Professional Documents
Culture Documents
لينا قرماش
لينا قرماش
تعريف الزهد :جاء هذا المصطلح في المعجم الصوفي بأنه يدل على قلة الشيء ،ويقر أبو حامد الغزالي
في كتابه "إحياء الدين" بتعريف جامع لكل معانيه في قوله " :هو عبارة عن انصراف الرغبة عن شيء
إلى ما هو خير "و" يقصد بذلك ترك لذائذ الدنيا طمعا بلذائذ اآلخرة الخالدة ،ولقد شهد معناه تغيرا من
عصر اآلخر ،إذ كان يدل في القرن األول على االنصراف عن ملذات الدنيا و زخرفها ،و أصبح مدلوله
القرن الثاني طهارة النفس ونقاء القلب و صفائه.
تعريف شعر الزهد:الزهد ظاهرة نفسية كان لها أثر كبير في الشعر العربي ،تدعو إلى الموعظة و
توجيه الناس نحو التنسك والعبادة معتبرة أن هذه الحياة ما هي إال دار ممر إلى دار المقر.
ꕤالزهد في الشعر العربي القديم (النشأة البناء ،التطور) :
الزهد فن من فنون الشعر العربي القديم الذي انبثقت منذ الجاهلية و بدأ بالنمو والتطور واالزدهار عبر
العصور الالحقة ،وعلى هذا األساس سنشرع لتوضيح النقاط السابقة:
أ) العصر الجاهلي :
ال يمكن الوقوف على تاريخ معين يحدد لنا نشأة الزهد العربي إال بالرجوع للشعر الجاهلي الذي نلمس
في بعض أبياته ومضات له ،ويستدل الدكتور زكي مبارك على ذلك بلفظ "الديان" و "الرباني" و يعنيان
المتنسك في الدين و اللفظتان عرفتا في الجاهلية ،وكانت موضوعاته أنذاك تنصب و تتعلق بالحديث عن
الموت وما بعده نتيجة قسم من التجارب والتأمالت ،له أشكال مختلفة إما أبيات فردية في قصيدة ذات
موضوع محدد ،أو شعر على هيئة عبر وحكم متفرقة ،ومن الشعراء المتعبدين قبل اإلسالم عدي بن
زيد المشهور بالوعظ والتذكير ،ومنهم المتحنفين الذين تلمسوا دين إبراهيم المأمور الحارثي وأكثم بن
صيفي و زيد بن نفيل وورقة بن نوفل وأبو القيس الراهب وأمية بن أبي الصلت ،وسنذكر فيما يلي
القليل من أشعارهم المرتبطة بالنصح والحكمة و الحياة وما بعدها:
ورقة بن نوفل:
وقلت لهم★★★★أنا النذير فال يغروكم أح ُد ُ ألقوام
ٍ ُ
نصحت َلقد
︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰
زهير بن أبي سلمى:
ب َأو ي َُعجَّ ل َفيُن َق ِم ب َف ُي َّد َخر★★★لِ َي ِ
وم الحِسا ِ يوضع في كِتا ٍُيَؤ َّخر َف َ
︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰
أمية بن أبي الصلت:
ت به حدائقُها يقان فائ ٌز دخل ال ★★★ج ّنة ح ّف ْ هما َط ِر ِ
يطان َيش َقى ِب َها مُرافقُها
ِ وفرقة في الجحيم مع فرق الشّ ...
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
ب) عصر صدر االسالم:
و بمجيء اإلسالم تعددت المفاهيم السابقة للزهد إذ منحه أشكاال تتالئم مع تعاليمه الجديدة حيث شاعت
لفظة الزاهد بخالف العصر الجاهلي الذي شاعت فيه لفظتي الديان والرباني ،ظهرت طالئعه األولى
حينما سئل النبي صلى هللا عليه وسلم ما الزهد في الدنيا؟ و يدل هذا على أن الزهد كان له وجود ديني
معين و له أبعاد ودالالت تتجاوز المعنى االستعمالي للفظة ،إذ تشير إلى أن الرسول قد أذن بوالدة هذه
الحركة ومن طرف ثان يشير إلى جعل بعض المسلمين بماهية الزهد ،كما ساهمت عوامل أخرى على
2
نشأته ومن بينها الفشل في الحياة ،الفقر ،نفسية الزاهد ،الورع الشديد للتفكير فيما بعد الموت من حساب
وعقاب وهذا ما أشار إليه األستاذ أحمد أمين":كان هناك في مبدأ اإلسالم بعض الناس يميلون إلى الزهد
إما ألنهم فشلوا في الحياة تزهدوا وإما ألنهم لم يجدوا ما يفتنون به فتزهدوا وإما ألن إحساسهم رقيق و
مأل الخوف من النار نفوسهم وخافوا أن يحاسبوا يوم القيامة حسابا عسيراً على مالهم ونعمهم" ،وقد
استمد الزهد في هذا العصر من مصدرين أال وهما القرآن و السنة النبوية ،ولعل أهم الموضوعات التي
واكبت هذه الفترة منها:
_1الدعوة إلى الزهد في الدنيا وزينتها ألنها ليست بدار البقاء والخلود بل هي زائلة.
_2التوبة واالستغفار السيما عند الشعراء الذين قضوا شطرا من حياتهم في اللهو والمجون.
_ 3االعتماد على هللا والقناعة بما قسمه هللا للعباد.
_4التذكير بالموت واآلخرة.
_5وعظ الناس ودفعهم إلى التحلي واالهتمام بأمور الدنيا وتنبيههم في أخطائهم مع التأكيد على االمتثال
بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ،والسير على النهج الذي سار عليه الصحابة والتابعين.
وقد انتشر في أرجاء الدولة اإلسالمية عدد كبير من الوعاظ والزهاد الذين ال يفترون عن الدعوة إلى
الزهد ،واالبتعاد عن ملذات الدنيا ومتاعها كعروة بن زيد الخيل ،علي بن أبي طالب ،كعب بن زهير
وغيرهم وبهذا سنذكر القليل من أشعارهم:
عروة بن زيد الخيل :نجد شعره يموج بصور الجهاد ،والدعوة إلى طلب الشهادة مع استصغار الحياة ،و
االستهانة بما فيها ومن بين أبياته ما يلي :
وكم كربة فرحتها وكريهة ★★★شددت لها أزري إلى أن تجلت
وقد أضحت الدنيا لدي ذميمة ★★وسليت عنها النفس حتى تسليت
وأصبح همي في الجهاد ونيتي★★فلله نفس أدبرت وتولت
︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰
علي بن أبي طالب :جاء في ديوانه رضي هللا عنه معنى الزهد واضحا جليا حتى قبل أن أحدا لم يقدم
تفسيرا للزهد كما فعل هو :
ك ما فيها السال َم َة فيها َتر ُ ال َنفسُ َتبكي َعلى ال ُدنيا َو َقد َعلِ َمت★★ِإنَّ َ
كان َقب َل ال َمو ِ
ت بانيها ت َيس ُك ُنها★★★ِإاّل الَّتي َ دار لِل َمر ِء َبعدَ ال َمو ِ
ال َ
︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰
كعب بن زهير :وله أشعار يظهر فيها الزهد جليا منها هذه األبيات التي سنتطرق إليها والتي كان
يخاطب فيها امرأته بأسلوب ينم عن قناعة ورضا وتوكل ،ال تصدر إال عن إيمان عميق وزهد صادق إذ
يقول:
ش ٌّح َوال َش َف ُق حب ُس ُه ُ َأع َل ُم َأ ّني َمتى ما َيأتِني َقدَ ري★★★ َف َل َ
يس َي ِ
نسح ُِق ُ
َوال َمر ُء َوالما ُل َينمي ثم يُذ ِه ُبهُ★★★ َمرُّ ال ُد ِ
هور ويُفني ِه ف َي َ
استطاع هؤالء الشعراء النجاح في تمثيل مبادئ الزهد اإلسالمي وإيصال األحاسيس المتعلقة بهول يوم
القيامة واإلعداد له.
وتتجلى خصائص و مميزات شعر الزهد في عصر صدر اإلسالم ب :
_ بسهولة مفرداته عالوة على وضوح معانيه .
_ استخدام الشعراء بكثرة أسلوب اإلقناع سواء بالحجة أو بالدليل من أجل تحقيق أهدافه.
_ ظهور النزعة الدينية التي تميل إلى التشدد بشكل واضح،وصرح به.
3
_ بناء القصيدة كان بناء مقنعا يخاطب العقل من خالل إبراز محدودية الزمن و بيان جمال الدنيا الفانية
وما تحمله من أخطاء.
_ ال يمكن التماس فروقات من الناحية الفنية في الشعر الزهديين العصر العصر الجاهلي و عصر صدر
اإلسالم المواكبة معظم هاتين الفترتين.
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
ج) العصر األموي:
لقد وجد الشعر الزهدي أرضه الخصبة في العصر األموي الذي انفرط فيه عقد الفتن و توالى سقوطها
على األمة اإلسالمية ،ابتداء من مأساة كربالء ومقتل الحسين ابن علي رضي هللا عنه ،وجاء وراء هذا
الحدث الكثير من الثورات التي كان لها أثر في نهوض فن الزهد ،ولقد شهد في هذه الفترة تطورا و
ازدهارا ملحوظا وذلك راجع الهتمام والة األمر باألدب والحث عليه و بذل و نشأته كانت قائمة على
عدة عوامل مست جوانب مختلفة:
أ/الديني :كان القرآن والسنة مصدر الزهد لدى الصحابة لمعاصرتهم الرسول صلى هللا عليه و سلم
ثم احتذ التابعون بهم.
ب /السياسي :عجت الفترة األموية بالعديد من األحداث السياسية التي ساعدت في انتشار الزهد و ترك
ملذات الحياة ،ومن أبرز هذه األحداث مصرع عثمان ،حيث نشبت المعارك بينهم مما دفع الناس
للعزوف عن ملذات الحياة ويتوجهون إلى العبادة وطلب رضا هللا عز وجل.
ج/التاريخية (الحضارات السابقة) :يرى العلماء أن ظهور الزهد عند العرب جاء بسبب احتكاكهم
وتأثرهم بالحضارات السابقة.
_ تركزت موضوعات شعر الزهد في العصر األموي على:
● إهمال الدنيا الفانية وتحقيرها .
●االعتماد على هللا في تسيير شؤون الحياة.
●التذكير بيوم الساعة واآلخرة.
●أخذ العبرة من األقوام القدامى.
من أشهر شعراء هذا العصر:
سابق البربري :عرف بالوعظ واإلرشاد و من أشعاره في ذلك:
الح َذ ُر
كنت َتعــ َل ُم ما تأتي وما َت َـذر★★★ َف ُكن على َحذر قد َين َف ُع َ إن َ
وارض به ★★وإن أتاك ِب َما ال َتش َت ِهي ال َقدَ ُر َ واصبر على ال َقدَ ِر ال َمجلُو ِ
ب ِ
َ
ص َفوه كدَ ُر المرٍئ َعيشٌ ي َُسرُّ به ★★★★إال سيت َب ُع يوما َ ِ صفا َفما َ
︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰
عروة أذينة :و من أبياته:
★★★وجا َء ِبحُزن َِي ال َلي ُل ال َبهي ُم َ رقت َفما َأنا ُم َوال ُأني ُم َأ ُ
فار َقني ِب ِه ال َلطِ فُ َ
الحمي ُم ُكني★★و َ
َ َوَأص َب َح عا ِم ٌر َقد َه َّد ر
︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰︎〰
أبو األسود الدؤلي :ومن أبياته:
خش سِ رّ اً ُم َم َّنعا
َ َأ عض َمن َلم يت َيوما ً َفخا َنني★★ِإلى َب ِ َل َعمري َل َقد َأف َش ُ
يت مِن ُه َفَأس َمعا ٌ★★★ونادى ِبما َأخ َف ُ َ هو غا ِفل العما َو َ زق َ َف َم َّز َق ُه َم َ
ُسرعا ً كان م ِ ★★★و َقد َيعث ُر الساعي ِإذا َ َ فحش َلعا ً َل َك عاليا ً لت َو َلم َأ َ َفقُ ُ
4
و لقد تميز شعر الزهد في العصر األموي بخصائص تميزه عن العصور السابقة و من بينها:
_ لغته كانت سهلة و بسيطة بعيدة كل البعد عن االفحاش واألغراب.
