You are on page 1of 4

‫هاتف رقم‪2604432250 :‬‬ ‫مقامات األدب‬

‫البريد اإللكتروني‪ndaas@campus.haifa.ac.il :‬‬ ‫ناجي علي د ّعاس‬

‫وصية زهيربن جناب لبنيه – ُزهيربن جناب‬


‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الجاهلي‪ ،‬من قبيلة كنانة بطن من بطون بكر‪ ،‬كان خطيب قبيلته قضاعة وشاعرها‪.‬‬ ‫عاش في العصر‬

‫أوص ى زهير بن جناب الكلبي بنيه فقال‪:‬‬


‫ُ َ ُ ُ‬ ‫ُ َ ْ ٌَ ْ ٌ َ ْ ُ‬ ‫ْ َ َ ْ َّ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ ْ ّ َ َ َ ْ ُ َ ْ ً ْ َ ْ‬
‫عوه‪َّ .‬إياك ْم‬ ‫اح َفظوا َع ِ ّني ما أقول و‬ ‫جار ُب‪ ،‬واألمور تج ِربة واخ ِتبار‪ ،‬ف‬ ‫{يا ب ِني قد ك ِبرت ِس ِني‪ ،‬وبلغت حرسا ِمن دهري‪ ،‬وأحكمتني الت ِ‬
‫َ ٌ ْ َ ّ َ َ َ ٌ َ ُ ّ َ ُ َ ّ َّ ّ َّ ُ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫واك َل ع ْن َد َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫أن تكونوا‬ ‫النوا ِئ ِب؛ ف ِإ َّن ِذل َك داعية ِللغ ِم‪ ،‬وشماتة للعد ِو‪ ،‬وسوء ظ ٍّن بالر ِب‪ .‬وإياكم‬ ‫ِ‬ ‫َوالخ َو َر ِع ْن َد ال َمصا ِئ ِب‪ ،‬والت‬
‫الد ْنيا َغ َر ٌ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان في ُّ‬ ‫ط َّإَّل ْاب ُت ُلوا؛ ْ‬
‫ولكن َت َو َّقعوها؛ َف َّ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ ْ ٌ َ ُّ‬ ‫ين‪َ ،‬و َلها آم َ‬
‫األ ْحداث ُم ْغ َت ّر َ‬ ‫َْ‬
‫ض‬ ‫إن‬ ‫نين‪َ ،‬و ِم ْنها ساخرين؛ فإنه ما س ِخر قوم ق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مال ِه‪ ،‬ثم َّل بد أنه مصيبه}‪.‬‬ ‫جاوز ِلمو ِض ِع ِه‪ ،‬ووا ِقع عن يمي ِن ِه و ِش ِ‬ ‫تعاوره الرماة‪ ،‬فمق ِصر دونه‪ ،‬وم ِ‬

‫االستهالل‬
‫اح َف ُظوا َع ّني ما أقو ُل َو ُ‬
‫بار‪َ ،‬ف ْ‬ ‫واألمور َ ْ َ ٌ ْ‬
‫واخ ِت ٌ‬ ‫ُ تج ِربة‬ ‫جار ُب‪،‬‬ ‫ْ َ َ ْ َّ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ ْ ّ َ َ َ ْ ُ َ ْ ً ْ َ ْ‬
‫عوه)‬ ‫ِ‬ ‫{يا ب ِني قد ك ِبرت ِس ِني‪ ،‬وبلغت حرسا ِمن دهري‪ ،‬وأحكمتني الت ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫الوصية‪.‬‬ ‫الوصية ُبمخاطبة املخاطب ل ُه في‬
‫ّ‬ ‫يا َبن ّي‪ :‬نداء للتنبيه وللتوجيه‪ُ ،‬‬
‫فهو يستهل‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫ا‬ ‫سنه ّ‬ ‫قد كبرت سني ‪ُ :‬يخطاب ّ‬
‫سن الشيخوخة‪.‬‬ ‫ويوجه لها الحديث‪ ،‬داَّل على بلوغه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫السابق َّ‬ ‫ً‬
‫توكيدا للمعنى ّ‬ ‫حرسا من دهري‪ُ :‬يعيد على تكرار الفكرة ّ‬
‫وبلغت ً‬
‫بأنه قطع شوطا طويًل من الحياة‪.‬‬ ‫السابقة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كناية عن الخبرة العميقة في الحياة فكثرة ّ‬
‫إنسانا حكيم العقل‪.‬‬ ‫التجارب جعلته‬ ‫فأحكمتني التجارب‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫واألمور تجربة واختبار‪ :‬تعرضت في عمري المديد للعديد من الوقائع ّ‬
‫وسدادا‬ ‫والصروف التي اختبرتني فأكسبتني حكمة صائبة‬
‫في الرأي‪.‬‬

