You are on page 1of 46

‫الديمقراطية‬

‫في ميزان الشرع‬


‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬

‫ﻋﻤــﺎن‬
‫ﻣﺴـﻘﻂ ـ ﺳـﻠﻄﻨﺔ ُ‬

‫الطبعة األولى‬
‫‪١٤٤4‬هـ ــ ‪2022‬م‬
‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫تتشــرف الكلمة الطيبة المتخصصة في النتاج العلمي‬


‫لســماحة العالمة الجليل الوالد الشيخ أحمد بن حمد‬
‫الخليلي المفتي العام لسلطنة ُعمان‬
‫@‪‎AhmedHAlKhalili‬‬

‫بتقديم هذه الطبعة التفاعلية الخاصة بأجهزة الحاسوب‬


‫القيم‪ ،‬فما على القارئ‬
‫واألجهزة الذكية من هذا المقال ّ‬
‫تلقائيا‬
‫ً‬ ‫سوى الضغط على العنوان في الفهرس ليصل‬
‫إلى الموضوع‪ ،‬والعودة للفهرس مجد ًدا بالضغط على‬
‫كلمة‪ :‬المحتويات الموجودة أسفل كل صفحة‪.‬‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫يجب تحميل تطبيق ‪Adobe Acrobat Reader‬‬
‫لالستفادة من الميزة التفاعلية‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪3‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫المحتويـات‬

‫س ‪ .:1‬كيف تفسير كلمة الديمقراطية في مفهـوم اإلسالم؟ �������������‪5‬‬


‫س ‪ .:2‬هل الديمقراطية هي الشورى‪ ،‬وما رأيك في مقارنة بعض‬
‫العلماء بين النظريتين في عصرنا الحالي؟ �����������������������������������‪31‬‬
‫س ‪ .:3‬ما هـي األرضيـة المشتركـة أو الفـرق بـيـن مفهـوم‬
‫الديمقراطية والشورى؟����������������������������������������������������������������������‪42‬‬
‫س ‪ .:4‬ما هو المفهوم المقصود خلف كلمة «الديمقراطية» التي‬
‫تهتف بها الشعوب في ميادين المدن اإلسالمية؟ �������������������‪43‬‬
‫س ‪ .:5‬ما تفسيرك الشخصي لكلمة «الديمقراطية»؟ �������������������������‪43‬‬
‫س ‪ .:6‬هل تعتقد أن العالم اإلسالمي اختـرع مفهومـا جديدا‬
‫«لكلمة الديمقراطية» وهل هو بعيد عن المفاهيم الغربية؟ ������‪44‬‬
‫س ‪ .:7‬إذا نعم ما هو التفسيـر المناسب لكلمـة «الديمقراطية»‬
‫برأيك؟ ���������������������������������������������������������������������������������������������������������‪45‬‬
‫س ‪ .:8‬ما سبب تمسك الشعوب اإلسالمية بكلمة «الديمقراطية»‬
‫مع أن أغلبها ترفض مقارنة مبادئها بمبادئ غربية؟������������������‪45‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪4‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وصلى اهلل وسلم على سيدنا محمد‬


‫وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫وصلتني رســالتك أيهــا الطالبة العزيــزة فاطمة‬


‫البــرواري متضمنة أســئلة في الدمقراطيــة‪ ،‬وإليك‬
‫جوابها مرتبا حسب ترتبها في الرسالة‪.‬‬

‫س ‪ :1‬كيف تفسير كلمة الديمقراطية في مفهـوم‬


‫اإلسالم؟‪.‬‬

‫ج ‪ :1‬اإلسالم غني بجوهره وشــكله‪ ،‬ال يستجدي‬


‫من غيره شــيئا‪ ،‬ألنه من عند اهلل الذي يعلم السر في‬
‫السموات واألرض وبيده خزائنهما‪ ،‬ويعلم ما تنطوي‬
‫عليه فطر عباده‪ ،‬ومــا هو من طبائع ســائر مخلوقاته‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪5‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫﴿ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﴾ [الملــك‪ ،]١٤ :‬وهو دين‬


‫ينتظم جميع أحوال العباد‪ ،‬فيحكــم الصلة بينهم وبين‬
‫خالقهم تعالى بما ب َّي َن ُه من االعتقاد الصحيح القائم على‬
‫الحقيقة البينة التي يمليها الوحي اإللهي وتؤيدها العقول‬
‫الســليمة‪ ،‬وبما شــرعه للعباد من العبادات التي تغذي‬
‫العقيدة وتمدها بالطاقة لتزداد بمرور األيام رسوخا وقوة‬
‫ونورا وبهاء‪ ،‬كما ُي َمت ُِّن الصلة بين العباد أنفسهم فيعطي‬
‫كل ذي حق حقه غير مبخوس وال منقوص ويجعل من‬
‫اإلنسان فردا وأسرة ومجتمعا وأمة أداة طيعة لتنفيذ شرع‬
‫اهلل في أرضه‪ ،‬وتطبيق حكمه في خلقه‪ ،‬فهو نظام رباني‬
‫ال يعطي العباد شركة في الحكم‪ ،‬ألن األرض وما عليها‬
‫والســموات وما انطــوت عليه ما هي إال مــن ملك اهلل‬
‫تعالى تزدان بملكوته الباهر‪ ﴿ ،‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [آل عمران‪ ،]١٨٩ :‬وكل من في الوجود‬
‫هو عبد له تعالــى ﴿ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ❁ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ❁ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﴾ [مريم‪ ٩٣ :‬ـ ‪.]٩٥‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪6‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وعليــه؛ فال مجــال فــي اإلســام ألن تكون‬


‫الحاكميــة في أرض اهلل التي هي جــزء من مملكته‬
‫العظيمة إال له تعالــى وحده‪ ﴿ ،‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ [يوســف‪ ،]٤٠ :‬وإنما رســل اهلل تعالى‬
‫المصطفون األخيار يبلغون رساالته إلى خلقه‪ ،‬وقد‬
‫صنعوا على عينــه تعالى‪ ،‬فكانوا أوفر البشــر عقال‬
‫وأصحهم تفكيرا وأصوبهم تدبيرا وأحســنهم سيرة‬
‫وأنقاهم سريرة‪ ،‬لذلك كانت طاعتهم واجبة كما قال‬
‫ﮩ﴾‬
‫تعالى‪﴿  :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ  ‬
‫[النساء‪ ،]٦٤ :‬وقال‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭝ﴾ [النســاء‪ ،]٨٠ :‬وقــال‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ ‬ ‫ﭚﭛﭜ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝﭞﭟ‬
‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [األحزاب‪.]٣٦ :‬‬
‫وهــذا يعني أنــه ال حصة للعبــاد في التشــريع‪،‬‬
‫فالتشريع من عنده سبحانه وحده‪ ،‬كما أن التكوين منه‬
‫وحده‪ ﴿ ،‬ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﴾ [الشــورى‪ ،]٢١ :‬ومــا على العبــاد إال أن يدينوا‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪7‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وينقادوا لرب العالمين الذي أعطى كل شيء خلقه ثم‬


‫هدى‪ ،‬سواء أدركوا الحكمة فيما أمروا به أو نهو عنه‬
‫أم لم يدركوها‪ ،‬فإن الدين ال يخضع لمقاييس البشــر‬
‫وتجاربهم وعقولهم‪ ،‬إذ العقول تتفاوت وتتباين فيما‬
‫تراه‪ ،‬فكم من عاقل يستحســن عقله أمرا يســتهجنه‬
‫عاقل آخر‪ ،‬وقد يكون ذلك بتأثير البيئات وتفاوتها في‬
‫االستحسان واالســتقباح‪ ،‬وقد يكون ذلك بين فردين‬
‫يعيشــان في بيئة واحدة ويرجعان إلى أرومة واحدة‪،‬‬
‫علــى أن الدين يجــب أن يديــن له جميــع الناس‪،‬‬
‫وينتظموا جميعا في سلكه‪ ،‬وبه ينتظم شملهم بملك‬
‫اهلل تعالى وملكوته الواســع‪ ،‬فتتفاعل معهم الكائنات‬
‫ويتفاعلون معها‪ ،‬ألنها بفطرتها تسبح بحمد اهلل تعالى‬
‫وتسجد لجالله‪ ﴿ ،‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﴾ [اإلســراء‪ ﴿ ،]٤٤ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﴾ [الحج‪ ،]١٨ :‬وقد‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪8‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫أسلم كل شيء وجهه هلل‪ ﴿ ،‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬


‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴﯵ‬
‫ﯶ﴾ [آل عمران‪.]٨٣ :‬‬
‫ ‬

‫على أن اإلنســان مهما خفي عليه ســر التشــريع‬


‫الرباني ونبا عنه طبعــه وقصر دونه عقله‪ ،‬فإن عليه أن‬
‫يتهم نفســه القاصرة ويوقن أن ذلك ليس هو إال من‬
‫مصلحته‪ ،‬فاهلل تعالى لم يشــرع للعباد شــيئا إال وفق‬
‫حكمته وألجل مصلحتهم‪ ﴿ ،‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [البقــرة‪ ﴿ ،]١٨٥ :‬ﮂ ﮃﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ [المائدة‪.]٦ :‬‬

‫وكما أن الكون كله بأبعاده المترامية تتجلى حكمة‬


‫اهلل تعالى في صنعه وال يوجد فيه نشاز وال اضطراب‬
‫﴿ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾‬
‫[الملك‪ ،]٣ :‬فإن ما شرعه من الدين أيضا بعيد كل البعد‬
‫عــن النشــاز واالضطــراب والقصور‪ ،‬فهــو منظومة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪9‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫متكاملة يشمل حقوق اهلل تعالى جميعا‪ ،‬وحقوق عباده‬


‫فيما بينهم وحقوق الكائنــات كلها من صامت وناطق‬
‫وحي وميت وظاهر وخفي وجســم وعــرض وروح‬
‫ومادة على هذا اإلنسان‪ ،‬الذي استخلفه اهلل في األرض‬
‫وخلق له ما فيها وشرفه في الكون وسخر له ما اشتمل‬
‫عليه‪ ،‬وجعله فيه هو القطب الذي تدور عليه رحاه‪.‬‬
‫وال ريب أنــه تعالى ابتالء منه لعبــاده واختبارا‬
‫إليمانهم وطاعتهم أباح لهــم ما أباح وحرم عليهم‬
‫ما حرم‪ ،‬ولم يجعل لهم خيارا فــي ذلك ولم يكل‬
‫إليهم شيئا منه لذلك أغلظ عليهم في تحريمهم على‬
‫أنفســهم ما أحل لهم من الطيبات‪ ،‬فقد قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [المائــدة‪ ،]٨٧ :‬وقال‪:‬‬
‫﴿ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ‬
‫ﮛ﴾‬
‫ ‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫[األنعام‪ ،]١٤٠ :‬وبين أن ذلك من شــأن المشركين كما‬
‫في قوله‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪10‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ [األنعــام‪ ،]١٤٨ :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭑ‬


‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [النحل‪ ،]٣٥ :‬وشدد‬
‫النكير على من أتى ذلك كما في قوله‪﴿  :‬ﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬
‫ﮰ﴾ [يونس‪ ،]٥٩ :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﮫ‬
‫ ‬ ‫ﮪﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﴾ [النحل‪.]١١٦ :‬‬
‫وعليه؛ فإن اإلسالم لم يجعل ألحد من عباد اهلل حقا‬
‫في تشريع أو تحليل أو تحريم‪ ،‬وإنما بين أن الحكم هلل‬
‫وحده‪ ﴿ ،‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﴾‬
‫[المائــدة‪ ﴿ ،]٤٤ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﴾ [المائدة‪ ﴿ ،]٤٥ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﴾ [المائــدة‪ ،]٤٧ :‬ووصف كل حكم ينافي‬
‫حكمه تعالى بأنه حكم جاهلي إذ قال‪ ﴿ :‬ﯾ ﯿ‬
‫ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﴾ [المائدة‪.]٥٠ :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪11‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وبهذا؛ يتبين لكل ذي عقــل التباين الكبير بين‬


‫الديمقراطية واإلسالم فالديمقراطية نظام بشري نبت‬
‫في أرض وثنيــة وكان ميالده نتيجــة تالقح أفكار‬
‫وثنية‪ ،‬فقد ولدت الديمقراطية في المجتمع اليوناني‬
‫قبل خمســة قرون أو أكثر من ميالد المسيح ‪، ‰‬‬
‫وكانت محاولة لرفع الظلم واالســتبداد عن كاهل‬
‫البشــرية التــي ظلت تعانــي وطأة الظلــم وبطش‬
‫المســتبدين‪ ،‬فقــد جاء فــي «الموســوعة العالمية‬
‫العربية» ما نصــه‪« :‬بــدأت الديمقراطية ونمت في‬
‫اليونان القديمة‪ ،‬منذ القرن الســادس قبل الميالد‪.‬‬
‫وجاءت كلمــة ديمقراطيــة من الكلمــة اإلغريقية‬
‫ديموس بمعنى الشــعب أو الســلطة‪ .‬فقد شــغف‬
‫المفكــرون السياســيون اليونانيون بفكــرة حكم‬
‫القانون‪ ،‬وعدوا االســتبداد أســوأ أنــواع الحكم‪.‬‬
‫فنشــأت في أثينا‪ ،‬وبعض الدول ـ المدن اليونانية‪،‬‬
‫حكومات ديمقراطية»‪.‬‬
‫وجاء في بعض المراجع األخرى ما يلي‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪12‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫مصطلح ديمقراطية مشــتق من المصطلح اليوناني‬


‫( ‪ ) δημοκρατία‬بالالتينية‪ ) dēmokratía ( :‬ويعنى «حكم‬
‫الشعب» لنفســه‪ ،‬وهو مصطلح قد تمت صياغته من‬
‫شقين ‪( δῆμος‬ديموس) «الشعب» و ‪( κράτος‬كراتوس)‬
‫«السلطة» أو «الحكم» في القرن الخامس قبل الميالد‬
‫للداللة علــى النظم السياســية الموجــودة آنذاك في‬
‫واليات المــدن اليونانية‪ ،‬وخاصة أثينــا؛ والمصطلح‬
‫مناقض لـ ‪( ἀριστοκρατία‬أرستقراطية) وتعنى «حكم‬
‫نخبــة»‪ .‬بينما يتناقض هــذان التعريفــان نظري ًا‪ ،‬لكن‬
‫االختالف بينهما قد طمس تاريخي ًا‪ ،‬فالنظام السياسي‬
‫في أثينا القديمة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬منح حق ممارسة‬
‫الديمقراطية لفئة النخبة من الرجال األحرار واســ ُتبعد‬
‫العبيد والنســاء من المشاركة السياســية‪ .‬وفعلي ًا‪ ،‬في‬
‫جميع الحكومات الديمقراطية على مر التاريخ القديم‬
‫والحديث‪ ،‬تشــكلت الممارســة الديمقراطية من فئة‬
‫النخبة حتــى منح حق العتــق الكامل مــن العبودية‬
‫لجميع المواطنين البالغين فــي معظم الديمقراطيات‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪13‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫الحديثة من خالل حركات االقتراع في القرنين التاسع‬


‫عشر والعشرين»‪.‬‬
‫وعرفــت الديمقراطية بأنها‪« :‬شــكل من أشــكال‬
‫الحكم يشــارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على‬
‫قدم المساواة ـ إما مباشرة أو من خالل ممثلين عنهم‬
‫منتخبين ـ في اقتراح‪ ،‬وتطوير‪ ،‬واستحداث القوانين‪.‬‬
‫وهي تشمل األوضاع االجتماعية واالقتصادية والثقافية‬
‫التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية‬
‫لتقرير المصير السياسي‪ .‬ويطلق مصطلح الديمقراطية‬
‫أحيانا على المعنى الضيق لوصــف نظام الحكم في‬
‫دولــة ديمقراطيــةٍ‪ ،‬أو بمعنى أوســع لوصــف ثقافة‬
‫والديمقراطية بهذا المع َنى األوســع هي نظام‬
‫ّ‬ ‫مجتمع‪.‬‬
‫اجتماعي مميز يؤمن به ويســير عليه المجتمع ويشير‬
‫معينة تتجلى فيها مفاهيم‬ ‫وأخالقية‬ ‫ة‬ ‫سياسي‬ ‫إلى ثقافةٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية»‪.‬‬
‫وهي ـ بال ريب ـ تعني تفويض الشــعب لممثليه‬
‫في المجالس النيابية بأن يصوغوا نظامه وفق ما يرونه‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪14‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫من المصلحة من غير التفات إلــى القيم الدينية‪ ،‬وال‬


