي ِهم ء َاي هات هه َزَاد ه ِ
ً تهم إ َ َ
توَكلو َن { يقول :ال يرجون غيره .وقال مجاهد َ {:و ِجلت هقهل ه
وب ههم { فرقت ،أي: َي َ
فزعت وخافت .وكذا قال السدي وغير واحد .وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا
ِ
ذكر هللا وجل قلبه ،أي خاف منه ففعل أوامره وترك زواجره ،كقوله تعالى َ {:واَلذ َ
ين
132
[ النازعات ، [4١-4٠:ولهذا قال سفيان الثوري :سمعت السدي يقول في قوله تعالى :
لوب ههم { قال :هو الرجل يريد أن يظلم أو ّللا َو ِج ْ } ِإَنما ْالم ْؤ ِمنو َن اَل ِذ ِ ِ
لت هق ه ين إذا ذكَر َ ه
َ َ ه
قال يهم بمعصية فيقال له :اتق هللا ،فيجل قلبه .وقال الثوري ً
أيضا عن عبد هللا بن
ِ
لم ْؤ ِمنو َن اَلذ َ
ين ِإذا ِ
عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء في قوله {:إَن َما ْا ه
لوب ههم { قالت :الوجل في القلب كاحتراق السعفة( ، )١أما تجد ّللا َو ِج ْ ِ
لت هق ه ذكَر َ ه
قشعريرة؟ قال :بلى ،قالت :إذا وجدت ذلك فادع هللا عند ذلك فإن الدعاء ُيذهب ذلك.
نهم ِ يماًنا { كقوله َ {:واِذا َما أ ِ وقوله َ {:واِذا تلَِي ْت َعلي ِهم ء َاي هات هه َزَاد ه ِ
ورة فم ه
هنزلت هس َ تهم إ َ َ
فزَادتهم ِإيماًنا و ههم يس ِ
تبشهرو َن{ ِ
يماًنا فأَ َما اَلذ َ ِِ ِ
امنوا َ ه َ َ َ َ ين َء َ قول أَُّيكم َزَاد ْت هه َهذه إ َ
َمن َي ه
] التوبة ، [ ١24:وقد استدل البخاري وغيره من األئمة بهذه اآلية وأشباهها على زيادة
اإليمان وتفاضله في القلوب كما هو مذهب جمهور األمة ،بل قد حكى اإلجماع عليه
غير واحد من األئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد َ } ،و َعلى َرب ِهم َي َ
توَكلو َن{
أي ال يرجون سواه ،وال يقصدون إال إياه ،وال يلوذون إال بجنابه ،وال يطلبون
الحوائج إال منه ،وال يرغبون إال إليه ،ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،
وأنه المتصرف في الملك وحده ،ال شريك له وال معقب لحكمه وهو سريع الحساب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١السعفة :ورق النخل .
- 2تفسير ابن كثير.
133
خائفا من هللا ،ونظيره قوله تعالى:
مؤمنا إذا كان ً والمراد أن المؤمن إنما يكون ً
()١
واعلم أن شأن نور اإليمان أن يرقق القلب ويصفيه عن كدورات صفات النفس
وظلماتها ويلين قسوته فيلين إلى ذكر هللا ويجد شوًقا إلى هللا ،وهذا حال أهل البدايات ،
وأما حال أهل النهايات فالطمأنينة والسكون بالذكر .ولما جاء قوم حديثوا عهد باإلسالم
فسمعوا القرآن كانوا يبكون ويتأوهون ،فقال أبو بكر رضي هللا عنه :هكذا كنا في
ـــــــــــــــــــــ
مؤمنا كامال .
- ١أي ً :
- 2تفسير الرازي.
134
بداية اإلسالم ثم قست قلوبنا ،يشير بذلك إلى نهايته في االطمئنان َ }.واِذا تلَِي ْت { قرئت }
ِ
قينا وطمأنينة نفس ،فإن تظاهر األدلة وتعاضد -واإلسناد مجازي } -إ َ
يماًنا { أي ي ً
قال الفاضل التفتازاني وتبعه المولى أبو السعود في تفسيره :إن نفس التصديق مما
يقبل الزيادة والنقصان ،للفرق الظاهر بين يقين األنبياء وأرباب المكاشفات وبين يقين
األمة ،ولهذا قال أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه ( لو كشف الغطاء ما ازددت
يقينا ) ،وكذا بين ما قام عليه دليل واحد من التصديقات وما قامت عليه أدلة كثيرة .
()١
ً
غيره ،وهي درجة عالية ومرتبة شريفة ،ألن اإلنسان يصير بحيث ال يبقى له اعتماد
في شيء من أموره إال على هللا عز وجل .واعلم أن هذه المراتب الثالث أعني :الوجل
عند ذكر هللا ،وزيادة اإليمان عند تالوة القرآن ،و ُّ
التوكل على هللا ،من أعمال
القلوب .ولما ذكر هللا سبحانه وتعالى هذه الصفات الثالث أتبعها بصفتين من أعمال
المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها ،وينفقون أموالهم فيما أمرهم هللا به من
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
135
اإلنفاق فيه ،ويدخل فيه النفقة في الزكاة والحج والجهاد وغير ذلك من اإلنفاق في
()١
أنواع البر والقربات .
أقول :الذين أوفوا بهذه األوصاف الخمسة] ثالثة قلبية ،واثنان جوارحية [ -التي
هي عمدة الظاهر والباطن -رَتب هللا تعالى على ذلك شهادة لهم بقوله {:أ ِ
هولئ َك هه هم ه
لهم َدَر َجات ِعْن َد َرب ِهم { أي مقامات } َو َم ْغ ِفَرة { أي
لم ْؤ ِمنو َن َحَقا { ووعدهم بأن } ه
ْا ه
ستر للذنوب } َو ِرزق َك ِريم { هو الجنة .فعلى المؤمن أن يغتنم هذه النعمة الكبيرة ،
ويتصف بهذه األوصاف الخمسة ،وذلك رغم أنف من يقول :نحن نتمسك بظاهر
الشريعة ،نقول له :هذا جيد ،ولكن كيف نترك األوصاف الثالثة األولى؟ !فاآلية تدل
على أن هذه األمور القلبية :من وجل القلب ،وزيادة اإليمان ،والتوكل على هللا ،قد
وجَهنا هللا تعالى إليها مع ظاهر الشريعة ،من إقامة الصالة والصوم والحج والزكاة
واإلنفاق .وعن أبي هريرة رضي هللا عنه أنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم »
:اإليمان بضع وسبعون شعبة ،أعالها شهادة أن ال إله إال هللا ،وأدناها
وعن عمر بن عبد العزيز ()٢
إماطة األذى عن الطريق ،والحياء شعبة من اإليمان»
رضي هللا عنه أنه قال (:إن لإليمان هس ًننا وفرائض وشرائع ،فمن استكملها استكمل
اإليمان ،ومن لم يستكملها لم يستكمل اإليمان(.
الراحمين.
الله َم اجعلنا من أهل اإليمان الكامل ،بفضلك وكرمك يا أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الخازن .
- 2أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي هللا عنه
136
اللفظ الثامن واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا ِإالَ بشرى ولِت ْطم ِئ َن ِب ِه هقلوبكم وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ
ّللا ِإ َن ه ه ََ له َ ه ه َ َ َ ( َو َما َج َع ه
ّللا َع ِزيز َح ِكيم ([ )١٠األنفال [١٠ : ََ
ِ ِ
بنصر هللا إياكم على أعدائكم َ {.ولِت ْط َمئ َن ِبه هق ه
لوبكم { يقول :ولتسكن قلوبكم بمجيئها
إليكم ،وتوقن بنصرة هللا لكم } ،وما الَنصر ِإالَ ِمن ِعْن ِد َ ِ
ّللا { يقول :وما تنصرون ه ََ
على عدوكم أيها المؤمنون إال أن ينصركم هللا عليهم ،ال بشدة بأسكم وقواكم ،بل بنصر
ِ ِ ِّ
قال الشيخ إسماعيل حقي البروسوي َ {:ولِت ْط َمئ َن ِبه { أي باإلمداد } هق ه
لوبكم{
فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم .وفي ََقصر اإلمداد عليها إشعار بعدم مباشرة
المالئكة للقتال ،وانما كان إمدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سوادهم ونحوه ،
ولو بعثهم هللا بالمحاربة لكان يكفي َملك واحد ،فإن جبريل أهلك بريشة واحدة من
سبعا من مدائن قوم لوط ،وأهلك بصيحة واحدة جميع بالد ثمود .قال الحدادي
جناحه ً
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير الطبري.
137
وهذا القول أقرب إلى ظاهر اآلية ،وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم األحزاب ويوم
()١
حنين .
أقول :هذه البشرى بنزول المالئكة وان كانت خاصة بأصحاب الرسول عليه الصالة
والسالم ،لكنها تحصل لغيرهم من المؤمنين عند سكرات الموت ،كما قال هللا تعالى:
نزل علي ِهم اْلم ِ ِ
الئكة أَالَ تخاهفوا َوال َ
تحزنوا قاموا َت َت َ ه َ ه َ
اس َت ه
ّللا ث َم َ } ِإ َن اَلذ َ
ين قاهلوا َرُّبنا َ ه
ِ ِ ِ
توع هدو َن{ ] فصلت ، [ ٣٠:فكل مؤمن إذا حضره الموت َوأَبشهروا ِباْل َجَنة اَلتي ْكهنتم َ
يرى مقامه الذي ثبت له بعمله الصالح ومن فضل ربه ج َل وعال ،هذا من ثمرات
اإليمان .ومن ثمرات اإليمان بشرى أخرى ،وهي أن المؤمن إذا كان إيمانه ً
قويا
وانتقل اعتقاده إلى اإليقان ،فإن هذا اإليقان باإليمان يختلط بسويداء قلبه ،فال تصل
الب ْشَرَيان تحصالن للمؤمن عند االحتضار ؛ وبعد
إليه يد الشيطان عند النزع .هاتان ه
دخول القبر تكون روحه في عالم البرزخ في مجمع جماعة الرسول األعظم صلى هللا
عليه وسلم.
وهناك بشرى ثالثة تحصل قبل ذلك في الدنيا ،لمن تمسك بكتاب هللا وبشرع هللا
وبسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبكثرة الذكر مع اإلخالص في العبادة ،فإنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
138
تحصل في وجدان المؤمن وهو في الدنيا ،إذا كان -مع عجزه وضعفه وفقره-
افقا لشرع هللا تعالى ،فيكون رجاؤه باهلل أقوى من رؤيته لضعفه .ومن البشائر
مو ً
ِ ِ ِ
الله َم اجعلنا من الذين تقول لهم المالئكة َ {:وأَبشهروا ِباْل َجَنة اَلتي ْكهنتم َ
توعهدو َن }.
139
اللفظ التاسع واألربعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الخازن.
140
طهركم ِب ِه { فإن ذلك مطر أنزله اء م ِ
اء لهي َ
وأما قوله تعالى {:ويَنزل عليكم ِمن َ ِ
الس َم َ ً َ َه ه َ
هللا من السماء يوم بدر ،ليطهر به المؤمنين لصالتهم ،ألنهم كانوا أصبحوا يومئذ
ُمجِّنبين على غير ماء ،فلما أنزل هللا عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا .وكان الشيطان
وسوس لهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء ،فأذهب هللا ذلك من
قلوبهم بالمطر ،فذلك ربطه على قلوبهم وتقويته أسبابهم وتثبيته بذلك المطر أقدامهم ،
ألنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة هشاء فلبدها المطر حتى صارت األقدام عليها
ثابتة ال تسوخ فيها ،توطئة من هللا عز وجل لنبيه عليه الصالة والسالم وأوليائه أسباب
التمكن من عدوهم والظفر بهم .وبمثل الذي قلنا تتابعت األخبار عن رسول هللا صلى هللا
وقوله تعالى َ {:ولَِيربِط َعلى هقلو ِبكم { الربط :الشد والتقوية ،وعلى :صلة .والمعنى:
وليربط قلوبكم ويشدها ويقويها بجعلها واثقة بلطف هللا تعالى وكرمه ،وجيء بكلمة
} َعلى { لإليذان بأن قلوبهم امتألت من ذلك الربط حتى كأنه عال عليها وارتفع فوقها
الضمير للربط ،فإن األقدام إنما تثبت في الحرب بقوة القلب وتمكن الصبر والجراءة
()2
فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الطبري .
- 2تفسير روح البيان
141
أحيانا يكون النسيان نعمة ،فالصحابة الكرام -رضي هللا تعالى عنهم-
أقول ً :
عد ِعْلم ً
شيئا { لم َب َ ِ وكذلك فإن اإلنسان إذا كبر سنه هي ُّ
رد إلى أرذل العمر } لكي ال َي َع َ
] النحل ، [ ٧٠:حتى ال يتألم بأي شيء مضى ،من األلم والمرض وظلم الناس وغير
ذلك .فاهلل تعالى أنزل النعاس على الصحابة الكرام رضي هللا عنهم حتى نسوا ما حصل .
هذا من فضله ج َل وعال على عباده ،وهو من جملة نعمه التي ال تعد
عليهم ،وهي تأتي وتذهب ونحن ال نشعر بها ،ألننا ال نتف َكر في ذلك .فاإلنسان
142
اللفظ الخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
امنوا { بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تقوى قوله تعالى َ {:ف هثبتوا اَلذ َ
ين َء َ
به قلوبهم ،والتثبيت عبارة عن الحمل على الثبات في مواطن الحرب ،والجد في
هلقي ِفي هق ِ ِ
مقاساة شدائد القتال } سأ ِ
عب { أي :سأقذف في قلوبهم
الر َ
فروا ُّ لوب اَلذ َ
ين َك ه َ
المخافة من المؤمنين ،وهو تلقين للمالئكة ما يثبتونهم به ،كأنه قيل :قولوا لهم قولي:
()١
...الخ. سألقي
أقول :إعانة هللا ج َل جالله لعباده ال يشترط أن تكون مباشرة ،فإن هللا تعالى بإرادته
عَلق اإلعانة باألسباب ،ومن جملة األسباب جند هللا تعالى المالئكة ،فأوحى إليهم أن
يعينوا المسلمين المؤمنين بما أمرهم به ،سواء بإلقاء الرعب في قلوب الكفار أو
بضربهم مباشرة أثناء الحرب.
وكذلك المؤمن إذا أراد أن يستعمل جزأه االختياري فيما أمره هللا ج َل وعال فإنه
يرى العجز والضعف والفقر ،ولكن هللا ج َل جالله يعطيه األسباب ،فيقوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
143
عجزه بتوفيقه ،وضعفه بقوته ،وفقره بغناه ؛ حينذاك يحرك هللا بإرادته األسباب
لتقويته واصالحه ،فيتمسك العبد بهذه األسباب ،ويقول :إني فعلت كذا وكذا ؛ نعوذ
يسر له
شيئا بنفسه ،لكن الخالق ج َل وعال َ
باهلل ،هذا شأن الغافلين .العبد لم يفعل ً
األسباب وهيأها له ،فليس له الحق أن يتملك اإلنعام اإللهي ،ألن ذلك خالف الحق
بعد العبد عن نفسه وقوي إيمانه فإنه يعرف أن هذا ليس من شأنه
والحقيقة .أما إذا ه
فباألخذ باألسباب تحصل الفرصة والنجاح والظفر ،وبتفويض هذه األسباب إلى هللا
الراحمين.
الله َم اجعلنا من المتوكلين عليك ،يا أرحم َ
144
اللفظ الحادي و الخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
عنهما :يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين اإليمان .رواه الحاكم في
قال اإلمام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حيوة أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا
عبد الرحمن الحبلي أنه سمع عبد هللا بن عمرو أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
يقول » :إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف
شاء« ثم قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا
()2( )١
. إلى طاعتك«
قال في القاموس :كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما .وهو تمثيل لغاية قربه من
العبد ،وهو أقرب إلى قلبه منه ،ألن ما حال بينك وبين الشيء فهو أقرب إلى الشيء
ـــــــــــــــــــــ
-١انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري ،فرواه مع النسائي من حديث حيوة بن شريح المصري .
-2تفسير ابن كثير.
145
قال علي رضي هللا عنه ( :اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني ) ،أو حث على
المبادرة إلى إخالص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول هللا بينه وبين القلب بالموت أو
غيره من اآلفات ،كأنه قيل بادر إلى تكميل النفوس وتصفية القلوب بإجابة الرسول
أسبابا ال
ً المبعوث من عالم الغيوب قبل فوات الفرصة ،فإنها قد تفوت بأن يحدث هللا
يتمكن العبد معها من تصريف القلب فيما يشاؤه من إصالح أمره ،فيموت غير
وغلبته عليه ،فيفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده ،وال يمكنه من إمضائها على حسب
إرادته ،فيحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ،وبينه وبين اإليمان إن قضى شقاوته،
المفوتة للفرصة .فاهلل تعالى يحول بتجلي صفاته بين المرء وقلبه ،يعني إذا َّ
تجلى هللا
على قلب المرء يحول بسطوات أنوار جماله وجالله بين مرآة قلبه وظلمة أوصافه ،
شر فشر ، تبعثون وتجمعون ،فيجازيكم على حسب أعمالكم ،إن ًا
خير فخير وان ًا
146
أيضا االستجابة هلل إجابة
واعلم أن االستجابة هلل بالسرائر ،وللرسول بالظواهر .و ً
األرواح للشهود ،واستجابة القلوب للشواهد ،واجابة الخفي للفناء في هللا ،واالستجابة
للرسول بالمتابعة في األقوال واألحوال واألفعال .
()١
قال أبو حيان :وفي اآلية حض على المراقبة والخوف من هللا تعالى ،والمبادرة إلى
جل وعال.
االستجابة له َّ
أقول :إذا أصغيت إلى قلبك أيها المؤمن وجدته ال يثبت أقل من لحظة على حالة من
الحاالت في عبادة وغيرها ،فكيف تتكل وتعتمد على نفسك ،وأنت في هذا الضعف؟
وعلى هذا :التجئ إلى ربك ،واخرج من حولك وقوتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
147
وال نعتمد على عبادتنا ،ألن هللا هو خالقنا ،أخرجنا من العدم إلى الوجود ،وأعطانا
النبوَية فإننا نستمر بالعمل بمقتضى إيماننا ،ألن هللا تعالى هو ربنا وخالقنا ،وهو
كذلك؟ هل يمكن لعاقل أن ينكر ذلك؟ ال ؛ فكيف ننكر ما أنعم هللا تعالى به علينا من
اإليجاد والقرآن واإليمان ،وأن صَيرنا من أمة مح َمد عليه الصالة والسالم؟ وكيف
148
اللفظ الثاني و الخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
الص هد ِ
ور { أي الخواطر التي جعلت كأنها مالكة قوله تعالى ِ {:إَنه علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ ه َ
للصدور ،والم ارد أنه يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ،ولذلك
()١
دبر ما دبر .
مخال ًفا لها ،وذات ذي الجالل ج َل وعال يعلم عواقب األمور ونتائجها وثمراتها ،ويعلم
ما في صدورنا ،ويتصَرف بما كان فيه مصلحة لديننا ودنيانا ،فعلينا أن نترك
حظوظنا ونتمسك بأمر ربنا ،ونعتمد على علمه تعالى ال على علمنا ،ونرضى
تو ِكلو َن { [ إبراهيم ]١٢ : إليه نكون من المتوكلين عليه {:وعلى َ ِ
ّللا فْلَي َ ِ
توَكل ْا ه
لم َ ََ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير األلوسي.
149
ِ
وعلمه أم ال؟ نقول :هذا هيعرف افقا لرضا هللا تعالى
فإن قيل :كيف نعرف األمر مو ً
هل يصعب على هللا جل جالله أن يهلك كل من حارب الرسول عليه الصالة والسالم؟
ال ،لكنه وجَه الرسول عليه الصالة والسالم والصحابة الكرام رضي هللا عنهم إلى
الحرب ليحصل الجوع والعطش والجرح والقتل ،فيميز المتقين والصادقين من
غيرهم .هللا يعلم الصادق من غيره ألنه يعلم عواقب األمور ،ولكن هليظهر ذلك ألهل
الظاهر.
وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم .
150
اللفظ الثالث و الخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض { والذين لم يطمئنوا إلى ِ ِ
ول اْل همنافقو َن َواَلذ َ ِ
قوله تعالى }:إذ َيق ه
اإليمان بعد وبقي في قلوبهم شبهة ،وقيل :هم المشركون ،وقيل :المنافقون.
ِ ِ
والعطف لتغاير الوصفين } َغَرَه هؤالء { يعنون المؤمنين } دهي ه
نهم { حتى تعرضوا لما
توَك ْل َعلى
ال يد لهم به ،فخرجوا وهم ثالثمئة وبضعة عشرة إلى زهاء ألف } َو َمن َي َ
قل } َح ِكيم{
ّللا َع ِزيز { غالب ،ال يذل من استجار به وان َّ ِ َِ
ّللا { جواب لهم } َفإ َن َ َ
واعلم أن مرض القلوب على نوعين :نوع منه :الشك في اإليمان وال دين وحقيقته ،
فذلك مرض قلوب الكفار والمنافقين ،والثاني :ميلها إلى الدنيا وشهواتها ومالحظة
والتصديق واليقين ،وان ماتوا في مرضهم فهم من الهالكين .ومعالجة مرض قلوب
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
151
المسلمين بالتوبة واالستغفار والزهد والطاعة والورع والتقوى( ، )١وان ماتوا في
مرضهم فهم من أهل النجاة من النار( )2بعد العذاب وشفاعة األنبياء ( ، )3وربما يؤدي
مرضهم بترك المعالجة واالحتماء إلى الهالك ،وهو الكفر .أال ترى إلى حال بعض
المسلمين من أهل مكة لما تركوا العالج وانقطعوا عن الطبيب وهو النبي عليه الصالة
نهم { هلكوا مع ِ ِ
والسالم ،وما احتموا عن الغذاء المخالف وهو قولهم َ {:غَر َه هؤالء دهي ه
ظاهر وباط ًنا؟
ًا الهالكين
فعلى العاقل تحصيل حسن الحال قبل حلول األجل ،وهو إنما يكون بصحبة واصل
إلى هللا عز وجل ،وهللا تعالى يجود على الخلق عامة فكيف على العقالء والعشاق؟
اللهم ِّ
وفقنا لما تحب وترضى ،وسهل علينا مداواة هذه القلوب المرضى .
()4
أقول :وعلى هذا :عالجنا من مرض القلب أن نتوب إلى هللا ،ونتمسك بشرع هللا ،
وبسنة رسول هللا عليه الصالة والسالم ،ونكثر من ذكر هللا ج َل وعال ،مع اإلخالص
شيئا من المخالفات علينا أن
في العبادة ،وكلما طرح الشيطان أو النفس على قلوبنا ً
نستغفر هللا تعالى ،واذا هَقدرت علينا المعاصي وصدرت منا علينا أن نتوب توبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١والتوبة الصحيحة هي الخجل والندم واالستحياء من هللا تعالى مما مضى من الذنوب واألخطاء ،بهذا
تثبت التوبة .ال تثبت التوبة بدون ندم ،ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه
أحمد وابن ماجة والحاكم عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه» الندم توبة « وجاء في الحديث القدسي
ذكره الغزالي في البداية » :أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي« فمن تاب وندم وحصل منه
الذي ََ َ
االستحياء والخجل على ما مضى وانكسر قلبه أفضل من المغرورين بعبادتهم ،ومن الذين يجعلون عبادتهم
معبودهم.
َ
-2إذا خرجوا من الدنيا مع اإليمان .
-3والصلحاء .
-4تفسير روح البيان.
152
صادقة .وعلينا كذلك أن نهتم أكثر بأداء الصالة المفروضة بالحضور مع هللا ج َل
وعال ،ولكن الحضور التام الدائم ال يحصل إال بكثرة ذكر هللا تعالى ،ولذا قَيد هللا
الذكر بالكثرة .بقي شيء آخر يفسد علينا عبادتنا واستقامتنا ،
تعالى في القرآن الكريم َ
وهو األخالق الذميمة ،فهي للمؤمنين المصلِين مثل السم في الطعام َيهقتل ،فاألخالق
إلي
الذميمة تفسد الطاعة ،ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :إن أحَبكم َ
. ()١
مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخال ًقا«
ً وأقربكم مني
الله َم حسن أخالقنا ،بجاه صاحب ال هخلق العظيم ،سيدنا مح َمد عليه أفضل الصالة
وأتم التسليم.
153
اللفظان الرابع و الخمسون والخامس والخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
والتهالك على االنتقام بحيث ال يكاد يأتلف فيهم قلبان ،حتى صاروا كنفس واحدة ،
أََل ْفت َب َ
ين هقلوبِ ِهم { أي تناهي عداوتهم إلى حد لو أنفق منفق في إصالح ذات بينهم ما
ِ
ّللا أََلف َبَي ه
نهم { بقدرته في األرض من األموال لم يقدر على األلفة واإلصالح } َولك َن َ َ
البالغة ،فإنه المالك للقلوب ،يقلبها كيف يشاء } ِإَن هه َع ِزيز { تام القدرة والغلبة ،ال
وقيل :اآلية في األوس والخزرج ،كان بينهم محن ال أمد لها ووقائع هلكت فيها
()١
أنصار .
ًا ساداتهم ،فأنساهم هللا ذلك وألف بينهم باإلسالم ،حتى تصافوا وصاروا
بينهم من العداوة والبغضاء ،فإن األنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية بين
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
154
األوس والخزرج ،وأمور يلزم منها التسلسل في الشر ،حتى قطع هللا ذلك بنور
ين هقلو ِبكم اإليمان ،كما قال تعالى {:واذكروا ِنعمة َ ِ
اء فأَلف َب َ ّللا َعليكم ِإذ ْكهنتم أ َ
َعد ً َ َ ه
ِ ِ ِ فأَصبحتم ِبِن ِ ِ
ّللا
ين َ هنها كذل َك هيَب ه عمته ِإ َ
خواًنا َو ْكهنتم َعلى َشفا هح ْفَرة م َن الَن ِار فأَْنقذكم م َ َ َه
تدو َن{ ] آل عمران ، [ ١٠3:وفي الصحيحين أن رسول هللا صلى ِِ
ته ه
لعلكم َ لكم َء َاياته َ
هللا عليه وسلم لما خطب األنصار في شأن غنائم حنين قال لهم »:يا معشر األنصار ألم
فألفكم هللا بي؟« أجدكم ضالَّال فهداكم هللا بي ،وعالة فأغناكم هللا بي ،وكنتم متفرقين َّ
ُ
ِ َّ
ّللا أََلف َبَي ه
نهم ِإَن هه َمن .ولهذا قال تعالى َ {:ولك َن َ َ
شيئا قالوا :هللا ورسوله أ َ
كلما قال ً
َع ِزيز َح ِكيم { أي :عزيز الجناب ،فال يخيب رجاء من توكل عليه ،حكيم في أفعاله
وأحكامه.
عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :قرابة الرحم تقطع ،ومنة النعمة تكفر ،ولم ير
فقت ما ِفي األ ِ ِ
يعا َما أََل ْفت َب َ
ين َرض َجم ً مثل تقارب القلوب ،يقول هللا تعالى {:لو أَْن ْ َ
هقلوبِ ِهم{.
وقال أبو إسحق السبيعي عن أبي األحوص عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه
فقت ما ِفي األ ِ ِ
يعا َما أََل ْفت َب َ
ين هقلوبِ ِهم { قال :هم َرض َجم ً سمعه يقول {:لو أَْن ْ َ
المتحابون في هللا .وفي رواية :نزلت في المتحابين في هللا .رواه النسائي والحاكم في
()١
مستدركه وقال صحيح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير
155
وقال أبو إدريس الخوالني لمعاذ :إني أحبك في هللا ،فقال :أبشر ثم أبشر ،فإني سمعت
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول » :تنصب لطائفة من الناس كراسي حول
العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم ال يفزعون ويخاف الناس
وهم ال يخافون وهم أولياء هللا الذين ال خوف عليهم وال هم يحزنون« فقيل :من هؤالء
يارسول هللا؟ فقال » :المتحابون في هللا«(. )١ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية
مؤثرة من البعض في البعض ،ألنهم لما تحابوا في هللا تواصوا بمحاسن األخالق ،
()2
ووقع القبول لوجود المحبة ،فانتفع لذلك المريد بالشيخ واألخ باألخ .
أقول :على المؤمنين أن يجتمعوا على محبة هللا ومحبة رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم ،ألن هذه المحبة تخرج الحظوظ من البين ،فيبقى مجرد اإليمان .ومن مقتضى
اإليمان والتحابب في هللا تعالى الصدق ،فإذا ثبت الصدق بين اثنين أو بين جماعة أو
بين الشيخ والمريد أو بين المعلم والتلميذ تكون ثمرته رضا هللا تعالى ،بشرط أن
تخرج النفس من البين .فإذا دخلت النفس يرى اإلنسان نفسه أعلى من اآلخرين ،
هَ َ
وينظر إليهم بعين النقص ،هذا ميزان الناقصين .ميزان الناقصين التكبر ،وميزان
الكاملين التواضع .حينذاك تفشل المحبة بينهم ،ألن المحبة بدون محبة الدين ومحبة
الرسول صلى هللا عليه وسلم فارغة .فال بد للمحبة التي أَلف هللا تعالى بها بين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناسا ماهم بأنبياء والشهداء يغبطهم
-١أخرجه أبو داود عن عمر رضي هللا عنه بلفظ «إن من عباد هللا أل ً
الناس لمكانهم من هللا ،قالوا :يارسول هللا خبرنا َمن هم؟ قال :هم قوم تحابوا بروح هللا على غير أرحام بينهم
وال أموال يتعاطونها ،فوهللا إن وجوههم لنور واَّنهم لعلى نور اليخافون إذا خاف الناس واليحزنون إذا حزن
نون {] يونس [٦2: عَ ِّ الناس ،ثم ق أر } َال ِّإ َّن أَولِّياء َّ ِّ
حز َ
ليهم َوال ُهم َي َ ّللا ال َخو ف َ َ ََ
- 2تفسير روح البيان.
156
المؤمنين برحمته وكرمه أن ال تكون معلولة ،ال بالدنيا وال بالمشيخة وال بأي شيء.
علينا أن نجرد محبتنا وطاعتنا ،لقوله تعالى ِ {:إَن َما اْل هم ْؤ ِمنو َن ِإ ْخ َوة{
]الحجرات ، [ ١٠:فإذا صرنا إخوة بما قاله هللا تعالى لنا نكون من المتحابين في هللا،
فإن حصل بيننا بعض األمور إن كانت دينية نرجع في حلها إلى الكتاب والسنة ،وان
كانت دنيوية نتذاكر فيما بيننا -والمتذاكرون ليسوا أعداء لبعضهم -فتكون الثمرة
إن شاء هللا للمتحابين ال للمتباغضين .واذا دخلت النفس تقطع المحبة بالكلِية ،فال بد
بين المتحابين من النصيحة ،فإن كان في واحد منهم شيء من األخالق الذميمة
وسمع الوعظ العام عليه أن يترك هذه األخالق ،واال فإنها تضره وتضر اآلخرين
المتحابون في هللا ج َل وعال ال يخافون في هللا لومة الئم ،وال يمشون مع المخالفين.
ُّ
فالناس ال يخلون من المخالفات إال بعد تهذيب النفوس ،وهذا صعب على اإلنسان ،
لذلك عليك أن تتبع الكتاب والسنة ،وال تخدع بخداعهم ليغيروا استقامتك.
االستقامة.
157
اللفظ السادس والخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
خيرا ِم َما ّللا ِفي هقلو ِبكم ًا ( ياأَُّيها الَن ِبي قل لِمن ِفي أ ِ
َيديكم ِم َن األ َ ِ
خير هي ْؤِتكم ً َسرى إن َي َعلمِ َ ه ُّ ْ َ َ َ
ّللا هغفور َر ِحيم ( )] ( ٧٠األنفال [٧٠: ِ ِ ِ
أهخذ منكم َوَي ْغفر لكم َو َ ه
اإليمان والعزم على طاعة هللا وطاعة رسوله في جميع التكاليف ،والتوبة عن الكفر
وعن جميع المعاصي ،ويدخل فيه العزم على نصرة الرسول صلى هللا عليه وسلم ،
()١
والتوبة عن محاربته .
ومعنى اآلية :قل لهؤالء األسرى الذين وقعوا في األسر يوم بدر :إن يعلم هللا في
خالصا يعطكم أفضل مما أُخذ منكم من الفداء ،ويمحو عنكم ما سلف
قلوبكم صدًقا وا ً
من الذنوب ،وهللا واسع المغفرة ،عظيم الرحمة لمن تاب وأناب.
أقول :هذه اآلية في حق أسرى بدر ،وفيهم سيدنا العباس رضي هللا عنه ،فما بالك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
158
نحن نشهد هللا ج َل وعال أن في قلوبنا محبته ومحبة رسوله عليه الصالة والسالم ،
ونرجوه تعالى -مع ضعفنا وعجزنا وفقرنا -أن يقوي هذا الخير في قلوبنا ،وال
يسلبه منا بسوء اختيارنا ،أو باتباع أنفسنا ،أو بسوء أخالقنا ،وأن يدوم معنا إلى
أن نخرج من الدنيا ونلتحق بجماعة المؤمنين مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في
عالم البرزخ.
159
اللفظ السابع والخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
باإليمان والطاعة ،ويؤكدون ذلك باأليمان الفاجرة ،ويتعللون عند ظهور خالفه
بالمعاذير الكاذبة .ونسبة اإلرضاء لألفواه لإليذان بأن كالمهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها
إن ألسنتهم تخالف قلوبهم ،وما في بواطنهم من الضغائن ينافي ما أظهروه بألسنتهم من
ِ
رض َونكم ِبأَ ْف َواه ِهم َوتأَْبى هقهل ه
وب ههم { نزل في الكفار أقول :قول هللا تعالى {:هي ه
والمنافقين ،لكن إذا كان المؤمنون يقولون بأفواههم خال ًفا لما في قلوبهم فهذا عالمة
وهللا ال يرضى منهم هذا القول ،فإما أن يعفو أو ال يعفو -هذا ليس
على فسقهم ،ه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
160
فعلينا أن نحافظ على أقوالنا بحيث ال نخرج إلى الفسق وال نتشبه بالكفار في نقض
منافقا
ً كن فيه كان
العهد ،فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :أربع من َ
إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إال
أيضاَ «:
الصالة والسالم ً
هذا.
ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-2أخرجه البخاري ومسلم عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه .
161
اللفظان الثامن والخمسون و التاسع والخمسون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا ِبأ ِ
َيديكم { هذا من لطف هللا تعالى بالمؤمنين ِ ِ
به هم َ ه
لوهم هي َعذ ه
أقول :قوله تعالى {:قات ه
ويشير إلى
وكرمه عليهم ،فالعذاب بيد هللا ج َل وعال ،لكنه -في هذه اآلية -هيشعر ه
ّللا ِبأ ِ
َيديكم { ولم ِ
به هم َ ه
أن الغلبة والقوة لدين اإلسالم وللمسلمين ،وذلك بقوله {:هي َعذ ه
ِ
ليشف صدور المؤمنين يقل بعذاب جهنم ،وان كان سيعذبهم بها ،فقوله ِ {:بأ ِ
َيديكم {
نرجو هللا تعالى أن يرحمنا بحرمة هؤالء ،وبحرمة سيد المرسلين عليه الصالة
162
ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه عن مسلم بن
يسار عن عائشة رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا غضبت
أخذ بأنفها وقال» :يا عويش قولي :اللهم رب النبي محمد اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي
()2
« وأجرني من مضالَّت الفتن
()١
فهذا للذي عنده اقتدار على االنتقام وعلى تنفيذ الغضب وال يفعل ما يقدر عليه ،فهذا
من األخالق الحسنة .والكاظمون الغيظ لوجه هللا يشف صدورهم ويسكن غضبهم.
لكن أكثرنا َغ َضهب هه ليس هلل تعالى وال لشعائر اإلسالم بل ألنفسنا ،فإذا شتم شخص
الدين أو خالف الكتاب والسَنة ال يهمنا ،لكن إذا قال ألحدنا :لست جميال أو لستَ
يقينا لسنا صادقين.
صاد ًقا نطرده أو نقاتله ،مع أننا ً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه ابن ِّ
السني عن عائشة رضي هللا عنها في الجامع الصغير بدون لفظ "النبي ".
- 2تفسير ابن كثير .
المحمدية أخذت ذلك بعين االعتبار ،فعلى مذهب اإلمام األعظم أبي حنيفة
َّ - 3ولذا فإن الشريعة
رضي هللا عنه :من وصل إلى هذه الحالة من الغضب َّ
وطلق زوجته فإن طالقه ال يقع ،ألن أقواله ال تعتبر.
163
على العبد أن يتذكر عند الغضب وقوفه بين يدي هللا تعالى ،كما قال الهدهد لسيدنا
سليمان عليه السالم في حال غضبه عليه في غيبته عنه" :اذكر وقوفك بين يدي هللا".
وح ِفظنا
أجارنا هللا تعالى من األخالق الذميمة ومن الغضب الذي يغلب على العقل َ ،
164
اللفظ الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ
نك { أي :في القعود ممن ال عذر له } اَلذ َ
ين ال هي ْؤ ِمنو َن قوله تعالى ِ {:إَن َما َي َستأْذ َ
ِ
اّلل واْليو ِم ِ
اآلخ ِر { أي :ال يرجون ثواب هللا في الدار اآلخرة على أعمالهم } َو َ
ارت َاب ْت ِب َ َ َ
يقدمون ِّرجال ويؤخرون أخرى ،وليست لهم قدم ثابتة في شيء ،فهم قوم حيارى
()١
هلكى ،ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء ،ومن يضلل هللا فلن تجد له سبيال .
الشك فيه
التردد في اإليمان و ُّ
أقول :كالم هللا ج َل وعال يأمرنا بتطهير القلب ،و ه
المتفكرين فيما بعد الموت الذين يريدون رضا هللا -أن نطهر قلوبنا من الشك
واالرتياب ،حتى نكون من المؤمنين الصادقين الصالحين .ولكن القلب بدون مجاهدة
ين { فبالمجاهدة يكون المؤمن من أهل اإلحسان. ّللا لمع ْالم ِ ِ ِ
حسن َ َلنهدَيَن ههم هسهبَلنا َواِ َن َ َ َ َ ه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
165
وترك المعاصي ،
ه عدم االتباع للنفس األمارة ،والمحاربة للشيطان ،
أول المجاهدة ه
المسَلط على المؤمنين والمؤمنات ،ولكن أكثرهم ال يفهمون وال يتجَنبون ،لضعف
إيمانهم .الذي ينظر إلى النساء وهو يعلم أن ربه ينظر إليه ما معنى إيمانه؟ لكنه إذا
الراحمين.
نظر فتنَبه وغض بصره يحصل له الثواب ،وهللا أرحم َ
هذه المجاهدة للنفس تميز الفاسق من المؤمن الصادق .يمكن للفاسق إذا جاهد نفسه
أن يرتفع إلى درجة المؤمنين الصادقين ،ولذا يوجهنا ربنا إلى المجاهدة .بالمجاهدة
ولذا فإن التربية اإلسالمية تقتضي أن نطهر قلوبنا ،حتى يحصل لنا اإلصالح ؛
فاإلصالح غير الثواب ،الثواب سهل واإلصالح صعب ،فإذا طهر القلب تكون الصالة
صالة ؛ فكما نهتم بظاهر الصالة علينا أن نهتم بباطن الصالة ؛ بعد تحقيق أركان
اإليمان الستة ،وأركان اإلسالم الخمسة ،واإلكثار من ذكر هللا تعالى ،ال َ
بد من
166
اللفظ الحادي و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
قوله تعالى َ {:واْل هم َؤَلفة هق ه
لوب ههم { وهم قوم كان يعطيهم رسول هللا ،ويتألفهم
بالصدقات على اإلسالم ،وكانوا رؤساء في كل قبيلة ،منهم أبو سفيان بن حرب
واألقرع بن حابس وعيينة بن حصن الفزاري وعباس بن مرداس السلمي وصفوان بن
كتابا ،فجاؤوا بالكتاب إلى عمر بن الخطاب ليشهدوه ،فقال :أي شيء
منه ،فكتب لهم ً
همنا ،فأخذ عمر رضي هللا عنه الكتاب ومزقه وقال :إنما كان يعطيكم
هذا؟ فقالوا َ :س ُ
النبي صلى هللا عليه وسلم يتألفكم على اإلسالم ،فأما اليوم فقد أعز هللا اإلسالم ،فإن
ثبتم على اإلسالم واال فبيننا وبينكم السيف ،فرجعوا إلى أبي بكر رضي هللا عنه فقالوا:
()2( )١
. أنت الخليفة أم هو؟ قال :هو إن شاء ،فبطل سهمهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١فهذا الحكم اآلن منسوخ .
- 2تفسير السمرقندي .
167
أقول :على المسلم الفقير المتدين -إذا أمكن -أن ال يأخذ الزكاة والصدقات ،واذا
لم يمكنه ذلك لحاجته فإن الشريعة تفتي له باألخذ ،ولكن عليه أن ال َيسأل الناس ،
فإذا سأل يخرج عن العفة ،وعندئذ ال هي َعُّد من المتوكلين .على اإلنسان أن يصبر
رب العالمين.
الله َم ارزقنا هحسن التوكل عليك يا َ
وصَلى هللا على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه وسَلم .
168
اللفظ الثاني و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا قل اس ِ ِ ورة َتن هبئ ههم ِبما ِفي هقلوبِ ِهم ِ
نز َل َعلي ِهم هس َ
( يح َذر اْلم ِ
نافقو َن أَن َت َ
تهزهئوا إ َن َ َ َ َ َ ه ه
هم ْخ ِرج َما َتح َذهرو َن ( ) ](٦٤التوبة [٦٤:
أي تخبر تلك السورة المؤمنين } ِب َما ِفي هقلوبِ ِهم { أي قلوب المنافقين ،من الشرك
للمنافقين ،وال يبالى بالتفكك عند ظهور األمر ،ويجوز أن تكون الضمائر كلها
نز َل َعلي ِهم { أي في شأنهم ،فإن ما للمنافقين .فالمعنى {:يح َذر اْلم ِ
نافقو َن أَن َت َ َ ه ه
ورة َتن هبئ ههم ِب َما ِفي هقلوِب ِهم { من األسرار الخفية فضال
نزل في حقهم نازل عليهم } هس َ
()١
عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من أقاويل الكفر والنفاق .
أقول :على المؤمن أن يحذر من صفات المنافقين ،ألن هللا ذكر في القرآن الكريم
لسيد المرسلين ،وسيد المرسلين عليه الصالة والسالم فسر لنا قصة المنافقين لنحذر
ونحترس ونتحفظ من صفاتهم ؛ فإننا وان كنا مؤمنين والحمد هللا ،ولكن صفات
افر
المنافقين موجودة في كثير من المؤمنين .وان لم يكن المؤمن بهذه الصفات ك ًا
لكنه يكون ً
فاسقا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
169
قلب المؤمن مملوء بعلم هللا به ومملوء باإليمان ،فكيف هيدخل هذه الصفات الرذيلة
على مكان النظر اإللهي ،على منبع اإليمان والمعرفة؟ هذا ال يليق َ .
البد لنا أن
الراحمين.
أبدا يا أرحم َ
نصوحا ال ننقض عهدها ً
ً الله َم تب علينا توبة
170
اللفظ الثالث و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
قب ههم ِنفاًقا ِف هيقلوبِ ِهم توَل ْوا َو ههم ُّم ِ ِ ِِ ِ
عر هضو َن ( )َ )( ٧٦فأ َ
َع َ َتاهم من فضله َبخ ْلوا ِبه َو َ ( َفل َمآ آ ه
وه َو ِب َما كاهنوا َي ْك ِذهبو َن ( ))٧٧
ّللا َما َو َعهد ه نه ِب َما أ ْ
َخهلفوا َ َ ِإلى َيومِ َيْل َ
قو ه
[التوبة [٧٧-٧٦:
أنه تعالى وصفهم بصفات ثالثة :الصفة األولى :البخل وهو عبارة عن منع الحق.
والصفة الثانية :التولي عن العهد .والصفة الثالثة :اإلعراض عن تكاليف هللا وأوامره.
ِ ِ
نه { وفيه مسائل ،إحداها: قب ههم ن َفاًقا في هقلوبِ ِهم ِإلى َيو ِم َيْل َ
قو ه َع َ
ثم قال تعالى {:فأ َ
ظاهر هذه اآلية يدل على أن نقض العهد وخلف الوعد يورث النفاق ،فيجب على
المسلم أن يبالغ في االحتراز عنه ،فإذا عاهد هللا في أمر فليجتهد في الوفاء به .ومذهب
الحسن البصري رحمه هللا أنه يوجب النفاق ال محالة ،وتمسك فيه بهذه اآلية وبقوله
عليه الصالة والسالم » :ثالث من كن فيه فهو منافق وان صلى وصام وزعم أنه
مؤمن ،إذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان« (.)١
ـــــــــــــــــــــ
( )١أخرجه أبو الشيخ عن أنس رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة ،وأخرجه البخاري ومسلم بلفظ « :أربع من
كن فيه فهو منافق خالص وان صام َّ
وصلى وزعم َّأنه مؤمن َ :من إذا حدث كذب ،واذا وعد أخلف ،واذا
اؤتمن خان ،واذا خاصم فجر«
171
وعن النبي عليه الصالة والسالم » :تقبلوا لي ستًا أتقبل لكم الجنة ،إذا حدثتم فال
تكذبوا ،واذا وعدتم فال تخلفوا ،واذا اؤتمنتم فال تخونوا ُّ ،
وكفوا أبصاركم وأيديكم
وحب الرياسة يكون سبب ضاللة العبد ،ويكون كذلك -كما يقول
حب الدنيا ُّ
أقول ُّ :
سببا لسوء الخاتمة .نعوذ باهلل أن نخرج من الدنيا بدون حسن الخاتمة.
علماؤنا ً -
فعلينا أن نخرج هذه األوصاف الذميمة من قلوبنا ،سواء وافقت أنفسنا أو لم توافق.
تطهر قلبك من األخالق الذميمة ،وال يبقى فيه إال اإليمان ونور الذكر اإللهي والعمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني والبيهقي والحاكم عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه بلفظ :
« اضمنوا لي ستَّا من أنفسكم أضمن لكم َّ
الجنة :اصدقوا إذا حدثتم ،وأوفوا إذا وعدتم ،وأدوا إذا اؤتمنتم،
واحفظوا فروجكم ،وغضوا أبصاركم ،وكُّفوا أيديكم »
- 2تفسير الرازي.
172
ال َت ِ
كذب من أجل أن ِ
تخلص نفسك ،ولو كان بالمعاريض ؛ فكما أن المدح الزائد عن
الكذب َيفتح باب الكفر ،وال يغير ذما كذلك التعريض في األمور هي َعُّد ً
كذبا ،و ه الحد هي َعُّد ً
الراحمين ،ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
َ
173
اللفظ الرابع و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
الرجال كالجهاد وغيره ،والمراد ذمهم والحاقهم بالنساء في التخلف عن الجهاد ،
قهو َن { وقد عرفت أن الطبع عبارة عندنا قوله تعالى َ {:وط ِب َع َعلى هقلوبِ ِهم ه
فهم ال َي َف ه
عن حصول الداعية القوية للكفر المانعة من حصول اإليمان ،وذلك ألن الفعل بدون
الداعي لما كان محاال ،فعند حصول الداعية الراسخة القوية للكفر ،صار القلب
كالمطبوع على الكفر ،ثم حصول تلك الداعية إن كان من العبد لزم التسلسل ،وان كان
من هللا فالمقصود حاصل .وقال الحسن :الطبع عبارة عن بلوغ القلب في الميل في
()2
الكفر إلى الحد الذي كأنه مات عن اإليمان .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
- ١تفسير األلوسي .
- 2تفسير الرازي .
174
قال الحدادي :معنى الطبع في اللغة جعل الشيء كالطابع ،نحو طبع الدينار والدرهم.
قال في المصادر والتركيب :يدل على نهاية ينتهي إليها الشيء حتى يختم عندها ،
ويقاس على هذا طبع اإلنسان وطبيعته وطباعه ،أي :سجيته التي جبل عليها .وخص
قهو َن { ما في اإليمان باهلل وطاعته
فهم ال َي َف ه
القلب بالختم ألنه محل الفهم ،ولذا قال {:ه
في أوامره ونواهيه وموافقة الرسول والجهاد من السعادة ،وما في أضداد ذلك من
()١
الشقاوة .
أقول :قوله تعالى َ {:وط ِب َع َعلى هقلوبِ ِهم { للمنافقين ،ولكن على المؤمن أن ال يأخذ
يتأثر بكالم هللا وكالم رسول هللا وال ينزجر به.
