You are on page 1of 203

0202 40

2
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫مجلة القانون واألعمال‬


‫‪ISSN : 2509-0291- 9102 PE0018‬‬ ‫‪:‬‬ ‫اإليداع القانوني‬
‫‪ 2017 / 05 :‬ص‬ ‫ملف الصحافة‬
‫‪ :‬الدكتور مصطفى الفوركي‬ ‫املدير املسؤول‬
‫‪+212 6 87 40 76 65 :‬‬ ‫الهاتف‬
‫‪Mforki22@gmail.com :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬

‫جميع الحقوق محفوظة ‪ -‬مجلة القانون واألعمال الدولية ‪© 2021‬‬

‫‪3‬‬
0202 40

4
0202 40

5
0202 40

6
0202 40

7
0202 40

8
0202 40

9
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫اإلهـ ــداء‬
‫هذا العمل إهداء إلى‪...‬‬

‫إلى رسل اللحظات البسيطة‪...‬‬

‫إلى الذين يرحلون بصمت ‪ ...‬ال يزعجون أحد‪ ...‬ال يتكررون ‪...‬‬

‫ال يلجؤون إلى أحد ! إال إلى هللا‪...‬‬

‫إلى الذين يتداوون ذاتيا بمعزل عن الناس ‪...‬‬

‫إلى الذين ال يبالغون في مشاعرهم‪...‬‬

‫إلى الذين يتعاملون بقلوبهم في كل ش يء‪...‬‬

‫حياتهم بسيطة‪ ...‬أرواحهم راقية‪...‬‬

‫نفوسهم نقية‪ ...‬وجودهم اطمئنان‪...‬‬

‫يسعون إلى إسعاد خلق هللا‪ ...‬لوجه هللا‪...‬‬

‫إلى كبار النفوس‪...‬‬

‫شكرا لكم لسمو أذواقكم ورقيكم‪....‬‬

‫مصطفى‪...‬‬

‫‪01‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ف ــك الرمـ ــوز‬


‫اسم املطبعة وعدد الطبعة غير مذكورين‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ا‪.‬م‪.‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م‬
‫تاريخ الطبعة غير مذكور‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ت‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م‬
‫جزء‬ ‫‪:‬‬ ‫‪-‬ج‬
‫جريدة رسمية عدد‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ج‪.‬ر‪.‬ع‬
‫صفحة‬ ‫‪:‬‬ ‫‪-‬ص‬
‫عدد الطبعة غير مذكور‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م‬
‫قانون إحداث محاكم إدارية‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‬
‫قانون إحداث محاكم استئناف إدارية‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬ا‪.‬إ‬
‫قانون إحداث محاكم تجارية‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬ت‬
‫قانون االلتزامات والعقود‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬إ‪.‬ع‬
‫قانون التنظيم القضائي‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬ت‪.‬ق‬
‫قانون املسطرة الجنائية املغربي‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‬
‫قانون املسطرة املدنية املغربي القديم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ق‬
‫قانون املسطرة املدنية املغربي الحالي‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‬
‫قانون املسطرة املدنية الفرنس ي القديم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق‬
‫قانون املسطرة املدنية الفرنس ي الجديد‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‬
‫قانون املرافعات املدنية والتجارية املصري‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م‬
‫مرجع سابق‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬م‪.‬س‬
‫مسودة مشروع قانون املسطرة املدنية‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ -‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‬

‫‪A.C.P.C.F‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪Ancien Code de procédure civile français‬‬


‫‪Art‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪Article‬‬
‫‪Edi‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪Edition‬‬
‫‪N‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪Numéro‬‬
‫‪N.C.P.C.F‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪Nouveau Code de procédure civile français‬‬
‫‪P‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪Page‬‬
‫‪Op. Cit.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪Ouvrage précité‬‬

‫‪00‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫خاطب الخليفة عمر بن الخطاب أحد قضاته بمناسبة توليته القضاء بقوله "وال يمنعك قضاء قضيته‬
‫فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق‪ ،‬فالحق قديم ال يبطله ش يء‪،‬‬ ‫باألمس فراجعت فيه نفسك‪ُ ،‬‬
‫ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل‪1....‬‬

‫إن هذه العبارة تجسد على قدمها غاية مراجعة األحكام القضائية أال وهي إحقاق الحق والعدالة‪ ،‬ألن‬
‫القضاء حسب تعبير األستاذ عبد العزيز حضري‪ 2‬عمل بشري مجبول‪ 3‬على الخطأ بالفطرة‪ ،‬ونازع إلى‬
‫ً‬
‫املجاملة بالتمدن واملؤانسة‪ ،‬وموسوم باالختالف تبعا لقدرات الفهم واإلدراك والدفاع املتفاوتة بين‬
‫الناس‪.4‬‬
‫ولقد آمنت التشريعات الوضعية – منذ القدم ‪ -‬بهذه الغاية‪ .‬فسعت إليها بحيث اهتدت في سبيل‬
‫تحقيقها إلى طرق الطعن كوسيلة لتمكين املتضرر من الحكم من إصالح أخطاء القاض ي‪ ،‬بغاية إزالة‬
‫أو تخفيف الضرر الذي لحق به‪ ،‬أو املحتمل لحوقه به‪ ،‬عند مباشرة إجراءات التنفيذ‪.‬‬
‫وفي إطار تنظيم طرق الطعن عمدت التشريعات املسطرية إلى تنويع طرق الطعن مراعية تدرج مراتب‬
‫القضاة‪ ،‬وتباين أوضاع املتظلمين من أحكامهم‪ ،‬كما تصورت لكل طعن غاية محددة ووضعت له‬
‫ً‬
‫شروطا وقواعد بما يخدم الغاية من سنه‪.‬‬
‫وهكذا تم التمييز بين قضاء ابتدائي قابل للمراجعة وآخر نهائي يستبعدها ‪-‬املراجعة – ‪،‬وبين أخطاء‬
‫ً‬
‫الواقع‪ ،‬وأخطاء القانون‪ ،‬فأصبح الطعن باالستئناف يقدم في مواجهة القضاء املبتدأ أيا كان خطأه –‬
‫سواء في الواقع أو القانون ‪ ،-‬وغذا النقض وسيلة ملراقبة أخطاء القانون املتصلة باألحكام االنتهائية‪.5‬‬
‫ولقد هيمنت على نظام الطعن باالستئناف والنقض فكرة أساسية‪ ،‬وهي إعادة طرح النزاع أمام‬
‫محكمة أعلى درجة للبت فيه من جديد وإصالح العيوب واألخطاء التي تكون قد شابت قضاء الدرجة‬

‫‪ -1‬من رسالة سيدنا عمر بن الخطاب إىل أيب األشعري قايض الكوفة‪.‬‬
‫‪ -‬ملزيد من اإليضاح حول هذه الرسالة ا ُنظر‪ :‬أحمد سحنون‪ ،‬رسالة القضاء ألمري املؤمنني عمر بن الخطاب‪ ،‬ريض الله عنه‪ ،‬دراسة توثيق‬
‫وتحقيق‪( ،‬إ‪ .‬م‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2991‬‬
‫‪ -2‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب الجزء األول‪ ،‬حق االستئناف‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬ص‪. 3‬‬
‫‪ -3‬مجبول اسم مفعول من فعل جبل‪ ،‬ويقال مجبول عىل فعل الخري أي مطبوع عليه‪ .‬وجبل الله خلقه‪ .‬أي خلقه وفطره‪ ،‬و ُجبل اإلنسان‬
‫عىل هذا األمر أي طُبع عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ا ُن ظر معجم جامل الدين ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬مطبعة دار صادر‪ ،2991 ،‬ص ‪.711‬‬
‫‪ -4‬روي عن أم سلمة ريض الله عنها‪ ،‬أن رسول الله صىل الله عليه وسلم قال‪" :‬إمنا أنا برش‪ ،‬وإنكم تختصمون إيل‪ ،‬ولعل بعضكم أن‬
‫يكون ألحن بحجته من بعض‪ ،‬فأقيض له بنحو ما أسمع‪ ،‬فمن قضيت له بحق أخيه‪ ،‬فإمنا أقطع له قطعة من النار‪".‬‬
‫‪ -5‬ولقد متت مراعاة األوضاع الخاصة لبعض املتقاضني‪ ،‬فخُص الغائبون بحق التعرض‪ ،‬واعرتف للغري بإمكانية االعرتاض عىل األحكام‬
‫والقرارات إذا مل يتدخلوا قبل صدورها‪.‬‬

‫‪02‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫األدنى‪ ،‬مشكال بذلك – نظام الطعن باالستئناف والنقض – طريقا أو وسيلة إلصالح األحكام والقرارات‬
‫َّ‬
‫القضائية‪ ،‬ليس إال‪.‬‬
‫غير أن األصوات تعالت ونادت بضرورة إدخال تعديل على هذا الهدف‪ ،‬قصد إعطاء الطعن‬
‫باالستئناف والنقض وظيفة جديدة تقوم إلى جانب الوظيفة التقليدية‪ ،‬وترمى إلى جعلهما وسيلتان‬
‫إلنهاء النزاع دون الحاجة للعودة مرة ثانية إلى محاكم األدنى درجة‪ ،6‬وهو ما استجابت له التشريعات‬
‫املسطرية من خالل ابتداعها لنظام التصدي‪.‬‬
‫أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬
‫بالرغم من أن املشرع املغربي قد عرف نظام التصدي منذ وضع أول قانون إجرائي مدني سنة ‪،70201‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫إال أنه لم يستقر على رؤية واضحة بخصوصه‪ ،‬ذلك أن املشرع كثيرا ما عدل النصوص القانونية‬
‫املنظمة له – بل وألغاها في بعض األحيان – كما أن تنظيمه لهذا النظام تميز بنوع من االقتضاب‬
‫ً‬
‫سواء بالنسبة للتصدي أمام محاكم ثاني درجة‪ 8‬أو بالنسبة ملحكمة النقض‪ ،9‬وهو ما إنعكس سلبا على‬
‫العمل القضائي والفقهي‪.‬‬
‫فعلى مستوى العمل القضائي وفي ظل غياب أي تحديد تشريعي للمقررات القضائية القابلة للتصدي‪،‬‬
‫ودون اإلشارة إلى سلطات محكمة التصدي ودور األطراف أمامها‪ ،‬فإن مواقف املحاكم تضاربت بشأنه‬
‫ولم تستقر على طريقة إعماله أو حاالت اللجوء إليه وما زاد من هذا التعقيد هو طبيعته امللزمة –‬

‫‪ -6‬محمد صابر‪ ،‬األثر الناقل الستئناف األحكام املدنية يف القانون املد‪،‬ي‪ ،‬أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو‪ ،،‬وحدة التكوين والبح‬
‫يف القانون املد‪،‬ي‪ ،‬جامعة القايض عياض‪ ،‬تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬مراتش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1020/1009‬ص ‪.5‬‬
‫‪ -7‬تانت املادة ‪ 132‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬م تنص عىل أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه باالستئناف يجوز لها أن تتصدى‬
‫للحكم يف الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للحكم فيها‪".‬‬
‫‪ -8‬سنستعمل يف دراستنا هاته عبارة "محاتم ثا‪،‬ي درجة" بدل عبارة "محكمة االستئناف" والتي ميكن أن يفهم منها أن التصدي قارص‬
‫عىل محاتم االستئناف العادية‪ ،‬دون نظريتها محاتم االستئناف اإلدارية ومحاتم االستئناف التجارية‪ ،‬بل إن هذا النظام مخول حتى‬
‫للغرفة االستئنافية باملحكمة االبتدائية‪ ،‬لذلك فإننا نفضل استعامل العبارة األوىل‪ ،‬ألنها تشمل جميع الجهات القضائية املخول لها نظام‬
‫التصدي‪.‬‬
‫‪ -9‬سيالحظ القارئ أننا نستعمل يف بعض األحيان مصطلح املجلس األعىل والحال أن املرشع عوض هذا املصطلح مبصطلح محكمة‬
‫النقض‪ ،‬وذلك مبوجب القانون رقم ‪ 55‬لسنة ‪ 1022‬املتعلق مبحكمة النقض‪ ،‬واملغري مبوجبه الظهري الرشيف رقم ‪ 2-51-113‬الصادر يف ربيع‬
‫األول ‪ 11( 2311‬سبتمرب ‪ )2951‬بشأن املجلس األعىل ج‪ .‬ر‪.‬ع‪ ، 2959 .‬بتاريخ ‪ 12‬أتتوبر ‪ ،1022‬ص ‪ ،5115‬والسبب يف ذلك هو أن‬
‫النصوص القانونية ال تزال تتحدث عن املجلس األعىل‬
‫رغم تغيري التسمية‪ ،‬فضالً عن أن عددا ً من القرارات التي أوردناها يف هذه الدراسة ترجع إىل مرحلة ما قبل تغيري التسمية سنة ‪.1022‬‬

‫‪03‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫َّ‬
‫بالنسبة ملحاكم ثاني درجة – إذ أن املحكمة تكون ملزمة بالتصدي إذا ما تحققت شروطه وإال كانت‬
‫منكرة للعدالة‪.10‬‬
‫أما على مستوى العمل الفقهي فإن املالحظة األساسية التي نسجلها هي فراغ الخزانة القانونية املغربية‬
‫َّ‬
‫من أي مرجع متخصص في دراسة هذا النظام اللهم بعض اإلشارات في بعض املراجع والتي تناولته‬
‫كأثر من آثار الطعن باالستئناف فقط‪ ،‬والسبب في ذلك – حسب اعتقادنا – هو موقف املشرع املتردد‬
‫ً‬
‫بخصوصه‪ ،‬ذلك أن مشرعنا املغربي كثيرا ما يتدخل لتعديل النص القانوني املنظم له‪ .‬وهو ما ال‬
‫يشجع الباحثين على دراسته‪ ،‬مخافة أن تصبح دراساتهم في حكم العدم بمجرد أول تعديل تشريعي‪،‬‬
‫خاصة بالنسبة لتصدي محكمة النقض الذي ال يكتفي املشرع بتغيير النص القانوني املنظم له بل‬
‫يلغيه‪.‬‬
‫غير أن أهم سبب دفعنا إلى اختيار هذا املوضوع هو ظاهر هذا النظام الذي يتسم بالبساطة وهي‬
‫البساطة التي تخفي ورائها أسئلة جوهرية تتسم بالتعقيد وتفصح عن األهمية التي يتميز بها‪.‬‬
‫لكل هذه األسباب‪ ،‬فإننا اخترنا الغوص في بحث نظام التصدي كأول دراسة متخصصة فيه في املغرب‪،‬‬
‫ً‬
‫آملين أن تكون هذه الدراسة نقطة بدء ألبحاث تأتي بعدها أكثر عمقا‪ ،‬لإلملام بالجزئيات ودقائق‬
‫األمور‪ ،‬والستكمال اإلجابة عن األسئلة التي سنطرحها‪ ،‬والتي مهما اتسعت – اإلجابة – فإنها لن‬
‫تستطيع اإلحاطة بكل جوانب نظام التصدي املتشعبة‪.‬‬
‫أهمية املوضوع‬
‫إن موضوع التصدي في ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬وعلى غرار باقي مواضيع القانون اإلجرائي املدني‪ ،‬ال يخلو من أهمية‬
‫قانونية واقتصادية واجتماعية‪ ،‬ويتجلى ذلك من خالل ما يلي‪:‬‬
‫* األهمية القانونية‪ :‬وتتجلى في القصور التشريعي الذي يعرف تنظيم هذا النظام في ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م ولذلك‬
‫فإن الغاية من هذه الدراسة هي الخروج بتوصيات واقتراحات تحث املشرع على التدخل من أجل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تنظيم هذا النظام تنظيما شامال حاسما لكل اإلشكاالت التي يطرحها على مستوى العمل القضائي‬
‫والفقهي‪.‬‬
‫* األهمية االقتصادية‪ :‬والتي تتمثل في أن تخويل محكمة الطعن سلطة حسم النزاع بالتصدي‬
‫للقضية دون إحالتها يؤدي إلى االقتصاد في نفقات التقاض ي‪ ،‬ذلك أن عدم تخويل سلطة التصدي‬
‫للمحكمة سيحتم عليها إحالة امللف من جديد على محكمة اإلحالة وهو ما يترتب عنه الزيادة في نفقات‬
‫التقاض ي وهدر الوقت واإلجراءات سواء بالنسبة للمتقاضين أو بالنسبة ملرفق القضاء‪.‬‬

‫‪ -10‬ينص الفصل ‪ 391‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م عىل أنه "يعترب القايض منكرا للعدالة إذا رفض البت يف املقاالت أو أهمل إصدار األحكام يف القضايا‬
‫الجاهزة بعد حلول دور تعيينها يف الجلسة‪".‬‬

‫‪04‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫* األهمية االجتماعية‪ :‬إن األهمية االجتماعية لنظام التصدي تتجلى أساسا في تدعيم ثقة األفراد في‬
‫مرفق القضاء‪ ،‬لكون الشخص ال يلجأ إلى املحاكم للحصول على حكم يتعلق بحق إجرائي‪ ،‬وإنما‬
‫للحصول عن طريق اإلجراءات على الحماية القضائية لحق موضوعي‪ ،‬وبالتالي ال يجوز أن تؤدي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلجراءات إلى ضياع الحقوق أو تأخير البت فيها أو جعل الحصول عليها مكلفا إعماال بمبدأ عدالة قليلة‬
‫النفقات‪ ،‬يسيرة اإلجراءات‪.‬‬
‫نطاق البحث‪:‬‬
‫بادئ ذي بدء وحتى ال يقع أي لبس قد يوحي به عنوان الرسالة‪ ،‬فإننا نبادر إلى القول أن دراستنا لن‬
‫تتناول كل حاالت التصدي في ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،‬بل إننا سنقتصر فقط على حاالت تصدي محاكم ثاني درجة‬
‫وحاالت تصدي محكمة النقض للقضايا الصادر بشأنها أحكام وقرارات قضائية دون تصدي محاكم‬
‫ثاني درجة للقضايا التي نظر فيها املحكمين‪.11‬‬
‫ً‬
‫ونظرا للطبيعة الخاصة للموضوع وارتباطه الوثيق بالواقع العملي‪ ،‬فإننا سنحاول الخروج عن الدراسة‬
‫الوصفية النظرية إلى الدراسة العملية التطبيقية املستوحاة من صميم العمل القضائي‪ ،‬كما سنحاول‬
‫جعل هذه الدراسة دراسة مقارنة من خالل التركيز على مقتضيات التشريع الفرنس ي واملصري‪،‬‬
‫باإلضافة إلى مواقف محكمة النقض بخصوص نظام التصدي في ظل التشريعين معا‪.‬‬
‫صعوبات البحث‪:‬‬
‫البد من اإلشارة إلى أنني أثناء إعداد هذا العمل واجهتني صعوبات عديدة لعل أبرزها‪:‬‬
‫‪ ‬قلة املراجع الخاصة والدراسات األكاديمية من رسائل وأطروحات ومقاالت املتخصصة في‬
‫املوضوع‪ ،‬والتي يمكن االعتماد عليها كأساس للبحث‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ‬تشعب فروع هذا املوضوع‪ ،‬وهو ما جعلنا نقض ي وقتا طويال في جمع شتاته‪ ،‬وأوقعنا في خطأ‬
‫الكم والذي حاولنا – قدر اإلمكان – تفاديه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬التغييرات التشريعية املتتالة لهذا النظام خصوصا في التشريع املغربي والفرنس ي‪ ،‬كان آخر‬
‫سنة ‪ ،9102‬مما ألزمنا بضرورة تحيين املراجع – على قلتها – التي تناولت املوضوع باقتضاب‪.‬‬
‫‪ ‬ندرة العمل القضائي بالنسبة لتصدي محكمة النقض‪.‬‬

‫‪ -11‬عىل اعتبار أن املرشع املغريب أوجب عىل محاتم ثا‪،‬ي درجة البت يف جوهر النزاع إذا ما أبطلت الحكم التحكيمي وذلك مبوجب‬
‫الفصل ‪ 31-311‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م والذي جاء فيه "إذا أبطلت محكمة االستئناف الحكم التحكيمي تبت يف جوهر النزاع يف إطار املهمة‬
‫املسندة إىل الهيئة التحكيمية‪ ،‬ما مل يصدر حكم باإلبطال لغياب اتفا‪ ،‬التحكيم أو بطالنه‪".‬‬

‫‪05‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫إشكالية املوضوع‪:‬‬
‫غني عن البيان أن النظام القضائي املغربي يقوم على مبدأ التقاض ي على درجتين والذي يعطي‬
‫للشخص الحق في طرح نزاعه أمام محكمة الدرجة األولى‪ ،‬وبعد بتها في النزاع يكون من حقه طرحه من‬
‫جديد أمام محكمة الدرجة الثانية التي تكون ملزمة بالبت في حدود ما تم الفصل فيه من قبل قضاة‬
‫ً‬
‫الدرجة األولى إعماال ملبدأ األثر الناقل لالستئناف‪ُ ،‬ويخول لقاض ي الدرجة الثانية في سبيل ذلك نفس‬
‫الصالحيات التي كان يتمتع بها قاض ي الدرجة األولى‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫إال أن هذا األثر الناقل قد يكون نطاقه محدودا في إطار معين‪ ،‬بحيث ال يتعداه إلى جميع عناصر‬
‫القضية‪ ،‬فاقتصار محكمة الدرجة األولى على البت في شكل الدعوى فقط‪ ،‬يلزم محكمة ثاني درجة‬
‫ً‬
‫عند نظرها في النزاع بالبت في حدود ما تم الفصل فيه ابتدائيا‪ ،‬أي والحالة هذه تقتصر فقط على نظر‬
‫الجانب الشكلي للدعوى‪ ،‬دون موضوعها الذي لم ينظر فيه قاض ي الدرجة األولى‪ ،‬حتى ال يحرم‬
‫الطاعن من درجة من درجات التقاض ي‪ ،‬ألن بت محكمة الدرجة الثانية – في هذه الحالة – في موضوع‬
‫الدعوى الذي لم يفصل فيه قاض ي الدرجة األولى لبته في شكلها فقط فيه تفويت عليه على درجة من‬
‫ً‬
‫درجات التقاض ي‪ .‬وبذلك فإن قاض ي الدرجة الثانية بعد بته في شكل الدعوى يكون ملزما بإعادة‬
‫ً‬
‫موضوع الدعوى إلى قاض ي الدرجة األولى ليفصل فيه‪ ،‬احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين واألثر الناقل‬
‫لالستئناف وهو ما يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات‪.‬‬
‫ولتفادي إطالة هذا األمد فقد أوجدت التشريعات نظام التصدي الذي أصبح بمقتضاه ملحكمة الطعن‬
‫إمكانية نظر موضوع الدعوى وإن لم يتم نظره من قبل قضاة الدرجة األولى وهو ما فيه تفويت على‬
‫ً‬
‫واعتداء على مبدأ األثر الناقل والتقاض ي درجتين مما طرح معه‬ ‫الخصوم لدرجة من درجات التقاض ي‪،‬‬
‫ً‬
‫التساؤل حول الغاية من سن هذا النظام؟ وهل هو نظام جاء بديال عن األثر الناقل أم ال؟ وإذا كان‬
‫ً‬
‫الجواب بالنفي‪ ،‬فما هي الحدود الفاصلة بينهما خصوصا في ظل طبيعتهما امللزمة؟ وما املقصود‬
‫بجاهزية الدعوى‪ ،‬كشرط وجوب التصدي؟ ومتى تكون الدعوى جاهزة؟ وما هي األحكام املطعون فيها‬
‫القابلة للتصدي؟ باإلضافة إلى ذلك فإن املشرع ميز في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م بين مصطلحي اإللغاء‬
‫واإلبطال وهو ما يدعونا إلى البحث عن الفرق بين املصطلحين؟ ومتى يجب على املحكمة أن تستعمل‬
‫أحدهما دون اآلخر؟ وما هي سلطات محكمة التصدي؟ وما هو دور األطراف أمامها؟ وهل لتصديها تأثير‬
‫على قبول تدخل الغير في الدعوى وإدخاله؟‬
‫ويوجد على رأس الهرم القضائي املغربي محكمة للنقض يقتصر دورها فقط على مراقبة مدى حسن‬
‫تطبيق محاكم املوضوع للقانون‪ ،‬فتعتبر بذلك – محكمة النقض – محكمة قانون وليس واقع‪ ،‬فهي ال‬
‫تفصل في وقائع النزاع‪ .‬إذ عليها إذا ما نقضت الحكم أو القرار أن تحيله إما على املحكمة املصدر له أو‬
‫َّ‬
‫إلى محكمة أخرى من نفس درجتها‪ ،‬إال أن املشرع املغربي خرج هذا األصل وأجاز ملحكمة النقض‬

‫‪06‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫إمكانية التصدي للقضية‪ ،‬بشروط محددة وهو ما أثار إشكالية تأثير هذه الرخصة أو الحق على‬
‫طبيعتها كمحكمة قانون؟ فهل تتحول محكمة النقض نتيجة ذلك إلى محكمة واقع أم أن ذلك ال تأثير‬
‫له على طبيعتها األصلية؟ وهو إشكال تتفرع عنه عديد األسئلة الفرعية من قبيل شروط ممارسة هذا‬
‫الحق؟ وهل هي شروط متالزمة ال يغني توفر أحدها عن اآلخر؟ وإذا كانت محكمة النقض ملزمة عند‬
‫تخلفها –الشروط –بضرورة إحالة الدعوى إلى محكمة اإلحالة؟ فإننا نتساءل عن سلطات محكمة‬
‫اإلحالة وما هي القيود الواردة عليها؟ وما مدى إمكانية الطعن في قراراتها وقرارات محكمة النقض‬
‫القاضية بالنقض والتصدي؟‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫حتى نتمكن من اإلحاطة بكل جوانب املوضوع ونجيب على كل اإلشكاالت واألسئلة الجزئية املطروحة‪،‬‬
‫فإننا سنقسم موضوعنا إلى فصلين رئيسيين‪ ،‬نخصص أولهما للحديث عن تصدي محكمة ثاني درجة‬
‫ً‬
‫للبت في القضية من خالل الوقوف عند شروط التصدي بدءا من شرط إبطال أو إلغاء الحكم‬
‫املطعون فيه‪ ،‬وذلك بتبيان الفرق بين مصطلحي اإلبطال واإللغاء‪ ،‬واألحكام القابلة للتصدي‪ ،‬ثم شرط‬
‫جاهزية الدعوى‪ ،‬الذي سنحاول استجالء مفهومه وحاالت تحققه‪ ،‬باإلضافة إلى القوة امللزمة لقرارات‬
‫محاكم ثاني درجة القاضية باإلرجاع ملحاكم أول درجة‪ ،‬عند تعذر التصدي لتخلف أحد شروطه‪ ،‬قبل‬
‫أن ننتقل للتطرق إلى آثار تصدي محكمة ثاني درجة‪ ،‬وذلك بالحديث عن سلطاتها عند ممارسة واجبها‬
‫في التصدي للقضية‪ ،‬ودور أطراف الخصومة أمامها مختتمين هذا الفصل باإلجابة عن سؤال مدى‬
‫تأثير تصديها على قبول طلبات التدخل واإلدخال‪.‬‬
‫في حين نخصص ثاني الفصول لتصدي محكمة النقض‪ ،‬حيث سنحاول –قدر اإلمكان –اإلحاطة بكل‬
‫اإلشكاالت التي يثيرها هذا النظام أمامها وخاصة تأثيره على طبيعتها كمحكمة قانون وحاالت تصديها‬
‫للبت في القضية وشروط ذلك على أن نختم هذا الفصل بالحديث عن الطعن في قراراتها القاضية‬
‫بالنقض والتصدي‪ ،‬وعن سلطات محكمة اإلحالة والقيود الواردة عليها‪.‬‬
‫ولقد رأينا أن نمهد لكل هذا بفصل تمهيدي نخصصه لدراسة التنظيم القانوني لنظام التصدي‬
‫ومفهومه وخصائص ثم أسسه ونطاقه‪.‬‬
‫ً‬
‫وتبعا لذلك فإن خطة البحث ستكون وفق التالي‪:‬‬

‫‪ ‬فصل تمهيدي‪ :‬مفهوم التصدي ونطاقه‪.‬‬


‫‪ ‬الفصل األول‪ :‬تصدي محكمة ثاني درجة للقضية‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬تصدي محكمة النقض للقضية‪.‬‬

‫‪07‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫فصل تمهيدي‪ :‬مفهوم نظام التصدي ونطاقه‬


‫كانت محاكم ثاني درجة ومحكمة النقض ملزمة في حالة إلغائها للحكم االبتدائي البات في شكل‬
‫الدعوى‪- 12‬محاكم ثاني درجة – أو نقضها للقرار االستئنافي – محكمة النقض – بإرجاع امللف إلى‬
‫ً‬
‫املحكمة املصدرة له لتبت فيه من جديد في ضوء ما جاء في قرار اإلحالة‪ ،‬غير أن هذه األخيرة غالبا ما‬
‫كانت ال تتقيد بما جاء في قرار اإلحالة هذا‪ ،‬وخاصة إذا كان غير مبرر‪ ،‬فتبت في امللف بمثل ما قضت‬
‫به في حكمها أو قرارها امللغى أو املنقوض‪ ،‬مما كان يعرض مقررها القضائي للطعن من جديد‪.‬‬
‫وفي ظل غياب أي سلطة لحسم النزاع كانت محاكم الطعن في هذه الحالة ملزمة مرة أخرى عند إلغاء‬
‫ً‬
‫أو نقضها للحكم أو القرار بإحالة امللف إلى املحكمة املصدرة له مشكلة تشكيال جديدا أو إلى محكمة‬
‫أخرى من نفس درجتها‪ ،‬وهو ما كان يؤدي إلى طول اإلجراءات وإثقال كاهل املتقاضين بنفقات‬
‫التقاض ي‪ ،‬ونتيجة لذلك لجأت التشريعات إلى تبني نظام التصدي والذي يتيح ملحكمة الطعن إمكانية‬
‫حسم النزاع بالتصدي للقضية إذا ما توفرت شروط ذلك‪ ،‬دون إرجاع امللف‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد كان معموال بنظام التصدي من قبل مجمع أساقفة ال تران في إطار القانون الكنس ي منذ سنة‬
‫ً‬
‫‪ ، 0901‬ومنه انتقل إلى القوانين‪ ،‬وكان هذا النظام يسمى بالتصدي املتعلق بالقانون تمييزا له عن‬
‫التصدي املتعلق بالعفو املترتب عن الرسائل املسماة رسائل "كوميتيموس" والذي كان – التصدي‬
‫املتعلق بالعفو – يخول ألصحاب النفود وحدهم إمكانية إبعاد خصومهم عن محكمتهم العادية إلى‬
‫محكمة أخرى أعلى منها في القيمة والدرجة‪.‬‬
‫ً‬
‫أما التصدي املتعلق بالقانون فقد كان مقررا لجميع األطراف وليس ألصحاب النفود فقط‪ ،‬وذلك‬
‫حد للنزاع واملسطرة التي ستظل جارية إن لم يتم اللجوء إلى التصدي‪ ،‬ألن من شأن إلغاء‬ ‫بهدف وضع ٍ‬
‫الحكم املطعون فيه مع إحالته على املحكمة املصدرة له‪ ،‬ثم يتم الطعن فيه بعد ذلك أن يؤدي إلى‬
‫إطالة أمد النزاع الذي لن يحول دون استمراره سوى اللجوء إلى نظام التصدي عن طريق تخويل‬
‫حد له‪.13‬‬
‫محكمة الطعن صالحية البت في موضوع النزاع قصد وضع ٍ‬
‫وعلى هذا األساس فإن القانون الكنس ي لسنة ‪ 0901‬يعتبر أول قانون سن نظام التصدي‪ ،‬قبل أن‬
‫يتبناه املشرع الفرنس ي بمقتض ى الفصل ‪ 421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق‪ ،‬ومنه انتقل إلى باقي التشريعات‪ ،‬غير أن‬
‫هذه األخيرة قد اختلفت في هذا النقل أو التبني‪ ،‬مما أثر على مواقف الفقه بشأن تحديد مدلوله‬
‫(املبحث األول) وحصر نطاقه (املبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪ -12‬ألن إلغاء حكم بت يف موضوع الدعوى يلزم محاتم ثا‪،‬ي درجة بالفصل يف النزاع دون إرجاع امللف إىل املحكمة املصدرة له إعامالً‬
‫لألثر الناقل الذي يلزم محاتم االستئناف بالبت يف حدود ما تم الفصل فيه ابتدائياً‪.‬‬
‫‪ -13‬محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.152‬‬

‫‪08‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التنظيم التشريعي لنظام التصدي ومدلوله‬


‫سبق ورأينا أن الغاية األساسية التي دفعت التشريعات إلى تبني نظام التصدي هي تخويل محكمة‬
‫حد له من غير الحاجة إلى إرجاع امللف إلى محكمة اإلحالة ‪ ،‬وذلك في‬ ‫الطعن سلطة إنهاء النزاع بوضع ٍ‬
‫حالة إلغاء املقرر القضائي الصادر بشأنه أو نقضه‪ ،‬وهي غاية استلزمت من ورائها هذه التشريعات‬
‫تحقيق هدف أسمى وأهم وهو االقتصاد في اإلجراءات وتقليص نفقات ووقت املتقاضين‪.‬‬
‫َّ‬
‫لكن وبالرغم من استحضار جل التشريعات لهذه الغاية عند تنظيمها لنظام التصدي‪ ،‬إال أنها لم تتفق‬
‫مع ذلك على تحديد مرحلة تحقيقها‪ ،‬فهناك من استحضر هذا املبتغى عند سنه للقواعد اإلجرائية‬
‫املنظمة للطعن باالستئناف فخول ملحاكم ثاني درجة وحدها التصدي للنزاع كالتشريع الفرنس ي‪،‬‬
‫َّ‬
‫وهناك من لم يستحضر تحقيق هذا الهدف إال عند وضعه لقواعد الطعن بالنقض‪ ،‬فأوجب على‬
‫محكمة النقض التصدي للدعوى بقصد حسمها‪ ،‬دون أن يجيز هذا النظام ملحاكم ثاني درجة كاملشرع‬
‫املصري‪ ،‬بينما هناك من جمع بين املوقفين السابقين‪ ،‬فأوجب على محاكم ثاني درجة التصدي‬
‫للقضية في حين أجاز ذلك ملحكمة النقض كاملشرع املغربي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتبعا لهذا االختالف التشريعي بخصوص نظام التصدي‪ ،‬فقد اختلفت أيضا مواقف الفقه بشأنه‪،‬‬
‫ذلك أن كل فقه تأثر بموقف مشرعه سواء أثناء وضعه لتعريف لنظام التصدي أو عند تحديد‬
‫خصائصه وأسسه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبناء على كل ما سبق فإننا سنحاول من خالل هذا املبحث الحديث أوال عن التنظيم التشريعي لنظام‬
‫التصدي وذلك بمقارنة موقف تشريعنا املغربي ببعض التشريعات املقارنة بخصوص هذا التنظيم‬
‫(املطلب األول)‪ ،‬قبل استعراض التضارب الفقهي بشأن تحديد ماهيته (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪09‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التنظيم التشريعي لنظام التصدي‬


‫إذا كانت جل التشريعات قد نظمت نظام التصدي في قوانينها املدنية اإلجرائية‪ ،‬فإنها مع ذلك قد‬
‫ً‬
‫اختلفت حول نطاقه فمنها من جعله قاصرا على محكمة ثاني درجة‪ ،‬ومنها من أجازه ملحكمة النقض‬
‫استثناء‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫دون غيرها‪ ،‬وهناك من خوله ملحاكم ثاني درجة ومحكمة النقض دون‬
‫وأساس اختالف هذه التشريعات بخصوص التصدي أمام محاكم ثاني درجة مرده باألساس اختالف‬
‫نظرة كل مشرع إلى نظام الطعن باالستئناف‪ ،‬فمن يرى في هذا الطريق من طرق الطعن مجرد وسيلة‬
‫ً‬
‫ملراقبة وإصالح قضاء ابتدائي س يء‪ ،‬فقد منع نظام التصدي احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين‪ ،‬أما‬
‫ً‬
‫من يرى في هذا الطعن وسيلة إلنهاء النزاع فقد أجاز التصدي‪ ،‬بل ومنها من جعله واجبا‪ ،‬ملا يحققه من‬
‫سرعة واقتصاد في النفقات واإلجراءات (الفقرة األولى)‪.‬‬
‫أما االختالف حول إجازة نظام التصدي أو منعه بالنسبة ملحكمة النقض‪ ،‬فإن ذلك راجع بالدرجة‬
‫األولى إلى طبيعة هذه املحكمة في ظل كل تشريع‪ ،‬فمن يعتبرها محكمة قانون فقط لم يسمح لها‬
‫بالتصدي‪ ،‬أما من يعتبرها ذات طبيعة مزدوجة أي أنها محكمة قانون وواقع‪ ،‬فقد أجاز لها اللجوء إلى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التصدي‪ ،‬بل هناك من اعتبر هذا النظام واجبا والتزاما تتحمل به محكمة النقض (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التنظيم التشريعي لتصدي محاكم ثاني درجة‬


‫لبحث مسألة التنظيم التشريعي لنظام التصدي أمام محكمة ثاني درجة‪ ،‬فإننا سنحاول التعرض‬
‫ملوقف التشريع املقارن (أوال) قبل الوقوف عند موقف املشرع املغربي (ثانيا) من هذا التنظيم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬موقف التشريع املقارن‬


‫سنستعرض موقف املشرع الفرنس ي (‪ )0‬ثم موقف املشرع املصري (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬موقف املشرع الفرنس ي‬
‫أجاز املشرع الفرنس ي بمقتض ى املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج ملحكمة ثاني درجة التصدي ملوضوع النزاع‪،‬‬
‫إذا رأت أن مصلحة العدالة تقتض ي إعطاء حل نهائي للنزاع‪ ،‬وذلك بعد إلغائها أو إبطالها للحكم‬
‫املستأنف‪ ،‬حسب ما جاء في املادة املذكورة والتي تنص – بترجمتنا الشخصية – على ما يلي "إذا‬
‫أبطلت أو ألغت محكمة االستئناف حكم أمر بإجراء من إجراءات التحقيق‪ ،‬أو بت في دفع شكلي‪ ،‬وأنهى‬
‫الخصومة‪ ،‬فإنها تستطيع أن تتصدى لجميع املسائل التي لم يتم الفصل فيها‪ ،‬إذا رأت أن مصلحة‬

‫‪21‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫العدالة تقتض ي إعطاء حل نهائي للقضية‪ ،‬وذلك بعد أن تأمر من تلقاء نفسها بإتخاذ ما يلزم من‬
‫إجراءات التحقيق‪"14.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولقد عرف نظام تصدي محكمة ثاني درجة للموضوع في ظل التشريع الفرنس ي تطورا ملحوظا‪ ،‬فبعدما‬
‫ّ‬
‫كان املشرع الفرنس ي ال يجيز ملحكمة ثاني درجة التصدي إال إذا ألغت الحكم املطعون فيه وكانت‬
‫الدعوى جاهزة للبت فيها مع بتها في النزاع بحكم واحد‪ ،‬وذلك بمقتض ى املادة ‪ 15421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق‪،‬‬
‫جاءت تعديالت مرسوم ‪ 0229‬لتلغي كل هذه الشروط‪ ،‬إذ أصبح ملحكمة ثاني درجة بمقتض ى هذا‬
‫املرسوم الحق في التصدي ملوضوع النزاع‪ ،‬سواء ألغت الحكم املستأنف أو أيدته‪ ،‬مع تخويلها سلطة‬
‫اللجوء إلى إجراءات التحقيق لتجهيز القضية في حالة عدم جاهزيتها‪ .‬وهي الصيغة التي انتهى إليها‬
‫قانون املسطرة املدنية الفرنس ي الحالي بمقتض ى املادة ‪ ،16815‬قبل تعديل هذه األخيرة ليصبح نظام‬

‫‪F «Lorsque la cour d’appel infirme ou annule un jugement qui a ordonné une mesure .568 du N.C.P.C Art -14‬‬
‫‪d’instruction, ou qui, statuant sur une exception de procédure, a mis fin à l’instance, elle peut évoquer les points‬‬
‫‪donner à l’affaire une solution définitive, après avoir ordonné elle- non jugés si elle estime de bonne justice de‬‬
‫‪» ..même, le cas échéant, une mesure d’instruction.‬‬
‫‪ -15‬تانت املادة ‪ 713‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪ ،.‬تنص عىل ما ييل "عند استئناف حكم متهيدي‪ ،‬ويف حالة إلغائه‪ ،‬وعندما تكون القضية قابلة‬
‫لحل نهايئ‪ ،‬يجوز ملحاتم االستئناف البت يف جوهر النزاع تذلك وبحكم واحد‪ ،‬ويرسي نفس الحكم تذلك يف الحاالت التي تلغي‬
‫فيها محكمة االستئناف حكامً قطعيا ً ِ‬
‫لعيب شكيل أو ألي سبب آخر" ترجمة عبد العزيز حرضي‪ ،‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع‬
‫املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ .117‬والنص بلغته األصلية ينص عىل ما ييل‪:‬‬
‫‪« lorsqu’il y aura appel d’un jugement interlocutoire. Si le jugement est infirme, et que lé matière est disposée à‬‬
‫‪recevoir une décision définitive, les cours d’appel et autres tribunaux d’appel pourront statuer en même temps sur‬‬
‫‪le fond définitivement par un seul et même jugement, il ne sera de même dans le cas où les cours d’appel et‬‬
‫‪d’autres tribunaux d’appel infirmeraient, soit pour vice de forme, soit pour toute autre cause des jugements‬‬
‫»‪définitifs.‬‬
‫‪ -16‬تانت املادة ‪ 525‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف قبل تعديلها تنص عىل ما ييل "عندما يرد االستئناف عىل حكم أمر باتخاذ إجراء من إجراءات‬
‫التحقيق‪ ،‬أو حكم بت يف دفع شكيل‪ ،‬ووضع نهاية للخصومة‪ ،‬ميكن ملحكمة االستئناف أن تتصدى لجميع املسائل التي مل يتم الفصل‬
‫فيها إذا رأت أن مصلحة العدالة تقتيض إعطاء حل نهايئ للقضية‪ ،‬وذلك بعد أن تأمر من تلقاء نفسها باتخاذ ما يلزم من إجراءات‬
‫التحق يق" ترجمة عبد العزيز حرضي ‪ ،‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪ .112‬والنص بلغته‬
‫األصلية ينص عىل ما ييل‪:‬‬
‫‪« Lorsque la cour d’appel est saisi d’un jugement qui a ordonné une mesure d’instruction, ou d’un jugement qui‬‬
‫‪statuant sur une exception de procédure a mis fin à l’instance, elle peut évoquer les points non jugés si elle estime‬‬
‫‪de bonne justice de donner à l’affaire une solution définitive, après avoir ordonné elle-même le cas échéant une‬‬
‫» ‪mesure d’instruction.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫التصدي جائزا فقط في حالة اإللغاء أو اإلبطال دون حالة تأييد الحكم املطعون فيه باالستئناف‪،‬‬
‫وذلك بمقتض ى املادة ‪ 09‬من مرسوم رقم ‪ 9102-520‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬ماي ‪.9102‬‬

‫‪ -2‬موقف املشرع املصري‬


‫بالنسبة للمشرع املصري‪ ،‬فإنه بعد أن كان يجيز حق التصدي ملحاكم ثاني درجة بمقتض ى املادتين‬
‫‪ 17121‬و ‪ 18120‬من قانون املرافعات األصلي الصادر بتاريخ ‪ 01‬نونبر ‪ ،0551‬عاد وألغى هذا الحق‬
‫بمقتض ى قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم ‪ 22‬لسنة ‪ ،0242‬وسلك نفس النهج كذلك في قانون‬
‫املرافعات الحالي رقم ‪ 01‬لسنة ‪.0251‬‬
‫ولقد ذهب األستاذ فتحي والي في تعليقه على هذا املنع أو اإللغاء إلى القول بأن نظر موضوع الدعوى‬
‫من طرف املحكمة االستئنافية مشروط بأن تكون محكمة أول درجة قد نظرت في هذا املوضوع‪ ،‬فإذا‬
‫كانت هذه املحكمة قد استغنت عن نظر الدعوى بعد قضائها ببطالن رفعها أو بطالن إعالن صحيفتها‪،‬‬
‫أو بأن املحكمة ال والية لها أو غير مختصة‪ ،‬أو كانت قد قضت بعدم قبول نظر الدعوى سواء لسبب‬
‫إجرائي أو لسبب موضوعي‪ ،‬فإن املحكمة االستئنافية يجب أن تقتصر على إلغاء حكم أول درجة فليس‬
‫ّ‬
‫لها أن تتصدى لنظر موضوع لم يبحث من محكمة أول درجة وإال خالفت مبدأ التقاض ي على درجتين‬
‫وتعتبر هذه املسألة متعلقة بالنظام العام‪ ،‬فيعتبر حكم املحكمة االستئنافية الذي يتصدى بالنظر‬
‫ً‬
‫لدعوى لم تنظر أمام محكمة أول درجة باطال لفصله في مسألة ال تدخل في اختصاص محكمة الدرجة‬
‫الثانية ولو لم يتمسك الطاعن بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة كما ال يزيل هذا البطالن اتفاق‬
‫الخصوم على خالفه‪ 19‬وهو نفس التوجه الذي أخذت به محكمة النقض املصرية‪.20‬‬

‫‪ -17‬تانت املادة ‪ 310‬من قانون املرافعات األصيل امللغى تنص عىل أنه "إذا حكمت املحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف بإبطال حكم‬
‫من األحكام التمهيدية وتانت الدعوى األصلية صالحة للحكم فيها جاز للمحكمة أن تطلب الدعوى املذتورة وتحكم فيها‪".‬‬
‫‪ -18‬أما املادة ‪ 312‬فقد تانت تنص عىل أنه "ويجوز ذلك أيضا للمحكمة إذا حكمت بإبطال حكم صادر يف مسألة االختصاص أو طلب‬
‫اإلحالة منها عىل محكمة أخرى بسبب إقامة الدعوى بها أو دعوى أخرى مرتبطة بها وتانت الدعوة األصلية صالحة للحكم فيها‪".‬‬
‫‪ -19‬فتحي وايل‪ ،‬الوسيط يف قانون القضاء املد‪،‬ي‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪( ،2993‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬ص ‪ 52‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -20‬جاء يف قرار صادر عن محكمة النقض أنه "أن حكم محكمة االستئناف يكون باطال إذا تصدت للموضوع وترتب عىل ذلك تفويت‬
‫درجة من درجات التقايض وال يزيل ذلك البطالن عدم متسك الطاعن أمامها بطلب إعادة القضية إىل محكمة الدرجة األوىل وذلك ألن‬
‫مبدأ التقايض عىل درجتني من النظام العام ال يجوز للخصوم النزول عليه" نقض ‪ 2917-5-13‬أورده أنور طلبة‪ ،‬الطعن باالستئناف‬
‫والتامس إعادة النظر‪ ،‬دار نرش الثقافة العربية‪( ،‬ع‪.‬س‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬ص ‪.577‬‬

‫‪22‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف املشرع املغربي‪:‬‬


‫لقد سلك املشرع املغربي نهج نظيره الفرنس ي وذلك بسنه لنظام التصدي بالنسبة ملحاكم الدرجة‬
‫ً‬
‫الثانية‪ ،21‬وإن كان يختلف عنه في تحديد طبيعة هذا النظام‪ ،‬إذ أن املشرع املغربي جعل منه واجبا‬
‫ً‬
‫والتزاما‪ ،‬بينما هو في التشريع الفرنس ي – كما سبق ورأينا – مجرد حق أو رخصة يمكن ملحكمة ثاني‬
‫درجة ممارسته أو ال‪ ،‬وهو ما يستفاد من مقتضيات الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح والذي جاء فيه "إذا‬
‫أبطلت أو ألغت غرفة االستينافات باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه‪،‬‬
‫وجب عليها أن تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيه‪".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكما هو الشأن في فرنسا فإن نظام التصدي عرف تطورا كبيرا في ظل التشريع املغربي‪ ،‬فبعدما كان‬
‫نظام التصدي في قانون املسطرة املدنية القديم مجرد رخصة تمارسها محاكم االستئناف في حالة‬
‫إلغائها للحكم املطعون فيه وكانت الدعوة جاهزة للفصل فيها‪ 22‬جاءت تعديالت مسطرة ‪ 0224‬لتغير‬
‫من طبيعة هذا النظام من رخصة إلى واجب مع إضافة مصطلح إبطال الحكم املطعون فيه إلى‬
‫مصطلح إلغائه‪ ،‬وذلك بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م ‪ -‬قبل تعديله – والذي كان ينص على أنه "إذا‬
‫أبطلت أو ألغت محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه وجب عليها أن تتصدى للحكم في الجوهر إذا‬
‫كانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪".‬‬
‫غير أنه بصدور القانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 239101‬املغير واملتمم لقانون التنظيم القضائي‪ 24‬والقاض ي‬
‫ً‬
‫بإحداث غرف لالستينافات باملحاكم االبتدائية‪ 25‬املصنفة‪ .26‬فقد كان لزاما على املشرع املغربي أن‬

‫‪ -21‬نظم املرشع املغريب تصدي محكمة ثا‪،‬ي درجة يف املادة الجنائية مبقتىض املادة ‪ 702‬من ‪.،‬م‪.‬ج‪.‬م والتي تنص عىل أنه "إذا ألغي‬
‫الحكم بسبب خر‪ ،‬اإلجراءات الشكلية التي يقررها القانون‪ ،‬أو بسبب اإلغفال‪ ،‬ومل يقع تدارك األمر تالفيا للبطالن‪ ،‬فإن هيئة‬
‫االستئناف تتصدى للقضية وتبت يف جوهرها‪.‬‬
‫وتتصدى تذلك يف حالة إلغاء حكم رصحت مبقتضاه محكمة الدرجة األوىل خطأ باختصاصها أو بعدم اختصاصها محلياً‪ ".‬ملزيد من‬
‫اإليضاح حول نظام التصدي يف املادة الجنائية‪ ،‬ا ُنظر أيوب الفريني‪ ،‬نظام التصدي يف املادة الجنائية‪ ،‬مقال منشور مبجلة مسارات عدد‬
‫‪ ،5 – 7‬سنة ‪ ،1025‬ص ‪ 707‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -22‬تان الفصل ‪ 132‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،.‬ينص عىل أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه‪ ،‬يجوز لها التصدي للحكم يف‬
‫الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للحكم فيها"‪.‬‬
‫‪ -23‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.22.275‬بتاريخ ‪ 22‬رمضان ‪ 21( 2731‬أغسطس ‪ )1022‬ج‪ .‬ر‪ .‬ع ‪ 5915‬بتاريخ ‪ 2‬شوال ‪ 5( 2731‬سبتمرب ‪ ،)1022‬ص‬
‫‪.7352‬‬
‫‪ -24‬ظهري رشيف مبثابة قانون رقم ‪ 2.17.335‬بتاريخ ‪ 17‬جامدى الثانية ‪ 25( 2397‬يوليوز ‪ )2917‬يتعلق بالتنظيم القضايئ للمملكة ج‪ .‬ر‪ .‬ع‬
‫‪ 3110‬بتاريخ ‪ 12‬جامدى الثانية ‪ 21( 2397‬يوليوز ‪ ،)2917‬ص ‪.1011‬‬
‫‪ -25‬تنص الفقرة األخرية من الفصل ‪ 1‬من ‪.،‬ت‪ ،.‬عىل أنه "تحدث باملحاتم االبتدائية‪ ،‬مبا فيها املصنفة‪ ،‬غرف االستينافات تختص‬
‫بالنظر يف بعض االستينافات املرفوعة ضد األحكام الصادرة عنها ابتدائيا‪".‬‬

‫‪23‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫يعدل قانون املسطرة املدنية لسنة ‪ ،0224‬وفق هذا املستجد‪ ،‬وهو ما تم فعال بمقتض ى القانون رقم‬
‫‪ 18‬لسنة ‪ 910127‬والذي حدد بموجبه املشرع املغربي اختصاصات هذه الغرف واملسطرة أمامها‪ ،‬كما‬
‫ألزمها بنظام التصدي عند إلغائها أو إبطالها الحكم املطعون فيه أمامها وكانت الدعوى جاهزة للبت‬
‫فيها وهكذا أضيفت عبارة "غرفة االستينافات" في صلب الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م في صيغته الحالية‬
‫واملشار إليها أعاله‪.‬‬
‫وبهذا نخلص إذن إلى أن التشريعات اختلفت في تنظيمها لنظام التصدي أمام محكمة ثاني درجة‪،‬‬
‫ً‬
‫فاملشرع املصري منعه احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين‪ ،‬بينما أجازه املشرعان الفرنس ي واملغربي ملا‬
‫واقتصاد في النفقات‪ ،‬غير أن هذه اإلجازة ال تعني االتفاق على طبيعة هذا‬
‫ٍ‬ ‫ائية‬
‫سرعة إجر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يحققه من‬
‫ً‬
‫النظام‪ ،‬ذلك أن املشرع الفرنس ي أضفى عليه الصفة االختيارية‪ ،‬في حين جعله املشرع املغربي واجبا‬
‫ً‬
‫يقع على عاتق محاكم ثاني درجة‪ ،‬ليبقى السؤال املطروح هو هل هذا االختالف لحق أيضا حتى‬
‫التصدي أمام محكمة النقض؟ وهو ما سنحاول اإلجابة عنه في الفقرة املوالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التنظيم التشريعي لتصدي محكمة النقض‬


‫إن وظيفة محكمة النقض األساسية – في جل التشريعات – هي تحقيق العدالة باعتبارها الحارسة‬
‫َّ‬
‫للقانون واألمينة على حسن تطبيقه‪ ،‬فتعتبر بذلك كأصل عام محكمة قانون ال واقع‪ ،‬إال أن بعض‬
‫التشريعات قد حادت عن هذا األصل‪ ،‬وذلك بجعل محكمة النقض محكمة موضوع‪ ،‬من خالل إلزامها‬
‫ً‬
‫أو تخويلها – حسب كل تشريع – سلطة البت في جوهر النزاع إعماال لنظام التصدي في حاالت محددة‬
‫ً‬
‫قانونا‪.‬‬
‫وإذا كانت محكمة النقض الفرنسية تعتبر محكمة قانون إذ أنها بعد نقض الحكم عليها أن تحيله إلى‬
‫محكمة اإلحالة‪ ،‬فليس لها كقاعدة عامة أن تنظر موضوع النزاع أو تتصدى له‪ ،28‬وهو منع نصت عليه‬

‫‪ -26‬يراد باملحاتم االبتدائية املصنفة املحاتم االبتدائية املدنية واملحاتم االبتدائية االجتامعية واملحاتم االبتدائية الزجرية وهو ما تنص‬
‫عليه الفقرة السابعة من الفصل ‪ 1‬من ‪.،‬ت‪ ،.‬والتي جاء فيها "ميكن تصنيف املحاتم االبتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص‬
‫بالنظر فيها إىل محاتم ابتدائية مدنية ومحاتم ابتدائية اجتامعية ومحاتم ابتدائية زجرية‪".‬‬
‫‪ -27‬ظهري رشيف رقم‪ 2.22.279‬بتاريخ ‪ 16‬من رمضان‪17)2731‬أغسطس‪،(1022‬ج‪.‬ر‪.‬ع‪ 5915 ،‬بتاريخ ‪ 2‬شوال ‪1432‬‬
‫)‪5‬سمتمرب‪(1022‬ص‪.7351‬‬
‫‪ -28‬قلنا تقاعدة عامة ألن املرشع الفرنيس خول ملحكمة النقض إمكانية نقض القرار دون إحالة يف حاالت خاصة استنادا ً إىل مقتضيات‬
‫املادة ‪ 211‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج والتي تنص عىل أنه‪:‬‬
‫‪3 du - « La cour de cassation peut casser sans renvoyer l’affaire dans les cas et conditions, prévues par l’article L.441‬‬
‫» ‪code de l’organisation judiciaire.‬‬
‫وتنص املادة ‪ 722-3‬املحال عليها مبقتىض هذه املادة عىل ما ييل‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫جل القوانين املنظمة ملحكمة النقض الفرنسية منذ نشأتها‪ ،29‬فإن هذه املحكمة في ظل التشريعين‬
‫املصري واملغربي‪ ،‬إن كانت تعتبر كأصل محكمة قانون‪ ،‬فإنها تتحول مع ذلك في حاالت استثنائية إلى‬
‫محكمة واقع‪ ،‬عند تصديها ملوضوع النزاع‪.‬‬
‫ولذلك فإن حديثنا عن التنظيم التشريعي لتصدي محكمة النقض للقضية سيقتصر فقط على‬
‫التشريع املصري (أوال) والتشريع املغربي (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التشريع املصري‬


‫اعتداء‬
‫ٍ‬ ‫إذا كان املشرع املصري قد منع محكمة ثاني درجة من التصدي ملوضوع النزاع‪ ،‬ملا في ذلك من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على مبدأ التقاض ي على درجتين‪ ،‬فإنه بالنسبة ملحكمة النقض سلك مسلكا مغايرا‪ ،‬حين ألزم هذه‬
‫ً‬
‫األخيرة بضرورة الفصل في املوضوع إذا ما نقضت الحكم املطعون فيه وكان املوضوع صالحا للفصل‬
‫فيه‪ ،‬أو إذا ما وقع الطعن بالنقض للمرة الثانية وذلك بمقتض ى الفقرة األخيرة من املادة ‪ 912‬من‬
‫قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم ‪ 01‬لسنة ‪ 0251‬والتي جاء فيها "ومع ذلك إذا حكمت املحكمة –‬
‫ً‬
‫محكمة النقض – بنقض الحكم املطعون فيه وكان املوضوع صالحا للفصل فيه أو كان الطعن للمرة‬
‫الثانية ورأت املحكمة نقض الحكم املطعون فيه وجب عليها أن تحكم في املوضوع‪".‬‬

‫‪« La cour de cassation peut casser sans renvoie lorsque la cassation n’implique pas qu’il soit à nouveau statué sur le‬‬
‫‪fond.‬‬
‫‪Elle peut aussi, en matière civile, statuer au fond lorsque l’intérêt d’une bonne administration de la justice le‬‬
‫» …‪justifie‬‬
‫ولقد حاول البعض االستناد إىل مقتضيات املادة ‪ 211‬املشار إليها للقول بحق محكمة النقض يف التصدي إالَّ أننا ال نؤيد هذا التوجه ألن‬
‫املرشع يف هذه املادة استعمل عبارة "نقض دون "إحالة" "‪ "Peut casser sans renvoyer‬ومل يستعمل مصطلح "تصدي" " ‪Peut‬‬
‫‪ "évoquer‬إدراتاً منه – حسب اعتقادنا – ملضمون هذا املصطلح وخصوصيته بل األترث من ذلك فإن محكمة النقض الفرنسية مل‬
‫تستعمل هذه السلطة املخولة لها مبقتىض املادة ‪ 211‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف حتى ال تقو بدور ليس لها وتتحول بذلك إىل محكمة موضوع‪ .‬ملزيد‬
‫من اإليضاح حول تصدي محكمة النقض الفرنسية ا ُنظر‪ :‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬الوسيط يف الطعن بالنقض‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنرش‪،‬‬
‫‪( ،1002‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬ص ‪ 721‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -29‬جاء يف الفصل ‪ 3‬من قانون ‪ 11‬نوفمرب ‪ 2190‬املنشئ ملحكمة النقض ما ييل "تبطل محكمة النقض سائر اإلجراءات التي خولف فيها‬
‫الشكل وتذلك سائر األحكام التي تضمنت مخالفة رصيحة لنصوص القانون‪ ،‬وليس لتلك املحكمة مطلقاً وألي سبب تان أن تتعرض‬
‫ملوضوع الدعوى‪ ".‬ترجمة محمد الكشبور يف مقال‪ :‬وضعية املجلس األعىل بني محاتم النقض يف الترشيعات املقارنة‪ ،‬منشور باملجلة‬
‫املغربية لقانون واقتصاد التنمية‪ ،‬عدد ‪ 21‬لسنة ‪ ،2955‬ص ‪ .19‬والنص بلغته األصلية ينص عىل‪:‬‬
‫" ‪il annulera toutes procédures dans lesquelles les formes auront été violé et toute jugement qui est en‬‬
‫‪contravention expresse aux textes de la loi, sous aucun prétexte et en aucun cas, le tribunal ne pourra connaître du‬‬
‫» ‪fond des affaires.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫حالتين‪30‬‬ ‫ويتضح من خالل هذه الفقرة أن املشرع املصري ألزم محكمة النقض بالتصدي للموضوع في‬
‫هما‪:‬‬
‫ً‬
‫الحالة األولى‪ :‬إذا نقضت الحكم وكان املوضوع صالحا للفصل فيه‪ ،‬وهي حالة شبيهة بحالة تصدي‬
‫محكمة ثاني درجة في ظل التشريع املغربي الذي استلزم شرط الجاهزية‪ ،‬ولقد ذهب األستاذ عبد‬
‫العزيز خليل في تعليقه على هذه الفقرة إلى القول بأن املشرع املصري أعطى‪ 31‬ملحكمة النقض إذا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نقضت حكما وكانت الدعوى صالحة للفصل فيها بأن تكون وقائعها ثابتة وال تتطلب بحثا جديدا‪ ،‬أن‬
‫تتصدى للموضوع وتحكم فيه ولكن يجب أن يكون النقض بسبب خطأ في القانون سواء في تطبيقه أو‬
‫في تأويله‪ ،‬فليس لها أن تتصدى إذا كان نقض الحكم لعدم االختصاص‪ ،‬إذ في هذه الحالة تكون‬
‫محكمة املوضوع لم تستنفد واليتها بعد‪ ،‬ويكون تصدي محكمة النقض فيه تفويت على ذوي الشأن‬
‫لدرجة من درجات التقاض ي‪.32‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬الطعن بالنقض للمرة الثانية‪ ،‬و املالحظة األساسية التي نسجلها بخصوص هذه‬
‫الحالة‪ ،‬هي أن املشرع لم يستلزم كون القضية صالحة للفصل فيها إذ بمجرد حصول الطعن للمرة‬
‫الثانية تكون محكمة النقض ملزمة بالحكم في املوضوع‪ ،‬حتى ولو كانت القضية بحاجة إلى إجراء من‬
‫إجراءات التحقيق‪ ،‬وتحصل هذه الحالة – الطعن للمرة الثانية – في الحالة التي تقوم محكمة النقض‬
‫بنقض الحكم املطعون فيه وتحيل امللف إلى محكمة اإلحالة لكي تفصل فيه في ضوء ما بتت فيه‬
‫محكمة النقض‪ ،‬غير أن محكمة اإلحالة ال تتقيد بما قررته محكمة النقض‪ ،‬فيقوم صاحب املصلحة‬
‫بالطعن في قرار محكمة اإلحالة إذ في هذه الحالة يحصل الطعن للمرة الثانية‪ ،‬وتكون محكمة النقض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ملزمة بالتصدي تفاديا لطول اإلجراءات وحسما للنزاع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التشريع املغربي‬


‫إن ما يميز تنظيم املشرع املغربي لنظام التصدي هو أنه مزج بين موقف املشرعين املصري والفرنس ي‪،‬‬
‫ً‬
‫وذلك عندما أوجب على محكمة الدرجة الثانية التصدي للنزاع إذا ما توفرت شروطه‪ ،‬سيرا على نهج‬
‫ً‬
‫نظيره الفرنس ي‪ ،‬وأجاز ملحكمة النقض التصدي للقضية عمال بما هو عليه األمر في التشريع املصري‪.33‬‬

‫‪ -30‬سنعود لدراسة هذه الحاالت بتفصيل يف الفصل الثا‪،‬ي من هذه الرسالة‪.‬‬


‫‪ -31‬املالحظ أن األستاذ يتكلم عىل نظام التصدي أمام النقض وتأنه رخصة أو خيار بينام هو واجب والتزام مفروض عىل محكمة النقض‬
‫املرصية‪.‬‬
‫‪ -32‬عبد العزيز خليل‪ ،‬الطعن بالنقض والطعن أمام املحكمة اإلدارية العليا‪( ،‬إ‪ .‬م‪.‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،2910 ،‬ص ‪ 50‬و ‪.52‬‬
‫‪ -33‬وإن تان قد اختلف عن هذين الترشيعني من حي تحديد طبيعة هذا النظام ألن تصدي محاتم ثا‪،‬ي درجة يف الترشيع الفرنيس‬
‫حق بينام يف الترشيع املغريب واجب‪ ،‬أما تصدي محكمة النقض فهو التزام يف الترشيع املرصي ورخصة يف ظل ترشيعنا املغريب‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ولقد نظم املشرع املغربي تصدي محكمة النقض بمقتض ى املادة ‪ 3402‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬إ والتي خول‬
‫بمقتضاها املشرع لهذه املحكمة إمكانية التصدي للبت إذا كانت القضية جاهزة وذلك في حالة نقضها‬
‫لقرار صادر في دعوى اإللغاء‪ ،‬واملالحظ أن املشرع حافظ على الشرط الجوهري لنظام التصدي هو‬
‫شرط الجاهزية املستلزم أيضا بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح املنظم لتصدي محاكم الدرجة‬
‫الثانية‪ ،‬وإن كان الفارق هو أن تصدي محكمة النقض مجرد خيار بينما تصدي محكمة الدرجة الثانية‬
‫واجب‪.‬‬
‫وحق محكمة النقض في التصدي للقضية تم سنه ألول مرة بمقتض ى الفقرة األخيرة من املادة ‪ 91‬من‬
‫ظهير ‪ 92‬شتنبر ‪ 0282‬املحدث للمجلس األعلى‪ ،35‬والتي أجازت للغرفة اإلدارية باملجلس األعلى إمكانية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التصدي للقضايا اإلدارية‪ ،‬إذا ما نقضت حكما قضائيا‪ ،36‬غير أنه وبصدور ق‪.‬م‪.‬م لسنة ‪ ،0224‬أحدث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املشرع املغربي تغييرا جذريا بنظام التصدي أمام محكمة النقض‪ ،‬وذلك بمقتض ى الفصل ‪ 115‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م حيث وسع من نطاق هذا النظام ليشمل القضايا اإلدارية واملدنية مع تغيير طبيعته من رخصة‬
‫إلى التزام‪ ،‬حيث جاء في الفصل املذكور أنه "إذا نقض املجلس األعلى الحكم املعروض عليه‪ ،‬واعتبر أنه‬
‫ً‬
‫يتوفر على جميع العناصر الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع بحكم سلطتهم تعين عليه اعتبارا لهذه‬
‫ً‬
‫العناصر وحدها التي تبقى قائمة في الدعوى‪ ،‬التصدي للقضية والبت فورا في موضوع النزاع أو في‬
‫النقط التي استوجبت النقض‪".‬‬
‫َّ‬
‫إال أن هذا التغيير في طبيعة التصدي ونطاقه لم يلق استحسان بعض املمارسين في املجال القانوني‪،‬‬
‫ألنه حسب اعتقادهم يحول محكمة النقض إلى درجة ثالثة من درجات التقاض ي‪ ،‬ونادوا بضرورة‬
‫ً‬
‫العدول عنه‪ ،‬وهو ما استجاب له املشرع املغربي فعال‪ ،‬وذلك بمقتض ى القانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪،370259‬‬
‫والذي ألغى الفصل ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،‬املشار إليه أعاله‪ ،‬قبل أن يعود املشرع إلى األصل بإعادة إجازته‬
‫نظام التصدي للغرفة اإلدارية باملجلس األعلى‪ ،‬وذلك في حالة إلغائها لقرار صادر في دعوى اإللغاء كما‬
‫توضح ذلك املادة ‪ 02‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬إ السالفة الذكر‪ ،‬غير أن املشرع لن يقف عند هذا الحد بل سيعيد‬

‫‪ -34‬تنص املادة ‪ 21‬من ‪.،‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬إ عىل أنه "ميكن للمجلس األعىل عند الترصيح بنقض قرار صادر يف دعوى اإللغاء أن يتصدى للبت إذا‬
‫تانت القضية جاهزة‪".‬‬
‫‪ -35‬ظهري ‪ 2.51.113‬بتاريخ ‪ 1‬ربيع األأل ‪ 11( 2311‬شتنرب ‪ )2951‬املتعلق باملجلس األعىل‪ ،‬ج‪ .‬ر‪ .‬ع ‪ 1371‬الصادرة بتاريخ ‪ 13‬ربيع األول‬
‫‪ 25( 2311‬أتتوبر ‪ ،)2951‬ص ‪.2325‬‬
‫‪ -36‬جاء يف الفقرة األخرية عن املادة ‪ 13‬من ظهري ‪ 11‬شتنرب ‪ 2951‬ما ييل "ويف القضايا املعروضة عىل الغرفة اإلدارية ميكن للمجلس‬
‫األعىل إذا ما نقض حكامً قضائيا ً إما أن يحيل القضية عىل محكمة أخرى طبق الرشوط املنصوص عليها سابقا وإما أن يتصدى لها‬
‫ويبت هو بنفسه نهائيا"‪.‬‬
‫‪ -37‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.51.22‬بتاريخ ‪ 11‬من ربيع األول ‪ 20( 2727‬سبتمرب ‪ ،)2993‬ج‪ .‬ر‪ .‬ع‪ 7115 .‬بتاريخ ‪ 7‬جامدى األوىل ‪10( 2727‬‬
‫أتتوبر ‪ ،)2993‬ص ‪.1031‬‬

‫‪27‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫تنظيم التصدي ليشمل مرة أخرى القضايا املدنية واإلدارية مع الحفاظ هذه املرة على طابعه‬
‫ً‬
‫االختياري‪ ،‬وفقا ملا تنص عليه املادتين ‪ 38112-0‬و ‪ 39112-9‬من مشروع ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬ماهية نظام التصدي‬


‫إن الجدور التاريخية لنظام التصدي – وفق ما أوضحناه أعاله – تعود إلى التراث القضائي للقانون‬
‫الفرنس ي القديم‪ ،‬ومنه انتقل إلى قانون املسطرة املدنية الفرنس ي القديم والحديث‪ ،‬قبل أن تتبناه باقي‬
‫التشريعات بما فيها التشريع املغربي واملصري‪ ،‬غير أن هذا التبني أو النقل – إن صح التعبير – لم يكن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واحدا لكون كل تشريع أضفى على النص املعتمد من قبله طابعا خاصا كما رأينا في التنظيم التشريعي‬
‫لهذا النظام‪.‬‬
‫وال شك أن هذا االختالف التشريعي راجع باألساس إلى املبررات أو األسس التي دفعت كل تشريع إلى‬
‫تنظيم هذا النظام (الفقرة الثانية)‪ .‬وهو اختالف أدى إلى تضارب آراء الفقه بخصوص تعريف‬
‫التصدي‪ ،‬على اعتبار أن كل فقه تأثر بموقف مشرعه‪ ،‬لدرجة يمكن القول معها أنه يصعب تعريف‬
‫نظام التصدي خارج اإلطار التشريعي الذي ينظمه (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف نظام التصدي وخصائصه‬


‫لتحديد خصائص نظام التصدي البد أن ننطلق من تعريفه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف نظام التصدي‬


‫عرف الفقه نظام التصدي بأنه رخصة بمقتضاها يحق لقضاة االستئناف املرفوع إليهم استئناف‬
‫بعض األحكام أن يقوموا بالبت في االستئناف املرفوع بمقتض ى حكم واحد‪ ، 40‬أو أنه اإلمكانية املتاحة‬

‫‪ -38‬تنص املادة ‪ 329-2‬من م‪.‬م‪.،.‬م‪.‬م‪.‬م عىل أنه "ميكن ملحكمة النقض عند نقضها حكام أو قرارا تليا أو جزئيا أن تتصدى للبت يف‬
‫القضية بالرشوط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الطعن قد وقع للمرة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتوفر عىل جميع العنارص الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع‪".‬‬
‫‪ -39‬جاء يف املادة ‪ 329-1‬من م‪.‬م‪.،.‬م‪.‬م ما ييل "ميكن للمحكمة القض عند الترصيح بنقض قرا صادر يف دعوى اإللغاء أن تتصدى‬
‫للبت إذا تان القضية جاهزة‪".‬‬

‫‪28‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ملح كمة االستئناف للبت في مجموع النزاع عند عجز األثر الناقل عن تحقيق هذه الغاية‪ ،41‬وهو كذلك‬
‫الحق املخول ملحكمة االستئناف وبمقتضاه يجوز لها متى ألغت الحكم االبتدائي املعروض عليها أن‬
‫تتعرض لجوهر النزاع‪ ،‬وتبت فيه بصفة نهائية‪.42‬‬
‫وإذا كان ما ذهب إليه األستاذان ‪ Vincent et Guinchard‬ينسجم مع مقتضيات التشريع الفرنس ي‬
‫والذي جعل من نظام التصدي مجرد رخصة‪ ،‬فإنهما لم يستحضرا مع ذلك التغيير الذي لحق هذا‬
‫النظام‪ ،‬ألن املشرع الفرنس ي‪ ،‬لم يعد يلزم محاكم ثاني درجة بالبت في االستئناف بمقتض ى حكم‬
‫واحد‪ ،‬وذلك عندما أجاز ملحكمة التصدي قبل بتها في املوضوع إمكانية اللجوء إلى إجراءات التحقيق‬
‫بمقتض ى املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪.‬‬
‫أما األستاذان حضري والسماحي‪ ،‬فإننا نعتقد أنهما وقعا أيضا في املحظور‪ ،‬ألنهما انطلقا في تعريفهما‬
‫للتصدي من خصوصية هذا النظام في التشريع الفرنس ي‪ ،‬حيث عرفاه بأنه رخصة أو حق والحال أن‬
‫التصدي في تشريعنا املغربي واجب – بالنسبة ملحاكم الدرجة الثانية‪ ،-‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإننا نؤيد‬
‫تعريف أستاذنا محمد صابر والذي جاء فيه أن نظام التصدي هو التزام محكمة ثاني درجة بالبت في‬
‫الشق من الطلب الذي لم يبت فيه ابتدائيا‪ ،‬إن هي قامت بإلغاء أو إبطال الحكم املستأنف غير‬
‫الفاصل في املوضوع وكانت القضية جاهزة للبت فيها‪ .43‬فهو تعريف انطلق إذن من خصوصية هذا‬
‫ً‬
‫النظام في ظل تشريعنا املغربي والذي جعل منه واجبا يقع على عاتق محكمة التصدي كلما ألغت أو‬
‫أبطلت الحكم املطعون فيه وكانت القضية جاهزة للبت فيها‪.44‬‬
‫لكن املالحظة األساسية التي نسجلها بخصوص هذه التعاريف هي أنها اقتصرت على تعريف التصدي‬
‫بالنسبة ملحاكم الدرجة الثانية فقط‪ ،‬والسبب في ذلك هو أنها تعاريف جاءت في أبحاث خصصت‬
‫للطعن باالستئناف فقط‪ ،‬وبما أن موضوعنا يحمل عنوان التصدي في ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬فإنه موضوع جامع بين‬
‫تصدي محاكم الدرجة الثانية وتصدي محكمة النقض‪ ،‬مما يفرض علينا وضع تعريف لهذا النظام‬
‫يشمل املرحلتين‪.‬‬
‫وبما أن نظام التصدي بالنسبة ملحاكم الدرجة الثانية واجب‪ ،‬وبالنسبة ملحكمة النقض رخصة‪ ،‬فإنه‬
‫يمكن تعريف هذا النظام بأنه الواجب أو الحق املخول ملحكمة الطعن – حسب األحوال – بالبت في‬

‫‪Vincent et Gruinchard, Procédure civile. Dalloz, 25 Edi,1999 P. 975.-40‬‬


‫‪ -41‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪ -42‬محمد السامحي‪ ،‬طر‪ ،‬الطعن يف األحكام املدنية واإلدارية – دراسة عملية مقارنة – (إ‪ .‬م‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2995‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -43‬محمد صابر ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ -44‬ينص الفصل ‪ 272‬من ‪.،‬م‪.‬م "إذا أبطلت أو ألغت غرفة االستينافات باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه‬
‫وجب عليها أن تتصدى للحكم يف الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪".‬‬

‫‪29‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املوضوع إن هي قامت بإلغاء أو إبطال الحكم االبتدائي –محكمة الدرجة الثانية – أو قامت بنقض‬
‫القرار االستئنافي – محكمة النقض – وكانت الدعوى جاهزة للبت فيه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص نظام التصدي‬


‫من خالل تعريفنا لنظام التصدي – أعاله – يتضح أن هذا النظام واجب بالنسبة ملحاكم الدرجة‬
‫ً‬
‫الثانية ورخصة بالنسبة ملحكمة النقض (‪ )0‬كما أنه نظام ذو طابع استثنائي ألنه يشكل خرقا لقاعدة‬
‫التقاض ي على درجتين ويغير من طبيعة محكمة النقض (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬التصدي بين الواجب والرخصة‬
‫إذا كانت التشريعات املقارنة قد اختلفت في تنظيمها لنظام التصدي‪ ،‬بين من أجازه ملحاكم الدرجة‬
‫الثانية وحدها كالتشريع الفرنس ي وبين من أوجبه على محكمة النقض دون غيرها كالتشريع املصري‪،‬‬
‫ً‬
‫فإن ما يميز موقف تشريعنا املغربي هو تنظيمه لهذا النظام أمام املحكمتين معا‪ ،‬وإن كان قد غير من‬
‫طبيعته أمام كل محكمة‪.‬‬
‫فالتصدي بالنسبة ملحكمة ثاني درجة واجب‪ ،‬تمارسه هذه األخيرة كلما ألغت أو أبطلت الحكم املطعون‬
‫فيه وكانت القضية جاهزة للبت‪ ،‬حسب ما يستفاد من مقتضيات الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م والذي‬
‫استعمل مصطلح "وجب"‪ .‬أما بالنسبة ملحكمة النقض‪ ،‬فإن هذا النظام مجرد رخصة يمكن لها أن‬
‫تستعملها في حالة ما قامت بنقض قرار صادر في دعوى اإللغاء وكانت الدعوى صالحة لحسمها بشكل‬
‫نهائي‪ ،‬وما يزكي طرحنا هو مصطلح "يمكن" الذي استهل به املشرع املغربي مقتضيات املادة ‪ 02‬من‬
‫ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬إ‪.45‬‬
‫‪ -2‬الطابع االستثنائي لنظام التصدي‬
‫ال يختلف اثنان في أن لنظام التصدي مزايا عديدة لعل أبرزها االقتصاد في النفقات وحسم كل‬
‫النزاعات بشكل نهائي‪ ،‬دون تطويل اإلجراءات‪ ،‬غير أن هذه املزايا ال يمكن أن تنفي عن هذا النظام‬
‫طابعه االستثنائي‪.‬‬
‫فهو استثناء بالنسبة ملحكمة ثاني درجة ألنه يؤدي إلى خرق مبدأ األثر الناقل لالستئناف وخاصة‬
‫لقاعدته الجوهرية "يكون النقل بقدر االستئناف" ولضرب مبدأ التقاض ي على درجتين عرض الحائط‪،‬‬
‫على اعتبار أنه – التصدي – يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت في جوهر نزاع لم يتم فحصه من قبل‬

‫‪ -45‬وتجدر اإلشارة إىل أن املرشع املغريب حافظ عىل طبيعة نظام التصدي اإللزامية بالنسبة ملحاتم ثا‪،‬ي درجة واالختيارية بالنسبة ملحكمة‬
‫النقض وذلك يف م‪.‬م‪.،.‬م‪.‬م‪.‬م‪ .‬ا ُنظر الفصول ‪ 329-1/329-2/272‬من م‪.‬م‪.،.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫قضاة الدرجة األولى‪ ،46‬حتى ولو أدى ذلك إلى عدم التقيد بطلبات املستأنف الذي قد يكتفي في مقاله‬
‫االستئنافي بطلب إلغاء أو إبطال الحكم املستأنف‪.‬‬
‫ً‬
‫واستثناء بالنسبة ملحكمة النقض‪ ،‬ألنه يتيح لها البت في جوهر املوضوع عندما تكون القضية جاهزة‬
‫للبت فيها‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى تغيير في وظيفة هذه املحكمة‪ ،‬إذ يجعلها محكمة موضوع وواقع‪ ،‬في حين‬
‫أن وظيفتها األصلية هي مراقبة مدى حسن تطبيق القانون من قبيل محاكم املوضوع‪ ،‬دون بتها في‬
‫وقائع الدعاوى‪.‬‬
‫ً‬
‫ولعل ما يزكي هذا الطابع االستثنائي لنظام التصدي أيضا سواء بالنسبة ملحكمة ثاني درجة أو محكمة‬
‫ّ‬
‫النقض‪ ،‬هو تحديد املشرع لشروطه وحاالته على سبيل الحصر‪ ،‬إذ ال يمكن اللجوء إليه إال إذا توفرت‬
‫إحدى حاالته وتحققت جميع شروطه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أسس نظام التصدي‬


‫إذا كان األصل أن محكمة الطعن تكون ملزمة بالبت في حدود ما تم الفصل فيه من قبل املحكمة‬
‫املصدرة للمقرر القضائي املطعون فيه‪ ،‬فإن نظام التصدي يمدد سطاتها – محكمة الطعن – للفصل‬
‫في األمور التي لم تنظر من قبل املحكمة املطعون في مقررها‪ ،‬حتى ولو أدى ذلك إلى تجاوز إرادة الطاعن‬
‫الذي قد يقتصر في مقاله على طلب إلغاء أو إبطال أو نقض املقرر املطعون فيه‪ ،‬لذلك ثار التساؤل‬
‫حول أسس ومبررات إجازة تجاوز هذه اإلرادة‪ ،‬هل تكمن في رعاية مصالح األطراف أنفسهم لتجنبهم‬
‫العودة إلى املحكمة املطعون في قرارها (ثانيا) أم أن هذا التجاوز أساسه حماية مصلحة عامة تتجاوز‬
‫مصالح املتقاضين (أوال)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حماية املصلحة العامة‬


‫ذهب األستاذ ‪ hebroud47‬إلى القول بأن أساس نظام التصدي هو ضمان تنفيذ قرارات محكمة‬
‫التصدي‪ ،‬وعدم املساس بمشاعر قضاة املحكمة املصدرة للمقرر القضائي املطعون فيه‪ ،‬الذين قد ال‬
‫يستسيغون قيام محكمة الطعن بإلغاء أو إبطال – محكمة ثاني درجة – أو نقض – محكمة النقض‬
‫– مقررهم مع إرجاع امللف إليهم قصد البت فيه من جديد‪ ،‬وفق ما جاء في حيثيات قرار محكمة‬
‫ً‬
‫الطعن‪ ،‬ويفسر هذا األستاذ طرحه بالصورة التالية‪ ،‬لو لم يكن نظام التصدي موجودا لكانت محكمة‬
‫الطعن ملزمة بإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة للمقرر امللغى أو املنقوض‪ ،‬وهو ما يحتمل أن يؤدي إلى‬
‫مخالفة هذه األخيرة ملا جاء في قرار محكمة الطعن ‪ ،‬إذ أن هذا اإلرجاع يمس بمشاعر قضاتها‪،‬‬

‫‪ -46‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.152‬‬


‫‪ -47‬موقف أشار إليه عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪153‬‬

‫‪30‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫فيدفعهم ذلك إلى عدم احترام مضمون قرار محكمة الطعن‪ ،‬ومن ثم مخالفة ما جاء فيه‪ ،‬ورغبة من‬
‫املشرع في تفادي مثل هذه النتائج سن نظام التصدي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬رعاية املصالح الخاصة للمتقاضين‬


‫على عكس االتجاه السابق‪ ،‬هناك جانب من الفقه‪ 48‬يرى أن أساس سن نظام التصدي هو حماية‬
‫ّ‬
‫املصالح الخاصة للمتقاضين‪ ،‬وأن قواعده ال تهدف إال إلى اقتصاد وقتهم ونفقاتهم‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫التصدي حسب رأي هذا الفقه يستجيب العتبارات اقتصاد الوقت واإلجراءات والنفقات ويساعد على‬
‫حسم النزاعات‪ ،‬وهي اعتبارات ذات عالقة وثيقة بحماية املصالح الخاصة للمتقاضين‪ ،‬وهي األسباب‬
‫التي دفعت بالتشريعات إلى ربطه فقط بحالة اإللغاء أو النقض‪.‬‬
‫ولقد عيب على طرح هذا الفقه أنه إذا كان نظام التصدي يستند فقط إلى مبدأ االقتصاد في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلجراءات والوقت واألموال حماية ملصالح املتقاضين‪ ،‬فإنه كان حريا بالتشريعات أن ال تجعله قاصرا‬
‫على حالة إلغاء أو نقض املقرر القضائي املطعون فيه‪ ،‬وإنما يجب تمديده ليشمل حالة تأييده لكون‬
‫االقتصاد في اإلجراءات والوقت مطلوب في حالتي اإللغاء والتأييد‪.49‬‬
‫أما الطرح األول فقد تعرض للنقد بدوره لكون إرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة للمقرر القضائي‬
‫امللغى أو املنقوض ال يمكن أن يؤدي بأي حال من األحوال إلى عرقلة تنفيذ القرار الصادر عن محكمة‬
‫ً‬
‫الطعن ما دام أن املقرر الذي سيصدر عن محكمة اإلحالة بعد إرجاع امللف إليها يكون بدوره قابال‬
‫للطعن‪ ،‬وبالتالي فإن األمر سينتهي بعرضه من جديد على محكمة التصدي التي ستتولى البت فيه من‬
‫جديد ويصدر بشأنه القرار الذي سيعيد األمور إلى نصابها‪.50‬‬
‫والحقيقة التي ال يمكن إخفاؤها هي أن التشريعات قد استندت على األساسين السابقين لتبرير نظام‬
‫التصدي‪ ،‬فأساس رعاية املصالح الخاصة للمتقاضين يبدو واضحا في ظل الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‬
‫املنظم لتصدي محاكم ثاني درجة في التشريع املغربي والفصل ‪ 912‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م املنظم لتصدي‬
‫ً‬
‫محكمة النقض في التشريع املصري‪ ،‬ألنهما – ‪ 041‬و ‪ – 912‬قد جعال من نظام التصدي واجبا‪ ،‬إذ أن‬
‫ً‬
‫محكمة التصدي انطالقا من هذين الفصلين تكون ملزمة بالبت في النزاع وحسمه‪ ،‬فإنه يبقى في ظل‬
‫الفصلين ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج الخاص بتصدي محاكم ثاني درجة في التشريع الفرنس ي و ‪ 02‬من‬