_ تميزت القصيدة الزهدية آنذاك بأسلوبها الخطابي الوعظي ومدى تأثيرها على عقول الناس و نفوسهم.
_ تنوعت األنواع الشعرية في هذه الفترة و أصبحت مواكبة لمجريات الحياة.
_اُعتبر الشعر الزهدي األموي حلقة وصل بين السابق والالحق و ذلك من خالل تأثر الشعراء األمويين
بشعر الزهد عند الجاهليين و صدر اإلسالم و قد أثروا بدورهم على شعر العصور الالحقة.
_ لقد كانت آليات القرآن الكريم بألفاظها ومعانيها حضور بارز في أشعار الزهد ،إذ ترددت معاني
القرآن على ألسنة شعراء الزهد ،لذلك نستطيع القول أن شعر الزهد في تلك الحقبة في معظمه كان
أصداء لمجيء اإلسالم.
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
د/العصر العباسي:
لقد عرفنا في دراستنا السابقة أن نزعة الزهد قديمة قدم اإلنسان نفسه ،فقد وجدت في العصور السابقة
فلم تعد مجرد ميل فطري إلى الزهادة و تقوى هللا ،أو حالة من حاالت اإليمان يصورها الشاعر ،بل
أصبح فكرة يعتنقها ،و تتغلغل في نفسه و قلبه ،و يتلبس بها شعره ،وال يكاد يصور سواها من المشاعر
واألحاسيس أو من الصور التي يقع فيها بصره ،شهد العصرالعباسي تطورا ملحوظا في الشعر الزهدي
و ذلك بفضل ازدهار الحياة الروحية من خالل تقبل األفكار الطارئة من الخارج أكثر مما كانت عليه في
القرن األول و نتج عن ذلك اِستقالل الحياة الروحية عن الحياة العامة ،و قد تظافرت في هذه الفترة
مجموعة من العوامل السياسية ،االِجتماعية ،والفكرية المختلفة:
ওالعوامل السياسية :الصراع السياسي الذي شهدته هذه الحقبة،حيث كان العباسيون مقتنعين بأحقيتهم
للخالفة فلم يتهاونو يوما في محاولة الحصول عليها ،و لكن كانت محاوالتهم في الخفاء حتى ال يحدث
لهم ما حدث للعلويين من قبلهم من قتل و إراقة للدماء ،لذلك قام العباسيون و أطلقوا من خراسان و
نجحوا في إشعال الفتنة بين كل من اليمانية والمضرية لمصلحة العباسيين ،و بدأت حواضر خراسان
بالسقوط و كثرت االِستنجادات باألمويين ،إال أن ملكهم كان منهمكا في حروب الخوارج حتى الحقه
العباسيون في البصير ،وقيل أنهم دخلوا على أفراد البيت األموي و فتكوا بهم ،و كانت هذه األحداث
والصراعات المتتالية لها أثر واضح ،و جلي على نفوس الشعراء و بهذا ظهرت مذاهب جديدة .
ওالعوامل اإلجتماعية:و قد وقف مع هذا العامل عامل آخر وهو الترف الذي بانت آثاره في كل شيء ،و
الذي خلق طبقة فقيرة عانت الصراع وذاقت طع الويالت مما دفع الكثيرين منها إلى الزهد بالقليل
واالِتجاه إلى االِعتزال و العبادة و التبتل ،و هناك أصناف وأشكال مختلفة في هذا العامل ترتبط معه ،و
هي :البذخ و خاصة في الحكام و أسرهم ،السير وراء مشاغل الدنيا ،اِنتشار السرقات و الخمر،البيع و
الشراء بالفساد ،و أمور كثيرة سيئة ال يسع الوقت لذكرها.
ওالعوامل الفكرية و الثقافية :كان للعامل الفكري دور هام في اشتداد عود الزهد في العصر العباسي
وذلك راجع لعدد من األسباب وهي:
_ التقاء الحواضر االسالمية بشتى الثقافات العريقة منها :الهندية واليونانية والفارسية ،وقاموا باألخذ من
علومهم وآثارهم واالقتباس منهم ،.أدى هذا تمازج الى اعتناق بعض العرب بعض من معتقدات الفرس.
_ تطور علم الكالم ،والفلسفة وظهور المعتزلة.
_ ظهور حركات الترجمة والنقل.
_ تشجيع العلماء والنابغين.
5
وكنتيجة حتمية لهذه النهضة الفكرية أثير جدل وتباين اآلراء حولها ،فلم يكن المجتمع العباسي كله
راضي عن هذه اآلراء والحركات الدينية والفكرية ،فقد كان المؤيدون لهذه الحركة يستمدون المعرفة
من تلك الكتب و الحركات واعتمدوا عليها في زهدهم و كانت حجتهم أنها ال تتعارض مع الزهد
اإلسالمي ،أما المناهضين لها لم يروا أبدا إال أن يكفوا أيديهم عنها و يعتزلوا هذا المجتمع المتالطم
فوجدوا في زهد بختهم.
߷ شعر الزهد وعالقته بالموضوعات الشعرية األخرى :
.1شعر الزهد والمديح :احتل المديح مكانة مرموقة لدى الشعراء في العصر العباسي ،واختلف المديح
حسب أغراض وخصائص الشاعر ،فمنهم من كانت وجهته سياسية كالمتنبي ومنهم من كانت وجهته
حربية كأبي فراس الحمداني ،والصنوبري ويعتبر من الشعراء الذين ثرى في شعرهم الزهد مثل ما
تبين في البيتين الذين قالهما لممدوحه الذي جعله قريبا في تقواه وصالحه وشبهه بشهر رمضان الكريم
والفريد من نوعه بين األشهر وتميزه كما تتميز ليلة القدر في شهر رمضان حيث قال:
نلت في ذا الصيام ما ترتجيه★★★ووقاك اإلله ما تتقيه َ
أنت في الناس مث ُل ذا الشهر في★★األشهر بل مثل ليلة المقدر فيه
رغم التطور الذي حظيت به الدولة العباسية ،لم ينقطع اهتمام شعرائها بالنظم في الموضوعات القديمة
وباألخص المدح ،ولكنهم زادوا في معاني هذا المديح وصوره بما يتالءم مع الحضارة العباسية والحياة
االجتماعية الجديدة ومواسم الخالفة والملك واعياد البالط ومناسبات الحرب والسلم ونجد في مدائنهم
األحداث السياسية التي وقعت في عصورهم من الفتن والثورات والحروب الداخلية والخارجية على
شكل وثائق تاريخية مهمة ،وأطلق على هذا النوع من الشعر شعر الحرب ،وقد كان أبو تمام أبرز
أولئك الشعراء ،حيث أبدى وأعاد في المدح وسلك فيه طريق يختلف عما كان يسلكه الجاهليون
واإلسالميون ومن أشعاره التي يصف فيها حروب المعتصم بصور رائعة متحركة أمام عيون القراء
لشعره يقول من قصيدة يمدح فيها المعتصم :
ذب ال َمناه ِِل
وض َع َ الر ِ ناز ِل ★★ ُم َنوِّ َر َوحفِ َ عمور الحِمى َوال َم ِ َ ك َم َغدا المُل ُ
صما ً حِرزاً لِ ُك ِّل م ِ
ُواِئل ★★★ومُع َت َ
َ ًأ ِبمُع َتصِ ٍم ِباهَلل ِ َأص َب َح َم َ
لج
★ في هذه األبيات يشير أبو تمام إلى صفة مهمة من صفات القائد ،هي كونه أول من يدخل ميدان
الحرب حيث يقول أن المعتصم هو ملجأ لكل محتاج إليه ألنه ال يخاف الموت 22 22في الميادين
ومقدام في الحروب.
★وقد مدح المعتصم في فتح عمورية ،حيث استهل كالمه بالحديث عن السيف والتنجيم ألن المعتصم قد
حذره المنجمون من فتح عمورية في ذلك الوقت ولكنه لم يستمع إليهم وكان النصر والفتح حينها
بالسيف ،وهذا في قوله:
ين ال ِج ِّد َوال َل ِع ِ
ب ب ★★★في َح ِّد ِه َ
الح ُّد َب َ السيفُ َأصدَ ُق َأنبا ًء م َِن ال ُك ُت ِ َ
ب
الر َي ِك َو ِ الصحاِئفِ في★مُتون ِِهنَّ َجال ُء ال َش ِّ فاِئح ال سو ُد َ الص ِ َ بيضُ
ش ُه ِ
ب بع ِة ال ُ
الس َين ال في َ ين َ رماح الم َِع ًة★★★ َب َ َأل َوالعِل ُم في ُ
ش ُه ِ
ميس ِالخ َ ِ با
. 2الزهد والفخر :بقي فن الفخر بارزا في القرن الرابع الهجري وتخصص فيه عدد من الشعراء ،وهو
الفن الذي يقوم فيه الشاعر عادة باإلشارة بفضائله وفضائل قومه ،والتغني بمكارمه ،ومكارم القبيلة التي
ينتمي إليها وذكر مواقفها وأيامها ،وقد جاءت موضوعات الفخر على ثالثة أشكال فهناك من افتخر
باألخالق الحميدة وهنالك من افتخر بانتسابه لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم وكذلك من افتخر بنصرتهم
لدين هللا والجهاد في سبيله ،ونذكر من بين هؤالء الشعراء الشريف الرضى فقد افتخر دون ادعاء
6
-2غلبة الفلسفة التشاؤمية فاعتزل الناس وحرم على نفسه الطيبات ،كقوله :
الناس َوعِ ش واحِداً ★★★ال َتظل ِِم ال َقو َم َوال ُتظ َل ِم َ بِإج َت ِن ِ
- 3نقد الحياة االجتماعية السائدة في عصره من الجهل و الغفلة والتقليد ،كما في قوله:
ُ★★★ح ّتى َل َظ ّنوا َعجوزاً َتحلُبُ ال َق َمرا َ صدَ َّق الناسُ ما اَأللبابُ ُتبطِ لُه َقد َ
ضياف َأو ُغ َمرا غيث ب ِه اَأل
َ َأنا َق ٌة ه َُو َأم شاةٌ َف َيم َن َحها★★★ ُع ّسا ً َت ُ ِ
߷موضوعات شعر الزهد في العصر العباسي :
)1الحب اإللهي كقول الجارية ريحانة :
باب ِه َمطرُو ُح ِب ِب ِ ب بعل ِم ِه ★★★ أنّ ال ُمح َْ الحبي ِ
ِ َحسْ ب ِمنْ
فإذا تقلب في الدنيا ففؤاده ★★★ ِب ِسهام َل ْو َعات الهوى مجرُو ُح
)2الدعوة إلى مخالفة النفس و التحكم بها كقول أبي نواس:
ص ُع ْ َبت يومًا عليك فهوِّ نهْ ت صعوب ُة ★★ َفإنْ َ و لل َّن ْفس دون العارفا ِ
س طي ُر َي ْن َتفِضْ َن ِإلى ال َهوى★★ بأجنح ِة تهوي ِإلي ِه َف َس َّكنِها و لل َّن ْف ِ
)3الحث على الفضيلة و الكف عن الشهوات الدنيا ومطامعها كقول الشافعي:
ُصب ُح في ُدنياهُ َس ّفارا يا َمن يُعان ُِق ُدنيا ال َبقا َء َلها★★★يُمسي َوي ِ
وس َأبكارا ★★★ح ّتى ُتعان َِق في الفِردَ ِ َ كت لِذي ال ُدنيا مُعا َن َق ًة َهاّل َت َر َ
)4ذكر الموت و االستعداد لما بعده كقول أبي العتاهية :
ت ك ُّل دَ وا ِء ت عن ُك ِّل حيلة ٍ★★و َيعْ َيا بدا ِء ال َم ْو ِ يع ُِّز دفا ُع المو ِ
߷أقسام الزهد و مراتبه:
للزهد أقسام و منها ما عددها بن القيم و تتمثل فيما يلي:
_ زهد في الحرام وهو فرض عين
_ الزهد في التشبيهات وهو بحسب مراتب الشبهة فإن قويت التحق بالواجب و إن ضعفت كان مستحبا
_ الزهد في الفضول وهو زهد فيما ال يعني من الكالم و النظر والسؤال واللقاء وزهد في الناس وزهد
في النفس بحيث تهون عليه نفسه في هللا
_ وزهد جامع لذلك كله وهو زهد فيما سوى هللا وكل ما يشغلك عنه و أفضل الزهد
_ إخفاء الزهد وأصعبه في الحظوظ
߷شعراء الزهد و اتجاهاتهم:
عرف العصر العباسي مجموعة من الشعراء الزهاد ومن بينهم "عدى بن زيد" الذي يتحدث في
مجموعته الشعرية عن الدنيا و قناعتها ،و النعيم و زواله و عصف الدهر بالناس جيال بعد جيل كأنه
يريد أن يدعو إلى عدم التعلق بمتاع الدنيا الزائل يقول:
رن َزوال ف َع َلى َق ِ فسهُ★★★َأ َّن ُه مُو ٍ َمن َرأنا في َُح ِّدث َن َ
ص ُّم ال ِجبال هر ال َيب َقى َلها★★ولِ َما َتأتي ب ِه ُ و ُخطوبُ ال َّد ِ
الزالل خمر ِبالما ِء ُّ ُون ا َل َ شرب َ ب َقد َأ َنا ُخوا عِ ندَ نا★★ َي َ رُبَّ َرك ٍ
خيل َتردي في ال ِجالل اق ا َل ِ باريق َع َليها فُ ُد ٌم ★ ★★وعِ َت ُ ُ واَأل
𖣲و نذكر أيضا" أبو فارس الحمداني " الذي ذكر أبيات تتحدث عن االستسالم لقضاء هللا وقدره الذي ال
يستطيع أي إنسان الهروب منه في قوله :
هو كاسِ بُ ؟ هو واق ٌع ★★★ َو َه ْل َيعْ َل ُم اإلنسانُ ما َ ه ْل يدف ُع اإلنسانُ ما َ
الخلق هاربُ ؟
ِ الخلق غالبٌ ★★★ وه ْل لقضا ِء ِ
هللا في ِ هللا فيو ه ْل لقضا ِء ِ
8
حيث تناول في هذه األبيات موضوع الزهد من خالل التساؤالت التي توحي بأنه يستنكر على اإلنسان
أن يدفع ماهو مكتوب له ،ألنه واقع ال محالة و إن قضاء هللا ال يرد .
