You are on page 1of 105

‫د‪ .

‬يحيى بن ابراهيم اليحيى‬


‫إلى من‬
‫ضاقت عليه نفسه‬
‫يم ال َي ْح َيى‬ ‫إبر ِ‬
‫اه َ‬ ‫د‪ .‬يحَ ْ َيى بن َ‬
‫الطبعة األوىل‬
‫‪ 1435‬هـ ‪2014 -‬م‬
‫لكل مسلم حق طبع هذا الكتاب دون تغيري‬
‫التنفيذ الفني‬

‫‪www.wojoooh.com‬‬
‫اململكة العربية السعودية ‪ -‬الرياض‬
‫هاتف‪+ 966 1 4562410 :‬‬
‫‪info@wojoooh.com‬‬

‫ح‪ /‬حييى إبراهيم اليحيى‪1434 ،‬هـ‬


‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬
‫اليحيى‪ ،‬حييى إبراهيم‬
‫إىل من ضاقت عليه نفسه‪ /‬حييى إبراهيم اليحيى‪ -‬الرياض‬
‫‪ 104‬ص؛ ‪ 21.5x 14.5‬سم‬
‫ردمك‪978-603-01-3604-9 :‬‬
‫‪-1‬كعب بن مالك بن عمرو ‪ -2‬الصحابة والتابعون أ‪ .‬العنوان‬
‫ديوي ‪1434/10593 239.9‬‬
‫رقم اإليداع‪1434/10593 :‬‬
‫ردمك‪978-603-01-3604-9 :‬‬

‫‪4‬‬
‫تقديم‬

‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫ِ‬
‫أرشف‬ ‫الم ىَ‬
‫عل‬ ‫والس ُ‬
‫َّ‬ ‫والصال ُة‬
‫َّ‬ ‫رب العاملنيَ ‪،‬‬
‫احلمدُ هلل ِّ‬
‫أج ِعنيَ ‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫وص ْحبِ ِه مْ َ‬
‫وعل آلِ ِه َ‬‫ىَ‬ ‫ِ‬
‫وإمامنا حُم َّم ٍد‬ ‫وا ُمل َ‬
‫رسلني‪ ،‬نبِ ِّينا‬
‫أعظم‬
‫ِ‬ ‫وق إليك قصة حدثت يف‬ ‫أس َ‬‫الكريم أن ُ‬
‫َ‬ ‫القارئ‬
‫َ‬ ‫فيرسين أخي‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫رسائل فهي‪:‬‬ ‫طي هِاتا‬ ‫فه التاريخ‪ِ ،‬‬
‫حتم ُل يف َّ‬ ‫عر ُ‬
‫جمتمع وأروع جيل َ‬
‫ٍ‬
‫اضطرابات نفسية!‪..‬‬ ‫رسالة إىل َمن ُيعاين ِمن‬
‫ٌ‬
‫بأز َم ٍ‬
‫ات!‪..‬‬ ‫ٌ‬
‫رسالة إىل َمن َي ُم ُّر َ‬
‫وشدائِدَ ‪.‬‬
‫رسالة إىل َمن ُيعاين ِمن متاعب َ‬ ‫ٌ‬
‫الش ِ‬
‫يطان لألخطاء‬ ‫اخلالص من استثامر َّ‬
‫ُ‬ ‫تصف َ‬
‫كيف يكون‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫رسالة‬
‫والكبوات‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫جاة ِمن استغالل األعداء لبعض األحداث التي َي ُم ُّر‬
‫وتبينِّ سبيل ال َّن ِ‬
‫هبا املؤمن‪.‬‬

‫َّبات عىل‬ ‫َ‬


‫وكيف يكون الث ُ‬ ‫الصدْ ِق ُ‬
‫والو ُضوح‬ ‫رسالة ِ‬
‫تص ُف عاقب َة ِّ‬
‫املبادئ؟‬
‫حتذ ُر من االلتفات إىل املث ِّبطات‪.‬‬ ‫رسالة ِّ‬ ‫ٌ‬
‫َّبات عىل ال َقرار الصائب‪.‬‬ ‫رسالة تعني عىل الث ِ‬ ‫ٌ‬
‫تخ َّط ْون َ‬
‫العوائقَ ؟‬ ‫ف َي َ‬ ‫اقني ُتبني هلم َك ْي َ‬‫الس ّب ِ‬ ‫ٌ‬
‫رسالة إىل َّ‬
‫الع َملِ ‪.‬‬
‫تقاعسنيَ عن َ‬ ‫ـم ِ‬ ‫رسالة إىل ا ْل ُ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫سويف وال َّتأجيل‪.‬‬ ‫ب بال َّت‬ ‫الر ْك ِ‬
‫ف َعن َّ‬ ‫رسالة إىل ُك ِّل ُمتَخ ِّل ٍ‬ ‫ٌ‬
‫الف َرص‪ ،‬و َت ْر ِك َ‬
‫الع ْج ِز َ‬
‫والك َسل‪.‬‬ ‫رسالة َتدْ ُعو إىل انتِهاز ُ‬‫ٌ‬
‫ـمسابقة!‬ ‫رسالة َت ْبنِي ُح َّب ا ْل ُ‬
‫ـمبا َدرة وا ْل ُ‬ ‫ٌ‬
‫األحزَ ان‪.‬‬ ‫رسالة تطرد ْ‬ ‫ٌ‬
‫الذ ُنوب بِ َحاجز ال َّتوبة‪.‬‬ ‫رسالة تقطع ِس ْل ِسلة ُّ‬ ‫ٌ‬
‫للص ُعود إىل ِ‬
‫الق َّمة!‬ ‫والز َّلة ُّ‬
‫وة واهل ْف َوة َّ‬ ‫الك ْب ِ‬
‫كيفية استثامر َ‬ ‫رسالة يف َّ‬‫ٌ‬
‫الئِ ِق الشرَّ ِّ وأسبابِ ِه‪.‬‬ ‫رسالة يف َق ْط ِع ع َ‬ ‫ٌ‬
‫وع ُروضهم‪.‬‬ ‫او َم هِاتِم ُ‬
‫وم َس َ‬ ‫عل َأ ْهل الباطلِ ُ‬ ‫رسالة يف ال َّت َعايل ىَ‬ ‫ٌ‬
‫دة الت ِّْخ ِطيط!!‬
‫وج ْو ِ‬
‫ري َ‬ ‫وع ْمق ال َّت ْفك ِ‬ ‫رسالة تبني أمهية بعد ال َّن َظ ِر ُ‬ ‫ٌ‬
‫ياس ُر ُدود األفعال!‬ ‫رسالة يف ِق َ‬ ‫ٌ‬
‫منهم!!‬ ‫أجل نجاح َش ْخص ُ‬ ‫رسالة تحَ ْ ِكي َف ْرح َة مجُ ْ ت ََم ٍع َبأ ْك َم ِل ِه ِمن ْ‬ ‫ٌ‬

‫ريها ْتأ َ‬
‫تيك يف ال َّت ْج ِربة العظيمة ا َّلتي َو َق َع ْت‬ ‫الرسائلِ وغ ُ‬ ‫كل هذه َّ‬ ‫ُّ‬
‫خاض معاناهتا أحد السابقني إىل‬ ‫َ‬ ‫وأفض ِل ِه‪ ،‬وقد‬
‫َ‬ ‫أط َه ِر مجُ َ‬
‫تم ٍع وأنْقا ُه‬ ‫يف ْ‬

‫‪6‬‬
‫تقديم‬

‫بيد ِه ولسانِ ِه‪،‬‬


‫جاهدُ ِ‬
‫ـم ِ‬‫اب ا ْل ُ‬ ‫الش ِ‬
‫اع ُر َّ‬
‫الش ُّ‬ ‫اإلسالم الذابني عن حياضه َّ‬
‫احلرب!!‬
‫شاعر ْ‬
‫ُ‬
‫فر ًقا من قوله(‪:)1‬‬
‫دوس َ‬
‫وقد أسلمت ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫دوسا أو َثقي َفا‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫قواط ُع ُه َّن‬ ‫ُن َخيرّ ُ َها َو َل ْو َن َط َق ْت َل َقا َل ْت‬

‫أع َرق قبائلِ األنصا ِر‪ِ ،‬من َخ ْز َر ِجها‪ ،‬إ َّن ُه كعب‬ ‫ٍ‬
‫قبيلة من ْ‬ ‫َينت َِس ُب إىل‬
‫بن مالك بن أيب كعب عمرو بن ال َقينْ بن كعب بن سواد بن َغ ْنم بن‬
‫اخلزرجي‪2..‬‬
‫ّ‬ ‫األنصاري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كعب بن سلمة‬

‫ومعانا َت ُه يف ُأ ْس ُل ٍ‬
‫وب‬ ‫مالك ريض ُ‬
‫اهلل عنه جت ِربت َُه ُ‬ ‫بن ٍ‬ ‫سط َر لنا َك ْعب ُ‬ ‫ل َقد َّ‬
‫نفس َك يف َثنايا القصة و َبينْ َ ُف ُصولهِ َا‪،‬‬ ‫ص ماتِ ٍع َأ َّخ ٍ‬
‫اذ‪ ،‬جيعلك َت َ‬
‫نسى َ‬ ‫َق َص يِ ٍّ‬
‫ِ‬
‫اجحة‪.‬‬ ‫القص ِة العظيمة وال َّت ْج ِربة ال َّن‬ ‫و َتست َْم ُ‬
‫تع بقراءة هذه َّ‬
‫يف‪،‬الط ِ‬
‫اهر‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أجواء ا ْل ُ‬
‫ـم ْجت ََمع ال َّنب ِو ِّي الشرَّ ِ‬ ‫يش يف‬‫الق َّص َة لت َِع َ‬
‫فدُ و َن َك ِ‬
‫ـمت ََأ ِّلق امليضء(‪.)3‬‬‫ال َّن ِق ّي‪ ،‬ا ْل ُ‬
‫د‪ .‬حييى بن إبراهيم اليحيى‬
‫‪yiy55555@gmail.com‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن أيب الدنيا يف اإلرشاف عىل منازل األرشاف (ص‪ )301‬بإسناده عن ابن‬
‫سريين‪ ،‬وانظر‪ :‬سري أعالم النبالء (‪.)525/2‬‬
‫(‪ )2‬بيت من الوافر‪ ،‬من قصيدة مطلعها‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫الس ُيوفا‬ ‫َ‬ ‫َق َض ْينَا ِم ْن هِتَا َم َة ُك َّل َر ْي ٍ‬


‫ثم أ مْج َْمنَا ّ‬
‫وخيب َّ‬
‫رَ‬ ‫ب‬
‫الرسائلِ ا ّلتي تحَ توهيا؛ فال ُأ ِح ُّب أن مَ ُت َّر عىل القارئ الكريم‬ ‫نظرا لكث َْرة َّ‬ ‫القص َة ً‬ ‫عت َّ‬ ‫قط ُ‬ ‫(‪َّ )3‬‬
‫ِ‬
‫وفوائد ُك ِّل‬ ‫نص ِ‬
‫الق َّصة إل ْب َرا ِز رسائلِ‬ ‫ْطيع ِّ‬‫ْت تق َ‬ ‫َ‬
‫لذلك رَ‬
‫اخت ُ‬ ‫ون أن ينتب َه هلا؛‬ ‫ٌ‬
‫رسالة ُد َ‬
‫قطع م ْنها‪ ،‬وستجدها كاملة يف آخر الكتاب‪.‬‬
‫َم ٍ‬

‫‪7‬‬
‫الوالدين بركة‬
‫َ‬ ‫ِبر‬

‫البخاري يف صحيحه قال‪َ :‬حدَّ َثنَا يحَ ْ َيى ْب ُن ُب َكيرْ ٍ‪َ ،‬حدَّ َثنَا ال َّل ْي ُث‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫روى‬
‫ب ْب ِن‬ ‫ح ِن ْب ِن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َك ْع ِ‬ ‫اب‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد َّ‬
‫الر مْ َ‬ ‫َع ْن ُع َق ْيلٍ ‪َ ،‬ع ْن ا ْب ِن ِش َه ٍ‬
‫يه ِحنيَ َع ِم َي‬ ‫ب ِم ْن َبنِ ِ‬‫ان َقائِدَ َك ْع ٍ‬ ‫ك َو َك َ‬ ‫ب ْب ِن َمالِ ٍ‬ ‫ك َأ َّن َع ْبدَ اهلل ْب َن َك ْع ِ‬
‫َمالِ ٍ‬
‫وك‪.‬‬ ‫ك يحُ َ دِّ ُث ِحنيَ خَ َت َّل َ‬
‫ف َع ْن ِق َّص ِة َت ُب َ‬ ‫ال‪َ :‬س ِم ْع ُت َك ْع َب ْب َن َمالِ ٍ‬
‫َق َ‬

‫ريها ٌ‬
‫ناجتة عن‬ ‫األ رَس العلمية يف املدينة النبوية وغ ِ‬ ‫إن ظاهر َة ُبروز ُ‬
‫‪ّ -1‬‬
‫ُ‬
‫نجاح الرتبية؛ فعبدُ الرمحن َيروي عن أبيه ِ‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وعبدُ اهلل يروي القص َة‬
‫العلم والعملِ ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫نبغت يف‬ ‫ٌ‬
‫كاملة ْ‬ ‫س‬‫عن أبيه كعب!؛ ولقد برزت يف تارخينا ُأ رَ ٌ‬
‫ٍ‬
‫وحممد‪ُ ،‬ك ُّل ُه ْم‬ ‫إبراهيم وموسى‬
‫َ‬ ‫وعمر‪ِ ،‬‬
‫وآل عقب َة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫حممد‬ ‫مثل‪ِ :‬‬
‫آل املنكد ِر‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وعبد‬ ‫احلكيم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعبد‬ ‫َ‬
‫إسحاق‬ ‫بن أيب فرو َة‪:‬‬ ‫وآل ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬ ‫ثون‪ِ ،‬‬‫فقهاء حمدِّ َ‬
‫ُ‬

‫‪9‬‬
‫ِ‬
‫وعبدالغ ّفار‪ ،‬ولو تأ َّملنا‬ ‫وإبراهيم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلسن‪،‬‬ ‫وصالح‪ ،‬وأيب‬‫ٍ‬ ‫ويونس‬
‫َ‬ ‫األعىل‬
‫ريا‬ ‫ِ‬
‫والدعوة يف زماننا لوجدنا انفصا ًما وخ َللاً كب ً‬ ‫ري من أهل العلم‬ ‫حال َة كث ٍ‬
‫راجع يف‬‫ٌ‬ ‫ولعل ذلك‬‫ّ‬ ‫والتوجهات‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫بينهم وبني ُأ رَسهم‪ ،‬وتبا ُينًا يف اهلِ َمم‬
‫ري منه إىل ضعف املخالطة املؤ ِّثرة بينهم وبني ُأ رَسهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جانب كب ٍ‬

‫ِ‬
‫وجود‬ ‫إفساح املجال لألبناء خلدمة والدهم؛ فمع‬‫ُ‬ ‫‪ -2‬من ُحسن الرتبية‬
‫أن كع ًبا جعل قياد َت ُه البنه ِ‬
‫عبداهلل‪ ،‬فقا ِر ْن‬ ‫اخلدَ م والعبيد عند الصحابة نجد ّ‬
‫بني هذا وبني َمن يعتمدون عىل اخلدَ م والسائقني مع وجود أبنائهم!‪،‬‬
‫أج ِر ال ّرب‪.‬‬
‫ف َيح ِرموهنم من االستفادة من خرباهتم‪ ،‬ومن ْ‬
‫ٍ‬
‫بنصيب‬ ‫االبن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واملالزمة لألب أن يحَ َظى‬ ‫رب والصلة‬‫‪ -3‬من فضائلِ ال ّ‬
‫واف ٍر من العلم واألدب‪ ،‬وهلذا روى هذه القص َة العظيمة عبدُ اهلل من‬
‫ُ‬
‫فمصاحبة اآلباء تعود بفوائدَ‬ ‫بني إخوانه؛ لكونه قائدَ أبيه حني َع ِمي‪،‬‬
‫حيث ُتتيح هلم فرص َة َأ ْخ ِذ ال ّتجا ِرب واخلربات من‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة عىل األبناء ُ‬
‫أن‬‫وسهولة‪ ،‬كام ّ‬‫ُ‬ ‫آبائهم ف ُيساعدُ هم ذلك عىل خوض ِغامر احلياة بيُسرْ‬
‫ِ‬
‫أخطاء أبنائهم وإرشا َدهم إىل األحسن‬ ‫تصويب‬
‫َ‬ ‫مصاحب َة اآلباء ُت ُ‬
‫تيح هلم‬
‫ألن اآلباء ُيصا ِرحون أبنا َءهم وال يجُ املوهنم؛ حلرصهم عىل‬ ‫دائام؛ ّ‬
‫مأمورا َبو ْعي التاريخ املايض ّ‬
‫فإن االستفاد َة‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫املسل ُم‬ ‫مصاحلهم‪ ،‬فإذا كان‬
‫ب املعارصين َأ ْوىل‪:‬‬ ‫من تجَ ا ِر ِ‬

‫أضاف أعامر ًا إىل ُعمــــ ِره‬


‫َ‬ ‫أخبار َمن قد ىَ‬
‫مض‬ ‫َ‬ ‫روى‬
‫و َمن َ‬

‫ٍ‬
‫كعب‬ ‫مع كث َْر ِة اخلدَ م والعبيد يف ذلك الوقت مل يرتك هلم ُ‬
‫أبناء‬ ‫‪َ -4‬‬
‫ِ‬
‫وكون‬ ‫وع ْم ِق الرتبية‪،‬‬ ‫خدم َة والدهم‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫دليل عىل َو ْعي األوالد‪ُ ،‬‬
‫بِر الوالدَ ين ُ‬
‫بركة‬

‫األب يف تربية أبنائه‬


‫ُ‬ ‫وحمل ثقتِ ِهم‪ ،‬فإذا ِ‬
‫تعب‬ ‫َّ‬ ‫اآلباء ُقدو ًة ل َبنِيهم‪،‬‬
‫وغرس ُح َّب ُه والثق َة به يف قلوهبم ّ‬
‫فإن اهلل ال ُيضيع أجر َمن أحسن‬ ‫َ‬
‫عملاً ‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫أثر تربيته هلم يف بِ ِّرهم إ ّياه‪.‬‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﱸ ‪ ،‬وسيجد َ‬
‫(‪)1‬‬

‫مر إىل املدينة يتأ ّدب هبا‪ ،‬وكتب‬ ‫َ‬


‫مروان ابن َُه ُع َ‬ ‫َبعث عبدُ العزيز بن‬
‫ِ‬
‫الصلوات‪ ،‬فأبطأ يو ًما عن‬ ‫صالح بن َك ْيسان يتعاهدُ ه‪ ،‬فكان ُيل ِزمه‬
‫ِ‬ ‫إىل‬
‫الصالة‪ ،‬فقال‪ :‬ما حَبَسك؟ قال‪ :‬كانت ُم َر ِّجلتي ُت ّ‬
‫سكن شعري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫الصالة؟! فكتب إىل ِ‬
‫عبد‬ ‫ؤثر ُه عىل ّ‬ ‫حبك تسكنيَ شعرك أن ُت َ‬‫بلغ منك ُّ‬
‫العزيز يذكر ذلك‪ ،‬فبعث إليه عبدُ العزيز رسولاً ‪ ،‬فلم ُيك ِّل ْمه حتى َح َلق‬
‫شعره(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫صهم عىل‬ ‫انظر إىل ِع َظم اهتاممهم بصالة اجلامعة‪ ،‬وشدّ ِة ِح ْر ِ‬
‫أموال بسبب تعديل خطإٍ واحد َن ُعدُّ ه‬ ‫ٍ‬ ‫تربية الولد‪َ ،‬‬
‫وكم صرُ ِ َف من‬
‫اخلطأ رحل َة رجلني من املدينة إىل مرص‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اليوم سهلاً ‪ ،‬لقد ك َّلف هذا‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫ومن مرص إىل املدينة‪ ،‬ملدة تزيدُ عىل شهرين‪ ،‬ومل يتساهلِ‬
‫خطأ ِ‬
‫ولده إىل‬ ‫َ‬ ‫تأديب الولد نياب ًة عن أبيه‪ ،‬ومل َي ِكلِ الوالدُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ويتول‬
‫عمر‬
‫درسا ال َينساه‪ ،‬وبعد ذلك ماذا كان ُ‬ ‫الشيخ‪ ،‬بل أرادا أن ُيل ِّقناه ً‬
‫ّ‬
‫بعض السلف‪ :‬ملا َح ِفظوا اهلل َحفظهم اهلل يف‬
‫بن عبد العزيز؟! قال ُ‬
‫أوالدهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة الكهف‪.30 :‬‬


‫(‪ )2‬املعرفة والتاريخ (‪.)316/1‬‬

‫‪11‬‬
‫فالقصة من مناقب كعب‪ ،‬ون َق َلها‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫رشف لألبناء؛‬ ‫ُ‬
‫رشف اآلباء‬ ‫‪-5‬‬
‫لألبناء تربي ًة هلم‪ ،‬فال َيليق هبم أن ُيقصرِّ وا عن سلوك طريق آبائهم‪،‬‬
‫قال لبيد‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫رون َ‬
‫األوائِ ُل‬ ‫الق ُ‬ ‫علمك َفا ْنت َِس ْب َل َع َّل َك هَت َ‬
‫ديك ُ‬ ‫َفإِن َأ َ‬
‫نت لمَ َي ْ‬
‫نفع َك ُ‬

‫األبناء باالنتساب إليه‪ ،‬فهذا‬


‫ُ‬ ‫فينبغي لألب أن يكون َم َثلاً أعىل َي ِ‬
‫فتخر‬
‫أعظم احلواف ِز عىل سلوك سبيل املعايل‪ ،‬فتبقى ُ‬
‫مآثر اآلباء يف األبناء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫معاوية‬ ‫ويف قصة َعم ِرو بن سعيد بن العاص عرب ٌة‪ ،‬ملّا مات أبوه قال له‬
‫وص يب ولكنه‬ ‫إن أيب مل ُي ِ‬ ‫غالم‪ ،‬إىل َمن أوىص بك أبوك؟ قال‪ّ :‬‬
‫ُ‬ ‫‪ :‬يا‬
‫أوىص إ َّيل‪ ،‬قال‪ :‬بم أوىص إليك؟ قال‪ :‬أوىص إ َّيل أن ال َي ِ‬
‫فقد إخوا ُن ُه إال‬
‫شخص ُه(‪.)2‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬بيت من الطويل‪ ،‬من قصيدة مطلعها‪:‬‬


‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َأ َنـ ٌ‬
‫حب َف ُيقىض أم َض ٌ‬
‫الل َوباط ُل‬ ‫الن املَر َء ماذا يحُ ا ِو ُل‬
‫سأ ِ‬‫َأال َت َ‬
‫(‪ )1‬البيان والتبيني (ص‪ ،)167‬وأنباء نجباء األبناء (ص‪.)134‬‬

‫‪12‬‬
‫عم ِل الخير‬
‫للتقاعس عن َ‬
‫ُ‬ ‫سو َغ‬
‫ال ُم ِّ‬

‫فيِ َغ ْز َو ٍة َغزَ َاها إِ َّ‬


‫ال فيِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ف َع ْن َر ُس ِ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪« :‬لمَ ْ َأ خَ َت َّل ْ‬ ‫َق َ‬
‫وك‪َ ،‬غيرْ َ َأنيِّ ُك ْن ُت خَ َت َّل ْف ُت فيِ َغ ْز َو ِة َبدْ ٍر َولمَ ْ ُي َعاتِ ْب َأ َحدً ا خَ َت َّل َ‬
‫ف‬ ‫َغ ْز َو ِة َت ُب َ‬
‫ج َع ُ‬
‫اهلل َب ْين َُه ْم َو َبينْ َ‬ ‫ش َح َّتى مَ َ‬ ‫ول اهللِ ُي ِريدُ ِع َ‬
‫ري ُق َر ْي ٍ‬ ‫َع ْن َها‪ ،‬إِ َّنماَ َخ َر َج َر ُس ُ‬
‫َل ْي َل َة ا ْل َع َق َب ِة‬ ‫ول اهللِ‬‫اد‪َ ،‬و َل َقدْ َش ِهدْ ُت َم َع َر ُس ِ‬ ‫َعدُ ِّو ِه ْم َع ىَل َغيرْ ِ ِم َيع ٍ‬
‫ال ِم‪َ ،‬و َما ُأ ِح ُّب َأ َّن ليِ بهِ َ ا َمشْ َهدَ َبدْ ٍر َوإِ ْن َكا َن ْت‬ ‫إل ْس َ‬ ‫ِحنيَ َت َوا َث ْقنَا َع ىَل ا ِ‬
‫بي‪َ :‬أنيِّ لمَ ْ َأ ُك ْن َق ُّط َأ ْق َوى َو َ َ‬ ‫ان ِم ْن َخ رَ ِ‬ ‫اس ِم ْن َها‪َ .‬ك َ‬ ‫َبدْ ٌر َأ ْذ َك َر فيِ ال َّن ِ‬
‫ال أيْسرَ َ‬
‫َان‬‫اح َلت ِ‬ ‫اجت ََم َع ْت ِع ْن ِدي َق ْب َل ُه َر ِ‬‫ِحنيَ خَ َت َّل ْف ُت َع ْن ُه فيِ تِ ْل َك ا ْل َغزَ ِاة َواهللِ َما ْ‬
‫ج ْع ُت ُهماَ فيِ تِ ْل َك ا ْل َغ ْز َو ِة»‪.‬‬
‫َق ُّط َح َّتى مَ َ‬

‫جواز إخبا ِر الرجل عن تفريطه وتقصريه يف‬


‫ُ‬ ‫القيم‪« :‬فيه‬
‫ابن ّ‬‫‪ -1‬قال ُ‬

‫‪13‬‬
‫أمره‪ ،‬ويف ذلك من‬
‫طاعة اهلل ورسوله‪ ،‬وعن سبب ذلك‪ ،‬وما آل إليه ُ‬
‫ِّ‬
‫والرش وما يرتت ُّب عليها ما هو من‬ ‫طرق اخلري‬ ‫ِ‬
‫وبيان ُ‬ ‫ِ‬
‫والنصيحة‬ ‫التحذي ِر‬
‫أهم األمور»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬

‫يؤه ُلهم لالعرتاف بأخطائهم‪،‬‬‫لقد كان عند السلف من الشجاعة ما ِّ‬


‫وبعض الناس اليوم ّ‬
‫يتنكرون لعيوهبم وأخطائهم؛ إما ألهنم مل يتوبوا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وبعضهم إذا استفاد َقصرَ الفائد َة عىل نفسه‪ ،‬فنقول‬
‫ُ‬ ‫أو مل يستفيدوا منها‪،‬‬
‫رب‬ ‫ٍ‬
‫مفسدة أك َ‬ ‫رأيت أنه ُجي ّر إىل‬
‫هلذا‪ :‬إن مل تكن عندك ُجرأ ُة االعرتاف‪ ،‬أو َ‬
‫ِ‬
‫وتكس َب األجر‪.‬‬ ‫فاذك ِر الفائدة وال ُت َس ِّم؛ لينتفع غ ُ‬
‫ريك‬

‫ُ‬
‫معرفة قيمة األعامل‪ ،‬واألحداث‪ ،‬واألحوال‪:‬‬ ‫‪ -2‬من األمور املهمة‬
‫«و َما ُأ ِح ُّب ّ‬
‫أن يل هبا َمشْ َهدَ بد ٍر‪ ...‬إلخ»‪.‬‬ ‫َ‬

‫بعض الناس باملفضول من األعامل‬ ‫اهتامم ِ‬


‫ُ‬ ‫ومن آثا ِر اجلهل هبذه احلقيقة‬
‫األهم‬
‫َّ‬ ‫موازين مت ِّي ُز‬
‫َ‬ ‫ري‬ ‫و َت ْر ِك الفاضل‪ ،‬كاحلرص عىل ما ُ‬
‫يقوم به العا ّمة‪ ،‬بغ ِ‬
‫القيم‪« :‬ليس‬
‫ابن ّ‬ ‫من ا ُمل ِّ‬
‫هم‪ ،‬وهنا تظهر أمهي ُة فقه األولويات واملوازنة‪ .‬قال ُ‬
‫املحرمات الظاهرة‪ ،‬بل بالقيا ِم مع ذلك باألوامر املحبوبة‬
‫بمجرد ترك ّ‬
‫ّ‬ ‫الدين‬
‫ُ‬
‫عموم الناس‪ ،‬وأما‬
‫ُ‬ ‫وأكثر الد ّيانني ال َيعبأون منها إال بام شاركهم فيه‬
‫ُ‬ ‫هلل‪،‬‬
‫ِ‬
‫وعباده‪،‬‬ ‫والنهي عن املنكر‪ ،‬والنصيح ُة هلل ورسوله‬
‫ُ‬ ‫واألمر باملعروف‬
‫ُ‬ ‫اجلهاد‬
‫ُ‬
‫الواجبات ال خَت ُطر بباهلم فضلاً عن‬
‫ُ‬ ‫و ُنرص ُة اهلل ورسوله ودينِه وكتابِه‪ ،‬فهذه‬
‫أن يريدوا فعلها‪ ،‬وفضلاً عن أن يفعلوها‪ُّ ،‬‬
‫وأقل الناس دينًا وأمق ُتهم إىل‬
‫الواجبات‪ ،‬وإن َز ِهد يف الدنيا ِ‬
‫مجيعها‪َّ ،‬‬
‫وقل أن ترى منهم‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َمن َت َرك هذه‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)501/3‬‬

‫‪14‬‬
‫عملِ اخلري‬
‫للتقاعس عن َ‬
‫ُ‬ ‫سو َغ‬
‫ال ُم ِّ‬

‫غضب حلرماته‪ ،‬و َي ُبذل ِع َ‬


‫رضه يف نرصة دينه‪،‬‬ ‫مع ُره هلل و َي ُ‬ ‫من يحَ َْم ُّر ُ‬
‫وجهه و ُي ِّ‬
‫أحسن حالاً عند اهلل من هؤالء»(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫وأصحاب الكبائ ِر‬
‫ُ‬

‫املتعارف‬
‫َ‬ ‫أمر حممود‪ ،‬مع أن‬
‫‪ -3‬ذكر اخلطأ الذي يستفيد منه األبناء ٌ‬
‫ُ‬
‫واختالق املعاذير‪،‬‬ ‫وعدم االعرتاف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اللجاجة‬ ‫عليه لدى عامة الناس‬
‫وهذا من َضعف الشخصية‪ ،‬وعد ِم الثقة بالنفس‪.‬‬

‫فت عنه» يف‬‫قط أقوى وال أيسرَ َ حنيَ خَت َّل ُ‬‫‪ -4‬قال كعب‪« :‬مل ُأكن ُّ‬
‫رد عىل املتقاعسني‬ ‫حديثه عن غنا ُه وتو ُّف ِر مجيع األسباب له عندما خَت َّلف ٌّ‬
‫الصالح كتَع ُّلم العلم أو الدعوة عىل تو ُّفر بعض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العمل‬ ‫الذين ُيع ِّلقون‬
‫ُ‬
‫العائق‬ ‫أن هذا هو‬‫وانفتاح الرزق‪ ،‬فيظنون ّ‬ ‫ِ‬ ‫احلاجات‪ ،‬وتيسرُّ ِ األحوال‪،‬‬
‫كل يشء‪ ،‬ومع ذلك مل َيلحق باجليش‪،‬‬ ‫تو َّفر له ُّ‬ ‫فكعب‬
‫ٌ‬ ‫الوحيد هلم؛‬
‫الراحل َة و َب َكوا حينام مل جيدوا ما حيم ُلهم‬‫َّ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وقد سأل آخرون‬
‫متاع ُه عىل ظهره ولحَ ِق برسول‬
‫حل َ‬ ‫ذر ملا قعدت به راحل ُته مَ َ‬
‫عليه‪ ،‬وأبو ٍّ‬
‫‪.‬‬ ‫اهلل‬

‫الس َّباق ال يتخ ّلف عن املشاركة يف أعامل رِ ّ‬


‫الب واخلري‪ ،‬وال َي ْر ىَض‬ ‫‪َّ -5‬‬
‫قعدُ ُه األخطاء‪ ،‬وإن خت َّلف أعطى‬ ‫العقبات‪ ،‬وال ُت ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫يتخطى‬ ‫بالدُّ ون‪ ،‬بل‬
‫اع دائام‪ ،‬وهذا ُ‬
‫شأن صاحب البصرية َيستفيد من‬ ‫درسا يف خت ُّلفه‪ ،‬فهو ن َّف ٌ‬
‫ً‬
‫يم ُّر به يف بناء نفسه وتزكيتِها‪.‬‬
‫حدث ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬

‫وعدم رؤيتها؛‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نسيان أعامله الصاحلة‬ ‫‪ِ -6‬من كامل بصرية اإلنسان‬
‫وكنت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كنت‬ ‫ذكر مشاهدَ ُه ك َّلها َ‬
‫مع َر ُسول اهلل ‪ ،‬ومل يقل‪ُ :‬‬ ‫فكعب مل َي ُ‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬عدة الصابرين (ص ‪.)121‬‬

‫‪15‬‬
‫وفعلت‬
‫ُ‬ ‫قاتلت‬
‫ُ‬ ‫بشعري عن اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وأنا قد‬ ‫ونافحت ِ‬
‫ُ‬
‫ريا س َل َب رؤي َة أعاملِه‬ ‫القيم‪« :‬فإن اهلل إذا أراد ٍ‬
‫بعبد خ ً‬ ‫ابن ّ‬‫وفعلت!‪ .‬قال ُ‬
‫وش َغ َل ُه برؤية ذنبه‪ ،‬فال يزال‬
‫واإلخبار هبا من لسانه‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫احلسنة ِمن قلبه‪،‬‬
‫فإن ما ُتق ِّبل من األعامل ُر ِف َع من القلب‬
‫ُن ْص َب عينيه حتى يدخل اجلنة‪ّ ،‬‬
‫رؤي ُته ومن اللسان ِذ ُ‬
‫كره»(‪.)1‬‬
‫اليوم ُيكثِر من التمدُّ ح بأعامله و َينسى نِ َع َم اهلل عليه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وبعض الناس‬
‫وشاركت‬
‫ُ‬ ‫مرة‪،‬‬ ‫حج ْج ُت كذا ّ‬
‫كمن يقول‪َ :‬‬ ‫ف عن ُشك ِرها‪َ ،‬‬‫ضع َ‬
‫فيها‪ ،‬وقد ُ‬
‫بكذا وكذا من أعامل اخلري‪َ ،‬‬
‫واأل ْوىل أن ينسى أعام َل ُه الصاحل َة‪ ،‬كام قال‬
‫يشء‬
‫ٌ‬ ‫ضيع‬ ‫ٌ‬
‫كفيل بأنه ال َي ُ‬ ‫‪« :‬ال َت ُعدّ وا حسناتِكم فأنا‬ ‫ابن مسعود‬
‫منها‪ ،‬ولكن َأ ُ‬
‫حصوا سيئاتِ ُكم»(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫رسول أحدً ا ممن خت َّلف عن غزوة بد ٍر؛ لكون ال ّنفري‬ ‫الم‬
‫‪ -7‬ما َ‬
‫نحي بالالئمة عىل أبنائه أو إخوانه عند‬‫وبعض الناس اليوم ُي ِ‬
‫ُ‬ ‫عاما‪،‬‬
‫ليس ًّ‬
‫يأم ْرهم به أو يع ِز ْم عليهم‪ ،‬أو حيدِّ ْد‬‫خت ُّل ِفهم عن أداء عملٍ يريدُ ه مع أنه مل ُ‬
‫يقوم به‪ ،‬فيغطي فش َل ُه بال ّل ْوم‪.‬‬
‫شخصا بعينه ُ‬
‫ً‬
‫فالنبي‬
‫ُّ‬ ‫تدار ُكه؛‬ ‫‪ -8‬ينبغي ُ‬
‫ترك اللوم بعد فوات األوان فيام ال ُيمكن ُ‬
‫أحد أو ُي ِ‬
‫ؤس ْفه عىل عدم مشاركته يف بدر‪.‬‬ ‫يثرب عىل ٍ‬
‫مل ِّ‬

