You are on page 1of 27

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬


‫جامعة الجزائر ‪2‬‬
‫قسم‪ :‬لغة وأدب عربي‬

‫ق‍‍صيدة الزهد و التصوف و تطورها في الشعر العربي القديم‬

‫كان العمل من طرف الطالبات‪:‬‬


‫★ڨرماش لينا‬
‫★بوصندل مليكة‬
‫★ عبد السالمي نور الهدى‬
‫مقياس‪:‬‬
‫★ فنون الشعر و أعالمه‬
‫السنة‪:‬‬
‫★ أولى ماستر‬
‫التخصص‪:‬‬
‫★أدب عربي قديم‬
‫‪1‬‬

‫تعريف الزهد ‪ :‬جاء هذا المصطلح في المعجم الصوفي بأنه يدل على قلة الشيء‪ ،‬ويقر أبو حامد الغزالي‬
‫في كتابه "إحياء الدين" بتعريف جامع لكل معانيه في قوله ‪ " :‬هو عبارة عن انصراف الرغبة عن شيء‬
‫إلى ما هو خير "و" يقصد بذلك ترك لذائذ الدنيا طمعا بلذائذ اآلخرة الخالدة ‪ ،‬ولقد شهد معناه تغيرا من‬
‫عصر اآلخر‪ ،‬إذ كان يدل في القرن األول على االنصراف عن ملذات الدنيا و زخرفها‪ ،‬و أصبح مدلوله‬
‫القرن الثاني طهارة النفس ونقاء القلب و صفائه‪.‬‬
‫تعريف شعر الزهد‪:‬الزهد ظاهرة نفسية كان لها أثر كبير في الشعر العربي‪ ،‬تدعو إلى الموعظة و‬
‫توجيه الناس نحو التنسك والعبادة معتبرة أن هذه الحياة ما هي إال دار ممر إلى دار المقر‪.‬‬
‫‪ ꕤ‬الزهد في الشعر العربي القديم (النشأة البناء ‪ ،‬التطور) ‪:‬‬
‫الزهد فن من فنون الشعر العربي القديم الذي انبثقت منذ الجاهلية و بدأ بالنمو والتطور واالزدهار عبر‬
‫العصور الالحقة‪ ،‬وعلى هذا األساس سنشرع لتوضيح النقاط السابقة‪:‬‬
‫أ) العصر الجاهلي ‪:‬‬
‫ال يمكن الوقوف على تاريخ معين يحدد لنا نشأة الزهد العربي إال بالرجوع للشعر الجاهلي الذي نلمس‬
‫في بعض أبياته ومضات له‪ ،‬ويستدل الدكتور زكي مبارك على ذلك بلفظ "الديان" و "الرباني" و يعنيان‬
‫المتنسك في الدين و اللفظتان عرفتا في الجاهلية‪ ،‬وكانت موضوعاته أنذاك تنصب و تتعلق بالحديث عن‬
‫الموت وما بعده نتيجة قسم من التجارب والتأمالت ‪ ،‬له أشكال مختلفة إما أبيات فردية في قصيدة ذات‬
‫موضوع محدد ‪ ،‬أو شعر على هيئة عبر وحكم متفرقة‪ ،‬ومن الشعراء المتعبدين قبل اإلسالم عدي بن‬
‫زيد المشهور بالوعظ والتذكير‪ ،‬ومنهم المتحنفين الذين تلمسوا دين إبراهيم المأمور الحارثي وأكثم بن‬
‫صيفي و زيد بن نفيل وورقة بن نوفل وأبو القيس الراهب وأمية بن أبي الصلت ‪ ،‬وسنذكر فيما يلي‬
‫القليل من أشعارهم المرتبطة ب‍‍النصح والحكمة و الحياة وما بعدها‪:‬‬
‫ورقة بن نوفل‪:‬‬
‫وقلت لهم★★★★أنا النذير فال يغروكم أح ُد‬ ‫ُ‬ ‫ألقوام‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫نصحت‬ ‫َلقد‬
‫︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰‬
‫زهير بن أبي سلمى‪:‬‬
‫ب َأو ي َُعجَّ ل َفيُن َق ِم‬ ‫ب َف ُي َّد َخر★★★لِ َي ِ‬
‫وم الحِسا ِ‬ ‫يوضع في كِتا ٍ‬‫ُيَؤ َّخر َف َ‬
‫︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰‬
‫أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫ت به حدائقُها‬ ‫يقان فائ ٌز دخل ال ★★★ج ّنة ح ّف ْ‬ ‫هما َط ِر ِ‬
‫يطان َيش َقى ِب َها مُرافقُها‬
‫ِ‬ ‫وفرقة في الجحيم مع فرق الشّ ‪...‬‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫ب) عصر صدر االسالم‪:‬‬
‫و بمجيء اإلسالم تعددت المفاهيم السابقة للزهد إذ منحه أشكاال تتالئم مع تعاليمه الجديدة حيث شاعت‬
‫لفظة الزاهد بخالف العصر الجاهلي الذي شاعت فيه لفظتي الديان والرباني‪ ،‬ظهرت طالئعه األولى‬
‫حينما سئل النبي صلى هللا عليه وسلم ما الزهد في الدنيا؟ و يدل هذا على أن الزهد كان له وجود ديني‬
‫معين و له أبعاد ودالالت تتجاوز المعنى االستعمالي للفظة‪ ،‬إذ تشير إلى أن الرسول قد أذن بوالدة هذه‬
‫الحركة ومن طرف ثان يشير إلى جعل بعض المسلمين بماهية الزهد‪ ،‬كما ساهمت عوامل أخرى على‬
‫‪2‬‬

‫نشأته ومن بينها الفشل في الحياة ‪ ،‬الفقر‪ ،‬نفسية الزاهد‪ ،‬الورع الشديد للتفكير فيما بعد الموت من حساب‬
‫وعقاب وهذا ما أشار إليه األستاذ أحمد أمين‪":‬كان هناك في مبدأ اإلسالم بعض الناس يميلون إلى الزهد‬
‫إما ألنهم فشلوا في الحياة تزهدوا وإما ألنهم لم يجدوا ما يفتنون به فتزهدوا وإما ألن إحساسهم رقيق و‬
‫مأل الخوف من النار نفوسهم وخافوا أن يحاسبوا يوم القيامة حسابا عسيراً على مالهم ونعمهم" ‪ ،‬وقد‬
‫استمد الزهد في هذا العصر من مصدرين أال وهما القرآن و السنة النبوية‪ ،‬ولعل أهم الموضوعات التي‬
‫واكبت هذه الفترة منها‪:‬‬
‫‪ _1‬الدعوة إلى الزهد في الدنيا وزينتها ألنها ليست بدار البقاء والخلود بل هي زائلة‪.‬‬
‫‪ _2‬التوبة واالستغفار السيما عند الشعراء الذين قضوا شطرا من حياتهم في اللهو والمجون‪.‬‬
‫‪ _ 3‬االعتماد على هللا والقناعة بما قسمه هللا للعباد‪.‬‬
‫‪ _4‬التذكير بالموت واآلخرة‪.‬‬
‫‪ _5‬وعظ الناس ودفعهم إلى التحلي واالهتمام بأمور الدنيا وتنبيههم في أخطائهم مع التأكيد على االمتثال‬
‫بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ‪،‬والسير على النهج الذي سار عليه الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫وقد انتشر في أرجاء الدولة اإلسالمية عدد كبير من الوعاظ والزهاد الذين ال يفترون عن الدعوة إلى‬
‫الزهد‪ ،‬واالبتعاد عن ملذات الدنيا ومتاعها ك‍‍عروة بن زيد الخيل‪ ،‬علي بن أبي طالب‪ ،‬كعب بن زهير‬
‫وغيرهم وبهذا سنذكر القليل من أشعارهم‪:‬‬
‫عروة بن زيد الخيل‪ :‬نجد شعره يموج بصور الجهاد‪ ،‬والدعوة إلى طلب الشهادة مع استصغار الحياة‪ ،‬و‬
‫االستهانة بما فيها ومن بين أبياته ما يلي ‪:‬‬
‫وكم كربة فرحتها وكريهة ★★★شددت لها أزري إلى أن تجلت‬
‫وقد أضحت الدنيا لدي ذميمة ★★وسليت عنها النفس حتى تسليت‬
‫وأصبح همي في الجهاد ونيتي★★فلله نفس أدبرت وتولت‬
‫︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰‬
‫علي بن أبي طالب‪ :‬جاء في ديوانه رضي هللا عنه معنى الزهد واضحا جليا حتى قبل أن أحدا لم يقدم‬
‫تفسيرا للزهد كما فعل هو ‪:‬‬
‫ك ما فيها‬ ‫السال َم َة فيها َتر ُ‬ ‫ال َنفسُ َتبكي َعلى ال ُدنيا َو َقد َعلِ َمت★★ِإنَّ َ‬
‫كان َقب َل ال َمو ِ‬
‫ت بانيها‬ ‫ت َيس ُك ُنها★★★ِإاّل الَّتي َ‬ ‫دار لِل َمر ِء َبعدَ ال َمو ِ‬
‫ال َ‬
‫︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰‬
‫كعب بن زهير‪ :‬وله أشعار يظهر فيها الزهد جليا منها هذه األبيات التي سنتطرق إليها والتي كان‬
‫يخاطب فيها امرأته بأسلوب ينم عن قناعة ورضا وتوكل‪ ،‬ال تصدر إال عن إيمان عميق وزهد صادق إذ‬
‫يقول‪:‬‬
‫ش ٌّح َوال َش َف ُق‬ ‫حب ُس ُه ُ‬ ‫َأع َل ُم َأ ّني َمتى ما َيأتِني َقدَ ري★★★ َف َل َ‬
‫يس َي ِ‬
‫نسح ُِق‬ ‫ُ‬
‫َوال َمر ُء َوالما ُل َينمي ثم يُذ ِه ُبهُ★★★ َمرُّ ال ُد ِ‬
‫هور ويُفني ِه ف َي َ‬
‫استطاع هؤالء الشعراء النجاح في تمثيل مبادئ الزهد اإلسالمي وإيصال األحاسيس المتعلقة بهول يوم‬
‫القيامة واإلعداد له‪.‬‬
‫وتتجلى خصائص و مميزات شعر الزهد في عصر صدر اإلسالم ب ‪:‬‬
‫_ بسهولة مفرداته عالوة على وضوح معانيه ‪.‬‬
‫_ استخدام الشعراء بكثرة أسلوب اإلقناع سواء بالحجة أو بالدليل من أجل تحقيق أهدافه‪.‬‬
‫_ ظهور النزعة الدينية التي تميل إلى التشدد بشكل واضح‪،‬وصرح به‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫_ بناء القصيدة كان بناء مقنعا يخاطب العقل من خالل إبراز محدودية الزمن و بيان جمال الدنيا الفانية‬
‫وما تحمله من أخطاء‪.‬‬
‫_ ال يمكن التماس فروقات من الناحية الفنية في الشعر الزهديين العصر العصر الجاهلي و عصر صدر‬
‫اإلسالم المواكبة معظم هاتين الفترتين‪.‬‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫ج) العصر األموي‪:‬‬
‫لقد وجد الشعر الزهدي أرضه الخصبة في العصر األموي الذي انفرط فيه عقد الفتن و توالى سقوطها‬
‫على األمة اإلسالمية‪ ،‬ابتداء من مأساة كربالء ومقتل الحسين ابن علي رضي هللا عنه ‪ ،‬وجاء وراء هذا‬
‫الحدث الكثير من الثورات التي كان لها أثر في نهوض فن الزهد ‪ ،‬ولقد شهد في هذه الفترة تطورا و‬
‫ازدهارا ملحوظا وذلك راجع الهتمام والة األمر باألدب والحث عليه و بذل و نشأته كانت قائمة على‬
‫عدة عوامل مست جوانب مختلفة‪:‬‬
‫أ‪/‬الديني ‪ :‬كان القرآن والسنة مصدر الزهد لدى الصحابة لمعاصرتهم الرسول صلى هللا عليه و سلم‬
‫ثم احتذ التابعون بهم‪.‬‬
‫ب‪ /‬السياسي ‪:‬عجت الفترة األموية بالعديد من األحداث السياسية التي ساعدت في انتشار الزهد و ترك‬
‫ملذات الحياة‪ ،‬ومن أبرز هذه األحداث مصرع عثمان‪ ،‬حيث نشبت المعارك بينهم مما دفع الناس‬
‫للعزوف عن ملذات الحياة ويتوجهون إلى العبادة وطلب رضا هللا عز وجل‪.‬‬
‫ج‪/‬التاريخية (الحضارات السابقة) ‪:‬يرى العلماء أن ظهور الزهد عند العرب جاء بسبب احتكاكهم‬
‫وتأثرهم بالحضارات السابقة‪.‬‬
‫_ تركزت موضوعات شعر الزهد في العصر األموي على‪:‬‬
‫● إهمال الدنيا الفانية وتحقيرها ‪.‬‬
‫●االعتماد على هللا في تسيير شؤون الحياة‪.‬‬
‫●التذكير بيوم الساعة واآلخرة‪.‬‬
‫●أخذ العبرة من األقوام القدامى‪.‬‬
‫من أشهر شعراء هذا العصر‪:‬‬
‫سابق البربري‪ :‬عرف بالوعظ واإلرشاد و من أشعاره في ذلك‪:‬‬
‫الح َذ ُر‬
‫كنت َتعــ َل ُم ما تأتي وما َت َـذر★★★ َف ُكن على َحذر قد َين َف ُع َ‬ ‫إن َ‬
‫وارض به ★★وإن أتاك ِب َما ال َتش َت ِهي ال َقدَ ُر‬ ‫َ‬ ‫واصبر على ال َقدَ ِر ال َمجلُو ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ص َفوه كدَ ُر‬ ‫المرٍئ َعيشٌ ي َُسرُّ به ★★★★إال سيت َب ُع يوما َ‬ ‫ِ‬ ‫صفا‬ ‫َفما َ‬
‫︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰‬
‫عروة أذينة ‪ :‬و من أبياته‪:‬‬
‫★★★وجا َء ِبحُزن َِي ال َلي ُل ال َبهي ُم‬ ‫َ‬ ‫رقت َفما َأنا ُم َوال ُأني ُم‬ ‫َأ ُ‬
‫فار َقني ِب ِه ال َلطِ فُ َ‬
‫الحمي ُم‬ ‫ُكني★★و َ‬
‫َ‬ ‫َوَأص َب َح عا ِم ٌر َقد َه َّد ر‬
‫︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰‬
‫أبو األسود الدؤلي ‪:‬ومن أبياته‪:‬‬
‫خش سِ رّ اً ُم َم َّنعا‬
‫َ‬ ‫َأ‬ ‫عض َمن َلم‬ ‫يت َيوما ً َفخا َنني★★ِإلى َب ِ‬ ‫َل َعمري َل َقد َأف َش ُ‬
‫يت مِن ُه َفَأس َمعا‬ ‫ٌ★★★ونادى ِبما َأخ َف ُ‬ ‫َ‬ ‫هو غا ِفل‬ ‫العما َو َ‬ ‫زق َ‬ ‫َف َم َّز َق ُه َم َ‬
‫ُسرعا ً‬ ‫كان م ِ‬ ‫★★★و َقد َيعث ُر الساعي ِإذا َ‬ ‫َ‬ ‫فحش َلعا ً َل َك عاليا ً‬ ‫لت َو َلم َأ َ‬ ‫َفقُ ُ‬
‫‪4‬‬

