Professional Documents
Culture Documents
رئيس التحرير
فــــارس خضــر
مدير التحرير
د .عبد الناصر عيسوى
سكرتير التحرير
أحمـــد المريخــى
المدير الفنى
مدحت عبد السميع
......................................................................
التحرير المركزى اللوحات الداخلية للفنان:
عمر شهريار على المريخى
تنفيذ
حسام عنتر
الماكيت األساسى
للفنانة :هند سـمير
أن تكون شاع ًرا يكتب بالعامية ...........................................الجميلى شحاتة شهادة وقصيدة
158 - 154
مواطن ليس أكثر ............................................أحــمد المريخـى 159 قلم الضيف
طـوبـى ..للجرحى وللجارحين ............................. !..فـــارس خــضر 160 خارج السرب
خط رفيع
صـالح اللقـاني
فكأنما َع َب َر الهوا ُء ُش َج ْير َة إعصار َس ُي ْل َقى َب ْع َد
ٍ ُك ُّل
الريحان،
ِ األرض
ِ حين فوق َس ْط ِح ٍ
أو أسقطت حسنا ُء كالمنديل.
ِ
َو ْردتَها
ريح
َم َّر ْت في ثنايا الرمل ٌ
في كتابي.
واستحصد
َ الج ْذ ُع
فاستقام ِ
َ
آخر
ض َع َ وعندما َو َ ُعو ٌد،
األرضي
ُّ الفالق
ُ اتسع
َ الرمل
ِ لت من ضلوع وأَ َط ْ
كوكب،
ٌ وتالشى َ
ظلمة حسنا ٌء أضاءت
ُ
حقول، وج َّف ْت
َ الجذور.
ِ الوادي وغابت في
العنيف
ِ ولعا باللعب وصا َر ُم ً
بين أوعية الدما ِء -5أبو الريحـان
الزجاجية
ِ
سه خرج من ن ْ
َف ِ
تاركا الشظايا ً
سه إلى ن ْ
َف ِ
أقدام السائرين . َ تجرح
ُ
والم ْح َبرة.
المدا ُد ِ
إنه ِ
-6تُفـاحة الطاووس
ُ وهو
وظ ُّل الجحيم.
ِ
المحيط؟
ِ أي َج ْو ٍف يحتوي ما َء ُّ
قادر..
ص ْد ٍر ٍ
أي َ
ُّ يضع ُق ْربان ُ
َه َ ض أن َر َف َ
ً ً
شهيقا كامال، أن َ
يأخذ الدنيا أمام تمثال الطين ،
الج ْل ُد،
حتى يضى َء ِ وشاء أن ينتفخ بالهوا ِء
الع ْظ ُم ؟ َ
يضحك َ حتى ُه، حتى انفجر ُجنُون ُ
الناري،
َّ فلبس رداءه
النخلة
ِ ساق
انحنت في الما ِء ُ
ْ
وانتعل عاصفتين،
الخضرا ِء،
َه،
ثم حمل عصات ُ
الغيم ،
ُ َر َّف
ومضى َي ُد ُّب في َب ِّر َي ِة
الشمس،
ُ ذابت في الثمار
هلل.
ا ِ
في الكفين نا ٌر تشتهي اإلطفا َء، َّ
بين
تستظل بظله األحيا ُء َ يكبر ،حتى
كان ُ
الكف مأخوذًاَم َّد َّ َ
يستحيل يصغر حتى
ُ المشرقين ،وكان
ناعم،
ٍ س ِب َم ٍّ يمزق ِر ْد َف عابر ٍة.
ُ ِم ْسما ًرا
َز ْت له أقطا ُر ُه،ن َّ
حين
وارتجت األحشا ُءَ ، ض َع أَ َح َد
وعندما َو َ
الكون..
ُ واقترب
َ أقنعته على وجهه،
ُسؤ ٌر في إناء. مني..
قصيـدتـان
عـدنـان الصـائغ*
عته.
لخ ْد َِأم ْن ُ ال ت َ
ُلق ِب َل ْوع ِتك في أُذن ْيه.
ال ت ِ
َ
نفسك اد ُخ ْل اآلن من بوابة ْ
إلى النُّور الذي تتحاور سحاباتُه
َ
صدرك. في
روحك.أنف َك في ِ س َ ْ
اغ ِم ْ
قيك ِس َ
واك ال شيء َي َ
َدخ ْل، ال ت ُ
وان َ
ْط ِو.
يخدع َمن؟
ُ َم ْن
فضائح ُه
َ زمن ُيذيع ٌ األسرار ُج ٌ
عبة من التواريخ المتناثرة
والحربائ ّيون يتساقطون ِ ُّ
تحتك بب ّل ْورة األحزان
حوم حول َب ّق ٍ
ـة َجرا ٌد ُي ّ دم .
غيف ٍ
فال تَج ِني سوى َر ِ
فعى .جرذان َتنْـزو على أَ َ ٌ األشرار عاد ًة ما يزرعون ُس َ
مومهم ِب ُبـط ٍء
آفـة الكون لم تعد تَرضى بالنسيان َ في َم ْم َش َ
اك
تجاه ٍل كعميان ِب ُ الشوكو َيرقبون انتشا َء ّ
كشرفاء َظاهر ُ أو ت ُ ص َ
تِـك وهو ين َ
ْغ ِر ُز في ُغ ّ
صحراءكشبح امرأة في َ
ِ درامي
ّ تحول
ِب ُّ باأللم
ِ ُم ْز َد ِه ًيا
الهزيمة
ِ ُكوص ِخزي ِ ِبن ـزا َكش ْيطان. تقاف ً
وم ِ ُ
كف ّخ
َاو ٍم َ ب َتن ُ
كعاه ٍر..
ِ أو تحا ُي ٍل َك في الظالم َس ِّد ْد عين َ
بل تَزيد في بالهة ـة
بآه ٍ
الكون َ
َ وا ْث ُ
ـق ِْب
ُ َ
َذ ْب َح رقب ِتها دون ِخذالن. ـن.وغ ِّن كأ ْر ُغ ٍ
ُوب
ما ِمن َمكت ٍ وت الس ُّر في ِخ ّفة َ
الم ِ ينسحب ِّ
ُ
ص على َد ِم َك َ
يتراق ُ إال داهمك َع َب ُث السنوات الباكرة
ُي ُ
َ
رأسك ينوح على
ُ السرداب ورا َء َك
حيث ال َم ْه َرب في ِّ
قبر َك
ش َ نب ُ
َي ِ ال َم ْلجأ َ
منك
مأجور .
ٍ موت
الك ٍ
كم ِ روحك َ َص َ أو يمت ُّ تمي .
س ٍّر َح ّ إال ِل ِ
ماض َ
يك تنسى ِ َ
عليك أن َ ـر.
الس ّ
ما ِمن ِس ٍّر إال ِّ
ُقص َي ساعا ِتك األخير َة ً
تماما وت ِ دلي
س فيه ليس سوى حوار َج ّ ُغم ُ
وما ت َ
ساعة
ٍ عد ًّوا لكل
وترسم ُ
َ أحمق
َ سول
بين َر ٍ
فريت َو َر ِق ّي
ٍ ُقه في َج َس ِد ِع وتَشن َ ش ِزنديق. وع ْر ٍَ
ُضر َم ِّ
النيران . ما ِمن َمكتُوب ..أص ً
ال
وت ِ
ُب..
أنت َمن يكت ُ َ
َفس ِه.
المر ُء َع ُد ُّو ن ِ يبوح.
ُ أنت منَ
ور ِه. الشرا ِئ ِع ت ٌ
َكبيل ُ
لش ُر ِ في َخ ْل ِق َّ
الم َذ ّل ِة. راكد ٍة ون اآلن في ِب ْر َكة ِ َي ِق ُف َ
في العبود ّية َف َر ُح َ
األباط َرة. ين َدابرون ،يتناكرون ،يتنادبون.. َيت َ
ِ َدش ُ
في َر ْسم الحدود ت ِ
المأفونون، ُ الحقراء ،األوغاد، َلةُ ، القت ُ
وح.
ط ُء ُر ٍ في َش ْكل َ
العالقة َو ْ
الع ُقوعديمو البصائرَ ،م ِّيتو األفئدةِ ،
وفي الروح..
األك ُؤس ،خادمو أسيا ِد ِهمُ ،مب َت ِئسو ْ
غابات
ٍ حرائق
ُ
شا ُءون، الم َّ
المنسحقونَ ، ِ األرواح،
داس.
َعيـم ُم ْ
ون ٌ
الكذابون، المتمرغونّ ، ِّ المدفونون بالحياة،
المتنكرون ،المغرورون، ِّ المتنمرون،ِّ
أَ ْس ِن ْد َر ِ
أسي إلى َي ِد َك ؛
الض ُّال َ
ون.. َّ
ُّور .
أل َرى الن ْ ّاكات
األبواق ،واألف ُ َ ينف ْخ َنال ُت ُ والضا َّّ
س أَ َملي في َخميلة.
ألج َّ
ُ والمحرومات تُع ّل ْقن قاتَ ، الو َر ُِسب ْحن َ ت ِّ
ْـر.
ص ْو ِتي في ِبئ ٍس َ ألح ِب َ
ْ شاءات المحت َ والم ّ
َقرات، ال ّراياتَ ،
مما بين َ
الق ْو َس ْي ِن ؛ ـر ْبني ّ َق ِّ والت بأجسا ٍد رات األرواح ،المخ ُب ِ المنكس ُ
ِ
َس َط َع ذَاتي.ِلت ْ َف َثـة مار ٍد، قات بن ْ
َر ُ ّوقيعات ،المحت ُِ تمألها الت
َغم ُ
الفجا َء ِة اد ِف ِّني في ن َ
ْ ـذ ٍّر ،وأَ ِن ْس َن ِل َم ْك ٍر،
ْن َك َ َهافـت َأو َم ْن ُك َّن ت َ
الم ْق َلة
َع ّر ْفني نَا ًرا في ُ ْس ْق َن ورا َء َّ
الش ِّر.. وان َ
الر ْج َف ِة
َزا ًدا في َّ والحقراء الق َت َلة ُ أرواح َ عد ْدن اآلن على ُي ِّ
ِ
الد ْه َشة ،ُقر َبى في َّ األوغاد ،المأفونين ،عديمي البصائر ،وال
َدريجيا
ًّ واس َح ْب ُروحي ت
ْ ْج ِدلين، المن َشائينُ ، الم ّ
ْس ْي َن األفّاكينَ ، َين َ
اص َع ْد بي..
ْ الموت
ِ ويع َج ْزن ُقب ْيل ْر ْكن الضا ّلينْ ، وال َيت ُ
دون أن أَ ُ
غف َو ــين .آم َ َي ُق ْلن ِل َر ِّب ِ :
َام ِة. ع َلى هذ ِه َ
المن َ لحظة كهذ ِهٍ في
فرانسوا باسيلي*
12
عينـاك
السـيد حسـن
الحقيقة
ِ فراشات
ِ عيناك ِس ْر ٌب من
ِ
ْ
الخيال مدن
قد دعا روحي إلى ُ ويسامح الجسد المرنم فرحته
راحما مجاعته
ستكين في كياني
ٌ ِس ٌّر َخبي ٌء ُم إذ يرتمي معذبا في ساحة الشهداء
يغيب وال ُي ْ
قال ُ ال يرشف الشهد المرير
من ثدي أحجار الطريق
بهجة
ٍ بر ْق ِ
صة َوع ٌد َ يتلوى ظامئا
أو َّ
انبثاق حدي ِثها
ُ أنغامها ِم ْن بين َّ
فك ْي ِك ُ في وحشة الكهوف الخاوية؟
ْ
بالجمال َح ٍّم
نون ُمست ِ
س من ُج ٍ
والع ْم ُر َم ٌّ
ُ
أي فجر
من ِّ
يهما
رج ِ
النظرات ِم ْن ُب َ
ُ عيناك حين تُساف ُر
ِ جاء ذاك الحلم يمرح ضاحكا
ـمييمامات ،ويغدو عا َل ِ
ٍ تغدو مثلما الطفل الصغير
راسما وجه السنين اآلتية؟
َه َغ َز ْ
ال كأن َوث َبت ُ ً
أفقا َي ِف ُّر َّ وفي ظالم أي ليل
فاه ِك الن ْ
َّش َوى فوق ِش ِ وال َب ْس ُ
مة البيضا ُء َ راح ينأى
ال ورق الخريف حام ً
الض ْ
الل عذابات َّ
ِ الهداية في
ِ أغاريد
ُ وحزن أشجار البالد النائية؟
الخج َلى ي ٌد ُ
البسمة ْ
الحزن عن ُروحي ظالم مس َح ْت لم تعد لي أرض
ِ َ َ وال نهر هناك
وأوقدت النجوم على سماواتي
َ وال هنا
ْ
السؤال فأو َر َقت اإلجابة قبل إطالق
ْ وال بقيت لنا
أيامنا التي ورثت سوانا
الهمسات
ِ والبشر ُة الور ِد َّي ُة لم يبق لي سلوى
ُشع ُل في كياني ت ِ سوى ما مر من عمر قصير
والشاي والحلوى
الحروف
ِ طاقات
ِ َّ
كل وأفراح أوالد تغادر عشنا
ْ
الحالل ُه السح ُر
رقيق ..صوت ُ
يجيئُني شع ٌر ٌ كالعصافير
وخ ُي ُ فابقي لي
س جبهتي ُشاك ُ
رك إذ ت ِ ول َش ْ
ـع ِ حتى أغادره أنا
الن ْ
ـزال ساح ِّ تدعو َ
خيول ال ِع ْش ِق في ُروحي إلى ِ ُ وقد اغتسلت بماء نهر
اية َ
أحاديث الغ َو ِ الع ْم ِر كي تمحو جاء من جنة ربي
تدعو سنين ُ
وتنشفت بنور من يديك
ْ
المحال أغنية على ُجدر
ٍ َس ُط ُر ألف
ثم ت ْ فضميني
تعتنقان
ِ تستبقان
ِ معجزتان
ِ عيناك
ِ مرة أخرى إليك
ْ
احتمال. وح صو َب ُهما سعاد
الر ِ
يطيق طي ُر ُّ
ُ كيف
يا وطني األخير.
13 العدد - 150صيف 2013
الغض
ّ مات الولد ُّ
تحك ُ
محمد عليـم
المجامر؟
ِ كل تلك أحترق ...وبي ُ ْ كيف لم وتقول امرأتي: ُ ()1
أدغال القلب ِ ( )6في بحد العين سواك ِّ َ ال شي َء
ينتصب
ُ للبهجة
ِ شج ٌر الوطن
ُ وأنت
َ
ريح ؟
صفعة ْ ِ يعصمه من ُ من رحت بعيدا أخشى إن َ
ْ
خريف ؟ ف خر النُضر َة في َع ْج ِ يد ُ من ِّ قلب
لذعة ْ َ
حسرات تترى ٍ يعصمني من ُ من أم، ( )2يا ُّ
فردوسيه ؟
ْ في قلب امرأ ٍة بني
أحبك يا ّ َ قولي:
( )7سالما ..أبي ...
وتحية.. حبك ،أو مسلوخا من سفر من ِ لست على ٍ ُ
َ
طرقات البلد ِة ..أتَـرا ُه ؟ ِ بعضي مازال على نحصد فيها ُ ص ْه ِد ظهير ِة كنا جلدي ،من َ
«الكافور»،
ِ ص ْف ِق تسمعني في َ ُ أَ َو الغض المملو َء َّ الولد
زلت َ طرب ..ما ُ ٍ القمح بال َ
الصفصاف،
ِ و َو َه ِن مازلت ...أنا!!
ُ حيا ًء ،حتى من أطفالي!!
وتلك النخلة؟ بني»قولي« :أحبك يا ّ
التمر
ِ [كنت جائعا يا أبي ،لم يكن سوى ُ وسي ْه ؛
عين امرأ ٍة ِفر َد َّ ( )3في ِ
نصل الظهير ِة ... ِ يبر ُق تحت في األعاليُ ، معتم
ْ أمسيتربص ٌ ُ
الفقير إليه !!] ُ وأنا تهم إلى صدري؛ حين ُّ
الحي َّي؟!
تذكر ذاك ِ أ َو ُ العشر !
ْ أصابعها
َ في
ُنش ُب َّ ت ِ
ُه
[خبأتُه عن ضغائن السفر ،أطلقت ُ َّ يجسر حبي ُ
العيال،
ِ والفقر ،وشهو ِة ِ الخير،
ِ في بالد فردوسيه
ْ في قلب امرأ ٍة
واألماني
ِّ اللصوص،
ِ وصغار
ِ والبورصة،
ِ أصهل ..ُ
والشم ْم ]..
َ والقهر
ِ المجهضات،
ِ ندي ْه
تأتيني طيعة وَّ ..
يحص ماال!! ِ َعلم ...لم أَ َوت ُ العنف ..
ِ حد
نذهب َّ
ُ
الرعية وال بايعته تاركة عينيها .. ً ُ
ترحل
[اآلن ..يرسو بسفائ ِن ِه في جمر الصحراء، يلهج .
ُ صدر
ٍ وبقايا
المدا]
ينتظر َّ ُ قلت:(ُ )4
سالما ...أبي يـا سيد َة صباحي ،ويــا ُمهر َة ليلي ،ويـا
ُواح !
ودمعتين ...بال ن ْ أيقونة فجري؛ َ
البيت،
ِ رب
( )8يا َّ اقتربي ...
سقف،
ٍ البيت بالُ األعماق
ِ غابت في َخ َد ِر ْ
ص ،يفترشون ص ٍ وذووك يبيتون على ُغ َ وعادت
ْ ...
الجوع ،ويلتحفون العور ْه َ ُسر ُج أزها َر حديقتها. ت ِ
بابك ال يلوون على اب على َ الحج ِبال َّ ما ُ تراتيل
ِ الفقه،
ِ أودية
ِ الطرقات ،المقهى، ِ ( )5في
شي ٍء من ..غير ْه!! خبر أسو َد ع ْبـ َرنجاليٍ ، فراش َب ٍّ ٍ اللهوُ ،غ َّص ِة ِ
الغرقى ف َ األعراس على ِج َي ِ َ قلب؛ تقيم بال ٍ فضفضة امرأ ٍة تشكو ِ الرعب،
ِ فضائيات
ِ
الطرف (بال َو َج ٍل ،أو ..نفر ْه!!) َ وتغضّ يتشب ُث
َّ صعلوك
ٍ غربة
ِ فرط أنوث ِتها، َ
ترحل عن هممي َ السقف سميكا ،أو َ إما أن تض َع غطرسة الخوف ..في ُس ُح ِب ِ بجليل ِفعا ِل ْه، ِ
المنطمر ْه . ات الوهم؛ ني
َّ ِ ثَ و بـ»البانجو» » «الشيشة
ِ
14
نهايات الفرح
ممدوح املتولى
( ) 9بين شهو ِة البد ِء
-1- ْ
الوصول وشهقة
ِ
كان احتمال الموت أيسر .. تساقطوا واحدا ..واحدا
ْ
الخبل من حكايات ْ
المجهول خرافة
ِ الحكايا عن تكثر َ ُ ثم..
رؤاك فال ْ
أمل فاصلب َ الرجال إال من عيونهم الدانية ُ ُ
يشمخ
مت ما َء االنتشا ْء الص ِ بنار َّ والنسو ُة يتشحن الصبا ..والسواد!!
واطفئ ِ ْ
سألوك َ
عنك َ واكتب إذا السؤال !! ويتسع
ُ
ْ
حكايتى وج ٌع ودا ْء َ
الرحلة يت قض ُ( ) 10وأنا يا امرأتيَّ ،
موتورا ببالدي ،وها هي ذي تُنكرني
مر ْت من هنا والقدس َّ ُ
سراب الصحراء، َ صدقت
ُ بعيني،
ّْ كفرت
ُ
سكنت بوا ٍد غير ذى زرع ، ْ
أعددت سفيني، ُ مه ٍل..
على َ
وما ْء
وتهيأت ..
ُ
-2- َ
الغيث ،إذا قريب ،ولعل َ
الغيث [قلت :لعل
ٌ ُ
أنت المخ ّلق للبكا ِء قريب] المـد
ٌ يفيض بحارا ،ولعل َّ ُ الريح؛
ُ أعولت
ِ
السفر ينبوع َّ ُ وأنت
َ وها هي ذي تنكرني
بالجوع
ِ مشب ٌع
جنبيك الفؤا ُد َّ َ بين
ما َ القلب س
ِ واآلن ..ال شي َء سوى َي َب ِ
ينضب
ُ لك «الوطنا»! فكيف أكون ِ
الحجر
ْ رفع
َ ْ
فاحتمل Messages
سألوك َ
عنك َ واكتب إّذا
ْ نلتقي غدا؟
ظمئت فى يوم المطر . ُ [اقترحي مكانا جديدا هذه المرة ،البلد ُة
-3- ْ
الفضول] وطعنات
ِ أضيق من خطواتي ُ
ُ
الكتابة لمن
ِ كل المكامن اآلمنة.. • ارتدنا َّ
الحريق ؟ أم الجنون يبق سوى لم َ
ْ للفضا ِء ِ ْ
ولمن أهيئ مهجتى ؟ أفتقد ِك ..
ُ
عميق ؟ قاع َّ قل لي: • ْ
ْ للغوص فى ِ ِ ير أم للط ِ
الضو َء مجدو ً
ال اشتهيت َّ َ أنت
َ الفردوسيه»
ْ «يا امرأتي
أبخل به ..كال ْ فلم يومية
أبخل بما ْء ْ ولم صباح الخير ُ
الجاللة من لغاتى عصافير جاءت صباح الخير ُ •
ِ ُ ْ
تفضل الشارع لكلينا .. ُ يتسع
ُ
لم يباركها الهوا ْء
أدمنت القيادةَ»، ُ قدمي« ،منذ ّ سرت على ُ كلما
سألوك َ
عنك َ فاكتب إذا
ْ منتصف الشارع َ ُ
أسلك
سقمت من حلو الدوا ْء ُ كأنني سيارة!!
البلد
عن هذا ْ سألوك ْ َ واكتب إذاْ ٌ
حافلة بالطائشين ،ومدمني احذر ،البلد ُة ْ •
تضر وال تسر ُّ أبدا
ً الموت
بد .الز ْ زبد َّ وعطاؤها ُ شكرا ..سالم.
* شاعرة من تونس.
16
ماذا أفعل
ثريا العسيلى
ماذا أفعل
ماذا أفعل
أتساءل َ
مثل صالح ُ
بلسان الراوي
في قاطر ٍة ليلية
خالية إال منه
ومسافر بالليل
يعانى ويواجه
قهر وجبروت القاهر
ويظل الراوي حيرانا
يتساءل
ماذا أفعل
ماذا أفعل
وأحاول هربا بالروح المنكسرة في يده خنجر
من نافذة الشوق العاتية الجبارة وأنا مثلكمو أعزل
أختلس النظر إلى سموات عالية وتذكرت الموقف كله
أرقى بالنظر إلى آفاق علوية فى وحدتى الموحشة الثكلى
علي أطفئ قهر األشواق ِّ أتساءل
يرتد الطرف ذليال وحزينا ماذا أفعل
ال أملك أن أوصد نافذة الشوق نافذة الشوق المتجبرة الكبري
هي تفتح فى وجهى كل أساليب تفتح مصراعيها فى وجهى
القهر تقهر نفسى
فتصرخ أعماقى بعد رحيلك
ماذا أفعل أتخاذل
ماذا أفعل؟ أتململ
17 العدد - 150صيف 2013
عزف على نزف الغريب
عماد على قطري
18
حجر أُ ِّمي
ْ
عماد فؤاد
ونعشي
يرتج فوق األكتاف إذ ُّ
خلل
من ٍ
ومن ثقل
ٌ
متربة والطريق َّ
األقدام
ُ تغوص
ُ
هالة رماد ّي ًةفتثير ً
كأنَّها
القبر
ِ مشهد
ِ العيون عنَ تعمي
مثواي األخير
َ ينقيانواثنان ِّ
ً
خالية ً
مساحة ويوسعان
ِّ
َّنة
من الحصى المسن ِ
مغطى ورأسي َّ وجع يزول
فال أرى بما ين ّزل ربنا من لطفه
وال أسمع وشفائه
أشم
وال ّ ودعاء أمي
لكنَّني والصحاب
أشعر بوقع األقدام وطفلتي تبكي
ُ
تغوص وتسرف في الحنان بال كلل
ُ قالوا :غريب
في األرض
ما دروا أن البالد بقلبي الموجوع
أمست دوحة
الس ّبابة
وكنت إذ أرفع إصبعي َّ ُ تأوي المري َد
أشير لهم
َ كي تيسر من دموع الوصل وما ّ
إلى طريق أخرى إن ضل السبل
ال يرونني عودي إليك
وكنت أنده فيهم
ُ إلى الحنان ...إلى النجاح
أميأن أعيدوني إلى ِح ْجر ّ إلى الندى
وكنت فوق الجميع
ُ وإلى الرحاب تضمنا
ِّ
أحل ُق فوق النَّعش فتعيد ترتيب الخاليا
أهبط إلى جسدي َ ُ
وأحاول أن والمدى
فيمنعني وتر ّدنا للدفء
السريع
مسيرهم َّ والعمق الحنون
إلى القبر. بال وجل.
عنك فال ألتقى اآلن ِ أبحث َ ُ تائه ،ٌ الجنوبى بار ْد؟
ِّ َما لهذا المسا ِء
الضياع ،
ِ غير َر ْج ِع َ البيوت،
ِ العناكب فى ُش ِ
رفات ُ
الشواه ْد
ِ وغير سكون َ مستسلمات
ٍ يجلسن
َ الدرب
ِ آخر العجائز فى ِ ُ
الجنوبى َبـار ْد
َّ إن هذا المساء َّ المساج ْد
ِ بصمت كصمت ٍ الرياح
ِ ِل َس ْفى
الصقيع
ْ ظالم تـائه فى ٌ باأل ُك ِّف رمادين -فى جرأةَ - يح ِث َ الصغيرات ْ
ُ
ِ
والدموع
ْ المواقد
ْ
هديها كالشموع يسير على ْ ُ الجنوبى ....بار ْد َّ إن هذا المسا َء
الطويـل
ِ سنون المسـير ُ أتعبتْه ***
الرجوع
ْ طيق
وليس ُي ُ َ جانب الجسر، ِ جاث إلى الترابى ٍ ُّ الطريق
ُ
شـارع
ْ كل
عنك فى ِ باحث ِ ٌ راقـد
ْ والجسر فى سكر ِة الوقت ُ
ماض
كل ٍ أنظر في ِّ ُ هامد
ْ يالت
ُّخ ِ والجريد الذى فى ُر ُءوس الن ْ ُ
المستحيل،
ِ رحلة
ِ إلى س أنظارها تنك ُ وعادت ِّ ْ اش َر َّأب ْت ، الوجو ُه ْ
راجع
ْ وأنظر في كل ُ التراب البليـل، ِ فى
تغيبين،
َ عيناك ،كيف ِ أين قاعد
ْ الدرب
ِ أول
وكلب على ِ ٌ
ساطع ؟
ْ عينيك
ِ وها ضو ُء تهش الوجو ُه لوجهي لم ّ
الهزائم
ُ الهزائم خلفي ،أمامي، ُ بالنور
ِ لست الذي أرسلوه ليأ ِت َي كأن َي ُ ِّ
الهزائم
ُ محفور ٌة فى جيبينى، عقدا
بالف ْر ِح ً يأتى َ الشمسَ ، ِ قبة
من ِ
الهزائم ،والموت ... ِ تلو الوالئـد
ْ يـد
ُيز ّي ُن ِج َ
طـالع
ْ من ُغ َّر ِة الصبح كأن َيتهش الوجوه لوجهى ِّ لم ّ
العذابات َو ْح ِدي
ِ أواج ُه تلكبانكسار ِ ٍ َوشى بالجراح ت ّ ِ لسـت الذى ُ
ـد
اح ْ
يقوى على كل تلك العذابات َو ِ كيف َ َ عائـد
ْ وفوق ظهور التباريح َ
ضد ُه المدى ِ الجنوبى ،،بار ْد ُّ والمسـا ُء
ساند
ـه -رغم هذا الزحامُ -م ْ ما َل ُ ***
الجنوبى بار ْد
ُّ والمسا ُء بالتراب ،
ِ ٌ
مطموسة ُ
الحوائط
القلب
ُ ض ٍن يلو ُذ به كل ِح ْ ُّ البيت
ِ مدخل
ِ الباب ،فى ض ِ مقب ِ تراب على ِ ٌ
والجم َر ،واالنتها ْء ْ َ
الشوك لقى به َي َ ،
تزفر فيه القلب شطه أناخ على ِّ نهر َ ُّ فوق َ
ُ ُ كل ٍ الوسائـد
ْ فوق
سر ِة َ ، األ َّ
الدما ْء عيناك
ِ أين
حلم ُّ ً
كل ٍ مرفأ يصطفي قاربي يا
الدروب ورا َء صدا ُه ، َ قطعت
ُ المعـا ِن ْد؟ الضياع ُ ِ وسط موج
تبــــد َد ،أضحى هبا ْء َّ الروح يا ... َ لف ِت ٌ
عتمة َّ
..... كالصباح تجي ُء..
ِ ً
فرحة عيناك يا
ِ أين
َ
عميـق
ْ فجعنك فى كل ٍّ باحث ِ ٌ وجه القصا ِئ ْد ؟ فيشرق ُ ُ
20
رحيـل
محمد محمد عيسى
فى بيتنا زوجا حمام، الصباحات ،يا ص ْبو ًة ِ فى ضيا ِء
بددتها .. ٌ
وأريكة قد َّ كالحريق
ْ تعتـلي ُمهجتى
ٌ
فارغة .. َّ
جث ٌة سمرا ُء الجراح
ُ َز ِّملينى فقد أتعبتني
ـد
القلب َرا ِق ْ
ِ ـم على برعم وه ٌَّ
األرض ..
ِ كلون
ِ
الجنوبى بار ْد ُّ والمسا ُء
مت
للص ِ
غت َّتفر ْحين َّ
َ
......
ً
صفحة الماضى يوم َّ
تكنس كل ٍ الفـؤا ِد حنينًا ,ولم تسمعي صوت ُ ُ ُب َّح
ُ
األريكة /جزؤها ُ
فتنكشف كالعذاب عيناك يا جمر ًة ِ أين
ِ
شيئًا فشيئًا أض ُلعى تعربد فى ْ ُ
والحمام -هناك-
ُ الشمس،ُ تشرق
ُ ُك َّلما
القديم البيت
ِ ساللم تحت
َ الشروق وتصح ُبنى أدمعي ِ أذهب صوب ُ
ِ ٍ
أعانق ..
ُ وأنا أذهب
ُ الشمس، ُ كلما تغرب
الغروب ويمضى ال ُبكا ُء معي، ِ صوب
َ
لحظة اإلغما ِء ..
ار ِج ِعي ْ
اعات ..
الس ِ تفاقم َّ
ِ تحت
َ تحتاج أن ترجعي فالمساءات
ُ ُ
في المنفى تشتاق أن ترجعي ُ والصباحات
ُ
البيت القديمِ وساللم ترجوك أن ترجعي ،والمرار ُة ِ والعذابات
ُ
أمي تنادي: ِّ ْرع
المت ِ كأس َي ُ فى ِ
محمد
يا َّ صوت الفؤا ُد حنينًا ولم تسمعي ُ ُب َّح
باض الحمام َ ......
وجهك
ِ ألمح
وحد َي ُ صرت ِ ُ كلما
كتبت قصيد ًة َّ
صما َء .. ُ وأنا
الكون شار ْد صفحة في
ِ ِ
ْ
تفرخ .. لم كالسراب يروح ويأتي ِ ويلتى ،،
كل البال ِد الجائعة سوى ِّ المشاهد يلو ُن بالنّور َّ
كل
ْ ّ
أم َي ..لكن ِّ
َّ العذاب،
ِ ساد ًرا فى
عن ِّ
الندا ِء .. تك َّف ِ لم ُ َ
«طيبة» أرض التماثيل فى ِ ِ بوجه
ِ يلوح
ُ
الضائعة الفراخ َّ على يبكي،يضحك ِ ، ُ
ِ
القصائد .. وأنا تشاطرني التماثيل،
ِ فتبكي وجو ُه
ُ
المعابد
ْ رسوم
ُ تبكي
ضيعتي..
الحزينات-
ِ الجنوب
ِ وألقاك -مثل ليالي ِ
األريكة ُس َّل ًما..
ِ من
َّخذت َ
حين ات ُ َ يكابد
ْ صوتًا
حتَّى أواري سوءتي. الجنوبى ...بار ْد. وهذا المسا ُء
ُّ
21 العدد - 150صيف 2013
عـلى هـامش الرحـلة
أحـمد خطـاب
24
طريق
فردوس عبد الرحمن
بردانة فى الليل
وضائعة فى الصباح
اسمعى:
أبدا
لم يكن الهواء صديقا لى ً
وال عرفت أسماء الدروب التى
مشيتها
لم يكن غير صخور وجبل
ناس كثيرون مروا ولم يعطنى
أحدهم عظمة
ناس كثيرون انفجروا بأسرارهم
على الصخر أمامى
أنا العالم يا ابنتى أنا العالم تتبق منهم عظمة
َّ ولم
أنا كون وفراغ حاولت الموت وحدى
بعض حياتى موت وبعضها اكتمال فلم أجد أحباء يدفنوننى
كل األمكنة لى ألن نثاراتى عليها حاولت الحياة وحدى
المقيمون هناك معى فلم يكن غير صخر وجبل
والهنا مملوء بهناك
اتبعينى اسمعى:
اغرسى العشب الجائع فى قلبك لم تكن الشمس كذلك صديقة
واتبعينى إذا ..رأيت نفسى وحيدة على كثبة
ِّ
رطبى الصخر بدمعة واتبعينى من الرمل
ليس مكان فى آخر الطريق وعشبة جوعى تقف بجانبى
وليس طريق فقط ..تحدثت إلى قلبى كى يسمع
أنت الطريق العالم
وأنا الماشية فيه. وانحدرت ببطء كى يتحرك العالم
25 العدد - 150صيف 2013
قصيدتان
إسالم سالمة
الجيوب
ِ خارج
َ ارين اقتناص َ
الف ِّ ِ وعن
ضاع
إلصالح ما َ ِ
أوانه
في ِ األبواب
ِ نبض َه َر ًبا من ِ
رق
الع ِ واندهك في َ َ وأيامها
والدم ....ِ خطوتك ..
ِ وقسو ِة
الشمس
ُ تدو ُر رائحة الطيران
وترقص ..
ُ العين
ِ َ
حول العابرين
َ و َب ُخور
تشوي لهوها ورعبها والفضيحة ،..
ِ
َ
المحبة وتخزينها أرمي بعيني
الخالية
ِ في َّ
الرف ِة حولك
ِ َّ
لتلف
القبالت ...
ِ من الوهمية
ِ وتبني سياجاتها
الحوائط
ِ وتش ُّد من تنادي ُ وأوراقها السوداء
أوهامها التي ُت َل ِّو ُن األعيا َد
وأعو ُد أنا واألمسيات الضالة
لبة ..الع ِ
الزلت في ُ ُ كأنني من قطعانها ...
بال نظر ٍة وتئن
العين ُّ ُ تكبر
ُ
العرا ِء
تُظلني في َ وتبدأ أساطيرها ..
حدقات
ٍ وال تحفر ُبحيراتها
كل ُظ ْل َم ٍةترسم على رملها َ تخمشك
ِ وتهفو ألن
ٌ
صاخبة أنها قبل الحصا ِد ..
َه َم ٌةون ِ ين
ار َ اقتناص َ
الف ِّ ِ عزيز في َ ال
..ومأسور ْة ... ودفنهم
َ
إغماضة وال
بالخوف..
