You are on page 1of 176

‫ﺷﺒﻜﺔ‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫املتعلمنيّوأحكامّ‬
‫ألحوالّ ّ‬
‫فصل ّةُّ ّ‬
‫﴿ا ّلرسالةّاملُ ّ‬

‫تعلمني﴾‬
‫اّملُ ّعلمنيّواّملُ ّ‬
‫تصنيف اإلمام أبو حسن القابسي‬
‫(‪423‬هـ ‪302-‬هـ )‬

‫تقيق وتقدمي‬
‫دانـ ــا البزن ــي‬
‫الطبع ــة أألولـ ـ ـ ــى (‪2022‬م)‬
‫يف املديرية العامة للمكتبات العامة اعطيت له رقم ايداع (‪ )323‬لسنة ‪2022‬م‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فهرست الكتاب‬
‫ترمجــة حياة مصنــف الرسالـة (االمام ابوحسن القابسي)‪4 .......... :‬‬
‫الظروف السياسية يف زمن اإلمام القابسي‪3 ...................... :‬‬
‫شيوخــه‪5 ...................................................... :‬‬
‫تالميذه‪6 ...................................................... :‬‬
‫بعـض ما ذكـره العلمـاء عنــه‪8 ....................................:‬‬
‫مؤلفاته‪9 .......................................................:‬‬
‫﴿خالصة الرسالة املفصلة الحكام املعلّمني واملتعلّمني ﴾ ‪22 .......‬‬
‫اجل ـ ـُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزء األول‪25 ...........................................‬‬
‫عما جاء يف فضائل القرآن‪ ،‬وما لمن تعلّمهُ وعلّمهُ‪35 ...‬‬
‫ذکر سؤاله ّ‬
‫اجلـزء الثانــي ‪64 .................................................‬‬
‫األول ‪00 ............................................‬‬
‫الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ّ‬
‫ذكر ما أراد أن يُـب ّني له فيما أيخ ُذه املعلّمون على املتعلّمني‪00 .... ،‬‬
‫ُ‬
‫البـ ــاب الثّــانـ ـ ـ ــي ‪204 ...........................................‬‬
‫الصبيان وقيامه عليهم‪204 ....،‬‬
‫ذكر ما أراد‪ ،‬بيانه من سياسة معلّم ّ‬
‫اجلزء الثالث‪228 ...............................................‬‬
‫األول ‪242 .......................................‬‬
‫الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ّ‬
‫السالم ‪200 ....................‬‬
‫الرسول عليه َّ‬
‫ذكر سؤاله عن قول ّ‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ترمجــة حياة مصنــف الرسالـة (االمام ابوحسن القابسي)‪:‬‬


‫أبو احلسن علي بن حممد بن خلف املعافري القروي القابسي‬
‫املالكي‪ ،‬وقيل ابن القابسي‪ ،‬احلافظ‪ ،‬العالمة عامل املغرب املالكي‬
‫األصويل املتكلم‪ ،‬اإلمام يف علم احلديث وفنونه وأسانيده‪ ،‬فقيها‬
‫أصوليا متكلما مؤلفا جميدا وكان من الصاحلني املتقني الزاهدين‬
‫اخلائفني‪ ،‬ثقة صاحلا‪ُ ،‬و ِصف القابسي بعامل املالكية إبفريقيا يف‬
‫عصره‪،‬‬
‫ك ـ ـ ـ ـ ـان مولـ ـ ـ ـ ـ ـده ف ـ ـ ـ ـ ـي سن ـ ـ ـ ـ ـة ‪423‬هـ بقي ـ ـ ـ ـ ـروان‪.‬‬
‫شد أبو احلسن الرحال إىل املشرق اإلسالمي سنة اثنني ومخسني‬
‫وثالمثائة (‪452‬هـ(‪ ،‬وحج سنة ثالثة ومخسني وثالمثائة (‪454‬هـ)‪،‬‬
‫مث عاد إىل مصر فأقام هبا يسمع احلديث ابإلسكندرية‪.‬‬
‫وكان عارفا ابلعلل والرجال‪ ،‬والفقه واألصول والكالم‪ ،‬مصنفا يقظا‬
‫دينا تقيا‪ ،‬ويقال عنه انه كان ضريرا وبعض املصادر تنفي ذلك أو‬
‫اصابته الضرر يف الكرب‪ ،‬وهو من أصح العلماء كتبا‪ ،‬كتب له ثقات‬
‫أصحابه‪ ،‬وضبط له مبكة ” صحيح ” البخاري‪ ،‬وحرره وأتقنه رفيقه‬

‫‪3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اإلمام أبو حممد األصيلي‪ ،‬وبعد أن تلقى العلم واتصل بكبار العلماء‬
‫ابملشرق رجع إىل القريوان سنة سبع ومخسني‪.‬‬
‫عمل االمام القابسي إبقراء الناس يف القريوان دهراً‪ ،‬مث توىل الفتوى‬
‫مكرهاً‪ ،‬وكان أول من أدخل «رواية البخاري» إىل إفريقيا‪.‬‬

‫الظروف السياسية يف زمن اإلمام القابسي‪:‬‬


‫عاش القابسي يف زمن الدولة الفاطمية اإلفريقية‪ ،‬وعاصر عدداً من‬
‫خلفائها من أبرزهم‪ :‬أبو طاهر إمساعيل املنصور ابهلل‬
‫(‪443‬ـ‪433‬هـ)‪ ،‬واملعز لدين هللا (‪432‬ـ‪465‬هـ)‪ ،‬وكان زمناً ممتلئاً‬
‫ابألحداث والثورات اخلطرية‪ ،‬ألسباب سياسية ودينية كادت تعصف‬
‫بكيان الفاطميني من أساسه‪.‬‬
‫اتسمت الدولة الفاطمية ابهتمامها مبختلف فروع العلم والثقافة‪،‬‬
‫واهتم رجاهلا ابلعلم‪ ،‬فاغتنت مكتباهتم ابلكتب على اختالف‬
‫موضوعاهتا‪ ،‬وكان القصد من ذلك خدمة مذهبهم اإلمساعيلي‬
‫والتمكني لسلطاهنم‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ومل يكن هدف سياستهم التعليمية النهوض ابلرعية ونشر الوعي‬


‫والتفكري العلمي بقدر ما هو نشر العلم وتوظيفه لتوطيد نفوذهم‪،‬‬
‫فشجعوا علماءهم‪ ،‬وأولوهم املناصب املهمة‪ ،‬فانتعش التعليم والثقافة‬
‫اإلمساعيليّان حلماية الدولة هلما‪.‬‬
‫ويف املقابل تشبث علماء املذهب املالكي ـ والقابسي منهم ـ ابلثقافة‬
‫السنية‪ ،‬وصاروا يعلموهنا يف منازهلم وحمالهتم التجارية؛ خدمة للعلم‬
‫والثقافة املالكيني وخوفاً من غلبة املذهب اإلمساعيلي‪ ،‬وكانوا يعقدون‬
‫املناظرات أحياانً بني املالكية واإلمساعيلية‪.‬‬
‫وهذا يؤكد ابن وجود الطائفتني السنة والشيعة يف االسالم هي من‬
‫ابب التشخص وهو يؤدي الی خروج االمة االسالمية‪ ،‬مادامـت يف‬
‫اطارها السلمي‪ ،‬والكن ما ان يتحول الی صراع عسكري تصادمي‬
‫يكون سببا الی تراجع االمة وضعفها!‬

‫شيوخــه‪:‬‬
‫‪-3‬محزة بن حممد بن علي بن العباس الكناين املصري أيب القاسم‪.‬‬
‫‪ -2‬أيب العباس عبد هللا بن أمحد التونسي‪.‬‬
‫‪ -4‬علي أيب احلسن بن حممد بن مسرور الدابغ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -3‬عبد هللا بن عبد الرمحن النفزي القريواين‪.‬‬


‫‪ -5‬أيب زيد حممد بن أمحد بن عبد هللا املروزي‪.‬‬
‫‪ -6‬حممد بن أمحد بن احلسني بن القاسم بن السري بن الغطريف‬
‫بن اجلهم العبدي اجلرجاين أيب أمحد الغطريفي‪.‬‬
‫‪ -7‬دراس كشداد بن إمساعيل الفاسي أيب ميمونة‪.‬‬

‫تالميذه‪:‬‬
‫‪ -3‬حامت بن حممد بن عبد الرمحن التميمي القرطيب أيب القاسم‬
‫‪ -2‬املهلب أيب القاسم بن أمحد بن أسيد بن أيب صفرة التميمي‬
‫‪ -4‬حممد بن موهب التميمي املقربي القرطيب التجييب أيب بكر‬
‫‪ -3‬عبد هللا بن حممد بن يوسف بن نصر القرطيب أيب الوليد‬
‫‪ -5‬مروان بن علي القطان أيب عبد امللك‬
‫‪ -6‬حممد بن أمحد بن أسيد بن أيب صفرة التميمي‬
‫‪ -7‬عثمان بن سعيد بن عثمان األموي الداين أيب عمرو‬
‫‪ -8‬أمحد بن عبد الرمحن اخلوالين أيب بكر القريواين‬
‫‪ -9‬عبد الرمحن بن حمرز القريواين أيب القاسم‬
‫‪ -31‬املهلب بن أمحد بن أيب صفرة التميمي‬

‫‪6‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -33‬أيب القاسم عبد الرمحن بن حممد اللبيدي القريواين املصري‬


‫‪ -32‬حممد بن عبد هللا بن يونس التميمي‬
‫‪ -34‬حممد بن سعيد بن شرف األجذايب القرياين‬
‫‪ -33‬مكي بن عبد الرمحن املنستريي القرشي‬
‫‪ -35‬خلف بن أيب القاسم األزدي‬
‫‪ -36‬حممد بن سفيان القريواين اهلواري أيب عبد هللا‬
‫‪ -37‬موسى بن عيسى بن أيب حاج حيج الرببري الغفجومي الزانيت‬
‫‪ -38‬حممد بن عبد هللا املالكي القريواين‬
‫‪ -39‬حسن بن خلدون البلوي‬
‫‪ -21‬عبد الرمحن بن حممد الكناين‬
‫‪ -23‬عتيق السوسي أيب بكر‬
‫‪ -22‬عتيق بن خلف التجييب أيب بكر‬
‫‪ -24‬مكي بن أيب طالب بن حممد بن خمتار القيسي‬
‫‪ -23‬عبد هللا بن الوليد بن سعد بن بكر األنصاري‬

‫‪7‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بعـض ما ذكـره العلمـاء عنــه‪:‬‬


‫قال حامت الطرابلسي صاحبه‪ :‬كان أبو احلسن فقيهاً عاملاً حمداثً‬
‫ورعاً متقلالً من الدنيا‪ ،‬مل أر أحداً ممن يشار إليه ابلقريوان بعلم إال‬
‫وقد جاء امسه عنده وأخذ عنه‪ ،‬يعرتف اجلميع حبقه وال ينكر فضله‪.‬‬
‫وقال حممد بن عمار اهلوزين – يف رسالته – وذكره فقال‪ :‬متأخر يف‬
‫زمانه متقدم يف شأنه العلم والعمل والرواية والدراية‪ ،‬من ذوي‬
‫االجتهاد يف العباد والزهاد‪ ،‬جماب الدعوة‪ .‬له مناقب يضيق عنها‬
‫الكتاب‪ .‬عاملاً ابألصول والفروع واحلديث وغري ذلك من الرقائق‪،‬‬
‫ذكره أبو عبد هللا ابن أيب صفرة فقال‪ :‬كان فقيه الصدر‪ ،‬قال أبو‬
‫احلسن‪ :‬ملا رحلت إىل اإلبياين أان وأبو حممد األصيلي‪ ،‬وعيسى –‬
‫يعين ابن سعادة الفاسي – كنا نسمع عليه‪ ،‬فإذا كان بعد العصر‬
‫ذاكران يف املشكل‪ ،‬فتذاكران يوماً وطال الذكر فخصين أبن قال يل اي‬
‫أاب احلسن لتضربن إليك آابط اإلبل من أقصى املغرب‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫بربكتك إن شاء هللا‪ ،‬وملا نرجوه من النفع بك إن شاء هللا‪ .‬مث جرى‬
‫يل منه ذلك يوماً آخر مث ذاكرين يوماً اثلثاً فهمين له‪ ،‬فقال مثل‬
‫ذلك‪ ،‬فقلت له بربكتك إن شاء هللا فقال‪ :‬وهللا لتضربن إليك آابط‬
‫اإلبل من أقصى املغرب‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وذكر الذهيب‪ ،‬أخربان قاضي دمشق علم الدين حممد بن أيب بكر‬
‫املصري‪ ،‬أخربان أمحد بن عمر الباهي‪ ،‬أخربان عثمان بن حسن‬
‫اللغوي‪ ،‬أخربان خلف بن عبد امللك احلافظ‪ ،‬أخربان أبو حممد بن‬
‫عتاب‪ ،‬حدثنا حامت بن حممد‪ ،‬أخربان أبو احلسن القابسي‪ ،‬أخربان‬
‫علي بن حممد بن مسرور‪ ،‬أخربان أمحد بن أيب سليمان‪ ،‬حدثنا‬
‫سحنون بن سعيد‪ ،‬حدثنا عبد الرمحن بن القاسم‪ ،‬حدثنا مالك‪ ،‬عن‬
‫يزيد بن عبد هللا بن قسيط‪ ،‬عن حممد بن عبد الرمحن بن ثوابن‪ ،‬عن‬
‫أمه‪ ،‬عن عائشة‪( :‬أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أمر أن‬
‫نستمتع جبلود امليتة إذا دبغت )‪.‬‬

‫مؤلفاته‪:‬‬
‫لالمام ابو حسن القابسي مؤلفات ورسائل كثرية‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫‪ -3‬كتاب «املمهد يف الفقه» بلغ فيه إىل ستني جزءا‪ ،‬ومات ومل‬
‫يكمله‪ ،‬وهو كتاب كثري الفائدة مبوب على أبواب الفقه‪ ،‬مجع فيه‬
‫احلديث واألثر والفقه‪.‬‬
‫‪ -2‬أحكام الداينة ‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب املنقذ من شبه التأويل‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -3‬املنبه للفطن من غوائل احملن‪.‬‬


‫‪ -5‬كتاب امللخص ملسند موطأ مالك بن أنس‪ ،‬وهو(‪)521‬‬
‫حديثا‪.‬‬
‫‪ -6‬الرسالة املفصلة ألحوال املتعلمني وأحكام املعلمني واملتعلمني‪.‬‬
‫‪-7‬كتاب رتب العلم وأحوال أهله‪.‬‬
‫‪ -8‬كتاب الذكر والدعاء وما فيه للسائل مكتفى‪.‬‬
‫‪ -9‬رسالة يف الورع ‪.‬‬
‫‪ -31‬كتاب أمحية احلصون ‪.‬‬
‫‪ -33‬كتاب االعتقادات مساها (النافعة) ‪.‬‬
‫‪ -32‬رسالة مساها الناصرة‪.‬‬
‫‪ -34‬الرسالة املعظمة ألحوال املتقني‪.‬‬
‫‪ -33‬الرسالة الناصرية يف الرد على البكرية‪.‬‬
‫‪ -35‬رسالة يف أيب احلسن األشعري‪.‬‬
‫‪ -36‬رسالة كشف املقالة‪.‬‬
‫‪-37‬الرسالة اليت أمالها مبناسبة حادثة اعتداء على صبية شريفة‪.‬‬
‫‪ -38‬رسالة تزكية الشهود‪.‬‬
‫‪ -39‬كتاب مناسك احلج‪.‬‬

‫‪01‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -21‬رسالة (كشف املقالة عن التوبة)‪.‬‬


‫‪ -23‬رسالة ( تزكية الشهود وجترحيهم )‪.‬‬

‫‪00‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫﴿خالصة الرسالة املفصلة الحكام املعلّمني واملتعلّمني ﴾‬


‫هــي اشبه ما تكون مبجموعة فتاوى قيِّمة يف ما يتعلق ابحكام‬
‫املعلّمني واملتعلّمني‪ .‬وتتكون رسالة اإلمام القابسي من ثالثة أجزاء‬
‫رئيسية‪،‬‬
‫اجلزء األول‪ :‬وهو يف تفسري اإلميان واإلسالم واإلحسان واالستقامة‬
‫وصفة الصالح‪ ،‬وفضل تعلّ ــم وتعليم كتاب هللا القرآن الكرمي‪.‬‬
‫ويف اجلزء الثاين‪ :‬وهو يتكون من الباب االول والباب الثاين جييب‬
‫املؤلف فيهما عما كان يشغل ابل خاطبه فيما أيخذه املعلمون على‬
‫وسنّة ذلك وما يصلح أن يُعلم للصبيان مع القرآن‪ ،‬ويذكر‬ ‫املتعلمني ُ‬
‫سياسة معلم الصبيان وقيامه عليهم‪.‬‬
‫ويف اجلزء الثالث‪ :‬يتناول التفاصيل التشريعية واملهنية املتعلقة إبجارة‬
‫املعلم واهلدااي املباحية وغري ذلك من احملاور اهلامة‪.‬‬
‫أعتمد االمام القابسي ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬يف رسالته هذه على كتاب‬
‫"آداب املعلمني" لإلمام سحنون‪ ،‬ومجّع يف املساق املتماسك ما كان‬
‫مبعثرا يف كتاب "آداب املعلمني"‪ ،‬وأضاف إليه شروحات وتعليقات‬
‫نفيسة‪.‬‬

‫‪02‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -‬أوضـح االمام القابسي يف رسالته (احكام املعلمني واملتعلمني) عن‬


‫تعليم الصبيان من حيث اغراضه ومناهجه وطرق تدريسه وٲماكنه‬
‫ومراحله‪،‬‬
‫‪ -‬وقال ان الغرض من التعليم هو معرفة الدين علماً وعمالً ( اي‬
‫تطبيق احكام الدين عمليا مثل اقامة الصالة وكيفية قرائة القران‬
‫جيدا وكيفية تطبيق االخالق احلميدة وكيفية جتنب االخالق السيئة‬
‫واخل‪)..‬‬
‫‪ -‬وبني القابسي أبن تعليم القرآن هي الوسيلة الرئيسية واالساسية‬
‫يف تعليم الصبيان‪.‬‬
‫‪ -‬وأكد ابن التعليم هو واجب شرعي وهو الوسيلة ملعرفة القرآن‬
‫الكرمي والعبادات‪ .‬وقال أبن على املسلم تعليم ولده او ان يرسله الی‬
‫من يقوم بتعليمه وتدريسه وهو واجب شرعي علی الوالدين‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر أيظاً ابن تعليم البنات واجب شرعي‪ ،‬ولكنه نبه ابنه جيب‬
‫ان يكون بضوابطه الشرعية‪.‬‬
‫‪ -‬ثـم تطرق اىل منهج التعليم‪ ،‬وقال ابن الواعز الديين هو اساس‬
‫الغرض من التعليم وابن اول العلوم واساسها هي حفظ القرآن الكرمي‬
‫مع كتابته وقرائته وجتويده‪.‬‬
‫‪03‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -‬وتدارك االمام القابسي امر االخالق ونص يف رساالته ان الدين‬


‫هو اصل االخالق والرتبية عند املسلمني‪ .‬وذكر ابن تدريس سرية‬
‫النبوية هي ذات فائدة كبرية يف التعليم‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر ابن جيب ان يعود الطفل علی العادات احلميدة احلسنة‬
‫واول هذه العادات احلسنة هي الطاعة هلل ولرسوله والويل االمر‪.‬‬
‫‪ -‬وااليظا جيب ان يتعلموا االنضباط وانه حني يكون التعليم منظماً‬
‫يكون الفائدة اكرب بكثري‪.‬‬
‫‪ -‬وبني ان النظام من العبادات االسالمية الواجب ممارساهتا مثل‬
‫الصالة والصيام واحلج والعبادات االخری‪ ،‬وكل هذه العبادات تعلم‬
‫املسلم االنضباط واالرتباط ابالوقات‪.‬‬
‫‪ -‬ويذكر االمام القابسي موضوع الرفق ابلصبيان عند تنفيذ‬
‫العقوابت عليهم‪ ،‬وهنی القابسي املعلم علی تنفيذ العقواب علی‬
‫التلميذ وهو يف حاالت الغضب‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر االمام ابو حسن القابسي ابن الدوام يكون للصبيان طيلة‬
‫اايم االسبوع عدی يوم اجلمعة والنصف الثاين يف يوم اخلميس‪ ،‬وذكر‬
‫ابنه ختصص اول اليوم وقت الضحی القرآن الكرمي ومن الضحی اىل‬
‫الضهر لتعليم الكتابة‪ ،‬وعند الظهر يتناول التالميذ الغداء‪ ،‬وبعد‬
‫‪04‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صالة الظهر يدرسون بقية العلوم مثل النحو واحلساب والشعر‪،‬‬


‫وخيصص مساء االربعاء واول اخلميس للمراجعة ما اخذه الصبيان‬
‫من العلوم يف االسبوع‪.‬‬
‫‪ -‬ووضع االمام القابسي بعض الضوابط اليت جيب ان يتقنها املعلم‬
‫مثل معرفته بعلوم القران الكرمي ومن مث النحو والشعر واحلساب الی‬
‫جانب اىل امتالكه لشخصية قوية ومعرفة جيدة ابلدين ومسعة طيبة‪.‬‬
‫‪ -‬وقد اجزت لكل مسلم طبع كتايب هذا وارجوا له ربح الدنيا‬
‫واآلخرة وكلها يف مرضاة هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪ -‬وارجوا ان ال تنسوان من صاحل دعائكم‪.‬‬

‫سي ــد دانـ ــا الربزجنــي حفيد العامل العالمة وأستاذ األساتذة‬ ‫‪-‬‬
‫سيــد عبدالكرمي الربزجنــي املــدرس السليمانــي الكنكوت ـ ـ ـ ـري‪.‬‬

‫‪05‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ص رسالـ ـ ــة‬
‫نـ ـ ـ ـ ّ‬
‫فصلةُ ألحوال املُتعلّمني‪ ،‬وأحكام املُعلّمني‬
‫الرسالة املُ ّ‬
‫﴿ ّ‬
‫واملُتعلّمني﴾‬
‫لإلمام ابو حسن القابســي‬
‫(‪423‬هـ ‪302-‬هـ )‬
‫فصلةُ األحوال املُتعلّمني‪ ،‬وأحكام املُعلّمني‬
‫الرسالة املُ ّ‬
‫﴿ ّ‬
‫واملُتعلّمني ﴾‬

‫تلفني‪ ،‬األوىل‪:‬‬ ‫ِ‬


‫( جاء يف ظاهر النسخة اخلطّية عباراتن بقلم ْني ُخم ْ‬
‫الزمان‪ ،‬وهو املعان على عفو ربِّه الكرمي‬ ‫ّ‬ ‫احلمد هلل وحده من عوادى‬
‫ُ‬
‫غفر هللا له ولِوالِدي ِه ِ‬
‫وجلميع‬ ‫ْ‬ ‫حممد البِيطار‪.‬‬
‫الغ ّفار‪ .‬علي بن أمحد بن ّ‬
‫املسلمني‪ .‬آمني‪.‬‬
‫صيلة ألحوال املتعلّمني‬ ‫والثّانية‪ :‬اجلزء األول والثّاين والثّالث من املف ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأحكام املعلِّمني واملتعلِّمني‪ .‬احلمد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪06‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

07


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هلل وحده‪ .‬طالع هذا الكتاب املبارك العبد الفقري إىل هللا تعاىل‪،‬‬
‫ترحم عليه‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫حممد بن حسن‪ .‬غفر هللا له ولوالديْه ولم ْن ّ‬
‫املعرتف بذنبه ّ‬
‫وجلميع املسلمني آمني‪.‬‬
‫ُ‬

‫اخلط يبقى زماان بعد كاتِبِ ِه‬


‫الرت ِب ُمدفون‬ ‫ب اخل ِّ‬ ‫ِ‬
‫ط حتت ْ‬ ‫وكات ُ‬
‫ِ‬ ‫اي ِ ِ‬
‫رب إ ْغف ْر لعبد كان كاتبهُ‬‫ّ‬
‫ط قُ ْل اي رِّيب آمني‬ ‫اي قارَ اخل ِّ‬
‫ط تـر ّح ْم على م ْن كتـبهُ)‪.‬‬ ‫ت‪ .‬اي قارَ اخل ّ‬‫تّ ْ‬

‫‪08‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الرحمن الرحيم ﴾‬‫﴿ بسم هللا ّ‬


‫وبه تّ ّوفیقي‬

‫قال أبو الحسن علي بن محمّد بن خلّف املعروف القابس ي‬


‫الفقيه القيرو اني‬

‫( احلمد هللا الذي أنْـزل على عبده الكتاب ومل جيعل له عوجاً‬
‫﴿‪﴾2‬قـيِّماً لِيُـْن ِذر أبساً شديداً من ل ُدنْه ِّ‬
‫ويبشر املؤمنني الذين يعملون‬
‫احلات أن هلم أجراً حسناً﴿‪﴾2‬ماكثني فيها أبداً﴿‪﴾4‬ويُنذر‬ ‫الص ِ‬
‫ت‬‫الذين قالوا اختذ هللاُ ولداً﴿‪﴾3‬ما هلم به من علم وال آلابئهم ك ُرب ْ‬
‫كلمةً ختر ُج من أفواههم إ ْن يقولون إال‬

‫‪09‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

21


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫كذابً﴿‪ )1()﴾5‬و(تبارك الذي نـّزل ال ُفرقان على عبده ليكون للعاّملني‬
‫السموات واألرض ومل يتّخذ ولداً ومل يكن‬ ‫نذيراً ﴿‪﴾2‬الذي له ُملك ّ‬
‫له شريك يف امللك وخلق كل شيء فق ّدره تقديراً ﴿‪.)﴾2‬‬
‫ُ‬
‫واحلمد هلل الذي مل يزل واحداً‪ ،‬أحداً‪ ،‬حياً‪ ،‬قيوماً‪ ،‬له األمساءُ‬
‫كمثْله شيء‪ ،‬وهو السميع البصريُ‪.‬‬ ‫الصفات العلى‪ ،‬ليس ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫احلُسىن‪ ،‬و ّ‬
‫محة والتِّ ِ‬
‫بيان‪ ،‬ابلنوِر‬ ‫األانم‪ ،‬للر ِ‬
‫تكلم ابلقرآن‪ ،‬وأنزله على حممد خ ِري ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫و ِ ِ‬
‫وهدى وبُشرى‬ ‫الربهان‪ ،‬واحلكمة وال ُفرقان‪ ( ،‬ليُـثـبِّت الذين آمنوا ُ‬
‫ُ‬
‫جل ثناؤه‪( :‬طه﴿‪﴾2‬ما أنزلنا‬ ‫ّ‬ ‫وقال‬ ‫))‬ ‫(‪)2‬‬
‫للمسلمني﴿‪﴾202‬‬
‫عليك القرآن لتشقى﴿‪﴾2‬إال تذكرةً لِم ْن خيشى﴿‪﴾4‬تنزيالً ِممن‬
‫ِ‬
‫العرش‬ ‫ات العُلى﴿‪﴾3‬الر ْمح ُن على‬ ‫خلق األرض والسمو ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫األرض وما بينـ ُهما وما حتت‬ ‫استوى﴿‪﴾5‬له ما يف السموات وما يف‬
‫السر وأخفى﴿‪﴾0‬هللا ال إله‬ ‫ِ‬
‫يعلم ّ‬ ‫الثرى﴿‪﴾6‬وإ ْن ْ‬
‫جتهر ابلقول فإنّه ُ‬
‫ومن به‪ ،‬وأستعينه‬ ‫ّإال هو له األمساء احلسنی﴿‪ .)3()﴾8‬أمحده‪ ،‬وأُ ِ‬
‫ُ ُ‬
‫القوة إليه‪ ،‬وأشهد أن ال إله ّإال هللا‬
‫وأتوكل عليه وأبرأ من احلول و ّ‬

‫)‪- (1‬سورة الكهــف‪.‬‬


‫)‪ - (2‬سورة النحل‪.‬‬
‫)‪ - (3‬سورة طه‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حممداً عبده ورسوله خامتُ النبيِّني‪ ،‬أرسله‬‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأ ّن ّ‬


‫احلق ليُظْ ِهرهُ على ال ّدين كلِّه ولو ك ِره املشركون‪ ،‬فقام‬
‫ابهلُدى ودي ِن ّ‬
‫ُ‬
‫ابلرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪ ،‬ونصح األُّمة‪ ( ،‬عزيز عليه ما عنِتُم حريص‬ ‫ّ‬
‫عليكم ابملؤمنني رءوف رحيم)(‪.)1‬‬
‫ك‬ ‫فسبحان ُهللا الذي سبح له ما يف السموات وما يف األرض ( امللِ‬
‫ُ‬
‫األميني رسوالً منهم‬‫ال ُقدوس‪ ،‬العزيز احلكيم﴿‪﴾2‬هو الذي بعث يف ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتلُو عليهم آايته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب واحلكمة وإن كانوا من‬
‫قبل لفي ضالل ُمبني﴿‪﴾2‬وآخرين منهم ملا يـ ْلحقوا هبم وهو العز ُيز‬
‫ّ‬
‫هللا يُؤتيه من يشاء وهللا ذو الفض ِل‬ ‫احلكيم﴿‪﴾4‬ذلك فضل ِ‬
‫العظيم﴿‪.)2()﴾3‬‬
‫هلل الذي هداان لإلميان‪ ،‬وعلمنا القرآن‪ ،‬ومن علينا ابتباع‬‫احلمد ِ‬
‫و ُ‬
‫صل على حممد‪ ،‬وعلى آل حممد‪ ،‬كما‬ ‫حممد عليه السالم‪ .‬اللّهم ّ‬
‫نبيه ّ‬
‫حممد‪ ،‬كما ابرْكت‬ ‫ابرك على حممد وعلى آل ّ‬
‫صليت على إبراهيم‪ ،‬و ْ‬
‫على إبراهيم‪ ،‬يف العاملني إنك محيد جميد‪ .‬اللهم وعلّ ْمنا ما بعثت به‬
‫حممداً خامت النبيّني من كتاب وحكمة‪ ،‬وما تال من آايتِك‪ ،‬وزّكِنا‬
‫إلينا ّ‬

‫)‪ - (1‬سورة التوبة اآلية رقم ‪.328‬‬


‫)‪ - (2‬سورة اجلمعة‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫إنك أنت العز ُيز احلكيم‪ .‬اللّهم و ِأهلْمنا شكر نِعمتِك به علينا‪ ،‬فإنك‬
‫قلت‪( :‬وألمت نِعميت عليكم ولعلكم هتتدون‪ .‬كما أرسلنا فيكم رسوالً‬
‫منكم يـْتلو عليكم آايتِنا ويزکي ُکم ويعلم ُكم الكتاب واحلكمة‬
‫ويعلمكم ما مل تكونوا تعلمون (‪.))1‬‬
‫وحس ِن عبادتك‪ ،‬فِإنك قلت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللّهم وأعنّا على ذكرك وشكرك‪ُ ،‬‬
‫(فاذْ ُكروين أذ ُكركم واشكروا يل وال ت ْك ُفرون)(‪ )2‬وأيِّ ْدان على طاعتك‪،‬‬
‫أبن نستعني عليها كما أم ْرتنا‪ ،‬فإنك قلت‪ ( :‬اي أيّها الذين آمنوا‬
‫الصابرين )(‪ .)3‬أنت احلق‪،‬‬ ‫استعينوا ابلص ِرب والصالة إن هللا مع ّ‬
‫احلق املبِني‪ّ .‬إايك نعبُد‪ ،‬وإِ ّايك‬
‫ّ‬ ‫ووعدك احلق‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬امللِك‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصراط املستقيم‪ِ ،‬صراط الذين أنعمت عليهم غري‬ ‫نستعني‪ ،‬إِهدان ّ‬
‫الص ّديقني والشهداء‬ ‫الضالني)‪ ،‬من النبِيِّني و ّ‬
‫املغضوب عليهم وال ّ‬
‫أرحم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصاحلني‪ ،‬وأنلنا ُحسن ُمرافـقتهم بفضلك ورمحتك‪ ،‬فأنت ُ‬ ‫و ّ‬
‫الرامحني‪ ،‬وأنت حسبُنا ونِ ْعم الوكيل‪ ،‬وأنت م ْوالان‪ ،‬فنِ ْعم املوىل ونعم‬
‫ّ‬
‫فانصران حبُسن اخلّالص فيما أولْيتنا وفيما ابتـليتنا‪ ،‬برمحتك يف‬‫النّصري ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة البقرة اآلية رقم ‪.353‬‬


‫)‪ - (2‬سورة البقرة اآلية رقم ‪.352‬‬
‫)‪ - (3‬سورة البقرة اآلية رقم ‪.354‬‬
‫‪23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الصاحلني‪ ،‬الذين يُسارعون يف اخلريات وهم هلا سابقون‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬


‫عبادك ّ‬
‫حول وال قوة إال ابهلل العل ّي العظيم‪.‬‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬قد سألين سائل‪ ،‬وأحل عل ّي أن أُجيبه عن مسائِل‪،‬‬
‫احه عل ّي‪ ،‬أنه مضطر‬ ‫كتـبها‪ ،‬وشرط فيها شروطاً‪ ،‬واعتذر من إحل ِ‬
‫إليها وراغب يف فهم ما تع ّذر عليه من فهمها‪ ،‬إذ ِهي حتُل عليه‪،‬‬
‫ِ‬
‫اإلمساك‬ ‫وتن ِزل به فريهبها‪ ،‬وخيشى القدوم عليها‪ ،‬وخياف ِضيق‬
‫ِ ِ‬
‫ت‬‫عنها‪ ،‬لبُعده ممن يصلُح أن يُستعان به فيها‪ ،‬فـعذرتُه بِعُذره‪ ،‬وأشف ْق ُ‬
‫من التـوقف عنه‪ ،‬على وجل مين يف ُجماوبتِه عن كل ما سأل عنه‪،‬‬
‫سرعة جماوبتِه طويالً‪ ،‬وهو ُمقيم على ح ْفزي فيما أراد‬ ‫فرتاخيت عن ِ‬
‫ُ‬
‫وجل يف قلىب االنقياد إىل ُجماوبته‪ .‬فأعوذُ‬ ‫عز ّ‬ ‫حت ألقى هللاُ ّ‬ ‫منّی‪ّ ،‬‬
‫ابحلق فيما‬ ‫ِ‬
‫صمة ّ‬ ‫أسأل هللا الكرمي الع ْ‬
‫ابهلل أن أكون من املتكلّفني‪ ،‬و ُ‬
‫ابتالين به من املقالة يف الدين‪ ،‬وأن يهديين إىل أحس ِن القول فأتبِعه‬
‫ِهبدی من عنده‪ ،‬فهو هادي الذين آمنوا إىل ِصراط مستقيم‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اجل ـ ـُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزء األول‬


‫ذكر سؤاله عن تفسري اإلميان واإلسالم واإلحسان وعن‬
‫ُ‬
‫االستقامة ما هي وكيف ِصفةُ الصالح‪.‬‬

‫قال أبو احلسن‪ :‬أما تفسريُ اإلميان واإلسالم فقد بُِّني ذلك يف‬
‫الصحيح‪ ،‬قال أبو هريرة‪ :‬كان النيب صلّى هللا عليه وسلّم ابرزاً يوماً‬
‫ؤمن ابهلل‬‫للناس‪ ،‬فأاته رجل فقال‪ :‬ما اإلميان؟ قال اإلميان أن تُ ِ‬
‫ُ‬
‫عث اآلخر‪ .‬قال‪ :‬ما اإلسالم؟‬ ‫ومالئِكتِه وبِلِقائِه ورسلِه‪ ،‬وتُؤمن ابلب ِ‬
‫ُُ‬
‫قال‪ :‬اإلسالم أن تعبُد هللا ال تُشرك به وتقيم الصالة‪،‬‬

‫‪25‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

26


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وتؤدي الزكاة املفروضة‪ ،‬وتصوم رمضان‪ .‬قال‪ :‬ما اإلحسان؟ قال‪ :‬أن‬ ‫ّ‬
‫تعبد هللا كأنك تراه‪ ،‬فإن مل تكن تراه فإنه يراك‪ .‬قال‪ :‬مت الساعة؟‬
‫اطها‪:‬‬‫قال‪ :‬ما املسؤو ُل عنها ِأبعلم من السائل‪ ،‬وسأُخربك عن أشر ِ‬
‫إذا ولدت األمةُ رهبا‪ ،‬وإذا تطاول ُرعاة اإلبل البُـه ُم يف البُنيان‪ ،‬يف‬
‫يعلم ُهن إال هللا‪ ،‬مث تال النيب صلّى هللا عليه وسلّم‪( :‬إن هللا‬
‫مخس ال ُ‬
‫علم الساعة‪ ...‬اآلية)(‪ ،)1‬مث أدبر‪ ،‬فقال‪ُ :‬رّدوه‪ ،‬فلم يروا شيئاً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عندهُ ُ‬
‫فقال‪ :‬هذا جربيل‪ ،‬جاء يعلّم الناس دينهم‪.‬‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬فبني صلّى هللا عليه وسلّم أن مجيع ما جرى يف‬
‫نص احلديث دين للنّاس‪ ،‬ويدل أيضاً ما يف هذا احلديث‪ ،‬أنه كان‬ ‫ِّ‬
‫احلج‪ ،‬ألن احلج أيضاً من عمل األبدان‪ ،‬وبه كمال‬ ‫ْقبل نزول فرض ِّ‬
‫ني ذلك ما جاء يف الصحيح من‬ ‫العمل الذي هو اإلسالم‪ .‬يـُب ُّ‬
‫حديث طارق ب ِن ِشهاب‪ ،‬عن عمر ب ِن اخلطّاب‪ ،‬أن رجالً من‬ ‫ِ‬
‫اليهود قال له‪ :‬اي أمري املؤمنني آية يف كتابكم تـ ْقرءوهنا لو علينا معشر‬
‫ت‪ ،‬الختذان ذلك اليوم عيداً‪ ،‬قال‪ :‬أي آية؟ قال‪ ( :‬اليوم‬ ‫اليهود نـزل ْ‬
‫ورضيت لكم اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫أتمت عليکم نعميت‪،‬‬ ‫أكملت لكم دينكم‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬

‫)‪ - (1‬رواه أبو هريرة أخرجه البخاري ومسلم وأمحد وابن ماجه‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫دينا )(‪ .)1‬قال‪ :‬فقال عمر‪ :‬قد عرفنا ذلك اليوم واملكان الذي نزلت‬
‫فيه على النّيب صلّى هللا عليه وسلّم وهو قائم بعرفة‪ ،‬يوم ُمجعة‪.‬‬
‫لت‬‫عمر رضي هللا عنه‪ ،‬أن اليوم الذي نز ْ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فبني له ُ‬
‫فيه هذه اآليةُ يف اإلسالم‪ُ ،‬معظم على مِّر الده ِر‪ ،‬هو عيد يف سائ ِر‬
‫أمصا ِر املُسلمني كلما تكرر ُ‬
‫يوم اجلمعة‪ ،‬واملكا ُن الذي أُن ِزلت فيه هو‬
‫عظم لذلك‬ ‫احلج املُفرتض على مجيع املُسلمني‪ .‬فقد مت الت ُ‬ ‫مكان ِّ‬
‫اليوم‪ ،‬ولذلك املكان الذي أنزلت فيه‪ ،‬واحلمد هلل ِّ‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫الرسول عليه السالم‪ ،‬يف هذا احلديث‪ ،‬إمياانً‪ ،‬هو‬ ‫ُ‬ ‫والذي مسّاه‬
‫اإلقر ُار مبا قد مساه صلّى هللا عليه وسلّم‪ .‬والذي مسّاه إسالماً‪ ،‬هو‬
‫ِ‬
‫استسالم‬ ‫افرتض عليها‪ ،‬ألنه هو الذي يدل على‬ ‫عمل اجلوارِح مبا ُِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنت ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وبلقائه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أسلمت هلل؛ ومن قال‪ُ :‬‬ ‫ُ‬ ‫م ْن قال‪:‬‬
‫ث بعد املوت‪ ،‬فإّنا هو ُخمرب عن تصد ِيقه ملا‬ ‫ورسله‪ ،‬وآمنت ابلبـع ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُُ‬
‫صديق فيما عقد عليه‬ ‫ِ ِِ‬
‫سول عليه السالم‪ .‬وحمل صحته الت ُ‬ ‫جاء به الر ُ‬
‫القلب واطمأن إليه‪ .‬وكذلك هو يف اإلميان جبميع ما جاءت به‬
‫آمنت بذلك‪ ،‬إّنا هو إخبار عن قلبه‪ ،‬أنه قبِل ذلك‪،‬‬ ‫الر ُس ُل‪ .‬قـ ْولُهُ‪ُ :‬‬
‫وصيام رمضان‪،‬‬ ‫فرض الص ِ‬
‫الة والزكاة‪ِ ،‬‬ ‫واطمأن به‪ ،‬ويف ذلك إميانه بِ ِ‬

‫)‪ - (1‬سورة املائدة اآلية رقم (‪.)4‬‬


‫‪28‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫افرتض عليهم من احلقوق‬ ‫ض على املسلمني مع سائ ِر ما ُِ‬ ‫احلج املفرت ِ‬


‫ّ‬‫و ِ‬
‫ِ ُ‬
‫وجل فرضه‪ ،‬وأنه هو احلق‬ ‫ّ ّ‬ ‫عز‬ ‫هللا‬ ‫أن‬ ‫‪-‬‬ ‫ه‬ ‫كل‬ ‫بذلك‬ ‫ه‬‫ق‬‫ُ‬ ‫فتصدي‬ ‫كلّها‪.‬‬
‫علم‬ ‫الذي ال شك فيه ‪ُ -‬كل هذا هو إميان‪ِ ُ ،‬‬
‫القول يـُع ّربُ عنه‪ ،‬وال ي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحة ما وراء القول من هذا املُخ ِرب عن نفسه ابإلميان‪ّ ،‬إال هللاُ ّ‬
‫عز‬
‫جل؛ فإذا أقام الصالة‪ ،‬وآتى الزكاة‪ ،‬وصام رمضان‪ ،‬وحج البيت إذا‬ ‫و ّ‬
‫استطاعهُ‪ ،‬وفعل ِجبوا ِرِح ِه مجيع ما ِأمر به أنه واجب عليه‪ ،‬فقد‬
‫آمنت به‪ ،‬عند من ظهر‬ ‫ِ ِ‬
‫إين ُ‬ ‫استسلم‪ ،‬وص ّدق ابستسالمه هذا قولُه‪ّ :‬‬
‫وعز على ما علِمهُ من ِصح ِة‬ ‫جل ّ‬ ‫له ذلك منه‪ ،‬وهو عند هللا ّ‬
‫الرسول عليه السالم‪ ،‬حني‬ ‫وصدقِه فيما صدق به‪ُ .‬‬
‫وقول ّ‬
‫ِ‬
‫اعتقاد ِه‪ِ ،‬‬
‫تعبد هللا ال تشرك به‪ ،‬معناه‪ :‬بذلك يصح هلذا العمل‬ ‫فسر اإلسالم‪ُ :‬‬
‫جل‪( :‬فم ْن كان يرجو‬ ‫عز و ّ‬‫املذكور أن يكون إسالمه‪ ،‬كما قال هللا ّ‬
‫لقاء ربِّه ف ْليـ ْعمل عمالً صاحلاً وال يشرك بعبادة ربِِّه أحدا)(‪.)1‬‬
‫اعتقاد‬
‫ُ‬ ‫واإلميان هو القبول من الرسول ما جاء به‪ ،‬يُص ِّح ُحهُ لِقائِله‬
‫العمل مبا أمر به‪ ،‬ودعا إليه‪ ،‬واالنتِهاء‬ ‫اإلسالم‪ :‬هو ُ‬
‫ُ‬ ‫قـ ْلبِه بتصديقه‪ .‬و‬
‫جل أمر به‬ ‫عما هنى عنه‪ ،‬يص ِححه اعتقاد ِ ِ‬
‫عز و ّ‬ ‫قلب عامله أن هللا ّ‬ ‫ُ ُُ‬
‫السالم‪ .‬فإذا كان كذلك كان ها هنا اإلسالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على لسان رسوله عليه ّ‬

‫)‪ - (1‬سورة الكهف اآلية رقم (‪.)331‬‬


‫‪29‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وعز‪ ( :‬إن ال ّدين عند هللا اإلسالم)‪ .‬وقوله‬‫جل ّ‬


‫هو اإلميان‪ ،‬لقول هللا ّ‬
‫تعاىل‪ ( :‬ومن يـْبـت ِغ غري اإلسالم ديناً فل ْن يـُ ْقبل منه وهو يف اآلخرة‬
‫من اخلاسرين﴿‪ .﴾85‬كيف يهدي هللاُ قوما كفروا بعد إمياهنم‬
‫(‪)1‬‬
‫جل ذكره‪( :‬ومن يكفر ابإلميان‬ ‫حق) ‪ .‬وقال ّ‬ ‫الرسول ّ‬ ‫وشهدوا أن ّ‬
‫فقد حبِط عملُه وهو يف اآلخرة من اخلاسرين )(‪ .)2‬فـبني أن املبتغى‬
‫ُ‬
‫غري اإلسالم كافر ابإلميان‪ .‬وتبني بذلك أن اإلميان على احلقيقة‬
‫إسالم‪ ،‬واإلسالم على احلقيقة إميان‪ .‬ويزيدك بياانً ما جاء يف قِص ِة‬
‫السالم قوله‪ ( :‬فأخرجنا م ْن كان فيها من املؤمنني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ِآل لُوط عليه‬
‫ُ‬
‫فما وجدان فيها غري بيت من املسلمني )‪ .‬وإذا مل يكن ا ِإلميا ُن من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهار ذلك ممن أقر به نفاقاً كما قال هللاُ‬‫قائله على احلقيقة‪ ،‬كان إ ُ‬
‫سول ال ُْحي ِزنك الذين يُسارعون يف ال ُكفر من‬
‫الر ُ‬
‫وعز‪ ( :‬اي أيّها ّ‬
‫جل ّ‬ ‫ّ‬
‫قلوهبم)‪.‬‬
‫الذين قالوا آمنا أبفواههم ومل تُؤمن ُ‬
‫وكذلك من أظهر ا ِإلقرار ابإلميان‪ ،‬وع ِمل فيما أظهر مبا أُمر به‪،‬‬
‫وانتهى فيما يـُرى منه عما هنى عنه‪ ،‬وقلبُهُ غريُ ُمؤمن بذلك أنهُ من‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪ .‬وهو كما قال هللاُ جل‬ ‫عند هللا‪ ،‬فليس هو إسالماً على‬ ‫ِ‬

‫)‪ - (1‬سورة آل عمران‪.‬‬


‫)‪- (2‬سورة املائدة اآلية رقم (‪.)5‬‬
‫‪31‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫دخ ِل‬ ‫ِ‬


‫لكن قولوا أسلمنا وال ي ُ‬
‫قل مل تُؤمنوا و ْ‬
‫اب آمنا ْ‬ ‫وعز‪( :‬قالت األعر ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫صديق يف‬
‫اإلميان يف قلوبكم) فنبأهم أن اإلميان ‪ -‬الذي هو الت ُ‬
‫عملوا عمالً هو إسالم‪ ،‬أي‬ ‫القول والعمل‪ ،‬مل يدخل قلوهبم‪ ،‬ولكن ِ‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬
‫استسلموا وألقوا السلم ُمدارا ًة لِمن قـهرهم‪ ،‬حيمون بذلك أنفسهم‬
‫وأهليهم وأمواهلم‪ ،‬ممّا يلقاه الصابئون ابل ُكفر‪ .‬وقد قال هللا عز وجل‪:‬‬
‫ومن ِ‬
‫أهل املدينة مردوا على‬ ‫( ِوممن حولكم من األعراب منافقون ِ‬
‫ُ‬
‫جدر أال يعلموا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ (‪)2‬‬
‫اب أشد ُكفراً ونفاقا وأ ُ‬ ‫النّفاق ) وقال‪( :‬األعر ُ‬
‫ُحدود ما أنزل هللا على رسولِه)(‪.)3‬‬
‫وجل‪ ( :‬فم ْن يُِرِد هللاُ أن يهديهُ ي ْشر ْح صدره لإلسالم‪،‬‬
‫عز ّ‬ ‫وقال ّ‬
‫ضله جيعل صدره ضيقاً حرجاً كأّنا يصع ُد يف السماء‬ ‫ومن يرد أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجس على الذين ال يُؤمنون)(‪ .)4‬فبني أيضاً أن‬ ‫كذلك جيعل هللا ِّ‬
‫در عن قبولِه‪،‬‬
‫در إليه؛ وأما ما ضاق الص ُ‬ ‫اإلسالم هو ما انشرح الص ُ‬
‫ونـفر منه عند مساعه‪ ،‬فصاحبُه غريُ ُمؤمن‪ .‬فقامت كلمةُ اإلميان مقام‬
‫اإلسالم‪ .‬وكذلك قوله‪( :‬أفمن شرح هللا صدره لإلسالم فهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كلمة‬

‫)‪ - (1‬سورة احلجرات اآلية (‪.)33‬‬


‫)‪ - (2‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية رقم (‪.)313‬‬
‫)‪ - (3‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية رقم (‪.)97‬‬
‫)‪ - (4‬سورة االنعام‪ ،‬اآلية رقم (‪.)325‬‬
‫‪30‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫على نور من ربِه‪ ،‬فـويل لِلق ِ‬


‫اسية قُ ُلوهبم من ِذك ِر هللا‪ ،‬أولئك يف‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ضالل ُمبني )(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫اإلميان أنه‬ ‫نت لك أن تفسري‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فافْـهم فقد بـي ُ‬
‫صف رسوله عليه السالم‪( :‬يؤمن ِ‬
‫ابهلل‬ ‫التصديق‪ .‬وقال هللا جل ذكره ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ويؤمن للمؤمنني)‪ .‬أي يُص ِّدق املؤمنني‪ .‬وأمره أن يقول لِمن اعتذر‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫(لن نُؤمن لكم) أي لن نُص ّدق ُكم ( قد نبأان‬ ‫ِ‬
‫عن ختلفه من املُنافقني‪ْ :‬‬
‫هللا من أخباركم‪ )..‬اآلية‪ .‬وأمره أيضاً أن يقول هلم‪( :‬وقُ ِل ْاعملوا‬
‫فسريى هللا عملكم ورسولُه واملؤمنون وس ُرتدون إىل عامل الغيب‬
‫والشهادة فيُنبِّئكم مبا كنتُم تعملون) ‪ .‬وبي ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫نت لك أن تفسري‬
‫اال ْستسالم‪،‬‬‫احلقيقة أنه هو ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬إذا مل يكن من قائِله على‬
‫ُ‬
‫لطاعة م ْن قهره‪،‬فيكون من فاعلِه‬
‫وذلك أبنه إّنا ي ِلقي السلم إظهاراً ِ‬
‫ُ‬
‫ئتني ) إىل قوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫نِفاقاً‪ .‬قال هللا‬
‫وجل‪ ( :‬فما لكم يف املنافقني ف ْ‬‫ّ‬ ‫عز‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫(فإن اعتزلوكم فلم يُقاتِلوكم وألق ْوا إليكم السلم فما جعل هللاُ لكم‬
‫عليهم سبيال﴿‪ ﴾90‬ستجدون آخرين يُريدون أن أيمنوكم وأيمنوا‬
‫قومهم‪ُ ،‬كلما ردوا إىل ِ‬
‫الفتنة أركسوا فيها‪ ،‬فإن مل يعتزلوكم ويُلقوا إليكم‬ ‫ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية رقم (‪.)22‬‬


