Professional Documents
Culture Documents
نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية المغربي العدد 40 من سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية
نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية المغربي العدد 40 من سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية
2
0202 40
3
0202 40
4
0202 40
5
0202 40
6
0202 40
7
0202 40
8
0202 40
9
0202 40
اإلهـ ــداء
هذا العمل إهداء إلى...
إلى الذين يرحلون بصمت ...ال يزعجون أحد ...ال يتكررون ...
مصطفى...
01
0202 40
00
0202 40
مقدمة:
خاطب الخليفة عمر بن الخطاب أحد قضاته بمناسبة توليته القضاء بقوله "وال يمنعك قضاء قضيته
فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق ،فالحق قديم ال يبطله ش يء، باألمس فراجعت فيه نفسكُ ،
ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل1....
إن هذه العبارة تجسد على قدمها غاية مراجعة األحكام القضائية أال وهي إحقاق الحق والعدالة ،ألن
القضاء حسب تعبير األستاذ عبد العزيز حضري 2عمل بشري مجبول 3على الخطأ بالفطرة ،ونازع إلى
ً
املجاملة بالتمدن واملؤانسة ،وموسوم باالختالف تبعا لقدرات الفهم واإلدراك والدفاع املتفاوتة بين
الناس.4
ولقد آمنت التشريعات الوضعية – منذ القدم -بهذه الغاية .فسعت إليها بحيث اهتدت في سبيل
تحقيقها إلى طرق الطعن كوسيلة لتمكين املتضرر من الحكم من إصالح أخطاء القاض ي ،بغاية إزالة
أو تخفيف الضرر الذي لحق به ،أو املحتمل لحوقه به ،عند مباشرة إجراءات التنفيذ.
وفي إطار تنظيم طرق الطعن عمدت التشريعات املسطرية إلى تنويع طرق الطعن مراعية تدرج مراتب
القضاة ،وتباين أوضاع املتظلمين من أحكامهم ،كما تصورت لكل طعن غاية محددة ووضعت له
ً
شروطا وقواعد بما يخدم الغاية من سنه.
وهكذا تم التمييز بين قضاء ابتدائي قابل للمراجعة وآخر نهائي يستبعدها -املراجعة – ،وبين أخطاء
ً
الواقع ،وأخطاء القانون ،فأصبح الطعن باالستئناف يقدم في مواجهة القضاء املبتدأ أيا كان خطأه –
سواء في الواقع أو القانون ،-وغذا النقض وسيلة ملراقبة أخطاء القانون املتصلة باألحكام االنتهائية.5
ولقد هيمنت على نظام الطعن باالستئناف والنقض فكرة أساسية ،وهي إعادة طرح النزاع أمام
محكمة أعلى درجة للبت فيه من جديد وإصالح العيوب واألخطاء التي تكون قد شابت قضاء الدرجة
-1من رسالة سيدنا عمر بن الخطاب إىل أيب األشعري قايض الكوفة.
-ملزيد من اإليضاح حول هذه الرسالة ا ُنظر :أحمد سحنون ،رسالة القضاء ألمري املؤمنني عمر بن الخطاب ،ريض الله عنه ،دراسة توثيق
وتحقيق( ،إ .م .غ .م) ،الطبعة األوىل .2991
-2استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب الجزء األول ،حق االستئناف ،مطبعة األمنية ،الرباط ،الطبعة األوىل ،ص. 3
-3مجبول اسم مفعول من فعل جبل ،ويقال مجبول عىل فعل الخري أي مطبوع عليه .وجبل الله خلقه .أي خلقه وفطره ،و ُجبل اإلنسان
عىل هذا األمر أي طُبع عليه.
-ا ُن ظر معجم جامل الدين ابن منظور ،لسان العرب ،املجلد الرابع ،مطبعة دار صادر ،2991 ،ص .711
-4روي عن أم سلمة ريض الله عنها ،أن رسول الله صىل الله عليه وسلم قال" :إمنا أنا برش ،وإنكم تختصمون إيل ،ولعل بعضكم أن
يكون ألحن بحجته من بعض ،فأقيض له بنحو ما أسمع ،فمن قضيت له بحق أخيه ،فإمنا أقطع له قطعة من النار".
-5ولقد متت مراعاة األوضاع الخاصة لبعض املتقاضني ،فخُص الغائبون بحق التعرض ،واعرتف للغري بإمكانية االعرتاض عىل األحكام
والقرارات إذا مل يتدخلوا قبل صدورها.
02
0202 40
ً ً
األدنى ،مشكال بذلك – نظام الطعن باالستئناف والنقض – طريقا أو وسيلة إلصالح األحكام والقرارات
َّ
القضائية ،ليس إال.
غير أن األصوات تعالت ونادت بضرورة إدخال تعديل على هذا الهدف ،قصد إعطاء الطعن
باالستئناف والنقض وظيفة جديدة تقوم إلى جانب الوظيفة التقليدية ،وترمى إلى جعلهما وسيلتان
إلنهاء النزاع دون الحاجة للعودة مرة ثانية إلى محاكم األدنى درجة ،6وهو ما استجابت له التشريعات
املسطرية من خالل ابتداعها لنظام التصدي.
أسباب اختيار املوضوع:
بالرغم من أن املشرع املغربي قد عرف نظام التصدي منذ وضع أول قانون إجرائي مدني سنة ،70201
ً َّ
إال أنه لم يستقر على رؤية واضحة بخصوصه ،ذلك أن املشرع كثيرا ما عدل النصوص القانونية
املنظمة له – بل وألغاها في بعض األحيان – كما أن تنظيمه لهذا النظام تميز بنوع من االقتضاب
ً
سواء بالنسبة للتصدي أمام محاكم ثاني درجة 8أو بالنسبة ملحكمة النقض ،9وهو ما إنعكس سلبا على
العمل القضائي والفقهي.
فعلى مستوى العمل القضائي وفي ظل غياب أي تحديد تشريعي للمقررات القضائية القابلة للتصدي،
ودون اإلشارة إلى سلطات محكمة التصدي ودور األطراف أمامها ،فإن مواقف املحاكم تضاربت بشأنه
ولم تستقر على طريقة إعماله أو حاالت اللجوء إليه وما زاد من هذا التعقيد هو طبيعته امللزمة –
-6محمد صابر ،األثر الناقل الستئناف األحكام املدنية يف القانون املد،ي ،أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو ،،وحدة التكوين والبح
يف القانون املد،ي ،جامعة القايض عياض ،تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ،مراتش ،السنة الجامعية ،1020/1009ص .5
-7تانت املادة 132من .،م.م.م.م تنص عىل أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه باالستئناف يجوز لها أن تتصدى
للحكم يف الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للحكم فيها".
-8سنستعمل يف دراستنا هاته عبارة "محاتم ثا،ي درجة" بدل عبارة "محكمة االستئناف" والتي ميكن أن يفهم منها أن التصدي قارص
عىل محاتم االستئناف العادية ،دون نظريتها محاتم االستئناف اإلدارية ومحاتم االستئناف التجارية ،بل إن هذا النظام مخول حتى
للغرفة االستئنافية باملحكمة االبتدائية ،لذلك فإننا نفضل استعامل العبارة األوىل ،ألنها تشمل جميع الجهات القضائية املخول لها نظام
التصدي.
-9سيالحظ القارئ أننا نستعمل يف بعض األحيان مصطلح املجلس األعىل والحال أن املرشع عوض هذا املصطلح مبصطلح محكمة
النقض ،وذلك مبوجب القانون رقم 55لسنة 1022املتعلق مبحكمة النقض ،واملغري مبوجبه الظهري الرشيف رقم 2-51-113الصادر يف ربيع
األول 11( 2311سبتمرب )2951بشأن املجلس األعىل ج .ر.ع ، 2959 .بتاريخ 12أتتوبر ،1022ص ،5115والسبب يف ذلك هو أن
النصوص القانونية ال تزال تتحدث عن املجلس األعىل
رغم تغيري التسمية ،فضالً عن أن عددا ً من القرارات التي أوردناها يف هذه الدراسة ترجع إىل مرحلة ما قبل تغيري التسمية سنة .1022
03
0202 40
َّ
بالنسبة ملحاكم ثاني درجة – إذ أن املحكمة تكون ملزمة بالتصدي إذا ما تحققت شروطه وإال كانت
منكرة للعدالة.10
أما على مستوى العمل الفقهي فإن املالحظة األساسية التي نسجلها هي فراغ الخزانة القانونية املغربية
َّ
من أي مرجع متخصص في دراسة هذا النظام اللهم بعض اإلشارات في بعض املراجع والتي تناولته
كأثر من آثار الطعن باالستئناف فقط ،والسبب في ذلك – حسب اعتقادنا – هو موقف املشرع املتردد
ً
بخصوصه ،ذلك أن مشرعنا املغربي كثيرا ما يتدخل لتعديل النص القانوني املنظم له .وهو ما ال
يشجع الباحثين على دراسته ،مخافة أن تصبح دراساتهم في حكم العدم بمجرد أول تعديل تشريعي،
خاصة بالنسبة لتصدي محكمة النقض الذي ال يكتفي املشرع بتغيير النص القانوني املنظم له بل
يلغيه.
غير أن أهم سبب دفعنا إلى اختيار هذا املوضوع هو ظاهر هذا النظام الذي يتسم بالبساطة وهي
البساطة التي تخفي ورائها أسئلة جوهرية تتسم بالتعقيد وتفصح عن األهمية التي يتميز بها.
لكل هذه األسباب ،فإننا اخترنا الغوص في بحث نظام التصدي كأول دراسة متخصصة فيه في املغرب،
ً
آملين أن تكون هذه الدراسة نقطة بدء ألبحاث تأتي بعدها أكثر عمقا ،لإلملام بالجزئيات ودقائق
األمور ،والستكمال اإلجابة عن األسئلة التي سنطرحها ،والتي مهما اتسعت – اإلجابة – فإنها لن
تستطيع اإلحاطة بكل جوانب نظام التصدي املتشعبة.
أهمية املوضوع
إن موضوع التصدي في ق.م.م ،وعلى غرار باقي مواضيع القانون اإلجرائي املدني ،ال يخلو من أهمية
قانونية واقتصادية واجتماعية ،ويتجلى ذلك من خالل ما يلي:
* األهمية القانونية :وتتجلى في القصور التشريعي الذي يعرف تنظيم هذا النظام في ق.م.م.م ولذلك
فإن الغاية من هذه الدراسة هي الخروج بتوصيات واقتراحات تحث املشرع على التدخل من أجل
ً ً ً
تنظيم هذا النظام تنظيما شامال حاسما لكل اإلشكاالت التي يطرحها على مستوى العمل القضائي
والفقهي.
* األهمية االقتصادية :والتي تتمثل في أن تخويل محكمة الطعن سلطة حسم النزاع بالتصدي
للقضية دون إحالتها يؤدي إلى االقتصاد في نفقات التقاض ي ،ذلك أن عدم تخويل سلطة التصدي
للمحكمة سيحتم عليها إحالة امللف من جديد على محكمة اإلحالة وهو ما يترتب عنه الزيادة في نفقات
التقاض ي وهدر الوقت واإلجراءات سواء بالنسبة للمتقاضين أو بالنسبة ملرفق القضاء.
-10ينص الفصل 391من .،م.م.م عىل أنه "يعترب القايض منكرا للعدالة إذا رفض البت يف املقاالت أو أهمل إصدار األحكام يف القضايا
الجاهزة بعد حلول دور تعيينها يف الجلسة".
04
0202 40
ً
* األهمية االجتماعية :إن األهمية االجتماعية لنظام التصدي تتجلى أساسا في تدعيم ثقة األفراد في
مرفق القضاء ،لكون الشخص ال يلجأ إلى املحاكم للحصول على حكم يتعلق بحق إجرائي ،وإنما
للحصول عن طريق اإلجراءات على الحماية القضائية لحق موضوعي ،وبالتالي ال يجوز أن تؤدي
ً ً
اإلجراءات إلى ضياع الحقوق أو تأخير البت فيها أو جعل الحصول عليها مكلفا إعماال بمبدأ عدالة قليلة
النفقات ،يسيرة اإلجراءات.
نطاق البحث:
بادئ ذي بدء وحتى ال يقع أي لبس قد يوحي به عنوان الرسالة ،فإننا نبادر إلى القول أن دراستنا لن
تتناول كل حاالت التصدي في ق.م.م.م ،بل إننا سنقتصر فقط على حاالت تصدي محاكم ثاني درجة
وحاالت تصدي محكمة النقض للقضايا الصادر بشأنها أحكام وقرارات قضائية دون تصدي محاكم
ثاني درجة للقضايا التي نظر فيها املحكمين.11
ً
ونظرا للطبيعة الخاصة للموضوع وارتباطه الوثيق بالواقع العملي ،فإننا سنحاول الخروج عن الدراسة
الوصفية النظرية إلى الدراسة العملية التطبيقية املستوحاة من صميم العمل القضائي ،كما سنحاول
جعل هذه الدراسة دراسة مقارنة من خالل التركيز على مقتضيات التشريع الفرنس ي واملصري،
باإلضافة إلى مواقف محكمة النقض بخصوص نظام التصدي في ظل التشريعين معا.
صعوبات البحث:
البد من اإلشارة إلى أنني أثناء إعداد هذا العمل واجهتني صعوبات عديدة لعل أبرزها:
قلة املراجع الخاصة والدراسات األكاديمية من رسائل وأطروحات ومقاالت املتخصصة في
املوضوع ،والتي يمكن االعتماد عليها كأساس للبحث.
ً ً
تشعب فروع هذا املوضوع ،وهو ما جعلنا نقض ي وقتا طويال في جمع شتاته ،وأوقعنا في خطأ
الكم والذي حاولنا – قدر اإلمكان – تفاديه.
ً
التغييرات التشريعية املتتالة لهذا النظام خصوصا في التشريع املغربي والفرنس ي ،كان آخر
سنة ،9102مما ألزمنا بضرورة تحيين املراجع – على قلتها – التي تناولت املوضوع باقتضاب.
ندرة العمل القضائي بالنسبة لتصدي محكمة النقض.
-11عىل اعتبار أن املرشع املغريب أوجب عىل محاتم ثا،ي درجة البت يف جوهر النزاع إذا ما أبطلت الحكم التحكيمي وذلك مبوجب
الفصل 31-311من .،م.م.م والذي جاء فيه "إذا أبطلت محكمة االستئناف الحكم التحكيمي تبت يف جوهر النزاع يف إطار املهمة
املسندة إىل الهيئة التحكيمية ،ما مل يصدر حكم باإلبطال لغياب اتفا ،التحكيم أو بطالنه".
05
0202 40
إشكالية املوضوع:
غني عن البيان أن النظام القضائي املغربي يقوم على مبدأ التقاض ي على درجتين والذي يعطي
للشخص الحق في طرح نزاعه أمام محكمة الدرجة األولى ،وبعد بتها في النزاع يكون من حقه طرحه من
جديد أمام محكمة الدرجة الثانية التي تكون ملزمة بالبت في حدود ما تم الفصل فيه من قبل قضاة
ً
الدرجة األولى إعماال ملبدأ األثر الناقل لالستئنافُ ،ويخول لقاض ي الدرجة الثانية في سبيل ذلك نفس
الصالحيات التي كان يتمتع بها قاض ي الدرجة األولى.
ً َّ
إال أن هذا األثر الناقل قد يكون نطاقه محدودا في إطار معين ،بحيث ال يتعداه إلى جميع عناصر
القضية ،فاقتصار محكمة الدرجة األولى على البت في شكل الدعوى فقط ،يلزم محكمة ثاني درجة
ً
عند نظرها في النزاع بالبت في حدود ما تم الفصل فيه ابتدائيا ،أي والحالة هذه تقتصر فقط على نظر
الجانب الشكلي للدعوى ،دون موضوعها الذي لم ينظر فيه قاض ي الدرجة األولى ،حتى ال يحرم
الطاعن من درجة من درجات التقاض ي ،ألن بت محكمة الدرجة الثانية – في هذه الحالة – في موضوع
الدعوى الذي لم يفصل فيه قاض ي الدرجة األولى لبته في شكلها فقط فيه تفويت عليه على درجة من
ً
درجات التقاض ي .وبذلك فإن قاض ي الدرجة الثانية بعد بته في شكل الدعوى يكون ملزما بإعادة
ً
موضوع الدعوى إلى قاض ي الدرجة األولى ليفصل فيه ،احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين واألثر الناقل
لالستئناف وهو ما يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات.
ولتفادي إطالة هذا األمد فقد أوجدت التشريعات نظام التصدي الذي أصبح بمقتضاه ملحكمة الطعن
إمكانية نظر موضوع الدعوى وإن لم يتم نظره من قبل قضاة الدرجة األولى وهو ما فيه تفويت على
ً
واعتداء على مبدأ األثر الناقل والتقاض ي درجتين مما طرح معه الخصوم لدرجة من درجات التقاض ي،
ً
التساؤل حول الغاية من سن هذا النظام؟ وهل هو نظام جاء بديال عن األثر الناقل أم ال؟ وإذا كان
ً
الجواب بالنفي ،فما هي الحدود الفاصلة بينهما خصوصا في ظل طبيعتهما امللزمة؟ وما املقصود
بجاهزية الدعوى ،كشرط وجوب التصدي؟ ومتى تكون الدعوى جاهزة؟ وما هي األحكام املطعون فيها
القابلة للتصدي؟ باإلضافة إلى ذلك فإن املشرع ميز في الفصل 041من ق.م.م.م بين مصطلحي اإللغاء
واإلبطال وهو ما يدعونا إلى البحث عن الفرق بين املصطلحين؟ ومتى يجب على املحكمة أن تستعمل
أحدهما دون اآلخر؟ وما هي سلطات محكمة التصدي؟ وما هو دور األطراف أمامها؟ وهل لتصديها تأثير
على قبول تدخل الغير في الدعوى وإدخاله؟
ويوجد على رأس الهرم القضائي املغربي محكمة للنقض يقتصر دورها فقط على مراقبة مدى حسن
تطبيق محاكم املوضوع للقانون ،فتعتبر بذلك – محكمة النقض – محكمة قانون وليس واقع ،فهي ال
تفصل في وقائع النزاع .إذ عليها إذا ما نقضت الحكم أو القرار أن تحيله إما على املحكمة املصدر له أو
َّ
إلى محكمة أخرى من نفس درجتها ،إال أن املشرع املغربي خرج هذا األصل وأجاز ملحكمة النقض
06
0202 40
إمكانية التصدي للقضية ،بشروط محددة وهو ما أثار إشكالية تأثير هذه الرخصة أو الحق على
طبيعتها كمحكمة قانون؟ فهل تتحول محكمة النقض نتيجة ذلك إلى محكمة واقع أم أن ذلك ال تأثير
له على طبيعتها األصلية؟ وهو إشكال تتفرع عنه عديد األسئلة الفرعية من قبيل شروط ممارسة هذا
الحق؟ وهل هي شروط متالزمة ال يغني توفر أحدها عن اآلخر؟ وإذا كانت محكمة النقض ملزمة عند
تخلفها –الشروط –بضرورة إحالة الدعوى إلى محكمة اإلحالة؟ فإننا نتساءل عن سلطات محكمة
اإلحالة وما هي القيود الواردة عليها؟ وما مدى إمكانية الطعن في قراراتها وقرارات محكمة النقض
القاضية بالنقض والتصدي؟
خطة البحث:
حتى نتمكن من اإلحاطة بكل جوانب املوضوع ونجيب على كل اإلشكاالت واألسئلة الجزئية املطروحة،
فإننا سنقسم موضوعنا إلى فصلين رئيسيين ،نخصص أولهما للحديث عن تصدي محكمة ثاني درجة
ً
للبت في القضية من خالل الوقوف عند شروط التصدي بدءا من شرط إبطال أو إلغاء الحكم
املطعون فيه ،وذلك بتبيان الفرق بين مصطلحي اإلبطال واإللغاء ،واألحكام القابلة للتصدي ،ثم شرط
جاهزية الدعوى ،الذي سنحاول استجالء مفهومه وحاالت تحققه ،باإلضافة إلى القوة امللزمة لقرارات
محاكم ثاني درجة القاضية باإلرجاع ملحاكم أول درجة ،عند تعذر التصدي لتخلف أحد شروطه ،قبل
أن ننتقل للتطرق إلى آثار تصدي محكمة ثاني درجة ،وذلك بالحديث عن سلطاتها عند ممارسة واجبها
في التصدي للقضية ،ودور أطراف الخصومة أمامها مختتمين هذا الفصل باإلجابة عن سؤال مدى
تأثير تصديها على قبول طلبات التدخل واإلدخال.
في حين نخصص ثاني الفصول لتصدي محكمة النقض ،حيث سنحاول –قدر اإلمكان –اإلحاطة بكل
اإلشكاالت التي يثيرها هذا النظام أمامها وخاصة تأثيره على طبيعتها كمحكمة قانون وحاالت تصديها
للبت في القضية وشروط ذلك على أن نختم هذا الفصل بالحديث عن الطعن في قراراتها القاضية
بالنقض والتصدي ،وعن سلطات محكمة اإلحالة والقيود الواردة عليها.
ولقد رأينا أن نمهد لكل هذا بفصل تمهيدي نخصصه لدراسة التنظيم القانوني لنظام التصدي
ومفهومه وخصائص ثم أسسه ونطاقه.
ً
وتبعا لذلك فإن خطة البحث ستكون وفق التالي:
07
0202 40
-12ألن إلغاء حكم بت يف موضوع الدعوى يلزم محاتم ثا،ي درجة بالفصل يف النزاع دون إرجاع امللف إىل املحكمة املصدرة له إعامالً
لألثر الناقل الذي يلزم محاتم االستئناف بالبت يف حدود ما تم الفصل فيه ابتدائياً.
-13محمد صابر ،م .س ،ص .152
08
0202 40
09
0202 40
21
0202 40
العدالة تقتض ي إعطاء حل نهائي للقضية ،وذلك بعد أن تأمر من تلقاء نفسها بإتخاذ ما يلزم من
إجراءات التحقيق"14.
ً ً
ولقد عرف نظام تصدي محكمة ثاني درجة للموضوع في ظل التشريع الفرنس ي تطورا ملحوظا ،فبعدما
ّ
كان املشرع الفرنس ي ال يجيز ملحكمة ثاني درجة التصدي إال إذا ألغت الحكم املطعون فيه وكانت
الدعوى جاهزة للبت فيها مع بتها في النزاع بحكم واحد ،وذلك بمقتض ى املادة 15421من ق.م.م.ف.ق،
جاءت تعديالت مرسوم 0229لتلغي كل هذه الشروط ،إذ أصبح ملحكمة ثاني درجة بمقتض ى هذا
املرسوم الحق في التصدي ملوضوع النزاع ،سواء ألغت الحكم املستأنف أو أيدته ،مع تخويلها سلطة
اللجوء إلى إجراءات التحقيق لتجهيز القضية في حالة عدم جاهزيتها .وهي الصيغة التي انتهى إليها
قانون املسطرة املدنية الفرنس ي الحالي بمقتض ى املادة ،16815قبل تعديل هذه األخيرة ليصبح نظام
F «Lorsque la cour d’appel infirme ou annule un jugement qui a ordonné une mesure .568 du N.C.P.C Art -14
d’instruction, ou qui, statuant sur une exception de procédure, a mis fin à l’instance, elle peut évoquer les points
donner à l’affaire une solution définitive, après avoir ordonné elle- non jugés si elle estime de bonne justice de
» ..même, le cas échéant, une mesure d’instruction.
-15تانت املادة 713من .،م.م.ف ،.تنص عىل ما ييل "عند استئناف حكم متهيدي ،ويف حالة إلغائه ،وعندما تكون القضية قابلة
لحل نهايئ ،يجوز ملحاتم االستئناف البت يف جوهر النزاع تذلك وبحكم واحد ،ويرسي نفس الحكم تذلك يف الحاالت التي تلغي
فيها محكمة االستئناف حكامً قطعيا ً ِ
لعيب شكيل أو ألي سبب آخر" ترجمة عبد العزيز حرضي ،استئناف األحكام املدنية يف الترشيع
املغريب ،م .س ،ص .117والنص بلغته األصلية ينص عىل ما ييل:
« lorsqu’il y aura appel d’un jugement interlocutoire. Si le jugement est infirme, et que lé matière est disposée à
recevoir une décision définitive, les cours d’appel et autres tribunaux d’appel pourront statuer en même temps sur
le fond définitivement par un seul et même jugement, il ne sera de même dans le cas où les cours d’appel et
d’autres tribunaux d’appel infirmeraient, soit pour vice de forme, soit pour toute autre cause des jugements
»définitifs.
-16تانت املادة 525من .،م.م.ف قبل تعديلها تنص عىل ما ييل "عندما يرد االستئناف عىل حكم أمر باتخاذ إجراء من إجراءات
التحقيق ،أو حكم بت يف دفع شكيل ،ووضع نهاية للخصومة ،ميكن ملحكمة االستئناف أن تتصدى لجميع املسائل التي مل يتم الفصل
فيها إذا رأت أن مصلحة العدالة تقتيض إعطاء حل نهايئ للقضية ،وذلك بعد أن تأمر من تلقاء نفسها باتخاذ ما يلزم من إجراءات
التحق يق" ترجمة عبد العزيز حرضي ،استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب ،م .س ،الجزء الثا،ي ،ص .112والنص بلغته
األصلية ينص عىل ما ييل:
« Lorsque la cour d’appel est saisi d’un jugement qui a ordonné une mesure d’instruction, ou d’un jugement qui
statuant sur une exception de procédure a mis fin à l’instance, elle peut évoquer les points non jugés si elle estime
de bonne justice de donner à l’affaire une solution définitive, après avoir ordonné elle-même le cas échéant une
» mesure d’instruction.
20
0202 40
ً
التصدي جائزا فقط في حالة اإللغاء أو اإلبطال دون حالة تأييد الحكم املطعون فيه باالستئناف،
وذلك بمقتض ى املادة 09من مرسوم رقم 9102-520الصادر بتاريخ 1ماي .9102
-17تانت املادة 310من قانون املرافعات األصيل امللغى تنص عىل أنه "إذا حكمت املحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف بإبطال حكم
من األحكام التمهيدية وتانت الدعوى األصلية صالحة للحكم فيها جاز للمحكمة أن تطلب الدعوى املذتورة وتحكم فيها".
-18أما املادة 312فقد تانت تنص عىل أنه "ويجوز ذلك أيضا للمحكمة إذا حكمت بإبطال حكم صادر يف مسألة االختصاص أو طلب
اإلحالة منها عىل محكمة أخرى بسبب إقامة الدعوى بها أو دعوى أخرى مرتبطة بها وتانت الدعوة األصلية صالحة للحكم فيها".
-19فتحي وايل ،الوسيط يف قانون القضاء املد،ي ،مطبعة جامعة القاهرة ،طبعة ( ،2993ع .ط .غ .م) ،ص 52وما بعدها.
-20جاء يف قرار صادر عن محكمة النقض أنه "أن حكم محكمة االستئناف يكون باطال إذا تصدت للموضوع وترتب عىل ذلك تفويت
درجة من درجات التقايض وال يزيل ذلك البطالن عدم متسك الطاعن أمامها بطلب إعادة القضية إىل محكمة الدرجة األوىل وذلك ألن
مبدأ التقايض عىل درجتني من النظام العام ال يجوز للخصوم النزول عليه" نقض 2917-5-13أورده أنور طلبة ،الطعن باالستئناف
والتامس إعادة النظر ،دار نرش الثقافة العربية( ،ع.س .ط .غ .م) ،ص .577
22
0202 40
-21نظم املرشع املغريب تصدي محكمة ثا،ي درجة يف املادة الجنائية مبقتىض املادة 702من .،م.ج.م والتي تنص عىل أنه "إذا ألغي
الحكم بسبب خر ،اإلجراءات الشكلية التي يقررها القانون ،أو بسبب اإلغفال ،ومل يقع تدارك األمر تالفيا للبطالن ،فإن هيئة
االستئناف تتصدى للقضية وتبت يف جوهرها.
وتتصدى تذلك يف حالة إلغاء حكم رصحت مبقتضاه محكمة الدرجة األوىل خطأ باختصاصها أو بعدم اختصاصها محلياً ".ملزيد من
اإليضاح حول نظام التصدي يف املادة الجنائية ،ا ُنظر أيوب الفريني ،نظام التصدي يف املادة الجنائية ،مقال منشور مبجلة مسارات عدد
،5 – 7سنة ،1025ص 707وما بعدها.
-22تان الفصل 132من .،م.م.م ،.ينص عىل أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه ،يجوز لها التصدي للحكم يف
الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للحكم فيها".
-23ظهري رشيف رقم 2.22.275بتاريخ 22رمضان 21( 2731أغسطس )1022ج .ر .ع 5915بتاريخ 2شوال 5( 2731سبتمرب ،)1022ص
.7352
-24ظهري رشيف مبثابة قانون رقم 2.17.335بتاريخ 17جامدى الثانية 25( 2397يوليوز )2917يتعلق بالتنظيم القضايئ للمملكة ج .ر .ع
3110بتاريخ 12جامدى الثانية 21( 2397يوليوز ،)2917ص .1011
-25تنص الفقرة األخرية من الفصل 1من .،ت ،.عىل أنه "تحدث باملحاتم االبتدائية ،مبا فيها املصنفة ،غرف االستينافات تختص
بالنظر يف بعض االستينافات املرفوعة ضد األحكام الصادرة عنها ابتدائيا".
23
0202 40
ً
يعدل قانون املسطرة املدنية لسنة ،0224وفق هذا املستجد ،وهو ما تم فعال بمقتض ى القانون رقم
18لسنة 910127والذي حدد بموجبه املشرع املغربي اختصاصات هذه الغرف واملسطرة أمامها ،كما
ألزمها بنظام التصدي عند إلغائها أو إبطالها الحكم املطعون فيه أمامها وكانت الدعوى جاهزة للبت
فيها وهكذا أضيفت عبارة "غرفة االستينافات" في صلب الفصل 041من ق.م.م.م في صيغته الحالية
واملشار إليها أعاله.
وبهذا نخلص إذن إلى أن التشريعات اختلفت في تنظيمها لنظام التصدي أمام محكمة ثاني درجة،
ً
فاملشرع املصري منعه احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين ،بينما أجازه املشرعان الفرنس ي واملغربي ملا
واقتصاد في النفقات ،غير أن هذه اإلجازة ال تعني االتفاق على طبيعة هذا
ٍ ائية
سرعة إجر ٍ
ٍ يحققه من
ً
النظام ،ذلك أن املشرع الفرنس ي أضفى عليه الصفة االختيارية ،في حين جعله املشرع املغربي واجبا
ً
يقع على عاتق محاكم ثاني درجة ،ليبقى السؤال املطروح هو هل هذا االختالف لحق أيضا حتى
التصدي أمام محكمة النقض؟ وهو ما سنحاول اإلجابة عنه في الفقرة املوالية.
-26يراد باملحاتم االبتدائية املصنفة املحاتم االبتدائية املدنية واملحاتم االبتدائية االجتامعية واملحاتم االبتدائية الزجرية وهو ما تنص
عليه الفقرة السابعة من الفصل 1من .،ت ،.والتي جاء فيها "ميكن تصنيف املحاتم االبتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص
بالنظر فيها إىل محاتم ابتدائية مدنية ومحاتم ابتدائية اجتامعية ومحاتم ابتدائية زجرية".
-27ظهري رشيف رقم 2.22.279بتاريخ 16من رمضان17)2731أغسطس،(1022ج.ر.ع 5915 ،بتاريخ 2شوال 1432
)5سمتمرب(1022ص.7351
-28قلنا تقاعدة عامة ألن املرشع الفرنيس خول ملحكمة النقض إمكانية نقض القرار دون إحالة يف حاالت خاصة استنادا ً إىل مقتضيات
املادة 211من .،م.م.ف.ج والتي تنص عىل أنه:
3 du - « La cour de cassation peut casser sans renvoyer l’affaire dans les cas et conditions, prévues par l’article L.441
» code de l’organisation judiciaire.
وتنص املادة 722-3املحال عليها مبقتىض هذه املادة عىل ما ييل:
24
0202 40
جل القوانين املنظمة ملحكمة النقض الفرنسية منذ نشأتها ،29فإن هذه املحكمة في ظل التشريعين
املصري واملغربي ،إن كانت تعتبر كأصل محكمة قانون ،فإنها تتحول مع ذلك في حاالت استثنائية إلى
محكمة واقع ،عند تصديها ملوضوع النزاع.
ولذلك فإن حديثنا عن التنظيم التشريعي لتصدي محكمة النقض للقضية سيقتصر فقط على
التشريع املصري (أوال) والتشريع املغربي (ثانيا).
« La cour de cassation peut casser sans renvoie lorsque la cassation n’implique pas qu’il soit à nouveau statué sur le
fond.
Elle peut aussi, en matière civile, statuer au fond lorsque l’intérêt d’une bonne administration de la justice le
» …justifie
ولقد حاول البعض االستناد إىل مقتضيات املادة 211املشار إليها للقول بحق محكمة النقض يف التصدي إالَّ أننا ال نؤيد هذا التوجه ألن
املرشع يف هذه املادة استعمل عبارة "نقض دون "إحالة" " "Peut casser sans renvoyerومل يستعمل مصطلح "تصدي" " Peut
"évoquerإدراتاً منه – حسب اعتقادنا – ملضمون هذا املصطلح وخصوصيته بل األترث من ذلك فإن محكمة النقض الفرنسية مل
تستعمل هذه السلطة املخولة لها مبقتىض املادة 211من .،م.م.ف حتى ال تقو بدور ليس لها وتتحول بذلك إىل محكمة موضوع .ملزيد
من اإليضاح حول تصدي محكمة النقض الفرنسية ا ُنظر :نبيل إسامعيل عمر ،الوسيط يف الطعن بالنقض ،دار الجامعة الجديدة للنرش،
( ،1002ع .ط .غ .م) ،ص 721وما يليها.
-29جاء يف الفصل 3من قانون 11نوفمرب 2190املنشئ ملحكمة النقض ما ييل "تبطل محكمة النقض سائر اإلجراءات التي خولف فيها
الشكل وتذلك سائر األحكام التي تضمنت مخالفة رصيحة لنصوص القانون ،وليس لتلك املحكمة مطلقاً وألي سبب تان أن تتعرض
ملوضوع الدعوى ".ترجمة محمد الكشبور يف مقال :وضعية املجلس األعىل بني محاتم النقض يف الترشيعات املقارنة ،منشور باملجلة
املغربية لقانون واقتصاد التنمية ،عدد 21لسنة ،2955ص .19والنص بلغته األصلية ينص عىل:
" il annulera toutes procédures dans lesquelles les formes auront été violé et toute jugement qui est en
contravention expresse aux textes de la loi, sous aucun prétexte et en aucun cas, le tribunal ne pourra connaître du
» fond des affaires.
25
0202 40
حالتين30 ويتضح من خالل هذه الفقرة أن املشرع املصري ألزم محكمة النقض بالتصدي للموضوع في
هما:
ً
الحالة األولى :إذا نقضت الحكم وكان املوضوع صالحا للفصل فيه ،وهي حالة شبيهة بحالة تصدي
محكمة ثاني درجة في ظل التشريع املغربي الذي استلزم شرط الجاهزية ،ولقد ذهب األستاذ عبد
العزيز خليل في تعليقه على هذه الفقرة إلى القول بأن املشرع املصري أعطى 31ملحكمة النقض إذا
ً ً ً
نقضت حكما وكانت الدعوى صالحة للفصل فيها بأن تكون وقائعها ثابتة وال تتطلب بحثا جديدا ،أن
تتصدى للموضوع وتحكم فيه ولكن يجب أن يكون النقض بسبب خطأ في القانون سواء في تطبيقه أو
في تأويله ،فليس لها أن تتصدى إذا كان نقض الحكم لعدم االختصاص ،إذ في هذه الحالة تكون
محكمة املوضوع لم تستنفد واليتها بعد ،ويكون تصدي محكمة النقض فيه تفويت على ذوي الشأن
لدرجة من درجات التقاض ي.32
الحالة الثانية :الطعن بالنقض للمرة الثانية ،و املالحظة األساسية التي نسجلها بخصوص هذه
الحالة ،هي أن املشرع لم يستلزم كون القضية صالحة للفصل فيها إذ بمجرد حصول الطعن للمرة
الثانية تكون محكمة النقض ملزمة بالحكم في املوضوع ،حتى ولو كانت القضية بحاجة إلى إجراء من
إجراءات التحقيق ،وتحصل هذه الحالة – الطعن للمرة الثانية – في الحالة التي تقوم محكمة النقض
بنقض الحكم املطعون فيه وتحيل امللف إلى محكمة اإلحالة لكي تفصل فيه في ضوء ما بتت فيه
محكمة النقض ،غير أن محكمة اإلحالة ال تتقيد بما قررته محكمة النقض ،فيقوم صاحب املصلحة
بالطعن في قرار محكمة اإلحالة إذ في هذه الحالة يحصل الطعن للمرة الثانية ،وتكون محكمة النقض
ً ً
ملزمة بالتصدي تفاديا لطول اإلجراءات وحسما للنزاع.
26
0202 40
ولقد نظم املشرع املغربي تصدي محكمة النقض بمقتض ى املادة 3402من ق.إ.م.إ.إ والتي خول
بمقتضاها املشرع لهذه املحكمة إمكانية التصدي للبت إذا كانت القضية جاهزة وذلك في حالة نقضها
لقرار صادر في دعوى اإللغاء ،واملالحظ أن املشرع حافظ على الشرط الجوهري لنظام التصدي هو
شرط الجاهزية املستلزم أيضا بمقتض ى الفصل 041من ق.م.م.م.ح املنظم لتصدي محاكم الدرجة
الثانية ،وإن كان الفارق هو أن تصدي محكمة النقض مجرد خيار بينما تصدي محكمة الدرجة الثانية
واجب.
وحق محكمة النقض في التصدي للقضية تم سنه ألول مرة بمقتض ى الفقرة األخيرة من املادة 91من
ظهير 92شتنبر 0282املحدث للمجلس األعلى ،35والتي أجازت للغرفة اإلدارية باملجلس األعلى إمكانية
ً ً
التصدي للقضايا اإلدارية ،إذا ما نقضت حكما قضائيا ،36غير أنه وبصدور ق.م.م لسنة ،0224أحدث
ً ً
املشرع املغربي تغييرا جذريا بنظام التصدي أمام محكمة النقض ،وذلك بمقتض ى الفصل 115من
ق.م.م حيث وسع من نطاق هذا النظام ليشمل القضايا اإلدارية واملدنية مع تغيير طبيعته من رخصة
إلى التزام ،حيث جاء في الفصل املذكور أنه "إذا نقض املجلس األعلى الحكم املعروض عليه ،واعتبر أنه
ً
يتوفر على جميع العناصر الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع بحكم سلطتهم تعين عليه اعتبارا لهذه
ً
العناصر وحدها التي تبقى قائمة في الدعوى ،التصدي للقضية والبت فورا في موضوع النزاع أو في
النقط التي استوجبت النقض".
َّ
إال أن هذا التغيير في طبيعة التصدي ونطاقه لم يلق استحسان بعض املمارسين في املجال القانوني،
ألنه حسب اعتقادهم يحول محكمة النقض إلى درجة ثالثة من درجات التقاض ي ،ونادوا بضرورة
ً
العدول عنه ،وهو ما استجاب له املشرع املغربي فعال ،وذلك بمقتض ى القانون رقم 14لسنة ،370259
والذي ألغى الفصل 115من ق.م.م.م ،املشار إليه أعاله ،قبل أن يعود املشرع إلى األصل بإعادة إجازته
نظام التصدي للغرفة اإلدارية باملجلس األعلى ،وذلك في حالة إلغائها لقرار صادر في دعوى اإللغاء كما
توضح ذلك املادة 02من ق.إ.م.إ.إ السالفة الذكر ،غير أن املشرع لن يقف عند هذا الحد بل سيعيد
-34تنص املادة 21من .،إ.م.إ.إ عىل أنه "ميكن للمجلس األعىل عند الترصيح بنقض قرار صادر يف دعوى اإللغاء أن يتصدى للبت إذا
تانت القضية جاهزة".
-35ظهري 2.51.113بتاريخ 1ربيع األأل 11( 2311شتنرب )2951املتعلق باملجلس األعىل ،ج .ر .ع 1371الصادرة بتاريخ 13ربيع األول
25( 2311أتتوبر ،)2951ص .2325
-36جاء يف الفقرة األخرية عن املادة 13من ظهري 11شتنرب 2951ما ييل "ويف القضايا املعروضة عىل الغرفة اإلدارية ميكن للمجلس
األعىل إذا ما نقض حكامً قضائيا ً إما أن يحيل القضية عىل محكمة أخرى طبق الرشوط املنصوص عليها سابقا وإما أن يتصدى لها
ويبت هو بنفسه نهائيا".
-37ظهري رشيف رقم 2.51.22بتاريخ 11من ربيع األول 20( 2727سبتمرب ،)2993ج .ر .ع 7115 .بتاريخ 7جامدى األوىل 10( 2727
أتتوبر ،)2993ص .1031
27
0202 40
تنظيم التصدي ليشمل مرة أخرى القضايا املدنية واإلدارية مع الحفاظ هذه املرة على طابعه
ً
االختياري ،وفقا ملا تنص عليه املادتين 38112-0و 39112-9من مشروع ق.م.م.م.
-38تنص املادة 329-2من م.م.،.م.م.م عىل أنه "ميكن ملحكمة النقض عند نقضها حكام أو قرارا تليا أو جزئيا أن تتصدى للبت يف
القضية بالرشوط التالية:
-أن يكون الطعن قد وقع للمرة الثانية.
-أن تتوفر عىل جميع العنارص الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع".
-39جاء يف املادة 329-1من م.م.،.م.م ما ييل "ميكن للمحكمة القض عند الترصيح بنقض قرا صادر يف دعوى اإللغاء أن تتصدى
للبت إذا تان القضية جاهزة".
28
0202 40
ملح كمة االستئناف للبت في مجموع النزاع عند عجز األثر الناقل عن تحقيق هذه الغاية ،41وهو كذلك
الحق املخول ملحكمة االستئناف وبمقتضاه يجوز لها متى ألغت الحكم االبتدائي املعروض عليها أن
تتعرض لجوهر النزاع ،وتبت فيه بصفة نهائية.42
وإذا كان ما ذهب إليه األستاذان Vincent et Guinchardينسجم مع مقتضيات التشريع الفرنس ي
والذي جعل من نظام التصدي مجرد رخصة ،فإنهما لم يستحضرا مع ذلك التغيير الذي لحق هذا
النظام ،ألن املشرع الفرنس ي ،لم يعد يلزم محاكم ثاني درجة بالبت في االستئناف بمقتض ى حكم
واحد ،وذلك عندما أجاز ملحكمة التصدي قبل بتها في املوضوع إمكانية اللجوء إلى إجراءات التحقيق
بمقتض ى املادة 815من ق.م.م.ف.ج.
أما األستاذان حضري والسماحي ،فإننا نعتقد أنهما وقعا أيضا في املحظور ،ألنهما انطلقا في تعريفهما
للتصدي من خصوصية هذا النظام في التشريع الفرنس ي ،حيث عرفاه بأنه رخصة أو حق والحال أن
التصدي في تشريعنا املغربي واجب – بالنسبة ملحاكم الدرجة الثانية ،-وعلى هذا األساس ،فإننا نؤيد
تعريف أستاذنا محمد صابر والذي جاء فيه أن نظام التصدي هو التزام محكمة ثاني درجة بالبت في
الشق من الطلب الذي لم يبت فيه ابتدائيا ،إن هي قامت بإلغاء أو إبطال الحكم املستأنف غير
الفاصل في املوضوع وكانت القضية جاهزة للبت فيها .43فهو تعريف انطلق إذن من خصوصية هذا
ً
النظام في ظل تشريعنا املغربي والذي جعل منه واجبا يقع على عاتق محكمة التصدي كلما ألغت أو
أبطلت الحكم املطعون فيه وكانت القضية جاهزة للبت فيها.44
لكن املالحظة األساسية التي نسجلها بخصوص هذه التعاريف هي أنها اقتصرت على تعريف التصدي
بالنسبة ملحاكم الدرجة الثانية فقط ،والسبب في ذلك هو أنها تعاريف جاءت في أبحاث خصصت
للطعن باالستئناف فقط ،وبما أن موضوعنا يحمل عنوان التصدي في ق.م.م ،فإنه موضوع جامع بين
تصدي محاكم الدرجة الثانية وتصدي محكمة النقض ،مما يفرض علينا وضع تعريف لهذا النظام
يشمل املرحلتين.
وبما أن نظام التصدي بالنسبة ملحاكم الدرجة الثانية واجب ،وبالنسبة ملحكمة النقض رخصة ،فإنه
يمكن تعريف هذا النظام بأنه الواجب أو الحق املخول ملحكمة الطعن – حسب األحوال – بالبت في
29
0202 40
املوضوع إن هي قامت بإلغاء أو إبطال الحكم االبتدائي –محكمة الدرجة الثانية – أو قامت بنقض
القرار االستئنافي – محكمة النقض – وكانت الدعوى جاهزة للبت فيه.
-45وتجدر اإلشارة إىل أن املرشع املغريب حافظ عىل طبيعة نظام التصدي اإللزامية بالنسبة ملحاتم ثا،ي درجة واالختيارية بالنسبة ملحكمة
النقض وذلك يف م.م.،.م.م.م .ا ُنظر الفصول 329-1/329-2/272من م.م.،.م.م.م.
31
0202 40
قضاة الدرجة األولى ،46حتى ولو أدى ذلك إلى عدم التقيد بطلبات املستأنف الذي قد يكتفي في مقاله
االستئنافي بطلب إلغاء أو إبطال الحكم املستأنف.
ً
واستثناء بالنسبة ملحكمة النقض ،ألنه يتيح لها البت في جوهر املوضوع عندما تكون القضية جاهزة
للبت فيها ،وهو ما يؤدي إلى تغيير في وظيفة هذه املحكمة ،إذ يجعلها محكمة موضوع وواقع ،في حين
أن وظيفتها األصلية هي مراقبة مدى حسن تطبيق القانون من قبيل محاكم املوضوع ،دون بتها في
وقائع الدعاوى.
ً
ولعل ما يزكي هذا الطابع االستثنائي لنظام التصدي أيضا سواء بالنسبة ملحكمة ثاني درجة أو محكمة
ّ
النقض ،هو تحديد املشرع لشروطه وحاالته على سبيل الحصر ،إذ ال يمكن اللجوء إليه إال إذا توفرت
إحدى حاالته وتحققت جميع شروطه.
30
0202 40
فيدفعهم ذلك إلى عدم احترام مضمون قرار محكمة الطعن ،ومن ثم مخالفة ما جاء فيه ،ورغبة من
املشرع في تفادي مثل هذه النتائج سن نظام التصدي.
32
0202 40
ً
ق.إ.م.إ.إ املنظم لتصدي محكمة في التشريع املغربي أقل وضوحا لكون ممارسة التصدي استنادا إلى
هذين الفصلين تتم على وجه الخيار وليس الوجوب.
ً ً
كما أن التشريعات أيضا استندت أيضا إلى أساس احترام مشاعر قضاة املحكمة املصدرة للمقرر امللغى
أو املنقوض ،ألنها ربطت التصدي دائما بإلغاء أو إبطال الحكم املستأنف ملحاكم ثاني درجة – التشريع
املغربي والتشريع الفرنس ي – أو بنقض القرار االستئنافي بالنسبة ملحكمة النقض – التشريع املغربي
والتشريع املصري – ذلك أن استلزام شرط اإللغاء أو النقض يكون بدون شك فيه مراعاة ملشاعر
قضاة املحكمة املطعون في قضائها ،وعدم إحراجهم بإرجاع امللف إليهم.
-51تان الفصل 132من .،م.م.م ،,ينص عىل ما ييل "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه باالستئناف يجوزا لها
التصدي للحكم يف الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للحكم فيها".
-52الذي ينص عىل أنه "إذا أبطلت أو ألغت غرفة االستينافات باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه ،وجب عليها
أن تتصدى للحكم يف الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للبت فيها".
-53ملزيد من اإليضاح حول مفهوم األثر الناقل ،ا ُنظر محمد صابر ،م .س ،ص 75وما بعدها.
33
0202 40
S. Guinchard : droit pratique de la procédure civile, Dalloz action, 2001-2002, P. 250. -54
J. Vincent et S. Guinchard :op.cit, P. 212.-55
34
0202 40
ً
فإن التصدي ال يكون واجبا .56كما أن الباحثة زيهور فوزية قد ذهبت إلى القول بأن قرار محكمة
االستئناف بخصوص موضوع الطعن ال يخلو من ثالث احتماالت ،فإما تأييد الحكم املستأنف ،وإما
إلغاءه وإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له ،وإما إلغاءه والتصدي للبت في القضية .ويجب على
محكمة الدرجة الثانية في هذا االحتمال األخير الحكم بإلغاء حكم الدرجة األولى والتصدي ملوضوع
الدعوى بقرار واحد ،إذا رأت أن اإلجراءات واملعامالت التي قامت بها املحكمة االبتدائية تشوبها بعض
النواقص من شأنها أن تغير نتيجة الحكم أو إذا اكتشفت أن الحكم في حد ذاته مخالف للقانون.57
وهكذا يتضح أن سبب عدم تمييز الباحثين بين نظام التصدي واألثر الناقل هو ربطهما بين التصدي
وكل حاالت اإللغاء ،إذ أن بت محكمة ثاني درجة في االستئناف بعد إلغاء الحكم املطعون فيه يكون
ً
دائما استنادا إلى نظام التصدي فقط حسب هذا الرأي ،دون أية إشارة إلى كون االلتزام بالبت في
ً ً
حالة اإللغاء قد يكون استنادا لألثر الناقل أو استنادا لواجب التصدي .وأن الفاصل الجوهري بينهما
هو فصل محكمة الدرجة األولى في املوضوع ،إذ أن إلغاء حكم فاصل في الجوهر يوجب إعمال األثر
الناقل لالستئناف ،أما إلغاء حكم لم يبت في املوضوع ،فإن واجب التصدي هو الواجب التطبيق في
هذه الحالة إذا ما توفرت شروطه.
-56احمد واسمني ،االستئناف يف املادة املدنية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة ،جامعة القايض عياض ،تلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتامعية ،مراتش ،السنة الجامعية ،1002/1000ص .51 – 52
-57زيهور فوزية ،االستئناف الفرعي يف قانون املسطرة املدنية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون املد،ي ،جامعة
القايض عياض ،تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ،مراتش ،السنة الجامعية ،1003/1001ص 203و.207
35
0202 40
حتى ولو تم إلغاء حكم الدرجة األولى .أما إذا تم إلغاء حكم غير فاصل في الجوهر ،فإن واجب
التصدي ينتج مفعوله هنا ،إذا ما توفرت شروطه املنصوص عليها في الفصل 041من ق.م.م.م.58
ونعتقد أن ما ذهب إليه األستاذ عبد العزيز حضري هو عين الصواب ،ألنه لم يجعل أساس قيام نظام
التصدي ،هو إلغاء الحكم املطعون فيه ،بل إنه جعل عدم فصل قاض ي الدرجة األولى في الجوهر هو
ً
األساس املادي لهذا النظام ،ألن إلغاء الحكم املستأنف قد يشكل مرتكزا لقيام نظام التصدي واألثر
ً ً
الناقل معا ،عكس معيار الفصل في الجوهر الذي يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت في النزاع استنادا
إلى األثر الناقل .أما إذا لم يتم هذا الفصل ،فإن نظام التصدي هو الذي يلعب دور حسم النزاع ،في
حالة إلغاء حكم قاض ي الدرجة األولى.
-58عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء الثا،ي ،ص 123وما بعدها.
-59قرار عدد 2127بتاريخ 27نونرب 1025ملف رقم 1025/1105/2255غري منشور.
-60قرار عدد 2739صادر بتاريخ 1025-20-03ملف رقم 1025/1105/230غري منشور.
36
0202 40
والواضح من خالل هذين القرارين أن محكمة الدرجة األولى قد فصلت في موضوع الدعوى ،وبذلك
ً
يكون بت محكمة الدرجة الثانية في الطعن املقدم أمامها بمقتض ى األثر الناقل وليس استنادا إلى
التصدي .غير أننا نعتقد أن حشر مصطلح التصدي في هذين القرارين هو حشر غير مفهوم ألن محكمة
ً
االستئناف اإلدارية بمراكش قد فصلت من خالل القرارين املشار إليهما أعاله في الطعن املقدم استنادا
إلى األثر الناقل وليس إلى التصدي كما توضح ذلك حيثياتهما.