ِ * بردانًا ..عار ًيا ..عام ًرا َ
سيوف وال
تمطرين
َ َ
لحظة إال
َ
التعاطف وهكذا ت ْ
َف ِق ُد على َع ْد ِوي
الغرق
ِ أنقذته من
ُ الذي البصمات
ُ فتضيع
َ
بأظافري تبين نظر ٌة وال َ
28
أو إيما َء ٍة .. الكبير
ِ الصندوق
ِ َه في وخ َّبي َت ُ
َ
سبيل إال أن تمسكهم من رقابهم َ ال الردهة
ِ أنمته على جانب ُ أو للحق
يتنهدون في المرآ ِة
َ َّ
علهم القديم
ِ الج ْر ِو
كيال يلفت انتبا َه َ
ويطير البخا ُر
َ وغاب ..
َ الظل الذي استعمرنا ِّ أو
ينالس ِّك ِ
لمعة ِّ ُ
المنقوش ِب ِ أسقيه
ِ وبدأت
ُ
َ
بنظرتك أو من جرادل المطر
َ
القاتلة ... الج ِّد
ومن تعاويذ َ
الثعلب
ِ ومن لمعة فراء
األخير ...
ِ
* مستوف ًيا لكوابيسي
الح َّرى
الشهقة َُ ضاعت َ
منك
الحروب
ِ سور
على ِ
أسند َظهري على َخوفي وأَ ُب ُّ
ص ُ وتربيتاتهم
َ
الرمال ت ُ
َش ُّد َع ْزمها .. فأجد
ُ وكتفك المرتعش َ
تلص ُق َع ْينًا ِ ونظرتك المكسورة ... َ
وبطنًا الخالدين
َ َغ ْي َم ِة
وذكريات ومقبرةً.. ٍ والحوائط
الرمل أسند ُه على شهق ِت ِه ُ ثم المزروعة
ِ
صيف
ٍ فأجدني بال والنياشين ..
بحر الماكر
َ الطعم
َ تفقد
ُ
وال ٍ
تلف حول أريجها .. وال ِس َّك ٍة ُّ َ
والرائحة
َ
أمانك وتخلع
ُ
ُ
وأهبط ُ
أهبط أشوفني
َ
ونبضك
الريح
ُ العلبة
ِ ته ُّل من ثم ِ مع ِج ْل َد َك المحترق ..
ً
خفيفا فأصعد
ُ يشيحون
َ صاروا
مستوف ًيا لكوابيسي بقلوبهم
ً
واسعة ً
ابتسامة وأشب ُه
ِ َ
أمامك َ
سبيل وال
ين
سك ٍ بضربة ِِّ تليق
ُ للسطح إال الصعو َد
ِ
في الصقيع
ُ دكل ُي َج ِّم َ
قلب
ِ النور
ِ الهاربة من
ِ تلتقطك الطيو ُر َ أو
تمثال عتيق.. ٍ حقل
أبعد ٍ وترسمك في ِ َ
29 العدد - 150صيف 2013
قصــائد
سامى الغباشى
ً
ارتباكا بين يديها المعروقتين اختصار على سطح العالقة
وبين قبلة البدء واالنتهاء..،.. وألن فتنتها
رغم عينيها الجمرتين بمؤج ِل،..
ّ تراوغ الالهثين
ومنطقها المخضب بتاريخ النساء وألنها بشقاوة األنثى..
لم تعترف،.. تعابث صباحهم المراهق لتردهم،..
أو تجاهلت تلك المسافة وألنها من فوق أعلى ذرو ِة
كى تعود صبية هطلت محبتها عليك لتصطفيك،
تقطف الوردات لك. تضمك
ّ وألنها انفتحت
وحراس الساللة،.. رغم رهبتها َّ
لذلك كله..
عالقة..
هى أروع ما تكون العاشقة
لكنك أرهقت فتنتها
هى اآلن تلم بهجتها
اختصرت محبة األشياء
تعيد ترتيب الهزائم جسد كمجمر ِة فى
ِ
كى تعود لعمرها المبذول أصر اشتهاؤك
َّ
واألنثى الوعاء كما ارتضت يغيب ما سواه.
أن َّ
هى اآلن تشم ذبول وردتها
جنون
ٍ تزيح بما تبقى من لست مهي ًئا للورد
آخر الهمس
آخر المحاريب مثقلة بوجع األنوثة
آخر ما تبقى من غبار الذاكرة وفى عينيها ما يشبه الحكمة..
هى اآلن تمحو وجهك الطفولى ورغم ذلك..
وجهك المنحوت فى بؤبؤ العينين،.. فادحة
ِ لم تعترف بمسافة
بين قلبها المستعاد
أيها القاسى الرجيم ويلك
وقلبك الذى احترف النساء
الذت بقلبك .. بين لهفتها على وردة من يديك
والتذذت بغيره ،.. شف القميص ولهفتك إذا ّ
فعالم تستدعى الرفاق ليسمعوك بين حديقة النفالت البوح
ويمنحوك المغفرة المؤجل
ّ وبين الفراش
30
طعم غرورك!
َ ما أحلى
رمضان عبدالاله إبراهيم
البحر أغتر:
قالت ُّ
أصري ُ ،م ّريُ ،غ ّري اغتري
همس ُت ِّ ْ
تخشي صوت الريح ْ ال الحلم ال ّزهري ُم ِّري من ش ّباك فؤاد ُ
فحسنك أحدث أمهر طائرة عر َفتْها يق األنسام المنفوح ِب ِر ِ
كل مطارات العشق الدولية وغ ِّري ُ
في العصر الح ّر مطاطي النغمات
ّ قوام
يا ذات ٍ
أص ّري أص ّري
غ ّري اغت ّري قد ِك ،ظرفك أن يتبختر ُّ
يا زهرة شعري في بهجة شعري
م ّري بين سطور غرامي كالحبر الس ّري في ملمح سطري
ال يكتبه إال شعري م ّري من بين حروفي عط ًرا
ال يقرؤه إال طيري م ّري من قلب خريفي نه ًرا
يا مروحة األنفاس يروي صحراء األنغام فتخض ّر األلحان
ويا وتر اإلحساس بقافيتي تصي ُر فصول القلب ربيعا مكس ّوا بالزهر
غ ّري اغتري أص ّري أن أنسج فيك األشعار
اجتري من بحر ُهيامي وأعصر في بحر قوافيك اإلبهار
تفعيلة عشق أصريِّ
شوق
ٍ أغرودة عومي ضد التيار
يا أنت ....... رموش عيونك ُ
أص ّري ُج ِّدف فوق مراكب عينيك سوف ت َ
ُشرق شمس هوانا في بهو كي ت َ حر من أول قلبي ست ْب ُ
شعورك حتى آخر دوامات الغمازات
في صالة شعري أص ّري
غ ّري اغت ّري أن تقف القافية الغ ّراء
ما على رأس شراع جمالك عصفو ًرا
طعم غرورك في شعري! َ أحلى يهدي كل طيورالعشق المبحرة ِ
ما الواقفة اآلن
طعم غرورك في شعري! َ أحلى على أشرعة الحب التائه في عرض
31 العدد - 150صيف 2013
سفر الدماء*
د .محمد أيوب
اق
الد َّر ِ
ف��م ُ شموخك ف��ي ِ َ ��ك��ب
واس ْ ْ الق ط���ائ���ر ْ
اللق ِ َ ���ت���ق
ْ أع ُ
ن��ي��ل ْ ي���ا
ال��خ��ن��وع الباقي
ِ ب��م��ح��راب
ِ ْب�����ح
واذ ْ ال��ع��روب��ة زهر ًة
ِ ق��ب��ر
ِ ْ���ث���ر ع��ل��ى
ان ْ
راق ���ري َ ْ أَ َ ْفث على ُم ْك ٍث ان ْ
األع ِ���ة ْ َ�����زل ِع��� ْب َّ ول������م ت
ْ بثغرك في «جوبا»
اآلفاق
ِ ي��ف��وح ف��ي ُ ال���م���روج
ِ ودم
ُ م��خ��اض نبو ٍة
ُ زي����د»
ٍ «س��ي��دي أب���و ِ
داق ْ
باإلغ ِ م����أرب ج����ا َد
َ ����د
ه��ل َس ُّ صنْعائهااألخوين» عن َ ِ «دم
َ َسا ِئ ْل
الق
لإلط ِ ْ األق�����م�����ا َرْ ���ز
ُ���ج���ه َ
َّ ِل���ت م��وج َّ
أهل ٍة ُ «البحرين»
ِ و يمو ُر في
ال��ن��خ��ي��ل َسواق
ِ ق��ب��ر
ِ ن��اح��ت ع��ل��ى
ْ ُ
ستضحك بعدما ��ار ْك «بني غ��ازي» َب ِ
نفاق
ِ دون
َ َ
ال���ت���اري���خ ��ر ِّ
��س��ط َ ل�� ُي بعير ُه
َ ال��زم��ان
ُ «م��ص��ر»
َ َ
أن��اخ في و
رقراق
ِ ولب����ج����د ٍ
ْ ��ئ��ي��ن
َ ت��ت��وض
َّ ��ف��راً قبلما
ش��م��س ِس ْ
ُ تقربي ي��ا ال ْ
وشقاقي ت��ف��رق��ي ِ ُّ ُ
ال���رج���ال َ
ع���اف رجولة
ٍ س���ر ُ
التحرير ُع ْ
ِ س��اح��ة
ِ ف��ي
باق َ
ص��رح��ك ِ أني��زع��م َّ
ُ «ه��ام��ان»
ُ ق��ي��ام��ة ف��إل��ى متى
ٍ ُ
ه���ول َ
ي��غ��ش��اك
راق ْ
باإلغ ِ ال���ب���ح���ران
ِ ���س���م
َ ق���د ْ
أق ٌ
هالك َ
إن���ك ارج����ع أي���ا «ف���رع���ون»
ْ
ت���زي���ن وفاقي
ُ ال����ع����رو ُة ال��وث��ق��ى
ْ ال��ل��ذان هما ي ٌد
ِ ُ
وال��ج��ي��ش ��ب
ال��ش��ع ُ
واق
ق���ن���اع ِ
ٍ ال����ص����دور ب�ل�ا
ِ ع�����ار
ِ لحاسب
ٍ ال��ب��غ��ال
ِ ف��ي��روس
َ س��اق
َ ق��د
عناق
ِ دون
َ وت����ف����ر َق ال���غ���رب���ا ُء
َّ َ
س��اع��ة ُع ْرسهم فتعانق ال��ش��ه��دا ُء
َ
األعناق
ِ ��م ع��ل��ى ورف���ع���ت ق��ا ِت�� َل ُ
��ه ْ َ قاك حين َقت ْل ْ
تهم أش َ «ف��رع��ون» ما ْ
ُ
َّ
خال ِق ب���ش���اع���ر
ٍ ُ
ال���ج���م���ال ال َذ ���ر كما
���م ٍ ُ
ال���ج�ل�ال ب��ف��ت��ي��ة ُس ْ ال َذ
ال��ف��ت��ح ع��ن أخالقي
ِ َ
خ��ي��ول اس ْ
����أل ْ ريحه
ُ الكريهة
ِ ال��خ�� ُل ِ
��ق ص��اح��ب ُ
َ ي��ا
األب���ق���ار ع��ن أعراقي
ِ راع����ي
َ ْ
س���ل ��ك تسامحي م��س َ
ت��ش��م ال��ي��وم ْ ُّ أف�لا
بصاق
ِ أه����ون م��ن رذا ِذ
َ ك��ن��ت
ُ ق��د ُ
ال��ك��رام��ة بعدما بقنيفتس ُْ أمضي
غ���زت���ي وعراقي
َّ ت��ع��ان��ق
َ ح���تَّ���ى يعد ل��ي صاحب ًا ك��أس َ
��ك ل��م ْ ُ ي��ا ُ
نيل
مآق
ال��ح��س��ي��ن ِ
ِ ����أت ب��س��ن��ا
وت����وض ْ
َّ ُ
عقيقها َ��خ َ
��ل��ك ك��رب�لا ُء وش��ف��ا ُه ن ْ
األشواق ٌ
ح��ب��ل م��ن ج��ي��ده��ا
ِ ف��ي السعف الجوى
ِ ْ
تطفأ من لم
الريح ُْ
ِ
وت���ق���اط���رت ش�����دواً ع��ل��ى أوراقي
ْ رقت
فأو ْ
الصهيل ْ
ِ خطاك من َ ُق َّ
��د ْت
خص َر محاقي. لف ْ شمس َك َِّ وذراع
ُ ي��ق��ب�� ُل��ه��ا المدى
ِّ ٌ
س��ف��رج��ل��ة حلمي
32
الغول األهوج
مديحة أبوزيد
عتبة..
أحمد سراج
(حال) (حال)
ُ
السؤال يجوب؛ في القلب
ُ عن دمعتين صاُمترا ِق ً
وفي المدى: يتبعه وال
ُ لحن
ال َ
كم خيبة سيشيل فوق جراحه؟ نغم
ْ
كم مرة يرتد مقهورا صاُمترا ِق ً
بال زاد ال زجر يردعه وال
لمع
سوى ٍ أ َلم
بال ور ٍد صاُمترا ِق ً
يداري قلبه...؟ في الروح منك أَثارة
يا للغريب على تخوم التيه منتظ ًرا تنحو بها فوق
سطعها.
ِ الحبيب على مشارف
ِ شمس
َ العدم
يا للغريب!... (المنشد)
(الخليفة) المغتر أغني ٌةِّ نش ِدللم ِ
ُ
كان الخليفة شار ًدا يضاجعها ُ وح
بال ُر ٌ
واألم تعدو خلفه ُّ تطاوع ُه
َ فتأبى أن
ُخذ للحسين وقل له: وتخدع ُه
ُ
يرضى علينا يرقى دون أن َ فيلقى َ
كان الخليفة شار ًدا يبايعها
ُ تيه
على ٍ
واألم تمسح ثوبه: ُّ فتن ِف ُّر طي ُر أوب ِته
وصحبه
ِ لألمين
ِ بلغ سالمي المغتر ِكذبتَنا
ُّ المنشد
ُ أكان
َ
كان الخليفة شار ًدا لنعرى دونما معنى
والناس في أوجاعها ونشقى دونما معنى
تعدو ورا َء ِحصا ِنهُ ونهفو دونما معنى
ُ
الخليفة شار ًدا ولىَّ ونأسى دونما معنى؟
ظله.
والليل يأكل ُ ُ أكان المنشد المغتر خدعتنا
(حال) لنسعى دونما معنى
دون حلو ِلها ُ
سيشيل َ خيبة
ٍ كم موهوما
ً أكان اللحن
البعيد
ِ الغيم
ِ مفاتن
ُ ثق َل ْت ِ
عليه ُ فال ُقطب وال مغنى؟
ولم تجئ؟ المغتر ِكذبتَنا
ُّ المنشد
ُ أكان
َ
العند،
ِ موغل في
ٍ جرح
ويح ٍ يا َ لنأسى دونما معنى
38
قل لدمي:
نزف ُسدى ٌ
عشق بال ٍ
ٌ
نزف بال وصل نُهى
(جهل)
ولكم ُ
أقول لعا ِذلي
وعد
تأتي على ٍ
(ورد)
فال تُلهني
مدد
مد ٌد ْ
ْ َ ولكم أقول لصاحبي
أوصل ِح ْملنا المفتاح
ِ حامل يا
أج ْد ُ
الطريق ولم ِ ثق َلُ
عد ْد
الثواب بال َ
ُ ولك
ولكم أرى:
موفدا
ً أوقدت ُروحي
ُ
أروم بال َح َيا
ُ ُظللاً
عيناي باحثتان عن
َ
ليأخذني درب (أن)
ٌّ
ٍ
إليك بال أبد تيه
تي ٌه يراوحني إلى ٍ
صائغ األشواق في َ يا ضاقت الخطوات من
ِ غريب
ٌ
مدد
طين بال ْ َص ِب المفاز ِة والمسير
نَ
مد ٌد مدد َ
وصول وال فال
(هدهدة) رجوع وال
خفف حمولك واتئد أفول
موقدا
ً هذا سبي ُلك (بارق)
بالبحر آفكون فال...
َ هم
موصول الرضا زائلون فال...
َ هم
لليقين
ِ فامنح فؤادك آيسون فال...
َ هم
وتابعك الوطر
ُ وط ْر
ِ َ
لقلبك أن يرى: وامنح
(فتح) وحدي أحب
ِ
عول على ُس ُغ ِب األهلة واتبع ِّ وحدي أريد
ِ
ُو ْر َق األنين وحدي أكون
ِ
جرح ِّ
يذكر صنو ُه عول على ٍ ِّ (أوبات)
بالطيب والتدليل ليت الذي بيني وبي َن َك َع ٌ
اذل َ
عول على جوع بال ٍّ
ذل ِّ فأ َر َ
اك في نَهي
عول عليك وال أحد. ِّ َ
وأراك في صمت
39 العدد - 150صيف 2013
متفرد في حدائق المدى لقاء لم يتم
محمد فؤاد محمد شعبان عبد احلكيم محمد
متفر ٌد ..
حين أسافر فى فيروز عينيك
ٌ
وسيلة .. لك في مسامرة الجراح
لك ٌ
غاية .. مرتحال إلى وطنى
ٌ
حكاية .. لك في الفصول يحفنى يا صديقتى
لك في المساء قصيد ٌة النوارس والسنونو واأليائل
األحالم ..
ِ فراشة
ِ لك في اصطفاء وأشعر أن ميالدى الجديد
من غصن الخيال مهار ٌة .. فى اللقاء
ٌ
صحبة قوافل الشعرا ِء َث َّمة ِ لك في دروب أبتهل
لك ٌ
راية
أغنى
مدي ..ولي الخيول ً ِ منافسة
ِ لك في
شوق المدى أنشد أشعارى
يا ذا المسافر في شراييني وأورد ِة الهدى أصيح من أعماقى:
يا ذا المسافر تحتويك مدائن العشق ليلتى ...يا حبيبتى
المتوج ..
ّ يا أيقونتى ومرفأى
والمجاهر بالندى يا وطنى
هذي نخي ُلك تشرب األطيار ضحكتَها يا حلمى النضير
وعصفو ٌر على أغصان قلبي غردا
افتحى لى باب قلبك
ساءلت «ليلى العامرية» عنك ..
فاتكأت على التوباد بسمتها اجعلى يوم لقائنا
لألحالم.. الشوق
ِ وأسلمها حفيف كرنفاال
ِ
وانْداح الصباح بوجهها الوردي ..ب ّللها مهرجانا
الندى !! عيدا للحب
متفر ٌد واجعليه ...واجعليه
حكاية ..لك ٌ
غاية ٌ لك في الفصول ليلى ضاع صوتى هل تسمعين؟!
لك في المساء قصيد ٌة
إلى أين ترحلين؟!
صلى المساء على ردا ِئك ..
هل تسمعين صوت النشيج؟
واستراح الصبح في عينيك
ُ
تفاصيل الضيا ِء وانْبجست
لرحلة الضياع
ات وجدك ترف في ط ّي ِ ُّ وعودة الغريب
ٌ
حكاية واحتوتك وكلمة منك باهتة
ومضيت تخترق المــــــدى كمديةجاءت ُ
متفردا!! وذبح اللقاء.
40
بال ..أجنحة مقــاطع
مصطفى أبوهالل إبراهيم منصور
للموت ..
ِ ُقدم نفسها
ت ِّ ()1
ً
أضحية ُ ،
وقربانا اطرح رغيفك ..
وتقسم :
ُ فوق عرصة فرننا
ولتنتظر ..
الموت ..
َ أن هذا َّ
حتى تجيئك مطرحة
ُج َّل حياتها اآلنا
كل النساء تصر لألزواج بعض
وق .. مسبحات َّ
الش ِ ِ ُ
وتفرط غذائهم
أندلسا ..
ً ومداخن األفران دفء شدنا
فجوالنا فلترتخ
وتكسر ..
ُ جنب المليحة لحظة
عناق َّ صابحا
ً خبزا
فلعلها تعطيك ً
مس ..
الش ِ ِ فى
ولعلها ..
لآلفاق أفنانا
ِ تشتاق دفء الفرن فى أوصالها
وجهان ..
ِ لها فتكون أقرب فاجر
أرق ،
ذا ٌ رفض المروق
وذا سه ٌد َّ
توشانا مقل ًبا بخبيزها .
وتستمرى صبابتنا، ()2
ووجدا حا َز تيجانا مرا فانتظرنى إن طعمت الخبز ًّ
ً
ربما يغدو لسانى
هجرته ..
ُ ُ
تقول :
مصنع المر الجديد .
ِجنًّا .. ()3
لكى ألقا ُه إنسانا عند المساء ..
يرقبه
ُ الموت
ُ وكان
َ وجدهم
ُ يجمع العشاق
الموت شيطانا
ُ وصار وحين رحيلهم ينسون سمن كالمهم
الشمس تفرد ظلها
كذلك جفو ُة ُّ
الدنيا ..
عند الصباح .
تضاجعنا ..لتنسانا
()4
سبق ..
لها ٌ ليت أمى أنجبتنى مرتين !
الموت ..
ِ دون
العشق َ
َ بأن
َّ مرة أحيا لنفسى
ما كانا . مرة أفدى الحسين .
44
درا�سة ن�شرها �أخريًا :فثمة انتقال دائم لعنا�صر ال�سرد ملاذا تبدو ق�صائدك مغرقة يف �سرديتها؟ وما
من الق�ص �إىل ال�شعر ،بعد �أن زاد االهتمام ال�شعرى املدى املمكن حل�ضور ال�سرد يف ال�شعر؟
نعم ال�سرد فى كتابتى خ�صي�صة �أ�سا�سية منذ
بال�سرد فى ع�صرنا احلا�ضر ،نتيجة لل�سعى وراء م�ضامني
جديدة .وال�سرد بطبيعته يحتمل التنقالت الزمانية، البداية ،بل �أ�ضيف لك �أن ال�سرد مهما كان غزيرًا
والزمن فى ال�سرد ي�أتى بكل معانيه بني الكرونولوجى فى �أى ق�صيدة ىل فهو الي�شبعنى على الإ طالق،
والفنى والأ �سطورى ،وفى ال�سرد ميكن �أن نتابع كل وكم �أحلم �أن يزيد ال�سرد عندى ،حتى ي�صبح مثل
�أ�شكال اال�سرتجاع والتنا�ص ،بني ركامات الأ حدث الوح�ش العنيف ..و�أريد لهذا الوح�ش �أن يفتح فمه
الهائل لكى يبتلع العامل كله ..بكل تفا�صيله� ..أريد
واملواقف الدرامية.
وقد يلج�أ ال�سرد �إىل جماورات مكانية �أي�ضً ا ،وقد�أن �أمتلك هذا الوجود من �أول �أكرب جمرة فيه ..حتى
�أ�صغر �إلكرتون فيه يدور حول نواة ال��ذرة� ،أحب
يت�ضمن مقوالت فل�سفية� ،أو يجارى �إح�سا�سً ا بتوترات
الع�صر التى نعي�شها اليوم ،وال�سرد تقنيًّا يلعب الوجود ،و�أح�س باملوت الذى يقرتب منى لذلك
مبختلف ال�ضمائر :الغائب واملخاطب ،املفرد واجلمع، �أريد -قبل �أن ي�صل� -أن �أحلق� ..أن �أ�شبع رغبتى فى
وتتعدد فيه م�ستويات اخلطاب واحلوار ،وهو بذلك كله حمبة العامل بالتهامه ،وب�شفط كل ما فيه ..متامًا مثل
الثقوب ال�سوداء فى الف�ضاء �إنها تلتهم كل ما يقرتب
يُك�سب الن�ص ثراء وا�سعًا ،لأ ن التكوين ال�سردى يغري
الن�ص ال�شعرى ويك�سبه روحً ا ع�صرية جديدة .والآ ن منها بنهم وب�سعر عنيف فهى م�سعورة ب�شكل خارق..
بعد هذه احلالة العارمة من تداخل الظواهر والفنون، و�أنا ال �أقلّ عنها �سعرًا ،وهذا كله جت�سده رغبتى فى
ال�سرد ،وطبعًا �أدواتى التى �أمتلكها لفعل هذا هى اللغة
�أ�صبح م�سموحً ا لل�شعر ب�أن ي�ستخدم كل �أنواع ال�سرد
مبا فيها ال�سرد الق�ص�صى نف�سه ،بل و�أ�صبح ال�شاعرال�شعرية القا�صرة غري القادرة على حتقيق �أحالمى..
ي�ستخدم ال�سيناريو ال�سينمائى والدراما امل�سرحية ال �شىء ي�شبع نهمى :كل الأ حداث التى �أخو�ضها �أو
وخربات الفن الت�شكيلى ..فاتركونى بعد �إذنكم التى متر بالآ خرين من حوىل ،كل احلكايات واملواقف
�أ�سعى لإ �شباع نهمى لل�سرد الذى هو فى النهاية واالنفالتات واملبالغات والر� ؤى الواقعية واخلرافية كل
حكايات الب�شر وظروفهم وقهرهم ،وابت�سامات الكذب وال�صدق واملغامرة وامل�ساملة كل الأ �صوات
العالية التى تثقب الأ ذن والأ �صوات ال�صغرية التى ال
حلمهم مبا ميكن �أن يتحقق فى دنيا ال يعلم بها �إال اهلل.
ال�سرد يتفاعل مع املجتمع الب�شرى ،وير�صد �أو�ضاع تكاد ت�سمع ..كل الت�صرفات والهروب واملواجهات..
الإ ن�سان حني ي�صارع من �أجل توفري احتياجاته ،من الأ بعاد وامل�سافات الهائلة واملليمرتات ال�صغرية..
خالل امل�ؤ�س�سات املختلفة التى �أقامها حتى و�صلت املجهول الذى ال نعرفه وال�سائد امل�شاع الذى نعاي�شه
فى كل حلظة ..كل �شىء فى العامل ..كل �شىء ..ال
اليوم �إىل درجة مل ي�سبق لها مثيل فى تاريخ الب�شرية،
ولكنه بالرغم من ذلك اليزال يقاوم الإ حباطات، يكفى نهمى وجوعى امل�ستحيل الذى ال يتمكن من
و�أ�شكا ًال من الت�آمر والقهر متار�سها قوى حتارب الإ �شباع ب�أى حال من الأ حوال� ..أنا �أعرف نف�سى،
التقدم لأ جل حتقيق م�صاحلها ال�ضيقة .وبالرغم من �س�أظل �أ�ستخدم ال�سرد حتى �آخر �شهيق ىل فى هذا
�أن ال�سنني تفعل فعلها فى �إحداث الن�ضج الإ ن�سانى، الوجود.
النقد فى املراحل ال�سابقة كان يحرم ال�سرد ب�صفته
وت�أكيد ال�شخ�صية امل�ستقلة ،لكنه اليزال ي�صارع هذه
خ�صي�صة مرتبطة بالق�ص ..ثم بد�أ يتنازل ،وي�سمح مبا
القوى الظالمية على كافة الأ �صعدة.
لك ديوان بعنوان «نو�ستاجليا»�...أال ينتابك ي�سمى بال�سرد ال�شعرى ،..وظلت امل�س�ألة تتطور حتى
�أ�صبح ال�سرد اليوم خ�صي�صة �أ�سا�سية من خ�صائ�ص احلنني لكتابة ق�صيدة تقليدية؟
الكتابة ال�شعرية ،ومثلما قال حممود ال�ضبع فى لعلك ال تعلم �أننى معمل كتابة ال يتوقف� ،أنا
45 العدد - 150صيف 2013
طرحته �أية مدر�سة �سابقة ..الن�ص اجلديد اليوم هو ال ي�شبعنى �شكل كتابة بعينه �أو منطق كتابة بعينه،
جماع لر�ؤى جمالية وفكرية عديدة ،و�أي�ضً ا جماع �أنا �أكتب فى كل يوم ،بل وطوال النهار �أو الليل
لتقنيات تنتمى لعدد من املدار�س ال�شعرية معًا. مادمت فى حالة يقظة ،ومبجرد �أن �أفرغ من ممار�سة ُ
وال�شاعر اجلديد اليوم طماع �إىل �أق�صى حدّ ،فهو يريد �أية ان�شغاالت حياتية يومية ،يتجه عقلى مبا�شرة نحو
�أن ميتلك التاريخ كله فى اللحظة نف�سها ،و�أن ميتلك اخللق ال�شعرى ب�شكل عفوى ،وهذا الأ مر ال يخلو
التقنيات املنتمية لتيارات �شعرية متعددة ب�ضربة بالطبع من حماوالت دائمة للتجريب فى كل طريق.
واحدة .يريد ال�شاعر اليوم �أن ي�ستفيد من كل املدار�س لي�س فقط ينتابنى احلنني لكتابة ق�صيدة تقليدية
الأ دبية التى عرفتها املراحل احلديثة :بداية بالإ حياء بني احلني واحل�ين ،بل �أنا �أغ��رق العامل من حوىل
والرومان�سية والواقعية وم��رورًا بكافة التوجهات بق�صائد تقليدية بل وب��أزج��ال ،وب�شعر العامية،
االنطباعية والنف�سانية والأ �سلوبية والل�سانية والبنيوية
وبرباعيات وخما�سيات ،ت�شبه ما فعله رواد مدر�سة
وال�سردية وال�سيميائية ما بعد احلداثية والتفكيكية، �أبولو الرومان�سيون ،بل �أحيانًا ي�صل بى جنون
وتوجهات :الت�أويل ،واجلنو�سة ،وغري هذا. التجريب ،وهو�س اللعب �إىل حد و�ضع تفعيلتني
عفويتني متجاورتني من مثل (مفاعيلن فعلن) على كيف �أثر الناقد داخلك يف ال�شاعر والعك�س؟
�سبيل املثال ال احل�صر ،و�أ�صر على �إكمال ن�ص طويل وما الذي دفعك للدر�س الأ كادميي؟
على هذه النغمة .و�أنا ديوانى الأ ول (�أغنيات حب الناقد وال�شاعر عندى متفاهمان بالطبع ،ولكنهما
يتحاوران با�ستمرار ويداعب كل منهما الآ خر ،بل
وميار�س ال�شقاوة فى كثري من الأ حيان ،ومن �أمثلة
هذه ال�شقاوة وامل�شاك�سة �أن الناقد فى داخلى بعد الناقد والشاعر عندى يداعب
�أن يتعب فى الو�صول �إىل م�صطلح نقدى يعرب عما
يريد �أن يطرحه من �أفكار ..يفاج�أ بال�شاعر الذى كل منهما اآلخر
فى داخلى قد ا�ستوىل عليه لي�ضعه– كما هو -فى
�صدارة ن�ص �شعرى جديد!! كما �أن الناقد ميكن �أن
يت�أثر بال�شاعر ،وقد كانت هناك �أقوال وت�صورات نقدية
للأ ر�ض) ال�صادر فى عام 1973يحوى ثالث ق�صائد ي�ؤمن بها ،ولكن ال�شاعر متكن من �أن يزلزلها متامًا،
�أو �أربعًا من ال�شعر العمودى التقليدى ..و�أحيانًا �أناف�س وينهى عليها :و�أول �صراع حدث فى هذه الطريق لن
�أ�صدقائى الدرعميني� ،أو ال�شعراء العموديني فى كتابة �أن�ساه ،عندما كتب ال�شاعر ب�شكل �سرّىّ �أول ق�صيدة
ن�ص تقليدى� ،أو نتبارى من خالل م�سابقة يرد فيها نرث وكان هذا فى عام ،1979و�أثبت من خاللها �أمام
كل منا على الآ خر ب�أبيات تقليدية ب�شكل فورى هذا الناقد -على الأ قل� -أن ال�شعرية ال حتتاج لهذا
�شفاهى مرجتل ،وهذه املحاوالت �أقرب ملا كان يفعله التطريب املو�سيقى الذى مييع الن�ص ،ويدفع به– على
الفنان الت�شكيلى «بيكا�سو» احلداثى حني يُ�صر على الرغم منه� -إىل �أماكن ال يريدها ال�شاعر ،بل وقد
ر�سم لوحة كال�سيكية للفنان الإ �سبانى «فران�سي�سكو يجرف البحر ال�شعرى كلمات زائدة عن احلاجة بغر�ض
دى جويا» ،ولكن هذا ال يعنى �أننى ميكن �أن �أن�شر �ضبط البناء املو�سيقى ،مما يجعل الن�ص بعيدًا عن
ًّن�صا �شعريًّا تقليديًّا خال�صً ا ،و�أ�سباب امتناعى كثرية ،العامل الذى يبتغيه ال�شاعر.
�أهمها �أننى حني �ألعب بالأ �شكال التقليدية �إمنا �أ�سعى ولن �أن�سى ق�صائدى النرثية الأ وىل التى ملأ ت قلبى
للمزيد من ه�ضمها ،من �أجل جتاوزها ولي�س من �أجل بالبهجة والفرح الغامر ..حتى �أننى كدت �أبكى ل�شدة
الغرق فيها ،وكذلك لأ ننى �أرى �أن الن�ص اجلديد �إح�سا�سى باالنت�صار فى طرح كوامن الذات ..وظللت
اليوم ال ميكن �أن يندرج فى �إطار �شكل �شعرى موحد �أ�س�أل نف�سى عن هذه القوى الباط�شة التى حرمتنى
46
تت�سع حتى وجدتنى �أدعم جهودى النقدية بالدرا�سة طوي ًال من التعبري عن نف�سى بكل هذا ال�صدق،
الأ كادميية فى اجلامعة ،عندما جعلت درا�ستى وكان هذا فى توقيت مبكر فى حياتى ،مل �أكن قد
للماج�ستري ثم للدكتوره من�صبتني على ق�ضية النقد عرفت فيه بعد هذا ال�صراع النقدى بني ق�صيدة النرث
الأ دب��ى :الأ وىل حول �شعر �أب��ى متام فى الع�صر والق�صيدة التقليدية ،مما يدور فى املجالت والندوات،
العبا�سى ،والثانية عن ال�شعر فى الع�صر احلديث. فلما بد�أت �أتعرف على املعارك احلامية التى كانت قد
كناقد و�شاعر...كيف ترى ت�أثري امليديا احلديثة ن�شبت عربيًا وعامليًا منذ حقب �أقدم بكثري� ،أح�س�ست
يف تطور الق�صيدة العربية؟ وهل هي م�ؤهلة ملواكبة باملزيد من القوة ،ومبزيد من الرغبة فى االنتماء لهذه
التطورات التقنية؟ الكتابة اجلديدة املتفاعلة مع طبيعة حياتنا و�أفكارنا
للميديا ت�أثري خطري على الفن ب�شكل عام ،وعلى ونزوعاتنا واحتياجاتنا وتوجهاتنا .ومن هنا جاءت
الكتابة وعلى ال�شعر ب�شكل خا�ص ،وكل فنون احلاجة للدرا�سة الأ كادميية فيما بعد ..وميكننى �أن
الفيديو هوم ،وفنون الفيديو �آرت نابعة من هذا �أحلل هذه احلاجة :فمن املعروف �أن املراحل امل�ستقرة
الت�أثري� ،أما الكتَّاب وال�شعراء فقد ظهر ت�أثرهم بامليديا �شعريًّا هى املراحل التى يكون فيها ال�شاعر خمتلفًا
من خالل هذه الروح اجلديدة التى مل تعد تعب�أ عن الناقد ،وفى املراحل الثورية املتوترة ي�ضطر ال�شاعر
بالبالغة العربية القدمية ال�شائخة ،و�أ�ساليبها املختلفة �أن يكون ناقدًا بال�ضرورة ،لأ نه ال يوجد �أحد يدافع عن
البالية ،وبد�أ التحول يحدث باجتاه الفنون الب�صرية جتربته ،ومعظم النقاد غارقون ل�شو�شتهم فى التوجهات
الفكرية والنقدية التى ترتبط باملدار�س الأ �سبق،
ففى مرحلة الإ حياء -على �سبيل املثال -كان هناك
كل ما أتت به احلداثة أصبح ال�شعراء :البارودى وحافظ و�شوقى ،وكان هناك النقاد:
فى «الباى باى»
«ح�سني املر�صفى» �صاحب كتاب «الو�سيلة الأ دبية»
و»ق�سطاكى احلم�صى»� ،صاحب كتاب «منهل الورّاد
فى علم االنتقاد» ،وهكذا :ال�شاعر ال ينقد ،والناقد
ال يكتب �شعرًا ..ف�إذا انتقلنا �إىل مرحلة ثورية تالية،
هى مرحلة (الرومان�سية) وجدنا �أن ال�شعراء �أنف�سهم
والدرامية وال�سردية احلديثة ،وهى الفنون التى تنقلها هم الذين قاموا بالنقد وبالدفاع عن �أعمالهم ال�شعرية،
لنا امليديا على مدار اليوم على ال�شا�شة ال�صغرية ،وقد لأ ن النقاد الذين يعا�صرونهم تربوا من خالل ثقافة
تنبه الكتاب �إىل �أن تفا�صيل احلياة اليومية ال�صغرية املدر�سة ال�شعرية ال�سابقة ،مدر�سة الإ حياء ،وهم غري
معب�أة فى حد ذاتها بال�شهادات وبالتجارب وبالأ فكار قادرين على جماراة الإ بداع اجلديد ،وبالفعل ا�ضطر
ال�ضمنية ،فلم يعد هناك جمال لال�ستعارة ،ومل تعد ال�شعراء «عبد الرحمن �شكرى» و»العقاد» و»املازنى»
هناك بطولة للغة فى الن�ص ،فقد بد�أت ترتاجع لتحلّ �أن ميار�سوا النقد ب�أنف�سهم ليدافعوا عن جتربتهم
حملها بطولة امل�شهد ،عندما حل املجاز املهدى فى اجلديدة ،وكذلك عدد كبري من �شعراء الرومان�سية
مكان املجاز اللغوى ،وقد بد�أت الكتابة الطليعية بعد ذلك..