بهذه األوصاف ،فال َ
طبع على قلوبهم ،فإذا كان الطبع على قلوب الكفار والمنافقين فإن المؤمنين ال هي َ
ألنهم مصبوغون بصبغة هللا -وهي دين اإلسالم -الذي صبغ هللا به قلوبهم ،
وحفظهم به عن األوصاف التي تسبب الطبع على القلوب .واذا وصل إلى قلوبهم
المنورة شيء من هذه األوصاف بواسطة الشيطان أو النفس األمارة فإن هللا تعالى قد
َ
جعل لهم التوبة واالستغفار ليمحو ذلك.
نرجو هللا ج َل وعال أن يتوب علينا ،ويغفر ذنوبنا ،ويعفو عن تقصيراتنا ،
إنه خير مسؤول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
175
اللفظ الخامس و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ
نك { في
نو َ يل { أي بالمعاتبة والمعاقبة } َعلى اَلذ َ
ين َي َستأْذ َ قوله تعالى ِ {:إَنما َ ِ
السب ه َ
ِ
اء { واجدون لألُهبة قادرون على الخروج معك } َر هضوا ِبأَن َي ه
كونوا التخلف } َو ههم أَغنَي ه
أقول :أيها المؤمن العاقل المحب هلل تعالى ولرسوله صلى هللا عليه وسلم ،علينا
جميعا أن نحذر من هذه األوصاف الخبيثة التي ال تليق بإيماننا .علينا أن نستنصح
ً
بنصائح هللا تعالى ج َل وعال ،ونشكره على ما بَين في كتابه العزيز ،حتى َوقفنا على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير األلوسي .
176
الذين لم يؤمنوا بقلوبهم اطلع هللا على أنهم يخدعون المؤمنين ،ويقولون بأفواههم
ما ليس في قلوبهم ،فطبع عليها ،وأما المؤمن فإنه يعتقد أن هللا تعالى م َ
طلع على
نسأل هللا تعالى السالمة من هذه الرذائل ،وأن يعاملنا بفضله وكرمه ال بعدله.
177
اللفظان السادس و الستون و السابع و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ال هبْنَي هان هه هم اَل ِذي َبنوا ِر َيبة ِفي هقلوبِ ِهم { والمعنى :أن بناء ذلك البنيان
قال تعالى َ{:ال َي َز ه
سببا للريبة.
سببا لحصول الريبة في قلوبهم ،فجعل نفس ذلك البنيان ريبة لكونه ً
صار ً
سببا للريبة وجوه ؛ الصحيح منها أن المنافقين عظم فرحهم ببناء مسجد
وفي كونه ً
الضرار ،فلما أمر الرسول ؟ بتخريبه ثقل ذلك عليهم وازداد بغضهم له وازداد
()١
ارتيابهم في نبوته .
النبوية ،ألن العقل ال يصل إلى معرفة األحكام الشرعية ،لكنها تثبت إما بالقرآن
يذوب الجليد ويخرب البناء .هذا شأن العقل ،ألن العقل له حدود معينة ال يتجاوزها ،
أما النصوص فإنها تشمل األول واآلخر ،ألن علم هللا تعالى محيط بالماضي والحال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
178
له َوى ِ
نص الرسول عليه الصالة والسالم ،ألنه } َو َما َيْنطق َع ِن ْا َ
واالستقبال ،وكذلك ُّ
عقله النصوص يقول :الحمد هلل الذي أعطاني هذا الفكر الموافق ،واذا خالف
وافق ه
أما الذين يعتمدون على عقولهم دون الرجوع إلى النصوص الشرعية فإن عقولهم
179
اللفظ الثامن و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
واألَنص ِار اَل ِذين ا َتبعوه ِفي ساع ِة ْالعسرِة ِمن ب ِ ّللا َعلى الَن ِبي َواْلم َه ِ
عد َ َ َ ه َ َ َه ه َ َ اج ِر َ
ين ه اب َ ه
( َلقد َت َ
َعلي ِهم ِإَن هه ِب ِهم َرهءوف َر ِحيم ( ))١١٧ ِ
تاب
نهم ث َم َ لوب َف ِريق م هَما َك َاد َي ِزيغ هق ه
]التوبة ]١١٧:
عظيمة من شدة الحر ،وقلة المركب ،حتى كانت العشرة تعتقب على بعير واحد ،
ومن قلة الزاد ،حتى قيل إن الرجلين كانا يقتسمان تمرة ،وربما مصها الجماعة
ليشربوا عليها الماء المتغير ،ومن قلة الماء ،حتى شربوا الفظ ،وهو ماء الكرش
الرسول صلى هللا عليه وسلم ،بأن هموا أن ينصرفوا في غير وقت االنصراف ،من
غير أن يؤذن لهم في ذلك ،لشدائد أصابتهم في تلك الغزوة ،لكنهم صبروا واحتسبوا
ِ
َنص ِار اَلذ َ
ين ين َواأل َ ّللا َعلى الَن ِبي َواْلم َه ِ
اج ِر َ ه اب َ ه
قال ابن جرير في قوله تعالى َ {:لقد َت َ
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
180
ِ ِ ِ
نهم { أي عن الحق ،ويشك في دين الرسول صلىلوب َف ِريق م ه
} من َبعد َما َك َاد َي ِزيغ هق ه
هللا عليه وسلم ،ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم
اب َعلي ِهم { يقول ثم رزقهم اإلنابة إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه } ِإَن هه
} ث َم َت َ
()١
ِب ِهم َرهءوف َر ِحيم { .
فاهلل تعالى يمتحن عباده ،ولكن -كما أسلفنا -ال يتركهم مهملين .وليس للعبد أن
مر علينا.
الحق ولو كان اا
َ يجرب ويمتحن ربه – حاشاه -.علينا أن نتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
181
اللفظ التاسع و الستون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { يدل على أن الروح لها مرض ،فمرضها ِ
قوله تعالى َ }:وأَ َما اَلذ َ
الوجع في البدن مرض البدن .يقول الفقير] الشيخ إسماعيل حقي البروسوي رحمه هللا[:
كل منهما مؤد إلى الهالك ؛ أما المرض الظاهر فإلى هالك الجسم ،وأما المرض
تهم
فزَاد ه
الباطن فإلى هالك الروح ،فالبد من معالجة كل منهما بحسب ما يليق به َ }،
مضموما إلى الكفر ،وعقائد باطلة وأخالًقا ذميمة كفر بها ِرجسا ِإلى ِر ِ
جس ِهم { أي ً :ا
ً ً
كذلك .والفرق بين الرجس والنجس أن الرجس أكثر ما يستعمل فيما يستقذر عقال ،
ذلك إلى أن يموتوا عليه .بين هللا تعالى أن بنزول سورة من السماء حصل للمؤمنين
أمران :زيادة اإليمان واالستبشار ،وحصل للمنافقين أمران مقابالن لهما :زيادة
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
182
) يعني :إن من آمن بالقرآن َّ
وعظم شأنه وعمل به يرفع هللا درجته في ()١
آخرين «
اآلخرة ويرزقه عزة وشرًفا ،ومن لم يؤمن به أو لم يعمل به أولم يعظم شأنه خذله هللا
()2
في الدنيا واآلخرة .
افقا لها
فعلى المؤمن أن يتفكر فيما ينزل على قلبه بميزان الشريعة ،فإن كان مو ً
فهو من هللا ،وان كان مخال ًفا فهو من الشيطان .وهذا التمييز يحصل بالتقوى ،لقوله
ِ
جع ْل لكم َفرقاًنا{ ] األنفال ، [ ٢٩:فمن
ّللا َي َ ِ
امنوا إن َت َتقوا َ َ تعالى َ {:ياأَُّي َها اَلذ َ
ين َء َ
يسكر باب النفس والشيطان ويتبع االستقامة ،ولذا قال هللا تعالى: حصل له التمييز ِ
يطان َتذ َكروا فِإذا هم م ِ ط ِائف ِم َن َ ِ
بصهرو َن { ه ه الش ِ ه } ِإ َن اَلذ َ
ين ا َتقوا ِإذا َم َس ههم َ
]األعراف ، [٢٠١:فالتقوى باب الذكر ،والذكر باب الكشف ،والكشف باب الفوز
األكبر ،وهو الفوز بلقاء هللا ج َل وعال.
وِذكر هللا ليس ألهل الطريق فقط ،بل هو عام لكل المؤمنين ،لقوله تعالى َ {:ياأَُّي َها
ير { ] األحزاب .[٤١:
كث ًا ّللا ِذ ًا
كر ِ
اذكروا َ َ
امنوا ه
ين َء َ
ِ
اَلذ َ
ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه مسلم عن عامر بن واثلة عن عمر رضي هللا عنهما .
- 2تفسير روح البيان
183
اللفظ السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
عض ههم ِإلى َبعض َه ْل َيَراكم من أ َ
َحد ث َم اْن َصَرفوا َصَرف ورة نظَر َب ه هنزلت هس َ ( َواِذا َما أ ِ
قهو َن)[ التوبة ]١٢٧: لوب ههم ِبأََن ههم َقوم ال َي َف ه
ّللا هق َ
َه
والمعنى يقول بعضهم لبعض :هل يراكم من أحد من المؤمنين إن قمتم من مجلسكم
اإليمان حسب انصرافهم عن المجلس ،والجملة إخبارية أو دعائية } ِبأََن ههم { أي بسبب
وفي التأويالت النجمية :ليس فقه القلب ،فإن فقه القلب من أمارات حياة القلب ،وهو
نور ُيهتدى به إلى الحق ،كما أن الجهل ظلمة يقيم عندها وال يدري ماذا يفعل .اللهم
وعن أبي بكر الوراق -رحمه هللا -أنه قال :للقلب ستة أشياء :حياة وموت وصحة
وسقم ويقظة ونوم ؛ فحياته الهدى ،وموته الضاللة ،وصحته الصفاء ،وعلته العالقة ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان .
184
أقول :القلب خلق لمعرفة هللا تعالى ج َل وعال ،فإذا لم توجد فيه معرفة هللا فذلك
حياة القلب بتذكر الموت ،وبقراءة القرآن الكريم ،وبالتمسك بالشريعة ،وباتباع
الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ،وباإلخالص في العبادة ؛ حينذاك يحيا القلب.
مشاهدتك ،وأبعدنا عن ِ
كل وصف يبعدنا عن مشاهدتك.
185
اللفظ الحادي و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
حمة
ور َو هه ًدى َوَر َ وعظة ِمن َربكم َو ِش َفاء لِ َما ِفي ُّ
الص هد ِ اس قد َجاءتكم م ِ
َ َ (َياأَُّي َها الَن ه
لِ ِ
ين () ] (٥٧يونس ]٥٧: لم ْؤ ِمن َه
والترهيب أو باالستمالة والترغيب ،أي كتاب مبين لما يجب لكم وعليكم ،مرغب في
األعمال الحسنة منفر عن األفعال السيئة ،وهو القرآن } ِمن َربكم { متعلق بجاءتكم
وغيرها من العقائد الفاسدة } َو هه ًدى { إلى طريق الحق واليقين ،باإلرشاد إلى االستدالل
من ظلمات الكفر والضالل .وهذه المصادر وصف بها القرآن للمبالغة ،كأنه عينها.
يقال :القرآن موعظة للنفوس ،وشفاء للصدور ،وهدى لألرواح .ويقال :الموعظة
للعوام ،والشفاء للخواص ،والهدى لألخص ،والرحمة للكل حيث أوصلهم إلى
مراتبهم(. )١
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
186
فالحاصل أن الموعظة إشارة إلى تطهير ظواهر الخلق عما ال ينبغي وهو الشريعة ،
والشفاء إشارة إلى تطهير األرواح عن العقائد الفاسدة واألخالق الذميمة وهو الطريقة ،
والهدى وهو إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة ،والرحمة
وهي إشارة إلى كونها بالغة في الكمال واإلشراق إلى حيث تصير مكملة للناقصين وهي
النبوة ،فهذه درجات عقلية ومراتب برهانية مدلول عليها بهذه األلفاظ القرآنية ،ال
فضل َ ِ
ّللا ولما نبه هللا تعالى في هذه اآلية على هذه األسرار العالية اإللهية قال {:قل ِب ِ
ْ
()١
الجسمانية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
187
والخالصة أن هذا القرآن نور وهداية للمؤمنين ،ونور وهداية كذلك لمن يترك الكفر
فعلى المؤمن إذا صدرت منه المعاصي -بالغفلة أو بعدم العلم -أن يستغفر هللا ،
188
اللفظ الثاني و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين { أي كما طبع هللا على قلوب هؤالء فما آمنوا لوب ْا ِ
{ كذلِ َك َن ْطَب هع َعلى هق ِ
لم َعتد َ
ه
بسبب تكذيبهم المتقدم هكذا يطبع هللا على قلوب من أشبههم ممن بعدهم ويختم على
()١
قلوبهم فال يؤمنوا حتى يروا العذاب األليم .
فقوله تعالى َ{:كذلِ َك { أي مثل ذلك الطبع والختم المحكم الممتنع زواله } ن ْطَب هع َعلى
وكما أن هللا تعالى طبع على قلوب المكذبين للرسل بسوء اختيارهم وانهماكهم في
الغي والضالل كذلك طبع على قلوب المنكرين لألولياء بسوء معامالتهم وتهالكهم على
التقليد ،فما دخل في قلوبهم االعتقاد ،وما جرى على ألسنتهم اإلقرار ،كما لم يدخل
في قلوب األولين التصديق ولم يصدر من ألسنتهم ما يستدل به على التوفيق ،ثم هم مع
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
189
كثرتهم قد جاؤوا وذهبوا ولم يبق منهم أثر وال اسم ،وسيلحق بهم الموجودون ومن
أقول :عندما خلق هللا تعالى األرواح سألهم {:أََلست ِبَربكم{ ] األعراف [١٧٢:
الدنيا والتقت باألجساد ،منها من نسيت ذلك النداء األ زلي الذي سمعته هناك ،
أقرت ولم
كافر ،ومنها من َ
ونسيت ما أجابت به ،واتبعت الشقاوة ،فصار صاحبها ًا
مؤمنا.
ً تنس ،فصار صاحبها
َ
190
اللفظ الثالث و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
الد َنيا َرَبنا لِهي ِضُّلوا (وقال موسى رَبنا ِإَنك ءاَتيت ِفرعو َن ومألَه ِزينة وأَمواال ِفي ْالحي ِ
اة ُّ ََ َ ََ ه َ َ َ َ َ َ َ ه َ َ
موالِ ِهم َو ه ِ ِ
اشدد َعلى هقلوبِ ِهم فال هي ْؤ ِمنوا َح َتى َيَرهوا اْل َع َذ َ
اب َعن َس ِبيل َك َرَبنا ا طمس َعلى أَ َ
يم () ] (88يونس ]88: ِ
األَل َ
وسى َرَبنا ِإَن َك َءاَتيت ِفر َعو َن َو َمأل هَه ِزَينة { أي ما يتزين به من
قال هم َ
قوله تعالى َ {:و َ
اعا كثيرة من المال ، اللباس والمراكب ونحوهما } وأَمواال ِفي ْالحي ِ
اة ُّ
الد َْ َنيا { وأنو ً ََ َ َ
كالنقود والمتاع والضياع ،كما قال } َرَبنا { تكرير لألول ،أي آتيته ومأله هذه
الزينة واألموال } لِهي ِضُّلوا َعن َس ِبيلِ َك { أي لتكون عاقبة أمرهم أن يضلوا عبادك عن
١
آتاهم ذلك ليؤمنوا ويشكروا نعمته ،فتوصلوا به إلى مزيد البغي والكفر ،فأشبهت هذه
الحالة حال من أعطى المال ألجل اإلضالل ،فورد الكالم بلفظ التعليل بناء على هذه
المشابهة .وفي اآلية بيان أن حطام الدنيا سبب للضالل واإلضالل( ، )١فإن اإلنسان
ــــــــــــــــــــــ
مذموما في نفسه ،بل المذموم استعماله
ً -١إن لم ُيستعمل فيما أمر هللا تعالى به ،واال فإن المال والغنى ليس
في غير ما ُوضع له.
191
ليطغى أن رآه استغنى ،ومن رأى الغير في زينة ورفاهية حال يتمنى أن يكون له مثل
ذلك ،كما قالوا :يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ،لما خرج في زينته .ولذا َّ
حذر عن صحبة
األغنياء وأبناء الملوك ،وفي الحديث» ال تجالسوا الموتى«( )١يعني األغنياء( ، )2وعن أبي
الدرداء رضي هللا عنه :ألن أقع من فوق قصر فأنحطم -أي
أنكسر -أحب إلي من مجالسة الغني ،وذلك ألن مجالسته سارية وصحبته مؤثرة.
وقال أبو بكر رضي هللا عنه :اللهم ابسط لي الدنيا وزهدني فيها ،وال تزوها عني
إلى إيمانهم ،وانما عرض إضاللهم أوال ليكون تقدمة لهذا الدعاء وأنهم مستحقون له
عن هيأتها ،ألنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك ،وانما أمرتهم بأن يستعينوا بها
على طاعتك وسلوك سبيلك ؛ قالوا صارت دراهمهم ودنانيرهم وطعامهم من الجوز
والفول والعدس وغيرها كلها حجارة مصورة منقوشة على هيأتها ،وكذلك البيض
ـــــــــــــــــــــ
ُ - ١روي عن أبي الدرداء رضي هللا عنه أنه قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول «:إياكم ومجالسة الموتى»
ومن الموتى؟ قال »:األغنياء» أخرجه الحاكم وصححه والترمذي بلفظ" األغنياء "بدل" الموتى".
قيل يارسول هللا َ ،
جل وعال ،فإن الجلوس مع
- 2أي :األغنياء الذين لم يأتمروا بأوامر هللا تعالى ولم ينتهوا عن نواهيه َّ
هؤالء مذموم .أما األغنياء الذين هم مع غناهم متواضعون هلل تعالى ،ويشكرونه على ما أنعم به عليهم ،
ّللاِّ { [النور]37:
يهم ِّت َج َارة َوال َبيع َعن ِّذك ِّر َّ
له ِّ
جل وعال } ِّر َجال الت ِّ
.فهؤالء في عبادة ،ولذا قال ربنا َّ
192
اشهدد َعلى هقلوبِ ِهم { أصل الشد اإليثاق ،والمعنى :اجعلها قاسية واختم عليها لئال
} َو ْ
يدخلها اإليمان ( }.)١فال هي ْؤ ِمنوا { جواب للدعاء } َح َتى َيَرهوا { أي ليروا ،أو إلى أن
حسن
قال الواحدي :وهذا دليل على أن هللا تعالى يفعل ذلك بمن يشاء ،ولوال ذلك لما ُ
()3
من موسى عليه السالم هذا السؤال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١ال ُيقال :كيف دعا سيدنا موسى -عليه الصالة والسالم -عليهم بعدم اإليمان وهو رسول من أولي) العزم عليهم
السالم ألن هللا جل جالله أفهمه أو أوحى إليه أنهم لن يؤمنوا ؛ فدعاؤه عليهم بإلهام من هللا وليس من عنده ،ولذا قال هللا
تكما { ] يونس ]٨٩:فلولم تكن موافقة لمراده تعالى كيف يقول :قد ِّ
عو َتعالى في نهاية اآلية التي بعدها } قد أُج َيبت َد َ
أجيبت.
- 2تفسير روح البيان .
- 3تفسير الرازي.
193
اللفظ الرابع و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين َي َستغشو َن ِثَي َاب ههم َيعَل هم َما هي ِسُّرو َن َو َما ِ ِ
ورههم لَي َست هخفوا مْن هه أَال ِح َ
هص هد َ ( أَال ِإَن ههم َي هثنو َن
ور ( )] (٥هود ]٥: الص هد ِ
ات ُّ ِب َذ ِ هيعلِنو َن ِإَن هه َعلِيم
الص هد ِ
ور { مبالغ في اإلحاطة بمضمرات جميع } ِإَنه { أي هللا تعالى } علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ َ ه
الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث ال تفارقها أصال ،فكيف يخفى
عليه ما يسرون وما يعلنون؟ ومعنى اآلية أن الذين أضمروا الكفر والعداوة ال يخفون
علينا ،وسنجازيهم على ما أبطنوا من سوء أعمالهم حق جزائهم ( ، )2فحقه أن ُيتقى
ويحذر وال ُيجت أر على شيء مما يخالف رضاه.
ُ
واعلم أن إصالح القلب أهم من كل شيء ،إذ هو كالملك المطاع في إقليم البدن النافذ
الحكم ،وظاهر األعضاء كالرعية والخدم له ،والنفاق صفة من صفاته المذمومة ،
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2إما في الدنيا بالقتل ،واما في اآلخرة بدخول جهنم ،وذلك بسوء اختيارهم .
194
وهو عدم موافقة الظاهر للباطن والقول للفعل .وقال ناس البن عمر رضي هللا عنهما:
كنا نعد هذا نفاًقا على عهد رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم .وقال حذيفة :إن
المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول هللا ،قالوا :وكيف ذلك؟ قال :كانوا يومئذ
ومن آفات القلب العداوة ،وعن علي رضي هللا عنه أنه قال :العداوة شغل.
وفي اآلية إشارة إلى حال أهل اإلنكار ،فإن كفار الشريعة كانوا يتغطون بثيابهم لئال
يسمعوا القرآن وكالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وكذا منكروا الحقيقة ال يصغون
إلى ذكر الصوفية بالجهر ،وال يقبلون على استماع أسرار المشايخ وحقائق القرآن ،بل
يثنون صدورهم ويظنون أن هللا تعالى ال يعلم سرهم ونجواهم وال يجازيهم على
()١
إعراضهم عن الحق وعداوتهم ألهله .
أقول :الذي لم هيطهر قلبه -يعني باطنه -من األخالق الذميمة والخبائث َيعتمد على
عقله ،وال يقول :إن مئات بل ألوف األولياء الذين جاؤوا كانوا على هذا المنوال ،
هيطهرون بواطنهم ،ويتوجهون إلى قراءة القرآن الكريم ،واتباع الرسول األعظم
عليه الصالة والسالم ،والتمسك بشرع هللا تعالى ،حتى ال يكونوا متصفين بصفة
المنافقين.
ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
195
اآلن هذه األوصاف توجد في بعض المؤمنين ،سَل َمنا هللا واياهم من هذه األخالق
الذميمة.
فعليك أن تتبع ميزان الشريعة ،ألن الشريعة جاءت من عند هللا إلى رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم ،وهو بَلغ أمته إلى آخر الدنيا .واذا لم تتبع هذا الميزان فإنك ال
تعرف التقوى وال تعرف األنانية وال الغرور ،وتترك العدالة ،حينذاك تدخل تحت قوله
َفرَيت َم ِن تعالى َ{:فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ
تعدلوا{ ] النساء ، [ ١٣٥:وقوله تعالى {:أ َأ ه ََ
اه{ ] الجاثية [ ٢٣:نعوذ باهلل. ا َتخذ ِإ َ
له هه َه َو ه
إذا قيل لك :إن الكفار المتقدمين كانوا يعبدون األصنام تستغرب حالهم ،وفيك
السهبعية أو الشيطانية أو الربوبية) يعني األنانية(.
شوائب من األخالق البهيمية أو َ
حقا وارزقنا إتباعه وحببنا فيه ،و ِأرنا الباطل باطال وارزقنا اجتنابه
الله َم ِأرنا الحق ً
وكرهنا فيه.
196
اللفظ الخامس و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
عض ما يوحى ِإليك و َض ِائق ِب ِه صدرك أَن يقولوا لوال أهْن ِزل ع ِ
ليه َكْنز أَو َ َ َ ه َ هَ َ َ لعَل َك َت ِارك َب َ َ ه َ ( َف َ
ّللا َعلى هك ِل شيء َو ِكيل ( ) ](١٢هود ]١٢: ِ ِ
اء َم َع هه َمَلك إَن َما أَْنت نذير َو َ ه
َج َ
وحى ِإ َ
ليك { تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك -وهو ما لعَل َك َت ِارك َب َ
عض َما هي َ } َف َ
يخالف رأي المشركين -مخافة ردهم واستهزائهم به ،وال يلزم من توقع الشيء لوجود
ما يدعو إليه وقوعه ،لجواز أن يكون ما يصرف عنه ،وهو عصمة الرسل عن
ِ ِ
أحيانا
ً الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ هاهنا َ } ،و َضائق ِبه َص ه
در َك{ وعارض لك
ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة } أَن يقولوا لوال أهْن ِزل ع ِ
ليه َكْنز { ينفقه في َ َ َ ه
قولوا { ِ } ،إَن َما أَْنت َن ِذير { ليس عليك إال اإلنذار بما أوحي إليك ،وال عليك
} أَن َي ه
عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم .
()١
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي .
197
ترك التبليغ ِ
وترك وظيفة أقول :عصمة هللا نبيه عليه الصالة والسالم تستلزم عدم ِ
َ
النبوة ،لكن هذا تسلية منه ج َل وعال لرسوله األعظم صلى هللا عليه وسلم ،المشفق
عصمته بعصمة هللا ،وحف هَ ظه بحفظ هللا .وهذا يدل على
ه على أمته ،ألنه بشر ،
أن
عصم َك ِم َن الَن ِ
اس{ ِ
ّللا َي ه
هللا تعالى يعصم ويحفظ دين أنبيائه ورسله َ {:و َ ه
] المائدة ، [ ٦٧:يعني :إن هللا يعصم دينك ونبوتك وتبليغك من الناس ،ال جسمك ؛
فقد أصابه أذاهم عليه الصالة والسالم ،كما قال تعالى {:لن َي هضُّروكم ِإالَ أَذى {
ِ
ككسر رباعيته ،لكن العصمة على ما ] آل عمران ، [ ١١١:هذا األذى جسماني ،
أوحي إليه من النبوة.
فوظيفة الرسول عليه الصالة والسالم التبليغ ال الهداية ،ألن الهداية بيد هللا وحده.
يقولون :كان األولياء الك َمل في الزمن القديم يهدون الناس إلى االستقامة بأنظارهم
أنفاسهم هداية هللا تعالى ،أما إذا لم توافق فهذا
ه وبأنفاسهم .نقول :نعم ،إذا وافقت
أبو جهل وأبو لهب وغيرهم سمعوا من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ولم يؤمنوا
فمن أفضل من رسول هللا عليه الصالة والسالم
بهَ ،
قلت لواحد :يا أخي !أنت تكذب ،اترك هذا الكذب ،قال لي جو ًابا :عليكم أن
تطهروني.
198
كثير من أهل الطرق يعتقدون ذلك ،وشيخهم يفخفخ وتكبر نفسه بحسن ظنهم ؛ فهم
بحسن ظنهم باألولياء يستكسبون الثواب ،وهو يأخذ الكبر والغرور ،كما قال هللا
199
اللفظ السادس و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
فؤ َاد َك َو َجاء َك ِفي َه ِذ ِه اْل َح ُّق َوم ِ ِ قص عليك ِمن أَْنب ِ
وعظة َ َ الر هس ِل َمان َثبت ِبه َ
اء ُّ َ ( َوكالا َن ُّ َ َ
وِذكرى لِ ِ
ين ( ) ] (١٢٠هود ]١٢٠: لم ْؤ ِمن َ
ه َ َ
أما الحق :فهو إشارة إلى البراهين الدالة على التوحيد والعدل والنبوة.
وأما الذكرى :فهي إشارة إلى اإلرشاد إلى األعمال الباقية الصالحة.
وأما الموعظة :فهي إشارة إلى التنفير من الدنيا وتقبيح أحوالها في الدار اآلخرة ،
المذكرة لما هنالك من السعادة والشقاوة ،وذلك ألن الروح إنما جاء من ذلك العالم ،
إال أنه الستغراقه في محبة الجسد في هذا العالم نسي أحوال ذلك العالم ،فالكالم اإللهي
يذكره أحوال ذلك العالم ،فلهذا السبب صح إطالق لفظ الذكر عليه.
ــ ــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
200
ثم ههنا دقيقة أخرى عجيبة :وهي أن المعارف اإللهية ال بد لها من قابل ومن
موجب ،وقابلها هو القلب ،والقلب ما لم يكن كامل االستعداد لقبول تلك المعارف
اإللهية والتجليات القدسية لم يحصل االنتفاع بسماع الدالئل ،فلهذا السبب قدم هللا تعالى
ذكر إصالح القلب ،وهو تثبيت الفؤاد .ثم لما ذكر صالح حال القابل ،أردفه بذكر
الموجب ،وهو مجيء هذه السورة المشتملة على الحق والموعظة والذكرى ،وهذا
الترتيب في غاية الشرف والجاللة .
()١
قال القاشاني رحمه هللا في شرح التائية :للقلب وجه إلى الروح يسمى فؤ ًادا وهو
فؤ هاد َما َأرَى { ] النجم ، [ ١١:ووجه إلى
اكذب اْل َ
محل الشهود ،كما قال سبحانه َ { :م َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
- 2تفسير روح البيان.
201
الله َم افتح لنا أبواب المعرفة والرضا ،وأخرجنا من الدنيا على اإليمان ،وشفعه بنا
الراحمين.
بحرمته وبجاهه عندك وبمحبتك له يا أرحم َ
202
اللفظان السابع والسبعون و الثامن و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
اعتمادا عليه ورجاء منه ،أو } اَل ِذين ءامنوا وت ْطم ِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ
أنسا به و ً
ّللا { ً هه َ َ َ َ َ
بذكر رحمته بعد القلق من خشيته ،أو بذكر دالئله الدالة على وجوده ووحدانيته ،أو
بكالمه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم
أقول :إذا صفا قلب المؤمن عن محبة الدنيا وحطامها يحصل فيه اليقين ،أي يقذف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البيضاوي .
- 2تفسير ابن كثير .
203
فهذه الدنيا فانية لها انتهاء ،والذي له انتهاء ال هيعتمد عليه ،ألنه بانتهائه ينتج
الفناء ،فإذا جاهد العبد نفسه وشيطانه يحصل في قلبه حقيقة البقاء ،حينذاك يكون
اشتغاله بالباقي ،فيبقى مع الباقي ،وتدوم هذه الحقيقة وتنتقل معه إلى اآلخرة ،
فتثبت له السعادة ،وهي ضد الشقاوة التي تحصل من االشتغال بالدنيا.
المشتغل بالدنيا كالذي يريد أن يأخذ الماء بالغربال ،فهل هيمأل الغربال بالماء ولو
أخذ من البحر؟ ال .سَلمنا هللا واياكم.
وهذا ال يستلزم أن نترك الدنيا بالكلَِية ،لكن نشتغل بها بقدر االحتياج ،وال
ننغمس فيها حتى يحصل في قلوبنا البخل والشح وعدم إنفاق الحق إلى صاحبه.
على العبد العاقل أن يكون شديد العناية بتقوية اليقين ،فإن اليقين هو رأس مال
فال َ
بد من ()١
الدين ،قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :اليقين اإليمان كله«
ُّ
تعلم علم اليقين ،ثم ينفتح للقلب طريقه ،قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم»:
()٢
تعَلم اليقين« .
واذا ثبت عند المؤمن أن اآلخرة أبدية والدنيا فانية فإن إيمانه ويقينه ال يسمح له
بترجيح الفاني على الباقي ،فيتقرب إلى هللا تعالى ،ويقصر المسافة البعيدة بينه
وبين ربه ج َل وعال ،بكثرة الذكر ؛ ألن القرب صفة ذاتية هلل تعالى ،سواء كان العبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه بإسناد حسن .
- 2أخرجه أبو َُنعيم.
204
حاضر بقلبه معه ،فاهلل قريب من العبد على كل حال:
ًا غافال عن هللا تعالى أو
ِ
وتقر هب َلك ِعَبادي َعِني فِإِني َق ِريب { ] البقرة ، [ ١8٦:و ه
البعد صفة العبد ُّ ، } َوِاذا َسأ َ
العبد إلى هللا ج َل وعال يكون بقلبه ،ال بجسده وبدنه وجوارحه ،فإذا استولى نور
القلب على الجوارح الظاهرية واللطائف الباطنية يرى العبد بقلبه أنه مع ربه ج َل وعال
ِ
كمن هه َو
ق َبك اْل َح ُّ َفمن َيعَل هم أََن َما أهْن ِز َل ِإ َ
ليك من َر َ في كل األحوال ،ولذا قال ربنا { :أ َ
قضو َن ْا ِ هد َ ِ
اب ( ) ١٩اَل ِذين يوفو َن ِبع ِ
ََ َلب ِ
لمَيثاق ّللا َوال َيهن ه َ َ هه َعمى ِإَن َما َيتذ َكهر أ ههولو األ ْ
أ َ
ِ
لحس ِ ()٢٠واَل ِذين ي ِصلون ما أَمر َ ِ
اب وء ْا َ ّللا ِبه أَن هي َ
وص َل َوَي ْخشو َن َرَب ههم َوَيخاهفو َن هس َ َ َ ََ ه َ َ َ
الصالة وأَْن هفقوا ِم َما رَزَقناهم ِس ار وع ِ
النَية َقاموا َ ِ ِ ِ ِ
(َ )٢١واَلذ َ
ََ ه َ َ غاء َوجه َربهم َوأ ه
ين َصَبهروا ابت َ
،فالهداية توجد هنا ال في اآلخرة ،ولذا مدح هللا تعالى الذين يتصفون بهذه الصفات ،
فما بالنا نترك حظنا من الكتاب والسَنة والتقرب القلبي إلى ربنا ج َل وعال!
ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
205
اللفظ التاسع و السبعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
الصالة
يموا َ ِِ ِ ِ َسكنت ِمن ذرَي ِتي ِبواد ِ ِ ( َرَبنا ِإِني أ ْ
غير ذي َزرع عْن َد َبيت َك اْل هم َحَرِم َرَبنا لهيق ه َ
ارز ِ َ ِ فاجع ْل أَ ْف ِئ َد ًة ِم َن الَن ِ
كرو َن ( ))٣٧لعَل ههم َي هش ه قهم م َن الث َمَرات َاس تهوِي ِإلي ِهم َو ه ه َ
]إبراهيم ]٣٧:
يعنون بالفؤاد القلب .قوله تعالى {َ :تهوِي ِإلي ِهم { قال ابن عباس رضي هللا عنهما:
فالنا
تحن إليهم .وقال قتادة :تنزع إليهم ،وقال الفراء :تريدهم ،كما تقول :رأيت ً
يهوي نحوك ،أي يريدك .وق أر بعضهم {:تهوِي ِإلي ِهم { بمعنى :تهواهم ،كقوله:
} َرِدف لكم } [ النمل ، [ ٧2:أي :ردفكم( .والى )توكيد للكالم .وقال ابن األنباري:
} تهوِي ِإلي ِهم { تنحط إليهم وتنحدر .وفي معنى هذا الميل قوالن :أحدهما :أنه الميل
إلى الحج ،قاله األكثرون .والثاني :أنه حب سكنى مكة ،رواه عطية عن ابن عباس.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :لو كان إبراهيم قال :فاجعل
()١
أفئدة الناس تهوي إليهم ،لحجت اليهود والنصارى ،ولكنه قال :من الناس .
أقول :من يريد السعادة األبدية عليه أن يتمسك بالشريعة ،ويترك المعاصي ،
ويحافظ على الصالة ،ألن إبراهيم عليه الصالة والسالم مع أنه شيخ األنبياء وخليل
الصالة { ،
يموا َ ِِ
هللا تضرع إلى هللا ج َل وعال وقال { :لهيق ه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير زاد المسير .
206
جميعا -معاشر
ً تحن إليهم .علينا فاجع ْل أَ ْف ِئ َد ًة ِم َن الَن ِ
اس تهوِي ِإلي ِهم { أي ُّ : } َ
المؤمنين -أن نحافظ على صلواتنا ،ألن الصلوات الخمس رابطة بين المؤمن وربه،
واذا انتهى العبد المؤمن عن الكبائر نرجو هللا تعالى ببركة الصلوات الخمسة أن يعفو
207
اللفظ الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
َبص هار ِ ِ ظالِ همو َن ِإَن َما هي َؤ ِخهرههم لَِيوم ْ (والتحسب َن هللا َغ ِ
افال َع َما يعمل ال َ
خص فيه األ َ
تش ه َ َه َ ََ َ
ِ قن ِعي رء ِ ( ( ٤٢م ِ
هط ِعين م ِ
فهم َوأَ فئ َد ه
تهم َه َواء () (٤٣ رتُّد ِإلي ِهم ه
طر ه وس ِهم ال َي َ هه َ ه ه
[إبراهيم ]٤٣-٤٢ :
فهم { أي أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر ال يطرفون رتُّد ِإلي ِهم ه
طر ه } ال َي َ
لحظة ،لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم ،عيا ًذا باهلل العظيم من
ِ
ذلك ،ولهذا قال َ {:وأَ ْفئ َد ه
تهم َه َواء { أي وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء ،لكثرة
الوجل والخوف ،ولهذا قال قتادة وجماعة :إن أمكنة أفئدتهم خالية ،ألن القلوب لدى
شيئا
الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف .وقال بعضهم :هي خراب ال تعي ً
()١
مما أخبر به تعالى عنهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
208
ِ
قال البيضاوي َ {:وأَ ْفئ َد ه
تهم َه َواء { خالء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ،
ومنه يقال لألحمق وللجبان :قلبه هواء ،أي ال رأي فيه وال قوة .وقيل :خالية عن
الخير خاوية عن الحق .
()١
والمراد بيان أن قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جميع الخواطر واألفكار ،لعظم ما
ينالهم من الحيرة ،ومن كل رجاء وأمل لما تحققوه من العقاب ،ومن كل سرور لكثرة
ما فيه من الحزن .
()2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البيضاوي .
- 2تفسير الرازي.
209
وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ
الس َيئ ِ
ات{ ] الشورى ، [ ٢٥:أما إذا ِ
} َو هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ
أصر على المعاصي بدون توبة وخرج من الدنيا على ذلك فإنه يع َذب بعصيانه ولو
َ
()١
الَنار بذنوب أصابوها«.
نرجو هللا ج َل وعال أن يرزقنا التوبة واإلنابة إليه واالستقامة ،من فضله وكرمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
210
اللفظ الحادي و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
ين * ال هي ْؤ ِمنو َن
جرِم َ
لم ِ ِ
الكفر } في هقلوب ْا ه في التأويالت النجمية َ{ :كذلِ َك َن هس ه
لكه { أي َ
ِب ِه { بواسطة ُجرمهم ،فإن بالجرم يسلك الكفر في القلوب كما يسلك اإليمان
ِ ِ
جرِم َ
ين { أي أهل مكة أو جنس المجرمين ،فيدخلون فيه دخوال ً
أوليا. لم ِ
} في هقلوب ْا ه
ًَأ
مستهز به غير مقبول ،ألنهم من أهل تعالى يلقي القرآن في قلوب المجرمين
الخذالن ،ليس لهم استحقاق لقبول الحق ،كما ألقى سبحانه كتب الرسل عليهم السالم
مستهز بها غير مقبولة كذلك ،وصيغة المضارع لكون المشبه به
َأ شيعهم
في قلوب َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان .
- 2تفسير األلوسي .
211
قال البيضاوي رحمه هللا َ{ :كذلِ َك َن هس ه
لكه { ِّ
ندخله ،والسلك :إدخال الشيء في
الرمح في المطعون ،و
الضمير لالستهزاء .وفيه دليل المخيط ،و ِّ ِّ
كالخيط في ِّ الشيء ،
ُ
على أن هللا يوجد الباطل في قلوبهم .
()١
أقول :ال يقال :مادام هللا قد جعل الباطل في قلوبهم فلِ َم يعذبهم؟ ألن هللا أمر عباده
فمن خالف الشريعة باألخذ بالمعروف واالنتهاء عن المنكر والتمسك بالشريعة َ ،
واألمر اإللهي فإن هذا الكسب منه يستحق العقاب .ليس للعبد ِعلم هل هو في َ
األزل
الس ِبيل ِإ َما ِ
فور{
شاكًار َواِ َما هك ًا ناه َ َ سعيد أم شقي ،ولكن هللا تعالى قال ِ {:إَنا َه َدَي ه
ّللا ال ي ْظلِم الَناس ً ِ ِ
فس ههم شيئا َولك َن الَن َ
اس أَهن َ َ ] اإلنسان ،[ ٣:وقال ج َل وعال {:إ َن َ َ َ ه
َي ْظلِ همو َن{ ] يونس ، [ ٤٤:مع هذا فإن عقيدتنا أن اإليمان والكفر والخير والشر كله
عملو َن { [الصافات .[٩٦:ّللا َخَلقكم َو َما َت َ ِ
بخلق هللا َ {:و َ ه
فما قاله المفسر -رحمه هللا -في الحقيقة حق ،ولكن إظهاره يضر بعض الناس ،
أهل العلم من
نع هألنه من الخفيات التي امتنع األنبياء والصادقون عن ذكرها ،ولذلك َم ََ َ
أفهامهم عن إدراكه.
ه قصهر
إفشاء سر القدر ،ألن أكثر الخلق َت ه
جميعا فال بد لنا من التمسك بالتكاليف الشرعية، ً القدر خفي علينا وعلى الناس
وألن َ
تعملو َن { ،
ّللا َخَلقكم َو َما َ
أما في الحقيقة فكل التصرفات بيد هللا ج َل وعال َ { :و َ ه
والبعض يميل بهذا إلى الجبر ،لكن أهل السَنة والجماعة بريئون من هذا الفكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
212
اللفظ الثاني و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
روى سعيد في تفسيره حدثنا ابن فضالة عن لقمان عن أبي أمامة قال :ال يدخل الجنة
مؤمن حتى ينزع هللا ما في صدره من غل حتى ينزع منه مثل السبع الضاري.
وهذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة حدثنا أبو المتوكل الناجي أن أبا سعيد
الخدري رضي هللا عنه حدثهم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال » :يخلص
المؤمنون من النار ،فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار .فيقتص لبعضهم من بعض
مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا ،أذن لهم في دخول الجنة«.
()١
نتزاع الغل إما أن يكون في الدنيا وذلك بتزكية النفس عن األوصاف القبيحة ،وتخلية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير .
-2تفسير روح البيان .
213
كلها متعلِقة بالقلب ألن القلب محل المعرفة ،والعلماء
أقول :األوامر والنواهي ُّ
جميعا يشتغلون بهذه الحقيقة ،لكن علماء الظاهر يقولون :اترك المعاصي( الزنا ،
ً
شرب الخمر ) ...ألنها حرام ،وال يقولون :أثر المعاصي ينزل إلى القلب ويكون منه
الرين.
َ
إذا حصل الصفاء بالقلب فإيمانه يقتضي أن يعمل العمل الصالح وأن يجتنب المعاصي
وأن يحب الصالحين وأن ينظر إلى أن جميع المؤمنين على أنهم إخوة ،كل هذه
التزكية والمشرب والمسلك متعلق بالقلب ،فإذا فرغ القلب عن هذه الخبائث والرذائل
هملئ مكانه بالمعاملة والمكاشفة ،وهللا ينظر إلى القلب وهو مملوء بهذه المنافع
مؤمنا لكنه فارغ من الفوائد معلق
ً والفوائد ،فيعامله بما ثبت فيه .أما إذا كان القلب
مفوض إلى ربه.
بالرذائل فالظاهر ال يستفيد ،وأمره َ
إذا كان الرجل قلبه مملوء بالخبائث وعليه أفخر الثياب وصورته جيدة وجيبه مملوء
بالفلوس هل ينفعه ذلك في اآلخرة؟ ال ؛ ألن اللباس الجيد الفاخر يستر معاِيَبنا عن
رؤية الخلق ،أما معايب القلب فليس لها ستر وال قشر يسترها عن نظر هللا تعالى ،
فعلينا أن نحاول تطهير قلوبنا ألنها موضع نظر معبودنا ج َل وعال.
وعلينا -جماعة المؤمنين -أن نتفكر فيما بعد الموت ،ألن هذه اآلية الكريمة
تتكلم وتبين ،والرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم بَلغها إلينا ،فعلينا أن نترك
الخبائث ونمأل قلوبنا بالمنافع.
نرجو هللا أن يطهر قلوبنا وينور عقولنا ويوجهنا إليه بفضله وكرمه.
214
اللفظ الثالث و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
الس ِ ِ
بك َوكن ِم َن َ ِ ِ
ين
اجد َ قولو َن ( َ ) ٩٧ف َسبح ِب َحمد َر َ
در َك ِب َما َي ه
لم أََن َك َيضيق َص ه نع ه
( َوَلقد َ
ِ ِ
ين( [)٩٩الحجر ]٩٩-٩٧: اعبد َرَب َك َح َتى َيأْتَي َك ْا َليق ه
(َ )٩8و ه
ِ
در َك ِب َما َي ه
قولو َن { أي :وانا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك لم أََن َك َيضيق َص ه
نع ه
} َوَلقد َ
وتوكل عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم ،فاشتغل بذكر هللا وتحميده وتسبيحه وعبادته
الس ِ ِ
بك َوكن ِم َن َ ِ
ين{.
اجد َ فسبح ِب َحمد َر َ
التي هي الصالة ،ولهذا قال َ َ{:
()١
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن قومه يسفهون عليه والسيما أولئك المقتسمون وأولئك
ِ
در َك ِب َما َي ه
قولو َن { ألن الجبلة البشرية لم أََن َك َيضيق َص ه المستهزؤون قال له َ { :وَلقد َ
نع ه
ِ
فسبح ِب َحمد َر َ
بك { ،فأمره بأربعة والمزاج اإلنساني يقتضي ذلك ،فعند هذا قال له َ { :
أشياء :بالتسبيح والتحميد والسجود والعبادة .واختلف الناس في أنه كيف صار اإلقبال
اشتغل اإلنسان بهذه األنواع من العبادات انكشفت له أضواء عالم الربوبية ،ومتى
حصل ذلك االنكشاف صارت الدنيا بالكلية حقيرة ،واذا صارت حقيرة خف على
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
215
القلب فقدانها ووجدانها ،فال يستوحش من فقدانها وال يستريح بوجدانها ،وعند ذلك
يزول الحزن والغم .
()١
ِ
لم أََن َك َيضيق َص ه
در َك { من ضيق البشرية وغاية نع ه
وفي التأويالت النجمية َ }:وَلقد َ
قولو َن { من أقوال األخيار ويعملون عمل األشرار} َ
فسبح الشفقة وكمال الغيرة} ِب َما َي ه
الس ِ ِ
بك { أنك لست منهم } َوكن ِم َن َ ِ
اعبد َرَب َك {
ين { هلل سجدة الشكر } َو ه
اجد َ ِب َحمد َر َ
ِ ِ
ين { أي إلى األبد ،وذلك أن حقيقة اليقين المعرفة ،وال باإلخالص } َح َتى َيأْتَي َك ْا َليق ه
نهاية لمقامات المعرفة .فكما أن الواصل إلى مقام من مقامات المعرفة يأتيه يقين بذلك
المقام في المعرفة ،كذلك يأتيه شك بمعرفة مقام آخر في المعرفة ،فيحتاج إلى يقين
آخر في إزالة هذا الشك إلى ما ال يتناهى ،فثبت أن اليقين ههنا إشارة إلى األبد
(انتهى كالمه).
أقول :هحزن الرسول األكرم عليه الصالة والسالم كان لحرصه على دخول عباد هللا
في دين هللا ،فكان يحزن على عدم إجابتهم له وعدم دخولهم في دين هللا ،وهذا
الحزن اليذهب بالعبادات الظاهرة ،بل بانكشاف الحقيقة التي عَبر عنها القرآن الكريم
جد ِ
ين { ] البلد ، [ ١٠:أي أن الهداية بيد هللا. ناه الَن َ
بقوله تعالى َ {:و َه َدَي ه
فإذا تف َكر بذلك عليه الصالة والسالم يذهب عنه الهم والحزن والغم على عدم
دخولهم في دين هللا ،وال تحصل هذه الحقيقة إ َال لمقام النبوة .أما أمثالنا فإذا حصل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
216
لنا الغم والحزن على شيء ما علينا أن نقتدي برسولنا عليه الصالة والسالم ،الذي
ِ
كونوا هم ْؤ ِمن َ
ين{ ] يونس ، [ ٩٩:معناه: قال له ربه تسلية } أَفأَْنت هت ْك ِرهه الَن َ
اس َح َتى َي ه
حزنه عليه الصالة والسالم على عدم دخولهم في الدين من لوازم الرسالة ،لكنه إذا
تفكر في أفعال الخالق ج َل وعال يذهب عنه الحزن بالكلَية .ال بالصالة والصوم بل بما
اهم {
يك هه َد ه عز وجل ،كما قال في آية أخرى َ {:ل َ
يس َعَل َ ربه َ
ساله به ُّ
] البقرة ، [٢٧٢:ففي ضمن هذه اآلية داللة على هذا المعنى .فإذا دخلوا اإلسالم هذا
من فضل هللا ،واذا لم يدخلوه وبقوا على الكفر فهذا من عدل هللا وبما كسبت أيديهم.
فعلينا أن نتمسك برسولنا عليه الصالة والسالم ،فإذا حصل لنا الحزن بالطبيعة
البشرية لمرض أو مصيبة ،علينا أن نفوض األمر كله إلى هللا تعالى ألنه أرحم بنا
مَنا.