‫)‪ - (2‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية رقم (‪.)25‬‬
‫‪32‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫السلم ويكفوا أيديهم‪ )﴾92﴿ ...‬اآلية ‪ .‬فبي ُ‬


‫(‪)1‬‬
‫نت لك وجه ما‬
‫يكون به اإلميا ُن إسالماً‪ ،‬وما يكون به اإلسالم إمياانً‪ ،‬مبا فيه الكفايةُ‬
‫إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫السالم يف تفسري اإلحسان‪ :‬أ ْن تعبُد هللا‬ ‫الرسول عليه ّ‬ ‫وأما قول ّ‬
‫تكن تراه فإنه يراك‪ ،‬فمعناه‪ :‬أن هذا هو إحسا ُن‬ ‫كأنك تراه‪ ،‬فإ ْن مل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫كل‬
‫كل ما تعبد‪ ،‬من الشهادة له ابأللوهية وحده‪ ،‬وم ْن ّ‬ ‫عبادة هللا يف ِّ‬
‫العامل بذلك يعملُه ِلِل ‪-‬‬‫ُ‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫‪،‬‬‫ه‬‫ما أمر به من عمل بطاعتِ‬
‫ِ‬
‫ؤديِة إليه من طاعته‪ ،‬وال خيفى عنه ما‬ ‫وهو يعلم أن هللا يراه ‪ -‬فيا يُ ّ‬
‫االنتهاء عما هناه عنه‪،‬‬ ‫يف ِس ِره من ذلك‪ .‬وكذلك فيما تعبده به‪ ،‬من ِ‬
‫ّ‬
‫سره من‬‫وعز يراه‪ ،‬ويعلم ما يف ّ‬ ‫جل ّ‬‫يعلم أن هللا ّ‬‫يكون يف ذلك ُ‬
‫ا ِإلنتِهاء عن ذلك وما أراد به‪ ،‬لِتخلُص عبادةُ العبد هلل على احلقيقة‪،‬‬
‫الشيطان‪ .‬ومييل اليه سوءُ اهلوى‪.‬‬‫كل خلط يـْن ِزغ به ّ‬‫سامل من ّ‬
‫جل اذا ع ِمل ما أمره به‬ ‫اس فيما بينهم‪ ،‬أن عبد الر ِ‬ ‫وقد عرف النّ ُ‬
‫ضرِة سيِّ ِد ِه‪ ،‬وهو يراه‪ ،‬أن العبد جيه ُد نفسه يف ذلك العمل‪،‬‬ ‫سيّدهُ ِحب ْ‬
‫لُِريضي سيِّده حبُسن طاعتِه‪ ،‬فإ ْن كان سيِّ ُده ُسلطاانً كان أشد‬
‫العبد من ُمعاي ِنة سيّده‬ ‫العبد يف نُ ِ‬‫جتهاد ِ‬‫ِال ِ‬
‫صيحة سيِّده‪ ،‬وإذا خال ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة النســاء‪.‬‬


‫‪33‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العبد مع من يغفل‪ ،‬ويشغلُه شأن‬ ‫له‪ ،‬أو است ْغفله‪ ،‬قصر‪ ،‬فهذه ِصفة ِ‬
‫اقبة ربِّه‬‫هللا يؤدى طاعته إليه‪ ،‬فال يغفل عن مر ِ‬ ‫عن شأن‪ .‬فأما ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫عبد ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫السِّر والعالنية‪ ،‬فإنك أيها العبد‪ ،‬إ ْن مل تكن ترى‬ ‫ِ‬
‫فيما يُطيعه به يف ّ‬
‫ربك بعينك يف حني ِعبادتِك ّإايه‪ ،‬فقد أيقنت أنت أنه يراك‪ ،‬وال‬
‫ص العمل له والت ِزْم ُمراقبته‪ ،‬فإنه يقول‬ ‫خيفى عنه ما تُ ِسر وتُعلن‪ .‬فأ ْخلِ ِ‬
‫جل‪ ( :‬وما تكون يف شأن وما تـْتلو منه من قرآن وال تعملون‬ ‫عز و ّ‬‫ّ‬
‫من عمل إال ُكنا عليكم شهوداً‪ ،‬إذ تُفيضون فيه وما يعزب عن ربّك‬
‫ثقال ذرة يف األرض وال يف السماء وال أصغر من ذلك ّوال أكرب‬ ‫من ِم ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫جل‪( :‬واعلموا أن هللا يعلم ما يف‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫عز‬
‫ّ‬ ‫وقال‬ ‫‪.‬‬ ‫إال يف كتاب ُمبني)‬
‫أنْـ ُف ِسكم فاحذروه واعلموا أن هللا غفور حليم)(‪ )2‬وقال‪ ( :‬ولقد‬
‫س به نف ُسه)(‪ .)3‬يف آی كثري ُحي ِّذ ُر‬ ‫ِ‬
‫ونعلم ما تـُو ْسو ُ‬
‫خلقنا اإلنسان ُ‬
‫اذكر ربك يف نفسك‬ ‫جل‪ ( :‬و ْ‬ ‫عز و ّ‬ ‫فيهن العبد من غفلة نفسه‪ .‬وقال ّ‬ ‫ّ‬
‫تكن من‬ ‫ِ‬ ‫وخيفةً ودون اجلهر من القول ابلغُ ِّ‬ ‫تضرعاً ِ‬
‫دو واآلصال وال ْ‬
‫الغافلني)(‪ )4‬وقال تعاىل‪ ( :‬إن الذين عند ربّك ال يستكربون عن‬

‫)‪ - (1‬سورة يونس‪ ،‬اآلية رقم (‪.)63‬‬


‫)‪ - (2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية رقم (‪.)245‬‬
‫)‪ - (3‬سورة ق‪ ،‬اآلية رقم (‪.)36‬‬
‫)‪ - (4‬سورة االعراف‪ ،‬اآلية رقم (‪.)215‬‬
‫‪34‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عبادته ويسبِّحونه وله يسجدون )(‪ ،)1‬فوصف عبادة املالئكة‪ .‬وقال‬


‫يف موضع آخر يصف عبادة املالئكة‪( :‬يُسبِّحون الّليل والنهار ال‬
‫هللا إّنا أمرُكم أن تـتقوا هللا‪ ،‬فـيا املوقِ ُن هبذا‬
‫يفرتون )(‪ .)2‬وأنتم ِعباد ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫جل‬
‫تعبُ ُد ربك كأنك تراه‪ ،‬وأنت قد أيقنت بـ ْع ُد أنه يراك‪ .‬قال هللا ّ‬
‫وعز‪:‬‬
‫ّ‬
‫يعلم ِسركم وج ْهركم ويعلم ما‬ ‫ِ‬ ‫( وهو هللا يف السمو ِ‬
‫األرض ُ‬ ‫ات ويف‬
‫تكسبون)(‪ )3‬وقال تعاىل‪ ( :‬وهو معكم أينما كنتم وهللاُ مبا تعملون‬
‫وآتيتم الزكاة‬
‫ُ‬ ‫إين معكم لئِ ْن أقمتُ ْم الصالة‬ ‫(‪)4‬‬
‫بصري ) وقال تعاىل‪ّ ( :‬‬
‫برسلي وعزْرُتوهم وأقْرضتُ ُم هللا قرضاً حسناً ألك ِّفرن عنكم‬ ‫وآمنتم ُ‬
‫عز‬ ‫(‪)5‬‬
‫األهنار ) فبني ّ‬ ‫ُ‬ ‫سيِّئاتِكم وألُ ْد ِخلن ُكم جنات جتري من حتتها‬
‫جل لِم ْن ع ِمل بطاعتِه‪ ،‬أن يعمل ذلك عمالً حسناً‪ .‬وكذلك قوله‬ ‫و ّ‬

‫)‪ - (1‬سورة االعراف‪ ،‬اآلية رقم (‪.)216‬‬


‫)‪ - (2‬سورة االنبياء‪ ،‬اآلية رقم(‪.)21‬‬
‫)‪ - (3‬سورة االنعام‪ ،‬اآلية رقم(‪..)4‬‬
‫)‪ - (4‬سورة احلديد‪ ،‬اآلية رقم (‪..)3‬‬
‫)‪ - (5‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية رقم (‪..)32‬‬
‫‪35‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫و( إن هللا ال‬ ‫(‪)1‬‬


‫يع أجر م ْن أحسن عمال)‬ ‫ِ‬
‫جل‪ ( :‬إ ّان ال نُض ُ‬
‫عز و ّ‬ ‫ّ‬
‫ضيع أجر املحسنني )(‪.)2‬‬ ‫يُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِِ‬
‫وما كان مبثْ ِل هذا كله‪ ،‬فمعىن ذلك إحسا ُهنُم ما عملوه هلل ّ‬
‫عز‬
‫اإلحسان هو الذي جرى بني ِجربيل و ِ‬
‫رسول هللا‬ ‫ِ‬ ‫جل‪ .‬وتفسري هذا‬ ‫و ّ‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم‪:-‬‬ ‫‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬من قول الن ّ‬
‫كن تراه فإنه يراك‪ .‬مث أخرب أصحابه‬ ‫(أن تـ ْعبُد هللا كأنّك تراه فإ ْن مل ت ْ‬
‫يل يـُعلِّ ُم النّاس‬
‫‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬ع ِن السائل‪ ،‬أنه جرب ُ‬
‫بيد رهبُ ْم يف ِعباد ِهتم إايه‪ ،‬أن ذلك من‬ ‫دينهم‪ .‬فبني أن مراقبة الع ِ‬
‫ُ‬
‫اإلشكال‬
‫ُ‬ ‫ت لك‪ ،‬لِريتفع‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫دينهم ليُحافظوا عليه‪ .‬فافْـهم؛ فقد طولْ ُ‬
‫رت لك‪ ،‬وهللا ويل التوفيق‪.‬‬ ‫فس ُ‬‫عنك فيما ّ‬
‫فاعل ْم أن وصفها قد مر فيما‬ ‫وأما سؤالُك عن ِ‬
‫اال ْستقامة ما هي؟ ْ‬ ‫ُ‬
‫فاست ِقم‬ ‫تقدم من هذا الباب‪ .‬وقال هللا عز و ِ ِ‬
‫جل لنبِيِّه عليه السالم‪ْ ( :‬‬ ‫ّ ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫كما أُِم ْرت وم ْن اتب معك وال تطْغ ْوا إِنه مبا تعملون بصري )‬
‫جل‬ ‫ِ ِ‬
‫قول هللا ّ‬ ‫القيام مبا أمر هللاُ به‪ .‬ويف الذي قدمنا ُ‬ ‫فاالستقامةُ هي ُ‬
‫احلق کمن هو أ ْعمى إّّنا‬ ‫وعز‪(:‬أفمن يعلم أّنا أُنْ ِزل إليك من ربّك ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪ - (1‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية رقم(‪..)41‬‬
‫)‪ - (2‬سورة هود‪ ،‬اآلية رقم(‪.)335‬‬
‫)‪ - (3‬سورة هود‪ ،‬اآلية رقم(‪.)332‬‬
‫‪36‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ف أُوىل األلباب‪ ،‬والذين ي ِ‬ ‫صِ‬ ‫يتذكر أُولو األلباب ) ‪ ،‬ويف و ْ‬


‫(‪)1‬‬
‫صلُون‬
‫األوصاف كلها‪ ،‬م ْن وّف هبا فهو‬ ‫ُ‬ ‫ما أمر هللاُ به أن يُوصل‪ ،‬فتِلك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جل‬
‫صفت لك قول هللا ّ‬ ‫يدك بياانً ملا و ُ‬ ‫ستقيم كما أُمر‪ .‬وإن مما يز ُ‬ ‫املُ ُ‬
‫وعز‪( :‬فال وربِّك ال يـُ ْؤِمنُون ح ٰت ُحي ِّك ُموك فِيما شجر بـْيـنـ ُه ْم ُمث ال‬ ‫ّ‬
‫ِجي ُدواْ ِيف أن ُف ِس ِه ْم حر ًجا ِّمما قضْيت ويُسلِّ ُمواْ ت ْسلِ ًيما) ‪ .‬مث قال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫اخ ُر ُجواْ ِمن ِداي ِرُكم ما‬ ‫ِ‬


‫(ول ْو أان كتـْبـنا علْي ِه ْم أن اقْـتُـلُواْ أن ُفس ُك ْم أ ِو ْ‬
‫فـعلُوهُ إِال قلِيل ِّمْنـ ُه ْم ول ْو أهنُ ْم فـعلُواْ ما يُوعظُون بِِه لكان خ ْ ًريا هلُْم‬
‫اهم ِّمن ل ُدان أ ْجراً ع ِظ ًيما‪ ،‬وهلديْـنا ُه ْم‬
‫وأشد تـثْبِيتًا﴿‪ ،﴾66‬وإِذاً آلتـْيـن ُ‬
‫ِصراطًا م ْست ِق ًيما﴿‪ .)3()﴾60‬مث قال‪( :‬وم ْن يُ ِط ِع الِل والر ُسول‬
‫الص ِّد ِيقني والشهد ِاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأُولئك مع الذين أنْـعم الِلُ علْي ِه ْم من النبِيِّني و ّ‬
‫ِ‬
‫والصاحلِِني وحسن أُولئِك رفِي ًقا﴿‪ -﴾69‬إىل قوله ‪ -‬وكفى ِ‬
‫ابهلل‬ ‫ُ‬
‫الكتاب املؤمنني أن‬ ‫ِ‬ ‫جل يف فاحتة‬ ‫و‬ ‫عز‬
‫ّ‬ ‫هللا‬ ‫أمر‬ ‫وقد‬ ‫)‬‫‪4‬‬ ‫(‬
‫عليما﴿‪)﴾00‬‬
‫ّ‬
‫الصراط املستقيم﴿‪ِ ،﴾6‬صراط الذين أنع ْمت عليهم‬ ‫هدان ِ‬ ‫يقولوا‪( :‬اِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬

‫)‪- (1‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية رقم(‪.)39‬‬


‫)‪ - (2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية رقم(‪.)65‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النســاء‪.‬‬
‫)‪ - (4‬سورة النســاء‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫غري املغضوب عليهم وال الضالني﴿‪ )﴾0‬وفسر ّ‬


‫(‪)1‬‬
‫جل هلم يف‬ ‫عز و ّ‬
‫سورة النِّساء‪ ،‬من الّذين أنعم هللاُ عليهم‪ ،‬وذلك مبا هداهم له من‬
‫وطاعة رسولِه‪ ،‬وقبوهلم ملا جاء عنهما‪ ،‬ففعلوا ما يُوعظون به‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫طاعته‬
‫هللا وكفى ِ‬
‫ابهلل عليما‪.‬‬ ‫ذلك الفضل من ِ‬
‫واالستقامة يف ال ّدين هي ُمداومة املقام فيه‪ ،‬على استِوائِه واعتدالِه‪،‬‬
‫ب عنه مييناُ وال مشاال‪ ،‬وال يلتزم منه ما ال يُطيقه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ال يـُن ّك ُ‬
‫العمل إىل رسول هللا ‪-‬‬ ‫قالت عائشةُ رضي هللاُ عنها‪ :‬كان أحب ِ‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬الذي يدوم عليه صاحبُه(‪ .)2‬وقالت أيضاً‪:‬‬
‫أحب إىل هللا؟‬ ‫ِ‬
‫ُسئل النيب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬أي األعمال ّ‬
‫قال‪(:‬أ ْدوُمهُ وإ ْن قل)‪ .‬وقال‪( :‬اكل ُفوا من األعمال ما تُطيقون)(‪.)3‬‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪( :-‬إِن ال ِّدين‬ ‫وقال أبو ُهريْـرة عن الن ّ‬
‫لن يُشاد ال ِّدين أحد إال غلبهُ‪ ،‬فسددوا وقاربوا وأبْ ِشروا‬ ‫يُسر‪ ،‬و ْ‬
‫ت‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫واستعينوا ابلغُ ْدوة والروحة وشيء من الدجلة) ‪ .‬فافْـه ْم؛ فقد بـيـْن ُ‬
‫قامة ما ال يدعُ إ ْن شاء هللاُ عليك إشكاالً‪.‬‬ ‫االستِ ِ‬‫لك من وصف ِ‬

‫)‪ - (1‬سورة الفاحت ـ ــة‪.‬‬


‫)‪ - (2‬صحيح البخاري و مسل ــم‪.‬‬
‫)‪ - (3‬اخرجه البخاري و مسلم و الرتمذي و النسائي‪.‬‬
‫)‪ - (4‬املصدر صحيح النسائي‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫فاستع ْن ِابهلل واقْـتص ْد‪ ،‬فإن ابن عبّاس رضي هللاُ عنه قال‪ :‬الق ْ‬
‫ص ُد‬ ‫ْ‬
‫سن السمت‪ ،‬جزء من مخسة وعشرين ُجزءاً من النبوة‪،‬‬ ‫والتـ ُؤدة وح ُ‬
‫رسول ِ‬
‫هللا صلّى هللا‬ ‫صال الثالث جتت ِمع لِم ِن ائْـتمر ألمر ِ‬ ‫وهذه اخلِ ُ‬
‫عليه وسلّم‪ ،‬وانتهى لِنهيِ ِه‪ ،‬وتسى به صلّى هللا عليه وسلّم يف ه ْديِِه‪.‬‬
‫کدعاء بعضکم‬ ‫سول بين ُکم ُ‬ ‫قال هللا جل وعز‪( :‬ال جتعلُوا دعاء الر ِ‬
‫ُ ّ ّ‬
‫بعضاً‪ ،‬قد يعل ُم هللاُ الذين يتسللون منكم لواذاً ف ْلي ْحذ ِر الذين ُخيالفون‬
‫عن أ ْمره أن تُصيبهم فِتنة أو يُصيبهم عذاب أليم ) وقال تعاىل‪(:‬وما‬
‫سول فخ ُذوه وما هناكم عنه فانْـتهوا واتقوا هللا إن هللا شدي ُد‬ ‫آاتكم الر ُ‬
‫أسوة حسنة لِم ْن كان‬ ‫ِ ِ‬
‫العقاب ) وقال‪(:‬لقد كان لكم يف رسول هللا ْ‬
‫يرجو هللا واليوم اآلخر وذكر هللا كثرياً ) وقال‪(:‬قُ ْل إ ْن ُکنتم ُحتبون هللا‬
‫ويغف ْر لكم ذنوبكم وهللاُ غفور رحيم)‪.‬‬ ‫فاتبِعوين ُحيبِبكم هللا ِ‬
‫ْ‬
‫اليمان‪ :‬اي معشر ال ُقرى إِ ْن تستقيموا‪ ،‬فقد سبقتُم‬ ‫ِ‬ ‫بن‬
‫قال حذيفةُ ُ‬
‫سبقاً بعيداً‪ ،‬وإن أخذمت ميينا ومشاالً‪ ،‬لقد ضل ْلتُم ضالالً بعيدا‪.‬‬
‫هللا عليه ‪ -‬بقوله هذا م ْن مل‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬يريد حذيفةُ ‪ -‬رمحةُ ِ‬
‫رهم أ ْن يستقيموا يف ُمتابعة‬ ‫أيم ُ‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ُ -‬‬ ‫يُدرك الن ّ‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه‬ ‫ِ‬
‫السالم‪ ،‬ألن أصحاب الن ّ‬ ‫يب عليه ّ‬ ‫أصحاب الن ّ‬
‫السبيل الت دعا إليها الرسول ‪ -‬صلّى هللا‬ ‫وسلّم ‪،-‬هم املـُتبعون على ّ‬
‫‪39‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫السالم‪ (:‬قُ ْل ٰه ِذ ِه سبِيلِي‬


‫جل لنبيّه عليه ّ‬ ‫عز و ّ‬ ‫عليه وسلّم ‪ ،-‬قال هللا ّ‬
‫صرية أان وم ِن اتـبـع ِين)(‪ .)1‬وقال جل من قائل‪:‬‬ ‫الِل على ب ِ‬ ‫أدعو إِىل ِ‬
‫ٰ‬ ‫ُْ‬
‫ت‬ ‫(‪...‬ويـتبِع غري سبِ ِيل الْمؤِمنِني نـُولِِّه ما تـو ٰىل ونُ ِ ِ‬
‫صله جهنم وساء ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫رسول‬
‫جل فيهم‪ُ (:‬حممد ُ‬ ‫عز و ّ‬ ‫مص ًريا) ‪ .‬والصحابة هم الذين قال هللا ّ‬
‫السورة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا والذين معهُ أشداءُ على ال ُكفار ُرمحاء بينهم ‪ -‬إىل آخر ّ‬
‫هللا‪ ،‬وأحسن‬ ‫)(‪ .)3‬وقد قال ابن مسعود‪ :‬أری أحسن احلديث كتاب ِ‬
‫داثهتا‪ ،‬وإن ما تُوعدون آلت‪ ،‬وما‬ ‫اهل ْد ِي ه ْدي حممد‪ ،‬وشر األمور ُحم ِ‬
‫ّ‬
‫أنتم مبُعجزين‪.‬‬
‫صفةُ الصالح هي ما تق ّدم‬ ‫وأما قولك‪ :‬كيف ِصفةُ الصالح‪ ،‬ف ِ‬
‫ّ‬
‫وص ُفه يف هذا الباب من أوله إىل آخ ِرِه‪ ،‬م ُن وّف جبميعِه وفاءً حسناً‪،‬‬
‫الصاحلني‪ ،‬ومن عجز عن شيء منه‪ ،‬فبِمقدا ِر‬ ‫ِ‬
‫فقد استكمل صفة ّ‬
‫ذلك الذي عجز عنه‪ .‬إذا كان عن تفريط ِمنه فيه يكون نزولُه عن‬
‫جل‪ (:‬من عمل صالحا‬ ‫ف م ِن استكمل ذلك ُکله‪ .‬قال هللا ّ‬ ‫صِ‬
‫عز و ّ‬ ‫وْ‬
‫ّمن ذك ٍر أو أُنث ٰى و ُهو ُمؤم ٌن فـلنُحييـنَّهُ حياةح طيّبةح ولنجزيـنـ ُ‬
‫َّهم‬

‫)‪ - (1‬سورة يوسف‪ ،‬رقم اآلية (‪.)318‬‬


‫)‪ - (2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية رقم (‪.)335‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الفتح‪ ،‬اآلية رقم (‪.)29‬‬
‫‪41‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أجرُهم ِبحسن ما كانُوا يـعملُون ) ‪ .‬فقد بـيـْن ُ‬


‫(‪)1‬‬
‫ت لك ما عندي يف‬
‫الرسول صلّى هللا عليه وسلّم‪ :‬أ ْن تعبُد هللا‬ ‫تفسري اإلحسان‪ ،‬وقول ّ‬
‫هلل يف أحو ِال ُمتقلبِ ِه ومثواه‪ ،‬وهو‬‫العبد ِ‬
‫كأنك تراه‪ ،‬وأن هذا يـ ْلت ِزُمه ُ‬
‫سهل على م ْن يسرهُ هللا له‪ ،‬وبركتُه عظيمة ألنّه ُجي ِّد ُد للمؤمن إميانه‬
‫كلّما ذكره‪ .‬وذلك أنه إذا أخذ يف طاعة ربِّه‪ ،‬وهو ذاكر مشاهدة ربِّه‬
‫الشيطا ُن أن‬ ‫اعتصامه بِربِّه‪ ،‬فإ ْن هم به ّ‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫الشأن‪ ،‬قو ّ‬ ‫له يف ذلك ّ‬
‫يـ ْلبِس عليه شيئاً‪ ،‬فاستغاث ربهُ‪ ،‬وأستعاذ به منه‪ ،‬كفاهُ عدوه‪ ،‬وأعانه‬
‫عليه‪ ،‬فلم جي ْد إليه سبيال كما جيده إىل م ْن كان يف شأنه غافالً يف‬
‫جل‪.‬‬ ‫غمرة الوسواس والشهو ِ‬
‫عز و ّ‬‫املعصوم م ْن عصمهُ هللا ّ‬
‫ُ‬ ‫ات؛ وإّنا‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ائض‪ ،‬و ِ‬
‫اجتناب احملارم‪،‬‬ ‫بادة على أداء الفر ِ‬ ‫العبد احلسن العِ ِ‬
‫ُ‬ ‫وإن اقتصر ُ‬
‫جل‪ (:‬ومن يـ ْعم ْل ِمن‬ ‫عز و ّ‬ ‫ومل يزد‪ ،‬فهو أيضاً من الصاحلني‪ ،‬قال هللا ّ‬
‫ات ِمن ذكر أ ْو أُنث ٰى وُهو ُم ْؤِمن فأُوٰلئِك ي ْد ُخلُون ْ‬
‫اجلنة وال‬ ‫الص ِ‬
‫احل ِ‬
‫يُظْل ُمون ن ِق ًريا ) ‪ .‬فما سلِم ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫الصاحلني‪،‬‬
‫العبد من اخلطااي فهو من ّ‬
‫وما زاد بعد ذلك من ِ‬
‫طاعة ربِّه زاده خريا‪.‬‬

‫)‪ - (1‬سورة النحل‪ ،‬رقم اآلية (‪.)97‬‬


‫)‪ - (2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية رقم (‪.)323‬‬
‫‪40‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأتى يف الصحيح من حديث أيب ُهريرة قال رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا‬
‫ِ‬
‫ابحلرب‪،‬‬ ‫عليه وسلّم ‪( :-‬إن هللا قال‪ :‬م ْن عادى يل وليّاً فقد آذنته‬
‫تقرب إىل عبدي بشيء أحب إىل ممّا افرتضت عليه‪ ،‬وما يزال‬ ‫وما ّ‬
‫فكنت مسعه الذي يسمع‬ ‫ُ‬ ‫حت أحبـْبـتُهُ‪،‬‬ ‫ب إىل ابلنو ِ‬
‫افل ّ‬ ‫عبدي يتقر ُ‬
‫ش هبا‪ ،‬ورجله اليت ميشي‬ ‫ِ‬
‫به‪ ،‬وبصره الذي يُبصر به‪ ،‬ويده اليت يبط ُ‬
‫عطينهُ‪ ،‬ولئن استعاذ يب ألُ ِعيذنهُ)(‪.)1‬‬ ‫هبا‪ ،‬ولئن سألين ألُ ِ‬
‫بيان‪ ،‬ابلغ يف ِ‬
‫املوعظة‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬وهذا حديث حسن الِّْت ِ‬
‫أداء الفرائض‪،‬أو زاد بعد‬ ‫والبشرى‪ ،‬لِمن أخذ مبا فيه‪ ،‬اقتصر على ِ‬
‫ِ‬
‫استكمال‬ ‫افل‪ ،‬ألن النوافل إّّنا تكون من بـ ْع ِد‬ ‫ِ‬
‫استكماهلا ِمن النو ِ‬
‫ِ ِ‬
‫افل‬
‫الرب الّيت أمر هللاُ هبا‪ ،‬والنو ُ‬ ‫ائض جارية يف أعمال ِّ‬ ‫ائض‪ ،‬والفر ُ‬‫الفر ِ‬
‫كذلك هي جارية يف سائ ِر الطاعات اليت ندب هللا إليها‪ ،‬ورغب‬
‫فكنت مسعه إىل آخر هذا‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪:‬‬ ‫فيها رسوله‪ .‬وقولُه يف هذا‬
‫ُ‬
‫يسمع به أن‬
‫ُ‬ ‫الوصف‪ ،‬معناه‪ :‬کنت حافظاً له‪ ،‬أمحي مسعه الذي‬
‫بطش هبا‪،‬‬ ‫يسمع مأْمثاً‪ ،‬وكذلك بصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده اليت ي ِ‬
‫ُ‬
‫ورجله اليت ميشي هبا‪ ،‬فال يستعمل أشياء من هذه اجلوارِح يف مأْمث‪،‬‬
‫وال يصل إليه مكروه‪ ،‬مع احلفظ الذي استأْهله بـتقربِِه ذلك‪.‬‬

‫)‪ - (1‬رواه االمام البخاري‪.‬‬


‫‪42‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫املؤمن كان به من‬ ‫ُ‬ ‫صف ما إذا اقتصر عليه‬ ‫شرحت لك و ْ‬‫ُ‬ ‫فقد‬
‫كمال ذلك كله يف قول‬ ‫الصاحلني‪ ،‬وما إذا زاد منه زاده ِرفْـعةً وقُرابً‪ ،‬و ُ‬
‫وعز‪ ( :‬وما أُِمروا إال لِيعبُدوا هللا خملصني له ال ّدين ُحنفاء‪،‬‬ ‫جل ّ‬ ‫هللا ّ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫جل‪:‬‬
‫عز و ّ‬ ‫دين القيِّمة) ‪ ،‬وقال ّ‬ ‫ويُقيموا الصالة ويُؤتوا الزكاة وذلك ُ‬
‫ف حسنة ن ِزْد له فيها ُحسنا‪ ،‬إن هللا غفور شكور)(‪.)2‬‬ ‫( ومن ي ِ‬
‫قرت ْ‬
‫ؤديهُ‪ ،‬وهو كأنه‬ ‫أحسن األعما ِل ما عهد صاحبُها فيه على أن يُ ّ‬ ‫و ُ‬
‫السالم‪،‬‬
‫السالم‪ ،‬وجرى فيما بني عليه ّ‬ ‫يراه‪ ،‬كما بيـنهُ الرسول عليه ّ‬
‫أن ِجربيل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬جاء يُعلِّم النّاس دينهم‪ ،‬قوله‪( :‬مت‬
‫الس ِ‬
‫ائل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الساعة؟ وقول الرسول عليه السالم ما املسئول أبعلم من ّ‬ ‫ّ‬
‫هن ّإال هللا)‪ ،‬مث تال عليه السالم‪( :‬إن هللا‬ ‫إىل قوله‪ :‬يف مخس ال يـ ْعل ُم ّ‬
‫الساعة‪ ...‬اآلية)‪ُ ...‬خيِربُهم رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه‬ ‫علم ّ‬‫عنده ُ‬
‫عز‬ ‫ِ‬
‫وسلّم ‪ -‬أن هذه اخلمس ال يعلم أحد ما فيهن إال هللا‪ ،‬كما قال ّ‬
‫األرض الغيب ّإال هللاُ )(‪،)3‬‬‫السموا ِت و ِ‬ ‫يعلم م ْن يف ّ‬ ‫(قل ال ُ‬
‫وجل‪ْ :‬‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫الغيب ال يعلمها ّإال هو)‬ ‫ِ‬
‫وقال‪ (:‬وعندهُ مفاتح ِ‬
‫ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة البينة‪ ،‬رقم اآلية (‪.)5‬‬


‫)‪ - (2‬سورة الشورى‪ ،‬رقم اآلية (‪.)24‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النمل‪ ،‬اآلية رقم (‪.)65‬‬
‫)‪- (4‬سورة االنعام‪ ،‬رقم اآلية (‪.)59‬‬
‫‪43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يعلم اخل ْل ُق منها ما أظهره هللاُ إليهم بعد ظهوِره عند الُمشاهدة‬ ‫وإّنا ُ‬
‫حللول ذلك‪ ،‬أي فقد علمت ما ليس لكم أن تـتكلّفوا السؤال عنه‪.‬‬
‫فاستدلوا واحذ ُروا‪ ،‬فإن هللا‬ ‫ِ‬ ‫اعة أشراط قـْبـلها تدل على قُـ ْرِهبا‪،‬‬ ‫وللس ِ‬
‫السموات‬ ‫ت يف ّ‬ ‫وجل يقول‪(:‬ال جيليها لوقتها ّإال هو‪ ،‬ثـ ُقل ْ‬ ‫عز ّ‬ ‫ّ‬
‫واألرض ال تتيكم ّإال بغتةً ) ‪ ،‬ويف آية أخرى‪( :‬يـ ْوم أيِْيت بـ ْع ُ‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬
‫ض‬
‫ت ِيف‬ ‫آاي ِت ربِك ال ينفع نـ ْفسا إِميا ُهنا مل ت ُكن آمن ِ‬
‫ت من قـْب ُل أ ْو كسب ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ُ ً‬ ‫ّ‬
‫إِمي ِاهنا خ ْ ًريا)(‪ ،)2‬وجاء يف الصحيح قال رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه‬
‫مس ِمن مغ ِرهبا‪ ،‬فإذا‬ ‫الساعة حت تطلع الش ُ‬ ‫وسلّم ‪( :-‬ال تقوم ّ‬
‫نفع نفساً إميا ُهنا‬ ‫ِ‬
‫طلعت ورآها النّاس آمنوا أمجعون‪ ،‬وذلك حني ال ي ُ‬ ‫ْ‬
‫(‪ ،)3‬مثّ قرأ اآلية‪.‬‬

‫)‪ - (1‬سورة االعراف‪ ،‬اآلية رقم (‪.)387‬‬


‫)‪ - (2‬سورة االنعام‪ ،‬اآلية رقم (‪.)358‬‬
‫)‪ - (3‬صحيح ايب داوود‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عما جاء يف فضائل القرآن‪ ،‬وما لمن تعلّمهُ‬


‫ذکر سؤاله ّ‬
‫وعلّمهُ‬
‫حامله‪ ،‬ومن ضيعه حت ِ‬
‫نسيه‪،‬‬ ‫وما يصحب به القرآ ُن‪ ،‬وعن آداب ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫وما لِمن علّمه ولده‪ ،‬وهل ذلك يف الصغري واجب على ِ‬
‫أبيه أو على‬ ‫ّ‬
‫غ ِريه‪ ،‬ومن يعلّم اإلانث‪.‬‬
‫قال أبو احلسن‪ّ :‬أما ُسؤالك أن نبدأ لك بشيء من فضائل القرآن‬
‫وجل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فيكفيك من ِ‬
‫عز ّ‬ ‫كالم هللا ّ‬
‫فضل القرآن‪ ،‬معرفتُك أن القرآن ُ‬
‫هللا غريُ خملوق‪ ،‬مث ثناء هللا على هذا القرآن يف غري موضع‬ ‫وكالم ِ‬
‫ُ‬
‫منه‪ .‬قال هللا عز وجل‪ ( :‬هللا نـزل أحسن احلديث كِتاابً م ِ‬
‫تشاهباً‬ ‫ُ‬ ‫ّ ّ‬
‫وقلوهبم‬
‫جلودهم ُ‬ ‫لني ُ‬ ‫جلود الذين خيْش ْون رهبم مث ت ُ‬
‫مثاين تـ ْقشعر منه ُ‬
‫إىل ذك ِر هللا‪ ،‬ذلك ُهدى هللا يهدي‬

‫‪45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

46


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقوله تعاىل‪ (:‬الر‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫ضلِ ِل هللاُ فماله من هاد)‬ ‫به من يشاء ومن ي ْ‬
‫آايت الكتاب املبني﴿‪ ﴾2‬إ ّان أنزلناه قرآانً عربياً لعلكم‬ ‫ُ‬ ‫تلك‬
‫تعقلون﴿‪ ﴾2‬حنن نـ ُقص عليك أحسن القصص مبا أوحْينا إليك هذا‬
‫القرآن وإن كنت من قـْبلِ ِه ل ِمن الغافِلِني﴿‪ ( )2() ﴾4‬أمل﴿‪ ﴾2‬ذلك‬
‫للمتقني﴿‪( )3() ﴾2‬املص ﴿‪ ﴾2‬كِتاب‬ ‫الكتاب ال ريْب فيه ُه ْدى ُ‬ ‫ُ‬
‫أُنْ ِزل إِلْيك فال ي ُك ْن ِيف ص ْد ِرك حرج ِمْنهُ لِتُـْن ِذر بِِه وِذ ْكرى لِْل ُم ْؤِمنِني‬
‫كل ما جرى يف أوائل السور من هذا‪ ،‬من هذا‪ ،‬فهو‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫﴿‪) ﴾2‬‬
‫ِ‬
‫وجل‪( :‬اي‬‫عز ّ‬ ‫تعظيم للقرآن‪ ،‬وتعريف للمؤمنني بِفضله‪ ،‬وكذلك قولُه ّ‬
‫ِ (‪)5‬‬
‫اس ق ْد جاء ُكم بـُْرهان ِّمن ربِّ ُك ْم وأنزلْنا إِلْي ُك ْم نُ ًورا مبينًا)‬ ‫أيـها الن ُ‬
‫الِل نُور وكِتاب مبِني ﴿‪ ﴾35‬يـ ْه ِدي بِِه‬ ‫وقوله تعاىل‪ (:‬ق ْد جاء ُكم ِمن ِ‬
‫ّ‬
‫ات إِىل النوِر‬ ‫ضوانه سبل السالِم وُخيْ ِرجهم ِمن الظلُم ِ‬
‫ُُ ّ‬ ‫الِلُ م ِن اتـبع ِر ْ ُ ُ ُ‬

‫)‪- (1‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية رقم (‪.)24‬‬


‫)‪- (2‬سورة يوسف‪.‬‬
‫)‪ - (3‬اخرجسورة البقرة‪.‬‬
‫)‪ - (4‬سورة االعراف‪.‬‬
‫)‪ - (5‬سورة النساء‪ ،‬رقم اآلية (‪.)373‬‬
‫‪47‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫إبِِ ْذنِِه ويـ ْه ِدي ِه ْم إِ ٰىل ِصراط م ْست ِقيم﴿‪ )1()﴾36‬وقولُه سبحانه لِنبِيّه‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم‪ (:‬وأنزلْنا إِلْيك الْ ِكتاب ِاب ْحل ِّق ُمص ِّدقًا لِّما ب ْني‬
‫اب ومهي ِمنًا علي ِه)(‪( )2‬وإنه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لكتاب عزيز﴿‪﴾33‬ال‬ ‫ْ‬ ‫يديْه من الْكت ِ ُ ْ‬
‫الباطل ِمن بني يديْه وال ِمن خ ْل ِفه تنزيل من حكيم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أيتيه‬
‫محيد﴿‪( ،)3()﴾32‬إِن ٰهذا الْ ُق ْرآن يـ ْه ِدي لِل ِيت ِهي أقْـوُم ويـُب ِّش ُر‬
‫ات أن هلُْم أ ْجًرا كبِ ًريا كبرياً﴿‪ ﴾9‬وأن‬ ‫احل ِ‬ ‫الْمؤِمنِني ال ِذين يـعملُون الص ِ‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬
‫ال ِذين ال يـُ ْؤِمنُون ِاب ْآل ِخرِة أ ْعت ْدان هلُْم عذ ًااب ألِ ًيما ﴿‪( )4()﴾20‬و ٰهذا‬
‫وم ْن هذا املعىن‬ ‫كِتاب أنزلْناه مبارك فاتبِعوه واتـ ُقوا لعل ُكم تـُرمحون)(‪ِ .)5‬‬
‫ْ ُْ‬ ‫ُُ‬ ‫ُُ‬
‫القرآن كثري معروف تـتـب ُع ذك ِره يف هذا الكتاب يُطيلُه‪ ،‬وهو شيء‬ ‫يف ِ‬

‫احلمد هلل ِّ‬


‫رب العاملني‪.‬‬ ‫بِّني يف القرآن‪ ،‬يُغىن عن ُك ّل كتاب‪ ،‬و ُ‬
‫ففيه حديث مشهور‬ ‫وأما ما لمن تعلّمه أو علَّمه من الفضل‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫حديث سعد ب ِن عُبـْيدة‪ ،‬عن أيب عبد الرمحن السلمي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومنشور‪ ،‬وهو‬
‫النيب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪-‬‬
‫عن عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬عن ّ‬

‫)‪ - (1‬سورة املائدة‪.‬‬


‫)‪ - (2‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية رقم (‪.)38‬‬
‫)‪ - (3‬سورة فصلت‪.‬‬
‫)‪ - (4‬سورة االسراء‪.‬‬
‫)‪ - (5‬سورة االنعام‪ ،‬اآلية رقم (‪.)355‬‬
‫‪48‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الرمحن‬
‫قال‪(:‬خريُكم من تعلم القرآن وعلمه ) ‪ ،‬قال‪:‬وأقرأ أبو عبد ّ‬
‫اج‪ .‬قال‪ :‬وذاك الذي أقْعدين م ْقعدي‬ ‫احلج ُ‬
‫حت كان ّ‬ ‫يف إمارة عثمان ّ‬
‫القائل‪(:‬وذاك الذي‬
‫ُ‬ ‫الرمحن هو‬
‫هذا‪ .‬قال أبو احلسن‪،‬قال‪ :‬فأبو عبد ّ‬
‫أقعدنی مقعدي هذا) يُريد أن حديث عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬عن‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬يف فضل من تعلّم القرآن أوعلمه‪،‬‬ ‫النّ ّ‬
‫هو الذي أقعده لِتعليم النّ ِ‬
‫اس القرآن يُق ِرئُهم إايه‪ .‬وقد قال أبو عبد‬
‫الرمحن النسائي‪ ،‬أخربان عُبـْي ُد هللا بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ْحيي عن‬ ‫ّ‬
‫ُشعبة وسفيان‪ ،‬قال‪ :‬ح ّدثنا علقمةُ بن م ْرئد‪ ،‬عن سعد بن عُبيدة عن‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬قال شعبة‪:‬‬ ‫الرمحن‪ ،‬عن الن ّ‬ ‫أيب عبد ّ‬
‫(خريُكم من تعلم القرآن أو علمه)‪ .‬وقال ُسفيان‪ :‬أفضلُكم من تعلم‬
‫القرآن وعلمه‪ .‬وقال النسائي أيضاً – أخربان عبيد هللا ابن سعيد‪،‬‬
‫عن عبد الرمحن‪ ،‬قال حدثين عبد الرمحن بن بُديْل بن مْيسرة‪ ،‬عن‬
‫أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪( :-‬إِن‬
‫أهل القرآن‬ ‫‪:‬‬‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫؟‬‫هللا‬ ‫رسول‬ ‫اي‬ ‫هم‬ ‫من‬ ‫‪:‬‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫قال‬ ‫‪،‬‬‫ه‬‫ق‬‫هلل أهلني من خ ْل ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫هللا وخاصتُه)(‪ .)2‬وقد بني هللاُ ُسبحانه مراتِب ِ‬
‫أهل القرآن‪،‬‬ ‫هم أهل ِ‬
‫ُْ ُ‬

‫الست ِة‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫اب الْ ُكتُب ّ‬
‫صح ُ‬ ‫ًمحد وأ ْ‬
‫‪ -‬رواهُ أ ْ‬
‫)‪(1‬‬

‫)‪ - (2‬صحيح ابن ماجة‪.‬‬


‫‪49‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اصطفْيـنا ِم ْن ِعب ِادان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وجل‪ُ ( :‬مث أ ْورثْـنا الْكتاب الذين ْ‬
‫عز ّ‬ ‫وذلك قولُه ّ‬
‫ات إبِِ ْذ ِن ِ‬
‫الِل‬ ‫ف ِمْنـهم ظ ِامل لِّنـ ْف ِس ِه وِمْنـهم م ْقت ِ‬
‫صد وِمْنـهم سابِق ِاب ْخلري ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫ات عدن يدخلوهنا‪ ...‬إىل قوله‬ ‫ض ُل الْكبِريُ﴿‪ .﴾42‬جنّ ُ‬ ‫ٰذلِك ُهو الْف ْ‬
‫ال ميسنا فيها نصب وال ميسنا فيها لغوب﴿‪.)1()﴾45‬‬
‫ويف الصحيح من حديث سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن أيب‬
‫املؤمن الذي يقرأ‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬قال‪ُ ( :‬‬ ‫ُموسى‪ ،‬عن الن ّ‬
‫طعمها ورحيُها طيّب‪،‬واملؤمن الذي ال يقرأ‬ ‫ِ‬
‫ويعمل به كاألُتْـ ُرْجنة ُ‬
‫ُ‬ ‫القرآن‬
‫طعمها طيِّب وال ريح هلا‪ .‬ومث ُل املنافق‬ ‫القرآن ويعمل به كالثمرة ُ‬
‫ُ‬ ‫كالرْحي ِ‬
‫وطعمها ُمر‪ .‬ومث ُل املنافق‬
‫ُ‬ ‫انة رحيُها طيّب‪،‬‬ ‫الذي يقرأ القرآن‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫طعمها ُمر أو خبيث‪ ،‬ورحيُها ُمر)(‪.)2‬‬ ‫الذي ال يقرأ القرآن‪ ،‬كاحلْنظلة ُ‬
‫ويف الصحيح ِمن حديث أيب ُهريرة أن رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه‬
‫ني‪ :‬رجل علّمهُ هللا القرآن فهو‬ ‫وسلّم ‪ -‬قال‪ (:‬ال حسد ّإال يف اثْـنـت ْ ِ‬
‫وتيت ِمثل‬ ‫ِ‬
‫يـْتلوه آانء الّليل وآانء النهار‪ ،‬فسمعه جار له فقال‪ :‬لْيتين أُ ُ‬
‫ما أُويت فالن‪ ،‬فعملت مثل ما يعمل؛ ورجل آاته هللا ماالً فهو يُهلِكه‬
‫يف احل ّق‪ ،‬فقال رجل‪ :‬ليتىن أُوتيت مثل ما أُويت فعملت مثل ما‬

‫)‪ - (1‬سورة فاطر‪.‬‬


‫)‪ - (2‬اخرجه االمام خباري و مسلم يف صحيحهما‪.‬‬
‫‪51‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يعمل)(‪ .)1‬وقد بني هللاُ ُسبحانه يف كتابه وصف قار َِ القرآن‪ ،‬وذلك‬
‫الِل وأق ُاموا الصالة وأنف ُقوا ِمما‬
‫قولُه عز وجل‪( :‬إِن ال ِذين يـْتـلُون كِتاب ِ‬
‫ّ ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رزقْـن ِ‬
‫اه ْم سًّرا وعالنيةً يـ ْر ُجون جتارةً لن تـبُور﴿‪ ﴾29‬ليُـوفّيـ ُه ْم أ ُ‬
‫ُجورُه ْم‬ ‫ُ‬
‫ضلِ ِه إِنهُۥ غ ُفور ش ُكور ﴿‪ ﴾40‬وال ِذي أ ْوحْيـنا إِلْيك‬ ‫وي ِزيد ُهم ِّمن ف ْ‬
‫احلق ُمص ِّدقًا لِّما ب ْني يديِْه إِن الِل بِعِب ِاد ِه خلبِري‬
‫اب ُهو ْ‬‫ِمن الْ ِكت ِ‬
‫صري﴿‪.)2()﴾42‬‬ ‫بِ‬
‫فضل من تـعلم القرآن‬ ‫نت لك ما جاء يف ِ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فقد بي ُ‬
‫القرآن ما يكفيك عن ُسؤلك‬ ‫حامل ِ‬ ‫صف ِ‬ ‫نت لك من و ِ‬ ‫وعلمهُ‪ ،‬وبـي ُ‬
‫حامله‪ ،‬كل ذلك من كتاب هللا‬ ‫آداب ِ‬ ‫عما يصحب به القرآ ُن وعن ِ‬
‫ّ ُ‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬تسلياً‪.‬‬ ‫وجل‪ ،‬وما جاء عن الن ّ‬
‫عز ّ‬ ‫ّ‬

‫حت نسيه‪ ،‬فإ ْن كان‬ ‫عمن تعلَّم القرآن ثَّ ضيَّعه ّ‬‫وأما سؤالك َّ‬ ‫ّ‬
‫تضييعُهُ إايه‪ ،‬زهادةً فيه ‪ -‬ليس بِغالب عليه عملُه يقوم له به عُ ْذر ‪-‬‬
‫فهو الذي أخشى عليه ِم ْن شیء قد جاء فيمن تعلم القرآن مث نسيه‪،‬‬
‫فهي نِعمة كفرها‪ .‬وإّّنا يكون ذلك فِيم ْن تـعمد التشاغُل به عنه‪.‬‬

‫)‪ - (1‬نفس املصدر السابق‪.‬‬


‫)‪ - (2‬سورة فاطر‪.‬‬
‫‪50‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هاء‪ ،‬كان أشد‪ .‬وما‬ ‫فإ ْن كان تشاغلُه عنه بعمل من أعمال السف ِ‬
‫يُدريك أن ذلك النّسيان إّّنا أصابه عُقوبةً ِالشتغالِه عنه بسوء‬
‫ت له عُ ُقوبتُهُ أب ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اال ْكتساب‪ .‬فكان اكتسابُه السوء ذنْباً منه عُ ّجل ْ‬
‫نسي القرآن بعدما حفظه‪.‬‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا‬ ‫إن يف الصحيح من حديث مسُرة بن ُجْن ُدب عن الن ّ‬
‫عليه وسلّم ‪ -‬أنه قال هلم ذات غداة‪ :‬أاتين الليلة اثْنان‪ ،‬وإهنما‬
‫قت معهما‪ ،‬وإ ّان أتينا‬ ‫ِ‬
‫وإين انْطل ُ‬
‫ابْـتـعثاين‪ ،‬وإهنما قاال يل‪ :‬انْطل ْق‪ّ ،‬‬
‫آخر قائم عليه بصخرة‪ ،‬وإذا هو يهوي‬ ‫ِ‬
‫على رجل ُمضطجع‪ ،‬وإذا ُ‬
‫احلجر ه ُهنا‪ ،‬فيتبع احلجر‬ ‫ِ ِ‬
‫ابلصخرة لرأسه فيـثْـلُغ رأسه‪ ،‬فيـتد ْهدهُ هذا ُ‬
‫أسه كما كان‪ُ ،‬مث يعود عليه‪،‬‬ ‫حت يصح ر ُ‬ ‫فيأخذه‪ ،‬فال يرجع إليه ّ‬
‫قلت هلما ُسبحان هللا ما‬ ‫ِ‬
‫فيفعل به مثل ما فعل املرة األوىل‪ ،‬قال‪ُ :‬‬‫ُ‬
‫فإين‬ ‫ِ‬
‫هذا؟‪ ،‬قال‪ :‬قاال يل انْطل ْق‪ ،‬وذكر احلديث إىل قوله‪ :‬فقلت هلما‪ّ :‬‬
‫ليلة عجباً فما هذا الذي رأيت؟ قال قاال يل‪ :‬إان‬ ‫رأيت منذ ال ِ‬
‫ُ‬
‫أسه ابحلجر‪،‬فإنه‬ ‫الرجل األو ُل الذي أتيت عليه يثلغ ر ُ‬ ‫سنُخربك‪ّ :‬أما ّ‬
‫الرجل أيخذ القرآن فريفضه‪ ،‬وينام عن الصالة املكتوبة(‪.)1‬‬ ‫ّ‬

‫)‪ - (1‬صحيح البخاري‪.‬‬


‫‪52‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قال أبو احلسن‪ :‬ولقد أُمر من نسي شيئاً من القرآن أ ْن ال يقول‬


