You are on page 1of 15

‫زهير بن جناب الكلبي‬

‫زهير بن جناب بن هبل الكلبي من بني كنانة بن بكر‪ ،‬كان خطيب قبيلة‬ ‫‪‬‬
‫قضاعة وسيدها‪ ،‬وكانوا يسمونه الكهانة لشدة صواب رأيه وصحته‪،‬‬
‫ا‬
‫طويًل‪ ،‬وقيل إنه مات‬ ‫عم َر‬
‫وكان مبعوث قبيلته إلى ملوك الجاهلية‪ ،‬و ُ‬
‫سنة ‪ 60‬قبل الهجرة‪.‬‬
‫رف بحكمته من التجارب والخبرات‪ ,‬له مكانته األدبية في الشعر‬ ‫ع َ‬‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫والنثر الجاهليَّين‪ ,‬وامتاز أسلوبه بوضوح العبارة ودقة التصوير‪.‬‬
‫طا في شرب الخمر وتشير معظم الروايات إلى أنه‬ ‫يُقال إنه كان ُمفر ا‬ ‫‪‬‬
‫مخمورا‪.‬‬
‫ا‬ ‫مات‬
‫األدبي للنّص (النّثر القديم ‪ -‬الوصيّة)‬
‫ّ‬ ‫النّوع‬ ‫‪‬‬

‫ّ‬
‫فن الوصايا في العصر الجاهلي‬ ‫‪‬‬

‫ًلن بنيه إذا عه َد‬ ‫إن الوصية بمعناها اللغوي تعني العهد‪ ،‬فيُقال ا‬
‫مثًل‪ :‬أوصى ف ٌ‬ ‫‪‬‬

‫لهم بعهد ما‪ ،‬وتُعرف الوصية أنها قول بليغ مؤثر يحمل معناى فيه إصًلح‬
‫وإرشاد وتوجيه‪ ،‬وتتضمن حثًّا على سلوك نافع يسمو بالمرء ويرفع شأنه‪،‬‬
‫ويساعده على تجاوز األزمات عند حدوث الشدائد‪ ،‬وغالباا تكون موجهة من‬
‫أولياء األمور كاألب واألم أو كبير القوم‪ ،‬وتأتي الوصية نتيجة خبرة متطاولة‬
‫في الحياة‪ ,‬وقد ازدهر فن الوصايا في العصر الجاهلي نتيجة ظروف الحياة‬
‫التي كان يعيشها الجاهليون‪ ،‬فكانت تدفعهم إلى قول النثر‪ ،‬ومن تلك الوصايا‬
‫وصية زهير بن جناب الكلبي‬
‫خصائص النّثر الجاهلي‬
‫وضوح وأصالة المعاني‪ :‬حيث يستمد النثر معانيه من القيم ال ُخلُقية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫والفضائل االجتماعية العريقة والمميزة‪.‬‬
‫صدق العاطفة‪ :‬فكلمات النثر تنبع من عاطفة صادقة‪ ،‬وتصدر من غير‬ ‫‪‬‬
‫تكلف‪ ،‬وبعيدة عن الغموض‪.‬‬
‫كثرة الحكم واألمثال‪ :‬الحكم واألمثال التي تُعبر عن حياة وتجارب‬ ‫‪‬‬
‫الجاهليين؛ ولذلك جاءت وصاياهم وخطبهم بسيطة تُعبر عن بساطة‬
‫الحياة‪.‬‬
‫البعد عن تكلُّف الصياغة‪ ،‬وصفاء التعبير‪ ،‬وقصر الجمل‪ ،‬وجمال‬ ‫‪‬‬
‫الصياغة المستخدمة في النثر‪.‬‬
‫‪‬‬
‫◦ قلّة التصوير الفن ّ‬
‫ي‪ :‬يقل استخدام الصور الفنية‪ ،‬والتشبيهات‪ ،‬والكنايات المختلفة‬
‫ألن اإلنسان الجاهلي يلجأ إلى التقرير في عرض‬‫في النثر الجاهلي‪ ،‬وذلك َّ‬
‫األفكار‪ ،‬وعادة ما تكون التشبيهات مستمدة من البيئة الحسية التي تحيط بالعرب‪.‬‬
‫واألمور‬
‫ُ‬ ‫التجارب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫سا من َدهري‪ ،‬فَأ َ ْح َك َمتْني‬
‫ت سني‪َ ،‬وبَلَ ْغتُ َح ْر ا‬
‫ي قد َكبُ َر ْ‬
‫” يا بَن َّ‬
‫واختبار‪ ،‬فاحفَظوا َ‬
‫عني ما أقو ُل‪َ ،‬و ُ‬
‫عوهُ‪ :‬إيَّاكم والخ ََو َر عن َد المصائب‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ت َ ْجربَةٌ‬

