You are on page 1of 49

‫المكتبة القانونية االلكترونية‬

‫‪www.bibliojuriste.club‬‬

‫القسم االول نظرية الدولة‬

‫مقدمة‬

‫اختلف علماء القانون واالجتماع والتاريخ حول أصل نشأة الدولة‪ ،‬وترتَّب على هذا االختالف ظهور العديد من األفكار‬

‫والنظريات التي ُوضعت لتفسير هذه النشأة ‪ .‬ثم أن البحث عن أصل نشأة الدولة وتحديد وقت ظهورها يعد من األمور العسيرة ‪ ،‬إذ لم نقل‬

‫مستحيلة ‪ ،‬ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة ‪ ،‬و هي في تطورها تفاعل مع األوضاع السياسية‬

‫واالقتصادية واالجتماعية السائدة ‪.‬‬

‫وقد قام البعض بتقسيم هذه النظريات إلى مجموعات نوعية متقاربة‪ ،‬فنجد البعض يقسِّمها إلى نظريات ديمقراطية وأخرى غير‬

‫ديمقراطية ‪ ,‬وذلك لقرب هذه النظريات أو بُعدها من الفكرة الديمقراطية ‪ ,‬ويقسِّمها البعض إلى نظريات دينية وأخرى بشرية‪ ،‬وذلك من‬

‫حيث إرجاع النشأة إلى البشر أو إلى قوى غير بشرية ‪ ,‬ويرى البعض إرجاع هذه النظريات إلى اتجاهَين اتجاه نظري وآخر واقعي أو‬

‫اتجاه غيبي وآخر علمي‪.‬‬

‫ولعل أفضل تقس يم لهذه النظريات هو التقسيم الثنائي وهو النظريات الغير قانونية والنظريات القانونية واتي بدورها تتفرع إلى‬

‫عدة مطالب وفروع‪.‬‬

‫واإلشكالية المطروحة‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬النظريات الغير الديموقراطية‬

‫المطلب األول ‪ :‬النظريات الثيوقراطية ‪.‬‬

‫درج الفقهاء في مصر على وصف هذه النظريات بأنها نظرياتٌ دينيةٌ‪ ،‬مع أن المعنى الحرفي للمصطلح الفرنسي ال يعني‬

‫النظريات الدينية بل يعني النظريات التي تَنسِّب السلطة إلى هللا‪.‬‬

‫يرجع أنصار هذه النظرية أصل نشأة الدولة وظهور السلطة إلى هللا ‪ ،‬وعليه فأنهم يطالبون بتقديسها لكونها من صنعه وحق من‬

‫حقوقه يمنحها لمن يشاء‪،‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫فالحاكم يستمد سلطته وفقا لهذه النظرية من هللا ‪ ،‬وما دام األمر كذلك فإنه يسمو على المحكومين نظرا للصفات التي يتميز بها‬

‫عن غيره والتي مكنته من الفوز بالسلطة ‪ ،‬لذلك فغن إرادته يجب أن تكون فوق إرادات المحكومين‪.‬‬

‫والحقيقة أن المتتبع للتاريخ ي الحظ أن هذه النظريات لعبت دورا كبيرا في القديم ‪ ،‬فلقد قامت السلطة والدولة في المجتمعات‬

‫القديمة على أسس دينية محضة ‪ ،‬واستعملت النظرية الدينية في العصر المسيحي والقرون الوسطى‬

‫ولم تختف آثارها إال في بداية القرن العشرين ‪ ،‬والسبب يعود الى دور المعتقدات واألساطير في حياة اإلنسان ‪ ،‬حيث كان يعتقد‬

‫ان هذا العالم محكوم بقوى غيبية مجهولة يصعب تفسيرها ‪ ،‬وهو ما ترك البعض إضفاء صفة القداسة على أنفسهم وإضفاء صفة اإللهية‬

‫عليهم ‪.‬‬

‫وبمرور الوقت بدأ االختالف بين أنصار هذه النظرية حول طريقة اختيار الحاكم ‪ ،‬وان كانوا متفقين على أن السلطة هلل ‪ ،‬مما‬

‫أدى إلى ظهور ثالثة اتجاهات ‪:‬‬

‫(‪ )1‬نظرية تأليه الحاكم‬

‫َوجدت هذه النظرية مجاالً رحْ بًا في العصور القديمة؛ حيث تأثر اإلنسان باألساطير‪ ،‬فظن أن الحاكم إلهٌ يُع َبد‪ ..‬ففي مصر‬

‫الفرعونية كان فرعون هو اإلله (رع)‪ ،‬وقد سجَّل القرآن الكريم قول فرعون في قوله ‪َ ﴿ :‬ما َع ِّل ْمتُ لَ ُك ْم ِّم ْن ِّإلَ ٍه َغي ِّْري﴾ ( القصص‪ :‬من اآلية‬

‫‪ )38‬وقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬فقَا َل أَنَا َربُّ ُك ْم األ َ ْعلَى (‪ ( ﴾ )24‬النازعات)‪ ،‬وفي بالد فارس والروم كان الحاكم يصطبغ بصبغة إلهية ‪.‬‬

‫وفي الهند القديمة‪ ،‬فإن لبراهما يعتبر شبه إله‪.‬‬

‫(‪ )2‬نظرية الحق اإللهي المقدس المباشر‬

‫بشر يحكم باختيار هللا عز وجل‪ ،‬فاهلل الذي خلق كل شيء وخلق‬
‫ف إله‪ ,‬ولكنه ٌ‬
‫ص َ‬
‫تعني هذه النظرية أن الحاكم ليس إل ًها وال ِّن ْ‬

‫الدولة‪ ،‬هو الذي يختار الملوك مباشرة ً لحكم الشعوب‪ ،‬ومن ثَ َّم فَ َما على الشعب إال الطاعة المطلَقة ألوامر الملوك‪ ،‬ويترتب على ذلك عدم‬

‫مسئولية الملوك أمام أحد من الرعية‪ ،‬فللملك أن يفعل ما يشاء دون مسئولية أمام أحد سوى ضميره ثم هللا الذي اختاره وأقامه ‪.‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫فمن نتائج هذه النظرية أن الحاكم ال يكون مسئوال أمام أحد غير هللا‪ ،‬وبالتالي منه يستمد سلطته‪ .‬أما من حيث األساس فإنها‬

‫تختلف عن الصورة األولى‪ ،‬ففي فكرة تأليه الحاكم ال توجد تفرقة بين اإلله وشخص الملك‪ ،‬عكس فكرة الحق اإللهي المقدس حيث توجد‬

‫بها هذه التفرقة وهذا راجع لدواعي تاريخية‪.‬‬

‫ي‪ ,‬فخرج رجال الدين على الناس بهذه‬


‫وقد سادت هذه النظرية أوروبا بعد أن اعتنق اإلمبراطور قسطنطين الدينَ المسيح َّ‬

‫النظرية؛ وذلك لهدم نظرية تأليه الحاكم من ناحية‪ ,‬ولعدم المساس بالسلطة المطلقة للحاكم من ناحية أخرى ‪.‬‬

‫(‪ )3‬نظرية الحق اإللهي الغير المباشر‬

‫لم تعد فكرة الحق اإللهي المباشر مستساغةً من الشعوب‪ ,‬ومع ذلك لم تنعدم الفكرة تما ًما‪ ,‬وإنما َّ‬
‫تطورت وتبلورت في صورة‬

‫نظرية التفويض اإللهي الغير المباشر أو العناية اإللهية‪ ,‬ومؤدَّى هذه النظرية أن هللا ال يتدخل بإرادته المباشرة في تحديد شكل السلطة‪ ,‬وال‬

‫في طريقة ممارستها‪ ,‬وأنه ال يختار الح َّكام بنفسه وإنما ِّ‬
‫يوجه الحوادث واألمور بشك ٍل معيَّن يساعد جمهور الناس ورجال الدين خصوصا‬

‫على أن يختاروا بأنفسهم نظام الحكم الذي يرتضونه ويذعنون له وهكذا‪ ،‬فالسلطة تأتي من هللا للحاكم بواسطة الشعب والحاكم يمارس‬

‫السلطة باعتبارها حقَّه الشخصي‪ ،‬استنادًا إلى اختيار الكنيسة الممثلةً للشعب المسيحي؛ باعتبارها وسي ً‬
‫طا بينه وبين السلطة المقدسة التي‬

‫تأتي من لدن هللا ‪.‬‬

‫والنتيجة المتوصل إليها أنه ال يجوز مخالفة أوامر الحاكم‪ ،‬وإال ارتكبنا معصية‪ .‬وقد دعم هذه الفكرة األستاذ ‪/‬بوسيه‪ /‬لتبرير نظام‬

‫الملوك القائم في فرنسا – القرن السابع عشر – وقد فرق بين *السلطة المطلقة * و *السلطة المستبدة* وهي التي تخالف التعاليم الالهية‪.‬‬

‫وفي صياغة أخرى ترى الكنيسة الكاثوليكية في محاولة لبسط نفوذها‪ ،‬أن هللا أودع جميع السلطات بيد البابا وهو ترك سيف‬

‫السلطة الدينية‪ ،‬وخلع للحاكم سيف السلطة الزمنية‪ ،‬وبذلك لم تعد سلطة الحاكم مطلقة‪.....‬‬

‫وفي األخير إن هذه النظرية يمكن اعتبارها ديمقراطية نوعا ما أو مطلقة بحسب صياغتها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬النظريات الطبيعية‬

‫النظريات الطبيعية هي النظريات التي ترجع نشأة الدولة إلى البشر‬

‫ومن أهم هاته النظريات‪:‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫(‪ )1‬نظرية الوراثة‪:‬‬

‫نشأة في ظل اإلقطاعية وهي ترى أن حق الملكية األرض وهو حق طبيعي ‪ ،‬يعطي لمالكي األرض حق ملكية كل ما عليها‬

‫وحكم الناس الذين يعيشون عليها والذين عليهم طاعة المالك والرضوخ لسلطتهم ‪ ،‬فالدولة إذن وجدت نتيجة حق ملكية األرض ومن اجل‬

‫خدمة اإلقطاعيين‪ ،‬لذا كانت تهدف إلى تبرير النظام اإلقطاعي‪.‬‬

‫(‪)2‬النظرية العضوية‪:‬‬

‫هي من النظريات الحديثة‪ ،‬حيث ظهرت في القرن التاسع عشر‪ ،‬وهي ال تنتمي إلى مدارس القانون الطبيعي‪ ،‬لكن ترى أن‬

‫قوانين الظواهر الطبيعية يمكن تطبيقها على الظواهر االجتماعية مثل الدولة‪ .‬فهي تشبه جسم اإلنسان المكون من عدة أعضاء ‪ ،‬يؤدي كل‬

‫عضو منها وظيفة معينة وضرورية لبقاء الجسم ككل‪.‬‬

‫نفس الشيء بال نسبة لألشخاص في الدولة ‪ ،‬حيث تؤدي كل مجموعة منهم وظيفة معينة وضرورية لبقاء كل المجتمع الذي‬

‫يعمل وينشط كجسم اإلنسان ‪ ،‬ولذا البد من وجود مجموعة من الناس تحكم ‪ ،‬ومجموعة من المحكومين تؤدي وظائف أخرى مختلفة ‪.‬‬

‫فالدولة وجدت إذن كظاهرة مثلها مثل الظواهر الطبيعية وهي ضرورية لبقاء المجتمع‪.‬‬

‫(‪)3‬نظرية التطور العائلي‬

‫ي بطبعه‪ ,‬وال يستطيع أن يعيش منعزالً‪ ،‬فهو‬ ‫ٌ‬


‫كائن اجتماع ٌّ‬ ‫رائد هذه النظرية الفيلسوف اليوناني أرسطو‪ ،‬فهو يرى أن اإلنسان‬

‫وتتفرع األسرة وتتش َّعب مكونةً‬


‫َّ‬ ‫يشعر ب َمي ٍل غريزي ٍ لالجتماع‪ ,‬فيلتقي الذكر باألنثى مكونَين بذلك وحدة ً اجتماعيةً صغيرة ً وهي األسرة‪,‬‬

‫العائلة‪ ,‬فالعشيرة‪ ،‬فالقبيلة‪ ،‬فالمدينة التي تكون نواة الدولة ‪.‬‬

‫وتُعتبر هذه النظرية بحق أول محاولة فكرية لتفسير نشأة الدولة‪ ،‬والقائلون بها ال يرون الدولة إال مرحلةً متقدمةً ومتطورة ً من‬

‫األسرة‪ ،‬وأن أساس السلطة فيها يعتمد على سلطة رب األسرة وشيخ القبيلة ‪.‬‬

‫والسلطة الس ياسية في هذه النظرية ما هي إال امتداد لتلك السلطة األبوية‪ ،‬لذلك قد يطلق على هذه النظرية باسم نظرية السلطة‬

‫األبوية‪.‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫ويالحظ تأييدا لهذه النظرية‪ ،‬أن األديان جميعا تقر أن العالم البشري يرجع الى زواج آدم بحواء أي الى األسرة ‪ ،‬هذا فضال عن‬

‫وجود أوجه تشابه عديدة ب ين الدولة والعائلة من حيث الروح والنظام والتضامن الجماعي ‪ ،‬لهذا قديما كان من المستصعب تصور عدم‬

‫وجود هذه الرابطة العائلية التي تقيم فيما بعد ‪/‬الوحدة السياسية‪ /‬وبعض الشواهد التاريخية تؤيد هذه النظرة‪.‬‬

‫لكن هذه النظرية وجهت لها العديد من االنتقادات أهمها ‪:‬‬

‫‪ /1‬ف يها مغالطة تاريخية ‪ ،‬بحيث علماء االجتماع يؤكدون أن األسرة لم تكن الخلية االولي للمجتمع ‪ ،‬بل أن الناس جمعتهم‬

‫المصالح المشتركة والرغبة في التعاون على مكافحة أحداث الطبيعة قبل أن توجد األسرة ‪ ،‬لذا كانوا يلتفون حول العشيرة التوأمية ‪،،‬‬

‫فأساس الصلة في هذه ليس الدم ولكن التوأم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النظريات الديموقراطية‬

‫المطلب األول‪ :‬نظريات العقد االجتماعي‪.‬‬

‫كأساس لنشأة المجتمع السياسي عند اإلغريق‪ ،‬فالنظام السياسي في نظرهم هو نظا ٌم اتفق‬
‫ٍ‬ ‫ظهرت فكرة العقد االجتماعي قدي ًما‬

‫األفرادُ على تكوينه للسهر على مصالحهم‪ ,‬ومن ثم فال يجوز أن يكون هذا النظام حائالً دون تمتُّعهم بحقوقهم الطبيعية‪ ,‬وال يتقيَّد األفراد‬

‫بالقانون إال إذا كان متفقًا على هذه الحقوق الطبيعية‪ ،..‬ثم جاء النظام السياسي اإلسالمي َ‬
‫فأبرزَ عملية التعاقد ورتَّب عليها َ‬
‫أثرها كما سنُبيِّن‬

‫المفكرين الغربيين منذ نهاية القرن السادس عشر‪ ،‬وكان من أبرز القائلين بهذه النظرية‬
‫ِّ‬ ‫فيما بعد‪ ،‬ثم ظهرت هذه الفكرة في كتابات بعض‬

‫الفيلسوفان هوبز ولوك اإلنجليزيان وجون جاك روسو الفرنسي ‪.‬‬

‫وقد اتفق الثالثة على أن العقد االجتماعي يقوم على فكرتَيْن أساسيتين ‪:‬‬

‫صل في وجود حالة فطرية‪ -‬بدائية‪ -‬عاشها األفراد منذ فجر التاريخ ‪.‬‬
‫إحداهما‪ :‬تتح َّ‬

‫وثانيتهما‪ :‬تتبدى في شعور األفراد بعدم كفاية هذه الحياة األولى لتحقيق مصالحهم‪ ،‬فاتفقوا فيما بينهم على أن يتعاقَدوا على الخروج من هذه‬

‫ينظم لهم حياة ً مستقرةً‪ ,‬أي تعاقدوا على إنشاء دولة ‪ ,‬وبذلك انتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ‪..‬ومع‬
‫الحياة بمقتضى عق ٍد اجتماعي ِّ‬

‫اتفاقهم في هاتين المقدمت َين فقد اختلفوا في حالة األفراد قبل التعاقد وبنود هذا التعاقد‪ ،‬فاختلفت بذلك النتائج التي رتَّبها ك ٌّل منهم على‬

‫النظرية‪...‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫إذن ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية ب عيدة‪ ،‬استخدمها الكثير من المفكرين في تأييد أو محاربة السلطان‬

‫المطلق للحاكم‪.‬‬

‫هذه النظريات ترجع إلى القرن السادس عشر ‪ ،‬والتي ساهم في صياغتها وإبراز مضمونها كل من هوبز ‪ ،‬ولوك ‪ ،‬و روسو ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬نظرية هوبز ‪ ( :‬من أنصار الحكم المطلق )‬

‫ان الفترة التي عاش بها هوبز وما رافقتها من اضطرابات في كل من إنجلترا وفرنسا كان لها بالغ األثر على الفكرة الذي عبر‬

‫عنها بتأييده المطلق للحاكم ‪.‬‬

‫اغلب كتاباته تمثل الدفاع عن الملك وحقه في الحكم ضد أنصار سيادة البرلمان‪.‬‬

‫ابرز هوبز بحق الملك المطلق في الحكم من خالل طبيعة العقد الذي ابرم بين األفراد للتخلص مما رتبته الطبعة اإلنسانية‬

‫ونزعتها الشريرة التي قاساها األفراد في الحياة الفطرية قبل إبرام هذا العقد ‪..‬‬

‫من خالله يتنازل الفرد عن حرياته وحقوقه الطبيعية للسلطة التي أقامها ايا كانت مساوئها واستبدادها ‪ .‬الن السلطة وفي وجهة‬

‫نظره مهما بلغ ت من السوء فلن تصل إلى حالة الحياة الطبيعية التي كانوا يعيشونها‪ .‬بل إن وضع أي قيد على الحاكم‪ ،‬أو ترتيب أي التزام‬

‫عليه يجعل العقد االجتماعي قاصرا عن تحقيق الغرض المنشود‪.‬‬

‫وهكذا يتمتع الحاكم على األفراد بسلطة مطلقة ‪ ،‬وال يحق لألفراد مخالفة هذا الحاكم مهما استبد أو تعسف ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬نظرية جون لوك ‪ ( :‬من أنصار الحكم المقيد )‬

‫إذا كان لوك يتفق مع هوبز في تأسيس المجتمع السياسي على العقد االجتماعي الذي ابرم بين األفراد لينتقلوا من الحياة البدائية‬

‫إلى حياة الجماعة ‪ ،‬إال انه يختلف معه في وصف الحياة الفطرية والنتائج التي توصل إليها ‪.‬‬

‫الحياة الفطرية الطبيعية لألفراد كما يصفها لوك فهي تنصح بالخير والسعادة والحرية والمساواة ‪ ،‬تحكمها القوانين الطبيعية‬

‫وبالرغم من وجود كل هذه المميزات لدى الفرد إال أن استمراره ليس مؤكدا ً وهذا بسبب ما يمكن أن يتعرض له من اعتداءات اآلخرين ‪.‬‬

‫وهذا ما يدفع اإلنسان إلى الحرية المملوءة بالمخاوف واألخطار الدائمة واالنضمام إلى مجتمع ما مع اآلخرين من اجل المحافظة المتبادلة‬

‫عن أرواحهم وحرياتهم وامالكهم ‪.‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫فهذه النظرية تقر بأن العقد الذي ابرم بين األفراد وبين الحاكم إلقامة السلطة ال يمنح الحاكم السلطة المطلقة‪.‬وإنما يمنحه سلطة‬

‫مقيدة بما يكفل تمتع األفراد بحقوقهم الباقية والتي لم يتنازلوا عنها‪.‬إضافة إلى أن‬

‫الحاكم في نظرية لوك طرف في العقد مثل الفرد‪ .‬وما دامت أن شروط العقد قد فرضت على الحاكم الكثير من االلتزامات‪ ،‬فهو‬

‫مقيد وملتزم بتنفيذ الشروط‪ ،‬وأجاز لألفراد مقاومته وفسخ العقد‪.‬‬

‫روسو‬ ‫لوك‬
‫الحياة الفطرية حياة خير وسعادة يتمتع بها األفراد بالحرية‬ ‫الحياة الفطرية حياة خير وسعادة يتمتع بها األفراد بالحرية‬
‫واالستقالل والمساواة‬ ‫واالستقالل والمساواة‬
‫يختلف مع لوك على أسباب التعاقد وأطرافه ومن ثم النتائج التي‬ ‫يختلف مع روسو على أسباب التعاقد وأطرافه ومن ثم النتائج التي‬
‫تترتب على ذلك ‪.‬‬ ‫تترتب على ذلك ‪.‬‬
‫فسر رغبة األفراد في التعاقد على أساس ضمان استمرارية المساواة يرجع إلى فساد الطبيعة والحياة العصرية‪ ،‬وذلك كمظهر‬
‫الملكية الخاصة وتطور الصناعة من إخالل بالمساواة وتقييد‬ ‫والحريات العامة وضمان السلم االجتماعي ‪.‬‬
‫الحريات‬
‫ثالثا‪ :‬نظرية جون جاك روسو ‪:‬‬

‫وبالتالي ومن خالل نظرة روسو كان البد لألفراد السعي للبحث عن وسيلة يستعيدون بها المزايا ‪ ،‬فاتفق األفراد فيما بينهم على‬

‫إبرام عقد اجتماعي ‪ ،‬هذا العقد يقوم األفراد من خالله بالتنازل عن كافة حقوقهم الطبيعية لمجموعة من األفراد الذي تمثلهم في النهاية‬

‫اإلرادة العامة ‪ .‬هذا التنازل ال يفقد األفراد حقوقهم وحرياته الن الحقوق والحريات المدنية استبدلت بتلك الطبيعية المتنازل عنها لإلرادة‬

‫العامة ‪.‬‬

‫* الحكومة ال تقوم على أساس تعاقد بينها وبين المواطنين وإنما هي هيئة من المواطنين مكلفة من قبل صاحب السيادة بمباشرة‬

‫السلطات الذي له أن يستردها وان يمنحها إلى أشخاص آخرين ‪.‬‬

‫اركان الدولة‬

‫أركـان الـدولـة"‬

‫ملخص ‪:‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫نستعرض أوال بعض التعريفات التي جاء بها الفالسفة للدولة‪:‬‬

‫‪1-‬الفقيه الفرنسي كاري دي مالبير عرف الدولة بأنها " مجموعة من األفراد تستقر على إقليم معين تحت تنظيم خاص ‪ ،‬يعطي جماعة‬

‫معينة فيه سلطة عليها تتمتع باألمر واإلكراه‪" .‬‬

‫‪2-‬الفقيه الفرنسي بارتلي حيث عرف الدولة بأنها " مؤسسه سياسية يرتبط بها األفراد من خالل تنظيمات متطورة‪".‬‬

