Professional Documents
Culture Documents
صوت الرب final PDF
صوت الرب final PDF
2014
1
األحد قبل الظهور
(مر)8-1:1
الزمن اخلَ ِ
الص ّي ّ
"ها أان أُرسل مالكي...ليُِع َّد طر َ
يقك أمامَك"
ِ
نستحضر إىل أذهاننا يف هذا اإلهلي العظيم ،نرى مناسباً أن ر فيما نبدأ العام اجلديد ،قُبيل ِ
عيد الظّهوِ
ّ َ َ
حقائق حم ّددة هلا عالقة مباشرًة خبالصنا.
َ األوان
املرتا ِوحة ما َ
بني الوالدة واملوت، قيس الفرتةَ َ
رحم ،يَ ُ
عدو ال يَ َ الزَم ُن ٍ
قاس .إنَّه ٌّ ابلنّسبة إىل غري املؤمننيّ ،
ٍ
وظلمة أخرىّ .أما ابلنّسبة إىل العائشني يف الكنيسة ،الّذين انلوا الوالدة اجلديدة الفاصلة ما بني ٍ
ظلمة َ واملسريَة
معىن آخر .يصبح كلُّه هتيئةً مكثَّفةً ،ال للموت ،بل للحياة ،أي لكيفيّة ِ
الزمن ً ابملعموديّة ،فاألمور خمتلفة .يتَّخ َذ ّ
ِ الزَم ِن عمل يوحنّا ِ نعمة هللا الّيت ختلِّص اإلنسان .فالكنيسةُ تُو ِ
اكتساب ِ
ِ
سابق املسيح" :تُع ُّد طر َ
يق َ َّ داخل
َ ل
ُ اص ُ
لوب الناس.ب" يف قُ ِ الر ِّ
َّ
من ساحةُ قتال
الز ُ
ّ
2
جتعل ِ ِ َ ِ
أعماق قلبنا من ُذ حلظة معموديّتنا ،ولكن من غري أن َ ذّيذوخس أسقف فوتيكي أ ّن نعمةَ هللا تسكن ُ
كل إرادتِه ،أبرزت هذه النّعمةُ حضورها يف النَّ ْفسٍ . ملموسا .فإذا بدأَ اإلنسا ُن ُُِي ُّ
حينئذ ،إذا َ َْ ب هللاَ من ِّ ً حضورها
َ
عربا تَنفذ منه نعمة هللا إىل داخلنا" ،حنن الّذين نِْلنا املعموديّة األرثوذكسيّة ،فهذا يعين ابلنّسبة قلنا إنّنا "نَفتَ ُح َم ً
اكنة يف نفوسنا .هذا متاماً ما ترمي إليه احلياة الكنسيّة كلُّها .هذه املسرية ّ
املتجهة نعمة املعمودية الس ِإلينا تفعيل ِ
ّ ّ
سابقا بكرازةِ التّوبة. ِ
يتهيأ ً
يتيسر للمرء اتّباعُ هذه املسرية إذا مل ّ
حنو ال ّداخل هي جوهر التّوبة .ولكن ال َّ
املؤِّدب إىل املسيح
ِ
ت علينا .فنحن ال نُدرك أيضا ،مها عاقبةُ األهواء الّيت استحو َذ ْ الس ْه َو ع ِن هللا ،وعن أنفسنا ً إ ّن اجلهل و َّ
تشوب أفعالَنا .نرى اخلطاّي يف التّع ِّدّيت اجلَسيمة وحدها.
ُ مدى سوء حالتنا ال ّداخليّة ،وال مدى اخلطيئة الّيت قد
فس ميت ،أو عمله انقص، إحساس النّ ِ فإما ِ ِ ِِ
ُ وحي هذا هو عاقبةُ سقوطنا وكسلنا يف آنّ . الر ِّ
س ّوإّّنا فقدان احل ّ
اخلي من سلوك طريق التّوبة من تلقاء أنفسنا. دّ ال ل ل
َ الش
َّ هذا مينعنا حبيث ، كثرية ا
ر
ً ا
ر وابلتّايل يس ُكت الضَّمري ِ
م
ّ ُ ُ
فال ب ّد أن َُيُثَّنا عليها أحد ما ،أو يُْل ِه َمنا ّإّيها ُمْل ِهم.
للشعب .يقول إ ّن موسى واألنبياء ظلّوا على اتصال مفتوح ابهلل .هلذا استطاعوا أن يَْن ُقلوا مشيئتَه ّ
الشريعة املكتوبة ،بل أن نق ّدم حيا ًة طاهرة
الذهيب الفم إنّه كان من املفروض أالّ حنتاج إىل مساعدة ّ
ّ الق ّديس
القدس بدالً من الكتاب.
َ وح
الر َ
متتلك النّفوس ّ
حبيث ُُ
املسيحي قَ ْب َل املعموديّة وبع َدها
ّ التّعليم
ب الستقبال املسيح .تُعلِّ ُم َّع َ
فتهيءُ الش ْ
السابقِّ ،عاهتا ،يف القيام بعمل يوحنّا ّور َ تستمرُ ،
ُّ إ ّن الكنيسة
ِ امل ِزمعني أن يعتمدوا ،وكذلك ُهت ِّيءُ أعضاءَها َّ
صف املختارين املعمدين للمجيء الثّاين للمسيح ،لكي تَُرتّبَ ُهم يف ِّ
ُ
املسيحي ،ولتهيئة أولئك الّذين سيَنالون
ّ عليمللت
ّ كبرية ة
ًّأمهي تويل الكنيسة التز وما الفردوس. يف أعين ار،
ر األب
سر الكنيسة ابلكامل. ِ ِ ِ ِ
حقائق إميانيَّة نظريّة ،بل أدخلَْت ُهم يف ّ
َ ضع
املعموديّة من البالغني .مل تكتَف بتعليمهم ب َ
3
واجل ِّديَّةُ الّيت واجهت هبا الكنيسة انتساب أعضاء جد ٍد ِ
جلسدها تُظهر مدى اجل ّديّة الّيت جيب أن نبُديها حيال َ ُُ
الرعاة ،الّذين
صغارا .هذه مسؤوليّةُ ُّ
عائي ألعضاء الكنيسة ،الّذين انلوا املعموديّة ً
الر ّ
يين واإلرشاد ّ التّعليم ال ّد ّ
ي ن ِظّمون عمل التعليم الديين يف الكنيسة ،ولكنّها أيضا مسؤوليةُ الو ِ
الدين. ّ ً ّ َ ّ َُ
هدف احلياة الكنسيّة هو تفعيل نعمة املعموديّة املق ّدسة الكامنة يف أعماق قلبنا. َش ْران ،إ ّن َ
سبق وأ َ
كما َ
تتغري األزمنة،
السابق .قد ّ بقوة وبوضوح كرازة التّوبة الّيت اندى هبا ّ يين ،جيب أن نسمع ّ من خالل التّعليم ال ّد ّ
تتغري .ال يرتوي اإلنسان بشيء من املخلوقات .لذلك ،يف أفضل ولكن امليول العميقة اجلوهريّة يف اإلنسان ال ّ
ّ
الصحراء .وهذا لن ُي ّق َقه مكانيًّا ،بقدر ما ُي ّق ُقه يف طريقة
الغش إىل ّ
يهرب من عامل ّ
ب أن َ حلظات حياته ،سيطلُ ُ
العاملي الصاخب .لعلّه هناك ،يف ذلك اهلدوء ،يستطيع أن خيترب كرازة ّ حياته ،من خالل ابتعاده عن طريق الفكر
للزمن.
التّوبة ويعتنقها ،وهذه "الغربة" تعطي القيمة األكثر جوهريّةً ّ
4
األحد بعد الظهور
السموات
الباب إىل ملكوت ّ
"توبوا فقد اقرتب ملكوت السّموات"
الروح
بقوة ّ
الروحيّة ،تلك احلياة الّيت تتولّد يف اإلنسان ّ
أساس احلياة ّ
كشف املسي ُح َ
َ األول،
يف ندائه ّ
ات"(مّت .)17 :4التّوبة بدء اخلالص.
ّ القدس ،ومشاركة اإلنسان نفسه" .توبوا فقد اقرتب ملكوت ّ
السمو
توجهاته .جيب أن يقصي جذري يف داخله ،إىل تغيري ّ
ّ فلكي يقرتب اإلنسان من املسيحُ ،يتاج إىل القيام بتغيري
مكاَنا هللا وشريعته .ينبغي
اخلاصة ،وأن يضع َبكل رغباهتا وأهدافها ّ
عن مركز اهتماماته ذاتَهُ اخلاطئة [أاننيّ تَه]ّ ،
أن تَنتَظم حياتُه مبشيئة هللا ووصاّي املسيح.
وح َده َمن ذا َق مرارةَ اخلطيئة ميكنه أن يتوب :فما دمنا مأسورين بل ّذة اخلطيئة ال نستطيع أن نتوب
توبة حقيقيّة .مثّ إ ّن خربة الق ّديسني امل ّذ َخرة يف تراث كنيستنا تقول إنّنا ال نقدر أن نعرف اخلطيئة الّيت تُ َش ِّوه
حبال خفيّة .ولكن ما إن نفسنا إالّ إذا أانرتنا نعمة هللا .فما دامت نفسنا مظلمة ،تبقى اخلطيئة مالكةً عليها ٍ
ُ َ
5
حّت تنكشف دانءة أهوائها .هذا يعين أ ّن التّوبة تنشأ يف دواخل اإلنسان بتد ّخل
يفتقدها شعاع من نعمة هللاّ ،
احلق يقبلوا" (1تيم .)4 :2هو واقف على ابب قلبناهللا ّأوال" .هللا يريد مجيع النّاس أن خيلصوا وإىل معرفة ّ
شّت من حياتنا ،وأيضاً مبقابلة أشخاص يوحون لنا بوجود حياة الرسل الق ّديسني ،أبحداث ّ يقرع :يقرع بكالم ّ
اخلاصة.
يتوقف على مشيئتنا ّ
خمتلفةّ .أما قبول هذه ال ّدعوة أو رفضها ،واستثمار حمبّة هللا أو التّن ّكر هلا ،فذلك ّ
ليب
الس ّ
اإلجيايب أو ّ
ّ إ ّن دعوة هللا تشمل مجيع النّاس ،ولكن ،ابلطّبع ،ال يستجيبون هلا مجيعهم .فاملوقف
شك أ ّن املسيح لن ييأس من قساوة قلبنا ،بل
الّذي سنأخذه من هذه ال ّدعوة هو اللّحظة احلامسة يف حياتنا .ال ّ
نسقطن يف اخلمولّ ،يئسني بسبب الوقت الثّمني الّذي
ّ حّت النّفس األخري .لذلك ال
سيظل يقرع ابب قلبنا ّ
ّ
الضائع ،بل فلنحاول استغالل الوقت الباقي لدينا.
أضعناه ،وال نف ّكر ّن يف هذا الوقت ّ
نوعيّة التّوبة
تتوقّف نوعيّة التّوبة بدرجة كبرية على مفهومنا للخطيئة .التّوبة من نتائج اخلطيئة ،ولو حفظنا ثوب
املعموديّة نقيًّا ملا احتجنا إىل املعموديّة الثّانية ،الّيت هي التّوبة .فإذا أردان أن نعطي تعريفاً شامالً وموجزاً
الشخصي مع هللا"َّ . َّ ه
وإّنا للخطيئة ،لَُقلنا إَّنا انفصالنا عن هللا .إَنا "تَغَُّربنا عن نبع احلياة" ،وفقداننا "للحوار ّ ّ
يتم ابجلحود ،أعين بنُكران وجود هللا ،أو رفض مشيئته .فإذا قُلنا إنَّنا مؤمنون ،هذا يعين االنفصال عن هللا ُّ
ِ
كل
بكل ما أَعلَنه لنا املسيح ،حبيث يُضحي ُّ نؤمن بوجود هللا ،واثنيًّا أنَّنا نقبل كلمتَه .كذلك ،نَث ُق ِّ
أمرينَّ :أوالً أنّنا ُ
وشرعةً حلياتناَّ .أما إن مل نُطع وصاّيه ،فمهما تكن أقوالنا ،يبقى أنَّنا فعليًّا ال نضع ما قاله ابلنسبة إلينا كلمةَ حق ِ
ّ
فيه ثقتنا ،وهبذا حنن َُنينه .لذلك "فاخلطيئة هي املَعصية" (1يو .)4 :3اخلطيئة عصيان هللا .وعلى ذلك
اخلارجي لوصاّيه .عالقتنا ابهلل شخصيّةّ .أما
ّ فعالقتنا ابهلل ليس هلا طابع احملكمة القانوينّ ،وال ُّ
تنحد ابخلضوع
الوث الق ّدوسفكل وصيّ ٍة حتوي داخلها الثّ َرفض حملبهته ،ويؤول إىل انقطاع شركته بناُّ . عصياننا لشريعته فهو ٌ
قرا
املسيح معرفة أفضل ،ويتّحد به ،ويُضحي َم ًّ ُيب املسيح ُيفظ وصاّيه ،وهكذا يعرف ِ
َ بكامله ،ولذلك من ّ
للثّالوث الق ّدوس .ولكن عندما نقتصر على مفاهيم قانونية وخلُقية للخطيئةَ ،حنصر التّوبةَ يف ٍ
أعمال ظاهريّة ،وال ُُ ّ ُ ّ
نَغوص يف العمق.
6
ب يره ِ ِ
ب َ ابلر ّ
"من يؤمن ّ يكتب الق ّديس مكسيمس املعرتف ،واصفاً مسريَة النّفس التّائبة ،فيقولَ :
ومن يصرب يف اجلحيم ُميسك عن األهواء ،ومن ُميسك عن األهواء يصرب يف األحزانَ . ره ِ
ب ومن يَ َاجلحيمَ .
َ
كل تعلّ ٍق
أرضي .وال ّذهن املنقطع عن ِّّ كل تعلّ ٍق
هن عن ِّ
الرجاء ابهلل يقطع ال ّذ َ
األحزان يكتسب رجاءً ابهلل .و ّ
وحترق األهواء، وتستمد حرارهتا من خوف اجلحيمُ ، ُّ تتأسس على اإلميان،
أرضي يقتين احملبّةَ .هذا يعين أ ّن التّوبة َّ
ّ
أرضي .حينئذ ،تبلغ بنا التّوبة إىل اقتناء احملبّةَ تتوصل إىل االنعتاق من ِ ٍ
كل رابط ّ ّ وابلصرب واالتّكال على هللا َّ ّ
اخلالصة هلل والناس.
7
األحد الثّاين عشر من لوقا
الُبْص)
( لوُ ،19-12 :17
الُبص ِ
وشفاؤه ََ
"اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة"
جحود املشفيِّني التّسعة ،واستعداد "الغريب" الربص ،يستوقف ذهنَنامقطع العشرة ُ
سمع َ عادةً ،عندما نَ ُ
ُ َ
القصة
لالعرتاف ابجلميل ،وقد رجع بعد شفائه ،وشكر املسيح .إالّ أ ّن اآلابء الق ّديسني يستنبطون لنا من هذه ّ
نفوسنا.
اخلارجي ،ويكشفون مثاراً روحيّة تغ ّذي َ
ّ معاين أخرى ،فينتزعون قشرَة الظاهر
ص ُعبكانت عناصر النّاموس كلُّها رسوماً ملا حصل يف زمن املسيح والكنيسة ،وظالالً للحقائق الّيت َ
أسري جسده ،ومعرفته اجلسدانيّة ،لذلك كلّمهائيلي أن يراها بنظره احلسري .هذا األخري كان َ الشعب اإلسر ّ على ّ
الربص ُُي َسبون ِ ٍ
شنيعا ،و ُ
املوسوي ،كان مرتبطًا ابخلطيئةَ ،ن ًسا ً
ّ فالربص إذاً ،مبا يوافق النّاموس
هللا أبمثال جسديّةَ .
صحة اإلسرائيليّني
هدفَت إىل محاية ّ الشريعة املوسويّة َنصوصا كثرية من ّ
ً مدنَّسنيً .
طبعا ،ال ينكر أحد أ ّن
مترر إشاراتت صفة رمزيّة ،وأرادت أن ِّ اجلسديّة ،ولكن ال ب ّد من القول ّإَنا َرَمت إىل أبعد من ذلكّ .اخت َذ ْ
الصفة
املتنوعة األشكال .ويوضح لنا َمثَل آخر هذه ّ الروحيّة من جراثيم اخلطيئة ّ الشعب ّ
تساعد على محاية ّ
إنسان ميت .من خالل هذين جسد ٍ الربص ،يُ َع ُّد أيضاً َنسني الّذين يلمسون َ لل ّشريعة املوسويّة .فباإلضافة إىل ُ
األمرين ،كلّم هللا شعبَه عن َناسة اخلطيئة ،ويف الوقت نفسه ،عن َناسة الّذين يتّصلون من غري متييز ٍ
أبانس
خاطئني.
ِ
اخلطيئة ص
بَ َر ُ
8
ٍ
بسهولة إىل وابئي ،ينتقل
ختص الّذي يرتكبها وحدهّ .إَنا مرض ّ ليست اخلطيئة حداثً شخصيًّا ،وال هي ُّ
الربص، ِ
الشخصيّة ،ويُ َف ّكك وحدةَ اجملتمع .فاخلطيئة إذاً هي ظاهرة ض ّد اجملتمع .و ُ
يدب يف العالقات ّ
اآلخرينُّ .َ
الشريعة املوسويّة ،لكي الّذين يرمزون إىل اخلطأة ،اعتادوا أن يعيشوا خارج املدن ،وهناك التقاهم املسيح .مثّ إ ّن ّ
نفسه ،ما يدعو إىلص إىل أماكن غري مأهولة .ابلتّايل ،إضافة إىل أ ّن اخلاطىء يؤذي َ الرب َ
حتمي املواطنني ،عزلَت ُ
الراثء ،فهو يظلم الّذين معه ،ألنّه يرى فيهم أدوات يستغلّها للّ ّذة .ال يقدر أن يرى يف اآلخرين أيقونةَ املسيح،ّ
ِ
نفس ميتة فارغة من نعمة الروح القدس ،هي ُمعدية، إّّنا أدوات ألهوائه .وهذه العقليّة الّيت تكشف عن ٍ
كالربص.
ََ
الضرر النّاجم عن االتّصال ابملوتى
مقدار َّ
َ الشريعة املوسويّة
إ ّن اخلاطىء ميت روحيًّا .ولكي تُظهر ّ
الرسول إىل ِ ِ ِ
الرسالة نفسها أوصلها بولس ّ
الروحيّني من غري متييزَ ،حسبَت َمن يَستَند إىل جسد ميت َن ًسا .هذه ّ
ّ
السليمة"
األخالق ّ
َ الرديئة تفسد أهل كورنثوس بطريقة خمتلفة ،عندما َكتَب" :ال تضلّوا ،إ ّن املعاشرات ّ
الغشاشني ،واحملتالني ،والفوضويّني ،والّذين
الربص ،أن يشري إىل ّ (1كو .)33 :15لقد أراد النّاموس ،من خالل ََ
ِ
الغضب ،كلّها جتعل
الشُّر ،و ُالغش ،و ّومتلونة ،هكذا ُّ
ص بَشرةَ اجلسد خشنة ّ حيفظون اإلساءةَ .وكما جيعل َ
الربَ ُ
فس ّالن تصيب يتل
ّ ا اضر األم تنشر اجملتمع، يف للوابء بؤرة فس الن
ّ هذه مثل هة.ومشو
َّ بة،النّفس غليظة ومتقلِّ
َ َ َ
ص اخلطيئة.
وحي بََر َ
الر ّ اخلالدة ،وتنقل إىل اجلهاز ّ
شفاء
شايف وال ّ
ال ّ
الربص ،انهيك عن سواهم من النّاس ،أراد املسيح أن يُظهر أنّه هو شايف من خالل شفائه للعشرة ُ
هلم نُنعِ ُم النّظَر
البشري املنفسد َبربص اخلطيئة .ولكن ّ
ّ الصحةَ للجنس
النّفس ،وأنّه هو الّذي يستطيع أن يعطي ّ
يف بعض تفاصيل طريقة شفاء الربص .لقد استجاب املسيح دعاء الربص ،فأرسلهم إىل الكهنةِ ،
كمتممني
ّ ُ ُ
مرضه
فمن يعرف َ حّت يتح ّققوا من شفائهم .وميكننا أن نرى يف هذه النّقطة رمساً ِّ
لسر االعرتافَ . للشريعةّ ،
ّ
وحي ،ويعرف أهواءَه وخطاّيه بتواض ٍع" ،يرفع صوتَه" حنو املسيح ،ويصلّي له ،معرتفاً خبطاّيه ذهنيًّا .يقوم مبا
الر ّ
ّ
الروحي .وصالة
ّ الصحيح أمام الكاهن ،أي األب
نسميه اعرتافاً ذهنيًّا ،وهذا األخري هو شرط االعرتاف ّ
ّ
الشفاء.
اإلعرتاف هذه بَ ْدءُ ّ
9
فالصالة إذاً ،هي
الربص ،فيما أطاعوا وذهبوا إىل الكهنة" ،بينما هم ذاهبون برئوا"(لوّ .)14 :17 مثّ إ ّن ُ
ِ ٍ
ومؤسسي الكنيسة.نفحة ُحميِيَة ،تبعث يف داخلنا رغبات روحيّةً كانت مائتة .توحي لنا بطاعة اآلابء الق ّديسنيّ ،
الصالة غري املرتبطة ابلتّوبة ،وغري املؤديّة إىل ممارسة أسرار الرغبةَ يف االعرتاف ،وحتثُّنا على ِّ ِ
سر التّوبةّ .أما ّ تُش ّدد ّ
الكنيسة ،فهي جمازفة روحيّة خطرة .إذاً ،يف طاعتنا ُلرتاث الكنيسة ،ولْل َو ْح ِي الّذي تَ َبعثُهُ نعمةُ هللا فينا ،عندما
نتطهر .من اآلن
وحي الكاهن ،من اآلن"- ،فيما هم ذاهبون"ّ ،- الر ّ
الروحيّة ألبينا ّ
نقرر أن نكشف جراحاتنا ّ ّ
ٍ
انتباهنا بسهولة ،ولكنّنا
ألَنا أتسر َ تحررين من قيودها .أجل ،ما زلنا خناف اخلطيئةّ ، نكتسب ّقوةً ض ّد اخلطيئة ،م ّ
نتذوق حيا ًة ذات نوعيّة أخرى. وجهنا عن إُياءاهتا ،ألنّنا بدأان ّ
نستطيع أن نصرف َ
يستغل
ّ املهم أن يعرف املؤمن ال ّد َور الكبري الّذي يلعبه الكاهن يف حياته .ومهمٌّ أيضاً أن يعرف كيف
من ّ
عمق يف حياة الكنيسة ،جيب أالّ تبقى غريالروحيّة الّيت تؤول إىل التّ ّ
الرغبات ّ يؤجل .ف ّ
يتأخر أو ّظروفه ،فال ّ
ُمشبَعة .واإلهلامات الّيت تولّد التّوبةَ جيب أن تتغ ّذى دائماً ابألعمال ،وابالعرتاف معاً.
10
األحد الرابع عشر من لوقا
سؤال املسيح
"ماذا تريد أن أصنع لك؟"
فلما استخرب عن حضور املسيح ،ترك السبيل خارج أرُياّ . كان األعمى يطلب صدقةً من مجيع عابري ّ
متضرعاً إليه وقائالًّ" :ي يسوع ابن داود ارمحين" .ومل يثنه عن إحلاحه التّع ّقل املزعوم، مجيع الناس ،والتفت حنوهّ ،
صَر َخ أَ ْكثَ َر َكثِ ًرياَّ « :ي ابْ َن َد ُاوَدْ ،ار َمحِْين!» ( .)18 :29إالّ أ ّن عدم إذعانه
الّذي أبداه اجملتمع حوله " ،أ ََّما ُه َو فَ َ
انتباه املسيح ،فدعاه ،وسألَه" :ماذا تريد أن أصنع
وتوسله امللحاح يف آن ،اجتذاب إليه َ
ضغوطات من حولهّ ، لل ّ
لك؟" سؤال املسيح هذا ،الّذي يبدو غريباً للوهلة األوىل ،له فحوى عميقة .ترى هل ُيتاج أحد أن يسأل
نور عينيه ،طبعاً .هكذا أجاب األعمى" :أن أبصر".
عما يريد؟ َ
األعمى ّ
وجوده فعالً ،حبيث يصري الشفاء منها مهَّه
املهم أن يعرف اإلنسان مشكلتَه األساسيّة الّيت تع ّذب َ
من ّ
يعرب عنه يف حواره مع املسيح من خالل الصالة .إ ّن عقم صالتنا يعود بدرجة كبرية إىل عدماهلم ّ
األول .وهذا ّ
ّ
التأمل يف املعىن الّذي خيفيه سؤال املسيح.
معرفتنا ما جيب طلبه ،وال كيف نطلب .من هنا أمهيّة ّ
املشكلة األساسيّة
12
اخلاص
ّ جواب األعمى وجوابنا
ٍ
حاالت أخرى، إ ّن األعمى أجاب تلقائيًّا عن سؤال املسيح" :أن أبصر" .يف حالة األعمى ،كما يف
يوجه املسيح أسئلته يف سياق احلوار الّذي يدور بينه وبني اإلنسان املق ِرتب إليه ،مريداً أن يظهر إميا َن ذلك
ّ
اإلنسان ،وفضيلته وشفافيّة مطلَبه .كذلك يريد أن يسمع احلاضرون مجيعاً الطّلب ،ليتأ ّكدوا فيما بعد أنّه أعطى
ب منه متاماً .فاملسيح يعطينا ما نطلبه ،شرط أالّ ينايف هذا الطّلب مشيئته ،ويش ّكل خطراً على خالصنا. ِ
ما طُل َ
الرب" :تسألون وال تنالون
نتضرع إىل هللا ليصري خادماً لنيّتنا اخلاطئة .يقول يعقوب أخو ّإنّه ملن التّجديف أن ّ
السؤال ،لرغبتكم يف اإلنفاق على أهوائكم"(يع.)3 :4
ألنّكم ال حتسنون ّ
بكل تفاصيل
إ ّن عدم حتقيق هللا إلحدى رغباتنا هلو بركة وعطف خاص من لدنه .فهو ُيبّنا ويعتين ّ
حياتنا .يريد أن جيعلنا مشاهبني له ابلّنعمة ،ال أن يراان نغرق يف الوحل.
األساسي جواب ا ألعمى للمسيح" :أن أبصر" .فلنطلب أن يفتح ذهننا "لنفهم الكتب"،
ّ فليكن طلبنا
بوضوح "طريق الرب" يف كل ٍ
ظرف. أعني أنفسنا ،علّنا نرى
ّ َ ّ ٍ وأن ينري َ
13
األقمار الثّالثة ّ
(مت )19-14 :5
14
للمعزي، وتعليم الكنيسة ،ويهدف لالرتقاء ابإلنسان إىل استنارة ا ّلروح القدس .يرمي إىل َج ِ
عل اإلنسان إانءً ّ
نور ِّ
احلق يف العامل. ومصباحاً ينشر َ
َح هل النّاموس"... ِ
"مل آت أل ُ
سويل،
الر ّ
كالمهم امتداداً للوعظ ّ
يظن كثريون أ ّن رؤساء الكهنة الثّالثة جلبوا إىل العامل آراء جديدة ،فجاء ُ
ُّ
مؤسسي احلضارة املسيحيّة اليواننيّة ،كحضارة جديدة يف التّاريخّ .أما وقَ َرنوا املسيحيّة ابحلضارة اهللّينيّة ،فأضحوا ّ
اخلاصة ،-فينسبون إليهم،
يكرموا الق ّديسني- ،ولكن وفق مقاييسهم ّ الّذين ُيملون هذا التّفكري ،ويف نيّتهم أن ّ
من حيث ال يدرون ،صفات كبار اهلراطقة الّذين بلبلوا كنيسةَ املسيح .ذلك أ ّن اهلراطقة قَرنوا مناهج الفلسفة
املسيحي ،أو ابألحرى أخضعوا اإلميا َن حلكم املنطق .وفيما حاولوا أن يفهموا عقائد الكنيسة مبناهج ّ ابإلميان
ساورهم االعتقاد الشيطاينّ ّأَنم قادرون على إضافة تعليم ٍ
احلكمة البشريّة ،وقعوا يف ضالالت كبرية .كذلك َ
الرسل الق ّديسني .هؤالء وحدهم جديد على ما أُعلن يوم العنصرة ،أو ّأَنم يستطيعون قول ما خيتلف عن تعليم ّ
تتطور يف فهمها للحقيقة ،كما لو ّأَنا مل تتسلّمها كاملةً يف يوم العنصرة.
يعتقدون أ ّن الكنيسة ميكنها أن ّ
من ال ّدالئل الكثرية الّيت تُظ ِهر عظمةَ رؤساء األساقفة الثالثة ،العالمتان التّاليتَانّ :أوالًّ ،أَنم أطاعوا تقليد
الرسل الق ّديسني ،وتشبّهوا به ،وصاروا هم أنفسهم ذلك التّقليد .مل يزيدوا أموراً خمالفة ،وال حذفوا منه شيئاً. ّ
مؤسسة على احلقيقة الّيت أعلنها اثنياً ،أخذوا التّساؤالت الّيت طرحتها الفلسفة اليواننيّة ،وأعطوا عنها أجوبةً َّ
ابلروح املسيحيّة.
املسيح .إذاً ،هبذا املعىن ،ميكننا أن نتكلّم عن إقران رؤساء األساقفة الثالثة الفلسفة اليواننيّة ّ
عطشا مل تقدر املعرفة البشريّة أن ترويه .وهكذا نفوسهم ،ولريوي ً ب ُ فتعليم املسيح أتى ليجيب إىل أعمق َمطلَ ٍ
الناموس واألنبياء" ،فقادوا فلسفة اإلغريق إىل خمرج َ الرسل طريقةَ حياهتم .ومن غري أن "ُيلّوا أصبحت كلمةُ ّ
البشري
ّ آزق الّيت وقعت فيها .مل يصوغوا إمياانً جديداً ،إّّنا أانروا طُُرقاً مظلمة للفكر
ألَنم عرفوا امل َ
اإلميان ابملسيح ّ
بوساطة اإلميان غري املغشوش.
15
الشياطني أو شفاء املرضى ،بل يف ملكوت السموات ،لن يتعظَّم الّذين اكتفوا بكرازة اإلَنيل ،أو إخراج ّ
وتالّذين حفظوا وصاّي املسيح ،وعلّموا النّاس إمياَنم املعاش " :وأ ََّما من ع ِمل وعلَّم ،فَه َذا ي ْدعى ع ِظيما ِيف ملَ ُك ِ
ُ َ َ ً َ َ َْ َ َ ََ َ َ
الشعب وشفائه ،من دون ان موهبيت الوعظ وصنع العجائب خلدمة ّ َّ ِ
"(مّت .)19 :5إذاً ،قد يُعطي هللا َ الس َم َاوات ّ
ابلضبط يف نعمة الكهنوت األسراريّة .ويش ِّدد املسيح لدى سامعيه على صاحب املوهبة ،كما ُيصل ّ ُ خيلص هبما
َ
ٍ
عندئذ رب ،أليس ابمسك تنبّأان ،وابمسك أخرجنا شياطني؟" ربّ ،ي ّ أ ّن كثريين سيقولون يف يوم ال ّدينونةّ" :ي ّ
اإلمث"(مّت .)23-22 :7وهكذا رؤساء الكهنة :علّموا ّ عين ّي فاعلي
قط ،اذهبوا ّ إين مل أعرفكم ُّسيجيبهم هوّ " :
الشعب .فالق ّديس يوحنّا
ألَنم "عملوا" .نعرف من سريهتم ّأَنم عربوا ابهلدوئيّة والنّسك قبل أن يتسلّموا رعايةَ ّ
ّ
الرهبان ،كما عاش لوحده يف إحدى املغاور .والق ّديسان الشيوخ ّالذهيب الفم نسك ع ّد َة سنوات بقرب أحد ّّ
متمر َسني على حفظ وصاّي املسيح، ابسيليوس الكبري وغريغوريوس الالهويت عاشا فرتةً يف هدوء البنطسِّ ،
ّ
الكتب ويصلّيان .هكذا جاءت كلمتُهم عمالً خمتََرباً ،لذلك أثّرت يف نفوس سامعيهم ونقلت إليهم َ يدرسان
احلياة .فخيبة الوعظ الكُبى أن خيرج عن إطار حياة الواعظّ .أما سرية ّ
الرؤساء الثّالثة ،فسطعت َّ
أشد ملعاانً
من كالمهم ،وهلذا كانوا عظماء "عند هللا والنّاس".
16
مت
األحد السّادس عشر من ّ
(مت)30-14 :25
ّ
املواهب والكسل
"أيّها العبد الشرّير الكسالن"...
عبيده
وحي .يُذ ّكران مبحبّة هللا الّذي جعل َالر
ّ الكسل نوم لبوق يوقظنا من ثَِق ِ
إ ّن مثَل الوزانت هو صوت ٍ
ُ َ
ّ
مؤمتَنني على غناه ،كما يذ ّكران مبسؤوليّتنا جتاه اهلبات املعطاة لنا.
الوزانت (املواهب)
لكن
الوزانت يف املثَل هي مواهب خمتلفة مينحها هللا لعبيده ،ألنّه ما من إنسان ال أيخذ موهبةً من هللا .و ّ
اآلخرين ،وتلك الّيت أعطاان ّإّيها،
احلسد ،الّذي يظهر بطرائق خمتلفةُ ،يجب عنّا رؤية املواهب الّيت زيّن هللا هبا َ
غري قانعنيّ .أما اإلنسان العائش يف ُمناخ ِ
املتنوعة ،فنبقى َفاحلسد يُعد ُم قلبَنا اإلحساس بعطاّي هللا ّ
لكي نفرح هباَ .
األمور
َ مرهفاً ،ويرى
الصادقة ،فيكتسب إحساساً روحيًّا َ التّقوى األرثوذكسيّة ،واملُدا ِوم على الصالة املتواضعة ّ
يتحرر من أتثري األهواء داخليًّا ،يفرح ويستمتع ابخلليقة ،ألنّه يرى فيها عنايةَ ٍ ٍ
بشكل خمتلف متاماً .وبقدر ما ّ
حمل احلسد الفر ُح والعرفا ُن ابجلميل هلل الّذي يُنعِم على اخلليقة بعطاّي جزيلة .ويف ٍ
حينئذَُ ،يُ ّل َّ اخلالق وحمبّ تَه.
الشخصيّة ،وتنشأ يف قلبه الرغبة يف حياةٍ روحيّة أعمق. السليم بصغارتِه ّ
الوقت عينه ،ينمو فيه اإلحساس ّ
نوعني :املواهب "الطّبيعيّة" ،أي القدرات (امللَكات) أما املواهب الّيت يعطيها هللا ،في ِ
مكن فصلُها إىل
َ َ ُ ّ
يق اخلالص .إ ّنكل إنسان ،واملواهب "اخلالصيّة" ،أي املواهب الّيت تفتح لنا طر َ اخلاصة أو املهارات الّيت لدى ّ ّ
الص ّحة،
القوة اجلسديّة ،و ّ
الطبيعي ،وإىل ّ
ّ األول .ينظرون ،مثالً ،إىل ال ّذكاء
معظم النّاس ال يرى سوى النّوع ّ
17
الق ُدرات الفنّ يّة ،وسواها ...ولكنّهم ال يُ َق ِّدرون بََركة املعموديّة األرثوذكسيّة ،وال إمكانيّة
واجلمال ،والغىن ،و ُ
توبة يدفعنا هللا إليها أبقو ٍال و ٍ
أحداث وتغيريات داخليّة، االشرتاك يف جسد املسيح ودمه ،وال ابب التّوبة املفتوحٍ ،
مهما ،ألنّه
دورا ًّ
الشرير الكسالن ،الّذي أخفى موهبتَه ومل يكثّرهاً ،
يف هذا املثَل ،تلعب شخصيّة العبد ّ
كل ٍ ِ ٍ
عمل صاحلٍ، الكسل موت للنّفس ،يُبع ُد اإلنسا َن عن ِّ
ليب .ف َ
الس ّ
يذ ّكران أبخطار أساسيّة عن طريق مثاله ّ
احلرية
كر يف العمق عطيّةَ ّ الشر .واإلنسان الّذي يستسلم للجمود ،يُن ُ كل ضروب ّ اب على ّ وهكذا يفتح األبو َ
الكربى ،وهي أن نعرف ما عندان من مواهب "على صورة هللا" معرفةً أساسيّة .مثّ إ ّن األمل الناتج من العمل ،سواء
احلريّة ترتبط ابألمل والعرق .إالّ أ ّن الكسل
روحي ،فيه أتكيد حلّريّتنا .فمهما يبدو األمر غريباًّ ،
جسدي أم ٌٌّّ هو
يدفن "ما هو على صورة هللا" يف تُراب حياة بال شخصيّة ،حياة خمنوقة ابلغرائز البهيميّة ،وابألهواء احليوانيّة أو
الوحشيّة.
18
الشرير الكسالن:
من املفيد أن نشري إىل بعض ما يظهر يف حالة العبد ّ
الرب مزيج
فعما ابحملبّة .ذلك أ ّن العالقة احلقيقيّة مع ّ حقيقيا م ً
ًّ الرب ،ولكن ليس خوفاً
ّأوالً ،إنّه خياف َّ
البغض .عندما خناف هللا من دون أن َ فالشوق وحده خيلق الوقاحة ،واخلوف وحده يولّد الشوقّ . من اخلوف و ّ
حنبّه ،أي من دون أن نؤمن يف الوقت نفسه بصالحه وحمبّته للبشر ،نُ َش ِّوه صورةَ هللا داخلنا .يصري هللا قاسيًّا،
ر"(مّت .)24 :25وهذا املوقف من هللا هو نتيجة الكسل "ُيصد من حيث مل يزرع ،وجيمع من حيث مل يب ُذ ّ
الشر الّذي يتولّد من الكسل.
وحي .إنّه ّ
ا ّلر ّ
الشرير مل يب ّدد الوزنةَ ،بل احتفظ هبا ساملة .حافظ عليها وأرجعها إىل سيّ ِده من دوناثنيًا ،إ ّن العبد ّ
"استثمار" .ولكن يف النّهاية ،احملافظة على املواهب ال ختلّصنا .تتميز برتافُِقها واإلميان ٍ
إبله ٍ
قاسُ ،متش ّدد عدمي ّ َ
املروي مبحبّة املسيح .فما ُدمنا ّنتنع عن تبديد مواهبِنا يف
وحي هي اخلوف ّ الر ّ
احملركة للتّق ّدم ّ
القوة ّ
ولكن ّ
الرمحةّ .ّ
اضني به ،وال نتق ّدم حنو األعلى،
اخلطيئة خوفًا من العقاب ،حنن يف منزلة العبيد .وعندما نقبع يف هذا الوضع ر َ
نربهن أنّنا عبيد أشرار وكسالنون.
إ ًذا ،ينبغي أن نضاعف الوزانت الّيت أعطاان ّإّيها هللا ،وال نكتفي ابحلفاظ عليها .فاحلياة الّيت أُعطيناها،
كل مواهبها ،جيب أالّ تبقى بال ٍّ
ّنو .جيب أن ترتفع إىل فَلَك احلياة اإلهليّة ،وأن تتّحد حبياة املسيح ،وإالّ، مع ِّ
الشرير الكسالن."...
وجه لنا حنن أيضاً هذه الكلمة" :أيّها العبد ّستُ َّ
19
مت
األحد السّابع عشر من ّ
( ،28-21 :15أحد الكنعانيّة)
البشري ،وليس فيه وحده ،بل كذلك يف اخلليقة كلِّها .فهي ُّ
"تئن ّ كس ٍّم يف اجلنس
ب األمل ُ لقد َد َّ
ض" مع اإلنسان منذ حلظة فقداننا الفردوس ،عندما لَبِ ْسنا األقمصة اجللديّة للفساد واملوت ،وجئنا إىل وتتمخ ُ
ّ
وعوسجا".