‫(‪ )1‬طريق اهلجرتني (ص‪.)270‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬سنن الدارمي (‪.)79/1‬‬

‫‪16‬‬
‫ّ‬
‫لكل حالةٍ ما يناس ُبها‬

‫ال َو َّرى بِ َغيرْ ِ َها‪،‬‬ ‫ُي ِريدُ َغ ْز َو ًة إِ َّ‬ ‫ول اهللِ‬


‫«ولمَ ْ َي ُك ْن َر ُس ُ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫اس َت ْق َب َل‬
‫يد‪َ ،‬و ْ‬ ‫ول اهللِ فيِ َح ٍّر َش ِد ٍ‬ ‫َح َّتى َكا َن ْت تِ ْل َك ا ْل َغ ْز َو ُة‪َ ،‬غزَ َاها َر ُس ُ‬
‫ريا‪َ ،‬ف َج ىَّل لِ ْل ُم ْس ِل ِمنيَ َأ ْم َر ُه ْم لِ َيت ََأ َّه ُبوا ُأ ْه َب َة‬
‫ازا َو َعدُ ًّوا َكثِ ً‬ ‫َس َف ًرا َب ِعيدً ا َو َم َف ً‬
‫ب ُه ْم بِ َو ْج ِه ِه ا َّل ِذي ُي ِريدُ »‪.‬‬‫َغ ْز ِو ِه ْم‪َ ،‬ف َأ ْخ رَ َ‬

‫تضمن مفسد ًة مل يجَ ُ ز»(‪.)1‬‬ ‫السرت ِ‬


‫والكتامن إذا ّ‬ ‫القيم‪« :‬ومنها ّ‬
‫أن ّ‬ ‫ابن ّ‬‫‪ -1‬قال ُ‬

‫سواء كانت‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫إعانة‬ ‫اخلاص َة التي حيتاج فيها إىل‬
‫ّ‬ ‫والبعض َيك ُتم قضاياه‬
‫أمر ُه عىل عامل ٍ ليستفت َيه أو‬
‫وسواء َع َرض َ‬
‫ٌ‬ ‫القضية اجتامعية‪ ،‬أو صحية‪،‬‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)501/3‬‬

‫‪17‬‬
‫األمور تتأ ّثر‬
‫َ‬ ‫أن هذه‬ ‫َ‬
‫ليعاجله‪ ،‬مع ّ‬ ‫ٍ‬
‫طبيب‬ ‫لينص َحه أو‬ ‫ٍ‬
‫صديق َ‬ ‫ليرُ شدَ ه أو‬
‫بام ُي ْكتَم من املعلومات‪.‬‬

‫ومن طرائف األخبار ّ‬


‫أن أعراب ًيا َّ‬
‫عض ُه ثعلب‪ ،‬فأتى راق ًيا‪ ،‬فقال‬
‫ثعلب!‪ ،‬فلام ابتدأ‬
‫ٌ‬ ‫كلب‪ ،‬واستحى أن يقول‪:‬‬ ‫عضك؟ فقال‪ٌ :‬‬ ‫الراقي‪ :‬ما َّ‬
‫ِ‬
‫واخلط هبا شيئًا من ُرقية الثعالب(‪.)1‬‬ ‫بالرقية قال‪:‬‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫األصل والنهج الذي‬ ‫ٌ‬
‫مندوحة عن الكذب‪ ،‬وهي‬ ‫‪ -2‬يف املعاريض‬
‫يف غزواته‪ ،‬فينبغي للمسلم أن ال يفكر يف الكذب‪،‬‬ ‫اتّبعه الرسول‬
‫ُ‬
‫فالرشيعة ‪-‬وهلل احلمدُ ‪ -‬جاءت باملعاريض والتورية عند ُّ‬
‫حتقق الرضر يف‬
‫ال ّترصيح‪.‬‬

‫إعطاء األمر ح َّقه « َف َج ىَّل للمسلمنيَ‬


‫ُ‬ ‫‪ -3‬من َمزايا القيادة الناجحة‬
‫فاألمر‬
‫ُ‬ ‫بوج ِه ِه ا ّلذي يريد»؛‬ ‫ربهم ْ‬ ‫تأه ُبوا ُأ ْهبة َغ ْز ِوهم‪ ،‬فأخ َ‬
‫أ ْم َرهم ل َي َّ‬
‫األمور كيف ما‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫استعداد عظيم‪ ،‬وال يكفي أن نرتك‬ ‫العظيم حيتاج إىل‬
‫ُّ‬
‫التوكل‪.‬‬ ‫َ‬
‫األخذ باألسباب من‬ ‫اتّفق ونقول‪ :‬نتوكل عىل اهلل؛ ّ‬
‫فإن‬

‫ُي ِريدُ‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل‬ ‫خمالفة املعتاد عند احلاجة من ُ‬
‫احلنكة‪« :‬ومل يكن‬ ‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫َغ ْز َو ًة إ ّال َو َّرى بغريها‪ ،‬ح ّتى كانت تلك َ‬
‫الغزو ُة»‪ ،‬فال َينبغي أن َيلزَ َم املر ُء‬
‫ٍ‬
‫حاجة تدعو إىل ذلك‪ ،‬كمن يقول‪ :‬نحن‬ ‫حال ًة واحد ًة ّ‬
‫تتحكم يف حياته دون‬
‫لنا ِسنُون عىل هذه احلال‪ ،‬وما ُنريد التغيري‪ ،‬ونحن عىل خري!‪ ،‬فإذا كان‬
‫جيدُّ للناس من األحكام الرشعية بحسب ما يجَ ِدُّ هلم من القضايا‪ ،‬فكيف‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫واألعامل االجتهادية التي تتط ّلب ُمالءم َة الزمان واملكان‪.‬‬ ‫بالعادات‬

‫(‪ )1‬أخبار احلمقى واملغفلني (ص‪.)116‬‬

‫‪18‬‬
‫المجتمع تربى على تحمل المسؤولية‬

‫ال يجَ َْم ُع ُه ْم‬‫َكثِ ٌري‪َ ،‬و َ‬ ‫ول اهللِ‬‫ون َم َع َر ُس ِ‬ ‫«والمْ ُ ْس ِل ُم َ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬فماَ َر ُج ٌل ُي ِريدُ َأ ْن َيت ََغ َّي َب إِ َّ‬
‫ال‬ ‫ان‪َ ،‬ق َ‬ ‫يو َ‬ ‫اف ٌظ‪ُ ،‬ي ِريدُ الدِّ َ‬ ‫َاب َح ِ‬ ‫ِكت ٌ‬
‫ول اهللِ تِ ْل َك‬ ‫يه َو ْح ُي اهللِ‪َ ،‬و َغزَ ا َر ُس ُ‬ ‫َظ َّن َأ ْن َس َي ْخ َفى َل ُه َما لمَ ْ َي ْن ِز ْل ِف ِ‬
‫ون‬‫َوالمْ ُ ْس ِل ُم َ‬ ‫ول اهللِ‬‫ال ُل‪َ ،‬وتجَ َ َّهزَ َر ُس ُ‬
‫الظ َ‬ ‫ا ْل َغ ْز َو َة ِحنيَ َطا َب ْت ال ِّثماَ ُر َو ِّ‬
‫َم َع ُه»‪.‬‬

‫للتغيب والتخ ُّلف‪« :‬واملسلمون‬ ‫عدم كتابة اجلند مع الكثرة ُف ٌ‬


‫رصة ُّ‬ ‫‪ُ -1‬‬
‫ولكن الرتبي َة النبوية‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫حافظ»‪..‬‬ ‫جيمعهم كتاب‬
‫مع رسول اهلل كث ٌري‪ ،‬وال ُ‬
‫يتغيب إال ثالثة!‪ ،‬وأ ّما الباقون فبني‬
‫أنتجت جمتمعا يفوق تصوراتنا‪ ،‬إذ مل َّ‬
‫معذو ٍر أو منافق‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أهل الضعف كثريون الذين يحَ ِرصون عىل حضور املجامع الضخمة‬
‫بحيث ُي َظ ّن هبم اخلري‪ ،‬و َي ِق ُّلون ويتف َّلتون عند العمل اجلا ّد والتكاليف‪،‬‬
‫وقت‬
‫َ‬ ‫الط َمع و َي ِق ُّلون عند الفزَ ع‪ ،‬فالتخ ُّلف ي ّت ِضح‬
‫يك ُثرون عند ّ‬
‫حتتق أورا ُقهم يف تلك األوقات‪ ،‬ويندجمون مع‬ ‫الشدائد‪ ،‬واملتقاعسون رَ ِ‬
‫وقت الرخاء‪:‬‬
‫السباقني يف َ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ليل‬ ‫َو َل ِك َّن ُهم يف النائِ ِ‬
‫بات َق ُ‬ ‫َ‬
‫خوان حنيَ َتعدُّ ُهم‬ ‫َفام َأك َث َر ا ِ‬
‫إل‬

‫ٌ‬
‫رجل‬ ‫استشعار مراقبة اهلل‪ :‬قال كعب‪« :‬فام‬
‫ُ‬ ‫‪ -2‬من جليلِ األعامل‬
‫وح ُي اهلل»‪ ،‬وقال‬
‫ينزل فيه ْ‬ ‫ال َظ َّن ْ‬
‫أن س َي ْخ َفى له ما مل ْ‬ ‫يتغي َب إ ّ‬
‫يريدُ أن َّ‬
‫يف‬ ‫«خ ِش ُ‬
‫يت أن َين ِزل َّ‬ ‫جابر‪« :‬كنا نعزل والقرآن ينزل‪ ،)2(»..‬وقال عمر‪َ :‬‬
‫قرآن»(‪.)3‬‬

‫ربط الناس بمراقبة اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫ويف هذه النصوص تتجىل أمهية ِ‬
‫ِ‬
‫وتعاهدهم الفين َة بعد الفينة؛ فإن اإليامن يخَ ْ َلق كام يخَ ْ َلق الثوب‪.‬‬

‫عود عن عظائم األمور‪ :‬قال كعب‪:‬‬


‫الق ُ‬ ‫‪ -3‬من آثا ِر التع ُّلق بالدنيا ُ‬
‫واملسلمون معه‪،‬‬ ‫وجتهزَ رسول اهلل‬
‫َّ‬ ‫الل‪،‬‬ ‫ّامر ِّ‬
‫والظ ُ‬ ‫طابت الث ُ‬‫ْ‬ ‫«حني‬
‫وكثري من‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫فأرج ُع ومل أ ْق ِ‬
‫ض شيئًا»‪،‬‬ ‫لكي أتجَ َّهزَ معهم‬ ‫فط ِف ْق ُت ْ‬
‫أغدُ و ْ‬ ‫َ‬
‫نفع ِه وأث ِره‪-‬‬
‫بعظيم ِ‬
‫ِ‬ ‫يمنعه من العمل اجلا ِّد املثم ِر ‪-‬مع علمه‬
‫الناس ُ‬
‫ُص ُ‬
‫عوبة التضحية باملال‪ ،‬أو اجلهد‪ ،‬أو املرتبة‪ ،‬أو األصحاب‪..‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪ )1‬بيت من الطويل لعيل بن أيب طالب‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (ح ‪ ،)5207‬ومسلم (ح ‪.)1440‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (ح ‪.)4177‬‬

‫‪20‬‬
‫املجتمع تربى عىل حتمل املسؤولية‬

‫كانت الظالل والثامر قد أثرت عىل رجلٍ ُي َعدُّ من أفاضلِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -4‬فإذا‬
‫ريه؟!‪ ،‬وهلذا َينبغي للمسلم‬ ‫فكيف بغ ِ‬ ‫َ‬ ‫الصحابة‪ ،‬وممن َش ِهد العقبة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫دة الدّ نيا التي ُت ِ‬
‫قعدُ ه‬ ‫احلذر وال ّت َو ّقي من ِم ْص َي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الداعية إىل اهلل‪-‬‬ ‫‪-‬وال سيام‬
‫عن اخلري وهو ال يشعر‪.‬‬
‫عن املعايل و ُيغ ِري املر َء َ‬
‫بالكســــلِ‬ ‫هم ِ‬
‫صاحبه‬ ‫ِ‬
‫السالمة َيثْني َّ‬ ‫حب‬
‫ُّ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫األرض أو سلَّماً يف ِّ‬
‫اجلو فاعتزل‬ ‫ِ‬ ‫يف‬ ‫قـــا‬ ‫جنحت إليه خَّ ِ‬
‫فات ْذ َن َف ً‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫ُ‬
‫االشتغال بالن َِّعم عن ُشك ِرها‬ ‫ِ‬
‫املتأصلة فيه‬ ‫ومن طبيعة اإلنسان‬
‫كل َمن خ َل ْت ُ‬
‫نفسه من التزكية والرتبية‬ ‫للم ِ‬
‫نعم‪ ،‬وهكذا ُّ‬ ‫ِ‬
‫واالعرتاف هبا ُ‬
‫وبار َز ُه‬
‫َ‬ ‫يب له بالنِّعم‪ ،‬وأعرض عن ذك ِر ِه‪،‬‬
‫املتفض َل عليه واملر َ‬
‫ِّ‬ ‫نيس‬
‫باملعايص‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﱹﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﱸ(‪.)2‬‬

‫وقال سبحانه‪ :‬ﱫ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬


‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﱪ(‪.)3‬‬

‫لوغ‬
‫أعظم أسباب ُب ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -5‬التغلب عىل الشهوات وامللذات من‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫الل‪َ ،‬وتجَ َّهزَ‬ ‫امر ِّ‬
‫والظ ُ‬ ‫ِ‬
‫طابت ال ِّث ُ‬ ‫أعايل الدرجات‪« :‬حني‬
‫املرء من األعذار النفسية أصبح عىل ُأ ْهبة‬ ‫واملسلمون معه» فإذا خال ُ‬

‫(‪ )1‬البيتان من بحر البسيط‪ ،‬للحسني بن عيل الطغرائي‪ ،‬من الميته املشهورة بالمية العجم‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة اإلرساء‪.83 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة يونس‪.12 :‬‬

‫‪21‬‬
‫س‬‫احلذر من وسا ِو ِ‬
‫ُ‬ ‫ألي عملٍ يف خدمة دينه؛ فينبغي‬ ‫االستعداد ِّ‬
‫ِّ‬
‫فيضخ ُم اليش َء القليل حتى‬ ‫فينظر ما تحُ ّب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫القلوب‬
‫َ‬ ‫الشيطان فإنه َي َش ُّم‬
‫اإلنسان عظيماً ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يراه‬

‫‪22‬‬
‫تضييع ُ‬
‫للف َرص‬ ‫ٌ‬ ‫في التسويف‬

‫ض َش ْيئًا‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ « :‬ف َط ِف ْق ُت َأ ْغدُ و لِ َك ْي َأتجَ َ َّهزَ َم َع ُه ْم َف َأ ْر ِج ُع َولمَ ْ َأ ْق ِ‬ ‫َق َ‬


‫اس‬‫اشتَدَّ بِال َّن ِ‬ ‫اد ٌر َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َل ْم َيزَ ْل َي َتماَ َدى بيِ َح َّتى ْ‬ ‫ول فيِ َن ْفسيِ ‪َ :‬أ َنا َق ِ‬ ‫َف َأ ُق ُ‬
‫ض ِم ْن َج َها ِزي َش ْيئًا‪،‬‬ ‫ون َم َع ُه َولمَ ْ َأ ْق ِ‬
‫َوالمْ ُ ْس ِل ُم َ‬ ‫ول اهللِ‬‫الجْ ِدُّ ‪َ ،‬ف َأ ْص َب َح َر ُس ُ‬
‫َف ُق ْل ُت‪َ :‬أتجَ َ َّه ُز َب ْعدَ ُه بِ َي ْو ٍم َأ ْو َي ْو َمينْ ِ ُث َّم َألحْ َ ُق ُه ْم‪َ ،‬ف َغدَ ْو ُت َب ْعدَ َأ ْن َف َص ُلوا‬
‫ض َش ْيئًا‪،‬‬ ‫ض َش ْيئًا‪ُ ،‬ث َّم َغدَ ْو ُت ُث َّم َر َج ْع ُت َولمَ ْ َأ ْق ِ‬ ‫َ‬
‫ألتجَ َ َّهزَ َف َر َج ْع ُت َولمَ ْ َأ ْق ِ‬
‫ار َط ا ْل َغ ْز ُو‪َ ،‬وهمَ َ ْم ُت َأ ْن َأ ْرتحَ ِ َل َف ُأ ْد ِر َك ُه ْم‪،‬‬ ‫س ُعوا َو َت َف َ‬ ‫َف َل ْم َيزَ ْل بيِ َح َّتى َأ رْ َ‬
‫َو َل ْيتَنِي َف َع ْل ُت َف َل ْم ُي َقدَّ ْر ليِ َذلِ َك»‪.‬‬

‫‪ -1‬القدرات واإلمكانات ليست وحدَ ها مؤ ِّدي ًة إىل قيام األعامل‬


‫أكثر من إمكانات‬
‫كعب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫صح ْبها همِ َ ٌم عالية‪ ،‬فإمكانات‬
‫الكبرية ما مل َت َ‬

‫‪23‬‬
‫اخلروج‬
‫َ‬ ‫بل َس َّوف‬ ‫خيرج مع النبي‬ ‫كث ٍ‬
‫ري من الصحابة‪ ،‬ومع ذلك مل ُ‬
‫تفارط اجليش‪.‬‬
‫حتى َ‬

‫أكثر من اعتامدها عىل اإلمكانات‪،‬‬


‫اهلمم َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فاألعامل الكبرية َتعتمد عىل‬
‫وجدُ اإلمكانات‪.‬‬‫اهلمم ُت ِ‬
‫َ‬ ‫بل ّ‬
‫إن‬

‫سبب يف االنقطاع عن حتقيق فرص‬ ‫ٌ‬ ‫سويف والتأجيل‬ ‫ُ‬ ‫‪ -2‬ال ّت‬
‫فص ُلوا‬ ‫ثم ُ‬
‫أحلقهم‪ ،‬فغدَ ْو ُت بعد أن َ‬ ‫املسابقة‪« :‬أتجَ َّه ُز بعدَ ُه بيو ٍم أو يوم ِ‬
‫ني ّ‬
‫ض شيئًا‪،‬‬ ‫ثم غدَ ْو ُت ُث ّم ْ‬
‫رجع ُت ومل أ ْق ِ‬ ‫ض شيئًا‪ّ ،‬‬‫فرجع ُت ومل أ ْق ِ‬
‫ْ‬ ‫ألتجَ َّهزَ‬
‫مت أن أرتحَ ِل ُفأد ِر َك ُهم»‪.‬‬
‫الغ ْز ُو‪ ،‬وهمَ َ ُ‬
‫وتفارط َ‬
‫َ‬ ‫فلم َيزَ ْل يب ح ّتى َ‬
‫أرس ُعوا‬
‫ِّ‬
‫«أحذ ُركم (سوف)»‪.‬‬ ‫رصي‪:‬‬
‫قال احلسن ال َب ّ‬

‫والتسويف جيع ُلك دائام يف األزمات؛ ألنك ُت ِّ‬


‫ؤخر األمر حتى َتشتدَّ‬
‫وأسو ُأ حالاً ِمن ذلك‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫أسلوب كان!‪،‬‬ ‫احلاجة إليه فتضطر إىل َع َم ِله ّ‬
‫بأي‬ ‫ُ‬
‫وكثري‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫فوات وقته‪.‬‬ ‫بالكلية‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫التسويف إىل ترك العمل‬ ‫َمن ُيؤ ِّدي به‬
‫اليوم يهُ ِمل واجباتِ ِه وال ُيعطيها ح َّقها‪ ،‬فال يهَ ُّ‬
‫تم ‪-‬مثلاً ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫من الناس‬
‫ِ‬
‫تسليمها‪،‬‬ ‫وقت‬
‫َ‬ ‫بخطبة اجلمعة إال يو َمها‪ ،‬وال بالبحوث العلمية إال‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املعاناة من‬ ‫وال بالدّ روس إال يف يو ِم إلقائها‪ ،‬وال برتبية األوالد إال عند‬
‫ُمشكالهتم‪.‬‬

‫ح َل ُه عىل‬
‫من العلم واملعرفة والرغبة ما مَ َ‬ ‫‪ -3‬كان عند كعب‬
‫َ‬
‫قبل‬ ‫بالنبي‬
‫ِّ‬ ‫لتمك َن من ال ُّلحوق‬ ‫اهلم َ‬
‫باجل َهاز‪ ،‬فلو تكا َم َل ْت إراد ُته ّ‬ ‫ّ‬
‫فوق ذلك‪ ،‬وكان يف ذلك من اخلري العظيم‬ ‫ولكن َقدَ َر اهلل َ‬
‫ّ‬ ‫أن َيرجع‪،‬‬
‫اليشء الكثري‪ ،‬فريض اهلل عنه‬ ‫ُ‬ ‫والدروس الكبرية التي استفادهتا األمة‬

‫‪24‬‬
‫تضييع ُ‬
‫للف َرص‬ ‫ٌ‬ ‫يف التسويف‬

‫ُ‬
‫والعمل السليم َي ُم ُّر باملعرفة ثم اإلرادة ثم العزيمة‪ ،‬فإذا مل َت ْق َو‬ ‫وأرضاه‪.‬‬
‫تعطلت اإلرادة ‪..‬وهكذا‪ ،‬فمتى تكاملت هذه العنارص تحّ َّقق‬ ‫العزيمة ّ‬
‫اهلدف بعد توفيق اهلل‪.‬‬
‫ِ‬
‫والطاعة‬ ‫ُ‬
‫فرصة القربة‬ ‫«إن الرجل إذا حرضت له‬ ‫القيم‪ّ :‬‬
‫ابن ّ‬
‫‪ -4‬قال ُ‬
‫والعجز يف تأخريها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واملبادرة إليها‪،‬‬ ‫كل احلزم يف انتهازها‪،‬‬ ‫فاحلزم ُّ‬
‫ُ‬
‫سيام إذا مل َيثِقْ بقدرته ُّ‬
‫ومتكنه من أسباب حتصيلها؛‬ ‫ُ‬
‫والتسويف هبا‪ ،‬وال ّ‬
‫رسيعة االنتقاض ق ّلام َتث ُبت‪ ،‬واهلل سبحانه ُي ُ‬
‫عاقب‬ ‫ُ‬ ‫واهلم َم‬
‫َ‬ ‫العزائم‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫فإن‬
‫ول بني قلبه وإرادتِه؛ فال‬
‫ري فلم َينت ِه ْزه = بأن يحَ ُ َ‬
‫َمن َفت ََح له با ًبا من اخل ِ‬
‫ُي َم ِّكن َُه بعدُ ِمن إرادته؛ عقوب ًة له‪ ،‬فمن مل يستجب هلل ورسوله إذا دعاه‪،‬‬
‫ُ‬
‫االستجابة بعدَ ذلك‪.‬‬ ‫حال بينه وبني قلبه وإرادتِه‪ ،‬فال ُي ْم ِكنُه‬

‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬


‫ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﱸ(‪ ،)1‬وقد بينّ اهلل‬
‫سبحانه هذا يف قوله‪ :‬ﱹﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈﱸ(‪ ،)2‬وقال تعاىل‪ :‬ﱹﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﱸ(‪ .)3‬وقال‪ :‬ﱹﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﱸ(‪،)4‬‬
‫وهو كثري يف القرآن»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬سورة األنفال‪.24 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة األنعام‪.110 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة الصف‪.5 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة التوبة‪.115 :‬‬
‫(‪ )5‬زاد املعاد (‪.)501/3‬‬

‫‪25‬‬
‫احتجاجا بالقدر‪،‬‬
‫ً‬ ‫جيوز ُ‬
‫ترك العمل‬ ‫‪ -5‬ال أحدَ َيع ِرف ما قدّ ر اهلل له‪ ،‬فال ُ‬
‫يعب‬
‫تداركه فللمرء أن رِّ‬
‫وأ ّما بعد فوات األمر وانقضائه وعد ِم القدرة عىل ُ‬
‫احتجاج اإلنسان‬
‫ُ‬ ‫‪ ،‬وكذلك ال جيوز‬ ‫بأنه مل ُي َقدَّ ر له‪ ،‬كام قال كعب‬
‫وتقاع ِسه عن اخلري والعمل الصالح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بالقدر عىل ذنوبه ومعاصيه‬

‫‪26‬‬
‫المتخاذ ِلين‬
‫ِ‬ ‫الحي ال َيأ َنس مع‬
‫ّ‬ ‫القلب‬
‫ُ‬

‫ول اهللِ‬‫وج َر ُس ِ‬ ‫اس َب ْعدَ ُخ ُر ِ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ « :‬ف ُك ْن ُت إِ َذا َخ َر ْج ُت فيِ ال َّن ِ‬ ‫َق َ‬
‫اق َأ ْو َر ُجلاً‬
‫وصا َع َل ْي ِه ال ِّن َف ُ‬ ‫ال َأ َرى إِ َّ‬
‫ال َر ُجلاً َمغْ ُم ً‬ ‫َف ُط ْف ُت ِفي ِه ْم َأ ْحزَ َننِي َأنيِّ َ‬
‫الض َع َف ِ‬
‫اء»‪.‬‬ ‫ممِ َّْن َع َذ َر ُ‬
‫اهلل ِم ْن ُّ‬

‫يرض أن‬‫ضعف ‪ -‬ال ىَ‬ ‫َ‬


‫أخطأ أو ُ‬ ‫اهلمة العالية ‪ -‬وإن‬
‫صاحب ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫مغموصا عليه‬
‫ً‬ ‫يكون مع املتخ ِّلفني‪« :‬أحزَ نني أنيّ ال أرى إ ّ‬
‫ال رجلاً‬
‫ضعف‬ ‫ٍ‬
‫دعوة إذا ُ‬ ‫علم أو ٍ‬
‫أدب أو‬ ‫ُ‬
‫وبعض من ينتسب إىل ٍ‬ ‫الن ُ‬
‫ِّفاق‪.»..‬‬
‫وخت َّلف عن اخلري سعى إىل تكوين «جمموعات» ممن ي ّتصفون بصفات‬
‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫ِ‬
‫ظروف التسويغ إىل‬ ‫فيتحول حتت‬
‫َّ‬ ‫الضعف والتخليِّ عن اخلري‪،‬‬
‫يعيش عىل هامش احلياة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فار ْبأ بنفسك أن َ‬
‫ترعى مع اهلمل‬ ‫ْ‬ ‫هيؤُ وك ألم ٍر لو َف ِطنت له‬
‫قد ّ‬
‫كعب معرف ُته بأهلِ ال ّنفاق‪ ،‬فاملسلم ينبغي أن يتحىل‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -2‬من ِفراسة‬
‫ِ‬
‫املنافق واملؤمن‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫بالو ْعي والفهم الذي يخُ َ ِّو ُل ُه ال َّتمييز بني‬
‫َ‬
‫ﱹﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﱸ(‪ ،)2‬ومن البصرية‬
‫معرفة حال الناس دون غفلة أو إفراط يف ال َّتصنيف‪.‬‬

‫قو ُة الرتبية النبوية؛ إذ مل يتخ ّلف إال صنفان من‬‫‪ -3‬يف القصة ّ‬
‫ِّفاق أو رجلاً ممن َع َذ َر اهلل من ُّ‬
‫الضعفاء»‪.‬‬ ‫«مغموصا عليه الن ُ‬
‫ً‬ ‫املجتمع‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مشاركة ال يقدِّ م‬ ‫والتوجع ألحوال املسلمني َ‬
‫دون عملٍ أو‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫احلزن‬ ‫‪-4‬‬
‫شيئا‪ ،‬والبكاء يف البيوت ال يزرع ُ‬
‫تعاط َف الناس مع القضية‪ .‬فلو جلس‬
‫ِ‬
‫التعاطف الكبري‪ .‬قال‬ ‫الناس معه َ‬
‫مثل هذا‬ ‫ُ‬ ‫يتعاط ِ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫كعب حزينا يف بيته مل‬
‫ٌ‬
‫ري‬ ‫ابن تيمية‪« :‬وكث ٌري من الناس إذا رأى َ‬
‫املنكر‪ ،‬أو تغيرُّ َ كث ٍ‬ ‫شيخ اإلسالم ُ‬ ‫ُ‬
‫منهي‬
‫أهل املصائب!‪ ،‬وهو ٌّ‬‫ينوح ُ‬ ‫من أحوال اإلسالم َج ِزع َ‬
‫وك َّل وناح كام ُ‬
‫ِ‬
‫والثبات عىل دين اإلسالم‪ ،‬وأن‬ ‫ُّ‬
‫والتوكل‬ ‫مأمور بالصرب‬
‫ٌ‬ ‫عن هذا‪ ،‬بل هو‬
‫بأن اهلل مع الذين اتقوا والذين ُهم حمسنون‪ّ ،‬‬
‫وأن العاقبة للتقوى‪،‬‬ ‫يؤمن ّ‬
‫حق‪ ،‬وليستغفر لذنبه‪،‬‬ ‫إن وعد اهلل ٌّ‬ ‫وأن ما ُيصيبه فهو بذنوبه فليصرب؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫احلزن َيزيد فيه الشيطان‪،‬‬ ‫وليسبح بحمد ر ِّبه بالعيش واإلبكار‪ ،)3( »...‬هذا‬
‫قعدُ عن العمل‪.‬‬ ‫فريض به و َي ُ‬ ‫و ُي ِ‬
‫شعر صاح َب ُه أنّه أدى شيئًا ّما ىَ‬

‫(‪ )1‬البيت من بحر البسيط‪ ،‬للحسني بن عيل الطغرائي من الميته املشهورة بالمية العجم‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنعام‪.55 :‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى (‪.)295/18‬‬

‫‪28‬‬
‫املتخاذلِني‬
‫ِ‬ ‫احلي ال َيأ َنس مع‬
‫القلب ّ‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫رسول‬ ‫خرجت يف الناس بعدَ ُخروج‬
‫ُ‬ ‫«فكنت إذا‬
‫ُ‬ ‫كعب‪:‬‬
‫‪ -5‬يقول ٌ‬
‫فت فيهم أحزَ َنني»‪ ،‬قد يتخ ّلف اإلنسان عن عملِ خ ٍ‬
‫ري رغب ًة‬ ‫ُ‬
‫فط ُ‬ ‫اهلل‬
‫الصدر‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫وضيق ّ‬ ‫يف توفري الراحة لنفسه‪ ،‬فيعا َق ُب بفقداهنا إما باحلزن‬
‫غ ِ‬
‫ريمها من األعراض‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ثل َأن َأ َت َقدَّ ما‬
‫لِنَفيس َحيا ًة ِم َ‬ ‫احليا َة َف َلم َأ ِجد‬ ‫َت َأ َّخ ُ‬
‫رت َأستَبقي َ‬

‫(‪ )1‬بيت من الطويل‪ ،‬للحصني بن احلامم ال َف ّ‬


‫زاري‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫صاحب المواقف ُي َ‬
‫فتقد‬

‫ال َو ُه َو‬ ‫َح َّتى َب َلغَ َت ُب َ‬


‫وك‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ول اهللِ‬
‫«ولمَ ْ َي ْذ ُك ْرنيِ َر ُس ُ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫ال َر ُج ٌل ِم ْن َبنِي َس ِل َم َة‪َ :‬يا‬ ‫وك‪َ :‬ما َف َع َل َك ْع ٌب؟ َف َق َ‬ ‫س فيِ ا ْل َق ْو ِم بِ َت ُب َ‬ ‫َجالِ ٌ‬
‫س‬ ‫ول اهللِ َح َب َس ُه ُب ْر َدا ُه َو َن َظ ُر ُه فيِ ِع ْط ِف ِه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال ُم َع ُ‬
‫اذ ْب ُن َج َبلٍ ‪ :‬بِ ْئ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ول اهللِ َما َع ِل ْمنَا َع َل ْي ِه إِ َّ‬
‫ال َخيرْ ً ا‪َ ،‬ف َس َك َت َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫َما ُق ْل َت‪َ ،‬واهللِ َيا َر ُس َ‬
‫اهللِ »‪.‬‬

‫وعظيم بالئِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وشهر ُته ٌ‬
‫دليل عىل صدق إيامنه‪،‬‬ ‫كعب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫منزلة‬ ‫‪-1‬‬
‫ُ‬
‫والعمل الصالح ُيشْ ِه ُر صاح َب ُه ف ُيف َتقدُ !‪ ،‬بخالف من عمل ل َيشْ َت ِه َر؛ َّ‬
‫فإن‬
‫َمن بحث عن الشهرة والذكر َب ُعد عنه‪ ،‬ومن أعرض عنها أرسعت إليه‪،‬‬
‫وقد حيصل عىل الشهرة املز َّي َفة متعرض هلا بعد تعب وذلة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫اسم ُه‬
‫ُ‬ ‫اسمه‪ ،‬بل ر ّبام ُنسيِ‬
‫بعض الناس إذا غاب َر ْس ُمه غاب ُ‬ ‫‪ُ -2‬‬
‫العلامء والدّ عاة واملصلحون الذين خيالطون الناس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حي!‪ِ ،‬‬
‫لكن‬ ‫وهو ٌّ‬
‫قلوب الناس وإن كانوا أموا ًتا ُ‬
‫منذ‬ ‫ِ‬ ‫ويحَ ِملون مهو َمهم َي ْب َقون أحيا ًء يف‬
‫مئات السنني‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫مي ٍ‬
‫ت عىل أقدامه انتصبا‬ ‫ور َّب ْ‬
‫ُ‬ ‫خام القرب مسكنُه‬
‫حي ُر ُ‬
‫يا ُر َّب ٍّ‬
‫كل الصحابة‪ ،‬وكان ُّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫عطفها َّ‬ ‫ُ‬
‫ظالل‬ ‫ُ‬
‫الرتبية النبوية َش َملت‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪،‬‬ ‫واحد منهم ُ‬
‫ينال نصي َب ُه من اهتام ِم‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫جيش‬ ‫الشخص الواحدَ من بني‬
‫َ‬ ‫عارف هبم وبأحواهلم‪ ،‬وهلذا َي ِ‬
‫فتقدُ‬ ‫ٌ‬
‫كعب حلاجته إليه؛ فليس يف ق َّل ٍة‬
‫ٍ‬ ‫عن‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ُ‬
‫سؤال‬ ‫كبري‪ ،‬وليس‬
‫‪.‬‬ ‫حيث َح ِظي بصحبته يف هذه الغزوة أصحابه‬
‫من العدَ د؛ ُ‬

‫كثري من أهل الفضل ال َيع ِرفون من ط ّ‬


‫الهبم أو حمبيهم إال عد ًدا‬ ‫ٌ‬
‫فقد األصحاب‬ ‫قليلاً الواحد واالثنني‪ ،‬و َيزهدون يف البقية‪ ،‬مع أن َت ُّ‬
‫والرتبوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫أعظم أسباب االرتقاء هبم يف بنائهم‬
‫ِ‬ ‫والتالميذ من‬
‫وإن َ‬
‫سأل أحدٌ من أهلِ العلم عن تالميذه فغال ًبا ما يكون عند احلاجة‬
‫اخلريي ال‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫بعض املشرتكني يف جمالس العلم أو العمل‬ ‫إليه!‪ ،‬وجتد‬
‫الغائب منهم!‪.‬‬
‫َ‬ ‫يعرفون‬