‫بالرب‪،‬‬
‫ظن َّ‬‫ش َمات َةٌ للعدو‪ ،‬وسو ٌء َ‬
‫والتواك َل عن َد النَّوائب؛ فإ َّن ذلك داعيةٌ للغَم‪ ،‬و َ‬

‫وإيَّاكم أَ ْن تكونوا باألحداث ُم ْغتَرين ولها آمنينَ ‪ ،‬ومنها َ‬


‫ساخرينَ ؛ فإنَّه ما َ‬
‫سخ ََر قو ٌم‬
‫الرماةُ‪ ،‬فَ ُمقَص ٌر‬
‫ض تَعَ َاو َرهُ ُّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان في الدنيا غ ََر ٌ‬ ‫ولكن ت َ َوقَّعُوها؛ فإنما‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫قط إالَّ ابتُلُوا؛‬
‫دونَه‪َ ،‬و ُم َجاو ٌز ل َموضعه‪َ ،‬وواق ٌع عن يَمينه َوش َماله‪ ،‬ثم ال ب َّد أنَّه ُمصيبُهُ “‪.‬‬
‫س ) من‬‫سا من دهري(حينا أو دهرا وجمعها أحْ ُر ٌ‬ ‫س ِنّي‪ ،‬وبلغتُ َح ْر ً‬
‫ي ق ْد َك ِبرتْ ِ‬
‫يا َب ِن َّ‬
‫واختبار‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تجربةٌ‬
‫واألمور ِ‬
‫ُ‬ ‫مجربا)‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ب (أي جعلتني خبيرا‬ ‫التجار ُ‬
‫ِ‬ ‫دهري‪ ،‬فأَحْ َك َمتْني‬
‫فاحفظوا عني ما أقو ُل َوعو ُه‪.‬‬
‫إيا ُك ْم وال َخ َو َر(الضعف والتالشي واالنكسار‪ :‬من خ ِو َر َ‬
‫يخو ُر) عن َد المصائ ِ‬
‫ب‪،‬‬
‫والتواك َل(االستسالم واالتكال على الغير) عن َد النوائب؛ فإن ذلك داعيةٌ(سبب) للغَ ِ ّم‬
‫للعدو‪ ،‬وسو ُء‬
‫ِّ‬ ‫والكرب والشدة)‪ ،‬وشماتةٌ(فرح لبليّة اآلخرين)‬
‫ْ‬ ‫(الضيق والهم‬
‫ب‪.‬‬ ‫َظ ّن(شك وارتياب وظن قبيح) َّ‬
‫بالر ّ ِ‬
‫التّحذير الثّاني وعاقبتُه‬ ‫‪‬‬

‫غتر َ‬
‫ين (مخدوعين‪،‬‬ ‫ث (المصائب والنوائب) ُم ّ‬
‫وإياك ْم أن تكونوا باألحدا ِ‬ ‫‪‬‬