‫‪Vincent et Guichard, op. cit. P. 975-48‬‬


‫‪ -‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬الوسيط يف الطعن باالستئناف يف املواد املدنية والتجارية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنرش (ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م) ‪ ،1000‬ص‬
‫‪.925 – 927‬‬
‫‪ -49‬محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪ -50‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.171‬‬

‫‪32‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬إ املنظم لتصدي محكمة في التشريع املغربي أقل وضوحا لكون ممارسة التصدي استنادا إلى‬
‫هذين الفصلين تتم على وجه الخيار وليس الوجوب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أن التشريعات أيضا استندت أيضا إلى أساس احترام مشاعر قضاة املحكمة املصدرة للمقرر امللغى‬
‫أو املنقوض‪ ،‬ألنها ربطت التصدي دائما بإلغاء أو إبطال الحكم املستأنف ملحاكم ثاني درجة – التشريع‬
‫املغربي والتشريع الفرنس ي – أو بنقض القرار االستئنافي بالنسبة ملحكمة النقض – التشريع املغربي‬
‫والتشريع املصري – ذلك أن استلزام شرط اإللغاء أو النقض يكون بدون شك فيه مراعاة ملشاعر‬
‫قضاة املحكمة املطعون في قضائها‪ ،‬وعدم إحراجهم بإرجاع امللف إليهم‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬نطاق نظام التصدي‬


‫بعد أن كان نظام التصدي مجرد رخصة مخولة ملحاكم الدرجة الثانية‪ ،‬عند إلغائها للحكم املطعون‬
‫فيه‪ ،51‬جاءت تعديالت مسطرة ‪ 0224‬لتحول هذا النظام من مجرد رخصة إلى واجب مع إضافة حالة‬
‫إبطال الحكم إلى حالة إلغائه كشرط للتصدي‪ ،‬بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ .52‬وهو التحول‬
‫الذي خلق نقاشا فقهيا وقضائيا حول الحدود الفاصلة بين مجال إعمال كل من نظام التصدي واألثر‬
‫حد كبير من األثر الناقل لالستئناف ذو الطابع‬‫الناقل‪ ،53‬ذلك أن تحويل التصدي إلى واجب قربه إلى ٍ‬
‫امللزم بطبيعته‪ ،‬مما طرح معه التساؤل حول ما إذا كان هذا التقارب في الطبيعة معناه أن للنظامين‬
‫ً‬
‫نفس املعنى؟ أم أن ظاهر هذا التقارب يخفي وراءه تمايزا بينهما؟ (املطلب األول)‪.‬‬
‫كما أن نظام التصدي والذي – كما سبقت اإلشارة إلى ذلك – يلزم محكمة الطعن بالبت فيما لم‬
‫ً‬
‫يفصل فيه ابتدائيا‪ ،‬قد يثير إشكاالت عملية على مستوى العمل القضائي والفقهي وذلك في إطار‬
‫ً‬
‫تحديد صلته أوال بقاعدة استنفاد الوالية‪ ،‬التي تساهم في التمييز بين ما فصل فيه قاض ي الدرجة‬
‫ً‬
‫األولى وبين ما لم يفصل فيه‪ ،‬ثم صلته ثانيا بمبدأ ال يضار الطاعن من طعنه‪ ،‬إذ أن الطاعن قد‬
‫يقتصر في طعنه على املطالبة بإلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه في حين أن محكمة الطعن قد‬
‫ً‬
‫تتجاوز هذا الطلب باإلبطال أو اإللغاء إلى الفصل في جوهر النزاع إعماال لواجبها بالتصدي (املطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫‪ -51‬تان الفصل ‪ 132‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،,‬ينص عىل ما ييل "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه باالستئناف يجوزا لها‬
‫التصدي للحكم يف الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للحكم فيها‪".‬‬
‫‪ -52‬الذي ينص عىل أنه "إذا أبطلت أو ألغت غرفة االستينافات باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه‪ ،‬وجب عليها‬
‫أن تتصدى للحكم يف الجوهر إذا تانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪".‬‬
‫‪ -53‬ملزيد من اإليضاح حول مفهوم األثر الناقل‪ ،‬ا ُنظر محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 75‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املطلب األول‪ :‬عالقة التصدي باألثر الناقل‬


‫إن الفقه والقضاء في فرنسا مجمعان على وجود فوارق بين نظام التصدي واألثر الناقل‪ ،‬وهي فوارق‬
‫تتمثل أساسا في طبيعة كل منهما وفي مجال إعمالهما‪.54‬‬
‫ً‬
‫فبالنسبة لطبيعتهما‪ ،‬فنظام التصدي له طابع اختياري‪ ،‬عكس األثر الناقل الذي يعد واجبا أو التزاما‬
‫يقع على عاتق محكمة الدرجة الثانية‪ .‬أما بالنسبة ملجال إعمال كل من التصدي واألثر الناقل‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬
‫الفقه والقضاء متفقان على أن الحق في التصدي ال ينشأ إال عند عدم فصل قاض ي الدرجة األولى في‬
‫ّ‬
‫الجوهر‪ ،‬وإال فإن األثر الناقل هو الواجب التطبيق في حالة هذا الفصل حتى ولو ألغت محكمة‬
‫الدرجة الثانية الحكم االبتدائي لعيب شكلي أو مسطري‪.55‬‬
‫في حين في املغرب وفي ظل التحول الذي عرفته طبيعة التصدي الذي تحول من حق إلى واجب‪ ،‬فإن‬
‫الفقه ومعه القضاء لم يستقرا على رأي واحد بخصوص عالقة نظام التصدي باألثر الناقل‪ .‬لذلك‬
‫فإننا نرى أنه من األفضل عرض موقف الفقه (الفقرة األولى) والقضاء بخصوص هذه العالقة (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬موقف الفقه‬


‫إن آراء الفقه املغربي بخصوص عالقة نظام التصدي باألثر الناقل‪ ،‬انقسمت إلى اتجاهين‪ ،‬اتجاه يجمع‬
‫بينهما وال يقيم أي تمييز بشأنهما (أوال) واتجاه فرق بين النظامين لوجود اختالف بينهما (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عدم الفصل بين نظام التصدي واألثر الناقل‬


‫إن عدم تمييز بعض الباحثين بين نظام التصدي واألثر الناقل لالستئناف‪ ،‬مرده باألساس إلى ربطهم‬
‫بين التصدي وإلغاء الحكم املطعون فيه‪ ،‬دون النظر إلى معيار فصل محكمة الدرجة األولى في الجوهر‬
‫أم ال‪ ،‬ذلك أن محكمة الدرجة الثانية قد تلغي الحكم وال تتصدى بسبب فصل قاض ي الدرجة األولى في‬
‫املوضوع‪ .‬إذ في هذه الحالة يكون األثر الناقل هو الواجب التطبيق رغم إلغاء الحكم املستأنف‪.‬‬
‫وهكذا نجد الباحث أحمد واسمين ذهب في اتجاه تأكيده على أن محكمة الدرجة الثانية إن هي قامت‬
‫بإلغاء الحكم املطعون فيه‪ ،‬فإنه يتعين عليها أن تتصدى للحكم في الجوهر‪ ،‬إن كانت القضية جاهزة‬
‫ً‬
‫للبت فيها وكانت محكمة الدرجة األولى مختصة بالبت ابتدائيا في الدعوى ‪ ،‬أما إذا كانت غير مختصة‬

‫‪S. Guinchard : droit pratique de la procédure civile, Dalloz action, 2001-2002, P. 250. -54‬‬
‫‪J. Vincent et S. Guinchard :op.cit, P. 212.-55‬‬

‫‪34‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫فإن التصدي ال يكون واجبا‪ .56‬كما أن الباحثة زيهور فوزية قد ذهبت إلى القول بأن قرار محكمة‬
‫االستئناف بخصوص موضوع الطعن ال يخلو من ثالث احتماالت‪ ،‬فإما تأييد الحكم املستأنف‪ ،‬وإما‬
‫إلغاءه وإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له‪ ،‬وإما إلغاءه والتصدي للبت في القضية‪ .‬ويجب على‬
‫محكمة الدرجة الثانية في هذا االحتمال األخير الحكم بإلغاء حكم الدرجة األولى والتصدي ملوضوع‬
‫الدعوى بقرار واحد‪ ،‬إذا رأت أن اإلجراءات واملعامالت التي قامت بها املحكمة االبتدائية تشوبها بعض‬
‫النواقص من شأنها أن تغير نتيجة الحكم أو إذا اكتشفت أن الحكم في حد ذاته مخالف للقانون‪.57‬‬
‫وهكذا يتضح أن سبب عدم تمييز الباحثين بين نظام التصدي واألثر الناقل هو ربطهما بين التصدي‬
‫وكل حاالت اإللغاء‪ ،‬إذ أن بت محكمة ثاني درجة في االستئناف بعد إلغاء الحكم املطعون فيه يكون‬
‫ً‬
‫دائما استنادا إلى نظام التصدي فقط حسب هذا الرأي‪ ،‬دون أية إشارة إلى كون االلتزام بالبت في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حالة اإللغاء قد يكون استنادا لألثر الناقل أو استنادا لواجب التصدي‪ .‬وأن الفاصل الجوهري بينهما‬
‫هو فصل محكمة الدرجة األولى في املوضوع‪ ،‬إذ أن إلغاء حكم فاصل في الجوهر يوجب إعمال األثر‬
‫الناقل لالستئناف‪ ،‬أما إلغاء حكم لم يبت في املوضوع‪ ،‬فإن واجب التصدي هو الواجب التطبيق في‬
‫هذه الحالة إذا ما توفرت شروطه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التمييز بين نظام التصدي واألثر الناقل‬


‫حاول األستاذ عبد العزيز حضري الوقوف عند الفارق بين نظام التصدي واألثر الناقل‪ ،‬فبعدما أجمع‬
‫أن القاسم املشترك بين النظامين هو طبيعتها امللزمة‪ .‬عاد وأكد على أن نظام التصدي يختلف عن‬
‫األثر الناقل‪ ،‬في كون قيام محكمة الدرجة الثانية بالتصدي رهين بعدم فصل قاض ي الدرجة األولى في‬
‫الجوهر‪ ،‬أما إذا تم هذا الفصل‪ ،‬فإن محكمة الدرجة الثانية تبت في النزاع ً‬
‫بناء على األثر الناقل‬
‫لالستئناف‪ ،‬حتى ولو قامت بإلغاء الحكم املطعون فيه‪.‬‬
‫فحسب رأي األستاذ عبد العزيز حضري‪ ،‬فإن فصل قاض ي الدرجة األولى في املوضوع‪ ،‬ينقل ملحكمة‬
‫الطعن االلتزام بإعادة البت فيه – املوضوع – بنفس سلطات التحقيق التي كان يتمتع بها القاض ي‬
‫االبتدائي‪ ،‬وهي سلطات يمنحها لها األثر الناقل لالستئناف‪ .‬إذ في هذه الحالة ال مجال إلعمال التصدي‪،‬‬

‫‪ -56‬احمد واسمني ‪ ،‬االستئناف يف املادة املدنية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة‪ ،‬جامعة القايض عياض‪ ،‬تلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬مراتش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1002/1000‬ص ‪.51 – 52‬‬
‫‪ -57‬زيهور فوزية‪ ،‬االستئناف الفرعي يف قانون املسطرة املدنية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف القانون املد‪،‬ي‪ ،‬جامعة‬
‫القايض عياض‪ ،‬تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬مراتش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1003/1001‬ص ‪ 203‬و‪.207‬‬

‫‪35‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫حتى ولو تم إلغاء حكم الدرجة األولى‪ .‬أما إذا تم إلغاء حكم غير فاصل في الجوهر‪ ،‬فإن واجب‬
‫التصدي ينتج مفعوله هنا‪ ،‬إذا ما توفرت شروطه املنصوص عليها في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.58‬‬
‫ونعتقد أن ما ذهب إليه األستاذ عبد العزيز حضري هو عين الصواب‪ ،‬ألنه لم يجعل أساس قيام نظام‬
‫التصدي‪ ،‬هو إلغاء الحكم املطعون فيه‪ ،‬بل إنه جعل عدم فصل قاض ي الدرجة األولى في الجوهر هو‬
‫ً‬
‫األساس املادي لهذا النظام‪ ،‬ألن إلغاء الحكم املستأنف قد يشكل مرتكزا لقيام نظام التصدي واألثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الناقل معا‪ ،‬عكس معيار الفصل في الجوهر الذي يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت في النزاع استنادا‬
‫إلى األثر الناقل‪ .‬أما إذا لم يتم هذا الفصل‪ ،‬فإن نظام التصدي هو الذي يلعب دور حسم النزاع‪ ،‬في‬
‫حالة إلغاء حكم قاض ي الدرجة األولى‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف القضاء‬


‫لبحث مسألة موقف القضاء من عالقة نظام التصدي باألثر الناقل‪ ،‬فإننا نرى من الضروري الوقوف‬
‫ً‬
‫أوال عند موقف محاكم الدرجة الثانية (أوال) قبل استعراض موقف محكمة النقض (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬موقف محاكم الدرجة الثانية‬


‫ً‬
‫إن املالحظة األساسية التي يمكن أن نسجلها بخصوص قرارات محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬هي أنها كثيرا ما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تخلط بين األثر الناقل والتصدي وال تطبق قواعدهما تطبيقا سليما‪ .‬فكثيرا ما استعملت محاكم‬
‫االستئناف مصطلح التصدي في صلب منطوق قراراتها‪ ،‬والحال أنها قرارات توجب إعمال األثر الناقل‬
‫وليس التصدي‪ ،‬ألنها قرارات نظرت في طعن قدم ضد حكم فصل في الجوهر‪ ،‬والفصل في الجوهر‬
‫ً‬
‫ينقل النزاع إلى محاكم الدرجة الثانية استنادا لألثر الناقل كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ .‬وهو استعمال‬
‫ينم عن فهم خاطئ لنظام التصدي وعدم تمييزه عن األثر الناقل‪.‬‬
‫ولتوضيح هذه املسألة‪ ،‬فإننا سنعرض ملجموعة من القرارات الصادرة عن محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫بمراكش‪ ،‬حيث قضت هذه األخيرة في أحد قراراتها بإلغاء الحكم املستأنف القاض ي بإلغاء القرار‬
‫اإلداري املطعون فيه والحكم تصديا بعدم قبول الطعن‪ .59‬كما قضت في قرار آخر بإلغاء الحكم‬
‫ً‬
‫املستأنف البات في موضوع الدعوى والحكم تصديا بإلغاء القرار اإلداري املطعون فيه مع ما يترتب عن‬
‫ذلك قانونا‪.60‬‬

‫‪ -58‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪ 123‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -59‬قرار عدد ‪ 2127‬بتاريخ ‪ 27‬نونرب ‪ 1025‬ملف رقم ‪ 1025/1105/2255‬غري منشور‪.‬‬
‫‪ -60‬قرار عدد ‪ 2739‬صادر بتاريخ ‪ 1025-20-03‬ملف رقم ‪ 1025/1105/230‬غري منشور‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫والواضح من خالل هذين القرارين أن محكمة الدرجة األولى قد فصلت في موضوع الدعوى‪ ،‬وبذلك‬
‫ً‬
‫يكون بت محكمة الدرجة الثانية في الطعن املقدم أمامها بمقتض ى األثر الناقل وليس استنادا إلى‬
‫التصدي‪ .‬غير أننا نعتقد أن حشر مصطلح التصدي في هذين القرارين هو حشر غير مفهوم ألن محكمة‬
‫ً‬
‫االستئناف اإلدارية بمراكش قد فصلت من خالل القرارين املشار إليهما أعاله في الطعن املقدم استنادا‬
‫إلى األثر الناقل وليس إلى التصدي كما توضح ذلك حيثياتهما‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا بخالف محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء والتي تفاديا ألي إشكاالت قد عوضت مصطلح‬
‫"التصدي" بعبارة "الحكم من جديد"‪ ،‬عند إلغائها لحكم فصل في الجوهر أو إبطاله‪ ،‬وهو ما يستفاد‬
‫من قرارها عدد ‪ 9101/4258‬والقاض ي بإبطال الحكم املستأنف القاض ي بأداء املدعية مبلغ‬
‫‪ 89.904.01‬درهم مع الفوائد من تاريخ الطلب وتحميلها الصائر‪ ،‬والحكم من جديد بأداء املستأنفة‬
‫لفائدة البنك مبلغ ‪ 89.904.01‬درهم مع الفوائد القانونية‪.61‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف محكمة النقض‬


‫يتميز موقف محكمة النقض بخصوص مسألة عالقة التصدي باألثر الناقل بنوع من التردد ذلك أنه‬
‫بعدما كان ال يجيز ملحكمة الدرجة الثانية التصدي كلما بت قاض ي الدرجة األولى في املوضوع ألن في‬
‫هذه الحالة يكون األثر الناقل هو الواجب التطبيق‪ ،‬عاد وخول لذات املحكمة – محكمة االستئناف –‬
‫التصدي عند الفصل في دفع موضوعي تستنفد معه محكمة الدرجة األولى واليتها‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن املجلس األعلى قد قض ى في أحد قراراته أن القرار املطعون فيه حين إلغائه للحكم‬
‫املستأنف البات في املوضوع برفض الطلب وقضائه بقيام الشركة بين الطرفين ال يكون قضاؤه من‬
‫قبيل التصدي الذي يجب العتماده أن تتحقق شروط الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م ولكن من قبيل البت في‬
‫املوضوع املرفوع أمام محكمة الدرجة الثانية‪ .62‬بينما قض ى في قرار آخر أنه ما دام محكمة الدرجة‬
‫األولى قد قضت بعدم القبول فإنها بذلك قد فصلت في دفع موضوعي يتعلق بعدم توافر تلك الدعوى‬
‫على عناصرها املتعلقة بموضوع الدعوى مما استنفدت معه واليتها في الفصل في املوضوع‪ .‬وملا كان‬
‫االستئناف ينقل النزاع برمته أمام محكمة الدرجة الثانية‪ ،‬فإن محكمة االستئناف املصدرة للقرار‬
‫املطعون فيه بعدما ألغت الحكم االبتدائي للعلل الواردة فيه كانت على حق عندما تصدت للبت في‬
‫موضوع الدعوى دون أن تعيدها إلى محكمة الدرجة األولى وأنها بذلك لم تخرق مقتضيات الفصل‬
‫‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م املحتج بخرقه‪.63‬‬

‫‪ -61‬قرار عدد ‪ 1023/7155‬بتاريخ ‪ 1023-22-21‬ملف رقم ‪ ،5/1023/3225‬غري منشور‪.‬‬


‫‪ -62‬قرار عدد ‪ 2750‬بتاريخ ‪ 2959-02-27‬ملف رقم ‪ ،7151‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل عدد ‪ 77‬السنة ‪ 25‬نونرب ‪ ،2990‬ص ‪.57‬‬
‫‪ -63‬قرار عدد ‪ 7301‬بتاريخ ‪ 2991-02-07‬ملف رقم ‪ ،97/3351‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،51‬ص ‪.19‬‬

‫‪37‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وإذا كان ما ذهب إليه املجلس األعلى في القرار األول هو عين الصواب ألن بت قاض ي الدرجة في‬
‫ً‬
‫موضوع الدعوى يلزم محاكم الدرجة الثانية بالفصل في الطعن استنادا إلى األثر الناقل وليس‬
‫التصدي‪ ،‬فإن ما قض ى به في قراره الثاني هو محل نقاش‪ ،‬ألنه وإن أجاز ملحكمة االستئناف التصدي‬
‫بعد القضاء بعد القبول‪ .‬فإنه باستقراء مضمون هذا القرار نجد أن محكمة الدرجة الثانية في هذه‬
‫الحالة كان يجب عليها إعادة امللف إلى املحكمة املصدرة له بعد إلغائه دون التصدي له ألن الدعوى‬
‫كانت غير جاهزة بدليل أنها كانت متوقفة على إجراء خبرة إلعداد مشروع قسمة‪ .‬وهو أمر غير جائز في‬
‫حالة التصدي الذي يستلزم كون القضية جاهزة للبت فيها وال تحتاج إلى أي تحقيق‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬عالقة التصدي بقاعدة استنفاد الوالية وال يضار الطاعن من طعنه‬
‫ً‬
‫يترتب عن صدور الحكم‪ ،‬خروج النزاع عن والية قاض ي الدرجة طبقا لقاعدة استنفاد الوالية‪ .64‬فمتى‬
‫أصدر القاض ي حكمه في النزاع املعروض عليه‪ ،‬فإنه يستنفد واليته بشأنه‪ .65‬وملا كانت املسائل املثارة‬
‫أثناء الخصومة كثيرة ومتنوعة‪ ،‬التصالها باإلجراءات أو بالتحقيق أو باملوضوع‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن‬
‫تختلف طبيعة الحكم باختالف هذه املسائل التي صدر الحكم فيها‪ .‬فإذا ما كانت املسألة موضوعية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن الحكم الصادر فيها يكون موضوعيا مستنفدا لوالية املحكمة بشأنها‪ .‬أما إذا كانت املسألة إجرائية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقط وكان الحكم الصادر فيها إجرائيا‪ ،‬فإنه يعتبر مستنفدا لسلطة املحكمة بالنسبة لإلجراءات دون‬
‫املوضوع‪ ،66‬لكن هل استنفاد املحكمة لواليتها في إجراءات الدعوى دون موضوعها‪ ،‬قد يحول دون‬
‫ً‬
‫إعمال نظام التصدي الذي يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا؟ (الفقرة‬
‫األولى)‪.‬‬
‫وإذا كان نظام التصدي يلزم محكمة الطعن بالفصل في الجوهر الذي لم يتم الفصل فيه من قبل‬
‫قاض ي الدرجة‪ ،‬إذا ما توفرت شروط ذلك حتى ولو طلب املستأنف إلغاء الحكم أو إبطاله فقط‪ ،‬فإن‬
‫ذلك قد يثير إشكاالت حول عالقته – التصدي – بمبدأ ال يضار الطاعن من طعنه والذي يعني أن‬
‫الطاعن من خالل ممارسته ألي طعن ال يمكن أن يحكم عليه بأكثر مما حكم به عليه الحكم املطعون‬
‫فيه أو بأكثر مما طلب في مقاله االستئنافي‪ ،‬وأن املحكمة‪ ،‬وهي تنظر في هذا الطعن‪ ،‬ال يمكن لها يمكن‬

‫‪ -64‬ملزيد من اإليضاح حول مبدأ استنفاد الوالية‪ ،‬ا ُنظر‪ :‬محمد صابر‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 50‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -65‬باستثناء سلطة تأويل أو تصحيح األحكام التي ال تخرج عن والية املحكمة املصدرة للحكم حي ينص الفصل ‪ 12‬من ‪.،‬م‪.‬م عىل أنه‬
‫"تختص تل محكمة‪ ،‬مع مراعاة مقتضيات الفصل ‪ 279‬بالنظر يف الصعوبات املتعلقة بتأويل أحكامها أو قراراتها وخاصة يف الصعوبات‬
‫املتعلقة باملصاريف املؤداة أمامها‪".‬‬
‫‪ -66‬محمد محمد هاشم‪ ،‬استنفاد والية القايض املد‪،‬ي يف قانون القضاء املد‪،‬ي‪ ،‬سنة ‪( 50/19‬إ‪.‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬ص ‪.129‬‬

‫‪38‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫لها‪ ،‬أخذا بذلك‪ ،‬إال أن تؤيد الحكم املطعون فيه‪ ،‬أو تلغيه‪ ،‬أو تعد له لصالح األطراف‪( 67‬الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عالقة التصدي بقاعدة استنفاد الوالية‬


‫للبحث عن عالقة نظام التصدي بقاعدة استنفاد الوالية سنحاول استعراض موقف القضاء (أوال)‬
‫والفقه (ثانيا) من هذه العالقة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬موقف القضاء‬


‫إن ما يمكن تسجيله بخصوص عالقة نظام التصدي بقاعد استنفاد الوالية على مستوى العمل‬
‫ً‬
‫القضائي هو أن القضاء املغربي كثيرا ما يربط بين استنفاد الوالية واألثر الناقل دون التصدي‪ ،‬وال يميز‬
‫بين استنفاد الوالية في املوضوع املوجب لألثر الناقل واستنفاد الوالية في الشكل الذي يستلزم إعمال‬
‫التصدي في حالة إلغاء الحكم املطعون فيه‪ ،‬ذلك أن املجلس األعلى وإن كان يلزم محكمة الدرجة‬
‫ً‬
‫الثانية بالبت في النزاع استنادا إلى األثر الناقل عند استنفاد قاض ي الدرجة األولى لسلطته في املوضوع‬
‫دون إرجاع امللف فإنه ال يوجب عليها التصدي عند استنفاد الوالية في الشكل فقط‪ ،‬ويلزمها بإرجاع‬
‫امللف إلى املحكمة املصدرة له‪.‬‬
‫وهكذا نجد املجلس األعلى قد قض ى في أحد قراراته أنه يتعرض للنقض القرار الذي قض ى بإرجاع‬
‫امللف إلى املحكمة االبتدائية بعد إلغاء حكمها البات في املوضوع‪ ،‬وذلك للقيام بإجراءات التحقيق في‬
‫الدعوى التي استنفدت سلطتها منها وأصبح موضوعها بين يدي محكمة االستئناف الباتة فيه دون بيان‬
‫األسباب املعتمدة في ذلك‪ .68‬و هو قرار يوضح أن املجلس األعلى قد ربط بين استنفاد الوالية في‬
‫املوضوع واألثر الناقل‪ ،‬وذلك بنقضه قرار محكمة الدرجة الثانية القاض ي باإللغاء واإلرجاع‪ ،‬في حين‬
‫ً‬
‫كان يجب عليها أن تبت في امللف استنادا إلى األثر الناقل لالستئناف ألن محكمة الدرجة األولى – كما‬
‫يوضح قرار املجلس األعلى – قد استنفدت واليتها في املوضوع‪.‬‬
‫بينما قض ى في قرار آخر أنه إذا ما قض ى قاض ي الدرجة الثانية باألداء بعد إلغاء الحكم االبتدائي‬
‫ً‬
‫الصادر بعدم قبول الطلب شكال لعدم إرفاقه باملستندات دون إرجاع امللف إلى املحكمة االبتدائية التي‬
‫لم تفصل في املوضوع ولم تستنفد سلطتها بعد‪ ،‬يكون قد حرم املحكوم عليه من درجة من درجات‬
‫التقاض ي وعرض قراره للنقض‪ ،69‬وهو قرار ينم عن عدم فهم كنه نظام التصدي الذي جاء ليخرق‬

‫‪ -67‬نور الدين لربيس‪ ،‬نظرات يف قانون املسطرة املدينة‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1021‬ص ‪.295‬‬
‫‪ -68‬قرار عدد ‪ 2750‬بتاريخ ‪ 2959-02-27‬يف امللف املد‪،‬ي رقم ‪ ،55/7151‬منشور مبجلة قضاة املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،77‬ص ‪.52‬‬
‫‪ -69‬محمد صابر‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.317 – 313‬‬

‫‪39‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫قاعدة التقاض ي على درجتين‪ ،‬وعدم استيعاب فكرة استنفاد الوالية من حيث الشكل والتي توجب‬
‫ً‬
‫التصدي‪ .‬أضف إلى ذلك أن عدم فصل قاض ي الدرجة األولى في الجوهر ال يشكل مانعا ملمارسة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التصدي‪ ،‬بل األكثر من هذا فإن عدم الفصل في الجوهر يعتبر شرطا جوهريا للتصدي واملعبر عنه‬
‫بجاهزية الدعوى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف الفقه‬


‫في معرض جواب الفقه املغربي عن سؤال عالقة نظام التصدي باستنفاد الوالية‪ ،‬فقد ذهب أستاذنا‬
‫محمد صابر إلى التأكيد أن الحكم الفاصل في االختصاص أو في دفع بعدم القبول هو فصل في شكل‬
‫الدعوى فقط‪ ،‬دون جوهرها‪ ،‬وهو حكم تستنفد معه محكمة الدرجة األولى لسلطتها في الشكل‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬
‫هذا هو مجال إعمال التصدي الذي ال يتصور اللجوء إليه إال بالنسبة لألحكام املتعلقة بشكل الدعوى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ّأما إذا تبين أن محكمة الدرجة األولى قد استنفدت واليتها في النزاع شكال وموضوعا‪ ،‬فإن قاض ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدرجة الثانية يكون ملزما بالبت في النزاع استنادا إلى األثر الناقل الذي ينقل النزاع إلى محكمة الدرجة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الثانية للبت فيه شكال وموضوعا بالنظر إلى ما تم رفع االستئناف بشأنه‪.70‬‬
‫َّ‬
‫أما األستاذ عبد العزيز حضري وإن لم يجبنا على السؤال املطروح بشكل مباشر إال أنه أثار مالحظة‬
‫مهمة من خالل تشبيهه فكرة استنفاد الوالية "بسيف ديموقليدس" املسلط على قضاة الدرجة الثانية‪،‬‬
‫ً‬
‫على اعتبار أن املجلس األعلى غالبا ما يستند في نقضه لقرارات محكمة الدرجة الثانية على هذه الفكرة‬
‫ً‬
‫– استنفاد الوالية – سواء قضت هذه القرارات باإللغاء واإلرجاع‪ ،‬أو باإللغاء والتصدي‪ ،‬مختما‬
‫مالحظته أن فكرة استنفاد الوالية هي بدون أدنى شك فكرة مقيدة لواجب التصدي‪.71‬‬
‫إن ما يمكن قوله في ختام هذه النقطة أن لنظام التصدي عالقة بقاعدة استنفاد الوالية من حيث‬
‫الشكل فقط على أساس أن فصل قاض ي الدرجة األولى في شكل الدعوى‪ ،‬يجعل سلطة هذا القاض ي‬
‫مستنفدة في الجانب اإلجرائي للدعوى وهو الجانب الذي يوجب إعمال التصدي عند الطعن في الحكم‬
‫إذا ما توفرت شروطه‪ .‬أما إذا ما بتت محكمة الدرجة األولى في املوضوع‪ ،‬فإن هذا يعني استنفاد الوالية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شكال وموضوعا وهو ما يلزم معه إعمال األثر الناقل لالستئناف‪.‬‬

‫‪ -70‬محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.317 – 313‬‬


‫‪-71‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.129 – 125‬‬

‫‪41‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة التصدي بمبدأ ال يضار الطاعن بطعنه‬


‫لم يتم في ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م التنصيص على قاعدة ال يضار الطاعن بطعن بكيفية صريحة‪ ،72‬مما دفع بعض‬
‫ً‬
‫الفقه املغربي إلى البحث أوال عن األساس القانوني لهذه القاعدة (أوال) وعن تأثيرها على سلطة املحكمة‬
‫في التصدي ملوضوع النزاع‪ ،‬من خالل الكشف عن العالقة بينهما (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األساس القانوني لقاعدة ال يضار الطاعن بطعنه‬


‫إذا كان األستاذ محمد الكشبور‪ 73‬قد استند إلى مقتضيات الفصل ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ 74‬والتي تنص على‬
‫وجوب بت املحكمة في حدود طلبات األطراف‪ ،‬في تأصيله لقاعدة ال يضار املستأنف من استئنافه‪،‬‬
‫ً‬
‫فإننا نؤسس انطالقا من ذات الفصل لقاعدة أعم وأشمل هي قاعدة ال يضار الطاعن بطعنه‪ ،75‬على‬
‫اعتبار هذا الفصل نظم تحت الباب األول من القسم املخصص للمقتضيات التمهيدية والتي تطبق‬
‫أمام جميع املحاكم وتسري – ال على االستئناف وحده – بل على جميع طرق الطعن‪.‬‬
‫ً‬
‫وانطالقا من النص املشار إليه أعاله‪ ،‬فإن الطاعن الذي يطعن في حكم صدر ضده‪ ،‬من املفروض أنه‬
‫يطلب من محكمة الطعن أن تحسن وضعيته إما بإلغاء الحكم املطعون فيه أو بإبطاله أو بتعديله‬
‫بكيفية تحقق مصلحته التي عبر عنها من خالل مطالبه‪ ،‬إذ من غير املتصور أن يطلب الطاعن من‬
‫محكمة الطعن أن تضر بوضعيته‪ ،‬وإن حصل ووقع ذلك فإن محكمة الطعن يجب أن تصرح بعدم‬
‫القبول النعدام مصلحة الطاعن في طعنه‪.‬‬

‫‪ -72‬وإن تان املرشع املغريب قد نص عىل هذه القاعدة يف ‪.،‬م‪.‬ج‪.‬م مبقتىض الفصل ‪ 709‬و ‪ ،720‬حي ينص الفصل األول عىل أنه "إذا‬
‫قدم االستئناف من املتهم وحده‪ ،‬فال ميكن ملحكمة االستئناف إال تأييد الحكم أو إلغائه لفائدة املستأنف" يف حني جاء يف الثا‪،‬ي ما ييل‬
‫"ال يخول هذا االستئناف إال تأييد الحكم أو تعديله أو إلغائه لفائدة املستأنف"‪ .‬غري أن هذه القاعدة جاءت خاصة باالستئناف ومل يرد‬
‫بشأنها نص مامثل يتعلق بالتعرض والنقض‪ ،‬ولذلك فهي ال تشمل باقي الطعون وتعترب خاصة باالستئناف وحده وقارصة عىل استئناف‬
‫املتهم – الفصل ‪ – 709‬أو املطالب بالحق املد‪،‬ي أو املسؤول املد‪،‬ي – الفصل ‪.720‬‬
‫‪ -73‬محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪ -‬نور الدين لربيس‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور‪ ،‬تأصيل قاعدة ال يضار أحد باستئنافه‪ ،‬مقال منشور مبجلة املناهج عدد مزدوج ‪ ،1005 ،5/1‬ص ‪.222‬‬
‫‪ -74‬جاء يف الفصل ‪ 3‬من ‪.،‬م‪.‬م ما ييل‪" :‬يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف‪ "...‬وهو نفس ما تنص عليه املادة ‪5‬‬
‫من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج والتي جاء فيها‪:‬‬
‫» ‪« Le juge doit se prononcer sur tout ce qui est demandé et seulement sur ce qui est demandé.‬‬
‫‪ -75‬وإن تان املرشع املرصي قد نص عىل قاعدة ال يضار الطاعن بطعنه بشكل عام مبقتىض الفصل ‪ 125‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م الذي جاء‬
‫يف الباب الثا‪،‬ي عرش املعنون بطر‪ ،‬الطعن يف األحكام وبالضبط ضمن الفصل األول املتعلق باألحكام العامة املطبقة عىل جميع طر‪،‬‬
‫الطعن حي ينص الفصل املذتور عىل أنه "فيام عدا األحكام الخاصة بالطعون التي ترفع من النيابة العامة ال يفيد من الطعن إالّ من‬
‫رفعه وال يحتج به إالّ عىل من رفع عليه"‬

‫‪40‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫كما أن القضاء املغربي غالبا ما يستند إلى مقتضيات ذات الفصل – ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م – للتأسيس‬
‫لقاعدة ال يضار الطاعن بطعنه‪ ،‬حيث جاء في قرار صادر عن املجلس األعلى أن القرار االستئنافي الذي‬
‫قض ى بإلغاء الحكم املستأنف مع التصريح بعدم أحقية املستأنفين في إقامة الدعوى‪ ،‬والحال أنهما‬
‫استأنفا الحكم االبتدائي القاض ي بعدم قبول الطلب وطلبا إلغائه والحكم على املستأنف عليه برفع‬
‫الضرر‪ ،‬يكون قد أضر باملستأنفين وخرق مقتضيات الفصل ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م ألنه لم يبت في حدود‬
‫طلباتهما‪.76‬‬

‫ثانيا‪ :‬عالقة التصدي بقاعدة ال يضار الطاعن بطعنه‬


‫إن إشكالية عالقة التصدي بقاعدة ال يضار الطاعن بطعنه تثار باألساس في الحالة التي يطعن فيها‬
‫ً‬
‫الطاعن ضد حكم قض ى في الجانب الشكلي للدعوى‪ ،‬طالبا من محكمة الطعن إلغاء هذا الحكم أو‬
‫إبطاله‪ ،‬مع إرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له‪ .‬غير أن محكمة الطعن وبعد تحققها من محتويات‬
‫امللف‪ ،‬تبين لها توفر شروط التصدي وباألخص شرط جاهزية الدعوى‪ .‬فهل في هذه الحالة يتعين عليها‬
‫الحكم باإللغاء وإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له‪ ،‬استجابة ملطالب الطاعن وحتى ال يتضرر هذا‬
‫ً‬
‫األخير من طعنه خصوصا وأن الفصل ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م يلزمها بالبت في حدود طلبات األطراف‪ ،‬أم عليها‬
‫اإللغاء والتصدي إعماال لواجبها املفروض عليها بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م؟‬
‫جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف بالناظور "حيث أنه من القواعد املسطرة املستقر عليها أن‬
‫املستأنف ال يضار باستئنافه‪ ،‬وأن املحكمة االبتدائية إذا قضت بعدم قبول الدعوى‪ ،‬فإن محكمة‬
‫ّ‬
‫االستئناف ال يمكنها بناء على استئناف املدعي إال أن تؤيد الحكم املستأنف لنفس العلل التي وردت‬
‫ً‬
‫فيه أو تلغيه وتقض ي برد امللف إلى محكمة الدرجة األولى للبت فيه حفاظا على حقوق درجات‬
‫التقاض ي‪"77.‬‬
‫وا لواضح من خالل هذا القرار أنه غلب كفة قاعدة ال يضار الطاعن بطعنه على كفة واجب التصدي‬
‫ألنه قض ى باإللغاء واإلرجاع‪ ،‬وهو توجه نعتقد أنه مجانب للصواب‪ ،‬ألن محكمة االستئناف في هذه‬
‫الحالة كان عليها أن تتصدى لجوهر النزاع‪ .‬وليس في ذلك أي خرق للمقتضيات القانونية‪ ،‬بل إنه مجرد‬
‫إعمال لسلطة خولها املشرع ملحاكم الدرجة الثانية شريطة توفر شروطها‪ .‬وعليه فإذا ما تصدت‬
‫محكمة االستئناف للموضوع وبتت فيه‪ ،‬فإنه ليس هناك أي مس بمبدأ ال يضار الطاعن بطعنه‪ ،‬بل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إن املحكمة تكون قد طبقت نصا قانونيا إجرائيا – الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م – ال يتوقف تطبيقه على‬

‫‪ -76‬قرار عدد ‪ 79‬بتاريخ ‪ 2951-2-1‬يف امللف املد‪،‬ي رقم ‪ ،57/322‬منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬عدد ‪ ،53‬ص ‪.51‬‬
‫‪ -77‬قرار عدد ‪ 121‬صادر بتاريخ ‪ 1005-05-03‬يف امللف رقم ‪ ،07/92‬منشور مبنشورات مجلة الحقو‪ ،‬املغربية‪ ،‬سلسلة األعداد الخاصة‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،2‬ص ‪.315‬‬

‫‪42‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫طلب الخصوم‪ .78‬وال يشكل أي خرق ملقتضيات الفصل ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م الذي يوجب على املحكمة البت في‬
‫حدود طلبات األطراف‪ ،‬ما دام الفصل ذاته قد أوجب على نفس املحكمة تطبيق القانون حتى ولو لم‬
‫يطلب األطراف ذلك‪.79‬‬
‫وهو التوجه الذي أقره املجلس األعلى في أحد قراراته التي جاء فيها "أن الحكم االستئنافي الذي قض ى‬
‫بعدم استحقاق املدعية للشفعة‪ ،‬رغم أن الحكم االبتدائي قض ى بعدم قبول دعواها شكال فقط وهي‬
‫املستأنفة وحدها ال يكون قد خرق القاعدة القانونية التي تقول بأنه ال يضار أحد باستئنافه‪ ،‬ما دامت‬
‫محكمة االستئناف بفتحها املجال للمستأنفة كي تقدم دفوعاتها تكون قد حلت بذلك محل املحكمة‬
‫االبتدائية للنظر في جوهر النزاع‪"80.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬تصدي محكمة ثاني درجة‬


‫سبق القول أن األثر الناقل لالستئناف‪ ،‬يلزم محاكم ثاني درجة بالبت في حدود ما تم الفصل‬
‫ً‬
‫فيه ابتدائيا‪ ،‬وما تم رفع االستئناف بشأنه‪ ،‬وأن التصدي يوجب على نفس املحكمة – أي محكمة ثاني‬
‫درجة – البت في موضوع النزاع الذي لم يبت فيه قاض ي أول درجة‪ ،‬إن هي قامت بإلغاء أو إبطال‬
‫الحكم املستأنف وكانت الدعوة جاهزة للبت فيها‪.81‬‬
‫ولقد نظم املشرع املغربي نظام التصدي أمام محاكم ثاني درجة بمقتض ى الفصلين ‪ 911‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ق و الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح سي ًرا على نهج نظيره الفرنس ي الذي ّ‬
‫سن هذا النظام ألول مرة‬
‫بمقتض ى الفصل ‪ 421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق وأعاد تنظيمه في املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪ .‬أما املشرع املصري‬
‫فإنه بعد أن كان يجيز حق التصدي ملحاكم ثاني درجة في قانون املرافعات األهلي الصادر في ‪ 01‬نونبر‬
‫‪ 0551‬في املادتين ‪ 121‬و ‪ 120‬منه‪ ،‬عاد وألغى هذا الحق في قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم ‪22‬‬
‫ً‬
‫لسنة ‪ 0242‬وهو النهج الذي سلكه أيضا في قانون املرافعات الحالي رقم ‪ 01‬لسنة ‪.820215‬‬

‫‪ -78‬صالح لهامم‪ ،‬سلطة املحكمة يف تعديل نطا‪ ،‬الدعوى املدنية‪ ،‬أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو‪ ،،‬جامعة القايض عياض‪ ،‬تلية‬
‫العلوم القانونية و االقتصادية و االجتامعية ‪،‬مراتش السنة الجامعية ‪ 1027-1023‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -79‬حي ينص الفصل ‪ 3‬من ‪.،‬م‪.‬م عىل أنه "وتبت دامئا طبقا للقوانني املطبقة عىل النازلة ولو مل يطلب األطراف ذلك بصفة رصيحة‪".‬‬
‫‪ -80‬قرار عدد ‪ 2251‬بتاريخ ‪ ،2953-21-23‬يف امللف العقاري رقم ‪ ،2515‬منشور مبجلة املعيار‪ ،‬عدد ‪ ،22‬ص ‪ 13‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -81‬ا ُنظر الصفحة ‪ 19‬ومايليها‪.‬‬
‫‪ -82‬عيل عبد الحميد تريك‪ ،‬نطا‪ ،‬القضية يف اإلستئناف‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة ‪(،2995‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‬
‫ص ‪.21‬‬

‫‪43‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫لكن إجازة هذا النظام من طرف املشرعين الفرنس ي واملغربي‪ ،‬ال يعني بالضرورة االتفاق على‬
‫توحيد شروط إعماله‪ ،‬بل إن التشريعين اختلفا في ذلك‪.‬‬
‫فإذا كان املشرعين قد ربطا نظام التصدي بضرورة إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه‬
‫باالستئناف‪ ،‬فإن املشرع املغربي أضاف عالوة على ذلك شرط جاهزية الدعوى للبت فيها‪ ،‬عكس‬
‫املشرع الفرنس ي الذي لم يستلزم مثل هذا الشرط بل خول ملحاكم ثاني درجة إمكانية تجهيز القضية‬
‫إذا كانت غير جاهزة من خالل لجوئها إلجراءات التحقيق‪ ،‬مع تحديده لنوعية األحكام املستأنفة القابلة‬
‫للتصدي‪.‬‬
‫ولعل مرد هذا االختالف هو نظرة كل مشرع لوظيفة الطعن باالستئناف‪ ،‬بين من يعتبره مجرد‬
‫وسيل ة إلصالح ومراجعة قضاء ابتدائي س يء‪ ،‬وآخر ينتصر إلى توجه جديد يدعو إلى جعله – أي‬
‫االستئناف – وسيلة إلنهاء النزاع في مجموعة وبين جميع أطرافه‪.83‬‬
‫وإذا كان حسم النزاع يقتض ي إعمال محكمة ثاني درجة لنظام التصدي‪ ،‬فإن ذلك سيترتب عنه‬
‫آثار مهمة سواء بالنسبة للمحكمة ذاتها أو في مواجهة أطراف الخصومة‪ ،‬بل إن هذه اآلثار قد تلحق‬
‫حتى األغيار عن النزاع‪.‬‬
‫وتبعا لكل ما ذكر فإننا سنتولى الحديث عن تصدي محاكم ثاني درجة للبت في القضية وفق ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬شروط تصدي محكمة ثاني درجة للقضية‪.‬‬


‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬آثار تصدي محكمة ثاني درجة على الطلب القضائي‪.‬‬

‫‪ -83‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬تعديل نظام الطعن باإلستئناف‪ ،‬مدخل أسايس إلصالح قانون املسطرة املدنية املغربية‪ ،‬مقال منشور مبجلة‬
‫الحقو‪ ،‬املغربية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 9‬و ‪ ،20‬السنة الخامسة‪ ،‬ماي ‪ ،1020‬ص ‪.220 – 259‬‬

‫‪44‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املبحث األول‪ :‬شروط تصدي محاكم ثاني درجة للقضية‬


‫ً‬
‫قبل الحديث عن شروط التصدي البد من اإلشارة إلى أنه على محكمة ثاني درجة التحقق أوال‬
‫من توفر شروط التقاض ي األساسية وهي الصفة و األهلية و املصلحة تحت طائلة عدم القبول‪ ،84‬ومن‬
‫أداء الوجيبة القضائية تحت طائلة البطالن‪ ،85‬ومن رفع االستئناف داخل األجل القانوني‪ ،‬ومن‬
‫اشتمال املقال االستئنافي على البيانات املنصوص عليها في الفصل ‪ 049‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح وإن كان املشرع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫املغربي لم يرتب أي جزاء على تخلف أحد هذه البيانات‪ ،‬مما خلق جدال فقهيا وقضائيا حول الجزاء‬
‫املسطري لهذا التخلف‪ ،86‬وإن كان املتفق عليه هو ضرورة إنذار املستأنف بتصحيح مقاله لفائدة‬
‫املسطرة‪.87‬‬
‫ً‬
‫ورجوعا إلى شروط التصدي نجد أن املشرع املغربي قد نص في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح على‬
‫أنه "إذا أبطلت أو ألغت غرفة االستينافات باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف الحكم املطعون‬
‫فيه‪ ،‬وجب عليها أن تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها"‪ .‬وبتفحص مضمون‬
‫هذا النص يتبين أن ممارسة التصدي من قبل محاكم ثاني درجة قد جاء بصيغة الوجوب ولم يأت‬
‫ً‬
‫بصيغة الجواز كما كان عليه األمر سابقا في الفصل ‪ 911‬من ‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك فإن واجب التصدي رهين بضرورة إبطال أو إلغاء الحكم املطعون فيه‪ ،‬وكون‬
‫القضية جاهزة للبت فيها‪ ،‬بخالف املشرع الفرنس ي الذي كان أكثر وضوحا بهذا الخصوص إذ عمل على‬
‫تحديد نوع األحكام املستأنفة القابلة للتصدي كما وسع من سلطات محكمة ثاني درجة من خالل‬
‫تخويلها إمكانية اللجوء إلى إجراءات التحقيق مع حفاظه –املشرع الفرنس ي – على الطباع االختياري‬
‫لهذا النظام‪.‬‬

‫‪ -84‬ا ُنظر الفصل ‪ 2‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬


‫‪ -85‬ا ُنظر الفصل ‪ 515‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬
‫‪ -86‬عبد الكريم عنوري‪ ،‬قراءة يف الفصل ‪ 271‬من ‪.،‬م‪.‬م عىل ضوء املقتضيات املرتبطة به واالجتهاد القضايئ‪ ،‬مقال منشور مبجلة‬
‫املناظرة‪ ،‬العدد الثا‪،‬ي‪ ،‬يونيو ‪ ،2991‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -87‬محمد بلهاشمي ‪ ،‬االتجاه الجديد يف فهم وتطبيق الفصل ‪ 271‬من قانون املسطرة املدنية واألرضار الناتجة عن ذلك‪ ،‬مقال منشور‬
‫مبجلة املحامي‪ ،‬العدد ‪ ،3‬السنة الثانية‪ ،‬ص ‪.72‬‬

‫‪45‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وعلى هذا األساس فإنه يتضح أن املشرع املغربي قد قيد سلطة محكمة ثاني درجة عند إعمالها‬
‫لنظام التصدي بضرورة تحقق شرطين‪ :‬أولهما موضوعي وهو إلغاء أو إبطال الحكم املستأنف (املطلب‬
‫األول) وثانيهما مسطري وهو املقصود به جاهزية الدعوى (املطلب الثاني(‬

‫املطلب األول‪ :‬الشرط املوضوعي لنظام التصدي‬


‫ً‬
‫إن تصدي محاكم ثاني درجة للبت في موضوع النزاع‪ ،‬رهين بضرورة قيام هذه املحاكم أوال بإلغاء‬
‫َّ‬
‫أو إبطال الحكم املطعون فيه‪ ،‬إال أن املالحظة األساسية التي نسجلها في هذا املقام‪ ،‬هي أن املشرع‬
‫املغربي قد أضاف بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح مصطلح إبطال الحكم إلى جانب إلغائه‪ ،‬بعد‬
‫ً‬
‫أن كان مقتصرا – أي املشرع املغربي – في الفصل ‪ 911‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ق على حاله اإللغاء فقط‪ ،‬مما‬
‫يدفعنا إلى ضرورة البحث عن الفروق بين املصطلحين (الفقرة األولى)‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد أثارت عبارة "الحكم املطعون فيه" املتضمنة في صلب الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح نقاشا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فقهيا كبيرا بخصوص معناها‪ ،‬فهل املقصود بها كل حكم ابتدائي مستأنف حتى ولو كان فاصال في‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫قاصر فقط على الحكم البات في شكل الدعوى دون موضوعها‪ ،‬إنسجاما مع‬ ‫املوضوع؟ أم أن األمر‬
‫ً‬
‫وظيفة نظام التصدي الذي يلزم محاكم ثاني درجة بالبت فيها لم يفصل فيها ابتدائيا‪ ,‬وهو األمر الذي‬
‫سيفرض علينا ضرورة البحث عن نوعية األحكام املطعون فيها القابلة للتصدي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إبطال أ و إلغاء األحكام القضائية‬


‫إذا كان املشرع املغربي قد ألزم محاكم ثاني درجة بالتصدي لجوهر النزاع‪ ،‬كلما ألغت أو أبطلت‬
‫الحكم املطعون فيه‪ ،‬فإن ذلك يجب أن ال يفهم منه وجوب التصدي في كل حاالت اإلبطال أو اإللغاء‪،‬‬
‫بل يشترط فضال عن ذلك أن تكون القضية جاهزة للبت فيها‪ ،‬وأن ال يكون قاض ي الدرجة األولى قد‬
‫ً‬
‫فصل في جوهر النزاع‪ ،‬ألن هذا الفصل يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت في النزاع استنادا لألثر الناقل‬
‫ً‬
‫لالستئناف وليس استنادا إلى التصدي‪ ،‬عالوة على ضرورة كون محكمة التصدي هي ذاتها مرجع‬
‫استئنافي أو درجة ثانية – إن صح التعبير – بالنسبة للمحكمة املصدرة للحكم املطعون فيه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وقد جمع املشرع املغربي بمقتض ى الفصل ‪ 0421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح بين فكرتي اإلبطال واإللغاء‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ليجعل منهما شرطا موحدا موجبا إلعمال التصدي‪ ،‬بعد أن كان هذا النظام مجرد رخصة يقتصر‬
‫فقط على حالة إلغاء الحكم املستأنف‪ ،88‬مما دفع البعض إلى التساؤل عن فائدة إضافة حالة‬
‫اإلبطال إلى جانب حالة اإللغاء؟ وما هو الفرق بين املفهومين؟‬
‫ولذلك فإننا سنحاول البحث عن هذا االختالف بين املفهومين من خالل الحديث عن حاالت‬
‫إبطال الحكم املطعون فيه (أوال) ثم حاالت إلغائه (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إبطال الحكم املطعون فيه‬


‫قبل الوقوف عند حاالت إبطال الحكم املطعون كشرط للتصدي(‪ ،)9‬فإنه يستحسن الحديث‬
‫ً‬
‫أوال عن النقاش الفقهي الذي ثار بخصوص إمكانية التصدي للبت في القضية عند إبطال الحكم‬
‫املستأنف(‪.)0‬‬
‫‪ -1‬إبطال الحكم املستأنف بين التصدي واألثر الناقل‬
‫في فرنسا وفي ظل مقتضيات املادة ‪ 819‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف والتي كانت تنص على أن النقل املترتب‬
‫على طلب إبطال حكم أول درجة أمام االستئناف هو نقل يشمل كل النزاع‪ ،89‬مما يستفاد منه أن بت‬
‫ً‬
‫محكمة ثاني درجة في طلب إبطال الحكم املستأنف يكون استنادا إلى األثر الناقل وليس إلى التصدي‪،‬‬
‫فقد تساءل الفقه عن مدى إمكانية تطبيق هذه املادة حتى في حالة تقديم طلب بإبطال حكم أول‬
‫درجة بت في شكل الدعوى فقط‪ ،‬خاصة وأن املادة املذكورة استعملت عبارة إبطال حكم أول درجة‬
‫ً‬
‫وهي عبارة عامة ومطلقة تشمل الحكم البات في الشكل والذي يتم الفصل فيه استنادا إلى التصدي‬
‫والحكم الحاسم في الجوهر والذي يتم نظره بما لالستئناف من أثر ناقل؟‬

‫‪ -88‬تانت املادة ‪ 132‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،.‬تنص عىل أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم املطعون فيه باالستئناف يجوز لها التصدي‬
‫للحكم يف الجوهر إذا تان الدعوى جاهزة للحكم فيها"‪.‬‬
‫‪la dévolution s’opère pour le tout que lorsque l’appel tend à l’annulation du ...F «.du N.C.P.C Art 562 -89‬‬
‫» …‪jugement‬‬
‫ترجمة نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م‪.‬س‪،‬ص‪125‬‬

‫‪47‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫في معرض جواب األستاذ ‪ Motulsky‬عن هذا السؤال أكد أنه وبالرغم من عمومية عبارة إبطال‬
‫الحكم املطعون فيه‪ ،‬فإنه يجب استبعاد الحق في التصدي عندما يكون الحكم الصادر عن محاكم‬
‫َّ‬
‫أول درجة قد فصل في موضوع النزاع‪ ،‬إذ في هذه الحالة ال يمكن للمحكمة أن تعتمد إال على األثر‬
‫الناقل لالستئناف لسحم النزاع‪ .‬أما األستاذ ‪ ،Meurisse‬فقد قرر أن إبطال حكم أول درجة لعيب في‬
‫الشكل أو لعيب في اإلجراءات‪ ،‬يتم الفصل فيه ال بما لالستئناف من أثر ناقل‪ ،‬وإنما بما للمحكمة من‬
‫الحق في التصدي‪ .‬في حين فإن األستاذ ‪ Hebraud‬يرى أنه إذا تم إبطال حكم أول درجة أمام محاكم‬
‫االستئناف بسبب عدم االختصاص أو لعيب في شكل الدعوى‪ ،‬فإن محكمة الالستئناف تختص بالبت‬
‫ً‬
‫في القضية استنادا لألثر الناقل‪.90‬‬
‫وإذا كان ما ذهب إليه األستاذ ‪ Motulsky‬هو عين الصواب‪ ،‬عندما قرر أن إبطال حكم فصل‬
‫في جوهر النزاع يتم نظره ً‬
‫بناء على األثر الناقل‪ ،‬وهو القول الذي يستفاد –بمفهوم املخالفة – من‬
‫خالله أن اقتصار قاض ي الدرجة األولى على البت في شكل الدعوى‪ ،‬يجب أن يتم الحسم فيه أمام‬
‫ً‬
‫محاكم الدرجة الثانية استنادا إلى التصدي‪ ،‬إذا ما تم إبطال هذا الحكم‪ ،‬فإن ما قرره األستاذان‬
‫‪ Meurisse‬و ‪ Hebraud‬هو محط نقاش لالعتبارات التالية ‪:‬‬
‫ً‬
‫فاألستاذ ‪ Meurisse‬أكد أن إبطال الحكم لعيب في الشكل واإلجراءات يتم الفصل فيه استنادا‬
‫إلى حق التصدي‪ ،‬دون أن يميز بين حالة الحكم البات في الشكل فقط وحالة الحكم الذي فصل في‬
‫الجوهر‪ ،‬ألن بت القاض ي االبتدائي في الجوهر ينقل النزاع إلى قاض ي الدرجة الثانية ً‬
‫بناء على األثر‬
‫الناقل حتى ولو شاب هذا الفصل عيب شكلي‪ .‬أما إذا اقتصر قاض ي أول درجة على نظر الدعوى في‬
‫شكلها فقط‪ ،‬فهنا يمكن الحديث عن حق التصدي إذا ما توفرت شروطه‪.‬‬
‫أما األستاذ ‪ Hebraud‬والذي قرر أن إبطال الحكم بسبب عيب عدم االختصاص أو بسبب عيب‬
‫ً‬
‫في الشكل تختص محكمة ثاني درجة بالفصل فيه استنادا إلى األثر الناقل‪ ،‬دون أن يميز هو اآلخر بين‬
‫ما إذا كان الحكم الذي تم إبطاله قد اقتصر على الفصل في شكل الدعوى أو أنه تجاوز الشكل إلى‬
‫املوضوع‪ .‬فإذا ما فصل قاض ي الدرجة في الجوهر رغم عدم اختصاصه‪ ،‬وتم إبطال قضاءه أمام‬
‫ً‬
‫محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬فإن نظر هذه األخيرة في هذه الحالة يجب أن يتم استنادا ملا لالستئناف من‬

‫‪ -90‬هذه اآلراء أوردها نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م‪.‬س ‪ ،‬ص ‪.117 – 110‬‬

‫‪48‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أثر ناقل إذا كانت محكمة الدرجة الثانية املعروض عليها النزاع هي بمثابة مرجع استئنافي بالنسبة‬
‫للمحكمة املصدرة للحكم الذي تم إبطاله‪ ،‬أما إذا كانت غير ذلك فإن ما عليها – محكمة ثاني درجة‪-‬‬
‫سوى إرجاع امللف إلى املحكمة املختصة للبت فيه‪.‬‬
‫لكن إذا ما قض ى قاض ي الدرجة األولى بعدم اختصاصه‪ ،‬وتم إبطال هذا الحكم من طرف‬
‫محكمة ثاني درجة ففي هذه الحالة يجب عليها البت في القضية إذا كانت بمثابة درجة ثانية بالنسبة‬
‫ً‬
‫للمحكمة املصدرة للحكم املطعون فيه استنادا إلى التصدي‪.‬‬
‫وهو الطرح الذي أقرته محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها حيث أكدت أن كل حكم صادر‬
‫ً‬
‫من أول درجة وكان حاسما ملوضوع الدعوى يجب أن تبث فيه محكمة الدرجة الثانية استنادا إلى األثر‬
‫الناقل إذا ما تم إبطال هذا الحكم‪ ،‬أما إذا اقتصر قاض ي الدرجة األولى على نظر شكل الدعوى فإن‬
‫للمحكمة في هذه الحالة أن تمارس حقها في التصدي‪.91‬‬
‫غير أن املشرع الفرنس ي حسم هذا الخالف و ذلك بتعديله املادة ‪ 819‬بمقتض ى املادة ‪ 01‬من‬
‫مرسوم رقم ‪ 9102-520‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬ماي‪ 9102‬و التي أصبحت تنص على أن النقل املترتب على‬
‫إبطال حكم أول درجة ال يشمل كل النزاع‪.92‬‬
‫هذا النقاش استفاد منه املشرع املغربي بتنصيصه في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح على أنه في‬
‫حالة إبطال حكم أول درجة من طرف محكمة االستئناف‪ ،‬فإنه يجب عليها أن تتصدى للبت في‬
‫القضية إذا كانت الدعوى جاهزة‪ ،‬مما يستفاد منه أن إبطال حكم قض ى في جانب الدعوى الشكلي‬
‫ً‬
‫فقط يتم الفصل فيه من طرف قاض ي الدرجة الثانية استنادا إلى واجبه في التصدي‪ ،‬فما هي يا ترى‬
‫حاالت إبطال األحكام القضائية التي توجب التصدي في ظل التشريع املغربي؟‪.‬‬
‫‪-2‬حاالت إبطال األحكام القضائية‬
‫ً‬
‫حكم جاء مخالفا ملقتضيات الفصل ‪ 81‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح (أ)‪ ،‬وغير‬
‫إن جزاء اإلبطال يلحق كل ٍ‬
‫محترم لحقوق الدفاع (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬خرق مقتضيات الفصل ‪ 05‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‬

‫‪ -91‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.157‬‬


‫‪La dévolution ne s’opère pour le tout que lorsque l’appel tend à l’annulation du "....Art 562 du N.C.P.C.F -92‬‬
‫‪" ...jugement‬‬

‫‪49‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫إن لجوء الشخص للقضاء يبغي من ورائه استصدار حكم قضائي يحمي مصالحه املدعى‬
‫االعتداء عليها‪ ،‬فالحكم القضائي بهذا املعنى هو تلك الوسيلة التي يضفي بواسطتها القاض ي الحماية‬
‫القضائية على املركز املطلوب حمايته‪.93‬‬
‫ولقد استلزمت جل التشريعات بما في املشرع املغربي شكلية الكتابة في إصدار هذه األحكام‪ ،‬من‬
‫خالل تحديدها للبيانات اإللزامية التي يجب أن يشتمل عليها كل حكم قضائي تحت طائلة البطالن‪،94‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو ما قض ى به املجلس األعلى في أحد قراراته والتي جاء فيها "يجب أن يكون كل حكم معلال تعليال‬
‫ً‬ ‫ً َّ‬
‫كافيا وإال كان باطال"‪.95‬‬
‫نظم املشرع املغربي بيانات الحكم القضائي بمقتض ى الفصل ‪ 81‬من ق‪.‬م‪.‬م وهي على أربعة‬
‫أنواع‪ :‬الديباجة‪ ،‬الوقائع‪ ،‬التعليل ثم املنطوق‪ .‬لكن وبالرغم من الطابع امللزم لهذه البيانات فإنه ال‬
‫يستلزم تضمينها جميعا في صك الحكم تحت طائلة البطالن‪ ،‬إذ يجب أن نميز هنا بين البيانات التي‬
‫تعتبر من النظام العام كإصدار الحكم باسم السيادة أو بيان أسماء القضاء الذين أصدروه والتي يرتب‬
‫على تخلفها جزاء البطالن بقوة القانون‪ ،‬وبين البيانات األخرى التي ال تعتبر من صميم النظام العام بل‬
‫َّ‬
‫تهم فقط حقوق الدفاع‪ ،‬إذ أن تخلفها ال يترتب عنه البطالن إال إذا أدى هذا التخلف إلى إلحاق ضرر‬
‫بأحد الخصوم‪،96‬ومن قبيل هذه البيانات حرفة أو مهنة األطراف وهو ما قض ى به املجلس األعلى حيث‬
‫ً‬
‫أكد أن عدم بيان حرفة األطراف في الحكم ال يشكل وسيلة للطعن‪ ،‬وإنما يصلح ألن يكون سببا إلعادة‬
‫النظر متى أدى ذلك إلى خلل في تحقيق هوية األطراف‪.97‬‬

‫‪ -93‬عبد الله الكو‪،‬ي‪ ،‬وضعية تنفيذ األحكام املدنية يف املغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو‪ ،،‬جامعة القايض عياض‪ ،‬تلية العلوم‬
‫القانونية و االقتصادية واالجتامعية‪ ، ،‬مراتش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1005/1007‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -94‬عبد العزيز فتحاوي‪ ،‬صناعة الحكم املد‪،‬ي‪ ،‬سلسلة الندوات واللقاءات واأليام الدراسية والدراسات‪ ،‬منشورات وزارة العدل‪ ،‬العدد ‪،20‬‬
‫سنة ‪ ،1020‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -95‬قرار عدد ‪ 520‬بتاريخ ‪ 19‬يوليوز ‪ 2952‬منشور مبجلة قضاة املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،19‬ص ‪.52‬‬
‫‪ -96‬أحمد العلمي‪ ،‬تقنية تحرير األحكام والتعليق عليها‪ ،‬املرتز املغريب للبحوث القانونية والقضائية‪ ،‬الرباط‪ ،‬مطبعة النجاح‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء)ع‪ ،‬ت‪ ،‬ط ‪،‬غ‪ ،‬م( ص ‪.25‬‬
‫‪ -97‬أورده عبد العزيز فتحاوي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪51‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وعلى هذا األساس فإذا ما أبطلت محكمة ثاني درجة الحكم املطعون فيه والبات في شكل‬
‫الدعوى فقط بسبب عدم اشتماله على أحد البيانات الواردة في الفصل ‪ 81‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م وجب عليها‬
‫أن تتصدى للقضية في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم احترام حقوق الدفاع‬
‫ينص الفصل ‪ 091‬من الدستور املغربي‪ 98‬في فقرته الثانية على أن حقوق الدفاع مضمونة أمام‬
‫جميع املحاكم‪ ،‬فهذه الفقرة توضح على أن حق الدفاع هو حق مقدس وركيزة أساسية في القوانين‬
‫اإلجرائية‪ ،‬والقضاء حريص أشد الحرص على ضرورة احترامه‪.‬‬
‫ويهدف الحق في الدفاع إلى تحقيق املساواة بين املراكز القانونية أو اإلجرائية لألطراف أمام‬
‫املحاكم‪ ،‬بحيث أن تخلف هذه املساواة تتخلف معها العدالة من أساسها‪ ،‬لذلك كان من الضروري‬
‫إتاحة الفرصة للخصوم للتعبير عن وجهات نظرهم فيما يقدمه كل واحد منهم في مواجهة الطرف‬
‫ً‬
‫اآلخر‪ ،‬تطبيقا ملبدأ التواجهية والذي يقض ي بعدم جواز اتخاذ أي إجراء ضد الشخص دون تمكينه من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرصة الدفاع عن حقوقه من خالل تبليغه اإلجراء املتخذ ضده تبليغا قانونيا‪.‬‬
‫وإذا ما تم اإلخالل بإجراءات التبليغ‪ ،‬فإن ذلك يؤدي بالضرورة إلى املساس لحقوق الدفاع مما‬
‫يترتب عنه بطالن الحكم‪ ،‬حيث قضت محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء في هذا اإلطار أن‬
‫ً‬
‫"أي خرق إلجراءات التبليغ تعتبر مسا بحقوق الدفاع‪ ،‬وأن أي إخالل من شأنه حرمان الطرف من‬
‫ً‬
‫ممارسة حقوقه أو أن يحرمه من درجة من درجات التقاض ي يؤدي حتما إلى بطالن تلك اإلجراءات‪،‬‬
‫وتكون محكمة الطعن ملزمة بالتصريح ببطالنه"‪.99‬‬
‫ً‬
‫ولذلك فإن أي إخالل بحقوق الدفاع يجعل قضاء الدرجة األولى باطال ويلزم محاكم ثاني درجة‬
‫بالتصدي له في حالة التصريح بإبطاله إذا كانت القضية جاهزة لحسمها و اقتصار محكمة الدرجة‬
‫األولى على البت في شكل الدعوى فقط‪.‬‬

‫‪ -98‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.22.92‬صادر يف ‪ 11‬شعبان ‪ 19( 2731‬يوليوز ‪ )1022‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ ،5927‬مكرر الصادرة بتاريخ ‪15‬‬
‫شعبان ‪ 30( 2731‬يوليوز ‪.)1022‬‬
‫‪ -99‬قرار عدد ‪ 09/530‬صادر بتاريخ ‪ 1009-10-20‬ملف رقم ‪ ،2/1001/7123‬منشور مبوقع محكمتي‪ ،‬أُطلع عليه بتاريخ ‪ 2‬مارس ‪ 1029‬عىل‬
‫الساعة ‪ 9:30‬دقيقة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ثانيا‪ :‬إلغاء الحكم املطعون فيه‬


‫إن إلغاء محاكم ثاني درجة للحكم املطعون فيه باالستئناف ما هو إال جزاء قضائي يلحق هذا‬
‫الحكم‪ ،‬إما بسبب خطأ‪ 100‬قاض ي الدرجة األولى في تأويل الوقائع)‪ (1‬أو بسبب خطأه في تطبيق النص‬
‫القانوني عليها)‪.(9‬‬
‫‪-1‬خطأ القاض ي في تأويل الوقائع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البد ألي ش يء كيفما كان نوعه من أسس ولبنات ال يقوم إال بها وال ينشأ إال بمقتضاها‪ ،‬والوقائع‬
‫هي التي تؤسس للحكم القضائي‪ ،‬أوهي كما يقول األستاذ محمد الكشبور "تمثل نقطة البدء في ترتيب‬
‫وتحريك النشاط القضائي من سكونه وسكوته"‪.101‬‬
‫واألصل أن الدعوى هي في ملك القائم بها‪ ،‬وهو ما يعني أن األطراف هم سادة الوقائع‪ ،‬وعليهم‬
‫يقع عبء إثباتها‪ ،‬سواء اتخذت شكل طلب من املدعي‪ ،‬أو شكل دفاع من املدعى عليه‪ً ،‬‬
‫وبناء على ذلك‬
‫فإن القاض ي مل زم في هذا اإلطار بعدم تعديل هذه الوقائع‪ ،‬أو تأسيس حكمه على وقائع لم يثرها‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫األطراف‪ ،‬وإنما عليه البت دائما في حدود طلبات األطراف وإال عرض قضاءه لإللغاء‪.102‬‬
‫ً‬
‫لكن وبالرغم من أهمية الوقائع في امليدان اإلجرائي‪ ،‬فإن املشرع املغربي لم يفرد لها نصوصا‬
‫ّ‬
‫خاصة‪ ،‬اللهم بعض اإلشارات الواردة في نصوص متفرقة كالفصل ‪ 19‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح والذي يلزم‬
‫عكس املشرع الفرنس ي والذي بعد أن أكد في‬ ‫بإيجاز‪103‬‬ ‫األطراف بتضمين مقاالتهم وقائع الدعوى‬
‫املادتين ‪ 1040‬و ‪ 1059‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج على قاعدة ملكية األطراف لخصومتهم عاد وخص القسم الثالث‬
‫من نفس القانون للوقائع حيث ضمنه ‪ 1‬مواد (‪ 2 ،1‬و ‪ )5‬لتأكيد هذه امللكية والسيادة‪.‬‬

‫‪ -100‬إرتقى املرشع املغريب مبصطلح الخطأ القضايئ إىل مصاف القواعد الدستورية وذلك بتنصيصه يف الفصل ‪ 211‬من دستور فاتح يوليوز‬
‫‪ 1022‬عىل أنه "يحق لكل من ترضر من خطأ قضايئ الحصول عىل تعويض تتحمله الدولة"‪.‬‬
‫‪ -101‬محمد الكشبور‪ :‬رقابة املجلس األعىل عىل محاتم املوضوع يف املواد املدنية‪)،‬إ‪.‬م‪.‬غ‪.‬م(‪،‬الطبعة األوىل‪،1002،‬ص ‪271‬‬
‫‪ -102‬ينص الفصل ‪ 3‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح عىل أنه "يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف‪"...‬‬
‫‪ -103‬والذي جاء فيه ماييل "يجب أن يبني بإيجاز يف املقاالت واملحارض عالوة عىل ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل املثارة‪"...‬‬
‫‪Qui dispose que « seules les parties introduisent l’instance, hors les cas où la loi en dispose autrement. Elles ont -104‬‬
‫‪la liberté d’y mettre fin avant qu’elle ne s’éteigne par l’effet du jugement ou en vertu de la loi ».‬‬

‫‪52‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج تنص على أن عبء تقديم الوقائع النافعة التي تصلح كأساس‬ ‫‪1061‬‬ ‫فاملادة‬
‫لالدعاءات يقع على عاتق األطراف‪ ،‬أما املادة ‪ 2‬من نفس القانون‪ ،‬فقد ألزمت القاض ي بضرورة التقيد‬
‫بالوقائع املثارة من قبل األطراف فال يجوز له – القاض ي – أن يؤسس قضاءه على وقائع لم تكن‬
‫مقدمة ولم تناقش من قبل الخصوم‪ ،107‬مع تخويله سلطة دعوة األطراف لتقديم تفسيراتهم‬
‫وإيضاحاتهم حول واقعة غامضة يرى أنها ضرورية لحل النزاع كما تقض ي املادة ‪ 5‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪.108‬‬
‫ً‬
‫وهكذا فإن القاض ي ملزم دائما بتأسيس حكمه على الوقائع التي أثارها األطراف أمامه‪ ،‬فال‬
‫يسوغ له أن يغير هذه الوقائع تحت طائلة إلغاء قضاءه من طرف محكمة الطعن‪ ،‬بل إن مجرد سوء‬
‫فهمه وتأويله لها "الوقائع" يمكن أن يؤدي إلى هذا اإللغاء‪ .‬لذلك فإن القاض ي يتعين عليه وقبل حسمه‬
‫للنزاع دعوة األطراف لتقديم إيضاحات حول الواقعة املبهمة ليصل بذلك إلى حقيقة الواقعة املقدمة‪،‬‬
‫َّ‬
‫وإال تعرض حكمه املؤسس على الواقعة غير الواضحة للطعن باالستئناف في الحاالت التي يسمح فيها‬
‫القانون بهذا الطعن‪ ،‬وهنا يجب على محكمة ثاني درجة في حالة إلغاء هذا الحكم أن تتصدى للبت في‬
‫القضية إذا ما توفرت شروط التصدي‪.‬‬
‫‪ -2‬خطأ القاض ي في تطبيق القانون‬

‫توجد بين مرحلتي تقديم الوقائع وإصدار الحكم مرحلة أساسية‪ ،‬وهي مرحلة التكييف القانوني‪،‬‬
‫يقوم فيها القاض ي بإعمال القاعدة القانونية وإرسائها على ما ثبت من وقائع‪.109‬‬
‫وإذا كانت الوقائع ملك ألطراف الخصومة‪ ،‬فإن تطبيق القانون هو التزام يتحمله القاض ي‪،‬‬
‫فالقاعدة هي أن املحكمة تعلم القانون وتلتزم بتطبيقه حتى ولو لم يطلب األطراف ذلك‪ ،110‬فال يحق‬
‫لها – املحكمة – االمتناع عن الحكم بحجة غموض النص أو انعدامه أو نقصه‪.111‬‬

‫‪Qui enonce que « les parties conduisent l’instance sous les charges qui leur incombent. Il leur appartient -105‬‬
‫‪d’accomplir les actes de la procédure dans les formes et délais requis ».‬‬
‫‪F « à l’appui de leurs prétention,les parties ont la charge d’alléguer les faits propres à les . Art 6 du N.C.P.C-106‬‬
‫‪fonder ».‬‬
‫‪F « le juge ne peut fonder sa décision sur des faits qui ne sont pas dans le débat ».. Art 7 du N.C.P.C-107‬‬
‫‪Art 8 du N.C.P.C.F « le juge peut inviter les parties à fournir les explications de fait qu’il estime nécessaire à la -108‬‬
‫‪solution du litige ».‬‬
‫‪ -109‬أحميدو أتري‪ ،‬التكييف القانو‪،‬ي للوقائع‪ ،‬مقال منشور بدفاتر املجلس األعىل‪ ،‬العدد ‪ ،20‬سنة ‪ ،1005‬ص ‪.225‬‬

‫‪53‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫لكن هذا االلتزام ليس التزاما مطلقا‪ ،‬إذ يجب أن نميز هنا بين القاعدة القانونية اآلمرة ذات‬
‫الصلة بالنظام العام والتي يتعين على القاض ي إعمالها من تلقاء نفسه‪ ،‬وبين القواعد املكملة‬
‫كالنصوص املنظمة للدفع بعدم االختصاص املكاني‪ ،‬فمثل هذه القواعد ال يلتزم القاض ي بتطبيقها‬
‫تلقائيا‪ ،‬بل يجب على صاحب املصلحة التمسك بها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعلى غرار الوقائع التي خص لها املشرع الفرنس ي قسما خاصا بها‪ ،‬فإن ذات املشرع أفرد للقانون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا قسما خاصا به هو القسم الثاني والذي يتضمن مادتين ‪ 09‬و ‪ ،01‬فاملادة ‪ 09‬ترتكز من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج على مبدأ أساس ي مؤداه أن تطبيق القانون هو مهمة القاض ي وال يتوقف ذلك على طلب‬
‫الخصوم‪ ،‬فمتى استكمل الخصوم عرض وقائعهم‪ ،‬فإن املحكمة تنتقل بعد ذلك إلى تطبيق النص‬
‫القانوني املناسب عليها – الوقائع ‪ ،112-‬ما لم يكن األطراف قد اتفقوا على تحديد هذا النص‬
‫ً‬
‫مسبقا‪ .113‬إذ في هذه الحالة ال يستطيع القاض ي تغيير هذا األساس املتفق عليه حتى لو كان غير واجب‬
‫التطبيق‪ ،‬وإن كان بعض الفقه الفرنس ي قد انتقد هذا املقتض ى إذ أن السماح للخصوم بمخالفة‬
‫القانون من خالل املطالبة بتطبيق نصوص غير صحيحة أو االتفاق صراحة على تكييف ال يطابق‬
‫القانون يؤدي إلى تطبيق زائف للقانون‪.114‬‬
‫أما املادة ‪ 01‬من نفس القانون فإنها تنص على أن للقاض ي حق دعوة الخصوم لتقديم‬
‫إيضاحات حول النقط القانونية التي يرى أنها ضرورية لحسم النزاع‪ ،115‬وهو مقتض ى يبين مدى‬
‫التعاون بين القاض ي واألطراف‪ ،‬وفيه تطابق مع مقتضيات املادة ‪ 5‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج مع اختالف أساس‬

‫‪ -110‬ينص الفصل ‪ 3‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح "‪ ...‬وتبت دامئا ً طبقا للقوانني املطبقة عىل النازلة ولو مل يطلب األطراف ذلك بصفة رصيحة"‪.‬‬
‫‪ -111‬ينص الفصل ‪ 1‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح "ال يحق للمحكمة االمتناع عن الحكم أو إصدار قرار‪ ،‬ويجب البت يف تل قضية رفعت إىل‬
‫املحكمة"‪.‬‬
‫‪F « le juge tranche le litige conformément aux règles de droit qui lui sont applicables ».. Art 12 du N.C.P.C-112‬‬
‫‪F « Toutefois, il ne peut changer la dénomination ou le fondement juridique lorsque les . Art 12 du N.C.P.C-113‬‬
‫‪parties, en vertu d’un accord exprès et pour les droits dont elles ont la libres disposition, l’ont lié par les‬‬
‫‪qualifications et point de droit auxquels elles entendent limiter le débat ».‬‬
‫‪Vincent et Serge Guichard : op .cit P. 539. -114‬‬
‫‪F « le juge peut inviter les parties à fournir les explications de droit qu’il estime nécessaire à . Art 13 du N.C.P.C -115‬‬
‫‪la solution du litige ».‬‬

‫‪54‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫هذا التعاون‪ .‬فهذه األخيرة تجعل أساس التعاون هو الوقائع في حين جعلت املادة ‪ 01‬من القانون‬
‫مرتكزا لهذا التعاون‪.‬‬
‫ً‬
‫ولذلك فإن أي خطأ من طرف القاض ي في تطبيق النص القانوني‪ ،‬من شأنه أن يكون سندا‬
‫إللغاء قضائه من طرف محكمة الدرجة الثانية‪ ،‬في حالة ما إذا ما تم الطعن باالستئناف من طرف‬
‫الخصوم‪ ،‬متمسكين بسوء هذا التطبيق‪ ،‬وهو اإللغاء الذي يلزم محاكم الدرجة الثانية بالتصدي‬
‫لجوهر النزاع إذا ما اكتفى قاض ي الدرجة األولى بالبت في شكل الدعوى وكانت القضية جاهزة للفصل‬
‫فيها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األحكام القضائية القابلة للتصدي‬


‫سبق القول أن عبارة الحكم املطعون فيه املضمنة في مقتضيات الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح هي‬
‫عبارة فضفاضة‪ ،‬تشمل كل األحكام القضائية املطعون فيها باالستئناف سواء فصلت في شكل الدعوى‬
‫فقط أو في موضوعها‪ ،‬غير أنه وباستحضار مجال الفصل املتضمنة فيه وهو الفصل املنظم لنظام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التصدي تجعلنا نفسر هذه العبارة تفسيرا ضيقا مستبعدين الحكم الفاصل في موضوع الدعوى والذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يفصل فيه قاض ي ثاني درجة استنادا إلى األثر الناقل لالستئناف‪ ،‬عكس املشرع الفرنس ي الذي كان دائما‬
‫ً‬
‫مياال سواء في ظل الفصل ‪ 421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق أو املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج إلى تحديد األحكام‬
‫القضائية املستأنفة القابلة للتصدي‪.116‬‬
‫لذلك فإن األحكام القضائية املطعون فيها باالستئناف القابلة للتصدي هي األحكام الفاصلة في‬
‫شكل الدعوى فقط‪ ،‬وعلى هذا األساس فإننا سنتحدث أوال عن األحكام القضائية الفاصلة في دفع بعدم‬
‫االختصاص (أوال) قبل الكالم عن باقي األحكام القضائية غير الفاصلة في موضوع الدعوى (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األحكام القضائية الفاصلة في دفع بعدم االختصاص‬


‫نص املشرع املغربي بمقتض ى الفصل ‪ 02‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح على أنه يجب على املحكمة التي أثير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أمامها دفع بعدم االختصاص نوعيا كان أو مكانيا أن تبت فيه بموجب حكم مستقل أو بإضافة الطلب‬

‫‪ -116‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.117‬‬

‫‪55‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫العارض إلى الجوهر‪ ،‬في حين نصت املادة ‪ 01‬من القانون رقم ‪ 40‬لسنة ‪ 0221‬املحدث بموجبه محاكم‬
‫إدارية‪ ،117‬واملادة ‪ 5‬من القانون رقم ‪ 81‬لسنة ‪ 0228‬الذي يقض ي بإحداث محاكم تجارية‪ 118‬على ضرورة‬
‫الفصل في الدفع بعدم االختصاص النوعي بحكم مستقل دون ضمه إلى الجوهر‪ ،‬على أن تبقى مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 02‬من ق‪.‬م‪.‬م سارية املفعول بالنسبة للدفع بعدم االختصاص املكاني للمحاكم اإلدارية‬
‫والتجارية‪.119‬‬
‫ً‬
‫وبناء على ذلك فإن األحكام القضائية الصادرة عن محاكم أول درجة في شأن االختصاص إما أن‬
‫ً‬
‫تفصل في االختصاص والجوهر معا (‪ )0‬أو تقض ي في الدفع بعدم االختصاص فقط دون ضمه إلى‬
‫الجوهر (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬األحكام القضائية الباتة في الجوهر واالختصاص‬
‫لبحث مسالة إمكانية تصدي محاكم ثاني درجة لألحكام القضائية الفاصلة في الجوهر و‬
‫االختصاص سنعرض أوال ملوقف الفقه (أ) ثم موقف القضاء (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقف الفقه‬
‫تضاربت مواقف الفقه املغربي بخصوص إمكانية تصدي محاكم ثاني درجة عند الطعن‬
‫باالستئناف ضد حكم قض ى في االختصاص والجوهر معا‪.‬‬
‫فاألستاذ محمد صابر ذهب إلى أن البت في استئناف حكم صادر بشأن الدفع بعدم االختصاص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والجوهر معا يتم في إطار األثر الناقل لالستئناف وليس استنادا إلى التصدي‪ ،‬إن هي – أي محكمة ثاني‬
‫درجة – قامت بتأييد الحكم املستأنف في شقه املتعلق باالختصاص‪.120‬‬

‫‪ -117‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.92.115‬صادر بتاريخ ‪ 11‬ربيع األول ‪ 20( 2727‬سبتمرب ‪ ،)2993‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ 7111‬بتاريخ ‪ 25‬جامدى األوىل‪3( 2727‬‬
‫نوفمرب ‪ ،)2993‬ص ‪.1225‬‬
‫‪ -118‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.91.25‬صادر بتاريخ ‪ 7‬شوال ‪ 21( 2721‬فرباير ‪ ،)2991‬ج‪.‬ر‪.‬ع‪ 7751 .‬بتاريخ ‪ 5‬محرم ‪ 25( 2725‬ماي ‪ ،)2971‬ص‬
‫‪.2272‬‬
‫‪ -119‬حي تنص املادة ‪ 27‬من ‪.،‬إ‪.‬م‪.‬إ عىل أنه "تطبق أحكام الفقرات األربع األوىل من الفصل ‪ 22‬وأحكام الفصل ‪ 21‬من قانون املسطرة‬
‫املدنية عىل الدفع بعدم االختصاص املحيل املثار أمام املحاتم اإلدارية‪ ،‬أما ‪.،‬ا‪.‬م‪.‬ت فلم يضع نص خاص بهذه الحالة لكن ميكن‬
‫استنتاجها من مقتضيات املادة ‪ 5‬التي استثنت فقط االختصاص النوعي من مقتضيات الفصل ‪ 21‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -120‬محمد صابر‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.335‬‬