‫أعر ُف‬
‫قوم كعب بالسؤال عنه؛ ألهنم َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ص‬‫‪َ -4‬خ ّ‬
‫ومعاذ من أبناء عمومته‪ .‬فينبغي‬ ‫ٌ‬ ‫فكعب من بني ِ‬
‫سلمة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الناس به‪،‬‬
‫وأكثرهم به معرف ًة ُب ْعدً ا عن‬
‫ُ‬ ‫أقرب الناس إليه‬
‫ُ‬ ‫أن ُي َ‬
‫سأل عن الرجل‬

‫منسوب لنزار قباين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬بيت من البسيط‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫صاحب املواقف يفقد‬

‫ً‬
‫وحفظا للوقت‪ ،‬وتسهي ً‬
‫ال للوصول‬ ‫وقطعا للقالة يف الرجل‪،‬‬
‫ً‬ ‫الغيبة‪،‬‬
‫إىل املقصود‪.‬‬

‫أن رجلاً من قومه نال منه‪،‬‬‫كعب وأبهْ َ م‪ ،‬فذكر لولده ّ‬


‫ٌ‬ ‫‪ -5‬عينَّ‬
‫اسم ُه حتى‬
‫ريهم‪ ،‬وأخفى َ‬ ‫حتى ال تذهب األفكار والظنون إىل غ ِ‬
‫ورصح باسم ُم ٍ‬
‫عاذ جلميل فعله؛ فإنه حيسن‬ ‫َّ‬ ‫الصدور عليه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ال ُي ِ‬
‫وغر‬
‫حتدثت عن‬
‫َ‬ ‫إذا حتد ْث َت عن احلسنات أن ُ‬
‫تنسبها ألصحاهبا‪ ،‬وأما إذا‬
‫التنبيه عىل اخلطإ‪ ،‬ومن معايل األخالق‬
‫ُ‬ ‫املقصود هو‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األخطاء فأبهْ ِ ْم؛ إذ‬
‫وإظهار‬
‫ُ‬ ‫الذام‬
‫ّ‬ ‫فإهبام‬
‫ُ‬ ‫أمر ظلمك فيه‪،‬‬
‫الصفح عن األخ إذا صدر منه ٌ‬
‫ُ‬
‫املادح ٌ‬
‫سمة أهلِ السنة‪ ،‬وهلذا اشتهر عند أهل السنة ُ‬
‫ذكر املناقب‪ ،‬ومل‬
‫ُت َ‬
‫ذكر املثالب إال يف حال خدمة الدين‪ ،‬مثل ك ُتب اجلرح والتعديل‪.‬‬
‫ِ‬
‫اجتهاد‬ ‫الرجل بام يغلب عىل‬ ‫جواز ّ‬
‫الطعن يف ّ‬ ‫ُ‬ ‫القيم‪« :‬ومنها‬
‫ابن ّ‬
‫قال ُ‬
‫طعن أهل احلديث‬‫ُ‬ ‫محي ًة‪ ،‬أو ذ ًّبا عن اهلل ورسوله‪ ،‬ومن هذا‬
‫الطاعن ّ‬
‫ورثة األنبياء وأهلِ السنة‬ ‫فيمن طعنوا فيه ِمن الرواة‪ ،‬ومن هذا ُ‬
‫طعن َ‬
‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫يف أهل األهواء والبدع هلل ال حلظوظهم وأغراضهم»(‪ .)1‬وهذا‬
‫تنق ِصه‪ ،‬وإنام محله عىل هذا‬ ‫ِ‬
‫بإرادة ُّ‬ ‫الطاعن يف كعب من قومه فال ي ّتهم‬
‫لكعب َ‬
‫وغري ُت ُه هلل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُح ُّب ُه‬

‫ُ‬
‫جواز‬ ‫القيم ذاكر ًا ما ُيفاد من حديث كعب‪« :‬ومنها‬ ‫ابن ّ‬‫‪ -6‬قال ُ‬
‫وغ ِلط‪ ،‬كام قال ُم ٌ‬
‫عاذ‬ ‫ظن الرا ّد أنه َو ِهم َ‬
‫الر ِّد عىل الطاعن إذا غلب عىل ِّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ما علمنا عليه إال‬ ‫قلت‪ ،‬واهلل يا‬
‫طعن يف كعب‪ :‬بئس ما َ‬
‫للذي َ‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)501/3‬‬

‫‪33‬‬
‫عىل واحد منهام»(‪ .)1‬و يف هذا ُ‬
‫بيان أمهية‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ريا‪ ،‬ومل ُينكر‬
‫خ ً‬
‫ض املسلم‪.‬‬‫الذب عن ِع ْر ِ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)501/3‬‬

‫‪34‬‬
‫التأ ّني في ا ّتخاذ القرارات َ‬
‫سداد‬

‫افلاً َحضرَ َ نيِ همَ ِّ ي‪،‬‬ ‫ك‪َ « :‬ف َلماَّ َب َل َغنِي َأ َّن ُه َت َو َّج َه َق ِ‬ ‫ال َك ْع ُب ْب ُن َمالِ ٍ‬ ‫َق َ‬
‫ول‪ :‬بِماَ َذا َأ ْخ ُر ُج ِم ْن َس َخ ِط ِه َغدً ا‪َ ،‬و ْ‬
‫است ََع ْن ُت‬ ‫َو َط ِف ْق ُت َأ َت َذ َّك ُر ا ْل َك ِذ َب َو َأ ُق ُ‬
‫َقدْ َأ َظ َّل‬ ‫ول اهللِ‬‫يل‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ىَل َذلِ َك بِ ُك ِّل ِذي َر ْأيٍ ِم ْن َأ ْهليِ ‪َ ،‬ف َلماَّ ِق َ‬
‫يه َك ِذ ٌب‪،‬‬ ‫اط ُل‪َ ،‬و َع َر ْف ُت َأنيِّ َل ْن َأ ْخ ُر َج ِم ْن ُه َأ َبدً ا بِشيَ ْ ٍء ِف ِ‬‫اح َعنِّي ا ْل َب ِ‬ ‫اد ًما َز َ‬ ‫َق ِ‬
‫َق ِ‬
‫اد ًما»‪.‬‬ ‫ج ْع ُت ِصدْ َق ُه‪َ ،‬و َأ ْص َب َح َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َف َأ مْ َ‬

‫ال ي ّت ِخ َذ قرار ًا َ‬
‫حال اخلوف؛ ّ‬
‫ألن الشيطان يستغل‬ ‫‪ -1‬ينبغي للمرء أ ّ‬
‫يكذب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشيطان عليه أن‬ ‫احلال باقرتاحاته ا ُمل ْر ِدية‪ .‬وهنا ألقى‬
‫َ‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫يستغ ّل ضع َفه‪.‬‬ ‫حما ِو ً‬
‫ال أن‬

‫‪35‬‬
‫ُ‬
‫الشيطان‬ ‫ِ‬
‫كاحلزن الشديد‪ ،‬وقد خدع‬ ‫َ‬
‫والغضب الشديدان‪،‬‬ ‫الفرح‬
‫ُ‬ ‫ومث ُله‬
‫فأوحى إليهم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫لوفاة علامئهم‪،‬‬ ‫نوح يف عبادهتم لألصنام‪ ،‬حني ح ِزنوا‬
‫قوم ٍ‬ ‫َ‬
‫سول‬ ‫ُ‬
‫اجليل َّ‬ ‫ّ‬
‫ليتذكروهم وي ّتعظوا هبم‪ ،‬فلام انقرض ذلك‬ ‫صوروهم‬‫أن ُي ّ‬
‫عبادتم‪.‬‬
‫هَ‬ ‫للجيل التايل‬

‫أو ُل ما يتبا َدر إىل‬


‫ويف واقعنا جتدُ كثري ًا من الناس إذا وقع يف خطإٍ ّ‬
‫ُ‬
‫الشيطان عىل لسانه هو الكذب‪.‬‬ ‫ذهنه و ُيلقي‬

‫املؤمن من مكايد الشيطان‬ ‫َ‬ ‫‪ِ -2‬من فضلِ اهلل عىل عبده محاي ُته عبدَ ُه‬
‫وق َعه لوال أن َت َ‬
‫داركه الرمحن‬ ‫الشيطان أن ُي ِ‬
‫ُ‬ ‫يب كاد‬
‫ودسائسه‪ ،‬فهذا الصحا ّ‬
‫ض له‪ ،‬أو َيشْ َم َت بأهلِ‬ ‫يتعر َ‬ ‫ِ‬
‫للمرء أن يتم ّنى البال َء أو َّ‬ ‫برمحته وال َينبغي‬
‫صب أم َيفتتِن؟‪ ،‬ﱹﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫البالء؛ ألنّه ال َيد ِري ما ُي ىَ‬
‫قض له أ َي رِ ُ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱸ(‪.)1‬‬

‫ريهم يف الدنيا‬‫انتهاء األعامل يتحسرَّ القاعدون عىل تقص ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -3‬بعد‬


‫ت إيالم‪.‬‬‫بمي ٍ‬ ‫واآلخرة‪ ،‬هذا ممن ُو ِجدَ يف قلبه إيامن‪ ،‬وأما غ ُريهم فام ُ‬
‫جل ْر ٍح ّ‬
‫ُ‬
‫يعمل‬ ‫رأيت من‬
‫أخواتَا‪ ،‬قال بعض السلف‪« :‬إذا َ‬ ‫هِ‬ ‫‪ -4‬املعصي ُة جتلب‬
‫ٍ‬
‫أخوات‪ ،‬و َمن يعمل احلسنة فاعلم ّ‬
‫أن هلا أخوات»(‪،)2‬‬ ‫السيئ َة فاعلم ّ‬
‫أن هلا‬
‫كعب كاد أن َيقع يف معصية الكذب لوال ّ‬
‫أن اهلل وقاه منها ومحاه‬ ‫وهكذا ٌ‬
‫بفضل ِه وبام قدّ م من صالح‪ ،‬وهلذا َينبغي ُ‬
‫قطع سلسلة الذنوب بحاج ِز التوبة‬ ‫ِ‬
‫واحلسنات الكبار‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة النور‪.21 :‬‬


‫(‪ )2‬تفسري النسفي (‪.)247/1‬‬

‫‪36‬‬
‫التأنيّ يف خّاتاذ القرارات سداد‬

‫وعدم االستبداد‬‫ُ‬ ‫واستشارتم‪،‬‬


‫هُ‬ ‫ُ‬
‫معرفة أهلِ الرأي‬ ‫‪ -5‬مما ينبغي‬
‫«من حقّ العاقل أن ُيضيف إىل رأيه آرا َء‬ ‫بعض البلغاء‪ِ :‬‬
‫بالرأي‪ ،‬قال ُ‬
‫زل‪ ،‬والعقل‬ ‫الفذ ربام ّ‬
‫فالرأي ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عقول احلكامء؛‬ ‫عقل ِه‬
‫وجيمع إىل ِ‬
‫َ‬ ‫العقالء‪،‬‬
‫ُ‬
‫الفرد ربام ّ‬
‫ضل»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬

‫يتصور‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وبعضهم‬ ‫اليوم ال ُي ِّ‬
‫فكر يف االستشارة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وكثري من الناس‬
‫ٌ‬
‫ورجاحة العقل‪ ،‬وكلام كان‬ ‫ّ‬
‫أن االستشارة نقص!‪ ،‬مع أهنا من الكامل َ‬
‫َّ‬
‫استقل‬ ‫ضعف عق ُل ُه‬ ‫أكثر رشدً ا كان َ‬
‫أكثر استشارة‪ ،‬وكلام ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان َ‬
‫أكثر الناس‬
‫وكان َ‬ ‫َ‬
‫األرض أحدٌ أرشدَ من رسول اهلل‬ ‫برأيه‪ ،‬ومل يطإِ‬
‫من اخللفاء‬ ‫أرجح عقلاً بعد نبيها‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫األمة‬ ‫استشار ًة‪ ،‬ومل َتع ِرف‬
‫الراشدين وكانوا ُيكثِرون من االستشارة‪.‬‬

‫وأزاح عنه الباطل‪،‬‬


‫َ‬ ‫أن و ّف َقه‬
‫بن مالك ْ‬ ‫ِ‬
‫بكعب ِ‬ ‫‪ -6‬من رمحة اهلل‬
‫أعظم‬
‫ِ‬ ‫بالكذب‪ ،‬فمن‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وعر َف ُه أنه ال ينجو من ُس ْخط‬
‫َّ‬
‫األرباح النجا ُة من املعايص‪ ،‬قال احلسن يف أهل املعايص‪« :‬ها ُنوا عىل‬
‫أحب ُهم مِ َ‬
‫لرح ُهم»‪.‬‬ ‫فع َص ْوه‪ ،‬ولو ّ‬
‫اهلل َ‬

‫فكرون يف هذه النعمة الكبرية التي ينعم‬ ‫وبعض الناس اليوم ال ُي ّ‬


‫ُ‬
‫اهلل هبا عىل من شاء ِمن عباده ف ُيو ِّف َق ُهم إىل ترك املعايص‪ ،‬وهلذا ق ّلام‬
‫تسمع من الناس َمن يقول‪ :‬هنيئا لفالن نجا من الربا‪ ،‬أو َت َرك املعصية‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫طريقها‪.‬‬ ‫الفالنية‪ ،‬وإنّام التهنئة ب ِر ْب ِح األموال أ ّي ًا كان‬

‫أجر‬ ‫الباقيات الصاحلات من أسباب الرمحة؛ ّ‬


‫ألن اهلل ال ُيضيع َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-7‬‬

‫(‪ )1‬أدب الدنيا والدّ ين ص ‪.273‬‬

‫‪37‬‬
‫وحسن اخلامتة حيتاج إىل ِ‬
‫كثرة األعامل الصاحلة‪َّ ،‬‬
‫فلعل‬ ‫أحس َن عملاً ‪ُ ،‬‬
‫َمن َ‬
‫ِ‬
‫وخدمة اإلسالم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كعب ما قدَّ مه من اخلري‪،‬‬ ‫من أسباب نجاة‬

‫نكصون عىل‬‫الفتن عىل كثريين‪ ،‬ف ُيفتَنون و َي ِ‬


‫ُ‬ ‫عرض‬ ‫ويف املقابل ُت َ‬
‫أعقاهبم؛ ألهنم مل يقدِّ موا من اخلري واحلسنات ما يكون سب ًبا حلفظهم‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫المتخاذ ِلين‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫سالح‬ ‫ُ‬
‫اختالق األعذا ِر‬

‫ان إِ َذا َق ِد َم ِم ْن َس َف ٍر َبدَ َأ بِالمْ َ ْس ِج ِد َفيرَ ْ َك ُع ِف ِ‬


‫يه‬ ‫«و َك َ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫ون َف َط ِف ُقوا‬ ‫اس‪َ ،‬ف َلماَّ َف َع َل َذلِ َك َجا َء ُه المْ ُ َخ َّل ُف َ‬ ‫س لِل َّن ِ‬ ‫َر ْك َعتَينْ ِ ُث َّم َج َل َ‬
‫ون َل ُه َو َكا ُنوا بِ ْض َع ًة َوثَماَ نِنيَ َر ُجلاً ‪َ ،‬ف َقبِ َل ِم ْن ُه ْم‬ ‫ون إِ َل ْي ِه َويحَ ِْل ُف َ‬‫َي ْعت َِذ ُر َ‬
‫سائِ َر ُه ْم إِلىَ‬ ‫النِ َيت َُه ْم َو َبا َي َع ُه ْم َو ْ‬
‫اس َتغْ َف َر لهَ ُ ْم َو َو َك َل رَ َ‬ ‫َع َ‬ ‫ول اهللِ‬
‫َر ُس ُ‬
‫اهللِ»‪.‬‬
‫أمهية الصالة ِ‬
‫وع َظ ِم‬ ‫دليل عىل ّ‬‫ٌ‬ ‫كل عملٍ‬ ‫ِ‬
‫الصالة عىل ِّ‬ ‫تقديم‬
‫ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫وعظيم‬
‫ِ‬ ‫شأنهِ ا عند رسول اهلل ‪ ،‬وبدؤُ ه باملسجد ٌ‬
‫بيان جلليلِ مكانته‬
‫حال الوصول إىل البلد‬ ‫والبدء بالطاعة َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وموقعه لدى األمة‪،‬‬ ‫مرك ِزه‬
‫شكر هلل تعاىل‪.‬‬
‫ٌ‬

‫‪39‬‬
‫وقد جتد من يتخ ّل ُف عن صالة الفريضة يف املسجد حنيَ ُوصولِه إىل‬
‫بحجة ال ّت َعب من السفر!‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بلده ُ‬
‫عذ ُروه‪ ،‬وال يطلبوا منه ما ُيط َلب من عا ّمة‬‫‪ -2‬ينبغي ألهلِ العامل أن َي ِ‬
‫ٌ‬
‫متعلقة به‪ ،‬ويف‬ ‫مصالح الناس‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العامل ليس هلم وحدَ ُهم‪ ،‬بل‬ ‫الناس؛ ألن‬
‫مشاركة له يف َأج ِره‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫ووقوف ِهم معه‬ ‫مساعدهتم له‬
‫النظر يف‬
‫ُ‬ ‫ري عند رجوعه من س َف ٍر‬
‫ين واألم ِ‬
‫‪ -3‬ينبغي للعامل الربا ّ‬
‫ُ‬
‫أول ما بدأ به‬ ‫ُ‬
‫فالرسول‬ ‫عام؛‬ ‫ٍ‬
‫مكان ّ‬ ‫والب ُ‬
‫وز هلم يف‬ ‫مصالح الناس‪ ،‬رُ‬
‫ِ‬
‫أي من بيوته‪.‬‬ ‫املسجدُ ‪ّ ،‬‬
‫ثم جلس للناس‪ ،‬ومل َيذهب إىل ٍّ‬
‫جيلس‬
‫ُ‬ ‫فالذي ينبغي للعامل والداعي إىل اهلل أن يخُ ِّصص وق ًتا معلو ًما‬
‫فيه لعا ّمة الناس‪.‬‬
‫سفر عىل بع ٍ‬
‫ري وشدّ ُة‬ ‫‪ -4‬تدَ َّب ْر هذه الرحل َة الشاق َة للرسول ‪ٌ :‬‬
‫ُ‬
‫منذ‬ ‫يأخ ْذ راح ًة‪ ،‬وكان هذا دأ َب ُه‬ ‫ٍ‬
‫مسافة‪ ،‬ومع ذلك مل ُ‬ ‫حر‪ ،‬و ُبعدُ‬
‫ٍّ‬
‫بن ِ‬
‫عبد العزيز‬ ‫ِ‬
‫البعثة‪ ،‬وهكذا كان َد ْيدَ ُن َمن سار عىل نهَ ْ ِجه‪ ،‬قال ُ‬
‫عمر ُ‬
‫ُ‬
‫الفراغ‪،‬‬ ‫غت لنا؟!‪ ،‬قال‪« :‬وأين‬
‫تفر َ‬ ‫لبعض أصحابه ُ‬
‫القدماء ملا قالوا‪ :‬لو َّ‬ ‫ِ‬
‫الفراغ‪ ،‬فال َ‬
‫فراغ إال عند اهلل»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫ذهب‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وفراغ ُه خلو ٌة بربه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فاملؤم ُن العامل هلل راح ُته‬

‫أعظم من املعا َتبة‪ ،‬فإذا ص َلح ُ‬


‫أمر أهل اإليامن مل‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ -5‬‬
‫أهل النفاق ذن ُب ُهم‬
‫يرضَّ ُهم كيدُ املنافقني‪ :‬ﱹﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﱸ(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الطبقات الكربى (‪.)397/5‬‬


‫(‪ )2‬سورة آل عمران‪.120 :‬‬

‫‪40‬‬
‫املتخاذلِني‬
‫ِ‬ ‫سالح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اختالق األعذا ِر‬

‫األعذار‬
‫ُ‬ ‫سالح املتخ ّلفني عن مشاهد اخلري والعمل الصالح‬
‫ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫عذر‪.‬‬
‫ري ٌ‬ ‫ِّ‬
‫فلكل تقص ٍ‬ ‫املدعومة باأليامن‪،‬‬
‫ُ‬

‫النيات‬
‫خول يف ّ‬ ‫ِ‬ ‫وعدم الدّ‬
‫ُ‬ ‫أخذ الناس ّ‬
‫بالظاهر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الواجب‬
‫ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫َح َك َم بظواه ِر‬ ‫النبي‬
‫َّ‬ ‫الوحي كان َين ِز ُل إال ّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫فمع ّ‬
‫أن‬ ‫واملقاصد؛ َ‬
‫املنافقني‪.‬‬

‫اس إىل ّ‬
‫الط ْعن يف مقاصد‬ ‫بعض ال ّن ِ‬
‫اليوم من ُمسارعة ِ‬
‫َ‬ ‫وإنك َل َ‬
‫تعج ُب‬
‫الناس ونياهتم!‪.‬‬

‫داللة عىل ِع َظ ِم‬


‫ٌ‬ ‫مع دواعي التخ ّل ِ‬
‫ف‬ ‫‪ -8‬يف قلة املتخ ّلفني عن الغزوة َ‬
‫نسبة التخ ُّلف عن اثنني من األلف تقري ًبا ‪ ،‬من‬
‫الرتبية النبوية ؛ إذ مل َت ِز ْد ُ‬
‫مجيع القاد ِرين عىل اجلهاد من أفراد األمة!‪.‬‬
‫ِ‬
‫والدعوة واألم ِر باملعروف والنهي‬ ‫ميادين اخلري‬
‫َ‬ ‫كم من الناس حيضرُ ُ‬
‫عن املنكر؟‬

‫‪41‬‬
‫عات على َق ْد ِر اإلمكانات‬
‫ُ‬ ‫ال ّت ِب‬

‫ال‪:‬‬ ‫ب‪ُ ،‬ث َّم َق َ‬‫ال َك ْع ٌب‪َ « :‬ف ِج ْئ ُت ُه َف َلماَّ َس َّل ْم ُت َع َل ْي ِه َت َب َّس َم َت َب ُّس َم المْ ُغْ َض ِ‬
‫َق َ‬
‫ال ليِ ‪َ :‬ما َخ َّل َف َك؟ َألمَ ْ‬ ‫ال‪َ ،‬ف ِج ْئ ُت َأ ْمشيِ َح َّتى َج َل ْس ُت َبينْ َ َيدَ ْي ِه‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َت َع َ‬
‫َت ُك ْن َق ِد ا ْبت َْع َت َظ ْه َر َك؟ َف ُق ْل ُت‪َ :‬ب ىَل‪ ،‬إِنيِّ َواهللِ َل ْو َج َل ْس ُت ِع ْندَ َغيرْ ِ َك ِم ْن‬
‫يت َجدَ لاً ‪،‬‬ ‫َأ ْهلِ الدُّ ْن َيا َل َر َأ ْي ُت َأ ْن َس َأ ْخ ُر ُج ِم ْن َس َخ ِط ِه بِ ُع ْذ ٍر‪َ ،‬و َل َقدْ ُأ ْع ِط ُ‬
‫ب َت ْر ىَض بِ ِه َعنِّي‬ ‫يث َك ِذ ٍ‬‫َو َل ِكنِّي َواهللِ َل َقدْ َع ِل ْم ُت َلئِ ْن َحدَّ ْث ُت َك ا ْل َي ْو َم َح ِد َ‬
‫يث ِصدْ ٍق تجَ ِدُ َعليَ َّ‬ ‫وش َك َّن اهللُ َأ ْن ُي ْس ِخ َط َك َعليَ َّ ‪َ ،‬و َلئِ ْن َحدَّ ْث ُت َك َح ِد َ‬ ‫َل ُي ِ‬
‫ان ليِ ِم ْن ُع ْذ ٍر‪َ ،‬واهللِ َما ُك ْن ُت َق ُّط‬ ‫ال َواهللِ َما َك َ‬ ‫يه َع ْف َو اهللِ‪َ ،‬‬‫أل ْر ُجو ِف ِ‬‫يه إِنيِّ َ‬
‫ِف ِ‬
‫ول اهللِ ‪َ :‬أ َّما َه َذا‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫ال َأيْسرَ َ ِمنِّي ِحنيَ خَ َت َّل ْف ُت َع ْن َك‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َأ ْق َوى َو َ‬
‫يك»‪.‬‬ ‫اهلل ِف َ‬ ‫َف َقدْ َصدَ َق‪َ ،‬ف ُق ْم َح َّتى َي ْقضيِ َ ُ‬

‫‪43‬‬
‫متنع من معاتبته‪.‬‬ ‫ُ‬
‫منزلة اإلنسان وأسبقي ُت ُه ال ُ‬ ‫‪-1‬‬

‫استفهام املخطئ‪« :‬ما خ َّلفك؟»‪ .‬وكان من هدي‬


‫ُ‬ ‫العالج‬
‫ِ‬ ‫أو ُل‬
‫‪ّ -2‬‬
‫حاطب‬
‫ُ‬ ‫ب‪« :‬يا‬ ‫النبي مع من أخطأ أن يبدأ باالستفها ِم كام قال ِ‬
‫حلاط ٍ‬
‫للرج َل ِ‬
‫ني‪( :‬مامنعكام أن ُتص ِّليا معنا؟)(‪.)2‬‬ ‫ما هذا؟» ‪ ،‬وقال ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ابتعت‬
‫َ‬ ‫‪ -3‬املحاسبة وال ّتبِعات عىل َقدْ ِر اإلمكانات‪« :‬أمل تكن‬
‫يشء آخر… قال‬
‫يشء وعىل العلامء ٌ‬
‫فالواجب عىل العامة ٌ‬
‫ُ‬ ‫ظهرك؟»‪،‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹﮧ ﮨ ﮩ ﮪﱸ(‪ ،)3‬وقال تعاىل‪ :‬ﱹﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫وكثري من الناس يستد ُّلون هبذه اآليات وهي عليهم ال‬
‫ٌ‬ ‫ﯜﱸ(‪،)4‬‬
‫ُ‬
‫وبذل ّ‬
‫كل الوسع‬ ‫استنفاد مجيع الطاقات والقدرات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هلم؛ فاملراد باآلية‬
‫يف عمل الطاعات وفعلِ اخلريات‪.‬‬

‫كعب من إمكاناته ما ُيناسب املقام‪« :‬ولقد أعطيت‬ ‫ٌ‬ ‫أظهر‬


‫َ‬ ‫‪-4‬‬
‫شاعر؛ لعد ِم املناسبة‪ ،‬وبعض الناس يتمدح‬
‫ٌ‬ ‫جدلً»؛ فلم ُ‬
‫يذكر أنه‬
‫ببعض الصفات يف مقام ال يناسبها‪.‬‬

‫ري كاف إذا‬


‫ظاهرا غ ُ‬
‫ً‬ ‫الرسول اهلل‬ ‫كعب َّ‬
‫أن إرضا َء َّ‬ ‫ٌ‬ ‫عر َف‬
‫‪َ -5‬‬
‫ص عىل إرضاء اهلل جل وعال‪ ،‬واملنافقون‬
‫حر َ‬
‫مل يرض اهلل عنه‪ ،‬فقد َ‬

‫‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (ح ‪ ،)3007‬ومسلم (ح ‪ ،)2494‬عن ع ٍّ‬


‫يل‬
‫(‪ )2‬أخرجه اإلمام امحد (ح ‪ ،)17474‬وأبو داود (ح ‪ ،)575‬وغريمها‪ ،‬عن يزيد بن‬

‫‪.‬‬ ‫العامري‬
‫ّ‬ ‫األسود‬
‫(‪ )3‬سورة التغابن‪.17 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة‪.286 :‬‬

‫‪44‬‬
‫عات عىل َقدْ ِر اإلمكانات‬
‫ال ّتبِ ُ‬

‫كعب‬
‫كي يرىض عنهم‪ ،‬ففاز ٌ‬ ‫حر ُصوا عىل االعتذار إىل رسول اهلل‬
‫َ‬
‫وخرس املنافقون‪:‬ﱹﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫وبعض الغالة من أهل البدع‬ ‫ُ‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﱸ(‪.)1‬‬
‫تكفي‪،‬‬ ‫النبي‬
‫ّ‬ ‫أن حمب َة‬‫ويزعمون ّ‬
‫ُ‬ ‫عصون اهلل تعاىل ورسو َله‬
‫َي ُ‬
‫‪ .‬وبعض الناس‬ ‫فسيعلمون غد ًا أهنم قد أسخطوا َ‬
‫اهلل ورسو َله‬
‫الناس و َيعمل به‪ّ ،‬‬
‫ويط ِر ُح ما ُيريض اهلل تعاىل وال ُيبايل‬ ‫ُ‬ ‫ير ُقب ما ُيريدُ‬
‫ريين من أجل الناس‪ ،‬فإن لبس فمن أجلِ‬ ‫أصبح ْت حيا ُة الكث ِ‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬حتى‬
‫سكن فمن أجل الناس!‪..‬‬ ‫الناس!‪ ،‬وإن َر ِكب أو َ‬

‫أسباب النجاة‬‫ِ‬ ‫أعظم‬


‫ِ‬ ‫حتقيق اإليامن بأسامء اهلل وصفاته من‬ ‫ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫يث‬ ‫وش َك َّن اهلل َأ ْن ُي ْس ِخ َط َك َع َّ‬
‫لَ‪َ ،‬و َلئِ ْن َحدَّ ْث ُت َك َح ِد َ‬ ‫وقت الشدائد‪َ « :‬ل ُي ِ‬ ‫َ‬
‫كعب عمل ًيا‬‫يه َع ْف َو اهلل»‪ ،‬فقد استفا َد ٌ‬ ‫أل ْر ُجو ِف ِ‬‫يه إِنِّ َ‬
‫لَ ِف ِ‬ ‫تَدُ َع َّ‬
‫ِصدْ ٍق ِ‬
‫اليوم‬
‫َ‬ ‫لتجدُ كثري ًا من الناس‬ ‫جل وعال‪ ،‬وإنّك ِ‬ ‫من معرفته بصفات اهلل ّ‬
‫أن اهلل يرا ُه وال‬ ‫علمية نظرية‪ ،‬يعلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫معرفة‬ ‫معرف ُته بأسامء اهلل وصفاته‬
‫يسمعه وال حيفظ لسا َن ُه عام ُيغْ ِض ُب‬
‫ُ‬ ‫ويعلم أن اهلل‬
‫ُ‬ ‫َينتهي عن معاصيه!‪،‬‬
‫ر َّب ُه!‪.‬‬

‫ان لِ ِم ْن ُع ْذ ٍر‪َ ،‬واهلل َما‬ ‫‪ -7‬مل خيترص يف ذك ِر خطئه‪َ « :‬‬


‫ال َواهلل َما َك َ‬
‫يقف بني يدي‬ ‫ني تَ َّل ْف ُت َع ْن َك»‪ ،‬مع أنّه ُ‬
‫س ِمنِّي ِح َ‬ ‫ُك ْن ُت َق ُّط َأ ْق َوى َو َ َ‬
‫ال أ ْي ََ‬
‫واضحا يف االعرتاف‪ ،‬بل‬
‫ً‬ ‫وأحب شخص إليه‪ ،‬فقد كان‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‪،‬‬ ‫أعظم‬
‫ِ‬
‫مجيع األعذا ِر التي ُيمكن أن َي َ‬
‫صوغها الشيطان له‪« :‬ما‬ ‫قطع عىل نفسه َ‬

‫(‪ )1‬سورة التوبة‪.96 :‬‬

‫‪45‬‬
‫والبعض قد يتو ّقف عن ِ‬
‫قول كلمة حقٍّ حيا ًء من كبري‬ ‫ُ‬ ‫كان يل من عذ ٍر»‪،‬‬
‫أو عظيم!‪.‬‬

‫ألجتهز) بمعنى أنه‬


‫َّ‬ ‫زلت أغدُ و‬ ‫ِ‬
‫باحل َيلِ واملعاذير‪( :‬ما ُ‬ ‫‪ -8‬مل يتع َّلقْ‬
‫شأن الغزوة‪ ،‬وأنه‬‫التجهزَ ومل َي ِغ ْب عن باله ُ‬
‫ُّ‬ ‫اول‬ ‫مل ِ‬
‫يعتذ ْر بكونه كان يُ ُ‬
‫دائام يُاهد َ‬
‫نفس ُه عىل ذلك‪.‬‬

‫بعض املتخ ِّل ِفني عن عملِ خ ٍ‬


‫ري وطاعة أن يعتذروا بام ليس‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وشأن‬
‫األمر يف نفيس‪ ،‬وكان يف ّنيتي أن أفعل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حاولت‪ ،‬كان‬
‫ُ‬ ‫عذرا‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ذرا يف التخ ُّلف عن العمل!‪.‬‬ ‫وأنا ُ‬
‫معكم بقلبي‪ ..‬و َيعترب هذا ُع ً‬

‫واضحا يعني‬
‫ً‬ ‫مفصلاً‬
‫دق والوضوح يف االعرتاف باخلطإ ّ‬ ‫الص ُ‬
‫‪ّ -9‬‬
‫ِ‬
‫لضعف‬ ‫ٌ‬
‫تغطية‬ ‫واالعتذار هو‬
‫ُ‬ ‫الشجاع َة والثق َة بالنفس‪ ،‬والتف ُّل ُت‬
‫توفري‬
‫ٌ‬ ‫واملسوغات؛ ففي االعرتاف باحلقّ‬
‫ِّ‬ ‫الشّ خصية باختالق األعذا ِر‬
‫والصحبة‪ ،‬ويف اإلنكار واملجادلة خسار ٌة بتضييع‬ ‫ُّ‬ ‫للوقت والفك ِر‬
‫ِ‬
‫والبحث عن املعاذير‪ ،‬واعتذارك بام يعلم‬ ‫وشغْ ل الفكر بالكذب‬ ‫الوقت َ‬
‫أصحابك خالفه يسبب فساد الوداد وفقد األحباب‪.‬‬

‫بكل ُمال َبسات األمر ح ّتى ما دار يف نفسه‪:‬‬ ‫اعرتف ِّ‬ ‫فكعب‬‫ٌ‬
‫س بينه وبني نفسه‪ ،‬ومع‬‫أردت أن أرجع ُفأ َك ِّذ َب نفيس»‪ ،‬وهذا رِ ٌّ‬
‫ُ‬ ‫«حتى‬
‫ث بنعمة اهلل عليه‪.‬‬ ‫اآلخرين وال َّتحدُّ ِ‬
‫كش َف ُه إلفادة َ‬‫ذلك َ‬

‫رتف باألخطاء َّ‬


‫الظاهرة؟‪،‬‬ ‫نفس باح به‪ ،‬فام با ُلنا ال نع ِ‬
‫حديث ٍ‬ ‫ُ‬ ‫هذا‬
‫وصل إليهم ُخالص َة جتا ِربِنا إذا مل تكن لدينا ُ‬
‫مثل‬ ‫وكيف ُنربيِّ أبنا َءنا و ُن ِ‬
‫هذه الشجاعة؟‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫عات عىل َقدْ ِر اإلمكانات‬
‫ال ّتبِ ُ‬

‫وخطر ُه‬
‫ُ‬ ‫كبري‪،‬‬
‫شأن ٌ‬ ‫الواجب ٌ‬
‫ِ‬ ‫شأن التخ ُّلف عن اجلهاد والغز ِو‬
‫‪ُ -10‬‬
‫صدر فيه ُحكمً‪ ،‬بل‬ ‫مل ُي ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وأمره شديد‪ ،‬حتى ّ‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫عظيم‪،‬‬
‫ٌ‬
‫بِ واخلري‬ ‫ِ‬
‫أعامل ال ِّ‬ ‫بيان ُخ ُطورة التخ ُّلف عن‬
‫انتظر فيه ُح ْك َم اهلل‪ ،‬وفيه ُ‬
‫وحيتج البعض بفهمه املخطئ لقول اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧﱸ‪ ،‬مع أنه لو قرأ ما قب َلها وما بعدَ ها َل َع ِلم َمن هو الذي ليس‬
‫ٌ‬
‫سبيل‪.‬‬ ‫لوم وال‬
‫عليه ٌ‬
‫ِ‬
‫اآليات من سورة التوبة بقوله‪ :‬ﱹﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ُ‬
‫فاهلل تعاىل صدَّ َر‬
‫ﮓﮔﮕﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫﱸ(‪.)1‬‬