‫الصحيح من حديث ُسفيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن أيب‬ ‫ِ‬
‫نسيُـتُه‪ ،‬كما يف ّ‬
‫عبد هللا‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم –‬ ‫وائل‪ ،‬عن ِ‬
‫بل هو نُ ِّسي‪ .‬ومن‬ ‫ِ‬
‫سيت آية كيت وكيت‪ْ ،‬‬ ‫ما ألحدهم يقول‪ :‬ن ُ‬
‫حديث ُشعبة وغريه عن منصور‪ ،‬عن أيب وائل‪ ،‬عن عبد هللا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم‪( :-‬بِْئس ما ألحدهم أن‬
‫كيت بل نُ ِّسي‪ .‬واستذكروا القرآن‪ ،‬فإنه أشد‬
‫كيت و ْ‬ ‫يت آية ْ‬
‫ِ‬
‫يقول نس ُ‬
‫الرجال ِمن النعم)(‪.)1‬‬ ‫صياً من صدور ّ‬ ‫تـف ّ‬
‫أحدهم أن‬‫قال أبو احلسن‪ :‬فانْظُر كيف عاب عليه السالم على ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫كيت وكيت‪ .‬وقال عليه السالم (بل هو نُ ّسي)‪،‬‬ ‫سيت آية ْ‬ ‫يقول ن ُ‬
‫العبد فيما يشغله عن‬‫معناه أن هللا أنساهُ ما نسي‪ ،‬فه ُهنا ينظُر ُ‬
‫هل له يف ذلك عذر أم العذر له‪،‬‬ ‫حت نسي منه ما نسي‪ْ ،‬‬ ‫القرآن ّ‬
‫فيحسن اإلانبةُ إىل ربِِّه مما ال عُذر له فيه‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وجل لنبيّ ِه‪( :‬سنُـ ْق ِرئُك فال تنس ٰى﴿‪ ﴾6‬إِال ما شاء‬
‫عز ّ‬ ‫وقد قال هللا ّ‬
‫صى الرسول عليه‬ ‫اجل ْهر وما خيْف ٰى﴿‪ . )﴾0‬وقد و ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الِلُ إِنهُ يـ ْعل ُم ْ‬

‫)‪ - (1‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫)‪ - (2‬سورة االعلى‪.‬‬
‫‪53‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫السالم أهل القرآن ابملـُحافظة على استِذكا ِره‪ ،‬وأخربهم أنه أشد‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫صدور ِّ‬ ‫ِ‬
‫الرجال من النعم‪ .‬ويف حديث أيب ُموسى عن الن ّ‬ ‫تفصياً من ُ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬قال‪( :‬تعاهدوا القرآن فـوالذي نفسي ِ‬
‫بيده‬
‫ابن عمر فذكر من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صياً من اإلبل يف عُ ُقلها)‪ .‬وأما ُ‬ ‫هلو أشد تـف ّ‬
‫حديث مالك وغريه أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلّم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫صاحب القرآن كمث ِل صاحب اإلبل املعق ِلة‪ ،‬إ ْن عاهد‬ ‫ِ‬ ‫إّنا مث ُل‬
‫ُ‬
‫ذهبت)(‪ .)1‬و ْاعل ْم أن صاحب ِ‬
‫اإلبل‬ ‫ْ‬ ‫عليها أمسكها‪ ،‬وإ ْن أطْلقها‬
‫املعق ِلة‪ ،‬إ ْن تعمد إطْالقها إطالقاً يـُْتلِ ُفها‪ ،‬فإنه ْارتكب النهي الذي‬
‫ُ‬
‫لسالم‪ ،‬أنه هنى عن إضاع ِة املال؛ وإ ْن‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫رسول‬ ‫عن‬ ‫جاء‬
‫أطْلقها بعُذر ُجييز له إطْالقها خلص من ركوب النهي‪ ،‬وفـقد نفعها‪.‬‬
‫بصاحب هذه ِ‬
‫اإلبل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫استِ ْذكا ِره‬
‫عاهد ْ‬
‫فمثل صاحب القرآن إ ْن ترك ت ُ‬
‫عقوب عن‬
‫بن سعيد‪،‬قال‪ :‬أخربان ي ُ‬ ‫وق ْد قال النسائي‪ :‬أخربان قُـتـْيبةُ ُ‬
‫موسى بن عُقبة‪ ،‬عن انفع‪ ،‬عن اب ِن عُمر‪ ،‬أن رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا‬
‫عليه وسلّم ‪ -‬قال‪( :‬إّنا مث ُل القرآن كمث ِل اإلبل املعقل ِة‪ ،‬إذا عاهد‬
‫ُ‬
‫ذهبت‪ ،‬وإذا قام‬ ‫ْ‬ ‫أصحاهبا على ع ْقلِها ْأمسكها‪ ،‬وإذا أ ْغفلها‬ ‫ُ‬
‫ليل والنهار ذكره‪ ،‬وإذا مل يـ ْقرأه ن ِسيهُ)‪.‬‬ ‫صاحب القرآن فقرأهُ ابل ِ‬
‫ُ‬

‫)‪ - (1‬اخرجه البخاري و مسلم‪.‬‬


‫‪54‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫احلديث كيف املعاهدةُ الت يثبت‬ ‫ِ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬قد بُِّني يف هذا‬
‫حت ال يتلعثم فيه‪ .‬وقد قال‬ ‫هبا حفظ القرآن ويقوى على احلفظ ّ‬
‫عبد هللا بن سعيد قال‪ :‬حدثنا ُمعاذُ بن ِهشام قال‬ ‫النسائي‪ :‬أخربان ُ‬
‫سعد ب ِن هشام‪ ،‬عن‬ ‫حدثين أيب عن قتادة‪ ،‬عن زرارة ب ِن أوّف‪ ،‬عن ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬قال‪:‬مث ُل الذي يقرأُ‬ ‫عائشة‪ ،‬عن الن ّ‬
‫القرآن وهو ماهر به مع السفرِة الكرام الربرِة‪ ،‬والذي يـ ْقرُؤهُ وهو عليه‬
‫شاق فلهُ أجران‪.‬‬
‫ِ‬
‫وجل‪( :‬اي‬‫عز ّ‬ ‫ؤمر بِ ْرتتيله‪ ،‬قال هللا ّ‬
‫املاهر ابلقرآن يُ ُ‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬و ُ‬
‫املزم ُل قُِم الليل إال قليال‪ ...‬إىل قوله‪ :‬ورتِّ ِل القرآن ترتيال‪ ،‬إِان‬ ‫ِ‬
‫أيّها ّ‬
‫سنُـ ْل ِقي علْيك قـ ْوًال ث ِق ًيال﴿‪ ،﴾5‬إِن ان ِشئة اللْي ِل ِهي أشد وطْئًا وأقْـوُم‬
‫قِ ًيال﴿‪ .)1()﴾6‬قيل معىن هذا أشد وطأً‪ ،‬أي ُمواطأة للقرآن بسمعك‬
‫أقوم قِيال‪.‬‬ ‫وبصرك‪ ،‬أي فهمك‪ ،‬فالقراءةُ على هذه ِ ِ‬
‫الصفة ُ‬‫ّ‬
‫رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪-‬‬ ‫ت حفصةُ أم املؤمنني عن ِ‬ ‫ذكر ْ‬
‫حت تكون أطول من أطول منها‪ .‬وقال‬ ‫ِ‬
‫السورة ُفريتّلها ّ‬
‫أنه كان يقرأ ّ‬
‫عبد الرمحن عن‬ ‫إسحاق ابن منصور‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ُ‬ ‫ُ‬ ‫النسائي‪ :‬أخربان‬
‫ُسفيان‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن أيب ذ ّر عن عبد هللا بن عمر‪ ،‬قال رسول‬

‫)‪ - (1‬سورة املزمل‪.‬‬


‫‪55‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم‪( :-‬يقال لصاحب القرآن اقرأْ و ْارت ِق ورتّ ْل‬
‫كما كنت تُرتِّل يف ال ّدنيا فإن منزلك عند آخ ِر آية ت ُ‬
‫قرؤها)‪.‬‬
‫فيستعني به‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬إن الرتتيل يف القراءة ُحيِي الفهم ِ‬
‫للعامل‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وجل‪( :‬كتاب أنزلْناهُ‬ ‫عز ّ‬ ‫على التدب ِر الذي له أُنْ ِزل القرآ ُن‪ ،‬قال هللا ّ‬
‫أهل حفظ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫إِلْيك ُمبارك لِّيدبـ ُروا آايتِِه ولِيـتذكر أُولُو ْاأللْباب)‬
‫ِ (‪)1‬‬

‫القرآن أيضاً‪ ،‬فيختلفون يف ال ُقوة على در ِ‬


‫استه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫قال ُمعاذ بن جبل أليب ُموسى األشعري‪ :‬كيف تقرأ القرآن؟ قال‪:‬‬
‫فأانم وأقوم‬ ‫ِ‬
‫قائماً وقاعدا‪ ،‬وعلى راحليت‪ ،‬وأتـفوقُهُ تفوقا‪ .‬قال‪ّ :‬أما أان ُ‬
‫ب نـ ْوميت كما أحتسب قـ ْوميت‪ .‬فأخرب كل واحد منهما عن‬ ‫ِ‬
‫وأحتس ُ‬
‫ِ‬
‫نفسه مبا يطيق‪.‬‬

‫الواقف‬
‫ُ‬ ‫اكب‪ ،‬أو‬
‫الر ُ‬
‫وأما سؤالك عن املاشي هل يقرأ القرآن‪ ،‬أو َّ‬
‫ّ‬
‫الصالة‪ ،‬فإن‬ ‫أو من يف السوق‪ ،‬أو من يف ال ّمام‪ ،‬تُريد يف غري َّ‬
‫ف يف حاجاتِه يف األسواق وغري ذلك من أ ِزق ِة احلضر‪،‬‬ ‫هذا للمتصر ِ‬
‫ُ ّ‬
‫ِ‬
‫الصان ِع على صْنـعته‪ ،‬فلم يستحب مالك من ذلك شيئا‪ .‬وإّنا‬ ‫و ّ‬
‫للمتعلّمني لِيـ ُقوا‬ ‫ِ‬
‫خيفف من ذلك ما كان من فاعله من وجه التحفيظ ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة ص‪ ،‬اآلية رقم (‪.)29‬‬


‫‪56‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فأما ما كان على وجه التربِز‪ ،‬قال مالك فإّنا يقرأ‬ ‫حفظه بدراسته‪ّ .‬‬
‫القرآن يف املساجد‪ ،‬ويف الصالة‪ ،‬وعلى حال التفرِد بقراءته‪ ،‬أو يف‬
‫فيقرؤه ماشياً وراكباً يف سفره‪ّ ،‬إال أنّه إ ْن مر بس ْجد ِة تِالوة‪،‬‬ ‫السفر‪ُ ،‬‬
‫الراكب‪ ،‬ولكن ينزل فيسجدها إذا كان على طهارة‪ ،‬ويف‬ ‫مل يـ ُقم هبا ّ‬
‫وقت جيوز أن يسجد فيه‪ ،‬إال أن يكون يف سفر تـُ ْقص ُر يف مثلِه‬
‫احلم ُام‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬ ‫الصالةُ‪ ،‬فيومئ الر ِ‬
‫اكب بسجودها إمياءً‪ .‬و ّأما ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلم ُام بيت من البيوت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلمام‪ ،‬و ّ‬‫جل القرآن إن شاء يف ّ‬ ‫الر ُ‬
‫يقرأ ّ‬
‫احلم ِام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وذُكر عنه اإلابءُ منه يف ّ‬
‫سجدوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هل على املعلّم أو املتعلّم إذا قرءوا سجد ًة أن ي ُ‬ ‫وأما قولُك ْ‬
‫مرة‪ ،‬فقد خ ّفف مالك عنهما‪ ،‬واستحب هلما‬ ‫ِ‬
‫مرة أو يف ّأول ّ‬‫كل ّ‬
‫يف ّ‬
‫السجدةُ بعْينِها‪ .‬و ّأما املعلّم‬ ‫ِ‬
‫أيضاً أن يسجدا يف ّأول مرة إذا تكّررت ّ‬
‫فأكثر القول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيكثُر ذلك عليه على ق ْدر كثرية أصحاب األحزاب‪ُ ،‬‬
‫مرة فحسن‪ .‬ولقد قال‬ ‫خفيف عنه من ذلك‪ ،‬فإ ْن سجد يف أول ّ‬ ‫الت ُ‬
‫جل‬
‫مالك‪ :‬ولو كان على من تعلم إذا مر بسجدة ي ْس ُج ُد لسجد الر ُ‬
‫سجوداً كثريا‪ ،‬فليس التعليم ِ‬
‫كغريه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت يف‬ ‫ِ‬
‫اليت جر ْ‬‫نت لك عن مسائلك ّ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فافْـه ْم‪ ،‬فقد بي ُ‬
‫هذا املعىن بياانً حسنا‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صالة خريٌ من القرآن يف غري‬ ‫أن القرآن يف ٍ‬ ‫عما ذُكر من َّ‬ ‫وسألت ّ‬
‫صالة خريٌ من ال ّذكر‪ ،‬وال ّذكر خريٌ من‬ ‫ٍ‬ ‫صالة‪ ،‬والقرآن يف غري‬ ‫ٍ‬
‫أين قد مسعته مساعاً هكذا ومل‬ ‫اثبت أم ال؟ فاعل ْم ّ‬
‫الصدقة‪ ،‬هل هذا ٌ‬ ‫َّ‬
‫الرسول عليه السالم إن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن قول ّ‬ ‫ف على صحته هبذا النص‪ .‬و ّ‬ ‫أق ْ‬
‫املصلّي يُناجي ربه ف ْلينظُْر ما يُناجيه به‪ ،‬فقد تبني لك أنه قد جاء يف‬
‫أيت يف غري املصلّي‪ ،‬وهو ِزايدةُ فضل‪ .‬وأما فضل قر ِ‬
‫اءة‬ ‫املصلّي ما مل ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُِ‬
‫وجل‪( :‬هللا نـزل أحسن‬ ‫عز ّ‬ ‫غري املصلّي على سائر ال ّذ ْكر‪ ،‬فقول هللا ّ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫أحسن القول‪ ،‬مع سائر ما جاء يف‬ ‫ُ‬ ‫ني أن القرآن‬‫احلديث) يـُبِّ ُ‬
‫القرآن من حسن الثناء على القرآن وما لقا ِرئِِه فيه من اتِّساع الفوائد‪.‬‬
‫و ّأما ال ّذكر خري من الصدقة‪ ،‬ففي الصحيح من حديث أيب ُهريْـرة‪،‬‬
‫هللا ذهب أهل الدثوِر ابلد ِ‬
‫رجات والنعي ِم املقيم‪ ،‬قال‪(:‬‬ ‫قالوا‪ :‬اي رسول ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كيف ذاك؟) قال‪ :‬صلّوا كما صلينا‪ ،‬وجاهدوا كما جاه ْدان‪ ،‬وأنفقوا‬
‫ليست لنا أموال‪ .‬قال‪( :‬أفال أُ ْخِربُُك ْم أبمر‬‫من فُضول أمواهلم و ْ‬
‫تُد ِركون من كان قبلكم وتسبقون من جاء بـ ْعدكم‪ ،‬وال أييت أحد مبِِ ِثل‬

‫)‪- (1‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية (‪.)24‬‬


‫‪58‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫كل صالة عشراً‬ ‫ئتم به ّإال من جاء مبثْله‪ :‬تُسبّحون يف ُدبُر ِّ‬ ‫ما ج ْ‬
‫وحتمدون عشراً‪ ،‬وتُ ِّ‬
‫كربون عشراً )(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬ا ِإل ُ‬
‫ورث القلوب‬ ‫وجل يُ ُ‬
‫عز ّ‬ ‫قبال على ذك ِر هللا ّ‬
‫عظمة هللا‪ ،‬فهي مع ذلك‬‫ا ِإل ْشفاق من ِخشي ِة هللا‪ ،‬ويدخلها التِّذكار لِ ِ‬
‫ُ‬
‫ستلني لِرِّهبا وتـتضرعُ‪ .‬والصدقةُ عطاء يفعلهُ املرء ‪ -‬إذا كان ُمتط ّوعاً‬
‫ت ُ‬
‫وعز‪ ،‬ال يكاد ُحييط بِصحته له ِعلماً‪ ،‬مع ما يدخل يف‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬هلل جل ّ‬
‫ذلك من وسواس الشيطان‪ ،‬وهللا أعلم‪ .‬وذكر هللا ِحرز من الش ِ‬
‫يطان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫كل حال‪ ،‬وهللاُ ويل التوفيق‪.‬‬ ‫وح ْس ُن الظ ِّن ابهلل أوىل على ِّ‬
‫ُ‬

‫عما لمن علَّم القرآن لولده‪ ،‬فيكفيك منه ُ‬


‫قول‬ ‫وأما سؤالك ّ‬ ‫ّ‬
‫الرسول عليه السالم‪ :‬خريُكم من تعلم القرآن وعلمه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الفضل‪ .‬فإ ْن قلت‪ :‬إنه ال‬ ‫والذي يعلِّم القرآن لِول ِده داخل يف ذلك‬
‫يستأجر له من يُعلِّمه‪ ،‬فاعلم أنه هو الذي‬
‫ُ‬
‫يلي تعليمه بِن ِ‬
‫فسه‪ ،‬ولكنه‬
‫يعلِّم ولده‪ ،‬إذا أنفق ماله عليه يف تعلِيمه القرآن‪ ،‬فلعله أن يكون مبا‬
‫إبذن ِ‬
‫هللا تعاىل‪ ،‬وتكون هذه‬ ‫علمه من ذلك‪ِ ،‬من السابقني ابخلريات ِ‬
‫لده القرآن‪ .‬وما زال املسلمون‬‫الدرجةُ هي نِية هذا الوالد يف تعليم و ِ‬

‫)‪ - (1‬اخرجه البخاري و مسلم‪.‬‬


‫‪59‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وهم يرغبون يف تعليم أوالدهم القرآن‪ ،‬وعلى ذلك يـُربوهنم‪ ،‬وبه‬


‫ضراً‪ ،‬وال يعلمون‬‫يـْبـت ُدوهنم وهم أطفال ال ميلكون ألن ُفسهم نفعاً وال ّ‬
‫حديث هشام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫آابؤُهم‪ .‬فقد جاء يف الصحيح‪ ،‬من‬ ‫ّإال ما علمهم ُ‬
‫عن أيب بِ ْشر‪ ،‬عن سعيد بن ُجبري‪ ،‬عن اب ِن عبّاس‪ :‬مج ْعنا امل ْحكم يف‬
‫ُ‬
‫عهد رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬فقلت له‪ :‬وما امل ْحك ُم؟‬
‫ُ‬
‫قال‪ :‬املفصل(‪ .)1‬ويف حديث أيب عُوانة‪ ،‬عن أيب بِشر‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫تويف‬
‫حكم‪ .‬وقال ابن عبّاس‪ّ :‬‬ ‫ُجب ْري‪ :‬أن الذي ت ْدعُونه املفصل هو املُ ُ‬
‫ابن عش ِر سنني وقد قر ُ‬
‫أت‬ ‫رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬وأان ُ‬
‫املحكم‪ .‬وقد قال أبو موسی‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه‬
‫ُ‬
‫وسلّم‪( :-‬أميا رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها‪،‬‬
‫أعتـقها وتزوجها فـله أجران‪ ،‬وأميا رجل من‬ ‫وأدهبا فأحسن تديبها‪ ،‬مث ْ‬
‫أهل الكتاب آمن بِنبيّه‪ ،‬وآمن يب‪ ،‬فلهُ أجران‪ ،‬وأميا مملوك أدى حق‬ ‫ِ‬
‫موالِيه‪ ،‬وحق ر ِبهّ‪ ،‬فلهُ أجران)(‪ .)2‬فإذا كان لِمن علم وليد ًة فأحسن‬
‫تعليمها‪ ،‬وصنع فيها ما قال يف هذا احلديث يكون له أجران‪ ،‬فالذي‬
‫حسن تعليمه‪ ،‬ويُؤدبُه فيحسن تديبه‪ ،‬فقد عمل يف‬ ‫يعلِّم ولده في ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫)‪- (1‬صحيح البخاري‪.‬‬


‫)‪ - (2‬صحيح البخاري‪.‬‬
‫‪61‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عز‬ ‫ِ‬
‫تضعيف األج ِر فيه‪ ،‬كما قال هللا ّ‬ ‫ولده عمال حسنا‪ ،‬يرجى له من‬
‫وجل‪( :‬من ذا الذي يقرض هللا قـرضاً حسنا في ِ‬
‫ضاع ْفه له أضعافا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كثريةً) ‪ .‬وقد جاء أن رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬مر‬
‫ت بع ُ ِ ِ‬
‫صيب‬ ‫ِِ‬
‫ضد ّ‬ ‫ابمرأة يف حمفتها‪ ،‬فقيل هلا‪ :‬هذا رسول هللا‪ ،‬فأخذ ْ‬
‫معها وقالت‪ :‬أهلذا حج؟ فقال رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم‪:-‬‬
‫لك أجر)‪ ،‬فهل يكون هلذه املر ِأة أجر فما هو لِصبيِّها حج‪،‬‬ ‫(نعم و ِ‬
‫أحضرتْهُ ذلك احلج وولِيت القيام به فيه‪ .‬وإّنا له‬ ‫ّإال من ِ‬
‫أجل أهنا ْ‬
‫ِ‬
‫شهود اخلْري‪ ،‬ودعوةُ املسلمني‪ .‬والذي ينالُه‬ ‫احلج بركةُ‬
‫من ذلك ِّ‬
‫الصيب من تعلِ ِيمه القرآن هو علم يبقي له ِحب ْوِزِه‪ ،‬وهو ُ‬
‫أطول ِغىن‪،‬‬
‫أبني ِم ْن أن يُطال فيه أبكثر من هذا‪ .‬وقد قال‬ ‫أكثر نـفقةً‪ .‬وهذا ُ‬
‫و ُ‬
‫ِ‬
‫رجل الب ِن سحنون رمحةُ هللا عليه‪ ،‬ممن يطلب ابنه العلم عنده‪ِّ :‬‬
‫إين‬
‫أتـوىل العمل بنفسي‪ ،‬وال أُشغِله عما هو فيه‪ ،‬فقال له‪ :‬أعلِ ْمت أن‬
‫الرابط واجلِ ِ‬
‫هاد‪.‬‬ ‫احلج و ِّ‬
‫أعظم من ّ‬‫أجرك يف ذلك ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة البقرة‪ ،‬رقم اآلية(‪.)235‬‬


‫‪60‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫رجل امتنع أن جيعل ولده يف الكتّاب هل‬ ‫وأما ُسؤالك عن ٍ‬


‫لإلمام أن ُجيبهُ؟ وهل َّ‬
‫الذك ُر واألُنثى يف ذلك سواءٌ؟ فإن قلت ال‬
‫ُجيبُه فهل يُوعظ ويُـؤثُ‪ .‬وكيف إن مل ي ُكن له وال ٌد وله وصى‪ ،‬فهل‬
‫للول‬
‫وصي ابجلب؟ فإن مل يكن له وصي فهل ذلك ّ‬ ‫يلزم ذلك ال ّ‬
‫لمسلمني أن يفعلوا‬
‫أم لإلمام؟فإن كان ال أحد هلذا الولد فهل ل ُ‬
‫ذلك من ماله؟ فإن مل يكن له ٌ‬
‫مال فهل على املُسلمني أن يُؤدوا‬
‫عنه‪ ،‬أو يكون يف ال ُكتّاب وال يُكلّ ُفهُ املعلّ ُم إجارةح؟وكيف إن كان‬
‫أب وله ٌ‬
‫مال وال يُباىل ذلك‪ ،‬فهل لإلمام أن يسجنهُ‪ ،‬أو يضربه‬ ‫له ٌ‬
‫على ذلك أم ليس ذلك عليه؟ وكيف إن كان هذا يف ٍ‬
‫بلد ال‬
‫ُسلطان يُكرُههم على الواجبات‪ ،‬ويـنهاهم عن املُنكرات‪ ،‬فهل‬
‫نُبيح جلماعة من املسلمني املرضيّني دينهم‪ ،‬أن يقوموا مقام‬
‫السلطان‪ ،‬أم ليس جيوز ذلك؟‬

‫( مت اجلزء األول (‬

‫‪62‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اجلـزء الثان ـي‬


‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫مت لك مما‬ ‫وصلّى هللا على حممد قال أبو احلسن‪ :‬إن الذي قد ُ‬
‫غيب للوالد‬ ‫يُرجى للوالِد يف تعليم ولِده القرآن‪ ،‬إّنا هو على وجه الرت ِ‬
‫ك لِن ِ‬
‫فسه نـ ْفعا وال ضّراً‪ ،‬وال ُمييِّز‬ ‫ِ‬ ‫يف تعليم ولده ال ِطّ ِ‬
‫فل‪ ،‬الذي ال ميل ُ‬
‫لنفس ِه ما أيخ ُذ هلا‪ ،‬وما يدفعُه عنها وليس له ملجأ ّإال لوالِده الذي‬ ‫ِ‬
‫جتب عليه نـفقتُه لِمعيشتِه‪ .‬فما زاده بعد ذلك الواجب‪ ،‬فهو إحسان‬ ‫ُ‬
‫من الوالد للولد‪ ،‬كما لو أحسن لل ْجنبِيِّني‪ ،‬أو لمن ال يلزُمه نـفقتُه‬
‫ولكن يُرجى له فما‬

‫‪63‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

64


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أفضل‪ ،‬إذ ليس يُش ِركه فيه‬ ‫ُ‬ ‫أحسن به إىل ولده املـُحتاج إليه ما هو‬
‫ستعني هبا في ْستغين بنفسه فيها عن نظ ِر‬ ‫فل ي ُ‬ ‫غريُه‪ ،‬وال حيلة لل ِطّ ِ‬
‫وِ‬
‫الده له فيها‪.‬‬
‫وقد أ ُِمر املسلمون أن يعلِّموا أوالدهم الصالة‪ ،‬والوضوء هلا‪،‬‬
‫ويؤدبوهم هبا ليسكنوا إليها وأيلفوها‪ ،‬فـت ِخف‬ ‫ِ‬ ‫ويُ ِّ‬
‫دربوهم عليها‪ّ ،‬‬
‫عليهم إذا انتـه ْوا إىل ُوجوهبا عليهم‪ .‬وهم البُد هلم إذا علموهم‬
‫أمر‬
‫الصالة‪ ،‬أ ْن يعلّموهم من القرآن ما يقرؤونه فيها‪ .‬وقد مضى ُ‬
‫املسلمني أهنم يعلِّمون أوالدهم القرآن‪ ،‬وأيْتوهنم ابملعلّمني‪ ،‬وجيتهدون‬
‫تنع منه والد لِول ِده وهو جيد إليه سبيال‪ّ ،‬إال‬ ‫ِ‬
‫يف ذلك‪ ،‬وهذا ممّا ال مي ُ‬
‫ُحضر ِت‬‫نفسه‪ ،‬فذلك ال حجة له‪ .‬قال هللا سبحانه‪(:‬وأ ِ‬
‫ُ‬
‫مداركة شح ِ‬
‫س الشح)(‪ )1‬وقال تعاىل‪ (:‬ومن يُوق ُشح نـ ْف ِس ِه فأُوٰلئِك ُه ُم‬ ‫األنْـ ُف ُ‬
‫الْ ُم ْفلِ ُحون)(‪ .)2‬وال يدعُ أيضا هذا والد واحد هت ُاوان واستِخفافا لرتكِ ِه‪،‬‬
‫إال والد جاف ال رغبة له يف اخلري‪ .‬إن هللا ُسبحانه وصف يف كتابه‬
‫باد الرمح ِن الذين ميشون على األرض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عباده فقال ُسبحانه‪( :‬وع ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية رقم(‪.)328‬‬


‫)‪ - (2‬سورة احلشر‪ ،‬االآية رقم (‪.)9‬‬
‫‪65‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ب لنا ِم ْن أ ْزو ِاجنا‬ ‫ِ‬


‫وجل (والذين يـ ُقولُون ربـنا ه ْ‬‫عز ّ‬ ‫ه ْوانً‪ )...‬إىل قوله ّ‬
‫اجع ْلنا لِْل ُمت ِقني إِم ًاما)(‪ .)1‬فمن رغب إىل ربّه أن‬ ‫ِ‬
‫وذُِّرايتنا قُـرة أ ْع ُني و ْ‬
‫جيعل له من ذُِّريتِ ِه قُـرة ع ْني‪ ،‬مل يـْبخل على ولد مبا يُنفق عليه يف‬
‫كره‪( :‬وال ِذين آمنُوا واتـبـعْتـ ُه ْم ذُِّريـتُـ ُهم‬ ‫ِ‬
‫تعليمه القرآن‪ .‬قال هللاُ جل ذ ُ‬
‫ِ‬
‫اهم ِّم ْن عملِ ِهم ِّمن ش ْيء)(‪ )2‬أي‬ ‫ِِ‬
‫إبِِميان أ ْحل ْقنا هب ْم ذُِّريـتـ ُه ْم وما ألْتـن ُ‬
‫ناهم من عملهم من شيء‪ .‬فما يدعُ الرغبة يف تعلي ِم أهلِه‬ ‫قص ُ‬ ‫وما ن ْ‬
‫هتاوانً به يُفقدهم ذلك اخلري‪ ،‬إال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وولده اخلري ُشحاً على اإلنفاق أو ُ‬
‫الده‪ ،‬ما دام طفالً‬ ‫جاف أو خبيل‪ .‬إن حكم الول ِد يف ال ّدين حکم و ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صغرياً‪ ،‬أفـيدعُ ابنه الصغري ال يـُعلِّ ُمه ال ِّدين‪ ،‬وتعلّ ُمهُ القرآن يُؤّكِ ُد له‬
‫يسمع قول الرسول عليه السالم‪( :‬كل م ْولُود يُولد‬ ‫ْ‬ ‫معرفة ال ّدين؟ أملْ‬
‫صرانِه كما تـنات ُج اإلبِ ُل من هبيمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على الفطْرِة فأبواه يـُه ِّودانه أو يـُن ّ‬
‫مجْعاء‪ ،‬هل ُِحتس من ج ْدعاء)‪ ،‬فقالوا اي رسول هللا‪ :‬أفرأيت م ْن‬
‫عاملني)(‪ .)3‬فأخرب مبا‬ ‫ميوت وهو صغري؟ فقال‪( :‬هللا أعلم مبا كانوا ِ‬
‫ُ‬
‫يُدرك الولد من أبـويِْه ممّا يـُعلِّمانِه‪ .‬فم ْن مات ْقبل أن يبلُغ أن يُعلم‪،‬‬
‫هللا هبم ما كانوا‬ ‫رد رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬أمره إىل عل ِم ِ‬

‫)‪ - (1‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية رقم(‪.)73‬‬


‫)‪ - (2‬سورة الطور‪ ،‬اآلية رقم(‪.)23‬‬
‫)‪ - (3‬أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬وأبو داود واللفظ له‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وأمحد‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫لد الكافرين يُدرُكهم الض ُرر من قِب ِل‬ ‫عاملني لو عاشوا‪ .‬فإذا كان ُو ُ‬ ‫ِ‬
‫فع يف ال ّدين من قِب ِل آابئهم‪.‬‬
‫آابئهم‪ ،‬انبغی أن يُدرك أوالد املؤمنني الن ُ‬
‫االحتِجاج يف مثل هذا‪،‬‬ ‫ولقد استغىن سلف املؤمنني أن يتكلفوا ِ‬
‫ُ‬
‫غبة يف ذلك ِ‬
‫فعملوا به‪ ،‬وأبق ْوا‬ ‫واكتفوا مبا جعل هللا يف قلوهبم من الر ِ‬
‫ُ‬
‫احتُ ِسب يف ذلك على أحد‬ ‫ف ما ْ‬ ‫اخللف عن السل ِ‬
‫ُ‬ ‫ذلك ُسنةً يـْنـ ُقلها‬
‫من اآلابء‪ ،‬وال تـُبُِّني على أحد من اآلابء أنه ترك ذلك رغبةً عنه وال‬
‫هتاوانً به‪ ،‬وليس هذا من ِصف ِة املؤمن املسلم‪.‬‬
‫ول ْو ظهر على أحد أنه ترك أن يـُعلِّم ولده القرآن هتاوان بذلك‪،‬‬
‫الرضا‪.‬‬ ‫جل ِهل وقُـبِح ونـ ُقص حالُه‪ ،‬ووضع عن حال أهل الق ِ‬
‫ناعة و ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ّ‬
‫اليد‪ ،‬فيكون معذوراً‬ ‫ذات ِ‬‫ولكن قد ُخيلِّف اآلابء عن ذلك قِلةُ ِ‬
‫ُ‬
‫حسب ما يـُتبني من ِصحة عُذ ِره‪.‬‬
‫و ّأما إ ْن كان للول ِد مال‪ ،‬فال يدعُهُ أبوه أو و ِصيهُ ‪ -‬إن كان قد مات‬
‫تعليمه القرآن من مالِه‬‫أبوه ‪ -‬ولْي ْدخ ِل الكتّاب‪ ،‬ويؤاجر املـعلِّم على ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكن لِليتيم وصي نظر يف أم ِره حاكِ ُم‬ ‫حسب ما جيب‪ .‬فإن مل ْ‬
‫أبيه أو وصيِّ ِه‪ .‬وإ ْن كان ببلد ال‬
‫عليمه سرية ِ‬ ‫امل ـسلمني‪ ،‬وسار يف ت ِ‬
‫ُ‬
‫احلو ذلك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البلد على‬ ‫حاكم فيه‪ ،‬نُظر له يف م ِثل هذا‪ ،‬لو اجتمع ص ُ‬
‫فالنظر يف هذا اليتيم من تلك املصا ِحل‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬‫النظ ِر يف مصاحل أهلِ‬
‫ُ‬
‫‪67‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فاألقرب به‪ ،‬هم‬


‫ُ‬ ‫األقرب‬
‫ُ‬ ‫لياؤهُ‬
‫وإن مل يكن لليتيم مال‪ ،‬فأمه أو أو ُ‬
‫املـُْرغبون يف القيام به يف تعليم القرآن‪ .‬فإن تطوع غريُهم حبمل ذلك‬
‫عنهم‪ ،‬فله أجرهُ‪ .‬وإن مل يكن لليتيم من أهلِه من يُعنی به يف ذلك‪،‬‬
‫فم ْن عُين به من املسلمني فلهُ أجرهُ‪ ،‬وإ ْن احتسب فيه املعلِّم فعلمه‬
‫فأجره إ ْن شاء هللاُ يضعف يف ذلك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫وجل‪ ،‬وصرب على ذلك‪ُ ،‬‬ ‫عز ّ‬ ‫لِل ّ‬
‫نفسه استأهل ‪-‬‬ ‫معاشه‪ ،‬فإذا آثره على ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يقوم منها ُ ُ‬ ‫إ ْذ هي صنعتُه اليت ُ‬
‫إن شاء هللاُ ‪ -‬حظاً وافِراً من أجوِر امل ْؤث ِرين على أنْـ ُف ِسهم‪ .‬ويكفيك‬
‫ُ‬
‫اب م ْن ر ِغب يف ذلك وسارع‬ ‫وصفت لك من ثو ِ‬ ‫ُ‬
‫من ِ‬
‫البيان عما‬
‫إليه‪ ،‬الذي تقدم عن الرسول عليه السالم‪ ،‬إذ قال للمرأة‪ :‬نعم‪ ،‬ولك‬
‫أجر‪.‬‬
‫فأما أن‬‫و ّأما تعليم األُنثى القرآن والعلم فهو حسن ومن مصاحلها‪ّ .‬‬
‫الشعر وما أشبـههُ‪ ،‬فهو خموف عليها‪ .‬وإّنا تـعل ُم ما‬ ‫تـُعلم الرتسل و ِّ‬
‫ط‬‫يُرجى هلا صالحه‪ ،‬ويُؤمن عليها من فِتنتِ ِه‪ .‬وسالمتُها من تعل ِم اخل ِّ‬
‫ساء يف ُش ِ‬
‫هود‬ ‫أجنى هلا‪ .‬وملا أ ِذن ‪ -‬النيب صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬للنِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ات اخلدوِر أو العواتِق وذواتِ‬ ‫العيد أمرهنّ أن ُخي ِرجن العواتِق وذو ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اس‪ ،‬وقال‪ :‬ي ْشه ْدن اخلري‬ ‫اخلُدوِر‪ ،‬وأمر احلائض أن تـ ْعت ِزل ُمصلى النّ ِ‬
‫ودعوة املسلمني‪ .‬فعلى هذا يُقتـب ُل يف تعليم ِهن اخلري الذي يُؤم ُن‬

‫‪68‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫جب‬ ‫ِ‬
‫أفضل هلن‪ ،‬و ْأو ُ‬
‫عنهن ُ‬ ‫عليهن فيه‪ ،‬وما خيف عليهن منه‪ ،‬فصرفُهُ ّ‬
‫نت لك‪ ،‬واستـ ْه ِد هللا يـ ْه ِد‪ ،‬وکفی به‬‫على ُمتـوِّيل أم ِرهن‪ .‬فافْـهم ما بـي ُ‬
‫هادايً ونصريا‪.‬‬
‫عليهن‪ ،‬كما‬ ‫واعلم أن هللا جل وعز قد أخذ على امل ِ‬
‫ؤمنات فيما‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫وعز‪( :‬وما كان‬ ‫جل ّ‬ ‫أخذ على املؤمنني فيما عليهم‪ ،‬وذلك يف قوله ّ‬
‫ؤمنة إذا قضى هللاُ ورسولُه أمراً (‪ ...)1‬اآلية) وقوله‪(:‬‬ ‫لِمؤمن وال لِم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واملؤمنني واملؤمنات‪ ...‬اآلية ) ومجعهما يف ُحسن اجلزاء يف غري آية‬
‫من كتابِه‪ ،‬ويف قوله تعاىل‪ ( :‬وعد هللاُ املؤمنني واملؤمنات‪ ...‬اآلية )‪،‬‬
‫وأمر أزو ِاج نبِيه عليه السالم أن يذ ُك ْرن ما ِمس ْعن منه ‪ -‬صلّى هللا‬
‫عليه وسلّم‪ -‬فقال‪(:‬واذْ ُكرن ما يـْتـلى ِيف بـيوتِ ُكن ِمن آاي ِت ِ‬
‫الِل‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ ٰ‬ ‫ْ‬
‫احلِ ْكم ِة) فكيف ال يُعل ْمن اخلري‪ ،‬وما يُعني عليه ويص ِر ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫عنهن‬
‫ف ُ‬ ‫وْ‬
‫املسئول‬
‫القائم عليهن ما ُحيذ ُر عليهن منه‪ ،‬إ ْذ هو الراعي فيهن و ُ‬
‫ِ‬
‫الفضل العظيم‪.‬‬ ‫ؤتيه من يشاء وهللاُ ذو‬ ‫ِ ِ‬
‫هللا ي ِ‬
‫الفضل بيد ُ‬‫عنهن‪ ،‬و ُ‬

‫)‪- (1‬سورة االحزاب‪ ،‬رقم اآلية(‪.)46‬‬


‫)‪ - (2‬سورة االحزاب‪ ،‬اآلية رقم (‪.)46‬‬
‫‪69‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األول‬
‫الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ّ‬
‫ذكر ما أراد أن يُـب ّني له فيما أيخ ُذه املعلّمون على‬
‫ُ‬
‫املتعلّمني‪،‬‬
‫للصبيان مع ال ُقرآن‪ ،‬وما على الُمعلّم‬ ‫ِ‬
‫وسنةُ ذلك‪ ،‬وما يصلُح أن يُعلم ّ‬ ‫ُ‬
‫أن يـُعلِّمهم إايهُ من سائِر مصاحلهم‪ ،‬وما ال ينبغي له أن أيخذ ِمنهم‬
‫املسلم‬
‫ُ‬ ‫االنِْفر ِاد‪ .‬وهل يُعلّم‬
‫عليه أجراً إ ْن هو علمهم إايه على ِ‬
‫ُ‬
‫رتك النصاری يعلّمون املسلمني؟ وهل ي ْش ِرت ُط املعلِّم‬ ‫النصراين‪ ،‬أو يُ ُ‬
‫ُ‬ ‫للح ِ‬
‫ذقة أجالً معلوماً‪.‬‬
‫مت فوق هذا الباب ما جاء لِمن علم القرآن‪،‬‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬ق ّد ُ‬
‫نت ما يُؤّكِ ُد تعليمه‪ ،‬واحلِرص عليه‪،‬‬
‫وبي ُ‬

‫‪71‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

70


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ذر ِممّا يُشغِ ُل عنه لِئال ينساه من ح ِفظ‪ ،‬مبا فيه الكفايةُ‪ .‬ويف قول‬ ‫ِ‬
‫وحيّ ُ‬
‫هللا عز و ِ‬ ‫ِ‬
‫جل لنبيّه عليه السالم‪ (:‬قُ ْل أي ش ْيء أ ْكربُ شهادةً قُ ِل الِلُ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُنذرُكم بِِه ومن بـلغ)‬‫ُوحي إِيل ٰهذا الْ ُقرآ ُن ِأل ِ‬
‫ش ِهيد بـي ِين وبـيـن ُكم وأ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫الق ِ‬
‫يامة‪.‬‬ ‫ما يل ِزم القيام بتعلم القرآن حت يقوم له من يـبـلِّغه إىل يوم ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫فهل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجل‪ ( :‬ولقد يس ْران القرآن لل ّذ ْكر ْ‬ ‫عز ّ‬ ‫وكذلك قولُه ّ‬
‫ُمدكِر)(‪ .)2‬وهو ُميسر لل ِّذك ِر إىل يوم القيامة‪ ،‬وما أختلف املـُسلمون‬
‫هللا على ِعباده إىل يوم القيامة‪ ،‬وأ ّن على‬ ‫أن القرآن هو حجةُ ِ‬
‫ُ‬
‫الـ ُمسلمني القيام به‪ ،‬والدعوة إليه إىل يوم القيامة‪.‬‬
‫هللا بن أيب أوّف‪:‬‬‫ويف الصحيح لِط ْلحة ب ِن مطرف قال‪ :‬سألت عبد ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فقلت‪ :‬كيف كتب‬ ‫يب صلّى هللا عليه وسلّم؟ فقال‪ :‬ال‪ُ ،‬‬ ‫أوصى الن ّ‬
‫بكتاب ِ‬
‫هللا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وص؟‪ ،‬قال‪ :‬أ ْوصى‬ ‫على النّاس الوصية أُِم ُروا ِهبا ومل يُ ِ‬
‫يب ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪-‬‬ ‫ومشتهر عند املسلمني أنه جاء عن النّ ّ‬
‫كت فيكم أمريْن لن تضلوا ما تس ْكتُم هبما‪ :‬كتاب هللا‬ ‫أنه قال‪ :‬تر ُ‬
‫وسنيت‪.‬‬
‫ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة االنعام‪ ،‬اآلية رقم (‪.)39‬‬


‫)‪ - (2‬سورة القمر‪ ،‬اآلية رقم (‪.)22‬‬
‫‪72‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أجره‪ ،‬ومن مل يـ ُقم‬ ‫ِ‬


‫فهو شيء البد من تعلمه‪ ،‬ولكن م ْن قام به فلهُ ُ‬
‫ابهلل أن يـتّ ِفق الـ ُمسلمون على ترك القيام به‪،‬‬ ‫به ترك حظه‪ ،‬وأعوذُ ِ‬
‫ُ‬
‫لكانت اهللكةُ املـُبريةُ‪ ،‬فأعوذُ ابهلل من غض ِبه ومن أن‬ ‫ِ‬ ‫ولو كان كذلك‬
‫يـْنـتـزع كتابه من صدور املؤمنني‪ ،‬وأسألُه أن يـثْبِت القرآن يف ِ‬
‫قلوب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صدورهم له‪ ،‬وأن يُقبِلوا بِ ُقلوهبم على استذكارِه‬ ‫املؤمنني‪ ،‬وأن يشرح ُ‬
‫ِ‬
‫الرسول الـ ُمبني‪،‬‬ ‫وحس ِن تدب ِره حت يـُف ّقه ُه ْم فيه على ما بيـنهُ هلم ّ‬ ‫ُ‬
‫خامتُ النبيِّني ‪ -‬وصلى هللا على سيّدان حممد وآله وصحبِه وسلّم‬ ‫حممد ِ‬
‫تسليما ‪ -‬فيهديهم بذلك ِصراطه املستقيم‪ ،‬وسبيله املستبني‪ ،‬الذي‬
‫وجل قال‪( :‬ووصْيـنا‬ ‫ف املؤمنني‪ ،‬فِإنه ّ‬ ‫درج عليه صاحلو السل ِ‬
‫عز ّ‬
‫ني أ ِن‬ ‫اإلنسان بِوالِديِْه محلْتهُ أُمهُ وْهنًا عل ٰى وْهن وفِصالُهُ ِيف عام ْ ِ‬ ‫ِْ‬
‫صريُ ﴿‪﴾23‬وإِن جاهداك عل ٰى أن تُ ْش ِرك‬ ‫ا ْش ُكر ِيل ولِوالِديك إِيل الْم ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫احْبـ ُهما ِيف الدنْـيا م ْع ُروفًا‬‫ِيب ما ليس لك بِِه ِع ْلم فال تُ ِطعهما وص ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫واتبِ ْع سبِيل م ْن أانب إِيل ُمث إِيل م ْرِجعُ ُك ْم فأُنـبِّئُ ُكم ِمبا ُكنتُ ْم‬
‫تـ ْعملُون﴿‪.)1()﴾15‬‬
‫َ اليت حذر منها ومن ك ْوهنا يف آخر‬ ‫وأعوذ ابهلل من مضالت ِ‬
‫الف ِ‬
‫دخلنا بِرمحتِه يف‬ ‫أسأل هللا الكرمي أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫سول عليه السالم‪ ،‬و ُ‬ ‫مان الر ُ‬ ‫الز ِ‬

‫)‪ - (1‬سورة لقمان‪.‬‬


‫‪73‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عباده الصاحلني‪ ،‬املعتصمني به املْنصورين‪ ،‬فإنه قد جاء عن الرسول‬


‫عليه السالم أنه قال‪ :‬ال تزال طائفة من أُميت على احل ِّق ظاهرين‪،‬‬
‫اليضرهم من خالفهم حت أييت أمر ِ‬
‫احلق ال يزالون‬ ‫أهل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫هللا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سول عليه السالم‪،‬‬ ‫استِبانتِه مبا بيّـنهُ الر ُ‬
‫يستشريون القرآن ويهتدون يف ْ‬
‫األمة امل ْر ِضيِّني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُمقتدين يف ذلك مبا عرفه أئمةُ ال ّدين من سالف ّ‬
‫مثّ اعلم أن أئِ ّمة املسلمني يف صد ِر هذه األُّمة‪ ،‬ما منهم ّإال من قد‬
‫العام ِة‪ ،‬فلم‬
‫اخلاصة و ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫نظر يف مجيع أموِر الـ ُمسلمني مبا يُصلحهم يف‬
‫اس أوالدهم من صغرهم‬ ‫يـْبـلُ ْغنا أن أحدا منهم أقام ُمعلّمني يُعلّمون لِلن ِ‬
‫وعز‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جل ّ‬ ‫يف الكتاتيب‪ ،‬وجيعلون هلم على ذلك نصيباً م ْن مال هللا ّ‬
‫القيام للمسلمني‪ ،‬يف النظ ِر بينهم يف‬ ‫كما قد صنعوا لِمن كلفوه ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫هم‪ ،‬مع سائ ِر ما جعلوه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحكامهم‪ ،‬واألذان لصالهتم يف مساجد ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عليهم‪ .‬وما ُميكن أن يكونوا أ ْغفلوا‬ ‫حفظاً ألموِر املسلمني‪ ،‬وحيطةً ْ‬
‫الصبيان‪ ،‬ولكنهم ‪ -‬وهللاُ أعل ُم ‪ -‬رأوا أنّه شيء ممّا ّ‬
‫خيتص‬ ‫شأن معلّم ّ‬
‫لده فهو من‬ ‫نفسه‪ ،‬إذ كان ما يعلمه املرء لو ِ‬ ‫أمره كل إنسان يف ِ‬
‫ُُ‬ ‫ُ‬
‫صالح ِ‬
‫عمل اآلابء‪ ،‬الذي يكون‬ ‫املختص به‪ ،‬فأبْقوه عمالً من ِ‬ ‫ِّ‬ ‫نفسه‬
‫أئمةُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ينبغي أن حيمله عنهم غريُهم إذا كانوا ُمطيقيه‪ .‬ولـ ّما ترك ّ‬
‫للمسلمني أن‬ ‫املسلمني النّظر يف هذا األمر‪ ،‬وكان ممّا ال بُد منه ُ‬
‫‪74‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أنفسهم ّإال على ذلك‪ ،‬واختذوا‬ ‫ِ‬