‫‪3-‬األستاذ الدكتور محسن خليل يعرف الد ولة بأنها " جماعة من األفراد تقطن على وجه الدوام واالستقرار ‪ ،‬إقليما جغرافيا معينا ‪،‬‬

‫وتخضع في تنظيم شؤونها لسلطة سياسية ‪ ،‬تستقل في أساسها عن أشخاص من يمارسها ‪".‬‬

‫‪ 4-‬األستاذ الدكتور كمال العالي يعرف الدولة بأنها " مجموعة متجانسة من األفراد تعيش على وجه الدوام في إقليم معين ‪ ،‬وتخضع لسلطة‬

‫عامة منظمة‪".‬‬

‫‪ 5-‬ماكيفر يعرف الدولة بأنها " اتحاد يحفظ داخل مجتمع محدد إقليمها الظروف الخارجية العامة للنظام االجتماعي وذلك للعمل من خالل‬

‫قانون يعلن باسطة حكومة مخولة بسلطة قهرية لتحقيق هذه الغاية‪".‬‬

‫اركان الدولة‬

‫للدولة ثالثة اركان ‪،‬وهي الشعب والسلطة السياسية واإلقليم‬

‫الركن االول الشعب‬

‫‪-1-‬‬ ‫مفهوم الشعب‬

‫‪ -‬أن إعطاء الشعب تعريف دقيق أمر مستحيل ‪ ,‬ألنه يتغير بفعل العوامل االقتصادية السياسية و التاريخية ‪ ,‬ومنه‬

‫فمفهوم الشعب يجب أن يكون ديناميكي ‪ ,‬يعرفه علماء االجتماع على أنه مجموعة أفراد يقيمون على أرض الدولة و يخضعون للسلطة‬

‫واحدة ‪ .‬كما يرى أخرون أن الشعب هو كيان متجانس لهم نفس اللغة الدين و العرق‪ .‬أن مفهوم الشعب قد ارتبط تاريخيا باالستعمار و‬

‫بالكفاح المسلح و حق الشعوب في تقرير المصير و هو ما أقر في هيئة األمم المتحدة سنة ‪.1960‬أما عنصر تعريف الشعب الذي من حقه‬

‫تقرير المصير وفقا للصيغة التي جرت عليها ممارسة األمم المتحدة فهي كما يلي ‪1‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫‪ -‬مصطلح الشعب يدل على كيان اجتماعي له هوية واضحة و خصائص مميزة‪ ,‬و هو ما أكدته محكمة العدل الدولي في الرأي‬

‫االستشاري الخاص بالصحراء الغربية بقولها أن إقليم الصحراء الغربية كان مسكونا من طرف قبائل بدوية يغلب عليها طابع الترحيل‪.‬‬

‫ولكنهم كانوا منضمين اجتماعيا و سياسيا‬

‫‪ .‬و منه يوجد عالقة بين الشعب و اإلقليم حتى لو طرد منه ظلما و أحل مكانه بشعب أخر‪.‬‬

‫‪ -‬كما ينبغي عدم الخلط بين ما يسمى شعبا و األقليات الدينية أو اللغوية التي يراد األعتراف بها و بحقوقها في المادة ‪ 27‬من‬

‫العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ‪ , 3‬و يذهب اتجاه أخر إلى إعتبار أن الوصف القانوني لوجود شعب يترجم في ثالث‬

‫حاالت‬

‫‪ 1‬ربط الشعب بحق تقرير المصير‪ ,‬أي يجب تحديد الشعب الذي يمكن أن يستفيد من حق تكوين دولة‪.‬‬

‫‪ 2‬االعتراف بالحركات التحررية ‪.‬‬

‫إن هده العناصر إن كانت مساعدة على معرفة مفهوم الشعب إال أنها ال تخلو من االنتقادات ‪ ,‬فمثال هل كل من يحمل السالح‬

‫يندرج ضمن الشعب ؟ و إن حملت أقلية السالح فهل نعترف لها بحق تقرير المصير ؟‬

‫‪ -‬كما أن الدولة قد تعترف بشعب غير موجود إلعتبارات سياسية و إقتصادية و بالمقابل قد ال تعترف الدول أو بعضها‬

‫بجماعة تكون شعبا إدا كان هدا األعتراف يمس مصالحها السياسية و األقتصيادية في المنطقة مثل عدم األعتراف بشعب اريتيريا و عدم‬

‫األعتراف بالشعب الصحراوي من طرف المغرب ‪ .‬و منه نستخلص أن النضال و األعتراف ليس دليال لوجود الشعب و العكس صحيح ‪.‬‬

‫مفهوم السكان‪-2-‬‬

‫‪ -‬البد من السكان للقيام الدولة ‪ ,‬ويقصد بسكان مجموعة من األفراد المتواجدون في إقليم الدولة بصفة مستقرة ‪ ,‬و‬

‫يخضعون لسلطانها و سيادتها سواء كانوا يحملون جنسيتها أم ال ‪.‬و ال يهم عدد السكان حتى تثبت الشخصية القانونية للدولة و لكن هدا‬

‫عامل مهم في قوة البشرية للدولة سواء في المجال اإلقتصاد أي اليد العاملة أو في المجال العسكري‪.‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫‪ -‬و ينقسم السكان إلى نوعان ‪ ,‬النوع األول تربطه بالدولة رابطة سياسية قانونية و تعرف بالجنسية ‪ ,‬و هؤالء هم المواطنون‬

‫يخضعون إلى السلطة السياسي ة داخل الوطن و خارجه أو ما يسمى بالحماية الدبلوماسية‪ .‬و النوع الثاني هم األجانب ال يتمتعون بالجنسية و‬

‫من يقيم على أرضي يخضع لسلطاني ‪.‬‬ ‫يطبق عليهم القاعدة التي تقول‬

‫‪ -‬ويمكن لألجانب طلب الجنسية و عند موافقة على طلبهم يتمتعوا بكل الحقوق المدنية و السياسية عدى بعض الحقوق السياسية‬

‫مثل الحق في الترشح فالبد من الجنسية األصلية ‪.‬‬

‫‪ -3-‬مفهوم األمة‬

‫‪-‬أثارت فكرة األمة جدال حادا حول تحديد عناصر األساسية المكونة لألمة‪ ,‬و األمة هي جماعة من األفراد توحدهم روابط‬

‫مشتركة و هي سبب الخالف فما هو العنصر األساسي لتكوين الدولة هل هو العرق الدين اللغة أو المصالح االقتصادية‪.‬‬

‫‪-‬أ‪ -‬النظرية األلمانية‬

‫‪ -‬تستند هده النظرية إلى عوامل موضوعية في تحديد مفهوم األمة ‪ ,‬فهتلر شرح في كتاب سماه كفاحي سنة ‪ 1933‬أن العرق‬

‫هو العنصر األساسي في تكوين األمة و أن العرق األري الخالص أي األلماني هو األسمى و منه وجب أن يقود العالم‪ .‬و أما اللغة فهي‬

‫مجرد معيار تابع و هو عامل ضعيف و الدليل وجود دول بنفس اللغة و غير موحدة كالواليات المتحدة األمريكية و بريطانيا ‪.‬‬

‫‪ -‬كما يرى ردسلوب أن الدين هو العنصر المكون األمة و أما مومسين يقرر أنه أن فقد األلزاسيون وعيهم القومي بسبب‬

‫االحتالل الفرنسي فإنهم ال يزالون ألمانا باللغة‪.‬‬

‫‪-‬ب‪-‬النظرية الفرنسية‬

‫‪ -‬تستند النظرية الفرنسية على عوامل ذاتية حيث اعتبروا أن العوامل الروحية هي المكونة ألألمة ‪ ,‬قال رين أن األمة مبدءا‬

‫روحي وهي تشترط ‪ .‬ومنه فاألمة عقيدة يصنعها عنصران فاألول من الماضي و هو التراث المشترك و في حفظ االرث المشاع و‬

‫يستطرد رين أن األمة أسرة كبيرة جمعتها قرابة الروح ‪ .‬ومنه فالنظرية الفرنسية ترى أن األمة هو نتيجة تطور تاريخي طويل ‪.‬‬

‫‪-‬ج‪-‬النظرية المركسية‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫‪-‬تعتمد على عوامل موضوعية و قيل أنها براقماتية ‪ ,‬فقد بين بيان الشيوعي لسنة ‪ 1848‬مفهوم األمة و القومية‬

‫بإعتبارهما نتيجتين لعهد الرأسمالي و مرتبطتين بالتقسيم األجتماعي إلى طبقتين أساسيتين هما البرجوازية و البروليتاريا ‪ ,‬و منه فالعنصر‬

‫المكون لألمة هو الوضع االقتصادي المشترك حيث أن الرخاء المادي يدفع إلى الوحدة‪.‬‬

‫قال لنيين في مفهوم األمة إن األمة هي وحدة اللغة ‪ ,‬اإلقليم ‪ ,‬و الحياة الثقافية واإلأقتصادية‬

‫الركن الثاني السلطة السياسية‬

‫‪ :‬ال يكفي أن يكون هناك شعب يقيم على مساحة من األرض لقيام الدولة بل البد من وجود قوة أو سلطة أو حكومة لفرض‬

‫السلطة على الشعب في إطار األرض وأن تعمل هذه الحكومة على تنظيم أمور الجماعة وتحقيق مصالحها والدفاع عن سيادتها‪ ،‬وتستمد‬

‫حكومة أية دولة شرعيتها من رضا شعبها بها وقبوله لها فإذا انتفى هذا الرضا والقبول فإن الحكومة تكون فعلية وليست شرعية مهما‬

‫فرضت نفوذها على المحكومين ‪ .‬والمبدأ العام أن السلطة إما أن تكون اجتماعية مباشرة وإما أن تكون مجسدة في شخص معين أو سلطة‬

‫مؤسسة‪ .‬والسلطة السياسية ظاهرة قانونية الرتباطها بالقانون وعليه فإنه ضرورة تلجأ إليها السلطة لتنظيم األفراد وتقييد مطامع األفراد و‬

‫اندفاعهم وتغليب مصالحهم على مصلحة الجماعة‪ .‬كما أن تلك السلطة يمكن أن تتأثر بعوامل عديدة سواء دينية أو نفسية أو اقتصادية أو‬

‫اجتماعية أو تاريخية‪ ،...‬المشروعية والسلطة الشرعية مصطلحين كثيرا الترديد بين الحكام‪ ،‬فالمشروعية هي صفة تطلق على سلطة‬

‫اعتقادا أنها أصلح فكرة من حيث تطابقها مع آمال وآالم المجتمع‪ ،‬والمشروعية تمنح للسلطات صالحية إعطاء األوامر وفرض الطاعة‪،‬‬

‫أما الشرعية فهي صفة تكنى بها الدولة في أعمالها إذا تطابقت مع الدستور والقانون المطبق في البلد‪ ،‬فالشرعية مرتبطة مع القانون‬

‫الوضعي‪-‬شرعية دستورية‪ ،‬شرعية قانونية‪...-.‬‬

‫الركن الثالث األقــــــــــــــــلــــيـــــــــــــــــــــــم‬

‫‪ -1-‬مفهومه و أهميته‬

‫‪ -‬هو النطاق أو المجال الذي تتمتع الدولة في داخله بكامل السلطات التي يقررها القانون الدولي‪ ,‬و هو عنصر ضروري ال‬

‫غنى عنه لوجود الدولة‪ ,‬و يرى بعض الفقهاء أن اعتباره عنصرا الزما لم يظهر إلى بعد القرن ‪ .19.2‬فلم يكن لإلقليم أهمية في العهد‬

‫الروماني حيث كان يكتفي بالعنصر البشري و إهمال عنصر الرابط و اإلقليم‪.‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫‪ -‬إن اإلقليم يميز الدول عن المنظمات الدولية والعبرة ليست بالمساحة ‪ ,‬و كونها تطل على البحر ليس ضروري فتوجد دول ال‬

‫تطل على البحر و تسمى بالدول الحبيسة و يمكن أن يكون اإلقليم متصل كما يمكن أن يكون منفصل ‪ ,‬ولكن أن كل صفة ينجر عنها نتائج‬

‫منها كلما أتسعة المساحة زادت مسؤولية الدولة من حماية و تنمية ‪.‬‬

‫‪ -2-‬عــــــنــــاصــــــره‬

‫‪ -‬يتكون اإلقليم من ثالثة عناصر هي العنصر البري ‪ ,‬العنصر المائي و العنصر الجوي ولكل عنصر أهمية شديدة في‬

‫نظر الدولة سواء في المستوى اإلقتصادي ‪ ,‬السياسي أو االجتماعي ‪.‬‬

‫‪-‬أ‪ -‬العنصر اليابس‬

‫‪ -‬يسمى أيضا بالعنصر البري و هو العنصر األصلي الذي تضمه حدود الدولة فال توجد دولة حدودها تتكون من العنصر المائي‬

‫فقط أو العنصر الجوي ‪ ,‬و إقليم الدولة يضم كل ما يحتويه سطح األرض إضافة إلى الثرواة الطبيعية فهي تنفرد بإقليمها عن باقي الدول‬

‫‪.‬‬

‫‪-‬ب‪ -‬العنصر الجوي‬

‫‪ -‬المجال الجوي هو كل ما يعلو اإلقليم البري للدولة ‪ ,‬في العهد الروماني كانت تسود فكرة أن العنصر الجوي ممتد‬

‫إلى ما ال نهاية فوق إقليم البري الدولة ‪ .‬والكن بعد غزو الفضاء قرر في هيئة األمم المتحدة أن اإلقليم الجوي ممتد إلى مدى إمتداد لسلطة‬

‫الد ولة في الجو ‪ .‬و أن مجال الفضاء ملك للكل بأعتباره موقع مختلف إضافة إلى أنه في وقتنا الراهن هو محطة دراسات للكثير من دول‬

‫العالم المتقدمة كواليات المتحدة األمريكية و روسية ‪ .‬و بما أن الجو مجال إقتصادي فقد عقدة إتفاقيات ثنائية للدراسة قضية الطيران‬

‫السلمي و المدني ‪.‬‬

‫‪-‬ج‪ -‬العنصر المائي‬

‫‪ -‬هي كل المسطحات المائية التي تعد من اإلقليم الدولة ‪ ,‬سواء كانت مياه داخلية أو بحر االقليمي ‪:‬‬

‫‪ 1‬المياه الداخلية ‪:‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫تشمل كل من البحيرات الداخلية و األنهار و األودية و القنوات التي توجد داخل إقليم الدولة كما أنها تضم المياه التي تقع في‬

‫الجانب المواجه لليابس الدى يقاس بدءا منه عرض البحر اإلقليمي ‪ ,‬و هو ما أكدت عليه المادة الخامسة من إتفاقية جنيف بشأن البحر‬

‫األقليمي و المنطقة المجاورة الصادرة سنة ‪ 1958‬في فقرتها األولى بقولها ‪ :‬تعتبر المياه التي تقع في الجانب المواجه لألرض من خط‬

‫قياس البحر اإلقليمي جزءا من المياه الداخلية‪.‬‬

‫‪ -‬و المياه الداخلية هي في حكم اإلقليم البري و تحكمها نفس القاعد التي تحكم اإلقليم األرضي أي أن الدولة تمارس سلطتها على‬

‫اإلقليم المائي أيضا‬

‫‪ 2‬البحر اإلقليمي ‪:‬‬

‫هو رقعة من البحر تنحصر بين المياه الداخلية و الشاطئ من جهة و أعالي البحار من جهة أخرى و يعترف القانون الدولي‬

‫العام مند القديم بحق الدول البحرية في ممارسة سيادتها على جزء من البحر الذي يدعى بالبحر اإلقليمي ‪ ,‬حدد عرضه ب ‪ 3‬أميال نضرا‬

‫إلى أن المدافع كانت تصل قدائفها ‪ 3‬أميال و لكن في عصرنا و مع تطور السالح وصلت مددت المساحة إلى ‪ 12‬ميل ‪.‬‬

‫‪ - 3 -‬صـــــــــــــــفـــــاتــــــه‬

‫‪ -‬يعترف الفقه الدولي في المفهوم المعاصر ببعض الصفات لإلقليم نذكر أهمها‪:‬‬

‫أ‪ -‬الثبات اإلقليم‪ :‬بمعنى أن الجماعة البشرية أي الشعب يجب أن يقيم على سبيل االستقرار في اإلقليم و منه فإن القبائل البدو‬

‫الرحل ال يمكن أن توصف بالدولة وهدا للعدم استقرارها‪.‬‬

‫حيث أن التحديد هو توضيح الحدود و تعين المجال الذي تمارس فيه الدولة سيادتها ‪ ,‬و إن غياب هدا العنصر‬ ‫ب‪ -‬التحديد ‪:‬‬

‫يؤدي إلى الحروب بين الدول ‪ ,‬منه فإن القانون الدولي العام يدرس المشاكل المتعلقة بالحدود‪.‬‬

‫"ثانيا خصـائـص الدولـــة"‬

‫تتميز الدولة عن غيرها من المنظمات بخصائص رئيسية لعل أهمها هي السيادة ومدى حريتها في تعديل القوانين التي تضعها‪ ،‬من أهم‬

‫خصائصها‪...‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫• الشخصية المعنوية‪ :‬يعترف الكثير من الفقهاء أن الدولة تتمتع بشخصية معنوية مستقلة ‪ ،‬تمارس جميع الحقوق الممنوحة للشخص‬

‫المعنوي لكن شخصيتها منفصلة تماما ً عن شخصيات األفراد الذين يمارسون السلطة والحكم فيها‪ .‬هذا دفع ببعض الفقهاء إلى إنكار‬

‫الشخصية المعنوية للدولة ونتيجة هذا الخالف هو إتجاهين‪:‬‬

‫‪1-‬اإلعتراف بالشخصية المعنوية للدولة ونتائجه‪ :‬يقصد كمبدأ عام باإلعتراف بالشخصية القانونية القدرة على التمتع بالحقوق والتحمل‬

‫باإللتزامات‪ ،‬أي القابلية التي تؤهل الشخص ألن يكون طرفا إيجابيا أو طرفا سلبيا بشأن الحقوق‪ .‬ونتائجه دوام الدولة ووحدتها‪ ،‬والمساواة‬

‫بين الدول‪.‬‬

‫‪2-‬إنكار الشخصية المعنوية للدولة‪ :‬يرى بعض الفقهاء والباحثين أن الدولة ظاهرة إجتماعية موجودة على أساس اإلنقسام للمجتمع إلى‬

‫فئتين حاكمة ومحكومة وإن الذي يضع القوانين هو الحاكم ويفرض تطبيقها وتنفيذها‪ .‬وآخرون يرون أن الدولة مجموعة من القواعد‬

‫القانونية اآلمرة‪ ،‬وأنه ال يتوافر لها الشخصية القانونية‪ .‬مما سبق يتضح أنه ما يؤخذ على أنصار هذه النظرية‪ ،‬أنهم لم يقدموا لنا البديل‬

‫للشخصية المعنوية‪...‬‬

‫• السيادة‪ :‬وهي من أهم خصائص الدولة التي تنقسم الى السيادة الداخلية والسيادة الخارجية ‪ ،‬فالسيادة الداخلية حين تتمتع السلطة بالشرعية‬

‫من خالل االنتخاب المباشر لهذه السلطة من قبل الشعب وبما يمثله من تفويض عام من خالل رأي األغلبية الشعبية أو البرلمانية‪ ،‬وهذه‬

‫السلطة تمثل الهرم السيادي لمثلث السلطة المتمثل بقاعدتيه السلطة القضائية والسلطة التنفيذية‪ .‬والسيادة هي التعبير والفكرة التي تضع‬

‫السلطة فوق إرادة األفراد من خالل اختيارهم وتفويضهم لهذه السلطة تمثيلها بما يعني إقرارهم بالموافقة على أن تكون الدولة ممثالُ لهم‬

‫ووكيالًُُ عن أرادتهم السياسية والقانونية ‪ ،‬والتفرد بالقرارات التي تقتضيها الحياة العامة‪ .‬أما السيادة الخارجية فتعني عدم سيطرة حكومة‬

‫أو سلطة خارجية على السلطة المحلي ة أي عدم خضوع أرادتها الى أي إرادة خارجية وتمتعها باستقاللية قرارها السياسي والقانوني‬

‫الوطني ‪ ،‬إضافة الى انطباق قواعد القانون الدولي عليها ‪ .‬وفكرة السيادة فكرة قانونية تتصف بها السلطة السياسية يتم تفويض أفراد من‬

‫عموم الشعب لتمثيلهم بنتيجة العقد االجتماعي ‪ ،‬حيث يتم تفويض هذه المجموعة من األفراد صالحيات مطلقة أو محددة تبعا ً للظروف‬

‫ورغبة الشعب ‪ ،‬والشعب هو الذي يملك السيادة أصالً ويفوض بعض من صالحياته الى هذه المجموعة ‪ ،‬لتمثيله ضمن صيغة قانونية وفقا ً‬

‫النتخابات عامة أو محددة أو وفقا ً لتخويل من البرلمان المنتخب أو أية صيغة شرعية أخرى‪ .‬واتفق الفقهاء في القانون الدستوري أن األمة‬

‫هي صاحبة اإلرادة الشعبية وهي مصدر السلطات وهي التي تخول أو تمنح الهيئة السياسية بعض أو كل من التصرفات التي تملكها والتي‬

‫ينص عليها الدستور ‪.‬‬

‫•خضوع الدولة للقانون‪ :‬دولة القانون هي الدولة التي تخضع جميع أوجه نشاطها للقانون سواء في التشريع أو التنفيذ أو القضاء‪...‬‬

‫وإن أهم ما يميز الدولة القانونية عن غيرها من الدول‪ ،‬هو خضوع جميع نشاطها للقواعد القانونية أي عدم إلزام األفراد بشيء خارج‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫القانون‪ .‬ولكي تقوم الدولة القانونية يجب أن تتوفر ضمانات أساسية حتى ال يخرق هذا المبدأ‪ ،‬أهمها ‪← :‬وجود الدستور‪ ← ،‬تطبيق مبدأ‬

‫الفصل بين السلطات‪ ← ،‬احترام مبدأ سيادة القانون‪ ← ،‬تدريج القواعد القانونية‪ ← ،‬االعتراف بالحقوق والحريات العامة وأخيرا تنظيم‬

‫رقابة قضائية واستقاللها‪..‬‬

‫"أشـكـال الـدولــة"‬

‫ملخص ‪:‬‬

‫تنقسم الدول من حيث التركيب الداخلي للسلطة أي من حيث التكوين إلى دول بسيطة ودول مركبة‪...‬‬

‫• الدول البسيطة الموحدة‪ :‬وهي الدول التي تكون فيها السلطة واحدة ولها دستور واحد‪ ،‬ويكون شعبها وحدة بشرية متجانسة تخضع لقوانين‬

‫واحدة داخل إقليم الدولة الموحد‪ .‬تتميز الدولة الموحدة بكون التن ظيم السياسي للسلطة فيها واحد‪ ،‬وتكون موزعة على على عدة هيئات‬

‫تمارس في شكل وظائف أو اختصاصات مختلفة بمبدأ الفصل بين السلطات ولكن كل هذه الهيئات أو السلطات هي عبارة عن جهاز‬