‫ري هؤالء ‪-‬الذين َذ َكر اهلل تعاىل‪َ -‬ينالُم احلرج‪،‬‬ ‫ومفهوم اآلية ّ‬
‫أن غ َ‬ ‫ُ‬
‫أعذارهم‬
‫َ‬ ‫الضعيف وامل ِريض والفقري‪ -‬مع ّ‬
‫أن‬ ‫احلرج عن َّ‬
‫َ‬ ‫ومل َينف اهلل‬
‫ظاهر ٌة وليست باختيارهم ‪ -‬إال بعد أن ُيؤَ ُّدوا ما عليهم مما ال ُيؤ ِّثر فيه‬
‫وتقديم‬
‫ِ‬ ‫الرأي واملشورة‪ ،‬وال ُّنصح‪،‬‬ ‫والفقر‪ ،‬مثل ِ‬
‫بذل ّ‬ ‫ُ‬ ‫ض‬ ‫واملر ُ‬
‫الضعف َ‬ ‫ُ‬
‫اخلربات وال َّتجا ِرب للمسلمني‪.‬‬

‫ثم قال تعاىل يف اآلية التي بعدها‪ :‬ﱹﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬


‫ﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫الرابع ممن ُرفع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الفريق‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﱸ(‪ ،)2‬وهذا‬
‫احلرج‪ ،‬وهم الذين مل جيدوا الراحل َة من أجل املشاركة يف اجلهاد‬
‫ُ‬ ‫عنهم‬

‫(‪ )1‬سورة التوبة‪.91 :‬‬


‫(‪ )2‬سورة التوبة‪.92 :‬‬

‫‪47‬‬
‫أشق شئ عليهم‪ ،‬وملَّا‬
‫أسباب احلصول عليها حتى املسألة وهي ُّ‬ ‫َ‬ ‫وبذلوا‬
‫اعتذر إليهم الرسول بعدم ُقدرته عىل ْ‬
‫حَل ِهم مل يفرحوا ويقولوا‪ :‬قد‬
‫َّأدينا الذي علينا‪ ،‬بل َح ِزنوا و َب َكوا عىل عدم القدرة وعد ِم وجود َمن‬
‫ُيساعدهم عىل املشاركة يف اخلري‪.‬‬

‫واملستطيع‬
‫ُ‬ ‫القادر‬
‫ُ‬ ‫فهؤالء ُهم املحسنون الذين ليس عليهم سبيل‪ ،‬أما‬
‫كم ُل ُه وال ُيتِ ُّمه فهذا ليس من املحسنني‪.‬‬
‫يُ ُّل بعمله أو ال ُي ِ‬
‫والذي ِ‬

‫واهلوى‬
‫َ‬ ‫يكون عن الشرّ ع‪ ،‬ال عن الرأيِ‬ ‫ُ‬ ‫‪َ -11‬أ ْخ ُذ األحكا ِم إنّام‬
‫يك»‪ ،‬وخيطئ‬ ‫اهلل ِف َ‬ ‫والبيئة والناس‪َ :‬‬
‫«أ َّما َه َذا َف َقدْ َصدَ َق َف ُق ْم َح َّتى َي ْقضيِ َ ُ‬
‫جوع إىل‬
‫الر ِ‬
‫املواقف واحلوادث ُدون ُّ‬ ‫ِ‬ ‫بعض الناس يف إصدا ِر أحكام يف‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫مصلحة!‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والبحث يف املسألة‪ ،‬فتجدُ َمن يقول‪ :‬ال بأس‪ ،‬هذه‬ ‫الرشع‬
‫كل الناس َي ُ‬
‫فعل هذا!‪ ،‬وإنّام الذي حيدد املصلح َة‬ ‫أو‪ :‬هذه رضور ٌة!‪ ،‬أو‪ُّ :‬‬
‫شعر‪ ،‬فيقول‬
‫قع يف اإلثم وهو ال َي ُ‬ ‫ُ‬
‫وبعض الناس َي ُ‬ ‫الرشع ال األذواق‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫ٌ‬
‫تضييق عىل‬ ‫ملنعت كذا‪ ،‬و َل ُ‬
‫فعلت كذا‪ ،‬مما يكون فيه‬ ‫ُ‬ ‫مثلاً ‪ :‬لو كان يل ٌ‬
‫أمر‬
‫تح َّر ما يريض اهلل ‪َ ،‬‬
‫فبدل‬ ‫املسلمني‪ ،‬وهو مل َيع ِر ْ‬
‫ض رأ َي ُه عىل الشرّ ع‪ ،‬و َي َ‬
‫يتح َّم ُل ال ِوزْ َر يف ِ‬
‫موط ٍن كان يف‬ ‫اهلل عىل العافية من املسؤولية َ‬ ‫أن يحَ َْمدَ َ‬
‫غنى عنه‪.‬‬
‫ً‬

‫‪48‬‬
‫خف ُ‬
‫ف األثقال‬ ‫بالصالحين ُي ِّ‬
‫ّ‬ ‫التأسي‬
‫ِّ‬

‫ال ِم ْن َبنِي َس ِل َم َة‪َ ،‬فا َّت َب ُعونيِ َف َقا ُلوا‬ ‫ار ِر َج ٌ‬ ‫َق َ‬
‫ال َك ْع ٌب‪َ « :‬ف ُق ْم ُت َو َث َ‬
‫َاك ُك ْن َت َأ ْذ َن ْب َت َذ ْن ًبا َق ْب َل َه َذا‪َ ،‬و َل َقدْ َع َج ْز َت َأ ْن َ‬
‫ال‬ ‫ليِ ‪َ :‬واهللِ َما َع ِل ْمن َ‬
‫ون‪َ ،‬قدْ َك َ‬
‫ان‬ ‫اعت ََذ َر إِ َل ْي ِه المْ ُت ََخ ِّل ُف َ‬
‫ول اهللِ بِماَ ْ‬ ‫اعت ََذ ْر َت إِلىَ َر ُس ِ‬
‫ون ْ‬‫َت ُك َ‬
‫اهللِ َما َزا ُلوا ُيؤَ ِّن ُبونيِ‬
‫َل َك‪َ ،‬ف َو ِ‬ ‫ول اهللِِ‬
‫ار َر ُس ِ‬ ‫استِغْ َف ُ‬ ‫َك ِ‬
‫اف َي َك َذ ْن َب َك ْ‬
‫َح َّتى َأ َر ْد ُت َأ ْن َأ ْر ِج َع َف ُأ َك ِّذ َب َن ْفسيِ ‪ُ ،‬ث َّم ُق ْل ُت لهَ ُ ْم‪َ :‬ه ْل َل ِق َي َه َذا‬
‫يل لهَ ُماَ ِمث ُْل َما‬ ‫اال ِمث َْل َما ُق ْل َت‪َ ،‬ف ِق َ‬
‫ال ِن َق َ‬‫َم ِعي َأ َحدٌ ؟ َقا ُلوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ر ُج َ‬
‫يع ا ْل َع ْم ِر ُّي َو ِه َ‬
‫ال ُل ْب ُن‬ ‫يل َل َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬م ْن همُ َ ا؟ َقا ُلوا‪ُ :‬م َر َار ُة ْب ُن َّ‬
‫الربِ ِ‬ ‫ِق َ‬
‫ُأ َم َّي َة ا ْل َو ِاق ِف ُّي‪َ ،‬ف َذ َك ُروا ليِ َر ُج َلينْ ِ َصالحِ َ ينْ ِ َقدْ َش ِهدَ ا َبدْ ًرا ِفي ِهماَ ُأ ْس َو ٌة‪،‬‬
‫َف َم َض ْي ُت ِحنيَ َذ َك ُروهمُ َ ا ليِ »‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫َ‬
‫تساهل‬ ‫ومن‬
‫الذنب‪َ ،‬‬ ‫بخطورة ّ‬ ‫‪ِ -1‬من ِف ْق ِه َّ‬
‫الر ُجل َمع ِرف ُت ُه ُ‬
‫بالذنب ا ِّتكاال عىل التوبة قد يحُ َر ُم بسببه التوب َة‪ ،‬قال ُسفيان‪َ « :‬ت ْر ُك‬
‫َّ‬
‫نب ُث ّم‬ ‫أفع ُل ّ‬
‫الذ َ‬ ‫بعضهم‪َ :‬‬‫ب ال ّتوبة»(‪ ،)1‬يقول ُ‬ ‫الذنب أيْسرَ ُ من ط َل ِ‬‫ّ‬
‫أستغفر وأتوب!‪ ،‬وما ُيد ِريك؟ فقد ال ُتو َّف ُق للتوبة!‪ ،‬وقد ال ُتقبل‬ ‫ُ‬
‫الشيخ فالن!‪ ،‬أو‪ :‬استغ َف َر‬
‫ُ‬ ‫بعضهم‪ :‬دعا يل‬ ‫ُ‬
‫ويقول ُ‬ ‫تو َب ُتك إن ُت َ‬
‫بت!‪.‬‬
‫يمحو عنه ذن َب ُه‬
‫ُ‬ ‫استغفار رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫كعب مل َي َر‬
‫ٌ‬ ‫يل اإلمام!‪ ،‬فهذا‬
‫أعظم استغفار‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫استغفار رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫إذا َ‬
‫كذ َب عليه؛ مع ّ‬
‫يف القلوب‬ ‫وعلو منزلته‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وتعظيمه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إجالل رسول اهلل‬ ‫من‬
‫ضعف‬‫حجة‪ .‬ومل َي ُ‬ ‫استغفاره ّ‬
‫ُ‬ ‫كذ ُب عليه و ُي َّت َ‬
‫خذ‬ ‫والنفوس‪ ،‬فال ُي َ‬
‫نفسه ا ِّتكا ً‬
‫ال عىل‬ ‫كذ َب َ‬‫ود و ُي ِّ‬
‫ليع َ‬
‫غطهم عليه ُ‬ ‫وض ِ‬
‫مع قيام قومه معه َ‬
‫‪.‬‬ ‫استغفا ِر رسول اهلل‬

‫مفاهيم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضغطهم عىل‬ ‫ري األقا ِرب واجللساء ّ‬
‫وقوة‬ ‫‪ -2‬وفيها ِع َظ ُم تأث ِ‬
‫راجع ِ‬
‫مباد َئ ُه‬ ‫جيب عىل املسلم أن خيتار ُجلسا َء ُه‪ ،‬وأن ُي ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬لذلك ُ‬
‫ٍ‬
‫تارك للخري‬ ‫يرتاج َع حتت َضغْ ط الواقع‪ ،‬فكم من‬
‫َ‬ ‫ويؤص َلها حتى ال‬
‫ِّ‬
‫بسبب هذا الرتاجع‪.‬‬

‫‪ -3‬مما خيفف أمل املصيبة ومشقة حتمل أعباء الدعوة واإلصالح‬


‫ٌ‬
‫عمل أن يتذكر أنه‬ ‫التأس بمشاركة الصاحلني؛ فينبغي ملن شقَّ عليه‬
‫يّ‬
‫األمر باإلمام‬
‫ُ‬ ‫خلق كثري‪ ،‬وهلذا ملّا اش ّتد‬
‫برتاجعه ٌ‬‫ُ‬ ‫يضعف‬
‫أسوة؛ إذ قد ُ‬
‫َ‬
‫يب يف الفتنة‪ ،‬قال له أمحد‪ُ :‬‬
‫انظر َمن‬ ‫أمحدَ وطلب منه ُ‬
‫بعض حم ِّبيه أن يجُ َ‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء (‪.)24/7‬‬

‫‪50‬‬
‫بالصاحلني يخُ ِّف ُف األثقال‬
‫التأس ّ‬
‫يِّ‬

‫َ‬
‫ينتظرون‬ ‫املحابر والدّ فاتر‬
‫ُ‬ ‫خارج القرص‪ ،‬فوجد أعداد ًا كبري ًة َ‬
‫مع ُهم‬ ‫َ‬
‫جواب اإلما ِم أمحد!‪.‬‬
‫َ‬

‫َلت َنفيس‬‫َو َلوال َك َثر ُة الباكنيَ َحولــي َعىل إِخوانهِ ِم َل َقت ُ‬


‫(‪)1‬‬
‫َفس َع ُنه بِالت ََأس‬ ‫ُ‬ ‫بكون ِم َ َ‬
‫ثل أخي َو َل ِكن أ َع ّزي الن َ‬ ‫َوما َي َ‬

‫ني»‪،‬‬ ‫بالصاحلني بعد َمعرفة حالهِ م‪َ :‬‬


‫«فذ َك ُروا يل ُ‬
‫رجلني صاحل ِ‬ ‫التأس ّ‬
‫يِّ‬
‫فينبغي للمسلم أن ُ‬
‫ينظر َمن َيقتدي به و َيصدُ ر عنه يف العلم والعمل‪ ،‬ال‬
‫أن يأخذ دينَه من كل جهة!‪.‬‬

‫‪ ،‬من قصيدة ترثي هبا‬ ‫(‪ )1‬من بحر الوافر‪ ،‬للشاعرة متارض بنت عمرو الشهرية باخلنساء‬
‫أخاها‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫التربية النبو ّية كاملة‬

‫ال ِمنَا َأيهُّ َ ا ال َّث َ‬


‫ال َث ُة‬ ‫ول اهللِ المْ ُ ْس ِل ِمنيَ َع ْن َك َ‬ ‫«ونهَ َ ى َر ُس ُ‬
‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫اس َو َت َغيرَّ ُ وا َلنَا َح َّتى َتن ََّك َر ْت فيِ‬ ‫ف َع ْن ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫اج َت َن َبنَا ال َّن ُ‬ ‫ِم ْن َبينْ ِ َم ْن خَ َت َّل َ‬
‫خ ِسنيَ َل ْي َل ًة‪َ ،‬ف َأ َّما‬ ‫ض َفماَ ِه َي ا َّلتِي َأ ْع ِر ُف‪َ ،‬ف َلبِ ْثنَا َع ىَل َذلِ َك مَ ْ‬ ‫َ‬
‫األ ْر ُ‬ ‫َن ْفسيِ‬
‫ان‪َ ،‬و َأ َّما َأ َنا َف ُك ْن ُت َأ َش َّب‬ ‫وتِماَ َي ْب ِك َي ِ‬
‫است ََكا َنا َو َق َعدَ ا فيِ ُب ُي هِ‬ ‫اي َف ْ‬ ‫اح َب َ‬‫َص ِ‬
‫وف‬ ‫ال َة َم َع المْ ُ ْس ِل ِمنيَ َو َأ ُط ُ‬ ‫الص َ‬‫ا ْل َق ْو ِم َو َأ ْج َلدَ ُه ْم‪َ ،‬ف ُك ْن ُت َأ ْخ ُر ُج َف َأ ْش َهدُ َّ‬
‫َف ُأ َس ِّل ُم َع َل ْي ِه َو ُه َو فيِ‬ ‫ول اهللِ‬‫ال ُي َك ِّل ُمنِي َأ َحدٌ ‪َ ،‬و يِآت َر ُس َ‬ ‫اق َو َ‬ ‫فيِ َ‬
‫األ ْس َو ِ‬
‫ال ِم َعليَ َّ َأ ْم‬ ‫الس َ‬ ‫ول فيِ َن ْفسيِ َه ْل َح َّر َك َش َفت َْي ِه بِ َر ِّد َّ‬ ‫ال ِة‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬‫الص َ‬ ‫مجَ ِْل ِس ِه َب ْعدَ َّ‬
‫ال؟ ُث َّم ُأ َصليِّ َق ِري ًبا ِم ْن ُه َف ُأ َسا ِر ُق ُه ال َّن َظ َر‪َ ،‬فإِ َذا َأ ْق َب ْل ُت َع ىَل َص َ‬
‫ال يِت َأ ْق َب َل إِليَ َّ‬ ‫َ‬
‫َوإِ َذا ا ْل َت َف ُّت َن ْح َو ُه َأ ْع َر َ‬
‫ض َعنِّي»‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫بالعقوبات التي ُتصي ُبه بسبب ُذنوبه‪،‬‬
‫‪َ -1‬ينبغي للمسلم أن َيرىض ُ‬
‫والصرب‪ ،‬ويعلم ّ‬
‫أن عاقبتَها إىل خري؛‬ ‫ّ‬ ‫التحمل‬
‫ُّ‬ ‫روسا يف‬
‫و َيكتسب منها ُد ً‬
‫ومن بعد النظر أن ال هيتم لألذى احلاصل اآلن‪ ،‬وإنام ينظر إىل املصلحة‬
‫الكبرية املتح ِّققة من ذلك‪.‬‬

‫ِ‬
‫ستعجل احلكم عىل األشياء بال ّنفع أو الضرّ َ ر دون‬ ‫ري َ‬
‫النظر َي‬ ‫وقص ُ‬
‫النظر يف العواقب ومآالت األمور‪.‬‬
‫ُ‬
‫رشوطه‬ ‫اهلج ِر يكون عند احلاجة إليه إذا تو َّفرت‬ ‫ُ‬
‫استعامل ْ‬ ‫‪-2‬‬
‫القيم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ابن‬
‫وهو من أعظم العقوبات‪ .‬قال ُ‬ ‫موانعه‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وانتفت‬
‫ب‪،‬‬‫الع ْت َ‬
‫ستوجب َ‬ ‫ِ‬ ‫ران اإلمام والعامل واملطاع ملن فعل ما َي‬ ‫ِ‬
‫«ه ْج ُ‬
‫ضعف عن ُح ُصول الشفاء‬ ‫ويكون ِه ْجرا ُنه دوا ًء له؛ بحيث ال َي ُ‬
‫املراد تأدي ُب ُه‬
‫ُ‬ ‫إذ‬ ‫والكيفية عليه ف ُي ِ‬
‫هل َكه»(‪)1‬؛ ِ‬ ‫ّ‬ ‫مية‬ ‫به‪ ،‬وال َي ِزيد يف َ‬
‫الك ّ‬
‫املراد منه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلداية ال ال ّنكاية‪ .‬فاهلجر‬ ‫ومقصود الشرّ ع‬
‫ُ‬ ‫ال تعذي ُبه‪،‬‬
‫شخصا فينبغي أن يكون‬ ‫ً‬ ‫هج ْر َت‬ ‫اإلصالح ال العداو ُة ُ‬
‫والك ْره‪ ،‬فإذا َ‬ ‫ُ‬
‫وشفقة عليه؛ فالنبي مع هج ِره ومقاطعته كعب ًا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رمحة له‬ ‫يف قلبك‬
‫نظ َر إليه َ‬
‫نظ َر‬ ‫هيج ْر ُه من كل وجه‪ ،‬بل كان إذا أق َب َل عىل صالته َ‬
‫مل ُ‬
‫ٍ‬
‫رمحة وشفقة‪.‬‬
‫‪ -3‬املعانا ُة قد تسبِ ُق َق ُب َ‬
‫ول التوبة‪ :‬لقد َ‬
‫ذكر اهلل تعاىل يف كتابه أنّه‬
‫تصور‬ ‫ُ‬
‫فبعض الناس َي ّ‬ ‫ﱹﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﱸ(‪،)2‬‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)506/3‬‬


‫(‪ )2‬سورة الشورى‪.25 :‬‬

‫‪54‬‬
‫الرتبية النبو ّية كاملة‬

‫نسى ذن َبه‪ ،‬وقد خَ ِ‬


‫ت ُّف‬ ‫فيطمئن و َيت ىّ‬
‫َسل و َي َ‬ ‫ُّ‬ ‫أن ال َقبول يف نفس اللحظة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫توبة كعب وصاحبيه ومع ذلك‬ ‫صدق ِ‬ ‫ِ‬ ‫معاو َد ُته‪ ،‬وما من ٍّ‬
‫شك يف‬ ‫عليه َ‬
‫بول توبتهم مخسنيَ ليلة‪ ،‬حتى اب ُت ُلوا بال ًء شديدً ا‪ ،‬وضاقت‬ ‫ُأ ِ‬
‫رج َئ َق ُ‬
‫أنفسهم‪ ،‬ثم جاءهم‬ ‫ُ‬ ‫األرض بام َر ُحبت‪ ،‬وضاقت عليهم‬ ‫ُ‬ ‫عليهم‬
‫وشجى‪،‬‬
‫ً‬ ‫بحاجة إىل التوبة التي ُ‬
‫متأل َق ْل َب صاحبها َندَ ًما‬ ‫ٍ‬ ‫الفرج‪ ،‬فنحن‬
‫وهو عىل‬ ‫ِ‬
‫واملنافسة يف اخلري حتى يل َقى اهلل تعاىل ُ‬ ‫فتدفعه إىل الطاعة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أحسن حال‪.‬‬

‫يف ُص ْل ِح ُ‬
‫احلدَ يبية‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ملّا َ‬
‫راجع‬ ‫بن اخلطاب‬ ‫فهذا ُع َمر ُ‬
‫وع َمر هنا َيذكر ذن َب ُه بعد عقدَ ْي ِن من‬ ‫«فعم ْلت لذلك أعاملاً »(‪ُ ،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫قال‪:‬‬
‫َأ ْع َت َق ْت فيِ َن ْذ ِر َها َأ ْر َب ِعنيَ َر َق َب ًة‪َ ،‬و َكا َن ْت َت ْذ ُك ُر‬ ‫ُ‬
‫عائشة‬ ‫الز َمان‪ ،‬وهذه‬ ‫ّ‬
‫ار َها(‪.)2‬‬ ‫خ َ‬ ‫وع َها مِ َ‬
‫َن ْذ َر َها َب ْعدَ َذلِ َك َفت َْب ِكي َح َّتى َت ُب َّل ُد ُم ُ‬

‫القم ِة من‬
‫وصلت إىل هذه ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫املدرسة النبو ّية! كيف‬ ‫أمر‬
‫عجيب ُ‬‫ٌ‬ ‫‪-4‬‬
‫مجيع األفراد رجالاً ونسا ًء وصبيا ًنا وعبيدً ا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املتكاملة الشاملة َ‬ ‫الرتبية‬
‫اجلميع عىل مقاطعتِهم حتى‬
‫ُ‬ ‫فق‬ ‫ٍ‬
‫أفراد من ال ّناس في ّت ُ‬ ‫ِ‬
‫ثالثة‬ ‫َهب ْج ِر‬ ‫يأمر‬
‫ُ‬
‫أقاربهُ م ومعار ُفهم‪ ،‬وحتى نساؤُ هم‪ ،‬فيعيش الواحدُ منهم يف ِزنزانة‬
‫ري يف تاريخ البرشية؟!‪ّ ،‬‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫السجن الكب ِ‬ ‫متجولة‪ ،‬هل ُس ِمع بمثل هذا‬‫ِّ‬
‫طبقَ‬
‫ت لكي ُي َّ‬ ‫ٍ‬
‫جهد أو َو ْق ٍ‬ ‫هذه الرتبي َة القو ّي َة ال حتتاج إىل ن َف ٍ‬
‫قات وال إىل‬
‫وأمرا‬
‫ملموسا ً‬‫ً‬ ‫واقعا‬
‫صبح ً‬ ‫ٍ‬
‫كلمة يف املسجد ُت ُ‬ ‫فمجر ُد‬
‫َّ‬ ‫قرار من قراراهتا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األهداف الكبرية املنشودة‬ ‫فر ِق ُّي املجتمع ُي َس ِّهل حتقيقَ‬
‫مل ِز ًما للجميع‪ُ ،‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (ح ‪.)2732‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (ح ‪.)6073‬‬

‫‪55‬‬
‫ريا َك ْم‬
‫أي قرا ٍر َيصدُ ر يف زماننا ولو كان صغ ً‬
‫وراق ْب َّ‬‫ِ‬ ‫و ُيق ِّلل ال ّت ِ‬
‫كلفة‪..‬‬
‫ّفة مع‬‫ت واجلهد واحلمالت اإلعالمية املكث ِ‬ ‫حيتاج من األموال والو ْق ِ‬‫ُ‬
‫نسبة تف ُّلت املجتمع من‬
‫ريها كي ُيلتَزَ َم به؟‪ ،‬وكم ُ‬ ‫العقوبات املالية وغ ِ‬
‫هذا القرار؟‬

‫الرشعية ليس له َحدٌّ ُمعينَّ ‪ ،‬بل ُ‬


‫حيث تقتيض‬ ‫ّ‬ ‫الع ُقوبات‬
‫‪ -5‬اهلجر يف ُ‬
‫اهلج ِر الشّ خيص الناتج‬
‫والتبية للمهجور‪ ،‬بخالف ْ‬ ‫ِ‬
‫التأديب رّ‬ ‫ُ‬
‫مصلحة‬
‫ِ‬
‫ثالثة أيام‪.‬‬ ‫خالفات فرد ّي ٍة قارصة فال ُ‬
‫جيوز أن يزيد عىل‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫املهجوران‬ ‫ِ‬
‫هذان‬ ‫س‬‫احلية!‪ ،‬ج َل َ‬
‫الذنوب عىل القلوب ّ‬ ‫ري ُّ‬
‫‪ -6‬هكذا تأث ُ‬
‫ب ُمقاطعة الناس هلام‪ ،‬ولكن خو ًفا من‬ ‫ِ‬
‫يبكيان ليس عىل اهلج ِر وال بس َب ِ‬
‫ٌ‬
‫أبطال ُشجعان ُ‬
‫أهل‬ ‫ٌ‬
‫رجال‬ ‫ُذنوهبام وند ًما عىل ما َف َر َط منهام‪ُ ،‬سبحان اهلل!‬
‫ُ‬
‫التزكية‬ ‫لع ْم ُر َك ّ‬
‫إن هذه لهَ ي‬ ‫ُ‬
‫األطفال!‪َ ،‬‬ ‫بكون كام َي ِ‬
‫بكي‬ ‫ب َي ُ‬ ‫َغ ْز ٍو َ‬
‫وح ْر ٍ‬
‫ُ‬
‫املتكاملة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫والرتبية‬ ‫للنفوس‪،‬‬
‫ك عىل خطيئته وذنبِه َط َو َ‬
‫ال ُع ُم ِره‪ ،‬ومل‬ ‫وجتدُ يف زمانِنا هذا َمن مل َي ْب ِ‬
‫وظلمه ن ْف َس ُه دمع ًة واحدة!‪.‬‬‫جانب ر ِّبه ُ‬
‫ِ‬ ‫َتد َم ْع عينُه عىل تقص ِ‬
‫ريه يف‬

‫أشب منهام فيه ُبعدٌ عن تزكية‬


‫َّ‬ ‫ب ألخو ْيه بكونه‬ ‫اعتذار َك ْع ٍ‬
‫ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫وعدم‬
‫ُ‬ ‫العذر َ‬
‫لآلخرين‪،‬‬ ‫والتامس ُ‬
‫ُ‬ ‫ونقاء للنفس من ِ‬
‫داء العظمة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫النفس‪،‬‬
‫ِ‬
‫أكتاف الناس‪.‬‬ ‫الصعود عىل‬
‫ُّ‬
‫ري فيه َ‬
‫قبل أن‬ ‫واستخالص ِّ‬
‫كل خ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫استغالل َز َمن الشّ باب؛‬ ‫‪ِ -8‬‬
‫ينبغي‬
‫يتحم ُل ُ‬
‫املرء فيها ما ال‬ ‫ّ‬ ‫الطاقات أو يحُ َر َم من استغالهلا؛ إذ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تتعطل تلك‬
‫تحمل يف غريها‪.‬‬
‫َي َّ‬

‫‪56‬‬
‫الرتبية النبو ّية كاملة‬

‫أمهية‬
‫أشب منهام‪ ،‬يظهر ّ‬ ‫َّ‬ ‫كعب بينه وبني صاح َب ْيه بكونه‬ ‫‪ -9‬تفريق ْ‬
‫وقليل من الناس َمن ُي ِّ‬
‫فكر يف التفريق بني نفسه‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫املختل َفينْ ِ ‪،‬‬ ‫ال ّتف ِر ِ‬
‫يق بني‬
‫مع ّ‬
‫أن عنده من الطاقات والقدرات ما‬ ‫عملِ ّ‬
‫الطاعة‪َ ،‬‬ ‫وبني الناس يف َ‬
‫ُ‬
‫املنافسة به يف ُس ُبل اخلري والطاعات‪.‬‬ ‫َينبغي‬

‫ونفسه م ّت ٌ‬
‫زنة‪ ،‬متكاملة‪ ،‬واعية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ثوابت ال تتغيرَّ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املسلم عنده‬
‫ُ‬ ‫‪-10‬‬
‫السوق‬ ‫ُ‬
‫فأهل ُّ‬ ‫السوق ال َيتغيرَّ منه إال ِ‬
‫املوقع‪،‬‬ ‫واثقة؛ فهو يف املسجد ويف ُّ‬
‫بيع جتارهتم‬ ‫ُ‬
‫واملنافسة يف ِ‬ ‫تسويق بِضاعتِهم‬
‫ُ‬ ‫أهل املسجد‪ ،‬مل َي ُغ َّر ُهم‬‫ُهم ُ‬
‫ب بن مالك‪.‬‬ ‫كع ِ‬
‫بتكليم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمخالفة أ ْم ِر رسول اهلل‬

‫تعاط ِفهم مع غريه‪،‬‬


‫أكثر من ُ‬‫تعاطف الناس مع َمن خيالطهم ُ‬ ‫‪ُ -11‬‬
‫وإن كانوا يف املصاب سوا ًء؛ ُ‬
‫فك ُّل َمن اعتزل الناس يف ُمصابه أو َم َر ِضه‬
‫جيتمع معهم ويباشرِ ُ هم يف جمالسهم فإنهّ م ُيشاركونه‬
‫ُ‬ ‫َن ِس َي ُه الناس‪ ،‬أ ّما َمن‬
‫ً‬
‫ومرضا منه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫املعتزل أشدَّ ُمصا ًبا‬ ‫قضيته ويتعاطفون معه وإن كان‬‫يف ّ‬
‫أي قضية مهام كانت‪،‬‬‫أمهية اإلعالم يف اشتهار ّ‬ ‫ُ‬ ‫القصة‬
‫ّ‬ ‫‪ -12‬ويف‬
‫بخروجه إىل األسواق‪،‬‬‫متيز عن املخ َّلفني ُ‬
‫كعب‪ّ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫القضية هنا‬
‫ّ‬ ‫فمحور‬
‫القضي ُة كأهنا‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫فأصبحت‬ ‫الناس مع الصرب‪،‬‬
‫َ‬ ‫هوده الصالة‪ ،‬وخمالطتِ ِه‬
‫وش ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫القصة إليه ومل ُت َ‬
‫نسب إىل صاحبيه مع أهنام‬ ‫كعب‪ ،‬ولذلك ُنسبت‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫قضية‬
‫أمجعني‪.‬‬ ‫نسى اسام صاحبيه‬
‫يف األمر سواء‪ ،‬بل يكاد أن ُي َ‬

‫فكعب‬
‫ٌ‬ ‫هج ُروك؛‬‫‪ -13‬من امل ِه ّم أن ُتشا ِر َك اآلخرين يف اخلري ولو َ‬
‫احلرج واألملِ يف أدائها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫الصلوات مجاع ًة مع‬ ‫ف عن أداء ّ‬ ‫مل يتخ ّل ْ‬
‫اهلجر‪.‬‬
‫لس ُهل عليه ْ‬‫معهم‪ ،‬ولو ج َلس يف بيتِ ِه َ‬

‫‪57‬‬
‫ٍ‬
‫ضاحية‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬
‫مزرعة أو إىل ِّ‬ ‫خير َج إىل‬‫أن ُ‬ ‫ٍ‬
‫كعب‬ ‫‪ -14‬كان بإمكان‬
‫اختار‬
‫َ‬ ‫لس فيها حتى يأ َذ َن اهلل بالفرج‪ ،‬ولك ّنه‬
‫من ضواحي املدينة ويجَ َ‬
‫قو ًة يف‬
‫فاكتس َب بذلك ّ‬
‫َ‬ ‫اهلج ِر املبارش‬
‫وجتر َع مرار َة ْ‬‫َّ‬ ‫خمالط َة الناس‬
‫التعامل مع األزمات‬
‫ُ‬ ‫التحمل والصرب كانت له زا ًدا ملا بقي من ُع ُمره يف‬
‫ُّ‬
‫وحتملِ الصعاب‪ ،‬فعىل املرء أن يستفيدَ من األحداث ويربيِّ َ َ‬
‫نفسه هبا‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫يرتكها مَ ُت ُّر دون فائدة‪ ،‬أو ُ‬
‫هير َب منها وخيتفي‪.‬‬ ‫وال َ‬

‫حرك شفت َْي ِه َبر ِّد السالم ع ّ‬


‫يل أم ال؟»‪ :‬قال‬ ‫ب‪« :‬هل َّ‬ ‫كع ٍ‬ ‫‪ُ -15‬‬
‫قول ْ‬
‫ري واجب؛ إذ‬
‫اهلج َر غ ُ‬ ‫الرد عىل َمن َي ِ‬
‫ستح ُّق ْ‬ ‫أن َّ‬ ‫القيم‪« :‬فيه ٌ‬
‫دليل عىل ّ‬ ‫ابن ّ‬‫ُ‬
‫حمب ِة رسول اهلل‬
‫أيضا ِع َظ ُم ّ‬
‫الر ُّد مل يكن ُبدٌّ من إسامعه»‪ .‬وفيه ً‬
‫لو وجب ّ‬
‫ِ‬
‫العقوبة واملقاطعة الشديدة يتط َّلع‬ ‫يف قلوب أصحابه ‪ ،‬فمع هذه‬
‫ِ‬
‫سالمه عليه ولو بال صوت!‪،‬‬ ‫حتر ِك ش َفت َِي ّ‬
‫النبي جتاو ًبا مع‬ ‫كعب إىل ُّ‬
‫ٌ‬
‫غضا أو ِحقدً ا عىل ُم ٍ‬
‫سلم من‬ ‫فينبغي عىل املسلم أن ال يحَ مل يف قلبه ُب ً‬
‫أجل أم ٍر وقع عليه‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫َأث ُر ُمراقبة اهلل عظيم‬

‫اس َم َش ْي ُت َح َّتى‬ ‫ال َعليَ َّ َذلِ َك ِم ْن َج ْف َو ِة ال َّن ِ‬ ‫«ح َّتى إِ َذا َط َ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫اس إِليَ َّ ‪،‬‬‫َت َس َّو ْر ُت ِجدَ َار َحائِ ِط َأبيِ َقتَا َد َة‪َ ،‬و ُه َو ا ْب ُن َع ِّمي َو َأ َح ُّب ال َّن ِ‬
‫ال َم‪َ .‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َأ َبا َقتَا َد َة‪َ ،‬أن ُْشدُ َك‬ ‫َف َس َّل ْم ُت َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َو ِ‬
‫اهللِ َما َر َّد َعليَ َّ َّ‬
‫الس َ‬
‫بِاهللِ‪َ ،‬ه ْل َت ْع َل ُمنِي ُأ ِح ُّب اهللِ َو َر ُسو َل ُه؟ َف َس َك َت‪َ ،‬ف ُعدْ ُت َل ُه َفن ََشدْ ُت ُه‪،‬‬
‫َاي‪،‬‬ ‫اض ْت َع ْين َ‬ ‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ف َف َ‬
‫ال‪ُ :‬‬ ‫َف َس َك َت‪َ ،‬ف ُعدْ ُت َل ُه َفن ََشدْ ُت ُه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َو َت َو َّل ْي ُت َح َّتى َت َس َّو ْر ُت الجْ ِدَ َار»‪.‬‬