ً الشقاء واألمل الّذي يُنبِت "شوكاً
مكان ّ
الشيطان ،عصياننا لنَبع احلياة وطاعتنا األول لألمل هو عصياننا ملشيئة هللا وطاعتنا لكلمة ّ السبب ّ إ ّن ّ
البشري ،مستغالًّ قابليّ تَه للفساد اجلنس ب ِ
ّ َ للروح املميت .جيب أن نعرف جيّداً أ ّن ال ّشيطان هو الّذي يُتع ُ ّ
تبني أيضاً
ليب الشيطان وكراهيّ تَه من جهة ،كما ّ ألَنا تكشف أسا َ فقصة أيّوب الص ّديق بَليغة التّعبريّ ،
واملوتّ .
الروحيّة ،ال بل إىل ٍ ِ
ُيول مرارَة ُس ّم األمل إىل دواء يستعيد به اإلنسا ُن عافيتَه ّ
أتديب هللا من جهة أخرى .فاهلل َّ
ٍ
وسيلة تكشف عظمةَ األبرار.
20
كن
لن أبداً أن نقوم بتحليالت واستنتاجات ،وال نرت ّ
املتنوعة واآلالم ،ال حناو ّ
فإذا ما أحاطت بنا األحزا ُن ّ
األفكار تُغرقنا ،بل لنطلنب رمحةَ إله احملبة مبعر ٍفة متواضعة ِ
ألنفسنا. ّ ّ َ ّ
مثار األمل
ُ
يصمت
ُ مهمة ودقيقة جدًّا من دقائق احلياة الروحيّة :كثرياً ما
قصة املرأة الكنعانيّة تكشف لنا زاويةً ّ
إ ّن ّ
حيال
"َند"َ .ند يف حياة ق ّديسني كثريين أ ّن املسيح يُبدي َ املسيح .نصلّي وال يبارك صالتَنا" .نَطلب" وال َِ
ُ
ِج إىل النور
صالهتم "قسوًة" ابلغة ،على ح ّد التعبري .ولكن ما هذه سوى أتديب حمبّة املسيح ،مينحنا ّإّيه لكي ُخير َ
الصرب واجللَد ،ولكي نتعلَّم الصالةَ املتواضعة .فبهذه الصالة نطرد عنّا ِشحنةَ الكربّيء
ما فينا من قوى خفيّة على ّ
الشيطانيّة ونثبت يف حمبّة املسيح املتواضعة .هكذا تعّلمنا خربة الق ّديسني أ ّن الصالة املتواضعة هي الّيت ستسمع
يف النهاية" :فلي ُكن كما ِ
أردت".
22
شار
أحد الفرّسيّ والع ّ
(لو)14-10 :18
يسي
الفر ّ
تشامخ ّ
"وقف الفرّيسيّ يصلّي يف نفسه هكذا"...
احلقيقي
ّ ار ،لكي تُظ ِهر لنا املضمو َن
2
العش
سي و ّ
الفري ّ
الرتيودي ،وضعت كنيستُنا املق ّدسة َمثَ َل ّيف بدء فرتة ّ
العشار .يعلّمنا الصالة الّيت تثمر اخلالص ،ويدلُّنا على تنهد ك ّ هلذه الفرتة املباركة .فزمن الرتيودي زمن الصالة وال ُّ
الفريسيّة ،وينكشف ما لألهواء من أقنعة مقرفة تتمزق أقنعة الكربّيء ّ خماطر ال ّذهنيّات الفاسدة .يف هذه الفرتة ّ
نفوسنا .وما يستدعي االستغراب حقًّا أنّه ،فيما حتاول الكنيسة يف هذه الفرتة أن تنتزع بتأديبها أقنعةَ تشوه َ ّ
الكذب واملراءاة من حياة أبنائها ،يطلب العامل أن يتسلّى متن ّكراً ابألقنعة ومتخ ّفياً ابلوجوه املستعارة ،الّيت يفضح
يشتد التضارب بني العامل وروح الكنيسة.حتط من شخصه .يف هذه الفرتة ُّ ات داخليّة ُّكثري منها عور ٍ
يسي.
لفر ّ
الروحي الّذي يعاين منه ا ّ
ّ ال ب ّد أن نشري إىل حقائق معيّنة ،لكي نكشف جذور املرض
لقد ُجبِلنا "على صورةِ هللا" ،وإّّنا "صورة هللا الّذي ال يُرى"(كور )15 :1هي املسيح ابن هللاّ .أما حنن
فصورة املسيح .املسيح هو مثالنا ،وحياة الكنيسة كلُّها هتدف إىل أن "نلبس" حنن "الرتابيّني" صورَة
نصري مشاهبني للمسيح .لذلك نسري قُ ُد ًما ،انظرين إىل ُمبدئ إميانناماوي"(1كور ،)49 :15يعين أن َ "الس ّ
ّ
كل ما بيننا وبني شخص املسيح من األواثن. ومتممه يسوع"(عرب .)2 :12ال حن ّدق يف األواثن ،بل نسحق َّ ّ
مستقل ،أعين كل كيان
األول .من هنا أ ّن َّ فاملسيح حياة العامل .يف شخصه ُِ
اسرتَّدت طبيعتُنا واستعادت مجا َهلا ّ
ّ
صوم الكبير واآلحاد األربعة الّتي تهيّؤه ،حيث يت ّم استخدام كتاب التّريودي الّذي تحمل اسمه (المترجم).
هي فترة تشمل ال ّ 2
23
متغريا كل إنسان يريد اسرتداد مسريته الطبيعيّة ال ب ّد له يف تَ َق ُّدمه من أن يقابل َ
وجهه بوجهَ املسيح كما يف مرآةًّ ، َّ
القوة.
"على صورة خالقه" ومستمدًّا منه ّ
يسي مل َير
الفر ّيسيّ . الفر ّ
وحي الّذي يعاين منه ّ
الر ّ
هذه احلقائق األساسيّة ستساعدان على إدراك أصل ال ّداء ّ
"رج َع إىل نفسه" ،بل "وقف يصلّي يف أبعد من ذاته" ،وقف يصلّي يف نفسه("...لوقا .)11 :18ليس أنّه ِ
نفسه" .يعين ذلك أنّه مل جيمع نفسه لكي يوجهها صوب هللا ،ولكنّه كان يصلّي إىل هللا ملتفتاً حنو وثن ِ
نفسه. ُ ّ َ
اصلّ ،أما هو فانغلق على نفسه يف أاننيّته .انغلق على حمبّته لذاته، يف اجلوهر ،مل ِّ
يصل .إ ّن الصالة انفتاح وتَو ُ
كل ما هو يل "...يعين أنّه اخندع ِلقناع ّادعاء احلقيقة ،لصنم حّت على ّادعاء الرمحة" :أ ِّ
ُعشر َّ وكانت ذاتُه قادرة ّ
ظاهري للنّاموس ،أل ّن مهَّه كلَّه أن اعتمد على ٍ
ٍّ حفظ الرب واحملبّة .مل يعرف ما هلاتني الفضيلتني من ّقوة حقيقيّةَ .
ّ
نفسه املعبودة كانت مثالَه األعلى. يظهر ًّ ِ
حّت يف وقت الصالة ،فكشفت هذه الصالة أ ّن َ قناع الربارة ّ
س َ ابرا .لَب َ
حلقة ُمفرغة ال خروج له منها .كان عنده ما نشاهده سائداً اليوم يف احلضارة الغربيّة املعاصرة من تركيز عاش يف ٍ
على اإلنسان وعشق لألان.
24
يربر هللا اإلنسا َن ،يبحث هذا اإلنسان عن املديح
إ ّن تربير ال ّذات له عالقة مباشرة ابإلدانة .عندما ال ّ
تفوقَه عليهم: ِ
شخصي ّإما يف احلكم على اآلخرين أويف مقارنة نفسه ابألدّن منه ،حماوالً بذلك أن يُظهَر ّ ّ ال
للعشار ،ألنّه
يسي تكمن يف إدانته ّالفر ّ
ألين لست كسائر النّاس "...جيد األنبا دورواثوس أ ّن خطيئة ّ "أشكرك ّ
يسي بعض فرائض الناموس اخلارجيّة الدقيقة ،وحبفظه ِ
الفر ّيقول إ ّن الشكر على الفضائل أمر ممدوح .لقد َحف َظ ّ
ابكتفاء ذايتّ .فهو إنسان صحيح ال ُيتاج إىل طبيب ،ويشبهّ ،ي لألسف ،بعض املسيحيّني الّذين ٍ هلا َش َعَر
وسهلة ،إالّ ّأَنا ال جتلب اخلالص وحدها.
َُيُ ّدون احلياة املسيحيّة بفرائض خارجيّة تَ َقويّة دقيقة َ
نفسه وال يدين اآلخرين ،بل يدين نفسه، انل اخلالص .ال يَُزّكي َ
مثال اإلنسان الّذي َ العشار فهو ُّأما ّ
يتمجد ،ولذلك فهو عبد لرأي اآلخرين .إنّه شخصيّة مأساويّة.
يسي يطلب أن ّ الفر ّ حرا من رأي اآلخرينّ .
فيصري ًّ
حماولَة ّيئسة "ليُقنِ َع" هللا أيضاً بفضيلته ،وهو يدين اآلخرين كلَّهم .فهو ال جيرؤ على تسليم
صالته يف جوهرها َ
قناع الربارة.
حّت أمام هللا يلبس َ
أمره حلكم هللا .مل تسمح له كربّيؤه ابالسرتحامّ .
العشار"...
ضاع ّ ِ
يسي ولنتعلّم اتّ َ
الفر ّ
الراغبني يف اخلالص" ،فلنَرذُل ك ََرب ّ
ّأما حنن ّ
25
أحد االبن الشاطر
(لوقا)32-11 :15
ختصه
حصة املرياث الّيت ّ خيصين من املال" ،يعين ّيف هذا املثل ،يطلب اإلبن األصغر "النّصيب الّذي ُّ
تتمرُد اخلطيئة على هللا اخلالق ،بصفتها أحدث عهداً من وتبعده عن سلطة أبيه" ،عائشاً إبسراف" .هكذا ّ
يلي ،وهو ف
َ ط
ُ جسم ك ، ذلك بعد فينا فدخل ، الشر
ُّ اأم . قناالفضيلة .فالفضيلة زِرعت يف طبيعتنا منذ أن خلِ
ّ ّ ُ ُ
غريب عن طبيعتنا .إنّه يفسدان ،ويُبعدان عن بيت أبينا -أعين به ملكوت نعمة هللا ،-مثّ يطرحنا إىل اجلوع
الروحي يف بقعة املواطنني األشرار .يستعبدان ألانس جعلوا من األهواء الرديئة طريقةَ حياهتم اليوميةٍ .
حينئذ أنخذ ّ ّ ّ ّ
اإلَنيلي،
ّ كل ما أعطاان هللا من املواهب ،مثل اإلبن الشاطر يف املثل خيصنا من املال" ،يعين ّ
معنا "النصيب الّذي ُّ
ونب ّذرها يف اخلطيئة" ،عائشني إبسراف".
روحي
إ ّن اللحظة احلامسة يف املثَل هي عودة اإلبن الشاطر .واللحظة احلامسة يف حياتنا هي الشعور جبوع ّ
احلي .وهذه ُُي ِ
األبوي هو كنيسة هللا ّ
ّ فضل عنهم اخلبز" .البيت
األبوي ،الّذين "يَ ُ
ّ ضر إىل ذاكرتنا "أُ َجراء البيت"
القوة ِ
محبة اآلب هي ّ
الذكرى ،إذا غ ّذاها إميانُنا مبحبّة اآلب لنا ،تؤول بنا إىل القول" :أقوم وأمضي إىل أيب" .ف ّ
احملركة الّيت تُن ِهض االبن الشاطر من موته.ّ
تذ ّكر احملبّة األبويّة
26
األب يف املثل هو هللا .ومبا أنّه ال يريد عبيداً بل أبناءً ،فهو ال ُياول أن يثين
"هللا حمبّة" (1يو .)16 :4و ّ
كل إنسان يهجره ويبتعد عن "سلطة" وصاّيه .ولكن ما إن يعود االبن الشاطر" ،وكان االبن عن قراره ،وهو قرار ّ
هبي ٍ
يحوله من عبد للمواطنني األشرار إىل إبن ّ األبوي ،ف ّ
ّ حّت يعانقه مبحبّته ،ويقوده إىل البيت
مل يزل بعيداً"ّ ،
مللكوته.
رد االبن الشاطر عن قرار العودة.سائر العوائق القادرة على ّالقوة الّيت أبطلَت َ
إ ّن ذكرى احملبّة األبويّة هي ّ
عندما يسقط اإلنسان يف اخلطيئة ،يفقد دالّته أمام هللا .يعيش خبالف مشيئته تعاىل ،ويناهض وصاّيه اإلهليّة
ترد أحداً" ،إالّ أ ّن اإلنسان يعيش
عدوه .طبعاً ،يبقى هللا "احملبّة الّيت ال ّ
أبعماله .يف هذه احلالة ،يشعر أ ّن هللا ُّ
املثقلني أبمحال اخلطاّي كلّهم لكي يرُيهم ،هو
وتذكر حمبّة هللا ،اإلله الّذي ينتظر َعمليًّا هذه العداوة يف داخلهُّ .
احملبة ال ميكننا أن نلفظ وال كلمة صالة واحدة ،وابلتّايل ،الممارسة مرتبطة بصالة التوبة .فمن دون تَ َذ ُّكر هذه ّ
نقدر أن نعود إىل املسيح ونرتبط به.
عندما عاش االبن الشاطر يف الرفاهيّة ،استسلم للّ ّذات" ،مبَ ِّذ ًرا َمالَهُ" يف اخلالعة .وما إن بدأ يعاين
أيضا
أحضَر إىل ذهنه ذكرى "بيت أبيه" .وهكذا ً حّت رجع إىل نفسه .فاإلحساس ابجلوع َ احلرمان واجلوعّ ،
الروحي من مخول الطّيش ويعيدان إىل أنفسنا وإىل ذكر هللا. ّ يوقظنا اإلحساس ابجلوع
27
أحدا ال
بيت أبيه وما فيه من حياة .وكان هذا شر َط عودته .هذا معناه أ ّن ً لقد عرف االبن الشاطر َ
يستطيع أن يتوب إن مل يعرف احليا َة الّيت يعطيها الروح القدس ،ولو معرفة يسرية .وكما ذكران يف مكان آخر ،إ ّن
توبة اإلنسان تتح ّقق مببادرةٍ من هللا ،وابفتقاد نعمته ّإّيان.
يعلّم اآلابء الق ّديسون أ ّن اإلنسان الّذي مل يتقبّل نعمةَ هللا بعد ،يكون راضياً حباله .فهو يشبه إنساانً
مغلقاً عليه يف السجن ،ال يعرف أ ّن حدود الدنيا ُّ
متتد أبعد من جدران زنزانته .ولكن حاملا ترفعه نعمةُ هللا إىل
ٍ
عندئذ يرى حر منها يف الوقت نفسه. روحي ،تتب ّدل األمور .يصبح أشبه بنس ٍر يُشرف على الدنيا ،وهو ٌّ ٍّ
علو ّ
السماء الالمتناهيّة ،ويفرح ألنّه دخل طريق "كمال الكاملني الّذي ال ينتهي" .من َمثَّ ال يقدر أن جيد راحتَه أبداً
يشرد قليالً بسبب عدم نضوجه أو يف قفص اللّ ّذات اجلسديّة ،وال يف قفص السعادة البشريّة املخلوقة .ومهما ُ
بكل الوسائل .يشت ّد إحساسه ابحلرمان ،فيجوع حترَره ّ
احلريّة جتتذبه أيضاً ،وحتاول أن ّ
ضعف أرادته ،تعود مساء ّ
ويعطش إىل ّبر هللا وإىل شركة الروح القدس.
حسيًّا ،فكيف
ط ،وال اختربت حياةَ الروح القدس ّ عل كثريين ُيلو هلم القول" :إ ّن نعمة هللا مل تفتقدين ق ّ
ل ّ
أتذ ّكر ما أجهله؟" يقول أحد الق ّديسني يف كنيستنا" :علينا أن نفعل ما نعرفه ،وسيُكشف لنا ما َنهله" .فاهلل
متنوعة ،ولكنّنا نتجاهلها بسبب حياتنا املفعمة ابالنشغاالتّ ،ي لألسف ،فنرتكها غري يعطينا نعمتَه بطرائق ّ
ونصم آذاننا عن صوت الضمري ،وعن إهلامات النعمة. وَنتم وننهمك أبمور كثريةّ ، مستثمرةّ .
َ
خالصه يف ذلك القرارّ .أما حنن فلنستجب لدعوة هللا
َ قال االبن الشاطر " :أقوم وأمضي "...فوجد
الشريرة.
ابحلزم نفسه .فاهلل يريدان أبناءً مللكوته ،ال عبيداً لألهواء ّ
28
أحد مرفع اللحم
(مت )46-31 :25
ّ
إخوة املسيح
"مبا أنّكم فعلتموه أبحد إخويت هؤالء الصّغار فيب فَعلتُم"...
ِ
آخري النّاس يف األرض
يُدعى إخوة املسيح يف هذه احلياة أيضاً األصا ِغر بني الناس ،ممَّن ُيتملون أحزاانً خمتلفة ،كالفقراء،
خلقْته قساوةُ الناس ،مبطالً سائر ألوان درجة من السلّم الّذي َآخر ٍ واملرضى واملساجني .فاملسيح يضع نفسه يف ِ
َ ُ
ٍ
كخدمة أي خدمة هلم ِ
الفائق على السموات يدعو إخوًة له آخر الناس يف األرض ،وينظر إىل ّ التمييز بني الناسُ .
سدى له ابل ّذات.
تُ َ
بوضوح كم العنصريّة خطأ كبري ،أو ٍ اجلنس البشري .إىل ذلكُّ ،
يدل ِ هبذه الطريقة يسرتجع وحد َة
ّ
احتقارا -وفقاً للموطن،
ً ابألحرى ،كم هي خطيئة فظيعة ،وأعين ابلعنصريّة التّمييز بني الناس ،سواء تكرميًا أو
خاص ًة يف ّأّيمنا بسبب التّصعيد الكبري للحركات العنصريّة، واللّون ،واجلنس ،والغىن ،أو ال ّدين .هذا كلُّه له أمهيّة ّ
تتأجج بداعي الفوارق الدينيّة .فاألرثوذكسيّة حتوي احلقيقةَ كلَّها وتعرف أ ّن اخلالص كامن يف واحلروب الّيت ّ
احملبة ال كل ٍ ِ
عمل خارج عن ّ حرية ،وابلتّايل أ ّن َّ
كنفها .ولكنّها تعرف يف الوقت نفسه أنّه ال خالص من دون ّ
نشر اإلميان بوساطة "حروب يتم ُ قيمة له .لذلك احلروب الدينيّة ال معىن هلا إطالقًا ابلنسبة إىل الكنيسة ،كأن ّ
ط السيطرة الروحيّة عن طريق أالعيب ديبلوماسيّة مدروسة جيّ ًدا يتم بَ ْس ُ
الفتوحات ،أو كأن ّ مق ّدسة" على طريقة ُ
خيطّط هلا الباابوات .
آخر الناس إخوة مللك السمواتَ ،من تُراه يستطيع املفاخرة أبنّه أرفع شأانً منهم؟ فإذا كان ِ
حب الذات ،أي من االنشغال ِ
البشري هذه خبروجنا من ّ ّ إىل ذلك ،ميكننا أن نعيش وحدة اجلنس
وتدل على طريقة تعرب عن هذه الوحدة ّ ِ ِ
الكامل بنفوسنا ومبتطلّبات جسدان .فوصيّة "أحبب قريبَك كنفسك" ّ
30
أنفسنا ،ونعيش اإلنسانيّة
حنب َاآلخرين كما ُّ
حنب َالبشري .هكذا ّ
ّ عيشها ،ويرى فيها الق ّديسون وحد َة اجلنس
كمتساوية يف اجلوهر ومتع ّددة الوجوه ،كما ابلضبط نعرتف أبلوهة متساوية يف اجلوهر بثالثة أقانيم.
الصغار ،بل يشعرون بوحدة احلال فالّذين وصلوا إىل خربة هذه الوحدة ،ال يكتفون خبدمة إخوة املسيح ّ
"م ْن ميرض وال أمرض أان؟"(كو:11-2 ِ
ثقل أحزاَنم كلّه ،متاماً كما قال بولس الرسولَ :وإّيهم ،فيَ ْحملون َ
ّ
"مباركو اآلب" الّذين سوف يرثون ملكوتَه. .)29هؤالء الناس هم الربكة احلقيقيّة للمسكونة ،ولكنّهم أيضاً َ
اخلفي
إنسان القلب ّ
الالهويت اجلديد للخطر الكامن يف أن حنسب عطيّةَ املال البسيطة غريّ لقد تص ّدى الق ّديس مسعان
شف
املزعجة بطاقة دخول إىل ملكوت السموات ،فيما ترتافق مراراً كثرية ابلعجرفة العظيمة وضرب الطبول ،ف َك َ
احلقيقي .إ ّن أخ املسيح يف مقطع إَنيل اليوم ،أعين اجلائع أو العطشان ،أو املريض أو
ّ عمق كالم املسيحلنا َ
املسجون ،هو النّفس اإلنسانيّة" ،إنسان القلب اخلفي"(1بط .)4 :3هذا األخري ،مّت مل َّ
يتغذ بوصاّي املسيح، ّ
املتنوعة وطُرِح يف سجن األهواءُ ،يكم علينا "ابلنار ُصيب أبمراض اخلطاّي ّ ومل يَرِو َ
عطشهُ ابلصالة ،مّت أ َ
نفوسنا .فهو ٍ
حباجة لغذاء الوصاّي ،وملاء الصالة، األبدية" .يف هذه احلالة ُيتاج لزّيرتنا ،وهي االهتمام من أجل ِ
ّ
وحترر من األهواء .هكذا تلبس النّفس الفقرية العارية غىن ِ
نعمة الروح ُ كلوم اخلطاّي ُِّ
وألدوية النّسك الّيت تشفي َ
القدس.
ط احملبّة اخلالصة حنو الناس أمجعني.
ألَنا َشر ُ قبل ِّ
كل شيءّ ، هللا يريد هذه احلسنة الداخليّة َ
31
أحد مرفع اجلنب
(مت)21-14 :6
ّ
احلقيقي
ّ الصوم
"وأبوك الّذي ينظر يف اخلفية هو جيازيك علنًا"
املرّن يف
بعيين الكبري ،وينفتح أمامنا "ميدا ُن الفضائل" الّذي يدعوان ّ ِ
ها حنن نقف عند عتبة الصوم األر ّ
احلسن" (اإلينوسَ ،س َحر مرفع اجلنب) .ويف الوقت نفسه ،نتذ ّكر الكنيسة إىل دخوله" ،متمنطقني جبهاد الصوم َ
3
احلقيقي.
ّ الصوم يقة
َ ر ط ةّاإلَنيلي يف قراء السنكسار اليوم ّي طرد آدم من الفردوس ،ونتعلّم من القراءة
عزم اثبت شجاع .وإ ّن الصوم سالح رهيب بني عمل صا ٍحل ومقدامُ ،يتاج إىل ٍ
فلكي ينطلق املرءُ يف أي ٍ
هن ابلعافية يدي املسيحي اجملاهد .إنّه الس ّكينة "الباترة من القلب َّ ٍ
كل رذيلة" (اإلينوس أيضاً) .ابلصوم ُيظى الذ ُ ّ ّ
نظام السقوط الّذي كان سائداً .فقبل السقوط ،كانت الشركة مع نعمة الروح القدس غذاءَ احلريّةَ ،وينقلب ُ و ّ
النفس
ُ الطبيعي هبا .ولكن بعد السقوط ،ملا فقدت ّ النفس ومتعتَها ،فيما استمتع اجلسد مبل ّذات النفس الرتباطه
ّ
ت لسلطان الّل ّذات خضع ْ
َ حتولت حنو اجلسد ،وحاولت أن جتد فيه ما فقدته .وهكذا شركتَها ابلروح القدسّ ،
احلريف للكلمة ،وتقوده من غري إرادته إىل الفساد والشقاء. اجلسد ابملعىن ّ
َ "متتص"
ّ اجلسدانيّة ،وبدأت
ضع إذاً ،حنن حناول ابلصوم أن نطلق حريةَ النفس ،وأن نعتقها من روابط الل ّذات اجلسدية .حناول أن ُخن ِ
ّ َ ّ
حركات اجلسد والشهوة لسلطان العقل .فمن املعروف أ ّن الغضب يثور عاد ًة إذا مل تُ ّلب شهوتُه اجلاحمةّ .أما إذا
طبيعي،
ّ يتحرك أيضاً بشك ٍل
ت خاضعة للعقل ،فيهدأ الغضب ويستطيع أن ّ طبيعي ،وظلّ ْ
ّ
ٍ
بشكل كت الشهوةُ
حتر ْ
ّ
حترك بشك ٍلالغضب هو عصب النفس .ومّت ّ َ حتول الرغبات الصاحلة إىل أفعال .إ ّن
القوة الّيت ّ
يعين أن يصري هو ّ
شكل الصرب والشجاعة ،وكالمها ضرورّّين يف احلرب الروحيّة الالمنظورة. طبيعيّ ،اختذ َّ
النفس ّقوًة لتلتفت إىل هللا يف
َ تعوده هذا األخري من املتع والل ّذات ،مينح اجلسد ما ّ
َ الصوم
ُ وإ ْذ ُيرم
عمل الصوم قيمةً روحيّة .يف صحراء
الصالة براحة ،بصفاء ،من غري تشتّت .وكذلك الصالة واملطالعة يعطيان َ
احلِرمان تُ َع ُّد مائدةُ الروح .طبعاً إ ّن الصوم احلقيقي ال يقتصر على جتنّب بعض املآكل ببساطة ،وليس جمََّرد ٍ
عمل ّ
تالوة تُعلِن العيد المقام في ك ّل يوم سواء عيد قدّيس أو أحد مميّز أو عيد سيّدي(.المترجم) 3
32
اس كلّها ،وكذلك بصوم النفس
صوم الطعام بصوم احلو ّ
خارجي ،بل ُيوي عمقاً وعرضاً .وجيب أن يرتفق ُ ّ
املفعمة ابألهواء.
داخلي عن التخيّالت والرغبات واألفكار َ
ال ّ
احلقيقي من شروط وميّزات أساسيّة.
ّ نتبني ما للصوم
يف قراءة إَنيل اليوم نقدر أن ّ
غفران الزالّت
كل ٍ
عمل نبين عليه َّ ِ قبل أن يتكلّم املسيح على طر ِ
األساس الّذي ُخي ّولنا أن َ
َ وضع
احلقيقيَ ،
ّ يقة الصوم َ
عربُ عن ذلك عادةُ اآلخرين ،الّذي هو بدوِره شرط لغفران خطاّيان حنن .وممّا يُ ِّ صاحلٍ .إنّه الغفران الواجب لزالّت َ
لآلخرين يف ّأول صالة غروب خشوعيّة ،عشيّة األثنني الّذي يبدأ الصوم يطلب الغفرا َن ويهبَه َ ِ
الشعب املؤمن أن َ
ِ ِ
بعضتنعنا عن ِ احلسن وحنن ُمعتَقون من رابط الظل ِم .فإذا ام ْ الكبري ،وذلك هبدف التق ّدم من جهاد الصوم َ
صومنا بال قيمة .يصريُ يف ِ ِ
وننهش بعضنا بعضاً" ابحلقد وحفظ اإلساءة واإلدانة ،يكون ُ ُ املآكل ،وما زلنا "َنرح
َند
أيضا مشاركون يف اجلهاد ،وابلتايل أنّنا قد ُ ضمريان ابلفكرة أنّنا حنن ً َ يت جوه ِره عمالً شيطانيًّاُ ،
ُياول أن ُمي َ
التوبة والتواضع .فهااتن الفضيلتان اللّتان بروح ِ بعيين الكبري ِ
نعرب ّبوابةَ الصوم األر ّ نصيبًا مع األتقياء .علينا إذاً أن َُ
ط ابلرأفةِ احلقيقي يرتب ُ تْنموان ابلصوم ،ال ميكنهما أن تتواجدا مع أفكا ِر ِ
حفظ اإلساءة والكراهيّة .فالصوم
ّ
والغفران .هو األرض املخ ِ
صبة الّيت تُعطي مثرَة احملبّة الغنيّة. ُ ْ
33
السماوي
ّ حترق املراءاة من جذوِرها ،وهي الّيت يراها ُ
اآلب الروح القدس ورمحة هللا .هذه األعمال الداخليّة ُ نعمةَ ِ
ويطمئن هلا.
ُّ
ضة حتويل ُح ِّ
ب الف ّ
إ ّن اإلنسان الّذي يستهويه اجلسد ُم َقيَّد بل ّذاته .خياف أن ُُْيَرَمها ألَتفه األسباب .وحمبّةُ اجلسد هذه تقود
الفضة ،حيث إنّه يريد أن
وحب ِّ ِ
حب القنية ّ
كل ما يهواه اجلسد .هلذا يسقط اإلنسان من حمبّة اللّذة إىل ّ إىل حمبّة ّ
القلق الدائم ٍ
يقتين خريات كثرية .ومبا أ ّن األمور املاديّة كلّها تَ ْفسد وتشيخ ،وتزول ،يتسلّط على هذا اإلنسان ُ
حب
ضة للصدأ والسوس واللصوص .لذلك َم ْن ينطلق يف جهاد الصوم عليه أن يرفع َّ اهلم .فكنوزه األرضيّة ُع ْر َ
و ّ
ُيب هبا
ابلقوة نفسها الّيت ّ
وُيوله انحية كنوز السماء .جيب أن يرغب يف اخلريات السماويّة ّ
الفضة عن األرضّ ،
ّ
مثل
حب الذات .ومن احملتمل أن يهدف ُ ابت دليالً واضحاً على ّ صومه بال معىن ،أو َ
األمور املاديّة .وإالّ أمسى ُ
الصوم
ُ نكر أمهيّةَ هذين األمرين ،لن يق ّد َم هذا
صحته .فرغم أ ّن أحداً ال يُ ُ
هذا الصوم إىل مجال اجلسد أو ّ
جوهري أكثر ،وما يدوم أكثر.
ّ لإلنسان ما هو
34
أحد األرثوذكسيّة
(يو)52-44 :1
نعرتف هبا يف دستوِر اإلميان .وهي ُ إ ّن كنيسةَ املسيح األرثوذكسيّة هي واحدة ُمق ّدسة جامعة رسوليّة ،كما
تعييدان لرفع األيقوانت مشوه ،اإلميان الّذي "ثبت املسكونة" .فاليوم إذاً ،يف ِ غري َّ
َّ فظت إميان الرسل واآلابء َ
الّيت ح ْ
جعل ِ ِ ِ ِ
املق ّدسة نعيّ ُد كأرثوذكسيّني النتصار كنيستنا على اهلرطقات كلّها .إنّه انتصار على ضالل متع ّدد الوجوهَ ،
هوةِ اهلالك .فكنيسةُ املسيح األرثوذكسيّة وقاد ُهم إىل ّ
متنوعةَ ، الناس ينحرفون عن الطريق القومية بتعاليم ملحدة ِّ
َ
ينشغل
ُ جمرد صياغة نظريّة لعقائد خالص العامل .صوُهتا هو الالّهوت ذو الرأي املستقيم .وهذا األخري ليس ّ ُ هي
عقل اإلنسان ،ونقبلُها حنن بال جدل .إنّه ّأوالً حياة وخربة .عندما تتكلّ ُم الكنيسةُ ابلالّهوت ،ال ُحتَلِّ ُل عقليًّا،
هبا ُ
البشري،
ّ الكالم
َ تستخدم
ُ وعندما تَعِظ ،ال تلجأ إىل إقناع الناس حبقائقها من خالل التحليالت املنطقيّة .أجل،
ْم ِة ا ِإلنْ َسانِيَّ ِة الْ ُم ْقنِ ِع"(1كو.)4-2 :1 تعرف عجزه ،لذلك ال حتاول حتقيق هدفها "بِ َكالَِم ِْ
احلك َ ُ َ ولكنّها
فيليبس الرسول لنثاانئيل: َّ كالم
احلقيقي .وجوهر ما تقولُه يف وعظها هو ُ ّ ي
السر ّ
جسد املسيح ّ فالكنيسة هي ُ
تكرز هبا. "تعال وانظر" .تدعو الناس إىل ٍ
شخصي مع املسيح ،وإىل الّتيقُّن ابخلربة من احلقيقة الّيت ُ
ّ لقاء َ َ ْ
"جعِ َل لسقوط وقيام كثري من الناس" (لو )34 :2حبسب نبؤةِ مسعان ،هكذا ولكن ،كما أ ّن املسيح ُ
قاوم" .واألمر املؤسف أنّه ،إىل جانب تلفيقات اهلراطقة الّذين
ثوذكسي يف املسيح هو "عالمة تُ َ
ّ اإلميان األر
ت ِّ
سنوض ُح ظاهرتني معاصرتني تثبّ ُ روحها.
تشوه َ
يشوهون حقيقةَ املسيح ،تربز يف ِ
نطاق األرثوذكسيّة نظرّّيت ِّ ِّ
هذه النظريّة.
تعرف حدوداً
التحزابت القوميّة وال األيديولوجيّات .هي جوه ُر احلياة الّيت ال ُ األرثوذكسيّة ال توافق ّ
ارق قوميّة .األرثوذكسيّة هي كنيسة ،هي جسد املسيح و"مشاركة يف التألّه" .تش ُمل سائر األمم ،وال ينبغي أن وفو َ
احلي. ه لإلل حتو ُل األمم إىل كنيس ٍ
ة تنحصر يف األُطر الضيّقة ،ألحد املذاهب القوميّةّ .إَنا ِّ
ّ َ
ُيب أهلَه وأقاربَه .إالّ أ ّن حمبَّته هذه ،ضمن ِّ
سر ُيب وطنَه و ِّ
يكرُمه ،كما ُّ ثوذكسي ُّ طبعاً ،اإلنسان األر
ّ
كحقيقة جامعة ،ال تعرف قيوداً وال تناقضات.ٍ وتصبح مسكونيّة .األرثوذكسيّة، الكنيسة ،تفيض
ُ
التقوى "الشكليّة"
جتس ِد اإلله .واإلنسان الصادق يف تقواه هو املستقيم ا ّلرأي. التقوى هي اإلميان واحلياة املرتبطان ِّ
بسر ُّ
يقتصر اإلهتداء إىل
ُ ولكن يف ّأّيمنا ،حيث يدور كالم كثري على األرثوذكسيّة وعلى اآلابء الّذين ي ِّ
عربون عنها،
الرتاثيّة للتقوى ،وابستعادة اإلنتاجات الفنّية
اهري ابألشكال ّ األرثوذكسيّة يف كثري من احلاالت على التشبّه الظّ ّ
ويس ُعنا القول هنا إنّنا إزاء "ثقافة أرثوذكسيّة" ،ولكنّنا يف هذه
سر الكنيسةَ .
جوهري يف ِّ
ٍّ املاضية من دون اشرت ٍاك
اخلشوعي جو الصالةالفن البيزنطي مثالً ،أو الرتتيل البيزنطي ،مبعزل عن ِّ
"قوهتا" .فإذا أُعيد إحياء ّ
احلال نرفض ّ
ّ ّ ّ
وعن إرشاد اآلابء الشايف ،يبقى هذان صوراتن عن املاضي ال حياة فيهما وال ّقوة .يدالّن على الروح احملافِظة ،وال
يكوانن ترا ًاث حيًّا.
ّ
ي ويوغوسالفيا السابقة إلى دويالت مستقلّة (كرواتيا ،صربيا ،الجبل األسود )...حيث لعبت الطائفيّة ً
دورا يعني األب توماس هنا إعادة تقسيم االتّحاد السوفيات ّ
4
ُ
أساسيًّا في تحديد الدولة األ ّمة (المترجم).
36
ِ
وحياهتاّ .إَنما فنّان الهوتيّان إىل ذلكَ ،ند يف اإليقونة والرتتيل تعبري عن الهوت الكنيسة كلّه
املستمعني .فإنشاد التسابيح ليس هدفُه حتريك اخليال ،بل جهدا كبريا من ِ
الناظرين و ِ
نُسكيّان ،لذلك يتطلّبان ً ً
الذهن قدرًة أوفر على إدر ِاك املعاين الروحيّة .كذلك اإليقونة ،ابلصوم
ُ تليني النفس وإمخاد األهواء ،لكي يكتسب
يد أن ُمتيت شهوة الل ّذات احلسية الدنيوية ،وأن توفّر من خالل الق ّديسني ،نور ٍ
حياة العني ،تر ُ
َ ّ ّ َ الّذي تفرضه على َ
أخرى ،هي حياة املسيح الّذي "يصوره" الروح القدس يف ِ
قلوب املؤمنني. ُ ّ
هذا يعين أ ّن الرتتيل وكتابة اإليقوانت ليسا فنَّني ُمستقلَّني .ابلنسبة إىل املؤمن فيهما كشف للحياةِ يف
الرتاث
نرفض ّ
حسب مراءا ًة عندما ُ
الروحي .فبهما نصلّيّ .أما االنبهار هبما فيُ َ
ّ خدما َجتَ ُّد َده
املسيح .ومها ُجمنَّدان لي ُ
مضموَنما.
َ يكون
ثوذكسي الّذي ّ
ّ سكي األر
النّ ّ
الغش فيه
ه قلب
ظفر
غش فيه تَ ُ قلب اإلنسان .ويف القلب املتواضع الّذي ال ّ ّنو احلياة األرثوذكسيّة هو ُإ ّن مرَكز ّ
ويسرتِجع صورته الساقطة يف اإلنسان .فاحلياة األرثوذكسيّة طاعة لوصاّي األرثوذكسيّة ،أل ّن فيه يتجلّى هللاَ ،
الداخلي من أس ِر األهواء ،كما ترمي إىل انعتاق اإلنسان هتدف إىل ِ
انعتاق ُ ار
ر األس املسيح ،ومشاركة يف ِ
نعمة
ّ َ
الشّر" .إ ّن نثاانئيل ّنوذج ممَُيّ ز لإلنسان املستع ّد أن الذهن من الكربّيء ،واملكر ،عساه يصبح "متو ِ
اضعاً ال يعرف ّ ُُ
غش فيه .لذلك ،بعد حديثه الوجيز مع حقيقي ال َّ
ّ ائيلي
ظهور املسيح العظيم .وكما قال املسيح ،هو إسر ّ يَقبَل َ
يل!" (يو .)5 :1يف هذا اإلنسان اعرتف بظهوِره العظيم وقَبِلَهّ" :ي معلِّم ،أَنْت ابن هللاِ! أَنْت ملِ ُ ِ ِ
ك إ ْسَرائ َ َ َ ُ َ َُ ُ َ ْ ُ َ املسيح،
غش فيه.
النقي الّذي ال ّ ِ
لتوه ،عرف ابن هللا وملك إسرائيل ،ألنّه شاهده ابلعني الداخليّة لقلبه ّ الّذي رآه ّ
ِ
بنقاوة املسيح اف آابئها الّذين كانوا يروناف الكنيسة األرثوذكسيّة .هو اعرت ُاف نثاانئيل هو اعرت ُ إعرت ُ
َ
س. فيليب فعل كما بعد فيما ين
ر اآلخ عون د
َ ي ، ونهر ي ذيل
ّ ا وإىل الون.
ز ي وما م، ِ
قلوهب
ّ ُ َ َ َ ُ َ َ
37
األحد الثاين من الصوم(مر)12-1 :2
املَحمولون من أربعة
"فأتوه مبُخلّ ٍع ُيملُه أربعة"...
خنلص يف كنيسة املسيح "مع مجيع الق ّديسني" ُ ص وحدان. فردّي .ال نقدر أن خنلُ َ
اخلالص إَنازاً ًّ
ُ ليس
السقف" ،وأنزلوه ممَُ ّدداً ق ّدام
َ (أفس .)18 :3فاملخلّع يف إَنيل اليوم احتاج إىل مساعدةِ أربعة رجال" ،كشفوا
ُ
عربت عنه .فلو نظَْران إىل صحةَ النفسيّة واجلسديّة هو إميا َُنم ،والطريقة الذكيّة الّيت ّ
قعد ال ّ
نح امل ََ املسيح .وإ ّن ما َم
ُ
عاصر هو مشلول روحيًّا ،فاقد احلركة يف سرير احلدث يف إطار اخلربة الكنسيّة ،ألَم َكننا القول إ ّن اإلنسان املُ َ هذا َ
وإمياَنم أن يعربواخبربهتم ِحباجة "إىل أربعة" لِيقرتب من املسيح" .األربعة" هم الّذين يعرفون ِ اجلمود الروحي ،وهو ٍ
َ ّ ُ
اجز الّيت تعرقل مسريةَ اإلنسان الروحيّة.