‫جي ًدا لما سأقوله‬ ‫فاحفظوا عني ما أقول وعوه‪ :‬أسلوب إنشائي طلبي بصيغة األمر غرضه ّ‬
‫النصح واإلرشاد‪ .‬فيا ُبني أصغوا ّ‬
‫ّ‬
‫عميقة في الحياة ومبني على آراء سديدة‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ات‬
‫واحفظوه وافهموه ألنه نتاج خبر ٍّ‬
‫هاتف رقم‪2604432250 :‬‬ ‫مقامات األدب‬
‫البريد اإللكتروني‪ndaas@campus.haifa.ac.il :‬‬ ‫ناجي علي د ّعاس‬

‫ّ‬
‫المتن؛ النصح واإلرشاد‬
‫ّ‬
‫الوصية األولى‬
‫سوء َظ ّن َّ‬
‫بالر ّب}‬
‫ٌَ َّْ َ َ َ‬
‫مات ٌة َ‬
‫للع ُد ّو‪َ ،‬و ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫واك َل ع ْن َد َّ‬
‫النوا ِئ ِب؛ ف ِإ َّن ِذل َك داعية ِللغ ِم‪ ،‬وش‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫{ َّإياك ْم َوالخ َو َر ِع ْن َد ال َمصا ِئ ِب‪ ،‬والت‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫"إياكم" وهذا أسلوب في تحذير‪ُ .‬‬
‫فزهير‬ ‫الوصية األولى بقوله ّ‬
‫ّ‬ ‫إياكم والخور عند المصائب والتواكل عند النوائب‪ :‬يفتتح قوله في‬
‫َّ‬ ‫ُ ّ‬
‫الضعف واَّلستسًلم وقت الش َدا ِئ ِد بل مواجهتها بقو ٍّة وثبات وحكمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حذر بنيه من ّ‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫الشرح ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫والتفسير‪.‬‬ ‫ً‬
‫ستخدما الفاصلة المنقوطة (؛) وهي تفيد‬‫النوائب‪ :‬ج‪ .‬نائبة‪ ،‬وهي المصيبة‪ ،‬ث َّم ُيعلل لنصيحته‪ُ ،‬م‬
‫ّ‬ ‫للهم والحزن ‪ /‬وشماتة للعدو‪ ،‬ستكونون ً‬ ‫ّ ُ ً‬
‫جلبة ّ‬
‫غرضا لسهام األعداء وشماتة الشامتين‪.‬‬ ‫فإن ذلك داعية للغم‪ :‬م‬

‫أن العرب في‬ ‫الوصية هي ّرد على ُك ّل من ّ‬


‫يظن َّ‬ ‫ّ‬ ‫دليل على سوء ّ‬
‫ظنكم بالله تعالى‪ .‬وهذه‬ ‫ألن استسًلمكم ُهو ٌ‬ ‫وسوء ظن بالر ّب‪ّ :‬‬
‫بالتوحيد وهو دين إبراهيم الحنيف عليه ّ‬
‫السًلم‪.‬‬ ‫تدل على إيمان البعض به ّ‬‫الجاهلية لم يكونوا على دين‪ ،‬وهذه العبارة ّإنما ّ‬
‫ّ‬

‫ّ ّ‬
‫الوصية الثانية‬
‫َ َ ُّ َّ ُ‬ ‫ساخرين؛ َّ‬ ‫ين‪َ ،‬و َلها آم َ‬ ‫َْ‬
‫األ ْحداث ُم ْغ َت ّر َ‬ ‫َّ ُ ْ ْ َ‬
‫فإن ُه ما َس ِخ َر ق ْو ٌم قط إَّل ْاب ُتلوا}‬ ‫َ‬ ‫نين‪َ ،‬و ِم ْنها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن تكونوا ِب‬ ‫{وإياكم‬
‫والتنبيه ّ‬
‫{وإياكم}‬ ‫ستخدما ُلغة ّ‬
‫التحذير ّ‬ ‫ً‬ ‫ُيتابع ُزهير ُم‬
‫رسالة لبنيه ّأَّل تغرنكم الحياة ُّ‬
‫الدنيا‪ ،‬وَّل‬
‫ً‬
‫يوجه ُزهير‬ ‫وإياكم أن تكونوا باألحداث مغترين ولها آمنين ومنها ساخرين‪ُ :‬‬
‫وهنا ّ‬
‫ّ‬ ‫سي ًرة لكم‪ ،‬وكنتم آمنين من ّ‬
‫جراء تلك ّ‬ ‫تنخدعوا باألحداث إن كانت ُم ّ‬
‫النوائب والمصائب التي تجري فيها‪ .‬وَّل تسخروا ممن قد‬
‫ُيعانون أو تؤول بهم الحياة إلى الهاوية‪.‬‬
‫ليفسر لماذا عليهم ّإَّل يسخروا من األقوام ّالذين ّ‬
‫تحل بهم المصائب‪.‬‬ ‫ُويعيد استخدام الفاصلة المنقوطة (؛) ّ‬