‫كعب بن مالك‪ ،‬حتى ذهب‬ ‫الكرب عىل ِ‬


‫ُ‬ ‫وع ُظم‬
‫اخلطب َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬لقد اشتدّ‬
‫تسو ًرا عليه َ‬
‫حائط ُه يشكو إليه بثَّه وأحزا َن ُه‪.‬‬ ‫وأحب الناس إليه ُم ِّ‬
‫ِّ‬ ‫عمه‬
‫إىل ابن ِّ‬

‫‪59‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تو َّج ُع‬ ‫شك َوى إىل ذي ُم ٍ‬
‫روءة ُيواسيك أو ُي ْسليك أو َي َ‬ ‫وال بدَّ من ْ‬

‫رغ ُبك يف الرت ِّقي هلا فائد ٌة‬ ‫َ‬


‫األمل و ُي ِّ‬ ‫فالشّ ْك َوى إىل َمن َي َ‬
‫زر ُع فيك‬
‫رب من نفعها‪ ،‬بل كام قيل‪« :‬ما‬ ‫كبرية‪ ،‬أما الشّ ْكوى إىل غريه فرضرها أك ُ‬
‫محك إىل َمن ال يرمحك»‪.‬‬ ‫زدت عىل أن َ‬
‫شك ْو َت من َير ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫ِ‬
‫خمالفة أم ِر‬ ‫ُ‬
‫والقرابة بنيَ َّ‬
‫الرجلني إىل‬ ‫‪ -2‬مل ُتؤ ِّد اخللو ُة واملحبة‬
‫ِ‬
‫املراقبة ال‬ ‫فصاحب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرتبية عىل مراقبة اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫نتيجة‬ ‫اهلل ‪ ،‬وهذه‬
‫يترص ُف يف اخل َلوات بام خيالِ ُفه يف اجل َلوات‪.‬‬
‫َّ‬

‫حتت َضغْ ِط الواقع (املجتمع‪ ،‬العادات‪ ،‬التقاليد‪ ،‬الزوجة‬


‫الرتاجع َ‬
‫ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫ِ‬
‫املعارصين‪-‬‬ ‫‪-‬نحن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫سامت مرحلتنا‬ ‫واألوالد‪ ،‬األوهام واملخاوف‪ )..‬من‬
‫الضغط العظيم‪ ،‬ف َي ِ‬
‫حم َل ُه عىل الرتاجع‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫كعب فلم يؤ ّث ْر فيه هذا‬
‫أما ٌ‬
‫نقضه واالنتصا ِر بعشريته عىل ذلك‪.‬‬ ‫عي يف ِ‬
‫الس ِ‬
‫احلكم‪ ،‬أو ّ‬ ‫الط ْعن يف ُ‬
‫َّ‬

‫أن الناس َي ُش ُّكون يف ُح ّبه هلل‬ ‫ظن ّ‬


‫ّ‬ ‫‪ -4‬ملّا طال ْ‬
‫اهلج ُر عليه‬
‫ورسوله ‪ ،‬وهذا يدُ ّل عىل ُخ ُطورة اهلجر؛ ألنّه قد ُيفيض إىل َخ َللٍ يف‬
‫ِ‬
‫احلال عند‬ ‫املصالح ِ‬
‫وف ْق ُه‬ ‫ِ‬ ‫الوقوع يف فتنة‪ ،‬هلذا َينبغي مراعا ُة‬
‫ِ‬ ‫اإليامن أو‬
‫التنبه له‬
‫وإجيابياهتا مما َينبغي ُّ‬
‫ّ‬ ‫بس ْل ّبياهتا‬
‫النفسيات َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫فدراسة‬ ‫إجراء اهلجر‪،‬‬
‫حنيَ الرتبية والتأديب‪.‬‬

‫دليل‬ ‫القيم‪« :‬ويف قول أيب قتاد َة له‪ُ :‬‬


‫«اهلل ورسو ُله أعلم» ٌ‬ ‫ابن ّ‬‫‪ -5‬قال ُ‬
‫بخطاب وال كال ٍم له‪ ،‬فلو حلف ال يك ِّلمه‪ ،‬فقال َ‬
‫مثل‬ ‫ٍ‬ ‫عىل ّ‬
‫أن هذا ليس‬

‫(‪ )1‬بيت من الطويل‪ ،‬لبشار بن برد‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫أ َث ُر ُمراقبة اهلل عظيم‬

‫الظاهر‬
‫ُ‬ ‫هذا الكال ِم جوا ًبا له مل يحَ نث‪ ،‬وال ِس ّيام إذا مل ي ْن ِو به مكاملت َُه‪ ،‬وهو‬
‫من حال أيب قتادة»(‪.)1‬‬

‫وأحب‬
‫ُّ‬ ‫عمه‬ ‫تسو ًرا اجلدار‪ ،‬ومع ذلك مل َي ِر َّق له ُ‬
‫ابن ّ‬ ‫‪ -6‬خرج ُم ِّ‬
‫ٍ‬
‫ومجود‬ ‫ٍ‬
‫وفظاظة‬ ‫لظ ٍة‬ ‫كلم ُه أو َي ِ‬
‫عتذ ْر إليه‪ ،‬وليس هذا عن ِغ َ‬ ‫ِ‬
‫الناس إليه أو ُي ْ‬
‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تعظيمهم ألم ِر رسول اهلل‬ ‫يف العواطف ‪-‬حاشاهم‪ ،-‬وإنّام هو من‬
‫وتقديمهم له عىل املشاع ِر واألحاسيس التي تجَ يش يف ال ّن ْفس‪ُ ،‬‬
‫فهم‬ ‫ِ‬
‫كام وص َفهم اهلل‪ :‬ﱹﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﱸ(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫بولده‪ ،‬ف ُيغ ِّل ُبها عىل أم ِر اهلل‬ ‫الرمحة‬ ‫ُ‬
‫تأخذ ُه ّ‬ ‫وكث ٌري من الناس اليوم‬
‫ِ‬
‫لصالة الفجر يف شدّ ة‬ ‫األمر إىل عد ِم إيقاظه‬
‫ُ‬ ‫ورسولِه ‪ ،‬وقد َي ِص ُل به‬
‫ِ‬
‫إسقاط حدٍّ من‬ ‫حتم ُله ِ‬
‫احلم ّي ُة عىل‬ ‫وبعضهم قد ِ‬‫ُ‬ ‫الربد أو عند ال ّت َعب!‪،‬‬
‫وج َب عىل ٍ‬
‫أحد من قرابته‪.‬‬ ‫حدود اهلل َ‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)507/3‬‬


‫(‪ )2‬سورة الفتح‪.29 :‬‬

‫‪61‬‬
‫استعالء المؤمن بإيمانه‬

‫اط َأ ْهلِ‬ ‫وق المْ َ ِدين َِة إِ َذا َن َب ِط ٌّي ِم ْن َأ ْن َب ِ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ « :‬ف َب ْينَا َأ َنا َأ ْمشيِ بِ ُس ِ‬ ‫َق َ‬
‫ب ْب ِن‬ ‫ول‪َ :‬م ْن َيدُ ُّل َع ىَل َك ْع ِ‬ ‫الط َعا ِم َيبِ ُيع ُه بِالمْ َ ِدين َِة َي ُق ُ‬ ‫الش ْأ ِم ممِ َّْن َق ِد َم بِ َّ‬ ‫َّ‬
‫ك‬ ‫ون َل ُه َح َّتى إِ َذا َجا َءنيِ َد َف َع إِليَ َّ ِكتَا ًبا ِم ْن َم ِل ِ‬ ‫ري َ‬ ‫اس ُي ِش ُ‬ ‫ك؟ َف َط ِفقَ ال َّن ُ‬ ‫َمالِ ٍ‬
‫اك‪َ ،‬ولمَ ْ‬ ‫اح َب َك َقدْ َج َف َ‬ ‫يه‪َ :‬أ َّما َب ْعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن ُه َقدْ َب َل َغنِي َأ َّن َص ِ‬ ‫ان‪َ ،‬فإِ َذا ِف ِ‬ ‫َغ َّس َ‬
‫اس َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت لمَ َّا َق َر ْأ هُتَا‪:‬‬ ‫ال َم ْض َي َع ٍة‪َ ،‬فالحْ َ قْ بِنَا ُن َو ِ‬ ‫ان َو َ‬ ‫اهلل بِدَ ا ِر َه َو ٍ‬ ‫يجَ َْع ْل َك ُ‬
‫ال ِء َف َت َي َّم ْم ُت بهِ َ ا ال َّت ُّن َ‬
‫ور َف َس َج ْر ُت ُه بهِ َ ا»‪.‬‬ ‫َو َه َذا َأ ْي ًضا ِم ْن ا ْل َب َ‬

‫ابتالء من‬
‫ٌ‬ ‫ان له باملص ِ‬
‫ري إليه‬ ‫القيم‪« :‬ويف ُمكاتبة َم ِلك ّ‬
‫غس َ‬ ‫ابن ّ‬ ‫قال ُ‬
‫للصحابة أنّه‬ ‫وإظهار ّ‬
‫ٌ‬ ‫وامتحان إليامنِ ِه ّ‬
‫وحمبته هلل ورسوله‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل تعاىل‪،‬‬
‫النبي واملسلمني له‪ ،‬وال هو ممن تحَ ِم ُله‬ ‫هبج ِر ّ‬‫ليس ممن َض ُعف إيام ُنه ْ‬

‫‪63‬‬
‫ِ‬
‫الرسول واملؤمنني له عىل ُمفارقة‬ ‫غبة يف اجلاه وامللك مع ِه ْجران‬ ‫الر ُ‬ ‫ّ‬
‫دق ِه‬
‫وص ِ‬ ‫دينِ ِه‪ ،‬فهذا فيه ِمن ت ِ‬
‫ربئة اهللِ له من ال ّنفاق‪ ،‬وإظها ِر ُق ّوة إيامنه‪ِ ،‬‬
‫رب ِه‬ ‫ِ‬
‫نعمة اهلل عليه‪ ،‬و ُل ْطفه به‪ ،‬وج ِ‬ ‫لرسوله وللمسلمني ما هو من متام‬
‫وس ُه‪ ،‬وما َينط ِوي عليه؛ فهو‬ ‫البالء ُيظ ِه ُر ُل َّب ُ‬
‫الرجل رِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫لك ِ‬
‫رسه‪ ،‬وهذا‬
‫ري الذي يخُ ِرج اخلبيث من ّ‬
‫الط ِّيب»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫كالك ِ‬

‫وخاص ًة بعد‬
‫ّ‬ ‫الصدْ ِر َأ ْو َج ُه عند ْ‬
‫كع ٍ‬
‫ب‪،‬‬ ‫يق ّ‬ ‫احلزن ِ‬
‫وض ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -1‬لقد ب َلغ‬
‫رفيع‬
‫ٍ‬ ‫ستوى‬ ‫وأحب الناس إليه‪ُ ،‬ث ّم جاءه َ‬
‫الع ْو ُن من ُم ً‬ ‫ِّ‬ ‫ابن عمه‬ ‫ِ‬
‫موقف ِ‬
‫مهجور من اجلميع‪ ،‬إ ّ‬
‫ال‬ ‫ٌ‬ ‫ستضعف‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ضعيف ُم‬ ‫‪-‬مستوى امللوك‪ -‬وهو‬
‫ُ‬
‫ضعيفة البِ ِ‬
‫نية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مدرسة هشّ ٍة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫العواطف مل ُت ِ‬
‫واجه فر ًدا من‬ ‫أن دغدغة‬‫ّ‬
‫الراشدة‬ ‫ِ‬
‫أفراد املدرسة النبوية ّ‬ ‫واجه ْت فر ًدا من‬
‫َ‬ ‫هتزة القناعة‪ ،‬بل‬
‫ُم ّ‬
‫مع ّ‬
‫أن‬ ‫فحس ُب‪ ،‬بل عدَّ ُه من البالء! َ‬
‫صمدْ أمامه ْ‬ ‫املتكاملة‪ ،‬فلم َي ُر َّد ُه أو َي ُ‬
‫يظه ُر ال َف ُ‬
‫رق بني أهلِ اإليامن‬ ‫يتع َّلق ب َقشّ ة»‪ُ ،‬‬
‫وهنا َ‬ ‫ُ‬
‫«الغريق َ‬ ‫امل َث َل يقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫واملنافقون‬ ‫زدادون إيام ًنا مع إيامهنم‪،‬‬
‫وأهلِ النِّفاق يف الشدائد‪ ،‬أولئك َي ُ‬
‫كش ُفون عام يف صدورهم و َيكشِون عن أنياهبم؛ قال اهلل تعاىل واص ًفا‬ ‫َي ِ‬
‫وموقف املؤمنني يف شدَّ ِة غزوة األحزاب‪ :‬ﱹﮝ ﮞ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موقف املنافقني‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﱸ(‪ ،)2‬وقال‬
‫عن املؤمنني‪ :‬ﱹﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﱸ(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)507/3‬‬


‫(‪ )2‬سورة األحزاب‪.12 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األحزاب‪.22 :‬‬

‫‪64‬‬
‫استعالء املؤمن بإيامنه‬

‫وز ْرع العمالء يف املجتمع اإلسالمي‪-‬‬ ‫حماولة الكفار رشا َء ِّ‬


‫الذ َمم َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫أساليب اإلغراء؛ لتحقيق أهدافهم‪ -‬ب ِّي ٌنة ُهنا‪ ،‬وهي دأ ُبم يف‬
‫ِ‬ ‫باستخدا ِم‬
‫وس َقط يف شِاكهم من اجلهال !‪،‬‬ ‫ُك ّل زمان‪ ،‬وكم ُخ ِد َع هبم من ُأ ٍ‬
‫ناس! َ‬
‫للك ّفار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫راسات ُ‬ ‫التقارير والدِّ‬
‫َ‬ ‫العمال َء يف زماننا ممن ُيقدِّ ُمون‬
‫أكثر ُ‬
‫وما َ‬
‫اإلسالمي من ِق َبلِ‬
‫ّ‬ ‫أن متابع َة أحداث املجتمع‬‫‪َ -3‬ينبغي أن نع َل َم ّ‬
‫فقضية كعب قضية اجتامعية ال غ ُري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تقع عىل ُمستوى امللوك!‪،‬‬ ‫الكفار ُ‬
‫التنب ُه إىل ُخطورة الدِّ راسات االجتامعية التي ُيقدِّ ُمها ُ‬
‫أبناء‬ ‫جي ُب ُّ‬‫وهلذا ِ‬
‫ترتبص بنا الدّ وائر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫علمية يف ِ‬
‫بالد الكفار التي‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫رسائل‬ ‫املسلمني يف‬
‫ريا من أعامهلا‬
‫تبني عليها كث ً‬ ‫ٍ‬
‫بيانات‬ ‫ِ‬
‫البحوث قاعد َة‬ ‫فتعم ُل من تلك‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وجوالت لدراسة‬ ‫رحالت‬ ‫االستعامر ِمن‬
‫َ‬ ‫وعالقاهتا‪ُ ،‬‬
‫مثل ما س َبقَ‬
‫فتجس ُس الكفا ِر عىل املسلمني‬
‫ُّ‬ ‫املجتمع؛ كام حصل من لورنس العرب‪.‬‬
‫من بداية اإلسالم وإىل اآلن مل ِ‬
‫ينقطع!‪ ،‬لذا ينبغي االنتبا ُه إىل األعداء‬
‫ُ‬
‫فاألصل فيهم‬ ‫تصوروا هبا؛ ّتُ ً‬
‫ارا أو خربا َء أو موظفني‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫صورة َّ‬ ‫أي‬
‫يف ِّ‬
‫باسم بائِ ِع‬
‫ِ‬ ‫غسان الذي دخل‬
‫ك ّ‬ ‫رسول ِ‬
‫مل ِ‬ ‫ِ‬ ‫والتجسس كمثْلِ‬
‫ُّ‬ ‫العداو ُة‬
‫طعام!‪.‬‬

‫أكثر من غ ِ‬
‫ريها؛ وهلذا‬ ‫تعظم بالطاقات الشا ّبة َ‬ ‫عناية الك ّفا ِر ُ‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫رفع ُمستوى‬
‫رسل لصاح َب ْيه!؛ فينبغي ُ‬ ‫لكعب ومل ُي ِ‬
‫ٍ‬ ‫غسان‬ ‫أرسل ِ‬
‫مل ُك ّ‬ ‫َ‬
‫وحظ يف بعض ُ‬
‫اجل ْمهوريات‬ ‫والو ْعي لدى شباب األ ّمة‪ .‬وقد ُل ِ‬ ‫التد ُّين َ‬
‫أمريكية النتقاء األذكياء من شباب املسلمني وإرساهلم إىل‬ ‫ّ‬ ‫إنشاء ِ‬
‫مراكزَ‬ ‫ُ‬
‫أمريكا وإغرائِهم بالبقاء عندَ هم‪ ،‬و َمن مل يستطيعوا استغال َل ُه َقتَلوه أو‬
‫ري ِه‪.‬‬ ‫َ‬
‫وسائل الفساد من ِّ‬
‫كل جانب لتدم ِ‬ ‫س َّلطوا عليه‬

‫‪65‬‬
‫والرتاح ِم‬
‫ُ‬ ‫ف وال ّتوا ّد‪،‬‬‫التعاط ِ‬
‫ُ‬ ‫جمتمع ُربِّ عىل‬
‫ٌ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ُّ‬ ‫املجتمع‬
‫ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫املجتمع من حالِنا‬
‫ُ‬ ‫والتعارف‪ ،‬فيع ِرفون ٍّ‬
‫لكل ح َّقه‪ ،‬فأين هذا‬ ‫ُ‬ ‫الحم‪،‬‬
‫وال ّت ُ‬
‫اليوم؟!؛ إذ جتدُ كثري ًا م ّنا ال يع ِرفون ِجريا ُنَم فضلً عن أهل ح ِّي ِهم‪،‬‬
‫َ‬
‫قول رسوهلم‬ ‫خيرجون من َتبِعة ِ‬
‫فكيف ُيقدِّ مون هلم خدمات؟‪ ،‬وكيف ُ‬
‫‪َ « :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر ف ْل ُيك ِرم َ‬
‫جار ُه»(‪.)1‬‬

‫ب ‪-‬كام يف بعض الروايات‪« :-‬ب َلغ يب ما قد و َق ْع ُت‬ ‫كع ٍ‬


‫‪ -6‬يف قول ْ‬
‫راء‬ ‫ِ‬
‫وازد ٌ‬ ‫استصغار للك ّفا ِر‬
‫ٌ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫رج ٌل من أهل ال ْ ِّ‬
‫شك »‬ ‫فيه أن َط ِم َع َّ‬
‫يف ُ‬
‫العادي‪ ،‬وهذا يدُ ُّل عىل استعالئِ ِه‬
‫ّ‬ ‫والرجل‬ ‫استوى لديه ِ‬
‫املل ُك ّ‬ ‫هلم‪ ،‬فقد َ‬
‫أعظم بدينه‬
‫ُ‬ ‫شع َر أنّه‬
‫فيجب عىل املسلم أن َي ُ‬
‫ُ‬ ‫بإيامنه واعتزا ِزه بدينه‪.‬‬
‫مسلم‬
‫ٍ‬ ‫كل‬‫وجيب عىل ِّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫مناصب الدّ نيا‪،‬‬ ‫مجيع الك ّفار مهام م َل ُكوا من‬
‫من ِ‬
‫مجيع‬ ‫وأحقرهم مهن ًة َّ‬
‫أجل يف قلبه من ِ‬ ‫ُ‬ ‫أن يكون أدنى املسلمني منزل ًة‬
‫الك ّفار‪.‬‬
‫بكتاب ِ‬
‫امللك‬ ‫ِ‬ ‫فسج َر‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫الرش وأسبابه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عالئق‬ ‫بقطع‬
‫ِ‬ ‫كع ٌب‬
‫‪ -7‬بادر ْ‬
‫ور‪ ،‬ومل ُي ْب ِق ِه عنده ل ُيطالِ َع ُه‪ ،‬ف َينبغي للتائب أن يتخ َّلص من ِّ‬
‫كل‬ ‫ال ّت ُّن َ‬
‫وص َور وهواتف‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫َ‬
‫رسائل ُ‬ ‫ِ‬
‫الفاسد من‬ ‫الوسائل التي تربِ ُطه بامضيه‬

‫ي‬ ‫كع ٌب بالكتاب إىل الرسول ؛ ل ُي ِ‬


‫طل َع ُه عليه ويب َِّ‬ ‫يذهب ْ‬
‫ْ‬ ‫‪ -8‬مل‬
‫أن املن َة‬ ‫ورق َة ضغْ ٍط لإلفراج عنه؛ ِ‬
‫لعلمه ّ‬ ‫استخدام ِه َ‬
‫ِ‬ ‫مكانت َُه‪ ،‬فضلً عن‬
‫اليوم َمن يشاهد ِم ّن َة اهلل عليه هبدايته‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫فقليل من الناس‬ ‫‪،‬‬ ‫هلل ورسوله‬

‫‪.‬‬ ‫العدوي‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (ح ‪ )6019‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (ح ‪ ،)47‬عن أيب شرُ يح‬
‫(‪ )2‬املعجم الكبري للطرباين (‪.)50/19‬‬

‫‪66‬‬
‫استعالء املؤمن بإيامنه‬

‫حيث يتحدَّ ُث عن نِ َعم اهلل يف األمن‪ ،‬والطعام‪ ،‬والرشاب‪،‬‬


‫ُ‬ ‫لإلسالم‪،‬‬
‫مهها وهي ُ‬
‫نعمة اإلسالم التي‬ ‫ِّعم وأج َّلها وأ َّ‬
‫أعظم الن ِ‬
‫َ‬ ‫وال ِّلباس‪َ ،‬‬
‫وينسى‬
‫نعمة مهام َ‬
‫بلغ ْت ‪.‬‬ ‫ال َت ِ‬
‫عدلُا ٌ‬

‫‪67‬‬
‫مة ِبشا َر ٌة َ‬
‫بالف َرج‬ ‫اشتداد األ ْز ِ‬
‫ُ‬

‫ول‬‫ون َل ْي َل ًة ِم ْن الخْ َ ْم ِسنيَ إِذا َر ُس ُ‬ ‫«ح َّتى إِ َذا َم َض ْت َأ ْر َب ُع َ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫ول اهللِ َي ْأ ُم ُر َك َأ ْن َت ْع َت ِز َل ا ْم َر َأ َت َك‪،‬‬ ‫ال‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫ول اهللِ َي ْأتِينِي‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َر ُس ِ‬
‫ال َت ْق َربهْ َ ا‪َ ،‬و َأ ْر َس َل إِلىَ‬
‫اع َت ِزلهْ َا َو َ‬
‫ال َبلِ ْ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫َف ُق ْل ُت‪ُ :‬أ َط ِّل ُق َها َأ ْم َما َذا َأ ْف َع ُل؟ َق َ‬
‫ك َفت َُكونيِ ِع ْندَ ُه ْم َح َّتى‬ ‫اح َب َّي ِمث َْل َذلِ َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت ال ْم َر َأ يِت‪ :‬الحْ َ ِقي بِ َأ ْه ِل ِ‬ ‫َص ِ‬
‫ال ِل ْب ِن ُأ َم َّي َة َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬ف َجا َء ْت ا ْم َر َأ ُة ِه َ‬ ‫اهلل فيِ َه َذا َ‬
‫األ ْم ِر‪َ .‬ق َ‬ ‫َي ْقضيِ َ ُ‬
‫ُ‬
‫س َل ُه‬ ‫ال َل ْب َن أ َم َّي َة َش ْي ٌخ َضائِ ٌع َل ْي َ‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬إِ َّن ِه َ‬ ‫اهللِ ‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ك‪َ ،‬قا َل ْت‪ :‬إِ َّن ُه َواهللِ‬ ‫ال‪َ ،‬و َل ِك ْن َ‬
‫ال َي ْق َر ْب ِ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫اد ٌم‪َ ،‬ف َه ْل َت ْك َر ُه َأ ْن َأ ْخدُ َم ُه؟ َق َ‬
‫َخ ِ‬
‫ان ِم ْن َأ ْم ِر ِه َما َك َ‬
‫ان إِلىَ‬ ‫ال َي ْب ِكي ُم ْن ُذ َك َ‬ ‫َما بِ ِه َح َر َك ٌة إِلىَ شيَ ْ ٍء‪َ ،‬واهللِ َما َز َ‬
‫فيِ ا ْم َر َأتِ َك‬ ‫ول اهللِ‬‫است َْأ َذن َْت َر ُس َ‬ ‫ض َأ ْهليِ ‪َ :‬ل ْو ْ‬ ‫ال ليِ َب ْع ُ‬ ‫َي ْو ِم ِه َه َذا‪َ ،‬ف َق َ‬

‫‪69‬‬
‫ال َأ ْست َْأ ِذ ُن ِف َيها‬‫ال ِل ْب ِن ُأ َم َّي َة َأ ْن خَ ْتدُ َم ُه‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬واهللِ َ‬
‫َكماَ َأ ِذ َن ال ْم َر َأ ِة ِه َ‬
‫است َْأ َذ ْن ُت ُه ِف َيها‪،‬‬
‫ول اهللِ إِ َذا ْ‬ ‫ول َر ُس ُ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ،‬و َما ُيدْ ِرينِي َما َي ُق ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫خ ُس َ‬
‫ون‬ ‫ال َح َّتى َك َم َل ْت َلنَا مَ ْ‬‫اب‪َ ،‬ف َلبِث ُْت َب ْعدَ َذلِ َك َعشرْ َ َل َي ٍ‬ ‫َو َأ َنا َر ُج ٌل َش ٌّ‬
‫ال ِمنَا»‪.‬‬‫َع ْن َك َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َل ْي َل ًة ِم ْن ِحنيَ نهَ َ ى َر ُس ُ‬

‫ٍ‬
‫خمالفة فإنّه تب َقى له قيم ُته‬ ‫عملٍ وارتكب من‬ ‫املسلم من َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬مهام أتى‬
‫ظل ِصل ُته به قائم ًة؛ فمتابع ُت ُه ولو بالعقوبات فيها‬
‫يف املجتمع املسلم‪ ،‬و َت ُّ‬
‫كع ًبا‬ ‫بي‬
‫لقضيته‪ ،‬لقد أ َم َر ال ّن ُّ‬
‫ّ‬ ‫اللة عىل اهتام ِم املجتمع به ومتابعتِهم‬
‫َد ٌ‬
‫فتجر َد هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن‬ ‫َّ‬ ‫مجيع العالئق حتى من زوجتِه‬ ‫أن َيقطع َ‬
‫وقرب‬
‫جل وعال ُ‬ ‫أن املؤمن ك َّلام أيِ َ‬
‫س من ال َبشرَ ازدا َد تع ُّل ُقه باهلل ّ‬ ‫املعلوم ّ‬
‫فر ُجه‪.‬‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫تفرج‬
‫وكنت أظ ُّنها ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ضاقت فلام استحكمت ح َلقاهتا ُفرجت‬

‫القيم‪« :‬يف أ ْم ِر رسول اهلل هلؤالء الثالثة أن َيعت ِزلوا‬


‫ابن ّ‬‫‪ -2‬قال ُ‬
‫الفرج وال َف ْتح‪،‬‬ ‫مض عليهم أربعون ليلة كالبِ ِ‬
‫شارة بمقدِّ مات َ‬ ‫نسا َء ُهم ملّا ىَ‬
‫من وجهني‪:‬‬
‫كالمه هلم‪ ،‬وإرسا ُله إليهم بعد أن كان ال يك ِّل ُمهم ِ‬
‫بنفسه‬ ‫ُ‬ ‫أحدُ مها‪:‬‬
‫برسولِه‪.‬‬
‫وال ُ‬

‫وإرشاد هلم‬
‫ٌ‬ ‫تنبيه‬ ‫ِ‬
‫باعتزال النساء‪ ،‬وفيه ٌ‬ ‫الثاين‪ :‬من ُخ ُصوصية أم ِرهم‬
‫حمل ال َّل ْهو وال ّل ّذة‪،‬‬ ‫وشدِّ املئزَ ِر‪ ،‬واعتِ ِ‬
‫زال ِّ‬ ‫إىل ا ِ‬
‫جلدِّ واالجتهاد يف العبادة‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬بيت من الكامل‪ ،‬لإلمام الشافعي رمحه اهلل‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫شار ٌة بال َف َرج‬ ‫اشتداد األزْ ِ‬
‫مة بِ َ‬ ‫ُ‬

‫إيذان ُبق ْرب ال َف َرج‪ ،‬وأنه‬


‫ٌ‬ ‫والتعو ِ‬
‫ض عنه باإلقبال عىل العبادة‪ ،‬ويف هذا‬ ‫ُّ‬
‫أمر يسري»(‪.)1‬‬
‫ب ٌ‬ ‫الع ْت ِ‬
‫قد بقي من َ‬

‫القيم‪« :‬ومن ِف ْقه هذه القصة ّ‬


‫أن ز َم َن العبادات َينبغي‬ ‫ابن ّ‬‫‪ -3‬قال ُ‬
‫فيه جت ُّن ُب النساء‪ ،‬مثل‪ :‬زمن اإلحرام‪ ،‬وزمن االعتكاف‪ ،‬وزمن‬
‫آخر هذه املدة ىف حقِّ هؤالء بمنزلة‬
‫النبي أن يكون ُ‬ ‫الصيام‪ ،‬فأراد ُّ‬
‫ِّ‬
‫يأم ْرهم بذلك من ِ‬
‫أول‬ ‫والصيام ىف تو ُّفرها عىل العبادة‪ ،‬ومل ُ‬
‫أيا ِم اإلحرام ّ‬
‫ربهم عن نسائهم يف‬ ‫ضعف ص ُ‬‫املدّ ة رمح ًة هبم وشفق ًة عليهم؛ إذ لعلهم َي ُ‬
‫والرمحة أن ُأ ِمروا بذلك ىف آخ ِر املدة‪ ،‬كام‬
‫ِ‬ ‫مجيعها‪ ،‬فكان من ال ُّلطف هبم‬
‫احلج»(‪.)2‬‬ ‫ني يحُ ِرم‪ ،‬ال من ح ِ‬
‫ني َيع ِز ُم عىل ّ‬ ‫احلاج من ح ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُيؤ َم ُر به‬

‫فالتدر ُج يف العقوبة‬
‫ُّ‬ ‫تدرج يف العقوبة؛‬ ‫ِ‬
‫باعتزال زوجته ُّ‬ ‫‪ -4‬ويف أم ِره‬
‫ص و َيفتح اخليارات‪.‬‬ ‫ُيتيح ُ‬
‫الف َر َ‬

‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬


‫ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼﱸ(‪.)3‬‬
‫ٍ‬
‫مالك ما َيتم ّتع به من الرضا‬ ‫ب بن‬ ‫كع ِ‬‫إن ِمن نِ َعم اهلل عىل ْ‬
‫‪ّ -5‬‬
‫ض‬‫عر َ‬
‫الزوجة َ‬ ‫ُ‬
‫اعتزال ّ‬ ‫فبمجرد ما ُط ِلب منه‬
‫ّ‬ ‫والتسليم هلل ورسوله ‪،‬‬
‫رب وهو ّ‬
‫الطالق!‪..‬‬ ‫استِعدا ًدا أك َ‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)510/3‬‬


‫(‪ )2‬زاد املعاد (‪.)510/3‬‬
‫(‪ )3‬سورة النساء‪.34 :‬‬

‫‪71‬‬
‫اهلجر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫عقوبة ْ‬ ‫احلية‬ ‫ِ‬
‫القلوب ّ‬ ‫‪ -6‬من أشدِّ العقوبات عىل أصحاب‬
‫والتقارب‪..‬‬
‫ُ‬ ‫التواص ُل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املحافظة التي َيظهر فيها‬ ‫وخاص ًة يف املجتمعات‬
‫ومن الناس‬‫وج َلسائه‪ِ ،‬‬
‫اهلجر ين َف ُع مع َمن هيت َُّم بانتقاء أصحابِه ُ‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫اليوم من ال يجُ ِدي فيهم اهلجر؛ ألهنم ال يهُ ِ ُّمهم َمن يجُ السون‪ ،‬بل ُّ‬
‫املهم‬ ‫َ‬
‫ومستواه‪.‬‬ ‫النظ ِر عن نوعه ُ‬ ‫ض َ‬ ‫أن يجَ ِدُ وا َمن يؤانسهم َبغ ِّ‬

‫أعظم‬
‫ِ‬ ‫الفرج منه ِمن‬
‫وانتظار َ‬
‫ُ‬ ‫وح ْس ُن ّ‬
‫الظ ّن به‬ ‫ُ‬
‫األمل يف اهلل ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫كعب‪« :‬ح ّتى َيقيض ُ‬
‫اهلل يف هذا‬ ‫ٌ‬ ‫حتمل االبتالء‪ ،‬كام قال‬
‫ما ُيعني عىل ُّ‬
‫األمر»‪ :‬ﱹﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﱸ(‪.)1‬‬

‫ييأس ألي ُمصيبة‪ ،‬أو‬ ‫اليأس يف الناس اليوم!‪ ،‬كث ٌري منهم ُ‬
‫َ‬ ‫أرس َع‬
‫ما َ‬
‫اليأس ُي ِ‬
‫قعد املر َء‬ ‫ُ‬ ‫وفساد يقع من ِ‬
‫ولده‪ ،‬وهذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫انحراف‬ ‫ض يع ِر ُ‬
‫ض له‪ ،‬أو‬ ‫َم َر ٍ‬
‫قطعه عن سبل ال ّنجاح‪ ،‬ولكنك جتد‬ ‫ِ‬
‫األسباب وتالفيها‪ ،‬و َي ُ‬ ‫عن معرفة‬
‫ٍ‬
‫وبحث عن الوسائل التي ُتوصل إىل النجاح‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫اجتهاد‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫الفأل َ‬ ‫أصحاب‬

‫ُ‬
‫معرفة الذنب‬ ‫صالح القلب واستقامتِه ويقظتِه‬
‫ِ‬ ‫‪ -8‬من عالمة‬
‫تعظيم اهلل وخوفه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫واستمرار الند ِم عليه‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫دليل عىل‬ ‫ُ‬ ‫واالقالع عنه‬
‫ُ‬
‫فاستمرار أ َث ِر ّ‬
‫الذنب يف نفوس‬ ‫ُ‬ ‫أخ َوف‪،‬‬ ‫أعر َف كان منه ْ‬
‫و َمن كان باهلل َ‬
‫وجل‪« :‬وما زال َيبكي ُ‬
‫منذ كان من‬ ‫ّ‬ ‫عز‬
‫الصحابة إنّام هو من تعظيمهم هلل ّ‬
‫ٍ‬
‫ساعات‪ ،‬هذا إن عرفوها‪،‬‬ ‫أم ِره»‪ .‬ومن الناس من َي َ‬
‫نس ْون ذنوبهَ ُ م بعد‬
‫يتذكر الواحدُ منهم ذن َب ُه بعد ُع ٍ‬
‫قود من السنني‪،‬‬ ‫ُ‬
‫السلف الصالح َّ‬ ‫وكان‬
‫عمل ُته منذ أربعني سنة!»‪.‬‬ ‫ابن ِسريين‪« :‬ملا ُسجنت ّ‬
‫تذكرت ذن ًبا ِ‬ ‫قال ُ‬