‫طيب ُ‬ ‫يفعلوه يف أوالدهم‪ ،‬وال ت ُ‬
‫ِ‬
‫ويرعاهم حسب ما يرعى‬ ‫ألوالدهم معلّما خيتص هبم‪ ،‬ويُدا ِوُمهم‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعلّم صبيانه‪ ،‬وبـعُد أ ْن ُميكن أن يُوجد من النّاس م ْن يـتطوعُ‬
‫لِلمسلمني فيعلِّم هلم أوالدهم و ْحيبِس نفسه عليهم‪ ،‬ويرتك الْتِماس‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫للمسلمني‬ ‫معايشه‪ ،‬وتصرفهُ يف مكاسبه ويف سائ ِر حاجياته‪ ،‬صلُح ُ‬
‫أوالدهم‪ ،‬ويُالزمهم هلم‪ ،‬ويكتفي‬ ‫أن يستأجروا من يكفيهم تعليم ِ‬
‫بذلك عن تشاغُلِه بغريه‪.‬‬
‫تديبهم‪،‬‬ ‫الصبيان مؤونة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ويكو ُن هذا املعلّم قد محل عن آابء ّ‬
‫بص ُرهم استقامة أحو ِاهلم‪ ،‬وما يـُن ِّمي هلم يف اخلري أفهامهم‪ ،‬ويُبعِ ُد‬ ‫ِ‬
‫ويُ ّ‬
‫املتطوعون هبا‪ .‬ولو انتظر م ْن‬‫عن الشِّر ماهلم‪ ،‬وهذه ِعناية الي ْكثـُر ِّ‬
‫ُ‬
‫الصبيان‪ ،‬وملا‬‫الصبيان القرآن‪ ،‬لضاع كثري من ّ‬ ‫يتطوعُ مبعاجلة تعلي ِم ّ‬
‫تعلم القرآن كثري من الناس‪ ،‬فتكو ُن هي الضرورةُ القائدةُ إىل الس ِ‬
‫قوط‬ ‫ّ‬
‫ِ ِ‬
‫ت أطفال املسلمني على‬ ‫يف فقد القرآن من الصدور‪ ،‬وال ّداعيةُ اليت تثبِ ُ‬
‫فيه عن‬ ‫ضييق ما مل أيت فيه ِضيق‪ ،‬وال ثـبت ِ‬ ‫هالة‪ ،‬فال و ْجه لِت ِ‬ ‫اجل ِ‬
‫الرسول عليه السالم ما ي ُدل على التن ِز ِيه عنه‪.‬‬
‫سنة ثالث وسبعني‪ ،‬أخربان‬ ‫يخ ِ‬ ‫احلارث بن ِمسكني يف اتر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ولقد ذكر‬
‫كت من أهل العلم‬ ‫مسعت مالكاً يقول‪ُ :‬كل من أدر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ابن وهب قال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪75‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اب ‪ -‬أبساً‪ .‬والب ِن وهب أيضا‬ ‫أبج ِر املعلّمني ‪ -‬معلّمي ال ُكتّ ِ‬‫ال يرى ْ‬
‫ُ‬
‫كل من سألت ابملدينة ال‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يف ُموطئه عن عبد اجلبّار بن عمر قال‪ّ :‬‬
‫يرى لتعليم املعلّمني ابألجر أبساً‪.‬‬
‫عل لِ ّلر ِ‬
‫جل‬ ‫وسئِل مالك عن الر ِ‬
‫جل جي ُ‬ ‫وللحارث عن ابن وهب قال‪ُ :‬‬
‫عشرين ديناراً‪ ،‬يُعلّم ابنه الكتاب والقرآن حت حي ِذقه‪ ،‬فقال‪ :‬ال أبس‬
‫بذلك‪ ،‬وإ ْن مل يض ِرب أجالً‪ .‬مث قال‪ :‬والقرآ ُن أحق ما يُعلّم أو قال‬
‫علِّم‪ .‬وقال ابن وهب يف موطئِه‪ :‬مسعت مالِكا يقول‪ :‬ال أبس ِ‬
‫أبخذ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫فقلت ملالك‪ :‬أفرأيت إذا‬ ‫األج ِر على تعليم القرآن والكتاب‪ .‬قال‪ُ :‬‬
‫كل فِطْر أو أضحى؟‬ ‫سمی ّ‬ ‫شرط مع مالهُ من األج ِر يف ذلك شيئاً ُم ًّ‬
‫قال ال أبس بذلك‪.‬‬
‫ت يب حكاية تُذكر عن اب ِن وهب‬ ‫قال‪ ،‬قال‪ :‬أبو احلسن‪ :‬ولقد مر ْ‬
‫كنت جالساً عند مالك فأقبل إليه معلّ ُم ال ُكتّاب‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫أنه قال‪ُ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‬‫الصبيان‪ ،‬وإنه بـلغين شيء‪ ،‬فك ِرْه ُ‬ ‫ب ّ‬ ‫ؤد ُ‬
‫رجل ُم ّ‬ ‫إين ُ‬‫اي أاب عبد هللا‪ّ ،‬‬
‫اس علي‪ ،‬وليس يُعطونين كما كانوا يُعطون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أن أُشارط‪ ،‬وقد امتنع النّ ُ‬
‫وقد اضطررت بِعيايل وليس يل حيلة ّإال التّعليم‪ ،‬فقال له مالك‪:‬‬
‫اِ ْذهب وشا ِر ْط‪ .‬فانصرف الرجل‪ .‬فقال له بعض جلسائِه‪ :‬اي أاب ِ‬
‫عبد‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫نعم فم ْن ُمي ِّح ُ‬
‫ط‬ ‫ِ‬
‫هللا‪ ،‬ت ُم ُره أن يشرتط على التعليم؟ فقال هلم مالك‪ْ :‬‬
‫‪76‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حنن؟‬
‫ؤدهبم لنا؟ لوال املعلّمون أي شيء ُكنّا نكون ُ‬ ‫لنا ِصبياننا؟ وم ْن يُ ُ‬
‫ابن سحنون قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وي ُشد ما يف هذه احلكاية عن مالك ما ذكره ُ‬
‫ِ‬
‫حدثوان عن ُسفيان الثوري‪ ،‬عن العالء ب ِن السائب‪ ،‬قال‪ :‬قال ُ‬
‫ابن‬
‫اس منهم‪ِ ،‬م ْن أمري حي ُكم بينهم‪ ،‬ولوال ذلك‬ ‫مسعود‪ :‬ثالث البُد للنّ ِ‬
‫اس من ِشراء املصاحف وبيعِها‪،‬‬ ‫بعضهم بعضاً‪ ،‬وال بُد للنّ ِ‬ ‫ألكل ُ‬
‫هللا‪ ،‬وال بُد للنّاس من ُمعلِّم يُعلِّم أوالدهم‪،‬‬
‫ولوال ذلك لبطل كتاب ِ‬
‫ُ‬
‫اس أ ُِّميني‪ -‬يُريد لوال‬‫وأيخذ على ذلك أجرا‪ ،‬ولوال ذلك كان النّ ُ‬
‫املصاحف لنُسي القرآ ُن ‪ -‬وكل هذا ي ُشد لك قويل‪ ،‬فتكو ُن هي‬ ‫ُ‬
‫القرآن ِمن الصدور‪.‬‬ ‫قوط يف فـ ْق ِد ِ‬
‫الضرورة القائدةُ إىل الس ِ‬ ‫ّ‬
‫وقد أحتج كثري من علمائنا يف جوا ِز أخذ اإلجارِة بشرط كانت أو‬
‫أجازوه‪ ،‬وذكروا ذلك عن عطاء‬ ‫بغري شرط أن الناس قد ِ‬
‫عملوا به‪ ،‬و ُ‬
‫ري‪ ،‬وعن غري واحد من األئمة‬ ‫بن أيب رابح‪ ،‬وعن احلسن البص ّ‬
‫وجي ُيزه بغري شرط ِمل فرق‬ ‫الصاحلني‪ ،‬فم ْن زعم أنه يكرهُ الشرط فيه ُ‬ ‫و ّ‬
‫ِ‬
‫ضا على‬ ‫بينهما؟ هل هو يكرُههُ إذا اشرتط ّإال من قب ِل أنه أخذ ِعو ّ‬
‫عليمه القرآن؟ وإّنا جيب أن يُعلِّم هلل‪ .‬أفليس هكذا إذا أخذه بغري‬ ‫ت ِ‬
‫قام‬ ‫ِ‬
‫شرط؟ وم ْن علم أنّه سيُعطی أليس هو كالشرط؟ وإذا كان م ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫دقات اليت إّنا يُراد هبا وجهُ هللا‪ ،‬كيف يصلح أ ْن‬ ‫التعلي ِم مقام الص ِ‬

‫‪77‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يُؤخذ عليها ِعوض؟ هذا ما ال ينبغي‪ ،‬ولكن ما يُؤخذ على تعليم‬


‫القرآن‪ ،‬ليس معناه أن يُؤخذ ُمعاوضةً هكذا لِعِلة ما‪ ،‬فـهم الـ ُمعلّم ِمن‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪ ،‬وإّنا هو ِعوض من العناية ابلتعليم‪ ،‬والقيام ل ِرايضتِه حسب‬
‫ما تقدم من ّأول‪ .‬وما كان إّنا يُعم ُل هلل‪ ،‬ال جيوز أن يُعمل لغري‬
‫اض اليت تُنال يف الدنيا‪ ،‬إال على معىن غ ِري الـ ُمعاوض ِة‬ ‫ذلك من األعو ِ‬
‫نفس ِه الذي ال يكون ّإال هلل‪.‬‬ ‫من العمل ِ‬
‫وذُكِر يف الصحيح من حديث أيب سعيد اخلد ِري قال‪ :‬انطلق نـ ْفر‬
‫رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬يف س ْفرة‬ ‫ِ‬ ‫من أصحاب‬
‫حي من أحياء العرب فاستضافوهم‪ ،‬فأبوا‬ ‫حت نـزلوا على ّ‬ ‫سافروها‪ّ ،‬‬
‫بكل شيء ال ينفعه‬ ‫إليه‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ع‬ ‫س‬‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫احلي‬ ‫ذلك‬ ‫د‬ ‫سي‬ ‫غ‬‫ضيفوهم‪ ،‬فـلُ ِ‬
‫د‬ ‫أ ْن ي ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بعضهم‪ :‬لو أتيتُ ْم هؤالء الرْهط الذين نزلوا‪ ،‬لعلهُ أ ْن‬ ‫شيء‪ ،‬فقال ُ‬
‫ط‪ ،‬إن سيِّدان‬ ‫وهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬اي أيها الرْه ُ‬ ‫ِ‬
‫يكون عند بعضهم شيء‪ .‬فأت ُ‬
‫بكل شيء ال ينفعُه‪ ،‬فهل عند أحد منكم من‬ ‫ِ‬
‫لُدغ‪ ،‬وسعْينا له ّ‬
‫لكن وهللا لقد‬ ‫ِ‬
‫إين أل ْرقى و ْ‬ ‫عم وهللا ّ‬ ‫بعضهم‪ :‬ن ْ‬ ‫شيء؟ فقال ُ‬
‫حت جتعلوا لنا ُج ْعالً‪،‬‬ ‫استض ْفنا ُکم‪ ،‬فلم تُضيفوان‪ ،‬فما أان بِراق لكم ّ‬ ‫ْ‬
‫فصاحل ُهم على قطيع من الغن ِم‪ ،‬فانطلق يت ُفل عليه ويقرأ‪ُ :‬‬
‫احلمد هلل‬
‫رب العاملني‪ ،‬فكأّّنا ن ِشط من ِعقال‪ ،‬فانقلب ميشي وما به قـلبة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫‪78‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقال‪ :‬فأوفـ ْوُهم ُج ْعلهم الذي صاحلوهم عليه‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬اِقْ ِس ُموا‪.‬‬
‫حت أنيت رسول هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه‬ ‫قال الذي رقى‪ :‬ال تفعلوا ّ‬
‫أيمران‪ .‬فقدموا على رسول‬ ‫وسلّم‪ ،-‬فـنذ ُكر له الذي كان‪ ،‬فـنـْنظر ما ُ‬
‫هللا ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪ -‬فذكروا له فقال‪ :‬وما يُدريك ّأهنا ُرقْـية؟‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫مثّ قال‪ :‬قد أصْبـتُ ْم‪ ،‬اقْ ِسموا و ْ ِ‬
‫اضربوا يل معكم س ْهما‪ ،‬وضحك النّ ّ‬
‫‪ -‬صلّى هللا عليه وسلّم‪.-‬‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪:-‬‬ ‫ابن عبّاس‪ ،‬قال النّ ّ‬ ‫قال البُخاري‪ :‬وقال ُ‬
‫هللا‪ .‬قال‪ ،‬وقال احلك ُم‪ :‬مل أمسع أحداً‬ ‫أخذمت عليه أجراً كتاب ِ‬ ‫أحق ما ُ‬
‫ُ‬
‫ك ِره أجر املعلم‪.‬‬
‫أعطى‬ ‫وقال الشعيب‪ :‬ال يش ِرتط املعلّ ُم ّإال أن يُعطى شيئا فيقبـلُه‪ ،‬و ْ‬
‫احلسن عشرة دراهم‪ .‬وأما النسائي فقال‪ :‬أخربان عمرو بن علي‪،‬‬ ‫ُ‬
‫حممد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ُشعبة عن عبد هللا بن أيب‬ ‫قال‪ :‬حدثنا ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عمه قال‪ :‬أقبلنا‬ ‫الشعيب‪ ،‬عن خارجة ب ِن الصلت‪ ،‬عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس ْقر‪ ،‬عن‬
‫حي من العرب‪،‬‬ ‫على‬ ‫نا‬‫فأتي‬ ‫‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫م‬‫ل‬
‫ّ‬ ‫وس‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫ى‬‫ّ‬‫ل‬ ‫ص‬ ‫‪-‬‬ ‫يب‬‫الن‬ ‫من ِ‬
‫عند‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫فقالوا‪ :‬هل عندكم دواء أو ُرقْـية‪ ،‬فإ ّن عندان معتوهاً يف ال ُقيود‪ .‬فجاؤا‬
‫أت عليه فاحتة الكتاب ثالثة ّأايم غُ ْدوًة وع ِشيةً‪،‬‬ ‫مبعتوه يف ال ُقيود‪ ،‬فقر ُ‬
‫فقلت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمجع بُزاقي وأتْـ ُف ُل‪ ،‬فكأّّنا نشط من عقال‪ .‬فأ ْعط ْوين ُج ْعالً‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫‪79‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ال‪ .‬فقالوا‪ :‬س ِل النّيب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ .-‬فسألتُه‪ ،‬فقال‪ُ :‬ك ْل‪،‬‬
‫فلع ْمري م ْن أكل ُبرقية ابطل‪ ،‬فلقد أكلت بُِرقية ّ‬
‫حق‪.‬‬
‫الس ِج ْستاين‪ ،‬ح ّدثنا عن عبد هللا بن ُمعاذ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وقال أبو داود ّ‬
‫لت عن عبد هللا‪ ،‬أنه مر‬ ‫إبسناده عن خاِرجة بن الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح ّدثنا ُشعبةُ‬
‫فارِق لنا هذا‬ ‫ِ ِ‬
‫بقوم فأتـ ْوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنّك جْئت من عند هذا الرج ِل خبري ْ‬
‫الرجل‪ ،‬فأتوه برجل معتوه يف ال ُقيود‪ ،‬فرقاهُ أبُِّم القرآن ثالثة ّأايم غُ ْدوةً‬
‫وع ِشيةً‪ُ ،‬كلّما ختمها مجع بُزاقهُ مثّ تـفل‪ ،‬فكأّّنا أُنْ ِشط من عقال‪،‬‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬فذكر له‪ .‬فقال له‬ ‫فأعط ْوهُ شيئا‪ .‬فأتى النّ ّ‬
‫ْ‬
‫النيب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ُ :-‬ك ْل فـلعُ ْمري فلمن أكل برقية ابطل‬
‫حق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لقد أكلت برقية ّ‬
‫ذكره عن‬ ‫احلديث ُموافق للذي تـق ّدم ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فهذا‬
‫أخذ اإلجارِة على كِ ِ‬
‫تاب هللا‬ ‫الصحيح يص ّدق بعضه بعضا‪ ،‬يف إجازِة ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫نتفع به‪ .‬وقد بُِّني يف حديث أيب سعيد اخلدري‪ ،‬أن الراقي‬ ‫ِ‬
‫ممن ي ُ‬
‫ناء الذي‬ ‫يش ِرت ُط عليهم اجلعل على رقيتِه وهو ( إتفالُه ) يف ذلك الع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه‬ ‫عين ابمللدوغ حت شفاه هللا بكتابه‪ .‬وفيه قال النّ ّ‬
‫ِ‬
‫الكسب الذم‬ ‫اض ِربوا يل معكم بس ْهم‪ .‬فذهب عن هذا‬ ‫وسلّم‪ -‬و ْ‬
‫كلهُ‪ ،‬وال إعافة فيه‪ ،‬وال فيما مغناه م ْغن‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫ويف حديث خا ِرجة بن الصلت‪ ،‬عن ع ّمه‪ ،‬أن أهل املعتوه أ ْ‬
‫عطوهُ‪،‬‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬إِابحته له‪،‬‬ ‫ومل يكن شرط‪ .‬فذكر عن الن ّ‬
‫شرتط‪ .‬وبني يف حديث النّسائي أنه أىب أن أيخذ‪،‬‬ ‫وإن كان مل ي ِ‬
‫فقالوا له‪ :‬س ِل النّيب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬ويف هذا بيان أنّه رقى‪،‬‬
‫يكن يف نف ِسه أخ ُذ شيء‪ ،‬فلم مينع من قبوله‪ .‬وما يف حديث أيب‬ ‫ومل ْ‬
‫حت سأل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫د ُاود أنّه أخذ ما أعطوهُ‪ ،‬وإذا كان مل أيخذ ما أُعطي ّ‬
‫احلديث ُك ْل‬
‫ُ‬ ‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬إِن صح‬ ‫فيُحتم ُل أن قول النّ ّ‬
‫إىل آخره ‪ -‬معناه اإلذ ُن له ‪ -‬فيما يُستـ ْقب ُل ‪ -‬أن يفعل ذلك‪،‬‬
‫نص حديث خارجة‪ ،‬ما‬ ‫ليأخذ عليه األجر وال يـتأمثُ منه‪ .‬وما يف ّ‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا‬ ‫ِ ِ‬
‫ي ُد ّل على أنه أخذ من هذا املعتوه شيئا بعد إ ْذن النّ ّ‬
‫عليه وسلّم‪ -‬له يف ذلك‪ .‬وكذا ُحيتمل أنه ما فعل أل ّن قصدهُ يف ّأول‬
‫اب ال يصلُح أخ ُذ‬ ‫ِ ِ‬
‫وجل احتساابً‪ ،‬واالحتس ُ‬ ‫عز ّ‬ ‫ُرقياه‪ ،‬إّّنا كان هلل ّ‬
‫ض منه‪.‬‬ ‫العِو ِ‬
‫ليث بن‬‫فإ ْن قيل‪ :‬فقد قال اب ُن وهب أخربين عمرو بن احلارث‪ ،‬والّ ُ‬
‫الرمحن عن القاس ِم بن أيب عبد الّرمحن‪،‬‬ ‫سعد‪ ،‬عن ُسلمان بن عبد ّ‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪-‬‬ ‫أنه بلغهُ أن رجال من األنصار جاء الن ّ‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬فقال‪ :‬من أيْن‬ ‫ومعه قوس‪ ،‬فأبصرها النّ ّ‬
‫‪80‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أعطانِيها رجل ِممن ي ْستـ ْق ِرئُين‪ .‬فقال‪ْ :‬أرُددها‬‫وس فقال‪ْ :‬‬


‫لك هذه الق ُ‬
‫اءوا به‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وإال فقوس من انر‪ .‬وقال اقْرءوا القرآن وال تكلوا به‪ ،‬وال تر ْ‬ ‫ّ‬
‫وال تسمعُوا به‪.‬‬
‫الصحيح له أصل‪ ،‬كما‬ ‫وض ُح لك أن يف ّ‬ ‫قال أبو احلسن‪:‬هذا يُ ِّ‬
‫ِ‬
‫فأما قولُه اقرءُوا القرآن إىل‬ ‫حبديث خارجة ب ِن الصلت الذي قد ْمناهُ‪ّ .‬‬
‫احلديث‪ ،‬فمعناه ليس من معىن اإلجارة على تعليم القرآن‬ ‫ِ‬ ‫آخر‬
‫والرقْيا به يف شيء‪ .‬إّنا معىن ما صح نقلُه من هذا‪ ،‬عيب من ال يقرأ‬
‫القرآن ّإال لِيأ ُكل به‪ ،‬أي من أجل أنّه يقرأُ القرآن يُطْع ُم‪ ،‬فيقرأُ هو‬
‫القرآن هلذه العِلة‪ .‬وقارئُهُ للرقيا ولِلتعليم‪ ،‬إّنا يريد به نـ ْفع الـ ُمرقى‬
‫ض ليس من قِراءتِه القرآن‪ ،‬إّنا هو من عنايتِه ابلـ ُم ْرقى‬ ‫واملعلم ابلعِو ِ‬
‫طعام قرأ‪ ،‬ال لِيـْنـفع‬
‫واملعل ِم‪ .‬واألجر املـعيب إّنا يطْعم لِقراءتِه‪ .‬ول ِإل ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بقراءته أحداً‪ .‬أال ترى كيف قِيل‪ :‬وال تـراء ْوا به وال تسمعوا به‪.‬‬
‫وقصد هذيْن الثناء عليهما مبا أظهرا من ذلك‪ ،‬كما قصد اآلخر أن‬
‫أيكل به ال منفعة يف ذلك ألحد‪.‬‬
‫صة الق ْوس فقد قال فيها أبو داود‪ :‬ح ّدثنا أبو بكر بن أيب‬ ‫ِ‬
‫و ّأما ق ّ‬
‫الرمحن الرؤاسي‪ ،‬عن ُمغرية‬ ‫ِ‬
‫شْيبة‪ ،‬قال‪:‬ح ّدثنا وكيع‪ ،‬و ُمحيد بن عبد ّ‬
‫بن زايد‪ ،‬عن عُبادة ب ِن نُس ْي‪ ،‬عن األسود بن ثعلبة‪ ،‬عن عُبادة ابن‬

‫‪82‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مت انساً من أهل الصف ِة الكتاب والقرآن‪،‬‬ ‫ِِ‬


‫الصامت‪ ،‬قال‪ :‬عل ُ‬
‫ست مبال‪ ،‬وأ ْرمي عليها يف‬ ‫فقلت‪ :‬لي ْ‬‫فأهدی يل رجل منهم قـ ْوساً‪ُ ،‬‬
‫لسألنهُ‪.‬‬ ‫بيل هللا‪ ،‬آلتني رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬ف ْ‬ ‫س ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كنت أُعلّ ُمهُ‬
‫فقلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬رجل أهدى يل ْقوسا ممن ُ‬ ‫فأتـْيـتُهُ‪ُ ،‬‬
‫الكتاب والقرآن‪ ،‬وليست مبال‪ ،‬وأرمي عليها يف سبيل ِ‬
‫هللا‪ .‬فقال‪ :‬إ ْن‬
‫ب أن تكون طوقا من النّار فاقْـبلها(‪.)1‬‬ ‫كنت ُحت ّ‬
‫عمر بن عُثمان‪ ،‬وُكث ْريُ بن عبيد‪ ،‬قاال‪ :‬ح ّدثنا معبد‪،‬‬ ‫وقال‪ :‬حدثنا ُ‬
‫عبد هللا بن بشار‪ .‬قال عمرو‪ :‬قال حدثين‬ ‫قال‪ :‬ح ّدثين بِشر بن ِ‬
‫ُ‬
‫الصامت‬ ‫عُبادة بن نُس ْي‪ ،‬عن ُجنادة بن أيب أميّة‪ ،‬عن عُبادة بن ّ‬
‫فقلت ما ترى فيها اي رسول هللا‪ ،‬فقال‬ ‫األول أمت‪ُ ،‬‬ ‫بن ْح ِو هذا اخلرب‪ ،‬و ُ‬
‫مجرة بني كتِفيك تقلدهتا أو تـعلقتها‪.‬‬
‫األسانيد‬ ‫ضيق ما دلّت‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫األسانيد ليس مبثلها ت ُ‬‫ُ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬هذه‬
‫حديث هذه الق ْو ِس‬‫ِ‬ ‫نقل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الصحيحةُ على جوازه وسعته‪ ،‬و ْلو ثبت ُ‬
‫على ما ذُكر‪ ،‬لتوجه إىل معان‪ :‬منها أن هذا املعلّم إّنا كان يُعلِّ ُمه‬
‫هلل‪ ،‬ال يرجو على ذلك من املتعلِّم أخذ شيء من الدنيا‪ ،‬فيُمكن أن‬ ‫ِ‬
‫يكون هذا املتعلِّم ممن ال يصلُح أن يُقبل منه تطوعُ عطائِِه‪ ،‬ورأى هذا‬

‫)‪ - (1‬رواه أبو داود وابن ماجه‪.‬‬


‫‪83‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ليست ماالً كما قال‪ ،‬وإّّنا هي آلة يُستعان هبا يف‬ ‫ْ‬ ‫املعلّم أ ّن القوس‬
‫عطيها ال يصلُح لشهود احلرب‪ ،‬فرأى املعلّم أن أخذه‬ ‫احلرب‪ .‬ولعل م ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫سبيل هللا يـت ِس ُع له‪ ،‬فأخذها لِي ْستشري فيها رسول‬
‫إايها ليُقاتِل هبا يف ِ‬
‫هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬كما نُص يف حديث أيب داود هذا له‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬إن كنت ُحتب أن تُطوق طوقاً من النّار فاقبـ ْلها‪ .‬فمثل له‬
‫أخذها مبا جاء من الع ِ‬
‫قوبة يف أكل أمو ِال اليتامى ظُلماً‪( ،‬‬ ‫العقوبة يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ليست تُؤك ُل إِّنا تُوض ُع على‬
‫ْ‬ ‫القوس‬
‫إّنا أي ُكلون يف بُطوهم انراً )‪ .‬و ُ‬
‫ِ‬
‫رسول هللا ‪-‬صلّى هللا‬ ‫العنُ ِق وبني األ ِ‬
‫كتاف‪ ،‬ألّهنا تـُتـقل ُد‪ ،‬إ ْذ رأى ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫عليه وسلّم‪ -‬أن أخذهُ إايها ِمن الظل ِم لِدافِعها‪ ،‬إ ْذ ليس ذلك واجبا‬
‫دقة عليه‪ ،‬وهو ِممن اليصلُح له أن‬ ‫عليه‪ ،‬إذ كان تعليمه من وجه الص ِ‬
‫ُ‬
‫يـُ ْعطى‪.‬‬
‫ِِ ِ‬
‫ابن حبيب على إِث ِر ِروايته ل ّ‬
‫قصة‬ ‫وميكن أن يكون هذا كما قال ُ‬
‫احلديث‪ ،‬أن ذلك كان يف‬ ‫ِ‬ ‫القوس‪ .‬إّنا تويل هذا النهي‪ ،‬ومعىن هذا‬ ‫ْ‬
‫الرجال‪ ،‬غري فاش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُمبتدإ اإلسالم‪ ،‬وحني كان القرآن قليال يف صدور ّ‬
‫وال مستفيض يف النّاس‪ ،‬وكان األخذ على تعليمه يومئذ‪ ،‬ويف تلك‬
‫احلال‪ ،‬إّنا كان مثناً للقرآن‪ .‬وأما بعد أن صار فاشياً يف النّاس‪ ،‬قد‬ ‫ِ‬
‫صاحف وما فيها ُمباحةً للجاهل‬ ‫ِ‬
‫وصارت الـم‬ ‫أثْـبتوه يف املـصاحف‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪84‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العامل‪ .‬وللقارَ وغري القارَ‪ ،‬غري حمجوبة وال ممنوعة‪ ،‬وال مطلوبة‬ ‫و ِ‬
‫إىل قوم دون قوم‪ ،‬وال خمصوص هبا قوم دون غ ِريهم‪ ،‬فإّنا اإلجارةُ‬
‫تعليمه إجارةُ البد ِن الـ ُمشتغِل بذلك‪ ،‬وليس مثناً للقرآن‪ ،‬كما أن‬‫على ِ‬
‫نعة‪ ،‬وليس بيعة ملا‬ ‫بيع املصاحف إّنا هو بيع لِلرقوق واخلط والص ِ‬
‫فيها‪ ،‬ألن الذي فيها موجود غريُ مطلوب إىل أحد‪ ،‬وال حمجوب عن‬
‫مصحف دون‬ ‫ِ‬ ‫ابئع الُ‬
‫أحد‪ ،‬وال ممنوع من أحد‪ ،‬وال خمصوص به ُ‬
‫تعليم ما يف الـمصاحف إّنا هو مثن وإجارة للمعلّم‬ ‫ِ‬
‫ُم ْشرتيه‪ .‬وكذلك ُ‬
‫يف اشتغالِِه ِمب ْن علّمه‪ ،‬وانفر ِاده مبن علمه‪ ،‬وشغل نفسه مبن قعد‬
‫عليمه‪ .‬وقد علم الكتاب والقرآن رجال من أئِم ِة هذا ال ّدين‪ ،‬مل يـرْوا‬ ‫لِت ِ‬
‫به ألنْـ ُف ِسهم أبساً ومل يـُر هلم به أبس‪.‬‬
‫ابن حبيب بقوله‪ :‬وصارت الـمصاحف ُمباحةً‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬يريد ُ‬
‫غري حمجوبةًوال ممنوعة‪ ،‬أي من أراد ِشراءها أو ا ْكتِتاهبا‪ ،‬وجد ذلك‬
‫ممُْ ِكناً‪ ،‬فِإ ْذ كان كذلك وكذلك أيضا من أراد أن يتعلم القرآن من‬
‫ِعند الـ ُمعلّمني جي ُده كثريا غري حمجوب وال ممنوع‪ ،‬إذا أعطى عليه‬
‫اإلجارة‪ ،‬كما يـُ ْع ِطي الثمن يف املصاحف ليش ِرتي منها ما جيوز‬
‫شر ُاؤه‪ ،‬كذلك يُؤاج ُر من الـ ُمعلّم ما جيوز إجارتُه من اشتِغالِه به‪،‬‬
‫مت لك من البيان‪ ،‬كلِّه‬ ‫ِ‬
‫وحركاته يف تعليمه‪ .‬وهذا كلهُ حسب ما قد ُ‬
‫ِ‬

‫‪85‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وجييز إِجارة املـُعلِّم على تعليم القرآن‪ُ ،‬‬


‫وجي ُيز‬ ‫بعضه بعضاً‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫يـُؤّك ُد ُ‬
‫ضرهُ أخ ُذ األج ِر شيئا إذا‬ ‫أيخذ األ ْجر على ذلك‪ ،‬وال ي ُ‬ ‫للمعلّم أن ُ‬
‫ِ‬
‫كل من أدرك‬ ‫مت لك قول مالك عن ّ‬ ‫وّف بِشروط التعليم‪ ،‬وقد قد ُ‬
‫ابن وهب‪ :‬قال‬ ‫أهنم ُجييزون إجارة املعلّمني‪ .‬وقد قال سحنون‪ :‬قال ُ‬
‫وإن اشرتط شيئا‬ ‫مالك‪ :‬ال أبس مبا أيْخ ُذ املعلّم على تعليم القرآن ِ‬
‫ُ‬
‫تمة له‬‫اط يف ذلك‪ ،‬وحق اخلِ ِ‬ ‫كان له حالالً جائزاً‪ ،‬وال أبس ابال ْشِرت ِ‬
‫أهل العِْل ِم بِبـل ِدان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واجب‪ ،‬ا ْشرتطها أو مل ي ْشرتطْها‪ ،‬وعلى ذلك ُ‬
‫احلارث ع ِن اب ِن وهب‪ ،‬قال‪ُ :‬سئل مالك عن الغُالم يُ ْدف ُع إىل املعلّم‬ ‫ُ‬
‫يُعلِّمه ثُلث القرآن‪ ،‬ويُ ْشرت ُط ذلك عليه بشيء مسمی‪ ،‬فقال‪ :‬ال أرى‬
‫بذلك أبساً‪.‬‬
‫ِ‬
‫معن‬ ‫ت يف حكاية لـِموسی بن ُمعاوية عن ْ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬ولقد مر ْ‬
‫ت رجالً ُسورًة‬ ‫ِ‬
‫بن عيسى‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل إىل مالك قال‪ :‬عل ْم ُ‬
‫ابأل ْج ِر‪ ،‬قال‪ :‬ال أبس به‪.‬‬
‫حفظ املتعلّم هلا عناء‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬وتعليم سورة على املعلّم ِيف ِ‬
‫ُ‬
‫وشغل‪ ،‬فيُمكن أخ ُذ األج ِر على ذلك‪.‬‬
‫أيخذ‬‫علي بن أيب طالب قال‪ :‬ال أبس أن ُ‬ ‫وحكاية أخرى عن ّ‬
‫القرآن‪ ،‬وال جيوز له إن قال له‪:‬‬ ‫جل األجر على تعليم ِ‬ ‫جل من الر ِ‬ ‫الر ُ‬
‫‪86‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫افْتِين هذا احلرف ِجبُ ْعل‪ ،‬أ ْن أيخذ منه عليه ُج ْعالً‪ ،‬ألن احلرف أمر‬
‫للرجل‪ :‬علِّ ْمنی اإلسالم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يسري‪ ،‬أو هو مثْ ُل رجل يُريد اإلسالم فيقول ّ‬
‫وز‬ ‫ِ‬
‫فيقول له‪ :‬فاعطين على تعليمي إايك ُج ْعالً‪ ،‬فإن هذا أيضاً ال جي ُ‬
‫مع ما فيه من ال ُقبح‪.‬‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬فهذا يـبِني لك أن ما مل يكن على املعلّم يف ِ‬
‫تعليمه‬ ‫ُ ُّ‬
‫من اخل ِري مؤونةُ ُك ْلفة وتشاغُل‪ ،‬أن عليه أ ْن يـُعلِّمه لِـمن ال يعل ُمه إذا‬
‫ومثْ ُل هذا لو أن أحداً من أهل‬ ‫الوقت‪ِ .‬‬
‫تعليم ِه يف ِ‬
‫كان ال بد من ِ‬
‫ُ‬
‫ال ُكفر أتى لـ ُمسلم‪ ،‬فسأله أ ْن يـُعلِّمه اإلسالم لوجب عليه أن يـُعلِّمه‬
‫ذلك‪ ،‬وال يسألُه عليه أجراً‪ .‬وإذا علمه اإلسالم فـ ْليُـعلِّ ْمهُ ما يكون به‬
‫وصف ِة ال ُفروض‪ُ ،‬خيِربُه أن عليه مخس صلوات‬ ‫مسلماً‪ِ :‬من الش ِ‬
‫هادة‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫كل يوم وليلة‪ ،‬ويُوقِ ُفهُ على عدد ركوع ُك ِّل‬ ‫يُصلّيهن على طهارة يف ِّ‬
‫ِ‬
‫صالة‪ ،‬ويُريه كيف الركوعُ‪ ،‬وكيف الصالةُ‪ ،‬وإ ْن مل جيد من يُعلّمه‬
‫القرآن وجب على هذا الذي ابْـتُلي به أ ْن يُعلِّمه أم القرآن لِيصلِّي‬
‫اخ ُل‬‫هبا‪ ،‬وال أيخ ُذ منه على شيء من ذلك أجراً‪ُ .‬مث يذهب هذا الد ِ‬
‫ّ‬
‫تاج إليه ِمن زايدة على ما جيب عليه يف‬ ‫يف اإلسالم فيتعل ُم ما حي ُ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يومه‪ ،‬ويصري إىل حال الواجدين للتّعليم ابألُجرة‪ .‬والذي أجاز ُ‬

‫‪87‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تعليمه القرآ ُن والكتاب‪ ،‬ليس بني من ُجييز‬ ‫العلم أخذ اإلجارِة على ِ‬
‫اإلجارة على التعليم اختالف يف ذلك‪.‬‬
‫جل م ْن يُعلِّ ُم ولده ذلك‪،‬‬‫ُ‬ ‫الر‬
‫ّ‬ ‫يستأجر‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫قه والفر ِ‬
‫ائض‬ ‫فأما تعليم ِ‬
‫الف ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫عت – يعنی من مالك ‪ -‬فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن القاسم عنه فقال‪ :‬ما مس ُ‬ ‫ف ُسئل ُ‬
‫الفقه‪ ،‬فإ ّان نرى اإلجارة على تعليم ذلك‬ ‫ب ِ‬ ‫شيئا‪ّ ،‬إال أنه ك ِره بـْيع ُكتُ ِ‬
‫عجبُين‪ ،‬والشرط على تعليمها أشر‪.‬‬ ‫ال تُ ِ‬
‫و ّأما ابن سحنون فذكر يف كتابه‪ ،‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬ال أرى أن جيوز‬
‫إجارة من يُعلّم الفقه والفرائض‪.‬‬
‫األندلس أنّه ال أبس ابإلجارة على‬‫ِ‬ ‫بعض أهل‬ ‫ِ‬
‫وقال ألبيه‪ :‬روی ُ‬
‫الشع ِر والنّحو‪ ،‬وهو ِمثْ ُل القرآن‪ ،‬فقال‪ :‬ک ِره‬
‫تعليم الفقه والفرائض و ّ‬
‫ذلك مالك وأصحابُنا‪ ،‬وكيف يشبه القرآن‪ ،‬والقرآن له غاية يـُْنـتـهى‬
‫إليها‪ ،‬وما ذكرت ليس له غاية يـُْنتهى إليها‪ ،‬فهذا جمهول‪ ،‬والفقهُ‬
‫علم أمر قد اختُلِف فيه‪ ،‬والقرآ ُن هو احلق الذي الشك فيه‪،‬‬ ‫وال ُ‬
‫والفقهُ ال يُ ْستظْه ُر مثل القرآن‪ ،‬وهو ال يُشبِ ُههُ‪ ،‬وال غاية له وال أمد‬
‫يـْنـت ِهي إليه‪.‬‬
‫صبغ‪ :‬فكيف جوْزُمتُ الشرط على تعليم‬ ‫قال ابن حبيب‪ :‬قلت أل ْ‬
‫سائل‪ ،‬إذا مل تُسموا لذلك أجالً‪ ،‬وهو ّمما ليس له‬ ‫الشعر والنح ِو والر ِ‬ ‫ِّ‬
‫‪88‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ُمنتهى يـُْنـتهى منه إىل ح ّد معروف‪ .‬فقال يل‪ :‬هو عندان معروف‬
‫ِمبنز ِلة احلِناط ِة واخلب ِز‪ ،‬وقد أجاز مالك الشرط على تعليم ِ‬
‫احلناطة‬ ‫ْ‬
‫أهل‬‫ناعات‪ ،‬فإذا بلغ من ذلك مْبـلغ ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫واخلْبز‪ ،‬وما أشبه ذلك من ّ‬
‫العِل ِم به ِمن النّاس‪ ،‬وجب يف ذلك حقهُ‪.‬‬
‫الشعر لِول ِده‪ ،‬فقال فيه‬‫ئجار على تعليم ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬أما اال ْست ُ‬
‫عجبُين هذا‪ .‬والذي اختلف فيه من‬ ‫ابن القاسم‪ :‬قال مالك‪ :‬ال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قدمنا ذكره‪ ،‬إّنا هو يف إِفْراد الـ ُمعلّم ابإلجارة على غري القرآن‬
‫فأما ما كان من معاين التق ِوي ِة على القرآن‪ :‬من الكتابة‬ ‫ِ‬
‫والكتاب‪ّ ،‬‬
‫ط‪ ،‬فما اختلفوا فيه‪.‬‬ ‫واخل ِّ‬
‫ولقد ذكر ابن سحنون أنه ينبغي أن يُعلّمهم إعراب القرآن‪ ،‬ذلك‬
‫قيف‬‫الشكل واهلجاء واخلط احلسن‪ ،‬والقراءة احلسنة ابلتـو ِ‬ ‫الزم له‪ ،‬و ّ‬
‫ْ‬
‫تيل‪ ،‬يلزُمه ذلك‪ ،‬ويلزُمهُ أ ْن يُعلّمهم ما علِم من الـمقا ِر َِ احلس ِنة‬ ‫الرت ِ‬
‫و ْ‬
‫وهو م ْقرأُ انفِع‪ ،‬وال أبس إ ْن أقْـرأهم بغ ِريه إذا مل يكن ُم ْست ْشنعاً‪ ،‬وال‬
‫أبس أن يـُعلِّمهم اخلُطب إ ْن أرادوا‪ .‬قال‪ :‬ويُعلِّ ُمهم األدب‪ ،‬فإنه من‬
‫وح ْف ِظهم وِرعايتِهم‪.‬‬
‫صيحة هلم ِ‬
‫هلل عليه‪ ،‬وهو من الن ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫الو ِاج ِ‬
‫للمعلِّم أ ْن أيمرهم ابلصالة إذا كانوا بين سْب ِع ِسنني‪ ،‬ويضرهبم‬ ‫وينبغي ُ‬
‫عليها إذا كانوا بين عشر‪ .‬وكذلك قال مالك‪ ،‬أخربان عنه عبُد الرمحن‬

‫‪89‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقال‪ :‬قال مالك‪ :‬يُضربون عليها بنو عشر‪ ،‬ويـُفر ُق بينهم يف‬
‫اإلانث؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لذكور و ُ‬‫الـمضاجع‪ .‬قلت ا ُ‬
‫قال‪ :‬ويلزُمه أن يعلّمهم الوضوء والصالة ألن ذلك من دينِهم‪،‬‬
‫اجللوس‬ ‫وسجودها‪ ،‬والقراءة فيها والتكبري‪ ،‬وكيف‬ ‫ِ‬ ‫وعدد ر ِ‬
‫كوعها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الة‪ ،‬والت ِ‬
‫شهد‬ ‫واإلحرام والسالم ومجيع التّكب ِري‪ ،‬وما يلزمهم يف الص ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجب ح ّقها‪.‬‬ ‫نوت يف الصبح‪ ،‬فإنه من ُسن ِة الصالة‪ ،‬ومن و ِ‬ ‫وال ُق ِ‬
‫ولْيُعلِّ ْم ُه ُم الصالة على اجلنائ ِز والدعاء عليها‪ ،‬فإنّه من ديِنِهم‪ ،‬وينبغي‬
‫الة‪ ،‬مثل رْكعيت الفج ِر‪ ،‬والوتر‪ ،‬وص ِ‬
‫الة‬ ‫له أ ْن يعلِّمهم سنن الص ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اال ْستِسقاء‪ ،‬واخلُسوف‪ ،‬حت يُعلِّمهم دينهم الذي تـعبد ُه ُم‬ ‫العِيدين‪ ،‬و ِ‬
‫ْ‬
‫وسنة نبِيِّهم ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬ولْيـتـعاه ْد ُهم‬ ‫وجل‪ُ ،‬‬ ‫عز ّ‬ ‫هللا ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فهم عظمته وجالله‪،‬‬ ‫وجل‪ ،‬ويـُعِّر ُ‬
‫عز ّ‬ ‫بِتعليم الدعاء ل ْريغبوا إىل هللا ّ‬
‫اإلمام‪،‬‬ ‫فاست ْسقى هبم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اس‪ْ ،‬‬ ‫لي ْك ُربوا على ذلك‪ .‬وإذا أ ْجدب النّ ُ‬
‫فأحب للمعلّم أن خيرج ِمنهم مبن يع ِر ُ ِ‬
‫وجل‬
‫عز ّ‬ ‫ف ليـْبـت ِهلوا إىل هللا ّ‬
‫ويرغبوا إليه‪ ،‬فإنه بلغين أن قوم يُونس عليه السالم لـما عاينوا العذاب‬
‫يتضرعون إىل هللا تبارك وتعاىل هبم معهم‪ ،‬فرفع‬ ‫ِِ‬
‫خرجوا بصبياهنم ّ‬
‫عنهم‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وينبغي له أن يـُعلِّمهم احلساب‪ ،‬وليس ذلك بالزم له إال أن يُ ْشرتط‬


‫الشعر‪ ،‬والغريب‪ ،‬والعربيّة‪ ،‬ومجيع النح ِو‪ ،‬هو يف‬ ‫عليه ذلك‪ .‬وكذلك ّ‬
‫الشعر ِممّا ال يكون فيه فُ ْحش‪،‬‬ ‫ذلك متطوع‪ .‬وال أبس أن يُعلِّمهم ّ‬
‫ومن كالم العرب وأخبا ِرها‪ ،‬وليس ذلك بواجب عليه‪ُ ،‬كل هذا عند‬
‫سحنون ال أبس أن يـُعلِّمه الذي يُعلِّ ُم القرآن والكتاب‪ ،‬يتطوعُ به‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫األشياء‪ ،‬ومل ي ُك ِن‬ ‫فأما إِقر ُاره ابإلجارِة على تعليم هذه‬
‫يُ ْشرت ُط عليه‪ّ .‬‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫ص ُد إىل تعليم القرآن والكتاب‪ ،‬فسحنون أيابهُ‪ ،‬كما تقدم عنه ّ‬ ‫الق ْ‬
‫الشعر‪ :‬ال يـُ ْع ِجبين‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬لقول مالك يف اإلجارِة على تعليم ّ‬
‫ابن حبيب فقال الأبس إبجارِة املعلّم على تعليم ّ‬
‫الشعر والنح ِو‬ ‫و ّأما ُ‬
‫الرجال‪ ،‬وذوي‬ ‫ِ‬
‫والرسائل وأايم العرب‪ ،‬وما أ ْشبه ذلك من علم ّ‬
‫أين أكره من تعلم‬ ‫ِ‬
‫الـ ُمروءات‪ ،‬ال أبس ابإلجارة على ذلك ُكلّه‪ .‬إال ّ‬
‫الشعر وتعل ِمه وِروايته الكبري والصغري‪ ،‬ما فيه ذكر احل ِمية واخل ِ‬
‫ناء‪،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫الروايةُ عن رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه‬ ‫ت ِّ‬ ‫قبيح اهلجاء‪ .‬قال‪ :‬وقد ثـبـت ِ‬
‫ُ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫يحهُ قبيح) ‪.‬‬ ‫عر كالم فحسنُهُ حسن وقبِ ُ‬ ‫الش ُ‬
‫وسلّم‪ -‬أنه قال‪( :‬إّنا ّ‬
‫الشعر حكمةً(‪.)2‬‬ ‫وقال رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ :-‬إن ِمن ِّ‬

‫)‪ - (1‬املصدر السلسلة الصحيحة‪.‬‬


‫أيب بن كعب‪.‬‬
‫‪ -‬رواه البخاري من حديث ّ‬
‫)‪(2‬‬

‫‪90‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الروايةُ عن رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه‬ ‫ت ِّ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فـثـبـت ِ‬
‫وسلّم‪ -‬بقوله‪ :‬إن ِمن ّ ِ‬
‫عر كالم‪ ،‬فما‬ ‫الش ُ‬
‫فأما‪ ،‬إّنا ّ‬ ‫الشع ِر حل ْكمةً‪ّ .‬‬
‫ف‬‫ْأدري‪ ،‬ولكن ثـبت عن الرسول عليه السالم قوله‪( :‬لئِ ْن ميتلِىء ج ْو ُ‬
‫أح ِد ُكم قـْيحاً خري له من أن ميْتلىء شعرأ)(‪ .)1‬معناه ‪ -‬وثبت أيضا‬
‫بعض‬
‫جوف رجل قـْيحا)‪ -‬معناه فيما قال ُ‬ ‫ُ‬ ‫قولُه‪( :‬لئِ ْن ميْتلِىء‬
‫عر غالباً على اإلنسان حت يصدهُ عن ذك ِر‬ ‫العلماء‪ :‬أ ْن يكون ِّ‬
‫الش ُ‬
‫رآن‪ .‬وثبت أيضا أن الرسول عليه السالم‬ ‫هللا عز وجل والعل ِم وال ُق ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ‬
‫كل شيء ما خال‬ ‫اعر كلمةُ لبيد‪( :‬أال ّ‬ ‫الش ُ‬‫أصدق كلمة قاهلا ّ‬ ‫قال‪ُ ( :‬‬
‫ت أن يُ ْسلِم(‪ .)2‬معناه لِما يف‬ ‫هللا ابطل)‪ .‬وكاد أُميةُ بن أيب الص ْل ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ب إىل‬ ‫شعرِه من الثناء على هللا‪ ،‬فلم يـْنـف ْعهُ ذلك إ ْذ مات ومل ُجي ْ‬
‫اإلسالم‪ .‬و ّأما لبيد‪ ،‬فقد أجاب إىل اإلسالم‪ .‬ويُقال إنه كف يف‬
‫الشعر تعظيماً للقرآن وهللا أعلم‪ .‬وليس يـعد ِ‬
‫شاعراً‬ ‫اإلسالم عن قول ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األوقات کالم موزون‪ ،‬وال سيما إذا كانت‬ ‫ِ‬ ‫م ْن جرى له يف ِ‬
‫بعض‬
‫يب ‪-‬صلّى هللا عليه‬ ‫الن‬ ‫بينما‬ ‫‪.‬‬ ‫ندب‬ ‫ج‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬‫ه‬‫الفصاحةُ من طبعِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫إصبِعُهُ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ت ْ‬ ‫وسلّم‪ -‬ميشي إ ْذ أصابه حجر فعثر‪ ،‬فدمي ْ‬

‫)‪ - (1‬صحيح البخاري‪.‬‬


‫)‪ - (2‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪92‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ت إال إِصبِع د ِ‬
‫ميت‬ ‫(هل أنْ ِ‬
‫ْ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫سبيل ِ‬
‫هللا ما لقيت)‬ ‫ويف ِ‬

‫يُقيِّ ُم لِسانه‬
‫اويه شاعراً‪ .‬ومن كان حفظ منه شيئاً‬ ‫وال يـعد ر ِ‬
‫ُ‬
‫يد‬
‫به فما يُر ُ‬ ‫وأينس إليه يف بعض األوقات‪ ،‬ويستش ِه ُد‬ ‫ص ُحهُ‪،‬‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ويـُف ّ‬
‫بيانه‪ ،‬ال أبس‪.‬‬
‫ث‪ :‬سألت ربيعة عن تعليم النحو‬ ‫بن وهب‪ :‬قال اللْي ُ‬ ‫فقد قال ا ُ‬
‫ِ‬
‫ابن وهب أيضاً‪:‬‬ ‫ت لو أ ّين أُ ْحسنُه‪ .‬وقال ُ‬ ‫اإلعراب القرآن فقال‪ :‬ود ْد ُ‬
‫قلت للحسن‪ :‬أرأيت‬ ‫اد بن زيد‪ ،‬عن ْحيي بن عتيق قال‪ُ :‬‬ ‫ح ّدثين مح ُ‬
‫نعم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الرجل يتعلّم العربيّة ليُـقيّم هبا لسانه‪ ،‬ويُصلح هبا منطقه؟ قال ْ‬
‫ف ْليـتـعل ْمها فإن الرجل يقرأُ اآلية فـيـ ْعيا بِو ْج ِهها فيهلك‪.‬‬
‫ابن حبيب إىل جوا ِز اإلجارة على تعل ِم ّ‬
‫الشع ِر وما ذُكر‬ ‫وإّنا قصد ُ‬
‫القرآن والكتاب‪ ،‬وهو الذي خالف فيه قول سحنون‪،‬‬ ‫معه دون تعل ِم ِ‬
‫ولكن إذا ا ْش ُِرتط ذلك على املعلّم للقرآن فما بـْيـنـ ُهما يف جوا ِزه‬
‫الشعر ما‬
‫خالف إ ْن شاء هللا‪ :‬وكذلك ذکر ابن حبيب يعلّمه من ّ‬

‫)‪ - (1‬صحيح اجلامع‪.‬‬


‫‪93‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ُخيالُِفهُ فيه سحنون‪ .‬ولسحنون‪ :‬ال أبس أب ْن يستأجر من يعلّم ولده‬


‫اخلط واهلجاء‪.‬‬
‫ابن عمر‪ ،‬عن يونس‪،‬‬ ‫ابن وهب‪ :‬وأخربين حفص ُ‬ ‫وقال يف الـ ُمدونة ُ‬
‫برجل من العراق يُعلِّم‬ ‫ِ‬
‫عن ابن شهاب أن سعد بن أيب وقّاص قدم ُ‬
‫ِ‬
‫أبناءهم الكتاب ابملدينة ويُعطونه على ذلك األ ْجرة‪ .‬وكذا هو يف‬
‫ُموطأ اب ِن وهب من ِروايتنا عن أيب احلسن بن مسرور عن أيب‬
‫حفص بن عمر‪ ،‬عن‬ ‫ُ‬ ‫ُسليمان عن سحنون‪ ،‬عن ابن وهب أخربين‬
‫يونس ب ِن يزيد‪ ،‬مث كما قال يف الـ ُمدو ِنة‪.‬‬
‫ابن حبيب فيه‪ :‬حدثين أصب ُغ‪ ،‬عن ابن وهب‪ ،‬عن يُونُس‪،‬‬ ‫وقال ُ‬
‫هاب‪ ،‬أن سعد بن أيب وقاص ِ‬
‫قدم برجل ِم ْن أ ْه ِل العراق‬ ‫عن ابن ِش ِ‬
‫وكان يُعلِّم أبناءهم الكتاب والقرآن ابملدينة‪ ،‬ويُعطونه على ذلك‬
‫األ ْجر‪ .‬فأسقط من اإلسناد حفص بن عُمر وزاد مع تعلّمهم الكتاب‬
‫أعلم‪.‬‬
‫والقرآن‪ ،‬فاهللُ ُ‬
‫جاد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حممد‪ :‬مسعت سحنون يقول‪ :‬الأرى للمعلّم أن يُعلّم أاب ْ‬ ‫وقال ّ‬
‫وأرى أن يتق ّدم إىل املعلّمني يف ذلك‪ .‬وقد مسعت حفص بن ِغياث‬
‫جاد أمساء الشياطني ألقوها على ألْ ِسنة ِ‬
‫العرب يف‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُحي ّدث‪ :‬أن أاب ْ‬
‫ومسعت بعض ِ‬
‫أهل العلم يـ ْزعُ ُم أهنا‬ ‫ُ‬ ‫اجلاهلية فكتبوها‪ .‬قال حممد‪:‬‬