احلو َ
نعيش "صحراءَ املدن" ،مع تفاقم
إ ّن ما فَقدتهُ اجملتمعات املعاصرة هو الشركة احلقيقيّة بني الناس .فأمسينا ُ
اجملتمع
ابلسكان .وسط هذا َ املستمرة ،والطّرقات الع ّامة املكْتظّة ُّ
ّ الضوضاء ،وتكاثر أدوات التواصل ،واحلركة
ُ
اآلخرين .فيبقى جمتمع الكنيسة، وحيدا ،منغلِقاً على ِ ِ
منقطعا عن َ
ً نفسه، احملتشد ،يَلفى اإلنسان املعاصر نفسه ً ُ
وحيدا من ِ
مأزق االنعزال. خمرجا ً
املسيح املُمت ّد إىل األبدً ،
األخوَة يف
ّ يعيش
يعيش شركةَ الكنيسة؟ كيف يقدر أن َ
ولكن يُطرح السؤال :كيف ميكن للمرء أن َ
أعمق متطلّبات النفس البشريّة؟ املسيح ،الّيت ّ
تليب َ
رعاة حقيقيني ،وإىل آابء روحيني ،وإىل ٍ
إخوة حباجة إىل ٍ
ٍ أشران إىل أنّنا حنتاج "أربعةً" ،أي أنّنا
ّ ّ لقد سبق و ْ
يف املسيح ،وإىل ق ّديسني.
الرعاة
ُّ
38
يقول لتالميذه إ ّن "احلصاد كثري ّأما
اعي هلا" .كان ُ
شعب إسرائيل أبنّه "خراف ال ر َ
وصف املسيح َ
َ مرًة،
ّ
لريسل عملةً ،أي الرعاة الّذين
َ رب احلصاد(مّت ،)37 :9وكان ُيثّهم على الصالة إىل ِّالعملة فقليلون" ّ
سيكلّمون قلوب الشعب ،حبسب ِ
كلمة النيب" :اندوا ،اندوا شعيب .أيّها الكهنة تكلّموا يف ِ
قلب أورشليم" (إش:4 ّ
.)2-1
39
الروحي تعطي الكنيسة صفة شخصيّة خلدمتِها الرعائيّة،
ّ األب
ولألسقف ،كونه وكيل هذا التقليد .من خالل ّ
أسباب أهوائها. ِ ٍ
َ شفائي يف أحلك دّيجري نفوسنا وتعاجلُ
ّ بشكل فتدخل
األخوة يف املسيح
ّ
األخ يف
الروحي هو أيضاً ُّ فاألب ٍ
عالقات سليمة بني اإلخوة يف املسيح. ختلق
ّ ُّ األبوة الروحيّة ُ
عالقةُ ّ
املسيح ،وال جي ِّددان من خالل ِ
نفسه بل "ابإلَنيل" ،أل ّن األب املشرتك هو املسيح.
ُ ُ
عاشت حقيقةَ املسيح ْ بعيين الكبري ،تُ ِربُز لنا كنيستُنا شخصيّات عظيمة من إمياننا،
خالل الصوم األر ّ
شعب هللا حياهتم وأقو ِاهلم يف إرشاد ِ بعمل رسويل ،واستمروا يف ِ
وعربت عنهما .هؤالء قاموا ٍ وحقيقة الكنيسةّ ،
ّ ّ
نكرُم ذكراه اليوم ،كاستِ ْمرا ٍر
وإهلامه .وإحدى هذه الشخصيّات الكبرية هي الق ّديس غريغوريوس ابالماس ،الّذي ِّ
تعليمه
ثوذكسي يف حقبة صعبة من التاريخ ،وجاء ُ ّ دعم أبناء جنسنا يف اإلميان األر ألحد األرثوذكسيّة .هذا َ
يسي القرن الرابع عشر ،ولديه كالم كثري لإلنسان كل ما لكنيستنا من الهوت ونُسك .هو أحد ق ّد ّ خالصةَ ّ
اب الكنيسة وتُ ْدخلنا إىل ِّ
سر اخلالص، تفتح لنا أبو َ
ألَنا ُ
املعاصر ،إنسان األاننيّة وحبّه ال ّذات .فلنتعلّم إذاً أقوالَهّ ،
سر ال ّشركة احلقيقيّة مع هللا والناس.
ّ
40
41
`
األحد الثالث من الصوم (السجود للصليب) (مر)1 :9-34 :8
نب) والصليب
اخلوف (اجلُْ ُ
"أل ّن من يستحي يب ...يستحي به إبنُ البشر"...
كل ٍ ِ
سيف ذي ح ّدين" (عرب ،)12 :4ولّد ترد َد اإلنسان يف قبول كلمة املسيح "األمضى من ِّ إ ّن ُّ
ابب ملكوت السموات. وتغلق أمام الّذين يقبلوَنا َ ُ القلب،
َ س
الذهن ،وتدنّ ُ
َ تظلم
هرطقات وتعاليم خاطئة ُ
ألَنا كلمةُ الصليب .ففي قراءةِ إَنيل ُيتاج إىل اجلرأة ونكران الذاتّ ، ِ
أحدهم كلمةَ املسيحُ ، يقبل ُ وابلتايل ،ل َ
استَ َحى ِيب َوبِ َكالَِمي ِيف أجيال البشر كلِّها ابلقول" :أل َّ
َن َم ِن ْ
بوضوح عاقبة جبنِنا ،متوجها إىل ِ
ًّ ُْ ٍ املسيح
ُ يبني
اليومّ ،
قائل إنّه كالم ٍ ب ٍ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِِ اس ِق ْ ِ ِ اجلِ ِيل الْ َف ِ
"م ْن
قاسَ ، اخلَاط ِئ ،فَإ َّن ابْ َن اإلنْ َسان يَ ْستَحي به َم َّت َجاءَ مبَ ْجد أَبيهُ ."...
ور َّ ه َذا ْ
جه ٍة ولديه سلطا ُن هذا العامل. كل ّ اصران من ِّ
وقوي جدًّاُُ ،ي ُ علين ّمساعه؟" .نكرا ُن املسيح هو خطر ّ يستطيع َ
بعض تفاصيل املقطع الّذي ذكرانه سابقاً ،وأن شري إىل ِ ٍ
نقاوم بش ّدة "رؤساء هذا الدهر؟" من املفيد أ ْن نُ َ كيف َ
نقوم بعمليّة تشريح للنّظر يف ُجْبنِنا بقدر ما يسمح لنا ُ
ضعفنا.
املسيح وكلمته
ميكن لإلنسان أن يعرتض على ما ذكرانه سابقاً قائالً" :كيف نزعم أ ّن نكرا َن املسيح هو "اإلميان"
املسيطر يف العامل احلاضر ،فيما نشهد سقوط األنظمةً امللحدة ،ويرت ُك اإلميا ُن ابملسيح حًّرا يف ٍ
اضطهدتْهُ
َ بالد ُ ُْ َ ُ َ ُ
بيد أ ّن نكرا َن املسيح ميكن أن
سابقاً"؟ هنا ينبغي التأكيد أ ّن احلّريّة الدينيّة الّيت تُعطيها الدولة هلا أمهيّة كبريةَ ،
حّت
الالمباالة ،أو ّ ش يف ِ ٍ
شّت أسباب ُ قلب اإلنسانْ ،خمفيًّا وراء ّ يعش َ
خارجي .ميكن أن ّ
ّ إرهاب عاش من دون
يُ َ
يغيب عن ذهننا أ ّن احلريّة الدينيّة ال
الفريسيّني يف زمن املسيح .كذلك جيب أالّ َ
خلف التديّن ال ّدقيق ،مثل ّ
42
الرتبية املدرسيّة،
تتوقّف على قوانني الدولة فحسب ،بل تتوقّف أيضاً على وسائل اإلعالم ،وعلى ّنط العيش ،و ّ
بعض األمور. ِ
هلم نُنعم النظر يف َ والذهنيّة املُهيمنة على غالبيّة الشعب .ولكن ّ
ط بينهما."م ْن استحى يب وبكالمي "...فيُميّز بني شخصه وكلِمته ،ويف الوقت نفسه يرب ُ يقول املسيحَ :
ُ
"مبجد أبيه" ،هم الّذين استحوا أن يعرتفوا ّإما بشخصه كإله وإنسان، ِ املسيح هبم عندما سيأيت الّذين سيستحي
ُ
وإما بكلِمته .هناك نوعان من النكران يف املوقف الّذي يتّخذونه ُجت َاه اإلميان ابملسيح.
ّ
الثوار ولكن ليس كإله .انبَهروا ِ الّذين ينتمون إىل ِ
املسيح كأحد الفالسفة ،وكأحد ّ َ الفئة األوىل يََرون
طابع
كل ٍ البشري ،انزعني عنه َّ
ّ صروه ابملستوى
بتعليمه الّذي يََرون ُخالصتَه يف "املوعظة على اجلبل" ،ولكنّهم َح َ
إهلي .هؤالء الناس ليس هلم أيّة عالقة ابلكنيسة ،يقيمون خارج حظريهتا ،والقيمة الوحيدة الّيت جيدون فيها ّأَناّ
أخالق اجملتمع ،وتضبطه من االحنالل الناجم عن تفاقُم األهواء. ب ِ
َ ُهت ّذ ُ
ّأما الفئة الثانيّة لناكري املسيح ،فهي داخل حظرية الكنيسة .هم الّذين يؤمنون ابملسيح اإلله اإلنسان
كالم املسيح ُمبالِغاً ،ال ميكن تطبيقه يف عص ِران .مييّزون شكليًّا ،ويعرتفون إبميان الكنيسة املستقيم ،ولكنّهم يََرون َ
الرهبان ،جاهلني أنّه ما ِم ْن تفر ٍيق كهذا ،أل ّن خيص ّ
مانيني وما ُّ
خيص املسيحيّني العْل ّ
بني وصاّي اإلَنيل :بني ما ُّ
وسَ ،وإَِّّنَا َعثَ َر
َّام ِ َن َم ْن َح ِف َ
ظ ُك َّل الن ُ الرب" :أل َّ
قول يعقوب أخي ّ حيا َة الكنيسة واحدة .كذلك ينسون ما يوافق َ
ص َار ُْجم ِرًما ِيف الْ ُك ِّل "(يع.)10 :2 ِ ٍ
ِيف َواح َدة ،فَ َق ْد َ
نب واإلعرتاف
اجلُْ ُ
أمام حقيقة املسيح؟ أحياانً كثرية نَقلَق الفتفاران إىل شجاعة االعرتاف
نب اإلنسان َ
إالم يعود ُج ْ ُ
ولكن َ
نشعر أبنّنا خائنون إلمياننا ،انكرون السم ٍ ِ بيئة تنكره ،أو ِّابملسيح يف ٍ
تشوه حقيق َة شخصه .عندئذ ميكن أن َ ُ
األسباب: تردد .وميكننا أن نصنّف نوعني من ِ
َ أسباب ُجبننا وأن نعاجلها من دون ّ
َ َند
املسيح .ولكن علينا أن َ
األسباب اخلارجيّة و األسباب الداخليّة.
43
أشران هي التلفيزيون ،وّنط العيش ،والرتبية املدرسيّة ،والذهنيّة السائدة يف
األسباب اخلارجيّة ،كما سبق و ْ
َ
اجملتمع .فاجلحود أو اإلحلاد ال يُنادى هبما ابلضرورة مناداة ظاهريًّة وعدائيًّة .ميكن ممارستها يف ضمائر املسيحيّني
وسائل اإلعالم علنًا أساليب حياة خمالفة
ُ بطرائق أكثر فاعليّة من املعارك على اجلبهة .ومن هذا مثالً أن تُظ ِهر
فعالة وحيدة للبقاء ،واألهواء املخالفة ٍ
يتم إبراز الفساد كطريقة ّفرضا .ومن هذا أن ّ فرضها ًمتاما للمسيحيّة ،فتَ ُ
ً
ماض ّبراق ،صاحل للعرض يف ُمْت َحف يتم إظهار الكنيسة برتاثها كجزء من ٍ للطبيعيّة كحاالت طبيعيّة .كذلك أن ّ
ومثُل أخرى للحياة .هذه كلّها تُنشئ بيئةً عدائيّة حلقيقة اإلميان. ِ
نتمسك بقيَم ُ
لمتخصصني والفضوليّني ،فيما ّّ ل
اختارها هي احنراف عن اإلنسانيّاتاملسيحي أب ّن احلياة الّيت َ
ّ روحي هو احملاولة اخلبيثة إلقناع
إ ّن أسوأ إرهاب ّ
بعامة.
ّ
البشري عن فه ِم األلوهة ،وقصور اإلرادة البشريّة
ّ عجز املنطق
و ّأما األسباب الداخليّة ،كما ذكران ،فاثنانُ :
اتما .فاأللوهة تكشف ِ
نفسها وال يكتشفها املنطق .هلذا قال لنا املسيح" :بِ ُد ِوين حفظ وصاّي املسيح حفظًا ًّ عن ِ
ِ ِ
الَ تَ ْقد ُرو َن أَ ْن تَ ْف َعلُوا َشْي ئًا"(يو .)15 :15إذاً حفظ وصاّيه ُيصل مبؤازرةِ النعمة اإلهليّة .واإلميان الّذي خيلّ ُ
ص
إهلي إنساينّ. هو عمل ّ
عيش الصليب
ُ
44
45
األحد الرابع من الصوم (مر)31-17 :9
واالست ْقسامات
الشرير ْ
ّ
أيّها الروح األصمّ األبكم ،أان آمرك اخرجْ منه"...
46
ِ ِ
الناس ابهلل .غري ّأَنا يف
أعمال الشيطان وتُْتح َد َ
طل َ الكنيسة ،الّيت هي املسيح املُْمت ّد يف ال ّدهور ،موجودة لتُ ْب َ
االستِ ْقسامات ،ولكن ال تنحصر هبا .ففي كالمه على تتضمن ْ اخلاصة ،الّيت قد ّ
سبيل ذلك تلجأ إىل طريقتها ّ
الشياطني الّذين سكنوا الشاب ،قال املسيح يف إَنيل اليوم" :هذا اجلنس ال ميكن أ ْن خير َج بشيء إالّ ابلصالة
روح الزّن،
والصوم"(مر .)29 :2واآلابء الّذين لديهم موهبةُ متييز األرواح يشرحون أ ّن الّذي متلّك الشاب كان َ
النفس من أهو ِاء
َ لذلك قال املسيح إ ّن هذا الروح ال خيرج إالّ "ابلصالة والصوم" .فالصالة والصوم يشفيان
الفسق ،ويبطالن عمل األرواح الشريرة .إذاً ،حنن ٍ
حباجة إىل متييز األرواح ،وليس إىل التهافت من دون متييز على ّ َ ُ
كز اهتمامنا كمسيحيّني جيب أن يكون املسيح ،وطريقة أماكن تُ ْقرأُ فيها اال ْستقسامات علناً .هذا يعين أ ّن مر َ
فوضون ألجل املسوسنيّ .أما حنن َّاحتاده ابلناس ،ال الشيطان وأعماله .فالكنيسة لديها ق ّديسوها وأعضاؤها امل َّ
ُ
ونوجهه حنو املسيح .علينا أالّ نبايل للشيطان ،بل أنِ ِ كلّنا فعلينا أن ِّ
حنو َل انتباهنا عن شبكة األعمال الشيطانيّةّ ،
ُيتمل َم ْن ال يبايل به؟
ُ متكرب
فأي ّ حق اعتداءات الشيطان ِّ
املتكربُّ . تس ُاسم املسيح دائماً .هذه الالمباالة ْ
نذكر َ
الشيطان وعمله
-1ليس الشيطان سيّئاً يف طبيعته .كان خليقة هللا "احلسنة جدًّا" ،مثّ انفسد بسبب كربّيئه وتوطّ َد يف
الشر.
ّ
شريرة ،ولكن منها ما يفوق سواه يف ٍ
للشر .الشياطني ّ
-2الشياطني أشخاص قائمون يف درجات خمتلفة ّ
النجس ،عندما خيرج من اإلنسانَْ " ،جيتَ ُاز ِيف أ ََماكِ َن
َ الروح
مّت إ ّن َ
اخلباثة .يقول املسيح يف إَنيل ّ
يرجع إىل املكان الّذي خر َج منه ،وعندما جيده فارغاً من لَي ِ
احةً" ،وألنّه الجيدُ ،
ب َر َ
س ف َيها َماء ،يَطْلُ ُ
ْ َ
47
"(مّت:12
اك ّ َشَّر ِمْنهُ ،فَتَ ْد ُخ ُل َوتَ ْس ُك ُن ُهنَ َ
ُخَر أ َ ِ
نعمة هللا يعود اثنيةًَ " ،و َأيْ ُخ ُذ َم َعهُ َسْب َعةَ أ َْرَو ٍاح أ َ
.)45
يكتب الرسول بولس عن البشر "ِيف -3الشياطني لديها عقليّات وتعاليم خمتلفة ،حتاول نقلَها إىل الناسُ .
ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
احا ُمضلَّةً َوتَ َعال َيم َشيَاط َ
ني"(1تيمو.)1 :4 األ َْزمنَة األَخ َرية" ّأَنم س َ ْريتَ ّدون َع ِن ا ِإلميَانَ " ،اتبِع َ
ني أ َْرَو ً
جم النفس ،وبعضها اآلخر ِ
-4وفْقاً للق ّديس ذّيذوخس فوتيكيس أ ّن بعض الشياطني رشيق خفيف يها ُ
أكثر ماديّة فيحا ِر ُ
ب بواسطة اجلسد.
القوة الشيطانيّة إىل النّاس .فاملخيّلة ُم ْش ََرتكة بني الشياطني والناس ،وإذا مل
-5إ ّن املخيّلة هي قناة تنقل ّ
ينتبه اإلنسا ُن هلا ،ميكن أن يتل ّقى أضراراً روحيّة ُخميفة .احلياةُ الروحيّة ال تنمو بوجود التخيُّل .على
العكس ،بقدر ما يتق ّدم املؤمنون يف القداسة ،بقدر ما ينعتقون من عمل اخليال .من هنا أ ّن تراث
ينشغل ابألفكار وأسباهبا ،وبقيود األهواء،
ُ نسكي جبملته ،وهو جوهر األرثوذكسيّة، كنيستنا ال ّ
وابألمراض الروحيّة الّيت تسبّبها ،وبطريقة شفائها.
يف قراءة إَنيل اليوم وشفاء الشاب املمسوس ،أظهر املسيح رسالتَه احلقيقيّة يف العامل ،وهي ،من جهة،
وتستمر طرد" الشياطني من الناس. ٍ
ُّ انعتاق البشر من سيطرة الشياطني ،ومن جهة أخرى ،تعلّم الطريقة الّيت هبا "يُ َ
الشريرة من
عمل املسيح هذا داخل التاريخ بواسطة ق ّديسيها .فالق ّديسون هم طاردو األرواح ّ كنيستُنا يف ِ
تحصنني ض ّد
حّت يصبحوا ُم ّ
الناس روحيًّاّ ، ِ
املسكونة عن طريق صلواهتم وتعاليمهم .يطردون الشياطني ،ويَ ْشفون َ
تظهر دائماً عالماهتا لرؤيتنا احلسرية.
الشريرة ،الّيت قد ال ُ
هجمات الشيطان ّ
سك يف طوِر سيناء،
وخمرجي األرواح .نَ َ
السينائي كاتب "السلّم" هو من أعظم الشافني ُْ
ّ يس يوحنّا
إ ّن الق ّد َ
مج َعت يف أقوال حرب الشيطان ،ولكن أيضاً من افتقادات ِ
نعمة هللا .هذه اخلربة ُِ حيث اكتسب خربةً كبرية من ِ
َ َ
48
كتاب "السلّم" ،الّذي هو رسالة طويلة إىل رهبان دير الق ّديسة كاترينا املق ّدس .وإذ تربز لنا الكنيسة شخصه
درس كلمتِه اخلالصيّة للنفس واالقتداء هبا.
اليوم ،ت ْدعوان إىل ِ
49
األحد اخلامس من الصوم
اجمل ُد والسلطة
سبون رؤساء"
" الّذين ُحي َ
"لستُما ْتعلمان ما إزاء ِ
ابين زبدى من املسيح أ ْن جيلسا عن ميينه وعن يساره "يف جمده" ،أجاهبما ْ
طلب َ
تطلبان" .ولكن يف موضع آخر ،عندما سأله بطرس "ها حنن قد تركنا كل ٍ
شيء وتبعناك ،فماذا يكون َّ َ
50
يد ،مّت جلَس ابن ا ِإلنْس ِ
ان َعلَى لنا؟"(مّت ،)27 :19أجابه املسيح" :إِنَّ ُكم أَنْتم الّذين تَبِعتم ِوينِ ،يف الت ِ ِ
َّجد َ َ َ َ ْ ُ َ ْ ْ ُ ُ َ ُْ ُ َ ّ
"(مّت .)28 :19هذا ُكرِس ِي َْجم ِدهَِْ ،جتلِسو َن أَنْتم أَيضا علَى اثْين ع َشر ُكرِسيًّا تَ ِدينُو َن أَسبا َط إِسرائِ
يل االثْ َْين َع َشَر ّ
َْ ْ َ َ ُ ُ ْ ْ ً َ َْ َ َ ْ ْ ّ
شيء وتبعوا املسيح ،سوف يتنعمون مبج ِد ِ
ملكه. يعين أ ّن الّذين هجروا كل ٍ
ّ َ َّ
جمد الناس فارغ ،والّذين يطلبونه ُمصابون ابجملد الباطل .بقدر ما وجمد هللاُ .
جمد الناس ُ
هناك جمدانُ ،
جوعهمّ .أما جم ُد هللا فهو ّقوة هللا ونعمته وفعله الّيت هبا َ
خلق العاملَ ويسود يزداد ُ
ُياولون أن يشبعوا منه ،بقدر ما ُ
الكو َن ،وهي تُنريُ اإلنسا َن وتؤِّهلُه بصفتها املنرية واملؤِّهلة .جمد هللا هو حياة النفس ومتعة الق ّديسن يف الدهر
يت اإلميا َن. ِ
جمد الناس ُمي ُ
بعظمة هللا ،أل ّن َ جمد الناس الفارغ ال يقدرون أ ْن يشعروا احلاضر واآليت .فالّذين يطلبون َ
بعضكم من بعض.
بوضوح يف إَنيل يوحنّا" :كيف تقدرون أ ْن تؤمنوا وأنتم تقبلون جمداً ُ
ٍ وهذا ما يقولُه املسيح
ومن
يؤمنَ ، واجملد الّذي من اإلله الواحد لستم تطلبونه؟"(يو .)44 :5إذاًَ ،من يطلب َ
جمد الناس ال يستطيع أ ْن َ
جمد هللا.
ليس له إميان ال يقدر أن يشتهي َ
51
وسراب .مل يذكر املسيح "رؤساء األمم" ،بل "الّذين يُع ّدون رؤساء" .والرؤساء احلقيقيّون هم تالميذ املسيح
طيفا َ
ً
ورسله وق ّديسو الكنيسة.
شهوة السلطة
دخلت سلُطات هذا العامل يف حياة الناس بعد فقدان الفردوس .السلطات عاقبةُ السقوط ،غري أ ّن هللا ْ
فقد ارتباطَه ابهلل .ما ِم ْن سلطة "إالّ من عند هللا"(رو:13 ألَنا ضروريّة من أجل أتديب اجملتمع الّذي َ
ابرَكهاّ ،
اآلخرين ،هو يسيطر على َ
َ دليل العبوديّة الداخليّةَ .من يريد أ ْن
اآلخرين ُ
،)1فيما شهوة التسلّط والسيطرة على َ
يتحرُر اإلنسان داخليًّا من سيطرةِ األهواء ابلصالة وحفظ
وتكشف لنا خربةُ الق ّديسني أنّه بقدر ما َّ
ُ عب ٌد داخليًّا.
حريةَ الناس
ُيرتم كثرياً ّ وم ِّ
تحرراً من أتثريات احمليطُ . آلخرين ُ
رهف اإلحساس يف عالقاته اب َ
يصبح ُم َ
وصاّي املسيحُ ،
اآلخرون. ِ
وُيزن من األعماق عندما يُبطلُها َ
الّذين يُعاشرهمَ ،
52
أح ُد الشعانني(يو)18-1 :12
الشعب املُتقلِّب
53
ُيرُره من ن ِري الرومانيّنيّ .
ولكن املسيح "ملك إسرائيل" ،رئيسا ذا سلطة كونيّة سوف ِّ
ً الشعب ينتظر َ
ُ كان
ب أملَه بتلك األهداف القوميّة ذات املرمى القصري .مل يكن الرومانيّيون املشكلة ،بل اخلطيئة واملوت ، .كانخيّ َ
املشكلة يف اإلنسا َن ابل ّذات ،اليهودي واليوانين والروماين على السواء .إنّه اإلنسان العائش يف القلق ِ
ومأزق ّ ّ ّ ّ
نتائج ِ املوت ،وهو جيهل اآلب السماوي .فقد أتى املسيح إىل العامل لِ
يحمل على عاتقه َ يكشف له عن أبيه ،ول َ َ ّ َ
نور املعرفة احلقيقيّة واحلياة إبرسال ريفع طبيعتَنا إىل ِِ
عرش الثالوث الق ّدوس ،ومينحنا َ ويغلب املوت .أتى ل َ
َ اخلطيئة
الروح القدس.
ِ ِ
كل إنسان .ال وضع الشعب العرباينّ املُتقلّب هذا يؤّك ُد األمهيّة الكبرية لتنمية البذار اجليّدة الكامنة يف ِّ إ ّن َ
يدخل ميدا َن اإلميان. لكي الذات على ٍ
وعمل صحيح يكفي أ ْن يكون اإلنسان صاحلاً بطبيعتِهُ .يتاج إىل ٍ
إرشاد
َ ُ
ِ
ب ّمنات وتنمو ،تتطلّ ُفبذار الفضائل كامنة فينا منذ "تكويننا"ّ .إَنا عطيّةُ هللا يف طبيعتنا .ولكن ،لكي تنبُ َ ُ
اختياران الذايتّ الصاحل .إ ّن "ما هو على صورة هللا" موهوب لنا .يبقى أن ب ِ
َ احلرة لوصاّي هللا ،تتطلّ ُ الطاعة ّ
الروحي، نكتسب ما هو "على مثاله" ،عن طر ِيق اجلهاد الروحي ،والتعاون بني حريتنا ِ
ونعمة هللا .يف هذا اجلهاد
ّ ّّ ّ
ص يف أحد جماالت العلم يتطلّب ال ب ّد أن نتعلّم على ِ
التخص َ
ّ الروحيني يف الكنيسة .إذا كان
ّ يد الق ّديسني وآابء
ِ
ومعرفة اإلميان .يف هذه احلالة، التمرس على يد أساتذة خمُْتربين يرشدونه ،فكم ابألحرى اكتساب احلياة ال ّدرس و ّ
أشد ضرورة.حضور املعلِّم امل ْستنري َّ
َ يبدو
ُ ُ
اإلرشاد
مشاكل ْ
ُ
54
انفتاح
تعرقل َوهدف هذا العمل هو إبعاد العقبات اخلارجيّة والداخليّة الّيت ُ
ُ التبشريي.
ّ الرعائي
ّ عمل الكنيسة
تنظّم َ
اإلنسان على ِ
نعمة هللا .ولكن إىل جانب هؤالء املسؤولني يف الكنيسة ،يتأثّر شعبنا بعوامل أخرى كثرية غريبة عن
األرثوذكسيّة وعن تراثنا.
55
أح ُد الفصح
(يو)17 -1 :1
القيامة وضمريُان
الرقص
ائد الغنيّة ،و َ املشوي ،واملو َ
ّ اخلروف
البيض األمحر ،و َ األلعاب الناريّة الفصحيّة ،و َ
َ ولو طرحنا جانباً
توعبت اآلن والضوضاء ،وأردان يف ِ
اس ْ قام "...وحدها ،أو "إ ّن الرباّي أبسرها قد ْ "املسيح َ
ُ هدوء املشاعر أ ْن نسمع
غري اب جتد معاين هذه التسابيح يف نفوسنا؟ هل جتد ذهنَنا دائخاً وغري م ٍ نوراً" ،تُرى أي جو ٍ
أتهب دائم ليُ َّ
بال ،يف ّ َُ ّ
ليشرب من احلقيقة الّيت يق ِّدموَنا له؟ أجتد قلبَنا خامالً ّيئساً من
َ تكل، ٍ
موضوع انشغاالته ،أم عطشاانً برغبة ال ّ َ
ِ
حد ابلتسابيح ،ولكي يروي عطشه ابلرجاء ،سيّما رجاء القيامة؟ خالصه ،أم قلبًا ُمهيّأً ليتّ َ
57
احلقيقي
ّ التعيي ُد
ْ
58
أحد توما
قصة "عدم إميان" الرسول توما. ولكن يبقى من املفيد أ ْن ننظر َّ
أبشد تدقيق يف ّ
59
اجتماع الكنيسة
ِ حاضر يف
ٌ املسيح
ُ
اجتماع التالميذ وانفصل عن إخوتِه .وُميكننا القول بلغة اليوم إنّه كان غاب عن ِ الرسول عن
ُ غاب
سر الشكر اجتماع الكنيسة يف ِّ
ِ ُيصل مع الّذين يغيبون عن ث له ما
فح َد َ
الكنيسة ،أي عن اجتماع املؤمننيَ .
ُ
ودمه يف ِّ
كل جبسده ِسبب أو حلج ٍة اتفهة .هؤالء ُيرمون أنفسهم حضور املسيح احلقيقي .فاملسيح حاضر ِ بدون ٍ
ُ ّ َ َ ْ ّ
"املادّين" الوحيدان ودمه احلقيقيَّني مها العنصران اس إهلي .إ ّن اخلبز واخلمر اللّ َذين يتحوالن إىل ِ
جسد املسيح ِ ق ّد ٍ
ّ ّ َ َ ّ
املسيح بكاملِه -طبيعة الكلمة البشريّة .وبسبب ّاحتادمها ابألقْنوم الثاين
ُ ألَنما الّلذان نق ِّد ُم هلما سجوداً ًّ
عبادّيّ ،
للثالوث الق ّدوس ،مها ينبوع ِ
نعمة هللا.
60
احلاجة إىل التهيئة
مرةٍ؟ وفْقاً سبب دبر هللا أن يغيب الرسول توما عن دائرةِ التالميذ ،عندما زارهم املسيح ِ
ألول ّ
ُ ّ َ ألي ٍ ّتُرى ّ
مهيأً لقبول حضور املسيح
غاب عن اجتماع التالميذ ألنّه مل يكن ّ لتفسري الق ّديس غريغوريوس ابالماس ،لقد َ
ظهور املسيح اجلديد يف الناهض من بني األموات .كان ٍ
حباجة إىل هتيئة ما ،إىل أم ٍر
سبقت َ األّيم اليت َ
حصل يف ّ
َ
معا
وإّي ُهم هيّأا ً
الرب" ،ابإلضافة إىل تفتيش اجلراح ّ
اآلخرين بتوما "قد رأينا َّ
هتاف التالميذ َ
اجتماع التالميذ .إ ّن َ
يصبح شاهداً للقيامة. تربةَ ِ
نفس توما اخلَصبَة ،وجعاله قادراً أ ْن َ
وحدهم ،أي ِ ِ وقد يتولّ ُد يف ِ
املسيح بعد القيامة لتالميذه َ
ُ ظهر
"العام" سؤال ُمفيد هو التايل :ملاذا َ
املنطق ّ
يكشف ألوهتَه حّت للّذين يقبلونه دون سواهم؟ أمل يكن ليندهش الناس أكثر لو حضر ٍ
َ "بقوة" إىل صالبيهّ ، َ ّ
حضور املسيح واستعالنَه مها دينونة للعامل ،ويصريان جحيماً لِغري األنقياء وغري املتهيّئني .فمحبّةُ
َ للجميع؟ إ ّن
ُ
نوره سوف ُيرقُهم .هذه الدينونة وهذا اهلالك أيتيان كنتيجة املسيح للبشر ُختفيه عن مضطهديه وصالبيه ،أل ّن َ
حلضوِر املسيح الثاين امل َّ
مجد.
ُ
وهذه النقطة ابلذات توضحها جليًّا حادثة ظهوِر املسيح للوقا و ّ
كليواب ،عندما كاان ذاهبني إىل عمواس.
ومجيع
دخل يف النقاش" ،مثّ ابتدأَ من موسى ِ ِ ِ
كت أعينُهما عن معرفته"َ . "كان يسوع ميشي معهما" ،ولكن "أُمس ْ
ميكث معهما، قلوهبما عندما مسعاه ،فأحلّا أ ْن
ختصة به"(لو .)27 :24التهبت ُ ِ
َ األمور املُ ّ
َ فس ُر هلما
األنبياء يُ ّ
حت أعينُهما وعرفاه .إذاً كان ينبغي أن يعلّمهما بدءًاكسَر انوَهلما"(لو ،)30 :24فانفتَ ْ
وعندما "أخ َذ خبزاً و ّ
القائم. النعمة إىل ِ
مبوسى واألنبياء ،وأن تتسرب انر ِ
املسيح َ َ قادرين على رؤّي
قبل أن يصبحا َ
َ ما،قلوهب َّ ُ
61
أح ُد حامالت الطيب
الشجاعة واخلوف
تالميذه ِولبطرس"
"اذهنب وقُلْن ِل ِ
ْ
ط اليقدر أن يغلب اخلوف ،أل ّن احلساابت املستندة إىل احلواس اخلمس ِّ
حترُكه .فهو يرتب ُ ُ املنطق البارد
إ ّن َ
َ
ٍ ِ
اخلوف ابستمرا ٍر .هذا ال يقدر أن َ
يقود إىل القلق و ُ مبعرفة هذا العامل ،لذلك يرى أخطاراً يف ِّ
كل مكان ويتملّ ُكه ُ
احلي ،فعلى ٍ
املنطق لإلميان ّ
أخضع ََ تلهمه نعمةُ هللا والّذي
قرارات شجاعة ،وال إىل أعمال كبريةّ .أما القلب الّذي ُ
كل احلاالت .ال يتأثّر من لكل اخلليقة ويف ِّ
يعيش حضرةَ هللا وحمبّ تَه ِّ
يعرف ماذا يعين اخلوفُ .
العكس ،ال ُ
بغض العامل .يعيش يف تواضع عميق ويف ٍ
سالم ال يتزعزع ،أل ّن حمبّةَ هللا ومعرفة قدرته األحوال املعاكسة ،وال من ِ
ُ
التكرب والثقة ابلنفس اململوءة ابلغرورَ .من يعتمد على ِ
حصناه بفضيلة الشجاعة .فاخلوف هو نتيجة ّ
املطلقة قد ّ
قوي ويتباهى فقط عندما يكون خار َج الصعوابت .ولكنّه ابملقابل ،يف األخطار ،وغالباً
يشعر أبنّه ٌّ
نفسه وحدهاُ ،
يد
اخلوف حالة طبيعيّة يف اإلنسان الّذي يواجه َوع َ
ُ يفقد شجاعتَه وينسى ّادعاءاته املتباهية. يف أتفه األمورُ ،
لصوصي. هوى ِ
ّ هوى قاتل أو ً فس َد ضمريُهم من جرى ً املوت عارًّي من نعمة هللا ،ابستثناء َم ْن َ
عما ابلنسبة إىل حياةِ
ِ
نسكي انفع جدًّا ،يساعد القلب على االنفصال ّ
ّ سمتر
ّ هي املوت خمافة
ُ الكنيسة
مثال
الروحي .وخري مثال على ما قلناه هو ُ ِ
اجلهاد قوي يف
ّ فسده ،وعلى االلتصاق بوصاّي هللا .إنّه سالح ّ يُ ُ
خاصا مع يوسف ونيقودميوس والرسول بطرس. حامالت الطيب ،اللوايت ِّ
تكرمهن كنيستُنا اليوم بشتكرميًا ًّ
62
بالني ابملخاطر اخلارجيّة، ِ ِ
هن ،مل يُ َ أضرم نفوس ّهن مندفعات ابلشوق الّذي َ إ ّن حامالت الطيب ،فيما ّ
منطقهن بل إىل ِ دهن جسده امليت ابلطيب .مل يصغني إىل ِ
قلوهب ّن ،الّيت متلّكتها حمبّةُ ّ ُ َ َ فأتني إىل ق ِرب يسوع لكي يَ َّ َ
وهن فرحات" .هكذا ٍ
وهن ابكيات" ،سج ْدن له ،إهلاً حيًّاّ ، املسيح .ويف النهاية ،ذاك الّذي ُك ّن يطْلبنه كمائت ّ
بقيامة املسيح .كانت لديهن احملبّة الغالبة املوت ،احملبّة الّيت ال تسكن إالّ ات ِ بشرات للرسل ،وأوَل كارز ٍ أصبحن ُم ِّ
ّ
أين احليا َة احلقيقيّة يف املسيح ويف يف ِ
ألَن ّن ر َ
اهلن"(لوّ ،)3 :8 املسيح "من أمو َّ قلوب املتواضعني .لقد َخ َد ْم َن
يقني القيامة،
يعرفن َ هبن إىل اإلعراض عنه وكأنّه مضلٌّ .وقبل أن َ هن موتُه ،ولكن مل يَ ُؤ ْل ّ زعزع ّ
كالمه .لقد َ
اجلسدي .لقد فَ ِه ْم َن أ ّن احليا َة احلقيقيّة املنطق ِ
ّ هن للجسد املائت .هذا يعين ّأَن ّن جتاوزن العاملَ و َ استمررن يف خدمت ّ
ْ
هلن معرفةُ قيامة ُعطيت ّالبيولوجي لإلنسان ،كما نعرفُها اآلن .وإىل ذلك ،أ ْ ّ ليست يف احملافظة على الكيان ْ
أين املسيح املصلوب قائما.
األجساد ابخلربة ،فقد ر َ
ووصل أىل ح ِّد إنكار املسيح ،وهو التلميذ
َ هوةِ الثقة ابلنفس،
ط بطرس الرسول يف ّ من جه ٍة أخرى ،سق َ
ليلة اعتقالِه" :كلُّكم تش ّكون َّ
يف يف هذه الليلة" ،مل يردك قال املسيح لِتالميذه يف ِ
فائقا .وعندما َ
الّذي أحبَّه حبًّا ً
شك فيك اجلميع
عرتض قائالً" :إ ْن َّ
اآلخرين ،فا َ
نفسه عن التالميذ َ
النبوي ،بل ميّ َز َ
ّ الرب
كالم ّ
بطرس الرسول َ
الأشك أبداً" (مّت .)33 :26لقد ارتبط شغفه للمسيح بثقتِه املطلقة ِ
بنفسه .ولكن ملا اشت ّدت وطأة ُّ فأان
ّ ّ
الأعرف املسيح).
ُ "(مّت ،72 :26أي
الرجل ّ املسيح بقس ٍم ّ
إين مل أرى َ َ "أنكر
وصل إىل ح ّد أنّه َ
الصعوابتَ ،
هلن " :اذهنب وقْلن
املالك الّذي كرز حلامالت الطيب ابلقيامة يقول ّ نسمع يف قراءةِ إَنيل اليوم َ
ُ مثّ
ِ
حلامالت الطيب شف ِ ِ
لتالميذه ولبطرس ،أنّه يسبقكم إىل اجلليل .هناك ترونه("...مر .)7 -16هكذا َك َ
الباسالت أ ّن هللا قبل توبةَ الرسول بطرس ،الّذي جنب أمام فتاة .وعندما تب ّدلت ثقته ِ
بنفسه ابلتواضع ،وغرقَت ُ َ ََ َ َ
صبح فيما بعد كارزاً جريئاً لإلَنيل. ِ
رجع إىل تالميذ املسيح لكي يُ َ
املرةَ ،
دموع التوبة ّ
عجرفتُه ب ِ
63
واحلرية
العبوديّة ّ
هن
هبن .مل تتأثّر حمبّ تُ ّ
رهن من األوضاع الصعبة احمليطة ّ
تحر ّ
ظهر ب ُّ
إ ّن عظمة النساء حامالت الطيب تَ ُ
احلرية واإلستقالليّة،
منحته َّن ّ
ُ شجاعتهن
ّ الفريسيّني ورؤساء إسرائيل له. للمسيح مبوتِه األليم ،وال ِ
ببغض الكتبة و ّ
ارسه علينا بيئتنا ،مثّ كيف
القوي الّذي مت ُ
األثر ّ
فسنحت لنا الفرصة أن نلقي نظرة سريعة إىل َ
وسط احلزن الكبريَ ،
تطور حياتنا الروحيّة.