‫الظن الحسن‪ ،‬مطمئنّين إليها)‪ ،‬ولها آمنين (مطمئنين)‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ظانّين بها‬
‫ومنها ساخرين (غير مقدّرين لحقيقتها وهو ِلها وش ّدتِها)؛ فإنَّهُ ما‬
‫ط إال ا ْبتُلُوا(امت ُ ِحنوا واخت ُ ِبروا أو أ ُصيبوا ببليّة وهذا أد ّ‬
‫ق‬ ‫س ِخ َر قو ٌم ق ُّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫اإلنسان في الدنيا‬ ‫ولكن ت َ َوقَّعوها (تح ّ‬
‫سبوها وتهيّأوا لها)؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫ْ‬ ‫للمعنى)؛‬
‫تعاورهُ(تداولوه وأرادوا إصابته) الرماةُ‪ ،‬فَ ُمقَ ِ ّ‬
‫ص ٌر( أي‬ ‫َ‬ ‫ض(هدف)‬ ‫َ‬
‫غ َر ٌ‬
‫لموض ِع ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هذا رام أو سه ٌم لم يَ َط ْله) دونَه(عنه)‪ ،‬و ُمجا ِو ٌز(عابر ومتع ّد)‬
‫شما ِل ِه‪ ،‬ث َّم ال بُ َّد أنهُ يُصيبُهُ‪.‬‬
‫وواق ٌع عن يَمي ِن ِه و ِ‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬أقسام الوصية‪-:‬‬
‫‪ .1‬التّمهيد للمتل ّقي‪ :‬إنني طعنت في السن وهرمت‪ ،‬ومن ذلك اكتسبت‬
‫التجربة والحنكة والخبرة باألمور والحوادث‪ ،‬فاسمعوا قولي يا أبنائي‪،‬‬
‫ورسخوه في أذهانكم وافهموه وأَدركوه‪ .‬هذا من شأنه أن يجعل المتلقي‬
‫يتشوق لما يأتي من أقوال‪ ,‬ومن وصايا لألبناء‪.‬‬
‫‪ .2‬موضوع الوصيّة‪ :‬دروس وعبَر من الحياة‬
‫األول الذي سيؤدي إلى نتائج مؤلمة وشماتة‬ ‫‪ ‬يضمن هذا القسم التّحذير ّ‬
‫فرق واالستسًلم‪.‬‬‫العدو‪ ,‬وهنا يدعوهم لًلتحاد وعدم الت ُّ‬
‫‪ ‬ثم يليه التّحذير ال ّثاني من عدم االغترار بالنفس واألحداث والسخرية من‬
‫حذرا ُمتخذاا جميع االحتياطات‬ ‫المصائب‪ ,‬ألن اإلنسان الحكيم يكون ا‬
‫الًلزمة من أجل التغلُّب على الشدائد والخروج منها سال اما أو بأقل‬
‫ضررا‪.‬‬
‫ا‬
‫‪ .3‬النّهاية واإلجمال‪ :‬يُنهي زهير وصيتَه بحقيقة حتمية‪ ,‬هي أن اإلنسان‬
‫ض لألحداث‪ ,‬منها الخفيفة ومنها المؤلمة‪ ,‬إال أن الضربة القاتلة ال‬
‫ُمعَ َّر ٌ‬
‫بُ َّد أن تصيبَه في النهاية‪ .‬وقد استخدم عنصر التشبيه الذي سأشر ُحهُ‬
‫الحقاا‪.‬‬
‫الخصائص األسلوبيّة للوصيّة‬
‫‪ .1‬المبنى العا ّم للوصية هو مبنى تقليدي (المقدمة‪ ,‬المضمون‪ ,‬التلخيص‬
‫واإلجمال)‪.‬‬
‫‪ .2‬أسلوب االزدواج \ الطلب والتعليل‪( :‬داعية للغم‪ ,‬وشماتة العدو‪.‬إياكم‬
‫والخور عند المصائب‪ ,‬والتواكل عند النوائب)‪ .‬الغرض من هذا‬
‫األسلوب هو‪:‬‬
‫تأكيد المعنى بأن الضعف أمام المصائب يؤدي للحزن وشماتة العدو‪.‬‬
‫غرض آخر هو تجسيد النتائج المترتبة وخطورتها فأراد تجسيد النتيجة‬
‫المترتبة على استسًلم الشخص وضعفه أمام المصائب‪.‬‬