‫‪94‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫طاعته أن‬ ‫ملك فارس‪ ،‬أمر العرب الذين كانوا يف‬ ‫لد سابور ِ‬ ‫اسم و ِ‬
‫ُ‬
‫يكتبوها‪ ،‬فال أرى ألحد أن ي ْكتُـبها فإن ذلك حرام‪ .‬قال أ ْخربين‬
‫سحنون بن سعيد‪ ،‬عن ابن وهب‪ ،‬عن حيي بن أيوب‪ ،‬عن عبد هللا‬
‫أبيه‪ ،‬عن اب ِن عبّاس‪ ،‬قال‪ :‬قوم ينظرون يف النجوم‪،‬‬ ‫بن طاووس‪ ،‬عن ِ‬
‫ُ‬
‫جاد أولئك الخالق هلم‪.‬‬‫يكتبون أاب ْ‬
‫رآن‪ ،‬ألن مالِكاً قال‪:‬‬ ‫ولسحنون قال‪ :‬وال أرى أن يعلِّمهم أحلان ال ُق ِ‬
‫غبري‪ ،‬ألن ذلك‬ ‫ال جيوز أن يقرأ القرآ ُن أبحلان‪ :‬وال أرى أن يعلِّمهم الت ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫داعية إىل الغناء‪ ،‬وهو مكروه‪ .‬وأری أن يُنهى عن ذلك أبشد النه ِي‪.‬‬
‫جالس الت جيتمعون فيها‬ ‫قال‪ :‬ولقد ُسئل مالك عن هذه الـم ِ‬
‫وحي ِسن‬ ‫ِ‬
‫للقراءة‪ ،‬فقال‪ :‬بِدعة وأرى للوايل أن يـْنهاهم عن ذلك‪ُْ ،‬‬
‫أدهبم‪.‬‬
‫اال ْجتماع يف اجملالس ِال ْستِماع‬ ‫وقال أبو احلسن‪ :‬هنی مالِك عن ِ‬
‫اءة ابألحلان وما يصحبها من تـ ْغبِري‪ ،‬وغري ذلك مشهور‪ .‬فكل ما‬ ‫القر ِ‬
‫هنی عنه سحنون املعلِّم والـمتعلِّم يف هذا الباب كله صحيح الـمو ِ‬
‫افقة‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ملذهب مالك‪ ،‬على ما جرى من تشديد أو كراهية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نت لك وجوه جواز أ ْخ ِذ اإلجارِة على تعلّم القرآن‪،‬‬ ‫فافْـه ْم‪ ،‬فقد بـي ُ‬
‫للمعلّم والـ ُمتعلِِّم‪ ،‬وما‬
‫وما جيوز أن يُعلم ابألج ِر‪ ،‬وما يُكرهُ من ذلك ُ‬
‫‪95‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫طالب احلالل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫اختـلف أصحابُنا فيه من كراهية له أو تـ ْوسعة‪ ،‬لي ْستبني ُ‬
‫احلال يف أُجرِة التعليم‪ ،‬وما يـْنـزهُ منه ذو الورِع من‬ ‫ص ُفو لهُ بِِه ُ‬ ‫ما ي ْ‬
‫للمسلم أن يـتعلمه أو يُعلِّمه ولده‪ ،‬وما‬ ‫ت لك ما ينبغي ُ‬ ‫ذلك‪ .‬وبـيـْن ُ‬
‫خيتلف من ذلك‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مسعت مالكاً ُسئل ع ِن الذي جي ُ‬
‫عل‬ ‫وم ْن ذلك أيضا قال ابُن وهب‪ُ :‬‬
‫فهل‬ ‫‪:‬‬ ‫له‬ ‫فقيل‬ ‫ال‪.‬‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ف‬‫ق‬
‫ْ‬ ‫الو‬ ‫به‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫اب العج ِم‪ ،‬يعلِ‬
‫ّ‬ ‫ابنه يف ُکت ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املسلم النصراين؟ فقال‪ :‬ال‪ .‬فقيل له فيعلّم أبناء املشركني اخلط؟‬ ‫ُ‬ ‫يُعلِّم‬
‫سنة ثالث وسبعني قال‪ :‬وقال‬ ‫فقال‪ :‬ال‪ .‬والب ِن وهب أيضاً يف اتريخ ِ‬
‫مالك‪ :‬ال أرى أن يُْرتك أحد من اليهود والنصارى يعلِّم املسلمني‬
‫القرآن‪.‬‬
‫حممد ‪-‬‬‫قال أبو احلسن‪ :‬إ ْن كان معىن هذا القرآن الذي أُن ِزل على ّ‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬فيمكن النـ ْه ُي عن ذلك‪ ،‬واملسلم يـُْنـهى أن‬
‫يُعلِّم الكافر القرآن‪ .‬قال هللا ُسبحانه وتعاىل‪ :‬إِنهُ ل ُق ْرآن ك ِرمي‬
‫﴿‪ِ﴾00‬يف كِتاب م ْكنُون ﴿‪ ﴾08‬ال ميسهُ إِال‬
‫فالكافر ِجنس‪ ،‬ولذلك يـُْنهى أن يُعلِّموا اخلط‬‫ُ‬ ‫الْ ُمطه ُرون﴿‪.)1()﴾09‬‬
‫س الـ ُمصحف إذا‬ ‫ِ‬
‫العريب‪ ،‬واهلجاء العريب‪ ،‬ألهنم يصلون بذلك إىل م ّ‬
‫)‪- (1‬سورة الواقعة‪.‬‬
‫‪96‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أرادوه‪ .‬وإن كان إّنا أراد مالك ال يُْرتكوا أ ْن يعلِّموا كتاهبم املسلمني‪،‬‬
‫فيصح أيضا مْنـعهم من ذلك‪ ،‬ألهنم غري مأمونني على ِ‬
‫كتاهبم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُُ ْ‬
‫ب األحبا ِر إىل عمر ب ِن اخلطّاب ‪-‬رضي هللا عنه‪،-‬‬ ‫قد جاء ك ْع ُ‬
‫ت‬ ‫ِ ِ‬
‫فقام بني يديه‪ ،‬فاستخرج من حتت يده ُمصحفا قد تشرم ْ‬
‫حو ِاش ِيه‪ ،‬فقال‪ :‬اي أمري املؤمنني يف هذه التور ِاة‪ ،‬أفأقْـرُؤها؟ فسكت‬
‫عمر طويالً‪ ،‬فأعاد عليه ك ْعب مر ْتني أو ثالاثً‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إ ْن كنت‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت على ُموسی ب ِن عمران يوم طُوِر سينا‪،‬‬ ‫تعلم أهنا التوراةُ اليت أُن ِزل ْ‬
‫ُ‬
‫فلم ي ِزْدهُ‬
‫فاقرأْها آانء الل ِيل وآانء النهار‪ ،‬وإال فال‪ .‬فراجعهُ كعب‪ْ ،‬‬
‫اإلسالم يف فِ ْق ِه ِه يف ال ِّدي ِن‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ضلُهُ يف‬
‫عمر على هذا‪ .‬وك ْعب قد ابن ف ْ‬ ‫ُ‬
‫عمر ما سأله فيه‪ ،‬إّنا رد األمر يف ذلك إليه‪ ،‬مث مل يُذكر‬ ‫طلق لهُ ُ‬ ‫فلم يُ ْ‬
‫ْ‬
‫عن كعب أنه دام على ِدراسة ذلك الـ ُمصحف‪ .‬وهللا أعلم ما صنع‬
‫ذلك‪.‬‬
‫كتاب هللا‪ ،‬أو‬ ‫وأما الـمقيم على ُكف ِره فهو بعيد من أ ْن يؤمن على ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫على أوالد املسلمني‪ ،‬ليعلّمهم شيئا ما‪ ،‬أو خيالط صبيا ُن املسلمني‬
‫كل ما قد ْمنا‪ ،‬عن اب ِن وهب عن مالك‬ ‫صبيان الكافرين يف تعليم ّ‬
‫مين ُع من ذلك‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اب النصاری‪،‬‬ ‫ويف املوازية(‪ :)1‬وك ِره مالك أن يطرح املسلم ولده يف ُكت ِ‬
‫ولسحنون قال‪ :‬وال جيوز لِْل ُمعلّم أ ْن يُعلّم أوالد النصارى الكتاب وال‬
‫ابن حبيب قِيل ملالك‪ :‬أيـُعلِّ ُم أبناء الـ ُمشركني اخلط دون‬ ‫القرآن‪ .‬وقال ُ‬
‫ابن حبيب‪ :‬وكل م ْن‬ ‫القرآن؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬وعظم فيه الكراهية‪ .‬وقال ُ‬
‫العدل أن يـُغِّري ذلك ويُعاقِب‬
‫ل ِقيت يكرهون ذلك‪ ،‬ويرون ل ِإلمام ِ‬
‫ُ‬
‫موجب‬ ‫عليه‪ ،‬ومن فـعله من جهال الـمعلِّمني فذلك طارح شهادته‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ ُ‬
‫لِسخطتِ ِه‪ ،‬لِم ِس ِهم لِ ِ ِ‬
‫وهم ْأجناس‪.‬‬‫كالم هللا وكتابِه ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُْ‬
‫وصفت‬
‫ُ‬ ‫وصفت لك أيضا يف هذا الفصل صواب كلهُ‪ .‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫والذي‬
‫احتِجاج سحنون يف ا ِإلابء ِم ْن حتذير اإلجارة على‬ ‫لك فما تقدم ْ‬
‫ائض وغري ذلك ّمما فـرق بينه وبني اإلجارِة على‬ ‫الفقه والفر ِ‬ ‫تعليم ِ‬
‫فيه أن القرآن‬ ‫القرآن‪ ،‬فافْـهمه‪ ،‬إذا مررت به‪ ،‬فإنه حسن أخرب ِ‬ ‫تعليم ِ‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬
‫لِتـعل ِم ِه غاية يـُْنـتهى إليها‪ ،‬والفقه وغريه من العلوم ليس له غاية‪ .‬يريد‬
‫استظهاره‪ ،‬وهو شیء جمموع‪ ،‬إ ْن يُ ْشر ِط‬ ‫ُ‬ ‫أن القرآن إّنا يـُتعل ُم‬
‫استِ ْكمالُه‪ ،‬فلهُ غاية‪ :‬وهو ما حواهُ الـ ُمصحف الـ ُمجتمع عليه ِمن‬ ‫ْ‬
‫هم فيه‪ ،‬وهو شيء ال‬ ‫ِ‬
‫ُسور القرآن املعدودة‪ .‬والفقهُ إّنا التعلم به الف ُ‬

‫)‪ - (1‬كتاب فقهي من تليف حممد بن إبراهيم بن زايد املعروف بـ ابن املواز (ت ‪ 269‬هـ)‪ ،‬وهو من‬
‫أجل كتب املالكية‪.‬‬
‫‪98‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حو ِمثلُه‪ .‬وكل‬ ‫ِ‬


‫ف من الفهم جزء ُمقتصر عليه‪ .‬والن ُ‬
‫ُحيا ُط به‪ ،‬وال يعر ُ ِ‬
‫ُ‬
‫نباط منه ابلف ْه ِم فيه فهذا سبيلُه‪ .‬وقد يرى‬ ‫االستِ ِ‬
‫ِ‬
‫تاج إىل ْ‬ ‫شيء ُحي ُ‬
‫نتقل عنه بعد ذلك املعىن حيدث عند الـ ُمتـفهم‬ ‫الفهم فيه شيئا مث ي ُ‬ ‫ُ‬
‫فتبعُ ُد الغايةُ فيه‪ ،‬وخيتلف عليه‪.‬‬
‫كالشعر وما أ ْشبـههُ ِمن مقاالت العرب‬ ‫فظه‪ّ ،‬‬ ‫وأما ما طريقةُ ِح ِ‬
‫اهية فيه أنه إّنا يُراد لِي ْفهم‬
‫يستأجره لِيحفظ ذلك ظاهراً‪ ،‬فوجه الكر ِ‬
‫ُ‬
‫استظهاره لِغري‬
‫ُ‬ ‫منه ما يُستعان به‪ ،‬والتـفهم فيه أيضا ال غاية له‪ ،‬و‬
‫التفهم أي فائدة فيه؟ وأي أ ْجر يُؤج ُر عليه؟ وليس هو كالقرآن‪ .‬فا ْن‬
‫خاصةً‪ ،‬مث ينظر يف تـفه ِم ِه بعد‬ ‫ّ‬ ‫قُلت لِي ْستظ ِهر حفظ ُحروفِه‬
‫ِ‬
‫فاعل ْم أن الباب‬ ‫يدي غري هذا املعلّم‪ْ ،‬‬ ‫أجر على ْ‬ ‫استظها ِره بغري ْ‬ ‫ْ‬
‫املكروه‪ ،‬ال و ْجه إىل أن يُستثْىن منه شيء ّإال بِتـ ْوقيف‪ ،‬وال ُحيمى‬
‫ِ‬
‫إلمحاء‬ ‫الباب ّإال مبن ِع مجيعِه‪ ،‬وإ ْن دخل فيه ما ال تـ ْقوى ُحجتُه ّإال‬
‫ُ‬
‫الف الذي وصفناه‪ .‬على أن ِ‬
‫القاصد‬ ‫اال ْختِ ُ‬
‫الباب‪ ،‬ولذلك جرى فيه ِ‬
‫حروف ذلك لِيـ ْفهم فيه بعد ذلك‪ ،‬قد ال ينتهي إىل‬ ‫ِ‬ ‫إىل حتف ِظ‬
‫فيده يف دينِه‪ .‬والقرآ ُن من‬‫فيحص ُل مبا حيفظ على غري فائدة تُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫التفه ِم‪،‬‬
‫حفظ منه ح ْرفاً انتفع به يف دينِ ِه‪،‬‬ ‫است ْكمل ِحفظه انتفع به‪ ،‬وإ ْن ِ‬
‫ْ‬
‫كالم الناس خالفاً بيِّناً‪ ،‬ال‬ ‫ظ من ِ‬ ‫فخالف القرآ ُن كل شيء ُْحيف ُ‬
‫‪99‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ائه واستكمالِه‪،‬‬ ‫إ ْشكال فيه‪ .‬ولذلك أجازوا إجارة التعليم على أجز ِ‬
‫فقد تـقدم ِمن ذلك يف صدر الباب فضل‪.‬‬
‫استِبانتِ ِه‪ .‬قيل الب ِن‬
‫يدك ها هنا منه ما يكون ع ْوانً لك يف ْ‬ ‫وأز ُ‬
‫استأجرت رجالً يـُعلِّ ُم يل ولدي القرآن‪ُ ،‬حي ِّذقُهُ القرآن‬
‫ُ‬ ‫القاسم‪ :‬إِ ِن‬
‫ابن القاسم‪ :‬وال‬ ‫ِ‬
‫بكذا وكذا د ْرمها‪ ،‬قال مالك‪ :‬ال أبس بذلك‪ .‬وقال ُ‬
‫ابن القاسم‪ :‬ال‬ ‫أبس ابلس ُد ِس أيضاً مثل قول مالك يف اجلميع‪ .‬وقال ُ‬
‫اب حقهُ‪ْ ،‬قبل أ ْن يدخل الصيب‪ .‬وعند‬ ‫أبس أن يقدم إىل معلِّم ال ُكتّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫جل املعلّم على أن‬ ‫اب ِن سحنون قال مالك‪ :‬ال أبس أن يستأْجر الر ُ‬
‫يعلّم ولده القرآن أبجر معلوم‪ ،‬إىل أجل معلوم أوكل شهر‪ ،‬وكذلك‬
‫وربـُعه‪ ،‬وما ُِمسّي منه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نصف القرآن‪ُ ،‬‬

‫قال أبو احلسن‪ّ :‬أما قوله أو كل شهر‪ ،‬فقد قيل ِالب ِن القاسم أ ْن‬
‫ستأج ْرهُ على تعليم ولده القرآن كل شهر بدرهم‪ ،‬أو كل سنة‬ ‫ي ِ‬
‫بدرهم‪ .‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬ال أبس بذلك‪ .‬قيل ِإن استأجره على أ ْن‬
‫يُعلِّم ولده الكتابة كل شهر بدرهم؟ قال‪ :‬ال أبْس بذلك‪ .‬قيل ‪ -‬وهو‬
‫قول مالك – قال‪ :‬قال مالك يف إجارة املعلّمني سنةً بسنة‪ ،‬ال أبس‬

‫‪011‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بذلك‪ .‬والذي ي ْستأْ ِج ُره يعلّم ولده الكتابة وحدها‪ ،‬ال أبس بذلك‪،‬‬
‫مثل قول مالك يف إجارة املعلّمني سنةً بسنة‪.‬‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬و ّأما قولُه إىل أجل معلوم‪ ،‬فإن كان يريد أن يكون‬
‫يعلّمه القرآن كله إىل أجل معلوم‪ ،‬فإن ابن الـم ّوا ِز ذكر يف قول‬
‫مالك‪ ،‬لو اشرتط أن يُعلِّمهُ سنةً أو سنتني كان ذلك الزماً‪ .‬قال‬
‫سنتني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حممد بن إبراهيم‪ :‬جائز‪ ،‬ما مل يقل له‪ :‬تُعلّ ُمه يف سنة أو ْ‬
‫ّ‬

‫قول مالك يف مساع اب ِن القاسم‪ ،‬واب ِن وهب كما‬ ‫قال أبو احلسن‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫ابملدينة‪.‬‬ ‫ومجيع علمائِنا‬ ‫حممد‪ ،‬ورواهُ ُم ِّ‬
‫طرف عن مالك‪ ،‬قال‪ُ :‬‬ ‫حكاه ّ‬
‫القرآن يف هذا ِ‬
‫األجل‪ ،‬وتفسريه‬ ‫شرتط استكمال ِ‬ ‫حممد أنه مل ي ِ‬ ‫وفسرهُ ّ‬
‫األصول يف سائر اإلجارات‪.‬‬‫ِ‬ ‫جار على‬
‫ابن حبيب‪ :‬قد أجاز مالك أن يُشا ِرط املعلِّم يف الغُالم‬ ‫لكن قال ُ‬‫و ْ‬
‫سميا‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على احل ْذقة ظاهراً أو نظراً‪ ،‬مسيا يف ذلك أجالً ْأو مل يُ ّ‬
‫صبغ‪ :‬كيف أجاز مالك الشرط على احل ْذ ِقة إذا مسيا‬ ‫قلت أل ْ‬
‫ولقد ُ‬
‫األجل ومل ْحيذقْهُ‪ ،‬ما يكون له؟ قال‪:‬‬‫ُ‬ ‫هلا أجالً‪ ،‬أرأيْت إذا انْقضى‬
‫يكون له أُجرةُ ِمثلِ ِه فما علمه يف تلك السنة‪ ،‬وليس على حساب‬
‫رطني يف شرط؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬وال ترى هذا من ش ْ‬ ‫األُجرِة األوىل‪ُ .‬‬
‫‪010‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فظ‬ ‫وإّنا كان ي ْدخلُه شرطان يف شرط‪ ،‬لو كان عاقده على هذا اللّ ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ب ِد ّايً‪ ،‬فأما إذا عاقده على أن ُحيذقهُ يف سنة فإّنا هو على شرط‬
‫حيدث بينهما الذي وص ْفنا من تقص ِريه عما ُش ِرط عليه‪،‬‬ ‫حت ُ‬ ‫واحد‪ّ ،‬‬
‫حتذيقه إايه يف أكثر من الس ِنة‪ ،‬ألن أاب‬ ‫فريد إىل أُجرِة مثلِه على ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الغُالم إّنا كان رضي ابألُجرة األوىل على أن ُحي ِّذق ولده يف سنة‪،‬‬
‫فلما جاوز املعلّ ُم توقيت ما وقت له‪ ،‬مل يكن له أن أيْ ُخذ على‬
‫جيل‪ ،‬وكان ذلك مظلمةً على أيب‬ ‫التأخ ِري ما مسى له على التـ ْع ِ‬
‫قيت مع‬ ‫الغالم‪ ،‬إن أخذ ذلك منه‪ .‬وإّنا الذي ال جيوز فيه التـ ْو ُ‬
‫وخيشى أنه ال يبلُ ُغ ذلك فيه‬ ‫احل ْذق ِة‪ ،‬أن يـُوقِّت وقْتاً ضيّقاً ُيرى ُ‬
‫لِ ِ‬
‫ضيقه‪ ،‬فالعُ ْذ ُر واحلظُْر ي ْد ُخلُه‪.‬‬
‫وبني‬‫صبغ يف هذا اجلواب بني معلّم ال ُكتّاب ْ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬وفـرق أ ْ‬
‫اخلة‬ ‫اط يشرتط الفراغ يف أجل معلوم‪ ،‬فأجراه جما ِري ا ِإلجارِة ال ّد ِ‬ ‫اخلي ِ‬
‫ّ‬
‫ت ُميكن‬ ‫األجل الـ ُموق ُ‬
‫ُ‬ ‫يف معاين البُيوع على ما استحسن‪ ،‬إذا كان‬
‫الوقت‪ ،‬فال أبس به‪ ،‬كذا قال‬ ‫الفراغُ ّمما اشرتط عليه فيه قبل ذهاب ِ‬
‫ْ‬
‫جل قبل تام احل ْذ ِقة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمعلّم‪ ،‬إذا مت األ ُ‬‫يف املعلّم واخليّاط‪ .‬وقضيـتُهُ ل ُ‬
‫ؤجر‪ ،‬صواب ُمستقيم‪.‬‬ ‫حساب ما است ِ‬
‫ِ‬ ‫أبُ ْجرِة مثلِه ليس على‬
‫ُ‬

‫‪012‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫البـ ــاب الثّــانـ ـ ـ ــي‬


‫الصبيان وقيامه‬
‫ذكر ما أراد‪ ،‬بيانه من سياسة معلّم ّ‬
‫عليهم‪،‬‬
‫وع ْدلِه فيهم‪ ،‬وِرفْ ِق ِه هبم‪ ،‬وهل يستعني هبم فيما بينهم‪ ،‬أو لِ ِ‬
‫نفس ِه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وهل يُولِيهم غريه ِإن احتاج إىل ذلك‪ ،‬وهل ي ْشتغِ ُل مع غ ِريه معهم أو‬
‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حمو ْ‬
‫يشتغ ُل له‪ ،‬وكيف يُرتّب هلم أوقاهتم لدرسهم‪ ،‬وكتابتهم‪ ،‬وكيف ُ‬
‫إايهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أوقات بطالتهم لراحاهتم‪ ،‬وحد أدبه ُ‬ ‫ألْواحهم وأكتافهم‪ ،‬و ُ‬
‫وعلى م ِن اآللةُ اليت هبا يـُؤِّد ُهبم‪ ،‬واملكا ُن الذي فيه يُعلِّ ُمهم‪ ،‬وهل‬
‫س‬ ‫در‬ ‫ي‬ ‫وهل‬ ‫‪،‬‬‫أكثر‬ ‫أو‬ ‫مان‬‫سجد‪ ،‬وهل يش ِرتك معلِ‬
‫ّ‬ ‫يكون ذلك يف م ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪013‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

014


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الصبيان يف ِح ْزب واحد ُجم ِتمعني‪ ،‬وهل ميسون املصحف وهم على‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫صحف‪ ،‬ويُصلون يف مجاعة‬ ‫س امل ِ‬ ‫الوضوء لِم ِ‬
‫غري طُ ْهر‪ ،‬ويـ ْعملون ُ‬
‫ّ ُ‬
‫أحدهم‪.‬‬
‫هم ُ‬ ‫يـ ُؤم ْ‬
‫الصبيان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬قد تقدم من بيان ما خيربه الشر ُط لـ ُمعلّم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصبيان‪،‬‬ ‫على آابئهم من إِجارهتم‪ ،‬وما على الـ ُمعلّمني أن يُعلّموه ّ‬
‫اجب على الـ ُمعلِّم‬ ‫ِ‬
‫وما ال يـْنبغي أن يُعلّموه هلم ما فيه الكفايةُ‪ .‬فالو ُ‬
‫بيان‪ ،‬فإ ْن وّف ذلك يطيب له‬ ‫للص ِ‬‫ِ‬
‫حت يُويف ما جيب عليه ّ‬ ‫تهاد ّ‬
‫اال ْج ُ‬
‫وفاء ما عليه‪،‬‬ ‫ما أيْخ ُذه على التعليم بِشرط‪ .‬ولْيعلم أنه إ ْن فـرط يف ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫أنه الجيب له وال يطيب له ما أي ُخ ُذ من ذلك‪ ،‬ألن الذين أجازوا له‬
‫شرط اإلجارِة‪ ،‬بـينوا له ما جيب عليه‪ ،‬فإ ْن خالف ما بـينوا له مل يُ ِطيبُوا‬
‫له ما أخذ بِش ْر ِطه‪ .‬فليس جي ُد إىل م ْن ي ْستنِ ُد من العُلماء يف جواز ما‬
‫رآن من اخلِالف الذي‬ ‫ِ‬
‫األخذ على تعليم ال ُق ِ‬ ‫يط‪ ،‬لِما يف‬
‫فعل من التفر ِ‬
‫دخ ُل يف‬ ‫ِ‬
‫عد‪ ،‬فإن التزامه ملا التـزم من هذا ي ُ‬ ‫قدمنا التّعريض به‪ .‬وب ُ‬
‫العُقود اليت أمر هللا ُسبحانه بِوفائِها‪ ،‬ونظ ُرهُ فيمن التزم النظر له من‬

‫‪015‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الصبيان رعاية يدخل هبا يف قول الرسول ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪-‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫) ُكلُ ُكم راع وكل راع مسئول عن ر ِعيتِه)(‪.)1‬‬
‫ولْيـ ْعل ْم أنّه إ ْن قام فيهم ابلواجب عليه هلم ونصح هلم‪ ،‬ووفاهم كما‬
‫ينبغي أنه يدخل يف معىن قول الرسول عليه السالم‪( :‬أميا مملوك أ ّدى‬
‫ِ‬
‫استأْهل ذلك مبا‬ ‫حق مواليه وحق ربِّه فلهُ أجران) ‪ .‬ألن الـمملوك ْ‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫الصبيان إّنا‬ ‫وّف به ممّا وجب عليه ملالكه‪ .‬هذا ولْيـ ْعل ِم الـ ُم ُ‬
‫لتزم ّ‬
‫استأْهل ذلك مبا و ّّف به ما وجب هلم عليه بش ْر ِط ِه أ ْخذ اإلجارِة‬ ‫ْ‬
‫حت ي ْستـ ْوفُوا واجبهم‪ ،‬وكان لِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليهم‪ ،‬قد ملكوا منافعه وتصرفاته ّ‬
‫وحل ّق ربِّه فيما أمره به‬‫اجب هلم عليه‪ِ ،‬‬ ‫فاهم ذلك تْ ِديةً حل ّقهم الو ِ‬
‫و ُ‬
‫اململوك أجريْن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أداء ما عليه هلم‪ ،‬يف املعىن الذي استأْهل به‬ ‫من ِ‬
‫ؤدي لِما عليه ِطيبةً‬ ‫ِ‬
‫ت عليه منافعُه‪ ،‬ألن الـ ُم ّ‬
‫ِ‬
‫وكذلك ُكل أجري ُملك ْ‬
‫يع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فسهُ من الـ ُمحسنني‪ .‬وقال هللاُ سبحانه وتعاىل‪( :‬إان ال نُض ُ‬ ‫بذلك ن ُ‬
‫أ ْجر م ْن أ ْحسن عم ًال)(‪.)3‬‬
‫وم ْن ُحسن ِرعايتِه هلم أ ْن يكون هبم رفيقاً‪ ،‬فإنه قد جاء عن عائِشة‬ ‫ِ‬
‫أم الـ ُمؤمنني‪،‬رضي هللا عنها‪ ،‬أن رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪،-‬‬

‫)‪ - (1‬صحيح البخاري و مسلــم‪.‬‬


‫)‪ - (2‬املصدر السابق‪.‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية رقم (‪.)41‬‬
‫‪016‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫فارفُ ْق به)(‪.)1‬‬‫قال‪( :‬اللّهم ّم ْن ويل من ْأم ِر أُمين شيئاً فـرفق هبم فيه ْ‬
‫الرفق يف‬ ‫وقد قال رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪( :-‬إ ّن هللا ُِحيب ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األم ِر ُكلّه‪ ،‬وإّنا يرح ُم هللاُ من عباده ّ‬
‫الرمحاء)‪.‬‬
‫شديد على‬ ‫هل يُستحب للمعلّم الت ُ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فقولُك ْ‬
‫الصبيان‪ ،‬أو تری أن يرفُق هبم وال يكون عبوساً‪ ،‬ألن األطفال كما‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫لكن إذا أحسن الـ ُمعلّ ُم‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫علِ‬
‫تدخل يف هذه الوصيّة الـ ُمتق ّدمة‪ ،‬و ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬
‫ِ‬
‫ابلرعاية‪ ،‬وضع األمور مواضعها‪ ،‬ألنه هو املأخوذُ‬ ‫ِ‬ ‫القيام‪ ،‬وعُين ِّ‬
‫القائم إبِِ ْكر ِاه ِه ْم على‬
‫صلُح هلم‪ ،‬و ُ‬
‫ِ‬
‫اظر يف ز ْج ِرهم عما ال ي ْ‬
‫ِ‬
‫أبدهبم‪ ،‬والنّ ُ‬
‫كل ذلك مبا يـْنـفعهم‪ ،‬وال ُخيْ ِر ُجهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ِثل منافعهم‪ ،‬فهو يسوسهم يف ِّ‬
‫ذلك من ُحسن ِر ِفق ِه هبم‪ ،‬وال من ر ْمحته إايهم فإّنا هو هلم ِعوض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬‫من آابئهم‪ .‬فك ْونُهُ عبوساً أبداً من الفظاظة الـممقوتة‪ ،‬وي ْستأْن ُ‬
‫استـ ْعملها عند استِئه ِاهلم‬ ‫الصبيا ُن هبا فـي ْج ُرُؤون عليه‪ ،‬ولكنه إذا ْ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫فلم أيْنسوا إليها‪،‬‬ ‫صارت داللةً على ُوقوع األدب هبم‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫األدب‪،‬‬
‫رب‪.‬‬ ‫ت أدابً هلم يف بعض األحايِني دون الض ِ‬ ‫ِ‬
‫فيكون فيها إذا استُعمل ْ‬
‫جب‬‫اال ْستِْئهال الوا ِ‬ ‫ويف بعض األحايِني‪ ،‬يوقع الضرب معها‪ ،‬بق ْد ِر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫اال ْستِي ِ‬
‫ناس‬ ‫يف ذلك اجلرِم‪ .‬ولكن ينبغي له أ ْن ال يـتبسط إليهم تـبسط ِ‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬

‫)‪ - (1‬اخرجه مسلم يف صحيحه‪.‬‬


‫‪017‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وحش يف ُك ِّل األحايِني‪ ،‬وال يضاحك أحداً منهم‬ ‫يف غري تـقبض م ِ‬
‫ُ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على حال‪ ،‬وال يبتسم يف وجهه‪ ،‬وإ ْن أ ْرضاهُ وأرجاه على ما جي ُ‬
‫وح ُشه إذا كان ُحمسنا‪.‬‬ ‫ولكنه ال يغضب عليه في ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاعل ْم أن الضرب من واحدة إىل ثالث‪،‬‬ ‫استأْهل الضرب ْ‬ ‫وإذا ْ‬
‫ستعم ِل اجتِهاده لِئال يزيد يف رتْـبة فوق ِ ِ‬ ‫فـ ْلي ِ‬
‫استْئهاهلا‪ .‬وهذا هو أدبُهُ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫اإلقبال على املعلِّم‪ ،‬فـتباطأ يف ِح ْف ِظه‪ ،‬أو أ ْكثـر‬
‫ِ‬ ‫إذا فرط‪ ،‬فتثاقل عن‬
‫ص حروفِه‪ِ ،‬‬
‫وسوء هت ِّج ِيه‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اخلطأ يف ح ْزبِه‪ ،‬أو يف كتابة لوحه‪ ،‬م ْن نـ ْق ِ ُ‬
‫بح شكلِه‪ ،‬وغل ِطه يف نـ ْق ِطه‪ ،‬فنُـبِّه مرًة بعد مرة‪ ،‬فأكثر التغافُل ومل‬ ‫وقُ ِ‬
‫شتم وال‬ ‫اعد من غري ْ‬ ‫يع ابلكالم الذي فيه التو ُ‬ ‫يـُ ْغ ِن فيه الع ْذ ُل‪ ،‬والتقر ُ‬
‫طفال املؤمنني حقاً فيقول‪ :‬اي‬ ‫كقول من ال يع ِرف أل ِ‬ ‫سب لِعِرض‪ِ ،‬‬
‫ّ ْ‬
‫ِم ْس ُخ‪ ،‬اي قِْرُد‪ .‬فال يفع ْل هذا وال ما كان ِمثله يف ال ُقبح‪ ،‬فإ ْن قلت له‬
‫عاودهتا‪ .‬وإّنا ُجتري األلفاظ‬‫واحد ًة‪ ،‬ف ْلتستـ ْغ ِفر هللا منها ولْتـْنـت ِه عن م ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الغضب من نفسه‪ .‬وليس هذا مكان‬ ‫ِ‬ ‫قي تك ُن‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫القبيحة من لسان الت ِّ‬
‫الغضب‪ .‬وقد هنى الرسول عليه السالم أن يقضي القاضي وهو‬ ‫ِ‬
‫بضرب إنسان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عمر بن عبد العزيز‪ -‬رمحةُ هللا عليه ‪-‬‬ ‫غضبا ُن‪ .‬وأمر ُ‬
‫وجدت يف‬‫ُ‬ ‫رب قال‪ :‬أُتْـ ُركوهُ‪ .‬فقيل له يف ذلك فقال‪:‬‬ ‫فلما أُقيم للض ِ‬
‫ّ‬
‫ت أن أض ِربه وأان غضبا ُن‪.‬‬ ‫نفسي عليه غضباً‪ ،‬فك ِرْه ُ‬
‫‪018‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬كذا ينبغي لـِ ِ‬


‫معلم األطفال أ ْن يُراعي منهم ّ‬ ‫ّ‬
‫ُخيْلِص أدهبم لِـمنافِعهم‪ ،‬وليس لِـ ُمعلِّمهم يف ذلك ِشفاء من غضبِه‪،‬‬
‫وال شيء يُريح قلبه من غْي ِظه‪ ،‬فإن ذلك إ ْن أصابه فإّنا ضرب أوالد‬
‫فإن اكتسب الصيب‬ ‫نفسه‪ ،‬وهذا ليس من الع ْد ِل‪ِ .‬‬ ‫احة ِ‬ ‫املسلمني لر ِ‬
‫وإدمان البِطال ِة فيـْنـبغِي‬
‫ِ‬ ‫وهروب من ال ُكتاب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أذى‪ ،‬ولعب‪ُ ،‬‬ ‫ُج ْرماً من ً‬
‫لمعلّم أن ي ْستشري أابه‪ ،‬أو و ِصيهُ إ ْن كان يتيِماً‪ ،‬ويـُ ْعلِمهُ إذا كان‬ ‫لُ‬
‫ِ‬
‫الث‪ ،‬فتكون الزايدةُ على ما ي ِ‬
‫وجبُه‬ ‫يستأْ ِهل من األدب فوق الث ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫يب‪ ،‬مث يراد على‬ ‫التقصريُ يف التعليم عن إذن من القائم أبمر هذا الص ّ‬
‫طيق ذلك‪ .‬و ِصفةُ‬ ‫يب يُ ُ‬ ‫وبني العش ِر‪ ،‬إذا كان ّ‬
‫الص ّ‬ ‫الثالث ما بـْيـنهُ ْ‬
‫رب هو ما يُؤملُ وال يتع ّدى األمل إىل التأثري الـ ُم ْشنِ ِع‪ ،‬أو الوه ِن‬‫الض ِ‬
‫ّ‬
‫الـم ِ‬
‫ضِّر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اال ْحتِالم‪ ،‬ويكون سيِّئ ِّ‬
‫الر ْعية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ناهز ِ‬
‫ورّمبا كان من صبيان املعلّم من يُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ايدة عليه‬‫للز ِ‬‫غليظ اخلُ ِلق‪ ،‬ال يريعه وقوعُ عش ِر ضرابت عليه‪ ،‬ويرى ِّ‬
‫مكاانً‪ ،‬وفيه ُْحمتمل مأمون‪ ،‬فال أبس ‪ -‬إ ْن شاء هللاُ ‪ -‬من ِّ‬
‫الزايدة‬
‫فسد من الـ ُمصلِ ِح‪ .‬وإّنا هي‬ ‫على العش ِر ضرابت‪ ،‬وهللا يعلم الـم ِ‬
‫ُ‬
‫ب‪،‬‬ ‫احلق الو ِاج ِ‬ ‫ِ‬
‫شارهم فال يـتهاو ْن بِنـْيلها بغري ِّ‬‫اض املسلمني وأبْ ُ‬ ‫أ ْعر ُ‬

‫‪019‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بيان‬ ‫ولْي ِل أدهبم بنفسه‪ ،‬فقد أحب سحنون أ ْن ال يُ ِويل أحداً من ّ‬
‫الضرب‪.‬‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬ونعم ما أحب سحنون من ذلك‪ ،‬من قِب ِل أن‬
‫الصبيان جتري بينهم احل ِميّةُ والـ ُمنازعة‪ ،‬فقد ي ُ‬
‫تجاوز الصيب املطيِّ ُق‬ ‫ّ‬
‫فيها يُؤملُ املضروب‪ ،‬فإ ْن أ ِمن املعلِّم التقي من ذلك‪ ،‬وعلِم أن الـ ُمتـوِّيل‬
‫يتجاوز فيه و ِسعهُ ذلك‪ ،‬إ ْن كان له عذر يف ختل ِفه عن‬ ‫ُ‬ ‫للضرب ال‬
‫وجهه‪ ،‬فإن‬ ‫ب أن يض ِ‬ ‫الية ذلك ِ‬ ‫ِو ِ‬
‫يب أو ْ‬‫ّ‬ ‫الص‬ ‫أس‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ج‬ ‫ت‬ ‫ـ‬‫ي‬ ‫ل‬
‫ْ‬‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬‫بنفس‬
‫ِ‬
‫وضرر الضرب فيهما‬ ‫سحنون قال فيه‪ :‬ال جيوز له أن يض ِربه فيهما‪ُ ،‬‬
‫وه ُن ال ِّدماغ‪ ،‬أو تط ِرف العني أو يُؤثُِّر أثراً قبيحاً‪ ،‬فـ ْليُ ْجتنبا‪.‬‬‫بني‪ ،‬قد ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫آمن‪ ،‬وأمح ُل لِلِمل يف سالمة‪.‬‬‫الر ْجلني ُ‬ ‫رب يف ِّ‬‫فالض ُ‬
‫ابلصبيان أن الصيب إذا أُْرِسل وراءه ليـتـغذى فيأذ ُن له وال‬ ‫ِِ‬
‫ومن ِرفْقه ّ‬
‫سرعة الرجوع إذا فرغ من‬ ‫طعامه وشرابِه‪ ،‬وأيخذ عليه يف ِ‬ ‫مينعه من ِ‬
‫ُُ‬
‫طعامه‪.‬‬
‫فضل بعضهم على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هم عليه أن يعدل بينهم يف التعليم‪ ،‬وال يُ ّ‬ ‫ومن ح ّق ْ‬
‫بعضهم يُك ِرُمه ابهلدااي‬ ‫بعض‪ ،‬وإن تفاضلوا يف اجلُ ْع ِل‪ ،‬وإ ْن كان ُ‬
‫ساعة راحاتِه‪ ،‬بعد‬ ‫فضل من أحب تـ ْفضيله يف ِ‬ ‫ِ‬
‫واأل ْرفاق‪ ،‬إال أ ْن يُ ّ ْ‬
‫عل إّّنا رضي أن‬ ‫تفر ِغه من الع ْدل بينهم‪ .‬وذلك من قِب ِل أن القليل اجلُ ِ‬

‫‪001‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فيع اجلُ ْع ِل‪ .‬إال‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫ؤدي أداءه ذلك على إتام تعليم ولده‪ ،‬كما شرط الر ُ‬ ‫يُ ّ‬
‫فاضل بينهم على ق ْد ِر ما ي ِ‬
‫ص ُل‬ ‫الصبيان أنه ي ِ‬ ‫أ ْن يـبِني الـمعلّم ِ‬
‫آلابء ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ ُ ُ‬
‫إليه من العطاء من ُك ِّل واحد منهم‪ ،‬فريض ْوا له بذلك‪ ،‬فيجوز له‪،‬‬
‫وعليه أن يفي مبا التزم من قدر ذلك‪.‬‬
‫ومن ُحسن النظ ِر هلم‪ ،‬أ ْن ال خيلط بني الذكران‬ ‫الحهم‪ِ ،‬‬
‫ومن ص ِ‬
‫انث‪ ،‬وقد قال سحنون‪ :‬أكرهُ للمعلِّم أ ْن يُعلِّم اجلوا ِري‪ ،‬وخيْلط ُهن‬ ‫وا ِإل ِ‬
‫هلن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مع الغلمان‪ ،‬ألن ذلك فساد ّ‬
‫ِ‬
‫الصبيان بعضهم من‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬وإنه ليـْنـبغي للمعلّم أن ْحي ِرتس ّ‬
‫اال ْحتِالم‪ ،‬أو يكون له‬ ‫ِ‬
‫ناهز ِ‬
‫اده‪ ،‬يُ ُ‬ ‫بعض إذا كان فيهم من ُخيْشى فس ُ‬
‫ُج ْرأة‪.‬‬
‫ض‪ ،‬وجيعل‬ ‫وعليه (كما قال سحنون)‪ :‬أن يـتـفقد ُهم ابلتعليم والع ْر ِ‬
‫ويوم اخلميس‪ .‬قال‪:‬‬ ‫القرآن وقتاً معلوماً‪ ،‬مثل ع ِشي ِة األربِعاء ِ‬
‫ض ِ‬ ‫لِع ْر ِ‬
‫ّ ْ‬
‫فيـْنـبغي له أن جيعل هلم وقتاً ِمن النهار يـُعلِّ ُمهم فيه الكتاب‪ ،‬وجيعلُهم‬
‫بيح هلم أدب‬ ‫صلِ ُحهم‪ُ ،‬‬
‫وخيْ ِر ُجهم‪ ،‬ويُ ْ‬ ‫يتخايرون‪ ،‬ألن ذلك مما يُ ْ‬
‫الكتاب يُعىن يف ُك ِّل يوم من‬ ‫عضهم بعضاً‪ ،‬وال ُجيا ِوز ثالاثً‪ .‬وجيعل ِ‬ ‫ب ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫االنِْق ِ‬
‫الب‪.‬‬ ‫الضحى إىل وقت ِ‬

‫‪000‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بعضهم أذى‬ ‫ِ‬


‫بعضهم بعضاً‪ ،‬فإ ْن شكا ُ‬ ‫وأيخذ عليهم أ ْن ال يـُ ْؤذي ُ‬ ‫ُ‬
‫بقول بعضهم‬ ‫بعض‪ ،‬فقد سئل سحنون عن املعلّم أيخ ُذ الصبيان ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫على بعض يف األذى قال‪ :‬ما أرى هذا ِمن ِ‬
‫انحية احلُ ْك ِم‪ ،‬وإّنا على‬
‫استفاض‬ ‫ِ‬
‫بعضهم بعضاً‪ .‬وذلك عندي إذا ْ‬ ‫الـ ُمعلّم أن يـُؤّدهبم إذا آذى ُ‬
‫اف‪ّ ،‬إال أن يكونوا‬ ‫ماعة منهم‪ ،‬أو كان ِ‬
‫االعرت ُ‬ ‫يذاء من اجل ِ‬ ‫على ا ِإل ِ‬
‫دق فيقبل قوهلم‪ ،‬ويُعاقب على ذلك‪ ،‬وال‬ ‫ابلص ِ‬
‫ِ‬
‫صبياانً قد عرفهم ّ‬
‫جيوز يف األدب كما أ ْعل ْمتُك‪.‬‬
‫استأْهلوا‬ ‫ِ‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬يريد كما تقدم من واحدة إىل ثالث‪ ،‬فإن ْ‬
‫الث إىل العشر‪،‬‬ ‫الزايدة لِ ْلذى‪ ،‬فعلى ق ْدر ِشد ِة ذلك‪ ،‬يريد من الث ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫لبعض‪ ،‬وليس هو‬ ‫بعضهم ْ‬ ‫ف ع ِن األذى‪ ،‬ويـ ُرد ما أخذ ُ‬ ‫وأيم ُرهم ابلك ِّ‬
‫ُ‬
‫مسعت من غري واحد من أصحابِنا‪ .‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫انحية القضيّ ِة‪ ،‬وكذلك‬
‫من ِ‬
‫بيان يف القْت ِل واجلِراح‪ ،‬فكيف هذا؟ وهللا أعل ُم‪.‬‬
‫الص ِ‬‫ِ‬
‫ت شهادةُ ّ‬ ‫أُجيز ْ‬
‫الفصل الذي تقدم أسعد به ِمن ِ‬
‫کالم‬ ‫ِ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬وما يُوجد يف‬
‫سحنون‪ .‬هذا وتعل ُم به أن على الـ ُمعلِّم أن يتعاهد ُه ْم‪ ،‬ويـتحفظ‬
‫بعضهم ِمن بعض کِ ْسرًة بِزبيب‪،‬‬‫الراب‪ ،‬فإ ْن ابع ُ‬ ‫هاهم عن ِّ‬ ‫منهم‪ ،‬ويـْن ُ‬
‫أو زبيباً بُِرّمان‪ ،‬أو تـُ ّفاحاً بِِقث ِاء‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬فإن أدرك ذلك‬
‫أبيديهم‪ ،‬رد كل واحد ما كان له‪ ،‬وإن أفاتوهُ‪ ،‬أعلم آابءهم مبا صنعوا‬ ‫ِ‬

‫‪002‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ ِ‬
‫الصبيان من صاحبه‬ ‫كل واحد من ّ‬ ‫من ذلك فيكون غُرم ما صار إىل ِّ‬
‫يكن له مال‪ ،‬إذا وقع‬ ‫ِ‬
‫يف ماله إ ْن كان له مال‪ ،‬أو يـْتـبـعُهُ به إ ْن مل ْ‬
‫عضهم إىل بعض طعاماً يف‬ ‫ِ ِ‬
‫اال ْستقضاءُ يف ذلك‪ .‬وإ ْن كان إّنا أسلم ب ُ‬
‫مثل إ ْن‬
‫يكن له ُ‬‫طعام‪ ،‬فيغرم القابض مثل ما قبض‪ ،‬أو قيمته إن مل ْ‬
‫بع مبا وجب عليه من ذلك‪ ،‬ويفسخ ما كان‬ ‫كان لهُ مال‪ .‬وإال فـ ْليـت ْ‬
‫بينهما‪ ،‬مث أيخ ُذ عليهم املعلّم‪ ،‬ويُش ِّد ُد عليهم يف األ ْخ ِذ أ ْن ال يعودوا‬
‫إىل التبايُع فيما بينهم‪ ،‬ال فيما ِحي ّل بني األكاب ِر‪ ،‬وال فيما ال حيل‪.‬‬
‫الراب يف ما صنعوا على ذلك‪ :‬خيربه بِعْينِه ويـُقبِّحهُ عنده‪،‬‬ ‫عرفُهم وجه ِّ‬
‫ويُ ِّ‬
‫درج على ُجمانـب ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويتو ُ ِ ِ‬
‫اعده بش ّدة العقوبة عليه إ ْن هو عاوده‪ ،‬ليـت ّ‬
‫اخلطأ‪ .‬وإذا هو أحسن يـ ْغبِطُهُ إبحسانِه يف غري انْبساط إليه‪ ،‬وال‬
‫فيتدرج اىل اختيا ِر احلس ِن‪،‬‬ ‫ِِ‬
‫ُمنافرة له‪ ،‬ليعرف وجه احلس ِن من القبيح‪ّ ،‬‬
‫ميع العليم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد‪ .‬وهللاُ يـُزّکي من يشاء‪ ،‬وهو الس ُ‬ ‫ُ‬ ‫يدل‬
‫وهذا ما ُ‬
‫إبعراهبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حت حيفظها ْ‬ ‫يب أ ْن ال يـْنـ ُقله من سورة ّ‬ ‫ومن االجتهاد للص ّ‬
‫سهل هلم اآلابءُ‪ ،‬فإ ْن مل يكن هلم آابء‬ ‫وكتابتها‪ .‬قال سحنون‪ :‬إال أن يُ ِّ‬
‫وكان هلم أولياء أو وصي‪ ،‬فإ ْن كان دفع أجر املعلّم من غري ِ‬
‫مال‬
‫ِ‬
‫سهلوا كما للب‪ ،‬وإ ْن كان من‬ ‫يب إّنا هو من عندهم‪ ،‬فـل ُهم أ ْن يُ ِّ‬ ‫الص ِّ‬
‫األجر هلم أن يُس ِّهلوا حت حيفظها كما أعلمتُك‪ .‬قال‪:‬‬ ‫يب ُ‬ ‫مال الص ِّ‬
‫‪003‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يب‪ .‬قال‪ :‬وأرى ما يلزُم‬ ‫ِ‬


‫وكذلك إذا كان األب يُعطي من مال الص ّ‬
‫الصيب من م ُؤون ِة املعلّم يف مالِه إ ْن كان له مال مبنز ِلة كِ ْسوتِه ونـفقتِ ِه‪.‬‬
‫لكن قوله إ ْن كان ما أيخذ املعلّم من غري‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬صواب‪ .‬و ّ‬
‫بيه أو من قام له أن يُس ِّهل للمعلّم يف نـ ْقلِه من‬ ‫مال الصيب‪ ،‬أن أل ِ‬
‫ّّ‬
‫ِ‬
‫يب‪ ،‬إّنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السورة ْقبل تامها‪ ،‬ما أدري ما وجهُ العطاء للمعلّم على الص ّ‬
‫يب فّ ِم ْن أين‬ ‫ِ‬
‫للص ّ‬
‫يب فقد صار احلق ّ‬ ‫كان على ُحسن العناية ابلص ّ‬
‫سهل فيه‪ّ ،‬إال أن يكون مر ُاد سحنون ‪ -‬رمحهُ هللا ‪ -‬أن‬ ‫ألحد أ ْن يُ ِّ‬
‫يب التسهيل يف ذلك وقع عند ع ْق ِد اإلجارة‪ ،‬فيكون صواابً يف‬ ‫للص ّ‬
‫يب‪.‬‬
‫األحسن ما هو أمت للص ّ‬
‫ُ‬ ‫اجلواب‪ ،‬و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصبيان من ْحم ِو ألْواحهم وأكتافهم‪ ،‬فذكر ُ‬
‫ابن‬ ‫صنـعُه ّ‬ ‫و ّأما ما ي ْ‬
‫سحنون فيه عن أنس ب ِن مالك إبسناد ليس هو ِمن ِرواية سحنون‪،‬‬
‫رب العالمني ِأب ْر ُجلِهم‪ ،‬نـبذ املعلّم‬ ‫قال‪ :‬إذا حم ِ‬
‫ت صْبـيةُ ال ُكتّاب تنزيل ِّ‬ ‫ْ‬
‫إسالمه خ ْلف ظ ْه ِره‪ ،‬مث مل يُبال حني يلتقى هللا على ما يلقاه عليه‪.‬‬
‫املؤدبون على عهد األئِ ّم ِة أيب بكر وعُمر‬ ‫ِ‬
‫قيل ألنس‪ :‬كيف كان ّ‬
‫ب له إِ ْجنانة‬ ‫ِ‬
‫املؤد ُ‬
‫وعلى رضوان هللا عليهم؟ قال أنس‪ :‬كان ّ‬ ‫وعُثمان ّ‬
‫ِِ‬
‫صبهُ فيها‪ ،‬فـي ْمحون به‬ ‫صيب جييءُ كل يوم بِنـ ْوبته ماءً طاهراً في ُ‬ ‫وكل ّ‬
‫ألْواحهم‪ .‬قال أنس‪ :‬مث حيفرون له ُح ْفرةً يف األرض‪ ،‬فيصبون ذلك‬