فى جمتمعاتنا تفي�ض بنكهة �شديدة االختالف لقد بد�أت حماوالتى فى النقد على ا�ستحياء فى
عن ال�سابق ..و�إذا �أنت تابعت الكتابات التى مرت منت�صف ال�سبعينيات من القرن املا�ضى ،وكذلك
طوال عقد من الزمان �أو �أكرث قلي ًال وقارنتها بالكتابات معظم ال�شعراء من �أبناء جيلى فى ال�سبعينيات ،وكلنا
ال�سابقة �ستذهلك االختالفات فى ال��ر� ؤى وفى توجهنا ملمار�سة النقد من هذا الباب ،للدفاع عن
التكوين ،وفى الأ دوات ،وفى الروح وفى النزوعات جتربتنا فى البداية ،و�أ�صدرنا جملة �شعرية نقدية هى
وفى امليل العام واخلا�ص. جملة (�إ�ضاءة ،)77ثم ظلت هذه التوجهات النقدية
47 العدد - 150صيف 2013
كل واحد منا ب�شكل ح�سى واقعى ،بعد �أن توارى �إىل �أما فيما يخ�ص التقنية فقد و�صلت امل�س�ألة لدى
غري رجعة ،املفهوم الكبري ،واملفهوم املتعاىل ،واملفهوم البع�ض من حديثى العمر �إىل ا�ستفادة كاملة من
املغلق ،وغريها من املفاهيم التى �صارت غري قادرة تقنيات الكمبيوتر و�إمكانياته اخلا�صة ،بينما يتهمون
على الت�أثري. الكتابة ال�سابقة ب�أنها بنت ح�ضارة ولىَّ زمانها هى
واحلبيبة فى �أدب ال�سبعينيات -على �سبيل ح�ضارة القلم والورقة!! ،و�أنها مهما فعلت ،ومهما
املثال -كانت هى الوطن� ،أو هى احلق �أو احلقيقة طرحت من ق�ضايا فلن تخرج عن نطاقها الذى مل
�أو اخلري �أو اجلمال ،وهكذا ..وميكن �أن تتعدد الرموز يعد له مكان ،وه�ؤالء ال�شعراء اجلدد ي�ستخدمون
واملعانى املجازية التى توحى بها ،بل ميكن �أن ت�شري تقنيات عديدة مرتبطة كلها ب�إمكانيات الكومبيوتر
�إىل الوجود نف�سه ،ولكن احلبيبة الآ ن فقد اختلف وخ�صائ�صه ،وعلى �سبيل املثال ،فهناك كتابة تنتمى
معناها ،فقد �صارت هى تلك الفتاة النحيفة مرهقة �إىل ما ي�سمى بـ»الهايرب تك�ست» وتطرح الن�صو�ص
العينني ،متقدة الذكاء ،ذات البنطلون اجلنز ،وهى الكثرية املتداخلة ،فما �إن تقف باملاو�س لتنقر على
التى �ستذهب �إليها الآ ن ح�سب امليعاد وتعزمها على �أى كلمة تنفتح لك على الفور ق�صيدة جديدة مرتبطة
«�ساندوت�ش طعمية» و»�ساندوت�ش لن�شون» ،و�ستظالن بهذه الكلمة ،و�إذا ما وقفت على �أية كلمة فى هذه
تتحاوران بحدة حول ق�ضية ما ،وقد يغ�ضب �أحدكما الق�صيدة اجلديدة حتى تنفتح لك ق�صيدة جديدة..
فيرتك املكان بع�صبية وا�ضحة ..وهذا هو الفرق بني وهكذا .ولكننى على امل�ستوى ال�شخ�صى �أعتقد �أن
املعنى احلالة ،واملعنى الفعلى املحايث الذى يج�سد
�شهيق احلياة الفعلية وزفريها.
وهناك فرق كبري بني �أن �أقول لك -مثالً -كلمة شعر النثر يتطلب التخلى الكامل
م�صر لتعطيك املعنى املجمل ،وبني �أن �أحكى لك
عن تفا�صيل �أماكن نوم العائلة امل�صرية وتفا�صيل عن كل آثار النص التفعيلى
اال�ستيقاظ فى ال�صباح وتناول الإ فطار ،وتفا�صيل
اللهجة التى تتحاور بها هذه العائلة ،وتفا�صيل
ال�شوارع التى �سيم�شى فيها الأ طفال حتى ي�صلوا �إىل
املدر�سة ،ثم تفا�صيل �شكل املدر�سة اخلارجى وطوابري هذا املنحى اليزال ميثل درجة رفاهية ال ت�ستطيع
ال�صباح ،وما جرى داخل الف�صول ،وهكذا ،لقد جمتمعاتنا �أن تواكبها حتى الآ ن ..والزلنا فى ظروف
�صارت تفا�صيل احلياة اليومية �شهادة على �أننا ع�شنا اجتماعية واقت�صادية وفكرية حتول دون تعميم مثل
وجربنا وتفاعلنا بحق مع معطيات الوجود. تلك التوجهات ،والكومبيوتر نف�سه قد متتلكه الطبقات
املتو�سطة ،واملتو�سطة ال�صغرية ،ولكنه لي�س فى �أيدى هل تتعمد ك�سر �أفق توقع القارئ عن الق�صيدة
�أبناء الطبقات الفقرية بعد .ولكنى �أعود ف�أقول �إن باعتبار �أن �شكلها وبنيتها �أ�صبحا «تابوه»؟
امل�ستقبل ينتظر تفتح �إمكانيات هائلة �ستغري الر� ؤى �أنا ال �أتعمد ك�سر �أفق توقع القارئ ،ولكن �أنا �أطرح
تغيريًا جذريًّا ،كما �ستغري التقنيات بالطبع ،لأ ن حركة ما لدىَّ ب�صدق �شديد ،وجمرد ال�صدق ،وطرح الر� ؤية
اجلديدة ،كفيل بك�سر �أفق التوقع لدى القارئ الذى التاريخ ومنوه ال ميكن �أن تتوقف بحال.
ملاذا تبدو معظم ن�صو�صك يف الفرتة الأ خرية اعتاد �أن يقر�أ الن�صو�ص املكررة التى تدور فى نطاق
مهتمة باليومي واملعي�ش �إىل درج��ة الإ غراق معان ثابتة ال تتغري ..هذه املعانى التى لفظتها احلياة،
وهناك من الكتاب من اليزال يت�صور �أن الكتابة تعنى فيهما؟
لأ ن املعطيات التى يطرحها اليومى واملعي�ش الرجوع با�ستمرار لأ فكار ثابتة موروثة يتم اجرتارها
وال�صغري واجلزئى �أ�صبحت هى املعطيات التى ت�شد مع كل كتابة!! .وكما يطور الكتَّاب ر� ؤاهم وجممل
48
ت�صوراتهم ،وبالتاىل �أدواتهم وتقنياتهم ،فالقارئ �أي�ضً ا واحد �سريع.
يطور م�ستوى تذوقه ،و�أفق تلقيه .وقد اهتمت نظريات �أال تخ�شى من �شعور القارئ باغرتاب حال قراءة
التلقى املعا�صرة بالقارئ اهتمامًا رئي�سيًّا وطرحت ن�صو�صك املفارقة للت�صور املعهود عن ال�شعر؟
�سياقات ثقافية ومرتكزات نظرية وتطبيقية لهذا ال �أخ�شى من ذلك على الإ طالق ،بل دعنى �أقول
االهتمام ،وقد ا�ستطاع النقد العربى �أن يتمثل هذه لك �أن امل�س�ألة عندى معكو�سة تقريبًا ،ففى حلظة �شعور
النظريات و�أن ي�ستوعبها ب�شكل رفيع امل�ستوى بعد �أن القارئ ب�شىء ي�شبه االغرتاب ب�إزاء �أى ن�ص يقر�ؤه مما
قدم م�ساهمته اخلا�صة م�ؤمنًا ب�أن هذه الر� ؤى اجلديدة �أكتب� ،أح�س �أنا بال�سعادة ،لأ ن �شبه االغرتاب هذا
�سوف حتل جميع م�شاكل الن�ص تفكيكً ا وتركيبا ،يعنى �أن القارئ �أح�س مبا ميكن �أن يدفعه للتفكري،
و�سوف تعاجلها فهمًا وتف�سريًا ،وبذلك مل يعد القارئ وت�أمل الن�ص وت�أمل الق�ضية برمتها ،بل وت�أمل ق�ضايا
كائنًا ا�ستاتيكيًّا �صامتًا مكتوبًا عليه �أن يتلقى الأ عمال كثرية منها :عالقة القارئ بالكتابة ،وميكن للقارئ
الإ بداعية والكتابة ،فيتلقى الن�ص �صاغرًا! بل �أ�صبح �أي�ضً ا �أن يت�أمل التطور الذى تعرفه احلياة اليوم ،و�أثر
القارئ اليوم م�شاركًا فى م�سئولية �إنتاج الن�ص ،وال هذا التطور على كافة الظواهر ،ومنها الفكر والثقافة
والإ بداع وكافة �أ�شكال الكتابة. معنى للن�ص بدون القارئ.
تبدو �أكرث املب�شرين بحقبة ما بعد احلداثة يف ولعل ق�ضية عالقة القارئ بالن�ص قد �صارت من
�أهم الق�ضايا املعا�صرة ،وبخا�صة لأ نها جديدة من ال�شعر ..فهل ا�ستنفدت احلداثة �أغرا�ضها؟
بالفعل �أنا �أت�صور امل�س�ألة هكذا ،مثلما طرحت فى
�س�ؤالك الذكى اخلبري ببواطن الأ مور ،وكل ما �أتت
به احلداثة �أ�صبح فى الباى باى :املجاز اللغوى ،الشاعر اجلديد طماع ،يريد
وطبلوا ،وهكذا .املعنى اجلديد اليوم �صار ب�سيطًا أن ميتلك التاريخ كله
واجلوانب ال�صوفية وفكرة القناع التى زمر لها النقاد
حمددًا مبا�شرًا ،و�صار ال�شىء هو هو ،و�صار الكاتب
ي�ستخدم كل املعانى املت�صلة بالفكرة التى يقولها
حتى لو حدث ت�ضاد بني هذه املعانى ،وقد �أ�صبح
الكاتب طماعًا كما قلت فى �إجابة �س�ؤال �سابق ،فهو بابها ،وقد عرفت نظريات القراءة مواكبة لفكر ما بعد
يريد فى ن�صه �أن يكون كال�سيكيًّا ورومان�سيًّا وتعبرييًّا احلداثة منذ بعد منت�صف القرن املا�ضى ،لتقوم بدور
وحداثيًّا وما بعد حداثى فى الوقت نف�سه ،يريد �أن مهم هو �إعادة االعتبار للمتلقى ،بعد �أن ظلت ال�صدارة
للم�ؤلف فرتة طويلة ،وكان البد �أن يعاد هذا االعتبار يكون كل �شىء ،و�أن ميتلك كل �شىء.
وهذه امل�س�ألة لي�ست فى الكتابة وحدها ،بل �صار للمتلقى بعد التطور الذى حققته النظريات احلديثة
التعدد رمز احلياة فى كل م�ستوياتها ،و�أحيانًا �أكون التى تنتمى للت�أويل وللفينومينولوجيا ،والتداولية،
فى اجلامعة ،مثالً ،وتدخل علىَّ فتاة حمجبة من �أعلى ونظريات النقد الثقافى ،والنقد الن�سائى ،حتى �أ�صبح
ح�سب الزى الإ �سالمى ،وتلب�س بنطلون جينز ح�سب دور القارئ �أ�سا�سيًّا فى حتليل الن�ص و�إدراك دالالته
الزى الغربى ،وهكذا تتعدد �أمناط الزى بب�ساطة ،كما العميقة ،واجلميع يعرفون اجلهود التى بذلت فى هذا
�أن هذه الفتاة حتيينى مبجرد دخولها فتقول :ال�سالم االجتاه من قبل «�إيزر» ،و»ياو�س» .وعرفنا ت�صنيفات
عليكم ورحمة اهلل وبركاته ،وفى �أثناء حديثها معى ،جديدة مثرية ت�صف القراء ،وهناك على �سبيل املثال:
توافق على ما قلت لها فتقول� :أوكيه ،ومبجرد �أن �أقدم القارئ اجلامع لدى «ريفاتري» ،والقارئ ال�ضمنى
لها امل�ساعدة التى تريدها ،تبت�سم وتقول :مري�سى ،والقارئ اخلياىل اللذان حللهما «�إيزر» ،وهناك القارئ
وهكذا تتعدد الأ زياء ،وتتعدد لغة التخاطب فى مثال املرتقب �أو الق�صدى �أو املثاىل �أو التاريخى ،وهكذا.
50
من مو�سيقى و�إيقاعات املدر�سة التفعيلية.
يهاجم احلداثة ،ك�أنه يهاجمه هو �شخ�صيًّا ،وهناك
وبالفعل ا�ستطاعت ق�صيدة النرث �أن جتتذب �شعراء جتاوزوا احلداثة ،ومنهم عدد كبري من �شعراء
�شعراء ال�سبعينيات ومن تالهم ،وا�ستطاعت �أنالثمانينيات ،وكل �شعراء الت�سعينيات ،و�أي�ضً ا هناك
جتتذب اجلمهور ب�سبب �إيقاعها اخلا�ص ومو�سيقاها
�شعراء جدد ي�ستفيدون مبا�شرة فى �إبداعهم من
الداخلية التى تعتمد على الأ لفاظ وتتابعها ،وال�صور
تقنيات الكمبيوتر .ومل يعد غريبًا الآ ن �أن جتد من�صة
وتكاملها ،واحلالة العامة للق�صيدة ،وبنائها اخلا�ص،
�شعرا� ؤها ينتمى كل واحد منهم �إىل تيار يختلف عن
وكما قال ال�شاعر اللبنانى «�أن�سى احلاج»( :لتكون
الآ خرين� ،أو جملة تتوزع �أبوابها وق�صائدها املن�شورة
ق�صيدة النرث ق�صيدة حقًّا ال قطعة نرث فنية� ،أو حمملة
على توجهات خمتلفة فى اللحظة نف�سها مثل هذه
بال�شعر� ،شروط ثالثة :االيجاز والتوهج واملجانية). املجلة التى ن�شرت هذا احلوار.
و�إن كانت هذه ال�شروط تنطبق على ق�صيدة النرث
وميكن القول �أي�ضً ا �إن جمهور ال�شعر اليوم مل
البريوتية ال�ستيتية ،فهى ال تنطبق على ق�صيدة النرث
يعد متجان�سً ا �أي�ضً ا ،بل تتقا�سمه ميول �شديدة
التى تكتب اليوم ،بعد �أن رحلت �إىل مناطق �شعرية
االختالف ال ميكن �ضبطها ،ميول تتوزع بني كل
جديدة �شديدة اخل�صو�صية.
املدار�س واالجتاهات ال�شعرية والفكرية ال�سابقة،
وجمهور ال�شعر اليوم -وميكنك �أن تالحظ هذا هل ت�أثر موقعك بني �أبناء جيلك ب�سبب �سفرك
ب�سهولة فى �أى ندوة �شعرية -ي�صفق بحما�سة لكل لفرتة طويلة للعمل يف اخلليج؟
ال�شعراء الذين يقرءون ق�صائدهم فى الندوة على
اختالف م�شاربهم وتوجهاتهم.
عدد كبري من شعراء جيلى حتول ما ر�أي��ك يف حتول �أبناء جيلك من ق�صيدة
التفعيلة �إىل النرث وهل ا�ستطاعوا �أن ينجزوا
إىل قصيدة النثر حتو ًال شكليًّا قطيعة مع منجزهم التفعيلي؟
�أبناء جيلى حتولوا من ق�صيدة التفعيلة �إىل النرث
منذ البدايات الأ وىل ،وبع�ضهم �أجنز ت�صاحلًا بطريقة
خا�صة ،عندما جمعت الق�صيدة الواحدة بني
�س�ؤالك نف�سه متيقن من الإ جابة ،لأ نها �إجابة االجتاهني التفعيلى والنرثى� ،أو على الأ قل جمع
بديهية� ،صحيح �أننى ط��وال فرتة غيابى كنت الديوان الواحد بني ق�صائد تنتمى لالجتاهني،
على �صلة �شبه يومية بال�شعراء والنقاد فى م�صر و�أنا على امل�ستوى ال�شخ�صى مل �أكن م�سرتيحً ا
والعامل العربى واخلارجى ،لدرجة �أن زوجتى وكنت �أعتقد �أنه جمعلهذا اجلمع بني االجتاهنيُ ،
اتهمتنى بتبذير املال الذى ك�سبته فى دفع �أجرة تع�سفى ،وعلى العموم ف�صيغة �س�ؤالك فيها �شىء
مكاملات الهاتف ،وكانت �أ�سعار املكاملات وقتها من املكر اجلميل ،لأ ن عددًا كبريًا من �شعراء جيلى
بالفعل �شديدة االرتفاع ،ومل يكن هناك حممول بالفعل حتول �إىل ق�صيدة النرث حتو ًال �شكليًّا ،ولكن
�أو �إنرتنت ،ولكن املكاملات ال تكفى بالطبع لأ ن روح التفعيلة ظلت تفي�ض بها ق�صائدهم رغم �شكل
جزءًا من التحقق ال�شعرى ال يحدث �إال بالتواجد ق�صيدة النرث الذى تقم�صته هذه الق�صائد تقم�صً ا،
اجل�سدى اليومى بني النا�س والنقاد والزمالء فى �أو هو حم�ض تقم�ص ،لأ ن �شعر النرث يتطلب �أول ما
قلب رهج احلياة الثقافية اليومية ..نعم فرتة غيابى يتطلب :التخلى الكامل عن كل مالمح و�آثار الن�ص
الطويلة جعلتنى �أخ�سر الكثري فيما يخ�ص موقعى التفعيلى ،واالمتالء الكامل مبنطق النرثية ،وي�ستطيع
بني �أبناء جيلى ،وموقعى فى ال�ساحة ال�شعرية الناقد احل�صيف– بالطبع� -أن يكت�شف مدى ادعاء
ب�شكل عام. النرثية فى �أى ن�ص �شعرى مهما تخل�ص هذا الن�ص
51 العدد - 150صيف 2013
اجل�سد ..الأ �شياء ..العامل
حتــوالت أجمـد ريـــان
د .محمد السيد إسماعيل
عاميتها و�شعبيتها ميكن و�صفها بعامية الأ ميني �أو مرَّت �شعرية �أجمد ريان مبجموعة من التحوالت
«العوام» ،فهل ميكن تف�سري ذلك بتلك ال�سيولة الالفتة ،ميكن تق�سيمها �إىل مرحلتني �أ�سا�سيتني،
االجتماعية الناجتة عن فعل احلراك االجتماعى تندرج الأ وىل حتت ما عرف باحلداثة ال�سبعينية
�صعودا وهبوطا ما يهدد فكرة «الطبقة» مبفهومها ممثلة يف قناعات جماعة «�إ�ضاءة» التى كان ال�شاعر
التقليدي والتى كان من ال�سهل التعرف عليها �أحد �أع�ضائها البارزين ،وقد متيزت هذه احلداثة-
من خالل «اللغة»؟ هذا جانب واحد من جوانب كما هو معروف -باالهتمام باملجاز وتكثيف الدالّ
تف�سري هذه الظاهرة «اللغوية» التى نالحظها وتعدد املعنى وتركيبه وتفعيل �آلية التجريب على
بو�ضوح يف العديد من الن�صو�ص يف الفرتة م�ستوى اللغة وال�صورة ال�شعرية وبنية الق�صيدة.
الأ خرية ،بالإ �ضافة �إىل جوانب �أخرى منها �إميان الأ مر الذي ترتب عليه �شيوع ظاهرة الغمو�ض يف
ال�شاعر مبا ي�سميه بـ»الكتابة العفوية» التى ال العديد من الن�صو�ص ال�شعرية ،ودعاوى انف�صالها
تقوم على التخطيط امل�سبق بل تقوم على تراكم عن «الواقع» خا�صة بعد ر�سوخ �شعرية كانت تقوم
املواقف وامل�شاهد والتى تبدو الق�صيدة فيها �أقر �إىل على ت�أكيد عالقة الق�صيدة بالواقع ب�صورة �شديدة
احلديث املتداول احلميمى ،ولنت�أمل هذه ال�سطور: الو�ضوح واملبا�شرة كما جند يف املنت العام لق�صيدة
«� ...أح�س �أن برجا من دماغى �سيطري ،لذا �أغم�ض الريادة التفعيلية وق�صيدة ال�ستينيات.
عينى مت�أمال اجلوهر املبدد ،مقررا �أن �أبد�أ الق�صيدة ولأ ن فعل «التجريب» وغوايته ظل �إحدى القيم
عفويا ،وعلى القارئ �أن يعيد بناء العامل ال�شعرى املهيمنة على �شعرية ال�سبعينيات فقد كان هذا
لكي يفهم الر�سالة « ( «عن الإ �سراف يف اخليال») ممهدا النتقال �أجمد ريان -مع بع�ض جمايليه� -إىل
�أجمد ريان �ص –99الهيئة امل�صرية العامة للكتاب ما عرف ب�شعرية ما بعد احلداثة التى تقوم على
.) 2012حيث تظهر– يف ال�سطر الأ ول– هذه �ضرب «مركزية» الن�ص و�سلطته والدفع به على
الكناية ال�شعبية الدالة على «اجلنون»؛ كما تبدو �أن يكون «�شبيها» بالفعل االجتماعى االعتيادى،
ر� ؤيته لعفوية الكتابة؛ �أو– يف حقيقة الأ مر– التى ومن هنا جاء ما يعرف بتجاور م�ستويات اللغة
تبدو «عفوية» وهى لي�ست كذلك متاما حتى و�إن وتداخلها يف بنية الق�صيدة ،فنجد «دوالّ » من
حكمها منطق الالوعى والتداعى احلر. قبيل :ال�س�شوار ،الفوتيه ،الآ ي�س كرمي ،الفازلني،
ومهمة القارئ -كما يقول ال�شاعر بحق -هى �أن ال�شيفونرية ،الكيبورد ،بجوار دوال موغلة يف
52
الق�صيدة -بهذا املعنى -ت�شابه الواقع �أو توازيه �أو يعيد بناء هذا العامل الذي يبدو ظاهريا -م�شتتا؛
تن�سجم معه ،من خالل �صناعة بنية غري مفارقة �أو �إذا �شئنا الدقة يبدو يف �صورة «لوحات» �شعرية
لهذا «الكحل امليتافيزيقى فوق الرمو�ش العلوية». منف�صلة ومت�صلة يف �آن واحد.
ويف مو�ضع �آخر يحدد �أدوار ال�شاعر مبا يتفق مع واحلقيقة �أن �أجمد ريان كثريا ما ي�شري -ب�إيجاز-
مفهومه لل�شعر ،فريى �أن على ال�شاعر «�أن يقوم �إىل مفهومه لل�شعر وحقيقة املوهبة ودور ال�شاعر
بدور الكاهن /وبدور املحلل ال�سيا�سى /وبدور و�أداة �إدراك��ه للعامل والميكن �أن نرجع ذلك-
خادمة الأ طفال معا /وعلى ال�شاعر �أن ي�سري فقط� -إىل طبيعة الناقد عنده ،لأ نه مو�ضوع قدمي
يف كل يوم /حتى حافة الأ ر�ض» (�ص� .)98إن موروث منذ ال�شعر اجلاهلى و�صوال �إىل الع�صر
فل�سفة «العلو» ومبارحة الأ ر�ض وجتاوزها مل يعد احلديث على نحو ما يظهر يف درا�سة د .حممد
مما ي�شغل ال�شاعر الآ ن؛ الذي �أ�صبح يعانى العزلة عبداملطلب الهامة حول «مفهوم ال�شعر يف القول
واالكتئاب واله�شا�شة وال�ضعف وال�ض�آلة بجانب ال�شعرى» (جملة ف�صول �ص 28العدد � 58شتاء
بنايات املدينة ال�ضخمة التى تخرتق املدى؛ وبقدر .)2002ولتف�صيل ذلك ميكن �أن نقول �إن �أجمد
ت�شبثه بالأ ر�ض واختالطه بنا�سها وباعتها اجلائلني ريان يبد�أ من احل�س املبا�شر بو�صفه �أداة لإ دراك
وعجائزها وفتياتها و�أطفالها يكون ابتعاده عن فكرة العامل ولي�س لكتابة ال�شعر فح�سب ،يقول -مثال-
ال�شاعر الرائي العليم الذي يب�صر ما ال تب�صره فيما ي�شبه البيان ال�شعرى�« :إننى �أراوغ العقل،
اجلماعة حمذرا ومنذرا؛ ال �شيء من هذا جنده و�أتبع احل�س على الرغم منّي» (�ص )64واحلق �أنه
عند �أجمد ريان� ،إن موقعه حيث يكون النا�س، ال يراوغ «العقل» فقط بل يراوغ املعرفة احلد�سية
ال يعلوهم علما؛ �إنه -فقط -يتبادل معهم املعرفة العرفانية الباطنية التى تلقى يف روع الإ ن�سان،
واخل�برات والتجارب .بل �إن ما يعرف باخليال وهو ما ينعك�س على ر� ؤيته لفكرة املوهبة التى
ال�شعرى �أ�صبح بع�ضه -رغم غرابته -حقيقة ال يراها منحة بل «حما�سة» �شخ�صية« :لي�ست
علمية كما جند يف قوله« :يحتفظ الكون بكل املوهبة منحة للبع�ض /لكنها حما�سة /ي�ستطيع �أن
الأ �صوات� :أ�صوات الب�شر منذ بداية اخلليقة/ يخلقها كل �شخ�ص» (�ص� )84إن فكرة املوهبة �أو
كل الأ �صوات موجودة ،ك�أن الف�ضاء م�سجل القدرة على كتابة ال�شعر التى ي�ستطيع �أن يخلقها
كبري يحتفظ بكل �شيء» (�ص� )88إن كل ما�سبق كل �شخ�ص باحلما�سة الواجبة وما ت�ستلزمه من
حقيقة علمية يوظفها ال�شاعر لكي ي�صل �إىل جتربته امتالك �شروط الفن �شبيهة بدعوى �أبى العتاهية
الراهنة حني يقول« :و�سيحتفظ الكون بالت�أكيد/ قدميا حني ا�ستعار �أغلب معانيه ورمبا تعبرياته من
ب�ضحتك هذه� /ضحكتك الق�صرية «ال�سوبرانو»/ �أف��واه الفالحني وال�صيادين والب�سطاء طاحما
التى تخرتق القلب مبا�شرة» (�ص .)88واحلقيقة �إىل �أن تكون ق�صيدته مادة �أحاديثهم اليومية؛
�أن ال�شاعر غالبا ما يوظف معارفه على اختالف وك�أنها دعوى �إىل تلك العفوية �أو الإ ن�سيابية التى
جماالتها خا�صة «علم النف�س» حيث يتحدث �أرادها �أجمد ريان�« :أريد من ق�صيدتى� /أن تتميز
عن «الالوعى» الذي تلوذ به الذات يف مواجهتها باالن�سيابية /و�أن تكون غري منغلقة /و�أن تكون
للحياة؛ �أو ا ال�ستدالل على طبيعة ال�شخ�صية مت�صاعدة بهدوء /لكي تن�سجم مع هذا الكحل
وانفعاالتها الباطنية من خالل حركة مالمح الوجه امليتافيزيقى /فوق الرمو�ش العلوية» (�ص� )84إن
53 العدد - 150صيف 2013
�أو على م�ستوى الفعل الإ ن�ساين حيث جند �أو اليدين �أو الأ �صابع ،ك�أن ي�ستدل -مثال -على
«القهقهة» يف ارتفاعها وتال�شيها �شبيهة باحل�ضارة بكاء �شخ�ص من خالل حركة الفم الذي قد
يف �صعودها وهبوطها .وفكرة االنتهاء هذه من يغمز لأ �سفل قليال حركات ال �إرادي��ة متتالية»
الأ فكار الرئي�سية يف الديوان ،فكل �شيء ينتهى: (�ص.)70
«الإ ن�سان ،والأ �شياء ،والأ فكار لأ ن املوت يالزمنا هذا التوقف �أمام اجلزئي :الأ �صابع ،الوجه،
يف كل وقت ،ومع ذلك ف�إن كل �شيء يبد�أ من الفم ،ال�شفاه ،الأ قدام ،الأ م�شاط ،الأ دراج ،الأ لوان
جديد ،يف دورة حياة �أخ��رى ،ومن هنا جاءت يعد �إحدى �سمات هذه ال�شعرية ،لكن هذا اجلزئي
فكرة البنية الدائرية التى ي�شري �إليها بقوله« :كل لي�س �أكرث من طريق �إىل العام والق�ضايا الكربى
�شيء يخ�ضع للبنية الدائرية املغلقة /حيث تعود وامليتافيزيقية؛ ومن ذلك -مثال� -أن ي�صبح «�صبى
كل فكرة يف نهايتها �إىل بدايتها» (�ص .)64وعلى الكواء» الذي مل يتجاوز عامه ال�ساد�س ويحمل
م�ستوى الإ ن�سان جند هذه البنية الدائرية املتكررة: مالب�س �أ�ضخم من حجمه ملتويا مثل ثعبان بني
امليالد -الطفولة -ال�شباب -ال�شيخوخة -املوت ال�سيارات موازيا -يف ر� ؤية ال�شاعر -للم�سرية
ثم مرة �أخرى امليالد -الطفولة ...ومن هنا كرثت الآ دمية كلها (�ص.)137
تقنية ا�ستدعاء املا�ضى ومرحلة الطفولة حتديدا ورمبا ذكرتنا هذه الق�صيدة بق�صة «نظرة» ليو�سف
ك�أنها رغبة يف البدء من جديد ،لكن هذه الطفولة �إدري�س ،غري �أن ما يفرق بينهما �أن �إدري�س جعل
ت�أتي -غالبا -مقرونة بالقهر ،مما يبعدها عن فكرة ق�صته خال�صة لبعدها االجتماعى /الطبقى بينما
«النو�ستاجليا» املثالية الرومان�سية ،ومن ذلك- كانت الق�صيدة موحية بالبعدين معا :االجتماعى
مثال -تذكره حلفل «الطهارة» الذي دخله واعيا يف والوجودى؛ وك�أننا �أمام ثالث دوائر متداخلة:
طفولته املبكرة وظل مالزما لوعيه �أو الوعيه حتى الفعل اليومي املعتاد؛ الدائرة االجتماعية ،الدائرة
�أح�س الوجود كله ك�أنه «حفل طهارة» �أو قوله «يف الوجودية.
الطفولة كنا نح�شر �أج�سادنا ال�صغرية يف الطوابري والأ مر نف�سه جنده يف طرحه لق�ضية االغرتاب
متوقعني �ضربة ع�صا ،يف �أي حلظة» (�ص .)31 على جالل هذه الق�ضية وخطورتها والتى تعد
وهكذا يبد�أ ال�شاعر ما ميكن �أن ن�سميه بتاريخ �إحدى �سمات ال�شعر املعا�صر كله كما تعد مبحثا
«اجل�سد» من الطفولة حتى ال�شيخوخة واملوت مطوال يف الفل�سفة املثالية واملادية؛ ومع ذلك
م�ستعر�ضا �أمناطه املختلفة؛ فنجد -على �سبيل يربطها ال�شاعر -بب�ساطة �شديدة -بف�ستان حبيبته:
املثال -اجل�سد بو�صفه مو�ضوعا لل�شهوة كما يف «�أح�س ب�أن احلزن بطل احلياة /و�أن االغرتاب هو
عالقة «م�صطفى �سعيد» بطل رواية «مو�سم الهجرة االنف�صال :االنف�صال بني اجلزء والكل /بني الفرد
لل�شمال» بالن�ساء الغرببات ،فيبدو «اجلن�س» -هنا- واملجتمع /بني احلا�ضر وامل�ستقبل /بدليل ب�سيط:
كما لو كان �أداة ملقاومة التغريب وحمو الذات؛ �أو هو ف�ستانك ال�ضيق املنح�سر عند اخل�صر ،والوا�سع
انتقاما من ذلك الغرب امل�ستعمر .واحلقيقة �أن قليال عند الفخذين» (�ص.)87
الرغبة يف اجلن�س ت�شتعل دائما يف مقابل القهر و�أحيانا تتجلى ثنائية اجلزئي والعام على م�ستوى
والفقر وال�شيخوخة ،فيتحول اجل�سد �إىل نوع من البنية الزمنية حيث يرى ال�شاعر �أن كل «حلظة»:
اخلال�ص»:ملاذا ظللت �أه�صر امل��ر�أة التى كنت «ميكن �أن تت�ضمن ق�صة الوجود» (�ص.)19
54
يجاور -يف بع�ض مناذجه -بني فعل الت�أمل الذهنى �أحت�ضنها ه�صرا /هل كانت هى اخلال�ص؟»
وفعل احلركة الع�ضوية� ،أو يلج�أ �أحيانا �إىل ما ي�شبه (�ص.)51
التقدمي ال�شعبى للذات حني يركز على �أبرز �صفاتها كما ي�أتى ما ي�ستدعى اجل�سد واجلن�س� -أحيانا-
ك�أن يقول -مثال�« :-أريد �أن �أعرفكم بنف�سى� /أنا تعوي�ضا عن ال�شقاء واالنهاك البدنى ،مما ي�صنع
�أكرث الب�شر حزنا /يف هذا الكون» (�ص.)14 نوعا من املفارقة حني نقر�أ -مثال« -يحمل العمال
�أو ي�ستفيد من الفن الت�شكيلى حني ير�سم لوحة الطوب على ظهورهم� /أو يخلطون املونة /وينزلون
�ساكنة لفتاة جتل�س على «الدكة» تت�أمل املدى الزلط من العربات /ويف �شرفة املبنى املقابل/
(�ص )13ومن الفن ال�سينمائى حني ير�سم �صورة كانت قم�صان النوم الن�سائية معلقة ترفرف فوق
�ضاجة باحلركة. احلبال» ( �ص.)127
أ�شرت -من قبل� -إىل جلوء ال�شاعر و�إذا كنت � ُ هذه املقارنات التى نلحظها يف النماذج ال�سابقة
�إىل «احل�س» بو�صفه �أداة لإ دراك العامل ف�إنه -يف كلها جتعل من «اجلن�س» املتعة الوحيدة يف حياة
بع�ض النماذج -ميزج بني العقلى واللغوى واخلياىل ه� ؤالء الب�شر و�أداة ت�شبثهم باحلياة يف مواجهة
واحل�سى يف قوله «العقل يطحن /واحلروف تتوالد/ عوامل القهر وال�شقاء والإ نهاك والفقر .و�إذا كان
والتخيالت الب�شرية ت�صعد /وعلى الفور �أتقم�ص هذا ال�سياق يجعل من «ج�سد» املر�أة مثريا يوقظ
احلوا�س ففى �سياقات �أخرى ي�أتى هذا «اجل�سد»
حالة العا�شق الأ ب��دى /وبعد �أن �ألتهم قطعة
مطاردا ومراقبا« :ج�سد املر�أة عندنا م�شكوك به/
الكيك� /أحل�س �أ�صابعى /و�أت�أمل الفراغ املمتد» منذ ال�شهقة الأ وىل /هو اجل�سد املراقب املطارد/
(�ص.)21 احلامل لبذور اخلطيئة» (���ص .)85وك�أن ه� ؤالء
ويف بع�ض النماذج جند �أ�سماء �أ�شخا�ص املراقبني املطاردين «يريدون �أن ي�ضعوا ج�سد املر�أة
حقيقيني؛ مما يدل على انتقال ال�شعرية العربية من خارج الزمن» (���ص )86يريدون ج�سدا مثاليا
متجيد الفرد احلاكم القوى �إىل احلديث عن طبقة مفارقا للزمان واملكان.