‫‪56‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫أما االستاذ ‪ A.BOUDAHREIN‬فقد أكد على أن فصل قاض ي أول درجة في االختصاص والجوهر معا‬
‫ينقل النزاع برمته إلى محاكم ثاني درجة ولذلك يصعب الحديث على قيام التصدي في حالة إلغاء حكم‬
‫في شقه املتعلق باالختصاص‪.121‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في حين نجد األستاذ عبد العزيز حضري قد سلك مسلكا مغايرا عندما خلص إلى أن حق محكمة‬
‫ثاني درجة في التصدي ملوضوع النزاع ال يجوز استبعاده‪ ،‬واستدل على ذلك بقوله أنه أمام احتمال أن‬
‫يكون القاض ي االبتدائي غير مختص للفصل في النزاع الذي حسم فيه‪ ،‬فعدم اختصاصه سيجعل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قضاءه في الجوهر الغيا ال يتحقق معه األثر الناقل لالستئناف‪ ،‬لكن التصدي يكون ممكنا بشرط أن‬
‫تكون محكمة االستئناف املعروض عليها الحكم هي أيضا محكمة درجة ثانية بالنسبة للمحكمة التي تراها‬
‫ً‬
‫مختصة والتي كان يجب أن يعرض عليها النزاع أصال‪.122‬‬
‫ونختم هذا التضارب الفقهي بخصوص إمكانية التصدي للحكم الفاصل في االختصاص والجوهر‬
‫ً‬
‫معا من قبل قضاة الدرجة الثانية‪ ،‬برأي األستاذ عبد العزيز توفيق الذي استبعد الحاجة إلى التصدي‬
‫ألن محاكم ثاني درجة ملزمة بالبت في الدعوى املعروضة عليها حسب املقال االستئنافي وحسب ما بتت‬
‫فيه محاكم أول درجة‪ ،‬أما املطالب التي قدمت أمام قاض ي الدرجة األولى ولم يفصل فيها أو تم إغفالها‪،‬‬
‫فال يمكن أن تنظر أمام محاكم ثاني درجة حتى ولو شملها املقال االستئنافي ألن هذا اإلغفال ال يطعن‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فيه إال بإعادة النظر عمال بمقتضيات الفصل ‪ 419‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.123‬‬
‫غير أن موقف األستاذ عبد العزيز توفيق هو قول مردود ألنه يتضمن حجة دحضة في ذاته ذلك‬
‫أن األستاذ اعتبر إغفال البت في بعض الطلبات ال يمكن استئنافها حتى يتم التصدي لها ألنها خاضعة‬
‫ملقتضيات الفصل ‪ 419‬الذي يخضع مثل هذه الطلبات لطريق الطعن بإعادة النظر والحال أن الفصل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 419‬من ق‪.‬م‪.‬م اشترط للطعن في الحكم بإعادة النظر أن ال يكون هذا الحكم قابال لالستئناف أصال‪.‬‬

‫‪A. Boudahrein,Droit judiciaire privé au Maroc ,société d’édition et diffusion ALMADARISS , 3émé édition, -121‬‬
‫‪Rabat,p 231 .‬‬
‫‪ -122‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪ -123‬عبد العزيز توفيق موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬املكتبة القانونية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،1022 ،‬ص ‪770‬‬
‫‪.772‬‬

‫‪57‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أما ما ذهب إليه األستاذ ‪ A.BOUDAHREIN‬فإنه محل نقاش ألنه استبعد التصدي في حالة‬
‫إلغاء قاض ي ثاني درجة للحكم االبتدائي في شقه املتعلق بعدم االختصاص إذ في هذه الحالة يستحيل‬
‫الحديث عن األثر الناقل والتصدي إذا كان القاض ي االبتدائي قد قض ى باختصاصه‪ 124‬وفصل في النزاع‬
‫ثم تم إلغاء هذا الحكم في شقه املتعلق باالختصاص أمام محاكم درجة ثاني‪ ،‬ألن محكمة ثاني درجة في‬
‫هذه الحالة ملزمة بإحالة امللف على محكمة الدرجة األولى املختصة‪.‬‬
‫وهو نفس االنتقاد الذي نوجهه إلى رأي األستاذ عبد العزيز حضري والذي خول ملحكمة ثاني درجة‬
‫ً‬
‫إمكانية التصدي للبت في النزاع إذا كان القاض ي االبتدائي غير مختص أصال للحسم فيه‪ ،‬والحال أن‬
‫نظام التصدي يلزم محكمة ثاني درجة بالبت فيما لم يفصل فيه قاض ي الدرجة األولى‪ ،‬في حين نجد أن‬
‫القاض ي في هذه الحالة قد حسم النزاع‪ ،‬وكل ما في األمر أنه غير مختص فقط‪ ،‬لذلك فإنه في حالة إلغاء‬
‫هذا الحكم في شقه املتعلق باالختصاص ال يكون أمام محكمة ثاني درجة سوى إرجاع امللف أو إحالته‬
‫على محكمة الدرجة األولى املختصة‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإننا نؤيد ما ذهب إليه أستاذنا محمد صابر الذي ألزم محكمة ثاني درجة‬
‫بالبت في النزاع الذي قض ى في االختصاص والجوهر معا وذلك في إطار األثر الناقل لالستئناف في حالة‬
‫تأييدها للحكم االبتدائي‪ ،‬ذلك أنه في حالة اإللغاء فإن محكمة ثاني درجة ال تملك سوى خيار إرجاع‬
‫امللف إلى املحكمة االبتدائية املختصة‪.‬‬
‫ب‪ -‬موقف القضاء‬
‫إذا كنا قد خلصنا فيما سبق إلى أن األحكام القضائية املطعون فيها باالستئناف والفاصلة في‬
‫ً‬
‫االختصاص والجوهر معا تبت فيها محاكم الدرجة الثانية بما لالستئناف من أثر ناقل وليس إعماال‬
‫لنظام التصدي‪ ،‬في حالة تأييدها فقط‪ ،‬فإن املجلس األعلى ذهب عكس ذلك في أحد قراراته الحديثة –‬
‫ً‬
‫نوعا ما – عندما أكد أنه من واجب محكمة الدرجة الثانية التصدي لجوهر النزاع بغض النظر عما إذا‬
‫كان قاض ي الدرجة األولى قد اكتفى بالبت في الشكل أو تجاوزه إلى املوضوع‪ ،‬وذلك في حالة إلغائها لهذا‬
‫الحكم حيث جاء في هذا القرار أنه إذا ألغت محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه‪ ،‬وجب عليها أن‬
‫تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪ ،‬بصرف النظر عما إذا كان الحكم‬
‫االبتدائي امللغى اكتفى بالبت في الجانب الشكلي أو تطرق للموضوع‪ ،‬إذ ال يسوغ لها في هذه الحالة إرجاع‬

‫‪ -124‬ألنه يف حالة القضاء بعدم اختصاصه‪ ،‬يستحيل تصور بته يف جوهر الدعوى‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫امللف إلى املحكمة االبتدائية للبت فيه بداعي احترام مبدأ التقاض ي على درجتين‪ ،‬ما دام االستئناف ينشر‬
‫الدعوى أمامها‪ ،‬وأن الوثائق والدفوع املثارة أمامها لم يسبق تقديمها في املرحلة االبتدائية‪.125‬‬
‫وإذا كان هذا القرار يوضح نظرة املجلس األعلى الجديدة لنظام االستئناف بجعله وسيلة إلنهاء‬
‫النزاع من خالل إلزام محاكم الدرجة الثانية بالتصدي – دون إرجاع امللف – حتى ولو فصل قاض ي‬
‫الدرجة األولى في املوضوع مع فسح املجال لألطراف بتقديم طلبات جديدة أمامها‪ ،‬وهو ما يتعارض مع‬
‫قاعدة تحريم تقديم طلبات جديدة ألول مرة أمام االستئناف‪ ،‬فإنه مع ذلك يضرب كنه نظام التصدي‬
‫ً‬
‫عرض الحائط على اعتبار أن هذا النظام يلزم محاكم الدرجة الثانية بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا‬
‫والحال أن قاض ي الدرجة األولى في هذه الحالة قد فصل في املوضوع والشكل‪ ،‬فال مجال للحديث عن‬
‫التصدي هنا‪ ،‬بل األكثر من ذلك‪ ،‬فإنه في هذا القرار ال يمكننا الحديث حتى على األثر الناقل ألن محكمة‬
‫االستئناف في حالة اإللغاء تكون ملزمة بإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له‪ ،‬وهو ما قضت به محكمة‬
‫االستئناف في قرارها املنقوض من طرف املجلس األعلى‪.‬‬
‫‪ -2‬األحكام القضائية الفاصلة في االختصاص فقط‬
‫ً‬
‫البد من اإلشارة أوال على أن األمر يقتصر فقط على الحالة التي تقض ي فيها محكمة أول درجة‬
‫إذ في هذه الحالة تصرح محكمة ثاني‬ ‫ي محاكم ثاني درجة بإلغاء هذا الحكم‪126‬‬ ‫بعدم اختصاصها وتقض‬
‫درجة بطريقة مضمرة أنها مختصة للبت في النزاع‪.‬‬
‫لكن هل هذا التصريح يلزمها – أي محاكم ثاني درجة – بالفصل في النزاع الذي لم يبت فيه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابتدائيا بسبب الحكم بعدم االختصاص وذلك استنادا إلى نظام التصدي‪ ،‬أم عليها إعادة امللف إلى‬
‫املحكمة املختصة لتبت فيه طبقا للقانون‪.‬‬
‫ولبحث هذه النقطة‪ ،‬فإننا سنميز بين املحاكم العادية (أ) واملحاكم املتخصصة (ب)‪.‬‬

‫‪ -125‬قرار عدد ‪ 1501‬صادر بتاريخ ‪ 1020-02-25‬يف امللف عدد ‪ ،09/155‬منشور بنرشة قرارات محكمة النقض الغرفة املدنية‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪،‬‬
‫عدد ‪.52‬‬
‫‪ -126‬عىل اعتبار أن تأييد الحكم القايض بعدم االختصاص‪ ،‬أو إلغاء الحكم القايض باالختصاص‪ ،‬يلزم محكمة ثا‪،‬ي درجة بإرجاع امللف‬
‫إىل املحكة املختصة‪ ،‬وهو ما يستفاد من قرار صادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء عدد ‪ 207‬بتاريخ ‪ ،2952-1-15‬منشور مبجلة‬
‫املحاتم املغربية‪ ،‬العدد ‪ ،12‬ص ‪ .93‬جاء فيه ما ييل "تستعمل محكمة االستئناف حقها يف التصدي يف حالة إلغاء الحكم القايض بعدم‬
‫االختصاص ويحتفظ األطراف يف غري هذه الحالة بنظام التقايض عىل درجتني"‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أ‪-‬املحاكم العادية‬
‫األصل أن قيام محاكم ثاني درجة بإلغاء أو إبطال حكم محاكم أول درجة والقاض ي بعدم‬
‫االختصاص بنوعيه املكاني والنوعي‪ ،‬بعد أن يكون املدعى عليه قد تقدم بجوابه‪ ،‬أي أن الدعوى‬
‫أصبحت جاهزة للبت فيها‪ ،‬فإن عليها التصدي للموضوع تطبيقا ملقتضيات املادة ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬
‫غير أن املجلس األعلى ذهب عكس ذلك عندما قض ى في أحد قراراته أنه "وحيث إن الحكم‬
‫االبتدائي اقتصر على البت في الجانب املتعلق باالختصاص املحلي‪ ،‬حيث قض ى بعدم االختصاص‬
‫ً‬
‫فاستأنف فتبين ملحكمة االستئناف أن املحكمة املذكورة مختصة محليا‪ .‬غير أن محكمة االستئناف‬
‫تصدت وقضت للمستأنف بتعويضات وفوتت درجة من درجات التقاض ي لعدم إرجاعها للملف إلى‬
‫املحكمة االبتدائية للبت فيه‪ ،‬مما عرض قرارها للنقض"‪.127‬‬
‫فاملالحظة األساسية من خالل مضمون هذه الحيثية هي أن املجلس األعلى ال يسير في نفس‬
‫التوجه الذي سبق بسطه‪ ،‬بل إنه يلزم محاكم ثاني درجة بضرورة إرجاع امللف إلى محاكم أول درجة‬
‫ً‬
‫مبررا موقفه باحترام مبدأ التقاض ي على درجتين‪ ،‬غير أن هذا التوجه القضائي ال يستحضر رغبة‬
‫املشرع عند سنه لنظام التصدي والتي تتجه نحو جعل الطعن باالستئناف وسيلة إلنهاء النزاع ما‬
‫دامت القضية جاهزة للبت فيها‪ ،‬وما دام املشرع نفسه لم يضع نص قانوني يفرض على محكمة‬
‫الطعن ضرورة إرجاع امللف عند بتها في حكم قض ى بعدم االختصاص كما فعل بالنسبة للمحاكم‬
‫املختصة‪.‬‬
‫ب‪-‬املحاكم املتخصصة‬
‫هنا يجب أن نميز بين االختصاص املكاني والنوعي للمحاكم املتخصصة‪ ،‬ذلك أن االختصاص‬
‫املكاني تسري عليه نفس مقتضيات االختصاص الترابي للمحاكم العادية‪ ،‬إذ أن محكمة ثاني درجة إذا‬
‫ما ألغت أو أبطلت حكم قض ى بعدم االختصاص املجالي وجب عليها أن تتصدى إن كانت القضية‬
‫جاهزة للبت فيها‪ ،‬ألن املشرع لم يضع قواعد خاصة بالدفع بعدم االختصاص املكاني الذي يبقى‬
‫خاضعا للقواعد العامة عكس االختصاص النوعي الذي أفرد له املشرع نصوصا خاصة سواء بالنسبة‬
‫للقضاء اإلداري أو التجاري‪.‬‬

‫‪ -127‬قرار عدد ‪ 752‬يف امللف عدد ‪ 02/2255‬بتاريخ ‪ 01/5/1‬منشور بالتقرير السنوي للمجلس األعىل لسنة ‪ ،1001‬ص ‪.210‬‬

‫‪61‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ب‪ :1 -‬املحاكم اإلدارية‬


‫نص املشرع املغربي بمقتض ى املادة ‪ 09‬من قانون رقم ‪ 51‬لسنة ‪ 9111‬املحدثة بموجبه محاكم‬
‫استئناف إدارية‪ 128‬على أنه "تبقى مقتضيات املادة ‪ 01‬من القانون رقم ‪ 40.21‬املحدثة بموجبه محاكم‬
‫إدارية سارية املفعول في شأن استئناف األحكام الصادرة في موضوع االختصاص النوعي‪ ،‬وتحيل‬
‫محكمة النقض امللف بعد البت فيه إلى املحكمة املختصة"‪ .‬ورجوعا إلى املادة ‪ 01‬من قانون رقم ‪40‬‬
‫لسنة ‪ 0221‬املحدث بموجبه محاكم إدارية نجدها تقض ي بأنه على الجهة القضائية عادية كانت أو‬
‫إدارية إذا أثير أمامها دفع بعدم االختصاص النوعي فيجب عليها أن تفصل فيه بحكم مستقل‪،‬‬
‫ولألطراف أن يستأنفوا الحكم املتعلق باالختصاص أيا كانت الجهة القضائية الصادر عنها أمام محكمة‬
‫النقض التي يجب عليها أن تبث في األمر داخل أجل ثالثين يوما تبتدئ من تسلم كتابة الضبط بها مللف‬
‫االستئناف‪.‬‬
‫ً‬
‫فانطالقا من املقتضيات القانونية املشار إليها أعاله يتضح أن الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض‬
‫إن هي ألغت أو أبطلت حكم قض ى بعدم باالختصاص النوعي يتعين عليها أن تحيل امللف إلى املحكمة‬
‫املختصة حتى ولو كانت القضية جاهزة للبت فيها‪ .‬وعلى هذا األساس فإن مقتضيات املادة ‪ 09‬من‬
‫ً‬
‫ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ تشكل استثناءا من أحكام الفصل ‪ 041‬الذي يقض ي بوجوب التصدي إذا كانت القضية‬
‫جاهزة‪.‬‬
‫ب‪ :2 -‬املحاكم التجارية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن املشرع املغربي كان أكثر وضوحا وتفصيال بالنسبة للدفع بعدم االختصاص أمام املحاكم‬
‫التجارية‪ ،‬حيث نص في الفقرة الخامسة من املادة الثامنة من قانون رقم‪ 81‬لسنة ‪ 0228‬املحدثة‬
‫بموجبه محاكم تجارية على أنه "‪ ...‬إذا بتت محكمة االستئناف التجارية في االختصاص أحالت امللف‬
‫ً‬
‫تلقائيا على املحكمة املختصة"‪ .‬وإذا كانت هذه املادة واضحة في إلزام محاكم االستئناف التجارية‬
‫بضرورة إحالة امللف على املحكمة املختصة بعد بتها في االختصاص‪ ،‬فإن السؤال الذي يطرح هنا هو‬
‫هل بإمكان محاكم ثاني درجة التجارية التصدي لفصل النزاع بعد إلغائها أو إبطالها لحكم قاض ي أول‬

‫‪ -128‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.02.01‬صادر يف ‪ 25‬محرم ‪ 27( 2711‬فرباير ‪ )1002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 50.03‬املحدثة مبوجبه محاتم استئناف‬
‫إدارية‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ 5395‬بتاريخ ‪ 17‬محرم ‪ 13( 2711‬فرباير ‪ ،)1002‬ص ‪.790‬‬

‫‪60‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫درجة وتبين لها أن املدعى عليه لم يكتف فقط بإثارة الدفع بعدم االختصاص بل قدم جوابه أيضا مما‬
‫أصبحت معه القضية جاهزة وهي الشروط التي يقول بها الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م؟‪.‬‬
‫نعتقد أن هذه الفرضية مستبعدة ما دام املشرع نفسه اتجه نحو منع محاكم االستئناف‬
‫ً‬
‫التجارية عند بتها في االختصاص من التصدي خاصة أنه – أي املشرع – استعمل مصطلح البت في‬
‫االختصاص وليس البت في النزاع وإن كانت شروط التصدي متوفرة في هذه الحالة‪.‬‬
‫هذا فيما يخص اختصاص محاكم املوضوع‪ ،‬أما فيما يخص اختصاص قاض ي األمور‬
‫املستعجلة‪ ،‬فإنه البد من التساؤل حول مدى جواز تصدي محكمة االستئناف ملوضوع الدعوى‬
‫االستعجالية إذا ما ألغت األمر الصادر عن قاض ي األمور املستعجلة والقاض ي بعدم اختصاصه نتيجة‬
‫ً‬
‫مثال‪ ،‬أم يتعين عليها إعادة امللف إلى قاض ي األمور املستعجلة بمحكمة أول‬ ‫تخلف عنصر االستعجال‬
‫درجة للبت فيه طبقا للقانون؟‪.‬‬
‫أجابنا األستاذ عبد اللطيف هداية هللا عن هذا التساؤل بقوله أنه ما دام الفصل ‪ 041‬من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ق‪.‬م‪.‬م قد خول للمحكمة التصدي للقضية دون تمييز بين ما إذا كان الحكم املطعون فيه حكما عاديا‬
‫ً‬
‫أو استعجاليا فإن ذلك يعني أن محكمة ثاني درجة لها أن تتصدى للحكم االستعجالي بعد إلغائه‬
‫ً‬
‫بشرط أن تكون القضية جاهزة للبت فيها‪ .129‬وإن كان هذا التصدي في هذه الحالة مخصوصا‪ ،‬ألنه‬
‫مرهون بعدم مساس محكمة االستئناف بما يمكن أن يقض ي به في الجوهر‪.130‬‬

‫ثانيا‪ :‬األحكام القضائية غير الفاصلة في املوضوع‬


‫إن قاض ي أول درجة بعد أن يتأكد من أن النزاع املطروح أمامه يدخل ضمن اختصاصاته‪ ،‬عليه‬
‫ً‬
‫أن يتحقق أوال من توفر شروط التقاض ي األساسية ومن اشتمال املقال االفتتاحي للدعوى عن البيانات‬
‫املنصوص عليها في الفصل ‪ 19‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح تحت طائلة عدم قبول الطلب‪.‬‬

‫‪ -129‬عبد ال لطيف هداية الله ‪ ،‬قواعد القضاء املستعجل املوضوعية واإلجرائية يف الترشيع املغريب‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬أطروحة لنيل دتتوراه يف‬
‫الحقو‪ ،،‬جامعة الحسن الثا‪،‬ي ‪ ،‬تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2952/2955‬ص ‪.215‬‬
‫‪ -130‬ا ُنظر قرار املجلس األعىل رقم ‪ 257‬بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪ ،2955‬منشور مبجلة املحاماة‪ ،‬عدد ‪ ،15‬ص ‪.79‬‬

‫‪62‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وإذا ما تبين له – أي قاض ي أول درجة – أن الشروط والبيانات متوفرة فإن له قبل البت في‬
‫موضوع الدعوى أن يتخذ مجموعة من إجراءات التحقيق التي تمهد لحسم النزاع أو ما يسمى باألحكام‬
‫التمهيدية‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن دراستنا ستنصب على مدى إمكانية ممارسة محاكم ثاني درجة لواجبها في‬
‫التصدي عندما يتم إلغاء أو إبطال حكم قض ى بعدم القبول (‪ )0‬أو حكم تمهيدي (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬الحكم بعدم القبول‬

‫إن الدفع بعدم القبول ال يطعن املدعي عليه بواسطته في إجراءات الدعوى‪ ،‬وإنما ينفي به‬
‫أحقية املدعي في رفع الدعوى‪ ،‬أي أنه دفع يرمي إلى تقرير عدم سماع دعوى املدعي دون النظر في‬
‫موضوعها‪.131‬‬
‫والحكم الصادر في شأن الدفع بعدم القبول أمام قاض ي أول درجة‪ ،‬إما أن يصدر بقبوله أو‬
‫َّ‬
‫برفضه وبته في املوضوع‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن الحكم ال يمكن أن ينهي الخصومة إال عندما يقبل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا الدفع ألنه في حالة الرفض يكون القاض ي ملزما بالبت في املوضوع‪ ،‬غير أنه في الحالتين معا يفترض‬
‫ً‬
‫أن يكون القاض ي مجانبا للصواب‪.‬‬
‫وبما أن املشرع اشترط للتصدي ضرورة إلغاء الحكم املطعون فيه‪ ،‬فإن قيام محكمة ثاني درجة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫بالتصدي ال يتحقق إال عندما يتخذ قاض ي ثاني درجة موقفا مغايرا ملوقف قاض ي أول درجة‪ ،‬أي‬
‫عندما يقرر أن محكمة أول درجة أخطأت عند قبول الدفع أو جانبت الصواب عندما رفضته وبتت في‬
‫ً‬
‫موضوع الدعوى‪ ،‬فهل والحالة هذه يجب عليه – أي قاض ي ثاني درجة – التصدي في الحالتين معا‪ ،‬أم‬
‫أن بت قاض ي أول درجة في املوضوع ينقل إليه النزاع بمقتض ى األثر الناقل؟‬
‫والستجالء الغموض حول هذه املسألة فإننا سنقف عند موقف الفقه ثم من بعده القضاء‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقف الفقه‬

‫‪ -131‬عبد اللطيف خالفي‪ ،‬االجتهاد القضايئ يف قانون املسطرة املدنية‪ ،‬رصد ملبادئ ولقرارات املجلس األعىل‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املطبعة‬
‫والوراقة الوطنية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1007 ،‬ص ‪.301‬‬

‫‪63‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ذهب بعض الفقه الفرنس ي إلى أن محكمة ثاني درجة لها حق التصدي بالنسبة لألحكام املنهية‬
‫ٌ‬
‫سواء قامت بإبطال الحكم أو إلغائه‪ ،‬إذا رأت أن حسن سير‬ ‫للخصومة نتيجة البت في دفع مسطري‪،‬‬
‫العدالة يقتض ي البت في النزاع بصورة نهائية بعد األمر بإجراءات التحقيق إن اقتض ى األمر ذلك‪،‬‬
‫ً‬
‫استنادا إلى مقتضيات املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪.132‬‬
‫ّ‬
‫أما أستاذنا محمد صابر فقد أكد أن هذه األحكام ملا كانت بطبيعتها ال تفصل إال في الجانب‬
‫الشكلي للدعوى دون موضوعها‪ ،‬فإنها بذلك تدخل في إطار األحكام التي توجب على محكمة ثاني درجة‬
‫التصدي لها إن هي قامت بإلغائها أو إبطالها وكانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪ .133‬وهو نفس املوقف‬
‫الذي تبناه األستاذ عد العزيز حضري‪.134‬‬
‫َّ‬
‫لكن املالحظ أن أراء الفقه املغربي ال تجيبنا إال على الشق األول من السؤال الذي سبق‬
‫وطرحناه‪ ،‬املتعلق بحالة قبول هذا الدفع أما الشق الثاني املنصب على مدى إمكانية تصدي محكمة‬
‫ثاني درجة لحكم رفض الدفع وبت في املوضوع فلم يتم التطرق إليه‪.‬‬
‫غير أننا نعتقد أن محكمة أول درجة عندما ترفض الدفع بعدم القبول وتبت في املوضوع‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ينقل النزاع إلى محكمة ثاني درجة بمقتض ى األثر الناقل ال بمقتض ى التصدي الذي يلزم محاكم‬
‫ً‬
‫الدرجة الثانية بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا و الحالة هذه لم تعد ممكنة ما دام أن قاض ي الدرجة‬
‫ً‬
‫األولى حسم النزاع في شكله وموضوعه أيضا‪.‬‬
‫ب‪ -‬موقف القضاء‬
‫إن موقف القضاء لم يستقر على رأي واحد بشكل إمكانية تصدي محكمة درجة ثانية للحكم‬
‫القاض ي بالدفع بعدم القبول‪ ،‬فتارة يخول ملحاكم الدرجة الثانية التصدي وتارة يمنعها من ذلك‬
‫ً‬
‫احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين‪.‬‬
‫وهكذا فإن املجلس األعلى ذهب في أحد قراراته في شأن حكم ابتدائي قض ى بعدم القبول لرفع‬
‫الدعوى على غير ذي صفة إلى أنه "إذا قضت محكمة الدرجة األولى بعدم قبول الدعوى لرفعها على‬

‫‪J. Vincent et S. Guinchard : OP . CIT P. 976.-132‬‬


‫‪ -133‬محمد صابر ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.379‬‬
‫‪ -134‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.355‬‬

‫‪64‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫غير ذي صفة‪ ،‬فإنها تكون قد فصلت في دفع موضوعي يتعلق بعدم توفر تلك الدعوى على عناصرها‬
‫املتصلة بموضوعها مما استنفدت معه واليتها في الفصل فيه‪.‬‬
‫وإنه ملا كان الحكم املذكور ينقل النزاع برمته أمام محكمة الدرجة الثانية‪ ،‬فإن هذه املحكمة‬
‫بعدما ألغت الحكم االبتدائي للعلل الواردة في قرارها‪ ،‬كانت على حق عندما تصدت للبت في موضوع‬
‫الدعوى دون أن تعيدها إلى محكمة الدرجة األولى‪ ،‬ولم تخرق بذلك الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م املحتج‬
‫بخرقه"‪.135‬‬
‫وهو نفس املوقف الذي تبنته محكمة النقض املصرية حيث جاء في أحد قراراتها أنه "جرى‬
‫قضاء هذه املحكمة على أن قول املحكمة للدفع بعدم القبول‪ ،‬لعدم توفر الشروط الالزمة لسماع‬
‫الدعوى تستنفد به املحكمة واليتها كالحال في شأن الدفوع املوضوعية املتعلقة بأصل الحق‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإذا ألغت محكمة االستئناف هذا الحكم امتنع عليها إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة ويتعين‬
‫عليها التصدي للفصل في املوضوع"‪.136‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غير أن املجلس األعلى عاد وأخذ موقفا مغايرا ملوقفه السابق عندما قض ى أنه "إذا ألغت محكمة‬
‫االستئناف الحكم االبتدائي الصادر بعدم قبول الطلب شكال لعدم إرفاق املدعي مقاله بسنداته وجب‬
‫َّ‬
‫عليها إرجاع امللف إلى املحكمة االبتدائية ألن هذه األخيرة لم تستنفد سلطتها بعد وإال فإن محكمة‬
‫االستئناف ستحرم املحكوم عليه من درجة من درجات التقاض ي إذا ما قضت عليه باألداء"‪.137‬‬
‫كما قض ى كذلك أن محكمة االستئناف التي استأنف لديها حكم بعدم القبول النعدام الصفة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال يمكنها في حالة إلغائه الحكم في املوضوع على املستأنف ألن في ذلك إضرارا به‪ ،‬وخرقا لقاعدة‬
‫التقاض ي على درجتين‪.138‬‬

‫‪ -135‬قرار عدد ‪ 3701‬بتاريخ ‪ 91/2/7‬يف امللف املد‪،‬ي رقم ‪ 97/3351‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،51‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -136‬نقض مرصي ‪ 253‬بتاريخ ‪ 2952/22/22‬أورده عبد العزيز توفيق‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.775‬‬
‫‪ -137‬قرار عدد ‪ 1315‬بتاريخ ‪ 2997/2/19‬يف امللف رقم ‪ ،93/7779‬غري منشور‪ ،‬أورده عبد العزيز توفيق‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ .35‬ويف نفس االتجاه‪،‬‬
‫ا ُنظر تذلك القرار رقم ‪ 221‬بتاريخ ‪ 23‬شتنرب ‪ 2915‬منشور مبجلة املحاماة‪ ،‬عدد ‪ ،22‬ص ‪ ،251‬جاء فيه "إذا قضت املحكمة االبتدائية بإلغاء‬
‫الدعوى عىل الحالة‪ ،‬فإن محكمة االستئناف ال ميكنها بناء عىل استئناف فرعي إالَّ أن تؤيد الحكم املستأنف لنفس العلل التي وردت‬
‫فيه أو تلغيه وتقيض برد امللف إىل املحكمة األوىل للبت يف النزاع"‪.‬‬
‫‪ -138‬قرار عدد ‪ 3701‬بتاريخ ‪ 7‬يونيو ‪ ،2991‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،51‬ص ‪.19‬‬

‫‪65‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫واملالحظة األساسية في هذا اإلطار أن موقف محكمة النقض الرافض للتصدي عند إلغاء حكم‬
‫قض ى بعدم القبول يجد سنده في ضرورة احترام مبدأ التقاض ي على درجتين وعدم اإلضرار باملستأنف‪،‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫استثناء على املبدأ املذكور –‬ ‫إال أن هذا املوقف لم يستحضر فلسفة نظام التصدي الذي يشكل‬
‫التقاض ي على درجتين – كما أنه موقف أغفل األخذ باإلطار العام الذي جاء به إصالح قانون املسطرة‬
‫املدنية لسنة ‪ 0224‬الذي من أهم مرتكزاته االقتصاد في نفقات التقاض ي‪.‬‬

‫‪ -2‬األحكام التمهيدية‬
‫عرف الفقه املغربي األحكام التمهيدية بأنها األحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى والتي من شأنها‬
‫أن تيهئ للفصل في النزاع‪ 139‬أو أنها األحكام التي ترفض أو تقرر إجراء من إجراءات التحقيق الذي‬
‫يستفاد منه اتجاه رأي املحكمة في موضوع الدعوى املعروضة عليها‪.140‬‬
‫وملا كانت هذه األحكام التمهيدية إما أن تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق أو تفصل في جزء من‬
‫املوضوع وتأمر بإجراء من إجراءات التحقيق‪ ،‬فإن تناولنا ملدى قابليتها للتصدي سيكون وفق التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬األمر بإجراء من إجراءات التحقيق‬
‫كان الفصل ‪ 911‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ق ينص على أنه يمكن استئناف كل حكم صادر قبل الفصل في‬
‫الجوهر بصورة مستقلة أو مع حكم فاصل في املوضوع‪ ،‬مما يستفاد منه أن محكمة ثاني درجة كان‬
‫ً‬
‫بإمكانها استنادا إلى مقتضيات الفصل ‪ 911‬من ذات القانون‪ ،‬التصدي ملوضوع النزاع إذا ما تم‬
‫الطعن في مثل هذه األحكام بشكل مستقل‪ ،‬وقامت بإلغائه بعد أن تبين لها أن الدعوى جاهزة للبت‬
‫فيها‪ .‬وإن كان بعض الفقه في املغرب يعيب هذا املوقف الذي يبيح االستئناف املباشر لألحكام الصادرة‬
‫قبل الفصل في املوضوع‪ ،‬ورأى في ذلك وسيلة تسمح للمتقاضين سيئ النية بإطالة أمد النزاع‪ ،‬مما‬

‫‪ -139‬الكزبري و العبدالوي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ -140‬أحمد الخملييش‪ ،‬رشح قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬مطبعة املعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2950 ،‬ص ‪.135‬‬

‫‪66‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫يؤدي إلى انشغال محاكم االستئناف بسيل جارف من االستئنافات غير املجدية أو على األقل السابقة‬
‫ألوانها‪.141‬‬
‫وتطبيقا ملقتضيات الفصل ‪ 911‬املشار إليه أعاله ذهب املجلس األعلى في أحد قراراته إلى القول‬
‫أن محكمة االستئناف تملك حق‪ 142‬التصدي بالنسبة لجميع الحاالت التي لم يتصد فيها قضاة الدرجة‬
‫األولى ملوضوع الدعوى كما هو الشأن بالنسبة للنازلة التي صدر بشأنها هذا القرار املتعلق باستئناف‬
‫حكم تمهيدي قض ى بإجراء خبرة‪.143‬‬
‫َّ‬
‫غير أنه بتعديل ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م لسنة ‪ ،0224‬فإن هذه األحكام لم تعد تقبل االستئناف إال مع األحكام‬
‫الفاصلة في املوضوع حسب ما تنص عليه مقتضيات الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬وبما أن هذه‬
‫َّ‬
‫األحكام في ظل املقتضيات التشريعية الجديدة ال يمكن الطعن فيها باالستئناف إال بعد بت قاض ي‬
‫واحد مع الحكم الفاصل في الجوهر‪ ،‬فإننا نعتقد أن‬ ‫ٍ‬ ‫وقت‬
‫الدرجة األولى في املوضوع لتستأنف في ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محكمة ثاني درجة ال تتصدى لها بل يتم البت فيها استنادا إلى األثر الناقل وليس استنادا إلى التصدي‬
‫ً‬
‫الذي كما سبق اإلشارة إلى ذلك يلزم قاض ي الدرجة الثانية بالبت في ما لم يبت فيه ابتدائيا‪.‬‬
‫املختلطة‪144‬‬ ‫ب‪ -‬األحكام‬
‫عرف املشرع الفرنس ي هذه األحكام بأنها األحكام التي تفصل في منطوقها في جزء من املوضوع‪،‬‬
‫وتأمر بإجراء من إجراءات التحقيق أو بتدبير وقتي‪ ،‬وأجاز الطعن فيها باالستئناف على وجه االستقالل‪.‬‬

‫‪J. P. Razon, les institutions judiciaires et la procédure civile du Maroc, Imprimerie Najah El Jadida, Casablanca -141‬‬
‫‪1éd, 1988, P. 202.‬‬
‫‪- A. Boudaurein, OP. Cit, P. 168.‬‬
‫‪ -142‬قلنا حق وليس واجب ألن نظام التصدي يف ظل ‪.،‬م‪.‬م‪ ،.‬تان مجرد رخصة أو خيار ملحاتم ثا‪،‬ي درجة‪.‬‬
‫‪ -143‬قرار عدد ‪ 22/2‬صادر بتاريخ ‪ 2922/20/21‬يف امللف رقم ‪ 1251‬أشار إليه محمد صابر‪ ،‬األثر الناقل السنئنا‪ ،‬األحكام املدنية يف‬
‫الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪ -144‬املرشع الفرنيس يسميها باألحكام املزدوجة‪ ،‬أما األستاذ محمد ميكو فيسميها باألحكام املخرضمة‪ :‬أُنظر محمد ميكو‪ ،‬قواعد املسطرة‬
‫يف املادة االجتامعية‪ ،‬مطبعة الساحل‪)،‬ع‪،‬ط‪،‬غ‪،‬م ( الرباط‪ ،2952 ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪67‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫أما املشرع املغربي فلم يعرفها مما دفع القضاء إلى اعتبارها أحكاما تمهيدية خاضعة ملقتضيات املادة‬
‫‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.145‬‬
‫وتعتبر دعاوى املسؤولية املجال الخصب لصدور مثل هذه األحكام‪ ،‬وخاصة تلك الهادفة إلى‬
‫ً‬
‫تعويض املصابين في حوادث السير‪ ،‬ففي مثل هذه القضايا كثيرا ما تقرر املحكمة مسؤولية مرتكب‬
‫الحادثة‪ ،‬وتأمر بإجراء خبرة لتحديد التعويض املناسب للضحية‪ ،‬ولذلك تجد املادة ‪ 815‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج أهم تطبيقاتها في هذه الدعوى‪ .‬ويعتبر بعض الفقه الفرنس ي أن املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‬
‫إجراء أساس ي للتعويض السريع للمصابين في حوادث السير‪ ،‬ألن حق التصدي الذي تقرره هذه املادة‬
‫يجنب ضياع الوقت و مضاعفة املصاريف بالنسبة للضحية الذي يستفيد بفضله من تعويض‬
‫سريع‪.146‬‬
‫لكننا نعتبر موقف القضاء املغربي املشار إليه والذي يعتبر مثل هذه األحكام‪ ،‬أحكاما تمهيدية‬
‫ً‬
‫خاضعة ملقتضيات الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م وبالتالي ال يمكن استئنافها إال مع الجوهر‪ ،‬نعتبره موقفا‬
‫جانب الصواب ألن الفصل املحتج به – ‪ – 041‬يتحدث فقط عن األحكام التمهيدية وليس عن‬
‫األحكام املختلطة‪.‬‬
‫ً‬
‫وانطالقا من موقف القضاء املغربي‪ ،‬فإننا نتساءل مع بعض الفقه‪ 147‬عن وضعية بعض‬
‫مختلط‪ ،‬فهل يجب عليهم االنتظار إلى حين صدور حكم‬‫ٍ‬ ‫املتقاضين الذين يجدون أنفسهم أما ٍ‬
‫حكم‬
‫ً‬
‫فاصل في الدعوى الستئنافه خصوصا وأن خصمهم قد يبادر ويطالب بتنفيذ الجزء الذي صدر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لصالحه خاصة إذا كان مشموال بالنفاذ املعجل؟ وحول ما إذا كان ملحكمة االستئناف إمكانية التصدي‬
‫ملثل هذه األحكام؟‬

‫‪ -145‬ا ُنظر القرار عدد ‪ 139‬صاد بتاريخ ‪ 2953/1/9‬يف امللق املد‪،‬ي رقم ‪ ،25255‬منشور مبجلة القضاء والقانون عدد ‪ ،232‬ص ‪ .202‬والقرار‬
‫عدد ‪ 2039‬صادر بتاريخ ‪ 2995/3/22‬يف امللف املد‪،‬ي رقم ‪ ،2955/3099‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،75‬ص ‪ .293‬ثم القرار‬
‫عدد ‪ 315‬صادر بتاريخ ‪ 2951/5/5‬يف امللف املد‪،‬ي رقم ‪ ،90212‬منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬عدد ‪ ،17‬ص ‪.71‬‬
‫‪J.vincent et S.guinchard,op,cit,342-146‬‬
‫‪ -147‬أدولف ريبولط‪ ،‬قانون املسطرة املدنية يف رشوح‪ ،‬تعريب وتحيني إدريس ملني‪ ،‬منشورات جمعية تنمية للبحوث والدراسات القضائية‪،‬‬
‫دار النرش املعرفة‪ ،‬سنة ‪ ،2992‬ص ‪.220‬‬

‫‪68‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫َّ‬
‫إن الشق األول من السؤال نجيب عنه بأن املتقاض ي ال يمكنه استئناف مثل هذه األحكام إال‬
‫َّ‬
‫بعد صدور حكم فاصل في املوضوع وإال سيواجه استئنافه بعدم القبول ألن القضاء املغربي – وكما‬
‫َّ‬
‫سبقت اإلشارة إلى ذلك – يعتبر هذه األحكام تمهيدية ال تستأنف إال مع الجوهر وهو ما يستفاد من‬
‫قرار صادر عن املجلس األعلى والذي جاء فيه "يقصد باألحكام التمهيدية الصرفة واملزدوجة التي ال‬
‫َّ‬
‫تقبل االستئناف إال مع الحكم الفاصل في جميع موضوع الدعوى"‪.148‬‬
‫أما الشق الثاني من السؤال حول مدى إمكانية تصدي محكمة ثاني درجة لهذه األحكام‪ ،‬فإن‬
‫أستاذنا محمد صابر أجابنا عنه عندما قال على أن هذه األحكام ال تقبل التصدي ما دام أنه ال‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫تستأنف إال مع الجوهر لذلك فإن محاكم ثاني درجة تفصل فيها‪ ،‬استنادا إلى األثر الناقل‪.149‬‬
‫ً‬
‫ورجوعا إلى موقف املشرع الفرنس ي الذي جعل هذه األحكام قابلة لالستئناف املباشر وخول‬
‫ملحكمة ثاني درجة التصدي لها‪ ،‬فإن التساؤل الذي يتبادر إلى الذهن هو الحالة التي يقتصر فيها‬
‫املستأنف في مقاله االستئنافي على نقد الجزء من الحكم الفاصل في الجوهر دون الجزء املعلق‬
‫إال ً‬‫َّ‬ ‫ً‬
‫بناء‬ ‫باإلجراء‪ ،‬فهل تتصدى له املحكمة خصوصا إذا علمنا أن الحكم الفاصل في الجوهر ال يبت فيه‬
‫على األثر الناقل؟‬
‫محكمة النقض الفرنسية أجابتنا عن هذا السؤال في أحد قراراتها عندما اشترطت ورود‬
‫االستئناف على الجزء اآلمر بإجراء من إجراءات التحقيق إلعمال محكمة ثاني درجة حقها في‬
‫التصدي‪ ،150‬والذي يستفاد منه أن الطعن في الجزء من الحكم الفاصل في املوضوع يبت فيه باألثر‬
‫الناقل‪.‬‬
‫بقي لنا أن نشير فقط في ختام هذه النقطة أن شرط إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه أعاد‬
‫املشرع تنظيمه بمقتض ى مشروع ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬ولكنه في املقابل ألغى شرط الجاهزة الدعوى وهو الشرط‬
‫الذي سيكون موضوع الدراسة بعده‪.‬‬

‫‪ -148‬قرار عدد ‪ 2133‬بتاريخ ‪ 1‬ماي ‪ ،2952‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،70‬دجنرب ‪ ،2951‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -149‬محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪ -150‬نقض مد‪،‬ي ‪ 22‬نونرب ‪ 2953‬املجلة املدنية ‪ II‬رقم ‪ .215‬أورده عبد العزيز حرضي‪ ،‬القواعد املوضوعية الستئناف األحكام املدنية يف‬
‫الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.115‬‬

‫‪69‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الشرط املسطري لنظام التصدي‬


‫إن قيام محكمة ثاني درجة بواجبها في التصدي ال يستلزم فقط تحقق الشرط املوضوعي املتمثل‬
‫في إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه‪ ،‬بل البد من توفر شرط آخر يتمثل في كون الدعوى جاهزة للبت‬
‫فيها وهو الذي يمثل الشرط املسطري لنظام التصدي‪.‬‬
‫وهذا الشرط تم التنصيص عليه ألول مرة في املادة ‪ 911‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ق وأعاد املشرع تنظيمه‬
‫بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م الحالي في حين ألغاء مشروع ق‪.‬م‪.‬م‪.151‬‬
‫وبذلك فإن تصدي محكمة ثاني درجة يستلزم تحقق شرط الجاهزية‪ ،‬مما يطرح معه التساؤل‬
‫حول الحالة التي ال تتحقق فيها هذه الجاهزية؟ فهل يتحول هذا النظام إلى خيار أم أن محكمة ثاني‬
‫درجة ستكون في هذه الحالة ملزمة بإرجاع امللف إلى قاض ي الدرجة األولى املصدر للحكم املطعون فيه؟‬
‫أجاب األستاذ محمد صابر عن هذا التساؤل وقال أن الفرضية األولى – تحول نظام التصدي إلى‬
‫خيار – فرضية مستبعدة ما دام املشرع نفسه حدد طبيعة هذا النظام امللزمة‪ ،‬ولذلك فإنه ال يبقى‬
‫َّ‬
‫أمام محاكم ثاني درجة إال إرجاع امللف إلى محكمة الدرجة األولى‪.‬‬
‫ولذلك فإننا سنبحث في حالة تحقق شرط الجاهزية الذي يوجب على محكمة ثاني درجة‬
‫التصدي للقضية (الفقرة األولى)‪ ،‬وفي حالة عدم تحقق هذه الجاهزية وبالتالي إرجاع امللف إلى محكمة‬
‫الدرجة األولى املصدرة له (الفقرة الثانية‪(.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حالة الدعوى الجاهزة للبت فيها‬


‫يقصد بجاهزية الدعوى أن يكون األطراف قد ناقشا أو قدما ما لديهما في املوضوع سواء حصل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك ابتدائيا أو استئنافيا‪.152‬‬

‫‪ -151‬تنص املادة ‪ 272‬من م‪.،.‬م‪.‬م‪.‬م عىل أنه "إذا أبطلت أو ألغت محكمة ثا‪،‬ي درجة الحكم املطعون فيه‪ ،‬وجب عليها أن تتصدى‬
‫للحكم يف الجوهر"‪.‬‬
‫‪ -152‬البشري بن إسامعيل‪ ،‬نظام التصدي أي جديد جاءت به مسودة مرشوع قانون املسكرة املدنية‪ ،‬مقال منشور مبجلة اإلرشاد القانو‪،‬ي ‪،‬‬
‫العدد األول ‪ ،1021 ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪71‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ولدراسة حالة تحقق شرط الجاهزية‪ ،‬فإننا سنعرض موقف التشريع الفرنس ي (أوال) ومن بعده‬
‫موقف مشرعنا املغربي (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬موقف التشريع الفرنس ي‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫إن شرط الجاهزية قد عرف في التشريع الفرنس ي تطورا كبيرا فبعد أن كانت املادة ‪ 421‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق تستلزم ضرورة كون القضية جاهزة للبت فيها ملمارسة محكمة ثاني درجة لحقها في‬
‫التصدي‪ ،‬جاءت تعديالت قانون سنة ‪ 0249‬لتلين من صرامة هذا الشرط عندما نصت على أن‬
‫ً‬
‫ملحاكم ثاني درجة التصدي عندما يكون النزاع قابال في مجموعه لحل نهائي‪ ،‬إلى أن إستقر موقف‬
‫املشرع الفرنس ي على إلغاء هذا الشرط بمقتض ى مرسوم ‪ 0229‬عندما قض ى أن محكمة ثاني درجة لها‬
‫حل نهائي للنزاع مع منحها حق اللجوء إلى‬
‫أن تتصدى إذا رأت أنه من حسن سير العدالة إعطاء ٍ‬
‫إجراءات التحقيق عند الحاجة‪ ،‬وهو األمر الذي تم تقنينه بمقتض ى املادة ‪ 815‬من مسطرة ‪.1530224‬‬
‫ً‬
‫ولقد تأثر الفقه و القضاء الفرنسيين كثيرا بهذه املقتضيات‪.‬‬
‫فالقضاء الفرنس ي كان قبل تعديل املادة ‪ 421‬يتمسك بوجوب كون القضية جاهزة للبت فيها‬
‫إلعمال التصدي سواء حصلت هذه الجاهزية أمام قاض ي الدرجة األولى أو أمام قاض ي الدرجة الثانية‬
‫نتيجة إدالء األطراف بمستنتجاتهم في املوضوع‪ ،‬وفي جميع األحوال فإنه يتعين على محكمة االستئناف‬
‫البت في النزاع بمقتض ى حكم واحد أما إذا تطلب األمر إصدار حكم تمهيدي قبل صدور الحكم‬
‫املتعلق بالتصدي‪ ،‬فإن ذلك معناه أن القضية غير جاهزة للبت فيها وبالتالي ال مجال إلعمال نظام‬
‫التصدي‬
‫كما أن الفقه الفرنس ي كان ينظر إلى هذا الشرط في ظل مقتضيات املادة ‪ 421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كشرط أساس ي متمسكا بإلزاميته ألن التصدي حسب هذا الفقه قد يشكل خرقا ملبدأ التقاض ي على‬
‫درجتين‪.154‬‬

‫‪-153‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪. 312‬‬


‫‪A.Boudahrain,op, cit ,p 267. -154‬‬

‫‪70‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫غير أنه وبالتعديالت التي طالت هذا الشرط سواء بمقتض ى قانون ‪ 0249‬أو مرسوم ‪ 0229‬سمح‬
‫للقضاء ومعه الفقه الفرنس ي بتغيير موقفهما فلم يعد ينظر إلى شرط الجاهزية كشرط جوهري‪ ،‬بل‬
‫أيدا موقف التشريع بتخويل محكمة ثاني درجة إمكانية تجهيز القضية والذي يستفاد منه أن شرط‬
‫الجاهزية لم يعد له محل في ظل القانون الفرنس ي الجديد‪ ،‬و في هذا الصدد قضت محكمة النقض‬
‫الفرنسية بأنه من حق محكمة االستئناف تجهيز القضية من خالل اللجوء إلى إجراءات التحقيق إذا‬
‫رأت ذلك ضروريا لحل النزاع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف التشريع املغربي‬


‫ٌ‬
‫سواء في ظل مقتضيات املادة ‪ 911‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ق أو الفصل‪ 041‬من‬ ‫استلزم املشرع املغربي‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح ضرورة كون القضية جاهزة للبت فيها حتى يتم التصدي لها‪ ،‬وإذا كان موقف املشرع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واضحا بخصوص ضرورة استلزام هذا الشرط فإن موقف كل من القضاء (‪ )0‬والفقه (‪ّ )9‬‬
‫ظل غامضا‬ ‫ٍ‬
‫حول هذه املسألة‪.‬‬
‫موقف القضاء‬ ‫‪-1‬‬
‫َّإن املالحظة األساسية التي يمكن استخالصها من خالل قرارات القضاء املغربي أنها – أي‬
‫القرارات – مجمعة على أنه ال مجال إلعمال نظام التصدي إن لم تكن القضية جاهزة للبت فيها‪.155‬‬
‫كما نسجل من خالل استقراء هذه القرارات أنها تؤكد على أن الدعوى تكون جاهزة إذا ما قام‬
‫األطراف بتبادل املذكرات سواء في املرحلة االبتدائية أو االستئنافية‪ ،‬وأخذ كل واحد منهم فرصة‬
‫الدفاع عن حقوقه‪ ،‬حيث جاء في أحد حيثيات قرار صادر عن املجلس األعلى أنه بمقتض ى الفصل‬
‫‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م فإن ملحكمة االستئناف حق التصدي والحكم في الجوهر إذا كانت القضية جاهزة للبت‬
‫فيها‪ .‬والثابت سواء أمام املحكمة االبتدائية أو أمام محكمة االستئناف أن الطرفين تبادال املذكرات‬
‫فيما بينهما وناقشا جوهر النزاع‪ .‬وأخذ كل واحد منهما فرصة الدفاع عن حقوقه‪ ،‬وأن املحكمة التي‬

‫‪ -155‬ا ُنظر القرارات عدد ‪ 121‬بتاريخ ‪ 11‬ماي ‪ ،2911‬منشور مبجلة املحاتم املغربية عدد ‪ ،13‬ص ‪ ،12‬والقرار عدد ‪ 292‬بتاريخ ‪،2955/20/32‬‬
‫منشور مبجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،231‬ص ‪.177‬‬

‫‪72‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫قضت بإلغاء الحكم املستأنف وتصدت للحكم في املوضوع‪ ،‬والحالة هذه تكون قد جعلت لقضائها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أساسا سليما‪.156‬‬
‫لكن السؤال الذي يطرح في هذا املقام هو ما هو وقت تقدير تحقق هذه الجاهزية؟ وهل تقدير‬
‫هذا الشرط مسألة واقع تستقل محكمة ثاني درجة بتقديره؟ أم أنه مسألة قانون خاضع لرقابة‬
‫محكمة النقض؟‬
‫ذهب املجلس األعلى في إجابته عن هذه األسئلة إلى التأكيد أن املهم هو حصول مناقشة في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابتداء أو استئنافا ألن املهم هو حصول هذه الجاهزية‬ ‫الجوهر ووقوع تبادل للمذكرات سواء تم ذلك‬
‫ً‬
‫قضاء أن‬ ‫قبل صدور قرار محكمة ثاني درجة‪ ،157‬أما سلطة املحكة في تقدير هذه الجاهزية فإن الثابت‬
‫هذا الشرط هو من مسائل الواقع الخاضعة للسلطة التقديرية لقاض ي ثاني درجة غير أن هذه السلطة‬
‫ليست سلطة مطلقة بل خاضعة لراقة املجلس األعلى‪.158‬‬
‫واملستنتج مما سبق أن القضاء يستلزم ضرورة تحقق هذه الجاهزية وفي املقابل ال يسمح‬
‫َّ‬
‫إال في حالة نقل النزاع ً‬
‫بناء على األثر الناقل أما‬ ‫ملحكمة ثاني درجة باللجوء إلى إجراءات التحقيق‬
‫ً‬
‫استنادا إلى التصدي فإن هذه املحكمة ال يسمح لها بهذه اإلجراءات ألن في ذلك دليل على عدم جاهزية‬
‫الدعوى ‪ ،‬والحال أن الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح الحالي يستلزم هذا الشرط‪.‬‬
‫‪ - 2‬موقف الفقه‬
‫يذهب األستاذان محمد صابر وعبد العزيز حضري إلى التأكيد على أنه ال مجال للتصدي إن لم‬
‫تكن القضية جاهزة للبت فيها‪ ،‬واعتبرا أن هذه الجاهزية تتحقق عندما يقوم الطرفان بمناقشة‬
‫موضوع الدعوى وتمكن كل واحد منهم من تقديم جوابه سواء تم ذلك أمام قاض ي أول درجة أو أمام‬
‫قاض ي الدرجة الثانية‪ ،‬ودون أن تكون الدعوى متوقفة على أي إجراء من إجراءات التحقيق‪ ،‬وأكدا‬
‫ً‬
‫أيضا أن وقت تقدير هذه الجاهزية هو وقت صدور قرار محكمة ثاني درجة ألن امللف قد ال يكون‬

‫‪ -156‬قرار عدد ‪ 1030‬بتاريخ ‪ 2992/7/1‬يف امللف رقم ‪ 12/1203‬غري منشور‪ ،‬أورده عبد العزيز توفيق‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.777‬‬
‫‪ -157‬قرار عدد ‪ 2151‬بتاريخ ‪ 22‬يونيو ‪ ،2990‬أورده عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.305‬‬
‫‪ -158‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬سلطة القايض التقديرية يف املواد املدنية والتجارية‪ ،‬دراسة تحليلية تطبيقية‪ ،‬دار الجامعة العربية الجديدة‬
‫للنرش‪ ،‬سنة ‪( ،1001‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬ص ‪.271‬‬

‫‪73‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫جاهزا في املرحلة االبتدائية لكن يصبح جاهزا أمام محاكم ثاني درجة‪ ،‬وأن هذا الشرط هو من أمور‬
‫الواقع التي تخضع لسلطة القاض ي التقديرية‪.159‬‬
‫أما األستاذ عبد القادر لطفي فقد ذهب إلى أن الجاهزية تعني تجهيز الدعوى من طرف محكمة‬
‫ثاني درجة بعد القيام بإجراءات التحقيق الالزمة‪ ،‬وأن هذا الشرط يجب أن يحصل أمام محاكم ثاني‬
‫درجة‪ ،‬وال فرق في ذلك بين أن يكون الحكم االبتدائي قد فصل في موضوع الدعوى أم اقتصر على‬
‫الشكل فقط‪.160‬‬
‫وإذا كان ما ذهب إليه األستاذان محمد صابر وعبد العزيز حضري هو عين الصواب ألن موقفهما‬
‫ينسجم مع مقتضيات الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬فإن ما ذهب إليه األستاذ عبد القادر لطفي‬
‫مجانب للصواب لالعتبارات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إن األستاذ عبد القادر لطفي ذهب إلى أن الجاهزية تعني تجهيز القضية من طرف محاكم ثاني‬
‫درجة باتخاذها إلجراءات الحقيق‪ ،‬والحال أن لجوء هذه املحاكم ملثل هذه اإلجراءات لهو دليل قاطع‬
‫على عدم جاهزية الدعوى وهي الجاهزية التي يشترطها الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح لوجوب التصدي‪.‬‬
‫‪ -‬إن األستاذ لطفي قال أنه إلعمال التصدي فال فرق بين أن يكون الحكم املستأنف قد فصل في‬
‫موضوع الدعوى أو في شكلها‪ ،‬وأن فكرة الجاهزية ال تستقيم بدون فكرة استنفاد الوالية‪ ،‬و هو أيضا‬
‫ً‬
‫قول مردود ألن الحكم الفاصل في املوضوع يبت فيه استنادا إلى األثر الناقل‪ ،‬كما أنه يخلط بين‬
‫ً‬
‫مفهومي الجاهزية واستنفاد الوالية ألن هذا األخير معناه أن موضوع الدعوى قد فصل فيه ابتدائيا‬
‫وهنا يجب إعمال األثر الناقل لالستئناف في حين أن الجاهزية تعني أن القضية كانت جاهزة للبت فيها‬
‫َّ‬
‫أمام قاض ي الدرجة األولى غير أن املحكمة اقتصرت على البت فقط في الشكل أو أنها لم تكن كذلك إال‬
‫أنها أصبحت جاهزة أمام محكمة الدرجة الثانية بعد تقديم األطراف ألوجه دفاعهم دون الحاجة إلى‬
‫إجراءات التحقيق‪.‬‬
‫وفي ختام هذه النقطة نشير إلى أن املشرع املغربي قد أسقط شرط الجاهزية من الفصل ‪ 041‬في‬
‫مشروع ق‪.‬م‪.‬م األمر الذي يطرح معه التساؤل حول حدود سلطة املحكمة في تجهيز القضية‪ ،‬فهل هذا‬
‫ً‬
‫اإللغاء سيخول لها حقا اللجوء إلى إجراءات التحقيق كما فعل نظيره الفرنس ي؟‬

‫‪ -159‬محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ .327‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.305 – 307‬‬
‫‪ -160‬عبد القادر لطفي‪ ،‬تطبيقات الفصل ‪ 272‬من ‪.،‬م‪.‬م‪ ،‬محارضة ألقيت يف إطار اللقاء العلمي الذي نظمته محكمة االستئناف‬
‫مبراتش‪ ،‬بتاريخ ‪ ،1001/3/15‬غري منشورة‪ ،‬أوردها محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.327‬‬

‫‪74‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫نعتقد أن نية املشرع تتجه نحو تخويل محكمة ثاني درجة التصدي للبت في القضية حتى ولو لم‬
‫َّ‬
‫تكن جاهزة‪ ،‬غير أن هذا األمر لن يتأتى لها إال بمنحها حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق لتجهيز‬
‫القضية‪ ،‬ليبقى إذن السؤال املطروح هو ما هي معايير القول بعدم تحقق هذه الجاهزية؟ وهو السؤال‬
‫الذي سنحاول اإلجابة عنه في الفقرة املوالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حالة عدم تحقق شرط الجاهزية‬


‫سبق القول أن محكمة ثاني درجة ال تتصدى للبت في النزاع إن هي قامت بإلغاء أو إبطال الحكم‬
‫َّ‬
‫املستأنف‪ ،‬إال إذا كانت القضية جاهزة للبت فيها‪ ،‬وأن لها كامل الصالحية في تقدير هذه الجاهزية‪ ،‬وأن‬
‫الوقت املعتبر للقول بهذه الجاهزية هو الوقت الذي ستصرح فيه محكمة ثاني درجة بإلغاء أو إبطال‬
‫الحكم املستأنف‪.‬‬
‫فإذا ما بدا لها أن هذه الجاهزية محققة فيجب عليها أن تتصدى‪ ،‬أما إذا لم تتحقق هذه‬
‫َّ‬
‫الجاهزية وقت إقرار بطالن الحكم أو إلغائه فإنه ال يبقى أمامها إال إرجاع امللف إلى محكمة أول درجة‬
‫املصدرة له للبت فيه طبقا للقانون‪ ،‬وهو األمر الذي سيدفعنا إلى ضرورة البحث عن املعايير املعتمدة‬
‫من قبل القضاء للقول بعدم الجاهزية (أوال) وعن مدى إلزامية هذا القرار القاض ي باإلرجاع بالنسبة‬
‫ملحاكم أول درجة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬معايير تحقق شرط جاهزية الدعوى‬


‫قال القضاء املغربي في هذا اإلطار بمعيارين أساسين هما‪ :‬معيار احترام حقوق الدفاع (‪ )0‬ومعيار‬
‫احترام مبدأ التقاض ي على درجتين (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬معيار احترام حقوق الدفاع‬
‫َّ‬
‫مر معنا أن التزام محكمة ثاني درجة بالتصدي ملوضوع النزاع متوقف على تحقق شرط الجاهزية‬
‫باإلضافة إلى إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه باالستئناف‪ ،‬وقلنا أيضا أن القضاء متشدد بخصوص‬
‫ً‬
‫هذا الشرط‪ .‬إذ غالبا ما وجد فيه القضاء سندا لتحقيق نوع من التوازن بين سلطات املحكمة‬
‫وسلطات األطراف اللذين يفاجؤون بالتصدي‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن الفقه ومعه القضاء املغربي مجمعان على أن لجوء محاكم ثاني درجة‬
‫إلجراءات التحقيق دليل على عدم تحقق هذه الجاهزية‪ ،‬وفيه اعتداء صارخ على حقوق الدفاع ألن‬

‫‪75‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫لجوء املحكمة ملثل هذه اإلجراءات يستلزم بالضرورة من أطراف الخصومة تقديم مالحظاتهم حول‬
‫هذا اإلجراء وهو األمر غير املستساغ في ظل قاعدة تحريم تقديم طلبات جديدة أما محاكم الدرجة‬
‫الثانية‪.161‬‬
‫فاألستاذ عبد العزيز حضري يؤكد على أنه إذا كان البت متوقف على إجراء من إجراءات‬
‫التحقيق‪ ،‬فإن ذلك معناه أن القضية غير جاهزة للبت فيها‪ ،‬وبذلك تكون محكمة االستئناف ملزمة‬
‫بإرجاع امللف إلى محكمة الدرجة األولى املصدرة له‪ ،162‬وهو نفس املوقف الذي تبناه األستاذ محمد‬
‫صابر‪.163‬‬
‫أما على مستوى العمل القضائي‪ ،‬فإننا نجد القضاء املغربي يقر على أنه كلما كانت محكة ثاني‬
‫درجة ملزمة باللجوء إلى إجراءات التحقيق وكان نطاق النزاع مرفوعا إليها بمقتض ى التصدي‪ .164‬وكانت‬
‫قد ألغت الحكم املطعون فيه أو أبطلته‪ ،‬فإنه يجب عليها إعادة امللف إلى محكمة الدرجة األولى للبت‬
‫فيه من جديد‪ .‬وهو ما يستفاد من قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بمراكش قضت فيه‬
‫بإلغاء الحكم الصادر عن املحكمة التجارية بمراكش والقاض ي بفتح مسطرة التصفية القضائية‪ ،‬مع‬
‫إرجاع امللف إلى هذه املحكمة لكون القضية متوقفة على إجراء خبرة حسابية ملعرفة الوضعية املالية‬
‫للمقاولة‪ .165‬وهو نفس التوجه أيضا الذي استقر عليه العمل أمام محكمة النقض إذ نجد أن هذه‬
‫ً‬
‫األخيرة قد قررت في أحد قراراتها الحديثة أنه ملا قضت املحكمة فعال بإلغاء الحكم املستأنف‪ ،‬وقضت‬
‫ً‬
‫تمهيديا بإجراء بخبرة كإجراء تحقيقي‪ ،‬فإن الدعوى تكون غير جاهزة أمامها وكان يتعين عليها إرجاع‬
‫امللف ملحكمة الدرجة األولى‪ ،‬وإذا لم تفعل تكون قد خرقت شروط ممارسة واجبها في التصدي‪،‬‬
‫معرضة قرارها للنقض‪.166‬‬

‫‪ -161‬للتوسع حول مفهوم الطلب الجديد أمام محكمة االستئناف‪ ،‬ا ُنظر محمد صابر‪ ،‬مفهوم الطلب الجديد أمام محكمة االستئناف‪ ،‬مقال‬
‫منشور مبجلة املحامي‪ ،‬عدد ‪ ،72‬يوليوز ‪.1001‬‬
‫‪ -162‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫‪ -163‬محمد صابر ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.323‬‬
‫‪ -164‬عىل اعتبار أن األثر الناقل يخول ملحاتم ثا‪،‬ي درجة نفس صالحيات محاتم أول درجة مبا فيها للجوء إىل إجراءات التحقيق‪.‬‬
‫‪ -165‬قرار عدد ‪ 775‬صادر بتاريخ ‪ 99/22/3‬يف امللف عدد ‪ 99/321‬غري منشور أورده محمد صابر‪ ،‬األثر الناقل الستئناف األحكام املدنية يف‬
‫القانون املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.329‬س‬
‫‪ -166‬قرار عدد ‪ 2-775‬بتاريخ ‪ 1023-07-22‬ملف تجاري‪ ،‬رقم ‪ 1022-2-3-112‬منشور مبوقع محكمتي‪ ،‬ا ُطلع عليه بتاريخ ‪ 2‬مارس ‪ 1029‬عىل‬
‫الساعة العارشة صباحا‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫والعلة األساسية من تحريم لجوء محاكم ثاني درجة إلجراءات التحقيق هو خلق نوع من التوازن‬
‫بين سلطات املحكمة وسلطات األطراف ألنه من غير املعقول تخويل املحكمة حق اللجوء إلى إجراءات‬
‫التحقيق الذي يستلزم بالضرورة من األطراف تقديم مالحظاتهم بناء على نتائج هذا اإلجراء والحال أن‬
‫ً‬
‫األطراف مقيدون أصال بقاعدة تحريم تقديم طلبات جديدة ألول مرة أمام محكمة ثاني درجة‪.‬‬
‫‪ -2‬معيار احترام مبدأ التقاض ي على درجتين‬
‫يعد مبدأ التقاض ي على درجتين‪ 167‬أحد أهم املرتكزات التي يقوم عليها النظام القضائي في جل‬
‫تشريعات املعمورة‪ ،‬والقضاء متشدد بضرورة احترام هذا املبدأ‪ ،‬إذ أن أي خرق له يجعل قضاءه غير‬
‫مؤسس‪.‬‬
‫فعديدة هي املقررات القضائية التي تعتمد على ضرورة احترام مبدأ التقاض ي على درجتين‪،‬‬
‫للقول بعدم تحقق شرط الجاهزية وبالتالي إرجاع امللف إلى محاكم الدرجة األولى للبت فيه من جديد‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار فإن محكمة االستئناف التجارية بمراكش قررت في أحد قراراتها على أنه ما دام‬
‫ً‬
‫البت في امللف متوقف على إجراء خبرة لتحديد قيمة األصل التجاري‪ ،‬فإنه احتراما ملبدأ التقاض ي على‬
‫درجتين يتعين إلغاء الحكم املستأنف وإرجاعه إلى محكمة الدرجة األولى للبت فيه طبقا للقانون‪.168‬‬
‫َّ‬
‫وجاء في قرار صادر عن املجلس األعلى على أنه إذا كان الحكم االبتدائي لم يبت إال في الجانب‬
‫الشكلي من الدعوى‪ ،‬فليس ملحكمة االستئناف حين إلغائه أن تتصدى للموضوع وكان عليها إما أن‬
‫تؤيد الحكم االبتدائي لنفس العلل التي بين عليها أو تلغيه وتقض ي برد امللف إلى املحكمة االبتدائية‬
‫للبت في الجوهر حتى ال يحرم الطاعن من التقاض ي على درجتين‪ ،169‬كما قض ى في قرار آخر أنه ما دام‬
‫الحكم االبتدائي اقتصر في البت على الجانب املتعلق باالختصاص املحلي حيث قض ى بعدم‬
‫ً‬
‫االختصاص‪ ،‬فاستأنف فتبين ملحكمة االستئناف أن املحكمة املذكورة مختصة محليا‪ ،‬غير أن محكمة‬

‫‪ -167‬ملزيد من اإليضاح حول مبدأ التقايض عىل درجتني ا ُنظر‪:‬‬


‫‪ -‬ممدوح عزمي عيىس‪ ،‬مبدأ التقايض عىل درجتني‪ ،‬دار مرياي للطبع والنرش والتوزيع‪ )،‬ت‪.‬ع ‪.‬ط‪ .‬غ‪ .‬م‪(.‬‬
‫‪ -‬أحمد هندي‪ ،‬مبدأ التقايض عىل درجتني‪ ،‬حدوده وتطبيقاته يف القانون املرصي والقانون الفرنيس‪ ،‬دار النهضة العربية‪) ،‬ت‪ .‬ع ‪.‬ط‪.‬‬
‫غ‪ .‬م‪(.‬‬
‫‪ -168‬قرار عدد ‪ 713‬بتاريخ ‪ 1002/5/1‬يف امللف عدد ‪ ،1005/1/133‬غري منشور‪ ،‬أورده محمد صابر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.312‬‬
‫‪ -169‬قرار عدد ‪ 292‬بتاريخ ‪ 91/3/22‬يف امللف عدد ‪ ،2521‬منشور مبجموعة قرارات املجلس األعىل‪ ،‬املادة املدنية ‪ ،92-55‬ص ‪ 213‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫االستئناف تصدت وقضت للمستأنف بتعويضات ففوتت درجة من درجات التقاض ي لعدم إرجاع‬
‫امللف إلى املحكمة االبتدائية للبت فيه مما عرض قرارها للنقض‪.170‬‬
‫وبالرجوع إلى هذه القرارات نالحظ أن القرار األول نص على احترام مبدأ التقاض ي على درجتين ما‬
‫ً‬
‫دام البت في امللف متوقفا على إجراء خبرة‪ ،‬وهو توجه محمود ألنه ينسجم مع مقتضيات الفصل ‪041‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح الذي يستلزم جاهزية امللف والحال أن لجوء محكمة ثاني درجة إلجراءات التحقيق‬
‫دليل على عدم تحقق هذا الشرط‪ ،‬األمر الذي يستفاد منه أن محكمة الدرجة األولى لم تستنفذ واليتها‬
‫بعد وهو ما يقتض ي إرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له للبت فيه على ضوء ما ستسفر عنه هذه‬
‫الخبرة وحتى ال يحرم املتقاض ي من درجة من درجات التقاض ي‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫أما القرار الثاني والثالث واللذان أكدا على ضرورة إرجاع امللف احتراما ملبدأ التقاض ي على‬
‫َّ‬
‫درجتين ألن محكمة أول درجة لم تبت إال في الجانب الشكلي للدعوى – كاالختصاص املحلي – هو‬
‫ً‬
‫استثناء‬ ‫توجه نعتقد أنه لم يستوعب بعد فلسفة املشرع من خالل تبنيه لنظام التصدي والذي يشكل‬
‫على املبدأ املذكور‪ ،‬والذي يعبر – أي نظام التصدي – عن رغبة املشرع في جعل االستئناف وسيلة‬
‫إلنهاء النزاع في الحاالت التي لم يتم فيها الفصل في املوضوع‪ ،‬متى تبت ملحكمة ثاني درجة بعد إلغائها أو‬
‫إبطالها الحكم املطعون فيه أن الدعوة جاهزة للبت فيه‪ ،‬أما إذا ما قضت محكمة أول درجة في‬
‫ً‬
‫املوضوع فإن النزاع حينئذ سينقل إلى محاكم ثاني درجة استنادا لألثر الناقل‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدى إلزامية القرار االستئنافي القاض ي باإللغاء واإلرجاع وقابليته للطعن بالنقض‬
‫إذا قامت محكمة ثاني درجة بإلغاء أو إبطال الحكم املستأنف‪ ،‬فإنه يجب عليها أن تتصدى‬
‫للبت في القضية في جوهرها إذا كانت الدعوى جاهزة للفصل فيها‪ ،‬أما إذا تخلف هذا الشرط‪ ،‬فإن‬
‫هذه املحاكم تكون ملزمة بإرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له‪ ،‬وهو ما يطرح التساؤل عن مدى‬
‫إلزامية هذا القرار لقضاة الدرجة األولى (‪ )0‬وعن مدى قابلية للطعن بالنقض (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬مدى إلزامية القرار االستئنافي القاض ي باإللغاء واإلرجاع لقضاة الدرجة األولى‬
‫ً‬
‫سنقف أوال عند األساس القانوني للحكم بإرجاع امللف (أ) قبل الحديث عن قوته امللزمة (ب)‪.‬‬

‫‪ -170‬قرار عدد ‪ 752‬بتاريخ ‪ 01/5/1‬يف امللف عدد ‪ ،02/2255‬سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أ‪ -‬األساس القانوني للحكم بإرجاع امللف‬


‫إن املشرع املغربي استلزم بمقتض ى املادة ‪ 911‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ق أو بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ح ضرورة كون القضية جاهزة للبا فيها حتى تقوم محاكم ثاني درجة بالتصدي إن هي قامت‬
‫بإلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه‪ ،‬مما يدفع إلى التساؤل حول حالة تخلف هذا الشرط‪ .‬فهل‬
‫يتحول نظام التصدي من إلتزام إلى رخصة؟ أم أن محكمة ثاني درجة تكون ملزمة بإرجاع امللف إلى‬
‫قضاة الدرجة األولى؟‬
‫نستهل جوابنا عن هذا السؤال باستبعاد فرضية تحول نظام التصدي إلى رخصة ‪ ،‬ما دام‬
‫َّ‬
‫املشرع هو نفسه نظم طبيعة التصدي اإللزامية‪ ،‬لذلك فال مجال أمام محاكم ثاني درجة إال إرجاع‬
‫امللف إلى محكمة الدرجة األولى املصدرة له للبت فيه من جديد‪.‬‬
‫وبذلك فإن الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ح يعتبر هو األساس القانوني لقرار اإللغاء واإلرجاع‪ ،‬ألن عدم‬
‫جاهزية الدعوى ال يخول ملحكمة ثاني درجة تجهيزها من خالل اللجوء إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬بل البد‬
‫من إرجاع امللف‪ ،‬ألن في اللجوء إلى هذه اإلجراءات دليل على عدم جاهزية امللف والحال أن املشرع‬
‫استلزم الجاهزية للتصدي‪.‬‬
‫ً‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فإنه إذا كانت الدعوى غير جاهزة وكانت محكمة الدرجة األولى لم تستنفد‬
‫واليتها في املوضوع بعد‪ ،‬فإن محاكم الدرجة الثانية تلزم بإرجاع امللف‪ ،‬أما إذا استنفدت الوالية وتم‬
‫الطعن في الحكم باالستئناف فإن محكمة الدرجة الثانية تلزم بالبت وليس إرجاع امللف وإن كانت‬
‫ً‬
‫عمال بمبدأ األثر الناقل الذي يخول ملحكمة ثاني درجة نفس صالحيات محكمة أول‬ ‫القضية غير جاهزة‬
‫درجة بما فيها اللجوء إلى إجراءات التحقيق‪.‬‬
‫ب‪ -‬القوة امللزمة للقرار االستئنافي القاض ي باإللغاء واإلرجاع‬
‫ً‬
‫إذا كان املشرع املغربي قد جعل من قرار اإلحالة الصادر عن محكمة النقض ملزما للمحكمة‬
‫ً‬
‫املحال عليها امللف طبقا ملقتضيات الفقرة الثانية من الفصل ‪ 112‬التي تنص على أنه "إذا بت املجلس‬

‫‪79‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫األعلى في قراره في نقطة قانونية‪ ،‬تعين على املحكمة التي أحيل عليها امللف أن تتقيد بقرار املجلس‬
‫األعلى في هذه النقطة"‪ .‬وهو األمر الذي أقرته محكمة النقض في العديد من قراراتها‪.171‬‬
‫فإن السؤال املطروح هو مدى تقيد محكمة الدرجة األولى بما جاء في قرار اإلحالة االستئنافي في‬
‫ظل غياب أي نص قانوني يلزمها بذلك؟‬
‫إن مواقف القضاء في ظل غياب هذا التنظيم التشريعي مختلفة بحسب ما إذا كان قرار اإللغاء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واإلرجاع مبررا أم ال‪ .‬ففي الفرضية األولى – فرضية تبرير القرار‪ -‬فإن القاض ي ال يجد ضررا في تبني‬
‫ً‬
‫موقف أو تعليل قضاة الدرجة الثانية‪ ،‬أما في حالة عدم االقتناع‪ ،‬فإن قاض ي الدرجة األولى غالبا ما‬
‫ً‬
‫يبقى متمسكا بموقفه الذي تم نقضه من طرف محكمة الدرجة الثانية وكمثال على ذلك‪ ،‬ما ذهب‬
‫إليه القرار عدد ‪ 22‬الصادر عن محكمة االستئناف بالقنيطرة والذي قض ى بإلغاء األمر الصادر عن‬
‫السيد رئيس املحكمة االبتدائية بسيدي قاسم والقاض ي برفض طلب إجراء معاينة واستجواب رفقة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫خبير للتحقق من واقعة الترامي‪ ،‬وبإرجاع امللف إليه للبت فيه طبقا للقانون‪ ،‬إال أن السيد رئيس‬
‫ً‬
‫املحكمة بعد إرجاع امللف إليه قض ى بمثل ما قض ى به سابقا‪.172‬‬
‫وفي قرا آخر صادر عن محكمة االستئناف التجارية بمراكش في إطار ظهير ‪ 94‬ماي ‪ 0288‬قض ى‬
‫بإلغاء الحكم الصادر عن املحكمة التجارية بمراكش وإحالة امللف عليها للبت فيه طبقا للقانون‪ ،‬غير‬
‫أن هذه األخيرة لم تساير موقف محكمة االستئناف وقضت بمثل ما قضت به في حكمها امللغى‪.173‬‬
‫لكن اإلشكال املطروح هنا هو حالة عدم تقيد محكمة الدرجة األولى بما جاء في قرار اإلحالة وتم‬
‫الطعن من جديد في هذا الحكم باالستئناف‪ ،‬وكانت القضية غير جاهزة‪ ،‬فهل تتصدى محكمة ثاني‬
‫درجة لحسم النزاع؟ أم يتعين عليها إرجاع امللف من جديد عنـد إلـغائـه؟‬
‫في إطار الجواب عن هذا السؤال ذهبت محكمة االستئناف التجارية بمراكش في أحد قراراتها إلى‬
‫القول بأنه كان على محكمة الدرجة األولى أن تنظر في النزاع على ضوء هذا القرار االستئنافي‪ ،‬وأن‬

‫‪ -171‬ا ُنظر القرار عدد ‪ 253‬بتاريخ ‪ 01-5-5‬يف امللف التجاري رقم ‪ ،02/2252‬منشور مبجلة رسالة املحاماة عدد ‪ ،10‬ص ‪ ،217‬والقرار عدد‬
‫‪ 3595‬بتاريخ ‪ 03-21-22‬يف امللف رقم ‪ ،02/250‬منشور مبجلة اإلشعاع‪ ،‬عدد ‪ ،19‬ص ‪.125‬‬
‫‪ -172‬قرار عدد ‪ 11‬بتاريخ ‪ 2999-2-5‬منشور مبجلة اإلشعاع عدد ‪ ،32 – 30‬ص ‪.355‬‬
‫‪ -173‬قرار عدد ‪ 713‬بتاريخ ‪ ،1002-5-1‬متت اإلشارة إليه سابقا‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املحكمة املذكورة ملا لم تفعل ذلك تكون قد جانبت الصواب وعرضت حكمها لإللغاء‪ ،‬وأنه مراعاة‬
‫ً‬
‫ملبدأ التقاض ي على درجتين ولحسن سير العدالة يتعين إرجاع امللف إلى املحكمة نفسها لتبت فيه طبقا‬
‫للقانون على ضوء املعطيات القانونية املومأ إليها أعاله‪.174‬‬
‫غير أننا نعتقد أن ما ذهبت إليه هذه املحكمة مجانب للصواب ما دام املشرع لم يلزم محاكم‬
‫الدرجة األولى بالتقيد بما جاء في قرار محكمة اإلحالة وإن كنا نتساءل عن الفائدة من هذا اإلرجاع ما‬
‫دامت محاكم الدرجة األولى غير ملزمة بما جاء في قرار اإلرجاع‪.‬‬
‫لهذا السبب فإننا نقترح على املشرع املغربي إدراج نص قانوني ينظم هذه املسألة‪ ،‬وإن كان‬
‫املشرع املغربي سيلغي شرط الجاهزية مما يستفاد منه أن محاكم ثاني درجة ستكون ملزمة بالبت في‬
‫الجوهر حتى ولو كانت القضية غير جاهزة للبت فيها‪ .‬لذلك فإنه في حالة املوافقة على مشروع ق‪.‬م‪.‬م‬
‫ً‬
‫بصيغته الحالية‪ ،‬فإنه لن يكون مجال مستقبال للحديث عن اإللغاء واإلرجاع بل إن محاكم الدرجة‬
‫الثانية ستكون ملزمة في حالة اإللغاء أو اإلبطال بالتصدي ملوضوع النزاع‪.‬‬
‫‪ -2‬قابلية القرار االستئنافي القاض ي باإللغاء واإلرجاع للطعن بالنقض‬
‫سنعالج في هذه النقطة الطعن بالنقض ضد قرار محكمة ثاني درجة القاض ي باإللغاء واإلرجاع‬
‫(أ) وأثر هذا الطعن على سير اإلجراءات (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬الطعن بالنقض في قرار اإللغاء واإلرجاع‬
‫ً‬
‫من املستقر عليه فقها أن القرار القاض ي باإللغاء واإلرجاع هو من املقررات القضائية القطعية‪،‬‬
‫ذلك أنها تعتبر نتيجة لعمل محكمة ثاني درجة التي قامت بفحص الحكم املستأنف وقضت بإلغائه ألنه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يتضمن خرقا لنص قانوني أو فهما خاطئا لواقعة أو حجة معينة أدلى بها أحد األطراف‪ ،‬أو بإبطاله‬
‫ً‬
‫لكون جاء مخالفا ملقتضيات الفصل ‪ 81‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح أو أنه غير محترم لحقوق الدفاع‪ .175‬ولذلك‬

‫‪ -174‬قرار عدد ‪ 922‬بتاريخ ‪ 01-1-29‬يف امللف رقم ‪ 02/2150‬منشور مبجلة املحاتم التجارية عدد ‪ ،2- 5‬ص ‪.332‬‬
‫‪ -175‬ا ُنظر ما سبق‪ ،‬الصفحة‪ 73‬وما يليها‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن هذه األحكام تعتبر أحكاما انتهائية قابلة للطعن بالنقض طبقا ملقتضيات الفقرة األولى من املادة‬
‫‪ 181‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.176‬‬
‫أما على مستوى العمل القضائي فإن موقف محكمة النقض غير مستقر على رأي واحد فتارة‬
‫تقبل هذا الطعن وتارة تواجهه بعد القبول‪.‬‬
‫وهكذا فإننا نجد أن محكمة النقض قد قضت بقبول الطعن املقدم ضد القرار االستئنافي‬
‫القاض ي باإللغاء واإلرجاع‪ ،‬ملا نقضت هذا القرار بحجة أن املحكمة ملا ناقشت موضوع الدعوى وقضت‬
‫بإلغاء الحكم االبتدائي مع إرجاعه إلى املحكمة املصدرة له والحال أنه كان عليها أن تتصدى للبت في‬
‫ً‬
‫القضية ما دام موضوع النزاع جاهزا للحسم فيه‪.177‬‬
‫ً‬
‫في حين ذهبت في قرار آخر إلى عدم قبول هذا الطعن استنادا إلى العلة التالية التي جاء فيها‬
‫ً‬
‫"وحيت تبين من القرار املطعون فيه أنه فعال قض ى بإلغاء الحكم االبتدائي املستأنف والحكم من‬
‫جديد بإرجاع امللف إلى املحكمة التجارية لتبت فيه طبقا للقانون ولم يقض بش يء عند إلغائه وبالتالي‬
‫فإن موضوع الدعوى لم يفصل فيه لكون القضية غير جاهزة مما يعرض الطلب لعدم القبول"‪.178‬‬
‫َّ‬
‫إال أننا نعتقد أن هذه القرارات الصادرة باإللغاء واإلرجاع هي قرارات انتهائية خاضعة ملقتضيات‬
‫الفصل ‪ 181‬وبالتالي فإنها قابلة للطعن بالنقض وال يمكن بأي حال من األحوال مواجهتها بعدم‬
‫ًّ‬
‫القبول‪ ،‬وإال فإن هذا األمر سيؤدي إلى إفراغ الفصل ‪ 181‬من ق‪.‬م‪.‬م من محتواه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أثر الطعن بالنقض على سير اإلجراءات‬

‫إذا كنا قد سلمنا أن القرار القاض ي باإللغاء واإلرجاع قابل للطعن بالنقض‪ ،‬فإن السؤال‬
‫املطروح هو حول أثر هذا الطعن على سير اإلجراءات ذلك أن محكمة ثاني درجة تكون في حيرة من‬

‫‪ -176‬محمد صابر‪ ،‬مدى إلزامية القرار االستئنايف باإللغاء واإلرجاع ملحكمة الدرجة األوىل وقابلية للطعن بالنقض‪ ،‬مقال منشور مبجلة‬
‫القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،225‬يونيو ‪ ،1025‬ص ‪.90‬‬
‫‪-177‬قرار عدد ‪ 2055‬بتاريخ ‪ 1022-1-15‬يف امللف عدد ‪ ،1022/1/2/1952‬منشور مبجلة قضاء محكمة النقض‪ ،‬العد ‪ ،12‬سنة ‪ ،1023‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -178‬قرار عدد ‪ 1/230‬بتاريخ ‪ 1027/3/2‬يف امللف التجاري عدد ‪ ،1023/1/3/229‬غري منشور‪ ،‬أورده محمد صابر‪ ،‬مدى إلزامية القرار‬
‫االستئنايف القايض باإللغاء و اإلرجاع ملحاتم الدرجة األوىل وقابليته للطعن بالنقض‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫‪82‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫أمرها بين إرجاع امللف عمال بما جاء في قرارها أو بتوجيهه إلى محكمة النقض استجابة للطعن‬
‫املرفوع؟‪.‬‬