‫‪004‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حممد‪ :‬قلت لِسحنون فرتى أن يُلعط؟ قال ال أبس‬ ‫ف‪ ،‬قال ّ‬ ‫فينش ُ‬
‫املاء ُ‬
‫نديل وما أشبـههُ‪ .‬قلت له‪ :‬فما‬ ‫ابلر ْج ِل‪ ،‬وُميس ُح ابملِ ِ‬
‫به‪ ،‬وال ُميسح ِّ‬
‫سائل‪ .‬فقال‪ :‬أما ما‬‫ف من الر ِ‬ ‫الصبيان يف الكتِ ِ‬‫ب ّ‬ ‫تقول يف ما يكتُ ُ‬ ‫ُ‬
‫كان من ذك ِر هللا تعاىل‪ ،‬فال ميْ ِحي ِه ب ِر ْجلِه‪ ،‬وال أبس أن مي ِحي غري‬
‫ذلك ّمما ليس من القرآن‪ .‬وقال حممد‪ :‬وحدثين ُموسى عن جابر بن‬
‫منصور‪ ،‬قال‪ :‬كان إبراهيم النخعِي يقول‪ِ :‬من الـم ِ‬
‫روءة أن يُرى يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حممد‪ :‬ويف هذا دليل أنه ال أبس أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثوب ا ّلر ِ‬
‫وشفتيه مداد‪ .‬قال ّ‬ ‫ْ‬ ‫جل‬
‫يلعط الكتاب بلسانِه‪ .‬وكان سحنون رّمبا كتب الشيء مث يلعطُهُ‪.‬‬
‫الوصف يكفيك فِيما سألت عنه من هذا املعىن‪ ،‬فإنه وصف‬ ‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫حسن‪ .‬وما جاء فيه عن أنس من الت ِ‬
‫غليظ‪ ،‬فيـْنـبغي أ ْن ُحيذر منه فإنه‬
‫الصبيان ميْحون القرآن‬ ‫ِ‬
‫تغليظ شديد على املعلّم‪ ،‬إ ْن ُهو تـرك ّ‬
‫ِأب ْر ُجلِهم‪.‬‬

‫بيان يوم اجلم ِ‬ ‫ِ‬


‫الص ِ‬
‫عة فقال سحنون‪ُ :‬أيْذ ُن يف يوم اجلمعة‪،‬‬ ‫ُُ‬ ‫و ّأما بِطالةُ ّ‬
‫ب ذلك عليهم‪ .‬وذُكر أن حممد‬ ‫ِ‬
‫وذلك ُسنة املعلّمني من ُذ كانوا‪ ،‬مل يُع ْ‬
‫عبد هللا ابن عبد احلك ِم قال يف املعلِّم يُستأْج ُر شهراً‪ ،‬له أن‬ ‫بن ِ‬
‫يتبطل يوم اجلُ ُمع ِة‪ ،‬وما كان النّاس قد ع ِملوا به‪ ،‬وجرْوا عليه فهو‬

‫‪005‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الصبيان يوم اخلميس من العص ِر فهو أيضا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫كالشرط‪ .‬و ّأما تـ ْخليةُ ّ‬
‫جيري عُرف النّاس‪ ،‬إ ْن كان قد عُ ِرف من شأن املعلِّمني‪ ،‬فهو كما‬
‫هم يوم اخلميس ُكلِّه‪ ،‬فهذا‬ ‫شأهنم يف يوم اجلمعة‪ِ ّ .‬‬
‫فأما بطالتُ ْ‬
‫ع ِرف من ِ‬
‫ُ‬
‫ضهم ّإايه على ُمعلّميهم يف‬ ‫ِ‬
‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫بيان أ ْحزاهبم وع ْر ُ‬ ‫بعيد‪ ،‬إّنا دراسةُ ّ‬
‫الك ِ‬
‫تابة‪،‬‬ ‫وقت ِ‬ ‫اخلميس‪ ،‬إىل ِ‬
‫ِ‬ ‫شي يوم األر ِ‬
‫بعاء‪ ،‬وغُ ُد ِّو يوم‬ ‫ع ِّ‬
‫الهبم نصف النهار‪ ،‬مث يعودون بـ ْعد صالة‬ ‫والتخايـر(‪ )1‬إىل قبل انِْق ِ‬
‫ْ‬ ‫ُُ‬
‫يار إىل صالة العصر‪ ،‬مث يـْنص ِرفون إىل يوم‬ ‫ِ‬
‫الظهر لل ُكتّاب‪ ،‬واخل ُ‬
‫ِ‬
‫ابلصبيان‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫السبت يـُب ّكرون فيه إىل معلّميهم‪ .‬وهذا حسن انفع رفيق ّ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫األعياد أيضاً على العر ِ‬ ‫وابلـ ُمعلّمني ال شطط فيه‪ .‬وكذلك بطالةُ‬
‫ُْ‬
‫الـ ُمشتـه ِر الـ ُمتواطأ عليه‪.‬‬

‫وقال ابن سحنون أل ِ‬


‫بيه‪ ،‬كم ترى أن يـُ ْؤذن هلم يف األعياد؟ فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫الفطُْر يوماً واحداً‪ ،‬وال أبس أن أيْذن هلم ثالثة ّأايم‪ ،‬واألضحى ثالثة‬
‫أايم‪ ،‬وال أبس أن أيْذهنم مخسة ّأايم‪.‬‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬يريد ثالثة أايم يف ِ‬
‫الفطر‪ ،‬يوماً قبل العيد‪ ،‬ويوم‬ ‫ّ‬
‫العيد‪ ،‬فيوم اثنِ ِيه‪ .‬ومخسة أايم يف األضحى‪ :‬يوم قبل ِ‬
‫يوم النحر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬

‫)‪ - (1‬املنافسة و التمايز‪.‬‬


‫‪006‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫آخر ّأايم التشر ِيق‪ُ ،‬مث يعودون إىل‬ ‫وثالثة ّأايم النح ِر‪ .‬واليوم ّ‬
‫الرابع هو ُ‬
‫يوم النح ِر‪ ،‬وهذا وسط يف ِّ‬
‫الرفق‪.‬‬ ‫معلّميهم يف اليوم اخلامس من ِ‬

‫أجل اخلْتم‪ ،‬فقيل لسحنون أيضاً‪ :‬أترى‬ ‫الصبيان من ِ‬ ‫و ّأما بطالةُ ّ‬


‫ِِ‬
‫للصبيان اليوم وحنوه‪ ،‬قال‪ :‬ما زال ذلك من عمل‬ ‫للمعلّم يف إِ ْذنه ّ‬
‫النّاس مثل اليوم وبعضه‪ ،‬وال جيوز له أن أيذن هلم أكثر من ذلك ّإال‬
‫إبذن آابئِهم كلِّهم‪ ،‬ألنه أجري هلم‪ .‬قيل له‪ُ :‬رمبا أهدى الصيب إىل‬ ‫ِ‬
‫املعلّم أو أعطاهُ شيئاً‪ ،‬فيأذ ُن هلم على ذلك؟ فقال‪ :‬إّنا ا ِإل ْذ ُن يف‬
‫وحنوه‪ ،‬ويف األعياد‪ .‬وأما يف غري ذلك فال جيوز ّإال إبِ ْذ ِن‬‫اليوم ُ‬
‫اخلْتم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت شهادةُ أكث ِر املعلّمني‪ ،‬ألهنم غريُ‬ ‫اآلابء‪ .‬قال‪ :‬وم ْن ها هنا أُ ْسقط ْ‬
‫ُمؤِّدين ملا جيب عليهم‪ ،‬إال من عصم هللاُ‪.‬‬

‫‪ -‬مت اجلزء الثاين والمد هلل ‪-‬‬


‫‪007‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اجلزء الثالث‬
‫(بسم هللا الرمحن الرحيم)‬

‫قال أبو احلسن‪ :‬وهذا إذا كان املعلّم أب ْجر معلوم كل شهر‪ ،‬أو كل‬
‫سنة‪ .‬وأما إن كان على غري شرط وما أُ ِ‬
‫عطي قبِل‪ ،‬وما مل يـُ ْعط مل‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫الصبيان يعلمون‬ ‫ِ‬
‫سأل‪ ،‬فلهُ أن يفعل ما شاء إذا كان ْأولياءُ ّ‬ ‫ي ْ‬
‫بِت ْ ِ‬
‫فهم إ ْن شاءُوا أعط ْوهُ على ذلك‪ ،‬وإن شاءوا مل يُعطُوه‪.‬‬ ‫ضيِيعه‪ُ ،‬‬
‫وهذا الوصف يكفيك ِممّا سألت عنه‪ ،‬وفيه بِطالتهم عند ِ‬
‫اخلْ ِ‬
‫تمة‪ ،‬فإ ْن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كان بلد قد عُ ِرف فيه العطاءُ عند النصف‪ ،‬أو الثـلُث‪ ،‬أو ّ‬
‫الربع‬
‫حت صار اثبتاً‪ ،‬فالـ ُمطالبةُ فيه على حسب ما عُ ِرف عنه‪،‬‬
‫وتـُو ِ‬
‫وطئ(‪ )1‬عليه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تزوج رجل‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫و ّأما وص ُفك ملا جرى عندكم من صنيع ُمعلّميكم إذا ّ‬
‫ُولِد له‪ ،‬فيبعثون ِصبياهنم‪ ،‬فيصيحون ِعْند اببِه‪ ،‬ويقولون‪ :‬أستاذان‪،‬‬
‫بصوت عال‪ ،‬فـيُعطون ما أحبّوا من طعام‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬فيأتون به‬
‫ُمعلِّمهم‪ ،‬فيأذ ُن هلم يـتـبطلون بذلك نصف يوم أو ربع يوم‪ ،‬بغري أم ِر‬
‫قول سحنون‪ :‬وال ِحيل للّمعلّم أن‬ ‫اآلابء‪ ،‬فيكفيك ما سألت عنه ُ‬ ‫ِ‬

‫)‪ - (1‬اتفقوا عليه‪.‬‬


‫‪008‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الصبيان ْفوق أُجرتِه شيئاً من هدية أو غري ذلك‪ ،‬ويسأهلم يف‬ ‫ِ‬
‫يُكلّف ّ‬
‫هدوا إليه على ذلك‪ ،‬فهو حرام‪ ،‬إال أن يُهدوا إليه من‬ ‫ِ‬
‫ذلك‪ ،‬فإ ْن أ ْ‬
‫وجه الـم ِ‬
‫عروف فِإ ْن فعلوا‬ ‫غري مسألة‪ّ ،‬إال أن تكون املسألة منه على ِ‬
‫مل يض ِرْهبم يف ذلك‪ .‬و ّأما إن كان يُه ّد ُدهم أو ُخيلِّيهم إذا أهد ْوا إليه‪،‬‬
‫فال حيل له ذلك‪ ،‬ألن التخلية داعية إىل اهل ِديِّة وهو مكروه‪ .‬فإذا كان‬
‫الصبيان‪ ،‬فالذي سألت أنت‬ ‫ِ‬
‫هذا كما وصف سحنون فيما أييت به ّ‬
‫ويج‪ ،‬أو أاب املولود‪ ،‬ال يُعطي ما‬ ‫عنه أشد وأكرهُ‪ :‬لعل صاحب التـ ْز ِ‬
‫يـُ ْع ِطي‪ّ ،‬إال تقية من أذى املعلِّم أو أذى ِصبيانه‪ ،‬أو من تقري ِع ِ‬
‫بعض‬
‫ت‪ ،‬وال يفعل هذا ّإال‬ ‫اجله ِال‪ ،‬فيصري املعلّم من ذلك إىل أ ْك ِل السح ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُّ‬
‫حت يرتك العمل الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معلّم جاهل‪ .‬فليُوع ْظ فيه وليُـْنه عنه ويـُْزج ْر‪ّ ،‬‬
‫يطان‪ ،‬وليس من عمل ِ‬
‫أهل القرآن‪.‬‬ ‫وصفت‪ ،‬فإنه من عمل الش ِ‬
‫ُ‬
‫الصبيان فيه‪ ،‬ويُكلِّ ُفهم إايه‪ ،‬وهل‬ ‫ِ‬
‫ف الـ ُمعلّم ّ‬ ‫عما يُصر ُ‬
‫و ّأما ُسؤالك ّ‬
‫يتشاغل هو عنهم بشيء‪ ،‬فإن سحنون قال‪ُ :‬سئِل مالك عن املعلّم‬
‫فاذه‪ ،‬فقد سهل يف‬ ‫جيعل للصبيان عريفاً(‪ )1‬فقال‪ :‬إ ْن كان مثله يف ن ِ‬
‫ّ‬
‫يب يف ذلك منفعة‪ .‬قال سحنون‪ :‬وال أبس أ ْن‬ ‫ذلك‪ ،‬إذا كان للص ّ‬
‫بعضهم على بعض‪ ،‬ألن يف ذلك منفعةً هلم‪ .‬ولْيـتـفق ْد‬ ‫جيعلهم ُميلي ُ‬

‫يف‪:‬الْقيِّ ُم أبم ِر القوم‪.‬‬


‫‪ -‬الع ِر ُ‬
‫)‪(1‬‬

‫‪009‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يب أن يكتب ألحد كتاابً؟ فقال‪ :‬ال‬ ‫للص ّ‬


‫إمالئهم‪ .‬قيل له‪ :‬فيأذ ُن ّ‬
‫أبس به‪ ،‬وهذا مما ُخيِّر ُج الصيب‪ ،‬إذا كتب الرسائل‪ .‬قال‪ :‬وال جيوز‬
‫الصبيان‬ ‫رسل الّصبيان يف حو ِ‬ ‫للمعلّم أن ي ِ‬
‫سل ّ‬ ‫ُ‬ ‫ري‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫له‪:‬‬ ‫قيل‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ائج‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بعضهم يف طلب بعض؟ فقال‪ :‬ال أرى ذلك له ّإال أن أيْذن أولياءُ‬
‫الصبيان يف ذلك‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصبيان يف ذلك‪ ،‬أو يكون املوض ُع قريباً ال يُشغل ّ‬ ‫ّ‬
‫الصبيان‪ُ ،‬خيرب‬ ‫ِ‬ ‫ولْيـتعاه ِد الصبيان هو ِ‬
‫انقالب ّ‬ ‫بنفسه يف وقت‬ ‫ّ‬
‫أولياءهم أهنم مل ِجيي ُؤوا‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصبيان الضرب‪ ،‬وال‬ ‫ب للمعلّم أ ْن ال يـُويل أحداً من ّ‬ ‫قال‪ :‬وأُح ُ‬
‫جيعل هلم عريفاً منهم‪ّ ،‬إال أ ْن يكون الصيب الذي قد ختم وعرف‬
‫القرآن‪ ،‬وهو ُمستغن عن التّعليم‪ ،‬فال أبس أ ْن يُعينه‪ ،‬فإن يف ذلك‬
‫أيمر أحداً أ ْن يُعلِّم أحداً منهم‪،‬‬
‫يب‪ .‬قال‪ :‬وال حيل له أن ُ‬ ‫منفعةً للص ّ‬
‫يب يف ختر ِجيه‪ ،‬أو أيذن و ُ‬
‫الده يف‬ ‫إال أ ْن يكون فيما فيه مْنفعةً للص ّ‬
‫ستأج ْر هو من يُعينُه‪ ،‬إذا كان يف‬‫بنفسه‪ ،‬أو ي ِ‬ ‫ذلك‪ .‬ولْي ِل ذلك هو ِ‬
‫مثل كِفايتِ ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصبيان ّإال أن يكونوا يف‬ ‫قال‪ :‬وال جيوز للمعلّم أن يشتغل ع ِن ّ‬
‫ضهم فيه‪ ،‬فال أبس أبن يـتحدث‪ ،‬وهو يف ذلك ينظُُر‬ ‫وقت اليـُ ْع ِر ُ‬
‫إليهم يـتـفق ُد ُه ْم‪.‬‬

‫‪021‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ائجه‪ ،‬إذا‬ ‫نفسه من حو ِ‬ ‫قال‪ :‬وال أبس للمعلّم أ ْن يشرتي مايصلِحه لِ ِ‬


‫ُ ْ ُُ‬
‫ِ‬
‫األوقات اليت‬ ‫كفيه‪ .‬قال‪ :‬وال أبس أن ينظر يف العِلم يف‬ ‫مل جيد من ي ِ‬
‫الصبيان عنه‪ ،‬مثل أ ْن يصريوا إىل الكتاب ِة‪ ،‬وأ ْملى‬ ‫يستغي ( فيها) ّ‬
‫بعضهم إىل بعض‪ ،‬إذا كان يف ذلك منفعة هلم‪ ،‬فإ ّن هذا قد سهل‬ ‫ِ‬
‫بعض أصحابِنا‪ .‬قال‪ :‬ولْيـ ْلزِم الـ ُمعلِّ ُم االجتهاد‪ ،‬ولْيـتفر ْغ هلم‪.‬‬
‫فيه ُ‬
‫ظر‬ ‫الن‬ ‫ه‬ ‫م‬‫يلز‬ ‫ن‬ ‫وال جيوز له الصالةُ على اجلنائ ِز ّإال ما ال بد له منه‪ِ ،‬‬
‫مم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وعيادة الـم ْرضى‪.‬‬ ‫يف أم ِره‪ ،‬ألنه أجري ال يدع عمله ويـتبع اجلنائز ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫للمعلّم أ ْن يكتب ُكتب العِلم له أو للنّاس؟ فقال‪:‬‬ ‫قيل‪ :‬فهل ترى ُ‬
‫فسه وللناس‪،‬‬ ‫الصبيان‪ ،‬فال أبس أن يكتُب لن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ّأما يف وقت فراغه من ّ‬
‫وز له‬‫حولهُ‪ ،‬فال أراهُ جي ُ‬ ‫ِِ ِ‬
‫مثل أن أيذن هلم يف االنْقالب‪ .‬و ّأما ما داموا ْ‬
‫ظر فيه إال ما ال يـ ْلزُمه؟ أال‬ ‫وز له أن خي ُرج مما ي ْلزمه الن ُ‬ ‫ذلك‪ .‬وكْيف جي ُ‬
‫بعضهم إىل بعض‪ ،‬فكيف يشتغِ ُل‬ ‫جيوز له أ ْن يوكِل تعليم ِ‬
‫ُ‬ ‫ترى أنه ال ُ‬
‫بغ ِريهم!‬
‫ص ِل صواب حسن‪ .‬وما‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬كل ما جرى يف هذا الف ْ‬
‫أجر‬
‫قال فيه‪ّ :‬إال أ ْن أيذن يف ذلك أبوه أو وليه‪ ،‬فمعناه‪ :‬إذا كان ُ‬
‫وز إذ ُهنم يف ذلك ِم ْن أمو ِاهلم‪،‬‬ ‫يب الذي جي ُ‬ ‫ِ‬
‫املعلّم من غري مال الص ِّ‬
‫يب‪ .‬وقد تقدم ِمثلُه‪ ،‬وأن معناه‪ :‬أنه كان يف‬ ‫ِ‬
‫دفعوا اإلجارة عن الص ّ‬
‫‪020‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫للصبيان‪ ،‬وهو وجهُ‬ ‫الشرط عند ع ْقد اإلجارِة‪ْ ،‬قبل أن جيب احلق ّ‬
‫القول عندي‪ ،‬وهللاُ أعلم‪.‬‬
‫وقد أتى ما وصفهُ سحنون على مسائِلِك وأكثر منها‪.‬‬
‫وم أ ْن ينام عندهم‪ْ ،‬أم‬ ‫وأما قولُك‪ :‬هل لِ ِ‬
‫لمعلّم إذا غلب عليه الن ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫وقت ِ‬
‫تعليمه ّإايهم‪،‬‬ ‫نفسه؟ فإنه إ ْن كان يف ِ‬ ‫يغالِب ذلك عن ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استطاع‪ .‬وإ ْن غُلب فـ ْليُق ْم فيهم م ْن‬‫وحضوِرهم عنده فْـلُيغالْبهُ إن ْ‬
‫ستأج ُره‪ ،‬أو يتطوعُ له‬‫خيْلُ ُفه عليهم (إذا كان يف ِم ِثل كِفايتِه) إبِجارة ي ِ‬
‫ُ‬
‫أنفسهم فقد تقدم‬ ‫إذا كان ِمن غ ِري الصبيان‪ .‬وإ ْن كان ِمن الصبيان ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫من الشرائِ ِط يف ذلك‪.‬‬
‫ستأجر هلم من‬‫وكذلك إن م ِرض‪ ،‬أو (كان) عليه شغل‪ ،‬فهو ي ِ‬
‫ُ‬
‫مبثل کِفايتِه هلم‪ ،‬إذا مل تطُل مدةُ ذلك‪ .‬فإ ْن طالت فِِل ِ‬
‫ابء‬ ‫يكون فيهم ِ‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬
‫ومتكلِّم ِمن قِب ِل أنه هو الـ ُمستأْجر بعينِه‪ ،‬فال‬‫الصبيان يف ذلك نظر ُ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫يصلُح أن يُقيم ِعوضاً منه ّإال فيما قـ ُرب‪ ،‬فيُستخف إذا كانت‬
‫ا ِإلجارةُ واجبةً عليه‪.‬‬
‫كذلك إ ْن هو سافر فأقام م ْن يُوفِّيهم كِفايته هلم‪ ،‬إ ْن كان سفراً ال‬
‫اليومني وما أ ْشبـه ُهما فـيُ ْستخف ذلك إ ْن شاء‬‫بُد منه‪ ،‬قريباً اليوم و ْ‬

‫‪022‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هللا‪ .‬وأما إ ْن بـعد‪ ،‬أو ِخيف بـع ُد القر ِ ِ‬


‫ض يف األسفار من‬ ‫يب لما يع ِر ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫احلوادث‪ ،‬فال يصلُح له ذلك‪.‬‬
‫اعات‪ ،‬فليس لُه ذلك‪ ،‬هو يف‬ ‫وشهادات البِي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاحات‬ ‫وأما ُشهود النِّ‬
‫يض‪ْ ،‬أو أشد‪ .‬و ّأما إ ْن كانت‬ ‫ِ‬
‫وعيادة املر ِ‬ ‫هذا ِمثل ُش ِ‬
‫هود اجلنازِة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫عنده شهادة‪ ،‬والسلطان عْنهُ بعيد‪ ،‬يف سريه إليه ُش ْغل عن ِصبيانِه‪،‬‬
‫لكن إ ْن مل يُوج ْد منه بُد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فهو له عُذر يف ختلفه عن أداء الشهادة‪ ،‬و ْ‬
‫أ ْودع شهادته عند من بن ُقلها عنه‪ ،‬وله يف ذلك عُذر‪ ،‬ويقبلُها احلاكِ ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نت لك‬ ‫ممن نقلها إليه‪ ،‬ويعذ ُره بعُذ ِره الذي ل ِزمه‪ .‬فافـه ْم‪ ،‬فقد بي ُ‬
‫مجيع ما سألت عنه ِمن هذا املعىن‪.‬‬
‫الصبيان‪ ،‬ماذا‬ ‫و ّأما قولُك‪ :‬فإ ْن فعل‪ ،‬يُريد ما هنى عنه‪ ،‬وتشاغل عن ّ‬
‫اال ْشتِغال اخلفيف‪ ،‬الذي يكون يف ِ‬
‫مثل‬ ‫فاعلم أنه يكون من ِ‬
‫عليه؟ ْ ْ‬
‫بيان شيئاً‪ ،‬فهذا وما أ ْشبـههُ ي ِقل‬ ‫ِ‬
‫الص ِ‬
‫حديثه يف جملسه‪ ،‬فيشغله من ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصبيان ممّا أصاب من ذلك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قدره‪ ،‬فيتحلل من آابء ّ‬ ‫وخيف ُ‬ ‫خطْبُه‪ّ ،‬‬
‫الصبيان فال أبس به‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األجر من أمواهلم‪ .‬وإ ْن كان من أموال ّ‬ ‫إن كان ُ‬
‫وقت عادة راحتِه‪ ،‬ما ْجي ُربُ هلم به ما نـقصهم‬ ‫عندي أن يـع ِوضهم من ِ‬
‫ُّ‬
‫ظوظهم اب ْشتِغالِه ذلك‪ ،‬وإ ْن كان غائباً اليوم أو أكثر اليوم‪،‬‬ ‫من ح ِ‬
‫ُ‬
‫قم هلم‬ ‫ِ‬
‫فهذا كثري‪ .‬فإ ْن كان إجارتُه أجالً معلوماً‪ ،‬وقد عطل ُهم‪ ،‬ومل يُ ْ‬
‫‪023‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ينوب ذلك اليوم الذي ع ِطلهُ‪ .‬وإ ْن‬ ‫ِ‬


‫ع ِوضأ منه‪ ،‬فيضع من أ ْج ِره ما ُ‬
‫كانت اإلجارةُ ُمطلقةً‪،‬وّف كل شهر مبا علم فيه‪ .‬وليس له أن يعتاد‬
‫ض‪ ،‬ألن ذلك ي ُ ِ‬
‫ابلصبيان‪.‬‬
‫ضر ّ‬ ‫حت يـُْل ِجئهُ إىل العِو ِ‬‫التشاغُل‪ّ ،‬‬
‫يوت آابئِهم‬‫الصبيان أ ْن أيتوه به من ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫و ّأما سؤالك عما يُكلّ ُفه املعلّ ُم ّ‬
‫الصبيان بغري تكليف من املعلّم‪ ،‬وكان‬ ‫ِ ِ‬
‫يد بغري إذن آابئهم‪ ،‬أو محله ّ‬ ‫يُر ُ‬
‫قدره من حطب أو غ ِري‬ ‫ِ‬
‫ذلك من الطعام أو غري الطعام‪ ،‬وإ ْن قل ُ‬
‫ذلك‪ ،‬فهذا ال ِحيل للمعلِّمني أ ْن أي ُمروا به‪ ،‬وال أن يقبلوه إ ْن أُِيت به‬
‫إليهم‪ ،‬وإ ْن مل أيمروا به‪ّ ،‬إال إبِ ْذ ِن اآلابء‪ ،‬وي ْسل ُم أيضاً ِمن أن يكون‬
‫مة‪ .‬وقد تق ّدم ِمن‬ ‫ما أ ِذن اآلابء يف ذلك على وجه احل ِ‬
‫ياء وت ِقية الالئِ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وز من بِطالتهم ما فيه الكفايةُ من‬ ‫ِ‬ ‫قول سحنون يف ِ‬
‫فصل ما جي ُ‬
‫ُسؤالك هذا‪ .‬فافْـه ْم‪.‬‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫الصبيان‪ .‬وكذلك‬ ‫وشراءُ ال ّدرِة والفلقة على املعلّم‪ ،‬ليس على ّ‬
‫احلانوت لِمجلِس التعليم‪ ،‬على املعلّم أن يكون كل ذلِك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كراءُ‬
‫لِسحنون‪ ،‬وهو صواب‪.‬‬

‫ب به‪.‬‬
‫ضر ُ‬
‫‪ -‬سوط يُ ْ‬
‫)‪(1‬‬

‫)‪ - (2‬عصاً غلِيظة يُوص ُل بِطرفـْيـها حْبل‪.‬‬


‫‪024‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقال‪ :‬إذا استُـ ْؤِجر املعلّم على صبيان معلومني سنةً معلومةً‪ ،‬فعلى‬
‫الصبيان كِراءُ موض ِع الـ ُمعلِّم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أ ْولياء ّ‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬وهذا صواب أيضا‪ ،‬ألهنم هم أ ْتوا ابلـ ُمعلّم إليهم‬
‫وأقْعدوه لِصبياهنم‪ ،‬وعلى هذا ي ِ‬
‫عتد ُل اجلواب‪.‬‬

‫جل ُمعلّماً على صبيان معلومني‪ ،‬جاز‬ ‫وقال سحنون‪ :‬إذا استأجر الر ُ‬
‫للمعلّم أ ْن يُعلّم معهم غريهم‪ ،‬إذا كان ال يشغلُه ذلك عن تعليم‬
‫استُـ ْؤِجر هلم‪ .‬ومعىن هذا‪ :‬إذا كان مل يُشرت ْط على الـ ُمعلّم‬
‫هؤالء الذين ْ‬
‫فأما ِأن يشرتطوا عليه أن ال‬ ‫ِ ِ‬
‫أنه ال يزيد على العدة املذكورة له شيئا‪ّ ،‬‬
‫يزيد على العِ ّدة املذكورة له ْأو شرطوا عليه أن ال خيلِط مع ِصبياهنم‬
‫اب سؤالك عندي له‪.‬‬ ‫غريهم‪ ،‬فليس له ذلك‪ .‬وهذا هو جو ُ‬

‫الصبيان يف املسجد‪ ،‬فإن ابن القاسم(‪ )1‬قال‪ُ :‬سئِل مالك‬


‫وأما تعليم ّ‬
‫يب إىل املسجد‪ .‬أت ْست ِحب ذلك؟ قال‪ :‬إ ْن كان‬
‫عن الرجل أييت ابلص ّ‬
‫ث يف املسجد فال أرى‬ ‫ِ‬
‫األدب‪ ،‬وعرف ذلك‪ ،‬وال يعب ُ‬ ‫قد بلغ موضع‬

‫العتقي املصري‪ ،‬أبو‬ ‫القاسم (‪ ٢٩٢ - ٢٣١‬هـ ) عبد الرمحن بن القاسم بن خالد بن جنادة‬ ‫)‪ - (1‬ابن ِ‬
‫ّ‬
‫عبد هللا‪ ،‬ويعرف اببن القاسم‪ :‬فقيه‪ ،‬مجع بني الزهد والعلم‪ .‬وتفقه ابإلمام مالك ونظرائه‪ .‬مولده ووفاته‬
‫أجل كتب املالكية‪ ،‬رواها عن اإلمام مالك‪.‬‬
‫مبصر‪ .‬له (املدونة ‪ -‬ط) ستة عشر جزءا‪ ،‬وهي من ّ‬
‫‪025‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حب ذلك‪ِ .‬والبْ ِن‬ ‫ِ‬


‫ث‪ ،‬فال أُ ّ‬
‫أبسا‪ .‬وإن كان صغرياً‪ ،‬ال يقر فيه ويعب ُ‬
‫ثل معىن هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهب عن مالك م ُ‬
‫الصبيان يف املسجد فقال‪:‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و ّأما سحنون فقال‪ُ :‬سئل مالك عن تعلم ّ‬
‫ب‬ ‫ال أرى ذلك جيوز ألهنم ال يتحفظون من الن ِ‬
‫جاسة‪ ،‬ومل يـُْنص ِ‬ ‫ُ‬
‫املسجد للتعليم‪.‬‬
‫ُ‬

‫ب ال ّدنيا يف املسجد‪ .‬ال‪.‬‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬جواب صحيح‪ ،‬وتكس ُ‬


‫يصلُح‪ .‬أملْ تسم ْع قول عطاء ب ِن يسار لِلذي أراد أ ْن يبيع ِس ْلعةً يف‬
‫سوق اآلخرِة‪ .‬فال يُرت ُك‬‫بسوق الدنيا‪ ،‬فإّنا هذا ُ‬ ‫ِ‬ ‫املسجد‪ :‬عليك‬
‫اضطُر إىل ذلك‬ ‫بيان أ ْن جيلس هبم يف املسجد‪ِ ،‬‬ ‫الص ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإن ْ‬ ‫لـ ُمعلّم ّ‬
‫دام مكانِه‪ ،‬ف ْليـت ِخ ْذ مكاانً يُعلِّم فيه إىل أن يُصلِح ما ْاهندم له‪ ،‬إ ْن‬
‫ِاب ْهنِ ِ‬
‫أحب‪.‬‬
‫املكان عليه‪ ،‬كان ْبيتاً أو حانواتً‪ ،‬إال أن يُدعى إىل صبيان‬ ‫ِ‬ ‫و ِّاختاذُ‬
‫الصبيان‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫أبع ِ‬
‫قول سحنون يف كراء ذلك أنه على ّ‬ ‫ياهنم‪ ،‬فقد تقدم ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫فبناؤه عليهم‪ ،‬أو‬‫بيت املعلِّم هلم ‪ -‬إ ْذ ُهم أبعياهنم ‪ُ -‬‬ ‫فإذا كان ُ‬
‫يـت ِخ ُذوا مكاانً غريه‪ ،‬وليس على املعلّم من ذلك شيء‪ .‬إّنا على‬
‫املعلِّم املكان‪ ،‬إذا كان يعلِّم لِعامة الناس‪.‬‬

‫‪026‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأما ش ِركةُ املعلّمني والثالث ِة واألرب ِ‬


‫عة‪ ،‬فهي جائزة إِال إذا كانوا يف‬ ‫ّ‬
‫بعضهم أجود تعلماً من بعض‪ ،‬ألن هلم يف‬ ‫مكان واحد‪ ،‬وإ ْن كان ُ‬
‫حت يُفيق‪.‬‬ ‫ذلك ترافُقاً وتعاوانً‪ ،‬وميرض بعضهم فيكون ِ‬
‫الساملُ مكانه ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلخر ليس كذلك‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫بعضهم عريب القراءة‪ُ ،‬حيس ُن التقومي‪ ،‬و ُ‬ ‫وإ ْن كان ُ‬
‫قلت‪ :‬ذلك على ما جاء ع ْن‬ ‫ولكنه ليس يـ ْلح ُن‪ ،‬فال أبس بذلك‪ُ .‬‬
‫مني اشرتكا‪ .‬وقد ُروي عن مالك أن‬ ‫مالك‪ ،‬وعن اب ِن القاس ِم يف ُمعلّ ْ‬
‫ألحدمها فضل على‬‫ذلك ال يصلُح حت يستوي ِعلمهما‪ ،‬فال يكون ِ‬
‫ُ‬
‫أحدمها أعلم من صاحبِه‪ ،‬مل يصلُح‪ّ ،‬إال‬
‫علمه‪ .‬فإن كان ُ‬ ‫صاحبِه يف ِ‬
‫أن يكون أل ْعل ِمهما فضل من الكسب يـُقد ُر عليه على صاحبِه‪،‬‬
‫وإال مل يصلُح‪.‬‬‫ّ‬

‫االختالف إال أن‬‫قال أبو احلسن‪ :‬أما إذا مل يكن بني املعلّمني من ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ب قراءته‪ ،‬واآلخر ال يُعرهبا‪ ،‬إال أنه ال يـ ْلح ُن‪ ،‬فما يف هذا‬ ‫أحدمها يُع ِر ُ‬
‫فاضل بني أُجرتي ِهما إذا اشرتكا‪ .‬وكذلك يكون‬ ‫ما يوجب عندي التّ ُ‬
‫اآلخر ليس بذلك‪ ،‬إال أنه يكتُب ويتهجى‪.‬‬ ‫ط‪ ،‬و ُ‬ ‫أحدمها رفيع اخل ِّ‬ ‫ُ‬
‫وشْب ِهه متقارب يف الشركة‪ .‬وكذلك هذا يف‬ ‫الف يف هذا ِ‬ ‫اال ْختِ ُ‬ ‫وِ‬

‫‪027‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أحدمها أ ْعلى من اآلخ ِر فيما ُحيسن من‬ ‫الصنائ ِع ويف التِّجارة يكون ُ‬
‫فضل على اآلخر يف ا ِإلجارة إذا كاان شر ْ‬
‫يكني‪.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فليس هذا ْ‬
‫أحد املعلّمني يقوم ابلشكل واهلجاء‪ ،‬وعل ِم العربيّ ِة‪،‬‬ ‫ولكن إذا كان ُ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ساب‪ ،‬و ِ‬
‫األشياء اليت ل ِو انْـفرد معلّ ُم‬ ‫الشع ِر‪ ،‬والنح ِو‪ ،‬واحلِ ِ‬ ‫و ّ‬
‫القرآن‪ِ ،‬م ْن قِب ِل‬
‫ِجبم ِع علوِمها جلاز ا ْن يشرتط عليه تعليمها مع تعليم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وحس ِن املعرفة‪ ،‬فهذا إ ْن شارك من ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عني على ضبط القرآن ُ‬ ‫أهنا ممّا يُ ُ‬
‫ُحي ِسن إِال قراءة القرآن والكتاب‪ ،‬فهو الذي تكون اإلجارةُ بينهما‬
‫الرواية‪ ،‬على ق ْد ِر ِعل ِم ُك ِّل واحد منهما‪ .‬و ّأما أ ّن‬ ‫ِ‬
‫ُمتفاضلةً على هذه ّ‬
‫الشعر واحلِساب وما أشبه ذلك‪،‬‬ ‫لو أحدمها يُستأج ُر ليعلِّم النحو و ّ‬
‫حت هذه‬ ‫ستأجر على تعليم القرآن والكتاب‪ ،‬ما صلُ ْ‬ ‫واآلخر يُ ُ‬
‫مذهب اب ِن القاسم‪ ،‬وعلى قول من يكره اإلجارة على‬ ‫ِ‬ ‫الشركةُ‪ ،‬على‬ ‫ّ‬
‫رآن والكتاب‪ ( .‬فافهم‪ ،‬فقد) بينت لك ذلك لُِريدع عنه‬ ‫تعليم غ ِري ال ُق ِ‬
‫من ُِحيب أن أي ُكل حالالً طيِّباً‪.‬‬

‫وسألت هل لِ ِ ِ ِ‬
‫الصغا ِر‪ ،‬أو ِ‬
‫الكبا ِر البالغني‪ ،‬أ ْن يقرؤوا يف‬ ‫لصبيان ّ‬‫ّ‬
‫سورة واحدة وهم مجاعةً على و ْج ِه التعليم‪ ،‬فإ ْن كنت تُريد يفعلون‬
‫أصلح‬
‫ُ‬ ‫ذلك عند املعلِّم‪ ،‬فينبغي على املعلِّم أن ينظر يف ما هو‬

‫‪028‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫لِتعل ِمهم‪ ،‬فيأمرهم به‪ ،‬وأيخ ُذ عليهم فيه ألن اجتماعهم يف القرا ِ‬
‫ءة‬ ‫ُُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن إ ْن كان على‬‫حبضرته ُخيفي عنه الق ِوي احلفظ من الضعيف‪ .‬و ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض كل واحد منهم يف‬ ‫الصبيان من ذلك خ ّفة‪ ،‬فيُخربهم أنه سيُـ ْع ِر ُ‬ ‫ّ‬
‫ؤدبُه على ما كان من تقصري‪ ،‬هتديد يـتـهد ُدهم‪ ،‬وال يُوقِع‬ ‫ِ‬
‫حزبه‪ ،‬فـيُ ّ‬
‫ِ‬
‫ني حسب ما تقدم قبل هذا‪.‬‬ ‫الضرب ألدب‪ّ ،‬إال عن ذنب يـُتـب ُ‬

‫املصاحف‪ ،‬وهم على غري وضوء‪ ،‬فال يفعلُوا‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬


‫بيان‬ ‫ُ ِ‬
‫إمساك ّ‬ ‫وأما‬
‫ِ‬
‫اجلامعة ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫املصاحف‬ ‫ِ‬
‫مس‬ ‫ِ‬
‫ذلك‪ ،‬وليس كاأللو ِاح‪ .‬وما يف هنْيهم عن ّ‬
‫وهم على غري وضوء ‪ -‬خالف من مالك‪ ،‬وال ممن يقول بقولِه‪.‬‬
‫أيمرهم أ ْن ال مي ّسوا الـ ُمصحف‬ ‫ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ورأى سحنون أن على املعلّم أ ْن ُ‬
‫حت يـ ْعلموه‪ .‬وهو حسن صواب‪ ،‬كما قال‬ ‫ّإال وُه ْم على ُوضوء‪ّ ،‬‬
‫سحنون‪ ،‬أل ّن معلِّمهم يُعلِّمهم مصاحل دينِهم‬

‫)‪ - (1‬سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي (‪ 361‬هـ ‪ – 240‬هـ)‪ ،‬هو فقيه مسلم من القريوانو شيخ‬
‫مشايخ افريقية ويعترب من أشهر فقهاء املالكية‪.‬‬
‫وهو مؤلف كتاب (آداب املعلمني) مما دونه ابنه حممد عنه‪ ،‬ويعترب من اقدم املصادر و اوثقها يف جمال‬
‫آداب املعلمني و وقد نقل عنه اكثر العلماء يف هذا اجملال وخاصة االمام ابو حسن القابسي يف كتابه‬
‫هذا (احكام املعلمني و املتعلمني)‬
‫‪029‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صيب مل ْحيتلِ ْم قال‪ :‬ما‬ ‫ِ‬


‫قد ُسئل مالك عن صبيان ال ُكتّاب يُصلّي هبم ًّ‬
‫الصبيان وخففهُ‪ .‬قال أبو احلسن‪ :‬يُريد الذين‬ ‫ِ ِ‬
‫زال ذلك من شأن ّ‬
‫يُصلّون معه مل ْحيتلِموا‪ ،‬ولو كان يف صبيان ال ُكتّاب حمتلم‪ ،‬فإن صلُح‬
‫ل ِإلمامة قُ ِّدم‪ ،‬وإ ْن مل يصلُح لإلمامة فال يُصلّي خلف م ْن مل ْحيتلِم‪،‬‬
‫وال يقطع عن صبيان ال ُكتّاب عاد ُهتم‪ ،‬لكي يتدرجوا اىل ِ‬
‫معرفة صالة‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫حت يكربوا على الرغبة فيها‪ ،‬وهللاُ خريُ‬ ‫اجلماعة‪ ،‬وليعرفوا فضلها ّ‬
‫الرامحني‪.‬‬
‫حافظ وهو أرح ُم ّ‬

‫‪031‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األول‬
‫الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ّ‬
‫والصبيان‪ ،‬وعن‬
‫ذكر سؤاله عما تكون فيه األحكام بني املعلّمني ّ‬ ‫ُ‬
‫الرجل زوجته وولده وعبده وشكواهُ ولده الكبي ـر‬
‫أدب َّ‬
‫وصف ما يطيب للمعلّمني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬قد قدمت لك من‬
‫ومن و ِ‬ ‫ِ‬
‫صف ما ليس هلم أخ ُذه‪ ،‬وما يكون‬ ‫أيْ ُخذونه من املتعلّمني‪ْ ،‬‬
‫الكفايةُ والبيان ملا سألت عنه‪ ،‬وفيها‬ ‫ألهل الورِع منهم‪ ،‬ما فيه ِ‬ ‫نزاهةً ِ‬
‫ما يوجب هلم يف ش ْر ِطهم‪ ،‬فإ ْن أراد منهم أحد ترك ما دخل فيه‪ ،‬أو‬
‫األحكام‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اختلفوا يف أمر‪ ،‬و ِسعْتـ ُه ُم‬
‫ِ‬
‫جتب له‪،‬‬‫أي وجه ُ‬ ‫ب للمعلّم‪ ،‬وعلى ِّ‬ ‫وسألت عن اخلتمة متی جت ُ‬
‫يب يف ِحفظه‪ ،‬وقراءتِه‪ ،‬وإجارتِه‪ ،‬فيستوجبُها‬ ‫حال الص ّ‬ ‫وكيف يكون ُ‬
‫وجهني‪:‬‬
‫ْ‬ ‫املعلّم؟ قال‪ :‬ووجوب اخلِْتمة للمعلّم يف ما سألت عنه على‬
‫أحدمها أن يستظهر القرآن ِح ْفظاً من ّأوله إىل آخره‪ ،‬فهذا الذي‬
‫املأمون على النظ ِر يف‬ ‫ِ‬ ‫جتب له اخلِْتمةُ على نظر حاكِم املسلمني‬
‫يب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ذلك‪ .‬وتكون على ق ْدر يُ ْسر األب وعُ ْسره‪ ،‬وق ْدر ما فهمهُ الص ّ‬
‫للقرآن‪ ،‬وليس يف ذلك حد ُموقت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مما علمه املعلِّ ُم‪ ،‬مع استظها ِره‬
‫عادات النّاس يف ِمثْ ِل هذا املعلِّم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اجب يف‬
‫إّّنا هو ما يُرى أنه هو الو ُ‬
‫ِمب ِثل هذا الصيب‪ ،‬ويف حال ِ‬
‫أبيه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪030‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

032


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫والوجه اآلخر أن يكون الصيب استكمل قراءة القرآن يف الـ ُمصحف‬


‫نظراً‪ ،‬ال خيفى عليه شيء من ُحروفه‪ ،‬مع ما ف ِهمهُ الصيب مما‬
‫الشكل‪ ،‬وحس ِن اخل ِّ‬ ‫ِ‬
‫ط‪،‬‬ ‫اف إىل ذلك‪ ،‬من ضْب ِط اهلجاء‪ ،‬و ّ‬ ‫يـْنض ُ‬
‫يب أيضاً‪ ،‬على ق ْدر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هاد يف الواجب لـمعلّم هذا الص ّ‬ ‫فيكون اال ْجت ُ‬
‫لحفظ مع ما صاحبه‬ ‫عادات النّاس يف أحواهلم‪ّ .‬إال أن الـمستظهر لِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫اب قراءة‪ ،‬يكون يف‬ ‫وضبط شكل‪ ،‬وهجاء‪ ،‬وإعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط‪،‬‬‫من ُحسن خ ّ‬
‫احلفظ‪ ،‬إّنا ق ِوى على تِالوة‬ ‫تهاد أفضل جعالً ممّن مل يستظه ِر ِ‬ ‫االج ِ‬ ‫ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫وصفت لك‪ ،‬كان‬ ‫ُ‬ ‫كل واحد منهما عما‬ ‫القرآن نظراً‪ .‬وما نـ ُقص تعلّ ُم ِّ‬
‫استكمل ذلك‪ .‬فعلى‬ ‫االجتهاد له فيما جيب من اجلُ ْع ِل دون م ِن ْ‬ ‫ُ‬
‫استكمل‬ ‫الوجهني‪ُْ ،‬حيم ُل ما جيب للمعلّم على املتعلّم إذا ُهو ْ‬ ‫ْ‬ ‫هذين‬
‫سمی‪.‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫خْتم القرآن‪ .‬وهذا إذا مل يكن شر ُط املعلّم للخْتمة ُج ْعالً ُم ّ‬
‫يب الوجه الذي‬ ‫ِ‬
‫فأما إ ْن شرط ذلك كان له ما شرط إذا حذق الص ّ‬
‫عُلِّم من ظاهر أو نظر‪.‬‬
‫سمى ِمبقدار‬ ‫ِ‬
‫يب ممّا عُلّم به‪ ،‬نقص من األجر الـ ُم ّ‬ ‫الص ّ‬
‫فإن نقص تعلم ّ‬
‫ص التّعليم إىل ِّ‬
‫أقل ما‬ ‫ما نقص من تعلم الصيب‪ ،‬حت ينت ِهي من نـ ْق ِ‬
‫ّ‬
‫املنفعة اليت له فيه‪ .‬وإن كان مل يشرتط‬ ‫ِ‬ ‫يـْنـفعُهُ‪ ،‬فيكون له مبقدار‬

‫‪033‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يب‬
‫حت يكون للمعلّم فيها إذا أ ْحذقها الص ّ‬ ‫سم ًى‪ّ ،‬‬ ‫للختمة شيئا ُم ّ‬
‫حت ينتهي إىل ما ال يُسمى تعلماً‪،‬‬ ‫يب ّ‬‫حذق الص ّ‬‫االجتهاد‪ ،‬فنقص ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشكل‪ ،‬والنّظر يف الـ ُمصحف‪ ،‬فبأ ِّ‬
‫ي‬ ‫يف إجادتِه‪ ،‬ومعرفته ابهلجاء و ّ‬
‫شيء ختم هذا؟‬
‫يب فال يـتهجى‪ ،‬ويرى احلروف فال‬ ‫ِ ِ‬
‫ما هلذا خْتمة‪ُ :‬ميلى على الص ّ‬
‫فيه‪ ،‬إ ْن كان‬ ‫اءهتا‪ .‬معلّم هذا قد فـرط ِ‬ ‫يضبِطُها‪ ،‬وال يستمر يف قر ِ‬
‫ُ‬
‫ي العُلماء أن‬ ‫ُحيسن التّعليم‪ ،‬وإ ْن كان ال ُحيسن التعليم‪ ،‬فقد غرر‪ .‬ورأ ُ‬
‫وهتاونِه مبا الْتـزمهُ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثل هذا املعلّم ي ْستأه ُل األدب لتفريطه فيما وليهُ‪ُ ،‬‬
‫وأ ْن ُمينع ِمن التعليم‪ ،‬وهو صواب‪ ،‬إذا كان شأنُه التفريط أو الغرور‬
‫بعضهم أ ّن مثل هذا املعلّم ال ي ِ‬
‫ستأه ُل‬ ‫بِتعلِ ِيمه وهو ال ُحي ِسن‪ .‬ورأي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ستأهل اللوم والتعنيف والغِلظة والتأنيب من ا ِإل ِ‬
‫مام‬ ‫ا ِإللْزام‪ ،‬بل ي ِ‬
‫ُ ْ‬
‫يب‪ ،‬واختُِرب الصيب فـ ُوِجد لذلك ال‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الع ْدل‪ .‬فإن ْاعتذر املعلّم ببـله الص ّ‬
‫حيصل هلذا املعلِّم ّإال إجارةُ‬ ‫ط ما فُـ ِّهم‪ ،‬فـل ْم ُ‬ ‫ظ ما عُلِّم‪ ،‬وال يضبِ ُ‬ ‫حي ِف ُ‬
‫عرف آابه ِمبكانِه من فـ ْقد‬ ‫ح ْوِزه وتديبِه‪ ،‬ال إجارةُ التعليم‪ ،‬إذا مل يُ ِّ‬
‫عرفْهُ فقد‬‫الف ْه ِم‪ ،‬ألنه لو عرف أابه‪ ،‬فرضي له بشيء لزمه‪ ،‬فإذا مل يُ ِّ‬
‫املغرُر ال ي ْستأْ ِه ُل على تغريره ُج ْعالً وال إحساانً‪.‬‬
‫غرهُ‪ .‬و ِّ‬

‫‪034‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حت تدا ى من اخلتمة فأراد اخلروج من ِعند املعلّم‬ ‫ِ‬


‫و ّأما الصيب عُلّم ّ‬
‫قال‪ ،‬أو مات‬ ‫عة‪ ،‬أو إىل ما أحب من االنتِ ِ‬ ‫إىل معلّم آخر‪ ،‬أو إىل صْن ِ‬
‫ُ‬
‫سم ًی‪ ،‬فهو‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الصيب قبل استكمال اخلتمة‪ ،‬وهي مل يُسم هلا ُج ْعل ُم ّ‬
‫ِ‬
‫استكمال اخلتمة‬ ‫عندي أصل واحد‪ ،‬كأ ّن الذي ب ِقي عليه من‬
‫بع‪ ،‬أو أقل من ذلك أو أقل من الس ُد ِس‪ ،‬فإنه يكو ُن‬ ‫الر ُ‬
‫لث‪ ،‬أو ّ‬ ‫الثّ ُ‬
‫جيب على مثلِه يف ُج ْع ِل ِختمة‬ ‫للمعلّم عندي على أيب الص ِ‬
‫يب ممّا ُ‬ ‫ّّ‬
‫ِ‬
‫أسداسه‪ ،‬أو‬ ‫ابع ذلك‪ ،‬أو مخسة‬ ‫ابنِه‪ ،‬مبقدار ما انتهى ثالثة أر ِ‬
‫أكثر‪ ،‬أو أقل من ذلك‪ .‬ولو كان إّنا علمه نصف القرآن‪ ،‬لوجب له‬
‫ت‬ ‫ِ‬
‫ساب ذلك‪ .‬وكذلك جيب عندي يف الوقت للمعلّم ما اشتـهر ْ‬ ‫ح ُ‬
‫البلد الذي يعلّم فيه مثل اجلُ ْعل يف (ملْ ي ُك ِن ال ِذين‬
‫عادةُ وجوبِه له يف ِ‬
‫ُ‬
‫يب ويف (عم يـتساءلُون)(‪ )2‬ويف (تبارك)(‪ )3‬ويف‬ ‫ّ‬ ‫الص‬
‫ّ‬ ‫بلغها‬ ‫إذا‬ ‫(‪)1‬‬
‫كف ُروا)‬
‫الصافّات)(‪ )5‬ويف سورة (الكهف)(‪ِ )1‬الشتهار أداء‬ ‫(‪)4‬‬
‫(إ ّان فتحنا) و( ّ‬