‫سلطوي واحد في الدولة البسيطة وما هذا التوزيع غال توزيع للوظائف وطرق العمل داخل نفس السلطة الحاكمة في الدولة فقط‪ ،‬وكأمثلة‬

‫على الدول البسيطة نجد الجزائر‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪...‬و فيما يخص توزيع السلطات اإلدارية على األقاليم والهيئات فإن السلطة التنفيذية في‬

‫الدولة تتولى مهمتين وظيفة الحكم ووظيفة اإلدارة التي يمكن تقسيمها وتوزيعها على هيئات المركزية تتمتع باالستقالل في أداء وظيفتا‬

‫اإلدارية‪ ،‬فاعتماد على نظام الالمركزية اإلدارية ال يؤثر في وحدة الدولة السياسية‪.‬‬

‫• الدولة المركبة‪ :‬هي الدول التي تتكون من إتحاد دولتين أو أكثر غير أن هذا اإلتحاد ينقسم إلى عدة أشكال بسبب اختالف نوع وطبيعة‬

‫اإلتحاد الذي يقوم بين هذه الدول‪ ،‬والتي تنحصر في ‪-‬اإلتحاد الشخصي‪ :‬وهو أضعف أنواع اإلتحاد بين الدول وهو وليد الصدفة ألنه نتيجة‬

‫حادث عارض في حياة الدول يتمثل في تولي شخص واحد الرئاسة مع احتفاظ الدول باالستقالل الكامل‪ .‬و‪-‬اإلتحاد التعاهدي أو االستقاللي‪:‬‬

‫وهو نتيجة االتفاق بين دولتين أ و أكثر في معاهدة دولية على الدخول في اإلتحاد مع احتفاظ كل دولة باستقاللها الخارجي والداخلي أي بقاء‬

‫نظمها الداخلية دون تغيير‪ .‬و‪ -‬اإلتحاد الحقيقي أو الفعلي‪ :‬يقوم بين دولتين أو أكثر تخضع جميعها لرئيس واحد وتندمج في شخصية دولية‬

‫واحدة ولها وحدها حق ممارسة الشؤون الخارجية والتمثيل السياسي الدبلوماسي والدفاع مع احتفاظ كل دولة من الدول األعضاء‬

‫بدستورها وقوانينها ونظامها السياسي الداخلي الخاص ‪.‬و‪-‬اإلتحاد المركزي‪ :‬يضم وحدات متعددة (واليات‪ ،‬دويالت) في شكل دولة واحدة‬

‫هي دولة اإلتحاد تتولى تصريف وتسيير بعض الشؤون الداخلية لكل دولة والشؤون الخارجية الخاصة بالدول جميعا ويعتبر هذا النوع من‬

‫أهم صور اإلتحاد‪ ،‬علال خالف االتحادات السابقة فهذا اإلتحاد يستند إلى دستور الدولة االتحادية ذاته‪ ،‬وال يعتبر اإلتحاد المركزي بعد‬

‫قيامه إتحادا بل هو دولة واحدة مركزية تضم مقاطعات أو جمهوريات‪...‬و تنحصر نشأته في اندماج عدة دول مستقلة في اإلتحاد أو تفكك‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫دولة موحدة إلى عدة دويالت‪ ،‬وينتهي اإلتحاد بزوال أحد أركان الدولة أو تغيير شكل الدولة من إتحاد مركزي إلى دولة موحدة وبسيطة‪.‬‬

‫و من أسس ومظاهر الوحدة في اإلتحاد المركزي في ‪-‬النطاق الدولي‪ :‬انه يقوم على أساس وحدة الشخصية الدولية‪ ،‬يظهر رعايا الدولة‬

‫االتحادية كشعب واحد يتمتع بجنسية واحدة‪ ،‬يقوم على إقليم موحد يمثل الكيان الجغرافي للدولة االتحادية في مواجهة العالم الخارجي‬

‫ويتكون من مجموع الدويالت المكونة لإلتحاد المركزي‪– .‬في النطاق الداخلي‪ :‬ويتمثل في وجود دستور إتحادي يشكل األساس القانوني‬

‫الذي تقوم عليه الدولة االتحادية‪ ،‬وفي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية المركزية وكذلك السلطة القضائية االتحادية (قضاء فدرالي‪).‬‬

‫هناك فروق متعددة بين اإلتحاد المركزي الفدرالي واإلتحاد االستقاللي الكونفدرالي‪ :‬إذ يستمد اإلتحاد االستقاللي وجوده من معاهدة تتم بين‬

‫الدول األعضاء فيه‪ ،‬في حين ينشأ اإلتحاد المركزي من خالل عمل قانوني داخلي هو الدستور االتحادي لتعديل هذا األخير يكفي توفر‬

‫األغلبية في حين يشترط موافقة كافة األطراف في اإلتحاد الكونفدرالي‪ .‬االنفصال حق مقرر لكل دولة من اإلتحاد االستقاللي بينما ذلك‬

‫مرفوض في اإلتحاد المركزي‪ .‬يتمتع جميع أفراد الشعب في اإلتحاد المركزي بجنسية واحدة هي جنسية الدولة االتحادية بينما يبقى لرعايا‬

‫كل دولة في اإلتحاد االستقاللي جنسيتهم الخاصة لدولتهم‪ .‬إذا قامت حرب بين دولتين من دول اإلتحاد االستقالل فهي حرب دولية‪ ،‬أما‬

‫الحرب التي تقوم بين الواليات األعضاء في اإلتحاد المركزي هي حرب داخلية أهلية‪.‬‬

‫وظـائف الدولـــة"‬

‫ملخص ‪:‬‬

‫يقصد بوظائف الدولة الوظائف السياسية وليس الوظائف القانونية التي تنصرف على الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬بيد أن لكل‬

‫دولة حد أدنى يجب ان تقوم به يتمثل في مهمة الدفاع عن نفسها‪ ،‬بث الطمأنينة والسالم في ربوع الدولة‪ ،‬و أيضا فظ النزاعات التي تثور‬

‫بين األفراد‪ .‬مما سبق نجد هناك خالف بين النظريات في فيما يخص وظائف الدولة‪ :‬المذهب الفردي‪ ،‬المذهب االشتراكي‪ ،‬المذهب‬

‫االجتماعي‪.‬‬

‫×المذهب الفردي‪ :‬يقوم على أساس الفرد وتقديسه‪ ،‬إذ يحصر وظيفة الدولة في أضيق حد ممكن أي أن تمارس غال أوجه النشاط المتصلة‬

‫مباشرة بوظائف األمن والدفاع والقضاء‪ ،‬فيما عدا هذه الوظائف تترك الدولة لألفراد ممارسة مختلف أوجه النشاط األخرى في حدود‬

‫القانون‪ .‬تعرض هذا المذهب على عدة انتقادات من أهمها ‪:‬‬

‫‪-‬يضيق هذا المذهب دائرة نشاط الدولة مما يعيقها من تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬

‫‪ -‬ترك المسائل الحيوية كالصحة والتعليم في أيدي األفراد قد ينتج عنها أزمات اجتماعية إذ البد من تدخل الدولة لتسيير هذه النشاطات‪.‬‬

‫‪-‬يفتقد هذا المذهب إلى األساس العلمي عندما يقول بوجود حقوق للفرد سابقة على وجود المجتمع وهذا أمر غير منطقي‪.‬‬

‫× المذهب االشتراكي‪ :‬ظهر هذا المذهب كرد فعل لتناقضات المذهب الفردي و ليجعل من الجماعة الهدف والغاية بإزالة بعض مخلفات‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫الرأسمالية من طبقية بين أفراد المجتمع ليؤمن بذلك للدولة التدخل في كافة األنشطة وإدارتها وذلك لتحقيق العدالة االجتماعية بين األفراد‪،‬‬

‫وكغيره من المذاهب وجهت له انتقادات من أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كان المذهب الفردي يجعل اإلنسان يستغل أخيه اإلنسان فإن المذهب االشتراكي يقضي على نشاط الفرد ويضعف لديه روح االبتكار‬

‫والمبادرة بحيث يصبح يتكل على الدولة في كل شيء‪.‬‬

‫‪ -‬يؤدي هذا المذهب إلى استغالل الطبقة العامة من طرف أصحاب القرار أي استبدال االستغالل من الطبقة الرأسمالية إلى طبقة كبار‬

‫الموظفين‪.‬‬

‫× المذهب االجتماعي‪ :‬هو من أكثر المذاهب انتشارا في الوقت الحاضر وقد وسط بين المذهبين المتطرفين الفردي واالشتراكي‪ ،‬فموقفه‬

‫يتجلى في وجوب العمل على إصالح المجتمع عن طريق تدخل الدولة مع االحتفاظ بالقيم المعروفة كالدين واألسرة والملكية الفردية‬

‫وحرية التعاقد‪ ،‬من الناحية االقتصادية يأخذ بفكرة االقتصاد الموجه بمعنى أن الدولة تتدخل لتوجيه بعض نواحي الحياة االقتصادية دون أن‬

‫تقضي على المبادرة الفردية مثل السيطرة والسيادة على ثرواتها الطبيعية وإقرار العدالة االجتماعية أو مكافحة البطالة‪...‬‬

‫× وظائف الدولة اإلسالمية‪ :‬للدولة اإلسالمية وظائف ومهام عديدة‪ ،‬إذ أنه يبيح للدولة وللسلطة الحاكمة أن تتوسع في وظائفها وتحد من‬

‫حقوق األفراد لصالح ا لجماعة كلما دعت الضرورة لذلك‪ ،‬يكفيها فقط الشهادة وتبليغ الدعوى لإلنسانية جمعاء وفق الضوابط الشرعية‪ ،‬إلى‬

‫جانب كل هذا تضطلع بوظائف أساسية هي‪ - :‬فريضة الجهاد‪ - ،‬توفير األمن والطمأنينة لجميع سكانها‪ - ،‬إقامة العدل بين الناس ورد‬

‫المظالم‪ - ،‬األمر بالمعروف والنهي على المنكر‪ - ،‬توجيه االهتمام بالعلوم ووسائل التقدم الحضاري‪ - ،‬إقامة التكافل االجتماعي داخل‬

‫المجتمع‪.‬‬

‫إن المذهب االجتماعي يجد أساسه في الشريعة اإلسالمية تشريعا وتطبيقا تلك الشريعة التي التزمت الوسطية في جميع المجاالت‪ ،‬فهي‬

‫تعتني بالفرد قدر اعتنائها بالجماعة‪ ،‬بل تفضل مصلحة هذه األخيرة كلما الضرورة ذلك (جباية الزكاة ومحاربة مانعيها‪ ،‬تامين المرافق‬

‫العامة والصناعات الثقيلة بضرورات الحياة للجميع‪).‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫القسم الثاني‬

‫النظرية العامة للقانون الدستوري‬

‫المعاني المختلفة للدستور‪:‬‬

‫يتفق أغلب الفقه على أن القانون هو ذلك الموضوع الذي ينظم العالقات االجتماعية بين األفراد من أجل ضمان العدالة بينهم ‪ ،‬ومن‬

‫المعروف أن القانون ينقسم إلى قسمين ‪ :‬القانون الخاص ‪ privé‬والقانون العام أو العمومي‪public .‬‬

‫فالقانون الخاص ينظم العالقات الخاصة بين األفراد كعالقات البائع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر ‪ ،‬أما القانون العام فهو الذي ينظم‬

‫العالقات التي يمكن أن تقوم بين أحد األشخاص المعنوية العمومية ‪ Personnes morales publiques‬وأحد األشخاص الخاصة‬

‫الطبيعيين أو األشخاص المعنوية العمومية (شخص واحد أو أكثر) ومن األمثلة على هذه التصرفات قيام الدولة بنزع ملكية شخص من‬

‫أجل تحقيق منفعة عامة أو تعاقدها مع مقاول للقيام بأشغال لصالحها‪ ،‬أو توريد أشياء لها مقابل مبلغ معين‪ ،‬أو نقل ملكية من شخص إلى‬

‫آخر كما هو الشأن بالنسبة لنقل طريق مملوك للوالية أو البلدية إلى الدولة أو العكس ‪.‬ومن بين فروع القانون العام الدستوري الذي يحدد‬

‫شكل النظام السياسي للدولة والذي يجد أهم قواعده في الدستور الذي يحمل معاني مختلفة لغوية وسياسية وقانونية‬

‫‪-‬المعنى اللغوي‪:‬‬

‫نعتقد مع جميع الفقهاء العرب أن عبارة " دستور" ليست عربية وأن معناها هو القانون األساسي‪ ،‬غير أن هذا اإلصطالح العربي اختلف‬

‫بشأنه‪ ،‬فنجد بعض الدول قد استعملته للداللة على معنى الدستور كالعراق مثال في دستور ‪ 1925‬وإيران في دستور ‪ 1979‬في حين أن‬

‫البعض اآلخر يستعمله للداللة على قوانين ال تصل إلى مرتبة الدستور‪ ،‬ولكنها تعد أساسية بإعتبارها تتضمن مبادئ عامة تتناولها بالشرح‬

‫أو التفسير قوانين أخرى ومثل ذلك القوانين األساسية في الجزائر (القانون األساسي العام للعامل مثال)‬

‫والحقيقة أن مصطلح الدستور اآلن في معظم الدول العربية يقابله بالفرنسي واإلنجليزي مصطلح ‪ Constituion‬الذي يعني التأسيس أي‬

‫النظام أو القانون األساسي ونتيجة لهذا اإلختالف يفضل استعمال اصطالح الدستور لما يحمله من معاني السمو ومظاهر االحترام‬

‫فالدستور لغة هو اذن مجموعة القواعد األساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة‪ ،‬وال يشترط فيه أن يكون مكتوبا أو عرفيا‪ ،‬لذلك‬

‫فان الدستور بهذا المعنى يوجد في كل جماعة‪ ،‬من األسرة حتى الدولة ‪ ،‬وأن هذا المعنى الواسع غير محدد وغير دقيق لكونه يحتوي على‬

‫معاني يمكن أن تنصرف إلى كل تنظيم يمس أية مجموعة بشرية‪ ،‬في حين أن المعنى الحقيقي للدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون‬

‫الحكم‪.‬‬

‫‪2-‬المعنى السياسي والمذهب الدستوري‪:‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫لقد تضمن إعالن حقوق اإلنسان والمواطن لسنة ‪ 1789‬شروطا معينة يجب توافرها في الدستور وتتمثل في تضمينه لحقوق اإلنسان‬

‫وحرياته وضمانات ممارستها إلى جانب ضرورة األخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حتى ال تتداخل اختصاصاتها و تقتضي على السلطة‬

‫المطلقة و ذلك تأثرا بالمذهب الدستوري ‪ Constitutionnalisme‬الداعي إلى قرار التوفيق ين السلطة و الحرية‪.‬‬

‫و يقصد بالمذهب الدستوري تلك الحركة التي ظهرت في عصر النهضة األوربية وحلت محل األعراف السائدة آنذاك غير الواضحة و‬

‫التي تركت مجاال واسعا للملك لممارسة السلطة التقديرية ‪ ،‬فظهرت الدساتير المكتوبة للحد من إطالق السلطة و استبدادية الملوك ‪ ،‬و لذلك‬

‫طالب األحرار بتحديد أنماط اسناد ممارسة السلطة السياسية بموجب نص واضح دفعا ألي إطالقا للسلطة ‪ ،‬ومن ثمة فالدستور في مفهومه‬

‫الشكلي يتعارض مع التعسف ‪ ،‬ألنه يحدد دولة القانون التي يمكن أن يكون فيها سواء ما هو مطابق للقواعد التي يضعها ذلك الدستور‪.‬‬

‫و المعلوم أن المذهب الدستوري يجد مصدره في فكرة العقد المعارضة الطالق السلطة و التي ظهرت بوادر لها في القرن ‪ 16‬و‬

‫سيطرت في القرن ‪ 18‬والتي دفعت إلى إنشاء المجتمع المدني في قالب عقد بين مختلف األطراف بعيدا عن تأثير العوامل الدينية‪ ،‬وأعتبر‬

‫الد ستور شكال قيدا على السلطة المطلقة للملوك‪ ،‬وبالتطور أصبح ألغلب الدول دستور في مفهومه الشكلي إال أن الممارسة السياسية لم تكن‬

‫في كل األحوال متماشية مع الدستور وهو ما تسبب في اختالل بين النصوص الدستورية والممارسات السياسية‪ ،‬وإن كان هذا االختالل‬

‫ليس من ذات الطبيعة الواحدة والدرجة واألثر في كل األنظمة‪.‬‬

‫ومن هنا فإن أي نظام السيما إذا كان رسميا‪ ،‬مثلما هو في الدستور‪ ،‬كان دائما له معنى اجتماعي لكونه تعبيرا عن عالقات قوى موجودة‬

‫ضمن نظام سياسي في مرحلة معينة‪ ،‬األمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت كل قاعدة دستورية تحمل في طياتها فكرتها المضادة‬

‫بالمفهوم الهيغلي أو الماركسي‪ ،‬ذلك أنه وإن كانت الحرية مقررة دستوريا إال أنها عمليا صعبة التحقيق وسهلة التقييد وحتى اإللغاء الوقتي‬

‫ال سيما من حيث تنظيمها قانونا‪ ،‬وعليه فإن التفسير التناقضي السالف الذكر يعني رفض النظرة المنسجمة للمذهب الدستوري ‪.‬‬

‫والمؤكد أن الطبقة البورجوازية استعملت المذهب الدستوري لتقييد السلطة المطلقة واعتبرت نفسها المعبر عن رأي واردة الشعب في‬

‫مواجهة تلك السلطة‪ ،‬وهي الفكرة التي تبنتها طبقات مختلفة كالمجاهدين‪ ،‬والجيش والبورجوازية في الدول النامية حيث اعتبرت نفسها هي‬

‫الشعب والمعبر الحقيقي الوحيد عن الشعب ودفع بها ذلك الموقف إلى اعتبار أن كل ما يخالف وجهة نظرها ومصلحتها‪ ،‬ولو كان ذلك‬

‫واردا من الشعب يعتبر مرفوضا يجب محاربته ورفضه‪ ،‬وهو ما يطرح تساؤال في هذه األنظمة حول ماإذا الدستور في النهاية هو أداة‬

‫للدعاية دا خليا وخارجيا للنظام عما هو قائم‪ ،‬األمر الذي قد يؤدي إلى أن يصبح الدستور يحمل معنى شعاريا أكثر من كونه ذو معنى‬

‫اجتماعي سياسي‪ ،‬ومهما يكن من رأي حول المذهب الدستوري ونتائج األخذ به فإن المعنى السياسي للدستور رسميا ونظريا يقصد به تلك‬

‫الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في الدولة على أساس الفصل بين السلطات‪ ،‬وتتضمن حقوق وحريات األفراد وضمانات‬

‫ممارستها باعتبارها قيودا على سلطة الحكام عليهم احترامها وعدم االعتداء عليها‪.‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫‪3-‬المعنى القانوني‪:‬‬

‫من المعروف أن األفراد في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم العالقات فيما بينهم‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة للدولة‪ ،‬فهي في حاجة إلى قواعد‬

‫قانونية تنظم شؤونها وعالقتها‪ ،‬وأن الحكام عندما يمارسون وظائفهم واختصاصاتهم ال يفعلون ذلك باعتبارهم يمارسون حقوقا أو‬

‫امتيازات شخصية‪ ،‬وإنما اختصاصات أو وظائف منظمة ومحددة بقواعد دستورية تستمد منها القواعد القانونية األخرى وجودها‬

‫وشرعيتها‪.‬‬

‫ومن المعلوم أن للدستور مفهومين أحدهما شكلي واألخر موضوعي‪:‬‬

‫المفهوم الشكلي ‪ :‬ويقصد بالمفهوم الشكلي مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية‪ ،‬وعليه فإن المفهوم الشكلي ينحصر‬

‫فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية‪ ،‬الموضوعة من طرف جهة مختصة دون أن يمد إلى غير ذلك من القواعد‪.‬‬

‫والذي الشك فيه أن اإلعتماد على هذا المفهوم ال يتماشى والواقع ألن في ذلك انكار لوجود دساتير عرفية كدستور انجلترا فضال عن‬

‫الدساتير تتضمن بعض القواعد التي ال صلة لها بالتنظيم السياسي مثل النص في الدستور الجزائري على ان اللغة العربية هي اللغة‬

‫الوطنية والرسمية‪ ،‬ونص الدستور الفرنسي لسنة ‪ 1848‬على إلغاء عقوبة اإلعدام في الجرائم السياسية‪ ،‬والغرض من ذلك هو كفالة ثباتها‬

‫واستقرارها أكثر بالمقارنة مع القوانين العادية فتصبح بعيدة عن التأثيرات السياسية‪.‬‬

‫وبالمقابل فإن هناك قواعد دستورية بطبيعتها التتضمنها الوثيقة الدستورية مثل قوانين االنتخابات وقوانين تشكيل وتنظيم البرلمان ونظمها‬

‫الداخلية‪ ،‬واألخذ بالمفهوم الشكلي يعني ابعادها من الدستور خالفا للواقع‪.‬‬

‫المفهوم الموضوعي ‪:‬أما المفهوم الموضوعي في قصد به مجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العالقة بين‬

‫السلطات واختصاصاتها‪ ،‬وكذلك القواعد التي تبين حقوق األفراد وحرياتهم وضماناتها دون نظر إلى ما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة‬

‫الدستورية أو وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها وتدريجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية ‪ .‬ونتيجة الختالف المفهومين فإن‬

‫الفقهاء اختلفوا حول المعيار الذي يمكن االعتماد عليه بشأن تعريف الدستور‪.‬‬

‫فمنهم من اعتمد المعيار الشكلي بحيث يسند على الوثيقة الدستورية‪ ،‬أي النصوص المدونة فيها والهيئة واإلجراءات التي اتبعت في‬

‫وضعها وا لمصادق عليها‪ ،‬ومنهم من استند على المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور‪.‬‬

‫وعليه يعرف أنصار المعيار الشكلي الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تضعها هيئة خاصة وتتبع في ذلك إجراءات خاصة تختلف عادة‬

‫عن إجراءات وضع القوانين العادية‪ ،‬أما أنصار المعيار الموضوعي فيعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد األساسية التي تحدد شكل‬

‫الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعالقتها ببعضها وعالقة األفراد بها‪ ،‬كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانتها‪.‬‬

‫أما المدرسة االشتراكية فتعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تثبت وفقا لمصالح الشغيلة النظام االجتماعي والسياسي في الدولة‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫وكذلك مبادئ تنظيم هيئات السلطة ونشاطها وأسس الوضع القانوني لألفراد في الدولة االشتراكية ويرى الدكتور نوري لطيف بأن القانون‬

‫الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية التي تثبت نظام ال حكم في دولة موافقا لمصالح الطبقات والفئات االجتماعية السائدة في ضوء فكرة‬