‫َّإن الجواب عن هذا السؤال يقتض ي االنطالق فيه من وقت تقديم الطعن‪ ،‬هل هذا الطعن تم‬
‫قبل إرجاع امللف أم بعده‪ ،‬فإن تم قبل إرجاع امللف إلى املحكمة املصدرة له‪ ،‬فإن محكمة الدرجة‬
‫الثانية تكون ملزمة برفع امللف إلى محكمة النقض‪ .‬أما إذا ما تم تقديم الطعن بالنقض بعد إحالة‬
‫امللف على املحكمة املصدرة له‪ ،‬فإن الواقع العملي أثبت أن محاكم ثاني درجة ال تبادر إلى مطالبة‬
‫املحكمة املحال إليها امللف بإعادته لها قصد توجيهه إلى محكمة النقض‪ .‬وتبرر موقفها بأن الطعن‬
‫بالنقض ال يوقف اإلجراءات حسب ما جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بمراكش‬
‫قضت فيه بأنه "حيث إنه وإذا كان املستأنفون قد مارسوا مسطرة الطعن بالنقض في القرار القاض ي‬
‫بإرجاع امللف إلى املحكمة التجارية للبت فيه طبقا للقانون فإنه ال يترتب على تقديم طلب النقض‬
‫وقف اإلجراءات املسطرية"‪.179‬‬
‫ً‬
‫وفي هذا الصدد ذهب أستاذنا محمد صابر إلى أنه إذا كان واضحا أن قرار محكمة االستئناف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القاض ي باإللغاء واإلرجاع يعتبر حكما موضوعيا ألنه بتصريحه بإلغاء الحكم املستأنف يكون قد حسم‬
‫بأن هذا الحكم قد جانب الصواب فيما قض ى به‪ ،‬فإن الطعن بالنقض يقتض ي توجيه امللف بجميع‬
‫وثائقه إلى محكمة النقض وبالتالي لم يبق ما يستوجب توجيه امللف إلى محكمة الدرجة األولى أو‬
‫ً‬
‫االستمرار في اإلجراءات إذا حصل هذا الطعن متأخرا أي بعد إحالة امللف على محكمة الدرجة‬
‫األولى‪.180‬‬
‫وفي ختام هذا املبحث الخاص بشروط تصدي محكمة ثاني درجة للبت في القضية البد من‬
‫ً‬
‫اإلشارة إلى أن القضاء املغربي أضاف إلى شرطي اإللغاء أو اإلبطال و جاهزية الدعوى شرطا آخر وهو‬
‫شرط االختصاص‪ ،‬إذ أن واجب محكمة االستئناف بالتصدي عند إلغائها للحكم املطعون فيه ال يقوم‬
‫َّ‬
‫إال إذا كانت هي نفسها محكمة درجة ثانية بالنسبة للمحكمة التي ترى أنها كانت مختصة للفصل فيه‬
‫ً‬
‫ابتداء‪.181‬‬

‫‪ -179‬قرار عدد ‪ 2150‬بتاريخ ‪ 1023/5/12‬يف امللف عدد ‪ ،1022/1/571‬غري منشور‪.‬‬


‫‪ -180‬محمد صابر‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ -181‬ا ُنظر قرار عدد ‪ 53‬بتاريخ ‪ 9‬أبريل ‪ ،2929‬أورده عبد العزيز توفيق‪ ،‬قضاء املجلس األعىل يف األحوال الشخصية والعقار‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح‪ ،‬الدار البيضاء‪(،1001 ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪83‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬آثار تصدي محكمة ثاني درجة للبت في القضية‬


‫تملك محكمة ثاني درجة في إطار األثر الناقل لالستئناف جميع الصالحيات التي كانت لقاض ي‬
‫ً‬
‫الدرجة األولى‪ ،‬إذ أنها تملك الفصل في مسائل الواقع والقانون‪ ،‬وتستطيع اتخاذ ما تراه مناسبا من‬
‫إجراءات التحقيق‪ ،‬ونفس الش يء بالنسبة للخصوم إذ يتمتعون بدورهم ‪ -‬في ظل هذا األثر – بجميع‬
‫السلطات التي كانت لهم أمام املحكمة الدرجة األولى‪ ،‬ما عدا إمكانية تقديم طلبات جديدة‪ ،182‬عمال‬
‫بقاعدة التحريم املنصوص عليها في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.183‬‬
‫وهكذا فإن األثر الناقل لالستئناف يسمح ملحكمة الدرجة الثانية بإعادة فحص وتحقيق وبحث‬
‫حجية الحكم االبتدائي‪ ،‬مرة ثانية‪ ،‬وهي الصالحية التي يمكن تقييدها من طرف إرادة الخصوم‪ ،‬في‬
‫مقاالتهم االستئنافية‪ ،‬إذ أن املحكمة ستقوم حينئذ ببحث هذه الحجية في حدود طلبات األطراف‪،‬‬
‫ً‬
‫تطبيقا ملقتضيات الفصل ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.184‬‬
‫هذا بخالف نظام التصدي الذي تلتزم بمقتضاه محكمة ثاني درجة بتجاوز إرادة األطراف‪ ،‬وذلك‬
‫ببتها في موضوع الدعوى‪ ،‬رغم أن أطراف الخصومة تظلموا فقط من حكم ابتدائي قض ى في الجانب‬
‫الشكلي للدعوى‪ ،‬دون موضوعها‪ ،‬لكن وبالرغم من الطبيعة امللزمة لهذا النظام‪ ،‬فإن املشرع املغربي‪،‬‬
‫لم يشر – ال من بعيد وال من قريب – لصالحيات محكمة التصدي وال إلى سلطات األطراف‪ ،‬بل األكثر‬
‫من ذلك نجده – املشرع – قد قيد سلطة هذه املحكمة من خالل منعها من اللجوء إلى إجراءات‬
‫التحقيق‪ ،‬حينما استلزم شرط جاهزية الدعوى كأساس لنظام التصدي‪ .‬بخالف املشرع الفرنس ي الذي‬
‫ً‬
‫كان أكثر وضوحا من خالل توسيعه لسلطات محكمة التصدي التي أصبح لها حق اللجوء إلى إجراءات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التحقيق‪ ،‬وهو توسع قابله أيضا تخويل أطراف الخصومة مزيدا من الحرية‪ ،‬إذ أصبح بإمكانهم إثارة‬
‫وسائل وحجج جديدة‪ ،‬كما يمكنهم تقديم طلبات جديدة بموضوعها وأشخاصها‪.‬‬
‫وإذا كان املشرع الفرنس ي قد أجاز لألطراف تقديم طلبات جديدة ألول مرة أمام محكمة ثاني‬
‫ً‬
‫طلب بإدخال الغير في الدعوى‪ ،‬فإنه – أي املشرع الفرنس ي – وحفاظا‬
‫درجة والتي يمكن أن تتخذ شكل ٍ‬

‫‪ -182‬زيهور فوزية‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.205‬‬


‫‪ -183‬الذي ينص عىل أنه " ال ميكن تقديم أي طلب جديد أثناء النظر يف االستئناف‪"...‬‬
‫‪ -184‬والذي جاء أنه "يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف‪"...‬‬

‫‪84‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫على املصالح الخاصة لألغيار قد أجاز لهم إمكانية التدخل ولو ألول مرة أمام محكمة ثاني درجة في‬
‫محاولة منه لحقيق نوع من التوازن بينهم وبين األطراف اللذين قد يبادروا إلى تقديم طلب بإدخالهم‪.‬‬
‫أما مشرعنا املغربي‪ ،‬وإن كان قد نظم مسألتي التدخل واإلدخال أمام محاكم الدرجة األولى‪ ،‬فإنه‬
‫أغفل ذلك أمام محاكم الدرجة الثانية مما يطرح معه التساؤل حو أثر التزام محكم(ة الدرجة الثانية‬
‫بالتصدي للقضية على قبول طلبات التدخل واإلدخال‪.‬‬
‫ً‬
‫وانطالقا من كل ما سبق فإننا سنحاول بحث مسألة آثار تصدي محكمة الدرجة الثانية للبت في‬
‫ً‬
‫القضية‪ ،‬من خالل الوقوف أوال عند صالحيات هذه املحكمة ودور األطراف أمامها (املطلب األول)‪،‬‬
‫قبل الحديث عن إمكانية التدخل واإلدخال أمامها‪ ،‬ومدى تأثير ذلك على واجبها بالتصدي لحسم النزاع‬
‫(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املطلب األول‪ :‬صالحيات محكمة ثاني درجة ودور األطراف أمامها‬


‫سبق القول أن املشرع الفرنس ي بمقتض ى املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪ ،‬قد استغنى عن شرط‬
‫جاهزية الدعوى كموجب ملمارسة محكمة ثاني درجة لحقها في التصدي‪ ،‬ومنح لهذه األخيرة صالحية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األمر باتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات التحقيق في سبيل تجهيز القضية تمهيدا إلعطاء حل نهائي‬
‫للنزاع‪ ،‬وذلك كله في إطار املحافظة على طابعه االختياري‪.‬‬
‫وهي مقتضيات تبرز بوضوح التوجه التشريعي الفرنس ي السائر نحوه توسيع صالحيات محكمة‬
‫الدرجة الثانية‪ ،‬بشأن التصدي‪ ،‬وهو توسع لم يكن على حساب سلطات األطراف – بطبيعة الحال –‬
‫إذ أن أطراف الخصومة في ظل هذه املقتضيات أصبح لهم حق تقديم طلبات جديدة بموضوعها أو‬
‫بسببها‪ ،‬أو حتى بأشخاصها‪ ،‬عند إعالن محكمة الدرجة الثانية عن ممارسة حقها في التصدي‪.‬‬
‫في حين نجد مشرعنا املغربي اكتفى فقط في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ح بتحويل نظام التصدي‬
‫من رخصة إلى إلزام وأضاف إلى حالة اإللغاء‪ ،‬حالة اإلبطال كشرط للتصدي‪ ،‬دون أية إشارة ال إلى‬
‫سلطات محكمة الدرجة الثانية‪ ،‬وال إلى دور األطراف أمامها عندما تتصدى للقضية‪.‬‬
‫ولذلك فإننا سنحاول الوقوف عند صالحيات محكمة ثاني درجة (الفقرة األولى) والبحث عن دور‬
‫أطراف الخصومة أمامها (الفقرة الثانية) معتمدين على مقتضيات التشريع الفرنس ي واملغربي باألساس‪.‬‬

‫الفقرة األول‪ :‬صالحيات محكمة ثاني درجة‬


‫إن مجرد عرض النزاع على محكمة ثاني درجة قصد البت في الطعن املقدم ضد الحكم‬
‫املستأنف‪ ،‬يخول لها سلطتين أساسيتين وهما سلطة البت في جوهر النزاع‪ ،‬وسلطة تقدير صالحية‬
‫الدعوى للفصل فيها (أوال)‪ .‬وإذا ما قررت هذه املحكمة صالحية الدعوى للحسم فيها بعد تأكدها من‬
‫توفر شروط التصدي األساسية املتمثلة في إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه‪ ،‬وكون الدعوى جاهزة‪،‬‬
‫وأنها هي محكمة الدرجة الثانية بالنسبة للمحكمة املصدرة للحم املستأنف‪ ،‬فإن لها التصدي للقضية‬
‫ويمكنها في سبيل ذلك اللجوء إلى إجراءات التحقيق التي تراها مناسبة (ثانيا)‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أوال‪ :‬سلطة البت في جوهر النزاع وتقدير صالحية الدعوى للبت فيها‬
‫سنحاول معالجة سلطة املحكمة في البت في جوهر النزاع (‪ )0‬وسلطتها في تقدير صالحية الدعوى‬
‫للبت فيها (‪ )9‬من خالل استقراء مواقف التشريعين الفرنس ي واملغربي بخصوص هاته السلط‪.‬‬
‫‪ -1‬سلطة البت في جوهر النزاع‬
‫َّ‬
‫على الرغم من تنظيم املشرع الفرنس ي (أ) واملشرع املغربي (ب) لهاته السلطة‪ ،‬إال أنهما اختلفا في‬
‫طبيعتها‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقف املشرع الفرنس ي‬
‫تنص املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج على أنه "إذا أبطلت أو ألغت محكمة االستئناف حكم أمر‬
‫بإجراء من إجراءات التحقيق ‪ ،‬أو بت في دفع شكلي‪ ،‬وأنهى الخصومة ‪ ،‬فإنها تستطيع أن تتصدى‬
‫لجميع املسائل التي لم يتم الفصل فيها ‪ ،‬إذا رأت أن مصلحة العدالة تقتض ي إعطاء حل نهائي‬
‫للقضية‪ ،‬وذلك بعد أن تأمر من تلقاء نفسها باتخاد ما يلزم من إجراءات التحقيق‪.‬‬
‫والتصدي ال يعرقل إعمال املواد ‪ ،811 ،888 ،884‬إلى ‪.185"812‬‬
‫فاملالحظة األساسية إذن من خالل استقرائنا ملضمون املادة املشار إليها أعاله هي أن املشرع‬
‫الفرنس ي‪ ،‬عندما خول ملحكمة ثاني درجة إمكانية إعمال تقنية التصدي لحسم النزاع‪ ،‬فإنه جعل من‬
‫هذه السلطة خيار وليس إلزاما‪ .‬وهو ما يستفاد من خالل مصطلح "تستطيع"‪ ،‬والذي يفهم منه أن‬
‫تصدي محكمة ثاني درجة هو حق متروك لسلطتها التقديرية‪ ،‬سواء قامت بإلغاء الحكم املطعون فيه‬
‫أو أبطلته‪.‬‬
‫وهكذا فإن سلطة محكمة ثاني درجة للبت في النزاع هي سلطة ذات طبيعة اختيارية في ظل‬
‫التشريع الفرنس ي‪ ،‬فما هي طبيعة هذه السلطة في تشريعنا املغربي يا ترى؟‪.‬‬
‫ب‪ -‬موقف املشرع املغربي‬

‫‪ -185‬سبقت اإلشارة إىل هذه املادة بلغتها األصلية أُنظر الصفحة ‪. 27‬‬

‫‪87‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫إذا كان الطابع املميز لسلطة البت في النزاع عند إعمال محكمة ثاني درجة لتقنية التصدي‪ ،‬في‬
‫ظل التشريع الفرنس ي هو صفتها االختيارية‪ ،‬فإن األمر خالف ذلك في تشريعنا املغربي‪ ،‬والذي جعل من‬
‫ً‬
‫هذه السلطة واجبا يقع على عاتق محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬كلما ألغت أو أبطلت الحكم املطعون فيه‬
‫وكانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪ ،‬وذلك بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ح الذي جاء فيه "إذا أبطلت‬
‫أو ألغت غرفة االستينافات باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف الحكم املطعون فيه‪ ،‬وجب عليها‬
‫أن تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها"‪ ،‬بعد أن كانت هذه السلطة مجرد‬
‫رخصة في ظل املادة ‪ 911‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ق والتي كانت تنص على أنه "إذا ألغت املحكمة االستئنافية الحكم‬
‫املطعون فيه باالستئناف‪ ،‬يجوز لها التصدي للحكم في الجوهر‪ ،‬إذا كانت الدعوى جاهزة للحكم فيها"‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد انتقد األستاذ ‪ A.Boudahrain‬هذا التحول في طبيعة هذه السلطة معتبرا أنها ال تخدم‬
‫ضمانات العدالة‪ ،‬وفيها إضرار بقاعدة التقاض ي على درجتين‪ ،‬التي تعد ركيزة أساسية في النظام‬
‫القضائي املغربي‪ ،186‬غير أن املمارسين في امليدان القضائي ذهبوا عكس ذلك عندما أيدو هذا التحول‬
‫ملا فيه من تحقيق للسرعة واالقتصاد في اإلجراءات مؤكدين على ضرورة هذا الوجوب في جميع حاالت‬
‫اإللغاء عدا حالتي الحكم بعدم االختصاص أو عدم القبول‪ .‬ففي هاتين الحالتين يجب فقط إحالة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القضية على املحكمة املختصة‪ ،‬أما عداها فتحقيقا للسرعة‪ ،‬يجب أن يكون التصدي واجبا‪.187‬‬
‫غير أننا ال نؤيد هذا املوقف األخير في شقه القاض ي بضرورة إحالة امللف على املحكمة املختصة‬
‫في حالة إلغاء محكمة ثاني درجة للحكم البات في عدم االختصاص‪ ،‬دون أن تتصدى للقضية على‬
‫اعتبار أنه حتى في هذه الحالة يجب على محكمة الدرجة الثانية التصدي لجوهر النزاع إذا ألغت الحكم‬
‫القاض ي بعدم االختصاص وكانت الدعوى جاهزة‪ ،‬بشرط أن تكون هذه املحكمة هي نفسها محكمة‬
‫الدرجة الثانية بالنسبة للمحكمة املصدرة للحكم بعدم االختصاص‪ ،‬باستثناء النزاعات ذات الطابع‬
‫التجاري واإلداري إذ أن محكمة االستئناف التجارية والغرفة اإلدارية بمحكمة النقض يكونان ملزمين‬
‫بإحالة امللف على املحكمة املختصة في حالة إلغائهما لحكم قض ى بعدم االختصاص النوعي كما سبقت‬
‫اإلشارة إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬سلطة تقدير صالحية الدعوى للفصل فيها‬
‫سنعرض أوال موقف املشرع الفرنس ي بخصوص هذه السلطة قبل الحديث عن موقف مشرعنا املغربي‪.‬‬

‫‪. 121 A. Boudahrain, op,cit, P. -186‬‬


‫‪ -187‬مالحظات بشأن ‪.،‬م‪.‬م بعد تجربة عرش سنوات‪ ،‬إعداد هيئة نقابة الدار البيضاء ضمن أشغال املؤمتر الثامن عرش لجمعية هيئات‬
‫املحامني باملغرب ‪ ،15 ،11‬و ‪ 19‬يونيو ‪ ،2955‬فاس‪ ،‬منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬العدد ‪ ،35‬ص ‪.92‬‬

‫‪88‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أ‪ -‬موقف املشرع الفرنس ي‪:‬‬


‫إن سلطة تقدير صالحية الدعوى للفصل فيها سلطة مطلقة في ظل التشريع الفرنس ي الذي ترك‬
‫ملحكمة ثاني الدرجة سلطة تقديرها إذا كان من حسن سير العدالة إعطاء حل نهائي للنزاع‪ ،‬ولو‬
‫باللجوء إلى إجراءات التحقيق التي تراها مناسبة وذلك عند ما نص على أن املحكمة تستطيع أن‬
‫تتصدى لجميع املسائل التي لم يفصل فيها‪ ،‬إذا رأت أن مصلحة العدالة تقتض ي ذلك‪ ،‬ولها في سبيل‬
‫ذلك أن تأمر باتخاذ ما يلزم من إجراءات التحقيق‪.188‬‬
‫ً‬
‫ولقد عرفت هذه السلطة تطورا في ظل التشريع الفرنس ي إذ أن املشرع الفرنس ي بعدما كان يستلزم‬
‫بمقتض ى املادة ‪ 421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق شرط الجاهزية‪ ،‬وهو ما كان يجعل من هذه السلطة مقيدة‪ ،‬لكنه‬
‫عدل هذا الشرط أو أقل من صرامته –إن صح التعبير‪ -‬بمقتض ى قانون ‪ 0249‬عندما سمح ملحكمة‬
‫ً‬
‫لحل نهائي‪ ،‬إلى أن إستقر على‬
‫ثاني درجة باستعمال حقها في التصدي إذا كان النزاع قابال في مجموعة ٍ‬
‫جعل هذه السلطة‪ .‬سلطة مطلقة بمقتض ى مرسوم ‪ 0229‬والذي ألغى بشكل نهائي شرط الجاهزية‬
‫وخول ملحكمة ثاني درجة حق التصدي كلما كان من حسن سير العدالة إعطاء حل نهائي للنزاع‪ ،‬دون‬
‫قيد أو شرط‪ ،‬وهو األمر الذي تم تقنينه بمقتض ى املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪ ،‬وفي هذا اإلطار قضت‬
‫محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها أن قضاة االستئناف يملكون سلطات تقديرية مطلقة لتقرير‬
‫"ما إذا كان من حسن سير العدالة إعطاء حل نهائي للنزاع"‪.189‬‬
‫ب‪ -‬موقف املشرع املغربي‬
‫بخالف املشرع الفرنس ي الذي جعل من سلطة تقدير صالحية الدعوى للفصل فيها سلطة مطلقة‪ ،‬فإن‬
‫املشرع املغربي جعل من هذه السلطة‪ ،‬سلطة مقيدة عندما ربطها بشرطي اإللغاء‪ ،‬أو اإلبطال وشرط‬
‫كون الدعوى جاهزة للبث فيها‪ ،‬سواء في ظل املادة ‪ 911‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ق أو الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫وهي قيود لطاما تمسك بها الفقه والقضاء املغربين‪ ،‬فاألستاذان محمد صابر و عبد العزيز حضري‪،‬‬
‫أكدا على أنه ال مجال للحديث عن تصدي محكمة ثاني درجة للبث في القضية دون تحقق هذه‬
‫ً‬
‫الشروط‪ ،‬مما يوحي بأنها فعال قيود ال يمكن تجاوزها‪.190‬‬

‫‪ -188‬تنص املادة ‪ 525‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج عىل أنه‪:‬‬


‫‪« …elle peut évoquer les points nom jugés si elle estime de bonne justice de donner à l’affaire une solution‬‬
‫» ‪définitive, Après avoir ordonné elle-même, le cas échéant une mesure d’instruction..‬‬
‫‪ -189‬أورده‪ ،‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -190‬محمد صابر ‪ ،‬م‪.‬س ص‪،359‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.321‬‬

‫‪89‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وفي هذا الصدد قض ى املجلس األعلى في أحد قرارته أن محكمة االستئناف ال يجوز لها استعمال حق‬
‫َّ‬
‫التصدي للبت في جوهر الطلب إال إذا ألغت الحكم االبتدائي‪ ،‬وكانت الدعوى جاهزة للفصل فيها‪،‬‬
‫وتبث محكمة االستئناف بحكم واحد في الطلب‪.191‬‬
‫كما قض ى أيضا في قرار آخر أن تقدير تحقيق هذه الشروط خاضع لسلطة املحكمة حيث جاء في هذا‬
‫القرار أنه‪" :‬وحيث أن اعتبار الدعوى جاهزة للبث فيها أم ال يخضع لتقدير محكمة االستئناف"‪.192‬‬

‫ثانيا‪ :‬سلطة املحكمة في استعمال وسائل التحقيق‬


‫إذا كان املشرع الفرنس ي قد أجاز بمقتض ى املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪ ،‬ملحكمة ثاني درجة‪ ،‬حق اللجوء‬
‫إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬إن هي قررت التصدي ملوضوع النزاع‪ ،‬فإن املشرع املغربي منعها من ذلك مما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خلف تضاربا فقهيا (‪ )0‬وقضائيا (‪ )9‬بخصوص هذه السلطة‪.‬‬
‫‪ -1‬موقف الفقه‬
‫كان الفقه الفرنس ي في ظل املادة ‪ 421‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق‪ .‬والتي تنص على أنه "عند استئناف حكم‬
‫تمهيدي‪ ،‬وفي حالة إلغائه‪ ،‬وعندما تكون القضة قابلة لحل نهائي‪ ،‬يجوز ملحاكم االستئناف البت في‬
‫جوهر النزاع كذلك‪ ،‬وبحكم واحد‪ ،‬ويسري نفس الحكم على الحاالت التي تلغي فيها محكمة االستئناف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حكما قطعيا لعيب شكلي أو ألي سبب آخر"‪ .193‬يستند إلى شرط البت في جوهر النزاع بحكم واحد‪،‬‬
‫ً‬
‫ملنع محكمة ثاني درجة من اللجوء إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬لتأسيس قرارها في الجوهر‪ ،‬بل ومنعها أيضا‬
‫حتى من تأجيل القضية لجلسة الحقة للمرافعة في الجوهر‪ .194‬غير أن تعديل سنة ‪ 0249‬ألغى هذا‬
‫الشرط – البت بحكم واحد ‪ ،-‬وهو اإللغاء الذي لم يعترض عليه الفقه الفرنس ي‪ ،‬حيث أكد أنه من‬
‫غير املعقول أن تصدر محكمة ثاني درجة قرارين مختلفين‪ ،‬أولهما حول الطعن املقدم وثانيهما بشأن‬
‫جوهر النزاع الذي تم التصدي له‪ ،195‬غير أنه وبصدور مرسوم ‪ ،0229‬فإن املشرع الفرنس ي خول‬
‫ملحكمة ثاني درجة بصريح العبارة حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬كلما رأت أن من حسن سير‬

‫‪ -191‬قرار عدد ‪ 121‬بتاريخ ‪ 11/5/11‬يف امللف املد‪،‬ي عدد ‪ ،51535‬منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬عدد ‪ ،13‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -192‬قرار عدد ‪ 2151‬بتاريخ ‪ ،2990-02-22‬منشور مجلة اإلشعاع‪ ،‬عدد ‪.7‬‬
‫‪ -193‬ترجمة عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪ 112‬والنص بلغته األصلية‪:‬‬
‫‪« lorsqu’il y aura appel d’un jugement interlocutoire si le jugement est infirme et que la matière est disposée à‬‬
‫‪recevoir une décision définitive, les cours d’appel et autres tribunaux d’appel pourront statuer en même temps sur‬‬
‫‪jugement, il en sera de même dans le cas où le cours d’appel et autres le fond définitivement par un seul et même‬‬
‫‪tribunaux d’appel infirmeraient soit pour vice de forme, soit pour toute cause des jugements définitifs ».‬‬
‫‪ -194‬موقف األستاذ ‪ ،G. Amelhaud‬أشار إليه عبد العزيز حرضي‪ . ،‬م س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.322‬‬
‫‪-195‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م‪..‬س ‪،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.302‬‬

‫‪91‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫العدالة إعطاء حل نهائي للنزاع‪ ،‬وهي نفس املقتضيات التي أعاد املشرع سنها بمقتض ى املادة ‪ 815‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪.‬‬
‫أما في املغرب ‪ -‬وفي ظل الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح والذي منع محاكم ثاني درجة من اللجوء إلى‬
‫إجراءات التحقيق عندما استلزم شرط جاهزية الدعوى – فإن مواقف الفقه تضارب بخصوص هذه‬
‫السلطة‪.‬‬
‫ً‬
‫فاألستاذ ‪ A.Boudahrain‬دافع عن حق محكمة ثاني درجة في اللجوء إلى إجراءات التحقيق معتبرا أن‬
‫محكمة االستئناف امللزمة قانونا بالبت في الجوهر عند التصدي تكون ملزمة كذلك بإجراءات التحقيق‬
‫ً‬
‫واحد‬
‫ٍ‬ ‫بحكم‬
‫ٍ‬ ‫قبل ذلك البت‪ ،‬خصوصا وأن املشرع املغربي لم يلزم محكمة ثاني درجة بالبت في النزاع‬
‫كما كان عليه األمر في ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ق‪.196‬‬
‫أما األستاذ عبد العزيز حضري فقد ذهب إلى التساؤل عما إذا كان من األفضل منع محكمة الدرجة‬
‫ً‬
‫الثانية حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق كلما رأت ذلك ضروريا للفصل في النزاع‪ ،‬عوضا عن تمتيعها‬
‫ً‬
‫بسلطة تقديرية لتقرير مدى كفاية مستنتجات األطراف العتبار القضية جاهزة‪ ،‬معززا طرحه بالقول‬
‫أنه من شأن منح محاكم الدرجة الثانية هذا الحق‪ ،‬تفادي أي تعسف من جانبها في تقدير كون‬
‫القضية جاهزة للبت فيها‪ ،‬ذلك أن منح هذه املحكمة حق تجهيز القضية ستكون معه في وضعية‬
‫مريحة لتمتيع الخصوم بكل حقوقهم الدفاعية‪.197‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في حين نجد أن أستاذنا محمد صابر قد سلك مسلكا مغايرا ملا تم طرحه أعاله‪ ،‬عندما أكد على منع‬
‫محاكم الدرجة الثانية من اللجوء إلى هذه اإلجراءات‪ ،‬ألنه حسب اعتقاده في‪ ،‬اللجوء إلى هذه‬
‫اإلجراءات دليل على عدم جاهزية الدعوى وهو ما يتعارض مع روح الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬الذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جعل من جاهزية الدعوى شرطا أساسيا للتصدي‪.198‬‬
‫وإذا كان البد لنا من تأييد أحد املواقف املشار إليها أعاله‪ ،‬فإننا سنؤيد موقف أستاذنا محمد صابر‪،‬‬
‫ذلك أن األستاذان ‪ Boudahrain‬وحضري ذهبا إلى ضرورة تخويل محاكم الدرجة الثانية إمكانية‬
‫ً‬
‫اللجوء إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬كلما كان ذلك ضروريا لحسم النزاع‪ ،‬وهو قول غير مستساغ على األقل‬
‫في ظل ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح الحالي‪ ،199‬والذي استلزم ضرورة كون القضية جاهزة حتى يتم التصدي لها‪ ،‬وفي‬
‫اللجوء إلى إجراءات التحقيق دليل على عدم تحقق هذه الجاهزية‪.‬‬
‫‪ -2‬موقف القضاء‬

‫‪A. Boudahrain, op,cit, P. 352. -196‬‬


‫‪ -197‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.323‬‬
‫‪ -198‬محمد صابر ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫‪ -199‬ألن هذا القول سيكون مقبوالً يف إطار مرشوع ‪.،‬م‪.‬م الذي ألغى رشط الجاهزية‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫إن القضاء الفرنس ي حتى قبل تعديل مرسوم ‪ 0229‬والذي خول ملحاكم ثاني درجة حق اللجوء إلى‬
‫إجراء التحقيق كان يلجأ إلى وسائل التحقيق التي تمكنه من الفصل في النزاع ‪ ،‬وهكذا فقد لجأت‬
‫بعض املحاكم االستئنافية بفرنسا إلى الخبرة عند التصدي بعد إلغائها لحكم قض ى بعدم االختصاص‬
‫للبت في دعوى التعويض‪ ،‬وهو ما لم تعترض عليه محكمة النقض‪.200‬‬
‫بل األكثر فإن محكمة النقض ذاتها ذهبت في أحد قراراتها إلى التأكيد – وليس عدم االعتراض فقط –‬
‫ً‬
‫على حق محكمة ثاني درجة في اللجوء إلى مثل هذه اإلجراءات كلما كان ذلك ضروريا لحسم النزاع‪،201‬‬
‫وهو األمر الذي يفسر أن مقتضيات املادة ‪ 815‬التي أجاز بمقتضاها املشرع الفرنس ي ملحاكم ثاني درجة‬
‫إمكانية تجهيز الدعوى هي اجتهاد قضائي وليس تشريعي‪.‬‬
‫أما في املغرب فإن املجلس األعلى – وإن كان يجيز لنفسه حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق عندما كان‬
‫يمارس حق التصدي في إطار الفصل ‪ 115‬امللغى‪ - 202‬فإنه لم يسمح ملحاكم ثاني درجة باللجوء إلى هذه‬
‫َّ‬
‫فاصل في الجوهر‪ ،‬وهو إلغاء ال يكون من باب التصدي‪ ،‬وإنما من‬ ‫ٍ‬ ‫حكم‬
‫اإلجراءات إال إذا تم إلغاء ٍ‬
‫قبيل البت في موضوع النزاع املرفوع إليها عن طريق االستئناف‪ ،‬وهو ما يستفاد من قرار صادر عن‬
‫املجلس األعلى عاب فيه عن محكمة الدرجة الثانية إرجاع امللف للتحقيق للمحكمة االبتدائية‪ ،‬بعد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إلغائها حكما فاصال في املوضوع‪ ،‬معتبرا أن هذا اإللغاء ليس من قبيل التصدي كما فهمت محكمة‬
‫االستئناف‪ ،‬وإنما من قبيل البت في املوضوع من طرف محكمة الدرجة الثانية املرفوع إليها عن طريق‬
‫االستئناف‪.203‬‬
‫أما التصدي للجوهر بعد إلغاء الحكم املطعون فيه‪ ،‬فيشترط ملمارسته – حسب تعبير املجلس األعلى‬
‫– أن تكون الدعوى جاهزة للبت فيها‪ ،‬وهو ما يفيد ضمنيا منع محاكم الدرجة الثانية من اللجوء إلى‬
‫إجراءات التحقيق‪.204‬‬
‫وإذا كانت القاعدة في القضاء املغربي‪ ،‬هو منع محاكم الدرجة الثانية من اللجوء إلى إجراءات‬
‫التحقيق‪ ،‬فإن املجلس األعلى قد حاد عن هذه القاعدة في أحد قراراته والتي جاء فيها "إذا كان الطلب‬

‫‪ -200‬نقض مد‪،‬ي بتاريخ ‪ 12‬فرباير ‪ ، 2922‬أورده عبد العزيز حرضي‪ ،‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪،‬‬
‫ص ‪.322‬‬
‫‪ -201‬نقض مد‪،‬ي بتاريخ ‪ 9‬مارس ‪ ،2921‬أورده عبد العزيز حرضي‪ ،‬م س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.321‬‬
‫‪ -202‬قرار عدد ‪ 55/1101‬بتاريخ ‪ 2951-1-13‬يف امللف العقاري‪ ،‬علق عليه األستاذ محمد املجدويب اإلدرييس يف مجلة رسالة املحاماة‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،5‬ص ‪.253‬‬
‫‪ -203‬قرار عدد ‪ 2750‬بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪ ،2959‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،77‬ص ‪.52‬‬
‫‪ -204‬ا ُنظر القرار عدد ‪ 121‬بتاريخ ‪ 2911-5-11‬يف امللف املد‪،‬ي عدد ‪ ،51535‬منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬عدد ‪ ،13‬ص ‪ .12‬والقرار عدد‬
‫‪ 212‬بتاريخ ‪ 1007-0-22‬يف امللف رقم ‪ ،01/2/3/2120‬منشور مبجلة القضاء والقانون عدد ‪ ،250‬ص ‪.111‬‬

‫‪92‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املعروض أمام محكمة االستئناف هو نفسه الذي كان معروضا أمام املحكمة االبتدائية وألغته محكمة‬
‫ً‬
‫االستئناف وأمرت تمهيديا بإجراء خبرة نوقشت أمام األطراف‪ ،‬ثم أصدرت محكمة االستئناف قرارها‬
‫بناء على هذه الخبرة‪ ،‬وفي نطاق استئناف املدعى عليه‪ ،‬يكون قد استفاد من درجتين للتقاض ي‪ ،‬فتكون‬
‫املحكمة قد طبقت الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م"‪.205‬‬
‫فهذا القرار يوضح بجالء أن املجلس األعلى لم يبد أي اعتراض على لجوء محكمة ثاني درجة لألمر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بإجراء خبرة قبل تصديها للموضوع‪ ،‬غير أنه يبقى قرارا استثنائيا‪ ،‬واالستثناء – كما تقول القاعدة‬
‫الفقهية – ال يقاس عليه‪ ،‬ليبقى األصل هو تحريم لجوء محاكم ثاني درجة لهذه اإلجراءات‪.‬‬
‫وبعد دراسة سلطات محكمة التصدي‪ ،‬ننتقل اآلن إلى بحث دور أطراف الخصومة أمامها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دور األطراف أمام محكمة التصدي‬


‫إن ممارسة محكمة الدرجة الثانية لواجبها في التصدي لجوهر النزاع قد يشكل مفاجأة لألطراف‪ ،‬مما‬
‫يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان يجب عليهم التنبؤ بوقوع هذه الفرضية‪ ،‬وأخذ هذا االحتمال في‬
‫الحسبان‪ ،‬وبالتالي إبداء كل ما لديهم من وسائل الدفاع جملة أمام محكمة الدرجة األولى؟ أم أن‬
‫خصومة االستئناف تخول هذا الحق؟ ما دام أن محكمة الدرجة الثانية لن تبت وفق طلباتهم املتمثلة‬
‫في نقد حكم قض ى في جانب الدعوى الشكلي فقط‪ ،‬ألن محكمة االستئناف عند إعمالها لواجبها في‬
‫التصدي ستكون ملزمة بالبت في موضوع الدعوى‪ ،‬وليس شكلها فقط‪.‬‬
‫ولذلك فإننا سنحاول الوقوف عند حق األطراف في استنفاد وسائل دفاعهم وتقديم طلبات جديدة‬
‫(أوال)‪ ،‬في سبيل البحث عن مدى تحقيق التوازن بين صالحياتهم وصالحيات محكمة التصدي (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حق األطراف في استنفاد وسائل دفاعهم وتقديم طلبات جديدة‬


‫سنعرض موقف القانون الفرنس ي (‪ )0‬ثم موقف قانوننا املغربي (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬موقف القانون الفرنس ي‬
‫إن املشرع الفرنس ي وبعد أن خول ملحكمة الدرجة الثانية إمكانية اللجوء إلى إجراءات التحقيق‪،206‬‬
‫كلما أعملت حقها في التصدي وذلك بمقتض ى الفقرة األولى من املادة ‪ 815‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج عاد ونص‬

‫‪ -205‬قرار عدد ‪ 322‬بتاريخ ‪ 2997-2-27‬ملف رقم ‪ ،59/1051‬أورده عبد العزيز توفيق‪ ،‬موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء‬
‫الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.777‬‬
‫‪ -206‬ا ُنظر الصفحة ‪. 55‬‬

‫‪93‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫في آخر فقرات هذه املادة على أن التصدي ال يعرقل إعمال مقتضيات املواد ‪ ،888 ،884‬و ‪ 811‬إلى‬
‫‪.207812‬‬
‫وهي مواد تعالج مواضيع تدخل الغير اختياريا – ‪ – 884‬اختصام الغير ألول مرة أمام في االستئناف‪-‬‬
‫‪ ،-555‬أما املواد األربع األخرى – ‪ 811‬إلى ‪ 812‬فإنها تسمح بتقديم مجموعة من الطلبات ألول مرة‬
‫أمام محاكم الدرجة الثانية‪.208‬‬
‫وفي معرض تعليق الفقيه الفرنس ي ‪Guinchard‬على هذه املواد‪ ،‬أكد على أن املشرع الفرنس ي قد خول‬
‫بمقتض ى هذه القواعد القانونية ألطراف الخصومة في حالة التصدي‪ ،‬حرية مطلقة‪ ،‬إذ أن إعمال‬
‫محكمة الدرجة الثانية لحقها في التصدي‪ ،‬ال يحول دون حق األطراف في تقديم طلبات إلدخال الغير‬
‫ألول مرة أمام محكمة االستئناف‪ ،‬كما ال يعرقل حق األغيار أنفسهم بالتدخل أمامها‪ ،‬وهو ما يوسع من‬
‫سلطات الخصوم‪ ،‬إذ بإمكانهم إثارة وسائل وحجج جديدة‪ ،‬باإلضافة إلى إمكانية تقديم طلبات جديدة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مترتبة عن هذا التدخل واإلدخال‪ ،‬مختما طرحه –‪ –Guinchard‬بالتأكيد أيضا على حق أطراف‬
‫الخصومة في استنفاد وسائل دفاعهم‪ ،‬وذلك بفسح املجال لهم لتقديم ادعاءات جديدة لها أساس‬
‫قانوني مختلف إن كانت تهدف إلى نفس الغايات‪ ،‬أو شرح ادعاءاتهم التي كانت متضمنة في الطلبات‬
‫األصلية‪ ،‬أو إضافة جميع الطلبات التبعية أو املكملة‪.209‬‬
‫أما األستاذ ‪ Loisel‬فقد اعتبر أن هذه املواد من شأنها أن تتيح ألطراف الخصومة حق ممارسة كل‬
‫الحقوق اإلجرائية التي تمنحها لهم خصومة االستئناف‪ ،‬عند ممارسة محكمة ثاني درجة لحقها في‬
‫التصدي‪ ،‬كما لو تعلق األمر باستئناف حم فاصل في الجوهر‪.210‬‬
‫‪ -2‬موقف القانون املغربي‬
‫إذا كان القضاء املغربي مجمع على منع أطراف الخصومة من تقديم طلبات جديدة أو حتى استنفاد‬
‫وسائل دفاعهم (أ) فإن املسألة ليست كذلك لدى الفقه املغربي (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقف القضاء‬
‫إن املتفق عليه في العمل القضائي هو منع محاكم ثاني درجة من اللجوء إلى إجراءات التحقيق ملا في‬
‫ً‬
‫ذلك من مساس بشرط الجاهزية‪ ،‬وفي املقابل منع األطراف أيضا من تقديم أي طلب جديد أما هذه‬
‫املحاكم‪ ،‬أو حتى إمكانية استنفاد وسائل دفاعهم‪.‬‬

‫‪ -207‬تنص هذه الفقرة باللغة الفرنسية عىل‪:‬‬


‫» ‪«L’évocation ne fait pas obstacle à l’application des articles 554, 555 et 563 à 567.‬‬
‫‪ -208‬نبيل إسامعيل عمر ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.919‬‬
‫‪S.Guinchard, Op. Cit. P. 600 N°690. -209‬‬
‫‪ -210‬موقف أشار إليه عبد العزيز حرضي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪132‬‬

‫‪94‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫فكثيرا ما أثار األطراف أمام املجلس األعلى خرق قضاة الدرجة الثانية لشروط الفصل ‪ 041‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬ألنهم لم يتيحوا لهم – األطراف – فرصة استنفاد وسائل دفاعهم في الجوهر‪ ،‬وأن بعض‬
‫العناصر ظلت غائبة عن محاكم الدرجة الثانية لعدم فسح املجال لهم لإلدالء ببعض الوثائق ‪ ،‬غير أن‬
‫املجلس األعلى – وفي إطار تأييده لسلطة محكمة ثاني درجة في تقرير تحقق شرط الجاهزية – ال يجيب‬
‫عن هذه الطعون‪ ،‬إما ألن األطراف لم يبينوا ما هي الوثائق املثبتة التي لم يقع اإلدالء بها‪ ،‬وال الطرف‬
‫الراغب في اإلدالء بها‪ ،‬أو إما ألنهم – األطراف – تبادلوا املذكرات وناقشوا النزاع في جوهره‪.‬‬
‫وهو ما يستفاد من أحد القرارات الصادرة عن املجلس األعلى والذي قض ى فيه أنه بمقتض ى الفصل‬
‫‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬فإن محك مة االستئناف إذا أبطلت أو ألغت الحكم املستأنف‪ ،‬وجب عيلها أن تتصدى‬
‫للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها‪ ،‬وهو ما طبقته عن صواب في قرارها املطعون‬
‫فيه‪ ،‬بعدما قدم األطراف ما لديهم في املوضوع واعتبرت القضية املعروضة عليها جاهزة للبت فيها‪،‬‬
‫والطاعنة لم تبين ال ما هي اآلجال وال الوثائق املثبتة لها والتي لم يقع اإلدالء بها‪ ،‬وال الطرف الراغب في‬
‫ً‬
‫اإلدالء بها حتى يتأتى معه اعتبار أن القضية غير جاهزة للبت فيها فعال أم ال‪.211‬‬
‫كما قض ى في قرار آخر‪ ،‬أنه ملحكمة االستئناف حق التصدي والحكم في جوهر النزاع إذا كانت القضية‬
‫جاهزة للبت فيها‪ ،‬والثابت سواء أمام املحكمة االبتدائية أو أمام محكمة االستئناف أن الطرفين تبادال‬
‫واحد منهم فرصة الدفاع عن حقوقه‪ ،‬وأن املحكمة‬ ‫ٍ‬ ‫املذكرات بينهما وناقشا جوهر النزاع‪ ،‬وأخذ كل‬
‫ً‬
‫التي قضت بإلغاء الحكم املستأنف وتصدت للحكم في املوضوع تكون قد جعلت لقضائها أساسا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قانونيا سليما‪.212‬‬
‫ب‪ -‬موقف الفقه‬
‫أكد األستاذ عبد العزيز حضري‪ ،‬أنه إذا كان من حق محكمة ثاني درجة تقدير صالحية الدعوى للبت‬
‫فيها فيجب عليها‪ ،‬قبل ذلك أن تمكن أطراف النزاع من استنفاد وسائل دفاعهم وطلباتهم‪ ،‬حتى ال‬
‫يتحول هذا الحق – تقدير جاهزية الدعوى – إلى تحكم قضائي أو شطط في استعمال السلطة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واسترسل طرحه بالقول أنه على فرض أن الدعوى تجهز فعال بمناقشة األطراف لجوهر النزاع ابتدائيا‪،‬‬
‫فإن هذه املناقشة تظل مناقشة ابتدائية‪ ،‬وحتى وإن وقعت أمام محاكم ثاني درجة‪ ،‬فإنها ستظل‬
‫مناقشة مبتدئة‪ ،‬لم تستكمل إمكانيات التوسع والتطور التي تتيحها خصومة الدرجة الثانية‪ ،‬وذلك‬

‫‪ -211‬قرار عدد ‪،‬بتاريخ ‪ 97-2-27 2701‬ملف عدد ‪ ،59/1051‬أورده عبد العزيز توفيق‪ ،‬موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ‪،‬‬
‫الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.777‬‬
‫‪ -212‬قرار عدد ‪ 1030‬بتاريخ ‪ 2992-7-1‬يف امللف رقم ‪ ،92/1203‬غري منشور أشار إليه عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.777‬‬

‫‪95‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫َّ‬
‫على أساس أن القضية التي قضت محكمة ثاني درجة بجاهزيتها‪ ،‬هي قضية لم يبت إال في جانبها‬
‫الشكلي‪.213‬‬
‫في حين نجد أن األستاذ ‪ A.Boudahrain‬قد قرر أنه ما دامت محاكم ثاني درجة ملزمة بالبت في‬
‫ً ً‬
‫الجوهر عند التصدي‪ ،‬فإنها تكون ملزمة أوال بإجراء التحقيقات الضرورية‪ ،‬وهو القول الذي يستفاد‬
‫منه بشكل ضمني فسح املجال لألطراف لتقديم طلباتهم ومالحظاتهم ً‬
‫بناء على نتائج هذه اإلجراءات‬
‫وبعد ذلك يمكنها فقط أن تفصل بشكل نهائي في النزاع‪.214‬‬
‫وإذا كان ما ذهب إليه األستاذ حضري والذي نادى بتخويل األطراف إمكانية استنفاد وسائل دفاعهم‬
‫كمقابل لسلطة املحكمة التقديرية في تقرير صالحية الدعوى للبت فيها‪ ،‬هو تصور قريب من املنطق‬
‫أكثر من القانون‪ ،‬فإن ما قرره األستاذ ‪ A.Boudahrain‬بتأكيده لسلطة األطراف في استنفاد وسائل‬
‫دفاعهم كنتيجة حتمية اللتزام محكمة ثاني درجة باللجوء إلى إجراءات التحقيق لهو قول مردود من‬
‫أساسه‪.‬‬
‫ذلك أن املشرع لم يلزم على اإلطالق محاكم ثاني درجة باللجوء إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬بل ولم يخول‬
‫لها هذا الحق حتى على سبيل اإلمكان‪ ،‬عندما استلزم ضرورة كون القضية جاهزة للبت فيها حتى يتم‬
‫التصدي لها‪ ،‬إذ في لجوئها ملثل هذه اإلجراءات دليل على عدم تحقق هذه الجاهزية‪.‬‬
‫وال شك أن منع محاكم التصدي من اللجوء إلى إجراءات التحقيق سيقابل بالضرورة منع األطراف من‬
‫تقديم طلبات جديدة بل ومنعهم من استنفاد وسائل دفاعهم‪ ،‬على األقل في ظل مقتضيات الفصل‬
‫‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬على اعتبار أن م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م سيلغي شرط جاهزية الدعوى وهو األمر الذي سيخول‬
‫ملحاكم ثاني درجة سلطات تجهيزها باللجوء إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬وفي املقابل تخويل األطراف حق‬
‫بناء على ما ستسفر عنه نتائج هذه التحقيقات‪ ،‬وإمكانية استنفاد وسائل‬ ‫تقديم طلبات جديدة ً‬
‫ً‬
‫دفاعهم أيضا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدى تحقيق التوازن بين صالحيات املحكمة وصالحيات األطراف‬


‫إن إشكالية مدى تحقيق التوازن بين صالحيات محكمة ثاني درجة وسلطات أطراف الخصومة ال تطرح‬
‫َّ‬
‫إال في تشريعنا املغربي‪ ،‬على اعتبار أن املشرع الفرنس ي – كما سبقت اإلشارة إلى ذلك – حاول تحقيق‬
‫هذا التوازن من خالل منح محكمة التصدي حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق من جهة‪ ،‬وتخويل‬
‫أطراف الخصومة إمكانية تقديم طلبات جديدة بموضوعها أو بأشخاصها‪ ،‬عندما نص في املادة ‪815‬‬

‫‪ -213‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.305‬‬
‫‪A. Budahrain, op,cit, P. 352. -214‬‬

‫‪96‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ج على أن تصدي محكمة ثاني درجة ال يحول دون إعمال مقتضيات املادة ‪ 888‬وهي‬
‫املادة التي تسمح بإمكانية اختصام األغيار وألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية‪.‬‬
‫أما على مستوى التشريع املغربي‪ ،‬فإننا نسجل مالحظة أساسية تتمثل في عدم إقامة املشرع للتوازن‬
‫بين سلطات الخصوم وسلطات محكمة الدرجة الثانية‪ ،‬بل إنه – املشرع ‪ -‬توسع في سلطات هذه‬
‫األخيرة على حساب سلطات ال خصوم‪ ،‬وإن كان قد قيد هذا التوسع بشرطي إلغاء وإبطال الحكم‬
‫املطعون فيه وشرط جاهزية الدعوى للبت فيها‪ ،‬وهو توجه تشريعي ناتج باألساس إلى نظرة املشرع‬
‫الذي ال يرى في نظام التصدي سوى وسيلة لالقتصاد في اإلجراءات‪ ،‬ولم تم ذلك على حساب حقوق‬
‫الدفاع‪.‬‬
‫وفي محاولة منه للبحث عن نقط تحقيق التوازن بين هاتين السلطتين‪ ،‬فإن األستاذ عبد العزيز‬
‫حضري ذهب في اتجاه تأكيده على أن اشتراط املشرع لشرط جاهزية الدعوى فيه مراعاة مع ذلك‬
‫لحقوق الدفاع‪ ،‬وهو ما يحقق نوع من التوازن‪ ،‬إذ أن املشرع على الرغم من تخويل املحكمة سلطة‬
‫َّ‬
‫بشرط لصالح األطراف وهو شرط الجاهزية ما دام أن هذا‬ ‫ٍ‬ ‫الفصل في النزاع‪ ،‬إال أنه قيد هاته السلطة‬
‫الشرط يقوم على فكرة وقوع مناقشة أو دفاع في الجوهر سواء تم ذلك أمام قاض ي الدرجة األولى‪ ،‬أو‬
‫أمام محكمة ثاني درجة‪.215‬‬
‫أما على مستوى العمل القضائي‪ ،‬فإن املجلس األعلى حاول خلق هذا التوازن من خالل منعه في كثير‬
‫من قراراته محكمة ثاني درجة من التصدي‪ ،‬كلما كان ذلك سيؤدي إلى خرق مبدأ التقاض ي على‬
‫ً‬
‫درجتين‪ ،‬إذ يجد في هذا املنع سندا لحماية حقوق األطراف‪ ،‬في ظل غياب أي نص تشريعي يخول لهم‬
‫ً‬
‫حقوقا في مواجهة املحكمة عند قيامها بواجب التصدي‪ ،‬وهو ما يستفاد من أحد قرارته الذي قض ى‬
‫َّ‬
‫فيه أنه إذا كان الحكم االبتدائي لم يبت إال في الجانب الشكلي من الدعوى فليس ملحكمة االستئناف‬
‫حين إلغائه أن تتصدى للموضوع‪ ،‬وكان عليها إما أن تؤيد الحكم االبتدائي لنفس العلل التي بني عليها‪،‬‬
‫أو تلغيه وتقض ي برد امللف إلى املحكم االبتدائية للبت في الجوهر‪ ،‬حتى ال يحرم الطاعن من التقاض ي‬
‫على درجتين‪.216‬‬

‫‪-215‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬ص ‪.300‬س‬


‫‪ -216‬قرار عدد ‪ 292‬بتاريخ ‪ 91-3-22‬يف امللف عدد ‪ 2521‬منشور مبجموعة قرارات املجلس األعىل يف املادة املدنية ‪ ،92-55‬ص ‪.213‬‬

‫‪97‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مدى إمكانية التدخل واإلدخال أمام محكمة التصدي‬


‫ً‬
‫املبدأ العام في القوانين اإلجرائية هو أن نطاق الدعوى أمام محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬يتحدد انطالقا من‬
‫املقال االستئنافي للدعوى‪ ،‬وهو تحديد يشمل كافة عناصر الدعوى‪ ،‬بما في ذلك األطراف‪ ،217‬ومعنى‬
‫ذلك أن خصومة االستئناف يجب أن تدور كقاعدة عامة بين نفس الخصوم السابق ظهورهم أو‬
‫تمثيلهم أمام محاكم أول درجة‪ ،‬والذين سبق أن صدر الحكم االبتدائي بينهم‪.‬‬
‫غير أن هذا النطاق الشخص ي للدعوى قد ال يبقى في إطاره املحدد باملقال االستئنافي‪ ،‬بل قد يتم‬
‫تعديله عن طريق نظامي التدخل واإلدخال عند الحاجة إلى وجود شخص ثالث للفصل في النزاع‪.‬‬
‫وال شك أن نظام التدخل واإلدخال في خصومة ثاني درجة سيحقق العديد من النقط اإليجابية‪ ،‬أهمها‬
‫حسم النزاع بقرار شامل بالنسبة لجميع أطرافه‪ ،‬مما يحقق سرعة حسم النزاعات وعدم تأخيرها‪ ،‬كما‬
‫ً‬
‫يحقق أيضا حسن سير العدالة‪ ،‬وتقليص الدعاوى‪ ،‬ومنع صدور أحكام متناقضة‪ ،‬مع توفير الجهد‬
‫والنفقات والوقت كذلك على الخصوم و املحكمة‪.‬‬
‫لكن وبالرغم من األوجه اإليجابية لهذه املبررات‪ ،‬فإن نظام التدخل واإلدخال سيؤدي بدون أدنى شك‬
‫إلى املساس بقواعد تقليدية راسخة في فقه اإلجراءات املدنية‪ ،‬من قبيل مبدأ التقاض ي على درجتين‪،‬‬
‫وبالنص املانع من تقديم طلبات جديدة أمام محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬كما أنه سيخل بنظرية ثبات‬
‫ً‬
‫ابتداء وفق الطلب األصلي‪.‬‬ ‫النزاع التي تقتض ي أن يتحدد نطاق الخصومة‬
‫وأمام هذين الوضعين املتعارضين‪ ،‬فإنه يبدو من الصعب التوفيق بينهما‪ ،‬فإما حماية القواعد‬
‫اإلجرائية الكالسيكية وبالتالي منع التدخل واإلدخال ألول مرة أمام محاكم ثاني درجة‪ ،‬وهو ما يعني‬
‫التضحية بما يحققه هذين النظامين من فوائد إيجابية‪ ،‬وإما حماية املصالح الخاصة والعامة‬
‫للمتقاضين واملحكمة وبالتالي قبول هذا التدخل واإلدخال‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى إهدار القواعد اإلجرائية‬
‫التقليدية لنظام الطعن باالستئناف‪.‬‬
‫وهذا التضارب في املصالح هو ما يفسر اختالف التشريعات بشأن جواز التدخل واإلدخال ألول مرة‬
‫أمام محاكم ثاني درجة‪ ،‬بين من قبله دون قيود أو شروط وبين من أجازه في شق التدخل ومنعه في‬
‫الشق الثاني – اإلدخال – وهو اختالف راجع باألساس إلى وظيفة االستئناف في ظل كل نظام‪ .‬فاملشرع‬
‫الفرنس ي يعتبر االستئناف وسيلة إلنهاء النزاع‪ ،‬بينما تشريعنا املغربي ال زال يعتبره مجرد أداة إلصالح‬
‫قضائي س يء‪.218‬‬

‫‪ -217‬ا ُنظر الفصل ‪ 271‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬


‫‪ -218‬عبد الحليم محمد عبد الحليم عنابة‪ ،‬التقايض عىل درجة واحدة أمام محكمة االستئناف‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل درجة دتتوراه‬
‫يف الحقو‪ ،،‬جامعة بريوت العربية‪ ،‬تلية العلوم والحقو‪ ،‬السياسية‪ ، ،‬السنة الجامعية ‪ ،1022‬ص ‪.307‬‬

‫‪98‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫َّ‬
‫وإذا علمنا أن نظام التصدي ال يخول ملحاكم الدرجة الثانية إال البت فيما لم يبت فيه ابتدائيا‪ ،‬فهل‬
‫يمكن اعتبار طلبات التدخل واإلدخال‪ ،‬من الطلبات التي لم يبت فيها قاض ي الدرجة األولى ألنها لم‬
‫َّ‬
‫تعرض إال على محكمة الدرجة الثانية‪ ،‬وبالتالي السماح بهما –التدخل واإلدخال – والبت في النزاع من‬
‫خالل التصدي له؟‬
‫ً‬
‫ولإلجابة عن هذا التساؤل نرى أنه من األفضل الحديث أوال على أنواع التدخل واإلدخال (الفقرة‬
‫األولى) ثم عرض شروطهما وآثارهما على تصدي محكمة ثاني درجة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع التدخل واإلدخال‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫يقصد بالتدخل تقدم شخص ثالث لم يكن طرفا في الدعوى ليصبح طرفا فيها نظرا لوجود مصلحة له‬
‫ً‬
‫في النزاع املعروض على أنظار القضاء‪ ،219‬كما يقصد به أيضا التدخل الشخص ي الذي يقوم به من‬
‫تلقاء نفسه والذي له مصلحة في النزاع املعروض على القضاء‪ ،‬بحيث يمكنه التدخل طواعية في النزاع‬
‫ً‬
‫من الحفاظ على حقوقه‪ ،220‬أما اإلدخال فهو طلب عارض بمقتضاه يجبر شخص ليس طرفا في‬
‫بناء على طلب أحد الخصوم أو بأمر تصدره املحكمة من تلقاء‬ ‫الدعوى األصلية على الدخول فيها‪ ،‬إما ً‬
‫نفسها‪.221‬‬
‫ً‬
‫وانطالقا من التعاريف السابقة يتضح أن اإلدخال هو بخالف التدخل الذي يكون عن طواعية في حين‬
‫ً‬
‫أن اإلدخال يكون جبرا بإرادة الخصوم أو أحدهما‪ ،‬أو بأمر من املحكمة‪ ،‬ولقد اعتبر األستاذ حضري أن‬
‫اعتداء على حرية الشخص في اللجوء إلى القضاء كحق دستوري‪ ،222‬وفي‬ ‫ً‬ ‫اإلدخال وإن كان يشكل‬
‫ً‬
‫اختيار الوقت املناسب لهذا اللجوء‪ ،‬فإنه مع ذلك – اإلدخال‪ -‬يحقق نوعا من املساواة بين املتقاضين‬
‫إذ ليس من العدل أن يحرم أطراف االستئناف من حق مخول للغير‪ ،‬ذلك أنه إذا كان من حق األغيار‬
‫ً‬
‫التدخل بإرادتهم ألول مرة أمام ثاني درجة‪ ،‬فإنه يحق لألطراف أيضا إدخالهم جبرا أمامها‪.223‬‬
‫وبعد هذه التوطئة تنتقل اآلن إلى الحديث عن أنواع التدخل (أوال) وأنواع اإلدخال (ثانيا)‪.‬‬

‫‪ -219‬الرشقي حراث‪ ،‬الدفوع الشكلية يف املادة املدنية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪( ،1022 ،‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م) ص ‪.21‬‬
‫‪ -220‬محمد األزهر‪ ،‬الدعوى املدنية‪ ،‬مطبعة دار النرش املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1020 ،‬ص ‪.235‬‬
‫‪ -221‬رضوان الفياليل‪ ،‬إدخال الغري يف الدعوى يف قانون املسطرة املدنية املغربية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم املاسرت يف القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫القايض عياض‪ ،‬تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬مراتش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1022/1020‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -222‬ينص الفصل ‪ 225‬من الدستور املغريب عىل أنه "حق التقايض مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها‬
‫القانون"‪.‬‬
‫‪ -223‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.351‬‬

‫‪99‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أوال‪ :‬أنواع التدخل‬


‫يكيف تدخل الغير في الدعوى بالنظر إلى موقف املتدخل من موضوع الدعوى وأطراف النزاع‪ ،224‬فإذا‬
‫ً‬
‫كان الهدف من التدخل هو املطالبة بحق ذاتي سمي التدخل هجوميا (‪ ،)9‬أما إذا كان هدف املتدخل‬
‫في الخصومة عدم املطالبة لنفسه بحق ذاتي‪ ،‬وإنما املطالبة بالحكم ألحد الخصوم األصليين‪ ،‬ففي‬
‫ً‬
‫هذه الحالة يعتبر التدخل انضماميا (‪.)0‬‬
‫‪ -1‬التدخل االنضمامي‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫التدخل االنضمامي هو التدخل الذي َينض ُم به املتدخل إلى أحد الخصوم األصليين سواء كان مستأ ِنفا‬
‫َ ً‬
‫أو مستأنفا عليه‪ .‬فال يطالب بحق ذاتي‪ ،‬وإنما يطالب بالحكم لصالح من انضم إليه – والذي تتفق‬
‫مصالح معه – ولذلك يقتصر دوره على تأييد طلبات هذا الخصم ومعاونته في الدفاع‪.225‬‬
‫والعبرة في وصف أو تحديد طبيعة التدخل االختياري – هجومي أو انضمامي – أمام محكمة ثاني‬
‫درجة‪ ،‬ليس بما يصف به املتدخل تدخله‪ ،‬بل يتم تكييفه بحسب طلبات املتدخل‪ .226‬فالقضاء‬
‫املصري استبعد في كثير من الحاالت الوصف االنضمامي الذي يصبغه املتدخل على تدخله‪ ،‬كلما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ادعاء جديدا خاصا باملتدخل ومتميزا عن ادعاءات الطرف الذي انضم‬ ‫الحظ أن هذا التدخل يتضمن‬
‫إليه‪ ،‬كما وضع قاعدة أساسية أو جوهرية تحكم قبول مثل هذه التدخالت وهي انعدام حق املتدخل‬
‫في تقديم أو إبداء طلبات موضوعية جديدة تختلف عن طلبات الطرف الذي انضم إليه‪.227‬‬
‫َّ‬
‫كما أن القضاء الفرنس ي اشترط لقبول هذا التدخل االنضمامي‪ ،‬وجود استئناف أصلي مقبول‪ ،‬وإال‬
‫فإن عدم قبول االستئناف يجعل التدخل االنضمامي بدوره غير مقبول‪ ،‬كما أن هذا القضاء قد منع‬
‫بدوره املتدخل املنضم من اتخاذ أية مبادرة حول سير الخصومة‪ ،‬باستثناء التنازل بصفة فردية عن‬
‫تدخله‪.228‬‬
‫‪ -2‬التدخل الهجومي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ادعاء لصالح الطرف الذي‬ ‫جاء في املادة ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج أن التدخل يكون هجوميا عندما يحمل‬
‫قدمه‪ ،‬فالغاية من هذا التدخل هو تقديم طلب جديد صادر عن شخص ثالث ضد أحد أطراف‬

‫‪ -224‬عمر بوخدة‪ ،‬الطلبات العارضة يف قانون املسطرة املدنية املغريب والقانون املقارن‪ ،‬مقال منشور مبجلة البحوث‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة‬
‫األوىل‪ ،‬مارس ‪ ،1001‬ص ‪.259‬‬
‫‪ -225‬أمينة مصطفى النمر‪ ،‬أصول املحاتامت املدنية‪ ،‬الدار الجامعية للنرش‪) ،‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م(‪ ،2952 ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪ -226‬أحمد مليجي‪ ،‬اختصام الغري وإدخال ضامن يف الخصومة املدنية‪ ،‬مكتبة دار الفكر العريب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2955 ،‬ص ‪.293‬‬
‫‪ -227‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.599‬‬
‫‪ -228‬نقض تجاري فرنيس‪ ،‬أورده عبد العزيز حرضي‪ ،‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.319‬‬

‫‪011‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫الدعوى أو ضدهما معا‪ ،‬بحيث يأخذ فيه املتدخل صفة املدعي ويحقق له تقديم طلبات مستقلة‬
‫خاصة به‪.‬‬
‫ولقد أجاز املشرع الفرنس ي هذا التدخل بمقتض ى املادة ‪ ،229884‬وقبله القضاء املغربي في ظل عمومية‬
‫املادة ‪ 230044‬التي لم تميز بين نوعي التدخل االنضمامي والهجومي‪ ،‬ومنعه املشرع املصري‪.231‬‬
‫اعتداء‬
‫ٍ‬ ‫وقد انقسمت أراء الفقه الفرنس ي بخصوص إجازة هذا النظام بين من عارضه بقوة ملا فيه من‬
‫على مبدأ التقاض ي على درجتين وبين من أيده ملا فيه من تحقيق لغايات إجرائية مهمة لعل أهمها‬
‫يبد أية معارضة‬ ‫تبسيط اإلجراءات والسرعة واالقتصاد في النفقات‪ ،232‬في حين فإن الفقه املصري لم ِ‬
‫ملوقف املشرع املانع لهذا التدخل مبررين موقفهم بضرورة احترام قاعدة منع تقديم طلبات جديدة‬
‫ً‬
‫ألول مرة أمام محكمة ثاني درجة‪ ،233‬وهو ما أكدته أيضا محكمة النقض املصرية حين قضت بأن‬
‫قبول التدخل الهجومي في االستئناف من شأنه أن يحرم الخصوم من حقهم في عرض النزاع على‬
‫درجتين للتقاض ي‪ ،‬وهو ما حرص املشرع على تفاديه بعدم إجازة التدخل الهجومي ألول مرة أمام‬
‫االستئناف‪.234‬‬
‫أما في املغرب وفي ظل عمومية مقتضيات الفصل ‪ 044‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬فإن القضاء أجاز هذا التدخل‬
‫ً‬
‫وهو ما يستفاد من قرار صادر عن املجلس األعلى قض ى فيه أن التدخل اإلرادي مخول قانونا لكل من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫له مصلحة في النزاع املعروض أمام املحكمة وهو إما أن يكون انضماميا أو اختصاميا يأخذ فيه‬
‫املتدخل دور املدعي ويحق له أن يقدم طلبات مستقلة خاصة به إذا كان ممن لهم الحق في استعمال‬
‫مسطرة التعرض الخارج عن الخصومة‪ ،‬وال تعد طلباته هاته من الطلبات الجديدة املمنوع تقديمها‬
‫ً‬
‫استئنافيا‪.235‬‬

‫‪ -229‬تنص املادة ‪ 557‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج عىل أنه‪:‬‬


‫‪« Peuvent intervenir en cause d’appel dès lors qu’elles y ont intérêt les personnes qui n’ont été ni parties ni‬‬
‫» ‪représentées en première instance ou qui y ont figuré en une autre qualité.‬‬
‫‪ -230‬التي تنص عىل أنه "ال يقبل أي تدخل إال ممن قد يكن لهم الحق يف أن يستعملوا التعرض الخارج عن الخصومة"‪.‬‬
‫‪ -231‬حي تنص الفقرة الثانية من املادة ‪ 132‬من قانون املرافعات املدنية والتجارية املرصي رقم ‪ 23‬لسنة ‪ 2952‬عىل أنه "وال يجوز التدخل‬
‫فيه – أي االستئناف – إال ممن بطلب االنضامم إىل أحد الخصوم"‪.‬‬
‫‪Vincent et Guinchard,op,cit, p 432.-232‬‬
‫‪ -233‬أحمد مليجي‪ ،‬الطعن باالستئناف وفقا لقانون املرافعات معلقا عليها بآراء الفقه وأحكام القضاء‪ ،‬الكتاب الثال والرابع‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫(ت‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪ -234‬نقض مد‪،‬ي بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ ،2912‬أورده عبد الحليم محمد عنانبة‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪ -235‬قرار عدد ‪ 57‬بتاريخ ‪ 2919-3-1‬يف امللف املد‪،‬ي عدد ‪ ،55332‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،15‬ص ‪.257‬‬

‫‪010‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ثانيا‪ :‬أنواع اإلدخال‬


‫ً‬
‫اختلفت التشريعات بخصوص إمكانية إدخال الغير جبرا أمام محاكم ثاني درجة‪ ،‬فاملشرع املصري‬
‫رفض هذه اإلمكانية وأجازها املشرع الفرنس ي‪ ،‬في حين قبلها املشرع املغربي في حاالت خاصة عمال‬
‫بمقتضيات املادة ‪ 181‬الواردة ضمن القسم السادس من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ح و املتعلقة باملسطرة أمام محكمة‬
‫االستئناف‪ ،‬إذ أن هذه املادة – ‪ – 181‬أوصت بتطبيق مقتضيات املادة ‪ 015‬من نفس القانون والتي‬
‫ً‬
‫تجيز إدخال الغير في الدعوى بصفته وارثا فقط‪.‬‬
‫ً‬
‫ورجوعا إلى تعريف إدخال الغير املشار إليه أعاله يتضح أن هذا اإلدخال إما أن يتم بطلب من أطراف‬
‫الخصومة (‪ )0‬أو بأمر من املحكمة (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬إدخال الغير بطلب من األطراف‬
‫إن إدخال الغير بطلب من األطراف يكون الهدف منه إما سريان القرار االستئنافي عليه (أ) أو ألجل‬
‫الحكم عليه إذا ما أدى تطور النزاع إلى ضرورة هذا اإلدخال (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬إدخال الغير ألجل السير سريان القرار االستئنافي عليه‬
‫ً‬
‫إن إدخال الغير في هذه الحالة يكون الهدف منه هو اعتباره – أي الغير – طرفا في خصومة االستئناف‪،‬‬
‫لسريان القرار االستئنافي عليه ليكون حجة له وعليه‪ ،‬دون توجيه أي طلب ضده‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد كان هذا النوع من اإلدخال مقبوال لدى الفقه والقضاء الفرنسيين حتى قبل تعديل سنة ‪،0228‬‬
‫ً‬
‫ألنه ال يحرم املدخل جبرا من ميزة التقاض ي على درجتين‪ ،‬ذلك أن هذا املدخل إن رغب في ممارسة‬
‫اعتراض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬فإن محكمة ثاني درجة تكون هي املختصة باعتبارها مصدرة‬
‫القرار الذي يريد الطعن فيه‪.‬‬
‫وهو ما دفع باملشرع الفرنس ي إلى تبني هذا املوقف بمقتض ى الفصل ‪ 110‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج والذي أكد‬
‫فيه املشرع على جواز اختصام الغير ألول مرة أمام محاكم االستئناف بغاية سريان القرار االستئنافي‬
‫عليه‪.236‬‬
‫ب‪ -‬إدخال الغير ألجل الحكم عليه‬
‫ً‬ ‫كان القضاء ومعه الفقه الفرنس ي يظهران ً‬
‫عداء شديدا اتجاه اختصام الغير ألول مرة أمام محاكم ثاني‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫درجة ألجل الحكم عليه‪ ،‬بحجة أن الطلب الهادف إلى هذا اإلدخال يعتبر طلبا جديدا يشكل خرقا‬
‫لقاعدة التقاض ي على درجتين‪.237‬‬

‫‪ -236‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.352‬‬


‫‪ -237‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.521‬‬

‫‪012‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وعلى الرغم م ن هذا الرفض القاطع إلدخال الغير قصد الحكم عليه‪ ،‬فإن املشرع الفرنس ي قد أخذ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسلكا مغايرا بإصداره ملرسوم ‪ 95‬غشت ‪ 0229‬حيث نص الفصل ‪ 95‬منه – هذا الفصل سيعاد‬
‫تقنينه في مقتضيات الفصل ‪ 238888‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج ‪ -‬على إمكانية إدخال الغير ألول مرة أمام محاكم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثاني درجة بهدف الحكم عليه ووضع شرطا وحيدا لهذا اإلدخال هو شرط تطور النزاع‪.239‬‬
‫أما مشرعنا املغربي‪ ،‬فإنه أجاز فقط إمكانية إدخال الغير ألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬بصفته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وارثا ملواصلة الدعوى االستئنافية التي سبق وباشرها مورثه قبل وفاته أو تم استدعائه فيها عمال‬
‫باإلحالة الواردة في املادة ‪ 181‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح التي توص ي بتطبيق مقتضيات املواد ‪ 015‬إلى ‪ 091‬من‬
‫نفس القانون أمام محاكم الستئناف‪.‬‬
‫غير أن إدخال الوارث في هذه الحالة ال يكون الهدف منه الحكم عليه‪ ،‬بل إن غايته األساسية هي‬
‫إصالح الدعوى فقط قصد مواصلتها‪ ،‬لذلك فإن هذا اإلدخال ال ينصرف إلى اإلدخال الذي نبحثه في‬
‫هذا املقام والهادف إلى القضاء ضد املدخل بش يء ما‪ .‬ليبقى السؤال املطروح هو مدى إمكانية قبول‬
‫هذا اإلدخال إذا تم ذلك بأمر من املحكمة نفسها‪.‬‬

‫‪ -2‬إدخال الغير بأمر من املحكمة‬


‫ً‬
‫معلوم في امليدان اإلجرائي أن الدعوى هي ملك ألطرافها‪ ،‬فالقاض ي ملزم بالبت وفقا لطلبات األطراف‪،‬‬
‫ً‬
‫وفي مواجهة من يعينون من األشخاص عمال بمقتضيات الفصل ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،240‬أضف إلى ذلك‬
‫ً‬
‫ادعاء ضد الغير‪ ،‬وهو ما يتنافى مع مبدأ حياد القاض ي‪.241‬‬ ‫أن إدخال الغير من طرف القاض ي يتضمن‬
‫غير أن هذه املبررات لم تقف أمام إقرار سلطة املحكمة في األمر بإدخال الغير في الدعوى خدمة‬

‫‪ -238‬تنص املادة ‪ 555‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج عىل أنه "إن نفس األشخاص املشار إليهم يف املادة ‪ 557‬ميكن اختصامهم أمام محاتم‬
‫االستئناف حتى بهدف الحكم عليهم إذا اقتىض تطور النزاع ذلك"‬
‫‪ -‬ترجمة عبد الحليم عنانبة‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 373‬والنص بلغته األصلية ينص عىل‪:‬‬
‫‪« Ces mêmes personnes peuvent être appelées devant la cour, même aux fins de condamnation, quand l’évolution‬‬
‫» ‪du litige implique leur mise en cause.‬‬
‫‪ -239‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪ -240‬الذي ينص عىل أنه "يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف وال يسوغ لها أن تغري تلقائيا موضوع أو سبب هذه‬
‫الطلبات‪ ،‬وتبت دامئا طبقا للقانون املطبق عىل النازلة ولو مل يطلب األطراف ذلك بصفة رصيحة"‪.‬‬
‫‪ -241‬سعيد حربيش‪ ،‬إدخال الغري يف الدعوى يف قانون املسطرة املدنية – دراسة مقارنة – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة يف‬
‫القانون املد‪،‬ي‪ ،‬جامعة الحسن الثا‪،‬ي‪ ،‬تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،1001/1002 ،‬ص‬
‫‪.55‬‬

‫‪013‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫للحقيقة‪ ،‬وإظهارا للعدالة‪ ،‬فضال عما يحققه هذا اإلدخال من ميزة تفادي تعدد الدعاوى وتعارض‬
‫األحكام بشأنها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولبحث هذه املسألة فإننا سنعرض أوال ملوقف املشرع الفرنس ي (أ) قبل استعراض موقف مشرعنا‬
‫املغربي (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقف املشرع الفرنس ي‬
‫سمح املشرع الفرنس ي ملحكمة االستئناف بإمكانية إدخال الغير بنص عام هو املادة ‪ 242119‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج وبنصوص خاصة في حاالت خاصة أيضا كحالة التضامن وعدم القابلية للقسمة بمقتض ى‬
‫املادة ‪ 243889‬من نفس القانون‪.‬‬
‫غير أنه وباستقراء مقتضيات املادة ‪ ،119‬فإنها تدفعنا إلى استخالص مالحظتين أساسيتين‪:‬‬
‫املالحظة األولى‪ :‬إن هذه املادة تنص فقط على حق القاض ي في دعوة األطراف إلى إدخال الغير‪ ،‬مما‬
‫يستفاد معه أن محكمة ثاني درجة ليس لها سلطة اإلدخال املباشر‪ ،‬وما يجب عليها هو دعوة األطراف‬
‫للقيام بذلك‪ ،‬إذ ال يمكن للمحكمة أن تحل محل األطراف وفرض اإلدخال بدون إرادتهم أو تدخلهم‪.‬‬
‫املالحظة الثانية‪ :‬هو أن املشرع اشترط ملمارسة محكمة االستئناف لحقها في دعوة األطراف إلى إدخال‬
‫الغير شرط الضرورة‪ ،‬مما دفع البعض للبحث عن املقصود بهذا الشرط؟ وهل له صلة بشرط تطور‬
‫النزاع املقيد بموجبه حق األطراف في إدخال الغير للحكم عليه؟‬
‫ذهب األستاذ عبد العزيز حضري في إطار جوابه عن هذا السؤال إلى القول أن املفهومين لهما نفس‬
‫الداللة‪ ،‬إذ ال يعقل تخويل محكمة االستئناف في موضوع اإلدخال سلطات أكبر مما يتمتع به‬
‫األطراف‪ ،244‬وهو القول الذي أكدته محكمة النقض الفرنسية التي ذهبت إلى تفسير شرط ضرورة‬

‫‪F « le juge peut inviter les parties à mettre en cause tous les intéressés dont la présence lui . Art 332 du N.C.P.C -242‬‬
‫‪parait nécessaire à la solution du litige.‬‬
‫‪En manière gracieuse, il peut ordonner la mise en cause des personnes dont les droits ou les charges risquent d’être‬‬
‫»‪affectés par la décision à prendre‬‬
‫‪F « En cas de solidarité ou d’indivisibilité à l’égard de plusieurs parties, l’appel formé par . Art 552 du N.C.P.C -243‬‬
‫‪Dans les mêmes cas, l’appel l’une conserve le droit d’appel des auteurs, sauf à ces dernières à se joindre à l’instance‬‬
‫‪dirigé contre l’une des parties réserve à l’appelant la faculté d’appel les autres à l’instance.‬‬
‫» ‪La cour peut ordonner d’office la mise en cause de tous les co-intéressés.‬‬
‫‪ -244‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.397 -393‬‬

‫‪014‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫حضور الغير لألمر بإدخاله من طرف املحكمة بأنه هو ذاته شرط تطور النزاع الذي يسمح ألطراف‬
‫االستئناف بإدخال الغير واملنصوص عليه في الفصل ‪ 888‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪.245‬‬
‫ب‪ -‬موقف املشرع املغربي‬
‫بخالف املشرع الفرنس ي‪ ،‬فإن املشرع املغربي لم يضع أي نص صريح يمنح للقاض ي إمكانية اختصام‬
‫الغير إما مباشرة‪ ،‬أو عن طريق الخصوم‪ ،‬وهو األمر الذي دفع بالبعض إلى البحث عن نصوص قانونية‬
‫للقول بهذه السلطة سواء من داخل ق‪.‬م‪.‬م أو من خارجها‪.‬‬
‫ً‬
‫ب‪ :1-‬االتجاه املؤد لسلطة املحكمة في إدخال الغير اعتمادا على نصوص ق‪.‬م‪.‬م‬
‫ذهب األستاذ إدريس العلوي العبدالوي إلى االستناد إلى مقتضيات الفصل ‪ 008‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪246‬‬
‫ً‬
‫للقول بسلطة محكمة ثاني درجة في إدخال الغير معتمدا في ذلك على اإلحالة الواردة في املادة ‪ 181‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح التي تقتض ي بتطبيق النصوص من ‪ 015‬إلى ‪ 091‬من نفس القانون أمام محاكم ثاني‬
‫درجة‪.247‬‬
‫غير أن األمر هنا ال يتعلق باإلدخال باملعنى املقصود في موضوعنا‪ ،‬وإنما يتعلق فقط بإصالح املسطرة‬
‫ومواصلة الدعوى من طرف الورثة‪ ،‬على اعتبار أن هذا اإلدخال ال يترتب عنه أي تعديل في نطاق‬
‫ً‬
‫الدعوى الشخص ي‪ ،‬ألن الورثة والحالة هذه ليسوا أغيارا بل كانوا ممثلين في الدعوى‪ .‬والخلف العام‬
‫يحل محل مورثه في مواصلة الدعوى‪ ،‬كما أن إصالح املسطرة بتوجيهها ضد النائب القانوني ملن تغيرت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أهليته ال يكون الهدف منه القضاء للنائب القانوني بش يء‪ ،‬فهو ليس طرفا أصليا في الدعوى وإنما‬
‫يباشر إجراءات التقاض ي بالنيابة فقط‪ ،‬وبالتالي فإنه ال يمكن االعتماد على مقتضيات املادة ‪ 008‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ .‬للقول بهذه السلطة‪ .‬وما يزكي طرحنا هو أن املشرع نظم املادة ‪ 181‬املحيلة واملادة ‪ 008‬من‬
‫ً‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح املحال عليها في موضعين يحمالن معا عنوان مواصلة الدعوى‪.248‬‬

‫‪ -245‬نقض مد‪،‬ي فرنيس بتاريخ ‪ 25‬يوليوز ‪ ،2995‬أورده عبد العزيز حرضي‪ ،‬استئناف األحكام املد‪،‬ي يف الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬ص ‪.395‬‬
‫‪ -246‬والذ ي ينص عىل أنه "تستدعي املحكمة مبجرد علمها بوفاة أحد األطراف أو بتغيري وضعيته بالنسبة إىل األهلية‪ ،‬سواء شفويا أو‬
‫بإشعار يوجه وفق الرشوط املنصوص عليها يف الفصول ‪ ،39 ،31 ،35‬من لهم الصفة يف مواصلة الدعوى للقيام بذلك إذا مل تكن الدعوى‬
‫جاهزة للحكم‪".‬‬
‫‪ -247‬القانون القضايئ الخاص‪ ،‬الدعوى واألحكام‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪( ،‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬سنة ‪ ،2995‬ص‬
‫‪.97‬‬
‫‪ -248‬فالفصل ‪ 225‬جاء تحت الفرع الثال من الباب الرابع من القسم الثال املعنون بـ "التدخل اإلرادي ومواصلة الدعوى" أما الفصل ‪350‬‬
‫من فقد جاء تحت الباب الثال من القسم السادس الذي يحمل عنوان "مواصلة الدعوى والتنازل"‪.‬‬

‫‪015‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أما األستاذ سعيد الفكهاني ومن معه‪ 249‬فقد ذهب إلى االعتماد على مقتضيات املادة ‪ 250114‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح املنظمة تحت القسم السادس الخاص باملسطرة أمام محاكم االستئناف للقول بهذه‬
‫السلطة‪ ،‬ذلك أن هذه املادة خولت للمستشار املقرر األمر بتقديم املستندات التي يرى ضرورتها‬
‫للتحقيق في الدعوى لذلك فحسب هذا الفقه فإنه يمكن للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بإدخال‬
‫الغير في الدعوى لتقديم مستند تحت يده كإجراء تحقيقي‪ ،‬تماشيا مع ما ذهب إليه بعض الفقه في‬
‫مصر والذي اعتبر هذه الحالة من حاالت االختصام املباشر من طرف املحكمة‪.251‬‬
‫غير أننا ال نؤيد هذا التوجه ألن إدخال الغير في الدعوى بقصد تقديم مستند تحت يده ال صلة له‬
‫ً‬
‫باإلدخال الذي نبحثه‪ ،‬ألن املدخل في هذه الحالة ال يعتبر طرفا في الدعوى‪ ،‬وإنما يعتبر إجر ًاء من‬
‫إجراءات التحقيق الهدف من ورائها حل النزاع‪.252‬‬
‫بناء على نصوص خاصة‬ ‫ب‪ :2-‬االتجاه املؤيد لسلطة املحكمة في اإلدخال ً‬
‫ذهب األستاذ صالح لهمام إلى االستناد على مقتضيات الفصل ‪ 253812‬من ق‪.‬ا‪.‬ع للقول بهذه السلطة‪،‬‬
‫ذلك أن هذا الفصل يلزم املحكمة بضرورة تنبيه املشتري بأنه سيتعرض لسقوط حقه في الرجوع على‬
‫ً‬
‫البائع بدعوى الضمان إذا ما فضل االستمرار مدافعا على نفسه لوحده دون إعالم البائع بدعوى‬
‫االستحقاق عند تقديم املدعي البينة على دعواه‪ ،‬حيث اعتبر األستاذ أن هذا التنبيه هو بمثابة دعوة‬
‫للمشتري قصد إدخال البائع في دعوى االستحقاق املرفوعة ضده‪.‬‬
‫كما استند األستاذ على حالة الدعوى التي يكون موضوعها غير قابل للتجزئة لتخويل املحكمة سلطة‬
‫ً‬
‫اختصام الغير‪ ،‬وضرب مثاال لهذه الحالة بدعوى القسمة التي يكون فيها الشركاء على الشيوع‬
‫متعددين‪ ،‬بحيث إذا قام أحد الشركاء برفع دعوى على البعض دون باقي شركائه‪ ،‬فإن املحكمة تنبهه‬
‫إلى ضرورة إدخال اآلخرين في الدعوى تحت طائلة عدم القبول‪.254‬‬
‫ً‬
‫وإذا كنا نؤيد ما ذهب إليه األستاذ لهمام من خالل تخويل املحكمة حق أو سلطة اإلدخال استنادا إلى‬
‫الحالتين السابقتين‪ ،‬فإننا نؤكد على أن هذه السلطة هي سلطة غير مباشرة ذلك أن دور املحكمة في‬