‫‪ .3‬استعمال التّشبيه‪ :‬في مثل قوله‪ ":‬اإلنسان …غرض" والغرض من‬ ‫‪‬‬
‫التشبيه هنا هو تقريب المشبَّه من صورة مألوفة من أجل اإلقناع‬
‫شبَّه من صورة‬ ‫وتقريب المعاني إلى الواقع‪ .‬حيث أراد زهير تقريب ال ُم َ‬
‫الرماة من أجل إقناع المتلقي‬ ‫تعاورهُ ُّ‬
‫َ‬ ‫مألوفة لنا وهي صورة الهدف الذي‬
‫ض للحوادث والمصائب تما اما مثل الهدف ال ُمعَ َّرض‬ ‫عر ٌ‬‫بأن اإلنسان ُم َّ‬
‫الرماة‪.‬‬
‫ألس ُهم ُّ‬
‫‪.4‬الجمل القصيرة ‪":‬أحكمتني التجارب‪ ،‬واألمور تجربة‪ ،‬سوء ظن‬ ‫‪‬‬
‫بالرب…الغرض من الجمل القصيرة هو االنتقال من وصف أو سرد أو‬
‫موضوع إلى آخر بسرعة ‪ ،‬وتتيح للقارئ التفاعل والتجاوب مع الجمل‬
‫القصيرة كي ينسقَها ويعي َد ترتيبَها ويستوعبَها‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫المقنع‪ :‬أنا طاعن بالسن‪ ،‬مجرب‪ ،‬حكيم‪ ،‬لذا يحق لي‬ ‫ِ‬ ‫‪ .5‬التّمهيد النفسي‬
‫ُ‬
‫واإلدراك‪.‬‬ ‫نصح ُكم‪ ،‬ويجب عليكم اإلصغا ُء واالحتفا ُ‬
‫ظ‬
‫‪ .6‬أسلوب التحذير بقوله‪ ” :‬إيّاكم“ ‪ ,‬والغرض منه لفت انتباه الم َحذَّر‬
‫وتحذيره من أمور وسلوكيات عليه أن يبتعد عنها‪ ,‬ألن عواقبَها تكون‬
‫مؤلمة‪.‬‬
‫‪ .7‬السجع‪ :‬بقوله‪ ":‬المصائب‪ ،‬النوائب؛ مغتَرين‪ ،‬آمنين‪ ،‬ساخرين)‬
‫متناغم مع غرض النص‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫جو‬
‫والغرض منه‪ :‬التغني‪ ،‬االنفعال‪ ،‬وإضفاء ٍّ‬
‫قط إال ا ْبتُلُوا" والغرض‬ ‫سخ َر قو ٌم ُّ‬
‫‪ .8‬أسلوب ال َحصر‪ :‬في مثل قوله‪ ":‬ما َ‬
‫منه‪ :‬إفادة حصر صفة بموصوف‪ ،‬حصر موصوف بصفة‪ ،‬بمعنى أن‬
‫القوم هو المحصور عليه‪ ,‬واالبتًلء هو المحصور‪ .‬فخصصنا صفة‬
‫ال ُمبتلي للموصوف وهو الخوف‪ ,‬فحصرنا هذه الصفة (ال ُمبتلي)‬
‫بالموصوف (القوم)‪.‬‬
‫ع ْوا‪ ،‬توقَّعوا‪ .‬والغرض منه‬
‫‪ .9‬أسلوب األمر‪ :‬في مثل قوله‪ ":‬احفظوا‪ُ ،‬‬ ‫‪‬‬
‫اإلرشاد والنصيحة‪ ,‬نصيحته ألبنائه بأن يسمعوا ويفهموا ما يقول وما‬
‫يوصيهم به‪ ,‬فهو بذلك يرشدهم إلى الصواب‪.‬‬

‫تقرب‪،‬‬
‫ي” والغرض منه‪ :‬ال ُّ‬ ‫‪.10‬أسلوب النداء‪ :‬في مثل قوله‪” :‬يا ب ِن َّ‬ ‫‪‬‬
‫والتو ُّدد من أبنائه‪ ،‬وبيان تفهمه لهم وتقديرهم‪ ،‬وإبراز مكانته لديهم‪.‬‬
‫ويوضح لنا هذا النداء كم كان زهير قريباا من أبنائه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ .11‬لجمل الحكمية‪ :‬في مثل قوله‪ ":‬األمور تجربة" وقوله‪ ":‬ما سخر‬ ‫‪‬‬
‫قوم ق ُّ‬
‫ط إال ابتُلُوا" والغرض من ذلك‪ :‬التمثيل األعلى‪ ،‬والشعارية‬
‫شعارا)‪ ،‬وإظهار فلسفة وحكمة القائل‪ ،‬والوعظ‬
‫ا‬ ‫(اتخاذ قوله أعًله‬
‫األمثل‪ ،‬والحفظ األسهل ‪.‬‬

You might also like