‫قانونية معينة‪.‬‬

‫وقد رجح معظم الفقهاء التعريف الموضوعي عن التعريف الشكلي لما له من احاطة أكبر بالموضوع نظرا ألن المعيار الشكلي يعاب عليه‬

‫كونه ال يشمل بعض الموضوعات ذات الصفة الدستورية‪ ،‬وغير المدونة مثلما ذكرنا آنفا‪ .‬فضال عن أن استناده على الدستور ونصوصه‬

‫يجعلنا عاجزين على إيراد تعريف الدستور في الدول التي ليس لها دساتير مكتوبة‪ ،‬وأخيرا فإن التعريف الذي يستند على المعيار الشكلي ال‬

‫يمكن األخذ به في جميع الدول نظرا الختالف دساتيرها‪ ،‬وبالتالي فإن التعريف ال يكون واحد بل متعددا‬

‫مصادر القانون الدستوري ‪:‬‬

‫تعتبر المصادرات ذات أهمية بالغة في النظرية العامة للقانون ألنها منبع القواعد القانونية فالمقصود بالمصدر لغة هو المكان‬

‫الذي ظهر فيه الشيء بعد أن كان خفيا‪ ،‬اما في موضوعنا فإن المقصود بالمصدر له عدة معان ما يهمنا منها هو المصدر الرسمي الذي‬

‫يضفي على القاعدة القانونية الصفة اإللزامية والمصدر الموضوعي (أو المادي أو الحقيقي) الذي تستمد القاعدة القانونية منه مضمون‬

‫خطابها أو موضوعها ‪.‬والقول بهذا يعني أن المصدر الرسمي يأتي دائما بعد المصدر الموضوعي أو المادي ألن القاعدة ال تكتسب الصفة‬

‫اإللزامية إال إذا مرت بمراحل معينة تختلف بإختالف المجتمعات وتأثير العوامل عليها‪ .‬والمتفق عليه كما سبق أن رأينا أن سلوك األفراد‬

‫يتطور بتطور المجتمع‪ ،‬فقد يتحول إلى عرف ثم يتحول إلى قاعدة مكتوبة بظهور الدولة‪ .‬وإذا كانت األعراف هي السائدة في الماضي‬

‫كقواعد تحكم العالقات بين األفراد فإن تدخل الدولة قد كان عامال مؤثرا في اإلكثار من سن القوانين لتنظيم أمور المجتمع السياسية‬

‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مما أستتبع تراجع العرف إلى المرتبة الثانية واحتالل التشريع للمرتبة األولى كمصدر أول للقوانين وسوف لن‬

‫نخوض في التفاصيل ونقتصر على التعرض ألهم المصادر المتمثلة في التشريع والقضاء والعرف والفقه ‪.‬‬

‫‪-1‬التشريع ‪ :‬يقصد به النصوص القانونية المدونة والصادرة عن هيئة خاصة وفقا إلجراءات معينة وعادة ما تسمى هذه السلطة‬

‫بالسلطة أو المؤسسة التشريعية على أن الق واعد التشريعية هي األخرى تخضع لمبدأ التدرج إذا كنا بصدد دستور جامد‪ ،‬ذلك أن تعديله‬

‫يخضع إلجراءات خاصة تختلف عن تعديل التشريع العادي مما يضفي على التعديل األول صبغة قانونية أسمى من التعديل الثاني‪ ،‬وعليه‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫فإن التشريع العادي يضع للتشريع غير العادي‪ ،‬وقد ازدادت أ همية التشريع كمصدر للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة وتعقيد نشاطها‬

‫بالتالي وزيادة ارتباطها باألفراد والجماعات والدول هو تلك المجموعة من األحكام التي أصدرتها المحاكم بشأن تطبيق القانون على ما‬

‫يعرض عليها من منازعات ‪.‬وتنقسم أحكام القضاء إلى قسمين ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬وهو الذي ال يخرج عن كونه تطبقا للقانون ويسمى باألحكام العادية‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬وهو الذي يتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون أو تضع حدا لخالف في القانون وتسمى األحكام األساسية ‪.‬‬

‫وإذا قلنا بأن القضاء مصدر من مصادر القانون الدستوري‪ ،‬فان علينا أن نميز بين الدول ذات الدساتير العرفية كإنجلترا‪ ،‬والدول‬

‫ذات الدساتير المكتوبة كالجزائر وفرنسا‪ ،‬ففي إنجلترا يعتبر القضاء مصدرا رسما لما ينشئه من سوابق قضائية بشأن القضايا المطروحة‬

‫أمامه أو التي تطبق فيما بعد على القضايا المشابهة لها من طرف المحاكم ذات الدرجة الواحدة أو األدنى منها‪ .‬ومن الدول التي تأخذ‬

‫بالسوابق القضائية‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية واستراليا ونيوزلندا ‪ ،‬أما في فرنسا فإن القضاء كمصدر ضعيف جدا في المجال‬

‫الدستوري‪ ،‬نظرا ألن المحاكم غير مقيدة بأحكامها السابقة وال باألحكام التي تصدرها تلك األعلى منها في الدرجة ‪.‬‬

‫‪ -3‬العــرف ‪:‬‬

‫يقصد بالعرف " إتباع الناس سلوكا معينا في موضوع معين بصفة مطردة ولمدة طويلة يجعل الناس يشعرون بقوته اإللزامية‬

‫كالقانون المكتوب"‬

‫ويتضح مما سبق أن هناك ركنان للعرف ‪ :‬مادي ومعنوي ‪.‬فالركن المادي يفيد إتباع األفراد سلوكا معينا في تصرفاتهم بصفة مطردة أما‬

‫الركن المعنوي فيعني استقرار اإلحساس في ضمير الجماعة بأن ذلك السلوك أصبح ملزما لهم‪ ،‬فبغير االعتقاد بالزاميته ال نكون بصدد‬

‫عرف بمعناه القانوني ويشترط في العرف ان يكون عاما وقديما وثابتا‪ ،‬وأن ال يكون مخالفا للقوانين واآلداب العامة‪ ،‬وإذا كان العرف هو‬

‫ما س بق ذكره باختصار‪ ،‬فإن الفقه اختلف بشأن مدى الزاميته فقد ذهب انصار المذهب الشكلي المتطرفين ومن بينهم الفقيهان اإلنجليزي‬

‫والفرنسي كارى دمالبرغ إلى أن العرف ال قيمة له إال أقره التشريع او القضاء‪ ،‬أما المعتدلون من هذا المذهب فيعترفون له بالصفة‬

‫اإللزامية ‪ ،‬وبالنسبة للمذهب الموضوعي فيرى أنصاره وعلى رأسهم ديجي ‪ Duguit‬وجوي ‪ Guet‬بأن القانون ما هو إال تعبيرا عن‬

‫ضمير الجماعة الذي يمثل العرف‪ ،‬ولذلك يقولون بأنه مصدر رسمي للقانون وبعد أن عرفنا قيمة العرف كمصدر للقانون نبحث اآلن دوره‬

‫في العرف الدستوري‪ ،‬لقد تأثر فقهاء القان ون الدستوري بفقه القانون الخاص بشأن أركان العرف‪ ،‬فالركن المادي يتمثل في وجود قاعدة‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫مستقرة ومطردة التطبيق من قبل السلطات العامة في الدولة‪ ،‬وهذا يعني الثبات وتوافر مدة معقولة غير أن الحقائق تثبت أن المدة ال يمكن‬

‫تحديدها نظرا لظهور أعراف دستورية في مدة قصيرة مثل بعض سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء في فرنسا التي نظمت بمقتضى‬

‫عرف نشأ بعد الحرب العالمية األولى في حين أن مسؤولية الوزارة في إنجلترا تقررت بعرف يعود إلى القرن الثامن عشر‪ .‬أما الركن‬

‫المعنوي فيشترط فيه صفة االلزام التي يردها البعض إلى اإلرادة المفروضة للمشرع بينما يردها البعض اآلخر إلى إرادة الجماعة المتمثلة‬

‫في السلطات واألفراد‪ .‬والعرف إما يكون مفسرا أو مكمال أو معدال ‪.‬‬

‫أ‪-‬العرف المفسر‪ :‬هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور‪ ،‬فدوره هنا ليس إنشاء أو تعديل قاعدة دستورية‪ ،‬وإنما‬

‫يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إال أن هذا التفسير يصبح جزءا من الدستور فيكتسب صفة اإللزام‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك جريان‬

‫العرف أن لرئيس الجمهورية الفرنسية طبقا لدستور ‪ 1875‬أن يصدر اللوائح استناد إلى المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل‬

‫تنفيذ القوانين ‪.‬‬

‫ب‪-‬العرف المكمل ‪ :‬هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ الموجود في الدستور‪ ،‬ونظرا لكونه كذلك‬

‫فانه يختلف عن العرف المفسر في كونه ال يستند على نص دستوري في ظهوره‪ ،‬ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد‬

‫قرض عمومي إال إذا صدر قانون يأذن بذلك‪ ،‬إذا كان القانون والدستور الصادران في ‪ 1815‬ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير التي‬

‫تلتها لم تنص عليها انطالقا ومع ذلك استمر تطبيقها الستقرارها عرفيا فغدت بذلك عرفا دستوريا مكمال ونص دستور ‪ 1875‬على أن‬

‫االنتخاب يتم على أساس االقتراع العام دون أوضاع هذا االنتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة‬

‫ج‪ -‬العرف المعدل‪ :‬يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفا ومن أمثلة العرف المعدل في شكل إضافة ما‬

‫جرى به العمل في االتحادات الفيدرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية وأن يتولى رئاسة في‬

‫لبنان ماروني والوزارة سني والبرلمان شيعي رغم أن الدستور ال ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكمال الدستور‪.‬أما العرف‬

‫المعدل في صورة حذف فمثله امتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب في ظل دستور ‪ 1875‬الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل‬

‫إال من طرف الرئيس ماكماهون سنة ‪ 1877‬ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة ‪ 1940‬عندما احتلت ألمانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة قاعدة‬

‫عرفية ألغت أو حذفت نصا دستوريا والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على‬

‫تغيير في األغلبية إال أن االنتخابات أدت إلى عودت األغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه ‪ Grevy‬ألنه سينصاع إلى‬

‫إدارة األمة وانه لن يلجأ إلى حل البرلمان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف المعدل حذفا في النص الدستوري‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫وكذلك حدث في سنة ‪ 1969– 1962‬في نفس البلد أين قدم رئيس الجمهورية مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على‬

‫المجلسين لتصويت المسبق مع أن هناك نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور ‪.‬‬

‫والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق وان إنكار الصفة الدستورية عنه من جهة واالعتراف به من جهة ثانية ليس له‬

‫ما يبرره وهو يتناقض والمنطق والواقع ‪.‬‬

‫‪-4‬الفـقـه ‪ :‬يقصد بالفقه الدراسات والبحوث التي قام او جاء بها فقهاء القانون والفقه ال يعتبر مصدرا رسميا للدستور وإنما‬

‫مصدر تفسيرا يستأنس به في تفسير دستور وبيان كيفيات سنه فضال عن قيام رجال الفقه بشرح وتبيان محاسن وعيوب هذه الدساتير كما‬

‫أنه يهتم بدراسة وتحليل األحكام القضائية لما لها من تأثير على مسار قواعد دستورية والذي ال شك فيه انه وغن كانت اآلراء الفقهية غير‬

‫ملزمة إال أنها تلعب دورا هاما في تفسير النصوص القانونية وكثيرا ما يتأثر به القضاء في إصدار أحكامه أو المشرع أثناء سن القوانين‬

‫والقواعد الدستورية وهو ما يكسب تلك اآلراء سمعه أدبية كثيرا ما تلقى احترام من قبل المشرع الدستوري ومن ذلك روح القوانين والعقد‬

‫االجتماعي أو السياسي لكل من مونتسكيو وجان جاك وروسو وجون لوك ‪.‬‬

‫والً‪ -:‬أنواع الدساتير من حيث شكلها‪:‬‬

‫يعرف الدستور‪ :‬بأنه مجموع ة القواعد المتعلقة بتنظيم ممارسة السلطة وانتقالها في الدولة على هدى فكرة سياسية معينة‪،‬وهذه القواعد‬

‫يمكن أن توجد بأحد طريقتين‪ ،‬فهي أما تصدر من المشرع الدستوري وتكون مدونة في وثيقة رسمية‪ ،‬وهذا ما يسمى بالدستور المدون أو‬

‫تكون وليدة العرف والسوابق القضائية والتاريخية‪ ،‬دون أن تدون في وثيقة رسمية وهذا ما يطلق عليه الدستور غير المدون‪.‬‬

‫وتقسم الدساتير من حيث شكلها إلى دساتير مدونة وأخرى غير مدونة‬

‫الدستورالمدون‪:‬‬

‫هو الدستور الذي تصدر قواعده على شكل وثيقة رسمية واحدة‪ ،‬كما هو حال اغلب الدساتير المدونة‪ .‬أو تصدر بعدة وثائق رسمية‪ ،‬كما هو‬

‫حال دستور الجمهورية الثالثة الفرنسي لعام (‪ )1875‬الذي صدر في ثالث وثائق رسمية‪.‬‬

‫هذا وتعتبر الغالبية العظمى لدساتير دول العالم مدونة‪.‬‬

‫واألخذ بالدستور المدون ال يعني بالضرورة أن تتضمن الوثيقة الدستورية كافة القواعد المتعلقة بممارسة السلطة وانتقالها‪ ،‬فغالبا ما نجد‬

‫إلى جانب الوثيقة الدستورية قوانين ووثائق ذات طابع دستوري وسياسي تعتبر متممة للوثيقة الدستورية في الموضوع الذي تعالجه‪ ،‬ومثال‬

‫ذلك قوانين المجالس التشريعية وأنظمتها الداخلية‪.‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫والمالحظ أن القواعد الدستورية المدونة مهما كانت مفصلة فال تستطيع مواكبة الظروف والتطورات التي تطرأ بعد صدورها‪ ،‬وهذا يؤدي‬

‫إلى نشوء قواعد أخرى تفسرها أو تكملها أو تعدلها يكون مصدرها العرف والتفسيرات القضائية‪ ،‬التي صدرت بها أحكام من القضاء في‬

‫موضوعات دستورية‪ ،‬وهذا ما تدل عليه الحياة الدستورية في الدول ذات الدساتير المدونة‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى قد تتضمن الوثيقة الدستورية‪ ،‬إلى جانب القواعد الدستورية بطبيعتها‪ ،‬قواعد ال عالقة لها بممارسة السلطة‪ ،‬نصفها‬

‫بالقواعد الدستورية الشكلية والحكمة من وجود هذه القواعد في صلب الوثيقة الدستورية هي الرغبة في حماية تلك القواعد وذلك برفعها‬

‫إلى منزلة النصوص الدستورية‪ ،‬بحيث يتعذر بعد العمل بالدستور المساس بها‪ ،‬إلغاء أو تعديالً‪ ،‬إال وفقا ً بالطريقة التي يعدل الدستورذاته‪.‬‬

‫ابتدأت حركة تدوين الدساتير في الظهور منذ الربع األخير من القرن الثامن عشر كان ذلك في دول أمريكا الشمالية بعد تحررها من‬

‫االستعمار اإلنكليزي ما بين عام (‪ )1776‬وعام )‪ ،(1781‬وبعد ذلك صدر الدستور االتحادي للواليات المتحدة األمريكية عام ‪(1787).‬‬

‫ومن الواليات المتحدة األمريكية انتقلت قاعدة الدستور المدون إلى أوربا‪ ،‬فكان دستور (‪ )3‬أيلول (‪ )1791‬الفرنسي أول دستور مدون‪.‬‬

‫وبعد ذلك ظهرت في أوربا طائفة من الدساتير المدونة بين عامي (‪ 1830‬و(‪).1848‬‬

‫لقد ساد االعتقاد لدى مفكري القرن الثامن عشر أن الدستور المدون أسمى من الدستور غير المدون لما يمتاز به األول من دقة األحكام‬

‫ووضوحها وتحديدها‪ ،‬واعتبروه بمثابة تجديد للعقد االجتماعي وأداة يستطيع الفرد بموجبها التعرف على حقوقها وواجباتها‪ ،‬ويسهل عليه‬

‫معرفة الحدود المرسومة الختصاصات القابضين على السلطة‪ ،‬واعتبروا الدستور المدون ايضا ً وسيلة لتنمية وعي األفراد السياسي وأداة‬

‫للتهذيب الخلقي والسياسي وبفضله يرتفع الفرد إلى مرتبة المواطن والدستور كما يقول (تومابايان) ال يوجد إال عندما يكون في مقدورنا‬

‫وضعه في الجيب أي معرفة نصوصه بمضمونه‪.‬‬

‫هذا وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير بشكل واسع‪ .‬فبعد الحرب العالمية األولى ظهرت عدة دساتير مدونة منها‪ :‬الدستور‬

‫السوفيتي لعام (‪ )1918‬والدستور األلماني لعام )‪(1919‬والدستور النمساوي لعام (‪ )1920‬والدستور التركي لعام (‪ .)1924‬وبعد الحرب‬

‫العالمية األولى أيضا قامت في الوطن العربي دولة جديدة‪ ،‬وبعد انهيار الدولة العثمانية‪ ،‬أخذت كلها بقاعدة الدستور المرن‪ ،‬من ذلك‬

‫الدستور السوري لعام (‪ )1920‬والدستور المصري لعام (‪ )1923‬والدستور العراقي لعام (‪) 1925‬والدستور اللبناني لعام (‪).1926‬‬

‫وبعد الحرب العالمية الثانية انحسر المد االستعماري أي أجزاء كثيرة من العالم وأدى ذلك من دولة وطنية وضعت جميعها دساتير مدونة‬

‫مؤكدة في ذلك كيانها السياسي والدولي‪ ،‬ومما يذكر في هذا الصدد أن عدد الدول األعضاء في األمم المتحدة أصبح في عام (‪)1984‬‬

‫(‪) 159‬دولة‪ .‬وهذا يعني أن عدد الدساتير المدونة في العالم يزيد على هذا الرقم‪.‬‬

‫‪2-‬الدستور غير المدون‪:‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫ويقصد به الدستور الذي ال يتدخل المشرع الدستوري في وضع أحكامه وتثبيتها في وثيقة معينة بل يستمد أحكامه من العرف والسوابق‬

‫القضائية‪.‬‬

‫ويطلق جانب من الفقه مصطلح الدستور العرفي على الدستور غير المرن نظرا ً ألن العرف يكون المصدر الرئيسي ألحكامه‪ ،‬ولكمن‬

‫مصطلح الدستور غير المدون اكثر دقة من مصطلح الدستور العرفي‪ ،‬ألنه يتسع ليشمل جميع المصادر غير التشريعية سواء تمثلت في‬

‫العرف أو في التفسيرات القضائية‪.‬‬

‫لقد ب الغ أنصار الدستور غير المرن في ذكر مزاياه‪ ،‬فقالوا أنه يمتاز بالمرونة وبسهولة التطور والنمو‪ ،‬فهو ليس من وضع شخص أو هيئة‬

‫معينة وانما هو وليد المجتمع ومن نتاج طبيعة الكائنات‪ ،‬يساير الحياة المتغيرة والظروف المتجددة ويلبي حاجات المجتمع السياسي‪.‬‬

‫ولقد دافع الفيلسوف الفرنسي (دي بونالد) في كتابه عن نظرية السلطة السياسية والدينية الصادرة عام (‪ )1796‬بحرارة عن الدستور‬

‫غير المدون‪ ،‬وانكر الدستور المدون‪ .‬ألن الدستور عنده يستمد أحكامه من التقاليد واألعراف ويصدر من أعماق التاريخ‪ ،‬وال يمكن كتابة‬

‫الدستور ألنه الوجود والطبيعة‪ ،‬وال يمكن كتابة الوجود وال الطبيعة‪ ،‬وكتابة الدستور تعني قلب مفاهيمه‪.‬‬

‫والمثال الواضح للدستور غير المدون هو الدستور اإلنكليزي ويكاد يكون المثال الوحيد للدستور غير المدون في العصر الحديث ‪.‬فال‬

‫توجد في إنكلترا (كما هو الحال بقية دول العالم) وثيقة مدونة تسمى بالدستور اإلنكليزي‪ .‬ألن الغالبية العظمى من القواعد الدستورية‬

‫المطبقة في هذا البلد نشأت وتطورت استنادا ً إلى التقاليد واألعراف والسوابق القضائية‪ ،‬وعلى هذه األساس ال توجد في إنكلترا نصوص‬

‫مدونة تقرر النظام الملكي أو تحدد سلطات الملك‪ ،‬أو تلك التي تقرر األخذ بنظام المجلسين أو عدم مسؤولية الملك أو تلزم اختيار رئيس‬

‫الحكومة من بين أعضاء مجلس العموم أو تقرر المسؤولية الوزارية‪ ..‬الخ‪ .‬فهذه القواعد وغيرها طبقت واستقر العمل بها منذ أجيال عديدة‬

‫غير أنها مدونة في وثيقة رسمية صادرة من المشرع تسمى بالدستور اإلنكليزي‪.‬‬

‫بيد أنه عندما نقول إن الدستور اإلنكليزي وهو دستور غير مرن‪ ،‬فال يعني هذا عدم وجود قواعد دستورية مدونة في إنكلترا‪ ،‬فهذه‬

‫القواعد وجدت في وثائق لها أهميتها في التنظيم السياسي لهذا البلد‪ ،‬ولكنها تعتبر استثناء من األصل ومن هذه القواعد‪:‬‬

‫‪-‬العهد األعظم ‪ :‬سنة (‪ 1215‬و ‪-‬ملتمس الحقوق سنة (‪1628‬‬

‫‪-‬قانون الحقوق ‪:‬سنة (‪ 1689‬و ‪-‬قانون توارث العرش سنة (‪)- 11701‬قانون البرلمان ‪:‬سنة (‪.- 1911‬قانون الوصايا على العرش ‪:‬سنة‬

‫(‪ 1937‬والقانون الصادر عام (‪ )1949‬الخاص بتقييد اختصاصات مجلس اللوردات والقانون الخاص باألعضاء الدائمين في مجلس‬

‫اللوردات الصادر عام (‪ )1958‬الذي سمح للنساء بأن يصبحن عضوات بمجلس اللوردات‪.‬‬

‫تقدير تقسيم الدساتير إلى مدونة وأخرى غير مدونة‪:‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫تعد الدساتير غير المدونة اسبق في الظهور من الدساتير المدونة‪ ،‬إذ كانت الدساتير غير المدونة حتى القرن الثامن عشر القاعدة‪،‬‬

‫والدساتير المدونة تمثل االستثناء‪.‬‬

‫غير أن الواضع تغير تدريجيا ً بعد منتصف القرن الثامن عشر بحيث أصبحت الدساتير المدونة تكون القاعدة والدساتير غير المدونة‬

‫االستثناء‪ ،‬ويعود هذا التحول إلى (حركة التدوين الدستوري التي كانت تدعو إلى تدوين الدستور‪ ،‬ألنه بالنسبة لها يعتبر ير وسيلة لتقييد‬