‫مراقبــة هلل تعالــى فيمــا يأتون بــه‪ ،‬ولذلــك ندت‬
‫المجتمعات التي تســير على النهــج الديمقراطي عن‬
‫القيم الدينية واألخالقية وأخــذت تنأى يوما بعد يوم‬
‫عن جميع الفضائل‪ ،‬فلم تكتف بإباحة الزنا وشــرب‬
‫الخمور والربا وأنواع الفحشــاء والمنكــر وأن تزين‬
‫للناس كل ما يغري بالفســاد تحت شعار الحرية‪ ،‬بل‬
‫تجاوزت ذلك كله إلى إقامة العالقات الجنسية المثلية‬
‫واالعتراف بالزواج المثلي‪ ،‬وهي فــي كل يوم تزداد‬
‫إيغاال في الفســاد والشــذوذ وبعدا عمــا يضبط حياة‬
‫اإلنســان بضوابط اإليمان والتقــوى والصالح‪ ،‬وبلغ‬
‫األمــر إلى أن يكــون المنتقدون لهــذه الحياة عرضة‬
‫لإليذاء والتشهير والقتل أحيانا‪ ،‬فأين هذه الديمقراطية‬
‫من اإلســام دين اهلل تعالى الحق‪ ،‬الذي يزكي سريرة‬
‫اإلنســان وعالنيته ويطهر قوله وعمله من كل فحشاء‬
‫وفســاد؟! وكيف يمكن أن يلز باإلســام ـ الذي هو‬
‫وضع إلهي يرقى بالجنس البشــري عقال وقلبا‪ ،‬فكرا‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪15‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وعمال‪ ،‬قيما وأخالقا حتى يكــون مع المأل األعلى ـ‬


‫بنظام بشــري يتدرج حينا بعد آخر حتــى يتردى إلى‬
‫حضيض الدركات السفلى من الفساد والشذوذ؟!‪.‬‬
‫وقد أدرك المفكرون اإلسالميون البعد الساحق بين‬
‫هذين النظامين‪ ،‬فلم يروا وفاقا بينهما وال إمكانا ألن‬
‫يتالقيا في وسيلة وال غاية‪ ،‬ومن ذلك ما قاله األستاذ‬
‫الشيخ محمد البشــير اإلبراهيمي في آثاره (‪:)508/3‬‬
‫«والديمقراطية رأي يوناني نظري جميل‪ ،‬منسوب إلى‬
‫اســم صاحبه‪ ،‬وهو قائم على أن الشــعب هو مصدر‬
‫ثــم فهو صاحــب الحق فــي الحكم‬
‫الســلطة‪ ،‬ومن ّ‬
‫والتشــريع‪ ،‬وعلى أن األفراد متساوون في هذا الحق‪،‬‬
‫أيضا‪ .‬اصطرع الرأيان‬
‫ويناقضه رأي آخر يوناني النشأة ً‬
‫في ميدان الجدل‪ ،‬ثم اصطرعا في ميدان العمل حتى‬
‫أصبحا مذهبين في سياســة الحكم‪ ،‬وبابين في فلسفة‬
‫االجتماع‪ ،‬وكانت هــذه اآلراء الجميلة في الحياة مثل‬
‫رأي ديموقراط تدور بين فالســفة اليونــان وقياصرة‬
‫الرومان‪ ،‬أولئك يدرســونها جدالً‪ ،‬وهؤالء يدرسونها‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪16‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫عمالً‪ ،‬إلــى أن انتصــف اهلل للحق باإلســام‪ ،‬فجاء‬


‫ـ حكما مــن اهلل ـ وأين حكم‬
‫ً‬ ‫بالشــورى والمســاواة‬
‫العقول من حكم خالق العقول؟»‪.‬‬

‫ومثله قول األستاذ الشــهيد سيد قطب «في ظالل‬


‫القــرآن» (‪ )1083/2‬بعد تنبيهه علــى بعض األخطاء‬
‫المرتكبــة‪« :‬وأذل مــن هــذه المحاولــة محاولة من‬
‫يضعون على اإلسالم أقنعة أخرى‪ ،‬ويصفونه بصفات‬
‫من التي تروج عند النــاس في فترة مــن الفترات‪..‬‬
‫كاالشتراكية‪ ..‬والديمقراطية‪ ..‬وما إليها‪ ..‬ظانين أنهم‬
‫إنما يخدمون اإلســام بهــذه التقدمــة الذليلة!‪ ..‬إن‬
‫«االشــتراكية» مذهب اجتماعي اقتصــادي من صنع‬
‫البشر قابل للصواب والخطأ‪.‬‬

‫وإن «الديمقراطية» نظام للحياة أو للحكم من صنع‬


‫البشر كذلك‪ ،‬يحمل صنع البشر من القابلية للصواب‬
‫والخطأ أيض ًا‪ ..‬واإلســام منهج حياة يشــمل التصور‬
‫االعتقادي‪ ،‬والنظام االجتماعــي االقتصادي‪ ،‬والنظام‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪17‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫التنفيذي والتشــكيلي‪ ..‬وهو من صنــع اهلل المبرأ من‬


‫النقص والعيب‪ ..‬فأين يقف من اإلســام من يريد أن‬
‫يستشفع لمنهج اهلل ـ سبحانه ـ عند البشر بوصفه بصفة‬
‫من أعمال البشــر؟ بل أين يقف من اإلسالم من يريد‬
‫أن يستشفع هلل ـ ســبحانه ـ عند العبيد بقول من أقوال‬
‫هؤالء العبيد؟!‪..‬‬

‫لقد كان كل شرك المشركين في الجاهلية العربية‬


‫أنهم يستشــفعون عند اهلل ببعض خلقه‪ ..‬يتخذونهم‬
‫أولياء‪:‬‬

‫﴿ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‪ ﴾ ...‬فهذا هو الشــرك! فما الوصف‬
‫الذي يطلق إذن على الذين ال يستشفعون ألنفسهم عند‬
‫اهلل بأولياء من عبيده‪ ،‬ولكنهم ـ ويا للنكر والبشاعة! ـ‬
‫يستشفعون هلل ـ سبحانه ـ عند العبيد بمذهب أو منهج‬
‫مــن مذاهــب العبيد ومناهجهــم؟! إن اإلســام هو‬
‫اإلسالم‪ .‬واالشتراكية هي االشــتراكية‪ .‬والديمقراطية‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪18‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫هي الديمقراطيــة‪ ..‬ذلك منهــج اهلل وال عنوان له وال‬


‫صفة إال العنوان الذي جعله اهلل له‪ ،‬والصفة التي وصفه‬
‫بهــا‪ ..‬وهذه وتلك مــن مناهج البشــر‪ ،‬ومن تجارب‬
‫البشر‪ ..‬وإذا اختاروها فليختاروها على هذا األساس‪..‬‬
‫وال ينبغي لصاحب الدعوة إلى دين اهلل‪ ،‬أن يستجيب‬
‫إلغراء الزي الرائج من أزياء الهوى البشري المتقلب‪.‬‬
‫وهو يحسب أنه يحســن إلى دين اهلل! على أننا نسأل‬
‫هؤالء الذين هان عليهم دينهم‪ ،‬ولــم يقدروا اهلل حق‬
‫قدره‪ ..‬إذا كنتم تقدمون اإلســام اليوم للناس باســم‬
‫االشتراكية‪ ،‬وباســم الديمقراطية‪ ،‬ألن هذين زيان من‬
‫أزياء االتجاهات المعاصرة‪ ..‬فلقد كانت الرأسمالية في‬
‫فترة من الفترات هي الزي المحبوب عند الناس وهم‬
‫يخرجون بها من النظام اإلقطاعي! كما كان في الحكم‬
‫المطلق في فترة من الفترات هــو الزي المطلوب في‬
‫فتــرة التجميع القومــي للواليات المتناثــرة كما في‬
‫ألمانيا وإيطاليا أيام بسمرك وما تزيني مثالً! وغدا من‬
‫يدري ماذا يكون الزي الشائع من األنظمة االجتماعية‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪19‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫األرضية وأنظمــة الحكم التي يضعهــا العبيد للعبيد‪،‬‬