‫(‪ )1‬سورة يوسف‪.87 :‬‬

‫‪72‬‬
‫شار ٌة بال َف َرج‬ ‫اشتداد األزْ ِ‬
‫مة بِ َ‬ ‫ُ‬

‫وعظيم‬
‫َ‬ ‫وقدر ُه‬
‫َ‬ ‫النساء يف زمن النبوة قيم َة ّ‬
‫الزوج‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫وع ِ‬‫‪ -9‬لقد َ‬
‫نسه وراحتِه‪ ،‬فقمن بخدمة‬ ‫وأ ِ‬‫سكن الرجل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ح ِّقه ‪ّ ،‬‬
‫وأن املرأة مصدَ ُر‬
‫بأي ُعذ ٍر ُيتيح هلا َ‬
‫ترك‬ ‫اليوم ُتسرَ ُّ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وبعض ال ّنساء‬ ‫أزواجهن ورعايتِهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫خدمة زوجها!‪.‬‬

‫؛‬ ‫‪ -10‬القياد ُة الناجحة التي َح ِظي هبا مجُ تمع الصحابة من ال ّن ّ‬


‫بي‬
‫زوجها وهي‬ ‫ِ‬
‫تستأذ ُن يف خدمة ِ‬ ‫امتدت إىل داخل البيوت‪ ،‬فجاءت املرأ ُة‬
‫وتعظيم أمره‪،‬‬
‫ِ‬ ‫املحب ِة احلقيقية لرسول اهلل‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫مظاه ِر‬ ‫يف بيته‪ ،‬وهذا من‬
‫البنت لوالدهتا‪« :‬إن كان ُع َم ُر‬
‫ُ‬ ‫جل وعال‪ ،‬كام قالت تلك‬ ‫مع املراقبة هلل ّ‬
‫مجيع‬
‫وشموله َ‬ ‫مر يرانا»‪ .‬وهذا من كامل هذا الدّ ين ُ‬
‫رب ُع َ‬ ‫ال يرانا ّ‬
‫فإن َّ‬
‫نواحي احلياة جلي َلها ودقي َقها‪.‬‬

‫ستحون من‬
‫عىل الوضوح والبساطة‪ ،‬فال َي ُ‬ ‫ُ‬
‫الصحابة‬ ‫‪ -11‬تر ّبى‬
‫ستحى منه مع‬
‫األمر الذي ُي َ‬
‫ُ‬ ‫مهام كان‬ ‫احلقّ أن ُ‬
‫يذكروه لرسول اهلل‬
‫النبوي‬
‫ّ‬ ‫وتأدبهِ م باألدب‬
‫واحرتامه‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بإجالل رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫احتفاظهم‬
‫ستحى منه‪..‬‬
‫يف التكنية عام ُي َ‬
‫نجاحا‬
‫ً‬ ‫نج َح‬ ‫كعب وصاحباه قد َ‬ ‫ٌ‬ ‫املعنوي الذي دخله‬
‫َّ‬ ‫جن‬
‫الس َ‬ ‫ّ‬
‫إن ِّ‬
‫خمالفة واحدة ملدة مخسني يو ًما‪ .‬وهذا أ َث ٌر من آثا ِر‬
‫ٌ‬ ‫ريا‪ ،‬ومل ُت ّ‬
‫سجل فيه‬ ‫كب ً‬
‫الزمن ما أك َث َر‬
‫ِ‬ ‫مجيع أفراد املجتمع‪ ،‬ويف هذا‬
‫لت َ‬ ‫الرتبية النبوية التي َش َم ْ‬
‫الطاقات والقدرات‬ ‫رصف اليوم من ّ‬ ‫ملجر ِد املخالفة‪ ...‬وكم ُي َ‬
‫من يخُ الف ّ‬
‫ِ‬
‫تطبيق‬ ‫ِ‬
‫حتقيق أ ْم ٍن‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫جريمة‪ ،‬أو‬ ‫واإلمكانات واألموال عىل حماربة‬
‫جزء منها‬
‫صُف ٌ‬ ‫ُ‬
‫األهداف املنشود ُة ‪ ،‬ولو ِ‬ ‫نظام!‪ ،‬ومع ذلك ال َتتح َّق ُق‬
‫ِ‬
‫أهدافنا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حتقيق‬ ‫ولس ُهل علينا‬
‫ريا َ‬ ‫ِ‬
‫تربية املجتمع وتوجي ِهه لو ّف ْرنا كث ً‬ ‫يف‬

‫‪73‬‬
‫واقب من الرشد‬
‫بالع ِ‬
‫َ‬ ‫االهتمام‬
‫ُ‬

‫ال ُي َصليِّ َعليَ َّ ال َّنبِ ُّي‪،‬‬‫وت َف َ‬ ‫«و َما ِم ْن شيَ ْ ٍء َأ َه ُّم إِليَ َّ ِم ْن َأ ْن َأ ُم َ‬‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫ال ُي َك ِّل ُمنِي‬ ‫اس بِتِ ْل َك المْ َ ْن ِز َل ِة‪َ ،‬ف َ‬
‫ون ِم ْن ال َّن ِ‬ ‫َف َأ ُك َ‬ ‫ول اهللِ‬‫وت َر ُس ُ‬ ‫َأ ْو َي ُم َ‬
‫َأ َحدٌ ِم ْن ُه ْم َو َ‬
‫ال ُي َصليِّ َعليَ َّ »‪.‬‬

‫اهلج ُر بعد ِ‬
‫وفاة‬ ‫كعب عىل نفسه أن ُيفتَن إذا طال عليه ْ‬ ‫َ‬
‫خيش ٌ‬ ‫‪ -1‬لقد‬
‫غسان يف حياة الرسول ‪،‬‬‫ك ّ‬ ‫لفتنة َم ِل ِ‬
‫ِ‬ ‫عر َ‬
‫ض‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬فقد َت َّ‬
‫ُ‬
‫احلال بعد موت النبي ؟‪ .‬ف َينبغي‬ ‫طم ُع يف التوبة‪ ،‬فكيف يكون‬
‫وهو َي َ‬
‫كل حال‪.‬‬ ‫الثبات يف ِّ‬
‫َ‬ ‫ويسأل َ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫للمسلم أن َ‬
‫خياف عىل نفسه من الفتن‪،‬‬

‫فيتعرض ملواطنها مثل‪ :‬مشاهدة‬


‫َّ‬ ‫ُ‬
‫يتساهل بالفتن‬ ‫ومن الناس من‬

‫‪75‬‬
‫ِ‬
‫جمالس‬ ‫املواقع السيئة يف اإلنرتنت والقنوات‪ ،‬والسياحة‪ ،‬وحضو ِر‬
‫ِ‬
‫وكل هذا يؤدي إىل َض ْع ِ‬
‫ف إيامنه أو االفتتان‪.‬‬ ‫الشبهات والشهوات‪ُّ ،‬‬

‫سوء اخلامتة‬ ‫بالعواقب‪ ،‬وخو ُفه من ِ‬ ‫اهتامم ٍ‬


‫كعب‬ ‫ُ‬ ‫جلي ًا‬
‫يظه ُر ّ‬
‫‪َ -2‬‬
‫فإن اشتهى أن يك ِّل َم أو‬ ‫بيده‪ِ ،‬‬‫األمر ليس ِ‬
‫َ‬ ‫يف هذه احلادثة ِ‬
‫املل ّمة‪ ،‬مع ّ‬
‫أن‬
‫حيادث أحدً ا فلن يستطيع؛ ومن ال ّناس َمن ال ُي ِ‬
‫لقي بالاً للعواقب ف َي ُع ُّق‬
‫املوت يأيت‬
‫َ‬ ‫وينسى ّ‬
‫أن‬ ‫يتنك ُر حلقوق الناس‪َ ،‬‬ ‫ح ُه‪ ،‬أو َّ‬ ‫يقطع َر مِ َ‬
‫ُ‬ ‫والديه أو‬
‫يموت صاح ُبه‪ ،‬فيتم ّنى أن لو ك ّلم ُفال ًنا أو مل‬
‫ُ‬ ‫يموت هو أو‬ ‫ُ‬ ‫ُف َجاءة؛ فقد‬
‫وصل مِ َ‬
‫رحه‪.‬‬ ‫استسم َحه ح َّق ُه‪ ،‬أو َ‬‫َ‬ ‫يهَ ُجره أو‬
‫ريا‪…« :‬فأكون من الناس‬ ‫املعنوي اهتام ًما كب ً‬
‫ّ‬ ‫كعب باألذى‬‫اهتم ٌ‬‫‪ّ -3‬‬
‫بتلك املنزلة‪ ،‬فال يك ِّلمني أحدٌ وال ُيصليِّ ع ّ‬
‫يل»!‪ .‬ومن الناس من ال ُيبايل‬
‫قبيح شديد‪ ،‬ولكن إذا ُأصيب يف بدنه أو ماله‬ ‫بام َي ِصل إليه من كال ٍم ٍ‬
‫حيرك ساكنًا إذا ُوصف باجلهل أو ال ُبخل‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫وغضب‪ ،‬وال ِّ‬ ‫َج ِزع واحتَدّ‬
‫َ‬
‫الغدْ ر واخليانة‪ ،‬أو املعصية فيصدق فيه قول القائل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ٌ‬
‫مغسول من الدنس‬ ‫الدهر‬
‫َ‬ ‫بال دينِك ترىض أن ُتد ِّنسه وثو ُبك‬
‫ما ُ‬

‫رسول اهلل الصال َة‬ ‫ُ‬ ‫من اخلري إذا اجتَنب‬ ‫كعب‬
‫رجو ٌ‬ ‫‪ -4‬ماذا َي ُ‬
‫احلية هيتمون ألم ِر‬
‫أصحاب القلوب ّ‬‫ُ‬ ‫أموت فال يصليِّ ع ّ‬
‫يل»!‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عليه‪...« :‬أن‬
‫أصحاب القلوب امليتة فال يهَ ُّتمون ألمر‬
‫ُ‬ ‫دينِهم َ‬
‫أكثر من أم ِر دنياهم‪ ،‬وأ ّما‬
‫حارضهم فضلاً عن عاقبتهم‪ ،‬فتجدُ أحدَ هم ال ينظر َمن يجُ اوره ويساكنُه‪،‬‬
‫ِ‬
‫غسله‪ ،‬فينبغي للمسلم أن‬ ‫بل َمن ُيصاهره‪ ،‬فضلاً عمن ُيصليِّ عليه أو ُي ِّ‬
‫َ‬
‫يرغ َب يف صالة أهلِ اخلري عليه ملا ُي َ‬
‫رجى من قبول دعائهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬بيت من البسيط‪ ،‬أليب العتاهية‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫بالع ِ‬
‫واقب من الرشد‬ ‫االهتامم َ‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫االحتامالت‬ ‫؛ إذ ق ّلب‬ ‫ٍ‬
‫كعب‬ ‫‪ -5‬يتبينّ من هذا ُب ْعدُ َ‬
‫النظ ِر عند‬
‫مع إدراكه ما َيرتتَّب عليها من نتائج‪.‬‬ ‫التي ُيمكن أن ت َق َع عليه يف ّ‬
‫قضيته‪َ ،‬‬

‫التام بأوام ِر رسول اهلل‬


‫االلتزام ُّ‬
‫ُ‬ ‫الصحابة‬
‫تقرر يف نفوس ّ‬
‫‪ -6‬لقد ّ‬
‫ِ‬
‫كانت التكاليف‪ ،‬ومهام كانت العالقة‪،‬‬ ‫اخلروج عليها مهام‬
‫ِ‬ ‫‪ ،‬وعدم‬
‫ُ‬
‫واإليامن الصادق‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الرتبية الراشدة‪،‬‬ ‫ولو مات رسول اهلل ‪ ،‬وهذه هي‬
‫رب العاملني‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واملراقبة احلقيقية هلل ِّ‬ ‫احلقيقي لرسول اهلل ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫واحلب‬
‫ُّ‬
‫كعب ‪...« :‬فال يك ِّل ُمني أحد»‪.‬‬‫وهلذا قال ٌ‬

‫تكون متع ِّلق ًة باألشخاص‪َ ،‬تب َقى‬


‫ُ‬ ‫ريا ما‬
‫اليوم كث ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتربية الناس‬
‫فاألبناء يكونون يف حياة أبيهم عىل َقدْ ٍر من‬
‫ُ‬ ‫بذهاهبم‪،‬‬ ‫وتذه ُب َ‬
‫َ‬ ‫ببقائِ ِهم‪،‬‬
‫خيتلفون ويتنازعون‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫دليل‬ ‫موت األب ِ‬ ‫وبمجر ِد ِ‬ ‫التعاون ُ‬
‫واأللفة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫واألصل أن ُير ِّبيهم عىل مراقبة اهلل‪ ،‬ال عىل مراقبته‬ ‫عىل َخ َللٍ يف الرتبية‪،‬‬
‫ُ‬
‫وبعض‬ ‫وخوفه‪ ،‬لتب َقى املعاين الطيبة يف نفوسهم يف حياته وبعد موته‪.‬‬
‫بموت‬ ‫ِ‬
‫واجلامعات الدعو ّية قد تنتهي َ‬ ‫ِ‬
‫واجلهات اخلريية‬ ‫ِ‬
‫اجلمعيات‬
‫مؤس ِسها‪.‬‬
‫ِّ‬

‫‪77‬‬
‫األمة المسلمة كالجسد الواحد‬

‫ِحنيَ َب ِق َي ال ُّث ُل ُث ِ‬
‫اآلخ ُر‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ « :‬ف َأ ْنزَ َل ُ‬
‫اهلل َت ْو َب َتنَا َع ىَل َنبِ ِّي ِه‬ ‫َق َ‬
‫ِع ْندَ ُأ ِّم َس َل َم َة‪َ ،‬و َكا َن ْت ُأ ُّم َس َل َم َة حُم ِْس َن ًة فيِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ِم ْن ال َّل ْيلِ َو َر ُس ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫يب َع ىَل َك ْع ٍ‬ ‫ول اهللِ ‪َ :‬يا ُأ َّم َس َل َم َة‪ ،‬تِ َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َش ْأنيِ َم ْعنِ َّي ًة فيِ َأ ْم ِري‪َ ،‬ف َق َ‬
‫اس‪َ ،‬ف َي ْمن َُعو َن ُك ْم‬ ‫ال‪ :‬إِ ًذا يحَ ِْط َم ُك ُم ال َّن ُ‬ ‫ال ُأ ْر ِس ُل إِ َل ْي ِه َف ُأ َبشرِّ َ ُه؟ َق َ‬
‫َقا َل ْت‪َ :‬أ َف َ‬
‫ال َة ا ْل َف ْج ِر آ َذ َن بِت َْو َب ِة‬
‫َص َ‬ ‫ال َّن ْو َم َسائِ َر ال َّل ْي َل ِة‪َ ،‬ح َّتى إِ َذا َص ىَّل َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫اهللِ َع َل ْينَا»‪.‬‬

‫بالتالحم والرتابط فأص َبحوا كاجلسد‬‫ُ‬ ‫النبوة‬


‫‪ -1‬لقد اتّصف جمتمع ّ‬
‫ٍ‬
‫شخص بعينه‬ ‫عتب ُمشكل َة َف ْرد ُمشكلت َُه حتى يحَ ُ ّلها‪ ،‬وقضي َة‬
‫الواحد‪َ ،‬ي رِ ُ‬
‫قوم هبا‪ ،‬قد ارتفعت عنهم األنانية واأل َثرة‪ ،‬فلقد َّ‬
‫حتولت‬ ‫قضيت َُه حتى َي َ‬

‫‪79‬‬
‫ُ‬
‫والعقوبة التي‬ ‫قضية ُأ ّمة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قضي ٍة شخصية إىل‬ ‫ٍ‬
‫كعب وصاح َب ْيه من ّ‬ ‫قص ُة‬
‫ّ‬
‫فاملجتمع ك ُّله َي ِ‬
‫نتظ ُر َح َّلها عىل‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫عقوبة رشعية ومع ذلك‬ ‫صدَ َرت فيهم‬
‫جتاو ًبا ُي َ‬
‫ذكر‬ ‫اليوم ُ‬
‫َ‬ ‫أح َّر من اجلمر‪« :‬إذ ًا يحَ ِط َمكم الناس»‪ .‬وقد ال جتد‬
‫َ‬
‫قص ُف و ُتباد!‪.‬‬ ‫مسلمة بأكملها تحُ َ‬
‫ار ُب و ُت َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شعوب‬ ‫لقضايا‬

‫بي ‪ ،‬فها ِه َي ذي ُّأم‬ ‫بيوت ال ّن ّ‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫البيوت حتى‬ ‫كل‬ ‫شغ َلت ّ‬
‫قضي ُته َّ‬ ‫‪َ -2‬‬
‫ظه ُر ِمن‬ ‫كعب بن مالك وتحَ ِرص عىل املبادرة بتبش ِ‬
‫ري ِه‪ ،‬و َي َ‬ ‫سلم َة َتعتني بأم ِر ِ‬
‫والتفاعلِ مع قضاياهم‬ ‫ُ‬ ‫هذا ما كان عليه ال ّنسا ُء ِمن االهتامم ُبأ ُمور املسلمني‪،‬‬
‫االهتامم باملوضات‬
‫ُ‬ ‫اليوم ّأو ُل ّأو ّلياهتا‬
‫َ‬ ‫وبعض نساء املسلمني‬‫ُ‬ ‫وأحداثِهم‪.‬‬
‫وكبارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫صغارا‬
‫ً‬ ‫أن القرآن ر َف َع همِ َ َم اجلميع رجالاً ونسا ًء‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والطبخات‪ ..‬مع ّ‬
‫اإلسالم قراء َة‪ :‬ﱹﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫ُ‬ ‫وع ّلقها بالعظامء َ‬
‫فأوجب‬
‫مر ًة‬‫أن هذه اآلي َة ُتتىل َس ْب َع َعشرْ َ َة ّ‬ ‫ٍ‬
‫ركعة‪ ،‬بمعنى ّ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮﱸ يف ِّ‬
‫كل‬
‫َ‬
‫وسبيل‬ ‫اهلل فيها أن َيس ُلك به طريقَ‬ ‫واملسلم َيسأل َ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫األقل‪،‬‬ ‫يف ِّ‬
‫كل يو ٍم عىل‬
‫بعده عن طريق اليهود والنصارى‪.‬‬ ‫والصديقني والشهداء‪ ،‬و ُي ِ‬
‫األنبياء ّ‬

‫تنظيم األوقات «قالت‪ :‬أال‬


‫ِ‬ ‫ني عىل‬
‫جمتمع ُب َ‬
‫ٌ‬ ‫النبوي‬
‫ُّ‬ ‫املجتمع‬
‫ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫أو َل الليل‪،‬‬
‫السنن اإلهلية يف النوم ّ‬
‫فربيِّ عىل موافقة ُّ‬ ‫ُأ ُ‬
‫رسل إليه؟…»‪ُ .‬‬
‫آخر ُه‪ ،‬واالنتشا ِر يف النهار‪.‬‬
‫والقيا ِم َ‬

‫فينام يف ال ّنهار‪ ،‬و َينتشرِ ُ يف ال ّليل‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ومن ال ّناس َمن َ‬
‫عكس اآلي َة‬
‫مره‪.‬‬
‫بأمراض نفسية وعضوية‪ ،‬وتبدَّ د وقته‪ ،‬وضاع ُع ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُفأصيب‬
‫عاملاً ج ِّيدً ا منها‪ِ ،‬‬
‫فهذه ُّأم سلمة‬ ‫مع املرأة ُي ِ‬
‫ثم ُر َت ُ‬ ‫احلس ُن َ‬
‫التعامل َ‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫الفرح بالتوبة‬
‫ُ‬ ‫الفر َج من اهلل يف قضية كعب‪ -‬مل يحَ ِملها‬ ‫تنتظر َ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬وإن كانت‬

‫‪80‬‬
‫األمة املسلمة كاجلسد الواحد‬

‫األمر‬
‫َ‬ ‫عرضت‬ ‫ٍ‬
‫رسول إليه بالبشارة‪ ،‬بل َ‬ ‫ِ‬
‫املبادرة بإرسال‬ ‫ٍ‬
‫كعب عىل‬ ‫عىل‬
‫اجلواب يم ِّث ُل‬
‫ُ‬ ‫عىل رسول اهلل ‪ ،‬فأجاهبا‪« :‬إ ًذا‪ ،‬يحَ ِط َمكم الناس»‪ ،‬فهذا‬
‫مستوى عال ًيا‬
‫ً‬ ‫أن موق َفها يحَ كي‬
‫مستوى راق ًيا يف التعامل مع الزوجة‪ ،‬كام ّ‬
‫ً‬
‫من الفهم واالحرتام‪.‬‬
‫فتجدُ قي َم ُ‬
‫األرسة‬ ‫الرتبية املعارصة تب ُّلدً ا يف اإلحساس!؛ ِ ِّ‬
‫ُ‬ ‫وأفرزت‬
‫ٍ‬
‫صوت‪ ،‬ثم هتديدٌ ووعيد‪ ،‬ومع ذلك ال‬ ‫رفع‬
‫صح ُبه ُ‬
‫رصيح َي َ‬
‫ٍ‬ ‫يأم ُر بأم ٍر‬
‫ُ‬
‫حريص‬
‫ٌ‬ ‫الرفق باألهل؛ فهو‬ ‫دليل عىل ِّ‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫ين َّف ُذ األمر!‪ ،‬ويف القصة ً‬
‫بي يف‬ ‫عىل راحتهم ال ُيريد أن يحَ ِط َمهم الناس‪ ،‬وانظر إىل هدْ يِ ال ّن ّ‬
‫الباب‬
‫َ‬ ‫«فأخ َذ ِردا َء ُه ُر َويدً ا‪ ،‬وانت ََعل ُر َويدً ا‪ ،‬وفتح‬
‫َ‬ ‫حديث عائش َة ‪:‬‬
‫فخ َرج‪ ،‬ثم أجا َف ُه رويدً ا»(‪ )1‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫َ‬

‫ُلر ُدود ِف ْعل املجتمع أ ّدت إىل خّاتاذ‬ ‫‪ -5‬د ّق ُة قياس ّ‬


‫الرسول‬
‫فع ُل األ ْم َر‬ ‫ِ‬
‫وطلبة العلم واملر ِّبني َمن َي َ‬ ‫ِ‬
‫الدعاة‬ ‫إجراءات ِ‬
‫مناسبة هلا‪ .‬ومن‬ ‫ٍ‬
‫كنت أدري أنه سيحدُ ث بسبِبه ما حدَ ث‪ ...‬وهذا ٌ‬
‫دليل عىل‬ ‫ثم يقول‪ :‬ما ُ‬
‫ِ‬
‫وضعف ال ّتخطيط‪.‬‬ ‫ِقصرَ ِ ُّ‬
‫الرؤية‪ ،‬واجلهلِ بأحوال املجتمع‪،‬‬
‫ِ‬
‫صالة‬ ‫كل الناس‪ ،‬ال َ‬
‫فرق بني‬ ‫إعالمي ُم ِه ّم‪ ،‬يشهدُ ه ُّ‬ ‫‪ -6‬املسجدُ ِم ٌ‬
‫نرب‬
‫ّ‬
‫وعلوهم‪ .‬وقد َأ َ‬
‫در َك‬ ‫ِّ‬ ‫رس ِعزِّ هم وانتصا ِرهم‬ ‫ُّ‬
‫الظهر وال َف ْجر‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ُ‬
‫رئيسة الوزراء اليهودية عن اخلوف من‬ ‫الرس؛ فلام ُسئِلت‬
‫اليهود هذا َّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫يكون عدَ ُد‬ ‫ينترصوا علينا حتى‬
‫ُ‬ ‫انتصا ِر العرب قالت‪( :‬اطمئنوا إنهّ م لن‬
‫مثل عدَ ِدهم يف صالة اجلمعة)!‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صالة الفجر َ‬ ‫املص ِّلني يف‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)670/2‬‬

‫‪81‬‬
‫الصدق حميدة‬ ‫عاق ُ‬
‫بة ِّ‬ ‫ِ‬

‫خ ِسنيَ َل ْي َل ًة َو َأ َنا َع ىَل َظ ْه ِر‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ « :‬ف َلماَّ َص َّل ْي ُت َص َ‬


‫ال َة ا ْل َف ْج ِر ُص ْب َح مَ ْ‬ ‫َق َ‬
‫اهلل‪َ :‬قدْ َضا َق ْت َعليَ َّ‬ ‫ال ا َّلتِي َذ َك َر ُ‬ ‫ت ِم ْن ُب ُيوتِنَا‪َ ،‬ف َب ْينَا َأ َنا َجالِ ٌس َع ىَل الحْ َ ِ‬ ‫َب ْي ٍ‬
‫ض بِماَ َر ُح َب ْت َس ِم ْع ُت َص ْو َت َصا ِر ٍخ َأ ْوفىَ َع ىَل‬ ‫األ ْر ُ‬‫َن ْفسيِ ‪َ ،‬و َضا َق ْت َعليَ َّ َ‬
‫اجدً ا‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ف َخ َر ْر ُت َس ِ‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْبشرِ ْ ! َق َ‬ ‫َج َبلِ َس ْل ٍع بِ َأ ْع ىَل َص ْوتِ ِه‪َ :‬يا َك ْع ُب ْب َن َمالِ ٍ‬
‫ول اهللِ بِت َْو َب ِة اهللِ َع َل ْينَا ِحنيَ َص ىَّل‬ ‫َو َع َر ْف ُت َأ ْن َقدْ َجا َء َف َر ٌج‪َ ،‬وآ َذ َن َر ُس ُ‬
‫ون‬ ‫اح َب َّي ُم َبشرِّ ُ َ‬ ‫اس ُي َبشرِّ ُ و َننَا‪َ ،‬و َذ َه َب ِق َب َل َص ِ‬ ‫ال َة ا ْل َف ْج ِر‪َ ،‬ف َذ َه َب ال َّن ُ‬ ‫َص َ‬
‫ان‬ ‫ض إِليَ َّ َر ُج ٌل َف َر ًسا‪َ ،‬و َس َعى َسا ٍع ِم ْن َأ ْس َل َم َف َأ ْوفىَ َع ىَل الجْ َ َبلِ ‪َ ،‬و َك َ‬ ‫َو َر َك َ‬
‫س‪َ ،‬ف َلماَّ َجا َءنيِ ا َّل ِذي َس ِم ْع ُت َص ْو َت ُه ُي َبشرِّ ُ نيِ‬ ‫س َع ِم ْن ا ْل َف َر ِ‬ ‫الص ْو ُت َأ رْ َ‬ ‫َّ‬
‫َنزَ ْع ُت َل ُه َث ْوبيَ َّ َف َك َس ْو ُت ُه إِ َّياهمُ َ ا بِ ُبشرْ َ ا ُه‪ ،‬واهللِ‪َ ،‬ما َأ ْم ِل ُك َغيرْ َ همُ َ ا َي ْو َمئِ ٍذ‪،‬‬

‫‪83‬‬
‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َي َت َل َّقانيِ ال َّن ُ‬
‫اس‬ ‫است ََع ْر ُت َث ْو َبينْ ِ َف َلبِ ْس ُت ُهماَ ‪َ ،‬وان َْط َل ْق ُت إِلىَ َر ُس ِ‬
‫َو ْ‬
‫ون‪ :‬لِت َْهنِ َك َت ْو َب ُة اهللِ َع َل ْي َك‪َ ،‬ق َ‬
‫ال َك ْع ٌب‪:‬‬ ‫َف ْو ًجا َف ْو ًجا يهُ َ ُّنونيِ بِال َّت ْو َب ِة؛ َي ُقو ُل َ‬
‫ام‬‫اس‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َجالِ ٌس َح ْو َل ُه ال َّن ُ‬ ‫ول اهللِ‬
‫َح َّتى َد َخ ْل ُت المْ َ ْس ِجدَ ‪َ ،‬فإِ َذا َر ُس ُ‬
‫إِليَ َّ َط ْل َح ُة ْب ُن ُع َب ْي ِد اهللِ يهُ َ ْر ِو ُل‪َ ،‬ح َّتى َصا َف َحنِي َو َه َّنانيِ ‪َ ،‬واهللِ‪َ ،‬ما َق َ‬
‫ام إِليَ َّ‬
‫اها لِ َط ْل َح َة»‪.‬‬‫ال َأن َْس َ‬
‫ين َغيرْ َ ُه‪َ ،‬و َ‬
‫اج ِر َ‬‫َر ُج ٌل ِم ْن المْ ُ َه ِ‬

‫وتسار ُعوا وتسا َب ُقوا‬


‫َ‬ ‫كع ٍ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫بتوبة ْ‬ ‫املجتمع ك ُّله‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬لقد ف ِرح‬
‫ِ‬
‫بخالص‬ ‫ِ‬
‫العيد من الفرح والرسور‬ ‫املجتمع كأنّه يف صباح‬
‫ُ‬ ‫لل ّتبشري وبدا‬
‫فرسا وسعى سا ٍع…»‪.‬‬
‫رجل ً‬ ‫َ‬
‫«وركض إ ّيل ُ‬ ‫إخوتم من َأ رْ ِ‬
‫س ذنبهم‪:‬‬ ‫هِ‬
‫سلم من ذنبه‪َ ،‬‬
‫وآخ ُرون ال‬ ‫ِ‬
‫لتوبة ُم ٍ‬ ‫وبعض الناس اليوم ال ُي ِ‬
‫لقي بالاً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫البالدة‬ ‫يهَ ُّتمون بالتهنئة والتبشري‪ ،‬أو ال ُيبادرون هبا‪ ،‬وعندَ ُهم من‬
‫ُ‬
‫التهنئة اليوم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العاطف ّي ما يحَ ِم ُلهم عىل َق ْو ِل إنّه ال تلزَ ُم‬ ‫واجلفاف‬
‫وسأهنِّئه بعد أسبو ٍع ‪ ،‬وقد ال يهُ ِّنئُه وال ْبعدَ سنة!‪ .‬مع ما للتبشري من أ َث ٍر‬
‫وصفاء النفوس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املحبة واملو ّدة‬
‫كبري يف ّ‬
‫ُ‬
‫املنافسة يف‬ ‫حث الشرّ ع عىل إدخال السرُّ ور عىل املسلم‪ ،‬فينبغي‬
‫‪َّ -2‬‬
‫حسدَ ُه بدَ َل أن‬ ‫ٍ‬
‫بيشء َ‬ ‫املسلم‬
‫ُ‬ ‫ذلك‪ .‬ومن الناس اليوم َمن إذا فاز أخو ُه‬
‫سعى يف ِ‬
‫التنغيص عليه‪.‬‬ ‫فر َح له‪ ،‬ور ّبام َ‬
‫َي َ‬

‫اهتاممات مجيع الصحابة فعا َي ُشوا ّ‬


‫قضية شخصية‪ .‬ويف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تشابك ْت‬ ‫‪-3‬‬
‫اهتامم أكثر الناس عىل نفسه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫انص َّب‬
‫زمن املا ِّد ّيات الذي نعيشه َ‬
‫(و َس َعى َسا ٍع ِم ْن َأ ْس َل َم َف َأ ْوفىَ‬
‫مكان لل َب ِّث واإلرسال‪َ :‬‬‫ٌ‬ ‫‪ُ -4‬‬
‫جبل َس ْل ٍع‬
‫صوت اخل ِ‬
‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إيصال‬ ‫أمهية‬
‫س َع‪ ،)...‬فيه ّ‬ ‫الص ْو ُت َأ رْ َ‬
‫ان َّ‬‫َع ىَل الجْ َ َبلِ ‪َ ،‬و َك َ‬
‫ٍ‬
‫موصلة إىل املقصود‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مرشوعة‬ ‫ٍ‬
‫وسيلة‬ ‫بأي‬
‫ِّ‬

‫‪84‬‬
‫ِ‬
‫عاق ُبة ِّ‬
‫الصدق محيدة‬

‫الفر ُج من اهلل الع ّ‬


‫يل األعىل‬ ‫ٍ‬
‫كعب ثم جا َء ُه َ‬ ‫أوج ُه مع‬ ‫‪ -5‬ب َلغَ ْ‬
‫اهلج ُر َ‬
‫تعام ِله مع َ‬
‫الفرح‪،‬‬ ‫خيرج عن َط ْو ِره أو يضط ِر ْب يف ُ‬ ‫ِ‬
‫بالتوبة عليه‪ ،‬فلم ُ‬
‫الرجال‪.‬‬ ‫يصمدُ له إال ُع ُ‬
‫ظامء ّ‬ ‫ِ‬
‫احلدث ال ُ‬ ‫ُ‬
‫ومثل هذا‬
‫ِ‬
‫التطبيقات للفرح يف هذه األيام؛ فمنهم‬ ‫وقد ك ُثر خطأ الناس يف‬
‫فر ُحه يف إيذاء‬
‫يتسبب َ‬
‫َّ‬ ‫الطبيعي‪ ،‬ومنهم من‬
‫ّ‬ ‫خيرج عن طو ِره‬ ‫من ُ‬
‫يسخ ُره يف معايص اهلل ّ‬
‫جل‬ ‫ِّ‬ ‫سيام اجلريان‪ ،‬ومنهم من‬
‫الناس وال ّ‬
‫وعال‪.‬‬

‫كع ٌب‪« :‬فبينا أنا جالس‬


‫الفرج يأيت بعد شدَّ ة الكرب‪ ،‬يقول ْ‬
‫ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫ُ‬
‫األرض بام‬ ‫عىل احلال التي ذكر اهلل‪ :‬قد ضاقت عيل نفيس وضاقت عيل‬
‫صوت صارخ‪.»..‬‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫رحبت‬

‫يأس‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﱸ(‪ ،)1‬فال َ‬
‫وادهلم ِ‬
‫ت اخلطوب‪ ،‬وكام قيل‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫من الفرج مهام اشتدّ ِ‬
‫ت الكروب‬
‫(‪)2‬‬
‫قد آ َذ َن لي ُلك بال َب َل ِج‬ ‫اش َتدِّ ي ُ‬
‫أزمة َتنف ِرجي‬

‫وقال اآلخر‪:‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُف ِرجت‬ ‫ضاقت فلام است َ‬
‫َحك َم ْت ح َلقاهتا‬
‫وكنت أظ ُّنها ال ُت َ‬
‫فر ُج‬ ‫ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )1‬سورة الرشح‪.6-5 :‬‬


‫(‪ )2‬بيت من املتدارك‪ ،‬ليوسف بن حممد ال َّت ْو َزري املعروف بابن النحوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬بيت من الكامل‪ ،‬لإلمام الشافعي رمحه اهلل‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫إخفاء‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اللطف يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹﮊ ﮋ ﮌﱸ(‪ )1‬بأنّه‬ ‫وقد ُفسرِّ َ‬
‫األمو ِر يف ُص َو ِر أضدادها‪:‬‬
‫ِ‬
‫ليوسف‬ ‫إخفاء األمو ِر جاء يف ُص َو ِر االضداد كام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اللطف‬
‫وعزا ر ُّبه َتعــــــاىل‬ ‫ري ُه ِر ًقا لكي َينـــــــــاال ُم ً‬
‫لكا ًّ‬ ‫ص َّ‬

‫وقيل‪:‬‬
‫كر ِه املَكرو َه ِعندَ ُنزولِ ِ‬
‫ـــه إِ َّن املَكا ِر َه لمَ َتزَ ل ُمتَبايِنَه‬ ‫ال َت َ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫َكم نِ َ‬
‫عم ٍة لمَ َتست َِق َّل بِ ُشك ِرهــا هللِ يف َط ِّي املَكا ِر ِه كامنَه‬

‫ُ‬
‫األرض‬ ‫ُ‬
‫فتضيق عليه‬ ‫الذنوب واملخالفات تكدِّ ُر حيا َة املؤمن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫مال وال ٍ‬
‫ولد‪،‬‬ ‫نفسه‪ ،‬فال جيد َل َّذ ًة وال راح ًة يف ٍ‬ ‫مع َس َعتِها‪ ،‬و َت ُ‬
‫ضيق عليه ُ‬
‫سكن وال َ‬
‫مركب‪.‬‬ ‫وال َم ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫التقي هو السعيدُ‬
‫َّ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫مجع ٍ‬
‫مال‬ ‫ولست أرى السعاد َة َ‬
‫ُ‬