‫سلطات الحكام المطلقة‪ ،‬ولهذا يجب أن يكون الدستور واضحا ً وال يكون كذلك إال إذا كان مدوناً‪ ،‬وعلى هذا األساس اعتبر فالسفة القانون‬

‫الطبيعي في القرنين السابع والثامن عشر‪ ،‬الدستور بأنه عقد اجتماعي يحدد ما تنازل األفراد عنه من حريات عندما كانوا يعيشون في حالة‬

‫طبيعية‪ ،‬ومقدار ما سيحتفظون به من هذه الحراسات بعد تأسيس الدولة‪ ،‬وعليه فأن إقامة الدستور الذي هو تجسيد للعقد االجتماعي‪ ،‬ال‬

‫يمكن أن يتم إال بواسطة الكتابة أي أن يتبلور في مجموعة قواعد مكتوبة أو مدونة‪ ،‬وال يمكن أن يترك أمر تحديد الدستور للعرف‪ ،‬الذي‬

‫هو بطبيعته غير محدد)‪ .‬والمالحظ‪ ،‬كما رأينا أن أنصار الدساتير المدونة قد بالغوا في ذكر مزاياها كما بالغ أنصار الدساتير غير المدونة‬

‫أيضا ً في ذكر مزاياها‪.‬‬

‫غير ان الواقع يثبت أن العبرة في نفاذ الدستور واحترام قواعده ليست بتدوينه أو عدم تدوينه‪ ،‬بل تستمد القواعد الدستورية قوتها من وعي‬

‫أفراد المجتمع السياسي ومدى تعلقهم بها‪ ،‬وعندما يتوفر الوعي يستوي أن تكون القاعدة مدونة أو غير مدونة فالوعي السياسي في إنكلترا‬

‫ضمن لدستورها االحترام والثبات بالرغم من أن أغلب قواعده غير مدونة‪ .‬أما إذا تخلف هذا الوعي‪ ،‬فلن يجد المجتمع السياسي عندئذ‬

‫تدون الدستور‪ .‬فكثير ما تحول مجتمع معين يسير وفق دستور مدون من حكم ديمقراطي إلى حكم مطلق‪ ،‬بل وقد يتم هذا التحول في ظل‬

‫نفس القواعد الدستورية‪ ،‬وهذا ما حدث فعالً في إيطاليا أبان الحكم الفاشي‪.‬‬

‫هذا وان تقسيم الدستور إلى مدون وغير مدون وهو تقسيم نسبي وليس تقسيما ً مطلقا ً ذلك ألن الدساتير المدونة ال يمكن أن تستغني عن‬

‫األطراف الدستورية التي تنشأ جنبا ً إلى جنب مع القواعد الدستورية المدونة‪ ،‬لكي تقوم بتفسير الغامض منها أو لتكمل الناقص فيها‪.‬‬

‫والدستور غيرا لمدونة ال يمن االستغناء كذلك عن القواعد الدستورية الصادرة من المشرع الدستوري كما هو الحال في إنكلترا‪.‬‬

‫أذن فالتقسيم يقوم على أساس السمة الغالبة في الدستور‪ ،‬فأذا كانت القواعد المدونة هي الغالبة فالدستور غير مرن وأذا كانت القاعد المدونة‬

‫هي الغالبة فالدستور مدون‪ ،‬وإذا كانت القواعد عبر غير المدونة هي الغالبة فالدستور غير مدون‪ .‬والمالحظ إن هذا لتقسيم فقد أهمته في‬

‫الوقت الحاضر نتيجة للتدخل بين القواعد الدستورية المدونة وغير المدونة من ناحية وجنوح غالبية دول العالم في العصر الحديث‪ ،‬من‬

‫ناحية أخرى إلى الدساتير المدونة ذلك ألن التشريع كما هو معروف أحتل الصدارة كمصدر من مصادر القاعدة الدستورية‪ ،‬بشكل خاص‪،‬‬

‫والقاعدة القانونية بشكل عام‪.‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫< ثانياً‪ -:‬أنواع الدساتير من حيث إجراءات تعديلها تقسم الدساتير من حيث اإلجراءات المتبعة في تعديلها إلى نوعين هما‪:‬‬

‫‪1-‬الدستور المرن‪:‬‬

‫وهو الدستور الذي يمكن تعديله بأتباع نفس إجراءات تعديل القوا عد القانونية العادية‪ .‬وعلى هذا األساس يستطيع المشرع العادي المساس‬

‫بالنصوص الدستورية المرنة تعديالً أو إلغاء وفقا ً لنفس اإلجراءات التي يتبعها في تعديل قواعده القانونية العادية‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أن الدستور المرن ال يتمتع بأي سمو شكلي على القانون العادي‪ ،‬فلو أصدر المشرع العادي قانونا ً خالف به نصا ً‬

‫دستوريا مرنا‪ ،‬فهذه المخالفة تعد تعديالً للنص الدستوري المرن‪.‬‬

‫وينبني على ذلك عدم وجود فرق بين الدستور المرن والقانون العادي من الناحية الشكلية‪ ،‬ويبقى الفرق موجودا ً من الناحية الموضوعية‬

‫فقط‪ ،‬ألن الموضوع الذي تعالجه النصو ص الدستورية يختلف‪ ،‬بطبيعة الحال عن المواضيع التي تنظمها وتعالجها القواعد القانونية العادية‪.‬‬

‫هذا وتعد الدساتير العرفية أثر الدساتير مرونة‪ ،‬ألنها كما تنشأ عن طريق العرف والسوابق القضائية‪ ،‬فأن أمر تعديلها يتم بنفس الطريقة‬

‫أيضا أي بتكوين قواعد عرفية جديدة تأخذ مكان القواعد العرفية القديمة‪ ،‬كما يستطيع المشرع العادي تعديل تلك القواعد وفقا ً لنفس‬

‫اإلجراءات المعتادة في تعديل القاعد القانونية العادية‪.‬‬

‫والمثال البارز للدستور المرن هو الدستور اإلنكليزي‪ ،‬الذي يستمد أغلب أحكامه من العرف والسوابق القضائية‪ ،‬ولهذا يستطيع البرلمان‬

‫اإلنكليزي تعديل القواعد الدستورية بنفس الطريقة واإلجراءات المتبعة من قبله في وضع وتعديل التشريعات العادية‪.‬‬

‫هذا وليس حتميا ً أن تكون جميع الدساتير العرفية مرنة‪ ،‬ألنه وجدت قواعد دستورية عرفية غير مرنة (جامدة) ففي المدن اليونانية القديمة‬

‫وجدت تفرقة بين القوانين العادية وطوائف أخرى من القوانين مثل القوانين الدائمة وقوانين المدين إذا كان يشترط لتعديل هذه األخيرة‬

‫شروط وإجراءات خاصة‪ .‬وفي ظل الملكية المطلقة في فرنسا وجدت القوانين األساسية للمملكة التي لم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة‬

‫التشريعية العادية المت مثلة في شخص الملك وانما كان يشترط كذلك موافقة الهيئة النيابية المسماة بمجلس الطبقات وفي مقابل ذلك فقد‬

‫وجدت دساتير مدونة ولكنها مرنة ومثال ذلك دستورا فرنسا لعام (‪) 1814‬ولعام (‪ )1830‬ودستور جنوب أفريقيا لعام (‪ )1909‬والدستور‬

‫السوفيتي لعام )‪(1918‬ودستور أيرلندة الحرة لعام (‪ )1922‬وكذلك الدستور اإليطالي لعام )‪(1848‬الذي أستمر العمل بموجبه حتى نهاية‬

‫الحرب العالمية الثانية حتى أدخلت عليه تعديالت كثيرة أبان الحكم الفاشي في عهد (موسوليني) عام (‪ ،)1939‬تمت جميعها بقوانين عادية‪.‬‬

‫فالمالحظ أذن هو عدم وجود تالزم حتمي بين الدساتير المرنة والدساتير غير المدونة بالرغم من أن أغلب القواعد الدستورية غير المدونة‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫هي مرنة‪ .‬وال يوجد تطابق كذلك بين الدساتير الجامدة والدساتير المدونة‪ ،‬بالرغم من أن أغلب الدساتير المدونة هي دساتير جامدة ‪.‬إذن‬

‫فالحكم على دستور معين بأنه مرن يتوقف على طريقة تعديله‪ ،‬فمتى ما تماثلت هذه الطريقة مع طريق تعديل القانون العادي كان الدستور‬

‫مرنا ً ويستوي بعد ذلك أن يكون الدستور قد وضع عن طريق هيئة خاصة غير الهيئة التشريعية العادية (سواء كانت منتخبة أو معينة) أو‬

‫بإجراءات مختلفة عن إجراءات وضع القانون العادي‪ ،‬أو أن يكون الدستور قد وضعته ذات الهيئة التشريعية العادية وبإجراءات وضع‬

‫القانون العادي‪ ،‬كما حدث ذلك بالنسبة لدستور فرنسا لعام ‪(1830).‬‬

‫‪2-‬الدستور الجامد‪:‬‬

‫وهو الدستور الذي ال يمكن تعديله وفقا ً لنفس إجراءات تعديل القواعد القانونية العادية‪ ،‬غير أن هذا ال يعني أن الدستور الجامد ال يعدل‬

‫مطلقا ً إذ يمكن تعديله ولكن بأتباع إجراءات خاصة تختلف عن تلك المتبعة في تعديل القواعد القانونية العادية وغلبا ً ما تكون تلك‬

‫اإلجراءات أعقد من تلك المتبعة في تعديل التشريعات العادية‪ .‬وغنى عن البيان أن تلك اإلجراءات ينص عليها عادة في صلب الدستور‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فلو أصدر المشرع العادي قانونا ً خالف به نصا ً دستوريا ً جامدا ً فال تعتبر هذه المخالفة تعديالً للنص الدستوري الجامد‬

‫وحينذاك تثور مسألة الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬ذلك ألن الدستور الجامد يتمتع وحده بعلو وسمو على القواعد القانونية العادية وال‬

‫يمكن والحالة هذه للقاعدة الدنيا مخالفة القاعدة التي تعلوها في المرتبة استنادا ً لمبدأ التدرج القانوني‪.‬‬

‫وصفة الجمود تسري على جميع القواعد الواردة في صلب الوثيقة الدستورية سواء كانت قواعد دستورية موضوعية أو قواعد دستورية‬

‫شكلية وتسري كذلك على القوانين العادية ذات الطبيعية الدستورية‪.‬‬

‫والمالحظ أن إجراءات تعديل النصوص الدستورية الجامدة تختلف من دستور آلخر وذلك حسب درجة جمود الدستور فكلما كان الجمود‬

‫شديداً كانت إجراءات التعديل أكثر صعوبة وتعقيدا ً من تلك المتبعة في تعديل القواعد القانونية العادية وعلى خالف ذلك كلما كان اختالف‬

‫هذه اإلجراءات عن القواعد القانونية العادية طفيفا ً كان الجمود بسيطاً‪ .‬فقد يشترط الدستور مثالً‪ ،‬إلجراء تعديل نص من نصوصه‪،‬‬

‫ضرورة اجتماع المجلسين التشريعيين في هيئة مؤتمر‪ ،‬إذا كان برلمان الدولة يتكون من مجلسين وقد يشترط إلجراء التعديل أيضا أغلبية‬

‫خاصة تختلف عن األغلبية المطلوبة لتعديل القوانين العادية كاشتراط أغلبية الثلثين أو ثالثة أخماس أو ثالثة أرباع أعضاء المؤتمر مثالً‪.‬‬

‫وقد يشترط الدستور كذلك ضرورة موافقة المواطنين على التعديل وذلك عن طريق االستفتاء الدستوري‪.‬‬

‫هذا وان االختالف في إجراءات التعديل قد يكون شكليا ً بحتاً‪ ،‬بحيث أن اإلرادة التي تعدل القانون العادي هي نفسها التي تعدل الدستور‬

‫ولكن األسلوب الذي يتبع للتعبير عن هذه اإلرادة يختلف في تعديل الدستور عنه في تعديل أو وضع القوانين العادية‪.‬‬

‫نوعا الجمود الدستوري وأهمية تقسيم الدساتير إلى مرنة وجامدة‪:‬‬

‫الجمود الدستوري على نوعين هما‪ :‬الجمود النسبي والجمود المطلق‪:‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫يكون الدستور جامدا جمودا نسبيا ً إذا كانت إجراءات تعديله تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي بالشكل الذي ذكرناه أعاله‪.‬‬

‫أما الجمود المطلق فيعني تحريم تعديل الدستور جزئيا ً أو كليا ً بشكل مطلق‪ .‬والجمود المطلق يأخذ عدة صور وهي‪:‬‬

‫‪ 1-‬تحريم المساس ببعض نصوص الدستور بشكل مطلق‪ ،‬وينصب هذا المنع على نصوص محددة تعالج موضوعات معينة‪ ،‬ويسمى‬

‫بالحظر الموضوعي أو بالجمود المطلق الجزئي‪.‬‬

‫‪2-‬تحريم المساس بجميع نصوص الدستور خالل فترة زمنية معينة وهذا يسمى بالحظر الزمني أو الجمود المطلق الكلي الموقت‪.‬‬

‫‪ 3-‬تحريم المساس بجميع نصوص الدستور بشكل مطلق ودون تحيد لفترة زمنية معينة وهذا المنع يسمى بالحظر المطلق أو الجمود‬

‫المطلق الكلي الدائم ومن أمثلة الدستور اليوناني الصادر عام (‪1864‬‬

‫ونظرا ً للعالقة الوثيقة بين الحظر الزمن و الحظر الموضوعي من ناحية وتعديل الدستور من ناحية أخرى فسنتكلم عليهما عند الكالم عن‬

‫تعديل الدستور‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالحظر المطلق أو الجمود المطلق الكلي الدائم فهناك اختالف بين الفقهاء حول مشروعيته ولكن وفق للرأي الراجح أن ليس‬

‫كل حظر مطلق مرفوض وال كل حظر مطلق مقبول ‪ ،‬فالمسألة تعتمد على مضمون الحظر وهدفه البعيد‪ .‬فكل حظر هدفه الحفاظ على مبدأ‬

‫الدستورية مطلوب وهذا ما يقرره الشعب صاحب السلطة الحقيقي فأرادته هي التي تقرر جمود الدستور المطلق وهي التي تقره ألن‬

‫الشعب هو المالك الوحيد ألرادته‪.‬‬

‫وقد جسدت الثورة الفرنسية هذه الحقيقة فنصت المادة األولى من الفصل السابع من دستور عام (‪ )1791‬الفرنسي على أن (الجمعية‬

‫الوطنية التأسيسية تعلن بأن حق األمة بتغيير دستورها غير قابل للسقوط أو التقادم‬

‫أساليب نشأة الدساتير ونهايتها ‪:‬‬

‫تتنوع األساليب التي تنشأ بها الدساتير بتنوع أنظمة الحكم في العالم‪ .‬وذلك ألن كل دستور هو نتاج لألوضاع الثقافية‬

‫واالجتماعية واالقتصادية والسياسية المحيطة به‪ ،‬وعلى وجه الخصوص مستوى التطور الذي بلغه النظام السياسي وتبعا لدرجة التطور‬

‫الديمقراطي في كل دولة من هذه الدول‪ ،‬وكذا لتقاليدها وخبراتها السياسية ‪ ،‬وهى تتطور بتطور أنظمة الحكم في كل دولة من الدول‪ ،‬ففي‬

‫ظل األنظمة السياسية القديمة القائمة على الحكم المطلق حيث ال حدود وال قيود على سلطات الحكام لم تنشأ الدساتير المكتوبة‪ ،‬ألن هذه‬

‫الدساتير ما نشأت إال لتقييد سلطات الحكام والحد منها‪ ،‬ولكن مع انتشار األفكار الديمقراطية‪ ،‬والرغبة في الحد من الحكم المطلق‪ ،‬ظهرت‬

‫الحاجة إلى تدوين الدساتير‪ ،‬من أجل تحديد الواجبات والحقوق لكل من الحكام والمحكومين‪ .‬بإتباع طرق تختلف باختالف الدولة ودرجة‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫النضج السياسي لدى الرأي العام فيها‪ .‬وقد يلعب األسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دورا ً هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي‬

‫عليه‪ .‬فما هي هذه األساليب المتبعة التي تنشأ بواسطتها الدساتير؟ ‪..‬‬

‫تنشأ الدساتير بأساليب مختلفة ومتعددة‪ ،‬وقبل التعرض ألساليب نشأتها يتوجب علينا بحث تاريخ‪ ،‬مكان وأسباب ظهورها والتطور الذي‬

‫عرفته بفعل تزايد مهام الدولة‪.‬‬

‫‪1.‬تاريخ ومكان ظهور أول دستور‪:‬‬

‫إذا رجعنا لتاريخ العالم اإلسالمي نجد أن أول دستور عرف بالمفهوم الفني الحديث في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم ويعرف‬

‫"بالصحيفة"‪ ،‬تلك الوثيقة التي أعدها رسول اإلسالم لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة‪.‬‬

‫البعض يرى بأن الحركة الدستورية أو أول بداية لظهور الدستور تعود إلى القرن الثالث عشر وبالتحديد سنة ‪ 1215‬عندما منح الملك جان‬

‫ستير الميثاق األعظم للنبالء االنجليز الثائرين عليه‪ .‬والبعض اآلخر يؤكدون بأن تاريخ ظهور الحركة الدستورية األولى بدأت تظهر‬

‫معالمها في القرن السابع عشر عندما وضع الجناح المؤيد لكرومويل في المجلس العسكري دستورا‪ ،‬وان كان البرلمان وكرومويل ذاته لم‬

‫يساندا ذلك المشروع فبقي كذلك بحيث لم يعرض على الشعب‪ ،‬وان كانت بعض نصوصه اعتمدت فيما بعد لتنظيم السلطة وعادت فيما بعد‬

‫مصدرا لتنظيم السلطة في الواليات المتحدة األمريكية‬

‫أ ما أول الدساتير المكتوبة ظهرت في المستعمرات البريطانية بأمريكا الشمالية كرد فعل لالنفصال عن إنكلترا‪ ،‬فأول دستور عرفه العالم‬

‫الغربي في والية فرجينيا دستور جوان ‪ ،1776‬وقد سابقه اإلعالن للحقوق الذي يعتبر القاعدة األساسية ألي حكومة في فرجينيا‪ ،‬ثم تلى‬

‫ذلك في عام ‪ 1781‬صدور دستور االتحاد التعاهدي‪ ،‬وفي عام ‪1787‬صدر الدستور االتحادي للواليات المتحدة األمريكية‪ .‬فالمثل‬

‫األمريكي كان سببا القتداء العديد من الدول به كفرنسا مثال‪ ،‬عرفت أول دستور مكتوب عام ‪ ،1791‬وقد سبقها قبل ذلك إعالن حقوق‬

‫اإلنسان والمواطن الذي صدقت عليه الجمعية الوطنية في أوت ‪ .1789‬فقد أصبحت الدساتير المكتوبة من خصائص الدول الحديثة‪ ،‬نتيجة‬

‫لرواج األفكار الديمقراطية والحركات السياسية التي نادت بمبدأ السيادة الشعبية‪ ،‬وبلورة فكرة العقد االجتماعي‪ ،‬ومبدأ الفصل بين‬

‫السلطات‪...‬أمام هذه المزايا العديدة انتقات فكرة ا لدساتير المكتوبة الى العديد من الدول األوروبية‪ ،‬فصدر دستور السويد سنة ‪،1809‬‬

‫والنرويج وبلجيكا سنة ‪ ، 1831‬وعلى إثر الحرب العالمية األولى‪ ،‬زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية للحد من التعسف في‬

‫استعمال السلطة فصدر دستور روسيا يوم ‪ 10‬يوليو ‪ ،1918‬فدستور تركيا ‪1924‬ودستور النمسا ‪ 1‬أكتوبر ‪1920‬‬

‫‪2.‬أسباب ودوافع وضع الدساتير‪:‬‬

‫إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات األوربية وسيطرة البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحسار االستعمار‬

‫كانت من األسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم‪ ،‬وكان غرض شعوب تلك األنظمة إثبات سيادتها الداخلية واستقالليتها‪ ،‬وذلك‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبين السلطات وعالقاتها في الدولة الجديدة وعالقاتها بالمحكومين والدول األخرى‪ .‬وأن هذه‬

‫الدول بوضع الدستور تؤهل نفسها إلقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي‪ ،‬ولها‬

‫الحق في االنضمام للمجتمع الدولي‬

‫‪ .‬وكما أشرنا سابقا على إثر الحرب العالمية األولى‪ ،‬زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية‪ ،‬بحيث حددت اختصاصات‬

‫الحكام ومدى السلطات التي تحت أيديهم والواجبات المفروضة عليهم حتى ال تتكرر نفس التجربة (التعسف في استعمال السلطة)‪ ،‬كما أن‬

‫حركة التحرر‪ ،‬ساهمت بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة‪ ،‬باألخص إذا علمنا أن أغلب هذه الدول تفتقر إلى رصيد دستوري‪ ،‬كانعدام‬

‫حياة دستورية سابقة‪..‬أو عدم وجود أعراف سابقة‪..‬كل هذا كان سببا مباشرا لوضع دستور مكتوب الى جانب ضرورة اقتناء وتدوين وثيقة‬

‫دستورية لإلنضمام في المجتمع الدولي مثل غينيا قد اعلن عن استقاللها يوم ‪ 02‬أكتوبر ‪ ،1958‬وفي ذلك الوقت كانت الجمعية العامة‬

‫لألمم المتحدة منعقدة‪ ،‬ولكي يضمن الرئيس سيكوتوري الحصول على الموافقة‪ ،‬أصدر دستور في ‪ 10‬نوفمبر ‪ ،1958‬واعلنت األمم‬

‫المتحدة عن قبولها كعضو في ‪ 12‬نوفمبر ‪ .1958‬وفي الكويت دستور ‪ 1962‬إذ كانت قد قبلت في جامعة الدول العربية في ‪ 30‬يوليو‬

‫‪ 1961‬بمجرد اعالن استقاللها في ‪ 19‬يونيو ‪ ،1961‬فإنها لم تقبل في المم المتحدة ولم تنظم الى المجتمع الدولي إال في ‪ 14‬مايو ‪ 1963‬أي‬

‫بعد صدور دستورها في ‪ 11‬نوفمبر ‪ ،1962‬وإذا كانت حركة الدساتير المكتوبة قد سادت الدول العربية‪ ،‬إال أن بعض دول الخليج تفتقر‬

‫إلى دستور مكتوب وال يوجد فيها دستور مدون على نسق الدساتير المعاصرة‬

‫األساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير‬

‫يمكن تعريف األساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير بأنها األساليب التي ال يستأثر الشعب وحده في وضعها‪ ،‬وإنما الذي يضعها هو‬

‫الحاكم وحده (منحة) أو باالشتراك مع األمة أو الشعب (عقد)‪ .‬وهما أسلوبان تزامنا مع تطور الملكية من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة‬