‫و لقد تميز شعر الزهد في العصر األموي بخصائص تميزه عن العصور السابقة و من بينها‪:‬‬
‫_ لغته كانت سهلة و بسيطة بعيدة كل البعد عن االفحاش واألغراب‪.‬‬
‫_ تميزت القصيدة الزهدية آنذاك بأسلوبها الخطابي الوعظي ومدى تأثيرها على عقول الناس و نفوسهم‪.‬‬
‫_ تنوعت األنواع الشعرية في هذه الفترة و أصبحت مواكبة لمجريات الحياة‪.‬‬
‫_اُعتبر الشعر الزهدي األموي حلقة وصل بين السابق والالحق و ذلك من خالل تأثر الشعراء األمويين‬
‫بشعر الزهد عند الجاهليين و صدر اإلسالم و قد أثروا بدورهم على شعر العصور الالحقة‪.‬‬
‫_ لقد كانت آليات القرآن الكريم بألفاظها ومعانيها حضور بارز في أشعار الزهد‪ ،‬إذ ترددت معاني‬
‫القرآن على ألسنة شعراء الزهد‪ ،‬لذلك نستطيع القول أن شعر الزهد في تلك الحقبة في معظمه كان‬
‫أصداء لمجيء اإلسالم‪.‬‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫د‪/‬العصر العباسي‪:‬‬
‫لقد عرفنا في دراستنا السابقة أن نزعة الزهد قديمة قدم اإلنسان نفسه‪ ،‬فقد وجدت في العصور السابقة‬
‫فلم تعد مجرد ميل فطري إلى الزهادة و تقوى هللا ‪،‬أو حالة من حاالت اإليمان يصورها الشاعر‪ ،‬بل‬
‫أصبح فكرة يعتنقها ‪ ،‬و تتغلغل في نفسه و قلبه‪ ،‬و يتلبس بها شعره‪ ،‬وال يكاد يصور سواها من المشاعر‬
‫واألحاسيس أو من الصور التي يقع فيها بصره‪ ،‬شهد العصرالعباسي تطورا ملحوظا في الشعر الزهدي‬
‫و ذلك بفضل ازدهار الحياة الروحية من خالل تقبل األفكار الطارئة من الخارج أكثر مما كانت عليه في‬
‫القرن األول و نتج عن ذلك اِستقالل الحياة الروحية عن الحياة العامة ‪ ،‬و قد تظافرت في هذه الفترة‬
‫مجموعة من العوامل السياسية ‪،‬االِجتماعية ‪ ،‬والفكرية المختلفة‪:‬‬
‫‪ও‬العوامل السياسية‪ :‬الصراع السياسي الذي شهدته هذه الحقبة‪،‬حيث كان العباسيون مقتنعين بأحقيتهم‬
‫للخالفة فلم يتهاونو يوما في محاولة الحصول عليها‪ ،‬و لكن كانت محاوالتهم في الخفاء حتى ال يحدث‬
‫لهم ما حدث للعلويين من قبلهم من قتل و إراقة للدماء‪ ،‬لذلك قام العباسيون و أطلقوا من خراسان و‬
‫نجحوا في إشعال الفتنة بين كل من اليمانية والمضرية لمصلحة العباسيين‪ ،‬و بدأت حواضر خراسان‬
‫بالسقوط و كثرت االِستنجادات باألمويين‪ ،‬إال أن ملكهم كان منهمكا في حروب الخوارج حتى الحقه‬
‫العباسيون في البصير‪ ،‬وقيل أنهم دخلوا على أفراد البيت األموي و فتكوا بهم‪ ،‬و كانت هذه األحداث‬
‫والصراعات المتتالية لها أثر واضح ‪ ،‬و جلي على نفوس الشعراء و بهذا ظهرت مذاهب جديدة ‪.‬‬
‫‪ও‬العوامل اإلجتماعية‪:‬و قد وقف مع هذا العامل عامل آخر وهو الترف الذي بانت آثاره في كل شيء‪ ،‬و‬
‫الذي خلق طبقة فقيرة عانت الصراع وذاقت طع الويالت مما دفع الكثيرين منها إلى الزهد بالقليل‬
‫واالِتجاه إلى االِعتزال و العبادة و التبتل‪ ،‬و هناك أصناف وأشكال مختلفة في هذا العامل ترتبط معه‪ ،‬و‬
‫هي ‪:‬البذخ و خاصة في الحكام و أسرهم ‪ ،‬السير وراء مشاغل الدنيا‪ ،‬اِنتشار السرقات و الخمر‪،‬البيع و‬
‫الشراء بالفساد‪ ،‬و أمور كثيرة سيئة ال يسع الوقت لذكرها‪.‬‬
‫‪ও‬العوامل الفكرية و الثقافية ‪ :‬كان للعامل الفكري دور هام في اشتداد عود الزهد في العصر العباسي‬
‫وذلك راجع لعدد من األسباب وهي‪:‬‬
‫_ التقاء الحواضر االسالمية بشتى الثقافات العريقة منها‪ :‬الهندية واليونانية والفارسية‪ ،‬وقاموا باألخذ من‬
‫علومهم وآثارهم واالقتباس منهم‪ ،.‬أدى هذا تمازج الى اعتناق بعض العرب بعض من معتقدات الفرس‪.‬‬
‫_ تطور علم الكالم‪ ،‬والفلسفة وظهور المعتزلة‪.‬‬
‫_ ظهور حركات الترجمة والنقل‪.‬‬
‫_ تشجيع العلماء والنابغين‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وكنتيجة حتمية لهذه النهضة الفكرية أثير جدل وتباين اآلراء حولها‪ ،‬فلم يكن المجتمع العباسي كله‬
‫راضي عن هذه اآلراء والحركات الدينية والفكرية‪ ،‬فقد كان المؤيدون لهذه الحركة يستمدون المعرفة‬
‫من تلك الكتب و الحركات واعتمدوا عليها في زهدهم و كانت حجتهم أنها ال تتعارض مع الزهد‬
‫اإلسالمي‪ ،‬أما المناهضين لها لم يروا أبدا إال أن يكفوا أيديهم عنها و يعتزلوا هذا المجتمع المتالطم‬
‫فوجدوا في زهد بختهم‪.‬‬
‫߷ شعر الزهد وعالقته بالموضوعات الشعرية األخرى ‪:‬‬
‫‪ .1‬شعر الزهد والمديح ‪ :‬احتل المديح مكانة مرموقة لدى الشعراء في العصر العباسي‪ ،‬واختلف المديح‬
‫حسب أغراض وخصائص الشاعر‪ ،‬فمنهم من كانت وجهته سياسية كالمتنبي ومنهم من كانت وجهته‬
‫حربية ك‍‍أبي فراس الحمداني‪ ،‬والصنوبري ويعتبر من الشعراء الذين ثرى في شعرهم الزهد مثل ما‬
‫تبين في البيتين الذين قالهما لممدوحه الذي جعله قريبا في تقواه وصالحه وشبهه بشهر رمضان الكريم‬
‫والفريد من نوعه بين األشهر وتميزه كما تتميز ليلة القدر في شهر رمضان حيث قال‪:‬‬
‫نلت في ذا الصيام ما ترتجيه★★★ووقاك اإلله ما تتقيه‬ ‫َ‬
‫أنت في الناس مث ُل ذا الشهر في★★األشهر بل مثل ليلة المقدر فيه‬
‫رغم التطور الذي حظيت به الدولة العباسية‪ ،‬لم ينقطع اهتمام شعرائها بالنظم في الموضوعات القديمة‬
‫وباألخص المدح‪ ،‬ولكنهم زادوا في معاني هذا المديح وصوره بما يتالءم مع الحضارة العباسية والحياة‬
‫االجتماعية الجديدة ومواسم الخالفة والملك واعياد البالط ومناسبات الحرب والسلم ونجد في مدائنهم‬
‫األحداث السياسية التي وقعت في عصورهم من الفتن والثورات والحروب الداخلية والخارجية على‬
‫شكل وثائق تاريخية مهمة ‪،‬وأطلق على هذا النوع من الشعر شعر الحرب‪ ،‬وقد كان أبو تمام أبرز‬
‫أولئك الشعراء‪ ،‬حيث أبدى وأعاد في المدح وسلك فيه طريق يختلف عما كان يسلكه الجاهليون‬
‫واإلسالميون ومن أشعاره التي يصف فيها حروب المعتصم بصور رائعة متحركة أمام عيون القراء‬
‫لشعره يقول من قصيدة يمدح فيها المعتصم ‪:‬‬
‫ذب ال َمناه ِِل‬
‫وض َع َ‬ ‫الر ِ‬ ‫ناز ِل ★★ ُم َنوِّ َر َوحفِ َ‬ ‫عمور الحِمى َوال َم ِ‬ ‫َ‬ ‫ك َم‬ ‫َغدا المُل ُ‬
‫صما ً حِرزاً لِ ُك ِّل م ِ‬
‫ُواِئل‬ ‫★★★ومُع َت َ‬
‫َ‬ ‫ًأ‬ ‫ِبمُع َتصِ ٍم ِباهَلل ِ َأص َب َح َم َ‬
‫لج‬
‫★ في هذه األبيات يشير أبو تمام إلى صفة مهمة من صفات القائد ‪ ،‬هي كونه أول من يدخل ميدان‬
‫الحرب حيث يقول أن المعتصم هو ملجأ لكل محتاج إليه ألنه ال يخاف الموت ‪ 22 22‬في الميادين‬
‫ومقدام في الحروب‪.‬‬
‫★وقد مدح المعتصم في فتح عمورية‪ ،‬حيث استهل كالمه بالحديث عن السيف والتنجيم ألن المعتصم قد‬
‫حذره المنجمون من فتح عمورية في ذلك الوقت ولكنه لم يستمع إليهم وكان النصر والفتح حينها‬
‫بالسيف‪ ،‬وهذا في قوله‪:‬‬
‫ين ال ِج ِّد َوال َل ِع ِ‬
‫ب‬ ‫ب ★★★في َح ِّد ِه َ‬
‫الح ُّد َب َ‬ ‫السيفُ َأصدَ ُق َأنبا ًء م َِن ال ُك ُت ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫الر َي ِ‬‫ك َو ِ‬ ‫الصحاِئفِ في★مُتون ِِهنَّ َجال ُء ال َش ِّ‬ ‫فاِئح ال سو ُد َ‬ ‫الص ِ‬ ‫َ‬ ‫بيضُ‬
‫ش ُه ِ‬
‫ب‬ ‫بع ِة ال ُ‬
‫الس َ‬‫ين ال في َ‬ ‫ين َ‬ ‫رماح الم َِع ًة★★★ َب َ‬ ‫َأل‬ ‫َوالعِل ُم في ُ‬
‫ش ُه ِ‬
‫ميس ِ‬‫الخ َ‬ ‫ِ‬ ‫با‬
‫‪. 2‬الزهد والفخر‪ :‬بقي فن الفخر بارزا في القرن الرابع الهجري وتخصص فيه عدد من الشعراء‪ ،‬وهو‬
‫الفن الذي يقوم فيه الشاعر عادة باإلشارة بفضائله وفضائل قومه‪ ،‬والتغني بمكارمه‪ ،‬ومكارم القبيلة التي‬
‫ينتمي إليها وذكر مواقفها وأيامها‪ ،‬وقد جاءت موضوعات الفخر على ثالثة أشكال فهناك من افتخر‬
‫باألخالق الحميدة وهنالك من افتخر بانتسابه لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم وكذلك من افتخر بنصرتهم‬
‫لدين هللا والجهاد في سبيله‪ ،‬ونذكر من بين هؤالء الشعراء الشريف الرضى فقد افتخر دون ادعاء‬
‫‪6‬‬

‫وال مبالغة وال كذب أو اختالفا او تزايد ويقول‪:‬‬


‫ِنك َوال ُنصابُ‬ ‫★★★و ُنصيبُ م َ‬ ‫َ‬ ‫إ ّنا َنعِيبُ ‪َ ،‬وال ُن َعابُ‬
‫ت ال★★★ َيصفو َل ُه َأ َبداً َشرابُ‬ ‫َمن َل َّذ ِوردَ ال َمو ِ‬
‫تعتبر قصائد أبي تمام في الفخر قليال األبيات‪ ،‬إذا لم يتعمق في هذا القرض ولم يسيطر على نفسه‬
‫كغيره من الشعراء فهناك قصيدة يفتخر فيها بقومه عند انصرافه من مصر بقوله‪:‬‬
‫★★و َقد َس َّه َل ال َتودي ُع ما َوع ََّر ال َهج ُر‬ ‫َ‬ ‫ين مُس َتحصِ ٌد َشز ُر‬ ‫ص َّدت َو َحب ُل ال َب ِ‬ ‫َت َ‬
‫صد ُر‬ ‫ُها★★★خلِيٌّ َوما َيخلو َل ُه مِن َهوىً َ‬ ‫َ‬ ‫صدر‬ ‫َب َكت ُه ِبما َأب َكت ُه َأيّا َم َ‬
‫لت َت َجلُّداً★★ِإذا ال َشمسُ َلم َتغرُب َفال َط َل َع ال َبد ُر‬ ‫در قُ ُ‬ ‫َوقا َلت َأ َتنسى ال َب َ‬
‫قد بلغت القصيدة ثمانية وأربعون بيت بدأها أبو تمام بالحديث عن البيت والفراق إذا هو مفارق أحبابه‬
‫في مصر‪ ،‬أعقبها بالحديث عن الرزق والسعي وراءه‪ ،‬ثم البدء بالفخر بالتعليل بما يفعله‪.‬‬
‫‪.3‬الزهد و الحكمة ‪:‬‬
‫يعرف شعر الحكمة بأنه أحد األغراض الشعرية الشائعة بين الشعراء‪ ،‬ويعرف بأنه نوع من الشعر‬
‫يحاول به المؤلف إيصال تجاربه وعصارة حياته التي واجهها بين الناس‪ ،‬وهو شعر له تاريخ طويل في‬
‫األدب العربي‪ ،‬فقد عرف ازدهارا واسعا في القرن الرابع هجري وكان متصال اتصاال وثيقا بشعر الزهد‬
‫‪ ،‬وتعددت مواضيعهم االجتماعية والدينية كالصداقة واألعمال الصالحة والسيئة مع ذكر المحاسن‬
‫والعيوب حيث نجد أبو فراس الحمداني وهو من الشعراء الذين عرفوا حقيقة الموت والحياة فهو يفصل‬
‫بينهما وأن الموت يأتي فجأة يقول في ذلك‪:‬‬
‫عمان ذا صابٌ َوذا َع َس ُل‬ ‫العيشُ َط ِ‬ ‫★★★و َ‬ ‫َ‬ ‫بت َوذا َز َل ُل‬ ‫ومان ذا َث ٌ‬ ‫الدَ ه ُر َي ِ‬
‫فين َوال في نِق َم ٍة َف َش ُل‬ ‫ِلعار َ‬ ‫الزمانُ َفما في نِع َم ٍة َب َط ٌر★★★ل ِ‬ ‫َكذا َ‬
‫الجدَ ُل‬‫العد ُل َأن َي َتساوى ال َه ُّم َو َ‬ ‫ت★★و َ‬ ‫َ‬ ‫السرّ ا ِء ِإن َر َج َح‬ ‫َسعادَ ةُ ال َمر ِء في َ‬
‫نالحظ في هذه األبيات بأن الشاعر عاش تجارب عديدة بين السراء والضراء‪ ،‬والفرح والحزن…‪.‬‬
‫‪.4‬الزهد و الفلسفة ‪:‬‬
‫كان الشيوع الفلسفة في العصر العباسي أثره الواضح في الشعر‪ .‬إذ انعكست اثار هذا العلم في الشعر‬
‫العباسي من نواحي المعاني واألفكار والصور الفنية واألساليب ومن أشهر الشعراء هنا أبو تمام وأبو‬
‫العالء المعري ‪.‬‬
‫خصائص شعر أبي تمام ‪ 1- :‬الميل إلى العمق و ابتكار المعاني والصور الجديدة ما يحتاج إلى إعمال‬
‫العقل والفكر ومن ذلك قوله في وصف الجو في الربيع ‪:‬‬
‫ضار ِة يُمطِ ُر‬ ‫الغ َ‬ ‫ُ★★★صحوٌ َيكا ُد م َِن َ‬ ‫َ‬ ‫الصحوُ مِن ُه َو َبعدَ ه‬ ‫َ‬ ‫ـط ٌر َيذوبُ‬‫َم َ‬
‫يث مُض َم ُر‬ ‫الصحوُ َغ ٌ‬ ‫يث ظا ِه ٌر★★★ َل َك َوج ُه ُه َو َ‬ ‫ـيـثان َفاَألنوا ُء َغ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َغ‬
‫حاب َأتاهُ َوه َُو م َُع ِّذ ُر‬
‫ِلت السِ َ‬ ‫َو َندىً ِإذا ِا َّد َه َنت ِب ِه لِ َم ُم ال َثرى★★★خ َ‬
‫‪ _ 2‬استخدام األدلة المنطقية والبراهين العقلية كما في قوله لمن عذلته على ضيق ذات اليد‪:‬‬
‫للمكان العالي‬ ‫ِ‬ ‫الكريم من الغنى★★★فال َّس ْي ُل َحرْ بٌ‬ ‫ِ‬ ‫ال تنكري عط َل‬
‫‪ -3‬استخدام ألفاظ الفالسفة والمتكلمين يقول‪:‬‬
‫ِت★★★يان َمن َلم َي ُكن َنداهُ عُموما‬ ‫ِ‬ ‫َلن َينا َل العُلى ُخصوصا ً م َِن الف‬
‫خصائص شعر أبي العالء‪ 1- :‬تمجيد العقل واإلعالء من شأنه كقوله‪:‬‬
‫قل مُشيراً في صُب ِح ِه َوال َمسا ِء‬ ‫★★★ع ِ‬‫َ‬ ‫الظنُّ ال ِإما َم سِ وى ال‬ ‫ب َ‬ ‫َك َذ َ‬
‫سير َواِإلرسا ِء‬ ‫ال★★★★★رح َم َة عِ ندَ ال َم ِ‬ ‫َ‬ ‫َفِإذا ما َأ َطع َت ُه َج َل َ‬
‫ب‬
‫‪7‬‬