اجتماعية :الفالحني ،العمال ،املثقفني ،كفئة ويف �سطور بالغة التكثيف والداللة يربط ال�شاعر
نوعية ،ثم �أخريا احلديث عن �أ�شخا�ص ب�سطاء �أقرب بني احللم واجل�سد واحلياة املادية التى ت�ستنزف
�إىل عامة النا�س رغم متيزهم النوعى ك�شعراء. الإ ن�سان« :احللم ي�ستعيد اجل�سد /وهم م�شغولون/
وعلى م�ستوى املكان جند �أي�ضا مثل هذه يف عد النقود» (�ص.)12
االنتقاالت من الوطن �إجماال �إىل املدينة� ،إىل وال ينف�صل اجل�سد -يف ر� ؤية ال�شاعر -عن بعده
القرية �أحيانا؛ و�أخ�يرا �إىل �شارع حمدد �شارع االجتماعى حني يُ�صوِّر �صراخ اخلادمة يف ال�شقة
من�صور؛ �أو �إىل بيت ،و�أحيانا يتم احلديث عن غرفة املقابلة �أو يلفتنا �إىل امل��ر�أة العجوز التى تنفجر
داخل هذا البيت. بالبكاء يف م�شهد يوحى بالقهر والعجز؛ هكذا ال
من خالل هذه العالمات ن�ستطيع �أن نتبينَّ ي�صبح اجل�سد -ب�إمياءاته وحاالته -معربا فح�سب
حتوالت ال�شعرية العربية و�صوال �إىل الق�صيدة عن احلالة النف�سية بل «هو اللغة الوحيدة التى
اجلديدة التى يحمل هذا الديون الكثري من ت�ستطيع �أن تخاطب العامل» (�ص.)49
خ�صائ�صها. يبقى -بعد ذلك� -أن �أ�شري �إىل �أن ال�شاعر
55 العدد - 150صيف 2013
كائن املسافات البعيدة!
د.عبدالحكم العالمي
بنية الكلمة وما يطر�أ عليها من الزيادة والنق�صان، ح�سينما نتحدث عن �أجمد ريان ال�شاعر ،ف�إننا
ف�أظل يف النافذة �أراقب الفقراء الذين يق�صدون �سنكون ب�إزاء حالة �شعرية �شديدة الت�شابك ،متناهية
الإ �سكافيني لرتكيب ن�صف نعل للحذاء! ميكن التعقيد ،وهي � -إ�ضافة �إىل ذلك � -شديدة الفرادة،
لهذا العامل �أن يظل هكذا �آيال لل�سقوط ،وذلك كثيفة التعدد ،مرتامية املناحي واالجتاهات ،و�أجمد
لأ ن نفرا من بنيه يحيون على كوكبه حياة يائ�سة، ريان واحد من الطالئع احلقيقيني حلركة التحديث
�إنهم فقراء هذا العامل الذين ي�سجل ال�شاعر هنا ال�شعري يف م�صر والعامل العربي ،وهو على الرغم
انحيازه التام لهم ،و�سعيه احلثيث لتبني ق�ضاياهم، من انتمائه ملا يعرف بجيل ال�سبعينيات يف حركة
فمنذ �أن دبت �أقدام الإ ن�سان على هذه الأ ر�ض وهو التحديث ال�شعري� ،إال �أنه اتخذ لنف�سه مداراً
ميني نف�سه ب�إدراك ال�سعادة حتى يتحقق له الر�ضا �آخر يجري فيه حراكا �شعريا مغايرا يبتعد به عن
الذي ميثل -بالن�سبة �إليه � -إ�شباع حاجياته جماالت الت�صنيف املدر�سي �أحادي النظر ،وي�أخذ
وطم�أنينة نف�سه� ،إ�ضافة �إىل حلمه الأ ثري يف حتقيق بيده حثيثا �إىل احت�ضان العوامل ال�شعرية بكل ما
ذاته ،وال�شعور بالر�ضا ال يتحقق مع العوز واحلاجة تنطوي عليه من ر� ؤى ،وما قد يكتنف هذه الر� ؤى
اللذين ت�صبح بهما احلياة ظاملة تعطي من ال من مفارقات! و�أجمد ريان ميار�س العمل ال�شعري
ي�ستحق ،وحترم ذوي الأ جنحة من التحليق! وهنا من خالل رافدين ي�سريان متوازيني� :أحدهما
يعتمل ال�شك يف النف�س ،فال العقل ي�سعد �صاحبه �إبداعي ،وثانيهما نقدي مما �أتاح له ميزة �إ�ضافية،
وال املوهبة حتلق ب�صاحبها بعيدا عن كدر احلال، ميزة جعلته على وفاق مع الأ طروحات ال�شعرية
وهنا تقع النف�س فري�سة للحرية ،فت�سقط يف فخاخ على اختالف م�شاربها ،وتباين مدار�سها ،وهو بهذا
وجودية ال تنجو منها �سوى با�ستبدال اخلنوع يكون قد �أتاح لنف�سه فر�صة للتوا�صل ال تقف عند
بالر�ضا ،واال�ست�سالم بالت�سليم(.)1 حدود جيل ،وال تت�صادم مع �أي رافد.
ويف هذه الأ ج��واء ت�صبح النف�س الإ ن�سانية و�أجمد ريان احلداثي حتى النخاع يده�شك
م�ضطرة لل�سقوط باملعنى الوجودي ،ال�سقوط الذي حينما يجادلك حول املتنبي ،وي�أخذ بلبك حينما
ينتهي بها �إىل �أن تذوب يف الغري ،فال تفكر �إال ي�صف لك ليلة من لياليه مع �شوقيات �أمري ال�شعراء،
كما يفكر النا�س ،وال تفعل �إال كما يفعلون ،وال وينال من ثوابتك حينما يكلمك عن احلداثة وما
ت�شعر �إال مبا ي�شعرون! و�إمنا يجيء ا�ضطرارها �إىل بعدها ،ويده�شك �أكرث حينما يعرفك بنف�سه� :أريد
مثل هذا الوجود الزائف فراراً من وجودها احلق، �أن �أعرفكم بنف�سي �أنا �أكرث الب�شر حزنا يف هذا
ذلك الوجود الذي يذكرها مب�سئولياتها الكبرية جتاه الكون مالذي قبالت املحبني و�سعيي �أن �أمتلك
56
الرتكيز على النزعة الب�صرية امل�شهدية ،الك�شف م�صريها مما ي�ضاعف من حزنها ،ويذكي من �شقائها
عن �شعرية املهم�ش وامل�شوه واملن�سي ،النزوع �إىل فت�صرخ هكذا� :أنا �أكرث الب�شر حزنا يف هذا الكون!
الب�ساطة والعمق يف �آن(.)2 �إن املت�أمل لتجربة �أجمد ريان يف ديوانه >عن
كل �شيء �إذن يتحرك ،كل �شيء هنا يعمل الإ �سراف يف اخليال< �سي�شهد وعيا جديدا لديه
وامل�شهديات الب�شرية ترتاءى متقاطعة مع �أ�صوات يتمثل يف الكيفية التي ينبغي �أن ننظر من خاللها
الباعة اجلائلني ،تلك الأ �صوات التي تتقاطع هي �إىل �أنف�سنا ،و�إىل هذا العامل من حولنا ،وعلينا -
الأ خرى مع �أ�ضواء النيون التي تتقاذفها اليفط ح�سب هذه الكيفية � -أال نقيم عالئقنا بهذا العامل
الكبرية ،تلك اليفط التي متر عليها العيون دون من خالل كلياته الكربى ،فقط علينا �أن نتلم�س
�أن تلحظ ما ا�شتملت عليه من �أخطاء نحوية! حوا�سنا من خالل �أ�شيائه ال�صغرية ،تلك الأ �شياء
�إن ما تبثه ق�صيدة «زهرة الأ بنو�س» من ر�سائل التي هي بالفعل ت�شكل اليوم ال�سرية الذاتية احلقة
ي�شكل هاج�سا على قدر كبري من اخلطورة من لدن لهذا العامل� ،إن احلديث عن �إن�سان هذا العامل -
ال�شاعر ،يتمثل هذا الهاج�س يف �س�ؤاد م�ؤداه :هل على �سبيل املثال -ال ينبغي �أن ت�شغله تنظريات
نحن يف زمان الأ فول الورقي؟ والإ جابة ي�شكل ت�ضمها الكتب� ،إن احلديث عن �إن�سان هذا العامل
مفرداتها هذا املوقف بو�ضوح ال لب�س فيه على ينبغي �أن يبد�أ عندما نتنبه ل�صراخ تلك اخلادمة
هذا النحو :طوال العقود الفائتة كانوا ي�ضعون يف ال�شقة املقابلة ،وعندما نهتم بتلك املر�أة التي
الأ �أهار ال�صناعية يف الفازة الق�صرية املبطو�سة و�أنا تنحني لتم�سح الواجهات ال�سفلية يف حجرات
بني جبال الكتب التي تنهار �شاعرا ب�أن ال �شيء املكتبات� ،أما هذه الكتب فهي �أكوام :مرتا�صة
ميكن �أن يواجه املوت• �أت�أمل قطا مي�شي ببطء علي فوق بع�ضها �أو �إىل جوار بع�ضها وقد غطاها الرتاب
حافة ال�سور ويف يدي �شطرية �ساخنة وعقلي تائه يف بحيث ال ن�ستطيع �أن نقر�أ الكلمات التي على
زمان الأ فول الورقي حيث الثلج قابع• والوراقون كعوبها فتمر بعيوننا ،ثم جنر �أقدامنا يف ال�شوارع
نائمون يف الأ قبية والأ حداث من حولنا تبدو ك�أنها بني باعة الأ حذية البال�ستيكية واملفار�ش املعدنية،
ح�شرجة مكتومة �أو ك�أنها فقط ت�ساير اللعبة هل واملالب�س الداخلية للن�ساء فوق عربات اليد! هنا
ثمة مقاربة بني الأ زهار ال�صناعية ،وبني ح�ضارة يتحرك اليومي واملعي�شي والعابر لي�شكل بنية
الكتب التي ت�أن بالرحيل ،رمبا يبدو الأ مر هكذا هذا العامل هكذا يف ال�شوارع بني باعة الأ حذية
مقنعا ومقبوال ،فما بني زيف الأ �صباغ التي تلون البال�ستيكية واملفار�ش واملالب�س الداخلية التي
الأ زهار ال�صناعية ،وبني ما حتمله هذه الكتب من فوق عربات اليد! لتبقى الكتب ذات املعاين
�شعارات لها نف�س الربيق اخلادع م�سافة ما من والقيم الكربى �إىل جوار بع�ضها هكذا مرتا�صة وقد
التالقي تع�ضدها نفرة �إن�سان هذا الزمان من �سلطة غطاها الرتاب ،لتبق هذه الكتب رهينة لإ �شاراتها
القيم املغلقة �سابقة التح�ضري ،ون�شدانه قيما �أخرى املجردة ،وملجازاتها املغلقة يف مقابل الرتكيز على
و�سلطة يكون هو وحده املهيمن على مقاديرها، �آليات �أخرى يف بناء العمل ال�شعري منها -ح�سب
�سلطة يتم و�ضع قوانينها على بينة من طموحات �شريف رزق � -شخ�صنة اخلطاب ال�شعري ،هيمنة
ذلك الإ ن�سان ورغبته يف بلوغ حريته ون�شدان النزعة اليومية والتفا�صيلية ،تخطي الر� ؤى الكلية
خال�صه! فهذا القط الذي مي�شي ببطء على حافة املجردة املطلقة �إىل الر� ؤى اجلزئية واحلياتية� ،أ�سطرة
ال�سور هو نف�سه الذي حدد متى ي�سرع ومتى يبطئ، املعي�شي واملكاين ،ا�ستنفاد �شعرية التقرير ال�سردي،
57 العدد - 150صيف 2013
وتطعم هذا اجل�سد اجلائع لتلك الفتاة البائ�سة! وما الذي يحقق له توازنه عندما يهيء نف�سه لقفزة
ومما ير�سخ لهذا املعنى ما جنده يف هذا املوقف يف الهواء ،هكذا ميني الإ ن�سان نف�سه بقفزة مماثلة
من خالل الن�ص نف�سه يقول �أجمد ريان� :أراقب يف الهواء يحدد هو م�ساراتها على حني غفلة من
حركة املدينة� :سيارات ت�سري لالجتاهني ،ودموعي الوراقني ذوي العقول التائهة �أولئك الذين ال هم
تهطل ،رجال مذهولون ير�سمون �سمت اجلدية لهم �سوى م�سايرة اللعبة.
فيوجوههم مي�شون بكل االجتاهات ،ودموعي ت�سح، ويف ن�ص «�أمزق ال�سوليفان» يطرح �أجمد ريان
ن�ساء بدينات ي�ضعن �أقنعة من امل�ساحيق ،ومي�شني ق�ضية تخلي ال�شاعر عن عليائه ،ونزوله �إىل الأ ر�ض
يرتجرجن ودموعي تهدر ،فتيات و�شباب م�سرعون حيث احلياة يف �أدق تفا�صيلها :كنت يف ال�شارع
دراج��ات تتهادي ،وباعة متجولون ميرون موزعو �أ�سري هكذا «دوغري» وحتت �إ�شارة الأ �صبع متتد
�أنابيب الغاز ينادون ،وباعة خبز يجرون بدراجاتهم التف�صيالت الالنهائية ،ويف الأ فق �سحابة رفيعة
وباعة خ�ضر يعوون ب�أ�صوات �شديدة ،ذات ب�أ�س! تتلوى فوق الأ �سطح ،ولكن باهلل عليكم �ألي�ست
املتابع لهذا املوقف �سي�شهد تخليه الذي يكاد فكرة ح�سنة �أن �أظل �أراقب املارة املا�شني على
يكون تاما عن املجاز مب�ستوييه اجلزئي والكلي ،فها الأ ر�صفة :حتى �أمتكن من معرفة من �أين تبد�أ
هي ذي الدوال تعمل متحررة هكذا :ال�سيارات احلياة؟ ...كل كلمة تثري �سيال من الأ حا�سي�س،
ت�سري لالجتاهني /رجال مي�شون لكل االجتاهات/ وكل �إح�سا�س يثري �سيال من الكلمات ،وهذا
ن�ساء بدينات/فتيات و�شباب م�سرعون /دراجات ال�صبي امل�صري م�شرد يف ال�شوارع �إىل ماال نهاية،
تتهادى /باعة متجولون ميرون. وعينه البنية الغنية تنظر خلف البوابات :كل
موزعو �أنابيب الغاز /باعة خ�ضر يعوون ،على هذا �شيء يولد ،كل �شيء ي�صيبه البلي والبنت تنام
النحو تعمل الدوال متخففة من الأ ثقال والزوائد على كنبة ال�صالة بج�سد جائع ،وبقلب مكلوم!
را�صدة ر�سائلها بجدارة ،وم�صوبة �سهامها بدقة ،رمبا هكذا يتخلى ال�شاعر عن عهد عوامله املفارقة التي
الإ �شارة الوحيدة التني تنبئ مبا ي�شبه املجاز يف هذا ظل يتح�صن بها قرونا من الزمن ،ينزل �إىل الأ ر�ض
املوقف ما ميكن �أن نالحظه يف كلمة «يعوون» من حيث النا�س يحاذي ظله ظلهم وي�شاركهم تعب
خالل قوله« :باعة خ�ضر يعوون» ،والذي يتمثل ال�سعي وزحام الأ ر�صفة ،مما ي� ؤ�س�س لر� ؤية مغايرة
فيما ينطوي عليه هذا القول من ا�ستعارة باملعنى لدور ال�شاعر فياملنظور احلداثي اجلديد ،ذلك الدور
البالغي املتوارث! هكذا ،وعلى هذا النحو ف�إذا كنا الذي حتدث عنه املوقف باعتباره فكرة ح�سنة ،هي
قد �أ�شرفنا على عملية نزول ال�شاعر �إىل الأ ر�ض، فكرة ح�سنة �إذن �أن نبد�أ املعرفة بالإ ن�سان من خالل
والتحامه بالنا�س يف املوقف ال�سابق ،ف�إننا ن�شرف الإ ن�سان� ،أن ن�شاركه حركته و�سكونه� ،أن نكون معه
هنا على عملية نزول �أخرى �إىل الأ ر�ض يتمثلها يف منا�شط حياته على اختالف �ضروبها وتنوع
الن�ص نف�سه -هذه املرة -بعد �أن تخلي -هو و�سائلها� ،أن نكون معه يف ال�شارع وعلى املقهى يف
الآ خر -عن �أثقاله ،الأ �سلوبية ونحى جانبا زوائده امل�صنع واملدر�سة ويف القيط والزمهرير! من هنا تبد�أ
املجازية! مما يك�شف عن انحياز املوقف وال�شاعر املعرفة حيث كل كلمة تثري �سيال من الأ حا�سي�س،
معا لهذه احلركة احلية التي ميار�سها النا�س على وكل �إح�سا�س يثري �سيال من الكلمات ،الكلمات
الأ ر�ض! ،وهذه هي احلقيقة ،يقول �أجمد ريان: التي �ستجدي نفعا هذه املرة بعد �أن حتولت �إىل يد
هذه هي احلقيقة :قو�س قزح ي�ضرب قبة الأ ر�ض، متتد لتم�سح غبار ال�شارع عن ذلك ال�صبي امل�شرد،
58
مواقعها �سيا�سة القرو�ض الأ حادية ذات املنظور و�أنا �أ�ضع كفي حول قوقعة الأ ذن لكي �أت�سمع
ال�ضيق ،والإ دراك املحدود ،لينف�سح املجال �أمام �أي �شيء ،فال ي�صلني �سوى �صوت ه�ؤالء الذين
هذا الهدير ال�شعب�/أمام هذه الكتلة بعد �أن مت يتحدثون عن ظروف املعي�شة ،وقد ملأ احلزن
تن�شيط حمتواها و�إثارة دواخلها >لقد �سبق العقل نرباتهم ،وهم يرت�شفون بت� ؤدة من فناجيل ال�شاي
ال�شعبي اجلمعي الثوري كل امل�شاريع الثقافية ال�سوداء للون الأ حمر ت�أثري يف حياتي ،و�أنا ميكن
والأ يدولوجية واحلداثية للمثقفني العرب ،ففي �أن جترفني على �سبيل املثال قاعات الأ عرا�س ذات
الثورة كانت الأ �شياد ت�سبق الكلمات ،واملمار�سات ال�ستائر احلمراء ،وبخا�صة عندما متر كئو�س ال�شربات
احلمراء ذات الرائحة اجلذابة� :أح�س �أن اللون
ت�سبق الت�صورات واملباغتات تخرتق االن�سجامات يوقظ احل�س و�أن على ال�شاعر �أن يقوم بدور الكاهن
واالت�ساقات ،لقد كان ال�شعب يريد �إ�سقاط �أنظمة وبدور املحلل ال�سيا�سي وبدور خادمة الأ طفال
الإ دراك برمتها ،ولي�س النظام ال�سيا�سي فقط... معاً ،وعلى ال�شاعر �أن ي�سري يف كل يوم حتى حافة
فقد تردد معظم املثقفني �أمام احلدث الثوري، الأ ر�ض! على ال�شاعر �إذن �أن يقوم بدور الكاهن،
ومل يعرف جلهم عند قيام الثورة مَن �ضد مَن؟ وبدور املحلل ال�سيا�سي ،وبدور خادمة الأ طفال
وال مَن مع مَن؟ و�أبانوا عن �أوهام ومزاعم و�أالعيب معاً ،وعليه كذلك �أن ي�سري يف كل يوم حتى حافة
وتهوميات وخرافات وتخبطات كانت مثار جدل الأ ر�ض! كل هذه املهام وغريها تدفع بي مبا�شرة �إىل
ال�شعب كله الذي كان �أكرث حرية ودميقراطية الدخول يف عملية �إحالل و�إبدال يكون مق�صدها
وعقالية وتنويرا وتعددية وانفتاحا وج�سارة يف �صنع البحث يف كيفية حتريك الكتلة بحيث ت�صبح قادرة
احلدث والتاريخ والواقع من جميع مدعي الثقافة على تن�شيط حمتواها �أثناء عملية االرتطام املتزامنة،
يف م�صر(.)3 �أعني �إنتاج حراك جمعي يعمل مت�آزرا من �أجل
لقد تراجع زمن ،و�أفل جيل ،وانطوت حكاية، �إحداث التغيري! دفعني �إىل هذا القول وقويف بني
لكن حكاية واحدة ظل يرددها العابرون طيلة يدي هذا الن�ص «للحرية احلمراء باب» فهو ن�ص
على عالقة مبا�شرة بثورة 25يناير ،1102حيث
الوقت ،ال ي�س�أمون من ترديدها يف امليادين كانت احل�شود مت�صلة من التحرير حتى طلعت
واحلواري والأ زقة /حكاية هذه الأ م تلك التي: حرب تلهج بن�شيدها الأ ث�ير :ارفع ر�أ�سك �أنت
على حجر مربع يف و�سط امليدان جتل�س �أم ال�شهيد، م�صري �إىل مرادها املحتوم :ال�شعب.
ويف حجرها �صورة كبرية لولدها ،ويف عينيها معنى يريد �إ�سقاط النظام ،وهذا الن�ص على عالقة
ال ي�ستطيع �أحد �أن ي�صفه ،وكانت �إذا كلمها �أحد مبا�شرة كذلك ب�أ�صوات ه�ؤالء الذين يتحدثون
ال ترد �سلطوا عليها «�إ�سبوتات» �إ�ضاءة ،و�أمزجوها عن ظ��روف املعي�شة ،وقد ملأ احل��زن نرباتهم،
ب�ضو�ضاء ال�شارع حتى ت�صبح عالمة! لقد �أح��دث ال�شعب حراكه �إذن وتخلت عن
املراجع:
* يراجع� :أجمد ريان «ديوان عن الإ �سراف يف اخليال»� ،سل�سلة ديوان ال�شعر العربي ،الهيئة امل�صرية العامة للكتاب ،ط.2012
( )1يراجع� :صديق عطية �صديق ،جملة الثقافة اجلديدة ،الهيئة العامة لق�صور الثقافة ،العدد 272مايو � ،2012صـ.20
( )2يراجع� :شريف رزق� ،أبحاث يف ال�شعر امل�صري املعا�صر ،املجل�س الأ على للثقافة ،القاهرة � ،2012صـ.570
( )3يراجع :د�.أمين تعيلب� ،أبحاث م�ؤمتر �أدباء م�صر ،الدورة ال�ساد�سة والع�شرون ،الهيئة امل�صرية العامة للكتاب ،دي�سمرب � ،2011صـ.43
�سردية التي تقوم على منطني من ال�سرد: على جتربتني تت�أ�س�س جتربة �أجمد ريان ال�شعرية:
�أواله��م��ا :احلكي حيث الن�صو�ص تت�ضمن -جتربة ال�شاعر :وهي جتربة قوامها ثالثة ع�شر
م�شاهد من احلكي مبعناه املتداول ،تفر�ض نف�سها ديوانا متتد على مدار �أربعني عاما (�صدور الديوان
على الق�صائد عرب طريقتني: الأ ول «�أغنيات حب للأ ر�ض» 1972وحتى �صدور
-1احلكي على م�ستوى الق�صيدة الواحدة حيث الديوان الأ خري «عن الإ �سراف يف اخليال» .)2013
تت�ضمن معظم الق�صائد نظاما خا�صا بها من ال�سرد -جتربة الناقد :وهي جتربة قوامها اثنا ع�شر كتابا
يقوم على م�شهد تتعمق تفا�صيله مع تقدم التفا�صيل ور�سالة دكتوراه جمازة وع�شرات الدرا�سات النقدية
وحركة الن�ص نحو الن�ضج. املوازية زمنيا للأ عمال ال�شعرية.
-2ال�سرد على م�ستوى ق�صائد الديوان حيث يجمع الديوان الأ خري لل�شاعر بني التجربتني،
تت�ضمن الق�صائد تفا�صيل �سردية طارحة بع�ض جتربة ال�شاعر يف مرحلة كا�شفة عن م�ساحة الن�ضج.
تفا�صيل حكايات متفرقة وجمتمعة وحيث تتعا�ضد ال�صورة وحركية امل�شهد
الق�صائد عرب تفا�صيلها على تقدمي م�شاهد لي�ست على م�ستوى الزمن تبدو احلياة متحركة يف خط
بعيدة عن واقع مرئي ميكن للمتلقي متابعته بطريقة م�ستقيم ،غري �أنها على م�ستوى امل�شهد املرئي تتحرك
�أو ب�أخرى. وفق مبد�أ الدائرية ،والتكرار ،فامل�شاهد تعود لتفر�ض
وتقوم ال�سردية على النمطني بدرجة حمكمة نف�سها وفق واحدة من طريقتني:
بحيث ميكن ل�صورة �سردية �أن تقوم بوظيفتني � -إعمال الذاكرة بت�أثري مثري (داخلي �أو
اعتمادا على دخول ال�صورة يف �سياق الق�صيدة خارجي) مما يجعل احلركة ذات طابع ذهني.
�أوال ويف �سياق الديوان ثانيا ،ت�ستهل ق�صيدة «عن -تكرار امل�شاهد اخلارجية مما يعني ثبات
الإ �سراف يف اخليال» ب�صورة حمددة املالمح: امل�شهد وحركة املتابع وهو ما ي�شي ب�أن ثمة �آلية
«مالء ُة ال�سري ِر م�شرتكة بني الب�شر جتعل منهم ذاتا واحدة تقوم على
ر�ض ،بينما �أمَ�شِّ طُ
تتَدَ لىّ حتّى قرب الأ ِ خيط خفي يربط بينهم بو�صفهم ذاتا واحدة منق�سمة
ر�أ�سى بامل�شطِ الق�صري �إىل عدد من املخيالت فما اراه �أنا اليوم يراه �آخر غدا
()1
اجليب العلوىِّ على ال�صدر» ِ ثم �أ�ض ُع ُه فى بالعد�سة نف�سها وبالطريقة نف�سها و�إن اختلفت داللة
ما يرى متاما كالق�صيدة التي تقدم ر� ؤى خمتلفة ملظهر وال�صورة نف�سها جتد امتدادا لها يف ق�صيدة
م�ستقلة من بني الق�صائد الق�صرية التي ت�أتي يف واحد من مظاهر احلياة الإ ن�سانية.
وال�صورة الأ كرث و�ضوحا يف الديون هي ال�صورة خامتة الديوان:
60
الالعب التي هي يف احلقيقة �صفة الذات يف حال «نه�ضت من ال�سري ِر فى ال�صباح ،واملُالء ُة عليها ُ
املواجهة. االلتواءات ك�أنها خريط ُة احليا ِة نف�سِ ها، ِ خريط ٌة من
-ثم ي�أتي رد فعل الزمن « فيبد�أ « كا�شفا عن وكان �أولُ �شى ٍء ينبغى �أن �أفعلَه هو �أن �أعيدَ بكفىَّ
حالة من العبث يف تعامله باحلد�س والع�شوائية ،وهي تعديلَ املالءةِ ،وتعديلَ حوافِّها لت�صبحَ ك�أنها خارج ٌة
ال�صورة التي ت�ستقر يف النهاية لتقدم مربرا للفعل، حتت مكواةٍ ..وهكذا ت�ستم ُّر احلياةُ :تلتوى من ِ
فعل ال�شاعر يف حماولته جتاوز هذه الع�شوائية ف�إدراكه َ�ش فى �أثنا ِء النوم ،ف�أعَ دِّ لُها ،و�أعَ دِّ لُ
املُالءةُ ،وتتَكَ ْرم ُ
ع�شوائية الزمن لي�ست جمرد معلومة و�إمنا لأ نه بو�صفه ()2
�أطرافَها فى ال�صباح!!»
قوة ت�سعى للمجابهة ،يكون متحفزا للفعل جتاوزا ثانيتهما :احلبكة والإ حكام حيث �سيطرة ال�شاعر
لواقعه الذي يطرحه قوة حتفيزية للمتلقي نف�سه ،وهو حمكما قب�ضته على العنا�صر التي من �ش�أنها
ما يجعل من الق�صائد الق�صرية نوعا من زاوية النظر �أن جتعل املتلقي قادرا على الإ حاطة بالتفا�صيل
للعامل ومكا�شفة ر� ؤية ال�شاعر التي تتبلور يف ق�صيدة املتعددة ،ال�شاعر هنا ي�سلم متلقيه مقاليد ال�سيطرة
ديوانية� ،أو ديوان يقوم على ق�صيدة واحدة متعددة على امل�شهد كيال ال يجد املتلقي نف�سه �ضاال يف
املقاطع ،ت�ضم ق�سمني كبريين :ق�صائد معنونة، غابة من التفا�صيل واملجازات ،وفق هذا الت�صور
وق�صائد ق�صرية غري معنونة لي�ست جمرد م�شاهد ميكن �إجراء قراءة الق�صيدة النموذج تدليال على
مركزة و�إمنا هي وجهات نظر تت�ضمن مفاتيح قراءة الفكرة القائمة على مدار الديوان:
عامل ال�شاعر يف ديوانه الأ كرث ن�ضجا ،حيث يتجاوز العب ال�شَ طَ رَجن الذى
ِ نلعب مع الزّمن ،مثلُ «�إننا ُ
�أعماله ال�سابقة طارحا ر�ؤية لواقع مل يتكرر كثريا �أو مل املنا�سب ،فيبد�أ فى
ِ يفقدُ �أحيانًا �إمكان ّي َة اتخا ِذ القرا ِر
يطرح كثريا بهذه ال�شاكلة على مدار الأ عمال ال�سابقة ()3
التعاملِ مع القِطَ ِع من خاللِ احلدْ ِ�س والع�شوائيّة»
التي مل يكن ال�شاعر يتفاعل فيها مع الواقع اليومي تلعب الق�صائد الق�صرية دور املختزل الكا�شف
�أو احلياتي( ،)4وهو ما يفتح املجال هنا لر� ؤية مغايرة عن طبيعة ال�صور الن�صية بحيث ت�ضع يف املتلقي
يطرحها ال�شاعر عرب جتاوزه خيال ال�شاعر ال�سابق جمموعة من املفاتيح الن�صية التي تنبه املتلقي �إىل
امل�سرف �إىل خيال الواقع املمرر بر� ؤية ال�شاعر. عدد من ال�سياقات ميكنك متابعتها والتو�صل �إليها
جتربة الناقد من خالل عدد من العنا�صر الأ �سا�سية يف ال�صورة،
حني يفيد من معتقداته النقدية املنظمة واملنظرة العنا�صر املرتابطة عرب العالقات النحوية:
للقول ال�شعري ،متجاوزا الطرح القدمي للعالقة بني -على م�ستوى ا�ستهالل الق�صائد ي�أتي
الناقد وال�شاعر ،حيث ال�شاعر ال�سابق كان يقدم اال�ستهالل باجلملة اخلربية (�إننا نلعب مع الزمن)
النقد على ال�شعر فا�صال بينهما عرب مقدمة نظرية منوذجا و�صفيا لتكرار هذا النمط من اال�ستهالل
()4
ي�ؤطر فيها بال�ضرورة ملعتقداته ال�شعرية الن�صي.
وال�شاعر الالحق ال يعتمد طريقة الف�صل و�إمنا -واال�ستهالل يت�ضمن فعال م�ضارعا يعد واحدة
التداخل بني ال�شعري والنقدي حمددا جمموعة من �أيقونات الديوان تتبعه تركيبة من �سبيكة تقوم
من الأ فكارامل�ؤطرة ر� ؤيته لل�شعر ،واقعية الق�صيدة بدور اجلملة احلالية (مثل العب ال�شطرجن) تقوم
ومرجعيتها يف اليومي: بدور الكا�شف عن و�ضعية اللعب مع الزمن عرب
والنا�س فى ال�شوارعِ ،
ُ «ق�صيدتى مل تكتملْ ، املواجهة بني الطرفني.
يهيمون على وجوهِ هِم ،لأ نهم ال ميلكون � َّأى �شىءٍ، -يتبع احلال جملة �صلة املو�صول الوا�صفة لطبيعة
61 العدد - 150صيف 2013
تفا�صيل امل�شهد اليومي ،معتمدا نوعني من املفارقة: ()5
ولكنَّ قلوبَهم متتلئُ بخطَ ِر امل�ستقبل».