نرجو هللا تعالى أن يثبتنا على اعتقاد أهل السَنة والجماعة ،حتى نلتقي بالمؤمنين
الصادقين مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في عالم البرزخ ،وال تحصل لنا
الندامة.
ونرجوه ج َل وعال بفضله وكرمه أن يقدم ديننا أمامنا ،وأن ال يخرجنا في أمور
دنيانا عن الحدود الشرعية إنه خير مسؤول.
217
اللفظ الرابع و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
األشياء معبود واحد ،ألنه ال تصلح العبادة إال له ،فأفردوا له الطاعة وأخلصوا له
جل جالله :مستنكرة لما نقص عليهم من قدرة هللا وعظمته وجميل نعمته
يقول تعالى َّ
عليهم ،وأن العبادة ال تصلح إال له ،واأللوهية ليست لشيء غيره ،يقول:
اإليمان في اللغة :التصديق بالقلب ،وفي الشريعة :هو االعتقاد بالقلب واإلقرار
ُ و
باللسان .قال السهيلي في كتاب األمالي :الفرق بين التصديق واإليمان :أن التصديق
البد أن يكون في مقابلة خبر ،واإليمان قد يكون في مقابلة خبر صادق وقد يكون عن
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الطبري .
218
فكر ونظر ،فإذا نظرت في الصنعة وعرفت بها الصانع آمنت ولم تكن مصدًقا بخبر،
أيضا إن
إذ ال خبر هناك ،فإذا جاء الخبر بما آمنت به وأقررت صدقت الخبر .و ً
التصديق قد يكون بالقلب وأنت ساكت ،تقول :سمعت الحديث فصدقته .واإليمان ال بد
االستكبار عن اعتراف
ُ بالنكارة ال بالمعرفة َ } ،و ههم هم َستك ِبهرو َن { أي وهم قوم ال يزال
ّللا
َن َ َ
دأبهم ،كما أن اإلنكار سجيتهم َ{.ال َجَرَم أ َ
التعظيم عن قبول الحق َ
ُ الوحدانية و
َيعَل هم َما هي ِسُّرو َن { من إنكار قلوبهم } َو َما هيعلِنو َن { من استكبارهم َ{.ال َجَرَم { للتحقيق
حقا.
والتأكيد ،بمنزلة ً
الحديث » :ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر وال يدخل النار من في قلبه
مثقال ذرة من إيمان«( ، )١وعن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا
عليه وسلم أنه قال» :قال هللا تعالى :يا بني آدم خلقتكم من التراب ومصيركم إلى
التراب فال تتكبروا على عبادي في حسب وال مال فتكونوا علي أهون من الذر ،وانما
تجزون يوم القيامة بأعمالكم ال بأحسابكم ،وان المتكبرين في الدنيا أجعلهم يوم القيامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه مسلم عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ،وأبو داود والترمذي .
- 2تفسير روح البيان.
219
التكبر عام ،يكون للكافر ويكون للمؤمن ،والمؤمن ال يدخل بالتكبر في
أقول ُّ :
الكفر ،بل يأخذ بصفة من أوصاف الكفر ،ألن المؤمن ليس كل فعله فعل المؤمن ،
ولو أنه صدر من المؤمن .واآليات الكريمة واألحاديث الشريفة تذم التكبر على الناس،
ومن تكبر على الناس ورأى أنه أفضل من غيره فإن صاحب اإليمان من العوام ال
واذا تكَلم واحد بكلمة موافقة فحصل في نفسه الفرح بها فهذا يدل على شائبة من
علينا أن نعرف ضعفنا وعجزنا ،ونتضرع إلى هللا تعالى حتى ال يعاقبنا بهذه
رَبنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
220
اللفظ الخامس و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
أقول :القلب حاكم في بدن اإلنسان الظاهر -من الجوارح :مثل السمع والبصر
واللسان -وكذلك الباطن -من الشهوة والغضب واألنوار والعلوم الباطنية ، -فإذا
ينور الدماغ ،فيكون حفظه وخياله وتفكره
منوًار بنور معرفة هللا ج َل وعال َ
كان القلب َ
وينور كذلك العقل ؛ واذا تلوث القلب يكون ًا
أسير تحت أمر النفس افقا َ ،كله مو ً
األمارة والشيطان ،فيغلب عليه الغضب والشهوات وحب الدنيا وما يشابهها ،حينذاك
مؤمنا لكنه غافل عن محل نظر المعبود ،ال يتفكر فيه وفي عتابه وفي
ً يكون صاحبه
عذابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البيضاوي .
221
إذا أراد القلب أن ال تفتح العين للنظر إلى األجنبيات ،وتف َكَر بأن خالقه يراه ،هل
يمكن للعين أن تفتح َوتنظر؟ وهل يمكن كذلك للسان أن يتكلم ،وللرجل أن تمشي
بدون إرادة القلب؟ كل هذا متعلق بالقلب ،فال بد أن يحافظ المؤمن على قلبه باتجاه
هللا ج َل وعال ،ألنه ليس هناك ساتر للقلب عن هللا تعالى ،فهو م َ
طلع عليه.
بك إلى جماعة المؤمنين ،وجعلك من أمة سيد المرسلين عليه أفضل الصالة والسالم،
ورزقك أن تقول :ال اله إال هللا مح َمد رسول هللا ،وأعطى الشفقة لوالديك حتى
هيربيانك ،ولم يؤاخذك على فعل المعاصي وال على ترك الفضائل حتى بلغت الخامسة
استحي من هللا ،وال تتكَبر ،وال تكفر النعم التي أنعم هللا تعالى بها عليك ،
ِ الجسيمة
الله َم أعَنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ،وال تجعلنا عنك من الغافلين.
222
اللفظان السادس والثمانون و السابع و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ان و ِ
يم ِ َ ِ ِِ عد ِإ ِ ِ ِ َ
اّلل ِمن ب ِ
(من َكفر ِب َ ِ
لكن َمن َشَر َح يمانه إال َمن أه ْك ِرَه َوَقْلهب هه هم ْط َمئن باإل َ
َ َ َ َ
لهم َع َذاب َع ِظيم ) ) [ )١٠٦النحل [١٠٦ : در فعلي ِهم َغ َضب ِمن َ ِ
ّللا َو ه َ لكفر َص ًا َِب ْا ِ
وهو مطمئن باإليمان باهلل ورسوله .وقد روى العوفي عن ابن عباس رضي هللا عنهما
أن هذه اآلية نزلت في عمار بن ياسر رضي هللا عنه ،حين عذبه المشركون حتى يكفر
يم ِ
ان { أي:لم تتغير عقيدته .وفيه دليل على أن ِ ِِ
فقوله تعالى َ } :وَقْلهب هه هم ْط َمئن باإل َ
ياسر وسمية على االرتداد ،فربطوا سمية رضي هللا عنها بين
عمار وأبويه ًا
ًا أكرهوا
ـــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
223
بعيرين وجيء بحربة في َُ ُقبلها ،وقالوا :إنك أسلمت من أجل الرجال ُ ،ف ِّقتلت َ ،وقتلوا
ياسر رضي هللا عنه ،وهما أول قتيلين في اإلسالم ،وأعطاهم عمار رضي هللا عنه
ًا
عمار كفر ،فقال صلى هللا عليه وسلم » :
مكرًها ،فقيل :يا رسول هللا إن ًا
بلسانه ما أرادوا َ
()١
إيمانا من قرنه إلى قدمه ،واختلط اإليمان بلحمه ودمه «
عمار ُملئ ً
ًا كال ،إن
ويعرف من هذه اآلية الكريمة -إضافة إلى ما قاله المفسرون رحمهم هللا-
أقول :ه
أن اإليمان والكفر والصالح والشقاوة كلها من أوصاف القلب ،وال سلطان لإلكراه
عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
224
اللفظ الثامن و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ ِ
َبص ِارِهم { أي :فطبع
ّللا َعلى هقلوبِ ِهم َو َسمع ِهم َوأ َ
طب َع َ ه قوله تعالى {:أه َولئ َك اَلذ َ
ين َ
وفيه إشارة أخرى :وهي أن التغافل باألعضاء عن العبودية يورث خسران القلوب عن
مواهب الربوبية.
قال بعض األكابر :وال حجاب إال جهالة النفس بنفسها وغفلتها عنها ،فلو ارتفعت
جهالتها وغفلتها لشاهدت األمر وعاينته كما تشاهد الشمس في وسط السماء وتعاينها.
قال وهب بن منبه :خلق ابن آدم ذا غفلة ،ولوال ذلك ما هنئ عيشه .
()2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2تفسير روح البيان.
225
قال القاضي :الطبع ليس يمنع من اإليمان ،ويدل عليه وجوه :األول :أنه تعالى ذكر
ذلك في معرض الذم لهم ،ولو كانوا عاجزين عن اإليمان به لما استحقوا الذم بتركه.
والثاني :أنه تعال أشرك بين السمع والبصر وبين القلب في هذا الطبع ومعلوم من حال
أقول :العبد هو الذي يستعمل األوصاف التي تستلزم الطبع على القلب وال يستعمل
األسباب التي تنور القلب ،فكما أن القلب قابل للطبع على الكفر كذلك هو قابل للفتح
على مقتضى اإليمان ،هذا بأسبابه وهذا بأسبابه ،ال يوجد فعل بدون داع ،إما هذا
ّللا َحَب َب ِ
واما ذاك .واألسباب مبَينة في كتاب هللا تعالى ،كقوله ج َل جالله َ {:ولك َن َ َ
نه ِفي هقلو ِبكم { ] الحجرات ،[ ٧:بعد تمسككم بمقتضى اإليمان ، ان َوَزَي ه
يم َ ِإَل ه ِ
يك هم اإل َ
ان { ،وهو ال يرضى لعباده الكفر والفسوق ِ كرَه ِإَل ه
فسوق َوْالع َ
صي َ لكفر َواْل ه
يك هم ْا َ } َو َ
وكل ذلك من كسبنا ،ولذا نؤاخذ عليه ،فعلينا أن نستغفر هللا ونتوب إليه
والعصيان ُّ ،
بعد الوقوع في المعصية ؛ وما دام هللا يقبل اإليمان بعد الكفر فقبوله للتوبة بعد
العصيان من باب أولى.
الراحمين.
الله َم تب علينا وعلى جميع المسلمين ،واغفر ذنوبنا برحمتك يا أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
226
اللفظ التاسع و الثمانون
بسم هللا الرحمن الرحيم
وقال محمد بن الحنفية :يعني شهادة الزور .وقال قتادة :ال تقل رأيت ولم َتر ،سمعت
ولم تسمع ،وعلمت ولم تعلم ،فإن هللا تعالى سائلك عن ذلك كله .ومضمون ما ذكروه
أن هللا تعالى نهى عن القول بال علم ،بل بالظن الذي هو التوهم والخيال ،كما قال
عض ال َ
ظن ِإ ْثم { ] الحجرات ، [ ١2:وفي الحديث » ير ِم َن ال َ
ظن ِإ َن َب َ تعالى {:اج ِتنبوا ِ
كث ًا َ ه
()2( )١
. :إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث«
مجرى العقالء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها َ } ،ك َ
ان َعْن هه{
النهي عن إتباع كل ما فيه جهل مما يتعلق بالسمع والبصر والقلب ،كأنه تعالى قال:
ُ
ــــــــــــــــــــــ
-١متفق عليه عن أبي هريرة رضي هللا عنه .
-2تفسير ابن كثير.
227
ال تسمع كل ما ال يجوز سماعه ،وال تبصر كل ما ال يجوز إبصاره ،وال تعزم
على كل ما ال يجوز لك العزم عليه ،ألن كل واحد منها يسأله هللا تعالى ويجازيه.
ولم يذكر اللسان مع أنه من أعظمها ألن السمع يدل عليه ،ألنه ما يكب الناس على
مناخرهم في نار جهنم إال حصائد ألسنتهم ،وتلك الحصائد من ِّقبل المسموعات
الالزمة للسمع .وفي اآلية داللة على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية ،كما قال
يدخل تحت االختيار من خبائث أعمال القلب ،من حب الدنيا ومن الرياء والعجب
والحسد والكبر والنفاق مثال ،وأما ما ال يدخل تحت االختيار فال يؤاخذ به ،أال ترى إلى
قوله عليه الصالة والسالم ُ » :عفي عن أمتي ما حدثت بها نفوسها«( .)١قال في
مسلم .وحاصل ما قالوه أن الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس
مراتب :الهاجس :وهو ما يلقى فيها ،ثم جريانه فيها وهو الخاطر ،ثم حديث النفس
وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو ال ،ثم الهم وهو ترجيح قصد العمل ،ثم
فعله ،وانما هو شيء أُورد عليه ال قدرة له على رده وال صنعه ،والخاطر الذي
قادر على دفعه بصرف الهاجس أول وروده ،ولكن هو وما بعده من
بعده كان ًا
ــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه البخاري ومسلم.
228
حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح ،واذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله
()١
باألَولى .وقال بعض الكبار :جميع الخواطر معفوة إال بمكة المكرمة .
فسروا ،نرجو هللا ج َل وعال أن ال يؤاخذنا أقول :جزى هللا المفسرين ًا
خير بما َ
بشيء من ذلك ،سواء الخطرات والوساوس والعزم والهم وغير ذلك من
األوصاف التي تعرض بواسطة الشيطان والنفس على قلوبنا ،ألن هذا من ضعفنا
وعجزنا ،ونتضرع إلى هللا ج َل وعال أن يسترنا ،وأن هيخمر اإليمان بلحومنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
229
اللفظ التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
حد هه
ان َو َ وه َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا
قر َواِذا ذكرت َرَب َك ِفي ْاهلقرَء ِ ِ
( َو َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه
قه ه
فور () ](٤٦اإلسراء ]٤٦: َوَلوا َعلى أ َ
َدب ِارِهم هن ًا
الفطرة األصلية
وذلك التجافي والنبو إنما هو من تراكم الحجب المعنوية على القلب ،و ُ
وان كانت مقتضية للفقه -يعني فقه القلب -واإلدراك والخروج إلى نور العلم لكن
()2
المعنى حق فهمه وادراك اللفظ حق إدراكه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2نفسير روح البيان.
230
أقول :النفس األمارة والشيطان عدو هللا -عليه اللعنة -مصيبتان خلقهما هللا ج َل
وعال لوصول العبد إلى رضا الخالق سبحانه وتعالى ،وذلك بامتحانه بهما ،واال فإن
هللا ج َل وعال قادر على إبعاد هذا اللعين واسكات النفس األمارة وتغليب القلب عليها ،
يقيننا أننا سنق أر كتبنا هناك ونحن واقفون بين يدي هللا ج َل وعال ،وهو يسألنا
ه
أن يق أر ما عمل بتوفيق هللا من األعمال الصالحة في ذلك المحشر العظيم على مشهد
الناس أجمعين وعلى رأسهم سيد المرسلين وبين يدي رب العالمين األحسن أن تق أر
نرجو هللا ج َل جالله أن يرزقنا التوبة واإلنابة ،والتمسك بالكتاب والسنة ،إلى أن
نخرج من الدنيا.
231
اللفظ الحادي و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
كنتم من حجارة صماء أو حديد صلد أو من مادة أقسى من الحديد ألعادكم هللا إلى الحياة
شيء منها ،فإنكم مبعوثون ومعادون ال محالة ،أي فإن قدرته تعالى ال تقصر عن
ـــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
232
الكواشي :هو أمر تعجيز وتوبيخ ال أمر إلزام .وقال في بحر العلوم :ليس األمر ههنا على
حقيقته بل على المجاز ،ألن المقصود إهانتهم وقلة المباالة بهم ،ال طلب كونهم حجارة
حديدا ،لعدم قدرتهم على ذلك ؛ وما يكبر في صدورهم السموات والجبال ،والجمهور
أو ً
على أنه الموت ،إذ ليس في النفس شيء أكبر من الموت .أي لو كنتم الموت بعينه
ألميتكم وألبعثكم.
فال بد من االستعداد ليوم القيامة باألعمال الصالحة واالجتناب عن المعاصي ،فإنه عما
عينا .واعلم أنك إذا مت فقد قامت قيامتك ،ألن اإلنسان إذا مات فقد
قريب يصير العلم ً
عاين أمر القيامة ،ألنه يرى الجنة والنار والمالئكة ،وال يقدر على عمل من األعمال ،
فصار بمنزلة من حضر يوم القيامة فختم على عمله بالموت ،فيقوم يوم القيامة على ما
قال في التأويالت النجمية :فيه إشارة إلى أن اختصاص بعض العباد بتشريف اإلضافة
إلى نفسه يؤدي إلى تأثير نظر العناية فيهم ،فيخرج منهم القول األحسن والفعل األحسن
مخلصا ،وأما
ً وال َُ ُخلق األحسن .أما القول األحسن فهو الدعاء إلى هللا بال إله إال هللا
233
عن إساءتهم إليه ،ويعيش فيهم بالنصيحة ،يأمرهم بالمعروف بال عنف وينهاهم عن
اعلم أنه تعالى لما تكلم أوال في اإللهيات ثم أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوات ،ذكر في
أيضا أن القوم
على المسائل األربعة وهي :اإللهيات والنبوات والمعاد والقضاء والقدر ،و ً
حيا عاقال
عظاما ورفاتًا فإنه يعود ً
ً يدل على فساد عقله أنه يدعي أن اإلنسان بعدما يصير
كما كان ،فذكروا هذا الكالم رواية عنه لتقرير كونه مختل العقل.
أما تقرير شبهة القوم :فهي أن اإلنسان إذا مات جفت أعضاؤه وتناثرت وتفرقت في حوالي
العالم ،فاختلط بتلك األجزاء سائر أجزاء العالم .أما األجزاء المائية في البدن فتختلط بمياه
العالم ،وأما األجزاء الترابية فتختلط بتراب العالم ،وأما األجزاء الهوائية فتختلط بهواء
العالم ،وأما األجزاء النارية فتختلط بنار العالم .واذا صار األمر كذلك فكيف يعقل
اجتماعها بأعيانها مرة أخرى؟ وكيف يعقل عود الحياة إليها بأعيانها مرة أخرى؟ فهذا هو
تقرير الشبهة.
والجواب عنها :أن هذا اإلشكال ال يتم إال بالقدح في كمال علم هللا وفي كمال قدرته .أما
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
234
كونه تعالى َّ
اختلطت بأجزاء العالم إال أنها متمايزة في علم هللا تعالى ،ولما سلمنا َ
تلك األجزاء بأعيانها ،فثبت َّأنا متى سلمنا كمال علم هللا وكمال قدرته زالت هذه
()١
الشبهة بالكلِّية .
أقول :الذي َجمع في وجود اإلنسان الماء والهواء والنار والتراب بدون مثال كيف
هي َعقل عدم إمكانية إعادته هذه األجسام ثانية؟ هذه الشكوك عند الكافرين -كما قال
المفسرون رحمهم هللا -ليست إال من تعلق قلوبهم وأفئدتهم بلذائذ الدنيا ،
فتراكمت على قلوبهم اللذائذ الدنيوية التي أنعم هللا عليهم بها في مدة معينة ،ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
235
اللفظ الثاني و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
} َوَرَب ْطنا َعلى هقلوبِ ِهم { قويناها بالصبر ،فلم تزحزحها عواصف فراق األوطان وترك
األهل والنعيم واإلخوان ،ولم يزعجها الخوف من َملِّكهم الجبار ،ولم ُيرعها كثرة الكفار .
األساس :ربطت الدابة شددتها برباط ،والمربط الحبل .ومن المجاز :رَبط هللا تعالى على
()١
قلبه :صبره .
ِ ِ
طنا َعلى هقلوبِهم إ ذ ه
قاموا َفقاهلوا { يعني لئال يلتفتوا إلى الدنيا وفي التأويالت النجمية } َوَرَب َ
وزخارفها ،وينقطعوا إلى هللا بالكلِّية ،ولذلك ما اختاروا بعد البعث الحياَة في الدنيا ،
أقول :كما أن أصحاب الكهف رضي هللا تعالى عنهم بعد ثالثمائة سنة أو أكثر قاموا في
هذه الحياة فرغبوا عن زخارف الدنيا وما فيها ،فال بد للمؤمن – بحسب مقتضى إيمانه
-أن يخلي قلبه من التعلق إال باهلل واليوم اآلخر .وقد جعل لنا ربنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير األلوسي .
- 2تفسير روح البيان.
236
لذلك واسطة هو رسول هللا عليه الصالة والسالم َ ،
وهدد وزجر من خالفه ،ورسول هللا
صلى هللا عليه وسلم بَلغ وبالغ في التبليغ حتى وصل ذلك إلينا ،والمئات بل اآلالف من
علمائنا وأوليائنا َو َقبلهم الصحابة رضي هللا تعالى عنهم يوجهوننا إلى اآلخرة ،لكن أي
آخرة؟ كل واحد يقول آخرة ،حقيقة اآلخرة البقاء مع رب العالمين ،ومع من تحب من
المهم أن تثبت في قلوبنا ثمرة اآلخرة ،وهي رضا هللا واالجتماع مع رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم.
تف َكر أيها األخ المؤمن القارئ الكريم ،لو عشت في هذه الدنيا مائة سنة ،النتيجة
الوفاة ،ثم انتقال إلى اآلخرة .وهل إذا كان قبرك روضة من رياض الجنة أحسن ،أم
تغتر برحمة هللا ،وال بما أنعم هللا على عباده ،ألن هللا أنعم في الدنيا على من يحب
ال َ
وعلى من ال يحب وعلى من ينكره كذلك ،علينا أن نتفكر في هذه األمور ،فال نترك
التمسك باألوامر ونقع في المخالفات .فالمؤمن يفعل األوامر بقدر اإلمكان ،ويعتمد على
خالقه بالتوفيق والقبول ،والفاسق ال يعمل باألوامر وال يترك المناهي ويقول " :هللا
غفور رحيم".
237
علينا أن نتفكر أن هذا الخالق العظيم الغني عن العالمين تكلم وأوحى إلى رسوله الكريم
القلب مهم عنده تعالى ،ولذا يوجهنا إلى تطهيره ،وذلك بما جاء من عند هللا تعالى
ومن عند رسوله عليه الصالة والسالم ؛ فالذي يخالف ما وجَه إليه رب القلب فيما
يتعلق بالقلب إما كافر واما منافق واما مؤمن فاسق أو غافل.
فعلينا أن نتمسك بشرع هللا وبسنة رسول هللا عليه الصالة والسالم ،وأن ال نترك ذكر
هللا -فال يترك الذكر إال من اختل قلبه وعقله ، -وأن هَنخلص في العبادة ،حينئذ
اعملوا بذلك وال تقولوا :فالن قال هكذا وفالن قال هكذا ،ألن النتيجة في الثمرة .فكيف
جميعا.
ً نرغب بالدنيا ونترك ثمرة اآلخرة؟ هذا ال يليق بنا
رب العالمين بفضلك وكرمك أن تخلصنا من سيطرة النفس األ َمارة ،
نلتجئ إليك يا َ
238
اللفظ الثالث و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
فقد حصل فيه النور والضوء واإلشراق ،واذا توجه القلب إلى الخلق فقد حصل فيه الظلم
والظلمة بل الظلمات ،فلهذا السبب إذا أعرض القلب عن الحق وأقبل على الخلق فهو
الظلمة الخالصة التامة ،فاإلعراض عن الحق هو المراد بقوله { :أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن
اه }.
()١
ِذ ِ
كرنا { ،واإلقبال على الخلق هو المراد بقوله َ {:وا َتَب َع َه َو ه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
239
مس ًكا وال دليال للمؤمن لتبرير مخالفته ،وقلة الموافقين
أقول :كثرة المخالفين ليست َم َ
يجب أن ال توحشه هفتبعده عن كالم ربه سبحانه وتعالى وسَنة نبيه صلى هللا عليه وسلم
متعلقا
ً وأخالق أسيادنا الصالحين إلى رسول هللا عليه الصالة والسالم ،ألن إيماننا ليس
بكثرة المؤمنين وال بقلتهم ،وال باتباعهم لأل وامر وال بتركهم لها ،فعلينا بالتمسك
يرضى عن العبد المتصف بهذه الصفات ،وهذه هي بغية المؤمن .وقد قال ج َل وعال :
240
اللفظ الرابع و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
اه ِإَنا َج َعَلنا َعلى نسي َما َ به فأَعرض عنها و ِ ات ر ِ ذكر ِب ِ ِ ( ومن أَ ْظ ِ
قد َمت َي َد ه َ َ َ َ َ َ آي َ لم م َمن َ َ ه ََ
تدوا ِإذا أََب ًدا)
له َدى َفلن َي َه ه دع ههم ِإلى ْا ه وه َوِفي َءا َذ ِان ِهم َو ًا
قر َوِان َت ه
ِ
هقلوبِ ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه
قه ه
( [ )٥٧الكهف [٥٧:
ِ
وه { أي { ِإَنا َج َعَلنا َعلى هقلوبِ ِهم { أي قلوب هؤالء } أَكَنة { أي أغطية وغشاوة } أَن َي َف ه
قه ه
()١
لئال يفهموا هذا القرآن والبيان .
وفي اآليات إشارات :منها أن أسباب الهداية وان اجتمعت بالكلية ال يهتدي بها الناس وال
يؤمنون إال بجذبات العنايات ،كما قال عليه الصالة والسالم » :لوال هللا ما اهتدينا وال
عمى قلوبهم وسخافة عقولهم ،فيجادلون األنبياء واألولياء جهال منهم وضاللة ،ويسعون
في إبطال الحق ،وأما أهل الحق فينقادون لألنبياء واألولياء ويستسلمون لهم من غير عناد
هزوا ،فيأتمرون بما أُمروا به وينتهون ويجتنبونه .ال جرم أنهم يتخذون آيات هللا ً
جدا ال ً
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2أخرجه البخاري عن البراء رضي هللا عنه.
241
رحمة هللا تعالى في الدنيا تعم المؤمن والكافر ،ألنه ال يؤاخذهم بما كسبوا في الدنيا بقطع
أقول :هناك فرق كبير بين األولياء الذين يصلون بجذبات العناية اإللهية وبين غيرهم
مشيهم مع شرع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وهذه هي
من األولياء ،فهؤالء ه
الوالية الكبرى.
الجذبة الواحدة توازي عمل الثقلين ،وهذه العناية من هللا ج َل جالله مخصوصة بمن أراد
أن يصلحه وأن ينور قلبه .وهؤالء يكونون قدوة للمسلمين في حياتهم ،وكذلك بعد
وفاتهم بكتبهم وأخالقهم وسيرتهم -رحمهم هللا -؛ وذلك الفضل من هللا ج َل وعال ،
فهو يعطي لمن يشاء ،وهو أعلم بالمصلحين ،فيعطيهم أسباب اإلصالح .الله َم اجعلنا
من المصلحين.
ومحَبتنا لهؤالء الك َمل -رضوان هللا تعالى عليهم أجمعين -تكون ً
سببا لنجاتنا يوم
القيامة وعند سكرات الموت إن شاء هللا ،ألن هذه المحبة دخلت في سويداء قلوبنا ،
وصارت كأنها جزء من لحمنا ودمنا ،فال يمكن وصول الشيطان إلى قلوبنا في حال
يارب العالمين.
ضعفنا عند سكرات الموت .الله َم احفظنا َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1تفسير روح البيان.
242
اللفظ الخامس و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
اشرح لِي
قال َرب َ
حاكيا عن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصالة والسالم َ {:
قال تعالى ً
أمره هللا بخطب عظيم وأمر جسيم سأله أن يشرح صدره ِي ِ ِي
َصدر * َوَيسر لي أَمر { لما َ
ويفسح قلبه ،لتحمل أعبائه والصبر على مشاقه ،والتلقي لما ينزل عليه ويسهل األمر له
والمراد بالصدر هنا القلب ال العضو الذي فيه القلب ،أي وسع قلبي حتى ال يضيق
واعلم أن شرح الصدر من نعم هللا تعالى على األنبياء وكمل األولياء ،وقد أخذ منه نبينا
صباوته ،وألقي عنه العلقة التي هي حظ الشيطان ومغمزه ،و غسل في طست من
أيضا في البلوغ إلى األربعين ،لينشرح لتحمل أثقال الرسالة؛ وفي المعراج ،
الذهب ؛ و ً
ــــــــــــــــــــــ
-1تفسير البيضاوي.
243
التي ال توصف ،من الحلم والعفو والصبر والكف واللطف والدعاء والنصيحة إلى غير
()١
ذلك .
أقول :انشراح القلب يحصل -بعد اإليمان -بالموافقة والمتابعة والذكر والشفقة وترك
المناهي واألخذ باألوامر اإللهية .كل هذه األمور موجودة في الطريق ،فالذي يتمسك
كثير
بآداب الطريق مع تمسكه بالشريعة وبسنة الرسول عليه الصالة والسالم ويذكر هللا ًا
وبتوفيقه -حب الدنيا وحب الرياسة يصل إلى انشراح القلب ووسعته .هذا هو طريق
الوصول إلى هذه الحقيقة ،فإن عملت َتر ثمرة عملك ،وان لم تعمل وذهبت إلى اآلخرة
وتجد أنك ضيعت ما أنعم هللا عليك من السمع والبصر واللطائف المهمة في جسدك ،
تاب َك َكفى وضيعت حياتك القوية الشبابية ،فتجد هناك خسارتك حين يقال لك {:ا ْأ ِ
قر ك َ َ
ال إله إال هللا مح َمد رسول هللا ،وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
244
فاسمع كالم ربك وأطعه وأطع رسوله ،فإن من أطاع الرسول فقد أطاع هللا ،وال تكن
من المحبين للدنيا ،حتى ال يكون َق ْط هع روحك من الدنيا -عند سكرات الموت َ -كقطع
سبحانه وتعالى أن يشرح صدره في خطابه لمن يدعي األلوهية .فهذا شأن أولي العزم
من الرسل عليهم الصالة والسالم ،وأما أمثاهلنا الضعفاء العاجزون فإن النفوس األمارة
في هذا العصر قد تفرعنت على أصحاب اإليمان بأنواع اإلفسادات والمخالفات ،فعلينا أن
جميعا.
ً الفساق والكافرين
األمارة ومن فتنة النساء ومن بالء النساء ومن شر المنافقين و َ
245
اللفظ السادس و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ
َسُّروا وه َو ههم َيْل َعهبو َن ( )٢الهَية هق ه
لوب ههم َوأ َ است َم هع ه ( َما َيأ ِْتي ِهم ِمن ذ ْكر ِمن َرب ِهم هم َ
حدث ِإال َ
ظلموا هل هذا ِإال ب َشر ِم ْثلكم أَ َفتأْتو َن السحر وأهَنتم ِ ِ
تبصهرو َن ( [ األنبياء : َ َ َ ين َ ه َ ْ َ جوى اَلذ َ الَن َ
[٣-٢
األحوال إال حال استماعهم إياه العبين مستهزئين به الهين عنه متشاغلين عن التأمل فيه
،لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في األمور والتفكر في العواقب .قدم اللعب
فاللعب الذي هو على اللهو تنبيها على أنهم إنما َ ِّ
قدموا على اللعب لذهولهم عن الحق؛
ُ َ ً
قال في التأويالت النجمية :واآلية وان نزلت في منكري البعث من الكفار فهي تعم أكثر
مدعي اإلسالم في زماننا هذا ،فإنه ال يحدث هللا في عالِّم ر باني من أهل الذكر -وهم
أهل العزة باهلل ،وهم -أي مدعوا اإلسالم -يستهزئون به وينكرونه ِّ
اللدنية إال أسمعه َ
وينكرون عليه ،الهية قلوبهم بمتابعة الهوى ،متعلقة بشهوات الدنيا ،ساهية عن ذكر هللا
246
ظلموا أنفسهم باإلنكار على األسرار -يقولون فيه :ما يأتيكم به من الكالم المموه وأنتم
قالوا :كالم المحققين خياالت فاسدة .وقال بعض المنكرين :بل اختلقه من نفسه وادعى
أقول :قلوب أكثر الناس الهية بالدنيا ،فإنهم مع وجود اإلسالم واإليمان واالعتقاد عندهم
ال يشتغلون لآلخرة كما يشتغلون للدنيا .ترى الواحد منهم يشتغل في الدنيا من الصباح
إلى المساء ،وفي المساء يتفكر ماذا ربح وماذا خسر ،وهذا َلهو.
علينا أن نحافظ على محل النظر اإللهي وهو القلب ،وأن ال نمأله بحب الدنيا والنساء
احدا ،إذا هملئ بشيء ال يدخل فيه شيء آخر ، ] المنافقون ،[ ٩:ألن لإلنسان ً
قلبا و ً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
247
فالقلب إذا ملئ بحب الجاه والرياسة وحب الدنيا والمال ال َي َس هع فيه حب هللا والتهيؤ لما
القبر حجرة انفرادية ،ماذا يقول هناك؟ ال يحصل له إال ما حصله في الدنيا من القرآن
كلما ازداد المال يزداد الحرص ،وكلما ازداد الحرص يزداد البخل ،وكلما ازداد البخل
يزداد البعد عن هللا ج َل وعال ،لقوله عليه الصالة والسالم » :البخيل بعيدمن هللا بعيد
()١
من الناس بعيد من الجنة قريب من النار«.
جميعا.
ً نرجو هللا تعالى السالمة لنا وللمسلمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي هللا عنه ،والبيهقي عن جابر رضي هللا عنه ،والطبراني عن عائشة رضي هللا
عنها.
248
اللفظ السابع و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
( َذلِ َك َومن هي َع ِظم شعائر هللا فِإَن َها ِمن ْتق َوى ْاهلهق ِ
لوب ( ) ]( ٣٢الحج ]٣٢: َ
نس ِّكه ،أو الهدايا ، } ذلِك ومن يع ِظم َشع ِائ َ ِ
دين هللا ،أو فرائض الحج ومواضع ُ
رّلل { َ َ َ َ َ هَ
ِّ
مانا وتعظيمها أن تختارها ِّح ً
سانا س ً ُ ألنها من معالم الحج ،وهو أوفق لظاهر ما بعده ،
غالية األثمان ُ .روي أنه صلى هللا عليه وسلم أهدى مائة بدنة ،فيها جمل ألبي جهل في
أنفه برة من ذهب ،وأن عمر رضي هللا تعالى عنه أهدى نجيبة
تقوى ْاهلهق ِ ِ
لوب { فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي طلبت منه بثالثمائة دينار } .فِإَن َها من َ
تقوى القلوب ،فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من ،وذكر القلوب ألنها منشأ التقوى
بهما. والفجور أو اآلمرة
()١
قال الجنيد -رحمه هللا -:من تعظيم شعائر هللا التوكل والتفويض والتسليم ،فإنها من
عظمه َّ
وعظم حرمته زين هللا ظاهره بفنون اآلداب، شعائر الحق في أسرار أوليائه ،فإذا َّ
تقوى اْلهق ِ ِ
وتخصيصها باإلضافة ألنها مركز
ُ لوب {، }فِإَن َها { أي فإن تعظيمها ناشئ }من َ
التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر األعضاء.
()2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البيضاوي .
- 2تفسير روح البيان .
249
ِ
شعائر هللا أقول :شعائر هللا ج َل وعال ليست منحصرة في الحج والعمرة والهدي ،بل من
فعل أو ِ
امره والشفقة على خلقه واجتناب المعاصي كلها ،ألن كل ذلك عظيم عند أيضا ه
ً
هللا ج َل وعال وعند المؤمنين ،ومنها حفظ القلب من المخالفات كالحقد والحسد وغيرها
أمَرهم
فع َل ما َ
من األخالق الذميمة ؛ فإذا اتصف المؤمن بما وصف هللا المؤمنين به َ ،و َ
وقد مدح هللا تعالى عباده المتقين في القرآن الكريم ،وعَلق بالتقوى الكثير من الخيرات
،ووعد عليها الكثير من الثواب واألجر ،وقد عَد علماؤنا من جملة ذلك اثنتي عشرة
خصلة:
األولى :المدحة والثناء ،قال ج َل وعال َ } :واِن تص ِبهروا َو ت َتقوا َفِإ َن ذلِ َك ِمن َعزمِ
الثانية :الحفظ والحراسة من األعداء ،قال هللا تعالى َ } :وِان تص ِبهروا َوت َتقوا ال َي هضُّركم
جع ْل الرابعة :النجاة من الشدائد ،والرزق من الحالل ،قال هللا تعالى َ } :و َمن َي َت ِق َ َ
ّللا َي َ
تس هب { ] الطالق .[ ٣-٢ : رزْقهه ِمن حيث ال يح ِ
خر ًجا ( َ )٢وَي ه
ََ َ َل هه َم َ
250
ِ
قولوا قوالً امنوا ا َتقوا َ َ
ّللا َو ه الخامسة :إصالح العمل ،قال هللا تعالى َ } :يا أَُّي َها اَلذ َ
ين َء َ
َعماَلكم[ ] {...األحزاب . [ ٧١-٧٠: ِ ِ
يدا ( )٧٠هيصلح لكم أ َ
َسد ً
الثانية عشرة :الخلود في الجنة ،قال هللا تعالى َ } :و َس ِار هعوا ِإلى َم ْغ ِفَرة ِمن َربكم
هعَدت لِ ِ َرض أ ِ َو َجَنة َع ه
ين { ] آل عمران .[١٣٣: لم َتق َ
ه الس َم َاوات َواأل ه
رض َها َ
ففي هذا بيان أن كل خير وسعادة في الدارين إنما يندرج تحت التقوى ،فال تنس
نصيبك أيها المؤمن منها.
251
اللفظ الثامن و التسعون
بسم هللا الرحمن الرحيم
الص ِ
الة َو ِم َما الصا ِب ِرين على ما أَصابهم وْالم ِق ِ
يمي َ لوب ههم َو َ ّللا َو ِج ْ ( اَل ِذ ِ ِ
َ َ َ َ َه َ ه لت هق ه ين إذا ذكَر َ ه
َ
نفقو َن ( ) ] ( ٣٥الحج ]٣٥ : رَزَقناهم ي ِ
ه ه َ
لوب ههم { َهيبة منه ِّ ،إلشراق أشعة جالله عليها ّللا َو ِج ْ قوله تعالى }:اَل ِذ ِ ِ
لت هق ه ين إذا ذكَر َ ه
َ
()١
فالصبر عليه غير واجب ،بل إن أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو يصيبهم من ِّقبل َّ
الظلمة
ُ َ
بالمقاتلة .والثاني :االشتغال بالخدمة ،وأعز األشياء عند اإلنسان نفسه وماله ؛ أما الخدمة
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
252
يمي َ ِبقوله } :وْالم ِق ِ
الصالة { ،وأما الخدمة بالمال فهو المراد من قوله َ } :و ِم َما َرَزَق ه
ناهم ه
()١ يِ
نفقو َن {
.
ه
أقول :الوجل والخوف الذي ذكره هللا تعالى في هذه اآلية الكريمة ال يحصل بدون ُّ
تهيؤ ،
بحيث إذا قال العبد" :هللا أكبر "يحصل في قلبه الوجل ،ولكن ال بد له من تطهير القلب
يحصل بالتمسك بشرع هللا تعالى ،والتمسك بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،
اب َيوم َع ِظيم { ] األنعام ، [ ١٥ :فإذا كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد
َع َذ َ
أهمر بالخوف فكيف أنت يا فقير؟ عليك أن تفزع إلى هللا وترجع وتتوب إليه حتى يحصل
لك هذا الوجل .لكنك تأكل باشتهاء نفسك ،وتفعل ما تشاء باشتهاء نفسك ،وتترك
إني أقول لك :يا أخي المسلم !انظر إلى صالتك ،هل تخشع في أربع ركعات أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
253
خاصا بأهل
كيف يحصل الوجل في قلبك وأنت ال تكثر من ذكر هللا تعالى؟ الذكر ليس ً
ِ
ّللا
اذكروا َ َ
امنوا ه جميعا ،لقول هللا ج َل وعال َ }:يا أَُّي َها اَلذ َ
ين َء َ ً الطريق ،بل هو للمؤمنين
و ِ
الصبر على المصائب ،سواء كانت من الخلق أو من الخالق.
فإذا أردت أن تكون من الذين إذا ذكر هللا وجلت قلوبهم عليك أن تذكر هللا ًا
كثير وتق أر
كثير وتصلي صالة الخاشعين ،فليس هناك عبادة -بعد اإليمان -أفضل من
القرآن ًا
صالة مع الخشوع ،حينذاك تقف على ما يفوتك من الخشوع وتطلع على ما يحصل لك
254
اللفظان التاسع و التسعون والمئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
سم هعو َن ِب َها فِإَن َها ال ِ ِ ( أَ َفلم َي ِس هيروا ِفي األ ِ
لهم هقهلوب َيعقلو َن ب َها أَو َءا َذان َي َ
َرض َف َتكو َن ه
ور ( ) ] ( ٤٦الحج ]٤٦: لوب اَل ِتي ِفي ُّ
الص هد ِ تعمى ْاهلهق ه
ِ
َبص هار َولكن َ
تعمى األ َ َ
سم هعو َن ِب َها { فالمقصود منه ذكر ما يتكامل به ذلك االعتبار ،ألن الرؤية لها حظ
َي َ
عظيم في االعتبار ،وكذلك استماع األخبار فيه مدخل ،ولكن ال يكمل هذان األمران إال
بتدبر القلب ،ألن من عاين وسمع ثم لم يتدبر ولم يعتبر لم ينتفع البتة ،ولو تفكر فيما
الص هد ِ
ور { كأنه قال ال عمى في أبصارهم فإنهم يرون بها ،لكن العمى في قلوبهم حيث ُّ
أي ليس الخلل في مشاعرهم ،وانما هو في عقولهم ،بإتباع الهوى واالنهماك في الغفلة .
وال ُيعتمد بعمى األبصار ،فكأنه ليس بعمى باإلضافة إلى عمى القلوب ؛ والعمى يقال
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
255
وفي الحديث » :ما من عبد إال وله أربع أعين :عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه،
،وأكثر الناس عميان بصر القلب ،ال ()١
وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه «
يبصرون به أمر دينهم.
وقلوبهم محجوبة
ُ قال في حقائق البقلي قدس سره :الجهال يرون األشياء بأبصار الظاهر ،
عن رؤية حقائق األشياء ،التي هي تابعة أنوار الذات والصفات ،أعماهم هللا بغشاوة
اليسير من نور بصر القلب يغلب الهوى والشهوة ،فإذا
ُ الغفلة وغطاء الشهوة .قال سهل :
طا
عمي بصر القلب عما فيه غلبت الشهوة وتواترت الغفلة ،فعند ذلك يصير البدن متخب ً
في المعاصي غير منقاد للحق بحال.
وفي التأويالت النجمية :في اآلية إشارة إلى أن العقل الحقيقي إنما يكون من نتائج صفاء
القلب بعد تصفية حواسه عن العمى والصمم ،فإذا صح وصف القلوب بنور اليقين تدرك
يح خبر عن يعقوب عليه السالم ِ } :إِني أل ِ
َجهد ِر َ نسيم اإلقبال بمشام السر ،قال تعالى ًا
وسف { ] يوسف ، [ ٩4:وما كان ذلك إال بإدراك السرائر دون اشتمام ريح في الظاهر هي ه
فعلى العاقل أن يجتهد في تصفية الباطن وتجلية القلب وكشف الغطاء عنه بكثرة ذكر هللا
تعالى .وعن مالك بن أنس رضي هللا عنه :بلغني أن عيسى بن مريم عليهما السالم قال :
ال تكثروا الكالم في غير ذكر هللا فتقسو قلوبكم ،والقلب القاسي بعيد من هللا ولكن ال
تعلمون .وقال مالك بن دينار :من لم يأنس بحديث هللا عن حديث المخلوقين فقد َّ
قل
عمله وعمي قلبه وضاع عمره .
ـــــــــــــــــــــ
-١أخرجه الديلمي في مسند الفردوس.
256
.وقال أبو عبد هللا ()١
وفي الحديث » :لكل شيء صقالة ،وصقالة القلب ذكر هللا «
األنطاكي :دواء القلب خمسة أشياء :مجالسة الصالحين ،وقراءة القرآن ،واخالء
الغافلين. البطن ،وقيام الليل ،والتضرع عند الصبح .كذا في تنبيه
() 2
أقول :ولكن إذا جلس مع الصالحين ولم يسمع كالمهم فأية فائدة في تلك المجالسة؟ ال
هيطلق اسم الصالح على العلم بدون عمل ،بل على من نور قلبه بالمعرفة وترك
المعاصي وكثرة ذكر هللا تعالى ،كما قال المفسر رحمه هللا تعالى.
النفس األمارة ال تحب سماع الوعظ والنصيحة المتعلقة بما يوجد فيها ،وتنفر عن هذا
،وقد شاهدنا ذلك في بعض المؤمنين ،إنا هلل وانا إليه راجعون ،هذا مصيبة.
إذا كنا نعيش أربعين أو خمسين أو ستين سنة ونحن مع أنفسنا ال مع الحق فما
معنى مجالسة الصالحين أو أهل الدين؟
على المؤمن إذا سمع عن شيء من عيوب نفسه أن يجاهد نفسه حتى يذهب ذلك
ّللا ِ
لغني َع ِن ِ ِ ِ ِِ العيب عنه ،ولذا قال ربنا ج َل وعال َ } :ومن َج َ ِ
اه َد فإَن َما هي َجاههد لَن ْفسه إ َن َ َ َ
ين { ] العنكبوت .[٦: ْا ِ
لعاَلم َ
َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه ابن أبي الدنيا عن البيهقي عن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما .
- 2تفسير روح البيان.
257
عليك يا أخي المؤمن أن تجاهد نفسك األمارة -بتركها ومخالفتها ومحاربة الشيطان -
واألرض يمدحك في كتابه العزيز الذي نزل على سيد المرسلين صلى هللا عليه وسلم ،
الراحمين. الله َم ِ
وفقنا لمجاهدة النفس ومخالفة الشيطان ،يا أرحم َ
258
اللفظان األول و الثاني بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
( وما أرسلنا من قبلك من رسول وال نبي إال إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ
لقي هللا ما يلقي الشيطان ثم يحكم هللا آياته وهللا عليم حكيم ( ) ( ٥٢لِيجعل ما ي ِ
َ ََ َ ه
لفي ِشَقاق َب ِعيد) [
ظالِ ِمين ِ ِ ِ طان ِف ْتن ًة لَِل ِذ ِ
لوب ههم َواِ َن ال َ َ
ين في هقلوبِ ِهم َمَرض َواْلَقاسَية هق ه
َ َ
الشي َ ه
الحج ]٥٣-٥٢:
ان { علة لتمكين الشيطان منه ،وذلك يدل على أن قوله تعالى }:لِيجعل ما ي ِ
لقي َ
الشي َط ه َ ََ َ ه
ونفاق ،ألنه مرض قلبي مؤد إلى الهالك الروحاني ،كما أن المرض القلبي ( ) 2مؤد
أقول :الذي ال ِ
يؤثر فيه وعظ الواعظين وال قراءة القرآن وال ذكر الموت فقد حصل
وعالجه :أن يرجع إلى هللا ويستغفر ويتوب توبة صحيحة ويجاهد
ه له مرض القلب ،
ِ
األحاديث اءة القر ِ
آن و ِ
نفسه حتى يطهر قلبه من األخالق الذميمة ،لكي تؤثر فيه قر ه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البيضاوي .
- 2هكذا في األصل ،ولعل الصواب :الجسمي .
- 3تفسير روح البيان.
259
وذكر الموت ،حينذاك تحصل له السعادة إن شاء هللا ،ألن هللا
النبوية ووعظ الواعظين ه
فعلى المؤمن أن ال يقنط من رحمة هللا ولو زنا ولو سرق ولو فعل ما فعل ،ألن هذا
من خسر في الدنيا بأن اشترى بمئة وباع بخمسين يمتنع عنه النوم ،فكيف تهون
عليكم خسارة اآلخرة وال تبالون بها؟ وهللا المستعان وال حول وال قوة إال باهلل العلي
العظيم.
260
اللفظ الثالث بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
النجمية :إن هللا ليبتلي المؤمن المخلص بفتنة وبالء ،ويرزقه حسن بصيرة يميز بها بين
الحق والباطل ،فال يظله غمام الريب ،وينجلي عنه غطاء الغفلة ،فال يؤثر فيه دخان
الفتنة والبالء ،كما ال تأثير للضباب الغداة في شعاع الشمس عند متوع النهار -أي
ارتفاعه ،-وان الهداية من هللا ومن تأييده ال من اإلنسان وطبعه ،وان من َوَكله هللا إلى
نفسه وخذله بطبعه ال يزول عنه الشك والكفر والضاللة إلى األبد ،ولو عالجه
الصالحون .فعلى العاقل أن يستسلم ألمر القرآن المبين ويجتهد في إصالح النفس األمارة
()2
إلى أن يأتي اليقين ،فإن النفس سحارة ومكارة ومحتالة وغدارة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2تفسير روح البيان.
261
أقول :الذي يؤمن بالقرآن عليه أن يتصف باألوصاف التي وصف هللا بها عباده في
القرآن ،من التواضع واالنقياد ألوامر هللا تعالى وعدم االعتراض عليها والعيش بها ،
حتى تصير أخالقه أخالق القرآن ،وذلك بعد المجاهدة والسعي الكبير.