‫فكيف يا ترى ســتقولون غد ًا عن اإلســام؟ لتقدموه‬
‫للناس في الثوب الذي يحبه الناس؟!»‪.‬‬

‫وقال أيضا (‪« :)2075/4‬إن حياة الناس في األرض‬


‫ال تصلح إال بمثل هذه القيادة المبصرة التي تسير على‬
‫هدى اهلل وحده والتي تصــوغ الحياة كلها وفق منهجه‬
‫وهديه‪ ..‬إنها ال تصلح بالقيادات الضالة العمياء‪ ،‬التي‬
‫ال تعلــم أن ما أنزل على محمد ژ هــو الحق وحده‬
‫والتي تتبع ـ من ثم ـ مناهج أخرى غير منهج اهلل الذي‬
‫ارتضاه للصالحين من عباده‪ ..‬إنها ال تصلح باإلقطاع‬
‫والرأسمالية‪ ،‬كما أنها ال تصلح بالشيوعية واالشتراكية‬
‫العلمية!‪..‬‬

‫الع ْمي الذيــن ال يعلمون أن‬


‫إنها كلها من مناهــج ُ‬
‫ما أنزل على محمد ژ هو وحده الحق‪ ،‬الذي ال يجوز‬
‫العــدول عنــه‪ ،‬وال التعديــل فيــه‪ ..‬إنهــا ال تصلح‬
‫بالثيوقراطيــة كمــا أنهــا ال تصلــح بالديكتاتورية أو‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪20‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫العمي‪،‬‬
‫الديمقراطية! فكلها سواء في كونها من مناهج ُ‬
‫الذين يقيمون من أنفسهم أرباب ًا من دون اهلل‪ ،‬تضع هي‬
‫مناهج الحكم ومناهج الحياة‪ ،‬وتشرع للناس ما لم يأذن‬
‫به اهلل وتعبدهم لما تشرع‪ ،‬فتجعل دينونتهم لغير اهلل»‪.‬‬

‫وجاء فــي مجلــة البيان الصــادرة عــن المنتدى‬


‫اإلســامي في عددها الثامن صفــر ‪1408‬هـ‪ /‬أكتوبر‬
‫‪ 1987‬ما نصــه‪« :‬ومن الجدير بالذكــر أن الديمقراطية‬
‫شــيء‪ ،‬والحرية في ظل النظام اإلسالمي شيء آخر‪،‬‬
‫وال لقاء بين النظامين»‪.‬‬

‫وبهذا تتبينين ـ أيتها الســائلة العزيزة ـ التباين بين‬


‫اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬فاإلســام ال يرضى بالمساومة‬
‫على عقيدته وال على شــريعته وال على قيمه وال على‬
‫أخالقه وهــو جميعا من عنــد اهلل تعالــى‪ ،‬وال يتلون‬
‫بحســب أهواء النــاس ورغباتهم‪ ،‬وإنمــا يفرض على‬
‫أتباعه طاعة اهلل تعالى المطلقة في كل ما أمر به أو نهى‬
‫عنه‪ ،‬ويدعو الناس جميعا إلى تــرك أهوائهم واالنقياد‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪21‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫لحكم اهلل وحــده‪ ،‬بينمــا الديمقراطية تتلون حســب‬


‫ما تمليه عليها أهواء الناس‪ ،‬فقد تبيح في زمان أو مكان‬
‫ما تحرمه في زمــان أو مكان آخرين‪ ،‬بحســب اتجاه‬
‫األغلبية من ممثلي الشعوب في المجالس النيابية‪ ،‬وقد‬
‫تزج بالناس في حروب طاحنة تهلك الحرث والنســل‬
‫وتبيد األخضر واليابس‪ ،‬تزهــق فيها األرواح بغير حق‬
‫وتنتهك فيها كرامة الشــعوب ألجل العلو في األرض‬
‫وفرض الســلطة عليها‪ ،‬وال أدل على ذلــك مما تفرزه‬
‫اليوم الديمقراطيات الغربية من فتن مســتعرة وحروب‬
‫طاحنة تباد فيها شــعوب وتداس كرامتها‪ ،‬وما مأســاة‬
‫الشعب الفلسطيني والشعب العراقي والشعب األفغاني‬
‫وغيرها من ذلك ببعيد‪ ،‬بينما اإلســام إن أذن بشــن‬
‫حرب فإنما يأذن بذلك ألجل رد عدوان أو فك عان ٍ أو‬
‫تحرير مســترق‪ ،‬علــى أن تكون محكومــة باألخالق‬
‫المثلى‪ ،‬كما هــو واضح في قولــه تعالى‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ﴾ [البقرة‪ ،]١٩٠ :‬وعن صفوان بن عســال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪22‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫بعثنا رسول اهلل ژ في سرية فقال‪« :‬ســيروا باسم اهلل‪،‬‬


‫وفي ســبيل اهلل‪ ،‬قاتلوا من كفر بــاهلل‪ ،‬وال تمثلوا‪ ،‬وال‬
‫تغدروا‪ ،‬وال تغلوا‪ ،‬وال تقتلوا وليدا»‪ ،‬وعن ابن بريدة‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان رســول اهلل ژ ‪ ،‬إذا أمر رجال على‬
‫سرية‪ ،‬أوصاه في خاصة نفسه‪ ،‬بتقوى اهلل‪ ،‬ومن معه من‬
‫المسلمين خيرا‪ ،‬فقال‪« :‬اغزوا باسم اهلل‪ ،‬وفي سبيل اهلل‪،‬‬
‫قاتلوا من كفر باهلل‪ ،‬اغــزوا وال تغدروا‪ ،‬وال تغلوا‪ ،‬وال‬
‫تمثلــوا‪ ،‬وال تقتلوا وليدا»‪ ،‬وعن يحيى بن ســعيد‪ :‬أن‬
‫أبا بكــر الصديــق بعث الجيــوش إلى الشــام وبعث‬
‫يزيد بن أبي سفيان أميرا فقال له ـ وهو يمشى أمامه ـ ‪:‬‬
‫إما تركب وإما أن أنــزل‪ ،‬قال أبو بكــر‪ :‬ما أنا براكب‬
‫وما أنت بنازل‪ ،‬إني أحتسب خطاي هذه في سبيل اهلل‪،‬‬
‫إنك ســتجد قومــا زعموا أنهم حبســوا أنفســهم في‬
‫الصوامع فدعهم وما زعموا‪ ،‬وســتجد قوما قد فحصوا‬
‫عن أوســاط رءوســهم من الشــعر وتركوا منها أمثال‬
‫العصائــب فاضربــوا ما فحصــوا عنه بالســيف وإني‬
‫موصيك بعشر‪« :‬ال تقتلن امرأة وال صبيا وال كبيرا هرما‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪23‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وال تقطعن شــجرا مثمــرا وال نخــا وال تحرقها وال‬


‫تخربن عامرا وال تعقرن شــاة وال بقرة إال لمأكلة وال‬
‫تجبن وال تغلل»‪.‬‬
‫وكم يجد اإلنســان من فوارق بين اإلسالم وغيره‬
‫من األنظمة ـ ومن بينها الديمقراطية ـ حسبنا من ذلك‬
‫أن اإلســام ال يفرط فــي العدل فــي أي موقف من‬
‫المواقف حتى مــع ألد خصومــه‪ ،‬فقد قــال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ [النســاء‪ ،]١٣٥ :‬وقال ســبحانه‪:‬‬
‫﴿ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [المائدة‪،]٨ :‬‬
‫ولم يكن هذا تنظيرا فحسب‪ ،‬بل طبق ذلك حتى مع‬
‫ألد الخصوم‪ ،‬فقد أنزل اهلل تعالى ثماني آيات تتلى في‬
‫الصالة وغيرها ألجل تبرئة يهودي من تهمة ألصقت به‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪24‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وهو منها براء‪ ،‬وقد تضمنت عتابا لطيفا للنبي ژ مما‬