ً
هذا بخالف محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء والتي تفاديا ألي إشكاالت قد عوضت مصطلح
"التصدي" بعبارة "الحكم من جديد" ،عند إلغائها لحكم فصل في الجوهر أو إبطاله ،وهو ما يستفاد
من قرارها عدد 9101/4258والقاض ي بإبطال الحكم املستأنف القاض ي بأداء املدعية مبلغ
89.904.01درهم مع الفوائد من تاريخ الطلب وتحميلها الصائر ،والحكم من جديد بأداء املستأنفة
لفائدة البنك مبلغ 89.904.01درهم مع الفوائد القانونية.61
37
0202 40
وإذا كان ما ذهب إليه املجلس األعلى في القرار األول هو عين الصواب ألن بت قاض ي الدرجة في
ً
موضوع الدعوى يلزم محاكم الدرجة الثانية بالفصل في الطعن استنادا إلى األثر الناقل وليس
التصدي ،فإن ما قض ى به في قراره الثاني هو محل نقاش ،ألنه وإن أجاز ملحكمة االستئناف التصدي
بعد القضاء بعد القبول .فإنه باستقراء مضمون هذا القرار نجد أن محكمة الدرجة الثانية في هذه
الحالة كان يجب عليها إعادة امللف إلى املحكمة املصدرة له بعد إلغائه دون التصدي له ألن الدعوى
كانت غير جاهزة بدليل أنها كانت متوقفة على إجراء خبرة إلعداد مشروع قسمة .وهو أمر غير جائز في
حالة التصدي الذي يستلزم كون القضية جاهزة للبت فيها وال تحتاج إلى أي تحقيق.
املطلب الثاني :عالقة التصدي بقاعدة استنفاد الوالية وال يضار الطاعن من طعنه
ً
يترتب عن صدور الحكم ،خروج النزاع عن والية قاض ي الدرجة طبقا لقاعدة استنفاد الوالية .64فمتى
أصدر القاض ي حكمه في النزاع املعروض عليه ،فإنه يستنفد واليته بشأنه .65وملا كانت املسائل املثارة
أثناء الخصومة كثيرة ومتنوعة ،التصالها باإلجراءات أو بالتحقيق أو باملوضوع ،فإنه من الطبيعي أن
تختلف طبيعة الحكم باختالف هذه املسائل التي صدر الحكم فيها .فإذا ما كانت املسألة موضوعية،
ً ً
فإن الحكم الصادر فيها يكون موضوعيا مستنفدا لوالية املحكمة بشأنها .أما إذا كانت املسألة إجرائية
ً ً
فقط وكان الحكم الصادر فيها إجرائيا ،فإنه يعتبر مستنفدا لسلطة املحكمة بالنسبة لإلجراءات دون
املوضوع ،66لكن هل استنفاد املحكمة لواليتها في إجراءات الدعوى دون موضوعها ،قد يحول دون
ً
إعمال نظام التصدي الذي يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا؟ (الفقرة
األولى).
وإذا كان نظام التصدي يلزم محكمة الطعن بالفصل في الجوهر الذي لم يتم الفصل فيه من قبل
قاض ي الدرجة ،إذا ما توفرت شروط ذلك حتى ولو طلب املستأنف إلغاء الحكم أو إبطاله فقط ،فإن
ذلك قد يثير إشكاالت حول عالقته – التصدي – بمبدأ ال يضار الطاعن من طعنه والذي يعني أن
الطاعن من خالل ممارسته ألي طعن ال يمكن أن يحكم عليه بأكثر مما حكم به عليه الحكم املطعون
فيه أو بأكثر مما طلب في مقاله االستئنافي ،وأن املحكمة ،وهي تنظر في هذا الطعن ،ال يمكن لها يمكن
-64ملزيد من اإليضاح حول مبدأ استنفاد الوالية ،ا ُنظر :محمد صابر ،م .س ،ص 50وما يليها.
-65باستثناء سلطة تأويل أو تصحيح األحكام التي ال تخرج عن والية املحكمة املصدرة للحكم حي ينص الفصل 12من .،م.م عىل أنه
"تختص تل محكمة ،مع مراعاة مقتضيات الفصل 279بالنظر يف الصعوبات املتعلقة بتأويل أحكامها أو قراراتها وخاصة يف الصعوبات
املتعلقة باملصاريف املؤداة أمامها".
-66محمد محمد هاشم ،استنفاد والية القايض املد،ي يف قانون القضاء املد،ي ،سنة ( 50/19إ.ع .ط .غ .م) ،ص .129
38
0202 40
ّ ً
لها ،أخذا بذلك ،إال أن تؤيد الحكم املطعون فيه ،أو تلغيه ،أو تعد له لصالح األطراف( 67الفقرة
الثانية).
-67نور الدين لربيس ،نظرات يف قانون املسطرة املدينة ،مطبعة األمنية ،الرباط ،الطبعة األوىل ،1021ص .295
-68قرار عدد 2750بتاريخ 2959-02-27يف امللف املد،ي رقم ،55/7151منشور مبجلة قضاة املجلس األعىل ،عدد ،77ص .52
-69محمد صابر ،م .س ،ص .317 – 313
39
0202 40
قاعدة التقاض ي على درجتين ،وعدم استيعاب فكرة استنفاد الوالية من حيث الشكل والتي توجب
ً
التصدي .أضف إلى ذلك أن عدم فصل قاض ي الدرجة األولى في الجوهر ال يشكل مانعا ملمارسة
ً ً
التصدي ،بل األكثر من هذا فإن عدم الفصل في الجوهر يعتبر شرطا جوهريا للتصدي واملعبر عنه
بجاهزية الدعوى.
41
0202 40
-72وإن تان املرشع املغريب قد نص عىل هذه القاعدة يف .،م.ج.م مبقتىض الفصل 709و ،720حي ينص الفصل األول عىل أنه "إذا
قدم االستئناف من املتهم وحده ،فال ميكن ملحكمة االستئناف إال تأييد الحكم أو إلغائه لفائدة املستأنف" يف حني جاء يف الثا،ي ما ييل
"ال يخول هذا االستئناف إال تأييد الحكم أو تعديله أو إلغائه لفائدة املستأنف" .غري أن هذه القاعدة جاءت خاصة باالستئناف ومل يرد
بشأنها نص مامثل يتعلق بالتعرض والنقض ،ولذلك فهي ال تشمل باقي الطعون وتعترب خاصة باالستئناف وحده وقارصة عىل استئناف
املتهم – الفصل – 709أو املطالب بالحق املد،ي أو املسؤول املد،ي – الفصل .720
-73محمد صابر ،م .س ،ص .221
-نور الدين لربيس ،م س ،ص .299
-محمد الكشبور ،تأصيل قاعدة ال يضار أحد باستئنافه ،مقال منشور مبجلة املناهج عدد مزدوج ،1005 ،5/1ص .222
-74جاء يف الفصل 3من .،م.م ما ييل" :يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف "...وهو نفس ما تنص عليه املادة 5
من .،م.م.ف.ج والتي جاء فيها:
» « Le juge doit se prononcer sur tout ce qui est demandé et seulement sur ce qui est demandé.
-75وإن تان املرشع املرصي قد نص عىل قاعدة ال يضار الطاعن بطعنه بشكل عام مبقتىض الفصل 125من .،م.م.ت.م الذي جاء
يف الباب الثا،ي عرش املعنون بطر ،الطعن يف األحكام وبالضبط ضمن الفصل األول املتعلق باألحكام العامة املطبقة عىل جميع طر،
الطعن حي ينص الفصل املذتور عىل أنه "فيام عدا األحكام الخاصة بالطعون التي ترفع من النيابة العامة ال يفيد من الطعن إالّ من
رفعه وال يحتج به إالّ عىل من رفع عليه"
40
0202 40
ً
كما أن القضاء املغربي غالبا ما يستند إلى مقتضيات ذات الفصل – 1من ق.م.م.م – للتأسيس
لقاعدة ال يضار الطاعن بطعنه ،حيث جاء في قرار صادر عن املجلس األعلى أن القرار االستئنافي الذي
قض ى بإلغاء الحكم املستأنف مع التصريح بعدم أحقية املستأنفين في إقامة الدعوى ،والحال أنهما
استأنفا الحكم االبتدائي القاض ي بعدم قبول الطلب وطلبا إلغائه والحكم على املستأنف عليه برفع
الضرر ،يكون قد أضر باملستأنفين وخرق مقتضيات الفصل 1من ق.م.م ألنه لم يبت في حدود
طلباتهما.76
-76قرار عدد 79بتاريخ 2951-2-1يف امللف املد،ي رقم ،57/322منشور مبجلة املحاتم املغربية ،عدد ،53ص .51
-77قرار عدد 121صادر بتاريخ 1005-05-03يف امللف رقم ،07/92منشور مبنشورات مجلة الحقو ،املغربية ،سلسلة األعداد الخاصة ،عدد
،2ص .315
42
0202 40
طلب الخصوم .78وال يشكل أي خرق ملقتضيات الفصل 1من ق.م.م الذي يوجب على املحكمة البت في
حدود طلبات األطراف ،ما دام الفصل ذاته قد أوجب على نفس املحكمة تطبيق القانون حتى ولو لم
يطلب األطراف ذلك.79
وهو التوجه الذي أقره املجلس األعلى في أحد قراراته التي جاء فيها "أن الحكم االستئنافي الذي قض ى
بعدم استحقاق املدعية للشفعة ،رغم أن الحكم االبتدائي قض ى بعدم قبول دعواها شكال فقط وهي
املستأنفة وحدها ال يكون قد خرق القاعدة القانونية التي تقول بأنه ال يضار أحد باستئنافه ،ما دامت
محكمة االستئناف بفتحها املجال للمستأنفة كي تقدم دفوعاتها تكون قد حلت بذلك محل املحكمة
االبتدائية للنظر في جوهر النزاع"80.
-78صالح لهامم ،سلطة املحكمة يف تعديل نطا ،الدعوى املدنية ،أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو ،،جامعة القايض عياض ،تلية
العلوم القانونية و االقتصادية و االجتامعية ،مراتش السنة الجامعية 1027-1023ص .12
-79حي ينص الفصل 3من .،م.م عىل أنه "وتبت دامئا طبقا للقوانني املطبقة عىل النازلة ولو مل يطلب األطراف ذلك بصفة رصيحة".
-80قرار عدد 2251بتاريخ ،2953-21-23يف امللف العقاري رقم ،2515منشور مبجلة املعيار ،عدد ،22ص 13وما يليها.
-81ا ُنظر الصفحة 19ومايليها.
-82عيل عبد الحميد تريك ،نطا ،القضية يف اإلستئناف ،دراسة تحليلية مقارنة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،طبعة (،2995ع.ط.غ.م)
ص .21
43
0202 40
لكن إجازة هذا النظام من طرف املشرعين الفرنس ي واملغربي ،ال يعني بالضرورة االتفاق على
توحيد شروط إعماله ،بل إن التشريعين اختلفا في ذلك.
فإذا كان املشرعين قد ربطا نظام التصدي بضرورة إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه
باالستئناف ،فإن املشرع املغربي أضاف عالوة على ذلك شرط جاهزية الدعوى للبت فيها ،عكس
املشرع الفرنس ي الذي لم يستلزم مثل هذا الشرط بل خول ملحاكم ثاني درجة إمكانية تجهيز القضية
إذا كانت غير جاهزة من خالل لجوئها إلجراءات التحقيق ،مع تحديده لنوعية األحكام املستأنفة القابلة
للتصدي.
ولعل مرد هذا االختالف هو نظرة كل مشرع لوظيفة الطعن باالستئناف ،بين من يعتبره مجرد
وسيل ة إلصالح ومراجعة قضاء ابتدائي س يء ،وآخر ينتصر إلى توجه جديد يدعو إلى جعله – أي
االستئناف – وسيلة إلنهاء النزاع في مجموعة وبين جميع أطرافه.83
وإذا كان حسم النزاع يقتض ي إعمال محكمة ثاني درجة لنظام التصدي ،فإن ذلك سيترتب عنه
آثار مهمة سواء بالنسبة للمحكمة ذاتها أو في مواجهة أطراف الخصومة ،بل إن هذه اآلثار قد تلحق
حتى األغيار عن النزاع.
وتبعا لكل ما ذكر فإننا سنتولى الحديث عن تصدي محاكم ثاني درجة للبت في القضية وفق ما
يلي:
-83عبد العزيز حرضي ،تعديل نظام الطعن باإلستئناف ،مدخل أسايس إلصالح قانون املسطرة املدنية املغربية ،مقال منشور مبجلة
الحقو ،املغربية ،عدد مزدوج 9و ،20السنة الخامسة ،ماي ،1020ص .220 – 259
44
0202 40
45
0202 40
وعلى هذا األساس فإنه يتضح أن املشرع املغربي قد قيد سلطة محكمة ثاني درجة عند إعمالها
لنظام التصدي بضرورة تحقق شرطين :أولهما موضوعي وهو إلغاء أو إبطال الحكم املستأنف (املطلب
األول) وثانيهما مسطري وهو املقصود به جاهزية الدعوى (املطلب الثاني(
46
0202 40
وقد جمع املشرع املغربي بمقتض ى الفصل 0421من ق.م.م.م.ح بين فكرتي اإلبطال واإللغاء
ً ً ً
ليجعل منهما شرطا موحدا موجبا إلعمال التصدي ،بعد أن كان هذا النظام مجرد رخصة يقتصر
فقط على حالة إلغاء الحكم املستأنف ،88مما دفع البعض إلى التساؤل عن فائدة إضافة حالة
اإلبطال إلى جانب حالة اإللغاء؟ وما هو الفرق بين املفهومين؟
ولذلك فإننا سنحاول البحث عن هذا االختالف بين املفهومين من خالل الحديث عن حاالت
إبطال الحكم املطعون فيه (أوال) ثم حاالت إلغائه (ثانيا).
-88تانت املادة 132من .،م.م.م ،.تنص عىل أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه باالستئناف يجوز لها التصدي
للحكم يف الجوهر إذا تان الدعوى جاهزة للحكم فيها".
la dévolution s’opère pour le tout que lorsque l’appel tend à l’annulation du ...F «.du N.C.P.C Art 562 -89
» …jugement
ترجمة نبيل إسامعيل عمر ،م.س،ص125
47
0202 40
في معرض جواب األستاذ Motulskyعن هذا السؤال أكد أنه وبالرغم من عمومية عبارة إبطال
الحكم املطعون فيه ،فإنه يجب استبعاد الحق في التصدي عندما يكون الحكم الصادر عن محاكم
َّ
أول درجة قد فصل في موضوع النزاع ،إذ في هذه الحالة ال يمكن للمحكمة أن تعتمد إال على األثر
الناقل لالستئناف لسحم النزاع .أما األستاذ ،Meurisseفقد قرر أن إبطال حكم أول درجة لعيب في
الشكل أو لعيب في اإلجراءات ،يتم الفصل فيه ال بما لالستئناف من أثر ناقل ،وإنما بما للمحكمة من
الحق في التصدي .في حين فإن األستاذ Hebraudيرى أنه إذا تم إبطال حكم أول درجة أمام محاكم
االستئناف بسبب عدم االختصاص أو لعيب في شكل الدعوى ،فإن محكمة الالستئناف تختص بالبت
ً
في القضية استنادا لألثر الناقل.90
وإذا كان ما ذهب إليه األستاذ Motulskyهو عين الصواب ،عندما قرر أن إبطال حكم فصل
في جوهر النزاع يتم نظره ً
بناء على األثر الناقل ،وهو القول الذي يستفاد –بمفهوم املخالفة – من
خالله أن اقتصار قاض ي الدرجة األولى على البت في شكل الدعوى ،يجب أن يتم الحسم فيه أمام
ً
محاكم الدرجة الثانية استنادا إلى التصدي ،إذا ما تم إبطال هذا الحكم ،فإن ما قرره األستاذان
Meurisseو Hebraudهو محط نقاش لالعتبارات التالية :
ً
فاألستاذ Meurisseأكد أن إبطال الحكم لعيب في الشكل واإلجراءات يتم الفصل فيه استنادا
إلى حق التصدي ،دون أن يميز بين حالة الحكم البات في الشكل فقط وحالة الحكم الذي فصل في
الجوهر ،ألن بت القاض ي االبتدائي في الجوهر ينقل النزاع إلى قاض ي الدرجة الثانية ً
بناء على األثر
الناقل حتى ولو شاب هذا الفصل عيب شكلي .أما إذا اقتصر قاض ي أول درجة على نظر الدعوى في
شكلها فقط ،فهنا يمكن الحديث عن حق التصدي إذا ما توفرت شروطه.
أما األستاذ Hebraudوالذي قرر أن إبطال الحكم بسبب عيب عدم االختصاص أو بسبب عيب
ً
في الشكل تختص محكمة ثاني درجة بالفصل فيه استنادا إلى األثر الناقل ،دون أن يميز هو اآلخر بين
ما إذا كان الحكم الذي تم إبطاله قد اقتصر على الفصل في شكل الدعوى أو أنه تجاوز الشكل إلى
املوضوع .فإذا ما فصل قاض ي الدرجة في الجوهر رغم عدم اختصاصه ،وتم إبطال قضاءه أمام
ً
محاكم الدرجة الثانية ،فإن نظر هذه األخيرة في هذه الحالة يجب أن يتم استنادا ملا لالستئناف من
-90هذه اآلراء أوردها نبيل إسامعيل عمر ،م.س ،ص .117 – 110
48
0202 40
أثر ناقل إذا كانت محكمة الدرجة الثانية املعروض عليها النزاع هي بمثابة مرجع استئنافي بالنسبة
للمحكمة املصدرة للحكم الذي تم إبطاله ،أما إذا كانت غير ذلك فإن ما عليها – محكمة ثاني درجة-
سوى إرجاع امللف إلى املحكمة املختصة للبت فيه.
لكن إذا ما قض ى قاض ي الدرجة األولى بعدم اختصاصه ،وتم إبطال هذا الحكم من طرف
محكمة ثاني درجة ففي هذه الحالة يجب عليها البت في القضية إذا كانت بمثابة درجة ثانية بالنسبة
ً
للمحكمة املصدرة للحكم املطعون فيه استنادا إلى التصدي.
وهو الطرح الذي أقرته محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها حيث أكدت أن كل حكم صادر
ً
من أول درجة وكان حاسما ملوضوع الدعوى يجب أن تبث فيه محكمة الدرجة الثانية استنادا إلى األثر
الناقل إذا ما تم إبطال هذا الحكم ،أما إذا اقتصر قاض ي الدرجة األولى على نظر شكل الدعوى فإن
للمحكمة في هذه الحالة أن تمارس حقها في التصدي.91
غير أن املشرع الفرنس ي حسم هذا الخالف و ذلك بتعديله املادة 819بمقتض ى املادة 01من
مرسوم رقم 9102-520الصادر بتاريخ 1ماي 9102و التي أصبحت تنص على أن النقل املترتب على
إبطال حكم أول درجة ال يشمل كل النزاع.92
هذا النقاش استفاد منه املشرع املغربي بتنصيصه في الفصل 041من ق.م.م.م.ح على أنه في
حالة إبطال حكم أول درجة من طرف محكمة االستئناف ،فإنه يجب عليها أن تتصدى للبت في
القضية إذا كانت الدعوى جاهزة ،مما يستفاد منه أن إبطال حكم قض ى في جانب الدعوى الشكلي
ً
فقط يتم الفصل فيه من طرف قاض ي الدرجة الثانية استنادا إلى واجبه في التصدي ،فما هي يا ترى
حاالت إبطال األحكام القضائية التي توجب التصدي في ظل التشريع املغربي؟.
-2حاالت إبطال األحكام القضائية
ً
حكم جاء مخالفا ملقتضيات الفصل 81من ق.م.م.م.ح (أ) ،وغير
إن جزاء اإلبطال يلحق كل ٍ
محترم لحقوق الدفاع (ب).
أ -خرق مقتضيات الفصل 05من ق.م.م.م.ح
49
0202 40
إن لجوء الشخص للقضاء يبغي من ورائه استصدار حكم قضائي يحمي مصالحه املدعى
االعتداء عليها ،فالحكم القضائي بهذا املعنى هو تلك الوسيلة التي يضفي بواسطتها القاض ي الحماية
القضائية على املركز املطلوب حمايته.93
ولقد استلزمت جل التشريعات بما في املشرع املغربي شكلية الكتابة في إصدار هذه األحكام ،من
خالل تحديدها للبيانات اإللزامية التي يجب أن يشتمل عليها كل حكم قضائي تحت طائلة البطالن،94
ً ً
وهو ما قض ى به املجلس األعلى في أحد قراراته والتي جاء فيها "يجب أن يكون كل حكم معلال تعليال
ً ً َّ
كافيا وإال كان باطال".95
نظم املشرع املغربي بيانات الحكم القضائي بمقتض ى الفصل 81من ق.م.م وهي على أربعة
أنواع :الديباجة ،الوقائع ،التعليل ثم املنطوق .لكن وبالرغم من الطابع امللزم لهذه البيانات فإنه ال
يستلزم تضمينها جميعا في صك الحكم تحت طائلة البطالن ،إذ يجب أن نميز هنا بين البيانات التي
تعتبر من النظام العام كإصدار الحكم باسم السيادة أو بيان أسماء القضاء الذين أصدروه والتي يرتب
على تخلفها جزاء البطالن بقوة القانون ،وبين البيانات األخرى التي ال تعتبر من صميم النظام العام بل
َّ
تهم فقط حقوق الدفاع ،إذ أن تخلفها ال يترتب عنه البطالن إال إذا أدى هذا التخلف إلى إلحاق ضرر
بأحد الخصوم،96ومن قبيل هذه البيانات حرفة أو مهنة األطراف وهو ما قض ى به املجلس األعلى حيث
ً
أكد أن عدم بيان حرفة األطراف في الحكم ال يشكل وسيلة للطعن ،وإنما يصلح ألن يكون سببا إلعادة
النظر متى أدى ذلك إلى خلل في تحقيق هوية األطراف.97
-93عبد الله الكو،ي ،وضعية تنفيذ األحكام املدنية يف املغرب ،أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو ،،جامعة القايض عياض ،تلية العلوم
القانونية و االقتصادية واالجتامعية ، ،مراتش ،السنة الجامعية ،1005/1007ص .22
-94عبد العزيز فتحاوي ،صناعة الحكم املد،ي ،سلسلة الندوات واللقاءات واأليام الدراسية والدراسات ،منشورات وزارة العدل ،العدد ،20
سنة ،1020ص .10
-95قرار عدد 520بتاريخ 19يوليوز 2952منشور مبجلة قضاة املجلس األعىل ،عدد ،19ص .52
-96أحمد العلمي ،تقنية تحرير األحكام والتعليق عليها ،املرتز املغريب للبحوث القانونية والقضائية ،الرباط ،مطبعة النجاح ،الدار
البيضاء)ع ،ت ،ط ،غ ،م( ص .25
-97أورده عبد العزيز فتحاوي ،م .س ،ص .30
51
0202 40
وعلى هذا األساس فإذا ما أبطلت محكمة ثاني درجة الحكم املطعون فيه والبات في شكل
الدعوى فقط بسبب عدم اشتماله على أحد البيانات الواردة في الفصل 81من ق.م.م.م وجب عليها
أن تتصدى للقضية في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها.
ب -عدم احترام حقوق الدفاع
ينص الفصل 091من الدستور املغربي 98في فقرته الثانية على أن حقوق الدفاع مضمونة أمام
جميع املحاكم ،فهذه الفقرة توضح على أن حق الدفاع هو حق مقدس وركيزة أساسية في القوانين
اإلجرائية ،والقضاء حريص أشد الحرص على ضرورة احترامه.
ويهدف الحق في الدفاع إلى تحقيق املساواة بين املراكز القانونية أو اإلجرائية لألطراف أمام
املحاكم ،بحيث أن تخلف هذه املساواة تتخلف معها العدالة من أساسها ،لذلك كان من الضروري
إتاحة الفرصة للخصوم للتعبير عن وجهات نظرهم فيما يقدمه كل واحد منهم في مواجهة الطرف
ً
اآلخر ،تطبيقا ملبدأ التواجهية والذي يقض ي بعدم جواز اتخاذ أي إجراء ضد الشخص دون تمكينه من
ً ً
فرصة الدفاع عن حقوقه من خالل تبليغه اإلجراء املتخذ ضده تبليغا قانونيا.
وإذا ما تم اإلخالل بإجراءات التبليغ ،فإن ذلك يؤدي بالضرورة إلى املساس لحقوق الدفاع مما
يترتب عنه بطالن الحكم ،حيث قضت محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء في هذا اإلطار أن
ً
"أي خرق إلجراءات التبليغ تعتبر مسا بحقوق الدفاع ،وأن أي إخالل من شأنه حرمان الطرف من
ً
ممارسة حقوقه أو أن يحرمه من درجة من درجات التقاض ي يؤدي حتما إلى بطالن تلك اإلجراءات،
وتكون محكمة الطعن ملزمة بالتصريح ببطالنه".99
ً
ولذلك فإن أي إخالل بحقوق الدفاع يجعل قضاء الدرجة األولى باطال ويلزم محاكم ثاني درجة
بالتصدي له في حالة التصريح بإبطاله إذا كانت القضية جاهزة لحسمها و اقتصار محكمة الدرجة
األولى على البت في شكل الدعوى فقط.
-98ظهري رشيف رقم 2.22.92صادر يف 11شعبان 19( 2731يوليوز )1022بتنفيذ نص الدستور ،ج.ر.ع ،5927مكرر الصادرة بتاريخ 15
شعبان 30( 2731يوليوز .)1022
-99قرار عدد 09/530صادر بتاريخ 1009-10-20ملف رقم ،2/1001/7123منشور مبوقع محكمتي ،أُطلع عليه بتاريخ 2مارس 1029عىل
الساعة 9:30دقيقة.
50
0202 40
-100إرتقى املرشع املغريب مبصطلح الخطأ القضايئ إىل مصاف القواعد الدستورية وذلك بتنصيصه يف الفصل 211من دستور فاتح يوليوز
1022عىل أنه "يحق لكل من ترضر من خطأ قضايئ الحصول عىل تعويض تتحمله الدولة".
-101محمد الكشبور :رقابة املجلس األعىل عىل محاتم املوضوع يف املواد املدنية)،إ.م.غ.م(،الطبعة األوىل،1002،ص 271
-102ينص الفصل 3من .،م.م.م.ح عىل أنه "يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف"...
-103والذي جاء فيه ماييل "يجب أن يبني بإيجاز يف املقاالت واملحارض عالوة عىل ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل املثارة"...
Qui dispose que « seules les parties introduisent l’instance, hors les cas où la loi en dispose autrement. Elles ont -104
la liberté d’y mettre fin avant qu’elle ne s’éteigne par l’effet du jugement ou en vertu de la loi ».
52
0202 40
من ق.م.م.ف.ج تنص على أن عبء تقديم الوقائع النافعة التي تصلح كأساس 1061 فاملادة
لالدعاءات يقع على عاتق األطراف ،أما املادة 2من نفس القانون ،فقد ألزمت القاض ي بضرورة التقيد
بالوقائع املثارة من قبل األطراف فال يجوز له – القاض ي – أن يؤسس قضاءه على وقائع لم تكن
مقدمة ولم تناقش من قبل الخصوم ،107مع تخويله سلطة دعوة األطراف لتقديم تفسيراتهم
وإيضاحاتهم حول واقعة غامضة يرى أنها ضرورية لحل النزاع كما تقض ي املادة 5من ق.م.م.ف.ج.108
ً
وهكذا فإن القاض ي ملزم دائما بتأسيس حكمه على الوقائع التي أثارها األطراف أمامه ،فال
يسوغ له أن يغير هذه الوقائع تحت طائلة إلغاء قضاءه من طرف محكمة الطعن ،بل إن مجرد سوء
فهمه وتأويله لها "الوقائع" يمكن أن يؤدي إلى هذا اإللغاء .لذلك فإن القاض ي يتعين عليه وقبل حسمه
للنزاع دعوة األطراف لتقديم إيضاحات حول الواقعة املبهمة ليصل بذلك إلى حقيقة الواقعة املقدمة،
َّ
وإال تعرض حكمه املؤسس على الواقعة غير الواضحة للطعن باالستئناف في الحاالت التي يسمح فيها
القانون بهذا الطعن ،وهنا يجب على محكمة ثاني درجة في حالة إلغاء هذا الحكم أن تتصدى للبت في
القضية إذا ما توفرت شروط التصدي.
-2خطأ القاض ي في تطبيق القانون
توجد بين مرحلتي تقديم الوقائع وإصدار الحكم مرحلة أساسية ،وهي مرحلة التكييف القانوني،
يقوم فيها القاض ي بإعمال القاعدة القانونية وإرسائها على ما ثبت من وقائع.109
وإذا كانت الوقائع ملك ألطراف الخصومة ،فإن تطبيق القانون هو التزام يتحمله القاض ي،
فالقاعدة هي أن املحكمة تعلم القانون وتلتزم بتطبيقه حتى ولو لم يطلب األطراف ذلك ،110فال يحق
لها – املحكمة – االمتناع عن الحكم بحجة غموض النص أو انعدامه أو نقصه.111
Qui enonce que « les parties conduisent l’instance sous les charges qui leur incombent. Il leur appartient -105
d’accomplir les actes de la procédure dans les formes et délais requis ».
F « à l’appui de leurs prétention,les parties ont la charge d’alléguer les faits propres à les . Art 6 du N.C.P.C-106
fonder ».
F « le juge ne peut fonder sa décision sur des faits qui ne sont pas dans le débat ».. Art 7 du N.C.P.C-107
Art 8 du N.C.P.C.F « le juge peut inviter les parties à fournir les explications de fait qu’il estime nécessaire à la -108
solution du litige ».
-109أحميدو أتري ،التكييف القانو،ي للوقائع ،مقال منشور بدفاتر املجلس األعىل ،العدد ،20سنة ،1005ص .225
53
0202 40
ً ً
لكن هذا االلتزام ليس التزاما مطلقا ،إذ يجب أن نميز هنا بين القاعدة القانونية اآلمرة ذات
الصلة بالنظام العام والتي يتعين على القاض ي إعمالها من تلقاء نفسه ،وبين القواعد املكملة
كالنصوص املنظمة للدفع بعدم االختصاص املكاني ،فمثل هذه القواعد ال يلتزم القاض ي بتطبيقها
تلقائيا ،بل يجب على صاحب املصلحة التمسك بها.
ً ً
وعلى غرار الوقائع التي خص لها املشرع الفرنس ي قسما خاصا بها ،فإن ذات املشرع أفرد للقانون
ً ً
أيضا قسما خاصا به هو القسم الثاني والذي يتضمن مادتين 09و ،01فاملادة 09ترتكز من
ق.م.م.ف.ج على مبدأ أساس ي مؤداه أن تطبيق القانون هو مهمة القاض ي وال يتوقف ذلك على طلب
الخصوم ،فمتى استكمل الخصوم عرض وقائعهم ،فإن املحكمة تنتقل بعد ذلك إلى تطبيق النص
القانوني املناسب عليها – الوقائع ،112-ما لم يكن األطراف قد اتفقوا على تحديد هذا النص
ً
مسبقا .113إذ في هذه الحالة ال يستطيع القاض ي تغيير هذا األساس املتفق عليه حتى لو كان غير واجب
التطبيق ،وإن كان بعض الفقه الفرنس ي قد انتقد هذا املقتض ى إذ أن السماح للخصوم بمخالفة
القانون من خالل املطالبة بتطبيق نصوص غير صحيحة أو االتفاق صراحة على تكييف ال يطابق
القانون يؤدي إلى تطبيق زائف للقانون.114
أما املادة 01من نفس القانون فإنها تنص على أن للقاض ي حق دعوة الخصوم لتقديم
إيضاحات حول النقط القانونية التي يرى أنها ضرورية لحسم النزاع ،115وهو مقتض ى يبين مدى
التعاون بين القاض ي واألطراف ،وفيه تطابق مع مقتضيات املادة 5من ق.م.م.ف.ج مع اختالف أساس
-110ينص الفصل 3من .،م.م.م.ح " ...وتبت دامئا ً طبقا للقوانني املطبقة عىل النازلة ولو مل يطلب األطراف ذلك بصفة رصيحة".
-111ينص الفصل 1من .،م.م.م.ح "ال يحق للمحكمة االمتناع عن الحكم أو إصدار قرار ،ويجب البت يف تل قضية رفعت إىل
املحكمة".
F « le juge tranche le litige conformément aux règles de droit qui lui sont applicables ».. Art 12 du N.C.P.C-112
F « Toutefois, il ne peut changer la dénomination ou le fondement juridique lorsque les . Art 12 du N.C.P.C-113
parties, en vertu d’un accord exprès et pour les droits dont elles ont la libres disposition, l’ont lié par les
qualifications et point de droit auxquels elles entendent limiter le débat ».
Vincent et Serge Guichard : op .cit P. 539. -114
F « le juge peut inviter les parties à fournir les explications de droit qu’il estime nécessaire à . Art 13 du N.C.P.C -115
la solution du litige ».
54
0202 40
هذا التعاون .فهذه األخيرة تجعل أساس التعاون هو الوقائع في حين جعلت املادة 01من القانون
مرتكزا لهذا التعاون.
ً
ولذلك فإن أي خطأ من طرف القاض ي في تطبيق النص القانوني ،من شأنه أن يكون سندا
إللغاء قضائه من طرف محكمة الدرجة الثانية ،في حالة ما إذا ما تم الطعن باالستئناف من طرف
الخصوم ،متمسكين بسوء هذا التطبيق ،وهو اإللغاء الذي يلزم محاكم الدرجة الثانية بالتصدي
لجوهر النزاع إذا ما اكتفى قاض ي الدرجة األولى بالبت في شكل الدعوى وكانت القضية جاهزة للفصل
فيها.
55
0202 40
العارض إلى الجوهر ،في حين نصت املادة 01من القانون رقم 40لسنة 0221املحدث بموجبه محاكم
إدارية ،117واملادة 5من القانون رقم 81لسنة 0228الذي يقض ي بإحداث محاكم تجارية 118على ضرورة
الفصل في الدفع بعدم االختصاص النوعي بحكم مستقل دون ضمه إلى الجوهر ،على أن تبقى مقتضيات
الفصل 02من ق.م.م سارية املفعول بالنسبة للدفع بعدم االختصاص املكاني للمحاكم اإلدارية
والتجارية.119
ً
وبناء على ذلك فإن األحكام القضائية الصادرة عن محاكم أول درجة في شأن االختصاص إما أن
ً
تفصل في االختصاص والجوهر معا ( )0أو تقض ي في الدفع بعدم االختصاص فقط دون ضمه إلى
الجوهر (.)9
-1األحكام القضائية الباتة في الجوهر واالختصاص
لبحث مسالة إمكانية تصدي محاكم ثاني درجة لألحكام القضائية الفاصلة في الجوهر و
االختصاص سنعرض أوال ملوقف الفقه (أ) ثم موقف القضاء (ب).
أ -موقف الفقه
تضاربت مواقف الفقه املغربي بخصوص إمكانية تصدي محاكم ثاني درجة عند الطعن
باالستئناف ضد حكم قض ى في االختصاص والجوهر معا.
فاألستاذ محمد صابر ذهب إلى أن البت في استئناف حكم صادر بشأن الدفع بعدم االختصاص
ً ً
والجوهر معا يتم في إطار األثر الناقل لالستئناف وليس استنادا إلى التصدي ،إن هي – أي محكمة ثاني
درجة – قامت بتأييد الحكم املستأنف في شقه املتعلق باالختصاص.120
-117ظهري رشيف رقم 2.92.115صادر بتاريخ 11ربيع األول 20( 2727سبتمرب ،)2993ج.ر.ع 7111بتاريخ 25جامدى األوىل3( 2727
نوفمرب ،)2993ص .1225
-118ظهري رشيف رقم 2.91.25صادر بتاريخ 7شوال 21( 2721فرباير ،)2991ج.ر.ع 7751 .بتاريخ 5محرم 25( 2725ماي ،)2971ص
.2272
-119حي تنص املادة 27من .،إ.م.إ عىل أنه "تطبق أحكام الفقرات األربع األوىل من الفصل 22وأحكام الفصل 21من قانون املسطرة
املدنية عىل الدفع بعدم االختصاص املحيل املثار أمام املحاتم اإلدارية ،أما .،ا.م.ت فلم يضع نص خاص بهذه الحالة لكن ميكن
استنتاجها من مقتضيات املادة 5التي استثنت فقط االختصاص النوعي من مقتضيات الفصل 21من .،م.م.
-120محمد صابر ،م س ،ص .335
56
0202 40
ً
أما االستاذ A.BOUDAHREINفقد أكد على أن فصل قاض ي أول درجة في االختصاص والجوهر معا
ينقل النزاع برمته إلى محاكم ثاني درجة ولذلك يصعب الحديث على قيام التصدي في حالة إلغاء حكم
في شقه املتعلق باالختصاص.121
ً ً
في حين نجد األستاذ عبد العزيز حضري قد سلك مسلكا مغايرا عندما خلص إلى أن حق محكمة
ثاني درجة في التصدي ملوضوع النزاع ال يجوز استبعاده ،واستدل على ذلك بقوله أنه أمام احتمال أن
يكون القاض ي االبتدائي غير مختص للفصل في النزاع الذي حسم فيه ،فعدم اختصاصه سيجعل
ً ً
قضاءه في الجوهر الغيا ال يتحقق معه األثر الناقل لالستئناف ،لكن التصدي يكون ممكنا بشرط أن
تكون محكمة االستئناف املعروض عليها الحكم هي أيضا محكمة درجة ثانية بالنسبة للمحكمة التي تراها
ً
مختصة والتي كان يجب أن يعرض عليها النزاع أصال.122
ونختم هذا التضارب الفقهي بخصوص إمكانية التصدي للحكم الفاصل في االختصاص والجوهر
ً
معا من قبل قضاة الدرجة الثانية ،برأي األستاذ عبد العزيز توفيق الذي استبعد الحاجة إلى التصدي
ألن محاكم ثاني درجة ملزمة بالبت في الدعوى املعروضة عليها حسب املقال االستئنافي وحسب ما بتت
فيه محاكم أول درجة ،أما املطالب التي قدمت أمام قاض ي الدرجة األولى ولم يفصل فيها أو تم إغفالها،
فال يمكن أن تنظر أمام محاكم ثاني درجة حتى ولو شملها املقال االستئنافي ألن هذا اإلغفال ال يطعن
ً ّ
فيه إال بإعادة النظر عمال بمقتضيات الفصل 419من ق.م.م.123
غير أن موقف األستاذ عبد العزيز توفيق هو قول مردود ألنه يتضمن حجة دحضة في ذاته ذلك
أن األستاذ اعتبر إغفال البت في بعض الطلبات ال يمكن استئنافها حتى يتم التصدي لها ألنها خاضعة
ملقتضيات الفصل 419الذي يخضع مثل هذه الطلبات لطريق الطعن بإعادة النظر والحال أن الفصل
ً ً
419من ق.م.م اشترط للطعن في الحكم بإعادة النظر أن ال يكون هذا الحكم قابال لالستئناف أصال.
A. Boudahrein,Droit judiciaire privé au Maroc ,société d’édition et diffusion ALMADARISS , 3émé édition, -121
Rabat,p 231 .
-122عبد العزيز حرضي ،م س ،الجزء الثا،ي ،ص .197
-123عبد العزيز توفيق موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ ،الجزء الثا،ي ،املكتبة القانونية ،الطبعة الثالثة ،1022 ،ص 770
.772
57
0202 40
أما ما ذهب إليه األستاذ A.BOUDAHREINفإنه محل نقاش ألنه استبعد التصدي في حالة
إلغاء قاض ي ثاني درجة للحكم االبتدائي في شقه املتعلق بعدم االختصاص إذ في هذه الحالة يستحيل
الحديث عن األثر الناقل والتصدي إذا كان القاض ي االبتدائي قد قض ى باختصاصه 124وفصل في النزاع
ثم تم إلغاء هذا الحكم في شقه املتعلق باالختصاص أمام محاكم درجة ثاني ،ألن محكمة ثاني درجة في
هذه الحالة ملزمة بإحالة امللف على محكمة الدرجة األولى املختصة.
وهو نفس االنتقاد الذي نوجهه إلى رأي األستاذ عبد العزيز حضري والذي خول ملحكمة ثاني درجة
ً
إمكانية التصدي للبت في النزاع إذا كان القاض ي االبتدائي غير مختص أصال للحسم فيه ،والحال أن
نظام التصدي يلزم محكمة ثاني درجة بالبت فيما لم يفصل فيه قاض ي الدرجة األولى ،في حين نجد أن
القاض ي في هذه الحالة قد حسم النزاع ،وكل ما في األمر أنه غير مختص فقط ،لذلك فإنه في حالة إلغاء
هذا الحكم في شقه املتعلق باالختصاص ال يكون أمام محكمة ثاني درجة سوى إرجاع امللف أو إحالته
على محكمة الدرجة األولى املختصة.
وعلى هذا األساس فإننا نؤيد ما ذهب إليه أستاذنا محمد صابر الذي ألزم محكمة ثاني درجة
بالبت في النزاع الذي قض ى في االختصاص والجوهر معا وذلك في إطار األثر الناقل لالستئناف في حالة
تأييدها للحكم االبتدائي ،ذلك أنه في حالة اإللغاء فإن محكمة ثاني درجة ال تملك سوى خيار إرجاع
امللف إلى املحكمة االبتدائية املختصة.
ب -موقف القضاء
إذا كنا قد خلصنا فيما سبق إلى أن األحكام القضائية املطعون فيها باالستئناف والفاصلة في
ً
االختصاص والجوهر معا تبت فيها محاكم الدرجة الثانية بما لالستئناف من أثر ناقل وليس إعماال
لنظام التصدي ،في حالة تأييدها فقط ،فإن املجلس األعلى ذهب عكس ذلك في أحد قراراته الحديثة –
ً
نوعا ما – عندما أكد أنه من واجب محكمة الدرجة الثانية التصدي لجوهر النزاع بغض النظر عما إذا
كان قاض ي الدرجة األولى قد اكتفى بالبت في الشكل أو تجاوزه إلى املوضوع ،وذلك في حالة إلغائها لهذا
الحكم حيث جاء في هذا القرار أنه إذا ألغت محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه ،وجب عليها أن
تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها ،بصرف النظر عما إذا كان الحكم
االبتدائي امللغى اكتفى بالبت في الجانب الشكلي أو تطرق للموضوع ،إذ ال يسوغ لها في هذه الحالة إرجاع
-124ألنه يف حالة القضاء بعدم اختصاصه ،يستحيل تصور بته يف جوهر الدعوى.
58
0202 40
امللف إلى املحكمة االبتدائية للبت فيه بداعي احترام مبدأ التقاض ي على درجتين ،ما دام االستئناف ينشر
الدعوى أمامها ،وأن الوثائق والدفوع املثارة أمامها لم يسبق تقديمها في املرحلة االبتدائية.125
وإذا كان هذا القرار يوضح نظرة املجلس األعلى الجديدة لنظام االستئناف بجعله وسيلة إلنهاء
النزاع من خالل إلزام محاكم الدرجة الثانية بالتصدي – دون إرجاع امللف – حتى ولو فصل قاض ي
الدرجة األولى في املوضوع مع فسح املجال لألطراف بتقديم طلبات جديدة أمامها ،وهو ما يتعارض مع
قاعدة تحريم تقديم طلبات جديدة ألول مرة أمام االستئناف ،فإنه مع ذلك يضرب كنه نظام التصدي
ً
عرض الحائط على اعتبار أن هذا النظام يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا
والحال أن قاض ي الدرجة األولى في هذه الحالة قد فصل في املوضوع والشكل ،فال مجال للحديث عن
التصدي هنا ،بل األكثر من ذلك ،فإنه في هذا القرار ال يمكننا الحديث حتى على األثر الناقل ألن محكمة
االستئناف في حالة اإللغاء تكون ملزمة بإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له ،وهو ما قضت به محكمة
االستئناف في قرارها املنقوض من طرف املجلس األعلى.
-2األحكام القضائية الفاصلة في االختصاص فقط
ً
البد من اإلشارة أوال على أن األمر يقتصر فقط على الحالة التي تقض ي فيها محكمة أول درجة
إذ في هذه الحالة تصرح محكمة ثاني ي محاكم ثاني درجة بإلغاء هذا الحكم126 بعدم اختصاصها وتقض
درجة بطريقة مضمرة أنها مختصة للبت في النزاع.
لكن هل هذا التصريح يلزمها – أي محاكم ثاني درجة – بالفصل في النزاع الذي لم يبت فيه
ً ً
ابتدائيا بسبب الحكم بعدم االختصاص وذلك استنادا إلى نظام التصدي ،أم عليها إعادة امللف إلى
املحكمة املختصة لتبت فيه طبقا للقانون.
ولبحث هذه النقطة ،فإننا سنميز بين املحاكم العادية (أ) واملحاكم املتخصصة (ب).
-125قرار عدد 1501صادر بتاريخ 1020-02-25يف امللف عدد ،09/155منشور بنرشة قرارات محكمة النقض الغرفة املدنية ،الجزء الثا،ي،
عدد .52
-126عىل اعتبار أن تأييد الحكم القايض بعدم االختصاص ،أو إلغاء الحكم القايض باالختصاص ،يلزم محكمة ثا،ي درجة بإرجاع امللف
إىل املحكة املختصة ،وهو ما يستفاد من قرار صادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء عدد 207بتاريخ ،2952-1-15منشور مبجلة
املحاتم املغربية ،العدد ،12ص .93جاء فيه ما ييل "تستعمل محكمة االستئناف حقها يف التصدي يف حالة إلغاء الحكم القايض بعدم
االختصاص ويحتفظ األطراف يف غري هذه الحالة بنظام التقايض عىل درجتني".
59
0202 40
أ-املحاكم العادية
األصل أن قيام محاكم ثاني درجة بإلغاء أو إبطال حكم محاكم أول درجة والقاض ي بعدم
االختصاص بنوعيه املكاني والنوعي ،بعد أن يكون املدعى عليه قد تقدم بجوابه ،أي أن الدعوى
أصبحت جاهزة للبت فيها ،فإن عليها التصدي للموضوع تطبيقا ملقتضيات املادة 041من ق.م.م.م.ح.
غير أن املجلس األعلى ذهب عكس ذلك عندما قض ى في أحد قراراته أنه "وحيث إن الحكم
االبتدائي اقتصر على البت في الجانب املتعلق باالختصاص املحلي ،حيث قض ى بعدم االختصاص
ً
فاستأنف فتبين ملحكمة االستئناف أن املحكمة املذكورة مختصة محليا .غير أن محكمة االستئناف
تصدت وقضت للمستأنف بتعويضات وفوتت درجة من درجات التقاض ي لعدم إرجاعها للملف إلى
املحكمة االبتدائية للبت فيه ،مما عرض قرارها للنقض".127
فاملالحظة األساسية من خالل مضمون هذه الحيثية هي أن املجلس األعلى ال يسير في نفس
التوجه الذي سبق بسطه ،بل إنه يلزم محاكم ثاني درجة بضرورة إرجاع امللف إلى محاكم أول درجة
ً
مبررا موقفه باحترام مبدأ التقاض ي على درجتين ،غير أن هذا التوجه القضائي ال يستحضر رغبة
املشرع عند سنه لنظام التصدي والتي تتجه نحو جعل الطعن باالستئناف وسيلة إلنهاء النزاع ما
دامت القضية جاهزة للبت فيها ،وما دام املشرع نفسه لم يضع نص قانوني يفرض على محكمة
الطعن ضرورة إرجاع امللف عند بتها في حكم قض ى بعدم االختصاص كما فعل بالنسبة للمحاكم
املختصة.
ب-املحاكم املتخصصة
هنا يجب أن نميز بين االختصاص املكاني والنوعي للمحاكم املتخصصة ،ذلك أن االختصاص
املكاني تسري عليه نفس مقتضيات االختصاص الترابي للمحاكم العادية ،إذ أن محكمة ثاني درجة إذا
ما ألغت أو أبطلت حكم قض ى بعدم االختصاص املجالي وجب عليها أن تتصدى إن كانت القضية
جاهزة للبت فيها ،ألن املشرع لم يضع قواعد خاصة بالدفع بعدم االختصاص املكاني الذي يبقى
خاضعا للقواعد العامة عكس االختصاص النوعي الذي أفرد له املشرع نصوصا خاصة سواء بالنسبة
للقضاء اإلداري أو التجاري.
-127قرار عدد 752يف امللف عدد 02/2255بتاريخ 01/5/1منشور بالتقرير السنوي للمجلس األعىل لسنة ،1001ص .210
61
0202 40
-128ظهري رشيف رقم 2.02.01صادر يف 25محرم 27( 2711فرباير )1002بتنفيذ القانون رقم 50.03املحدثة مبوجبه محاتم استئناف
إدارية ،ج.ر.ع 5395بتاريخ 17محرم 13( 2711فرباير ،)1002ص .790
60
0202 40
ً
درجة وتبين لها أن املدعى عليه لم يكتف فقط بإثارة الدفع بعدم االختصاص بل قدم جوابه أيضا مما
أصبحت معه القضية جاهزة وهي الشروط التي يقول بها الفصل 041من ق.م.م؟.
نعتقد أن هذه الفرضية مستبعدة ما دام املشرع نفسه اتجه نحو منع محاكم االستئناف
ً
التجارية عند بتها في االختصاص من التصدي خاصة أنه – أي املشرع – استعمل مصطلح البت في
االختصاص وليس البت في النزاع وإن كانت شروط التصدي متوفرة في هذه الحالة.
هذا فيما يخص اختصاص محاكم املوضوع ،أما فيما يخص اختصاص قاض ي األمور
املستعجلة ،فإنه البد من التساؤل حول مدى جواز تصدي محكمة االستئناف ملوضوع الدعوى
االستعجالية إذا ما ألغت األمر الصادر عن قاض ي األمور املستعجلة والقاض ي بعدم اختصاصه نتيجة
ً
مثال ،أم يتعين عليها إعادة امللف إلى قاض ي األمور املستعجلة بمحكمة أول تخلف عنصر االستعجال
درجة للبت فيه طبقا للقانون؟.
أجابنا األستاذ عبد اللطيف هداية هللا عن هذا التساؤل بقوله أنه ما دام الفصل 041من
ً ً
ق.م.م قد خول للمحكمة التصدي للقضية دون تمييز بين ما إذا كان الحكم املطعون فيه حكما عاديا
ً
أو استعجاليا فإن ذلك يعني أن محكمة ثاني درجة لها أن تتصدى للحكم االستعجالي بعد إلغائه
ً
بشرط أن تكون القضية جاهزة للبت فيها .129وإن كان هذا التصدي في هذه الحالة مخصوصا ،ألنه
مرهون بعدم مساس محكمة االستئناف بما يمكن أن يقض ي به في الجوهر.130
-129عبد ال لطيف هداية الله ،قواعد القضاء املستعجل املوضوعية واإلجرائية يف الترشيع املغريب ،الجزء الثا،ي ،أطروحة لنيل دتتوراه يف
الحقو ،،جامعة الحسن الثا،ي ،تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،2952/2955ص .215
-130ا ُنظر قرار املجلس األعىل رقم 257بتاريخ 25يناير ،2955منشور مبجلة املحاماة ،عدد ،15ص .79
62
0202 40
وإذا ما تبين له – أي قاض ي أول درجة – أن الشروط والبيانات متوفرة فإن له قبل البت في
موضوع الدعوى أن يتخذ مجموعة من إجراءات التحقيق التي تمهد لحسم النزاع أو ما يسمى باألحكام
التمهيدية.
وعلى هذا األساس فإن دراستنا ستنصب على مدى إمكانية ممارسة محاكم ثاني درجة لواجبها في
التصدي عندما يتم إلغاء أو إبطال حكم قض ى بعدم القبول ( )0أو حكم تمهيدي (.)9
-1الحكم بعدم القبول
إن الدفع بعدم القبول ال يطعن املدعي عليه بواسطته في إجراءات الدعوى ،وإنما ينفي به
أحقية املدعي في رفع الدعوى ،أي أنه دفع يرمي إلى تقرير عدم سماع دعوى املدعي دون النظر في
موضوعها.131
والحكم الصادر في شأن الدفع بعدم القبول أمام قاض ي أول درجة ،إما أن يصدر بقبوله أو
َّ
برفضه وبته في املوضوع .وعلى هذا األساس ،فإن الحكم ال يمكن أن ينهي الخصومة إال عندما يقبل
ً ً
هذا الدفع ألنه في حالة الرفض يكون القاض ي ملزما بالبت في املوضوع ،غير أنه في الحالتين معا يفترض
ً
أن يكون القاض ي مجانبا للصواب.
