Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
مقدمة
المقدمـ ـ ـ ـ ـ ــة
احلمد هلل رب العاملني ،حنمده سبحانه على َحَزن األمر وسهله ،ونستعينه استعانة من َّفوض أمره
إليه ،وتوكل يف مجيع أموره عليه ،وأيقن أال ملجا والمنجا وال ملتجى منه إال إليه ،نستغفره استغفار
مقر بذنبه ،معرتف خبطيئته ،وأشهد أن ال إله إال اهلل ،وحده ال شريك له ،شهادة عبده ،وابن عبده،
ٍّ
وابن ََأمته ،ومن ال غىن به طرفة عني عن رمحته ،وأشهد أن حممداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه،
وخريته من خلقه ،أشرف من وطئ احلصى بنعله صلوات اهلل وسالمه عليه وعلى آل بيته الطاهرين،
وعلى أصحابه الغر امليامني ،ومن سار على هنجهم واقتفى أثرهم بإحسان إىل يوم الدين.
أما بعدـ :فإن مما استقر عند العقالء واستوعبته أذهان العلماء أن شرف كل علم حبسب شرف
املعلوم؛ كما أن شرف اإلرادة يتبع شرف املراد ،وملا كان اهلل -جل ثناؤه وتقدست أمساؤه -أشرف
مرغ وب على ال دوام وأج ـ ـ ـــل معل وم عرفت ه األن ام ،ك ان أش رف العل وم وأفض لها وأحس نها م ا ك ان
موصال إليه ،داال عليه ،معرفا بأوامره ونواهيه.
ف إذا تق رر م ا تق دم ك ان علم الفق ه ومعرف ة احلالل واحلرام من أج ل العل وم وأش رفها؛ ألن ج ل
العلوم إمنا حتصل وتطلب ألجل الفقه ،فهو غايتها ومقصدها وهنايتها ،وصدق من قال:
فإن الفقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه أوىل باعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزاز إذا ما اعتز ذو علـ ــم بعلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم
وكم طي ـ ـ ــر يطيـ ـ ــر وال كب ـ ـ ــازي فكم طيب يفوح وال كمسك
ال إال حبظخطرية أو نعي ٍم مقي ٍم ال يُنَ ُ ٍ وسنة اهلل يف كونه وخلقه أن أي مطلب عزي ٍز ٍ
نبيل أو غاية
قال:
قول من َ أحسن َ املشقة ،وال يُعرب إليه إال على جسر من التعب ،وما ِ من
َ
تنال إال على جسر من التعب ت بالراحة الكربى فلم ترها بص ْر َ
ُ
وح ِفظُ وا مرياث ِ
رجال َأ ْك َف اءُ وعلماءُ َأجاَل ءُ ،مَحَلُ وا لواء الفقه يف الدينَ ، هذه احلقيقة أدركها ٌ
جال أضاء اهلل هبم غياهب الظلم ،وبدد هبم غيوم االحنراف واجلهل ،فأضحى آخر النبوة والتنزيلِ ،ر ٌ
األمة ينهل من معني أوهلا عذبا زالال.
ش اء اهلل أن يك ون من ه ؤالء أب و عب د اهلل مال ك بن أنس بن مال ك بن أيب ع امر األص بحي
القحطاين (179-93ه).
حظي مال ك -رمحه اهلل -ب احرتام عظيم ،فحل ق حول ه التالمي ذ من ك ل قط ر وط اروا إلي ه
باملسائل من كل أصقاع الدنيا ،واتفق أهل وقته على إمامته وتقدميه والناس إذّاك ناس والزمن زمان،
ذور
كم ا تب ّوأ مذهب ه مكان ةً مرموقة بني العلم اء واحلك ام والعام ة ،ومحَ ل املذهب على م ر ال دهور ب َ
المقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة 6
البق اء ،وبقي ذا نفس متج دد رغم تل ون الزم ان وتنك ر البيئ ة يف بعض أوقات ه ،ووجهت ل ه ض ربات
قاسية فلم تزده األيام إال ثباتا ،وال الشدة إال قوة ،وال احملنة إال منحة وقبوال وانتشارا بني الناس.
التمست من اهلل العو َن يف إخراج سلسلة من
ُ ورغب ةً مين يف خدمة هذا املذهب املبارك وتيسريه
الكتب مسيتها "سلسلة تيسري الفقه املالكي" ،راعيت فيها -قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــدر املستطاع -اخلصائص والسمات
اآلتي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة:
التصور
َ -بساطة األسلوب وجودة التقسيم والرتتيب املنطقيني للمسائل؛ مما يكفل لطالب العلم
السهل للمباحث واألحكام الشرعية املرتتبة عليها.
َ
-حاولت جتنب ذكر األدلة -يف غال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــب األمر-؛ خشية اإلطالة واإلسهاب ،وجتنبا لتكرار جهود
من سبقين إىل التدليل الفقهي يف املذهب ،وحىت اليكون سرد األدلة ومناقشتها على حساب تصورها
وفهمها ،وهي يف احلقيقة املشكلة اليت تؤرق طلبة العلم يف دراستهم للفقه املالكي.
-راعيت املش هور من املذهب؛ ممثال يف الكتب ال يت متاأل املت أخرون -من علم اء املالكي ة -على
تدريسها والفتوى هبا كالشرحني :الكبري والصغري للدردير ،وحاشية الدسوقي على الشرح الكبري.
-تعمدت يف بعض املسائل اليت ختتلط بغريها أو يصعب تصورها ذكر الفروق الفقهية ،وإيراد الفتاوى
املعاصرة املخرجة عليها؛ حىت يقرب فهمها ويُستوعب الربط بني متشاهبها.
-وحىت تكون املسائل سهلة املنال وحيسن تصورها واستيعاهبا ذيلت الكتاب مبلحق يتضمن خرائط
ذهنية ،وضوح الرؤية وحسن الربط بني املسائل ومناسباهتا.
وأخريا هذا عملي ،هو جهدي بذلت فيه عصارة فكري ،وخالصة جتربيت ،وبعضا من نور
عي ين ،وكنت أص ل ليلي بنه اري إص الحا ألخطائ ه ،وزي ادة لفوائ ده ،وع ذري أين مل آل جه دا في ه؛
حرص ا على إبالغ النف ع؛ ووف اء حبق العلم ،وم ع ذل ك أعلم أن ه عرض ة للخط أ والب د؛ ألن ه جه د
بشري ،وقدميا قال اخلطيب البغدادي" :من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس".
وعزائي فيما أخطأت فيه أن الشافعي-مع جاللة قدره يف العلم -قال" :لقد ألفت هذه الكتب
ومل آل فيها وال بد أن يوجد فيها اخلطأ؛ ألن يقول ( :ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)" .واهلل أسأل
أن ينفع هبذا اجلهد ،وجيعله خالصا لوجهه الكرمي .
وكتبه الفقري إىل ربه الكرمي:
عماد بن علي جراية .
الوادي يف 05صفر 1440ه .
املوافق لـ ـ 14أكتوبر 2018م.