‫‪ -2‬غلبة الفلسفة التشاؤمية فاعتزل الناس وحرم على نفسه الطيبات ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫الناس َوعِ ش واحِداً ★★★ال َتظل ِِم ال َقو َم َوال ُتظ َل ِم‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ِإج َت ِن ِ‬
‫‪ - 3‬نقد الحياة االجتماعية السائدة في عصره من الجهل و الغفلة والتقليد ‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬
‫ُ★★★ح ّتى َل َظ ّنوا َعجوزاً َتحلُبُ ال َق َمرا‬ ‫َ‬ ‫صدَ َّق الناسُ ما اَأللبابُ ُتبطِ لُه‬ ‫َقد َ‬
‫ضياف َأو ُغ َمرا‬ ‫غيث ب ِه اَأل‬
‫َ‬ ‫َأنا َق ٌة ه َُو َأم شاةٌ َف َيم َن َحها★★★ ُع ّسا ً َت ُ ِ‬
‫߷موضوعات شعر الزهد في العصر العباسي ‪:‬‬
‫‪ )1‬الحب اإللهي كقول الجارية ريحانة ‪:‬‬
‫باب ِه َمطرُو ُح‬ ‫ِب ِب ِ‬ ‫ب بعل ِم ِه ★★★ أنّ ال ُمح َْ‬ ‫الحبي ِ‬
‫ِ‬ ‫َحسْ ب ِمنْ‬
‫فإذا تقلب في الدنيا ففؤاده ★★★ ِب ِسهام َل ْو َعات الهوى مجرُو ُح‬
‫‪ )2‬الدعوة إلى مخالفة النفس و التحكم بها كقول أبي نواس‪:‬‬
‫ص ُع ْ َبت يومًا عليك فهوِّ نهْ‬ ‫ت صعوب ُة ★★ َفإنْ َ‬ ‫و لل َّن ْفس دون العارفا ِ‬
‫س طي ُر َي ْن َتفِضْ َن ِإلى ال َهوى★★ بأجنح ِة تهوي ِإلي ِه َف َس َّكنِها‬ ‫و لل َّن ْف ِ‬
‫‪ )3‬الحث على الفضيلة و الكف عن الشهوات الدنيا ومطامعها كقول الشافعي‪:‬‬
‫ُصب ُح في ُدنياهُ َس ّفارا‬ ‫يا َمن يُعان ُِق ُدنيا ال َبقا َء َلها★★★يُمسي َوي ِ‬
‫وس َأبكارا‬ ‫★★★ح ّتى ُتعان َِق في الفِردَ ِ‬ ‫َ‬ ‫كت لِذي ال ُدنيا مُعا َن َق ًة‬ ‫َهاّل َت َر َ‬
‫‪ )4‬ذكر الموت و االستعداد لما بعده كقول أبي العتاهية ‪:‬‬
‫ت ك ُّل دَ وا ِء‬ ‫ت عن ُك ِّل حيلة ٍ★★و َيعْ َيا بدا ِء ال َم ْو ِ‬ ‫يع ُِّز دفا ُع المو ِ‬
‫߷أقسام الزهد و مراتبه‪:‬‬
‫للزهد أقسام و منها ما عددها بن القيم و تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫_ زهد في الحرام وهو فرض عين‬
‫_ الزهد في التشبيهات وهو بحسب مراتب الشبهة فإن قويت التحق بالواجب و إن ضعفت كان مستحبا‬
‫_ الزهد في الفضول وهو زهد فيما ال يعني من الكالم و النظر والسؤال واللقاء وزهد في الناس وزهد‬
‫في النفس بحيث تهون عليه نفسه في هللا‬
‫_ وزهد جامع لذلك كله وهو زهد فيما سوى هللا وكل ما يشغلك عنه و أفضل الزهد‬
‫_ إخفاء الزهد وأصعبه في الحظوظ‬
‫߷شعراء الزهد و اتجاهاتهم‪:‬‬
‫عرف العصر العباسي مجموعة من الشعراء الزهاد ومن بينهم "عدى بن زيد" الذي يتحدث في‬
‫مجموعته الشعرية عن الدنيا و قناعتها‪ ،‬و النعيم و زواله و عصف الدهر بالناس جيال بعد جيل كأنه‬
‫يريد أن يدعو إلى عدم التعلق بمتاع الدنيا الزائل يقول‪:‬‬
‫رن َزوال‬ ‫ف َع َلى َق ِ‬ ‫فسهُ★★★َأ َّن ُه مُو ٍ‬ ‫َمن َرأنا في َُح ِّدث َن َ‬
‫ص ُّم ال ِجبال‬ ‫هر ال َيب َقى َلها★★ولِ َما َتأتي ب ِه ُ‬ ‫و ُخطوبُ ال َّد ِ‬
‫الزالل‬ ‫خمر ِبالما ِء ُّ‬ ‫ُون ا َل َ‬ ‫شرب َ‬ ‫ب َقد َأ َنا ُخوا عِ ندَ نا★★ َي َ‬ ‫رُبَّ َرك ٍ‬
‫خيل َتردي في ال ِجالل‬ ‫اق ا َل ِ‬ ‫باريق َع َليها فُ ُد ٌم ★ ★★وعِ َت ُ‬ ‫ُ‬ ‫واَأل‬
‫𖣲و نذكر أيضا" أبو فارس الحمداني " الذي ذكر أبيات تتحدث عن االستسالم لقضاء هللا وقدره الذي ال‬
‫يستطيع أي إنسان الهروب منه في قوله ‪:‬‬
‫هو كاسِ بُ ؟‬ ‫هو واق ٌع ★★★ َو َه ْل َيعْ َل ُم اإلنسانُ ما َ‬ ‫ه ْل يدف ُع اإلنسانُ ما َ‬
‫الخلق هاربُ ؟‬
‫ِ‬ ‫الخلق غالبٌ ★★★ وه ْل لقضا ِء ِ‬
‫هللا في‬ ‫ِ‬ ‫هللا في‬‫و ه ْل لقضا ِء ِ‬
‫‪8‬‬

‫حيث تناول في هذه األبيات موضوع الزهد من خالل التساؤالت التي توحي بأنه يستنكر على اإلنسان‬
‫أن يدفع ماهو مكتوب له‪ ،‬ألنه واقع ال محالة و إن قضاء هللا ال يرد ‪.‬‬
‫𖣲أما " الشريف الرضي" فيذكر الناس بالموت و أن الحياة عبارة عن رحلة قصيرة و يجب اإلعتبار و‬
‫االستعداد لهذه اللحظة قائال‪:‬‬
‫قل الهوامل في الدنيا ما بالكم★★★كالنا تميت و أنتم أيقاظا‬
‫أين المقاول و الجبابر قبلكم★★★★فاضوا على علل الزمان و فاضوا‬
‫𖣲تقول "رابعة العدوية "‪:‬‬
‫ـوى★★و ُحبْــا ً أل َن َك أهْ ـل لـ َِذاك‬ ‫ُب ال َه ٰ‬ ‫ْن ح َ‬ ‫ُك ُح َبي ِ‬ ‫أ ِحب َ‬
‫ش ْغلِى بذ ِْك ِر َك َع َمنْ سـِواكْ‬ ‫وى★★ َف ُ‬ ‫فأما الذي ه َُو حُبُ ال َه ٰ‬
‫تى أراكْ‬ ‫أرى ال َك ْو ِن َح ٰ‬ ‫ت ٰ‬ ‫ت أه ٌل َلهُ★★ َف َلسْ ُ‬ ‫وأمّـا الذي أ ْن َ‬
‫الحمْ ُد فِى ذا وذاك‬ ‫لك َ‬ ‫ذاك لي★★ولكنْ َ‬ ‫الحمْ ُد فى ذا وال َ‬ ‫فال َ‬
‫من خالل هذه األبيات يتبين لنا العالقة الخاصة بين العبد و خالقه و تؤكد على مدى حبها وتعلقها بخالقها‬
‫بعد ما كانت تعيش حياة اللهو و المجون‪.‬‬
‫𖣲و أيضا "أبو نواس " كان من الشعراء الذين نظموا شعرا في الزهد بٱواخر حياته قائال‪:‬‬
‫ذاب َك َأس َتجي ُر‬ ‫فو َك مِن َع ِ‬ ‫★★ب َع ِ‬‫ِ‬ ‫يس لي مِن ُه مُجي ُر‬ ‫َأيا َمن َل َ‬
‫الغفو ُر‬‫الس ِّي ُد ال َمولى َ‬ ‫نت َ‬ ‫★★وَأ َ‬ ‫َ‬ ‫العب ُد ال ُمقِرُّ ِب ُك ِّل َذن ٍ‬
‫ب‬ ‫َأنا َ‬
‫نت ِب ِه َجدي ُر‬ ‫ِعلي★★وِإن َتغفِر َفَأ َ‬ ‫َ‬ ‫َفِإن َع َّذب َتني َف ِبسو ِء ف‬
‫ِنك المُس َتجي‬ ‫يك َيفِرُّ م َ‬‫ين ِإاّل ★★★ِإ َل َ‬ ‫ِنك َوَأ َ‬‫يك م َ‬ ‫َأفِرُّ ِإ َل َ‬
‫أبو نواس يدعو إلى طلب المغفرة من هللا عز وجل وهو في لحظات حياته األخيرة من كل ذنب اقترفه‬
‫︎⚜" أبو العتاهية" و كانت مواضيع شعره في ذكر الموت و أنها مٱل بني ٱدم من بينها‪:‬‬
‫دار َفنا ِء‬ ‫ت َ‬ ‫دار ال َمو ِ‬ ‫فاك ِب ِ‬‫دار َبقا ِء★★ َك َ‬ ‫ُك ما ال ُدنيا ِب ِ‬ ‫َل َعمر َ‬
‫َفال َتع َش ِق ال ُدنيا ُأ َخيَّ َفِإ َّنما★★ َترى عاشِ َق ال ُدنيا ِبجُه ِد َبال ِء‬
‫مزوج ٌة ِب َعنا ِء‬
‫َ‬ ‫راح ُتها َم‬
‫ٍ★★و َ‬ ‫َ‬ ‫رارة‬ ‫مزوج ٌة ِب َم َ‬
‫َ‬ ‫الو ُتها َم‬‫َح َ‬
‫ِقت َوما ِء‬ ‫طين ُخل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ب َمخي َلةٍ★ َفِإ َّن َك مِن‬ ‫مش َيوما ً في ثِيا ِ‬ ‫َفال َت ِ‬
‫߷خصائص الزهد في العصر العباسي‪:‬‬
‫_ تنوعت مواضيع الزهد وتعددت وكان الموت أكثر المواضيع التي تناولها الشاعر لما يحمله من‬
‫تخويف وجزر‬
‫_ اللغة السهلة والواضحة‪.‬‬
‫_ استخدام التعجب والتكرار والنداء واالستفهام‪.‬‬
‫_؛تتسم بسهولة الحفظ و بلغة التأثير‪ ،‬وباستخدام أسلوب الخطاب المباشر‪.‬‬
‫_ غلب عليه أسلوب الوعظ واإلرشاد و النصح‪.‬‬
‫_ كثرة األبيات‪.‬‬
‫_ االهتمام ببنية القصيدة حتى آخرها‪.‬‬
‫_ استخدام األوزان الشعرية والبحور المتعددة‪.‬‬
‫_ استخدام الصور الفنية البسيطة‬
‫_ قام شعراء الزهد بالخروج عن األوزان التقليدية الشعرية و قواعد العروض‪ ،‬و ذلك من خالل ابتكار‬
‫أوزان جديدة‪ ،‬و يذكر أن أبا العتاهية كان من أول الشعراء الذين كسروا قواعد القافية التقليدية‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫ه‍)عصر الضعف و االنحطاط‪:‬‬
‫ساد عند العرب في عصر الضعف حالة من اليأس و اإلحباط‪ ،‬و ذلك لتوجه الناس إلى الترف‬
‫والمجون و كان إبعادهم يعد سمة من سمات هذا العصر‪ ،‬و يدعى بهذه التسمية ألنه شهد االنحطاط في‬
‫كافة جوانب الحياة ومن بينها األدب و بالخصوص الشعر أو بما هو معروف ٱنذاك الشعر الزهدي و‬
‫ازدهر هذا النوع في هذه الفترة ألسباب عديدة منها ذاتية و تتعلق بالفقر و الحاجة التي يعاني منها‬
‫بعض الشعراء الذين لجؤا إلى الزهد ليس لقناعتهم ولكن هروبا من واقعهم المؤلم أو لقوة الوازع الديني‬
‫عند البعض اٱلخر رغبة في اإلصالح أما الموضوعية فترتبط باللهو و المجون و الزندقة فشعر الزهد‬
‫كان ردا قويا على التيار الذي اجتاح بالد المشرق في تلك الحقبة من تاريخنا اإلسالمي‪ ،‬و يقصد بالزهد‬
‫في عصر الضعف الدعوة الصريحة للشعراء بترك الكتابة عن ملذات الحياة و االتجاه إلى الكتابة عن‬
‫المديح النبوي‪ ،‬ووصف الغزوات و شعر الحكمة والرثاء‪ ،‬حيث اقتصر الشعر حينها على بعض‬
‫الموضوعات منها‪:‬‬
‫_ النفور من الدنيا و االبتعاد عن ملذاتها و العمل على اٱلخرة‬
‫_ ذكر الموت و الفناء و التذكير باٱلخرة‬
‫_ الدعوة لعبادة هللا و التحذير من الوقوع بالمعاصي و الذنوب‬
‫_ الدعوة إلى اإلصالح و الميل إلى الزهد و الورع في الدنيا‬
‫߷شعرائه ‪:‬‬
‫خالل هذا العصر برز شعراء يعود لهم الفضل في تمثيل هذه الحقبة و نذكر منهم ‪:‬‬
‫ابن العربي ‪ :‬وهو واحد من أشهر الشعراء في عصر الضعف و لعل أهم قصائده ‪:‬‬
‫عقيب الخريفِ ★★وجاء الربي ُع يليه المصيفُ‬ ‫َ‬ ‫الشتا ُء‬
‫ودار الزمانُ بأبنائه★★★فمن دوره كان دو ُر الرغيف‬
‫سرى في الجسوم بأحكامه★★★تغذى اللطيف به والكثيف‬
‫عجبت لهم جهلوا قدرهم★★★ويسعى القويُّ له والضعيف‬ ‫ُ‬
‫البوصيري‪ :‬و تعد أبرز أبياته في المدح النبوي ما يلي ‪:‬‬
‫كيف تر َقى ُر ِقيَّك اَألنبياءُ★★يا سما ًء ما َ‬
‫طاو َل ْتها سما ُء‬
‫وسنا ُء‬‫ُالك َو َق ْد حا★ َل سنا ً مِنك دو َنهم َ‬
‫َل ْم يُساوُ وك في ع َ‬
‫إ ّنما َم َّثلُوا صِ فاتِك للنا★★★س كما َّ‬
‫مث َل النجو َم الما ُء‬
‫ضوِئك اَألضوا ُء‬ ‫َ‬ ‫فضل فما َتص★ ُد ُر إال عن‬ ‫ٍ‬ ‫أنت مِصبا ُح ك ِّل‬‫َ‬
‫ابن نباتة ‪:‬وكان له قصائد متميزة بحق الزهد والمديح النبوي ونذكر من بينها هذه األبيات‪:‬‬
‫يا من له في طريق زهد★★★حال وفي المشكالت كشف‬
‫قل لي ما مبهم جلي و فيه★★وفيه للواصفين خلف‬
‫يع ّد حرفان حين يملى★★★بغير ش ّد وقيل حرف‬
‫وهو كما قد ترى خفيف★★وفيه لطف وفيه ظرف‬
‫߷خصائص غرض الزهد في عصر الضعف و االنحطاط‪:‬‬
‫أ)~على مستوى االفكار‪ :‬الدعوة الى االستقامة‪.‬‬
‫*الدعوة الى ترك ملذات الدنيا والتذكير باآلخرة والموت‪.‬‬
‫*التأمل في الحياة والموت‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫*توظيف الحكمة ومخاطبة العقل واقناعه بالحجج واألدلة‪.‬‬


‫ب)~على مستوى األسلوب‪:‬‬
‫*أسلوب الترهيب والترغيب‪.‬‬
‫*اإلقناع باألدلة‪.‬‬
‫*سهولة اللغة وبساطتها‪.‬‬
‫*كثرة الصور البيانية والمحسنات البديعية‪.‬‬
‫*االقتباس والتضمين‪.‬‬
‫ج) النزاعات داخل القصيدة‪:‬‬
‫_ النزعة الدينية‪ :‬غيرة الشاعر على دينه و التصدي لتلك األخالق السيئة التي انتشرت‪.‬‬
‫_و هي رغبة الشاعر في إصالح دينه‪.‬‬
‫د)العواطف الموجودة في شعر الزهد ‪:‬‬
‫_ عاطفة الندم ‪ :‬عندما يذكر ذنوبه و معاصيه في القصيدة‬
‫_ عاطفة الخوف ‪ :‬إذا ذكر القبر و أهوال يوم القيامة في القصيدة‬
‫_ عاطفة الشفقة ‪ :‬إذا تحدث عن اإلنسان الذي يفعل المعاصي و لم يتوقف بعد‬
‫_ عاطفة الرجاء ‪ :‬عندما يطلب المغفرة والصفح‬
‫_ عاطفة محبة النبي عليه الصالة و السالم‪ :‬بشرط أن يذكره في القصيدة‪ ،‬فقد يخصص بيت شعري‬
‫يذكر فيه النبي لكن قليل‬
‫_ عاطفة الشوق إلى لقاء هللا تعالى أو زيارة مكة و المدينة المنورة‬
‫ه‍) الظواهر الفنية في عصر الضعف و االنحطاط‪:‬‬
‫االقتباس ‪ :‬أن يأخذ الشاعر من القرٱن و السنة‬
‫التضمين‪ :‬أن يأخذ الشاعر من شعر غيره دون اإلشارة لصاحبه‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫ي ) الزهد في العصر األندلسي‪.:‬‬
‫والزهد من األغراض الشعرية التي راجت في الشعر األندلسي وازدهرت ازدهاراً ملحوظاً‪ ،‬حتى‬
‫غدا تياراً واسعا ً وعميقاً‪ ،‬فقد كثر من قال فيه كثرة الفتة‪ ،‬تكاد تفوق َمنْ قال فيه من شعراء المشارقة‪،‬‬
‫فمنهم من قصر شعره على مذهب الزهد‪ ،‬ولم يتجاوزه إلى غرض آخر‪ ،‬ومنهم من تناوله ضمن‬
‫أغراض أخرى‪ ،‬وكان ذلك ثمرة لتضافر مجموعة من األسباب والبواعث المحفزة التي عملت على‬
‫تقوية هذا الغرض الشعري‪ ،‬وترسيخه في نفوس األندلسيين ومن بينها مايلي‪:‬‬
‫‪ )1‬سياسة ‪ :‬و تتمثل في كثرة الصراعات والفتن الداخلية والثورات التي خلفت الموت و الدمار‪ ،‬خاصة‬
‫ثورة الربض وما صاحبها من قتل و تشريد‪.‬‬
‫‪ )2‬دينية‪ :‬و تتمثل في كثرة الزهاد والفقهاء و القضاة‪ ،‬و رجال الدين كانوا مهيئين أصال للسير في‬
‫طريق الزهد و العبادة ‪.‬‬
‫‪ )3‬اقتصادية ‪ :‬و تتمثل في مظاهرة الترف و البذخ و ما صاحبها من صرف األموال الطائلة خاصة في‬
‫زمن عبد الرحمان األوسط الذي قيل عنه ‪":‬أنه كان يعشق مظاهر البذخ و الفخامة و الجمال‪ ،‬ولذا وصل‬
‫البالط األموي في عهده إلى درجة لم يسبق لها مثيل من الروعة و الحضارة و التقدم "‪.‬‬
‫‪ )4‬اجتماعية ‪ :‬و يظهر ذلك فيما ساد المجتمع وقتها من لها و لعب‪ ،‬و اهتمام بالشرب و الغناء و‬
‫الموسيقى‪ ،‬التي تتعارض مع ما يتبناه الزهد من مبدأ‬
‫‪11‬‬