وبما أن املشرع اشترط للتصدي ضرورة إلغاء الحكم املطعون فيه ،فإن قيام محكمة ثاني درجة
ً ً َّ
بالتصدي ال يتحقق إال عندما يتخذ قاض ي ثاني درجة موقفا مغايرا ملوقف قاض ي أول درجة ،أي
عندما يقرر أن محكمة أول درجة أخطأت عند قبول الدفع أو جانبت الصواب عندما رفضته وبتت في
ً
موضوع الدعوى ،فهل والحالة هذه يجب عليه – أي قاض ي ثاني درجة – التصدي في الحالتين معا ،أم
أن بت قاض ي أول درجة في املوضوع ينقل إليه النزاع بمقتض ى األثر الناقل؟
والستجالء الغموض حول هذه املسألة فإننا سنقف عند موقف الفقه ثم من بعده القضاء.
أ -موقف الفقه
-131عبد اللطيف خالفي ،االجتهاد القضايئ يف قانون املسطرة املدنية ،رصد ملبادئ ولقرارات املجلس األعىل ،الجزء األول ،املطبعة
والوراقة الوطنية ،الطبعة األوىل ،1007 ،ص .301
63
0202 40
ذهب بعض الفقه الفرنس ي إلى أن محكمة ثاني درجة لها حق التصدي بالنسبة لألحكام املنهية
ٌ
سواء قامت بإبطال الحكم أو إلغائه ،إذا رأت أن حسن سير للخصومة نتيجة البت في دفع مسطري،
العدالة يقتض ي البت في النزاع بصورة نهائية بعد األمر بإجراءات التحقيق إن اقتض ى األمر ذلك،
ً
استنادا إلى مقتضيات املادة 815من ق.م.م.ف.ج.132
ّ
أما أستاذنا محمد صابر فقد أكد أن هذه األحكام ملا كانت بطبيعتها ال تفصل إال في الجانب
الشكلي للدعوى دون موضوعها ،فإنها بذلك تدخل في إطار األحكام التي توجب على محكمة ثاني درجة
التصدي لها إن هي قامت بإلغائها أو إبطالها وكانت الدعوى جاهزة للبت فيها .133وهو نفس املوقف
الذي تبناه األستاذ عد العزيز حضري.134
َّ
لكن املالحظ أن أراء الفقه املغربي ال تجيبنا إال على الشق األول من السؤال الذي سبق
وطرحناه ،املتعلق بحالة قبول هذا الدفع أما الشق الثاني املنصب على مدى إمكانية تصدي محكمة
ثاني درجة لحكم رفض الدفع وبت في املوضوع فلم يتم التطرق إليه.
غير أننا نعتقد أن محكمة أول درجة عندما ترفض الدفع بعدم القبول وتبت في املوضوع ،فإن
ذلك ينقل النزاع إلى محكمة ثاني درجة بمقتض ى األثر الناقل ال بمقتض ى التصدي الذي يلزم محاكم
ً
الدرجة الثانية بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا و الحالة هذه لم تعد ممكنة ما دام أن قاض ي الدرجة
ً
األولى حسم النزاع في شكله وموضوعه أيضا.
ب -موقف القضاء
إن موقف القضاء لم يستقر على رأي واحد بشكل إمكانية تصدي محكمة درجة ثانية للحكم
القاض ي بالدفع بعدم القبول ،فتارة يخول ملحاكم الدرجة الثانية التصدي وتارة يمنعها من ذلك
ً
احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين.
وهكذا فإن املجلس األعلى ذهب في أحد قراراته في شأن حكم ابتدائي قض ى بعدم القبول لرفع
الدعوى على غير ذي صفة إلى أنه "إذا قضت محكمة الدرجة األولى بعدم قبول الدعوى لرفعها على
64
0202 40
غير ذي صفة ،فإنها تكون قد فصلت في دفع موضوعي يتعلق بعدم توفر تلك الدعوى على عناصرها
املتصلة بموضوعها مما استنفدت معه واليتها في الفصل فيه.
وإنه ملا كان الحكم املذكور ينقل النزاع برمته أمام محكمة الدرجة الثانية ،فإن هذه املحكمة
بعدما ألغت الحكم االبتدائي للعلل الواردة في قرارها ،كانت على حق عندما تصدت للبت في موضوع
الدعوى دون أن تعيدها إلى محكمة الدرجة األولى ،ولم تخرق بذلك الفصل 041من ق.م.م املحتج
بخرقه".135
وهو نفس املوقف الذي تبنته محكمة النقض املصرية حيث جاء في أحد قراراتها أنه "جرى
قضاء هذه املحكمة على أن قول املحكمة للدفع بعدم القبول ،لعدم توفر الشروط الالزمة لسماع
الدعوى تستنفد به املحكمة واليتها كالحال في شأن الدفوع املوضوعية املتعلقة بأصل الحق ،ومن ثم
فإذا ألغت محكمة االستئناف هذا الحكم امتنع عليها إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة ويتعين
عليها التصدي للفصل في املوضوع".136
ً ً
غير أن املجلس األعلى عاد وأخذ موقفا مغايرا ملوقفه السابق عندما قض ى أنه "إذا ألغت محكمة
االستئناف الحكم االبتدائي الصادر بعدم قبول الطلب شكال لعدم إرفاق املدعي مقاله بسنداته وجب
َّ
عليها إرجاع امللف إلى املحكمة االبتدائية ألن هذه األخيرة لم تستنفد سلطتها بعد وإال فإن محكمة
االستئناف ستحرم املحكوم عليه من درجة من درجات التقاض ي إذا ما قضت عليه باألداء".137
كما قض ى كذلك أن محكمة االستئناف التي استأنف لديها حكم بعدم القبول النعدام الصفة
ً ً
ال يمكنها في حالة إلغائه الحكم في املوضوع على املستأنف ألن في ذلك إضرارا به ،وخرقا لقاعدة
التقاض ي على درجتين.138
-135قرار عدد 3701بتاريخ 91/2/7يف امللف املد،ي رقم 97/3351منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،51ص .19
-136نقض مرصي 253بتاريخ 2952/22/22أورده عبد العزيز توفيق ،م .س ،ص .775
-137قرار عدد 1315بتاريخ 2997/2/19يف امللف رقم ،93/7779غري منشور ،أورده عبد العزيز توفيق ،م .س ،ص .35ويف نفس االتجاه،
ا ُنظر تذلك القرار رقم 221بتاريخ 23شتنرب 2915منشور مبجلة املحاماة ،عدد ،22ص ،251جاء فيه "إذا قضت املحكمة االبتدائية بإلغاء
الدعوى عىل الحالة ،فإن محكمة االستئناف ال ميكنها بناء عىل استئناف فرعي إالَّ أن تؤيد الحكم املستأنف لنفس العلل التي وردت
فيه أو تلغيه وتقيض برد امللف إىل املحكمة األوىل للبت يف النزاع".
-138قرار عدد 3701بتاريخ 7يونيو ،2991منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،51ص .19
65
0202 40
واملالحظة األساسية في هذا اإلطار أن موقف محكمة النقض الرافض للتصدي عند إلغاء حكم
قض ى بعدم القبول يجد سنده في ضرورة احترام مبدأ التقاض ي على درجتين وعدم اإلضرار باملستأنف،
ً َّ
استثناء على املبدأ املذكور – إال أن هذا املوقف لم يستحضر فلسفة نظام التصدي الذي يشكل
التقاض ي على درجتين – كما أنه موقف أغفل األخذ باإلطار العام الذي جاء به إصالح قانون املسطرة
املدنية لسنة 0224الذي من أهم مرتكزاته االقتصاد في نفقات التقاض ي.
-2األحكام التمهيدية
عرف الفقه املغربي األحكام التمهيدية بأنها األحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى والتي من شأنها
أن تيهئ للفصل في النزاع 139أو أنها األحكام التي ترفض أو تقرر إجراء من إجراءات التحقيق الذي
يستفاد منه اتجاه رأي املحكمة في موضوع الدعوى املعروضة عليها.140
وملا كانت هذه األحكام التمهيدية إما أن تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق أو تفصل في جزء من
املوضوع وتأمر بإجراء من إجراءات التحقيق ،فإن تناولنا ملدى قابليتها للتصدي سيكون وفق التالي:
أ -األمر بإجراء من إجراءات التحقيق
كان الفصل 911من ق.م.م.م.ق ينص على أنه يمكن استئناف كل حكم صادر قبل الفصل في
الجوهر بصورة مستقلة أو مع حكم فاصل في املوضوع ،مما يستفاد منه أن محكمة ثاني درجة كان
ً
بإمكانها استنادا إلى مقتضيات الفصل 911من ذات القانون ،التصدي ملوضوع النزاع إذا ما تم
الطعن في مثل هذه األحكام بشكل مستقل ،وقامت بإلغائه بعد أن تبين لها أن الدعوى جاهزة للبت
فيها .وإن كان بعض الفقه في املغرب يعيب هذا املوقف الذي يبيح االستئناف املباشر لألحكام الصادرة
قبل الفصل في املوضوع ،ورأى في ذلك وسيلة تسمح للمتقاضين سيئ النية بإطالة أمد النزاع ،مما
66
0202 40
يؤدي إلى انشغال محاكم االستئناف بسيل جارف من االستئنافات غير املجدية أو على األقل السابقة
ألوانها.141
وتطبيقا ملقتضيات الفصل 911املشار إليه أعاله ذهب املجلس األعلى في أحد قراراته إلى القول
أن محكمة االستئناف تملك حق 142التصدي بالنسبة لجميع الحاالت التي لم يتصد فيها قضاة الدرجة
األولى ملوضوع الدعوى كما هو الشأن بالنسبة للنازلة التي صدر بشأنها هذا القرار املتعلق باستئناف
حكم تمهيدي قض ى بإجراء خبرة.143
َّ
غير أنه بتعديل ق.م.م.م لسنة ،0224فإن هذه األحكام لم تعد تقبل االستئناف إال مع األحكام
الفاصلة في املوضوع حسب ما تنص عليه مقتضيات الفصل 041من ق.م.م.م.ح ،وبما أن هذه
َّ
األحكام في ظل املقتضيات التشريعية الجديدة ال يمكن الطعن فيها باالستئناف إال بعد بت قاض ي
واحد مع الحكم الفاصل في الجوهر ،فإننا نعتقد أن ٍ وقت
الدرجة األولى في املوضوع لتستأنف في ٍ
ً ً
محكمة ثاني درجة ال تتصدى لها بل يتم البت فيها استنادا إلى األثر الناقل وليس استنادا إلى التصدي
ً
الذي كما سبق اإلشارة إلى ذلك يلزم قاض ي الدرجة الثانية بالبت في ما لم يبت فيه ابتدائيا.
املختلطة144 ب -األحكام
عرف املشرع الفرنس ي هذه األحكام بأنها األحكام التي تفصل في منطوقها في جزء من املوضوع،
وتأمر بإجراء من إجراءات التحقيق أو بتدبير وقتي ،وأجاز الطعن فيها باالستئناف على وجه االستقالل.
J. P. Razon, les institutions judiciaires et la procédure civile du Maroc, Imprimerie Najah El Jadida, Casablanca -141
1éd, 1988, P. 202.
- A. Boudaurein, OP. Cit, P. 168.
-142قلنا حق وليس واجب ألن نظام التصدي يف ظل .،م.م ،.تان مجرد رخصة أو خيار ملحاتم ثا،ي درجة.
-143قرار عدد 22/2صادر بتاريخ 2922/20/21يف امللف رقم 1251أشار إليه محمد صابر ،األثر الناقل السنئنا ،األحكام املدنية يف
الترشيع املغريب ،م .س ،ص .352
-144املرشع الفرنيس يسميها باألحكام املزدوجة ،أما األستاذ محمد ميكو فيسميها باألحكام املخرضمة :أُنظر محمد ميكو ،قواعد املسطرة
يف املادة االجتامعية ،مطبعة الساحل)،ع،ط،غ،م ( الرباط ،2952 ،ص .57
67
0202 40
ً
أما املشرع املغربي فلم يعرفها مما دفع القضاء إلى اعتبارها أحكاما تمهيدية خاضعة ملقتضيات املادة
041من ق.م.م.145
وتعتبر دعاوى املسؤولية املجال الخصب لصدور مثل هذه األحكام ،وخاصة تلك الهادفة إلى
ً
تعويض املصابين في حوادث السير ،ففي مثل هذه القضايا كثيرا ما تقرر املحكمة مسؤولية مرتكب
الحادثة ،وتأمر بإجراء خبرة لتحديد التعويض املناسب للضحية ،ولذلك تجد املادة 815من
ق.م.م.ف.ج أهم تطبيقاتها في هذه الدعوى .ويعتبر بعض الفقه الفرنس ي أن املادة 815من ق.م.م.ف.ج
إجراء أساس ي للتعويض السريع للمصابين في حوادث السير ،ألن حق التصدي الذي تقرره هذه املادة
يجنب ضياع الوقت و مضاعفة املصاريف بالنسبة للضحية الذي يستفيد بفضله من تعويض
سريع.146
لكننا نعتبر موقف القضاء املغربي املشار إليه والذي يعتبر مثل هذه األحكام ،أحكاما تمهيدية
ً
خاضعة ملقتضيات الفصل 041من ق.م.م وبالتالي ال يمكن استئنافها إال مع الجوهر ،نعتبره موقفا
جانب الصواب ألن الفصل املحتج به – – 041يتحدث فقط عن األحكام التمهيدية وليس عن
األحكام املختلطة.
ً
وانطالقا من موقف القضاء املغربي ،فإننا نتساءل مع بعض الفقه 147عن وضعية بعض
مختلط ،فهل يجب عليهم االنتظار إلى حين صدور حكمٍ املتقاضين الذين يجدون أنفسهم أما ٍ
حكم
ً
فاصل في الدعوى الستئنافه خصوصا وأن خصمهم قد يبادر ويطالب بتنفيذ الجزء الذي صدر
ً ً
لصالحه خاصة إذا كان مشموال بالنفاذ املعجل؟ وحول ما إذا كان ملحكمة االستئناف إمكانية التصدي
ملثل هذه األحكام؟
-145ا ُنظر القرار عدد 139صاد بتاريخ 2953/1/9يف امللق املد،ي رقم ،25255منشور مبجلة القضاء والقانون عدد ،232ص .202والقرار
عدد 2039صادر بتاريخ 2995/3/22يف امللف املد،ي رقم ،2955/3099منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،75ص .293ثم القرار
عدد 315صادر بتاريخ 2951/5/5يف امللف املد،ي رقم ،90212منشور مبجلة املحاتم املغربية ،عدد ،17ص .71
J.vincent et S.guinchard,op,cit,342-146
-147أدولف ريبولط ،قانون املسطرة املدنية يف رشوح ،تعريب وتحيني إدريس ملني ،منشورات جمعية تنمية للبحوث والدراسات القضائية،
دار النرش املعرفة ،سنة ،2992ص .220
68
0202 40
َّ
إن الشق األول من السؤال نجيب عنه بأن املتقاض ي ال يمكنه استئناف مثل هذه األحكام إال
َّ
بعد صدور حكم فاصل في املوضوع وإال سيواجه استئنافه بعدم القبول ألن القضاء املغربي – وكما
َّ
سبقت اإلشارة إلى ذلك – يعتبر هذه األحكام تمهيدية ال تستأنف إال مع الجوهر وهو ما يستفاد من
قرار صادر عن املجلس األعلى والذي جاء فيه "يقصد باألحكام التمهيدية الصرفة واملزدوجة التي ال
َّ
تقبل االستئناف إال مع الحكم الفاصل في جميع موضوع الدعوى".148
أما الشق الثاني من السؤال حول مدى إمكانية تصدي محكمة ثاني درجة لهذه األحكام ،فإن
أستاذنا محمد صابر أجابنا عنه عندما قال على أن هذه األحكام ال تقبل التصدي ما دام أنه ال
ً َّ
تستأنف إال مع الجوهر لذلك فإن محاكم ثاني درجة تفصل فيها ،استنادا إلى األثر الناقل.149
ً
ورجوعا إلى موقف املشرع الفرنس ي الذي جعل هذه األحكام قابلة لالستئناف املباشر وخول
ملحكمة ثاني درجة التصدي لها ،فإن التساؤل الذي يتبادر إلى الذهن هو الحالة التي يقتصر فيها
املستأنف في مقاله االستئنافي على نقد الجزء من الحكم الفاصل في الجوهر دون الجزء املعلق
إال ًَّ ً
بناء باإلجراء ،فهل تتصدى له املحكمة خصوصا إذا علمنا أن الحكم الفاصل في الجوهر ال يبت فيه
على األثر الناقل؟
محكمة النقض الفرنسية أجابتنا عن هذا السؤال في أحد قراراتها عندما اشترطت ورود
االستئناف على الجزء اآلمر بإجراء من إجراءات التحقيق إلعمال محكمة ثاني درجة حقها في
التصدي ،150والذي يستفاد منه أن الطعن في الجزء من الحكم الفاصل في املوضوع يبت فيه باألثر
الناقل.
بقي لنا أن نشير فقط في ختام هذه النقطة أن شرط إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه أعاد
املشرع تنظيمه بمقتض ى مشروع ق.م.م ،ولكنه في املقابل ألغى شرط الجاهزة الدعوى وهو الشرط
الذي سيكون موضوع الدراسة بعده.
-148قرار عدد 2133بتاريخ 1ماي ،2952منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،70دجنرب ،2951ص .25
-149محمد صابر ،م .س ،ص .355
-150نقض مد،ي 22نونرب 2953املجلة املدنية IIرقم .215أورده عبد العزيز حرضي ،القواعد املوضوعية الستئناف األحكام املدنية يف
الترشيع املغريب ،م .س ،الجزء الثا،ي ،ص .115
69
0202 40
-151تنص املادة 272من م.،.م.م.م عىل أنه "إذا أبطلت أو ألغت محكمة ثا،ي درجة الحكم املطعون فيه ،وجب عليها أن تتصدى
للحكم يف الجوهر".
-152البشري بن إسامعيل ،نظام التصدي أي جديد جاءت به مسودة مرشوع قانون املسكرة املدنية ،مقال منشور مبجلة اإلرشاد القانو،ي ،
العدد األول ،1021 ،ص .17
71
0202 40
ولدراسة حالة تحقق شرط الجاهزية ،فإننا سنعرض موقف التشريع الفرنس ي (أوال) ومن بعده
موقف مشرعنا املغربي (ثانيا).
70
0202 40
غير أنه وبالتعديالت التي طالت هذا الشرط سواء بمقتض ى قانون 0249أو مرسوم 0229سمح
للقضاء ومعه الفقه الفرنس ي بتغيير موقفهما فلم يعد ينظر إلى شرط الجاهزية كشرط جوهري ،بل
أيدا موقف التشريع بتخويل محكمة ثاني درجة إمكانية تجهيز القضية والذي يستفاد منه أن شرط
الجاهزية لم يعد له محل في ظل القانون الفرنس ي الجديد ،و في هذا الصدد قضت محكمة النقض
الفرنسية بأنه من حق محكمة االستئناف تجهيز القضية من خالل اللجوء إلى إجراءات التحقيق إذا
رأت ذلك ضروريا لحل النزاع.
-155ا ُنظر القرارات عدد 121بتاريخ 11ماي ،2911منشور مبجلة املحاتم املغربية عدد ،13ص ،12والقرار عدد 292بتاريخ ،2955/20/32
منشور مبجلة القضاء والقانون ،عدد ،231ص .177
72
0202 40
قضت بإلغاء الحكم املستأنف وتصدت للحكم في املوضوع ،والحالة هذه تكون قد جعلت لقضائها
ً ً
أساسا سليما.156
لكن السؤال الذي يطرح في هذا املقام هو ما هو وقت تقدير تحقق هذه الجاهزية؟ وهل تقدير
هذا الشرط مسألة واقع تستقل محكمة ثاني درجة بتقديره؟ أم أنه مسألة قانون خاضع لرقابة
محكمة النقض؟
ذهب املجلس األعلى في إجابته عن هذه األسئلة إلى التأكيد أن املهم هو حصول مناقشة في
ً ً
ابتداء أو استئنافا ألن املهم هو حصول هذه الجاهزية الجوهر ووقوع تبادل للمذكرات سواء تم ذلك
ً
قضاء أن قبل صدور قرار محكمة ثاني درجة ،157أما سلطة املحكة في تقدير هذه الجاهزية فإن الثابت
هذا الشرط هو من مسائل الواقع الخاضعة للسلطة التقديرية لقاض ي ثاني درجة غير أن هذه السلطة
ليست سلطة مطلقة بل خاضعة لراقة املجلس األعلى.158
واملستنتج مما سبق أن القضاء يستلزم ضرورة تحقق هذه الجاهزية وفي املقابل ال يسمح
َّ
إال في حالة نقل النزاع ً
بناء على األثر الناقل أما ملحكمة ثاني درجة باللجوء إلى إجراءات التحقيق
ً
استنادا إلى التصدي فإن هذه املحكمة ال يسمح لها بهذه اإلجراءات ألن في ذلك دليل على عدم جاهزية
الدعوى ،والحال أن الفصل 041من ق.م.م.م.ح الحالي يستلزم هذا الشرط.
- 2موقف الفقه
يذهب األستاذان محمد صابر وعبد العزيز حضري إلى التأكيد على أنه ال مجال للتصدي إن لم
تكن القضية جاهزة للبت فيها ،واعتبرا أن هذه الجاهزية تتحقق عندما يقوم الطرفان بمناقشة
موضوع الدعوى وتمكن كل واحد منهم من تقديم جوابه سواء تم ذلك أمام قاض ي أول درجة أو أمام
قاض ي الدرجة الثانية ،ودون أن تكون الدعوى متوقفة على أي إجراء من إجراءات التحقيق ،وأكدا
ً
أيضا أن وقت تقدير هذه الجاهزية هو وقت صدور قرار محكمة ثاني درجة ألن امللف قد ال يكون
-156قرار عدد 1030بتاريخ 2992/7/1يف امللف رقم 12/1203غري منشور ،أورده عبد العزيز توفيق ،الجزء الثا،ي ،م .س ،ص .777
-157قرار عدد 2151بتاريخ 22يونيو ،2990أورده عبد العزيز حرضي ،م .س ،ص .305
-158نبيل إسامعيل عمر ،سلطة القايض التقديرية يف املواد املدنية والتجارية ،دراسة تحليلية تطبيقية ،دار الجامعة العربية الجديدة
للنرش ،سنة ( ،1001ع .ط .غ .م) ،ص .271
73
0202 40
ً ً
جاهزا في املرحلة االبتدائية لكن يصبح جاهزا أمام محاكم ثاني درجة ،وأن هذا الشرط هو من أمور
الواقع التي تخضع لسلطة القاض ي التقديرية.159
أما األستاذ عبد القادر لطفي فقد ذهب إلى أن الجاهزية تعني تجهيز الدعوى من طرف محكمة
ثاني درجة بعد القيام بإجراءات التحقيق الالزمة ،وأن هذا الشرط يجب أن يحصل أمام محاكم ثاني
درجة ،وال فرق في ذلك بين أن يكون الحكم االبتدائي قد فصل في موضوع الدعوى أم اقتصر على
الشكل فقط.160
وإذا كان ما ذهب إليه األستاذان محمد صابر وعبد العزيز حضري هو عين الصواب ألن موقفهما
ينسجم مع مقتضيات الفصل 041من ق.م.م.م.ح ،فإن ما ذهب إليه األستاذ عبد القادر لطفي
مجانب للصواب لالعتبارات التالية:
-إن األستاذ عبد القادر لطفي ذهب إلى أن الجاهزية تعني تجهيز القضية من طرف محاكم ثاني
درجة باتخاذها إلجراءات الحقيق ،والحال أن لجوء هذه املحاكم ملثل هذه اإلجراءات لهو دليل قاطع
على عدم جاهزية الدعوى وهي الجاهزية التي يشترطها الفصل 041من ق.م.م.م.ح لوجوب التصدي.
-إن األستاذ لطفي قال أنه إلعمال التصدي فال فرق بين أن يكون الحكم املستأنف قد فصل في
موضوع الدعوى أو في شكلها ،وأن فكرة الجاهزية ال تستقيم بدون فكرة استنفاد الوالية ،و هو أيضا
ً
قول مردود ألن الحكم الفاصل في املوضوع يبت فيه استنادا إلى األثر الناقل ،كما أنه يخلط بين
ً
مفهومي الجاهزية واستنفاد الوالية ألن هذا األخير معناه أن موضوع الدعوى قد فصل فيه ابتدائيا
وهنا يجب إعمال األثر الناقل لالستئناف في حين أن الجاهزية تعني أن القضية كانت جاهزة للبت فيها
َّ
أمام قاض ي الدرجة األولى غير أن املحكمة اقتصرت على البت فقط في الشكل أو أنها لم تكن كذلك إال
أنها أصبحت جاهزة أمام محكمة الدرجة الثانية بعد تقديم األطراف ألوجه دفاعهم دون الحاجة إلى
إجراءات التحقيق.
وفي ختام هذه النقطة نشير إلى أن املشرع املغربي قد أسقط شرط الجاهزية من الفصل 041في
مشروع ق.م.م األمر الذي يطرح معه التساؤل حول حدود سلطة املحكمة في تجهيز القضية ،فهل هذا
ً
اإللغاء سيخول لها حقا اللجوء إلى إجراءات التحقيق كما فعل نظيره الفرنس ي؟
-159محمد صابر ،م .س ،ص .327عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء الثا،ي ،ص .305 – 307
-160عبد القادر لطفي ،تطبيقات الفصل 272من .،م.م ،محارضة ألقيت يف إطار اللقاء العلمي الذي نظمته محكمة االستئناف
مبراتش ،بتاريخ ،1001/3/15غري منشورة ،أوردها محمد صابر ،م .س ،ص .327
74
0202 40
نعتقد أن نية املشرع تتجه نحو تخويل محكمة ثاني درجة التصدي للبت في القضية حتى ولو لم
َّ
تكن جاهزة ،غير أن هذا األمر لن يتأتى لها إال بمنحها حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق لتجهيز
القضية ،ليبقى إذن السؤال املطروح هو ما هي معايير القول بعدم تحقق هذه الجاهزية؟ وهو السؤال
الذي سنحاول اإلجابة عنه في الفقرة املوالية.
75
0202 40
لجوء املحكمة ملثل هذه اإلجراءات يستلزم بالضرورة من أطراف الخصومة تقديم مالحظاتهم حول
هذا اإلجراء وهو األمر غير املستساغ في ظل قاعدة تحريم تقديم طلبات جديدة أما محاكم الدرجة
الثانية.161
فاألستاذ عبد العزيز حضري يؤكد على أنه إذا كان البت متوقف على إجراء من إجراءات
التحقيق ،فإن ذلك معناه أن القضية غير جاهزة للبت فيها ،وبذلك تكون محكمة االستئناف ملزمة
بإرجاع امللف إلى محكمة الدرجة األولى املصدرة له ،162وهو نفس املوقف الذي تبناه األستاذ محمد
صابر.163
أما على مستوى العمل القضائي ،فإننا نجد القضاء املغربي يقر على أنه كلما كانت محكة ثاني
درجة ملزمة باللجوء إلى إجراءات التحقيق وكان نطاق النزاع مرفوعا إليها بمقتض ى التصدي .164وكانت
قد ألغت الحكم املطعون فيه أو أبطلته ،فإنه يجب عليها إعادة امللف إلى محكمة الدرجة األولى للبت
فيه من جديد .وهو ما يستفاد من قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بمراكش قضت فيه
بإلغاء الحكم الصادر عن املحكمة التجارية بمراكش والقاض ي بفتح مسطرة التصفية القضائية ،مع
إرجاع امللف إلى هذه املحكمة لكون القضية متوقفة على إجراء خبرة حسابية ملعرفة الوضعية املالية
للمقاولة .165وهو نفس التوجه أيضا الذي استقر عليه العمل أمام محكمة النقض إذ نجد أن هذه
ً
األخيرة قد قررت في أحد قراراتها الحديثة أنه ملا قضت املحكمة فعال بإلغاء الحكم املستأنف ،وقضت
ً
تمهيديا بإجراء بخبرة كإجراء تحقيقي ،فإن الدعوى تكون غير جاهزة أمامها وكان يتعين عليها إرجاع
امللف ملحكمة الدرجة األولى ،وإذا لم تفعل تكون قد خرقت شروط ممارسة واجبها في التصدي،
معرضة قرارها للنقض.166
-161للتوسع حول مفهوم الطلب الجديد أمام محكمة االستئناف ،ا ُنظر محمد صابر ،مفهوم الطلب الجديد أمام محكمة االستئناف ،مقال
منشور مبجلة املحامي ،عدد ،72يوليوز .1001
-162عبد العزيز حرضي ،م .س ،ص .325
-163محمد صابر ،م .س ،الجزء الثا،ي ،ص .323
-164عىل اعتبار أن األثر الناقل يخول ملحاتم ثا،ي درجة نفس صالحيات محاتم أول درجة مبا فيها للجوء إىل إجراءات التحقيق.
-165قرار عدد 775صادر بتاريخ 99/22/3يف امللف عدد 99/321غري منشور أورده محمد صابر ،األثر الناقل الستئناف األحكام املدنية يف
القانون املغريب ،م .س ،ص .329س
-166قرار عدد 2-775بتاريخ 1023-07-22ملف تجاري ،رقم 1022-2-3-112منشور مبوقع محكمتي ،ا ُطلع عليه بتاريخ 2مارس 1029عىل
الساعة العارشة صباحا.
76
0202 40
والعلة األساسية من تحريم لجوء محاكم ثاني درجة إلجراءات التحقيق هو خلق نوع من التوازن
بين سلطات املحكمة وسلطات األطراف ألنه من غير املعقول تخويل املحكمة حق اللجوء إلى إجراءات
التحقيق الذي يستلزم بالضرورة من األطراف تقديم مالحظاتهم بناء على نتائج هذا اإلجراء والحال أن
ً
األطراف مقيدون أصال بقاعدة تحريم تقديم طلبات جديدة ألول مرة أمام محكمة ثاني درجة.
-2معيار احترام مبدأ التقاض ي على درجتين
يعد مبدأ التقاض ي على درجتين 167أحد أهم املرتكزات التي يقوم عليها النظام القضائي في جل
تشريعات املعمورة ،والقضاء متشدد بضرورة احترام هذا املبدأ ،إذ أن أي خرق له يجعل قضاءه غير
مؤسس.
فعديدة هي املقررات القضائية التي تعتمد على ضرورة احترام مبدأ التقاض ي على درجتين،
للقول بعدم تحقق شرط الجاهزية وبالتالي إرجاع امللف إلى محاكم الدرجة األولى للبت فيه من جديد.
وفي هذا اإلطار فإن محكمة االستئناف التجارية بمراكش قررت في أحد قراراتها على أنه ما دام
ً
البت في امللف متوقف على إجراء خبرة لتحديد قيمة األصل التجاري ،فإنه احتراما ملبدأ التقاض ي على
درجتين يتعين إلغاء الحكم املستأنف وإرجاعه إلى محكمة الدرجة األولى للبت فيه طبقا للقانون.168
َّ
وجاء في قرار صادر عن املجلس األعلى على أنه إذا كان الحكم االبتدائي لم يبت إال في الجانب
الشكلي من الدعوى ،فليس ملحكمة االستئناف حين إلغائه أن تتصدى للموضوع وكان عليها إما أن
تؤيد الحكم االبتدائي لنفس العلل التي بين عليها أو تلغيه وتقض ي برد امللف إلى املحكمة االبتدائية
للبت في الجوهر حتى ال يحرم الطاعن من التقاض ي على درجتين ،169كما قض ى في قرار آخر أنه ما دام
الحكم االبتدائي اقتصر في البت على الجانب املتعلق باالختصاص املحلي حيث قض ى بعدم
ً
االختصاص ،فاستأنف فتبين ملحكمة االستئناف أن املحكمة املذكورة مختصة محليا ،غير أن محكمة
77
0202 40
االستئناف تصدت وقضت للمستأنف بتعويضات ففوتت درجة من درجات التقاض ي لعدم إرجاع
امللف إلى املحكمة االبتدائية للبت فيه مما عرض قرارها للنقض.170
وبالرجوع إلى هذه القرارات نالحظ أن القرار األول نص على احترام مبدأ التقاض ي على درجتين ما
ً
دام البت في امللف متوقفا على إجراء خبرة ،وهو توجه محمود ألنه ينسجم مع مقتضيات الفصل 041
من ق.م.م.م.ح الذي يستلزم جاهزية امللف والحال أن لجوء محكمة ثاني درجة إلجراءات التحقيق
دليل على عدم تحقق هذا الشرط ،األمر الذي يستفاد منه أن محكمة الدرجة األولى لم تستنفذ واليتها
بعد وهو ما يقتض ي إرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له للبت فيه على ضوء ما ستسفر عنه هذه
الخبرة وحتى ال يحرم املتقاض ي من درجة من درجات التقاض ي.
ً َّ
أما القرار الثاني والثالث واللذان أكدا على ضرورة إرجاع امللف احتراما ملبدأ التقاض ي على
َّ
درجتين ألن محكمة أول درجة لم تبت إال في الجانب الشكلي للدعوى – كاالختصاص املحلي – هو
ً
استثناء توجه نعتقد أنه لم يستوعب بعد فلسفة املشرع من خالل تبنيه لنظام التصدي والذي يشكل
على املبدأ املذكور ،والذي يعبر – أي نظام التصدي – عن رغبة املشرع في جعل االستئناف وسيلة
إلنهاء النزاع في الحاالت التي لم يتم فيها الفصل في املوضوع ،متى تبت ملحكمة ثاني درجة بعد إلغائها أو
إبطالها الحكم املطعون فيه أن الدعوة جاهزة للبت فيه ،أما إذا ما قضت محكمة أول درجة في
ً
املوضوع فإن النزاع حينئذ سينقل إلى محاكم ثاني درجة استنادا لألثر الناقل.
ثانيا :مدى إلزامية القرار االستئنافي القاض ي باإللغاء واإلرجاع وقابليته للطعن بالنقض
إذا قامت محكمة ثاني درجة بإلغاء أو إبطال الحكم املستأنف ،فإنه يجب عليها أن تتصدى
للبت في القضية في جوهرها إذا كانت الدعوى جاهزة للفصل فيها ،أما إذا تخلف هذا الشرط ،فإن
هذه املحاكم تكون ملزمة بإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له ،وهو ما يطرح التساؤل عن مدى
إلزامية هذا القرار لقضاة الدرجة األولى ( )0وعن مدى قابلية للطعن بالنقض (.)9
-1مدى إلزامية القرار االستئنافي القاض ي باإللغاء واإلرجاع لقضاة الدرجة األولى
ً
سنقف أوال عند األساس القانوني للحكم بإرجاع امللف (أ) قبل الحديث عن قوته امللزمة (ب).
78
0202 40
79
0202 40
األعلى في قراره في نقطة قانونية ،تعين على املحكمة التي أحيل عليها امللف أن تتقيد بقرار املجلس
األعلى في هذه النقطة" .وهو األمر الذي أقرته محكمة النقض في العديد من قراراتها.171
فإن السؤال املطروح هو مدى تقيد محكمة الدرجة األولى بما جاء في قرار اإلحالة االستئنافي في
ظل غياب أي نص قانوني يلزمها بذلك؟
إن مواقف القضاء في ظل غياب هذا التنظيم التشريعي مختلفة بحسب ما إذا كان قرار اإللغاء
ً ً
واإلرجاع مبررا أم ال .ففي الفرضية األولى – فرضية تبرير القرار -فإن القاض ي ال يجد ضررا في تبني
ً
موقف أو تعليل قضاة الدرجة الثانية ،أما في حالة عدم االقتناع ،فإن قاض ي الدرجة األولى غالبا ما
ً
يبقى متمسكا بموقفه الذي تم نقضه من طرف محكمة الدرجة الثانية وكمثال على ذلك ،ما ذهب
إليه القرار عدد 22الصادر عن محكمة االستئناف بالقنيطرة والذي قض ى بإلغاء األمر الصادر عن
السيد رئيس املحكمة االبتدائية بسيدي قاسم والقاض ي برفض طلب إجراء معاينة واستجواب رفقة
ّ ً
خبير للتحقق من واقعة الترامي ،وبإرجاع امللف إليه للبت فيه طبقا للقانون ،إال أن السيد رئيس
ً
املحكمة بعد إرجاع امللف إليه قض ى بمثل ما قض ى به سابقا.172
وفي قرا آخر صادر عن محكمة االستئناف التجارية بمراكش في إطار ظهير 94ماي 0288قض ى
بإلغاء الحكم الصادر عن املحكمة التجارية بمراكش وإحالة امللف عليها للبت فيه طبقا للقانون ،غير
أن هذه األخيرة لم تساير موقف محكمة االستئناف وقضت بمثل ما قضت به في حكمها امللغى.173
لكن اإلشكال املطروح هنا هو حالة عدم تقيد محكمة الدرجة األولى بما جاء في قرار اإلحالة وتم
الطعن من جديد في هذا الحكم باالستئناف ،وكانت القضية غير جاهزة ،فهل تتصدى محكمة ثاني
درجة لحسم النزاع؟ أم يتعين عليها إرجاع امللف من جديد عنـد إلـغائـه؟
في إطار الجواب عن هذا السؤال ذهبت محكمة االستئناف التجارية بمراكش في أحد قراراتها إلى
القول بأنه كان على محكمة الدرجة األولى أن تنظر في النزاع على ضوء هذا القرار االستئنافي ،وأن
-171ا ُنظر القرار عدد 253بتاريخ 01-5-5يف امللف التجاري رقم ،02/2252منشور مبجلة رسالة املحاماة عدد ،10ص ،217والقرار عدد
3595بتاريخ 03-21-22يف امللف رقم ،02/250منشور مبجلة اإلشعاع ،عدد ،19ص .125
-172قرار عدد 11بتاريخ 2999-2-5منشور مبجلة اإلشعاع عدد ،32 – 30ص .355
-173قرار عدد 713بتاريخ ،1002-5-1متت اإلشارة إليه سابقا.
81
0202 40
املحكمة املذكورة ملا لم تفعل ذلك تكون قد جانبت الصواب وعرضت حكمها لإللغاء ،وأنه مراعاة
ً
ملبدأ التقاض ي على درجتين ولحسن سير العدالة يتعين إرجاع امللف إلى املحكمة نفسها لتبت فيه طبقا
للقانون على ضوء املعطيات القانونية املومأ إليها أعاله.174
غير أننا نعتقد أن ما ذهبت إليه هذه املحكمة مجانب للصواب ما دام املشرع لم يلزم محاكم
الدرجة األولى بالتقيد بما جاء في قرار محكمة اإلحالة وإن كنا نتساءل عن الفائدة من هذا اإلرجاع ما
دامت محاكم الدرجة األولى غير ملزمة بما جاء في قرار اإلرجاع.
لهذا السبب فإننا نقترح على املشرع املغربي إدراج نص قانوني ينظم هذه املسألة ،وإن كان
املشرع املغربي سيلغي شرط الجاهزية مما يستفاد منه أن محاكم ثاني درجة ستكون ملزمة بالبت في
الجوهر حتى ولو كانت القضية غير جاهزة للبت فيها .لذلك فإنه في حالة املوافقة على مشروع ق.م.م
ً
بصيغته الحالية ،فإنه لن يكون مجال مستقبال للحديث عن اإللغاء واإلرجاع بل إن محاكم الدرجة
الثانية ستكون ملزمة في حالة اإللغاء أو اإلبطال بالتصدي ملوضوع النزاع.
-2قابلية القرار االستئنافي القاض ي باإللغاء واإلرجاع للطعن بالنقض
سنعالج في هذه النقطة الطعن بالنقض ضد قرار محكمة ثاني درجة القاض ي باإللغاء واإلرجاع
(أ) وأثر هذا الطعن على سير اإلجراءات (ب).
أ -الطعن بالنقض في قرار اإللغاء واإلرجاع
ً
من املستقر عليه فقها أن القرار القاض ي باإللغاء واإلرجاع هو من املقررات القضائية القطعية،
ذلك أنها تعتبر نتيجة لعمل محكمة ثاني درجة التي قامت بفحص الحكم املستأنف وقضت بإلغائه ألنه
ً ً ً
يتضمن خرقا لنص قانوني أو فهما خاطئا لواقعة أو حجة معينة أدلى بها أحد األطراف ،أو بإبطاله
ً
لكون جاء مخالفا ملقتضيات الفصل 81من ق.م.م.م.ح أو أنه غير محترم لحقوق الدفاع .175ولذلك
-174قرار عدد 922بتاريخ 01-1-29يف امللف رقم 02/2150منشور مبجلة املحاتم التجارية عدد ،2- 5ص .332
-175ا ُنظر ما سبق ،الصفحة 73وما يليها.
80
0202 40
ً ً
فإن هذه األحكام تعتبر أحكاما انتهائية قابلة للطعن بالنقض طبقا ملقتضيات الفقرة األولى من املادة
181من ق.م.م.م.ح.176
أما على مستوى العمل القضائي فإن موقف محكمة النقض غير مستقر على رأي واحد فتارة
تقبل هذا الطعن وتارة تواجهه بعد القبول.
وهكذا فإننا نجد أن محكمة النقض قد قضت بقبول الطعن املقدم ضد القرار االستئنافي
القاض ي باإللغاء واإلرجاع ،ملا نقضت هذا القرار بحجة أن املحكمة ملا ناقشت موضوع الدعوى وقضت
بإلغاء الحكم االبتدائي مع إرجاعه إلى املحكمة املصدرة له والحال أنه كان عليها أن تتصدى للبت في
ً
القضية ما دام موضوع النزاع جاهزا للحسم فيه.177
ً
في حين ذهبت في قرار آخر إلى عدم قبول هذا الطعن استنادا إلى العلة التالية التي جاء فيها
ً
"وحيت تبين من القرار املطعون فيه أنه فعال قض ى بإلغاء الحكم االبتدائي املستأنف والحكم من
جديد بإرجاع امللف إلى املحكمة التجارية لتبت فيه طبقا للقانون ولم يقض بش يء عند إلغائه وبالتالي
فإن موضوع الدعوى لم يفصل فيه لكون القضية غير جاهزة مما يعرض الطلب لعدم القبول".178
َّ
إال أننا نعتقد أن هذه القرارات الصادرة باإللغاء واإلرجاع هي قرارات انتهائية خاضعة ملقتضيات
الفصل 181وبالتالي فإنها قابلة للطعن بالنقض وال يمكن بأي حال من األحوال مواجهتها بعدم
ًّ
القبول ،وإال فإن هذا األمر سيؤدي إلى إفراغ الفصل 181من ق.م.م من محتواه.
ب -أثر الطعن بالنقض على سير اإلجراءات
إذا كنا قد سلمنا أن القرار القاض ي باإللغاء واإلرجاع قابل للطعن بالنقض ،فإن السؤال
املطروح هو حول أثر هذا الطعن على سير اإلجراءات ذلك أن محكمة ثاني درجة تكون في حيرة من
-176محمد صابر ،مدى إلزامية القرار االستئنايف باإللغاء واإلرجاع ملحكمة الدرجة األوىل وقابلية للطعن بالنقض ،مقال منشور مبجلة
القضاء والقانون ،عدد ،225يونيو ،1025ص .90
-177قرار عدد 2055بتاريخ 1022-1-15يف امللف عدد ،1022/1/2/1952منشور مبجلة قضاء محكمة النقض ،العد ،12سنة ،1023ص .23
-178قرار عدد 1/230بتاريخ 1027/3/2يف امللف التجاري عدد ،1023/1/3/229غري منشور ،أورده محمد صابر ،مدى إلزامية القرار
االستئنايف القايض باإللغاء و اإلرجاع ملحاتم الدرجة األوىل وقابليته للطعن بالنقض ،م .س ،ص .92
82
0202 40
ً
أمرها بين إرجاع امللف عمال بما جاء في قرارها أو بتوجيهه إلى محكمة النقض استجابة للطعن
املرفوع؟.
َّإن الجواب عن هذا السؤال يقتض ي االنطالق فيه من وقت تقديم الطعن ،هل هذا الطعن تم
قبل إرجاع امللف أم بعده ،فإن تم قبل إرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له ،فإن محكمة الدرجة
الثانية تكون ملزمة برفع امللف إلى محكمة النقض .أما إذا ما تم تقديم الطعن بالنقض بعد إحالة
امللف على املحكمة املصدرة له ،فإن الواقع العملي أثبت أن محاكم ثاني درجة ال تبادر إلى مطالبة
املحكمة املحال إليها امللف بإعادته لها قصد توجيهه إلى محكمة النقض .وتبرر موقفها بأن الطعن
بالنقض ال يوقف اإلجراءات حسب ما جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بمراكش
قضت فيه بأنه "حيث إنه وإذا كان املستأنفون قد مارسوا مسطرة الطعن بالنقض في القرار القاض ي
بإرجاع امللف إلى املحكمة التجارية للبت فيه طبقا للقانون فإنه ال يترتب على تقديم طلب النقض
وقف اإلجراءات املسطرية".179
ً
وفي هذا الصدد ذهب أستاذنا محمد صابر إلى أنه إذا كان واضحا أن قرار محكمة االستئناف
ً ً
القاض ي باإللغاء واإلرجاع يعتبر حكما موضوعيا ألنه بتصريحه بإلغاء الحكم املستأنف يكون قد حسم
بأن هذا الحكم قد جانب الصواب فيما قض ى به ،فإن الطعن بالنقض يقتض ي توجيه امللف بجميع
وثائقه إلى محكمة النقض وبالتالي لم يبق ما يستوجب توجيه امللف إلى محكمة الدرجة األولى أو
ً
االستمرار في اإلجراءات إذا حصل هذا الطعن متأخرا أي بعد إحالة امللف على محكمة الدرجة
األولى.180
وفي ختام هذا املبحث الخاص بشروط تصدي محكمة ثاني درجة للبت في القضية البد من
ً
اإلشارة إلى أن القضاء املغربي أضاف إلى شرطي اإللغاء أو اإلبطال و جاهزية الدعوى شرطا آخر وهو
شرط االختصاص ،إذ أن واجب محكمة االستئناف بالتصدي عند إلغائها للحكم املطعون فيه ال يقوم
َّ
إال إذا كانت هي نفسها محكمة درجة ثانية بالنسبة للمحكمة التي ترى أنها كانت مختصة للفصل فيه
ً
ابتداء.181
83
0202 40
84
0202 40
على املصالح الخاصة لألغيار قد أجاز لهم إمكانية التدخل ولو ألول مرة أمام محكمة ثاني درجة في
محاولة منه لحقيق نوع من التوازن بينهم وبين األطراف اللذين قد يبادروا إلى تقديم طلب بإدخالهم.
أما مشرعنا املغربي ،وإن كان قد نظم مسألتي التدخل واإلدخال أمام محاكم الدرجة األولى ،فإنه
أغفل ذلك أمام محاكم الدرجة الثانية مما يطرح معه التساؤل حو أثر التزام محكم(ة الدرجة الثانية
بالتصدي للقضية على قبول طلبات التدخل واإلدخال.
ً
وانطالقا من كل ما سبق فإننا سنحاول بحث مسألة آثار تصدي محكمة الدرجة الثانية للبت في
ً
القضية ،من خالل الوقوف أوال عند صالحيات هذه املحكمة ودور األطراف أمامها (املطلب األول)،
قبل الحديث عن إمكانية التدخل واإلدخال أمامها ،ومدى تأثير ذلك على واجبها بالتصدي لحسم النزاع
(املطلب الثاني).
85
0202 40
86
0202 40
أوال :سلطة البت في جوهر النزاع وتقدير صالحية الدعوى للبت فيها
سنحاول معالجة سلطة املحكمة في البت في جوهر النزاع ( )0وسلطتها في تقدير صالحية الدعوى
للبت فيها ( )9من خالل استقراء مواقف التشريعين الفرنس ي واملغربي بخصوص هاته السلط.
-1سلطة البت في جوهر النزاع
َّ
على الرغم من تنظيم املشرع الفرنس ي (أ) واملشرع املغربي (ب) لهاته السلطة ،إال أنهما اختلفا في
طبيعتها.
أ -موقف املشرع الفرنس ي
تنص املادة 815من ق.م.م.ف.ج على أنه "إذا أبطلت أو ألغت محكمة االستئناف حكم أمر
بإجراء من إجراءات التحقيق ،أو بت في دفع شكلي ،وأنهى الخصومة ،فإنها تستطيع أن تتصدى
لجميع املسائل التي لم يتم الفصل فيها ،إذا رأت أن مصلحة العدالة تقتض ي إعطاء حل نهائي
للقضية ،وذلك بعد أن تأمر من تلقاء نفسها باتخاد ما يلزم من إجراءات التحقيق.
والتصدي ال يعرقل إعمال املواد ،811 ،888 ،884إلى .185"812
فاملالحظة األساسية إذن من خالل استقرائنا ملضمون املادة املشار إليها أعاله هي أن املشرع
الفرنس ي ،عندما خول ملحكمة ثاني درجة إمكانية إعمال تقنية التصدي لحسم النزاع ،فإنه جعل من
هذه السلطة خيار وليس إلزاما .وهو ما يستفاد من خالل مصطلح "تستطيع" ،والذي يفهم منه أن
تصدي محكمة ثاني درجة هو حق متروك لسلطتها التقديرية ،سواء قامت بإلغاء الحكم املطعون فيه
أو أبطلته.
وهكذا فإن سلطة محكمة ثاني درجة للبت في النزاع هي سلطة ذات طبيعة اختيارية في ظل
التشريع الفرنس ي ،فما هي طبيعة هذه السلطة في تشريعنا املغربي يا ترى؟.
ب -موقف املشرع املغربي
-185سبقت اإلشارة إىل هذه املادة بلغتها األصلية أُنظر الصفحة . 27
87
0202 40
إذا كان الطابع املميز لسلطة البت في النزاع عند إعمال محكمة ثاني درجة لتقنية التصدي ،في
ظل التشريع الفرنس ي هو صفتها االختيارية ،فإن األمر خالف ذلك في تشريعنا املغربي ،والذي جعل من
ً
هذه السلطة واجبا يقع على عاتق محاكم الدرجة الثانية ،كلما ألغت أو أبطلت الحكم املطعون فيه
وكانت الدعوى جاهزة للبت فيها ،وذلك بمقتض ى الفصل 041من ق.م.م.ح الذي جاء فيه "إذا أبطلت
أو ألغت غرفة االستينافات باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه ،وجب عليها
أن تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها" ،بعد أن كانت هذه السلطة مجرد
رخصة في ظل املادة 911من ق.م.م.ق والتي كانت تنص على أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم
املطعون فيه باالستئناف ،يجوز لها التصدي للحكم في الجوهر ،إذا كانت الدعوى جاهزة للحكم فيها".
ً
ولقد انتقد األستاذ A.Boudahrainهذا التحول في طبيعة هذه السلطة معتبرا أنها ال تخدم
ضمانات العدالة ،وفيها إضرار بقاعدة التقاض ي على درجتين ،التي تعد ركيزة أساسية في النظام
القضائي املغربي ،186غير أن املمارسين في امليدان القضائي ذهبوا عكس ذلك عندما أيدو هذا التحول
ملا فيه من تحقيق للسرعة واالقتصاد في اإلجراءات مؤكدين على ضرورة هذا الوجوب في جميع حاالت
اإللغاء عدا حالتي الحكم بعدم االختصاص أو عدم القبول .ففي هاتين الحالتين يجب فقط إحالة
ً ً
القضية على املحكمة املختصة ،أما عداها فتحقيقا للسرعة ،يجب أن يكون التصدي واجبا.187
غير أننا ال نؤيد هذا املوقف األخير في شقه القاض ي بضرورة إحالة امللف على املحكمة املختصة
في حالة إلغاء محكمة ثاني درجة للحكم البات في عدم االختصاص ،دون أن تتصدى للقضية على
اعتبار أنه حتى في هذه الحالة يجب على محكمة الدرجة الثانية التصدي لجوهر النزاع إذا ألغت الحكم
القاض ي بعدم االختصاص وكانت الدعوى جاهزة ،بشرط أن تكون هذه املحكمة هي نفسها محكمة
الدرجة الثانية بالنسبة للمحكمة املصدرة للحكم بعدم االختصاص ،باستثناء النزاعات ذات الطابع
التجاري واإلداري إذ أن محكمة االستئناف التجارية والغرفة اإلدارية بمحكمة النقض يكونان ملزمين
بإحالة امللف على املحكمة املختصة في حالة إلغائهما لحكم قض ى بعدم االختصاص النوعي كما سبقت
اإلشارة إلى ذلك.