‫‪1.‬أسلوب المنحة ‪:‬‬

‫يصدر الدستور في شكل منحة إذا تنازل الحاكم بإرادته المنفردة عن بعض سلطاته للشعب‪ ،‬أو أن يحددها ببعض القيود‪ ،‬بواسطة قواعد‬

‫قانونية يمن بها على شعبه في صورة دستور‪ .‬واألصل في هذه الدساتير أن الحاكم هو مصدر السلطات‪ ،‬ومنبع الحقوق والحريات‪ ،‬يجمع‬

‫بين يديه الوظائف واالختصاصات‪ ،‬ومن بينها االختصاص التأسيسي‪ .‬غير أن انتشار األفكار الديمقراطية‪ ،‬ونضج وعي الشعوب بحقوقها‪،‬‬

‫والدعوة إلى الحد من من السلطان المطلق‪ ،‬دفع الحكام إلى منح شعوبهم دساتير‪ ،‬تنازلوا بموجبها عن جزء من سيادتهم‪ ،‬ليظهروا بمظهر‬

‫المتفضلين على شعوبهم‪ ،‬قبل أن تجبرهم األوضاع على التنازل عن ٌجل سيادتهم‪ ،‬وبالتالي يفقدون هيبتهم وكرامتهم‪.‬‬

‫وهكذا؛ وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي للدستور الصادر بطريق المنحة يظهر على أنه عمل قانوني صادر باإلرادة المنفردة للحاكم‪،‬‬

‫فإن الدستور لم يكن ليصدر إال نتيجة لضغط الشعوب على حكامها‪ ،‬ووعيها بحقوقها‪ ،‬وخوف الحاكم من ثورتها وتمردها‪ .‬ويسجل لنا‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫التاريخ أمثلة كثيرة لدساتير صدرت بطريق المنحة‪ ،‬ومنها الدستور الفرنسي لعام ‪ 1814‬الذي أصدره لويس الثامن عشر لألمة الفرنسية ‪،‬‬

‫وجدير بالذكر إن معظم دساتير الواليات األلمانية في القرن التاسع عشر صدرت بهذه الطريقة‪ .‬ومن أمثلة الدساتير الممنوحة كذلك‪:‬‬

‫الدستور اإليطالي لعام ‪ 1848‬والدستور الياباني لعام ‪ ،1889‬ودستور روسيا لسنة ‪ ،1906‬وإمارة موناكو لعام ‪ ،1911‬وكذلك الدستور‬

‫المصري لعام ‪ ،1923‬ودستور إثيوبيا لعام ‪ ،1931‬والقانون األساسي لشرقي األردن لعام ‪ ،1926‬ودستور اإلمارات العربية المتحدة لسنة‬

‫‪ 1971‬وكذلك الدستور القطري لسنة ‪1971‬‬

‫ونتيجة لصدور الدستور بطريقة المنحة يثور تساؤل هام‪ ،‬حول قدرة الحاكم الذي منح الدستور هل له الحق في سحبه أو إلغائه ؟ ولإلجابة‬

‫على هذا السؤال انقسم الفقه إلى اتجاهين‪:-‬‬

‫*يذهب أولهما إلى قدرة الحاكم على استرداد دستو ره طالما كان هذا الدستور قد صدر بإرادته المنفردة‪ ،‬عل شكل منحة‪ ،‬ألن من يملك‬

‫المنح يملك االسترداد‪ .‬يساند هذا الرأي أمثلة حدثت فعالً‪ ،‬حيث أصدر شارل العاشر‬

‫ملك فرنسا قرارا ً ملكيا ً عام ‪ 1830‬بإلغاء دستور عام ‪ ،1814‬تحت حجة أن المنحة أو الهبة في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق‬

‫الخاصة‪ ،‬وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة‪ .‬يحق للملك الرجوع عن دستوره‪ ،‬إذا صدر عن الشعب جحود للمنحة ونكران للجميل‪.‬‬

‫* ويذكر ثانيهما على الحاكم حق استرداد دستوره‪ ،‬ما دام هذا الدستور قد صدر‪ ،‬حيث تترتب عليه حقوق لألمة‪ ،‬فال يحق للحاكم ‪ -‬عندها ‪-‬‬

‫المساس به إال باالستناد إلى الطرق القانونية المقررة بالدستور نفسه‪ ،‬حتى التسليم بأن صدور الدستور كان وليدا ً لإلرادة المنفرد للحاكم‪،‬‬

‫ألن هذه اإلرادة تصلح أن تكون مصدرا ً لاللتزامات‪ ،‬متى ما صادفت قبوالً من ذوي الشأن‪ .‬وجدير باإلشارة أن الدستور الصادر بطريقة‬

‫المنح ة يدرس على اعتبار أنه مرحلة تاريخية‪ ،‬تمثلت باالنتقال من الملكيات المطلقة إلى الملكيات المقيدة‪ ،‬وقد انقضت وانتهت هذه المرحلة‬

‫منذ زمن‪ ،‬نتيجة لزوال الحكم الفردي‪ ،‬واستعادة معظم الشعوب لكامل حقوقها في السيادة والسلطة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فما زالت بعض الدساتير‬

‫تعتمد على اإل رادة المنفردة للحاكم‪ ،‬في نشأتها وفي إصدارها‪ ،‬منذ تسلمه للسلطة وحتى مماته‪ ،‬وإن أمكن استبداله بغيره‪...‬وقائمة الدساتير‬

‫التي صدرت بهذه الطريقة كبيرة ‪.‬ولنا بعالمنا العربي أمثلة متعددة‪ ،‬حتى أن بعضها ال يزال نافذا ً إلى يومنا هذا‬

‫‪2.‬أسلوب العقد أو االتفاق ‪:‬‬

‫ينشأ الدستور وفق طريقة العقد بناء على اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب من جهة أخرى‪ .‬أي ال تنفرد إرادة الحاكم بوضع الدستور كما‬

‫هو الحال في صدور الدستور على شكل منحة‪ ،‬وإنما يصدر الدستور تبعا ً لهذه الطريقة بتوافق إرادتي كل من الحاكم والشعب ‪.‬ويترتب‬

‫على ذلك أال يكون بمقدور أي من طرفي العقد االنفراد بإلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله‪ .‬وعلى هذا النحو تٌمثل طريقة العقد أسلوبا ً متقدما ً‬

‫على طريقة المنحة‪ ،‬ألن الشعب يشترك مع الحاكم في وضع الدستور في طريقة العقد‪ ،‬بينما ينفرد الحاكم بوضع الدستور في طريقة‬

‫المنحة‪ .‬وبناء على ذلك؛ يعد أسلوب العقد مرحلة انتقال باتجاه األساليب الديمقراطية‪ .‬خاصة وأن ظهور هذا األسلوب ‪ -‬ألول مرة ‪ -‬كان‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫نتيجة لنشوب ثورات‪ ،‬في كل من انجلترا وفرنسا‪ .‬ففي إنجلترا ثار األشراف ضد الملك جون‪ ،‬فأجبروه على توقيع العهد األعظم في عام‬

‫‪ ،1215‬الذي يتعبر مصدرا ً أساسيا ُ للحقوق والحريات‪ .‬وبنفس الطريقة؛ تم وضع وثيقة الحقوق لعام‪ 1689‬بعد اندالع ثورة ضد الملك‬

‫جيمس الثاني‪ ،‬حيث اجتمع ممثلون عن الشعب‪ ،‬ووضعوا هذه الوثيقة‪ ،‬التي قيدت سلطات الملك‪ ،‬وكفلت الحقوق والحريات األساسية‬

‫لألفراد‪ .‬وتمت دعوة األمير وليم األورنجي لتولي العرش‪ ،‬على أساس االلتزام بالقيود‬

‫الواردة بالوثيقة‪ .‬وتشكل هاتان الوثيقتان جزءا ً هاما ً من الدستور اإلنجليزي الذي يتكون معظمه من القواعد العرفية‪.‬‬

‫أما في فرنسا فقدر صدر أول دستور فيها بطريقة العقد إثر ثورة سنة ‪ 1830‬ضد الملك شارل العاشر‪ ،‬ووضع مشروع دستور جديد من‬

‫قبل جمعية من تخبة من قبل الشعب‪ ،‬ومن ثم دعوة األمير لويس فيليب لتولي العرش‪ ،‬إذا قبل بالشروط الواردة بالدستور الجديد‪ .‬وبعد قبول‬

‫األمير بهذه الشروط نودي به ملكا ً على فرنسا‪.‬‬

‫ويشار كذلك؛ إلى أن جميع الدساتير التي صدرت بطريقة العقد كانت من عمل جمعيات منتخبة‪ ،‬واألمثلة على هذا النوع من الدساتير‬

‫عديدة نذكر منها الميثاق األعظم في انجلتلرا سنة ‪ 1215‬الذي هو جزء من دستور انجلترا‪ ،‬وكذلك قانون الحقوق الصادر سنة ‪ 1688‬في‬

‫نفس البلد‪ ،‬ودساتير كل من اليونان لسنة‪ ،1844‬ورومانيا لسنة ‪ ،1864‬وبلغاريا لسنة ‪ ،1979‬والقانون األساسي العراقي لعام ‪،1925‬‬

‫والدستورين الكويتي لسنة ‪ 1962‬والبحريني لسنة ‪ .1973‬حيث وضعت المجالس التشريعية في هذه الدول الدساتير المذكورة‪ ،‬ثم دعت‬

‫أمراء أجانب لتولي العرش على أساس االلتزام بأحكامها‪ .‬وعلى الرغم من أن أسلوب العقد يعد أسلوبا تقدميا ً أكثر من أسلوب المنحة‪ ،‬فإنه‬

‫ال يعد أسلوبا ديمقراطيا خالصاً‪ ،‬ألنه يضع إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب‪ ،‬بينما تفترض الديمقراطية أن يكون الشعب هو‬

‫صاحب السيادة‪ ،‬ال يشاركه فيها ملك وال أمير‪.‬‬

‫األساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير‬

‫يمكن تعريف األساليب الديمقراطية في وضع الدساتير‪ ،‬بأنها األساليب التي تستأثر األمة وحدها في وضعها دون مشاركة الحاكم ملكا‬

‫كان أو أميرا أو رئيسا للجمهورية‪ .‬وبغض النظر عن التفصيالت واإلجراءات المتبعة في وضع الدساتير داخل إطار هذا المفهوم‬

‫الديمقراطي في وضع الدساتير‪ ،‬يمكن جمع هذه األساليب في أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب االستفتاء الشعبي‬

‫‪1.‬أسلوب الجمعية التأسيسية‪:‬‬

‫تعد نشأة الدساتير وفقا ً لهذا األسلوب منطلقة من مبدأ السيادة الشعبية‪ ،‬كما ينظر إليه أيضا ً على أنه من األساليب الديمقراطية لخلق الدساتير‬

‫حيث يمثل مرحلة أكثر تقدما ً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق‪.‬‬

‫ويصدر الدستور وفقا ً ألسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب ونيابة عنه‪ ،‬يعهد إليها بمهام وضع‬

‫وإصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ ‪ .‬ولذا فإن هذه الجمعية التأسيسية أو كما يطلق عليها البعض اسم الجمعية النيابية التأسيسية هي‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫في الواق ع تجمع كل السلطات في الدولة فهي سلطة تأسيسية تشريعية وتنفيذية‪ .‬وهذا األسلوب في وضع الدساتير هو الذي تم إتباعه في‬

‫وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية األولى والحرب العالمية الثانية‪ .‬وكأمثلة تاريخية على أسلوب الجمعية التأسيسية‬

‫نذكر دساتير الواليات المتحدة األمريكية عقب استقاللها من إنجلترا عام ‪1776‬م كما اتخذته أمريكا أسلوبا ً في وضع وإقرار دستورها‬

‫االتحادي لعام ‪1787‬م وقد انتشرت هذه الطريقة فيما بعد فاعتمد رجال الثورة الفرنسية هذا األسلوب من ذلك دستور فرنسا لعام ‪1791‬م‪،‬‬

‫وعام ‪1848‬م‪ ،‬وعام ‪1875‬م‪ ،‬وقد انتهج هذه الطريقة كل من اليابان عام ‪1947‬م‪ ،‬والدستور اإليطالي عام ‪1947‬م‪ ،‬والدستور‬

‫التشيكوسلوفاكي عام ‪1948‬م‪ ،‬والدستور الروماني عام ‪1948‬م‪ ،‬والدستور الهندي ‪1949‬م‪ ،‬والدستور السوري عام ‪ 1950‬وتعد هذه‬

‫الطريقة أكثر ديمقراطية من الطريقتين السابقتين‪ ،‬إذ أن الدستور يقوم بوضعه في هذه الحالة جمعية منتخبة من الشعب‪.‬‬

‫كما أن هذه الطريقة تحتوي على العديد من المخاطر يمكن تلخيصها كاآلتي‪:‬‬

‫‪ 1.‬احتمال انحراف الجمعية التأسيسية عن غرضها المنشود‪ ،‬بتفوق السلطة التشريعية على باقي السلطات األخرى‪ ،‬لكون أغلب األعضاء‬

‫فيها تراودهم فكرة الترشح للمرة الثانية‪.‬‬

‫‪ 2.‬االعتماد على فكرة الجمعية التأسيسية يحتمل فيها استحواذ هذه األخيرة على جميع االختصاصات‪ ،‬مما قد يخلق عجزا وانسدادا أثناء‬

‫معالجة المشاكل الشائكة وقت األزمات‪.‬‬

‫‪3.‬احتمال رفض الشعب للجمعية التأسيسية بعد إقرارها للدستور‪ ،‬وهذا فعال ما حدث في دستور الجمعية الفرنسية الرابعة سنة ‪1946‬م‪،‬‬

‫مما بدد الطاقات والمجهودات‬

‫‪2.‬أسلوب االستفتاء الشعبي أو االستفتاء الدستوري‪:‬‬

‫ينشأ الدستور وفقا ً لهذا األسلوب من خالل اإلرادة الشعبية الحرة‪ ،‬إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة‬

‫التأسيسية‪ ،‬في هذه ال حالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل األمر إلى جمعية منتخبة تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو‬

‫إلى لجنة معينة من قبل الحكومة أو البرلمان إن وجد‪ ،‬ومن أجل أن يكون استفتاء دستوري يجب أن تكون أوال هيئة أو لجنة تقوم بتحضير‬

‫مشروع الدستور وعرضه على الشعب الستفتائه فيه‪ ،‬ألخذ رأي الشعب في مشروع الدستور ‪ ،‬ولكن هذا المشروع ال تصبح له قيمة‬

‫قانونية إال بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه‪ .‬علما ً بأنه ليس بالزم أن تقوم بوضع الدستور ‪-‬المراد االستفتاء عليه‪-‬‬

‫جميعة تأسيسية نيابية‪ ،‬وإنما يفترض أن تكون هناك هيئ ة أو جمعية أو لجنة أو شخصية‪ ،‬قد أسند إليها وقامت بالفعل بإعداد مشروع‬

‫الدستور‪ ،‬كما حدث بالنسبة لبعض دساتير العالم‪ .‬وال يختلف األمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة أو معينة‪،‬‬

‫إذ تقتصر مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيدا ً لعرضه على الشعب لالستفتاء عليه بالموافقة أو بالرفض‪ ،‬ويعتبر تاريخ‬

‫إعالن نتيجة االستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه‪.‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫وإذا كان بعض الفقهاء قد ذهب إلى عدم اعتبار أسلوب االستفتاء الشعبي أسلوبا متميزا عن أسلوب الجمعية التأسيسية أي عدم التفرقة بين‬

‫الجمع ية التأسيسية واالستفتاء السياسي على أساس طريقة واحدة‪ ،‬بل يعتبرون االستفتاء مكمال للجمعية التأسيسية‪ ،‬فهو حلقة له ويستدلون‬

‫بالعديد من القرائن التاريخية‪ ،‬فقد يوضع المشروع الدستوري بواسطة جمعية تأسيسية‪ ،‬مثال ذلك دستور ‪ ،1946‬وقد يوضع عن طريق‬

‫لجنة حكومية‪ ،‬ومثال ذلك الدستور المصري الصادر سنة ‪ ،1956‬أو دستور الجمهورية الخامسة ‪.1958‬‬

‫وأخيرا ما يمكن قوله في هذه المسألة هو وجود اختالف بين الجمعية التأسيسية واالستفتاء الدستوري‪ ،‬فاألول يتخذ قوته اإللزامية بمجرد‬

‫صدوره عن الجمعية‪ ،‬فال يشترط فيه عرضه على الشعب‪ ،‬وهذا فعال ما حدث سنة ‪ 1946‬في فرنسا‪ ،‬بحيث الجمعية التأسيسية أقرها‬

‫الدستور في مايو ‪ ،1946‬وعرضه على الشعب‪ ،‬فرفض الموافقة‬

‫عليه مما أدى إلى إنشاء جمعية تأسيسية أخرى لصياغة المشروع من جديد وعرضه على الشعب في أكتوبر ‪ 1946‬الذي وافق عليه‪ .‬كما‬

‫يجب التفرقة بين االستفتاء الدستوري واالستفتاء السياسي‪ ،‬فقد تنتهج هذه الطريقة لترويض الشعب لقبول األوضاع السائدة‪ ،‬فهو إقراري‬

‫(بمعنى إقرار مشروع دستوري تضعه جمعية تأسيسية رغم اختالف في تكوينها‪ ،‬كما حدث للدساتير الفرنسية (‪ ،)1946-1795-1793‬أو‬

‫دستور ايرلندا الحرة سنة ‪ .1973‬وليس كاشفا لإلرادة الشعبية‪ ،‬فالشعب في هذا الموطن له دور سلبي‪ ،‬بحيث يستشار شكليا لتبييض وجه‬

‫النظام الحاكم‪ ،‬كاالستفتاء بشأن إبقاء نابليون قنصال عاما مدى الحياة ‪ 1802‬أو استفتاء سنة ‪ 1804‬بشأن توارث اإلمبراطورية في ساللة‬

‫نابليون‬

‫وقد أتبع هذا الدستور في وضع دستورنا لسنة ‪ 1976‬ودستور ايطاليا لسنة ‪ 1948‬والعديد من الدساتير الحديثة‪.‬كما تعتبر هذه الطريقة أكثر‬

‫ديمقراطية من غيرها‪ ،‬إال أنها لكي تحقق تلك الميزة أهدافها يجب أن يكون الشعب واعيا ومدركا للعمل العظيم الذي يقوم به‪ ،‬ونظرا‬

‫لصعوبة تحقيق هذه األمنية فان على السلطة التي تريد مشاركة الشعب فعال في اتخاذ القرارات الحاسمة أن تتجنب تقديم النصوص المعقدة‬

‫له بل تقدمها فقط للبرلمان بشرط أن يكون برلمانا وليس هيئة فنية استشارية وتقتصر على تقديم المسائل البسيطة الواضحة على أن تسبقها‬

‫حملة إعالمية وتنظم مناقشات حول الموضوع حتى يشعر الشعب بأنه شارك فعال في وضع النص ولم يقتصر على تقديم استشارة‬

‫الرقابة على دستورية القوانين‬

‫اسباب قيام الرقابة الدستورية‬

‫تعود االسبا ب الى نظرية أولئك الفالسفة الذين كانوا يؤمنون بقانون طبيعي يسمو فوق سائر القوانين الوضعية‬

‫‪ ،‬هذه الفكرة قد أدت إلى نتائج مهمة في الكثير من مراحل التاريخ البشري الحرجة ‪ ،‬ذلك ألنها قد أدت إلى استخالص نتيجة‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫مؤداها أن هذا القانون االسمي يجب ويلغي القوانين الفعلية ألي مجتمع معين حين يتضح انها مخالفة للقانون االسمي‬

‫مبدأ تدرج القواعد القانونية بحيث أن القاعدة األعلى تحكم القاعدة األدنى شكال وموضوعا ً ‪.‬‬

‫فإذا جاءت قاعدة اعلي وقررت حقا معينا ً وفرضت شكال معينا ً لممارسة هذا الحق فان أي قاعدة ادني تخالف القاعدة األعلى سواء من‬

‫حيث موضوع الحق أو من حيث كيفية ممارسته ‪ . .‬تعد قاعدة مشروعة لخروجها علي مبدأ تدرج القواعد القانونية وسمو األعلى علي‬

‫القاعدة األدنى ‪.‬‬

‫والدولة الحديثة – في األغلب األعم – دولة لها دستور ‪ ،‬ولما كانت الجهة التي تضع الدستور هي السلطة التأسيسي‬

‫‪ ،‬الدستور هو الذي يحدد سائر سلطات الدولة األخرى ويحدد اختصاصاتها وكيفية ممارسة هذه السلطات ‪ ،‬وكان الدستور هو‬

‫الذي يحدد السلطة التشريعية ويبين كيفية تكوينها وكيفية ممارستها الختصاصها فان تلك السلطة التشريعية التي حددها الدستور ال تملك‬

‫الخروج علي ذلك الدستور الذي يمنحها سند وجودها وسند اختصاصها ‪.‬‬

‫البرلمانات المنتخبة في الدولة القانونية الحديثة هي التي تتولى أساسا ً سلطة التشريع وسن القوانين ‪ . .‬فان هذه البرلمان –‬

‫باعتبارها سلطة التشريع – تلتزم بحكم الدستور وال تستطيع وال تستطيع الخروج عليه ‪ ،‬فان هي خرجت تعين ردها إلى الطريق السليم ‪.‬‬

‫والتشريع بالمعني الشكلي تستأثر به سلطة التشريع علي النحو السابق ‪ .‬أمام التشريع بالمعني الموضوعي فانه يتسع ليشمل كل قاعدة لها‬

‫صفة العموم والتجريد وعلي ذلك فان التشريع بالمعني الموضوعي يشمل القوانين واللوائح الصادرة عن الجهة التي يحدد الدستور أو‬

‫القانون حقها في إصدار مثل هذه السلطة التنظيمية‬

‫ومن هنا نستطيع أن نقول أن فكرة تدرج القواعد القانونية والتزام أدناها بأعالها وسمو أعالها علي أدناهما هي بدورها من‬

‫األفكار التي أدت إلى قبول وسيلة الرقابة علي دستورية القوانين باعتبار أن هذه الرقابة هي الوسيلة الفعالة لضمان االلتزام بكل القواعد‬

‫السابقة ‪.‬‬

‫وقد كان فقه الفقيه النمساوي الكبير كلسن في بدايات القرن العشرين واحدا ً من أهم المصادر التي قادت إلى قبول فكرة الرقابة ولعلها كانت‬

‫وراء إنشاء أول محكمة دستورية متخصصة في الرقابة علي دستورية القوانين في العالم الحديث وهي المحكمة الدستورية العليا في النمسا‬

‫والتي أنشئت عام ‪1920‬م ‪.‬‬

‫هذه هي الجذو ر الفلسفية والفكرية التي قادت إلى موضوع الرقابة علي دستورية القوانين التي يتعين علينا اآلن أن نبحث أهم صورها في‬

‫العالم المعاصر ‪.‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫وقد تعارف الفقهاء علي أن يتحدثوا عن ‪:‬‬