‫و قد كان لهذه العوامل مجتمعة الدور الزائد ‪ ،‬و األثر القوي على نفوس الزهاد األمر الذي ترك أثرا‬
‫واضحا في شعرهم ‪ ،‬الذي يعد مرٱة صادقة لما يختلج في نفوسهم‪ ،‬و يدور في خلدهم من رؤى و أفكار‬
‫߷مصادر الزهد في العصر األندلسي‪:‬‬
‫تعددت مصادر شعر الزهد في هذا العصر فقد اتجه الشعراء نحو‪:‬‬
‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫أ‪-/‬ألفاظ قرآنية‪:‬‬
‫واأللفاظ التي أختارها القـرآن الكـريم تتميز بالدقـة في الوضـع و االختيـار ‪...‬وتشع بالحياة‪ ،‬ألنها‬
‫مصورة و ناطقة و معبرة وموحية‪ ،‬ومن شأن هذه األلفاظ الـتي تتميز بهذه الصفات أن تكسب الكالم‬
‫الذي يتضمنها جالء؛ وبهاء‪ ،‬وفخامة ‪ ،‬ولقــد بــرزت الكــثير مــن ألفاظ القــرآن الكــريم في شــعر‬
‫الزهـد لــدى بعــض الشــعراء األندلسيين‪ ،‬وفي ذلـك داللـة علـى اِتسـاع ثقافتـهم الدينيـة و مـدى‬
‫مقـدرتهم علـى توظيـف اللفظة القرآنية في األبيات الشعرية‪.‬‬
‫من هذه األلفاظ "األيكة" وهي«الشجر الملتف الكبير»؛ يقول اِبن عبد ربه‪:‬‬
‫ضرَّ ِم ْن َها َجا ِنبٌ َجفَّ َجانبُ‬ ‫اخ َ‬ ‫ارةُ َأيْكةٍ★★★إذا ْ‬ ‫ض َ‬ ‫َأال إ َّنما ال ُّدنيا َن َ‬
‫وقد جاءت هذه اللفظة في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى‪ «:‬وأصحاب األيكة من‬
‫الظالمين» سورة المؤمنون ‪.32‬‬
‫ب‪ -/‬معان قرآنية‪:‬‬
‫و من المعاني القرآنية التي تأثر بهـا هـؤالء الشـعراء واقتبسـوا منـها في أبيـاتهم‪،‬مـا يتعلق بالموت‬
‫والفناء‪ ،‬والحساب والجزاء‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬إالأن المعنـى الـذي أكثروا مـنه هو ما يتعلق بالموت‪.‬‬
‫يقول األمير عبد هللا بن محمد‪:‬‬
‫يلهبك األ َم ْل‬
‫َ‬ ‫يا َمن يراوغ ُه األجلْ***حتى ما‬
‫َأْل‬ ‫ْأ‬
‫تعـالى‪«:‬ذرْ ُه ْم َي ُكلُوا َو َي َت َم َّتعُوا َوي ُْل ِه ِه ُم ا َم ُل ۖ‬
‫َ‬ ‫وفي هذا البيت معنى مقتبس من القرآن الكـريم في قولـه‬
‫ف يعْ َلمُون» سورة الحجر اآلية ‪3‬‬ ‫َف َس ْو َ‬
‫ج‪-/‬القصص القرآني‪:‬‬
‫وقد عمد الشاعراألندلسـي إلى التلمـيح إلى مثـل هـذه القصـص في بعـض أشـعاره إال أن الذي اشتهر‬
‫بذلك في هذه المرحلة هو ابن عبد ربه الذي يقول وهو يتطلع للمزيد من المكـارم والرغبات و بهدف‬
‫االتعاظ واالعتبار بحالهم‪.‬‬
‫يقول ابن عبد ربه‪:‬‬
‫ض ِر ْب ِه الب َُخال ُء‬‫ت مِنْ َ‬ ‫ولو أنَّ موسى جا َء يضربُ بالعصا★★★ل َما ا ْن َب َج َس ْ‬
‫األكرمين بقا ُء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موت‬ ‫موت عليه ُم ★★★★★كما أنَّ‬ ‫ٌ‬ ‫الناس‬
‫ِ‬ ‫بقا ُء ِ‬
‫لئام‬
‫ُوس ٰى ِإ ِذ اسْ َتسْ َقاهُ‬ ‫تعالى‪«:‬وَأ ْو َح ْي َنا ِإ َل ٰى م َ‬
‫َ‬ ‫وقد ذكر القرآن الكريم هذه القصة في سورة الشعراء حيث يقول‬
‫األعراف اٱلية (‪)160‬‬ ‫ۖ‬ ‫ت ِم ْن ُه ْاث َن َتا َع ْش َر َة َع ْي ًنا » سورة‬ ‫اك ْال َح َج َر ۖ َفان َب َج َس ْ‬
‫ص َ‬‫َق ْو ُم ُه َأ ِن اضْ ِرب ب َِّع َ‬
‫ثانيا‪ :‬الحديث الشريف‪:‬اهتم األندلسيون بجانب دراستهم للقرآن الكريم بدراسة الحديث النبوي الشريف‬

‫فال يشب الولد فيهم إال وقد فقه هذا العلم وبرع فيه‪ ،‬وثقافة األندلس انعكست وبال شك على شعره فظهر‬
‫تأثره بالحديث النبوي الشريف كما تأثر بالقرآن الكريم فما سبق‪ ،‬والدليل على ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -/‬صياغة بعض الشعراء أبياتهم مقتبسين من الحديث الشريف‪:‬‬
‫فهذا ابن عبد ربه يقول‪:‬‬
‫‪12‬‬

‫جري َم َع اأَل ن َف ِ‬
‫اس‬ ‫★★★و َمحب ٌَّة َت ِ‬
‫َ‬ ‫الح َيا ِء َسكِي َن ٌة‬
‫َوج ٌه َعلي ِه م َِن َ‬
‫َو َإذا َأ َحبَّ هللاُ َيوما ً َعبدَ هُ★★★★★َأل َقى َعلي ِه َم َحب ًَّة في ال َّن ِ‬
‫اس‬
‫ب‪ - /‬استخدام أحاديث النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫ورا َء َوس ََّع هللاُ َع َل ْي ِه َس َ‬
‫اِئر َس َن ِتهِ»‬ ‫ش َ‬ ‫نجد حديث يوم عاشوراء« َمنْ َوس ََّع َع َلى َأهْ لِ ِه َي ْو َم َعا ُ‬
‫فقد كتب عبد الملك بن حبيب أبيات في ذلك‪:‬‬
‫ال تنس ال ينسيك الرحمان عاشوراء ★★★★واذكره لزلت في األحياء مذكورا‬
‫قــال رســول صــالة هللا تــشـمـله★★★★★قـوال وجـدنـا عـلـيـه الحـق والنورا‬
‫قبره و َتولَّى‬
‫ج‪- /‬استعمال معاني الحديث‪ :‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪«:‬إنَّ العبدَ إذا وُ ضِ َع في ِ‬
‫عنه أصحابُه وإنه ل َيسم ُع َقرْ َع نعالِهم »‪ ،‬ضمن الغزالي هذا المعنى في أبياته التي تقول‪:‬‬
‫ظ ِر إليّ َإذا ْأد ِرجْ ت في اللِّحْ د‬ ‫ت في َك َفنِي ★★★وا ْن ُ‬ ‫أدرجْ ُ‬ ‫انظ ُر إليّ إذا ِ‬
‫وأقعد قليالً وعاينْ َمنْ ُيقِيم معي★★★ممن يُش َي ُع َنعْ شي من َذ ِوي وُ ِّدي‬ ‫ْ‬
‫ثالثا ‪:‬مصادر قديمة‪:‬‬
‫تزخر هذه المصادر والمتمثلة في كل ما ورد عن القدماء من أقوال أو أشعار أو أمثال بالكثير مما‬
‫استقى منها األندلسي مادتهم الشعرية وتنقسم هذه المصادر إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أ ‪/‬أقوال النساك والزهاد‪:‬اعتمد بعض الشعراء األندلسيين على أقوال بعض الصالحين في نظمهم الشعر‬
‫وفي مقدمة هؤالء الشعراء ابن عبد ربه الذي أكثر من ذلك في عقده من ذلك قوله ‪:‬‬
‫أنظر إلى باطن ال ُّدنيا ‪ ،‬فظاهرها★★★كل البهام يجري طرفها‬
‫و قد ذكر هذا المعنى الذي استقى منه هذا البيت في عقده حيث يقول‪" :‬وإ ّنما َر َّكب هللا العق َل في اإلنسان‬
‫الكثير بالقليل"‪.‬‬‫َ‬ ‫الحيوان ليستد َل بالظاهر على الباطن‪ ،‬و َي ْفهم‬ ‫دون سائر َ‬
‫ويبدو أن كال المعنيين قائم على النظر والتأمل في الدنيا وباطنها الذي يؤدي باإلنسان إلى الزهد فيها‪،‬‬
‫وكأنه ربط عدم الزهد في الدنيا بقلة العقل الذي ميز هللا به اإلنسان عن الحيوان ‪،‬و من تأثره بأقوال‬
‫السابقين ما ذكره في عقده من قول منسوب لبعض الحكماء " وقالوا‪ :‬األيام مزارع فما زرعت فيها‬
‫حصدته"‪ ،‬فقد نظم ذلك شعرا في قوله ‪:‬‬
‫إنَّ الحياة مزارع★★★فازرع ما شئت تحصد‬
‫لقد تناول الشاعر األندلسي الشعر العربي القديم مضمنا في شعره بيتا‪ ،‬أو شطر كنوع من االستشهاد‪ ،‬أو‬
‫مستلهما معنى البعض منها في تكوين أبياته ‪ ،‬وكان ابن عبد ربه من أكثر الشعراء الذين استشهدوا‬
‫بأبيات الشعر القديم في أشعارهم ومن ذلك قوله في الشيب‪:‬‬
‫★★★رفــعــ ُت ُه فـمـا ار َتـ َفـعْ‬
‫َ‬ ‫ب َق ْـد َن َ‬
‫ـصـعْ‬ ‫بــيـاضُ شـيـ ٍ‬
‫وطـ َمـعْ‬ ‫ـأس َ‬ ‫يض ا ْن َق َمعْ ★★★★مِــنْ َب ِ‬
‫ــيـن َي ٍ‬ ‫الب َ‬
‫ِإذا َرأى ِ‬
‫هَّلل ِ َأيَّاـــــ ُم ال َّنخـــــَعْ ★★★★★ َيـا ليـ َتـنـي فِيها َجذعْ‬
‫يذكر ابن عبد ربه الشيب وما آل إليه أمره بعد المشيب من ضعف مع حنينه أليام الشباب وقد استعان في‬
‫أبياته ببيت لدريد بن الصمة مأخوذ من قوله لمالك بن عوف في يوم غزوة حنين وقد كان شيخا هما ال‬
‫ضع‬‫قوة فيه ‪:‬يا َلي َتني فيها َج َذع★★★َأ ُخبُّ فيها َوَأ َ‬
‫صدَ ع‬ ‫الز َمع★★★★★★ َكَأ َّنها شاةٌ َ‬ ‫َأقو ُد َوطفا َء َ‬
‫ويعتبر المثل من المصادر القديمة التي اعتمد عليها الشاعر األندلسي في بعض أبيات الزهد ومن ذلك‬
‫قول غربيب الطليطلي ‪:‬‬
‫أيّها اآلمل ما ليس لهُ★★★طالما غرّ جهوال أمله‬
‫‪13‬‬

‫ربّ من بات يم ّني نفسه‪★★.‬خانه‪ ،‬دون مناه‪ ،‬أجله‬


‫و فتى ب ّكر في حاجاته★★★عاجال‪ ،‬أعقب ريثا عجله‬
‫مثل في أشعاره★★★ يذهب المرء و يبقى مثله‬ ‫قل لمن ّ‬
‫نافس المحسن في إحسانه★★★ فسيكفيك مسيئا عمله‬
‫߷موضوعات شعر الزهد في العصر األندلسي ‪:‬عرف الشعر األندلسي غرض الزهد من جملة‬
‫األغراض الشعرية المألوفة‪ ،‬فقد كثر قائلوه لتوفر عوامل مشجعة و أسباب دافعة‪ ،‬فشهدت هذه الفترة‬
‫بروز كوكبة من الشعراء كان لهم فيه الباع الطويل باإلضافة إلى إسهام علماء و فقهاء في هذا الغرض‪.‬‬
‫⌑فكرة الموت‪ :‬و لعل أهم ما تناولته نصوص الزهد في هذه الفترة كانت حول تمرير الوقت و قدوم‬
‫الموت المحتم‪ ،‬و الحديث عن الموت على أنه غاية موجودة‪ ،‬و ذم الدنيا‪ ،‬و تمريرها على أنها فانية‬
‫ذاهبة ‪ ،‬و الدعوة إلى التقوى و الصالح و طاعة هللا‪ ،‬و التذكير بقدرة الخالق و قضائه و االبتعاد عن كل‬
‫ما فيه حساب اآلخرة‪ ،‬واالعتراف بالذنوب و التوبة و التضرع إلى الباري في الشيخوخة و االبتعاد عن‬
‫المجتمع بسبب انشغال الحكام في المالذ وابتعادهم عن مقارعة العدو‪ ،‬و لعل أهم عنصر شغل حيزا‬
‫كبيرا في األشغال بفكرة مصير اإلنسان بعد موته فالدنيا هي متاع الغرور و جسر إلى دار الخلود‪ ،‬فعلى‬
‫اإلنسان العاقل اإلعداد لها و التزويد بصالح األعمال‪.‬‬
‫فابن السيد البطليموسي معتقدا اعتقاد كامال أن الدنيا فانية‪ ،‬و اآلخرة هي دار الخلود يقول ‪:‬‬
‫و ما دارنا األموات لو أننا★★★ نفكر و األخرى هي الحيوان‬
‫شربنا بها عنها يهون جهالة ★★★و شتان عز الفتى و هوان‬
‫⌑التأنيب و ذم الدنيا‪:‬و من الموضوعات التي طرقها الزهاد في العصر األندلسي‪ ،‬اللوم و العتاب و‬
‫التأنيب و التفضيع‪ ،‬ومن النماذج على ذلك قول أبي عمران المارتلي متماثال عن متى سيظل هذا الفعل‬
‫المستقبلي معلقا حتى يتحقق في ما تبقى من الزمن‪ ،‬كي تهدأ الذات و استقر‪ ،‬وتتغلب على مجريات هذه‬
‫الدنيا‪ ،‬وتفك هذا الجدل واللغز المحير ‪:‬‬
‫إلى كم أقو ُل وال أفعلُ★★★وكم ذا أحو ُم وال أنزلُ!‬
‫وأزج ُر عيني فال َترْ َع ِوي ★★وأنصح نفسي فال َتق َب ُل‬
‫ويحها ★★★بع َّل وسوف وكم تمطلُ!‬ ‫وكم ذا ُتعلِّل لي َ‬
‫وكم ذا أؤمِّل طول البقا ★★★وأغف ُل والموت ال يغفلُ!‬
‫يوم ينادي بنا ★★★منادي الرحيل‪ :‬أال فانزلوا‬ ‫وفي ك ِّل ٍ‬
‫⌑ التقوى و صالح الأعمال‪ :‬إلى جانب دعوة الزهاد إلى األغراض من متاع الدنيا دعوا أيضا إلى التزود‬
‫إلى اٱلخرة بزاد التقوى و صالح األعمال‪ ،‬و الحق أن التقوى رأس كل عمل صالح‪ ،‬لذا على المؤمن أن‬
‫يتصف بها‪ ،‬يؤكد هذا ابن عقير األموي بقوله‪:‬‬
‫هزل لهوت بــه★★★ عن ساق جدٍك و اخلع برد َة الكسل‬ ‫ٍ‬ ‫فشم ًِر ّ‬
‫الذيـــ َل من‬
‫واعمل ألخراك في دنياك مجتهدا ★★★قبل الرّ حيل و الز ْم ُأ َه َب َة العجـــــل‬
‫⌑ الخوف من الوقوف أمام هللا‪ :‬و من الموضوعات التي عاجلها شعراء في هذا العصر‪ ،‬الخوف و‬
‫الفزع من الوقوف أمام هللا‪ ،‬وهم بتلك المعاصي و الذنوب‪ ،‬و قد يجنح بعضهم إلى تهويل أمرها‪ ،‬و‬
‫تعبيرهم عما يعتريهم من أسف‪ ،‬و هؤالء الشعراء منهم ابن الغماز حيث يقول مستعظما ذنوبه مبينا مدى‬
‫خوفه‪:‬‬
‫وقالوا‪ :‬أما تخشى ذنوبا ً أتيتها ★★★و بكيت الدماء لم أقصر حقا‬
‫لهف نفسي إن لم يكن منك عفوا★★سيدي سيدي و إال سأشقى‬
‫‪14‬‬