-2سلطة تقدير صالحية الدعوى للفصل فيها
سنعرض أوال موقف املشرع الفرنس ي بخصوص هذه السلطة قبل الحديث عن موقف مشرعنا املغربي.
88
0202 40
89
0202 40
وفي هذا الصدد قض ى املجلس األعلى في أحد قرارته أن محكمة االستئناف ال يجوز لها استعمال حق
َّ
التصدي للبت في جوهر الطلب إال إذا ألغت الحكم االبتدائي ،وكانت الدعوى جاهزة للفصل فيها،
وتبث محكمة االستئناف بحكم واحد في الطلب.191
كما قض ى أيضا في قرار آخر أن تقدير تحقيق هذه الشروط خاضع لسلطة املحكمة حيث جاء في هذا
القرار أنه" :وحيث أن اعتبار الدعوى جاهزة للبث فيها أم ال يخضع لتقدير محكمة االستئناف".192
-191قرار عدد 121بتاريخ 11/5/11يف امللف املد،ي عدد ،51535منشور مبجلة املحاتم املغربية ،عدد ،13ص .12
-192قرار عدد 2151بتاريخ ،2990-02-22منشور مجلة اإلشعاع ،عدد .7
-193ترجمة عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء الثا،ي ،ص 112والنص بلغته األصلية:
« lorsqu’il y aura appel d’un jugement interlocutoire si le jugement est infirme et que la matière est disposée à
recevoir une décision définitive, les cours d’appel et autres tribunaux d’appel pourront statuer en même temps sur
jugement, il en sera de même dans le cas où le cours d’appel et autres le fond définitivement par un seul et même
tribunaux d’appel infirmeraient soit pour vice de forme, soit pour toute cause des jugements définitifs ».
-194موقف األستاذ ،G. Amelhaudأشار إليه عبد العزيز حرضي . ،م س ،الجزء الثا،ي ،ص .322
-195عبد العزيز حرضي ،م..س ،الجزء الثا،ي ،ص .302
91
0202 40
العدالة إعطاء حل نهائي للنزاع ،وهي نفس املقتضيات التي أعاد املشرع سنها بمقتض ى املادة 815من
ق.م.م.ف.ج.
أما في املغرب -وفي ظل الفصل 041من ق.م.م.م.ح والذي منع محاكم ثاني درجة من اللجوء إلى
إجراءات التحقيق عندما استلزم شرط جاهزية الدعوى – فإن مواقف الفقه تضارب بخصوص هذه
السلطة.
ً
فاألستاذ A.Boudahrainدافع عن حق محكمة ثاني درجة في اللجوء إلى إجراءات التحقيق معتبرا أن
محكمة االستئناف امللزمة قانونا بالبت في الجوهر عند التصدي تكون ملزمة كذلك بإجراءات التحقيق
ً
واحد
ٍ بحكم
ٍ قبل ذلك البت ،خصوصا وأن املشرع املغربي لم يلزم محكمة ثاني درجة بالبت في النزاع
كما كان عليه األمر في ق.م.م.ف.ق.196
أما األستاذ عبد العزيز حضري فقد ذهب إلى التساؤل عما إذا كان من األفضل منع محكمة الدرجة
ً
الثانية حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق كلما رأت ذلك ضروريا للفصل في النزاع ،عوضا عن تمتيعها
ً
بسلطة تقديرية لتقرير مدى كفاية مستنتجات األطراف العتبار القضية جاهزة ،معززا طرحه بالقول
أنه من شأن منح محاكم الدرجة الثانية هذا الحق ،تفادي أي تعسف من جانبها في تقدير كون
القضية جاهزة للبت فيها ،ذلك أن منح هذه املحكمة حق تجهيز القضية ستكون معه في وضعية
مريحة لتمتيع الخصوم بكل حقوقهم الدفاعية.197
ً ً
في حين نجد أن أستاذنا محمد صابر قد سلك مسلكا مغايرا ملا تم طرحه أعاله ،عندما أكد على منع
محاكم الدرجة الثانية من اللجوء إلى هذه اإلجراءات ،ألنه حسب اعتقاده في ،اللجوء إلى هذه
اإلجراءات دليل على عدم جاهزية الدعوى وهو ما يتعارض مع روح الفصل 041من ق.م.م.م.ح ،الذي
ً ً
جعل من جاهزية الدعوى شرطا أساسيا للتصدي.198
وإذا كان البد لنا من تأييد أحد املواقف املشار إليها أعاله ،فإننا سنؤيد موقف أستاذنا محمد صابر،
ذلك أن األستاذان Boudahrainوحضري ذهبا إلى ضرورة تخويل محاكم الدرجة الثانية إمكانية
ً
اللجوء إلى إجراءات التحقيق ،كلما كان ذلك ضروريا لحسم النزاع ،وهو قول غير مستساغ على األقل
في ظل ق.م.م.م.ح الحالي ،199والذي استلزم ضرورة كون القضية جاهزة حتى يتم التصدي لها ،وفي
اللجوء إلى إجراءات التحقيق دليل على عدم تحقق هذه الجاهزية.
-2موقف القضاء
90
0202 40
إن القضاء الفرنس ي حتى قبل تعديل مرسوم 0229والذي خول ملحاكم ثاني درجة حق اللجوء إلى
إجراء التحقيق كان يلجأ إلى وسائل التحقيق التي تمكنه من الفصل في النزاع ،وهكذا فقد لجأت
بعض املحاكم االستئنافية بفرنسا إلى الخبرة عند التصدي بعد إلغائها لحكم قض ى بعدم االختصاص
للبت في دعوى التعويض ،وهو ما لم تعترض عليه محكمة النقض.200
بل األكثر فإن محكمة النقض ذاتها ذهبت في أحد قراراتها إلى التأكيد – وليس عدم االعتراض فقط –
ً
على حق محكمة ثاني درجة في اللجوء إلى مثل هذه اإلجراءات كلما كان ذلك ضروريا لحسم النزاع،201
وهو األمر الذي يفسر أن مقتضيات املادة 815التي أجاز بمقتضاها املشرع الفرنس ي ملحاكم ثاني درجة
إمكانية تجهيز الدعوى هي اجتهاد قضائي وليس تشريعي.
أما في املغرب فإن املجلس األعلى – وإن كان يجيز لنفسه حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق عندما كان
يمارس حق التصدي في إطار الفصل 115امللغى - 202فإنه لم يسمح ملحاكم ثاني درجة باللجوء إلى هذه
َّ
فاصل في الجوهر ،وهو إلغاء ال يكون من باب التصدي ،وإنما من ٍ حكم
اإلجراءات إال إذا تم إلغاء ٍ
قبيل البت في موضوع النزاع املرفوع إليها عن طريق االستئناف ،وهو ما يستفاد من قرار صادر عن
املجلس األعلى عاب فيه عن محكمة الدرجة الثانية إرجاع امللف للتحقيق للمحكمة االبتدائية ،بعد
ً ً ً
إلغائها حكما فاصال في املوضوع ،معتبرا أن هذا اإللغاء ليس من قبيل التصدي كما فهمت محكمة
االستئناف ،وإنما من قبيل البت في املوضوع من طرف محكمة الدرجة الثانية املرفوع إليها عن طريق
االستئناف.203
أما التصدي للجوهر بعد إلغاء الحكم املطعون فيه ،فيشترط ملمارسته – حسب تعبير املجلس األعلى
– أن تكون الدعوى جاهزة للبت فيها ،وهو ما يفيد ضمنيا منع محاكم الدرجة الثانية من اللجوء إلى
إجراءات التحقيق.204
وإذا كانت القاعدة في القضاء املغربي ،هو منع محاكم الدرجة الثانية من اللجوء إلى إجراءات
التحقيق ،فإن املجلس األعلى قد حاد عن هذه القاعدة في أحد قراراته والتي جاء فيها "إذا كان الطلب
-200نقض مد،ي بتاريخ 12فرباير ، 2922أورده عبد العزيز حرضي ،استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب ،م.س ،الجزء الثا،ي،
ص .322
-201نقض مد،ي بتاريخ 9مارس ،2921أورده عبد العزيز حرضي ،م س ،الجزء الثا،ي ،ص .321
-202قرار عدد 55/1101بتاريخ 2951-1-13يف امللف العقاري ،علق عليه األستاذ محمد املجدويب اإلدرييس يف مجلة رسالة املحاماة ،عدد
،5ص .253
-203قرار عدد 2750بتاريخ 27يونيو ،2959منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،77ص .52
-204ا ُنظر القرار عدد 121بتاريخ 2911-5-11يف امللف املد،ي عدد ،51535منشور مبجلة املحاتم املغربية ،عدد ،13ص .12والقرار عدد
212بتاريخ 1007-0-22يف امللف رقم ،01/2/3/2120منشور مبجلة القضاء والقانون عدد ،250ص .111
92
0202 40
املعروض أمام محكمة االستئناف هو نفسه الذي كان معروضا أمام املحكمة االبتدائية وألغته محكمة
ً
االستئناف وأمرت تمهيديا بإجراء خبرة نوقشت أمام األطراف ،ثم أصدرت محكمة االستئناف قرارها
بناء على هذه الخبرة ،وفي نطاق استئناف املدعى عليه ،يكون قد استفاد من درجتين للتقاض ي ،فتكون
املحكمة قد طبقت الفصل 041من ق.م.م".205
فهذا القرار يوضح بجالء أن املجلس األعلى لم يبد أي اعتراض على لجوء محكمة ثاني درجة لألمر
ً ً
بإجراء خبرة قبل تصديها للموضوع ،غير أنه يبقى قرارا استثنائيا ،واالستثناء – كما تقول القاعدة
الفقهية – ال يقاس عليه ،ليبقى األصل هو تحريم لجوء محاكم ثاني درجة لهذه اإلجراءات.
وبعد دراسة سلطات محكمة التصدي ،ننتقل اآلن إلى بحث دور أطراف الخصومة أمامها.
-205قرار عدد 322بتاريخ 2997-2-27ملف رقم ،59/1051أورده عبد العزيز توفيق ،موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ ،الجزء
الثا،ي ،م .س ،ص .777
-206ا ُنظر الصفحة . 55
93
0202 40
في آخر فقرات هذه املادة على أن التصدي ال يعرقل إعمال مقتضيات املواد ،888 ،884و 811إلى
.207812
وهي مواد تعالج مواضيع تدخل الغير اختياريا – – 884اختصام الغير ألول مرة أمام في االستئناف-
،-555أما املواد األربع األخرى – 811إلى 812فإنها تسمح بتقديم مجموعة من الطلبات ألول مرة
أمام محاكم الدرجة الثانية.208
وفي معرض تعليق الفقيه الفرنس ي Guinchardعلى هذه املواد ،أكد على أن املشرع الفرنس ي قد خول
بمقتض ى هذه القواعد القانونية ألطراف الخصومة في حالة التصدي ،حرية مطلقة ،إذ أن إعمال
محكمة الدرجة الثانية لحقها في التصدي ،ال يحول دون حق األطراف في تقديم طلبات إلدخال الغير
ألول مرة أمام محكمة االستئناف ،كما ال يعرقل حق األغيار أنفسهم بالتدخل أمامها ،وهو ما يوسع من
سلطات الخصوم ،إذ بإمكانهم إثارة وسائل وحجج جديدة ،باإلضافة إلى إمكانية تقديم طلبات جديدة
ً ً
مترتبة عن هذا التدخل واإلدخال ،مختما طرحه – –Guinchardبالتأكيد أيضا على حق أطراف
الخصومة في استنفاد وسائل دفاعهم ،وذلك بفسح املجال لهم لتقديم ادعاءات جديدة لها أساس
قانوني مختلف إن كانت تهدف إلى نفس الغايات ،أو شرح ادعاءاتهم التي كانت متضمنة في الطلبات
األصلية ،أو إضافة جميع الطلبات التبعية أو املكملة.209
أما األستاذ Loiselفقد اعتبر أن هذه املواد من شأنها أن تتيح ألطراف الخصومة حق ممارسة كل
الحقوق اإلجرائية التي تمنحها لهم خصومة االستئناف ،عند ممارسة محكمة ثاني درجة لحقها في
التصدي ،كما لو تعلق األمر باستئناف حم فاصل في الجوهر.210
-2موقف القانون املغربي
إذا كان القضاء املغربي مجمع على منع أطراف الخصومة من تقديم طلبات جديدة أو حتى استنفاد
وسائل دفاعهم (أ) فإن املسألة ليست كذلك لدى الفقه املغربي (ب).
أ -موقف القضاء
إن املتفق عليه في العمل القضائي هو منع محاكم ثاني درجة من اللجوء إلى إجراءات التحقيق ملا في
ً
ذلك من مساس بشرط الجاهزية ،وفي املقابل منع األطراف أيضا من تقديم أي طلب جديد أما هذه
املحاكم ،أو حتى إمكانية استنفاد وسائل دفاعهم.
94
0202 40
ً
فكثيرا ما أثار األطراف أمام املجلس األعلى خرق قضاة الدرجة الثانية لشروط الفصل 041من
ق.م.م.م.ح ،ألنهم لم يتيحوا لهم – األطراف – فرصة استنفاد وسائل دفاعهم في الجوهر ،وأن بعض
العناصر ظلت غائبة عن محاكم الدرجة الثانية لعدم فسح املجال لهم لإلدالء ببعض الوثائق ،غير أن
املجلس األعلى – وفي إطار تأييده لسلطة محكمة ثاني درجة في تقرير تحقق شرط الجاهزية – ال يجيب
عن هذه الطعون ،إما ألن األطراف لم يبينوا ما هي الوثائق املثبتة التي لم يقع اإلدالء بها ،وال الطرف
الراغب في اإلدالء بها ،أو إما ألنهم – األطراف – تبادلوا املذكرات وناقشوا النزاع في جوهره.
وهو ما يستفاد من أحد القرارات الصادرة عن املجلس األعلى والذي قض ى فيه أنه بمقتض ى الفصل
041من ق.م.م ،فإن محك مة االستئناف إذا أبطلت أو ألغت الحكم املستأنف ،وجب عيلها أن تتصدى
للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها ،وهو ما طبقته عن صواب في قرارها املطعون
فيه ،بعدما قدم األطراف ما لديهم في املوضوع واعتبرت القضية املعروضة عليها جاهزة للبت فيها،
والطاعنة لم تبين ال ما هي اآلجال وال الوثائق املثبتة لها والتي لم يقع اإلدالء بها ،وال الطرف الراغب في
ً
اإلدالء بها حتى يتأتى معه اعتبار أن القضية غير جاهزة للبت فيها فعال أم ال.211
كما قض ى في قرار آخر ،أنه ملحكمة االستئناف حق التصدي والحكم في جوهر النزاع إذا كانت القضية
جاهزة للبت فيها ،والثابت سواء أمام املحكمة االبتدائية أو أمام محكمة االستئناف أن الطرفين تبادال
واحد منهم فرصة الدفاع عن حقوقه ،وأن املحكمة ٍ املذكرات بينهما وناقشا جوهر النزاع ،وأخذ كل
ً
التي قضت بإلغاء الحكم املستأنف وتصدت للحكم في املوضوع تكون قد جعلت لقضائها أساسا
ً ً
قانونيا سليما.212
ب -موقف الفقه
أكد األستاذ عبد العزيز حضري ،أنه إذا كان من حق محكمة ثاني درجة تقدير صالحية الدعوى للبت
فيها فيجب عليها ،قبل ذلك أن تمكن أطراف النزاع من استنفاد وسائل دفاعهم وطلباتهم ،حتى ال
يتحول هذا الحق – تقدير جاهزية الدعوى – إلى تحكم قضائي أو شطط في استعمال السلطة.
ً ً
واسترسل طرحه بالقول أنه على فرض أن الدعوى تجهز فعال بمناقشة األطراف لجوهر النزاع ابتدائيا،
فإن هذه املناقشة تظل مناقشة ابتدائية ،وحتى وإن وقعت أمام محاكم ثاني درجة ،فإنها ستظل
مناقشة مبتدئة ،لم تستكمل إمكانيات التوسع والتطور التي تتيحها خصومة الدرجة الثانية ،وذلك
-211قرار عدد ،بتاريخ 97-2-27 2701ملف عدد ،59/1051أورده عبد العزيز توفيق ،موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ،
الجزء الثا،ي ،م .س ،ص .777
-212قرار عدد 1030بتاريخ 2992-7-1يف امللف رقم ،92/1203غري منشور أشار إليه عبد العزيز حرضي ،م .س ،ص .777
95
0202 40
َّ
على أساس أن القضية التي قضت محكمة ثاني درجة بجاهزيتها ،هي قضية لم يبت إال في جانبها
الشكلي.213
في حين نجد أن األستاذ A.Boudahrainقد قرر أنه ما دامت محاكم ثاني درجة ملزمة بالبت في
ً ً
الجوهر عند التصدي ،فإنها تكون ملزمة أوال بإجراء التحقيقات الضرورية ،وهو القول الذي يستفاد
منه بشكل ضمني فسح املجال لألطراف لتقديم طلباتهم ومالحظاتهم ً
بناء على نتائج هذه اإلجراءات
وبعد ذلك يمكنها فقط أن تفصل بشكل نهائي في النزاع.214
وإذا كان ما ذهب إليه األستاذ حضري والذي نادى بتخويل األطراف إمكانية استنفاد وسائل دفاعهم
كمقابل لسلطة املحكمة التقديرية في تقرير صالحية الدعوى للبت فيها ،هو تصور قريب من املنطق
أكثر من القانون ،فإن ما قرره األستاذ A.Boudahrainبتأكيده لسلطة األطراف في استنفاد وسائل
دفاعهم كنتيجة حتمية اللتزام محكمة ثاني درجة باللجوء إلى إجراءات التحقيق لهو قول مردود من
أساسه.
ذلك أن املشرع لم يلزم على اإلطالق محاكم ثاني درجة باللجوء إلى إجراءات التحقيق ،بل ولم يخول
لها هذا الحق حتى على سبيل اإلمكان ،عندما استلزم ضرورة كون القضية جاهزة للبت فيها حتى يتم
التصدي لها ،إذ في لجوئها ملثل هذه اإلجراءات دليل على عدم تحقق هذه الجاهزية.
وال شك أن منع محاكم التصدي من اللجوء إلى إجراءات التحقيق سيقابل بالضرورة منع األطراف من
تقديم طلبات جديدة بل ومنعهم من استنفاد وسائل دفاعهم ،على األقل في ظل مقتضيات الفصل
041من ق.م.م.م.ح ،على اعتبار أن م.ق.م.م سيلغي شرط جاهزية الدعوى وهو األمر الذي سيخول
ملحاكم ثاني درجة سلطات تجهيزها باللجوء إلى إجراءات التحقيق ،وفي املقابل تخويل األطراف حق
بناء على ما ستسفر عنه نتائج هذه التحقيقات ،وإمكانية استنفاد وسائل تقديم طلبات جديدة ً
ً
دفاعهم أيضا.
-213استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب ،م .س ،الجزء الثا،ي ،ص .305
A. Budahrain, op,cit, P. 352. -214
96
0202 40
من ق.م.م.ق.ج على أن تصدي محكمة ثاني درجة ال يحول دون إعمال مقتضيات املادة 888وهي
املادة التي تسمح بإمكانية اختصام األغيار وألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية.
أما على مستوى التشريع املغربي ،فإننا نسجل مالحظة أساسية تتمثل في عدم إقامة املشرع للتوازن
بين سلطات الخصوم وسلطات محكمة الدرجة الثانية ،بل إنه – املشرع -توسع في سلطات هذه
األخيرة على حساب سلطات ال خصوم ،وإن كان قد قيد هذا التوسع بشرطي إلغاء وإبطال الحكم
املطعون فيه وشرط جاهزية الدعوى للبت فيها ،وهو توجه تشريعي ناتج باألساس إلى نظرة املشرع
الذي ال يرى في نظام التصدي سوى وسيلة لالقتصاد في اإلجراءات ،ولم تم ذلك على حساب حقوق
الدفاع.
وفي محاولة منه للبحث عن نقط تحقيق التوازن بين هاتين السلطتين ،فإن األستاذ عبد العزيز
حضري ذهب في اتجاه تأكيده على أن اشتراط املشرع لشرط جاهزية الدعوى فيه مراعاة مع ذلك
لحقوق الدفاع ،وهو ما يحقق نوع من التوازن ،إذ أن املشرع على الرغم من تخويل املحكمة سلطة
َّ
بشرط لصالح األطراف وهو شرط الجاهزية ما دام أن هذا ٍ الفصل في النزاع ،إال أنه قيد هاته السلطة
الشرط يقوم على فكرة وقوع مناقشة أو دفاع في الجوهر سواء تم ذلك أمام قاض ي الدرجة األولى ،أو
أمام محكمة ثاني درجة.215
أما على مستوى العمل القضائي ،فإن املجلس األعلى حاول خلق هذا التوازن من خالل منعه في كثير
من قراراته محكمة ثاني درجة من التصدي ،كلما كان ذلك سيؤدي إلى خرق مبدأ التقاض ي على
ً
درجتين ،إذ يجد في هذا املنع سندا لحماية حقوق األطراف ،في ظل غياب أي نص تشريعي يخول لهم
ً
حقوقا في مواجهة املحكمة عند قيامها بواجب التصدي ،وهو ما يستفاد من أحد قرارته الذي قض ى
َّ
فيه أنه إذا كان الحكم االبتدائي لم يبت إال في الجانب الشكلي من الدعوى فليس ملحكمة االستئناف
حين إلغائه أن تتصدى للموضوع ،وكان عليها إما أن تؤيد الحكم االبتدائي لنفس العلل التي بني عليها،
أو تلغيه وتقض ي برد امللف إلى املحكم االبتدائية للبت في الجوهر ،حتى ال يحرم الطاعن من التقاض ي
على درجتين.216
97
0202 40
98
0202 40
ً َّ
وإذا علمنا أن نظام التصدي ال يخول ملحاكم الدرجة الثانية إال البت فيما لم يبت فيه ابتدائيا ،فهل
يمكن اعتبار طلبات التدخل واإلدخال ،من الطلبات التي لم يبت فيها قاض ي الدرجة األولى ألنها لم
َّ
تعرض إال على محكمة الدرجة الثانية ،وبالتالي السماح بهما –التدخل واإلدخال – والبت في النزاع من
خالل التصدي له؟
ً
ولإلجابة عن هذا التساؤل نرى أنه من األفضل الحديث أوال على أنواع التدخل واإلدخال (الفقرة
األولى) ثم عرض شروطهما وآثارهما على تصدي محكمة ثاني درجة (الفقرة الثانية).
-219الرشقي حراث ،الدفوع الشكلية يف املادة املدنية ،مطبعة األمنية ،الرباط( ،1022 ،ع .ط .غ .م) ص .21
-220محمد األزهر ،الدعوى املدنية ،مطبعة دار النرش املغربية ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1020 ،ص .235
-221رضوان الفياليل ،إدخال الغري يف الدعوى يف قانون املسطرة املدنية املغربية ،رسالة لنيل دبلوم املاسرت يف القانون الخاص ،جامعة
القايض عياض ،تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ،مراتش ،السنة الجامعية ،1022/1020ص .20
-222ينص الفصل 225من الدستور املغريب عىل أنه "حق التقايض مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها
القانون".
-223استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب ،م .س ،الجزء األول ،ص .351
99
0202 40
-224عمر بوخدة ،الطلبات العارضة يف قانون املسطرة املدنية املغريب والقانون املقارن ،مقال منشور مبجلة البحوث ،العدد األول ،السنة
األوىل ،مارس ،1001ص .259
-225أمينة مصطفى النمر ،أصول املحاتامت املدنية ،الدار الجامعية للنرش) ،ع .ط .غ .م( ،2952 ،ص .190
-226أحمد مليجي ،اختصام الغري وإدخال ضامن يف الخصومة املدنية ،مكتبة دار الفكر العريب ،الطبعة الثانية ،2955 ،ص .293
-227نبيل إسامعيل عمر ،م .س ،ص .599
-228نقض تجاري فرنيس ،أورده عبد العزيز حرضي ،استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب ،م .س ،الجزء األول ،ص .319
011
0202 40
ً
الدعوى أو ضدهما معا ،بحيث يأخذ فيه املتدخل صفة املدعي ويحقق له تقديم طلبات مستقلة
خاصة به.
ولقد أجاز املشرع الفرنس ي هذا التدخل بمقتض ى املادة ،229884وقبله القضاء املغربي في ظل عمومية
املادة 230044التي لم تميز بين نوعي التدخل االنضمامي والهجومي ،ومنعه املشرع املصري.231
اعتداء
ٍ وقد انقسمت أراء الفقه الفرنس ي بخصوص إجازة هذا النظام بين من عارضه بقوة ملا فيه من
على مبدأ التقاض ي على درجتين وبين من أيده ملا فيه من تحقيق لغايات إجرائية مهمة لعل أهمها
يبد أية معارضة تبسيط اإلجراءات والسرعة واالقتصاد في النفقات ،232في حين فإن الفقه املصري لم ِ
ملوقف املشرع املانع لهذا التدخل مبررين موقفهم بضرورة احترام قاعدة منع تقديم طلبات جديدة
ً
ألول مرة أمام محكمة ثاني درجة ،233وهو ما أكدته أيضا محكمة النقض املصرية حين قضت بأن
قبول التدخل الهجومي في االستئناف من شأنه أن يحرم الخصوم من حقهم في عرض النزاع على
درجتين للتقاض ي ،وهو ما حرص املشرع على تفاديه بعدم إجازة التدخل الهجومي ألول مرة أمام
االستئناف.234
أما في املغرب وفي ظل عمومية مقتضيات الفصل 044من ق.م.م.م.ح ،فإن القضاء أجاز هذا التدخل
ً
وهو ما يستفاد من قرار صادر عن املجلس األعلى قض ى فيه أن التدخل اإلرادي مخول قانونا لكل من
ً ً
له مصلحة في النزاع املعروض أمام املحكمة وهو إما أن يكون انضماميا أو اختصاميا يأخذ فيه
املتدخل دور املدعي ويحق له أن يقدم طلبات مستقلة خاصة به إذا كان ممن لهم الحق في استعمال
مسطرة التعرض الخارج عن الخصومة ،وال تعد طلباته هاته من الطلبات الجديدة املمنوع تقديمها
ً
استئنافيا.235
010
0202 40
012
0202 40
وعلى الرغم م ن هذا الرفض القاطع إلدخال الغير قصد الحكم عليه ،فإن املشرع الفرنس ي قد أخذ
ً ً
مسلكا مغايرا بإصداره ملرسوم 95غشت 0229حيث نص الفصل 95منه – هذا الفصل سيعاد
تقنينه في مقتضيات الفصل 238888من ق.م.م.ف.ج -على إمكانية إدخال الغير ألول مرة أمام محاكم
ً ً
ثاني درجة بهدف الحكم عليه ووضع شرطا وحيدا لهذا اإلدخال هو شرط تطور النزاع.239
أما مشرعنا املغربي ،فإنه أجاز فقط إمكانية إدخال الغير ألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية ،بصفته
ً ً
وارثا ملواصلة الدعوى االستئنافية التي سبق وباشرها مورثه قبل وفاته أو تم استدعائه فيها عمال
باإلحالة الواردة في املادة 181من ق.م.م.م.ح التي توص ي بتطبيق مقتضيات املواد 015إلى 091من
نفس القانون أمام محاكم الستئناف.
غير أن إدخال الوارث في هذه الحالة ال يكون الهدف منه الحكم عليه ،بل إن غايته األساسية هي
إصالح الدعوى فقط قصد مواصلتها ،لذلك فإن هذا اإلدخال ال ينصرف إلى اإلدخال الذي نبحثه في
هذا املقام والهادف إلى القضاء ضد املدخل بش يء ما .ليبقى السؤال املطروح هو مدى إمكانية قبول
هذا اإلدخال إذا تم ذلك بأمر من املحكمة نفسها.
-238تنص املادة 555من .،م.م.ف.ج عىل أنه "إن نفس األشخاص املشار إليهم يف املادة 557ميكن اختصامهم أمام محاتم
االستئناف حتى بهدف الحكم عليهم إذا اقتىض تطور النزاع ذلك"
-ترجمة عبد الحليم عنانبة ،م .س ،ص 373والنص بلغته األصلية ينص عىل:
« Ces mêmes personnes peuvent être appelées devant la cour, même aux fins de condamnation, quand l’évolution
» du litige implique leur mise en cause.
-239عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء األول ،ص .355
-240الذي ينص عىل أنه "يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف وال يسوغ لها أن تغري تلقائيا موضوع أو سبب هذه
الطلبات ،وتبت دامئا طبقا للقانون املطبق عىل النازلة ولو مل يطلب األطراف ذلك بصفة رصيحة".
-241سعيد حربيش ،إدخال الغري يف الدعوى يف قانون املسطرة املدنية – دراسة مقارنة – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف
القانون املد،ي ،جامعة الحسن الثا،ي ،تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،1001/1002 ،ص
.55
013
0202 40
ً ً
للحقيقة ،وإظهارا للعدالة ،فضال عما يحققه هذا اإلدخال من ميزة تفادي تعدد الدعاوى وتعارض
األحكام بشأنها.
ً
ولبحث هذه املسألة فإننا سنعرض أوال ملوقف املشرع الفرنس ي (أ) قبل استعراض موقف مشرعنا
املغربي (ب).
أ -موقف املشرع الفرنس ي
سمح املشرع الفرنس ي ملحكمة االستئناف بإمكانية إدخال الغير بنص عام هو املادة 242119من
ق.م.م.ف.ج وبنصوص خاصة في حاالت خاصة أيضا كحالة التضامن وعدم القابلية للقسمة بمقتض ى
املادة 243889من نفس القانون.
غير أنه وباستقراء مقتضيات املادة ،119فإنها تدفعنا إلى استخالص مالحظتين أساسيتين:
املالحظة األولى :إن هذه املادة تنص فقط على حق القاض ي في دعوة األطراف إلى إدخال الغير ،مما
يستفاد معه أن محكمة ثاني درجة ليس لها سلطة اإلدخال املباشر ،وما يجب عليها هو دعوة األطراف
للقيام بذلك ،إذ ال يمكن للمحكمة أن تحل محل األطراف وفرض اإلدخال بدون إرادتهم أو تدخلهم.
املالحظة الثانية :هو أن املشرع اشترط ملمارسة محكمة االستئناف لحقها في دعوة األطراف إلى إدخال
الغير شرط الضرورة ،مما دفع البعض للبحث عن املقصود بهذا الشرط؟ وهل له صلة بشرط تطور
النزاع املقيد بموجبه حق األطراف في إدخال الغير للحكم عليه؟
ذهب األستاذ عبد العزيز حضري في إطار جوابه عن هذا السؤال إلى القول أن املفهومين لهما نفس
الداللة ،إذ ال يعقل تخويل محكمة االستئناف في موضوع اإلدخال سلطات أكبر مما يتمتع به
األطراف ،244وهو القول الذي أكدته محكمة النقض الفرنسية التي ذهبت إلى تفسير شرط ضرورة
F « le juge peut inviter les parties à mettre en cause tous les intéressés dont la présence lui . Art 332 du N.C.P.C -242
parait nécessaire à la solution du litige.
En manière gracieuse, il peut ordonner la mise en cause des personnes dont les droits ou les charges risquent d’être
»affectés par la décision à prendre
F « En cas de solidarité ou d’indivisibilité à l’égard de plusieurs parties, l’appel formé par . Art 552 du N.C.P.C -243
Dans les mêmes cas, l’appel l’une conserve le droit d’appel des auteurs, sauf à ces dernières à se joindre à l’instance
dirigé contre l’une des parties réserve à l’appelant la faculté d’appel les autres à l’instance.
» La cour peut ordonner d’office la mise en cause de tous les co-intéressés.
-244عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء األول ،ص .397 -393
014
0202 40
حضور الغير لألمر بإدخاله من طرف املحكمة بأنه هو ذاته شرط تطور النزاع الذي يسمح ألطراف
االستئناف بإدخال الغير واملنصوص عليه في الفصل 888من ق.م.م.ف.ج.245
ب -موقف املشرع املغربي
بخالف املشرع الفرنس ي ،فإن املشرع املغربي لم يضع أي نص صريح يمنح للقاض ي إمكانية اختصام
الغير إما مباشرة ،أو عن طريق الخصوم ،وهو األمر الذي دفع بالبعض إلى البحث عن نصوص قانونية
للقول بهذه السلطة سواء من داخل ق.م.م أو من خارجها.
ً
ب :1-االتجاه املؤد لسلطة املحكمة في إدخال الغير اعتمادا على نصوص ق.م.م
ذهب األستاذ إدريس العلوي العبدالوي إلى االستناد إلى مقتضيات الفصل 008من ق.م.م.م.ح246
ً
للقول بسلطة محكمة ثاني درجة في إدخال الغير معتمدا في ذلك على اإلحالة الواردة في املادة 181من
ق.م.م.م.ح التي تقتض ي بتطبيق النصوص من 015إلى 091من نفس القانون أمام محاكم ثاني
درجة.247
غير أن األمر هنا ال يتعلق باإلدخال باملعنى املقصود في موضوعنا ،وإنما يتعلق فقط بإصالح املسطرة
ومواصلة الدعوى من طرف الورثة ،على اعتبار أن هذا اإلدخال ال يترتب عنه أي تعديل في نطاق
ً
الدعوى الشخص ي ،ألن الورثة والحالة هذه ليسوا أغيارا بل كانوا ممثلين في الدعوى .والخلف العام
يحل محل مورثه في مواصلة الدعوى ،كما أن إصالح املسطرة بتوجيهها ضد النائب القانوني ملن تغيرت
ً ً
أهليته ال يكون الهدف منه القضاء للنائب القانوني بش يء ،فهو ليس طرفا أصليا في الدعوى وإنما
يباشر إجراءات التقاض ي بالنيابة فقط ،وبالتالي فإنه ال يمكن االعتماد على مقتضيات املادة 008من
ق.م.م.م.ح .للقول بهذه السلطة .وما يزكي طرحنا هو أن املشرع نظم املادة 181املحيلة واملادة 008من
ً
ق.م.م.م.ح املحال عليها في موضعين يحمالن معا عنوان مواصلة الدعوى.248
-245نقض مد،ي فرنيس بتاريخ 25يوليوز ،2995أورده عبد العزيز حرضي ،استئناف األحكام املد،ي يف الترشيع املغريب ،م .س ،الجزء
األول ،ص .395
-246والذ ي ينص عىل أنه "تستدعي املحكمة مبجرد علمها بوفاة أحد األطراف أو بتغيري وضعيته بالنسبة إىل األهلية ،سواء شفويا أو
بإشعار يوجه وفق الرشوط املنصوص عليها يف الفصول ،39 ،31 ،35من لهم الصفة يف مواصلة الدعوى للقيام بذلك إذا مل تكن الدعوى
جاهزة للحكم".
-247القانون القضايئ الخاص ،الدعوى واألحكام ،الجزء الثا،ي ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء( ،ع .ط .غ .م) ،سنة ،2995ص
.97
-248فالفصل 225جاء تحت الفرع الثال من الباب الرابع من القسم الثال املعنون بـ "التدخل اإلرادي ومواصلة الدعوى" أما الفصل 350
من فقد جاء تحت الباب الثال من القسم السادس الذي يحمل عنوان "مواصلة الدعوى والتنازل".
015
0202 40
أما األستاذ سعيد الفكهاني ومن معه 249فقد ذهب إلى االعتماد على مقتضيات املادة 250114من
ق.م.م.م.ح املنظمة تحت القسم السادس الخاص باملسطرة أمام محاكم االستئناف للقول بهذه
السلطة ،ذلك أن هذه املادة خولت للمستشار املقرر األمر بتقديم املستندات التي يرى ضرورتها
للتحقيق في الدعوى لذلك فحسب هذا الفقه فإنه يمكن للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بإدخال
الغير في الدعوى لتقديم مستند تحت يده كإجراء تحقيقي ،تماشيا مع ما ذهب إليه بعض الفقه في
مصر والذي اعتبر هذه الحالة من حاالت االختصام املباشر من طرف املحكمة.251
غير أننا ال نؤيد هذا التوجه ألن إدخال الغير في الدعوى بقصد تقديم مستند تحت يده ال صلة له
ً
باإلدخال الذي نبحثه ،ألن املدخل في هذه الحالة ال يعتبر طرفا في الدعوى ،وإنما يعتبر إجر ًاء من
إجراءات التحقيق الهدف من ورائها حل النزاع.252
بناء على نصوص خاصة ب :2-االتجاه املؤيد لسلطة املحكمة في اإلدخال ً
ذهب األستاذ صالح لهمام إلى االستناد على مقتضيات الفصل 253812من ق.ا.ع للقول بهذه السلطة،
ذلك أن هذا الفصل يلزم املحكمة بضرورة تنبيه املشتري بأنه سيتعرض لسقوط حقه في الرجوع على
ً
البائع بدعوى الضمان إذا ما فضل االستمرار مدافعا على نفسه لوحده دون إعالم البائع بدعوى
االستحقاق عند تقديم املدعي البينة على دعواه ،حيث اعتبر األستاذ أن هذا التنبيه هو بمثابة دعوة
للمشتري قصد إدخال البائع في دعوى االستحقاق املرفوعة ضده.
كما استند األستاذ على حالة الدعوى التي يكون موضوعها غير قابل للتجزئة لتخويل املحكمة سلطة
ً
اختصام الغير ،وضرب مثاال لهذه الحالة بدعوى القسمة التي يكون فيها الشركاء على الشيوع
متعددين ،بحيث إذا قام أحد الشركاء برفع دعوى على البعض دون باقي شركائه ،فإن املحكمة تنبهه
إلى ضرورة إدخال اآلخرين في الدعوى تحت طائلة عدم القبول.254
ً
وإذا كنا نؤيد ما ذهب إليه األستاذ لهمام من خالل تخويل املحكمة حق أو سلطة اإلدخال استنادا إلى
الحالتين السابقتين ،فإننا نؤكد على أن هذه السلطة هي سلطة غير مباشرة ذلك أن دور املحكمة في
-249التعليق عىل قانون املسطرة املدنية يف ضوء الفقه والقضاء ،الجزء األول ،الدار العربية للموسوعات ،الطبعة األوىل ،2953 ،ص .795
-250التي تنص عىل أنه "يتخذ املستشار املقرر اإلجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم ،ويأمر بتقديم املستندات التي يرى رضورتها
للتحقيق يف الدعوى"...
-251نبيل إسامعيل عمر ،م .س ،ص .551
-252خالد الحبيب ،مدى سلطة املحكمة املدنية إلدخال الغري يف الدعوى ،مقال منشور مبجلة اإلشعاع ،عدد ،33يونيو ،1005ص .210
-253الذي جاء فيه "إذا وجهت عىل املشرتي دعوى ،بسبب اليشء املبيع ،وجب عليه أن يعلم البائع بدعوى االستحقا ،عند تقديم املدعي
البينة عىل دعواه ،وإذ ذلك تنبهه املحكمة بأنه إذا استمر يف الدعوى باسمه الشخيص ،يعرض نفسه لضياع حقه يف الرجوع عىل البائع،
فإذا فضل ،برغم هذا التنبيه ،أن يدافع مبارشة يف الدعوى ،فقد تل حق له يف الرجوع عل البائع".
-254صالح لهامم ،م .س ،ص .351 – 352
016
0202 40
مثل هذه الحاالت يقتصر فقط على تنبيه الخصوم ودعوتهم إلى إدخال الغير وهو ما قررته أيضا
محكمة النقض الفرنسية التي أوجبت على املحكمة كلما تعلق األمر بنزاع ذا طابع جماعي أن تأمر
بإدخال كل من له عالقة بالنزاع.255
لكن وبالرغم من هذه السلطة ،فإن املحكمة قد تجد نفسها أمام صعوبة واقعية تحول دون بتها في
املوضوع ،خاصة إذا كان هذا اإلدخال ضروريا في ذلك ،وهي صعوبة تتمثل في امتناع األطراف عن
القيام باملطلوب وإدخال الغير ،أو قيامهم بذلك ،لكن هذا الغير تخلف عن الحضور.
َّ
من الناحية القانونية ،ليست هناك أية تقنية أو أية مسطرة تمكن املحكمة من تحقيق ذلك ،اللهم
إمكانية الحكم بعدم القبول في حالة امتناع األطراف عن إدخال الغير أو إصدار قرار غيابي في حق
الغير الذي تم إدخاله لكن تخلف عن الحضور في حالة استدعاءه بطريقة قانونية.
ً
ولذلك وتجنبا لكل هذه الصعوبات فإننا ندعو املشرع إلى تخويل محكمة ثاني درجة حق إدخال األغيار
ً
الذين ترى حضورهم الزما لحسم النزاع في مجموعه ،بطريقة مباشرة دون الحاجة إلى وساطة أطراف
َّ
الخصومة ،وإن كان هذا األمر سيتعارض مع مبدأ ملكية الدعوى ألطرافها .إال أن اعتماد هذا الحل –
أي سلطة اإلدخال املباشر – سيؤدي إلى تحقيق نتائج مهمة لعل أهمها تجنب تعارض األحكام ،وهو
الحل الذي أخذت به محكمة النقض الفرنسية حينما أمرت من تلقاء نفسها بإدخال الغير مباشرة في
الدعوى عن طريق كتابة ضبطها.256
الفقرة الثانية :شروط التدخل واإلدخال وآثارهما على تصدي محكمة ثاني درجة
أجاز املشرعان الفرنس ي واملغربي تدخل الغير ألول مرة أمام محاكم ثاني درجة للدفاع عن مصالحه
ً ً ً ً
طالبا االنضمام إلى أحد الخصوم ،أو متخذا مسلكا هجوميا لتقديم طلبات خاصة به في مواجهة
ً
أحدهما أو كليهما معا ،كما أجاز املشرع الفرنس ي إدخال الغير ألول مرة في االستئناف ،وإن كان
املشرعين قد قيدا هذه اإلجازة بشروط محددة (أوال).
غير أن تحقق هذه الشروط ال يستلزم قبول التدخل واإلدخال من قبل محكمة التصدي إذ لهذه
األخيرة أن تقبلهما أو ترفضهما بحسب سلطاتها املخولة لها عند إعمالها لواجبها في التصدي (ثانيا).
Cass. Civ 10 Mars 1978, Dalloz, nouveau code de procédure civile, édition 2001, P. 182-255
-256أورده صالح الهامم ،م س ،ص 371والذي جاء فيه:
sa présence lui parait « Il appartient à une cour d’appel d’ordonner la mise en cause d’un organisme de retrait si
» utile à la solution du conflit d’affiliation dont elle est saisie et de le faire convoque par le greffe.
Cass Soc 10 Avril 1975, Bull V. N° 181.
017
0202 40
-257أحمد أبو الوفاء ،املرافعات املدنية والتجارية ،منشأة املعارف اإلسكندرية ،الطبعة ،27سنة ،2952ص .292
-258الرشقي حراث ،م .س ،ص .59
-259عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء األول ،ص .139
-260تلعب فكرة الغري دورا ً وظيفيا ً هاما ً سواء يف قانون اإلجراءات أو قانون املوضوع ،وإن مل يحظ هذا املفهوم بدراسات مستقلة إالَّ من
خالل وظيفته وعالقته بآثار االلتزام وبنسبية آثار العقد ،يف قوانني املوضوع ومن خالل نظام حجية األحكام أو طر ،الطعن يف قوانني
اإلجراءات .ملزيد من اإليضاح ا ُنظر محمد محروك ،مفهوم الغري يف العقد ،التأصيل واآلثار – دراسة مقارنة – أطروحة لنيل دبلوم
الدتتوراه يف القانون الخاص ،جامعة القايض عياض ،تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ،مراتش ،السنة الجامعية
.1001/1002
-261ينص الفصل 277من .،م.م.م.ح عىل أنه "ال يقبل أي تدخل ممن قد يكون لهم الحق يف أن يستعملوا التعرض الخارج عن
الخصومة".
-262حي جاء يف هذا الفصل "ميكن لكل شخص أن يتعرض عىل تل حكم قضايئ ميس بحقوقه إذا تان مل يستدع هو أو من ينوب
عنه يف الدعوى".
018
0202 40
ً
ويستفاد من هذه الفصول – – 111 ،044أنه من كان طرفا في الدعوى يمنع عليه التدخل في املرحلة
ً
االستئنافية سواء حضر في املرحلة االبتدائية بصفة شخصية أو كان ممثال فيها ،ألنه في هذه الحالة
يمكنه ممارسة الطعن باالستئناف ،أو سلوك طريق االستئناف املثار إذا لم يوجه االستئناف األصلي
ضده أو في حالة فوات أجل الطعن باالستئناف.263
ً ً
ولذلك فإن التدخل أو اإلدخال سن فقط ملن لم يكن ممثال وال طرفا في الدعوى في مرحلتها االبتدائية،
وهو ما أجمع عليه غالبية الفقه الفرنس ي واملصري واملغربي.264
َّ
إال أن السؤال الذي يطرح هنا هو هل العبرة في تحديد مفهوم الغير بالصفة أم بالشخص ،إذ قد
ً
يحصل أن يكون الشخص حاضرا في املرحلة االبتدائية بصفة وتتغير هذه الصفة بين املرحلتين
االبتدائية واالستئنافية ،فهل يمكنه في هذه الحالة استعمال حقه في التدخل؟
ً
يرى األستاذ عمر الشيكر أن الغير ال يعرف بشخصه بل بصفته ،وهذا يعني أنه إذا كان الطرف حاضرا
ً ً
أو موجودا في الدعوى ،فإنه يعتبر غيرا في حالة ما إذا استدعي من طرف املحكمة لكن بصفة أخرى.265
وهو ما ذهب إليه املجلس األعلى في العديد من قراراته حيث قض ى في أحدها بأنه من كان ينوب عن
ً
شخص بوكالة في دعوى ال يعتبر طرفا مباشرا في تلك الدعوى ،وأن نيابته هذه ال تمنعه من حق
التعرض الخارج عن الخصومة بصفته الشخصية على الحكم الذي أضر بحقوقه . 266وعلى هذا
ً
األساس ،فإن حضور الشخص ابتدائيا بصفة معينة ال يمنعه من التدخل في االستئناف بصفته
الشخصية للدفاع عن حقوقه وحماية مصالحه.
ب -املصلحة
نص املشرع املغربي على هذا الشرط بشكل مباشر في الفصل 000من ق.م.م.م.ح عندما قض ى بأنه
يقبل التدخل ممن لهم مصلحة في النزاع و بشكل غير مباشر عندما أحال بخصوص التدخل على
مقتضيات الفصل 111الذي خول تعرض الغير الخارج عن الخصومة لكل من مس الحكم االبتدائي
بمصالحه ،وال شك أن املساس بالحقوق هو عين املصلحة ،كما ذهب إلى ذلك األستاذ عبد العزيز
حضري.267
-263عبد اللطيف تجا،ي ،االستئناف املثار ،مقال منشور مبجلة القرص العدد األول ،يناير ،1001ص .70 – 39
-264عبد العزيز حرضي ،م .س ،ص الجزء األول ،ص .312
-265عمر الشيكر ،تعرض الغري الخارج عن الخصومة –دراسة تأصيلية مقارنة،-مطبعة النجاح الجديدة -الدارالبيضاء ،الطبعة األوىل
،1021ص 13
-266قرار عدد 2319بتاريخ 2955-22-29ملف عقاري رقم 57/99منشور مبجلة املحامي ،عدد ،5ص .237
-267استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب ،م .س ،الجزء األول ،ص .315
019
0202 40
وقد التزم القضاء املغربي بهذا التوجه إذ يشترط ضرورة توفر املصلحة لقبول التدخل ،حيث ذهب
املجلس األعلى إلى التأكيد على أن التدخل اإلداري مخول لكل من له مصلحة في الدعوى ،حتى في
املرحلة االستئنافية إذا كان ممن يحق لهم ممارسة تعرض الخارج عن الخصومة ،268كما قضت
محكمة االستئناف ببني مالل بأن التدخل اإلرادي يخول ملن له مصلحة مشروعة في النزاع.269
-2شرطي االرتباط وتطور النزاع
لقد اشترط املشرع الفرنس ي لقبول التدخل واإلدخال شرطي االرتباط وتطور النزاع ،أما املشرع املغربي
فقد أجاز التدخل – فقط – بنوعيه ألول مرة أمام محاكم االستئناف وسمح بتقديم طلبات جديدة
ً
استنادا إلى عمومية الفصل 044من ق.م.م.م.ح مما طرح معه التساؤل هل هذه الطلبات تقبل أمام
محاكم ثاني درجة دون قيد أو شرط ،أم أن هذه الطلبات يجب أن ترتبط بادعاءات األطراف (أ)؟
وهل يمكن االعتماد على فكرة تطور النزاع كأساس لقبول طلبات إدخال الغير أمام محاكم ثاني درجة
في ظل الفراغ التشريعي بخصوص مسألة اإلدخال (ب)؟
أ -شرط االرتباط
يقصد بهذا الشرط أن يكون طلب التدخل أو اإلدخال مرتبط بالدعوى األصلية ،كما يقصد به صلة
بين طلبين توجد كلما كان الحكم في أحدهما من شأنه التأثير على الحكم في اآلخر ،270وهو شرط نص
عليه املشرع الفرنس ي بمقتض ى املادة 198من ق.م.م.ف.ج واملشرع املصري في املادة 091من
ً
ق.م.م.ت.م والتي تنص على أنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منظما ألحد الخصوم أو
ً
طالبا لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى.
ً
ولقد ذهب بعض الفقه الفرنس ي في تفسيره لشرط االرتباط إلى القول أن هذا الشرط يعتبر قائما
ً
عندما توجد بين الطلبين عالقة متينة وقوية تجعل من حسن سير العدالة الفصل فيهما معا ،غير أن
ً
السؤال الذي يطرح في هذا اإلطار هو أي االدعاءات التي يمكن أن تكون مرجعا للقول بهذا االرتباط
بالنسبة الدعاءات املتدخل.
في إطار الجواب على هذا التساؤل ذهب األستاذ Landryإلى القول بأن أساس تقدير مدى تحقق
االرتباط مع ادعاءات املدخل هو مجموع ادعاءات األطراف الحاضرين في االستئناف ،إذ ال يشترط أن
-268قرار عدد 57بتاريخ 1مارس ،219منشور مبجلة املجلس األعىل ،عدد ،32ص .257
-269قرار صادر يف امللف ،90/2025منشور مبجلة اإلشعاع ،عدد ،5ص .230
-270عبد الحليم محمد عبد الحليم عنانبة ،م .س ،ص .315
001
0202 40
ً
يكون طلب التدخل أو اإلدخال مرتبطا بالضرورة بطلبات أحد الخصوم ، 271عكس األستاذ وجدي
راغب فهمي الذي اشترط تحقق هذا االرتباط مع الطلب األصلي دون الطلبات العارضة.272
أما في تشريعنا املغربي – والذي ال يعرف مثل هذه الشروط – فإن القضاء ذهب إلى استبعاد شرط
ً
االرتباط كأساس لقبول الطلبات الجديدة أو املضادة في املرحلة االبتدائية استنادا إلى عمومية املادة
08من ق.م.م.م.ح والتي لم تشر إلى هذا الشرط ،غير أن استلزام تحقق شرط االرتباط يطرح نفسه
ً
بقوة في املرحلة االستئنافية بالنسبة لطلبات الغير ،خصوصا وأن نفس القضاء أجاز التدخل الهجومي
في مرحلة ثاني درجة .إذ من حقنا أن نتساءل هنا عما إذا كان استبعاد هذا الشرط أمام محاكم أول
درجة يسري أيضا على طلبات املتدخل ألول مرة أمام محاكم ثاني درجة ،ألن هذا االستئناف يعد درجة
ً
أولى له ،فهل من حقه تقديم أي طلب دون قيد أو شرط عمال بمقتضيات الفصل 008من
ً ً
ادعاء جديدا مختلف عن ادعاءات الخصوم؟ ق.م.م.م.ح خاصة وأن طلباته قد تتضمن
ً
نعتقد أن استبعاد االرتباط لقبول طلبات جديدة أو عارضة إذا كان مقبوال أمام محاكم الدرجة األولى،
فإنه ال يجوز استبعاده أمام محاكم الدرجة الثانية .إذ أن االرتباط ضروري لقبول التدخل واإلدخال،
َّ
وإال سنكون أمام نزاع جديد في موضوعه يحول الخصومة االستئنافية إلى خصومة مبتدأة ،إذا ما
فسحنا املجال أمام املتدخل لتقديم ما يشاء من طلبات ،حتى ولو كانت غير مرتبطة بطلبات الخصوم.