‫كاد يقع فيــه من تأثير تآمر المتآمريــن عليه‪ ،‬فقد قال‬
‫تعالــى‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ❁ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ❁ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ❁ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ❁ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ❁ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ❁ﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ❁ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ❁ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾ [النساء‪ ١٠٥ :‬ـ ‪.]١١٣‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪25‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وقــد روي عن عمــر ‪ ƒ‬أنه مر بشــيخ من أهل‬


‫الذمة‪ ،‬يسأل على أبواب الناس‪ ،‬فقال‪« :‬ما أنصفناك إن‬
‫كنا أخذنا منك الجزية في شــبيبتك‪ ،‬ثم ضيعناك في‬
‫كبرك‪ .‬قال‪ :‬ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه»‪.‬‬
‫(األموال البن زنجويه‪ 169/1 ،‬رقم‪.)179 :‬‬

‫وكم يقابل ذلــك من ظلم صارخ تفــرزه األنظمة‬


‫الديمقراطية وتمييز فاضح بين الشعوب التي تحكمها‪،‬‬
‫ناهيك ما يعانيه الهنود الحمــر في الواليات المتحدة‬
‫اإلمريكيــة مــن حرمــان أدنــى الحقوق اإلنســانية‬
‫واعتبارهــم كالحيوانــات فــي حديقة يتفــرج عليها‬
‫المتفرجــون‪ ،‬ومثــل ذلــك معاناة ســكان اســتراليا‬
‫األصليين فضال عما يقع في أرض فلسطين العزيزة من‬
‫إخــراج النــاس بالقهر مــن مســاكنهم وهدمها على‬
‫رؤسهم‪ ،‬وسلبهم ممتلكاتهم من األراضي ألجل إقامة‬
‫مستوطنات يهودية عليها‪ ،‬وكم تقع انتهاكات لحرمات‬
‫اإلنسانية وإبادة لحياة األطفال الرضع والشيوخ الركع‬
‫والنســاء الالتي ال يملكن من األمر شيئا‪ ،‬فضال عن‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪26‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫الشبان اليافعين من هذه األنظمة‪ ،‬كما وقع في الحرب‬


‫العالمية الثانيــة عندما ألقيت القنبلتــان النوويتان في‬
‫(هيروشيما وناجازاكي)‪.‬‬
‫هــذا؛ وعندمــا أتحدث عــن اإلســام مقارنة‬
‫بالديمقراطية فإنما أتحدث عن اإلسالم الذي أنزله‬
‫اهلل تعالى في القرآن‪ ،‬وجاء في سنة النبي ! القولية‬
‫والعمليــة وطبقــه من بعــده الخلفاء الراشــدون‪،‬‬
‫وحرص على تطبيقه من بعدهم أئمة الحق العادلون‬
‫ولو كان في أزمنة وأمكنة محدودة‪ ،‬ولست أتحدث‬
‫عن إســام حكام بني أمية وبني العباس ومن سار‬
‫على نهجهم ـ ما خال عمر بن عبد العزيز ‪ ، ƒ‬فإنه‬
‫وإن كان أمويا نســبا إال أنه راشــدي صورة ومعنى‬
‫وتطبيقا وعمال ـ فإن أعمال هــؤالء ما كانت تمثل‬
‫اإلسالم بحال‪ ،‬وإنما كانت امتدادا ألعمال القياصرة‬
‫واألكاسرة في الظلم واالســتبداد وانتهاك حرمات‬
‫اإلنســانية‪ ،‬وقد كانوا عارا على اإلسالم‪ ،‬بل كانوا‬
‫هم الذيــن كانوا عقبة كأْداءَ وقفــت أمام مده‪ ،‬وإال‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪27‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫ــو َل العالم بأســره إليه‪ ،‬وألجــل هذا كان‬


‫لكان َح َّ‬
‫المتوجســون من اإلســام من الغربييــن يرفعون‬
‫عقيرتهم بأنهم ممنونون لهؤالء الذين صدوا عنهم‬
‫اإلسالم‪ ،‬ناهيك ما ذكره َّ‬
‫العلمة السيد محمد رشيد‬
‫رضا في تفسيره المنار‪ ،‬إذ قال (‪« :)214/11‬قال أحد‬
‫كبار علماء األلمان في األســتانة لبعض المسلمين‬
‫وفيهم أحد شرفاء مكة‪ :‬إنه ينبغي لنا أن نقيم تمثاال‬
‫من الذهب لمعاوية بن أبي ســفيان في ميدان كذا‬
‫من عاصمتنا (برلين) قيل لــه‪ :‬لماذا؟ قال‪ :‬ألنه هو‬
‫الذي حــول نظام الحكم اإلســامي عــن قاعدته‬
‫الديمقراطيــة إلى عصبية الغلــب‪ ،‬ولوال ذلك لعم‬
‫اإلســام العالم كلــه‪ ،‬ولكنا نحن األلمان وســائر‬
‫شعوب أوربة عربا ومسلمين»‪.‬‬
‫وقد بينــت ما أحدثــه معاويــة فمن بعــده في‬
‫االنحــراف بالحكــم من خالفــة راشــدة إلى ملك‬
‫عضوض في كتابي «االســتبداد مظاهره ومواجهته»‬
‫وبإمكان الطالبة الكريمة أن ترجع إليه‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪28‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وليست محاولة إلصاق الديمقراطية باإلسالم إال‬


‫نتيجة انبهار كثير من المســلمين بالشعارات البراقة‬
‫التــي يرفعها غير المســلمين‪ ،‬وهذا كمــا كان في‬
‫فترات قريبة إعجاب كثير منهم باالشــتراكية حتى‬
‫ادعوا أنها من صميم اإلسالم‪ ،‬وزعموا أن النبي !‬
‫كان إمام االشتراكيين كما في قول شوقي‪:‬‬
‫أنـــت إمامهـــم‬
‫َ‬ ‫االشـــتراكيون‬
‫والغلواء‬
‫ُ‬ ‫لــوال دعــاوى القــوم‬

‫كما زعموا أن خلفاءه الراشدين هم الذين طبقوها‪،‬‬


‫ال ســيما عمر ? ! الذي قال في وصفه شــاعر النيل‬
‫حافظ إبراهيم‪:‬‬

‫ما االشتراكية المنشــود جانبها‬


‫بين الورى غير مبنى من مبانيها‬
‫فإن نك نحــن أهليهــا ومنبتها‬
‫فإنهــم عرفوهــا قبــل أهليهــا‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪29‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫ولعل هؤالء يريدون تلميع اإلسالم وتحبيبه إلى‬


‫النــاس من وصفهم لــه بذلك وهم ال يــدرون أن‬
‫اإلسالم أغنى من أن يحتاج إلى أن تجتلب له زينة‬
‫من غيره أو يكسى محاسن تعار له من نظم أخرى‪،‬‬
‫فهو غني بمحاســنه وزينته ال يفتقر إلى ما يجمله‪،‬‬
‫علــى أن جميــع النظــم التــي يســتوردون منها‬
‫ما يجملون به اإلسالم ســرعان ما تتكشف خباياها‬
‫وتتعرى حقيقتها عن قبائح تســوء األنظار ســوآتها‬
‫ويزكــم األنوف نتنها‪ ،‬كما انكشــف ذلــك للناس‬
‫جميعا عندما تبــدت لهم االشــتراكية في صورتها‬
‫الحقيقية‪ ،‬وعرفوا ما كابدته اإلنسانية منها من ظلم‬
‫وحرمان وذل وهوان‪ ،‬وســيأتي ـ بال شــك ـ اليوم‬
‫الذي تتكشــف للناس قاطبة ســوآت الديمقراطية‪،‬‬
‫ويدركون بأن الذين يفاخرون بها اليوم هم ليســوا‬
‫على شيء‪ .‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪30‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫س ‪ :2‬هل الديمقراطية هي الشورى‪ ،‬وما رأيك في‬