‫‪ -249‬التعليق عىل قانون املسطرة املدنية يف ضوء الفقه والقضاء‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2953 ،‬ص ‪.795‬‬
‫‪ -250‬التي تنص عىل أنه "يتخذ املستشار املقرر اإلجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم‪ ،‬ويأمر بتقديم املستندات التي يرى رضورتها‬
‫للتحقيق يف الدعوى‪"...‬‬
‫‪ -251‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.551‬‬
‫‪ -252‬خالد الحبيب‪ ،‬مدى سلطة املحكمة املدنية إلدخال الغري يف الدعوى‪ ،‬مقال منشور مبجلة اإلشعاع‪ ،‬عدد ‪ ،33‬يونيو ‪ ،1005‬ص ‪.210‬‬
‫‪ -253‬الذي جاء فيه "إذا وجهت عىل املشرتي دعوى‪ ،‬بسبب اليشء املبيع‪ ،‬وجب عليه أن يعلم البائع بدعوى االستحقا‪ ،‬عند تقديم املدعي‬
‫البينة عىل دعواه‪ ،‬وإذ ذلك تنبهه املحكمة بأنه إذا استمر يف الدعوى باسمه الشخيص‪ ،‬يعرض نفسه لضياع حقه يف الرجوع عىل البائع‪،‬‬
‫فإذا فضل‪ ،‬برغم هذا التنبيه‪ ،‬أن يدافع مبارشة يف الدعوى‪ ،‬فقد تل حق له يف الرجوع عل البائع"‪.‬‬
‫‪ -254‬صالح لهامم ‪ ،‬م ‪ .‬س ‪ ،‬ص ‪.351 – 352‬‬

‫‪016‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫مثل هذه الحاالت يقتصر فقط على تنبيه الخصوم ودعوتهم إلى إدخال الغير وهو ما قررته أيضا‬
‫محكمة النقض الفرنسية التي أوجبت على املحكمة كلما تعلق األمر بنزاع ذا طابع جماعي أن تأمر‬
‫بإدخال كل من له عالقة بالنزاع‪.255‬‬
‫لكن وبالرغم من هذه السلطة‪ ،‬فإن املحكمة قد تجد نفسها أمام صعوبة واقعية تحول دون بتها في‬
‫املوضوع‪ ،‬خاصة إذا كان هذا اإلدخال ضروريا في ذلك‪ ،‬وهي صعوبة تتمثل في امتناع األطراف عن‬
‫القيام باملطلوب وإدخال الغير‪ ،‬أو قيامهم بذلك‪ ،‬لكن هذا الغير تخلف عن الحضور‪.‬‬
‫َّ‬
‫من الناحية القانونية‪ ،‬ليست هناك أية تقنية أو أية مسطرة تمكن املحكمة من تحقيق ذلك‪ ،‬اللهم‬
‫إمكانية الحكم بعدم القبول في حالة امتناع األطراف عن إدخال الغير أو إصدار قرار غيابي في حق‬
‫الغير الذي تم إدخاله لكن تخلف عن الحضور في حالة استدعاءه بطريقة قانونية‪.‬‬
‫ً‬
‫ولذلك وتجنبا لكل هذه الصعوبات فإننا ندعو املشرع إلى تخويل محكمة ثاني درجة حق إدخال األغيار‬
‫ً‬
‫الذين ترى حضورهم الزما لحسم النزاع في مجموعه‪ ،‬بطريقة مباشرة دون الحاجة إلى وساطة أطراف‬
‫َّ‬
‫الخصومة‪ ،‬وإن كان هذا األمر سيتعارض مع مبدأ ملكية الدعوى ألطرافها‪ .‬إال أن اعتماد هذا الحل –‬
‫أي سلطة اإلدخال املباشر – سيؤدي إلى تحقيق نتائج مهمة لعل أهمها تجنب تعارض األحكام‪ ،‬وهو‬
‫الحل الذي أخذت به محكمة النقض الفرنسية حينما أمرت من تلقاء نفسها بإدخال الغير مباشرة في‬
‫الدعوى عن طريق كتابة ضبطها‪.256‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط التدخل واإلدخال وآثارهما على تصدي محكمة ثاني درجة‬
‫أجاز املشرعان الفرنس ي واملغربي تدخل الغير ألول مرة أمام محاكم ثاني درجة للدفاع عن مصالحه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫طالبا االنضمام إلى أحد الخصوم‪ ،‬أو متخذا مسلكا هجوميا لتقديم طلبات خاصة به في مواجهة‬
‫ً‬
‫أحدهما أو كليهما معا‪ ،‬كما أجاز املشرع الفرنس ي إدخال الغير ألول مرة في االستئناف‪ ،‬وإن كان‬
‫املشرعين قد قيدا هذه اإلجازة بشروط محددة (أوال)‪.‬‬
‫غير أن تحقق هذه الشروط ال يستلزم قبول التدخل واإلدخال من قبل محكمة التصدي إذ لهذه‬
‫األخيرة أن تقبلهما أو ترفضهما بحسب سلطاتها املخولة لها عند إعمالها لواجبها في التصدي (ثانيا)‪.‬‬

‫‪Cass. Civ 10 Mars 1978, Dalloz, nouveau code de procédure civile, édition 2001, P. 182-255‬‬
‫‪ -256‬أورده صالح الهامم‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪ 371‬والذي جاء فيه‪:‬‬
‫‪sa présence lui parait « Il appartient à une cour d’appel d’ordonner la mise en cause d’un organisme de retrait si‬‬
‫» ‪utile à la solution du conflit d’affiliation dont elle est saisie et de le faire convoque par le greffe.‬‬
‫‪Cass Soc 10 Avril 1975, Bull V. N° 181.‬‬

‫‪017‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أوال‪ :‬شروط التدخل واإلدخال‬


‫َّ‬
‫إذا كان التدخل في الدعوى‪ ،‬لم تشترط له التشريعات التي أجازته شروط محددة‪ ،‬اللهم ضرورة توفر‬
‫شروط التقاض ي األساسية من قبيل الصفة واملصلحة (‪ ،)0‬فإن اإلدخال قيد بشروط خاصة كشرطي‬
‫االرتباط وتطور النزاع (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬شرطي الصفة واملصلحة‬
‫إن الشخص الذي يريد التدخل في الدعوى يتعين أن تتوفر فيه صفة الغير (أ) وأن تكون له مصلحة‬
‫في هذا التدخل (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬الصفة‬
‫لم يحسم الفقه في تحديد مفهوم الصفة كشرط للتقاض ي‪ ،‬فالبعض قال أنها تمثل املصلحة‬
‫الشخصية املباشرة‪ ،257‬بينما رأى البعض اآلخر أنها تعبر عن الجانب الشخص ي للحق في الدعوى‪،258‬‬
‫بحيث تتجه إلى تحديد وضعية املتقاض ي اتجاه خصمه‪.259‬‬
‫ومن شروط قبول التدخل في الدعوى أن يتم ذلك عن طريق الغير‪ ،260‬إذ أن جميع التشريعات التي‬
‫تنظم التدخل واإلدخال تستلزم صفة الغير في املتدخل أو املراد إدخاله‪ .‬فاملشرع املغربي مثال – الذي‬
‫َّ‬
‫نظم التدخل دون اإلدخال – نجده ينص في املادة ‪ 044‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح أنه ال يقبل التدخل إال ممن له‬
‫الحق في استعمال تعرض الخارج عن الخصومة‪.261‬‬
‫وباستقرائنا مقتضيات الفصل ‪ 111‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح املنظم لهذا الطريق من طرق الطعن نجد أن‬
‫املشرع فسح مجال التعرض لكل شخص لم يستدع هو أو من ينوب عنه في الدعوى‪ ،‬إذا مس الحكم‬
‫االبتدائي بحقوقه‪.262‬‬

‫‪ -257‬أحمد أبو الوفاء‪ ،‬املرافعات املدنية والتجارية‪ ،‬منشأة املعارف اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة ‪ ،27‬سنة ‪ ،2952‬ص ‪.292‬‬
‫‪ -258‬الرشقي حراث‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -259‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -260‬تلعب فكرة الغري دورا ً وظيفيا ً هاما ً سواء يف قانون اإلجراءات أو قانون املوضوع‪ ،‬وإن مل يحظ هذا املفهوم بدراسات مستقلة إالَّ من‬
‫خالل وظيفته وعالقته بآثار االلتزام وبنسبية آثار العقد‪ ،‬يف قوانني املوضوع ومن خالل نظام حجية األحكام أو طر‪ ،‬الطعن يف قوانني‬
‫اإلجراءات‪ .‬ملزيد من اإليضاح ا ُنظر محمد محروك‪ ،‬مفهوم الغري يف العقد‪ ،‬التأصيل واآلثار – دراسة مقارنة – أطروحة لنيل دبلوم‬
‫الدتتوراه يف القانون الخاص‪ ،‬جامعة القايض عياض‪ ،‬تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬مراتش‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.1001/1002‬‬
‫‪ -261‬ينص الفصل ‪ 277‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح عىل أنه "ال يقبل أي تدخل ممن قد يكون لهم الحق يف أن يستعملوا التعرض الخارج عن‬
‫الخصومة‪".‬‬
‫‪ -262‬حي جاء يف هذا الفصل "ميكن لكل شخص أن يتعرض عىل تل حكم قضايئ ميس بحقوقه إذا تان مل يستدع هو أو من ينوب‬
‫عنه يف الدعوى‪".‬‬

‫‪018‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫ويستفاد من هذه الفصول – ‪ – 111 ،044‬أنه من كان طرفا في الدعوى يمنع عليه التدخل في املرحلة‬
‫ً‬
‫االستئنافية سواء حضر في املرحلة االبتدائية بصفة شخصية أو كان ممثال فيها‪ ،‬ألنه في هذه الحالة‬
‫يمكنه ممارسة الطعن باالستئناف‪ ،‬أو سلوك طريق االستئناف املثار إذا لم يوجه االستئناف األصلي‬
‫ضده أو في حالة فوات أجل الطعن باالستئناف‪.263‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولذلك فإن التدخل أو اإلدخال سن فقط ملن لم يكن ممثال وال طرفا في الدعوى في مرحلتها االبتدائية‪،‬‬
‫وهو ما أجمع عليه غالبية الفقه الفرنس ي واملصري واملغربي‪.264‬‬
‫َّ‬
‫إال أن السؤال الذي يطرح هنا هو هل العبرة في تحديد مفهوم الغير بالصفة أم بالشخص‪ ،‬إذ قد‬
‫ً‬
‫يحصل أن يكون الشخص حاضرا في املرحلة االبتدائية بصفة وتتغير هذه الصفة بين املرحلتين‬
‫االبتدائية واالستئنافية‪ ،‬فهل يمكنه في هذه الحالة استعمال حقه في التدخل؟‬
‫ً‬
‫يرى األستاذ عمر الشيكر أن الغير ال يعرف بشخصه بل بصفته‪ ،‬وهذا يعني أنه إذا كان الطرف حاضرا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أو موجودا في الدعوى‪ ،‬فإنه يعتبر غيرا في حالة ما إذا استدعي من طرف املحكمة لكن بصفة أخرى‪.265‬‬
‫وهو ما ذهب إليه املجلس األعلى في العديد من قراراته حيث قض ى في أحدها بأنه من كان ينوب عن‬
‫ً‬
‫شخص بوكالة في دعوى ال يعتبر طرفا مباشرا في تلك الدعوى‪ ،‬وأن نيابته هذه ال تمنعه من حق‬
‫التعرض الخارج عن الخصومة بصفته الشخصية على الحكم الذي أضر بحقوقه‪ . 266‬وعلى هذا‬
‫ً‬
‫األساس‪ ،‬فإن حضور الشخص ابتدائيا بصفة معينة ال يمنعه من التدخل في االستئناف بصفته‬
‫الشخصية للدفاع عن حقوقه وحماية مصالحه‪.‬‬
‫ب‪ -‬املصلحة‬
‫نص املشرع املغربي على هذا الشرط بشكل مباشر في الفصل ‪ 000‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح عندما قض ى بأنه‬
‫يقبل التدخل ممن لهم مصلحة في النزاع و بشكل غير مباشر عندما أحال بخصوص التدخل على‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 111‬الذي خول تعرض الغير الخارج عن الخصومة لكل من مس الحكم االبتدائي‬
‫بمصالحه‪ ،‬وال شك أن املساس بالحقوق هو عين املصلحة‪ ،‬كما ذهب إلى ذلك األستاذ عبد العزيز‬
‫حضري‪.267‬‬

‫‪ -263‬عبد اللطيف تجا‪،‬ي‪ ،‬االستئناف املثار‪ ،‬مقال منشور مبجلة القرص العدد األول‪ ،‬يناير ‪ ،1001‬ص ‪.70 – 39‬‬
‫‪ -264‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص الجزء األول‪ ،‬ص ‪.312‬‬
‫‪ -265‬عمر الشيكر‪ ،‬تعرض الغري الخارج عن الخصومة –دراسة تأصيلية مقارنة‪،-‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدارالبيضاء ‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪،1021‬ص ‪13‬‬
‫‪ -266‬قرار عدد ‪ 2319‬بتاريخ ‪ 2955-22-29‬ملف عقاري رقم ‪ 57/99‬منشور مبجلة املحامي‪ ،‬عدد ‪ ،5‬ص ‪.237‬‬
‫‪ -267‬استئناف األحكام املدنية يف الترشيع املغريب‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.315‬‬

‫‪019‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وقد التزم القضاء املغربي بهذا التوجه إذ يشترط ضرورة توفر املصلحة لقبول التدخل‪ ،‬حيث ذهب‬
‫املجلس األعلى إلى التأكيد على أن التدخل اإلداري مخول لكل من له مصلحة في الدعوى‪ ،‬حتى في‬
‫املرحلة االستئنافية إذا كان ممن يحق لهم ممارسة تعرض الخارج عن الخصومة‪ ،268‬كما قضت‬
‫محكمة االستئناف ببني مالل بأن التدخل اإلرادي يخول ملن له مصلحة مشروعة في النزاع‪.269‬‬
‫‪ -2‬شرطي االرتباط وتطور النزاع‬
‫لقد اشترط املشرع الفرنس ي لقبول التدخل واإلدخال شرطي االرتباط وتطور النزاع‪ ،‬أما املشرع املغربي‬
‫فقد أجاز التدخل – فقط – بنوعيه ألول مرة أمام محاكم االستئناف وسمح بتقديم طلبات جديدة‬
‫ً‬
‫استنادا إلى عمومية الفصل ‪ 044‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح مما طرح معه التساؤل هل هذه الطلبات تقبل أمام‬
‫محاكم ثاني درجة دون قيد أو شرط‪ ،‬أم أن هذه الطلبات يجب أن ترتبط بادعاءات األطراف (أ)؟‬
‫وهل يمكن االعتماد على فكرة تطور النزاع كأساس لقبول طلبات إدخال الغير أمام محاكم ثاني درجة‬
‫في ظل الفراغ التشريعي بخصوص مسألة اإلدخال (ب)؟‬
‫أ‪ -‬شرط االرتباط‬
‫يقصد بهذا الشرط أن يكون طلب التدخل أو اإلدخال مرتبط بالدعوى األصلية‪ ،‬كما يقصد به صلة‬
‫بين طلبين توجد كلما كان الحكم في أحدهما من شأنه التأثير على الحكم في اآلخر‪ ،270‬وهو شرط نص‬
‫عليه املشرع الفرنس ي بمقتض ى املادة ‪ 198‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج واملشرع املصري في املادة ‪ 091‬من‬
‫ً‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م والتي تنص على أنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منظما ألحد الخصوم أو‬
‫ً‬
‫طالبا لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد ذهب بعض الفقه الفرنس ي في تفسيره لشرط االرتباط إلى القول أن هذا الشرط يعتبر قائما‬
‫ً‬
‫عندما توجد بين الطلبين عالقة متينة وقوية تجعل من حسن سير العدالة الفصل فيهما معا‪ ،‬غير أن‬
‫ً‬
‫السؤال الذي يطرح في هذا اإلطار هو أي االدعاءات التي يمكن أن تكون مرجعا للقول بهذا االرتباط‬
‫بالنسبة الدعاءات املتدخل‪.‬‬
‫في إطار الجواب على هذا التساؤل ذهب األستاذ ‪ Landry‬إلى القول بأن أساس تقدير مدى تحقق‬
‫االرتباط مع ادعاءات املدخل هو مجموع ادعاءات األطراف الحاضرين في االستئناف‪ ،‬إذ ال يشترط أن‬

‫‪ -268‬قرار عدد ‪ 57‬بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪ ،219‬منشور مبجلة املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،32‬ص ‪.257‬‬
‫‪ -269‬قرار صادر يف امللف ‪ ،90/2025‬منشور مبجلة اإلشعاع‪ ،‬عدد ‪ ،5‬ص ‪.230‬‬
‫‪ -270‬عبد الحليم محمد عبد الحليم عنانبة‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.315‬‬

‫‪001‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫يكون طلب التدخل أو اإلدخال مرتبطا بالضرورة بطلبات أحد الخصوم‪ ، 271‬عكس األستاذ وجدي‬
‫راغب فهمي الذي اشترط تحقق هذا االرتباط مع الطلب األصلي دون الطلبات العارضة‪.272‬‬
‫أما في تشريعنا املغربي – والذي ال يعرف مثل هذه الشروط – فإن القضاء ذهب إلى استبعاد شرط‬
‫ً‬
‫االرتباط كأساس لقبول الطلبات الجديدة أو املضادة في املرحلة االبتدائية استنادا إلى عمومية املادة‬
‫‪ 08‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح والتي لم تشر إلى هذا الشرط‪ ،‬غير أن استلزام تحقق شرط االرتباط يطرح نفسه‬
‫ً‬
‫بقوة في املرحلة االستئنافية بالنسبة لطلبات الغير‪ ،‬خصوصا وأن نفس القضاء أجاز التدخل الهجومي‬
‫في مرحلة ثاني درجة‪ .‬إذ من حقنا أن نتساءل هنا عما إذا كان استبعاد هذا الشرط أمام محاكم أول‬
‫درجة يسري أيضا على طلبات املتدخل ألول مرة أمام محاكم ثاني درجة‪ ،‬ألن هذا االستئناف يعد درجة‬
‫ً‬
‫أولى له‪ ،‬فهل من حقه تقديم أي طلب دون قيد أو شرط عمال بمقتضيات الفصل ‪ 008‬من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ادعاء جديدا مختلف عن ادعاءات الخصوم؟‬ ‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح خاصة وأن طلباته قد تتضمن‬
‫ً‬
‫نعتقد أن استبعاد االرتباط لقبول طلبات جديدة أو عارضة إذا كان مقبوال أمام محاكم الدرجة األولى‪،‬‬
‫فإنه ال يجوز استبعاده أمام محاكم الدرجة الثانية‪ .‬إذ أن االرتباط ضروري لقبول التدخل واإلدخال‪،‬‬
‫َّ‬
‫وإال سنكون أمام نزاع جديد في موضوعه يحول الخصومة االستئنافية إلى خصومة مبتدأة‪ ،‬إذا ما‬
‫فسحنا املجال أمام املتدخل لتقديم ما يشاء من طلبات‪ ،‬حتى ولو كانت غير مرتبطة بطلبات الخصوم‪.‬‬
‫وتوفر شرط االرتباط من عدمه أمر خاضع لسلطة املحكمة‪ ،‬وإن كان توفر شرط املصلحة لدى‬
‫كاف للقول بتحقق شرط االرتباط‪ ،‬وكمثال لذلك رفع دعوى تعويض على مؤمن لدى شركة‬ ‫املتدخل ٍ‬
‫تأم ين‪ ،‬فمن مصلحة هذه الشركة التدخل إلى جانب املؤمن حتى ال يحكم عليه بالتعويض‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إلى الرجوع عليها فيما بعد‪ ،‬ففي هذه الحالة يتحقق شرط االرتباط بين مصلحة املؤمن والشركة وهو‬
‫أيضا ما أكده املجلس األعلى في أحد قراراته التي اعتبر فيها أن تحقق شرط االرتباط دليل على توفر‬
‫مصلحة املتدخل في تدخله‪.273‬‬
‫ب‪ -‬شرط تطور النزاع‬

‫‪ -271‬موقف أشار إليه عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ -272‬وجدي راغب فهمي ‪ ،‬مبادئ القضاء املد‪،‬ي‪ ،‬قانون املرافعات‪ ،‬دار الفكر العربية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2952 ،‬ص ‪.790‬‬
‫‪ -273‬حي جاء يف هذا القرار أنه "وحي إن تدخل املكتب الوطني للسكك الحديدية مرتبط بحقو‪ ،‬طالب التحفيظ‪ ،‬مام تكون معه الصفة‬
‫واملصلحة يف مراقبة املسطرة باعتباره مش ٍ‬
‫رت منه لجزء من واجبه" قرار عدد ‪ 102‬صادر بتاريخ ‪ 1005/05/20‬يف امللف العقاري ‪،1002/599‬‬
‫منشور مبجلة القرص‪ ،‬عدد ‪ ،27‬ص ‪.275‬‬

‫‪000‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ُ‬
‫أدخل هذا املصطلح ألول مرة في القانون الفرنس ي بموجب املادة ‪ 25‬من مرسوم ‪ 95‬غشت ‪ 0229‬والتي‬
‫خولت لألطراف إمكانية اإلدخال في املرحلة االستئنافية إذا أدى تطور النزاع إلى ضرورة هذا‬
‫اإلدخال‪.274‬‬
‫ً‬
‫غير أن هذه املادة لم تضع تعريفا لتطور النزاع مما أدى إلى تضارب اآلراء الفقهية والقضائية بشأن‬
‫التصور املقبول لهذا الشرط‪ ،‬حيث انقسمت هذه اآلراء إلى اتجاهين‪ ،‬أحدهما توسع في تفسير هذا‬
‫الشرط بينما اآلخر ضيق منه‪.‬‬
‫وهكذا ذهب بعض الفقه الفرنس ي إلى ضرورة اعتماد تفسير ضيق لشرط تطور النزاع‪ ،‬يكون بموجبه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طلب اإلدخال ممنوعا كلما كان هذا الطلب ممكنا تقديمه أمام محاكم الدرجة األولى‪ .‬وذلك حماية‬
‫للغير من تعسف بعض املتقاضين الذين قد يهملوا عن قصد إدخال الغير أمام محاكم أولى درجة‪،‬‬
‫وحتى ال يوجد لهؤالء – املتقاضين – في املادة ‪ 888‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج اإللهام اإلالهي الذي يغفر لهم خطأ‬
‫عدم إدخال الغير في الوقت املناسب‪ ،‬مما يشكل ضربة ملبدأ التقاض ي على درجتين‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بينما سلك االتجاه اآلخر مسلكا موسعا لهذه الفكرة‪ ،‬إذ بحسب اعتقادهم‪ ،‬أن اإلدخال يكون ممكنا‬
‫ً‬
‫ومقبوال حتى ولو تعلق األمر بإهمال من جانب الخصم الذي يطلب اإلدخال أو بنسيان عمدي ألمر من‬
‫األمور التي كان من الواجب التمسك بها أمام محكمة الدرجة األولى طاملا أن حقوق الدفاع مكفولة‬
‫ومحترمة أمام قاض ي الدرجة الثانية‪.275‬‬
‫وبين هذين االتجاهين ظهر اتجاه وسط يؤكد على أن تطور النزاع يجب أن يعتمد في أساسه على واقعة‬
‫جديدة حتى ولو كانت موجودة في الطلب األصلي أمام محاكم الدرجة األولى لكن هذه الواقعة ظلت‬
‫غائبة أو مجهولة لدى األطراف‪ ،‬بمعنى أن هذه الواقعة إن كانت معروفة من قبل الخصوم أثناء سير‬
‫اإلجراءات أمام محكمة الدرجة األولى‪ ،‬ولم يبادر األطراف إلى إدخال الغير في حينه فال مجال للقول‬
‫بتطور النزاع وكنتيجة لذلك ال يمكن قبول طلب اإلدخال أمام محاكم الدرجة الثانية‪.‬‬
‫أما على املستوى القضائي‪ ،‬فإن محكمة النقض الفرنسية ربطت فكرة تطور النزاع بفكرة اكتشاف‬
‫واقعة جديدة‪ ،‬وضربت لذلك أمثلة من قبيل تقرير الخبرة الذي يمكن أن يكشف عن مسؤوليات‬
‫َّ‬
‫جديدة‪ ،‬أو االطالع على مضمون محضر لم يتم الحصول عليه إال بعد صدور الحكم االبتدائي‪.276‬‬
‫وفي ختام هذه الفقرة البد من اإلشارة إلى مالحظتين أساسيتين‪:‬‬

‫‪ -274‬وهي نفسها املقتضيات املنصوص عليها يف املادة ‪ 555‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.،.‬ج والتي متت اإلشارة إليها سابقا‪.‬‬
‫‪ -275‬ملزيد من اإليضاح حول هذا النقاش الفقهي ا ُنظر عبد العزيز حرضي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪A.Boudahrain, op. cit. P. 144. -276‬‬

‫‪002‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املالحظة األولى‪ :‬أن طلب اإلدخال محدد بمدة زمنية‪ ،‬ألن هذا الطلب يجب أن يقدم قبل قفل باب‬
‫املرافعة من طرف محكمة ثاني درجة‪ ،‬وإن كان األستاذ عبد السالم بناني قد أكد على إمكانية تقديم‬
‫طلب لفتح باب املرافعة حتى يتسنى لألطراف تقديم طلبات بإدخال الغير‪.277‬‬
‫املالحظة الثانية‪ :‬إن محكمة ثاني درجة ال يمكنها أن تقض ي بعدم قبول طلب اختصام الغير من تلقاء‬
‫نفسها‪ ،‬وإنما يجب أن يتمسك الخصوم بذلك ألن التدخل واإلدخال غير متصل بالنظام العام‪.278‬‬

‫ثانيا‪ :‬آثار تصدي محكمة ثاني درجة على قبول التدخل واإلدخال‬
‫عندما يتوفر طلب التدخل أو اإلدخال على الشروط املشار إليها أعاله‪ ،‬فإنه ال يكون أمام محكمة ثاني‬
‫َّ‬
‫درجة إال قبول هذا الطلب – ما لم يتمسك أحد الخصوم بعدم قبوله – مما سيترتب عنه آثار مهمة‬
‫بالنسبة ملحكمة التصدي‪ ،‬وهي آثار تختلف بحسب ما إذا تعلق األمر بالتدخل (‪ )0‬أو اإلدخال (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬آثار التصدي على التدخل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن التدخل في الدعوى نوعان فإما أن يكون هجوميا أو انضماميا‪ ،‬ولذلك فإننا سنبحث في آثار‬
‫التصدي على كل واحد منهما‪.‬‬
‫أ‪ -‬بالنسبة للتدخل االنضمامي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن هذا النوع من التدخل لم يثر إشكاالت على مستوى العمل القضائي ألن املتدخل تدخال انضماميا ال‬
‫يؤثر على موضوع الطلب القضائي‪ ،‬وإن كان ذلك يؤدي إلى توسيع نطاق الدعوى الشخص ي‪ ،‬ما دام‬
‫املتدخل يكتفي في هذه الحالة بمؤازرة الخصم الذي انضم إليه‪.‬‬
‫َّ‬
‫وهو ما أكده األستاذ عبد العزيز حضري الذي اعتبر التدخل االنضمامي ال تأثير له عن الخصومة إال‬
‫من حيث أشخاصها‪ ،‬ألن املتدخل يعمل باسمه ويدافع عن مصالحه وذلك في إطار مساندة ادعاءات‬
‫الخصم الذي انضم إليه‪ .279‬وهو ذاته املوقف الذي أخذ به األستاذ الشرقي حراث عندما قال أن‬
‫ً‬
‫الطرف املنظم يأخذ صفة من انضم إليه مدعيا أو مدعى عليه‪ ،‬ويتأثر باملواقف التي يتخذها‪ ،‬كما أن‬
‫املتدخل ال يستطيع أن يطعن في هذا الحكم بنفسه وبصورة مستقلة عن الطرف األصلي‪ .280‬وإن كان‬
‫األستاذ أحمد أبو الوفاء قد أكد على حق الطرف املنظم في الطعن في الحكم الصادر ضده بطرق‬
‫الطعن املناسبة‪.281‬‬

‫‪ -277‬عبد السالم بنا‪،‬ي ومن معه‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.521‬‬


‫‪ -278‬أحمد هندي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ -279‬عبد العزيز حرضي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.319‬‬
‫‪-280‬الرشقي حراث ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ -281‬أحمد أبو الوفاء‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.105‬‬

‫‪003‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ولذلك‪ ،‬فإننا نعتقد أن إعمال محكمة الدرجة الثانية لواجبها في التصدي ملوضوع النزاع‪ ،‬ليس له أي‬
‫ً‬
‫تأثير على إمكانية أو حق الشخص في التدخل انضماميا ملؤازرة أحد الخصوم‪ ،‬ما دام أن تدخله هذا ال‬
‫يعتبر من الطلبات الجديدة املحظورة بمقتض ى الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح كما سبقت اإلشارة إلى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬بالنسبة للتدخل الهجومي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ادعاء جديدا ضد أحد أطراف الخصومة أو كليهما‪ ،‬ويتخذ فيه‬ ‫املتدخل هجوميا هو متدخل يحمل‬
‫املتدخل صفة املدعي مما يجعل محكمة ثاني درجة هي محكمة أول درجة بالنسبة له وللخصوم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وسبق لنا أن رأينا أن هذا النوع من التدخل مقبول تشريعيا في فرنسا وقضائيا في املغرب في ظل‬
‫عمومية مقتضيات الفصل ‪ 044‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح والذي لم يميز بين نوعي التدخل‪ ،‬غير أن السؤال‬
‫املطروح هنا مدى تأثير تصدي محكمة ثاني درجة على قبول هذا النوع من التدخل‪.282‬‬
‫ً‬
‫في فرنسا والتي سمح مشرعها للغير بالتدخل هجوميا ولو ألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية بمقتض ى‬
‫املادة ‪ 884‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪ ،‬نجد أن ذات املشرع قد نص في الفقرة األخيرة من املادة ‪ – 815‬والتي‬
‫تنظم التصدي – على أن تصدي محكمة االستئناف ال يعرقل إعمال مقتضيات املادة ‪ ،884‬وهو ما‬
‫يستفاد منه أن املشرع الفرنس ي لم يجعل لتصدي محكمة الدرجة الثانية أي تأثير على تدخل الغير‬
‫هجوميا‪.283‬‬
‫أما في املغرب فإن القضاء في ظل مقتضيات الفصل ‪ 044‬والذي أجاز التدخل دون تمييز‪ ،‬فإنه مجمع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على قبول التدخل الهجومي‪ ،‬بحيث ال يعتبره طلبا جديدا‪ ،‬وهو ما يستفاد من قرار صادر عن املجلس‬
‫األعلى الذي جاء فيه أن التدخل اإلرادي مخول قانونا لكل من له مصلحة في النزاع املعروض أمام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املحكمة وهو إما أن يكون انضماميا أو اختصاميا يأخذ فيه املتدخل دور املدعي يحق له تقديم طلبات‬
‫مستقلة خاصة به‪ ،‬إذا كان ممن لهم الحق في أن يستعملوا مسطرة التعرض الخارج عن الخصومة وال‬
‫تعد طلباته هاته من الطلبات الجديدة املمنوع تقديمها أمام محاكم الدرجة الثانية‪.284‬‬
‫فهذا القرار صريح إذن في جعل التدخل الهجومي يدخل ضمن الطلبات املمكن تقديمها ألول مرة أمام‬
‫محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬لكن هل هذا التدخل جائز إذا ما كانت محكمة الدرجة ملزمة بالتصدي؟‬
‫نعتقد أن الجواب سيكون بالنفي ما دام أن تعريفنا للتصدي الذي أشرنا إليه سابقا يلزم املحكمة‬
‫ً‬
‫بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا‪ ،‬بمعنى أن يكون الطلب معروضا على قاض ي الدرجة األولى‪ ،‬غير أن‬
‫هذا األخير لم يبت فيه بسبب فصله في شكل الدعوى فقط‪ .‬والحال أن طلب التدخل هذا لم يكن‬

‫‪ -282‬ا ُنظر الصفحة ‪. 202‬‬


‫‪ -283‬سبق اإلشارة إىل هذه املواد باللغة الفرنسية‪ ،‬وترجمتها إىل اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -284‬قرار عدد ‪ 57‬يف امللف املد‪،‬ي عدد ‪ 55332‬بتاريخ ‪ ،19-3-1‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،15‬ص ‪.257‬‬

‫‪004‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫معروضا على محاكم الدرجة األولى‪ ،‬لذلك فإن محكمة التصدي ستصرح في هذه الحالة بعدم القبول‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما لم يكن النزاع معروضا أمامها استنادا إلى األثر الناقل إذ لها في هذه الحالة أن تقلبه‪.‬‬
‫ً‬
‫وخالصة القول هو أن تصدي محكمة ثاني درجة ال تأثير له على قبول طلب التدخل انضماميا‪ ،‬ما دام‬
‫املتدخل في هذه الحالة يكتفي بمساندة أحد الخصوم الذي كانت طلباته معروضة على أنظار قاض ي‬
‫الدرجة األولى‪ ،‬أما طلب التدخل الهجومي فإنه غير مقبول –في ظل التشريع املغربي‪-‬أمام محكمة‬
‫ً‬
‫التصدي ألن هذا الطلب لم يكن معروضا على محاكم أول درجة‪ ،‬وبالتالي ال يمكن القول بأن فكرة ما‬
‫ً‬
‫لم يبت فيه ابتدائيا تشمله‪.‬‬
‫‪ -2‬آثار التصدي على اإلدخال‬
‫لبحث مسألة تأثير تصدي محكمة ثاني درجة على طلب إدخال الغير في الدعوى سنعرض ملوقف‬
‫املشرع الفرنس ي ثم موقف املشرع املغربي‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقف املشرع الفرنس ي‬
‫سبق القول أن املشرع الفرنس ي نص بصريح العبارة أن إعمال محكمة ثاني درجة لحقها في التصدي ال‬
‫يعرقل تطبيق مقتضيات املادة ‪ 888‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج الخاصة باختصام الغير ألول مرة أمام محاكم‬
‫ثاني درجة إذ تنص هذه املادة على أنه "األشخاص السابق ذكرهم في املادة ‪ 884‬يمكن اختصامهم أمام‬
‫محكمة االستئناف بهدف الحكم عليهم‪ ،‬إذا ما أدى تطور النزاع إلى ضرورة هذا االختصام"‪.285‬‬
‫فمن خالل هذه املقتضيات يتضح أن للخصوم الحق في اختصام الغير ألول مرة أمام محاكم ثاني‬
‫ً‬
‫درجة وهو ما ينسجم مع نظرة املشرع الفرنس ي لالستئناف والذي جعله طريقا لحسم النزاع بشكل‬
‫نهائي من جهة‪ ،‬وأن إعمال محكمة ثاني درجة لحقها في التصدي لجوهر القضية ال يحول دون تطبيق‬
‫هذه املقتضيات من جهة أخرى‪.‬‬
‫وهو ما يتضح معه مدى التوازن الذي حرص املشرع الفرنس ي على تحقيقه بين سلطات محكمة‬
‫التصدي التي لها حق اللجوء إلى إجراءات التحقيق وسلطات أطراف الخصومة الذين لهم حق تقديم‬
‫طلبات جديدة تتمثل في اختصام الغير ألول مرة أمام محاكم االستئناف من ناحية‪ ،‬وبين سلطات‬
‫ً‬
‫األطراف والغير‪ ،‬ما دام املشرع أجاز لهذا األخير التدخل إراديا إذ ليس من املقبول حرمان األطراف من‬
‫حق مخول لغيرهم من ناحية ثانية‪.‬‬
‫ولذلك فإن ممارسة محكمة ثاني درجة لحقها في التصدي ليس له أي تأثير على اإلطالق على حق‬
‫الخصوم في اختصام الغير في ظل التشريع الفرنس ي‪ ،‬فهل األمر كذلك حتى في التشريع املغربي؟‪.‬‬

‫‪F « Ces mêmes personnes peuvent être appelées devant la cour, même aux fins de . Art 555 du N.C.P.C -285‬‬
‫» ‪condamnation quand l’évolution du litige implique leur mise en cause.‬‬

‫‪005‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ب‪ -‬موقف املشرع املغربي‬


‫بخالف املشرع الفرنس ي‪ ،‬فإن تشريعنا املغربي لم يضع أية مقتضيات خاصة بإدخال الغير أمام محكمة‬
‫االستئناف وال بأثر تصدي املحكمة على هذا اإلدخال‪ ،‬وهو أمر حسب بعض الفقه فيه احترام لقاعدة‬
‫تحريم تقديم طلبات جديدة ألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية وهي قاعدة تتولد عن قاعدة احترام‬
‫مبدأ التقاض ي على درجتين ومبدأ إثبات النزاع‪ ،‬وإن كان األستاذ لهمام قد بحث في نصوص خاصة‬
‫للقول بإمكانية هذا اإلدخال ألول مرة أمام محاكم الدرجة الثانية‪.286‬‬
‫وإذا كنا قد سايرنا األستاذ لهمام فيما ذهب إليه‪ ،‬فإن السؤال الذي يطرح هو مدى إمكانية قبول هذا‬
‫ً‬
‫اإلدخال أمام محكمة التصدي والتي تلزم بالبت فيما لم يبت فيه ابتدائيا؟ وهل يمكن اعتبار طلب‬
‫اإلدخال هذا من األمور التي تدخل في إطار قاعدة ما لم يبت فيه ما دام أنها كانت غائبة على قضاة‬
‫الدرجة األولى؟‬
‫ً‬
‫إن الجواب عن السؤال سيفرض علينا توضيح املقصود بقاعدة ما لم يبت فيه ابتدائيا‪ ،‬إذ أن‬
‫ً‬
‫املقصود بها هو أن األمر أو الطلب كان معروضا على قاض ي الدرجة األولى‪ ،‬ولكن بت هذا األخير في‬
‫الجانب الشكلي للدعوى دون موضوعها حال دون بته في هذا الطلب‪ .‬لذلك‪ ،‬فإننا نستبعد فرضية‬
‫ً‬
‫اعتبار طلب إدخال الغير من الطلبات التي لم يبت فيها ابتدائيا وبالتالي إمكانية التصدي له ما دام هذا‬
‫َّ‬
‫الطلب لم يقدم إال أمام محكمة ثاني درجة‪ ،‬ولم يتم عرضه على قضاة الدرجة األولى‪.‬‬
‫ً‬
‫ولذلك فإنه إذا ما قدم طلب باختصام الغير ألول مرة أمام محكمة ثاني درجة وكان النزاع مرفوعا إليها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استنادا إلى التصدي‪ ،‬فإن لها أن تحكم بعدم القبول ألن هذا الطلب يعتبر طلبا جديدا يمنع تقديمه‬
‫اعتداء على مبدأ التقاض ي على درجتين وبالتالي فال مجال للحديث‬ ‫ٍ‬ ‫في املرحلة االستئنافية‪ ،‬ملا فيه من‬
‫في ظل التشريع املغربي على تأثير تصدي املحكمة على هذا اإلدخال ما دام مثل هذه الطلبات غير‬
‫ً‬
‫مقبولة تشريعيا‪ .‬وإن كان األستاذ ‪ A.BOUDAHRAIN‬قد ذهب إلى أن تحريم تقديم مثل هذه الطلبات‬
‫فيه إجحاف في حق األطراف إذ يحرمهم من حق مخول للغير والذي يمكنه أن يتدخل بإرادته أمام‬
‫محكمة ثاني درجة دون إمكانية إدخاله‪.287‬‬
‫هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية الفصل األول الذي خصصناه للحديث عن تصدي محاكم ثاني درجة‬
‫للبت في القضية‪ ،‬حيث وقفنا فيه وبإيجاز عند أهم اإلشكاالت التي يثيرها هذا النظام من قبيل نوعية‬
‫األحكام القابلة للتصدي‪ ،‬واملقصود بجاهزية الدعوى‪ ،‬كما حاولنا البحث عن تأثير نظام التصدي على‬
‫سلطات الخصوم وصالحيات املحكمة باإلضافة إلى تأثير ذلك على حقوق األغيار‪ .‬وكل ذلك في إطار‬

‫‪ -286‬صالح لهامم‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.351 – 352‬‬


‫‪A. Boudahraine, Op. Cit. P. 305. -287‬‬

‫‪006‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫مقارنة مقتضيات تشريعنا املغربي بنظيره الفرنس ي‪ ،‬لننتقل اآلن للكالم في الفصل املوالي على تصدي‬
‫محكمة النقض للبت في جوهر النزاع‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تصدي محكمة النقض‬


‫إن توحيد العمل القضائي في أية دولة من الدول من أهم ما يسعى إليه مشرع تلك الدولة‪ ،‬ملا في هذا‬
‫ً‬
‫التوحيد من استقرار في العمل القضائي وتوحيد تفسير النصوص القانونية وتأويلها‪ ،‬وإعطائها مدلوال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واحدا وموحدا في جميع محاكم الدولة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫وال يتم تحقيق هذه الغاية إال بإيجاد محكمة عليا تعتبر منتهى الهرم القضائي‪ ،‬وتكون مرجعا قضائيا‬
‫ً‬
‫لجميع محاكم الدولة‪ ،‬وحرصا من املشرع – أي مشرع – على توحيد اجتهادات املحاكم واستقرار‬
‫العمل القضائي‪ ،‬فقد نص على أن تكون محكمة عليا وحيدة في الدولة كلها‪.288‬‬
‫لكن هذه املحكمة العليا وإن اتحدت الغاية من إنشائها في جل التشريعات فإنها – أي التشريعات –‬
‫اختلفت مع ذلك في تحديد طبيعتها‪.289‬‬
‫فهناك من جعلها محكمة قانون فقط‪ ،‬يقتصر اختصاصها على نظر ومراقبة مدى حسن تطبيق‬
‫املحاكم الدنيا للقانون في القضايا املطعون فيها بالنقض أمامها‪ .‬بينما هناك من جعل منها محكمة‬
‫قانون وواقع فتعتبر بذلك – املحكمة العليا – محكمة موضوع و درجة ثالثة من درجات التقاض ي‪،‬‬
‫تكون بدروها في حاجة إلى محكمة قانون أعلى منها لتراقب مدى حسن إعمالها للنصوص القانونية على‬
‫القضايا املعروضة عليها‪.290‬‬
‫وإذا كان املشرع املغربي قد قصر اختصاصات هذه املحكمة في السهر على إرساء النص القانوني‪،‬‬
‫ً‬
‫وسالمة تطبيقه‪ ،‬وتوحيد فهم جميع املحاكم األدنى درجة لهذا النص تحقيقا لجمع كلمة القضاء في‬

‫‪ -288‬وإن تان األستاذ موىس عبود قد أتد عىل أنه "ال ميكن القول بأن وجود محكمة عليا يؤدي حتامً إىل توحيد االجتهاد ويعود ذلك‬
‫إىل تنظيم محاتم النقض نفسها وتقسيمها إىل غرف‪ ،‬فنجد يف بعض األحيان غرفتني تتخذان موقفاً متباينا ً ال بل متناقضاً حول بعض‬
‫النقط"‪ .‬ا ُنظر مقاله بعنوان "االجتهاد القضايئ ودوره يف النظام القضايئ املغريب"‪ .‬منشور مبجلة املحاماة‪ ،‬العدد ‪ ،3‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -289‬اختلفت الترشيعات حتى يف تسميتها فهي يف الواليات املتحدة األمريكية املحكمة الفيدرالية ويف ليبيا املحكمة العليا ويف فرنسا‬
‫واملغرب محكمة النقض ويف العرا‪ ،‬محكمة التمييز ويف تونس محكمة التعقيب‪ ،‬وهو اختالف يف التسمية يؤتد وحدوية عمل هذه‬
‫املحكمة‪ ،‬فهي محكمة عليا باعتبارها أعىل محكمة يف الدولة وآخر مرجع قضايئ فيها‪ ،‬وهي محكمة فيدرالية باعتبارها املحكمة الوحيدة‬
‫يف الدولة – رغم تونها مكونة من عدة واليات – وهي محكمة النقض باعتبارها ذات الكلمة األخرية يف مصري الحكم‪ ،‬وهي محكمة‬
‫متييز أي متيز بني الحكم املوافق للقانون والحكم املخالف له‪ ،‬وأخريا ً هي محكمة تعقيب مبعنى أنها املعقب األخري للحكم‪.‬‬
‫‪ -290‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬املجلس األعىل‪ ،‬طبيعته واختصاصاته‪ ،‬مقال منشور باملجلة املغربية لقانون واقتصاد التنمية‪ ،‬العدد ‪ ،2955 ،21‬ص‬
‫‪ 75‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪007‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫تطبيق القانون على قول واحد‪ ،‬فإنها تعتبر بذلك في ظل التشريع املغربي محكمة قانون وليس واقع‪ .‬إذ‬
‫َّ‬
‫أنها ال تتعرض للوقائع إال بالقدر الكافي الذي تراقب من خالله تطبيق املحكمة للقانون‪ ،‬وال يمكن لها‬
‫الفصل في النزاع بعد نقض قرارها‪ ،‬إذ عليها في هذه الحالة إحالة امللف على نفس املحكمة أو على‬
‫ً‬
‫محكمة أخرى لتبت فيه من جديد‪ ،‬عمال بما هو منصوص عليه في الفصل ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫فاألصل إذن هو منع محكمة النقض من حسم النزاع وما عليها عند نقضها للقرار أو الحكم املطعون‬
‫َّ‬
‫فيه أمامها سوى إحالة امللف على محكمة اإلحالة لتبت فيه من جديد‪ ،‬إال أن املشرع خرج عن هذا‬
‫األصل وأجاز لهذه املحكمة إمكانية البت في القضية لحسمها بشكل نهائي من خالل التصدي لها‪،‬‬
‫فأصبح بذلك ملحكمة النقض الخيار بين اإلحالة أو التصدي‪.‬‬
‫لكن هذا الخيار رهين بضرورة توفر شروط التصدي‪ ،‬إذ بتخلف هذه األخيرة‪ ،‬ال يكون أمام محكمة‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫النقض عند نقضها للقرار إال خيار اإلحالة وليس التصدي‪ ،‬وإن كان الخيارين معا يطرحان عديد‬
‫اإلشكاالت‪ .‬فهي إن تصدت يثار إشكال مدى تأثير ذلك على طبيعتها كمحكمة قانون‪ ،‬على إعتبار أن‬
‫هذا النظام يخول لها البت في القضية ال من جانبها القانوني فحسب‪ ،‬بل حتى من جانبها الواقعي‪ ،‬وهو‬
‫الجانب املحظور عليها نظره بحكم طبيعة عملها كمحكمة قانون؟ وما هي شروط تصديها للقضية؟‬
‫ً‬
‫وهل يكون قرارها القاض ي بالنقض والتصدي قابال للطعن فيه؟ أما إن هي نقضت القرار وأحالت‬
‫الدعوى فإن اإلشكال األساس ي الذي يطرح في هذه الحالة هو ما هي سلطات محكمة اإلحالة؟ وما‬
‫القيود الواردة عليها عند فصلها في هذه الدعوى املحالة عليها؟‬
‫ولإلجابة عن هذه األسئلة وغيرها فإننا سنعتمد التصميم التالي‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬اإلطار التشريعي لنظام التصدي أمام محكمة النقض‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬الطعن في قرار محكمة النقض القاض ي بالتصدي وسلطات محكمة‬
‫اإلحالة‪.‬‬

‫‪008‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلطار التشريعي لنظام التصدي أمام محكمة النقض‬


‫عرف املشرع املغربي نظام التصدي كوظيفة تكميلية ملحكمة النقض منذ إنشائها تحت مسمى املجلس‬
‫األعلى سنة ‪ ،2910282‬ذلك أن اإلجماع منعقد على أن وظيفة هذه املحكمة األساسية هي مراقبة مدى‬
‫صحة املقررات القضائية الصادرة عن محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة باعتبارها محاكم‬
‫موضوع‪ ،‬من حيث التزامها بأحكام القانون‪ ،‬فتعتبر بذلك محكمة قانون وليس واقع فال تمتد سلطاتها‬
‫إلى وقائع النزاع‪ ،‬إذ أنها بنقض ما فسد من األحكام لتصحح ما وقع فيها من أخطاء قانونية‪ ،‬فإنه ليس‬
‫له ا بحكم أصل وظيفتها أن تتعرض ملوضوع النزاع‪ ،‬فبحتها إذن ينحصر في الشق القانوني من هذه‬
‫األحكام‪.‬‬
‫غير أن رقابة محكمة النقض على الوقائع والتي بدأت ضيقة‪ ،‬بدأت تتسع مع مرور الوقت فانطلقت –‬
‫الرقابة – مع ما يسمى بالوظيفة التأديبية للطعن بالنقض‪ ،‬حيث تمتد رقابة محكمة النقض إلى‬
‫تصحيح كل خطأ يصدر عن قضاة املوضوع‪ ،‬ولو في مجال سلطتهم التقديرية في النزاع املطروح أمامهم‪.‬‬
‫وهي الوظيفة التي اتخذها املشرع املغربي‪ -‬على غرار باقي التشريعات‪ -‬مطية ملد رقابة محكمة النقض‬
‫على الجانب الواقعي من الحكم من خالل انعدام األساس القانوني للحكم وانعدام التعليل وتحريف‬
‫املستندات لتصل هذه الرقابة إلى منتهاها بالتصدي ملوضوع النزاع في حاالت محددة وبشروط معينة‬
‫(املطلب الثاني)‪.‬‬
‫َّ‬
‫إال أن بلورة نظام التصدي كوظيفة تكميلية ملحكمة النقض قد مر في ظل تشريعنا املغربي بمراحل‬
‫عديدة وبمحطات كثيرة‪ ،‬تميز فيها موقف املشرع بنوع من التردد وعدم االستقرار على موقف موحدة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بشأن هذا النظام‪ ،‬ذلك أن أول ما نظم املشرع نظام التصدي فقد جعله خيارا متروكا للغرفة اإلدارية‬
‫تمارسه بدون قيود أو شروط‪ .‬فغير من بعد ذلك هذه الطبيعة ليصبح هذا النظام ذو طبيعة ملزمة‬
‫وليشمل القضايا اإلدارية واملدنية معا‪ ،‬ثم إلغاء باملرة‪ ،‬قبل أن يعيد تنظيمه مرة أخرى مع العودة إلى‬
‫طبيعته االختيارية األصلية‪ ،‬وهو تردد مرده باألساس آثار هذا النظام على طبيعة محكمة النقض إذ أنه‬

‫‪ -291‬ينص الفصل ‪ 13‬من ظهري ‪ 11‬شتنرب ‪ 2951‬املحدث مبوجبه املجلس األعىل عىل أنه "إذا نقض املجلس األعىل الحكم املعروض عليه‬
‫وتان األمر يقيض بإحالة القضية عىل محكمة أخرى‪ ،‬فإنه يحيلها عىل محكمة أخرى مساوية للمحكمة التي نقض حكمها وإما عىل‬
‫نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض‪ .‬ويتعني آنذاك أن تتألف هذه املحكمة من أعضاء آخرين‪.‬‬
‫ويجب عىل املحكمة التي أحيلت عليها القضية بعد النقض أن تعمل مبقررات املجلس األعىل يف النقطة القانونية التي بت فيها املجلس‬
‫األعىل املذتور‪.‬‬
‫ويف القضايا املعروضة عىل الغرفة اإلدارية ميكن للمجلس األعىل إذا ما نقض حكام قضائيا إما أن يحيل القضية عىل محكمة أخرى‬
‫طبق الرشوط املنصوص عليها سابقا وإما أن يتصدى لها ويبت هو نفسه فيها نهائيا‪".‬‬

‫‪009‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫يبعدها عن نطاق وظيفتها األساسية املتمثلة في السهر على سالمة إعمال النصوص القانونية (املطلب‬
‫األول)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬نظام التصدي ووظيفة محكمة النقض‬


‫ً‬
‫من املعلوم أن القضاء املغربي ظل في عهد الحماية موزعا بين عدة جهات قضائية‪ ،‬فهناك القضاء‬
‫الشرعي والقضاء املخزني ثم القضاء العرفي باإلضافة إلى القضاء العبري والقضاء الفرنس ي‪ ،‬ولقد كانت‬
‫النزاعات التي تعرض على هذا األخير – القضاء الفرنس ي – هي وحدها املمكن الطعن فيها بالنقض أمام‬
‫محكمة النقض الفرنسية بباريس‪ ،‬طبقا للفصل ‪ 04‬من الظهير املتعلق بالتنظيم القضائي املغربي‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 09‬غشت ‪.2920201‬‬
‫َّ‬
‫إال أنه وبحصول املغرب على االستقالل الذي ناله بتاريخ ‪ 9‬مارس ‪ ،0281‬كان من املحتم أن يواكب‬
‫هذا االستقالل السياس ي‪ ،‬استقالل قضائي كذلك‪ ،‬والذي يقصد به –االستقالل القضائي – مغربة‬
‫أطر القضاء املغربي‪ ،‬وتوحيد جهاته وتعريب لغته مع وضع جهاز قضائي يراقبه ويشرف على نشاطه‪.‬‬
‫َّ‬
‫وإذا كان قانون مغربة القضاء وتوحيده لم يرى النور إال بتاريخ ‪ 91‬يناير ‪ ،0218‬فإن وضع جهاز قضائي‬
‫ً‬
‫يشرف على مراقبة نشاط املحاكم املغربية بدأ التفكير فيه مبكرا وهكذا وبمقتض ى ظهير ‪ 92‬شتنبر‬
‫‪ ، 0282‬أنشأ املشرع املغربي املجلس األعلى كجهاز للنقض يتصدر التنظيم القضائي باملغرب ويشرف‬
‫عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد كان لزاما على املشرع املغربي‪ ،‬وهو بصدد وضع نظام الطعن بالنقض‪ ،‬أن يختار من بين األنظمة‬
‫القانونية الكبرى السائدة في التشريعات املقارنة‪ ،‬وذلك في تحديده لطبيعة عمل محكمة النقض‪،‬‬
‫فوقع اختياره على النظام الالتيني الذي يعتبر هذه املحكمة محكمة قانون‪ ،‬وليس محكمة واقع‬
‫وموضوع‪.293‬‬

‫‪ -292‬ولقد تان معيار التمييز بني اختصاصات القضاء الرشعي واملخز‪،‬ي والعريف من جهة‪ ،‬واختصاصات القضاء الفرنيس من جهة أخرى‬
‫فيام يخص البت يف النزاعات املتعلقة بالحقو‪ ،‬الشخصية هو جنسية أطراف الخصومة‪ ،‬بحي تان القضاء الفرنيس مختصاً بالنظر يف‬
‫النزاعات التي تثور بني الفرنسيني أو بني األجانب الفرنسيني واألجانب‪ ،‬يف حني تانت باقي الجهات القضائية األخرى تختص بالنظر‬
‫يف النزاعات الشخصية القامئة بني املغاربة‪.‬‬
‫أما النزاعات املتعلقة بالحقو‪ ،‬العينية العقارية فإن معيار التمييز بني اختصاصات هذه الجهات القضائية تان هو معيار تحفيظ العقار‪،‬‬
‫ذلك أن القضا ء الفرنيس تان ينظر يف النزاعات املتعلقة بالعقارات املحفظة والتي يف طور التحفيظ‪ ،‬تيفام تانت جنسية أو ديانة‬
‫املتخاصمني‪ ،‬أما النزاعات املرتبطة بالعقارات غري املحفظة فقد تانت تنظر من قبل القضاء الرشعي‪ ،‬تيفام تانت أيضا ً جنسية أو ديانة‬
‫أطراف الدعوى‪.‬‬
‫‪ -293‬محمد الكشبور‪ ،‬نظام التصدي‪ ،‬ووظيفة املجلس األعىل‪ ،‬مقال منشور مبجلة القضاء والقانون‪ ،‬العدد ‪ ،239‬دجنرب ‪ ،2955‬ص ‪.57‬‬

‫‪021‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫لكن إجازة املشرع ملحكمة النقض إمكانية التصدي ملوضوع النزاع أثار تساؤل البعض حول تأثير هذا‬
‫النظام – التصدي – على وظيفتها األصلية املتمثلة في التطبيق السليم للقانون‪ ،‬على اعتبار أن تصدي‬
‫محكمة النقض للقضية يقربها أكثر من محاكم املوضوع‪ ،‬فهل تتحول هذه املحكمة عند ممارستها‬
‫لحقها في التصدي لجوهر النزاع إلى املحكمة واقع؟ أم أن ذلك ال تأثير له على طبيعتها كمحكمة قانون؟‬
‫ولإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬فإننا نرى من األفضل الحديث أوال عن التطور التاريخي لنظام التصدي‬
‫أمام محكمة النقض (الفقرة األولى) قبل الحديث عن تأثير هذا النظام على طبيعتها (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التطور التاريخي لنظام التصدي أمام محكمة النقض‬


‫لقد مر حق محكمة النقض في التصدي للقضية بمراحل عديدة تميز فيها موقف مشرعنا املغربي بنوع‬
‫من التردد‪ ،‬وعدم الثبات على رأي واحد‪ ،‬ذلك أنه – املشرع املغربي – تارة يحيز هذا الحق – بل جعل‬
‫منه واجبا في بعض األحيان – وتارة يلغيه‪.‬‬
‫ولتوضيح هذه املسألة فإننا سنعرض ملوقف املشرع املغربي بخصوص حق محكمة النقض في التصدي‬
‫من خالل مرحلتين‪ ،‬املرحلة األولى تمتد من سنة ‪ 0282‬إلى سنة ‪( 0224‬أوال) واملرحلة الثانية تبتدئ من‬
‫سنة ‪ 0224‬إلى اآلن (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الفترة املمتدة ما بين ‪ 1501‬و ‪1511‬‬


‫إن الفترة املمتدة ما بين سنتي ‪ 0282‬و ‪ 0224‬شهدت صدور ظهير إحداث املجلس األعلى الذي أجاز‬
‫بموجبه املشرع املغربي نظام التصدي ملحكمة النقض في القضايا اإلدارية فقط (‪ )0‬وقانون املسطرة‬
‫املدنية الذي مدد هذا النظام ليشمل حتى القضايا املدنية مع تغيير طبيعته من رخصة إلى التزام (‪.)9‬‬

‫‪ -1‬ظهير إحداث املجلس األعلى‬


‫يعتبر ظهير ‪ 92‬شتنبر ‪ 0282‬املؤسس للمجلس األعلى أول قانون سن بموجبه املشرع املغربي نظام‬
‫التصدي أمام محكمة النقض‪ ،‬فبعدما ألزم املشرع بمقتض ى الفقرة األولى‪ 294‬من املادة ‪ 91‬من الظهير‬

‫‪ -294‬والتي جاء فيها ما ييل‪" :‬إذا نقض املجلس األعىل الحكم املعروض عيله وتان األمر يقيض بإحالة القضية عىل محكمة أخرى فإنه‬
‫يحيلها إما عىل محكمة أخرى مساوية للمحكمة التي نقض حكمها وإما عىل نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض‪ .‬ويتعني‬
‫إذا ذلك أن تتألف هذه املحكمة من أعضاء آخرين‪".‬‬

‫‪020‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املشار إليه على املجلس األعلى عند نقضه للحكم املعروض عليه بإحالة القضية إلى محكمة أخرى‬
‫ً‬
‫واستثناء على نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم‬ ‫مساوية للمحكمة املنقوض حكمها كقاعدة عامة‬
‫املنقوض والتي يتعين عليها أن تتألف من أعضاء آخرين‪ ،‬عاد وخول للغرفة اإلدارية بنفس املجلس‬
‫الخيار عند نقضها حكما قضائيا بين إحالة القضية أو التصدي لها‪ .‬وذلك بحسب ما جاء في الفقرة‬
‫األخيرة من املادة املومأ إليها أعاله والتي تنص على أنه "وفي القضايا املعروضة على الغرفة اإلدارية‬
‫يمكن للمجلس األعلى إذا ما نقض حكما قضائيا إما أن يحيل القضية على محكمة أخرى طبق‬
‫الشروط املنصوص عليها سابقا وإما أن يتصدى لها ويبت هو نفسه فيها نهائيا‪".‬‬
‫إن القراءة األولية لهاته الفقرة تدفعنا الستنتاج مالحظتين أساسيتين هما‪:‬‬
‫‪ -‬املالحظة األولى‪ :‬إن نظام التصدي في ظل ظهير ‪ 92‬شتنبر ‪ 0282‬ظلت ممارسته قاصرة على الغرفة‬
‫اإلدارية باملجلس األعلى دون باقي الغرف‪.295‬‬
‫‪ -‬املالحظة الثانية‪ :‬إن ممارسة الغرفة اإلدارية لحقها في التصدي كان يخضع لسلطتها التقديرية‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن املشرع املغربي لم يضع أي شرط ملمارسة هاته السلطة‪.‬‬
‫‪ -2‬قانون املسطرة املدنية لسنة ‪1511‬‬
‫ملا صدر ق‪.‬م‪.‬م لسنة ‪ 0224‬ألغى املشرع املغربي بمقتضاه الفصل ‪ 91‬من ظهير إحداث املجلس‬
‫األعلى‪ ،296‬وعوضه بالفصلين ‪ 115‬و ‪ 112‬من مسطرة ‪ .0224‬وما يهمنا نحن هنا هي مقتضيات الفصل‬
‫‪ ،115‬الذي أوجب فيه املشرع على املجلس األعلى في حالة نقضه للحكم املعروض عليه التصدي‬
‫ً‬
‫للقضية والبت فورا في موضوع النزاع‪ ،‬أو في النقط التي استوجبت النقض‪ ،‬إذا ما اعتبر – املجلس‬
‫األعلى – أنه يتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع بحكم سلطتهم‪ .‬وهو ما‬
‫طبقه املجلس األعلى في العديد من قراراته‪ ،‬والتي جاء في أحدها أنه "وحيث يتوفر املجلس األعلى على‬
‫العناصر الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع بحكم سلطتهم‪ ،‬والتي تبقى وحدها قائمة في الدعوى‪،‬‬
‫فيحق له التصدي والبت في النقط التي استوجبت النقض وفقا ألحكام الفصل ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م‪297".‬‬

‫‪ -295‬تنص الفقرة األخرية من الفصل الثا‪،‬ي من ظهري ‪ 11‬شتنرب ‪ 2951‬عىل أنه "وينقسم املجلس األعىل إىل أربعة غرف منها غرفة‬
‫إدارية‪"...‬‬
‫‪ -296‬جاء يف البند السادس من الفصل ‪ 5‬من الظهري الرشيف مبثابة قانون رقم ‪ 2.17.771‬باملصادقة عىل نص قانون املسطرة املدنية ما‬
‫ييل "تلغى من تاريخ تطبيق القانون املضاف لهذا الظهري جميع املقتضيات القانونية املخالفة أو التي تكون تكرارا لها وخاصة‪:‬‬
‫‪ -‬الفصل األول والفصول ‪ 5‬إىل ‪ 20‬بإدخال الغاية والفصول ‪ 21‬إىل ‪ 35‬بإدخال الغاية من ظهري ‪ 2.51.113‬بتاريخ ‪ 1‬ربيع األول ‪11( 2311‬‬
‫شتنرب ‪ )2951‬املتعلق باملجلس األعىل‪".‬‬
‫‪ -297‬قرار رقم ‪ 105‬بتاريخ ‪ 27‬يوليوز ‪ 2952‬منشور باملجلة املغربية للقانون‪ ،‬العدد ‪ ،21‬سنة ‪ ،2951‬ص ‪.221‬‬

‫‪022‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ولقد ذهب األستاذ محمد الكشبور في تعليقه على هذه املاد للقول أن "مفاد نص املادة ‪ 115‬هو أنه‬
‫يجب على قاض ي النقض املغربي سواء كان النزاع مدنيا أم إداريا أن يتصدى للقضية بعد نقضها‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويصدر بشأنها حكما فاصال في النزاع‪ ،‬كلما توفرت الشروط التي تطلبها املشرع‪ ،‬وأهمها أن تكون وقائع‬
‫النزاع قد استخلصت بكيفية تامة وصحيحة بحيث لم تعد تنتظر سوى إنزال حكم القانون عليها‪298".‬‬

‫وبمقارنة مقتضيات املادة ‪ 91‬من ظهير إحداث املجلس األعلى امللغاة واملادة ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م نخلص إلى‬
‫استنتاج املالحظتين التاليتين‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان نظام التصدي في ظل الفصل ‪ 91‬مجرد رخصة مخولة للغرفة اإلدارية وحدها‪ ،‬فإن هذا‬
‫النظام في ظل مقتضيات الفصل ‪ 115‬يعتبر التزاما يقع على عاتق املجلس األعلى بجميع غرفه‪.‬‬
‫‪ -‬أن املادة ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م وسعت من نطاق نظام التصدي ليشمل القضايا املدنية والقضايا اإلدارية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعدما كان هذا النظام قاصرا فقط على هذه األخيرة – القضايا اإلدارية – بحسب ما كان منصوصا‬
‫عليه في الفصل ‪ 91‬من ظهير ‪ 92‬شتنبر ‪.0282‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفترة من ‪ 1511‬إلى اآلن‬


‫إن التطور التاريخي لنظام التصدي أمام محكمة النقض لم يقف عند صدور مسطرة ‪ ،0224‬بل إن‬
‫هذا التطور استمر وذلك بصدور القانون رقم ‪ 19‬لسنة ‪ )0( 0254‬والقانون رقم ‪ 51‬لسنة ‪)9( 9111‬‬
‫ثم مشروع قانون املسطرة املدنية (‪.)1‬‬
‫‪ -1‬القانون رقم ‪ 51‬لسنة ‪1591‬‬
‫منذ صدور قانون املسطرة املدنية لسنة ‪ ،0224‬تعالت األصوات املنادية بضرورة إلغاء الفصل ‪115‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬بحجة أنه يحول طبيعة محكمة النقض من محكمة قانون إلى محكمة واقع‪ ،‬ويجعلها –‬
‫محكمة النقض – درجة ثالثة من درجات التقاض ي تحتاج بدورها إلى محكمة قانون تشرف على‬
‫نشاطها املوضوعي‪ ،‬وأنه نظام يبعدها عن االضطالع بدورها التقليدي املتمثل في مراقبة تطبيق القانون‬
‫بصفة سليمة‪.‬‬
‫وأمام وجاهة هاته االنتقادات املوجهة لنظام التصدي‪ ،‬تقدمت وزارة العدل بمشروع قانون يرمي إلى‬
‫إلغاء الفصل ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،‬وهو ما تم بالفعل‪ ،‬حيث صادق مجلس النواب على هذا املشروع‬

‫‪ -298‬محمد الكشبور ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪023‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫َّ‬
‫بتاريخ ‪ 94‬نونبر ‪ ،2990251‬وبقي إلى حين إصدار الظهير املتعلق بتنفيذه والذي لم يرى النور إال في‬
‫العاشر من شهر شتنبر سنة ‪ ،0221‬حيث نصت املادة األولى منه على إلغاء الفصل ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غير أن هذا اإللغاء قد لقي انتقادا شديدا من طرف فقهاء القانون املغربي‪ ،‬فلقد اعتبر األستاذ محمد‬
‫ً‬
‫الكشبور أن إلغاء حق التصدي ال يخدم تشريعنا املغربي في ش يء مؤكدا أن إلغاء الفصل ‪ 115‬يمثل‬
‫قفزة نوعية إلى الوراء‪ ،‬وأن إصالح القانون املغربي يقتض ي إعادة النظر فيما تم إلغائه‪ .‬واقترح عوض‬
‫هذا اإللغاء تغيير طبيعة نظام التصدي من واجب إلى رخصة وذلك باستبدال كلمة "تعين" املضمنة في‬
‫صلب الفصل ‪ 115‬بكلمة "يمكن"‪ ،‬فتنقلب القاعدة من نص آمر إلى نص غير ملزم للمجلس األعلى‪ ،‬ال‬
‫َّ‬
‫يلجأ إليه إال في حالة الضرورة القصوى‪.300‬‬
‫‪ -2‬القانون رقم ‪ 95‬لسنة ‪2552‬‬
‫بعد إلغاء نظام التصدي‪ ،‬بموجب القانون رقم ‪ 19‬لسنة ‪ ،0259‬فإن محكمة النقض أصبحت ملزمة‬
‫عند نقضها للحكم املطعون فيه بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى من نفس درجة املحكمة املنقوض‬
‫حكمها أو بصفة استثنائية على نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض‪.301‬‬
‫غير أن املشرع املغربي حاد عن هذا األصل‪ ،‬وأجاز ملحكمة النقض التصدي للقضية بدل إحالة امللف‪،‬‬
‫وذلك بمقتض ى املادة ‪ 02‬من القانون رقم ‪ 51‬لسنة ‪ 9111‬القاض ي بإحداث املحاكم استئناف إدارية‪،‬‬
‫والتي جاء فيها أنه "يمكن ملحكمة النقض عن التصريح بنقض قرار صادر في دعوى اإللغاء أن تتصدى‬
‫للبث إذا كانت القضية جاهزة"‪.‬‬
‫واملالحظ من خالل هذه املادة أن حق محكمة النقض في التصدي للقضية ال يتعلق بدعوى القضاء‬
‫الشامل بل يخص فقط دعوى اإللغاء‪ ،‬ولقد برر السيد الوزير العدل –آنذاك‪ -‬في عرضه املقدم أمام‬
‫لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان بمجلس املستشارين بمناسبة مناقشة القانون ‪ 51‬لسنة ‪9111‬‬
‫املحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية إقصاء القضاء اإلداري الشامل من حق التصدي‪ ،‬باعتبار أن‬
‫هذا األخير في قضايا اإللغاء توجه قائم على مراعاة أهمية دعوى اإللغاء املتجلية في املراقبة التي‬

‫‪ -299‬مجلس النواب‪ ،‬دورة أتتوبر ‪ ،2952‬محرض الجلسة رقم ‪ 27‬املنعقدة بتاريخ ‪ 17‬نوفمرب ‪ 2952‬بإلغاء إيقاف التنفيذ والتصدي أمام املجلس‬
‫األعىل‪ ،‬املجلة املغربية للقانون‪ ،‬العدد ‪ ،21‬أبريل – ماي ‪ ،2951‬ص ‪.55‬‬
‫‪-300‬محمد الكشبور ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -301‬ا ُنظر الفصل ‪ 329‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬

‫‪024‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫يمارسها قضاء اإللغاء على أعمال اإلدارة‪ ،302‬وهو ما انتقده األستاذ حسن صحيب الذي أكد على أنه‬
‫حتى القضاء الشامل يمارس رقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬ولذلك فإنه ال يوجد مبرر لهذا اإلقصاء‪.303‬‬
‫بقي أن نشير فقط إلى أن حق محكمة النقض في التصدي للقضية إذا كانت جاهزة عند نقصها لقرار‬
‫قضائي صادر في دعوى اإللغاء‪ ،‬سيعيد مشروع ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م تنظيمه وذلك بمقتض ى املادة ‪.3049-112‬‬
‫‪ -2‬مشروع قانون املسطرة املدنية‪:‬‬
‫ً‬
‫إن إعمال محكمة النقض لحقها في التصدي للقضية لن يبقى قاصرا فقط على دعاوى اإللغاء‪ ،‬بل‬
‫سيشمل حتى الدعاوى املدنية وذلك بحسب ما تنص عليه املادة ‪ 112-0‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م والتي جاء فيها‬
‫أنه "يمكن ملحكمة النقض عند نقضها حكما أو قرارا كليا أو جزئيا أن تتصدى للبث في القضية‬
‫بالشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الطعن بالنقض للمرة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع"‪.‬‬
‫ولقد جاء هذا التنظيم من جديد لنظام التصدي في القضايا املدنية استجابة ملا جاء في التقرير‬
‫ً‬
‫السنوي للمجلس األعلى لسنة ‪ 9115‬والذي أكد على أن التصدي الذي كان موكوال ملحكمة النقض‬
‫بمقتض ى الفصل ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م وتم إلغائه بمقتض ى القانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪ ،0259‬كان يعطي‬
‫ملحكمة النقض صالحية التطرق ملوضوع النزاع‪ ،‬إذا كانت القضية جاهزة للبث فيها بدل إحالتها إلى‬
‫محكمة املوضوع ل لبث فيها عن جديد‪ ،‬وبالرغم مما قد يوجه من انتقاد لهذه الصالحية املخولة‬
‫ملحكمة النقض والتي تخرجها عن دورها كمحكمة قانون‪ ،‬فإنه من األكيد أن تخويل املجلس األعلى‬
‫ً‬
‫صالحية البث في النزاع والحسم فيه ال ينقص من ضمانات املحكمة العادلة وال يلحق ضررا بأطراف‬
‫الدعوى‪ ،‬بل إن من شأنه تقصير أمد النزاعات بين الخصوم‪ ،‬غير أنه يجب منح هذه الصالحية في‬
‫حدود ما تقتضيه املصلحة‪ ،‬وذلك بحصر حاالت التصدي وتحديد شروطه‪.‬‬

‫‪ -302‬أُنظر تقرير لجنة العدل والترشيع وحقو‪ ،‬اإلنسان مبجلس املستشارين مناسبة مناقشة القانون ر‪ 50.03 ،‬املحدثة مبوجبه محاتم‬
‫واستئناف إدارية‪ ،‬دورة اتتوبر ‪.1005‬‬
‫‪-303‬حسن صحيب ‪ ،‬إشكالية تحديد االختصاص بني محاتم االستئناف اإلدارية واملجلس األعىل‪ ،‬مقال منشور باملجلة املغربية لإلدارة‬
‫املحلية والتنمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،10001 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -304‬والتي تنص عىل ما ييل "ميكن ملحكمة النقض عند الترصيح بنقض قرار صادر يف دعوى اإللغاء أن يتصدى للبت إذا تانت القضية‬
‫جاهزة"‬

‫‪025‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة نظام التصدي بطبيعة محكمة النقض‬


‫إذا كان الدافع األساس ي من وراء إلغاء املشرع املغربي للفصل ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م والذي كان يجيز‬
‫بمقتضاه املشرع ملحكمة النقض بالتصدي للقضية‪ ،‬هو أن هذا النظام يجعل من محكمة النقض‬
‫محكمة واقع‪ ،‬والحال أنها محكمة قانون‪ ،‬فإن إعادة تنظيم املشرع لنظام التصدي أمام هاته املحكمة‬
‫–وإن كان قد غير من طبيعته من واجب إلى حق‪ -‬وذلك بمقتض ى املادة ‪ 02‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬ا‪.‬إ واملادتين ‪-0‬‬
‫‪ 112‬و ‪ 112-9‬من م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،‬يدفعنا إلى التساؤل حول غايات هذا التنظيم من جديد‪ ،‬أو ليس في‬
‫نظام التصدي تأثير على عمل محكمة النقض وهو التأثير الذي كان وراء إلغائه أصال؟ أم أنه تأثير كان‬
‫مرتبط فقط بطبيعة نظام التصدي امللزمة؟ إذ بتغيير هذه الطبيعة إلى رخصة ألغي معه كل تأثير لهذا‬
‫النظام على عمل محكمة النقض؟‬
‫لإلجابة عن هذا التساؤل فإننا نرى من األفضل الحديث عن طبيعة عمل محكمة النقض (أوال) في‬
‫سبيل البحث عن حقيقة تأثير نظام التصدي على هذه الطبيعة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬طبيعة عمل محكمة النقض‬


‫النظم‪305‬‬ ‫سنحاول في هذ ه النقطة إعطاء فكرة موجزة عن طبيعة عمل محكمة النقض في أهم‬
‫السائدة في التشريعات املقارنة (‪ )0‬قبل الوقوف عند طبيعة عمل محكمة النقض املغربية (‪.)9‬‬

‫‪ -1‬طبيعة عمل محكمة النقض في التشريعات املقارنة‬


‫ً‬
‫إن تصنيف طبيعة عمل محكمة النقض مرتبط أساسا بطبيعة النظام السائد في كل تشريع أهو‬
‫النظام الالتيني (أ) أم النظام األنجلوسكسوني (ب)‪:‬‬
‫أ‪ -‬النظام الالتيني‬
‫القاعدة األساسية في هذا النظام هي أن محكمة النقض محكمة قانون وليس محكمة واقع‪ ،‬أي أنها‬
‫تمارس وظيفة قانونية تتمثل في تدعيم الحقيقة القانونية‪ ،‬وذلك بالسهر على التطبيق السليم‬
‫للنصوص القانونية‪ ،‬فقاض ي النقض يأخذ وقائع الدعوى كمسلمات ويقتصر دوره فقط على التحقق‬

‫‪ -305‬قلنا أهم النظم ألننا سنقترص يف حديثنا عن النظام الالتيني والنظام األنجلوسكسو‪،‬ي فقط دون النظام الفيدرايل السائد يف الدول‬
‫الفيدرالية تالواليات األمريكية املتحدثة‪ ،‬إذ أن محاتم هذه األخرية تطبق القوانني املحلية السائدة يف تل والية وتوجد يف تل والية‬
‫محكمة الستئناف تلعب يف تثري من األحيان دور محاتم النقض‪ ،‬أما املحكمة الفيدرالية العليا فيقترص دورها غالبا عىل فرض سيادة‬
‫الترشيع الفيدرايل عىل القوانني املحلية السائدة يف تل والية فهي ال تتدخل إالَّ مبناسبة تنازع القوانني املحلية والترشيع الفيدرايل‪.‬‬
‫‪ -‬ملزيد من اإليضاح ا ُنظر‪ :‬محمد الكشبور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪026‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫من شرعية القرار املطعون فيه أمامه‪ ،‬أي التأكد من مدى حسن تطبيق قاض ي املوضوع للنصوص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القانونية الواجبة التطبيق‪ ،‬وتفسيرها تفسيرا صائبا على الوقائع التي استخلصها‪.306‬‬
‫ً‬
‫وتعتبر محكمة النقض الفرنسية نموذجا لهذا النظام‪ ،‬فاملشرع الفرنس ي قد أكد على أن محكمة‬
‫النقض هي محكمة قانون وذلك منذ أن أنشئت بواسطة قانون ‪ 92‬نوفمبر ‪ ،0221‬حيث جاء في‬
‫الفصل الثالث من هذا القانون أنه "تبطل محكمة النقض سائر اإلجراءات التي خولت فيها الشكل‬
‫وكذلك سائر األحكام التي تضمنت مخالفة صريحة لنصوص القانون‪ ،‬وليس لتلك املحكمة أن‬
‫تتعرض ملوضوع الدعوى"‪.307‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض في ظل النظام الالتيني تعتبر محكمة قانون‪ ،‬إذ ليس لها أن‬
‫تبت في موضوع الدعوى ووقائعها‪ ،‬بل يقتصر نظرها فقط على التحقق من مدى حسن تطبيق القانون‬
‫من قبل محاكم املوضوع‪.‬‬
‫ب‪ -‬النظام األنجلوسكسوني‬
‫بخالف ما عليه األمر في النظام الالتيني‪ ،‬فإن محكمة النقض في ظل النظام األنجلوسكسوني تعتبر‬
‫محكمة واقع وليس محكمة قانون فقط‪ ،‬أي أنها في الحقيقة عبارة عن محكمة عليا لالستئناف‪.‬‬
‫والسبب في ذلك هو أن النظام األنجلويكسوني يرتكز على نظام السوابق القضائية وليس على نظام‬
‫القواعد القانونية التشريعية‪.‬‬
‫فالقاض ي في هذا النظام وهو بصدد النظر في النزاع املطروح أمامه ال يكيف وقائعه انطالقا من نص‬
‫ً‬
‫قانوني معين‪ ،‬ولكن انطالقا من سابقة قضائية سبق لنفس املحكمة التي تنطر النزاع أو أية محكمة‬
‫أخرى أعلى منها درجة أن قررتها‪ ،‬أي قياس وقائع سابقة على الوقائع املطروحة أمامه‪ .‬واعتماد نفس‬
‫الحل الذي سبق تقريره بشأنها متى تحقق تطابق بين تلك الوقائع‪.308‬‬
‫ولعل خير نموذج لهذا النظام هو مجلس اللوردات اإلنجليزي الذي يتصرف حين يمارس نشاطه‬
‫ً‬
‫القضائي‪ 309‬تصرف محكمة واقع وليس محكمة قانون فقط‪ ،‬فكثيرا ما يجرى نعت هذا املجلس بأنه‬

‫‪ -306‬محمد الكشبور ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.52‬‬


‫‪ -307‬ترجمة محمد الكشبور يف مقاله وضعية املجلس األعىل بني محاتم النقض يف الترشيعات املقارنة‪ ،‬منشور باملجلة املغربية لقانون‬
‫واقتصاد التنمية‪ :‬العدد ‪ ،2955-21‬ص ‪ 19‬والنص بلغته األصلية يسري وفق التايل‪:‬‬
‫‪« il annulera toutes procédure dans lesquelles les formes auront été violé et tout jugement que est en contravention‬‬
‫‪expresse aux textes de la loi. Sous aucun aux prétexte et en aucun. cas, le tribunal ne pourra connaitre du fond des‬‬
‫» ‪affaires‬‬
‫‪ -308‬محمد الكشبور ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ -309‬ألن ملجلس اللوردات اختصاصات ترشيعية بجانب اختصاصاته القضائية والتي تتمثل أساسا يف اإلسهام يف إصدار القوانني‬
‫الجديدة ومساءلة الحكومة وتدقيق أعاملها وقراراتها‪...‬‬

‫‪027‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫عبارة عن محكمة عليا لالستئناف تمد رقابتها ال إلى الجوانب القانونية في الحكم وحدها‪ ،‬بل إلى جميع‬
‫جوانبه الواقعية كذلك‪.‬‬
‫وبذلك فإن أي حكم تصدره املحاكم في ظل النظام األنجلوسكسوني‪ ،‬يعتبر سابقة قضائية ينبغي‬
‫إتباعها في القضايا املماثلة‪ ،‬فهذه السوابق تقيد املحاكم األدنى درجة‪ ،‬ويسهر على فرض احترام‬
‫القاعدة السالفة محاكم االستئناف ومحكمة النقض‪.‬‬
‫‪ -2‬الوضع بالنسبة ملحكمة النقض املغربية‬
‫إذا ما حاولنا البحث عن طبيعة محكمة النقض في التشريع املغربي ومركزها ضمن محاكم النقض‬
‫املتواجدة في التشريعات املقارنة‪ ،‬الستنتجنا من خالل مصادرها التاريخية وكيفية ممارستها لنشاطها‪،‬‬
‫ومن النصوص التشريعية املنظمة الختصاصاتها‪ ،‬بأنها تمثل محكمة قانون وليس محكمة واقع‪.‬‬
‫فاملشرع املغربي عندما فكر في وضع نظام للنقض‪ ،‬رجع إلى التشريع الفرنس ي‪ ،‬الذي يعتبر املصدر‬
‫التاريخي لتشريعنا املغربي‪ ،‬فاستقى منه جل األحكام املنظمة لعمل محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬وبما أن‬
‫هذه األخيرة تعتبر محكمة قانون فإنها تعتبر كذلك في التشريع املغربي‪.‬‬
‫ولقد كان املشرع أكثر وضوحا في تحديد هذه الطبيعة وذلك في ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م حيث تنص املادة ‪ 805‬منه‪310‬‬

‫في فقرتها الثانية أنه "تمتد رقابة محكمة النقض إلى التكييف القانوني للوقائع املبنية عليها املتابعة‬
‫الجنائية‪ ،‬لكنها ال تمتد رقابتها إلى الوقائع املادية التي يشهد بثبوتها قضاة املحاكم الزجرية وال إلى قيمة‬
‫الحجج التي أخذوا بها ‪ ، "...‬وهو أيضا ما أكدته محكمة النقض منذ إنشائها في العديد من قرارتها‬
‫والتي جاء في أحدها أنه "لكن‪ ،‬حيث إن املحكمة‪ ،‬حينما وصفت التصرف االنفرادي بفصل الطاعن‬
‫من عمله‪ ،‬بأنه يكون خالفا في شرعية الطرد ال نزاعا في تأويل العقد فإنها فعلت ذلك في نطاق سلطتها‬
‫التقديرية للمعنى الذي استخلصته من ظروف القضية وأن هذا التقدير املعنوي باعتباره مسالة واقع‬
‫‪،‬ال يخضع لرقابة املجلس األعلى"‪.311‬‬
‫وبذلك فإن محكمة النقض املغربية تنصب رقابتها فقط على الجوانب القانونية في الحكم وليس على‬
‫جوانبه الواقعية‪ ،‬ولعل ما يزكي هذا األمر أنه لكي يقبل الطعن بالنقض فإنه البد من التمسك بأحد‬
‫األسباب القانونية اآلتية‪ :‬خرق القانون الداخلي أو خرق قاعدة مسطرية أو عدم االختصاص أو‬

‫‪ -310‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.01.155‬صادر يف ‪ 15‬من رجب ‪3( 2713‬أتتوبر ‪ )1001‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 11.02‬املتعلق باملسطرة الجنائية‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع‬
‫‪ 5015‬بتاريخ ‪ ،3003/02/30‬ص ‪.325‬‬
‫‪ -311‬قرار عدد ‪ 312‬صادر بتاريخ ‪ 15‬مايو ‪ 2957‬ملف اجتامعي رقم ‪ ،5099‬منشور مبجلة القضاء والقانون عدد ‪ ،232/235‬ص ‪ 292‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪028‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الشطط في استعمال السلطة أو عدم االرتكاز على أساس قانوني أو انعدام التعليل‪ ،312‬وهي أسباب ال‬
‫تخرج إما على خرق قاعدة موضوعية أو خرق قاعدة إجرائية وبصفة عامة على خرق قاعدة قانونية‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض في ظل التشريع املغربي‪ ،‬تعتبر محكمة قانون مما يطرح معه‬
‫التساؤل حول تأثير نظام التصدي على هذه الطبيعة؟ وهو السؤال الذي سنحاول اإلجابة عنه في‬
‫النقطة املوالية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تأثير نظام التصدي على طبيعة عمل محكمة النقض‬