‫)‪ - (1‬سورة البينة‪ ،‬اآلية رقم(‪.)3‬‬


‫)‪ - (2‬سورة النبأ‪ ،‬اآلية رقم (‪.)3‬‬
‫)‪- (3‬سورة امللك‪ ،‬اآلية رقم(‪.)3‬‬
‫)‪- (4‬سورة الفتح‪ ،‬اآلية رقم (‪.)3‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الصافات آايهتا ‪ 382‬آية‪ ،‬وترتيبها يف املصحف ‪ ،47‬يف اجلزء الثالث والعشرين‪.‬‬
‫‪035‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وجلوس الـ ُمعلّمني ورغبتُهم يف التّعليم إّنا هو لذلك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫النّاس يف ذلك‪.‬‬
‫القرآن جائزًة‪ ،‬واألخ ُذ على ذلك‬ ‫ِ‬ ‫وإذا كانت اإلجارةُ على تعل ِم‬
‫ات ّإال‬ ‫ابلشرط إّّنا هو إجارة مل يصلُح أن جيري إال جماري اإلجار ِ‬
‫فيما ات ِفق على جتويزه ِمن تـرِك ِ‬
‫شرط ت ْس ِمي ِة الـ ُج ْع ِل‪ .‬وكذلك الـ ُج ْع ُل‬ ‫ْ ْ‬
‫جوهبا عليه يف‬ ‫يف ختمة القرآن على من أدى اخلْتمة الـمسماة‪ ،‬لو ِ‬
‫ُ ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ؤدي يف‬ ‫عادة البلد‪ ،‬يكون أخف من الـ ُج ْع ِل يف اخلتمة على من ال يُ ّ‬
‫سم ِاة شيئاً‪ .‬وما معىن قول سحنون‪ :‬عندي أنه ال تلزم‬ ‫اخلتمة الـ ُم ّ‬
‫يتطوعوا‬ ‫ِ ِ‬
‫ختمة غريُ القرآن كلّه‪ ،‬ال نصف وال ثلث‪ ،‬وال ربع‪ّ ،‬إال أن ّ‬
‫عام ِة النّاس األداءُ يف ذلك‪ .‬وإّّنا‬ ‫ِ‬
‫بذلك – ّإال أنّه مل يكن يف عادة ّ‬
‫للصبيان‪ ،‬وهذا هو سبيل‬ ‫سرةً ّ‬ ‫كان يفعلُه األقل إ ْكراماً للمعلّم وم ّ‬
‫التكرِم الذي ال جيب به ُح ْکم‪.‬‬
‫جبت على من ّأدى‬ ‫ِ‬
‫وملا كانت اخلتمةُ يف تعلّم القرآن كامالً إّنا و ْ‬
‫وج ِه‬ ‫ِ‬ ‫عادة العامة‪ِ ،‬‬ ‫منهم من قِب ِل ِ‬
‫لت على عادهتم يف ذلك على ْ‬ ‫فحم ْ‬ ‫ّ ُ‬
‫كل ما‬ ‫سم ًی‪ ،‬وجب ذلك يف ِّ‬ ‫الوجوب‪ ،‬وإ ْن مل يش ِرت ْط هلا ُج ْعالً ُم ّ‬ ‫ُ‬
‫حت صار عندها يف الوجوب كم ْن ختم مجيع‬ ‫العامة والْتـزمْتهُ ّ‬
‫فشا ّف ّ‬
‫)‪ - (1‬سورة الكهف رقمها ‪ ،38‬تسبق سورة مرمي وتلحق سورة اإلسراء‪ ،‬يف ترتيب سور القرآن الكرمي ‪.‬‬
‫عدد آايهتا ‪ 331‬آية‪ ،‬ترتيب نزوهلا ‪ .69‬تتوسط السورة القرآن الكرمي‪ ،‬فهي تقع يف اجلزئني اخلامس‬
‫عشر والسادس عشر‪.‬‬
‫‪036‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القرآن‪ .‬وكذلك عندى قولُه‪ ،‬إذا قيل له‪ :‬فـع ِطيةُ ِ‬


‫العيد يُقضى هبا؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬وال أع ِرف ما هي ّإال أن يـت ّ‬
‫طوعوا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكم ابألخطار الذي‬ ‫ُ‬ ‫ب للمعلّم‬‫وكذلك قول اب ِن حبيب‪ :‬وال جي ُ‬
‫تطوع‪ ،‬م ْن شاء منهم فعل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصبيان يف األعياد‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫أيخذونه من ّ‬
‫عل ذلك حسن ِممّن فعله‪ ،‬وتكرم من آابء‬ ‫ِ‬
‫ومن شاء مل يفعل‪ .‬وف ُ‬
‫ِ‬
‫أعياد‬ ‫بيان لِـ ُمعلّميهم‪ .‬ومل يزْل ذلك ُمستحسناً فعلُه يف‬ ‫الص ِ‬
‫ّ‬
‫فقول سحنون واب ِن حبيب عندي يف هذا‪ ،‬إذا كان ذلك‬ ‫الـ ُمسلمني‪ُ .‬‬
‫أداؤهُ يرْونه ِممّا ال بُد منه‪ .‬فأما إذا فشا يف عامة‬
‫عامة النّاس ُ‬ ‫ليس يف ّ‬
‫العامة ّمما يرونه واجبا‪ ،‬وعلى ذلك جلس‬ ‫النّاس‪ ،‬وصار عند ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عامة النّاس يف‬ ‫املعلّمون‪ ،‬وإن مل يش ِرتطوه‪ ،‬للعادة الـ ُمْنـتشرِة يف ّ‬
‫املوهوب اهلِبة وأفاهتا‬
‫ُ‬ ‫الـ ُمعاوضات‪ ،‬واجبة‪ ،‬کاهلبة للمكافآت إذا انل‬
‫العوض منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وجب عليه قِيمتُها‪ .‬وكذلِك ما أفات منها‪ ،‬وجب عليه‬
‫كانت ُمستحسنةً يف‬ ‫ِ‬
‫وكذلك املعلّمون عندي يف هذه العادات‪ ،‬إذا ْ‬
‫اخلاصة‪ ،‬فانْتِشارها على ما وصفنا ي ِ‬
‫وجبُها‪.‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫قول اب ِن حبيب ومكروه عليه أ ْن يفعل من ذلك شيئاً يف‬ ‫وصواب ُ‬
‫مثل الن ْريوِز والـ ِم ْهرجان‪ ،‬ال ِحيل ملن فعله وال ملن يقبلُه‬
‫أعياد النصارى ِ‬
‫ألايم ِ‬
‫أهل ال ُكفر ابهلل‪.‬‬ ‫من املعلّمني‪ ،‬بل ذلك تعظيم ِّ ِ‬
‫للشرك‪ ،‬وإعظام ّ‬
‫‪037‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قال‪ :‬وحدثي أس ُد بن ُموسى عن احلسن بن ِدينار عن احلسن‬


‫هرجان‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫البصري‪ ،‬أنّه كان يكره أن يعطى املعلّم يف النريوِز واملِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫كان الـ ُمسلمون يـ ْع ِرفون حق ُمعلّميهم‪ ،‬إذا جاء العيدان‪ ،‬أو دخل‬
‫قدم غائب من سف ِره‪ ،‬أعط ْوهُ‪.‬‬ ‫رمضا ُن‪ ،‬أو ِ‬
‫عامة النّاس‪ ،‬وال قصد املعلّمون إىل‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬ما انتشر يف ّ‬
‫احلسن رمحه هللا إال العيدين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الـ ُجلوس عليه من هذا الذي مسّاه‬
‫فأما رمضا ُن‪ ،‬والقدوم من السف ِر‪ ،‬فهو ابق ِلفعل اخلاص ِة‪ ،‬وعاشوراء‬ ‫ّ‬
‫ثل ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م ُ‬
‫دخل فيها أيضا‬ ‫وكذلك الـمذموم أن يؤخذ يف ِ‬
‫أعياد ِ‬
‫أهل ال ُكفر‪ ،‬ي ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫طاس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داس عندان‪ ،‬والغْبطةُ ابألندلس‪ ،‬والغ ُ‬ ‫ص ُح‪ ،‬واالنْق ُ‬
‫يالد‪ ،‬والف ْ‬‫امل ُ‬
‫أعياد الكفرة‪ ،‬ال جيب أن يطلب معلّ ُم املسلمني‬ ‫مبصر‪ُ .‬كل هذا من ِ‬
‫فيه شيئاً‪ ،‬وإ ْن أُِيت إليه بشيء يف ذلك ال يقبـلُه وإِ ْن أطاعوا له به‪ .‬وال‬
‫ي‪،‬‬‫يتطوعوا بذلك وال يتزيّنوا له بشيء من ال ِز ِّ‬ ‫ينبغي للمسلمني أن ّ‬
‫مل ِ‬ ‫ِ‬
‫القباب يف‬ ‫الصبيان كع ِ‬ ‫وال يـتهيّـئُوا له بشيء من التـ ْهيِئة‪ ،‬وال يـفر ُح ّ‬
‫االنْبداس‪ ،‬وال ُقصوفات يف امليالد‪ .‬كل ذلك اليصلُح من عم ِل‬ ‫ِ‬
‫بول اإلكرام منهم فيه‪،‬‬ ‫املسلمني‪ ،‬ويـْنـهون عنه‪ ،‬وأيىب املعلّم من ق ِ‬
‫ُ ْ‬
‫لِيعلم جاهلُهم أن هذا خطأ فينتهي‪ ،‬وخيْجل ُمست ِخفهم له فيرتُك‬

‫‪038‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الرسول‬
‫بعضه بعضاً‪ ،‬كذا قال ّ‬ ‫املؤمن للمؤم ِن كالبُنيان ي ُشد ُ‬
‫ذلك‪ .‬و ُ‬
‫عليه السالم‪.‬‬
‫وأما قول سحنون فيمن أخرج ولده من ِ‬
‫عند املعلّم وقال له‪ :‬ال‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ضر ولدي عندك وقد قارب اخلْتمة‪ ،‬وكانت اإلجارةُ كل شهر‪.‬‬ ‫حي ُ‬
‫فقال أقضي عليه ابخلْتم ِة‪ ،‬مث ال أُابيل به أ ْخرجهُ أو تركه‪ .‬ومقاربةُ‬
‫اخلِتمة عند سحنون‪ ،‬إذا بلغ الثلث ْني أو جاوز ذلك‪ .‬وقيل عنه‪:‬‬
‫ني‪ .‬وعنده إذا مل يبلُغ إال لِسورِة يُونس‪ ،‬أنه ال يُقضى‬ ‫والثالثةُ أرابع أبْ ُ‬
‫له بشيء‪ .‬وقال ابن حبيب وإذا مل ِ‬
‫يشرتطْها املعلّم‪ ،‬ومل يشرت ْط أبو‬ ‫ُ‬
‫اغه منها‪ ،‬كأ ْن ِ‬
‫كانت‬ ‫الغُالم سقوطها عنه‪ ،‬فأراد أن ُخيرجه قبل فر ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫دانت ابألم ِر الي ِ‬ ‫ِ‬
‫يت عليه‪،‬‬‫مثل السوِر القليلة تكون بق ْ‬ ‫سري ِ‬ ‫اخلتمةُ قد ت ْ‬
‫وصفت لك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ظ كما‬ ‫الم حي ِف ُ‬
‫فاحلذقةُ واجبة للمعلّم كلها إذا كان الغُ ُ‬
‫ِ‬
‫السدس‬‫وإ ْن كان الذي بقي من احلذقة الشيء الذي له ابل مثل ّ‬
‫ِ‬
‫احلذقة شيء ال‬ ‫أقل من ذلك‪ ،‬أ ْخرجه إذا شاء‪ ،‬ومل يكن عليه من‬ ‫و ّ‬
‫مجيعها‪ ،‬وال على ِح ِ‬
‫ساهبا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫كمها للمعلّم جبمي ِع اخلتمة على من قارهبا‪،‬‬ ‫قال أبو احلسن‪ّ :‬أما ُح ُ‬
‫عتدل فيمن ح ِذق‪ ،‬ومت حذقه يف املعرفة والنّفاذ‪ ،‬واستغىن مبا‬ ‫فهو ي ِ‬
‫حت صار ال حيتاج فيما‬ ‫ِ‬ ‫عنده من اخل ِّ‬
‫ط واهلجاء واإلجادة واإلعراب‪ّ ،‬‬
‫‪039‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بقي عليه إىل املعلّم‪ ،‬فهذا إذا خرج عند ُمقاربة اخلتمة‪ ،‬فلم يبق من‬
‫استكمالِه إايها ما على املعلّم فيه عناء‪ ،‬بل ت ِ‬
‫اديه مع املعلّم نفع‬ ‫ّ‬
‫للمعلّم‪.‬‬
‫وأما إسقاطُهما اجلعل عمن مل يبلغ مقاربة اخلتمة‪ ،‬وقد ِ‬
‫حذق وف ِهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ّ‬
‫تعليمه‪ ،‬فما أع ِرف له وجهاً‪ ،‬وال م ِن أيْن أخذه‪ .‬إّنا‬ ‫وال عنت يف ِ‬
‫يب إذا أخذ‬‫ذكر سحنون أن الـ ُمغرية وابن دينار اجتمعا على أن الص ّ‬
‫لث إىل سورة البقرة‪ ،‬أ ّن اخلتمة واجبة إذا عرف أن‬ ‫عند املعلّم من الث ِ‬
‫سأل ع ْن غري ذلك ممّا مل يكن أخذه‬ ‫وصفت لك‪ ،‬وال يُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫يقرأه كما‬
‫املغرية واب ِن دينار يف مبتدَ انتهى إىل الثّ ِ‬
‫لث حي ُس ُن‪،‬‬ ‫وقول ِ‬ ‫عنده‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫من قِب ِل أ ّن املبتدَ ال ُحي ّقق ممّا عُلِّم النفاذ الـ ُمرفق يف مقدار بُلوغ‬
‫ِ‬
‫الثّلث‪ ،‬هو يـُعد يف تعلم الصغري البعيد من امليز‪ ،‬فصار من علمهُ‬
‫األول من‬ ‫ِ‬ ‫الث ْ ِ ِ‬
‫لثني الباقي ْني هو الذي لقي التعب به ومل تضع عنه عنايةُ ّ‬
‫عام ِة النّاس‪ .‬وإّنا العم ُل يف هذه‬ ‫ِ‬
‫العناء ما يـُْرف ُقهُ‪ ،‬هذا الغالب يف ّ‬
‫األشياء على الغالب املستفيض يف وصف الناس‪ .‬ومل يُذكر عن‬
‫ِ‬
‫الـ ُمغرية واب ِن دينار يف الذي علمه الثّلث ّ‬
‫األول شيئاً‪.‬‬
‫ابن دينار ‪-‬وكالمها من عُلماء أهل‬ ‫وقد قال‪ :‬تنازع الـ ُمغريةُ و ُ‬
‫األب إنه ال حي ِفظ‪،‬‬
‫يب خيتم القرآن عند املعلّم‪ ،‬فيقول ُ‬
‫احلجاز‪-‬يف الص ِ‬
‫ّّ‬
‫‪041‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الصيب کله نظراً‬ ‫فقال املغرية‪ :‬إذا كان أخذ القرآن عنده كله‪ ،‬وقرأه ّ‬
‫يف الـ ُمصحف‪ ،‬وأقام حروفه‪ ،‬وإ ْن أخطأ منه اليسري الذي ال بُد منه‬
‫وسع‬ ‫احلروف وحن ِوها‪ ،‬فقد وجبت للمعلّم اخلِتمةُ‪ ،‬وهي على الـم ِ‬ ‫ِ‬ ‫مثل‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ظ من قول مالِك‪.‬‬ ‫قدره‪ ،‬وهو الذي أحف ُ‬ ‫ِِ‬
‫قدرهُ وعلى الـ ُم ْقرت ُ‬
‫ُ‬
‫ب للمعلّم اخلتمةُ على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن دينار‪ :‬قد مسعت مالكاً يقول‪ :‬جت ُ‬ ‫وقال ُ‬
‫ق ْد ِر يُسر الرجل وعُ ْس ِره‪ ،‬جيت ِه ُد يف ذلك ويل النظر للمسلمني‪ .‬وأرى‬
‫يب‪ :‬أنه ال يـ ْعل ُم القرآن‪ ،‬فإذا قرأ منه‬ ‫الص‬ ‫يف‬ ‫األب‬ ‫و‬ ‫م‬‫أنه إذا تنازع املعلِ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وجبت له اخلتمةُ‬
‫ْ‬ ‫نظراً من املوضع الذي لو كان أخذه عنده ُمفرداً‬
‫أيخ ْذهُ عنده‬
‫قضيت له هبا‪ ،‬وال أابيل أ ْن ال يقرأ غري ذلك‪ ،‬ألنه لو مل ُ‬ ‫ُ‬
‫مل يسأل هذا املعلّم‪.‬‬
‫ابن دينار‬‫قال أبو احلسن‪ :‬فهذا سحنون ذکر ما تنازع فيه الـ ُمغرية و ُ‬
‫يب ّإال‬ ‫ِ‬
‫فوصف أن املغرية جعل للمعلّم اخلتمة إذا مل يبق على الص ّ‬
‫ت عليه حروف كثريًة ما‬ ‫ِ‬ ‫احلروف اليسريةُ‪ .‬ومل ي ِ‬
‫ف عنه فيه إن بقي ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ُ‬
‫يكون احلُكم فيه‪ .‬ووصف ما رآه ابن دينار إذا قرأ الصيب نظراً من‬
‫بت له اخلتمةُ‪ ،‬قُضي له‬ ‫ِ‬
‫املوضع الذي لو كان أخذه عنده ُمفرداً وج ْ‬
‫أيخ ْذه عنده مل‬
‫هبا‪ ،‬وال يُبايل أ ْن ال يقرأ غري ذلك‪ :‬قال‪ :‬ألنّه لو ملْ ُ‬
‫بينهما ها هنا؟ إذا كاان وصفا‬ ‫يح التّنازِع ُ‬
‫يسأل هذا املعلّم‪ .‬فأين تصر ُ‬
‫‪040‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ط به ُج ْع ُل املعلّم‪ ،‬وال‬ ‫صفا ما يس ُق ُ‬ ‫ماجيب به اجلعل للمعلّم‪ ،‬ومل ي ِ‬ ‫ِ‬


‫ُْ ُ‬
‫وصفهُ واحد منهما‪.‬‬
‫ف أ ّن مالكاً جعل للمعلّم‬ ‫الوص ِ‬
‫ابن دينار يف هذا ْ‬ ‫وقد اتفق املغريةُ و ُ‬
‫ف عنهما سحنون ّأهنما‬ ‫ص ْ‬ ‫اخلِتمة على ق ْد ِر يس ِر ِ‬
‫األب وعس ِره‪ ،‬ومل ي ِ‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫قاال عن مالك فيمن علّم ما دون اخلتمة شيئاً‪ .‬وإن كان قول الـم ِ‬
‫غرية‬ ‫ُ‬
‫احلروف اليسريةُ يدخل يف ما ُح ِفظ عن مالك‬ ‫ُ‬ ‫يف الذي يبقى عليه‬
‫الطلب أن يوجد املالِك إسقا ُط ُج ْع ِل املعلّم فيما‬ ‫ُ‬ ‫فهو حسن‪ ،‬إّّنا‬
‫تمة‪ .‬وقال سحنون أيضأ‪ :‬قال أصحابُنا مجيعاً‪ ،‬مالك واملغريةُ‬ ‫دون اخلِ ِ‬
‫استُـ ْؤِجر شهراً شهرا‪ ،‬أو على‬ ‫ِ‬
‫ب للمعلّم اخلتمةُ‪ ،‬وإن ْ‬
‫ِ‬
‫وغريُمها‪ :‬جت ُ‬
‫تعليم القرآن أبجر معلوم‪ ،‬وال جيب له غريُ ذلك‪.‬‬
‫ب له غريُ ذلك‪ّ ،‬إال‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬وليس يظهر يف قوهلم وال جي ُ‬
‫أنه إّنا جيب له ُج ْعلُه يف اخلِتمة‪ ،‬ليس له مع ذلك إال ما ُخورج عليه‬
‫الوقت وعليه يقعد املعلّم‪،‬‬ ‫املعروف يف ذلك ِ‬ ‫ُ‬ ‫يف الـ ُمشاهرة‪ ،‬إذا كان‬
‫األرفاق‪ ،‬اليت ال يُقضى‬ ‫إال من أ ْكرمهُ يف األعياد وما أشبه ذلك من ْ‬
‫ليست ُمعتاد ًة فيُعم ُل عليها‪ ،‬ومن محل هذه الكلفة على أهنم‬ ‫ْ‬ ‫هبا‪ ،‬إذ‬
‫أرادوا أنه ليس له فيما دون اخلتمة شيء‪ ،‬فما لقوله هذا بيان‪.‬‬

‫‪042‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقال ابن حبيب‪ :‬احلِذقةُ على احلِفظ الزمة ألبيه‪ّ ،‬إال أن يكون أبوه‬
‫فيسقطُها الشر ُط‬ ‫اشرتط على املعلّم أن ال حذقة عليه سوى إخر ِاجه‪ِ ،‬‬
‫رت لك‪ ،‬اشرتطها‬ ‫جتب كما فس ُ‬ ‫فأما إذا سكتا عنهما‪ ،‬فهي ُ‬ ‫عنه‪ّ ،‬‬
‫اطها أو غري‬ ‫املعلّم أو مل ي ْش ِرتطْها‪ ،‬وإّنا خيتلف احلكم يف اشرت ِ‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫احلذقة‪ .‬فإنّه إذا اشرتطها‬ ‫ِ‬ ‫جل أن ُخيرج ولده ْقبل‬ ‫ِ‬
‫الر ُ‬
‫اشرتاطها‪ ،‬إذا أراد ّ‬
‫كل‬ ‫يف‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫شهر‬ ‫كل‬ ‫يف‬ ‫درهم‬ ‫على‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫املعلّم‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬أُعلِ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫للب أن ُخيرجهُ إ ْن‬ ‫شهريْن‪ ،‬وعلى أن يل يف احلذقة كذا وكذا‪ ،‬كان ِ‬
‫ذقة على ق ْد ِر ما قرأ منها‪ ،‬و ْلو مل يقرأْ منها‬ ‫شاء‪ ،‬وكان عليه من احلِ ِ‬
‫اط ِه فيها ما‬ ‫ّإال الثّلث أو الربع‪ ،‬كان عليه منها حبساب ذلك‪ِ ،‬ال ْشرت ِ‬
‫ّ‬
‫مسى مع خر ِاجه‪ ،‬ولو كان شارطهُ على أن ُحيذقه ولهُ كذا وكذا‪ ،‬مل‬
‫يكن أليب الغالم أن ُخيرجه حت يُتِم حذقته‪.‬‬
‫مجع الشر ُط فيه بشرط‬ ‫وصف هذا بني ما ُِ‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬ففرق يف ِ‬
‫كل شهر‪ ،‬وبني ِ‬ ‫ِِ‬
‫شرط‬ ‫احلذقة وتسمية اجلُ ْع ِل عليها‪ ،‬أو املخارجة يف ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ُمشاهرة‪ ،‬فيما‬ ‫احلذقة وتسمية اجلُ ْع ِل عليها‪ .‬ومل يكن مع ذلك خر ُ‬
‫يب إخراجه ْقبل تام احلذقة‪ .‬ومل يذكر ُح ّجةً لتـ ْف ِرقتِه‪،‬‬ ‫إذا أراد أبو الص ّ‬
‫ِ‬
‫كل شهر‪،‬‬ ‫ومل يكن ملن شرط ومسى هلا ُج ْعالً وزاد مع اجلُ ْع ِل درمها يف ِّ‬
‫تامها‪ ،‬ويسقط للمعلّم بقية‬ ‫إىل أن يتم احلِذقة أ ْن ُخيرج ابنه قبل ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪043‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫شرطه ممّا مسّى له من اجلُ ْعل يف مجيع احلذقة‪ ،‬وهو لو مل يُس ِّم اخلراج‬
‫يب أن ُخيرجه ْقبل تام احلذقة‪ ،‬أل ّن العقد‬ ‫ِ‬
‫كل شهر ل ُمنع أبو الص ّ‬ ‫يف ّ‬
‫قد أوجب على املعلّم قبل تام احلذقة‪ ،‬وأًْوجب على أيب الص ّ‬
‫يب‬
‫اجلُ ْعل الـ ُمسمى‪ ،‬فليس له أن يـُْن ِقصهُ منه إبخر ِاجه ابنهُ ْقبل التّمام‪.‬‬
‫فإن كان زايدةُ اخلراج يف الـ ُمشاهرة بشرط إلْزِام ش ْرط احلذقة رجع‬
‫أردت بيانه إ ْذ‬
‫ذلك إىل حكم من مل يشرتط احلذقة‪ .‬فهذا الذي ُ‬
‫حصة من ُج ْع ِل احلِذق ِة‪ ،‬إذا أخرجهُ ْقبل‬ ‫يب ّ‬ ‫ّ‬ ‫الص‬ ‫أيب‬ ‫على‬ ‫ل‬‫جعِ‬
‫ُ‬
‫القول‪ .‬فلِم ُجعِل لـِم ْن يشرتط احلذقة فأخرج‬ ‫تامها‪ ،‬وهو صواب ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫ابنه ْقبل ُمقاربتها‪ ،‬أنه ال يـُ ْغرُم شيئا من ُج ْع ِل احلذقة؟ فإ ْن قيل ألهنا‬
‫سمی‪ ،‬قلت‪ :‬فإذا كمل هذا اخلتمة‪،‬‬ ‫مل تُشرت ْط‪ ،‬ومل يُسم هلا ُجعالً ُم ًّ‬
‫ؤدي مشاهرًة أو‬ ‫ت‪ ،‬وال ُمسّي هلا ُج ْعل‪ ،‬وقد كان يُ ّ‬ ‫كن ا ْش ُِرتط ْ‬
‫ومل ت ْ‬
‫سم ومل ي ِ‬
‫شرت ْط؟ ومل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُمساان ًة خراجاً فلم ُجعل عليه حق اخلتمة وهو مل يُ ّ‬
‫ؤدي من الـ ُمشاهرة؟ فإ ْن قيل‪ :‬أل ّن‬ ‫ِ‬
‫ملْ ي ْكتفيا من ذلك مبا كان يُ ّ‬
‫ابال ْجتِهاد‬
‫وجتعل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫إذا‬ ‫اخلتمة‬ ‫العادة قد جرت يف الناس ِ‬
‫أبداء‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫يب من‬ ‫ذق الص ّ‬ ‫يب‪ ،‬وقدر ما انْتهى إليه ِح ُ‬ ‫على قدر أحوال أب الص ّ‬
‫وجبُه احلُكم‪ ،‬وال كراهية فيه‪ ،‬وال‬ ‫معرفة ما حفظ‪ ،‬وقيل فهذا الذي ي ِ‬
‫ُ‬
‫ىب أبوه قبل تام‬ ‫ِِ‬
‫قام التّ ْسمية سواء‪ .‬إذا أخرج الص ّ‬ ‫مقامهُ وم ُ‬
‫إابء منه‪ُ ،‬‬
‫‪044‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صتُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هاد يف اخلتمة‪ ،‬لو كانت ح ّ‬ ‫اخلتمة‪ ،‬جيب عليه ما يُوجبه اال ْجت ُ‬
‫بق ْدر ما تعلّم من اخلتمة‪ ،‬كما جيب يف التسمية اليت لهُ أن خيرج إليه‬
‫قبل تامها‪ .‬هذا وجهُ القياس فيما عندي وهللا أعلم‪.‬‬
‫قول اب ِن حبيب أيضاً‪ :‬وال جيوز للمعلّم إذا اشرتط احلِذقة‬ ‫وكذلك ُ‬
‫فأما أ ْن يقول أُعلِّ ُمه كل‬ ‫سمي هلا شيئاً معلوماً‪ّ .‬‬ ‫مع اخلراج ّإال أ ْن يُ ّ‬
‫شهر بِ ِد ْرهم‪ ،‬على أن احلذقة ىل واجبة‪ ،‬وسكت عن ت ْس ِميتِها‪ ،‬فال‬
‫جيوز ذلك إذا اشرتطها‪ ،‬فال بُد هلا من ت ْس ِمية‪.‬‬
‫ِ‬
‫املسألة ُخيْ ِر ُجه مت‬ ‫يب ّف هذه‬ ‫الص ّ‬
‫قال أبو احلسن‪ :‬هو جيعل أليب ّ‬
‫ِ‬
‫حت‬‫شاء قبل اخلتمة‪ ،‬كأنّه مل يـ ْلت ِزم احلذقة‪ ،‬مث مينع من أ ْن يُشرتط ّ‬
‫يب أن يسقط ما مسّى له‬ ‫سمى‪ .‬وإذا كان أليب الص ّ‬ ‫يُسمى هلا ُج ْعل ُم ًّ‬
‫الشرط فيها من التّـ ْغ ِري ِر‬ ‫ِ‬
‫ُج ْعالً من هذا‪ ،‬مل ملْ يكن إدخال هذا ّ‬
‫اج ما‬ ‫ِ‬
‫ابملعلّم؟ وإذا جاز هذا ابلغرر الذي فيه مل ملْ ُجي ْز إذا مل يُسم اخلر ُ‬
‫احلاجة إليه‪ :‬التغر ُير فيهما واحد‬ ‫ِ‬ ‫االجتهاد فيه‪ ،‬عند‬ ‫حت يُبيّنه‬
‫ُ‬ ‫هو ّ‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬
‫االجتهاد‬ ‫صةً ممّا يوجب‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ذهبت إىل أن ُجيعل للمعلّم ح ّ‬ ‫ُ‬ ‫أين ما‬‫واعل ْم ّ‬
‫ت‪ ،‬إذا أخرج الصيب أبوه‪ ،‬ومل يستكملها وقد تعلم‬ ‫كمل ْ‬
‫يف اخلتمة إذا ُ‬
‫وجه اإلجارِة اليت مل يُشرتط هلا غاية‪ ،‬فما‬ ‫منها شيئاً‪ ،‬ألين رأيتُه من ِ‬
‫ّ‬
‫‪045‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اجب فيه‪ ،‬ومل يبطُ ْل عناءُ األجري‪ ،‬وكذلك‬ ‫ِ‬


‫نيل منها كان عليه الو ُ‬
‫فعمل فيه‬ ‫الـمجاعلةُ على الشيء الذي مل يشرت ْط كمالُه إلْزاما‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب العمل فيما عمل منفعة ينتفع‬ ‫العام ُل ما شاء مثّ ترك‪ .‬فإن كان لر ِّ‬
‫يب مل يستكمل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫هبا و ّأدى حصتها من اجلعالة‪ ،‬فلم ال يكون ملعلّم الص ّ‬
‫تعليم اخلتمة هكذا؟ وهو ْلو علّم سورًة واحد ًة الْنتفع هبا املتعلِّم‪،‬‬
‫وإين ألرى رأيِي مبنصوص قـ ْوِل مالك‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫واملعلّ ُم مل يُعلّمه ح ْسبةً‪ّ ،‬‬
‫الصبيان إنه إذا اشرتط سنةً أو‬ ‫ِ‬
‫يف ذلك قال مالك يف الذى يعلّم ّ‬
‫مسمى‪ ،‬فأراد أن خي ُرج أو‬ ‫سنتني فذلك له الزم‪ ،‬وإ ْن مل يكن شرط ّ‬ ‫ْ‬
‫ابن القاسم وابن وهب‬ ‫يب فله بق ْدر ما علّم‪ .‬كذا روى ُ‬ ‫الص ّ‬
‫خيرج عنه ّ‬
‫عن مالك يف مساعْي ِهما‪ ،‬ويف ُموطأ ابن وهب‪.‬‬
‫طرفاً يقول‪ :‬قال مالك ومجيع علمائِنا‬ ‫وقال ابن حبيب‪ :‬مسعت ُم ِّ‬
‫الصبيان الكتاب والقرآن‪،‬‬ ‫ابملدينة‪ :‬ال أبس أبخذ األجر على تعليم ّ‬
‫اط على ذلك سنةً أو سنتني‪ .‬فإذا كان ذلك‪ ،‬مل يكن األب‬ ‫واالشرت ِ‬
‫سمى‪ ،‬فال‬ ‫حت ي ْستويف الشرط‪ .‬وإذا مل يكن شرط ُم ًّ‬ ‫الغُالم أن ُخي ِرجه ّ‬
‫أبس أن ُخي ِرجه إذا شاء‪ ،‬وعليه ق ْد ُر ما علمه‪ .‬فهذه الرو ُ‬
‫اايت قد‬
‫حصته مبقدا ِر ما علم‪ .‬وما ذُكِر يف هذه‬ ‫اجتمعت على أن للمعلّم ّ‬‫ْ‬
‫تام حذقة‪ ،‬وال ت ْس ِم ِية ُج ْعلِها‪ ،‬وإّنا ُمنع أبو‬ ‫الرواايت من شرط ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫‪046‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الرواايت إذا كانت اإلجارةُ فيه أجالً‬ ‫ِ‬


‫ىب من إخراجه يف هذه ّ‬ ‫الص ّ‬
‫ّ‬
‫سمى‪ ،‬مل‬ ‫سنتني فإذا مل يكن شر ُط أجل ُم ًّ‬ ‫بشرط سنة أو‬ ‫معلوماً‪ِ ،‬‬
‫ْ‬
‫الرتك‪ .‬هذا ما يف‬ ‫يب مانع‪ .‬وكذلك املعلّم إن أراد ْ‬ ‫يكن إلخر ِاج الص ّ‬
‫هذه الرواايت عن مالك ِبني ال إشكال فيه‪ .‬والذي قدمناه من رو ِ‬
‫اية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫طرف هو عند ابن حبيب‪ ،‬ولكنّه مل يستعمله يف مجي ِع وجوه‬ ‫ُم ِّ‬
‫املسألة‪.‬‬
‫ب للمعلّم احلذقة‪ ،‬ونرى أن ُحيكم له هبا يف النّظ ِر‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬وحنن نُوج ُ‬
‫حفظه يف ِح ْذق ِة‬‫اهر على ق ْدر الغُالم‪ ،‬وقْ ِدر ِدرايتِه‪ ،‬وق ْدر ِ‬ ‫والظّ ِ‬
‫ط يف حذقة النّظر‪ ،‬وليس هلا ق ْدر‬ ‫الظّاه ِر‪ ،‬وق ْد ِر معرفتِ ِه ابهلجاء واخل ِّ‬
‫معلوم‪ ،‬وليس كل النّاس فيها سواء‪ ،‬وليس ذو الف ْق ِر من اآلابء ِ‬
‫كغريه‬ ‫ً‬
‫اس عليها‬ ‫من الغِىن‪ ،‬وإّنا رأينا أن ُحيكم هبا ّ‬
‫ألهنا ُمکارمة جرى النّ ُ‬
‫بياهنم مبنز ِلة هديِّة العُرس‪ .‬وحنن نرى أن‬ ‫فيما بينهم وبني معلّمي ِص ِ‬
‫ُ‬
‫جل‪ ،‬وقد ِر املر ِأة‪ ،‬وليس هلا قدر معلوم‪.‬‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحيكم هبا على ق ْدر ّ‬
‫وكذلك احلذقةُ‪.‬‬
‫أهل العلم والفقه‪،‬‬ ‫صبغ بن الفرِج وغريه من ِ‬ ‫كاشفت عن ذلك أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫أوضحت لك‪ ،‬وأسقطوا ذلك عن املعلّم‬ ‫ُ‬ ‫فأوضحوا يل من ذلك ما‬
‫الم فيها شيئاً‪ ،‬أو يستظهر فيها‬ ‫يف حذقة الظاه ِر‪ ،‬إذا مل يستظْ ِه ِر الغُ ُ‬
‫‪047‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫السورِة احلرف واألحرف‬ ‫فأما أن ُخيطئ يف ُ‬ ‫اليسري‪ ،‬وفاتهُ الكثريُ‪ّ .‬‬


‫عثر‪ ،‬فـ ْليُـلق ْن‪ ،‬فهو‬ ‫ِ‬
‫طئ وي ُ‬
‫اليسرية وهو ُمستمّر يف القراءة‪ّ ،‬إال أنّه ُخي ُ‬
‫عندي حفظ جيب للمعلِّم به أن يُكافأ‪.‬‬
‫طئ كالذي ال ُخيطئ يف ق ْدر ما يُعطى‪.‬‬ ‫وليس الذي ُخي ُ‬
‫فانظر كيف جعل جعل املعلم يف احلذقة‪ ،‬إّنا هو مكافأة على وجه‬
‫كارم‪ .‬وكذلك قال يف ِحذقة النّظ ِر إّنا جيب للمعلّم فيها أن يُكارم‬ ‫الت ُ‬
‫الغالم يتهجى هت ِّجياً حسناً‪ ،‬وخيط خطاًّ مجيال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويُكافأ‪ ،‬إذا كان‬
‫ِ‬
‫فأما إذا مل ُحيسن‬ ‫ويكتُب ما ُميلى عليه‪ ،‬ويقرأُ نظراً ما أُمر بقراءته‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫جيب للمعلّم يف ذلك‬ ‫اهلجاء ومل ُحيكم اخلط‪ ،‬ومل يقرأْ شيئا نظراً فال ُ‬
‫شيء‪ ،‬بل ِجيب عليه ما وصفنا فوق هذا من التأنيب والتـ ْعنِ ِ‬
‫يف‪.‬‬
‫ف ما تعلم‪ ،‬فما تعلم شيئاً‪ ،‬وقد‬ ‫ص ُ‬‫قال أبو احلسن‪ّ :‬أما صيب هذا و ْ‬
‫وفسران الواجب‬ ‫ِ‬
‫ب للمعلّم يف ما علمه ُج ْعل‪ّ ،‬‬ ‫قدمنا أ ّن هذا ال جي ُ‬
‫عليه ْقبل هذا عند العلماء‪.‬‬
‫و ّأما قول اب ِن حبيب‪ :‬إ ّن احلكم هبا عنده مبنز ِلة ه ِديِّة العُرس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫رس قد قيل ملالك‪ :‬فهديّةُ‬ ‫فاعل ْم أ ّن هدية العُ ِ‬
‫وحنن نرى أن ُحيكم هبا‪ْ ،‬‬
‫وج‪ ،‬قال مالك‪ :‬ال أرى هلا فيه حقاً‪،‬‬ ‫الز ُ‬
‫العُرس إذا طلبـْتها املرأةُ وأىب ّ‬

‫‪048‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وجل (وآتُوا النِّساء ص ُدقاهتِِن ِ ْحنلةً)(‪ )1‬فليس‬


‫عز ّ‬ ‫مث قال‪ :‬قال هللا ّ‬
‫اختالئِه‬ ‫ِ‬
‫اهلديةُ من الصداق‪ ،‬وال أرى فيه حقاً‪ ،‬وال أرى ما حنلها عْند ْ‬
‫يلزُمه‪ .‬فقيل ملالك‪ :‬فإ ّن الذي عندان يف هديّة العُرس‪ ،‬ممّا يعمل به‬
‫اخلصومات‪ ،‬أفرتى أن يُقضى‬
‫ُ‬ ‫حت إِنه ليكون يف ذلك‬ ‫جل النّاس‪ّ ،‬‬
‫به؟ فقال‪ :‬إذا كان قد عُ ِرف من شأْ ِهنم‪ ،‬وهو عملُهم‪ ،‬مل أر أن يُطرح‬
‫ألين أراه أمراً قد جرْوا عليه‪.‬‬
‫ذلك عنه‪ّ ،‬إال أن يتقدم فيه السلطان‪ّ ،‬‬
‫قال ابن القاسم‪ :‬وقد قال مالك مثل هذا‪ :‬ال أرى هلم ذلك ّإال أن‬
‫إىل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يشرتطوه‪ ،‬وهو أحب قو ْليه ّ‬
‫اب مالك رمحهُ هللاُ‪ ،‬أوالً يف‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬فانظُْر كيف وقع جو ُ‬
‫كتاب هللا‪ ،‬فلما وصفوا له‬ ‫هدية العرس واحتجاجه على ذلك مبا يف ِ‬
‫ّ ُ‬
‫ما جرى يف أكثر النّاس قال‪ :‬إذا كان قد ع ِرف ذلك من ِ‬
‫شأهنم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وهو عملُهم‪ ،‬مل أر أ ْن يُطرح ذلك عنه‪ّ ،‬إال أن يـتـقدم فيه السلطان‪،‬‬
‫ألين أراه أمراً قد جرْوا عليه‪ ،‬فـبني مالك رمحةُ هللا عليه أ ّن ما اشتهر‬
‫ّ‬
‫الزوج مأخوذ به‪ ،‬ألنه عليه ق ِدم‪.‬‬ ‫النّاس وجرْوا عليه من ذلك‪ ،‬أن ّ‬
‫العمل يف املعلّمني‪ ،‬ما جرى يف النّاس ُسنة‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا جيب أن يكون‬
‫الصبيان مأخوذون به هلم‪ ،‬إذ على ذلك جاء‬ ‫هلم جائزة‪ ،‬أن آابء ّ‬

‫)‪ - (1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية رقم (‪.)3‬‬


‫‪049‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اآلابء أببنائِهم‪ ،‬وعليه قـعد املعلّمون لِصبياهنم‪ ،‬على أن ه ِدية العُرس‬


‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫دخل به‪ ،‬فاالنْتفاعُ‬ ‫إّّنا هي شيء يُق ّد ُم للمرأة عند ال ّدخول هبا‪ ،‬لت ُ‬
‫بيان ابملعلّم قد انلوه يف الق ْدر الذي‬ ‫ابملرأة مستقبل‪ ،‬وانتفاع الص ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫الصبيان‪ ،‬وهم مأخوذون‬ ‫فبأي وجه يُطر ُح ذلك عن آابء ّ‬ ‫علمهم ّإايه‪ّ ،‬‬
‫جبميعه‪ ،‬إذا استكملوا اخلتمة على ش ْر ِطهم من ظاهر أو نظر؟ إّّنا‬
‫ابألول من قول مالك‪،‬‬ ‫ِِ‬
‫ابن القاسم األخذ يف هدية العُرس ّ‬ ‫استحب ُ‬
‫استِحالل الفرج قد ثبت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من قب ِل أ ّن ع ْقد النّكاح قد وجب‪ ،‬و ْ‬
‫سمى‪ ،‬ال ِخيار للمرأة بـ ْع ُد يف التمادي على ذلك‪.‬‬ ‫ابلصداق الـ ُم ّ‬ ‫ّ‬
‫واملعلِّ ُم ما ل ِزمهُ ذلك‪ ،‬إذا مل يُشرت ْط عليه‪.‬‬
‫الصبيان إذا مل يكن عليهم شرط مينعُهم من إخراج‬ ‫وكذلك آابء ّ‬
‫للزوج‪.‬‬‫مثل ما ّ‬‫أبنائهم‪ ،‬مل يلزْمهم التّمادي‪ ،‬فليس هلم من ذلك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صف الصداق‪،‬‬ ‫وج أيضاً ل ِو اختار الفراق قبل البِناء‪ ،‬وجب عليه ن ُ‬ ‫والز ُ‬
‫وهو ما انْتفع منها بشيء وإن كان مل يف ِرض هلا شيئاً قـْبل الطالق‪،‬‬
‫مل يـ ْفرض هلا ابلطّالق شيء‪ ،‬وصار أمرها إىل الـم ِ‬
‫تعة اليت ال ُحيك ُم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حسنني‪ ،‬وعلى الـ ُمتقني‪ ،‬فيم ْن دخل هبا‪،‬‬ ‫هبا‪ ،‬إذ هى حق على املـ ِ‬
‫ُ‬
‫کارم‬ ‫ِ‬
‫ب احلُكم‪ ،‬فالتّ ُ‬ ‫فأما ما يُوج ُ‬
‫كارم ممّا ال ُحيك ُم به‪ّ .‬‬
‫فلن اسم الت ُ‬
‫وجات من‬‫فيه لِمن يريد‪ ،‬على الواجب عليه‪ ،‬وإّّنا املـتعةُ ِعوض للز ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪051‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عمله‪ ،‬فهو مبا‬ ‫أشياء منه کن يؤملنها‪ .‬وأخ ُذ املعلّم إّّنا هو عن شيء ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ ّ‬
‫شبهناه من اجلِعال ِة‪ ،‬ومن مكافأة اهلِب ِة للثّو ِ‬
‫اب أ ْشبهُ‪ ،‬ويف ابهبا أ ْدخ ُل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أجروا مسائل منه على معانی البُيوع‪.‬‬ ‫وقد ْ‬
‫ابن دينار‬
‫بعض علماء أهل احلجاز منهم ُ‬ ‫قال سحنون‪ :‬وقد ُسئل ُ‬
‫كل واحد ما‬ ‫ِ‬
‫وغريُه‪ ،‬أن يُستأجر املعلّم جلماعة‪ ،‬وأن يفرض على ّ‬
‫ينوبُهُ فقال‪ :‬جيوز إذا تراضى بذلك اآلابء‪ ،‬ألن هذا ضرورة‪ ،‬والب ّد‬
‫للنّاس منه‪ ،‬وهو أ ْشبه‪ .‬وقال‪ :‬هو مبنزلة ما ل ِو استأجر رجل عبديْن‬
‫لكل واحد عبده‪ ،‬وإّّنا ذلك مبنز ِلة البيع‪ ،‬يف كتاب ابن‬ ‫لني‪ّ ،‬‬ ‫رج ْ‬‫من ُ‬
‫ابن القاسم ال ُجي ُيز هذه اإلجارة ألنه ال ُجييز ذلك يف‬ ‫سحنون‪ ،‬و ُ‬
‫البيع‪ ،‬وهللاُ أعلم‪.‬‬
‫نعم قد منع ابن القاسم من جوازه يف البيع ويف‬ ‫قال أبو احلسن‪ْ :‬‬
‫اإلجارات‪ ،‬إذا مل يكن معلوماً ومنع أيضاً أن ُجيمع يف النّكاح بع ْقد‬
‫لكل واحدة‬ ‫أتني أو أكثر‪ ،‬إذا مل يُسم ّ‬ ‫واحد وصداق واحد على امر ْ‬
‫آابؤهم‬
‫الصبيان الذين ُ‬ ‫ِ ِِ‬
‫صداقُها على ح ّدته‪ .‬وما عقد هذا املعلّم على ّ‬
‫االختالف‪ ،‬وليس هذا موضع‬ ‫ُ‬ ‫شت ّإال من هذا الباب‪ ،‬جيري فيه كلِّه‬ ‫ّ‬
‫ابن حبيب‪ ،‬وذكر أنّه کاشف عن ذلك‬ ‫ِ‬
‫كارم الذي بىن عليه ُ‬ ‫التّ ُ‬

‫‪050‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫(‪)2‬‬
‫صبغ(‪ )1‬وغريه من أهل العلم والفقه‪ ،‬ونكب عن اس ِم ُمطِّرف‬ ‫أْ‬
‫اجشون(‪ .)3‬ولو كان عنده منهما لبدأ هبما ومبن عنده عنه‬ ‫واب ِن املـ ِ‬
‫بعبد هللا ب ِن عبد احلكم لو كان عنده منه‬ ‫من ذلك شيء منهما‪ ،‬أو ِ‬
‫طرف‪ ،‬عن مالك وغريه من‬ ‫شيء‪ .‬وقد تقدم ما عنده من ِرواية ُم ِّ‬
‫أهل املدينة‪ ،‬وهو ُخمالف ملا بىن عليه حسب ما بـيـنا‪ .‬وهللاُ‬ ‫علماء ِ‬
‫ويل املـُتقني‪.‬‬
‫أعلم وهو ُ‬ ‫ُ‬
‫وما أرى سحنون قصد ملا قاله‪ :‬فمن مل يُقا ِر ِب اخلتمة‪ ،‬مم ْن مل‬
‫املفهوم‬
‫ُ‬ ‫شرتط‪ ،‬فأخرجهُ أبوه‪ ،‬أنه ال شيء عليه‪ّ ،‬إال أنه كان هو‬ ‫ي ِ‬
‫غرية وابن دينار الذي قد تقدم‪ ،‬وهللا أعلم‪ .‬وقد‬ ‫قول املـ ِ‬ ‫عنده من ِ‬
‫ُ‬