𖣲أما " الشريف الرضي" فيذكر الناس بالموت و أن الحياة عبارة عن رحلة قصيرة و يجب اإلعتبار و
االستعداد لهذه اللحظة قائال:
قل الهوامل في الدنيا ما بالكم★★★كالنا تميت و أنتم أيقاظا
أين المقاول و الجبابر قبلكم★★★★فاضوا على علل الزمان و فاضوا
𖣲تقول "رابعة العدوية ":
ـوى★★و ُحبْــا ً أل َن َك أهْ ـل لـ َِذاك ُب ال َه ٰ ْن ح َ ُك ُح َبي ِ أ ِحب َ
ش ْغلِى بذ ِْك ِر َك َع َمنْ سـِواكْ وى★★ َف ُ فأما الذي ه َُو حُبُ ال َه ٰ
تى أراكْ أرى ال َك ْو ِن َح ٰ ت ٰ ت أه ٌل َلهُ★★ َف َلسْ ُ وأمّـا الذي أ ْن َ
الحمْ ُد فِى ذا وذاك لك َ ذاك لي★★ولكنْ َ الحمْ ُد فى ذا وال َ فال َ
من خالل هذه األبيات يتبين لنا العالقة الخاصة بين العبد و خالقه و تؤكد على مدى حبها وتعلقها بخالقها
بعد ما كانت تعيش حياة اللهو و المجون.
𖣲و أيضا "أبو نواس " كان من الشعراء الذين نظموا شعرا في الزهد بٱواخر حياته قائال:
ذاب َك َأس َتجي ُر فو َك مِن َع ِ ★★ب َع ِِ يس لي مِن ُه مُجي ُر َأيا َمن َل َ
الغفو ُرالس ِّي ُد ال َمولى َ نت َ ★★وَأ َ َ العب ُد ال ُمقِرُّ ِب ُك ِّل َذن ٍ
ب َأنا َ
نت ِب ِه َجدي ُر ِعلي★★وِإن َتغفِر َفَأ َ َ َفِإن َع َّذب َتني َف ِبسو ِء ف
ِنك المُس َتجي يك َيفِرُّ م َين ِإاّل ★★★ِإ َل َ ِنك َوَأ َيك م َ َأفِرُّ ِإ َل َ
أبو نواس يدعو إلى طلب المغفرة من هللا عز وجل وهو في لحظات حياته األخيرة من كل ذنب اقترفه
︎⚜" أبو العتاهية" و كانت مواضيع شعره في ذكر الموت و أنها مٱل بني ٱدم من بينها:
دار َفنا ِء ت َ دار ال َمو ِ فاك ِب ِدار َبقا ِء★★ َك َ ُك ما ال ُدنيا ِب ِ َل َعمر َ
َفال َتع َش ِق ال ُدنيا ُأ َخيَّ َفِإ َّنما★★ َترى عاشِ َق ال ُدنيا ِبجُه ِد َبال ِء
مزوج ٌة ِب َعنا ِء
َ راح ُتها َم
ٍ★★و َ َ رارة مزوج ٌة ِب َم َ
َ الو ُتها َمَح َ
ِقت َوما ِء طين ُخل َ ٍ ب َمخي َلةٍ★ َفِإ َّن َك مِن مش َيوما ً في ثِيا ِ َفال َت ِ
߷خصائص الزهد في العصر العباسي:
_ تنوعت مواضيع الزهد وتعددت وكان الموت أكثر المواضيع التي تناولها الشاعر لما يحمله من
تخويف وجزر
_ اللغة السهلة والواضحة.
_ استخدام التعجب والتكرار والنداء واالستفهام.
_؛تتسم بسهولة الحفظ و بلغة التأثير ،وباستخدام أسلوب الخطاب المباشر.
_ غلب عليه أسلوب الوعظ واإلرشاد و النصح.
_ كثرة األبيات.
_ االهتمام ببنية القصيدة حتى آخرها.
_ استخدام األوزان الشعرية والبحور المتعددة.
_ استخدام الصور الفنية البسيطة
_ قام شعراء الزهد بالخروج عن األوزان التقليدية الشعرية و قواعد العروض ،و ذلك من خالل ابتكار
أوزان جديدة ،و يذكر أن أبا العتاهية كان من أول الشعراء الذين كسروا قواعد القافية التقليدية.
9
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
ه)عصر الضعف و االنحطاط:
ساد عند العرب في عصر الضعف حالة من اليأس و اإلحباط ،و ذلك لتوجه الناس إلى الترف
والمجون و كان إبعادهم يعد سمة من سمات هذا العصر ،و يدعى بهذه التسمية ألنه شهد االنحطاط في
كافة جوانب الحياة ومن بينها األدب و بالخصوص الشعر أو بما هو معروف ٱنذاك الشعر الزهدي و
ازدهر هذا النوع في هذه الفترة ألسباب عديدة منها ذاتية و تتعلق بالفقر و الحاجة التي يعاني منها
بعض الشعراء الذين لجؤا إلى الزهد ليس لقناعتهم ولكن هروبا من واقعهم المؤلم أو لقوة الوازع الديني
عند البعض اٱلخر رغبة في اإلصالح أما الموضوعية فترتبط باللهو و المجون و الزندقة فشعر الزهد
كان ردا قويا على التيار الذي اجتاح بالد المشرق في تلك الحقبة من تاريخنا اإلسالمي ،و يقصد بالزهد
في عصر الضعف الدعوة الصريحة للشعراء بترك الكتابة عن ملذات الحياة و االتجاه إلى الكتابة عن
المديح النبوي ،ووصف الغزوات و شعر الحكمة والرثاء ،حيث اقتصر الشعر حينها على بعض
الموضوعات منها:
_ النفور من الدنيا و االبتعاد عن ملذاتها و العمل على اٱلخرة
_ ذكر الموت و الفناء و التذكير باٱلخرة
_ الدعوة لعبادة هللا و التحذير من الوقوع بالمعاصي و الذنوب
_ الدعوة إلى اإلصالح و الميل إلى الزهد و الورع في الدنيا
߷شعرائه :
خالل هذا العصر برز شعراء يعود لهم الفضل في تمثيل هذه الحقبة و نذكر منهم :
ابن العربي :وهو واحد من أشهر الشعراء في عصر الضعف و لعل أهم قصائده :
عقيب الخريفِ ★★وجاء الربي ُع يليه المصيفُ َ الشتا ُء
ودار الزمانُ بأبنائه★★★فمن دوره كان دو ُر الرغيف
سرى في الجسوم بأحكامه★★★تغذى اللطيف به والكثيف
عجبت لهم جهلوا قدرهم★★★ويسعى القويُّ له والضعيف ُ
البوصيري :و تعد أبرز أبياته في المدح النبوي ما يلي :
كيف تر َقى ُر ِقيَّك اَألنبياءُ★★يا سما ًء ما َ
طاو َل ْتها سما ُء
وسنا ُءُالك َو َق ْد حا★ َل سنا ً مِنك دو َنهم َ
َل ْم يُساوُ وك في ع َ
إ ّنما َم َّثلُوا صِ فاتِك للنا★★★س كما َّ
مث َل النجو َم الما ُء
ضوِئك اَألضوا ُء َ فضل فما َتص★ ُد ُر إال عن ٍ أنت مِصبا ُح ك ِّلَ
ابن نباتة :وكان له قصائد متميزة بحق الزهد والمديح النبوي ونذكر من بينها هذه األبيات:
يا من له في طريق زهد★★★حال وفي المشكالت كشف
قل لي ما مبهم جلي و فيه★★وفيه للواصفين خلف
يع ّد حرفان حين يملى★★★بغير ش ّد وقيل حرف
وهو كما قد ترى خفيف★★وفيه لطف وفيه ظرف
߷خصائص غرض الزهد في عصر الضعف و االنحطاط:
أ)~على مستوى االفكار :الدعوة الى االستقامة.
*الدعوة الى ترك ملذات الدنيا والتذكير باآلخرة والموت.
*التأمل في الحياة والموت.
10
و قد كان لهذه العوامل مجتمعة الدور الزائد ،و األثر القوي على نفوس الزهاد األمر الذي ترك أثرا
واضحا في شعرهم ،الذي يعد مرٱة صادقة لما يختلج في نفوسهم ،و يدور في خلدهم من رؤى و أفكار
߷مصادر الزهد في العصر األندلسي:
تعددت مصادر شعر الزهد في هذا العصر فقد اتجه الشعراء نحو:
أوال :القرآن الكريم:
أ-/ألفاظ قرآنية:
واأللفاظ التي أختارها القـرآن الكـريم تتميز بالدقـة في الوضـع و االختيـار ...وتشع بالحياة ،ألنها
مصورة و ناطقة و معبرة وموحية ،ومن شأن هذه األلفاظ الـتي تتميز بهذه الصفات أن تكسب الكالم
الذي يتضمنها جالء؛ وبهاء ،وفخامة ،ولقــد بــرزت الكــثير مــن ألفاظ القــرآن الكــريم في شــعر
الزهـد لــدى بعــض الشــعراء األندلسيين ،وفي ذلـك داللـة علـى اِتسـاع ثقافتـهم الدينيـة و مـدى
مقـدرتهم علـى توظيـف اللفظة القرآنية في األبيات الشعرية.
من هذه األلفاظ "األيكة" وهي«الشجر الملتف الكبير»؛ يقول اِبن عبد ربه:
ضرَّ ِم ْن َها َجا ِنبٌ َجفَّ َجانبُ اخ َ ارةُ َأيْكةٍ★★★إذا ْ ض َ َأال إ َّنما ال ُّدنيا َن َ
وقد جاءت هذه اللفظة في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى «:وأصحاب األيكة من
الظالمين» سورة المؤمنون .32
ب -/معان قرآنية:
و من المعاني القرآنية التي تأثر بهـا هـؤالء الشـعراء واقتبسـوا منـها في أبيـاتهم،مـا يتعلق بالموت
والفناء ،والحساب والجزاء ،والقضاء والقدر ،إالأن المعنـى الـذي أكثروا مـنه هو ما يتعلق بالموت.