مفارقة لفظية يف و�صف الكحل بامليتافيزيقي ،ومفارقة فاكتمال الق�صيدة مرهون مبكا�شفة اليومي وكل
انتهاء امل�شهد با�ستقرار ال�صورة عند الرمو�ش العلوية ما يحمله من القلق الإ ن�ساين وهو ما يجعل من
بو�صفه عالمة على قوة �أخ��رى تن�ضاف �إىل قوة الق�صيدة حماولة لتنظيم حالة التيه التي يعي�شها
الق�صيدة ،وهي عالمة م�ؤهلة للمقطع التايل فالكحل الب�شر ،تلك احلالة الت تتك�شف حني يتجلى
والرمو�ش تف�ضي �إىل ج�سد املر�أة حيث يطرح املقطع �صوت الأ نا وا�صفة موقفها وحمددة حالتها وطارحة
ح�ضور اجل�سد مرتبطا مبحاوالت ال�شاعر ومقرتحاته زاوية �أخرى الكتمال الق�صيدة:
بتطوير مطلع الق�صيدة /مطلع العالقة باملر�أة وطرح «و�أنا �أم�شى كاملخدَّ رِ� ،أح ُل ُم �أن تكونَ ق�صيدتى
الق�صيدة لأ �سئلتها ذات الطابع الوجودي: ()6
واملدارات»
ِ مفتوح ًة على ح ِّي ِز الكواكِ ِب
«وعندما يكونُ ج�سدُ املر�أ ِة حائرًا هكذا ،ومتورطً ا متجاوزا ال�شارع بو�صفه م�ساحة حلركة الب�شر
فاحتا املجال �أمام خيال ال�شاعر منطلقا �إىل الكواكب فى ذا ِتهِ ،ف�سوف ميتلئُ بريدى الإ لكرتونىُّ ،وي�صبحُ
ري من الإ مييالت، وامل��دارات مكانيا ومنطلقا �إىل �أ�سطرة الزمن عرب على �أن �أخف َ
ِّف من هذا الكمِّ الكب ِ
حتويله �إىل حا�ضر دائم فالق�صيدة ال تولد من �أجل لكى �أ�سجِّ لَ مطل َع ق�صيدتى :من �أنا ،ومن � ِ
أنت �أيتها
املا�ضي وال امل�ستقبل ،و�إمنا من �أجل احلا�ضر ،احلا�ضر اجلميل ُة احلائرة؟ وميكنُنى �أن �أطو َر مَطْ َل َع ق�صيدتى
أن��ت حتى �أحبَّك �أك�ثر ،ف��أق��ول :من �أن��ا وم��ن � ِ بو�صفه الزمن املح�سو�س ،واملدرك:
()9
أكتب ق�صيدتى من �أجلِ املا�ضى ،وال من هكذا؟» «ال � ُ
�أجلِ امل�ستقبلِ ،ولكننى �أريدُ من ق�صيدتى �أن تكونَ مما يك�شف عن حماوالت ال�شاعر من تطوير ر� ؤيته
للق�صيدة يف عالقتها بالواقع حيث يتطور ال�س�ؤال ()7
احلا�ض َر الدائم»
من الأ نا والأ نت �إىل الكيفية القائمة على الكينونة حيث يعمد ال�شاعر �إىل اعتماد طريقة الإ ق�صاء
بني االثنني قبل �أن يعمد �إىل و�ضع مربراته لإ قامة والإ ثبات عرب و�سيلتي النفي واال�ستدراك ومقررا
عالقة بالق�صيدة قائمة على احلرية من �أو التحرر من �إرادته للق�صيدة بفعل الكينونة امل�ضارع ومعززا له
�أثقال العامل دون مفارقة االرتباط بالتفا�صيل الدالة ب�صفتني على وزن ا�سم الفاعل املفيد اال�ستمرار
يف �صورة املر�أة بو�صفها عالمة لها طابعها اخلا�ص يف واملعزز للكينونة عرب فعلها امل�ضارع الذي يوا�صل جتليه
ت�شكيل ر� ؤية ال�شاعر للق�صيدة يف العامل وللعامل يف عرب التكرار جامعا بني فعل الكينونة وفعل الإ رادة
الق�صيدة: وك�أن كينونة الق�صيدة ال تتحقق بغري �إرادة ال�شاعر
«لأ ننى �أريدُ �أن �أدخلَ �إىل ق�صيدتى متحرِّرا من �أو �أن �إرادة الق�صيدة ال تتحقق بدون كينونة ال�شاعر:
ن�صى متامًا للدرج ِة «�أريدُ من ق�صيدتى �أن تتمي َز باالن�سيابيَّة ،و�أن �أثقالِ العامل� ،أريدُ �أن �أحت َّر َر فى ِّ
ري عن �إح�سا�سى املبا�ش ِر ري منغلِقة ،و�أن تكونَ مت�صاعد ًة بهدوء ،التى �أمتكَّ نُ فيها من التعب ِ تكونَ غ َ
اخلفيف الذى و�ضعتِه حتت ِ لكى تن�سجمَ مع هذا الكُ حْ لِ امليتافيزيقى ،فوق ب ��إزا ِء هذا «ال�شَ دُ و»
()8
ري عن �إح�سا�سى املبا�ش ِر ب�إزا ِء هذا احلاجب ،والتعب ِ الرمو�ش العلويّة.
ِ
لينتهي املقطع مبفارقة قد ال ت�ستغرق املتلقي �إذا «اجلاكيت» ال�ضيّقِ املثريِ ،مبا في ِه من املخْ مَ لِ الناعمِ
ما اعتمد على ظاهرها يف داللته على توازي فعل الأ نثوى« ،اجلاكيت» الذى ُ
يفي�ض بالرُّوحِ ال�شبابيَّة،
()10
الق�صيدة مع الواقع �أو تفاعلها معه و�أال تنف�صل عن ويذكِّ رُنا بـ»التايريِ» الفرن�سىِّ القدمي»
62
املحلِّلِ ال�سيا�سىّ وبدو ِر خادم ِة الأ طفالِ معًا ،وعلى ودون �أن نتجاوز ما حتمله الق�صيدة من وجوده
()12
ري فى كلِّ يو ٍم حتى حاف ِة الأ ر�ض»
ال�شاع ِر �أن ي�س َ الداللة ميكننا ر� ؤية املر�أة والق�صيدة بو�صفهما كيانا
مع الفارق بني تعبري «�أن يقوم بدور »...وتعبري «�أن ال ينف�صل و�أن التفا�صيل الوا�صفة للمر�أة ماهي �إال
ي�سري» حيث الأ ول جمازي يتحلل فيه ال�شاعر من تفا�صيل تخ�ص الق�صيدة نف�سها.
طبيعته اجلامدة منتقال �إىل طبيعة جتريبية يقوم فيها مع مالحظة �أن ال�شاعر يف جتليه عرب �ضمري املتكلم
ب�أدوار �أخرى ،والثاين حقيقي ال ي�ؤدي فيه ال�شاعر (ياء املتكلم – �أنا)بو�صفهما عالمة ن�صية رابطة
دورا و�إمنا يتحرك فيه بذاته دون تقم�ص �شخ�صية بني التفا�صيل املتوالية يف املقاطع ،عالمة يتكرر
�أخ��رى ،وحيث تقم�ص الأ دوار نوع من حماولة ح�ضورها يف �إ�شارتها لل�شاعر يف مواجهة الق�صيدة
�إر�ضاء الآ خرين ،خالفا لفعل ال�سري املو�سوم بالذاتية �أو ال�شاعر يف مقاربته الق�صيدة عرب مفاهيمه عنها
وبو�صفه فعال يوميا ،ف�إذا قام بالتقم�ص مرة قد تكون وما يبثه من �أطروحات مل يقدمها ب�صورة نظرية
عار�ضة وبفعل �إلزام خارجي ،ف�إنه يقوم باحلركة حتى خارج الن�ص و�إمنا يقدمها ب�صورة عملية تدرجت من
حافة الأ ر�ض بفعل التزام داخلي نابع من ذاته ووفق ال�ضمري �إىل اال�سم ال�صريح ،ففي املقطع الأ خري من
فعل حيوي يعني �أهمية احلركة و�ضرورتها وما يرتتب الق�صيدة ذاتها « وللحرية احلمراء باب « يربز ال�شاعر
عليها من فعل التجديد ،جتديد امل�شهد الثابت حد و�صفه متجاوزا �ضمري املتكلم حيث ي�أتي املقطع
الركود حال التقم�ص �أو القيام بالأ دوار ،حيث كال مبثابة البيان ال�شعري:
الفعلني (التقم�ص – احلركة) يعني نوعا من �أنواع قاب�ضا على �أ�سرارٍ ،ن�سْ مَ ُع يجل�س ال�شّ اعِ ُر ًُ «حيث
التغري ،ولكن التقم�ص تغري يف املكان يعني انعكا�س أقرب �إىل ال�سِّ حرِ� ،أو �صراخَ ها وال نراها� :أ�سرا ٍر � ِ
الداخل على اخلارج ،واحلركة تغري للمكان يعني أقرب �إىل عبار ِة «ال�شعب ..يريد �إ�سقاط النظام»، � ِ
انعكا�س اخلارج على الداخل ،حيث يجتهد القائم يح�س ال�شاعِ ر ِب ِثقَلِ الأ �شيا ِء َيتَمَ لْمَ لُ ،وي�صرُخُ
وعندما ُّ
بالأ دوار يف ت�شكيل �صورة ت� ؤدي مهام دوره وهو فى نفْ�سِ هِ� :أريدُ �أن �أتعامَلَ مع الأ �شيا ِء بِ�سَ هولةٍ� ،أريدُ
مالن يتحقق دون جمهود داخلي مينح ال�صورة ()11
�أن �آخذها لق�صيدتى مثلَ بي�ض ٍة ُمقَ�شَّ رَّة»
بع�ض �صدقها ،يف مقابل التجدد الناجت عن احلركة وال يتوقف البيان ال�شعري عند املقطع ال�سابق
وت�أثريه على وجدان ال�شاعر مبتابعته العامل الذي لن و�إمنا يتجاور مع مقاطع �أخرى �سابقة لي�شكل تفا�صيل
ي�أتي �إليه خمالفا طبيعة الأ �شياء التي يكون عليك البيان بطريقة دالة معددا �أدوار ال�شاعر التي تبدو
�أن ت�سعى الكت�شافها ال ت�سعى هي الكت�شافك ،فـ ظاهريا متناق�ضة ولكنها جتمع �شتات �أدوار تعرب عن
«الإ ن�سان كائن امل�سافات البعيدة ،الإ ن�سان كائن عدد من التقاطعات الزمنية واملكانية واالجتماعية:
الأ �سئلة»( )13على حد تعبري ال�شاعر. «و�أن على ال�شاع ِر �أن يقو َم بدو ِر الكاهن وبدو ِر
هوام�ش و�إحاالت:
(� )1أجمد ريان :عن الإ �سراف يف اخليال– الهيئة امل�صرية العامة للكتاب– القاهرة � 2012ص .25
( - )14 ،13 ،12 ،11 ،10 ،9 ،8 ،7 ،6 ،3 ،2عن الإ �سراف يف اخليال �صفحات (.)72 ،98 ،106 ،87 ،85 ،84 ،78 ،38 ،37 ،140 ،142
( )3عن الإ �سراف يف اخليال �ص.
( )4با�ستثناء ديوان ال�شاعر ال�ساد�س «�أيها الطفل اجلميل ..ا�ضرب ،ق�صائد لالنتفا�ضة» ،1990حيث يقارب ال�شاعر االنتفا�ضة الفل�سطينية
م�ستلهما �شخ�صية الطفل الفل�سطيني ال�شهيد «حممد الدرة».
( )5حالة متكررة يف الأ دب الإ ن�ساين :ت� .س� .إليوت – العقاد – املازين – �صالح عبد ال�صبور.
�أح�س �أن قلبي يعترب ال�شاعر �أجمد ريان �أحد رواد الف�ضاء
ذاته يكف عن حماولة التجريبي يف ال�شعر فهو ال ّ
هو حم�ض حائط مق�شور! الإ بحار يف عوامل �أكرث ات�ساعاً واقرتاباً من احللم
�إن هذا العامل على قدر رحابته يف حلظة ما �أ�صبح املراوغ والعنيد وهو ينحاز يف �إبداعه �إىل التلقائية
جمرد عامل مق�شور ،وتك�شّ فت لل�شاعر �أوهامه التي تنفذ دون مواربة باحثاً عن بناء جمايل يت�سق
املوغلة و�إ�سرافه يف التمني و�إح�سا�سه ب�أنه متيقن مع ب�ساطته املنده�شة واملده�شة متعانقاً مع العامل
من الأ �شياء متحقق من وجودها هذا الوجود من حوله يف امتزاج ونهم وذوبان ،وك�أمنا يريد �أن
الذي يكاد يكون وجوداً عدمياً تتداخل فيه الر� ؤى يفنى ويحرتق يف تلك التفا�صيل الدقيقة جدا
وتت�شابك املعطيات وتت�صاغر الكائنات وي�صبح كل كاحرتاق الفرا�ش �سعيداً بالفناء اللذيذ.
�شيء ال �شيء. ويتجلى ن�ضج التجربة ال�شعرية عند �أجمد ريان
وبرغم ب�ساطة الدوال ف�إنها كانت قادرة قدرة هائلة يف كونها جتربة تراهن على االق�تراب �إىل حد
على جت�سيم الهول وبيان حجم اخل�سارة
االغرتاب واالغرتاب �إىل حد االقرتاب .وهذا هو
� -إن احلائط هنا م��ع��ادلٌ للعامل ال�شائك
املجهول موقف الإ ن�سان يف هذا الكون وتلك هي امل�أ�ساة
-ور�سوم احلائط معادل للكائنات املعذبة اخلالدة.
احلائرة يقول
معادلٌ لل�شاعر الذي �أح�س
والقلب ر�سوم احلائط التي تداخلت
بالعجز واالنك�سار تذكرين
كل هذا يحدث مفجراً ال�صدمة تلو ال�صدمة، بتداخل معطيات عاملنا،
مخُ ال وراءه �شعوراً م�ؤملاً باخليبة والذهول. وبالفعل �صار احلائط
ولكن يظل ال�شاعر متم�سكاً بوجوده فوق �سطح مثل �شا�شة �سينما،
هذا العام مت�شبثاً باحللم حتى الرمق الأ خري ،وك�أن �أو لوحة زيتية عتيقة
�شيئاً مل يكن. �إنني �أح�س الآ ن
�أعرفكم بنف�سي� :أنا يف اخلم�سني �أن العامل كله حائط مق�شور،
64
�أحب اجلنب الرومي ،وال�شاي الأ خ�ضر،و�أحب حتى �أ�صل �إىل ذاتي البعيدة
كنت �ألتوي ق�صيدة النرث ،ب�شرط �أن تكون نرثية حقاً،
بني نباتات ال�شوك كالبليات�شو و�أحب فتاة باقية يف ذاكرتي
و�أ�صطاد الهداهد منذ �أيام الطفولة ،ا�سمها ر�شدان،
بالفخاخ املعدنية الثقيلة! �أحب �أن �أغلق الباب باملفتاح قبل �أن �أنام،
وي�ستمر هذا الباحث عن الذات البعيدة يف و�أحب �أ�سماك الرجنة واخلر�شوف
التودد �إىل كل املعاين الرقيقة وال يتوانى عن �أن و�أحب ال�ساعات املت�أخرة من الليل،
ي�سلك كل الطرق التي ت�ؤدي به �إىل الت�صالح مع �أحب الر�سام �شاجال ،وق�ص�ص تورجنيف!
و�أرى �أن ال�شاعر هنا قد اقرتب ب�شدة من عوامل تلك الذات من خالل عالئق روحانية حميمية
ق�صيدة النرث التي تعبرّ عن كل ما هو ب�سيط وعابر حتقق الغاية املرجتاة.
وه��ارب ومعي�ش وت�ستغرق يف �أدق التفا�صيل كنت �أحب البنت التي
وتوغل يف مفردات احلياة اليومية للذات ال�شاعرة تقطن الطابق الأ ر�ضي،
التي �أ�صبحت مهمومة بعاملها املليء بالأ �سرار ،ا�صطدت من �أجلها
املفعم ب��الآ الم .وهنا يقدم ال�شاعر نف�سه للآ خر اليمامة البنية الناعمة
فيما ميكن �أن ن�سميه ببطاقة تعارف لي�ست تقليدية وعندما ماتت اليمامة
برغم �أنه بد�أها بتقرير عن عمره� ..إال �أنه فيما بعد ظللت �أبكي حتى ال�صباح
ا�سرت�سل يف حديث غري روتيني و�سمح لنف�سه �أن من �أجل اليمامة
يكون �ضيفاً على القارئ ،بل �صديقاً مقرباً جداً منه ومن �أجل احلبيبة!
و�سيظل ال�شاعر دائماً هو ذلك الكائن الذي - دون تكلّف �أو ادعاء وبال ترتيب.
وم�شهدية الن�ص هنا م�شهدية عفوية وهذا �سر مهما متادى يف ابتعاده وتعاليه على �ضعفه الإ ن�ساين
اجلمال فيها ،حيث يعتمد امل�شهد على ديناميكية وقلة حيلته �أمام الوجود � -أقول �سيظل هذا ال�شاعر
متواثبة حتيلك �إىل الأ زمنة الثالث حا�ضرها ،يبحث عن مرف�أ وعن مالذ وعن حلٍّ للغر الكبري
باب للزنزانة،وما�ضيها ،وم�ستقبلها بطريقة خاطفة تتنقل بك بني هناك ٌ
املح�سو�س وامللمو�س وبني املتع احل�سية والنف�سية يف وهناك باب احلديقة
وبني البابني ترتامى كل �أبواب املدينة ات�ساق وت�شويق غريب وفاتن.
و�أجمد ريان يف هذا الديوان الذي اختار له و�أنا �أفتح �شباكي بات�ساع �ضلفتيه
ال بو�صية لوركا عنوان «�ضد الفراغ العاطفي» مهمو ٌم بالذات ،تلك عم ً
الذات التي ي�صرخ لها وبها معلناً عن حاجتها لأ ن الذي كان يريد
�أن يرتك نافذة البيت على ال�شارع مفتوحة، تنطلق وت�سبح وتتحرر وحتلق بعيداً دون حدود
لتظل العالقة احلميمية كنت �أهرب من �سور املدر�سة،
بينه وبني العامل و�أظل �أجري يف ال�شوارع
النحاس
إبراهيم موسى ّ
ي�ضم الديوان ثالث ق�صائد طويلة هى (مناديل املت�أمل يف جتربة �أجمد ريّان ال�شعرية يجد �أنه بد�أ
معطرة-الأ جندة الفارغة-ب�ساط الريح) وي�ؤكد حياته باعتباره �أحد �شعراء (جيل ال�سبعينات)
ال�شاعر فى هذا الديوان على ح�ضوره القويّ ك�شاعر ذلك اجليل الذى �شهد حتوالت عا�صفة فى املجتمع
بدرجة من القوة ال تقل عن ح�ضوره النقدي. امل�صرى وخرج من عباءتي جماعتي (�إ�ضاءة-
و�إذا كانت (�أ�صالة ال�شاعرهى �أو ًال و�أخريًا فى و�أ�صوات) و�أف��رخ جي ًال من ال�شعراء كانت لهم
�شجاعته الوجودية التى متكّ نه من �أن يكون �صادقًا ب�صمتهم الوا�ضحة على خارطة ال�شعر العربي-
فى �إدراكه خمل�صً ا لطبيعته) كما يقول (�ستيفن �شعريًّا ونقديًّا وترجمة .مع تطور ال�شعر العربي
�سبندر) فى كتابه (احلياة وال�شاعر) ف�إنّ ال�شاعر حدثت موجات مترد على هذا اجليل لتظهر ر� ؤى
ينطلق يف هذا الديوان من مفهوم هذا ال�صدق �أخرى واجتاهات مغايرة بخ�صائ�ص و�سمات فنية
الوجوديّ الذى ي�ؤمن باحلياة قدر �إميانه ب�صعوبتها خمتلفة متامًا �سواء على م�ستوى �شكل الق�صيدة
وتناق�ض قيمها فهى عنده كما يذكر فى ق�صيدة وت�شكيلها الفنيّ �أو على امل�ستوى الأ يديولوجي
(الأ جندة الفارغة): بوجه عام ليتحوّل بع�ض �شعراء التجربة ال�سبعينية
ت�سري على وترية واحدة �إىل -جمرد -حلقة مهمة من حلقات تطور الق�صيدة
�أحالم ميّتة العربية احلديثة.
و�أحالم من�سيّة لكن هناك من �شعراء هذا اجليل من اعرتف و�آمن
و�أحالم مُعادة ب�سنّة التطور و�أبى اجرتار قوالب كانت حداثية يومًا
لكن �إميان ال�شاعر القويّ بذاته و�إح�سا�سه بقدرتها ما وقام من نف�سه وبخربته الإ بداعية بطرح التع�صب
على التكيّف والت�صالح مع الواقع و�ضرورة �أن نعي�ش للتجربة ال�سبعينية جانبًا وتطوير �أدواته الفنية لتخرج
احلياة كما هي �إن مل نقاتل من �أجلها جعلته يرف�ض لنا ق�صيدة مغايرة للن�سق ال�سبعينى فى الكتابة
االنهزامية ويعيد بري�شته ت�شكيل هذا الواقع من لتبقى الأ قدام را�سخة على خارطة ال�شعر دون �أن
جديد من خالل ر�صد تفا�صيل اليوميّ واملعي�شي جتنح ل�شبح املرحلية ,ومن ه�ؤالء ال�شاعر �أجمد ريّان
وك�أنّه يقوم بتفكيك العامل �إىل تفا�صيله الأ وّليّة فى هذا الديوان الذى �أثبت به جتاوزه لأ ن�ساق م�ألوفة
ال�صغرية لي�صنع عاملًا جديدًا ي�ستقبله بالتحيّة الرقيقة فى الكتابة مهما كانت حداثتها.
68
و(تكرم�شت) ال
�أذكرين طف ً
ف�أفردها بكفي من جديد �شتوي
ّ يف ذات م�سا ٍء
وك�أنّها ممار�سة دورية. �أتقرف�ص
حركة ديناميكية م�ستمرة ال تعرف اال�ستاتيكية �أو فوق الأ وراق
اجلمود والتوقف تتلك عالقة الذات باحلياة فمالءة و�أر�سم منطلقًا
ال�سرير ( تتلكلك وتتكرم�ش ) ب�شكل م�ستمر لكن مرتعبًا
على اجلانب الآ خر يتم فردها ال من جديد فقط بل و�أبي يجل�س جنبي فوق القر�آن يرتله
ب�شكل دوري وم�ستمر يف حركة تقومي من الذات ورعً ا
ال�شاعرة ملتاعب الواقع واحلياة . وعجيبًا
ثم ير�سم ال�شاعر �صورة احللم بدالالته الرمزية, مبي�ضا
ًّ
حيث يحلم ب�سريره يطري ليحلّق فوق املدن الب�شرية ملهوفًا
و يعانق الوجود الآ دميّ : �أيقنت ب�أنّ النا�س
�أحلم تقود الزمن
�أن �أمتدّ د ت�سوق ال�شجر
على �سريري وميكنها �أن تفرح جدًّ ا .
ثم على حني غِ رّة لنت�أمل معا هذه اللوحة الت�شكيلية لذلك الطفل
يبد�أ ال�سرير فى ال�صعود الفنان وهو ال يعب�أ بربد ال�شتاء ويعكف على الأ وراق
فى رقّة وان�سيابية والر�سم ولنت�أمل احل�ضور القوي للذات من خالل
ي�صعد ال�سرير فى ال�سموات اخليالية دالتني رمزيتني :الأ وىل هي �أن الأ ب هو الذي يجل�س
�أحلم جانب الطفل ولي�س كما هو معتاد �أن نقول �إن
�أن يحلّق بى ال�سرير الطفل يجل�س بجانب الأ ب ,والثانية هي احلديث
وك�أننى يف نهاية امل�شهد عن قدرة النا�س على �أن تقود الزمن
على ظهر طائر(الفينيق) العظيم و�أن ت�سوق ال�شجر و�أن تفرح جدًا على حد تعبري
�أحلم بالطريان اخلفيف ال�شاعر ,وهذا يدل على �أن النو�ستاجليا وتوظيف
الطريان املالئكي الفال�ش باك واحل�ضور القوي للذات مفاتيح مت�أ�صلة
وك�أنني يف جتربة �أجمد ريان ال�شعرية منذ بداياته الأ وىل .
�أعتلي رقبة طائر( العنقاء) لكن هذه املعاناة ال تدفع الذات �إىل الي�أ�س �أو
�أحلم الرف�ض لأ نّ ري�شة ال�شاعر تعيد ت�شكيل تلك املعاناة
�أن يرفرف بى طائر (الرخ) بني ممار�سة الواقع الوجودى وحماولة اال�ستمتاع به
فيطري بي كما هو حينًا ,وبني االجتاه نحو احللم حينا �آخر:
فوق اجلزر اخلرافية ويف ال�صباح
حتى ي�ستقرَّبي �أنظر للمالءة التي
فوق جزيرة (مدغ�شكر) (تلكلكت)
72
ولغة األيام القادمة. كأن بح ًرا من دماء يحيط بكل ىشء
والتزال الوردة كالدوامة بني أصابعى
سأتجول ىف شوارع وسط البلد واليزال الرأى الذى أنترص له كامنًا
وسأحرض كل حفالت االستعراض فأمد يدى بنهم
وحفالت الغناء الجامعى املشجية اللتهام الفاصوليا البيضاء
ولن أصدق فكرة أنه اليبقى ألقدام البرش وكفتة األرز الجمىل
سوى الفرار والباذنجان املسلوق املخلل.
لن أصدق سامرسة الخادمات ،وبائعى السوق السوداء تسقط تسقط غريزة العدوان
وسآخذ شهي ًقا عمي ًقا أمام البيت
بينام الجموع غريزة العدوان سادت
تغرق ىف هاالت األفق األبيض. ولكن الشعوب تثور عىل كل أشكال القهر
وحني يصري الناس مساجني أو محبوسني عىل
رغوة صابون ستغرق العامل ذمة التحقيق
متاثيل رخامية آللهة األوملب ،واملالئكة العراة فلن يدوم هذا الوضع
وامرأة بضة تبتسم ىل كأنها ىف لوحة لدافنىش، واإلنسان هو اإلنسان ىف كل مكان
بينام تصبح الكوارث أشياء عادية. وىف ضوء هذا يصبح البحر األبيض بحرية للثورات
وهذه تركيا تشتعل
طفل ال أعرفه ينظر ىف وجهى ،ويحرك كفه كنت لحظتها أتفرج عىل امرأة ىف لوحة
لليمني واليسار للتحية لبوتتشيلىل تستقبل الربيع
وأنا أحب أن أغسل املواعني ،ألبس املريلة عندما انطلق الشباب الرتىك ىف حديقة التقسيم
وأكوم قدامى صفوف األواىن مؤمنني بأن العقول املقفلة التريد أن تتعلم
وأحس صوت قرقعات الصحون يشبه من التجارب.
الضحكات املكتومة.
حديقة التقسيم هى ميدان التحرير
آباء يحملون أطفالهم عىل أكتافهم ىف قلب املظاهرة
وأنا أضع الفوطة عىل كتفى
والصحف املكدسة مغطاة بالرتاب
كث ًريا ما وضع اإلنسان ىف زنزانة ،بعد تكميم ويشدىن حنينى للذكريات شديدة القدم
فمه ،وتقييد يديه وقدميه ىف كرة حديدية، للطفولة النقية
وربط رقبته بواسطة طوق معدىن إىل خطاف طفولة البرشية كلها
معلق بالحائط. وعندما ينادى الشباب مبطالبهم الفعلية
سيزلزلون القصور الرئاسية
أنا طوال عمرى تثريىن مثار النبق ،كنت أشرتيها املدهونة باألبيض
من أمام باب املدرسة ،أو أتسلق أشجا ًرا سيزلزلون البدل الرسمية والكرافتات املنشاة
ضخمة لىك أحصل عليها ىف آخر الفرع: وسيطرحون فيام يطرحون :لغة الجسد
73 العدد - 150صيف 2013
وىف الوقت نفسه كانت القارات تتحرك ىف مساراتها
والطفل ميتد ىف األفق.
هذه ماكينة الخياطة ،تظل تتكتك إىل ما ال نهاية فوق فراىش ،أرى البالد البعيدة ،ولكن ملاذا
أبواب البيوت موصدة ،ونوافذها حديدية، كأنها تريد أن تخيط مالبس البرشية كلها،
مثل قضبان الزنازين ،وملاذا املشاعر الشائكة
متر ىب ،بينام أصابعى مثلجة ،وقلبى حزين. وهناك امرأة نحيفة ،تتكئ إىل سور رشفتها
الحديدى املزخرف ،وتنظر بعينني ناريتني
الثقوب السوداء تشفط األجرام ىف األعاىل،
ُ باتجاه الشارع ،أما املرأة التى خلبت لبى،
فهى مختلفة :ستايل وجهها يعطى اإلحساس وهنا ىف آخر الشارع ميىش الكهل الذى اشرتى
نصف كيلو من الحليب ،يظل يتعكز عىل عصا بأنها عىل وشك البكاء ،وشفتاها مقببتان،
غليظة عائدًا لبيته ،بينام الخريف يدق الباب كأنها عىل وشك أن تطلق الصفري.
بعنف ،والرياح تغزو الفتحات والشقوق،
وتهاجم الرشفة برضاوة ،فتهتز ضلفتا الشيش. ال يوجد إنسان عىل األرض ،اال ويحمل ىف
داخله بعض الجنون،
أنا أعرف الشخص الذى اقرتب منه املوت، وعندما انسدلت ستارة القامش الغليظ
أعرفه جيدًا بانحناءاتها املتكررة ،سألت نفىس:
وىف الضوء الخفيف اآلىت من املصباح الجانبى، هل الخيال هو الحقيقة ،والواقع أسطورة ؟
أرى وجهه يهتز. ثم ظللت أسال نفىس:
من الذى سيقع عليه الدور ىف املوت القادم؟
بالفعل اقرتب املوت
مر العمر شهو ًرا وسنني عمق يتشكل ليحيط باألجزاء ،واملنبه ال
ىف هزائم وانكسارات ال أول لها ،وال آخر يتوقف عن الدق الواهن:
ويبدو أن هذه طبيعة األعامر منذ بداية رأىس يحوى دوامات تبتلع نفسها ىف إضاءات
البرشية اشتبكت ،مثل املعادن البللورية
فلامذا أحزن هكذا وأحس بالغم وعىل الكرىس الدوار أصل إىل اليقني:
هذه طبيعة البرشية كلنا موىت ،حتى لو مل يسقط الجسد،
فتمدد عىل السجاد األحمر أسمع صوت طفل يبىك بال انقطاع
اهتم بالزخارف املعقدة التى شغلوها عىل وحني أعرف كرىس العودة أتجاهل الراهن.
75 العدد - 150صيف 2013
آخر السجادة
ولعل هذا يشغلك قلي ًال عام أنت فيه أيها املسكني
أنت متلك عقلك
ومتلك إرادة الكتابة
وهذا من بختك
فال تغتم هكذا..
أيضا أن تدفع بالخطى ميكنك ً
ىف هامش املدينة
حيث البيت الذى شهد الطفولة
وهناك ستتأكد من أن الكتابة الزالت بني يديك
وأن اإلبداع اليولد من صدوع القلوب الكبرية فحسب
كام كنت تعتقد
ولكن اإلبداع ىف كل األيدى
وىف كل األصابع
لو كانت تدرك.
بالغة الخواء
انقذوا األرض
انقذوا اإلنسان الحائر :بني وهم التالىش ووهم
الخلود.
ملاذا يحب البرش الفخار ،سواء أكان مطل ًيا لقد احتفل الفراعنة بعيد وفاء النيل ،والزلنا
أوغري مطىل ،هل ألنه رافق الوجود اآلدمى نحتاج لهذا الوفاء تحت رعشة الشمس
منذ البداية. متاحف التاريخ مفتوحة ،واملهاترات اإلعالمية
عىل أشدها
مسحوق النشادر ىف أنفى ،بحر من النشادر بينام النسوة ىف املنازل منشغالت بطبخ
يغرق الطرقات واألسواق ،لجج النشادر الطعام،
وهم كانوا يربطمون ،واسم اإلنسان التباس، وأنا أمتىش عىل كورنيش النيل :حيث يقف
والحياة لعبة تبادلية. باعة املرشوبات الساخنة والباردة ،يناورون.
وحيث متتد الرشكات الكربى ،وأقفاص ببغاء
عىل املنضدة مزهريات ،وأكواب ،وأطباق الدرة املطوقة
زجاجية لتقديم الفاكهة. والسياح ىف الفلوكة بوجوههم الشمعية
بشفتيك املمتلئتني تصعدين عىل
ِ وأنت الجامدة.
76
أصعد ىف حالة الرصخة الكرىس ،لتنظفى النجفة بقطعة القامش
للجسد هالة تتفاعل مع كل ىشء حوله ،هالة املبللة:
ميكن أن تتمدد إىل ما ال نهاية: وىف الحنني والنوستالجيا ،تكون السنبالت
كانوا يستدرجوننا للوهم السبع ،والبقرات السبع ،والفيضـان ،ومقياس
وكنت أرى متساح النيل قادم ُا من الجنوب. النيل ،والقطن ،والقمح ،ومالئة البالص.
78
• كتبت ال�شعر والنقد وامل�سرح وقمت • خم�سون عاما من الإ بداع تقريبا مل ي�صدر
برتجمة الأ عمال الأ دبية عن الإ جنليزية ،ف�أى لك فيها غري �ستة دواوي��ن فقط ،فهل كان
هذه الكتابات ترى نف�سك فيها ؟ ملمار�ستك النقد والرتجمة �أثر فى ذلك خا�صة
ــ �أنا �أرى نف�سى فى كل عمل كتبته �أو �أ�صدرته، و�أن الأ و�ساط الثقافية تعرفك �شاعرا قبل �أى
فال فرق عندى بني �أن �أكتب ق�صيدة �شعر� ،أو �شىء ؟
�أترجم ق�صيدة ل�شاعر �أجنبى ،فلو مل ت�ؤثر فى هذه ــ الإ بداع نهر دائم التدفق ،ومن املعروف �أنك
الق�صيدة الأ جنبية ت�أثريا جيدا ملا وجدت دافعا ال تنزل النهر مرتني ،فاحلياة نهر دفاق املنبع،
لرتجمتها ،وكذا الأ مر بالن�سبة للمقال �أو الق�صة والإ ن�سان يعي�ش حياته على فرتات ،لكل فرتة
�أو الرواية ،ومن املعروف �أن الرتجمة �إبداع جديد لونها ،وهمومها الفل�سفية وال�شعرية والواقعية،
ي�ضاف �إىل �إبداع امل�ؤلف الأ �صلى ،ف�أنت تبذل من وال�شاعر حينما يكتب ،ف�إنه يكتب �آلآ م و�أحالم
نف�سك �إح�سا�سك وقدرتك الفنية فى التعاي�ش مع و�إحباطات الفرتة التى يعي�شها ،معربا عن ذلك
الن�ص بلغته الأ �صلية ،ثم تعيد التفاعل والتعاي�ش فى �شعره .وهنا� ،أنا �أن�شر ديوانا ينقل جتربتى �إىل
مع نف�س الن�ص حينما تقرر �أن تعرب عنه فى لغة القارئ ،و�أختار هذا الديوان من جمموعة كبرية
�أخ��رى� ،أن��ت عليك �أن��ت تعي�ش نف�س احلالة من الق�صائد ،وال �أرى �أى داع لن�شر ديوان �آخر
الإ بداعية حينما تقرر ترجمة عمل ما .وهكذا، يحمل نف�س الروح ،ويعرب عن نف�س الفرتة ،و�أعتقد
ف�أنت عليك �أن تعاي�ش الن�ص مرتني ،مرة فى لغته �أن هذا نوع من التكرار ،يجب على ال�شاعر املبدع
الأ وىل ،ومرة �أخرى فى اللغة املرتجم �إليها. �أن يرتفع عنه .بينما يوجد �شعراء ي�صرون على ن�شر
• ما الر�سائل التى �أردت تو�صيلها من كل كتاباتهم ال�شعرية املعربة عن تلك الفرتة فى
خالل هذه الكتابات (�شعر ،نقد ،م�سرح، عدد من الدواوين ،ويبدو الأ مر – بالن�سبة للقارئ
ترجمة)؟ غري الواعى – �أن هذا �شاعر غزير الإ نتاج ،بينما
ــ الر�سائل التى �أردت تو�صيلها من خالل هو ،فى حقيقة الأ مر ،مل ين�شر �أكرث من ديوان
كتاباتى املختلفة هى هذه الكتابات ذاتها ،بن�صها، واحد ،فى عدد من الدواوين ،لأ ن بقية دواوينه
وحلمها ،ون�سغ احلياة فيها .و�أنا حري�ص على �أن هى تنويعات على نف�س اللحن ،وبالتاىل فهى ال
ت�صل للمتلقى �أعماىل كاملة كما هى ،بكل ما متثل �إ�ضافة حقيقية لتجربته ال�شعرية .وهكذا ف�أنا ال
فيها من �أفكار ،وقدرة على التعبري ،حتى مو�سيقى �أن�شر ديوانا جديدا �إال �إذا عربت عن حالة �أخرى
الكلمات ،و�إيقاعات اجلمل .لي�ست هناك ر�سالة مغايرة للديوان ال�سابق ،ولذلك� ،أنا �أعتقد �أن كل
نظرية جاهزة يقدمها ال�شاعر لقرائه من خالل ديوان عندى ميثل مرحلة فنية وفكرية خمتلفة عن
�أ�شعاره ،و�إمنا الر�سالة هى هذه الق�صائد ذاتها بكل املراحل ال�سابقة ،وهكذا يبدو الأ مر كما لو كنت
ما فيها من زخم ونغم و�إيقاع. قليل الإ نتاج� .إن مكانة ال�شاعر
• كنت دائ��م احلديث عن �صالح عبد ال تقا�س بعدد الدواوين التى ي�صدرها ،و�إمنا
ال�صبور كمثل يُحتذى ،ترى ما ال�سبب ؟ تقا�س باحلالة ال�شعرية اخلا�صة التى مير بها فى كل
ــ �أنا �أعترب �أن �صالح عبد ال�صبور �أهم �شاعر مرحلة ،ومدى �أهمية هذه احلالة بالن�سبة مل�سار
م�صرى وعربى فى القرن الع�شرين ،لأ نه ا�ستطاع احلركة ال�شعرية العامة ،ولأ همية ما �أ�ضافه لتيار
�أن يحيل حياته الفكرية والوجدانية �إىل حياة ال�شعر العام.
