You are on page 1of 2

‫المقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫‪5‬‬

‫المقدمـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬حنمده سبحانه على َحَزن األمر وسهله‪ ،‬ونستعينه استعانة من َّفوض أمره‬
‫إليه‪ ،‬وتوكل يف مجيع أموره عليه‪ ،‬وأيقن أال ملجا والمنجا وال ملتجى منه إال إليه‪ ،‬نستغفره استغفار‬
‫مقر بذنبه‪ ،‬معرتف خبطيئته‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وحده ال شريك له‪ ،‬شهادة عبده‪ ،‬وابن عبده‪،‬‬
‫ٍّ‬
‫وابن ََأمته‪ ،‬ومن ال غىن به طرفة عني عن رمحته‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه‪،‬‬
‫وخريته من خلقه‪ ،‬أشرف من وطئ احلصى بنعله صلوات اهلل وسالمه عليه وعلى آل بيته الطاهرين‪،‬‬
‫وعلى أصحابه الغر امليامني‪ ،‬ومن سار على هنجهم واقتفى أثرهم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعدـ‪ :‬فإن مما استقر عند العقالء واستوعبته أذهان العلماء أن شرف كل علم حبسب شرف‬
‫املعلوم؛ كما أن شرف اإلرادة يتبع شرف املراد‪ ،‬وملا كان اهلل ‪-‬جل ثناؤه وتقدست أمساؤه‪ -‬أشرف‬
‫مرغ وب على ال دوام وأج ـ ـ ـــل معل وم عرفت ه األن ام‪ ،‬ك ان أش رف العل وم وأفض لها وأحس نها م ا ك ان‬
‫موصال إليه‪ ،‬داال عليه‪ ،‬معرفا بأوامره ونواهيه‪.‬‬
‫ف إذا تق رر م ا تق دم ك ان علم الفق ه ومعرف ة احلالل واحلرام من أج ل العل وم وأش رفها؛ ألن ج ل‬
‫العلوم إمنا حتصل وتطلب ألجل الفقه‪ ،‬فهو غايتها ومقصدها وهنايتها‪ ،‬وصدق من قال‪:‬‬
‫فإن الفقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه أوىل باعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزاز‬ ‫إذا ما اعتز ذو علـ ــم بعلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫وكم طي ـ ـ ــر يطيـ ـ ــر وال كب ـ ـ ــازي‬ ‫فكم طيب يفوح وال كمسك‬
‫ال إال حبظ‬‫خطرية أو نعي ٍم مقي ٍم ال يُنَ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وسنة اهلل يف كونه وخلقه أن أي مطلب عزي ٍز ٍ‬
‫نبيل أو غاية‬
‫قال‪:‬‬
‫قول من َ‬ ‫أحسن َ‬ ‫املشقة‪ ،‬وال يُعرب إليه إال على جسر من التعب‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫َ‬
‫تنال إال على جسر من التعب‬ ‫ت بالراحة الكربى فلم ترها‬ ‫بص ْر َ‬
‫ُ‬
‫وح ِفظُ وا مرياث‬ ‫ِ‬
‫رجال َأ ْك َف اءُ وعلماءُ َأجاَل ءُ‪ ،‬مَحَلُ وا لواء الفقه يف الدين‪َ ،‬‬ ‫هذه احلقيقة أدركها ٌ‬
‫جال أضاء اهلل هبم غياهب الظلم‪ ،‬وبدد هبم غيوم االحنراف واجلهل‪ ،‬فأضحى آخر‬ ‫النبوة والتنزيل‪ِ ،‬ر ٌ‬
‫األمة ينهل من معني أوهلا عذبا زالال‪.‬‬
‫ش اء اهلل أن يك ون من ه ؤالء أب و عب د اهلل مال ك بن أنس بن مال ك بن أيب ع امر األص بحي‬
‫القحطاين (‪179-93‬ه)‪.‬‬
‫حظي مال ك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬ب احرتام عظيم‪ ،‬فحل ق حول ه التالمي ذ من ك ل قط ر وط اروا إلي ه‬
‫باملسائل من كل أصقاع الدنيا‪ ،‬واتفق أهل وقته على إمامته وتقدميه والناس إذّاك ناس والزمن زمان‪،‬‬
‫ذور‬
‫كم ا تب ّوأ مذهب ه مكان ةً مرموقة بني العلم اء واحلك ام والعام ة‪ ،‬ومحَ ل املذهب على م ر ال دهور ب َ‬
‫المقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫‪6‬‬