ينعكس على ّ
ِ
"ملك اخلليقة" عبداً للمخلوقات .فالعا َملُ
خضوعه لبيئته ،وقد أمسى ُ
ُ سقوط اإلنسان هي أهم عواقب
إ ّن ّ
هاما يف هذه العبوديّة.
تلعب دوراً ًّ
اس ابإلمساكُ ،
نلجم احلو َّ
نفس اإلنسان بقبضة األهواء .وإذا مل ُ
خينق َ
اخلارجي ُ
ّ
حريةٌ للنفس.
احلواس هو ّ
ّ احلواس تقيي ٌد للنفس ،كما على العكس ،تقيي ُد
ّ حريةَ
يرد يف للفيلوكاليا أ ّن ّ
يوجه ذهنه حنو هللا يف
احلرية أو على العبوديّة هو الصالة .فاستطاعة اإلنسان أن ّ
وأحد املقاييس لالستدالل على ّ
حريتِه الداخليّة .هذا يعين أن اإلستقالليّة عن احمليط شرط من شروط أي ٍ
تدل على ّظرف ،عن طريق الصالةّ ،
نفسه بنفسه .يضيع يف األفكا ٍر واهلواجس ،وال يدع ذهنَه ِ
كل َمن "يتأثّر" ابلظروف اخلارجيّة ال يقود َ
الصال َةُّ .
حرا ليتن ّفس عن طر ِيق الصالة.
ًّ
ِ
فضيلة الشجاعة تستند إىل
احلرية احلقيقيّة ،الّيت ُ ِ
إن حامالت الطيب والرسول بطرس يقودوننا إىل طريق ّ
ط"
مي ،احملبّة والتواضع مها "راب ُ َ َّ
املسيح وحتلوا بتواضع عميق .وحبسب الق ّديس يوحنّا السلّ ّ الروحيّة .لقد أحبّوا
اخلوف ،بينما التواضع العميق تغلب الفضائل ،حيث إ ّن الواحدة تَرفع ،واألخرى تضب ُ ِ
َ ط ما ُرف َع .فاحملبّةُ احلقيقيّة ُ ُ
يعتق من قيود االعتداد ابل ّذات .وكالمها جيعل من اإلنسان عامالً ُشجاعاً لِ ِ
مشيئة هللا. ُ ُ
64
أح ُد املُخلّع
(يو)15-1 :5
شلل النفس
ُ
"أتريد أ ْن تربأ ...ليس يل إنسان"
جيلس على سري ِره جامداً ،بال حر ٍاك ،وال ِ ِ
اقتنع أبنّه ليس لمشكلته خمرجُ . املُخلّع يف إَنيل اليوم إنسان َ
جيده املسيح على هذه حلال ،وله املالك ماءهاُ .
حرَك ُوينزل يف الربكة ّأوالً مّت ّ
ع َ شلل اجلسد أن يُسر َ
يسمح له ُ
فيدخل ِ
للحصول عليه. سبيل له
ُ مثاين وثالثون سنة قابع جانب الربكة ّيئس ،يَْب ُع ُد عن الشفاء رمية حجر ،وال َ
املسيح معه يف حوا ٍر ،ليعطيه فرصةَ التعبري عن أملِه ،والبوح مبشكلتِهُ .
يقول له" :أتريد أن تربأ؟" أمام سؤ ِال املسيح
يقول تلقائيًّا "نعمّ ،ي رب" ،بل يُ ْعرب ابألحرى عن سبب استحالة هذا الشفاءّ" :ي رب ،ليس يل
هذا ،ال نراه ُ
حبجج املنطق .فشفاؤه مستحيل ،وهو
يتحرُك املاء"(يو .)7 -5إنّه يدعم فقدان األمل ِ
َم ْن يلقيين يف الربكة عندما ّ
يصرب علىِ ِ ُّ ِ
القوَة وسط أيسه ،ل َ
يستمد ّ ابت
أبرم تسويةً مع مشكلته ،ومن هذه التسوية َ حي وميت .هكذا َ بني ٍّ
ِ
جسده املخلّع.
ننشغل بقصر النّظر عند اليهود ،وعبادهتم احلَرفيّة للشريعة ،ما جعلَهم يقولون" :إنّه سبت .ال ُي ُّل
َ لن
جيد حججاً منطقيّة ليحطّ َم اإلنسان.
انتباهنا على اليأس الّذي ُ
حتمل سر َيرك"(يو .)10 -5سنرّكز َ
لك أن َ
65
هجمات اليأس
ُ
ف على اإلنتباه
متنوعة وهو على أنواع ودرجات خمتلفة ،تتوقّ ُ
حبجج ّ
قوي للشيطان .يهامجنا ٍ
اليأس سالح ٌّ
ُ
ب لنا اليأس ،أو ابألحرى إىل بعض احلوادث
واالهتمام اللّذين نوليهما ّإّيه .سنشري إىل بعض العناصر الّيت تسبّ ُ
ليسيطر علينا.
َ اجملال
تفسح له يف َ
واحلاالت الّيت ُ
ف إىل ذلك أوالً ،الصعوابت املعيشية ،والضيقات ،والفشل املهين ،واألزمات االقتصادية والفقرِ .
أض ْ ّ ّ ّ ّ
بشكل صحيح، ٍ الرتمل والّتيتّم .هذه كلُّها تُظلِ ُم اآلفاق يف وجهنا عندما ال نواجهها
املرض ،واملوت ،و ّ
ميرون هبذه الصعوابت ،ينشأ يف ِ
ابإلميان والرجاء ،فال نعود َند خمْرجاً .وعندما ال يتوفّر َمن يش ّد ُد الّذين ّ
نفوسهم شعور شديد ابلوحدة .خيتربون حب ّدةٍ كلمةَ املخلّع" :ليس يل إنسان" .طبعاً اإلنسان الّذي مل ِ
املهين وجين ِ
َناح حياته مقتصراً على َناحه ّ ُيصر حياتَه يف النطاق الضيّق للحياة البيولوجيّة ،ومل جيعل َ
بسهولة هبذا النوع من اليأس .قد يتخبّط يف العاصفة كإنسان ،ولكنّه ال خيتنق يف أمو ِاج ٍ املال ،ال يُصاب
األفكار.
سمى وجوديّة ،أعين األزمات النفسيّة الّيت يُعانيها أانس لديهم إحساس مرهف حنو اثنيًا ،املشاكل الّيت تُ ّ
يهمهم اإلميان إذا مل يرتبط ابخلربة املعاشة. أمور ِ
حياهتم .هؤالء ال ترضيهم املسيحيّة السطحيّة ،كما ال
ُ ّ
حمبة ،تبدو احلياة بال معىن .تظهر يف جوه ِرها منافية ِ
الفكر ابإلميان ابهلل ،الّذي هو ّ
ولكن إن مل يستنر ُ
قلق خوف املوت .ال يبدو فيها لدت؟" ويُنغّص حياتَنا ُ
ويسيطر عليها السؤال التايل" :ملاذا ُو ُ
ُ للعقل،
كأَنا تقود اإلنسان إىل طريق مسدودة ،لذلك يبدو فقدان األمل وكأنّه حالتها الطبيعيّة .وهذا مجال ،و ّ
ِ
بصدق النيّة الشعور مثمر يف نظ ِر األرثوذكسيّة ،شرط أالّ يقرت َن بغروِر املنطق وكلوم الكربّيءّ .أما إذا حتلّى
واتضاع الفكر ،فيبلغ إىل البحث عن خربة إميانيّة عميقة.
66
بسرت النشاطاتيتسرت اليأس املتولِّ ُد من هذا الفشل ِْ
افق مشيئةَ هللا .وغالباً ما ّ اثلثًا ،فَ َشلُنا يف ِ
العيش مبا يو ُ
ُ
حياة مسيحية تبدو ت قوية حبسب املقاييس الدنيوية .وميكن ِ
للمرء أن اإلجتماعية الكثيفة ،وُيتجب وراء ٍ
ّ ََ ّ ّ ُ َ ّ
يتبني ذلك من ِ
ميل كثريين إىل الفصل بني اآلابء املصنَّفني "اجتماعيّني" ،وأولئك املصنَّفني "هدوئيّني"، َّ
ُ ُ
ختص الرهبانّ .إَنم خيرقون الرتاث املق ّدس الواحد،
ختص العلمانيّني من املسيحيّني ،ووصاّي ُّبني وصاّي ُّ
أنفسهم ضعيفة ،والوصاّي صعبةَ اإلحتمال .يقولون" :هذا ِ
ليجدوا ما يستندون إليه يف ختاذهلم .يرون َ
تطبيقها يف عص ِران" .هذه هي األقوال الّيت تُ ّ
عربُ عن وذاك من األمور ليس لنا بل للرهبان ،وال ميكن ُ
ِ
أيسهم يف العادة.
وسنَن جعْلناها أصناماً نعبُ ُدها .من ذلك ،الشعور أ ّن العامل كلَّه ُ
يزداد ابتعاداً ابعا ،اخليبة من شخصيّات ُ رً
كل مكان .يصادفون ظلمةَ وينقاد إىل الدمار الذايتّ .كثريون من املؤمنني يرون أعداءَ اإلميان يف ِّ
ُ عن هللا،
الظالم
َ بصيص نورّ .إَنم ّيئسون من مست ِ
قبل العامل .ولكن عندما يرى املرءُ َ الشر يف ِّ
كل مكان ،وال يرون ّ
ِ ِ ِ
الشرير"(1يو.)19 :5 كل مكان ،يعين ذلك أنّه يف حالة روحيّة خطرة .أجل" ،العامل كلُّه حتت وطأة ّ
يف ِّ
يعتاد اإلنسان أن يرى الظلمةَ وحدها ،قد أييت وقت
غري أ ّن أحبّاءَ املسيح ينتصرون على العامل .وعندما ُ
وميسي يف خط ٍر أن يرى َ
"النور ظالماً".
يعرف
لكن املسيح ،كلمةَ هللاُ ، نفوسنا بطرائق متع ّددة ،ويتوطّد فينا حبُجج منطقيّة .و ّ
خيرتق َ
اليأس ُقْلنا إ ّن َ
يعمل أبساليب ال يستوعبُها منطقنا .لذلك جيب أالّ حن ّدد مستقبلَنا ُمسبقاً ،مستندين إىل أفكا ِران .فاملسيح أن َ
ِ
أنبع احليا َة من القرب ،حيث مل يعد يسود املوت ،هكذا ب التوقّعات كلَّها .هو القيامة واحلياة .وكما َيعرف أن يقل َ
ُ
تثمر مثاراً غنيّة .فال مصاعب احلياة ،وال البشري مهما يقسو ،وجيعلُها ُّ نبت الرجاءَ من صخرةِ اليأس
ميكنُه أن يُ َ
الشر الّذي يف العامل ميكنه أن يقوى على حمبّ ِة هللا الكلّية القدرة.
األزمات املعيشيّة ،وال إرادتنا الضعيفة ،وال ّ
67
ندعه يعمل حبسب عْل ِمه الشامل. ٍ ٍ ِ
نعرتف ق ّدامه بضعفنا ،إبميان صادق ،مثّ أن َ
يكفي أن َ
68
أح ُد السامريّة
اإلهلي
احلياةُ الشخصيّة واإلعالن ّ
69
املسيح منها ماءً فذ ّكَرتْه بعدم
ُ طلب
هلُ َّم نتوقّف عند نقاط حم ّددة من حوار املسيح مع السامريّة .لقد َ
نفسه إزاء ٍ
أرض ِ
وجد َ خمالطة اليهود للسامريّني .فاليهود مؤمنون ابلناموس والسامريّون ُمرت ّدون عنه .واملسيح ملا َ
ّ
بت منه ال ِ ِ
يبذر كلمتَه .بدأَ يكلّمها عن املاء الّذي كان ابستطاعته أن يعطيَها ّإّيه بنفسه ،وإذا شر ْ
ُخمصبة ،بدأ ُ
كالمه، ِ ِ
تفهم َ تعطش أبداً .وهكذا ارتقى بذهنها من مياه النبع إىل نعمة الروح القدسّ .أما هي فلم ْ َ ميكن أن
وصف هلا احلي؟" (يو .)11 :4ولكن عندما املاء لك أين ن فم واستدركت ِ
بقوهلا" :ال دلو عندك والبئر عميقةِ ،
َ ّ ُ َ ْ
رب أعطين هذا املاء فقالتّ" :ي ّ
ْ أظهرت ميالً إىل ما خيدم مصلحتَها
ْ تنفد،
املسيح ما هلذا "املاء" من ّقوة ال َ
املسيح جمرى احلديث إىل
ُ حوَل
أعطش فأعود إىل اإلستقاء من هنا" (يو .)15 :4إزاءَ هذا الطلبّ ، َ لكي ال
تعني كشف ِ
حياهتا الشخصية قائالً" :ادعي رجلَ ِ
شف العظيم .فلكي تُعطى الروح القدسَّ ، ك" .هنا بدأ ال َك ُ َُ ّ
تعرتف خبطيئتِها للمسيح .يف هذه النقطة
َ حياهتا الشخصيّة أبعماقها املظلمة اآلمثة .كان عليها أن النقاب عن ِ
قالت ٍ ظمة شخصية املرأة السامرية ،ميزةُ اإلعرت ِمتاماً برزت ،إىل جانب ع ِ
احلقيقي .فهي مل تعرتض حب ّدة ،وال ْ
ّ اف ّ ّ َْ
اضها ِ ِ
نفسها ،فأتى اعرت ُ تربَر َ
التدخل يف حياهتا الشخصيّة .مل حتاول أن تتخ ّفى ،وال أن ّ ُيق له ّ للمسيح إنّه ال ُّ
فت ِ إجيابيًّا .إ ّن أتنيبه لِ ِ
ش إىل توسيع املعرفة .الْتَ َأشعل يف نفسها العط َ
َ شخصها مل يُ ْسخطها وال حطّمها ،بل َ
نيب .تعبّ َد آابؤان يف هذا اجلبل ،وأنتم تقولون إ ّن
رب أرى أنّك ٌّ
اهتمامها إىل الصالة والعبادة احلقيقيّة ابهللّ" :ي ّ
خلف معاصيهاأت َ خب ْ
دل على ّأَنا ّاملكان الّذي فيه جيب التعبّد هو يف أورشليم" (يو .)20 :4هذا اال ْستِدراك َّ
جتد احليا َة
فهمها كان أن َنفسهاُّ ، السميا ونقاوة ال توصف .مل تستوقفها عزةُ ِ
صادق السعي إىل األموِر ُّ َ تطلُّعاً
ّ ْ َ
مسع أ ّن هللاَ روح وأ ّن العبادة احلقيقيّة هلل تصريُ
أصبحت ّأوَل من َ
ْ تعبد هللا العبادة احل ّقة .وهكذا
احلقيقيّة ،وأن َ
أعلن هلا عن الثالوث
املسيح َ
َ وابلروح القدس .معىن ذلك أ ّن
ِ احلق، "ابلروح و ِّ
احلق" ،أعين ابملسيح الّذي هو ّ ِ
الروح القدس.
بنعمة ِ نعرف هللا ابملسيح يف ِ
جسده احلقيقي ،أي الكنيسةِ ، ِ
ّ اإلهلي ،وكيفيّة معرفته .فنحن ُ َ
ّ
اإلميان واحلياة
70
حول حمورين :االشرتاك ابألسرا ِر ،وحفظ الوصاّي وتدور َ
ُ "احلياةُ ابملسيح" تعين احلياة "يف الكنيسة"
ظ الوصاّي اإلَنيليّة
ف الكنيسة .احلياةُ الكنسيّة ال تُفهم من دون املشاركة يف األسرار .وحف ُ ِ
اإلَنيليّة .فاألسرار تؤلّ ُ
جيعلُنا قادرين على قبول ِ
نعمة األسرار .إالّ أ ّن طريقةَ احلياة هذه تقتضي اإلميان املستقيم .وهذا ليس قبوالً نظرًّّي
صاعقا ابخلطيئة الشخصية وابل ِ
بعد إلحدى العقائد ،ال يؤثُِّر يف احلياة الشخصيّة ،بل هو إميان يولِّ ُد توبةً وشعوراً ً
ّ
احلسنة ِ
عن هللا .إ ّن خربَة التوبة الصادقة هي جوع وعطش إىل الصالة ،واتّضاع الفكر ،والرغبة يف تعلّم الطريقة َ
بيد أ ّن ما يش ِّد ُدان هو ارتبا ُ
ط احلياة ابإلميان ،والعقيدة ت هبذه األمور ،كما رأيناَ ،
ابحلق .والسامريّة متيّ َز ْ
ِ
لعبادة هللا ّ
ابألخالق.
لِسنو ٍ
ات كثرية ،تقبلنا ،هنا يف موط ِن األرثوذكسية ،أتثري ٍ
ات غريبة عن فك ِر الكنيسة املستقيم ،ما زالت إىل ّ ّ
تعرقل مسريتَنا الروحيّة ،بدل أن حتملنا على العودة إىل جذوِران األرثوذكسيّة .أمسى اال ُ
نشغال ابلعقائد، اليوم ُ
يد ابلنسبة إىل كثريين ،موضوعاً عقالنيًّا حبتاً ،حبيث ال يكرتثون لضرورةِ ِ
تنقية القلب واإلستنارة ابلروح القدس .بَ َ ِ
الروحي لإلنسان ،و ّاحتاد قوى نفسه املشتّتة،
ّ يقول إ ّن معرفةَ العقائد هي نتيجةُ التج ّدد
تقليد اآلابء الق ّديسني ُ
أ ّن َ
تطور دائم من ِ
وانعتاق ذهنه من ختيّالت اخلطيئة .طبعاً هذه املسرية ال تتوقّف ،ومعرفة هللا ال حدود هلا .فهي ّ
اآلن وإىل الدهر اآليت.
إ ّن املرأ َة السامريّة فوتيين املعظّمة يف الشهيدات دلّتنا كيف يعربُ اإلنسان من املعصية إىل اإلميان وإىل
ُ
العبادة احل ّقة للثالوث الق ّدوس.
71
أح ُد األعمى(يو)38 -1 :9
غري املتزعزع بشخص الّذي شفاه "فأخرجوه خارجاً". الفريسيّون إميا َن األعمى منذ مولده
ُيتمل ّ مل
َ ُ ْ
استمروا يقولون له" :هذا اإلنسان ليس من هللا ،ألنّه ال ُيفظ السبت" (يو ،)16 :9فيجيبُهم هو ببساطةٍ" :إ ّن
ّ
قام به مل يكن
عيين .العمل الّذي َ
فتح ّ
هللا ال يسمع للخطأة" (يو .)31 :9قد ال تعرفون "من أين هو" ،ولكنّه َ
اقتنع أبنّه مرتبط ابهلل. عمالً بشرًّّي ،بل َخلقا جديدا .مل يكن األعمى ُ
يعرف بعد ألوهةَ يسوع املتأنّس ،ولكنّه َ
ظ مشيئتَه.
آمن أبنّه إنسان "يتّقي هللا" وُيف ُ
َ
فاز يقوم ِ ٍ
مبثل هذه اآلية؟ ولكن ،يف النهايةَ ، ميكن إلنسان خاطىء أن َ الفريسيّون ُمنقسمني :كيف ُكان ّ
املوسوي "املتش ّددون"" ،وطرحوا" األعمى منذ مولِده خار َج اجملمع.
ّ ُحمافظو الناموس
صار الّذي كان أعمى خار َج اجملمع بسبب عرفانه ابجلميل لشافيه ،وألنّه مل يستطع تقبُّل الفكرة أن
وجد الفريسيون أنفسهم يف ٍ
مأزق. شريعةَ موسى قد تتعارض وفرِح شفائه العظيم يف ِ
َ اسرتجاع عطيّة هللا الطبيعيّةّ ّ َ .ْ
سلطتهم .يف رأيِهم ،كان ال قَ ِدروا أن ي ِ
وانزع ُهم َ
أقلق هدوءَهم َاملسيح الّذي َ
َ نكروا العجيبةَ ،وال استطاعوا أن يقبلواُ
ِ
شافيه احرت ًاما عرض عن على األعمى منذ مولده أن يعطي جمداً هلل من ِ
أجل شفائه ،ويف الوقت نفسه أن يُ َ
إمياَنم أييت ُمعاكساً
حادا بني واقع احلياة والناموس كما فهموه .رأوا َ اعا ًّ للناموس .هذا ُّ
يدل ّأَنم عاشوا صر ً
أنفسهم .هذا كان أسهل خمرٍج هلم، حتولوا َّ
ضد املسيح بدل أن يعارضوا َ للحياة ،وفيما تنازعتهم هذه التناقضاتّ ،
ففضل أن يصطدم بطر ِ
يقة َ يورطوا َمن كان أعمى يف مآزقهمّ .أما هو ّ َ
ُيل مشكلتَهم .مثّ حاولوا أن ّ
ولكنّه مل َّ
تفكريهم املريضة ،ما ّأدى إىل طرده من جممع "األشرار".
72
"أتؤمن اببن هللا؟" .من الالّفت أ ّن املسيح
ْ مسع املسيح ّأَنم "طرحوه خارجاً" ،اقرتب منه وسألَه:
وعندما َ
جد ق ّدامه
فعل هذا ألنّه و َ أخرى. ٍ
حاالت نفسه "ابن هللا" وليس "ابن اإلنسان" ،كما يف
َ يف هذه اآلية مسّى َ
قطع
إنساانً ُمتهيّأً لقبول املعرفة الفائقة ،وهي إعالن ألوهته .فقد أُعطي َمن كان أعمى أن يعرف هللا بعد أن َ
ارتباطه ابلناس الّذين ّ
حرفوا حقيقةَ الناموس.
املقاطعة والرفض
شخصي مع املسيح اإلله اإلنسان .وابلتايل جاء اإلميان الّذي ُو َلد فيه نتيجة لقد حظي األعمى ب ٍ
لقاء
ّ َ َ
الفريسيّون فلم
عالقة شخصيّة ،ومثرة خربة .مل يتعلّم عن هللا من خالل املطالعة ،بل عرفَه من خالل شفائهّ .أما ّ
ِ
بعالقاهتم احليّة والكيانيّة مع هللا .لقد َعَرفوه من خالل الناموس ونصوص األنبياء ،ولكن مل يكن هلم أن يفتخروا
غابت عنهم نعمةُ النبوءة ،وهذا ما حاولوا أن يسرتوه خبضوعهم األعمى حلرفيّة الناموس. خيتربوا خربة األنبياءْ .
الناموس كفالسفة وليس كالهوتيّني.
َ ولو أردان استخدام الّلغةَ املعاصرة ،ابستطاعتنا القول إ َّنم كانوا يدرسون
الكتاب فسرين الّذين يستندون إىل الدراسات األدبيّة والتارخييّة يف تفسريهم ِ
َ ُيصل مع املُ ّ
ُ روحه ،كما
َجهلوا َ
مسامهة هذه الدراسات ،لكن ال بد من التأكيد أ ّن النصوصِ املق ّدس ،من دون سواها .وال نرمي إىل التقليل من
املق ّدسة ،وفق تراثنا ،ال يفهمها إالّ الّذين لديهم خُبة مؤلِّفيها الق ّديسني ذاهتا.
يعارض عقليّةَ العامل الساقط كلَّها .واحلقيقة هي أ ّن ُ احلي مزعج للّذين ال ميلكونه .فهذا اإلميا ُن اإلميا ُن ّ
بوضوح قبل إىل مقاطعة "روح العامل" .هذا ما يقوله لنا ٍ
ٍ يعيش املسيحيّة أبصالة ،ينبغي له أن يُ َ اإلنسان ،لكي َ
اجلَ َس ِد،
الق ّديس يوحنّا الالهويتّ ،كاتباً" :الَ ُِحتبُّوا الْ َعا َملَ َوالَ األَ ْشيَاءَ الّيت ِيف الْ َعاَِمل"" ،ألَ َّن ُك َّل َما ِيف الْ َعاَِملَ :ش ْه َوَة ْ
ون ،وتَعظُّم الْمعِيشة" (يو .)16 :2وفيما ُياول اإلنسان أن جيعل من وصاّي املسيح ِشرعةً لِ ِ
وجوده، َ َ َو َش ْه َوَة الْ ُعيُ ِ َ َ َ َ َ
يتحرُك أبحكام األهواء .طبعاً هذا االصطدام ليس خارجيًّا بقدر ما هو
يصطدم ال حمالة بعقليّة اجملتمع الّذي ّ
ُ
داخلي ،وهو يكمن يف التص ّدي ملتطلّبات اخلطيئة
ّ طدام بروح العامل حدث
داخلي .العامل يف داخلنا ،وابلتايل االص ُ
ّ
73
يعيش معنا ،وال حنن
رفض العامل لنا .فال العامل يستطيع أن َ
ب َ الداخلي يسبّ ُ
ّ ول ّذة األهواء الظاهرة .هذا الصدام
معه.
كثريون من املسيحيّني ينجذبون بش ّدةٍ إىل الروحيّات عندما يبدأون يعيشون حيا َة الكنيسة بدقّة أكرب.
أمست يف نظرهم ِ
هلم أشواق ال تتوفّ ُر يف حميطهم ،أل ّن التمتّعات املاضية وعاداهتا فقدت معناها ابلنسبة إليهم ،أو َ
آخرون أنفسهم يف منعطف بعضهم العاملَ ويصبحون رهباانً ،فيما جيد َ
يهجر ُ منافية ملشيئة هللا .يف هذه احلالُ ،
سليما عندئذ يرتبص هبم خطر االنغالق على ِ ٍ حرج من ِ
الوقيت ليس ً ّ ال
ُ ز االنع . موات
ً يكون هذاف هم.أنفس ّ م. حياهت
يفرتض هذا االنقطاع عن تعرف الكلل يف الصالة والعيش ٍ
بتوبة عميقة .عندئذ رغبة ال ُإالّ عندما أييت نتيجة ٍ
ُ
الناس تنميةَ ٍ
عالقة شخصيّة ابهلل وحواراً حيًّا معه .لذلك ال يولّد هذا االنعزال القلق والعصبيّة ،وال إدانة العامل ،بل
وشعورا ابالكتفاء .مينح حمبّةً للعامل ،تَُرت َج ُم صالةً ،ال إدانةً عقيمةً لآلخرين .وال جيوز أبداً
ً يعطي سالماً يف القلب
الداخلي .ال
ّ النمو
أن تتجاهل الصالةُ الواجبات حنو العائلة .كما أ ّن اخللل يف عالقة الزوجني ال يساعد على ّ
ُيتاج إىل الناس .كذلك العائلة ال ٍ ِ
يعيش وحيداً ،وإن مل يعش خماطباً هللا ابستمرار ،عندئذ ُ
يقدر اإلنسان أن َ ُ
تنعزل عن بقيّة العامل ،من دون عوقب وخيمة ومؤملة ألعضائها.
تستطيع أن َ
جممع اليهود اإلنسان األعمى منذ مولده ،قَبِلَهُ املسيح .وكذلك حنن ،عندما نصطدم بعقليّة
رفض ُعندما َ
ٍ
عالقات جديدة وصحيحة تتماشى ننفتح على أعضاء املسيح ،أي على كنيسته ،وأن نُنشىءَ العامل ،جيب أن َ
وتطلّعاتنا.
74
األول (األحد قبل العنصرة)
أح ُد اآلابء اجملمع املسكوينّ ّ
(يو)13 -1 :17
ثوذكسي والوحدة
ّ اإلميان األر
ت ِاإللهَ ا ْحلَِق ِيقيَّ وَحْدَ َك وَيَسُوعَ الْمَِسيحَ الّذي أ َْرسَلْتَهُ" هذِه ِهيَ ا ْحلَيَاةُ األَبَِديَّةُ :أَ ْن يَعِْرفُ َ
وك أَنْ َ
"و ِ
َ
كرَم تذكا ُر اآلابء الثالمثئة والثمانية َع َشر
ت كنيستُنا املق ّدسة أن يُ َّ ِ
بعد عيد صعود املسيح العظيمَ ،عيَّ نَ ْ
اليومي ،هو أ ّن
ّ وفق السنكسار وسبب حتديد هذا العيدَ ، ُ األول يف نيقيا البيثينيّة.اجملمع املسكوينّ ّ
الّذين أقاموا َ
عيد الصعود كعقيدةٍ يف الكنيسة .ذلك أ ّن األول الق ّديسني ح ّددوا اإلميا َن الّذي أعلنه ُ آابء اجملمع املسكوينّ ّ
ٍ
عني ،وإّّنا هلا مضمون الهويتّ جمرد تذ ّكر بسيط حلدث ُم ّ األعياد الكنسيّة ،ال سيّما األعياد السيّديّة ،ليست ّ
َ
حتفال الواعي هبا مها اعرتاف ابإلميان.
عميق ،فلذلك تكريسها واال َ
ٍ
بشكل ال كل تدب ٍري
البشري ،بعد أن أمتّ َّ
ّ املتحد ابجلسد
تعرتف الكنيسة أ ّن "ابن هللا ّ
ُ يف عيد الصعود،
احلق الّذي بفضل ألوهته
األبوي" .فهو املساوي لآلب يف الكرامة ،واإلله ّ
ّ "عاد" أيضاً "إىل العرش يوصف"َ ،
ابن هللا خملوق، أصبحت طبيعتُنا معادلةً هلل ،مبا ّأَنا أُجلِ َست على ِ
عرش الثالوث الق ّدوس .وإز َاء قول آريوس إ ّن َ ْ
ابن هللا "مسا ٍو لآلب يف
أساس حياهتا ،والقائل إ ّن َ ُ األول إبميان الكنيسة ،الّذي هو
اجملمع املسكوينّ ّ
ُ أقر
َّ
اجلوهر" .فلو مل يكن إهلاً حقيقيًّا ،لتع ّذر القول إ ّن اإلنسان "على صورة هللا" ،أل ّن هذا الكالم هو مرادف لتألّه
س لِيؤّهلَنا حنن" .وإ ّن اإلميان أب ّن املسيح هو إله وإنسان
قال الق ّديس أثناسيوس الكبري" :هو أتنّ َ
اإلنسان ،كما َ
شرط ِخلالصنا.
املهمة ،على
قراءةُ إَنيل اليوم ،وهي جزء من صالة يسوع الكهنوتيّة ،تدلّنا ،إىل جانب بعض احلقائق ّ
ِ
بشخص املسيح. خيتص
أمهّيّة اإلميان الصحيح يف ما ُّ
75
احلياة األبديّة
ت املسيح إىل العامل لكي يُعطي اإلنسا َن الفاين احليا َة األبديّة .واحلياة األبديّة هي " أَ ْن يَ ْع ِرفُ َ
وك أَنْ َ ُ لقد أتى
يح الّذي أ َْر َسْلتَهُ" (يو .)3 :17إ ّن يسوع ،يف صالتِه ،علّ َم ُر ُسلَه أ ّن احليا َة ِ ا ِإلله ْ ِ ِ
وع الْ َمس َ
احلَقيق َّي َو ْح َد َك َويَ ُس َ َ
األبديّة هي معرفةُ هللا اآلب ،ويسوع املسيح ،اإلله اإلنسان .وكما سلّمنا اآلابءُ الق ّديسون ،ليست هذه املعرفة
ُيب املسيح توهب ملَن ّ عقليّة ،بل هي مثرةُ الشركة مع هللا .إ ّن َمن َ
عرف هللا كان ّمتحداً به .واحلياة األبديّة َ
عاش املسيح أثناءَ حضوره على األرض .والطريق إىل هذا يعيش يف هذا العامل كما َوُيفظ وصاّيه ،حماوالً أن َ
كل ٍ ِ التعم ُق يف ِّ ِ ٍ
ظرف ،جيب أن سر إفراغ املسيح لذاته .يف ِّ املشاركةُ مبعرفة يف حياة الكنيسة ،و ّ
النهج احليايتّ هي َ
اآلخرون احليا َة ف اإلنسان وسلوَكه .ومبا أ ّن حمبّة املسيح هي تضحية يف ِ ِ
عيش َ سبيل أن ي َ تصر َ
توجه حمبّةُ املسيح ُّ
ّ
فعل اإلنسان ُمطابقاً لِ ِّرد فعل املسيح .هكذا سريم صورة عن املسيح للعامل ،متق ّد ًما يف
رد ِ
احلقيقيّة ،جيب أن أييت ُّ
التشبّه به قدر اإلمكان.
الوحدة واالنشقاقات
غياب العالقة
َ إ ّن فقدان اال ّحتاد ابملسيح والشركة معه يولِّ ُد االنشقاقات يف جسد الكنيسة ،أل ّن
سر اإلميان .فوحدةُ الكنيسة تستن ُد يرتك مكاانً لِ ِّ
نمو األفكار البشريّة غري القادرة على إدراك ِّ الشخصيّة ابملسيح ُ
احلقيقي إالّ بني
ّ إىل "وحدة اإلميان ومعرفة ابن هللا" (أفس .)13 :4طبعاً ،هذه الوحدة ال تتّخ ُذ شكلَها
اهلدف املنشود .وهلذا السبب أعطى املسيح الكنيسةَ َ الق ّديسنيّ .أما ابلنسبة إىل أعضاء الكنيسة الباقني ،فتبقى
عربُ
يح" (أفس .)12 :4ويُ َّان َج َس ِد الْ َم ِس ِ
اخلِ ْدم ِة ،لِب ْن ي ِ ِ
مبشرين ورعاة ،ومعلّمني للكنيسة "ل َع َم ِل ْ َ ُ َ رسالً وأنبياء ،و ِّ
76
اإلهلي حيث نصلّي "من أجلّ ...احتاد اجلميع" أو لكي يُعطينا هللا عن هذا الشوق إىل الوحدة مراراً يف الق ّداس ّ
احد) ،والوحدةاحد ."...يعين نطلب الوحدة يف حتديد اإلميان (بف ٍم و ٍاحد وف ٍم و ٍ
بقلب و ٍ ِ
ّنج َد ونسبّح امسَه ٍ
َ "أن ّ
عطاء (بقلب و ٍ
ٍ
تطلب ً ُ القلب هو العضو الّذي به نعرف هللا .غري أ ّن صال َة الوحدةَ احد) ،أل ّن يف معرفة هللا
لنودع
اإلحتاد يف اإلميانْ ... يعلن الكاهن قبل املناولة اإلهليّة "بعد التماسنا ّ ِ
كامالً ألنفسنا إىل هللا ،وألجل هذا ُ
كل حياتنا للمسيح اإلله".
ذواتنا وبعضنا بعضاً ،و ّ
ثوذكسي
ّ اهلرطقة والالّهوت األر
77
78
أح ُد العنصرة
احلقيقي هو اقتناء الروح القدس" (البار سريافيم ساروف) .وعمل الكنيسة ّ "هدف حياتنا املسيحيّة
الرعائي كلّه يهدف إىل ذلك .إ ّن ابن هللا ّاختذ جسداً لكي نتّخذ حنن الروح .طبعاً كان الروح القدس يفعل يف ّ
لكن هؤالء نزلوا بعد موهتم إىل ِ
ب بعد" .كان الروح يتكلّم ابألنبياء" ،و ّ لكن املوت مل ي ُكن قد ُغل َ
العهد القدمي ،و ّ
إانء
تتحرر طبيعتُنا من طغيان املوت فحسب ،بل أصبحت ً اجلحيمّ .أما بعد جتس ّد املسيح ،وصلبه وقيامته ،فلم ّ
ٍ
ابستحقاق "ملغفرة اخلطاّي ودمه "دواء اخللود" ،يتناوله املؤمنون املتق ّدمون إليه
جسد املسيح ُلنعمة هللا .أصبح ُ
وحلياةٍ أبديّة".
عمل الكنيسة
ُ
احلقيقي من كالم املسيح "يف اليوم األخري العظيم من العيد" (يو ،)37 :7أي
ّ يظهر عمل الكنيسة
إذاًُ ،
إيل ويشرب" .فالكنيسة هي املسيح املُمت ّد يف األبد ،وعملها الدائم هو عطش أحد فليُ ْقبل َّ
َ عيد املظال" :إ ْن
أن توفّر عطيّةَ الروح القدس املج ِّددة للناس الّذين يعطشون إىل هللا.
ُ
الكنيسة ،جس ُد املسيح
حتمل ّقوَة هللا .هي نتيجة النعمة الّيت هلا "شكل ألس ٍن انريّة" و ّ
حتول الصيّادين إن كلمةَ الرسل والق ّديسني ُ
إىل رعاةٍ للكنيسة حكماء غري هيّابني.
80
احلياة "يف الروح القدس"
81
82
أحد مجيع الق ّديسني
مهمة من قراءة اإلَنيل ،تكشف لنا الطريقة الّيت ستجري هبا ِ
يف عظة اليوم ،سوف نتوقّف عند نقطة ّ
دور الق ّديسني مضمون احلياة الكنسيّة من منظا ٍر خمتلف.
دينونةُ العامل ،حيث يُربز لنا ُ
83
تفوق احملبّةَ الطبيعيّة
املسيح بوضوح أ ّن حمبّ تَنا جتاهه ال تتوقّف عند حدود الطبيعة ،بل ُ
َ بعد أن أظهر
ٍ
وتبعه .فإىل
كل شيء َ األم واألوالد ،كشف لِتالميذه اجملد العظيم الّذي سيملكه َم ْن ترك َّ
القويّة جتاه األب و ّ
جانب عدم عبورهم الدينونة ،سوف يدين الرسل العامل مع املسيح .وعن سؤال بطرس "ها حنن ترْكنا كل ٍ
شيء َّ َ
(مّت ،)27 :19أجاب املسيح قائالً" :يف التجديد" أي عند جتديد العامل" ،مّت وتبعناك ،فماذا يكون لنا؟" ّ
جمده جتلسون أنتم أيضاً على اثين عشر كرسيًّا تدينون أسبا َط إسرائيل اإلثين جلس ابن اإلنسان على كرسي ِ
ّ ُ
املسيح
َ "ابن اإلنسان" سيدين العامل مع تالميذه .وجيب أالّ يغيب عن انتباهنا أ ّن
(مّت .)28 :19إذًا ُ عشر" ّ
إبن ِ
نفسه هنا "ابن اإلنسان" .نقرأ يف إَنيل يوحنّا أن هللا اآلب أعطى البنه سلطاانً "أن يدين أيضاً ألنه ُ
سمي َ يُ ّ
اإلنسان" (يو.)27 :5
84
ألَنم عربوا هبا خالل حياهتم .قد يثري هذا
خالل جميء املسيح الثاين لن يعرب ق ّديسو هللا ابلدينونة ّ ،
الكالم االستغراب لدى مساعنا ّإّيه ،ولكنّه احلقيقة الّيت سلّمنا ّإّيها تراث اآلابء الق ّديسني .فحياة الق ّديسني
البشري أن يدرَكها .لذلك ال نُدقِّق يف أقو َال اآلابء
ّ مسترتة "مع املسيح يف هللا" (كو ،)3 :3وال ميكن للذهن
نفسنا إزاءها. ِ ِ
وخرباهتم مب ْج َهر املَنطق ،وال نعارضها بل نعارض أ َ
ط
عرب الق ّديسون الدينونةَ املستقبلة قبل رقادهم .فمخافةُ املوت ترتب ُ
هم جدًّا أن يتعلّ َم املرء كيف َحقًّا ُم ٌّ
عيش ِ
يتغري موقفنا من املوت عندما يصبح مضمو ُن حياتنا األرضيّة َ أساسا مبخافة الدينونة الّيت تتبعه .وابلتّايل ّ
ً
الدينونة املستقبلة .وفقاً للق ّديس مسعان الالهويتّ إ ّن نعمةَ هللا تنكشف للعائشني َ
وفق مشيئته .وهذا ال َكشف
يسي الكنيسة لديهم فكراً متواضعاً جدًّا عن
اإلهلي هو دينونة لإلنسان ،لذلك نرى أ ّن أبر َار العهد القدمي وق ّد ّ
ّ
ظ الوصاّي جيعل من أنفسهمّ .أما الكربّيء ،فعلى العكس ،ت ُّ
دل على أ ّن نعمةَ هللا غائبة عند اإلنسان .هلذا حف ُ
اإلنسان مسكناً هلل ،واكتشافه لذاته ُي ّق ُق الدينونةَ.