‫مقارنة بعض العلماء بين النظريتين في عصرنا‬
‫الحالي؟‪.‬‬

‫ج ‪ :2‬الشــورى أصل أصيل في نظــام الحكم في‬


‫اإلســام‪ ،‬وقد وصف اهلل بها أمر المســلمين قبل أن‬
‫يقوم لهــم حكــم عندما كانــوا أفــرادا موزعين في‬
‫المجتمــع المكــي تحيط بهــم الكثــرة الكاثرة من‬
‫المشركين‪ ،‬ولعظم أهميتها قرنها بالصالة التي هي أم‬
‫العبادات‪ ،‬وذلك في قوله‪ ﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾ [الشــورى‪،]٣٨ :‬‬
‫وأمر النبي ژ أن يشاور أصحابه في قوله‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [آل عمران‪ ،]١٥٩ :‬وكان‬
‫ذلك بعد غزوة أحد التي مني فيها المسلمون بنكسة‬
‫أليمة‪ ،‬صرعت سبعين بطال من أبطالهم بسبب بعض‬
‫المخالفات غير المقصودة التي وقع فيها المسلمون‪،‬‬
‫خرجــوا فيها عمــا أمرهم بــه النبــي ژ ورأوا غير‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪31‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫ما يرى‪ ،‬وقد كان األمر بالشــورى فــي هذا الموقف‬


‫األليم الذي ينفر فيه جرح المسلمين دما ألجل التأكيد‬
‫عليها‪ ،‬حتى ال يفرطوا فيها‪ ،‬كما قال األستاذ الشهيد‬
‫سيد قطب «في ظالل القرآن» (‪ 500/1‬ـ ‪:)502‬‬
‫«نجد أصل النظام الذي تقوم عليه الحياة الجماعية‬
‫اإلسالمية ـ وهو الشورى ـ يؤمر به في الموضع الذي‬
‫كان للشورى ـ في ظاهر األمر ـ نتائج مريرة! ونجد مع‬
‫مبدأ الشورى مبدأ الحزم والمضي ـ بعد الشورى ـ في‬
‫مضاء وحســم‪ .‬ونجــد حقيقة التوكل علــى اهلل ـ إلى‬
‫جانب الشــورى والمضــاء ـ حيث تتكامل األســس‬
‫التصويرية والحركية والتنظيمية‪ .‬ونجد حقيقة قدر اهلل‪،‬‬
‫ورد األمر كله إليه وفاعليته التــي ال فاعلية غيرها في‬
‫تصريف األحداث والنتائج‪ .‬ونجد التحذير من الخيانة‬
‫والغلول والطمع في الغنيمة‪ .‬ونجد التفرقة الحاســمة‬
‫بين من اتبع رضوان اهلل ومن باء بســخط من اهلل‪ ،‬تبرز‬
‫منها حقيقة القيم واالعتبارات والكســب والخسارة‪..‬‬
‫وتختم الفقرة باإلشادة بالمنة اإللهية الممثلة في رسالة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪32‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫النبي ژ إلى هذه األمة‪ ،‬المنة التي تتضاءل إلى جانبها‬


‫الغنائــم‪ ،‬كما تتضــاءل إلى جانبها اآلالم ســواء! هذا‬
‫الحشد كله في تلك اآليات القالئل المعدودات! ﴿ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ [آل عمران‪.]١٥٩ :‬‬
‫إن السياق يتجه هنا إلى رسول اهلل ژ وفي نفسه‬
‫شــيء من القوم تحمســوا للخروج‪ ،‬ثــم اضطربت‬
‫صفوفهم‪ ،‬فرجع ثلث الجيش قبل المعركة وخالفوا‬
‫ـ بعد ذلك ـ عن أمــره‪ ،‬وضعفوا أمام إغراء الغنيمة‪،‬‬
‫ووهنوا أمام إشــاعة مقتله‪ ،‬وانقلبوا علــى أعقابهم‬
‫مهزومين‪ ،‬وأفردوه في النفــر القليل‪ ،‬وتركوه يثخن‬
‫بالجــراح وهو صامــد يدعوهم فــي أخراهم‪ ،‬وهم‬
‫ال يلوون على أحــد‪ ..‬يتوجه إليــه ژ يطيب قلبه‪،‬‬
‫وإلى المسلمين يشعرهم نعمة اهلل عليهم به‪ .‬ويذكره‬
‫ويذكرهم رحمة اهلل الممثلة في خلقه الكريم الرحيم‪،‬‬
‫الذي تتجمع حوله القلوب‪ ..‬ذلك ليستجيش كوامن‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪33‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫الرحمة في قلبه ژ فتغلب على ما أثاره تصرفهم فيه‬


‫وليحسوا هم حقيقة النعمة اإللهية بهذا النبي الرحيم‪.‬‬
‫ثم يدعوه أن يعفــو عنهم‪ ،‬ويســتغفر اهلل لهم‪ ..‬وأن‬
‫يشــاورهم في األمر كما كان يشــاورهم غير متأثر‬
‫بنتائــج الموقف إلبطــال هذا المبدأ األساســي في‬
‫الحياة اإلسالمية»‪.‬‬

‫وقال أيضا‪« :‬لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج‬


‫للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة! فقد كان من‬
‫جرائها ظاهري ًا وقوع خلل في وحدة الصف المســلم!‬
‫اختلفت اآلراء‪ .‬فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في‬
‫المدينة محتمين بها‪ ،‬حتــى إذا هاجمهم العدو قاتلوه‬
‫على أفواه األزقة‪ .‬وتحمســت مجموعــة أخرى فرأت‬
‫الخروج للقاء المشركين‪.‬‬

‫وكان من جراء هــذا االختالف ذلــك الخلل في‬


‫وحدة الصف‪ .‬إذ عاد عبد اهلل بن أبي بن ســلول بثلث‬
‫الجيش‪ ،‬والعــدو على األبــواب ـ وهو حدث ضخم‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪34‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫وخلل مخيف ـ كذلك بدا أن الخطــة التي نفذت لم‬


‫تكــن ـ فــي ظاهرها ـ أســلم الخطــط مــن الناحية‬
‫العسكرية‪ .‬إذ إنها كانت مخالفة «للسوابق» في الدفاع‬
‫عــن المدينة ـ كما قــال عبد اهلل ابن أبــي ـ وقد اتبع‬
‫المســلمون عكســها في غزوة األحزاب التالية‪ ،‬فبقوا‬
‫فعالً في المدينة‪ ،‬وأقاموا الخندق‪ ،‬ولم يخرجوا للقاء‬
‫العدو‪ .‬منتفعيــن بالدرس الذي تلقــوه في أحد! ولم‬
‫يكن رسول اهلل ژ يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر‬
‫الصف المسلم من جراء الخروج‪.‬‬
‫فقد كان لديه اإلرهاص من رؤياه الصادقة‪ ،‬التي‬
‫رآها‪ ،‬والتي يعرف مدى صدقهــا‪ .‬وقد تأولها قتيالً‬
‫من أهل بيته‪ ،‬وقتلى من صحابتــه‪ ،‬وتأول المدينة‬
‫درع ًا حصينة‪ ..‬وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه‬
‫األمر نتيجة للشــورى‪ ..‬ولكنــه أمضاها وهو يدرك‬
‫ما وراءها مــن اآلالم والخســائر والتضحيات‪ .‬ألن‬
‫إقرار المبدأ‪ ،‬وتعليم الجماعة‪ ،‬وتربية األمة‪ ،‬أكبر من‬
‫الخسائر الوقتية‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪35‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫ولقد كان من حــق القيادة النبويــة أن تنبذ مبدأ‬