‫إن نحت الثياب مني جسما ★★★قد عصى ربه اغترارا و خرقا‬
‫⌑ الوعظ‪ :‬و تميز هذا العصر بظاهرة الكتابة على القبور وربما كان الدافع وراءها إلى التذكير بالناس‬
‫ووعظهم بأن اإلنسان مهما تقدم به العمر و مهما كانت المرتبة التي بلغها من النبأ مٱله الموت‪ ،‬و قد‬
‫شهدت هذه الظاهرة انتشارا كبيرا مما حدا ب‍‍ابن األبار إلى القول " و للناس فيما يكتبون على القبور مثير‬
‫مستجد"‬
‫فقد أوصى ابن الزقاق أن تكتب أبيات و هدية على قبره‪ ،‬يقول منها‪:‬‬
‫الخالئق‬ ‫نافذ في‬‫ت حك ٌم ٌ‬ ‫ُ‬
‫والموت قد حال دو َننا★★★وللمو ِ‬ ‫أإخوا َننا‬
‫ِ‬
‫ت والعم ُر ظِ َّن ٌة★★★★وأعل ُم أنَّ الك َّل ال ب َّد الحقي‬
‫سبقتك ُم للمو ِ‬
‫߷شعرائه‪:‬‬
‫_ عمران المارتلي‪:‬عالم مسلم وصوفي وشاعر أندلسي ‪ ،‬يعد من شعراء الزهد وعالم بالتفسير والفقه‬
‫والحديث واألدب‪ ،‬ه ديوان شعر أكثره في الزهد ويقول‪:‬‬
‫ما الزهد يا قوم فال تجهلوا ★★★ بلبس أسمال وأخالق‬
‫لكنه لبس ثياب التـــــــقى ★★★ في حسن آداب وأخالق‬
‫س َم ْيسِ ر‪ :‬شاعر أندلسي ‪،‬عرف بكثرة الهجاء‪ ،‬وكان له ٱثر في الزهد ومن بين أبياته ححينمادعى‬ ‫_ ال ُّ‬
‫إلى القناعة والرضى ‪:‬‏‬
‫دع عنك جاها وماال ★★★ ال عيش إالّ الكفاف‬
‫قوت حالل وأمن ★★★من الردى وعفاف‬
‫وكل ما هو فضل ★★★ فإنه إســـــــــراف‬
‫߷خصائص شعر الزهد في العصر األندلسي‪ :‬لشعر الزهد في العصر األندلسي العديد من الخصائص‬
‫التي تميزه عن غيره من أغراض الشعر األخرى وهي ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬بروز الوازع الديني‪ ،‬الذي كان يتميز بالتشدد بشكل واضح‪.‬‬
‫‪ _2‬بروز ظاهرة التضمين واالقتباس من النصوص الدينية سواء أكان من القرآن الكريم‪ ،‬أو من أحاديث‬
‫السنة النبوية‪.‬‬
‫‪ -3‬قوة شعر الزهد لما تخلله من أدلة وبراهين‪ ،‬التي كانت تتوجه لترك الملذات‪ ،‬وااللتزام بالعبادات‪،‬‬
‫والتوجه إلى هللا‪ ،‬طمعا برضاه والجنة‪.‬‬
‫‪ -4‬استخدام أسلوب اإلقناع والحجة من أجل الوصول إلى أهدافه الرئيسية‪.‬‬
‫‪ _5‬استخدام أسلوب الترهيب والتخويف‪ ،‬وكذلك أسلوب الترغيب بطريقة مباشرة‪.‬‬
‫‪ _6‬سهولة لغة شعر الزهد وبساطتها‪.‬‬
‫‪ -7‬تجسيد المعنى من خالل تجسيد المعنى من خالل الفكرة التي يطرحها الشاعر في قصيدته‪،‬باستخدام‬
‫اإلبداع من خالل الصور والتشبيهات‪.‬‬
‫‪ -8‬استخدام المحسنات البديعية خصوصا في األلفاظ‪.‬‬
‫‪ - 9‬اتجاه شعر الزهد إلى الطابع الوعظي‪ ،‬والدعوة إلى الندم والتحسر على ما فات من الحياة‪.‬‬
‫تعريف التصوف ‪ :‬يعتبر التصوف مذهب من المذاهب المعروفة في كل الحضارات و األديان‪ ،‬وهو‬
‫مذهب يحتوي في طياته على ثالث أبعاد نذكر منها ‪ :‬بعد سيكولوجي‪ ،‬فلسفي‪ ،‬ديني‪ ،‬فإذا عرفناه سلوكا‬
‫و جدناه أقرب إلى التصوف الديني‪ ،‬و إذا عرفناه باعتباره بعدا فلسفيا فهو فكرة و فلسفة‪ ،‬و الربط بين‬
‫هذين االتجاهين‪ ،‬سميت الصوفية بعلم الحقيقة " فالتصوف نزعة طبيعية فردية في كل إنسان "‪ ،‬وهو‬
‫علم البحث عن الخفي‪ ،‬الكشف عن ستار الخبايا في الواقع‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫شعر التصوف ‪ :‬فالتصوف في الشعر يعني التصوف بمعناه العام‪ ،‬من حيث هو تجربة روحية‪ ،‬تخص‬
‫جميع الديانات‪ ،‬و تحدد موقف البشر من الوجود و الحياة‪ " ،‬و هو بهذه الصورة ظاهرة إنسانية عامة‪،‬‬
‫ليست محدودة بدين‪ ،‬أو حدود مادية زمانية أو مكانية‪ ،‬ومن ثم يمكن القول ‪ :‬بأن التجربة الصوفية قد‬
‫تنشأ بعيدا عن الدين"‪.‬‬
‫الصوفي‪:‬هو الذي يسعى لتجاوز هذا الواقع وصوال إلى معرفة الذات و الوجود الذي يمثله هللا و يقول‬
‫أدونيس ‪" :‬ليس الواحد الذي يخلق الوجود من الخارج و دون اتصاله به و إنما هو الوجود نفسه في‬
‫حركيته و ال نهايته"‬
‫أسماء التصوف ‪:‬‬
‫اسم التصوف هو أشهر اسم يطلق على ( الصوفية) وهو االسم المشهور على ألسنة الناس‪ ،‬و لكن لهم‬
‫أسماء أخرى أطلقت عليهم‪ ،‬أو أطلقوها هم على أنفسهم منها‪.‬‬
‫أ) أرباب الحقائق‪ :‬يسمون أنفسهم بزعم أن عندهم علم الحقيقة و خفاياها دون غيرهم من أهل الظاهرة‬
‫أو أهل الرسوم و علم الشريعة‪ ،‬فالشريعة وحي هللا إلى نبيه صلى هللا عليه وسلم والحقيقة ما وصل إليه‬
‫الصوفية بكشوفاتهم و ذوقهم‪ ،‬وافق الشريعة أو خالفها‬
‫ب) الفقراء‪ :‬يسمون أنفسهم بذلك بزعم الزهد في الدنيا والعزوف عن ملذاتها و متاعها‬
‫ج) المالمتية‪ :‬وأهل العالمة طائفة من الصوفية التظهر للناس أعمال الخير بدعوى اإلخالص‪ ،‬وربما‬
‫أظهروا فعل ما يبغضه هللا ورسوله لينالوا العالمة على ذلك و يرون الصبر على ذلك براءة من النفاق‪،‬‬
‫و استكماال اإلخالص‪ ،‬قال ابن الجوزي رحمه هللا‪ (:‬وفي الصوفية قوم يسمون المالمتية اقتحموا الذنوب‬
‫و قالوا ‪:‬مقصودنا أن نسقط في أعين الناس فسلم من الجاه)‬
‫نشأة الشعر الصوفي ومراحل تطوره عبر العصور‪:‬‬
‫يرتبط الشعر في التاريخ األدبي بالتجربة الصوفية و تصبح ظاهرة التالزم بينهما واضحة ففي القديم‬
‫برز الشعراء الصوفيون‪ ،‬و اختاروا الشعر للتعبير عن تجاربهم ومعاناتهم و تأمالتهم ليصبح هذا الجنس‬
‫األدبي وسيلة بالنسبة إليهم تساهم في الكشف عن أعماق الذات و ما تجدر اإلشارة إليه في هذا السياق‬
‫هو انفتاحهم على الشعر العربي و تفاعل معه حتى ظل دوما معينا يردونه لإلرتواء من منبع التعبير‬
‫الصادق لتصوير حقائق الطريق‪ ،‬و بذلك يعتبر التصوف ظاهرة عامة عاشت زمنا طويال ‪ ،‬يمكن تقسيم‬
‫مراحل نشأتها عبر العصور إلى خمسة مراحل ‪:‬‬
‫مرحلة األولى العصر الجاهلي‪:‬‬
‫ارتبط الشعر بالتصوف منذ الجاهلية وهذا ما أوضحه المقدسي حين ربط التصوف بالصوف ورده‬
‫إلى الجاهلية داللة على الورع أما بن الجوزي فربط التصوف بالغوث بن مر و أرجاعه إلى الجاهلية‬
‫إلظهار أنه أمر مرفوض و غير مقبول في اإلسالم و فيه إتباع لنهج الجاهلية‪ ،‬ولقد لعبت جوانب عديدة‬
‫دور في ظهور و انبثاق األدب الصوفي بالشعر هذه الفترة ومن بينها‪:‬‬
‫أ)النزعات الروحية تمثلت في ثالثة مظاهر ‪:‬‬
‫شعر الحكمة المتصلة بما وراء الطبيعة ‪ ،‬وشعر المتدينين ‪ ،‬وشعر المتحنفين ‪.‬‬
‫_ وقد كان شعر الحكمة المتصلة بما وراء الطبيعة أقل هذه األلوان حظا ً من الروحانية ؛ ألنه كان يعبر‬
‫ن يعبر عن نظرات ساذجة فى الحياة والموت واألخالق ؛ وقد تقدم أن هذه النظرات تناولت ما كان يقع‬
‫تحت الحس دون أن تحاول الغوص‪ .‬على الحقائق ‪ ،‬أو الوصول إلى العلل األولى لألشياء ‪.‬‬
‫_ أما المتدينون فقد كانوا أوفر حظا ً من الروحانية من الشعراء الحكماء ؛ ألن معلوماتهم عن الموت‬
‫وما بعده كانت أوفر وأوضح مما كان يعرفه الحكماء من غير المتدينين ‪ .‬وقد تقدم أن المسيحية هى‬
‫‪16‬‬

‫المثل الواضح لمظهر الروحانية الدينية في الشعر الجاهلي ؛ لغلبة العنصر الروحي فى تعاليمها من‬
‫ناحية ‪ ،‬و لغزارة ما خلف شعرائها من مادة شعرية من ناحية ثانية‪ .‬وكان عدى بن زيد العبادي أظهر‬
‫الشعراء المسيحيين ‪ ،‬وأصدقهم تمثيال للمظهر الروحي الديني في الشعر الجاهلي ‪،‬وأغزرهم مادة في‬
‫هذا الميدان‪.‬‬
‫_ وعلى الرغم من أن اليهودية ديانة كتابية مؤمنة باليوم اآلخر وما فيه ؛ و أن اليهود كان فيهم شعراء‬
‫عرفوا في العصر الجاهلي ‪ ،‬فإنها لم تنافس المسيحية في الشعر المتصل بالدين؛ ألن شعراء اليهودية لم‬
‫يهتموا بالتعبير عن األغراض الدينية ‪ ،‬رغم مشاركتهم في النشاط الشعري العام في العصر الجاهلي ‪.‬‬
‫وأدخل هذين المظهرين في الروحانية شعر المتحنفين ؛ ألنه يمثل الروحانية الحرة غير المقيدة بالتعاليم‬
‫‪ ،‬ولذلك كانت حياة المتحنفين الروحية مليئة بالعامل الشخصي ‪ ،‬وكانت صور المجاهدات والرياضات‬
‫التي أخذوا بها أنفسهم تشبه إلى حد كبير حياة طوائف الصوفية الذين شهدهم القرن الثالث الهجرى فيما‬
‫بعد ‪ .‬وقد جاء شعرهم ممثال لهذه الحياة ومصوراً إياها ؛ فكان أكثر ألوان الشعر الجاهلي روحانية ؛‬
‫ألنه لم يقم على تصوير رأى دينى مأثور ؛ بل قام على الرياضة الشخصية والنزوع إلى الحق المطلق ‪.‬‬
‫وكان أمية بن أبي الصلت الشاعر المتحنف أغزر هؤالء عادة ‪ ،‬وأكثرهم افتنانا وتنوعا ً فى الموضوعات‬
‫؛ ولذلك يمكن أن يعتبر أكثر الشعراء الجاهليين عامة حظا ً من الروحانية في شعره ‪.‬‬
‫ب) األطالل‪:‬‬
‫ففي األطالل إشارة إلى المقام المفقود في طريق المتصوّ ف‪ ،‬واألخير كما أسالفه الجاهليين ‪ -‬يقف‬
‫ب َأو‬
‫متروكا ً وضائعا ً ومتحيراً‪ ،‬يبحث عن األخبار والحقيقة والراحة‪ُ .‬تذ َّكر اآلثار المتصوّ ف بمقام قُرْ ِ‬
‫«فعز الملتقى»‪ .‬وفيما يقاسي الشاعر الجاهلي تقلبات‬ ‫َّ‬ ‫مْع َت ِب َع َها بُعْ ٌد َو َهرْ ٌق‪ ،‬وتفجعه بالحقيقة المرة‪:‬‬
‫َج ِ‬
‫يتحزن المتصوّ ف من زالته الشخصية لكن إذا كان على كل الشعراء الجاهليين أن يقفوا‬ ‫ّ‬ ‫الزمان‬
‫مخاطبين طلل الديار فكذا كل المتصوفة كما يؤكد الجريري‪« :‬الكل في قهر هذه الخطة»‪.‬‬
‫ج) الخمرة ‪:‬‬
‫عند الحديث عن الخمرة‪ ،‬فإننا نعود بها إلى العصر الجاهلي‪ ،‬فالعربي تناول الخمرة وذكرها في‬
‫شعره لتكون رمزاً‪ ،‬فلم تكن الخمرة‪ ،‬خمرة صرفة يتحدث الشاعر العربي عن جمالها‪ ،‬وعملها في عقول‬
‫شاربيها وهو يريد ذلك‪ ،‬وإنما أراد الشاعر من خالل ذكرها‪ .‬اإلشارة إلى حالة من حاالت الكرم عند‬
‫العرب"‪ .‬ونذكر ممن تناولها الملك الضليل بقوله‪:‬‬
‫ون أش َق َرا‬
‫الج َ‬
‫ب َ‬ ‫ونشرُب حتى نحسب الخيل حولنا★★★ ِن َقاداً َوحتى نحسِ َ‬
‫يذكر امرؤ القيس الخمرة من باب إظهار إدمانه عليها‪ ،‬والدليل أنها لعبت بعقله‪ ،‬وليس بغريب على‬
‫امرئ القيس‪ ،‬فقد كانت له حالة خاصة في هذا الباب‪.‬‬
‫أما عنترة‪ ،‬فقد ذكرها ذكرً ا مغايرا المرىء القيس‪ ،‬وهذا ليس بغريب على فارس‪ ،‬فالفارس ال يشرب‬
‫للسكر وإنما إظهارا للكرم‪ :‬يقول عنترة‪:‬‬
‫ك مالي★★★وعرضي واف ٌر لم ِ‬
‫يكلم‬ ‫شربت فإنني مستهل ٌ‬ ‫ُ‬ ‫فإذا‬
‫يصرح عنترة بأنه إن شرب يستهلك ماله‪ ،‬وهذا من قبيل الكرم‪ ،‬وخشية منه أن يروى ضعيفا بسبب‬
‫الخمرة خاسراً بسيها عرضه و کرامته راح يقول وعرضي وافر لم يكلم ‪.‬‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫المرحلة الثانية عصر صدر اإلسالم‪:‬‬
‫߷مفهوم التصوف‪ :‬التصوف اإلسالمي جزء أساسي في التراث اإلسالمي حيث تبوأ مكانا ً هاما ً في‬
‫الفكر العربي اإلسالمي واالهتمام بالتصوف قديماً‪ ،‬تناوله المؤرخون والعلماء والمسلمون كالطوسي‬
‫‪17‬‬