يقول األمير عبد هللا بن محمد:
يلهبك األ َم ْل
َ يا َمن يراوغ ُه األجلْ***حتى ما
َأْل ْأ
تعـالى«:ذرْ ُه ْم َي ُكلُوا َو َي َت َم َّتعُوا َوي ُْل ِه ِه ُم ا َم ُل ۖ
َ وفي هذا البيت معنى مقتبس من القرآن الكـريم في قولـه
ف يعْ َلمُون» سورة الحجر اآلية 3 َف َس ْو َ
ج-/القصص القرآني:
وقد عمد الشاعراألندلسـي إلى التلمـيح إلى مثـل هـذه القصـص في بعـض أشـعاره إال أن الذي اشتهر
بذلك في هذه المرحلة هو ابن عبد ربه الذي يقول وهو يتطلع للمزيد من المكـارم والرغبات و بهدف
االتعاظ واالعتبار بحالهم.
يقول ابن عبد ربه:
ض ِر ْب ِه الب َُخال ُءت مِنْ َ ولو أنَّ موسى جا َء يضربُ بالعصا★★★ل َما ا ْن َب َج َس ْ
األكرمين بقا ُء
َ َ
موت موت عليه ُم ★★★★★كما أنَّ ٌ الناس
ِ بقا ُء ِ
لئام
ُوس ٰى ِإ ِذ اسْ َتسْ َقاهُ تعالى«:وَأ ْو َح ْي َنا ِإ َل ٰى م َ
َ وقد ذكر القرآن الكريم هذه القصة في سورة الشعراء حيث يقول
األعراف اٱلية ()160 ۖ ت ِم ْن ُه ْاث َن َتا َع ْش َر َة َع ْي ًنا » سورة اك ْال َح َج َر ۖ َفان َب َج َس ْ
ص ََق ْو ُم ُه َأ ِن اضْ ِرب ب َِّع َ
ثانيا :الحديث الشريف:اهتم األندلسيون بجانب دراستهم للقرآن الكريم بدراسة الحديث النبوي الشريف
فال يشب الولد فيهم إال وقد فقه هذا العلم وبرع فيه ،وثقافة األندلس انعكست وبال شك على شعره فظهر
تأثره بالحديث النبوي الشريف كما تأثر بالقرآن الكريم فما سبق ،والدليل على ذلك:
أ -/صياغة بعض الشعراء أبياتهم مقتبسين من الحديث الشريف:
فهذا ابن عبد ربه يقول:
12
جري َم َع اأَل ن َف ِ
اس ★★★و َمحب ٌَّة َت ِ
َ الح َيا ِء َسكِي َن ٌة
َوج ٌه َعلي ِه م َِن َ
َو َإذا َأ َحبَّ هللاُ َيوما ً َعبدَ هُ★★★★★َأل َقى َعلي ِه َم َحب ًَّة في ال َّن ِ
اس
ب - /استخدام أحاديث النبي عليه الصالة والسالم:
ورا َء َوس ََّع هللاُ َع َل ْي ِه َس َ
اِئر َس َن ِتهِ» ش َ نجد حديث يوم عاشوراء« َمنْ َوس ََّع َع َلى َأهْ لِ ِه َي ْو َم َعا ُ
فقد كتب عبد الملك بن حبيب أبيات في ذلك:
ال تنس ال ينسيك الرحمان عاشوراء ★★★★واذكره لزلت في األحياء مذكورا
قــال رســول صــالة هللا تــشـمـله★★★★★قـوال وجـدنـا عـلـيـه الحـق والنورا
قبره و َتولَّى
ج- /استعمال معاني الحديث :عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال «:إنَّ العبدَ إذا وُ ضِ َع في ِ
عنه أصحابُه وإنه ل َيسم ُع َقرْ َع نعالِهم » ،ضمن الغزالي هذا المعنى في أبياته التي تقول:
ظ ِر إليّ َإذا ْأد ِرجْ ت في اللِّحْ د ت في َك َفنِي ★★★وا ْن ُ أدرجْ ُ انظ ُر إليّ إذا ِ
وأقعد قليالً وعاينْ َمنْ ُيقِيم معي★★★ممن يُش َي ُع َنعْ شي من َذ ِوي وُ ِّدي ْ
ثالثا :مصادر قديمة:
تزخر هذه المصادر والمتمثلة في كل ما ورد عن القدماء من أقوال أو أشعار أو أمثال بالكثير مما
استقى منها األندلسي مادتهم الشعرية وتنقسم هذه المصادر إلى ثالثة أقسام:
أ /أقوال النساك والزهاد:اعتمد بعض الشعراء األندلسيين على أقوال بعض الصالحين في نظمهم الشعر
وفي مقدمة هؤالء الشعراء ابن عبد ربه الذي أكثر من ذلك في عقده من ذلك قوله :
أنظر إلى باطن ال ُّدنيا ،فظاهرها★★★كل البهام يجري طرفها
و قد ذكر هذا المعنى الذي استقى منه هذا البيت في عقده حيث يقول" :وإ ّنما َر َّكب هللا العق َل في اإلنسان
الكثير بالقليل".َ الحيوان ليستد َل بالظاهر على الباطن ،و َي ْفهم دون سائر َ
ويبدو أن كال المعنيين قائم على النظر والتأمل في الدنيا وباطنها الذي يؤدي باإلنسان إلى الزهد فيها،
وكأنه ربط عدم الزهد في الدنيا بقلة العقل الذي ميز هللا به اإلنسان عن الحيوان ،و من تأثره بأقوال
السابقين ما ذكره في عقده من قول منسوب لبعض الحكماء " وقالوا :األيام مزارع فما زرعت فيها
حصدته" ،فقد نظم ذلك شعرا في قوله :
إنَّ الحياة مزارع★★★فازرع ما شئت تحصد
لقد تناول الشاعر األندلسي الشعر العربي القديم مضمنا في شعره بيتا ،أو شطر كنوع من االستشهاد ،أو
مستلهما معنى البعض منها في تكوين أبياته ،وكان ابن عبد ربه من أكثر الشعراء الذين استشهدوا
بأبيات الشعر القديم في أشعارهم ومن ذلك قوله في الشيب:
★★★رفــعــ ُت ُه فـمـا ار َتـ َفـعْ
َ ب َق ْـد َن َ
ـصـعْ بــيـاضُ شـيـ ٍ
وطـ َمـعْ ـأس َ يض ا ْن َق َمعْ ★★★★مِــنْ َب ِ
ــيـن َي ٍ الب َ
ِإذا َرأى ِ
هَّلل ِ َأيَّاـــــ ُم ال َّنخـــــَعْ ★★★★★ َيـا ليـ َتـنـي فِيها َجذعْ
يذكر ابن عبد ربه الشيب وما آل إليه أمره بعد المشيب من ضعف مع حنينه أليام الشباب وقد استعان في
أبياته ببيت لدريد بن الصمة مأخوذ من قوله لمالك بن عوف في يوم غزوة حنين وقد كان شيخا هما ال
ضعقوة فيه :يا َلي َتني فيها َج َذع★★★َأ ُخبُّ فيها َوَأ َ
صدَ ع الز َمع★★★★★★ َكَأ َّنها شاةٌ َ َأقو ُد َوطفا َء َ
ويعتبر المثل من المصادر القديمة التي اعتمد عليها الشاعر األندلسي في بعض أبيات الزهد ومن ذلك
قول غربيب الطليطلي :
أيّها اآلمل ما ليس لهُ★★★طالما غرّ جهوال أمله
13
إن نحت الثياب مني جسما ★★★قد عصى ربه اغترارا و خرقا
⌑ الوعظ :و تميز هذا العصر بظاهرة الكتابة على القبور وربما كان الدافع وراءها إلى التذكير بالناس
ووعظهم بأن اإلنسان مهما تقدم به العمر و مهما كانت المرتبة التي بلغها من النبأ مٱله الموت ،و قد
شهدت هذه الظاهرة انتشارا كبيرا مما حدا بابن األبار إلى القول " و للناس فيما يكتبون على القبور مثير
مستجد"
فقد أوصى ابن الزقاق أن تكتب أبيات و هدية على قبره ،يقول منها:
الخالئق نافذ فيت حك ٌم ٌ ُ
والموت قد حال دو َننا★★★وللمو ِ أإخوا َننا
ِ
ت والعم ُر ظِ َّن ٌة★★★★وأعل ُم أنَّ الك َّل ال ب َّد الحقي
سبقتك ُم للمو ِ
߷شعرائه:
_ عمران المارتلي:عالم مسلم وصوفي وشاعر أندلسي ،يعد من شعراء الزهد وعالم بالتفسير والفقه
والحديث واألدب ،ه ديوان شعر أكثره في الزهد ويقول:
ما الزهد يا قوم فال تجهلوا ★★★ بلبس أسمال وأخالق
لكنه لبس ثياب التـــــــقى ★★★ في حسن آداب وأخالق
س َم ْيسِ ر :شاعر أندلسي ،عرف بكثرة الهجاء ،وكان له ٱثر في الزهد ومن بين أبياته ححينمادعى _ ال ُّ
إلى القناعة والرضى :
دع عنك جاها وماال ★★★ ال عيش إالّ الكفاف
قوت حالل وأمن ★★★من الردى وعفاف
وكل ما هو فضل ★★★ فإنه إســـــــــراف
߷خصائص شعر الزهد في العصر األندلسي :لشعر الزهد في العصر األندلسي العديد من الخصائص
التي تميزه عن غيره من أغراض الشعر األخرى وهي ما يلي:
- 1بروز الوازع الديني ،الذي كان يتميز بالتشدد بشكل واضح.
_2بروز ظاهرة التضمين واالقتباس من النصوص الدينية سواء أكان من القرآن الكريم ،أو من أحاديث
السنة النبوية.
-3قوة شعر الزهد لما تخلله من أدلة وبراهين ،التي كانت تتوجه لترك الملذات ،وااللتزام بالعبادات،
والتوجه إلى هللا ،طمعا برضاه والجنة.
-4استخدام أسلوب اإلقناع والحجة من أجل الوصول إلى أهدافه الرئيسية.
_5استخدام أسلوب الترهيب والتخويف ،وكذلك أسلوب الترغيب بطريقة مباشرة.
_6سهولة لغة شعر الزهد وبساطتها.
-7تجسيد المعنى من خالل تجسيد المعنى من خالل الفكرة التي يطرحها الشاعر في قصيدته،باستخدام
اإلبداع من خالل الصور والتشبيهات.
-8استخدام المحسنات البديعية خصوصا في األلفاظ.
- 9اتجاه شعر الزهد إلى الطابع الوعظي ،والدعوة إلى الندم والتحسر على ما فات من الحياة.
تعريف التصوف :يعتبر التصوف مذهب من المذاهب المعروفة في كل الحضارات و األديان ،وهو
مذهب يحتوي في طياته على ثالث أبعاد نذكر منها :بعد سيكولوجي ،فلسفي ،ديني ،فإذا عرفناه سلوكا
و جدناه أقرب إلى التصوف الديني ،و إذا عرفناه باعتباره بعدا فلسفيا فهو فكرة و فلسفة ،و الربط بين
هذين االتجاهين ،سميت الصوفية بعلم الحقيقة " فالتصوف نزعة طبيعية فردية في كل إنسان " ،وهو
علم البحث عن الخفي ،الكشف عن ستار الخبايا في الواقع.
15
شعر التصوف :فالتصوف في الشعر يعني التصوف بمعناه العام ،من حيث هو تجربة روحية ،تخص
جميع الديانات ،و تحدد موقف البشر من الوجود و الحياة " ،و هو بهذه الصورة ظاهرة إنسانية عامة،
ليست محدودة بدين ،أو حدود مادية زمانية أو مكانية ،ومن ثم يمكن القول :بأن التجربة الصوفية قد
تنشأ بعيدا عن الدين".
الصوفي:هو الذي يسعى لتجاوز هذا الواقع وصوال إلى معرفة الذات و الوجود الذي يمثله هللا و يقول
أدونيس " :ليس الواحد الذي يخلق الوجود من الخارج و دون اتصاله به و إنما هو الوجود نفسه في
حركيته و ال نهايته"
أسماء التصوف :
اسم التصوف هو أشهر اسم يطلق على ( الصوفية) وهو االسم المشهور على ألسنة الناس ،و لكن لهم
أسماء أخرى أطلقت عليهم ،أو أطلقوها هم على أنفسهم منها.