وتوفر شرط االرتباط من عدمه أمر خاضع لسلطة املحكمة ،وإن كان توفر شرط املصلحة لدى
كاف للقول بتحقق شرط االرتباط ،وكمثال لذلك رفع دعوى تعويض على مؤمن لدى شركة املتدخل ٍ
تأم ين ،فمن مصلحة هذه الشركة التدخل إلى جانب املؤمن حتى ال يحكم عليه بالتعويض ،مما يؤدي
إلى الرجوع عليها فيما بعد ،ففي هذه الحالة يتحقق شرط االرتباط بين مصلحة املؤمن والشركة وهو
أيضا ما أكده املجلس األعلى في أحد قراراته التي اعتبر فيها أن تحقق شرط االرتباط دليل على توفر
مصلحة املتدخل في تدخله.273
ب -شرط تطور النزاع
-271موقف أشار إليه عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء األول ،ص .120
-272وجدي راغب فهمي ،مبادئ القضاء املد،ي ،قانون املرافعات ،دار الفكر العربية ،الطبعة األوىل ،2952 ،ص .790
-273حي جاء يف هذا القرار أنه "وحي إن تدخل املكتب الوطني للسكك الحديدية مرتبط بحقو ،طالب التحفيظ ،مام تكون معه الصفة
واملصلحة يف مراقبة املسطرة باعتباره مش ٍ
رت منه لجزء من واجبه" قرار عدد 102صادر بتاريخ 1005/05/20يف امللف العقاري ،1002/599
منشور مبجلة القرص ،عدد ،27ص .275
000
0202 40
ُ
أدخل هذا املصطلح ألول مرة في القانون الفرنس ي بموجب املادة 25من مرسوم 95غشت 0229والتي
خولت لألطراف إمكانية اإلدخال في املرحلة االستئنافية إذا أدى تطور النزاع إلى ضرورة هذا
اإلدخال.274
ً
غير أن هذه املادة لم تضع تعريفا لتطور النزاع مما أدى إلى تضارب اآلراء الفقهية والقضائية بشأن
التصور املقبول لهذا الشرط ،حيث انقسمت هذه اآلراء إلى اتجاهين ،أحدهما توسع في تفسير هذا
الشرط بينما اآلخر ضيق منه.
وهكذا ذهب بعض الفقه الفرنس ي إلى ضرورة اعتماد تفسير ضيق لشرط تطور النزاع ،يكون بموجبه
ً ً
طلب اإلدخال ممنوعا كلما كان هذا الطلب ممكنا تقديمه أمام محاكم الدرجة األولى .وذلك حماية
للغير من تعسف بعض املتقاضين الذين قد يهملوا عن قصد إدخال الغير أمام محاكم أولى درجة،
وحتى ال يوجد لهؤالء – املتقاضين – في املادة 888من ق.م.م.ف.ج اإللهام اإلالهي الذي يغفر لهم خطأ
عدم إدخال الغير في الوقت املناسب ،مما يشكل ضربة ملبدأ التقاض ي على درجتين.
ً ً ً
بينما سلك االتجاه اآلخر مسلكا موسعا لهذه الفكرة ،إذ بحسب اعتقادهم ،أن اإلدخال يكون ممكنا
ً
ومقبوال حتى ولو تعلق األمر بإهمال من جانب الخصم الذي يطلب اإلدخال أو بنسيان عمدي ألمر من
األمور التي كان من الواجب التمسك بها أمام محكمة الدرجة األولى طاملا أن حقوق الدفاع مكفولة
ومحترمة أمام قاض ي الدرجة الثانية.275
وبين هذين االتجاهين ظهر اتجاه وسط يؤكد على أن تطور النزاع يجب أن يعتمد في أساسه على واقعة
جديدة حتى ولو كانت موجودة في الطلب األصلي أمام محاكم الدرجة األولى لكن هذه الواقعة ظلت
غائبة أو مجهولة لدى األطراف ،بمعنى أن هذه الواقعة إن كانت معروفة من قبل الخصوم أثناء سير
اإلجراءات أمام محكمة الدرجة األولى ،ولم يبادر األطراف إلى إدخال الغير في حينه فال مجال للقول
بتطور النزاع وكنتيجة لذلك ال يمكن قبول طلب اإلدخال أمام محاكم الدرجة الثانية.
أما على املستوى القضائي ،فإن محكمة النقض الفرنسية ربطت فكرة تطور النزاع بفكرة اكتشاف
واقعة جديدة ،وضربت لذلك أمثلة من قبيل تقرير الخبرة الذي يمكن أن يكشف عن مسؤوليات
َّ
جديدة ،أو االطالع على مضمون محضر لم يتم الحصول عليه إال بعد صدور الحكم االبتدائي.276
وفي ختام هذه الفقرة البد من اإلشارة إلى مالحظتين أساسيتين:
-274وهي نفسها املقتضيات املنصوص عليها يف املادة 555من .،م.م.،.ج والتي متت اإلشارة إليها سابقا.
-275ملزيد من اإليضاح حول هذا النقاش الفقهي ا ُنظر عبد العزيز حرضي ،م.س ،ص .115
A.Boudahrain, op. cit. P. 144. -276
002
0202 40
املالحظة األولى :أن طلب اإلدخال محدد بمدة زمنية ،ألن هذا الطلب يجب أن يقدم قبل قفل باب
املرافعة من طرف محكمة ثاني درجة ،وإن كان األستاذ عبد السالم بناني قد أكد على إمكانية تقديم
طلب لفتح باب املرافعة حتى يتسنى لألطراف تقديم طلبات بإدخال الغير.277
املالحظة الثانية :إن محكمة ثاني درجة ال يمكنها أن تقض ي بعدم قبول طلب اختصام الغير من تلقاء
نفسها ،وإنما يجب أن يتمسك الخصوم بذلك ألن التدخل واإلدخال غير متصل بالنظام العام.278
ثانيا :آثار تصدي محكمة ثاني درجة على قبول التدخل واإلدخال
عندما يتوفر طلب التدخل أو اإلدخال على الشروط املشار إليها أعاله ،فإنه ال يكون أمام محكمة ثاني
َّ
درجة إال قبول هذا الطلب – ما لم يتمسك أحد الخصوم بعدم قبوله – مما سيترتب عنه آثار مهمة
بالنسبة ملحكمة التصدي ،وهي آثار تختلف بحسب ما إذا تعلق األمر بالتدخل ( )0أو اإلدخال (.)9
-1آثار التصدي على التدخل
ً ً
إن التدخل في الدعوى نوعان فإما أن يكون هجوميا أو انضماميا ،ولذلك فإننا سنبحث في آثار
التصدي على كل واحد منهما.
أ -بالنسبة للتدخل االنضمامي
ً ً
إن هذا النوع من التدخل لم يثر إشكاالت على مستوى العمل القضائي ألن املتدخل تدخال انضماميا ال
يؤثر على موضوع الطلب القضائي ،وإن كان ذلك يؤدي إلى توسيع نطاق الدعوى الشخص ي ،ما دام
املتدخل يكتفي في هذه الحالة بمؤازرة الخصم الذي انضم إليه.
َّ
وهو ما أكده األستاذ عبد العزيز حضري الذي اعتبر التدخل االنضمامي ال تأثير له عن الخصومة إال
من حيث أشخاصها ،ألن املتدخل يعمل باسمه ويدافع عن مصالحه وذلك في إطار مساندة ادعاءات
الخصم الذي انضم إليه .279وهو ذاته املوقف الذي أخذ به األستاذ الشرقي حراث عندما قال أن
ً
الطرف املنظم يأخذ صفة من انضم إليه مدعيا أو مدعى عليه ،ويتأثر باملواقف التي يتخذها ،كما أن
املتدخل ال يستطيع أن يطعن في هذا الحكم بنفسه وبصورة مستقلة عن الطرف األصلي .280وإن كان
األستاذ أحمد أبو الوفاء قد أكد على حق الطرف املنظم في الطعن في الحكم الصادر ضده بطرق
الطعن املناسبة.281
003
0202 40
ولذلك ،فإننا نعتقد أن إعمال محكمة الدرجة الثانية لواجبها في التصدي ملوضوع النزاع ،ليس له أي
ً
تأثير على إمكانية أو حق الشخص في التدخل انضماميا ملؤازرة أحد الخصوم ،ما دام أن تدخله هذا ال
يعتبر من الطلبات الجديدة املحظورة بمقتض ى الفصل 041من ق.م.م.م.ح كما سبقت اإلشارة إلى
ذلك.
ب -بالنسبة للتدخل الهجومي
ً ً ً
ادعاء جديدا ضد أحد أطراف الخصومة أو كليهما ،ويتخذ فيه املتدخل هجوميا هو متدخل يحمل
املتدخل صفة املدعي مما يجعل محكمة ثاني درجة هي محكمة أول درجة بالنسبة له وللخصوم.
ً ً
وسبق لنا أن رأينا أن هذا النوع من التدخل مقبول تشريعيا في فرنسا وقضائيا في املغرب في ظل
عمومية مقتضيات الفصل 044من ق.م.م.م.ح والذي لم يميز بين نوعي التدخل ،غير أن السؤال
املطروح هنا مدى تأثير تصدي محكمة ثاني درجة على قبول هذا النوع من التدخل.282
ً
في فرنسا والتي سمح مشرعها للغير بالتدخل هجوميا ولو ألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية بمقتض ى
املادة 884من ق.م.م.ف.ج ،نجد أن ذات املشرع قد نص في الفقرة األخيرة من املادة – 815والتي
تنظم التصدي – على أن تصدي محكمة االستئناف ال يعرقل إعمال مقتضيات املادة ،884وهو ما
يستفاد منه أن املشرع الفرنس ي لم يجعل لتصدي محكمة الدرجة الثانية أي تأثير على تدخل الغير
هجوميا.283
أما في املغرب فإن القضاء في ظل مقتضيات الفصل 044والذي أجاز التدخل دون تمييز ،فإنه مجمع
ً ً
على قبول التدخل الهجومي ،بحيث ال يعتبره طلبا جديدا ،وهو ما يستفاد من قرار صادر عن املجلس
األعلى الذي جاء فيه أن التدخل اإلرادي مخول قانونا لكل من له مصلحة في النزاع املعروض أمام
ً ً
املحكمة وهو إما أن يكون انضماميا أو اختصاميا يأخذ فيه املتدخل دور املدعي يحق له تقديم طلبات
مستقلة خاصة به ،إذا كان ممن لهم الحق في أن يستعملوا مسطرة التعرض الخارج عن الخصومة وال
تعد طلباته هاته من الطلبات الجديدة املمنوع تقديمها أمام محاكم الدرجة الثانية.284
فهذا القرار صريح إذن في جعل التدخل الهجومي يدخل ضمن الطلبات املمكن تقديمها ألول مرة أمام
محاكم الدرجة الثانية ،لكن هل هذا التدخل جائز إذا ما كانت محكمة الدرجة ملزمة بالتصدي؟
نعتقد أن الجواب سيكون بالنفي ما دام أن تعريفنا للتصدي الذي أشرنا إليه سابقا يلزم املحكمة
ً
بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا ،بمعنى أن يكون الطلب معروضا على قاض ي الدرجة األولى ،غير أن
هذا األخير لم يبت فيه بسبب فصله في شكل الدعوى فقط .والحال أن طلب التدخل هذا لم يكن
004
0202 40
ً
معروضا على محاكم الدرجة األولى ،لذلك فإن محكمة التصدي ستصرح في هذه الحالة بعدم القبول،
ً ً
ما لم يكن النزاع معروضا أمامها استنادا إلى األثر الناقل إذ لها في هذه الحالة أن تقلبه.
ً
وخالصة القول هو أن تصدي محكمة ثاني درجة ال تأثير له على قبول طلب التدخل انضماميا ،ما دام
املتدخل في هذه الحالة يكتفي بمساندة أحد الخصوم الذي كانت طلباته معروضة على أنظار قاض ي
الدرجة األولى ،أما طلب التدخل الهجومي فإنه غير مقبول –في ظل التشريع املغربي-أمام محكمة
ً
التصدي ألن هذا الطلب لم يكن معروضا على محاكم أول درجة ،وبالتالي ال يمكن القول بأن فكرة ما
ً
لم يبت فيه ابتدائيا تشمله.
-2آثار التصدي على اإلدخال
لبحث مسألة تأثير تصدي محكمة ثاني درجة على طلب إدخال الغير في الدعوى سنعرض ملوقف
املشرع الفرنس ي ثم موقف املشرع املغربي.
أ -موقف املشرع الفرنس ي
سبق القول أن املشرع الفرنس ي نص بصريح العبارة أن إعمال محكمة ثاني درجة لحقها في التصدي ال
يعرقل تطبيق مقتضيات املادة 888من ق.م.م.ف.ج الخاصة باختصام الغير ألول مرة أمام محاكم
ثاني درجة إذ تنص هذه املادة على أنه "األشخاص السابق ذكرهم في املادة 884يمكن اختصامهم أمام
محكمة االستئناف بهدف الحكم عليهم ،إذا ما أدى تطور النزاع إلى ضرورة هذا االختصام".285
فمن خالل هذه املقتضيات يتضح أن للخصوم الحق في اختصام الغير ألول مرة أمام محاكم ثاني
ً
درجة وهو ما ينسجم مع نظرة املشرع الفرنس ي لالستئناف والذي جعله طريقا لحسم النزاع بشكل
نهائي من جهة ،وأن إعمال محكمة ثاني درجة لحقها في التصدي لجوهر القضية ال يحول دون تطبيق
هذه املقتضيات من جهة أخرى.
وهو ما يتضح معه مدى التوازن الذي حرص املشرع الفرنس ي على تحقيقه بين سلطات محكمة
التصدي التي لها حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق وسلطات أطراف الخصومة الذين لهم حق تقديم
طلبات جديدة تتمثل في اختصام الغير ألول مرة أمام محاكم االستئناف من ناحية ،وبين سلطات
ً
األطراف والغير ،ما دام املشرع أجاز لهذا األخير التدخل إراديا إذ ليس من املقبول حرمان األطراف من
حق مخول لغيرهم من ناحية ثانية.
ولذلك فإن ممارسة محكمة ثاني درجة لحقها في التصدي ليس له أي تأثير على اإلطالق على حق
الخصوم في اختصام الغير في ظل التشريع الفرنس ي ،فهل األمر كذلك حتى في التشريع املغربي؟.
F « Ces mêmes personnes peuvent être appelées devant la cour, même aux fins de . Art 555 du N.C.P.C -285
» condamnation quand l’évolution du litige implique leur mise en cause.
005
0202 40
006
0202 40
مقارنة مقتضيات تشريعنا املغربي بنظيره الفرنس ي ،لننتقل اآلن للكالم في الفصل املوالي على تصدي
محكمة النقض للبت في جوهر النزاع.
-288وإن تان األستاذ موىس عبود قد أتد عىل أنه "ال ميكن القول بأن وجود محكمة عليا يؤدي حتامً إىل توحيد االجتهاد ويعود ذلك
إىل تنظيم محاتم النقض نفسها وتقسيمها إىل غرف ،فنجد يف بعض األحيان غرفتني تتخذان موقفاً متباينا ً ال بل متناقضاً حول بعض
النقط" .ا ُنظر مقاله بعنوان "االجتهاد القضايئ ودوره يف النظام القضايئ املغريب" .منشور مبجلة املحاماة ،العدد ،3ص .22
-289اختلفت الترشيعات حتى يف تسميتها فهي يف الواليات املتحدة األمريكية املحكمة الفيدرالية ويف ليبيا املحكمة العليا ويف فرنسا
واملغرب محكمة النقض ويف العرا ،محكمة التمييز ويف تونس محكمة التعقيب ،وهو اختالف يف التسمية يؤتد وحدوية عمل هذه
املحكمة ،فهي محكمة عليا باعتبارها أعىل محكمة يف الدولة وآخر مرجع قضايئ فيها ،وهي محكمة فيدرالية باعتبارها املحكمة الوحيدة
يف الدولة – رغم تونها مكونة من عدة واليات – وهي محكمة النقض باعتبارها ذات الكلمة األخرية يف مصري الحكم ،وهي محكمة
متييز أي متيز بني الحكم املوافق للقانون والحكم املخالف له ،وأخريا ً هي محكمة تعقيب مبعنى أنها املعقب األخري للحكم.
-290عبد العزيز توفيق ،املجلس األعىل ،طبيعته واختصاصاته ،مقال منشور باملجلة املغربية لقانون واقتصاد التنمية ،العدد ،2955 ،21ص
75وما بعدها.
007
0202 40
تطبيق القانون على قول واحد ،فإنها تعتبر بذلك في ظل التشريع املغربي محكمة قانون وليس واقع .إذ
َّ
أنها ال تتعرض للوقائع إال بالقدر الكافي الذي تراقب من خالله تطبيق املحكمة للقانون ،وال يمكن لها
الفصل في النزاع بعد نقض قرارها ،إذ عليها في هذه الحالة إحالة امللف على نفس املحكمة أو على
ً
محكمة أخرى لتبت فيه من جديد ،عمال بما هو منصوص عليه في الفصل 112من ق.م.م.م.
فاألصل إذن هو منع محكمة النقض من حسم النزاع وما عليها عند نقضها للقرار أو الحكم املطعون
َّ
فيه أمامها سوى إحالة امللف على محكمة اإلحالة لتبت فيه من جديد ،إال أن املشرع خرج عن هذا
األصل وأجاز لهذه املحكمة إمكانية البت في القضية لحسمها بشكل نهائي من خالل التصدي لها،
فأصبح بذلك ملحكمة النقض الخيار بين اإلحالة أو التصدي.
لكن هذا الخيار رهين بضرورة توفر شروط التصدي ،إذ بتخلف هذه األخيرة ،ال يكون أمام محكمة
ً َّ
النقض عند نقضها للقرار إال خيار اإلحالة وليس التصدي ،وإن كان الخيارين معا يطرحان عديد
اإلشكاالت .فهي إن تصدت يثار إشكال مدى تأثير ذلك على طبيعتها كمحكمة قانون ،على إعتبار أن
هذا النظام يخول لها البت في القضية ال من جانبها القانوني فحسب ،بل حتى من جانبها الواقعي ،وهو
الجانب املحظور عليها نظره بحكم طبيعة عملها كمحكمة قانون؟ وما هي شروط تصديها للقضية؟
ً
وهل يكون قرارها القاض ي بالنقض والتصدي قابال للطعن فيه؟ أما إن هي نقضت القرار وأحالت
الدعوى فإن اإلشكال األساس ي الذي يطرح في هذه الحالة هو ما هي سلطات محكمة اإلحالة؟ وما
القيود الواردة عليها عند فصلها في هذه الدعوى املحالة عليها؟
ولإلجابة عن هذه األسئلة وغيرها فإننا سنعتمد التصميم التالي:
املبحث األول :اإلطار التشريعي لنظام التصدي أمام محكمة النقض.
املبحث الثاني :الطعن في قرار محكمة النقض القاض ي بالتصدي وسلطات محكمة
اإلحالة.
008
0202 40
-291ينص الفصل 13من ظهري 11شتنرب 2951املحدث مبوجبه املجلس األعىل عىل أنه "إذا نقض املجلس األعىل الحكم املعروض عليه
وتان األمر يقيض بإحالة القضية عىل محكمة أخرى ،فإنه يحيلها عىل محكمة أخرى مساوية للمحكمة التي نقض حكمها وإما عىل
نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض .ويتعني آنذاك أن تتألف هذه املحكمة من أعضاء آخرين.
ويجب عىل املحكمة التي أحيلت عليها القضية بعد النقض أن تعمل مبقررات املجلس األعىل يف النقطة القانونية التي بت فيها املجلس
األعىل املذتور.
ويف القضايا املعروضة عىل الغرفة اإلدارية ميكن للمجلس األعىل إذا ما نقض حكام قضائيا إما أن يحيل القضية عىل محكمة أخرى
طبق الرشوط املنصوص عليها سابقا وإما أن يتصدى لها ويبت هو نفسه فيها نهائيا".
009
0202 40
يبعدها عن نطاق وظيفتها األساسية املتمثلة في السهر على سالمة إعمال النصوص القانونية (املطلب
األول).
-292ولقد تان معيار التمييز بني اختصاصات القضاء الرشعي واملخز،ي والعريف من جهة ،واختصاصات القضاء الفرنيس من جهة أخرى
فيام يخص البت يف النزاعات املتعلقة بالحقو ،الشخصية هو جنسية أطراف الخصومة ،بحي تان القضاء الفرنيس مختصاً بالنظر يف
النزاعات التي تثور بني الفرنسيني أو بني األجانب الفرنسيني واألجانب ،يف حني تانت باقي الجهات القضائية األخرى تختص بالنظر
يف النزاعات الشخصية القامئة بني املغاربة.
أما النزاعات املتعلقة بالحقو ،العينية العقارية فإن معيار التمييز بني اختصاصات هذه الجهات القضائية تان هو معيار تحفيظ العقار،
ذلك أن القضا ء الفرنيس تان ينظر يف النزاعات املتعلقة بالعقارات املحفظة والتي يف طور التحفيظ ،تيفام تانت جنسية أو ديانة
املتخاصمني ،أما النزاعات املرتبطة بالعقارات غري املحفظة فقد تانت تنظر من قبل القضاء الرشعي ،تيفام تانت أيضا ً جنسية أو ديانة
أطراف الدعوى.
-293محمد الكشبور ،نظام التصدي ،ووظيفة املجلس األعىل ،مقال منشور مبجلة القضاء والقانون ،العدد ،239دجنرب ،2955ص .57
021
0202 40
لكن إجازة املشرع ملحكمة النقض إمكانية التصدي ملوضوع النزاع أثار تساؤل البعض حول تأثير هذا
النظام – التصدي – على وظيفتها األصلية املتمثلة في التطبيق السليم للقانون ،على اعتبار أن تصدي
محكمة النقض للقضية يقربها أكثر من محاكم املوضوع ،فهل تتحول هذه املحكمة عند ممارستها
لحقها في التصدي لجوهر النزاع إلى املحكمة واقع؟ أم أن ذلك ال تأثير له على طبيعتها كمحكمة قانون؟
ولإلجابة عن هذا التساؤل ،فإننا نرى من األفضل الحديث أوال عن التطور التاريخي لنظام التصدي
أمام محكمة النقض (الفقرة األولى) قبل الحديث عن تأثير هذا النظام على طبيعتها (الفقرة الثانية).
-294والتي جاء فيها ما ييل" :إذا نقض املجلس األعىل الحكم املعروض عيله وتان األمر يقيض بإحالة القضية عىل محكمة أخرى فإنه
يحيلها إما عىل محكمة أخرى مساوية للمحكمة التي نقض حكمها وإما عىل نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض .ويتعني
إذا ذلك أن تتألف هذه املحكمة من أعضاء آخرين".
020
0202 40
املشار إليه على املجلس األعلى عند نقضه للحكم املعروض عليه بإحالة القضية إلى محكمة أخرى
ً
واستثناء على نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم مساوية للمحكمة املنقوض حكمها كقاعدة عامة
املنقوض والتي يتعين عليها أن تتألف من أعضاء آخرين ،عاد وخول للغرفة اإلدارية بنفس املجلس
الخيار عند نقضها حكما قضائيا بين إحالة القضية أو التصدي لها .وذلك بحسب ما جاء في الفقرة
األخيرة من املادة املومأ إليها أعاله والتي تنص على أنه "وفي القضايا املعروضة على الغرفة اإلدارية
يمكن للمجلس األعلى إذا ما نقض حكما قضائيا إما أن يحيل القضية على محكمة أخرى طبق
الشروط املنصوص عليها سابقا وإما أن يتصدى لها ويبت هو نفسه فيها نهائيا".
إن القراءة األولية لهاته الفقرة تدفعنا الستنتاج مالحظتين أساسيتين هما:
-املالحظة األولى :إن نظام التصدي في ظل ظهير 92شتنبر 0282ظلت ممارسته قاصرة على الغرفة
اإلدارية باملجلس األعلى دون باقي الغرف.295
-املالحظة الثانية :إن ممارسة الغرفة اإلدارية لحقها في التصدي كان يخضع لسلطتها التقديرية ،على
اعتبار أن املشرع املغربي لم يضع أي شرط ملمارسة هاته السلطة.
-2قانون املسطرة املدنية لسنة 1511
ملا صدر ق.م.م لسنة 0224ألغى املشرع املغربي بمقتضاه الفصل 91من ظهير إحداث املجلس
األعلى ،296وعوضه بالفصلين 115و 112من مسطرة .0224وما يهمنا نحن هنا هي مقتضيات الفصل
،115الذي أوجب فيه املشرع على املجلس األعلى في حالة نقضه للحكم املعروض عليه التصدي
ً
للقضية والبت فورا في موضوع النزاع ،أو في النقط التي استوجبت النقض ،إذا ما اعتبر – املجلس
األعلى – أنه يتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع بحكم سلطتهم .وهو ما
طبقه املجلس األعلى في العديد من قراراته ،والتي جاء في أحدها أنه "وحيث يتوفر املجلس األعلى على
العناصر الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع بحكم سلطتهم ،والتي تبقى وحدها قائمة في الدعوى،
فيحق له التصدي والبت في النقط التي استوجبت النقض وفقا ألحكام الفصل 115من ق.م.م297".
-295تنص الفقرة األخرية من الفصل الثا،ي من ظهري 11شتنرب 2951عىل أنه "وينقسم املجلس األعىل إىل أربعة غرف منها غرفة
إدارية"...
-296جاء يف البند السادس من الفصل 5من الظهري الرشيف مبثابة قانون رقم 2.17.771باملصادقة عىل نص قانون املسطرة املدنية ما
ييل "تلغى من تاريخ تطبيق القانون املضاف لهذا الظهري جميع املقتضيات القانونية املخالفة أو التي تكون تكرارا لها وخاصة:
-الفصل األول والفصول 5إىل 20بإدخال الغاية والفصول 21إىل 35بإدخال الغاية من ظهري 2.51.113بتاريخ 1ربيع األول 11( 2311
شتنرب )2951املتعلق باملجلس األعىل".
-297قرار رقم 105بتاريخ 27يوليوز 2952منشور باملجلة املغربية للقانون ،العدد ،21سنة ،2951ص .221
022
0202 40
ولقد ذهب األستاذ محمد الكشبور في تعليقه على هذه املاد للقول أن "مفاد نص املادة 115هو أنه
يجب على قاض ي النقض املغربي سواء كان النزاع مدنيا أم إداريا أن يتصدى للقضية بعد نقضها،
ً ً
ويصدر بشأنها حكما فاصال في النزاع ،كلما توفرت الشروط التي تطلبها املشرع ،وأهمها أن تكون وقائع
النزاع قد استخلصت بكيفية تامة وصحيحة بحيث لم تعد تنتظر سوى إنزال حكم القانون عليها298".
وبمقارنة مقتضيات املادة 91من ظهير إحداث املجلس األعلى امللغاة واملادة 115من ق.م.م نخلص إلى
استنتاج املالحظتين التاليتين:
-إذا كان نظام التصدي في ظل الفصل 91مجرد رخصة مخولة للغرفة اإلدارية وحدها ،فإن هذا
النظام في ظل مقتضيات الفصل 115يعتبر التزاما يقع على عاتق املجلس األعلى بجميع غرفه.
-أن املادة 115من ق.م.م وسعت من نطاق نظام التصدي ليشمل القضايا املدنية والقضايا اإلدارية،
ً ً
بعدما كان هذا النظام قاصرا فقط على هذه األخيرة – القضايا اإلدارية – بحسب ما كان منصوصا
عليه في الفصل 91من ظهير 92شتنبر .0282
023
0202 40
َّ
بتاريخ 94نونبر ،2990251وبقي إلى حين إصدار الظهير املتعلق بتنفيذه والذي لم يرى النور إال في
العاشر من شهر شتنبر سنة ،0221حيث نصت املادة األولى منه على إلغاء الفصل 115من ق.م.م.
ً ً
غير أن هذا اإللغاء قد لقي انتقادا شديدا من طرف فقهاء القانون املغربي ،فلقد اعتبر األستاذ محمد
ً
الكشبور أن إلغاء حق التصدي ال يخدم تشريعنا املغربي في ش يء مؤكدا أن إلغاء الفصل 115يمثل
قفزة نوعية إلى الوراء ،وأن إصالح القانون املغربي يقتض ي إعادة النظر فيما تم إلغائه .واقترح عوض
هذا اإللغاء تغيير طبيعة نظام التصدي من واجب إلى رخصة وذلك باستبدال كلمة "تعين" املضمنة في
صلب الفصل 115بكلمة "يمكن" ،فتنقلب القاعدة من نص آمر إلى نص غير ملزم للمجلس األعلى ،ال
َّ
يلجأ إليه إال في حالة الضرورة القصوى.300
-2القانون رقم 95لسنة 2552
بعد إلغاء نظام التصدي ،بموجب القانون رقم 19لسنة ،0259فإن محكمة النقض أصبحت ملزمة
عند نقضها للحكم املطعون فيه بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى من نفس درجة املحكمة املنقوض
حكمها أو بصفة استثنائية على نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض.301
غير أن املشرع املغربي حاد عن هذا األصل ،وأجاز ملحكمة النقض التصدي للقضية بدل إحالة امللف،
وذلك بمقتض ى املادة 02من القانون رقم 51لسنة 9111القاض ي بإحداث املحاكم استئناف إدارية،
والتي جاء فيها أنه "يمكن ملحكمة النقض عن التصريح بنقض قرار صادر في دعوى اإللغاء أن تتصدى
للبث إذا كانت القضية جاهزة".
واملالحظ من خالل هذه املادة أن حق محكمة النقض في التصدي للقضية ال يتعلق بدعوى القضاء
الشامل بل يخص فقط دعوى اإللغاء ،ولقد برر السيد الوزير العدل –آنذاك -في عرضه املقدم أمام
لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان بمجلس املستشارين بمناسبة مناقشة القانون 51لسنة 9111
املحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية إقصاء القضاء اإلداري الشامل من حق التصدي ،باعتبار أن
هذا األخير في قضايا اإللغاء توجه قائم على مراعاة أهمية دعوى اإللغاء املتجلية في املراقبة التي
-299مجلس النواب ،دورة أتتوبر ،2952محرض الجلسة رقم 27املنعقدة بتاريخ 17نوفمرب 2952بإلغاء إيقاف التنفيذ والتصدي أمام املجلس
األعىل ،املجلة املغربية للقانون ،العدد ،21أبريل – ماي ،2951ص .55
-300محمد الكشبور ،م .س ،ص .29
-301ا ُنظر الفصل 329من .،م.م.م.ح.
024
0202 40
يمارسها قضاء اإللغاء على أعمال اإلدارة ،302وهو ما انتقده األستاذ حسن صحيب الذي أكد على أنه
حتى القضاء الشامل يمارس رقابة على أعمال اإلدارة ،ولذلك فإنه ال يوجد مبرر لهذا اإلقصاء.303
بقي أن نشير فقط إلى أن حق محكمة النقض في التصدي للقضية إذا كانت جاهزة عند نقصها لقرار
قضائي صادر في دعوى اإللغاء ،سيعيد مشروع ق.م.م.م تنظيمه وذلك بمقتض ى املادة .3049-112
-2مشروع قانون املسطرة املدنية:
ً
إن إعمال محكمة النقض لحقها في التصدي للقضية لن يبقى قاصرا فقط على دعاوى اإللغاء ،بل
سيشمل حتى الدعاوى املدنية وذلك بحسب ما تنص عليه املادة 112-0من م.م.ق.م.م والتي جاء فيها
أنه "يمكن ملحكمة النقض عند نقضها حكما أو قرارا كليا أو جزئيا أن تتصدى للبث في القضية
بالشروط التالية:
-أن يكون الطعن بالنقض للمرة الثانية.
-أن تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع".
ولقد جاء هذا التنظيم من جديد لنظام التصدي في القضايا املدنية استجابة ملا جاء في التقرير
ً
السنوي للمجلس األعلى لسنة 9115والذي أكد على أن التصدي الذي كان موكوال ملحكمة النقض
بمقتض ى الفصل 115من ق.م.م.م وتم إلغائه بمقتض ى القانون رقم 14لسنة ،0259كان يعطي
ملحكمة النقض صالحية التطرق ملوضوع النزاع ،إذا كانت القضية جاهزة للبث فيها بدل إحالتها إلى
محكمة املوضوع ل لبث فيها عن جديد ،وبالرغم مما قد يوجه من انتقاد لهذه الصالحية املخولة
ملحكمة النقض والتي تخرجها عن دورها كمحكمة قانون ،فإنه من األكيد أن تخويل املجلس األعلى
ً
صالحية البث في النزاع والحسم فيه ال ينقص من ضمانات املحكمة العادلة وال يلحق ضررا بأطراف
الدعوى ،بل إن من شأنه تقصير أمد النزاعات بين الخصوم ،غير أنه يجب منح هذه الصالحية في
حدود ما تقتضيه املصلحة ،وذلك بحصر حاالت التصدي وتحديد شروطه.
-302أُنظر تقرير لجنة العدل والترشيع وحقو ،اإلنسان مبجلس املستشارين مناسبة مناقشة القانون ر 50.03 ،املحدثة مبوجبه محاتم
واستئناف إدارية ،دورة اتتوبر .1005
-303حسن صحيب ،إشكالية تحديد االختصاص بني محاتم االستئناف اإلدارية واملجلس األعىل ،مقال منشور باملجلة املغربية لإلدارة
املحلية والتنمية ،الطبعة األوىل ،10001 ،ص .11
-304والتي تنص عىل ما ييل "ميكن ملحكمة النقض عند الترصيح بنقض قرار صادر يف دعوى اإللغاء أن يتصدى للبت إذا تانت القضية
جاهزة"
025
0202 40
-305قلنا أهم النظم ألننا سنقترص يف حديثنا عن النظام الالتيني والنظام األنجلوسكسو،ي فقط دون النظام الفيدرايل السائد يف الدول
الفيدرالية تالواليات األمريكية املتحدثة ،إذ أن محاتم هذه األخرية تطبق القوانني املحلية السائدة يف تل والية وتوجد يف تل والية
محكمة الستئناف تلعب يف تثري من األحيان دور محاتم النقض ،أما املحكمة الفيدرالية العليا فيقترص دورها غالبا عىل فرض سيادة
الترشيع الفيدرايل عىل القوانني املحلية السائدة يف تل والية فهي ال تتدخل إالَّ مبناسبة تنازع القوانني املحلية والترشيع الفيدرايل.
-ملزيد من اإليضاح ا ُنظر :محمد الكشبور ،م.س ،ص .15
026
0202 40
من شرعية القرار املطعون فيه أمامه ،أي التأكد من مدى حسن تطبيق قاض ي املوضوع للنصوص
ً ً
القانونية الواجبة التطبيق ،وتفسيرها تفسيرا صائبا على الوقائع التي استخلصها.306
ً
وتعتبر محكمة النقض الفرنسية نموذجا لهذا النظام ،فاملشرع الفرنس ي قد أكد على أن محكمة
النقض هي محكمة قانون وذلك منذ أن أنشئت بواسطة قانون 92نوفمبر ،0221حيث جاء في
الفصل الثالث من هذا القانون أنه "تبطل محكمة النقض سائر اإلجراءات التي خولت فيها الشكل
وكذلك سائر األحكام التي تضمنت مخالفة صريحة لنصوص القانون ،وليس لتلك املحكمة أن
تتعرض ملوضوع الدعوى".307
وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض في ظل النظام الالتيني تعتبر محكمة قانون ،إذ ليس لها أن
تبت في موضوع الدعوى ووقائعها ،بل يقتصر نظرها فقط على التحقق من مدى حسن تطبيق القانون
من قبل محاكم املوضوع.
ب -النظام األنجلوسكسوني
بخالف ما عليه األمر في النظام الالتيني ،فإن محكمة النقض في ظل النظام األنجلوسكسوني تعتبر
محكمة واقع وليس محكمة قانون فقط ،أي أنها في الحقيقة عبارة عن محكمة عليا لالستئناف.
والسبب في ذلك هو أن النظام األنجلويكسوني يرتكز على نظام السوابق القضائية وليس على نظام
القواعد القانونية التشريعية.
فالقاض ي في هذا النظام وهو بصدد النظر في النزاع املطروح أمامه ال يكيف وقائعه انطالقا من نص
ً
قانوني معين ،ولكن انطالقا من سابقة قضائية سبق لنفس املحكمة التي تنطر النزاع أو أية محكمة
أخرى أعلى منها درجة أن قررتها ،أي قياس وقائع سابقة على الوقائع املطروحة أمامه .واعتماد نفس
الحل الذي سبق تقريره بشأنها متى تحقق تطابق بين تلك الوقائع.308
ولعل خير نموذج لهذا النظام هو مجلس اللوردات اإلنجليزي الذي يتصرف حين يمارس نشاطه
ً
القضائي 309تصرف محكمة واقع وليس محكمة قانون فقط ،فكثيرا ما يجرى نعت هذا املجلس بأنه
027
0202 40
عبارة عن محكمة عليا لالستئناف تمد رقابتها ال إلى الجوانب القانونية في الحكم وحدها ،بل إلى جميع
جوانبه الواقعية كذلك.
وبذلك فإن أي حكم تصدره املحاكم في ظل النظام األنجلوسكسوني ،يعتبر سابقة قضائية ينبغي
إتباعها في القضايا املماثلة ،فهذه السوابق تقيد املحاكم األدنى درجة ،ويسهر على فرض احترام
القاعدة السالفة محاكم االستئناف ومحكمة النقض.
-2الوضع بالنسبة ملحكمة النقض املغربية
إذا ما حاولنا البحث عن طبيعة محكمة النقض في التشريع املغربي ومركزها ضمن محاكم النقض
املتواجدة في التشريعات املقارنة ،الستنتجنا من خالل مصادرها التاريخية وكيفية ممارستها لنشاطها،
ومن النصوص التشريعية املنظمة الختصاصاتها ،بأنها تمثل محكمة قانون وليس محكمة واقع.
فاملشرع املغربي عندما فكر في وضع نظام للنقض ،رجع إلى التشريع الفرنس ي ،الذي يعتبر املصدر
التاريخي لتشريعنا املغربي ،فاستقى منه جل األحكام املنظمة لعمل محكمة النقض الفرنسية ،وبما أن
هذه األخيرة تعتبر محكمة قانون فإنها تعتبر كذلك في التشريع املغربي.
ولقد كان املشرع أكثر وضوحا في تحديد هذه الطبيعة وذلك في ق.م.ج.م حيث تنص املادة 805منه310
في فقرتها الثانية أنه "تمتد رقابة محكمة النقض إلى التكييف القانوني للوقائع املبنية عليها املتابعة
الجنائية ،لكنها ال تمتد رقابتها إلى الوقائع املادية التي يشهد بثبوتها قضاة املحاكم الزجرية وال إلى قيمة
الحجج التي أخذوا بها ، "...وهو أيضا ما أكدته محكمة النقض منذ إنشائها في العديد من قرارتها
والتي جاء في أحدها أنه "لكن ،حيث إن املحكمة ،حينما وصفت التصرف االنفرادي بفصل الطاعن
من عمله ،بأنه يكون خالفا في شرعية الطرد ال نزاعا في تأويل العقد فإنها فعلت ذلك في نطاق سلطتها
التقديرية للمعنى الذي استخلصته من ظروف القضية وأن هذا التقدير املعنوي باعتباره مسالة واقع
،ال يخضع لرقابة املجلس األعلى".311
وبذلك فإن محكمة النقض املغربية تنصب رقابتها فقط على الجوانب القانونية في الحكم وليس على
جوانبه الواقعية ،ولعل ما يزكي هذا األمر أنه لكي يقبل الطعن بالنقض فإنه البد من التمسك بأحد
األسباب القانونية اآلتية :خرق القانون الداخلي أو خرق قاعدة مسطرية أو عدم االختصاص أو
-310ظهري رشيف رقم 2.01.155صادر يف 15من رجب 3( 2713أتتوبر )1001بتنفيذ القانون رقم 11.02املتعلق باملسطرة الجنائية ،ج.ر.ع
5015بتاريخ ،3003/02/30ص .325
-311قرار عدد 312صادر بتاريخ 15مايو 2957ملف اجتامعي رقم ،5099منشور مبجلة القضاء والقانون عدد ،232/235ص 292وما بعدها.
028
0202 40
الشطط في استعمال السلطة أو عدم االرتكاز على أساس قانوني أو انعدام التعليل ،312وهي أسباب ال
تخرج إما على خرق قاعدة موضوعية أو خرق قاعدة إجرائية وبصفة عامة على خرق قاعدة قانونية.
وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض في ظل التشريع املغربي ،تعتبر محكمة قانون مما يطرح معه
التساؤل حول تأثير نظام التصدي على هذه الطبيعة؟ وهو السؤال الذي سنحاول اإلجابة عنه في
النقطة املوالية.
-312ا ُنظر الفصل 359من .،م.م.م وهي ذاتها األسباب املنصوص عليها يف املادة 537من .،م.ج.م والتي جاء فيها ما ييل "يجب أن
يرتكز الطعن بالنقض يف األوامر أو القرارات أو األحكام القابلة للطعن بالنقض عىل أحد األسباب االتية:
-2خر ،اإلجراءات الجوهرية للمسطرة.
-1الشطط يف استعامل السلطة.
-3عدم االختصاص.
-7الخر ،الجوهري للقانون.
-5انعدام األساس القانو،ي او انعدام التعليل".
-313أدولف ريولط :اإلجراءات املدنية أمام املجلس األعىل ،تعريب إدريس ملني و سعيد عبد الله الداودي ،مجموعة الدالئل والتعاليق
القانونية ،املعهد الوطني للدراسات القضائية ،وزارة العدل ، 2957ص 31وما بعدها.
029
0202 40
* إن تصدي محكمة النقض فيه مساس بحقوق الدفاع فقد ال يلتفت أطراف الخصومة إلى مناقشة
الوقائع التي يدور حولها موضوع الحق ،فيفاجأ هذا أو ذاك باستعمال حق التصدي من طرف محكمة
النقض فيحرم بذلك من تقديم أوجه دفاعه في املوضوع وتضيع عليه درجات التقاض ي.
* إن املجلس األعلى يتعسف في استعمال حقه في التصدي للبث في القضية لدرجة يسمح معها لنفسه
بأن يتدخل في وقائع الدعوى.314
وبذلك فإن نظام التصدي –حسب أنصار هذا االتجاه -فسح املجال ملحكمة النقض لتبتعد عن دورها
التقليدي وتتحول إلى درجة ثالثة من درجات التقاض ي فهو نظام سمح لقضاة النقض بالنظر في
الوقائع ،في حين أن ذلك محظور عليهم بحكم طبيعة محكمتهم وهو ما فيه مساس بحقوق الدفاع،
ألنه يحرم األطراف من إبداء ما لديهم من أوجه دفاع حول ما قد يعتمده قرار محكمة النقض من
وقائع .وإن كان األستاذ محمد حسن قد أثار مالحظة مهمة تتمثل في أن محكمة النقض عندما تتصدي
فإنها ال تبرز في حيثيات قرارها الوقائع التي اعتبرت أنها ثبتت لقضاة املوضوع بحكم وظيفتهم أو
سلطتهم التقديرية ،كما أنها ال تعلل األسباب التي حدت بها إلى الحسم في املوضوع.315
-2االتجاه املؤيد لنظام التصدي
إن أنصار االتجاه املؤيد لحق محكمة النقض في التصدي للقضية انطلقوا في دعم طرحهم من دحض
مبررات أنصار االتجاه املعارض لهذا الحق.
وهكذا فإن مبرر تحول محكمة النقض إلى محكمة موضوع عند تصديها للقضية ال يقوم على أساس
ً
سليم – حسب أنصار هذا االتجاه -ألنه نظام ال ينال قطعا من طبيعة محكمة النقض كمحكمة
قانون وليست محكمة واقع ،316ذلك أن قاض ي النقض عندما يتصدى للقضية فإنه ال يعيد النظر في
وقائعها ،وما يقوم به فقط هو إرساء حكم القانون بكيفية سليمة على وقائع ثابتة ،317فنشاطه ال
يتعدى نشاط محكمة اإلحالة ،عندما تنظر في النزاع في ضوء النقطة التي بتت فيها محكمة النقض،
-314راجع التقرير املقدم من طرف هيئة املحامني بالدار البيضاء يف املؤمتر الثامن عرش لهيئات املحامني باملغرب واملنعقد مبدينة فلس
بتاريخ 19.15.11يونيو 2955واملعنون بـ "مالحظات حول املسطرة املدنية بعد تجربة عرش سنوات" منشور مبجلة املحاتم املغربية ،العدد
،35يوليوز /غشت ،2955ص .211
-315حول مصادقة مجلس النواب عىل مرشوع قانون بإلغاء إيقاف التنفيذ والتصدي أمام املجلس األعىل ،مقال منشور باملجلة املغربية
للقانون ،العدد ،21سنة ،2951ص .97
-316وإن تانت األستاذة ثورية لعيو،ي قد ذهبت عكس ذلك عند ما قررت أن تصدي محكمة النقض للقضية يجعلها محكمة واقع وقانون
يف نفس الوقت ،وذلك بعد تأييدها لهذا النظام.
-ملزيد من اإليضاح ا ُنظر مقالها بعنوان تنظيم القضاء اإلداري املغريب عىل ضوء قانون محاتم االستئناف اإلدارية رقم ،50.03منشور
باملجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،عدد 29يوليوز ،غشت ،1002ص .25
-317عبد العزيز خليل ،م.س .ص 50وما بعدها.
031
0202 40
أي عندما تؤمر بتطبيق قاعدة قانونية عوض أخرى ،او تقوم بإعمال التأويل الذي تقو به محكمة
النقض.318
أما مبرر تعسف محكمة النقض في استعمال حقها في التصدي للقضية بكيفية تجعلها تتدخل في
وقائع الدعوى ،فهو مبرر مردود من أساسه ،مادام نظام الطعن بالنقض يرتكز في جوهره على فكرة
التمييز بين الواقع والقانون –ألن ما يدخل في نطاق رقابة محكمة هو القانون فقط ،-وهو تمييز من
الصعوبة تحقيقه ،إذ ليس هناك اتفاق لدى الفقه والقضاء على تحديد معيار للتمييز بينهما ،لذلك
فإنه من غير املستساغ القول بأن محكمة النقض قد تدخلت في الوقائع أم ال في ظل غياب هذا
املعيار ،319أضف إلى ذلك أنه حتى في حاالت تدخل محكمة النقض في الوقائع ،فإنه تدخل يكون راجع
باألساس إلى سوء استعمال هذه األخيرة لحقها في التصدي ،وليس إلى نظام التصدي في حد ذاته.
ً
فمحكمة النقض كثيرا ما انزلقت نحو التوسع في تطبيقه -التصدي -باسم العدالة واإلنصاف ،وهو ما
يجعلها تتدخل في أمور تخضع لسلطة محكمة املوضوع.320
موقفنا من اإلشكال:
إذا كان البد لنا من ترجيح كفة أحد االتجاهين فإننا نرجح كفة االتجاه املؤيد لحق محكمة النقض في
التصدي ،على اعتبار أن هذا الحق ال يمكن أن يحول محكمة النقض إلى محكمة واقع ،ما دام أن
هذه األخيرة يقتصر دورها فقط على إنزال حكم القانون على الوقائع املعروضة والثابتة وذلك من
خالل استلزام املشرع لشرط الجاهزية و توفر قاض ي النقض على العناصر الواقعية التي تبتت لقضاه
ً
املوضوع ،أي إن الدعوى ال تحتاج إلى أي تحقيق ،وهو ما يفند أيضا مبرر مساس نظام التصدي
بحقوق الدفاع الذي تمسك به االتجاه املعارض لهذا النظام ،ما مادام املعنى العام لهذا الشرط يقوم
على فكرة وقوع مناقشة أو دفاع في الجوهر أمام محاكم املوضوع ،وهو الدفاع الذي تراه محكمة
ً
النقض كافيا لتمكينها من العناصر الضرورية للنزاع ،أضف إلى ذلك أن الطعن بالنقض ال يمكن
َّ
اللجوء إليه إال في حاالت نقض الحكم لخرقه قاعدة موضوعية أو قاعدة إجرائية وهي جوانب قانونية
فقط ال تمس بالجوانب الواقعية للحكم.
-318نبيل إسامعيل عمر النظرية العامة للطعن بالنقض يف املواد املدنية والتجارية ،منشأه املعارف االسكندرية ( ،2950ع.ط.غ.م) ص 21
وما يليلها.
-319محمد الكشبور ،م.س ،ص 22وما بعدها.
-320محمد الوتييل ،املجلس األعىل هل هو فعال محكمة عليا؟ مقال منشور باملجلة املغربية لقانون واقتصاد التنمية ،العدد ،2955 ،21ص
.21
030
0202 40
وبذلك فإننا نعتقد أن نظام التصدي ال تأثير له على طبيعة عمل محكمة النقض إذ ال يجعلها محكمة
واقع ،321بل هو مجرد نظام أو وسيلة إلنهاء النزاعات التي ال مبرر إلحالتها من جديد على محاكم
املوضوع للبث في نقط أصبحت واضحة ،وأضحت بذلك نتيجة القرار الذي سيصدر عن محكمة
اإلحالة معروفة من قرار النقض واإلحالة ،ولعل ما يزكي طرحنا هو طبيعة هاذ النظام االختيارية ذلك
أن محكمة النقض كلما وجدت نفسها أمام نزاع ستمس بجوانبه الواقعية إذا تصدت له فإنها تكتفي
بالنقض واإلحالة ،وليس النقض والتصدي ،في ظل غياب الطبيعة امللزمة لهذا النظام في ظل تشريعنا
َّ
املغربي ،على اعتبار أن حق التصدي هو رخصة فقط مخوله ملحكمة النقض ال تمارسه إال إذا توفرت
شروطه وهي الشروط التي سنحاول بحثها في املطلب املوالي.
- 321إالَّ أن محكمة النقض املرصية تتحول-مع ذلك -يف حالة تقديم الطعن بالنقض للمرة الثانية إىل محكمة واقع ألن املرشع املرصي
أوجب عليها التصدي للقضية حتى وإن تانت غري جاهزة مام يفيد أن ملحكمة النقض يف هذه الحالة تجهيز القضية باللجوء إىل
إجراءات التحقيق.
-322يستوي أن يكون هذا النقض تليا ً أو جزئيا ً.
-323والتي تنص عىل أنه" :ميكن ملحكمة النقض عند نقضها حكام أو قرارا تليا أو جزئيا أن تتصدى للبت يف القضية بالرشوط التالية:
-أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية.
-أن تتوفر عىل جميع العنارص الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع".
-324والتي جاء فيها" :ميكن ملحكمة النقض عند التصحيح بنقض قرار صادر يف دعوى اإللغاء ،أن تتصدى للبت إذا تانت القضية
جاهزة".
032
0202 40
العناصر الواقعية التي تبثت لقضاة محاكم املوضوع ،وهي ذاتها الشروط التي تطلبها املشرع املصري في
الفقرة األخيرة من املادة 912من ق.م.م.ت.م.325
أما شروط التصدي الخاصة فهي املنصوص عليها في املادة ،3269-112حيث استلزمت هذه األخيرة
ً
شرط جاهزية الدعوى ،وأن يكون القرار املنقوض صادرا في دعوى اإللغاء ،مما يطرح معه التساؤل
حول مدى إمكانية االكتفاء بهاذين الشرطين لتقرير سلطة محكمة النقض في التصدي للقضية؟ أم
البد من تحقق الشروط العامة املشار إليها أعاله؟ وهل ملحكمة النقض أن تتصدى للقضية إذا ما
ً ً
نقضت قرارا صادرا في إطار دعاوى القضاء الشامل ،على اعتبار أن املشرع قصر سلطة املحكمة في
التصدي على دعاوى اإللغاء فقط؟
وكجواب عن هذه األسئلة فإننا نبادر إلى القول أن تصدي محكمة النقض عند نقضها للقرار اإلداري
الصادر في دعوى اإللغاء ،يستلزم فقط تحقق الشروط الخاصة الواردة في املادة 9-112دون شروط
التصدي العامة ،ما دام املشرع لم ُي ِح ْل على مقتضيات املادة 0-112املنظمة لهذ األخيرة – الشروط
العامة – ولذلك فإن ملحكمة النقض حق التصدي للقضية إذا كانت الدعوة جاهزة ،حتى ولو قدم
الطعن بالنقض للمرة األولى.