‫والكالبذي‪ ،‬والقشيري وغيرهم‪ ،‬كما ألف فيه الفالسفة كابن سينا والغزالي وابن خلدون‪ ،‬وتعادل فيه‬
‫الفقهاء وعلماء الكالم إضافة إلى جهود المستشرقين‪ ،‬ولم يتفق هؤالء على رأي واحد سواء تعلق األمر‬
‫بحدوده أو أصوله فاختلفت اآلراء والمشارب حوله‪ ،‬فالتصوّ ف ليس ظاهرة إسالمية خاصة بل إن‬
‫جذوره وعروقه تمتد في أي فكر ديني عموما‪ ،‬حتى إن كثيراً من الدارسين ربطه بأصول غير إسالمية‬
‫كالمسيحية والهندية والفارسية والفلسفة اليونانية‪ ،‬بينما يرفض رأي آخر هذه الصالت جملة وتفصيال‬
‫ويرده إلى أصوله اإلسالمية ومنابعه األولى القرآن والسنة‪.‬‬
‫߷نشأته‪:‬‬
‫ذكر أبو الوفاء التفتازاني أن اإلسالم رسم لنفسه في بداياته األولى صورة تمثلت في الدعوة إلى‬
‫جهاد النفس‪ ،‬والحرص على تكوين الشخصية اإلسالمية الصالحة‪ ،‬واستمر فترة حتى هبت رياح التغيير‬
‫بعد اتساع الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬وازداد الرخاء والترف الحضاري بين المسلمين فيب نفر من المخلصين‬
‫الذين عرفوا بالزهد بالدعوة إلى البعد عن الترف‪ ،‬والعودة إلى خشونة الحياة التي عاشها الرسول‬
‫وصحابته‪ ،‬أما النفر الثاني فهبوا متخذين اتجاها آخر هو اتجاه التصوف‪ ،‬ذلك االتجاه الذي هدف في‬
‫بداياته األولى إلى إصالح أمر المسلمين من خالل تربية نفوسهم‪ ،‬ومعنى ذلك أن المرحلة التي عاشها‬
‫صحابة رسول هللا في عصر صدر اإلسالم على درجة ورعهم وتقواهم وزهدهم في الدنيا هم المرحلة‬
‫األولى‪ ،‬أما في القرنين األول والثاني الهجريين‪ ،‬فقد أصبح هناك طبقة العابدين التي تجسدت بالحسن‬
‫البصري ورابعة العدوية ومصدر الزهد عندهم في هذه الفترة جاء من ناحيتين‪ :‬األولى تشديد التعاليم‬
‫اإلسالمية على الروحيات والقيم‪ ،‬فجاء تصوفهم ردة فعل على البذخ والترف‪ ،‬والثانية هي الفلسفة‬
‫الصوفية‪ ،‬حيث التأثير الخارجي في الزهد وذلك بتأثير التعاليم الهندية واليونانية؛ مما جعل الكثيرين‬
‫يخلطون بين التصوف و الزهد‪ ،‬وهو تطور لذلك المصطلح‪ ،‬و من خالل هذا المنطلق نستطيع أن نقول‬
‫في اإلسالم ينابيع يمكن للصوفية أن تنهل منها ‪ ،‬فالتصوف وليد البيئة المحلية ونتيجة طبيعية للمزهد‬
‫البسيط الذي كان يطبقه الرسول صلى هللا عليه وسلم والحقيقة أن الزهد حركة واسعة استمدت أصولها‬
‫من ينابيع عدة كان اإلسالم أقواها وأبعدها أثراً ‪.‬‬
‫߷أقسام التصوف‪:‬‬
‫بعد تتبع مراحل نشأة التصوف اإلسالمي‪ ,‬يستنتج أن التصوف في عمومه ينقسم قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬التصوف السني ‪ :‬تميز التصوف السني عند المسلمين بمظاهر االلتزام بأوامر هللا ونواهيه واالقتداء‬
‫بحياة النبي صلى هللا عليه وسلم وما تنطوي عليه من عبادة وزهد في الدنيا واإلعراض عن مباهجها‬
‫واإلقبال على التوبة وتجنب المعاصي‪ ,‬ومنه تلخصت وجهتهم الصوفية في مظهرين مظهر بارز تمثل‬
‫في ترك مظاهر الدنيا من مال وجاه وعيشة رغدة وباطنها مراقبة أفعال القلب الذي هو مصدر األفعال‬
‫ومبدؤها‪ ,‬وغرضها النجاة من عقاب هللا‪ .‬ثم تطور التصوف السني فأصبح منتحلوه يهدفون إلى الوصول‬
‫إلى نفس ال يصدر عنها سوى أفعال الخير مؤدبة بآداب القرآن والسنة النبوية‪ ,‬فعمدوا إلى تقويم النفس‬
‫وتهذيبها عن طريق اإلرادة والرياضة‪.‬‬
‫‪ -2‬التصوف الفلسفي‪:‬نشأ عن اهتمام الصوفية بعلوم المكاشفة التماسا لمعرفة هللا‪،‬واكتساب علومه‬
‫والوقوف على حكمته وأسراره واالطالع على حقائق الموجودات‪ ،‬وقد اعتمد أصحاب هذا المذهب‬
‫في التعبير عنه لغة فلسفية استقوها من مصادر فلسفية مختلفة يونانية وفارسية وهندية ومسيحية‬
‫وغيرها مع مراعاة األصالة واإلبداع والطابع اإلسالمي‪ .‬وقد تمحورت موضوعاته حول المسائل‬
‫المتصلة بالوجود ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬المجاهدات‪ ،‬وما يحصل عنها من األذواق والمواجيد ومحاسبة النفس على األعمال‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫‪ -‬الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب كصفات هللا والعرش والكرسي والمالئكة والوحي والنبوة‬
‫والروح‪ ،‬وحقائق كل موجود غائب أو شاهد وترتيب العوالم في صدورها عن موجدها ومكونها‪.‬‬
‫‪ -‬التصرف في العالم واألكوان بأنواع الكرامات أو خوارق العادات‪.‬‬
‫‪ -‬الشطحات‪.‬‬
‫يدعو المنحى الصوفي بنوعيه السني والفلسفي‪ ،‬إلى قيام عالقات بين اإلنسان وأخيه اإلنسان بعيدة عن‬
‫الغرائز والشهوات ألن الهدف األول من كل هذا هو الظفر برضوان هللا تعالى واالبتعاد عن الزلل‬
‫والخطايا واالستعباد وكذا اكتشاف اإلنسان الفاضل‪.‬‬
‫߷أعالمه‪:‬‬
‫في القرن األول من المسلم به أنه لم يكن في صدر اإلسالم‪ ،‬وال في القرن األول جماعة يعرفون‬
‫بالعرفان أوالتصوف بين المسلمين‪ ،‬و إنما نجد اسم«الصوفي في القرن الثاني الهجري‪ ،‬قيل‪ :‬أن أول من‬
‫دعي بهذا اللقب أبو هاشم الكوفي الصوفي في القرن الثاني‪ ،‬و هو أول من بنى «الخانقاه» في رملة‬
‫فلسطين لعبادة جماعة من العباد و الزهاد المسلمين ‪.‬‬
‫ويظهر من رواية في كتاب المعيشة من كتاب الكافي المجلد الخامس‪ :‬أن جماعة منهم سفيان الثوري‬
‫كانوا في النصف األول من القرن الثاني يدعون بهذا اللقب‪ ،‬و لو كان أبوهاشم الكوفي أول من عرف‬
‫بالصوفي‪ ،‬وهو أستاذ سفيان الثوري ‪ ،‬كما يقول نيكلسون و ال شبهة في أن وجه هذه التسمية هو لبسهم‬
‫الصوف اجتنابا عن المالبس الناعمة زهدا و أعراضا عن الدنيا‪.‬‬
‫ال علم لنا متى أطلق هؤالء على أنفسهم لقب العرفاء أيضا‪ ،‬و القدر المسلّم به كما يفهم من كلمات‬
‫السري السقطي أن مصطلح العرفان كان شائعا في القرن الثالث الهجري‪ ،‬و كما سبق أول من دعي‬
‫بلقب «الصوفي»حسب الظاهر كما كان يقول سفيان‪ :‬لو لم يكن أبو هاشم لم أكن أعرف رموز الرياء‪.‬‬
‫߷خصائص التصوف في عصر صدر اإلسالم‪:‬‬
‫ومن مميزات الشعر الصوفي في صدر اإلسالم ‪:‬السمو الروحي للمعاني النفسية العميقة‪ ،‬والخضوع‬
‫إلرادة هللا القوية‪ ،‬واإلكثار من الخيال واستعمال الرمزية والشطحات الصوفية‪ ،‬والجنوح نحو اإلبهام‬
‫والغموض‪ ،‬والتأرجح بين الظاهر والباطن‪ ،‬والتأثر بالشريعة اإلسالمية كما هو شأن التصوف السني‪،‬‬
‫وقتل المصادر الفلسفية والعقائد األجنبية كما هو حال الشعر الصوفي الفلسفي‪.‬‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫المرحلة الثالثة العصر األموي ‪:‬‬
‫ظهرت بذور التصوف في سماء الفكر اإلسالمي في العصر األموي على هيئة نزاعات شديدة من‬
‫الزهد في متاع وزخرف الدنيا نتيجة ما وقع فيه العالم اإلسالمي وقتئذ من حوادث شديدة أثرت تأثيرا‬
‫كبيرا في جميع جوانب الحياة‪ ،‬ولذلك سنقوم بتتبع خصائص ومميزات التصوف في العصر األموي‬
‫باإلضافة إلى ذكر أهم زهاد تلك الفترة وآثاره‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أنه يقوم على أساس فكرة مجانبة الدنيا من أجل الظفر بثواب اآلخرة واتقاء عذاب النار متأثرا في‬
‫ذلك بتعاليم القرآن والسنة‪ ،‬وبالظروف السياسية واالجتماعية السائدة في المجتمع اإلسالمي آنذاك‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أنه زهد ذو طابع عمل‪ ،‬ولم يعن أصحابه بوضع القواعد النظرية له‪ ،‬ومن وسائله العملية العيش‬
‫في هدوء وبساطة تامة والتقليل من المأكل والمشرب واإلكثار من العبادات والنوافل والذكر‪ ،‬مع المبالغة‬
‫في الشعور بالخطيئة والخضوع المطلق لمشيئة هللا والتوكل عليه‪ ،‬وهو بهذا يهدف إلى غاية أخالقية‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫ثالثا‪ :‬أنه كان يتخذ دافعا له الخوف من هللا‪ ،‬وهو خوف يبعث على العمل الديني الجاد على أنه ظهر له‬
‫دافع آخر في أواخر القرن الثاني عند رابعة‪ ،‬وهو الحب هللا المنزه عن الخوف من عقاب هللا والطمع في‬
‫ثوابه في آن معا‪ ،‬وهو يعبر عن إنكار الذات‪ ،‬و عن التجرد في عالقة اإلنسان باهلل‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن زهد بعض المتأخرين من الزهاد خصوصا في خراسان‪ ،‬وعند رابعة يمكن‪ ،‬لما تميز به من‬
‫تعمق في التحليل أن يعتبر مرحلة تمهيدية للتصوف‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وإن كانوا يقتربون من اتصوف‬
‫ال يعدون صوفية بالمعنى الدقيق للكلمة‪ ،‬وإنما يمكن اعتبارهم روادا أوائل لمن سيجيء بعدهم من‬
‫صوفية القرنين الثالث والرابع‪.‬‬
‫يتضح لنا أن التصوف في العصر األموي كان الزهد فيه بمثابة المدخل إلى أبواب التصوف أو التمهيد‬
‫الذي يمهد النفس اإلنسانية لتحقيق التصوف‪ ،‬وكان إستقاءا من حياة النبي والصحابة والتابعين فكان‬
‫الزهد السمة البارزة له فكان بسيطا ال يخرج عن إطار عبادة هللا والخوف منه باإلبتعاد عن ملذات الحياة‬
‫وشهواتها‪ ،‬فسار على هذا النهج زهاد القرنين األوليين للهجرة فكان الزهد والورع من أبرز سماتهم‬
‫وتجسد هذا الزهد في المدارس الثالث (مدرسة المدينة البصرة‪ ،‬الكوفة)‪ ،‬فكان التصوف في العصر‬
‫األموي كرد فعل لتيار الحياة المادية الذي غلب على كثير من المسلمين منذ قيام الدولة األموية‪ ،‬فقام‬
‫التصوف في العصر األموي على نبذ الحياة الدنيا وطلب الزهد تمردا على التيار الذي حرف معظم‬
‫المسلمين إلى التعلق بالقيم المادية‪ ،‬إن فكرة التصوف ضلت خالية من أي تعقيدات ولكن فيما بعد إختلط‬
‫الصوفية بمختلف التيارات الفكرية والفلسفية فظهرت أفكار غريبة و جديدة إلى التصوف فكان في‬
‫عهوده األولى يقوم على دعائم إسالمية بحتة‪ ،‬ظل كذلك حتى اصطبغ التصوف بالصبغة العلمية‪ ،‬وما‬
‫يمكن إستنتاجه أن زهاد الفترة األولى من التصوف كانوا بعيدين كل البعد عن الحياة السياسية‬
‫وإضطراباتها قلم يدعوا أحدهم إلى الثورات أو الفان أو الخروج عن الدولة األموية بل اكتفوا بتكريس‬
‫حياتهم للزهد منعزلين دون االصطدام بالمجتمع‪.‬‬
‫߷ٱعالمه‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬واصل ابن عطاء السكندري‪:‬‬
‫فقيه مالكي وصوفي شاذلي الطريقة‪ ،‬بل أحد أركان الطريقة الطريقة الشاذلية الصوفية‪ ،‬الملقب بـ«قطب‬
‫العارفين»‪ ،‬و«ترجمان الواصلين»‪ ،‬و«مرشد السالكين»‪ .‬كان رجالً صالحا ً عالما ً يتكلم على كرسي‬
‫ويحضر ميعاده خلق كثير‪ ،‬وكان لوعظه تأثير في القلوب‪ ،‬وكان له معرفة تامة بكالم أهل الحقائق‬
‫وأرباب الطريق‪ ،‬وله ذوق ومعرفة بكالم الصوفية وآثار السلف‪ .‬وكان ينتفع الناس بإشاراته‪ .‬وله موقع‬
‫في النفس وجاللة‪.‬‬
‫ومن بين قصائده المشهورة في التصوف«ظهرت لكل الكون» التي يناجي فيها ربه‪ ،‬ويجسد فيها‬
‫إحدى حكمه المعروفة وهي‪« :‬ال مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك‪ ،‬وال قطيعة بينك وبينه حتى‬
‫تمحوها وصلتك»‪.‬نذكر بعض من أبياتها‪:‬‬
‫ظهرت بك ّل الكون فالكونُ مظهر★★★وفيه له أيضا كما جاءت الصّحف‬
‫فأيُّ فؤاد عن فؤادك ينثني ★★★★★وأ ّي ُة عين بعد قُربك لن تغفُو‬
‫يصف ابن العطاء في البيتين السابقين معنى شهود المؤمن هلل في كونه‪ ،‬حين تراه البصائر ال‬
‫األبصار‪ ،‬في قدرته وبديع صنعه في الكون الفسيح‪ ،‬ما يجعل أي فؤاد سليم الطوية ال يفتر وال ينثني عن‬
‫وداد المحبوب األعظم‪ ،‬وال تستطيع أية عين بعد تحقق ذلك الشهود أن تغفو‪ ،‬فتشعر النفس بالحاجة‬
‫الدائمة إلى ربها‪ ،‬وبمزيد من التعلق واألنس به‪ ،‬وتبصر نعمه الكثيرة التي ال تعد وال تحصى فتحس‬
‫بالتقصي‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫ثانيا‪ :‬مالك بن دينار‪:‬‬


‫هو مالك بن دينار أبو يحي البصري ‪ ،‬كان موال إلمرة وكان زاهدا كثير الورع محدثا ويكتب‬
‫المصاحف باآلخرة ‪ ،‬أقام أربعون سنة ال يأكل من ثمار البصرة وال يأكل األمن عمل بده و قال مالك بن‬
‫دينار لما ولي ‪ :‬عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء ‪ :‬من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة عدله‬
‫كف الذئاب عن شائنا ‪ ،‬توفي سنة (‪131‬هـ ‪ 749 /‬م)‪.‬‬
‫و من أشعاره‪:‬‬
‫إﻥ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺿﻴﻪ ﺳﻔﻚ ﺩﻣﻲ★★★ ﺩﻣﻲ ﺣـﻼ‌ﻝ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤـﻞ ﻭﺍﻟﺤﺮﻡ‬
‫ﻭهللﺍ ﻟﻮ ﻋﻠﻤـﺖ ﺭﻭﺣﻲ ﺑﻤﻦ ﻋﺸﻘﺖ ★★★ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺭأﺳﻬﺎ ﻓﻀـﻼ‌ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺪﻡ‬
‫ﻳﻄـﻮﻑ باﻟﺒﻴـﺖ ﻗﻮﻡ ﺑﺠـﺎﺭﺣﺔ ★★★ ولو باهلل ﻃﺎﻓﻮﺍ ﻷ‌ﻏﻨﺎﻫـﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺤـﺮﻡ‬
‫ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺞ ﻭﻟﻲ ﺣـﺞ ﺇﻟﻰ ﺳﻜـﻨﻲ ★★ ﺗﻬﺪى األ‌ﺿﺎﺣﻲ ﻭأﻫﺪﻱ ﻣﻬﺠﺘﻲ ﻭﺩﻣﻲ‬
‫ثالثا‪ :‬الحسن البصري‪:‬‬
‫هو شيخ المفكرين في العصر األموي وإمام الزهاد وقدوة الوعاظ‪ " ،‬وهو أبو سعيد الحسن البصري‬
‫عاش الحسن البصري لإلسالم ومع اإلسالم طيلة حياته وصارت له مدرسة كبيرة في البصرة فكان‬
‫يدعو إلى الزهد في متاع الدنيا والتقرب إلى هللا‪ ،‬ثم سار الزهد خطوة إلى التصوف فأصبح رياضة‬
‫روحية على يد إبراهيم بن أدهم الذي ترك أمواله وعاش حياة متقشفة تفرغ فيها للصالة واإلقبال على‬
‫العبادة و من أشعاره‪:‬‬
‫رب مستور سبته شهوة ★★★فتعرى ستره فانهتكا‬
‫صاحب الشهوة عبد فإذا ★★★غلب الشهوة أضحى ملكا‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫المرحلة الرابعة عصر العباسي‬
‫يمكن القول إن الشعر الصوفي هو وليد العصر العباسي‪ ،‬وهو شعر يستند الى فلسفة معينة وفكر‬
‫خاص ولغة خاصة‪ ،‬ألنه يمثل الجانب الروحي الديني في األدب‪ ،‬فالقارئ للشعر الصوفي والمتمعن في‬
‫جمال لغته وطريقة نظمه وتنوع أساليبه‪ ،‬يجد أن لغة التصوف في جماليتها المُميزة لها‪ ،‬تخلق وحدة‬
‫فنية‪ ،‬ومن ثم شعورية وفكرية‪ ،‬ترتفع بالمشاعر‪ ،‬وهي ُتعبر عن تجربة عرفانية فريدة تكشف الداللة عن‬
‫وعي مرهف وجس وثاب‪ ،‬قائمة على القصدية منفتحة على تصور شدة الخصوصية‪ .‬كذلك هي لغة‬
‫المتصوفة التي اخترعوها‪ ،‬فهي على رقتها‪ ،‬وسهولتها‪ ،‬وتنوعها‪ ،‬ذات داللة اشتقاقية خاصة‪ ،‬ولقد‬
‫حصرها الشعراء المتصوفة في مستوى أساسي‪ ،‬وهي اإلشارة أو التلويح والرمزية‪ ،‬فهذه اللغة العامرة‬
‫بالدالالت هي التي تعارف عليها المتصوفة‪ ،‬فخصوصيتها تنأى بنفسها كثيرً ا عما يعتقده البعض في‬
‫كونها وليدة ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية قاهرة‪.‬‬
‫߷ موضوعات الشعر الصوفي‪:‬‬
‫أوال‪:‬المحبة اإللهية‪ :‬إن الحب اإللهي هو الموضوع األبرز في الشعر الصوفي‪ ،‬فهو عندهم ليس مجرد‬
‫موضوع شعري بل هو منهج حياة‪ ،‬ودين يعتنقونه‪ ،‬ويعيشون له‬
‫والمقصود به هو محبة العبد لخالقه محبة منزهة عن األغراض الطمع في جنة ال خوف من نار‪ ،‬وهذه‬
‫المحبة تدفع الصوفي الى أن يعيش حالة من الشوق والغياب عن الموجودات أمالً في كشف الحجب‬
‫والوصول الى حضرة األنوار اإللهية وتحقيقا ً لهذا الغرض استعار الشاعر الصوفي بلغة الحب العذري‬
‫لعكس هذه المشاعر‪ ،‬ألنها لغة صادقة وفيها لوعة وألم وشوق للقاء المعشوق‪ ،‬والمتصوف إنما يبحث‬
‫‪21‬‬