أ) أرباب الحقائق :يسمون أنفسهم بزعم أن عندهم علم الحقيقة و خفاياها دون غيرهم من أهل الظاهرة
أو أهل الرسوم و علم الشريعة ،فالشريعة وحي هللا إلى نبيه صلى هللا عليه وسلم والحقيقة ما وصل إليه
الصوفية بكشوفاتهم و ذوقهم ،وافق الشريعة أو خالفها
ب) الفقراء :يسمون أنفسهم بذلك بزعم الزهد في الدنيا والعزوف عن ملذاتها و متاعها
ج) المالمتية :وأهل العالمة طائفة من الصوفية التظهر للناس أعمال الخير بدعوى اإلخالص ،وربما
أظهروا فعل ما يبغضه هللا ورسوله لينالوا العالمة على ذلك و يرون الصبر على ذلك براءة من النفاق،
و استكماال اإلخالص ،قال ابن الجوزي رحمه هللا (:وفي الصوفية قوم يسمون المالمتية اقتحموا الذنوب
و قالوا :مقصودنا أن نسقط في أعين الناس فسلم من الجاه)
نشأة الشعر الصوفي ومراحل تطوره عبر العصور:
يرتبط الشعر في التاريخ األدبي بالتجربة الصوفية و تصبح ظاهرة التالزم بينهما واضحة ففي القديم
برز الشعراء الصوفيون ،و اختاروا الشعر للتعبير عن تجاربهم ومعاناتهم و تأمالتهم ليصبح هذا الجنس
األدبي وسيلة بالنسبة إليهم تساهم في الكشف عن أعماق الذات و ما تجدر اإلشارة إليه في هذا السياق
هو انفتاحهم على الشعر العربي و تفاعل معه حتى ظل دوما معينا يردونه لإلرتواء من منبع التعبير
الصادق لتصوير حقائق الطريق ،و بذلك يعتبر التصوف ظاهرة عامة عاشت زمنا طويال ،يمكن تقسيم
مراحل نشأتها عبر العصور إلى خمسة مراحل :
مرحلة األولى العصر الجاهلي:
ارتبط الشعر بالتصوف منذ الجاهلية وهذا ما أوضحه المقدسي حين ربط التصوف بالصوف ورده
إلى الجاهلية داللة على الورع أما بن الجوزي فربط التصوف بالغوث بن مر و أرجاعه إلى الجاهلية
إلظهار أنه أمر مرفوض و غير مقبول في اإلسالم و فيه إتباع لنهج الجاهلية ،ولقد لعبت جوانب عديدة
دور في ظهور و انبثاق األدب الصوفي بالشعر هذه الفترة ومن بينها:
أ)النزعات الروحية تمثلت في ثالثة مظاهر :
شعر الحكمة المتصلة بما وراء الطبيعة ،وشعر المتدينين ،وشعر المتحنفين .
_ وقد كان شعر الحكمة المتصلة بما وراء الطبيعة أقل هذه األلوان حظا ً من الروحانية ؛ ألنه كان يعبر
ن يعبر عن نظرات ساذجة فى الحياة والموت واألخالق ؛ وقد تقدم أن هذه النظرات تناولت ما كان يقع
تحت الحس دون أن تحاول الغوص .على الحقائق ،أو الوصول إلى العلل األولى لألشياء .
_ أما المتدينون فقد كانوا أوفر حظا ً من الروحانية من الشعراء الحكماء ؛ ألن معلوماتهم عن الموت
وما بعده كانت أوفر وأوضح مما كان يعرفه الحكماء من غير المتدينين .وقد تقدم أن المسيحية هى
16
المثل الواضح لمظهر الروحانية الدينية في الشعر الجاهلي ؛ لغلبة العنصر الروحي فى تعاليمها من
ناحية ،و لغزارة ما خلف شعرائها من مادة شعرية من ناحية ثانية .وكان عدى بن زيد العبادي أظهر
الشعراء المسيحيين ،وأصدقهم تمثيال للمظهر الروحي الديني في الشعر الجاهلي ،وأغزرهم مادة في
هذا الميدان.
_ وعلى الرغم من أن اليهودية ديانة كتابية مؤمنة باليوم اآلخر وما فيه ؛ و أن اليهود كان فيهم شعراء
عرفوا في العصر الجاهلي ،فإنها لم تنافس المسيحية في الشعر المتصل بالدين؛ ألن شعراء اليهودية لم
يهتموا بالتعبير عن األغراض الدينية ،رغم مشاركتهم في النشاط الشعري العام في العصر الجاهلي .
وأدخل هذين المظهرين في الروحانية شعر المتحنفين ؛ ألنه يمثل الروحانية الحرة غير المقيدة بالتعاليم
،ولذلك كانت حياة المتحنفين الروحية مليئة بالعامل الشخصي ،وكانت صور المجاهدات والرياضات
التي أخذوا بها أنفسهم تشبه إلى حد كبير حياة طوائف الصوفية الذين شهدهم القرن الثالث الهجرى فيما
بعد .وقد جاء شعرهم ممثال لهذه الحياة ومصوراً إياها ؛ فكان أكثر ألوان الشعر الجاهلي روحانية ؛
ألنه لم يقم على تصوير رأى دينى مأثور ؛ بل قام على الرياضة الشخصية والنزوع إلى الحق المطلق .
وكان أمية بن أبي الصلت الشاعر المتحنف أغزر هؤالء عادة ،وأكثرهم افتنانا وتنوعا ً فى الموضوعات
؛ ولذلك يمكن أن يعتبر أكثر الشعراء الجاهليين عامة حظا ً من الروحانية في شعره .
ب) األطالل:
ففي األطالل إشارة إلى المقام المفقود في طريق المتصوّ ف ،واألخير كما أسالفه الجاهليين -يقف
ب َأو
متروكا ً وضائعا ً ومتحيراً ،يبحث عن األخبار والحقيقة والراحةُ .تذ َّكر اآلثار المتصوّ ف بمقام قُرْ ِ
«فعز الملتقى» .وفيما يقاسي الشاعر الجاهلي تقلبات َّ مْع َت ِب َع َها بُعْ ٌد َو َهرْ ٌق ،وتفجعه بالحقيقة المرة:
َج ِ
يتحزن المتصوّ ف من زالته الشخصية لكن إذا كان على كل الشعراء الجاهليين أن يقفوا ّ الزمان
مخاطبين طلل الديار فكذا كل المتصوفة كما يؤكد الجريري« :الكل في قهر هذه الخطة».
ج) الخمرة :
عند الحديث عن الخمرة ،فإننا نعود بها إلى العصر الجاهلي ،فالعربي تناول الخمرة وذكرها في
شعره لتكون رمزاً ،فلم تكن الخمرة ،خمرة صرفة يتحدث الشاعر العربي عن جمالها ،وعملها في عقول
شاربيها وهو يريد ذلك ،وإنما أراد الشاعر من خالل ذكرها .اإلشارة إلى حالة من حاالت الكرم عند
العرب" .ونذكر ممن تناولها الملك الضليل بقوله:
ون أش َق َرا
الج َ
ب َ ونشرُب حتى نحسب الخيل حولنا★★★ ِن َقاداً َوحتى نحسِ َ
يذكر امرؤ القيس الخمرة من باب إظهار إدمانه عليها ،والدليل أنها لعبت بعقله ،وليس بغريب على
امرئ القيس ،فقد كانت له حالة خاصة في هذا الباب.
أما عنترة ،فقد ذكرها ذكرً ا مغايرا المرىء القيس ،وهذا ليس بغريب على فارس ،فالفارس ال يشرب
للسكر وإنما إظهارا للكرم :يقول عنترة:
ك مالي★★★وعرضي واف ٌر لم ِ
يكلم شربت فإنني مستهل ٌ ُ فإذا
يصرح عنترة بأنه إن شرب يستهلك ماله ،وهذا من قبيل الكرم ،وخشية منه أن يروى ضعيفا بسبب
الخمرة خاسراً بسيها عرضه و کرامته راح يقول وعرضي وافر لم يكلم .
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
المرحلة الثانية عصر صدر اإلسالم:
߷مفهوم التصوف :التصوف اإلسالمي جزء أساسي في التراث اإلسالمي حيث تبوأ مكانا ً هاما ً في
الفكر العربي اإلسالمي واالهتمام بالتصوف قديماً ،تناوله المؤرخون والعلماء والمسلمون كالطوسي
17
والكالبذي ،والقشيري وغيرهم ،كما ألف فيه الفالسفة كابن سينا والغزالي وابن خلدون ،وتعادل فيه
الفقهاء وعلماء الكالم إضافة إلى جهود المستشرقين ،ولم يتفق هؤالء على رأي واحد سواء تعلق األمر
بحدوده أو أصوله فاختلفت اآلراء والمشارب حوله ،فالتصوّ ف ليس ظاهرة إسالمية خاصة بل إن
جذوره وعروقه تمتد في أي فكر ديني عموما ،حتى إن كثيراً من الدارسين ربطه بأصول غير إسالمية
كالمسيحية والهندية والفارسية والفلسفة اليونانية ،بينما يرفض رأي آخر هذه الصالت جملة وتفصيال
ويرده إلى أصوله اإلسالمية ومنابعه األولى القرآن والسنة.
߷نشأته:
ذكر أبو الوفاء التفتازاني أن اإلسالم رسم لنفسه في بداياته األولى صورة تمثلت في الدعوة إلى
جهاد النفس ،والحرص على تكوين الشخصية اإلسالمية الصالحة ،واستمر فترة حتى هبت رياح التغيير
بعد اتساع الفتوحات اإلسالمية ،وازداد الرخاء والترف الحضاري بين المسلمين فيب نفر من المخلصين
الذين عرفوا بالزهد بالدعوة إلى البعد عن الترف ،والعودة إلى خشونة الحياة التي عاشها الرسول
وصحابته ،أما النفر الثاني فهبوا متخذين اتجاها آخر هو اتجاه التصوف ،ذلك االتجاه الذي هدف في
بداياته األولى إلى إصالح أمر المسلمين من خالل تربية نفوسهم ،ومعنى ذلك أن المرحلة التي عاشها
صحابة رسول هللا في عصر صدر اإلسالم على درجة ورعهم وتقواهم وزهدهم في الدنيا هم المرحلة
األولى ،أما في القرنين األول والثاني الهجريين ،فقد أصبح هناك طبقة العابدين التي تجسدت بالحسن
البصري ورابعة العدوية ومصدر الزهد عندهم في هذه الفترة جاء من ناحيتين :األولى تشديد التعاليم
اإلسالمية على الروحيات والقيم ،فجاء تصوفهم ردة فعل على البذخ والترف ،والثانية هي الفلسفة
الصوفية ،حيث التأثير الخارجي في الزهد وذلك بتأثير التعاليم الهندية واليونانية؛ مما جعل الكثيرين
يخلطون بين التصوف و الزهد ،وهو تطور لذلك المصطلح ،و من خالل هذا المنطلق نستطيع أن نقول
في اإلسالم ينابيع يمكن للصوفية أن تنهل منها ،فالتصوف وليد البيئة المحلية ونتيجة طبيعية للمزهد
البسيط الذي كان يطبقه الرسول صلى هللا عليه وسلم والحقيقة أن الزهد حركة واسعة استمدت أصولها
من ينابيع عدة كان اإلسالم أقواها وأبعدها أثراً .
߷أقسام التصوف:
بعد تتبع مراحل نشأة التصوف اإلسالمي ,يستنتج أن التصوف في عمومه ينقسم قسمين:
-1التصوف السني :تميز التصوف السني عند المسلمين بمظاهر االلتزام بأوامر هللا ونواهيه واالقتداء
بحياة النبي صلى هللا عليه وسلم وما تنطوي عليه من عبادة وزهد في الدنيا واإلعراض عن مباهجها
واإلقبال على التوبة وتجنب المعاصي ,ومنه تلخصت وجهتهم الصوفية في مظهرين مظهر بارز تمثل
في ترك مظاهر الدنيا من مال وجاه وعيشة رغدة وباطنها مراقبة أفعال القلب الذي هو مصدر األفعال
ومبدؤها ,وغرضها النجاة من عقاب هللا .ثم تطور التصوف السني فأصبح منتحلوه يهدفون إلى الوصول
إلى نفس ال يصدر عنها سوى أفعال الخير مؤدبة بآداب القرآن والسنة النبوية ,فعمدوا إلى تقويم النفس
وتهذيبها عن طريق اإلرادة والرياضة.