‫)‪ - (1‬أبو عبد هللا أصبغ(‪225-351‬هـ) بن الفرج بن سعيد بن انفع الفقيه املالك املصري؛ تفقه اببن‬
‫القاسم وابن وهب وأشهب ‪.‬وقال عبد امللك بن املاجشون يف حقه ‪:‬ما أخرجت مصر مثل أصبغ‪ ،‬قيل‬
‫له ‪:‬وال ابن القاسم قال‪ :‬وال ابن القاسم‪ .‬وكان كاتب ابن وهب‪ ،‬وجده انفع عتيق عبد العزيز بن مروان‬
‫بن احلكم األموي وايل مصر‪.‬‬
‫)‪ - (2‬مطرف بن عبدهللا بن الشخري (ت‪95.‬هـ)‪ ،‬ا ِإلمام‪ ،‬ال ُق ْدوةُ‪ ،‬احلجةُ‪ ،‬أبو عب ِد ِ‬
‫هللا احلرِشي‪،‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫الع ِام ِري‪ ،‬البص ِري‪ ،‬أخو ي ِزيد ب ِن عب ِد ِ‬
‫هللا‪.‬حدث ع ْن ‪:‬أبِْي ِه ‪-‬رضي هللاُ عْنهُ‪ -‬وعل ّي‪ ،‬وعمار‪ ،‬وأِيب ذ ّر‪،‬‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ين‬ ‫اص‪ ،‬ومعا ِوية‪ ،‬و ِعمران ب ِن حصني‪ ،‬وعب ِد ِ‬
‫هللا ب ِن ُمغفل‪ ،‬املزِِّ‬ ‫ِ‬ ‫الع‬ ‫يب‬‫ِ‬‫أ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫ان‬ ‫م‬‫ث‬
‫ُْ‬‫ع‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ش‬‫ِ‬
‫ائ‬ ‫و ُعثْمان‪ ،‬وع‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وغ ِْريِهم‪.‬‬
‫)‪ - (3‬العالمة الفقيه مفيت املدينة أبو مروان‪ ،‬عبد امللك بن اإلمام عبد العزيز بن عبد هللا بن أيب سلمة‬
‫بن املاجشون التيمي موالهم املدين املالكي‪ ،‬تلميذ اإلمام مالك‪ ،‬حدث عن أبيه‪ ،‬وخاله يوسف بن‬
‫يعقوب املاجشون‪ ،‬ومسلم الزجني‪ ،‬ومالك‪ ،‬وإبراهيم بن سعد‪ ،‬وطائفة‪.‬‬
‫‪052‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اب مسائِلِك يف هذا املعىن قد أتى عليه‬ ‫مت البيان عن ذلك‪ .‬وجو ُ‬ ‫قد ُ‬
‫مجيع ما وص ْفنا‪ ،‬واضح‪ ،‬ال إشكال فيه عليك وال على غريك‪ ،‬إ ْن‬ ‫ُ‬
‫شاء هللا‪.‬‬
‫ومسألتُك يف الذي علمهُ معلّم بعض القرآن‪ ،‬مث خرج من عنده إىل‬
‫نت لك‪ :‬يكون‬ ‫معلّم آخر استكمل عنده اخلتمة‪ ،‬جيري على ما بـي ُ‬
‫األوِل مب ْقدا ِر ما علّم نصفاً ونصفاً‪ ،‬أو ثـُلُثاً ْ‬
‫وثلثني‪ ،‬أو ربعاً‬ ‫للمعلِّم ّ‬
‫يب يف اخلتمة‬ ‫الص‬ ‫هذا‬ ‫أيب‬ ‫على‬ ‫جيب‬ ‫فيما‬ ‫م‬ ‫وثالثة أرابع‪ ،‬ينظُر احلاكِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لده من الفهم فيها‬ ‫كلِّها‪ ،‬على قدر يُ ْس ِرِه وعُسره‪ ،‬وما انْـتهى إليه و ُ‬
‫يب‪ ،‬واْقـتسمهُ‬ ‫تعلم‪ .‬فإذا عرف ُمنتهى ذلك اجلُ ْع ِل‪ ،‬غرمهُ أبو ّ‬
‫الص ّ‬
‫يب من‬ ‫الص‬ ‫إىل‬ ‫وصل‬ ‫وما‬ ‫‪،‬‬‫منهما‬ ‫احد‬ ‫و‬ ‫كل‬ ‫املعلّمان‪ ،‬على ق ْدر ع ِ‬
‫ناء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مجيع ذلك‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للول ُ‬ ‫نـ ْف ِع تعليمه‪ ،‬جيته ُد يف ذلك‪ .‬ورّمبا ُجعل ّ‬
‫األول قد بلغ من‬ ‫ص منه قليل‪ ،‬فـيُـ ْعطى الثّاين‪ ،‬وذلك إذا كان ّ‬ ‫يـْنـ ُق ُ‬
‫احلذق‬‫تعليم الصيب إىل مقاربة اخلتمة نظراً أو استظهاراً‪ ،‬حت بلغ من ِ‬
‫ّّ‬
‫خروجه إىل الثّاين ال يزيد‬ ‫ِ‬
‫يف ذلك إىل االستغناء عن الـ ُمعلّم‪ ،‬فكان ُ‬
‫ي شيء يكون هلذا؟ ّإال أن يكون له شيء يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ع ْلماً يف تعليمه‪ ،‬فأ ّ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫األول منه شيء‪ ،‬وقد‬ ‫يب‪ ،‬فذلك ليس على ّ‬ ‫إِ ْمساكه وحياطته ّ‬
‫للص ّ‬
‫يكون له يف كتابِة ما بقي عليه‪ ،‬وإن كانت سورة البقرة‪ ،‬زايدةُ ّقوِة‬

‫‪053‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عل‪ ،‬وقد‬ ‫هد له فيما يُعطى من ذلك اجلُ ِ‬ ‫غرض ينتفع به‪ ،‬فهذا ُجيت ُ‬
‫يكون اجلُ ْع ُل جيب للثّاين كلِّه‪ ،‬وقل ما ينال منه األول‪ ،‬وذلك ألن‬
‫حت أُخ ِرج عنه ومل يـن ْل‬‫يب‪ ،‬فقل ما لبِث عنده‪ّ ،‬‬ ‫ببتدَ يف تعليم الص ّ‬
‫من التعلّم شيئاً له فيه منفعة‪ ،‬لِعو ِج قراءتِه يف سور يسرية تعلمها‪ ،‬وال‬
‫ستأهل هذا يف التّعليم؟ ولو كان قد‬ ‫ُ‬ ‫ي شيء ي‬ ‫ط وال هجاء‪ ،‬فأ ّ‬‫خّ‬
‫يب من فـ ْه ِم ما عُلِّم شيئاً‪ ،‬وعرف ما هو‪ ،‬ألخذ املعلّ ُم ِمبقدار‬ ‫انل الص ّ‬
‫األول‪،‬‬
‫ذلك‪ .‬فإ ْن كان فيه م ْرفق للمعلّم الثّاين مبا نبّه منه املعلّم ّ‬
‫تمة‪ ،‬فيأخ ُذه‬‫وخروجه فيه‪ ،‬نُِقص ما يصيب ذلك الق ْدر من جع ِل اخلِ ِ‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫تبني أن ليس للثّاين م ْرفق‬ ‫سائر اجلُ ْع ِل إىل الثّاين‪ .‬وإن ّ‬
‫األول‪ ،‬ويُدفع ُ‬
‫ّ‬
‫ص من اجلُ ْم ِل شيئ‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫ِ‬
‫على حال مبا علمه األو ُل‪ ،‬مل يـُْنـق ْ‬
‫ِ‬
‫فاد‬
‫األول‪ .‬وكل هذا ُم ُ‬ ‫يب‪ ،‬ألنه ابختيا ِره نزعه من عند ّ‬ ‫على أيب الص ّ‬
‫قول مالك الذي ذهب إليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األول إىل يُونس‪ ،‬فاخلِتمة للثّاين‪ .‬وإن‬
‫و ّأما سحنون فقال‪ :‬إ ْن علّمه ّ‬
‫لثني يف معىن ما قال‪ ،‬مل‬ ‫األو ُل ذلك إىل ثُلثني أو زاد على ثُ ْ‬ ‫جاوز ّ‬
‫ستحسن أن يـ ْرضخ له بشيء‬ ‫ُ‬ ‫يُقض للثّاين بشيء‪ .‬قال‪ :‬وأ‬
‫مت لك‬ ‫ِ‬
‫تحساانً‪ ،‬وليس ابلقياس‪ .‬وهذا على أصله الذي ق ّد ُ‬ ‫اس ْ‬‫ْ‬
‫وعرفتك وجه مذهيب فيه‪.‬‬ ‫وصفه‪ّ ،‬‬
‫‪054‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫و ّأما سؤالك عن معلِّم قوم نزل هبم ما اضطرهم إىل الرحيل‪ ،‬فرحلوا‪:‬‬
‫بعضهم‪ ،‬وثبت‬ ‫وبعضهم إىل مكان آخر‪ ،‬أو رحل ُ‬ ‫بعضهم إىل مكان ُ‬ ‫ُ‬
‫صن ُع هذا املعلّم؟ فاجلواب أن ينظر إىل ما‬ ‫بعضهم يف البلدة‪ ،‬ما ي ْ‬
‫ُ‬
‫عاقدهم هذا املعلّم عليه‪ ،‬فإ ْن كان إّّنا جلس على املـُشاهرة شهراً‬
‫كم فيه أن يرتك تعليمهم مت شاء‪ ،‬ويرتكوه‬ ‫بشهر‪ ،‬أو سنةً بسنة‪ ،‬فاحلُ ُ‬
‫مت شاءوا‪ ،‬واحلُ ْك ُم بينهم فيما قد علم هلم‪ ،‬على ما قد بينا ْقبل‬
‫هذا‪ ،‬يف الذي له أن خيُرج ولده‪ .‬وال يلتفت يف هذا الع ْقد إىل‬
‫خروجهم كان بِغلبة أو بغري غلبة‪ .‬إّّنا للمعلّم بق ْدر ما علّم‪ ،‬رحلوا‬
‫بعينِها‪ ،‬أو أشهر‬‫عنه‪ ،‬أو رحل عنهم‪ .‬ولو كان عقد معهم على سنة ْ‬
‫أبعي ِاهنا‪ ،‬نظر فيما نزل ابلقوم‪ ،‬فإ ْن كان ما ال جيدون معه ثبااتً‪،‬‬ ‫ْ‬
‫والب ّد هلم من الرحيل عنه‪ ،‬لِما نزل هبم من بالء ال يُطيقونهُ ِبفتنة أو‬
‫جماعة‪ ،‬فهم يف رحيلهم معذورون‪ ،‬وليس عليه أن يـْتـبـع ُهم يف‬
‫األسفا ِر‪ ،‬مل يستأجروه على ذلك‪ .‬فإ ْن رجعوا يف ب ِقية من املـُدة‪ ،‬رجع‬
‫األايم اليت‬
‫إليهم يف تلك البقيّة‪ ،‬وسقط عنهم من األجر حبساب ّ‬
‫حيل فيها بينه وبينهم‪ ،‬ألهنم مل مينعوه من السري معهم‪ ،‬وال ْأمسكوا‬
‫طوعاً‪ ،‬وليس عليهم أن يستكملوا له األجر‪ ،‬وهو مل‬ ‫أوالدهم عنه ْ‬
‫‪055‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يستكمل عمل األجل‪ ،‬ولو كان قد حاسبهم عند رحيلهم‬


‫وفاسخهم‪ ،‬ملْ ي ْلزمه ‪-‬إ ْن رجعوا بقيّةً من امل ّدة‪ -‬أن ي ِرجع إليهم‪ ،‬وإن‬
‫الرحيل‬ ‫ِ‬
‫طوعاً‪ ،‬فليس هلم أن يـُْنقصوا إجارته‪ .‬فإ ْن أحبّوا ّ‬ ‫كان رحيلُهم ْ‬
‫أبوالدهم دفعوا إليه أ ْجرهُ کامالً‪ ،‬وصنعوا ما شاءوا‪.‬‬
‫ِ‬
‫بعضهم‪ ،‬فاحلُكم بينه وبني‬ ‫بعضهم ُمتط ِّوعني‪ ،‬وثبت ُ‬ ‫فإ ْن رحل ُ‬
‫تطوعني‪ ،‬ويلزُمه وفاءُ ِ‬
‫األجل‬ ‫الراحلني كما تق ّدم يف رحيل مجيعهم ُم ّ‬ ‫ّ‬
‫وختف‬‫للثابِتني‪ ،‬ولو مل يـثْـبت منهم ّإال واحد‪ ،‬ألنه أيخذ أجره کامالً‪ِ ،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ ُْ‬
‫عنه ُم ْؤنةُ م ْن غاب‪ .‬عنه ما دام غائباً‪.‬‬
‫رحيل من رحل عن قـ ْهرة غلبـْتهُ على ذلك فذهب‬ ‫و ّأما إ ْن كان ُ‬
‫الراحلني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بولده‪ ،‬فهو عندي عذر تـْنـفس ُخ به اإلجارة بينه وبني ّ‬
‫األكثر‪ ،‬ومل‬ ‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وحياسبُهم‪ ،‬مثّ ينظر فيم ْن بقي ممن مل يرح ْل‪ ،‬فإ ْن كانوا ُ‬
‫يضر به‪ ،‬فهو يُويف الثّابتني أجلهم‪ .‬وإ ْن وجد من‬ ‫ينتقص عليه ما ّ‬
‫الراحلني كان له ذلك‪ ،‬إذ ال مضرة على املـُقيمني يف‬ ‫يعلّمهم مكان ّ‬
‫األكثر ولن يبق من املـُقيمني ّإال م ْن‬
‫ُ‬ ‫الراحلون هم‬
‫ذلك‪ .‬و ّأما إ ْن كان ّ‬
‫املضرةُ البّينةُ‪ ،‬فهو عندي عذر له‪ ،‬إ ْن شاء أن‬ ‫عليه يف الثبات معهم ّ‬
‫اسخهم فعل‪ ،‬وإ ْن شاء أن يـثْـبُت معهم فعل‪ ،‬وله إ ْن وجد ِعوضاً‬ ‫يـف ِ‬
‫ُ‬
‫الراحلني فيعلمهم‪ ،‬وال مينع من ذلك أيضاً‪.‬‬ ‫من ّ‬
‫‪056‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حيول ُكتابه من موضع إىل موضع‬ ‫و ّأما سؤالك عن معلّم أراد أن ّ‬


‫بعضهم‪ ،‬ورضي بعض‪ ،‬فهذا أيضاً إّّنا يُنظر فيه‬
‫قريب أو بعيد‪ ،‬فأىب ُ‬
‫شر ُط املعلّم الزماً ليس له أ ْن خي ُرج منه‪ ،‬فإذا كان كذلك‪،‬‬
‫إذا كان ْ‬
‫فإ ْن كان املكان الذي صار إليه ال مضرة فيه على اآلتِني منه‪ ،‬وال‬
‫الصبيان أن يـ ْعنـتهُ ذلك أو‬
‫الصغري من ّ‬
‫مشقة‪ ،‬وال خوف‪ ،‬وقد يكون ّ‬
‫ضر هبم وتشغلهم‪ ،‬فإذا مل يكن من ذلك‪ ،‬مل‬ ‫ِ‬
‫يُكلّف أهله م ُؤونةً ت ُ‬
‫قال م ْن هذه ِصفتهُ‪ ،‬فإن كان فيه مضرة على واحد منهم‬ ‫ُمينعوا من اْنتِ ِ‬
‫ِممن أىب منه‪ ،‬مل يكن له التحو ُل عن مكان على التّعليم فيه و ِ‬
‫قعت‬
‫ضّر به‬ ‫اإلجارةُ‪ ،‬يرفق من كان له ِّ‬
‫الرفق فيه واجباً‪ ،‬إىل مكان ي ُ‬
‫وهو‪...‬‬
‫و ّأما إ ْن مات املعلّم فاإلجارةُ ُمنفسخة‪ ،‬ال يستأجر ِمن مالِه من‬
‫حبساب ما علم من األجل‪ِ ،‬‬
‫ومن ُج ْع ِل‬ ‫ِ‬ ‫يعلّم مكانه‪ ،‬وله من اإلجارة‬
‫اخلِتمة مبقدا ِر ما علم من القرآن حسب ما تقدم تفسريُه‪ .‬وكذلك إذا‬
‫يب سواء‪ ،‬وإّنا للمعلّم من اإلجارة ِحبساب ما علم‪ ،‬وكذلك‬ ‫الص ّ‬
‫مات ّ‬
‫ِمن ُج ْع ِل اخلِتمة‪.‬‬

‫‪057‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫نفس ُخ اإلجارةُ‪ ،‬ولكن إ ْن كان مل‬ ‫وأما إذا مات أبو الصيب فال ت ِ‬
‫ّّ‬ ‫ّ‬
‫ت ِحساب ما مضى‪ ،‬وما‬ ‫ض املعلّم شيئا فهو أيخذ من ت ِرك ِة الـمي ِ‬
‫ْ‬ ‫يقبِ ِ‬
‫يب إ ْن كان له مال‬ ‫الص‬ ‫مال‬ ‫من‬ ‫ؤخذ‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬‫ه‬ ‫نوب‬ ‫ي‬ ‫فيما‬ ‫ل‬ ‫األج‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫بق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يب مال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ورثه من أبيه‪ ،‬أو من غري ذلك‪ .‬وإن كان مل يكن للص ّ‬
‫يب بذلك‪،‬‬ ‫فللمعلّم أن يفسخ اإلجارة‪ّ ،‬إال أ ْن يشاء أن يتطوع للص ّ‬
‫يب‪ ،‬وإ ْن أىب املعلّ ُم‬ ‫ِ‬
‫يتيسر‪ .‬هذا ال يـُْلزُم الص ّ‬ ‫وال يتبـعُه بشيء رجاء أ ْن ّ‬
‫يب‪ ،‬أو من غ ِريهم‪ ،‬أب ْن يدفع‬ ‫الص‬ ‫من التطوِع‪ ،‬فـتطوع غريه من أو ِ‬
‫لياء‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ويل التوفيق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذلك للمعلّم‪ ،‬ثـبـتت اإلجارةُ ومل تُفسخ‪ ،‬وهللا ّ‬
‫صيب أدخله أبوه ال ُكتّاب بغري شرط‪ ،‬هل يلزمه ما‬ ‫وأما سؤالك عن ّ‬
‫ورمبا كان الشر ُط خيتلف‪ ،‬وعن يتيم رمى نفسه‬ ‫يلزم صبيان الكتّاب؟ ُ‬
‫مثل ما يؤخذ من غريه؟ قال أبو احلسن‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فهل يؤخذ منه ُ‬ ‫يف ال ُكتاب‪ْ ،‬‬
‫ؤدي من هو مثلُه‪ ،‬وكذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثل ما يُ ّ‬
‫إن كان لليتيم مال لزمه يف ماله ُ‬
‫يؤدي مثلُه‪ ،‬وذلك هو إجارةُ املـِثْ ِل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ؤدي عن ابنه مثل ما ّ‬ ‫األب يُ ّ‬
‫ُ‬
‫اختالف الشرط‬ ‫ِ‬ ‫خيتلف‪ .‬إّنا ُحيتاج إىل ذكر‬ ‫اختلف الشر ُط أو مل‬
‫ْ‬
‫ؤدي إليك كما تخ ُذ من‬ ‫يب لل ُكتّاب‪ ،‬فيقال له‪ :‬نُ ّ‬ ‫ِ‬
‫عند إسالم الص ّ‬
‫ِ‬
‫حت‬‫غ ِريان يف الشهر‪ .‬فهنالك ينبغي أ ْن ال يُعقد على هذا اإلجارة ّ‬
‫الصبيان‪ .‬على اختالفِه‪ .‬و ّأما إ ْن كان ليس‬ ‫يُبني كيف أخذه من ّ‬
‫‪058‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تطوع يف ذلك‪،‬‬ ‫الليتيم مال‪ ،‬فعلمه املعلّم‪ ،‬فليس له عليه أجر‪ ،‬هو ُم ّ‬
‫يب أمه إىل املعلِّم أو غريُها‬ ‫ت ابلص ّ‬‫ليس له أن يـْتـبـعهُ به‪ .‬و ّأما إ ْن أت ْ‬
‫من الناس‪ ،‬فسأله تعليمه‪ ،‬فهو املطلوب إبجارة التّعليم إن كان ليس‬
‫لليتي ِم مال‪ ،‬إال أن يُ ِّبني الذي جاء به املعلِّم أنّه ليس له مال‪ ،‬وال له‬
‫ؤدي عنه‪ ،‬فحينئذ ليس للمعلّم أن يطلب منهم إجارًة‪.‬‬ ‫من يُ ّ‬
‫وأما قولك يف املعلّم‪ :‬كيف يُشا ِرطهم‪ ،‬فقد تق ّدم يف نصوص‬
‫املـسائل شر ُح ذلك عن مالك وعن غ ِريه‪ .‬وشرطُكم الذي ذكرت أنه‬
‫الغنم مؤجرًة مل جيُْز إال أن تكون مضمونةً‬ ‫ِ‬
‫يقع على الغنم‪ ،‬فإذا كانت ُ‬
‫مثل ما إذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على صفة معلومة‪ ،‬إىل أجل معلوم جيوز يف مثله السل ُم‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫نفسه هبا يف خدمة‪ ،‬وشرع يف العمل‪ ،‬وكذلك املعلّم إذا شرع‬ ‫أُوجر ُ‬
‫أجل الغنم‪ ،‬جاز‬ ‫حل ُ‬ ‫يف التعليم‪ ،‬أو كانت إجارتُه أجالً معلوماً‪ ،‬فإذا ّ‬
‫األجل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أن يقبض من املعِز ضأْانً‪ ،‬ومن الضأن معِزاً‪ .‬و ّأما إذا مل حيل‬
‫يصح يف البيوع‪ .‬وكذلك لو‬ ‫مل يصلُح أن أيخذ غري ِ‬
‫شرطه‪ ،‬كما ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫استأجر نفسه بطعام مضمون‪ ،‬أو بطعام بعينه على الكيل‪ ،‬مل جيُز له‬
‫حت يستوفِيه‪.‬‬ ‫أن يبيع شيئاً من ذلك ّ‬

‫‪059‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يب‪ ،‬فرتقى إىل ما‬ ‫ضر ِب ّ‬


‫الص ّ‬ ‫و ّأما سؤالك عما يتع ّدی به املعلّم يف ْ‬
‫هل‪ ،‬وقد‬ ‫يقع من املعلّم اجلايف اجلا ِ‬ ‫هو أكثر من ّ ِ‬
‫الضربة‪ ،‬فهذا إّّنا ُ‬ ‫ُ‬
‫رب على‬ ‫الض ُ‬‫يب وهو غضبا ُن‪ .‬و ّ‬ ‫مت لك هني املعلّم عن ضرب الص ّ‬ ‫ق ّد ُ‬
‫ِ‬
‫الصبيان‪ ،‬فما يصلُح أن يضرهبم به إّنا هي‬ ‫التعليم إّنا هو خلطِإ ّ‬
‫ال ِّدرةُ‪ ،‬وتكون أيضاً رطْبة مأمونة‪ ،‬لِئال تُؤثِّر أثر سوء‪ .‬وقد أعلمت‬
‫أس والوجه‪ ،‬فما هلذا يضرب ابلعصا والل ْوح‪.‬‬ ‫ضرب الر ِ‬ ‫تنب ُ‬‫أنه ُجي ُ‬
‫قال يف كتاب ابن سحنون‪ُ :‬سئل مالك عن ُمعلّم لو ضرب صبيِّاً‬
‫ففقأ عينه‪ ،‬أو كسر يده‪ ،‬فقال‪ :‬إ ْن ضربه ابل ِّدرِة على األدب‪،‬‬
‫وأصابه بعودها فكسر يده‪ ،‬فال ِّديةُ على العاقِلة‪ ،‬إذا فعل ما جيوز‪.‬‬
‫يب فال ِّديةُ على العاقِلة ابلقسامة‪ ،‬وعليه الك ّفارةُ‪ .‬فإ ْن‬
‫الص ّ‬
‫فإن مات ّ‬
‫ضربه ابللوح أو بعصا فقتله‪ ،‬فعليه القصاص‪ ،‬ألنه مل يؤذن له أن‬
‫يضربه بعصا‪ ،‬وال بلوح‪.‬‬

‫قال أبو احلسن‪ :‬إّّنا كانت ال ِّديةُ على العاقِلة يف الذي أصاب‬
‫فمصادفةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يب جائز ُ‬ ‫ضربه ابل ّدرة للص ّ‬
‫الصيب بعود ال ّدرة‪ ،‬من قبل أن ْ‬
‫ِ‬
‫قصد إليه املعلّم‪ ،‬وكان خطأً‪ ،‬وكانت فيه‬ ‫عود ال ّدرِة الصيب‪ ،‬مل ي ُ‬
‫القسامةُ إن مات‪ِ ،‬من قِب ِل أنّه إّنا يعلم إبقرار املعلّم على أحد‬

‫‪061‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قامه‪ ،‬ما كانت فيه‬ ‫األقاويل‪ ،‬ولو حضره شاهدان‪ ،‬ومات يف م ِ‬


‫فقصده إىل‬
‫ُ‬ ‫قسامة‪ ،‬وكانت ال ِّديةُ على العاقِلة‪ .‬و ّأما العصا والل ْو ُح‬
‫غضب‬ ‫ضرب الصيب هبما تـع ّد منه فليس له عذر أكثر من أنه ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فتعدى الواجب‪ ،‬فاستأْهل القود‪ ،‬وهو مأخوذ إبقراره يف ذلك فال‬
‫قسامة فيه‪.‬‬
‫وقد قال سحنون‪ :‬إذا ضرب املعلّم الصيب ما جيوز له أن يض ِربه‪ ،‬إذا‬
‫مثل ذلك‪ ،‬فمات أو أصابه منه بالء‪ ،‬مل يكن‬ ‫كان ِمثلُه يقوى على ِ‬
‫ضمن ال ِّدية يف‬
‫على املعلّم شيء غري الك ّفارة إن مات‪ .‬وإ ْن جاوز ِ‬
‫ُ‬
‫مالِه مع األدب‪ ،‬وقد قيل على العاقِلة مع الك ّفارة‪ .‬فإن جاوز األدب‬
‫فم ِرض الصيب من ذلك فمات‪ ،‬فإن كان جاوز مبا يعلم أنه أراد به‬
‫القتل أقسموا‪ ،‬وقتلوه به األولياءُ‪ .‬وإن كان مل ُجياوز مبا يُرى أنه أراد‬
‫به ّإال على وجه األدب‪ّ ،‬إال أنه ج ِهل األدب أقسم األولياءُ‪،‬‬
‫واستحقوا ال ِّدية قِبل العاقِلة‪ ،‬وعليه هو الك ّفارةُ‪.‬‬
‫الصيب ممّا للمعلّم أن‬ ‫وقولُه يُصيب ّ‬ ‫قال أبو احلسن‪ :‬تفسري حسن‪ُ .‬‬
‫يوجبه به‪ :‬ال شيء على املعلّم غري الك ّفارة إ ْن مات‪ ،‬معناه أن املعلم‬
‫الستِئهالِه إايه وطاقتِه‬ ‫ِ‬
‫يب ثالاثً ابل ّدرِة‪ ،‬أو أكثر من ذلك‪ْ ،‬‬ ‫ضرب الص ّ‬
‫أج ِل ذلك مل يكن‬ ‫الض ِ ِ‬ ‫عليه‪ ،‬ومل يتجاوز الواجب يف ِصفة ّ‬
‫رب‪ .‬فمن ْ‬
‫‪060‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فيه غُْرم‪ ،‬كالذي ميوت من ج ْلد وجب عليه يف ح ّد فهو ه ْدر قتيل‬
‫احلق‪ .‬وأما إذا جاوز أدبه الواجب ِمن األدب عن غلط ِّبني‪ ،‬كان‬ ‫ّ‬
‫هو الذي ْحت ِمله العاقِلة‪ .‬وإن كان يف ُجماوزتِه إشكال‪ ،‬فال ِّديِةُ يف‬
‫وحيتمل أن تكون على العاقِلة‪ ،‬إ ْذ كل شيء يُستطاع القو ُد‬ ‫مالِه‪ُ ،‬‬
‫حاظر يف الفاعل‪ ،‬فال ِّديّةُ فيه على‬ ‫منه‪ ،‬فيمنع منه مانع‪ ،‬وهو ِ‬
‫العاقِلة‪ ،‬کاملأموم ِة واجلائِف ِة إذا تـُعُ ِّمدات‪ .‬وما الوجهُ فيما أ ْشكل من‬
‫زايدة املعلّم ّإال أن يكون يف مالِه‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫قال سحنون‪ :‬وإ ْن كان املعلّم مل ي ِل الفعل وإّنا وليهُ غريُه أبم ِره‪ ،‬كان‬
‫رت لك‪ ،‬وال شيء على املأموِر‪ .‬فإ ْن كان‬ ‫ِ‬
‫األمر على املعلّم كما فس ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فم ْن أصحابِنا من رأى ال ّدية على عاقلة‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬يعين املأمور ‪ -‬ابلغاً‪ِ ،‬‬
‫الفاعل‪ ،‬وعليه الك ّفارة‪ ،‬يعين على الفاعل‪ .‬ومنهم من رأى ال ّد ِية‬ ‫ِ‬
‫على عاقِلة املعلّم‪ ،‬وعلى الفاعل الك ّفارة‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫األمر‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫عما وجب يف ذلك من ال ّدية على العاقلة كيف ُ‬ ‫و ّأما سؤالك ّ‬
‫بني ِمل ملْ تكن جاريةً عند ُكم‪ ،‬فإن‬ ‫فيها‪ ،‬وليس ِجبارية عندان‪ ،‬ومل تُ ِّ ْ‬
‫قدرون أن ُحتيطوا‬ ‫كنت ترى أنه ليس لكم عواقل مضبوطة‪ ،‬وال ت ِ‬
‫ُ‬
‫بذلك وال تع ِرفوه‪ ،‬فإن القول فيم ْن ال عاقِلة له‪ ،‬أن جنايـته يف بيت‬
‫مال املسلمني‪ ،‬وعلى اجلاين يف قتل اخلطإ ِعْت ُق رقبة‪.‬‬

‫‪062‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اقل فمعروفة‪ ،‬فاعل ْم أ ّن املعاقلة‬ ‫وإ ّن احلكم هبا ضيع عندكم‪ ،‬وأما العو ُ‬
‫إّّنا كان أصلُها يف العرب حلملِها ف ْخذ اجلاين إن أطاقوا ذلك‪ ،‬وإن مل‬
‫ضم إليهم أقرب األفخاذ إليهم‪ ،‬مث األقرب إليه‪ ،‬فإن ِ‬
‫فرغت‬ ‫ُ‬ ‫يُطيقوه ُ‬
‫أقرب القبائل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضم إىل تلك القبيلة ُ‬ ‫القبيلةُ‪ ،‬ومل تُطق محل ال ّدية فتُ ّ‬
‫أمرهم‪ .‬وإّّنا تُضم إىل هذه العاقلة‬ ‫منها‪ .‬وكذلك جرى يف اإلسالم ُ‬
‫إقليمه اإلقليم الذي فيه اجلاين‬ ‫ِ‬
‫من حيمل معها ممّن وصفنا‪ ،‬م ْن كان ُ‬
‫يقي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ألن ديواهنم واحد‪ ،‬ليس يُضم املصري إىل الشام ِّي‪ ،‬وال إىل اإلفر ِّ‬
‫ت لديْكم‪ ،‬فهكذا‬ ‫فإن ضبطْتُم عواقِلكم‪ ،‬وصح ِ‬
‫ت عند ُك ْم‪ ،‬وثـبـت ْ‬ ‫ْ‬
‫ضم إىل ف ْخ ِذ‬
‫محل العاقل‪ ،‬ليس يُ ّ‬ ‫األفخاذ والقبائل يف ِ‬‫ِ‬ ‫ضمام‬ ‫يكون انْ ِ‬
‫اجلاين وال إىل قبيلته من هو يف جوا ِره إذا كان نسبُه غري نسبِه‪.‬‬
‫إقليمه من غري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضم إليه من كان م ْن نسبه إذا كان ُ‬ ‫وكذلك ال يُ ّ‬
‫وصفت لك‪ ،‬واستعِ ْن ابهلل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫إقليمه‪ .‬فافْـه ْم ما‬
‫يؤدي ما وجب عليه‪ ،‬يعين من‬ ‫وأما قولك‪ :‬وهل ينبغي للرجل أن ّ‬
‫أولياء املـقتول‪ ،‬ويكون هبا بريئاً يف ال ّدنيا واآلخرة‪ ،‬فإن‬ ‫ال ِّدي ِة إىل ِ‬
‫نفسه‪ ،‬وال يلزُمه ّإال ذلك‪ْ ،‬لو‬ ‫الرجل الذي يفعل هذا منصف من ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ثالث سنني‪.‬‬ ‫ودت العاقلة‪ .‬ولُزومه أيضا إايه مع العاقلة مؤجالً يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪063‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أهل الذهب‪ ،‬أو ورقاً إن كان ِمن‬ ‫فإذا جنزه وجعله ذهباً إن كان من ِ‬
‫أهل الورق‪ ،‬أو ع ْرضاً من العروض يفي ابلذي عليه أو أكثر منه‬
‫ؤخرها‪ .‬فإن قُبِل‬ ‫ِ‬
‫عجل العروض ومل يُ ّ‬ ‫قيمةً أو أقل‪ ،‬فذلك جائز إذا ّ‬
‫ذلك منه فقد ب ِرَ‪ ،‬وإن أىب من له قبولُه‪ ،‬فإ ْن أراد تـ ْرکه له وختْلِيـته‬
‫منه‪ ،‬فال أبس إذا أسقط ق ْدره عن بقيّة العاقِلة‪ .‬وملـا إن كان إابؤه من‬
‫تطوع‬ ‫ِ‬
‫قبوله جهالً يريد أن أيخذ منه ما على غريه‪ ،‬فليس على هذا املـُ ّ‬
‫بذل ما عليه‪ ،‬فإن مل يؤخذ منه‪ ،‬أوقف الواجب عليه عند‬ ‫أكثر من ِ‬
‫ُ‬
‫ضره إمسا ُکه ألنه إن تلف‬ ‫أحب أال ُخيرجه إىل أمني‪ ،‬أو ي ُ‬
‫أمني‪ .‬وإن ّ‬
‫عند األمني مل يربأ منه‪ ،‬ولكن لو أ ْوقـفه حاكم من ُحكام املسلمني‬
‫أمني مأمون عند ع ْدل مأمون‪ ،‬فإن كان دفع ذلك إىل الع ْدل كما‬
‫حل ْجنم دفع ثلث‬ ‫وجب عليه العني نفسها‪ ،‬على ثالث جنوم‪ ،‬كلما ّ‬
‫أحب أن‬ ‫ِ‬
‫الواجب عليه‪ ،‬فهو يراه له‪ .‬وإن أىب من هذا كلّه‪ ،‬أب ْن ّ‬
‫يتصدق ابلواجب عليه من الذي يستأهله ابملرياث‪ ،‬وإن أحب صنع‬
‫به ما شاء‪ .‬فإن هو قبِله مت ما طُلِب به أُخذ منه‪ .‬وهذا كله إذا‬
‫استوى أن للجاين عواقل على ما وصفنا حتت ِمل ذلك‪ ،‬فإن مل يثبُت‬
‫وجوب هذه ال ِّدية على بيت املال‪ ،‬فليس على هذا‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬وصار‬

‫‪064‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫رت‬ ‫ِ‬
‫فس ُ‬ ‫الرجل شيء‪ ،‬وال على غريه‪ ،‬من قرابة اجلاين‪ .‬فافْـهم‪ .‬فقد ّ‬
‫لك مجيع ما سألت عنه حسب ما ْأمکنين‪ ،‬لِضيق الوقت‪.‬‬
‫جل امرأته؟ فاعل ْم أ ّن أدبه ّإايها مأخوذ من‬ ‫الر‬ ‫ب‬ ‫وسألت هل ي ِ‬
‫ؤد‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهن‬ ‫وجل (والالِيت ختافُون نُ ُشوزُهن فعظُ ُ‬ ‫عز ّ‬ ‫كتاب هللا‪ .‬وذلك قولُه ّ‬
‫وهن فِإ ْن أط ْعن ُك ْم فال تـْبـغُوا علْي ِهن‬ ‫ِ‬
‫وهن ِيف الْمضاج ِع و ْ‬
‫اض ِربُ ُ‬ ‫و ْاه ُج ُر ُ‬
‫سبِ ًيال إِن الِل كان علِيًّا كبِ ًريا)(‪ .)1‬فكذلك كل شيء جيب عليها أن‬
‫لمها‪ ،‬فله‬ ‫ؤدايً إليها حقوقها‪ ،‬وساملاً من ظُ ِ‬ ‫ِ‬
‫تُطيعه فيه‪ ،‬إذا كان هو ُم ّ‬
‫ئهاهلا‪ .‬وكذلك قال فيه‬ ‫ؤدهبا عليه‪ .‬وأدبه إايها يكون بق ْدر استِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أن يُ ّ‬
‫أديب هلا ففقأ عْيـنها‪ ،‬أو أ ْعنـتها‪ ،‬إن‬ ‫وج ِه الت ِ‬‫العُلماء‪ .‬فإ ْن ضرهبا على ْ‬
‫حتم ُل العاقِلة ما بلغ الثلث منه فصاعداً‪ ،‬وإ ْن‬ ‫ذلك ِمن اخلطِإ‪ِ ،‬‬
‫أنْكرتْه ما ّادعاه قِبـلها من خالفِه‪ ،‬فهذا ال يُنتهى منها إىل ما يوجب‬
‫وإال ال بُد أن يُسمع يف األ ْهلّية واجلِري ِان‪ ،‬ألن أدبه ّإايها‬ ‫من ض ْرِهبا ّ‬
‫فإن ادعى عليها ما مل يُسمع منها‪ ،‬وما مل‬ ‫ليس يقع يف أول مرة‪ِ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الصحةُ‬ ‫ِ‬
‫وظاهرها ّ‬ ‫ُ‬ ‫األهلِني وال اجلري ِان‬
‫يُعرف به عند أحد من ْ‬
‫والسالمةُ‪ ،‬مل يُقب ْل قولُه عليها‪ .‬وينبغي له إذا كانت هذه ِصفتُها‪ ،‬أ ْن‬
‫نسبُه إليها‪ -‬م ْن يُوثق به من األهل واجلري ِان‪ْ ،‬قبل‬ ‫ِ‬
‫يُطْلع ‪-‬على ما ي ُ‬

‫)‪ - (1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية رقم(‪.)43‬‬


‫‪065‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ط يده إليها‪ .‬فإ ْن مل ُمي ِكْنه أن يُظ ِهر عليها ما‬ ‫أن يظْهر عليه بس ُ‬
‫ؤدهبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نسبه إليها‪ ،‬فقد ابْـتُلي‪ ،‬فإ ْن شاء تاسك هبا على ما يرى‪ ،‬ويُ ّ‬ ‫ي ُ‬
‫إن حق له أدب مأموراً عليها‪ ،‬وال يتجاوز فيه أدبه هلا‪ ،‬كأ ِ‬
‫دب املعلّم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫صبيانِه‪ ،‬ساملاً من العط ِ‬ ‫لِ ِ‬
‫صلحتها له‬ ‫ب واحل ِمية‪ ،‬ألنه إّنا يُ ّ‬
‫ؤدهبا ملـ ْ‬
‫و ِ‬
‫لنفسها‪.‬‬
‫ِ‬
‫حت يظهر منه اجلفاءُ وسوءُ‬ ‫الصغ ِري هو مأمور فيه ّ‬ ‫وأدبُه البنه ّ‬
‫ؤدبه‬
‫أدب من يريد صالحه‪ ،‬أ ْن يُ ّ‬ ‫اخلُلُ ِق‪ ،‬فيـ ْزجر عنه‪ .‬إّّنا السبيل يف ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ ُ‬
‫داوة‪ .‬وكذلك‬ ‫ابب الع ِ‬ ‫محية‪ ،‬إذ هو ليس على ِ‬ ‫ِ‬
‫يف غري عطب وال ّ‬
‫ب كل واحد منهما على قدر ُج ْرِمه أدابً‬ ‫ِ‬
‫فيؤد ُ‬
‫أدهبما ّ‬ ‫عبده وأمتُه‪ ،‬إليه ُ‬
‫ُ‬
‫لعدده حد يقتصر عليه‪ ،‬حت يظهر منه الظّلم ِ‬
‫لعبده‬ ‫عدالً ليس ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الرفق يف األمر‬ ‫ب ِّ‬ ‫ِ‬
‫والعُتُـ ّو عليه ُفريد عنه ويُنهی‪ ،‬كما جاء (إ ّن هللا حي ّ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫إخوانُكم خولُ ُك ْم جعل ُهم هللا‬ ‫الرسول عليه السالم ( ْ‬ ‫كلّه) ‪ .‬قال ّ‬
‫موهم ممّا تكلون‪ ،‬وا ْکسوهم مما تلبسون وال‬ ‫ِ‬
‫حتت أيْديكم فأطْع ُ‬
‫تُكلِّفوهم فوق طاقتِهم‪ ،‬فإ ْن كل ْفتُموهم فأ ِعينوهم)(‪.)2‬‬

‫)‪ - (1‬صحيح ابن حبان‪.‬‬


‫)‪ - (2‬اخرجه البخاري ومســلم‪.‬‬
‫‪066‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الد يشكو ولده الكبري‪ ،‬ويذكر عنه أنه يـعُقهُ‪ ،‬ويـعُق‬ ‫وسألت عن الو ِ‬
‫احتـلم‪ ،‬وملك أمره‪ ،‬فقد ْارتـفع‬ ‫أمه‪ ،‬فاعل ْم –رمحك هللا‪ -‬أن الولد إذا ْ‬
‫فعليه أن يُوفِيهما أو‬ ‫ظر والده‪ ،‬وبقي على الولد حق الوالديْن‪ْ ،‬‬
‫ِِ ِ‬
‫عنهُ ن ُ‬
‫وجل‬
‫عز ّ‬ ‫وجل منهما‪ .‬فإنه ّ‬ ‫عز ّ‬ ‫من كان معه منهما ما ألْزمه هللا ّ‬
‫يقول‪( :‬وقض ٰى ربك أال تـ ْعبُ ُدوا إِال إِايهُ وِابلْوالِديْ ِن إِ ْحس ً‬
‫اان إِما يـْبـلُغن‬
‫ِعندك الْ ِكرب أح ُد ُمها أ ْو كِال ُمها فال تـ ُقل هلُما أ ّ‬
‫ُف وال تـْنـه ْرُمها وقُل‬
‫ض هلُما جناح الذ ِّل ِمن الر ْمح ِة وقُل‬ ‫هلما قـوًال ك ِرميا ﴿‪ .﴾24‬و ِ‬
‫اخف ْ‬‫ْ‬ ‫ُ ْ ً‬
‫ب ْارمحْ ُهما كما ربـي ِاين صغِ ًريا ﴿‪ .)1()﴾23‬فإذا رأيت والِداً يشكو‬ ‫ر ِّ‬
‫لده القرآن وفـ ِّه ْمهُ ما عليه لوالده‪ ،‬يف لني وِرفق‪،‬‬ ‫ولده‪ ،‬فاقرأ على و ِ‬
‫لعله يتذكر أو خيشى‪ ،‬وح ِّذ ْره عُقوق والديِْه‪ ،‬فإن ا ّلرسول عليه السالم‬
‫دخل النّار‪ .‬فأما أن يؤخذ ِ‬
‫بقول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ ُ‬ ‫عد عُقوق الوالديْن مع الكبائر اليت تُ ُ‬
‫الده من ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬
‫لكن إ ْن كان و ُ‬ ‫والده‪ ،‬أو ُحيكم بذلك عليه‪ ،‬فال‪ .‬و ْ‬
‫غريه‪ ،‬أو إىل زوجة له‬ ‫احنراف لولد ِ‬ ‫الصالح‪ ،‬ويؤمن منه أن يكون فيه ِْ‬
‫ابلكذب‪ ،‬وال سبيل إىل‬ ‫ف الول ُد أن أابه ال يـتـهم عندان ِ‬ ‫غري ِّأمه‪ ،‬فيُعر ُ‬
‫ُّ‬
‫حكام‪،‬بقولِه‪ ،‬فإن قوله‬ ‫ِ‬
‫سوء الظ ِّن به فيك‪ .‬وهو إ ْن مل ُْجتر عليك األ ُ‬
‫السوء يُزِري بك‪ ،‬ومي ُقتُك‪ ،‬ويـُنـ ِّف ُر عنك ال ُقلوب‪ ،‬وتُرى بعني‬ ‫فيك ّ‬

‫)‪- (1‬سورة االسراء‪.‬‬


‫‪067‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أهل املـروءة و ِ‬ ‫ِ‬


‫القناعة‬ ‫اجلهالة والسفه‪ .‬فإ ْن كان هذا الولد من ِ ُ‬
‫فيُ ْستـْنـهى ويـُتأب ُخ ويُ ْستشع ُر الصرب على والديِْه‪ .‬وإ ْن كان من ِ‬
‫أهل‬
‫العدل حبُسن النظ ِر‪،‬‬
‫حاكم املسلمني ُ‬ ‫ِ‬
‫السفه واجلهالة واملـرادة‪ ،‬نظر فيه ُ‬
‫وزجرهُ عما مل تقم به عليه بـيِّنة ّإال شكوى األب‪ ،‬بعض الزج ِر‪ .‬ورب‬
‫الده بسف ِه ِه‪،‬‬ ‫والد يكون السفهُ ِصفته وله الو ُ‬
‫لد احلليم‪ ،‬ف ْيعتو عليه و ُ‬
‫فال يُقبل ِمنه‪ ،‬وال يُطاع فيه‪ ،‬ويُزجر عنه حت ي ُكف أذاه‪ .‬ولك يف‬
‫ِ‬
‫الوصف م ْقنع ممّا سألت عنه إ ْن شاء هللا‪.‬‬ ‫هذا‬

‫‪068‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

069


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫السالم‬
‫الرسول عليه َّ‬
‫ذكر سؤاله عن قول ّ‬
‫ُ‬
‫نُـزل القرآ ُن على سبعة أحر ٍ‬
‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وسألت عن تفسري‪ :‬أُنْ ِزل القرآن على سبعة أحرف‪ ،‬فاعل ْم أ ّن‬
‫صه‪ ،‬كما جاء عن عمر بن اخلّطاب رضي هللا‬ ‫ِ‬
‫الـ ُمراد منه مفهوم يف ن ّ‬
‫مسعت هشام بن حكيم يقرأ سورة ال ُفرقان على غري ما‬ ‫ُ‬ ‫عنه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أقرُؤها عليه‪ ،‬وكان رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬أقْـرأنِيها‪،‬‬
‫حت انْصرف‪ ،‬مث لبـْبـتُهُ ب ِردائِِه‬ ‫ت أن أعجل عليه‪ ،‬مث أ ْمه ْلتُهُ ّ‬
‫ِ‬
‫فك ْد ُ‬
‫ئت به رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ .-‬فقلت‪ :‬اي رسول هللا‬ ‫ِ‬
‫فج ُ‬
‫مسعت هذا يقرأُ ُسورة ال ُفرقان على غ ِري ما أقْـرأْتنِيها‪ .‬فقال له‬ ‫ُ‬ ‫إين‬
‫ّ‬
‫رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ :-‬اقرأْ‪ .‬فقرأ القراءة اليت مسعتُه يقرأُ‪.‬‬
‫ت‪ ،‬مث قال يل‪ :‬اقرأْ‪،‬‬ ‫فقال ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ :-‬هكذا أُنْ ِزل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحرف‪،‬‬ ‫لت‪ ،‬إن هذا القرآن أُنْزل على سبعة ُ‬ ‫أت‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا أُنز ْ‬
‫فقر ُ‬
‫فاقرُؤوا ما تيسر منه(‪ .)1‬فبني ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬بقوله فاقْرؤوا‬
‫كل واحدة منها ألفاظ ُخمالِفة ملا‬ ‫سبع قراءات‪ ،‬يف ِّ‬ ‫ما تيسر منه أهنا ُ‬
‫يف األخرى‪ ،‬فـ ْليقرأْ كل امرَ مبا تيسر منه من هذه السبعة‪ .‬وقد‬

‫)‪ - (1‬اخرجه البخاري ومسلم يف صحيحهما‪.‬‬


‫‪071‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ختتلف األلفا ُظ يف القراءة يف كلمة واملعىن فيها واحد‪ .‬وقد ختتل ُ‬
‫لفاظ يف قراءهتا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ابختالف األ ِ‬ ‫املعاين فيها‬
‫وجبت إمامتُه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ابتتان ع ّمن نُ ِسبتا إليه‪ ،‬ممن‬
‫والقراءاتن املـشهوراتن الث ِ‬
‫إحدامها‬ ‫ِ‬
‫فسر‬ ‫ِ‬ ‫وصح ِ‬
‫ُ‬ ‫اآليتني‪ ،‬عند ُحذاق الـ ُمقرئني‪ ،‬تُ ّ‬‫ت ثقتُه‪ ،‬مبنزلة ْ‬ ‫ْ‬
‫انسخةً لِلخرى‪،‬‬ ‫إحدامها ِ‬
‫ُ‬ ‫األخرى‪ ،‬أو خيالِف معناها معناها فتكون‬
‫صدرك إىل ما قرأ به أئِمةُ املسلمني املشهورين‪ ،‬الذين سلم‬ ‫ف ْليـْنش ِر ْح ُ‬
‫اجلامعة ما تـقلدوه‪ ،‬وثِقوا هبم فيها فيما روْوهُ‪ ،‬فما‬‫ِ‬ ‫أهل األمصار‬‫هلم ُ‬
‫وحيتج هبا‪ ،‬ون ُكف عن غ ِريهم‪،‬‬ ‫ِمنهم ّإال م ْن قِراءتُه حسنة ُمسلم هبا ُ‬
‫قوهتم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فإنه ليس لما جاء به ّقوة ك ّ‬
‫الرمحن ب ِن أيب نعيم‪ ،‬إمام ال ُقّراء‬ ‫بن عبد ّ‬ ‫وهؤالء األئمةُ هم‪ :‬انفع ُ‬
‫هللا بن عامر إمام‬ ‫وعبد ِ‬
‫إمام ال ُقّراء مب ّكة‪ُ ،‬‬ ‫ابملدينة‪ِ ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وعبد هللا بن كثري ُ‬
‫إمام ال ُقّراء ابلبصرِة‪ .‬وثالثة منهم‬
‫ابلشام‪ ،‬وأبو عمرو بن العالء ُ‬ ‫القراء ّ‬‫ّ‬
‫بن حبيب الزايت‪ ،‬وعلي‬ ‫ِ‬
‫بن أيب النجود‪ ،‬ومحزةُ ُ‬ ‫ابلكوفة‪ ،‬وهم عاصم ُ‬
‫بن محزة الكسائي‪ ،‬وليس هو محزة املقرَ‪ .‬فقد عّرفْـتُك أبمسائِهم‬ ‫ُ‬
‫لداهنم لِئال ي ْست ْش ِكل عليك غريُهم هبم‪ ،‬ومع هذا فأنت بِطرف‬ ‫وب ِ‬
‫ُ‬
‫بعيد‪ ،‬فال تـ ْقبـلن ما تع ِرف ّإال من الـمأمونني‪.‬‬

‫‪070‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقد قال مالك رمحه هللا‪ :‬قراءةُ انفع حسنة ومل يُضيِّ ْق غريها وال ك ِره‬
‫مت لك ما‬ ‫خالفها‪ّ ،‬إال ما شذ‪ ،‬وخرج على الـ ُمتواطأ عليه‪ .‬وقد ق ّد ُ‬
‫اءة انفع‪ ،‬والتّوسعة يف غريها‪ ،‬ما‬ ‫استحسان قر ِ‬
‫ِ‬ ‫كتاب سحنون من‬ ‫يف ِ‬
‫ك ِهبُدى الـ ُمتّقني‪.‬‬
‫است ْم ِس ْ‬
‫مل يكن ُمستبشعاً‪ .‬فافْـه ْم و ْ‬

‫‪072‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

073


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫شر الفاتِنني‬ ‫عصمنا هللا وإايك من ِ‬


‫الفْت ِنة يف ال ّدين‪ ،‬وأعاذان من ِّ‬
‫رضيه عنا‪ ،‬لِيُ ِميتنا عليه‪ ،‬فيدخلنا برمحتِه يف‬
‫واملـ ْفرتين‪ ،‬وختم لنا مبا ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصاحلني آمني رب العاملني‪ ،‬وهو ح ْسبُنا ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عباده ّ‬

‫* * *‬

‫حممد وآله‪،‬‬
‫رب العاملني وصلّى هللا على ّ‬
‫متَّ الكتاب والمد هلل ّ‬
‫ست وسبعمائة‪.‬‬
‫بتاريخ اثمن عشر ذي القعدة سنة ّ‬

‫املفصلة ألحوال الـ ُمتعلّمني‬


‫ّ‬ ‫األول والثّاين والّثالث من‬
‫متّ اجلزء ّ‬
‫وأحكام املعلّمني واملـُتعلّمني‪( .‬أليب السن القابسى) رمحه هللا‪،‬‬
‫ودعا لصاحبه ابملغفرة وجلميع املسلمني‪.‬‬
‫‪074‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بعض أصحابِنا أنه ُسئل الفقيه أبو عمران الفاسي رمحهُ هللا‬
‫ذكر لنا ُ‬
‫قات القرآن‪ .‬فأجاب يف ذلك أبن قال‪ :‬لوال أنه أمر مل‬ ‫عن ح ْذ ِ‬
‫كل سورة ح ْذقةً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يسبقين إليه أحد جلعلت يف آخر ّ‬

‫‪ ---‬ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ‪----‬‬

‫يف املديرية العامة للمكتبات العامة اعطيت له رقم ايداع (‪)323‬‬


‫لسنة ‪2022‬م‪.‬‬

‫‪075‬‬

‫‪‬‬

You might also like