‫عن الحبيب الواحد وهو ( هللا )‪ ،‬لذلك فإن النص الصوفي نص مخادع في لغته بالنسبة للقارئ‪ ،‬ألنه‬
‫ظاهرة غزل محض‪ ،‬لكن باطنه يحمل إشارات صوفية‪.‬‬
‫تقول رابعة العدوية‪:‬‬
‫ـوى ★★★و ُحبْــا ً أل َن َك أهْ ـل لـ َِذاك‬‫ُب ال َه ٰ‬‫ْن ح َ‬ ‫ُك ُح َبي ِ‬
‫أ ِحب َ‬
‫ش ْغلِى بذ ِْك ِر َك َع َمنْ سـِواكْ‬‫وى ★★★ َف ُ‬ ‫فأما الذي ه َُو حُبُ ال َه ٰ‬
‫الحمْ ُد فِى ذا وذاك‬ ‫لك َ‬ ‫ذاك لي★★★ولكنْ َ‬ ‫الحمْ ُد فى ذا وال َ‬ ‫فال َ‬
‫ويقول أبو بكر الشبلي ‪:‬‬
‫الذكر ذك ُر لساني‬
‫ِ‬ ‫★★★وأيس ُر مافي‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ذكرتك ال أ ّني نسِ ي ُت َك لمحة‬
‫بالخفقان‬
‫ِ‬ ‫أموت من الهوى★★وهام عليَّ القلبُ‬ ‫ُ‬ ‫ِدت بال َوج ٍد‬ ‫وك ُ‬
‫ثانيا ً‪ :‬السكر اإللهي ( الخمرة اإللهية)‪ :‬يتحدث المتصوفة عن نمط من أنماط الخمرة في أشعارهم‬
‫مستعيرين لذلك لغة الشعراء الخمريين نعوتهم صورهم معانيهم‪ ،‬لكنهم يقصدون نمطا ً مخصوصا ً من‬
‫الخمرة هي خمرة معنوية روحية التمنح صاحبها نشوة السكر المعروفة انما تمنحه صفاء الروح‬
‫واليقظة‪.‬‬
‫يقول الحالج‪:‬‬
‫مرةُ ِبالما ِء ال ُز ِ‬
‫الل‬ ‫الخ َ‬ ‫ُك في روحي َكما★★ ُت َ‬
‫مز ُج َ‬ ‫م ُِز َجت روح َ‬
‫نت َأنا في ُك ِّل ِ‬
‫حال‬ ‫َّك َشي ٌء َمسَّني★★★★ َفِإذا َأ َ‬ ‫َفِإذا َمس َ‬
‫ويقول ابن الفارض‪:‬‬
‫ب مُدا َم ًة★★س ِكرْ َنا بها من قبل أن يُخلق ال َكرْ ُم‬ ‫َش ِر ْب َنا على ْ‬
‫ذك ِر الحبي ِ‬
‫ت َنجم‬‫وهي شمسٌ ُيدِي ُر َها★هال ٌل وكم يبدو إذا م ُِز َج ْ‬
‫َ‬ ‫لها البد ُر كأسٌ‬
‫االوهْ م‬
‫تصوّ رها َ‬ ‫يت لِحانِها★★★ولوال َسناها ما َ‬ ‫شذاها ما اهتدَ ُ‬ ‫ولوال َ‬
‫߷أعالم التصوف‪ :‬للتصوف شعرائه الذين أرسوا قواعده‪ ،‬ووضعوا له األصول‪ ،‬وكتبوا في ذلك‬
‫الفصول ‪ ،‬حتى إن منهم من نظم الشعر ونبغ فيه شأن الفحول ‪ ،‬ومن بينهم‪ :‬الجنيد‪ ،‬الحالج‪ ،‬الرابعة‬
‫العداوية‪ ،‬ميمونة السوداء‪.‬‬
‫أوال ‪ -‬أبو القاسم الجنيد ‪:‬‬
‫هو شخصية هامة في تاريخ التصوف اإلسالمي و ترجع هذه األهمية إلى عصوبة آرائه و إلى أنه كان‬
‫يجمع فيها بين الشريعة و الحقيقة و أنه كان من أهل الرسوخ والتمكين ال من أرباب االحوال و الشطح‬
‫فكان مؤثرا للصحو على السكر و للبقاء على الفناء و كان أستاذا قديرا يجمع حوله المريدين ليعلمهم‬
‫التصوف " و يعتبر سيد الطائفة و إمامهم‪ ،‬و لعل أهم أبياته‪:‬‬
‫الح ِّ‬
‫ــــق َمــعْ رُوفُ‬ ‫ْــــس َيعْ ِرفُه★★ِإاَّل َأ ُخو ف ِْطـ َنــ ٍة ِب َ‬
‫صوُّ فِ عِ ْل ٌم َلي َ‬
‫عِ ْل ُم ال َّت َ‬
‫مْس َم ْكفُوفُ‬ ‫ْف َي ْش َه ُد َ‬
‫ض ْو َء ال َّش ِ‬ ‫ُ★★و َكي َ‬
‫َ‬ ‫ْــــس َي ْشـ َه ُده‬
‫ْس َيعْ ِرفُ ُه َمنْ َلي َ‬‫َو َلي َ‬
‫ثانيا ‪ :‬أبو مغيث الحسين بن منصور الحالج‪:‬‬
‫إن كان الجنيد سيد الطائفة فهذا الحالج شهيدها ‪ ،‬حيث كانت نهايته بمثابة مأساة وعارا في تاريخ‬
‫الصوفية ‪ ،‬طارت بها األخبار و تم بها االعتبار و حصل بها االذكار و ذاك الذي ابتغاء حكام القرار‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫فظهور الحالج كان إيذانا ببدء مرحلة جديدة في التصوف اإلسالمي وشعره على السواء‪ ،‬وتمتاز هذه‬
‫الفترة بتفرد الشعر الصوفى حيث أصبح فنا مستقال عن الشعر العام‪ ،‬و لقد عرف الحالج بعملين‬
‫خطيرين في الشعر الصوفي وهما‪:‬‬
‫أولها موضوعي ‪ :‬وهو تشقيق الوضوعات الصوفية التي تلقاها من الصوفية التقدمين ‪ ،‬وابتداع آراء‬
‫جديدة لم يسبقه إلى الكالم فيها أحد ‪ ،‬فالحالج أول من تكلم في وحدة األديان والنور المحمدى من صوفية‬
‫المسلمين ‪ ،‬وكان له آراء في الجبر والفتوة ‪ ،‬كما كان له مذهب خاص فى االتحاد انتهى به إلى الحلول ‪،‬‬
‫وال شك أن كل ذلك إضافة لها قيمتها إلى التصوف اإلسالم من ناحية ‪ ،‬وإلى موضوعات الشعر‬
‫الصوفي من ناحية ثانية ‪ ،‬فقد تناول الحالج كل هذه المعاني واآلراء في شعره كما تناولها في نثره‪.‬‬
‫وثانيهما شكلي ‪ :‬وهو إيجاد لغة الشعر الصوف تمتاز عن لغة الشعر العام بخصائص معينة أهمها‬
‫المصطلحات والكلمات الخاصة واألساليب وطريقة التناول ‪ ،‬وبهذه اللغة ثم للشعر الصوف االمتياز‬
‫الشكلي من الشعر العام ‪ ،‬وتستطيع أن تقول بعبارة أخرى ‪ :‬إن شخصية الشعر الصوفي قد ظهرت على‬
‫أنه من مستقل له خصائصه الموضوعية والشكلية على يد الحالج ألول مرة في تاريخ الشعر العربي ‪.‬‬
‫وهذا الفن الشعرى وهو الشعر الصوفى يقيم للشعر العربي شاطئا ً روحيا ً في مقابل بحر المادية الزاخر‬
‫الذى اعترفت منه فتونه األخرى ‪ .‬ومن أبرز أبياته‪:‬‬
‫روحان َح َلنا َبدَ نا‬
‫ِ‬ ‫َأنا َمن َأهوى َو َمن َأهوى َأنا★★★ َنحنُ‬
‫َنحنُ مُذ ُك ّنا َعلى َعه ِد ال َهوى★★★ ُت َ َأل‬
‫ضربُ ا مثا ُل ل ِ‬
‫ِلناس ِببن‬
‫بصر َتنا‬‫بصر َت ُه َأ َ‬
‫ُ★★★★وِإذا َأ َ‬
‫َ‬ ‫بصر َتني َأ َ‬
‫بصر َته‬ ‫َفِإذا َأ َ‬
‫ثالثا‪:‬رابعة العدوية‪:‬‬
‫ولعلها المعلم األول الذي أدى إلى تحول مسار الزهد إلى مسار التصوف‪ ،‬وكانت أمة مملوكة ثم‬
‫أعتقت فكانت تعزف على الناي‪ ،‬وفي مدينة البصرة حيث أمتعت الناس بموسيقاها وغناها ورقصها‪،‬‬
‫وبعد ذلك انقطعت إلى العبادة وهربت إلى هللا‪،‬و لقد ألفت قصائد في الحب‪ ،‬اختص موضوعها بذكر هللا‬
‫معشوقها‪ .‬وقد وصلنا بعض من هذه القصائد‪ ،‬وال زال الناس منذ وفاتها يمجدونها على أنها قديسة‪،.‬وهي‬
‫التي أدخلت في النزعة الصوفية أناشيد الحب اإللهي حيث تقول‪:‬‬
‫ـوى ★★★و ُحبْــا ً أل َن َك أهْ ـل لـ َِذاك‬ ‫ُب ال َه ٰ‬
‫ْن ح َ‬ ‫ُك ُح َبي ِ‬ ‫أ ِحب َ‬
‫ش ْغلِى بذ ِْك ِر َك َع َمنْ سـِواكْ‬‫وى ★★★ َف ُ‬ ‫فأما الذي ه َُو حُبُ ال َه ٰ‬
‫الحمْ ُد فِى ذا وذاك‬ ‫لك َ‬ ‫ذاك لي★★★ولكنْ َ‬ ‫الحمْ ُد فى ذا وال َ‬ ‫فال َ‬
‫رابعا ‪ :‬ميمونة السوداء‪:‬‬
‫هي ميمونة العابدة ‪ ،‬و تعرف أيضا بال ميمونة السوداء‪ ،‬كانوا ينعتونها بالمجنونة ولم تكن كسائر‬
‫المجانين الذين يخلون في كالمهم و تصرفاتهم بل كانت من نوع ٱخر الذي ولد ظاهرة جديدة في هذا‬
‫العصر وهم مجانين ينطقون بالحكمة‪ ،‬و تجرى على ألسنتهم الموعظة و لقد برز في أشعارها مكاشفة‬
‫القلوب و اإلشارة إلى الخمرة ومنها هذين البيتين‪:‬‬
‫قلوب العارفين لها عيونٌ ★★ َترى ما ال َيراهُ الناظِ رونا‬
‫َوَألسِ َن ٌة ِبَأ‬
‫سرار ُتناجي★★ َتغيبُ َع ِن الك ِ‬
‫ِرام الكاتِبينا‬ ‫ٍ‬
‫߷ خصائص شعر الصوفي العباسي‪:‬‬
‫•يتصف الشعر الصوفي بصدق العاطفة والوجدان فهو يتحدث عن قضية معينة باطنية ايحائية‬
‫استوعبت حياة الشاعر ثم جعلها تستوعب شعره كله‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫•الشعر الصوفي متنوع في قوالبه الشعرية‪ ،‬فتارة نجد مطوالت شعرية كما عند ابن الفارض مثالً‪،‬‬
‫وتارة على شكل مقطوعات وهي األكثر شيوعا ً على اعتبار أن الشعر الصوفي عبارة عن نفثات روحية‬
‫سريعة والمقطوعات أقدر على التعبير عنها‪.‬‬
‫•علو لغتهم الشعرية وجمالية الصور البالغية ‪.‬‬
‫•يتميز الشعر الصوفي بالغموض ألن لغة الصوفية لغة إشارة العبارة تقوم على توظيف الرمز‪ ،‬ويبدو‬
‫ت من غموض التجربة الصوفية نفسها على اعتبار أنها تجربة وجدانية شائكة يمتزج بها الوعي‬ ‫أن متأ ٍ‬
‫بالالوعي ولذلك شاعت المقولة ( اليفك مغاليق النص الصوفي إال الصوفي )‪.‬‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫المرحلة الخامسة شعر التصوف في العصر األندلسي‬
‫شعر التصوف في األندلس‪ :‬إن بدايات شعر التصوف كانت ال تعدو شكال من أشكال الزهد‪ ،‬و إذا بحثنا‬
‫عن أوليات شعر التصوف فإننا ال نلتقي إال بأشعار زهدية عادية ‪.‬‬
‫ويعد كثير من الباحثين أبا عمر بن عيسى األلبيري (‪429‬هـ) أول من عمد إلى أسلوب المناجاة‬
‫الصوفي الخالص سالكا سبيل أهل الطريق تأمال وتشوقا وسكرا وفناء وكشفا وحنينا وارتياحا ‪،‬‬
‫ويستدلون في ذلك بقصيدته التي مطلعها‪:‬‬
‫ب‬‫العقل في روض ِة ال ُح ِ‬
‫ِ‬ ‫جوهر ال ُحبِ★★رحيقا ً بكف‬‫ِ‬ ‫بكأس الحبُ من‬
‫ِ‬ ‫َش ُ‬
‫ربت‬
‫على أن بعضهم ال يرى في أبي عمر اإلنبيري متصوفا‪ ،‬فال يدرج شعره ضمن شعر التصوف‪ ،‬ويعتقد‬
‫أن شعر اإللبيري ليس فيه الروح الصوفية الواضحة أكثر من كونه شعرا يناجي العبد فيه ربه‪ ،‬مع‬
‫وجود نزعة صوفية مقرونة بعقيدة االعتزال التي تنزه هللا تعالى عن مشابهة المخلوقين ‪ ،‬وإن ما نظمه‬
‫أبو عمر األلبيري كان في فترة لم يبلغ فيها التصوف مرحلة النضج بعد‪ ،‬فكان أقرب إلى الزهد‬
‫والمناجاة والتوسل‪. .‬‬
‫على أن جل الباحثين يتفقون على أن أول شعر صوفي ال تنكر نسبته إلى التصوف‪ ،‬وال تختلف عليه‬
‫األقوال‪ ،‬هو شعر ابن العريف ‪ ،‬فهو الذي تشن حركة الحب اإللهي في الشعر‪ ،‬باعتباره هو سر خلق هللا‬
‫للعالم‬
‫ولن تصل حركة الحب اإللهي للشعر ‪ -‬التي بدأت على يد أبي العباس بن العريف ذروتها إال على يد‬
‫ابن عربي في ديوانه "ترجمان األشواق" ‪.‬‬
‫ويعد ترجمان األشواق األثر الشعري الحق؛ إذ فيه نفحات شعرية‪ ،‬وبهذا الديوان يستطيع ابن عربي أن‬
‫يزاحم األقطاب من شعراء الصوفية ‪ ،‬ومع أنه ترك من الشعر تركة غزيرة‪ ،‬فله ديوان ضخم‪ ،‬وكتاب‬
‫الفتوحات ذاته يقوم في األغلب على شرح مقطوعات شعرية‪ ،‬وأشعاره كلها رمزيات كما يريد أن تكون‬
‫وهي ال تخلو من طالوة‪ ،‬وقد يقع فيها من طريف الخيال ‪.‬‬
‫وأما تأخر نضج الشعر الصوفي قبل هذه المرحلة فلعل سببه إخفاء المتصوفة لواعجهم دفعا التهامهم‬
‫بالبدع‪ ،‬حيث استمر رفض المجتمع فقهائه وسلطته التصوف وإن عهد الموحدين يمثل الذروة في ازدهار‬
‫شعر التصوف‪ ،‬وفضال عن ترجمان األشواق تطالعنا نصوص كثيرة البن عربي والمشتري وأبي مدين‬
‫وسواهم‪.‬‬
‫߷مضامین شعر التصوف األندلسي‪:‬‬
‫يجد المتتبع لشعر التصوف في األندلس أنه ينحصر في ثالثة مضامين أساسية هي‪ :‬ا‬
‫لحب اإللهي‪،‬الخمرة الصوفية واألفكار الفلسفية‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫‪ )1‬األفكار الفلسفية ‪ :‬ونجد من الموضوعات التي طرقها شعر التصوف‪ ،‬تلك القصائد والمقطوعات‬
‫التي تعبر عن أفكارهم ونظرياتهم وآرائهم في التصوف‪ .‬وهذه الموضوعات ال نجدها إال عند أرباب‬
‫التصوف النظري الفلسفي‪ .‬وتدور هذه األفكار واآلراء حول الوحدة المطلقة‪ ،‬ووحدة الوجود‪ ،‬والفناء‪،‬‬
‫والمقامات واألحوال ومن ذلك قول ابن عربي‪:‬‬
‫فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا★★وليس خلقا ً بهذا الوجه فا ّدكروا‬
‫من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته★★وليس يدريه إال من له بصر‬
‫جمِّع و فرِّ ق فإن العين واحدة★★★وهي الكثرة ال تبقي وال تتذر‬
‫‪ .‬إذن فالوجود في حقيقته واحد‪ ،‬واألسماء اإللهية دالالت مختلفة على ذات ‪،‬واحدة‪ ،‬ومجال جديدة في‬
‫عين واحدة هي عين الحق ‪ ،‬فهذه األبيات تلخص رٱيا من آراء ابن عربي في وحدة الوجود‪ .‬ويقول ابن‬
‫عربي أيضا‪:‬‬
‫فاعلم أن التصوف تشبيه بخالقنا ★★ألنه خلق فانظر ترى عجبا‬
‫كيف التخلق و المكر الخفي له★★ في خلقه وبهذا القدر قد حجبا‬
‫إن الحديد إذا ما الصنع يدخله★★★في غير منزله برده ذهبا‬
‫إن التصوف أخالق مطهرة ★★★مع اإلله فال تعدل به نسبا‬
‫‪ .‬تكشف هذه األبيات حقيقة التصوف كما يفهمه ابن عربي ويريده‪ ،‬إذ الكمل من الناس يتقربون ِب ُك ِّل‬
‫قواهم العقلية والجسمية والوجدانية والحسية من الخالق تقربا يجعلهم يتشبهون بخالقهم‪.‬‬
‫ويدعو الششتري إلى تهيئة مرأة القلب لقبول التجلّي اإللهي وتحقيق المعرفة‪ ،‬وينبه إلى ضرورة تدقيق‬
‫النظر لبلوغ الحقيقة الكامنة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫أيُّها ال ّناظِ ُر فيه في سطح المرى★★أترى منْ َذا الذي فِيه َت َرى؟‬
‫سرى‬ ‫ه ْل ه َُو ال ّناظر فيه غيرُك ْم ★★★أ ْم خ َيا ُل ِم ْن َك فيه َق ْد َ‬
‫ى‬‫الور َ‬‫ين َ‬ ‫أعِ ِد ال ّن ْظر َة فِي َها ِإنهَّا★★★★ح ٌ‬
‫ِكمة كا ِم َن ٌة َب َ‬
‫القو ُم جمِيعا ً السُّرى‬ ‫اق َفجْ ِرها★★يح َم ُد َ‬ ‫فعسى عِ ْندَ انش َق ِ‬
‫َ‬
‫وتشكل المقامات موضوعات للشعر الصوفي‪ ،‬ويقول ابن عربي في مقام الفقر ‪:‬‬
‫الفقر حكم ولكن ليس يدركه★★إال الذي جل عن أهل وعن ولد‬
‫الفقر حكم يعم الكون أجمعه★★وال أحاشي من األعيان من أحد‬
‫ألنها كلها بالذات تطلبه ★★★والفقر يطلبها بالذات في البلد ‪.‬‬
‫فالفقر أهم المقاسات حكما‪ ،‬إذ به يتميّز العبد من الرب‪ ،‬وهو صفة ذاتية في الممكنات‬
‫‪ )2‬الحب اإللهي‪:‬ويظفر المتتبع للشعر الصوفي على هذا العهد نصوصا غزيرة تندرج ضمن‬
‫الغزل الصوفي‪ ،‬وهي القصائد التي موضوعها الحب اإللهي‪ ،‬والحب هو روح التصوف‪ ،‬وهو شعاره‬
‫ودثاره‪ ،‬وهو الحال المشترك بين المتصوفة جميعا‪ ،‬والحب عند المتصوفة ال يمكن تحديده وال تعريفه‪،‬‬
‫وال شرح حقائقه‪ ،‬وبما يُح ّدد باللفظ فقط‪ ،‬ويعرف بالعرف واالصطالح ‪.‬‬
‫ولقد أسهب شعراء التصوف في وصف هذا الحب وتصويره‪ ،‬فلقد شغلهم ومأل أفئدتهم‪ ،‬فتجدهم يذوبون‬
‫شوقا بعد أن المهم الهجر‪ ،‬يقول ابن طفيل في الغزل الصوفي بالعزة اإللهية‪:‬‬
‫قيق مِن الحِمى‬ ‫الع ِ‬ ‫سرت ِإلى وادي َ‬ ‫ما★★وَأ َ‬
‫َ‬ ‫َأ َلمَّت َو َقد قا َم المُشِ ي ُح َو َهوّ‬
‫ذاك ال ُتربُ َنهبا ً ُم َقسَّما‬ ‫ب ذِي َلها★★ َفَأص َب َح َ‬ ‫ص ِ‬‫َو َجرَّ ت َعلى ُترب المُح َّ‬
‫ها★★وَأنّ سُراها في ِه َلن ُي َت َك َّتما‬ ‫َ‬ ‫َو َلمّا َرَأت أن ال َظال َم ُي ِك ُّن‬
‫ها★★وَأبدَ ت م َُح ّيا ً يُدهِش المُتوسِّما‬ ‫َ‬ ‫وجه‬
‫ِ‬ ‫َس َرت عذبات الريط َعن ُنور‬
‫‪25‬‬