-2التصوف الفلسفي:نشأ عن اهتمام الصوفية بعلوم المكاشفة التماسا لمعرفة هللا،واكتساب علومه
والوقوف على حكمته وأسراره واالطالع على حقائق الموجودات ،وقد اعتمد أصحاب هذا المذهب
في التعبير عنه لغة فلسفية استقوها من مصادر فلسفية مختلفة يونانية وفارسية وهندية ومسيحية
وغيرها مع مراعاة األصالة واإلبداع والطابع اإلسالمي .وقد تمحورت موضوعاته حول المسائل
المتصلة بالوجود ومنها:
-المجاهدات ،وما يحصل عنها من األذواق والمواجيد ومحاسبة النفس على األعمال.
18
-الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب كصفات هللا والعرش والكرسي والمالئكة والوحي والنبوة
والروح ،وحقائق كل موجود غائب أو شاهد وترتيب العوالم في صدورها عن موجدها ومكونها.
-التصرف في العالم واألكوان بأنواع الكرامات أو خوارق العادات.
-الشطحات.
يدعو المنحى الصوفي بنوعيه السني والفلسفي ،إلى قيام عالقات بين اإلنسان وأخيه اإلنسان بعيدة عن
الغرائز والشهوات ألن الهدف األول من كل هذا هو الظفر برضوان هللا تعالى واالبتعاد عن الزلل
والخطايا واالستعباد وكذا اكتشاف اإلنسان الفاضل.
߷أعالمه:
في القرن األول من المسلم به أنه لم يكن في صدر اإلسالم ،وال في القرن األول جماعة يعرفون
بالعرفان أوالتصوف بين المسلمين ،و إنما نجد اسم«الصوفي في القرن الثاني الهجري ،قيل :أن أول من
دعي بهذا اللقب أبو هاشم الكوفي الصوفي في القرن الثاني ،و هو أول من بنى «الخانقاه» في رملة
فلسطين لعبادة جماعة من العباد و الزهاد المسلمين .
ويظهر من رواية في كتاب المعيشة من كتاب الكافي المجلد الخامس :أن جماعة منهم سفيان الثوري
كانوا في النصف األول من القرن الثاني يدعون بهذا اللقب ،و لو كان أبوهاشم الكوفي أول من عرف
بالصوفي ،وهو أستاذ سفيان الثوري ،كما يقول نيكلسون و ال شبهة في أن وجه هذه التسمية هو لبسهم
الصوف اجتنابا عن المالبس الناعمة زهدا و أعراضا عن الدنيا.
ال علم لنا متى أطلق هؤالء على أنفسهم لقب العرفاء أيضا ،و القدر المسلّم به كما يفهم من كلمات
السري السقطي أن مصطلح العرفان كان شائعا في القرن الثالث الهجري ،و كما سبق أول من دعي
بلقب «الصوفي»حسب الظاهر كما كان يقول سفيان :لو لم يكن أبو هاشم لم أكن أعرف رموز الرياء.
߷خصائص التصوف في عصر صدر اإلسالم:
ومن مميزات الشعر الصوفي في صدر اإلسالم :السمو الروحي للمعاني النفسية العميقة ،والخضوع
إلرادة هللا القوية ،واإلكثار من الخيال واستعمال الرمزية والشطحات الصوفية ،والجنوح نحو اإلبهام
والغموض ،والتأرجح بين الظاهر والباطن ،والتأثر بالشريعة اإلسالمية كما هو شأن التصوف السني،
وقتل المصادر الفلسفية والعقائد األجنبية كما هو حال الشعر الصوفي الفلسفي.
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
المرحلة الثالثة العصر األموي :
ظهرت بذور التصوف في سماء الفكر اإلسالمي في العصر األموي على هيئة نزاعات شديدة من
الزهد في متاع وزخرف الدنيا نتيجة ما وقع فيه العالم اإلسالمي وقتئذ من حوادث شديدة أثرت تأثيرا
كبيرا في جميع جوانب الحياة ،ولذلك سنقوم بتتبع خصائص ومميزات التصوف في العصر األموي
باإلضافة إلى ذكر أهم زهاد تلك الفترة وآثاره.
أوال :أنه يقوم على أساس فكرة مجانبة الدنيا من أجل الظفر بثواب اآلخرة واتقاء عذاب النار متأثرا في
ذلك بتعاليم القرآن والسنة ،وبالظروف السياسية واالجتماعية السائدة في المجتمع اإلسالمي آنذاك.
ثانيا :أنه زهد ذو طابع عمل ،ولم يعن أصحابه بوضع القواعد النظرية له ،ومن وسائله العملية العيش
في هدوء وبساطة تامة والتقليل من المأكل والمشرب واإلكثار من العبادات والنوافل والذكر ،مع المبالغة
في الشعور بالخطيئة والخضوع المطلق لمشيئة هللا والتوكل عليه ،وهو بهذا يهدف إلى غاية أخالقية.
19
ثالثا :أنه كان يتخذ دافعا له الخوف من هللا ،وهو خوف يبعث على العمل الديني الجاد على أنه ظهر له
دافع آخر في أواخر القرن الثاني عند رابعة ،وهو الحب هللا المنزه عن الخوف من عقاب هللا والطمع في
ثوابه في آن معا ،وهو يعبر عن إنكار الذات ،و عن التجرد في عالقة اإلنسان باهلل.
رابعا :أن زهد بعض المتأخرين من الزهاد خصوصا في خراسان ،وعند رابعة يمكن ،لما تميز به من
تعمق في التحليل أن يعتبر مرحلة تمهيدية للتصوف ،وأصحابه ،وإن كانوا يقتربون من اتصوف
ال يعدون صوفية بالمعنى الدقيق للكلمة ،وإنما يمكن اعتبارهم روادا أوائل لمن سيجيء بعدهم من
صوفية القرنين الثالث والرابع.
يتضح لنا أن التصوف في العصر األموي كان الزهد فيه بمثابة المدخل إلى أبواب التصوف أو التمهيد
الذي يمهد النفس اإلنسانية لتحقيق التصوف ،وكان إستقاءا من حياة النبي والصحابة والتابعين فكان
الزهد السمة البارزة له فكان بسيطا ال يخرج عن إطار عبادة هللا والخوف منه باإلبتعاد عن ملذات الحياة
وشهواتها ،فسار على هذا النهج زهاد القرنين األوليين للهجرة فكان الزهد والورع من أبرز سماتهم
وتجسد هذا الزهد في المدارس الثالث (مدرسة المدينة البصرة ،الكوفة) ،فكان التصوف في العصر
األموي كرد فعل لتيار الحياة المادية الذي غلب على كثير من المسلمين منذ قيام الدولة األموية ،فقام
التصوف في العصر األموي على نبذ الحياة الدنيا وطلب الزهد تمردا على التيار الذي حرف معظم
المسلمين إلى التعلق بالقيم المادية ،إن فكرة التصوف ضلت خالية من أي تعقيدات ولكن فيما بعد إختلط
الصوفية بمختلف التيارات الفكرية والفلسفية فظهرت أفكار غريبة و جديدة إلى التصوف فكان في
عهوده األولى يقوم على دعائم إسالمية بحتة ،ظل كذلك حتى اصطبغ التصوف بالصبغة العلمية ،وما
يمكن إستنتاجه أن زهاد الفترة األولى من التصوف كانوا بعيدين كل البعد عن الحياة السياسية
وإضطراباتها قلم يدعوا أحدهم إلى الثورات أو الفان أو الخروج عن الدولة األموية بل اكتفوا بتكريس
حياتهم للزهد منعزلين دون االصطدام بالمجتمع.
߷ٱعالمه:
أوال :واصل ابن عطاء السكندري:
فقيه مالكي وصوفي شاذلي الطريقة ،بل أحد أركان الطريقة الطريقة الشاذلية الصوفية ،الملقب بـ«قطب
العارفين» ،و«ترجمان الواصلين» ،و«مرشد السالكين» .كان رجالً صالحا ً عالما ً يتكلم على كرسي
ويحضر ميعاده خلق كثير ،وكان لوعظه تأثير في القلوب ،وكان له معرفة تامة بكالم أهل الحقائق
وأرباب الطريق ،وله ذوق ومعرفة بكالم الصوفية وآثار السلف .وكان ينتفع الناس بإشاراته .وله موقع
في النفس وجاللة.
ومن بين قصائده المشهورة في التصوف«ظهرت لكل الكون» التي يناجي فيها ربه ،ويجسد فيها
إحدى حكمه المعروفة وهي« :ال مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك ،وال قطيعة بينك وبينه حتى
تمحوها وصلتك».نذكر بعض من أبياتها:
ظهرت بك ّل الكون فالكونُ مظهر★★★وفيه له أيضا كما جاءت الصّحف
فأيُّ فؤاد عن فؤادك ينثني ★★★★★وأ ّي ُة عين بعد قُربك لن تغفُو
يصف ابن العطاء في البيتين السابقين معنى شهود المؤمن هلل في كونه ،حين تراه البصائر ال
األبصار ،في قدرته وبديع صنعه في الكون الفسيح ،ما يجعل أي فؤاد سليم الطوية ال يفتر وال ينثني عن
وداد المحبوب األعظم ،وال تستطيع أية عين بعد تحقق ذلك الشهود أن تغفو ،فتشعر النفس بالحاجة
الدائمة إلى ربها ،وبمزيد من التعلق واألنس به ،وتبصر نعمه الكثيرة التي ال تعد وال تحصى فتحس
بالتقصي.
20
عن الحبيب الواحد وهو ( هللا ) ،لذلك فإن النص الصوفي نص مخادع في لغته بالنسبة للقارئ ،ألنه
ظاهرة غزل محض ،لكن باطنه يحمل إشارات صوفية.
تقول رابعة العدوية:
ـوى ★★★و ُحبْــا ً أل َن َك أهْ ـل لـ َِذاكُب ال َه ْٰن ح َ ُك ُح َبي ِ
أ ِحب َ
ش ْغلِى بذ ِْك ِر َك َع َمنْ سـِواكْوى ★★★ َف ُ فأما الذي ه َُو حُبُ ال َه ٰ
الحمْ ُد فِى ذا وذاك لك َ ذاك لي★★★ولكنْ َ الحمْ ُد فى ذا وال َ فال َ
ويقول أبو بكر الشبلي :
الذكر ذك ُر لساني
ِ ★★★وأيس ُر مافي
َ ً
ذكرتك ال أ ّني نسِ ي ُت َك لمحة
بالخفقان
ِ أموت من الهوى★★وهام عليَّ القلبُ ُ ِدت بال َوج ٍد وك ُ
ثانيا ً :السكر اإللهي ( الخمرة اإللهية) :يتحدث المتصوفة عن نمط من أنماط الخمرة في أشعارهم
مستعيرين لذلك لغة الشعراء الخمريين نعوتهم صورهم معانيهم ،لكنهم يقصدون نمطا ً مخصوصا ً من
الخمرة هي خمرة معنوية روحية التمنح صاحبها نشوة السكر المعروفة انما تمنحه صفاء الروح
واليقظة.
يقول الحالج:
مرةُ ِبالما ِء ال ُز ِ
الل الخ َ ُك في روحي َكما★★ ُت َ
مز ُج َ م ُِز َجت روح َ
نت َأنا في ُك ِّل ِ
حال َّك َشي ٌء َمسَّني★★★★ َفِإذا َأ َ َفِإذا َمس َ
ويقول ابن الفارض:
ب مُدا َم ًة★★س ِكرْ َنا بها من قبل أن يُخلق ال َكرْ ُم َش ِر ْب َنا على ْ
ذك ِر الحبي ِ
ت َنجموهي شمسٌ ُيدِي ُر َها★هال ٌل وكم يبدو إذا م ُِز َج ْ
َ لها البد ُر كأسٌ
االوهْ م
تصوّ رها َ يت لِحانِها★★★ولوال َسناها ما َ شذاها ما اهتدَ ُ ولوال َ
߷أعالم التصوف :للتصوف شعرائه الذين أرسوا قواعده ،ووضعوا له األصول ،وكتبوا في ذلك
الفصول ،حتى إن منهم من نظم الشعر ونبغ فيه شأن الفحول ،ومن بينهم :الجنيد ،الحالج ،الرابعة
العداوية ،ميمونة السوداء.