َن
ذلك ،كذلك هؤالء عليهم أن يجاهدوا النفس ويخالفوا الشيطان .قال هللا ج َل وعال َ } :وأ َ
ِ ِ ِ
يما فا َت ِب هع ه
وه{ ]األنعام ، [ ١٥٣:ما هو هذا الصراط؟ صراط هللا هو َهذا صَراطي هم َستق ً
القرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصالة والسالم .ولما قال} :فا َت ِب هع ه
وه { هعرف الضد
الكبر
الرياء و ه
االنغماس في الدنيا و ه
ه ُّ
وضد الصراط المستقيم بالضد ،أي وال تتبعوا ضده ،
الراحمين.
الله َم اجعلنا من المخبتين يا أرحم َ
262
اللفظ الرابع بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
لوب ههم َو ِجَلة أََن ههم ِإلى َرب ِهم َر ِ
اج هعو َن ( )[ (٦٠المؤمنون ]٦٠ ( َواَلذ َ
ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه
ِ
قوله تعالى َ } :واَلذ َ
ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا { أي يعطون ما أعطوه من الزكوات والصدقات
وتوسلوا به إلى هللا تعالى من الخيرات والمبرات .وصيغة المضارع للداللة على االستم ارر
ِّ
فاعل يؤتون ،أي والحال أن لوب ههم َو ِجلة {حال من
،والماضي على التحقق َ } ،وهق ه
قلوبهم خائفة أشد الخوف .قال الراغب :الوجل استشعار الخوف }.أََن ههم ِإلى َرب ِهم َر ِ
اج هعو َن
{أي من أن رجوعهم إليه تعالى ،على أن مناط الوجل أن ال ُيقبل منهم ذلك وأن ال يقع
على الوجه الالئق فيؤاخذوا به حينئذ ،ال مجرد رجوعهم إليه تعالى.
قال بعض الكبار َ :و َج ُل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته ،ألن المخالفة
تمحى بالتوبة ،والطاعة تطلب بتصحيحها واإلخالص والصدق فيها .فإذا كان فاعل
()١
خائفا مضطرًبا فكيف ال يخاف غيره؟
الطاعات ً
ِ
لوب ههم َو ِجَلة أََن ههم ِإلى َرب ِهم َر ِ
اج هعو َن { أي فقوله تعالى َ } :واَلذ َ
ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه
يعطون العطاء وهم خائفون َو ِّجلون أن ال يتقبل منهم ،لخوفهم أن يكونوا قد
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
263
قصروا في القيام بشروط اإلعطاء ،وهذا من باب اإلشفاق واالحتياط ،كما قال اإلمام
أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مالك بن مغول حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن
ِ
عائشة رضي هللا عنها أنها قالت :يا رسول هللا ! } َواَلذ َ
ين هي ْؤتو َن َما َءاَتوا َوهق ه
لوب ههم
َو ِجلة{ والذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف هللا عز وجل قال » :ال يا بنت
الصديق ،ولكنه الذي يصلِّي ويصوم ويتصدق وهو يخاف هللا عز وجل «
()١
شخص فإنه -إن شاء هللا -يكون من المحسنين .فعلى المؤمن أن يتفكر في عبادته
،فإذا وجد فيها بعض التقصير عليه أن يستغفر ويرجع إلى هللا ،ألننا -لضعفنا
وعجزنا -ال يمكن لنا أن نثبت قلوبنا على الحضور في كل العبادة ،فنرى أن عبادتنا ال
أن
تليق بربنا ج َل وعال ،واذا حصل هذا االستشعار يحصل عندنا الوجل والخوف من َ
عملنا هل قبل منا أم ال؟ فنتضرع إلى هللا تعالى ،ونهتم باإلخالص في عبادتنا.
َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
264
اللفظ الخامس بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الشرعية في مقدور اإلنسان وطاقته ،وعندنا كتاب أعمال العباد ،يشهد عليهم بما عملوا ،
الكفار في غفلة وجهالة غامرة وساترة لهم عن فهم كالم هللا ،ال يفهمون آيات القرآن وال
يتدبرون مواعظه ،ولهم أعمال خبيثة كثيرة غير الكفر واإلشراك ،هم مقيمون عليها ال
()١
ينفكون عنها ،كالسخرية واالستهزاء ،وفعل أنواع الموبقات والمعاصي.
أقول :اآلية تهديد وتأمين من الخوف والظلم ؛ تهديد للكفار لعدم إصغائهم لكتاب هللا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
265
بالحق هو علم هللا األزلي المكتوب في اللوح المحفوظ -كما قال أكثر المفسرين-
ولكن هذا العلم بالنسبة إلينا مجهول ،وكذلك فإن الكافر إذا آمن يمحو هللا ما يشاء
مجهول ،فنحول أمره إلى هللا ج َل وعال ،وهو اآلن مكَلف بالتكاليف الشرعية ومسؤول
عنها ،واال فما هو معنى التكليف؟ وما هو دور الجزء االختياري؟ وما هو حكم قول هللا
266
اللفظ السادس بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
عباده أن جعل لهم السمع واألبصار واألفئدة ،وهي العقول والفهوم التي يذكرون بها
األشياء ويعتبرون بما في الكون من اآليات الدالة على وحدانية هللا ،وأنه الفاعل المختار
وفي اآلية إشارة إلى معان ثالثة :أحدها :إظهار إنعامه العظيم وافضاله الجسيم بهذه النعم
الجليلة من السمع واألبصار واألفئدة .وثانيها :مطالبة العباد بالشكر على هذه النعم .
وثالثها :الشكاية من العباد إذ الشاكر منهم قليل ،كما قال تعالى َ } :وَقلِيل ِمن ِعَب ِاد َي
السمع حفظه عن استماع المنهيات وأن ال يسمع إال هلل وباهلل وعن هللا ،وشكر البصر
حفظه عن النظر إلى المحرمات وأن ينظر بنظر العبرة هلل وباهلل وعن هللا ،
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
267
وشكر القلب تصفيته عن رين األخالق الذميمة وقطع تعلقه عن الكونين فال يشهد غير هللا
()١
وال يحب إال هللا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
- 2أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان والبخاري في األدب المفرد.
268
اللفظ السابع بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم ،ألن ما عندهم ينفذ وما عند هللا باق ،ولهذا
َبص هار { أي :يوم القيامة ،الذي تتقلب فيه القلوب واألبصار ،أي : َ ِ ِ
لوب َواأل َ
َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه
()١
من شدة الفزع وعظمة األهوال.
فإنه سبحانه بين أن هؤالء الرجال وان تعبدوا بذكر هللا والطاعات فإنهم مع ذلك موصوفون
َ ِ ِ
َبص هار { وذلك الخوف إنما
لوب َواأل َ بالوجل والخوف ،فقال َ } :يخاهفو َن َي ً
وما َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه
كان لعلمهم بأنهم ما عبدوا هللا حق عبادته .واختلفوا في المراد ُّ
بتقلب القلوب واألبصار
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
269
لوب اْل َح ِ
ناجَر { ِ ِ
َبص هار َوَبلغت ْاهلهق ه
والفزع وتشخص األبصار لقوله َ } :واِ ْذ َزاغت األ َ
مطبوعا عليها ال
ً ]األحزاب ، [ ١٠ :الثاني :أنها تتغير أحوالها فتفقه القلوب بعد أن كانت
تفقه ،وتبصر األبصار بعد أن كانت ال تبصر ،فكأنهم انقلبوا من الشك إلى الظن ،
كونوا ومن الظن إلى اليقين ،ومن اليقين إلى المعاينة ،لقوله } :وبدا لهم ِمن َ ِ
ّللا ما لم َي ه َ ََ ه َ
غفلة ِمن َهذا فكش َفنا َعْن َكتسهبو َن { ]الزمر ، [ 4٧ :وقوله َ } :لقد كْنت ِفي ْ يح ِ
ََ
وحذر
ًا طمعا في النجاة
اء َك { ] ق ، [22 :الثالث :أن القلوب تتقلب في ذلك اليوم ً طَِغ َ
َمن ناحية اليمين أم من ناحية من الهالك ،واألبصار تنقلب من أي ناحية يؤمر بهم ،أ ِّ
الشمال؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم ،أ ِّ
َمن ِّق َبل األيمان أم من قبل الشمائل؟ الرابع :أن ُ
القلوب تزول عن أماكنها فتبلغ الحناجر.
()١
أقول :إذا أراد هللا تعالى ج َل جالله أن يهيئ قلب العبد للتوجه إلى اإليمان اليقيني والى
حق اليقين يفتح له باب النظر -بإيمانه -لما بعد الموت ،فكأنه اآلن يعيش في
المحشر ،ويلتقي بتلك األهوال ،من تقلب القلوب واألبصار وغيرها ،فينظر إلى إيمانه
هل يصدق ذلك أم ال؟ وينظر إلى من مضى من المرسلين واألنبياء والصالحين ،هل
ماتوا وانتقلوا من هذه الدنيا أم بقوا فيها؟ ويخطر بقلبه قوله تعالى ِ } :إَن َك َميت َواَِن ههم
ويحاسب
َ َمهيتو َن { ] الزمر ، [ ٣٠:فيتحقق عنده بهذا اإليمان أنه سيمر بهذا الحشر
ويلتقي بهذه األهوال ،فإذا ثبت عنده ذلك ال يغتر بهذه الدنيا وما فيها من األموال
واألوالد ،بل يكتفي منها بقدر حاجة الطبيعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
270
البشرية ،فإذا أرادت نفسه أن يشتغل بها ويترك ما ثبت عنده من االلتقاء باألهوال فإنه
ينزل إلى منزلة الصبيان الذين يلعبون بالجوز والبندق وغيرها.
لو أنك وصفت رجال بأوصاف الصبيان فقلت له :أنت طفل ،فإنه ال يقبل ذلك -مع أن
األطفال ال يؤاخذون -فكيف يقبل االشتغال بالدنيا مع إيمانه بذلك الهول العظيم؟
نرجو هللا تعالى أن ينبهنا من نوم الغفلة ،وأن هيرجعنا إلى القرآن العظيم والعمل به ،
وأن ال يجعلنا فتنة للذين كفروا وال ألنفسنا كذلك.
فمعنى قوله تعالى ِ } :رجال ال ْتل ِهي ِهم ِتجارة وال بيع عن ِذ ْك ِر َ ِ
ّللا { أن قلوبهم معمورة ََ َ َ َ َ
الرزاق هو هللا ،ال يتركون األسباب ألن تركها
منورة ،يعرفون أن َ منورة ،وعقولهم َ
أي َ
تعطيل ،لكن يأخذون بها بأمر هللا ،ألن األخذ باألسباب دعاء فعلي ،وفي أثناء البيع
أحدا ،وتكون معاملتهم كلها موافقة لظاهر الشريعة
يغشون ً
يرون رَبهم في قلوبهم ،فال ُّ
،وقلوبهم متطهرة من األخالق الذميمة وحب الدنيا ،وقد أزالوا األغيار منها ،فإذا جاء
؛ فإذا قالوا ِ } :بسمِ ()١
وقت الصالة يدخلون فيها ،فيقيمونها ،أي يقيمون روح الصالة
الر ِحي ِم { أرادوا بذلك التبرك ،وفهموا أن معناها أن األمور كلها بيد هللا ج َل
حم ِن َ َِ
الر َ
ّللا َ
وعال ،كما ذكر ذلك اإلمام الغزالي في اإلحياء في الباب الثالث (في الشروط الباطنة
من أعمال القلب(
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جل وعال.
-١من الخشوع والتذلل والحضور مع هللا َّ
271
عبهد { ]الفاتحة [ ٤:أي ويتفكرون بذلك ويوجهون قلوبهم إلى هللا ،فإذا قالوا ِ } :إَي َ
اك َن ه
الصراط المستقيم.
وكذلك فإنهم يؤتون الزكاة ،فيدفعونها بأمر هللا من مال الذي أعطاهم ،مع هذا يخافون
يو ًما تتقلب فيه القلوب واألبصار .إيمان هؤالء التجار كأنهم ذهبوا قبل أن يذهبوا ،
وكأنهم واقفون في ذلك اليوم ؛ ومادامت نيتهم هلل وقلوبهم متعلقة باهلل فإن هللا يجزيهم
ِ ِ
وس ين َي ِرثو َن اْل ِف َ
رد َ أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله } أ َهولئ َك هه هم اْل َو ِارثو َن ( )١٠اَلذ َ
الراحمين.
الله َم احشرنا معهم واجعلنا من المحبين لهم يا أرحم َ
272
اللفظ الثامن بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
قوله تعالى } :أ َِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { يعني :ال يخرُج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض
ض لها شك في الدين ،أو يخافون أن يجور هللا ورسوله عليهم في الزم لها ،أو قد َع َر َ
الحكم ؛ و ًأيا ما كان فهو كفر محض ،وهللا عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من هذه
()١
الصفات.
أقول :قوله تعالى } :أ َِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { في هذه اآلية مخصوص بالذين ذهبوا ليحكم
فح َك َم هللا تعالى بكفرهم بقوله :
الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم بينهم فأعرضوا َ ،
}أهو ِلئ َك ههم ال َ
ظالِ همو َن { ؛ أما أهل اإليمان فإذا هوجد في قلوبهم مرض ال هيحكم بكفرهم ، َ َ
ولكن تطلب منهم التوبة واإلنابة واالستغفار ،حتى يطهروا قلوبهم عن ذلك المرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
273
اللفظ التاسع بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
قوله تعالى } :كذلِ َك لَِنثبت ِبه َ
فؤ َاد َك { إشارة إلى ما ُيفهم من كالمهم ،أي :مثل ذلك
تيسير لحفظ النظم وفهم المعنى وضبط األحكام والعمل بها ،
ًا فؤادك ،أي :قلبك ،فإن فيه
نجما
ال القرآن ُم ً
جديد في كل أمر وحادثة ازداد هو قوة قلب وبصيرة ؛ وبالجملة :إنز ُ
فضيلة خص بها نبينا عليه السالم من بين سائر النبيين ،فإن المقصود من إنزاله أن
َّ
يتخلق قلبه المنير بأخالق القرآن ،ويتقوى بنوره ويتغذى بحقائقه وعلومه ،وهذه الفوائد
إنما تكمل بإنزاله مفرًقا ،أال ُيرى أن الماء لو نزل من السماء جملة واحدة لما كانت تربية
فقوله تعالى } :كذلِ َك لَِنثبت ِب ِه الزروع به مثلها إذا نزل مفرًقا إلى أن يستوي الزرع؟
()١
فؤ َاد َك { أي :كذلك أنزلناه مفرًقا َفتَقوى بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ،ألن حاله
َ
فلو ألقي عليه جملة لعيل -أي :عجز – بحفظه ،ولعله لم يستتب له ،فإن التلقف ال
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
274
فشيئا ،وألن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى ،
شيئا ً
يتأتى إال ً
منجما وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ،وألنه
ً وألنه إذا نزل
إذا نزل به جبريل حاال بعد حال يثبت به فؤاده ،ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ،ومنها
انضمام القرائن الحالية إلى الدالالت اللفظية ،فإنه يعين على البالغة.
()١
واإلنجيل -هيقطع أمل الموحى إليه عن مجيء جبرائيل في المستقبل ،أما إذا نزل
متفرًقا فإنه -عليه الصالة والسالم -كلما جاء الوحي يفرح بمجيئه ويأخذ عنه ويحكم
به وينتظر مع االشتياق المجيء التالي .هذه هي الطبيعة البشرية بالنسبة إلى من
احدا من أحبابه يأتي من الغربة ،فإنه ينتظر لقاءه باشتياق ،فإذا جاء هيقطع
ينتظر و ً
هذا االشتياق ؛ هذه حكمة إلهية ،وهو العالِم بمراده ج َل وعال ،فعلينا التسليم والقبول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي
275
اللفظ العاشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
عو َن أَال َي َتقو َن ( ) ١١ ِ نادى رُّبك موسى أَ ِن ْائت ْاَلقوم ال َ ِ ِ
قوم فر َ
ين ( َ ) ١٠
ظالم َ َ ( َواِذ َ َ َ ه َ
قال رب ِإني أَ َخاف أَن ي َك ِذبو ِن ( ) ١٢وي ِضيق صدرِي و ال يْنطلِق لِس ِاني فأ ِ
َرس ْل ِإلى َ َ َ َ ََ ه ه ََ
َه هارو َن ( [ ))١٣الشعراء]١٣-١٠:
اعلم أن التكذيب سبب لضيق القلب ،وضيق القلب سبب لتعسر الكالم على َمن يكون في
لسانه حبسة ،ألنه عند ضيق القلب ينقبض الروح والح اررة الغريزية إلى باطن القلب ،واذا
انقبضا إلى الداخل ازدادت الحبسة في اللسان ،فلهذا بدأ عليه السالم بخوف التكذيب ثم
َّثنى بضيق الصدر ثم َّثلث بعدم انطالق اللسان ،وسأل تشريك أخيه هارون ،فإنه لو لم
أقول :إذا حصل لإلنسان بعض المعاني فإنها تأتي إلى القلب ،فإذا جاءت إلى القلب
ولم يمكن له أن يعبر عنها بعبارة شافية أو بلسان فصيح يحصل معه حبسة في اللسان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
276
شيئا وحاول النطق به فلم يقدر ولم يفهم أبواه ما
وهذا األمر نالحظه عند الطفل إذا فهم ً
يريد ،فإنه في النهاية يبكي لعدم استطاعته التعبير عما يريد.
قال أخونا الدكتور بشير حفظه هللا تعالى :وهذا األمر همالحظ كذلك عند المرضى
المصابين بمرض دماغي يمنعهم عن الكالم مع االحتفاظ بالقدرة على الفهم ،فإننا نراهم
هيع َذبون بمحاولة التعبير وال يستطيعون فيبقى المعنى ً
دفينا في قلوبهم.
كرر فلم يمكن له شخصا عند االحتضار يريد أن يتكَلم فلم يقدر َ ،
كرر َ ً وكذلك إني رأيت
التبيين ،حينذاك قطع أمله وسكت.
277
اللفظ الحادي عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
وم ال َين َف هع َمال { أي :ال يقي المرَء من عذاب هللا ماُله ولو افتدى بملء
قوله تعالى َ } :ي َ
ِ
اإليمان باهلل واخالص الدين له والتبري من الشرك وأهله ؛ ولهذا قال } :إالَ َمن أَتى َ َ
ّللا
ِبقْلب َسلِيم { أي :سالم من الدنس والشرك .قال ابن سيرين :القلب السليم أن يعلم أن هللا
حق وأن الساعة آتية ال ريب فيها وأن هللا يبعث من في القبور .وقال ابن عباس رضي هللا
ّللا ِبقْلب َسلِيم { َحِّيي أن يشهد أن ال إله إال هللا .وقال مجاهد ِ
عنهما } :إالَ َمن أَتى َ َ
َ
والحسن وغيرهما ِ } :بقْلب َسلِيم { يعني من الشرك .وقال سعيد بن المسيب :القلب السليم
هو القلب الصحيح ،وهو قلب المؤمن ،ألن قلب الكافر والمنافق مريض ،قال هللا تعالى :
} ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { ] البقرة . [ ١٠ :قال أبو عثمان النيسابوري :هو القلب الخالي
()١
من البدعة ،المطمئن على السنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
278
ِ
ّللا ِبقْلب َسليم { أن يكون ً
خاليا عن العقائد الفاسدة ِ
قال اإلمام الرازي } :إالَ َمن أَتى َ َ
والميل إلى شهوات الدنيا َّ
ولذاتها.
()١
وم ال َين َف هع َمال َوال َبنو َن { للوصول إلى الحضرة لقبول الفيض اإللهي
وفي البحر َ } :ي َ
ّللا { عند المراقبة } ِبقْلب َسلِيم { وهو فطرة هللا التي فطر الناس عليها ، ِ
} إالَ َمن أَتى َ َ
فإنه َُ خلق مرآة قابلة لتجلِّي صفات جمال هللا وجالله ،كما كان آلدم عليه السالم أول
متصفا بطهارة
ً سليما بال عيب إال إذا كان
بخلق هللا واالتصاف بصفته ،إذ لم يكن القلب ً
قدس الحق عن النظر إلى الخلق .قال ابن عطاء :السليم الذي ال يشوشه شيء من آفات
ِّ
وترك قال :بالوقوف على حد اليقين بم تنال سالمة الصدر؟ الكون ُ .
وسئل بعضهم َ :
لنزول النور اإللهي فيه بواسطة إتباع الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ،حينذاك
يرضى هللا تعالى عنه إلتباعه لرسول هللا عليه الصالة والسالم ،ويتجلى فيه عندما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
- 2تفسير روح البيان.
279
قال هللا ج َل وعال } :و ههو يتوَلى َ ِ
الصال ِح َ
ين{ ]األعراف ، [ ١٩٦ :فإن كنت من َ َ ََ
وباطنا ،
ً ظاهر
ًا الصالحين يتوالك هللا ويدبر أمورك ،بشرط أن تتعلق به وبرسوله
فتتخلق بأخالق الرسول صلى هللا عليه وسلم وأخالق القرآن الكريم.
مؤمنا
ً منافقا -نعوذ باهلل من الكفر والنفاق – أو
ً صاحب القلب إما أن يكون ً ا
كافر أو
سالما ويكون
ً سالما يكون عمله
ً مؤمنا صاد ًقا صافي القلب ،فمن كان قلبه
ً فاسقا أو
ً
نرجو هللا تعالى أن نكون منهم ،وأن تكون قلوبنا مثل قلوبهم ،وأن يقبل أعمالنا
280
اللفظ الثاني عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
نزل به جبريل كما هو على قلب محمد عليه الصالة والسالم ،كما قال َ } :على قْل ِب َك {
والتثبيت ،ومعدن الوحي واإللهام ،وليس شيء في وجود اإلنسان يليق بالخطاب والفيض
غيره ،وهو عليه الصالة السالم مختص بهذه الرتبة العلية والكرامة السنية من بين سائر
وفي قوله تعالى َ } :على قْل ِب َك { قوالن :األول :أنه إنما قال َ }:على قْل ِب َك { وان كان
إنما أنزله عليه ليؤكد به أن ذلك المنزل محفوظ للرسول متمكن في قلبه ال يجوز عليه
التغيير ،فيوثق باإلنذار الواقع منه الذي بين هللا تعالى أنه هو المقصود ،ولذلك قال }:
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
281
الثاني :أن القلب هو المخاطب في الحقيقة ألنه موضع التمييز واالختبار ،وأما سائر
األعضاء فمسخرة له ،والدليل عليه القرآن والحديث والمعقول ؛ أما القرآن فآيات ،إحداها
نز َل ِب ِه
له َعلى َقْل ِب َك { ،وقال ههنا َ } : :قوله تعالى في سورة البقرة (َ } : )٩٧فِإَن هه َ
نز ه
ِ ِ ِ ِ ِ
ين َعلى قْل ِب َك { ،وقال ِ }:إ َن في ذل َك لذ َ
كرى ل َمن َك َ
ان َل هه َقْلب{ ] ق .[ 3٧: وح األَم ه
الر ه
ُّ
وثانيها :أنه ذكر أن استحقاق الجزاء ليس إال على ما في القلب من المساعي ،فقال }:ال
فؤ َاد
مع َواْلَب َصَر َواْل َ [ ،ومعلوم أن العقل في القلب ،والسمع منفذ إليه ،وقال ِ } :إ َن َ
الس َ
سؤاال عن القلب ، منهما إال ما يؤديانه إلى القلب ،فكان السؤال عنهما في الحقيقة
ِّ
تخف ور { ]غافر ،[ ١٩ :ولم وقال تعالى } :يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ
الص هد ه
تخفي ُّ ه ََ َ ه
األعين إال بما تضمر القلوب عند التحديق بها .ورابعها :قوله تعالى} { َ :و َج َع َل َل هك هم
الحجة منها واستدعاء الشكر عليها ،وقد قلنا :ال طائل في السمع واألبصار إال بما
يؤديان إلى القلب ،ليكون القلب هو القاضي فيه والمتحكم عليه ،وقال تعالى:
282
ِ ِ ِ ِ
فما أَ َغنى َع ه
نهم َبص ًارا َوأَ ْفئ َد ًة َ
معا َوأ َ يما ِإن َم َكَناكم فيه َو َج َعَلنا ه
لهم َس ً } َوَلقد َم َكَن ه
اهم ف َ
تمام ما ألزمهم من حجته ،والمقصود من ذلك هو الفؤاد القاضي فيما يؤدي إليه السمع
والبصر.
قهو َن ِب َها َو ه
لهم لهم هقهلوب ال َي ْف ه
الزما على هذه الثالثة ،وقال تعالى } :ه
[٧فجعل العذاب ً
بينا أن ما قرن بذكره من ذكر السمع والبصر فذلك ألنهما آلتان للقلب في تأدية صور
المحسوسات والمسموعات .وأما الحديث فما روى النعمان بن بشير رضي هللا عنه قال
سمعته عليه الصالة والسالم يقول »:أال وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد
وأما المعقول فوجوه :أحدها :أن القلب إذا غشي عليه فلو قطع سائر األعضاء لم يحصل
الشعور به ،واذا أفاق القلب فإنه يشعر بجميع ما ينزل باألعضاء من اآلفات ،فدل ذلك
على أن سائر األعضاء تبع للقلب ،ولذلك فإن القلب إذا فرح أو حزن فإنه يتغير حال
األعضاء عند ذلك ،وكذا القول في سائر األعراض النفسانية .وثانيها :أن القلب منبع
ِّ
المشاق الباعثة على األفعال الصادرة من سائر األعضاء ،واذا كانت
283
المشاق مبادئ لألفعال ومنبعها هو القلب كان اآلمر المطلق هو القلب .وثالثها :أن معدن
ُّ
العقل هو القلب ،واذا كان كذلك كان اآلمر المطلق هو القلب.
()١
أقول :ما قاله المفسر رحمه هللا تعالى -مستدال باآلية الكريمة – قطعي ،فقد ثبت
ارح خدمه ؛ فعلينا
عند أهل الدين أن االعتبار بالقلب ،ألنه الرئيس في الجسد ،والجو ه
أن نرجع إلى الرئيس حتى نستفيد بواسطته من الجوارح ،وهذا ال يحصل إال بعد تطهير
ِ ِ
القلب ،وهذا التطهير ال يحصل إال بإرادة هللا ج َل وعال ،كما قال تعالى } :أ َهولئ َك اَلذ َ
ين
اآلخَرِة َع َذاب َع ِظيم {
الدَنيا ِخزي وَلهم ِفي ِ
ََ ه
ّللا أَن يطهر َ هقلوبهم َ ِ
لهم في ُّ ْ َََلم هي ِرِد َ ه ه َ ه َ ه َ ه
البد من المجاهدة ،لقوله تعالى } :واَل ِذين جاهدوا ِفينا َل ِ
نهدَيَن ههم ]المائدة ، [ ٤١:ولكن َ
َ َ َ َه َ
ين { ] العنكبوت .[ ٦٩: ّللا لمع ْالم ِ ِ
حسن َ هسهبَلنا َواِ َن َ َ َ َ ه
علينا أن ِ
نطهر قلوبنا من األخالق الذميمة والمعاصي ،ونزينها باإلخالص وقراءة القرآن
ِ
ليها َما
كسَب ْت َو َع َ
لها َما َ نفسا ِإال هو َ
سع َها َ ّللا ً
واألمور الخيرية بقدر اإلمكان } :ال هي َكلف َ ه
تسَب ْت{ ]البقرة .[ ٢8٦ :
ا ْك َ
علينا أن نتف َكر بهذا التطهير حتى ال تحصل الندامة بعد الموت.
الراحمين.
الله َم طهر قلوبنا من كل وصف يبعدنا عن مشاهدتك يا أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي
284
اللفظ الثالث عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أيضا مما يفيد تسلية الرسول صلى هللا عليه وسلم ،ألنه إذا
من الجحود واإلنكار .وهذا ً
عرف رسول هللا إصرارهم على الكفر ،وأنه قد جرى القضاء األزلي بذلك حصل اليأس ،
أقول :هذا بين هللا تعالى وبين حبيبه صلى هللا عليه وسلم ،فقد أخبره بما جرى به القلم
في األزل من أنهم ال يؤمنون ،وأما بالنسبة إلى غيره عليه الصالة والسالم فإنهم ال
الشقاوة فإننا ال نؤمن أو ال نعبد ،ألن هذا بالنسبة إلى اإلنسان مجهول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
285
صالحا من ذكر أو أنثى فإن آن قد بَين أن من عمل ِ
ً ما دام عْل هم هللا األ زلي مجهوال والقر ه
أو فسقه على القضاء األ زلي ولم يعمل بالشريعة والسَنة يخسر عمره ،وذلك بسبب كفره
286
اللفظ الرابع عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ما حكى عنهم ؛ فليس تأخير عقوبتهم لخفاء حالهم عليه سبحانه ،أو فيجازيهم على ذلك .
أو معصية -فهو مما يجازى عليه .وفي اآلية إيذان بأن لهم قبائح غير ما حكى عنهم .
مضمرات الصدور سبب لما يظهر على الجوارح ،والى الرمز إلى فساد صدورهم التي هي
عليه النظم الكريم على أن يقال :وان ربك ليعلم ما يكنون ( المبدأ لسائر أفعالهم أ ِّ
ُوث َر ما
،والسبب أن ما تكنه صدورهم هو الدواعي واُلقصود ،وهي أسباب لما يعلنون ،وهي
أفعال الجوارح ،والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول ،فهذا هو السبب في ذلك التقديم.
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير األلوسي.
287
قرئ} ِ
تك ُّن{ يقال :كننت الشيء و أكننته إذا سترته وأخفيته ،يعني أنه تعالى يعلم ما
()١
ومكايدهم. يخفون وما يعلنون من عداوة الرسول
قال في بحر الحقائق :هذا يدل على أنه ما غاب عن علمه شيء من المغيبات الموجود
منها والمعدوم ،واستوى في علمه وجودها وعدمها على ما هي به بعد إيجادها ،فال تغير
في علمه تعالى عند تغيرها باإليجاد ،فيتغير المعلوم وال يتغير العلم بجميع حاالته على ما
هو به .انتهى .فعلى اإلنسان ترك النسيان والعصيان ،فإن هللا تعالى مطلع عليه وعلى
أفعاله وان اجتهد في اإلخفاء .ثم إنه ينبغي للمؤمن أن يكون سليم الصدر وال يكن في
وحسدا وعداوة ألحد ،وفي الحديث » :إن أول َمن يدخل من هذا الباب رجل
ً حقدا
نفسه ً
من أهل الجنة « فدخل عبد هللا بن سالم رضي هللا عنه ،فقام إليه ناس من أصحاب
رسول هللا فأخبروه بذلك ،وقالوا :لو أخبرتنا بأوثق عملك ترجو به ،فقال :إني ضعيف ،
إخباره عليه السالم عن الغيب ،ولكن بواسطة الوحي وتعليم هللا تعالى ،فإن علم الغيب
بالذات مختص باهلل تعالى .والثاني :أن سالمة الصدر من أسباب َّ
الجنة .وفي
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي .
جلوسا عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال. ( :ليطُل َّ
عن عليكم -2ذكره المنذري في الترغيب والترهيب بلفظ َّ :
كنا
ً
رجل من هذا الباب من أهل الجنة ،فجاء سعد بن مالك فدخل منه)
288
شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم
الحديث » :ال يبلغني أحد من أصحابي عن أحد ً
،وذلك أن المرء ما دام لم يسمع عن أخيه إال مناقبه يكون سليم الصدر ()١
الصدر«
اقعا أو غير واقع يتغير له خاطره.
شيئا من مساوية و ً
في حقه ،فإذا سمع ً
والنصيحة في هذا للعقالء أن ال يصيخوا إلى الواشي والنمام والغياب والعياب ،فإن
كد ِّم ِّه ،وال ينبغي إساءة الظن في حق المؤمن بأدنى سبب ،وقد ورد:
ض المؤمن َ
ِّ
عر َ
()3
» الفتنة نائمة ،لعن هللا من أيقظها(« )2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه .
- 2رواه الرافعي عن أنس رضي هللا عنه ،كما جاء في تنوير األذهان للصابوني ،عن الفتح الكبير .
-3تفسير روح البيان.
289
اإليمان ،ألن الفعل غير اإليمان ،فعدم محبته لفعله المخالف ال يدل على أنه ال يحب
إيمانه.
الراحمين.
وحب عمل يقربنا إلى حبك يا أرحم َ
يحبك َ
وحب من ُّ
الله َم ارزقنا حَبك َ
290
اللفظان الخامس عشر و السادس عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
مخبر عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر أنه أصبح فارًغا ،أي
ًا يقول تعالى
من كل شيء من أمور الدنيا إال من موسى .قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن
()١
وغيرهم. جبير وأبو عبيدة والضحاك والحسن البصري وقتادة
فالفؤاد من القلب كالقلب من الصدر ،يعني :الفؤاد وسط القلب وباطنه الذي يحترق بسبب
المحبة ونحوها .قال بعضهم :الصدر معدن نور اإلسالم ،والقلب معدن نور اإليقان ،
والفؤاد معدن نور البرهان ،والنفس معدن القهر واالمتحان ،والروح معدن الكشف والعيان
وخاليا
ً صفر من العقل
،والسر معدن لطائف البيان َ } ،فارغا { الفراغ خالف الشغل ،أي ًا
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
291
حين سمعت بوقوع موسى في يد فرعون َّ ،
دل عليه الربط اآلتي ،فإنه تعالى قال في وقعة
بدر َ } :ولَِيربِط َعلى هقلو ِبكم { ] األنفال [ ١١:إشارة إلى نحو قوله } :هه َو اَل ِذي أَْن َز َل
تبدي ِب ِه{ لتظهر بموسى وأنه ابنها وتفشي سرها وأنها ألقته في النيل .
وفرط االضطراب } هل ِ
قال في عرائس البيان :وقع على أم موسى ما وقع على آسية من أنها رأت أنوار الحق من
وذلك الشوق من شوق لقاء هللا تعالى ،فغلب عليها شوقه ،وكادت تبدي ِّسرها } لوال أَن
إليها وجعله من المرسلين .والربط :الشد ،وهو العقد القوي } ،لِ َتكو َن ِمن ْا ِ
لم ْؤ ِمن َ
ين { َ ه
أي :من المصدقين بما وعدها هللا بقوله } ِإَنا رُّادوه ِإ ِ
ليك { ] القصص ، [ ٧ :ولم يقل من َ ه
وعد هللا ج َل وعال السابق بأن يرَد ابنها إليها هو فرط محبتها
أقول :سبب نسيانها َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان
292
شيئا فال يمكن لجميع الخلق أن يمنعوه ،فعلينا أن نكتفي بعلم ربنا ونفرح
واذا أراد هللا ً
به ونحمده ونشكره على خلقه لنا ،مع ضعفنا وعجزنا وتقصيرنا.
الراحمين.
الله َم اجعلنا كذلك يا أرحم َ
293
اللفظ السابع عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
االعتقادات الباطلة ومن عداوتهم لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ونحو ذلك َ } ،و َما
هيعلِنو َن { وما يظهرونه من األفعال الشنيعة والطعن فيه عليه الصالة والسالم وغير ذلك ،
ولعله للمبالغة في خباثة باطنهم -ألن ما فيه مبدأ لما يكون في الظاهر من القبائح -لم
()١
يقل :ما ُي ِّكُّنون كما قال :ما يعلنون.
أقول :ما دام خالقنا ج َل وعال يخبرنا أن علمه نافذ في باطننا مع ظاهرنا فال بد أن
هللا ج َل جالله من أفعالنا الظاهرة ،ألننا نرى فينا وفي غيرنا أن الظاهر مخالف للباطن .
عرف ذلك؟ نقول :اإلناء ينضح بما فيه ويرشح منه مما فيه ؛ فكما أن
فإن قلتم :كيف هي َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير األلوسي.
294
كذلك إذا تكلم اإلنسان بما يخالف باطنه تفوح منه ريح المخالفة ،لذلك قال رسول هللا
()١
صلى هللا عليه وسلم » :اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور هللا«.
ظاهر بما يخالف الباطن ،واذا كنا ال نعلم الباطن -وكلنا ال نعلم -
ًا فعلينا أن ال نتكَلم
ِ
نكتف بعلمه تعالى ولم فعلينا أن نكتفي بعلم هللا الذي ال تخفى عليه خافية ،واذا لم
نستحي منه فإننا في اآلجلة هَنسأل عن هذا هونع َذب عليه ،فعلينا أن نتدارك األمر هنا
ِ
قبل أن نذهب.
قال
نرجو هللا تعالى أن ينفعنا والمسلمين بالصدق الذي يرضى ربنا به ،لقوله تعالىَ } :
بالصدق ،ونحن نرضى عنه بلطفه وكرمه ورحمته وبأن يعاملنا بالفضل ال بالعدل.
العلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه الطبراني والترمذي من حديث أبي أُمامة رضي هللا عنه.
295
فإن قلتم :كلنا صادقون مع هللا تعالى ،نقول :أفعالنا -من معاملتنا وأمور معيشتنا -
تدل على عدم صدقنا ،وعلى األقل عدم تستر أهلنا وبناتنا يدل على ذلك.
الله َم اجعلنا من الصادقين واحشرنا مع الصادقين ،وحسبنا هللا ونعم الوكيل ،وال
296
اللفظ الثامن عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
اب َ ِ
ّللا كع َذ ِ اّلل فِإذا أهوِذي ِفي َ ِ
ّللا َج َع َل ِف ْتنة الَن ِ اس من يقول ءامَنا ِب َ ِ ( َو ِم َن الَن ِ
اس َ َ َ َ ه َ َ
لم ِب َما ِفي هص هد ِ ِ ِ
ور ّللا ِبأ َ
َع َ ليس َ هلن ِإَنا كَنا َم َعكم أ ََو َبك َلَيهق هو َ
اء َنصر من َر َ
َو لئن َج َ
ين) ) ](١٠العنكبوت [١٠: ْا ِ
لعاَلم ََ
ور ْا ِ ِ
ين { أي بأعلم منهم بما في َعلم ِب َما في هص هد ِ َ
لعاَلم َ ليس َ ِ
ّللا بأ َ
قوله تعالى } :أ ََو َ ه
صدورهم ،من اإلخالص والنفاق ،حتى يفعلوا ما يفعلون من االرتداد واإلخفاء وادعاء
()١
كونهم منهم لنيل الغنيمة.
فقد بين هللا تعالى أنهم أرادوا التلبيس ،وال يصح ذلك لهم ،ألن التلبيس إنما يكون عندما
يخالف القول القلب ،فالسامع يبني األمر على قوله وال يدري ما في قلبه ،فيلتبس األمر
عليه ؛ وأما هللا تعالى فهو عليم بذات الصدور ،وهو أعلم بما في صدر اإلنسان من
اإلنسان ،فال يلتبس عليه األمر .وهذا إشارة إلى أن االعتبار بما في القلب ،فالمنافق
ويضمر
المكره الذي ُيظهر الكفر ُ
َ ويضمر الكفر كافر ،والمؤمن
الذي ُيظهر اإليمان ُ
()2
اإليمان مؤمن .وهللا أعلم بما في صدور العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
-2تفسير الرازي.
297
ويبطن خالَفه فإن ذلك ال يلتبس على هللا تعالى الذي يعلم
أقول :من هيظهر الصدق ه
الظاهر والباطن ،بل يلتبس على من يسمع منه ،وهذا القول منه يضر إيمانه ،كما
يضر اعتقاد السامع في هذا الموضوع ،ألنه يعتمد على ظاهر المتكلم وال يعلم ما في
ضميره .الخروج من هذه األخالق الذميمة ال يكون إال بالمجاهدة ،والمجاهدة ال تكون
إال بالتمسك بقول من تمسك بمن قبله إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ودخل في
الحلقة التي رئيسها الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم ،والصادقون جاؤوا بعد ذلك
من كل مكان ،ويبقون إلى آخر الدنيا؛ فال يقال :ال يوجد أحد منهم في هذا الزمان ،بل
الحلقة موجودة والباب مفتوح ،لكن الذي يريد أن يدخل فيها عليه أن يطهر باطنه من
.[٧٠
باب التوبة مفتوح كما أن باب الحلقة مفتوح ؛ باب التوبة مفتوح بنص قول هللا تعالى:
وبة َعن ِعَب ِاد ِه{ ]الشورى ، [٢٥ :وباب الحلقة النورانية مفتوح ِ
} َو هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ
ِ السا ِبقو َن األ ََولو َن ِم َن اْلم َه ِ
حسان
وهم بإ َ ين َواألَ ْن َص ِار َواَلذ َ
ين ا َتَب هع ه ِِ اج ِر َ ه بقول هللا كذلك َ } :و َ
298
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ال
()١
يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر هللا وهم كذلك«.
ويلحقنا بهم.
تعالى أن يحشرنا معهم ه
299
اللفظ التاسع عشر بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
قوله تعالى َ }:ب ْل هه َو { أي القرآن } َء َايات َبَينات{ واضحات ثابتات راسخات } ِفي
ين أ ههوتوا اْل ِعْل َم { من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه ،بحيث ال يقدر أحد صد ِ ِ
ور اَلذ َ هه
شيئا سوى األنبياء .وما نقل عن ال يقرؤون كتبهم إال ًا
نظر ،فإذا أطبقوها لم يعرفوا منها ً
حسدتكم اليهود والنصارى على شيء كحفظ القرآن .قال أبو أمامة :
وفي بعض اآلثار :ما َ
قلبا وعى القرآن .وقال عليه الصالة والسالم » :القلب الذي ليس
إن هللا ال يعذب بالنار ً
أي :من اإلبل المعقلة إذا أطلقها ()2 نفس محمد بيده لهو أشد ُّ
تفلتًا من اإلبل من ُعقلها«
ـــــــــــــــــــــ
-١أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس رضي هللا عنهما بلفظ (:إن الذي ليس في جوفه شيء من .القرآن كالبيت
الخرب)
- 2أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه
300
وتجديد األمر به ،والمراد هنا األمر بالمواظبة على تالوته والمداومة على تك ارره ،فمن
سنة القارئ أن يق أر القرآن كل يوم وليلة كيال ينساه ،وعن النبي عليه الصالة والسالم :
ذنبا أكبر من آية أو سورة أُوتيها الرجل ثم نسيها
()١
» ُعرضت علي ذنوب أمتي فلم َأر ً
«
والنسيان أن ال يمكنه القراءة من المصحف ،كذا في القنية .وكان ابن عيينة يذهب إلى
ترك العمل به .والنسيان في أن النسيان الذي يستحق صاحبه اللوم ويضاف إليه اإلثم ُ
اذكهروا ِب ِه { ]األعراف [ ١٦5 :أي :
لسان العرب التَّرك .قال تعالى } َ :فل َما نسوا م ِ
ه َ ُ
ّللا { ] التوبة ، [ ٦٧ :أي :تركوا طاعته َ } ،ف ِ
نسَي ههم { نسوا َ َ
تركوا .وقال تعالى } :ه
أي :فترك رحمتهم .قال شارح الجزرية :وقراءة القرآن من المصحف أفضل من قراءة
القرآن من حفظه ؛ هذا هو المشهور عن السلف ،ولكن ليس هذا على إطالقه ،بل إن
كان القارئ ِّمن ِّحفظه يحصل له التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل له
من المصحف فالق ارءة من الحفظ أفضل ،وان تساويا فمن المصحف أفضل ،ألن النظر
في المصحف عبادة.
واستماعُ القرآن من الغير في بعض األحيان من السنن.
قال في كشف األسرار :قلوب الخواص من العلماء باهلل خزائن الغيب ،فيها براهين حقه
وبينات سره ودالئل توحيده وشواهد ربوبيته ،فقانون الحقائق قلوبهم ،وكل شيء ُيطلب
()2
من موطنه ومحله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس رضي هللا عنه .
-٢تفسير روح البيان
301
أقول :هللا يعلم ما في السرائر ،فال بد لنا كلنا أن نكون صادقين .عدم الصدق في
المعاملة الدنيوية ولو لم يكن مقبوال عند هللا ج َل وعال لكنهم يقولون :يدبر شغله ،أما
302
اللفظ العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
قوله تعالى } :و ِلئن ِجْئتهم ِبآية َليقوَل َن اَل ِذين َكفروا ِإن أهَنتم ِإالَ م ِ
بطلو َن { أي :إذا ه َ هْ ه َ َ َ
ّللا ِ
جئتهم بآية من آيات القرآن ،قالوا :جئتنا بزور وباطل ،ثم قال } :كذل َك َي ْطَب هع َ ه
على هق ِ ِ
لوب اَلذ َ
ين ال َيعَل همو َن{ أي :مثل ذلك الطبع يطبع هللا على قلوب الجهلة. َ
ومعنى طبع هللا :منع األلطاف التي ينشرح لها الصدور حتى تقبل الحق ،وانما يمنعها
َمن َعلِّ َم أنها ال تجدي عليه وال تغني عنه ،كما يمنع الواعظ الموعظة عمن يتبين له أن
الموعظة تلغو وال تنجع فيه ؛ فوقع ذلك كناية عن قسوة قلوبهم وركوب الصدأ والرين إياها
المحقين ِّ
مبطلين ،وهم أعرف ِّ ،فكأنه قال :كذلك تقسو وتصدأ قلوب الجهلة ،حتى ُي َسموا
()١
خلق هللا في تلك الصفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير َّ
الكشاف.
303
تجر ذيلها على المؤمنين إذا
أقول :إن هذه اآليات وان كانت في حق الكافرين لكنها ُّ
كانت فيهم هذه الصفات ،فال يمكن لمؤمن أن هيخرج نفسه من تحت هذه التهديدات
اإللهية.
ال بد للمؤمن أن يصبر على مخالفة النفس ،وأن ال يتفكر أنه ال يمكنه أن يخالفها
طول العمر ،فهذا التفكير يدل على أن إيمانه بيوم القيامة وبالحساب وبالحشر
ضعيف .مهما طال عمر اإلنسان في الدنيا فإنه في النهاية يموت ،ويجد في اآلخرة
واذا لم يصبر على مخالفة النفس فإن هذا العمر له انتهاء ،فكيف يصبر في اآلخرة
على عذاب هللا تعالى الدائم أو المؤقت بقدر ذنبه ؟ وكيف يصبر على االستحياء
بحضور خالقه وبحضور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وحزنه على مخالفته ؟ أليس
غرَنكم ِب َ ِ
اّلل اْل َغهرور { الد َنيا َوال َي َ غرَن ه
كم اْل َحَياهة ُّ ذلك أشد من مخالفة النفس األمارة } :فال َت َ
304
اللفظ الحادي و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا علِيم ِب َذ ِ
الص هد ِ
ور { أي :ال يخفى عليه سرهم وعالنيتهم ، ات ُّ قوله تعالى ِ } :إ َن َ َ َ
()١
فينبئهم بما أضمرته صدورهم .وذات الصدور هي المهلك.
أقول :لكل إنسان ظاهر وهو جوارحه ،وباطن وهو قلبه ،فعلينا – معشر المؤمنين -
قلوبنا حتى يصح إيماننا وصالتنا واجتنابنا للمعاصي ويثبت في قلوبنا أن هللا جل جالله
س ِب ِه تو ِ
سو ه لم َما َ
نع ه
ان َو َ مطلع على قلوبنا ،كما قال ج َل وعال َ } :وَلقد َخ َلقنا ِ
اإل ْن َس َ
َن ْف هس هه { ] ق ، [ ١٦ :فهو سبحانه يعلم ما في الصدور ،ألنه يعلم السر وأخفى .
والسر مثل قرص الكومبيوتر) . (CDإذا وضعت فيه أي علم عندما تشغله يظهر فيه ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي.
305
الس ِبيل ِإ َما ِ
شاكًار ناه َ َ فسبيل السعادة والشقاوة في الدنيا ،كما قال تعالى ِ } :إَنا َه َدَي ه
ما دمنا نعيش في الدنيا ولم نذهب إلى اآلخرة ،فعلينا أن نتمسك بشرع هللا تعالى وسنة
الرسول صلى هللا عليه وسلم ونترك األخالق الذميمة والمعاصي ،ونكثر من ذكر ( ال
إله إال هللا ) ،ومن الصالة على رسول هللا عليه الصالة والسالم ،مع اإلخالص في
الراحمين.
الله َم اجعلنا من سعداء الدنيا واآلخرة يا أرحم َ
306
اللفظ الثاني و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
وح ِه { أي :ثم سوى اإلنسان الذي بدأ خلقه من قوله تعالى } :ث َم س َواه وَنفخ ِف ِ
يه ِمن ر ِ
ه َ هَ
َبص َار { لتبصروا اآليـات التكوينيـة المشـاهدة فيهمـا } َواألَ ْف ِئ َـدة { َلتعقلـوا وتسـتدلوا بهـا
َواأل َ
على أن القلة بمعنى النفي والعدم ،فهو بيان لكفرهم بتلك النعم وربها .وفيه إشـارة إلـى أن
قليال من اإلنسان يعرف نفسه بالمرآتية ليعرف ربه بالمحسنية المتجلي فيها ،وقد خلقه هللا
]الذاريات ، [ 5٦:أي ليعرفون .وانمـا يصـل اإلنسـان إلـى مرتبـة المعرفـة الحقيقيـة بداللـة
ووراثه. الرسول
()2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الطبري .