‫البق اء‪ ،‬وبقي ذا نفس متج دد رغم تل ون الزم ان وتنك ر البيئ ة يف بعض أوقات ه‪ ،‬ووجهت ل ه ض ربات‬
‫قاسية فلم تزده األيام إال ثباتا‪ ،‬وال الشدة إال قوة‪ ،‬وال احملنة إال منحة وقبوال وانتشارا بني الناس‪.‬‬
‫التمست من اهلل العو َن يف إخراج سلسلة من‬
‫ُ‬ ‫ورغب ةً مين يف خدمة هذا املذهب املبارك وتيسريه‬
‫الكتب مسيتها "سلسلة تيسري الفقه املالكي"‪ ،‬راعيت فيها‪ -‬قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــدر املستطاع‪ -‬اخلصائص والسمات‬
‫اآلتي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪:‬‬
‫التصور‬
‫َ‬ ‫‪ -‬بساطة األسلوب وجودة التقسيم والرتتيب املنطقيني للمسائل؛ مما يكفل لطالب العلم‬
‫السهل للمباحث واألحكام الشرعية املرتتبة عليها‪.‬‬
‫َ‬
‫‪-‬حاولت جتنب ذكر األدلة ‪-‬يف غال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــب األمر‪-‬؛ خشية اإلطالة واإلسهاب‪ ،‬وجتنبا لتكرار جهود‬
‫من سبقين إىل التدليل الفقهي يف املذهب‪ ،‬وحىت اليكون سرد األدلة ومناقشتها على حساب تصورها‬
‫وفهمها‪ ،‬وهي يف احلقيقة املشكلة اليت تؤرق طلبة العلم يف دراستهم للفقه املالكي‪.‬‬
‫‪ -‬راعيت املش هور من املذهب؛ ممثال يف الكتب ال يت متاأل املت أخرون ‪-‬من علم اء املالكي ة‪ -‬على‬
‫تدريسها والفتوى هبا كالشرحني‪ :‬الكبري والصغري للدردير‪ ،‬وحاشية الدسوقي على الشرح الكبري‪.‬‬
‫‪-‬تعمدت يف بعض املسائل اليت ختتلط بغريها أو يصعب تصورها ذكر الفروق الفقهية‪ ،‬وإيراد الفتاوى‬
‫املعاصرة املخرجة عليها؛ حىت يقرب فهمها ويُستوعب الربط بني متشاهبها‪.‬‬
‫‪-‬وحىت تكون املسائل سهلة املنال وحيسن تصورها واستيعاهبا ذيلت الكتاب مبلحق يتضمن خرائط‬
‫ذهنية‪ ،‬وضوح الرؤية وحسن الربط بني املسائل ومناسباهتا‪.‬‬
‫وأخريا هذا عملي‪ ،‬هو جهدي بذلت فيه عصارة فكري‪ ،‬وخالصة جتربيت‪ ،‬وبعضا من نور‬
‫عي ين‪ ،‬وكنت أص ل ليلي بنه اري إص الحا ألخطائ ه‪ ،‬وزي ادة لفوائ ده‪ ،‬وع ذري أين مل آل جه دا في ه؛‬
‫حرص ا على إبالغ النف ع؛ ووف اء حبق العلم‪ ،‬وم ع ذل ك أعلم أن ه عرض ة للخط أ والب د؛ ألن ه جه د‬
‫بشري‪ ،‬وقدميا قال اخلطيب البغدادي‪" :‬من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس"‪.‬‬
‫وعزائي فيما أخطأت فيه أن الشافعي‪-‬مع جاللة قدره يف العلم‪ -‬قال‪" :‬لقد ألفت هذه الكتب‬
‫ومل آل فيها وال بد أن يوجد فيها اخلطأ؛ ألن ‪ ‬يقول‪ ( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)"‪ .‬واهلل أسأل‬
‫أن ينفع هبذا اجلهد‪ ،‬وجيعله خالصا لوجهه الكرمي ‪.‬‬
‫وكتبه الفقري إىل ربه الكرمي‪:‬‬
‫عماد بن علي جراية ‪.‬‬
‫الوادي يف ‪ 05‬صفر ‪ 1440‬ه ‪.‬‬
‫املوافق لـ ـ ‪ 14‬أكتوبر ‪ 2018‬م‪.‬‬

You might also like