أوال -أبو القاسم الجنيد :
هو شخصية هامة في تاريخ التصوف اإلسالمي و ترجع هذه األهمية إلى عصوبة آرائه و إلى أنه كان
يجمع فيها بين الشريعة و الحقيقة و أنه كان من أهل الرسوخ والتمكين ال من أرباب االحوال و الشطح
فكان مؤثرا للصحو على السكر و للبقاء على الفناء و كان أستاذا قديرا يجمع حوله المريدين ليعلمهم
التصوف " و يعتبر سيد الطائفة و إمامهم ،و لعل أهم أبياته:
الح ِّ
ــــق َمــعْ رُوفُ ْــــس َيعْ ِرفُه★★ِإاَّل َأ ُخو ف ِْطـ َنــ ٍة ِب َ
صوُّ فِ عِ ْل ٌم َلي َ
عِ ْل ُم ال َّت َ
مْس َم ْكفُوفُ ْف َي ْش َه ُد َ
ض ْو َء ال َّش ِ ُ★★و َكي َ
َ ْــــس َي ْشـ َه ُده
ْس َيعْ ِرفُ ُه َمنْ َلي ََو َلي َ
ثانيا :أبو مغيث الحسين بن منصور الحالج:
إن كان الجنيد سيد الطائفة فهذا الحالج شهيدها ،حيث كانت نهايته بمثابة مأساة وعارا في تاريخ
الصوفية ،طارت بها األخبار و تم بها االعتبار و حصل بها االذكار و ذاك الذي ابتغاء حكام القرار.
22
فظهور الحالج كان إيذانا ببدء مرحلة جديدة في التصوف اإلسالمي وشعره على السواء ،وتمتاز هذه
الفترة بتفرد الشعر الصوفى حيث أصبح فنا مستقال عن الشعر العام ،و لقد عرف الحالج بعملين
خطيرين في الشعر الصوفي وهما:
أولها موضوعي :وهو تشقيق الوضوعات الصوفية التي تلقاها من الصوفية التقدمين ،وابتداع آراء
جديدة لم يسبقه إلى الكالم فيها أحد ،فالحالج أول من تكلم في وحدة األديان والنور المحمدى من صوفية
المسلمين ،وكان له آراء في الجبر والفتوة ،كما كان له مذهب خاص فى االتحاد انتهى به إلى الحلول ،
وال شك أن كل ذلك إضافة لها قيمتها إلى التصوف اإلسالم من ناحية ،وإلى موضوعات الشعر
الصوفي من ناحية ثانية ،فقد تناول الحالج كل هذه المعاني واآلراء في شعره كما تناولها في نثره.
وثانيهما شكلي :وهو إيجاد لغة الشعر الصوف تمتاز عن لغة الشعر العام بخصائص معينة أهمها
المصطلحات والكلمات الخاصة واألساليب وطريقة التناول ،وبهذه اللغة ثم للشعر الصوف االمتياز
الشكلي من الشعر العام ،وتستطيع أن تقول بعبارة أخرى :إن شخصية الشعر الصوفي قد ظهرت على
أنه من مستقل له خصائصه الموضوعية والشكلية على يد الحالج ألول مرة في تاريخ الشعر العربي .
وهذا الفن الشعرى وهو الشعر الصوفى يقيم للشعر العربي شاطئا ً روحيا ً في مقابل بحر المادية الزاخر
الذى اعترفت منه فتونه األخرى .ومن أبرز أبياته:
روحان َح َلنا َبدَ نا
ِ َأنا َمن َأهوى َو َمن َأهوى َأنا★★★ َنحنُ
َنحنُ مُذ ُك ّنا َعلى َعه ِد ال َهوى★★★ ُت َ َأل
ضربُ ا مثا ُل ل ِ
ِلناس ِببن
بصر َتنابصر َت ُه َأ َ
ُ★★★★وِإذا َأ َ
َ بصر َتني َأ َ
بصر َته َفِإذا َأ َ
ثالثا:رابعة العدوية:
ولعلها المعلم األول الذي أدى إلى تحول مسار الزهد إلى مسار التصوف ،وكانت أمة مملوكة ثم
أعتقت فكانت تعزف على الناي ،وفي مدينة البصرة حيث أمتعت الناس بموسيقاها وغناها ورقصها،
وبعد ذلك انقطعت إلى العبادة وهربت إلى هللا،و لقد ألفت قصائد في الحب ،اختص موضوعها بذكر هللا
معشوقها .وقد وصلنا بعض من هذه القصائد ،وال زال الناس منذ وفاتها يمجدونها على أنها قديسة،.وهي
التي أدخلت في النزعة الصوفية أناشيد الحب اإللهي حيث تقول:
ـوى ★★★و ُحبْــا ً أل َن َك أهْ ـل لـ َِذاك ُب ال َه ٰ
ْن ح َ ُك ُح َبي ِ أ ِحب َ
ش ْغلِى بذ ِْك ِر َك َع َمنْ سـِواكْوى ★★★ َف ُ فأما الذي ه َُو حُبُ ال َه ٰ
الحمْ ُد فِى ذا وذاك لك َ ذاك لي★★★ولكنْ َ الحمْ ُد فى ذا وال َ فال َ
رابعا :ميمونة السوداء:
هي ميمونة العابدة ،و تعرف أيضا بال ميمونة السوداء ،كانوا ينعتونها بالمجنونة ولم تكن كسائر
المجانين الذين يخلون في كالمهم و تصرفاتهم بل كانت من نوع ٱخر الذي ولد ظاهرة جديدة في هذا
العصر وهم مجانين ينطقون بالحكمة ،و تجرى على ألسنتهم الموعظة و لقد برز في أشعارها مكاشفة
القلوب و اإلشارة إلى الخمرة ومنها هذين البيتين:
قلوب العارفين لها عيونٌ ★★ َترى ما ال َيراهُ الناظِ رونا
َوَألسِ َن ٌة ِبَأ
سرار ُتناجي★★ َتغيبُ َع ِن الك ِ
ِرام الكاتِبينا ٍ
߷ خصائص شعر الصوفي العباسي:
•يتصف الشعر الصوفي بصدق العاطفة والوجدان فهو يتحدث عن قضية معينة باطنية ايحائية
استوعبت حياة الشاعر ثم جعلها تستوعب شعره كله.
23
•الشعر الصوفي متنوع في قوالبه الشعرية ،فتارة نجد مطوالت شعرية كما عند ابن الفارض مثالً،
وتارة على شكل مقطوعات وهي األكثر شيوعا ً على اعتبار أن الشعر الصوفي عبارة عن نفثات روحية
سريعة والمقطوعات أقدر على التعبير عنها.
•علو لغتهم الشعرية وجمالية الصور البالغية .
•يتميز الشعر الصوفي بالغموض ألن لغة الصوفية لغة إشارة العبارة تقوم على توظيف الرمز ،ويبدو
ت من غموض التجربة الصوفية نفسها على اعتبار أنها تجربة وجدانية شائكة يمتزج بها الوعي أن متأ ٍ
بالالوعي ولذلك شاعت المقولة ( اليفك مغاليق النص الصوفي إال الصوفي ).
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
المرحلة الخامسة شعر التصوف في العصر األندلسي
شعر التصوف في األندلس :إن بدايات شعر التصوف كانت ال تعدو شكال من أشكال الزهد ،و إذا بحثنا
عن أوليات شعر التصوف فإننا ال نلتقي إال بأشعار زهدية عادية .
ويعد كثير من الباحثين أبا عمر بن عيسى األلبيري (429هـ) أول من عمد إلى أسلوب المناجاة
الصوفي الخالص سالكا سبيل أهل الطريق تأمال وتشوقا وسكرا وفناء وكشفا وحنينا وارتياحا ،
ويستدلون في ذلك بقصيدته التي مطلعها:
بالعقل في روض ِة ال ُح ِ
ِ جوهر ال ُحبِ★★رحيقا ً بكفِ بكأس الحبُ من
ِ َش ُ
ربت
على أن بعضهم ال يرى في أبي عمر اإلنبيري متصوفا ،فال يدرج شعره ضمن شعر التصوف ،ويعتقد
أن شعر اإللبيري ليس فيه الروح الصوفية الواضحة أكثر من كونه شعرا يناجي العبد فيه ربه ،مع
وجود نزعة صوفية مقرونة بعقيدة االعتزال التي تنزه هللا تعالى عن مشابهة المخلوقين ،وإن ما نظمه
أبو عمر األلبيري كان في فترة لم يبلغ فيها التصوف مرحلة النضج بعد ،فكان أقرب إلى الزهد
والمناجاة والتوسل. .
على أن جل الباحثين يتفقون على أن أول شعر صوفي ال تنكر نسبته إلى التصوف ،وال تختلف عليه
األقوال ،هو شعر ابن العريف ،فهو الذي تشن حركة الحب اإللهي في الشعر ،باعتباره هو سر خلق هللا
للعالم
ولن تصل حركة الحب اإللهي للشعر -التي بدأت على يد أبي العباس بن العريف ذروتها إال على يد
ابن عربي في ديوانه "ترجمان األشواق" .
ويعد ترجمان األشواق األثر الشعري الحق؛ إذ فيه نفحات شعرية ،وبهذا الديوان يستطيع ابن عربي أن
يزاحم األقطاب من شعراء الصوفية ،ومع أنه ترك من الشعر تركة غزيرة ،فله ديوان ضخم ،وكتاب
الفتوحات ذاته يقوم في األغلب على شرح مقطوعات شعرية ،وأشعاره كلها رمزيات كما يريد أن تكون
وهي ال تخلو من طالوة ،وقد يقع فيها من طريف الخيال .
وأما تأخر نضج الشعر الصوفي قبل هذه المرحلة فلعل سببه إخفاء المتصوفة لواعجهم دفعا التهامهم
بالبدع ،حيث استمر رفض المجتمع فقهائه وسلطته التصوف وإن عهد الموحدين يمثل الذروة في ازدهار
شعر التصوف ،وفضال عن ترجمان األشواق تطالعنا نصوص كثيرة البن عربي والمشتري وأبي مدين
وسواهم.
߷مضامین شعر التصوف األندلسي:
يجد المتتبع لشعر التصوف في األندلس أنه ينحصر في ثالثة مضامين أساسية هي :ا
لحب اإللهي،الخمرة الصوفية واألفكار الفلسفية.
24
)1األفكار الفلسفية :ونجد من الموضوعات التي طرقها شعر التصوف ،تلك القصائد والمقطوعات
التي تعبر عن أفكارهم ونظرياتهم وآرائهم في التصوف .وهذه الموضوعات ال نجدها إال عند أرباب
التصوف النظري الفلسفي .وتدور هذه األفكار واآلراء حول الوحدة المطلقة ،ووحدة الوجود ،والفناء،
والمقامات واألحوال ومن ذلك قول ابن عربي:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا★★وليس خلقا ً بهذا الوجه فا ّدكروا
من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته★★وليس يدريه إال من له بصر
جمِّع و فرِّ ق فإن العين واحدة★★★وهي الكثرة ال تبقي وال تتذر
.إذن فالوجود في حقيقته واحد ،واألسماء اإللهية دالالت مختلفة على ذات ،واحدة ،ومجال جديدة في
عين واحدة هي عين الحق ،فهذه األبيات تلخص رٱيا من آراء ابن عربي في وحدة الوجود .ويقول ابن
عربي أيضا:
فاعلم أن التصوف تشبيه بخالقنا ★★ألنه خلق فانظر ترى عجبا
كيف التخلق و المكر الخفي له★★ في خلقه وبهذا القدر قد حجبا
إن الحديد إذا ما الصنع يدخله★★★في غير منزله برده ذهبا
إن التصوف أخالق مطهرة ★★★مع اإلله فال تعدل به نسبا
.تكشف هذه األبيات حقيقة التصوف كما يفهمه ابن عربي ويريده ،إذ الكمل من الناس يتقربون ِب ُك ِّل
قواهم العقلية والجسمية والوجدانية والحسية من الخالق تقربا يجعلهم يتشبهون بخالقهم.