- 2تفسير روح البيان.
307
الترتيب في السمع واألبصار واألفئدة على مقتضى الحكمة ،وذلك ألن اإلنسان يسمع
. ويجربها ،ثم يحصل له بسبب ذلك إدراك تام وذهن كامل ،فيستخرج األشياء من ِّقَبلِّ ِّه
ومثاله شخص يسمع من أستاذ شي ًئا ثم يصير له أهلية مطالعة الكتب وفهم معانيها ،ثم
وح ِه { أضاف هللا ج َل وعال الروح إليه أقول :في قوله تعالى } :وَنفخ ِف ِ
يه ِمن ر ِ
ه َ
وتكريما لإلنسان ،وهي إضافة هملك إلى مالك ومخلوق إلى خالق ،فال بد
ً تشري ًفا
تكرم هللا به عليه بهذا التشريف والتكريم ،كما قال تعالى َ } :وَلقد
لإلنسان أن يعرف ما َ
كرَمنا َبِني َء َاد َم { ] اإلسراء ، [ ٧٠:ولكن شرط تكريم اإلنسان إتباع الرسول األعظم
َ
ومحبوبا عند خالقه ج َل
ً ومشرًفا
َ صلى هللا عليه وسلم ،فباإلتباع يكون اإلنسان هم َ
كرًما
ِ ِ ِ ِ وعال ،ومن رحمته بعباده قال ج َل وعال ِ ْ } :
قل إن ْكهنتم تحُّبو َن َ َ
ّللا فا َتب هعوني هيحب ه
بكم
ّللا { ]آل عمران ، [ ٣١:فقد رَتب محبته األبدية الباقية على اتباع عباده لرسوله َه
صلى هللا عليه وسلم .هذا التوجيه من رحمته وكرمه سبحانه وتعالى على عباده ،واال
محتاجا ألن نتبع رسوله عليه الصالة والسالم
ً فإنه عز وجل غني عن العالمين ،وليس
حتى يحبنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي
308
لو تفكرت في هذه الفائدة العظيمة الجسيمة فإنك -إذا لم تؤثر الذنوب على عقلك ولم
يخرب وجدانك -تحاول بقدر ما تستطيع أن ال تترك إتباع رسولك صلى هللا عليه وسلم
َهنا سبحانه
سيدنا مح َمد المصطفى عليه الصالة والسالم بشر ،ونحن كذلك بشر ،فوج َ
خارجا عن
ً وتعالى إلى إتباع البشر ،ألن ذلك ليس فيه مشقة وال تعب ،وليس
االستطاعة ،وثمرته المحبوبية من هللا تعالى ،ومرتبة المحبوبين فوق مرتبة المحبين.
309
اللفظ الثالث و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ظ ِ
اههرو َن ِمْن هه َن اج هك هم الالَ ِئي ت َ ِ ّللا لِرجل ِمن قْلب ِ ِ
ين في َجوِفه َو َما َج َع َل أ َ
َزو َ َ ( َما َج َع َل َ ه َ ه
ق وهو ي ِ َدعياءكم أَبناءكم ذلِكم َقولكم ِبأ ِ ِ ِ
هدي قول اْل َح َ َ ه َ َ
ّللا َي ه
َفواهكم َو َ ه َ ه أه َم َهاتكم َو َما َج َع َل أ َ َ َ َ
بيل ( )] ( ٤األحزاب [٤: الس ََ
ألن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس اإلنساني أوالً ،ومنبع القوى بأسرها ،
قال بعضهم :هذا رد على ما كانت العرب تزعم من أن للعاقل المجرب لألمور قلبين .
ولذلك قيل ألبي معمر :ذي القلبين ،وكان من أحفظ العرب وأدراهم وأهدى الناس إلى
يقول :في صدري قلبان أعقل بهما أفضل مما يعقل محمد بقلبه ،وكان الناس يظنون أنه
صادق في دعواه ،فلما هزم هللا المشركين يوم بدر انهزم فيهم وهو يعدو في الرمضاء ،
واحدى نعليه في يده واألخرى في رجله ،فلقيه أبو سفيان وهو يقول :أين نعلي أين نعلي؟
وال يعقل أنها في يده ،فقال له :إحدى نعليك في يدك واألخرى في رجلك ،فعلموا يومئذ
ـــــــــــــــــــــ
-١تفسير البيضاوي.
310
اآلية إشارة إلى أن القلب خلق للمحبة فقط ،فالقلب واحد والمحبة واحدة ،فال تصلح إال
أقول :لفظ القلب هيطلق لمعنيين :المعنى األول :القلب الصنوبري ،وهو ليس محل
المعرفة والعلوم ،ويوجد في الحيوان كذلك .أما المعنى الثاني للقلب فهو لطيفة ربانَية
روحانية لها عالقة بالقلب الجسماني ،وتلك اللطيفة هي حقيقة اإلنسان ،وهذا القلب
هو المخاطب والمعاَقب والمعاَتب والمطاَلب .وقد تحَيرت عقول أكثر الخلق في إدراك
واألوصاف بالموصوفات ،كما ذكر ذلك اإلمام الغزالي في اإلحياء في كتاب شرح عجائب
الراحمين.
الله َم اصرف عن قلوبنا كل ما يشغلها عنك يا أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان
311
اللفظ الرابع و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الدين َو َم َوالِيكم اء ههم َفِإ ْخ َواهنكم ِفي ( ادعوهم آلب ِائ ِهم هو أَ ْقسط ِعْند َ ِ
ِ لموا َء َاب َ ّللا فِإن لم َ
تع ه َ هَ َ ه ه َ
ِ ِ ِ
حيما ( )٥ فور َر ً
ّللا هغ ًا
ان َ هلوبكم َوَك َ يما أَخطأْتم ِبه َولكن َما َ
تع َم َد ْت هق ه ليس َعليكم هجَناح ف َ َو َ
( ]األحزاب ]٥:
اء ههم َفِإ ْخ َواهنكم ِفي قوله تعالى } :ادعوهم آلب ِائ ِهم هو أَ ْقسط ِعْند َ ِ
لموا َء َاب َ ّللا فِإن لم َ
تع ه َ هَ َ ه ه َ
الدين َو َم َوالِيكم { أي :ردوا نسب هؤالء الذين جعلتموهم لكم أبناء إلى آبائهم األصالء ،
ِ
فهذا هو العدل والقسط والصدق في النسب ،فإن لم تعرفوا آباءهم الحقيقيين فهم إخوانكم
في اإلسالم وأولياؤكم في الدين ،فليقل أحدكم :يا أخي ،و يا موالي ،يقصد بذلك أخوة
ِ ِ ِ
ّللا
ان َ ه
لوبكم َوَك َ يما أَخطأْتم ِبه َولكن َما َ
تع َم َد ْت هق ه ليس َعليكم هجَناح ف َ
الدين وواليته َ } ،و َ
حيما { أي :ليس عليكم إثم وال ذنب فيمن نسبتموهم إلى غير آبائهم مخطئين ،
فور َر ً
هغ ًا
بالسهو أو النسيان أو بطريق الشفقة والحنان ،كقول القائل :يا ابني أو يا بني أو يا أبي
بطريق االحترام والتعظيم ،ولكن اإلثم فيما تعمدته قلوبكم بعد النهي ،وكان هللا واسع
المغفرة عظيم الرحمة بالعباد .روى البخاري عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما أنه
312
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ما َّ
كنا ندعوه إال" ز َيد بن محمد " ،حتى نزل القرآن:
} ادعوهم آلب ِائ ِهم هو أَ ْقسط ِعْند َ ِ
ّللا { ،فصرنا نقول بعد ذلك :زيد بن حارثة))١( . َ هَ َ ه ه َ
أقول :الوقوع في المنهي عنه ال يؤاخذ العبد عليه مادام لم يثبت به العزم وال
الهم ولم يعقد عليه قلبه ،بل وقع فيه بالخطأ أو بعدم العلم بأنه منهي عنه ،فإذا
ُّ
ِ
سع َها{ ] البقرة ، [٢8٦ :واذا انتبه إلى نفسا ِإالَ هو َ
ّللا ََ ً
لم يعقد عليه قلبه } ال هي َكلف َ ه
ّللا ِب هك هم ْا هلي َ
سر َوال الخطأ عليه أن يستغفر ويرجع إلى هللا تعالى ج َل جالله } هي ِر هيد َ ه
لعسر { ] البقرة .[ ١8٥: هي ِر هيد ِب هك هم ْا ه
اللجوء والتضرع إلى الخالق ج َل وعال بعد العلم ه وعالمة الخطأ وعدمِ العلم بالمنهي عنه
ِ
الراحمين بعباده .نرجو هللا تعالى أن يعفو عَنا َ } :و هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ
وبة ،وهو أرحم َ
ات { ] الشورى ، [ ٢٥:فإذا وقع العبد في المنهي عنه َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ
الس َيئ ِ
خطأ بدون عمد وال قصد هيرفع عنه إن شاء هللا تعالى ،ألن هللا ج َل وعال قال َ } :و
يما أَخطأْتم ِب ِه { فقد قيد عدم المؤاخذة بالخطأ ،لكن إذا وقع ِ
ليس َعليكم هجَناح ف َ
َ
لوبكم ِ
تع َم َد ْت هق ه
عمدا فال شك أنه مؤاخذ ،لقوله تعالىَ } :ولكن َما َ
اإلنسان بالمنهي عنه ً
فور
ّللا هغ ًا
ان َ ه
{ ،والعفو عند هللا .وفي نهاية اآلية الكريمة يقول هللا ج َل وعال َ } :وَك َ
نسيانا يما { هذا يدل على عدم مؤاخذة العبد بالوقوع في المنهي عنه إذا وقع خطأً أو ِ
ً َرح ً
ثم رجع وتاب إلى هللا تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
313
إصر كما حملته على الذين
رَبنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ،رَبنا وال تحمل علينا ً ا
من قبلنا ،رَبنا وال تحملنا ما ال طاقة لنا به ،واعف عَنا واغفر لنا وارحمنا ،أنت موالنا
314
اللفظ الخامس و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
لوب اْل َح ِ
ناجَر ِ ِ ( ِإذ جاءوكم ِمن فوِقكم و ِمن أَس ِ
َبص هار َوَبلغت اْلهق ه
فل منكم َواِ ْذ َزاغت األ َ
َ َ َ َ ه
نونا ( ) ] ( ١٠األحزاب ]١٠: تظنو َن َ ُّ َو ُّ
باّلل الظ َ
بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ،وهو مشاهد في مرض الخفقان من غلبة السوداء .قال
قتادة :شخصت عن أماكنها ،فلوال أنه ضاق الحلقوم بها عن أن تخرج لخرجت .وقال
بعضهم :كادت تبلغ ،فإن القلب إذا بلغ الحنجرة مات اإلنسان .فعلى هذا يكون الكالم
تمثيال الضطراب القلوب من شدة الخوف وان لم تبلغ الحناجر حقيقة .واعلم أنهم وقعوا في
الخوف من وجهين ،األول :خافوا على أنفسهم من األحزاب ،ألن األحزاب كانوا
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
- 2تفسير البيضاوي.
315
والجوع ،كما قال بعض الصحابة :لبثنا ثالثة أيام ال نذوق زًادا ،وربط عليه الصالة
والسالم الحجر على بطنه من الجوع ،وهو ال ينافي قوله » :إني لست مثلكم إني
،فإنه قد يحصل االبتالء في بعض األحيان ()١
أبيت عند ربي يطعمني ربي ويسقين«
للثواب. تعظيما
()2
ً
أقول :الذي يحصل له الخوف على أوالده أو على نفسه عليه أن يتوكل على هللا ج َل
وعال الذي خلقه من العدم وأوجده إلى الوجود ،وهو أرحم به من نفسه ،لكن الشدة
وتلك الحالة التي ذكرها المفسرون -رحمهم هللا تعالى -تحصل بالطبيعة البشرية ،
لكن في هذا الزمان ليس هناك مثل تلك الشدة وال تلك الحروب.
علينا أن ال ننزل من االعتقاد الصحيح إلى مستوى النفس األ َمارة والشيطان حتى يضيق
صدرنا ،فنكون بذلك من الذين يظنون باهلل ظن السوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه البخاري ومسلم بلفظ :قالوا نراك تواصل يا رسول هللا ،قال « :لست كأحدكم أَِّبيت عند ربي يطعمني ويسقين»
- 2تفسير روح البيان.
316
علينا أن نستحيي من أن هذه الشدائد كلها وقعت بالصحابة الكرام رضي هللا تعالى عنهم
وبرسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى يقول الكفار" :ال إله إال هللا مح َمد رسول هللا "أو
يعطوا الجزية ونحن نتساهل في أمور الدين ،فنأكل ونشرب وال نتف َكر في ذلك الضيق
وب هعدنا عن
الذي وقع بهم ،كأننا لسنا منهم -نعوذ باهلل – أَخذنا بالطبيعة البشرية َ
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعن مقتضى اإلسالم بسهولة ،نقول :أهل أورَبا هكذا
سن مع االختالط ،وال نتفكر بأن هذه الحياة يقولون وهكذا يعيشون ،ونساؤهم هكذا ه
يدر َ
لها نهاية ،وأننا سنموت كما تموت الدنيا ،كيف نجيب هللا تعالى إذا سألنا عن إتباع
الرسول صلى هللا عليه وسلم واتباع الصحابة رضي هللا عنهم؟ علينا أن نرجع إلى كتابنا
والى رسولنا ،فهذا ديننا.
نحن من أ َمة سيد المرسلين عليه الصالة والسالم ،فال بد أن نكون ممن قال هللا
نهو َن َع ِن اْل همْن َك ِر َو ْتؤ ِمنو َن اس َتأْمرو َن ِباْلم ِ ِ
عروف َوْت َ
َ ه هخ ِر َج ْت للَن ِ ه ه
خير أه َمة أ ْ
فيهم ْ }:كهنتم َ
اّلل { ] آل عمران ، [١١٠ :هذه الخيرَية لها شرطان :األمر بالمعروف والنهي عن ِب َ ِ
المنكر مع اإليمان .ال نشك في إيمان أحد ،ولكنكم تعيشون في الدنيا بين الناس
فالحكم لكم ،أنتم تحكمون
وتقرؤون سيرة الرسول صلى هللا عليه وسلم والصحابة الكرام ه
على أنفسكم.
نرجو هللا تعالى أن ينفعنا بكتابنا وبسنة رسولنا عليه الصالة والسالم ،وأن ال
يخرجنا من الدنيا إال مع اإليمان.
317
اللفظ السادس و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
نافقو َن واَل ِذ ِ
( واِذ يقول اْلم ِ
ورا) ّللا َوَر هسوهل هه ِإالَ ه
غر ً ين في هقلوبِ ِهم َمَرض َما َو َع َدنا َ ه
َ َ ه َ َ
( ] (١٢األحزاب [١٢:
ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { ضعف اعتقاد .فإن قلت :ما الفرق بين ِ
قوله تعالى َ } :واَلذ َ
المقحمة .قال الراغب :المرض :الخروج عن االعتدال الخاص باإلنسان ،وهو ضربان :
ونحوهما من الرذائل بالمرض إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل ،كالمرض المانع عن
التصرف الكامل ،واما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة األخروية المذكورة في قوله }:
الدار ِ
اآلخَرة ل ِه َي اْل َحَي َو ه
ان { ]العنكبوت ، [٦4 :واما لميل النفس بها إلى االعتقادات َواِ َن َ َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
318
أقول :مَيز هللا تعالى في هذه اآلية الكريمة بين المنافقين وبين الذين في قلوبهم مرض
ألن المنافقين خارجون من الدين باعتقادهم ،أما المرض الذي هو األخالق الذميمة في
يتبعه ويستقيم عليه ،أما إذا كان العمل يضر دنياه أو جسده فإنه ينحرف عن تلك
االستقامة ؛ وذلك من ضعف اعتقاده وضعف إيمانه .أما المؤمن القوي فإنه يخالف هذه
الطبيعة المذمومة ويبقى على اعتقاده وايمانه الصحيح ،سواء أضر بدنياه أو بجسمه
مريضا فقط ،بل ال هي ِقُّر باإليمان بالحشر بعد الموت وغير ذلك من األمور
ً فهو ليس
الغيبية ،فهو كافر ،لكنه يحفظ عَنقه من السيف وأمواَله من السلب بإظهاره لإليمان.
الفساق من المؤمنين
قد يعَبر عن قلوب الكفار والمنافقين بأن فيها مرض وعن قلوب َ
بأن فيها مرض ،ولكن هذا المرض ليس مثل ذلك المرض ؛ المرض الذي في قلب
َ
المنافق والكافر هيخرجه عن اإليمان ،أما المرض الذي في قلب الفاسق من المؤمنين
319
اللفظ السابع و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
يهود بني قريظة الذين أعانوا المشركين ونقضوا عهدهم مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
()١
. وانقلبوا على رسول هللا وأصحابه أنزلهم من حصونهم وقالعهم
()2
. المخالفة
أقول :هيفهم من هذه اآلية الكريمة أن نقض العهد مع هللا ومع رسول هللا صلى هللا عليه
انهاكم
ذوه َو َم َ
ول َف هخ ه
الر هس ه
اك هم َ
وسلم ال يليق بالمؤمنين ،ألن هللا ج َل وعال قال َ }:و َما َء َات ه
تهوا{ ] الحشر ، [ ٧:هذا هو إتباع الرسول عليه الصالة والسالم ؛ فيجب على
َعْن هه ف ْاَن ه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2تفسير روح البيان
320
َموال ِ قل ِإن َك َ
اجكم َو َعش َيرتكم َوأ َ
َزو ه
خواهنكم َوأ َ
َبن هاؤكم َوِا َ
ان َء َاب هاؤكم َوأ َ ولذا قال تعالىْ } :
العهد معه وأن نتبع رسوله عليه الصالة والسالم يجعل من غير الالئق بالمؤمن أن
المصر على الذنب ،وعلماؤنا يقولون :توبة المصر على الذنب ليست مقبولة ،بل
321
اللفظ الثامن و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
من جماعات النساء في الفضل والشرف بسبب صحبة النبي عليه الصالة والسالم ،فإن
تن { مخالفة حكم هللا ورضا رسوله ،وهو المضاف إلى الشريف شريف ِ } ،إ ِن ا َت ه
قي َ ()١
ِّ
طا لِّخيريتهن ً
وبيانا أن استئناف ،والكالم تام على أحد من النساء ،ويحتمل أن يكون شر ً
عن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى ال باتصالهن بالنبي عليه الصالة والسالم } ،فال ْ
تخ َض َ
ــــــــــــــــــــــ
-١وعلى هذا فالمؤمنون والمؤمنات ُّ
كلهم شرفاء ألنهم منسوبون إلى اإليمان ،ألن هللا يرضى لعباده اإليمان وال يرضى
الكفر والفسوق والعصيان.
ما دمنا نحن وأزواجنا وبناتنا منسوبون إلى اإليمان باهلل ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فعلينا أن نحفظ هذا الشرف ،وأن
ال نقع في الريبة كما شاع في زماننا هذا من اختالط النساء بالرجال.
الحسن والعقل لتستعمل هذا العقل في آخرتها ،فإذا خالفت أمر هللا واتباع رسول هللا
هللا تعالى أنعم على البنت بالجمال و ُ
عذابا ونقمة في
صلى هللا عليه وسلم فإنها إذا ماتت -وهي بالضرورة تموت -عندئذ تنقلب تلك النعمة الجسيمة عليها ً
القبر .هذا ليس شأن المؤمن .الذي َّ
يتفكر في إيمانه وفي اعتقاده الصحيح ال يعمل هكذا.هذه اآلية الكريمة وان كانت في
حق نساء النبي صلى هللا عليه وسلم لكن هذا الحكم عام ،لذلك نحن مسئولون عن هذه المخالفات.
جميعا
ً وهللا ولي التوفيق .نسأل هللا تعالى السالمة لنا وللمؤمنين والمؤمنات
322
مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت األجانب لقطع األطماع ،فإذا أتى الرجل باب
إنسان وهو غائب فال يجوز للمرأة أن تلين بالقول معه وترقق الكالم له ،فإنه يهيج الشهوة
في ْط َم َع اَل ِذي ِفي قْل ِب ِه َمَرض { أي :محبة فجور َ }،وقْل َن
ويورث الطمع ،كما قال َ } :
َّ
المخنث ،فالزنا من أسباب الهالك المعنوي ،كالمرض من أسباب الهالك الصوري ،
اللهم احفظ المسلمين ونساءهم من الفتن ،ما ظهر منها وما بطن.
ـــــــــــــــــــ
323
اللفظ التاسع و العشرون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ليك
ناح َع َ
َع َزْلت فال هج َ اء َو َم ِن َابتغيت ِم َمن ليك َمن َت َش ه
رجي من َت َش ِ
اء مْن هه َن َو ْتؤوِي ِإ َ
ه َ
( هت ِ
ّللا َيعَل هم َما ِفي
َو َ ه
ته َن ُّ
كل هه َن ين ِب َما َءاَ َتي ه
رض َحز َن َوَي َ
نه َن َو ال َي َ
َعي هقر أ هذلِ َك أ ََدنى أَن َت َ
ليما ( ) ] (٥١األحزاب ]٥١:
ليما َح ً
ّللا َع ً
كان َ ه
هقلوبكم َو َ
ّللا َيعَل هم َما ِفي هقلو ِب هكم {خطاب له صلى هللا عليه وسلم وألزواجه
قوله تعالى َ } :و َ ه
المطهرات ،على سبيل التغليب .والمراد بما في القلوب عام ،ويدخل فيه ما يكون في
وسلم.
()١
ِ
ّللا ّللا َيعَل هم َما في هقلو ِبكم { من الضمائر والخواطر ،فاجتهدوا في إحسانهاَ } ،وَك َ
ان َ ه } َو َ ه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير األلوسي .
- 2علينا أن ال نكون على هذا الوصف حتى ال نكون من فساق المؤمنين -كما قال المفسرون رحمهم هللا
النغَّر بعدم إهالكنا في الدنيا ،فإن مخالفتنا تضرنا في اآلخرة.
-علينا أن َ
- 3تفسير روح البيان
324
وقسمتها ،سواء كان ذا
ه نصيبها
ه ترض فإنه
أقول :سواء رضيت الزوجة عن زوجها أولم َ
هخلق ،ذا دين ،ذا مال ،أو لم يكن ،فعليها أن تحفظ حدود ما أمرها هللا ج َل وعال به ،
لئال تكون ً
سببا للخالفات والمناقشات التي قد توصل إلى ما يحصل لبعضهن.
ال يدخل في التحمل من أمور الغيرة ،فإن تحمل أخالق النساء من شؤون الرجال
الك َمل .علينا -إذا لم توجد المودة -أن نأخذ بالرحمة ،كما قال هللا تعالى َ } :و َج َع َل
يكن صالحات قانتات حافظات للغيب وحافظات للمال وحافظات للع َفة
وعلى الزوجات أن َ
وحافظات للدين ،هذه وظيفة المرأة ،وتفوض أمرها بعد ذلك إلى هللا تعالى.
فكما أنه للرجال على النساء حق ،كذلك للنساء على الرجال حق .حفظ هذه الحقوق
واجب في الشريعة الغراء على المؤمنين ،وال يجوز أن تكون العالقة مبنَية على تكبر
الرجال وترفعهم على النساء فيظلمونهن ،بل على أسس المعاملة الحسنة ،ألن هللا
من الرجل.
325
اللفظان الثالثون والحادي والثالثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ
ين ِإَن ه
اه غير ناظ ِر َ ذن لكم ِإلى َ
ط َعام َ امنوا ال َتد هخلوا هبهيوت الَن ِبي ِإالَ أَن هي ْؤ َ ( َيا أَُّي َها اَلذ َ
ين َء َ
ان هي ْؤِذي ِ تشروا وال مستأِْن ِس ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين ل َحديث ِإ َن ذلكم َك َ
َ ِ
َولكن إذا هدعهيتم َفاد هخلوا فإذا طع همتم ف ْاَن ه َ ه َ
َلوه َن ِمن
تاعا فاسأ ه
وه َن َم ً
ِ ِ
ّللا ال َي َستحيي م َن اْل َح ِق َواِذا َسأَهل ه
تم ه
ِ ِ
في َستحيي منكم َو َ هالَن ِب َي َ
اء ِحجاب ذلِكم أَ ْطهر ِلهقلو ِبكم و هقلوبِ ِه َن وما َكان لكم أَن ْتؤذوا رسول َ ِ
ّللا َوال أَن ور ِ
َه َ ََ َ َ َه َ ََ
]األحزاب ]٥٣: ظيما ( )(٥٣
ّللا َع ً
ان عْن َد َ
إن ذلكم َك َ
اج هه من َبعده أََب ًدا َ
َزو َ
نكحوا أ َ
َت ه
قوله تعالى } :ذلِكم { أي :سؤال المتاع من وراء الحجاب } أَ ْط َههر لِهقلو ِبكم َوهقلوبِ ِه َن{
قال في كشف األسرارَ :نَقلهم عن مألوف العادة إلى معروف الشريعة ومفروض العبادة ،
وبين أن البشر بشر وان كانوا من الصحابة وأزواج النبي عليه الصالة والسالم ،فال يأمن
أحد على نفسه من الرجال والنساء ،ولهذا شدد األمر في الشريعة بأن ال يخلو رجل بامرأة
ليس بينهما محرمية ،كما قال عليه الصالة والسالم »:ال يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما
()2
«.
()١
الشيطان
ــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه أحمد في مسنده وصححه الحاكم وابن حبان .
-2تفسير روح البيان.
326
جميعا
ً أقول :هذا الحكم ألزواج الرسول صلى هللا عليه وسلم والصحابة رضي هللا عنهم
،فكيف حال المسلمين في هذا العصر من االختالط بين الرجال والنساء وعدم االهتمام
بهذه اآلية الكريمة؟ إذا قلنا :هذا متعلِق بزمن الصحابة وال يمكن أن يطَبق وال ين َفذ اآلن
على المسلمين والمسلمات نكون قد أبطلنا أحكام الشريعة ،واذا قلنا :الرجال والنساء
في هذا العصر أطهر وأوثق منهم رضي هللا تعالى عنهم فهذا ال يقبله الشيطان ،فكيف
وبتخل ِقنا
ُّ يقبله المؤمن؟ بقي شيء ثالث :وهو أن ِ
نقَر هببعدنا عن الشريعة المح َمدَية ،
العفة واألدب؟ عليك أن تتفكر بهذا .ارجع إلى هللا بالتوبة النصوح ،وامنع بناتك
ونساءك من االختالط ،حتى ال تكون هذه اللذائذ الفانية واألخالق المخالفة سبب فناء
آخرتهن.
327
اللفظ الثاني والثالثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { ضعف إيمان وقلة ثبات عليه ،أو فجور من ِ
قوله تعالى َ } :واَلذ َ
تزلزلهم في الدين وما يستتبعه مما ال خير فيه ،أو من فجورهم وميلهم إلى الزنى
()١
والفواحش.
أقول :ال نحكم على أحد من المؤمنين والمؤمنات بالفسق ومرض القلب .والذي انتبهت
روحه وخلصت من سيطرة النفس األمارة عليه أن ال يبرئ نفسه من خبائثها ،كما قال
،[ ٥٣ألن النفس البشرية أ َمارة بالسوء } ِإالَ َما َر ِح َم َربي{ هذا مستثنى.
الذي يقف على خباثة نفسه يعلم ما ينزل في زوايا قلبه من الشيطان وما يأتي من
الرحمن بواسطة المالئكة ،فإذا وقف على هذا عليه أن يتجَنب المخالفة قبل الوقوع .
لكن صاحب هذا الوصف هو بإيمانه يحكم على قلبه ،نحن ال نحكم على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
328
ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض{. ِ ِ قلبه وال نعرف ؛ الم َ ِ
طلع هو هللا ،والمتكلم هو هللا َ } :واَلذ َ
فصاحب اإليمان المطلع على زوايا قلبه هو يحكم على نفسه بنفسه ،عندئذ – إن شاء
هللا -يكون ً
جيدا ،وهللا يعينه .ولذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لسيدنا علي
()١
رضي هللا عنه » :يا علي ال تتبع النظرة النظرة ،فإن لك األولى وليست لك األخرى«
فمحل ِ
الكل هو القلب. ُّ تحرك الشهوة كيف يحصل النظر إلى النساء؟ ،
إذا لم يحصل ُّ
الطريق والتقوى يأمران باالنتباه إلى هذه األمور الخفية ،ولذا فإن مفتاح السير
التحرك الروحي باتجاه هللا تعالى والمنع عن الرذائل ما هي إال
ُّ والسلوك القلبي ووسائل
ذكر هللا .السلوك القلبي :بالمجاهدة ،والوسائل الروحية :بتوجيه الروح إلى موافقة هللا ،
واالبتعاد عن مخالفته .المراد من دخول الطريق تزكية النفس األمارة ،ألن مصدر
المنور بنور اإليمان ينكر
َ النفس األمارة وأستاهذها الشيطان الملعون ؛ و ه
القلب ه الخبائث
خاليا من محبة هللا تعالى عليها ،واذا لم ينكر عليها يكون ًا
أسير لها .إذا كان القلب ً
القلب الرَباني ،ال القلب الصنوبري الذي يوجد في الحيوان
َ ميتا ،ونعني بالقلب هنا
عد ًهي ُّ
كذلك.
الراحمين.
َحي قلوبنا بنور معرفتك يا أرحم َ
الله َم أ ِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن ُبريدة رضي هللا عنه.
329
اللفظ الثالث والثالثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
قال َرُّبكم اعة ِعْن َد هه ِإالَ لِ َمن أَذ َن َل هه َح َتى ِإذا َ
فزع َعن هقلوبِ ِهم قاهلوا َماذا َ فع َ
الش َف َ ( َوال تْن ه
ق َو هه َو اْل َعلِ ُّي ْالك ِب هير ( ) ] (٢٣سبأ ]٢٣: قاهلوا اْل َح َ
والخوف عن قلوب الشفعاء ،من المالئكة واألنبياء( ، )١وظهرت لهم تباشير اإلجابة
}قاهلوا {أي :المشفوع لهم ،إذ هم المحتاجون إلى اإلذن والمهتمون بأمره َ } :ماذا َ
قال
ِّ
المباشرون لالستئذان بالذات ، َرُّبكم { أي :في شأن اإلذن} قاهلوا { أي :الشفعاء ،ألنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
-2تفسير روح البيان .
-3التفسير الواضح الميسر.
330
أقول :من كان في الدنيا من أهل اإلحسان الذين وصفهم رسول هللا صلى هللا عليه:
،وسلم بقوله وكان ()١
» اإلحسان :أن تعبد هللا كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك «
من الذين ال ينسون رَبهم ،ويتمسكون بالشريعة والسَنة النبوَية واإلخالص في العبادة ،
عليه أن ال يشتغل بأنه هل سيكون من أهل النجاة بحسن الخاتمة أم سيكون من أهل
ميسر لما خلق له
سوء الخاتمة ،ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم قال » :اعملوا فكل َ
«( ، )٢مع هذا ال بَد له من الخوف ،وكذلك الرجاء .على المكَلف أن يستوي خوفه
ورجاؤه ،وما دام يعتقد أنه عبد هلل تعالى فليس له أن يسأل سيده :ماذا تفعل بي؟ بل
يفوض أمره إليه ج َل وعال ،فإذا كان من أهل اإلحسان -بفضل هللا -فإن هللا يعامله
بفضله وكرمه ال ِبعدله ،فهو تعالى يقبل عبادة المؤمنين والمؤمنات بفضله وكرمه.
فالعبد يفوض أمره إلى هللا تعالى ،ويرضى بما يحصل له من السعادة أو الشقاوة ،ألن
تغيير ذلك ليس بيده .ولكن عليه أن هيحسن المقدمات -كما أسلفنا -من التمسك
بالشريعة والسَنة النبوَية واإلخالص في العبادة ،ثم يرجو رحمة هللا تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستخرج ،واإلمام مسلم في صحيحه .
َ - ١أخرجه الحاكم في
- 2أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي هللا عنهما
331
اللفظ الرابع والثالثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الص هد ِ
ور { ،تعليل لما قبله ؛ ألنه إذا علم ما في الصدور ،وهي أخفى ما علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ َ
()١
ووساوسها. مضم اُرتها
َ يكون ،فقد علم كل غيب في العالم .وذات الصدور :
أقول :األخالق السيئة هي السموم القاتلة والمهلكات الدامغة والرذائل الواضحة والخبائث
األبواب المفتوحة إلى نار هللا الموقدة التي تطلع على األفئدة ،كما أن األخالق الجميلة
األخالق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس ،إال أن هذه األمراض تفوت حياة األبد
،وأين منها المرض الذي ال يفوت إال حياة الجسد؟ ومهما اشتدت عناية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البحر المديد.
332
األطباء بضبط قوانين العالج لألبدان فليس في مرضها إال فوت الحياة الفانية ،فالعناية
بضبط قوانين العالج ألمراض القلوب التي في مرضها فوت الحياة الباقية أَولى .وهذا
اب َمن وشاهد ذلك قوله تعالى } :قد أَ ْفَل َح َمن َزَك َ
اها (َ (٩و قد َخ َ ه ،لو أههملت تراكمت،
الص هد ِ
ور { عليم بهذه الخفايا وعليم بهذه األسقام ،فعلى وبما أنه تعالى } علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ َ
العبد أن يعالج أسقام قلبه حتى ال يتراكم بعضها على بعض ،فيكون ممن قال هللا فيهم :
} َكالَ َب ْل َر َ
ان َع ََلى هَ هقلوبِ ِهم { ]المطففين ، [ ١٤:فإذا عالجها بالمجاهدة يناله وعد
الراحمين.
الله َم اجعلنا من المحسنين ،وال تعذبنا يا أرحم َ
333
اللفظ الخامس والثالثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
اء َرَب هه ِبقْلب َسلِيم ( [ ) 8٤الصافات ]8٤-8٣: ِ ِ ( واِ َن ِمن ِش ِ ِ
يعته ِإل َبراه َ
يم ( ) 8٣إذ َج َ َ َ
قوله تعالى ِ } :بقْلب َسلِيم { أي :سالم من العالئق الدنيوية ،بمعنى أنه ليس فيه شيء
()١
أهلها. من محبتها والركون إليها والى
أو سليم من آفات القلوب ،أو من العالئق ،خالص هلل أو مخلص له .وقيل :حزين ،
فالقلب السليم يوحي بجميع صفات النقاء والكمال ،فهو قلب مؤمن نقي طاهر ،سالم من
الحياة)3( . الحقد والغل والحسد والكبر والمكر والخبث ،لم تدنسه شهوات
أقول :القلب الخالص ال توجد فيه هذه األخالق الذميمة التي عدها المفسر -حفظه هللا
يضر
ذميما ُّ
ً أوصلها بعضهم إلى اثنين وأربعين هخ ًلقا
تعالى -والتي ال تنحصر بها ،بل َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير األلوسي .
- 2تفسير البيضاوي .
- 3التفسير الواضح الميسر.
334
اه { ] الجاثية ، [ ٢٣:فهذا من الذنوب الكبائر ،ولذا هدَد َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ
له هه َه َو ه } أ َأ
َفرَيت{.
هللا تعالى بقوله }:أ َأ
وكل شيء عند هللا تعالى سهل ،ال مانع لما يعطي ج َل
وكرمه جعل محبتهم في قلوبنا ُّ ،
عال.
335
اللفظ السادس والثالثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الص هد ِ
ور { يعني أنه يمكنه أن ينبئكم بأعمالكم ،ألنه عالم قوله تعالى ِ } :إَنه علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ ه َ
بجميع المعلومات ،فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي و الصوارف .وقال صلى هللا عليه
وسلم :إن هللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أقوالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم «
()١
باألعمال الظاهرة ؟ وفي اآلية دليل على أن ضرر الكفر والطغيان يعود إلى نفس الكافر ،
كما أن نفع الشكر واإليمان يعود إلى نفس الشاكر ،وهللاُ غني عن العالمين ،كما وقع
َّ
وجنكم كانوا على أتقى في الكلمات القدسية » :يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم
َّ
وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
336
خير فليحمد هللا ،ومن
،وفي آخر الحديث » :فمن وجد ًا ()١
شيئا«
ذلك من ملكي ً
يلومن إال نفسه« .
وجد غير ذلك فال َ
()2
كافر بل يكون
يخرج من الفسق ،ألن المؤمن إذا كان ظاهره خالف باطنه ال يكون ًا
فاسقا ،وهو حينذاك ال يكتفي بعلم هللا بما في ضميره ،بل يحاول بلسانه أن يوضح
ً
ّللا ِ خالف ما في قلبه { } رُّبكم أَعلم ِبما ِفي هن ِ
} َوهي َحذهرهك هم َ ه فوسكم { ] اإلسراء [ ٢٥: َ ه َ َ
البقرة [٢٢٠: ّللا َيعَل هم اْل هم ْف ِس َد ِم َن اْل همصلِ ِح{ ]
َن ْف َس هه{ ] آل عمران َ } ، [ ٣٠:و َ ه
من كان يؤمن بكالمه ج َل وعال ويؤمن بوحدانيته ويؤمن بصفاته عليه أن ال يخالف
طنه ،وأن ال يتكلم إال بالصدق ؛ ال يلزم أن يتكَلم ك َل الصدق ،لكن كَلما تكَلم
ظاهره با َ
ه
جميعا أن نشكر هللا جل جالله على ما أنعم علينا ،من ً عليه أن يتكَلم بالصدق .علينا
اإليمان واتباع الرسول عليه الصالة والسالم ودراسة القرآن الكريم ومفاهيمه ،وهو أرحم
عبيدا للدنيا وال ألنفسنا. الراحمين ،يعفو عنا ج َل وعال بشرط أن نكون ً
عبيدا له ال ً َ
الراحمين.
عبيدا خالصين لك يا أرحم َ
الله َم اجعلنا ً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي هللا عنه .
- 2تفسير روح البيان.
337
اللفظان السابع والثالثون و الثامن والثالثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي :هل من أنار بصيرته وشرح صدره لإلسالم فاستضاء بنوره واهتدى ،وفي اآلية
لهؤالء القساة القلوب ،الذين ال تلين قلوبهم وال تخشع عند سماع آي الذكر الحكيم ،أولئك
في بعد عن الحق وضالل واضح بين .والنفس إذا كانت خبيثة ال يزيدها القرآن إال قسوة
()١
. وغلظة وشقاء وخسرًانا
قال في اإلرشاد :شرُح الصدر لإلسالم عبارة عن تكميل االستعداد له ،فإن الصدر محل
القلب ،الذي هو منبع للروح التي تتعلق بها النفس القابلة لإلسالم ،فانشراحه مستدع
درهه {
ّللا َص َ
شر َح َ ه
التساع القلب واستضاءته بنوره ،فهذا شرح قبل اإلسالم ال بعده َ } ،
المكتسبة القادمة فيها} فهو { بموجب ذلك مستقر } على نور { عظيم } ِمن ر ِ
به {وهو َ َ هَ
ــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
338
اآليات التكوينية والتنزيلية ،والتوفيق لالهتداء بها إلى الحق ،كمن قسا قلبه وحرج صدره
بسبب تبديل فطرة هللا بسوء اختياره ،واستولت عليه ظلمات الغي والضاللة فأعرض عن
تلك اآليات بالكلِّية حتى ال يتذكر بها وال يغتنمها.
ّللا { القسوة :غلظ القلب ،والمعنى :من أجل ذكره ، اسي ِة هقلوبهم ِمن ِذ ْك ِر َ ِ
ِ ِ
هه } َف َويل لْلَق َ
حقه أن تنشرح له الصدور وتطمئن به القلوب .أي :إذا ذكر هللا تعالى عندهم وآياُته الذي ُّ
]التوبة : اشمأزوا من أجله وازدادت قلوبهم قساوة ،كقوله تعالى َ } :ف َزَاد ْت ههم ِر ً
جسا {
ُ ، [١25وقرِّئ " :عن ذكر هللا " أي :فويل للذين غلظت قلوبهم عن قبول ذكر هللا.
وفي التأويالت النجمية :يشير إلى أن اإليمان نور ينور هللا به مصباح قلوب عباده
المؤمنين ،واإلسالم ضوء نور اإليمان تستضيء به مشكاة صدورهم ،ففي الحقيقة من
شرح هللا صدره بضوء نور اإلسالم فهو على نور من نظر عناية ربه .ومن أمارات ذلك
محو آثار ظلمات الصفات الذميمة النفسانية من حب الدنيا وزينتها وشهواتها ، النور ُ
واثبات حب اآلخرة واألعمال الصالحة والتحلية باألخالق الكريمة الحميدة ،قال تعالى :
اء َوهي ْث ِبت { ]الرعد ، [ 3٩:ومن أماراته أن تلين قلوبهم لذكر هللا ،
ّللا َما َي َش ه
محوا َ ه
} َي ه
فتزداد أشواقهم إلى لقاء هللا تعالى وجواره ،فيسأمون من محن الدنيا وحمل أثقال أوصاف
البهيمية والسبعية والشيطانية ،فيفرون إلى هللا ويتنورون بأنوار صفاته ،منها نور اللوائح
بنور العلم ،ثم نور اللوامع ببيان الفهم ،ثم نور المحاضرة بزوائد اليقين ،ثم نور
المكاشفة بتجلي الصفات ،ثم نور المشاهدة
339
بظهور الذات ،ثم أنوار جالل الصمدية بحقائق التوحيد ،فعند ذلك ال َوجد وال وجود وال
وجهه ،
كل شيء هالك إال َ قصد وال مقصود وال قرب وال ُبعد وال وصال وال ِّهجران ،إذ ُّ
()١
كال بل هو هللا الواحد القهار.
أقول :قسوة القلوب نوعان :قسوة للكفار والمنافقين -نعوذ باهلل ،وننزه المؤمنين من
أحيانا بتلك القسوة يكونون فاسقين ؛ وذلك بإهمالهم
ً ذلك -وقسوة للمؤمنين ،فهم
لقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه ،وعدم التمسك بسَنة الرسول عليه الصالة والسالم ،
مع عدم االهتمام باإلخالص في العبادة ،هذه كلها من أسباب قسوة القلب للمؤمنين .
شيئا مخال ًفا لطبيعته البشرية ،التي َتْن ِفهر من الفوائد الدينية
ومن قسا قلبه فإنه ال يحب ً
لوب ههم ِ ِ ِ
بواسطة النفس .فعلى المؤمن أن ال يقع تحت التهديد اإللهي َ } :ف َويل لْلَقاسَية هق ه
لكن التاجر في محلِه إذا ذكر هللا ليس بقول ( :ال إله إالَ هللا ) فقط َ ، ِمن ِذ ْك ِر َ ِ
ّللا { ؛ ه
تف َكر في بيعه وشرائه أن رَبه يراه فكيف يخالف أوامره؟ فهو حينذاك ذاكر هلل ،والذي
يق أر القرآن كذلك ،والذي يتمسك بالسَنة النبوَية كذلك.
بعض أهل التصوف يرجحون بعض األذكار التي سمعوها من شيوخهم أو إخوانهم على
ؤخر عن الوصول إلى رضا هللا سنة الرسول صلى هللا عليه وسلم ؛ هذا خطأ كبير ،ي ِ
ه
واتباع الرسول عليه الصالة والسالم .مسألة واحدة من التمسك بالشريعة والسَنة النبوَية
توازي جميع األوراد ،فال بد للسالك أن يرجح التمسك بالشريعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
340
والسَنة النبوَية على أوراده ،ألن الطرق الموصولة باهلل -بسبب التمسك بالسَنة
الكشوف قد تكون سبب االنقطاع عن التمسك بالشريعة والسَنة النبوَية ،وقد يحصل
على المؤمنين أن يكون بعضهم أولياء بعض ،يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،
فعلي أن أتركه.
هذا الفعل غير موافق للشريعة ،واذا كان كذلك َ
341
اللفظ التاسع والثال ثون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
َِ
ّللا { أي :هذه صفة األبرار عند سماع كالم الجبار المهيمن العزيز الغفار ،لِّما يفهمون
منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف } ث َم
وفيه مسائل:
المسألة األولى :معنى( تقشعر جلودهم ) تأخذهم قشعريرة ،وهي تغير يحدث في جلد
اإلنسان عند الوجل والخوف ،قال المفسرون :والمعنى :أنهم عند سماع آيات الرحمة
واإلحسان يحصل لهم الفرح ،فتلين قلوبهم إلى ذكر هللا ،وأقول :إن
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير.
342
المحققين من العارفين قالوا :السائرون في مبدأ إجالل هللا إن نظروا إلى عالم الجالل
طاشوا ،وان الح لهم أثر من عالم الجمال عاشوا.
يجب علينا أن نذكر في هذا الباب مزيد شرح وتقرير ،فنقول :اإلنسان إذا تأمل في
الدالئل الدالة على أنه يجب تنزيه هللا عن التحيز والجهة فهنا يقشعر جلده ،ألن إثبات
موجود ال داخل العالم وال خارجه وال متصل بالعالم وال منفصل عن العالم مما يصعب
تصوره ،فههنا تقشعر الجلود ،أما إذا تأمل في الدالئل الدالة على أنه يجب أن يكون
أحدا ،وثبت أن كل متحيز فهو منقسم ،فههنا يلين جلده وقلبه إلى ذكر هللا.
فردا ً
ً
المسألة الثانية :روى الواحدي في" البسيط "عن قتادة أنه قال :القرآن َّ
دل على أن أولياء
هللا موصوفون بأنهم عند المكاشفات والمشاهدات تارة تقشعر جلودهم وأخرى تلين جلودهم
()١
وقلوبهم إلى ذكر هللا .
ويستعمل ذلك في األجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني .
اللين :ضد الخشونة ُ ،
والجلود :عبارة عن األبدان ،والقلوب :عن النفوس ،كما في المفردات.
أي :ثم إذا ذكروا رحمة هللا وعموم مغفرته النت أبدانهم ونفوسهم ،وزال عنها ما كان بها
هبتهم رغبة .وتعدية اللين بـ} ِإلى {
خشيتهم رجاء ور ُ
من الخشية والقشعريرة ،بأن تبدلت ُ
لتضمنه معنى السكون واالطمئنان ،كأنه قيل :تسكن وتطمئن إلى
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
343
،أو تلين ساكنة مطمئنة إلى ذكر ()١
ذكر هللا لينة غير منقبضة ،راجية غير خاشعة
الخشية التي هي من عوارض القلوب ،فكأنه قيل :تقشعر جلودهم من آيات الوعيد ،
وتخشى قلوبهم من أول وهلة ،فإذا ذكروا هللا ومبنى أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا
.
()3
لينا في جلودهم
بالخشية رجاء في قلوبهم ،وبالقشعريرة ً
فالجملتان إشارة إلى الخوف والرجاء أو القبض والبسط أو الهيبة واألنس أو التجلِّي
()4
واالستتار.
ــــــــــــــــــــــ
-١كذا في األصل ،ولعل الصواب :خاشية .
ينور قلبه أكثر ، َّ
-2ألن ذكر هللا جل جالله ينور القلوب ويزيل عنها األخالق الذميمة ،فكلما ذكر المؤمن ربَّه أكثر َّ
]الزمر : ّللاِّ }
تنور القلب أكثر يزداد اطمئنانه وتوكله ووجله ،ولذا قيَّد هللا تعالى لين القلوب بقولهِّ } :إلى ِّذك ِّر َّ
وكلما َّ
أيضا ،فيغترون بالرحمة ،وقد يتركون ذكر هللا َّ
جل وعال ، ، [23ولو قيَّدها برحمته فرحمتُ ُه أوسع ،تشمل أهل المعاصي ً
ألن المؤمنين إذا سمعوا الرحمة تلين قلوبهم ويحصل لهم الرجاء واألمل برحمته ولطفه تبارك وتعالى .فلفظ الذكر في هذه
أرشد من الرحمة.