‫الشورى كله بعد المعركة‪ .‬أمام ما أحدثته من انقسام‬
‫في الصفوف فــي أحرج الظــروف وأمــام النتائج‬
‫المريرة التي انتهت إليها المعركة! ولكن اإلســام‬
‫كان ينشئ أمة‪ ،‬ويربيها‪ ،‬ويعدها لقيادة البشرية‪ .‬وكان‬
‫اهلل يعلم أن خير وسيلة لتربية األمم وإعدادها للقيادة‬
‫الرشيدة‪ ،‬أن تربى بالشــورى وأن تدرب على حمل‬
‫التبعة‪ ،‬وأن تخطئ ـ مهما يكن الخطأ جســيم ًا وذا‬
‫نتائج مريرة ـ لتعرف كيــف تصحح خطأها‪ ،‬وكيف‬
‫تحتمــل تبعــات رأيهــا وتصرفها‪ .‬فهــي ال تتعلم‬
‫الصواب إال إذا زاولت الخطأ‪.»..‬‬
‫وقال أيضا‪« :‬والخسائر ال تهم إذا كانت الحصيلة‬
‫هي إنشــاء األمة المدربة المدركة المقــدرة للتبعة‪.‬‬
‫واختصار األخطاء والعثرات والخسائر في حياة األمة‬
‫ليس فيها شيء من الكسب لها‪ ،‬إذا كانت نتيجته أن‬
‫تظل هذه األمة قاصــرة كالطفل تحت الوصاية‪ .‬إنها‬
‫في هذه الحالة تتقي خســائر مادية وتحقق مكاسب‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪36‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫مادية‪ .‬ولكنها تخســر نفســها‪ ،‬وتخســر وجودها‪،‬‬


‫وتخســر تربيتهــا‪ ،‬وتخســر تدريبها علــى الحياة‬
‫الواقعيــة‪ .‬كالطفل الــذي يمنع من مزاولة المشــي‬
‫ـ مثــاً ـ لتوفيــر العثــرات والخبطــات‪ ،‬أو توفير‬
‫الحذاء! كان اإلســام ينشــئ أمة ويربيها‪ ،‬ويعدها‬
‫للقيادة الراشــدة‪ .‬فلم يكن بد أن يحقق لهذه األمة‬
‫رشــدها‪ ،‬ويرفع عنها الوصاية في حــركات حياتها‬
‫العمليــة الواقعيــة‪ ،‬كــي تــدرب عليها فــي حياة‬
‫الرسول ژ وبإشرافه‪ .‬ولو كان وجود القيادة الراشدة‬
‫يمنع الشــورى‪ ،‬ويمنع تدريب األمــة عليها تدريب ًا‬
‫عملي ًا واقعي ًا في أخطر الشؤون ـ كمعركة أحد التي‬
‫قد تقرر مصير األمة المسلمة نهائي ًا‪ ،‬وهي أمة ناشئة‬
‫تحيط بهــا العــداوات واألخطار مــن كل جانب ـ‬
‫ويحل للقيادة أن تستقل باألمر وله كل هذه الخطورة‬
‫ـ لو كان وجود القيادة الراشدة في األمة يكفي ويسد‬
‫مسد مزاولة الشورى في أخطر الشؤون‪ ،‬لكان وجود‬
‫محمد ژ ومعه الوحي مــن اهلل ‪ 4‬ـ كافي ًا لحرمان‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪37‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى! ـ وبخاصة‬


‫على ضــوء النتائج المريرة التــي صاحبتها في ظل‬
‫المالبســات الخطيرة لنشــأة األمة المسلمة‪ .‬ولكن‬
‫وجود محمد رســول اهلل ژ ومعــه الوحي اإللهي‬
‫ووقوع تلك األحداث‪ ،‬ووجود تلك المالبسات‪ ،‬لم‬
‫يلغ هذا الحق‪ .‬ألن اهلل ـ سبحانه ـ يعلم أن ال بد من‬
‫مزاولته في أخطر الشــؤون‪ ،‬ومهما تكــن النتائج‪،‬‬
‫ومهما تكن الخســائر‪ ،‬ومهما يكن انقسام الصف‪،‬‬
‫ومهما تكن التضحيات المريرة‪ ،‬ومهما تكن األخطار‬
‫المحيطة‪ ..‬ألن هذه كلها جزئيات ال تقوم أمام إنشاء‬
‫األمة الراشدة‪ ،‬المدربة بالفعل على الحياة المدركة‬
‫لتبعات الــرأي والعمــل‪ ،‬الواعيــة لنتائــج الرأي‬
‫والعمل‪ ..‬ومن هنا جاء هــذا األمر اإللهي‪ ،‬في هذا‬
‫اســ َت ْغ ِف ْر َل ُه ْم‪،‬‬
‫ــم‪َ ،‬و ْ‬
‫ــف َع ْن ُه ْ‬
‫الوقت بالــذات‪« :‬فَا ْع ُ‬
‫َوشاوِ ْر ُه ْم فِي ْالَ ْم ِر»‪..‬‬
‫ليقرر المبــدأ في مواجهــة أخطر األخطــار التي‬
‫صاحبت اســتعماله وليثبت هذا القرار في حياة األمة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪38‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫المسلمة أي ًا كانت األخطار التي تقع في أثناء التطبيق‬


‫وليســقط الحجة الواهية التي تثار إلبطال هذا المبدأ‬
‫في حياة األمة المسلمة‪ ،‬كلما نشأ عن استعماله بعض‬
‫العواقب التي تبدو سيئة‪ ،‬ولو كان هو انقسام الصف‪،‬‬
‫كما وقع في «أحد» والعدو على األبواب‪ ..‬ألن وجود‬
‫األمة الراشــدة مرهون بهــذا المبدأ‪ .‬ووجــود األمة‬
‫الراشدة أكبر من كل خســارة أخرى في الطريق! على‬
‫أن الصورة الحقيقية للنظام اإلســامي ال تكمل حتى‬
‫نمضي مع بقية اآلية فنرى أن الشــورى ال تنتهي أبد ًا‬
‫إلى األرجحة والتعويــق‪ ،‬وال تغني كذلك عن التوكل‬
‫على اهلل في نهاية المطاف‪« :‬ف َِإذا َع َز ْم َ‬
‫ــت َف َت َو َّك ْل َع َلى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ .»..‬اهـ‬ ‫اهلل‪ِ .‬إ َّن اهلل ُيح ُّ‬
‫ب ا ْل ُم َت َو ِّكل َ‬
‫وقد تربى أصحاب النبي ژ في حضرته ! على‬
‫المشــورة‪ ،‬كما جاء بذلك القرآن‪ ،‬فنشأت األمة في‬
‫كنف الشورى وبنت عليها حياتها السياسية‪ ،‬ولذلك‬
‫كان اختيار الخلفاء الراشدين مبنيا على هذا األصل‬
‫األصيل في اإلســام حتى جاء معاوية وحرم األمة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪39‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫من هذا الخير‪ ،‬وورث الحكم لولــده الطاغية يزيد‬


‫على رغــم المهاجريــن واألنصار‪ ،‬الذيــن أصلتت‬
‫السيوف في وجوههم لقطع ألسنتهم عن االعتراض‪،‬‬
‫وكان نتيجة ذلك حرمان األمة من هذا الحق العظيم‬
‫ووقوعها في براثن حكم جائر غاشم ال يرى للدين‬
‫حرمة وال للنــاس إال وال ذمة‪ ،‬وإنمــا كان امتدادا‬
‫لبطش الفراعنة واألكاســرة والقياصرة كما ســبقت‬
‫اإلشــارة إلى ذلك وشــرحته في كتاب «االستبداد‬
‫مظاهره ومواجهته»‪.‬‬
‫وقد سبق أن الحكم في اإلسالم إنما هو هلل تعالى‬
‫وحده‪ ،‬والناس مطالبون بتنفيذ هذا الحكم وإعطاء كل‬
‫ذي حق حقه وإنزال كل أمر منزله‪ ،‬واالنتصاف من كل‬
‫ظالم كيفما كان لكل مظلوم أيا كان‪ ،‬ولما كانت هذه‬
‫المسؤولية تستلزم اشتراك جهود األمة من أجل القيام‬
‫بها كانت الشورى ضرورة ملحة من أجل البحث عن‬
‫الوســائل الناجحة في تحقيــق العدالــة في األرض‬
‫وتطبيق شــرع اهلل بيــن عبــاده‪ ،‬وهــي تختلف عن‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪40‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫الديمقراطية من حيث إن الديمقراطية تنزع الحكم من‬