من خالل هذا كلّه يظهر أ ّن الكنيسةَ تدخلنا يف شركة مع هللا ،وتقودان إىل عيش الدينونة قبل اجمليء
اان حقيقيًّا" ،له حياة ٍ
مجيعا .املؤمن إميً ً
الثاين .عندئذ يتج ّدد العامل وينتصر َنائيًّا على املوت .ولكن لن يُدان الناس ً
عمل
أبديّة وال أييت إىل دينونة"(يو،)24 :5كما يقول السيّد املسيح .إذاً ،على أساس هذه احلقائق ،أيخ ُذ ُ
حر ٍية
حرية ال تعرف حدوداً ،إىل ّ
الكنيسة أبعاداً أوسع من الّيت نعطيها له حنن عاد ًة .فهو يقود اإلنسان إىل ٍ
ّ
تكون مثرةَ الطاعة ِ
ملشيئة هللا ،وتتخطّى أيضاً َّ
حد الدينونة األخرية.
الدعوة واالستجابة
"هلمَّ ورائي فأجعلكما صيّادَي الناس"
إ ّن احلياةَ من دون املسيح ليست حياةً حقيقيّة ،بل هي موت .لذلك مهما يغتين العامل ابملظاهر ،ليس له
أدّن قيمة إالّ يف وجه اإلله اإلنسان .هذا ما كان تالمي ُذ املسيح يعرفونه جيدًّا ،ولذلك هجروا كل ٍ
شيء وتبعوه. َّ ّ
(مّت ،)18 :4ويعقوب ِ
وجدهم املسيح منشغلني بعملهم .كان أندراوس وبطرس يرميان "الشبكة يف البحر" ّ لقد َ
أتت دعوةُ املسيح مقتضبة حتمل معاين كثرية" :هل هم ورائي فأجعلكما ويوحنّا يُصلحان شبا َكهما مع أبيهماْ .
كب،
الشباك ،واملر َ
َ ويوحنا
حارًة وفوريّة .ترك يعقوب ّ (متّ .)19 :4أما تلبية التالميذ فكانت ّ ادي الناس" ّ صيّ َ
الطماع امل ِج ّد ،وهو مثال اإلنسان احلكيم يف نظر
ّ وأابمها ،وتبِعا يسوع .فلو قِ ْسنا قر َار هؤالء مبقاييس اإلنسان
ُ
ٍ
أتعاهبم من غري نتيجة .فيا ترى ماذا
منطقي .لقد تركوا عملَهم يف وسطه ،و َ وغري
ّ هذا العامل ،لبَدا قر ُارهم ُمبالَغًا َ
عرضها عليهم املسيح ،مهنةُ "صيّ َادي الناس"؟
كانت تعين هلم هذه مهنة جديدة َ
الدعوة الثانية
الذهيب الفم يوضح لنا هذا الغموض ،فيلفتنا إىل اختالف إَنيل يوحنّا عن سواه يفّ إ ّن الق ّديس يوحنّا
دل تالمي َذه على املسيح ،ونرى أ ّن
وصف دعوة الرسولني أندراوس وبطرس .يف هذا اإلَنيل ،نرى يوحنّا السابق ي ّ
يوحناّ .أما يف قراءة إَنيل اليوم ،فكان يوحنّا يف سجن هريودس ،وقد
أندراوس هو أحد الّذين استجابوا إلشارة ّ
جرى ذلك يف فرتةٍ زمنيّة أخرى.
87
كل ما كان يعطي احلياة معناها يف نظر كل شيء وتبعوه .ازدروا ب َّ "كالم احلياة األبديّة" ،ولذا هجروا َّ
َ املسيح
أرضي .هكذا اآلخرين وال يزال ،مربهنني هبذا عن جرأةٍ ونكر ٍان للذات مها خري دليل على التحرر من كل ر ٍ
ابط
ّ ّ ّ َ
وخاصةً من رسله ،مبعىن ّأَنم أمتّوا الشرو َط املطلوبة ليصبحوا "صيّادي الناس"،
ّ توفّر لديهم ما يريده هللا من رجاله،
أي أدوات حتقق هبا نعمة هللا عمل اخلالص يف العامل.
88
األحد الثالث بعد العنصرة
أضعاف ما
َ أضعاف و
َ يدمر الطبيعة .فرغبة اإلنسان غري املستكينة يف زّيدة املمتلكات وإنفاقُه
إ ّن الطمع ّ
شّت النّظرّّيت الفلسفيّة
ُيتاج إليه أَخالّ توازن البيئة الطبيعيّة .وقد اعتدان ،كلّما طرأت مشكلة ما ،أن نبتدع ّ
حل ِ
(األيديولوجيّات) واألساليب لمواجهتها ،كما نرى يف ما يُعرف ابملشاكل البيئيّة الّيت هت ّدد كوكبَنا .إالّ أ ّن ّ
كل نظريّة فلسيّة
ألَنا هي أيضاً ختلق مشاكل ،وفيها انتهاك للحقيقةُّ . املشاكل ال يكمن يف النظرّّيتّ ،
آخر ،يف ٍ
حل املشاكل يكمن يف مكان َ (أيديولوجية) بشريّة هي ديكتاتوريّة روحيّة تعيق رؤيتنا لألمور بوضوح .ف ُّ
الداخلي الّذي منه تنبع املشكلة.
ّ عالج تف ّكك اإلنسان
89
" ال هتت ّموا" ،ولكن ليس " ال تعملوا"
املسيح يربط العبوديّةَ للمال ابالنشغال من أجل الطعام والشراب واللباس5.من هنا الوصيّة" :ال
َ نرى
(مّت .)25 :6هذه األمور كلّها تبحث عنها
هتتموا حلياتكم مبا أتكلون ومبا تشربون ،وال ألجسادكم مبا تلبسون" ّ
ّ
عرب عنه ابلعمل ،فيا ترى ،ما معىن العمل ،الّذي هو
األمم ،أي الوثنيّيون .ولكن ما هو هذا االهتمام؟ االهتمام يُ َّ
أيضاً وصيّة من هللا؟ إ ّن هللا قبل السقوط أعطى اجلنّة آلدم "ليعملها وُيفظها" (تك .)2:15وبعد السقوط قال
خبزك" (تك .)19 :3أال تشمل كلمة "عرق جبينك" اجتهاد اإلنسان من أجل توفري
له "بعرق جبينك أتكل َ
احلق إن عرق اجلبني عند آدم ونسله ال أييت من التعب اجلسدي فحسب ،بل أيضاً من ِ
قلق النفس حاجاته؟ ّ
ّ َ
"بعرِق جبينك
عرق اإلنسان ابملوت .قال آلدمَ :
الّيت تواجه مشاكل املعيشة الضخمة .ومن الالفت أن هللا يربط َ
أخذت ،ألنّك تراب وإىل الرتاب تعود" (تك .)3:19قبل
َ حّت تعود إىل األرض الّيت منها
خبزكّ ،
سوف أتكل َ
السقوط ،محَ َل العمل معىن خمتلفاً .مل يرتبط بقلق املعيشة ،بل وفقاً للق ّديس غريغوريوس الالهويتّ كان العمل
هتتموا" ال تعين أن "ال تعملوا" ،وال أيضاً "ال تبالوا
هتماما ابألمور اإلهليّة .جيب أن نشري هنا إىل أ ّن وصيّة "ال ّ
ا ً
أنكر اإلميان"
خباصته ...فقد َ
ابلّذين تتعلّق حياهتم بكم" (الواقعني حتت مسؤوليّتكم)" .إن كان أحد ال يعتين ّ
(1تيمو .)5:8فال نودع "بعضنا بعضاً" وحياتنا كلَّها ّقوةَ أيدينا ،بل لنرتك نتيجةَ تعبنا كلّه بني يدي هللا .فنحن
يهتم بسائر تفاصيل حياتنا ،وأ ّن شعرة واحدة من رؤوسنا ال تسقط من دون مشيئته.
نؤمن أ ّن هللا ّ
اخلِنا ،حيث
وابلو ِصية "ال هتتموا" يريد املسيح أن ينتزع انتباهنا من األشياء اخلارجية ويوجهه إىل دو ِ
َّ ّ َ َ ّ َ ّ
الداخلي الّذي
ّ العمل
َ نمي
ويكرسنا لألمور اجلوهريّة ،وأن نُ ّ
يعتقنا من االضطراابت الباطلة ّ
ملكوتُه .ويريد أن َ
90
(مّت ،)33 :6وسائر األمور األخرى
وبره" ّ
ملكوت هللا َّ
َ ُيركه ّأوالً التفتيش عن النعمة ابلصالة" .اطلبوا ّأوالً
ّ
ستُعطى لكم من دون أن تقلقوا.
الشعور مع الطبيعة
لق جتاه احلاجات اليوميّة خيلق ما يُعرف ابملشاكل البيئيّة .يتولّد القلق من
لقد سبق وأشران إىل أ ّن الق َ
احلي الّذي يولّده اإلميان ابهلل ،تؤول بنا ٍ
اجملهول ،ووجود املوت يع ّذبنا بضمري مريض .عندما ننفصل عن الرجاء ّ
الصعوابت إىل األاننيّة .وإ ّن عدم األمان الّذي نشعر به يرمينا يف االنشغال املضطرب جبمع الغىن واخلريات،
كل موارد الغىن
ّنو الصناعة ،واألسلحة الناريّة واستنزاف ّ
يؤمن حاجتنا .إذاً ،ميكن القول إ ّن طريقة ّ
عساان َند ما ّ
يف األرض هي األسباب األساسيّة لدمار البيئة ،وهي عوارض حضارة يتملّكها خوف املوت .فاحلضارة فقدت
وثن الرفاهيّة املاديّة مكا َن هللا.
ألَنا أقامت َ
الّرجاء ّ
ٍ
حباجة إىل عني انبق احلقل" .حنن
أتملوا ز َ
هتتمواّ ...
حل هذه املشاكل كّلها يكمن يف وصيّة "ال ّ إ ّن َّ
حنتاج أيضاً إىل نور اإلميان ابملسيح
أدق التفاصيل .و ُ
وقوتَه يف اخلليقة كلّها ،وعنايتَه يف ّ
بسيطة ،لعلّنا نرى حمبّ َة هللا ّ
الّذي ميأل حياتَنا ابلرجاء.
91
األحد الرابع بعد العنصرة
92
ثوذكسي مبصطلحات
ّ اهلرطقات بتعاليم اآلابء الق ّديسني امللهمة من هللا .لقد التأموا يف جمامع ،وح ّددوا اإلميا َن األر
ُ
وشارك فيها ممثّلون عن
َ ُعطي صفة املسكونيّة .هذه دعا إليها أابطرة أهم تلك اجملامع ما أ َ هلا سلطة جامعة .و ّ
الكنائس احمللّية كلّها.
وجيب القول إ ّن انعقاد أحد اجملامع ،مع مراعاة الشروط القانونيّة كلّها ،ال يش ّكل ضمانة أرثوذكسيّته.
اجملمع ال يصنع
األب رومانيذس أ ّن َ كتب ّ فالضمانة يف الكنيسة هي اآلابء الق ّديسون الّذين تتبعهم اجملامعَ . ّ
آابءً بل يتألّف من آابء ،لذلك هو ُملهم من هللا .جممع بدون أشخاص ُم َلهمني إهليًّا ال يكون ُملهماً من هللا،
الفرق بني اجملامع األرثوذكسيّة وغري األرثوذكسيّة .والكنيسة ،يف إحضارها اليوم إىل ذهنِنا اجملامع
فس ُر َ وهذا ما ي ّ
ٍ
بلهجة قاطعة اإلميا َن القومي انتصرت على هرطقات القرون الثمانية األوىل ،تريد أن تُظ ِهَر املسكونيّة السبعة الّيت
ْ
تود تكرميَ اآلابء الق ّديسني الّذين عقدوها.
بشخص املسيح ويف الوقت نفسه ّ
ونعرتف ابجلميل
ُ نعرتف إبميان اجملامع املسكونيّة السبعة،
ُ العيد اليوم يعين إعرتافاً ابإلميان وعرفاانً ابجلميل.
فنمجده.
هلل الّذي أعطاان "اآلابءَ أنواراً على األرض"ّ ،
"كملته" بصياغتها له كي
عاشت الكنيسة مبوجبه ،إّّنا ّ
ْ "حبل الناموس" الّذي
مل تَ ُقم اجملامع املسكونيّة ّ
"ُيل ملء الالهوت ٍ
عربت يف ظروف خمتلفة عن احلقيقة القائلة إنّه يف املسيح ّ تؤم َن على حياة أعضائهاّ . ّ
جسدّي" (كول.)9 :2 ًّ
ألكمل" ِ
ألحل بل ّ
" مل آت ّ
(مّت .)17 :5قبل أن
ألكمل" ّألبطل بل ّ
َ جئت
ألبطل الشريعة أو األنبياء ،ما ُ
َ جئت
أين ُ "ال تظنّوا ّ
ليكمله .وهكذا يعطي املسيح وصاّيه الّيت تفوق الناموس القدمي ،قال إنّه مل ِ
تقليد موسى واألنبياء بل ّ
أيت ليُلغي َ َ
أر َاد أن يتدارك إحداث االضطراب لدى الّذين آمنوا أ ّن الناموس هو من هللا ،ولو مل ُيفظوه.
93
التجسد ،كان
ّ أبعادا إجتماعيّة .فقبل
إ ّن كالم املسيح هذا له مضمون الهويتّ ،ولكن لنا أن نعطيه ً
املسيح يكشف ذاته لألنبياء بصفته "الكلمة" ويل ّقنهم تدرجييًّا معرفةَ هللا الثالوث .إذاً الناموس القدمي هو عمله
ض ذاته .فقد جاء ذلك الناموس مبا يناسب قَسوَة قلب الشعب ،لذلك مل يكن كامالً.
اخلاص ،ولو ألغاه لَناقَ َ
ّ
يستشف ألوهيّ تَه من خالل
ّ حّت يقدر أن
الشعب حلضور املسيحّ ، َ أشار إىل اخلطيئةَ وتكلّ َم أبمثال جسديّة .هيّأ
َ
اين إىل حضوره اجلسدي .ومبجيئه ،كمل املسيح الناموس ،ومل ي ِ
وحوله من جسد ّ احلقيقيّ ،
ّ كشف معناهَ بطْلهُ.ُ َ ّ ّ
روحاينّ ،حبيث ال يتوقّف عند اإلشارة إىل اخلطيئة ،بل يتق ّدم إىل أتمني شفائها .لقد أخ َذ املسيح طبيعتَنا البشريّة
ٍ
ومشرب .جعلنا ابملعموديّة ٍ
كمأكل وق ّد َمها هلل اآلب خاضعة ُمطيعة ،فجعَلها مصدراً لنعمتِه ،وسلّمنا ّإّيها
ومسحة املريون أعضاء ِ
جسده املق ّدس. ِ
َ
الطبيعي .وحنن، اجملتمع رتطو أجل من ًّا
جد مهم
ٌّ " ألحل فالبعد االجتماعي لكلمة املسيح "مل ِ
آت
ّ ّ ّ ّ ُ
أنشطتَ ِه ُخيطىء
كمسيحيني مؤمنني ،ليس دوران أن نلغي ما ينقص بل أن نكمله .اإلنسان يف كل جماالت ِ
ّ ّ ّ
بح الكثري أواخلري .يف عامل يرى الل ّذ َة أو الطمع يف الر َ
وحّت يف اخلطيئة يطلب َ
بسبب مفهومه املغلوط للخريّ ،
الشرعي لل ّذة اجلسديّة ،وابملل ّذات الروحيّة وابإلكتفاء
ّ أمورا حسنة ،ال ب ّد أن نذ ّكر ابالستخدام
الثأر من األعداء ً
من جهة اخلريات املاديّة ،وابلشغف ابلروحيّات .كما جيب أن نلفت إىل كبح الغضب املدفوع من املصلحة
احلق.
كل خطيئة واحنراف عن ّ
الشخصيّة ،ال "الغضب الكلّي العدل" الواجب ض ّد ّ
اإلجيايب ،ال سيّما أ ّن هذه عقليّة عامةً عن النقد العقيم ،وحتثّنا على العمل ِ
ّ ألحل" تثنينا ّ
إ ّن عبارة "مل آت ّ
ٍ
مبضمون كملوها"
يرتددوا يف استعمال مصطلحات الفلسفة اليواننيّة بل " ّ آابء اجملامع املسكونيّة ،الّذين مل ّ
ثوذكسي.
ّ أر
94
"ليكم َل" الناموس .وحبسب بولس الرسول" ،احملبّة هي كمال الناموس" (رو:13 ّ إذاً ،أتى املسيح
احلق يتماهى واحملبّة .هذا يعين أنّه ما من ح ّق
أظهر لنا أ ّن ّ
حقيقة هللا واإلنسانَ .
َ .)10لقد كشف املسيح لنا
خارج احملبّة ،وما من حمبّة خارج احل ّق .ذلك أل ّن احملبّة ليست مشاعر ظاهريّة ،وال ّ
احلق أمر يتعلّق ابملنطق
اجلامد .فمعرفة احلق هي الدخول يف شر ٍ
كة مع املسيح اإلله واإلنسان. ّ
فظت اجملامع املسكونيّة السبعة شرو َط احملبّة
فمن خالل حتديدها لإلميا َن الصحيح بشخص املسيحَ ،ح ْ
اخلالصة ،ومنحتنا فرصة اخلالص ،الّذي هو الشركة مع املسيح والتّحاد به.
95
األحد اخلامس بعد العنصرة
الشرير
ضعف ُّ
نذهب إىل قطيع اخلنازير"
َ كنت خترجنا ف ْأذَن لنا أن
"إ ْن َ
"شرسني جدًّا"،
اجلرجسيّني ،خرجا من بني القبور ،وكاان َ ِ
املمسوسني الل َذين صادفهما املسيح يف كورة ْ
َ إ ّن
بدت على وجهيهما عالمات عذاب الشياطني، مير من تلك الطريقَ . حّت مل يقدر أحد أن َّ ِ ِ
عدائيَّني وخطَرينّ ،
وقد َس َكنا القبور ،الّيت هي رمز للموت و"لألعمال املائتة" .فالشيطان هو روح ُمميت ،يعيقنا عن القيام بوصاّي
حبجج خمتلفة ،وجيذبنا إىل عمل اخلطيئة املائت.
هللا احمليية ٍ
"شرسان ًّ
جدا" وشريفان يف القلب َ
96
املهمة الّيت تشري إليها قراءةُ إَنيل اليوم ،عن ّقوةِ الشياطني وضعفهم.
ولكن لنرى بعض النقاط ّ
كل شيء يف يد املسيح
ّ
ضجة كبرية حول عبادة الشيطان وعواقبها الفظيعة على اتبعيها .قيل عنها كالم
تدوي ّ
يف الزمن األخري ّ
تتضمن أيضاً تقريب ضحاّي بشريّة .من ذلك
كثري ،مسؤول وغري مسؤول ،كلّه إدانة هلذه العبادة الفظيعة الّيت ّ
كلّه علينا أن نلفت إىل ما يلي:
الضجة احلاصلة أحياانً بداعي نشاطّ التطرق إليها هي التالية :إىل جانب
نود ّالنقطة األخرية الّيت ّ
تفاسري خمتلفة لألحداث احلاصلة .لن
َ وجودها ،فيُعطون
الشياطني وعبادهتا ،يستصعب بعض النّاس أن يقبلوا َ
ننشغل ابألقوال الّيت تقودهم إىل مفاهيمهم اخلاطئة .سنكتفي ابلتوقُّف عند جواب بعض املؤمنني ،الّذين يدينوَنم
َ
آمنت ابهلل ،تؤمن بوجود الشياطني" .هذا صحيحمعربين عن رأيهم هبذا القول" :إذا َ بسبب عدم إمياَنمّ ،
نظن عبادة
ابلطبع ،ولكنّه ُيوي خطراً .اخلطر هو أن نست ّدل على اإلميان ابهلل من اإلميان بوجود الشياطني ،وأن ّ
الشيطان تنفي عباد َة املسيح .والواقع أ ّن بعض الناس يعيشون مسيحيّةً يسيطر عليها حضور الشياطني املرعب.
كل ما ُيصل هلم ،وخوف هللا السالم ّي ليس أمامهم ،بل اخلوف املقلق من يشتبهون بقوى شيطانيّة يف ّ
آخر، ٍ
الشياطني .واحلق ّإَنم يسقطون ،من دون وعي ،يف اإلميان مببدأَين (املانويّة) .يرون الشيطا َن من جهة كإله َ
أي إله الشّر ،ويرون الثالوث الق ّدوس من جهة كإله اخلري.
ولكن الشياطني خملوقات ضعيفة وفاسدة ،ال تقوى إطالقًا على الّذين يعيشون وصاّي املسيح خبلوص نيةٍ
ّ ّ
ويلتصقون به.
98
األحد السادس بعد العنصرة
(مت)18 -1 :9
ّ
99
يتشجع .فكلمةُ املسيح الوجيزة هذه تدلّنا على الدرب املستقيم أيضاً يف مرحلة حرجة من حياتنا
ّ قال له أن
الروحيّة.
عمدوا على اسم الثالوث الق ّدوس .فالناموس طبعاً ،إ ّن الّذين ال يعانون من توبيخات الضمري هم َم ْن مل يُ َّ
ات أخرى كثرية .تُ ِ
داخلُه األفكار املسبقة الطبيعي يعرتض اخلطيئةَ داخلهم ،ولكن صوتَه ضعيف ،وخيتلط أبصو ٍ
ّ ّ
واملفاهيم الوثنيّة .الشيء نفسه ُيصل للّذين ال يصونون نعمةَ املعموديّة املق ّدسة حبياةٍ الئقة .فالروح القدس الّذي
ويؤدبه مبساعدة الناموس املكتوب على التمييز بني احلقيقة والضالل .هكذا مبقداره الذهن َّ أنخذه ابملسحة ُُييي
عمد ،فال يصل إىل دقِّة متييز
يدرك مّت يُرضي عملُه هللاَ ،ومّت يعاكس مشيئتَهّ .أما "غري املستنري" أي غري امل َّ
أن َ
ُ ُ
القوة ذاهتا .إذاً ،أتنيب الضمري هو مننعمة الروح القدس ،وابلتايل ليس للمراقبة الداخليّة ّاملؤمن الّذي يصون َ
"مواهب خت ِم الروح القدس" الّيت أخذانها يف ِّ
سر املريون.
100
بعض
ط َ الصعب .وسوف خن ّ
إ ّن مواجهةَ توبيخات الضمري هي من الفصول املوجعة لعلم دراسة األفكار ّ
اخلطوط األساسيّة بشأَنا.
يغري
توبيخ الضمري هو الطريقة الّيت يستخدمها هللا لكي يوقظنا من الغفوة الروحيّة .فهو يريد به أن َّ
مشاكل كثرية .جيعل
َ ولكن عندما ال يقودان التوبيخ الضمري إىل التوبة ،خيلق لنا
الدرب اخلاطئة الّيت اخت ْذانهاّ .
َ
مرهفاً ،إالّ أ ّن بعض النفوس قد ال تدرك يف احلال سببَه وهدفَه ،فتقاوم بطرائق خمتلفة .من هنا إحساس النفس َ
ُيوَل أملَ أتنيب الضمري إىل أمل التوبة .وهلذا يَصدُّه بعضهم وُياول أن ٍ
حّت يقدر أن ّ احلاجة إىل مرشد مناسب ّ
آخرون ُياولون إزالتَهُ ،مبَ ّدلني أهواءَهم إىل مظهر ينساه ،خمتارا أّناط حياة مليئة ابل ٍ
ضجة الكبرية اخلارجيّة .و َّ ً
شرعي. للناموس ف املخال و ، طبيعي الطبيعي غري ن
ّ أب هم أنفس قنعنيوم ، ابلالهوت مّلالتك حّت أو ال ٍ
فلسفة
ّ ٌّ ّ َ َ ُ ّ
وآخرون يضعفون إزاء هذا التأنيب ،فيَغرقون يف اليأس .كثريون من املؤمنني ينتمون إىل النوع األخري فيجاهدون َ
الشر" أي الشياطني .فاليأس أييت تفاصيل األساسيّة للحرب َّ
ضد "أرواح ّ َ حلفظ وصاّي هللا ،ولكنّهم ال يعرفون ال
من فكرةِ غياب املخرج إزاء أمل أتنيب الضمري .هذا يعين أنّه ،يف العمق ،تسيطر القناعة أب ّن اخلطاّي ال تُ َ
غفر.
احلقيقي لليأس هو
ّ احلق إ ّن السبب
خصم خالصنا حبذاقة كبرية .و ّالروحي الّذي يستغلّه ُ ّ وهذا من عوارض اجلُْنب
نفسنا ،ألنّه ال يقبل أنّنا فعْلنا طوعيًّا ما خيالف إرادة هللا ،وال يدعنا نلتفت بتواض ٍع إىل ِ
رمحة هللا. تقديران أ ِ
كل فك ٍر ّ
يوخبنا من هللا .فكثرياً ما يزرع فينا الشيطان مثل هذه اآلثوسي ،ليس ّ
ّ حسب الق ّديس نيقودميوس
األفكار املباركة ظاهرًّّي هبدف إقالقنا وجعلنا نفقد رجاءان .يستغل كثرياً ثقتنا ِ
بنفوسنا ،فيما األفكار اآلتية من هللا َ ّ َ
سالمية ،ومع أمل أتنيب الضمري ،حتملنا على الرجاء ب ِ
رمحة هللا وصالحه. ّ
لكل و ٍ ِ
احد منّا إ ّن شر َط مغفرةِ اخلطاّي هو الثقة برمحة هللا والثقة بصالحه .وبوساطة املخلَّع ّ
يوجه املسيح ِّ
بين" .فخطاّيان ليست أقوى من رمحتِه. "ثق ّي ّ
دعوتَه ْ
101
األحد السابع بعد العنصرة
واحلرية
العجائب ّ
أين أقدر أن أفعلَ هذا؟"
"أتُؤمنان ّ
(مّت:9
املسيح "يصرخان ويقوالن ارمحنا ّي ابن داود" ّ َ حبسب قراءة إَنيل اليوم ،كان األعميان يتبعان
مستمرة ،مثّ تبعا املسيح .وعندما
ّ اخهما صال ًةصر ُإبحلاح .خر َج ُ
عربا عنه ٍ .)27مل يكتفيا ابالسراع يف الطلب ،بل ّ
أفعل أن أقدر أين "أتؤمنان املسيح: سأهلما ٍ
عندئذ أتيا إىل "البيت" ،تبني أن صراخهما استند إىل ٍ
إميان متني.
َ ّ َ ّ
مس املسيح أعينَهما ِ
هذا؟" فأجااب بدون ت ّردد" :نعم ّي سيّد" .كان اعرتاف اإلميان هذا شرطاً لشفائهما .فلَ َ
مسبقا نتيجةَ فعله ،مثّ أظهَر
(مّت .)29 :9ترك املسيح إمياَنما ُي ّدد ً
وقال" :حبسب إميانكما ليكن لكما" ّ
حقيقي واعرتافهما صادق.
ّ شفاءُمها أ ّن إمياَنما
مبا أنّه اخلالق ،ويعرف كم يعاين املخلوق من طائلة احلقائق الوضعيّة ،الّيت ال تستجيب ملقاصد قلبِه .عندما سأل
األمور يف نصاهبا القانوينّ .فالعجيبة هي نتيجة اإلميان،
وضع َ أفعل هذا؟" َ
أين أقدر أن َ
املسيح األعميَني" :أتؤمنا ّ
102
باعا ُيبّون
باعا له ،مل يُرد أتْ ً
دهش العاملَ ويُنشئ أتْ ً
يصنع العجائب ليُ َ
وليس اإلميان نتيجة العجيبة .مل يُرد املسيح أن َ
خرب تالمي َذ مصلحتهم الشخصية ،بل أراد تالمي ًذا .كان يصنع العجائب من حمبته ملخلوقاته البائسة ،و ِ
أيضا ليُ ًَ ّ َ ّ َ
أتت عجائبُه عالمةً ِحلضوره ،تُنبء الّذين انتظروه مبجيئه ،ولذلك تُدعىموسى واألنبياء احلقيقيّني عن جميئهْ .
شوهواالفريسيّني الّذين نقضوا وصيّةَ هللا من أجل احملافظة على تراثهم اخلاص ،و ّ
وجه إىل الكتبة و ّ "عالمات" .مل تت َّ
تقليد موسى ،بل إىل الّذين عاشوا يف إميان األنبياء.
فقد أ ّكدت "عالمات" املسيح هذا اإلميا َن وك ّملَته .مثّ إ ّن عمق اإلميان يرتبط بعمل القلب يف ٍّ
جو من
احلرية .من هنا أ ّن العجيبة ال تولّد اإلميان .والّذين ال يقتنعون من كالم موسى واألنبياء" ،وال إ ْن قام واحد من
ّ
العجائب
َ حب املصلحةَ الشخصيّة عند الّذين مل ينظروا إىلاألموات يص ّدقون" (لو .)31 :16ولقد وبّخ املسيح ّ
احلق أقول لكم أنتم تطلبونين ليس "احلق ّ
كعالمات ،بعد معجزة تكثري األرغفة اخلمسة و "السمكتَني" ،قائالًَّ :
عين ،ال ألنّكم ألنّكم رأيتم آّيت بل ألنّكم أكلتم اخلبز فشبعتم" (يوٍ .)26 :6
آخر ،قال هلم" :تفتّشون ّ بكالم َ َ
اخلبز وشبعتم".
أين ابن هللا الّذي ّاحت َد بطبيعتكم ،بل "ألنّكم أكلتم َ
اقتنعتم من "العالمات" ّ
يصنع عجائب ويُ ّبني أنّه ابن هللا .ولكنّه مل يصنع عجائب ،أل ّن ِ
يف جتر َبيت املسيح األُولَيَ ْني ،أوح َي له أن َ
الفضويل. تعط جواابً لل ّذهن امللحد العجيبة ال ِ
ّ ُ
الضغط يف عمل اإلحسان
الشفاء
َ لكما"(مّت ،)30 :9يُظ ِه ُر
ّ يف الكلمة الّيت قاهلا عند شفائه األعميّني" :حبسب إميانكما ليكن
اخلاصة
ّ حّت ال نرى العجيبة كعمل ّقوته
ص إمياَنما ،مثّ ترك ّقوتَه تظهرّ ،
تفح َ
نتيجةً إلميان األعميَني .لقد ّ
103
أيضا كيف
احلي ،و ً َّ
وحدها .لقد شارك األعميان يف املسؤوليّة أيضاً ،وهكذا علمنا املسيح كيف تظهر ّقوة اإلميان ّ
إحساس
َ نتصرف والّذين حنسن إليهم .ينبغي أن نسعى جاهدين إىل تقليص األسباب الّيت تولّد عندهمجيب أن ّ
اآلخر.
العرفان ابجلميل .وهذا األمر يتطلّب مشاركةً حقيقيّة ألمل َ
ِ
حب الذات يكتسب
فمن ينعتق من ّ
أبداَ .
نشجع على نكران اجلميل ،كالّ ً
حنن ال نريد هبذا الكالم إن ّ
الروحي املرهف الكبري ،يعرتف ابجلميل
ّ بصنيعه .وبفضل إحساسه ُيب هللاَ ويعرتف َقلبًا مليئًا بعرفان اجلميلّ .
لكل الناس أيضاً ،ممَّن سامهوا يف مسريتِه الروحيّةّ ،إما ابإلحسان أو ابلتجارب .إالّ أ ّن العرفان ابجلميل لدى
ِّ
حلريتِه.
يتنق من األهواء ،هو ثقل ال ُُيتَمل ويشعر به كأنّه قيد ّ
اإلنسان الّذي مل َّ
ٍ
عندئذ نكون ح ّكاماً اآلخرين العرفا َن ابجلميل ،هذا يعين أنّنا َنهل طبيعتَنا.
عندما ُحنسن ونطلب من َ
احملسن
مربًرا أش ّد التربير ،ولكنّه ضغط يف عمق أعماق النفس .وإ ّن إنكار اجلميل عند َ
ط َّأردّيء ألنّنا ّنارس ضغ ً
إحساس العرفان ابجلميل .تُعارض احملسنني
َ يدل على أ ّن النفس الّيت تسيطر عليها األهواء ال حتتمل إليهم قد ّ
بكل
حريتَها .لذلك عندما حنسن ،ال ينبغي أن نطلب اجلزاء .بل علينا أن حناول ّ كأَنم أعداء يغتصبون ّ إليها و ّ
الشعور ابإلحسان .هذه إحدى امليزات الدقيقة و "العجيبة" للحياة يف املسيح. احملسن إليهم ّ ٍ
طريقة أن َننّب َ
اآلخرون إبحساننا ،بل حنن أنفسنا
وهذا ما تعنيه قولة "ال تعرف مشالك ما تفعل ميينك" .ليس فقط أالّ يعرف َ
أالّ نعرف به ،أي أالّ نتكلّم عنه إيكرام وال حنفظه يف ذاكرتِنا.
احلرية.
اليوم يعلّمنا املسيح طريقةَ اإلحسان العمليّة الّيت ال تستعبد ّ
104
األحد الثامن بعد العنصرة
ِّ
املقربون واملق هربون
"أخذ األرغفةَ اخلمسة والسمكتّني ،رفع نظرَه حنو السماء وابرك"
السمكتني حتمل معاين كثرية لعص ِران املرّكِز على اإلنسان والرفاهيّة.
إ ّن عجيبة تكثري األرغفة اخلمسة و ّ
أتمله من جوانب كثرية .وابختصا ٍر ،يَ َس ُعنا القول إ ّن ِ
تدخل املسيح كخالق يف مشكلة اخلمسة آالف رجل ميكن ّ
ف ّ
ويقرُهبا لآلب
يكشف عن هللا كخالق ،وأيضاً كرئيس كهنة عظيم للخليقة .فاملسيح أيخذ اخلليقةَ ّ ُ هذا العمل
"أكل اجلميع فشبعوا" .يف طريقة صنع العجيبة -
السماوي ،مثّ للناس بعد أن تتبارك ،فتبقى "من غري أن تنفد"َ .
ّ
املقرب" لكن ِّ
"املقرب و َّ لسر اإلفخارستيّة اإلهليّة .و ّ
اآلابئي رمساً ُمسبقاً ّ وابرك" ،-يرى تراثنا
نظره حنو السماء َ
ّ "رفع َ
َ
نزل من السماء" (يو .)58 :6أل ّن ما ّقربه املسيح لآلب سر الشكر هو املسيح نفسه" ،اخلبز الّذي َ يف ّ
اإلهلي. السماوي هو طبيعتُه البشريّة ،أي أ ّن املسيح هو ِّ
املقرب ،القابل واملوزَّع" كما نقول يف الق ّداس ّ
"املقرب و َّ ّ
و"املقرب". املقرب" ٍ ٍ
َّ كإله هو "القابل" القرابن ،بينما كإنسان هو " ّ
أيضاّ .أما
إ ّن تشبُّ َهنا الكامل ابملسيح هو أمر مستحيل .فهو إنسان كامل ولكنّه حبسب الطبيعة إله اتمٌّ ً
أردان احلفا َظ على
سلك هو ،هذا طبعاً إ ْن ْ
السلوك ضمن اخلليقة كما َ
حنن فصورة عنه ،ما يعين أنّه علينا حماولة ّ
نقرب
مستمرا ،حبيث ّ
ًّ صورة هللا فينا .سلوكنا (حياتنا) حبسب مثال املسيح ينبغي أن يكون فعال كهنوتيًّا
اخلليقة ونفوسنا هلل.
املُ ِّ
قربون
105
خاص
خاصته ألنّه ُمبدعهاّ .أما حنن فال ّنلك ما هو ّ ابان هلل اآلبّ .إَنا ّ
املسيح هو الذي يرفع اخلليقة قر ً
خنلق شيئاً من العدم .وهكذا أنخذ ممّا أعطاان هللا ونق ّدمه له ،وحنن نشعر يف
بنا من اخلليقة ،ألنّنا ال نقدر أن َ
اإلهلي قائلني "الّيت لك ممّا لك نق ّدمها لك".
األعماق أنّه ليس ملكنا .هذا ما نعرتف به حقيقةً يف الق ّداس ّ
وتقريب اخلليقة هلل ُيصل بطرائق كثرية ،سنشري إىل بعضها فيما يلي.
ضمريان
ظ َ -"3إ ّن ضمريان يشرف على عالقتنا ابألشياء املاديّة .يقول األنبا دوروثيوس إنّه جيب أن حنف َ
نرتك
الروحي املرهف .ال ينبغي أن َ
ّ نقيًّا جتاه األشياء املاديّة .هذا يتطلّب إحرتاماً للخليقة أييت نتيجةً إلحساسنا
أيضا .هنا تثري انتباهنا حركة تالميذ
ألي شيء إىل احملافظة عليه ً شيئاً ليَتلَف .جيب أن هتدف طريقة استخدامنا ّ
سر الفاضلة بعدما أكل اجلميع "فشبعوا" .وفقاً إلَنيل يوحنّا متّ هذا بوصيّ ٍة من املسيح، ِ
املسيح الّذين مجعوا الك َ
"لكي ال يضيع شيء" (يو .)12 :6إ ًذا ،يكون ضمريان نقيًّا جتاه األشياء عندما نستخدمها بطريقة موافقة ِ
ملشيئة
وخنضعها
حنرر اخلليقةَ من سوء استخدامنا هلا ُ
التدبرييّ .
ّ هللا .وعندما نصغي إىل الضمري ،نشرتك يف عمل هللا
لسيادة املشيئة اإلهليّة.
106
ي
اإلهلي ،أو الزيت كعنصر م ّاد ّ
صني للق ّداس ّ املخص َ
َّ نقرب اخلليقةَ هلل بشكل اخلبز واخلمر
-"4أخرياًّ ،
كري األمثار وأتعابَنا للكنيسة عربون شكر ،وأيضاً
نقرب بوا َ
ملسحة الزيت ،أو املاء يف خدمة تقديس املاء ،كما ّ
تعرب عن
نقرب اهلداّي املاديّة شكليًّا أو من ابب العادة فحسب ،بل جيب أن ّ
لكي تَتبارك .ولكن ال ينبغي أن ّ
تقريب حياتنا كلّها إىل هللا.
املق هربون
كل ِ
إ ّن تقريب نفوسنا هلل مي َارس أبكثر نقاوة من خالل عمل الصالة .الصالة تُرغ ُم املصلّي على إبعاد ّ
اخلاصة بشأن هللا والعامل .الصالة
ميت إىل املصلحة الشخصيّة ،وعلى إنكار أوهامه ومفاهيمه ّ فك ٍر من األهواء ّ
الصالة تعلّم احملبّة الّيت تعطيها
جسدا ،ذبيحةً حيّةّ .
نفسا ً جتتذب نعمةَ هللا إىل اإلنسان ،فيق ّدم هلل كيانه كلّهً ،
أبعاداً كونيّة ،وهكذا تنشر بركةَ هللا الكلّي الصالح يف املسكونة كلّها.
هللا يبارك اخلليقةَ ،ويكثّر اخلريات وينقلها للناس حسب مصلحتهم احلقيقيّة .حنن َمدينون "بعضنا
حبم ٍد وشك ٍر لكي يباركه.
كل ما بني أيدينا من عناصر اخلليقة هلل ْ
نقرب ّ
لبعض" ،وعلينا أن ّ
107
األحد التاسع بعد العنصرة
اجلرأة واخلالص
"فمرين أن آيت إليك على املاء"
ْ
يتم هذا اللقاء على ٍ
خضم عواصف األحوال السيّئة والظروف الصعبةّ .