‫الرقابة علي دستورية القوانين في فرنسا – الرقابة السياسية ‪.‬‬

‫نبدأ بدراسة التجربة الفرنسية ليس ألنها أهم التجارب في رقابة دستورية القوانين وليس ألنها أقدمها ‪ ،‬وانما نبدأ بدراسة‬
‫التجربة الفرنسية لتفردها بين تجارب البالد الكبيرة بأنها رقابة ال يقوم بها قضاة بمعني انها رقابة غير قضائية ‪ ،‬كذلك‬
‫لكونها رقابة سابقة علي صدور التشريع بمعني انها رقابة واقية أو انها رقابة تحول دون التشريع والوقوع في مخالفة‬
‫الدستور ‪.‬‬
‫وقد دفع فرنسا إلى األخذ بهذه الصورة من صور الرقابة التفسير الذي ساد الفقه الفرنسي في فهم نظرية الفصل بين‬
‫السلطات ‪ . .‬كذلك اعتبار البرلمان هو المعبر عن سيادة األمة وان القانون هو التعبير عن هذه اإلرادة‬

‫–هذان اآلمران حاال بين فرنسا وبين األخذ بالرقابة القضائية علي دستورية القوانين ‪.‬‬
‫وقد ظهرت فكرة الرقابة السياسية علي دستورية القوانين أول األمر خالل إعداد دستور السنة الثالثة لثورة – ‪– 1795‬‬
‫وكان بين أعضاء الجمعية التأسيسية المناط بها وضع ذلك الدستور الفقيه " سييز الذي وقد اقترح ذلك الفقيه إنشاء هيئة‬
‫محلفين دستورية تكون مهمتها رقابة أعمال السلطة التشريعية حتى تحول بينها وبين مخالفة الدستور وتشكل هذه الهيئة‬
‫من بين أعضاء السلطة التشريعية أنفسهم ‪ ،‬ولقي هذا االقتراح معارضة شديدة ولم يكتب له أن يري النور ‪ ،‬والحقيقة انه لم‬
‫يكن منطقيا ً أن يعطي عدد محدود من أعضاء البرلمان نفسه حق الرقابة عليه بكامل أعضائه ‪.‬‬
‫وعند إعداد مشروع دستور السنة الثامنة للثورة في عهد اإلمبراطور نابليون عادت الفكرة إلى الظهور في صورة أخرى ‪:‬‬
‫صورة إنشاء مجلس يسمي " المجلس المحافظ‬

‫مهمته المحافظة علي الدستور وذلك بالتحقق من دستورية القوانين والقرارات والمراسيم التي تقدرها السلطة التنفيذية ‪.‬‬
‫ولم يقدر لهذا المجلس أن ينجح في مهمته حتى فقد سبب وجوده والغي عام ‪ ، 1807‬والحقيقة أن هذه المسالة أثيرت أمام‬
‫القضاء الفرنسي في اكثر من مناسبة ‪ ،‬ولكن ذلك القضاء سواء اإلداري أو العادي انتهي دائما ً إلى رفض رقابته علي‬
‫دستورية القوانين ‪.‬‬
‫وقد حكمت محكمة النقض الفرنسية في ‪11‬أبريل ‪ 1833‬بان " القانون الذي تمت مناقشته وصدر بالطرق المرسومة ال‬
‫يمكن أن يكون محل مهاجمة أمام المحاكم بدعوى عدم الدستورية وقد استمرت محكمة النقض الفرنسية دائما ً في هذا‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫االتجاه ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فان القضاء اإلداري في فرنسا وإن اخضع لرقابة مشروعية القرارات اإلدارية ومدي اتفاقها مع القانون‬
‫‪ . .‬فانه حكم بعدم قبول الدعاوى التي تستند إلى عدم دستورية القانون ‪.‬‬
‫والواقع أن القضاء الفرنسي عندما حجب نفسه عن مراقبة دستورية القوانين لم يكن مقصراً في أداء مهمته ولكنه وجد‬
‫نفسه في مواجهة بعض النصوص التشريعية التي تحول بينه وبين هذه الرقابة فضالً عن بعض الحجج التاريخية والفلسفية‬
‫‪.‬‬
‫أما من حيث النصوص فقد وجد القضاء الفرنسي أمامه نص المادة الحادية عشرة من قانون تنظيم القضاء الصادر عام‬
‫‪ 1790‬والتي تمنع المحاكم من أن " تشترك علي نحو مباشر أو غير مباشر في ممارسة السلطة التشريعية أو أن تعرقل‬
‫قرارات الهيئة التشريعية أو أن توقف نفاذها ‪" .‬‬
‫وكذلك المادة ‪ 127‬من قانون العقوبات التي تؤثم " القضاة الذين يتدخلون في ممارسة السلطة التشريعية سواء بإيجاد لوائح‬
‫تتضمن إحكاما ً تشريعية أو بمنع أو إيقاف قانون أو اكثر أو بالتداول فيما إذا كان يجب نشر القوانين أو نفاذها ‪" .‬‬
‫وباإلضافة إلى هذين النصين الواضحي الداللة في الحيلولة بين القضاء الفرنسي والنظر في رقابة دستورية القوانين‬

‫فهناك الحجة التاريخية التي أوجدتها تصرفات المحاكم الفرنسية القديمة والتي كانت تسمي البرلمانات – قبل الثورة –‬
‫والتي كانت تعرقل تنفيذ القوانين بل وتلغي بعض نصوصها مما ولد ميراثا ً من الحذر والريبة لدي رجال الثورة تجاه‬
‫القضاة باعتبارهم معوقين وراغبين في التغول علي اختصاصات السلطات األخرى وادي هذا كله إلى تيار قوي رافض‬
‫إلعطاء القضاء حق رقابة دستورية القوانين ‪.‬‬
‫وساند ذلك كله ثمة اعتبارات فلسفية قامت علي مفهوم معين لمبدأ الفصل بين السلطات من مقضتاه أن يحال بين كل سلطة‬
‫والتدخل في أعمال السلطات األخرى وان رقابة القضاء لدستورية القوانين التي يصدرها البرلمان هو اعتداء علي هذا‬
‫المبدأ وإهدار له ‪.‬‬
‫واخيرا ذهب جانب من الفقه الفرنسي – مشايعا ً في ذلك تعاليم جان جاك روسو – إلى أن القانون هو مظهر إرادة األمة ‪،‬‬
‫هذه اإلرادة التي يعبر عنها البرلمان والتي ال يتصور أن يراقبها أحد أو أن يردها أحد إلى الصواب ذلك أن الصواب‬
‫مفترض فيمن يعبرون عن إرادة األمة ‪ ،‬وقد أخذت المادة الثالثة من إعالن حقوق اإلنسان والمواطن عام ‪ 1789‬بهذا‬
‫المعني عندما نصت علي أن " القانون هو التعبير الحر والرسمي لإلرادة العامة ‪" .‬‬
‫وإذا كان البرلمان هو المعبر عن ا إلرادة العامة فانه ال يسوغ للقضاء أن يعطل هذه اإلرادة بحجة النظر في دستورية هذه‬
‫القوانين ‪.‬‬
‫والفقيه الفرنسي الكبير دوغي يذهب إلى أن النتيجة المنطقية لفكرة النيابة تؤدي إلى أن نقو أن إرادة هؤالء النواب –‬
‫باعتبارها إرادة األمة نفسها – ال يمكن أن تراقبها إرادة أخرى تعتبر اسمي منها بحكم مراقبتها لها ‪.‬‬
‫ويمكن أن يعبر عن هذا الموقف الرافض لرقابة دستورية القوانين بما قاله ماوريس‬
‫‪ " . .‬هل يمكن أن توجد حكومة منتخبة ‪ ،‬حكومة تعبر عن رأي األمة في صدام مع قضاتها ؟ بعبارة أخرى ‪ :‬سلطة‬
‫منتخبة تحوز ثقة الرأي العام – مثل هذه السلطة يمكن أن تخضع للقضاء ‪ . .‬إن هذا يعني قتل هذه السلطة ‪. " .‬‬
‫ثم يقول ‪ . . " :‬ال ‪ :‬هذا غير ممكن ‪ .‬وهذا لن يكون ‪. . " .‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬

‫هذا الميراث القضائي والفقهي والفلسفي كان وراء رفض فكرة الرقابة القضائية علي دستورية القوانين واالتجاه نحو نوع‬
‫من الرقابة الوقائية السابقة التي قد تتصور بعد مناقشة مشروعات القوانين في البرلمان وقبل إصدارها ‪.‬‬
‫وقد تبلورت هذه الفكرة عند وضع دستور الجمهورية الرابعة عام ‪ 1946‬ثم اكتملت عند وضع دستور الجمهورية الخامسة‬
‫عام ‪. 1958‬‬
‫اللجنة الدستورية في دستور ‪: 1946‬‬
‫انشأ دستور ‪ 1946‬في فرنسا ما اسماه باللجنة الدستورية كما وال أن يسد بها فراغ الرقابة علي دستورية القوانين الذي‬
‫كان قائما ً قبل ذلك ‪ ،‬وقد جاء تكوين هذه اللجنة كنوع من التوفيق بين أنصار السيادة البرلمانية والتي ترفض رقابة‬
‫الدستورية وأنصار سمو الدستور والذين يرون ضرورة وجود رقابة علي دستورية القوانين ولكنه كان توفيقا ً متواضعا ً‬
‫علي حد تعبير الفقيه الفريسر بوردون وقد جاء المشروع األول لدستور ‪1946‬خاليا ً من أي نص يتعلق برقابة الدستور‬
‫ودكن المشروع الذي قبل في النهاية تضمن إنشاء هذه اللجنة الدستورية ‪.‬‬
‫وعلي أي حال فقد كان من المستقر استبعاد فك رة الرقابة القضائية لدستورية القوانين وفي ذلك استجابة للتقاليد الفرنسية‬
‫التي ترفض إخضاع التشريعات البرلمانية للرقابة القضائية ‪ ،‬بل لقد ذهب األمر إلى حد تجنب الدستور ذكر عبارة " رقابة‬
‫الدستورية " واكتفت المادة ‪ 61‬من ذلك الدستور بقولها تختبر اللجنة القوانين التي صوتت عليها الجمعية الوطنية والتي قد‬
‫تفترض تعديالً في الدستور مناقضة لألبواب من األول إلى العاشر من الدستور وهي تلك التي تنظم السلطات العامة ‪،‬‬
‫كذلك فان اإلجراءات المتبعة أدت بدورها إلى تضييق مدي هذه الرقابة المحدودة من األصل‬
‫المجلس الدستوري ودستور ‪: 1958‬‬
‫حاول واضعوا دستور ‪ 1958‬أن يطوروا من فكرة الرقابة علي دستورية القوانين مع البقاء في إطار استبعاد كل رقابة‬
‫قضائية لدستورية القوانين ‪.‬‬
‫وقد وقع تعديالً بخوصص المجلس الدستوري خالل عام ‪ 1947‬والثاني خالل عام ‪ 1990‬وقد أدى هذان التعديالن إلى‬
‫اتساع نطاق الرقاب ة وان ظلت في كل األحوال رقابة سياسية ال يقوم بها القضاء ‪ ( .‬التعديل الثاني لم يقدر له أن يكتمل ‪.‬‬

‫وقد نظم دستور ‪ 1958‬هذا الموضوع في المواد من ‪ 56‬إلى ‪ ، 63‬وقد كان هذا التنظيم متجها ً في األساس إلى حماية‬
‫المؤسسات السياسية كما وضعها الدستور من أن تنالها يد المشرع العادي بالتعديل ولم يكن يعني هذا التنظيم الرقابة حماية‬
‫حقوق وحريات اإلفراد في مواجهة البرلمان إال في نطاق محدود ‪.‬‬
‫لقد كان المقصود األساسي من وجود المجلس الدستوري هو ضمان التطبيق السليم للنصوص الدستورية التي تضمن حسن‬
‫سير السلطات العامة خاصة ما تعلق بتوزيع االختصاصات بين السلطة التشريعية والتنفيذية ‪ ،‬لقد أراد الدستور بهذا‬
‫المجلس أن ينشئ نوعا ً من الحكم السياسي يحمي ذلك التوازن بين السلطتين ‪.‬‬
‫وكان اختصاص ذلك المجلس قاصرا ً علي القوانين التي تصدر عن البرلمان أي القوانين بالمعني الشكلي ‪ ،‬وهكذا استبعد‬
‫الدست ور كل رقابة علي دستورية اللوائح التي تصدر عن السلطة التنفيذية ‪ ،‬وقد أعطى الدستور للمجلس الدستوري في هذا‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫الصدد نوعين من االختصاص‬

‫– ‪1‬اختصاص وجوبي يتعلق بالقوانين العضوية ولوائح المجالس البرلمانية إذ نصت المادة ‪ 61‬من الدستور في فقرتها‬
‫علي أن " يجب أن تعرض علي المجلس الدستوري القوانين العضوية ‪ s‬قبل إصدارها ولوائح المجالس البرلمانية قبل‬
‫تطبيقها ليقرر مدي مطابقتها للدستور " وهكذا فان هذه المجموعة من القوانين تعرض حتما ً علي المجلس الدستوري ليقول‬
‫رأيه فيها مقدما ً ‪" .‬‬
‫– ‪2‬اختصاص جوازي متروك إلرادة رئيس الجمهورية أو الوزير األول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس‬
‫الشيوخ ليعرض كل منهم أي قانون اقره البرلمان قبل إصداره علي المجلس الدستوري ليقرر مدي مطابقته للدستور ‪.‬‬
‫وفي الحالتين – حالة االختصاص الوجوبي وحالة االختصاص االختياري – يجب أن يبدي المجلس الدستوري رأيه خالل‬
‫شهر ‪ ،‬ومع ذلك فللحكومة أن تطلب في حالة االستعجال تقصير هذه المدة إلى ثمانية أيام ‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 62‬من‬
‫الدستور الفرنسي الصادر عام ‪ 1958‬علي أن " النص الذي يعلن عدم دستوريته ال يجوز إصداره أو تطبيقه ‪.‬‬
‫كما نصت تلك المادة أيضا ً علي أن قرارات المجلس الدستوري ال تقبل الطعن فيها بأي وجه من اوجه الطعن وهي ملزمة‬
‫للسلطات العامة ولجميع السلطات اإلدارية والقضائية ‪.‬‬
‫وهناك استثناء هام من القوانين التي يجب أو التي يجوز عرضها علي المجلس الدستوري لمعرفة مدي دستوريتها تلك هي‬
‫القوانين التي يتم إقرارها عن طريق االستفتاء العام إذ انها عندئذ ستمثل التعبير المباشر عن السيادة وال يصبح هناك مجال‬
‫للبحث في دستوريتها بعد ذلك ‪ ،‬وقد استطاع الرئيس شارك ديجول أن ينفذ عن هذا الطريق ويعدل الدستور لتقرير طريقة‬
‫االنتخاب المباشر لرئيس الجمهورية بغير الطريقة المنصوص عليها في الدستور نفسه لتعديله ولم يستطع أحد أن يثير‬
‫عدم دستورية ذلك التعديل نظرا ً ألنه اقر في استفتاء شعبي عام ‪.‬‬
‫هذا عن اختصاص ذلك المجلس في رقابة دستورية القوانين ‪ ،‬وهي كما تري وقائية سابقة علي إصدار القانون نفسه وهي‬
‫رقابة سياسية ألنه ال يقوم بها قضائه ‪.‬‬
‫والي جوار رقابة الدستورية فان للمجلس الدستوري اختصاصات أخرى عهد إليه بها دستور ‪1958‬بعضها يتعلق‬
‫باالنتخابات العامة وانتخابات رئيس الجمهورية والفصل في صحة انتخاب عضو البرلمان ‪.‬‬
‫كذلك فان المجلس هو الذي يقرر وجود عائق يعوق رئيس الجمهورية عن مباشرة مهام منصبه وما إذا كان ذلك العائق‬
‫مؤقتا ً أو دائما ً ‪ ،‬وإذا قرر المجلس أن العائق الذي يعوق رئيس الجمهورية هو عائق دائم فان انتخابات جديدة تجري خالل‬
‫عشرين يوما ً علي األقل وخمسة وثالثين يوما ً علي األكثر النتخاب رئيس جديد ‪.‬‬
‫كذلك فان للمجلس الدستوري اختصاصا ً هاما ً عند الرجوع إلى المادة ‪ 16‬من الدستور –– وهي التي تعطي رئيس‬
‫الجمهورية في حاالت الخطر الداهم التي تهدد المؤسسات الدستورية سلطات واسعة ويجب أن يبدي المجلس الدستوري‬
‫رأيه قبل إمكانية اللجوء إلى المادة ‪ 16‬وان يبدي رأيه في كل قرار يصدره الرئيس ولكنه مع ذلك يظل ذو قيمة أدبية‬
‫وسياسية كبيرة‪.‬‬

‫هذا عن اختصاص المجلس الدستوري ‪.‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫كيفية تكوين المجلس الدستوري‬

‫يتكون المجلس من نوعين من األعضاء ‪.‬‬

‫( أ) أعضاء بحكم القانون ولمدي الحياة وهؤالء هم كل رؤساء الجمهورية السابقون الموجودون علي قيد الحياة ‪.‬‬

‫(ب )أعضاء معينون ‪ ،‬وهؤالء تسعة أعضاء ‪ ،‬ومدة العضوية تسع سنوات ‪ ،‬وهؤالء التسعة يختار رئيس الجمهورية منهم‬

‫ثالثة ‪ ،‬وإلمكان تجديد في عضوية المجلس فان كان واحد ممن لهم حق االختيار يختار واحدا ً لمدة ثالثة سنوات وواحداً لمدة‬

‫ست سنوات وواحدا ً لمدة تسع سنوات وهذه الطريقة تضمن تجديد ثلث أعضاء المجلس المعينين كل ثالث سنوات ‪.‬‬

‫(ج) رئيس المجلس ‪ :‬يعين رئيس الجمهورية أحد أعضاء المجلس – سواء من األعضاء المختارين أو من األعضاء بحكم‬

‫القانون – رئيسا ً للمجلس ‪ ،‬ويكون للرئيس صوت مرجح عند تساوي األصوات (م‪) . 56‬‬

‫وقد جري العمل حتى اآلن علي أن يعين رئيس المجلس من بين األعضاء الثالثة الذين يختارهم رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫وأعضاء المجلس يستمرون في عضويتهم طوال المدة المبينة وال يفقدون العضوية إال بالوفاة أو االستقالة ‪ ،‬ويجوز فقدان‬

‫العضوية بقرار من المجلس الدستوري نفسه في حالة عدم األهلية لمزاولة العمل ‪ ،‬وال يجمع أعضاء المجلس بين عضويته‬

‫والوزارة أو عضوية البرلمان أو عضوية المجلس االقتصادي واالجتماعي كذلك ال يجوز تعيين أعضاء المجلس في الوظائف‬

‫الحكومية وانما يجوز لمن كان منهم موظفا ً قبل تعيينه أن يستمر في وظيفته ‪ ،‬علي سيبل المثال فان أعضاء المجلس الذين كانوا‬

‫أساتذة في كلية الحقوق استمروا يشغلون منصب األستاذية إلى جوار عضوية المجلس ‪.‬‬

‫التعديل الدستوري عام ‪: 1974‬‬

‫في عام ‪ 1974‬حدث تعديل دستوري يتعلق بمن لهم حق طلب العرض علي المجلس الدستوري إذ أضيف إلى من لهم هذا الحق‬

‫وهو رئيس الجمهورية والوزير األول ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ أضيف إلى هؤالء انه يجوز لستين نائبا ً‬

‫أو لستين شيخا ً أن يطلبوا عرض قانون معين قبل إصداره علي المجلس الدستوري ليقول رأيه في مطابقة ذلك القانون أو عدم‬

‫مطابقته للدستور ‪ ،‬وهكذا اتسع نطاق من لهم حق العرض علي المجلس الدستوري ‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1990‬م حدث تطور جوهري في هذه الناحية ‪.‬‬

‫مشروع التعديل الذي لم يتم في عام ‪1990‬‬

‫بدا الحديث عن هذا التعديل الجوهري في أوائل ‪ 1990‬وفي ‪ 19‬أبريل من نفس العام وبناء علي اقتراح من الحكومة أقرت‬

‫اللجنة التشريعية في الجمعية الوطنية مشروع التعديل المتعلق بالمجلس الدستوري رغم شدة االنقسامات داخل اللجنة بين‬

‫االتجاهات الحزبية المختلفة والشيء الجوهري في ذلك التعديل هو انه خطا خطوة نحو ما يمكن أن يقال له رقابة قضائية علي‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫دستورية القوانين ‪ ،‬ذلك انه حتى ذلك التاريخ كان األمر مقصورا ً علي نوع من الرقابة الوقائية بناء علي طلب جهات رسمية‬

‫معينة ‪ ،‬وقد انتهي التعديل السابق إلى أن أعطى حق هذا الطلب لستين عضوا ً من أي من المجلسين وبذلك يتمكن نواب‬

‫المعارضة من استعمال هذا الحق إذا رأوا ضرورة الستعمال ولكن مشروع التعديل الجديد ذهب إلى ابعد من ذلك ‪ ،‬ذلك انه‬

‫كان يجيز لألفراد الدفع أمام المحاكم بعدم دستورية قانون معين أو نص في قانون معين ‪.‬‬

‫وكان هذا المشروع لتعديل اختصاص المجلس الدستوري كما قال السيد جورج فيديل – وإن لم يكن في ذاته ثورة – إال انه كان‬

‫تطورا وإصالحا حقيقيا في الحياة الدستورية (‪) . 16‬‬

‫وكان المشرع ال يعطي اإلفراد حق الدفع بعدم الدستورية في مواجهة كل القوانين وانما في مواجهة تلك القوانين التي تمس‬

‫الحقوق األساسية التي يتضمنها الدستور وإعالن حقوق اإلنسان والمواطن ( إعالن ‪ ) 1789‬وكذلك المبادئ األساسية التي‬

‫قررتها قوانين الجمهورية ‪ ،‬وهي تلك التي تتعلق أساسا ً بالحريات العامة وبالموضوعات الدستورية ‪ ،‬وقد حاول البعض أن‬

‫يوسع النطاق الخاضع للرقابة بإدخال القرارات الجمهورية واللوائح فيما يمكن أن يكون محالً للطعن ‪ ،‬ولكن ذلك االقتراح لم‬

‫يقبل ‪ ،‬وكان المشرع يستهدف أيضا ً مزيدا ً من الصفة القضائية للمجلس الدستوري وإن كان هناك من رأي انه يجب أن ينتخب‬

‫حراس الدستور عن طريق االنتخاب العام المباشر ‪!! .‬‬

‫ولكن في النهاية لم يكتب لهذا المشروع أن يري النور وتغلبت الحجج التقليدية الفرنسية علي هذا االتجاه الجديد ‪ ،‬وقيل أن هذا‬

‫التعديل سيخل بالتوزان بين السلطات وسيقيم في فرنسا " حكومة قضاة " ولن يكون القانون بعد ذلك تعبيراً عن إرادة األمة ال‬