ويدعو الششتري إلى تهيئة مرأة القلب لقبول التجلّي اإللهي وتحقيق المعرفة ،وينبه إلى ضرورة تدقيق
النظر لبلوغ الحقيقة الكامنة ،فيقول:
أيُّها ال ّناظِ ُر فيه في سطح المرى★★أترى منْ َذا الذي فِيه َت َرى؟
سرى ه ْل ه َُو ال ّناظر فيه غيرُك ْم ★★★أ ْم خ َيا ُل ِم ْن َك فيه َق ْد َ
ىالور َين َ أعِ ِد ال ّن ْظر َة فِي َها ِإنهَّا★★★★ح ٌ
ِكمة كا ِم َن ٌة َب َ
القو ُم جمِيعا ً السُّرى اق َفجْ ِرها★★يح َم ُد َ فعسى عِ ْندَ انش َق ِ
َ
وتشكل المقامات موضوعات للشعر الصوفي ،ويقول ابن عربي في مقام الفقر :
الفقر حكم ولكن ليس يدركه★★إال الذي جل عن أهل وعن ولد
الفقر حكم يعم الكون أجمعه★★وال أحاشي من األعيان من أحد
ألنها كلها بالذات تطلبه ★★★والفقر يطلبها بالذات في البلد .
فالفقر أهم المقاسات حكما ،إذ به يتميّز العبد من الرب ،وهو صفة ذاتية في الممكنات
)2الحب اإللهي:ويظفر المتتبع للشعر الصوفي على هذا العهد نصوصا غزيرة تندرج ضمن
الغزل الصوفي ،وهي القصائد التي موضوعها الحب اإللهي ،والحب هو روح التصوف ،وهو شعاره
ودثاره ،وهو الحال المشترك بين المتصوفة جميعا ،والحب عند المتصوفة ال يمكن تحديده وال تعريفه،
وال شرح حقائقه ،وبما يُح ّدد باللفظ فقط ،ويعرف بالعرف واالصطالح .
ولقد أسهب شعراء التصوف في وصف هذا الحب وتصويره ،فلقد شغلهم ومأل أفئدتهم ،فتجدهم يذوبون
شوقا بعد أن المهم الهجر ،يقول ابن طفيل في الغزل الصوفي بالعزة اإللهية:
قيق مِن الحِمى الع ِ سرت ِإلى وادي َ ما★★وَأ َ
َ َأ َلمَّت َو َقد قا َم المُشِ ي ُح َو َهوّ
ذاك ال ُتربُ َنهبا ً ُم َقسَّما ب ذِي َلها★★ َفَأص َب َح َ ص َِو َجرَّ ت َعلى ُترب المُح َّ
ها★★وَأنّ سُراها في ِه َلن ُي َت َك َّتما َ َو َلمّا َرَأت أن ال َظال َم ُي ِك ُّن
ها★★وَأبدَ ت م َُح ّيا ً يُدهِش المُتوسِّما َ وجه
ِ َس َرت عذبات الريط َعن ُنور
25
فالعزة اإللهية في هذه األبيات أنثى سرت وانكشفت للشاعر بعد طول تهاجر و انتظار ويأس ،وفي
هذه األبيات يظهر التجلي والمشاهدة ،ولقد أسس الصوفية الحب اإللهي في انسجامه وتوافق طرفيه
المتقابلين على نظريتهم في التجلي والشهود .
ولقد سلك شعراء التصوف طرقا متع ّددة في التعبير عن الحب؛ فنجد بعضهم يستهل قصيدته بمقدمة
طللية على غرار شعراء الجاهلية ،فيقف على األطالل ،ويبكي التيار والرسوم ،والبن عربي في
الترجمان غير ما قصيدة ينحو فيها هذا المنحى ،يقول:
ور ُد َأ
ين المَوعِ ُد ★★ َف نِخ َركاِئ َبنا َفهذا ال َم ِ بر َق ِين اَأل َزع َب َ
ِبال ِج ِ
ال َتطلُ َبنَّ َوال ُتغادي َبعدَ هُ★★يا حا ِج ٌر يا ِ
بار ٌق يا َثه َم ُد
ومما يتوافق والحب العذري في شعر الحب اإللهي ،وصف الرّ حلة الشاقة التي يقطعها المحب سعيا
للقاء المحبوب ،فهي في أحيان كثيرة إبل يحثها على السير الحثيث ،ومن ذلك قول ابن عربي :
ومما يتوافق والحب العذري في شعر الحب اإللهي ،وصف الرّ حلة الشاقة التي يقطعها المحب سعيا للقاء
المحبوب ،فهي في أحيان كثيرة إبل يحثها على السير الحثيث ،ومن ذلك قول ابن عربي :
ثرها غادي عجل ِبها َوقِفا★★ َفِإ َّنني َز ِمنٌ في ِإ ِ العيس ال َت َِ ِي
يا حاد َ
بريح يا حادي الوج ِد َوال َت ِ ِها★★★باهَلل ِ ِب َ
ِ قِف ِبال َمطايا َو َشمِّر مِن َأ ِز َّمت
شفاق َوِإسعا ِد ني★★★رجلي َف َمن لي بِِإ ٍ ِ َنفسي ُتري ُد َولكِن ال ُتساعِ ُد
ش ُغ ٍل★★آال ُت ُه َأ ِذ َنت في ِه بِِإفسا ِد الص َن ُع ال َنحري ُر في ُ فع ُل َ ما َي َ
َعرَّ ج َففي َأي َم ِن الوادي خِيا ُم ُه ُم★★هَّلِل ِ دَ رُّ َك ما َتحوي ِه يا وادي
ب َأكبادي سي★★وهُم َسوا ُد س َُويدا خِل ِ َ عت َقوما ً ُه ُم َنفسي َوهُم َن َف َج َم َ
لع َأو ِبَأجيا ِد َأ
★★بحا ِج ٍر و ِب َس ٍ ِ ال دَ رَّ دَ رُّ ال َهوى ِإن َلم َأمُت َك َمداً
ويتبين للمطلع على قصائد ترجمان األشواق أ ّنها تندرج ضمن شعر الحب اإللهي ،الذي يتخذ من رمز
المرأة معادال موضوعيًا للمحبّة اإللهية ،ولئن اختلفت المقطوعات والقصائد في الرموز والتلويحات ،فإن
مضمونها طلب الحقيقة الربانية ،والحق أن األشعار التي نجدها في ترجمان األشواق تعد من الناحية
الفنية أكثر قصائده [ ابن عربي ] اكتماال ونضجا وامتألت بأسلوب التلويح والرموز الشعرية الموحية.
)3الخمرة الصوفية :ولقد عرفت الخمريات في الشعر العربي ،فوصفت الخمر وشاربها ،وتكثيرها
وأنيتها ،ومجالسها وانتمائها ،على النحو الذي نجده في شعر األعشى ميمون بن قيس ،واألخطل ،وأبي
نواس ،لكن الخمر التي نعنيها هنا هي الخمر الصوفية ،وإن كان يصعب التمييز بين الشعر الغزلي
والخمر العادي وبين الشعر الصوفي ،فإن الباحث في اللغة الشعرية الصوفية سيكتشف دون مشقة ،ذلك
الفرق بين التجربتين الشعريتين بين تجربة عادية وأخرى معقدة يقول ابن عربي:
ُ★★لكان َجوابي إلي ِه َش ِهيقي َ ولو المني في هواها عذول
ف َشوقي ِركابي ،وح ُْزني لِ َباسي★★ووجدي صبوحي ،ودمعي ّغبوفي
ويقول في موضع آخر:
ِطرب َعلى َغ ِر ٍد هُنال َِك يُنشِ ُد ها★★وا َ َ ِمار
مرها ِبخ ِ ِشرب سُال َف َة َخ ِ َوا َ
ت★★عن َج َّن ِة ال َمأوى َحديثا ً يُس َن ُد َ َوسُال َف ٌة مِن َعه ِد آدَ َم َأخ َب َر
فهي دعوة إلى السكر اإللهي سكر ال ُكمل ،فهي خمر من جنة المأوى ،وهي دالة على السكر الدائم،
وعمر ابن عربي قديمة من عهد آدم.
߷أشهر متصوفي الشعر األندلسي:
أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي :
26
والشاعر أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي قد تناول في قصائده شعر التصوف بشكل واسع وتفنن في
ذلك ،ومن قصائده في الصوفية ما يلي:
صبراً َوال َر َمقا ُّك لِي َ ب ِم ّني عِ ندَ ما َر َمقا★★ َلم ي ِ
ُبق ُحب َ سالب ال َقل ِ
َ يا
يت الحُبَّ ما ُخلِقا ِراق َو َل َ
يت الف َ سأل ال َيو َم َعمّا كابدت َكبدي★★ َل َ ال َت ِ
ت اَألقدا ُر فا ّت َفقا ★★وِإ ّنما َ
جار ِ َ ً
ثانية ِختياري ُذ ُ
قت الحبَّ َ ما با
النار َفاِح َت َرقا
َ الفراش َأ َحبَّ
ِ كنت في َك َلفي الداعي ِإلى َت َلفي★★مِث َل َو ُ
والشاعر ابن الجياب حيث يقول في قصيدته:
الحمد هلل على ما منحا ★★ من أنعم تترى أصيال وضحى
كم نعمة أسبغها تفضال ★★ منه وكم قرب ما قد نزحا
أرجو كما أنعم فيما قد مضى ★★لعله فيما بقي أن يسمحا
إن لم أكن أهال لما آمله ★★فاهلل أهل أن يتم المنحا
ابن زمرك الذي تناول في قصائده الصوفية دور الطبيعة في هذا الشعر حيث يقول:
و هّلل مبناك الجميل فإ ّنه ★★ يفوق على حكم السعود المبانيا
بنيت له كفّ الثريا معيذة ★★و يصبح معت ّل النواسم راقيا
الزهر لو ثبتت به ★★ و لم تك في أفق السماء جواريا و تهوى النجوم ّ
߷خصائص شعر التصوف باألندلس:
تفرد وتميز الشعر الصوفي بكثير من الخصائص الخاصة التي ميزته عن باقي أنواع الشعر ومن هذه
المميزات:
-1تناول الشعر الكلمات التي تدل على أمور خاصة بالتصوف.
-2تناولهم المفردات الحسيّة وتوظيفها في شعر التصوف لتعبّر عن أمور روحية.
-3طمس المعاني الحقيقية للمفردات ،وكانت من األسس المهمة عند الصوفية عدم الكشف عن المعرفة
الربانية التي أعطاهم إياها هللا.
-4السمو الروحي و المعاني النفسية العميقة،و الخضوع التام الرادة هللا القوية و البعد عن الخيال.
﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏﹏
߷الفرق بين الزهد والتصوف :يعتبر الزهد األساس الشرعي الذي تولد عنه التصوف ،حيث أنه قبل
الوصول لدرجة التصوف ال بد أن يكون في البداية زاهداً عالما ً بالقواعد الضرورية للوصول للتصوف،
فالزهد له أصول وأهداف تشابهت مع الصوفية ولكن اختلفوا بالمواضيع التي يجب الزهد فيها ،وقد أكد
ذلك ابن الجوزية في قوله :الصوفية من جملة الزهاد ...إال أن الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات
وأحوال ،وتوسموا بسمات فاحتجنا إلى إفرادهم بالذكر ،والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي".
فالزهد يدور حول مواضيع ترك الشهوات والتذكير بالموت والجزاء وذلك بأسلوب الترغيب والترهيب
والتخلي عن الدنيا واالنصراف إلى العبادة ،وبعد ظهور األفكار الفلسفية وربطها بمواضيع الزهد
ظهرت حركة منبثقة عن الزهد فجاءت مخالفة ببعض المواضيع الروحية والفكرية وإنكار الذات
واالختالف في أمور الكسب الحالل وزادوا أفكاراً محدثة مبتدعة في دين اإلسالم ضلوا بها وأضلوا،
مثل الوجد والسماع والمحاضرة والشطح ،وقد وصلوا بذلك ألعلى درجات التصوف.