يتم لقاءُان ابملسيح يف ّ
مرات كثرية ّ
ّ
انتباهه حنو "الريح املعاكسة" ،فريى
يوجه َ كل َمن ّ
وتغر ُق ّ
"أرض" ال يثبّتها غري اإلميان .فقلّةُ اإلميان تفتح الوهد َة ّ
بقوة الكلمة الّيت أبدعت الطبيعة .ذلك أ ّن لقاءَ املسيح
يشك ّ
هياج عناصر الطبيعة وبسبب منطقه اململوء جبنًا ُّ
يف التجارب الكبرية ُيتاج إىل جرأةٍ ونكر ٍان للذات .علينا أالّ ننسى أنّه داخل اضطراب األمواج مل يقدر التالميذ
الوديع املتواضع القلب،
َ املتجسدة،
ّ الكل مألهم خوفاً ،وظنّوا أ ّن احملبّة
يتعرفوا وجه معلّمهم .فحضوره الضابط ّ
أن ّ
خضم البهي يف ٍ
ّ درك بسهولة وجهَ املسيح ّ جمرد َخيال" ،ومن اخلوف صرخوا" .إ ًذا حنن ال نستطيع أن ن َ هو ّ
األحوال الصعبة ،أل ّن حضوره خييفنا .نقاوم رؤيته ابلصراخ ،وال أعين ابلصالة بل بصوت الفزع واليأس اللّذين ال
أيتيان بنتيجة .طبعاً ،إ ّن املسيح ال يرتكنا يف اضطراب أمواج األفكار املظلمة ،بل يُعطينا الشجاعةَ بكلمته
يتوجه إىل مسعنا .عندما ال يراه ذهننا،
"تشجعوا أان هو ال ختافوا" .وألنّنا ال نستطيع أن ندرَكه أبعني نفوسناّ ،
ّ
يسندان بسماع كلمته .يف هذه احلالة حنتاج إىل جمازفة بطرس الرسول اجلريئة "ّي سيّد إن كنت أنت هو ُ
فم ْرين أن
(مّت .)28 :14وليست كلمةُ بطرس هنا تعبرياً عن نقص يف اإلميان ،بل تعبرياً عن احملبّة
آيت إليك على املاء" ّ
لكن اخلوف من الضالل الروح "هل هو من هللا" (1يو .)1 :4أجل رغب يف لقاء معلّمه ،و ّ
ب َ والتّمييز .لقد َجَّر َ
بعض خفاّي حمبّة املسيح غري
تفحص حقيقة األمر الظاهر .بدأ يفهم يف ختبّط األمواج َ حد من شوقه ،لذلك ّ َّ
امل ْدركة .طلب عطيّةَ هللا الّيت تزدري ابملخاطر ،ويف الوقت نفسه أخر َج ذاتَه من أمان املركب إىل هياج األمواج.
ُ
108
خاطر حبياتِه لكي يلتقي ابملسيح ،ترسم معامل مسريتِنا
َ إن جرأة بطرس الرسول املليئة ابجملازفة ،وقد
خضم حياتنا اليوميّة اهلائجة املليئة ابملخاطر املفاجئة.
الروحيّة ،يف ّ
اجلرأة واخلوف
عتباطية
اجلرأة واال ّ
109
وخالصنا .مسريتُنا هي رقص
ُ لكن ما َنازف به هو حبّنا لذواتنا ،وجمدان الفارغ ،وراحة أهوائنا ،ال إميانُنا
اهلواء .و ّ
كل عج ٍز رذيلتان تبعداننا عن اهلدف.
كل مبالغة و ّ
على احلبل ،أل ّن ّ
احلرية الّيت يتن ّفس هبا
فهم ّصل بني اجلرأةَ والطاعة لتعاليم اآلابء الق ّديسني .هؤالء أساؤوا َ
بعض النّاس فَ َ
ُ
أنفسهم مستقيمي الرأي ،فيما يتجاسرون على تفسري املوضوعات الالهوتيّة وحتليلها اآلابئي .فهم ُيسبون َّ تراثنا
تكفلها خربةُ ق ّديسينا .إ ّن اآلابء الق ّديسني "جازفوا" من خالل نسكهم وحمبّتهم .مل أيسفوا علىبطريقة ال َ
يسرون كلّما محلهم
اضع ،لذلك كانوا ّ
اجلسد للنفس وأحبّوا التو َ
َ خالصهم حقًّا .أخضعوا
َ ألَنم أحبّوا
أجسادهمّ ،
تدعم الفرديّةّ .أما حنن ،فبالتفاسري
اإلميان وحمبّة الناس على "اجملازفة" بكرامتهم ومقامهم ،أي ابألمور الّيت ُ
اإلعتباطيّة ال َنازف بفرديّتنا بل خبالصنا .ذلك أ ّن روح الفرديّة حتطّمها الطاعة .فاجلرأةُ غري املنهزمة تتول ّد من
خوف االبتعاد عن هللا ،وليس لديها أيّة عالقة ابالعتباطيّة .فيما اجلرأة اإلعتباطيّة تتولّد من انعدام اخلوف ،أي
من الضالل.
كأَنا أرض
اخترب ّقوةَ كلمة املسيح .كان يدوس املياه و ّ
عندما اجرتأ الرسول بطرس على َخوض األمواج َ
خاصَتها الطبيعيّة ،فبدأ خياف.
انتباهه ،لذلك أظهرت املياه ّّيبسة .غري أ ّن ّقوَة الرّيح وهتديد الطبيعة انتزعا َ
الذهيب الفم أ ّن املسيح أنّبَه وأَنضه من غري أن يوقف رب َنّين" .هنا يالحظ الق ّديس يوحنّا ٍ
ّ عندئذ صر َخ "ّي ّ
جترأ الرسول بطرس
يغرق بسبب هياج الرّيح ،بل لقلّة إميانه .فقد ّ يوضح له أنّه مل ْ
َ هبوب الرّيح .لقد أراد أن
َ
جترأ وقام أبصعب األمور .وفيما هو يعيش األعجوبةَ خاف الرّيح عندما صار قريبًا من املسيح
وخر َج فوق املياهّ ،
يد أُّنُلة .ولكن" ،ال يستفيد اإلنسان شيئاً ولو كان أقرب ما ميكن إىل املسيح إن مل يقرتب عن إميان".ِ
قَ
110
صرخة صالة .هكذا يعلّمنا كيف أ ّن ُجلّة التجارب الّيت حتاول أن
َ إ ّن نتيجة عدم إميانه أخرجت منه
تنجينا ِ
حتولنا من أانس خائفني إىل أانس جريئنيّ ، تغرقنا ،تصبح من جديد أرضاً اثبتة .الصالة تُتح ُدان ابملسيحّ ،
ّ
عدم إمياننا إبظهار اإلميان الّذي يصنع العجائب.
من الغرق وتصلح َ
111
األحد العاشر بعد العنصرة
(مت)23-14 :17
ابلصرع بعد نزول املسيح من جبل التجلّي ،جبل اثبور .فاملسيح،وقعت حادثة شفاء الشاب املصاب ّ ْ
وعجزه عن معرفة "خالقه".
عدم إميان الكونَ ،
جمد هيأته اإلهليّة "ملُختاري التالميذ" الثالثة ،يواجه َ
بُ َعيد إظهاره َ
ابلصرع إليهم ،ولكنّهم مل يقدروا أن
األب احلزين ابنَه املصاب ّحّت التالميذ اعرتاهم عدم اإلميان .لقد أخذ ُّ
ف ّ
يشفوه .فلئن أخذوا موهبةَ إخراج الشياطني "ابسم" املسيح ،إالّ ّأَنم مل يستطيعوا يف هذه احلالة أن يعملوا
ابملوهبة .حبسب قول املسيح ،لقد حدث هذا "لعدم إمياَنم" .فالصالة "ابسم" املسيح تتطلّب إمياانً حيًّا
أبمساء كثرية .ويف حني أتنّسه ،أظهر نفسه لنا ابسم "يسوع" الّذي معناه هللا ٍ نفسه
أظهر َبشخصه .إ ّن هللا َ
ٍ
وخبوف وتقوى وحمبّة .ال نعطي األلفاظ حقيقي ابإلميان، املخلّص .إذاً ،يف صالتنا ،حنن نلفظ أمساء هللا ابعرت ٍ
اف
ّ
اليت حتمل إسم االله ّقوة ِس ْحريّة .ولكن عندما نتل ّفظ هبا إبميان وتقوى" ،حقًّا إنّنا مجيعاً ّنتلك هللا مع لفظنا
ٍ
عندئذ ،ننال ما نطلبه. أمساءه" كما يقول األرمشندريت صفرونيوس.
حتول اإلنسا َن الضعيف إىل ملك على اخلليقة كلّ ّي القدرة .حبسب الق ّديس
اجلبال ،و ّ
اإلميان هو ّقوة تنقل َ
بقوة مسيطرة على اخلليقة ،وأكثر
جيعل اإلنسا َن مشاهباً لإلله اخلالق .هذا يعين أنّه مي ّده ّ
اسحق السرّيينّ ،اإلميان ُ
ٍ
خليقة جديدة كما يفعل هللا ...ومراراً يستطيع أن من ذلك ،جيعله خالقاً من العدم" .أل ّن لإلميان سلطة إبداع
الكل من العدم" (الق ّديس اسحق السرّيينّ) .فإذا أخذان بوصف الق ّديس اسحق هلذا اإلميان ،ليس من يصنع َّ
سري
القوة الّيت تنظّم َ
مكان عند املؤمن لفقدان الرجاء .ال يتزعزع إذا جرت الظواهر الطبيعيّة وفق سنّتها .ذلك أ ّن ّ
األمور كامنة يف داخله.
112
املسيح يربط اإلميا َن ابلصالة والصوم .يف البدء قال إ ّن التالميذ تع ّذ َر عليهم
َ يف قراءة إَنيل اليوم ،نسمع
شفاء الشاب بسبب عدم إمياَنم ،مثّ علّ َم أ ّن هذا اجلنس (من الشياطني) "ال خيرج إالّ ابلصالة والصوم" .إذاً من
املفيد أن نرى كيف يرتبط اإلميان ابلصالة والصوم.
اإلميان والصالة
موحد،
الداخلي غري َّ
ّ الداخلي يف نفسنا هلا أتثري على صالتنا .فعندما يكون إنساننا
ّ إ ّن حالةَ اإلنقسام
عدو خالصنا ،ويرتعدّ .أما الصالة ،فهي
يتسمر يف إسم هللا ،بل ينغلب لألفكار الّيت يزرعها ّ
يتشتّت إنتباهنا وال ّ
توحد اإلنسا َن داخليًّا عندما يُل ِه ُمها اإلميان .فاإلميان هو يقني القلب أ ّن هللا كلّ ّي القدرة ،وممتلىء من احملبّة .إنّه
ّ
الداخلي على النفس ،الّذي
ّ القليب أييت نتيجة العمل
قليب" ،رؤّي وإدراك يف القلب" .هذا النوع من اإلميان ّ
حس ّ ٌّ
العقلي" ،الّذي يدفع املرءَ إىل اجلهاد ض ّد األهواء
ّ يبدأ ابلتسليم لعقائد التقوى .هذا يعين أنّه ينطلق من "اإلميان
ثوذكسي واملذاهب
ّ األساسي بني اإلميان األر
ّ ثوذكسي قيمة عمليّة كبرية .فالفارق
ّ واخلطيئة .من هنا أ ّن لإلميان األر
األخرى هو أ ّن هذا اإلميان يقود اإلنسا َن إىل جهاد التوبة والتطهري ،ويرفعه إىل "املثال" ،وميكنه أن يولّ َد فيه
القليب.
اإلميا َن ّ
اإلميان والصوم
الصوم مرتبط ابلصالة وبتجديد اإلنسان ،وكالمها نتيجةُ عمل اإلميان .وممارسة الصوم مبا يوافق اإلميان
ُ
للمعزي .غري ّأَنا وفق تعليم الفيلوكاليا ،ال
القومي شرط الكتساب سائر الفضائل ،الّيت جتعل اإلنسان إانءً صاحلًا ّ
حده ابهلل .فالصالة هي الّيت توفّ ُر لإلنسان إمكانية اال ّحتاد ابهلل.
تُْت ُ
مثال املسيح،
مباشراً .حنن نصوم ألنّنا بذلك نتّبع َ
صوم الكنيسة يرتبط ابإلميان ارتباطاً َ
إذًا من الواضح أ ّن َ
كلمتهم .ونقوم هبذا العمل ألنّنا نبتغي تنقيةَ ذهننا من اخلياالت الّيت يولّدها االستعباد للّ ّذات
ورسله ،ونطيع َ
العقلي إىل
ّ نصل من اإلميان
مرهفاً مبفاعيل النعمة اإلهليّة .ونصوم ألنّنا نريد أن َ
يكتسب إحساساً َ
َ املاديّة ،لكي
ّ
القليب.
اإلميان ّ
الصوم عن اإلميانَ ،نعله عمالً بشرًّّي ،وترويضاً لإلرادة ال خيرجنا من دائرة املوتّ .نارس
َ نفصل
ُ عندما
َندف إىل ل ّذة الروح ،يف
بوذي .عندما نسعى إىل إماتة ل ّذة اجلسد من غري أن َ الصوم كالبوذيّني ،ونقوم ٍ
بعمل ّ َ
عالقة شخصيّة مع هللا ،نصري أعداءًا للحياةُ ،مستَعبَدين للعقليّة البوذيّة الّيت تنظر إىل احلياة البشريّة نظرةً سلبيّة.
اإلهلي.
إ ّن الضالالت كلّها تنشأ عن الفصل بني احلياة واإلميان ،والفصل بني املمارسة اليوميّة واإلعالن ّ
ِ
مبمارسة الصالة والصوم ،فيُبيد الضالالت كلَّها ،ويطرد الشياطني الّيت ختلقها. ّأما اإلميان القومي ،املتّحد
114
األحد احلادي عشر بعد العنصرة
115
كل اجتماع
عبيده" داخل الكنيسة دائماًُّ .السماويُ" ،ياسب َّ اإلَنيلي هو اآلب
ّ إ ّن "امللك" يف املثل
اإلهلي هو اتصال ابهلل اآلب ،الّذي يرّكز ّأوالً على العفو عن ديون الناس
للمؤمنني ،سيّما االجتماع يف الق ّداس ّ
"كمدينني بعشرةِ آالف وزنة" لنطلب االنعت َ
اق الروحيّة .فالكنيسة "خيمة اجتماع هللا مع الناس" ،ندخل إليها َ
أنفسنا أيضاً.
آخر طالبني أمور أخرى ،هذا يعين أنّنا َنهل رسالتها و َمن ديوننا .وعندما ندخل الكنيسةَ بفك ٍر َ
حضر املدين بعشرة آالف وزنةَ كل زواّي حياتنا .لقد
ّ احلي أب ّن هللا حاضر يف
ّ بديْنِنا هو نتيجة اإلميان
فاإلحساس َ
َ
ِ
ق ّدام املَلك ،وكلّمه وجهاً لوجه .هذا ما حيصل معنا عن طريق الصالة الصادقة ،الّيت هي اخلروج من ّ
التفرد يف
احلي .فهذا احلوار يكشف لنا شخصيّ تَنا احلقيقيّة،
الكالم عن طلباتنا الشخصيّة واإلنفتاح على احلوار مع هللا ّ
ويبني لنا ثروتنا املسلوبة املختلَسة من مال غريب .هكذا نكتشف ق ّدام هللا جلّةَ شروران.
ّ
ين كان قرضاً" .فتحنّن سيّ ُد
الد َ
اإلَنيلي فيما بعد إ ّن َ
ّ "قُ ّدم إليه واحد َمدين بعشرة آالف وزنة" .يقول لنا
(مّت .)27 :18ولكن ما هو القرض الّذي أنخذه من هللا وحنن َمدينون إبرجاعه؟ ذلك العبد وترك له ديونَه" ّ
كمدينني بسماع آالف ٍ
كل كلمة إهليّة نسمعها يف الكنيسة ،إنّه "أقوال هللا" الّيت نُدان عليها " َ
قرض هللا هو ّ
األقوال من هللا ...أو مبئة وزنة" (الق ّديس غريغوريوس ابالماس) .فاهلل يعطينا نعمتَه دائماً "وبطرائق كثرية" ،وحنن
كل وجودان إىل هللا ،وإحياء صورة
بذار الفضائل يف داخلنا .إيفاء الدَّين هو إعادة ّ
ندين له ابستثمارهاُ ،منَ ّمني َ
هللا فينا .حنن ندين هلل بعطاّيه ،كما لو بعشرة آالف وزنة ،عندما تبقى النعمة الّيت متأل قلبَنا ابلقراءات والرتاتيل
القوة
يف الكنيسة غري فاعلة .ولكن عندما نشعر بديَننا وضعفنا يف العيش وفق روح الكلمة الكنسيّةّ ،نلك ّ
"متهل علينا."...
إليفائه ابلصالة املتواضعةّ :
شروط الغفران
116
اثنيًا ،طلب الرمحة بتواضع.
العبد (املدين
عاد ُ َ ابعا ،انعدام الشفقة لدى العبد جتاه رفيقه ،وما فيه من نكران لرمحة السيّد ،وبسببه
ً ر
َ
كم ِدين.
األول) إىل وضعه َ
ّ
الشكلي .فاهلل
ّ سر اإلعرتاف
سر مغفرة اخلطاّي ،الّذي ال يتوقّف عند ممارسة ّ
ضمن هذه املسرية يرتسم ُّ
يتم فيها انتقال نعمة هللا آليًّا .مثّ إ ّن االعرتاف
جمرد إجراءات شكليّة ّ
يعطي مغفرَة اخلطاّي ضمن شروط ،وليست ّ
سر اإلعرتاف
وحّت اجمليء إىل ّ
ننس أن كثريين يعرتفون خبطاّيهم ابفتخارّ .
ابخلطيئة ليس دائماً برهاانً للتوبة ،وال َ
خالصي ،عندما يرتبط "مبعرفة الذات" ،إبدانة
ّ يتم دائماً بصدق .فاالعرتاف ابخلطيئة هو بطولة ،هو عمل ال ّ
الذات ،وابلرغبة يف تغيري طريقة احلياة ويف إمتام مشيئة هللا يف حياتنا الشخصيّة.
ينقاد اإلنسان إىل االعرتاف بسبب الضغوطات النفسيّة الّيت ُُيدثها تقديره الكبري لذاته.
من املمكن أن َ
كل شيء ،عندما نعطي يلوث أقدس نواّي النفس .قبل ّ فإ ّن هوى الكربّيء الدقيق جدًّا والّذي تصعب غلبتُه ّ
طابعا قانونيًّا ،قد تصدر رغبتنا يف نوال املغفرة عن األاننيّة .وميكننا إدراك ذلك من عالقاتنا ابلناس
عالقتنا ابهلل ً
اآلخرين ،كما العبد يف
اآلخرين .عندما يتملّكنا روح الغرور واالستعداد إىل االنتقاد ،ونكون قساةً جتاه زالّت ََ
مرة إىل إحياء شعوران اجملروح بنقاوتنا الداخليّة.
كل ّ
سر اإلعرتاف حاجتُنا يف ّ
املثل ،من املُحتمل أن تقودان إىل ّ
لكن من يتوب حقًّا ال يف ّكر هكذا .فهو ال يدين اآلخرين ،وال يف ّكر يف عدم مساحمة " رفقائه العبيد " "من و ّ
مهم
سر اإلعرتاف أمر ّ خلاصة .طبعاً إ ّن مزاولة ّ
القلب" ،ألنّه يشعر أب ّن حياتَه كلّها تعتمد على مغفرة زالّته ا ّ
ٍ
بسهولة كلّما حنرتق من حّت ولو يف غياب الشروط املناسبة .فنحن بقرب نبع نستطيع به أن نروي ظمأان جدًّاّ ،
العطش.
117
غري مس ّدد. ِ
إ ّن هللا يرتك لنا "ديوننا" ويطلب منّا الرمحةَ والشفقة واحملبّة حنو إخوتنا البشر ،وإالّ بَق َي َدينُنا َ
فعالقتنا ابهلل تنتظم حبسب مواقفنا جتاه الناس.
118
األحد قبل رفع الصليب
119
"من له سلطة املوت" أي
املسيح عليه َ
ُ سحق
حسب وصاّي هللاَ ،فرَمَزت إىل الصليب ،وإىل عود اخلالص ،الّذي َ
الشيطان.
اإلميان والصليب
كل من يؤمن به" ابن اإلنسان لكي ال يهلك ُّ الربية ،هكذا ينبغي أن يُرفع ُ "كما رفع موسى احليّة يف ّ
(يو .)15 -14 :3يف هذه اآلية الكثيفة ابملعاين ،نرى اإلميا َن مرتبطاً ابلصليب ،حامالً احلياةَ األبديّة كنتيجة.
120
"كل من لُدغ
وهكذا ،يوازي اإلميان بشخص املسيح رؤية احليّة النحاسيّة آنذاك .ابلنسبة إىل احليّة النحاسيّةّ ،
فكل َمن يؤمن به ...له احلياة األبديّة".
ونظر إليها ُييا" (عددّ ،)8 :21أما اآلنّ " ،
َ
ثوذكسي هو صليب ألنّه ُيوي كلمةَ الصليب ،الّيت هي "عند اهلالكني جهالة ،و ّأما عندان
ّ اإلميان األر
مصلواب" ،ويرشد
ً وإّيه
ثوذكسي يكرز "بيسوع املسيح ّ
ّ حنن املخلَّصني فهي ّقوة هللا" (1كو .)18 :1فاإلميان األر
املؤمنني إىل مشاركة نعمة الصليب .وإّّنا نشارك نعمة الصليب ابلطاعة ملشيئة هللا ،الّيت مراراً كثرية تصطدم
نسمر جسد اخلطيئة طوعاً
احلقيقي ،عندما ّّ يتم انتصاران
مبشيئتنا الذاتيّة الفانية اخلاطئة .وإثر هذا االصطدامّ ،
الطوعي.
ّ على صليب وصاّي املسيح .فهذا األمل يتولّد من اإلميان ،واإلميان يقودان إىل أمل التوبة الشايف
إنّنا نعيش يف عص ٍر يعارض سلوك الكنيسة يف هذه املصلوبيّة .اإلنسان املليء ابألهواء يُعتَرب إنساانً
كل احلقائق .وفق عقليّة العامل املعاصر ،يريد كثريون أن تكون الكنيسة متساهلة
"طبيعيًّا" وقد أمسى مقياس ّ
تربر خطيئته ،بل تعطيه ّقوةً ليتخلّص منها.
احلق إ ّن الكنيسة رؤوفة ابخلاطىء ،ولكنّها ال ّ
واخلطيئة .و ّ
121
إ ّن اإلميان بصليب املسيح وقيامته هو شركة مع القائم من األموات الّذي غلب املوت .هذه الشركة الّيت
تذوق ُمسبق حلياة الدهر
هي طاعة ملشيئته وصالة ابمسه ،هي رؤية "كما يف مرآة" ،أي ّأَنا مل تكتمل بعدّ .إَنا ّ
اآليت.
122
األحد بعد رفع الصليب
صليب العائلة
ُ
"من أراد أن يتبعين ،فلينكر نفسَه"...
فاليوم مبوجب دعوة املسيح "من أراد أن يتبعين ...فليحمل صليبَه ويتبعين" ،ومبا أ ّن سنة 1994قد
تكرست للعائلة ،سنرسم يف بعض اخلطوط كيفيّة عيش الصليب يف حياة العائلة.
ّ
123
صليب العالقة الزوجيّة
كل إنسان لديه اترخيه اخلاص وتراثه .وإ ّن اجتماعيتكرر وجودهّ . كل إنسان هو شخص فريد وال ّ ّ
عضوي ُلرتاثَني خمتلفني .عاد ًة عندما يفقد الزوجان محاستهما اخلارجيّة األوىل ويعرب
ّ شخصني ابلزواج هو تصادم
وجي إىل مرحلة أعمق ،تظهر تضارابت وانشقاقات تتطلّب نضوجاً كبرياً لكي يتخطّياها .والكنيسة ،من
الز ّ
اللقاء ّ
لزوجني مساعدةً جوهريّة .ال تفحص
املعرب عنهما أيضاً يف طقس الزواج ،متنح ا َ
سر الزواج وتعليمهاَّ ،
خالل نعمة ّ
تشق
البشري مأزقاًّ .إَنا ّ
ّ أكثر من خمرٍج حيث يرى املنطق
كل شيء ،ولذلك تُعطي َ األمور كأ ّن اإلنسا َن هو مركز ّ
َ
العالقة الثنائيّة للزوجني وجتعلها ثالثيّة .فاملصلحة الشخصيّة دائماً تتد ّخل بني اإلثنني ،ولكن عندما تُضاف إىل
آخر ،فتكتسب ّإجتاهاً روحيًّا. انمضمو العالقة أتخذ ٍ
عندئذ الروحي، األب
َ ً ّ الزوجني حقيقةُ الكنيسة الّيت يظهرها ّ ّ
وسر الشكر واملسيح. ال يبقى مرجع ارتباط اإلثنني يف شخصيهما وال يف عالقتهما ،بل يف الشركة مع الكنيسة ّ
تتقوى عالقةُ الزوجني ضمن الشرك ة مع الكنيسة .اهلدف هو كماهلما يف املسيح ،وجتاوز الرتكيز سر الزواج ّ
يف ّ
قانوينّ ،يعرتف بشخصني كزوجني ،بل جمرد عقد ٍ التمرس يف احملبّة .الزواج ليس أمراً سهالً وال هو ّ
الشخصي ،و ّ
ّ
ٍ
وإرشاد مستنري .إ ّن دورة "ّي وسر عظيم .يتتطلّب صلباً ،وُيتاج محل الصليب بتوفيق إىل ّقوة نعمة هللا هو نري ٌّ
إشعيا اطرب مرتكضاً" ،حتمل معنًا الفتًا ،فالرقص هو رمز احلياة الّيت يرشد الكاهن الزوجني إىل درهبا ماسكاً
اإلَنيل ،فيما نسمع أيضاً طروابرية "أيّها الشهداء الق ّديسون الّذين جاهدمت حسناً وتكلّلتم" .إ ّن الكاهن يرشد
الزوجني إىل اجلهاد يف اكتساب احملبّة احلقيقيّة بنور اإلَنيل وليس آبرائه الشخصيّة.
إذا كانت عالقةُ الزوجني احلقيقيّة صليباً ،فهذا يصري أثقل عندما يظهر األوالد .املوضوعات الّيت نتناوهلا
عامة حم ّددة كما يف بعض املؤلّفات
اليوم مع ّقدة وال جتوز لنا املبالغة يف تبسيطها .حنن َند مرجعنا يف مبادىء ّ
نتوجه إىل ٍ
أانس هم أعضاء الكنيسة األرثوذكسيّة .يف العالقة مع األوالد املميّزة ،آخذين بعني اإلعتبار دائماً أنّنا ّ
نريد أن نش ّدد على النقاط اآلتية:
124
الفن يف
-1ال أيخذ األوالد منّا ما نريد أن ننقلَه إليهم بل ما حنن عليه .احملبّة والصدق يف حياتنا مها ّ
تربيتهم .فمهما نقول هلم من التعاليم العقليّة ،ومهما نتّبع من أساليب الرتبية ،إذا مل نؤمن مبا نقوله ،سيأخذ
ردةُ
اخلاصةّ .
األوالد أخرياً بعدم إمياننا .خيلق األهل توتّرات كثرية يف عالقتهم أبوالدهم عندما يرون فيهم أهواءَهم ّ
رد َة الفعل الوحيدة اإلحساس ابملسؤولية والتوبة والصالة.
الفعل هذه غريزيّة ،واألجدر أن تكون ّ
ُيصل إن
َ -3جيب أن نعطي لألوالد إمكانيّة اكتساب عالقات صحيحة ابلكنيسة .هذا ميكن أن
ٍ
بشكل صحيح .طبعاً جتوز اإلستثناءات ولكن هذا هو املبدأ .ينبغي أن نقيم عالقة بني عشنا حنن يف الكنيسة
ومنصة القراءة والرتتيل ،والطقوس ،وأن نقيم رابطًا بينهم وبني شخصيّات الكنيسة-
األوالد والكنيسة ،واهليكلّ ،
جو صالة ،حبيث
جو بيتنا ّ
نظام بيتنا ،وصار ّ
نظام الكنيسة َ
أيضا .إذا أصبح ُ
من كهنة وأساقفة ،-وبني تعاليمها ً
لينموا عالقات صحيحة ٍ
العشار ،عندئذ نعطي إمكانيّات كثرية ألوالدان ّ
تتم هذه األمور ّفريسيًّا ،بل بروح ّ
ال ّ
ابلكنيسة.
125
كل شيء حمالًّ للشهادة الطوعيّةً ،
وصلبا كل ما أشران إليه أ ّن العائلة جيب أن تكون قبل ّمن الواضح يف ّ
الطبيعي لألوالد .وعليها أن النمو
و يةاحلر
و ة للمحب ًامسكن تصبح ٍ
حينئذ حلب الذات ،وعيشاً إلَنيل السالم.
ّ ّ ّ ّ ُ ّ
تكو َن طر ًيقا إىل املشاركة يف صليب املسيح الّذي ينبع منه الغفران والقيامة للعامل أمجع.
126
األول من لوقا
األحد ّ
(لو)11 -1 :5
العمل
ُ بني فشل الليل وَناح النهار متّت أحداث تُظهر كيف يصبح غريُ املستطاع ممكناً ،وكيف يصبح
كثري الثمر.
العقيم َ
يشفي يسوع
املسيح عن طريق أخيه أندراوس ،كما من خالل شفاء محاته .رأى َ َ عرف مسعان بطرس
يدنو ابلسفينة إىل الشاطىء ليكلّ َم اجلموع ،أطاع يف
وخيرج الشياطني ،لذلك عندما طلب منه املسيح أن َ
املرضى ُ
جعل أدا َة عمله
حّت إنّه َ
الليل والفشل يف العمل مل يُعيقا استعداده لطاعة الكلمة وخدمتهاّ ،
تعب ّ احلال .إ ّن َ
نشري إىل
مصدر "َناح النهار" وصيد السمك الوافر .فلو أردان أن َ
ُ الفاشل منرباً للمسيح .يف هذه النقطة يكمن
اهتمامه بشخص املسيح ،وحسن نيّته لسماع ف بطرس ،الستطعنا أن نذكر بعض الصفات السامية يف تصر ِ
َ ّ
كلمته والطاعة لوصيّته.
127
شخص املسيّا .كذلك
َ كما سابق والحظنا ،إ ّن الرسول بطرس رأى عجائب املسيح ،وهي من ميزات
التقاه شخصيًّا بوساطة أخيه أندراوس (يو .)43 :1هذا يعين أنّه أخذ معلومات كافية عن شخص املسيح سواء
من اآل َخرين أم من خربته الشخصيّة .فقد انشغل مبجيئه ورغب يف االرتباط به .هذه األمور كلّها تسمح لنا أن
بشكل صحيح .كان إحساسه ٍ نستنتج أنّه كان يف داخله معاانة ومطاليب جعلته قادراً على إدراك األمور
َ
طاهرا ،لذلك مل يَغرق يف الكماليّات .حفظ يف داخله العطش إىل هللا وإىل رسوله يف العامل ،وبدا
الداخلي ابألمور ً
ّ
كز حياته .يف احلقيقة
شخص املسيّا مر َ
ُ احتل
اجلسدي ومن الفشل يف عمله .لقد َّ
ّ هذا العطش أقوى من التعب
حتركنا .ال يلهبنا التفتيش عن شخص املسيح،
إنّنا حنن املسيحيّني ،يف معظمنا ،ليس لدينا أشواق روحيّة مضطرمة ّ
حّت ال يبقى
نتمم واجباتنا الدينيّة والتزاماتنا حنو هللا هبدف إسكات ضمريانّ ،
بل نعيش حيا ًة مسيحيّة عاديّةّ .
سىن لنا أن ننشغل بقضاّي أخرى أكثر "جوهرية" ،غري منزعجني من عذاب التوبيخ .هكذا نبقى يوخبنا ،ولكي يت ّ
ّ
ديين ،ألنّه ال ميكننا أن ننعتق من اخلطيئة إالّ بتنمية العالقة الشخصيّة مع
على اخلطيئة ،ساترين إّّيها بقناع ّ
املسيح.
بتوجهات
أيضا ّ فاالهتمام بشخص املسيح ٌّ
سر يتح ّقق يف قلب اإلنسان ،ومينحه ّقوةَ هللا الّيت تتعلّق ً
احلرة.
شخصيّة اإلنسان ،وابختياراته ّ
مساع الكلمة
داخلي ،وهو من العوارض ومن البديهي أ ّن عدم االستعداد لسماع "املعاين الصاحلة" هو دليل ٍ
مرض
ّ ُ
ٍ
أسباب أخرى. تشري إىل موت القلب .طبعاً جيب أن نوضح هنا أ ّن عدم استعدادان لسماع الكلمة قد أييت من
مربًرا يف ّأّيمنا،
جمرد ًة من غناها .ولكن هذا ليس ّ
أحياان عندما نسمع كلمةَ الكنيسة ّ
مثالً ،من اليأس الّذي جيّربنا ً
أل ّن َمن يعطش للحقيقة لديه ،إىل جانب الكتاب املق ّدس ،مكتبات بكاملها فيها كتاابت اآلابء منقولة إىل اللغّة
الّيت ترضي متطلّباته.
طاعة الوصيّة
بعد أن أَنى املسيح كالمه من منت سفينة بطرس ،قال له" :ابتعِ ْد إىل العمق وألقوا شبا َككم للصيد" ،أي
إرموا شباككم اثنيةً يف املياه العميقة لتصطادوا السمك .كان هذا األمر يتعارض وخربة الرسول بطرس يف مهنته.
األمر
أطاع َولكن الكلمة الّيت مسعها من املسيح والعجائب الّيت رآها أقنعته أن ال يعتمد على خربته البشريّةَ .
الليل كلّه ومل أنخذ شيئاً ،ولكن على كلمتك ألقي الشبكة" (لو .)5 :5هكذا أتتنفسه" ،قد تعبنا َوختطّى َ
سرها .برهنت ّأَنا نتيجة اإلميان ال اإلكراه ،و ّأَنا جتعل
مثارها ،كشفت عن إحدى خفاّي ّ
الربكة وأظهرت الطاعةُ َ
غري املستطاع ممكناً .هكذا فإ ّن الطاعة ختتلف جذرًّّي عن النظام .الثاين فيه غصب وإجبارّ ،أما األوىل فرتبط
َ
عالجي :نرغب يف الشفاء ،لذلك
ّ أسلوب
ٌ حبرية .الطاعة يف الكنيسة
احلرية .نطيع الّذين حنبّهم حقًّا ّ
ابحملبّة و ّ
حر يرتبط مبعرفة مرضنا والرغبة يف إجياد طبيب.
نطيع من يقدرون على شفائناّ .إَنا اختيار ٌّ
لقد وجد بطرس "الّذي كتب عنه موسى" ،وأطاع أمره .فإن ِ
رغْبنا حنن أيضاً يف لقاء املسيح ،ينبغي أن َ َ
كل انتظا ٍر أ ّن اخلريات ستُعطى لنا "ابلربكات".
نطيع الّذين يرشدوننا يف سعينا إليه .هكذا ميكننا أن نرجو ْبع َد ِّ
َ
129
األحد الثاين من لوقا
الكلمة املغروسة
املسيح اخلالق يعرف قدراتنا جيّداً .لذا عندما أعطاان الوصاّي ،مل أيمران مبا ال عالقة له بطبيعتنا .تعليمه
وفقا هلذا التعليم الّذي سوف يعطينا ّإّيه .إذاً ،وصااي املسيح مغروسة يف اإلنسان يوافق طبيعتنا ،ألنّه جبَ لَنا ً
ٍ
بوداعة الكلمة املغروسة القادرة ابلفطرة .هذا ما يقوله لنا الق ّديس يعقوب أخو الرب ٍ
جبالء عندما يوصي" :إقبلوا ِ
ّ
نفوسكم" (يع .)21 :1الكلمة مغروسة ،ولكن ينبغي أن نقبلَها عن طريق التعليم ،ألنّنا َنهل طبيعتنا. ص َ أ ْن ختلّ َ
الداخلي .لقد وضع هللا "املعرفة
ّ تغربنا وتشتّتنا
كتايب ليست سوى دليل ّ شفهي أو ّ
ّ واحلاجة إىل وجود تعلي ٍم
ائعه يف أذهاننا .فمشيئته هي الّيت أتت بنا إىل الوجود ،وهي الّيت حتفظنا فيه. كتب شر َالعمليّة" يف طبيعتنا ،و َ
نعيش احليا َة الّيت أعطاان.
ولكنّنا عاد ًة َنهل كيف يريدان هللا أن َ
إذاً كلمة املسيح مغروسة يف طبيعة اإلنسان ،ولكن يبدو أ ّن إدراك معناها يفوق الطاقات البشريّة،
واالقتداء هبا أييت بعد حماوالت طويلة األمد .وزمن حياتنا هو الفرصة املعطاة لنا لنبدأَ هبذه احملاوالت لالقتداء
معا .هي "الطريق الضيّقة احملزنة" ،ولكنّها "محل خفيف" أيضاً.
بوصاّي هللاّ .إَنا مسرية دامية وسهلة ً
130
سهولة الوصااي
حقائق كبرية عن طريق أفكا ٍر بسيطة .ال مبعىن أ ّن الفكرة تستوعب احلقيقةَ،
َ نقارب
َ فنحن نستطيع أن
املادة واألهواء .على سبيل املثال ،إذا
بعض احلواجز ّ
يق لكي نقارهبا عن طريق اخلربة ،مزيلة َ
ولكنّها تفتح لنا الطر َ
شتما ،أو ّنيمة أو حماولة فسخ الزواج بسبب هوى شخص اثلث،
كذاب أو غشًّا ،أو غضبًا أو ً
رأينا عند اآلخرين ً
تعرضنا ملثل هذه األشياء السيّئة غري الشرعيّة ،نرى جتنّبها سهالً وموافقاً حلياة اإلنسان الطبيعيّة .ألنّنا إن
مثّ ّ
احلجةَ أب ّن الفضيلة
يل ّ يتصرفون هكذا .ميكن هلذه الفكرة أن تز َحنكم على َمن ّوجدان جتنّ بَها صعباً ،ملا وجب أن َ
مفر منه ،ممّا يُبقينا مستسلمني ألهوائنا.
صعبة وأ ّن الشَّر ال َّ
الصعوبة العمليّة
131
حب الذات،
وعدم الشفقة على ّ
الغصب هو ابب امللكوت ،به نعرب إىل احملبّة .يعين أ ّن احملبّة تتطلّب القسوة َ
كرهنا للخطيئة.
على أاننيّتنا .تتطلّب توبتَنا و َ
الناس بكم افعلوا أنتم أيضاً هبم هكذا" ،يفهمون
يفعل ُعندما يسمع بعض الناس القول "كما تريدون أن َ
لكن اخلطأة يفعلون هذا ذلك فقط يف نطاق دائرة األصدقاء الضيّق .يُعطون وينالون ابملساواةُُِ ،يبّون ُ
وُيَبّون" ،و ّ
أيضاً" .إ ّن التقيّد ابلقاعدة الذهبيّة ضمن دائرة الناس الّذين ليس عندان مشكلة معهم فحسب ،ال يعتقنا من
اخلطيئة ،ال خيلّصنا .يكمن اخلالص يف اخلروج من الدوائر الضيّقة لذوي اآلراء املتشاهبة ،وال يرتبط تطبيق الوصاّي
بنوعيّة الناس الّذين نتصل هبم .طبعاً هذا ال يعين أنّنا ال حنتاج إىل دائرتنا الضيّقة الّيت ترُينا وتش ّددان يف اإلميان،
خارجها.
عما هو َ
ولكن ال ينبغي أن خيتلف تطبيق وصاّي املسيح يف دائرتنا ّ
روحي .وقد ٍ
اخلاصة هي نتيجة مرض ّ
ننمي بذا َر احملبّة يف قلوبنا ّ
اآلخرون دون أن ّ
إ ّن الرغبة يف أن ُيبّنا َ
املنزهة عن املصلحة الشخصيّة ،بل رغبةً يف أن ُيبّوننا.
اآلخرين ،ال بدافع احملبّة ّ
حنسن إىل َ
ُيدث مراراً كثرية أن َ
شرير.
احملسن إليه هل هو صاحل أم ّغري أ ّن احملبّة احلقيقيّة ال تتماشى واملصلحة ،فال تضع شروطًا ،وال تنظر إىل َ
حتب من دون أن تنتظر أو أن تطلب مقابالً .هذه احملبّة دليل
القرض ،و ّ
َ ال تُق ِرض مرجتيةً أن تنال ما يساوي
الصليب كصفة
َ جسدي ُيمل
ّ الصحة الّيت اكتُسبت من خالل غصب الذات يف جهاد نفسي و
الصحة النفسيةّ ،ّ
رئيسيّة.