اآلية الكريمة ُ
شيئا من ذكر هللا أو آيات الوعد والوعيد تحصل في جلده قشعريرة ،وهذا (-3تقشعر جلودهم ) :المؤمن إذا سمع ً
يحصل قبل االنتقال إلى القلب ،ألنه ِّ
متعلق بالسماع ،والسماعُ متعلق بالظواهر قبل القلوب .ولذا ترى أهل الذكر إذا
ضرب الباب بشدة أو َُفتح بشدة يرتجفون ،فهذا يحصل أوال من الجسد.ُ
- 4تفسير روح البيان
344
اللفظ األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
اعلم أن هذا نوع من األعمال القبيحة للمشركين ،وهو أنك إذا ذكرت هللا وحده تقول :ال
إله إال هللا وحده ال شريك له ،ظهرت آثار النفرة من وجوههم وقلوبهم ،واذا ذكرت
األصنام واألوثان ظهرت آثار الفرح والبشارة في قلوبهم وصدورهم ،وذلك يدل على الجهل
والحماقة ،ألن ذكر هللا رأس السعادات وعنوان الخيرات ،وأما ذكر األصنام -التي هي
الجمادات الخسيسة -فهو رأس الجهاالت والحماقات ،فنفرتهم عن ذكر هللا وحده
واستبشارهم بذكر هذه األصنام من أقوى الدالئل على الجهل الغليظ والحمق الشديد .قال
صاحب" َّ
الكشاف" :وقد يقابل االستبشار واالشمئزاز ،إذ كل واحد منهما غاية في بابه ،
،واالشمئزاز أن يعظم غمه وغيظه ،فينقبض الروح إلى داخل القلب ،فيبقى في أديم
()١
. الوجه أثر الغبرة والظلمة األرضية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
345
متعاكسا مع المشرك ،إذا سمع كلمة التوحيد" ال إله إال
ً اإلشارة :ينبغي للمؤمن أن يكون
هللا " فرح وانبسط ،واذا ذكر اللغو واللعب اشمأز وانقبض ،والعابد أو الزاهد إذا سمع ما
يدل على الطاعة واالستعداد لآلخرة فرح ونشط ،واذا سمع ما يدل على الدنيا والبطالة
اشمأز وانقبض ،والمريد السائر إذا سمع ما يقرب إلى هللا فرح وانبسط ،واذا سمع ما ُيبعد
عنه من ذكر السوى اشمأز وانقبض ،وأما الواصل الكامل فال ينقبض من شيء ،قد
النصيب
ُ النصيب من كل شيء ،وال يأخذ
َ فنيت دائرة حسه واتسعت دائرة معرفته ،يأخذ
يقول بديع الزمان األستاذ سعيد النورسي رحمه هللا :ولكن على الرغم مما فيهما -أي
فحرموا اآلخرين من أنوار ُهم محرومون منها .ومما يؤسف له بالغ األسف أن ً
عددا من َ ،
الوالية والطريقة ،متذرعين بما يرونه من أخطاء قسم من أهل الطريقة وسوء تصرفاتهم ،
وتجفيف ذلك النبع الفياض بالكوثر الباعث على بل يبذلون جهدهم لهدمها وتدميرها
الحياة.
()2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البحر المديد .
-2أنوار الحقيقة( مباحث في التصوف والسلوك).
346
أقول :على المؤمن أن ال يترك صحبة األخيار ،وال هيخدع بصحبة أهل الدنيا فيما ال
يعنيه ،ألن هذه الصحبة قد تؤدي إلى ترك بعض مسائل الشريعة والسَنة النبوَية ،أو
إلى ما يخالف حضور القلب مع هللا ج َل وعال ،فإن هذا يضره ؛ ونتيجة ذاك الضرر
يراها في اآلخرة وفي عالم البرزخ ،فهو مؤمن و » من هحسن إسالم المرء تركه ما ال
يعنيه« صحبة األخيار تن ِبت في قلب المؤمن الخشوع والتواضع وترك الهوى وأمثال
ذلك ،كما أن صحبة أهل الدنيا تنبت محبة الدنيا وزخارفها في القلب ،والمؤمن يتضرر
بذلك.
خذوا بنصيحة هللا وبسَنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وأكثروا من ذكر هللا ج َل وعال
ين ههم ِفي ِ
لم ْؤ ِمنو َن ( )١اَلذ َ
،وكونوا من الذين قال هللا تعالى في حقهم } :قد أَ ْفَل َح ْا ه
خاش هعو َن{ ]المؤمنون . [٢-١:الخشوع ال يحصل بدون ذكر هللا وبدون ص ِ
الت ِهم ِ
َ
أسبابا مخلوقة
ً التدبر في قراءة القرآن وبدون ذكر الموت ،هذه أسباب .كما أن للمعيشة
نأخذ بها ،وكذلك للسعادة أسباب بَينها هللا تعالى في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي هللا عنه.
347
القلب والقلوب والفؤاد واألفئدة والصدر والصدور ،حتى يشتغلَ فذكر
القرآن الكريم َ ،
المؤمن بقلبه ويهتم به ،واال هي َعُّد قلبه ً
ميتا.
348
اللفظ الحادي و األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
تقرير للعجز عن الكالم ،فإن الملهوف إذا قدر على الكالم وبث الشكوى حصل له
اآلز ِ
فة { أمر من ربنا ج َل وعال لرسوله عليه وم ِ ِ
أقول :قوله تعالى َ } :وأَنذرههم َي َ
الصالة والسالم أن ينذر الناس من يوم القيامة ومن أهواله .نحن ال نتكلم عن
الكافر والمنافق بل نتكلم عن المؤمن الذي يؤمن بوقوع القيامة ويؤمن بالحساب
تاب َك { ]اإلسراء: والكتاب ،كيف يكون حالك يا مؤمن إذا قال لك ربك ْ } :أ ِ
اقر ك َ َ
ع في المخالفات الشرعية
ترك الصالة وترك الصوم والوقو ه
،[١٤وكان في كتابك ه
وعدم المحافظة على حدود هللا التي بَينها الرسول الكريم عليه الصالة والسالم في
ه
وم ِ
الشريعة المح َمدية وفي سنته المط َهرة؟ أال تدخل تحت هذا اإلنذار َ } :وأَنذرههم َي َ
اآلز ِ
فة { على أي شيء تعتمد حتى تتجاوز على حدود هللا؟ ليس هذا إال من ضعف ِ
إيمانك وقلة اهتمامك بذلك اليوم الرهيب ،ومن إتباعك لنفسك وشيطانك وهواك ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان .
349
حينذاك تترك العدالة ،كما قال ربنا ج َل وعال } :فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ
تعدلوا { ]النساء : ه ََ
، [ ١٣٥فمن اتبع الهوى تذهب عدالته ويقع في المعاصي التي نهاه هللا عنها .عالج
ذلك أن تستغفر وتتوب وترجع إلى هللا تعالى ،وهو يقبل التوبة ،بل ويحب التائبين ،
رب العالمين.
الله َم اجعلنا منهم يا َ
350
اللفظ الثاني و األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ور { أي يعلم سبحانه النظرة الخائنة ، قوله تعالى } :يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ
الص هد ه
تخفي ُّ ه ََ َ ه
ويعلم السر المستور ،وما تخفيه الصدور ،ال تخفى عليه خافية .قال ابن عباس رضي
شر.
ًا
َثبت بهذا أن أفعال القلوب معلومة هلل تعالى ،وكذا أفعال الجوارح تكون ؛ ألن أخفاها
الحاكم إذا بلغ في العلم إلى الحد وجب أن يكون خوف المجرم منه أشد وأقوى ،فقوله
،و ُ
الص هدور{ في قوة التعليل لألمر باإلنذار. تعالى } :يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ
تخفي ُّ ه ََ َ ه
ــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
351
ومستحسنات َّ
متمنيات النفوس ور { من وفي التأويالت النجمية }:وما ِ
َ الص هد ه
تخفي ُّ ََ
تعلقها.
()١
ففي هذه اآلية الكريمة يخبر عز وجل عن علمه التَّام المحيط بجميع األشياء ،جليلها
وحقيرها ،صغيرها وكبيرها ،دقيقها ولطيفها ،ليحذر الناس علمه فيهم ،فيستحيوا من هللا
تعالى حق الحياء ( )2ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ،فإنه عز وجل يعلم
العين الخائنة وان أبدت أمانة ،ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر
ور{ هو الرجل يدخل على أهل البيت َبيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمر وم ِ
لص هد ه
اتخفي ا ُّ ََ
به وبهم المرأة الحسناء فإذا غفلوا لحظ إليها ،فإذا فطنوا غض بصره عنها ،فإذا غفلوا
()3
. أمكن له أن ينظر منها {
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
- 2وهذا االستحياء ال يحصل إال بعد اإليمان الكامل ،فكما يؤمن العبد بوجود هللا و وحدانيته يؤمن كذلك بصفاته ،
عليما ،حينذاك يستحي من هللا ،واال فبمجرد اإليمان بوجود هللا ال يستحيي العبد من هللا .
بصير ً
ًا سميعا
ً ومنها كونه تعالى
وهذا اإليمان مقبول ،لكنه ليس إيمان عين اليقين وال حق اليقين بل إيمان علم اليقين.
-3تفسير ابن كثير.
352
أقول :كيف يخالف العبد ربه ج َل وعال مع علمه أنه تعالى يعلم خائنة األعين وما
تخفي الصدور؟ وقد أعطاه من فضله وكرمه وأنعم عليه بالعقل والقلب والجسد وغير
فإذا انحرف عن االستقامة وعن أمر هللا عليه أن ال يكون هم ِصَار على ذلك ،بل يرجع
353
اللفظ الثالث و األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِّ
الطابع هو هللا تعالى ،والمطبوعَ هو القلب ،وسبب الطبع هو التكبر والجبارية ، اعلم أن
وحكمه أن ال يخرج من القلب ما فيه من الكفر والنفاق والزيغ والضالل ،فال يدخل فيه ما
في الخارج من اإليمان واإلخالص والسداد والهدى ،وهو أعظم عقوبة من هللا عليه .فعلى
العاقل أن يتشبث باألسباب المؤدية إلى شرح الصدر ال إلى طبع القلب .قال إبراهيم
الخواص قدس سره :دواء القلب خمسة :قراءة القرآن بالتدبر ،وخالء البطن ،وقيام الليل
أقول :نرجو هللا تعالى أن ال يكون المؤمنون على هذه األوصاف فيطبع هللا تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
354
اللفظ الرابع و األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
،بغير حجة وال برهان ،ما في قلوبهم إال تكبر عن قبول الحق وطغيان وفجور يمنعهم
تعذ ِب َ ِ
اّلل ِإَن هه هه َو من اتباعك ،وليسوا بواصلين إلى مرادهم من إطفاء نور هللا } ،فاس ِ
َ
السميع
ُ يع ْا َلب ِص هير { أي :فالتجئ وتحصن باهلل من شرهم وكيدهم ،فإن ربك هو َِ
السم ه
()١
شيئا .
صير بأحوالهم ،ولن يضروك ً
ألقوالهم الب ُ
وتحت ظل هذه الدعاوي الباطلة يطلبون الرياسة ويتمسكون بنفوسهم ويتركون ما
هيصلحهم ويوصلهم إلى السعادة األبدية ،من التمسك بالشريعة والسَنة النبوَية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
355
رحمة هللا ج َل وعال ،وال يسلِمون أنفسهم لمن يوجههم ،ممن يحمل على رأسه تاج
هذا التوجيه ليس مقَي ًدا بشيخ الطريقة فقط ،لكن إذا هوجد شيخ الطريقة الذي تعتقد أنه
متمسك بالشريعة والسَنة النبوَية فهذه نعمة جسيمة فا َتبعه ،فإن لم تجد من يحمل هذه
غير األ ِ
َرض َرض َ احدا من علماء الظاهر الذين يخافون } َي َ
وم هتَبَد هل األ ه األوصاف فاتخذ و ً
لم تجد هذا وال ذاك فإذا كان لك صديق يكلِمك على عيوب نفسك فا َتبعه ،لقول هللا
لم ِ
نكر { ]التوبة .[٧١: ْا ه
جميعا أن ال نتكبر وال نترك ما أمرنا به هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم ،من
ً علينا
الذكر وقراءة القرآن بالتدبر وعدم الغرور برياسة الدنيا وبالمال وباألوالد ،كما قال ربنا
الدكم ِف ْتَنة { ] التغابن[ ،١٥:فالعمر قصير والزاد قليل ،وال ج َل وعال ِ }:إَن َما أ َ
َمواهلكم َوأَو ه
الراحمين. الله َم ِ
وفقنا لذلك يا أرحم َ
356
اللفظ الخامس و األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي :ولكم في هذه األنعام منافع عديدة ،من الوبر والصوف والشعر واللبن والسمن والزبد
وغير ذلك ،ولتبلغوا عليها قضاء حوائجكم ،من حمل األثقال في األسفار البعيدة قبل أن
تظهر وسائل النقل الحديثة ،من سيارات وطائرات ومراكب كهربائية ،وعلى اإلبل في
البر ،وعلى السفن في البحر تحملون ،فهي لكم مراكب برية ومراكب بحرية .
()١
أقول :يريكم هللا تعالى آياته ويعدد بعض نعمه عليكم ،فقد أنعم ج َل وعال على عباده
وها { ]النحل [ ١8: بأنواع النعم التي ال تعد وال تحصى } :واِن تعُّدوا ِنعمة َ ِ
تحص َ
ّللا ال ه َ ه َ
،ففي أنفسكم فقط تجدون العقل والحافظة والعين واألذن واللسان واالستعداد وغير ذلك
ومن جملتها وسائط النقل ،من اإلبل والفلك ،وفي هذا العصر الوسائط البرية
كالسيارات والجوية كالطائرات وغيرها ؛ فعلينا أن نتف َكر َ :من خل ق لنا هذه الوسائط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر.
357
ومادامت من هللا تعالى أفليس من العجيب أن يتمسك العبد بهذه النعم وينسى المنعم؟
خصوصا أهل اإليمان .عليك أن تتفكر أنه في النهاية
ً هذا غريب بالنسبة ألهل العقل ،
تفنى دنياك وتفنى النعم التي أنعم هللا تعالى بها عليك ،وتخرج من الدنيا ال يتبعك إال
س ََفران :سفر في الدنيا هيحمل فيه على الفلك واإلبل والسيارات
فالس ََفر َ
َ عملك ،
خصوصا أهل
ً وغيرها ،وسفر من الدنيا إلى اآلخرة ،وهذا السفر ال ينكره أهل العقل ،
اإليمان ،فإنه من المحقق أن اإلنسان يموت ،لكن هل يستريح في عالم البرزخ أم ال؟
كيف تتفكر في دنياك التي لها نهاية وفيما خلق هللا لك فيها من الوسائط والوسائل حتى
تقضي بها حوائجك وتترك آخرتك التي تدوم أبد اآلباد؟
عليك أن تتفكر فيما بعد الموت ،وأن تتزود من دنياك آلخرتك ،بفعل أوامر هللا تعالى
واجتناب نواهيه وبالتقوى والصبر والصالح واإلصالح ،حتى تكون من أهل السعادة
خصوصا في عالم البرزخ ،فتلتقي مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هناك ،
ً األبدية ،
ألنك آمنت به وبما جاء به من عند هللا ،فهو ركن ديننا .علينا أن ننتبه لهذه النعمة
ربنا عَنا.
الجسيمة عليه الصالة والسالم ،وأن نتبعه ليرضى ُّ
الله َم ِ
وفقنا إلتباع رسولك ،سيدنا مح َمد صلى هللا عليه وسلم ،في األقوال واألفعال
الراحمين.
واألحوال ،بجاهه عندك ،يا أرحم َ
358
اللفظ السادس و األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
إليه ُو ِّ
تورُده علينا.
توحيدا ،
ً الشهوات واألوصاف البشرية ،ولو قالوا ذلك على بصيرة لكان ذلك منهم
()١
فتعرضوا للمقت لِّ َما فقدوا من صدق القلب.
أقول :على المؤمن أن ال يكون قلبه همَقفال على حب الدنيا وزينتها ،من الرياسة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان .
359
تجر ذيلها على أخالق المؤمن المنغمس في الدنيا
اآلية نازلة في حق الكفار ،لكنها ُّ
وحبها وشهواتها ولذائذها ،حتى يخسر ما أعد هللا لعباده المؤمنين في اآلخرة.
واذا قيل لهؤالء :هذا ال يليق بمقتضى إيمانكم وال إسالمكم ،يقولون :ال يمكن ترك
اإلشارة :كان الرسول عليه الصالة والسالم يدعو إلى اإليمان بالقرآن والعمل به ،وخلفاؤه
من مشايخ التربية َيدعون إلى تصفية البواطن ،لتتهيأ لفهمه والغوص عن أس ارره وحضور
تدبر ،فال حول وال قوة إال باهلل ،فإذا طلبوا من المشايخ -
أودية الدنيا ،فال حضور وال َ
وحي إلهام بوحدانية الحق وانفراده بالوجود ،فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم ،واستغفروه من
َ
سالف زالتكم ،فإن بقيتم على ما
ـــــــــــــــــــــ
-١وبعضهم ينقدون عليهم ،ويريدون تهديم سيرتهم الجميلة ،فيكونون ً
سببا في حرمان أنفسهم وحرمان غيرهم ،ألن
نفوسهم ال تريد المجاهدة وال إتباع المواعظ ،ألنها عدوة هللا.
مقدمة عندهم على الشريعة ،وبذلك فإنهم- 2يقولون :أنتم تطلبون ما لم ُيطلب منكم .الكشف والكرامات وخوارق العادات َّ
ي ِّ
سكرون على أنفسهم باب ما يطلبه هللا تعالى منهم ويفتحون باب توجيه الناس إلى أنفسهم ،بنوع من خوارق العادة أو نوع ُ
يجيا بال شعور .نحن ال َُننكر الكرامات وال الكشوفات وال خوارق
بعدون عن هللا تعالى تدر ً
من الكرامة وأمثال هذا ،وبهذا َي ُ
ُّ ُّ َّ
العادات ،فإنها تحصل على يد الصالحين ،لكن على المؤمن أن ال يتعلق بها ،ألن التعلق بالكشف والكرامة كالتعلق
سبيل النجاح والسعادة ليس هكذا
بالمادة ُ .
360
أنتم عليه من الشرك ورؤية السوى فويل للمشركين الذين ال يزكون أنفسهم ،وهم باآلخرة -
حيث لم يتأهبوا لها كل التأهب -هم كافرون .إن الذين آمنوا إيمان الخصوص ،بصحبة
()١
. الخصوص ،لهم أجر غير ممنون ؛ وهو شهود الحق على الدوام .وهللا تعالى أعلم
الله َم ِ
وفقنا للعمل بشريعتك واتباع سنة نبيك عليه الصالة والسالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
361
اللفظان السابع واألربعون و الثامن واألربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا ْالب ِ
اط َل َوهي ِح ُّ شأ َ ِ كذبا فِإن ي ِ
( أَم يقولو َن ا َفترى على َ ِ ِ
ق مح َ ه َ ّللا َيختم َعلى قْل ِب َك َوَي ه
ه َ ّللا ً َ َ َ ه
ور ( ) ] (٢٤الشورى ]٢٤: الص هد ِ
ات ُّق ِب َكلِم ِات ِه ِإَنه علِيم ِب َذ ِ
ه َ اْل َح َ َ
األمر كما زعموا لختمنا على قلبك يا محمد ،فأنسيناك هذا القرآن وسلبناه من صدرك ،
كذبا ،ولهذا أيدناك وسددناك .واآلية فيها تكذيب لدعاوى ولكنك لم ِّ
تفتر على هللا ً
المشركين ،ووعيد وتهديد لمن كذب على هللا .وختم اآلية بقوله ِ } :إَنه علِيم ِب َذ ِ
ات ه َ
الص هد ِ
ور { أي :هو تعالى العالم بما في القلوب ،فلو حدثتك نفسك أن تفتري ما يقوله ُّ
عض
قو َل َع َلينا َب َ
لطب َع هللا على قلبك وأماتك ،كقوله سبحانه َ } :ولو َت َ
السفهاء َ
ين { ] َّ ِ يل( )٤٤ألَخ َذنا ِمْن هه ِب ْا َلي ِم ِ
َقاو ِ
الحاقة [4٦-44: قطعنا مْن هه ْا َلوِت َ
ين ( )٤٥ث َم َل َ األ ِ
أي :كنا نقطع نياط قلبه حتى يموت .وفي هذا تأكيد لحفظ هللا لكتابه ،وعصمته لرسوله
()١
،مما نسبه إليه المفترون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
362
ّللا ي ِ
ختم َعلى قْل ِب َك { يعني أنك ِ
قال في التأويالت النجمية :قوله تعالى } :فِإن َيشأ َ ه َ
إن افتريته ختم هللا على قلبك ،ولكنك لم تكذب على ربك فلم يختم على قلبك .
()١
أقول :في هذه اآلية الكريمة تأكيد من هللا جل جالله لكذب الكافرين على رسول هللا
ظاهر ،لكنه في الحقيقة ألمته
ًا صلى هللا عليه وسلم ،وتهديد له عليه الصالة والسالم
،لمن خالف منهم أمر هللا ج َل وعال.
فعلينا _ معشر المسلمين _ أن نحفظ قلوبنا من الخيانة والغل والغش ،ومن اتخاذ
َفرَيت َم ِن ا َتخذ ِإ َ
له هه أهوائنا آلهة لنا ،نعوذ باهلل تعالى من ذلك ،كما قال تعالى } :أ َأ
تعد لوا {أيضا { } :فال ت َت ِبعوا ْالهوى أَن ِ
اه{ ] الجاثية ، [٢٣:وكما قال ً
ه ََ َه َو ه
] النساء ، [ ١٣٥:فإذا تركت الهوى تحصل العدالة.
الهوى محله القلب ،والذي يتبع الهوى يحصل له الكبر واألنانية والعجب بنفسه والترفع
على الغير واحتقارهم ،حينذاك يترك العدالة ؛ أما الذي يترك الهوى فإنه يخاف من هللا
تعالى وال يخالف الحقيقة ،ألن إيمانه يحكم عليه أن ربه ينظر إليه ويعلم ما في قلبه.
وتطهير القلب ال يحصل إال بترك المعاصي وقراءة القرآن الكريم بتدبر وكثرة ذكر هللا
تعالى ،والصالة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .وال تقل _ أيها القارئ الكريم _:
نحن لسنا من أهل الطريق حتى نكثر من ذكر هللا تعالى ،فإنك من أهل القرآن ،انظر
وباطنا َ ،تر فيه أن هللا تعالى قَيد
ً ظاهر
ًا في القرآن وتدبر معانيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
363
ذكره بالكثرة ،فكثرة ذكر هللا عز وجل ليست خاصة بأهل التصوف الذي تفرون منه
فراركم من األسد.
وال تقولوا :يكفي أن نصلي على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في العمر مرة ،فإنه
يسقط الفرض بها ،فإنكم إذا وصل إليكم شيء من الدنيا -وأنتم منغمسون فيها إلى
فلم تكتفون بالقليل واألقل من القليل من شحمتي أذنيكم -ال تقولوا يكفينا ما نحن فيه َ ،
لوب { [الرعد ، [٢8: ِ ذكر هللا تعالى؟ وربنا ج َل وعال يقول } :أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ
ّللا ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه
وكيف تكتفون بالصالة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في العمر مرة ،ورسول
علي صالة واحدة صَلى هللا عليه بهاهللا عليه الصالة والسالم يقول » :من صَلى َ
()١
عشر صَلى هللا عليه مئة« . عشر ،ومن صَلى َ
علي ًا ًا
أسعدكم هللا -كما أسعدكم باإليمان -أسعدكم بذكره ج َل وعال وبالتمسك بشريعته
وبسنة رسوله عليه الصالة والسالم وبترك األخالق الذميمة وباإلخالص بالعبادة ،وكل
نور قلوب المؤمنين باإليمان ،فعلى المؤمن أن يأخذ
ذلك محله القلب ،وهللا تعالى َ
بمقتضى اإليمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١عزاه المنذري إلى الطبراني في الصغير ،وأصل الحديث في مسلم.
364
اللفظ التاسع و األربعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
مباحا أو غير مباح ،فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه ،واليه أشار في
ً سواء كان
المباحث بقوله:
معبوده هواهُ
ُ فإنما النفس ما تهواهُ
أباح َومن َ
َ
١
١
فاآلية وان نزلت في هوى الكفر ،فهي متناولة لكل هوى النفس األمارة ؛ ومتابعة الهوى
،وقال ()١
أبغض إلى هللا تعالى من هوى«
ُ هللا عليه وسلم » :ما ُعِّبد تحت السماء
صلى هللا عليه وسلم » :ثالث مهلكات :شح مطاع ،وهوى متَّبع ،
ــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة رضي هللا عنه بألفاظ متقاربة .
365
أيضا » :الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،
وقال ً
()١
واعجاب المرء بنفسه«
()2
والعاجز من أتبع نفسه هواها َّ
وتمنى على هللا«
()4
. كل ما تميل إليه نفسه وتسكن إليه
ك َّ
والتربية َتر َ
أقول :للنفس البشرية وجهان :وجه للحظوظ والتلذذ ،ووجه آخر إلقامة الطاعة .فلو
باألمر وينتهي باألمر .وكذلك الحظوظ األخرى ،كالزواج ،فإن من استقام على الشريعة
والسَنة النبوَية يتزوج ،وزوجته تتعلق به ،فإذا أخ َل بهذا االشتياق النفسي يسبب
ضررا لها.
ً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعيم عن أنس رضي هللا عنه بسند ضعيف .
-١أخرجه البزار والطبراني وأبو َُ َ
صحح على شرط البخاري .وفي
فوعا .وقال الحاكم ُ
-2أخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم والترمذي عن شداد بن أوس مر ً
رواية بزيادة( :األماني).
-3حديث حسن صحيح عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنه .
-4تفسير البحر المديد.
366
الركون إلى الكرامات والوقوف مع المقامات ُّ
كله أهوية تمنع مما هو أعلى منها من
مقام العيان ،فال يزال المريد يجاهد نفسه ويرحلها عن هذه الحظوظ حتى تتمحَض
الراحمين.
الله َم احفظنا من إتباع أهوائنا بفضلك وكرمك يا أرحم َ
367
اللفظان الخمسون و الحادي والخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ،ويستدلوا بها على شؤون منعمها عز وجل ،
مع ههم { حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل َ } ،وال } أَ َغنى َع ه
نهم َس ه
َبص هارههم { حيث لم يجتلوا بها اآليات التكوينية المنضوية في صحائف العالم }،
أ َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
368
أقول :القلب مخصوص بمعرفة هللا تعالى ،فإذا كان فار ًغا منها تكون الجوارح الظاهرة
مقطوعة عنه ،فال هيستعمل السمع والبصر وال غير ذلك من الجوارح فيما هيعرف هللا
وظيفتهم.
ُّ
التفكر في مخلوقات هللا هو القلب ،فإذا تعطل كيف ينظر البصر إلى مثال :محل
من لم يستعمل ما أنعم هللا تعالى به عليه -سواء من الجوارح الظاهرة أو الباطنة
يحتطب ويجمع الحطب ويشعل النار .اآللة بيده وال يستعملها ،هل هيقال :هذا عاقل؟ ال
،وكذلك صاحب الجوارح الظاهرة المقطوعة عن األفئدة الخالية عن محبة هللا ؛ فاألفئدة
يارب العالمين.
الله َم ال تقطع قلوبنا عنك وال تفرغها من محَبتك َ
369
اللفظ الثاني و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ
ِّ
توجهها نحو الخير أصال ، تم عليها ،لعدم ِِ
ّللا َعلى هقلوبهم { َخ َ
طب َع َ ه قوله تعالى } :اَلذ َ
ين َ
فيه. اء ههم { الباطلة ،فلذلك فعلوا ما فعلوا مما ال خير } َوا َتَب هعوا أ َ
َهو َ
()١
ِّ
المذكر من أهل التنوير نهض المستمع له إلى اإلشارة :مجلس الوعظ والتذكير ،إن كان
ظاهر قلبه ،ومنهم من يصل إلى داخل القلب ،ومنهم من يصل إلى روحه ،ومنهم من
يصل إلى سره ،وذلك على قدر التفرغ واالستعداد؛ فمن وصل النور إلى ظاهر قلبه
نهض إلى العمل الظاهر ،وكان بين حب الدنيا واآلخرة ،ومن وصل إلى قلبه نهض
بقلبه إلى هللا ،ورفض الدنيا وراءه ،ومن وصل إلى روحه انكشف عنه الحجاب ،ومن
()2
الحق. وصل إلى سره َّ
تمكن من شهود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
- 2تفسير البحر المديد .
370
الشهود المعنوي ،فكما أن إيمانه غيبي كذلك شهوده
ه أقول :المقصود بشهود الحق
مشهوده َ
لشدة يقينه. ه غيبيا ،فيكون كأنه
بعين اليقين وحق اليقين يكون ً
العالمين إلى رسول رب العالمين ،وباتباع سيد المرسلين عليه الصالة والسالم حتى
الراحمين.
الله َم اجعلنا من أهل الشهود يا أرحم َ
371
اللفظ الثالث و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ ِ ِ
ال
اْلق َت ه يها
حك َمة َوذكَر ف َ
ورة هم َ ورة فِإذا أ ِ
هنزلت هس َ نزلت هس َ
امنوا لوال َ قول اَلذ َ
ين َء َ ( َوَي ه
لهم) أرَيت اَل ِذين ِفي هقلوبِ ِهم مرض يْنظرون ِإليك نظر اْلم ْغ ِشي ع ِ
ليه ِمن اْلم ِ
فأ ََولى ه وت َ َ َ ََ َ ه َ َ َ َ َ َ
(] (٢٠مح َمد ]٢٠:
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض { أي :ضعف في الدين أو نفاق ،وهو ِ
قوله تعالى َ } :أرَيت اَلذ َ
األظهر.
إذا اضطر إليه( ،)2وذلك بالرياضات والمجاهدات ،على وفق إشارة ()١
الجهاد األكبر
.
()4
واليقين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يما فاتَِّّب ُعوهُ} [األنعام ،[ ١53:فالجهاد األكبر مقيَّد بالصراط المستقيم، ِّ ِّ ِّ
جل وعال َ { :وأَ َّن َهذا ص َراطي ُم َستق ً
-١قال ربنا َّ
السنة النبويَّة واإلخالص في العبادة ،مع اإليمان الكامل واليقين ،بدون طلب الشهود. أي :بالتمسك بالشريعة و َّ
التعلقات غير المقبولة ،وكذلك من ُّ
التعلقات باألشباح كلنا محتاجون إلى تطهير بواطننا من األخالق الذميمة ومن ُّ ُّ - 2
المقبولة ،والى ترك ما سوى هللا تعالى ،أي :حتى الذي يرشدنا ال َّ
نتعلق بشبحه ،بل بسر الطريق الذي وصل إليه من رسول
ومن َبعده.
هللا صلى هللا عليه وسلم َ
-3العقل السليم إذا كان موافًقا للشريعة والسنة النبوية مع تمسكه بمجاهدة النفس يرشد صاحبه كما يرشده المرشد فيكون
يسًيا ،ويحصل له االنتقال من مقامات إلى مقامات بالجذب اإللهي وبالعناية اإللهية. أُو ِّ
َ
-4تفسير روح البيان .
372
أقول :الشهود هو اإليقان ،واذا وجدنا في كالم بعض األولياء رضي هللا عنهم عبارة
"رؤية هللا ج َل وعال "فليس المقصود منه الرؤية على الحقيقة ،بل المقصود هو
اإليقان .فإذا ثبت اإليقان يثبت معنى قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :أن تعبد
هللا كأنك تراه « ،هذا هو الشهود ،وال يرى أحد خالقه في الدنيا ،.
فلشدة اإليقان كأنهم يرون تلك التجلِيات ،أو كأنهم يرون رَبهم.
وهذا سر من أسرار الطريق ،وهو أمر معنوي يأتي من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
ويمتد إلى قلوب من يتصلون بهذا السر ،بواسطة خادم الطريق – أي مرشد الطريق -
بمحبتهم له واعتقادهم بأن هذا الطريق متصل بالمركز األصلي ،وهو رسول هللا صلى
هذا االتصال المعنوي برسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فيبقى على حاله ،لكنه إذا
373
اللفظ الرابع و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ان { قال القشيري :إذا تدبروا القرآن أفضى بهم إلى ِّحس
تدَبهرو َن اْلقرَء َ
قوله تعالى }:أَفال َي َ
،فال يدخلها زواجر التنبيه ،وال ينبسط عليها شعاع العلم ،وال يحصل فيهم ()١
الكفار
الباب إذا كان ُمَقفال فكما ال يدخل فيه شيء ال يخرج ما فيه ،كذلك هي قلوب
الخطاب ؛ و ُ
تدَبهرو َن ْاهلقرَء َ
ان { فإن فيه علوم الظاهر والباطن ،لكن إذا زالت عن اإلشارة }:أَفال َي َ
االنهماك في الحظوظ
ُ وحاصلها أربعة :حب الدنيا ،وحب الرئاسة ،و
ُ القلوب األقفال ؛
َّ
وتجلت فيه أسرار وكثرة العالئق والشواغل ؛ فإن َسلِّم من هذه صفا قلبه ،
والشهوات ُ ،
معاني الذات والصفات ،فيتدبر القرآن ،ويغوص في بحر أس ارره ،ويستخرج يواقيته ودرره .
التوفيق. وباهلل
()2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١بسوء اعتقادهم .
- 2تفسير البحر المديد .
374
َ تدَبهرو َن اْلقرَء َ
ان { فإن فيه شفاء من كل داء ُ ،ليفضي وفي التأويالت النجمية } :أَفال َي َ
ِّ
بهم إلى ُحسن العرفان ،ويخلصهم من سجن الهجران } ،أَم َعلى هقلوب أَ َقفاه َ
لها { أم َقفل
الحق على قلوب أهل الهوى بسوء اعتقادهم ،فال يدخلها زواجر التنبيه ،وال ينبسط عليها
ُّ
فهم الخطاب .واذا كان الباب ُمَقفال فال الشك واإلنكار الذي
شعاع العلم ،وال يحصل لها ُ
()١
دعون إليه يدخل في قلوبهم
فيها يخرج ،وال الصدق واليقين الذي هم ُي َ
كل هذا بتوفيق هللا ج َل وعال ،ولكنه تعالى بَين لنا سبيل الهدى وطريق
أقول ُّ :
المجاهدة .فالمجاهدة ليست بترك الحالل بالكلَِية ،كالزواج واألكل والنوم وغير ذلك،
ولكن الذي يرى أن نفسه تغلبه من ناحية الشهوة مثال فإنه يكثر من الصوم حتى يكسر
شهوتها ،فيقلل علف النفس ويثقل ِحملها ،لتكون ساكنة تحت أمر القلب ال تتجاوز
ِ
اطمئنانا ،كما قال ربنا ج َل وعال } :أَال بذكر هللا ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه
لوب { ً عليه ،فيزداد القلب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
375
أكثر الناس يهتمون بنظر الخلق إليهم ،فيقولون :لو لبسنا هكذا ماذا يقولون؟ ولو
عملنا هكذا ماذا يقولون؟ ينبغي للمؤمن أن يقول :هذا أمر الشرع والقرآن َ ،
علي أن
الله َم افتح أقفال قلوبنا وقلوب المؤمنين بنور القرآن الكريم وباتباع السَنة النبوَية
376
اللفظ الخامس و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ين ِفي هقلوبِ ِهم َمَرض { أي :المنافقون ،فإن النفاق مرض قلبي ِ
قوله تعالى }:أَم َح ِس َب اَلذ َ
َضغاَنهم { واألضغان :جمع ِّ
ضغن ،وهو الحقد .وهو إمساك كالشك }،أَن لن هي ْخ ِر َج َ ه
ّللا أ َ ه
للمؤمنين أن لن ُيخرج هللا أحقادهم ولن ُيبرزها لرسول هللا وللمؤمنين ،فتبقى أمورهم
وفي بعض اآلثار :ال يموت ذو زيغ في الدين حتى يفتضح ،وذلك ألنه كحامل الثوم،
()١
على إمساك رائحته .
أقول :صاحب األخالق الذميمة تفوح رائحة أخالقه من َبشرة وجهه ،قبل أن يفتح فمه
حتى يفوح مثل رائحة الثوم والبصل .فإذا سمع المواعظ القرآنية والسَنة النبوَية أو ق أر
كتب القوم واألولياء وعرف أنه متصف بهذه األخالق فإنه يحاول أن يتخلص منها ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان .
377
الملوث ،فيتفكر في نفسه أنه ال بد أن يترك األخالق الذميمة حتى يكون
بهذا القميص َ
نرجو هللا ج َل وعال أن يهدينا إلى أحسن األخالق ،فإنه ال يهدي إلى أحسنها إال هو ،
العدوين الخبيثين.
َ شرورهما ،ألننا ال نطيق وال نقدر على دفع هذين
هذه اآلية الكريمة في حق المنافقين الذين هم كفار في الحقيقة ،لكن المؤمن يمكن أن
يحمل صفات المنافقين ويعمل بها ،من غير أن يشعر بذلك ،فال يشتغل بتركها ؛ لكنه
إذا استشعر بخباثة هذه األخالق فإنه ال يرضى بها ،أل نه إذا رأى هذه األخالق في
غيره ال يرضى بها ،فمن باب أولى أن ال يرضاها لنفسه ،لكنه ال يراها في نفسه ؛
فرض عين -كما قال اإلمام الغزالي رضي هللا عنه -ألن
ولذا فإن الدخول في الطريق ه
اإلنسان ال ي َ
طلع على عيوب نفسه بنفسه ،فال بد له من األستاذ الحقيقي ،الذي
الراحمين.
الله َم هم َن علينا بالخالص من عيوبنا ،يا أرحم َ
378
اللفظ السادس و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
عنهما ،وعنه :الرحمة .وقال قتادة :الوقار في قلوب المؤمنين – وهم الصحابة رضي هللا
عنهم يوم الحديبية -الذين استجابوا هلل ولرسوله وانقادوا لحكم هللا ورسوله ،فلما اطمأنت
لوب ْالم ْؤ ِمِنين { لئال تنزعج قلوبهم لما ي ِّرد عليهم َّ ،
فسلموا لقضاء هللا قوله تعالى ِ }:في هق ِ
َُ َ ه
،وكانوا قد اشتد عليهم صد المشركين لهم عن البيت ،حتى قال عمر رضي هللا عنه :
عالم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم » :أنا عبد هللا ورسوله
َ
()3
وأطاعوا. َّ
فسلموا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير ابن كثير .
َ -2وَرَد في الصحيحين بلفظ { :إني رسول هللا ولست أعصيه وهو ناصري} انظر فقه السيرة ،للدكتور محمد سعيد
رمضان البوطي.
-3تفسير زاد المسير .
379
عيانيا مع
ً ذوقيا
وجدانيا ً
ً إيمانا
قال حضرة الهدائي قدس سره في مجالسه المنيفة :ليزدادوا ً
إيمانهم العلمي الغيبي ،فإن السكينة نور في القلب يسكن به إلى ما شاهده ويطمئن ،
وسرور. وهو من مبادي عين اليقين بعد علم اليقين ،كأنه وجدان يقيني معه لذة
()١
أقول :كلما ازداد العبد في التوجه إلى هللا تعالى مع الصدق في ذلك فإن هللا تعالى -
في عين اليقين ،ثم ينقله بفضله وكرمه إلى حق اليقين ،فإنه جواد سبحانه وتعالى ،
عبد ِه -إذا اشتغل بدينه -أن يعرفه ،وأن يستفيد من معرفة ربوبية خالقه
يحب ِمن ِ
ج َل وعال.
ق بابه مرة أو مرتين أو ثالث مرات فإنه يفتح لنا ويجيبنا ،فكيف
إذا ذهبنا إلى عبد َنهد ُّ
بنا إذا جاهدنا أنفسنا في دين اإلسالم ال نزداد هداية وال سكينة؟ هذا ال يليق بالعبد
فكيف باهلل تعالى؟ إنه يعطي العبد ما يطلبه بشرط أن يكون صاد ًقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
380
اللفظ السابع و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
لما قصد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم التوجه إلى الحديبية َّ
تخلف قوم من األعراب عنه،
َه َلونا { ،فأطلعه هللا سبحانه على كذبهم ونفاقهم ؛ وأنهم ال
َمواهَلنا َوأ ه
وقالوا } :ش َغْل َتنا أ َ
()١
إخالصا ،وعندهم سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم .
ً يقولون ذلك
ُّ
التخلف لم يكن باختيار ،وانما كان عن اضطرار ،وهم كاذبون العفو من هللا ،ألن هذا
فمن َيملِ هك لكم في هذا القول ،يقولون خالف ما يبطنون ،وهذا هو النفاق القبيحْ } ،
قل َ
ان َ ِ ِمن َ ِ
عم لو َن خ ِب ًا
ير { أي : ّللا ب َما َت َ شيئا ِإن أََرَاد ِبكم َض ار أَو أََرَاد ِبكم ً
نفعا َب ْل َك َ ه ً ّللا َ
قل لهم :من يمنعكم أو يدفع عنكم ما قدره هللا لكم من ضر أو نفع ؟
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير القشيري .
381
()١
فإذا أراد هللا عليكم القتل والهزيمة ،أو أراد لكم النصر والغنيمة ،فمن يمنع ذلك عنكم؟
وفي اآلية إشارة إلى أن القلوب الغافلة عن هللا يقولون -أي أهلها -بألسنتهم ما ليس له
شعور لقلوبهم على حقيقة ما يقولون ،فإنهم يقولون ويريدون به معنى آخر ، َ حقيقة ،وال
اعتذار لتخلفهم ،ولقولهم " :شغلتنا "
ًا مجاز ،يريدون به
ًا كقولهم ":شغلتنا أموالنا وأهلونا "
حقيقة ،وذلك أن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن ذكر هللا واالئتمار بأوامره وعن متابعة النبي
()2
بها. عليه الصالة والسالم وهم مأمورون
بألسنتهم يطلبون من رسول هللا االستغفار لهم ،وقلوبهم مخالفة أللسنتهم ،ه
وهللا تعالى
طلع على قلوبهم ،وبذلك ثبت كفرهم بالنص القرآني.مَ
شيئا بلسانه مخال ًفا لما في قلبه فهو فاسق ،فعلينا أن نحترز من هذه
والمؤمن إذا قال ً
الصفة ،ألن هللا يعلم إذا كانت األلسنة مخالفة للقلوب ،هذا واحد ،واآلخر أننا إذا
كذبنا من أجل شيء نريده من الخلق فإذا جاء ضرر من عند هللا بسبب كذبنا هل هناك
أحد يدفع هذا الضرر عنا؟ إذا كان ذلك غير ممكن فما فائدة الكذب؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2تفسير روح البيان.
382
اللفظ الثامن و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
يقول تعالى ذكره لهؤالء األعراب -المعتذرين إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عند
هللا عليه وسلم ومن معه من أصحابه سيهلكون ،فال يرجعون إليكم ً
أبدا باستئصال العدو
وحسن الشيطان ذلك في قلوبكم وصححه عندكم ، ِ إياهم } ،وهز ِ ِ
ين ذل َك في هقلوبكم{ َ
َ َ
الس ِ
وء { يقول : ظ َن َ
ظْنهنتم َ
حسن عندكم التخلف عنه ،فقعدتم عن صحبته } َو َ
حتى ُ
محمدا صلى هللا عليه وسلم وأصحابه المؤمنين على أعدائهم ،
ً وظننتم أن هللا لن ينصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الطبري .
383
أقول :هذه اآلية الكريمة والتي قبلها نزلتا في حق من تخَلف عن رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم وادعى دعوى غير صادقة ،لكنها ُّ
تجر ذيلها في كل عصر إلى من ال تهمه
تقوى هللا ،وال تهمه الصالة ،وال يهمه الصدق ،ويتخبط مع نفسه ،سواء كان في
البيع والشراء أو في المعاملة الدينية والدنيوية.
فعلى المؤمن أن يكون صاد ًقا ،كلما أراد أن يتكلم عليه أن يتكلم بالصدق ،ولكن ال يلزم
افقا إلعالنه يكون
وسره مو ً
افقا لباطنه ُّ
عليه أن يتكلم بكل الصدق ،فإذا كان ظاهره مو ً
من الصادقين ،أما إذا كان يرجح الدنيا والفلوس واألكاذيب فإنه يخرج عن صف
الصادقين ،فعليه أن يتوب ويستغفر ويرجع إلى هللا تعالى فهو غفور رحيم ،لئال يقع
لهم الص ِاد ِق ِ
قهم هين صهد ه
َ وم َيْن َف هع َ
في الهالك ،وحتى يدخل تحت قول هللا تعالى َ } :هذا َي ه
نهم َوَر هضوا َعْنه ذلِ َك ِ تحتها األَ ْنهار خالِ ِد ِ
جَنات تجرِي ِمن ِ
ّللا َع ه
يها أََب ًدا َرض َي َ ه
ين ف َ
َ َه َ َ
يم { [ المائدة .[ ١١٩: ِ
فوز اْل َعظ ه
ْاَل ه
مدار هذه اآلية الكريمة تزيين الشيطان بعض األمور في قلوب المؤمنين ،فعلى المؤمن
العاقل أن يتجنب األخالق الرديئة التي يزينها له الشيطان ،ألنها خالف مقتضى
اإليمان ،وأن ال يبرر وال يدافع عن نفسه ،ألن الكذب في أمر ما يؤثر على إيمان
المخاطب فيه.
نرجو هللا تعالى ج َل جالله أن هيصلح ظاهرنا وباطننا ،وأن يجعلنا من المتمسكين
باتباع الرسول صلى هللا عليه وسلم ،والمقتدين بأخالقه الكريمة.
384
اللفظ التاسع و الخمسون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
َما ِفي هقلوبِ ِهم َفأَْن َز َل فعلِ َم ّللا ع ِن ْا ِ ِ
الش َجَرِة َ ين ِإ ذ هيَبايِ هع َو َ
نك تحت َ لم ْؤ ِمن َ
ه ( َلقد َرض َي َ ه َ
َِ
قر ًيبا ( ) ] (١8الفتح ]١8: تحا ِ السكَينة َعلي ِهم َوأ َ
َثاب ههم ْف ً
أي رضي هللا عن المؤمنين الذين بايعوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على الموت في
وحدد المكان الذي بايعوا فيه وهي الشجرة ،وحضر هذه البيعة روح القدس جبريل عليه
السالم ،ولهذا ُس ِّطرت في الكتاب المبين ،فما أكرمها من بيعة! وما أعظمه من أجر و
فعلِ َم َما ِفي هقلوبِ ِهم { من الصدق والوفاء فرزقهم الطمأنينة وسكون النفس عند
ثواب!َ } ،
()١ ِّ
الجنان. البيعة ،ألنها كانت بيعة على الموت ،وجازاهم على هذا اإليمان بدخول
قال القشيري :علم ما في قلوبهم من االضطراب والتشكيك( ،)2وذلك أنه صلى هللا عليه
َّ
وسلم رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين ،فبشر أصحابه ،فلما ُ
صدوا
عنهم .ثم قال :وفي اآلية دليل على أنه قد يخطر ببال اإلنسان خواطر مشككة ،
ــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2هذه الوساوس والخطرات ال يؤاخذ العبد بها مادامت لم تنتقل إلى الهم والعزم .
385
خير ألزم التوحيد قلبه ،وقارن
وفي الريب موقعة ،ثم ال عبرة ،فإن هللا تعالى إذا أراد بعبده ًا
ط ِائف ِ
التحقيق سره ،فال يضره كيد الشيطان .قال تعالى ِ } :إ َن اَلذ َ
ين ا َتقوا ِإذا َم َس ههم َ
أقول :على المؤمن أن يكون على سيرة الصحابة رضي هللا عنه ،فإننا -وان لم نكن
في الدرجة مثلهم -لكننا في االعتقاد واإليمان مثلهم ،ألن االعتقادات اإليمانية ال
تتغير ،وهم بايعوا النبي عليه الصالة والسالم بيعة على الموت ،وبسبب ذلك الصدق
فعلى المؤمن أن يكون صاد ًقا في كالمه وفي معاملته وفي عبادته ،ألن هللا م َ
طلع عليه
،ويعامله بما يوافق علمه تعالى فيه ،ال بما يوافق علم العباد أو أقوالهم ،ولذا قال ربنا
يم { [ التوبة ، [ ١٠٠ :اإلحسان :أن تؤمن أن ربك يعلم ما في قلبك. ِ
اْل َعظ ه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البحر المديد
386
علينا أن نصلِح هونطهر بواطننا ،فإذا قلتم :كيف نطهر قلوبنا؟ الجواب :بإيمانكم بأن
فإنه غفور رحيم لمن تاب وأناب وترك المخالفات ،أما أن تصر على المخالفات وتقول :
الراحمين.