‫الفرح كع ًبا عن ُسجود الشكر‪ ،‬وهذا مما يدُ ُّل عىل ُق ْربِه من‬
‫ُ‬ ‫‪ -8‬مل ُي ِ‬
‫ذهل‬
‫ِ‬
‫العاطفة عن العقل‪.‬‬ ‫جل وعال‪ ،‬وفرا ِغ قلبه ممّن ِسواه‪ ،‬وعد ِم انفصال‬ ‫اهلل ّ‬

‫ناتج‬
‫النبوي ٌ‬
‫ِّ‬ ‫والتفاعل يف املجتمع‬
‫ُ‬ ‫والعملية‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫املشاركة القلبية‬ ‫‪-9‬‬
‫وكثري من الناس ُيمكن أن يشا ِرك‬
‫ٌ‬ ‫التطبيق العم ّ‬
‫يل لإلسالم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫عن‬

‫(‪ )1‬سورة الشورى‪.19 :‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪ )2‬بيتان من الكامل منسوبان لعيل بن أيب طالب‬


‫(‪ )3‬بيت من الوافر‪ ،‬للنابغة الشيباين‪ ،‬من قصيدة مطلعها‪:‬‬
‫جود‬
‫تك ُ‬ ‫َو َل َ‬
‫يس لهَ ا َوإِن َو َص َل َ‬ ‫رص ُم َأم ت ِ‬
‫ُواص ُل َك الن ُ‬
‫َجود‬ ‫َأ َت ِ‬

‫‪86‬‬
‫ِ‬
‫عاق ُبة ِّ‬
‫الصدق محيدة‬

‫ٍ‬
‫طوات عملي ًة يف املشاركة إلخوانه‬ ‫قليل منهم َمن ي ّت ُ‬
‫خذ ُخ‬ ‫بقلبه‪ ،‬لكن ٌ‬
‫أخا له َيعيش يف ُمشكلة‬‫جتدُ َمن َيعلم أن ً‬ ‫ِ‬
‫وأتراحهم‪ ،‬وقد ِ‬ ‫يف أفراحهم‬
‫أن ظل ًام وقع عىل ِ‬
‫أحد‬ ‫يعلم ّ‬‫فكر يف املشاركة يف ح ِّلها‪ ،‬أو ُ‬
‫اجتامعية وال ُي ّ‬
‫املسلمني فال َيسعى لرفعه‪.‬‬

‫ري يف حينه بال تأخري‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬


‫مكافأة البش ِ‬ ‫ُ‬
‫مرشوعية‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫‪ -10‬يف‬
‫والرتاحم يف القلوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التعاطف والتوا ّد‬ ‫يرسخ‬
‫مما ِّ‬

‫مو النفس‪ ،‬بخالف َمن‬


‫مظهر للبساطة مع ُس ِّ‬
‫ٌ‬ ‫‪ -11‬استعار ُة املالبِس‬
‫ويستهجن إهدا َء‬
‫ُ‬ ‫وهم يف ٍ‬
‫بيت واحد‪،‬‬ ‫ستنكف عن ُلبس ِ‬
‫ثوب أخيه ُ‬ ‫َي ِ‬
‫ِ‬
‫الثوب أو العاممة أو احلذاء‪.‬‬

‫رب مع ِع َظ ِم البشارة‪ ،‬وهذا يدل عىل‬


‫ب املبشرِّ هد ّي ًة أك َ‬ ‫‪ -12‬مل يط ُل ِ‬
‫ورسورا‪ ،‬ورغب ًة يف كشف ُ‬
‫الغ ّمة عن‬ ‫ً‬ ‫فر ًحا‬ ‫عدم تشوفه هلا وإنام بشرَّ َ ُه َ‬
‫أخيه‪.‬‬

‫فكع ٌب مل‬
‫صغر‪ْ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد وإن ُ‬ ‫ٍ‬
‫موقف‬ ‫ُ‬
‫الصحابة حيفظون ِودا َد‬ ‫‪-13‬‬
‫ينس لطلح َة قيا َم ُه لتهنئته‪ .‬وما أك َث َر َمن ّ‬
‫يتنكر للمعروف‪ ،‬بل رأينا َمن‬ ‫َ‬
‫يقاب ُله باإلساءة‪ ،‬ولكن هذا ال َيمنع من ِفعلِ املعروف؛ ألنه ال َينبغي أن‬
‫ِ‬
‫فانتظ ِر اإلساءة»(‪.)1‬‬ ‫أحسنت‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رشط املكافأة‪« ،‬إذا‬ ‫ُي َ‬
‫فعل عىل‬

‫(‪ )1‬األخالق والسري ص‪.117‬‬

‫‪87‬‬
‫ٌ‬
‫رؤوف رحيم‬ ‫بالمؤمنين‬

‫َو ُه َو‬ ‫اهللِ‬


‫ول ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬‫اهللِ َق َ‬ ‫ول ِ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬ف َلماَّ َس َّل ْم ُت َع ىَل َر ُس ِ‬ ‫« َق َ‬
‫ْك ُأ ُّم َك‪،‬‬ ‫ب ُق َو ْج ُه ُه ِم ْن السرُّ ُ و ِر‪َ :‬أ ْبشرِ ْ بِ َخيرْ ِ َي ْو ٍم َم َّر َع َل ْي َك ُم ْن ُذ َو َلدَ ت َ‬ ‫َي رْ ُ‬
‫ال‪َ ،‬ب ْل ِم ْن‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫اهللِ َأ ْم ِم ْن ِع ْن ِد اهللِ؟ َق َ‬
‫ول ِ‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬أ ِم ْن ِع ْن ِد َك َيا َر ُس َ‬ ‫َق َ‬
‫َار َو ْج ُه ُه َح َّتى َك َأ َّن ُه ِق ْط َع ُة‬ ‫اس َتن َ‬‫س ْ‬ ‫اهللِ إِ َذا رُ َّ‬ ‫ول ِ‬ ‫ان َر ُس ُ‬ ‫ِع ْن ِد اهللِ‪َ ،‬و َك َ‬
‫ول اهللِِ‪،‬‬ ‫َق َم ٍر‪َ ،‬و ُك َّنا َن ْع ِر ُف َذلِ َك ِم ْن ُه‪َ ،‬ف َلماَّ َج َل ْس ُت َبينْ َ َيدَ ْي ِه ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ال‬‫ول اهللِ‪َ ،‬ق َ‬ ‫إِ َّن ِم ْن َت ْو َبتِي َأ ْن َأن َْخ ِل َع ِم ْن َماليِ َصدَ َق ًة إِلىَ اهللِِ َوإِلىَ َر ُس ِ‬
‫ض َمالِ َك َف ُه َو َخيرْ ٌ َل َك‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬فإِنيِّ‬ ‫اهللِ ‪َ :‬أ ْم ِس ْك َع َل ْي َك َب ْع َ‬ ‫ول ِ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫اهلل إِ َّنماَ َن َّجانيِ‬‫اهللِ إِ َّن َ‬
‫ول ِ‬ ‫ب‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ُأ ْم ِس ُك َس ْه ِمي ا َّل ِذي بِ َخ ْي رَ َ‬
‫يت‪َ ،‬ف َواهللِ‬ ‫ال ِصدْ ًقا َما َب ِق ُ‬ ‫ال ُأ َحدِّ َث إِ َّ‬ ‫الصدْ ِق‪َ ،‬وإِ َّن ِم ْن َت ْو َبتِي َأ ْن َ‬ ‫بِ ِّ‬

‫‪89‬‬
‫يث ُم ْن ُذ َذ َك ْر ُت‬ ‫اهلل فيِ ِصدْ ِق الحْ َ ِد ِ‬‫ال ُه ُ‬ ‫َما َأ ْع َل ُم َأ َحدً ا ِم ْن المْ ُ ْس ِل ِمنيَ َأ ْب َ‬
‫النيِ ‪َ ،‬ما َت َع َّمدْ ُت ُم ْن ُذ َذ َك ْر ُت َذلِ َك‬ ‫َأ ْح َس َن ممِ َّا َأ ْب َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َذلِ َك لِ َر ُس ِ‬
‫أل ْر ُجو َأ ْن يحَ ْ َف َظنِي ُ‬
‫اهلل‬ ‫إِلىَ َيو ِمي َه َذا َك ِذ ًبا‪َ ،‬وإِنيِّ َ‬ ‫اهللِ‬
‫ول ِ‬ ‫لِ َر ُس ِ‬
‫ْ‬
‫اهلل َع ىَل َر ُسولِ ِه ‪ :‬ﱹﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫يت‪َ ،‬و َأ ْنزَ َل ُ‬ ‫ِفيماَ َب ِق ُ‬
‫ﯞ ﯟﱸ إِلىَ َق ْولِ ِه‪ :‬ﱹﭷ ﭸ ﭹﱸ‪،‬‬
‫ال ِم َأ ْع َظ َم فيِ‬ ‫اهلل َعليَ َّ ِم ْن نِ ْع َم ٍة َق ُّط َب ْعدَ َأ ْن َهدَ انيِ ل ِ‬
‫إل ْس َ‬ ‫اهللِ َما َأن َْع َم ُ‬ ‫َف َو ِ‬
‫ون َك َذ ْب ُت ُه َف َأ ْه ِل َك َكماَ َه َل َك‬
‫ال َأ ُك َ‬
‫َأ ْن َ‬ ‫اهللِ‬
‫ول ِ‬ ‫َن ْفسيِ ِم ْن ِصدْ ِقي لِ َر ُس ِ‬
‫ين َك َذ ُبوا ِحنيَ َأ ْنزَ َل ا ْل َو ْح َي شرَ َّ َما َق َ‬
‫ال‬ ‫ال لِ َّل ِذ َ‬ ‫ين َك َذ ُبوا‪َ ،‬فإِ َّن َ‬
‫اهلل َق َ‬ ‫ا َّل ِذ َ‬
‫ار َك َو َت َعالىَ ‪ :‬ﱹﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱸ إِلىَ‬ ‫ال َت َب َ‬‫أل َح ٍد؛ َف َق َ‬‫َ‬
‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬و ُك َّنا‬ ‫َق ْولِ ِه‪ :‬ﱹﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﱸ‪َ ،‬ق َ‬
‫ِحنيَ‬ ‫اهللِ‬
‫ول ِ‬ ‫ين َقبِ َل ِم ْن ُه ْم َر ُس ُ‬ ‫ال َث ُة َع ْن َأ ْم ِر ُأو َلئِ َك ا َّل ِذ َ‬ ‫خَ َت َّل ْفنَا َأيهُّ َ ا ال َّث َ‬
‫َأ ْم َر َنا َح َّتى‬ ‫ول اهللِ‬ ‫اس َتغْ َف َر لهَ ُ ْم‪َ ،‬و َأ ْر َج َأ َر ُس ُ‬ ‫َح َل ُفوا َل ُه‪َ ،‬ف َبا َي َع ُه ْم َو ْ‬
‫س‬ ‫اهلل‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱸ‪َ ،‬و َل ْي َ‬ ‫ال ُ‬ ‫يه‪َ ،‬فبِ َذلِ َك َق َ‬ ‫َق ىَض ُ‬
‫اهلل ِف ِ‬
‫ت ِل ُيف ُه إِ َّيا َنا َوإِ ْر َجاؤُ ُه َأ ْم َر َنا‬
‫اهلل ممِ َّا ُخ ِّل ْفنَا َع ْن ا ْل َغ ْز ِو إِ َّنماَ ُه َو خَ ْ‬
‫ا َّل ِذي َذ َك َر ُ‬
‫اعت ََذ َر إِ َل ْي ِه َف َقبِ َل ِم ْن ُه»‪.‬‬
‫ف َل ُه َو ْ‬ ‫َع َّم ْن َح َل َ‬

‫وفرح ِه به‬
‫ِ‬ ‫بذلك‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫القيم‪« :‬ويف رُسو ِر‬
‫ابن ّ‬
‫‪ -1‬قال ُ‬
‫دليل عىل ما جعل اهلل فيه من ِ‬
‫كامل الشّ فقة عىل األ ّمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واستنارة وج ِهه ٌ‬
‫ٍ‬
‫كعب‬ ‫فرح‬
‫أعظم من ِ‬ ‫َ‬ ‫فرح ُه كان‬
‫لعل َ‬‫والرمحة هبم والرأفة‪ ،‬حتى ّ‬ ‫ِ‬
‫يفر َح بام ُ‬
‫ينال‬ ‫ببعض املسلمني أن َ‬ ‫ِ‬ ‫محة‬ ‫وصاح َب ْيه» ‪ .‬وقد تب ُلغُ ّ‬
‫الر ُ‬ ‫(‪)1‬‬

‫أكثر من ِ‬
‫فرحهم ألنفسهم‪.‬‬ ‫إخوا ُنه من اخلري َ‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)311/5‬‬

‫‪90‬‬
‫ٌ‬
‫رؤوف رحيم‬ ‫باملؤمنني‬

‫ُ‬
‫متابعة الصحابة لرسول اهلل ومعرف ُتهم به‬ ‫‪ -2‬يتبينّ ُ من ِ‬
‫الق ّصة‬
‫ِ‬
‫املصاح ُب‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫يف مجيع أحوالِه من رسو ٍر وغ ِ‬
‫ريه‪ .‬وهكذا ينبغي أن‬
‫كنت‬ ‫أهل العلم والفضل‪ ،‬وكان عبدُ الرمحن ُ‬
‫بن القاسم رمحه اهلل يقول‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫وكنت أجدُ منه يف‬
‫ُ‬ ‫آيت مالك ًا غ َلس ًا‪ ،‬فأسأ ُله عن مسألتني‪ ،‬ثالثة‪ ،‬أربعة‪،‬‬
‫سح ٍر‪.‬‬ ‫فكنت آيت َّ‬
‫كل َ‬ ‫ُ‬ ‫انرشاح صد ٍر‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫ذلك‬

‫ٍ‬
‫لكعب بال ُبرشى‪ ،‬مع أنّه‬ ‫الرسول تل ِّقيه‬ ‫ِ‬
‫أخالق َّ‬ ‫‪ -3‬من مكار ِم‬
‫ليس‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ٍ‬
‫كعب لل ُبرشى من‬ ‫وسامع‬
‫ُ‬ ‫الناس ل ُيبشرِّ وه‪،‬‬
‫َ‬ ‫آ َذن‬
‫كسامعه هلا من غريه‪.‬‬

‫عظيم من اهلل تعاىل عىل لسان خ ِ‬


‫ري‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬‫سام شرَ َ ٍ‬
‫كعب ِو َ‬
‫‪ -4‬لقد نال ٌ‬
‫ٍ‬
‫مشهد ش ِهدَ ُه‬ ‫كل‬ ‫عم َله ٌ‬
‫كعب‪ ،‬أو ّ‬ ‫كل عملٍ ِ‬ ‫الربية رسول اهلل ‪ِ ،‬‬
‫يعد ُل َّ‬
‫وأرفع منزلتَها عند اهلل تعاىل‬
‫َ‬ ‫أعظم َ‬
‫شأن التوبة‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬فام‬ ‫مع رسول اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫وعند رسوله‬

‫ِ‬
‫الصدق يف التوبة‪،‬‬ ‫يل عىل النعمة ومن‬ ‫ُ‬
‫إنفاق املال من الشك ِر العم ّ‬ ‫‪-5‬‬
‫وطلب دوام النعمة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﭭ ﭮ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصدق يف البذل‪،‬‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﱸ(‪.)1‬‬
‫يكاد‬ ‫ِ‬
‫وطلب التوبة ُ‬ ‫كرا للنعمة خاصة يف ترك الذنوب‬ ‫ُ‬
‫وإنفاق املال ُش ً‬
‫ُيف َقد يف زماننا‪.‬‬

‫ُ‬
‫رسول هلل‬ ‫‪ِ -6‬ع َظ ُم الفرح‪ ،‬وال ُبرشى‪ ،‬و ِوسام الشرّ ف الذي ق ّلده‬
‫ٍ‬
‫كعب املالية؛ فأ َم َر ُه باإلبقاء‬ ‫من ال ّنظر يف مصالح‬ ‫بي‬
‫منع ال ّن َّ‬
‫كع ًبا مل َي ِ‬

‫(‪ )1‬سورة إبراهيم‪.7 :‬‬

‫‪91‬‬
‫والنظر يف األصلح له‪ ،‬ولو‬
‫ُ‬ ‫صح للمسلم‬ ‫عىل ِ‬
‫بعض ماله‪ .‬ولذا َينبغي ال ُّن ُ‬
‫فيحس ُن بالعامل‬
‫ُ‬ ‫بعض مالِه الذي يريد أن ُينفقه يف سبيل اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يف إبقاء‬
‫صيحة هلم يف دينِ ِهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ص عىل نفع الناس وال ّن‬‫وطالب العلم أن يحَ ِر َ‬
‫ِ‬
‫فيقع الضرّ ر‪.‬‬
‫الفرح َ‬
‫ُ‬ ‫ودنياهم‪ ،‬وال ينبغي أن َ‬
‫يطغى‬

‫أعظم النِّعم‪ ،‬ومن الناس من‬


‫ِ‬ ‫‪ -7‬النجا ُة من اهلالك يف الدِّ ين من‬
‫والصحة‪ ،‬واألمن‪ ،‬وينسى ما هو‬ ‫ِّ‬ ‫َيقصرُ ُ الن َِّع َم عىل األكل‪ ،‬والرشب‪،‬‬
‫وترك الذنوب‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والنجاة من الفتن‬ ‫ِ‬
‫كالتوفيق للطاعة‪،‬‬ ‫أعظم منها‪:‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫لطاعة عظيمة مل‬ ‫سيارة ل َب ِق َي ً‬
‫دهرا ف ِر ًحا‪ ،‬أما إذا ُو ِّفق‬ ‫ٌ‬ ‫يت له‬ ‫فلو ُأ ِ‬
‫هد ْ‬
‫أن اهلل يقول‪ :‬ﱹﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫مثل ذلك الفرح‪ ،‬مع ّ‬ ‫َيظهر عليه ُ‬
‫ملّا‬ ‫عمر‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﱸ ‪ ،‬وجاء عن َ‬
‫(‪)1‬‬

‫أمامه فقال موال ُه‪:‬‬


‫أكواما َ‬ ‫ً‬ ‫ووضعت‬ ‫بكنوز كرسى وقيرص ُ‬ ‫جيء ُ‬
‫ثم تال اآلي َة‪ّ ،‬‬
‫ثم قال‪« :‬هذا مما‬ ‫فرح أنّه قال‪َ :‬‬
‫كذ ْب َت‪ّ ،‬‬ ‫بمثل هذا فل ُي َ‬
‫يجَ َمعون»(‪.)2‬‬

‫األمور‬‫حقائق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملعرفة‬ ‫أعظم نِ َع ِم اهلل عىل العبد أن ُيو ِّفقه‬
‫ِ‬ ‫‪ّ -8‬‬
‫إن من‬
‫الصالح‬ ‫احلميدة هلا‪ ،‬والرسو ِر بالعمل ّ‬ ‫ِ‬ ‫وإدراك العواقب‬ ‫ِ‬ ‫عىل وج ِهها‪،‬‬
‫مة‬ ‫كعب‪َ « :‬ف َواهلل ما َأن َْع َم اهلل ع َّ‬
‫يل من نِ ْع ٍ‬ ‫وإن كان شا ّق ًا عىل النفس‪ ،‬قال ٌ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل‬ ‫دقي‬ ‫َق ُّط بعدَ أن هداين لإلسالم َأ َ‬
‫عظ َم يف نفيس من ِص ِ‬
‫ولقيت من‬‫ُ‬ ‫ريا‬
‫فعلت خ ً‬
‫ُ‬ ‫وكثري من الناس يقول‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫أن ال أكون كذب ُت ُه»‪.‬‬
‫مستعج ٌل للعاقبة‪ ،‬وما يدريك؟ ّ‬
‫لعل اهلل ا ّد َخر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ومثل هذا‬ ‫ال ّناس ً‬
‫رشا‪،‬‬

‫(‪ )1‬سورة يونس‪.58 :‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن أيب حاتم (‪ ،)1960/6‬تفسري ابن كثري (‪.)553/2‬‬

‫‪92‬‬
‫ٌ‬
‫رؤوف رحيم‬ ‫باملؤمنني‬

‫أن اهلل‬ ‫ُ‬


‫تكون إليه‪ ،‬إ ّما يف الدنيا أو اآلخرة‪ ،‬أو ّ‬ ‫ريا جتدُ ُه َ‬
‫أحو َج ما‬ ‫لك خ ً‬
‫رش ًا عظيماً ‪.‬‬
‫قد دفع به عنك ّ‬

‫دت ُم ُ‬
‫نذ‬ ‫‪ -9‬ينبغي االستفاد ُة من اخلطإ يف تربية النفس‪« :‬ما َتع َّم ُ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل إىل يومي هذا كذ ًبا‪ ،‬وإين ألرجو أن يحَ فظني‬ ‫رت ذلك‬ ‫َ‬
‫ذك ُ‬
‫التام عىل اهلل‪ ،‬وعد ِم االتّكال‬ ‫ِ‬
‫االعتامد ّ‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫اهلل فيام َب ِق ُ‬
‫يت…»‪ ،‬مع‬
‫وتتكرر وال َيستفيدُ منها!‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫أخطاء‬ ‫يقع اإلنسان يف‬
‫عىل النفس ‪ ،‬وكم ُ‬
‫ُ‬
‫تأخذه نشو ُة ال ّنجاة‬ ‫ريه‪ ،‬وكم ممن‬ ‫ِ‬
‫أخطاء غ ِ‬ ‫ِ‬
‫االستفادة من‬ ‫فضلاً عن‬
‫َ‬
‫فضل اهلل عليه‪ ،‬وتأييدَ ُه له‪.‬‬ ‫فينسى‬
‫والنجاح َ‬
‫ِ‬ ‫واالنتصا ِر‬
‫بج ٍ‬
‫هد وابتالء‪« :‬واهلل ما‬ ‫الص ِ‬
‫دق التي ناهلا ُ‬ ‫كع ٌب قيم َة ِّ‬
‫عرف ْ‬ ‫‪َ -10‬‬
‫قط بعد أن هداين…»‪ ،‬ومن الناس من إذا َصدَ ق‬ ‫ٍ‬
‫نعمة ُّ‬ ‫أنعم اهلل ع ّ‬
‫يل من‬ ‫َ‬
‫بالء عزَ م عىل ِ‬
‫الكذب مستقبلاً !‪.‬‬ ‫يف أم ٍر ثم ناله ٌ‬
‫ٍ‬
‫وعناء‬ ‫بذل فيه من ُج ٍ‬
‫هد ومش ّقة‪،‬‬ ‫قيمة اليشء ب َقدْ ر ما ُي َ‬
‫‪ -11‬ترتفع ُ‬
‫أكثر من غريه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كعب‬ ‫قيمة الصدق عند‬ ‫وابتالء‪ ،‬وهلذا ارتفعت ُ‬

‫عدم تزكيتِه لنفسه‪ ،‬والتربؤُ من احلول‬ ‫ب ُ‬ ‫كع ٍ‬ ‫‪ -12‬من ِ‬


‫كامل إيامن ْ‬
‫فظني اهلل ِفيماَ َب ِق ُ‬
‫يت»‪.‬‬ ‫والقوة إال باهلل تعاىل‪« :‬وإين ألرجو أن يحَ َ‬
‫ّ‬

‫‪93‬‬
‫ُ‬
‫الخاتمة‬

‫أخي القارئ‪ :‬لعلك استمت َْع َت حني أبحرنا وإ ّياك يف املجتمع‬


‫النقي َة التي‬ ‫ُ‬
‫ونعايش تلك األجوا َء ّ‬ ‫النبوي الطاهر الشرّ يف كأنّنا نراه‪،‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫بأنفاس رسول اهلل ‪.‬‬ ‫رت‬ ‫ّ‬
‫تعط ْ‬

‫ومما استفدناه من هذه اجلولة الشيقة‪:‬‬

‫أنف ِسنا؛ كي نستمتِ َع بمثلِ هذه‬


‫إصالح ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫نعمل عىل‬ ‫‪ -‬أنّه َينبغي أن‬
‫األجواء‪.‬‬

‫‪ ،‬وأهنا النموذج‬ ‫بي‬ ‫ِ‬


‫سرية ال ّن ِّ‬ ‫‪ -‬أنّه جيب أن َنستشعر عظم َة‬
‫التطبيقي العم ّ‬
‫يل للحياة السعيدة‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫‪95‬‬
‫دق وأ َث َر ُه يف ال ّنرص‪ ،‬ولو َبدا ُم ًّرا يف بادئ‬ ‫‪ -‬لقد ملَ ْسنا مجيع ًا عاقب َة ّ‬
‫الص ِ‬
‫املجتمع بأكمله مع الصادق حني َيلت ِزم خ ُلقَ‬ ‫ُ‬ ‫األمر‪ ،‬وكيف َيتجاوب‬
‫الصدق‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫العناية باستنباط الدروس والفوائد من‬ ‫أدركت أمهي َة‬
‫َ‬ ‫‪ -‬لع ّلك‬
‫السرية النبوية‪.‬‬

‫ونرتس ُم‬
‫َّ‬ ‫‪،‬‬ ‫نتدارس فيها سري َة نب ِّينا‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كثرية‬ ‫نحتاج إىل َج َلسات‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ب‪.‬‬ ‫العظات ِ‬
‫والع رَ َ‬ ‫ِ‬ ‫طري َقه‪ ،‬ونست ْل ِه ُم منها‬

‫وس َّل َم عىل س ِّي ِد األنبياء واملرسلني‪،‬‬ ‫وصل ُ‬


‫اهلل َ‬ ‫ىّ‬ ‫واحلمدُ هلل ِّ‬
‫رب العاملني‪،‬‬
‫عبد اهلل وعىل آلِه وصحبِه‪.‬‬
‫بن ِ‬‫حمم ِد ِ‬
‫ّ‬

‫‪96‬‬
‫حديث كعب بن مالك‬

‫ول اهلل فيِ َغ ْز َو ٍة‬ ‫ف َع ْن َر ُس ِ‬ ‫قال‪ :‬لمَ ْ َأ خَ َت َّل ْ‬ ‫ك‬‫ب ْب ِن َمالِ ٍ‬ ‫َع ْن َك ْع ِ‬
‫وك‪َ ،‬غيرْ َ َأنيِّ ُك ْن ُت خَ َت َّل ْف ُت فيِ َغ ْز َو ِة َبدْ ٍر َولمَ ْ ُي َعاتِ ْب‬ ‫ال فيِ َغ ْز َو ِة َت ُب َ‬‫َغزَ َاها إِ َّ‬
‫ج َع ُ‬
‫اهلل‬ ‫ش َح َّتى مَ َ‬ ‫ول اهللِ ُي ِريدُ ِع َ‬
‫ري ُق َر ْي ٍ‬ ‫ف َع ْن َها‪ ،‬إِ َّنماَ َخ َر َج َر ُس ُ‬ ‫َأ َحدً ا خَ َت َّل َ‬
‫ول اهللِ َل ْي َل َة‬ ‫اد‪َ ،‬و َل َقدْ َش ِهدْ ُت َم َع َر ُس ِ‬ ‫َب ْين َُه ْم َو َبينْ َ َعدُ ِّو ِه ْم َع ىَل َغيرْ ِ ِم َيع ٍ‬
‫ال ِم‪َ ،‬و َما ُأ ِح ُّب َأ َّن ليِ بهِ َ ا َمشْ َهدَ َبدْ ٍر َوإِ ْن‬ ‫إل ْس َ‬ ‫ا ْل َع َق َب ِة ِحنيَ َت َوا َث ْقنَا َع ىَل ا ِ‬
‫بي‪َ :‬أنيِّ لمَ ْ َأ ُك ْن َق ُّط َأ ْق َوى‬ ‫ان ِم ْن َخ رَ ِ‬ ‫اس ِم ْن َها‪َ .‬ك َ‬ ‫َكا َن ْت َبدْ ٌر َأ ْذ َك َر فيِ ال َّن ِ‬
‫اجت ََم َع ْت ِع ْن ِدي َق ْب َل ُه‬ ‫ال َأيْسرَ َ ِحنيَ خَ َت َّل ْف ُت َع ْن ُه فيِ تِ ْل َك ا ْل َغزَ ِاة َو اهللِ َما ْ‬ ‫َو َ‬
‫ج ْع ُت ُهماَ فيِ تِ ْل َك ا ْل َغ ْز َو ِة‪.‬‬ ‫َان َق ُّط َح َّتى مَ َ‬‫اح َلت ِ‬ ‫َر ِ‬

‫ُي ِريدُ َغ ْز َو ًة إِ َّ‬


‫ال َو َّرى بِ َغيرْ ِ َها‪َ ،‬ح َّتى َكا َن ْت‬ ‫ول اهللِ‬
‫َولمَ ْ َي ُك ْن َر ُس ُ‬

‫‪97‬‬
‫اس َت ْق َب َل َس َف ًرا َب ِعيدً ا‬
‫يد‪َ ،‬و ْ‬ ‫ول اهللِ فيِ َح ٍّر َش ِد ٍ‬ ‫تِ ْل َك ا ْل َغ ْز َو ُة‪َ ،‬غزَ َاها َر ُس ُ‬
‫ريا‪َ ،‬ف َج ىَّل لِ ْل ُم ْس ِل ِمنيَ َأ ْم َر ُه ْم لِ َيت ََأ َّه ُبوا ُأ ْه َب َة َغ ْز ِو ِه ْم‪،‬‬
‫ازا َو َعدُ ًّوا َكثِ ً‬ ‫َو َم َف ً‬
‫ب ُه ْم بِ َو ْج ِه ِه ا َّل ِذي ُي ِريدُ ‪.‬‬‫َف َأ ْخ رَ َ‬
‫َاب َح ِ‬
‫اف ٌظ‪ُ ،‬ي ِريدُ‬ ‫ال يجَ َْم ُع ُه ْم ِكت ٌ‬ ‫َكثِ ٌري‪َ ،‬و َ‬ ‫ول اهللِ‬‫ون َم َع َر ُس ِ‬‫َوالمْ ُ ْس ِل ُم َ‬
‫ال َظ َّن َأ ْن َس َي ْخ َفى َل ُه َما‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬فماَ َر ُج ٌل ُي ِريدُ َأ ْن َيت ََغ َّي َب إِ َّ‬ ‫ان‪َ ،‬ق َ‬ ‫يو َ‬‫الدِّ َ‬
‫ول اهللِ تِ ْل َك ا ْل َغ ْز َو َة ِحنيَ َطا َب ْت ال ِّثماَ ُر‬ ‫يه َو ْح ُي اهللِ‪َ ،‬و َغزَ ا َر ُس ُ‬ ‫لمَ ْ َي ْن ِز ْل ِف ِ‬
‫َوالمْ ُ ْس ِل ُم َ‬
‫ون َم َع ُه‪.‬‬ ‫ال ُل‪َ ،‬وتجَ َ َّهزَ َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫الظ َ‬‫َو ِّ‬

‫ول فيِ‬ ‫ض َش ْيئًا َف َأ ُق ُ‬ ‫َف َط ِف ْق ُت َأ ْغدُ و لِ َك ْي َأتجَ َ َّهزَ َم َع ُه ْم َف َأ ْر ِج ُع َولمَ ْ َأ ْق ِ‬


‫اس الجْ ِدُّ ‪،‬‬ ‫اشتَدَّ بِال َّن ِ‬ ‫اد ٌر َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َل ْم َيزَ ْل َي َتماَ َدى بيِ َح َّتى ْ‬ ‫َن ْفسيِ ‪َ :‬أ َنا َق ِ‬
‫ض ِم ْن َج َها ِزي َش ْيئًا‪،‬‬ ‫ون َم َع ُه َولمَ ْ َأ ْق ِ‬‫َوالمْ ُ ْس ِل ُم َ‬ ‫ول اهللِ‬‫َف َأ ْص َب َح َر ُس ُ‬
‫َف ُق ْل ُت‪َ :‬أتجَ َ َّه ُز َب ْعدَ ُه بِ َي ْو ٍم َأ ْو َي ْو َمينْ ِ ُث َّم َألحْ َ ُق ُه ْم‪َ ،‬ف َغدَ ْو ُت َب ْعدَ َأ ْن َف َص ُلوا‬
‫ض َش ْيئًا‪،‬‬ ‫ض َش ْيئًا‪ُ ،‬ث َّم َغدَ ْو ُت ُث َّم َر َج ْع ُت َولمَ ْ َأ ْق ِ‬ ‫َ‬
‫ألتجَ َ َّهزَ َف َر َج ْع ُت َولمَ ْ َأ ْق ِ‬
‫ار َط ا ْل َغ ْز ُو‪َ ،‬وهمَ َ ْم ُت َأ ْن َأ ْرتحَ ِ َل َف ُأ ْد ِر َك ُه ْم‪،‬‬ ‫س ُعوا َو َت َف َ‬ ‫َف َل ْم َيزَ ْل بيِ َح َّتى َأ رْ َ‬
‫َو َل ْيتَنِي َف َع ْل ُت َف َل ْم ُي َقدَّ ْر ليِ َذلِ َك‪.‬‬

‫َف ُط ْف ُت ِفي ِه ْم‬ ‫ول اهللِ‬


‫وج َر ُس ِ‬ ‫َف ُك ْن ُت إِ َذا َخ َر ْج ُت فيِ ال َّن ِ‬
‫اس َب ْعدَ ُخ ُر ِ‬
‫اق َأ ْو َر ُجلاً ممِ َّْن َع َذ َر‬‫وصا َع َل ْي ِه ال ِّن َف ُ‬ ‫ال َأ َرى إِ َّ‬
‫ال َر ُجلاً َمغْ ُم ً‬ ‫َأ ْحزَ َننِي َأنيِّ َ‬
‫اء‪.‬‬‫الض َع َف ِ‬
‫اهلل ِم ْن ُّ‬‫ُ‬

‫س فيِ‬‫ال َو ُه َو َجالِ ٌ‬‫وك‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َح َّتى َب َلغَ َت ُب َ‬ ‫ول اهللِ‬


‫َولمَ ْ َي ْذ ُك ْرنيِ َر ُس ُ‬
‫ال َر ُج ٌل ِم ْن َبنِي َس ِل َم َة‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫وك‪َ :‬ما َف َع َل َك ْع ٌب؟ َف َق َ‬ ‫ا ْل َق ْو ِم بِ َت ُب َ‬
‫س َما ُق ْل َت‪َ ،‬واهللِ‬ ‫َح َب َس ُه ُب ْر َدا ُه َو َن َظ ُر ُه فيِ ِع ْط ِف ِه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال ُم َع ُ‬
‫اذ ْب ُن َج َبلٍ ‪ :‬بِ ْئ َ‬

‫‪98‬‬
‫حديث كعب بن مالك‬

‫‪.‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ال َخيرْ ً ا‪َ ،‬ف َس َك َت َر ُس ُ‬ ‫ول اهللِ َما َع ِل ْمنَا َع َل ْي ِه إِ َّ‬ ‫َيا َر ُس َ‬