‫فالعزة اإللهية في هذه األبيات أنثى سرت وانكشفت للشاعر بعد طول تهاجر و انتظار ويأس‪ ،‬وفي‬
‫هذه األبيات يظهر التجلي والمشاهدة‪ ،‬ولقد أسس الصوفية الحب اإللهي في انسجامه وتوافق طرفيه‬
‫المتقابلين على نظريتهم في التجلي والشهود ‪.‬‬
‫ولقد سلك شعراء التصوف طرقا متع ّددة في التعبير عن الحب؛ فنجد بعضهم يستهل قصيدته بمقدمة‬
‫طللية على غرار شعراء الجاهلية‪ ،‬فيقف على األطالل‪ ،‬ويبكي التيار والرسوم‪ ،‬والبن عربي في‬
‫الترجمان غير ما قصيدة ينحو فيها هذا المنحى‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ور ُد‬ ‫َأ‬
‫ين المَوعِ ُد ★★ َف نِخ َركاِئ َبنا َفهذا ال َم ِ‬ ‫بر َق ِ‬‫ين اَأل َ‬‫زع َب َ‬
‫ِبال ِج ِ‬
‫ال َتطلُ َبنَّ َوال ُتغادي َبعدَ هُ★★يا حا ِج ٌر يا ِ‬
‫بار ٌق يا َثه َم ُد‬
‫ومما يتوافق والحب العذري في شعر الحب اإللهي‪ ،‬وصف الرّ حلة الشاقة التي يقطعها المحب سعيا‬
‫للقاء المحبوب‪ ،‬فهي في أحيان كثيرة إبل يحثها على السير الحثيث‪ ،‬ومن ذلك قول ابن عربي ‪:‬‬
‫ومما يتوافق والحب العذري في شعر الحب اإللهي‪ ،‬وصف الرّ حلة الشاقة التي يقطعها المحب سعيا للقاء‬
‫المحبوب‪ ،‬فهي في أحيان كثيرة إبل يحثها على السير الحثيث‪ ،‬ومن ذلك قول ابن عربي ‪:‬‬
‫ثرها غادي‬ ‫عجل ِبها َوقِفا★★ َفِإ َّنني َز ِمنٌ في ِإ ِ‬ ‫العيس ال َت َ‬‫ِ‬ ‫ِي‬
‫يا حاد َ‬
‫بريح يا حادي‬ ‫الوج ِد َوال َت ِ‬ ‫ِها★★★باهَلل ِ ِب َ‬
‫ِ‬ ‫قِف ِبال َمطايا َو َشمِّر مِن َأ ِز َّمت‬
‫شفاق َوِإسعا ِد‬ ‫ني★★★رجلي َف َمن لي بِِإ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َنفسي ُتري ُد َولكِن ال ُتساعِ ُد‬
‫ش ُغ ٍل★★آال ُت ُه َأ ِذ َنت في ِه بِِإفسا ِد‬ ‫الص َن ُع ال َنحري ُر في ُ‬ ‫فع ُل َ‬ ‫ما َي َ‬
‫َعرَّ ج َففي َأي َم ِن الوادي خِيا ُم ُه ُم★★هَّلِل ِ دَ رُّ َك ما َتحوي ِه يا وادي‬
‫ب َأكبادي‬ ‫سي★★وهُم َسوا ُد س َُويدا خِل ِ‬ ‫َ‬ ‫عت َقوما ً ُه ُم َنفسي َوهُم َن َف‬ ‫َج َم َ‬
‫لع َأو ِبَأجيا ِد‬ ‫َأ‬
‫★★بحا ِج ٍر و ِب َس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ال دَ رَّ دَ رُّ ال َهوى ِإن َلم َأمُت َك َمداً‬
‫ويتبين للمطلع على قصائد ترجمان األشواق أ ّنها تندرج ضمن شعر الحب اإللهي‪ ،‬الذي يتخذ من رمز‬
‫المرأة معادال موضوعيًا للمحبّة اإللهية‪ ،‬ولئن اختلفت المقطوعات والقصائد في الرموز والتلويحات‪ ،‬فإن‬
‫مضمونها طلب الحقيقة الربانية‪ ،‬والحق أن األشعار التي نجدها في ترجمان األشواق تعد من الناحية‬
‫الفنية أكثر قصائده [ ابن عربي ] اكتماال ونضجا وامتألت بأسلوب التلويح والرموز الشعرية الموحية‪.‬‬
‫‪ )3‬الخمرة الصوفية ‪:‬ولقد عرفت الخمريات في الشعر العربي‪ ،‬فوصفت الخمر وشاربها‪ ،‬وتكثيرها‬
‫وأنيتها‪ ،‬ومجالسها وانتمائها‪ ،‬على النحو الذي نجده في شعر األعشى ميمون بن قيس ‪ ،‬واألخطل‪ ،‬وأبي‬
‫نواس‪ ،‬لكن الخمر التي نعنيها هنا هي الخمر الصوفية‪ ،‬وإن كان يصعب التمييز بين الشعر الغزلي‬
‫والخمر العادي وبين الشعر الصوفي ‪ ،‬فإن الباحث في اللغة الشعرية الصوفية سيكتشف دون مشقة‪ ،‬ذلك‬
‫الفرق بين التجربتين الشعريتين بين تجربة عادية وأخرى معقدة يقول ابن عربي‪:‬‬
‫ُ★★لكان َجوابي إلي ِه َش ِهيقي‬ ‫َ‬ ‫ولو المني في هواها عذول‬
‫ف َشوقي ِركابي‪ ،‬وح ُْزني لِ َباسي★★ووجدي صبوحي‪ ،‬ودمعي ّغبوفي‬
‫ويقول في موضع آخر‪:‬‬
‫ِطرب َعلى َغ ِر ٍد هُنال َِك يُنشِ ُد‬ ‫ها★★وا َ‬ ‫َ‬ ‫ِمار‬
‫مرها ِبخ ِ‬ ‫ِشرب سُال َف َة َخ ِ‬ ‫َوا َ‬
‫ت★★عن َج َّن ِة ال َمأوى َحديثا ً يُس َن ُد‬ ‫َ‬ ‫َوسُال َف ٌة مِن َعه ِد آدَ َم َأخ َب َر‬
‫فهي دعوة إلى السكر اإللهي سكر ال ُكمل‪ ،‬فهي خمر من جنة المأوى‪ ،‬وهي دالة على السكر الدائم‪،‬‬
‫وعمر ابن عربي قديمة من عهد آدم‪.‬‬
‫߷أشهر متصوفي الشعر األندلسي‪:‬‬
‫أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي ‪:‬‬
‫‪26‬‬

‫والشاعر أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي قد تناول في قصائده شعر التصوف بشكل واسع وتفنن في‬
‫ذلك‪ ،‬ومن قصائده في الصوفية ما يلي‪:‬‬
‫صبراً َوال َر َمقا‬ ‫ُّك لِي َ‬ ‫ب ِم ّني عِ ندَ ما َر َمقا★★ َلم ي ِ‬
‫ُبق ُحب َ‬ ‫سالب ال َقل ِ‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫يت الحُبَّ ما ُخلِقا‬ ‫ِراق َو َل َ‬
‫يت الف َ‬ ‫سأل ال َيو َم َعمّا كابدت َكبدي★★ َل َ‬ ‫ال َت ِ‬
‫ت اَألقدا ُر فا ّت َفقا‬ ‫★★وِإ ّنما َ‬
‫جار ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ثانية‬ ‫ِختياري ُذ ُ‬
‫قت الحبَّ‬ ‫َ‬ ‫ما با‬
‫النار َفاِح َت َرقا‬
‫َ‬ ‫الفراش َأ َحبَّ‬
‫ِ‬ ‫كنت في َك َلفي الداعي ِإلى َت َلفي★★مِث َل‬ ‫َو ُ‬
‫والشاعر ابن الجياب حيث يقول في قصيدته‪:‬‬
‫الحمد هلل على ما منحا ★★ من أنعم تترى أصيال وضحى‬
‫كم نعمة أسبغها تفضال ★★ منه وكم قرب ما قد نزحا‬
‫أرجو كما أنعم فيما قد مضى ★★لعله فيما بقي أن يسمحا‬
‫إن لم أكن أهال لما آمله ★★فاهلل أهل أن يتم المنحا‬
‫ابن زمرك الذي تناول في قصائده الصوفية دور الطبيعة في هذا الشعر حيث يقول‪:‬‬
‫و هّلل مبناك الجميل فإ ّنه ★★ يفوق على حكم السعود المبانيا‬
‫بنيت له كفّ الثريا معيذة ★★و يصبح معت ّل النواسم راقيا‬
‫الزهر لو ثبتت به ★★ و لم تك في أفق السماء جواريا‬ ‫و تهوى النجوم ّ‬
‫߷خصائص شعر التصوف باألندلس‪:‬‬
‫تفرد وتميز الشعر الصوفي بكثير من الخصائص الخاصة التي ميزته عن باقي أنواع الشعر ومن هذه‬
‫المميزات‪:‬‬
‫‪ -1‬تناول الشعر الكلمات التي تدل على أمور خاصة بالتصوف‪.‬‬
‫‪ -2‬تناولهم المفردات الحسيّة وتوظيفها في شعر التصوف لتعبّر عن أمور روحية‪.‬‬
‫‪ -3‬طمس المعاني الحقيقية للمفردات‪ ،‬وكانت من األسس المهمة عند الصوفية عدم الكشف عن المعرفة‬
‫الربانية التي أعطاهم إياها هللا‪.‬‬
‫‪ -4‬السمو الروحي و المعاني النفسية العميقة‪،‬و الخضوع التام الرادة هللا القوية و البعد عن الخيال‪.‬‬
‫﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏‬
‫߷الفرق بين الزهد والتصوف‪ :‬يعتبر الزهد األساس الشرعي الذي تولد عنه التصوف‪ ،‬حيث أنه قبل‬
‫الوصول لدرجة التصوف ال بد أن يكون في البداية زاهداً عالما ً بالقواعد الضرورية للوصول للتصوف‪،‬‬
‫فالزهد له أصول وأهداف تشابهت مع الصوفية ولكن اختلفوا بالمواضيع التي يجب الزهد فيها‪ ،‬وقد أكد‬
‫ذلك ابن الجوزية في قوله‪ :‬الصوفية من جملة الزهاد‪ ...‬إال أن الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات‬
‫وأحوال‪ ،‬وتوسموا بسمات فاحتجنا إلى إفرادهم بالذكر‪ ،‬والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي"‪.‬‬
‫فالزهد يدور حول مواضيع ترك الشهوات والتذكير بالموت والجزاء وذلك بأسلوب الترغيب والترهيب‬
‫والتخلي عن الدنيا واالنصراف إلى العبادة‪ ،‬وبعد ظهور األفكار الفلسفية وربطها بمواضيع الزهد‬
‫ظهرت حركة منبثقة عن الزهد فجاءت مخالفة ببعض المواضيع الروحية والفكرية وإنكار الذات‬
‫واالختالف في أمور الكسب الحالل وزادوا أفكاراً محدثة مبتدعة في دين اإلسالم ضلوا بها وأضلوا‪،‬‬
‫مثل الوجد والسماع والمحاضرة والشطح‪ ،‬وقد وصلوا بذلك ألعلى درجات التصوف‪.‬‬

You might also like