‫إذا كنا قد سلمنا فيما سبق بأن محكمة النقض في ظل تشريعنا املغربي هي محكمة قانون‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تخويلها حق التصدي للقضية‪ ،‬أثار نقاشا فقهيا كبيرا بخصوص تأثير ممارستها لهذا الحق على طبيعتها‬
‫األصلية‪ ،‬حيث انقسمت اآلراء إلى اتجاهين‪ :‬اتجاه عارض بقوة هذا الحق ألن فيه مساس بطبيعة عمل‬
‫محكمة النقض (‪ )0‬واتجاه آخر أيده بحجه أن ال تأثير له على هذه الطبيعة (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬االتجاه املعارض لنظام التصدي‬
‫لقد نادى أنصار هذا االتجاه بضرورة إلغاء نظام التصدي‪ ،‬وعدم تخويل محكمة النقض حق البت في‬
‫الدعوى لحسمها بشكل نهائي‪ ،‬حيث استدلوا بمجموعة من التبريرات للتدليل على عدم صالحية نظام‬
‫التصدي املمارس من قبل محكمة النقض وهي تبريرات يمكن إجمالها في االتي‪:‬‬
‫* إن محكمة النقض بفضل هذا النظام أضحت تؤدي دور محكمة استئناف عليا أو محكمة درجة‬
‫ثالثة من درجات التقاض ي تحتاج بدورها إلى محكمة قانون تشرف على نشاطها املوضوعي‪ ،‬فبالرغم‬
‫من السرعة اإلجرائية التي يحققها هذا النظام‪ ،‬فإن إجازته ملحكمة النقض ال مبرر قانوني أو منطقي‬
‫له‪ ،‬ألن هذه األخيرة ليست درجة من درجات سلم التقاض ي وال ينبغي أن تكون كذلك‪.313‬‬

‫‪ -312‬ا ُنظر الفصل ‪ 359‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م وهي ذاتها األسباب املنصوص عليها يف املادة ‪ 537‬من ‪.،‬م‪.‬ج‪.‬م والتي جاء فيها ما ييل "يجب أن‬
‫يرتكز الطعن بالنقض يف األوامر أو القرارات أو األحكام القابلة للطعن بالنقض عىل أحد األسباب االتية‪:‬‬
‫‪ -2‬خر‪ ،‬اإلجراءات الجوهرية للمسطرة‪.‬‬
‫‪ -1‬الشطط يف استعامل السلطة‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم االختصاص‪.‬‬
‫‪ -7‬الخر‪ ،‬الجوهري للقانون‪.‬‬
‫‪ -5‬انعدام األساس القانو‪،‬ي او انعدام التعليل"‪.‬‬
‫‪ -313‬أدولف ريولط‪ :‬اإلجراءات املدنية أمام املجلس األعىل‪ ،‬تعريب إدريس ملني و سعيد عبد الله الداودي‪ ،‬مجموعة الدالئل والتعاليق‬
‫القانونية‪ ،‬املعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬وزارة العدل ‪ ، 2957‬ص ‪ 31‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪029‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫* إن تصدي محكمة النقض فيه مساس بحقوق الدفاع فقد ال يلتفت أطراف الخصومة إلى مناقشة‬
‫الوقائع التي يدور حولها موضوع الحق‪ ،‬فيفاجأ هذا أو ذاك باستعمال حق التصدي من طرف محكمة‬
‫النقض فيحرم بذلك من تقديم أوجه دفاعه في املوضوع وتضيع عليه درجات التقاض ي‪.‬‬
‫* إن املجلس األعلى يتعسف في استعمال حقه في التصدي للبث في القضية لدرجة يسمح معها لنفسه‬
‫بأن يتدخل في وقائع الدعوى‪.314‬‬
‫وبذلك فإن نظام التصدي –حسب أنصار هذا االتجاه‪ -‬فسح املجال ملحكمة النقض لتبتعد عن دورها‬
‫التقليدي وتتحول إلى درجة ثالثة من درجات التقاض ي فهو نظام سمح لقضاة النقض بالنظر في‬
‫الوقائع‪ ،‬في حين أن ذلك محظور عليهم بحكم طبيعة محكمتهم وهو ما فيه مساس بحقوق الدفاع‪،‬‬
‫ألنه يحرم األطراف من إبداء ما لديهم من أوجه دفاع حول ما قد يعتمده قرار محكمة النقض من‬
‫وقائع‪ .‬وإن كان األستاذ محمد حسن قد أثار مالحظة مهمة تتمثل في أن محكمة النقض عندما تتصدي‬
‫فإنها ال تبرز في حيثيات قرارها الوقائع التي اعتبرت أنها ثبتت لقضاة املوضوع بحكم وظيفتهم أو‬
‫سلطتهم التقديرية‪ ،‬كما أنها ال تعلل األسباب التي حدت بها إلى الحسم في املوضوع‪.315‬‬
‫‪ -2‬االتجاه املؤيد لنظام التصدي‬
‫إن أنصار االتجاه املؤيد لحق محكمة النقض في التصدي للقضية انطلقوا في دعم طرحهم من دحض‬
‫مبررات أنصار االتجاه املعارض لهذا الحق‪.‬‬
‫وهكذا فإن مبرر تحول محكمة النقض إلى محكمة موضوع عند تصديها للقضية ال يقوم على أساس‬
‫ً‬
‫سليم – حسب أنصار هذا االتجاه‪ -‬ألنه نظام ال ينال قطعا من طبيعة محكمة النقض كمحكمة‬
‫قانون وليست محكمة واقع‪ ،316‬ذلك أن قاض ي النقض عندما يتصدى للقضية فإنه ال يعيد النظر في‬
‫وقائعها‪ ،‬وما يقوم به فقط هو إرساء حكم القانون بكيفية سليمة على وقائع ثابتة‪ ،317‬فنشاطه ال‬
‫يتعدى نشاط محكمة اإلحالة‪ ،‬عندما تنظر في النزاع في ضوء النقطة التي بتت فيها محكمة النقض‪،‬‬

‫‪ -314‬راجع التقرير املقدم من طرف هيئة املحامني بالدار البيضاء يف املؤمتر الثامن عرش لهيئات املحامني باملغرب واملنعقد مبدينة فلس‬
‫بتاريخ ‪ 19.15.11‬يونيو ‪ 2955‬واملعنون بـ "مالحظات حول املسطرة املدنية بعد تجربة عرش سنوات" منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،35‬يوليوز‪ /‬غشت ‪ ،2955‬ص ‪.211‬‬
‫‪ -315‬حول مصادقة مجلس النواب عىل مرشوع قانون بإلغاء إيقاف التنفيذ والتصدي أمام املجلس األعىل‪ ،‬مقال منشور باملجلة املغربية‬
‫للقانون‪ ،‬العدد ‪ ،21‬سنة ‪ ،2951‬ص ‪.97‬‬
‫‪ -316‬وإن تانت األستاذة ثورية لعيو‪،‬ي قد ذهبت عكس ذلك عند ما قررت أن تصدي محكمة النقض للقضية يجعلها محكمة واقع وقانون‬
‫يف نفس الوقت‪ ،‬وذلك بعد تأييدها لهذا النظام‪.‬‬
‫‪ -‬ملزيد من اإليضاح ا ُنظر مقالها بعنوان تنظيم القضاء اإلداري املغريب عىل ضوء قانون محاتم االستئناف اإلدارية رقم ‪ ،50.03‬منشور‬
‫باملجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ 29‬يوليوز‪ ،‬غشت ‪ ،1002‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -317‬عبد العزيز خليل‪ ،‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪ 50‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪031‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أي عندما تؤمر بتطبيق قاعدة قانونية عوض أخرى‪ ،‬او تقوم بإعمال التأويل الذي تقو به محكمة‬
‫النقض‪.318‬‬
‫أما مبرر تعسف محكمة النقض في استعمال حقها في التصدي للقضية بكيفية تجعلها تتدخل في‬
‫وقائع الدعوى‪ ،‬فهو مبرر مردود من أساسه‪ ،‬مادام نظام الطعن بالنقض يرتكز في جوهره على فكرة‬
‫التمييز بين الواقع والقانون –ألن ما يدخل في نطاق رقابة محكمة هو القانون فقط‪ ،-‬وهو تمييز من‬
‫الصعوبة تحقيقه‪ ،‬إذ ليس هناك اتفاق لدى الفقه والقضاء على تحديد معيار للتمييز بينهما‪ ،‬لذلك‬
‫فإنه من غير املستساغ القول بأن محكمة النقض قد تدخلت في الوقائع أم ال في ظل غياب هذا‬
‫املعيار‪ ،319‬أضف إلى ذلك أنه حتى في حاالت تدخل محكمة النقض في الوقائع‪ ،‬فإنه تدخل يكون راجع‬
‫باألساس إلى سوء استعمال هذه األخيرة لحقها في التصدي‪ ،‬وليس إلى نظام التصدي في حد ذاته‪.‬‬
‫ً‬
‫فمحكمة النقض كثيرا ما انزلقت نحو التوسع في تطبيقه ‪-‬التصدي‪ -‬باسم العدالة واإلنصاف‪ ،‬وهو ما‬
‫يجعلها تتدخل في أمور تخضع لسلطة محكمة املوضوع‪.320‬‬

‫موقفنا من اإلشكال‪:‬‬
‫إذا كان البد لنا من ترجيح كفة أحد االتجاهين فإننا نرجح كفة االتجاه املؤيد لحق محكمة النقض في‬
‫التصدي‪ ،‬على اعتبار أن هذا الحق ال يمكن أن يحول محكمة النقض إلى محكمة واقع‪ ،‬ما دام أن‬
‫هذه األخيرة يقتصر دورها فقط على إنزال حكم القانون على الوقائع املعروضة والثابتة وذلك من‬
‫خالل استلزام املشرع لشرط الجاهزية و توفر قاض ي النقض على العناصر الواقعية التي تبتت لقضاه‬
‫ً‬
‫املوضوع‪ ،‬أي إن الدعوى ال تحتاج إلى أي تحقيق‪ ،‬وهو ما يفند أيضا مبرر مساس نظام التصدي‬
‫بحقوق الدفاع الذي تمسك به االتجاه املعارض لهذا النظام‪ ،‬ما مادام املعنى العام لهذا الشرط يقوم‬
‫على فكرة وقوع مناقشة أو دفاع في الجوهر أمام محاكم املوضوع‪ ،‬وهو الدفاع الذي تراه محكمة‬
‫ً‬
‫النقض كافيا لتمكينها من العناصر الضرورية للنزاع‪ ،‬أضف إلى ذلك أن الطعن بالنقض ال يمكن‬
‫َّ‬
‫اللجوء إليه إال في حاالت نقض الحكم لخرقه قاعدة موضوعية أو قاعدة إجرائية وهي جوانب قانونية‬
‫فقط ال تمس بالجوانب الواقعية للحكم‪.‬‬

‫‪ -318‬نبيل إسامعيل عمر النظرية العامة للطعن بالنقض يف املواد املدنية والتجارية‪ ،‬منشأه املعارف االسكندرية ‪( ،2950‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م) ص ‪21‬‬
‫وما يليلها‪.‬‬
‫‪ -319‬محمد الكشبور ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -320‬محمد الوتييل‪ ،‬املجلس األعىل هل هو فعال محكمة عليا؟ مقال منشور باملجلة املغربية لقانون واقتصاد التنمية‪ ،‬العدد ‪ ،2955 ،21‬ص‬
‫‪.21‬‬

‫‪030‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وبذلك فإننا نعتقد أن نظام التصدي ال تأثير له على طبيعة عمل محكمة النقض إذ ال يجعلها محكمة‬
‫واقع‪ ،321‬بل هو مجرد نظام أو وسيلة إلنهاء النزاعات التي ال مبرر إلحالتها من جديد على محاكم‬
‫املوضوع للبث في نقط أصبحت واضحة‪ ،‬وأضحت بذلك نتيجة القرار الذي سيصدر عن محكمة‬
‫اإلحالة معروفة من قرار النقض واإلحالة‪ ،‬ولعل ما يزكي طرحنا هو طبيعة هاذ النظام االختيارية ذلك‬
‫أن محكمة النقض كلما وجدت نفسها أمام نزاع ستمس بجوانبه الواقعية إذا تصدت له فإنها تكتفي‬
‫بالنقض واإلحالة‪ ،‬وليس النقض والتصدي‪ ،‬في ظل غياب الطبيعة امللزمة لهذا النظام في ظل تشريعنا‬
‫َّ‬
‫املغربي‪ ،‬على اعتبار أن حق التصدي هو رخصة فقط مخوله ملحكمة النقض ال تمارسه إال إذا توفرت‬
‫شروطه وهي الشروط التي سنحاول بحثها في املطلب املوالي‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬شروط تصدي محكمة النقض‬


‫إذا كان املشرع املغربي ونظيره املصري‪ ،‬قد نظما سلطة محكمة النقض في التصدي للقضية‪ ،‬إذا ما‬
‫نقضت‪ 322‬الحكم أو القرار الصادر بشأنها‪ ،‬فإنهما قد قيد مع ذلك هاته السلطة بضرورة توفر شروط‬
‫َّ‬
‫محددة‪ ،‬ال يمكن لهذه للمحكمة ممارسة سلطتها في التصدي إال بتوفرها‪.‬‬
‫ولقد حدد املشرع املغربي شروط تصدي محكمة النقض في املادتين ‪ 3230-112‬و ‪ 9-112‬من‬
‫م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪ ،324‬والتي يمكن تقسيمها إلى شروط عامة يتطلب تحققها في كل القضايا‪ ،‬وأخرى خاصة‬
‫تستلزم فقط عند نقض قرار صادر في دعوى اإللغاء‪.‬‬
‫وباستقرائنا مقتضيات املادة ‪ 0-112‬املشار إليها‪ ،‬نجد أن املشرع املغربي قد حدد شروط نظام‬
‫التصدي العامة في ضرورة وقوع الطعن بالنقض للمرة الثانية‪ ،‬مع توفر قاض ي النقض على جميع‬

‫‪ - 321‬إالَّ أن محكمة النقض املرصية تتحول‪-‬مع ذلك‪ -‬يف حالة تقديم الطعن بالنقض للمرة الثانية إىل محكمة واقع ألن املرشع املرصي‬
‫أوجب عليها التصدي للقضية حتى وإن تانت غري جاهزة مام يفيد أن ملحكمة النقض يف هذه الحالة تجهيز القضية باللجوء إىل‬
‫إجراءات التحقيق‪.‬‬
‫‪ -322‬يستوي أن يكون هذا النقض تليا ً أو جزئيا ً‪.‬‬
‫‪ -323‬والتي تنص عىل أنه‪" :‬ميكن ملحكمة النقض عند نقضها حكام أو قرارا تليا أو جزئيا أن تتصدى للبت يف القضية بالرشوط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتوفر عىل جميع العنارص الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع‪".‬‬
‫‪ -324‬والتي جاء فيها‪" :‬ميكن ملحكمة النقض عند التصحيح بنقض قرار صادر يف دعوى اإللغاء‪ ،‬أن تتصدى للبت إذا تانت القضية‬
‫جاهزة‪".‬‬

‫‪032‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫العناصر الواقعية التي تبثت لقضاة محاكم املوضوع‪ ،‬وهي ذاتها الشروط التي تطلبها املشرع املصري في‬
‫الفقرة األخيرة من املادة ‪ 912‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م‪.325‬‬
‫أما شروط التصدي الخاصة فهي املنصوص عليها في املادة ‪ ،3269-112‬حيث استلزمت هذه األخيرة‬
‫ً‬
‫شرط جاهزية الدعوى‪ ،‬وأن يكون القرار املنقوض صادرا في دعوى اإللغاء‪ ،‬مما يطرح معه التساؤل‬
‫حول مدى إمكانية االكتفاء بهاذين الشرطين لتقرير سلطة محكمة النقض في التصدي للقضية؟ أم‬
‫البد من تحقق الشروط العامة املشار إليها أعاله؟ وهل ملحكمة النقض أن تتصدى للقضية إذا ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نقضت قرارا صادرا في إطار دعاوى القضاء الشامل‪ ،‬على اعتبار أن املشرع قصر سلطة املحكمة في‬
‫التصدي على دعاوى اإللغاء فقط؟‬
‫وكجواب عن هذه األسئلة فإننا نبادر إلى القول أن تصدي محكمة النقض عند نقضها للقرار اإلداري‬
‫الصادر في دعوى اإللغاء‪ ،‬يستلزم فقط تحقق الشروط الخاصة الواردة في املادة ‪ 9-112‬دون شروط‬
‫التصدي العامة‪ ،‬ما دام املشرع لم ُي ِح ْل على مقتضيات املادة ‪ 0-112‬املنظمة لهذ األخيرة – الشروط‬
‫العامة – ولذلك فإن ملحكمة النقض حق التصدي للقضية إذا كانت الدعوة جاهزة‪ ،‬حتى ولو قدم‬
‫الطعن بالنقض للمرة األولى‪.‬‬
‫أما بالنسبة لسؤال مدى إمكانية تصدي محكمة النقض للقضية عند نقضها القرار الصادر في إطار‬
‫القضاء الشامل‪ ،‬فإننا نعتقد أن ملحكمة النقض التصدي لها‪ ،‬إذا ما توفرت شروط التصدي العامة‪،‬‬
‫ما دام املشرع لم يستثني هذه القرارات من نظام التصدي بنص خاص‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإننا نقترح ضرورة تعديل املادة ‪ 9-112‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م وذلك بإضافة عبارة تفيد‬
‫أن ملحكمة النقض حق التصدي عند نقضها للقرارات الصادرة في دعاوى القضاء الشامل إذا ما‬
‫تحققت الشروط املنصوص عليها في املادة ‪.0-112‬‬
‫وبناء على كل ما سبق‪ ،‬فإن حديثنا عن شروط تصدي محكمة النقض للقضية سيكون وفق التالي‪:‬‬ ‫ً‬

‫‪ ‬الفقرة األولى‪ :‬الشروط العامة لتصدي محكمة النقض‪.‬‬

‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬الشروط الخاصة لتصدي محكمة النقض‪.‬‬

‫‪ -325‬لقد جاء يف هذه الفقرة ما ييل‪" :‬ومع ذلك إذا حكمت املحكمة – محكمة النقض – بنقض الحكم املطعون فيه‪ ،‬وتان املوضوع صالحا‬
‫للفصل فيه أو تان الطعن للمرة الثانية ورأت املحكمة نقض الحكم املطعون فيه‪ ،‬وجب عليها أن تحكم يف املوضوع‪".‬‬
‫‪ -326‬وهي ذاتها الرشوط املنصوص عليها يف املادة ‪ 21‬من القانون رقم ‪ 50‬لسنة ‪ 1003‬املحدثة مبوجبه محاتم استئناف إدارية‪.‬‬

‫‪033‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الشروط العامة لتصدي محكمة النقض‬


‫استلزم املشرع املغربي ملمارسة محكمة النقض لحقها في التصدي للبت في القضية ضرورة توفر‬
‫شرطين أساسيين وهما‪ :‬وقوع الطعن بالنقض للمرة الثانية ثم ضرورة توفرها –محكمة النقض – على‬
‫جميع العناصر الواقعية التي تثبت لقضاة محاكم املوضوع‪ ،‬وهما شرطان متالزمان ال يغني توفر‬
‫أحدهما عن اآلخر‪ ،‬بخالف املشرع املصري الذي جعل كل شرط مستقل بذاته‪ ،‬يوجب عند تحققه‬
‫على محكمة النقض التصدي للقضية‪.327‬‬

‫أوال‪ :‬وقوع الطعن بالنقض للمرة الثانية‬


‫خول املشرع املغربي ملحكمة النقض رخصة حسم النزاع بشكل نهائي‪ ،‬وذلك باستعمال حقها في‬
‫التصدي للقضية‪ ،‬إذا ما قدم الطعن بالنقض للمرة الثانية أمامها‪ ،‬وذلك بموجب الفقرة األولى من‬
‫املادة ‪ 0-112‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م والتي جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫"يمكن ملحكمة النقض عند نقضها حكما أو قرارا كليا أو جزئيا أن تتصدى للبت في القضية بالشروط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية‪"....‬‬
‫ومضمون هذا الشرط أن يكون الحكم أو القرار الذي وقع نقضه من قبل محكمة النقض‪ ،‬قد سبق‬
‫وعرض على هذه األخيرة‪ ،‬وقامت بنقضه مع إحالة الدعوى على محكمة اإلحالة لكي تفصل فيه من‬
‫جديد في ضوء النقطة القانونية التي حسمتها محكمة النقض‪ ،‬غير أن محكمة اإلحالة لم تتقيد بهذه‬
‫النقطة‪ ،‬أو شاب قضاؤها أحد العيوب املوجبة للطعن بالنقض وطعن في قرارها مرة أخرى‪ ،‬إذ في هذه‬
‫الحالة يكون الطعن قد قدم للمرة الثانية‪.328‬‬
‫غير أن هذا ال يعني أن ملحكمة النقض حق التصدي بمجرد تقديم الطعن بالنقض للمرة الثانية‪ ،‬بل‬
‫البد من تحقق الشرط الثاني املتمثل في توفر قاض ي النقض على الجوانب الواقعية للدعوى‪ ،‬بخالف‬
‫املشرع املصري الذي أوجب على هذه املحكمة التصدي للقضية‪ ،‬كلما تم الطعن في الحكم أو القرار‬
‫للمرة الثانية‪ ،‬حتى ولو كان موضوع الدعوى غير صالح للفصل فيه‪.‬‬
‫وهذا ما يعني أن ملحكمة النقض املصرية حق جعل املوضوع صالحا لحسمه باتخاذها ما يلزم من‬
‫إجراءات التحقيق‪ ،‬فتقوم – عندئذ – هذه املحكمة بوظيفة محاكم املوضوع كاملة في تجهيز القضية‬

‫‪ -327‬تجب اإلشارة أن تصدي محكمة النقض للقضية هو واجب عليها‪ ،‬تلزم بإعامله تلام تحققت رشوطه أما يف ترشيعنا املغريب فإن هذا‬
‫النظام مجرد رخصة ملحكمة النقض ميكن أن تستعملها أو ال بحسب ظروف تل قضية‪.‬‬
‫‪ -328‬محمد الكشبور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.207‬‬

‫‪034‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫وجعل موضوعها صالحا للب ت فيه‪ ،‬أي أنها تتمتع بجميع السلطات التي كانت تتمتع بها املحكمة‬
‫املنقوض قضاؤها‪.329‬‬
‫وكمقابل لهذه السطات املخولة ملحكمة التصدي – في ظل التشريع املصري – فإن أطراف الخصومة‬
‫يسترجعون كل الحقوق التي كانت لهم أمام محكمة اإلحالة فيكون لهم إبداء الطلبات وتقديم الدفوع‬
‫التي كان لهم حق إبدائها وتقديمها أمام محكمة اإلحالة‪ ،‬ذلك أن النقض يؤدي إلى إعادة األطراف إلى‬
‫الحالة التي كانوا عليها قبل صدور املقرر القضائي املنقوض‪ ،‬ولذلك فإن مركزهم أمام محكمة النقض‬
‫عند تصديها للقضية في حالة تقديم الطعن بالنقض للمرة الثانية هو نفس مركزهم أمام محكمة‬
‫اإلحالة‪.330‬‬
‫غير أن تصدي محكمة النقض للقضية إذا ما قدم طعن بالنقض للمرة الثانية أمامها‪ ،‬مشروط بأن‬
‫ينصب هذا الطعن الثاني على ذات ما طعن فيه للمرة األولى‪ ،‬ولهذا فإذا ما اختلف الطعن األول عن‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫الثاني‪ ،‬فإن إعمال قاعدة التصدي ال يجوز اللهم إذا كان موضوع الحكم صالحا فيه‪ ،‬إذ في هذه‬
‫الحالة يمكن ملحكمة النقض املصرية التصدي للقضية‪- 331‬ألن تخلف هذا الشرط تتخلف معه‬
‫سلطة التصدي– حتى ولو ثبت للقاض ي أنه يتوفر على جميع العناصر الواقعية للنزاع‪.‬‬
‫كما أن محكمة النقض تكون ملزمة عند تصديها للقضية بالتقيد بما قضت به في قرارها األول‪ ،‬وهو‬
‫ما يستفاد من قرار صادر عن محكمة النقض املصرية جاء فيه أنه "لئن كانت الفقرة األخيرة من املادة‬
‫‪ 912‬من قانون املرافعات توجب على محكمة النقض إذا كان الطعن للمرة الثانية بالتصدي‬
‫للموضوع‪ ،‬فإن هذا التصدي ليس طليقا من كل قيد‪ ،‬بل مشروط بضرورة تقيد محكمة النقض‬
‫باملبدأ الذي قررته في قرارها الناقض‪ ،‬حتى ال يتضرر الطاعن وتقض ي عليه بأكثر مما قض ى عليه به في‬
‫قرارها األول‪ ،‬إعماال ملبدأ ال يضار الطاعن بطعنه‪."332‬‬
‫ونشير في ختام هذه النقطة إلى أن شرط الطعن بالنقض للمرة الثانية لم يسبق ملشرعنا املغربي أن‬
‫أشار إل يه في جميع القوانين التي كان يجيز بمقتضاها ملحكمة النقض التصدي للقضية بحيث كانت‬

‫‪ -329‬فتحي وايل‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.902‬‬


‫‪ -330‬نبيل إسامعيل عمر م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.717‬‬
‫‪ -331‬نقض مرصي ‪ ،2990-20-27‬طعن رقم ‪ ،722‬لسنة ‪ 21‬القضائية‪ ،‬أورده‪ ،‬أنور طلبة‪ ،‬الطعن بالنقض يف املواد املدنية والتجارية‪ ،‬دار‬
‫الكتب القانونية للنرش‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1000 ،‬ص ‪.571‬‬
‫‪ -332‬نقض ‪ ،2992-3-9‬طعن رقم ‪ ،3110‬لسنة ‪ 11‬القضائية أشار إليه نبيل إسامعيل‪ ،‬الوسيط يف لطعن بالنقض‪ ،‬م ‪ .‬س ص ‪.503‬‬

‫‪035‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫هذه األخيرة تقض ي بعدم قبول الطعن املقدم للمرة الثانية‪ ،333‬بخالف شرط التوفر على عناصر‬
‫الدعوى الواقعية والذي سبق للمشرع أن استلزمه بمقتض ى املادة ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م امللغاة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬توفر محكمة النقض على العناصر الواقعية للدعوى‬


‫ال يكفي ملمارسة محكمة النقض لحقها في التصدي للقضية أن يطعن في الحكم أو القرار بالنقض‬
‫للمرة الثانية‪ ،‬وإنما البد من توفرها – محكمة النقض – على جميع العناصر الواقعية للنزاع والتي‬
‫تبثت لقضاة محاكم الدرجة األولى ومحاكم الدرجة الثانية‪ ،‬حسب ما تنص عليه الفقرة األخيرة من‬
‫املادة ‪ 0-112‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م والتي جاء فيها‪:‬‬
‫"يمكن ملحكمة النقض عند نقضها حكما أو قرارا كليا أو جزئيا أن تتصدى للبت في القضية بالشروط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪.... -‬‬
‫‪ -‬أن تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي تبثت لقضاة املوضوع‪".‬‬
‫َّ‬
‫ولذلك فإن قاض النقض ال يمكنه التصدي للقضية إال إذا ثبت له بعد تقديم الطعن بالنقض للمرة‬
‫الثانية أنه يتوفر على عناصر الدعوى الواقعية التي تبثت لقاض ي املوضوع‪ 334‬وهو الشرط الذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استلزمه أيضا املشرع املصري واملعبر عنه بكون املوضوع صالحا للفصل فيه‪.335‬‬
‫ويقصد بهذا الشرط حسب األستاذ نبيل إسماعيل عمر أن تكون املسائل الواقعية والقانونية للدعوى‬
‫من املمكن حلها دون حاجة التخاذ أي إجراءات من إجراءات التحقيق‪ ،336‬ومعنى ذلك أن يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التأكيد الواقعي الذي سبق تقريره من قبل محاكم املوضوع صحيحا وكامال‪ ،‬بحيث ال مجال لهذه‬
‫األخ يرة إذا ما أحيلت إليها القضية بعد النقض إلى أية إضافة أو تغيير‪ ،‬فعندئذ إذا نقض الحكم أو‬
‫القرار فال مبرر لإلحالة‪ ،‬ذلك أن محكمة اإلحالة ال تلزم سوى بتطبيق قضاء محكمة النقض دون‬
‫الحاجة ألية إجراءات أو تأكيدات الحقة متعلقة باملوضوع‪ ،‬فتكون اإلحالة في هذه الحالة مضيعة‬
‫للوقت واألولى أن تقوم محكمة النقض بتطبيق املبدأ الذي قررته على وقائع القضية‪.337‬‬

‫‪ -333‬جاء يف قرار املجلس األعىل عدد ‪ 1712‬بتاريخ ‪ 12-21-1002‬ملف تجاري رقم ‪ 00/1190‬أنه "وحي إن الطالبني سبق لهم أن طعنوا يف‬
‫القرار االستئنايف بالبيضاء بتاريخ ‪ 10-5-91‬ف امللف عدد ‪( 2573/92‬وهو القرار موضوع الطعن الحايل) انتهى بصدور قرار عن املجلس‬
‫األعىل تحت عدد ‪ 905‬بتاريخ ‪ 99-2-9‬يف امللف عدد ‪ 99-111‬قىض بعدم قبول الطعن بالنقض وبذلك مورس الطعن بالنقض مرتني ضد‬
‫قرار واحد وبني نفس األشخاص وبنفس صفتهم‪ ،‬وهو ما ال يجوز عمال بالقاعدة املذتورة‪ ،‬مام يجعل الطعن غري مقبول‪".‬‬
‫‪ -334‬خالد اإلدرييس‪ ،‬إصالح املجلس األعىل ودوره يف تحقيق األمن القضايئ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1020 ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ -335‬ا ُنظر الفقرة األخرية من املادة ‪ 129‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -336‬نبيل اسامعيل عمر ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.711‬‬
‫‪ -337‬فتحي وايل‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.902‬‬

‫‪036‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫غير أن تصدي محكمة النقض رغم توفرها على جميع العناصر الواقعية للنزاع‪ ،‬مشروط بأن يكون‬
‫سبب النقض هو خطأ في القانون سواء في تطبيقه أو تأويله‪ ،‬فليس لها أن تتصدى إذا كان نقض‬
‫الحكم أو القرار بسبب عدم االختصاص‪ .‬إذ في هذه الحالة تكون محكمة املوضوع لم تستنفد واليتها‬
‫بعد في الدعوى ‪ ،‬باتباع اإلجراءات السليمة التي ينص عليها القانون‪ ،‬وهو ما يعني أن املوضوع غير‬
‫صالح للفصل فيه أي أن الدعوى غير جاهزة‪.338‬‬
‫وإذا كان املشرع املغربي – كما سبقت اإلشارة – قد استلزم وقوع الطعن بالنقض للمرة الثانية حتى‬
‫تتصدى محكمة النقض للقضية‪ ،‬عند توفرها على جميع وقائع الدعوى‪ ،‬فإن املشرع املصري لم‬
‫يستلزم مثل هذا الشرط‪ .‬ذلك أن محكمة النقض املصرية تكون ملزمة بالتصدي للقضية إذا كان‬
‫ً‬
‫موضوع النزاع صالحا للفصل فيه حتى ولو قدم الطعن بالنقض للمرة األولى‪.‬‬
‫وكنتيجة الستلزام هذا الشرط‪ ،‬فإنه يمتنع على محكمة النقض القيام بأي إجراء من إجراءات‬
‫ً‬
‫التحقيق قصد تجهيز الدعوى وجعل موضوعها صالحا للفصل فيه‪ ،‬وكمقابل لذلك فإنه يحظر على‬
‫أطراف الخصومة تقديم طلبات أو مذكرات جديدة‪ ،‬فمفترض إعمال التصدي هنا وركنه األساس ي هو‬
‫أن تكون الدعوى جاهزة دون أي إضافة تجعلها مهيأة للفصل فيها‪.339‬‬
‫ولذلك فإذا كان املوضوع غير صالح للحكم فيه أي لم يثبت لقضاة النقض توفرهم على جميع‬
‫العناصر الواقعية للدعوى‪ ،‬فهنا ال مجال للحديث عن سلطة التصدي‪ ،‬بحيث يجب على محكمة‬
‫َّ‬
‫النقض إحالة امللف إلى محكمة اإلحالة لتبت فيه‪ ،‬اللهم إن كان الطعن في هذه الحالة قد قدم للمرة‬
‫الثانية‪ ،‬إذ يجب على محكمة النقض املصرية وحدها التصدي للقضية حتى ولو كان املوضوع غير‬
‫جاهز للفصل فيه‪ ،‬ألن محكمة النقض عند تخلف هذا الشرط ال يكون أمامها سوى إحالة امللف‬
‫وليس التصدي للقضية حتى ولو قدم الطعن بالنقض للمرة الثانية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬الشروط الخاصة لتصدي محكمة النقض‬


‫بعدما نص املشرع املغربي على شروط التصدي العامة بمقتض ى املادة ‪ 0-112‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م عاد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأفرد لشروط هذا النظام الخاصة نصا خاصا هو املادة ‪ 9-112‬من نفس املسودة‪ ،‬حيث جاء في هذه‬
‫املادة ما يلي‪:‬‬
‫"يمكن ملحكمة النقض عند التصريح بنقض قرار صادر في دعوى اإللغاء أن تتصدى للبت إذا كان‬
‫القضية جاهزة‪".‬‬

‫‪ -338‬عبد العزيز خليل‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 50‬وما يليها‪.‬‬


‫‪ -339‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.711‬‬

‫‪037‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫فاملستخلص من خالل مضمون هذه املادة أن شروط التصدي الخاصة تتمثل باألساس في شرط‬
‫ً‬
‫جاهزية الدعوى‪ ،‬وأن يكون القرار املنقوض صادرا في دعوى اإللغاء‪ ،‬وإذا كنا قد تطرقنا فيما سبق –‬
‫وبتفصيل – للشرط األول – جاهزية الدعوى – فإننا سنقتصر حديثنا هنا فقط عن الشرط الثاني –‬
‫نقض قرار صادر في دعوى اإللغاء – من خالل الوقوف عند الشروط املستلزم توفرها لقبول الطعن‬
‫باإللغاء حتى يتم التصدي للقرار الصادر بشأنها (أوال) ثم األوجه املعتمدة في هذه الدعوى (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬شروط الطعن باإللغاء‬


‫يقصد بدعوى اإللغاء الدعوى التي يرفعها أحد األطراف إلى القضاء اإلداري بطلب إعدام قرار إداري‬
‫مخالف للقانون‪ ،340‬فهي إذن دعوى قضائية‪ 341‬ترفع من أجل املطالبة بإلغاء القرارات اإلدارية‬
‫الصادرة عن السلطات اإلدارية واملتسمة بعدم املشروعية‪.342‬‬
‫ويشترط لقبول دعوى اإللغاء توافر شروط تتعلق بطالب الطعن وبالقرار اإلداري محل الطعن‪ ،‬غير أننا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سنقتصر فقط عن الحديث عن الشروط املرتبطة بالقرار اإلداري والذي يجب أن يكون قرارا إداريا (‪)0‬‬
‫ً‬
‫وتنفيذيا (‪ ،)9‬على اعتبار أن الشروط املتعلقة بطالب الطاعن واملتمثلة في األهلية والصفة واملصلحة‪،‬‬
‫أو ما يسميها الفقه اإلجرائي بشروط التقاض ي‪ - 343‬ألنها من املسلمات في رافع أي دعوى – قد سبق لنا‬
‫الحديث عنها في مواضيع متفرقة من هذا العمل‪.‬‬
‫‪ -1‬أن يكون القرار إداريا‬
‫استقر القضاء اإلداري وسايره في ذلك فقه القانون العام على تعريف القرار اإلداري بأنه كل عمل‬
‫قانوني انفرادي صادر بإرادة منفردة إلحدى الجهات اإلدارية املختصة بقصد إحداث أثر قانوني‪.344‬‬
‫ً‬
‫والواضح من خالل هذا التعريف أن القرار اإلداري الذي يمكن أن يكون محال للطعن باإللغاء هو‬
‫بدءا من رئيس الحكومة و ً‬ ‫ً‬
‫انتهاء بأبسط موظف في التسلسل اإلداري‬ ‫القرار الصادر عن جهة إدارية‬

‫‪ -340‬سليامن محمد الطاموي‪ ،‬الوجيز يف القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العريب للطباعة والنرش‪( ،‬ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬طبعة ‪ ،2917‬ص ‪.131‬‬
‫‪ -341‬محمد محجويب‪ ،‬خصوصيات دعوى اإللغاء وإشكالية الجمع بينهام وبني دعوى التعويض‪ ،‬مقال منشور مبجلة القانون املغريب‪ ،‬عدد‬
‫‪ 27‬أبريل ‪ ،10009‬ص ‪.72‬‬
‫‪ -342‬عامر عوابدي‪ ،‬النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضايئ الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬ديوان املطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬الساحة املرتزية‪ ،‬يف عكنون (ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬طبعة ‪ ،2995‬ص ‪.331‬‬
‫‪ -343‬نادية أحديدو‪ ،‬أجل رفع دعوى اإللغاء عىل ضوء االجتهاد القضايئ‪ ،‬مقال منشور مبجلة اإلشعاع‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،71/72‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -344‬إسامعيل فرميس‪ ،‬مجل دعوى اإللغاء‪ ،‬دراسة يف الترشيع والقضاء الجزائريني‪ ،‬مذترة مقدمة لنيل شهادة املاجستري‪ ،‬تخصص‬
‫قانون إداري وإدارة عامة‪ ،‬جامعة الحاج بلخرض‪ ،‬تلية الحقو‪ ،‬والعلوم السياسية‪ ،‬قسم العلوم القانونية واإلدارية‪ ،‬باتنة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،1023‬ص ‪.5‬‬

‫‪038‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وبذلك فإنه يستثنى من دعوى الطعن باإللغاء‪ ،‬أعمال السلطة التشريعية‪ ،‬واألعمال القضائية التي‬
‫تخضع لنظام خاص بها‪ ،‬يتمثل في الطعن في األحكام والقرارات واألوامر القضائية‪.345‬‬
‫أما بالنسبة لألعمال امللكية فقد تضاربت اآلراء بخصوص الطعن فيها بدعوى اإللغاء حيث انقسمت‬
‫هذه اآلراء إلى اتجاه مؤيد للطعن فيها باإللغاء وآخر عارض هذه اإلمكانية بشدة‪ ،346‬قبل أن يتدخل‬
‫املجلس األعلى لحسم هذا النقاش وذلك باستبعاده القرارات امللكية من الطعن بدعوى اإللغاء بحجة‬
‫ً‬
‫أن امللك ال يعتبر سلطة إدارية‪ ،347‬وهو التوجه الذي أخذت به أيضا محاكم املوضوع‪.348‬‬
‫ً‬
‫ويستلزم في هذه القرارات اإلدارية حتى تكون محال للطعن باإللغاء أن تكون صادرة عن سلطة إدارية‬
‫وطنية‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن مكان وجود هذه السلطة‪ ،‬أي أكانت تعمل داخل الدولة أم خارجها‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بل وبصرف النظر أيضا عن شخص رافع الدعوى‪ ،‬وطنيا كان أم أجنبيا‪ ،‬إذ املهم في هذا الخصوص هو‬
‫السلطة التي أصدرت القرار محل الطعن‪ ،‬أو بمعنى أدق جنسية املرفق العام الذي صدر عنه هذا‬
‫القرار ليس جنسية الشخص املتضرر من القرار‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون القرار تنفيذيا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كشرط أساس ي لقبول الطعن باإللغاء‪ ،‬يتعين أن يكون القرار اإلداري تنفيذيا‪ ،‬صادرا عن اإلرادة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫املنفردة للسلطة اإلدارية‪ ،‬أي أن يكون القرار قابال للتنفيذ وملحقا ضررا بمن صدر ضده‪ ،‬وبذلك فال‬

‫‪ -345‬حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعامل جامعية‪ ،‬العدد ‪ ،50‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،1005 ،‬ص ‪ 110‬وما يليها‪.‬‬
‫‪M. A. Ben Abdellah, les prérogatives de l’état dans le recours pour excès de pouvoir, Imprimerie de Litral, Rabat, -346‬‬
‫‪1981.‬‬
‫‪ -347‬ا ُنظر قرارات الغرفة اإلدارية باملجلس األعىل يف قضية مزرعة عبد العزيز بتاريخ ‪ ،2911-5-2‬وقضية عبد الحميد الروندا بتاريخ ‪-2-25‬‬
‫‪ 2920‬والتي قضت فيها الغرفة اإلدارية بعدم اختصاصها للفصل يف القضايا املتعلقة بالطعن يف الظهائر امللكية بدعوى عدم صدورها عن‬
‫سلطة إدارية‪.‬‬
‫‪ -348‬جاء يف حكم صادر عن املحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ 27‬بتاريخ ‪ 22‬يناير ‪ ،2995‬بأن القرار الصادر عن صاحب السمو بصفته منسقا‬
‫ملكاتب مصالح القيادة العليا للقوات املسلحة امللكية‪ ،‬بإذن من صاحب الجاللة يعترب قرارا ملكيا و بالتايل تكون املحكمة غري مختصة‬
‫للبت يف الطعن باإللغاء املوجه ضده‪ ،‬أشار إليه حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪039‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫يمكن الطعن باإللغاء في األعمال التحضيرية التي تسبق القرار‪ ،349‬وال في األعمال التنفيذية التي تلحقه‬
‫ً‬
‫وال تضيف جديدا إليه‪.350‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كما يشترط في هذا القرار أن يكون قرارا إداريا انفراديا يعبر عن اإلرادة املنفردة لإلدارة‪ ،‬مما يعني‬
‫ً‬
‫استثناء الطعن املوجه ضد العقود اإلدارية التي تعتبر أعماال ناتجة عن توافق إرادتين‪ ،‬وبذلك فإن‬
‫ً‬
‫دعوى اإللغاء تظل قاصرة فقط على الطعن املوجه ضد القرارات اإلدارية الفردية‪ ،‬وهو أيضا ما أكده‬
‫املجلس األعلى في العديد من قراراته التي جاء في أحدها أن الطعن املوجه ضد قرار طرد موظف‬
‫متعاقد مع اإلدارة غير مقبول ألنه يرتبط مع اإلدارة بعقد‪ ،‬والحال أن القاعدة املسلم بها تقتض ي أنه ال‬
‫يمكن ممارسة الطعن بالنقض ضد عقد إداري عن طريق دعوى اإللغاء على اعتبار أن هذه األخيرة‬
‫مقصورة فقط على القرارات اإلدارية االنفرادية‪.351‬‬

‫ثانيا‪ :‬األوجه املعتمدة في دعوى اإللغاء‬


‫يقصد بأوجه الطعن باإللغاء العيوب املختلفة التي تصيب القرار اإلداري‪ ،‬فتجعله عن مشروع‪ ،‬ويسوغ‬
‫َّ‬
‫طلب الحكم بإلغائه‪ ،352‬ذلك أن القاعدة البديهية أن لكل قرار صادر عن جهة إدارية ما‪ ،‬إال ويجب أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون سليما من كل عيب ومشروعا خاصة إذا كان له تأثير على املراكز القانونية‪ ،‬إذ من العبث أن‬
‫يصدر قرار إداري يرمي إلى تحقيق مصلحة عامة وهو مشوب بعيب عدم املشروعية‪.353‬‬
‫ً‬
‫ولقد حددت املادة ‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ هذه العيوب التي يمكن أن تكون سببا في الطعن بإلغاء القرار‬
‫اإلداري‪ ،‬حيث تنص هذه املادة على أنه‪:‬‬
‫"كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو النحراف في السلطة أو النعدام التعليل‬
‫ً‬
‫أو ملخالفة القانون‪ ،‬يشكل تجاوزا في استعمال السلطة‪ ،‬يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة‬

‫‪ -349‬جاء يف قرار املجلس األعىل عدد ‪ 12‬بتاريخ ‪ 2921-2-29‬يف قضية الرشتة الكهربائية املغربية ضد وزير األشغال العمومية أنه "ال‬
‫يكون قابال للطعن عن طريق دعوى اإللغاء بسبب الشط يف استعامل السلطة مجرد عمل تحضريي ال يؤثر عىل الوضع القانو‪،‬ي‬
‫للطاعن الذي يحتفظ بحقه يف إقامة دعوى اإلبطال عند صدور قرار نهايئ" أشار إليه حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص‬
‫‪.115‬‬
‫‪ -350‬ا ُنظر حكم صادر عن املحكمة اإلدارية بوجدة‪ ،‬عدد ‪ 9222‬بتاريخ ‪ 2992-2-11‬والذي جاء فيه "وحي إن عمل السلطة املحلية املطعون‬
‫فيه إمنا جاء تنفيذا لهذا القرار – قرار املجلس البلدي بإغال‪ ،‬باب دتان – فيعترب تبعا بذلك عمال ماديا تنفيذيا ال يرقى إىل درجة القرار‬
‫اإلداري القابل للطعن باإللغاء ما دام أنه ليس هو الذي أحدث بذاته األثر يف املرتز القانو‪،‬ي للطاعن وإمنا القرار الصادر عن رئيس‬
‫للمجلس البلدي بإغال‪ ،‬الباب" أورده حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ -351‬قرار عدد ‪ 21‬بتاريخ ‪ 23‬ماي ‪ 2955‬أورده‪ ،‬حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪. 213 M. Rousset, Droit administratif Marocain, Editeur la porte, 6ème Edi, 2003, p -352‬‬
‫‪ -353‬عبد الواحد بن سعود‪ ،‬دعوى اإللغاء‪ ،‬مقال منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬العدد ‪ ،252‬نوفمرب – دجنرب ‪ ،1021‬ص ‪.52‬‬

‫‪041‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫القضائية املختصة"‪ .354‬وهي عيوب إما مرتبطة بانعدام شروط الشرعية الخارجية للقرار اإلداري (‪)0‬‬
‫أو مرتبطة بانعدام عناصر الشرعية الداخلية للقرار (‪.)9‬‬
‫‪-1‬إنعدام شروط الشرعية الخارجية للقرار اإلداري‬
‫تتعلق شروط الشرعية الخارجية للقرار اإلداري باملظهر الخارجي للقرار الصادر عن السلطة اإلدارية‪،‬‬
‫وتتمثل في شرطي االختصاص (أ) والشكل (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬عدم االختصاص‬
‫يرتبط عيب عدم االختصاص بالجهة املصدرة للقرار‪ ،‬ذلك أن توزيع السلطات داخل اإلدارة‪ ،‬يقتض ي‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫مبدئيا أن أي عمل إداري ال يتخذه إال الشخص املؤهل‪ ،‬وليس أي شخص آخر‪ ،‬مما يعني أن عيب‬
‫عدم االختصاص يحيل إلى قيام شخص إداري بعمل ال يدخل في اختصاصه أو قيام شخص بعمل‬
‫إداري لم يكلف بالقيام به‪.355‬‬
‫وعدم االختصاص كأحد عيوب القرار اإلداري ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬عدم االختصاص املوضوعي‪،‬‬
‫عدم االختصاص املكاني وعدم االختصاص الزماني‪.‬‬
‫فبالنسبة لعدم االختصاص املوضوعي فإنه ينقسم بدوره إلى عيب عدم االختصاص اإليجابي كأن‬
‫يصدر القرار اإلداري عن جهة غير مختصة بإصداره‪ ،‬وإلى عيب عدم االختصاص السلبي كأن ترفض‬
‫جهة إدارية مختصة بإصدار قرار إداري هو من صميم اختصاصها‪.356‬‬
‫أما عيب عدم االختصاص املكان فإن أمره يتعلق بإصدار قرار إداي يخرج عن الدائرة الترابية للجهة‬
‫َّ‬
‫املصدرة له‪ ،‬وإن كان هذا العيب ال يطرح إال بالنسبة للسلطات اإلدارية املحلية التي حدد املشرع‬
‫َّ‬
‫املغربي سلطاتها في حدود جغرافية معينة يجب احترامها في اتخاذ قرارتها التي تقع تحت سلطتهم وإال‬
‫كانت هذه القرارات معيبة بعدم االختصاص املكاني‪.‬‬
‫في حين فإن عدم االختصاص الزماني يقصد به صدور القرار اإلداري خارج مدة تقليد االختصاص أي‬
‫ً‬
‫أن يصدر هذا القرار في مدة زمنية ال يكون فيها االختصاص منعقدا للشخص الذي أصدره كأن يصدر‬
‫القرار قبل تقليده ملهام وظيفته أو صدوره بعد انتهاء مهامه‪.357‬‬

‫‪ -354‬البد من اإلشارة إىل أن هذه العيوب قد ذترت عىل سبيل الحرص‪ ،‬فال ميكن إقامة دعوى إلغاء قرار إداري عىل سبب غري األسباب‬
‫التي حددها املرشع‪ ،‬تام ال يشرتط أن تكون هذه العيوب مجتمعة يف القرار املطعون فيه باإللغاء بل يكفي قيام أي عيب منها ليقرر‬
‫القضاء اإلداري إلغائه‪.‬‬
‫‪ -355‬حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫‪ -356‬عبد الواحد بن مسعود‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.59 – 55‬‬
‫‪ -357‬خالد خالص‪ ،‬األوجه املعتمدة يف دعوى اإللغاء‪ ،‬عرض ألقي بتاريخ ‪ 17‬مارس ‪ ،1007‬يف إطار ندوات التمرين لهيئة املحامني‬
‫بالرباط‪ ،‬منشور مبجلة رسالة املحاماة‪ ،‬عدد ‪ ،11‬يونيو ‪ ،1001‬ص ‪.59‬‬

‫‪040‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ب‪ -‬عيب الشكل‬


‫ً‬
‫يقصد بعيب الشكل كل عيب يتعلق باحترام اإلجراءات والشكليات املستلزم توفرها قانونا في القرار‬
‫اإلداري‪ ،‬لذلك فإن الطاعن يمكنه الدفع بعيب الشكل إذا ما صدر القرار اإلداري دون احترام إجراءاته‬
‫وشكلياته القانونية‪.‬‬
‫ونعني باإلجراءات القانونية للقرار اإلداري مجموع العمليات التي يجب على اإلدارة أن تتبعها قبل إصدار‬
‫قراراتها كاحترام حقوق الدفاع‪ ،358‬واحترام بعض اآلجال‪.359‬‬
‫أما بخصوص شكل القرار فإننا نقصد به القالب الذي يصب فيه القرار أو الصورة التي وضع فيها‬
‫القرار حسب تعبير األستاذ خالد خالص‪ ،‬ولم يستلزم املشرع املغربي صدور القرار في شكل معين‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيمكن أن يصدر مكتوبا أو شفويا أو يتخذ التزام بالصمت والذي يعني في كثير من الحاالت الرفض ما‬
‫لم ينص القانون على خالف ذلك‪.360‬‬

‫‪ -2‬إنعدام شروط الشرعية الداخلية للقرار اإلداري‬


‫ترتبط حاالت إلغاء القرار اإلداري بسبب انعدام شروطه الشرعية الداخلية بعيب االنحراف في‬
‫السلطة وعيب مخالفة القانون ثم عيب السبب‪.‬‬
‫أ‪ -‬عيب االنحراف في السلطة‬
‫يقصد بانحراف السلطة ابتعاد اإلدارة عن الهدف الذي من أجله منحت لها السلطة‪ ،361‬أو استخدام‬
‫سلطة مشروعة لتحقيق أهداف غير األهداف التي أنشأت من أجلها تلك السلطة‪.362‬‬
‫ولذلك فإن عيب انحراف السلطة يصيب القرار اإلداري في ركن الغاية أو الهدف الذي تسعى إلى‬
‫تحقيقه اإلدارة من خالل قرارتها‪ .‬فإذا ما كانت هذه األخيرة تستهدف غاية بعيدة عن املصلحة العامة‬

‫‪ -358‬جاء يف حكم صادر عن املحكمة اإلدارية مبراتش بتاريخ ‪ 1000-9-11‬بأن قرار عزل الطاعن عن عمله دون تخويله فرصه الدفاع عن‬
‫نفسه تام يوجب ذلك الفصلني ‪ 22‬و ‪ 21‬من النظام األسايس للوظيفة العمومية يعترب خرقا للضامنات التأديبية قبل اتخاذ العقوبة مام‬
‫يجعل القرار مخالفا للقانون موجب إلغائه‪ ،‬حكم منشور مبجلة املحامي‪ ،‬عدد ‪ ،71‬ص ‪.379‬‬
‫‪ -359‬ا ُنظر حكم املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 1002-7-15‬والذي قضت فيه بأن قرار توقيف املوظف مع استمرار حرمانه من رواتبه‬
‫وأجوره دون إحالته عىل املجلس األعىل التأديبي رغم املدة التي حددها القانون لهذه الحالة‪ ،‬يجعل القرار مشوبا بالشطط يف استعامل‬
‫السلطة وقابال لإللغاء‪ ،‬حكم منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬العدد ‪ ،1002 ،90‬ص ‪.252‬‬
‫‪ -360‬جاء يف الفقرة الثالثة من املادة ‪ 13‬من ‪.،‬إ‪.‬م‪.‬إ ما ييل "إذا التزمت السلطة اإلدارية املرفوع إليها التظلم الصمت يف شأنه طوال‬
‫ستني سنة يوما اعترب سكوتها عنه مبثابة رفض له‪"....‬‬
‫‪M. El Yaagoubi, le détournement du pouvoir dans la jurisprudence administrative au Maroc, REMALD, Série, -361‬‬
‫‪« thèmes actuels » N°6, 1999, P. 181.‬‬
‫‪A. Bengelloun, Droit administratif, Imprimerie Al Maarif, Rabat, 1ère édition, 1978, P 105.-362‬‬

‫‪042‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫أو غاية بعيدة عن الغاية التي حددها القانون‪ ،‬فإن قرارها يكون مشوبا بعيب االنحراف في استعمال‬
‫السلطة‪ ،‬كأن يكون الهدف من هذا القرار هو االنتقام من موظف معين ألسباب سياسية أو نقابية أو‬
‫دينية أو بسبب خصومة شخصية أو غيرها‪.363‬‬
‫ب‪ -‬عيب مخالفة القانون‬
‫ً‬
‫يكون هذا العيب مجسدا في محل أو موضوع القرار اإلداري واألثر القانوني الذي يحدثه‪ ،‬ويشترط في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا املحل أن ال يكون مخالفا ألحكام القانون وأن يكون ممكنا‪.‬‬
‫وهكذا فقد قضت املحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 08‬نونبر ‪ 9110‬بأن املجلس البلدي ملزم بمراقبة‬
‫ً‬
‫مدى مطابقة التصاميم للضوابط القانونية والتقنية املعمول بها طبقا لقانون التعمير وأن منحه‬
‫ً‬
‫للرخصة املطعون فيها دون مراعاة الضوابط املذكورة يجعل قراره بهذا الشأن مشوبا بعيب مخالفة‬
‫القانون‪ ،‬مما يبرر الحكم بإلغائه‪.364‬‬
‫ً‬
‫كما يشترط في محل القرار اإلداري أن يكون ممكنا من الناحية القانونية والواقعية‪ ،‬إذ ال يمكن اتخاذ‬
‫ً‬
‫قرار بتعيين موظف مثال إذا لم يكن هناك منصب مالي شاغر أو اتخاذ قرار بهدم منزل آيل للسقوط‬
‫بالرغم من أن املنزل قد إنهار قبل اتخاذ القرار‪.365‬‬
‫ج‪ -‬عيب السبب‬
‫يعتبر عيب السبب آخر العيوب التي استند إليها املشرع بمقتض ى املادة ‪ 91‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ لقبول دعوى‬
‫الطعن باإللغاء‪ ،‬ويقصد بالسبب ‪ -‬كركن من أركان القرار اإلداري – بأنه الحالة القانونية أو الواقعية‬
‫التي تدفع اإلدارة إلى اتخاذ قرارتها والباعث على إصدارها‪.366‬‬
‫وإذا كانت اإلدارة في الحالة القانونية مقيدة بمقتضيات القانون فإنها في الحالة الواقعية تتمتع بسلطة‬
‫تقديرية في اتخاذ قراراتها‪ ،‬وإن كانت هذه األخيرة – السلطة التقديرية – ليست سلطة مطلقة‪ ،‬بل‬
‫َّ‬
‫يبقى للقضاء سلطة املالءمة‪ ،‬إال أنه ال يصح للمحكمة تعديل القرار اإلداري بل يقتصر دورها في‬

‫‪ -363‬جاء يف قرار صادر عن املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بأن قرار نقل موظف وإن تان يتجىل من ظاهره أنه اتخذ لتحقيق املصلحة‬
‫الع امة فإنه يف باطنه جاء متضمنا يف طياته قرارا تأديبيا مقنعا باعتبار أن نية اإلدارة اتجهت إىل عقابه (للحيلولة بينه وبني مامرسة نشاطه‬
‫النقايب) من غري اتباع اإلجراءات املقررة لذلك وبذلك تكون قد انحرفت سلطتها يف القرار لتحقيق هذا الغرض املترشد ويكون قرارها‬
‫مبثابة الجزاء التأديبي مام يجعله مشوبا بعيب إساءة استعامل السلطة ومعرضا لإللغاء‪ ،‬أشار إليه خالد خالص‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 55‬دون ذتر‬
‫مراجعه‪.‬‬
‫‪ -364‬حكم أورده خالد خالص‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ ،55‬دون ذتر مراجعه‪.‬‬
‫‪ -365‬عبد الواحد بن مسعود‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -366‬وزارة العدل‪ ،‬دليل محاتم االستئناف اإلدارية واملحاتم اإلدارية‪ ،‬منشورات جمعية نرش املعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الرشوح‬
‫والدالئل‪ ،‬العدد ‪ ،22‬فرباير ‪ ،1009‬ص ‪.35‬‬

‫‪043‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫اإللغاء أو رفضه ال غير‪ .367‬وفي هذا اإلطار فقد قضت املحكمة اإلدارية بالرباط في أحد أحكامها بأن أي‬
‫قرار إداري يجب أن يقوم على سبب يبرره‪ ،‬وأن الرقابة القضائية تمتد إلى صحة الوقائع التي تكون‬
‫ً‬
‫ركن السبب في الجزاء التأديبي‪ ،‬وأن عدم ثبوت املخالفات املنسوبة يكون القرار املطعون فيه مشوبا‬
‫بتجاوز السلطة لعيب انعدام السبب مما يتعين معه الحكم بإلغائه‪368‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الطعن في قرار التصدي وموقف محكمة اإلحالة من قرار اإلحالة‬
‫عندما يتبين ملحكمة النقض أن األسباب التي أسس عليها الطاعن نقضه جدية‪ ،‬فإنها تقوم بنقض‬
‫القرار أو الحكم املطعون فيه‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يكون أمام محكمة النقض سوى احتمالين‪:369‬‬
‫فإما أن تقوم بالتصدي للبت في القضية لحسمها بشكل نهائي إذا ما توفرت شروط التصدي –‬
‫السابق اإلشارة إليها –‪ ،‬الش يء الذي يحتمل معه املساس بحقوق الغير نتيجة هذا الحسم‪ .‬لذلك كان‬
‫البد من فسح املجال لهذا األخير – الغير – للتظلم من هذا القرار القاض ي بالتصدي إذا ما أضر به‪،‬‬
‫فاهتدت التشريعات إلى طريق الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬ألنه ينسجم وطبيعة العمل‬
‫الذي تقوم به محكمة النقض في هذه الحالة‪.‬‬
‫وإما أن تقوم بإحالة الدعوى – عند تعذر التصدي – إلى محكمة أخرى من درجة املحكمة التي نقض‬
‫حكمها أو قرارها‪ ،‬واستثناء على نفس املحكمة التي صدر عنها املقرر القضائي املنقوض لتبت فيه من‬
‫جديد في ضوء ما جاء في قرار النقض واإلحالة‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن دراستنا لهذا املبحث ستكون وفق التصميم التالي‪:‬‬

‫‪ -367‬خالد خالص‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.52‬‬


‫‪ -368‬أشار إليه خالد خالص‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ ،51‬دون ذتر مراجعه‪.‬‬
‫‪ -369‬هناك احتامل آخر ال يثري أي إشكاالت وهو النقض دون إحالة عندما يتبني ملحكمة النقض بعد النقض أنه مل يبق هناك يشء‬
‫يستوجب الحكم‪ :‬ا ُنظر الفقرة األخرية من الفصل ‪ 329‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة هنا إىل أن املرشع املغريب مل يبني ما هو مآل املقرر املنقوض بخالف املرشع الفرنيس الذي أتد عىل أن نقض الحكم‬
‫يعيد األطراف إىل الحالة التي تانوا عليها قبل صدور القرار املنقوض‪ ،‬ويؤدي نتيجة ذلك إىل إلغاء جميع القرارات املرتتبة عنه وتذا‬
‫أعامل التنفيذ دومنا حاجة الستصدار قرار جديد وذلك مبقتىض املادة ‪ 215‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج والتي جاء فيها‪:‬‬
‫‪« Sur les points qu’elle atteint, la cassation replace les parties dans l’état où elles se trouvaient avant le jugement‬‬
‫‪cassé.‬‬
‫‪décision Elle entraîne, sans qu’il y ait lieu à une nouvelle décision, l’annulation par voie de conséquence de toute‬‬
‫‪qui est la suite, l’application ou l’exécution du jugement cassé ou qui s’y rattache par un lien dépendance‬‬
‫»‪nécessaire.‬‬

‫‪044‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬املطلب األول‪ :‬الطعن في قرار النقض والتصدي‪.‬‬

‫‪ ‬املطلب الثاني‪ :‬موقف محكمة اإلحالة من قرار النقض واإلحالة‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الطعن في قرار النقض والتصدي‬


‫جعل املشرع املغربي القرارات الصادرة عن محكمة النقض والقاضية بالنقض والتصدي قابلة للطعن‬
‫بتعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬حسب ما تنص عليه مقتضيات الفقرة األخيرة من الفصل ‪122‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ 370‬واملادة ‪ 1-122‬من م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.371‬‬
‫ولئن كان سلوك طرق الطعن سواء العادية منها أو غير العادية مقرر كقاعدة عامة ألطراف الخصومة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استثناء من هذه القاعدة‪ ،‬ألنه مقرر لفائدة الغير الذي لم يكن طرفا في‬ ‫فإن تعرض الغير يشكل‬
‫الخصومة باألصالة أو بالنيابة‪ ،‬والذي يمس املقرر القضائي املطعون فيه بحقوقه ومصالحه‪.372‬‬
‫وتخضع شروط الطعن بتعرض الغير ملقتضيات الفصل األول من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح والفصلين ‪ 111‬و ‪114‬‬
‫من نفس القانون‪ ،‬غير أن خصوصية املسطرة أمام محكمة النقض ستفرض علينا الحديث عن هذه‬
‫الشروط وفق هاته املسطرة (الفقرة األولى)‪.‬‬
‫ويترتب عن الطعن بتعرض الغير – كغيره من طرق الطعن – آثار هامة سواء أكانت هذه اآلثار ناتجة‬
‫عن مجرد تقديمه – أي الطعن – أو ناجمة عن القرار الصادر بشأنه (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ -370‬والتي جاء فيها أنه "ال ميكن الطعن يف القرارات التي يصدرها املجلس األعىل إال يف األحوال التالية‪:‬‬
‫ج‪ -‬يقبل تعرض الخارج عن الخصومة ضد القرارات الصادرة عن املجلس األعىل يف طعون إلغاء مقررات السلطات اإلدارية‪".‬‬
‫وأمام عمومية صياغة هذه الفقرة‪ ،‬والتي تتحدث عن الطعون املتعلقة باإللغاء‪ ،‬فإنه ميكن القول أنها تشمل مقتضيات املادة ‪ 21‬من‬
‫‪.،‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬إ والتي أجاز املرشع املغريب مبوجبها ملحكمة النقض التصدي يف دعاوى اإللغاء‪ ،‬ولذلك فإن قرارات محكمة النقض القاضية‬
‫باإللغاء والتصدي تكون قابلة للطعن بتعرض الغري الخارج عن الخصومة يف ظل عمومية هذه الصياغة‪.‬‬
‫‪ -371‬جاء يف هذه املادة ما ييل‪" :‬يقبل تعرض الخارج عن الخصومة ضد القرارات الصادرة عن محكمة النقض يف‪:‬‬
‫‪ -‬الطعون املتعلقة بإلغاء املقررات املنصوص عليها يف البند ‪ 1‬من املادة ‪ 353‬أعاله‪.‬‬
‫‪ -‬القرارات القاضية بالنقض والتصدي‪".‬‬
‫‪ -372‬أحمد حموش‪ ،‬تأثري وصف الحكم عىل مامرسة طر‪ ،‬الطعن‪ ،‬مقال منشور مبجلة املحاتم املغربية‪ ،‬العدد ‪ 239‬يناير‪ -‬فرباير ‪ ،1023‬ص‬
‫‪.22‬‬

‫‪045‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬شروط تعرض الغير الخارج عن الخصومة‬


‫إذا كان الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة حق مخول لألغيار عن الخصومة‪ ،‬بقصد التظلم‬
‫من كل مقرر قضائي مس بحقوقهم‪ ،‬فإن ممارسته مرتبطة بضرورة توفر شروط موضوعية وأخرى‬
‫شكلية‪.‬‬
‫ونقصد بالشروط املوضوعية الثالوث الذي تعرض له الفصل األول من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،373‬ويتعلق األمر‬
‫بالصفة واألهلية واملصلحة‪ .‬فكما نعتبر هذه الشروط املرتكز األساس ي إلمكانية التقاض ي‪ ،‬فإنها تعد‬
‫كذلك اللبنة األساسية لقبول الطعون بصفة عامة‪ ،‬والطعن بتعرض الغير بصفة خاصة (أوال)‪.‬‬
‫أما شروط هذا الطعن الشكلية‪ ،‬فإننا نقصد بها الجهة القضائية املختصة بنظر الطعن‪ ،‬واإلجراءات‬
‫املسطرية التي تتم عند ممارسته (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الشروط املوضوعية‬


‫إن ممارسة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة يستلزم توفر شروط التقاض ي املوضوعية‬
‫املرتبطة بالصفة واألهلية واملصلحة‪.‬‬
‫وإذا كانت األهلية واحدة بالنسبة لهذا الطريق من طرق الطعن أو غيره‪ ،‬وفق ما هو محدد في مدونة‬
‫األسرة‪ ،374‬فإن الصفة (‪ )0‬واملصلحة (‪ )9‬تنفردان ببعض املميزات في تعرض الغير الخارج عن‬
‫الخصومة‪ ،‬وهو ما يستوجب الوقوف عندهما لتبيان هذه املميزات‪.‬‬
‫‪ -1‬الصفة في تعرض الغير الخارج عن الخصومة‬
‫ربط املشرع املغربي ممارسة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة بضرورة توفر الطاعن على‬
‫صفة الغير‪ ،‬والغير هو "كل شخص لم يستدع هو أو من ينوب عنه في الدعوى" حسب ما جاء في‬
‫الفصل ‪ 111‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولذلك فإن الشخص يعتبر غيرا عن الدعوى ويحق له ممارسة هذا الطعن إذا لم يكن طرفا أصليا في‬
‫ً‬
‫الدعوى (أ) أو مثال بالنيابة فيها (ب)‪.‬‬
‫ً‬
‫أ‪ -‬الغير ليس طرفا باألصالة في الدعوى‬
‫ً‬
‫إن املعيار األساس ي الذي قال به املشرع املغربي ملعرفة ما إذا كان الشخص طرفا في الدعوى أم ال هو‬
‫معيار االستدعاء‪ ،‬حيث ينص الفصل ‪ 111‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح على أنه "يمكن لكل شخص أن يتعرض على‬

‫‪ -373‬والذي ينص عىل أنه "ال يصح التقايض إال ممن له الصفة‪ ،‬واألهلية‪ ،‬واملصلحة‪ ،‬إلثبات حقوقه‪"...‬‬
‫‪ -374‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.07.11‬صادر بتاريخ ‪ 21‬ذي الحجة ‪ 3( 2717‬فرباير ‪ )1007‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 01-03‬مبثابة مدونة األرسة‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع‬
‫‪ 5257‬بتاريخ ‪ 27‬ذي الحجة ‪ 5( 2717‬فرباير ‪ ،)1007‬ص ‪.725‬‬

‫‪046‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫حكم قضائي يمس بحقوقه إذا كان لم يستدع هو‪ "....‬فهذه الصيغة توضح إذن أن تعرض الغير‬
‫َّ‬
‫الخارج عن الخصومة‪ ،‬ال يقدم من أحد أطراف‪ 375‬الخصومة‪ ،‬وإنما من األغيار اللذين لم يتم‬
‫استدعاؤهم فيها‪.‬‬
‫لكن املالحظ األساسية التي نسجلها هنا هي أن املشرع املغربي استلزم فقط أن ال يتم استدعاء‬
‫ً‬
‫الشخص حتى يعتر غيرا عن الخصومة‪ ،‬وبالتالي إمكانية ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪،‬‬
‫مما يطرح معه التساؤل حول مدى إمكانية االعتداد باالستدعاء غير القانوني إلضفاء هذه الصفة؟‬
‫انقسمت اآلراء بخصوص اإلجابة عن هذا التساؤل إلى رأيين‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استدعاء قانونيا‪ ،‬مؤكدين أنه ال‬ ‫‪ -‬الرأي األول‪ :376‬استلزم أنصار هذا الرأي أن يتم استدعاء الشخص‬
‫ً‬
‫يعتبر غيرا أطراف الدعوى الحاضرون أو من وقع تمثيلهم أو استدعاؤهم بكيفية قانونية‪ ،‬مما يفهم من‬
‫ً‬
‫هذا الرأي – بمفهوم املخالفة – أن الشخص يعتبر غيرا إذا تم استدعائه بطريقة غير قانونية‪.‬‬
‫ً‬
‫كاف العتبار الشخص طرفا‬ ‫‪ -‬الرأي الثاني‪ :377‬يرى أنصار هذا الرأي أن مجرد توجيه االستدعاء يعتبر ٍ‬
‫ً‬
‫في الدعوى دون تمييز بين ما إذا كان هذا االستدعاء قانونيا أم ال‪.‬‬
‫ً‬
‫ونعتقد أن ما ذهب إليه أنصار االتجاه األول هو عين الصواب‪ ،‬ألنه ال يمكن اعتبار الشخص طرفا في‬
‫الدعوى والحال أنه لم يتم استدعاؤه فيها أو تم توجيه هذا االستدعاء لكن لم يتم احترام إجراءاته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كاألجل مثال خصوصا وأن املشرع حدد آجال الحضور بعد توجيه االستدعاء تحت طائلة بطالن الحكم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذي قد يصدر غيابيا‪ .378‬أضف إلى هذا أن ذات املشرع استلزم على املتقاض ي ممارسة حقوقهم طبقا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقواعد حسن النية‪،379‬إذ أن اعتبار الشخص حاضرا في الدعوى وإن لم يتم استدعائه قانونا سيفسح‬

‫‪ -375‬يقصد بالطرف تل شخص يبارش إجراءات التقايض بنفسه ولنفسه للحصول عىل الحامية القانونية أو القضائية لحق خاص يتعلق به‪،‬‬
‫أو هو الذي تبارش الدعوى يف مواجهته شخصيا ً بصفة مبارشة‪ ،‬ففي الحالة األوىل يسمى مدعيا ً ويف الحالة الثانية يسمى مدعى عليه‪،‬‬
‫وقد يتسع النطا‪ ،‬الشخيص للدعوى بعد افتتاحها بتدخل أحد األشخاص أو بإدخاله فيها‪ ،‬فيسمى األول متدخالً والثا‪،‬ي مدخالً‪.‬‬
‫‪ -‬ملزيد من اإليضاح ا ُنظر نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬أصول املرافعات املدنية والتجارية‪ ،‬منشأة املعارف باإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2952 ،‬ص‬
‫‪.570‬‬
‫‪ -‬وهو نفس التعريف الذي اعتمدته محكمة االستئناف بالدار البيضاء يف قرارها عدد ‪ 1532‬صادر بتاريخ ‪ 1002.02.11‬يف امللف املد‪،‬ي رقم‬
‫‪ 05/2/3011‬والذي جاء فيه "ملا ثبت حق املتعرض يف رفع تعرضه ألنه تان أجنبيا يف الدعوى‪ ،‬بحي مل يكن مدعيا وال مدعى عليه وال‬
‫متدخال فيها‪ "...‬أورده عبد العزيز توفيق‪ ،‬موسوعة املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ -376‬محمد السامحي‪ ،‬طر‪ ،‬الطعن يف األحكام املدنية واإلدارية‪ ،‬مطبعة الصومعة‪( ،‬م‪ .‬م‪ .‬غ‪ .‬م (‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2995 ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ -‬عمر الشيكر‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪ -377‬وزارة العدل‪ ،‬سلسلة الرشوح والدالئل القانونية‪ ،‬رقم ‪ ،2‬طر‪ ،‬الطعن‪ ،‬طبع ونرش جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫ص ‪.51 – 52‬‬
‫‪ -378‬ا ُنظر الفصل ‪ 70‬و ‪ 72‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬
‫‪ -379‬ا ُنظر الفصل ‪ 5‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬

‫‪047‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املجال للمتقاضين سيئي النية الستغالل هذه النقطة وتوجيه استدعاءات غير قانونية لخصومهم‬
‫قصد حرمانهم من ممارسة الطعن بتعرض الغير ولهذا فإننا ندعو املشرع املغربي إلى ضرورة إضافة‬
‫ً‬
‫مصطلح (قانونا) في صلب الفصل ‪ 111‬حسما لهذا النقاش‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد ثار التساؤل حول مدى إمكانية ممارسة النيابة العامة لهذا الطريق من طرق الطعن خصوصا‬
‫ً‬
‫وأن املشرع املغربي أجاز لها إمكانية ممارسة جميع طرق الطعن ما عدا التعرض‪ 380‬إذا كانت طرفا‬
‫ً‬
‫أصليا في الدعوى‪381‬؟‬
‫ً‬
‫لقد أجابنا األستاذ عمر الشيكر عن هذا السؤال بالنفي مؤكدا أن حضور النيابة العامة في الدعوى‬
‫كطرف أصلي يمنعها من ممارسة هذا الطعن ألنه طعن مخول فقط لألغيار‪ ،‬والحال أن النيابة العامة‬
‫ً‬
‫في هذه الحالة تعتبر طرفا في الدعوى بقوة القانون‪.382‬‬
‫ونختم هذه النقطة باإلشارة إلى أن اختالف صفة الطاعن في تعرض الغير عن صفته في الدعوى‬
‫األصلية‪ ،‬ال يحول دون إمكانية ممارسته لتعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬ذلك أن الشخص قد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون طرفا في الدعوى األصلية بصفة ويتعرض على الحكم الصادر بشأنها بصفة أخرى‪ ،‬وهو أيضا ما‬
‫ً‬
‫أكدته املحكمة التجارية بمراكش‪ ،‬حيث جاء في أحد أحكامها أن الطاعن بصفته دائنا ألحد أطراف‬
‫ً‬
‫الخصومة األصليين وأن حقوقه قد نشأت قبل الحكم املطعون فيه‪ ،‬فإنه يعتبر ممثال بواسطة مدينه‪،‬‬
‫وبالتالي فال يقبل تعرضه بصفته هاته‪ ،‬وإنه باإلضافة إلى صفته كدائن فإنه يتوفر على صفة أخرى‬
‫وهي أنه من بين مقدمي العروض‪ ،‬ولذلك فإن كان تعرضه غير مقبول بصفته األولى‪ ،‬فإنه مقبول‬
‫بصفته الثانية‪.383‬‬

‫ً‬
‫ب‪ -‬الغير ليس طرفا بالنيابة في الدعوى‬
‫ً‬
‫أجاز املشرع املغربي للشخص الذي لم يكن ممثال في الدعوى إمكانية ممارسة الطعن بتعرض الغير ضد‬
‫كل مقرر قضائي يمس بحقوقه‪ ،‬وذلك بمقتض ى الفصل ‪ 111‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح والذي جاء فيه أنه‬
‫"يمكن لكل شخص أن يتعرض على حكم قضائي يمس بحقوقه إذا كان لم يستدع هو أو من ينوب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عنه في الدعوى"‪ ،‬وبذلك فإن الشخص إذا كان ممثال في الدعوى فإنه والحالة هذه يعتبر طرفا في‬
‫الدعوى وبالتالي ال يمكنه ممارسة الطعن بتعرض الغير الخارج في الخصومة‪.‬‬

‫‪ -380‬ا ُنظر الفصل ‪ 1‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬


‫‪ -381‬ألنها إذا تانت طرفا ً منضامً ال ميكن لها مامرسة أي طريق من طر‪ ،‬الطعن حسب ما ينص عليه الفصل ‪ 5‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬
‫‪ -382‬عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -383‬حكم عدد ‪ 255‬صادر بتاريخ ‪ 1000/20/25‬يف مللف رقم ‪ ،95/2‬منشور مبجلة املحامي عدد مزدوج ‪ ،35/31‬دجنرب ‪ ،1000‬ص ‪.117‬‬

‫‪048‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫والشخص يكون ممثال في الدعوى إما بواسطة سلفه بالنسبة للخلف أو مدينه بالنسبة للدائن أو نائبه‬
‫بالنسبة للمنيب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا فإن الخلف ال يعتبر غيرا في الدعوى ما دام سلفه حاضرا أو ممثال فيها‪ ،‬ويسري هذا الحكم‬
‫سواء تعلق األمر بالخلف الخاص أو العام‪ .384‬فبالنسبة لهذا األخير فقد نص املشرع املغربي في الفصل‬
‫‪ 480‬من ق‪.‬ا‪.‬ع على أنه "يعتبر في حكم الخصوم الذين كانوا أطرافا في الدعوى ورثتهم وخلفاؤهم حين‬
‫يباشرون حقوق من انتقلت إليهم منهم باستثناء حالة التدليس والتواطؤ‪ ".‬ولذلك فإن ورثة الهالك‬
‫ً‬
‫يعتبرون أطرافا في الدعوى‪ ،‬وبالتالي يمتنع عليهم ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬شريطة‬
‫أن ال يكون هناك تدليس أو تواطؤ أو غش أثناء الدعوى األصلية‪ ،‬إذ في هذه الحالة يتصف الورثة‬
‫بصفة الغير‪.385‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫أما الخلف الخاص‪ ،386‬فإنه يتميز بوضع خاص‪ ،‬ذلك أنه ال يكون ممثال في الدعوى إال بالنسبة لألعمال‬
‫ً‬
‫القانونية التي تمت قبل نشوء حقه‪ ،‬أما تلك التي تأتي الحقة لترتيب هذا الحق‪ ،‬فإن الخلف يعتبر غيرا‬
‫يجوز له ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ .387‬وفي هذا اإلطار ذهب املجلس األعلى إلى أن‬
‫ً‬
‫الخلف الخاص يكون ممثال من طرف سلفه‪ ،‬إذا تعلقت الدعوى بنفس الحق‪ ،‬ويشترط في ذلك أن‬
‫تكون الدعوى سابقة على التفويت‪ .‬أما إذا كانت الدعوى الحقة للتفويت‪ ،‬فإن للخلف الخاص‬
‫التعرض على الحكم الصادر ضد سلفه‪ ،‬تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬ألن هذا األخير لم تكن له‬
‫أي صفة لتمثيله‪.388‬‬
‫ً‬
‫هذا فيما يخص الخلف‪ ،‬أما بالنسبة للدائن‪ ،‬فإن املتفق عليه هو أنه ال يعتبر غيرا عن الدعوى‪ ،‬ألنه‬
‫ً‬
‫يكون ممثال فيها بواسطة مدينه‪ ،‬ولقد أكد األستاذ أحمد السيد الصاوي أن الدائن يصنف في حكم‬
‫الخلف‪ ،‬ألنه ممثل في الدعوى من طرف مدينه فيما يصدر في مواجهته‪ ،‬دون اعتبار لتاريخ نشأة‬

‫‪ -384‬يعرف الخلف العام بأنه من خلف الشخص يف ذمته املالية من حقو‪ ،‬والتزامات أو يف جزء منها باعتبارها جزء من املال‪ ،‬تالوارث و‬
‫الوىص له بجزء من الرتتة يف مجموعها‪.‬‬
‫‪ -‬ملزيد من اإليضاح حول مفهوم الخلف العام ا ُنظر عبد الرزا‪ ،‬السنهوري‪ ،‬الوسيط يف رشح القانون املد‪،‬ي‪ ،‬ج ‪ ،2‬مصادر االلتزام‪ ،‬منشأة‬
‫املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1007 ،‬رقم ‪ ،377‬ص ‪.739‬‬
‫‪ -385‬هشام املراتيش‪ ،‬الغري يف القانون املغريب‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1029 ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪ -386‬يعرف الخلف الخاص بأنه من ينقل له سلفه حقا من مال معني بذاته سواء تان منقوالً‪ ،‬أو عقارا ً أو حقا ً شخصياً‪.‬‬
‫ملزيد من اإليضاح ا ُنظر عبد الحق الصايف‪ ،‬القانون املد‪،‬ي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب الثا‪،‬ي‪ ،‬آثار العقد (إ‪ .‬م‪ .‬غ‪ .‬م) الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ ،1001‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -387‬نور الدين الناصريي‪ ،‬املوجز يف املسطرة املدنية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1025‬ص ‪.171‬‬
‫‪ -388‬قرار عدد ‪ 1109‬صادر بتاريخ ‪ ،1009-2-20‬يف امللف رقم ‪ ،05/527‬أورده محمد بفقري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ .311‬ا ُنظر تذلك قرار عدد ‪2252‬‬
‫صادر بتاريخ ‪ 09-1-15‬يف امللف رقم ‪ ،55/3355‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،72‬ص ‪ 10‬وما يليها‪.‬‬

‫‪049‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫الدين‪ ،‬أكان سابقا على للحكم أم الحقا له‪ ،389‬ويسري نفس الحكم على املنيب الذي يعتبر طرفا في‬
‫الدعوى التي حضر فيها نائبه سواء أكان هذا الحضور بموجب نيابة اتفاقية أو قانونية‪.390‬‬
‫ً‬
‫وبالتالي فإن الشخص إذا كان ممثال في الدعوى بواسطة سلفه أو مدينه أو نائبه‪ ،‬فإنه ال يمكن إعتباره‬
‫ً‬
‫غيرا وكنتيجة لذلك ال يمكنه ممارسة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة‪.‬‬
‫وتبقى اإلشارة فقط إلى أن املشرع قد عوض عبارة "إذا لم يستدع هو أو من ينوب عنه في الدعوى"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعبارة "إذا لم يكن طرفا أو ممثال في الدعوى" وذلك بموجب املادة ‪ 111‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ .391‬وهو تغيير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محمود ألن مصطلح لم يستدع الوارد في النص الحالي قد أثار جدال فقهيا بخصوص معناه كما سبقت‬
‫اإلشارة إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬املصلحة في تعرض الغير الخارج عن الخصومة‬
‫تعرف املصلحة بأنها الفائدة العملية التي يجنيها املدعي من وراء دعواه‪ ،‬وهي أهم ما تقوم عليه‬
‫الدعوى‪ ،‬لذلك قيل بأنه ال دعوى حيث ال مصلحة‪ ،392‬غير أن هذه املصلحة ال تستلزم فقط في‬
‫ً‬
‫الدعوى‪ ،‬بل تكون مناط كل طعن أيضا‪ ،‬بما فيه تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬لدرجة يمكن‬
‫القول معها أنه ال دعوى وال طعن حيث ال مصلحة‪.393‬‬
‫ً‬
‫ورجوعا إلى الفصل ‪ 111‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح نجد أن املشرع املغربي قد جعل املصلحة مرتبطة في الطعن‬
‫بتعرض الغير الخارج عن الخصومة باملساس بحقوق الطاعن الذي لم يستدع هو أو من ينوب عنه‪،‬‬
‫ولذلك فإن املساس بالحقوق هو عين املصلحة في هذا الطعن‪ ،‬حسب تعبير األستاذ عبد العزيز‬
‫حضري‪.394‬‬
‫وبذلك فإن الغير الذي تضرر من الحكم املحتج به في مواجهته يمكنه الطعن ضده بتعرض الغير‬
‫ً‬
‫الخارج عن الخصومة ما دام هذا الحكم قد مس بحقوقه وأضر به سواء أكان الضرر الالحق به ماديا‬
‫ً‬
‫أو معنويا‪.‬‬

‫‪ -389‬احمد السيد صاوي ‪،‬أثر األحكام بالنسبة للغري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة (ع‪ .‬ط‪ .‬غ‪ .‬م)‪ ،‬ص ‪ 232‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ -390‬يحدد نوع النيابة بحسب املص در الذي يحدد نطاقها‪ ،‬فتكون قانونية إذا تان القانون هو الذي يحدد هذا النطا‪ ،‬وتكون إتفاقية إذا‬
‫تان نطاقها محددا ً من قبل إرادة األطراف‪.‬‬
‫‪ -391‬والتي جاء فيها ما ييل "ميكن لكل شخص أن يتعرض تعرض الغري الخارج عن الخصومة عىل حكم أو قرار أو أمر ميس بحقوقه إذا‬
‫مل يكن طرفا أو ممثال يف الدعوى‪".‬‬
‫‪J. Vincent et S. Guinchard, op. cit. P. 139. -392‬‬
‫‪ -393‬عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -394‬عبد العزيز حرضي ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.315‬‬

‫‪051‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫غير أنه يستلزم في هذه املصلحة أن تكون محققة ومباشرة وشخصية‪ ،‬وتكون املصلحة محققة إذا كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الضرر الذي أصاب الطاعن نتيجة الحكم املطعون فيه حاال‪ ،‬أي وقع فعال‪ ،‬أو لم يقع لكنه محتم‬
‫الوقوع في املستقبل‪ .‬وإن كان األستاذ عمر الشيكر قد أخذ حتى بالضرر املحتمل أو املتوقع لتقرير‬
‫ً‬
‫مصلحة الطاعن في تعرضه‪ ،‬مؤكدا أن األخذ بالضرر املحتمل هو الذي يميز املصلحة في هذا النوع من‬
‫طرق الطعن‪.395‬‬
‫بينما تكون املصلحة مباشرة إذا ما حصل ضرر مباشر للطاعن‪ ،‬أي أن الضرر هو النتيجة الحتمية أو‬
‫الطبيعية ملنطوق الحكم املطعون فيه‪ ،‬وفي هذا الصدد قضت املحكمة التجارية بالدار البيضاء في‬
‫أحد أحكامها بأنه "لم يتم اإلدالء بما يفيد تنفيذ الحكم املتعرض عليه ضد عقار املتعرض‪ ،‬أو أنه‬
‫تضرر منه بشكل مباشر‪ 396"...‬في حين فإن هذه املصلحة تكون شخصية إذا تبت حصول ضرر‬
‫شخص ي للطاعن نتيجة مساس الحكم املطعون فيه بحق خاص به‪ ،‬غير أن هذا ال يعني ضرورة كون‬
‫ً‬
‫املصلحة فردية أو ذاتية‪ ،‬بل يمكن أن تكون أيضا مصلحة جماعية كما هو الحال بالنسبة للنقابات‬
‫التي أناط بها املشرع بمقتض ى املادة ‪ 397121‬من مدونة الشغل‪ 398‬مهمة الدفاع عن املصالح‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ...‬الفردية منها والجماعية‪"....‬‬
‫وتقدير وجود مصلحة الطاعن في تعرضه هي مسألة واقع تدخل في صميم السلطة التقديرية ملحكمة‬
‫املوضوع‪ ،‬وال رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض‪ ،399‬غير أن ما يخرج عن رقابة هذه األخيرة هو‬
‫تقدير وجود هذه املصلحة فحسب أي تقدير مدى تحقق الضرر أم ال‪ ،‬أما إخضاع هذا الضرر لحكم‬
‫القانون فإنه يدخل تحت رقابتها – محكمة النقض‪.-‬‬