79 العدد - 150صيف 2013
بني النقاد ودار�سى الأ دب ،وال�شاعر يرتكهم ت�سرى فى �أعماق النف�س الب�شرية ،وتعرب عن
يت�شاجرون ،ويحتمى بقول املتنبى : �آلآ مها و�أحالمها و�إحباطاتها .كما �أنه نقل ال�شعر
�أنام ملء جفونى عن �شواردها وي�سهر اخللق احلديث من التعبري عن الآ لهة والعظماء والكرباء
جراها ويخت�صموا. �إىل التعبري عن الإ ن�سان العادى املهم�ش الذى
• عدد كبري من �شعراء التفعيلة انتقلوا �إىل يكثل احلياة بكل جوانبها� .إنه بب�ساطة � ،أنزل
ق�صيدة النرث ،ما ال�سر فى ر�أيك؟ ال�شعر من ال�سماء �إىل الأ ر�ض ،ف�صار قريبا منا
ــ بع�ض �شعراء التفعيلة ظن �أن كتابة ق�صيدة ومعربا عنا ،و�أ�صبحنا نتغنى به فى كل وقت ،لأ ن
النرث �أ�سهل من كتابة ق�صيدة التفعيلة ،وذلك لأ نهم هذا الغناء هو �أنغامنا اخلفية التى مل ن�ستطع نحن
اعتقدوا �أن التخل�ص من العرو�ض �سوف يعطيهم الو�صول �إليها� ،أما هو فقد ا�ستطاع ذلك بف�ضل
حرية �أكرب فى التعبري ،ومل يكونوا قد تفهموا طرق قدراته ال�شعرية الراقية� ،إنه ا�ستطاع �أن يبحر فى
كتابة ق�صيدة النرث وال فل�سفتها ،فوقعوا فى فخ نفو�سنا – كال�سندباد – ليح�ضر لنا هذه الأ نغام
كتابة ق�صيدة هى فى �أ�صلها ق�صيدة تفعيلة بعد �أن العميقة فى النف�س الإ ن�سانية.
تخل�صت من التفاعيل ،وبالتاىل • ما كادت الذائقة العربية
فقد �ضاعوا بني النوعني ،و�أنتجوا ت�ستقر على �شعر التفعيلة �إال
ق�صيدة الهى ق�صيدة تفعيلة وال رة غام
ِ مُ النثر قصيدة وباغتتها ق�صيدة النرث ،فما
هى ق�صيدة نرث مبعناها الفنى، وجاءت للبحث عن الذى حدث ؟
ف�أنتجوا ق�صيدة م�سخا م�شوها. الواقع الجديد ـ��ـ ك��ان��ت ق�صيدة النرث
ذلك �أنهم مل يدركوا �أن ق�صيدة �شيئا متوقعا ،ذلك �أن احلياة
النرث حتتاج �إىل طاقات فنية الإ ن�سانية تختلف من زمن �إىل
خا�صة ،وقدرات عالية على الإ م�ساك مبا هو �شعرى زمن ،ومن
مكان �إىل مكان ،وبالتاىل ،يختلف �إيقاع احلياة داخل النرث ،كما �أن لها قانونها اخلا�ص الذى ال
يت�شابه مع ق�صيدة التفعيلة� ،إنها باخت�صار اكت�شاف داخل النف�س ،والبد ،بالتاىل� ،أن ي�أتى �أحد
ي�ستطيع ر�صد هذا التغري ،ويح�س مبالمح الغام�ض وال�سحرى واملجازى ،هى ق�صيدة مغامرة،
املرحلة اجلديدة ،وي�شعر بالتغري الإ يقاعى فى عليها
�أن تغو�ص فى املجهول لتكت�شف لنا �أعماقنا احلياة .ولذلك ،جاءت ق�صيدة النرث للبحث عن
الواقع اجلديد ،ولإ براز �إيقاعاته الداخلية ،واخلروج ال�سحرية وتواجهنا بها كالقدر .النرث الآ ن يحتل
من دائرة تقليد ال�سابقني ،حتى ميكننا �أن نتعرف �أر�ض ال�شعر ،وفتوحاته هذه ميكن �أن تُرى كر�شق
جمايل النت�صار الربجوازية على االر�ستقراطية. على مالحمنا احلقيقية فى املرحلة الراهنة.
• «ق�صيدة النرث» كم�صطلح مي��زج بني وهكذا تكون ق�صيدة النرث ،قد �أ�سدت خدمة
جن�سني لكل منهما مقاوماته � ،أال ترى تناق�ضا ايديولوجية كدليل على االنت�صار النرثي للطبقة
املالكة المتياز النرث ،مثلما هي دليل ال�صورة الذاتية فى ذلك؟
ــ م�س�ألة امل�صطلح اخلا�صة ب (ق�صيدة النرث) ال�شعرية للربجوازية مقابل خيالء االر�ستقراطية
م�س�ألة تقنية ،وهى لي�ست داخلة فى اهتمامات وادعاءاتها .ومن جانب �آخ��ر ،يك�شف املنظور
ال�شاعر احلقيقى ،و�إمن��ا هى حم��اورات جترى الطوباوي �أن قيام ق�صيدة النرث ب�إدراج اخلطاب
80
ــ ق�صيدة النرث – �ش�أنها �ش�أن �أى �شكل �شعرى النرثي املهمّ �ش ميكن �أن يُرى كتوجه �صوب �إعادة
– �سوف تبقى ما بقى قلب ينب�ض ،وعقل يفكر، �إدراج الذات الغنائية يف ال�سياق االجتماعي –
ووردة تلقى ب�ألوانها على �أحالم الع�شاق .والواقع ال�سيا�سي وعلى نحو احتفائي ،وكا�ستعداد لر� ؤية
�أن الأ �شكال ال�شعرية تتالقح من بع�ضها البع�ض، تلك الذات منخرطة يف ميادين ال�صراع اجلمالية
وال ميكن لأ ى �شكل �أن يلغى الآ خ��ر ،طاملا هو والتاريخية -االجتماعية على النقي�ض من ال�شعر
ممتلئ بدماء احلياة ،وقادر �أن يحمل هذه الدماء �إىل الغنائي الأ كرث تقليدية.
القارئ .ال�شعر العربى باق وم�ستمر ،والميكن �أن • ق�صيدة النرث ـ كما هو معروف ـ ال تخ�ضع
ي�أتى زمن بدون �شعر ،لأ ن ال�شعر هو احلياة العميقة ملو�سيقى ال�شعر املعروفة فهل تراها فى حاجة
التى تر�سم لكل منا كيانه اخلا�ص ،وتر�سم للجميع �إىل خليلٍ �أحمدى يقنن لها مو�سيقاها � ،أم �أنها
امل�سار والهدف وطرق التعبري .فال�شعر هو جوهر ـ بو�ضعها القائم ـ ت�أبى ذلك ؟
احلياة ،ميثل �أرقى ما فيها ،ويعرب عنها ب�شكل يو�ضح ــ الذى حدث �أن ال�شعر وجد �أوال ،مبعنى �أن
االجتاه احلقيقى لها. ال�شعراء مل يكونوا يعرفون العرو�ض ،وكان ال�شاعر
• هل كان للأ دب دور ـ �أى منهم يتبع �إح�سا�سه ال�شعرى،
دور ـ فى قيام ثورة 25يناير وذائقته املو�سيقية ،و�صوره أتمنى أن يشهد
2011؟ البيانية دون �سابق مقيا�س،
ــ ال يوجد فن ي�صنع ثورة، وخ���رج �شعرهم ب��ن��اء على عام 2013نهضة
فال توجد لوحة وال ق�صة وال ثقافية حقيقة ذل��ك يحمل قيما مو�سيقية
رواية �أو ق�صيدة قادرة على �أن هامة ،كان ال�شاعر يح�س بها،
جتعل النا�س تخرج من فورها �إىل والي�ستطيع اخلروج عليها ،و�إال
ال�شارع لرتفع الهتاف �ضد الظلم �أح�س بالنبو واخلط�أ .ثم جاء
اخلليل بن �أحمد ،و�أخذ ي�ستقرئ هذا ال�شعر ،والطغيان ،ولكن الدور احلقيقى للفن هو �أن يطهر
ويتعاي�ش مع �إيقاعاته ،حتى و�صل ب�إح�سا�سه نفو�س الب�شر من �أدران ال�شر ،كما قال �أر�سطو،
اجلماىل �إىل اكت�شاف القواعد املو�سيقية التى بنى و الفن يجعل النا�س قادرين على التمييز بني
عليها ال�شعراء �أ�شعارهم ،فكان �أن اكت�شف علم ال�صواب واخلط�أ ،بني اجلميل والقبيح ،وهنا فقط
العرو�ض .وامل�س�ألة بالن�سبة لق�صيدة النرث م�شابهة ميكن لهم �أن ي�صنعوا �أعنف الثورات.
• ما الذى كنت تتمناه للحياة الثقافية فى �إىل حد بعيد ،متاما كما حدث �سابقا ،فكل ما على
ال�شعراء �أن يتبعوا �إح�سا�ساتهم ووجداناتهم لكى عام 2012وتود حتقيقه عام 2013؟
ــ احلياة الثقافية �صورة حقيقية للوطن وما يدور يتمكنوا من الإ م�ساك ب�أيقاع احلياة املعا�صرة فى
�أ�شعارهم ،ثم ي�أتى بعد ذلك دور الناقد املبدع فيه من �أحداث ،و�أنا �أعتقد �أن الأ دباء والفناين قد
الذى ي�ستطيع �أن ي�صطاد هذه الإ يقاعات ،وي�ضعها �أنتجوا �أعماال تعرب عما حدث خالل عام ،2012
فى قوانني مو�سيقية جديدة نا�شئة من �إيقاع ق�صيدة �أما بالن�سبة لعام ،2013ف�أنا �أمتنى �أن ي�شهد نه�ضة
ثقافية حقيقية ،يكون لديها القدرة للو�صول �إىل النرث ،وبالتاىل ،ين�ش�أ علم عرو�ض جديد.
ذكرت ،هل ترى الوجدان اجلمعى ،ليتحول �إىل ما فيه اخلري لهذا َ • �أ�ستاذى ،فى �ضوء ما
الوطن. لهذه الق�صيدة م�ستقبال ؟
تأويل
حداثة سبعينيات الشعر الكردي -نماذج
د.حاتم الصكر
امل�شهد ال�شعري بجالء والتعرف على تلك لغة العرب و�أدب الكرد
الت�أثريات مف�صال. تتغذى احلداثة ال�شعرية الكردية يف العراق
وكثريا ما �أج��دين �شخ�صيا يف مو�ضع من الن�سغ ال�صاعد للحداثة ال�شعرية العراقية
احلرج حني يواجهني يف اللقاءات ال�صحفية العربية ،وتتبادل معها امل�ؤثرات ،وت�شهد
�أو الندوات وامل�ؤمترات ،واجتماعات الكتاب حلظات والدة وتطور تلك احلداثة التي
والأ دباء وجتمعاتهم �س�ؤال عن الأ دب العراقي اجرتحها جيل الرواد ،وانطلقوا بها عربيا،
املكتوب باللغة الكردية ،فال �أكاد �أعرف عنه وكانت �إ�شعاعا قويا لتعديل م�سار الق�صيدة
�شيئا كثريا يجعلني �أحيط ب�أجيال الكتابة بعد �أن وُجّ هت لها ر�ضات جتديدية قبلهم،
وتبدالت الأ �ساليب والر� ؤى ،واالن�شغاالت فقاموا بتجذير التجديد وم�سّ وا ثوابت ال�شكل
الأ دبية ف�ضال عن الثقافية العامة ،رغم عملي والإ يقاع؛ ليقدموا منوذجا لثورة حتديثية �سيت�سع
يف ال�صحافة الثقافية العراقية زمنا ،ويف هيئات مداها خالل الن�صف الثاين من القرن الع�شرين
احتاد الكتاب والأ دب��اء ،ومتابعتي القريبة بالإ يغال يف التحديث ،و�صوال لتجارب ق�صيدة
للحركة الثقافية والن�شر يف العراق. النرث وتنويعات الق�صيدة الوزنية الق�صرية.
و�أعد ذلك ق�صورا مزدوجا تتحمل وزره ول��ه��ذا ال��ت ��أث�ير ا�سبابه ال��ت��ي تتعدى
امل�ؤ�س�سات الثقافية ومثقفو اللغتني من العي�ش التاريخي امل�شرتك واملواطَنة �إىل امل�ؤثر
العراقيني :العرب والكرد ،فال الرتجمة ال�سيا�سي خا�صة،كون �أغلب املثقفني الكرد
من الكردية و�إليها تنا�سب �أهمية املو�ضوع كانوا م�سي�سيني �ضمن �أحزاب وجتمعات لها
و�ضرورته ،وال ما يُر�صد من �أن�شطة للتعريف امتدادت جغرافية عراقية وتتبادل الهموم ذاتها
وتت�شارك يف مكافحة الظواهر املرفو�ضة اي�ضا
ب��الأ دب الكردي -والتعرف على مناذجه- .بجانب �سبب �آخر هو �إح�سا�س الأ دباء الكرد
كافية لو�ضعه يف ج��دول اهتمامات قارئ كذلك ب�ضرورة النهو�ض بق�صيدتهم واخلروج
العربية ويف برناجمه التثقيفي. من معطف التقليد والكال�سيكية التي �سادت
ولقد وج��دت الأ دب���اء ال��ك��رد -رغم زمنا يف الكتابة ال�شعرية الكردية.
م�س�ؤوليتهم �أي�ضاً يف التباعد وعدم التعريف ولكن عدم درا�سة ذلك التثاقف لأ �سباب
ب�أدبهم � -أكرث حر�صا على الإ ط�لاع على �سيا�سية �أي�ضا تتعلق ب�سيا�سات الأ نظمة
�أدب العراق العربي والتزود منه والت�أثر به، الدكتاتورية وال�شوفينية ال�سابقة قد حجب ر� ؤية
حتى ليكتب بع�ضهم بالعربية �شعرا و�سردا
82
والقراء العرب بلغات العامل بدءا بالوطنية ودرا�سات ونقدا ،وعوامل ذلك و�أ�سبابه معروفة
ٍ
منها و�صوال �إىل لغات عاملية يف �آ�سيا و�أفريقيا ال تخفى ،يرتكز جلها يف طبيعة الأ نظمة
و�أمريكا الالتينية. املتوالية ،وموقفها من الأ قليات وثقافتها ،و�إهمال
املختارات التي �صدرت م�ؤخرا بالعربية املدار�س ب�شتى م�ستوياتها لتعلم اللغة الكردية
من ال�شعر الكردي العراقي عرب �أجيال رواده وتعليمها ،والتباعد اجلغرايف واحلياتي بني �أدباء
ومعا�صريه و�شبابه نبهت لتلك الفجوة التي اللغتني من العراقيني والعرب عموما �.إ�ضافة
نت�أمل داللتها كلما تكرر ال�س�ؤال. لقوة وحيوية املكتوب بالعربية واثره يف حميطه
�أرواح ال�شعراء يف عراء الق�صيدة الثقايف وكون الرعاق مو�ضع انطالق عديد من
(�أرواح يف العراء)هو العنوان الذي يقرتح دعوات التجديد واحلداثة االدبية.
املرتجم ال�شاعر الكردي العراقي عبداهلل وامل�س�ألة تندرج �ضمن فهم املثقف للمركزيات
برزجني لأ نطولوجليا ال�شعر الكردي احلديث، الثقافية التي ال يزال يراها يف الغرب ولغاته،
وعتبة العنوان توجهنا �صوب تخيل منازلة مق�صيا ثقافات �شرقية ذات حممول �إن�ساين
بني الروح ال�شعرية ال�ضاجة باحلياة ،وحنينها و�إبداعي مهم كالهندية والفار�سية والرتكية
لتكت�سب الوجود املادي بال�سكن يف ج�سد واليابانية وال�صينية ،وغريها مما مل يحظ –
الق�صيدة التي تكون عارية ببيا�ضها قبل �أن املعا�صر منه يف الأ قل – مبا ي�ستحق من ترجمة
تظهر بالفعل با�صطالح الفال�سفة بعد �أن �إىل العربية �أو التعريف بها .ويح�ضرين هنا ما
كانت موجودة بالقوة يف �أَ�سر الروح . قاله طه ح�سني عن كليلة ودمنة وو�صفه لها ب�أنها
�أهذا �إذن متثيل رمزي للوحة ال�شعر الكردي حتمل حكمة الهند وجهد الفر�س ولغة العرب،
احلديث عرب م�شاهده االفرتا�ضية الثالث و �أن حكاياتها ال يت�أتى تعريبها �إال ملثقف كابن
التي يتقدم بها ا�ستهالل املرتجم ا:مرحلة املقفع.
احلداثة الأ وىل الأ قرب للمعا�صرة والتجديد كنا نتداول يف عقود ما�ضية �صورة منطية عن
كما د�شنها عبداهلل كوران رائد ال�شعر الكردي عزلة الأ وربي اللغوية وجتاهله للغات غريه من
وجمايلوه كنوري �صالح وكامران موكري، الب�شر ،وترفعه عن احلديث ب�سوى لغته ،ولكن
ومرحلة التحديث الفني والأ �سلوبي بتقنيات تبني �أن الغربيني ي�شددون على تعلم لغات
احلداثة املعروفة كما جت�سدها �أ�شعار ال�ستينيني غريهم،ويفر�ضون على الطالب الأ وربي مثال �أن
والحقيهم� :شريكو بيك�س ولطيف هلمت يدر�س �صغريا �أكرث من لغة �أوربية و قدمية،حتى
وفرهاد �شاكلي و�أنور قادر ورفيق �صابر وح�سني �صارت اللغات جزءا حيويا من ثقافة الفرد داخل ًة
ع��ارف وج�لال زنكبادي و�صالح �شوان يف تكوينه العلمي واحل�ضاري،هو ما نفتقده حقا
واملرتجم نف�سه وغريهم ،ومرحلة الت�سعينيات يف براجمنا الدرا�سية ،ونالحظ ب�أ�سف غيابه من
وتغري اخلطاب ال�شعري بفجائعيته التي برامج تثقيفنا الذاتي �أي�ضا ،فكم كاتب بالعربية
ر�صدها املعد واملرتجم،وبالتمرد الأ �سلوبي �إىل �أو متعلم ومثقف يجيد لغات �أخرى غري امل�أثورة
حد كتابة الن�صو�ص الب�صرية والكونكريتية وال�شائعة؟
ون�صو�ص البيا�ض و�سواها.وهو جتييل منطقي ثمة انتباهة اليوم لأ دب ال�شرق وترجمته عرب
ي�سهل مهمة القراءة رغم حتفظ املرتجم على لغات و�سيطة،لكننا نحلم بجيل من املتكلمني
83 العدد - 150صيف 2013
يف ليل احلب التجييل كتكتيك او �إجراء نقدي .
ويقفر النهر ما مل تبح اجلداول بع�ضها لبع�ض. يف �شعراملراحل كلها �سري�صد متابع ال�شعر
طبيعة تلون كرد�ستان العراق وتطبع الكردي املن�شور يف العقود ال�سابقة ذلك
بح�ضورها جلّ ن�صو�صو احلداثيني من ال�شعراء االحتفاء بالذات جزءا من تعزيز الهوية واالنتماء
حد �أن تتماهى بها ق�صيدة حممد عمر: �إىل االر�ض والتاريخ يف ر�سالة �شعرية تتلقفها
�أنا جرنال اخلريف�،أعتمر قبعة من الغيوم ف�ضاءات الق�صيدة لتوقف هيجاناتها العاطفية،
و�أجنم �أكتايف ب�ضع �أوراق مذهبة لي�س �إال وحتوّلها بتطهري نف�سي راق �إىل جمازات �أخاذة
معطفي من الريح �أ�سهمت الرتجمة –و منجزها �شاعر من امل�شهد
و�سيفي غ�صن �شجرة متهرئة. نف�سه -يف تو�صيلها ب�أبعادها امل�ضمونية الإ ن�سانية
لقد �صنع بورتريتا ل�شخ�ص تزينه الطبيعة وبحداثتها الأ �سلوبية.
ويغدو �أحد �شخو�صها را�ضيا بالقليل الذي �إن�سانيا ال ترتفع الق�صيدة الكردية احلديثة
تهبه مقاي�سة جل�نراالت يرف�ض نيا�شينهم عن املو�ضوع فتكتب لأ ب�سط امل�شاهد الب�صرية
الزائفة املتكونة من دماء �ضحاياهم. وال�شعورية ما حدا بال�شاعر علي الفواز �إىل
وبهذه ال�سخرية الهادئة والدالة يالقي و�صف ال�شعر الكردي يف الإ �ستهالل ب�أنه
كثري من �شعراء الكرد احلداثيني مو�ضوعاتهم حممول على �سالالت طويلة من امليثولوجيا .
وم�ضامني ن�صو�صهم م�ستذكرين الع�سف تتخيل ال�شاعرة كزال �أحمد يف ق�صيدة
ال��ذي حل مبدنهم وب�شرهم وم�ستنجدين (�سفر) لقاء مع ك��وران فيهبها ب�ضع و�صايا:
بطبيعة تقهر الطعغاة وتهزم م�شروعاتهم .وهذا �صدفة يف جادة فارغة
تف�سري للإ �صرار الذي تنطوي عليه الن�صو�ص مررت بعبداهلل كوران
ال�شعرية الكردية وما ميكن �أن يقر�أ بكونه ت�أثرا ومن خلف خماري غمزت له
حادا بالرومان�سية ..
فعرّفني على ال�شعر
و�سنقرتب من حداثة ال�شعر الكردي
العراقي عرب ثالثة �أ�صوات متجايلة عمريا عقدَ قراين عليه
وتنتمي جليل ال�سبعينيات،و�إن كان االنتماء كنت
أنت،كما ِقال يل كوين كما � ِ
فنيا كما �أفهمه �أي �أن��ه انتماء الق�صيدة كوين دوما م�شاك�سة كطفلة
ومناخاتها لفنية الق�صيدة ال�سبعينية وماطرا �أ�شهد �أن ذلك يليق بجمالك.
عليها من حتديث وتطوير. يلخ�ص هذا املقطع قراءة الأ جيال التالية
لطيف هلمت: ل�شعر الريادة والبحث عن ق�صيدة و�صفها
الق�صيدة كالريح ال ت�صادق احدا! لطيف هلمت ب�أنها كالريح ال ت�صادق �أحدا،
مثل ما جرى يف جتييل ال�شعراء العراقيني تُقبل وتتوارى ..ويف هذا الظهور واالختفاء
الذين يكتبون بالعربية ،تواط�أ نقاد ال�شعر تتلون الق�صيدة الكردية ب�أطياف الروح والطبيعة
الكردي العراقي والباحثون فيه على تق�سيم متخطية �أ�صولها ،وهو ما رمز له �صالح �شوان
�شعرائه �ضمن �أجيال بح�سب انعكا�س ق�ضية بال�صلة بني النهر واجلداول:
احلداثة يف ق�صائدهم ،وا�ستجابتهم ملوجات ال وجود للنهر
مامل تتداخل �أج�ساد اجلداول عارية
84
ومدينتنا ال�صغرية) على جت�سيد طبيعة الأ ر�ض التحديث التي عرفها ال�شعريف تطوره ،واحتكاما
والبيئة ال�شمالية وجغرافيتها وموجوداتها �إىل ذلك يو�ضع ال�شاعر لطيف هلمت(كِ فْري
اخلليقية ،متجاوزا الرومان�سية املتغنية بها )1949مع �شعراء احلداثة الثانية بجانب زمالئه
كجوامد توحي لل�شاعر والحت�س او تنوب �شريكو بيك�س وعبداهلل ب�شيو و�أنور قادر و�أنور
عنه يف بوحها وجماليتها وعنائها ،معتمدا �شاكلي ورفيق �صابر وغريهم ،ممن د�شنوا التمرد
نوعا من الب�ساطة اجلارحة املكملة الهتماماته على جتديد الرواد من ال�شعراء الكرد �أمثال
ب�أدب الأ طفال و�أنا�شيدهم خا�صة،لكنها تلك (عبداهلل كوران وكمران ونوري �شيخ �صالح
الب�ساطة املنطوية على مفارقة مفاجِ ئة ؛ فتنمو وابراهيم احمد. )..
الق�صيدة بهدوء ورتابة م�ؤ�س�س ًة طبقات من �شعراء احلداثة الثانية تثاقفوا مع الق�صيدة
املعنى ال غرابة فيها وال تعقيد ،ثم تنعطف العربية وموجات التحديث املدوية ،فقفزوا
فجاة ؛ لتفجر �شعريتها مرة واحدة يف ب�ؤرة بالق�صيدة الكردية �صوب احلداثة التي لها
داللية �أو بيت ق�صيد -كما ا�صطلح النقاد �سمات �شبيهة بق�صيدة ال�ستينيات العربية،
القدامى على حلظة تلخي�ص الق�صيدة حلكمتها و�إن ت�أخر ظهورها يف ال�شعر الكردي ملرحلة
يف بيت �أخري -وبذا يقرتب من عوامل حممد ال�سبعينيات لأ �سباب يعزوها حمرر انطولوجيا
املاغوط يف ال�صنعة الفنية القائمة على �صور ال�شعر الكردي احلديث ال�شاعر عبداهلل طاهر
متقابلة تتنامى متوالد ًة ؛ لت�صطدم �أخريا مبا الربزجني �إىل �أ�سباب �سيا�سية،حيث كان �شعراء
يحوّل وجهتها لتقول حكمتها او خال�صتها. التجديد م�شغولني بق�ضايا الكفاح والتحرر
يت�ضح يف �شعر لطيف هلمت �أي�ضا ما يرد ومقاومة االنظمة ،بينما هيمن الإ حباط يف
يف ادبيات الت�صوف من عناية بالزمن كعامل ال�سبعينيات على املنافحني عن الق�ضية الكردية،
حمفز على ت�أمل احلياة و�صوال للزهد بها، وانفك ال�شعر عن الغر�ض ال�سيا�سي املبا�شر
ا�ستنادا اىل واقعة املوت ،ما يجعله مرتفعا والإ يديولوجيا،ما �أتاح للحداثة الفنية والر� ؤية
على الغنى واحلكم واملظاهر احلياتية الباذخة، اجلديدة �أن تاخذ مكانتها يف الق�صيدة،و�أن
فترتكز يف ق�صائده قيم احلرية و العدل ي�ستعان بال�سرد والنرث وتقنيات القناع والرمز
وامل�ساواة واالنت�صار لل�ضعفاء والفقراء.. والأ �سطورة واملونتاج واال�ستفادة من املوروث
وي�سرد ذلك كله من خالل متثيل خيايل املتنوع امل�صادر.
ي�سند لالحياء كلها ما يح�س به الب�شر ،كما يعرف القراء العرب �شعر بيك�س خا�صة
يف ق�صيدته (االمل) ،حيث تتو�سل ال�شجرة حل�ضوره وفاعليته وانت�شاره ،وكونه يف مقدمة
مبن ي�ضربها بالف�أ�س كي ال ي�صنع من ج�سدها حداثيي الق�صيدة الكردية ،لكن لطيف هلمت
�إال تابوتا للطغاة والقتلة. املجايل له يكتفي حتى الت�سعينيات بح�ضور
وي�ستلهم لطيف هلمت موروث ال�شعب داخلي ،جعله معروفا لقراء ال�صحافة الثقافية
و�إجنازاته الروحية يف الرتاث الديني وال�شعبي ببغداد ؛لأ نه ا�شتغل فيها ،ووا�صل ح�ضوره
وتركيزه على الوالدة اجلديدة للب�شر وقيامتهم مرتجما من العربية و�إليها .وهذا ما ينعك�س يف
من �سباتهم احلقيقي والرمزي اي الت�أخر �شعره متعدد امل�ؤثرات والت�أثرات ،فهو يعكف
والتكا�سل ،حماوال عرب الغزل باملراة �أن يعيد منذ ديوانه االول مطلع ال�سبعينيات (اهلل
85 العدد - 150صيف 2013
بعد تبخرها وان�ضوائها يف غيمة .لكنه يتدرج لها �أبرز ما متثله يف حياة الب�شر من وجود جمايل
من الهم الذي ينطوي عليه النهر وال يح�سه و�شعري وعاطفي،فكان كثري البوح العاطفي،وال
النا�س الذين بال ب�صائر ،لكنه مهموم ،بدليل نكاد نح�س �أنه يتحدث عن حبيبة حمددة �أو
�أنه ي�سمعه يئن،كما يرى للنهر حبيبة ي�سوق جتربة عاطفية معينة ..فتكفيه مثال زرقة عيني
لها الزهور يف موجات مائه ،ولأ نه يغ�ضب فتاة عن زرقة ال�سماء!
يرتطم بال�صخور �.أم��ا ال�شاعر فيحيل دمه على م�ستوى الأ داء الفني والكتابة ال�شعرية
قطرات ت�شربها غيمة ومتطرها عرب الق�صيدة يف ال يتعمد لطيف هلمت الغمو�ض �أو التعقيد رغم
نهر كبري. عمق –وخطورة – ما يتناول من مو�ضوعات،
يف ق�صيدة �أخرى من الق�صائد الق�صرية التي وهذا ما جعل تلقي �شعره املرتجم للغات �أخرى
مييل لكتابتها ي�شبه لطيف هلمت الق�صيدة يحظى باهتمام طيب� ،سمح بدرا�سة �شعر جيله
بالريح التي ال ت�صادق �أحدا يف هبوبها ،رغم ووطنه من خالله.
�أن هذا الو�صف ال ينطبق كثريا على �شعره �سنالحظ يف ق�صائده �سمات املبا�شرة
الذي يوحي ب�ألفة غريبة مع الأ �شياء ويتح�س�س والتدرج املوجي ال�شبيه بت�ضاعف الأ غلفة
ما تكتنزه يف �صمتها وجمودها. امللتفة حول نواة الفكرة او ب�ؤرة الن�ص ،هاهو يف
يرتجم ال�شاعر �إح�سا�سه بالزمن وثقله ق�صيدة بعنوان ال�شاعر و عرب جزئيات �صورية
وعبثيته يف ق�صيدة بعنوان الأ يام يتحدث فيها تلتقطها احلوا�س امل�ستنفرة دوم��ا يف �شعره،
عن �سل�سلة متالزمة من عراك �أيام الأ �سبوع ي�صل �إىل فكرة الذوبان واالحتاد ال�صوفية لدى
يختمها بال�س�ؤال الوجودي الإ �شكاليعن م�صري ال�شاعر ،وكينونته جزءا من ق�صيدته متماهيا
اج�ساد تلك الأ يام امليتة: بها؛ فيقول:
�أبد ًا ال�سبت يغتال اجلمعة أ�صغيت �إىل املاء
ُ �
االحد يقتل ال�سبت كان يغني لل�ضفاف
الإ ثنني يغتال الأ حد �أ�صغيت �إىل الطائر
والثالثاء الإ ثنني.. كان يغني ل�شجرة
ترى �أين تدفن االيام و �أ�صغيت �إىل ال�شجرة
كل هذه الأ ج�ساد؟. فكانت تغني للربيع
تلك ال�سمة الغالفية �أ�ضحت امتيازا و�أرهفت ال�سمع للربيع
لق�صيدة هلمت املتعالية على الرومان�سية كان يغني لل�شاعر
رغم رقة لغتها وب�ساطة مو�ضوعها ..وو�صولها وحني �أمعنت النظر يف ال�شاعر
�إىل غر�ضها بنمو فطري يذكرنا باحلدوتة �أو ر�أيته يذزب قطرة قطرة
احلكاية ال�شعبية ،وتكرار العبارات املفتاحية �أو ويتحول �إىل لهيب!..
اخلتامية يف الليايل العربية والفولكلور الكردي �إننا نح�س �أحيانا ان تداعياته �سوف ت�ستمربال
واحلكي ال�شعبي عامة.ففي ق�صيدة امللك توقف ،فال�صور تلد بع�ضها ،وتتفرع عن �سابقاتها.
يتدرج ال�شاعر يف ت�سل�سل اجلمل ال�شعرية يف ق�صيدة بالعنوان نف�سه (ال�شاعر) ي�ستفيد من
من عبارة(�أمر امللك باعتقال البحر /ف�صار فكرة احللول ال�صوفية ،وعودة القطرة �إىل نهرها
86
احلداثة التالية �ستنقل الق�صيدة �إىل موقع البحر غيما)وحني ي�أمر امللك باعتقال الغيم
حداثي �أكرث جر�أة وجتاوزا ملا اقرتحه زمالء ي�صبح مطرا،في�أمر امللك باعتقاله،في�صبح نهرا
بيك�س وهلمت ،لكن ما تركه ه�ؤالء �سيظل له يتحول بدوره �سيال يفي�ض بعد ان ي�أمر امللك
�أثره يف التحوالت الفنية والر� ؤى،ويف جممل باعتقاله ،وحني �أمر امللك مر باعتقال الفي�ضان
اخلطاب ال�شعري ،فن�صو�ص هلمت حملت يف التهمه ال�سيل ب�أ�سنانه احلادة .ثم لن�شتق هذه
ثناياها ظالل الرقابة والقمع للحريات ،بينما الأ مثولة:
ي�شتغل �شعراء الت�سعينيات يف ف�ضاء حر وال من ذا يقول� :أن لي�س للأ نهار هَم
ي�شوب ق�صائدهم خوف من ت�سلط �أو حتفظ �إنها �إن مل تكن حزينة ,فلماذا تئن �إذن ؟!
من تاويل.ولكن ما يجعل الق�صائد غا�ضبة ومن ذا الذي يقول� :أن لي�س للنهر حبيبة
كالريح فال تهادن �أو ت�صادق بتعبري هلمت هو �إنه �إن مل يكن يحب
تو�سيعها للهم ال�سيا�سي ومتا�سها مع الإ ن�ساين فلمن يجلب كل هذي الزهور ؟! ..