أما بالنسبة لسؤال مدى إمكانية تصدي محكمة النقض للقضية عند نقضها القرار الصادر في إطار
القضاء الشامل ،فإننا نعتقد أن ملحكمة النقض التصدي لها ،إذا ما توفرت شروط التصدي العامة،
ما دام املشرع لم يستثني هذه القرارات من نظام التصدي بنص خاص.
وعلى هذا األساس ،فإننا نقترح ضرورة تعديل املادة 9-112من م.م.ق.م.م وذلك بإضافة عبارة تفيد
أن ملحكمة النقض حق التصدي عند نقضها للقرارات الصادرة في دعاوى القضاء الشامل إذا ما
تحققت الشروط املنصوص عليها في املادة .0-112
وبناء على كل ما سبق ،فإن حديثنا عن شروط تصدي محكمة النقض للقضية سيكون وفق التالي: ً
-325لقد جاء يف هذه الفقرة ما ييل" :ومع ذلك إذا حكمت املحكمة – محكمة النقض – بنقض الحكم املطعون فيه ،وتان املوضوع صالحا
للفصل فيه أو تان الطعن للمرة الثانية ورأت املحكمة نقض الحكم املطعون فيه ،وجب عليها أن تحكم يف املوضوع".
-326وهي ذاتها الرشوط املنصوص عليها يف املادة 21من القانون رقم 50لسنة 1003املحدثة مبوجبه محاتم استئناف إدارية.
033
0202 40
-327تجب اإلشارة أن تصدي محكمة النقض للقضية هو واجب عليها ،تلزم بإعامله تلام تحققت رشوطه أما يف ترشيعنا املغريب فإن هذا
النظام مجرد رخصة ملحكمة النقض ميكن أن تستعملها أو ال بحسب ظروف تل قضية.
-328محمد الكشبور ،م.س ،ص .207
034
0202 40
ً
وجعل موضوعها صالحا للب ت فيه ،أي أنها تتمتع بجميع السلطات التي كانت تتمتع بها املحكمة
املنقوض قضاؤها.329
وكمقابل لهذه السطات املخولة ملحكمة التصدي – في ظل التشريع املصري – فإن أطراف الخصومة
يسترجعون كل الحقوق التي كانت لهم أمام محكمة اإلحالة فيكون لهم إبداء الطلبات وتقديم الدفوع
التي كان لهم حق إبدائها وتقديمها أمام محكمة اإلحالة ،ذلك أن النقض يؤدي إلى إعادة األطراف إلى
الحالة التي كانوا عليها قبل صدور املقرر القضائي املنقوض ،ولذلك فإن مركزهم أمام محكمة النقض
عند تصديها للقضية في حالة تقديم الطعن بالنقض للمرة الثانية هو نفس مركزهم أمام محكمة
اإلحالة.330
غير أن تصدي محكمة النقض للقضية إذا ما قدم طعن بالنقض للمرة الثانية أمامها ،مشروط بأن
ينصب هذا الطعن الثاني على ذات ما طعن فيه للمرة األولى ،ولهذا فإذا ما اختلف الطعن األول عن
ً َّ
الثاني ،فإن إعمال قاعدة التصدي ال يجوز اللهم إذا كان موضوع الحكم صالحا فيه ،إذ في هذه
الحالة يمكن ملحكمة النقض املصرية التصدي للقضية- 331ألن تخلف هذا الشرط تتخلف معه
سلطة التصدي– حتى ولو ثبت للقاض ي أنه يتوفر على جميع العناصر الواقعية للنزاع.
كما أن محكمة النقض تكون ملزمة عند تصديها للقضية بالتقيد بما قضت به في قرارها األول ،وهو
ما يستفاد من قرار صادر عن محكمة النقض املصرية جاء فيه أنه "لئن كانت الفقرة األخيرة من املادة
912من قانون املرافعات توجب على محكمة النقض إذا كان الطعن للمرة الثانية بالتصدي
للموضوع ،فإن هذا التصدي ليس طليقا من كل قيد ،بل مشروط بضرورة تقيد محكمة النقض
باملبدأ الذي قررته في قرارها الناقض ،حتى ال يتضرر الطاعن وتقض ي عليه بأكثر مما قض ى عليه به في
قرارها األول ،إعماال ملبدأ ال يضار الطاعن بطعنه."332
ونشير في ختام هذه النقطة إلى أن شرط الطعن بالنقض للمرة الثانية لم يسبق ملشرعنا املغربي أن
أشار إل يه في جميع القوانين التي كان يجيز بمقتضاها ملحكمة النقض التصدي للقضية بحيث كانت
035
0202 40
هذه األخيرة تقض ي بعدم قبول الطعن املقدم للمرة الثانية ،333بخالف شرط التوفر على عناصر
الدعوى الواقعية والذي سبق للمشرع أن استلزمه بمقتض ى املادة 115من ق.م.م.م امللغاة.
-333جاء يف قرار املجلس األعىل عدد 1712بتاريخ 12-21-1002ملف تجاري رقم 00/1190أنه "وحي إن الطالبني سبق لهم أن طعنوا يف
القرار االستئنايف بالبيضاء بتاريخ 10-5-91ف امللف عدد ( 2573/92وهو القرار موضوع الطعن الحايل) انتهى بصدور قرار عن املجلس
األعىل تحت عدد 905بتاريخ 99-2-9يف امللف عدد 99-111قىض بعدم قبول الطعن بالنقض وبذلك مورس الطعن بالنقض مرتني ضد
قرار واحد وبني نفس األشخاص وبنفس صفتهم ،وهو ما ال يجوز عمال بالقاعدة املذتورة ،مام يجعل الطعن غري مقبول".
-334خالد اإلدرييس ،إصالح املجلس األعىل ودوره يف تحقيق األمن القضايئ ،دار القلم ،الرباط ،الطبعة األوىل ،1020 ،ص .55
-335ا ُنظر الفقرة األخرية من املادة 129من .،م.م.ت.م.
-336نبيل اسامعيل عمر ،م .س ،ص .711
-337فتحي وايل ،م .س ،ص .902
036
0202 40
غير أن تصدي محكمة النقض رغم توفرها على جميع العناصر الواقعية للنزاع ،مشروط بأن يكون
سبب النقض هو خطأ في القانون سواء في تطبيقه أو تأويله ،فليس لها أن تتصدى إذا كان نقض
الحكم أو القرار بسبب عدم االختصاص .إذ في هذه الحالة تكون محكمة املوضوع لم تستنفد واليتها
بعد في الدعوى ،باتباع اإلجراءات السليمة التي ينص عليها القانون ،وهو ما يعني أن املوضوع غير
صالح للفصل فيه أي أن الدعوى غير جاهزة.338
وإذا كان املشرع املغربي – كما سبقت اإلشارة – قد استلزم وقوع الطعن بالنقض للمرة الثانية حتى
تتصدى محكمة النقض للقضية ،عند توفرها على جميع وقائع الدعوى ،فإن املشرع املصري لم
يستلزم مثل هذا الشرط .ذلك أن محكمة النقض املصرية تكون ملزمة بالتصدي للقضية إذا كان
ً
موضوع النزاع صالحا للفصل فيه حتى ولو قدم الطعن بالنقض للمرة األولى.
وكنتيجة الستلزام هذا الشرط ،فإنه يمتنع على محكمة النقض القيام بأي إجراء من إجراءات
ً
التحقيق قصد تجهيز الدعوى وجعل موضوعها صالحا للفصل فيه ،وكمقابل لذلك فإنه يحظر على
أطراف الخصومة تقديم طلبات أو مذكرات جديدة ،فمفترض إعمال التصدي هنا وركنه األساس ي هو
أن تكون الدعوى جاهزة دون أي إضافة تجعلها مهيأة للفصل فيها.339
ولذلك فإذا كان املوضوع غير صالح للحكم فيه أي لم يثبت لقضاة النقض توفرهم على جميع
العناصر الواقعية للدعوى ،فهنا ال مجال للحديث عن سلطة التصدي ،بحيث يجب على محكمة
َّ
النقض إحالة امللف إلى محكمة اإلحالة لتبت فيه ،اللهم إن كان الطعن في هذه الحالة قد قدم للمرة
الثانية ،إذ يجب على محكمة النقض املصرية وحدها التصدي للقضية حتى ولو كان املوضوع غير
جاهز للفصل فيه ،ألن محكمة النقض عند تخلف هذا الشرط ال يكون أمامها سوى إحالة امللف
وليس التصدي للقضية حتى ولو قدم الطعن بالنقض للمرة الثانية.
037
0202 40
فاملستخلص من خالل مضمون هذه املادة أن شروط التصدي الخاصة تتمثل باألساس في شرط
ً
جاهزية الدعوى ،وأن يكون القرار املنقوض صادرا في دعوى اإللغاء ،وإذا كنا قد تطرقنا فيما سبق –
وبتفصيل – للشرط األول – جاهزية الدعوى – فإننا سنقتصر حديثنا هنا فقط عن الشرط الثاني –
نقض قرار صادر في دعوى اإللغاء – من خالل الوقوف عند الشروط املستلزم توفرها لقبول الطعن
باإللغاء حتى يتم التصدي للقرار الصادر بشأنها (أوال) ثم األوجه املعتمدة في هذه الدعوى (ثانيا).
-340سليامن محمد الطاموي ،الوجيز يف القضاء اإلداري ،دار الفكر العريب للطباعة والنرش( ،ع .ط .غ .م) ،طبعة ،2917ص .131
-341محمد محجويب ،خصوصيات دعوى اإللغاء وإشكالية الجمع بينهام وبني دعوى التعويض ،مقال منشور مبجلة القانون املغريب ،عدد
27أبريل ،10009ص .72
-342عامر عوابدي ،النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضايئ الجزائري ،الجزء األول ،القضاء اإلداري ،ديوان املطبوعات
الجامعية ،الساحة املرتزية ،يف عكنون (ع .ط .غ .م) ،طبعة ،2995ص .331
-343نادية أحديدو ،أجل رفع دعوى اإللغاء عىل ضوء االجتهاد القضايئ ،مقال منشور مبجلة اإلشعاع ،عدد مزدوج ،71/72ص .121
-344إسامعيل فرميس ،مجل دعوى اإللغاء ،دراسة يف الترشيع والقضاء الجزائريني ،مذترة مقدمة لنيل شهادة املاجستري ،تخصص
قانون إداري وإدارة عامة ،جامعة الحاج بلخرض ،تلية الحقو ،والعلوم السياسية ،قسم العلوم القانونية واإلدارية ،باتنة ،السنة الجامعية
،1023ص .5
038
0202 40
وبذلك فإنه يستثنى من دعوى الطعن باإللغاء ،أعمال السلطة التشريعية ،واألعمال القضائية التي
تخضع لنظام خاص بها ،يتمثل في الطعن في األحكام والقرارات واألوامر القضائية.345
أما بالنسبة لألعمال امللكية فقد تضاربت اآلراء بخصوص الطعن فيها بدعوى اإللغاء حيث انقسمت
هذه اآلراء إلى اتجاه مؤيد للطعن فيها باإللغاء وآخر عارض هذه اإلمكانية بشدة ،346قبل أن يتدخل
املجلس األعلى لحسم هذا النقاش وذلك باستبعاده القرارات امللكية من الطعن بدعوى اإللغاء بحجة
ً
أن امللك ال يعتبر سلطة إدارية ،347وهو التوجه الذي أخذت به أيضا محاكم املوضوع.348
ً
ويستلزم في هذه القرارات اإلدارية حتى تكون محال للطعن باإللغاء أن تكون صادرة عن سلطة إدارية
وطنية ،وذلك بصرف النظر عن مكان وجود هذه السلطة ،أي أكانت تعمل داخل الدولة أم خارجها،
ً ً ً
بل وبصرف النظر أيضا عن شخص رافع الدعوى ،وطنيا كان أم أجنبيا ،إذ املهم في هذا الخصوص هو
السلطة التي أصدرت القرار محل الطعن ،أو بمعنى أدق جنسية املرفق العام الذي صدر عنه هذا
القرار ليس جنسية الشخص املتضرر من القرار.
-2أن يكون القرار تنفيذيا
ً ً
كشرط أساس ي لقبول الطعن باإللغاء ،يتعين أن يكون القرار اإلداري تنفيذيا ،صادرا عن اإلرادة
ً ً ً
املنفردة للسلطة اإلدارية ،أي أن يكون القرار قابال للتنفيذ وملحقا ضررا بمن صدر ضده ،وبذلك فال
-345حسن صحيب ،القضاء اإلداري ،منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعامل جامعية ،العدد ،50الطبعة
األوىل ،1005 ،ص 110وما يليها.
M. A. Ben Abdellah, les prérogatives de l’état dans le recours pour excès de pouvoir, Imprimerie de Litral, Rabat, -346
1981.
-347ا ُنظر قرارات الغرفة اإلدارية باملجلس األعىل يف قضية مزرعة عبد العزيز بتاريخ ،2911-5-2وقضية عبد الحميد الروندا بتاريخ -2-25
2920والتي قضت فيها الغرفة اإلدارية بعدم اختصاصها للفصل يف القضايا املتعلقة بالطعن يف الظهائر امللكية بدعوى عدم صدورها عن
سلطة إدارية.
-348جاء يف حكم صادر عن املحكمة اإلدارية بالرباط عدد 27بتاريخ 22يناير ،2995بأن القرار الصادر عن صاحب السمو بصفته منسقا
ملكاتب مصالح القيادة العليا للقوات املسلحة امللكية ،بإذن من صاحب الجاللة يعترب قرارا ملكيا و بالتايل تكون املحكمة غري مختصة
للبت يف الطعن باإللغاء املوجه ضده ،أشار إليه حسن صحيب ،القضاء اإلداري ،م .س ،ص .112
039
0202 40
يمكن الطعن باإللغاء في األعمال التحضيرية التي تسبق القرار ،349وال في األعمال التنفيذية التي تلحقه
ً
وال تضيف جديدا إليه.350
ً ً ً
كما يشترط في هذا القرار أن يكون قرارا إداريا انفراديا يعبر عن اإلرادة املنفردة لإلدارة ،مما يعني
ً
استثناء الطعن املوجه ضد العقود اإلدارية التي تعتبر أعماال ناتجة عن توافق إرادتين ،وبذلك فإن
ً
دعوى اإللغاء تظل قاصرة فقط على الطعن املوجه ضد القرارات اإلدارية الفردية ،وهو أيضا ما أكده
املجلس األعلى في العديد من قراراته التي جاء في أحدها أن الطعن املوجه ضد قرار طرد موظف
متعاقد مع اإلدارة غير مقبول ألنه يرتبط مع اإلدارة بعقد ،والحال أن القاعدة املسلم بها تقتض ي أنه ال
يمكن ممارسة الطعن بالنقض ضد عقد إداري عن طريق دعوى اإللغاء على اعتبار أن هذه األخيرة
مقصورة فقط على القرارات اإلدارية االنفرادية.351
-349جاء يف قرار املجلس األعىل عدد 12بتاريخ 2921-2-29يف قضية الرشتة الكهربائية املغربية ضد وزير األشغال العمومية أنه "ال
يكون قابال للطعن عن طريق دعوى اإللغاء بسبب الشط يف استعامل السلطة مجرد عمل تحضريي ال يؤثر عىل الوضع القانو،ي
للطاعن الذي يحتفظ بحقه يف إقامة دعوى اإلبطال عند صدور قرار نهايئ" أشار إليه حسن صحيب ،القضاء اإلداري ،م .س ،ص
.115
-350ا ُنظر حكم صادر عن املحكمة اإلدارية بوجدة ،عدد 9222بتاريخ 2992-2-11والذي جاء فيه "وحي إن عمل السلطة املحلية املطعون
فيه إمنا جاء تنفيذا لهذا القرار – قرار املجلس البلدي بإغال ،باب دتان – فيعترب تبعا بذلك عمال ماديا تنفيذيا ال يرقى إىل درجة القرار
اإلداري القابل للطعن باإللغاء ما دام أنه ليس هو الذي أحدث بذاته األثر يف املرتز القانو،ي للطاعن وإمنا القرار الصادر عن رئيس
للمجلس البلدي بإغال ،الباب" أورده حسن صحيب ،القضاء اإلداري ،م .س ،ص .115
-351قرار عدد 21بتاريخ 23ماي 2955أورده ،حسن صحيب ،القضاء اإلداري ،م .س ،ص .111
. 213 M. Rousset, Droit administratif Marocain, Editeur la porte, 6ème Edi, 2003, p -352
-353عبد الواحد بن سعود ،دعوى اإللغاء ،مقال منشور مبجلة املحاتم املغربية ،العدد ،252نوفمرب – دجنرب ،1021ص .52
041
0202 40
القضائية املختصة" .354وهي عيوب إما مرتبطة بانعدام شروط الشرعية الخارجية للقرار اإلداري ()0
أو مرتبطة بانعدام عناصر الشرعية الداخلية للقرار (.)9
-1إنعدام شروط الشرعية الخارجية للقرار اإلداري
تتعلق شروط الشرعية الخارجية للقرار اإلداري باملظهر الخارجي للقرار الصادر عن السلطة اإلدارية،
وتتمثل في شرطي االختصاص (أ) والشكل (ب).
أ -عدم االختصاص
يرتبط عيب عدم االختصاص بالجهة املصدرة للقرار ،ذلك أن توزيع السلطات داخل اإلدارة ،يقتض ي
َّ ً
مبدئيا أن أي عمل إداري ال يتخذه إال الشخص املؤهل ،وليس أي شخص آخر ،مما يعني أن عيب
عدم االختصاص يحيل إلى قيام شخص إداري بعمل ال يدخل في اختصاصه أو قيام شخص بعمل
إداري لم يكلف بالقيام به.355
وعدم االختصاص كأحد عيوب القرار اإلداري ينقسم إلى ثالثة أقسام :عدم االختصاص املوضوعي،
عدم االختصاص املكاني وعدم االختصاص الزماني.
فبالنسبة لعدم االختصاص املوضوعي فإنه ينقسم بدوره إلى عيب عدم االختصاص اإليجابي كأن
يصدر القرار اإلداري عن جهة غير مختصة بإصداره ،وإلى عيب عدم االختصاص السلبي كأن ترفض
جهة إدارية مختصة بإصدار قرار إداري هو من صميم اختصاصها.356
أما عيب عدم االختصاص املكان فإن أمره يتعلق بإصدار قرار إداي يخرج عن الدائرة الترابية للجهة
َّ
املصدرة له ،وإن كان هذا العيب ال يطرح إال بالنسبة للسلطات اإلدارية املحلية التي حدد املشرع
َّ
املغربي سلطاتها في حدود جغرافية معينة يجب احترامها في اتخاذ قرارتها التي تقع تحت سلطتهم وإال
كانت هذه القرارات معيبة بعدم االختصاص املكاني.
في حين فإن عدم االختصاص الزماني يقصد به صدور القرار اإلداري خارج مدة تقليد االختصاص أي
ً
أن يصدر هذا القرار في مدة زمنية ال يكون فيها االختصاص منعقدا للشخص الذي أصدره كأن يصدر
القرار قبل تقليده ملهام وظيفته أو صدوره بعد انتهاء مهامه.357
-354البد من اإلشارة إىل أن هذه العيوب قد ذترت عىل سبيل الحرص ،فال ميكن إقامة دعوى إلغاء قرار إداري عىل سبب غري األسباب
التي حددها املرشع ،تام ال يشرتط أن تكون هذه العيوب مجتمعة يف القرار املطعون فيه باإللغاء بل يكفي قيام أي عيب منها ليقرر
القضاء اإلداري إلغائه.
-355حسن صحيب ،القضاء اإلداري ،م .س ،ص .193
-356عبد الواحد بن مسعود ،م .س ،ص .59 – 55
-357خالد خالص ،األوجه املعتمدة يف دعوى اإللغاء ،عرض ألقي بتاريخ 17مارس ،1007يف إطار ندوات التمرين لهيئة املحامني
بالرباط ،منشور مبجلة رسالة املحاماة ،عدد ،11يونيو ،1001ص .59
040
0202 40
-358جاء يف حكم صادر عن املحكمة اإلدارية مبراتش بتاريخ 1000-9-11بأن قرار عزل الطاعن عن عمله دون تخويله فرصه الدفاع عن
نفسه تام يوجب ذلك الفصلني 22و 21من النظام األسايس للوظيفة العمومية يعترب خرقا للضامنات التأديبية قبل اتخاذ العقوبة مام
يجعل القرار مخالفا للقانون موجب إلغائه ،حكم منشور مبجلة املحامي ،عدد ،71ص .379
-359ا ُنظر حكم املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بتاريخ 1002-7-15والذي قضت فيه بأن قرار توقيف املوظف مع استمرار حرمانه من رواتبه
وأجوره دون إحالته عىل املجلس األعىل التأديبي رغم املدة التي حددها القانون لهذه الحالة ،يجعل القرار مشوبا بالشطط يف استعامل
السلطة وقابال لإللغاء ،حكم منشور مبجلة املحاتم املغربية ،العدد ،1002 ،90ص .252
-360جاء يف الفقرة الثالثة من املادة 13من .،إ.م.إ ما ييل "إذا التزمت السلطة اإلدارية املرفوع إليها التظلم الصمت يف شأنه طوال
ستني سنة يوما اعترب سكوتها عنه مبثابة رفض له"....
M. El Yaagoubi, le détournement du pouvoir dans la jurisprudence administrative au Maroc, REMALD, Série, -361
« thèmes actuels » N°6, 1999, P. 181.
A. Bengelloun, Droit administratif, Imprimerie Al Maarif, Rabat, 1ère édition, 1978, P 105.-362
042
0202 40
ً
أو غاية بعيدة عن الغاية التي حددها القانون ،فإن قرارها يكون مشوبا بعيب االنحراف في استعمال
السلطة ،كأن يكون الهدف من هذا القرار هو االنتقام من موظف معين ألسباب سياسية أو نقابية أو
دينية أو بسبب خصومة شخصية أو غيرها.363
ب -عيب مخالفة القانون
ً
يكون هذا العيب مجسدا في محل أو موضوع القرار اإلداري واألثر القانوني الذي يحدثه ،ويشترط في
ً ً
هذا املحل أن ال يكون مخالفا ألحكام القانون وأن يكون ممكنا.
وهكذا فقد قضت املحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 08نونبر 9110بأن املجلس البلدي ملزم بمراقبة
ً
مدى مطابقة التصاميم للضوابط القانونية والتقنية املعمول بها طبقا لقانون التعمير وأن منحه
ً
للرخصة املطعون فيها دون مراعاة الضوابط املذكورة يجعل قراره بهذا الشأن مشوبا بعيب مخالفة
القانون ،مما يبرر الحكم بإلغائه.364
ً
كما يشترط في محل القرار اإلداري أن يكون ممكنا من الناحية القانونية والواقعية ،إذ ال يمكن اتخاذ
ً
قرار بتعيين موظف مثال إذا لم يكن هناك منصب مالي شاغر أو اتخاذ قرار بهدم منزل آيل للسقوط
بالرغم من أن املنزل قد إنهار قبل اتخاذ القرار.365
ج -عيب السبب
يعتبر عيب السبب آخر العيوب التي استند إليها املشرع بمقتض ى املادة 91من ق.إ.م.إ لقبول دعوى
الطعن باإللغاء ،ويقصد بالسبب -كركن من أركان القرار اإلداري – بأنه الحالة القانونية أو الواقعية
التي تدفع اإلدارة إلى اتخاذ قرارتها والباعث على إصدارها.366
وإذا كانت اإلدارة في الحالة القانونية مقيدة بمقتضيات القانون فإنها في الحالة الواقعية تتمتع بسلطة
تقديرية في اتخاذ قراراتها ،وإن كانت هذه األخيرة – السلطة التقديرية – ليست سلطة مطلقة ،بل
َّ
يبقى للقضاء سلطة املالءمة ،إال أنه ال يصح للمحكمة تعديل القرار اإلداري بل يقتصر دورها في
-363جاء يف قرار صادر عن املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بأن قرار نقل موظف وإن تان يتجىل من ظاهره أنه اتخذ لتحقيق املصلحة
الع امة فإنه يف باطنه جاء متضمنا يف طياته قرارا تأديبيا مقنعا باعتبار أن نية اإلدارة اتجهت إىل عقابه (للحيلولة بينه وبني مامرسة نشاطه
النقايب) من غري اتباع اإلجراءات املقررة لذلك وبذلك تكون قد انحرفت سلطتها يف القرار لتحقيق هذا الغرض املترشد ويكون قرارها
مبثابة الجزاء التأديبي مام يجعله مشوبا بعيب إساءة استعامل السلطة ومعرضا لإللغاء ،أشار إليه خالد خالص ،م .س ،ص 55دون ذتر
مراجعه.
-364حكم أورده خالد خالص ،م .س ،ص ،55دون ذتر مراجعه.
-365عبد الواحد بن مسعود ،م .س ،ص .21
-366وزارة العدل ،دليل محاتم االستئناف اإلدارية واملحاتم اإلدارية ،منشورات جمعية نرش املعلومة القانونية والقضائية ،سلسلة الرشوح
والدالئل ،العدد ،22فرباير ،1009ص .35
043
0202 40
اإللغاء أو رفضه ال غير .367وفي هذا اإلطار فقد قضت املحكمة اإلدارية بالرباط في أحد أحكامها بأن أي
قرار إداري يجب أن يقوم على سبب يبرره ،وأن الرقابة القضائية تمتد إلى صحة الوقائع التي تكون
ً
ركن السبب في الجزاء التأديبي ،وأن عدم ثبوت املخالفات املنسوبة يكون القرار املطعون فيه مشوبا
بتجاوز السلطة لعيب انعدام السبب مما يتعين معه الحكم بإلغائه368
املبحث الثاني :الطعن في قرار التصدي وموقف محكمة اإلحالة من قرار اإلحالة
عندما يتبين ملحكمة النقض أن األسباب التي أسس عليها الطاعن نقضه جدية ،فإنها تقوم بنقض
القرار أو الحكم املطعون فيه ،وفي هذه الحالة ال يكون أمام محكمة النقض سوى احتمالين:369
فإما أن تقوم بالتصدي للبت في القضية لحسمها بشكل نهائي إذا ما توفرت شروط التصدي –
السابق اإلشارة إليها – ،الش يء الذي يحتمل معه املساس بحقوق الغير نتيجة هذا الحسم .لذلك كان
البد من فسح املجال لهذا األخير – الغير – للتظلم من هذا القرار القاض ي بالتصدي إذا ما أضر به،
فاهتدت التشريعات إلى طريق الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة ،ألنه ينسجم وطبيعة العمل
الذي تقوم به محكمة النقض في هذه الحالة.
وإما أن تقوم بإحالة الدعوى – عند تعذر التصدي – إلى محكمة أخرى من درجة املحكمة التي نقض
حكمها أو قرارها ،واستثناء على نفس املحكمة التي صدر عنها املقرر القضائي املنقوض لتبت فيه من
جديد في ضوء ما جاء في قرار النقض واإلحالة.
وعلى هذا األساس فإن دراستنا لهذا املبحث ستكون وفق التصميم التالي:
044
0202 40
-370والتي جاء فيها أنه "ال ميكن الطعن يف القرارات التي يصدرها املجلس األعىل إال يف األحوال التالية:
ج -يقبل تعرض الخارج عن الخصومة ضد القرارات الصادرة عن املجلس األعىل يف طعون إلغاء مقررات السلطات اإلدارية".
وأمام عمومية صياغة هذه الفقرة ،والتي تتحدث عن الطعون املتعلقة باإللغاء ،فإنه ميكن القول أنها تشمل مقتضيات املادة 21من
.،إ.م.إ.إ والتي أجاز املرشع املغريب مبوجبها ملحكمة النقض التصدي يف دعاوى اإللغاء ،ولذلك فإن قرارات محكمة النقض القاضية
باإللغاء والتصدي تكون قابلة للطعن بتعرض الغري الخارج عن الخصومة يف ظل عمومية هذه الصياغة.
-371جاء يف هذه املادة ما ييل" :يقبل تعرض الخارج عن الخصومة ضد القرارات الصادرة عن محكمة النقض يف:
-الطعون املتعلقة بإلغاء املقررات املنصوص عليها يف البند 1من املادة 353أعاله.
-القرارات القاضية بالنقض والتصدي".
-372أحمد حموش ،تأثري وصف الحكم عىل مامرسة طر ،الطعن ،مقال منشور مبجلة املحاتم املغربية ،العدد 239يناير -فرباير ،1023ص
.22
045
0202 40
-373والذي ينص عىل أنه "ال يصح التقايض إال ممن له الصفة ،واألهلية ،واملصلحة ،إلثبات حقوقه"...
-374ظهري رشيف رقم 2.07.11صادر بتاريخ 21ذي الحجة 3( 2717فرباير )1007بتنفيذ القانون رقم 01-03مبثابة مدونة األرسة ،ج.ر.ع
5257بتاريخ 27ذي الحجة 5( 2717فرباير ،)1007ص .725
046
0202 40
حكم قضائي يمس بحقوقه إذا كان لم يستدع هو "....فهذه الصيغة توضح إذن أن تعرض الغير
َّ
الخارج عن الخصومة ،ال يقدم من أحد أطراف 375الخصومة ،وإنما من األغيار اللذين لم يتم
استدعاؤهم فيها.
لكن املالحظ األساسية التي نسجلها هنا هي أن املشرع املغربي استلزم فقط أن ال يتم استدعاء
ً
الشخص حتى يعتر غيرا عن الخصومة ،وبالتالي إمكانية ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة،
مما يطرح معه التساؤل حول مدى إمكانية االعتداد باالستدعاء غير القانوني إلضفاء هذه الصفة؟
انقسمت اآلراء بخصوص اإلجابة عن هذا التساؤل إلى رأيين:
ً ً
استدعاء قانونيا ،مؤكدين أنه ال -الرأي األول :376استلزم أنصار هذا الرأي أن يتم استدعاء الشخص
ً
يعتبر غيرا أطراف الدعوى الحاضرون أو من وقع تمثيلهم أو استدعاؤهم بكيفية قانونية ،مما يفهم من
ً
هذا الرأي – بمفهوم املخالفة – أن الشخص يعتبر غيرا إذا تم استدعائه بطريقة غير قانونية.
ً
كاف العتبار الشخص طرفا -الرأي الثاني :377يرى أنصار هذا الرأي أن مجرد توجيه االستدعاء يعتبر ٍ
ً
في الدعوى دون تمييز بين ما إذا كان هذا االستدعاء قانونيا أم ال.
ً
ونعتقد أن ما ذهب إليه أنصار االتجاه األول هو عين الصواب ،ألنه ال يمكن اعتبار الشخص طرفا في
الدعوى والحال أنه لم يتم استدعاؤه فيها أو تم توجيه هذا االستدعاء لكن لم يتم احترام إجراءاته
ً ً
كاألجل مثال خصوصا وأن املشرع حدد آجال الحضور بعد توجيه االستدعاء تحت طائلة بطالن الحكم
ً ً
الذي قد يصدر غيابيا .378أضف إلى هذا أن ذات املشرع استلزم على املتقاض ي ممارسة حقوقهم طبقا
ً ً
لقواعد حسن النية،379إذ أن اعتبار الشخص حاضرا في الدعوى وإن لم يتم استدعائه قانونا سيفسح
-375يقصد بالطرف تل شخص يبارش إجراءات التقايض بنفسه ولنفسه للحصول عىل الحامية القانونية أو القضائية لحق خاص يتعلق به،
أو هو الذي تبارش الدعوى يف مواجهته شخصيا ً بصفة مبارشة ،ففي الحالة األوىل يسمى مدعيا ً ويف الحالة الثانية يسمى مدعى عليه،
وقد يتسع النطا ،الشخيص للدعوى بعد افتتاحها بتدخل أحد األشخاص أو بإدخاله فيها ،فيسمى األول متدخالً والثا،ي مدخالً.
-ملزيد من اإليضاح ا ُنظر نبيل إسامعيل عمر ،أصول املرافعات املدنية والتجارية ،منشأة املعارف باإلسكندرية ،الطبعة األوىل ،2952 ،ص
.570
-وهو نفس التعريف الذي اعتمدته محكمة االستئناف بالدار البيضاء يف قرارها عدد 1532صادر بتاريخ 1002.02.11يف امللف املد،ي رقم
05/2/3011والذي جاء فيه "ملا ثبت حق املتعرض يف رفع تعرضه ألنه تان أجنبيا يف الدعوى ،بحي مل يكن مدعيا وال مدعى عليه وال
متدخال فيها "...أورده عبد العزيز توفيق ،موسوعة املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ ،الجزء الثا،ي ،م .س ،ص .39
-376محمد السامحي ،طر ،الطعن يف األحكام املدنية واإلدارية ،مطبعة الصومعة( ،م .م .غ .م ( ،الطبعة األوىل ،2995 ،ص .215
-عمر الشيكر ،م.س ،ص13
-377وزارة العدل ،سلسلة الرشوح والدالئل القانونية ،رقم ،2طر ،الطعن ،طبع ونرش جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية ،الرباط،
ص .51 – 52
-378ا ُنظر الفصل 70و 72من .،م.م.م.ح.
-379ا ُنظر الفصل 5من .،م.م.م.ح.
047
0202 40
املجال للمتقاضين سيئي النية الستغالل هذه النقطة وتوجيه استدعاءات غير قانونية لخصومهم
قصد حرمانهم من ممارسة الطعن بتعرض الغير ولهذا فإننا ندعو املشرع املغربي إلى ضرورة إضافة
ً
مصطلح (قانونا) في صلب الفصل 111حسما لهذا النقاش.
ً
ولقد ثار التساؤل حول مدى إمكانية ممارسة النيابة العامة لهذا الطريق من طرق الطعن خصوصا
ً
وأن املشرع املغربي أجاز لها إمكانية ممارسة جميع طرق الطعن ما عدا التعرض 380إذا كانت طرفا
ً
أصليا في الدعوى381؟
ً
لقد أجابنا األستاذ عمر الشيكر عن هذا السؤال بالنفي مؤكدا أن حضور النيابة العامة في الدعوى
كطرف أصلي يمنعها من ممارسة هذا الطعن ألنه طعن مخول فقط لألغيار ،والحال أن النيابة العامة
ً
في هذه الحالة تعتبر طرفا في الدعوى بقوة القانون.382
ونختم هذه النقطة باإلشارة إلى أن اختالف صفة الطاعن في تعرض الغير عن صفته في الدعوى
األصلية ،ال يحول دون إمكانية ممارسته لتعرض الغير الخارج عن الخصومة ،ذلك أن الشخص قد
ً ً
يكون طرفا في الدعوى األصلية بصفة ويتعرض على الحكم الصادر بشأنها بصفة أخرى ،وهو أيضا ما
ً
أكدته املحكمة التجارية بمراكش ،حيث جاء في أحد أحكامها أن الطاعن بصفته دائنا ألحد أطراف
ً
الخصومة األصليين وأن حقوقه قد نشأت قبل الحكم املطعون فيه ،فإنه يعتبر ممثال بواسطة مدينه،
وبالتالي فال يقبل تعرضه بصفته هاته ،وإنه باإلضافة إلى صفته كدائن فإنه يتوفر على صفة أخرى
وهي أنه من بين مقدمي العروض ،ولذلك فإن كان تعرضه غير مقبول بصفته األولى ،فإنه مقبول
بصفته الثانية.383
ً
ب -الغير ليس طرفا بالنيابة في الدعوى
ً
أجاز املشرع املغربي للشخص الذي لم يكن ممثال في الدعوى إمكانية ممارسة الطعن بتعرض الغير ضد
كل مقرر قضائي يمس بحقوقه ،وذلك بمقتض ى الفصل 111من ق.م.م.م.ح والذي جاء فيه أنه
"يمكن لكل شخص أن يتعرض على حكم قضائي يمس بحقوقه إذا كان لم يستدع هو أو من ينوب
ً ً
عنه في الدعوى" ،وبذلك فإن الشخص إذا كان ممثال في الدعوى فإنه والحالة هذه يعتبر طرفا في
الدعوى وبالتالي ال يمكنه ممارسة الطعن بتعرض الغير الخارج في الخصومة.
048
0202 40
ً
والشخص يكون ممثال في الدعوى إما بواسطة سلفه بالنسبة للخلف أو مدينه بالنسبة للدائن أو نائبه
بالنسبة للمنيب.
ً ً ً
وهكذا فإن الخلف ال يعتبر غيرا في الدعوى ما دام سلفه حاضرا أو ممثال فيها ،ويسري هذا الحكم
سواء تعلق األمر بالخلف الخاص أو العام .384فبالنسبة لهذا األخير فقد نص املشرع املغربي في الفصل
480من ق.ا.ع على أنه "يعتبر في حكم الخصوم الذين كانوا أطرافا في الدعوى ورثتهم وخلفاؤهم حين
يباشرون حقوق من انتقلت إليهم منهم باستثناء حالة التدليس والتواطؤ ".ولذلك فإن ورثة الهالك
ً
يعتبرون أطرافا في الدعوى ،وبالتالي يمتنع عليهم ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة ،شريطة
أن ال يكون هناك تدليس أو تواطؤ أو غش أثناء الدعوى األصلية ،إذ في هذه الحالة يتصف الورثة
بصفة الغير.385
َّ ً
أما الخلف الخاص ،386فإنه يتميز بوضع خاص ،ذلك أنه ال يكون ممثال في الدعوى إال بالنسبة لألعمال
ً
القانونية التي تمت قبل نشوء حقه ،أما تلك التي تأتي الحقة لترتيب هذا الحق ،فإن الخلف يعتبر غيرا
يجوز له ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة .387وفي هذا اإلطار ذهب املجلس األعلى إلى أن
ً
الخلف الخاص يكون ممثال من طرف سلفه ،إذا تعلقت الدعوى بنفس الحق ،ويشترط في ذلك أن
تكون الدعوى سابقة على التفويت .أما إذا كانت الدعوى الحقة للتفويت ،فإن للخلف الخاص
التعرض على الحكم الصادر ضد سلفه ،تعرض الغير الخارج عن الخصومة ،ألن هذا األخير لم تكن له
أي صفة لتمثيله.388
ً
هذا فيما يخص الخلف ،أما بالنسبة للدائن ،فإن املتفق عليه هو أنه ال يعتبر غيرا عن الدعوى ،ألنه
ً
يكون ممثال فيها بواسطة مدينه ،ولقد أكد األستاذ أحمد السيد الصاوي أن الدائن يصنف في حكم
الخلف ،ألنه ممثل في الدعوى من طرف مدينه فيما يصدر في مواجهته ،دون اعتبار لتاريخ نشأة
-384يعرف الخلف العام بأنه من خلف الشخص يف ذمته املالية من حقو ،والتزامات أو يف جزء منها باعتبارها جزء من املال ،تالوارث و
الوىص له بجزء من الرتتة يف مجموعها.
-ملزيد من اإليضاح حول مفهوم الخلف العام ا ُنظر عبد الرزا ،السنهوري ،الوسيط يف رشح القانون املد،ي ،ج ،2مصادر االلتزام ،منشأة
املعارف ،اإلسكندرية ،1007 ،رقم ،377ص .739
-385هشام املراتيش ،الغري يف القانون املغريب ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1029 ،ص .291
- -386يعرف الخلف الخاص بأنه من ينقل له سلفه حقا من مال معني بذاته سواء تان منقوالً ،أو عقارا ً أو حقا ً شخصياً.
ملزيد من اإليضاح ا ُنظر عبد الحق الصايف ،القانون املد،ي ،الجزء األول ،العقد ،الكتاب الثا،ي ،آثار العقد (إ .م .غ .م) الطبعة األوىل،
،1001ص .19
-387نور الدين الناصريي ،املوجز يف املسطرة املدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1025ص .171
-388قرار عدد 1109صادر بتاريخ ،1009-2-20يف امللف رقم ،05/527أورده محمد بفقري ،م .س ،ص .311ا ُنظر تذلك قرار عدد 2252
صادر بتاريخ 09-1-15يف امللف رقم ،55/3355منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،72ص 10وما يليها.
049
0202 40
-389احمد السيد صاوي ،أثر األحكام بالنسبة للغري ،دار النهضة العربية ،القاهرة (ع .ط .غ .م) ،ص 232وما يليها.
-390يحدد نوع النيابة بحسب املص در الذي يحدد نطاقها ،فتكون قانونية إذا تان القانون هو الذي يحدد هذا النطا ،وتكون إتفاقية إذا
تان نطاقها محددا ً من قبل إرادة األطراف.
-391والتي جاء فيها ما ييل "ميكن لكل شخص أن يتعرض تعرض الغري الخارج عن الخصومة عىل حكم أو قرار أو أمر ميس بحقوقه إذا
مل يكن طرفا أو ممثال يف الدعوى".
J. Vincent et S. Guinchard, op. cit. P. 139. -392
-393عمر الشيكر ،م .س ،ص .22
-394عبد العزيز حرضي ،م .س ،الجزء األول ،ص .315
051
0202 40
غير أنه يستلزم في هذه املصلحة أن تكون محققة ومباشرة وشخصية ،وتكون املصلحة محققة إذا كان
ً ً
الضرر الذي أصاب الطاعن نتيجة الحكم املطعون فيه حاال ،أي وقع فعال ،أو لم يقع لكنه محتم
الوقوع في املستقبل .وإن كان األستاذ عمر الشيكر قد أخذ حتى بالضرر املحتمل أو املتوقع لتقرير
ً
مصلحة الطاعن في تعرضه ،مؤكدا أن األخذ بالضرر املحتمل هو الذي يميز املصلحة في هذا النوع من
طرق الطعن.395
بينما تكون املصلحة مباشرة إذا ما حصل ضرر مباشر للطاعن ،أي أن الضرر هو النتيجة الحتمية أو
الطبيعية ملنطوق الحكم املطعون فيه ،وفي هذا الصدد قضت املحكمة التجارية بالدار البيضاء في
أحد أحكامها بأنه "لم يتم اإلدالء بما يفيد تنفيذ الحكم املتعرض عليه ضد عقار املتعرض ،أو أنه
تضرر منه بشكل مباشر 396"...في حين فإن هذه املصلحة تكون شخصية إذا تبت حصول ضرر
شخص ي للطاعن نتيجة مساس الحكم املطعون فيه بحق خاص به ،غير أن هذا ال يعني ضرورة كون
ً
املصلحة فردية أو ذاتية ،بل يمكن أن تكون أيضا مصلحة جماعية كما هو الحال بالنسبة للنقابات
التي أناط بها املشرع بمقتض ى املادة 397121من مدونة الشغل 398مهمة الدفاع عن املصالح
االقتصادية واالجتماعية ...الفردية منها والجماعية"....
وتقدير وجود مصلحة الطاعن في تعرضه هي مسألة واقع تدخل في صميم السلطة التقديرية ملحكمة
املوضوع ،وال رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ،399غير أن ما يخرج عن رقابة هذه األخيرة هو
تقدير وجود هذه املصلحة فحسب أي تقدير مدى تحقق الضرر أم ال ،أما إخضاع هذا الضرر لحكم
القانون فإنه يدخل تحت رقابتها – محكمة النقض.-
050
0202 40
ووقت تقدير تحقق شرط املصلحة هو تاريخ صدور املقرر القضائي املتعرض عليه ،ومعنى هذا أن
املتعرض يوم عرض النزاع األصلي على
ِ تقدير هذه املصلحة يجري في ضوء الظروف التي كان عليها الغير
املحكمة ،وخاصة بتاريخ الحكم ،وال يعتد بزوالها بعد ذلك.400
-400عبد العزيز توفيق ،موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ ،الجزء الثا،ي ،م .س ،ص .17
Art 587 du N.C.P.C.F « la tierce opposition formée à titre principal est portée devant la juridiction dont émane -401
» le jugement attaqué.
-402حليمة بن حفو ،دراسة يف قانون املسطرة املدنية ،املطبعة والوراقة الوطنية ،مراتش ،الطبعة األوىل ،ماي ،10025ص .225
-محمد السامحي ،م .س ،ص .211
-عبد العزيز توفيق ،موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ ،الجزء الثا،ي ،م .س ،ص .71
-403قرار عدد 3575الصادر بتاريخ 9نونرب 2997ملف رقم 55/2159منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،71ص ،73ا ُنظر القرار عدد
752الصادر بتاريخ 07/7/12يف امللف عدد ،07/322منشور بالتقرير السنوي للمجلس األعىل لسنة ،1007ص .90
052
0202 40
وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض تكون هي املحكمة املختصة بنظر الطعن املقدم من طرف الغير
َّ
عن الخصومة ضد قراراتها القاضية بالتصدي ،إال أن املشرع املغربي تدارك هذا النقض في م.م.ق.م.م
حيث نص في املادة 114منه على أن تعرض الغير الخارج عن الخصومة يجب أن يقدم أمام املحكمة
ً
املصدرة للحكم املطعون فيه .404كما أنه وضع حدا للنقاش الذي ثار بخصوص مدى إمكانية بت
القضاة الذين أصدروا املقر القضائي املطعون فيه ،في الطعن بتعرض الغير الخارج عنه الخصومة
املقدم ضد مقررهم عندما أجاز لهم هذه اإلمكانية وذلك بمقتض ى الفقرة األخيرة من املادة 114من
م.ق.م.م.م والتي جاء فيها أنه "يجوز أن يبت في هذا التعرض نفس القضاة الذين أصدروا الحكم أو
القرار أو األمر".
-2اإلجراءات املسطرية ملمارسة تعرض الغير
للحديث عن اإلجراءات املسطرية ملمارسة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة ،فإننا سنتطرق
ً
أوال لشكليات ممارسة هذا الطعن (أ) قبل التعرض ألجله (ب).
أ -شكليات ممارسة الطعن بتعرض الغير
جاء في الفقرة األولى من الفصل 114من ق.م.م.م.ح أنه "يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة،
ً
وفقا للقواعد املقررة للمقاالت االفتتاحية للدعوى" ،وبذلك فإن تعرض الغير يقدم وفق شكليات
تقييد الدعوى املنصوص عليها في الفصلين 10و 19من ق.م.م.م.ح ،والتي ال تختلف عن مقتضيات
َّ
الفصلين 184و 188من نفس القانون الخاصة بشكليات تقديم املقاالت أمام محكمة النقض إال في
النقط التالية:
-فالفصل 10من ق.م.م.م.ح خول للمتقاضين الخيار في تقديم طلباتهم إما في شكل مقال مكتوب أو
ً ً
بتصريح يدلي به املتقاض ي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط املحلفين محضرا يوقع من
طرف املدعي أو يشار في املحضر إلى أنه ال يمكن له التوقيع ،بخالف الفصل 184من نفس القانون
الذي إستلزم ضرورة تقديم هذه الطلبات في شكل مقال مكتوب فقط .وبذلك فإنه الطعن بتعرض
َّ
الغير الخارج عن الخصومة ضد قرارات محكمة النقض القاضية بالتصدي ال يمكن أن يقدم إال في
شكل مقال مكتوب.
-إذا كان املشرع املغربي قد استلزم بمقتض ى الفصل 10من ق.م.م أن يتم توقيع املقال إما من طرف
املتقاض ي أو من طرف وكيله ،فإنه – أي املشرع املغربي – اشترط توقيع املقال املقدم أمام محكمة
-404لقد جاء يف هذه املادة ما ييل" :يقدم التعرض املشار إليه يف املادة السابقة أمام املحكمة املصدرة للحكم وفقا للقواعد املقررة للمقاالت
االفتتاحية للدعوى".
053
0202 40
النقض من طرف محام مقبول للترافع لدى محكمة النقض 405وحده دون موكله .مما يستفاد منه أن
مقال الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة املقدم ضد قرار تصدي محكمة النقض يجب أن ال
َّ
يتم توقيعه إال من طرف محام مستجمع لشروط الترافع أمام هذه املحكمة تحت طائلة التشطيب على
ً
القضية تلقائيا كما ينص على ذلك الفصل 184من ق.م.م.م.ح.
كما فرض املشرع املغربي على الطاعن أداء مبلغ مالي محدد بصندوق املحكمة عند تقديم تعرضه
تحت طائلة عدم القبول ،406حيث تم تحديد هذا املبلغ بالنسبة للتعرض املقدم أمام محكمة النقض
في مبلغ خمسمائة درهم.407
-405تنص املادة 33من القانون رقم 15لسنة 1005املنظم ملهنة املحاماة عىل ما ييل " :ال يقبل ملؤازرة األطراف أو متثيلهم أمام محكمة
النقض ،مع مراعاة الحقو ،املكتسبة ،إال:
-املحامون املسجلون يف الجدول منذ خمس عرشة سنة تاملة عىل األقل؛
-املحامون اللذين تانوا مستشارين أو محامني عامني ،بصفة نظامية ،يف محكمة النقض؛
-قدماء القضاة ،وقدماء أستاذة التعليم العايل ،املعفيون من شهادة األهلية ،ومن التمرين ،بعد خمس سنوات من تاريخ
تسجيلهم بالجدول".
-406ا ُنظر الفصل 307من .،م.م.م.ح.
-407ا ُنظر الفصل 305من .،م.م.م.ح ،ولقد رفع م.،.م.م.م هذا املبلغ إىل خمسة آالف درهم مبقتىض املادة 305منه ،غري أن هذا
املقتىض تعرض النتقادات شديدة ألنه يؤرش عىل تعامل غري منصف بني املتقاضني ،ذلك أن أطراف الدعوى ملزمون بأداء الرسوم
القضائية ،ما مل يكونوا مستفيدين من املساعدة القضائية ،يف حني أن الغري املتعرض تفرض عليه الرسوم القضائية إىل جانب هذا املبلغ.
ا ُنظر عمر الشيكر ،م .س ،ص .231
-408الطيب بن ملقدم ،آجال الطعون املدنية وآثارها يف الترشيع املغريب ،مقال منشور مبجلة البحوث ،العدد الثا،ي ،السنة الثانية ،يونيو
،1003ص .22
-409والذي جاء فيه ما ييل "تحرتم جميع اآلجال املحددة مبقتىض هذا القانون ملامرسة أحد الحقو ،وإال سقط الحق".
Art 568 du N.C.P.C.F « la tierre opposition est ouverte à titre principale pendant trente ans à compter du -410
» jugement à moins que la loi n’en dispose autrement.
054
0202 40
وأمام غياب أي تحديد تشريعي ألجل الطعن بتعرض الغير ،فقد انقسمت اآلراء الفقهية بخصوص
تحديده – األجل ،-فهناك فريق 411دعا إلى إعمال قواعد تقادم االلتزام ما دام حق تعرض الغير ال
ً ً
يعدو أن يكون سوى حقا في دعوى يسقط بما تسقط به الحقوق .فهو ليس طريقا من طرق الطعن
ً
التي يحرص املشرع على تحديد آجالها ،ولذلك فإن الباب يبقى مفتوحا للغير ذي املصلحة للتعرض
ً
على كل حكم قضائي مس بحقوقه ،خالل مدة أقصاها خمس عشر سنة عمال بمقتضيات الفصل
152من ق.ا.ع.412
فيما نادى الفريق اآلخر 413بضرورة األخذ بأجل تنفيذ األحكام ،ألن الغير – حسب هذا الرأي – ال يعلم
َّ ً
بصدور أي مقرر قضائي ليس طرفا فيه إال بعد مباشرة املستفيد منه إلجراءات التنفيذ ،وما دام أن
ً
هذا األخير قد منحه املشرع أجل ثالثين سنة للمبادرة إلى التنفيذ عمال بمقتضيات الفصل 495من
ق.م.م.م.ح ،414يحتسب من تاريخ صدور الحكم ،فإن املنطق القانوني السليم ،وقواعد اإلنصاف
واملساواة بين املتقاضين تفرض كذلك منح الغير نفس األجل ملمارسة تعرض الغير الخارج عن
الخصومة.