‫‪ -395‬عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ -396‬حكم عدد ‪ 752‬بتاريخ ‪ 1007-01-10‬يف امللف عدد ‪ ،1007/2/111‬غري منشور أورده‪ ،‬عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -397‬حي تنص هذا املادة عىل أنه "تهدف النقابات املهنية باإلضافة إىل ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثال من الدستور إىل الدفاع‬
‫عن املصالح االقتصادية واالجتامعية واملعنوية واالجتامعية‪ ،‬الفردية منها والجامعية‪"....‬‬
‫‪ -398‬ظهري رشيف رقم ‪ 2.03.297‬صادر يف ‪ 27‬من رجب ‪ 22( 2717‬سبتمرب ‪ )1003‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 25.99‬املتعلق مبدونة الشغل‪ ،‬ج‪ .‬ر‪ .‬ع‬
‫‪ 5221‬بتاريخ ‪ 23‬شوال ‪ 5( 2717‬ديسمرب ‪ ،)1003‬ص ‪.3929‬‬
‫‪ -399‬جاء يف قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 2‬أبريل ‪ 2997‬ما ييل‪:‬‬
‫" ‪Mais attendu que l’appréciation de l’existence d’un préjudice en matière de tiece opposition, ainsi que l’intérêt de‬‬
‫‪demandeur à exercer cette voie de recours, relève du pouvoir souverain des juges du fond et échappe ou contrôle‬‬
‫‪. "la cour de cassation‬‬
‫‪ -‬أورده عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪050‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ووقت تقدير تحقق شرط املصلحة هو تاريخ صدور املقرر القضائي املتعرض عليه‪ ،‬ومعنى هذا أن‬
‫املتعرض يوم عرض النزاع األصلي على‬
‫ِ‬ ‫تقدير هذه املصلحة يجري في ضوء الظروف التي كان عليها الغير‬
‫املحكمة‪ ،‬وخاصة بتاريخ الحكم‪ ،‬وال يعتد بزوالها بعد ذلك‪.400‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشروط الشكلية‬


‫سبق القول أن الحديث عن شروط الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة الشكلية‪ ،‬يشمل‬
‫البحث عن معرفة الجهة القضائية املختصة بنظر هذا الطعن (‪ )0‬واإلجراءات املسطرية التي تتم عند‬
‫ممارسته (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬الجهة القضائية املختصة بنظر تعرض الغير‬
‫باستقرائنا للمقتضيات القانونية املنظمة للطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة نجد أن املشرع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املغربي لم يضع نصا خاصا ينظم الجهة املختصة بنظر هذا الطعن بخالف املشرع الفرنس ي‪ 401‬الذي‬
‫جعل املحكمة املختصة هي املحكمة املصدرة للحكم املطعون فيه بالتعرض‪.‬‬
‫وفي ظل غياب هذا التحديد التشريعي للجهة املختصة في التشريع املغربي‪ ،‬فإن الفقه ومعه القضاء‬
‫املغربيان تبنيا موقف املشرع الفرنس ي في تحديدهما لهذه الجهة القضائية املختصة‪.‬‬
‫وهكذا فقد خلص الفقه‪ 402‬إلى أن املحكة املختصة بنظر هذا الطعن هي املحكمة املصدرة للمقرر‬
‫القضائي املتعرض عليه‪ ،‬ألن في ذلك انسجام مع طبيعة هذا الطعن الذي يهدف من ورائه الطاعن إلى‬
‫َّ‬
‫مراجعة املقرر القضائي الذي أضر به‪ ،‬وليس تعديله واملراجعة ‪-‬حسب هذا الفقه‪ -‬ال تقدم إال أمام‬
‫املحكمة التي أصدرت الحكم املطعون فيه كالطعن بالتماس إعادة النظر‪.‬‬
‫وهو نفس التوجه الذي أقره القضاء املغربي‪ ،‬حيث جاء في قرار صادر عن املجلس األعلى على أن‬
‫تعرض الغير الخارج عن الخصومة هو طعن استثنائي يقدم أمام املحكمة املصدرة للحكم املطعون‬
‫فيه‪ ،‬وهي وحدها املختصة بالبت فيه‪.403‬‬

‫‪ -400‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪Art 587 du N.C.P.C.F « la tierce opposition formée à titre principal est portée devant la juridiction dont émane -401‬‬
‫» ‪le jugement attaqué.‬‬
‫‪ -402‬حليمة بن حفو‪ ،‬دراسة يف قانون املسطرة املدنية‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراتش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬ماي ‪ ،10025‬ص ‪.225‬‬
‫‪ -‬محمد السامحي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ -403‬قرار عدد ‪ 3575‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬نونرب ‪ 2997‬ملف رقم ‪ 55/2159‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،71‬ص ‪ ،73‬ا ُنظر القرار عدد‬
‫‪ 752‬الصادر بتاريخ ‪ 07/7/12‬يف امللف عدد ‪ ،07/322‬منشور بالتقرير السنوي للمجلس األعىل لسنة ‪ ،1007‬ص ‪.90‬‬

‫‪052‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض تكون هي املحكمة املختصة بنظر الطعن املقدم من طرف الغير‬
‫َّ‬
‫عن الخصومة ضد قراراتها القاضية بالتصدي‪ ،‬إال أن املشرع املغربي تدارك هذا النقض في م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‬
‫حيث نص في املادة ‪ 114‬منه على أن تعرض الغير الخارج عن الخصومة يجب أن يقدم أمام املحكمة‬
‫ً‬
‫املصدرة للحكم املطعون فيه‪ .404‬كما أنه وضع حدا للنقاش الذي ثار بخصوص مدى إمكانية بت‬
‫القضاة الذين أصدروا املقر القضائي املطعون فيه‪ ،‬في الطعن بتعرض الغير الخارج عنه الخصومة‬
‫املقدم ضد مقررهم عندما أجاز لهم هذه اإلمكانية وذلك بمقتض ى الفقرة األخيرة من املادة ‪ 114‬من‬
‫م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م والتي جاء فيها أنه "يجوز أن يبت في هذا التعرض نفس القضاة الذين أصدروا الحكم أو‬
‫القرار أو األمر‪".‬‬
‫‪ -2‬اإلجراءات املسطرية ملمارسة تعرض الغير‬
‫للحديث عن اإلجراءات املسطرية ملمارسة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬فإننا سنتطرق‬
‫ً‬
‫أوال لشكليات ممارسة هذا الطعن (أ) قبل التعرض ألجله (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬شكليات ممارسة الطعن بتعرض الغير‬
‫جاء في الفقرة األولى من الفصل ‪ 114‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح أنه "يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪،‬‬
‫ً‬
‫وفقا للقواعد املقررة للمقاالت االفتتاحية للدعوى"‪ ،‬وبذلك فإن تعرض الغير يقدم وفق شكليات‬
‫تقييد الدعوى املنصوص عليها في الفصلين ‪ 10‬و ‪ 19‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬والتي ال تختلف عن مقتضيات‬
‫َّ‬
‫الفصلين ‪ 184‬و ‪ 188‬من نفس القانون الخاصة بشكليات تقديم املقاالت أمام محكمة النقض إال في‬
‫النقط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬فالفصل ‪ 10‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح خول للمتقاضين الخيار في تقديم طلباتهم إما في شكل مقال مكتوب أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بتصريح يدلي به املتقاض ي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط املحلفين محضرا يوقع من‬
‫طرف املدعي أو يشار في املحضر إلى أنه ال يمكن له التوقيع‪ ،‬بخالف الفصل ‪ 184‬من نفس القانون‬
‫الذي إستلزم ضرورة تقديم هذه الطلبات في شكل مقال مكتوب فقط‪ .‬وبذلك فإنه الطعن بتعرض‬
‫َّ‬
‫الغير الخارج عن الخصومة ضد قرارات محكمة النقض القاضية بالتصدي ال يمكن أن يقدم إال في‬
‫شكل مقال مكتوب‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان املشرع املغربي قد استلزم بمقتض ى الفصل ‪ 10‬من ق‪.‬م‪.‬م أن يتم توقيع املقال إما من طرف‬
‫املتقاض ي أو من طرف وكيله‪ ،‬فإنه – أي املشرع املغربي – اشترط توقيع املقال املقدم أمام محكمة‬

‫‪ -404‬لقد جاء يف هذه املادة ما ييل‪" :‬يقدم التعرض املشار إليه يف املادة السابقة أمام املحكمة املصدرة للحكم وفقا للقواعد املقررة للمقاالت‬
‫االفتتاحية للدعوى‪".‬‬

‫‪053‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫النقض من طرف محام مقبول للترافع لدى محكمة النقض‪ 405‬وحده دون موكله‪ .‬مما يستفاد منه أن‬
‫مقال الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة املقدم ضد قرار تصدي محكمة النقض يجب أن ال‬
‫َّ‬
‫يتم توقيعه إال من طرف محام مستجمع لشروط الترافع أمام هذه املحكمة تحت طائلة التشطيب على‬
‫ً‬
‫القضية تلقائيا كما ينص على ذلك الفصل ‪ 184‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬
‫كما فرض املشرع املغربي على الطاعن أداء مبلغ مالي محدد بصندوق املحكمة عند تقديم تعرضه‬
‫تحت طائلة عدم القبول‪ ،406‬حيث تم تحديد هذا املبلغ بالنسبة للتعرض املقدم أمام محكمة النقض‬
‫في مبلغ خمسمائة درهم‪.407‬‬

‫ب‪ -‬أجل ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة‬


‫تعرف آجال الطعون بأنها املواعيد التي بانقضائها يسقط الحق في الطعن‪ ،‬إذ أن عدم احترام هذه‬
‫اآلجال يؤدي إلى سقوط الحق في الطعن‪ ،408‬كما أشار إلى ذلك الفصل ‪ 800‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.409‬‬
‫ً‬
‫ورجوعا إلى النصوص القانونية املنظمة للطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة في قانون املسطرة‬
‫ً‬
‫املدنية فإننا نجد أن املشرع لم يحدد أجال ملمارسة هذا الطعن بخالف نظيره الفرنس ي الذي حدد هذا‬
‫األجل في ثالثين سنة تحتسب من تاريخ النطق بالحكم‪ ،‬ما لم ينص القانون على خالف ذلك‪.410‬‬

‫‪ -405‬تنص املادة ‪ 33‬من القانون رقم ‪ 15‬لسنة ‪ 1005‬املنظم ملهنة املحاماة عىل ما ييل‪ " :‬ال يقبل ملؤازرة األطراف أو متثيلهم أمام محكمة‬
‫النقض‪ ،‬مع مراعاة الحقو‪ ،‬املكتسبة‪ ،‬إال‪:‬‬
‫‪ -‬املحامون املسجلون يف الجدول منذ خمس عرشة سنة تاملة عىل األقل؛‬
‫‪ -‬املحامون اللذين تانوا مستشارين أو محامني عامني‪ ،‬بصفة نظامية‪ ،‬يف محكمة النقض؛‬
‫‪ -‬قدماء القضاة‪ ،‬وقدماء أستاذة التعليم العايل‪ ،‬املعفيون من شهادة األهلية‪ ،‬ومن التمرين‪ ،‬بعد خمس سنوات من تاريخ‬
‫تسجيلهم بالجدول‪".‬‬
‫‪ -406‬ا ُنظر الفصل ‪ 307‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪.‬‬
‫‪ -407‬ا ُنظر الفصل ‪ 305‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬ولقد رفع م‪.،.‬م‪.‬م‪.‬م هذا املبلغ إىل خمسة آالف درهم مبقتىض املادة ‪ 305‬منه‪ ،‬غري أن هذا‬
‫املقتىض تعرض النتقادات شديدة ألنه يؤرش عىل تعامل غري منصف بني املتقاضني‪ ،‬ذلك أن أطراف الدعوى ملزمون بأداء الرسوم‬
‫القضائية‪ ،‬ما مل يكونوا مستفيدين من املساعدة القضائية‪ ،‬يف حني أن الغري املتعرض تفرض عليه الرسوم القضائية إىل جانب هذا املبلغ‪.‬‬
‫ا ُنظر عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.231‬‬
‫‪ -408‬الطيب بن ملقدم‪ ،‬آجال الطعون املدنية وآثارها يف الترشيع املغريب‪ ،‬مقال منشور مبجلة البحوث‪ ،‬العدد الثا‪،‬ي‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬يونيو‬
‫‪ ،1003‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -409‬والذي جاء فيه ما ييل "تحرتم جميع اآلجال املحددة مبقتىض هذا القانون ملامرسة أحد الحقو‪ ،‬وإال سقط الحق‪".‬‬
‫‪Art 568 du N.C.P.C.F « la tierre opposition est ouverte à titre principale pendant trente ans à compter du -410‬‬
‫» ‪jugement à moins que la loi n’en dispose autrement.‬‬

‫‪054‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وأمام غياب أي تحديد تشريعي ألجل الطعن بتعرض الغير‪ ،‬فقد انقسمت اآلراء الفقهية بخصوص‬
‫تحديده – األجل‪ ،-‬فهناك فريق‪ 411‬دعا إلى إعمال قواعد تقادم االلتزام ما دام حق تعرض الغير ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعدو أن يكون سوى حقا في دعوى يسقط بما تسقط به الحقوق‪ .‬فهو ليس طريقا من طرق الطعن‬
‫ً‬
‫التي يحرص املشرع على تحديد آجالها‪ ،‬ولذلك فإن الباب يبقى مفتوحا للغير ذي املصلحة للتعرض‬
‫ً‬
‫على كل حكم قضائي مس بحقوقه‪ ،‬خالل مدة أقصاها خمس عشر سنة عمال بمقتضيات الفصل‬
‫‪ 152‬من ق‪.‬ا‪.‬ع‪.412‬‬
‫فيما نادى الفريق اآلخر‪ 413‬بضرورة األخذ بأجل تنفيذ األحكام‪ ،‬ألن الغير – حسب هذا الرأي – ال يعلم‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫بصدور أي مقرر قضائي ليس طرفا فيه إال بعد مباشرة املستفيد منه إلجراءات التنفيذ‪ ،‬وما دام أن‬
‫ً‬
‫هذا األخير قد منحه املشرع أجل ثالثين سنة للمبادرة إلى التنفيذ عمال بمقتضيات الفصل ‪ 495‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،414‬يحتسب من تاريخ صدور الحكم‪ ،‬فإن املنطق القانوني السليم‪ ،‬وقواعد اإلنصاف‬
‫واملساواة بين املتقاضين تفرض كذلك منح الغير نفس األجل ملمارسة تعرض الغير الخارج عن‬
‫الخصومة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه سواء تم األخذ بمدة تقادم االلتزام أو بمدة تنفيذ األحكام‪ ،‬فإن كليهما يبتدئ من‬
‫تاريخ صدور الحكم‪ ،‬ولكن باعتبار املدة األولى مدة تقادم‪ ،‬فإنه ال يحسب اليوم األول منها ولكن‬
‫يحسب اليوم األخير ألنها مدة غير كاملة‪ ،415‬بخالف أجل تنفيذ األحكام فهو أجل سقوط كامل ال‬
‫يحتسب أوله وال آخره‪.416‬‬

‫‪ -411‬الكزبري والعبدالوي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.312‬‬


‫‪ -‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬موسوعة قانون املسطرة املدنية و التنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ -‬بوزملاط ميسان‪ ،‬طر‪ ،‬الطعن وإيقاف األحكام والقرارات املشمولة بالنفاذ املعجل‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم املاسرت يف القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫عبد املالك السعدي‪ ،‬تلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1025-1027‬ص ‪.71‬‬
‫‪ -412‬جاء يف هذا الفصل أنه "تل الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بخمس عرشة سنة‪"....‬‬
‫‪ -413‬محمد السامحي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -‬عبد السالم بنا‪،‬ي ومن معه‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.250‬‬
‫‪ -414‬والذي ينص عىل أنه "تكون األحكام قابلة للتنفيذ خالل ثالثني سنة من اليوم الذي صدرت فيه وتسقط بانرصام هذا األجل‪".‬‬
‫‪ -415‬ينص الفصل ‪ 352‬من ‪.،‬إ‪.‬ع عىل ما ييل "يحسب التقادم باأليام الكاملة ال بالساعات‪ ،‬وال يحسب اليوم الذي يبدأ التقادم منه يف‬
‫الزمن الالزم لتاممه‪ ،‬ويتم التقادم بانتهاء اليوم األخري من األجل‪".‬‬
‫‪ -416‬جاء يف الفصل ‪ 521‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح أنه "تكون جميع اآلجال املنصوص عليها يف هذا القانون تاملة فال يحتسب اليوم الذي يتم‬
‫فيه تسليم االستدعاء أو التبليغ أو اإلنذار أو أي إجراء آخر للشخص نفسه أو ملوطنه وال اليوم األخري الذي تنتهي فيه‪".‬‬

‫‪055‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وفي ختام هذه الفقرة البد من التنبيه إلى مالحظتين أساسيتين‪:‬‬


‫‪ -‬املالحظة األولى‪ :‬وهي أن هذا الطعن يمكن ممارسته من طرف أكثر من شخص‪ ،‬إذ يحق لكل من لم‬
‫ً‬
‫يكن طرفا في الدعوى أن يتعرض على الحكم الذي أضر به‪ ،‬وال يمنع من ممارسته أن يكون قد سبق‬
‫أحد من األغيار إلى ممارسته‪.417‬‬
‫‪ -‬املالحظة الثانية‪ :‬ال يجوز للشخص الواحد أن يتعرض على نفس الحكم تعرض الغير الخارج عن‬
‫الخصومة ألكثر من مرة‪ ،418‬وهو نفس التوجه الذي أقره املجلس األعلى في أحد قراراته التي جاء فيه‬
‫ً‬
‫أنه ال يجوز أن يرد طعن على طعن احتراما الستقرار الحقوق واملراكز القانونية‪ ،‬وأن محكمة االستئناف‬
‫مصدرة القرار املطعون فيه التي قضت بعدم قبول تعرض الغير الخارج عن الخصومة بعدما ثبت لها‬
‫أن الطاعن سبق له أن تقدم بطلب آخر ضد نفس القرار انتهى بعدم قبول الطلب لعدم إرفاقه‬
‫ً‬
‫بالوصول املثبتة إليداع مبلغ الغرامة في حده األقص ى عمال بالفصل ‪ 114‬من ق‪.‬م‪.‬م تكون قد سايرت‬
‫املبدأ املذكور‪.419‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آثار تعرض الغير الخارج عن الخصومة‬


‫إذا كان ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح لم يعرض آلثار الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة باستثناء إمكانية تغريم‬
‫الطرف الذي لم يقبل طعنه‪ ،‬فإن م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م أشارت إلى هذه اآلثار بنوع من التفصيل وهي آثار حسب‬
‫ما جاء في هذه املسودة إما آثار مرتبطة بالطعن ذاته – ال تخرج عن آثار الطعن كما هي متعارف عليها‬
‫في غالبية الطعون األخرى – (أوال) وإما آثار ناتجة عن الحكم الصادر عنه والتي تختلف بحسب ما إذا‬
‫تم قبول الطعن أو رفض (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اآلثار املرتبطة بتقديم الطعن‬


‫ينتج عن استعمال طريق الطعن بتعرض الخارج عن الخصومة إعادة نشر الدعوى أمام املحكمة التي‬
‫تنظره (‪ )0‬غير أن هذا الطعن ال يوقف التنفيذ (‪.(9‬‬
‫‪ -1‬األثر الناشر لتعرض الغير‬

‫‪ -417‬ميمون خراط‪ ،‬الطعن باالستئناف يف األحكام اإلدارية‪ ،‬مطبعة املعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1021 ،‬ص ‪.205‬‬
‫‪ -418‬الطيب بن ملقدم‪ ،‬الطعون ال متارس إال مرة واحدة أمام القضاء‪ ،‬مقال منشور مبجلة املعيار‪ ،‬العدد ‪ ،35‬ص ‪.232‬‬
‫‪ -419‬قرار عدد ‪ 2105‬بتاريخ ‪ 10003.20.19‬منشور باملجلة املغربية لقانون األعامل واملقاوالت‪ ،‬عدد ‪ ،5‬ص ‪.205‬‬

‫‪056‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫يقصد باألثر الناشر إعادة النزاع أمام املحكمة املختصة ونشر واليتها عليه واقعا وقانونا‪ ،420‬ولقد أشار‬
‫املشرع املغربي لهذا األثر في مقتضيات املادة ‪ 0-114‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م والتي جاء في فقرتها األولى "يترتب‬
‫على تعرض الغير الخارج عن الخصومة نشر‪ 421‬النزاع على املحكمة بالنسبة ملا يتناوله مقال التعرض‬
‫فقط‪".‬‬
‫وبذلك فإذا ما قدم طعن بتعرض الغير ضد قرار محكمة النقض القاض ي بالنقض والتصدي‪ ،‬فإن هذا‬
‫الطعن يعيد نشر النزاع أمامها‪ ،‬لتبت فيه من جديد في جانبه القانوني والواقعي‪ ،‬مع إحاطة هذه‬
‫الصالحية بضابط أساس ي هي حصر نظرها في إطار األسباب التي أسس عليها الطعن والتي تناولها مقال‬
‫التعرض فقط‪ ،‬دون غيرها مما لم يؤسس عليه الطعن‪.‬‬
‫ً‬
‫والتزام املحكمة بالبت في حدود ما تناوله مقال التعرض فقط يجد سنده أيضا في الفصل الثالث من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ 422‬الذي قيد سلطة بت املحكمة في حدود طلبات األطراف‪ ،‬فسلطتها محددة إذن بما أثاره‬
‫الطاعن في مقال طعنه‪ ،‬ولذلك ال سلطات لها على أجزاء القرار التي لم تكن محل تعرض من قبل الغير‬
‫الخارج عن الخصومة‪.‬‬
‫وإذا كان األثر الناشر لتعرض الغير الخارج عن الخصومة ال يهم سوى أطراف هذا الطعن‪ ،‬دون باقي‬
‫ً‬
‫أطراف القرار املتعرض عيله‪ ،‬والذين يبقى هذا القرار منتجا لجميع آثاره في مواجهتهم‪ ،‬ويحوز حجية‬
‫الش يء املقض ي به بالنسبة لهم‪ ،‬بحيث ال يضارون باألسباب القائم عليها الطعن بتعرض الغير‪ ،‬فإن‬
‫هناك حاالت يكون موضوع القرار املتعرض عليه غير قابل لالنقسام‪ ،‬تتحقق معه االستحالة املادية‬
‫والقانونية في تقسيم أجزائه‪ .‬وبالتالي فإن نظر األسباب القائم عليها التعرض سيمس ال محالة بباقي‬
‫ً‬
‫أركان املوضوع التي تهم أطراف آخرين فضال عن املطعون ضده‪ .‬ولذلك يتعين على املتعرض إدخال كل‬
‫أطراف الدعوى‪ ،‬ألن نظر املحكمة في النزاع على ضوء األسباب التي إستند عليها في تعرضه ستمس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بمصالح هؤالء األطراف إما إيجابا أو سلبا‪ ،423‬وفي هذه الحالة يكون القرار الصادر بشأن تعرض الغير‬
‫ً‬
‫حجة عليهم جميعا‪.‬‬

‫‪ -420‬عمر الشكري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.275‬‬


‫‪ -421‬أحسن املرشع صنعا ً عند استعامله مصطلح "ينرش" بدل مصطلح "ينقل" ألن الطعن بتعرض الغري الخارج عن الخصومة ال يرتتب‬
‫عنه نقل النزاع إىل محكمة أخرى بل يؤدي هذا الطعن إىل إعادة نرشه عىل املحكمة املصدرة له‪.‬‬
‫‪ -422‬حي ينص هذا الفصل عىل أنه "يتعني عىل املحكمة أن تبت يف حدود طلبات األطراف‪"....‬‬
‫‪ -423‬عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.250‬‬

‫‪057‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ولقد نص املشرع املغربي على هذه الحالة بمقتض ى الفقرة األخيرة من املادة ‪ 0-114‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪،424‬‬
‫ً‬
‫سيرا على نهج نظيره الفرنس ي‪.425‬‬
‫‪ -2‬األثر غير املوقف لتعرض الغير‬
‫ً‬
‫تتميز طرق الطعن العادية بكونها طرقا موقفة للتنفيذ سواء أثناء سريان أجل الطعن أو بمجرد‬
‫ممارسته من قبل املحكوم عليه‪ ،426‬بخالف طرق الطعن غير العادية التي ال يترتب عنها أي إيقاف‬
‫للتنفيذ‪ 427‬كما هو الشأن بالنسبة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬حيث نص املشرع املغربي‬
‫بمقتض ى الفقرة األولى من املادة ‪ 9-114‬على أنه "ال يوقف تعرض الغير الخارج عن الخصومة‬
‫ً‬
‫التنفيذ‪ "...‬وهو نفس التوجه الذي أقره املشرع الفرنس ي وإن كان هذا األخير قد وضع نصا يشمل جميع‬
‫طرق الطعن غير املادية‪.428‬‬
‫َّ‬
‫إال أن السؤال املطروح هو هل يمكن اعتبار تعرض الغير الخارج عن الخصومة املقدم أمام محكمة‬
‫النقض موقف للتنفيذ‪ ،‬ألن املشرع املغربي نص في الفصل ‪ 110‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح على أن الطعن أمام‬
‫َّ‬
‫املجلس األعلى ال يوقف التنفيذ إال في ثالث حاالت وهي‪ :‬األحوال الشخصية‪ ،‬الزور الفرعي والتحفيظ‬
‫العقاري‪ ،‬فكلمة الطعن املذكورة في هذه املادة جاءت عامة تشمل كل طرق الطعن املتاحة أمام‬
‫محكمة النقض بها فيها تعرض الغير؟‬

‫‪ -424‬والتي جاء فيها أنه " إذا تان الحكم أو القرار أو األمر املتعرض عليه صادرا يف موضوع غري قابل لالنقسام‪ ،‬فال يقبل التعرض إال إذا‬
‫أدخل تل األطراف يف الدعوى‪ ،‬ويكون الحكم أو القرار أواالمر الصادر فيها حجة عليهم جميعا‪".‬‬
‫‪Art 591 du N.C.P.C « la décision qui fait droit à la tierce opposition un rétracte ou ne réforme le jugement -425‬‬
‫‪attaqué que sur les chefs préjudiciables au tiers opposant. Le jugement primitif conserve ses effets entre les parties,‬‬
‫‪même sur les chefs annulés.‬‬
‫‪Toutefois la chose jugée sur tierce opposition l’est à l’égard de toutes les parties appelées à l’instance en application‬‬
‫» ‪de l’article 584.‬‬
‫‪ -‬وتهم املادة ‪ 557‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج املحال عليها مبقتىض املادة ‪ 592‬املشار إليها أعاله حالة عدم القابلية للنزاع‪ ،‬حي استلزمت هذه‬
‫املادة – ‪ – 557‬رضورة استدعاء املتعرض لجميع أطراف ا لخصومة تحت طائلة عدم القبول‪ ،‬واملادة تنص بلغتها األصلية عىل ما ييل"‬
‫‪=« En cas d’indivisibilité à l’égard de plusieurs parties au jugement attaqué, la tierce opposition n’est recevable que‬‬
‫» ‪si toutes ces parties sont appelées à l’instance.‬‬
‫‪ -426‬تشمل طر‪ ،‬الطعن العادية التعرض واالستئناف‪ ،‬ولقد نص املرشع املغريب يف الفصل ‪ 231‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م عىل أنه "يوقف التعرض‬
‫التنفيذ ما مل يؤمر بغري ذلك يف الحكم الغيايب" تام نص أيضا ً يف الفقرة األخرية يف الفصل ‪ 237‬من نفس القانون عىل أنه "يوقف أجل‬
‫االستئناف‪ ،‬واالستئناف نفسه داخل األجل القانو‪،‬ي التنفيذ عدا إذا أمر بالتنفيذ املعجل ضمن الرشوط املنصوص عليها يف الفصل ‪".271‬‬
‫‪ -427‬أحمد نهيد‪ ،‬أثر طر‪ ،‬الطعن عىل التنفيذ يف املادة املدنية‪ ،‬مقال منشور مبجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،253‬ص ‪.77‬‬
‫‪Art 579 du N.C.P.C « Le recours par une voie extraordinaire et le délai ouvert pour l’exercer ne sont pas - 428‬‬
‫» ‪suspensifs d’exécution si la loi n’en dispose d’autrement.‬‬

‫‪058‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫إن الجواب عن هذا التساؤل يستلزم استحضار مقتضيات الفصل ‪ 122‬من ق‪.‬م‪.‬م وبالضبط الفقرة‬
‫َّ‬
‫األخيرة منه والتي ال تسمح بالطعن بتعرض الغير في قرارات محكمة النقض إال ضد القرارات الصادرة‬
‫في طعون إلغاء مقررات السلطات اإلدارية‪ ،‬وبما أن هذه األخيرة ال تدخل ضمن الحاالت الثالث املشار‬
‫إليهم في الفصل ‪ 110‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ ،‬والتي يوقف الطعن بالنقض املقدم بشأنها التنفيذ‪ ،‬فإن الطعن‬
‫بتعرض الغير ضد قرارات محكمة النقض في طعون إلغاء قرارات السلطة اإلدارية ال يوقف التنفيذ‬
‫كأصل عام‪.‬‬
‫غير أن املشرع قد حاد عن هذا األصل عندما أجاز ملحكمة النقض املطعون أمامها بتعرض الغير الخارج‬
‫بناء على طلب املعني الذي يجب أن يتخذ‬ ‫عن الخصومة إمكانية إيقاف تنفيذ القرار املطعون عليه ً‬
‫شكل مقال مستقل‪ .‬حيث جاء في الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 110‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م أنه يمكن للمجلس‬
‫األعلى بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن يأمر بإيقاف تنفيذ القرارات الصادرة في‬
‫القضايا اإلدارية ومقررات السلطة اإلدارية التي وقع ضدها طلب اإللغاء‪ ،‬والتي أجاز املشرع املغربي‬
‫التعرض عليها تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام محكمة النقض‪.‬‬
‫لكن املشرع املغربي لن يقف عند هذا الحد‪ ،‬بل سيعمم مسألة طلب إيقاف التنفيذ لتشمل كل حاالت‬
‫الطعن بتعرض الغير ولن تبقى قاصرة فقط على حالة الطعن املقدم ضد قرارات محكمة النقض‬
‫الصادرة في قضايا إلغاء مقررات السلطة اإلدارية‪ ،‬حيث تنص الفقرة األولى من املادة ‪ 9-114‬من‬
‫َّ‬
‫م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م على أنه "ال يوقف تعرض الغير الخارج عن الخصومة التنفيذ إال إذا رأت املحكمة التي تنظر‬
‫في التعرض وقف التنفيذ ألسباب جدية بناء على مقال مستقل‪".‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن محكمة النقض عندما يتعرض أمامها تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد‬
‫قراراتها القاضية بالنقض والتصدي‪ ،‬سيكون لها األمر بإيقاف تنفيذ هذا القرار‪ ،‬غير أن هذا اإليقاف‬
‫مقيد مع ذلك بشروط أساسية وهي‪:‬‬
‫‪ -‬رفع طلب من املعني باألمر يجب أن يتخذ شكل مقال مستقل‪.‬‬
‫‪ -‬وجود أسباب جدية تبرر هذا اإليقاف‪.‬‬
‫‪ -‬البت في هذا الطلب كطلب استثنائي ال يتوسع فيه‪.‬‬
‫لكن تجدر اإلشارة إل ى أن تقديم هذا الطلب ال يوقف التنفيذ‪ ،‬بل البد من استجابة املحكمة له حتى‬
‫يتم هذا اإليقاف‪ ،‬وهو األمر الذي يحتمل معه أن تتم عملية التنفيذ خالل املدة الفاصلة بين تقديم‬
‫طلب اإليقاف وصدور القرار بشأنه‪.‬‬
‫فإذا صدر قرار برفض هذا الطلب فال إشكال‪ ،‬أما في حالة االستجابة له‪ ،‬فإن هذه االستجابة تضع‬
‫ً‬
‫حدا لكل األمور املتخذة بصدد التنفيذ‪ ،‬والكف عن متابعة ما بقي منها‪ ،‬مع إرجاع الحالة إلى ما كانت‬
‫عليه وقت صدور القرار املتعرض عليه‪ ،‬أي قبل تنفيذه‪ ،‬حيث قض ى املجلس األعلى في هذا الصدد‬

‫‪059‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫بأنه "وحيث إن الحكم الصادر عن املجلس األعلى بإيقاف التنفيذ في إطار الفصل ‪ 110‬من ق‪.‬م‪.‬م‬
‫معناه وجوب االمتناع عن القيام بأي إجراء من إجراءات التنفيذ في الحالة التي لم يلجأ فيها بعد إلى‬
‫تنفيذ الحكم املطلوب إيقاف تنفيذه‪ .‬بينما يعني في حالة ما إذا شرع في تنفيذه أو تم تنفيذه كال أو‬
‫جزءا وجوب إرجاع األمور إلى الحالة التي كانت عليها قبل التنفيذ أو الشروع فيه‪"429.‬‬
‫وفي ختام هذه النقطة نشير إلى أن املشرع املغربي لم يخول للمحكمة سلطة إيقاف تنفيذ القرار‬
‫املتعرض عليه تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬بخالف نظيره الفرنس ي الذي أقر للقاض ي الذي ينظر‬
‫في تعرض الغير الخارج عن الخصومة إمكانية تنفيذ القرار مطعون فيه‪.430‬‬

‫ثانيا‪ :‬اآلثار الناتجة عن القرار الصادر في الطعن‬


‫إن آثار القرار الصادر في تعرض الغير الخارج عن الخصومة تختلف بحسب ما إذا تم االستجابة‬
‫لطلبات الغير الطاعن (‪ )9‬أم تم ردها (‪.)0‬‬
‫‪ -1‬آثار القرار القاض ي برد الطعن‬
‫ً‬
‫البد من اإلشارة أوال إلى أنه إذا كانت محكمة الطعن املتعرض أمامها بتعرض الغير ملزمة بالتصريح‬
‫بعدم القبول عند تخلف أحد شروط التقاض ي األساس ي من صفة وأهلية ومصلحة‪ ،431‬فإنها تكون‬
‫ً‬
‫ملزمة فضال عن ذلك بالقضاء بنفس املنطوق – عدم القبول – عند عدم إثبات الطاعن إيداع املبلغ‬
‫املالي املساوي للغرامة في حدها األقص ى املمكن الحكم بها عليه في حالة عدم االستجابة لتعرضه‪.432‬‬

‫‪ -429‬قرار عدد ‪ 115‬صادر بتاريخ ‪ ،2911-02-02‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،19‬ص ‪.5‬‬
‫‪Art 590 du N.C.P.C.F «Le juge saisi la tierce opposition à titre principal ou incident peut suspendre l’exécution -430‬‬
‫» ‪du jugement attaqué.‬‬
‫‪ -431‬ينص الفصل األول من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م عىل ما ييل "ال يصح التقايض إالَّ ممن له الصفة‪ ،‬واألهلية‪ ،‬واملصلحة إلثبات حقوقه‪ .‬تثري‬
‫املحكمة تلقائيا انعدام الصفة أو األهلية أو املصلحة أو اإلذن بالتقايض إن تان رضوريا وتنذر الطرف بتصحيح املسطرة داخل أجل‬
‫تحدده‪.‬‬
‫إذا تم تصحيح املسطرة اعتربت الدعوى تأنها أقيمت بصفة صحيحة‪ ،‬وإال رصحت املحكمة بعدم القبول‪".‬‬
‫‪ -432‬جاء يف الفصل ‪ 307‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م أنه "ال يقبل أي تعرض للخارج عن الخصومة إذا مل يرفق بوصل يثبت إيداعه بكتابة ضبط‬
‫املحكمة مبلغا مساويا للغرامة يف حدها األقىص والتي ميكن الحكم بها تطبيقا للفصل اآليت‪".‬‬
‫ولقد انتقد األستاذ عمر الشيكر هذا األداء املسبق لهذه املبالغ املالية‪ ،‬والتي تتحول إىل غرامة يف حالة خسارة الطاعن لتعرضه‪ ،‬عىل‬
‫اعتبار أن عدم أدائها يؤدي إىل عدم قبول الطعن وبالتايل ضياع حق الغري‪ ،‬الذي ال يجوز له الطعن مرة أخرى يف حالة تصحيحه‬
‫للمسطرة وأدائه هذا املبلغ‪ ،‬احرتاماً ملبدأ منع تقديم طعن عىل طعن – الذي سبقت اإلشارة إليه يف الصفحة ‪ 225‬من هذا البح ‪ .‬فبمجرد‬
‫إغفال أداء مبلغ ‪ 500‬درهم مثالً أمام محكمة النقض‪ ،‬سيعصف بحقو‪ ،‬الغري التي ميكن أن تقدر قيمتها مببالغ تبرية خاصة يف القضايا‬
‫التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬ا ُنظر تعرض الغري الخارج عن الخصومة‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.293‬‬

‫‪061‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫لكن توفر هذه الشروط ال يعني بالضرورة القضاء وفقا لطلبات الطاعن‪ ،‬إذ للمحكمة أن تقض ي أوال‬
‫بقبول تعرض الغير من حيث الشكل ثم ترفض الطلب في املوضوع‪ .‬وسواء تم الحكم بعدم القبول أو‬
‫برفض الطلب‪ ،‬فإن النتيجة تكون واحدة وهي اكتساب القرار املطعون فيه حجية الش يء املقض ي به‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في مواجهة الطاعن‪ ،‬إذ يصبح نافذا في مواجهته‪ ،‬فضال عن تحمله مصاريف الدعوى (أ) وغرامة ال‬
‫تتجاوز املبلغ املودع بصندوق املحكمة (ب) ثم تعويضه الطرف اآلخر عند االقتضاء (ج)‪.‬‬
‫أ‪ -‬تحمل الطاعن للمصاريف‬
‫تنص الفقرة األولى من الفصل ‪ 094‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م على أنه "يحكم باملصاريف على كل طرف خسر‬
‫الدعوى سواء كان من الخواص أو إدارة عمومية‪ ".‬وبذلك فإذا ما قضت محكمة النقض بعدم قبول‬
‫ً‬
‫أو رفض تعرض الغير املقدم ضد قرارها القاض ي بالنقض والتصدي فإن لها أن تحمل الطاعن كال أو‬
‫ً‬
‫بعضا من مصاريف الدعوى‪.‬‬
‫ً‬
‫وغالبا ما تستعمل املحكمة في منطوق قضائها القاض ي بتحميل مصاريف الدعوى عبارات من قبيل‬
‫"مع تحميل املتعرض الصائر" أو "مع إبقاء الصائر على املتعرض"‪ .‬والعبارة األولى تعني بأن مصاريف‬
‫ً‬
‫الدعوى تؤدى مسبقا قبل الشروع في اإلجراءات التي تهمها – الدعوى – في حين تفيد العبارة الثانية‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫أن هذه املصاريف وإن كانت تؤدى مسبقا من قبل طالب اإلجراء إال أن الذي يتحملها في األخير هو‬
‫خاسر الدعوى‪.433‬‬
‫ولقد عرف املجلس األعلى في أحد قراراته املقصود بمصاريف الدعوى حيث جاء في هذا القرار بأنه‬
‫"يقصد بمصاريف الدعوى التي يتحملها من خسرها مبالغ الرسوم القضائية وأتعاب الخبير‬
‫والترجمان‪ ...‬غير أن أنها ال تشمل مصاريف التنقل وكتابة املذكرات وغيرها‪ ،‬ويتعرض للنقض الحكم‬

‫ولعل مثل هذه النتائج هي التي دفعت باملرشع الفرنيس إىل التخيل عن األداء السابق‪ ،‬وعن جزاء عدم القبول يف حالة عدم األداء‪ ،‬مكتفيا‬
‫بتخويل املحكمة صالحية تغريم الطاعن الخارس لطعنه غرامة مالية ال تتجاوز عرشة آالف أورو‪ ،‬بحسب ما إذا تان الطاعن متعسفاً يف‬
‫طعنه أو تان هدفه منه التسويف واملامطلة ال غري‪ ،‬وترك تقدير تل ذلك للمحكمة‪ ،‬فهذا منطق يقوم إذن عىل الردع الالحق للدعاوى‬
‫والطعون الكيدية‪ ،‬وليس ردعا ً قبليا ً‪ ،‬فقد جاء يف املادة ‪ 552‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج ما ييل‪:‬‬
‫‪« En cas de recours dilatoire ou abusif, son auteur peut être condamné à une amends civile d’un maximum de‬‬
‫»‪10.000, euros sans préjudice des dommages – intérêt qui seraient réclamés à la juridiction saisie du recours.‬‬
‫ال أن رغبة املرشع تسري عكس رغباتنا حي أعاد‬
‫ولقد تنا نأمل أن ينهج املرشع املغريب نفس نهج نظريه الفرنيس ويلغي األداء املسبق‪ ،‬إ َّ‬
‫املرشوع تنظيم هذا األداء يف م‪.‬م‪.،.‬م‪.‬م بل األترث من ذلك قد رفع من هذه املبالغ مبقتىض املادة ‪ 305‬من م‪.‬م‪.،.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -433‬عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.292‬‬

‫‪060‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الذي استجاب لطلب املدعي الرامي إلى استرداد ما أنفقه من أجل مواجهة الدعوى التي أقيمت‬
‫ضده"‪.434‬‬
‫بهذا فإن مصاريف الدعوى تشمل الرسوم القضائية‪ ،‬وأتعاب الخبراء‪ ،‬ومصاريف التنقل إلى عين‬
‫املكان ومصاريف تنقل الشهود‪ ،...‬ولقد نادى األستاذ عبد العزيز توفيق‪ 435‬بضرورة جعل أتعاب‬
‫ً‬
‫املحامي تدخل ضمن عبارة مصاريف الدعوى سيرا على نهج املشرع املصري‪ 436‬الذي جعل من ضمن‬
‫مصاريف الدعوى أتعاب املحامي‪ ،‬حيث علل األستاذ توفيق طرحه بأن مصاريف املحامي هي مصاريف‬
‫ثابتة ينبغي تحميلها لخاسر الدعوى جز ًاء له على جر خصمه إلى القضاء وخاصة إذا كان النزاع يستلزم‬
‫املسطرة الكتابية التي توجب تعيين املحامي‪.‬‬
‫َّ‬
‫وبما أن املشرع املغربي لم يجز تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام محكمة النقض إال في القرارات‬
‫بناء على طعون باإللغاء‪ ،‬فإنه في حالة خسارة الطاعن لتعرضه‪ ،‬فإن مصاريف الدعوى ال‬ ‫الصادرة ً‬
‫ً‬
‫يمكن أن تشمل الرسوم القضائية على اعتبار أن طلبات اإللغاء معفاة أصال من أداء الرسوم‬
‫القضائية حسب ما جاء في املادة ‪ 99‬من القانون رقم ‪ 40‬لسنة ‪ 0221‬املحدث بموجبه محاكم‬
‫إدارية‪.437‬‬
‫ب‪ -‬تغريم الطاعن‬
‫جعل املشرع املغربي من بين آثار رد الطعن تغريم الغير املتعرض الذي خسر طعنه بغرامة مالية تساوي‬
‫املبلغ الذي أثبت إيداعه بكتابة ضبط املحكمة حتى يقبل تعرضه‪ .‬حيث جاء في الفصل ‪ 118‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ج بأنه "يحكم على الطرف الذي ال يقبل تعرضه بغرامة ال تتجاوز مائة درهم بالنسبة للمحاكم‬
‫االبتدائية وثالثمائة درهم بالنسبة ملحاكم االستئناف وخمسمائة درهم بالنسبة للمجلس األعلى‪".‬‬
‫وتثير القراءة األولية لهذا الفصل مجموعة من املالحظات األساسية نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن املشرع قصر أثر التغريم على الحالة التي يتم فيها رد الطعن بسبب عدم القبول فقط‪ ،‬دون حالة‬
‫رفض الطلب‪ ،‬وهي مالحظة تجنبها املشرع املغربي في م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬حيث استبدل عبارة "الذي ال يقبل‬

‫‪ -434‬قرار عدد ‪ 225‬بتاريخ ‪ 17‬فرباير ‪ ،2951‬أورده عبد العزيز توفيق ‪ ،‬موسوعة قانون املسطرة املدنية و التنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪.‬‬
‫س‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪ -435‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪ -436‬تنص الفقرة األوىل من املادة ‪ 257‬من قانون املرافعات املدنية والتجارية رقم ‪ 23‬لسنة ‪ 2952‬عىل أنه "يجب عىل املحكمة عند إصدارها‬
‫الحكم الذي تنتهي به الخصومة امامها أن تحكم من تلقاء نفسها يف مصاريف الدعوى ويحكم مبصاريف الدعوى عىل الخصم‬
‫املحكوم عليه فيها ويدخل يف حساب املصاريف مقابل أتعاب املحاماة‪".‬‬
‫‪ -437‬تنص هذه املادة عىل أنه "يعفى طلب اإللغاء بسبب تجاوز السلطة من أداء الرسم القضايئ‪".‬‬

‫‪062‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫تعرضه" بعبارة "الذي لم يستجب لتعرضه"‪ ،‬وهي عبارة عامة تشمل رد الطعن بسبب عدم القبول أو‬
‫بسبب رفض الطلب‪.‬‬
‫‪ -‬لم يترك املشرع املغربي للمحكمة أي مجال إلعمال سلطتها التقديرية في تحديد هذه الغرامة بحسب‬
‫ظروف كل قضية‪ ،‬وبحسب سوء أو حسن نية املتعرض‪ ،‬بحيث ألزمها بالحكم مباشرة بالغرامة بمجرد‬
‫رد الطعن‪ ،‬فالغرامة بهذا املعنى هي جزاء يترتب بقوة القانون على رفض الطعن أو عدم قبوله‪.‬‬
‫‪ -‬منح املشرع املغربي ملحكمة الطعن السلطة التقديرية في تفريد الغرامة بأن أشار إلى حدها األقص ى‬
‫ً‬
‫مستعمال عبارة "بغرامة ال تتجاوز"‪ ،‬وبذلك فإن ملحكمة النقض عند ردها لتعرض الغير الخارج عن‬
‫الخصومة املقدم ضد قراراتها القاضية بالتصدي أن تقض ي بغرامة أقل من املبلغ املوجب إيداعه‬
‫واملحدد بالنسبة ملحكمة النقض في مبلغ خمسمائة درهم‪.438‬‬
‫غير أن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو ما إذا قضت املحكمة للغير املتعرض بجزء من طلباته‬
‫ً‬
‫ورفضت باقي الطلبات‪ ،‬فهل في هذه الحالة يحكم أيضا على املتعرض بالغرامة أم أن املحكمة تقض ي‬
‫برد املبلغ املودع ما دام أن الهدف األساس ي من تقرير هذه الغرامة هي محاربة الطعون الكيدية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والطاعن بقبول جزء من طلباته ال يمكن اعتبار طعنه في هذه الحالة طعنا كيديا؟‬
‫ً‬
‫قضاء هو أن املحكمة تأمر في مثل هذه الحاالت برد املبالغ املودعة للطاعن فال تغرمه‬ ‫إن املستقر عليه‬
‫بش يء‪ ،‬فقد جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء بأنه "وحيث يتعين تبعا‬
‫لذلك اعتبار تعرض الغير الخارج عن الخصومة جزئيا‪ ،‬وذلك بتعديل القرار االستئنافي املتعرض عليه‬
‫فيما قض ى به من بيع لألصل التجاري في شقه املتعلق بعنصر حق الكراء فقط‪ ،‬والحكم من جديد‬
‫برفض الطلب بشأنه‪ ،‬ورد التعرض فيما عدا ذلك (‪ )...‬وحيث يناسب نازلة الحال تحميل صائر‬
‫الدعوى للطرف املتعرض عليه وإرجاع املبلغ املودع بقصد الغرامة على الطرف املتعرض‪439".‬‬

‫بقي أن نشير فقط إلى أن م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م قد رفع من مبلغ هذه الغرامة‪ ،‬حيث جاء في الفصل ‪ 118‬من هذه‬
‫املسودة أنه "يحكم على الطرف الذي لم يستجب لتعرضه بغرامة ال تتجاوز ألف (‪ )0111‬درهم‬
‫بالنسبة ملحاكم أول درجة وثالثة آالف (‪ )1111‬درهم بالنسبة ملحاكم ثاني درجة وخمسة آالف (‪)8111‬‬
‫درهم بالنسبة ملحكمة النقض‪".‬‬
‫ج‪ -‬إلزام املتعرض بالتعرض‬

‫‪ -438‬عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 291‬وما يليها‪.‬‬


‫‪ -439‬قرار عدد ‪ 09/925‬صادر بتاريخ ‪ ،1002-01-13‬غري منشور أورده عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.299‬‬

‫‪063‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫بعد أن ألزم املشرع املغربي املحكمة بضرورة تغريم الغير املتعرض الخاسر لتعرضه بمقتض ى الفصل‬
‫‪ 118‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح عاد ونص في العبارة األخيرة من هذا الفصل على أن "ذلك ال يمكن أن يمس بحق‬
‫الطرف اآلخر في التعويض عند االقتضاء‪.440‬‬
‫غير أن حق املتعرض عليه في الحصول على تعويض يستلزم إثبات هذا األخير لتعسف الطاعن في‬
‫استعمال حقه في الطعن‪ ،‬أي إثبات العناصر الثالث للتعسف في استعمال الحق وهي قصد اإلضرار‪،‬‬
‫وعدم التناسب بين املصلحة والضرر ثم عدم مشروعية املصلحة من وراء استعمال الحق‪.441‬‬
‫ولقد أيد القضاء املغربي هذا التوجه حيث جاء في قرار صادر عن املحكمة االبتدائية بامنتانوت بأنه‬
‫"وحيث إن األصل أن حق الدفاع في الخصومة أمام القضاء هو من الحقوق األزلية الثابتة‪ ،‬وال تثريب‬
‫على من يباشره‪ ،‬وال يسوغ مسائلته عن ذلك بالتعويض‪ ،‬إال إذا ثبت أن مباشرته له تنطوي على نية‬
‫مبيتة تتغيا األضرار بالخصم وإرهاقه بالتقاض ي"‪.‬‬
‫وحيث ملا كان الثابت تشريعا وفقها أن التعسف في استعمال الحق يقوم على ثالثة عناصر أساسية‬
‫يلقى عبء إثباتها على مدعي التعسف‪ ،‬وهي قصد اإلضرار وعدم التناسب بين املصلحة والضرر‪ ،‬وعدم‬
‫مشروعية املصلحة املنشودة من مستعمل الحق املذكور‪442"...‬‬
‫َّ‬
‫وبذلك فإن املبدأ إذن هو عدم أحقية املتعرض عليه في التعويض إال إذا ثبت وجود تعسف من قبل‬
‫الطاعن في استعمال حق التعرض‪.‬‬
‫لكن املحكمة ال تحكم بهذا التعويض من تلقاء نفسها بل البد أن يتقدم صاحب املصلحة بطلب‬
‫بذلك‪ ،‬مما يطرح معه التساؤل حول شكل تقديم هذا الطلب؟ ووقت رفعه؟‬
‫أجابنا األستاذ عمر الشيكر عن هذا التساؤل بالقول أن تقديم طلب بالتعويض بعد خسارة املتعرض‬
‫لتعرضه يجب أن يتم بعد صدور قرار املحكمة بخصوص هذا الطعن‪ ،‬إذ ليس من املنطقي تقديم هذا‬
‫الطلب أثناء سير إجراءات الدعوى‪ ،‬وقبل أن تقرر املحكمة في مصير التعرض أتقبله أم ترفضه‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة لشكل تقديم طلبات التعويض فإن األستاذ استلزم تقديمها في شكل مقال مكتوب‪.443‬‬
‫وبناء على ما سبق فإن محكمة النقض إذا ما قضت برد تعرض الغير الخارج عن الخصومة بسبب‬ ‫ً‬
‫عدم قبول طعنه أو برفضه واملقدم ضد قرارها القاض ي بالنقض والتصدي فإنها تكون ملزمة بتحميل‬

‫‪ -440‬لقد نص املرشع املغريب يف هذا الفصل عىل أنه "‪ ...‬دون مساس بتعويض الطرف اآلخر عند االقتضاء" وهي نفس الصيغة التي جاء‬
‫بها الفصل ‪ 305‬من م‪.‬م‪.،.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -441‬محمد رياض‪ ،‬التعسف يف استعامل الحق عىل ضوء املذهب املاليك والقانون املغريب‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراتش‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،2991 ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -442‬حكم عدد ‪ 11/03‬صادر بتاريخ ‪ 1003/07/05‬ملف مد‪،‬ي عدد ‪ ،01/211‬غري منشور أورده عمر الشيكر‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -443‬عمر الشيكر ‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.103‬‬

‫‪064‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الطاعن مصاريف الدعوى وبتغريمه‪ ،‬فضال عن إمكانية قضائها للمتعرض عليه بالتعويض إذا ما طلب‬
‫هذا األخير ذلك وأثبت وجود تعسف من قبل املتعرض في ممارسة حقه في الطعن‪.‬‬
‫‪ -2‬آثار القرار وفق الطلب‬
‫إذا ما تبين ملحكمة النقض بعد دراسة القضية أن املتعرض محق في تعرضه ضد قرارها القاض ي‬
‫بالنقض والتصدي‪ ،‬فإنها تعدل عنه – قرارها – في حدود ما يمس بحقوق الغير فقط دون أن يؤثر‬
‫ً‬
‫ذلك على أطراف النزاع األصليين الذين يبقى قرارها املعدل نافذا بحقهم‪ ،‬ويتمتع من حيث املبدأ بقوة‬
‫الش يء املقض ي به‪ ،444‬وذلك حتى في النقط التي عدلها قرارها الصادر وفق طلبات الغير املتعرض والتي‬
‫أصبحت غير نافذة في مواجهة هذا األخير‪.‬‬
‫غير أنه في النزاعات غير القابلة للتجزئة‪ ،‬فإن القضاء وفق طلب املتعرض سيؤثر بدون شك على حقوق‬
‫باقي األطراق‪ ،‬لذلك فإن التشريعات أوجبت على الغير املتعرض إدخال جميع أطراف القرار املتعرض‬
‫ً‬
‫عليه وذلك تحت طائلة عدم القبول وهو ما استلزمه أيضا املشرع املغربي في م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م حيث جاء ف‬
‫الفقرة األخيرة من املادة ‪ 0-114‬من هذه املسودة بأنه "إذا كان الحكم أو القرار أو األمر املتعرض عليه‬
‫صادرا في موضوع غير قابل لالنقسام‪ ،‬فال يقبل التعرض إال إذا أدخل كل األطراف في الدعوى ويكون‬
‫الحكم أو القرار أو األمر الصادر فيها حجة عليهم جميعا‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإنه إذا كان األصل هو سريان القرار الصادر عن محكمة النقض بشأن تعرض الغير‬
‫على هذا األخير فقط‪ ،‬فإن آثار القرار يمكن أن تسري استثناء على كافة أطراف الخصومة إذا كان‬
‫موضوع النزاع غير قابل لالنقسام‪ ،‬بحيث يكون قرار محكمة النقض في هذه الحالة حجة على املتعرض‬
‫وعليهم أيضا‪.‬‬
‫ً‬
‫وتبقى اإلشارة فقط إلى أن القرار الصادر في دعوى تعرض الغير يكون قابال للطعن بطرق الطعن املمكن‬
‫ممارستها أمام املحكمة املصدرة له – القرار – وهو ما يستفاد من مقتضيات املادة ‪ 829‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف‪.‬ج‪ 445‬التي وضعت قاعدة عامة مفادها أن الحكم الصادر في التعرض تسري عليه بخصوص‬
‫طرق الطعن القواعد الجارية على أحكام املحكمة التي أصدرته‪.‬‬
‫ولذلك فإن القرار الصادر عن محكمة النقض في دعوى تعرض الغير يمكن أن يكون محل طعن إما‬
‫بإعادة النظر أو بتعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن ممارسة هذا الطعن األخير ضد‬

‫‪ -444‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬الرشح العميل لقانون املسطرة املدنية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة التاسعة‪ ،1029 ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪Qui dispose que « le jugement rendu sur tierce opposition est susceptible des mêmes recours que les -445‬‬
‫» ‪décisions de la juridiction dont il émane.‬‬

‫‪065‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫قرار محكمة النقض يكون متاحا للغير فقط‪ 446‬وليس للمتعرض نفسه الذي ال يحق له التعرض مرة‬
‫ثانية على القرار الصادر في تعرضه األول‪.447‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬موقف محكمة اإلحالة من قرار النقض واإلحالة‬


‫ً‬
‫سبق القول أن عدم توفر شروط التصدي تكون معه محكمة النقض ملزمة في حالة نقضها للقرار‬
‫املطعون فيه‪ ،‬بإحالة امللف إلى محكمة أخرى من نفس درجة املحكمة التي نقضت – محكمة النقض‬
‫‪ -‬قرارها‪ ،448‬أو بصفة استثنائية على نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض‪ 449‬والتي يجب أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تشكل تشكيال جديدا‪.450‬‬

‫‪ -446‬ا ُنظر قرار املجلس األعىل عدد ‪ 2295‬بتاريخ ‪ 15‬يوليوز ‪ 2990‬يف امللف املد‪،‬ي رقم ‪ ،55/3355‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل عدد‬
‫‪ ،72‬ص ‪ 10‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -447‬قرار عدد ‪ 2105‬بتاريخ ‪ ،1003-20-19‬سبق اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -448‬املالحظ أن املرشع اشرتط أن تتم اإلحالة إىل محكمة أخرى من نفس درجة املحكمة املنقوض قرارها‪ ،‬دون التنصيص عىل أن‬
‫تكون من نفس نوعها وطبيعتها‪ ،‬غري أن مرد ذلك هو تون املغرب مل يكن يعرف تنوع اختصاص املحاتم حني وضع ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ .‬ولقد‬
‫نادى األستاذ عبد العتا‪ ،‬فكري إىل رضورة تغيري هذا املقتىض القانو‪،‬ي ليتالءم مع التنظيم القضايئ املغريب الحايل‪.‬‬
‫‪ -‬ملزيد من اإليضاح ا ُنظر‪ :‬عبد العتا‪ ،‬فكري‪ ،‬محكمة اإلحالة من خالل عمل الغرفة اإلدارية‪ ،‬مقال منشور مبوقع العلوم القانونية‪ ،‬أُطلع‬
‫عليه يوم ‪ 2‬ماي ‪ 1029‬عىل الساعة الثالثة والنصف زواالً‪.‬‬
‫‪ -449‬لقد الحظ األستاذ مصطفى سعيد أنه عىل الرغم من تون األصل أن اإلحالة يجب أن تتم عىل محكمة أخرى‪ ،‬واالستثناء هو اإلحالة‬
‫عىل نفس املحكمة املصدرة للقرار املنقوض‪ ،‬فإن الواقع العميل ملحكمة النقض أثبت أن هذه األخرية تطبق االستثناء قبل األصل‪،‬‬
‫وتحيل امللف عىل نفس املحكمة بدون تعليل‪ ،‬علامً أن تطبيق االستثناء مع وجود األصل يستلزم تربيره‪.‬‬
‫‪-‬للتوسع ا ُنظر‪ :‬مصطفى سعيد‪ ،‬إشكالية اإلحالة بعد النقض‪ ،‬مقال منشور بجريدة الصباح‪ ،‬بتاريخ ‪.1021-01-02‬‬
‫غري أن محكمة النقض أصبحت مؤخرا ً تعلل قراراتها القاضية بالنقض مع اإلحالة عىل نفس املحكمة بتعليل عام وموحد هو "ضامن‬
‫حسن سري العدالة ومصلحة املتقاضني"‪.‬‬
‫‪ -450‬لقد استلزم املرشع املغريب يف حالة إحالة امللف عىل نفس املحكمة املصدرة للقرار املنقوض‪ ،‬أن تشكل الهيئة القضائية التي ستنظر‬
‫يف القضية املحالة من قضاة مل يشارتوا بأي وجه من الوجوه أو بحكم وظيف ما يف الحكم أو القرار الذي هو موضوع النقض‪ ،‬مام أثري‬
‫معه تساؤل حول مدى إمكانية تطبيق هذا املنع حتى عىل املفوض املليك للدفاع عن الحق والقانون؟ أجابتنا محكمة النقض عن هذا‬
‫التساؤل يف قرارها عدد ‪ 231‬الصادر بتاريخ ‪ 1021-03-05‬يف امللف اإلداري رقم ‪ 2012-7-2-1020‬والذي جاء فيه أن مشارتة املفوض املليك‬
‫ضمن تشكيلة هيئة محكمة اإلحالة ال يعد خرقا ً ملقتضيات الفصل ‪ 329‬من ‪.،‬م‪.‬م‪ ،‬والسند القانون املعتمد يف هذا القرار هو مقتضيات‬
‫املادتني ‪ 5‬من قانون رقم ‪ 72‬لسنة ‪ 2990‬املحدث للمحاتم اإلدارية‪ ،‬واملادة ‪ 3‬من قانون رقم ‪ 03‬لسنة ‪ 1005‬املتعلق بإحداث محاتم‬
‫استئناف إدارية‪ ،‬حي تنص هاتني املادتني عىل أن املفوض املليك للدفاع عن الحق والقانون ال يشارك يف إصدار الحكم واملداوالت‪،‬‬

‫‪066‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وتخضع محكمة اإلحالة في إصدار قراراتها لذات القواعد العامة التي تحكم األحكام‪ ،‬وتملك في سبيل‬
‫ذلك عدة سلطات على القانون والوقائع‪ ،‬وفي مقابل ذلك ترد عليها قيود ناتجة باألساس عن القرار‬
‫الصادر عن محكمة النقض (الفقرة األولى)‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك فإن محكم ة اإلحالة ال تلتزم بالحكم في اتجاه معين‪ ،‬أو إصدار قرار مخالف للقرار‬
‫املنقوض‪ ،‬وإنما عليها أن تقض ي بما يطابق فهمها للوقائع وللقانون الواجب التطبيق عليها‪ ،‬وذلك في‬
‫حدود القيود الواردة عليها‪ ،‬تحت طائلة الطعن في قرارها بالنقض (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬سلطات محكمة اإلحالة والقيود الواردة عليها‬


‫ألزم املشرع املغربي بمقتض ى الفقرة األولى من الفصل ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ 451‬محكمة النقض حين‬
‫نقضها للحكم بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى من درجة املحكمة التي نقض حكمها أو بصفة‬
‫استثنائية على نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض بشرط أن ال يتضمن تشكيل هذه األخيرة‬
‫َّ‬
‫أي عضو من األعضاء اللذين سبق لهم أن شاركوا في إصدار الحكم املطعون فيه تحت طائلة البطالن‪.‬‬
‫وتملك محكمة اإلحالة في سبيل إصدار قرارها سلطات واسعة على الواقع والقانون (أوال) شريطة‬
‫التقيد ببعض القيود الواردة عليها (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬سلطات محكمة اإلحالة‬


‫تتمتع محكمة اإلحالة بكافة السلطات التي كانت تتمتع بها املحكمة املنقوض قرارها سواء في مجال‬
‫اإلثبات (‪ )0‬أو في مجال تقدير الوقائع (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬سلطات محكمة اإلحالة في اإلثبات‬
‫يمكن ملحكمة اإلحالة عند فصلها في موضوع الخصومة االعتماد على أدلة إثبات سبق تقديمها (أ) أو‬
‫وسائل إثبات جديدة (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬االعتماد على أدلة إثبات سبق تقديمها‬

‫وبذلك فاملفوض املليك ال ميكن اعتباره بأي حال من األحوال مشارتا ً يف إصدار الحكم أو القرار وتنتيجة لذلك فإن قاعدة املنع املشار‬
‫إليها أعاله ال تلحقه‪.‬‬
‫‪ -451‬والتي تنص عىل ما ييل‪" :‬إذا قضت محكمة النقض بنقض حكم أحالت الدعوى إىل محكمة أخرى من درجة املحكمة التي نقض‬
‫حكمها أو بصفة استثنائية عىل نفس املحكمة التي صدر عنها الحكم املنقوض ويتعني إذ ذاك أن تتكون هذه املحكمة من قضاة مل‬
‫يشارتوا بوجه من الوجوه أو بحكم وظيف ما يف الحكم الذي هو موضوع لنقض‪".‬‬

‫‪067‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫يترتب على قرار النقض واإلحالة رد القضية إلى الحالة التي كانت عليه قبل صدور القرار املنقوض‪،‬‬
‫ونتيجة لذلك فإن محكمة اإلحالة يمكنها االعتماد على وسائل اإلثبات التي سبق إعدادها أو تقديمها‬
‫إما أمام محكمة الدرجة األولى أو أمام الدرجة الثانية املنقوض قرارها‪.‬‬
‫وتعتبر هذه األدلة مطروحة أمام محكمة اإلحالة حتى ولو لم يتمسك األطراف بذلك‪ ،‬وهكذا يحق لهذه‬
‫املحكمة األخذ بشهادة شاهد سبق االستماع إليه‪ ،‬أو بتقرير خبير سبق وأمر به قاض ي الدرجة األولى أو‬
‫قاض ي الدرجة الثانية‪ ،‬متى تبين لها – محكمة اإلحالة – أنهما يتضمنان العناصر الالزمة للفصل في‬
‫الدعوى‪.452‬‬
‫واعتماد محكمة اإلحالة على هذه الوسائل السابق إعدادها أو تقديمها مشروط بأن ال تكون محكمة‬
‫النقض قد قررت بطالنها‪ ،‬أو عدم جواز إعمالها‪ ،‬كما أنها ال تلزم بتقدير أو تقييم املحكمة املنقوض‬
‫قرارها لهذه األدلة‪ ،‬بل لها كامل الحرية في إعادة تقييمها أو تقديرها‪ ،‬ويجوز لها األخذ بدليل معين‪ ،‬ولو‬
‫كانت املحكمة األولى قد رجحت دليل آخر‪.‬‬
‫غير أنه إذا ما قررت محكمة النقض نقض الحكم لعدم كفاية وسائل اإلثبات السابق تقديمها‪ ،‬فإن‬
‫محكمة اإلحالة ال يسوغ لها االكتفاء بهذه األدلة‪ ،‬وإنما يجب عليها إقامة حكمها على أدلة إضافية‪،‬‬
‫تحت طائلة تعرض قضائها للنقض مرة ثانية‪.453‬‬
‫ب‪ -‬االعتماد على وسائل إثبات جديدة‬
‫بما أن نقض القرار املطعون فيه بالنقض يترتب عنه زواله وإعادة األطراف إلى الحالة التي كانوا عليها‬
‫قبل صدور هذا األخير – القرار املنقوض – فإن ذلك يعني فسح املجال لهم‪-‬األطراف‪ -‬إلبداء‬
‫مستنتجات أو اإلدالء بمستندات حتى ولو كانت جديدة‪.‬‬
‫وهكذا فإن أطراف الخصومة يحق لهم أن يقدموا أمام محكمة اإلحالة أدلة إثبات جديدة‪ ،‬سواء‬
‫ُ‬
‫أكانت هذه األدلة قد اكت ِشفت قبل صدور قرار محكمة النقض أو بعده‪ ،‬أو كانت موجودة قبل صدور‬
‫َّ‬
‫قرار املحكمة املنقوض‪ ،‬إال أن األطراف لم يتمكنوا من اإلدالء بها من قبل‪.454‬‬
‫بناء على طلب أحد األطراف‪ ،‬قبل بتها في‬ ‫كما يمكن ملحكمة اإلحالة أن تأمر إما من تلقاء نفسها أو ً‬
‫املوضوع بأي إجراء من إجراءات التحقيق ولو كانت املحكمة املنقوض قرارها رفضت األمر بمثل هذه‬

‫‪ -452‬محمد ملعمري‪ ،‬قرارات املجلس األعىل وآثارها يف املادة املدنية‪ ،‬أطروحة لنيل الدتتوراه يف الحقو‪ ،،‬جامعة القايض عياض‪ ،‬تلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬مراتش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1009/1005‬ص ‪.372‬‬
‫‪ -453‬عبد القادر الرافعي‪ ،‬املجلس األعىل تمحكمة للنقض املد‪،‬ي‪ ،‬مكتبة دار القادم‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1005‬ص ‪.102 – 105‬‬
‫‪ -454‬جاء يف قرار صادر عن املجلس األعىل عىل أنه "يرتتب عىل قرار النقض واإلحالة إعادة األطراف إىل الحالة التي تانوا عليها قبل‬
‫صدوره‪ ،‬ومن تم يحق لهم أن يدلوا مبا لديهم من مستنتجات جديدة لتدعيم ادعاءاتهم‪ ".‬قرار عدد ‪ 1523‬صادر بتاريخ ‪،1003-09-21‬‬
‫ملف مد‪،‬ي عدد ‪ 1001/2527‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل عدد ‪ ،21‬ص ‪.13‬‬

‫‪068‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫اإلجراءات‪ .455‬ولذلك فإنه يحق لها أن تأمر بسماع شاهد أو تعيين خبير أو إجراء معاينة‪ .‬وبصفة عامة‬
‫يمكنها االعتماد على ما تراه مناسبا من وسائل إثبات جديدة‪ ،‬أو حسب تعبير محكمة النقض في أحد‬
‫قراراتها بأن "ملحكمة اإلحالة كامل الصالحية في اعتماد وسائل أخرى"‪.456‬‬
‫‪ -2‬سلطات محكمة اإلحالة في تقدير الوقائع‬
‫إن العلة أو العلل التي على أساسها تقرر النقض هي وحدها التي يمنع القانون على محكمة اإلحالة أن‬
‫تخالف بشأنها رأي محكمة النقض‪ ،‬وفيما عدا ذلك‪ ،‬فإن محكمة اإلحالة تسترد كل سلطاتها حتى في‬
‫ً‬
‫إعادة تقدير الوقائع‪ .‬ولو كان هذا التقدير مخالفا لفهم املحكمة املنقوض قرارها لتلك الوقائع‪ ،‬أو تعيد‬
‫مخالف لتقديرها السابق إذا كانت هي مصدرة القرار املنقوض‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تقدير الوقائع على نحو‬
‫ولعل األساس الذي تستند عليه محكمة اإلحالة في هذا التقدير الجديد هو ما يقدم إليها بعد إحالة‬
‫ً‬
‫القضية عليها من دفوع ومستندات وحجج جديدة ولها أيضا أن تعتمد على أسس قانونية أخرى غير‬
‫التي جاء بها الحكم املطعون فيه وتم نقضه‪ .457‬وهذا ما يستفاد من قرا صادر عن املجلس األعلى‬
‫والذي جاء فيه "وحيث إن محكمة اإلحالة تتمتع بسلطة مطلقة فيما يخص تقدير الوقائع‪ ،‬إذ يمكنها‬
‫تقديرها وتأويلها بكيفية تختلف عن تلك التي كانت موضوع القرار املنقوض وأنه يحق لألطراف‬
‫بخصوص هذه الوقائع تقديم مستنتجات تختلف عن تلك التي قدمت في املرة األولى‪ ،‬و محكمة اإلحالة‬
‫يصح لها النظر من جديد في القضية بجميع عناصرها وما استجد من وقائع ومستنتجات وأدلة‬
‫باستثناء النقطة التي بت فيها املجلس األعلى والتي يتشرط التقيد بها‪ ،‬وال يمكنها البت فيما لم يتم‬
‫نقضه‪458".‬‬

‫يتضح إذن من خالل هذا القرار أن محكمة اإلحالة لها كامل الصالحية في إعادة تقدير الوقائع ً‬
‫بناء على‬
‫ما قدمه األطراف أمامها من مستنتجات وأدلة إثبات جديدة‪ ،‬وال يحد من سلطتها هاته سوى نطاق‬
‫النقض إذ ال يمكنها البت فيما لم يتم نقضه‪ ،‬كما عليها أيضا التقيد بالنقطة القانونية التي تبت فيها‬
‫ً‬
‫محكمة النقض‪ ،‬بحيث إذا كانت هذه النقطة مبينة على تقدير معين للوقائع‪ ،‬مخالفا لتقدير الحكم‬

‫‪ -455‬محمد ملعمري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.371‬‬


‫‪ -456‬قرار عدد ‪ 10‬صادر بتاريخ ‪ 23‬يناير ‪ 1025‬يف امللف املد‪،‬ي عدد ‪ 1027/2/2/2055‬ولقد جاء فيه "إذا تان أثر النقض واإلحالة هو إعادة‬
‫القضية وطرفيها إىل الحالة التي تانوا عليها قبل صدور القرار املنقوض مع رضورة تقيد محكمة اإلحالة فقط بالنقطة القانونية التي تبت‬
‫فيها محكمة النقض‪ ،‬فإن الصالحية تبقى ملحكمة اإلحالة يف اعتامد وسائل أخرى‪ .‬واملحكمة ملا اعتمدت يف قرارها املطعون فيه عىل‬
‫قوة اليشء املقيض به مبقتىض القرار االستئنايف املستدل به‪ ،‬تكون قد جعلت قضاءها مرتكزا ً عىل أساس قانو‪،‬ي‪ ".‬قرار منشور مبجلة‬
‫قضاء محكمة النقض‪ ،‬العدد ‪ ،19‬ص ‪.57‬‬
‫‪ -457‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬الوسيط يف الطعن بالنقض‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.791‬‬
‫‪ -458‬قرار عدد ‪ 2105‬صادر بتاريخ ‪ ،1003-20-19‬ملف تجاري عدد ‪ ،1001-2-3-2739‬أشار إليه محمد ملعمري‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.373‬‬

‫‪069‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫املطعون فيه‪ ،‬فإنه يتعين على محكمة اإلحالة أن تلتزم بهذا التقدير وليس لها عندئذ أية سلطة في‬
‫مجال تقدير الوقائع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القيود الواردة على محكمة اإلحالة‬


‫إذا كانت محكمة اإلحالة تملك سلطات واسعة من أجل إعادة الفصل في املوضوع‪ ،‬فإنها مع ذلك‬
‫مقيدة في هذا الفصل بنطاق الطعن (‪ )0‬وبالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬التقيد بنطاق النقض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بما أن النقض يكون إما كليا أو جزئيا فإن دراستنا لتقيد محكمة اإلحالة بنطاق النقض سيكون وفق‬
‫اآلتي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬النقض الجزئي‬
‫يقصد بالنقض الجزئي النقض الذي ينصب على شق جوهري محدود من مقتضيات القرار املطعون‬
‫فيه دون باقي املقتضيات التي تظل قائمة ومحتفظة بقوة الش يء املقض ي به‪ .459‬وبهذا فإن نطاق‬
‫الدعوى أمام محكمة اإلحالة يقتصر على األجزاء التي شملها النقض دون األجزاء التي قررت محكمة‬
‫النقض عدم قبول أو رفض الطعن املوجه ضدها‪ ،‬أو التي لم يتم الطعن فيها‪ ،‬إذ يصبح الحكم الصادر‬
‫ً‬
‫في هذه األجزاء غير املنقوضة باتا‪.‬‬
‫َّ‬
‫ولذلك فإن محكمة اإلحالة ال تختص إال بالجزء من النزاع الذي كان موضوع الطعن بالنقض‪ ،‬والذي‬
‫نقض الحكم من أجله دون باقي أجزاء الحكم التي لم يوجه إليها أي طعن‪ ،‬أو التي لم يتم قبول الطعن‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫بالنقض بشأنها‪ ،‬كما عليها أيضا أن تتقيد بنطاق النقض من حيث األشخاص فال يعتبر طرفا أمامها إال‬
‫من صدر بينهم قرار محكمة النقض القاض ي بالنقض واإلحالة‪.‬‬
‫واستثناء مما ذكر‪ ،‬فإن نطاق النقض الجزئي قد يمتد ليشمل أجزاء أخرى من القرار املنقوض‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لكن‬
‫وذلك في حالة ما إذا كانت ه ذه األجزاء ال تقبل التجزئة عن األجزاء التي تم نقضها‪ ،‬حتى ولم لم‬
‫ً‬
‫يشملها النقض أو لم تكن محال للطعن‪ .‬كما أن هذا النطاق قد يمتد ليشمل غير أطراف النقض‬
‫كحالة التضامن أو الكفالة‪ .460‬وهو ما يعني أن محكمة اإلحالة تملك سلطة الفصل في النزاع حتى‬
‫بالنسبة ملثل هذه األجزاء وبين هؤالء األطراف‪.‬‬

‫‪ -459‬الطيب لزر‪ ،،‬إشكالية تقيد محكمة اإلحالة بالنقط القانونية التي استوجب النقض‪ ،‬مقال منشور مبجلة رسالة املحاماة‪ ،‬عدد ‪ ،27‬ص‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -460‬قرار املجلس األعىل عدد ‪ ،532‬صادر بتاريخ ‪ ،1007-07-05‬ملف تجاري عدد ‪ ،1003/12‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪،23‬‬
‫ص ‪ 253‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪071‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ب‪ -‬النقض‬ ‫الكلي‪461‬‬

‫عرف األستاذ الطيب لزرق النقض الكلي بأنه النقض الذي ينعدم معه القرار املنقوض بصفة عامة‪،‬‬
‫ويصبح في حكم العدم‪ ،‬وتسقط جميع عناصره‪ 462‬وهذا النوع من النقض ال يثير أية إشكاالت‬
‫ً‬
‫بخصوص مسألة تقيد محكمة اإلحالة بنطاق النقض‪ ،‬ذلك أن النقض الكلي يطرح النزاع كامال من‬
‫ً‬
‫حيث املوضوع واألطراف كما كان مطروحا أمام املحكمة التي نقض قرارها‪.463‬‬
‫غير أن هذا ال يعني أن ملحكمة اإلحالة مطلق السلطة للبت في موضوع النزاع‪ ،‬إذ عليها بالرغم من طرح‬
‫ً‬
‫النزاع كامال أمامها التقيد بما تناولته أسباب النقض املقبولة‪ ،‬فال يجوز لها النظر فيما عداها مما‬
‫يكون قد حاز قوة الش يء املقض ي به‪ .‬وفي هذا الصدد قض ى املجلس األعلى بأنه إذا كان يترتب عن‬
‫النقض الكلي زوال الحكم املنقوض وعودة الدعوى إلى ما كانت عليه قبل صدوره وإلغاء جميع‬
‫ً‬
‫األحكام الالحقة له إذا كان معتمدا فيها‪ .‬فإن محكمة اإلحالة مقيدة بما تناوله أسباب النقض املقبولة‪،‬‬
‫فال يجوز لها النظر فيما عداها مما يكون قد حاز قوة الش يء املحكوم به‪ ،‬وأن قرار محكمة اإلحالة‬
‫الذي يقض ي بعدم قبول استئناف الحكم االبتدائي بعد أن قبله القرار املنقوض وقبله املطلوب في‬
‫ً‬
‫النقض لعدم طعنه فيه‪ ،‬ولم تتناوله أسباب الطعن املوجهة إلى الطاعن فأصبح بذلك حائزا لقوة‬
‫ً‬
‫الش يء املقض ي به فإنه يكون خارقا للقاعدة املذكورة وعرضه للنقض‪.464‬‬
‫‪ -2‬التقيد بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض‬
‫ألزم املشرع املغربي بمقتض ى الفقرة الثانية من الفصل ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ 465‬محكمة اإلحالة بضرورة‬
‫التقيد بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض على اعتبار أن قرار محكمة النقض يتمتع‬

‫‪ -461‬غالبا ً ما يثار إشكال التمييز بني النقض الكيل والنقض الجزيئ‪ ،‬ولقد ذهب األستاذ محمد ملعمري إىل القول أن التمييز بينهام يتوقف‬
‫إما عىل طبيعة عنارص الحكم املطعون فيه أو عىل طلبات الطاعن‪ ،‬فإذا تانت هذه العنارص متميزة وقابلة لالنقسام‪ ،‬فإن النقض ال يكون‬
‫تليا ً إالَّ إذا تان وجه الطعن املقبول قد شملها جميعها‪ ،‬أما إذا تانت هذه العنارص مرتبطة ارتباطاً ال يقبل التجزئة‪ ،‬فإن النقض يكون تلياً‬
‫يف جميع األحوال بغض النظر عن العنرص الذي انصب عليه وجه الطعن بالنقض الذي قبلته املحكمة‪.‬‬
‫‪-‬ا ُنظر أُطروحته ‪ :‬قرارت املجلس األعىل وآثارها يف املادة املدنية‪ ،‬م ‪ .‬س ‪ ،‬ص‪375‬‬
‫ولقد أصبح املجلس األعىل يعفي يف بعض قراراته محكمة اإلحالة من البح عن طبيعة النقض أهو جزيئ أو تيل‪ ،‬إذ يشري يف قراراته‬
‫إىل طبيعة النقض وعىل سبيل املثال فقد جاء يف أحد قراراته ما ييل "قىض املجلس األعىل بنقض وإبطال القرار املطعون فيه جزئياً‪"...‬‬
‫قرار عدد ‪ ،3195‬صادر بتاريخ ‪ ،1005-21-27‬ملف مد‪،‬ي عدد ‪.02/2/3155‬‬
‫‪ -462‬الطيب لزر‪ ،،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -463‬محمد لعمري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.375‬‬
‫‪ -464‬قرار عدد ‪ ،5031‬صادر بتاريخ ‪ ،2991/01/30‬ملف مد‪،‬ي عدد ‪ ،2995/7/2/3309‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‪ ،‬عدد ‪ ،57/53‬ص‬
‫‪.299‬‬
‫‪ -465‬والتي تنص عىل ما ييل‪" :‬إذا بت املجلس األعىل يف قراره يف نقطة قانونية‪ ،‬تعني عىل املحكمة التي أحيل عليها امللف التقيد بقرار‬
‫املجلس األعىل يف هذه النقطة‪".‬‬

‫‪070‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫بحجية الش يء املقض ي به في حدود ما تم البت فيه‪ .466‬ولذلك فإن محكمة اإلحالة يمنع عليها وهي‬
‫تنظر من جديد في الدعوى املساس بهذه الحجية‪ ،‬ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى‬
‫في حدود ما حدده قراره محكمة النقض‪.‬‬
‫ويقصد بالنقطة القانونية التي يتعين على محكمة اإلحالة التقيد بها بأنها وسيلة النقض التي أثارها‬
‫ً‬
‫الطاعن‪ ،‬وتبناها قرار النقض‪ ،‬أو قد تكون العلة املثارة تلقائيا‪ ،‬كلما كانت من صميم النظام العام‪.‬‬
‫ً‬
‫فهي إذن السبب الذي تقرر بموجبه النقض‪ ،467‬كما يقصد بها أيضا املسألة التي طرحت على محكمة‬
‫ً‬
‫النقض في شكل وسيلة أثيرت من طرف الطالب أو أثارتها محكمة النقض تلقائيا إذا كانت تتعلق‬
‫بالنظام العام وأدلت فيها املحكمة برأيها‪ ،‬فاكتسب حكمها قوة الش يء املقض ي به في حدود هذه املسألة‬
‫بحيث يمتنع على محكمة اإلحالة عند إعادة النظر في الدعوى املساس بهذه الحجية‪.468‬‬
‫ولذلك فإذا ما قضت محكمة النقض بنقض القرار وإحالة امللف على محكمة اإلحالة لتبت فيه من‬
‫جديد‪ ،‬فإن هذه األخيرة يتعين عليها التقيد باملسألة القانونية التي على أساسها صدر قرار النقض تحت‬
‫طائلة نقض قرارها من جديد وإحالة امللف عليها أو على محكمة أخرى‪ ،469‬أو نقضه مع التصدي‬

‫ويقابل هذه الفقرة يف ‪.،‬م‪.‬ج‪.‬م املادة ‪ 557‬والتي جاء فيها "يتعني عىل املحكمة التي أحيلت إليها القضية بعد النقض أن تلتزم بقرار‬
‫محكمة النقض فيام يرجع للنقطة القانونية التي بتت فيها‪".‬‬
‫أما يف الترشيع الفرنيس فلم تكن محكمة اإلحالة ملزمة بقرار محكمة النقض بخصوص النقطة القانونية التي حسمتها هذه األخرية‪ ،‬إذ‬
‫تان من حق محكمة اإلحالة مخالفة قرار النقض والسبب يف ذلك راجع باألساس إىل فكرة استقالل القايض وعدم تبعيته أو تلقيه‬
‫لألوامر من أية جهة أو هيئة مهام علت‪ .‬وذلك فيام يتعلق بعمله الفني والوظيفي‪ ،‬غري أن املرشع الفرنيس تدخل وغري األمر وذلك‬
‫بتعديله املادة ‪ 1/23‬من ‪.،‬ت‪.،.‬ف مبقتىض القانون ‪ 9/19‬الصادر يف ‪ 2919/02/03‬حي أصبحت محكمة اإلحالة تلتزم بقرار النقص إذا‬
‫تان صادرا ً فقط عن الجمعية املكتملة للمحكمة سواء أتان القرار صادر مبناسبة طعن ألول مرة أو مبناسبة طعن ثا‪،‬ي يف قرار محكمة‬
‫اإلحالة‪.‬‬
‫للمزيد من التوسع حول تطور مسألة تقيد محكمة اإلحالة بالنقطة القانونية التي حسمتها محكمة النقض يف الترشيع الفرنيس‪ ،‬ا ُنظر‪:‬‬
‫‪- Vincent et Guinchard. Op. cit. P. 948.‬‬
‫ويف مرص فإن الفقرة الثانية من املادة ‪ 129‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م تنص عىل ما ييل "فإذا تان الحكم قد نقض لغري ذلك من األسباب تحيل‬
‫القضية إىل املحكمة التي أصدرت الحكم املطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناء عىل طلب الخصوم‪ ،‬ويف هذه الحالة يتحتم عىل‬
‫املحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض يف املسألة القانونية التي فصلت فيها‪".‬‬
‫‪ -466‬محمد صابر‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -467‬الطيب لزر‪ ،،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -468‬عبد القادر الرافعي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -469‬قرار صادر عن املجلس األعىل عدد ‪ 393‬بتاريخ ‪ 2992/01/15‬يف ملف رقم ‪ 95/7172‬منشور مبجلة اإلشعاع عدد ‪ ،22‬ص ‪ ،222‬وفيه قرر‬
‫املجلس األعىل نقض القرار املطعون فيه ألن محكمة اإلحالة مل تتقيد بالنقطة القانونية التي فصل فيها وأحال القضية من جديد عىل‬
‫نفس املحكمة‪.‬‬