يف �أكرث �صوره بالغة وت�أثرياً�،سواء بالر�صد ومن ذا الذي يقول� :إن النهر ال يغ�ضب �أبدا
الداخلي للمكنونات الب�شرية� ،أو ت�أمل �إنه �إن مل يكن يغ�ضب ..
الكائنات اخلليقية وا�ستالل ال�صور امل�ؤثرة فلماذا يه�شم ر�أ�سه ب�صخور ال�ضفاف
وت�سل�سلها الدرامي حتى النهاية .وهي مظاهر ومن ذا الذي يقول� :إن ال�شاعر ال ي�صبح نهرا
يحر�ص لطيف هلمت على تركيزها كعالمة �ألي�س هو الذي يجمع دمه
فارقة له،وميزة متنحه تلك اخل�صو�صية التي ال قطرة فقطرة يف غيمة الق�صيدة
جتعل معاجلاته ومقارباته املو�ضوعية واال�سلوبية كي يجعل منها نهرا كبريا ؟!
ممتثلة ملو�ضة �أو نزعة مهيمنة،قدر ا�ستجابته لقد انحاز ال�شاعر للحرية ؛ فهاجمت ق�صيدته
حلافزواحد هو ف�ضاء الق�صيدة وهاج�س احلرية الطغاة،ولكن ب�صنع �صورة خرافية لهم .ي�ستعيد
الذي يالزمه منذ بداياته ال�شعرية حتى الآ ن. �صورة نريون مرمزا يف طاغية .حني يطلع من
رفيق �صابر :طريق العودة �أطول من احلياة ج�سد املدينة دخان ،تت�ساءل عنه الق�صيدة
يختار ال�شاعر الكردي العراقي رفيق يف حوار م�سرحي ذكي مل هذه املدينة لفها
�صابر(ال�سليمانية )1951معاناة اودي�سيو�س الدخان؟ فيجيب �صوت �آخر ب�أنه رمبا �أ�شعل
يف طريق العودة لإ يثاكا بعد ان انتهت حرب فيها جرنال �سيجارة �أو غليونا .كناية عن عذاب
طروادة ،ليعبرّ بها عن عنائه يف املنفى والعودة الأ ر�ض والب�شر بوح�شية الع�سكر وق�سوتهم.
�إىل الوطن .وهو من اكرث �شعراء جيله اتكاء ويف حديثه عن الأ مكنة يلخ�ص هلمت
على اال�ساطري والرموز التي عززتها �إقامته ال�شعور بتنوع الدروب وتعددها ،لكنه يبحث
خارج الوطن �سنوات طويلة كتب خاللها ك�أي مت�أمل واعٍ غري عابرعادي يف ممر احلياة
ق�صائده املهمة وامل�ستندة لتقنيات ال�سرد -كما عن درب ي�صفه ب�أنه �أجمل درب :فهو (ال
ينوه مرتجم ق�صائده اىل العربية الناقد عبداهلل ينطلق من مكان وال يبلغ �أي مكان)� .إنه مكان
طاهر برزجني -و�أبرزها مطولته (مو�سم اجلليد) �أو طريق يقع يف مو�ضع خيايل،ي�صنعه الإ يهام
و ق�صيدة (ح�سرات �أودي�س) وعمّ قَ مت ّيزَه الذي يعقد عليه ال�شاعر رهان ق�صيدته.
معاي�شتُه للتحديث يف ال�شعر املكتوب بالعربية كثري من ن�صو�ص ال�شعر الكردي يف موجة
87 العدد - 150صيف 2013
وت�أخذ الت�أمالت ال�شاعر ليغو�ص يف امل�صائر خالل درا�سته ببغداد وعمله يف �صحافتها
والنهايات الب�شرية ويقرتب من الت�أمل ال�صويف الي�سارية ،ثم اطالعه املبا�شر على ال�شعر العاملي
متاثرا با�سالفه من املت�صوفة الكرد ال �سيما يف ب�سبب هجرته ودرا�سته يف رو�سيا وبلغاريا و�إقامته
مطولتيه (مو�سم اجلليد) و(ميديتا�سيون) � -أي يف ال�سويد قبل عودته الأ خ�يرة �إىل العراق
الت�أمالت واال�ستغراق يف الذات -التي تنبئ للإ قامة يف كرد�ستان .الرموز والأ �ساطري وامليزة
عن معاناة املنفي والربد املت�سلل للروح كما يف ال�سردية التي تنا�سب غياب الغنائية عند رفيق
�شعر نايل ال�شهرزوري و موالنا خالد فيقول: �صابر عززت اجتاهه النرثي املتج�سد يف الإ فادة
�أنت بال انتهاء وال خامتة كالزمان من وجود النرث يف تعميق �شعرية ق�صيدته.
بال �شكل كال�ضياء وظهر الفكر الفل�سفي ب�شكل ت�أمالت عميقة يف
وما �ش�أين �أنا الزمن واملكان واملحاولة الدائبة لالن�سان للتغلب
�إن كانت البداية تراب ً�أ �أم هواء عليهما لذا كانت الأ ودي�سة مرجعاً منا�سباً وذكياً
نار ًا �أم ماء لإ جناز التنا�ص
بدايتي كانت قب�سا من اجل�سد الذي �أ�ضاف للن�ص داللة �إن�سانية ؛فالطريق
ذاب يف تالفيف الروح �إىل البيت هاج�س املنفيَ حتى وهو يختار
قطرة من نور الروح بنف�سه منفاه وي�سعى �إليه ،لكنه يظل باحلنني
ت�شبثت باجل�سد ذاته متطلعاً ملا�ضيه املمثَّل باملكان الذي �شهد
معك تبد�أ بدايتي حياته فيه.طريق يقول عنه ال�شاعر �إنه (�أطول
ووراءك تنفد
من احلياة) م�ؤمناًبذلك حلد تكرار املقولة
وال ي�ستغرق �شعر رفيق �صابر يف التجريد ذاتها عنواناً لإ حدى ق�صائده وبيتاً يف �أودي�سته
ب�سبب الت�أمالت .يلج�أ لتقريب فكرته بال�صورة الكردية خماطباً زوجته التي ال بد �أن تكون لها
التي متيز �شعره كونها م�ستقاة من الطبيعة وهي
طبيعة مزدوجة من الوطن واملنفى معا.ولكن رمزية بنلوب املنتظِ رة:
�أود �أن �أ�صلك قبل �أن يحل الفجر
ا�ستهالالت ق�صائده ت�ضع القارئ دوما يف
حميط الت�أمالت وقريبا من الطبيعة لريينا �أنرث �أحالمي كباقة زهر جمعدة
فكرته عن الزمن واملكان وامل�صائر وهي ثالثة على قدميك الناعمتني
�أقانيم ت�شغل ال�شاعر كثريا ومتثل هاج�سه املميز ولكن �آه يا زوجتي العزيزة
يف ظني وهي حتيل �إىل مرجعيات ال�شاعر �إن طريق العودة �أطول من احلياة نف�سها.
وامل�ؤثرات التي وقع �شعره حتتها يف تكوينه ويف ق�صيدته املعنونة بالعبارة نف�سها يقول:
العام وثقافته ال�شعرية ال�سيما الت�صوف الذي درب �أطول من احلياة
يف�صل يف بيانه الناقد عبداهلل برزجني مقارنا ما
ّ ال زمني املبعرث كف�ؤادي �أ�سري حام ً
تلفظ به ال�شاعر وما ورد يف ملدونات ال�شعرية �أود �أن �أقطع م�سافتي الأ خرية كخيط من نور
ال�صوفية ال �سيما ملوالنا خالد . مرتبك
ال�صورة ال�شعرية ت�ستقبل القارئ لت�ضعه يف و�أ�صاب املرتجم حني اختار (�أط��ول من
ال�سياق الب�صري ولكن املحتكم للت�أمل: احلياة) عنواناً للمختارات التي ترجمها من
�شعره �إىل العربية.وهو عنوان احد دواوينه �أي�ضاً.
88
أنه(�شم�س منرية ٌ�سوداءُ).
ٌ مادحا ب� كان الليل نع�شا متمددا بجنبي
لكن ال�شاعر طيب جبار(كركوك )1954له والوقت كان �ضباباو�صراخا
�أ�سبابه لي�صف ظالم ذلك الزمان ب�أنه �أبي�ض، والوطن كان قب�ضة،غبار تتناهبه الريح
كما يف عنوان �إحدى ق�صائده التي �أطلقها ورمبا كان ا�ست�شهاده بعنا�صر الطبيعة الأ ربعة
مرتجمه �إىل العربية ال�شاعر عبداهلل الربزجني وتفرده عنها ما ي�ؤكد احاالته ال�صوفية التي ترى
عنوانا على جمموعة خمتارة من �أ�شعاره. الكون خلقا خا�صا تكت�شفه عني العارف وعقله
�إنه ي�أ�سى على �أزمنة �أكرث ب�ساطة ي�صادق وب�صريته.
فيها الإ ن�سان الطبيعة ونف�سه و�أ�شياءه ،ويبدو �أم��ا �إفادته من ال�سرد فال يعك�س جمرد
زاده كما تقرتح الو�صفات ال�شعبية: اال�ست�ضافة النرثية واال�سرت�سال احلكائي مما
�صباحا كان الفطور ي�شيع يف ال�شعر احلديث� ،إمنا تظهر فيه براعته
�إناء من ال�سق�سقة �سواء يف اختيار زاوية النظر �أو التبئري ووجهة
ظهرا ملعقتان من ال�ضحك الق�ص وم�ساره ثم �صوت ال�سارد وتبدل دالالت
م�ساء قر�صة قمر املخاطب لديه وت�سل�سل الأ حداث والتبدالت
يقابل ذلك يف �ضدية قا�سية ما �آل �إليه ال �سيما يف مطوالته.
الزمن: و�أح�سب �أن جتربة رفيق �صابر ذات خ�صو�صية
الآ ن تتطلب وقفات ا�شمل ومن زوايا نقدية متعددة.
الريح تُ�ضرب عن الهبوب جديرة با�صطياد ر� ؤيته الفكرية وال�شعرية و لغته
ال تنزل من الأ عايل و�صوره التي يغدو فيها
النار تلعن الدخان :الوطن ك�أنه �سحابة كليلة معلقة على بوابة
ال�صحراء ت�سرِّح الرمل الكون،والروح يظل بابها م�شرعا حتى الفجر،
الأ يدي ال تتعانق فيما هو يرتدي الفراغ ما�شيا كال�صدى يف طريق
وال�شفاه ال تتال�صق �أطول من احلياة. .
وجباتي الثالث:الطني طيّب جبار:ظالم لياليه �أبي�ض
حار�س ال�صوت يف مدينة خر�ساء يرى ال�شعراء ما ال يراه الآ خرون ويعي�شون
.ويجدر بنا �أن نالحظ ال�صوت اجلماعي بع�شرات احلوا�س ؛ فتبدو الأ �شياء بعني خميلتهم
حتى بال�ضمري النحوي العائد للجماعه يف ال كما هي عليه خارج ق�صائدهم.
املقطع الأ ول املتعلق باملا�ضي ،ثم بروز الذات يحكي ال�شاعر طيّب جبار عن زمن كان فيه
يف مقطع احلا�ضر ،وعائدية ال�ضمري على الظالم �أبي�ض..لعله الظالم الذي �أحبه ال�سياب
ال�شاعر املتكلم نف�سه ،ما ي�ؤ�شر املهمة الذاتية حني قال(ال�شم�س �أجمل يف بالدي من �سواها
يف برنامج الق�صيدة /والظالم /حتى الظالم هناك �أجمل /فهو
الكردية احلديثة ،وكذلك التقابل بني يحت�ضن العراق) و�سمع ب�آذان مرهفة احل�صى
الآ ن وكان فهما يتقدمان �سل�سلة تريات يا�سى ي�صل يف قرار النهر ،و و�أح�س بالعراق يذخر
بها ال�شاعر على �صفو انق�ضى و�سعادة مفقودة الربوق والرعود..ويف ظلمة لونية �أخرى يتداعى
ففطور ال�سق�سقة وال�ضحك والنور امل�شع من املتنبي :حني كان هواه موافقا لكافور فو�صفه
89 العدد - 150صيف 2013
فنيا �سنجد �أن للطيب جبار منهجاً �أ�سلوبياً القمر �صارت وجبته الطينالذي يحر�س مدينة
مميزاً ن�ستطيع �أن تعرف عليه عرب ت�شخي�ص خاوية بال �أ�صوات .وميكن لنا مالحظة �أمرين
ظاهرة �سائدة يف الدريوان هي االهتمام مهمني يف قراءة �أ�شعار طيب جبار هذه،حيث
بالتوزيع الإ يقاعي البيات الق�صيدة توزيعا الطبيعة �أو ٌال تت�سيد مقيا�س االحتكام �إىل
حم�سوبا يحق �أثرا مو�سيقيا يعو�ض كثريا عن ح�ضور ال�سعادة وغيابها ،وثانيا ما حتفل به من
غياب املو�سيقى التقليدية وزنا وتقفية .وبذا هيمنة الذات ب�شكل وا�ضح،مبقابل ذوبانها يف
يدح�ض فر�ضية جمانية ق�صيدة النرثوعبثيتها �أ�شعار جيل احلداثة الثاين يف ال�شعر الكردي
�أو تغريبها الع�صي على الفهم�،أو فقدانها املهموم ب�أولويات جماعية،ير�صدها املرتجم
الت�صميم والرتابط والداللة الربزجني ،وي�ضع ق�صائد طيب جبار يف مرحلة
تتلخ�ص تلك امليزة الإ يقاعية والت�صميم احلداثة الثالثة التي د�شّ نها مبكرا �شعراء مثل
املرو�س للق�صيدة وت�سطريها البيتي وتكتلها �شريكو بيك�س ولطيف هلمت و�أنور قادر حيث
اخلطي بو�ضع عبارة مفتاحية تتكرر بعد عدد تتجلى يف ن�صو�صهم (االنزياحات واالنفتاح على
متناظر من الأ بيات. �أجنا�س متباينة) وطوّرتها �أ�شعار ال�سبعينيات
وهذا ما تف�صح عنه منوذجيا ق�صيدته (ثالث التي عُ نيت كما يف ق�صائد ديوان (ذات زمان
رباعيات خما�سية) فعرب التالعب باملدلول كان الظالم �أبي�ض) باالحتفاء بالعدم والغياب
العددي ينجز طيب جبار ق�صيدة ذات �إيقاع وت�أمل واقعة املوت ،وبر� ؤية الطبيعة،
خا�ص تلفت النظر يف تناظر �أعداد االبيات ال كما ر�آها الرومان�سيون منا�سَ بَة لل�شكوى
وا�ستهالالتها وتقطيعها اخلطي على الورق، وال�سيولة العاطفية�،إمنا لغر�ض التطابق بني
ويحاول تعوي�ض مو�سيقى ال�شعر التقليدية الذات بتجلياتها و�إراداتها ورغباتها واختياراتها،
امل�ألوفة. وبني اخل��ارج املوافق لنزوعها احل��ر ،وتلبي ًة
ففي ن�صو�ص الق�صيدة ذات العناوين
الفرعية جند ثالث رباعيات تتوزع �إيقاعيا لرغبتها يف ال�صفاء والوحدة .ف�أ�صبح ظالم تلك
بتقنية التكرار بال�شكل الآ تي: الأ زمنة �أبي�ض ،و�صارت �أمنية ال�شاعر �أن يرق�ص
املقطع االول اال�ستهالل:كن حذرا التدع مع خرير جدول،و�أن تتناغم �أحلانه مع زجمرة
تلك الريح/تنحني /فتقطع الرياح ،و�أن ينهي حياته زلزال!.بينما تت�شاور
املقطع الثاين اال�ستهالل :كن حذرا التدع عنا�صر الطبيعة(املاء والرتاب ،النار والريح)
ذلك املاء/ينام/فيحلم لتعطيه مرا�سم دفن الئقة فيكون:
املقطع الثالث اال�ستهالل :كن حذرا التدع تابوته من خ�شب القمر
تلك النار/ت�شوى/فتتقخم وكفنا من �شعر فتاة
املقطع الرابع اال�ستهالل :كن حذرا ال تدع وحني يغ�سلونه ويدفنونه يكون ذلك:
ذلك الرتاب/ي�شم/فيختل برحيق الكلمات
املقطع اخلام�س اال�ستهالل:كن حذرا ال تدع و�أحجار اللحد من قو�س قزح.
تلك الق�صيدة/تعط�س/فتنت�شر �إن الرتاجيديا التي متثلها الق�صائد تعطي
وقد خدم التكرار الفكرة ولفت �إىل تناظر للق�صيدة احلديثة �أفقا �إن�سانيا تت�آخى فيه �أحالم
الب�شر كما تتوحد �آالمهم �أي�ضا.
90
وداللة على امل�ستقبل جند خم�سة وع�شرين دقيق يتلخ�ص ل�سانيا بتكرار طلب (فعل �أمر)
ن�صا مرقما وبعناوين فرعية هي يف احلقيقة يف بدء كل مقطع،ثم طلب(نهي) و�أخريا ي�أتي
الكلمات �أو العبارات الأ وىل من الن�ص وهو جواب الطلب بعد الفاء وهو دوما ثالث كلمات.
عمل م�شابه ملا دابت عليه املالحم القدمية هذه ال�سنتمرتية املمثلة بالرباعية ومقاطعها
التي تعرف مبطالعها او ما فعله حممود دروي�ش اخلم�سة وكلماتها املتقابلة عدديا ودالالتها
يف كثري من ق�صائده التي �أخذت عناوينها من املوحدة ف�ضال عن كونها تعيد ترتيب عنا�صر
ابياتها الأ وىل �أو ا�ستهالالتها.فالن�ص الأ ول الطبيعة (ي�سميها عنوان الرباعية مواد ،وحري
إحك يل) يبدا بالعبارة ذاتها ،والن�ص الثاين
(� ِ بالرتجمة ان تكون عنا�صر) م�ضافا �إليها الرحيح
(متهل) يبدا بالعنوان اي�ضا ويكرره يف مقاطع ت�ؤكد تو�صلنا ال�سابق حول متجيد الطبيعة ال بح�س
�صغرية يف�صل بينها البيا�ض. رومان�سي �ساذج بل باختيار واع لها كم�ساحة
وهكذا تتق�سم �إيقاعات الن�صو�ص الأ خرى حلرية الذات وجمالياتها امل�ستعا�ض بها عن قبح
.ويف ق�صائد الحقة مثل:يا وردتي ال ترحلي، الواقع املرفو�ض.
و�إىل ح�سني م�صري ،ونامي حبيبتي ،جند يف الرباعية الثانية ثمة ا�شتغال م�شابه:
التقنية نف�سها التي توافق مزاج ال�شاعر وتلبي تكرار للعبارة املفتاحية لو كنت اعرف
حاجة الن�ص لتثبيت معانيه ودالالته. والبيت الثاين تزمني للف�صل وهو الربيع يف
االوىل وال�صيف يف الثانية واخلريف يف الثالثة
ملحق وال�شتاء يف الرابعة..كما يتكرر جواب �أو خرب
ق�صائد التمني ب لو يف االبيات الثالثة م�صدرا باحلرف
-1لطيف هلمت ل متبوعا بفعل :لأ مرت /لأ حلت/لأ حلت/
لأ غلقت/لوزعت..
�أ�سرار مع مالحظة خروج ال�شاعر على التق�سيم
-1الريح الرباعي لالبيات حيث جاء بخم�سة يف املقاطع
ال ت�صادق �أحدا االربع الأ وىل وختم بثمانية..وهو عني ما يتكرر
-2والق�صيدة كالريح يف املقطع الباعية الثالثة التي تبدا بعبارة :انا
احيانا تقبل �شاهد والتي تتكرر يف مطلع كل مقطع بينما
وتتوارى �أحيانا �أخرى تتغري احلوا�س فتكون العني يف االوىل ويكون
-3حني ي�سرت�سل ال�شعر يف النوم
تنمو �أع�شاب ال�صمت الفم يف الثانية والأ نف يف الثالثة والأ ذن يف
يف بقاع الأ ر�ض. الرابعة وتنتهي الرباعية بالنف�س التي تكون
�شاهدا.
امللك وال تخلو �أي من ق�صائد الديوان من هذا
�أمر امللك باعتقال البحر ال�صنيع :تكرار لكلمة مفتاحية او عبارة ثم
ف�صار البحر غيما تنويعها بتداعيات م�شابهة �أو قريبة .ففي ق�صيدته
�أمر امللك باعتقال الغيم الطويلة التي �أخذ الديوان ا�سمها عنوانا (ق�صائد
ف�صار الغيم مطرا تلتفت �إىل الأ م��ام) مبا فيه من مفارقة لطيفة
91 العدد - 150صيف 2013
ككتاب اطوي الظالم �أمر امللك باعتقال املطر
اود ان اعو ذات ليلة �إليك ف�صار املطر في�ضانا
كئيبا �أعلي �آثامي كراية بي�ضاء امللك �أمر باعتقال الفي�ضان
واحالمي �أنرثها كح�ضن من االوراق املفتتة فالتهمه ال�سيل ب�أ�سنانه احلادة
على قدميك
بينلوبي ().........
بنيلوبي يا زوجتي العزيزة -هذه املدينة
على انطفاء احلرب زمن م�ضى ومازال مل لفها الدخان..؟
ال�سلم غائبا +رمبا
ال �أتذكر متى تركتك جرنال
فقدت الزمن ودرب الأ وبة.... �أ�شعل بها
بنلوبي يا زوجتي العززة �سبجارة
�إين �أرنو �إىل الأ فق وال�شيء يف بايل �أو غليونا.
�أي �شيء ظل بعدك حتى �أودع���ه لدى
الغيب؟ ()....
�أي �سر لدي حتى �أعلنه لل�ضياء؟ مائة جنمة
اقتفيت �أثر خطى اجلمال .. تدخل مر�آة �صغرية
البرهة من الزمن �أملك بعدك �أمّا هذه الأ ر�ض الكبرية
وال مو�ضعا من املكان فال ت�سعني كخرم الإ برة !
والأ �شياء تتباعد تباعا وحتدث ال�شرخ يف مقطعان
1
الوجود واا�أعماق لكم �آالف الزنزانات
مل �أع��رف �أن احلب هكذا يحوي احل�سن ويل �شم�س واحدة
والأ مل وزنزاناتكم كلها ال تقدر �أن حتجب
وي�شعل نار هذه احلرب التي ال تنفد عني �شم�سي الوحيدة
مل �أع��رف �أن الفراق يحدث ه��ذا اجلرح 2
ال�سرمدي يف الروح لكم �آالف ال�سيوف
لو تعرفني �أي مكان مرتب ج�سدي! ويل يدان فقط
و�أية �صحراء قاحلة روحي! ولي�س مب�ستطاع �سيوفكم كلها
�أود �أن �أ�صلك قبل �أن يحل الفجر �أن تنتزع مني هاتني اليدين
لأ نرث �أحالمي كباقة زهر جمعدة
على قدميك الناعمتني -2رفيق �صابر
ولكن �آه يا زوجتي العزيزة! ح�سرات �أودي�س
خ�سرت الزمان يف �سفري الأ زيل �إىل فران�س/بعد 18عاما
يف جزيرة مظللة �أرنو �إىل الفراغ. على �سواحل البحر �أترك امل�ساء للطيور امائية
92
فتحى عبد السميع..
العائش ىف الشعر
94
كنت ممن يف�ضلون االنفالت من القوالب ال�ضيقة، يف ديوانك الأ حدث « متثال رملي» بدا �أنك
ف�أنا ال �أعتقد �أن تلك القوالب تتمثل يف الوزن تعمد �إيل توظيف الأ بعاد الفلكلورية والأ �سطورية
�أو القافية ،بل يف نظرتنا للعامل ،فالتمرد علي وال�صوفية ..فهل هذا حماولة لالنفالت من
بع�ض الأ مور ال�شكلية مترد �سطحي ،ما �أب�سط �أن التعريف التقليدي لق�صيدة النرث ب�أنها ق�صيدة
يتمرد �شاعر علي القافية �أو الوزن ،لكن ال�صعب اليومي واملعي�ش ؟
والأ ويل هو التمرد علي نظرتنا املعتادة للعامل� ،أنا �أحاول الفرار دائما من كل تعريف م�سبق لل�شعر،
بب�ساطة �أحاول الإ �صغاء �إيل العامل ،واال�شتباك ال�شعر يف تقديري يحتاج �إيل تعريف ب�شكل دائم،
معه من خالل �أدوات ال�شعر ،وعلي ر�أ�سها املخيلة، وكل ق�صيدة جديدة عليها �أن ت�ساهم يف هذا
واحليل الفنية التي تزحزح وتنقل وتبدل املوا�ضع التعريف الذي لن يكتمل �أبدا ،و�إذا كنت �أهتم
علي م�ستوي الزمن واملكان ،هكذا تتحرر النظرة، باليومي واملعي�ش باعتبارهما �سبيلني هامني لن�صو�ص
وتزداد ثراء كما �أظن ،وما �أكتبه يبقي مرهونا بدرجة حية ،فهذا ال يعني �أن اليومي واملعي�ش ال عالقة
ا�شتباكي مع العامل ،وكفاءة مهاراتي الفنية ،ويبقي لهما بالفلكلور ،والأ �سطورة ،والت�صوف .خا�صة و�أنا
ر�صد ووحتليل طبيعة تلك العالقة فعال نقديا يحتاج من املهتمني بتلك اجلوانب ،و�أري �أنها وثيقة ال�صلة
�إيل ناقد. بالنظرة ال�شعرية للعامل ،ومن الطبيعي جدا �أن تظهر
�أهديت ( 7ق�صائد) من ديوانك فرا�شة يف يف ن�صو�صي .و�أظن �أنني ال �أتعامل مع تلك اجلوانب
الدخان لأ �صدقائك من الراحلني والأ حياء فهل ب�شكل متعمد ،ف�أنا �أحاول �أن �أكتب جتربتي ،ولو
ت�ستخدم الإ ه��داءات ب�شكل جماين �أم �أن لها نظرت مثال �إيل الأ �سطورة يف �شعري� ،سوف جتدين
داللة ال �أتعامل معها كما حدث مع جيل الرواد ،والذين
مل تكن تلك الإ ه��داءات جمرد حلية خارجية امتلأ ت ن�صو�صهم بالأ �ساطري والرموز الأ �سطورية ،يف
جمانية ،كانت ت�شري �إيل �أبطال الن�صو�ص ،وكلهم ن�صو�صي ال توجد �أ�ساطري جملوبة كحلية� ،أو حتي
ينتمون �إيل مكان واحد هو املكان الذي �أعي�ش فيه، مر�آة ،يف ن�صو�صي ـ كما �أظن ـ ينطلق الأ �سطوري
كما �أنهم ينتمون �إيل جمال الكتابة ،وكانوا �شركاء ب�شكل عفوي� ،أو قل تنفتح جتربتي علي الأ �سطوري
يف �أحالم ثقافية خا�صة ترتبط بال�صعيد ،كانوا رفقاء القائم فعال يف اليومي واملعا�ش.
�أم�سيات كثرية ،وجمعت بيننا ذكريات ،وهم جزء قلت قبل ذلك �أن الإ �شكالية التي يطرحها «
بالفعل من حياتي ،وهو ما يجعل دخولهم �إيل متثال رملي» تتعلق بعالقة ال�شاعر بالعامل املحيط.
ن�صو�صي �أمرا طبيعيا ،و الن�صو�ص حتمل عنوانا فما هي طبيعة العالقة بني الذات والعامل داخل
واحدا ي�شري �إيل هويتهم اجلنوبية ،ولو قر�أت الن�صو�ص الديوان.
�سوف جتد فيها ما ي�شري �إيل �إليهم ،لكن الن�صو�ص يف هي عالقة ا�شتباك حميم ،علي م�ستوي حياتي
احلقيقة مل تكن عنهم بقدر ما كانت عني �أنا ،كانوا اليومية التي �أعي�شها يف اجلنوب� ،أو علي م�ستوي
بالن�سبة يل مرايا �أري فيها وجهي ،وقد ظهرت تلك نظرتي للعامل التي تتجاوز حدود املكان ،وهي عالقة
الن�صو�ص ب�شكل عفوي ،وعندما جتمعت الح يل �أن توا�صل يحاول �أن يكون متجاوزا للم�ألوف واملعتاد،
تكون جتربة جمموعة كاملة ،فثمة �أ�صدقاء لهم مكانة عالقة �إميان بالعامل ،وب�أنه مينح الذات بقدر ما متنحه
جتعلهم �أبطاال لن�صو�ص ،لكنني مل ا�ستطع امل�ضي يف من رغبة يف الإ �صغاء احلميم ملفرداته ،هي �أي�ضا
كتابة ن�صو�ص �أخري ،كنت �أ�شعر �أنني علي م�شارف عالقة �إميان بالذات ،وب�أنها هي الأ خري �أكرب من
االفتعال فتوقفت. كل ت�صوراتي عنها ،و�أكرب من ح�شرها يف �صندوق
ديوانك « تقطيبة املحارب» متا�س ب�شكل �ضيق ،الذات والعامل كالهما يرثي الآ خر ،و�إذا
96
�أخريا ملاذا تبدو مقال يف �أعمالك النظرة ال�شعرية للعامل يختلف عن الواقع وفق النظرة
�أنا ال �أكتب ملجرد الرغبة يف الكتابة والتواجد، الروتينية �أو املعتادة .مع ال�شعر تتعدد م�ستويات
ولدي من املهارات الفنية ما يوهمني بالقدرة علي الواقع ،لأ نه يقوم علي الب�صر والب�صرية معا ،فال
الكتابة كل يوم ،لكنني �أحاول �أن �أكتب ب�شكل يلعب ال�سطح دور البطولة مثال ،بل الأ عماق �أو
ال �أكرر فيه نف�سي ،وال �أن�سخ فيه ق�صائدي ال�سابقة، الأ بعاد اجلوانية ،والواقع وفق ر� ؤية �سطحية يختلف
�أحلم دائما بكتابة ن�ص خمتلف عن الن�صو�ص التي متاما عن الواقع وفق ر� ؤية ا�ستب�صارية ،ومن هنا
كتبتها ،وطوال عمري ال �أحلم بكتابة جمموعات �أف�ضل الذات املت�سائلة ،والذات التي تعرث علي
كثرية ،بل بكتابة ب�ضع ق�صائد جيدة ال �أكرث ،و�آمل الده�شة عندما تغ�سل عرب لغتها اخلا�صة م�شهدا
�أن يتحقق هذا احللم يوما ،كما �أنني يف احلقيقة من امل�شاهد الواقعية ،ال�شاعر يت�أثر بالواقع لكنه ال
�أعي�ش الن�صو�ص �أكرث مما �أكتبها ،وكثريا ما �أكتب ي�ست�سلم،ال�شاعر يف النهاية يبقي ابنا للحلم �أكرث من
مقطعا ،او مقاطع و�أتركها ،وولدي ن�صو�ص كثرية كونه ابنا للواقع.
كيف تري م�شهد ق�صيدة النرث يف م�صر مقارنة غري مكتملة� ،أفرح بكتابة جزء منها ،وعندما يتطلب
الأ مر العكوف عليها لتخرج ن�صا مكتمال ،ينتابني مع مثيالتها يف العامل العربي .
يف م�صر جتارب كثرية جادة وجمتهدة ،و�أعتقد الك�سل ،و�أحيانا الرف�ض ،وال �أف�صل تلك احلالة
�أنها ال تقل عن مثيالتها ،وامل�شكلة عندنا يف املناخ
الثقايف ،فبينما جند �شاعرا يكتب ق�صيدة نرث يف
�شاعر شاعر قصيدة النثر حمروم دولة عربية ويتبو�أ يف نف�س الوقت مكانة ،جند
ق�صيدة النرث حمروم حتي تلك اللحظة من احل�صول
علي جائزة الدولة الت�شجيعية .وق�س علي ذلك من جائزة الدولة التشجيعية
بع�ض الأ مور الأ خري كغياب الفعل النقدي ،و�أنا
�أتعجب يف احلقيقة عندما �أجد �شاعرا متوا�ضعا يف
دولة عربية �أخري تُكتب عنه مقاالت ،بينما ت�صدر
عن ال�ضروف املحيطة ،فعلي م�ستوي قراءة ال�شعر، يف م�صرجمموعات كثرية بال كلمة واحدة.
ما الأ ثر ال�شعري والإ عالمي الذي ت�سبب فيه واالهتمام به جند الو�ضع م� ؤ�سفا للغاية ،فال�شعر �صار
وجودك يف مدينتك اجلنوبية الهادئة بعيدا عن منبوذا ،واجلهل به يت�سع ،وبالتايل الإ ميان ب�أهميته،
و�إذا كنت ممن يتمتعون باحرتام املخيلة ،وا�ستخدامها �صخب العا�صمة.
بالن�سبة للأ ثر ال�شعري فال عالقة له باملكان ،يف التو�صل لرتكيبات عجيبة� ،إال �إن تلك املخيلة
مبعني �أن ال�شاعر ي�ستطيع كتابة ق�صيدة جيدة �صارت تعجز عن تخيل �أحد الأ فراد وهو ي�ستيقظ
بغ�ض النظر عن املدينة التي يقيم فيها ،ورمبا كانت من النوم ولديه رغبة يف قراءة ن�ص جديد لفتحي
�إقامتي يف اجلنوب �أف�ضل يل ك�شاعر ،و�إن كانت عبد ال�سميع مثال ،ال �شيئ �سيحدث �إن توقفت
قد ارتبطت مب�شكالت ثقافية مثل العزلة ،و�ضعف عن الكتابة ،هكذا �صرت �أعتقد ،هذا علي م�ستوي
االحتكاك باملثقفني واملبدعني ،ووالعجز عن متابعة مكانة ال�شعر املنهارة ،وعلي اجلانب الآ خر تتوح�ش
حتي الكتب اجلديدة �أو اجليدة ،خا�صة يف �سنوات متطلبات احلياة و تثقل كاهل ال�شاعر ،وت�ضيق
التكوين� ،أما بالن�سبة للأ ثر الإ عالمي فهو �سلبي عليه اخلناق ،وال تكف عن جذبه بعنف من عامل
متاما ،خا�صة ونحن نعاين من ف�ساد هائل ،والفعل ال�شعر� ،إيل عامل الرك�ض الروتيني املرهق وراء تلك
املتطلبات . الثقايف اجلاد مظلوم �إعالميا ب�شكل عام.
97 العدد - 150صيف 2013
خـاص
هذه عالمات علي موقف �شعري ،خارج الزمن، لي�س �أقدر من ال�شاعر علي جتاوز املمكن واخرتاق
مهمته الغو�ص يف الذات ،ومراقبة الأ �شياء ،و�سرب امل�ستحيل ،ال�شاعر وحده ي�ستطيع �أن يري العامل يف
�أعماقها ،ولهذا تظل معاناته تلهث وراء االكتمال ،فال قطرة املاء ،ويف حبة رمل ،ويري تاريخ الب�شرية يف
يدري حقا : ابت�سامة ر�ضيع نائم� ،أو لوعة �أم تعاين لذة عذاب
« تراه انتهي �أم بد�أ؟» املخا�ض!!
وهو ت�سا� ؤول ال يطرحه �إال �شاعر �أو فيل�سوف ،يجل�س ال�شاعر فتحي عبد ال�سميع ،يف جنوب الوادي ،من
علي حمور العامل ،ويت�أمل مفردات الوجود ،فيكت�شف املدينة املباركة»قنا» ،حيث �أحلي و�أنقي امتزاج للأ نفا�س
عناق البداية والنهاية ..حيث يلتقي النقي�ضان يف باملاء والطني �أ�صل احلياة ،ير�سل �شبكته اللغوية،
ال�شعر ..فقط ..ال�شعر!! ت�صطاد اللحظات النادرة ،وال�صور الدقيقة الباهرة،
ال يعني هذا القول ،ومل �أق�صد مطلقا �أن والإ يقاعات املت�صاعدة من عمق االدراك ..لتمزج
ال�شاعرفتحي عبد ال�سميع ،من �شعراء الربج العاجي، هذا يف ت�شكيل جمايل يحمل عنوان (ق�صيد) !!