وتجدر اإلشارة إلى أنه سواء تم األخذ بمدة تقادم االلتزام أو بمدة تنفيذ األحكام ،فإن كليهما يبتدئ من
تاريخ صدور الحكم ،ولكن باعتبار املدة األولى مدة تقادم ،فإنه ال يحسب اليوم األول منها ولكن
يحسب اليوم األخير ألنها مدة غير كاملة ،415بخالف أجل تنفيذ األحكام فهو أجل سقوط كامل ال
يحتسب أوله وال آخره.416
055
0202 40
-417ميمون خراط ،الطعن باالستئناف يف األحكام اإلدارية ،مطبعة املعارف الجديدة ،الرباط ،الطبعة األوىل ،1021 ،ص .205
-418الطيب بن ملقدم ،الطعون ال متارس إال مرة واحدة أمام القضاء ،مقال منشور مبجلة املعيار ،العدد ،35ص .232
-419قرار عدد 2105بتاريخ 10003.20.19منشور باملجلة املغربية لقانون األعامل واملقاوالت ،عدد ،5ص .205
056
0202 40
ً ً
يقصد باألثر الناشر إعادة النزاع أمام املحكمة املختصة ونشر واليتها عليه واقعا وقانونا ،420ولقد أشار
املشرع املغربي لهذا األثر في مقتضيات املادة 0-114من م.م.ق.م.م والتي جاء في فقرتها األولى "يترتب
على تعرض الغير الخارج عن الخصومة نشر 421النزاع على املحكمة بالنسبة ملا يتناوله مقال التعرض
فقط".
وبذلك فإذا ما قدم طعن بتعرض الغير ضد قرار محكمة النقض القاض ي بالنقض والتصدي ،فإن هذا
الطعن يعيد نشر النزاع أمامها ،لتبت فيه من جديد في جانبه القانوني والواقعي ،مع إحاطة هذه
الصالحية بضابط أساس ي هي حصر نظرها في إطار األسباب التي أسس عليها الطعن والتي تناولها مقال
التعرض فقط ،دون غيرها مما لم يؤسس عليه الطعن.
ً
والتزام املحكمة بالبت في حدود ما تناوله مقال التعرض فقط يجد سنده أيضا في الفصل الثالث من
ق.م.م.م.ح 422الذي قيد سلطة بت املحكمة في حدود طلبات األطراف ،فسلطتها محددة إذن بما أثاره
الطاعن في مقال طعنه ،ولذلك ال سلطات لها على أجزاء القرار التي لم تكن محل تعرض من قبل الغير
الخارج عن الخصومة.
وإذا كان األثر الناشر لتعرض الغير الخارج عن الخصومة ال يهم سوى أطراف هذا الطعن ،دون باقي
ً
أطراف القرار املتعرض عيله ،والذين يبقى هذا القرار منتجا لجميع آثاره في مواجهتهم ،ويحوز حجية
الش يء املقض ي به بالنسبة لهم ،بحيث ال يضارون باألسباب القائم عليها الطعن بتعرض الغير ،فإن
هناك حاالت يكون موضوع القرار املتعرض عليه غير قابل لالنقسام ،تتحقق معه االستحالة املادية
والقانونية في تقسيم أجزائه .وبالتالي فإن نظر األسباب القائم عليها التعرض سيمس ال محالة بباقي
ً
أركان املوضوع التي تهم أطراف آخرين فضال عن املطعون ضده .ولذلك يتعين على املتعرض إدخال كل
أطراف الدعوى ،ألن نظر املحكمة في النزاع على ضوء األسباب التي إستند عليها في تعرضه ستمس
ً ً
بمصالح هؤالء األطراف إما إيجابا أو سلبا ،423وفي هذه الحالة يكون القرار الصادر بشأن تعرض الغير
ً
حجة عليهم جميعا.
057
0202 40
ولقد نص املشرع املغربي على هذه الحالة بمقتض ى الفقرة األخيرة من املادة 0-114من م.م.ق.م.م،424
ً
سيرا على نهج نظيره الفرنس ي.425
-2األثر غير املوقف لتعرض الغير
ً
تتميز طرق الطعن العادية بكونها طرقا موقفة للتنفيذ سواء أثناء سريان أجل الطعن أو بمجرد
ممارسته من قبل املحكوم عليه ،426بخالف طرق الطعن غير العادية التي ال يترتب عنها أي إيقاف
للتنفيذ 427كما هو الشأن بالنسبة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة ،حيث نص املشرع املغربي
بمقتض ى الفقرة األولى من املادة 9-114على أنه "ال يوقف تعرض الغير الخارج عن الخصومة
ً
التنفيذ "...وهو نفس التوجه الذي أقره املشرع الفرنس ي وإن كان هذا األخير قد وضع نصا يشمل جميع
طرق الطعن غير املادية.428
َّ
إال أن السؤال املطروح هو هل يمكن اعتبار تعرض الغير الخارج عن الخصومة املقدم أمام محكمة
النقض موقف للتنفيذ ،ألن املشرع املغربي نص في الفصل 110من ق.م.م.م.ح على أن الطعن أمام
َّ
املجلس األعلى ال يوقف التنفيذ إال في ثالث حاالت وهي :األحوال الشخصية ،الزور الفرعي والتحفيظ
العقاري ،فكلمة الطعن املذكورة في هذه املادة جاءت عامة تشمل كل طرق الطعن املتاحة أمام
محكمة النقض بها فيها تعرض الغير؟
-424والتي جاء فيها أنه " إذا تان الحكم أو القرار أو األمر املتعرض عليه صادرا يف موضوع غري قابل لالنقسام ،فال يقبل التعرض إال إذا
أدخل تل األطراف يف الدعوى ،ويكون الحكم أو القرار أواالمر الصادر فيها حجة عليهم جميعا".
Art 591 du N.C.P.C « la décision qui fait droit à la tierce opposition un rétracte ou ne réforme le jugement -425
attaqué que sur les chefs préjudiciables au tiers opposant. Le jugement primitif conserve ses effets entre les parties,
même sur les chefs annulés.
Toutefois la chose jugée sur tierce opposition l’est à l’égard de toutes les parties appelées à l’instance en application
» de l’article 584.
-وتهم املادة 557من .،م.م.ف.ج املحال عليها مبقتىض املادة 592املشار إليها أعاله حالة عدم القابلية للنزاع ،حي استلزمت هذه
املادة – – 557رضورة استدعاء املتعرض لجميع أطراف ا لخصومة تحت طائلة عدم القبول ،واملادة تنص بلغتها األصلية عىل ما ييل"
=« En cas d’indivisibilité à l’égard de plusieurs parties au jugement attaqué, la tierce opposition n’est recevable que
» si toutes ces parties sont appelées à l’instance.
-426تشمل طر ،الطعن العادية التعرض واالستئناف ،ولقد نص املرشع املغريب يف الفصل 231من .،م.م.م عىل أنه "يوقف التعرض
التنفيذ ما مل يؤمر بغري ذلك يف الحكم الغيايب" تام نص أيضا ً يف الفقرة األخرية يف الفصل 237من نفس القانون عىل أنه "يوقف أجل
االستئناف ،واالستئناف نفسه داخل األجل القانو،ي التنفيذ عدا إذا أمر بالتنفيذ املعجل ضمن الرشوط املنصوص عليها يف الفصل ".271
-427أحمد نهيد ،أثر طر ،الطعن عىل التنفيذ يف املادة املدنية ،مقال منشور مبجلة القضاء والقانون ،عدد ،253ص .77
Art 579 du N.C.P.C « Le recours par une voie extraordinaire et le délai ouvert pour l’exercer ne sont pas - 428
» suspensifs d’exécution si la loi n’en dispose d’autrement.
058
0202 40
إن الجواب عن هذا التساؤل يستلزم استحضار مقتضيات الفصل 122من ق.م.م وبالضبط الفقرة
َّ
األخيرة منه والتي ال تسمح بالطعن بتعرض الغير في قرارات محكمة النقض إال ضد القرارات الصادرة
في طعون إلغاء مقررات السلطات اإلدارية ،وبما أن هذه األخيرة ال تدخل ضمن الحاالت الثالث املشار
إليهم في الفصل 110من ق.م.م.م ،والتي يوقف الطعن بالنقض املقدم بشأنها التنفيذ ،فإن الطعن
بتعرض الغير ضد قرارات محكمة النقض في طعون إلغاء قرارات السلطة اإلدارية ال يوقف التنفيذ
كأصل عام.
غير أن املشرع قد حاد عن هذا األصل عندما أجاز ملحكمة النقض املطعون أمامها بتعرض الغير الخارج
بناء على طلب املعني الذي يجب أن يتخذ عن الخصومة إمكانية إيقاف تنفيذ القرار املطعون عليه ً
شكل مقال مستقل .حيث جاء في الفقرة األخيرة من الفصل 110من ق.م.م.م أنه يمكن للمجلس
األعلى بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن يأمر بإيقاف تنفيذ القرارات الصادرة في
القضايا اإلدارية ومقررات السلطة اإلدارية التي وقع ضدها طلب اإللغاء ،والتي أجاز املشرع املغربي
التعرض عليها تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام محكمة النقض.
لكن املشرع املغربي لن يقف عند هذا الحد ،بل سيعمم مسألة طلب إيقاف التنفيذ لتشمل كل حاالت
الطعن بتعرض الغير ولن تبقى قاصرة فقط على حالة الطعن املقدم ضد قرارات محكمة النقض
الصادرة في قضايا إلغاء مقررات السلطة اإلدارية ،حيث تنص الفقرة األولى من املادة 9-114من
َّ
م.م.ق.م.م على أنه "ال يوقف تعرض الغير الخارج عن الخصومة التنفيذ إال إذا رأت املحكمة التي تنظر
في التعرض وقف التنفيذ ألسباب جدية بناء على مقال مستقل".
وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض عندما يتعرض أمامها تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد
قراراتها القاضية بالنقض والتصدي ،سيكون لها األمر بإيقاف تنفيذ هذا القرار ،غير أن هذا اإليقاف
مقيد مع ذلك بشروط أساسية وهي:
-رفع طلب من املعني باألمر يجب أن يتخذ شكل مقال مستقل.
-وجود أسباب جدية تبرر هذا اإليقاف.
-البت في هذا الطلب كطلب استثنائي ال يتوسع فيه.
لكن تجدر اإلشارة إل ى أن تقديم هذا الطلب ال يوقف التنفيذ ،بل البد من استجابة املحكمة له حتى
يتم هذا اإليقاف ،وهو األمر الذي يحتمل معه أن تتم عملية التنفيذ خالل املدة الفاصلة بين تقديم
طلب اإليقاف وصدور القرار بشأنه.
فإذا صدر قرار برفض هذا الطلب فال إشكال ،أما في حالة االستجابة له ،فإن هذه االستجابة تضع
ً
حدا لكل األمور املتخذة بصدد التنفيذ ،والكف عن متابعة ما بقي منها ،مع إرجاع الحالة إلى ما كانت
عليه وقت صدور القرار املتعرض عليه ،أي قبل تنفيذه ،حيث قض ى املجلس األعلى في هذا الصدد
059
0202 40
بأنه "وحيث إن الحكم الصادر عن املجلس األعلى بإيقاف التنفيذ في إطار الفصل 110من ق.م.م
معناه وجوب االمتناع عن القيام بأي إجراء من إجراءات التنفيذ في الحالة التي لم يلجأ فيها بعد إلى
تنفيذ الحكم املطلوب إيقاف تنفيذه .بينما يعني في حالة ما إذا شرع في تنفيذه أو تم تنفيذه كال أو
جزءا وجوب إرجاع األمور إلى الحالة التي كانت عليها قبل التنفيذ أو الشروع فيه"429.
وفي ختام هذه النقطة نشير إلى أن املشرع املغربي لم يخول للمحكمة سلطة إيقاف تنفيذ القرار
املتعرض عليه تعرض الغير الخارج عن الخصومة ،بخالف نظيره الفرنس ي الذي أقر للقاض ي الذي ينظر
في تعرض الغير الخارج عن الخصومة إمكانية تنفيذ القرار مطعون فيه.430
-429قرار عدد 115صادر بتاريخ ،2911-02-02منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،19ص .5
Art 590 du N.C.P.C.F «Le juge saisi la tierce opposition à titre principal ou incident peut suspendre l’exécution -430
» du jugement attaqué.
-431ينص الفصل األول من .،م.م.م عىل ما ييل "ال يصح التقايض إالَّ ممن له الصفة ،واألهلية ،واملصلحة إلثبات حقوقه .تثري
املحكمة تلقائيا انعدام الصفة أو األهلية أو املصلحة أو اإلذن بالتقايض إن تان رضوريا وتنذر الطرف بتصحيح املسطرة داخل أجل
تحدده.
إذا تم تصحيح املسطرة اعتربت الدعوى تأنها أقيمت بصفة صحيحة ،وإال رصحت املحكمة بعدم القبول".
-432جاء يف الفصل 307من .،م.م.م أنه "ال يقبل أي تعرض للخارج عن الخصومة إذا مل يرفق بوصل يثبت إيداعه بكتابة ضبط
املحكمة مبلغا مساويا للغرامة يف حدها األقىص والتي ميكن الحكم بها تطبيقا للفصل اآليت".
ولقد انتقد األستاذ عمر الشيكر هذا األداء املسبق لهذه املبالغ املالية ،والتي تتحول إىل غرامة يف حالة خسارة الطاعن لتعرضه ،عىل
اعتبار أن عدم أدائها يؤدي إىل عدم قبول الطعن وبالتايل ضياع حق الغري ،الذي ال يجوز له الطعن مرة أخرى يف حالة تصحيحه
للمسطرة وأدائه هذا املبلغ ،احرتاماً ملبدأ منع تقديم طعن عىل طعن – الذي سبقت اإلشارة إليه يف الصفحة 225من هذا البح .فبمجرد
إغفال أداء مبلغ 500درهم مثالً أمام محكمة النقض ،سيعصف بحقو ،الغري التي ميكن أن تقدر قيمتها مببالغ تبرية خاصة يف القضايا
التجارية.
-ا ُنظر تعرض الغري الخارج عن الخصومة ،م .س ،ص .293
061
0202 40
ً
لكن توفر هذه الشروط ال يعني بالضرورة القضاء وفقا لطلبات الطاعن ،إذ للمحكمة أن تقض ي أوال
بقبول تعرض الغير من حيث الشكل ثم ترفض الطلب في املوضوع .وسواء تم الحكم بعدم القبول أو
برفض الطلب ،فإن النتيجة تكون واحدة وهي اكتساب القرار املطعون فيه حجية الش يء املقض ي به
ً ً
في مواجهة الطاعن ،إذ يصبح نافذا في مواجهته ،فضال عن تحمله مصاريف الدعوى (أ) وغرامة ال
تتجاوز املبلغ املودع بصندوق املحكمة (ب) ثم تعويضه الطرف اآلخر عند االقتضاء (ج).
أ -تحمل الطاعن للمصاريف
تنص الفقرة األولى من الفصل 094من ق.م.م.م على أنه "يحكم باملصاريف على كل طرف خسر
الدعوى سواء كان من الخواص أو إدارة عمومية ".وبذلك فإذا ما قضت محكمة النقض بعدم قبول
ً
أو رفض تعرض الغير املقدم ضد قرارها القاض ي بالنقض والتصدي فإن لها أن تحمل الطاعن كال أو
ً
بعضا من مصاريف الدعوى.
ً
وغالبا ما تستعمل املحكمة في منطوق قضائها القاض ي بتحميل مصاريف الدعوى عبارات من قبيل
"مع تحميل املتعرض الصائر" أو "مع إبقاء الصائر على املتعرض" .والعبارة األولى تعني بأن مصاريف
ً
الدعوى تؤدى مسبقا قبل الشروع في اإلجراءات التي تهمها – الدعوى – في حين تفيد العبارة الثانية
َّ ً
أن هذه املصاريف وإن كانت تؤدى مسبقا من قبل طالب اإلجراء إال أن الذي يتحملها في األخير هو
خاسر الدعوى.433
ولقد عرف املجلس األعلى في أحد قراراته املقصود بمصاريف الدعوى حيث جاء في هذا القرار بأنه
"يقصد بمصاريف الدعوى التي يتحملها من خسرها مبالغ الرسوم القضائية وأتعاب الخبير
والترجمان ...غير أن أنها ال تشمل مصاريف التنقل وكتابة املذكرات وغيرها ،ويتعرض للنقض الحكم
ولعل مثل هذه النتائج هي التي دفعت باملرشع الفرنيس إىل التخيل عن األداء السابق ،وعن جزاء عدم القبول يف حالة عدم األداء ،مكتفيا
بتخويل املحكمة صالحية تغريم الطاعن الخارس لطعنه غرامة مالية ال تتجاوز عرشة آالف أورو ،بحسب ما إذا تان الطاعن متعسفاً يف
طعنه أو تان هدفه منه التسويف واملامطلة ال غري ،وترك تقدير تل ذلك للمحكمة ،فهذا منطق يقوم إذن عىل الردع الالحق للدعاوى
والطعون الكيدية ،وليس ردعا ً قبليا ً ،فقد جاء يف املادة 552من .،م.م.ف.ج ما ييل:
« En cas de recours dilatoire ou abusif, son auteur peut être condamné à une amends civile d’un maximum de
»10.000, euros sans préjudice des dommages – intérêt qui seraient réclamés à la juridiction saisie du recours.
ال أن رغبة املرشع تسري عكس رغباتنا حي أعاد
ولقد تنا نأمل أن ينهج املرشع املغريب نفس نهج نظريه الفرنيس ويلغي األداء املسبق ،إ َّ
املرشوع تنظيم هذا األداء يف م.م.،.م.م بل األترث من ذلك قد رفع من هذه املبالغ مبقتىض املادة 305من م.م.،.م.م.
-433عمر الشيكر ،م .س ،ص .292
060
0202 40
الذي استجاب لطلب املدعي الرامي إلى استرداد ما أنفقه من أجل مواجهة الدعوى التي أقيمت
ضده".434
بهذا فإن مصاريف الدعوى تشمل الرسوم القضائية ،وأتعاب الخبراء ،ومصاريف التنقل إلى عين
املكان ومصاريف تنقل الشهود ،...ولقد نادى األستاذ عبد العزيز توفيق 435بضرورة جعل أتعاب
ً
املحامي تدخل ضمن عبارة مصاريف الدعوى سيرا على نهج املشرع املصري 436الذي جعل من ضمن
مصاريف الدعوى أتعاب املحامي ،حيث علل األستاذ توفيق طرحه بأن مصاريف املحامي هي مصاريف
ثابتة ينبغي تحميلها لخاسر الدعوى جز ًاء له على جر خصمه إلى القضاء وخاصة إذا كان النزاع يستلزم
املسطرة الكتابية التي توجب تعيين املحامي.
َّ
وبما أن املشرع املغربي لم يجز تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام محكمة النقض إال في القرارات
بناء على طعون باإللغاء ،فإنه في حالة خسارة الطاعن لتعرضه ،فإن مصاريف الدعوى ال الصادرة ً
ً
يمكن أن تشمل الرسوم القضائية على اعتبار أن طلبات اإللغاء معفاة أصال من أداء الرسوم
القضائية حسب ما جاء في املادة 99من القانون رقم 40لسنة 0221املحدث بموجبه محاكم
إدارية.437
ب -تغريم الطاعن
جعل املشرع املغربي من بين آثار رد الطعن تغريم الغير املتعرض الذي خسر طعنه بغرامة مالية تساوي
املبلغ الذي أثبت إيداعه بكتابة ضبط املحكمة حتى يقبل تعرضه .حيث جاء في الفصل 118من
ق.م.م.ج بأنه "يحكم على الطرف الذي ال يقبل تعرضه بغرامة ال تتجاوز مائة درهم بالنسبة للمحاكم
االبتدائية وثالثمائة درهم بالنسبة ملحاكم االستئناف وخمسمائة درهم بالنسبة للمجلس األعلى".
وتثير القراءة األولية لهذا الفصل مجموعة من املالحظات األساسية نجملها فيما يلي:
-أن املشرع قصر أثر التغريم على الحالة التي يتم فيها رد الطعن بسبب عدم القبول فقط ،دون حالة
رفض الطلب ،وهي مالحظة تجنبها املشرع املغربي في م.م.ق.م.م ،حيث استبدل عبارة "الذي ال يقبل
-434قرار عدد 225بتاريخ 17فرباير ،2951أورده عبد العزيز توفيق ،موسوعة قانون املسطرة املدنية و التنظيم القضايئ ،الجزء الثا،ي ،م .
س ،ص .152
-435عبد العزيز توفيق ،م س ،ص .157
-436تنص الفقرة األوىل من املادة 257من قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم 23لسنة 2952عىل أنه "يجب عىل املحكمة عند إصدارها
الحكم الذي تنتهي به الخصومة امامها أن تحكم من تلقاء نفسها يف مصاريف الدعوى ويحكم مبصاريف الدعوى عىل الخصم
املحكوم عليه فيها ويدخل يف حساب املصاريف مقابل أتعاب املحاماة".
-437تنص هذه املادة عىل أنه "يعفى طلب اإللغاء بسبب تجاوز السلطة من أداء الرسم القضايئ".
062
0202 40
تعرضه" بعبارة "الذي لم يستجب لتعرضه" ،وهي عبارة عامة تشمل رد الطعن بسبب عدم القبول أو
بسبب رفض الطلب.
-لم يترك املشرع املغربي للمحكمة أي مجال إلعمال سلطتها التقديرية في تحديد هذه الغرامة بحسب
ظروف كل قضية ،وبحسب سوء أو حسن نية املتعرض ،بحيث ألزمها بالحكم مباشرة بالغرامة بمجرد
رد الطعن ،فالغرامة بهذا املعنى هي جزاء يترتب بقوة القانون على رفض الطعن أو عدم قبوله.
-منح املشرع املغربي ملحكمة الطعن السلطة التقديرية في تفريد الغرامة بأن أشار إلى حدها األقص ى
ً
مستعمال عبارة "بغرامة ال تتجاوز" ،وبذلك فإن ملحكمة النقض عند ردها لتعرض الغير الخارج عن
الخصومة املقدم ضد قراراتها القاضية بالتصدي أن تقض ي بغرامة أقل من املبلغ املوجب إيداعه
واملحدد بالنسبة ملحكمة النقض في مبلغ خمسمائة درهم.438
غير أن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو ما إذا قضت املحكمة للغير املتعرض بجزء من طلباته
ً
ورفضت باقي الطلبات ،فهل في هذه الحالة يحكم أيضا على املتعرض بالغرامة أم أن املحكمة تقض ي
برد املبلغ املودع ما دام أن الهدف األساس ي من تقرير هذه الغرامة هي محاربة الطعون الكيدية،
ً ً
والطاعن بقبول جزء من طلباته ال يمكن اعتبار طعنه في هذه الحالة طعنا كيديا؟
ً
قضاء هو أن املحكمة تأمر في مثل هذه الحاالت برد املبالغ املودعة للطاعن فال تغرمه إن املستقر عليه
بش يء ،فقد جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء بأنه "وحيث يتعين تبعا
لذلك اعتبار تعرض الغير الخارج عن الخصومة جزئيا ،وذلك بتعديل القرار االستئنافي املتعرض عليه
فيما قض ى به من بيع لألصل التجاري في شقه املتعلق بعنصر حق الكراء فقط ،والحكم من جديد
برفض الطلب بشأنه ،ورد التعرض فيما عدا ذلك ( )...وحيث يناسب نازلة الحال تحميل صائر
الدعوى للطرف املتعرض عليه وإرجاع املبلغ املودع بقصد الغرامة على الطرف املتعرض439".
بقي أن نشير فقط إلى أن م.م.ق.م.م قد رفع من مبلغ هذه الغرامة ،حيث جاء في الفصل 118من هذه
املسودة أنه "يحكم على الطرف الذي لم يستجب لتعرضه بغرامة ال تتجاوز ألف ( )0111درهم
بالنسبة ملحاكم أول درجة وثالثة آالف ( )1111درهم بالنسبة ملحاكم ثاني درجة وخمسة آالف ()8111
درهم بالنسبة ملحكمة النقض".
ج -إلزام املتعرض بالتعرض
063
0202 40
بعد أن ألزم املشرع املغربي املحكمة بضرورة تغريم الغير املتعرض الخاسر لتعرضه بمقتض ى الفصل
118من ق.م.م.م.ح عاد ونص في العبارة األخيرة من هذا الفصل على أن "ذلك ال يمكن أن يمس بحق
الطرف اآلخر في التعويض عند االقتضاء.440
غير أن حق املتعرض عليه في الحصول على تعويض يستلزم إثبات هذا األخير لتعسف الطاعن في
استعمال حقه في الطعن ،أي إثبات العناصر الثالث للتعسف في استعمال الحق وهي قصد اإلضرار،
وعدم التناسب بين املصلحة والضرر ثم عدم مشروعية املصلحة من وراء استعمال الحق.441
ولقد أيد القضاء املغربي هذا التوجه حيث جاء في قرار صادر عن املحكمة االبتدائية بامنتانوت بأنه
"وحيث إن األصل أن حق الدفاع في الخصومة أمام القضاء هو من الحقوق األزلية الثابتة ،وال تثريب
على من يباشره ،وال يسوغ مسائلته عن ذلك بالتعويض ،إال إذا ثبت أن مباشرته له تنطوي على نية
مبيتة تتغيا األضرار بالخصم وإرهاقه بالتقاض ي".
وحيث ملا كان الثابت تشريعا وفقها أن التعسف في استعمال الحق يقوم على ثالثة عناصر أساسية
يلقى عبء إثباتها على مدعي التعسف ،وهي قصد اإلضرار وعدم التناسب بين املصلحة والضرر ،وعدم
مشروعية املصلحة املنشودة من مستعمل الحق املذكور442"...
َّ
وبذلك فإن املبدأ إذن هو عدم أحقية املتعرض عليه في التعويض إال إذا ثبت وجود تعسف من قبل
الطاعن في استعمال حق التعرض.
لكن املحكمة ال تحكم بهذا التعويض من تلقاء نفسها بل البد أن يتقدم صاحب املصلحة بطلب
بذلك ،مما يطرح معه التساؤل حول شكل تقديم هذا الطلب؟ ووقت رفعه؟
أجابنا األستاذ عمر الشيكر عن هذا التساؤل بالقول أن تقديم طلب بالتعويض بعد خسارة املتعرض
لتعرضه يجب أن يتم بعد صدور قرار املحكمة بخصوص هذا الطعن ،إذ ليس من املنطقي تقديم هذا
الطلب أثناء سير إجراءات الدعوى ،وقبل أن تقرر املحكمة في مصير التعرض أتقبله أم ترفضه ،أما
بالنسبة لشكل تقديم طلبات التعويض فإن األستاذ استلزم تقديمها في شكل مقال مكتوب.443
وبناء على ما سبق فإن محكمة النقض إذا ما قضت برد تعرض الغير الخارج عن الخصومة بسبب ً
عدم قبول طعنه أو برفضه واملقدم ضد قرارها القاض ي بالنقض والتصدي فإنها تكون ملزمة بتحميل
-440لقد نص املرشع املغريب يف هذا الفصل عىل أنه " ...دون مساس بتعويض الطرف اآلخر عند االقتضاء" وهي نفس الصيغة التي جاء
بها الفصل 305من م.م.،.م.م.
-441محمد رياض ،التعسف يف استعامل الحق عىل ضوء املذهب املاليك والقانون املغريب ،املطبعة والوراقة الوطنية ،مراتش ،الطبعة
األوىل ،2991 ،ص .122
-442حكم عدد 11/03صادر بتاريخ 1003/07/05ملف مد،ي عدد ،01/211غري منشور أورده عمر الشيكر ،م .س ،ص .102
-443عمر الشيكر ،م .س ،ص .103
064
0202 40
الطاعن مصاريف الدعوى وبتغريمه ،فضال عن إمكانية قضائها للمتعرض عليه بالتعويض إذا ما طلب
هذا األخير ذلك وأثبت وجود تعسف من قبل املتعرض في ممارسة حقه في الطعن.
-2آثار القرار وفق الطلب
إذا ما تبين ملحكمة النقض بعد دراسة القضية أن املتعرض محق في تعرضه ضد قرارها القاض ي
بالنقض والتصدي ،فإنها تعدل عنه – قرارها – في حدود ما يمس بحقوق الغير فقط دون أن يؤثر
ً
ذلك على أطراف النزاع األصليين الذين يبقى قرارها املعدل نافذا بحقهم ،ويتمتع من حيث املبدأ بقوة
الش يء املقض ي به ،444وذلك حتى في النقط التي عدلها قرارها الصادر وفق طلبات الغير املتعرض والتي
أصبحت غير نافذة في مواجهة هذا األخير.
غير أنه في النزاعات غير القابلة للتجزئة ،فإن القضاء وفق طلب املتعرض سيؤثر بدون شك على حقوق
باقي األطراق ،لذلك فإن التشريعات أوجبت على الغير املتعرض إدخال جميع أطراف القرار املتعرض
ً
عليه وذلك تحت طائلة عدم القبول وهو ما استلزمه أيضا املشرع املغربي في م.م.ق.م.م حيث جاء ف
الفقرة األخيرة من املادة 0-114من هذه املسودة بأنه "إذا كان الحكم أو القرار أو األمر املتعرض عليه
صادرا في موضوع غير قابل لالنقسام ،فال يقبل التعرض إال إذا أدخل كل األطراف في الدعوى ويكون
الحكم أو القرار أو األمر الصادر فيها حجة عليهم جميعا.
وعلى هذا األساس فإنه إذا كان األصل هو سريان القرار الصادر عن محكمة النقض بشأن تعرض الغير
على هذا األخير فقط ،فإن آثار القرار يمكن أن تسري استثناء على كافة أطراف الخصومة إذا كان
موضوع النزاع غير قابل لالنقسام ،بحيث يكون قرار محكمة النقض في هذه الحالة حجة على املتعرض
وعليهم أيضا.
ً
وتبقى اإلشارة فقط إلى أن القرار الصادر في دعوى تعرض الغير يكون قابال للطعن بطرق الطعن املمكن
ممارستها أمام املحكمة املصدرة له – القرار – وهو ما يستفاد من مقتضيات املادة 829من
ق.م.م.ف.ج 445التي وضعت قاعدة عامة مفادها أن الحكم الصادر في التعرض تسري عليه بخصوص
طرق الطعن القواعد الجارية على أحكام املحكمة التي أصدرته.
ولذلك فإن القرار الصادر عن محكمة النقض في دعوى تعرض الغير يمكن أن يكون محل طعن إما
بإعادة النظر أو بتعرض الغير الخارج عن الخصومة ،مع اإلشارة إلى أن ممارسة هذا الطعن األخير ضد
-444عبد الكريم الطالب ،الرشح العميل لقانون املسطرة املدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة التاسعة ،1029 ،ص .112
Qui dispose que « le jugement rendu sur tierce opposition est susceptible des mêmes recours que les -445
» décisions de la juridiction dont il émane.
065
0202 40
ً
قرار محكمة النقض يكون متاحا للغير فقط 446وليس للمتعرض نفسه الذي ال يحق له التعرض مرة
ثانية على القرار الصادر في تعرضه األول.447
-446ا ُنظر قرار املجلس األعىل عدد 2295بتاريخ 15يوليوز 2990يف امللف املد،ي رقم ،55/3355منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل عدد
،72ص 10وما بعدها.
-447قرار عدد 2105بتاريخ ،1003-20-19سبق اإلشارة إليه.
-448املالحظ أن املرشع اشرتط أن تتم اإلحالة إىل محكمة أخرى من نفس درجة املحكمة املنقوض قرارها ،دون التنصيص عىل أن
تكون من نفس نوعها وطبيعتها ،غري أن مرد ذلك هو تون املغرب مل يكن يعرف تنوع اختصاص املحاتم حني وضع .،م.م.م.ح .ولقد
نادى األستاذ عبد العتا ،فكري إىل رضورة تغيري هذا املقتىض القانو،ي ليتالءم مع التنظيم القضايئ املغريب الحايل.
-ملزيد من اإليضاح ا ُنظر :عبد العتا ،فكري ،محكمة اإلحالة من خالل عمل الغرفة اإلدارية ،مقال منشور مبوقع العلوم القانونية ،أُطلع
عليه يوم 2ماي 1029عىل الساعة الثالثة والنصف زواالً.
-449لقد الحظ األستاذ مصطفى سعيد أنه عىل الرغم من تون األصل أن اإلحالة يجب أن تتم عىل محكمة أخرى ،واالستثناء هو اإلحالة
عىل نفس املحكمة املصدرة للقرار املنقوض ،فإن الواقع العميل ملحكمة النقض أثبت أن هذه األخرية تطبق االستثناء قبل األصل،
وتحيل امللف عىل نفس املحكمة بدون تعليل ،علامً أن تطبيق االستثناء مع وجود األصل يستلزم تربيره.
-للتوسع ا ُنظر :مصطفى سعيد ،إشكالية اإلحالة بعد النقض ،مقال منشور بجريدة الصباح ،بتاريخ .1021-01-02
غري أن محكمة النقض أصبحت مؤخرا ً تعلل قراراتها القاضية بالنقض مع اإلحالة عىل نفس املحكمة بتعليل عام وموحد هو "ضامن
حسن سري العدالة ومصلحة املتقاضني".
-450لقد استلزم املرشع املغريب يف حالة إحالة امللف عىل نفس املحكمة املصدرة للقرار املنقوض ،أن تشكل الهيئة القضائية التي ستنظر
يف القضية املحالة من قضاة مل يشارتوا بأي وجه من الوجوه أو بحكم وظيف ما يف الحكم أو القرار الذي هو موضوع النقض ،مام أثري
معه تساؤل حول مدى إمكانية تطبيق هذا املنع حتى عىل املفوض املليك للدفاع عن الحق والقانون؟ أجابتنا محكمة النقض عن هذا
التساؤل يف قرارها عدد 231الصادر بتاريخ 1021-03-05يف امللف اإلداري رقم 2012-7-2-1020والذي جاء فيه أن مشارتة املفوض املليك
ضمن تشكيلة هيئة محكمة اإلحالة ال يعد خرقا ً ملقتضيات الفصل 329من .،م.م ،والسند القانون املعتمد يف هذا القرار هو مقتضيات
املادتني 5من قانون رقم 72لسنة 2990املحدث للمحاتم اإلدارية ،واملادة 3من قانون رقم 03لسنة 1005املتعلق بإحداث محاتم
استئناف إدارية ،حي تنص هاتني املادتني عىل أن املفوض املليك للدفاع عن الحق والقانون ال يشارك يف إصدار الحكم واملداوالت،
066
0202 40
وتخضع محكمة اإلحالة في إصدار قراراتها لذات القواعد العامة التي تحكم األحكام ،وتملك في سبيل
ذلك عدة سلطات على القانون والوقائع ،وفي مقابل ذلك ترد عليها قيود ناتجة باألساس عن القرار
الصادر عن محكمة النقض (الفقرة األولى).
ونتيجة لذلك فإن محكم ة اإلحالة ال تلتزم بالحكم في اتجاه معين ،أو إصدار قرار مخالف للقرار
املنقوض ،وإنما عليها أن تقض ي بما يطابق فهمها للوقائع وللقانون الواجب التطبيق عليها ،وذلك في
حدود القيود الواردة عليها ،تحت طائلة الطعن في قرارها بالنقض (الفقرة الثانية).
وبذلك فاملفوض املليك ال ميكن اعتباره بأي حال من األحوال مشارتا ً يف إصدار الحكم أو القرار وتنتيجة لذلك فإن قاعدة املنع املشار
إليها أعاله ال تلحقه.
-451والتي تنص عىل ما ييل" :إذا قضت محكمة النقض بنقض حكم أحالت الدعوى إىل محكمة أخرى من درجة املحكمة التي نقض
حكمها أو بصفة استثنائية عىل نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض ويتعني إذ ذاك أن تتكون هذه املحكمة من قضاة مل
يشارتوا بوجه من الوجوه أو بحكم وظيف ما يف الحكم الذي هو موضوع لنقض".
067
0202 40
يترتب على قرار النقض واإلحالة رد القضية إلى الحالة التي كانت عليه قبل صدور القرار املنقوض،
ونتيجة لذلك فإن محكمة اإلحالة يمكنها االعتماد على وسائل اإلثبات التي سبق إعدادها أو تقديمها
إما أمام محكمة الدرجة األولى أو أمام الدرجة الثانية املنقوض قرارها.
وتعتبر هذه األدلة مطروحة أمام محكمة اإلحالة حتى ولو لم يتمسك األطراف بذلك ،وهكذا يحق لهذه
املحكمة األخذ بشهادة شاهد سبق االستماع إليه ،أو بتقرير خبير سبق وأمر به قاض ي الدرجة األولى أو
قاض ي الدرجة الثانية ،متى تبين لها – محكمة اإلحالة – أنهما يتضمنان العناصر الالزمة للفصل في
الدعوى.452
واعتماد محكمة اإلحالة على هذه الوسائل السابق إعدادها أو تقديمها مشروط بأن ال تكون محكمة
النقض قد قررت بطالنها ،أو عدم جواز إعمالها ،كما أنها ال تلزم بتقدير أو تقييم املحكمة املنقوض
قرارها لهذه األدلة ،بل لها كامل الحرية في إعادة تقييمها أو تقديرها ،ويجوز لها األخذ بدليل معين ،ولو
كانت املحكمة األولى قد رجحت دليل آخر.
غير أنه إذا ما قررت محكمة النقض نقض الحكم لعدم كفاية وسائل اإلثبات السابق تقديمها ،فإن
محكمة اإلحالة ال يسوغ لها االكتفاء بهذه األدلة ،وإنما يجب عليها إقامة حكمها على أدلة إضافية،
تحت طائلة تعرض قضائها للنقض مرة ثانية.453
ب -االعتماد على وسائل إثبات جديدة
بما أن نقض القرار املطعون فيه بالنقض يترتب عنه زواله وإعادة األطراف إلى الحالة التي كانوا عليها
قبل صدور هذا األخير – القرار املنقوض – فإن ذلك يعني فسح املجال لهم-األطراف -إلبداء
مستنتجات أو اإلدالء بمستندات حتى ولو كانت جديدة.
وهكذا فإن أطراف الخصومة يحق لهم أن يقدموا أمام محكمة اإلحالة أدلة إثبات جديدة ،سواء
ُ
أكانت هذه األدلة قد اكت ِشفت قبل صدور قرار محكمة النقض أو بعده ،أو كانت موجودة قبل صدور
َّ
قرار املحكمة املنقوض ،إال أن األطراف لم يتمكنوا من اإلدالء بها من قبل.454
بناء على طلب أحد األطراف ،قبل بتها في كما يمكن ملحكمة اإلحالة أن تأمر إما من تلقاء نفسها أو ً
املوضوع بأي إجراء من إجراءات التحقيق ولو كانت املحكمة املنقوض قرارها رفضت األمر بمثل هذه
-452محمد ملعمري ،قرارات املجلس األعىل وآثارها يف املادة املدنية ،أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو ،،جامعة القايض عياض ،تلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ،مراتش ،السنة الجامعية ،1009/1005ص .372
-453عبد القادر الرافعي ،املجلس األعىل تمحكمة للنقض املد،ي ،مكتبة دار القادم ،الطبعة األوىل ،1005ص .102 – 105
-454جاء يف قرار صادر عن املجلس األعىل عىل أنه "يرتتب عىل قرار النقض واإلحالة إعادة األطراف إىل الحالة التي تانوا عليها قبل
صدوره ،ومن تم يحق لهم أن يدلوا مبا لديهم من مستنتجات جديدة لتدعيم ادعاءاتهم ".قرار عدد 1523صادر بتاريخ ،1003-09-21
ملف مد،ي عدد 1001/2527منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل عدد ،21ص .13
068
0202 40
اإلجراءات .455ولذلك فإنه يحق لها أن تأمر بسماع شاهد أو تعيين خبير أو إجراء معاينة .وبصفة عامة
يمكنها االعتماد على ما تراه مناسبا من وسائل إثبات جديدة ،أو حسب تعبير محكمة النقض في أحد
قراراتها بأن "ملحكمة اإلحالة كامل الصالحية في اعتماد وسائل أخرى".456
-2سلطات محكمة اإلحالة في تقدير الوقائع
إن العلة أو العلل التي على أساسها تقرر النقض هي وحدها التي يمنع القانون على محكمة اإلحالة أن
تخالف بشأنها رأي محكمة النقض ،وفيما عدا ذلك ،فإن محكمة اإلحالة تسترد كل سلطاتها حتى في
ً
إعادة تقدير الوقائع .ولو كان هذا التقدير مخالفا لفهم املحكمة املنقوض قرارها لتلك الوقائع ،أو تعيد
مخالف لتقديرها السابق إذا كانت هي مصدرة القرار املنقوض.
ٍ تقدير الوقائع على نحو
ولعل األساس الذي تستند عليه محكمة اإلحالة في هذا التقدير الجديد هو ما يقدم إليها بعد إحالة
ً
القضية عليها من دفوع ومستندات وحجج جديدة ولها أيضا أن تعتمد على أسس قانونية أخرى غير
التي جاء بها الحكم املطعون فيه وتم نقضه .457وهذا ما يستفاد من قرا صادر عن املجلس األعلى
والذي جاء فيه "وحيث إن محكمة اإلحالة تتمتع بسلطة مطلقة فيما يخص تقدير الوقائع ،إذ يمكنها
تقديرها وتأويلها بكيفية تختلف عن تلك التي كانت موضوع القرار املنقوض وأنه يحق لألطراف
بخصوص هذه الوقائع تقديم مستنتجات تختلف عن تلك التي قدمت في املرة األولى ،و محكمة اإلحالة
يصح لها النظر من جديد في القضية بجميع عناصرها وما استجد من وقائع ومستنتجات وأدلة
باستثناء النقطة التي بت فيها املجلس األعلى والتي يتشرط التقيد بها ،وال يمكنها البت فيما لم يتم
نقضه458".
يتضح إذن من خالل هذا القرار أن محكمة اإلحالة لها كامل الصالحية في إعادة تقدير الوقائع ً
بناء على
ما قدمه األطراف أمامها من مستنتجات وأدلة إثبات جديدة ،وال يحد من سلطتها هاته سوى نطاق
النقض إذ ال يمكنها البت فيما لم يتم نقضه ،كما عليها أيضا التقيد بالنقطة القانونية التي تبت فيها
ً
محكمة النقض ،بحيث إذا كانت هذه النقطة مبينة على تقدير معين للوقائع ،مخالفا لتقدير الحكم
069
0202 40
املطعون فيه ،فإنه يتعين على محكمة اإلحالة أن تلتزم بهذا التقدير وليس لها عندئذ أية سلطة في
مجال تقدير الوقائع.
-459الطيب لزر ،،إشكالية تقيد محكمة اإلحالة بالنقط القانونية التي استوجب النقض ،مقال منشور مبجلة رسالة املحاماة ،عدد ،27ص
.22
-460قرار املجلس األعىل عدد ،532صادر بتاريخ ،1007-07-05ملف تجاري عدد ،1003/12منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،23
ص 253وما بعدها.
071
0202 40
عرف األستاذ الطيب لزرق النقض الكلي بأنه النقض الذي ينعدم معه القرار املنقوض بصفة عامة،
ويصبح في حكم العدم ،وتسقط جميع عناصره 462وهذا النوع من النقض ال يثير أية إشكاالت
ً
بخصوص مسألة تقيد محكمة اإلحالة بنطاق النقض ،ذلك أن النقض الكلي يطرح النزاع كامال من
ً
حيث املوضوع واألطراف كما كان مطروحا أمام املحكمة التي نقض قرارها.463
غير أن هذا ال يعني أن ملحكمة اإلحالة مطلق السلطة للبت في موضوع النزاع ،إذ عليها بالرغم من طرح
ً
النزاع كامال أمامها التقيد بما تناولته أسباب النقض املقبولة ،فال يجوز لها النظر فيما عداها مما
يكون قد حاز قوة الش يء املقض ي به .وفي هذا الصدد قض ى املجلس األعلى بأنه إذا كان يترتب عن
النقض الكلي زوال الحكم املنقوض وعودة الدعوى إلى ما كانت عليه قبل صدوره وإلغاء جميع
ً
األحكام الالحقة له إذا كان معتمدا فيها .فإن محكمة اإلحالة مقيدة بما تناوله أسباب النقض املقبولة،
فال يجوز لها النظر فيما عداها مما يكون قد حاز قوة الش يء املحكوم به ،وأن قرار محكمة اإلحالة
الذي يقض ي بعدم قبول استئناف الحكم االبتدائي بعد أن قبله القرار املنقوض وقبله املطلوب في
ً
النقض لعدم طعنه فيه ،ولم تتناوله أسباب الطعن املوجهة إلى الطاعن فأصبح بذلك حائزا لقوة
ً
الش يء املقض ي به فإنه يكون خارقا للقاعدة املذكورة وعرضه للنقض.464
-2التقيد بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض
ألزم املشرع املغربي بمقتض ى الفقرة الثانية من الفصل 112من ق.م.م.م 465محكمة اإلحالة بضرورة
التقيد بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض على اعتبار أن قرار محكمة النقض يتمتع
-461غالبا ً ما يثار إشكال التمييز بني النقض الكيل والنقض الجزيئ ،ولقد ذهب األستاذ محمد ملعمري إىل القول أن التمييز بينهام يتوقف
إما عىل طبيعة عنارص الحكم املطعون فيه أو عىل طلبات الطاعن ،فإذا تانت هذه العنارص متميزة وقابلة لالنقسام ،فإن النقض ال يكون
تليا ً إالَّ إذا تان وجه الطعن املقبول قد شملها جميعها ،أما إذا تانت هذه العنارص مرتبطة ارتباطاً ال يقبل التجزئة ،فإن النقض يكون تلياً
يف جميع األحوال بغض النظر عن العنرص الذي انصب عليه وجه الطعن بالنقض الذي قبلته املحكمة.
-ا ُنظر أُطروحته :قرارت املجلس األعىل وآثارها يف املادة املدنية ،م .س ،ص375
ولقد أصبح املجلس األعىل يعفي يف بعض قراراته محكمة اإلحالة من البح عن طبيعة النقض أهو جزيئ أو تيل ،إذ يشري يف قراراته
إىل طبيعة النقض وعىل سبيل املثال فقد جاء يف أحد قراراته ما ييل "قىض املجلس األعىل بنقض وإبطال القرار املطعون فيه جزئياً"...
قرار عدد ،3195صادر بتاريخ ،1005-21-27ملف مد،ي عدد .02/2/3155
-462الطيب لزر ،،م .س ،ص .21
-463محمد لعمري ،م .س ،ص .375
-464قرار عدد ،5031صادر بتاريخ ،2991/01/30ملف مد،ي عدد ،2995/7/2/3309منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل ،عدد ،57/53ص
.299
-465والتي تنص عىل ما ييل" :إذا بت املجلس األعىل يف قراره يف نقطة قانونية ،تعني عىل املحكمة التي أحيل عليها امللف التقيد بقرار
املجلس األعىل يف هذه النقطة".
070
0202 40
بحجية الش يء املقض ي به في حدود ما تم البت فيه .466ولذلك فإن محكمة اإلحالة يمنع عليها وهي
تنظر من جديد في الدعوى املساس بهذه الحجية ،ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى
في حدود ما حدده قراره محكمة النقض.
ويقصد بالنقطة القانونية التي يتعين على محكمة اإلحالة التقيد بها بأنها وسيلة النقض التي أثارها
ً
الطاعن ،وتبناها قرار النقض ،أو قد تكون العلة املثارة تلقائيا ،كلما كانت من صميم النظام العام.
ً
فهي إذن السبب الذي تقرر بموجبه النقض ،467كما يقصد بها أيضا املسألة التي طرحت على محكمة
ً
النقض في شكل وسيلة أثيرت من طرف الطالب أو أثارتها محكمة النقض تلقائيا إذا كانت تتعلق
بالنظام العام وأدلت فيها املحكمة برأيها ،فاكتسب حكمها قوة الش يء املقض ي به في حدود هذه املسألة
بحيث يمتنع على محكمة اإلحالة عند إعادة النظر في الدعوى املساس بهذه الحجية.468
ولذلك فإذا ما قضت محكمة النقض بنقض القرار وإحالة امللف على محكمة اإلحالة لتبت فيه من
جديد ،فإن هذه األخيرة يتعين عليها التقيد باملسألة القانونية التي على أساسها صدر قرار النقض تحت
طائلة نقض قرارها من جديد وإحالة امللف عليها أو على محكمة أخرى ،469أو نقضه مع التصدي
ويقابل هذه الفقرة يف .،م.ج.م املادة 557والتي جاء فيها "يتعني عىل املحكمة التي أحيلت إليها القضية بعد النقض أن تلتزم بقرار
محكمة النقض فيام يرجع للنقطة القانونية التي بتت فيها".
أما يف الترشيع الفرنيس فلم تكن محكمة اإلحالة ملزمة بقرار محكمة النقض بخصوص النقطة القانونية التي حسمتها هذه األخرية ،إذ
تان من حق محكمة اإلحالة مخالفة قرار النقض والسبب يف ذلك راجع باألساس إىل فكرة استقالل القايض وعدم تبعيته أو تلقيه
لألوامر من أية جهة أو هيئة مهام علت .وذلك فيام يتعلق بعمله الفني والوظيفي ،غري أن املرشع الفرنيس تدخل وغري األمر وذلك
بتعديله املادة 1/23من .،ت.،.ف مبقتىض القانون 9/19الصادر يف 2919/02/03حي أصبحت محكمة اإلحالة تلتزم بقرار النقص إذا
تان صادرا ً فقط عن الجمعية املكتملة للمحكمة سواء أتان القرار صادر مبناسبة طعن ألول مرة أو مبناسبة طعن ثا،ي يف قرار محكمة
اإلحالة.
للمزيد من التوسع حول تطور مسألة تقيد محكمة اإلحالة بالنقطة القانونية التي حسمتها محكمة النقض يف الترشيع الفرنيس ،ا ُنظر:
- Vincent et Guinchard. Op. cit. P. 948.
ويف مرص فإن الفقرة الثانية من املادة 129من .،م.م.ت.م تنص عىل ما ييل "فإذا تان الحكم قد نقض لغري ذلك من األسباب تحيل
القضية إىل املحكمة التي أصدرت الحكم املطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناء عىل طلب الخصوم ،ويف هذه الحالة يتحتم عىل
املحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض يف املسألة القانونية التي فصلت فيها".
-466محمد صابر ،م .س ،ص .111
-467الطيب لزر ،،م .س ،ص .22
-468عبد القادر الرافعي ،م .س ،ص .102
-469قرار صادر عن املجلس األعىل عدد 393بتاريخ 2992/01/15يف ملف رقم 95/7172منشور مبجلة اإلشعاع عدد ،22ص ،222وفيه قرر
املجلس األعىل نقض القرار املطعون فيه ألن محكمة اإلحالة مل تتقيد بالنقطة القانونية التي فصل فيها وأحال القضية من جديد عىل
نفس املحكمة.
072
0202 40
َ
للقضية في حالة املوافقة على م.ق.م.م.م .إذا ت َب َت ملحكمة النقض أنها تتوفر على العناصر الواقعية
التي تثبت لقضاة املوضوع ،على اعتبار أن الطعن بالنقض في هذه يكون قد قدم للمرة الثانية وذلك
نتيجة عدم تقيد محكمة اإلحالة بما جاء في قرار محكمة النقض ،وهي ذاتها الشروط التي استلزم
م.ق.م.م.م توفرها إلمكانية التصدي للقضية من قبل محكمة النقض.470
والتزام محكمة اإلحالة باتباع قرار النقض في املسألة القانونية التي فصلت فيها محكمة النقض ال
يجوز مناقشته من جانب الخصوم ،فهو التزام واجب االحترام وليس ملحكمة اإلحالة أية سلطة في
مخالفته .471غير أن هذا ال يمكن أن يمنع هذه األخيرة من الفصل في باقي جوانب القضية ما دام
النقض ينشر الدعوى من جديد أمامها.472
وإذا ما طعن بالنقض في حكم محكمة اإلحالة فإن محكمة النقض يتعين عليها أن تحترم قرارها
السابق فال يجوز لها العدول عنه ،غير أن هذا القيد ال يلزم محكمة اإلحالة فيما يعرض عليها من
ً
نزاعات حتى ولو كانت مماثلة لتلك التي بتت فيها ،كما أنه ال يلزم قانونا باقي املحاكم األخرى.
لكن اإلشكال الذي يمكن أن يطرح في هذا اإلطار هو ما إذا استجدت بعد النقض واإلحالة عناصر
طارئة أمام محكمة اإلحالة لم تكن مطروحة من قبل ،وكانت هذه العناصر متعلقة بالنظام العام.