‫‪072‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫َ‬
‫للقضية في حالة املوافقة على م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪ .‬إذا ت َب َت ملحكمة النقض أنها تتوفر على العناصر الواقعية‬
‫التي تثبت لقضاة املوضوع‪ ،‬على اعتبار أن الطعن بالنقض في هذه يكون قد قدم للمرة الثانية وذلك‬
‫نتيجة عدم تقيد محكمة اإلحالة بما جاء في قرار محكمة النقض‪ ،‬وهي ذاتها الشروط التي استلزم‬
‫م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م توفرها إلمكانية التصدي للقضية من قبل محكمة النقض‪.470‬‬
‫والتزام محكمة اإلحالة باتباع قرار النقض في املسألة القانونية التي فصلت فيها محكمة النقض ال‬
‫يجوز مناقشته من جانب الخصوم‪ ،‬فهو التزام واجب االحترام وليس ملحكمة اإلحالة أية سلطة في‬
‫مخالفته‪ .471‬غير أن هذا ال يمكن أن يمنع هذه األخيرة من الفصل في باقي جوانب القضية ما دام‬
‫النقض ينشر الدعوى من جديد أمامها‪.472‬‬
‫وإذا ما طعن بالنقض في حكم محكمة اإلحالة فإن محكمة النقض يتعين عليها أن تحترم قرارها‬
‫السابق فال يجوز لها العدول عنه‪ ،‬غير أن هذا القيد ال يلزم محكمة اإلحالة فيما يعرض عليها من‬
‫ً‬
‫نزاعات حتى ولو كانت مماثلة لتلك التي بتت فيها‪ ،‬كما أنه ال يلزم قانونا باقي املحاكم األخرى‪.‬‬
‫لكن اإلشكال الذي يمكن أن يطرح في هذا اإلطار هو ما إذا استجدت بعد النقض واإلحالة عناصر‬
‫طارئة أمام محكمة اإلحالة لم تكن مطروحة من قبل‪ ،‬وكانت هذه العناصر متعلقة بالنظام العام‪.‬‬
‫وتعارضت ما جاء في املسألة القانونية التي استوجبت النقض‪ ،‬فهل محكمة اإلحالة في هذه الحالة‬
‫تتقيد بهذه املسألة أم تصبح مقيدة بمقتضيات النظام العام التي طرأت بعد النقض واإلحالة؟‬
‫لقد أجابنا املجلس األعلى عن هذا السؤال في أـحد قراراته والتي يستفاد منها أن قاض ي األمور‬
‫ً‬
‫املستعجلة أصدر أمرا قض ى فيه برفض طلب بإثبات حال عن طريق إجراء معاينة قضائية على عقار‬
‫ُ‬
‫ملعرفة قدر الترامي عليه والقائمين به‪ ،‬أ ِّي َد استئنافيا‪ .‬وبعد الطعن بالنقض في قرار محكمة االستئناف‬
‫قض ى املجلس األعلى بنقضه بعلة أن املحكمة لم تقم باملعاينة املطلوبة‪ ،‬ولم يكن لها أن ترفض‬
‫الطلب‪ .‬وبعد اإلحالة صدر قرار استئنافي جديد يقض ي بإلغاء األمر الصادر ابتدائيا‪ ،‬والحكم بعدم‬
‫اختصاص قاض ي األمور املستعجلة‪ ،‬فتم الطعن بالنقض من جديد في هذا القرار‪ ،‬على أساس عدم‬

‫‪ -470‬تنص املادة ‪ 2-329‬عىل أنه "ميكن ملحكمة النقض عند نقضها حكام أو قرارا تليا أو جزئيا أن تتصدى للبت يف القضية بالرشوط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية؛‬
‫‪ -‬أن تتوفر عىل جميع العنارص الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع‪".‬‬
‫‪ -471‬نبيل إسامعيل عمر‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ -472‬جاء يف قرار صادر عن املجلس األعىل "إن املقصود مبا ينص عليه الفصل ‪ 329‬من ‪.،‬م‪.‬م من وجوب تقيد محكمة اإلحالة بقرار‬
‫املجلس األعىل هو عد م مخالفة النقطة القانونية التي بت فيها‪ .‬وال يقصد منه عدم البت يف باقي جوانب القضية ما دام النقض ينرش‬
‫الدعوى من جديد أمام محكمة اإلحالة‪ ".‬قرار عدد ‪ 5139‬صادر بتاريخ ‪ ،2999/22/21‬ملف مد‪،‬ي عدد ‪ ،2991/2/2/5215‬منشور مبجلة‬
‫قضاء املجلس األعىل عدد ‪ ،55/51‬ص ‪ 17‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪073‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫تقيد محكمة اإلحالة بالنقطة التي بت فيها املجلس األعلى فقض ى املجلس األعلى برفض طلب النقض‬
‫ألن القرار الثاني املطلوب نقضه لم يخرق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل ‪ 112‬رغم أنه لم يتقيد‬
‫بالنقطة التي م ن أجلها وقع النقض ما دام أن هناك عناصر جديدة طرأت على القضية بعد إحالتها‬
‫والتي من شأن مناقشتها أن يقع املساس بأصل الحق وجوهره‪ ،‬وهذا ما يخرج عن اختصاص قاض ي‬
‫األمور املستعجلة‪.473‬‬
‫وهكذا يتضح إذن أن تقيد محكمة اإلحالة بقواعد النظام العام الطارئة واملستجدة بعد اإلحالة يرجح‬
‫على التقيد بالنقطة القانونية التي استوجبت النقض‪ ،‬كلما تعارضت مع تلك القواعد‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن محكمة اإلحالة وإن كانت تتمتع بسلطات واسعة عند نظرها في النزاع من‬
‫َّ‬
‫جديد‪ ،‬إال أنها مقيدة مع ذلك بمجموعة من القيود في إصدار قرارها‪ ،‬وهو القرار الذي سيكون محل‬
‫دراسة بعده‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬قرار محكمة اإلحالة والطعن فيه‬


‫ً‬
‫رأينا سابقا أن محكمة اإلحالة تملك سلطات واسعة في إطار حسمها للقضية املحالة عليها‪ ،‬وال يحد‬
‫من سلطاتها سوى التقيد بنطاق النقض‪ ،‬وباملسألة القانونية التي استوجبت النقض‪ .‬ولذلك فإنها غير‬
‫ً‬
‫ملزمة قانونا بأن تحكم على نحو معين‪ ،‬إذ لها أن تتبع ما جاء في القرار املنقوض أو تخالفه (أوال)‪ .‬غير‬
‫أن قرارها يمكن أن يكون محال للطعن بالنقض‪ ،‬في حالة عدم تقيدها – محكمة اإلحالة – بالقيود‬
‫الواردة عليها‪ ،‬أو إذا شاب قرارها أحد العيوب املوجبة للنقض (ثانيا)‪.474‬‬

‫‪ -473‬قرار عدد ‪ 20‬صادر بتاريخ ‪ 2993/02/02‬يف امللف املد‪،‬ي رقم ‪ 59/1127‬والذي جاء فيه "‪ ...‬وتبني من أورا‪ ،‬امللف أن هناك عنرصا‬
‫جديدا طرأ عىل القضية بعد إحالتها عىل املحكمة وتتجىل يف الوثائق املدىل بها يف مرحلة ما بعد النقض والتي من شأن مناقشتها‬
‫واعتبارها بعد ذلك أو عدم اعتبارها أن متس أصل الحق وجوهره وهو ما يخرج عن اختصاص قايض املستعجالت عمال مبقتضيات‬
‫الفصل ‪ 251‬من ‪.،‬م‪.‬م‬
‫وحي إن املحكمة تانت عىل صواب ومل تخر‪ ،‬الفصل املستدل به‪ ،‬ملا مل تقم باملعاينة ودراسة الحجج يف عني املكان ومطابقتها عىل‬
‫النزاع ملا يف ذلك من م ساس بأصل الحق ما دام النزاع معروضا يف إطاره االستعجايل مام يجعل الوسيلة خالف الواقع‪ ".‬أشار إليه عبد‬
‫العزيز توفيق ‪،‬موسوعة قانون املسطرة املدنية والتنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ -474‬ينص الفصل ‪ 359‬من ‪.،‬م‪.‬م عىل أنه‪" :‬يجب أن تكون طلبات نقض األحكام املعروضة عىل املجلس األعىل مبنية عىل أحد‬
‫األسباب اآلتية‪:‬‬
‫‪ -2‬خر‪ ،‬القانون الداخيل؛‬
‫‪ -1‬خر‪ ،‬قاعدة مسطرية أرض بأحد األطراف؛‬
‫‪ -3‬عدم االختصاص؛‬
‫‪ -7‬الشطط يف استعامل السلطة؛‬
‫‪ -5‬عدم ارتكاز الحكم عىل أساس قانو‪،‬ي أو انعدام التعليل‪".‬‬

‫‪074‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أوال‪ :‬قرار محكمة اإلحالة‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫إن قرار محكمة اإلحالة إما أن يأتي موافقا للقرار املنقوض (‪ )0‬أو مخالفا له (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬موافقة القرار املنقوض‬
‫يمكن ملحكمة اإلحالة أن تتخذ نفس املوقف الذي اتخذته املحكمة املنقوض قرارها إذ ال يوجد في‬
‫القانون ما يمنعها من ذلك‪ ،‬سوى التقيد بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض‪.‬‬
‫وباملثال يتضح املقال‪:‬‬
‫فإذا ما صدر قرار عن محكمة النقض يقض ي بنقض القرار املطعون فيه بسبب وجود عيب ذاتي فيه‬
‫لعدم اشتماله على البيانات اإللزامية املستلزم تضمينها في األحكام واملنصوص عليها في الفصل ‪ 81‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م كأسماء هيئة الحكم‪ ،‬أو اسم ممثل النيابة العامة‪ ،‬أو اسم كاتب الضبط‪ ...‬إلى غير ذلك من‬
‫البيانات‪ ،‬وإحالة امللف على املحكمة املصدرة له أو محكمة أخرى فإن هذه األخيرة يمكنها أن تصدر‬
‫ً‬
‫نفس القرار املنقوض استنادا على نفس التعليل‪ ،‬أو على تعليل مخالف له‪ ،‬وما عليها سوى تصحيح‬
‫العي ب الذاتي الذي لحق القرار وال يعتبر ذلك مخالفة لقرار محكمة النقض في أية نقطة ألنه ليس‬
‫هناك مسألة قانونية حسمتها بخصوص الحل القانوني للنزاع‪ ،‬وما بتت فيه محكمة النقض في هذه‬
‫الحالة هو مجرد مسألة شكلية تتعلق بعيب ذاتي في القرار املنقوض‪ ،475‬يتعين على محكمة اإلحالة‬
‫إصالحه ولها بعد ذلك أن تتبنى موقف املحكمة املنقوض قرارها‪.476‬‬

‫‪ -475‬محمد ملعمري‪ ،‬م ‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 353‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -476‬غري أن هذا ال يعني أن نقض الحكم لعب شكيل فيه يوجب عىل محكمة اإلحالة إصالح هذا العيب فقط دون إعادة النظر يف‬
‫املوضوع‪ ،‬بل لها تامل الصالحية يف إعادة الفصل يف النزاع بعد إصالح العيب الذي عىل أساس تم النقض‪ .‬فقد صدر عن مجلس هيئة‬
‫نقابة للمحامني قرار يقيض بتوقيف عضو من مامرسة املهنة ملدة سنتني الرتكابه عدة مخالفات‪ ،‬تم الطعن فيه من قبل املعني باألمر‬
‫باالستئناف لكن محكمة االستئناف أيدت مقرر مجلس الهيئة‪ ،‬فطعن فيه بالنقض‪ ،‬فقرر املجلس األعىل نقض القرار االستئنايف بسبب‬
‫عدم بت محكمة االستئناف يف املوضوع يف غرفة املشورة تام توجب عليها املادة ‪ 95‬من قانون املحاماة – والتي تنص عىل أنه "تبت‬
‫محكمة االستئناف‪ ،‬بغرفة املشورة بعد استدعاء النقيب وباقي األطراف لسامع مالحظاتهم وتلقي امللتمسات الكتابية للوتيل العام" – مع‬
‫إحالة امللف عىل محكمة اإلحالة التي أصدرت قرارها بغرفة املشورة تام يوجب عليها ذلك قرار املجلس األعىل لكنها عدلت من القرار‬
‫االستئنايف األول القايض بتأييد مقرر الهيئة‪ ،‬وذلك بإلغائها عقوبة التوفيق لسنتني وتحويلها إىل توبيخ فقط‪.‬‬
‫غري أن مجلس هيئة املحامني أثار بوصفه طاعنا ً بالنقض أمام املجلس األعىل عدم تقيد محكمة اإلحالة مبقتضيات الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 329‬حينام تجاوزت النقطة القانونية التي تقرر النقض عىل أساسها وهي البت يف غرفة املشورة فقط‪ ،‬لكن املجلس األعىل رد عىل‬
‫طعن الهيئة ردا ً صائبا ً حينام قرر "إن األمر يتعلق بتقييد محكمة اإلحالة بقرار املجلس يف النقطة القانونية التي وقع من أجلها النقض‪،‬‬
‫فإن هذه النقطة قد تحددت يف الطريقة التي تان يجب عىل املحكمة أن تبت بها يف القضية‪ ،‬وفق الشكل الذي ألزمه القانون أي يف‬
‫إطار غرفة املشورة‪ ،‬إالَّ أن ذلك ال يعني أن محكمة اإلحالة تظل مقيدة بالقرار املنقوض من حي املوضوع ما دام أن هذا القرار قد وقع‬
‫نقضه اليشء الذي يفتح املجال للطرفني لإلدالء بدفوعات ومستنتجات عىل ضوء النقض وتبعا لذلك تظل هناك إمكانية صدور قرار‬
‫جديد يف موضوع النازلة‪ ،‬تام هو الشأن يف هذه القضية عندما قررت محكمة اإلحالة مبا لها من سلطة تقديرية‪ ،‬تحديد العقوبة املناسبة‬

‫‪075‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وهكذا نجد أن املجلس األعلى كان قد قض ى في أحد قراراته بنقض القرار االستئنافي املطعون فيه‬
‫بسبب خرقه الفصل ‪ 48‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،477‬وإحالة امللف على محكمة االستئناف‬
‫بورززات‪ .478‬وملا أحيل امللف على هذه األخيرة عملت على تجاوز العيب الشكلي الذي على أساسه تم‬
‫ً‬
‫النقض وأصدرت نفس القرار الذي انتهى إليه القرار املنقوض والقاض ي بقبول االستئناف شكال وفي‬
‫املوضوع تأييد الحكم االبتدائي‪.479‬‬
‫ً‬
‫كما قض ى أيضا – املجلس األعلى – في قرار آخر بنقض القرار املطعون فيه بالنقض بسبب عدم جواب‬
‫محكمة االستئناف عن الدفع املثار من طرف الطاعن‪ ،‬وإحالة امللف على استثنائية أكادير‪ 480‬التي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أصدرت قرارا موافقا للقرار املنقوض بعد اإلجابة على دفع الطاعن‪.481‬‬
‫‪ -2‬مخالفة القرار املنقوض‬
‫بما أن نقض القرار املطعون فيه بالنقض يترتب عنه زواله وعودة األطراف إلى الحالة التي كانوا عليها‬
‫في السابق‪ ،‬مع استرجاع محكمة اإلحالة لسلطاتها على الواقع والقانون‪ ،‬فإن ذلك يخول لهذه األخيرة‬
‫مخالف للقرار املنقوض حتى ولو ظلت عناصر الدعوى ثابتة‪ ،‬دون تغيير عما كانت‬ ‫ٍ‬ ‫إمكانية إصدار قر ٍار‬
‫عليه أمام املحكمة املنقوض قرارها‪.‬‬
‫بناء على فهم جديد لوقائع الدعوى‪ ،‬أو‬ ‫ومحكمة اإلحالة تقض ي بهذا القرار املخالف للقرار املنقوض ً‬
‫نتيجة تقديم أدلة إثبات‪ ،‬أو ظهور وقائع جديدة لم تكن مطروحة أمام املحكمة املصدرة للقرار‬
‫املطعون فيه أو نتيجة تطبيق قانون جديد صدر بعد صدور القرار املنقوض‪ .482‬غير أن هذا الفهم‬
‫ً‬
‫مشروط مع ذلك بأن ال يكون مخالفا أو فيه مساس بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد فقد قض ى املجلس األعلى في أحد قرارته إنه إذا كان املجلس األعلى قد بت في نقطة‬
‫قانونية صرفه أعطى من خاللها رأيه في النزاع‪ .‬فإنه يجب على محكمة اإلحالة أن تتقيد بهذا الرأي‪،‬‬
‫بناء على ما استجد لها من عناصر‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫وإن كان من حقها أن تبني قرارها على فهم جديد للنزاع ً‬

‫لألفعال التي ارتكبها املطلوب‪ .‬وبذلك فإنها مل تخر‪ ،‬مقتضيات الفقرة ‪ 1‬من الفصل ‪ 329‬من ‪.،‬م‪.‬م ورتزت قضاءها عىل أساس قانو‪،‬ي‬
‫مام تكون معه الوسيلة غري مؤسسة‪ ".‬قرار عدد ‪ 152‬بتاريخ ‪ 92/05/25‬يف امللف اإلداري رقم ‪ ،90-20-291‬أورده عبد العزيز توفيق‪،‬‬
‫موسوعة قانون املسطرة املدنية و التنظيم القضايئ‪ ،‬الجزء الثا‪،‬ي‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪ -477‬والذي ينص عىل ما ييل " تفتح املناقشات بتقرير املستشار املقرر الذي يعرض القضية واملسائل املطلوب حلها من غري أن يبدي أي‬
‫رأي‪"...‬‬
‫‪ -478‬قرار عدد ‪ 103‬بتاريخ ‪ 1001-01-07‬يف امللف اإلداري رقم ‪ 99-2-5-59‬غري منشور‪ ،‬أورده محمد ملعمري‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪ -479‬قرار رقم ‪ 32‬بتاريخ ‪ 1003-7-30‬ملف التحفيظ رقم ‪ ،03/02‬غري منشور‪ ،‬أورده‪ ،‬محمد ملعمري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.357‬‬
‫‪ -480‬قرار عدد ‪ 7155‬بتاريخ ‪ 1002-21-05‬يف امللف املد‪،‬ي عدد ‪ 1000/2/2/2057‬غري منشور‪ ،‬أورده‪ ،‬محمد ملعمري‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.357‬‬
‫‪ -481‬قرار عدد ‪ 3170‬بتاريخ ‪ 1001/20/27‬يف امللف رقم ‪ ،01/22‬غري منشور‪ ،‬أورده محمد ملعمري‪ ،‬م ‪.‬س‪ ،‬ص ‪.357‬‬
‫‪ -482‬محمد ملعمري‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.355‬‬

‫‪076‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫مشروط بإسناد الفهم ليس فقط على عنصر جديد أو حجة أدلى بها أحد الخصوم أمامها بعد النقض‪،‬‬
‫بل يجب أيضا أن يكون لهذا العنصر أو الحجة تأثير على جوهر النزاع‪ .‬وإن محكمة اإلحالة عندما تنهج‬
‫ً‬
‫مخالفا ملا كان قد انتهى إليه املجلس األعلى في قرار اإلحالة ً‬ ‫ً‬
‫بناء على حجة ال تأثير لها على ما‬ ‫نهجا‬
‫حسم فيه املجلس األعلى من تكييف قانوني لوثائق الخصم‪ ،‬وبدعوى أن املجلس األعلى استند فيما‬
‫انتهى إليه على ترجمة خاطئة لتلك الوثائق‪ ،‬فإنها قد تجاوزت اختصاصها‪ ،‬وخرقت الفصل ‪ 121‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.483‬‬
‫أضف إلى ذلك أن التزام محكمة اإلحالة بالنقطة القانونية التي حسمتها محكمة النقض يوجب عليها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في بعض الحاالت أن تتخذ موقفا مخالفا ملوقف املحكمة املنقوض قرارها‪ .‬وكمثال على ذلك ما قضت‬
‫به محكمة االستئناف بورززات بعد إحالة امللف عليها من جديد من طرف املجلس األعلى‪ ،‬والذي‬
‫ً‬
‫قض ى بنقض قرارها األول القاض ي بعدم قبول االستئناف شكال لوقوعه خارج األجل القانوني‪،484‬‬
‫بعدما تبين له – املجلس األعلى – أن الطعن باالستئناف قدم داخل أجله القانوني املنصوص عليه في‬
‫ً‬
‫الفصل ‪ 952‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ج‪ ،485‬حيث جاء في قرارها الثاني ‪ -‬بعد اإلحالة – بقبول االستئناف شكال‬
‫لتقديمه داخل األجل القانوني واستيفائه لكافة الشروط الشكلية وفي املوضوع بتأييد الحكم‬
‫االبتدائي‪.486‬‬
‫وهكذا يتضح أن املحكمة ونتيجة لتقيدها باملسألة القانونية التي بت فيها املجلس األعلى كانت ملزمة‬
‫بمخالفة قرارها األول املنقوض‪.‬‬
‫وفي الختام البد أن نشير إلى مسألة مهمة وهي أن محكمة النقض قد تتراجع عن قرارها القاض ي‬
‫بالنقض واإلحالة نتيجة بتها في الطعن بإعادة النظر‪ 487‬املقدم من قبل أحد األطراف‪ ،‬مما يترتب عنه‬

‫‪ -483‬قرار عدد ‪ 2303‬صادر بتاريخ ‪ ،2999-09-22‬منشور بالتقرير السنوي للمجلس األعىل‪ ،‬سنة ‪ ،2999‬ص ‪.220-209‬‬
‫‪ -484‬قرار عدد ‪ 2219‬بتاريخ ‪ 1002/21/15‬يف امللف االجتامعي عدد ‪ ،1002/7/5/122‬غري منشور‪ ،‬أورده محمد ملعمري‪ ،‬م ‪.‬س‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪ -485‬والذي ينص عىل أنه "يستأنف الحكم القابل لالستئناف داخل أجل ثالثني يوما من يوم تبليغه طبقا للرشوط املنصوص عليها يف‬
‫الفصل ‪ 57‬بترصيح لدى تتابة ضبط املحكمة االبتدائية أو بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل موجهة إىل هذه الكتابة‪ ،‬ويعترب‬
‫يف الحالة األخرية االستئناف مقدما يف التاريخ املبني يف الوصل املسلم إىل املرسل"‪.‬‬
‫‪ -486‬قرار عدد ‪ ،251‬صادر بتاريخ ‪ ،1003-01-01‬ملف رقم ‪ ،03-03‬غري منشور أورده‪ ،‬محمد ملعمري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪ -487‬ينص الفصل ‪319‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م‪ .‬ح عىل ما ييل "ال ميكن الطعن يف القرارات التي يصدرها املجلس األعىل إال يف األحوال اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬يجوز الطعن بإعادة النظر‪.‬‬
‫‪ -2‬ضد القرارات الصادرة استنادا عىل وثائق رصح أو اعرتاف بزوريتها‪.‬‬
‫‪ -1‬ضد القرارات الصادرة بعدم القبول أو السقوط ألسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية وضعت عىل مستندات الدعوى ثم‬
‫بني عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع االستظهار بها فيام بعد‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا صدر القرار عىل أحد الطرفني لعدم إدالئه مبستند حاسم احتكره خصمه‪.‬‬

‫‪077‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫انتهاء صالحية محكمة اإلحالة بنظر الدعوى التي استمدتها من قرار اإلحالة واإللغاء التلقائي لكل اآلثار‬
‫ً‬
‫التي رتبتها مما يجعل أي قرار صادر بعد ذلك فاقدا ألساسه القانوني‪.488‬‬

‫ثانيا‪ :‬الطعن في قرارات محكمة اإلحالة كشرط للتصدي‬


‫أمام إمكانية عدم تقيد محكمة اإلحالة بنطاق الطعن أو بالنقطة القانونية التي حسمتها محكمة‬
‫النقض‪ ،‬فإن التشريعات أجازت لألطراف إمكانية الطعن في قرارها – محكمة اإلحالة – للمرة الثانية‬
‫أمام محكمة النقض‪ ،‬وخولت – التشريعات – لهذه األخيرة إمكانية التصدي للبت في القضية في مثل‬
‫حد لتوالي الطعون املدنية أمامها ولالقتصاد في اإلجراءات والنفقات والوقت‪.‬‬ ‫هذه الحالة‪ ،‬لوضع ٍ‬
‫وللحديث عن هذه املسألة‪ ،‬فإننا سنعرض ملا هو عليه العمل في التشريع املصري (‪ )0‬قبل الحديث عن‬
‫موقف مشرعنا املغربي (‪.)9‬‬
‫‪ -1‬الوضع في التشريع املصري‬
‫تنص املادة ‪ 912‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬م في فقرتها األخيرة على أنه "ومع ذلك إذا حكمت املحكمة بنقض الحكم‬
‫ً‬
‫املطعون فيه وكان املوضوع صالحا للفصل فيه أو كان الطعن للمرة الثانية ورأت املحكمة نقض‬
‫الحكم املطعون فيه‪ ،‬وجب عليها أن تحكم في املوضوع‪".‬‬
‫ومن خالل هذه املادة يتضح لنا أن املشرع املصري خول إمكانية الطعن في قرار محكمة اإلحالة للمرة‬
‫الثانية‪ ،‬غير أنه لم يضع قواعد خاصة بهذا الطعن‪ ،‬مما يستفاد معه أنه طعن يخضع للقواعد العامة‬
‫للطعن في القرارات أمام محكمة النقض‪.‬‬
‫وإذا ما قبلت محكمة النقض هذا الطعن ونقضت الحكم املطعون فيه فمن واجبها التصدي للبت في‬
‫موضوع القضية حتى ولو لم تكن هذه األخيرة صالحة للفصل فيها‪ ،‬إذ لها في هذه الحالة اتخاذ ما تراه‬
‫ً‬
‫مناسبا من اإلجراءات الالزمة لتصديها كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪.‬‬
‫وبهذا نخلص إلى أن املشرع املصري أجاز إمكانية الطعن في قرار محكمة اإلحالة للمرة الثانية‪ ،‬وجعل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من تقديم هذا الطعن شرطا موجبا لتصدي محكمة النقض للبت في القضية‪ ،‬فهل سلك املشرع‬
‫املغربي – يا ترى – نفس املسلك؟‬
‫‪ -2‬الوضع في التشريع املغربي‬
‫على الرغم من أن املشرع املغربي يجيز ألطراف الخصومة إمكانية الطعن بالنقض في قرارات محكمة‬
‫َّ‬
‫اإلحالة‪ ،‬إال أنه لم يضع قواعد خاصة تتعلق بهذا الطعن للمرة الثانية‪ ،‬لذلك فإن الطعن في قرارات‬

‫‪ -7‬إذا صدر القرار دون مراعاة ملقتضيات الفصول ‪ 312‬و ‪ 311‬و ‪".315‬‬
‫‪ -488‬ا ُنظر قرار صادر عن املجلس األعىل عدد ‪ 7319‬بتاريخ ‪ 01-21-12‬يف امللف املد‪،‬ي عدد ‪ ،05/233‬منشور مبجلة قضاء املجلس األعىل‬
‫عدد ‪ ،29‬ص ‪ 11‬وما يليها‪.‬‬

‫‪078‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫محكمة اإلحالة يخضع لذات القواعد املوضوعية والشكلية العامة املقررة للطعن في القرارات‬
‫القضائية‪.‬‬
‫كما أن ذات املشرع لم يجز ملحكمة النقض إمكانية التصدي للبت في القضية في حالة الطعن بالنقض‬
‫في قرار محكمة اإلحالة للمرة الثانية‪ ،‬بل كانت ملزمة – محكمة النقض – عند نقضها لهذا القرار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بإحالة امللف من جديد على نفس املحكمة املصدرة له والتي يتعين عليها أن تشكل تشكيال جديدا‪ ،‬أو‬
‫على محكمة أخرى من نفس الدرجة‪ ،‬وهو األمر الذي يؤدي ال محالة إلى تطويل حياة النزاعات ويثقل‬
‫كاهل املتقاضين بنفقات االنتقال بين محكمة النقض ومحكمة اإلحالة‪.‬‬
‫ولذلك نادى البعض بضرورة تدخل املشرع املغربي لإلسراع بوضع تنظيم خاص للطعن بالنقض في‬
‫قرارات محكمة اإلحالة‪ ،‬بقصد االقتصاد في إجراءات ونفقات التقاض ي وتحقيق السرعة في حسم‬
‫النزاعات حتى ال يدور األطراف في حلقة مفرغة تتنازع فيها محكمة اإلحالة ومحكمة النقض حول مدى‬
‫التقيد بالنقطة القانونية‪ .‬واقترحوا كحل لهذه اإلشكالية تخويل محكمة النقض إمكانية الفصل في‬
‫النزاع‪ ،‬مع إسناد هذه املهمة إلى هيئة خاصة بمحكمة النقض‪ ،‬بهدف إحاطة هذا الحق بالعديد من‬
‫الضمانات وإغالق الباب أمام املعارضين لحق التصدي‪.489‬‬
‫وهو بالفعل ما استجاب له املشرع املغربي‪ ،‬وذلك بمقتض ى م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م حيث تم تخويل محكمة النقض‬
‫بموجب هذا املشروع إمكانية التصدي للبت في القضية لحسمها إذا ما قدم الطعن بالنقض للمرة‬
‫الثانية وتبين ملحكمة النقض أنها تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع‪.490‬‬
‫ً‬
‫ونعتقد أن املشرع أحسن صنعا بتخويله محكمة النقض إمكانية التصدي للبت في القضية في حالة‬
‫تقديم الطعن للمرة الثانية ضد قرار محكمة اإلحالة ملا في ذلك من اقتصاد في إجراءات التقاض ي‬
‫ونفقاته‪.‬‬
‫وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام الفصل الثاني من هذا العمل أو الدراسة والذي خصصناه للحديث عن‬
‫تصدي محكمة النقض للبت في النزاع لحسمه بشكل نهائي‪ ،‬حيث تطرقنا في البداية إلى تردد مشرعنا‬
‫املغربي بخصوص إجازة هذا النظام – التصدي – ملحكمة النقض‪ .‬فتارة يجيزه وتارة يمنعه بحجة أنه‬
‫يغير من طبيعتها من محكمة قانون إلى محكمة موضوع‪ ،‬قبل أن يستقر رأيه على تخويل محكمة‬

‫‪ -489‬محمد ملعمري‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.325‬‬


‫‪ -490‬تنص املادة ‪ 2-329‬من ‪.،‬م‪.‬م‪.‬م عىل أنه "ميكن ملحكمة النقض عند نقضها حكام أو قرارا تليا أو جزئيا أن تتصدى للبت يف القضية‬
‫بالرشوط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية؛‬
‫‪ -‬أن تتوفر عىل جميع العنارص الواقعية التي ثبتت لقضاة املوضوع‪".‬‬

‫‪079‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫النقض حق التصدي بشروط محددة‪ ،‬وهي الشروط التي خصصنا لها مطلبا تحدثنا فيه عنها بتفصيل‬
‫وذلك بمقارنة تشريعنا املغربي بنظيره املصري‪ ،‬وكان كل هذا في املبحث األول‪.‬‬
‫أما املبحث الثاني فحاولنا الوقوف فيه عند الطعن في قرار محكمة النقض القاض ي بالتصدي‪ ،‬إذ أن‬
‫املشرع املغربي أجاز لألغيار عن الخصومة إمكانية الطعن في هذا القرار بتعرض الغير الخارج عن‬
‫الخصومة‪ ،‬وهو الطعن الذي تحدثنا عن شروطه وآثاره‪ ،‬مختتمين هذا املبحث بالحديث عن قرار‬
‫محكمة اإلحالة‪ .‬ذلك أنه إذا لم تكن شروط تصدي محكمة النقض متوفرة‪ ،‬فإن هذه األخيرة تكون‬
‫ملزمة في حالة نقضها للقرار املطعون فيه بإحالة امللف إلى محكمة اإلحالة‪ ،‬والتي تطرقنا للقرار الصادر‬
‫عنها من خالل الوقوف عند سلطاتها والقيود الواردة عليها في إصداره‪ ،‬وإمكانية الطعن فيه للمرة‬
‫الثانية‪.‬‬

‫‪081‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫خاتمة‬
‫لقد حاولنا من خالل هذه الدراسة بحث موضوع نظام التصدي كأحد أهم النظم اإلجرائية في قانون‬
‫املسطرة املدنية‪ ،‬بحيث قسمنا موضوعنا إلى فصلين رئيسيين ثم التمهيد لهما بفصل تمهيدي حاولنا‬
‫الوقوف فيه عند تنظيم التشريعات اإلجرائية املدنية لهذا النظام‪ ،‬وإعطاء تعريف له مع استخالص‬
‫خصائصه وأسسه ونطاقه‪.‬‬
‫في حين خصص الفصل األول للحديث عن تصدي محكمة ثاني درجة للقضية وذلك بالتطرق لشروط‬
‫هذا النظام أمامها‪ ،‬فحاولنا تحديد الفرق بين مصطلحي إبطال وإلغاء الحكم املطعون مع تحديد‬
‫األحكام القضائية القابلة للتصدي‪ ،‬وتحديد املقصود بشرط جاهزية الدعوى قبل انتقالنا للتطرق إلى‬
‫آثار تصدي محكمة ثاني درجة على الطلب القضائي‪ ،‬من خالل الوقوف عند سلطات هذه املحكمة‬
‫ودور األطراف أمامها‪ ،‬ومدى إمكانية قبول طلبات التدخل واإلدخال عند تصديها للقضية‪.‬‬
‫ً‬
‫أما الفصل الثاني فقد خصصناه للحديث عن نظام التصدي أمام محكمة النقض‪ ،‬بدءا باإلجابة عن‬
‫إشكال تأثير هذا النظام على طبيعتها ثم التطرق لشروطه وحاالت اللجوء إليه والطعن في قرارات‬
‫محكمة النقض القاضية بالنقض والتصدي‪.‬‬
‫كان هذا هو اإلطار العام الذي نسجت من خالله الخطوط الرئيسية لهذا البحث والتي انتهت بنا في‬
‫النهاية إلى مجموعة من املالحظات العامة واستخالص مجموعة من االستنتاجات التي سنحاول من‬
‫خاللها الخروج ببعض التوصيات واالقتراحات‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املالحظات‬
‫مما أثار انتباهنا في هذه الدراسة ونحن نقوم بتحليل النصوص القانونية املنظمة لنظام التصدي ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ ‬اختالف التشريعات حول إجازة هذا النظام ذلك أن املشرع الفرنس ي أجازه ملحاكم ثاني درجة‬
‫فقط‪ ،‬في جين أوجبه املشرع املصري على محكمة النقض دون غيرها‪ ،‬أما مشرعنا املغربي فقد أوجبه‬
‫على محاكم الدرجة الثانية وأجازه ملحكمة النقض‪.‬‬
‫‪ ‬تأثر الفقه املغربي عند تعريفه لنظام التصدي أمام محكمة ثاني درجة بالتشريع الفرنس ي‪ ،‬دون‬
‫ً‬
‫استحضار خصوصية هذا النظام في ظل تشريعنا املغربي الذي جعل منه واجبا بخالف املشرع‬
‫الفرنس ي الذي جعله رخصة فقط مخولة ملحاكم الدرجة الثانية‪.‬‬

‫‪080‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬عدم فصل بعض الباحثين واملحاكم املغربية بين التصدي واألثر الناقل‪ ،‬وذلك بسبب ربطهم‬
‫الدائم نظام التصدي بكل حاالت اإللغاء أو اإلبطال ودون النظر إلى معيار فصل املحكمة املطعون في‬
‫قضائها في املوضوع أم ال‪ ،‬ألن الفصل في هذا األخير يوجب إعمال األثر الناقل حتى ولو تم إلغاء الحكم‬
‫املستأنف أو إبطاله‪.‬‬

‫‪ ‬ربط القضاء املغربي استنفاد الوالية باألثر الناقل‪ ،‬دون التمييز بين استفاد الوالية من حيث‬
‫املوضوع املوجب إلعمال أألثر الناقل واستنفاد الوالية من حيث الشكل الذي يوجب إعمال نظام‬
‫التصدي‪.‬‬

‫‪ ‬عدم تنصيص املشرع املغربي في قانون املسطرة املدنية على قاعدة ال يضار الطاعن بطعنه‬
‫بكيفية صريحة بخالف ما فعل في قانون املسطرة الجنائية حيث خص هذه القاعدة بالفصلين ‪ 412‬و‬
‫‪.401‬‬
‫‪ ‬تقييد املشرع املغربي لسلطة محاكم ثاني درجة بضرورة توفر شرطي إلغاء أو إبطال الحكم‬
‫املستأنف و كون القضية جاهزة للبت فيها‪ ،‬عكس املشرع الفرنس ي الذي استلزم فقط الشرط األول‬
‫بحيث أعطى ملحكمة التصدي إمكانية تجهيز القضية إدا لم تكن جاهزة‪.‬‬

‫‪ ‬تضارب آراء الفقه والقضاء بخصوص مدى إمكانية تصدي محاكم الدرجة الثانية لألحكام‬
‫القضائية بعدم االختصاص‪ ،‬عدم القبول واألحكام التمهيدية‪.‬‬

‫‪ ‬املشرع لم يجعل قرارات محاكم االستئناف القاضية باإللغاء واإلرجاع ملزمة ملحاكم الدرجة‬
‫األولى بخالف ما عمل بالنسبة لقرارات محكمة النقض التي جعلها ملزمة ملحكمة اإلحالة بمقتض ى‬
‫الفصل ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬القضاء أضاف إلى شرطي إلغاء أو إبطال الحكم املطعون فيه وشرط جاهزية الدعوى شرطا‬
‫آخر هو ضرورة كون محكمة الطعن هي درجة ثانية بالنسبة للمحكمة املطعون في حكمها‪.‬‬

‫‪ ‬توسيع املشرع الفرنس ي لسلطات محكمة التصدي واألطراف‪ ،‬حيث خول لهذه األخير إمكانية‬
‫اللجوء إلى إجراءات التحقيق لتجهيز القضية إذا كانت غير جاهزة‪ ،‬كما أجاز لألطراف إمكانية تقديم‬

‫‪082‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫طلبات جديدة بموضوعها أو بأشخاصها‪ ،‬أما مشرعنا املغربي فلم يخول هذه السلطة للمحكمة‬
‫ولألطراف مما أدى إلى تضارب آراء الفقه والقضاء حولها‪.‬‬

‫‪ ‬أجاز املشرع الفرنس ي للغير إمكانية التدخل أمام محكمة التصدي كمقابل لحق أطراق‬
‫الخصومة في إدخالهم‪ ،‬أما املشرع املغربي فلم يشر إلى هذه اإلمكانية‪.‬‬

‫‪ ‬إن طلبات التدخل واإلدخال محددة بمدة زمنية إذ يجب أن تقدم قبل قفل باب املرافعات من‬
‫قبل املحكمة والتي ال يمكن لها أن تقض ي بعدم قبولها من تلقاء نفسها‪ ،‬بل يجب على صاحب‬
‫املصلحة التمسك بذلك‪.‬‬

‫‪ ‬تردد املشرع املغربي في تنظيم نظام التصدي أمام محكمة النقض فتارة يجيزه لها وتارة يلغيه‪.‬‬
‫‪ ‬تضارب آراء الفقه واملمارسين في املجال القانوني حول مدى تأثير تصدي محكمة النقض‬
‫للقضية على طبيعتها كمحكمة قانون‪.‬‬

‫‪ ‬جعل املشرع املغربي شروط تصدي محكمة القضية للقضية شروط متالزمة‪ 491‬ال يغني توفر‬
‫أحدها عن اآلخر‪ ،‬بخالف املشرع املصري الذي جعل كل شرط مستقل بذاته يوجب عند توفره على‬
‫محكمة النقض التصدي للقضية‪.‬‬

‫‪ ‬إعادة تنظيم املشرع املغربي في م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م لشرط جاهزية الدعوى كشرط لتصدي محكمة‬
‫النقض عند نقضها للقرارات الصادرة في دعاوى اإللغاء‪ ،‬على الرغم من إلغاء هذا الشرط من شروط‬
‫تصدي محاكم ثاني درجة في نفس املسودة‪.‬‬

‫‪ ‬املشرع لم يحدد الجهة القضائية املختصة بنظر تعرض الخارج عن الخصومة وال أجل‬
‫ممارسته‪.‬‬
‫‪ ‬عدم إقامة املشرع املغربي للتوازن بين أطراف الخصومة واألغيار ألنه ألزم الغير بأداء الرسوم‬
‫القضائية وإيداع املبلغ املالي املنصوص عليه في الفصل ‪ 114‬من ق‪.‬م‪.‬م تحت طائلة عدم القبول‪ ،‬في‬
‫حين أوجب على أطراف الخصومة أداء الرسوم القضائية فقط‪ ،‬ما لم يستفيدوا من نظام املساعدة‬
‫القضائية‪.‬‬

‫‪ -491‬نفس اليشء بالنسبة لرشوط تصدي محكمة ثا‪،‬ي درجة‪.‬‬

‫‪083‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬إن الطعن بتعرض الغير يمكن ممارسته من قبل أكثر من شخص‪ ،‬إذ يحق لكل من لم يكن‬
‫ً‬
‫طرفا في الدعوى أن يتعرض على الحكم أو القرار الذي أضر به وال يمنع من ممارسته أن يكون قد‬
‫سبقه أحد من األغيار إلى ذلك‪ .‬وفي مقابل ذلك فإن الشخص الواحد ال يمكنه ممارسة هذا الطريق‬
‫من طرف الطعن أكثر مرة‪ ،‬إعماال لقاعدة أن الطعون ال تمارس إال مرة واحدة أمام القضاء‪.‬‬

‫‪ ‬لم يترك املشرع املغربي للمحكمة أية سلطة في تحديد مبلغ الغرامة املمكن القضاء بها ضد‬
‫ً‬
‫الغير الخاسر لتعرضه وذلك بتحديده مسبقا لها‪ ،‬وإن كان قد منحها سلطة تقديرها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االستنتاجات‬
‫ولقد خلصنا في ضوء هذه املالحظات إلى استخالص االستنتاجات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أن أساس اختالف التشريعات بخصوص التصدي أمام محاكم الدرجة الثانية هو نظرة كل‬
‫مشرع إلى نظام الطعن باالستئناف‪ ،‬فمن يرى في هذا الطريق مجرد وسيلة ملراقبة وإصالح قضاء‬
‫ً‬
‫ابتدائي س يء‪ .‬فقد منع التصدي احتراما ملبدأ التقاض ي على درجتين‪ ،‬أما من يرى في هذا الطعن وسيلة‬
‫ً‬
‫إلنهاء النزاع فقد أجاز التصدي‪ ،‬بل ومنها – التشريعات – من جعله واجبا ملا يحققه من سرعة‬
‫واقتصاد في النفقات واإلجراءات‪ .‬أما سبب اختالف هذه التشريعات بخصوص التصدي أمام محكمة‬
‫النقض‪ ،‬فإن ذلك راجع إلى طبيعة عمل محكمة النقض في ظل كل من تشريع‪ ،‬فمن يعتبرها محكمة‬
‫قانون فقط لم يسمح لها بالتصدي‪ ،‬أما من يعتبرها ذات طبيعة مزدوجة – أي أنها محكمة قانون‬
‫وواقع – فقد أجاز لها التصدي وهناك من جعله واجبا عليه‪.492‬‬
‫ً‬
‫استثناء على مبدأ األثر الناقل والتقاض ي على درجتين ألنه يوجب على‬ ‫‪ ‬أن نظام التصدي يشكل‬
‫محكمة التصدي البت فيما لم يفصل فيه قاض ي الدجة األولى‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬أن نظام التصدي ال يكون واجب اإلعمال إال إذا تحققت شروطه واقتصر قاض ي الدرجة األولى‬
‫على البت في جانب الدعوى الشكلي ألن فصله في املوضوع يوجب والحالة هاته إعمال األثر الناقل وهو‬
‫ً‬
‫ما يفيد أيضا أن هذا النظام له عالقة فقط باستنفاد الوالية من حيث الشكل‪.‬‬

‫‪ -492‬ونخص بالذتر هنا محكمة النقض املرصية التي أوجب عليها املرشع املرصي التصدي للقضية إذا ما قدم الطعن بالنقض للمرة الثانية‬
‫حتى ولو تان املوضوع غري صالح للفصل فيه‪ ،‬مام يعني أن ملحكمة النقض يف هذه الحالة اللجوء إىل إجراءات التحقيق لتجعل هذا‬
‫املوضوع صالحا ً‪ ،‬وهي إجراءات تأصل عام مخولة فقط ملحاتم املوضوع‪ ،‬وليس محكمة النقض‪ ،‬مام يعني أن محكمة النقض يف هذه‬
‫الحالة تتحول إىل محكمة موضوع‪.‬‬

‫‪084‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫ً‬
‫‪ ‬تصدي املحكمة ملوضوع النزاع ال يشكل خرقا ملقتضيات الفصل ‪ 1‬من ق‪.‬م‪.‬م ‪ -‬على اعتبار أنها‬
‫ال تقيد بطلبات الطاعن الذي قد يقتصر على طلب إلغاء أو نقض املقرر القضائي املطعون والحال أن‬
‫التصدي يوجب عليها عند اإللغاء أو النقض البت في املوضوع – ألن ذات الفصل يوجب عليها تطبيق‬
‫ً‬
‫القانون حتى ولو لم يطلب األطراف ذلك‪ ،‬ذلك أن تصديها للقضية يعتبر تطبيقا لنص قانوني أوجب‬
‫عليها التصدي بمجرد تحقق شروطه ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬أن إبطال األحكام هو جزاء قضائي يلحق كل حكم جاء مخالفا ملقتضيات الفصل ‪ 81‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م أو غير محترم لحقوق الدفاع‪ ،‬أما إلغائها فهو جزاء قضائي يلحق الحكم إذا ما تتضمن خطأ في‬
‫الوقائع أو القانون‪.‬‬

‫‪ ‬بالرغم من عمومية عبارة الحكم املطعون فيه املتضمنة في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬فإن نظام‬
‫التصدي يقتصر فقط على األحكام الباتة في شكل الدعوى دون موضوعها‪.‬‬
‫‪ ‬الحكم بعدم االختصاص النوعي للمحاكم العادية وبعدم االختصاص املحلي لجميع الجهات‬
‫القضائية هو القابل للتصدي فقط أما الحكم الصادر بعدم االختصاص النوعي للمحاكم التجارية‬
‫واملحاكم اإلدارية‪ ،‬فإنه غير قابل للتصدي ألن الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض ومحاكم ثاني درجة‬
‫التجارية عند إلغائهما أو إبطالهما لحكم قض ى باالختصاص النوعي فإنهما يحيالن امللف إلى املحكمة‬
‫ً‬
‫املختصة‪ ،‬دون التصدي للقضية عمال بمقتضيات املادتين ‪ 09‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬ا‪.‬إ و ‪ 01‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ بالنسبة‬
‫لالختصاص النوعي للمحاكم اإلدارية واملادة ‪ 5‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬ا‪.‬ت بالنسبة لالختصاص النوعي للمحاكم‬
‫التجارية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬يجب على محكمة ثاني درجة التصدي للقضية إذا ما ألغت أو أبطلت حكما قض ى بعدم‬
‫القبول ألن هذا الدفع دفع شكلي فقط‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬ال يمكن ملحكمة الطعن التصدي لألحكام التمهيدية‪ ،‬ما دام أن هذه األحكام ال تستأنف إال مع‬
‫الحكم الفاصل في الجوهر‪ ،‬والفصل في الجوهر كما سبقت اإلشارة إلى ذلك يوجب إعمال األثر الناقل‪.‬‬

‫‪ ‬األوامر االستعجالية هي األخرى قابلة للتصدي ألن الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م لم يميز بين الحكم‬
‫العادي والحكم االستعجالي‪.‬‬

‫‪085‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬لجوء املحكمة إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬دليل على عدم تحقق شرط الجاهزية كشرط للتصدي‪.‬‬

‫‪ ‬الدعوى تكون جاهزة إذا ما قام األطراف بتبادل املذكرات وأخذ كل واحد منهم فرصة الدفاع‬
‫عن حقوقه‪.‬‬

‫‪ ‬املشرع الفرنس ي خلق توازن بين سلطات محكمة التصدي وسلطات األطراف‪ ،‬ألنه أجاز ملحكمة‬
‫ثاني درجة إمكانية اللجوء إلى إجراءات التحقيق – ألنه لم يستلزم شرط الجاهزية – وفي املقابل أعطى‬
‫ألطراف الخصومة حق تقديم طلبات جديدة أمامها واستكمال أوجه دفاعهم‪.‬‬
‫‪ ‬أن طلبات التدخل واإلدخال مقبولة أمام محكمة ثاني درجة الفرنسية عند تصديها للقضية‬
‫أما في تشريعنا املغربي فإن محكمة التصدي ال تقبل سوى طلبات التدخل االنضمامي دون طلبات‬
‫التدخل الهجومي وطلبات اإلدخال‪ ،‬ألنها تعتبر طلبات جديدة محظورة بقاعدة منع تقديم طلبات‬
‫ً‬
‫جديدة املنصوص عليها في الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬في حين فإن طلب التدخل االنضمامي ال يعتبر طلبا‬
‫ً‬
‫جديدا ما دام املتدخل االنضمامي يقتصر فقط على دعم ادعاءات الطرف الذي انضم إليه‪.‬‬

‫‪ ‬أن تصدي محكمة النقض للقضية ال يغير من طبيعتها كمحكمة قانون‪ ،‬ما دام املشرع قد‬
‫اشترط توفر قاض ي النقض على جميع عناصر الدعوى الواقعية‪ ،‬وهو ما يفيد أن محكمة النقض عند‬
‫تصديها فإنها تقتصر فقط على إنزال حكم القانون على الوقائع الثابتة واملعروضة‪ ،‬غير أن محكمة‬
‫ً‬
‫واستثناء إلى محكمة واقع إذا ما نقضت الحكم املطعون للمرة الثانية‪ ،‬ذلك‬ ‫النقض املصرية تتحول‬
‫أن املشرع املصري أوجب عليها في هذه الحالة التصدي للقضية حتى ولو كانت غير جاهزة‪ ،‬وهو ما يفيد‬
‫أن ملحكمة النقض سلطة تجهيز القضية باللجوء إلى إجراءات التحقيق‪.‬‬
‫‪ ‬أن محكمة النقض هي املختصة بنظر الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة املقدم ضد‬
‫قرارها القاض ي بالنقض والتصدي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استدعاء قانونيا حتى يتم اعتباره طرفا في الدعوى‪.‬‬ ‫‪ ‬أن الشخص البد أن يقع استدعاؤه‬
‫‪ ‬أن ملحكمة النقض إمكانية إيقاف التنفيذ ً‬
‫بناء على طلب املعني باألمر‪ ،‬إذا ما بدت لها جدية‬
‫طلباته‪.‬‬

‫‪086‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬أن محكمة اإلحالة ال تتقيد بالنقطة القانونية التي تبت فيها محكمة النقض‪ ،‬إذا ما استجدت‬
‫عناصر بعد اإلحالة وكانت لها عالقة بالنظام العام ومتعارضة مع املسألة التي حسمتها محكمة النقض‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬االقتراحات والتوصيات‬
‫وفي ختام هذه الدراسة البد لنا من إبداء أو تقديم بعض االقتراحات والتوصيات‪ ،‬وذلك بهدف حث‬
‫املشرع املغربي على ضرورة إعادة تنظيم النصوص القانونية ذات الصلة بنظام التصدي في ق‪.‬م‪.‬م‬
‫ً‬
‫تنظيما يتجاوز كل اإلشكاالت التي وقفنا عندها في هذه الدراسة‪ ،‬وهي توصيات نجملها في ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬إعادة صياغة الفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م وذلك بــ‪:‬‬

‫‪ ‬تعويض عبارة "غرفة االستئناف باملحكمة االبتدائية أو محكمة االستئناف" بعبارة "محاكم‬
‫ثاني درجة"‪.‬‬

‫‪ ‬تحديد نوع األحكام القضائية القابلة للتصدي‪.‬‬

‫‪ ‬إلغاء شرط جاهزية الدعوى مع التنصيص بصريح العبارة على حق محكمة ثاني درجة في‬
‫اللجوء إلى إجراءات التحقيق‪ ،‬وتحديد سلطات األطراف أمامها‪.‬‬
‫وبذلك فإننا نقترح الصياغة التالية للفصل ‪ 041‬من ق‪.‬م‪.‬م‪:‬‬
‫"يجب على محاكم الدرجة الثانية عند إلغائها أو إبطالها حكما قض ى بعدم االختصاص النوعي‬
‫للمحاكم العادية أو بعدم االختصاص املحلي لجميع الجهات القضائية أو بعدم القبول‪ ،‬أن تتصدى‬
‫للقضية في الجوهر ولها في سبيل ذلك اتخاذ ما يلزم من إجراءات التحقيق‪.‬‬
‫يحق لألطراف تقديم طلبات جديدة بما فيها طلبات الغير‪.‬‬
‫يمكن للغير التدخل في الدعوى أمام محاكم ثاني درجة‪".‬‬
‫‪ ‬إدراج نص قانوني في قانون املسطرة املدنية يجعل قرارات محاكم ثاني درجة القاضية باإللغاء‬
‫واإلرجاع ملزمة ملحاكم الدرجة األولى‪.‬‬
‫‪ ‬إعادة صياغة الفقرة األولى من الفصل ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬م وذلك بجعل األصل هو اإلحالة إلى‬
‫ً‬
‫نفس املحكمة واالستثناء هو اإلحالة على محكمة أخرى‪ ،‬سيرا على ما هو عليه العمل في القضاء وما هو‬
‫منصوص عليه في املادة ‪ 881‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪ ،‬مع استلزام أن تكون هذه األخيرة من نفس نوع ودرجة‬
‫املحكمة املنقوض قرارها‬

‫‪087‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫وبذلك فإننا نقترح الصياغة التالية لهذه الفقرة‪:‬‬


‫"إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم أو القرار‪ ،‬أحالت الدعوى إلى نفس املحكمة التي صدر عنها‬
‫الحكم أو القرار املنقوض مشكلة من هيئة أخرى‪ ،‬وبصفة استثنائية على محكمة أخرى من نفس نوع‬
‫ودرجة املحكمة املنقوض حكمها أو قرارها‪".‬‬
‫‪ ‬إلغاء األداء املسبق للمبلغ املالي املنصوص عليه في الفصل ‪ 118‬من ق‪.‬م‪.‬م كشرط لقبول‬
‫تعرض الغير الخارج عن الخصومة ألن إغفال أداء هذا املبلغ سيؤدي إلى ضياع حق الغير الذي لن‬
‫ً‬
‫يكون بإمكانه إعادة رفع تعرضه مرة أخرى عمال بقاعدة "الطعون ال تمارس إال مرة واحدة"‪.‬‬
‫ولذ لك فإننا ندعو املشرع املغربي إلى تعويض هذا األداء املسبق بغرامة الحقة يتحملها خاسر الطعن‬
‫ً‬
‫سيرا على نهج نظيره الفرنس ي‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬جعل الطعن بالنقض للمرة الثانية موجبا للتصدي حتى وإن لم يتوفر قاض ي النقض على‬
‫جميع العناصر الواقعية للدعوى‪ ،‬وتخويل محكمة النقص التصدي للقضية إذا ما توفرت على هذه‬
‫العناصر حتى ولو قدم الطعن بالنقض للمرة األولى‪ ،‬وذلك بتعديل املادة ‪ 0-112‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م لتصبح‬
‫وفق التالي‪:‬‬
‫"يمكن ملحكمة النقض عند نقضها حكما أو قرارا كليا أو جزئيا أن تتصدى للبت في القضية إذا توفرت‬
‫على جميع العناصر الواقعية التي تثبت لقضاة املوضوع أو إذا قدم الطعن بالنقض للمرة الثانية‪".‬‬
‫‪ ‬إعادة صياغة املادة ‪ 9-112‬من م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م‪.‬م وذلك بإضافة عبارة تفيد أن ملحكمة النقض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إمكانية التصدي إذا ما نقضت قرارا صادرا في دعاوى القضاء الشامل إذا ما توفرت الشروط‬
‫املنصوص عليها في املادة ‪ ،0-112‬وبذلك نقترح الصياغة التالية‪:‬‬
‫"يمكن ملحكمة النقض عند التصريح بنقض قرار صادر في دعوى اإللغاء أن تتصدى للبت إذا كانت‬
‫القضية جاهزة‪.‬‬
‫ويمكن لها أن تتصدى عند نقض قرار صادر في دعوى القضاء الشامل إذا ما توفرت الشروط الواردة‬
‫في املادة السابقة‪".‬‬

‫‪088‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الئــحـــة المــراجـع‬
‫أوال‪ :‬باللغة العربية‬
‫‪ -1‬المؤلفات‬
‫‪ ‬أحمد السيد صاوي‪ ،‬أثر األحكام بالنسبة للغير‪ ،‬دار النهضة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.0998‬‬
‫‪ ‬أحمد العلمي‪ ،‬تقنية تحرير األحكام والتعليق عليها‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.2103‬‬
‫‪ ‬أحمد الخمليشي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ :‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪.0990‬‬
‫‪ ‬أحمد مليجي‪ ،‬اختصام الغير وإدخال ضامن في الخصومة المدنية‪ ،‬مكتبة دار الفكر العربي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪.0990‬‬
‫‪ -‬الطعن باالستئناف وفقا لقانون المرافعات معلقا عليه بآراء الفقه وأحكام القضاء‪ ،‬الكتاب الثالث والرابع‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪( ،‬إ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬أحمد أبو الوفاء‪ ،‬المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة ‪.0986 ،04‬‬
‫‪ ‬أدولف ريبولط ‪ ،‬قانون المسطرة المدنية في شروح‪ ،‬تعريب وتحيين إدريس ملين‪ ،‬منشورات‬
‫جمعية تنمية للبحوث والدراسات القضائية‪ ،‬دار نشر المعرفة‪.0996 ،‬‬
‫‪ -‬اإلجراءات المدنية أمام المجلس األعلى‪ ،‬تعريب إدريس ملين وسعيد عبد هللا الداودي‪ ،‬مجموعة الدالئل‬
‫والتعاليق القانونية‪ ،‬المعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬وزارة العدل ‪.0984‬‬
‫‪ ‬أمينة مصطفى النمر‪ ،‬أصول المحاكمات المدنية‪ ،‬الدار الجامعية للنشر‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.0986 ،‬‬
‫‪ ‬أنور طلبة‪ ،‬الطعن باالستئناف والتماس إعادة النظر‪ ،‬دار نشر الثقافة العربية‪( ،‬ع‪.‬ت‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية‪ ،‬دار الكتب القانونية للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2111‬‬
‫‪ ‬إدريس العلوي العبدالوي‪ ،‬القانون القضائي الخاص‪ ،‬الدعوى واألحكام‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.0998 ،‬‬
‫‪ ‬الشرقي حراث‪ ،‬الدفوع في المادة المدنية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.2106 ،‬‬
‫‪ ‬جمال الدين ابن منظور‪ ،‬معجم لسان العرب‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬مطبعة دار صادر ‪.0997‬‬
‫‪ ‬حليمة بن حفو‪ ،‬الوسيط في قانون المسطرة المدنية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.2108‬‬
‫‪ ‬حسن صحيب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة‬
‫"مؤلفات وأعمال جامعية"‪ ،‬العدد ‪ ،81‬الطبعة األولى ‪.2108‬‬

‫‪089‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬خالد اإلدريسي‪ ،‬إصالح المجلس األعلى ودوره في تحقيق األمن القضائي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الرباطـ‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.2101‬‬
‫‪ ‬سليمان محمد الطماوي‪ ،‬الوجيز في القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العربي للطباعة والنشر‪،‬‬
‫(ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.0974 ،‬‬
‫‪ ‬عبد العزيز خليل‪ ،‬الطعن بالنقض والطعن أمام المحكمة اإلدارية العليا‪( ،‬إ‪.‬م‪.‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م) ‪.0971‬‬
‫‪ ‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المكتبة‬
‫القانونية‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.2100‬‬
‫‪ ‬عبد العزيز حضري‪ ،‬استئناف األحكام المدنية في التشريع المغربي‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.2109‬‬
‫‪ ‬عبد العزيز فتحاوي‪ ،‬صناعة الحكم المدني‪ ،‬سلسلة الندوات واللقاءات واأليام الدراسية‪،‬‬
‫منشورات وزارة العدل‪ ،‬العدد ‪ ،01‬سنة ‪.2101‬‬
‫‪ ‬عبد اللطيف خالفي‪ ،‬االجتهاد القضائي في قانون المسطرة المدنية‪ ،‬رصد لمبادئ ولقرارات‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2114‬‬
‫‪ ‬عبد القادر الرافعي‪ ،‬المجلس األعلى كمحكمة للنقض المدني‪ ،‬مكتبة دار القلم‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2115‬‬
‫‪ ‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة التاسعة‪.2109 ،‬‬
‫‪ ‬عمر الشيكر‪ ،‬الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة – دراسة تأصيلية مقارنة – مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2102‬‬
‫‪ ‬عمار عوابدي‪ ،‬النظرية العامة للمنازعات اإلدارية في النظام القضائي الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫القضاء اإلداري‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الساحة المركزية‪ ،‬بن عكنون‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪ ،‬طبعة ‪.0998‬‬
‫‪ ‬علي عبد الحميد تركي‪ ،‬نطاق القضية في االستئناف – دراسة تحليلية مقارنة – دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪.0998 ،‬‬
‫‪ ‬سعيد الفكهاني ومن معه‪ ،‬التعليق على قانون المسطرة المدنية في ضوء الفقه والقضاء‪ ،‬الجزء‬
‫الثاني‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬الطبعة األولى ‪.0983‬‬
‫‪ ‬فتحي والي‪ ،‬الوسيط في قانون القضاء المدني‪ ،‬مطبعة جامعية‪ ،‬القاهرة‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.0983 ،‬‬
‫‪ ‬محمد السماحي‪ ،‬طرق الطعن في األحكام المدنية واإلدارية‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة‪( ،‬إ‪.‬م‪.‬غ‪.‬م)‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.0995‬‬

‫‪091‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬محمد محمد هاشم‪ ،‬استنفاد والية القاضي المدني في قانون القضاء المدني‪( ،‬إ‪.‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪،‬‬
‫‪.0981‬‬
‫‪ ‬مأمون الكزبري وإدريس العبدالوي‪ ،‬شرح للمسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي الجديد‪:‬‬
‫الجزء الثالث الحكام‪ ،‬طرق الطعن‪ ،‬التحكيم‪.‬‬
‫‪ ‬محمد ميكو‪ ،‬قواعد المسطرة في المادة االجتماعية‪ ،‬مطبعة الساحل‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م) ‪.0980‬‬
‫‪ ‬محمد األزهري‪ ،‬الدعوى المدنية‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪.2101‬‬
‫‪ ‬محمد الكشبور‪ ،‬رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية‪( ،‬إ‪.‬م‪.‬غ‪.‬م)‬
‫الطبعة األولى ‪.2110‬‬
‫‪ ‬محمد رياض‪ ،‬التعسف في استعمال الحق على ضوء المذهب المالكي والقانون المغربي‪،‬‬
‫المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪.0992‬‬
‫‪ ‬ميمون خراط‪ ،‬الطعن باالستئناف في األحكام اإلدارية‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.2102‬‬
‫‪ ‬نبيل إسماعيل عمر‪ ،‬النظرية العامة للطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية‪ ،‬منشأة المعارف‬
‫اإلسكندرية‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‪.0981 ،‬‬
‫‪ -‬أصول المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬منشأة اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.0986‬‬
‫‪ -‬الوسيط في الطعن باالستئناف في المواد المدنية والتجارية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‬
‫‪.2111‬‬
‫‪ -‬الوسيط في الطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪( ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م)‬
‫‪.2110‬‬
‫‪ ‬نور الدين لبريس‪ ،‬نظرات في قانون المسطرة المدنية‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2102‬‬
‫‪ ‬نور الدين الناصري‪ ،‬الموجز في المسطرة المدنية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.2105‬‬
‫‪ ‬هشام المراكشي‪ ،‬الغير في القانون المغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.2109‬‬
‫‪ ‬وجدي راغب فهمي‪ ،‬مبادئ القضاء المدني في قانون المرافعات‪ ،‬دار الفكر العربية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.0986‬‬
‫‪ ‬وزارة العدل‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل القانونية رقم ‪ ،0‬طرق الطعن‪ ،‬طبع ونشر جمعية تنمية‬
‫البحوث والدراسات القضائية‪ ،‬الرباط‪.‬‬

‫‪090‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬دليل محاكم االستئناف اإلدارية والمحاكم اإلدارية‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية‬
‫والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل‪ ،‬العدد ‪ ،00‬فبراير ‪.2119‬‬
‫‪ -2‬األطروحات والرسائل‬

‫‪ ‬أحمد واسمين‪ ،‬االستئناف في المادة المدنية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة‪ ،‬جامعة‬
‫القاضي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2110/2111‬‬
‫‪ ‬إسماعيل فريمس‪ ،‬محل دعوى اإللغاء – دراسة في التشريع والقضاء الجزائريين – مذكرة‬
‫مقدمة لنيل شهادة الماجيستر‪ ،‬تخصص قانون إداري وإدارة عامة‪ ،‬جامعة الحاج بلخضر‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية‪ ،‬باتنة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2103‬‬
‫‪ ‬رضوان الفياللي‪ ،‬إدخال الغير في قانون المسطرة المدنية المغربية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪.2100/2101‬‬
‫‪ ‬سعيد حربيش‪ ،‬إدخال الغير في الدعوى في قانون المسطرة المدنية – دراسة مقارنة – رسالة‬
‫لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2112/2110‬‬
‫‪ ‬صالح لهمام‪ ،‬سلطة المحكمة في تعديل نطاق الدعوى المدنية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2104/2103‬‬
‫‪ ‬عبد الحليم محمد عبد الحليم عنانبة‪ ،‬التقاضي على درجة واحدة أمام محكمة االستئناف – دراسة‬
‫مقارنة – أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة بيروت العربية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬بيروت‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2106‬‬
‫‪ ‬عبد هللا الكرني‪ ،‬وضعية نظام تنفيذ األحكام المدنية في المغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2115/2114‬‬
‫‪ ‬عبد اللطيف هداية هللا‪ ،‬قواعد القضاء المستعجل الموضوعية واإلجرائية في التشريع المغربي‪،‬‬
‫أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪.0986/0985‬‬
‫‪ ‬محمد صابر‪ ،‬األثر الناقل الستئناف األحكام المدنية في القانون المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه‬
‫في الحقوق‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.2101/2119‬‬

‫‪092‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬محمد لمعمري‪ ،‬قرارات المجلس األعلى وآثارها في المادة المدنية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2119/2118‬‬
‫‪ ‬ميسان بوزلماط‪ ،‬طرق الطعن وإيقاف األحكام والقرارات المشمولة بالنفاذ المعجل‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2105/2104‬‬
‫‪ -3‬المقاالت‬
‫‪ ‬أحمد حموش‪ ،‬تأثير وصف الحكم على ممارسة طرق الطعن‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحاكم‬
‫المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،039‬يناير‪/‬فبراير ‪.2103‬‬
‫‪ ‬أحمد نهيد‪ ،‬أثر طرق الطعن على التنفيذ في المادة المدنية‪ ،‬مقال منشور بمجلة القضاء والقانون‪،‬‬
‫العدد ‪.053‬‬
‫‪ ‬أحمد واكري‪ ،‬التكييف القانوني للوقائع‪ ،‬مقال منشور بدفاتر المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪ ،01‬سنة‬
‫‪.2115‬‬
‫‪ ‬أيوب الفريني‪ ،‬نظام التصدي في المادة الجنائية‪ ،‬مقال منشور بمجلة مسارات‪ ،‬عدد ‪ ،5-4‬سنة‬
‫‪.2108‬‬
‫‪ ‬الطيب بن لمقدم‪ ،‬آجال الطعون المدنية وآثارها في التشريع المغربي‪ ،‬مقال منشور بمجلة‬
‫البحوث‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة الثالثة‪ ،‬يونيو ‪.2113‬‬
‫‪ -‬الطعون ال تمارس إال مرة واحدة أمام القضاء‪ ،‬مقال منشور بمجلة المعيار‪ ،‬عدد ‪.35‬‬
‫‪ ‬الطيب لزرق‪ ،‬إشكالية تقيد محكمة اإلحالة بالنقطة القانونية التي استوجبت النقض‪ ،‬مقال منشور‬
‫بمجلة رسالة المحاماة‪ ،‬عدد ‪ .04‬ثورية لعيوني‪ ،‬تنظيم القضاء اإلداري المغربي على ضوء قانون محاكم‬
‫االستئناف اإلدارية‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،69‬يوليوز‪/‬غشت‬
‫‪.2116‬‬
‫‪ ‬ثورية لعيوني‪ ،‬تنظيم القضاء اإلداري المغربي على ضوء قانون محاكم االستئناف اإلدارية‪،‬‬
‫مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،69‬يوليوز‪/‬غشت ‪.2116‬‬
‫‪ ‬حسن صحيب‪ ،‬إشكالية تحديد االختصاص بين محاكم االستئناف اإلدارية والمجلس األعلى‪ ،‬مقال‬
‫منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة ‪.2117‬‬
‫‪ ‬خالد الحبيب‪ ،‬مدى سلطة المحكمة إلدخال الغير في الدعوى‪ ،‬مقال منشور بمجلة اإلشعاع‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،33‬يونيو ‪.2118‬‬
‫‪ ‬خالد خالص‪ ،‬األوجه المعتمدة في دعوى اإللغاء‪ ،‬مقال منشور بمجلة رسالة المحاماة‪ ،‬عدد ‪،27‬‬
‫يونيو ‪.2117‬‬

‫‪093‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬عبد العزيز حضري‪ ،‬تعديل نظام الطعن باالستئناف‪ ،‬مدخل أساسي إلصالح قانون المسطرة‬
‫المدنية المغربية‪ ،‬مقال منشور بمجلة الحقوق المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،01-9‬السنة الخامسة‪ ،‬ماي ‪.2101‬‬
‫‪ ‬عبد العزيز توفيق‪ ،‬المجلس األعلى‪ :‬طبيعته واختصاصاته‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون‬
‫واقتصاد التنمية‪ ،‬العدد ‪.0988 ،07‬‬
‫‪ ‬عبد العتاق فكير‪ ،‬محكمة اإلحالة من خالل عمل الغرفة اإلدارية‪ ،‬مقال منشور بموقع العلوم‬
‫القانونية‪.‬‬
‫‪ ‬عبد الكريم عنوري‪ ،‬قراءة في الفصل ‪ 042‬من ق‪.‬م‪.‬م على ضوء المقتضيات المرتبطة به‬
‫واالجتهاد القضائي‪ ،‬مقال منشور بمجلة المناظرة‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬يونيو ‪.0997‬‬
‫‪ ‬عبد اللطيف التجاني‪ ،‬االستئناف المثار‪ ،‬مقال منشور بمجلة القصر‪ ،‬العدد األول‪ ،‬يناير ‪.2112‬‬
‫‪ ‬عبد الواحد بن مسعود‪ ،‬دعوى اإللغاء‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬العدد ‪،56‬‬
‫نوفمبر‪/‬دجنبر ‪.2107‬‬
‫‪ ‬عمر بوخذة‪ ،‬الطلبات العارضة في قانون المسطرة المدنية المغربي والقانون المقارن‪ ،‬مقال‬
‫منشور بمجلة البحوث‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة األولى‪ ،‬مارس ‪.2110‬‬
‫‪ ‬محمد الكشبور‪ ،‬وضعية المجلس األعلى بين محاكم النقض في التشريعات المقارنة‪ ،‬مقال منشور‬
‫بالمجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية‪ ،‬عدد ‪.0988 ،07‬‬
‫‪ -‬تأصيل قاعدة ال يضار أحد باستئنافه‪ ،‬مقال منشور بمجلة المناهج‪ ،‬عدد مزدوج ‪.2118 ،8/7‬‬
‫‪ -‬نطام التصدي ووظيفة المجلس األعلى‪ ،‬مقال منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،039‬دجنبر‬
‫‪.0988‬‬
‫‪ ‬محمد صابر‪ ،‬مفهوم الطلب الجديد أمام محاكم االستئناف‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحامي‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،40‬يوليوز ‪.2112‬‬
‫‪ -‬مدى إلزامية القرار االستئنافي باإللغاء واإلرجاع لمحكمة الدرجة األولى‪ ،‬وقابليته للطعن بالنقض‪،‬‬
‫مقال منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪.065‬‬
‫‪ ‬محمد بلهاشمي‪ ،‬االتجاه الجديد في فهم وتطبيق الفصل ‪ 042‬من قانون المسطرة المدنية‬
‫واألضرار الناتجة عن ذلك‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحامي‪ ،‬العدد ‪ ،3‬السنة الثانية‪.‬‬
‫‪ ‬محمد محجوبي‪ ،‬خصوصيات دعوى اإللغاء وإشكالية الجمع بينها وبين دعوى التعويض‪ ،‬مقال‬
‫منشور بمجلة القانون المغربي‪ ،‬عدد ‪ ،04‬أبريل ‪.2119‬‬
‫‪ ‬محمد حسن‪ ،‬حول مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون بإلغاء إيقاف التنفيذ والتصدي أمام‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية للقانون‪ ،‬عدد ‪ ،02‬سنة ‪.0987‬‬
‫‪ ‬محمد الوكيلي‪ ،‬المجلس األعلى هل هو فعال محكمة عليا؟‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون‬
‫واقتصاد التنمية‪ ،‬عدد ‪.0988 ،07‬‬

‫‪094‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪ ‬موسى عبود‪ ،‬االجتهاد القضائي ودوره في النظام القضائي المغربي‪ ،‬مقال منشور بمجلة‬
‫المحاماة‪ ،‬العدد ‪.3‬‬
‫‪ ‬نادية أحديدو‪ ،‬أجل رفع دعوى اإللغاء على ضوء االجتهاد القضائي‪ ،‬مقال منشور بمجلة‬
‫اإلشعاع‪ ،‬عدد مزدوج ‪.40/40‬‬
‫‪ ‬نقابة هيئة المحامين بالدار البيضاء‪ ،‬مالحظات حول المسطرة المدنية بعد تجربة عشر سنوات‪،‬‬
‫تقرير منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،38‬يوليوز‪/‬غشت ‪.0985‬‬
‫‪ -4‬التقارير والمجالت‬

‫‪ ‬التقرير السنوي للمجلس األعلى لسنة ‪ 2114 ،0999‬و ‪.2117‬‬


‫‪ ‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬األعداد ‪ 48 ،44 ،41 ،30 ،29 ،28‬و ‪.52‬‬
‫‪ ‬مجلة قضاء محكمة النقض‪ ،‬العددين ‪ 76‬و ‪.79‬‬
‫‪ ‬مجلة القضاء والقانون‪ ،‬األعداد ‪ 051 ،037 ،030‬و ‪.067‬‬
‫‪ ‬مجلة المحاكم المغربية‪ ،‬األعداد ‪ 53 ،26 ،24 ،23‬و ‪.91‬‬
‫‪ ‬مجلة المعيار‪ ،‬العدد ‪.00‬‬
‫‪ ‬محلة الحقوق المغربية‪ ،‬العدد ‪.0‬‬
‫‪ ‬مجلة اإلشعاع‪ ،‬األعداد ‪ 31 ،29 ،5 ،4‬و ‪.30‬‬
‫‪ ‬مجلة القصر‪ ،‬العدد ‪.04‬‬
‫‪ ‬مجلة المحامي‪ ،‬العدد ‪.47‬‬
‫‪ ‬مجلة المحاماة‪ ،‬العددين ‪ 06‬و ‪.28‬‬
‫‪ ‬مجلة رسالة المحاماة‪ ،‬العدد ‪.21‬‬
‫‪ -5‬المواقع اإللكترونية‬

‫‪ ‬موقع محكمتي‪.‬‬
‫‪ ‬موقع العلوم القانونية‪.‬‬

‫‪095‬‬
0202 40

‫ باللغة الفرنسية‬:‫ثانيا‬
1- Les ouvrages

 A. Benjelloun, Droit administratif, Imprimerie Al Maârif, Rabat, 1 ère édit.


1978.

 A. Boudahrain, Droit judiciaire privé au Maroc, société d’édition et de


diffision Almadariss, Rabat, 3ème édit. 1999.

 J. P. Razon, les institutions judiciaires et la procédure civile au Maroc,


Imprimerie Najah Eljadida, Casablanca, 1ère édit. 1988.

 J. Vincent et S. Guinchard, Procédure civile, Dalloz, 25ème édit. 1999.

 M. A. Ben Abdellah, les prérogatives de l’état dans le recours pour excès


de pouvoir, Imprimerie de Litoral, Rabat, 1981.

 M. Rousset, Droit administratif Marocain, Editeur la porte, 6 ème édit.


2003.

 S. Guinchard, Droit pratique de la procédure civile, Dalloz, 2001/2002.

2- Les articles

 M. El Yaâgoubi, le détournement du pouvoir dans la jurisprudence


administrative au Maroc, REMALD, Série « thèmes actuels » N°6, 1996.

096
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الـــفــهــرس‬
‫‪_Toc14855742‬‬

‫مقدمة‪12............................................................................................................. :‬‬

‫فصل تمهيدي‪ :‬مفهوم نظام التصدي ونطاقه ‪11..................................................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التنظيم التشريعي لنظام التصدي ومدلوله ‪11...................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التنظيم التشريعي لنظام التصدي ‪22.............................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التنظيم التشريعي لتصدي محاكم ثاني درجة ‪02 .......................................................‬‬

‫أوال‪ :‬موقف التشريع المقارن ‪02 ...........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف المشرع المغربي‪02 ......................................................................................... :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التنظيم التشريعي لتصدي محكمة النقض ‪02 ..........................................................‬‬

‫أوال‪ :‬التشريع المصري ‪02 ....................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬التشريع المغربي‪02 ....................................................................................................‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬ماهية نظام التصدي ‪21...........................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف نظام التصدي وخصائصه ‪02 ......................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف نظام التصدي ‪02 ...............................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص نظام التصدي ‪22 ..........................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أسس نظام التصدي ‪23 .......................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬حماية المصلحة العامة ‪23 ............................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬رعاية المصالح الخاصة للمتقاضين ‪20 ..........................................................................‬‬

‫‪097‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نطاق نظام التصدي ‪22 .....................................................................................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬عالقة التصدي باألثر الناقل ‪34..................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬موقف الفقه ‪22 ..................................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬عدم الفصل بين نظام التصدي واألثر الناقل ‪22 ................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬التمييز بين نظام التصدي واألثر الناقل ‪22 .....................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف القضاء ‪22 ...............................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬موقف محاكم الدرجة الثانية ‪22 ......................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف محكمة النقض‪23 .............................................................................................‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬عالقة التصدي بقاعدة استنفاد الوالية وال يضار الطاعن من طعنه ‪31.....................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عالقة التصدي بقاعدة استنفاد الوالية ‪23 ...............................................................‬‬

‫أوال‪ :‬موقف القضاء ‪23 ........................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف الفقه ‪22 ..........................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة التصدي بمبدأ ال يضار الطاعن بطعنه ‪23 .....................................................‬‬

‫أوال‪ :‬األساس القانوني لقاعدة ال يضار الطاعن بطعنه ‪23 .........................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬عالقة التصدي بقاعدة ال يضار الطاعن بطعنه ‪20 ...........................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬تصدي محكمة ثاني درجة ‪22 ...............................................................................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬شروط تصدي محاكم ثاني درجة للقضية ‪45....................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشرط الموضوعي لنظام التصدي ‪44............................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إبطال أ و إلغاء األحكام القضائية ‪44...........................................................‬‬

‫‪098‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫أوال‪ :‬إبطال الحكم المطعون فيه ‪44.................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬إلغاء الحكم المطعون فيه‪52.................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األحكام القضائية القابلة للتصدي ‪55..............................................................‬‬

‫أوال‪ :‬األحكام القضائية الفاصلة في دفع بعدم االختصاص‪55...................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬األحكام القضائية غير الفاصلة في الموضوع ‪42..........................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الشرط المسطري لنظام التصدي ‪42..............................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حالة الدعوى الجاهزة للبت فيها‪42................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬موقف التشريع الفرنسي ‪33 ...........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف التشريع المغربي ‪30 ..........................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حالة عدم تحقق شرط الجاهزية‪32 ........................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬معايير تحقق شرط جاهزية الدعوى‪32 ............................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدى إلزامية القرار االستئنافي القاضي باإللغاء واإلرجاع وقابليته للطعن بالنقض ‪32 .............‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬آثار تصدي محكمة ثاني درجة للبت في القضية ‪22 ..............................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬صالحيات محكمة ثاني درجة ودور األطراف أمامها ‪14......................................‬‬

‫الفقرة األول‪ :‬صالحيات محكمة ثاني درجة ‪22 ............................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬سلطة البت في جوهر النزاع وتقدير صالحية الدعوى للبت فيها ‪23 .....................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬سلطة المحكمة في استعمال وسائل التحقيق ‪32 ..............................................................‬‬

‫‪099‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دور األطراف أمام محكمة التصدي‪32 ....................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬حق األطراف في استنفاد وسائل دفاعهم وتقديم طلبات جديدة ‪32 ........................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدى تحقيق التوازن بين صالحيات المحكمة وصالحيات األطراف ‪32 ...............................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مدى إمكانية التدخل واإلدخال أمام محكمة التصدي ‪11.......................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع التدخل واإلدخال‪33 .....................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬أنواع التدخل ‪322 ........................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬أنواع اإلدخال ‪320 ......................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط التدخل واإلدخال وآثارهما على تصدي محكمة ثاني درجة ‪323 ..........................‬‬

‫أوال‪ :‬شروط التدخل واإلدخال ‪322 ..........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬آثار تصدي محكمة ثاني درجة على قبول التدخل واإلدخال ‪332 .........................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تصدي محكمة النقض ‪333 .................................................................................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬اإلطار التشريعي لنظام التصدي أمام محكمة النقض ‪111....................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نظام التصدي ووظيفة محكمة النقض ‪122.....................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التطور التاريخي لنظام التصدي أمام محكمة النقض‪303 ..........................................‬‬

‫أوال‪ :‬الفترة الممتدة ما بين ‪ 3323‬و ‪303 .................................................................. 3332‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفترة من ‪ 3332‬إلى اآلن ‪302 ...................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة نظام التصدي بطبيعة محكمة النقض ‪302 .....................................................‬‬

‫أوال‪ :‬طبيعة عمل محكمة النقض ‪302 ....................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬تأثير نظام التصدي على طبيعة عمل محكمة النقض ‪303 .................................................‬‬

‫‪211‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شروط تصدي محكمة النقض ‪132..............................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الشروط العامة لتصدي محكمة النقض ‪134....................................................‬‬

‫أوال‪ :‬وقوع الطعن بالنقض للمرة الثانية ‪322 ............................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬توفر محكمة النقض على العناصر الواقعية للدعوى ‪322 ..................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬الشروط الخاصة لتصدي محكمة النقض ‪323 ..........................................................‬‬

‫أوال‪ :‬شروط الطعن باإللغاء ‪322 ............................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬األوجه المعتمدة في دعوى اإللغاء‪322 ..........................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الطعن في قرار التصدي وموقف محكمة اإلحالة من قرار اإلحالة ‪322 .......................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الطعن في قرار النقض والتصدي ‪145...........................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬شروط تعرض الغير الخارج عن الخصومة ‪322 .......................................................‬‬

‫أوال‪ :‬الشروط الموضوعية ‪322 ..............................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشروط الشكلية ‪320 ..................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آثار تعرض الغير الخارج عن الخصومة ‪322 ..........................................................‬‬

‫أوال‪ :‬اآلثار المرتبطة بتقديم الطعن ‪322 ..................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬اآلثار الناتجة عن القرار الصادر في الطعن ‪322 .............................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬موقف محكمة اإلحالة من قرار النقض واإلحالة ‪322 ..............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬سلطات محكمة اإلحالة والقيود الواردة عليها ‪323 ....................................................‬‬

‫أوال‪ :‬سلطات محكمة اإلحالة ‪323 ..........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬القيود الواردة على محكمة اإلحالة ‪332 ..........................................................................‬‬

‫‪210‬‬
‫‪0202‬‬ ‫‪40‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬قرار محكمة اإلحالة والطعن فيه ‪332 .....................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬قرار محكمة اإلحالة ‪332 ...............................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الطعن في ق اررات محكمة اإلحالة كشرط للتصدي ‪332 .......................................................‬‬

‫خاتمة ‪323 ...........................................................................................................................‬‬


‫الئــحـــة المــراجـع ‪111................................................................................................‬‬

‫الـــفــهــرس ‪114.......................................................................................................‬‬

‫‪212‬‬
0202 40

213

You might also like