أبدا ،يا أرحم َ
نصوحا ،ال ننقض عهدها ً
ً الله َم ارزقنا توبة
387
اللفظ الستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ته َعلى َر هسولِ ِه اهلَِي ِة فأَْن َزل َ ِ
ّللا َسكَيَن ه
َ ه
(ِإذ جعل اَل ِذين َكفروا ِفي هقلوبِ ِهم اْلح ِمَية ح ِمَية اْلج ِ
َ َ ه َ َ ه َََ
ِ ان َ ِ ِ ِ وعلى ْا ِ
يما (
ّللا ب هكل َشيء َعل ً لها َوَك َ ه ق ِب َها َوأ َ
َه َ قوى َوكاهنوا أ َ
َح َ لم ْؤ ِمن َ
ين َوأَْل َزَم ههم كل َمة ال َت َ ه ََ
(] )٢٦الفتح [٢٦:
إلى نفوس المشركين العصبية الجاهلية أنفة وغطرسة ،فمنعوكم من دخول مكة وأداء
مناسك العمرة ،ورفضوا أن يكتبوا في وثيقة الصلح " :بسم هللا الرحمن الرحيم " كما
رفضوا أن يكتبوا " :محمد رسول هللا " وقالوا :اكتب اسمك واسم أبيك .وفي أبي السعود:
ته { أي :فأنزل هللا الطمأنينة والصبر والوقار على قلب رسوله صلى هللا } فأَْن َزل َ ِ
ّللا َسكَيَن ه
َ ه
عليه وسلم وقلوب المؤمنين ،ولم تلحقهم العصبية الجاهلية كما لحقت المشركين ،وثبتهم
على كلمة اإليمان والتوحيد " :ال إله إال هللا محمد رسول هللا "واإلذعان والطاعة هلل ورسوله
()١
المسلمين. ،مع أن شروط الصلح كانت مجحفة بحقوق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
388
فال يصل العبد إلى مواله حتى تكون نفسه أرضية ،وروحه سماوية ،يدور مع الحق أينما
دار ،ويخضع للحق أينما ظهر ،وألهله أينما ظهروا ،لم تبق فيه حمية وال َأنفة ،بل
ته َعلى َر هسوِل ِه { أهل الخذالن ،وأما أهل العناية فأشار إليهم بقوله َ } :فأَْن َزل َ ِ
ّللا َسكَيَن ه
َ ه
في القلب من األمراض والنفاق ،ألن النفي تنزيه وتخلية ،واإلثبات :نور وتحلية ،فال
َ
يزال النفي ُيخرج من القلب ما فيه من الظلمة والمساوئ حتى يتطهر ويتصف بكمال
ُ
المحاسن.
()١
أقول :العزة الموجودة في المؤمنين هي عزة الدين ،العزة العنصرية وال القرابة وال غيرها
،ولوال ذلك لما سكت الصحابة الكرام رضي هللا تعالى عنهم على ما صدر من الكفار من
عدم موافقتهم على كتابة " مح َمد رسول هللا " صلى هللا عليه وسلم ،وطلبهم أن يكتب
اسمه الشريف واسم أبيه .فإن ذلك لم يحرك في قلوبهم رضي هللا تعالى عنهم األخذ
بالشدة وهم في مجلس رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ألن هللا تعالى أسكت العزة
والغيرة التي في قلوبهم ،فتحملوا ذلك لئال تفسخ شروط المصالحة ،التي اتفق عليها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البحر المديد.
389
أل نه في الحقيقة أخذ بعين االعتبار ما رآه في الرؤيا ،واجتهد أن يكون ذلك الصلح
ضد الكفار ،وأن يكون فيه فوائد كثيرة للمسلمين .وأنت تعلم -أيها القارئ الكريم -ما
فعله سيدنا عمر ،وما قاله لسيدنا أبي بكر رضي هللا تعالى عنهما ،وأنهما رجعا إلى
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فقال لهما » :إني عبد هللا ورسوله ولن يضيعني «
علينا -معاشر المسلمين -أن نحافظ على ديننا واسالمنا وكتابنا الذي يبقى فينا إلى
آخر الدنيا ،حتى ال نضيع ما أعطانا هللا تعالى ببركة الرسول األعظم صلى هللا عليه
وسلم .فال يجوز للمؤمن أن يتجاوز عن حق العموم في اإلسالم ،ولكن له أن يتجاوز
ويسامح في حقه.
نرجو هللا تعالى أن يثبتنا على اإلسالم واإليمان وسنة الرسول عليه الصالة والسالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١انظر تخريج الحديث في هامش اللفظ السادس والخمسون بعد المئة.
390
اللفظ الحادي و الستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي :إن الذين يغضون أصواتهم في مجلس النبي صلى هللا عليه وسلم مراعاًة لألدب هؤالء
هم الذين أخلص هللا قلوبهم لمرضاته ،وجعلها أهال ومحال لتقوى هللا واإلجالل لرسوله ،لهم
()١
النعيم. على أدبهم المغفرة والثواب العظيم في َّ
جنات
ِ ِ ِ
قوى { أي كائنة للتقوى مختصة بها ،
لوب ههم لل َت َ
ّللا هق َ
تح َن َ ه
ام َ فقوله تعالى } :أ َهولئ َك اَلذ َ
ين َ
لصها للتقوى ،أي جعلها خالصة ألجل التقوى ،أو أخلصها لها ،فلم يبق
أخ َ
أو المراد َ
َع ِظيم { قال اإلمام أحمد في كتاب الزهد حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور عن
مجاهد قال :كتب إلى عمر :يا أمير المؤمنين ! رجل ال يشتهي المعصية وال يعمل بها
أفضل أم رجل يشتهي المعصية وال يعمل بها؟ فكتب عمر رضي هللا عنه :إن الذين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر .
-2تفسير األلوسي .
-3تفسير ابن كثير .
391
قال اإلمام القشيري رحمه هللا :أولئك هم الذين امتحن هللا قلوبهم للتقوى بانتزاع حب
()١
اعوا األدب .
الشهوات منها ،فاتَقوا سوء األخالق ،ور َ
الجسد َخَلقه هللا تعالى للطاعة والركوع والسجود ،ألن الجوارح تحت سيطرة القلب وهو
و ه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير القشيري .
392
اللفظ الثاني و الستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
شيئا
يم ُّل ً
زينه فيها بحيث ال تفارقونه وال يخرج من قلوبكم ،وهذا ألن من يحب أشياء فقد َ
أكثر وتحمله لمشاق التكليف أتم تكون العبادة والتكاليف عنده ألذ وأكمل ،ولهذا قال في
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
393
اشهدو َن { أي :والذين َّ
تحلوا بهذه والمعاصي والخروج عن طاعة الرحمن } ،أ َهو ِلئ َك هه هم َ
الر ِ
()١
الصفات الجليلة هم الراشدون الموفقون للخيرات وسلوك طريق السعادة .
وقيمته وأفضليته باإليمان ،ال بالحسب والنسب والشكل وغير ذلك ،ألنه إذا َثبت في
اإليمان القطعي فإنه يعزم ويتكلم ويفعل ما يوافق إيمانه .وقوله تعالى:
ه قلب العبد
نه ِفي هقلو ِبكم { يدل على أن التزيين ال يحصل إال باإليمان ،ومكان التزيين هو
{ َوَزَي ه
حظوظه النفسانية ،ألن الفم غطاء القلب ،فإذا فتح الفم يخرج الكالم إما بصفة
اإليمان أو بالعكس ،من الكذب واالفتراء والتكبر ،والناس َي ِقفون على ما يصدر عن
هذه ثمرة اإليمان الثابت في القلب وتزيينه لألخالق واألقوال واألفعال .وهللا المستعان.
يارب العالمين.
الله َم زين قلوبنا بحسن ال هخلق َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
394
اللفظ الثالث و الستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا َحَب َب ِإَل ه ِ َمر ِ ِ ِ ِ ِ َن ِفيكم رسول َ ِ
يك هم لعن ُّتم َولك َن َ َ يعكم في كثير م َن األ ِ َ ّللا لو هيط ه َه َ لموا أ َاع ه
( َو َ
اشهدو َن) ()٧ ان أ َهو ِلئ َك هه هم َ
الر ِ ِ
فسوق َوْالع َ
صي َ لكفر َواْل ه
يك هم ْا َ نه ِفي هقلو ِبكم َو َ
كرَه ِإَل ه ان َوَزَي ه
يم َ ِ
اإل َ
[ الحجرات]٧:
شيئا منها
يم ُّل ً
فيها بحيث ال تفارقونه وال يخرج من قلوبكم ،وهذا ألن من يحب أشياء فقد َ
وتحمله لمشاق التكليف أتم تكون العبادة والتكاليف عنده ألذ وأكمل ،ولهذا قال في األول :
()١
قلوبهم. نه ِفي هقلو ِبكم { كأنه قربه إليهم ثم أقامه في
ثانيا َ } :وَزَي ه } َحَب َب ِإَل ه
يك هم { وقال ً
()2
. الجليلة هم الراشدون الموفقون للخيرات وسلوك طريق السعادة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
- 2التفسير الواضح الميسر .
395
يدل على أن اعتبار اإلنسان باإليمان ،
ان { ُّ
يم َ أقول :قوله تعالى َ } :حَب َب ِإَل ه ِ
يك هم اإل َ
وقيمته وأفضليته باإليمان ،ال بالحسب والنسب والشكل وغير ذلك ،ألنه إذا َثبت في
اإليمان القطعي فإنه يعزم ويتكلم ويفعل ما يوافق إيمانه .وقوله تعالى:
ه قلب العبد
نه ِفي هقلو ِبكم { يدل على أن التزيين ال يحصل إال باإليمان ،ومكان التزيين هو
} َوَزَي ه
القلب ،فإذا َثبت التزيين في القلب ال يخرج من الجوارح إال ما كان موافًقا لإليمان ،
حظوظه النفسانية ،ألن الفم غطاء القلب ،فإذا هَفتح الفم يخرج الكالم إما بصفة
اإليمان أو بالعكس ،من الكذب واالفتراء والتكبر ،والناس َي ِق هَفون على ما يصدر عن
هذه ثمرة اإليمان الثابت في القلب وتزيينه لألخالق واألقوال واألفعال .وهللا المستعان.
رب العالمين.
الله َم زين قلوبنا بحسن ال هخلق يا َ
396
اللفظ الرابع والستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي خاف الرحمن وأطاعه واتبع أمره ،دون أن يرى ربه ،لقوة إيمانه ويقينه ،وجاء بقلب
()١
والمنكرات. نقي وطاهر ِّ ،
غير ملوث بالقذارات من الكفر
الرحم َن ِب ْا ِ
لغيب { أي كانت خشيتهم قبل ظهور األمور حيث ِ
فقوله تعالى َ }:من خش َي َ َ
ألن الخاشي قد يهرب ويترك القرب من المخشي وال ينتفع ،واذا علم الخاشي أنه تحت
حكمه تعالى علم أنه ال ينفعه الهرب ،فيأتي المخشي وهو (غير) خاش ،فقالَ } :و َجاء}َ
وجوها
ً ولم يذهب كما يذهب اآلبق ،وقوله تعالى ِ } :بقْلب همِنيب{ الباء فيه يحتمل
سليما ،كما يقال ذهب به إذا أذهبه ؛ ثانيها :المصاحبة ،يقال :اشترى فالن
قلبا ً
أحضر ً
الفرس بسرجه أي مع سرجه ،وجاء فالن بأهله أي مع أهله ؛ ثالثها : -وهو أعرفها -
الباء للسبب ،يقال :ما أخذ فالن إال بقول فالن ،وجاء بالرجاء له ،فكأنه تعالى قال :
جاء وما جاء إال بسبب إنابة في قلبه ،علم أنه ال
ــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
397
القلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى :
مرجع إال إلى هللا ،فجاء بسبب قلبه المنيب .و ُ
الصافات ، [ ٨4:أي سليم من الشرك ،ومن سلم منَّ اء َرَب هه ِبقْلب َسلِيم { ] ِ
} إذ َج َ
منيبا ،ومن أناب إلى هللا برئ من الشرك
الشرك يترك غير هللا ويرجع إلى هللا ،فكان ً
سليما)١( .
فكان ً
لغيب { أي من خاف هللا في ِّسره حيث ال يراه أحد
الرحم َن ِب ْا ِ ِ
قال ابن كثير َ } :من خش َي َ َ
خاليا ففاضتإال هللا عز وجل ،كقوله صلى هللا عليه وسلم » :ورجل ذكر هللا تعالى ً
()3
. ()2
عيناه «
اء ِبقْلب همِنيب { لم يقل بنفس مطيعة ،بل قال :بقلب منيب ،ليكون للعصاة} َو َج َ
قد ِّم فلهم األسف بقلوبهم وصدق
في هذا أمل ،وان قصروا بنفوسهم وليس لهم صدق اَل َ
()4
الندم.
اء ِبقْلب همِنيب { إلى ربه ،معرض عما سواه ،مقبل عليه
وفي التأويالت النجمية َ } :و َج َ
()5
بكلِّيته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
- 2متَّفق عليه .
- 3تفسير ابن كثير .
- 4تفسير القشيري .
- 5تفسير روح البيان
398
أقول :خوف العبد من هللا تعالى بينه وبين هللا ج َل جالله ،ال يعلمه أحد من الخلق ،وال
والخوف من هللا إما أن يكون لعظمته أو لعقابه ؛ فإذا كان لعظمته يحصل االستحياء
ألن هللا تعالى ال هيرى في الدنيا ،لكن اإليمان الغيبي يقع معنى
والخوف من اإليمان؛ َ
ً
مكان الرؤية ،يعني كأَنه يراه ،فمن كان يؤمن بمعيته كأَنه يراه فإن هذا يقع مكان
الرؤية.
إيمانيا
ً شعورا
ً وان حصل هذا فليس من طهارة قلوبنا ،بل من فضله تعالى أعطانا
بالغيب رغم عدم الرؤية ؛ هذه ِمَنة كبيرة ،حتى نبقى مع هذا اإليمان أبد األبد ،ونبقى
-في اآلخرة -على المحبة هلل ال للجَنة ،وهذا أمر ال يوازيه شيء.
399
اللفظ الخامس والستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ِ ِ ِ ِ
مع َو هه َو َش ِهيد ( ) ] (٣٧ق]٣٧: ان َل هه َقْلب أَو أََلقى َ
الس َ ( ِإ َن في ذل َك لذ َ
كرى ل َمن َك َ
أي :إن فيما ذكرناه من إهالك األمم الباغية لتذكرة وموعظة لمن كان له قلب سليم وفكر
نير يتدبر به ما يسمع ،أو أصغى إلى الموعظة وهو حاضر القلب ليتذكر ويعتبر ،
()١
. فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه .وعبر عن الفعل بالقلب َّ
ألنه موضعه
قال القشيري :فالقلوب أربعة :قلب فاسد ؛ وهو قلب الكافر ،وقلب مقفول ؛ وهو قلب
المنافق ،وقلب مطمئن ؛ وهو قلب المؤمن ،وقلب سليم ؛ وهو قلب المحبين والمحبوبين
()2
. ،الذي هو مرآة صفات جمال هللا وجالله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2تفسير البحر المديد .
400
أقول :البَد لإلنسان أن يتفكر بعقله فيمن مضى من األمم ،فقد مضى مئة وأربع
لو تف َكر اإلنسان بعقله فيمن مضى من الناس وما ذاقوا من العذاب ،وفي أولئك
األنبياء ومن وافقهم ومن خالفهم ،وأنهم كلهم انقرضوا ولم يبق لهم أثر ،يحصل له
االعتبار بأنه فرد واحد من الذين ذهبوا والذين بقوا ،فيتفكر بأن ال يخالف أمر خالقه
واتباع رسوله آخر األنبياء عليه الصالة والسالم ،المبعوث لإلنس والجن تكلي ًفا
وللمالئكة تشري ًفا.
على اإلنسان أن يتفكر بأنه فرد مثل أولئك األفراد الذين ذهبوا ولم يرجع أحد منهم حتى
نسأله أي شيء ينفع و أي شيء يضر هناك ،هذا أوال.
َ
المنزه عن الشركاء ، وثانيا :يجب أن يحصل اإليمان القطعي في جناب الذات األعظم
ً
القادر على كل شيء.
بالمسألة األولى تحصل الذكرى ،وبهذا اإليمان يحصل القلب الشهيد ،الذي يشهد
عظمة هللا ،ويؤمن بقوة هللا وقدرته ج َل وعال.
بهذا يخلص اإلنسان من التقليد واالشتغال باألمور الفارغة الفانية ،ومن االشتغال الزائد
عن الحاجة بهذه الدنيا ،ويتمسك باهلل تعالى ،ويكون من الذين مدحهم هللا تعالى
ِ ِ ِ ِ
مع َو هه َو َش ِهيد { ان َل هه َقْلب أَو أََلقى َ
الس َ بقوله ِ } :إ َن في ذل َك لذ َ
كرى ل َمن َك َ
401
فإذا سمع الموعظة القرآنية أو السَنة النبوَية يتعظ بها ،ويدخل تحت مدح هللا لعباده
الراحمين.
الله َم اجعلنا منهم يا أرحم َ
402
اللفظ السادس والستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
نه َعلى َما َيَرى ) ] ( (١٢النجم ]١٢-١١: فؤ هاد َما َأرَى ( (١١أَ هف َ
تم هارَو ه كذب اْل َ
) َما َ
أقول :هذه اآلية الكريمة قريبة من المتشابهات ،وليس لنا أن نؤول اآليات الكريمة
واألحاديث الشريفة ،بل نكتب ما قاله المفسرون والمحدثون -رحمهم هللا تعالى – اهـ.
فؤ هاد { أي :فؤاد محمد عليه الصالة والسالم } َما َأرَى { أي :
كذب اْل َ
فقوله تعالى َ }:ما َ
ما رآه ببصره من صورة جبريل على تلك الكيفية ،أو :من نور الحق تعالى ،الذي تجلى
كذبا ؛ ألنه عرفه بقلبه كما له .أي :ما قال فؤاده لِّ َما رآه :لم ِّ
أعرف َك ،ولو قال ذلك لكان ً
وقيل :على إسقاط الخافض ،أي :ما كذب القلب فيما رآه البصر ،بل .
()١
عرفه ببصره
ما رآه ببصره حققه .وفي الحديث ُ :سئل صلى هللا عليه وسلم :هل رأيت ربك؟ قال » :
ــــــــــــــــــــــ
-١ألن اإليمان لم يحصل له -عليه الصالة والسالم – بالرؤية ،بل حصل له اإليقان بالقلب قبل ذلك ؛ وما دام اإليمان
الحاصل بالقلب ال يدخل فيه شك وال ريب فإنه كاإليمان الحاصل بالبصر.
ُخرى ( ،قال :رآه
فؤ ُاد َما َأرَى) ) َوَلقد َرآهُ َنزَلة أ َ -2روى اإلمام مسلم عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال َ ):ما َ
كذب ال َ
بفؤاده مرتين.
- 3قال ابن كثير في تفسيره :ذكره الحافظ ابن عساكر بسند ضعيف .
403
أيضا :أنه لما انتهى إلى العرش صار كله
البصيرة ،فرأى ببصره ما رأته البصيرة .وجاء ً
بصر ؛ وبهذا يرتفع الخالف ،وأنه رآه ببصر رأسه .وقوله عليه الصالة والسالم حين سأله
ًا
أبو ذر :هل رأيت ربك؟ فقال » :نور َّأنى أراه « ،وفي طريق آخر » :رأيت ًا
نور « .
وحاصلها أنه رأى ذات الحق متجلية بنور من نور جبروته ،إذ ال يمكن أنترى الذات إال
ُ
بواسطة التجلِّيات.
صلى هللا عليه وسلم مرتين .وقيل البن عباس رضي هللا عنهما :ألم يقل هللا سبحانه
()2
. األصلي لتالشى الخلق
والجمهور على أن المرئي مرتين هو جبريل ،وعن ابن عباس وعكرمة رضي هللا عنهما :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدم الرؤية ،كما ال يلزم .من عدم
-١قال ابن كثير في تفسيره :المراد باإلدراك اإلحاطة ،وال يلزم من عدم اإلحاطة ُ
يطون ِّبشيء ِّمن ِّعل ِّم ِّه ِّإالَّ ِّب َما َشاء ) [ البقرة [255:
عدم العلم ،قال تعالى َ ) :وال ُي ِّح َ
إحاطة العلم ُ
- 2تفسير البحر المديد .
- 3صفوة التفاسير.
404
قال مسروق :دخلت على عائشة رضي هللا عنها فقلت :هل رأى محمد ربه؟ فقالت :لقد
لكبرى{ ِ ِ ِ
ف له شعري ،فقلت ً :
رويدا ،ثم قرأتَ } :لقد َأرَى من َء َايات َربه ْا َ تكلمت بشيء َق َّ
محمدا رأى ربه
ً ] النجم ، [ ١٨ :فقالت :أين يذهب بك؟ إنما هو جبريل .من أخبرك أن
اع ِة ّللا ِعْن َد هه ِعْل هم َ
الس َ ِ
شيئا مما أُمر به أو يعلم الخمس التي قال هللا تعالى } :إ َن َ َ
ِّ أو كتم ً
غدا َو َما تدرِي َن ْفس ِبأَي َرحا ِم َو َما تدرِي َن ْفس َماذا َت ْك ِس هب ً ِ
لم َما في األ َ
زل اْلغيث َوَي َع ه
َوهيَن ه
ّللا علِيم خ ِبير { ] لقمان ، [ 34:فقد أعظم على هللا ِّ
الفرية ،ولكنه رأى أَرض َت هموت ِإ َن َ َ َ
مرة عند سدرة المنتهى ومرة في أجياد ،وله ستمئة
جبريل ،لم ي َره في صورته إال مرتين ً ،
األفق. جناح قد سد
()١
وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى ،ثم اختلف هؤالء
فذهب جماعة إلى أنه صلى هللا عليه وسلم رأى ربه بفؤاده دون عينيه ،وذهب جماعة إلى
بعينيه. أنه رآه
()2
كثير من العلماء المتقدمين يقولون :رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
أقول :لكن ًا
رَبه بعيني رأسه ،كما قال ابن عباس رضي هللا عنهما.
ولكن أمر معراج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليس من أركان اإليمان ،بل هو من
نور اإليمان ،ألنه عليه الصالة والسالم ذهب بالوالية ورجع بالرسالة ،الوالية قابلة
ِ
للظلَِية والرسالة َ
منزهة عن الظلية .الذين يقولون " :رأى" والذين يقولون " :لم َير "هذا
من اجتهادهم رضي هللا تعالى عنهم ،وان اعتقادي وايماني أنه – عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
- 2شرح اإلمام النووي على صحيح مسلم.
405
الصالة والسالم -رأى ربه بعينيه ،بما يليق بين الحبيب والمحبوب ،ألن العبد العاجز
الفقير إذا جاهد نفسه في هللا تعالى -وهو في مقعده -يرى رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم في أعلى علِيين ،فكيف ال يرى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ربه في ذاك
المعراج؟
الراحمين.
الله َم ال تحرمنا النظر إلى وجهك الكريم في الجنة يا أرحم َ
406
اللفظ السابع والستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الص هد ِ
ور { أي :بمكنوناتها الالزمة لها ،من الهواجس قوله تعالى } :وهو علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ َ هَ َ
والخواطر .بيان إلحاطة علمه تعالى بما يضمرونه من ِّنياتهم وخواطرهم ،بعد بيان
صالحها إحاطته بأعمالهم التي يظهرونها على جوارحهم ،أو بحقائق الصدور من
()١
. وفسادها َّ ،
كنى بها عن القلوب .وهللا تعالى أعلم
خارج الصالة -علينا أن نستعيذ باهلل ونرجع إليه ونستغفره -لكن في الصالة بدون
وغيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البحر المديد .
407
تعرض على القلب من الشيطان
هذه الوساوس والهواجس والخطرات المخالفة التي هَ َ
يليق بإيمانهم.
408
اللفظان الثامن و الستون و التاسع و الستون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ألم يجئ وقت أن تخشع قلوبهم لذكره تعالى وتطمئن به ويسارعوا إلى طاعته باالمتثال
ألوامره واالنتهاء عما نهوا عنه من غير توان وال فتور؟ قال بعضهم :الذكر إن كان غير
القلوب أي سبب ،فالذكر مضاف إلى مفعوله والالم بمعنى الوقت .وان كان القرآن فهو
غلظ القلب ،وانما تحصل من إتباع الشهوة ،فإن الشهوة والصفوة ال تجتمعان
()١
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
409
أقول :هذه القسوة في حق الك َفار والمنافقين ،نرجو هللا تعالى أن يحفظ قلوب المؤمنين
منها .أ َما الغفلة فهي ثابتة ألكثر المؤمنين ؛ فإنهم -مع إيمانهم– منغمسون في
الدنيا والشهوات والبعد عن أحكام هللا تعالى وشرعه وعن إتباع رسول هللا عليه الصالة
اإلخالص في العبادة ،فإنه إن أخطأ – وال بد أن يخطئ ألنه بشر -عليه أن يستغفر
410
اللفظ السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
بعضا .وقيل :هذا إشارة إلى أنهم أُمروا في َ ْأرف ًة َوَر َ
حمة { أي مودة ،فكان يواد بعضهم ً
اإلنجيل بالصلح وترك إيذاء الناس وأالن هللا قلوبهم لذلك ،بخالف اليهود الذين قست
()١
قلوبهم وحرفوا الكلِّم عن مواضعه .والرأفة :اللين ،والرحمة :الشفقة.
إن هللا ج َل وعال أنزل في القرآن الكريم صفات المتقدمين من اليهود والنصارى
أقول َ :
ومن قبلهم ِ
ليحذر المؤمنين من حقد اليهود وكفر الكافرين ،وليثبتهم على محبة هللا َ َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير القرطبي .
411
فهذه اآليات وان كانت نازلة في الكفار أهل اإلنجيل والتوراة وغيرهم ،لكن المؤمنين
هللا عليه وسلم أن تكون المحبة بينهم أكثر من المحبة بين حواريي عيسى عليه السالم
نعم !نحن ال نكون صحابة وال نصل إلى درجاتهم ،ولكن أهمرنا أن يكون اعتقادنا مثل
اعتقادهم وأخالقنا مثل أخالقهم ،لكي يرحمنا ربنا من فضله وكرمه برضاه عنا.
الراحمين.
إليك يا أرحم َ
412
اللفظ الحادي و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي :ال ُيتصور وال يمكن أن يجتمع في قلب واحد حب هللا وحب أعدائه ،كما ال يمكن أن
ِ
نهم أَ و َعش َير ه
تهم { أي ولو ناء ههم أَو ِإ َ
خواَ ه اء ههم أَو أََب َ
عادى هللا ورسوله } َولو كاهنوا َء َاب َ
كان هؤالء أقرب الناس إليهم ،كاألب واالبن واألخ والعشيرة ،فإن قضية اإليمان تقتضي
يه { أي هؤالء المؤمنون الصادقون ،الذين ث بت تحتها األَ ْنهار خالِ ِد ِ
تجري ِمن ِ
ِ
ين ف َ
َ َه َ
إلهي على أعدائهم ،ويدخلهم في اآلخرة حدائق وبساتين ،تجري من تحت قصورها أنهار
413
أي تقبل هللا منهم أعمالهم فرضي عنهم ،ونالوا ثوابه العظيم ،فرضوا بما أعطاهم ربهم ،
شر إلى حزبين (:حزب الرحمن ) و ( حزب الشيطان) ونبه إلى أن الب َ
قسم هللا تعالى َ
حزب الرحمن هم الفائزون المنتصرون في الدنيا واآلخرة ،اللهم اجعلنا من حزبك وأوليائك
العالمين. يا رب
()١
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
414
اللفظ الثاني و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
العقل،
َ عب :خوف يمأل القلب ،فيغير
عب { الر ُ قوله تعالى َ } :وقذف ِفي هقلوبِ ِه هم ُّ
الر َ
البدن .والمعنى :أثبت فيها
التدبير ،ويضر َ
َ أي ،ويفرق النفس ،ويشوش الر َ
ويعجز َ ُ
) ١( . الخوف الذي يرعبها ويملؤها
وكيف ال يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي َُنصر بالرعب مسيرة شهر صلوات
هللا وسالمه عليه؟ ()2
كل المسالك إنما يحصل من وقطع األمل من ِه أقول :الخوف والرعب وضيق الَنفس
التوكل على هللا ،فإذا حصل للمؤمن ُّ
التوك هل على هللا -بعلمه أنه ال يمكنه عدم ُّ
خير لها ،كما قال تعالى:
شر عن نفسه وال أن يجلب ً ا
أن يدفع ًا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
- 2تفسير ابن كثير .
415
ِ ِ ِ ِ
تكثرت
الس َ
لغيب َ
لم ْا َ
َع ه
ّللا َولو كْنت أ َ نفعا َوال َضَار إالَ َما َش َ
اء َ ه قل ال أَمل هك لنفسي ً
} ْ
وء ِإن أَنا ِإالَ َن ِذير َوَب ِشير لَِقوم هي ْؤ ِمنو َن { ] األعراف: لخير َو َما َم َسِن َي ُّ
الس ه ِم َن ْا ِ
، [ ١88فإن الرعب والفزع وضيق الَنفس يذهب بالكلَِية ،واذا لم يحصل التوكل
416
اللفظ الثالث و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
اجَر ِإَلي ِهم َوال َي ِجهدو َن ِفي هص هد ِ ِ ِ اإليم ِ ِ
ورِهم ان من قبل ِهم هيحُّبو َن َمن َه َ الد َار َو ِ َ َ
ين َتب َوهءوا َ( َواَلذ َ
فس ِه
ان ِب ِهم َخصاصة ومن يوق ش َح َن ِ
َ َ ََ ه فس ِهم َولو َك َ حاجة ِم َما أهوتوا وي ْؤِثرو َن على أَْن ِ
َ ه َه ه َ َ
لمفلِ هحو َن ( ) ] (٩الحشر ]٩: ِ
فأ َهولئ َك هه هم ْا ه
اجَر ِإلي ِهم َوال َي ِجهدو َن ِفي هص هد ِ ِ ِ اإليم ِ ِ
ورِهم ان من قبل ِهم هيحُّبو َن َمن َه َ
الد َار َو ِ َ َ } َواَلذ َ
ين َتب َوهءوا َ
اجة ِم َما أ ههوتوا { هذه اآلية ثناء ومديح على األنصار ،أي :وأما األنصار الذين سكنوا
َح َ
حسدا
ً حبا صادًقا ،وال يجدون في صدورهم
إليهم ،فهؤالء يحبون إخوانهم المهاجرين ً
ظا وح اززة لما أُعطي إخوانهم المهاجرون من الغنيمة دونهم ،حيث قسم الرسول صلى
وغي ً
شيئا ، هللا عليه وسلم غنائم بني النضير بين المهاجرين فقط ،ولم ي ِّ
عط األنصار منها ً ُ
فرضوا بحكم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ولم ينقموا على إخوانهم المهاجرين ،بل
وصل بهم األمر إلى درجة اإليثار ،أن يفضل اإلنسان غيره على نفسه ،ولهذا قال
اْل همْفلِ هحو َن { أي يفضلون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم فقر أو حاجة ،
ومن وقاه هللا شر رذيلة البخل فهو الفائز السعيد .والشح :البخل الشديد .ولعل في قصة
الذي أطعم
417
جياعا -وهي قصة فريدة في دنيا اإليثار – ما يعطينا
ً ضيفه وترك نفسه وأهله وأوالده
صورة مشرقة مضيئة عما كان الصحابة يتحلون به من مكارم الفضائل واألخالق ،والقصة
()١
عجيبة ذكرها اإلمام البخاري في صحيحه من كتاب التفسير.
الفيء ،وال يحسدونهم على ذلك ،وال يعترضون بقلوبهم على حكم هللا بتخصيص
()2
المهاجرين ،حتى لو كانت بهم حاجة أو اختالل أحوال.
أقول :على المؤمن أن يكون دستوره القرآن الكريم وسيرة أصحاب رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم ،ومن جملة ذلك أن يفتش قلبه ،هل يوجد فيه خيانة إلخوانه المؤمنين؟
وكل
التمسك بالرأي ُّ ، الحسد و ِ
الك هبر و ه مشكلتنا ومصيبتنا – نحن المؤمنين المسلمين –
ه
ما يصيبنا مما كسبت أيدينا ؛ فاألخالق اإلسالمية ليست موجودة عند أكثر المسلمين ،
وبفقدنا هذه األخالق الحميدة يكون بيننا وبين المؤمنين والمسلمين خشونة ،فال نحب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2تفسير القشيري.
418
علينا أن ال نرضى بهذه األخالق المخالِفة ،وأن نحاول أن تكون أخالقنا موافقة
الله َم خلِقنا بأخالق نبينا مح َمد صلى هللا عليه وسلم ،برحمتك يا أرحم َ
الراحمين.
419
اللفظ الرابع و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي والذين جاءوا بعد المهاجرين واألنصار يحبون إخوانهم السابقين ،ويدعون لهم بالرحمة
والغفران ،ويقولون في دعائهم :اللهم اغفر لنا ذنوبنا ،وارحم إخواننا الذين سبقونا باإليمان
َّ
وصنفهم ثالثة أصناف - ١( :المهاجرون- 2 ،األنصار- 3 ، قسم تعالى المؤمنين
التابعون لهم بإحسان ) ،ولفظ التابعين يشمل جميع المؤمنين إلى قيام الساعة ،فمن لم
الثالثة ،وليس له في اإلسالم نصيب ،وقد ظهرت فئات من الخوارج والرافضة تزعم
اإلسالم ،وهي تطعن في أخص صحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وهؤالء الذين
عنتهم السيدة عائشة في حديثها ،فقد روى مسلم عن عائشة أنها قالت لعروة بن الزبير :
فسبوهم ) ،
( يا ابن أختي !أُمروا أن يستغفروا ألصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َ
ِِ ِ ِ
اءوا من َبعدهم { .وروى جابر قال :قيل لعائشة :إن ً
ناسا وتلت اآلية َ } :واَلذ َ
ين َج ه
420
حتى أبا بكر وعمر .فقالت :وما تعجبون من ذلك !انقطع عنهم العمل ،فأحب هللا أن
()١
ال يقطع عنهم األجر ،هؤالء شرار الخلق عند هللا.
ِ ِ
تجع ْل في هقلوبِنا غالا { أي ً :
حقدا ،وهو ذميمة فاحشة َ ،فوَرَد :المؤمن قوله تعالى َ }:وال َ
ِِ
امنوا { على إطالق ،صحابة أو تابعين ،وفيه إشارة إلى أن ليس بحقود } ،لَلذ َ
ين َء َ
الئقا. الحقد على غيرهم الئق لغيرة الدين ،وان لم يكن الحسد
()2
ً
ِ ِِ ِ
امنوا { أنه على تجع ْل في هقلوبِنا غالا لَلذ َ
ين َء َ أقول :هيفهم من قوله تعالى َ } :وال َ
األخوة
َ المؤمن أن ال يحقد على المؤمن ،ألن المؤمنين إخوة ،فعليه أن ال يخالف حقيقة
اإليمانية.
باإليمان يتصل المؤمن الغريب بالمؤمن الغريب ،وبعدم اإليمان ال يتصل الكافر بأخيه
أخوة النسب.
المؤمن ؛ فقيمة اإليمان عند هللا أكبر من َ
واذا صدر من واحد من المؤمنين فعل مخالف للشريعة والسَنة النبوَية فأخوه المؤمن ال
مؤمنا ،وهذا
ً يحقد عليه ،لكن ال يحب هذا الفعل ،ألنه إذا أبغض ذاته يكون قد أبغض
مخالف للدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2تفسير روح البيان.
421
وعدم محبة الفعل مشروط بأن ال يكون لغرض شخصي ،ألنه إذا كان لغرض شخصي
له .فللمؤمن أن يبغض فعل المؤمن المخالف ،وليس له أن يبغض ذاته ،وعليه حينئذ
أن ينصحه ،فإن ق ِب َل ق ِب َل ،وان لم يقبل يفوض أمره إلى هللا تعالى.
الراحمين. الله َم ِ
حققنا بذلك ،يا أرحم َ
422
اللفظ الخامس و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ورِهم ِمن َ ِ ِ
هبة ِفي هص هد ِ
ّللا ذل َك ِبأََن ههم َقوم ال َي َف ه
قهو َن ( ) ] (١٣الحشر: َ ( أل هَنتم أَ ُّ
شد َر َ
]١٣
أي أنتم يا معشر المسلمين أشد خوًفا وخشية في قلوب المنافقين من هللا ،فإنهم يرهبون
جانبكم ويخافون منكم أشد وأكثر من خشيتهم من هللا ،وذلك ألنهم ال يعرفون عظمة هللا
()١
وجالله حتى يخشوه حق خشيته ،وهذا من سفههم وعدم فقههم لدين هللا .
أقول :الذي هيداهن ويتساهل في الدين خوًفا من العباد عليه أن يتنَبه لهذه اآلية الكريمة
دك ِبخير فال َارَد
اشف َل هه ِإالَ هه َو َواِن هي ِر َّللا ِب هضر فال َك ِ
سك َ ه
مس َولقوله تعالى َ } :واِن َي َ
يم { ] يونس . [ ١٠٧:من آمن لِفضلِ ِه ي ِصيب ِب ِه من ي َشاء ِمن ِعب ِاد ِه و ههو اْل َغ هفور َ ِ
الرح ه ه َ َ َ َ َ ه ه ه
وبأن هذا كالم هللا فإنه ال يخاف إال من هللا ،وبهذا هيمَيز بهذه اآلية وبرب هذه اآلية َ
جميعا أن نقوي إيماننا بخالقنا ج َل وعال.
ً بين اإليمان القوي واإليمان الضعيف .علينا
الراحمين.
الله َم يا ربنا قو إيماننا بك ،بفضلك وكرمك يا أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر.
423
اللفظ السادس و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الباطل متفرقون ً
أبدا وان اجتمعوا باألبدان وتوافقوا بالظواهر ،ألن هللا تعالى يقول
تحسبهم.
()2
()3
وسعادة. القلوب واالشتراك في المهمة والتساوي في القصد يوجب كل ظفر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البحر المديد .
- 2تفسير روح البيان .
- 3تفسير البحر المديد .
424
أقول :الذي ال يعتقد بطريقتنا المتصلة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه أن
يخرج منها ؛ ال لبغضنا إياه ،بل شفقة عليه ،ألنه ال ينتفع منها في هذه الحالة،
وعليه أن يذهب إلى أي طريق يشاء ،لكن إذا بقي في طريقتنا مع عدم االعتقاد بها
الراحمين.
الله َم ارزقنا الثبات واالستقامة يا أرحم َ
425
اللفظ السابع و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
( واِذ قال موسى لِقو ِم ِه ياَ قومِ لِم ْتؤذو ِنني و قد َتعَلمو َن أَِني رسول َ ِ
ّللا ِإليكم َفل َما َزاغوا َه ه ه َ َ َ َ َ ه َ َ
ين ( ) ] (٥الصف ]٥: ّللا ال ي ِ
هدي ْاَلقوم اْل ِ ِ
فاسق َ َ لوب ههم َو َ ه َ
ّللا هق َ
أ ََزاغ َ ه
فاذهب أَْنت
عن طاعة الرحمن .واإلشارة في اآلية إلى إذاية موسى ،يراد بها هنا قولهمَ } :
ورُّبك َفَق ِاتال ِإَنا هاهنا ِ
قاع هدو َن { ] المائدة ، [ 24:وذلك حين ندبهم إلى قتال الجبابرة َ ه ََ َ
()١
متعددة. ،مع إذايات أخرى
يجمعوا قلوبهم على دينهم وشريعة نبيهم واإلخالص في عبادة ربهم ،فإنهم ولو كانوا
شيئا مخال ًفا متفرقين من حيث األقوام لكنهم مجتمعون باإليمان .واذا خ َ
ططوا بعقولهم ً
للشريعة والسَنة النبوَية فإن القوانين المتعلِقة بالعقل تفسد عليهم حياتهم وال تصلح ،
ألن اإلصالح ال يكون إال باالجتماع على شرع هللا وعلى سَنة رسول هللا صلى هللا عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
426
فعلى المؤمن أن يحافظ على إيمانه وعلى شرع هللا وعلى سَنة نبيه صلى هللا عليه وسلم
،وال يلتفت إلى الشيطان الذي يقول له :افعل كذا وكذا حتى تخلص من الورطة الفالنية
427
اللفظ الثامن و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا َي ْش َههد ِإ َن ِ نافقو َن قاهلوا َن ْشهد ِإَنك لرسول َ ِ ( ِإذا جاءك اْلم ِ
ّللا َيعَل هم إَن َك َلَر هسوهل هه َو َ ه
ّللا َو َ ه َه َ َ ه ه َ ََ ه
يل َ ِ ِ نهم هجَنة فصُّدوا َعن س ِب ِ ِ ِِ
اء َما كاهنوا ّللا إَن ههم َس َ َ َ ين لكاذهبو َن ( )١ا َت هخذوا أ َ
َيماَ ه اْل همنافق َ
قهو َن ( ([ )٣ فروا فط ِب َع َعلى هقلوبِ ِهم ه ِ ِ
فهم ال َي ْف ه عملو َن ) ( ٢ذل َك بأََن ههم َء َ
امنوا ث َم َك ه َي َ
المنافقون]٣-١:
البحث األول :أنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من ََقبل ،ولم يقل :إنهم ساء ما كانوا يعملون
ََ ،فلِّ َم قلنا هنا؟ نقول :إن أفعالهم مقرونة باأليمان الكاذبة التي جعلوها ُجَّنة ،أي سترة
الثاني :المنافقون لم يكونوا إال على الكفر الثابت الدائم ،فما معنى قوله تعالى َ } :ء َ
امنوا
428
الثالث :الطبع على القلوب ال يكون إال من هللا تعالى َ ،ولما طبع هللا على قلوبهم ال
يمكنهم أن يتدبروا ويستدلوا بالدالئل ،ولو كان كذلك لكان هذا حجة لهم على هللا تعالى،
فيقولون :إعراضنا عن الحق لغفلتنا ،وغفلُتنا بسبب أنه تعالى طبع على قلوبنا ،فنقول :
هذا الطبع من هللا تعالى لسوء أفعالهم ،وقصدهم اإلعراض عن الحق ،فكأنه تعالى
أقول :على المؤمن أن يتجَنب أخالق المنافقين ،من الكذب والغدر وعدم الوفاء بالعهد
،فقد ح َذَرنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من ذلك بقوله » :أربع من َ
كن فيه كان
خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها :إذا
ً منافقا
ً
أخالقه اإلسالمية.
المنافق ال هيكتب على جبهته " :هذا منافق " لكن النفاق في القلب كما أن اإلخالص في
القلب ،فيمكن أن يوجد النفاق في القلب ولو كان اإلنسان يصلِي .فعلى المؤمن أن
هللا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
- 2أخرجه البخاري ومسلم بروايات مختلفة.
429
ام ال
تحصل لكل أحد ،والعو ُّ ِ
الحقيقة ال ِ
وعين اليقين و اإليمان بالذو ِق الروحي
ِ حالوة
ه ه
هيسألون عن هذا ،وال عن أدلة اإليمان التفصيلية ،لكنهم يسمعون بوجود هللا وبالحشر
ظاهرهم
َ وبالنبوة والرسالة فيؤمنون بذلك ،وهذا يكفي لهم ؛ ولكن إذا خالف با ه
طنهم
يمكن أن يقعوا في النفاق ،فقد يكذبون مثال ،أو إذا خلوا عن الناس ال ُّ
يصلون أو
يشربون الخمر ،وقد يتركون بعض المخالفات الشرعية خوًفا من لوم الناس.
الراحمين.
الله َم اجعل ظواهرنا وبواطننا موافقة لرضاك برحمتك يا أرحم َ
430
اللفظ التاسع و السبعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
نبه تعالى بعلمه بما في السماوات واألرض ،ثم بعلمه بما يخفيه العباد قال في البحر َ :
أكنته الصدور ،على أنه تعالى ال يغيب عن علمه شيء ال وما يعلنونه ،ثم بعلمه بما َّ
من الكلِّيات وال من الجزئيات ،فابتدأ بالعلم الشامل ،ثم بسر العباد وعالنيتهم ،ثم بما
تنطوي عليه صدورهم ،وهذا كله في معنى الوعيد ،إذ هو تعالى المجازي عليه بالثواب
والعقاب.
()١
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١صفوة التفاسير .
431
كله متعلِق بإيمان العبد ،فإذا كان إيمانه باهلل صاد ًقا ويؤمن بعلم هللا بما في
أقول :هذا ُّ
القلبية أكثر من المخالفة الظاهرية ،ألنه يعلم أن هللا ج َل وعال ال يغيب عن علمه شيء
432
اللفظ الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
ّللا ِبك ِل شيء َعلِيم { أي :ومن عن قدره ومشيئته } ،ومن ي ْؤ ِمن ِب َ ِ ِ
اّلل َيهد َقْلَب هه َو َ ه ََ ه َ
أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء هللا وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء هللا هدى هللا
خير منه .قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي هللا عنهما َ } :و َمن
منه أو ًا
خير له ،وليس ذلك ألحد إال للمؤمن « فال تقع مصيبة على أحد في نفسه أو ماله
فكان ًا
سبق ،ومن يؤمن باهلل يهد قلبه للصبر والرضا ،ويثبته على
بقدر من هللا ُم َ
أو ولده إال َ
اّلل ي ِ
ِ
هد َقْلَب هه { قال ابن مسعود رضي هللا عنه :هو الذي إذا اإليمانَ }،و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير ابن كثير .
433
كل شيء َعلِيم { أي :عالم بكل ما يحدث في الكون من خير أو شر ، ّللا ِب ِ
من هللا َ }،و َ ه
ِّ
ويستكبر. عرض عن هللا يعلم من يصبر ومن ُي ِّ
وفائدة االعتقاد بالقضاء والقدر أنها تهون المصيبة على المؤمن ،فيصبر على قضاء هللا
()١
ويستسلم لحكمه ،فيكون هذا اإليمان راحة للقلب وسلوى للنفس.
اّلل ي ِ
ِ
هد َقْلَب هه { أي :يسهل عليه المصائب واالبتالء ،بإيمانه أنها أقول َ } :و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ
ع وعدم التسليم عند المصيبة مصيبة أخرى ،فيكون مصيبة الج َز ه
من هللا ج َل جالله .و َ
على مصيبة ،ألنه ال يهون المصيبة على صاحبها َ
ويحرمه من ثوابها ،والمصيبة
باقية كما هي.
فعلى المؤمن العاقل أن يعلم أن الجزع والحزن واألمور التي تخرجه عن حد التسليم
للقضاء والقدر ليست من شأن المؤمن وال من شأن العاقل ،ألنه هل يمكن إذا مات أحد
نقبل بذلك؟
أن ال َ
ُّ
ويشقون المؤمن يرضى إن شاء هللا ،لكن كثير من المؤمنين يجزعون وال يصبرون ،
الجيوب ويضربون الوجوه.
الموت طريق وضعه هللا ،وكل اإلنس والجن يمشون فيه ،حتى يأتي الحشر .فليس
من شأن المؤمن أن يجزع ؛ وأما الكفار فال يعلمون إال الحياة الدنيا وهم عن اآلخرة
غافلون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البحر المديد.
434
جميعا أن ال نخرج عن الحدود الشرعية والسَنة النبوَية ،فاإلنسان َ
وفقنا هللا واياكم
ً
يحزن على الفراق ويبكي كذلك ،هذا من الشفقة ،لكن عليه أن ال يتجاوز الحد ويخرج
عن الشريعة.
وصَلى هللا وسَلم على سيدنا مح َمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
435
اللفظ الحادي و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
كما { أي :إن تتوبا إلى هللا فهو األسلم قوله تعالى ِ } :إن هتتوبا ِإلى َ ِ
لوب َ
ّللا َفقد َصغت هق ه َ
واألصلح لكما ،من إيذاء قلب هذا النبي الرحيم َ } ،فقد َصغت { أي :مالت قلوبكما عن
الحق ،وعما يجب في حق سيد الخلق ،من اإلخالص له بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه
،فقد استوجب األمر عليكما أن تتوبا ،ألنه سركما ما أحزن النبي عليه السالم ،من
عد ذلِ َك َ
ظ ِهير { أي :وان تتعاونا على النبي صلى هللا عليه وصالِح ْالم ْؤ ِمِنين واْلم ِ
الئكة َب َ َ َ َ َ َ ه ه
يل { رئيس المالئكة وسلم بما يسوؤه ويحزنه فإن هللا هو ناصره ،وهو ولي أمره َ } ،و ِج ِ
بر ه
،والصالحون من المؤمنين األبرار ،والمالئكة جميعا في ِّ
صفه أعوان له وأنصار ،فماذا ً
يصنع تآمر امرأتين ،أمام هذا الحشد الرباني؟ فإلى جانب محمد صلى هللا عليه وسلم رب
يل وأبو بكر وعمر والمالئكة األبرار األطهار .والمراد بصالح المؤمنين :
العزة والجالل وجبر ُ
أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما ،والِّدا عائشة وحفصة ،كما قاله ابن عباس ،ويشهد له
ما رواه مسلم أن عمر رضي هللا عنه قال :يا رسول هللا ! ما يشق عليك من أمر النساء؟
436
فإن كنت طلقتهن فإن هللا معك ومالئكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك )
تعظيما له ،إذ هو
ً يل بالذكر ظ ِهير { أي :معين ونصير َ .