‫افلاً َحضرَ َ نيِ همَ ِّ ي‪َ ،‬و َط ِف ْق ُت َأ َت َذ َّك ُر ا ْل َك ِذ َب‬ ‫َف َلماَّ َب َل َغنِي َأ َّن ُه َت َو َّج َه َق ِ‬
‫است ََع ْن ُت َع ىَل َذلِ َك بِ ُك ِّل ِذي َر ْأيٍ‬ ‫ول‪ :‬بِماَ َذا َأ ْخ ُر ُج ِم ْن َس َخ ِط ِه َغدً ا‪َ ،‬و ْ‬ ‫َو َأ ُق ُ‬
‫اط ُل‪،‬‬ ‫اح َعنِّي ا ْل َب ِ‬ ‫اد ًما َز َ‬‫َقدْ َأ َظ َّل َق ِ‬ ‫اهللِ‬
‫ول ِ‬ ‫يل‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫ِم ْن َأ ْهليِ ‪َ ،‬ف َلماَّ ِق َ‬
‫ج ْع ُت ِصدْ َق ُه‪،‬‬ ‫يه َك ِذ ٌب‪َ ،‬ف َأ مْ َ‬ ‫َو َع َر ْف ُت َأنيِّ َل ْن َأ ْخ ُر َج ِم ْن ُه َأ َبدً ا بِشيَ ْ ٍء ِف ِ‬
‫اد ًما‪.‬‬ ‫َق ِ‬ ‫اهللِ‬
‫ول ِ‬ ‫َو َأ ْص َب َح َر ُس ُ‬

‫س‬ ‫ان إِ َذا َق ِد َم ِم ْن َس َف ٍر َبدَ َأ بِالمْ َ ْس ِج ِد َفيرَ ْ َك ُع ِف ِ‬


‫يه َر ْك َعتَينْ ِ ُث َّم َج َل َ‬ ‫َو َك َ‬
‫ون‬‫ون إِ َل ْي ِه َويحَ ِْل ُف َ‬
‫ون َف َط ِف ُقوا َي ْعت َِذ ُر َ‬
‫اس‪َ ،‬ف َلماَّ َف َع َل َذلِ َك َجا َء ُه المْ ُ َخ َّل ُف َ‬ ‫لِل َّن ِ‬
‫النِ َيت َُه ْم‬
‫َع َ‬ ‫َل ُه َو َكا ُنوا بِ ْض َع ًة َو َثماَ نِنيَ َر ُجلاً ‪َ ،‬ف َقبِ َل ِم ْن ُه ْم َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫سائِ َر ُه ْم إِلىَ اهللِ‪.‬‬
‫اس َتغْ َف َر لهَ ُ ْم َو َو َك َل رَ َ‬
‫َو َبا َي َع ُه ْم َو ْ‬
‫ال‪َ ،‬ف ِج ْئ ُت‬ ‫ال‪َ :‬ت َع َ‬‫ب‪ُ ،‬ث َّم َق َ‬ ‫َف ِج ْئ ُت ُه َف َلماَّ َس َّل ْم ُت َع َل ْي ِه َت َب َّس َم َت َب ُّس َم المْ ُغْ َض ِ‬
‫ال ليِ ‪َ :‬ما َخ َّل َف َك؟ َألمَ ْ َت ُك ْن َق ِد ا ْبت َْع َت‬ ‫َأ ْمشيِ َح َّتى َج َل ْس ُت َبينْ َ َيدَ ْي ِه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َظ ْه َر َك؟ َف ُق ْل ُت‪َ :‬ب ىَل‪ ،‬إِنيِّ َواهللِ َل ْو َج َل ْس ُت ِع ْندَ َغيرْ ِ َك ِم ْن َأ ْهلِ الدُّ ْن َيا َل َر َأ ْي ُت‬
‫يت َجدَ لاً ‪َ ،‬و َل ِكنِّي َواهللِ َل َقدْ َع ِل ْم ُت‬ ‫َأ ْن َس َأخْ ُر ُج ِم ْن َس َخ ِط ِه بِ ُع ْذ ٍر‪َ ،‬و َل َقدْ ُأ ْع ِط ُ‬
‫وش َك َّن اهلل َأ ْن ُي ْس ِخ َط َك‬ ‫ب َت ْر ىَض بِ ِه َعنِّي َل ُي ِ‬ ‫يث َك ِذ ٍ‬ ‫َلئِ ْن َحدَّ ْث ُت َك ا ْل َي ْو َم َح ِد َ‬
‫يث ِصدْ ٍق تجَ ِدُ َعليَ َّ ِف ِيه إِنيِّ َأل ْر ُجو ِف ِيه َع ْف َو اهللِ‪َ ،‬ال‬ ‫َعليَ َّ ‪َ ،‬و َلئِ ْن َحدَّ ْث ُت َك َح ِد َ‬
‫ان ليِ ِم ْن ُع ْذ ٍر‪ ،‬واهللِ َما ُك ْن ُت َق ُّط َأ ْق َوى َو َال َأيْسرَ َ ِمنِّي ِح َ‬
‫ني خَ َت َّل ْف ُت‬ ‫َواهللِ َما َك َ‬
‫يك‪.‬‬ ‫اهلل ِف َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ول اهللِ ‪َ :‬أ َّما َه َذا َف َقدْ َصدَ َق‪َ ،‬ف ُق ْم َح َّتى َي ْق َ ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َك‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال ِم ْن َبنِي َس ِل َم َة‪َ ،‬فا َّت َب ُعونِ َف َقا ُلوا لِ‪َ :‬واهللِ َما َع ِل ْمن َ‬
‫َاك‬ ‫ار ِر َج ٌ‬ ‫َف ُق ْم ُت َو َث َ‬
‫اعت ََذ ْر َت إِلَ َر ُس ِ‬
‫ول‬ ‫ون ْ‬ ‫ال َت ُك َ‬‫ُك ْن َت َأ ْذ َن ْب َت َذ ْن ًبا َق ْب َل َه َذا‪َ ،‬و َل َقدْ َع َج ْز َت َأ ْن َ‬
‫استِغْ َف ُار َر ُس ِ‬
‫ول‬ ‫ان َك ِ‬
‫اف َي َك َذ ْن َب َك ْ‬ ‫ون‪َ ،‬قدْ َك َ‬ ‫اعت ََذ َر إِ َل ْي ِه ا ُلْت ََخ ِّل ُف َ‬
‫اهللِ بِمَ ْ‬

‫‪99‬‬
‫اهللِ َل َك‪َ ،‬ف َواهللِ َما َزا ُلوا ُيؤَ ِّن ُبونِ َح َّتى َأ َر ْد ُت َأ ْن َأ ْر ِج َع َف ُأ َك ِّذ َب َن ْفسِ‪،‬‬
‫اال ِمث َْل َما‬
‫ال ِن َق َ‬ ‫ُث َّم ُق ْل ُت ُلَ ْم‪َ :‬ه ْل َل ِق َي َه َذا َم ِعي َأ َحدٌ ؟ َقا ُلوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ر ُج َ‬
‫هُا؟ َقا ُلوا‪ُ :‬م َر َار ُة ْب ُن َّ‬
‫الربِ ِ‬
‫يع‬ ‫يل َل َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬م ْن َ‬ ‫يل ُلَمَ ِمث ُْل َما ِق َ‬ ‫ُق ْل َت‪َ ،‬ف ِق َ‬
‫الِ ِ‬
‫يْ َقدْ َش ِهدَ ا‬ ‫يْ َص َ‬ ‫ال ُل ْب ُن ُأ َم َّي َة ا ْل َو ِاق ِف ُّي‪َ ،‬ف َذ َك ُروا لِ َر ُج َل ِ‬
‫ا ْل َع ْم ِر ُّي َو ِه َ‬
‫َبدْ ًرا ِفي ِهمَ ُأ ْس َو ٌة‪َ ،‬ف َم َض ْي ُت ِحنيَ َذ َك ُرو َ‬
‫هُا لِ‪.‬‬

‫َاك‬ ‫ال ِم ْن َبنِي َس ِل َم َة‪َ ،‬فا َّت َب ُعونِ َف َقا ُلوا لِ‪ :‬واهللِ َما َع ِل ْمن َ‬ ‫ار ِر َج ٌ‬ ‫َف ُق ْم ُت َو َث َ‬
‫ول‬‫اعت ََذ ْر َت إِلَ َر ُس ِ‬ ‫ون ْ‬ ‫ال َت ُك َ‬‫ُك ْن َت َأ ْذ َن ْب َت َذ ْن ًبا َق ْب َل َه َذا‪َ ،‬و َل َقدْ َع َج ْز َت َأ ْن َ‬
‫ول‬ ‫استِغْ َف ُار َر ُس ِ‬ ‫ان َك ِ‬
‫اف َي َك َذ ْن َب َك ْ‬ ‫ون‪َ ،‬قدْ َك َ‬ ‫اعت ََذ َر إِ َل ْي ِه ا ُلْت ََخ ِّل ُف َ‬
‫اهللِ بِمَ ْ‬
‫اهللِ َل َك‪َ ،‬ف َواهللِ َما َزا ُلوا ُيؤَ ِّن ُبونِ َح َّتى َأ َر ْد ُت َأ ْن َأ ْر ِج َع َف ُأ َك ِّذ َب َن ْفسِ‪،‬‬
‫اال ِمث َْل َما‬ ‫ال ِن َق َ‬‫ُث َّم ُق ْل ُت ُلَ ْم‪َ :‬ه ْل َل ِق َي َه َذا َم ِعي َأ َحدٌ ؟ َقا ُلوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ر ُج َ‬
‫هُا؟ َقا ُلوا‪ُ :‬م َر َار ُة ْب ُن َّ‬
‫الربِ ِ‬
‫يع‬ ‫يل َل َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬م ْن َ‬ ‫يل ُلَمَ ِمث ُْل َما ِق َ‬ ‫ُق ْل َت‪َ ،‬ف ِق َ‬
‫يْ َقدْ َش ِهدَ ا‬ ‫الِ ِ‬
‫يْ َص َ‬ ‫ال ُل ْب ُن ُأ َم َّي َة ا ْل َو ِاق ِف ُّي‪َ ،‬ف َذ َك ُروا لِ َر ُج َل ِ‬ ‫ا ْل َع ْم ِر ُّي َو ِه َ‬
‫هُا لِ‪.‬‬ ‫َبدْ ًرا ِفي ِهمَ ُأ ْس َو ٌة‪َ ،‬ف َم َض ْي ُت ِحنيَ َذ َك ُرو َ‬

‫يْ َم ْن تَ َّل َف‬ ‫ال َث ُة ِم ْن َب ِ‬ ‫ال ِمنَا َأ َ ُّيا ال َّث َ‬


‫ني َع ْن َك َ‬ ‫ول اهللِ ا ُلْ ْس ِل ِم َ‬ ‫َونَى َر ُس ُ‬
‫ض َفمَ ِه َي‬ ‫األ ْر ُ‬ ‫اس َو َت َغ ُيَّوا َلنَا َح َّتى َتن ََّكر ْت فِ َن ْفسِ َ‬ ‫َع ْن ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫اج َت َن َبنَا ال َّن ُ‬
‫َ‬
‫است ََكا َنا َو َق َعدَ ا‬ ‫اي َف ْ‬ ‫اح َب َ‬‫ني َل ْي َل ًة‪َ ،‬ف َأ َّما َص ِ‬ ‫خَ ِس َ‬ ‫ا َّلتِي َأ ْع ِر ُف‪َ ،‬ف َلبِ ْثنَا َعلَ َذلِ َك ْ‬
‫ان‪َ ،‬و َأ َّما َأ َنا َف ُك ْن ُت َأ َش َّب ا ْل َق ْو ِم َو َأ ْج َلدَ ُه ْم‪َ ،‬ف ُك ْن ُت َأ ْخ ُر ُج‬ ‫فِ ُب ُيوتِمَ َي ْب ِك َي ِ‬
‫ال ُي َك ِّل ُمنِي َأ َحدٌ ‪،‬‬ ‫اق َو َ‬ ‫األ ْس َو ِ‬ ‫وف فِ َ‬ ‫ني َو َأ ُط ُ‬ ‫ال َة َم َع ا ُْل ْس ِل ِم َ‬ ‫الص َ‬ ‫َف َأ ْش َهدُ َّ‬
‫ول فِ‬ ‫ال ِة‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬ ‫الص َ‬ ‫َف ُأ َس ِّل ُم َع َل ْي ِه َو ُه َو فِ مَ ِْل ِس ِه َب ْعدَ َّ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َوآتِ َر ُس َ‬
‫ال؟ ُث َّم ُأ َصلِّ َق ِري ًبا ِم ْن ُه َف ُأ َسا ِر ُق ُه‬ ‫لَ َأ ْم َ‬ ‫َن ْفسِ َه ْل َح َّر َك َش َفت َْي ِه بِ َر ِّد َّ‬
‫الس َ‬
‫ال ِم َع َّ‬
‫ض َعنِّي‪.‬‬ ‫التِ َأ ْق َب َل إِ َّلَ َوإِ َذا ا ْل َت َف ُّت َن ْح َو ُه َأ ْع َر َ‬ ‫ال َّن َظ َر‪َ ،‬فإِ َذا َأ ْق َب ْل ُت َعلَ َص َ‬

‫‪100‬‬
‫حديث كعب بن مالك‬

‫اس َم َش ْي ُت َح َّتى َت َس َّو ْر ُت‬ ‫لَ َذلِ َك ِم ْن َج ْف َو ِة ال َّن ِ‬ ‫ال َع َّ‬ ‫َح َّتى إِ َذا َط َ‬
‫اس إِ َّلَ‪َ ،‬ف َس َّل ْم ُت‬ ‫ِجدَ َار َحائِ ِط َأبِ َقتَا َد َة‪َ ،‬و ُه َو ا ْب ُن َع ِّمي َو َأ َح ُّب ال َّن ِ‬
‫ال َم‪َ .‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َأ َبا َقتَا َد َة‪َ ،‬أن ُْشدُ َك باهللِِ‪َ ،‬ه ْل‬ ‫الس َ‬ ‫َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َو ِ‬
‫اهللِ َما َر َّد َع َّ‬
‫لَ َّ‬
‫اهلل َو َر ُسو َل ُه؟ َف َس َك َت‪َ ،‬ف ُعدْ ُت َل ُه َفن ََشدْ ُت ُه‪َ ،‬ف َس َك َت‪،‬‬ ‫َت ْع َل ُمنِي ُأ ِح ُّب َ‬
‫َاي‪َ ،‬و َت َو َّل ْي ُت‬
‫اض ْت َع ْين َ‬ ‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ف َف َ‬
‫ال‪ُ :‬‬‫َف ُعدْ ُت َل ُه َفن ََشدْ ُت ُه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫لْدَ َار‪.‬‬
‫َح َّتى َت َس َّو ْر ُت ا ِ‬

‫الش ْأ ِم مِ َّْن َق ِد َم‬ ‫اط َأ ْهلِ َّ‬‫وق الَْ ِدين َِة إِ َذا َن َب ِط ٌّي ِم ْن َأ ْن َب ِ‬
‫َف َب ْينَا َأ َنا َأ ْمشِ بِ ُس ِ‬
‫اس‬ ‫ك؟ َف َط ِفقَ ال َّن ُ‬ ‫ب ْب ِن َمالِ ٍ‬ ‫ول‪َ :‬م ْن َيدُ ُّل َعلَ َك ْع ِ‬ ‫الط َعا ِم َيبِ ُيع ُه بِالَْ ِدين َِة َي ُق ُ‬
‫بِ َّ‬
‫يه‪َ :‬أ َّما‬ ‫ان‪َ ،‬فإِ َذا ِف ِ‬‫ك َغ َّس َ‬ ‫ون َل ُه َح َّتى إِ َذا َجا َءنِ َد َف َع إِ َّلَ ِكتَا ًبا ِم ْن َم ِل ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ُي ِش ُ‬
‫ان‬‫اهلل بِدَ ا ِر َه َو ٍ‬ ‫اك‪َ ،‬و ْلَ يَ َْع ْل َك ُ‬ ‫اح َب َك َقدْ َج َف َ‬ ‫َب ْعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن ُه َقدْ َب َل َغنِي َأ َّن َص ِ‬
‫ال ِء‬‫اس َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت لََّا َق َر ْأتَُا‪َ :‬و َه َذا َأ ْي ًضا ِم ْن ا ْل َب َ‬ ‫لْقْ بِنَا ُن َو ِ‬ ‫ال َم ْض َي َع ٍة‪َ ،‬فا َ‬ ‫َو َ‬
‫ور َف َس َج ْر ُت ُه َبِا‪.‬‬ ‫َف َت َي َّم ْم ُت َبِا ال َّت ُّن َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ول َر ُس ِ‬ ‫لْ ْم ِسنيَ إِذا َر ُس ُ‬ ‫ون َل ْي َل ًة ِم ْن ا َ‬ ‫َح َّتى إِ َذا َم َض ْت َأ ْر َب ُع َ‬
‫َي ْأ ُم ُر َك َأ ْن َت ْع َت ِز َل ا ْم َر َأ َت َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ال‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫َي ْأتِينِي‪َ ،‬ف َق َ‬
‫اح َب َّي‬ ‫ال َت ْق َر َ ْبا‪َ ،‬و َأ ْر َس َل إِلَ َص ِ‬‫اع َت ِز َلْا َو َ‬ ‫ال َب ْل ْ‬‫ال‪َ :‬‬ ‫ُأ َط ِّل ُق َها َأ ْم َما َذا َأ ْف َع ُل؟ َق َ‬
‫هلل‬
‫ضا ُ‬ ‫ك َفت َُكونِ ِع ْندَ ُه ْم َح َّتى َي ْق َ ِ‬ ‫لْ ِقي بِ َأ ْه ِل ِ‬ ‫ِمث َْل َذلِ َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت ال ْم َر َأتِ‪ :‬ا َ‬
‫ول اهللِ ‪،‬‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬ف َجا َء ْت ا ْم َر َأ ُة ِه َ‬
‫ال ِل ْب ِن ُأ َم َّي َة َر ُس َ‬ ‫فِ َه َذا َ‬
‫األ ْم ِر‪َ .‬ق َ‬
‫ُ‬
‫اد ٌم‪َ ،‬ف َه ْل‬ ‫س َل ُه َخ ِ‬ ‫ال َل ْب َن أ َم َّي َة َش ْي ٌخ َضائِ ٌع َل ْي َ‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬إِ َّن ِه َ‬ ‫َف َقا َل ْت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ك‪َ ،‬قا َل ْت‪ :‬إِ َّن ُه َواهللِ َما بِ ِه َح َر َك ٌة‬ ‫ال َي ْق َر ْب ِ‬ ‫ال‪َ ،‬و َل ِك ْن َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫َت ْك َر ُه َأ ْن َأ ْخدُ َم ُه؟ َق َ‬
‫ال‬ ‫ان إِلَ َي ْو ِم ِه َه َذا‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ان ِم ْن َأ ْم ِر ِه َما َك َ‬ ‫ال َي ْب ِكي ُم ْن ُذ َك َ‬ ‫شَ ٍء‪َ ،‬واهللِ َما َز َ‬‫إِلَ ْ‬
‫ول اهللِ فِ ا ْم َر َأتِ َك َكمَ َأ ِذ َن ال ْم َر َأ ِة‬ ‫است َْأ َذن َْت َر ُس َ‬ ‫ض َأ ْهلِ‪َ :‬ل ْو ْ‬ ‫لِ َب ْع ُ‬

‫‪101‬‬
‫‪،‬‬ ‫ال َأ ْست َْأ ِذ ُن ِف َيها َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ال ِل ْب ِن ُأ َم َّي َة َأ ْن ْتَدُ َم ُه‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬واهللِ َ‬
‫ِه َ‬
‫است َْأ َذ ْن ُت ُه ِف َيها‪َ ،‬و َأ َنا َر ُج ٌل َش ٌّ‬
‫اب‪،‬‬ ‫ول اهللِ إِ َذا ْ‬ ‫ول َر ُس ُ‬ ‫َو َما ُيدْ ِرينِي َما َي ُق ُ‬
‫ون َل ْي َل ًة ِم ْن ِحنيَ َنى‬ ‫ال َح َّتى َك َم َل ْت َلنَا ْ‬
‫خَ ُس َ‬ ‫َذلِ َك َع َ‬
‫شْ َل َي ٍ‬ ‫َف َلبِث ُْت َب ْعدَ‬
‫ال ِمنَا‪.‬‬
‫َع ْن َك َ‬ ‫ول اهللِ‬
‫َر ُس ُ‬

‫لَ ال َّنبِ ُّي ‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ال ُي َصلِّ َع َّ‬ ‫وت َف َ‬ ‫شَ ٍء َأ َه ُّم إِ َّلَ ِم ْن َأ ْن َأ ُم َ‬ ‫َو َما ِم ْن ْ‬
‫ال ُي َك ِّل ُمنِي َأ َحدٌ‬
‫اس بِتِ ْل َك الَْ ْن ِز َل ِة‪َ ،‬ف َ‬ ‫َف َأ ُك َ‬
‫ون ِم ْن ال َّن ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫وت َر ُس ُ‬‫َي ُم َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ِم ْن ُه ْم َو َ‬
‫ال ُي َصلِّ َع َّ َ‬

‫اآلخ ُر ِم ْن ال َّل ْيلِ‬


‫ِ‬ ‫ِحنيَ َب ِق َي ال ُّث ُل ُث‬ ‫َف َأ ْنزَ َل ُ‬
‫اهلل َت ْو َب َتنَا َعلَ َنبِ ِّي ِه‬
‫ِع ْندَ ُأ ِّم َس َل َم َة‪َ ،‬و َكا َن ْت ُأ ُّم َس َل َم َة مُ ِْس َن ًة فِ َش ْأنِ َم ْعنِ َّي ًة‬ ‫ول اهللِ‬
‫َو َر ُس ُ‬
‫ب‪َ .‬قا َل ْت‪َ :‬أ َف َ‬
‫ال‬ ‫يب َعلَ َك ْع ٍ‬ ‫ول اهللِ ‪َ :‬يا ُأ َّم َس َل َم َة‪ ،‬تِ َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫فِ َأ ْم ِري‪َ ،‬ف َق َ‬
‫اس‪َ ،‬ف َي ْمن َُعو َن ُك ْم ال َّن ْو َم َسائِ َر‬ ‫ال‪ :‬إِ ًذا يَ ِْط َم ُك ُم ال َّن ُ‬
‫ش ُه؟ َق َ‬ ‫ُأ ْر ِس ُل إِ َل ْي ِه َف ُأ َب َِّ‬
‫ال َة ا ْل َف ْج ِر آ َذ َن بِت َْو َب ِة اهللِ َع َل ْينَا‪.‬‬
‫َص َ‬ ‫ال َّل ْي َل ِة َح َّتى إِ َذا َصلَّ َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬

‫ت ِم ْن‬ ‫خَ ِسنيَ َل ْي َل ًة َو َأ َنا َعلَ َظ ْه ِر َب ْي ٍ‬ ‫ال َة ا ْل َف ْج ِر ُص ْب َح ْ‬ ‫َف َلمَّ َص َّل ْي ُت َص َ‬


‫لَ َن ْفسِ‪،‬‬ ‫اهلل‪َ :‬قدْ َضا َق ْت َع َّ‬ ‫ال ا َّلتِي َذ َك َر ُ‬ ‫لْ ِ‬ ‫ُب ُيوتِنَا‪َ ،‬ف َب ْينَا َأ َنا َجالِ ٌس َعلَ ا َ‬
‫ض بِمَ َر ُح َب ْت َس ِم ْع ُت َص ْو َت َصا ِر ٍخ َأ ْوفَ َعلَ َج َبلِ‬ ‫لَ َ‬
‫األ ْر ُ‬ ‫َو َضا َق ْت َع َّ‬
‫اجدً ا‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ف َخ َر ْر ُت َس ِ‬ ‫ش! َق َ‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْب ِْ‬ ‫َس ْل ٍع بِ َأ ْعلَ َص ْوتِ ِه‪َ :‬يا َك ْع ُب ْب َن َمالِ ٍ‬
‫ول اهللِ بِت َْو َب ِة اهللِ َع َل ْينَا ِحنيَ َصلَّ‬ ‫َو َع َر ْف ُت َأ ْن َقدْ َجا َء َف َر ٌج‪َ ،‬وآ َذ َن َر ُس ُ‬
‫ون‬ ‫ش َ‬ ‫شو َننَا‪َ ،‬و َذ َه َب ِق َب َل َص ِ‬
‫اح َب َّي ُم َب ُِّ‬ ‫اس ُي َب ُِّ‬‫ال َة ا ْل َف ْج ِر‪َ ،‬ف َذ َه َب ال َّن ُ‬ ‫َص َ‬
‫ان‬‫لْ َبلِ ‪َ ،‬و َك َ‬ ‫ض إِ َّلَ َر ُج ٌل َف َر ًسا‪َ ،‬و َس َعى َسا ٍع ِم ْن َأ ْس َل َم َف َأ ْوفَ َعلَ ا َ‬ ‫َو َر َك َ‬
‫شنِ‬ ‫س‪َ ،‬ف َلمَّ َجا َءنِ ا َّل ِذي َس ِم ْع ُت َص ْو َت ُه ُي َب ُِّ‬ ‫س َع ِم ْن ا ْل َف َر ِ‬ ‫الص ْو ُت َأ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫هُا َي ْو َمئِ ٍذ‪،‬‬ ‫يْ َ‬‫شْا ُه‪َ ،‬واهللِ‪َ ،‬ما َأ ْم ِل ُك َغ َ‬ ‫هُا بِ ُب َ‬ ‫بَ َف َك َس ْو ُت ُه إِ َّيا َ‬
‫َنزَ ْع ُت َل ُه َث ْو َّ‬

‫‪102‬‬
‫حديث كعب بن مالك‬

‫اس‬ ‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َي َت َل َّقانِ ال َّن ُ‬‫يْ َف َلبِ ْس ُت ُهمَ‪َ ،‬وان َْط َل ْق ُت إِلَ َر ُس ِ‬ ‫است ََع ْر ُت َث ْو َب ِ‬
‫َو ْ‬
‫ال َك ْع ٌب‪:‬‬ ‫ون‪ :‬لِت َْهنِ َك َت ْو َب ُة اهللِ َع َل ْي َك‪َ ،‬ق َ‬
‫َف ْو ًجا َف ْو ًجا َ ُي ُّنونِ بِال َّت ْو َب ِة؛ َي ُقو ُل َ‬
‫ام‬ ‫اس‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َجالِ ٌس َح ْو َل ُه ال َّن ُ‬ ‫ول اهللِ‬
‫َح َّتى َد َخ ْل ُت الَْ ْس ِجدَ ‪َ ،‬فإِ َذا َر ُس ُ‬
‫ام إِ َّلَ‬ ‫إِ َّلَ َط ْل َح ُة ْب ُن ُع َب ْي ِد اهللِ َ ُي ْر ِو ُل‪َ ،‬ح َّتى َصا َف َحنِي َو َه َّنانِ‪َ ،‬واهللِ‪َ ،‬ما َق َ‬
‫اها لِ َط ْل َح َة‪.‬‬‫ال َأن َْس َ‬
‫يْ ُه‪َ ،‬و َ‬
‫ين َغ َ‬ ‫َر ُج ٌل ِم ْن ا ُلْ َه ِ‬
‫اج ِر َ‬

‫ب ُق‬ ‫َو ُه َو َي ُ ْ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َق َ‬ ‫ول اهللِ‬‫َف َلمَّ َس َّل ْم ُت َعلَ َر ُس ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ْك ُأ ُّم َك‪َ ،‬ق َ‬
‫ي َي ْو ٍم َم َّر َع َل ْي َك ُم ْن ُذ َو َلدَ ت َ‬
‫ش بِ َخ ِْ‬ ‫سو ِر‪َ :‬أ ْب ِْ‬ ‫َو ْج ُه ُه ِم ْن ال ُُّ‬
‫ال‪َ ،‬ب ْل ِم ْن ِع ْن ِد‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ول اهللِ َأ ْم ِم ْن ِع ْن ِد اهللِ؟ َق َ‬ ‫ُق ْل ُت‪َ :‬أ ِم ْن ِع ْن ِد َك َيا َر ُس َ‬
‫َار َو ْج ُه ُه َح َّتى َك َأ َّن ُه ِق ْط َع ُة َق َم ٍر‪،‬‬
‫اس َتن َ‬‫س ْ‬ ‫ول اهللِ إِ َذا َُّ‬ ‫ان َر ُس ُ‬ ‫اهللِ‪َ ،‬و َك َ‬
‫ول اهللِ‪ ،‬إِ َّن‬ ‫يْ َيدَ ْي ِه ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َو ُك َّنا َن ْع ِر ُف َذلِ َك ِم ْن ُه‪َ ،‬ف َلمَّ َج َل ْس ُت َب َ‬
‫ول‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ق َ‬ ‫ِم ْن َت ْو َبتِي َأ ْن َأن َْخ ِل َع ِم ْن َمالِ َصدَ َق ًة إِلَ اهللِ َوإِلَ َر ُس ِ‬
‫ي َل َك‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬فإِنِّ ُأ ْم ِس ُك‬ ‫ض َمالِ َك َف ُه َو َخ ٌ ْ‬ ‫اهللِ ‪َ :‬أ ْم ِس ْك َع َل ْي َك َب ْع َ‬
‫الصدْ ِق‪،‬‬ ‫اهلل إِ َّنمَ َن َّجانِ بِ ِّ‬ ‫ول اهللِ إِ َّن َ‬ ‫َس ْه ِمي ا َّل ِذي بِ َخ ْيبَ‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫يت‪َ ،‬ف َواهللِ َما َأ ْع َل ُم َأ َحدً ا‬ ‫ال ِصدْ ًقا َما َب ِق ُ‬ ‫ال ُأ َحدِّ َث إِ َّ‬ ‫َوإِ َّن ِم ْن َت ْو َبتِي َأ ْن َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫يث ُم ْن ُذ َذ َك ْر ُت َذلِ َك لِ َر ُس ِ‬ ‫لْ ِد ِ‬ ‫اهلل فِ ِصدْ ِق ا َ‬ ‫ال ُه ُ‬ ‫ِم ْن ا ُلْ ْس ِل ِمنيَ َأ ْب َ‬
‫ول اهللِ إِلَ‬ ‫النِ‪َ ،‬ما َت َع َّمدْ ُت ُم ْن ُذ َذ َك ْر ُت َذلِ َك لِ َر ُس ِ‬ ‫َأ ْح َس َن مَِّا َأ ْب َ‬
‫اهلل َعلَ‬ ‫يت‪َ ،‬و َأ ْنزَ َل ُ‬ ‫أل ْر ُجو َأ ْن ْيَ َف َظنِي ُ‬
‫اهلل ِفيمَ َب ِق ُ‬ ‫َيو ِمي َه َذا َك ِذ ًبا‪َ ،‬وإِنِّ َ‬
‫ْ‬
‫‪ :‬ﱹﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﱸ‬ ‫َر ُسولِ ِه‬
‫ل ِم ْن نِ ْع َم ٍة‬ ‫إِلَ َق ْولِ ِه‪ :‬ﱹﭷ ﭸ ﭹﱸ‪َ ،‬ف َواهللِ َما َأن َْع َم ُ‬
‫اهلل َع َّ َ‬
‫ول اهللِ َأ ْن‬ ‫ال ِم َأ ْع َظ َم فِ َن ْفسِ ِم ْن ِصدْ ِقي لِ َر ُس ِ‬ ‫إل ْس َ‬‫َق ُّط َب ْعدَ َأ ْن َهدَ انِ ل ِ‬
‫ين َك َذ ُبوا‬ ‫ال لِ َّل ِذ َ‬ ‫ين َك َذ ُبوا‪َ ،‬فإِ َّن َ‬
‫اهللِ َق َ‬ ‫ون َك َذ ْب ُت ُه َف َأ ْه ِل َك َكمَ َه َل َك ا َّل ِذ َ‬ ‫ال َأ ُك َ‬ ‫َ‬

‫‪103‬‬
‫ال َت َب َار َك َو َت َعالَ‪ :‬ﱹﭲ‬ ‫أل َح ٍد؛ َف َق َ‬ ‫ال َ‬ ‫ِحنيَ َأ ْنزَ َل ا ْل َو ْح َي َّ‬
‫شَ َما َق َ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱸ إِلَ َق ْولِ ِه‪ :‬ﱹﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ين‬ ‫ال َث ُة َع ْن َأ ْم ِر ُأو َلئِ َك ا َّل ِذ َ‬ ‫ال َك ْع ٌب‪َ :‬و ُك َّنا تَ َّل ْفنَا َأ َ ُّيا ال َّث َ‬ ‫ﮖﱸ‪َ ،‬ق َ‬
‫اس َتغْ َف َر ُ َل ْم‪َ ،‬و َأ ْر َج َأ‬ ‫ِحنيَ َح َل ُفوا َل ُه‪َ ،‬ف َبا َي َع ُه ْم َو ْ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َقبِ َل ِم ْن ُه ْم َر ُس ُ‬
‫اهلل‪ :‬ﱹﭑ ﭒ‬ ‫ال ُ‬ ‫يه‪َ ،‬فبِ َذلِ َك َق َ‬ ‫َأ ْم َر َنا َح َّتى َقضَ ُ‬
‫اهلل ِف ِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫هلل ِمَّا ُخ ِّل ْفنَا َع ْن ا ْل َغ ْز ِو إِ َّنمَ ُه َو ْ َ‬
‫ت ِل ُيف ُه‬ ‫س ا َّل ِذي َذ َك َر ا ُ‬ ‫ﭓ ﭔﱸ‪َ ،‬و َل ْي َ‬
‫اعت ََذ َر إِ َل ْي ِه َف َقبِ َل ِم ْن ُه»‪.‬‬
‫ف َل ُه َو ْ‬ ‫إِ َّيا َنا َوإِ ْر َجاؤُ ُه َأ ْم َر َنا َع َّم ْن َح َل َ‬

‫[أخرجه البخاري ح‪ ،4418‬ومسلم ح‪.]2769‬‬

‫‪104‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫رقم الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪9‬‬ ‫بِر الوالدَ ين بركة‬


‫‪13‬‬ ‫عملِ اخلري‬
‫للتقاعس عن َ‬
‫ُ‬ ‫سو َغ‬
‫ال ُم ِّ‬
‫‪17‬‬ ‫ٍ‬
‫حالة ما يناس ُبها‬ ‫ّ‬
‫لكل‬
‫‪19‬‬ ‫املجتمع تربى عىل حتمل املسؤولية‬
‫‪23‬‬ ‫تضييع ُ‬
‫للف َرص‬ ‫ٌ‬ ‫يف التسويف‬
‫‪27‬‬ ‫املتخاذلِني‬
‫ِ‬ ‫احلي ال َيأ َنس مع‬
‫القلب ّ‬
‫ُ‬

‫‪105‬‬
‫رقم الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪31‬‬ ‫صاحب املواقف ُيفت َقد‬


‫‪35‬‬ ‫التأنيّ يف خّاتاذ القرارات َسداد‬
‫‪39‬‬ ‫املتخاذلِني‬
‫ِ‬ ‫سالح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اختالق األعذا ِر‬
‫‪43‬‬ ‫عات عىل َقدْ ِر اإلمكانات‬
‫ال ّتبِ ُ‬
‫‪49‬‬ ‫بالصاحلني يخُ ِّف ُف األثقال‬
‫التأس ّ‬
‫يِّ‬
‫‪53‬‬ ‫الرتبية النبو ّية كاملة‬
‫‪59‬‬ ‫أ َث ُر ُمراقبة اهلل عظيم‬
‫‪63‬‬ ‫استعالء املؤمن بإيامنه‬
‫‪69‬‬ ‫شار ٌة بال َف َرج‬ ‫اشتداد األزْ ِ‬
‫مة بِ َ‬ ‫ُ‬
‫‪75‬‬ ‫بالع ِ‬
‫واقب من الرشد‬ ‫االهتامم َ‬
‫ُ‬
‫‪79‬‬ ‫األمة املسلمة كاجلسد الواحد‬
‫‪83‬‬ ‫الصدق محيدة‬ ‫ِ‬
‫عاق ُبة ِّ‬
‫‪89‬‬ ‫ٌ‬
‫رؤوف رحيم‬ ‫باملؤمنني‬
‫‪95‬‬ ‫ُ‬
‫اخلامتة‬
‫‪97‬‬ ‫حديث كعب بن مالك‬
‫‪105‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪106‬‬

You might also like