‫يد اهلل وتجعله في يد الشعب يحكم لنفسه وعلى نفسه‬
‫كيف شاء‪ ،‬فيحل ما يشاء ويحرم ما يشاء‪ ،‬ولذلك لم‬
‫يكن في ظل الديمقراطيــة أي حرج في افتتاح حانات‬
‫الخمور ونــوادي الرقــص والقمار وبيــوت الدعارة‬
‫ومؤسســات الربا‪ ،‬بل ليس عندها مشكلة أن يمارس‬
‫الشــاذون جنســيا هوايتهم بكل حريــة ويضمن لهم‬
‫القانون حقهم المزعوم في ذلك!‪.‬‬
‫بينما اإلسالم ال يســوغ ألحد تحريم ما أحل اهلل أو‬
‫تحليل ما حرم أو تبديل ما أنزل أو تغيير ما شــرع‪ ،‬ولو‬
‫اجتمعت األمة جميعــا على ذلك‪ ،‬بل لــو أجمع أهل‬
‫السموات واألرض عليه لعد ـ في موازين اإلسالم ـ بغيا‬
‫وعدوانا وفســادا وانحرافا‪ ،‬على القادر أن يســعى في‬
‫تغييــره بــكل ما يملك من وســيلة‪ ،‬فليــس لمجالس‬
‫الشورى في اإلسالم أن تبيح الخمر أو الربا أو البغاء أو‬
‫أي فساد أو أن تحرم ما أحل اهلل من الطيبات ﴿ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪41‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫❁‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]٣٣ ،٣٢ :‬وإنما مهمة الشــورى هي البحث عن‬
‫الوســائل الســليمة والطرق الناجحة والفرص السانحة‬
‫لتنفيذ حكم اهلل في أرضه‪ ،‬وال تســتوي فكرتان تعتمد‬
‫إحداهما حكم اهلل تعالى الذي بيده ملكوت كل شــيء‬
‫وله اآلخــرة واألولــى‪ ،‬وتعتمد أخراهما حكــم العباد‬
‫الناقصة عقولهم القاصرة مداركهم‪ ﴿ ،‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾ [الرعد‪.]١٦ :‬‬

‫س ‪ :3‬ما هي األرضية المشتركة أو الفرق بين مفهوم‬


‫الديمقراطية والشورى؟‪.‬‬

‫ج ‪ :3‬ال تلتقي الشــورى المشــروعة في اإلســام‬


‫والديمقراطية إال في نقطة واحدة‪ ،‬وهي أن الشــعوب‬
‫تشــارك في صنع القرار‪ ،‬وأما االختــاف بينهما فهو‬
‫ظاهر فيما تقدم ذكره‪ .‬والحمد هلل‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪42‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫س ‪ :4‬ما هو المفهوم المقصود خلف كلمة «الديمقراطية»‬


‫التي تهتف بها الشعوب في ميادين المدن اإلسالمية؟‪.‬‬

‫ج ‪ :4‬الناس في كل مجتمع يتباينـون فـي األفكار‬


‫ويتفاوتـون في اإلدراك‪ ،‬فالذيـن تربوا على اإلسالم‬
‫ومفاهيمه الصحيحة وأسســه القويمــة‪ ،‬ال يبغون‬
‫باإلســام بديال وإن شــايعوا اآلخريــن في رفع‬
‫الشــعارات الرائجة عند أكثر الناس‪ ،‬وأما الســواد‬
‫األعظم مــن الناس فــــهم ال يفرقـون بين الضب‬
‫والنون وال بين الذئب والحمـــل‪ ،‬وال بيـن الدرة‬
‫والبعرة‪ ،‬فلذلك يهرفون بما ال يعرفون‪ ،‬ويرددون ما‬
‫ال يتصورون ﴿ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﴾ [األعراف‪.]١٨٧ :‬‬

‫س ‪ :5‬ما تفسيرك الشخصي لكلمة «الديمقراطية»؟‪.‬‬

‫ج ‪ :5‬ما كان لي أن أفســر شــيئا بغير معناه وقد‬


‫ســبق في الجواب األول بيان معنــى الديمقراطية‬
‫وكفى‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪43‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫س ‪ :6‬هل تعتقد أن العالم اإلسالمي اخترع مفهوما‬


‫جديدا «لكلمــة الديمقراطية» وهل هو بعيد عن‬
‫المفاهيم الغربية؟‪.‬‬

‫ج ‪ :6‬العالم اإلسالمي يجمع بين الغث والسمين‬


‫والز َب ُد‪ ،‬وقد فتن أكثر الناس‬
‫والنخبة والرعاع والزبدة َ‬
‫بالشــعارات كما نكبوا بالظلم‪ ،‬فأرادوا الخالص من‬
‫الظلم بأي وسيلة كانت‪ ،‬وقد تصوروا أن الديمقراطية‬
‫هي التي تخلصهم من ســلطات الظالمين وبطشهم‪،‬‬
‫كما تصوروا من قبل أن االشتراكية أو الشيوعية هي‬
‫المخلص الوحيد من الظلم الرأسمالي فتسابقوا إليها‬
‫وتهاووا في سعيرها كما يتساقط الفراش على لهيب‬
‫النار‪ ،‬وقد عشنا في زمن ما كنا ننبس فيه ببنت شفة‬
‫ضد االشتراكية أو الشيوعية إال وتسلخنا ألسنة الناس‬
‫ســلخا وتهال علينا التهــم بأننا عمــاء لإلمبريالية‬
‫العالمية‪ ،‬وقد وضح الصبح لذي عينين وميز الخبيث‬
‫من الطيب‪ ،‬وتبيــن للناس ما هــو الجوهر النفيس‬
‫وما هو الخزف الرخيص‪ ،‬والحمد هلل‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪44‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫س ‪ :7‬إذا نعــم ما هو التفســير المناســب لكلمة‬


‫«الديمقراطية» برأيك؟‪.‬‬

‫ج ‪ :7‬ســبق أن قلت إنني ال أفسر شيئا إال بمعناه‪ ،‬وقد‬


‫أوضحت معنى الديمقراطية بما يكفــي‪ ،‬وإذا كان لي أن‬
‫أضيف شيئا إلى ما ذكرته‪ ،‬فإنني أرى أن القوى االمبريالية‬
‫تنادي اليوم بالديمقراطيــة من أجل إيقاع الناس في فخها‬
‫واقتيادهم أسارى فكرها ومبادئها إلى معسكراتها لتقضي‬
‫على ما تبقى مــن مقوماتها السياســية والفكرية واألدبية‬
‫واألخالقية والثقافية حتى تسلبهم كل المعاني التي تحيا‬
‫بها األمم وتتميز بها الشعوب‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫س ‪ :8‬ما ســبب تمســك الشعوب اإلســامية بكلمة‬


‫«الديمقراطية» مع أن أغلبها ترفض مقارنة مبادئها‬
‫بمباد ئ‬
‫� غربية؟‪.‬‬

‫ج ‪ :8‬الشعوب اإلسالمية حائرة ألنها فقدت ما تنزع‬


‫إليه فطرتها وتتطلع إليه من حرية واســتقرار‪ ،‬فلذلك‬
‫أخذت تبحث عن المنقذ‪ ،‬وقد تصورته أنه الديمقراطية‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪45‬‬


‫الديمقراطية في ميزان الشرع‬

‫متأثرة في ذلك بالضجيج الذي يصخ سمع العالم من‬


‫اإلعالم الهادر بالدعاية للديمقراطية‪ ،‬فال غرو إن لهثت‬
‫الشعوب اإلسالمية مع ســائر الشعوب المغلوب على‬
‫أمرها وراء هذا الشــعار البراق‪ ،‬وســيأتي اليوم الذي‬
‫يسقط فيه هذا الشعار وتتكشف السوءات التي يواريها‬
‫كما تساقطت الشــعارات األخرى من قبل‪ ،‬وهذه هي‬
‫ســنة اهلل في خلقه ﴿ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﴾ [الرعد‪.]١٧ :‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على سيدنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫مسقط‪ 15 /‬شوال ‪1435‬هـ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪46‬‬

You might also like