‫تجوز مناقشة دستوريته بعد صدوره ‪.‬‬

‫وإن كنا نعتقد أن األمر لن يتوقف عند هذا الذي حدث وان عجلة التطور ومبدأ سيادة القانون سيدفعان األمور دفعا ً نحو صورة‬

‫اكثر فعالية من صور الرقابة علي دستورية القوانين في فرنسا ‪.‬‬

‫كيفية انعقاد اختصاص المجلس ‪:‬‬

‫تنص الفقرة الثانية من المادة (‪ )61‬من الدستور علي انه " ‪ . .‬يمكن أن تعرض القوانين قبل إصدارها علي المجلس الدستوري‬

‫من قبل رئيس الجمهورية أو الوزير األول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو من قبل ستين عضوا ً من‬

‫أعضاء الجمعية الوطنية أو من أعضاء مجلس الشيوخ ‪. . " .‬‬

‫رئيس الجمهورية ‪:‬‬

‫يالحظ أن رؤساء الجمهورية لم يستعملوا هذه الرخصة بأنفسهم واثروا أن يتركوا لغيرهم استعمالها ‪.‬‬

‫ولكن ذلك لم يمنع بحكم الوجوب الدستوري أن يرجع رئيس الجمهورية للمجلس قبل إعالن العمل بالمادة (‪ )16‬من الدستور (‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫حالة الضرورة ‪) .‬‬

‫كذلك لم يمنع ذلك أيضا ً من ضرورة الرجوع إلى المجلس بخصوص االستفتاء علي بعض القوانين ‪.‬‬

‫الوزير األول ‪:‬‬

‫وعلي عكس الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية فان الوزير األول لجأ إلى هذه المكاشفة في العديد من األحوال وذلك بواسطة‬

‫طلب يتقدم به إلى رئيس المجلس لكي يقرر المجلس ما إذا كان قانونا ً أو نصا ً في قانون – قبل اإلصدار بطبيعة الحال – يتفق‬

‫مع الدستور أو ال يتفق ‪.‬‬

‫رئيس الجمعية الوطنية ‪:‬‬

‫لجأ رئيس الجمعية الوطنية إلى المجلس الدستوري لمعرفة رأيه عن حق طرح الثقة بالحكومة أما الجمعية الوطنية أثناء العمل‬

‫بالمادة ( ‪ ) 16‬من الدستور ( حالة الضرورة ‪) .‬‬

‫كما لجأ إلى المجلس الدستوري في عدد من الحاالت األخرى حول دستورية بعض النصوص المطروحة للمناقشة أمام الجمعية‬

‫‪.‬‬

‫رئيس مجلس الشيوخ ‪:‬‬

‫رغم اتجاه مجلس الشيوخ لمعارضة أي صورة من صور الرقابة علي دستورية القوانين ‪ . .‬فان الرؤساء المتعاقبين لجأوا إلى‬

‫المجلس ‪ . .‬فان رؤساء مجلس الشيوخ لجأوا إلى المجلس الدستوري في العديد من الحاالت المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات (‬

‫حكم المجلس في ‪ 27‬ديسمبر ‪ ) 1973‬وفي بعض التشريعات الضريبية أيضا ‪ ،‬وفي بعض التشريعات المتعلقة بالمحليات (‬

‫حكم المجلس في ‪ 2‬ديسمبر ‪1982 ) .‬‬

‫ستون عضوا ً من أي من المجلسين ‪:‬‬

‫تقرر هذا الحق لألعضاء – ولم يكن موجودا ً من قبل – في ‪ 29‬أكتوبر ‪ 1974‬إذ اصبح لستين عضوا ً مجتمعين من أي من‬

‫المجلسين حق التقدم للمجلس الدستوري بطلب للنظر في دستوري أو عدم دستورية نص في قانون لم يصدر بعد ‪.‬‬

‫والمالحظ أن الطلبات التي قدمت من أعضاء البرلمان لمجلسيه هي النسبة التالية من الطلبات التي عرضت علي المجلس‬

‫الدستوري ‪ ،‬حتى سنة ‪ 1994‬كان النواب قد تقدموا بـ ( ‪ " ) 284‬مائتين وأربعة وثمانين طلب " بعدم دستورية قانون أو نص‬

‫في قانون ‪.‬‬

‫وقد صدر ‪ 199‬حكم في هذه الطلبات وقضي في ‪ 92‬منها بعدم الدستورية ‪.‬‬

‫الخالف حول طبيعة المجلس الدستوري ‪:‬‬


‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫جري خالف بين الفقه حول طبيعة المجلس الدستوري ‪ ،‬وهل هو هيئة سياسية أم هيئة قضائية ‪.‬‬

‫أما الذين قالوا انه هيئة سياسية ‪ . .‬فقد نظروا إلى طريقة تكوينه التي أشرنا إليها والتي تختلف اختالفا جذريا ً مع كيفية تكوين‬

‫المحاكم القضائية ‪.‬‬

‫أما الذين قالوا أن المجلس يعتبر هيئة قضائية ‪ . .‬فقد نظروا إلى طيبعة اختصاصه وانه يفصل في مسائل قانونية بحتة وعلي‬

‫اعلي مستوي كذلك فان المجلس منذ إنشائه وحتى اآلن يصيغ قراراته علي هيئة األحكام القضائية من حيث مناقشة الوقائع ومن‬

‫حيث التسبيب وكتابة الحيثيات ‪.‬‬

‫كذلك فان قرارات المجلس لها حجية في مواجهة سلطات الدولة وفي مواجهة الجهات اإلدارية والقضائية ‪ ،‬وقرارات المجلس‬

‫غير قابلة للطعن بأي طريق من طرق الطعن ‪.‬‬

‫ويجري نص المادة (‪ )62‬فقرة ثانية علي النحو التالي ‪:‬‬

‫والمجلس نفسه يشير في قراراته إلى بعض قراراته السابقة مؤكدا ً ما لها من حجية وإلزام (‪ ، )18‬وهكذا يمكن أن يقال إن‬

‫المجلس الدستوري في فرنسا هو هيئة سياسية من حيث تكوينه وهو هيئة قضائية من حيث كونه يفصل في منازعات قانونية ‪.‬‬

‫تقدير الرقابة علي الدستورية في فرنسا ‪:‬‬

‫رغم كل محاوالت المجلس الدستوري لتوسعة اختصاصاته عن طريق التفسير وعن طريق ما اخذ به من فكرة الخطأ الواضح‬

‫في التقدير‬

‫وهي فكر ابتدعها في األصل مجلس الدولة – ونقلها المجلس الدستوري إلى مجال التشريع برغم كل ذلك فان الرقابة‬

‫علي دستورية القوانين في فرنسا تظل قاصرة ومتخلفة عما هو سائد في الواليات المتحدة وفي كثير من البالد األوروبية ‪. .‬‬

‫فالمجلس ال يجوز له أن يتصدى من تلقاء نفسه لموضوع الدستورية كذلك فان المحاكم ال يجوز لها أن تحيل إليه ما قد تري انه‬

‫مخالف للدستور من نصوص تشريعية الن النص التشريعي متي صدر ووقع عليه رئيس الجمهورية ونشر في الجريدة‬

‫الرسمية فقد استغلق أمامه باب الطعن بعدم دستوريته ومن ناحية أخرى هامة أيضا ً فان اإلفراد الذين قد تمس التشريعات‬

‫الصادرة حرياتهم وحقوقهم األساسية ليس لهم الحق بالدفع بعدم دستورية هذه القوانين ‪.‬‬

‫كل هذه االعتبارات تنتقص من مدي فاعلية هذه الرقابة التي يباشرها المجلس الدستوري في مواجهة " مشروعات " القوانين‬

‫والتي ال ينعقد اختصاصه بها إال بطلب من رئيس الجمهورية أو الوزير األول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس‬

‫الشيوخ أو ستين عضوا من أي من المجلسين ‪ ،‬ولكن اإلفراد الذين ينطبق عليهم القانونين هم في نهاية األمر مجردين من كل‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫سالح في مواجهة هذه القوانين‬

‫التجربة ويكاد الفقهاء يجمعون علي أن الدستور األمريكي لم ينظم الرقابة علي دستورية القوانين ولم يتحدث عن مثل تلك‬

‫الرقابة صراحة في نص من نصوصه ‪ ،‬ولكن في المقابل ومن ناحية فانه ال يوجد في نصوص الدستور األمريكي ما يفهم منه‬

‫صراحة أو ضمنا ً الحيلولة بين القضاء ومثل هذه الرقابة ‪ ،‬عكس ذلك هو الصحيح ذلك أن الفقرة الثانية من المادة السادسة من‬

‫الدستور األمريكي التي تقول " هذا الدستور وقوانين الواليات الصادرة وفقا ً له وكل المعاهدات المعقودة أو التي ستعقد في ظل سلطة‬

‫‪:‬‬ ‫الوال يات المتحدة ستكون هي القانون األساسي للبالد ‪ ،‬والقضاة في كل البالد سيتقيدون بذلك بصرف النظر عن أي حكم مخالف في‬

‫دستور الوالية أو قوانينها ‪.‬‬

‫وذلك فضالً عن نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الدستور التي تتحدث عن االختصاص القضائي والتي جاء فيها ‪ :‬أن الوظيفة‬

‫القضائية تمتد إلى كل القضايا المتعلقة بالقانون أو العدالة ‪ ،‬التي تثور في ظل هذا الدستور ‪.‬‬

‫هذان النصان من نصوص الدستور االتحادي األمريكي وإن كانا ال ينظمان وسيلة معينة لمراقبة دستورية القوانين إال انهما بغير شك‬

‫يفتحان الباب عن طريق التفسير أمام المحاكم للنظر في مدي اتفاق القوانين الصادرة في ظل الدستور مع ذلك الدستور ‪.‬‬

‫وهذه هو ما فعله القضاء األمريكي ‪.‬‬

‫وقد بدا األمر في محاكم الواليات – عندما كانت تلك الواليات دوال مستقلة قبل نشأة االتحاد ثم أخذت به المحكمة االتحادية ابتداء من‬

‫عام ‪ 1803‬في قضية مار بوري ضد ماديسون المشهورة ‪.‬‬

‫واستقر بعد ذلك – ومنذ عام ‪ – 1830‬قضاء المحكمة العليا وقضاء محاكم الواليات علي حقها في النظر في دستورية القوانين‬

‫ومازالت األسباب التي استند إليها قاضي القضاة مارشال في قضية مار بوري ضد ماديسون عام ‪ 1803‬تمثل حجر األساس الذي‬

‫تعتمد عليه المحاكم األمريكية في قضائها في هذا الموضوع ‪.‬‬

‫بل أن القضاة في كثير من البالد التي لم ينظم فيها الدستور طريقا ً لمراقبة الدستورية نهجت إلى حد كبير ذات النهج الذي اتبعه‬

‫مارشال في تسبيبه لحكمه ‪.‬‬

‫ومن بين ما جاء في أسباب ذلك الحكم التاريخي واصبح بعد ذلك ميراثا ً قضائيا ً عاما ً ‪ " :‬أمام أن يكون الدستور هو القانون االسمي‬

‫الذي ال يقبل التعديل بالوسائل العادية ‪ ،‬وأما أن يوضع الدستور علي ذلك المستوي مع األعمال التشريعية العادية التي يستطيع‬

‫المشرع العادي أن يغيرها كلما أراد ‪ ،‬وعلينا أن نختار ‪" .‬‬

‫"أما أن التصرف التشريعي المخالف للدستور ال يعتبر قانونا ً ‪ ،‬وأما أن الدستور نفسه يصبح لغوا في محاولته لتقييد سلطة هي‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫بطبيعته غير مقيدة " [ يقصد السلطة التشريعية ] ثم يقول ‪ :‬أن االختصاص الممنوح للسلطة القضائية بمقتضى الدستور يعطيها في‬

‫نظر كل القضايا المتعلقة بالقوانين والتي تثور في ظل الدستور ‪ ،‬فهل يتصور أن يقصد واضعوا الدستور إلى أن يحرموا القضاة من‬

‫فحص الدستور بينما يلزموهم بالفصل في الخصومات التي تنشا في ظل ذلك الدستور ‪ ،‬ثم ينتهي إلى النتيجة اآلتية ‪:‬‬

‫"إذا كان التصرف التشريعي المخالف للدستور ليس قانونا ً فانه من غير المتصور إلزام المحاكم بتطبيقه ‪" .‬‬

‫هذه هي بعض األسباب التي جاءت في ذلك الحكم الذي أصدره مارشال رئيس المحكمة العليا االتحادية عام ‪ ، 1803‬وقد ظل القضاء‬

‫األمريكي مترددا ً بل أن ميله إلى الرفض كان اكثر وضوحا ً حتى عام ‪ 1830‬ومنذ تلك السنة وحتى عام ‪ 1880‬لم يكن حق القضاء في‬

‫مراقبة دستورية القوانين محالً لنزاع وسارت المحاكم من جانبها سيرا ً معتدالً في مباشرة هذه الرقابة ‪.‬‬

‫ولكن منذ نهاية القرن الماضي وحتى عام ‪ 1936‬من هذا القرن توسعت المحاكم في مباشرة هذه الرقابة توسعا ً دعي إلى القول أن‬

‫الواليات المتحدة إال ي حكمها السياسيون في البيت األبيض والكونجرس وانما يحكمها قضاة المحكمة العليا ‪ ،‬وكان الرئيس روزفلت‬

‫هو الذي قال ذلك كمظهر من مظاهر االحتجاج علي موقف المحكمة العليا من القوانين االقتصادية التي أراد أن يتغلب بها علي األزمة‬

‫االقتصادية الطاحنة التي اجتاحت العالم عام ‪ 1930‬وان يدخل بها بعض صور العدالة االجتماعية في التشريع األمريكي ‪.‬‬

‫وكانت المحكمة العليا قد حكمت بعدم دستورية هذه القوانين وأصرت علي ذلك الموقف إصرارا آثار ضدها الرأي العام في تلك البالد‬

‫مع احترامه العميق للقضاة ‪.‬‬

‫وقد حاول روزفلت أن يعدل من نظام المحكمة تعديالً يتيح له زيادة عدد القضاة لكي يتغلب علي عناد القضاة المعارضين لقوانين‬

‫االقتصادية الجديدة بتعيين قضاة اكثر تحرراً وتطور ‪ ،‬وعلي ذلك تنحاز األغلبية إلى الموافقة علي تلك القوانين ‪ ،‬ولكن روزفلت لم‬

‫يتمكن من إدخال ذلك التعديل ‪ ،‬وشاءت الظروف بعد ذلك أن يت وفى أحد القضاة الخمسة المعارضين وان يطلب اثنان منهم أحالتهما‬

‫إلى التقاعد بعد أن جاوزوا السبعين ‪ ،‬وبتعيين ثالثة آخرين مكانهم تغير الوضع في المحكمة واصبح فيها سبعة يؤيدون االتجاه الجديد‬

‫بعد أن كانوا أربعة فقط ضد خمسة معارضين مما أدى إلى نوع من الشلل في الحياة األمريكية طوال فترة معارضة المحكمة‬

‫واعتبارها تلك القوانين غير دستورية ‪.‬‬

‫وبعد هذه أزمة عادت المحكمة العليا ومن ورائها المحاكم األخرى إلى االعتدال في مباشرتها لرقابة دستورية القوانين ‪.‬‬

‫وسائل انعقاد االختصاص في موضوع رقابة الدستورية‬

‫(أ) وسيلة الدفع ‪:‬‬

‫عند نظر أي قضية أمام أي محكمة سواء من محاكم الواليات أو المحاكم الفيدرالية ‪ . .‬فانه يجوز ألطراف الدعوى ولالدعاء العام‬

‫الدفع بعدم دستورية القانون المطلوب تطبيقه علي تلك الدعوى وتملك المحكمة – أيا كانت درجتها – أن تقرر االمتناع عن تطبيق‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫القانون إذا رأت أن ذلك القانون يتعارض مع الدستور ‪.‬‬

‫وأحكام المحكام في هذا الشأن الخطير ليست نهائية ‪ ،‬وانما يجوز أن يطعن فيها أمام المحاكم األعلى ‪ ،‬وهذه قد تؤيد الحكم أو تعديله أو‬

‫تلغيه ‪.‬‬

‫وهذه الوسيلة – وسيلة الدفع – هي واكثر الوسائل انتشارا ً وهي التي تؤدي إلى " رقابة االمتناع " أي امتناع المحكمة عن تطبيق‬

‫النص القانوني أو القانون المخالف للدستور ‪ ،‬والمحكمة تقرر " امتناعها " فقد عن تطبيق القانون ولكنها ال تقرر شيئا ابعد من ذلك ‪،‬‬

‫فهي ال تقرر مثالً بطالن القانون أو إلغائه ‪ ،‬لذلك فان محكمة أخرى قد تري غير ما رأته المحكمة األولى وتحكم عكس ما حكمت ‪،‬‬

‫ويظل األمر هكذا حتى تفصل فيه المحكمة الفيدرالية العليا حيث يعتبر حكمها من قبيل السوابق القضائية الملزمة ‪ ،‬وإن كنا مع ذلك‬

‫نظل في إطار رقابة االمتناع ألنه حتى المحكمة العليا نفسها ال تحكم بإلغاء النص وال تملك ذلك وانما تملك أن تمتنع عن تطبيقه ‪،‬‬

‫ومن الناحية العملية فان التزام سائر المحاكم بما قضت به المحكمة العليا من امتناع تطبق نص قانوني معين يؤدي في النهاية إلى‬

‫الحكم بالموت الفعلي علي هذا النص القانوني ‪.‬‬

‫(ب) وس وسيلة األمر القضائي ‪:‬‬

‫مقتضى هذه الوسيلة أن يلجا صاحب مصلحة حقيقية إلى محكمة اتحاد مكونة من ثالثة قضاة طالبا ً من تلك المحكمة أن تصدر أمرا ً‬

‫قضائيا ً لموظف عام باالمتناع عن تنفيذ قانون معين في حالة معينة استنادا ً إلى أن ذلك القانون يمس بمصالح ذلك الشخص وحقوقه‬

‫وان ذلك القانون مخالف للدستور ‪.‬‬

‫وإذا صدر األمر القضاي للموظف المعني باالمتناع عن التنفيذ وجب عليه االمتثال ألمر المحكمة إال إذا طعن في ذلك األمر والغي ‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى يجوز إصدار أمر قضائي ألحد الموظفين بتنفيذ نص قانوني أو قرار معين وعلي الموظف أن يصرح باألمر ويقوم‬

‫بالتنفيذ فان هو خالف أمر المحكمة ‪ . .‬عد مرتكبا ً لجريمة احتقار المحكمة " التي قد تؤدي إلى حبس ذلك الموظف ‪" .‬‬

‫(ج) وسيلة الحكم التقريري ‪:‬الحكم التقريري شانه شان األمر القضائي يعتبر وسيلة وقائية ‪ .‬وقد بدا العمل بهذه الوسيلة – الحكم‬

‫التقريري – منذ عام ‪ 1918‬واستمر حتى اآلن ‪ .‬هذا وقد اقر الكونجرس هذه الوسيلة بقانون اتحادي أصدره عام ‪. 1938‬‬

‫ويلجأ اإلفراد إلى هذه الوسيلة عندما يثور خالف بشأن ما يتمتع به هؤالء اإلفراد من حقوق والتزامات متبادلة ‪ ،‬وما قد يكون هناك‬

‫من تعارض بين القانون الذي يحدد هذه الحقوق وااللتزامات وبين الدستور نفسه ‪.‬‬

‫والمحكمة ال تفصل في نزاع عندما تصدر حكما ً تقريريا ً وانما هي تكشف عن رأيها في مسالة معينة قد تؤدي إلى تجنب المنازعات‬

‫القضائية مستقبالً وقد ال تؤدي إلى ذلك إذا لم يرتض األطراف الحكم التقريري ورأوا استمرار المنازعة وطرحها علي القضاء ‪ .‬وفي‬

‫ختام هذا العرض السريع لموقف القضاء األمريكي يجب أن نالحظ أن القضاء األمريكي ال يقضي ببطالن القانون لمخالفته للدستور ‪،‬‬
‫المكتبة القانونية االلكترونية‬
‫‪www.bibliojuriste.club‬‬
‫فهو ال يملك ذلك ‪ ،‬وانما هو يقضي باالمتناع عن تطبيق ذلك القانون في القضية محل البحث ‪.‬‬

‫ولكن نظرا ً الن النظام القضائي األمريكي يقوم علي السوابق القضائية وعلي اتباع المحاكم الدنيا لقضاء المحاكم العليا فان قضاء‬

‫المحكمة االتحادية العليا باالمتناع عن تطبيق قانون معين لعدم دستوريته يعني من الناحية العلمية أبطال مفعول ذلك القانون في الحياة‬

‫‪ ،‬اللهم إال إذا عدلت المحكمة العليا نفسها عن قضائها بعد ذلك ‪ ،‬وهي رغم تقيدها بالسوابق القضائية إال انها تعدل عنها في بعض‬

‫الحاالت ‪ ،‬وهذا هو ما حدث فعال بالنسبة للقوانين االقتصادية التي استصدرها روزفلت وفقا ً لما كان يسمي بالسياسة الجديدة آنذاك‬

‫‪ N.E.P..‬وهذه الطريقة هي ما تسمي عادة الرقابة عن طريق االمتناع ‪ . .‬أي امتناع المحاكم عن تطبيق النص المخالف للدستور ‪.‬‬

‫والي جوار الرقابة بطريق ال دفع المؤدي إلى االمتناع أوجد القضاء األمريكي وسيلتين أخريين لمباشرة رقابة الدستورية ‪ ،‬وهاتان‬

‫الوسيلتان هما ‪ :‬أوالً ‪ :‬األمر القضائي ومقتضاه أن يصدر أمر من المحكمة – التي هي وفقا ً للنصوص محكمة اتحادية مشكلة من ثالثة‬

‫قضاة – بناء علي طلب ذي مصلحة إلى موظف معين باالمتناع عن تنفيذ قانون معين في حالة معينة ‪ ،‬وعلي ذلك الموظف أن يمتثل‬

‫ألمر المحكمة إال إذا طعن فيه والغي األمر ‪ .‬والوسيلة الثانية هي الحكم التقريري ‪ ،‬ومقتضاها أن يصدر حكم بناء علي طلب ذي‬

‫مصلحة ليقرر ما إذا كان قانون معين يراد تطبيقه علي ذلك الشخص دستوريا ً أم غير دستوري ‪ ،‬وهذا الحكم ذو اثر نسبي أي انه ال‬

‫يحتج به إال من صدر لصالحه وفي تلك الحالة دون غيرها ‪ ،‬وقد اقر الكونجرس تلك الوسيلة بقانون اتحادي أصدره عام ‪ . 1938‬هذه‬

‫هي الوسائل الثالث التي يباشر بها القضاء في الواليات المتحدة األمريكية رقابة دستورية القوانين في تلك البالد والتي بني علي‬

‫أساسها صرحا ً قضائيا ً ضخما ً في هذا الموضوع‬

You might also like