أفرد جبر َ ،ومعنى قوله َ } :
فذكره على الخصوص ثم مع العموم ،ألنه ظهار لمكانته عند هللا َ ،
أفضل المالئكة ،وا ًا
ومرة مع العموم ،ووسط داخل في صف المالئكة ،فيكون قد ذكره مرتين ً ،
مرة في اإلفراد ً
شادة بفضل التُّقى
صالح المؤمنين بين جبريل والمالئكة تشر ًيفا لهم ،واعتناء بهم ،وا ً
عد ذلِ َك َ والصالح ،وختم اآلية بذكر } واْلم ِ
ظ ِهير { وهم أعظم المخلوقاتَ ،
وجعلهم الئكة َب َ َ َ َ
أنصار للنبي الكريم ،ليكون أفخم لشأنه صلى هللا عليه وسلم ،ظهراء ،أي :أعو ًانا و ًا
َ
نصرة لنبيه المختار ِّ
وأعظم لمكانته واالنتصار له ،إذ هم بمثابة جيش جرار يمأل القفار ً ،
،فمن ذا الذي يستطيع أن يناوئ الرسول صلى هللا عليه وسلم ويعاديه بعد ذلك؟ أما
المرأتان اللتان تظاهرتا على النبي صلى هللا عليه وسلم فهما :حفصة وعائشة ،فقد روى
يصا على أن أسأل عمر البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما أنه قال ( :لم أزل حر ً
توبا ِإلى
عن المرأتين من أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم اللتين قال هللا فيهما ِ } :إن هت َ
كما { فمكثت َسن ًة أريد أن أسأله ،فما أستطيع أن أسأله هيبة له ، َِ
لوب َ
ّللا َفقد َصغت هق ه
اجا فخرجت معه ،فقلت :يا أمير المؤمنين ! َمن اللتان تظاهرتا على النبي حتى خرج ح ً
اعجبا لك يا ابن عباس !تلك حفصة وعائشة (...
صلى هللا عليه وسلم من أزواجه؟ فقال :و ً
وذكر الحديث بطوله .أخرجه البخاري .ثم فصل تعالى أمر هؤالء النسوة اللواتي سيبدلهن
()١
تخويفا لزوجاته.
ً هللا لرسوله ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١التفسير الواضح الميسر.
437
لوب هك َما {
ففيه إرادة خير لحفصة وعائشة بإرشادهما إلى ما هو أوضح لهما َ }،فقد َصغت هق ه
والمعنى :فقد وجد منكما ما يوجب التوبة من ميل قلوبكما عما يجب عليكما من مخالصة
يكرهه. رسول هلل وحب ما يحبه وكراهة ما
()١
أقول :رسول هللا عليه الصالة والسالم بأخالقه العظيمة وبصبره وحلمه وكرمه وجوده
تحم َل أخالق زوجاته رضي هللا تعالى عنهن ،ولكن الحق ج َل جالله } ال َي َستحِيي ِم َن
اْل َح ِق { ] األحزاب ، [٥٣:فبين في هذه اآلية الكريمة تأذي النبي صلى هللا عليه وسلم
لوب هك َما { عن محبته ،وحصل لهن ِ } :إن هتتوبا ِإلى َ ِ
ّللا َفقد َصغت هق ه َ بأخالقهن ،وقال َ
لكما الفرح ،وحصل له األذى عليه الصالة والسالم .
فعلى المؤمن أن يترك هواه ،وأن يترك ما يريده إلرضاء خالقه ج َل وعال ،وان لم يكن
هكذا فحاهله مسجَل عند هللا ج َل وعال ،وهو مسؤول عنه يوم القيامة إال أن يرجع في
الدنيا.
تظاهَار
َ عنهن -في قوله تعالى َ } :وِان َ هذه التهديدات ألمهات المؤمنين -رضي هللا
ظ ِهير { ليست عد ذلِ َك َ بريل وصالِح ْالم ْؤ ِمِنين واْلم ِ ِ ِ ِ
الئكة َب َ َ َ َ ّللا هه َو َموالَ هه َوج ِ ه َ َ ه ه
َعليه َفإ َن َ َ
بهن حتى ال
حالهن ،بل لعظمة حبيبه عليه الصالة والسالم ،ولرحمة هللا تعالى َ َ لشنيع
نه.
يخال َف ه
الراحمين. الله َم ِ
وفقنا إلتباعه وعدم مخالفته يا أرحم َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
438
اللفظ الثاني و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الص هد ِ
ور ( ) ] (١٣الملك ]١٣: َسُّروا قولكم أ َِو اجهروا ِب ِه ِإَنه علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ ( وأ ِ
ه َ َه َ َ
أي :أخفوا كالمكم وحديثكم أيها الناس أو أظهروه وأعلنوه ،فسواء أخفيتموه أو أظهرتموه
فإن هللا تعالى يعلمه ،ألنه سبحانه يعلم السر وأخفى ،فكيف تخفى عليه أعمالكم؟ أال
يعلم الخالق مخلوقاته؟ وهو الذي خلقها وأوجدها؟ وهو اللطيف بالعباد ،الخبير الذي ال
()١
يغيب عن علمه شيء ،يرى النملة السوداء ،في الليلة الظلماء ،على الصخرة الصماء
َّ
المستكنة في صدورهم ،بحيث ال تكاد تفارقها أصال ،فكيف يخفى عليه ما الخفية
()2
به؟. تسرونه وتجهرون
والنجوى)3( . خوفهم بعلمه ،وندبهم إلى مراقبته ،ألنه يعلم السر وأخفى ،ويسمع الجهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2تفسير روح البيان .
- 3تفسير القشيري .
439
وفي اآلية وجهان :الوجه األول :قال ابن عباس رضي هللا عنهما :كانوا ينالون من رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم فيخبره جبريل ،فقال بعضهم لبعض ِّ :أسروا قولكم لئال يسمع إله
محمد ،فأنزل هللا هذه اآلية .القول الثاني :أنه خطاب عام لجميع الخلق في جميع
األعمال ؛ والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل ُوجد فالحال واحد في علمه تعالى ،
سر كما تحترزون عنها ًا
جهر ،فإنه ال يتفاوت ذلك بالنسبة بهذا فاحذروا من المعاصي ًا
إلى علم هللا تعالى ،وكما بين أنه تعالى عالم بالجهر وبالسر بين أنه عالم بخواطر
()١
القلوب .
عليما بذات الصدور ،وعلمه هذا كامل ينتهي إلى جميع القلوب ، ً أقول :مادام هللا
فالبد للمؤمنين أن يحفظوا قلوبهم باتجاه ذلك العلم الكامل الذي يطلع هللا تعالى به على
قلوبهم .وهذا االنتباه لهذا االطالع يكون على قدر اإليمان ليس إال.
اإلنسان المؤمن يصل إلى قرب هللا ج َل وعال بعلمه أن هللا تعالى قريب منه ؛ وبذلك يرق
الحجاب بينه وبين خالقه سبحانه وتعالى ،فيحصل له الوصول إلى هللا ج َل جالله.
العلم بقرب
اإليمان و ه
ه منزه عن أن يصل إليه شيء ،ولكن المقصود بالوصول هللا تعالى َ
قطعيا عن المعاصي ،وان كان ال يخرج
ً هللا ج َل وعال ،فإذا وصل العبد إلى ذلك يستنكف
عن بشريته ،لكن استنكافه عن المعاصي بإيمانه يجعل طبيعته ملكية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي.
440
فعلى المؤمن أن يرجح آخرته على دنياه ،واليتبع النفس والشيطان ،وهذا ال يحصل إال
قطعيا أن هللا تعالى مطلع على قلبه ،كيف يترك رضا ربه ويتبع
ً باإليمان ،فإن من آمن
نقع في المحظورات.
441
اللفظ الثالث و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
َِ
مع { لتسمعوا آيات هللا ،وتمتثلوا
الس َ قل هه َو الذي أَْنشأَكم { إنشاء ً
بديعا } َو َج َع َل َل هك هم َ } ْ
التكوينية الشاهدة بشؤون هللا تعالى َ }،واألَ ْف ِئ َدة { لتتفكروا بها فيما تسمعونه وتشاهدونه من
()١
اآليات التنزيلية والتكوينية ،لتترقوا في معاريج اإليمان والمعرفة.
أي :هللا هو الذي خلقكم بهذا الشكل البديع ،وركب فيكم هذه الحواس ) السمع ،والبصر،
والعقل ( أعطاكم السمع لتسمعوا ما ينفعكم ،والبصر لتدركوا دالئل قدرة ربكم في هذا
كرو َن { أي :ما أقل الكون ،والعقل لتتأملوا وتفكروا في عظمة هذا الخالق} قلِيالً َما ه
تش ه
شكركم لنعم خالقكم!؟ تذكرون ربكم وقت الشدة وتنسونه وقت الرخاء !وانما َخص هذه
األعضاء بالذكر ( السمع ،والبصر ،والعقل ) ألنها أداة العلوم والمعارف ،ووسائل الفهم
واإلدراك.
()2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير البحر المديد .
- 2التفسير الواضح الميسر .
442
اعلم أنه تعالى لما أورد البرهان أوال من حال سائر الحيوانات ،وهو وقوف الطير في
الهواء ،أورد البرهان بعده من أحوال الناس ،وهو هذه اآلية ،وذكر من عجائب ما فيه
قال :أعطيتكم هذه اإلعطاءات الثالثة مع ما فيها من القوى الشريفة ،لكنكم ضيعتموها فلم
تقبلوا ما سمعتموه وال اعتبرتم بما أبصرتموه ،وال تأملتم في عاقبة ما عقلتموه ،فكأنكم
كرو َن { ،وذلك ألن ضيعتم هذه النعم وأفسدتم هذه المواهب ،فلهذا قالَ } :قلِيال َما ه
تش ه
شكر نعمة هللا تعالى هو أن يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه ،وأنتم لما صرفتم السمع
()١
. والبصر والعقل ال إلى طلب مرضاته فأنتم .ما شكرتم نعمته ألبته
أقول :علينا أن نشكر هللا ج َل وعال على ما أنعم به علينا من النعم التي ال تعد وال
جعلنا من المسلمين ومن أمة سيد المرسلين عليه الصالة والسالم ،
تحصى ،وعلى أن َ
فهذا كله منه سبحانه وتعالى ليس منا .واذا وصل إلينا شئ من النعم على يد واحد من
الخلق علينا أن نعتقد أن هللا ج َل وعال هو الذي سخره ليسوق تلك النعمة إلينا على
يده .والشريعة المح َمدية تأمرنا أن نشكر الواسطة بعد أن» ال يشكر هللا من ال يشكر
الناس « نشكر هللا تعالى ،لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير الرازي .
- 2انظر تخريج الحديث في اللفظ السادس بعد المئة.
443
اللفظ الرابع و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الئك ًة وما جعَلنا ِعدَتهم ِإالَ ِف ْتن ًة لَِل ِذين َكفروا لِيس ِ
تيق َن ( وما جعَلنا أَصحاب الَن ِار ِإالَ م ِ
َ ه ََ ه َ َ ََ َ َ َ َ َ ََ
ِ ِ ِ ِ ِ
لم ْؤ ِمنو َن
تاب َوْا ه
ين أ ههوتوا ْالك َ اب اَلذ َرت َ
يماًنا َوال َي َ ِ
ين آمنوا إ َ زد َاد اَلذ َ
تاب َوَي َ اَلذ َ
ين أ ههوتوا ْالك َ
ّللا َمن ِ ِ كافهرو َن ما ذا أََرَاد َ ِ ولِيقول اَل ِذين ِفي هقلوبِ ِهم مرض واْل ِ
ّللا ب َهذا َمثالً كذل َك هيض ُّل َ ه ه َ َ ََ َ ََ َ
كرى لِْلَب ِ ِ ِ ِ
شر ( بك ِإالَ هه َو َو َما ه َي ِإالَ ذ َ
نود َر َ
اء َو َما َيعَل هم هج َ
اء َوَيهدي َمن َي َش ه َي َش ه
( [ )٣١المدثر]٣١:
وليقول المنافقون الذين في قلوبهم مرض النفاق ،والكافرون من أهل مكة :أي شيء أراد
يضل هللا من أراد إضالله ،ويهدي من أراد هدايته ؛ فهو سبحانه يعلم القلب التقي النقي
واإليمان ،ويعلم القلب الزائغ الفاسد ، ( الذي هو أهل للخير والصالح ،فيوفقه للهداية
()١
فيتركه لهوى النفس و نزغات الشيطان .
أقول :إذا لم يتفكر اإلنسان بإيمانه ولم َيسأل قلبه عن تصديق هللا وكتابه ورسوله فإنه
؛ فاهلل تعالى كَلف العبد باالنقياد ألوامره ،وهو يعلم في األزل ما إذا كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
444
معلوما عند العبد ،فعليه أن يؤمن
ً لكن ِعْل َم هللا ليس
سينقاد لتلك األوامر أم ال َ ،
بتكاليف هللا عليه وينقاد لها ،واذا لم َينقد ولم هيسلِم فقد يحصل عنده االستهزاء
الموافقين والكافرين.
فالمؤمنون يؤمنون بتسعة عشر أو بواحد أو بغير ذلك ،ألنهم يعلمون أن هللا قادر ج َل
الراحمين.
الله َم اجعلنا من أهل اإليمان الكامل يا أرحم َ
445
اللفظ الخامس و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أعمالهم وقبح أفعالهم ،فإن الوجيف عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف
وعلم منه أن الواجفة ليست جميع القلوب ،بل قلوب الكفار ،فإن أهل اإليمان ال
والوجل ُ .
وم ِئذ
كما بين ذلك اإلمام الرازي في تفسيره حيث قال :قوله تعالى }:هقهلوب َي َ
()١
يخافون.
َو ِ
اجفة * أبصارها خاشعة { اعلم أنه تعالى لم يقل :القلوب يومئذ واجفة ،فإنه ثبت بالدليل
أن أهل اإليمان ال يخافون ،بل المراد منه قلوب الكفار ،ومما يؤكد ذلك أنه تعالى حكى
الكفار ال كالم المؤمنين ،وقوله} :أبصارها خاشعة { ألن المعلوم من حال المضطرب
الخائف أن يكون نظره نظر خاشع ذليل خاضع يترقب ما ينزل به من األمر العظيم.
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
446
أقول :نرجو هللا تعالى أن يخلِص المؤمنين من هذه التهديدات ،وأن يحفظ قلوبنا
وجوارحنا من ذلك ،فليس لنا إال التضرع وااللتجاء إليه ج َل وعال ،نشكو ضعفنا
سميع مجيب.
447
اللفظ السادس و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
والطبع أن ُيطبع على القلب ،وهو أشد من الرين ،واإلقفال أشد من الطبع ،وهو أن ُيقفل
على القلب.
إن اإلنسان إذا واظب على اإلتيان ببعض أنواع الذنوب ،حصلت في قلبه َملكة نفسانية
على اإلتيان بذلك الذنب ،وال معنى للذنب إال ما يشغلك بغير هللا ،وكل ما يشغلك بغير
هللا فهو ظلمة ،فإن الذنوب كلها ظلمات وسواد ،ولكل واحد من األعمال السالفة التي
الملكات
أذنب اإلنسان حصلت في قلبه نكته سوداء حتى يسود القلب .ولما كانت مراتب َ
في الشدة والضعف مختلفة ال جرم كانت مراتب هذا السواد والظلمة مختلفة ،فبعضها
تغير وحصل فيه منع ،بل المراد أنهم صاروا إليقاع الذنب حاال بعد حال متجرئين عليه ،
448
كسبهم ،ومعلوم َّ
وترك اإلقالع ،فاستمروا وصعب األمر عليهم ،ولذلك بين أن علة الرين ُ
قلبه ،وان عاد -أي إلى الذنب -زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي
صقل ُ
واستغفر ُ
ان على هقلوبِ ِهم ما كاهنوا ي ِ
. كسهبو َن{ « ذكر هللا َ } :كالَ َب ْل َر َ َ
()٣ ()٢
َ َ َ
في نحو حديث » :إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وان جالءها ذكر هللا وتالوة القرآن
فليس المراد بذلك الصدأ أنه طخاء -أي :الطالء ،يقال طيخ الشيء ،أي :طاله ()4
«
الحضرة اإللهية متجلية على الدوام ،ال ُيتصور في حقها حجاب َّ
عنا ،فلما لم َيقبلها هذا
القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود َو ِّقبل غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ والران
ِ ِ ِ
لوبنا في أَكَنة م َما ه
تدع َونا واَلقفل وغير ذلك ،وقد نبه هللا على ذلك في قولهَ } :وقاهلوا هق ه
ِإَل ِ
يه { ] فصلت ، [5:فهي في َّ
أكنة مما يدعوها
ــــــــــــــــــــــ
-١تفسير الرازي .
-2أخرجه الترمذي .
-3التفسير الواضح الميسر .
-4أخرجه ابن شاهين بألفاظ متقاربة
449
مطلقا ،فلما تعلقت بغير ما َُتدعى إليه عميت عن
الرسول إليه خاصة ،ال ألنها في كن ً
أبدا لم تزل مفطورة على الجالء مصقولة
شيئا ،فالقلوب ً
إدراك ما ُدعيت إليه ،فلم تبصر ً
صافية.
()١
فعلى العبد المؤمن إذا صدرت منه المعاصي أن ال يقنط من رحمة هللا ،بل يبادر إلى
ِ
التوبة واالستغفار ولو رجع إلى الذنب والمعصية سبعين مرة َ } ،و هه َو اَلذي َي ْقَب هل ال َت َ
وبة
َعن ِعَب ِاد ِه { ] الشورى ، [٢٥:ج َل وعال ،ولم يقيد عفوه بعدم الرجوع إلى الذنب ،لكن
على العبد المؤمن أن ال تكون توبته محتاجة إلى توبة ثانية ،فتكون توبة الكاذبين.
هللا ج َل جالله.
الراحمين.
أبدا يا أرحم َ
نصوحا ال ننقض عهدها ً
ً الله َم ارزقنا توبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير روح البيان.
450
اللفظ السابع و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي :لقد شرحنا لك يا أيها الرسول صدرك بالهداية واإليمان ،ونورناه بسواطع آيات القرآن
()١
. ،تفضال عليك من الرحمن ،فاشكر ربك على هذه النعمة
فقد انفتح صدره عليه الصالة والسالم حتى أنه كان يتسع لجميع المهمات ،ال يقلق وال
يضجر وال يتغير ،بل هو في حالتي البؤس والفرح ُمنشرح الصدر ،مشتغل بأداء ما كلِّف
()3
. به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2صفوة التفاسير .
- 3تفسير الرازي .
451
طهر بالوحي النازل عليه بواسطة
صدر الرسول األعظم صلى هللا عليه وسلم هَ َ
أقول :ه
جبريل عليه السالم ،وهذا ال يحصل لنا ،فقد انقطع الوحي ،ولكن لم ينقطع حكمه:
درهه لِ ِ
إلسالمِ { ] األنعام ، [١٢٥:فنحن مسؤولون عن ِ ِ
شرح َص َ فمن هي ِرد َ ه
ّللا أَن َيهدَي هه َي َ } َ
هذا الذي نزل على قلب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،مسؤولون عن القرآن الكريم ،
فال بد لنا أن نقرأه ونتبع أوامره ونبتعد عن نواهيه مهما أمكن ،واذا صدر منا شيء
مخالف بالطبيعة البشرية ،علينا أن نتوب ونستغفر ونرجع إلى هللا تعالى َ } :و هه َو اَل ِذي
ات { ] الشورى ، [ ٢٥:وباب رحمته سبحانه وبة َعن ِعَب ِاد ِه َوَي هعفو َع ِن َ
الس َيئ ِ
َي ْقَب هل ال َت َ
وتعالى مفتوح لعباده ،فال يليق بنا أن نضيع أوقاتنا ودقائق وساعات أعمارنا فيما ال
يعني ،وال أن نهمل تطهير قلوبنا واالستغفار والتوبة إلى خالقنا وكثرة ذكرنا له ج َل وعال
،حتى يثبت لنا في آخرتنا وفي عالم البرزخ جوار رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،
الراحمين. الله َم ِ
وفقنا لذلك ،يا أرحم َ
452
اللفظ الثامن و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
قلبت القبور وأُخرج ما فيها من الموتى؟ و كشف أي :أفال يعلم هذا الغافل الجاهل ،إذا َ ِّ
ُ
ما في صدور الناس من األسرار والخفايا التي ُي ِّسرونها ( ، )١التي من جملتها ما يخفيه
المنافقون من الكفر والمعاصي ،فضال عن األعمال الجلية.
فتخصيص أعمال القلب ألنه لوال البواعث واإلرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح
،فالقلب أصل وأعمال الجوارح تابعة له ،ولذا قال تعالى َ } :ء ِاثم َقْلهب هه { ] البقرة :
()3
، ] 2٨3وقال عليه الصالة والسالم ُ » :يبعثون على نياتهم « (. )2
واعلم أن َّ
حظ الوعظ منه أن يقال :إنك تستعد فيما ال فائدة لك فيه ،فتبني المقابر وتشتري
العجوز الكفن ،فيقال :هذا كله للديدان ،فأين ُّ
حظ ُ التابوت ،وتفصل الكفن ،وتغزل
طفل لك فما ِّ
ثيابا ،فإذا قلت لها :ال َ
الرحمن؟ بل المرأة إذا كانت حامال فإنها تعد للطفل ً
هذا االستعداد؟ فتقول :أليس ُيبعثر ما في بطني؟ فيقول الرب لك :أال يبعثر ما في بطن
()4
األرض ،فأين االستعداد؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ١التفسير الواضح الميسر .
- 2انظر تخريج الحديث في مقدمة الكتاب .
- 3تفسير روح البيان .
- 4تفسير الرازي .
453
أقول :االنتباه إلى هذه األمور تابع لقوة اإليمان وضعفه بالنسبة للمؤمنين ،أما الكفار
فال إيمان لهم .فصاحب اإليمان القوي إذا انزلقت قدمه عن االستقامة وانحرف واطلع
على انحرافه عن الصراط المستقيم يتذ َكر رحمة هللا وعذابه ؛ يتذكر رحمته فيتوب ويرجع
ويستغفر ويثبت ،ويتذ َكر عقابه فيخاف أن ال يعفو عنه بل يؤاخذه ويعاقبه ،فيحصل
ِ
خالق السماوات واألرض ،ويقول ِ
الذات األقدس، معه االستحياء من هللا ج َل جالله ،
في نفسه :إني عبد حقير عاجز ،خلقت من نقطة من ماء مهين ،كيف أعصي هذا
اإلله العظيم؟
وعلى كل ،إذا صدرت مَنا المخالفة علينا أن نرجع إلى هللا بالتوبة واالستغفار والتضرع
454
اللفظ التاسع و الثمانون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
طلِ هع َعلى األَ ْف ِئ َد ِة { ،أي :تعلو أوساط القلوب وتغشاها ،فإن الفؤاد
قوله تعالى } :اَل ِتي َت َ
وسط القلب ،ومتصل بالروح ،يعني :إن تلك النار تحطم العظام وتأكل اللحوم ،فتدخل
في أجواف أهل الشهوات وتصل إلى صدورهم وتستولي على أفئدتهم ،إال أنها ال تحرقها
بالكلِّية ،إذ لو احترقت لمات أصحابها ،ثم إن هللا تعالى ُيعيد لحومهم وعظامهم مرة
،أو ألنه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة ومنشأ األعمال السيئة ،فاطالعها على
األفئدة التي هي خزانة الجسد ومحل ودائعه يستلزم االطالع على جميع الجسد بطريق
األولى.
()١
وفي الحديث » أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ،ثم أوقد عليها ألف سنة حتى
()2
ابيضت ،ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ،فهي سوداء مظلمة« .
ــــــــــــــــــــــ
- ١تفسير روح البيان .
مرفوعا واألصح َّأنه موقوف .
ً - 2أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي هللا عنه
455
أقول :على المؤمن -ال نتكلم عن الكافر والمنافق -أن يحفظ إيمانه ،ويعتقد أن هذا
كالم ربه ،أنزله على سيد المرسلين ،سيدنا مح َمد عليه الصالة والسالم ،وهو بَلغ
أمته إلى آخر الدنيا ،فال ينفك واحد من المسلمين عن هذه التهديدات إذا خالف أوامر
على أنه ال بَد للمؤمن أن يحفظ إيمانه واسالمه من النفاق والفسق وأفعال الكفار.
456
اللفظ التسعون بعد المئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
أي :الذي ُيلقي -لشدة خبثه -في قلوب البشر صنوف الوساوس واألوهام الباطلة:
الدعاء لطاعته بكالم خفي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت ،وفي الحديث
الشريف » :إن الشيطان واضع خطمه -أي :مقدم أنفه وفمه -على قلب ابن آدم ،
()2
. ()١
فإذا ذكر هللا خنس -أي توارى وتأخر -واذا نسي التقم قلبه فوسوس«
قال ابن جزي :وسوسة الشيطان بأنواع كثيرة ،منها فساد اإليمان والتشكيك في العقائد ،
فإن لم يقدر على ذلك ثبطه عن الطاعات ،فإن لم يقدر على ذلك أدخل الرياء في
الطاعات ليحبطهم ،فإن َسلِّ َم من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه واستكثار عمله .ومن
األعمال وأقبح األحوال .وعالج وسوسته بثالثة أشياء ،وهي :اإلكثار من ذكر هللا
تعالى ،و االستعاذة منه ،ومن أنفع شيء في ذلك :قراءة سورة الناس.اهـ.
ــــــــــــــــــــــ
- ١أخرجه الحافظ الموصلي .
- 2التفسير الواضح الميسر .
457
قلت :ال يقلع الوسوسة من القلب بالكلية إال صحبة العارفين أهل التربية ،حتى ُيدخلوه
مقام الفناء ،واال فالخواطر ال تنقطع عن العبد.
ِ ِ ِ ِّ
الموسوس بقوله } :م َن اْلجَنة { أي :الجن } َوالَناس { ،ووسو ُ
اس الناس أعظم ؛ ثم بين
ألن وسواس الجن َيذهب بالتعوذ ،بخالف وسوسة الناس ،والمراد بوسوسة الناس :ما
ُيدخلون عليك من َ
الشبه في الدين ،وخوض في الباطل ،أو سوء اعتقاد في الناس ،أو
()١
غير ذلك.
ط ِائف ِم َن َ ِ
الش ِ
يطان َتذ َكهروا { أقول :قال هللا تعالى ِ } :إ َن اَلذ َ
ين ا َتقوا ِإذا َم َس ههم َ
منوًار
] األعراف ،[ ٢٠١:بهذا المس يأتي شيء مخالف للشريعة ،فإذا كان القلب َ
يعرف أن هذا من الشيطان ،فال ي َتبعه ،ال بفعله وال بفكره .ولذا إذا سكت اإلنسان
بدون كالم ،بدون قراءة ،بدون عمل ،تأتيه األفكار .أكثر الشباب يسترسلون وراء
التفكر بالشهوات ،وأهل الدنيا يتفكرون بالفلوس .على اإلنسان أن ِ
يسكَر هذا الباب. ه
المس من الشيطان، قوله تعالى } :تذ َكهروا { أي :تذ َكروا هللا تعالى ،وتذ َكروا أن هذا َ
أن عليهم أن يستعيذوا باهلل من الشيطان ،لقوله تعالى َ } :وِا َما َيْن َزغَن َك ِم َن وتذ َكروا َ
تعذ ِب َ ِ
اّلل { ] األعراف .[٢٠٠: ان َنزغ فاس ِ
طِ ا َ
لشي َ
َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-١تفسير البحر المديد.
458
دعاء الختام
أحدا من خلقك ،أو استأثرت به في علم الغيب عندك ،أن تجعل القرآن َّ
عل َمته ً
459
المصادر والمراجع
- ١أبحاث في القمة -محمد سعيد رمضان البوطي – َّ 3/١
مجلد -دار الفارابي -
دمشق.
- ٢تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل -ناصر الدين البيضاوي – َّ 2٠/١
مجلد -دار
الكتب العلمية – بيروت.
- ٣أنوار الحقيقة – مباحث في التصوف والسلوك – من كليات رسائل النور – الشيخ
سعيد النورسي – ترجمة إحسان الصالحي – طبعة مصرية.
- ٤تفسير بحر العلوم – أبو الليث السمرقندي – َّ 3/١
مجلد – دار الكتب العلمية –
بيروت.
- ٥البحر المديد في تفسير القرآن المجيد – أبو العباس أحمد بن عجيبة– تحقيق :عمر
أحمد الراوي – ٨/١مجلد – دار الكتب العلمية – بيروت.
- ٦تفسير جامع البيان – أبو جعفر محمد بن جرير الطبري – َّ ١3/١
مجلد مع الفهارس
–دار الكتب العلمية – بيروت.
- ٧جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم – ابن رجب الدمشقي –
تحقيق :شعيب األرناؤوط – مؤسسة الرسالة – بيروت.
- 8تفسير الجامع ألحكام القرآن – أبو عبدهللا محمد األنباري القرطبي– َّ ١١/١
مجلد –
دار الكتب العلمية – بيروت.
- ٩حاشية الجمل على الجاللين – سليمان بن عمر الشافعي ،الشهير بالجمل– 4/١
َّ
مجلد – دار إحياء التراث العربي – بيروت.
- ١٠حاشية الصاوي على الجاللين – أحمد الصاوي المالكي – َّ ٦/١
مجلد -دار
الكتب العلمية – بيروت.
- ١١الدر المنثور في التفسير بالمأثور – جالل الدين السيوطي – َّ ٧/١
مجلد مع
الفهارس – دار الكتب العلمية – بيروت.
460
حقي الخلوتي البروسوي – - ١٢روح البيان في تفسير القرآن – إسماعيل ِّ
تحقيق :عبدالرزاق المهدي – َّ ١٠/١
مجلد – دار احياء التراث العربي -بيروت.
- ١٣روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني – شهاب الدين محمود
األلوسي – ضبطه وصححه عبدالباري عطية – َّ ١١/١
مجلد -دار الكتب العلمية –
بيروت.
- ١٤زاد المسير في علم التفسير – أبو الفرج ابن الجوزي – تحقيق :أحمد شمس الدين
– َّ 4/١
مجلد -دار الكتب العلمية – بيروت.
- ١٥صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – َّ 3/١
مجلد – دار الكتب العلمية-
بيروت.
- ١٦تفسير القرآن العظيم – ابن كثير الدمشقي أبو الفداء– َّ 4/١
مجلد – دار الفكر –
بيروت.
- ١٧التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب – فخر الدين الرازي – َّ ١٧/١
مجلد مع الفهارس
–دار الكتب العلمية – بيروت.
الكشاف – أبو القاسم الزمخشري – َّ 4/١
مجلد – دار الكتب العلمية – - ١8تفسير َّ
بيروت.
– ١٩تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل – عالء الدين علي بن محمد بن إبراهيم
الخازن – َّ 4/١
مجلد – دار الكتب العلمية – بيروت.
- ٢٠تفسير لطائف اإلشارات – أبو القاسم عبدالكريم القشيري – َّ 3 /١
مجلد -دار
الكتب العلمية – بيروت.
- ٢١تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل – عبدهللا بن أحمد النسفي – َّ 2/١
مجلد –
دار الكتب العلمية – بيروت.
- ٢٢المنهاج في شرح صحيح مسلم – لإلمام النووي – ٩/١في َّ
مجلد – دار ابن حزم
–بيروت.
- ٢٣التفسير الواضح الميسر – محمد علي الصابوني – َّ
مجلد واحد – المكتبة العصرية
–بيروت
461
الفهرس العام
بإمكانك الذهاب إلى محتويات الكتاب عن طريق الضغط على رقم الصفحة
ين هقلو ِبكم[ { ...آل عمران]١٠٣ : اء فأََلف َب َ َعد ًاللفظ الخامس عشر ِ...{ :إذ ْكهنتم أ َ
68
ّللا عِليم ِب َذ ِ
ور { [آل عمران]١١٩ : الص هد ِات ُّ اللفظ السابع عشر ِ...{ :إ َن َ َ َ
74
ِ
لوب هكم[ { ...آل عمران]١٢٦ : شرى لكم َوِلت ْط َمئ َن هق ه ّللا ِإالَ هب َ
له َ ه اللفظ الثامن عشر َ { :و َما َج َع ه
77
462
ليها[ { ...النساء [١٥٥ : ّللا َع َ طب َع َ ه
لوبنا هغْلف َب ْل َ اللفظ الثامن والعشرون َ ...{ :وقوِل ِهم هق ه
96
ّللا عِليم ِب َذ ِ
الص هدور {[المائدة [٧ : ات ُّ ّللا ِإ َن َ َ َ
اللفظ التاسع والعشرون َ ...{ :وا َتقوا َ َ
98
لوبنا[ { ...المائدة [١١٣ : ِ نر هيد أَن نأ ِ الرابع والثالثون { :قاهلوا ِ
نها َوت ْط َمئ َن هق ه ْكل م َ اللفظ
106
َ
ِ
وه[ { ...األنعام [٢٥: الخامس والثالثون َ ...{ :و َج َعَلنا َعلى هقلوِب ِهم أَكَن ًة أَن َي َف ه
قه ه اللفظ
108
ِ
درهه َضًيقا[ { ...األنعام [١٢٥ : هي ِرد أَن هيضَل هه َي َ
جع ْل َص َ
124 در َك َحَرج ِمْن هه[ { ...األعراف [٢ : اللفظ الثاني واألربعون ...{ :فال َيكن ِفي َص ِ
126 ورِهم ِمن ِغل[ { ...األعراف [٤٣ : ص هد ِ ِ
نز َعنا َما في ه اللفظ الثالث واألربعون َ { :و َ
سم هعو َن { [األعراف [١٠٠ : فهم ال َي َ اللفظ الرابع واألربعون َ ...{:ون ْطَب هع َعلى هقلوِب ِهم ه
130
ِِ ِ
ام { [األنفال[11: اللفظ التاسع واألربعون َ ...{:وِلَيرِبط َعلى هقلوبكم َوهيثبت به األَ ْق َد َ
144
[األنفال [٤٩:
158 ين هقلوِب ِهم لو أَْنفقت َما ِفي اللفظان الرابع و الخمسون والخامس والخمسون َ { :وأََلف َب َ
األ ِ ِ
ين هقلوِب ِهم[ { ...األنفال [٦٣: يعا َما أََل ْفت َب َ
َرض َجم ً
162 خير[ { ...األنفال [٧٠: ّللا ِفي هقلو ِبكم ً ا اللفظ السادس والخمسون ِ...{ :إن َي َعل ِم َ ه
ِ
لوب ههم[ { ...التوبة [8: رض َونكم ِبأَ ْف َواه ِهم َوتأَْبى هق ه اللفظ السابع والخمسون ...{ :هي ه
164
463
ف صدور قوم م ْؤ ِمِنين * وي ِ
ذهب اللفظان الثامن والخمسون و التاسع والخمسون َ ...{ :وَي ْش ِ ه ه
166
َ َه ه
غيظ هقلوِب ِهم[ { ...التوبة [١٥-١٤:
اّلل واْليو ِم ِِ
لوب ههم[ { ...التوبة [٤٥: اآلخ ِر َو َ
ارت َاب ْت هق ه اللفظ الستون ... { :ال هي ْؤمنو َن ِب َ َ َ
169
ِ ِ
ليها َواْل هم َؤَلفة هق ه
لوب ههم[ { ...التوبة[٦٠ : ين َع َاللفظ الحادي و الستون َ ...{ :واْل َعامِل َ
171
173 ورة تَن هبئ ههم ِب َما ِفي هقلوِب ِهم[ { ...التوبة [٦٤:
اللفظ الثاني و الستون ...{ :هس َ
175 قب ههم ِنفاًقا ِفي هقلوِب ِهم[ { ...التوبة [٧٧: اللفظ الثالث والستون { :فأ َ
َع َ
فهم ال َي ْفَق ههو َن { [التوبة [8٧: اللفظ الرابع والستون َ ...{ :وط ِب َع َعلى هقلوِب ِهم ه
178
فهم ال َيعَل همو َن { [التوبة [٩٣: ّللا َعلى هقلوِب ِهم ه اللفظ الخامس والستون َ ...{ :و َ
طب َع َ ه
180
182 ال هبْنَياهن هه هم اَل ِذي َبنوا ِر َيبة ِفي هقلوِب ِهم
اللفظان السادس والستون والسابع والستون ... { :ال َي َز ه
لوب ههم { [التوبة [١١٠: ِإالَ أَن َتق َ
ط َع هق ه
ِ ِ ِ
نهم[ { ...التوبة [١١٧: لوب َف ِريق م ه اللفظ الثامن والستون ...{:من َبعد َما َك َاد َي ِزيغ هق ه
184
[١٢
فؤ َاد َك{ ... الر هس ِل َمان َثبت ِب ِه َ اء ُّليك ِمن أَنب ِ
قص َع َ اللفظ السادس والسبعون َ { :و كالا َن ُّ
204
َ
[هود [١٢٠:
207 ّللا أَال ِب ِذ ْك ِر َ ِ
ّللا اللفظان السابع والسبعون و الثامن والسبعون ...{ :وت ْطمِئ ُّن هقلوبهم ِب ِذ ْك ِر َ ِ
هه َ َ
لوب { [الرعد [٢8: ِ
ت ْط َمئ ُّن ْاهلهق ه
210 اس تهوِي ِإلي ِهم[ { ...إبراهيم [٣٧: فاجع ْل أَ ْفِئ َد ًة ِم َن الَن ِ
اللفظ التاسع والسبعون َ ...{ :
ِ
تهم َه َواء[ { ...إبراهيم [٤٣ : فهم َوأَ ْفئ َد ه رتُّد ِإلي ِهم ه
طر ه اللفظ الثمانون ... { :ال َي َ
212
464
ِ ِ
ّللا َعلى هقلوِب ِهم[ { ...النحل [١٠8:
طب َع َ هين َ الثامن والثمانون { :أ َهولئ َك اَلذ َ اللفظ
229
231 فؤ َاد[ { ...اإلسراء [٣٦:مع َواْلَب َصَر َواْل َ
الس َالتاسع والثمانون ِ...{ :إ َن َ اللفظ
234 َكَن ًة[ { ...اإلسراء [٤٦: التسعون { :وجعَلنا على هقلوِب ِهم أ ِ اللفظ
َ ََ َ
وركم[ { ...اإلسراء [٥١: ص هد ِ الحادي والتسعون { :أَو ْخًلقا ِم َما ي ِ
كبهر في ه اللفظ
236
َ ه
240 طنا َعلى هقلوِب ِهم[ { ...الكهف [١٤: الثاني والتسعون َ { :وَرَب َ اللفظ
243 كرنا[ { ...الكهف [٢8: التطع َمن أَ َغْفَلنا َقْلَب هه َعن ِذ ِ
اللفظ الثالث والتسعون ...{ :و ِ
َ
245 َكَن ًة[ { ...الكهف [٥٧: اللفظ الرابع والتسعون ِ...{ :إَنا جعَلنا على هقلوِب ِهم أ ِ
ََ َ
247 شرح ِلي َصدرِي { [طه [٢٥: قال َرب ا َ اللفظ الخامس والتسعون َ { :
جوى[ { ...األنبياء [٣: ِ
َسُّروا الَن َلوب ههم َوأ َاللفظ السادس والتسعون { :الهَية هق ه
250
ِ ِ
لوب ههم[ { ...الحج [٣٥: لت هق ه ّللا َو ِج ْ
ين ِإذا ذكَر َ ه اللفظ الثامن والتسعون { :اَلذ َ
256
ِ
لوب ههم َو ِجلة[ { ...المؤمنون [٦٠: ين هي ْؤتو َن َما َءَاتوا َوهق ه اللفظ الرابع بعد المئة َ { :واَلذ َ
267
269 غمرة ِمن َهذا[ { ...المؤمنون [٦٣: ِ
لوب ههم في َ اللفظ الخامس بعد المئة َ { :ب ْل هق ه
271 َبص َار َواألَ ْفِئ َدة[ { ...المؤمنون :
مع َواأل َ اللفظ السادس بعد المئة َ { :و هه َو اَل ِذي أَْنش َأ َل هك هم َ
الس َ
[٧8
َ ِ ِ
َبصار {[النور [٣٧:لوب َواأل َوما َت َتقل هب فيه ْاهلهق ه اللفظ السابع بعد المئة َ...{ :يخاهفو َن َي ً
273
ِ
تابوا[ { ...النور [٥٠: اللفظ الثامن بعد المئة { :أَفي هقلوِب ِهم َمَرض أَ ِم َار ه
277
465
[١٠
ين أ ههوتوا اْل ِعْل َم {... اللفظ التاسع عشر بعد المئة { :بل هو ءايا ت بينا ت ِفي صد ِ ِ
ور اَلذ َ
304
هه ََ َ ْ هَ َ َ
[العنكبوت [٤٩:
ّللا على هق ِ ِ ِ
ين ال َيعَل همون {[الروم [٥٩: لوب اَلذ َ اللفظ العشرون بعد المئة { :كذل َك َي ْطَب هع َ ه َ
307
{[األحزاب [١٠:
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض... ِ ِ
اللفظ السادس والعشرون بعد المئة َ { :وِا ْذ َيقول اْل همنافقو َن َواَلذ َ
322
{[األحزاب [١٢:
324 عب[ { ...األحزاب [٢٦: الر َاللفظ السابع والعشرون بعد المئة َ ...{ :وقذف ِفي هقلوِب ِه هم ُّ
326 في ْط َم َع اَل ِذي ِفي قْل ِب ِه َمَرض... عن ِب ْاَل ِ
قول َ اللفظ الثامن والعشرون بعد المئة ...{ :فال ْ
تخ َض َ
{[األحزاب [٣٢:
ِ ان َ ِ ِ ِ
يما
يما َحل ً
ّللا َعل ً
ّللا َيعَل هم َما في هقلوبكم َوَك َ ه اللفظ التاسع والعشرون بعد المئة َ ...{ :و َ ه
328
{[األحزاب [٥١:
330 ذلكم أَ ْط َههر ِلهقلو ِبكم َوهقلوِب ِه َن{...
اللفظان الثالثون والحادي والثالثون بعد المئة ِ ... { :
[األحزاب [٥٣:
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض... ِ ِ ِ ِ
اللفظ الثاني والثالثون بعد المئة { :لئن لم َيْنته اْل همنافقو َن َواَلذ َ
332
{[األحزاب [٦٠:
334 اللفظ الثالث والثالثون بعد المئة َ ...{ :ح َتى ِإ ذا فز َع َعن هقلوِب ِهم[ { ...سبأ [٢٣:
336 الص هدور {[فاطر [٣8: ات ُّ اللفظ الرابع والثالثون بعد المئة ِ...{ :إَنه عِليم ِب َذ ِ
ه َ
ِ
اء َرَب هه ِبقْلب َسليم { [الصافات [8٤: اللفظ الخامس والثالثون بعد المئة ِ { :إ ذ َج َ
338
340 الص هدور {[الزمر [٧: اللفظ السادس والثالثون بعد المئة ِ...{ :إَنه عِليم ِب ِ
ذات ُّ ه َ
درهه ِل ِ
إلسال ِم ... ّللا َص َشر َح َ ه
َفمن َ اللفظان السابع والثالثون و الثامن والثالثون بعد المئة { :أ َ
342
[٢٣
ِ ِ
ين ال هي ْؤ ِمنو َن[ {...الزمر : لوب اَلذ َ
اشمأََزت هق ه
حد هه َ اللفظ األربعون بعد المئة َ { :واِذا ذكَر َ ه
ّللا َو َ
349
[٤٥
لوب َلدى اْل َحَن ِ َنذرهم يوم ِ ِ ِ ِ
اج ِر{ ... اآلزفة ِإذ ْاهلهق ه اللفظ الحادي و األربعون بعد المئة َ { :وأ ه َ َ
353
466
[غافر [١8:
355 الص هدور{ [غافر [١٩: تخفي ُّ اللفظ الثاني و األربعون بعد المئة { :يعَلم َخ ِائنة األَعي ِن وما ِ
ه ََ َ ه
كل قْل ِب هم َتكبر َجَبار{ [غافر :ّللا َعلى ِ ِ
اللفظ الثالث واألربعون بعد المئة َ ... { :كذل َك َي ْطَب هع َ ه
358
[٣٥
ورِهم ِإالَ ِكبر ما هم ِبب ِال ِغ ِ ِ
يه[ { ...غافر : ص هد ِ اللفظ الرابع واألربعون بعد المئة ِ...{ :إ ن في ه
359
َ ه َ
[٥٦
ِ
وركم[ {...غافر [8٠: ص هد ِ اجة في ه
ليها َح َاللفظ الخامس واألربعون بعد المئة َ ...{ :وِل َتهبلغوا َع َ
361
363 َكَنة ِم َما تدعونا ِإ ِ
ليه[ {...فصلت : اللفظ السادس واألربعون بعد المئة { :وقاهلوا هقلوبَنا ِفي أ ِ
هَ ه
[٥
ّللا ي ِ ِ
ختم َعلى اللفظان السابع واألربعون و الثامن واألربعون بعد المئة ...{ :فِإن َيشأ َ ه َ
366
[٢٤
ين ِفي هقلوِب ِهم َمَرض [ { ...مح َمد [٢٩: ِ
اللفظ الخامس والخمسون بعد المئة { :أَم َح ِس َب اَلذ َ
381
383 لوب ْا ِ
لم ْؤ ِمن َ
ين{ ... ه اللفظ السادس والخمسون بعد المئة { :هه َو اَل ِذي أَْن َز َل َ
الس ِكَينة ِفي هق ِ
[الفتح [٤:
ليس ِفي هقلوِب ِهم[ { ...الفتح : ِ ِ
قولو َن ِبأَْلسنت ِهم َما َ اللفظ السابع والخمسون بعد المئة َ...{ :ي ه
385
[١١
387 ذل َك ِفي هقلو ِبكم[ { ...الفتح [١٢: ين ِ
اللفظ الثامن والخمسون بعد المئة ...{ :أََبًدا َو هز َ
389 فعِل َم َما ِفي هقلوِب ِهم[ { ...الفتح [١8: اللفظ التاسع والخمسون بعد المئة َ ...{ :
فروا ِفي هقلوِب ِه هم اْل َح ِمَية[ { ...الفتح [٢٦: ِ
ين َك هاللفظ الستون بعد المئة ِ { :إ ذ َج َع َل اَلذ َ
392
ِ ِ
لوب ههم[ { ...الحجرات [٣: ّللا هق َ
تح َن َ ه
ام َ ين َ اللفظ الحادي و الستون بعد المئة...{ :أ َهولئ َك اَلذ َ
395
397 نه ِفي هقلو ِبكم{ ...
ان َوَزَي ه
يم َاإل َ ّللا َحَب َب ِإَل ه
يك هم ِ ِ
اللفظ الثاني والستون بعد المئة َ ...{ :ولك َن َ َ
[الحجرات [٧:
399 ان ِفي هقلو ِبكم[ { ...الحجرات [١٤: يم ه دخل ِ
اإل َ
اللفظ الثالث والستون بعد المئة َ ...{ :ول َما َي ِ
401 اء ِبقْلب همِنيب { [ق [٣٣: ِ ِ
حم َن ب ْالغيب َو َج َ الر َ خش َي َ اللفظ الرابع والستون بعد المئة { :من ِ
َ
ِ ِ ِ
ان َل هه َقْلب[ { ...ق [٣٧: كرى ِل َمن َك َ اللفظ الخامس والستون بعد المئة ِ { :إ َن في ذل َك لذ َ
404
467
الفؤ هاد َما َأرَى { [النجم [١١:
كذب َ اللفظ السادس والستون بعد المئة َ { :ما َ
407
411 الص هدور { [الحديد [٦: ات ُّاللفظ السابع والستون بعد المئة ...{ :وهو عِليم ِب َذ ِ
َ هَ َ
اللفظان الثامن والستون و التاسع والستون بعد المئة { :أَلم يأ ِ ِ ِ
شع
تخ َ
امنوا أَن ْ ْن لَلذ َ
ين َء َ
413
َ
لوب ههم[ { ...الحديد [١٦: ِ هقلوبهم ِل ِذ ْك ِر َ ِ
قس ْت هق ه
َم هد َف َ
فطال َعليه هم األ َ
َ ّللا... هه
ِ
لوب ههم ش َتى[ { ...الحشر [١٤: يعا َوهق ه تحسهب ههم َجم ً اللفظ السادس والسبعون بعد المئة َ ...{ :
428
لوب ههم[ { ...الصف [٥: ّللا هق َاللفظ السابع والسبعون بعد المئة َ ...{ :فل َما َزاغوا أ ََزاغ َ ه
430
[المنافقون [١:
ّللا عِليم ِب َذ ِ
ور { [التغابن [٤: الص هد ِ
ات ُّ اللفظ التاسع والسبعون بعد المئة َ ...{ :و َ ه َ
435
اّلل ي ِ
ِ
هد َقْلَب هه[ { ...التغابن [١١: اللفظ الثمانون بعد المئة َ ...{ :و َمن هي ْؤ ِمن ِب َ َ
437
لوب هك َما[ { ...التحريم [٤: اللفظ الحادي والثمانون بعد المئة ِ { :إن هتتوبا ِإلى َ ِ
ّللا َفقد َصغت هق ه
440
َ
443 الص هدور {[الملك [١٣: ات ُّ اللفظ الثاني والثمانون بعد المئة ِ...{ :إَنه عِليم ِب َذ ِ
ه َ
ِ
َبص َار َواألَ ْفئ َدة[ { ...الملك [٢٣: اللفظ الثالث والثمانون بعد المئة َ ...{ :و َج َع َل َل هك هم َ
مع َواأل َ الس َ
446
468
469