وتعارضت ما جاء في املسألة القانونية التي استوجبت النقض ،فهل محكمة اإلحالة في هذه الحالة
تتقيد بهذه املسألة أم تصبح مقيدة بمقتضيات النظام العام التي طرأت بعد النقض واإلحالة؟
لقد أجابنا املجلس األعلى عن هذا السؤال في أـحد قراراته والتي يستفاد منها أن قاض ي األمور
ً
املستعجلة أصدر أمرا قض ى فيه برفض طلب بإثبات حال عن طريق إجراء معاينة قضائية على عقار
ُ
ملعرفة قدر الترامي عليه والقائمين به ،أ ِّي َد استئنافيا .وبعد الطعن بالنقض في قرار محكمة االستئناف
قض ى املجلس األعلى بنقضه بعلة أن املحكمة لم تقم باملعاينة املطلوبة ،ولم يكن لها أن ترفض
الطلب .وبعد اإلحالة صدر قرار استئنافي جديد يقض ي بإلغاء األمر الصادر ابتدائيا ،والحكم بعدم
اختصاص قاض ي األمور املستعجلة ،فتم الطعن بالنقض من جديد في هذا القرار ،على أساس عدم
-470تنص املادة 2-329عىل أنه "ميكن ملحكمة النقض عند نقضها حكام أو قرارا تليا أو جزئيا أن تتصدى للبت يف القضية بالرشوط
التالية:
-أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية؛
-أن تتوفر عىل جميع العنارص الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع".
-471نبيل إسامعيل عمر ،م .س ،ص .107
-472جاء يف قرار صادر عن املجلس األعىل "إن املقصود مبا ينص عليه الفصل 329من .،م.م من وجوب تقيد محكمة اإلحالة بقرار
املجلس األعىل هو عد م مخالفة النقطة القانونية التي بت فيها .وال يقصد منه عدم البت يف باقي جوانب القضية ما دام النقض ينرش
الدعوى من جديد أمام محكمة اإلحالة ".قرار عدد 5139صادر بتاريخ ،2999/22/21ملف مد،ي عدد ،2991/2/2/5215منشور مبجلة
قضاء املجلس األعىل عدد ،55/51ص 17وما بعدها.
073
0202 40
تقيد محكمة اإلحالة بالنقطة التي بت فيها املجلس األعلى فقض ى املجلس األعلى برفض طلب النقض
ألن القرار الثاني املطلوب نقضه لم يخرق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 112رغم أنه لم يتقيد
بالنقطة التي م ن أجلها وقع النقض ما دام أن هناك عناصر جديدة طرأت على القضية بعد إحالتها
والتي من شأن مناقشتها أن يقع املساس بأصل الحق وجوهره ،وهذا ما يخرج عن اختصاص قاض ي
األمور املستعجلة.473
وهكذا يتضح إذن أن تقيد محكمة اإلحالة بقواعد النظام العام الطارئة واملستجدة بعد اإلحالة يرجح
على التقيد بالنقطة القانونية التي استوجبت النقض ،كلما تعارضت مع تلك القواعد.
وعلى هذا األساس فإن محكمة اإلحالة وإن كانت تتمتع بسلطات واسعة عند نظرها في النزاع من
َّ
جديد ،إال أنها مقيدة مع ذلك بمجموعة من القيود في إصدار قرارها ،وهو القرار الذي سيكون محل
دراسة بعده.
-473قرار عدد 20صادر بتاريخ 2993/02/02يف امللف املد،ي رقم 59/1127والذي جاء فيه " ...وتبني من أورا ،امللف أن هناك عنرصا
جديدا طرأ عىل القضية بعد إحالتها عىل املحكمة وتتجىل يف الوثائق املدىل بها يف مرحلة ما بعد النقض والتي من شأن مناقشتها
واعتبارها بعد ذلك أو عدم اعتبارها أن متس أصل الحق وجوهره وهو ما يخرج عن اختصاص قايض املستعجالت عمال مبقتضيات
الفصل 251من .،م.م
وحي إن املحكمة تانت عىل صواب ومل تخر ،الفصل املستدل به ،ملا مل تقم باملعاينة ودراسة الحجج يف عني املكان ومطابقتها عىل
النزاع ملا يف ذلك من م ساس بأصل الحق ما دام النزاع معروضا يف إطاره االستعجايل مام يجعل الوسيلة خالف الواقع ".أشار إليه عبد
العزيز توفيق ،موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ ،الجزء الثا،ي ،م.س ،ص .103
-474ينص الفصل 359من .،م.م عىل أنه" :يجب أن تكون طلبات نقض األحكام املعروضة عىل املجلس األعىل مبنية عىل أحد
األسباب اآلتية:
-2خر ،القانون الداخيل؛
-1خر ،قاعدة مسطرية أرض بأحد األطراف؛
-3عدم االختصاص؛
-7الشطط يف استعامل السلطة؛
-5عدم ارتكاز الحكم عىل أساس قانو،ي أو انعدام التعليل".
074
0202 40
075
0202 40
وهكذا نجد أن املجلس األعلى كان قد قض ى في أحد قراراته بنقض القرار االستئنافي املطعون فيه
بسبب خرقه الفصل 48من ظهير التحفيظ العقاري ،477وإحالة امللف على محكمة االستئناف
بورززات .478وملا أحيل امللف على هذه األخيرة عملت على تجاوز العيب الشكلي الذي على أساسه تم
ً
النقض وأصدرت نفس القرار الذي انتهى إليه القرار املنقوض والقاض ي بقبول االستئناف شكال وفي
املوضوع تأييد الحكم االبتدائي.479
ً
كما قض ى أيضا – املجلس األعلى – في قرار آخر بنقض القرار املطعون فيه بالنقض بسبب عدم جواب
محكمة االستئناف عن الدفع املثار من طرف الطاعن ،وإحالة امللف على استثنائية أكادير 480التي
ً ً
أصدرت قرارا موافقا للقرار املنقوض بعد اإلجابة على دفع الطاعن.481
-2مخالفة القرار املنقوض
بما أن نقض القرار املطعون فيه بالنقض يترتب عنه زواله وعودة األطراف إلى الحالة التي كانوا عليها
في السابق ،مع استرجاع محكمة اإلحالة لسلطاتها على الواقع والقانون ،فإن ذلك يخول لهذه األخيرة
مخالف للقرار املنقوض حتى ولو ظلت عناصر الدعوى ثابتة ،دون تغيير عما كانت ٍ إمكانية إصدار قر ٍار
عليه أمام املحكمة املنقوض قرارها.
بناء على فهم جديد لوقائع الدعوى ،أو ومحكمة اإلحالة تقض ي بهذا القرار املخالف للقرار املنقوض ً
نتيجة تقديم أدلة إثبات ،أو ظهور وقائع جديدة لم تكن مطروحة أمام املحكمة املصدرة للقرار
املطعون فيه أو نتيجة تطبيق قانون جديد صدر بعد صدور القرار املنقوض .482غير أن هذا الفهم
ً
مشروط مع ذلك بأن ال يكون مخالفا أو فيه مساس بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض.
وفي هذا الصدد فقد قض ى املجلس األعلى في أحد قرارته إنه إذا كان املجلس األعلى قد بت في نقطة
قانونية صرفه أعطى من خاللها رأيه في النزاع .فإنه يجب على محكمة اإلحالة أن تتقيد بهذا الرأي،
بناء على ما استجد لها من عناصر ،فإن ذلك وإن كان من حقها أن تبني قرارها على فهم جديد للنزاع ً
لألفعال التي ارتكبها املطلوب .وبذلك فإنها مل تخر ،مقتضيات الفقرة 1من الفصل 329من .،م.م ورتزت قضاءها عىل أساس قانو،ي
مام تكون معه الوسيلة غري مؤسسة ".قرار عدد 152بتاريخ 92/05/25يف امللف اإلداري رقم ،90-20-291أورده عبد العزيز توفيق،
موسوعة قانون املسطرة املدنية و التنظيم القضايئ ،الجزء الثا،ي ،م .س ،ص .299
-477والذي ينص عىل ما ييل " تفتح املناقشات بتقرير املستشار املقرر الذي يعرض القضية واملسائل املطلوب حلها من غري أن يبدي أي
رأي"...
-478قرار عدد 103بتاريخ 1001-01-07يف امللف اإلداري رقم 99-2-5-59غري منشور ،أورده محمد ملعمري ،م .س ،ص .353
-479قرار رقم 32بتاريخ 1003-7-30ملف التحفيظ رقم ،03/02غري منشور ،أورده ،محمد ملعمري ،م .س ،ص .357
-480قرار عدد 7155بتاريخ 1002-21-05يف امللف املد،ي عدد 1000/2/2/2057غري منشور ،أورده ،محمد ملعمري ،م .س ،ص .357
-481قرار عدد 3170بتاريخ 1001/20/27يف امللف رقم ،01/22غري منشور ،أورده محمد ملعمري ،م .س ،ص .357
-482محمد ملعمري ،م .س ،ص .355
076
0202 40
مشروط بإسناد الفهم ليس فقط على عنصر جديد أو حجة أدلى بها أحد الخصوم أمامها بعد النقض،
بل يجب أيضا أن يكون لهذا العنصر أو الحجة تأثير على جوهر النزاع .وإن محكمة اإلحالة عندما تنهج
ً
مخالفا ملا كان قد انتهى إليه املجلس األعلى في قرار اإلحالة ً ً
بناء على حجة ال تأثير لها على ما نهجا
حسم فيه املجلس األعلى من تكييف قانوني لوثائق الخصم ،وبدعوى أن املجلس األعلى استند فيما
انتهى إليه على ترجمة خاطئة لتلك الوثائق ،فإنها قد تجاوزت اختصاصها ،وخرقت الفصل 121من
ق.م.م.483
أضف إلى ذلك أن التزام محكمة اإلحالة بالنقطة القانونية التي حسمتها محكمة النقض يوجب عليها
ً ً
في بعض الحاالت أن تتخذ موقفا مخالفا ملوقف املحكمة املنقوض قرارها .وكمثال على ذلك ما قضت
به محكمة االستئناف بورززات بعد إحالة امللف عليها من جديد من طرف املجلس األعلى ،والذي
ً
قض ى بنقض قرارها األول القاض ي بعدم قبول االستئناف شكال لوقوعه خارج األجل القانوني،484
بعدما تبين له – املجلس األعلى – أن الطعن باالستئناف قدم داخل أجله القانوني املنصوص عليه في
ً
الفصل 952من ق.م.م.م.ج ،485حيث جاء في قرارها الثاني -بعد اإلحالة – بقبول االستئناف شكال
لتقديمه داخل األجل القانوني واستيفائه لكافة الشروط الشكلية وفي املوضوع بتأييد الحكم
االبتدائي.486
وهكذا يتضح أن املحكمة ونتيجة لتقيدها باملسألة القانونية التي بت فيها املجلس األعلى كانت ملزمة
بمخالفة قرارها األول املنقوض.
وفي الختام البد أن نشير إلى مسألة مهمة وهي أن محكمة النقض قد تتراجع عن قرارها القاض ي
بالنقض واإلحالة نتيجة بتها في الطعن بإعادة النظر 487املقدم من قبل أحد األطراف ،مما يترتب عنه
-483قرار عدد 2303صادر بتاريخ ،2999-09-22منشور بالتقرير السنوي للمجلس األعىل ،سنة ،2999ص .220-209
-484قرار عدد 2219بتاريخ 1002/21/15يف امللف االجتامعي عدد ،1002/7/5/122غري منشور ،أورده محمد ملعمري ،م .س ،ص .355
-485والذي ينص عىل أنه "يستأنف الحكم القابل لالستئناف داخل أجل ثالثني يوما من يوم تبليغه طبقا للرشوط املنصوص عليها يف
الفصل 57بترصيح لدى تتابة ضبط املحكمة االبتدائية أو بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل موجهة إىل هذه الكتابة ،ويعترب
يف الحالة األخرية االستئناف مقدما يف التاريخ املبني يف الوصل املسلم إىل املرسل".
-486قرار عدد ،251صادر بتاريخ ،1003-01-01ملف رقم ،03-03غري منشور أورده ،محمد ملعمري ،م س ،ص .355
-487ينص الفصل 319من .،م.م.م .ح عىل ما ييل "ال ميكن الطعن يف القرارات التي يصدرها املجلس األعىل إال يف األحوال اآلتية:
أ -يجوز الطعن بإعادة النظر.
-2ضد القرارات الصادرة استنادا عىل وثائق رصح أو اعرتاف بزوريتها.
-1ضد القرارات الصادرة بعدم القبول أو السقوط ألسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية وضعت عىل مستندات الدعوى ثم
بني عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع االستظهار بها فيام بعد.
-3إذا صدر القرار عىل أحد الطرفني لعدم إدالئه مبستند حاسم احتكره خصمه.
077
0202 40
انتهاء صالحية محكمة اإلحالة بنظر الدعوى التي استمدتها من قرار اإلحالة واإللغاء التلقائي لكل اآلثار
ً
التي رتبتها مما يجعل أي قرار صادر بعد ذلك فاقدا ألساسه القانوني.488
-7إذا صدر القرار دون مراعاة ملقتضيات الفصول 312و 311و ".315
-488ا ُنظر قرار صادر عن املجلس األعىل عدد 7319بتاريخ 01-21-12يف امللف املد،ي عدد ،05/233منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل
عدد ،29ص 11وما يليها.
078
0202 40
محكمة اإلحالة يخضع لذات القواعد املوضوعية والشكلية العامة املقررة للطعن في القرارات
القضائية.
كما أن ذات املشرع لم يجز ملحكمة النقض إمكانية التصدي للبت في القضية في حالة الطعن بالنقض
في قرار محكمة اإلحالة للمرة الثانية ،بل كانت ملزمة – محكمة النقض – عند نقضها لهذا القرار
ً ً
بإحالة امللف من جديد على نفس املحكمة املصدرة له والتي يتعين عليها أن تشكل تشكيال جديدا ،أو
على محكمة أخرى من نفس الدرجة ،وهو األمر الذي يؤدي ال محالة إلى تطويل حياة النزاعات ويثقل
كاهل املتقاضين بنفقات االنتقال بين محكمة النقض ومحكمة اإلحالة.
ولذلك نادى البعض بضرورة تدخل املشرع املغربي لإلسراع بوضع تنظيم خاص للطعن بالنقض في
قرارات محكمة اإلحالة ،بقصد االقتصاد في إجراءات ونفقات التقاض ي وتحقيق السرعة في حسم
النزاعات حتى ال يدور األطراف في حلقة مفرغة تتنازع فيها محكمة اإلحالة ومحكمة النقض حول مدى
التقيد بالنقطة القانونية .واقترحوا كحل لهذه اإلشكالية تخويل محكمة النقض إمكانية الفصل في
النزاع ،مع إسناد هذه املهمة إلى هيئة خاصة بمحكمة النقض ،بهدف إحاطة هذا الحق بالعديد من
الضمانات وإغالق الباب أمام املعارضين لحق التصدي.489
وهو بالفعل ما استجاب له املشرع املغربي ،وذلك بمقتض ى م.ق.م.م.م حيث تم تخويل محكمة النقض
بموجب هذا املشروع إمكانية التصدي للبت في القضية لحسمها إذا ما قدم الطعن بالنقض للمرة
الثانية وتبين ملحكمة النقض أنها تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع.490
ً
ونعتقد أن املشرع أحسن صنعا بتخويله محكمة النقض إمكانية التصدي للبت في القضية في حالة
تقديم الطعن للمرة الثانية ضد قرار محكمة اإلحالة ملا في ذلك من اقتصاد في إجراءات التقاض ي
ونفقاته.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام الفصل الثاني من هذا العمل أو الدراسة والذي خصصناه للحديث عن
تصدي محكمة النقض للبت في النزاع لحسمه بشكل نهائي ،حيث تطرقنا في البداية إلى تردد مشرعنا
املغربي بخصوص إجازة هذا النظام – التصدي – ملحكمة النقض .فتارة يجيزه وتارة يمنعه بحجة أنه
يغير من طبيعتها من محكمة قانون إلى محكمة موضوع ،قبل أن يستقر رأيه على تخويل محكمة
079
0202 40
ً
النقض حق التصدي بشروط محددة ،وهي الشروط التي خصصنا لها مطلبا تحدثنا فيه عنها بتفصيل
وذلك بمقارنة تشريعنا املغربي بنظيره املصري ،وكان كل هذا في املبحث األول.
أما املبحث الثاني فحاولنا الوقوف فيه عند الطعن في قرار محكمة النقض القاض ي بالتصدي ،إذ أن
املشرع املغربي أجاز لألغيار عن الخصومة إمكانية الطعن في هذا القرار بتعرض الغير الخارج عن
الخصومة ،وهو الطعن الذي تحدثنا عن شروطه وآثاره ،مختتمين هذا املبحث بالحديث عن قرار
محكمة اإلحالة .ذلك أنه إذا لم تكن شروط تصدي محكمة النقض متوفرة ،فإن هذه األخيرة تكون
ملزمة في حالة نقضها للقرار املطعون فيه بإحالة امللف إلى محكمة اإلحالة ،والتي تطرقنا للقرار الصادر
عنها من خالل الوقوف عند سلطاتها والقيود الواردة عليها في إصداره ،وإمكانية الطعن فيه للمرة
الثانية.
081
0202 40
خاتمة
لقد حاولنا من خالل هذه الدراسة بحث موضوع نظام التصدي كأحد أهم النظم اإلجرائية في قانون
املسطرة املدنية ،بحيث قسمنا موضوعنا إلى فصلين رئيسيين ثم التمهيد لهما بفصل تمهيدي حاولنا
الوقوف فيه عند تنظيم التشريعات اإلجرائية املدنية لهذا النظام ،وإعطاء تعريف له مع استخالص
خصائصه وأسسه ونطاقه.
في حين خصص الفصل األول للحديث عن تصدي محكمة ثاني درجة للقضية وذلك بالتطرق لشروط
هذا النظام أمامها ،فحاولنا تحديد الفرق بين مصطلحي إبطال وإلغاء الحكم املطعون مع تحديد
األحكام القضائية القابلة للتصدي ،وتحديد املقصود بشرط جاهزية الدعوى قبل انتقالنا للتطرق إلى
آثار تصدي محكمة ثاني درجة على الطلب القضائي ،من خالل الوقوف عند سلطات هذه املحكمة
ودور األطراف أمامها ،ومدى إمكانية قبول طلبات التدخل واإلدخال عند تصديها للقضية.
ً
أما الفصل الثاني فقد خصصناه للحديث عن نظام التصدي أمام محكمة النقض ،بدءا باإلجابة عن
إشكال تأثير هذا النظام على طبيعتها ثم التطرق لشروطه وحاالت اللجوء إليه والطعن في قرارات
محكمة النقض القاضية بالنقض والتصدي.
كان هذا هو اإلطار العام الذي نسجت من خالله الخطوط الرئيسية لهذا البحث والتي انتهت بنا في
النهاية إلى مجموعة من املالحظات العامة واستخالص مجموعة من االستنتاجات التي سنحاول من
خاللها الخروج ببعض التوصيات واالقتراحات.
أوال :املالحظات
مما أثار انتباهنا في هذه الدراسة ونحن نقوم بتحليل النصوص القانونية املنظمة لنظام التصدي ما
يلي:
اختالف التشريعات حول إجازة هذا النظام ذلك أن املشرع الفرنس ي أجازه ملحاكم ثاني درجة
فقط ،في جين أوجبه املشرع املصري على محكمة النقض دون غيرها ،أما مشرعنا املغربي فقد أوجبه
على محاكم الدرجة الثانية وأجازه ملحكمة النقض.
تأثر الفقه املغربي عند تعريفه لنظام التصدي أمام محكمة ثاني درجة بالتشريع الفرنس ي ،دون
ً
استحضار خصوصية هذا النظام في ظل تشريعنا املغربي الذي جعل منه واجبا بخالف املشرع
الفرنس ي الذي جعله رخصة فقط مخولة ملحاكم الدرجة الثانية.
080
0202 40
عدم فصل بعض الباحثين واملحاكم املغربية بين التصدي واألثر الناقل ،وذلك بسبب ربطهم
الدائم نظام التصدي بكل حاالت اإللغاء أو اإلبطال ودون النظر إلى معيار فصل املحكمة املطعون في
قضائها في املوضوع أم ال ،ألن الفصل في هذا األخير يوجب إعمال األثر الناقل حتى ولو تم إلغاء الحكم
املستأنف أو إبطاله.
ربط القضاء املغربي استنفاد الوالية باألثر الناقل ،دون التمييز بين استفاد الوالية من حيث
املوضوع املوجب إلعمال أألثر الناقل واستنفاد الوالية من حيث الشكل الذي يوجب إعمال نظام
التصدي.
عدم تنصيص املشرع املغربي في قانون املسطرة املدنية على قاعدة ال يضار الطاعن بطعنه
بكيفية صريحة بخالف ما فعل في قانون املسطرة الجنائية حيث خص هذه القاعدة بالفصلين 412و
.401
تقييد املشرع املغربي لسلطة محاكم ثاني درجة بضرورة توفر شرطي إلغاء أو إبطال الحكم
املستأنف و كون القضية جاهزة للبت فيها ،عكس املشرع الفرنس ي الذي استلزم فقط الشرط األول
بحيث أعطى ملحكمة التصدي إمكانية تجهيز القضية إدا لم تكن جاهزة.
تضارب آراء الفقه والقضاء بخصوص مدى إمكانية تصدي محاكم الدرجة الثانية لألحكام
القضائية بعدم االختصاص ،عدم القبول واألحكام التمهيدية.
املشرع لم يجعل قرارات محاكم االستئناف القاضية باإللغاء واإلرجاع ملزمة ملحاكم الدرجة
األولى بخالف ما عمل بالنسبة لقرارات محكمة النقض التي جعلها ملزمة ملحكمة اإلحالة بمقتض ى
الفصل 112من ق.م.م.م.
ً
القضاء أضاف إلى شرطي إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه وشرط جاهزية الدعوى شرطا
آخر هو ضرورة كون محكمة الطعن هي درجة ثانية بالنسبة للمحكمة املطعون في حكمها.
توسيع املشرع الفرنس ي لسلطات محكمة التصدي واألطراف ،حيث خول لهذه األخير إمكانية
اللجوء إلى إجراءات التحقيق لتجهيز القضية إذا كانت غير جاهزة ،كما أجاز لألطراف إمكانية تقديم
082
0202 40
طلبات جديدة بموضوعها أو بأشخاصها ،أما مشرعنا املغربي فلم يخول هذه السلطة للمحكمة
ولألطراف مما أدى إلى تضارب آراء الفقه والقضاء حولها.
أجاز املشرع الفرنس ي للغير إمكانية التدخل أمام محكمة التصدي كمقابل لحق أطراق
الخصومة في إدخالهم ،أما املشرع املغربي فلم يشر إلى هذه اإلمكانية.
إن طلبات التدخل واإلدخال محددة بمدة زمنية إذ يجب أن تقدم قبل قفل باب املرافعات من
قبل املحكمة والتي ال يمكن لها أن تقض ي بعدم قبولها من تلقاء نفسها ،بل يجب على صاحب
املصلحة التمسك بذلك.
تردد املشرع املغربي في تنظيم نظام التصدي أمام محكمة النقض فتارة يجيزه لها وتارة يلغيه.
تضارب آراء الفقه واملمارسين في املجال القانوني حول مدى تأثير تصدي محكمة النقض
للقضية على طبيعتها كمحكمة قانون.
جعل املشرع املغربي شروط تصدي محكمة القضية للقضية شروط متالزمة 491ال يغني توفر
أحدها عن اآلخر ،بخالف املشرع املصري الذي جعل كل شرط مستقل بذاته يوجب عند توفره على
محكمة النقض التصدي للقضية.
إعادة تنظيم املشرع املغربي في م.م.ق.م.م لشرط جاهزية الدعوى كشرط لتصدي محكمة
النقض عند نقضها للقرارات الصادرة في دعاوى اإللغاء ،على الرغم من إلغاء هذا الشرط من شروط
تصدي محاكم ثاني درجة في نفس املسودة.
املشرع لم يحدد الجهة القضائية املختصة بنظر تعرض الخارج عن الخصومة وال أجل
ممارسته.
عدم إقامة املشرع املغربي للتوازن بين أطراف الخصومة واألغيار ألنه ألزم الغير بأداء الرسوم
القضائية وإيداع املبلغ املالي املنصوص عليه في الفصل 114من ق.م.م تحت طائلة عدم القبول ،في
حين أوجب على أطراف الخصومة أداء الرسوم القضائية فقط ،ما لم يستفيدوا من نظام املساعدة
القضائية.
083
0202 40
إن الطعن بتعرض الغير يمكن ممارسته من قبل أكثر من شخص ،إذ يحق لكل من لم يكن
ً
طرفا في الدعوى أن يتعرض على الحكم أو القرار الذي أضر به وال يمنع من ممارسته أن يكون قد
سبقه أحد من األغيار إلى ذلك .وفي مقابل ذلك فإن الشخص الواحد ال يمكنه ممارسة هذا الطريق
من طرف الطعن أكثر مرة ،إعماال لقاعدة أن الطعون ال تمارس إال مرة واحدة أمام القضاء.
لم يترك املشرع املغربي للمحكمة أية سلطة في تحديد مبلغ الغرامة املمكن القضاء بها ضد
ً
الغير الخاسر لتعرضه وذلك بتحديده مسبقا لها ،وإن كان قد منحها سلطة تقديرها.
ثانيا :االستنتاجات
ولقد خلصنا في ضوء هذه املالحظات إلى استخالص االستنتاجات التالية:
أن أساس اختالف التشريعات بخصوص التصدي أمام محاكم الدرجة الثانية هو نظرة كل
مشرع إلى نظام الطعن باالستئناف ،فمن يرى في هذا الطريق مجرد وسيلة ملراقبة وإصالح قضاء
ً
ابتدائي س يء .فقد منع التصدي احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين ،أما من يرى في هذا الطعن وسيلة
ً
إلنهاء النزاع فقد أجاز التصدي ،بل ومنها – التشريعات – من جعله واجبا ملا يحققه من سرعة
واقتصاد في النفقات واإلجراءات .أما سبب اختالف هذه التشريعات بخصوص التصدي أمام محكمة
النقض ،فإن ذلك راجع إلى طبيعة عمل محكمة النقض في ظل كل من تشريع ،فمن يعتبرها محكمة
قانون فقط لم يسمح لها بالتصدي ،أما من يعتبرها ذات طبيعة مزدوجة – أي أنها محكمة قانون
وواقع – فقد أجاز لها التصدي وهناك من جعله واجبا عليه.492
ً
استثناء على مبدأ األثر الناقل والتقاض ي على درجتين ألنه يوجب على أن نظام التصدي يشكل
محكمة التصدي البت فيما لم يفصل فيه قاض ي الدجة األولى.
َّ
أن نظام التصدي ال يكون واجب اإلعمال إال إذا تحققت شروطه واقتصر قاض ي الدرجة األولى
على البت في جانب الدعوى الشكلي ألن فصله في املوضوع يوجب والحالة هاته إعمال األثر الناقل وهو
ً
ما يفيد أيضا أن هذا النظام له عالقة فقط باستنفاد الوالية من حيث الشكل.
-492ونخص بالذتر هنا محكمة النقض املرصية التي أوجب عليها املرشع املرصي التصدي للقضية إذا ما قدم الطعن بالنقض للمرة الثانية
حتى ولو تان املوضوع غري صالح للفصل فيه ،مام يعني أن ملحكمة النقض يف هذه الحالة اللجوء إىل إجراءات التحقيق لتجعل هذا
املوضوع صالحا ً ،وهي إجراءات تأصل عام مخولة فقط ملحاتم املوضوع ،وليس محكمة النقض ،مام يعني أن محكمة النقض يف هذه
الحالة تتحول إىل محكمة موضوع.
084
0202 40
ً
تصدي املحكمة ملوضوع النزاع ال يشكل خرقا ملقتضيات الفصل 1من ق.م.م -على اعتبار أنها
ال تقيد بطلبات الطاعن الذي قد يقتصر على طلب إلغاء أو نقض املقرر القضائي املطعون والحال أن
التصدي يوجب عليها عند اإللغاء أو النقض البت في املوضوع – ألن ذات الفصل يوجب عليها تطبيق
ً
القانون حتى ولو لم يطلب األطراف ذلك ،ذلك أن تصديها للقضية يعتبر تطبيقا لنص قانوني أوجب
عليها التصدي بمجرد تحقق شروطه .
ً
أن إبطال األحكام هو جزاء قضائي يلحق كل حكم جاء مخالفا ملقتضيات الفصل 81من
ق.م.م أو غير محترم لحقوق الدفاع ،أما إلغائها فهو جزاء قضائي يلحق الحكم إذا ما تتضمن خطأ في
الوقائع أو القانون.
بالرغم من عمومية عبارة الحكم املطعون فيه املتضمنة في الفصل 041من ق.م.م ،فإن نظام
التصدي يقتصر فقط على األحكام الباتة في شكل الدعوى دون موضوعها.
الحكم بعدم االختصاص النوعي للمحاكم العادية وبعدم االختصاص املحلي لجميع الجهات
القضائية هو القابل للتصدي فقط أما الحكم الصادر بعدم االختصاص النوعي للمحاكم التجارية
واملحاكم اإلدارية ،فإنه غير قابل للتصدي ألن الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض ومحاكم ثاني درجة
التجارية عند إلغائهما أو إبطالهما لحكم قض ى باالختصاص النوعي فإنهما يحيالن امللف إلى املحكمة
ً
املختصة ،دون التصدي للقضية عمال بمقتضيات املادتين 09من ق.إ.م.ا.إ و 01من ق.إ.م.إ بالنسبة
لالختصاص النوعي للمحاكم اإلدارية واملادة 5من ق.إ.م.ا.ت بالنسبة لالختصاص النوعي للمحاكم
التجارية.
ً
يجب على محكمة ثاني درجة التصدي للقضية إذا ما ألغت أو أبطلت حكما قض ى بعدم
القبول ألن هذا الدفع دفع شكلي فقط.
َّ
ال يمكن ملحكمة الطعن التصدي لألحكام التمهيدية ،ما دام أن هذه األحكام ال تستأنف إال مع
الحكم الفاصل في الجوهر ،والفصل في الجوهر كما سبقت اإلشارة إلى ذلك يوجب إعمال األثر الناقل.
األوامر االستعجالية هي األخرى قابلة للتصدي ألن الفصل 041من ق.م.م لم يميز بين الحكم
العادي والحكم االستعجالي.
085
0202 40
لجوء املحكمة إلى إجراءات التحقيق ،دليل على عدم تحقق شرط الجاهزية كشرط للتصدي.
الدعوى تكون جاهزة إذا ما قام األطراف بتبادل املذكرات وأخذ كل واحد منهم فرصة الدفاع
عن حقوقه.
املشرع الفرنس ي خلق توازن بين سلطات محكمة التصدي وسلطات األطراف ،ألنه أجاز ملحكمة
ثاني درجة إمكانية اللجوء إلى إجراءات التحقيق – ألنه لم يستلزم شرط الجاهزية – وفي املقابل أعطى
ألطراف الخصومة حق تقديم طلبات جديدة أمامها واستكمال أوجه دفاعهم.
أن طلبات التدخل واإلدخال مقبولة أمام محكمة ثاني درجة الفرنسية عند تصديها للقضية
أما في تشريعنا املغربي فإن محكمة التصدي ال تقبل سوى طلبات التدخل االنضمامي دون طلبات
التدخل الهجومي وطلبات اإلدخال ،ألنها تعتبر طلبات جديدة محظورة بقاعدة منع تقديم طلبات
ً
جديدة املنصوص عليها في الفصل 041من ق.م.م ،في حين فإن طلب التدخل االنضمامي ال يعتبر طلبا
ً
جديدا ما دام املتدخل االنضمامي يقتصر فقط على دعم ادعاءات الطرف الذي انضم إليه.
أن تصدي محكمة النقض للقضية ال يغير من طبيعتها كمحكمة قانون ،ما دام املشرع قد
اشترط توفر قاض ي النقض على جميع عناصر الدعوى الواقعية ،وهو ما يفيد أن محكمة النقض عند
تصديها فإنها تقتصر فقط على إنزال حكم القانون على الوقائع الثابتة واملعروضة ،غير أن محكمة
ً
واستثناء إلى محكمة واقع إذا ما نقضت الحكم املطعون للمرة الثانية ،ذلك النقض املصرية تتحول
أن املشرع املصري أوجب عليها في هذه الحالة التصدي للقضية حتى ولو كانت غير جاهزة ،وهو ما يفيد
أن ملحكمة النقض سلطة تجهيز القضية باللجوء إلى إجراءات التحقيق.
أن محكمة النقض هي املختصة بنظر الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة املقدم ضد
قرارها القاض ي بالنقض والتصدي.
ً ً ً
استدعاء قانونيا حتى يتم اعتباره طرفا في الدعوى. أن الشخص البد أن يقع استدعاؤه
أن ملحكمة النقض إمكانية إيقاف التنفيذ ً
بناء على طلب املعني باألمر ،إذا ما بدت لها جدية
طلباته.
086
0202 40
أن محكمة اإلحالة ال تتقيد بالنقطة القانونية التي تبت فيها محكمة النقض ،إذا ما استجدت
عناصر بعد اإلحالة وكانت لها عالقة بالنظام العام ومتعارضة مع املسألة التي حسمتها محكمة النقض.
ثالثا :االقتراحات والتوصيات
وفي ختام هذه الدراسة البد لنا من إبداء أو تقديم بعض االقتراحات والتوصيات ،وذلك بهدف حث
املشرع املغربي على ضرورة إعادة تنظيم النصوص القانونية ذات الصلة بنظام التصدي في ق.م.م
ً
تنظيما يتجاوز كل اإلشكاالت التي وقفنا عندها في هذه الدراسة ،وهي توصيات نجملها في ما يلي:
إعادة صياغة الفصل 041من ق.م.م وذلك بــ:
تعويض عبارة "غرفة االستئناف باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف" بعبارة "محاكم
ثاني درجة".
إلغاء شرط جاهزية الدعوى مع التنصيص بصريح العبارة على حق محكمة ثاني درجة في
اللجوء إلى إجراءات التحقيق ،وتحديد سلطات األطراف أمامها.
وبذلك فإننا نقترح الصياغة التالية للفصل 041من ق.م.م:
"يجب على محاكم الدرجة الثانية عند إلغائها أو إبطالها حكما قض ى بعدم االختصاص النوعي
للمحاكم العادية أو بعدم االختصاص املحلي لجميع الجهات القضائية أو بعدم القبول ،أن تتصدى
للقضية في الجوهر ولها في سبيل ذلك اتخاذ ما يلزم من إجراءات التحقيق.
يحق لألطراف تقديم طلبات جديدة بما فيها طلبات الغير.
يمكن للغير التدخل في الدعوى أمام محاكم ثاني درجة".
إدراج نص قانوني في قانون املسطرة املدنية يجعل قرارات محاكم ثاني درجة القاضية باإللغاء
واإلرجاع ملزمة ملحاكم الدرجة األولى.
إعادة صياغة الفقرة األولى من الفصل 112من ق.م.م وذلك بجعل األصل هو اإلحالة إلى
ً
نفس املحكمة واالستثناء هو اإلحالة على محكمة أخرى ،سيرا على ما هو عليه العمل في القضاء وما هو
منصوص عليه في املادة 881من ق.م.ج.م ،مع استلزام أن تكون هذه األخيرة من نفس نوع ودرجة
املحكمة املنقوض قرارها
087
0202 40
088
0202 40
الئــحـــة المــراجـع
أوال :باللغة العربية
-1المؤلفات
أحمد السيد صاوي ،أثر األحكام بالنسبة للغير ،دار النهضة للنشر والتوزيع ،القاهرة ،الطبعة
األولى .0998
أحمد العلمي ،تقنية تحرير األحكام والتعليق عليها ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة
األولى .2103
أحمد الخمليشي ،شرح قانون المسطرة الجنائية :الجزء الثاني ،مطبعة المعارف ،الرباط ،الطبعة
الثانية .0990
أحمد مليجي ،اختصام الغير وإدخال ضامن في الخصومة المدنية ،مكتبة دار الفكر العربي،
الطبعة الثانية .0990
-الطعن باالستئناف وفقا لقانون المرافعات معلقا عليه بآراء الفقه وأحكام القضاء ،الكتاب الثالث والرابع،
الطبعة األولى( ،إ.م.ت.ط.غ.م).
أحمد أبو الوفاء ،المرافعات المدنية والتجارية ،منشأة المعارف اإلسكندرية ،الطبعة .0986 ،04
أدولف ريبولط ،قانون المسطرة المدنية في شروح ،تعريب وتحيين إدريس ملين ،منشورات
جمعية تنمية للبحوث والدراسات القضائية ،دار نشر المعرفة.0996 ،
-اإلجراءات المدنية أمام المجلس األعلى ،تعريب إدريس ملين وسعيد عبد هللا الداودي ،مجموعة الدالئل
والتعاليق القانونية ،المعهد الوطني للدراسات القضائية ،وزارة العدل .0984
أمينة مصطفى النمر ،أصول المحاكمات المدنية ،الدار الجامعية للنشر( ،ع.ط.غ.م).0986 ،
أنور طلبة ،الطعن باالستئناف والتماس إعادة النظر ،دار نشر الثقافة العربية( ،ع.ت.ط.غ.م).
-الطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية ،دار الكتب القانونية للنشر ،القاهرة ،الطبعة األولى .2111
إدريس العلوي العبدالوي ،القانون القضائي الخاص ،الدعوى واألحكام ،الجزء الثاني ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء( ،ع.ط.غ.م).0998 ،
الشرقي حراث ،الدفوع في المادة المدنية ،مطبعة األمنية ،الرباط( ،ع.ط.غ.م).2106 ،
جمال الدين ابن منظور ،معجم لسان العرب ،المجلد الرابع ،مطبعة دار صادر .0997
حليمة بن حفو ،الوسيط في قانون المسطرة المدنية ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة
األولى .2108
حسن صحيب ،القضاء اإلداري ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة
"مؤلفات وأعمال جامعية" ،العدد ،81الطبعة األولى .2108
089
0202 40
خالد اإلدريسي ،إصالح المجلس األعلى ودوره في تحقيق األمن القضائي ،دار القلم ،الرباطـ،
الطبعة األولى .2101
سليمان محمد الطماوي ،الوجيز في القضاء اإلداري ،دار الفكر العربي للطباعة والنشر،
(ع.ط.غ.م).0974 ،
عبد العزيز خليل ،الطعن بالنقض والطعن أمام المحكمة اإلدارية العليا( ،إ.م.ع.ط.غ.م) .0971
عبد العزيز توفيق ،موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي ،الجزء الثاني ،المكتبة
القانونية ،الطبعة الثالثة .2100
عبد العزيز حضري ،استئناف األحكام المدنية في التشريع المغربي ،مطبعة األمنية ،الرباط،
الطبعة األولى .2109
عبد العزيز فتحاوي ،صناعة الحكم المدني ،سلسلة الندوات واللقاءات واأليام الدراسية،
منشورات وزارة العدل ،العدد ،01سنة .2101
عبد اللطيف خالفي ،االجتهاد القضائي في قانون المسطرة المدنية ،رصد لمبادئ ولقرارات
المجلس األعلى ،الجزء األول ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة األولى .2114
عبد القادر الرافعي ،المجلس األعلى كمحكمة للنقض المدني ،مكتبة دار القلم ،الطبعة األولى
.2115
عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،الطبعة التاسعة.2109 ،
عمر الشيكر ،الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة – دراسة تأصيلية مقارنة – مطبعة
النجاح الجديدة ،الطبعة األولى .2102
عمار عوابدي ،النظرية العامة للمنازعات اإلدارية في النظام القضائي الجزائري ،الجزء األول،
القضاء اإلداري ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الساحة المركزية ،بن عكنون( ،ع.ط.غ.م) ،طبعة .0998
علي عبد الحميد تركي ،نطاق القضية في االستئناف – دراسة تحليلية مقارنة – دار النهضة
العربية ،القاهرة.0998 ،
سعيد الفكهاني ومن معه ،التعليق على قانون المسطرة المدنية في ضوء الفقه والقضاء ،الجزء
الثاني ،الدار العربية للموسوعات ،الطبعة األولى .0983
فتحي والي ،الوسيط في قانون القضاء المدني ،مطبعة جامعية ،القاهرة( ،ع.ط.غ.م).0983 ،
محمد السماحي ،طرق الطعن في األحكام المدنية واإلدارية ،دراسة تحليلية مقارنة( ،إ.م.غ.م)،
الطبعة األولى .0995
091
0202 40
محمد محمد هاشم ،استنفاد والية القاضي المدني في قانون القضاء المدني( ،إ.ع.ط.غ.م)،
.0981
مأمون الكزبري وإدريس العبدالوي ،شرح للمسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي الجديد:
الجزء الثالث الحكام ،طرق الطعن ،التحكيم.
محمد ميكو ،قواعد المسطرة في المادة االجتماعية ،مطبعة الساحل( ،ع.ط.غ.م) .0980
محمد األزهري ،الدعوى المدنية ،مطبعة دار النشر المغربية ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى،
.2101
محمد الكشبور ،رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية( ،إ.م.غ.م)
الطبعة األولى .2110
محمد رياض ،التعسف في استعمال الحق على ضوء المذهب المالكي والقانون المغربي،
المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،الطبعة األولى .0992
ميمون خراط ،الطعن باالستئناف في األحكام اإلدارية ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،الطبعة
األولى .2102
نبيل إسماعيل عمر ،النظرية العامة للطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية ،منشأة المعارف
اإلسكندرية( ،ع.ط.غ.م).0981 ،
-أصول المرافعات المدنية والتجارية ،منشأة اإلسكندرية ،الطبعة األولى .0986
-الوسيط في الطعن باالستئناف في المواد المدنية والتجارية ،دار الجامعة الجديدة للنشر( ،ع.ط.غ.م)
.2111
-الوسيط في الطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية ،دار الجامعة الجديدة للنشر( ،ع.ط.غ.م)
.2110
نور الدين لبريس ،نظرات في قانون المسطرة المدنية ،مطبعة األمنية الرباط ،الطبعة األولى
.2102
نور الدين الناصري ،الموجز في المسطرة المدنية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
الطبعة األولى .2105
هشام المراكشي ،الغير في القانون المغربي ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة
األولى .2109
وجدي راغب فهمي ،مبادئ القضاء المدني في قانون المرافعات ،دار الفكر العربية ،الطبعة
األولى .0986
وزارة العدل ،سلسلة الشروح والدالئل القانونية رقم ،0طرق الطعن ،طبع ونشر جمعية تنمية
البحوث والدراسات القضائية ،الرباط.
090
0202 40
دليل محاكم االستئناف اإلدارية والمحاكم اإلدارية ،منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية
والقضائية ،سلسلة الشروح والدالئل ،العدد ،00فبراير .2119
-2األطروحات والرسائل
أحمد واسمين ،االستئناف في المادة المدنية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة
القاضي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة الجامعية .2110/2111
إسماعيل فريمس ،محل دعوى اإللغاء – دراسة في التشريع والقضاء الجزائريين – مذكرة
مقدمة لنيل شهادة الماجيستر ،تخصص قانون إداري وإدارة عامة ،جامعة الحاج بلخضر ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية ،باتنة ،السنة الجامعية .2103
رضوان الفياللي ،إدخال الغير في قانون المسطرة المدنية المغربية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر
في القانون الخاص ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش،
السنة الجامعية .2100/2101
سعيد حربيش ،إدخال الغير في الدعوى في قانون المسطرة المدنية – دراسة مقارنة – رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية .2112/2110
صالح لهمام ،سلطة المحكمة في تعديل نطاق الدعوى المدنية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة الجامعية
.2104/2103
عبد الحليم محمد عبد الحليم عنانبة ،التقاضي على درجة واحدة أمام محكمة االستئناف – دراسة
مقارنة – أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق ،جامعة بيروت العربية ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،بيروت ،السنة الجامعية .2106
عبد هللا الكرني ،وضعية نظام تنفيذ األحكام المدنية في المغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة الجامعية
.2115/2114
عبد اللطيف هداية هللا ،قواعد القضاء المستعجل الموضوعية واإلجرائية في التشريع المغربي،
أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
الدار البيضاء ،السنة الجامعية .0986/0985
محمد صابر ،األثر الناقل الستئناف األحكام المدنية في القانون المغربي ،أطروحة لنيل الدكتوراه
في الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة
الجامعية .2101/2119
092
0202 40
محمد لمعمري ،قرارات المجلس األعلى وآثارها في المادة المدنية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة الجامعية
.2119/2118
ميسان بوزلماط ،طرق الطعن وإيقاف األحكام والقرارات المشمولة بالنفاذ المعجل ،رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة عبد المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،طنجة ،السنة الجامعية .2105/2104
-3المقاالت
أحمد حموش ،تأثير وصف الحكم على ممارسة طرق الطعن ،مقال منشور بمجلة المحاكم
المغربية ،العدد ،039يناير/فبراير .2103
أحمد نهيد ،أثر طرق الطعن على التنفيذ في المادة المدنية ،مقال منشور بمجلة القضاء والقانون،
العدد .053
أحمد واكري ،التكييف القانوني للوقائع ،مقال منشور بدفاتر المجلس األعلى ،العدد ،01سنة
.2115
أيوب الفريني ،نظام التصدي في المادة الجنائية ،مقال منشور بمجلة مسارات ،عدد ،5-4سنة
.2108
الطيب بن لمقدم ،آجال الطعون المدنية وآثارها في التشريع المغربي ،مقال منشور بمجلة
البحوث ،العدد الثاني ،السنة الثالثة ،يونيو .2113
-الطعون ال تمارس إال مرة واحدة أمام القضاء ،مقال منشور بمجلة المعيار ،عدد .35
الطيب لزرق ،إشكالية تقيد محكمة اإلحالة بالنقطة القانونية التي استوجبت النقض ،مقال منشور
بمجلة رسالة المحاماة ،عدد .04ثورية لعيوني ،تنظيم القضاء اإلداري المغربي على ضوء قانون محاكم
االستئناف اإلدارية ،مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،69يوليوز/غشت
.2116
ثورية لعيوني ،تنظيم القضاء اإلداري المغربي على ضوء قانون محاكم االستئناف اإلدارية،
مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،69يوليوز/غشت .2116
حسن صحيب ،إشكالية تحديد االختصاص بين محاكم االستئناف اإلدارية والمجلس األعلى ،مقال
منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد األول ،سنة .2117
خالد الحبيب ،مدى سلطة المحكمة إلدخال الغير في الدعوى ،مقال منشور بمجلة اإلشعاع ،عدد
،33يونيو .2118
خالد خالص ،األوجه المعتمدة في دعوى اإللغاء ،مقال منشور بمجلة رسالة المحاماة ،عدد ،27
يونيو .2117
093
0202 40
عبد العزيز حضري ،تعديل نظام الطعن باالستئناف ،مدخل أساسي إلصالح قانون المسطرة
المدنية المغربية ،مقال منشور بمجلة الحقوق المغربية ،عدد ،01-9السنة الخامسة ،ماي .2101
عبد العزيز توفيق ،المجلس األعلى :طبيعته واختصاصاته ،مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون
واقتصاد التنمية ،العدد .0988 ،07
عبد العتاق فكير ،محكمة اإلحالة من خالل عمل الغرفة اإلدارية ،مقال منشور بموقع العلوم
القانونية.
عبد الكريم عنوري ،قراءة في الفصل 042من ق.م.م على ضوء المقتضيات المرتبطة به
واالجتهاد القضائي ،مقال منشور بمجلة المناظرة ،العدد الثاني ،يونيو .0997
عبد اللطيف التجاني ،االستئناف المثار ،مقال منشور بمجلة القصر ،العدد األول ،يناير .2112
عبد الواحد بن مسعود ،دعوى اإللغاء ،مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية ،العدد ،56
نوفمبر/دجنبر .2107
عمر بوخذة ،الطلبات العارضة في قانون المسطرة المدنية المغربي والقانون المقارن ،مقال
منشور بمجلة البحوث ،العدد األول ،السنة األولى ،مارس .2110
محمد الكشبور ،وضعية المجلس األعلى بين محاكم النقض في التشريعات المقارنة ،مقال منشور
بالمجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية ،عدد .0988 ،07
-تأصيل قاعدة ال يضار أحد باستئنافه ،مقال منشور بمجلة المناهج ،عدد مزدوج .2118 ،8/7
-نطام التصدي ووظيفة المجلس األعلى ،مقال منشور بمجلة القضاء والقانون ،عدد ،039دجنبر
.0988
محمد صابر ،مفهوم الطلب الجديد أمام محاكم االستئناف ،مقال منشور بمجلة المحامي ،عدد
،40يوليوز .2112
-مدى إلزامية القرار االستئنافي باإللغاء واإلرجاع لمحكمة الدرجة األولى ،وقابليته للطعن بالنقض،
مقال منشور بمجلة القضاء والقانون ،عدد .065
محمد بلهاشمي ،االتجاه الجديد في فهم وتطبيق الفصل 042من قانون المسطرة المدنية
واألضرار الناتجة عن ذلك ،مقال منشور بمجلة المحامي ،العدد ،3السنة الثانية.
محمد محجوبي ،خصوصيات دعوى اإللغاء وإشكالية الجمع بينها وبين دعوى التعويض ،مقال
منشور بمجلة القانون المغربي ،عدد ،04أبريل .2119
محمد حسن ،حول مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون بإلغاء إيقاف التنفيذ والتصدي أمام
المجلس األعلى ،مقال منشور بالمجلة المغربية للقانون ،عدد ،02سنة .0987
محمد الوكيلي ،المجلس األعلى هل هو فعال محكمة عليا؟ ،مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون
واقتصاد التنمية ،عدد .0988 ،07
094
0202 40
موسى عبود ،االجتهاد القضائي ودوره في النظام القضائي المغربي ،مقال منشور بمجلة
المحاماة ،العدد .3
نادية أحديدو ،أجل رفع دعوى اإللغاء على ضوء االجتهاد القضائي ،مقال منشور بمجلة
اإلشعاع ،عدد مزدوج .40/40
نقابة هيئة المحامين بالدار البيضاء ،مالحظات حول المسطرة المدنية بعد تجربة عشر سنوات،
تقرير منشور بمجلة المحاكم المغربية ،العدد ،38يوليوز/غشت .0985
-4التقارير والمجالت
موقع محكمتي.
موقع العلوم القانونية.
095
0202 40
باللغة الفرنسية:ثانيا
1- Les ouvrages
2- Les articles
096
0202 40
الـــفــهــرس
_Toc14855742
مقدمة12............................................................................................................. :
الفقرة األولى :التنظيم التشريعي لتصدي محاكم ثاني درجة 02 .......................................................
097
0202 40
أوال :عدم الفصل بين نظام التصدي واألثر الناقل 22 ................................................................
الفقرة الثانية :عالقة التصدي بمبدأ ال يضار الطاعن بطعنه 23 .....................................................
098
0202 40
ثانيا :مدى إلزامية القرار االستئنافي القاضي باإللغاء واإلرجاع وقابليته للطعن بالنقض 32 .............
المبحث الثاني :آثار تصدي محكمة ثاني درجة للبت في القضية 22 ..............................................
المطلب األول :صالحيات محكمة ثاني درجة ودور األطراف أمامها 14......................................
أوال :سلطة البت في جوهر النزاع وتقدير صالحية الدعوى للبت فيها 23 .....................................
099
0202 40
أوال :حق األطراف في استنفاد وسائل دفاعهم وتقديم طلبات جديدة 32 ........................................
ثانيا :مدى تحقيق التوازن بين صالحيات المحكمة وصالحيات األطراف 32 ...............................
المطلب الثاني :مدى إمكانية التدخل واإلدخال أمام محكمة التصدي 11.......................................
الفقرة الثانية :شروط التدخل واإلدخال وآثارهما على تصدي محكمة ثاني درجة 323 ..........................
ثانيا :آثار تصدي محكمة ثاني درجة على قبول التدخل واإلدخال 332 .........................................
الفقرة األولى :التطور التاريخي لنظام التصدي أمام محكمة النقض303 ..........................................
الفقرة الثانية :عالقة نظام التصدي بطبيعة محكمة النقض 302 .....................................................
ثانيا :تأثير نظام التصدي على طبيعة عمل محكمة النقض 303 .................................................
211
0202 40
ثانيا :توفر محكمة النقض على العناصر الواقعية للدعوى 322 ..................................................
المبحث الثاني :الطعن في قرار التصدي وموقف محكمة اإلحالة من قرار اإلحالة 322 .......................
المطلب األول :الطعن في قرار النقض والتصدي 145...........................................................
المطلب الثاني :موقف محكمة اإلحالة من قرار النقض واإلحالة 322 ..............................................
الفقرة األولى :سلطات محكمة اإلحالة والقيود الواردة عليها 323 ....................................................
210
0202 40
الـــفــهــرس 114.......................................................................................................
212
0202 40
213