ولكن ،ملاذا حتتاج "كلمة املسيح املغروسة" إىل هذا املقدار من الغصب لكي يستوعبها وجودان؟ اجلواب
موح ًدا
حّت تلك الساعة َّ
اإلحساس الّذي كان ّ
َ جزأت كامن يف حادثة السقوط املزع ِزعة الّيت ّ
جزأت احملبّة ،كما ّ
آلخرين،
وروحي ،واحملبّة أيضاً انقسمت إىل حمبّة لنفوسنا وحمبّة ل َ
ّ جسدي
ّ جتزأ إىل
و"كامالً" .هذا اإلحساس ّ
فتمسكنا مبحبّة ذواتنا ،و َأمْتنا حمبّة القريب .هذا االختيار هو ما جيعل من محل الوصاّي اخلفيف صليباً ثقيالً.
ّ
132
األحد الثالث من لوقا
مواجهة احملزونني
الرب حتنّن عليها وقال هلا ال تبكي"...
"فلمّا رآها ُّ
عند ابب مدينة انيني ،واجه املسيح أحد أصعب مشاهد حياة اإلنسان :امرأة أرملة ترافق إبنَها الوحيد
احلي يف أقسى تعابريها .طبعاً ،يف هذه اللحظات ليس من السهل أن
امليت إىل القربّ .إَنا عواقب البعد عن هللا ّ
يتكلّ َم اإلنسان مع احملزونني عن اخلطيئة الّيت هي علّة املوت .فاملتألّمون ال ُيتملون احلقيقةَ كلّها ،وحزَنم هو مثل
جرح ميت ّد يف اجلسد كلّه وجملّرد ملسه ُُيدث أملاً كبرياً.
حتنّن املسيح على املرأة وقال هلا" :ال تبكي ،"...كان البكاء نتيجة احلزن .إذاً ،عندما قال هلا" :ال
تبكي "...كان يهيّؤها للحدث الّذي سيلغي حزََنا .مل يكن كالماً فارغاً وال تعزية ومهيّة ،وكذلك مل تكن وصيّة
يوقف حز َن رد ٍ
فعل يشفي النفس .لقد أراد املسيح أن َ طبيعي عند احلزاّن ،هو ُّ متنع البكاء يف األحزان .البكاء
ّ
املرأة حاالً ،لذلك حيّاها بكلمة "ال تبكي ."...تلك الكلمة نقلت معها التعزية ،أل َّنا انبثقت من الّذي هو
احلياة والقيامة.
133
العامة ألجساد األموات كلّها يف
ننعتق منه انعتاقًا يبدأ من اآلن ،إالّ أنّه سيكتمل ابلقيامة ّ
إىل الكنيسة لكي َ
جميء املسيح الثاين .ولكن لننظر يف بعض النقاط العمليّة.
مشاركني يف األحزان
إ ّن املسيح "حتنّن" واقرتب من املرأة األرملة .هكذا نقرتب من احملزونني مبحبّ ٍة ،مشاركني أحزاَنم .ال
سر:
لنتمم أحد واجباتنا االجتماعيّة ،بل نذهب لنشاركهم حزََنم ،ولكي نبكي مع الباكني .املوت ٌّ نذهب ّ
الطبيعي وابملشيئة اإلهليّة
ّ صرا عن اجلسد ،عن هذا التوافق والتناسق؟ ابلغريزة يدوم الرابط
النفس قَ ً
ُ "كيف تنفصل
النفسي
اجلسدي و ّ ّ مجيعا ،يتزعزع كيا ُن اإلنسان
مفر منه لدى الناس ً يتف ّكك" .جتاه هذا احلدث الّذي ال ّ
طبيعي وهو خاصيّة الطبيعة الّيت تقاوم احنال َهلا.
ّ ويضطرب .هذا أمر
إحساس مضاعف :االنفصال عن الشخص احملبوب ،واإلحساس ابجلحيم ُمبتلِ ًعا ٍ يتألّف احلزن من
اتفها ال معىن له ،وينقلب ٍ ٍ
كل شيء ًعندئذ يبدو ُّ اجلميع ،أي اليقني أب ّن هناك مواتً ،وأن احلياة البيولوجيّة تنتهي.
املرات، احلق ّإَنا ،يف بعض ّ
دائما .و ّ
مشهد احلياة كلّه .يف هذه احلالة ال تلقى املواعظ يف الشجاعة والصرب ترحيبًا ً
مشيئة إله
َ يفهم
تولّد اعرتاضاً قد يصل إىل الكفر ابهلل .إذا مل يكن احملزون انضجاً نفسيًّا وروحيًّا ،ال يستطيع أن َ
وجده يف أفضل ساعة له ،أو ألنّه مل يُرد
يقبل أب ّن هللا أخ َذ هذا اإلنسا َن ألنّه َ
احملبّة يف املوت .ال يقدر ،مثالً أن َ
شاهدا يف حميطه ،أي يصبح ًيتطور ،أو أخرياً لكي َ
شرا ما قد بدأ ّليمنع ًّ
أن تفسده إحدى الشرور املستقبليّة ،أو َ
دائما أن مييّ َز بني ما هو "برضى"
ليعلّ َم مبوته األمور الّيت مل يقدر أن يعلّ َمها حبضوره .مثّ إ ّن احملزون قد ال يستطيع ً
ٍ
بسهولة مسؤوليّة اإلنسان الّيت خترج عن مشيئة هللا. يقبل
مشيئة هللا ما هو "بسماح منه" .وابلتايل ال يستطيع أن َ
حضور هللا ملموساً عند احلزاّن إالّ من خالل اإلميان ،إميان ال أييت عن طريق
َ َنعل
يف هذه احلالة ،ال ميكن أن َ
حلقيقي هي أقوى من املوت،
اخلطاابت ،بل عن طريق احملبّة واملشاركة يف احلزن .احملبّة الّيت يلدها اإلميان ا ّ
وكلمتها ،عندما تسنَح الفرصة ،أتيت كلمةَ تعزية ورجاء .ال ُحت ِدث جراحاً ،وال هتيّج اجلراح ،بل تشفيها.
134
تراث الكنيسة وذهنيّة العامل
كلمة صالة إىل البيت الّذي عنده أحد املوتى .فهذه الكلمة ُيتاجها ذوو
ترسل َ
تود دائماً أن َ
إ ّن كنيستنا ّ
ذهن اجلميع حنو هللا.
كتاب املزامري لكي يتّجهَ ُ
الراقد كما ُيتاجها الراقد نفسه .من هنا العادة اجليّدة أبن نقرأ َ
هذا ما تريده الكنيسة ،الّيت تعرف ما لنفس اإلنسان من حاجات حقيقيّة ،عندما يكون يف اجلسد ،كما
ُيل يوم
بشّت األمور التافهة للحياة اليوميّة ،إىل أن ّ
عندما ينفصل عنه .غري أ ّن العامل يفهم عكس ذلك .ينشغل ّ
كل مساعدةٍ للراقد .يف العادة ،يكون الراقد يف غرفة (إذا مل يُ َ
قفل ال ّدفن أو إىل أن تنتهي التعازي التقليديّة ،انكراً ّ
موت النفس ملن يتعلّق هبا.
شّت األقوال التافهة النافلة ،الّيت تُنشىء َ
سمع يف أرجاء البيت ّ الرباد) ،فيما تُ َ
عليه يف ّ
بتصرف النعامة ،ألنّنا خنفي
هذه "املمارسة" هي نتيجة مخول العامل إزاء حدث املوت ،وابعتمادها نتشبّه ّ
شعورا "ابألمان" ،ولكن من غري أن نشارك
معا .هذا يعطينا ً
اقد ً
املوت والر َ
أذهاننا داخل أحاديث تتجاهل َ
اخلاصة .
جوهرًّّي يف أسى احملزونني .فنحن نزعجهم وننقل هلم مهومنا ّ
عزون ِّ
"املتعزين" يُ ُّ
أقام إبنَها امليت .فلكي جيلب حضوران تعزيةً للمحزونني ينبغي أن قال املسيح لألرملة "ال تبكي ،"...مثّ َ
الروحي الّذي يقبل تعزية هللا .إ ّن الق ّديس غريغوريوس حلزن ا ال
ً قلي ولو خنترب أن ينبغي ما. نقبل تعزيةَ هللا إىل ح ٍّ
د
ّ
السماوي بسبب اخلطيئة،
ّ ابالماس جيد يف قيامة إبن األرملة ّنوذجاً لتجديد أذهاننا .نفسنا "أرملة" للخنت
وعندما تندب إبنَها الوحيد -الذهن -الّذي "ميوت" عن األهواء "حمموالً" خارج مدينة األحياء ،تقبل زّيرة
املعزي الّيت متنح التعزية األبديّة.
ّ
يعزوا اآلخرينّ ،أما حنن فلنصمت ،متألّمني مع احملزونني
املعزي حقًّا يستطيعون أن ّ ِّ
"املتعزين" من الروح ّ
ومصلّني.
135
136
األحد الرابع من لوقا
(لو)15 -5 :8
كلمة األمثال
مثل الزارع مي ّكننا أن نعرض لبعض احلقائق األساسيّة يف استخدام أمثال املسيح .كلمته ،الّيت يشبّهها
إ ّن َ
اليوم ابلبذار ،أُ ِلقيَت مر ًارا بشكل أمثال .وهنا َند من يسيء فهم هذه النقطة متأثًّرا ببعض اآلراء حول إمكانيّة
"أبمثال" لكي يفهمه الناس بشكل أفضل وأوضح،
ٍ يظن كثريون أن املسيح تكلّم
فهم الكلمة وطريقة نقلهاّ .
ولكن احلقيقة عكس ذلك .مل يُِرد
يسهل إدراك معانيها الساميةّ .
فيأخذ أمثاالً من حياة سامعيه اليوميّة لكي ّ
انتباه سامعيه ابألمثال الغامضة ،وأن
ط معاين الكلمة بل إخفاءها .أراد املسيح أن يرّكز َ املسيح ابألمثال تبسي َ
الشر من نفوسهم ،ألنّه عرفهم مأسورين ابالهتمامات املعيشيّة ،وليس لديهم أشواق روحيّة عميقة .لقد
لع َّيقت َ
وألَنم "أكلوا" من "اخلبز".
تبعوه من أجل أشفيته ّأوالًّ ،
137
اهتموا يف اكتشاف معناه" .سأله تالميذه قائلني مامثل الزارع ،وحدهم تالميذه ّساق املسيح َ عندما َ
عسى أن يكون هذا املثل؟" (لو ،)9 :8فأجاهبم املسيح" :لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسر َار ملكوت هللا "...لكم،
اآلخرون ،فاكتفوا ابالستماع إىل ِ
وصف مشهد من احلياة وهتتمون لتعلموا معىن كالميّ .أما َ
أنتم ّي َمن تسألون ّ
حّت يدركوا عمق معاين املثل .هكذا ،مل يساعدهم املثل على فهم كلمة
الزراعيّة ،ومل يكن لديهم "آذان للسمع" ّ
ٍ
بشكل أفضل. املسيح
عرب عنها
القوة الّيت ختفيها البذار ،وهلذا تُ َشبَّه هبا .ولقد ّ
متفجرة ،على مثال ّ
حتمل كلمةُ املسيح ّقوة حياة ّ
لكن هذه الكلمات ٍ
املسيح بكلمات بشريّة بسيطة ،وكتبها رسلُه يف األانجيل ،وهبذه الطريقة قبلها املؤمنون .و ّ
كلمة هللا هي
ونور النعمة ،والكلمة اخلالقة ،وطاقة احلياة احلقيقيّة .فإ ّن َ
البشريّة البسيطة تعرب من خالهلا ّقوةُ هللا ُ
خلقه.
ّقوة هللا ،الّيت َخلَقت العاملَ وما زالت جت ّدد َ
ختص انحية
اسا مناسبة ،وهي ال ّ هنا جيب التأكيد أ ّن كلمةَ املسيح ليست أمراً سهالً ،بل تتطلّب حو ًّ
واحداً من كيان اإلنسان .ال يقبلها العقل وحده ،بل تتطلّب كيان اإلنسان بكامله ،ابلنفس واجلسد ،مع احلقيقة
ٍ
وإرشاد مناسبَني، يتعمق يف أسرار حياة الروح القدس .فمن دون هتيئة عرب عنها .ال يقدر العقل وحده أن ّ الذي ي ّ
أي القائل أبن املسيح كان يتكلّمننفتح على دراسة املوضوعات املُلهمة من الروح القدس .إن الر َ ال نقدر أن َ
يقة بسيطة ،فيه بعض حقيقة ،ولكنّه خيفي ضالالً أساسيًّا. ببساطة ،ولذلك جيب أن يكرز بكلمته يف العامل بطر ٍ
ٍ
ُ َ
يف الواقع ،إ ّن األقوال الغامضة واملظلمة ،والكلمات ذات املعاين الصعبة والتعابري املع ّقدة ،كلّها تشري إىل غياب
للتصرف احلسن،
كمجرد قواعد ُخلُقيّة ّ
ّ نور احلقيقة .إالّ أ ّن كلمة املسيح ليست بسيطة .طبعاً ،إذا ُكنّا سنح ّدها
تكون يف الواقع بسيطة جدًّا .ولكنّنا هكذا نقلّل من قيمتها ،وَنهل غناها كلَّه .كلمة املسيح بسيطة للبسطاء
تعمقوا يف معرفة أسرار
نفوسهم من غالظة األهواء وتن ّقت أذهاَنم بنعمة هللا .وهؤالء كلّما ّ
وحدهم ،الّذين أعتقوا َ
أنفسهم جهالء وأطفاالً إزاء جلّة حكمة هللا.
الروح ،شعروا َ
138
الشروط لتثمر الكلمة
ٍ
ابهتمامات أخرى ،فلم يرتكوا حمالًّ ملا أذهاَنم
عظمتها ،وقد مألوا َ
إ ّن الكلمة ال تثمر يف الّذين ال يدركون َ
أهم.
هو ّ
حّت صارت طريقاً تُرمى عليها كلمةُ هللا.
توبيخ قلوهبمّ ،
ابلتايل ،ال يدرك قيمةَ الكلمة أولئك الّذين فقدوا َ
احلق ابلضجيج الكبري
فعلى هذه الطريق تعرب أفكار الناس والشياطني وتعاليمهم من دون رقيب ،فتخفي كلمةَ ّ
عجبون ابملظاهر وال يعملون يف العمق .هؤالء ِ
الّذي ُُيدثُه الضالل والكذب .كذلك ال تُثمر الكلمة يف الّذين يُ َ
داخلي يرافقها. يكتفون ببعض أوامر الناموس الشكليّة غري املؤملة ،أو ببعض األنشطة اإلجتماعيّة من دون ٍ
عمل
ّ
كالصخر ،ابردة يف صالهتا ويف حمبّة هللا والناس.
ّإَنم يتظاهرون ابلتقوى خارجيًّا ،بينما تبقى قلوهبم قاسية ّ
ٍ
عندئذ من شأن اإلميان غري اجملبول ابلدماء، وتنكشف قساوهتم الداخليّة وقت التجارب ،يف احلاالت الصعبة.
للتذمر واالبتعاد عن الكنيسة وإهانة هللا.
لينمي اجلذور ،أن يعطي فرصةً ّ
الّذي ال جيد تربةً ّ
تثمر يف قلوب الّذين خيتنقون يف مشغوليّات احلياة ،يف الغىن والل ّذات.
أخرياً ،ال تقدر الكلمة أن َ
اخلاصة هي مدى
ّ حريتنا
إ ّن كلمة املسيح هي كلمة احلياة ،تنقل حيا َة هللا إلينا مثل البذار .ومشكلة ّ
إمثار الكلمة هو عطيّة من هللا ،ولكنّه يتطلّب
احلقل ،بل يكتفي ابلزرع .ف ُ
يهيء الزارع َ استعداد قلوبنا .يف املثل ال ّ
اخلاص.
ّ تعاونَنا
139
األحد اخلامس من لوقا
شفقة
آخرة انعدام ال ّ
ألين مع ّذب يف هذا اللهيب"
"ّ ...
الغين ولعازر الفقري إحدى املشاكل اإلجتماعيّة الكربى الّيت ختلق صدامات واضطراابت
نلمس يف مثل ّ
يف اجملتمعات البشريّة ،وهي تكمن يف عدم توزيع الغىن ابلتساوي ،وعدم شفقة األغنياء على الفقراء .فالغىن صنم
والساجدين له كثُر ،ليس من األغنياء وحدهم ،بل من الفقراء أيضاً ،أل ّن املشكلة اجلوهريّة ليست يف امتالك
وسيلة إىل ٍ
هدف للحياة. الغىن ،بل يف حتويله من ٍ
ُيركه
لعبادة الغىن دور أساس يف إاثرة االضطراابت والثورات اإلجتماعيّة ،وال نبالغ إذا قلنا إ ّن اجملتمع ّ
احلي،
التحوالت اإلجتماعيّة العميقة ال ترتبط بعظمة اإلقتصاد ،بل يولّدها إميان الق ّديسني ّ
اإلقتصاد .طبعاً إ ّن ّ
الفقري رئيساً،
آخر ابحلياة .هذا اإلميان يقلب األنظمة السارية ،فيجعل َكل ّمن يقرتب منه إحساساً َ وهو مينح ّ
الغين وعن لعازر الفقري بعد
متوسالً إىل الفقري .إ ّن الصورة الّيت تعطينا ّإّيها قراءة إَنيل اليوم عن حالة ّ
الغين ّ
و َّ
ألَنم ينظرون إىل الباطن ال
املوت تنظر إليها عيو ُن الق ّديسني النقية من اآلن يف وسط املظامل االجتماعيّة .هذا ّ
إىل الظاهر ،إىل آخرة الظلم ،ال إىل ّقوته الطاغية .فآخرة الظلم صراخ الغين اليائسّ" :ي أيب ابراهيم ارمحين وأرسل
ويربَد لساين" (لو .)24 :16ولكن ليس الغين العدمي الشفقة وحده سيكون ٍ
طرف إصبعه مباء ّ ليبل َلعازر َّ
"املع ّذب" يف هليب جهنّم ،بل كذلك الفقري العدمي الصرب" ،ابن الغضب" ،ألنّه يف عوزه يرى الغىن كأنّه اخلري
البشر.
األمسى ،فيصل إىل احلسد والبغض جتاه َ
140
حلب ال ّذات وألاننيته ،مغلِقاً على نفسه" ،يتنعم كل ٍ
يوم مرتفّ ًها" .حمبّته لنفسه أماتت ِ
ّ َّ ّ ُ غين املثَل عبداً ّ
كان ُّ
هتمه حالةُ لعازر الفقري .استسلم كلّيًّا لراحته وغناه ،ما مل مينعه من "اتّقاء هللا" ،يعين من
طفتَه الطبيعيّة ،فلم َّ
عا َ
اإلميان بوجوده ،وحفظ بعض أوامر الناموس .ونرى يف املثل أنّه مل يُ َدن من أجل عدم إميانه ،بل من أجل قلّة
الغين مع ابراهيم .لقد ِ
حمبّته .هذا ما يؤّكده لنا الق ّديس غريغوريوس ابالماس ،معلّقاً على الطريقة الّيت تكلّم هبا ُّ
نظن أنّه يتع ّذب ابلنار بسبب عدم إميانه" .لقد دخل إىل
يدل "على أنه يتّقي هللا وال ّ
دعاه "ّي أيب ابراهيم" ممّا ّ
ٍ
كجاحد. ٍ
كمحب لل ّذة ،وليس ٍ
مكان العذاب كفاقد للرمحة و ّ
عابد أواثن .عاش يف عبوديّة األهواء ،ذلك
احلقيقي ،ولكنّه يف احلقيقة كان َ
ّ ظن نفسه مؤمنًا ابإلله
رّمبا ّ
الشخصي منتشرة جدًّا بني املؤمنني .يقول الق ّديس
ّ أ ّن تواجد اإلميان وعبوديّة األهواء حالة من االنفصام
املسيح ويسجد للصنم" ،ويتابع رابطاً األهواء املختلفة ببعض
َ وحمب الل ّذة ينكر
عاشق اهلوى ُّ
أثناسيوس الكبريُ " :
ومن يغلبهاآلهلة اليواننيّة القدمية .مثالًَ ،من أتسره الل ّذات اجلسديّة ُيوي يف ذاته صنم أفروذييت ويسجد لهَ ،
ط جنو َن هذا اهلوى يُنكر يسوع املسيح "ويعبد اإلله آرّي" .وأخرياً َمن
أبي جهد ليضب َ
الغضب والغيظ وال يقوم ّ
اآلخرين "يسجد إلرموس الصنم ويعبد
الفضة ويبخل يف إعطاء احلسنات ويغلق أحشاءَه أمام مصيبة َ
ُيب ّ ّ
اخلليقة بدل اخلالق".
أهواءه ،ويف
ولكي يكون اإلميان مستقيماً جيب أن يرتبط مباشرةً ابلعمل .ال يستطيع أحد أن يرضي َ
خالصه إبميانه .اإلميان الّذي خيلّص ليس أفكاراً عن هللا ال عالقة هلا حبياته اليوميّة.
َ الوقت نفسه أن يرجو
انقساما رهيبًا يف شخصيّتنا .هنا ،ال ب ّد
ً كل أنشطتنا ،وإالّ خنترب
ويوجه َّ
اإلميان خيلّص عندما يروي كيانَنا كلّه ّ
وجوده أب ّن
وشاح األرثوذكسيّة .يربّر َ
كثريا ما يظهر البساً َ الروحي ً
ّ القول إ ّن هذا االنقسام الناجم عن الكسل
كل ما يهدف لضبط الشهوة ابلقوانني حريةً كبرية -قد تصل ح ّد اخلطيئة ،-وأ ّن ّ
ثوذكسي يعطي ّّ اإلميان األر
انموسي ضيّق ،وهو انتج عن عقليّة "مبالِغة يف التقوى".
ّ والشرائع يضع احلياةَ يف إطار
141
الروحي.
ّ أجل إ ّن احلياة ال ميكن أن تنحصر يف القوانني والشرائع ،ولكن إبمكاننا حتديد دائرة املوت
ولكن املسيح واألنبياء والرسلكذلك يتع ّذر علينا حتديد أوصاف احملبّة ،مبا ّأَنا هللا ذاته الساكن يف اإلنسانّ ،
أرشدوان إىل األسباب الّيت تغلق علينا يف سجن األاننيّة ،وتقضي على احملبّة .يعلّمنا املسيح يف هذا اليوم بشكل
خاص أ ّن اإلميان ال ُخيلِّص إن مل ترا فِ ْقهُ احملبّة .وابلتايل ُ
يلفتُنا إىل أ ّن اإلميان قد ال يؤثّر على حمبّ تَنا لل ّذة وعدم ّ
شفقتنا ،وهذان يقودان إىل هالك النفس.
مكان العذاب
إ ّن النفس املقيّدة بل ّذات اجلسد تدرك يف ساعة موهتا ّأَنا مربوطة ،مسجونة داخل اجلسد .تتع ّذب
ووح َد إرادتَه مبشيئة هللا يكون ساعة
ساد على رغباته ّ
التصور ،بينما اإلنسان املنضبط ،الّذي َ
وتعاين مبا يفوق ّ
وحرا .يعيش احلضَرة اإلهليّة ابلصالة وينتقل إىل احلالة اجلديدة بسالم.
موته هادائً ًّ
لكل
إ ّن احملطّات اجلمركيّة الّيت تعربها النفس بعد خروجها من اجلسد ،ابإلضافة إىل الشياطني املوازية ّ
هوى ،هي األهواء ذاهتا عندما تطلب ما لِنفسها .إالّ أ ّن هذه النفس فقدت اجلسد الذي كان يرضي رغباهتا.
هكذا أمست تعاين وختتنق من رغباهتا غري املشبَ َعة.
ُ
142
األسباب احلقيقيّة الّيت
َ نستشف من خالل الثورات االجتماعيّة وسائر أعمال الظّلم
ّ إذاً ،لو استطعنا أن
الروحي واالستعباد لنزوات
ّ ُحتدثها ،لَرأيناها انمجة عن صناعة األواثن وعبادهتا ،وهاتَني تنشآن بدورمها من الكسل
األهواء اآلمثة .كنّا شاهدان عالَماً بكامله يتالعب بنار اجلحيم.
143
األحد السادس من لوقا
اإلميان واجلحود
"فطلب إليه كلُّ مجهور كورة اجلَدَ ِريّني أن يذهب عنهم...
حريةُ اإلختيار
ّ
حريتنا .ولو شئنا الكالم أبكثر تدقيق، إ ّن االلتصاق ابملسيح أو إنكاره خياران مطروحان إزاءان بفضل ّ
اخليارين .فاملسيح يشمل اخلليقة كلّها ،لذلك ترتبط اختياراتنا احلامسة املصرييّة
حريتنا تكمن يف هذين َلقلنا إ ّن ّ
عما يسبّبه ،هو من الوجوه السلبيّة حلّريتنا .الّذين خيتارون هذا املوقف هم
بغض النظر ّ
بشخصه .ورفض املسيحّ ،
"الباردون" ،الذين يقيمون خارج جسده -أعين الكنيسة – بسبب جحودهم .هؤالء مسريهتم تؤول إىل الكارثة،
نغصب
َ حريتهم وال يغصبها ،كما حنن ال نستطيع أن
اختيارهم بسلطته ،ألنّه ُيرتم ّ
َ يغري
لكن املسيح ال يريد أن َّ
و ّ
حريتَه.
ّ
144
احلرية يف اخلَيار ليست عالمة الكمال ،بل هي دليل عدم الكمال .وفقاً لرتاث آابئنا الق ّديسني ،إ ّن
طبعا ّ
ً
وح َد مشيئته مبشيئة هللا .هذا صار مسكناً هلل ،مثّ ،بفضل حياة النعمة ،جتاوز
اإلنسان احلُّر يف احلقيقة هو الّذي ّ
يدل على أنّنا مل نكتسب بعد الرتدد قبل االختيار ،ف ّ
حدود الوالدة واملوت ،ومها العائقان حلّرية اإلنسانّ .أما ّ
َ
ِّ
كمحرك باحلرية الّيت تتّخذ احملبّة
احلرية .ف ّ
حرية االختيار ال نصل إىل كمال ّ
معرفةً واضحة للخري .طبعاً ،يف غياب ّ
املسيح ونسمع كلمتَه ،وإذا مل
َ حنب
احلرية من دون حمبّة هي كارثة .فنحن ّ
ومقياس ،خنتار مشيئةَ هللا ونتّحد به .و ّ
التحرر
مجرد هتديد لراحتنا اجلسديّة ومل َنر فيها موهبةَ النعمة و ّ
نتبعه .إذا فهمنا وصاّيه ك ّ
حنبّه حقيقةً ال نقدر أن َ
من سلطة اخلطيئة ،نبتعد عن شخصه وعن كلمته .مثل أهل كورة اجلَ َدريّني ،نطلب "أن ينصرف عنّا" "ألنّه
ف ذي ح ّدين". اعرتاان خوف عظيم" إزاء كالمه الّذي هو "أمضى من سي ٍ
إختيار اجلحود
تكمن دينونة العامل يف خياراته .فنحن خنتار مصريان يف احلياة األبديّة ،أي خنتار االشرتاك يف النور أو
رفضه ،من خالل طريقة حياتنا وقناعاتنا الفكريّة .فاملسيح يقول يف إَنيل يوحنّا ،إن سبب إدانة اجلاحدين هو
شريرة"
لكن الناس أحبّوا الظلمةَ أكثر من النور "أل ّن أعماهلم كانت ّ
أن النور -أي املسيح -جاء إىل العامل ،و ّ
(يو.)19 :3
145
ارض اخلوف وأسبابه ،ولكنّهم أحبّوا علّةَ الشر كثرياً جدًّا،
سالم املسيح إىل كورهتم ،مزيالً عو َ
املمسوس .أتى ُ
توبيخه.
لذلك مل ُيتملوا َ
إختيار اإلميان
بشكل أفضل إىل الوصية "ح ِّدث بكم صنع هللا بك" .مل يرسله املسيح ّ
ليبشَر مبجيء ٍ من املفيد أن ننتبهَ
سردّي :ال ب ّد أ ّن يتكلّم عن خربة لقائه
املسيّا ،وال بوجود هللا ووصاّيه ،بل على األرجح كان مضمون بشاترته ًّ
ابهلل ،معلنًا هذه اخلربة للّذين أعرضوا عن يسوع اإلله اإلنسان سابقاً .ابلتايل إ ّن كالمه أتى كدعوةٍ جديدة ألهل
كورة اجلدريّني.
هذه الوصيّة يطيعها أيضاً ق ّديسو الكنيسة عندما يتكلّمون إىل الناسُ" .ي ّدثون ب َكم صنع هللا هبم" .ال
اخلاصة ،بل خيربون كيف يشفي هللا اإلنسا َن ويعتقه من سلطة الشياطني،
يتح ّدثون عن مفاهيمهم وفلسفاهتم ّ
حرا ابحلقيقة.
االحتاد به ،لعلّه يصبح أخاً للمسيح وواراثً له ،أي ًّ
وكيف جيعله قادراً على ّ
146
147
األحد السابع من لوقا
اإلميان والشفاء
"مَن الّذي ملسين؟"...
قد "تزحم" اجلموع املسيح ،ولكنّها مل ِ
ولكن كلمتَه مل تُ ِّ
غري الش ِركة احلقيقيّة معه .تَ َبعْته ابجلسدّ ،
أتت إىل َّ َ
نفوسها .لبث الناس فيها منغلقني على أحكامهم املسبقة ،وعلى شكوكهم ،وعلى أهدافهم الضيّقة .مل يكن
اإلميان قد أشرق فيهم بعد ،لذلك بَ َدوا فاقدي النور جامدينّ .إَنم "الشعب السالك يف الظلمة" ،ومل يستطيعوا
وحل" فيما بينهمّ .أما املرأة النازفة ال ّدم
جسدا " َّ
البسا ً
أعني نفوسهم على النور العظيم الذي أتى ً أن يفتحوا َ
طرق اإلميان .أصبحت مرهفةَ اإلحساس جتاه فشعرت إبحساس خمتلف ،أل ّن أيسها من أطبّاء البشر قد فتح هلا َ
اإلَنيلي مرقس أ ّن النازفة الدم قالت يف داخلها ،وهي تقرتب من
ّ رسائل احلياة الّيت بعثها شخص املسيح .يذكر
يدل هذا الكالم على إميان املرأة الكبري فحسب ،بل شفيت"(مر .)28 :5ال ّ ُ ت ولو ثيابه
مس ْس ُ
املسيح":إ ْن َ
على املعرفة العميقة الّيت منحها ّإّيها اإلميان أيضاً .لقد أيقنَت أ ّن نعمةَ هللا تعرب من الشخص إىل اجلَوامد،
قوتَه الشفائيّة بسبب مالمستها جس َده الكلِّ هي الطُّهر .مل ينط ِو هذا اإلميان
وابلتايل أ ّن ثياب املسيح محلت ّ
على معتقدات وثنّية أو أوهام خرافيّة .مل َتر يف األشياء املاديّة قوى ِسحريّة ،بل ارتبط لديها اإلميان واحملبّة
القوى الشفائيّة .هبذا اإلميان "جاءت من ورائه
مصدر ُ
َ ِ
شخص اإلله اإلنسان بشخص املسيح ،ووجدت يف
نزف دمها" (لو.)44 :8
دب ثوبه ،ففي احلال وقف ُ
وملست ُه َ
الداخلي
ّ حوار اإلميان
148
الشفاء.أما يف حالة املرأة النازفة ٍ
حاالت أخرى جيري حوار بني املسيح واملريض ،أو أهل بيته ،قبل يف
ّ
سري ،يف موضع ٍ
بشكل ّ مثل هذا احلوار .غري أنّنا نستطيع االفرتاض أب ّن هذا احلوار حدث
الدم فلم ُيدث ُ
جعل
الدم على ملس ثوب املسيحَ ، الداخلي هذا ،الّذي حدا انزفةَ ّّ القلب املستنري ابإلميان .وحوار اإلميان
"م ْن ملسين...؟" .وإزاء حرية التالميذ ،الّذين أعربوا عن استغراهبم كيف يسأل
ضورها ،ويقولَ :
ُيس حب َ املسيح ّ
"م ْن ملسين؟" فيما اجلموعُ حتوط به وتزمحه ،عاد املسيح وقال إبحلاح" :قد ملسين أحدهم "...مل ُيقل لسمين َ
علمت أ ّن ّقوةً قد
ُ "ألين
وض َح فيما بعد ،هو أ ّن شخصاً اجتذب ّقوته وقدرتهّ :
السبب ،كما ّ
كثريون بل واحد .و ّ
ِ
لتالميذه أ ّن الشخص الّذي ملسه كان مستحقًّا لتقبُّ ِل نعمتِه بسبب ٍ
عندئذ شرح مين" (لو.)46 :8
خرجت ّ
إميانه.
ٍ
ابنتقاص يف أحس
مين" ال يعين أنّه َّ
"علمت أ ّن ّقوةً قد خرجت ّ
ُ هنا ينبغي التوضيح أ ّن قول املسيح
الكمية ،إنّه ينبوع قوى ال تفرغ ،ينبوع ال ينضب ،وال ينقص وال يزيد .ال ّقوته .فاملسيح كإله ال خيضع ملفهوم ّ
يزيد ألنّه ما ِمن ٍ
شيء فوق هللا ،فالزّيدة تتعلّق ابخلالئق واملخلوقات العابرة .إذاً ،عندما يقول" :علمت أ ّن ّقوًة ْ
آخر .ويف الوقت نفسه ،يريد ٍ
انتقلت إىل إنسان َ
ْ كل اخلليقة
مين" يقصد التصريح أب ّن ّقوتَه الضابطة ّقد خرجت ّ
ليقول هلا" :ثقي ّي
ُيضرها إىل الوسط َ إمياَنا ،وأن َيكشف َ َ السري ،وأن
عمل النازفة الدم ّ
بني َهبذا القول أن ي َّ
ابنةُ ،إميانك قد شفاك" .هكذا يكرز أبسلوب االقرتاب من هللا ،وبطريقة البلوغ إىل شركة ّقوته.
أظهر املسيح وسط اجلموع أنّه مل يشعر حبضور الناس الّذين يزمحونه .هذا املوقف الغريب ابلنسبة إىل
لقد َ
األحاسيس اجلسدية يصفه املسيح نفسه يف كالمه عن الدينونة اآلتية .حين ٍ
ئذ ،كثريون من الّذين "ابمسه صنعوا ّ
(مّت .)23 :7أي أنّه
عين ّي فاعلي اإلمث" ّ
ط .اذهبوا ّ"إين مل أعرفكم ق ّ
ّقوات كثرية" ،سيسمعون منه هذا الكالمّ :
ط هؤالء الّذين كان يعمل بواسطتهم .وإ ّن موقف املسيح هذا جيب أن يتقطب تفكريان
سيقول إنّه مل "يعرف" ق ّ
َمليًّا.
149
الشكليّات ،فيما يكتفي بعضهم فكثريون من املسيحيّني يرون احليا َة املسيحيّة حمصورة يف حفظ بعض ّ
يتعمق فيها اآلخر ابالستعانة هبا ك ٍ
نفسي يف حلظات صعبة من حياهتم ،كمخ ّفف ملعاانهتم .وفريق اثلث ّ ّ سند َ
أكثر :يشارك يف احملاضرات والطّقوس واالحتفاالت الدينيّة الباهرة ويقرأ الكتب ،ويتناقش يف املسائل الالهوتيّة.
مهمة من احلياة الروحيّة ،وهي عناصر احلياة املسيحيّة ،إالّ ّأَنا قد ال تكفي خلالصنا .وقد
هذه كلّها مظاهر ّ
حقيقية مع
ّ الضجة حول املسيح ،كما هي حال اجلموع يف إَنيل اليوم ،من دون أن نبين عالقة ّ تسهم يف
نتفوه بصالة صادقة
الداخلي مثل املرأة النازفة الدم ،وكيف ّ
ّ ولعل املشكلة هي كيف نفاحتُه ابحلوارشخصهّ .
مرةً ،وهو يتكلّم على الصالة قائالً:
تساءل املسيح ّ
َ اضنا الروحيّة .ولقد
جتتذب ّقوَة هللا الشافية ،الّيت تزيل أمر َ
ابن اإلنسان ألعلّه جيد اإلميا َن على األرض" (لو .)8 :18فالصالة تنبع من اإلميان ،الّذي
"...ولكن مّت جاء ُ
نصري حقًّا عقليّني ،أي متّحدين بعقل هللا الكلمة ،أعين
هو بدوره انفصال عن عقليّة هذا العامل ،من أجل أن َ
املسيحي هي اإلميان .وهذه العقليّة الفائقة القدرة متتّع هبا املتباهلون من أجل املسيح وق ّديسو
ّ املسيح .فعقليّة
كنيستنا كلّهم" .وهذه هي الغلبة الّيت تغلب العامل :إميانُنا"(1يو .)4 :5فالّذين ميتلكوَنا هم أحبّاء املسيح
املعروفون منه.
150
األحد الثامن من لوقا
عمل الكنيسة
ُ
" ...وأتى به إىل ٍ
فندق واعتىن به"
سرَده يسوع
كنسي عميق ،وهو يُظهر رسالةَ الكنيسة احلقيقيّة يف العاملَ .
ٌّ له معىن السامري
ّ إ ّن مثَ َل
"من هو قرييب؟" .هذا املثل ،كما فهمه اآلابء الق ّديسونجيربه" قائالً َ
"انموسيّ ...
ٌّ طرحهُ
ليجيب عن سؤال َ َ
أسباب التفريق بني الناس .مثّ يطرح
َ يدل على جتاوز الكنيسة للمفاهيم العنصريّة الضيّقة ،كما يوضح
وفسروهّ ،
ّ
كل إنسان يبتعد عن مكان حضرة هللا (أورشليم) ويقصد عاملَ اإلرتداد "وقع بني لصوص" ،وهو ّ عالجا للّذي َ
ً
(أرُيا).
الظاهري للمثَل ،قبل أن نعرض لبعض التفاصيل املبنيّة على تفسري اآلابء الق ّديسني
ّ فلننظر يف املعىن
اجملازي.
ّ
َ م ْن هو قرييب؟
151
احلقيقي
ّ يفهم مشوليّة احملبّة .ميّ َز بني الناس من يهود وسامريّني ،بني أانس آمنوا ابهلل
ّأوالً ،مل يقدر أن َ
يستوعب أ ّن الّذي من دّي ٍنة أخرى أو متع ّدي الشريعة هو "قريبه" ،فكانت
َ وأمميّني عابدي أواثن .مل يقدر أن
حمبّته حمدودة.
ُيلو للناس أمجعني التكلّم على احملبّة أو السماع عنها ،ولكن علينا أن نكو َن واقعيّني .فاحملبّة تتخطّى
ولكن حتطيم املوت والشركة مع قدرات اإلنسان املائت ،ألنّه حيث املوت هناك تسيطر املصلحة الشخصيّةّ .
152
سر الكنيسة يتطلّب منّا جهاداً
ّنو هذه الشركة الّيت تتح ّقق داخل ّ
احلب .و ّ
املسيح القائم يعطياننا القدرة على ّ
كبريا .يرى اآلابء الق ّديسون يف مثَل السامري الصاحل دقائق هذا اجلهاد املميّزة ،وسنتح ّدث عن بعضها،
شخصيًّا ً
الذهيب الفم الّذي نعيّد له اليوم.
ّ يوحنا
خاصةً إىل الق ّديس ّ
مستندين ّ
السماوي إىل حمبّة نظام
ّ الفردوس (أورشليم) ونزل "من النظام
َ فقد
"الّذي وقع بني اللصوص" هو إنسان َ
حي وميت"، ٍ
إنسان "بني ٍّ الشيطان" .اللصوص هم الشياطني والسامري الصاحل هو املسيح الّذي اقرتب من
املعزية (ابلزيت) وابلكلمة املنبّهة
ومسح جراحاته ابلزيت وغسلها ابخلمر ،أي أنّه اعتىن بكلوم النفس ابلكلمة ّ
اهتمامه عند صاحب الفندق ،أي الرسل ورعاة الكنيسة-
َ الذهن املتشتّت" ابلتعليم .من مثّ وضع
(اخلمر)" ،مجع َ
شفاءه "بوساطة أوامر العهد القدمي ووصاّيه" ،أي ابلكلمة الّيت تعيد الشرعية إىل قوى
،موصيًا ّإّيهم أبن يتابعوا َ
صحته الروحيّة
يتحركون وفق مشيئة هللا اخلالقة .إ ًذا يف الفندق ،أي الكنيسة ،يستعيد اإلنسان ّ
النفس لعلّهم ّ
الشخصي ،ويُشفى من كلوم األهواء والشياطني.