‫قط ّإَّل ابتلوا‪ :‬فذلك القوم ّالذي يسخر من قوم آخر ّإنما ُهو ُعرضة ألن ُيصيبهم ذات البًلء‪ُ .‬‬
‫وهنا ينهى ُزهير‬
‫ٌ ّ‬ ‫ّ‬
‫فإنه ما سخر قوم‬
‫ٍّ‬
‫ّ‬ ‫خبئ لهم مصائب أكثر ً‬ ‫يحل بهم‪ّ ،‬‬
‫ألن القدر قد ُي ّ‬ ‫بنيه من عدم اَّلستهزاء بمصائب اآلخرين وما ّ‬
‫وقعا من تلك التي نزلت باألقوام‬
‫ّ‬
‫التي سخروا منها‪.‬‬
‫هاتف رقم‪2604432250 :‬‬ ‫مقامات األدب‬
‫البريد اإللكتروني‪ndaas@campus.haifa.ac.il :‬‬ ‫ناجي علي د ّعاس‬

‫الخاتمة‬
‫مال ِه‪ُ ،‬ث َّم َّل ُب َّد َّأن ُه ُم ُ‬
‫صيب ُه}‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫جاوز ِل َمو ِض ِع ِه‪ ،‬ووا ِق ٌع عن يمي ِن ِه و ِش ِ‬
‫ُّ ْ َ َ ٌ َ َ َ ُ ُّ ُ َ ُ َ ّ ٌ َ‬
‫دونه‪ُ ،‬وم ٌ ْ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة‪ ،‬فمق ِصر‬ ‫{ َف َّ‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫وصي ُت ُه بتفسير وجهة نظره من تلك ّ‬
‫النصائح المذكورة أعًله ويقول‪:‬‬ ‫يختتم ُزهير ّ‬

‫ّ ّ‬ ‫ُّ ُ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬


‫فإن اإلنسان في ُّ‬
‫فني؛ التمثيل‬ ‫الرماة‪ :‬أسلوب‬ ‫غرض تعاوره‬ ‫الدنيا‬
‫شبه‪ :‬هدف اإلنسان من ُّ‬
‫الدنيا‬ ‫الم ّ‬
‫ُ‬

‫شبه ب ِه‪ :‬الهدف ّالذي يضرب عليه ّ‬


‫الرماة سهامهم‪.‬‬ ‫الم ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أن هدف اإلنسان ُمستهدف من قبل ّ‬ ‫ّ‬
‫الشبه‪َّ :‬‬
‫الدهر‬ ‫وجه‬
‫ُ‬ ‫النيل منه الحوادث ُ‬ ‫ً‬
‫هدفا تتداوله وتبغي ّ‬ ‫الغرض من ّ‬
‫التمثيل‪ :‬اإلنسان في ّ‬
‫كبرت أم صغرت‪ ،‬بين سهم أو‬ ‫الدنيا وفي هذه الحياة‬
‫ُ‬
‫مصيبة ناز ٍّلة بكم كادت توقع بكم‪.‬‬

‫دونه‪ُ ،‬ومجاو ٌز ِل َم ْوض ِع ِه‪َ ،‬ووا ِق ٌع َع ْن َيمي ِن ِه َوشما ِل ِه‪ُ ،‬ث َّم َّل ُب َّد َّأن ُه ُم ُ‬
‫صيب ُه‪:‬‬
‫ََُ ٌّ َ‬
‫فمق ِصر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ ُ‬ ‫تمر من أمامنا وتتجاوزنا وقد تقع ّ‬
‫الرماة أو سهام القدر‪ ،‬قد ّ‬‫السهام؛ سهام ّ‬ ‫وتلك ّ‬
‫ومرة أخرى عن شمالنا ولكن‬ ‫مرة عن يميننا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ُرغم ك ّل هذا فإنه َّل ُب ّد من أن يأتي يوم ُويصيبنا‪.‬‬
‫هاتف رقم‪2604432250 :‬‬ ‫مقامات األدب‬
‫البريد اإللكتروني‪ndaas@campus.haifa.ac.il :‬‬ ‫ناجي علي د ّعاس‬

‫ّ‬
‫الن ّ‬
‫ص‬ ‫استنتاجات على صعيد‬

‫ما هي الوصية‬
‫َ‬
‫ق ْو ُل حكيم صادر عن مجرب يوجه الي من يحب لينتفع به‪ ،‬وهي من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهل ّية‪ .‬من خصائصها‬
‫ّ ُ‬ ‫والترادف ّ‬‫ّ‬ ‫ّأنها تحوي ُج ًمًل قصيرة‪ ،‬واضحة األلفاظ‪ ،‬اإلطناب ّ‬
‫تنوع األسلوب بين الخبر واإلنشاء‪ ،‬اإلقناع‬ ‫والتعليل‪،‬‬ ‫بالتكرار‬
‫ّ‬
‫السجع)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫(خاصة‬ ‫بترتيب األفكار وتفصيلها وبيان أسبابها واإليقاع الموسيقي الجميل‬

‫الفرق بين الوصية والخطبة‬


‫جرب ُيوص ي ب ِه من ّ‬
‫يحب‬ ‫الخطبة‪ :‬هي ّ‬
‫فن ُمخاطبة الجماهير َّلستمالتهم واقناعهم‪ّ .‬أما الوصية‪ ،‬فهي قول حكيم إلنسان ُم ّ‬
‫ِ‬
‫لينتفع ِب ِه في حياته‪.‬‬

You might also like