ّ إبرشاد الرعاة وجبهاده
فيما يرى الق ّديس مكسيموس املعرتف قراءةَ إَنيل اليوم من منظار خربة اجلهاد الدقيق َّ
ضد األهواء،
السامري (املسيح) إىل صاحب الفندق (الكاهن) .هبذه
ّ يربط احملبّة حنو هللا والقريب ابلدينارين اللّذين أعطامها
املتنوعة هو ابتعاد
العام أبشكاله ّ
الشخصي و ّ
ّ للشر
األساسي ّ
ّ السبب
َ ئيسي .إ ّن
عمل الكنيسة الر ّ
الطريقة ،يكشف َ
الذهن عن هللا والتصاقه ابلشهوات ،واجملد واألموال .من هنا تربد احملبّة ويستعر البغض .فمن دون احملبّة حنو هللا
ع الشهوات واألجماد واألموال منّا .وهذه احملبّة تُعطى لنا جمّاانً يف الوحي الّذي ينقله
والقريب ،ال نستطيع أن ننز َ
ُيركه الوحي مثْ َل حبّة اخلردل.
لنا تعليم الكنيسة ،وابلنعمة الّيت تعطينا ّإّيها األسرار .وتزداد احملبّة ابلعمل الّذي ّ
الذهن وتضبط الشهوات.
َ ألَنا تقنع
بوضوح" :احملبّة حنو هللا تقاوم الرغبةّ ،
ٍ يقول الق ّديس مكسيموس هذا لنا
الذهن يزدري ابجملد واألموال .هذه احملبّة املضاعفة هي الديناران
َ ألَنا جتعل
احملبّة حنو القريب تقاوم الغضبّ ،
اللّذان أعطامها املخلّص لصاحب الفندق"...
153
ئيسي.
غرس هذه احملبّة املضاعفة يف قلوب املؤمنني هو عمل الكنيسة الر ّ
إ ّن َ
154
األحد التاسع من لوقا
ذكر املوت يه ّذب حياتَنا .صحيح أنّه مؤمل وال حنتمله ،ألنّه يُظ ِهر َ
كنوزان الزائلة بال قيمة ،ومل ّذاتنا بال إ ّن َ
ذكر املوت ،ينتصب العامل
احلقيقي حلياتنا .إذا طرحنا عن ذهننا َ
ّ معىن ،إالّ أنّه يف احلقيقة مي ّكننا من رؤية املعىن
صنمني
ذكر املوت .هكذا صار الغىن والرفاهية َ"فالغين اجلاهل" يف مثل اليوم حما من ذهنه َ
ّ الصنم.
ق ّدامنا مثل ّ
املادية األرضيةّ" :ي نفسيِ ،
لك أرزاق وافرة تكفيك مؤونة سنني كثرية ،فاسرتُيي، ّ شعورا أببديّة اخلريات ّ ّ
أعطياه ً
احلقيقي للحياة .مل يستطع أن يدرك املعىن ِ
حلقيقة املوت َحَرَمه أن َ اجلهل احملزن وتنعمي" .هذا
ّ ُ وُكلي ،واشريبّ ،
يشكره،
حّت َ يدرك بركةَ هللا ّ
آخرين .مل يستطع أن َكشخص يف شركة مع أشخاص َ ٍ خير َج من صفته كفرد ،ويعيش
حّت ٍ
يدرك هدفَه الّذي ال يتوقّف عند أبعاد األرض ،بل يصل ّ
مشرتكة .مل يستطع أن َ وُيول أرزاقَه إىل أرزاق َّ
التشبّه ابهلل الشفوق املمطر على األبرار والظاملني.
ابملادة،
حمصورا ّ
ً يتغري نوعه ،ومضمونه .ال يبقى
العطش إىل الراحة واملتعة ،إذا ارتوى من ذكر املوتّ ،
َ إ ّن
احلي .ويرى يف الوقت نفسه القيمة
ماء الروح ّ
بل يصبح شامالً ،ويكشف الل ّذة الروحيّة الّيت ال أملَ فيها ،أعين َ
الشرعي لل ّذة كأحد ٍ
بشكل عام .ينظر إىل االستعمال املادية
املادية وحسب ،بل للخليقة ّ
احلقيقيّة ،ال للشهوات ّ
ّ
فيض حمبّة هللا وصالحه .فريتقي الذهن إىل هباء اخلالق ،وإىل
مقومات احلياة البيولوجيّة ،ويرى يف اجلمال الفاين َ
ّ
طرح غداً يف
إدراك عنايته العظيمة ابإلنسان .يف ّكر بكلمة املسيح" :فإذا كان عشب احلقل ،وهو يوجد اليوم ،ويُ َ
يقف ابحرت ٍام
(مّت .)30 :6يتعلّم اإلنسان أن َ
التنّور ،يلبسه هللا هكذا فما أحراه أبن يلبسكم ّي قليلي اإلميان" ّ
155
أمام اخلالئق الوضيعة ،انظراً إىل عناية هللا ابلفانيات ،وابحثاً يف الوقت نفسه ٍ
برغبة ٍ
وتوق ،عن هباء اخلالق الّذي
ينمي عالقةً شخصيّة به.
ال يفىن ،حماوالً أن ّ
يصبح غنيًّا يف ِ ولكن َّ ِ
يهتم يف أن َ
الغين اجلاهل األساسيّة :فقد كنَ َز لنفسه ،ومل ّ
هلم نُنعم النظر يف مشكلة ّ
عيين هللا.
قال املسيح مثَ َل الغينّ اجلاهل ،مريداً بذلك أن يش ّد َد على عواقب اجلشع الوخيمة .وملا طلب منه أحد
ّ
"تبصروا ،واحذروا
دافع الطمعّ :
يتدخ َل لكي يقامسه أخوه املرياث ،قال له املسيح ،مميّزاً لديه َ
اجملتمعني حوله أن ّ
كل طمع" (لو .)15 :12أي انتبهوا ،واحرتسوا من أنواع الطمع كلّها ،فكثرة املمتلكات ال تعطي حيا ًة .مثّ ّ
ليكنز لنفسه .أجل ،يذكر مثَل اليوم أمالكاً ،وإنتاجات،
الطماع َ
ساق هلم مثَل اليوم .فاجلشع ،على أنواعه ،يدفع ّ
روحي كثري الظواهر ،وميزته األساسيّة أنّه جيعل حيا َة اإلنسان
ّ مرض
غري أن مضمونه أوسع بكثري .فالطّمع ٌ
مادية ،وقوى خارجة عن نطاق هللا .قد تستند حياته إىل املال ،واملمتلكات ،أو إىل املعارف
مستندة إىل أشياء ّ
كنز لنفسه" يرمتي بنَ َه ٍم على مجع الغىن ،أو كسب
"من َالبشريّة والدراسات ،أو املناصب والكرامات .هكذا َ
مناصب أرفع ،وأش ّد نفوذاً ،قدر
َ يزوَده بنفوذ "وشرف" بني الناس ،أو أن يُكسبَه
املعارف .وهذا من شأنه أن ّ
كنز لنفسه".
"من َ
ف َ
تصر َ
نشري إىل أربع عالمات فارقة متيّز ّ
اإلمكان .من املفيد أن َ
ّ -أوالً ،نشاطاته كلّها مرتكزة على ذاته ،وعلى اقتناص املتعة الشخصيّة أو املكانة اإلجتماعيّة األاننيّة.
156
أبدي على األرض ،وال
-اثلثاً ،يستند فقط إىل قواه الذاتيّةّ ،قوة يديه أو ّقوة ذكائه .ينظّم حياتَه كأنّه ٌّ
لتدخل هللا .ال يسلّم نتيجة مساعيه حلكمة هللا وقدرته .لذلك ،عندما ينجح يف حتقيق أحد أهدافه،
يرتك جماالً ّ
ُيدره إىل قعر سقوط لوسيفوروس.
ميتلىء من الكربّيء .يرى ذاتَه خالق نفسه ،ممّا ُ
ظهر عن طريقها
اصا ،ال وسيلة ليُ َ
مكسبًا خ ًّ
-رابعاً ،نتيجة ما سبق ،يرى يف غناه أو معرفته أو منصبه َ
ِ
حيب،أو ابألحرى ال يستطيع أن ّ
ُيب ،أعين أنّه أسري هواه. حمبّ تَه .أل ّن اجلش َع ال ّ
157
الغين اجلاهل فوجىء ابملوت ،أل ّن غناه لن يعرب عتبةَ
فتذوقه يف قلبه .إ ّن َّجيهز لنفسه مكان الراحة الّذي سبق ّ ّ
املوت .أما من يغتين عند هللاِ ،
فمن اآلن "له احلياة األبديّة". ّ
158
األحد العاشر من لوقا
حتريف الناموس
هذِه ،وَِهيَ ابْنَةُ ِإبْر ِاهيمَ...
"ّي مرائي ...و ِ
َ
الرّابَ ِط ِيف يَ ْوِم السَّبْ ِت؟ "
أَمَا َكا َن يَنْبَِغي أَ ْن ُحتَلَّ ِمنْ ه َذا ِ
ندرس
وُيََّرف .لذلك من املفيد أن َ
ستخدم ض ّد املسيح ُ
ّأما يف قراءة إَنيل اليوم ،فنرى هذا الناموس يُ َ
ظاهرَة حتريف الناموس الناجتة عن أهواء البشر .إ ّن الفرتَة الزمنيّة لصوم امليالد تساعد على مواجهة هذا األمر،
ليقبل املسيح ،هكذا حنن أيضاً نتهيّأ ابلتسابيح وبوساطة "انموس"
شعب إسرائيل َ
يؤدب َ
ألنّه كما كان الناموس ّ
تعييدا واعيًا.
الصوم لنعيّ َد جمليئه ً
شريعة السبت
يهمهُ
اآلخرينُ ،معلنًا عطلة السبت .يف احلقيقة ،مل َّ
وجد طريقةً "قانونيّة" ليربز أمام َ
حسد رئيس اجملمع َإ ّن َ
ُيل كلٌّ منكم يوم السبت راب َط ثوره أو محاره من املذود
الناموس ،لذلك دعاه املسيح مرائي" .أيّها املراؤون أما ّ
ويذهب به فيسقيه؟" .ولكن ما معىن عطلة السبت؟ ماذا كانت ختدم وماذا مثّلَت؟
159
عل من
املسيح يف ظرف آخر" :السبت ُج َ
َ لفريسيّني من أجل عطلة السبت ،قال
املستمر مع ا ّ
ّ يف صدامه
كالم املسيح هذا إىل معىن السبت ،كما إىل
أجل اإلنسان ،ال اإلنسان من أجل السبت" (مر .)27 :2يشري ُ
الروحي،
ّ وليساعده على إجياد الطريق حنو الكمالَ ليخدم اإلنسا َن
َ بعامة .فقد أُعطي الناموس
الناموس كلّه ّ
األّيم.
مباشرا ،هو إراحة الناس من أتعاب الستّة ّ ً وليصبح راشداً وكامالً يف املسيح .كان للسبت هدفًا عمليًّا
َ
اجلسدي ماسة إليه .وارتبطت هذه الراحة بتالوة كتب الشريعة والصالة ،أل ّن التّعب ٍ
ّ وهذا أمر كانوا حباجة ّ
ف اجلسد عن يتوجه حنو هللا .إذاًّ ،اختذت عطلةُ السبت مضموانً روحيًّا .فتوقُّ ُ
الذهن ّ
واالهتمامات الكثرية ال ترتك َ
الشريعة ،بل إبمكانيّة إمتام ٍ
جبمود توجبُهُ ّ العمل جيب أن يرتافق وعمل النفس .هذا يعين أ ّن السبت مل ِ
أيت َ
تضمن العمل لستّة ّأّيٍم مصلحةً شخصيّة من حيث طبيعتُه -مبا أ ّن األتعاب هدفَت األعمال املرضيّة هلل .ففيما ّ
خال من املصلحة الشخصيّة. إىل أتمني احلاجات املعيشية ،-وفّر السبت فرصة القيام بعمل ٍ
ّ
ويعطينا املسيح مقياس احرتام السبت هذا بطر ٍ
يقة غري مباشرة ،ولكن بوضوح ،يف حادثة أخرى قائالً:
الشر ،أختليص ٍ
نفس أم إهالكها؟ (لو .)9 :6إ ّن "عمل اخلري" ُيل عمل اخلري يف السبت أم عمل ّ "هل ّ
و"ختليص ٍ
نفس" تعبريان ُي ّددان معىن السبت .فكلمة "نفس" تعين هنا احلياة ،من مثّ "ختليص نفس" يعين أن
ُعطي خلالص نفس اإلنسان، السبت أ َ
َ ص حيا َة أحد الناس .ولكنّنا ال نُنكر معىن كالم املسيح إذا قلنا إ ّن
ختلّ َ
يعود اإلنسان "إىل نفسه" يعين أن يرّكَز قوى ذهنه على نفسه بقراءة الشريعة ابنتباه ،ومنلتجد النفس ذاهتا .أن َ
َ
كل أعماله"
اح من ّ
يوج َهه حنو هللا ابلصالة .معىن السبت هذا جيعلنا واضحني فيما ميثّله ،كما أ ّن هللا "اسرت َ
مثّ أن ّ
كل األعمال اجلسديّة
يف اليوم السابع وعاد من السفليّات حنو "ما هو فوق العامليّات" .هكذا متثّل "الراحة" من ّ
كل قوى نفوسنا العودة بذهننا إىل ملكوت هللا الّذي يف داخلنا ِ
بقوة النعمة .ابلتايل إ ّن السبت هو صورة توجيه ّ
ّ
كرس لقيامة املسيح .إنّه االنفصال عن الفكر اجلسداين
حنو هللا .ابلنسبة إلينا ،حنن املسيحيّني ،هو يوم األحد ،امل ّ
تتحرك مبقتضى مشيئة هللا.
حّت تتجلّى و ّ
وتغري األهواء كلّها ّ
ّ
األهواء والناموس
160
عامةً ،على طريقة رئيس اجملمع .فعوض أن
إنّنا دائماً حماطون خبطر استخدام "السبت" ،و"الناموس" ّ
حقيقي.
ّ كسالح ض ّد ميول أهوائنا ،نُ ِربز من خالل أوامره َ
حسدان وبغضنا .هذا غريب ولكنّه أمر ٍ نستخدمه
روحه ونقف على ِ
فالناموس اهلادف إىل احملبّة ميكن أن يستخدمه احلسد والبغض ،وذلك طبعاً عندما َنهل َ
شفاء املنحنية ومل يفرح،
أدق .لقد شاهد َ ٍ
بشكل ّ نتفحص شخصيّة رئيس اجملمع حرفيّته امليتَة .من املفيد أن ّ
ب ألنّه شعر أب ّن الناموس ُُيَ ّل .مل يُنكِر ّقوَة املسيح الشفائيّة .كانت األحداث صارخة ،فلم يقدر أن ِ
وغض َ
يقة مل تسمح له أن يفرح مع الفرحني ،وال أعطتهنكرها .أما هو فانقسم على نفسه ،وعاش الناموس بطر ٍ ِ
يُ َ ّ
ينتصر على أهوائه .ورأس الكالم أنّه أخفى أهواءه حتت ستار
إحساساً روحيًّا مرهفاً مقرتانً ابحملبّة .مل تساعده ل َ
احملافظة الصارمة على أحد األوامر اخلارجيّة ،كما ختفي القبور الفاخرة نتانةَ األجساد امليتَة" ،يبدو ظاهرها مجيالً،
(مّت.)27 :23 ٍ
كل َناسة" ّ
و ّأما داخلها فممتلىء من عظام املوتى و ّ
حنس ّأَنا
عندما نعجز عن النظر إىل وصاّي هللا كحياة وحّرية وَنج به نقدر أن نتّصل شخصيًّا ابهلل ،بل ّ
الناس إطالقًا .سوف نرى هللا رًّاب قاسياً ومتش ّدداً،
حنب هللاَ و َ
قوانني وضعها لنا حاكم عظيم القدرة ،ال ميكن أن َّ
كل َمن احملرك واملت ِّ
ولن َند فيه "العاشق واملعشوق"ِّ ،
ط ابإلنسان وجيتذب إليه ّ حرك ،الّذي "يفرغ ذاته" لريتب َ
يفسح يف اجملال لتعرب إليه نداءات ُحبِّه.
نتذوق ٍ
عندما ال حنفظ انموس هللا بطهارة ،عندئذ خيلق فينا غضباً وعدائيّة كما حصل لرئيس اجملمع ،ولن ّ
حنسبُ ُهم خمالفني ،كما يف مقطع إَنيل اليوم ،أو ض ّديتحول الغضب والعدائيّة كالمها ض ّد َمن َ
مثاره .مثّ قد ّ َ
أنفسنا النور واحلياة احلقيقيّة ،فنجعلها عاجزة
ئي أو كامل .ويف احلالَتني حنرم َ الناموس نفسه ،من خالل ٍ
رفض جز ٍّ
تذو ِق ٍ
شيئ من معىن ميالد املسيح اآليت. عن احملبّة ،وعاجزة ،ابلتايل ،عن ّ
161
األحد الثالث عشر من لوقا
يظنوَنا
ُيسب كثريون أنّه إنسان يبحث عن اآليت ،فاقداً احلاضر من يديه ،طالبًا احلياة األبديّة الّيت ّ
َ
يهتم
وجب عليه أن َّ ينشغل ابملشاكل اليوميّة .وكأحد علماء الناموسَ ، َ ختص حالتنا بعد املوت ،واألجدر به أن
ُّ
بصورةٍ ّ
خاصة ابلوصاّي الّيت حتمل مضموانً ع ًّاما اجتماعيًّا وإنسانيًّا ،على سبيل املثال ،تلك الّيت جتعل العالقات
لكن جوابه عن هذه الوصاّي كلّها جاء ٍ
العماليّة والتجاريّة عادلة ،أو تساعد العائلة على العيش بسالم وحمبّة .و ّ
ّ
املختصة ابلعالقات اإلجتماعيّة ،فلم يسرق ،ومل ْيزِن
ّ يعص الوصاّي
قاطعا" :هذه كلّها حفظتها منذ حداثيت" .مل ًَ
162
أدرك يف
يكتف بذلك .ميكننا القول إنّه َ ِ اخلارجي ،ولكنّه مل تصرفَه ِ
ّ اآلخرين .كان الناموس يُلهم ّ احرتم حيا َة َ
و َ
اخلارجي .يف هذه احلالة ،عندما وصل
ّ ألَنا تنحصر حبُسن السلوك عجز النظرة اخلُلُقيّة إىل شريعة هللاّ ،
أعماقه َ
دل املسيح على كمال الطريق ،جميباً إىل كالمه "هذه كلّها حفظتها منذ حداثيت" مأزقّ ،ضمريه الفريسي إىل ٍ
ّ ّ
تصبح كامالً وتكون على يقني أبنّك سرتث احليا َة األبديّة.
حّت َ بقوله "يعوزك أيضاً شيء" ّ
األخالق والعلمنة
تعرب عن
طبعاً هذا ال يعين أن اخلدمة اإلجتماعيّة واخلرييّة ليست من عمل الكنيسة ،على العكس ،فهي ّ
الداخلي،
ّ وذكسي ،ترتبط املبادرات االجتماعيّة واألعمال اخلرييّة الضخمة ابلعمل
ّ حياهتا .ولكن ،يف الرتاث األرث
وسر
ثوذكسي ّ
ّ الّذي يتح ّق ُق ابلروح القدسّ .إَنا شعاع احملبّة حنو اإلنسان واخلليقة ،حمبّة تنبع من النسك األر
اإلهلي.
الشكر ّ
مأساة التعلّق
عبدا للممتلكات يعلم كيف يرث احلياةَ األبديّة ،كان يف الداخل ً طلب أ ْن َئيس اجملمع" الّذي َ
إ ّن "ر َ
أسس حياتَه العاجزة عليه .عندما عرف املسيح تَعلُّ َقه"يصلب" العامل يف ذاته ،ألنّه ّ
َ املكتسبة شرعيًّا .مل يقدر أن
وض َح له أن األمر الوحيد الّذي ينقصه هو انعتاقه منها ،وتوزيعها على الفقراء وااللتصاق به .بدا
العميق بثروتهّ ،
جو
كالم املسيح هذا ثقيالً ملسامع رئيس اجملمع ،ولذلك "حز َن" .ويشبه حزنه أسى اكثريين مل يقدروا أن ُيتملوا ّ
قيود النفس من األهواء ،وال أن ُيتملوا حزن الصليب املب ِهج .لقد شلّ ْ
ت العْلمنة ُيل َالكنيسة ،والنسك الّذي ّ
يبق فيهم ّقوة على املسريات الروحيّة الصلبة .هلذا يتعايشون و"رئيس هذا العامل".
عصب نفوسهم ،ومل َ
َ
خيلص؟" وجواب
َ "م ْن يستطيع أنإىل ذلك ،تولّد فينا معرفة تعلّقاتنا الذاتيّة السؤ َال التايل تلقائيًّاَ :
َنعل
املسيح عن هذه احلالة ُيمل تعزية" :غري املستطاع عند الناس مستطاع عند هللا" (لو .)27 :18فبدل أن َ
ٍ
استعداد طيّب.
عجزان لدى هللا بتواض ٍع و
من أهوائنا نظرّّيت مذهبيّة والهوتيّة هبدف تربير نفوسنا ،لنودع َ
164
أح ُد األجداد
165
الناس كلّهم إىل معرفته .غري أ ّن معرفته ليست من نطاق العقل والفهم ،بل
معرفته .إذاً ،وفقاً للمثَل ،يدعو هللا َ
ٍ
عندئذ ،إحساسنا مبلكوت هللا ،وهو فإَنم يعاينون هللا".
نتيجة الرؤية القلبيّة الطاهرة" .طوىب ألنقياء القلوب ّ
نفسه معرفة هللا الثالوث ،يتمثّل يف نقاوة القلب .إذاً اجلهاد من أجل انعتاق قلوبِنا من غمام األهواء هو جهاد
اإلهلي (اإلفخاريستيّا).
الشكر ّ سر ّ الفعلي عن املشاركة يف ّ
ّ عدان
يبني لنا واضحاً بُ َ
من أجل معرفة هللا .هذا كلّه ّ
نتمم أحد الواجبات الدينيّة ،وال جملّرد مشاركة الناس ابإلميان
فنحن أنيت إىل الكنيسة ونشارك يف األسرار ،ال لكي ّ
توحدان ،هي الّيت حت ّقق طلبة صالة
الواحد ،بل لندخل يف معرفة هلل أكثر عمقاً .فمعرفة هللا العميقة هي الّيت ّ
سرية عندما يكون
املسيح الكهنوتيّة "ليكون اجلميع واحداً" (يو .)21 :17هذا يعين أنّه ال ميكن وجود وحدة ّ
خمتلفا.
اإلميان ً
املدعوين ّأوال
ّ رفض
يقة واضحة على التصاقهم تدل على عدم اإلميان ،بل تعرب بطر ٍ دعوون" ال ّ
ّ احلجج الّيت أعطاها "امل ّ
ابألموال ،واألمالك والعائلة .إذا نظران إليهم بشرًّّي ،نراهم أانساً شرفاء وعاملني ،ينتبهون إىل عائالهتم وأعماهلم.
ألَنم ال يعرفون َمن يرفضون وماذا يرفضون .يُشبِهون
الروحيّ ،
ّ يدل على موهتم
كن رفضهم اجمليء إىل العشاء ّ
ول ّ
خلف
هرعون َ اإلهلي ،يُ َ
َنار األحد صباحاً إشارَة الصليب ،وبدل الكنيسة والق ّداس ّ "مسيحيّني" كثريين يرمسون َ
يغضون النظر عن حياة األسرار يف الكنيسة بسبب الواجبات العائليّة (كاالهتمام ابألوالد
أعماهلم وأمالكهم ،أو ّ
الشر يف
القلب مأسور ابألشياء األرضيّة والفاسدة .طبعاً ال يكمن ُّ
يدل هذا املوقف على أ ّن َ
أو أبعمال املنزل)ّ .
تقييما خاطئًا .فهذه كلّها يباركها هللا عندما
األمالك و ال يف العمل ،وال يف العائلة ،بل يف تقييم األشياء ً
كز حياتنا ونشاطاتنا كلّها.
نستخدمها وفقاً ملشيئته .إالّ أ ّن َناحنا ال يتح ّقق إالّ عندما يكون هللا وكلمته مر َ
نتعمق ِ
ابلتايل ،من الواضح أنّنا بقدر ما نُعت ُق قلوبَنا من االلتزامات األرضيّة املباركة مثل األمالك ،والعمل والعائلةّ ،
اإلهلي.
يف معرفة هللا من خالل اشرتاكنا يف الق ّداس ّ
166
األمور من منظار آخر.
هلم نرى َ
ولكن ّ
السر
شروط ّ
اإلهلي هو صورة عن ملكوت هللا ،صورة عنّ سر اإلفخارستيّا
يقول يوحنّا مرتوبوليت برغاموس إ ّن " ّ
اجملد اآليت مسبقاً وحنصل على احلياة األبديّة .هذه هي حقيقة الكنيسة
نتذوق من خالله َاألمور األخرويّة"ّ .
اإلهلي ،تولّد لدينا صعوابت يف إدراك هذه
لكن خربة معظمنا ،حنن املؤمنني ،يف مشاركتنا للق ّداس ّاملُبهجة .و ّ
ملكوت هللا مسبقاً عندما نشارك يف اإلفخارستيّا اإلهليّة؟ ابلتايل ،كيف لنا الوصول إىل
َ نتذوق
احلقيقة .كيف ّ
نود
معرفة هللا وحمبّته؟ إ ْن مل نشأ البقاء يف دائرة األحاسيس ،علينا أن نواجهَ املصاعب الّيت تفرضها اخلربة .لذلك ّ
أن نورد امللحوظات التالية :حنن نشارك يف األسرار طاعةً لوصيّة املسيح والرسل .ولكن جيب أن نكون منخرطني
اإلهلي ابستقالليّة ،كأنّه عادة ٍ
كلّيًّا يف تقليد الرسل لكي يكون عملُنا هذا "حلياة أبديّة"ّ .أما عندما نعيش الق ّداس ّ
الروحي وغري هاّنو عن عاجزة ٍ
عندئذ أنفسنا أو كو ٍ
ّ ّ للسرَ ،نعل َشكلي للمؤمن ،من دون هتيئة حقيقيّة ّ ّ اجب
السر جدار قامت ال ميكن إخرتاقه .لذلك
احلس روحيًّا .يقوم بني أذهاننا و ّ
عادمي ّ
ّ قادرة على إدراك احلقيقة ،فنصري
اإلهلي إنتباهاً كثرياً .طبعاً ينبغي أن تكون املشاركة متواترة قدر اإلمكان،
سر اإلفخارستيّا ّ
يتطلّب اشرتاكنا يف ّ
األهم هو انتظام حياتنا كلّها على أساس روحيّة
يهم ليس هو التواتر بقدر ما هو االستعداد املناسب .و ّ
ولكن ما ّ
اإلهلي.
الق ّداس ّ
شك أ ّن الطريقة الّيت نعيش فيها خالل األسبوع كلّه هلا وقع على الذهاب إىل الكنيسة َنار األحد،
ال ّ
للتصرف وفقاً
َنتم ّ
كل النهار هلا أتثري على صالتنا املسائيّة .إذا مل نف ّكر ابهلل ومل ّ
كما أ ّن الطريقة الّيت نعيش هبا ّ
ملشيئته خالل فرتة النهار أو األسبوع ،يصبح ذهننا ثقيالً عندما نقف للصالة ،وال يستطيع أن ينفصل ٍ
حينئذ عن َ
عندئذ يقول بسهول ٍة يف ٍ
حلظة من اللحظات: ٍ موضوع اهتمامه ،فال يقدر أن يصلّي وال أن يشارك يف الق ّداس.
"أسألك أن تُعفيَين".
167
168
األحد قبل عيد امليالد
(مت)25 -1 :1
ّ
ُّبر يوسف
سرا"
ابرا ...أراد ختليتها ًّ
"يوسف رجلها إذ كان ًّ
إذا كان الصمت لغّةَ الدهر اآليت ،فيوسف "رجل مرمي" هو ّنوذج االنسان الصامت يف الدهر احلاضر .مل
سجل إالّ بعض نواّيه ،وبعض أفكاره الّيت ترسم صامتا .مل يُ َّ ُيفظ الكتاب املق ّدس َّ ٍ
أي كلمة له .كان رجالً ً
عظمةَ فضيلته عجائبيًّا .لقد عاش يف الناموس ولكنّه حبياته فاق الناموس .مل يُكبَّل حبرفيّة الناموس ،بل نفذ إىل
حّت قبل ميالد املسيح ،وقبل حلول
احلقيقي ّ
ّ الرب
دل على معىن ّ
نيب .سبق و ّ
روحه .لذلك أظهر بطريقة حياته أنّه ٌّ
يصبح أابً
َ استحق أن
ّ عاشها على ّأَنا احملبّة .لذلك
الروح القدس .لقد عاش الربارة حسب روح تعليم املسيحَ :
ابلتبين ،حامياً للطفل يسوع ابن هللا ولوالدته حبسب اجلسد.
للمسيح ّ
فلنحاول إذاً أن نرى وجه يوسف اخلِطّيب خارج إطار الزخرفة العاطفية يف أّيمنا ،حيث نرى كل ٍ
شيء َّ ّ ّ َ
نم ًقا.
ُم َّ
استلم يوسف خطيبتَه الكلّية القداسة من اهليكل عذراء ،ولكن "قبل أن جيتمعا ُوجدت حبلى" .حنن َ
تطوَر األحداث ،نعرف عجيبةَ جتس ّد هللا العظيمةّ .أما يوسف ،فلم يكن ابستطاعته آنذاك إالّ أن يرى
نعرف ّ
بقوة الروح القدس هي شيء ال ميكن أن يدرَكه ٍ ٍ
خيانةَ خطيبته ،أي مثرَة عالقة ال شرعيّة .الوالدة من فتاة بتول ّ
اتب منذهالً من أفكا ٍر مضطربة". ٍ
يوسف العفيف ار َ
َ عندئذ ،كما يقول املديح الّذي ال ُجيلس فيه" :إ ّن ذهنُه.
ابرا ومل يشأ أن يشهرها أراد ختليتها
غري أ ّن ميزة اإلنسان تظهر يف الصعوابت واالضراابت .فيوسف "إ ْذ كان ًّ
169
ابرا مل يُِرد أن
سرا" .كان أمسى من أن يغار .مل تنه ْشهُ أاننيّته اجملروحة ،بل ف ّكَر ابلّيت ظنّها خائنة .وإ ْذ كان ًّ ًّ
نفسه
جير َ يسلّمها إىل العدالة .مل يرد أن تعاقَب ،وعقاهبا املوت -وال أن ُهتا َن عالنيّةً .هكذا إذاً ،وألنّه مل يرد أن َّ
سرا أبن يُطلِق سبيلها ويرحل.
إىل خطاّي غريبة ،ف ّكَر ًّ
البار هو الفاضل
ّ
الذهيب الفم قراءة إَنيل اليوم "يوسف رجلها ،إذ
ّ يفسر الق ّديس
البار هو الفاضلّ .
وفقاً للكتاب املق ّدسّ ،
كل شيء" .فطريقة مواجهة يوسف هلذا احلدث غري املتوقَّع،
"ابر" تعين هنا فاضالً يف ّ
ابرا" بقوله" :كلمة ّ كان ًّ
ُ
كل شيء" .لقد ملَك كامل قواه النفسيّة ،فلم
البتويل للمسيح ،دلّت على أنّه كان حقًّا "فاضالً يف ّ
ّ أعين احلبل
تُض ِرم الغرية غضبَه ،ألنّه ضب َ
ط الغضب بفضيلة احملبّة ،وال أزعجته الشهوة ،أل ّن ذهنَه قد أحكمها بضبط النفس.
يفعل .عاش
يقبل نبوء َة املالك وإرشاده إىل ما جيب أن َ
استطاع أن َ
َ انفتح ذهنه على هللا ،بسيط ومصلّياً .لذلك
حضوره جبانب والدة اإلله ،انهيك عن محايته قول هللا.
أطاع من غري اعرتاض قول املالك ،الّذي كان َ ٍ
ُ بصمت و َ
العجائيب ولوالدة املسيح.
ّ أهم شهادة للحبل
هلا ،هو ّ
كرز مسب ًقا بطريقة احلياة اجلديدة.
ش الربَّ حبسب روح تعليم املسيح .هكذا َ لقد ذكران أ ّن يوسف عا َ
فاملسيح هو "مشس العدل" ،كما سنرتّل بعد أ ّّيٍم قليلة يف طروابرية امليالد ،ويوسف ميثّل انبالج الفجر قُبَي َل
(مّت )33 :6فلنَنظر يف شروق تلك الشمس .ومبا أنّنا أ ِ
وبره" ّملكوت هللا َّ
َ "أوالً
نطلب ّ
َ ُوصينا حنن أيضاً أبن
بعض األمور من الناحية العمليّة أبش ّد تدقيق.
َ
مصدر الظلم
170
حصرا يف العدل هو املطلب العميق لسائر الشعوب َّ
لكن الظلم الّذي تُعانيه ال تكمن جذوره ً املعذبة .و ّ
داخلي ،من ظلم األقوّيء جتاه أنفسهم .ممّا ال ريب فيه أنّنا ال نقوى على ظُلم
ّ العوامل اخلارجيّة ،بل تنبع من ظل ٍم
أنفسنا ّأوالً .فلنحلّل قليالً هذه الظاهرة الغريبة.
اآلخرين إالّ عندما نظلم َ
َ
اعا خمتلفة الختالف الطرائق الّيت يدرسه املرء هبا .فمن العدل ما يعين املساواة ،وهو ما
يُصنّف العدل أنو ً
البشري ،إالّ أنّه ال ينجح دائماً .ابلتايل املفهوم القانوينّ ال يتماشى دائماً والعدل .مراراً كثرية
ّ يفرضه القانون
فتعرب
ّ تدخل على القانون املصلحة الشخصيّة أو ارتباطات ِّ
املشرع -ال سيّما يف األنظمة الديكتاتوريّة،-
القوي وليس عن العدل.
األحكام عن إرادة ّ
آخر .هو الفضائل جمموعة ،ويتّحد أبمسى فضيلة بينها ،أعين احملبّة.
ّأما يف تراث الكنيسة ،فللعدل معىن َ
لب ألجلهم بدافع حمبّته الفائقة .هكذا ص َالبشري ،ألنّه ،عوض أن يَدين اخلطأةُ ،
ّ سمى هللا عادالً ابملفهوم
ال يُ َّ
ات روحيًّا وجتعلهم "أوالداً
أعطاهم القدرة أن يتغلّبوا على عواقب عصياَنم .أعطاهم نعمتَه الّيت ُحتيي األمو َ
مستنريين" لكنيسته .العادل ابلنسبة إىل الكنيسة هو َم ْن ُي َفظ "صورة هللا" يف اإلنسان ،ويرتّب حياته حبسب
النفس،
وصاّي هللا .هذا يعطي للنفس واجلسد ما يالئمهما (الق ّديس مكسيموس) ،فال يُستعبَد للجسد وال يظلم َ
نفسه ،فيُستعبَد للعامل ويبتعد عن هللاِ .من هناك ينبع الظلم. مبل يزينها ابلفضائل .من يف ّكر ابجلسد وحده يظلِ
َ َ َ ّ
وفقاً للق ّديس غريغوريوس ابالماس جذر الشرور هو يف حمبّة اجلسد .هذه احملبّة من طرف واحد جتعلنا
اآلخرين أيضا .وهذا أكرب املظامل
أنفسنا كجسد فحسب ،هكذا نرى َ
استغالليّني ،ومستب ّدين وظاملني .إذا رأينا َ
كلّها .وينتج عن ذلك عواقب يف عالقاتنا اإلجتماعيّة وأيضاً يف تربية أوالدان .فإنّنا ال نرى أيقوانت هللا أمامنا بل
كائنات بيولوجيّة.
املوسوي املوافِق لقساوة قلب الشعب ،و ّاحت َد ابحملبّة .وهذا العدل هو
ّ ناموس
لقد فاق عدل يوسف ال َ
اصل.جمتمع أفراداً ليس بينهم تَو ُ
الرجاء الوحيد لالنعتاق من ختدير "املصاحل" ،الّيت جتعلنا َ
171
172
عيد امليالد اجمليد
(مت)12 -1 :2
ّ
رمز احلياة
مسريةُ اجملوسُ ،
ملك اليهود؟"
"إذا جموس من املشرق قد جاءوا إىل أورشليم قائلني أين هو املولود ُ
حصل يف حيّز التاريخ ،فاملسيح "يولد دائماً" يف قلوب الناس .والعثور
َ جمرد حدث
ميالد املسيح ليس ّ
إ ّن َ
يهتم
معىن حلياتنا ،أو ابألحرى ّ
ئيسي .هذا العمل يعطي ً "ولد املسيح" ،هو عملنا الر ّ على "مغارة" القلب ،حيث َ
تصور
احلقيقي .فهدف حياتنا هو لقاء املسيح وارتباطنا به .لذلك ميكننا القول إ ّن مسريَة اجملوس ّ
ّ هبدف حياتنا
احلقيقي .قراءة إَنيل اليوم يف
ّ مسريةَ حياة اإلنسان الصحيحة بدقٍّة كبرية .هي املسرية من الوثنيّة إىل اإلميان
هذه النقطة مميزة جدًّا .فهي تتكلّم يف ٍ
مجلة واحدة عن ميالد املسيح "وملا ُو َلد يسوع يف بيت حلم اليهوديّة"...
ّ ّ
وتصف فيما بعد مسريَة اجملوس الّذين أتوا من املشرق ليسجدوا مللك اليهود املولود حديثاً.
173
إستجابةُ الدعوة ابستعداد طيّب
مقياس ْي املسرية الروحيّة .كلّنا نتل ّقى دعوات مساويّة ،وُياول هللا
َ استعداد اجملوس وشجاعتهم مها
َ إ ّن
الوثين ،من كسل حياةٍ مسيحيّة مرتاخية تستعبدان هلذا العامل .فيشعل أمامنا ِ
متنوعة أن خيرجنا من َعيشنا ّ
ٍ
بطرائق ّ
يقة داخليّة ،من خالل أفكار حسنة يضعها يف انراً هتدينا ،منتظرا منّا استعداد اجملوس وشجاعتهم ،اترًة بطر ٍ
َ ً
ات مق ّدسة.يقة خارجية ،بقراءة الكتاب املق ّدس وكتاابت اآلابء وسواها ،أو بلقاء شخصي ٍ قلوبنا ،واترةً بطر ٍ
ّ ّ
فلنهتم إذاً أالّ نكون من ات من هللا، ٍ
عندئذ ،ولكن ثالثة فقط تبعوه .هكذا ،كلّنا نتل ّقى دعو ٍ النجم
ّ كثريون رأوا َ
يدعوَنا بدون استثمار. الّذين َ
جتربة أورشليم
174
النجم .هناك امتُ ِح َن ثباهتم وإمياَنم .طلبوا أن يعلموا "أين ملك
وصل اجملوس إىل أورشليم أضاعوا َ
عندما َ
ٍ
بشكل خميفّ .أما اجملوس فلم خيافوا .أذاعوا دافع أقلق هريودس
فجعل السؤال املدينةَ تضطرب و َ
َ اليهود املولود؟"،
لنسجد له" .وعلموا من رؤساء الكهنة والكتبة ،بواسطةَ َنمه يف املشرق وأتينا
مسريهتم قائلني" :فإنّنا رأينا َ
يولد "ملك" إسرائيل يف بيت حلم .مع هذا اخلرب ،خرجوا من املدينة ورأوا أمامهم
هريودسّ ،أَنم كانوا ينتظرون أن َ
النجم الّذي منحهم فرحاً عظيماً ،وأحضرهم إىل البيت ،حيث والدة اإلله مع طفلها يسوع.
اثنيةً َ
البشري .سلطة هذا العامل هي
ّ رمز التفكري
رمز العامل ،وهريودس ُ يف موضوع حبثنا ،أورشليم هي ُ
نوران اهلادي ويهجران
البشري .عندما نشتبك خالل مسريتنا الروحيّة بذهنيّة العامل الكثرية الضوضاء ،نفقد َ
ّ التفكري
حريتنا .إذ ذاك علينا أن نسأل "رؤساء الكهنة" و"الكتبة" أي الرعاة ومعلّمي الكنيسة "أين
جرب ّ
إهلام النعمة ،فتُ َّ
ُ
يولد املسيح؟".
175
176