�أو �أنه يعكف علي الت�أمل ،املر�آة ك�شف ولي�ست حموا، ال�شاعر فتحي عبد ال�سميع يعرف طريقه مبا ي�ؤكد
وال�شاعر «القناوي» مر�آته بانورامية ،بلغت من املدي �سالمة فطرته الفنية ،ونقاء قدرته ال�شعرية� ،إذ يك�شف
جنوب �إفريقيا ،وقدمت حلنا عذبا �شاهق الإ ن�سانية ، عن عالقته باملر�آة ،الأ داة التي تقف يف منت�صف امل�سافة
عن الرجل الذي حرر �أمة « :مانديال» ،كما �أنه عا�ش بني ال�شعر والفل�سفة ،فال�شاعر الذي ال يري الأ �شياء
جتربة العبور ،وما قبل العبور ،فانطوي علي الث�أر حتي يف ذاتها ،و�إمنا يراها منعك�سة علي مر�آة وجدانه ،يعرف
�أدركه: �أن هذه املر�آة هي ذاته املحدبة� ،أو املقعرة� ،أو امله�شمة،
اليوم �أدخل يف �صالة �أو املُعتمة ..لن تكون حمايدة يف �صفاء عني الديك ،
ال ي�صح و�ضوءها دون الدماء وهذه خ�صو�صية ال�شعر ومقدرة ال�شاعر .وقد �أ�شار �إيل
وال ي�صح �سجودها �إال علي قرب الغرمي. هذا يف عدة �أماكن من ق�صائده:
يف �سياق هذه الق�صيدة (�صالة العابر) تتجلي يحدق يف املر�آة
وم�ضات الوعي الفني لتدل علي �شاعر �صادق يقف �أمام املر�آة
يف الت�سمع علي نب�ض التاريخ ،و�شاعر يعرف �أهم حتدق يف ال�شيئ
منجزات احلداثة الفنية: اللحظة مر�آة رثة
�أعرف �أن اللحظة قا�سية �أمللمني من مرايا اجلنون ..
98
وتوحد القارئ بالن�ص. والريح معاندة
لقد حقق ال�شاعر فتحي عبد ال�سميع توازنا فنيا لكني �أعرف �أي�ضا �أين
ر�شيدا فيما زرع يف ق�صائده من روح الرف�ض والتمرد، �أول من �سار مع املوت
ف�شقت العبارة طريقها بني الو�ضوح الذي ي�ؤدي �إيل علي ج�سر الأ بدية
الت�سطيح �أو اخلطابية ،وبني الغمو�ض الذي يعمِّ ي مثل حبيبني
املعني ،ويلغز م�ستعليا علي القارئ ،ك�أمنا يتحدي و�أول من حفرعلي جذع الوقت
�إدراكه .هذه �صرخة ال�شاعر يف وجه العدم ،والف�ساد، ف�ضاء وع�صافري
و�ضياع النهج الذي يتهدد الغد امل�صري� .إن عنوان و�أول من بد�أ التقومي
ق�صيدة ( :البالد) عتبة مهمة يف حتديد م�سار املعني و�آخرمن يفني
وافق التلقي� ،أما املطْلع ف�إنه بقدر �صراحته التي ال يف هذا املقطع ي�ستقطر ال�شاعر وم�ضات اخل�صو�صية
حتتمل املواربة املجازية الهاربة ،وتقول ما تريد بو�ضوح امل�صرية عرب التاريخ ،وهذه اخل�صو�صية هي خط الدفاع
منا�سب ،ف�إن هذا املطلع يحقق فنية لغة ال�شعر بكثافتها عند ال�صدام ،ويف �صدارتها هذا اليقني بالأ بدية،
،و�صورها وعمق ب�صريتها: فاال�ست�شهاد لي�س نهاية للفرد ،وا�ست�شهاد امل�صريني لن
�أ َو كلما رَّطي ُت يف هذا الف�ضاء ميامة يكون �إعالنا خللو املكان امل�صري ،الذي بد�أ التاريخ
تهوي �أمامي فحمة ؟ (التقومي) وغر�س بذوره يف الوجود بال نهاية ( ،ج�سر
وكلما حاولت ينقب�ض املداد الأ بدية ..مثل حبيبني)� ،صورة نادرة نفاذة ،ا�ستبطانية،
متلك مفتاح احل�ضارة امل�صرية و�سر �أ�سرارها.
ال�شئ يزهر غري�أذرعة الزنازن
�أما يف ختام تلك الق�صيدة ،وبعد مفتتح وخم�س
كل �شئ غريها يخبو متواليات ،توازي الأ يام التي �سبقت املعركة من
وما من جمرة حتت الرماد!! �شهرالعبور ،وت�ساوي الأ ع��وام التي ف�صلت بني
�إن اجلمرة حتت الرماد (املُفتقدة) كناية نادرة ،تر�سل النك�سة والن�صر ،ي�أتي اليوم املوعود ،وهو لي�س كالأ يام
وم�ضها ،لي�س يف اجتاه احلقيقة ،واجتاه املجاز كما كان ،ال ي�شبهه يوم مما �سبق ،ولهذا يتخلي ال�شعرعن
�شرط البالغة القدمية ،و�إمنا تر�سل هذا الوم�ض يف اجتاه ن�سقه امل�ألوف يف توزيع العبارات علي الأ �سطرموقعة،
طريف املعني ،فت�صنع امل�ؤدي الدرامي ،الذي يُغني مقطعة ،مفقطة ،منقطة .لقد احتدمت امللحمة فالتحم
الق�صيدة ب�سل�سلة من االحتماالت ،فهل اجلمرة الكالم ،وتداخلت ال�صفوف فت�ساقط النظام ،وارتفع
املُفتقدة تعادل روح الثورة والرف�ض� ،أو تعادل احلقيقة العجاج فاختلط الواقع باملظنون ،واملوهوم ،و�أم�سكت
التي نبحث عنها وتعطينا الأ مل يف �إمكان التغيري؟ الأ �سطورة بزمام الو�صف ،حتي جتلت الدبابة امر�أة
�إن ال�شاعر الذي جعل املر�آة ذات ومعادال ،ورمز، ذات �سرّة هي مفتاح انهيارها ،والر�شا�ش وح�شا يغرز
يف�سح يف عبارته جمال الت�أويل ،بحيث يحتاج �إيل �أنيابه يف اجل�سد احلي ،ودماء امل�صريني تعيد ر�سم
�إعادة تكوين تتوا�شج فيه هذه الق�صائد ،لتدل علي اخلريطة امل�صرية علي رمال �سيناء وك�أنها تعيد ق�صة
�أفق ال�شعرية املبهر باحليوية والفن ،وال�صدق معا. اخللق الأ ول ،حني النيل ي�صنع احلياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يف هذا املقطع الأ خري يتجلي الوعي الفني � ،إذ
اعتمدت تلك القراءة علي جمموعتي خازنة املاء، ترتفع طريقة الكتابة �إيل درجة العالقة التي ت�أ�صل
وفرا�شة يف الدخان التجربة ،وتدخل يف �صميم ن�سيجها ،وتوجه التلقي،
99 العدد - 150صيف 2013
خـاص
نف�سك
َ �إبداعي �ساحر..حتى �أن ََّك ال تعرث على ()1
كنت وحيداً ـ �إعجاباً �إال و�أنت تُ�صفِّق لها ـ و�إنْ َ
رمبا تُل�صقُ بي ُتهْم ُة ارتكاب اخلطيئة حني �أف�شي
ِبن ٍَّ�ص�..شاكراً له متع ًة خا�ص ًة �أهداكَ �إيَّاها.وما دام
لكتابات كثري ٍة تُن�شر حتْت مُ�سمَّ ى
ٍ �سِ َّر عدم حتبيذي
الإ بداع قد وُجد فال جمال للحديث عن النوع �أو ذلك( ق�صيدة نرث)..بالطبع ـ وهذا ر�أيي ـ ال َيرْج ُع َ
عن املُ�سَ مَّ ى الأ دبي.
ِلعَطَ ٍب يف ذوْقي �أو ذائقتي..بل يرج ُع ـ حقيق ًة ـ �إىل
()2 ن�صو�ص يبدو �أنَّ مُهمَّ تها اليتيمة يف عاملنا هذا هي
يف ديوانه (اخليط يف يدي) يجعل ال�شاعر فتحي �إحداث قطيعة �سرمدية بني ف�ضائني..الأ ول يعي�ش
عبد ال�سميع الذات ال�شاعرة تبد�أ وتنتهي من و�إىل فيه �أ�صحاب تلك الن�صو�ص(�إنه لَكرم مفرط �أن
نف�سها يف ق�صائد متيل يف معظمها �إىل ا�ستخدام ْعت هذا النوع من الكتابة بكلمة ن ٍَّ�ص)..والثاين ُين َ
�أ�سلوب �سردي،ويتجلى ذلك فيها �إىل حد كبريـ ي�سبح فيه املتلقي الذي �أ�صبح يف حالة ال يُحْ �سدُ
غري �أنها ال تغ�ض الطرف عن ذات اجلَماعة التي عليْها..خا�ص ًة وقد �أ�ضحى ـ املتلقي ـ ُمتَّهماً بالغباء
تقوم مقامها يف كثري من الأ حيان�..إذن ال تتخذ لعدم قدرته على �شقِّ طريق يتوا�صل من خالله
الذات ال�شاعرة هنا من ذاتها مركزاً تتحرك من مع تلك الن�صو�ص!
خالله بل هي ت�ستمد مركزيتها من ذات اجلماعة. وحتى ال �أكون مُتجنِّياً على �أحدٍ ـ بو�ضعي
�إ�ضافة �إىل هذا..تتعدد احلاالت التي تتلب�سها.. البي�ض كله يف �سلة واحدة ـ عليَّ �أن �أ� ؤكد �أن
حتى يَ�صع َُب �أن نقب�ض عليها وهي يف حالة ثمة ن�صو�ص تنتمي �إىل ف�ضاء ق�صيدة النرث
بعينها.
ووقفت �أمامها م�شدوهاً من طزاجتها بهرتني كثرياً ُ
()3 و�شعريتها الفائقة التي تكمن بعيداً عن ب�ساطة
ي�ستهل عبد ال�سميع ديوانه هذا مبفتتح دال يعلن مبتذلة وغمو�ض لي�س مرغوباً يف ح�ضوره وغري
فيه عن خ�ساراته التي حلقت به،يف حني يلج�أ �إىل مربر كذلك .يحدث يل هذا على الرغم من
ربة الكتابة كي ال تكتب �شهادة رحيله،بل يطلب عدم ممار�ستي لكتابتها..لكنني على قناعة تامة
منها �أن ترمم ج�سده ليقوى على التحدي وموا�صلة بتجاور الأ جنا�س الأ دبية التي حتتوي على قدر من
احلياة بعدما ربح من خ�سارات: الإ بداع يجعلها تقف جنباً �إىل جنب.
منك �إىل عامل (خذلني الوقت بالفعل ثمة ق�صائد نرث ت�أخذكَ َ
100
تعلن الذات ال�شاعرة �أنها حتاول �أن ت�صل �إىل تلك وخ�سرت ُ كل �شئ
الأ �شياء و�أن تت�شبع بها..لكن لي�س كل ما تتمناه حائط �أخري تبقى
الذات ال�شاعرة جتده �أمامها ملفوفاً يف ورق فخم �أنت يا ربة الكتابة
ويعلو طبقاً من ف�ضة: فرممي ج�سدي
(ينبغى �أن �أرتب حياتى دونها تغمدي بحنانك كل ف�ضائحي
يكفى �أننى خربت �أكرث من ثالثني عاما وال تدقي �آخر م�سمار يف نع�شى).
ينبغى �أن �أحافظ على لقمة عي�شى هنا حتاول الذات �أن ت�سمو فوق �إحباطات
و�أن �أكونا مرنا بع�ض ال�شئ تُولد نتيج ًة مل� ؤثر خارجي..كانت بغيته �أن يحطَّ
البد وان �أتزوج بفتاة طيبة من �ش�أنها..و�أن يتغلب عليها يف �ساحة وم�ضمار
و�أجنب �أطفاال للحظات
ٍ التحدي النا�شب فيما بينهما�..إال �أنها
�أحلم بنبوغهم ما..ي�صيبها قليل من وهن وتعود �أدراجها �إىل
بينما �أزرع ب�ضعة �أ�شجار حول البيت االكتئاب واالنعزال معلن ًة �أن ما يحيط بها من
ينبغى �أن �أرتب حياتى دونها �أو�ضاع قائمة وحالية �أ�صبحت يف حالة من الرتدي
غري �أنى على يقني وال يتبقى لها �سوى �أن تقاوم ولو بتوجيه رجاء لربة
من �أنها �ستباغتنى الكتابة و�إلهتها.كذلك نعرث على الذات ال�شاعرة
فى حلظة ملعونة وهي تعاين من عدد من الأ وهام التي تظنها واقعاً
وقبل �أن �أغفر لها ..لكنها �سرعان ما تكت�شف ـ بفاجعة ـ �أنها لي�ست
�ستقول ىل � :ساحمتك �سوى توهمات تبخرت م�سرعة تاركة �إياها يف دوامة
�س�أ�شعر حلظتها ال �سبيل �إىل اخلروج من دهاليزها املت�شابكة:
�أنني ارتكبت فى حقها جرما (ال �أ�صدق
دون �أن �أدرى باب الزنزانة مفتوح
�سوف �أقب�ض على يدها بقوة احلرا�س يهنئوننى
و�أم�شى نحو البعيد يطلبون ال�سماح
دون �أن �أفكر حلظة ويرجوننى �أن ال �أن�سى حالوة اخلروج.
فى بيتى ال �أ�صدق
�أو �أوالدى احلرية ترق�ص عارية
�أو �شيخوختى). �أمام تخت �شرقى
()5 و�أنا مل �أمت بعد
مل �أمت
ملمح �آخر يتبدى من خالل ق�صائد هذا الديوان �أفكر فيما �سيحدث للحياة
اجلميل الذي ي�ضم بني غالفيه عدداً من الق�صائد عندما �أعطى ظهرى لل�سجن).
التي تفوح �إبداعاً�،أال وهو �أن فتحي عبد ال�سميع ـ ()4
وعن تعط�شها لعدة �أ�شياء هي بحاجة �إليها ال�شاعر ـ يحاول قدر ما ميتلك من �أدوات وموهبة
العدد - 150صيف 101 2013
�أو زجاجة مولوتوف ـ �أن ينق�ش فوق جدران مملكة ال�شعر لغة خا�صة به
ل�ست بحاجة �إىل ذراع مفتول و�أبجدية �أخرى ال ت�شبه �أبجديات �سابقة..متكئاً
�أو �صدر يخلو من الدرن على ثقافة �شعرية ال ب�أ�س بها..ومنطلقاً من ذائقة
تلك املطارح �أجنب مما تتخيل حتاول �أن يكون لها ح�ضورها وخ�صو�صيتها ..بعيداً
يكفى �أن ت�سرتجع بع�ض �أوجاعك عن �أعمال الن�سخ ـ طِ بْق الأ �صل ـ وحماوالت
و�أن متلأ �صدركَ ب�شهقة �سوداء االقرتاب من ن�صو�ص لآ خرين:
ومت�ضى �صامتا (البحر خا�شع �أمامى
نحو �أى �شارب تريد ماذا ينق�صنى كى �أكون �صيادا ؟
فقط �صنارتى جيدة
بخطوات منتظمة وقاربى متني
وعينني ال تطرفان). ملاذا �إذن �أعود �إىل عتمتى
()6 بال �سمكة ؟
�أما عن لغة الديوان فهي لغة �سل�سة تن�ساب ال�صرب ؟
ان�سياباً رائقاً ورائعاً ـ يف الوقت نف�سه ـ عرب �أ�سطر من يخرب ال�صرب مثلى ؟
الديوان ال�شعرية..فيما يحاول ال�شاعر ـ بوا�سطة �أنا الذى وقفت �أكرث من ربع قرن
ما ميتلكه من �أدوات فنية ـ �أال يعزف كثرياً على �أمام �أفران اجلنوب
�أوتار املجاز..مبتعداً بن�صه ال�شعرى /النرثي عما دون زفرة واحدة ؟
ي�سمى مبجانية اللغة والتناول وال�صورة والتي ال احلظ ؟
ت�ضيف �إىل العمل قدر ما تُنق�ص منه. رمبا
ونهاية ميكنني �أن �أقول �إن ال�شاعر فتحي عبد غري انهم ي�صطادون
ال�سميع يف ديوانه اخليط يف يدي وبعد �أن مللم بال حظ
وبال �صرب
خيوط الإ بداع اجلميل ون�سج منها �أيقونة �شعرية وبال �صنارة
كفيلة ب�أن جتعله واحداً من كبار ال�شعراء الذين وبال بحر).
ينق�شون �أ�سماءهم بحروف من ذهب فوق خرائط ثمة �شئء �آخر نلمحه ـ دون �أن نبذل �أي
العامل ال�شعري،يُ�شعرنا وك�أننا جنل�س حول مائدة جمهود ـ يف هذا الديوان وهو �أن ال�شاعر ي�ستخدم
محُ اطة ب�سياج من ال�شجن والوحدة وحياة مفردات /لغة ب�سيطة تقرتب ـ �إىل حد ما ـ �إىل لغة
ال�صومعة التي اختارها �صاحبها هروباً ورف�ضا لكل الإ ن�سان العادي ـ وال �أقول �إىل لغة ال�شارع ـ غري
ما يحدث يف حميطه.هذه العزلة التي قد توحي �أن اقرتابها منه �أو متا�سها معه ال يعني �سطحيتها
بف�شل ما يف اجتاه ما،ما هي �إال مقاومة �ضد عدة �أو �سوقيتها ـ مما يحوّلها �إىل لغة �ساذجة و ُم َنفِّرة ـ
�أ�شياء..و�صراع يف طريق ي�سري عك�س اجتاه الريح.. �إذ �أنها رغم ب�ساطتها حتافظ على (بري�ستيجها /
�أو هكذا قد يكون.وبعد �أن قر�أ الواقع بكل مفرداته رونقها) وجذالتها:
الآ نية �أدرك �أنه ال فائدة ملا ي�صنعه..وماذا �سي�ضيف (تقدم يا فتى
هو بعد �أن عجز �آخرون عن حتقيق �أي �شئ؟! ل�ست بحاجة �إىل جنزير
َ
102
خـاص
()1
تفاصيل التهميش يف «متثال رملي»
محمد سيد عبد المريد
104
يتبني لنا �أنه عبارة عن (عينان) فقط ،حيث يلغي بقية الفناء:
�أع�ضاء اجل�سد ،فريى وال ُيرَى ،ومن ثم يت�أثر وال ي�ؤثر، تقدموا الآ ن
وتكون حياته غائبة كما ورد يف الن�ص: قبل �أن �أذوب يف موجة
�أم�شي فال يبقى �أمامكم �سوى الرمل.
وال �أثر يل فوق الرتاب �أحدثكم و�أنا �أتال�شى
�أم�شي فال ت�سمعونني
وللمطر وقع امل�سامري �أن�شب �أظفاركم يف �أحداقكم
�أ�سلم على جاري وال يرتبك لكم جفن
-و�أنا �أحرك مفتاح الباب - �أنا الأ وان الذي يفوت)27/1( .
ال ي�ستجيب �أحد (�أحدثكم و�أنا �أتال�شى ،فال فال يرد.
ت�سمعونني)؛ ب�سبب التال�شي الذي يحدث له ويجعله ال ي�شعر �أبدً ا
غري قادر على حمادثة الآ خرين ب�صوت م�سموع ،ولكنه ب�أن �شقتي لي�ست مهجورة)58،57/1( .
يرتكز ال�شاعر على �سميوطيقيا اجل�سد ،يف �إثبات ي�صر على تقدمي �أثره /ر�سالته ( �أن�شب �أظفاري يف
وجوده �أو نفيه ،حيث جند �أن الآ خر ي�ستنكر /ي�ستنفر �أحداقكم) وهنا �إ�سقاط على تركيزهم وا�ستثارتهم،
الأ نا ،مما يجعل الأ نا ت�شعر بعدم وجودها (وال �أثر يل ولكن ال حتدث ا�ستجابة؛ مما ي�ؤدي �إىل نهاية حتمية،
فوق الرتاب)� ،أي فاقدة للهوية ،رغم �أن للمطر وقع وهي التال�شي ،ولن يبقى �أمامهم /الب�شر �سوى
امل�سامري؛ داللة على احل�ضور امل�ؤثر لقطرات املطر، الرمل /العدم.
فيتبني لنا �أن للمطر ح�ضورًا و�أثرًا ،والأ نا بال ح�ضور هذه الر�ؤية الت�أملية التي حتيا يف الن�ص ،تعك�س ر� ؤية
�أو �أثر ،وهذه ال�صورة املائزة �إحدى �صور التهمي�ش، ال�شاعر على معاناته يف تقدمي �أثره� /شعره ،وال حتدث
والذي يتمف�صل حني يحتك بالآ خر /جاره ،حيث ا�ستجابة مق�صودة.
ي�سلم على جاره وهو يحرك مفتاح باب �شقته ،فال يرد وهي �أي�ضً ا معاناة تقل�ص قيمة ودور الذات /ال�شاعر؛
عليه ،بل وينفي (جارُه) ح�ضورَه ،من خالل دالالت في�شعر بالت�ضا�ؤل والغياب؛ لأ نه بال �أثر ،فيظل يف
�صريحة وقاطعة (ال ي�شعر �أبدًا ،ب�أين �أحرك املفتاح) مما �صراع دائم مع الآ خرين الذي يتجاهلونه ،يقول يف
يجعل الأ نا تبحث عن �إثبات ح�ضورها �سريعًا قبل ن�صه (ل�ساين للعامل) ،عتبة الن�ص تعك�س مدى
انتهاء املوقف ،وهذا من خالل (و�أدخل دافعًا الباب �إح�سا�سه جتاه العامل /الآ خرين:
بكعبي) وهنا �إثارة انتباه للآ خر ،وك�أن حال ل�سانه ما الذي يجرح بائعي اخل�ضار
يقول� :أنا موجود بالفعل. عندما �أحكي مع الهواء
ويف ختام الن�ص تبدو احلقيقة الرا�سخة ،يف اعتقاد �أو �أجمع احل�صى يف كم جلبابي؟
جاره ب�أن �شقة الأ نا مهجورة من خالل �أداتي النفي ما الذي يجرحهم
القاطعتني اللتني تنفيان ح�ضور الأ نا ،بالإ �ضافة �إىل حتى يقذفوين بالثمار املعطوبة
داللة (�أبدًا). ويختبئون يف النداء على الزبائن
ولأ ن الأ نا تعرف كينونتها املهم�شة ،ي�ؤكد على تاركني �ضحكاتهم تنزلق من �سراويلهم؟ ()30/1
�صحة قول الآ خ��ر؛ لأ نها (عينان) فقط ،جزء من ومن خالل ال�سخرية الوا�ضحة يف الن�صُ ،يبينِّ
الكلي ،فكيف يقتنع الآ خر باحل�ضور الكلي املطلوب، ال�شاعر ما يعانيه من �سلوك الآ خرين جتاهه ،فتكون
ت�أمل هذا املقطع:
جدلية الأ نا والآ خر بارزة يف الديوان كله ،وال �سيما يف
ن�صه (عينان بال ج�سد) ،ومن خالل قراءتنا للعنوان ،حتى املاء الذي يت�سرب
العدد - 150صيف 105 2013
يف القراءة الأ وىل للن�ص يبدو للمتلقي �أن ال�شاعر من عقب الباب
ي�سجل ما يقوم به احلر يف ال�صعيد ،ومن ثم يبدو الن�ص ال ميكن �أن يقود خميلته
مو�ضوعيًا ،ولكن يف القراءة الثانية ،تت�ضح لعبة القناع، �إىل �أن يف ال�شقة رج ًال يبكي)59/1( .
هذا ال�صراع مع الآ خر يجعله يقاوم ،ولكن تكون وتكون جدلية الأ نا والآ خر هي جوهر الن�ص.
مقاومته خيالية؛ لأ نه ه�ش /مهم�ش ،يقول يف ن�صه -4-
ويف ن�صه (م�سرة بال �سبب) ،يعتمد على املفارقة (لظلي �أطوار غريبة):
ال�ساخرة ،واملتناق�ضات يف ن�سق حمكم ،يبني ماهية �أ�ضع �أمام امل�صباح قب�ضتي
الأ نا والنقي�ض: �أتركها ظلها يكرب بالقدر الذي يكفي
�أتراق�ص يف ال�شارع لتحطيم ه�ؤالء الذين يف�سدون حياتي
ال لأ ين فرحان وعندما �أجنح يف البكاء
بل لعطل غام�ض يف املخ. �أكمل �سهرتي
�أحاول الت�شبث ب�صرامتي فال �أ�ستطيع �صانعًا بظالل يدي فوق احلائط
�أطلب تك�شرية حيوانات وزخارف)96/1( .
فيناولني املخ ابت�سامة. الأ نا املهمَّ �شة ت�شعر بالت�ضا�ؤل ،ولكن هنا يرتك خلياله
�أطلب زاوية �أتقرف�ص فيها املكبوت فر�صة االنطالق ،معتمدًا على �سميوطيقيا
فيناولني رق�صة و�شارعً ا. اجل�سد يف داللة (قب�ضتي) التي تعني كل ما �أوتي من
بلعبة �صغرية يقذفني يف النقي�ض قوة ،تكون �أمام امل�صباح مما يجعل ظلها يكرب ،ولكن
�أ�سكت حني �أرجو الزعيق بالقدر الذي يتنا�سب مع قوة الذين يف�سدون حياته؛
و�أهد�أ حني يلزم الغليان)36/1( . ليحطمهم ،ولكنه مهم�ش ،يحطمونه وال يقدر على
يتعطل مخ الأ نا عن العمل ،وك�أنها يف حالة الالوعي، حتطيمهم ،وعندما يكت�شف �أن خياله ي�ضحك عليه،
فيحدث ما ي�شبه انق�سام الوعي ،ويت�ضح عنوان الن�ص، ومل يحطمهم ،يبكي ويتحول من حالة املقاومة �إىل
الذي يكثف �إيحاء احلالة املزاجية للأ نا ،حيث يبدو حالة عبثية.
�أن الأ نا يف حالة حزن دائمة من العامل اخلارجي الذي وهذه النظرة جتاه الآ خر ،تربز معاناة الأ نا من الآ خر،
يحا�صرها ،فتنطوي وتتقرف�ص يف �أي زاوية ،لكن املخ وحني ي�ستعري ال�شاعر داللة احلر يف ن�صه (ق�صيدة
الذي يتحكم يف الأ نا� ،أ�صابه عطل غام�ض ،فيظهر احلر) قناعًا لذاته ،يك�شف من خالله دخيلة الآ خر،
النقي�ض بني الرغبة والفعل ،فتكون �آليات اال�ستجابة متك�أ على مفردات الواقع و�صوره:
عند املخ مغايرة ملتطلبات الأ نا ،على �إثر ذلك تتحول �شيخ طريقة �أنا
احلالة املزاجية ،وتتكون (م�سرة بال �سبب). حمل ال�صحراء يف جيوبه وجاء
ويف مقطع �آخر يف ن�ص (وجه يف قعر الكوب) ،يبني �سعيدً ا بالب�شر
فيه ال�شاعر تدخل الآ خرين يف حياة الأ نا املهم�شة وهم يتذمرون من النهار
الوحيدة ،بنف�س ما عاناه يف املقطع ال�سابق املذكور: ويراهنون على الليل
وحيدً ا بال ورثة يذكرون باخلري
يجربونني على الكالم حني �أ�صمت �شجر الأ ر�ض املقفوع
وعلى ال�صمت حني �أتكلم)67/1( . ويفكون الأ زرار كي يخففوا من مالب�سهم
ويت�ضح ال�صراع مع الآ خر �أي�ضً ا يف ن�صه (حكاية ملاذا ال يتقدمون خطوة
فريوز والأ �سطى نبيل النجار) والذي ا�ستخدم فيه وينزعون خي�شً ا على قلوبهم؟ ()107/1
106
�أما الطفل /الأ نا (داللة الرباءة) يعي�ش فرتة معينة يف تقنيات ال�سرد /احلكي �أكرث من الن�صو�ص الأ خرى،
املوقف ،قد تطول او تق�صر ،ففي الليل ي�سهر الطفل وهو يعر�ض يف ن�صه من خالل املعطيات الداللية
منتظرًا ث�أر اخلنف�ساء ،ويعي�ش يف حالة قلق ت�سبب فيها والتعالقات الإ حالية لها ،التدخل ال�سافر يف حالته
الأ ب البطريركي وهو يورثه العادات والتقاليد: املزاجية؛ في�صاب بالغم والنكد ،حيث يفتح الدمياطي
�صرت رج ًال يا �أبي
ُ اللعني ور�شة �أمام بيته /الأ نا ،وهو يحب �صوت فريوز
وين�سجم معه ،لكن الور�شة متار�س وظيفتها يف حتطيم �أرفع مطواتي و�أالعب العامل
د�ست عليها كما علمتني ()92/1 ُ االن�سجام ،من خالل �أداتها اللعينة (الت�شوي�ش احلاد)؛
ولأ ن الور�شة �أمام بيته ف�سيكون الت�شوي�ش �أكرث حدة :ولأ ن احلياة يف ال�صعيد قلقة ،و�أهل ال�صعيد يعي�شون
يف حالة قلق دائمة من حدوث م�صيبة كل حلظة، �أتى الدمياطي
تعاين الأ نا هذه احلياة التي فر�ضت عليها منذ ال�صغر، لينزع من نغمتي كل �شيء
ومن ثم تكون احلالة املزاجية �سيئة جدًّ ا: وي�ستخل�صها لنف�سه)80/1( .
يل قهقهة مريرة هذه الور�شة �ستقتحم حياته:
تذكرت مطواتي
ُ كلما أي�ضا هباء الور�شة
�س�أنزع � ً
ون�صلها احلامل. و�أتركه مي�ضي ب�سالم �إىل رئتي
يل �أطفال ي�صرخ �أحدهم �أو يرتاكم فوق �أوراقي وكتبي
فرتجتف �أ�سناين مع �أوجاع وخ�سائر �أخرى)84/1( .
حتى الدمياطية زوج الدمياطي تتدخل يف حياته ،وحني �أجد ال�سبب تافهًا
�أظل ملتفًا ل�ساعات طويلة وحتطم خلوته وخميلته:
يف ظل م�صيبة جنمة �أمام �شباكي
قمت للرتحيب بها ومل �أجدها)93/1( . ُ بذلت جمهودًا حتى �سرى الكالم بيننا ُ
هذه احلياة املفرو�ضة تهم�ش الأ نا التي ت�صبح تابعة لكن الدمياطية البدينة زوجة الدمياطي الناحل
للعادات والتقاليد وكل طرائق العرف ،وال ت�ستطيع وانفجرت يف ال�ضحك.
ْ �س�ألتني عن عدد النجوم
الأ نا تغيري هذه الرت�سبات الثقافية التي ترتاكم وت�ستمر عدت
رتبكت واختب� ُأت وعندما ُ
ُ ا
ب�شكل حيوي ،ك�أنها م�ألوفة ،عن طريق الرتاث ،وك�أن كانت جنمتي قد �ضاعت �إىل الأ بد)86/1( .
التحجر ن�سق ال�صعيد. �إن التدخل ال�سافر يف حياة الأ نا ،من �صور التهمي�ش
ويف اخلتام� ،أن��وه على �أهمية العالقة التي بني العميقة ،الذي يبدو بارزًا �أي�ضً ا يف ن�ص (ث�أر اخلنف�ساء)،
تفا�صيل التهمي�ش وجدلية الأ نا والآ خر ،التي ظهرت حيث يطلب الأ ب من طفله ال�صغري /الأ نا �أن ي�سحق
يف ف�ضاء الت�أويل ،وعلى مدى �سعة خميلة ال�شاعر خنف�ساء ،فيقوم الطفل ذو املخيلة ال�صغرية بتنفيذ
املتميز فتحي عبد ال�سميع على �صياغة هذه العالقة الأ مر ،و�أ�سنانه قد ارجتفت؛ داللة على انفعاالته ،هذا
بح�س حقيقي يرقى �إىل م�ستوى ال�صدق الفني. املوقف بالن�سبة للأ ب موقف عابر ،يعلم فيه ابنه القوة،
الهوام�ش
( )1متثال رملي– فتحي عبدال�سميع– الطبعة الأ وىل– الهيئة امل�صرية العامة للكتاب.2012-
(� )2صدر لل�شاعر -1 :اخليط يف يدي– الهيئة العامة لق�صور الثقافة – القاهرة -2 .1997تقطيبة املحارب -طبعة �أوىل -مطبوعات حتحتور .1999
طبعة ثانية -الهيئة امل�صرية العامة للكتاب .2002
( )3خازنة املاء -املجل�س الأ على للثقافة – القاهرة .2002
( )4فرا�شة يف الدخان -الهيئة امل�صرية العامة للكتاب– القاهرة 2008
أشرف البوالقي
110
فتتحول �إىل «فرا�شة» لكنها رغم ذلك تظل الـ «�أنت «املخاطب» و�إن كانت الذاتان املتكلمة
خمتنق ًة و�ضيقة �أي�ضا حيث �أن حميطها هو ذات
والغائبة لهما الغلبة مع مالحظة �أن الذاتني ٌ
«الدخان» ولي�س النار ،ولعل داللة االختناق التي واحدة يف الأ �سا�س فال�شاعر يعبرِّ عن نف�سه ب�ضمري
يك�شف عنها عنوان الديوان جلي ًة �أكرث ومبثوثة املتكلم ويخاطب ذاته ب�ضمري الغائب وهو ما
عبرْ ق�صائد ال�شاعر: �سنف�صله بعد قليل:
«ما �إن �أرى �سور َا يداهمني اختناقُ ال�صدر» أعبث يف �أزرار الذات
«� ُ
(�سكرة املوت املبكر) (حجر العزلة) و�أفتحُ للرعد مغاليقي»
ميلك هذا الولدُ ال�شاهقُ
«ماذا ُ
لهيب خمنوقٍ وج��روحٍ كَ ثَّة» (ف��وق رماد ٍ ري
غ َ «يح�شدُ فوق جتاعيد الذات
ال�صبوة) جداولً خ�ضرا ًء
ومليونً �صبية» (�صفية)
«�إىل �أين ت�سافر يا عَ بَّا َد الريحان
ومِن لهجتك تُطل جروحٌ متوح�ش ٌة «يجو�س خاللً �أخاديدِ الذات ُ
وبيوت تتو�سل للقم ِر املخنوق؟» (عبَّاد الريحان) ٌ (ينب�ش �أم�سه) يُقلِّب ما يتناث ُر من �أيا ٍم نافقة»
فح�ضور « الذات» ح�ضو ٌر قوي وم�سيطر وهي
عدت �أطيقُ حروف ًا تخنقُ كل براح» (�ضع
ُ «وما ذات �شاعرةلي�ست ذاتا عادية �أو طبيعية لكنها ٌ
جمرك يف جمري) تت�أمل وتتعذب وتتحرق �شوقا ل ِقيَم جمالية ،فمِ ن
الطبيعي �أن تكون ذاتا جمروحة ومعقدة لكنه لي�س
اخلرائطُ تغ ِر ُز �أقدامًها يف �ضلوعي ذلك التعقيد املَرَ�ضي و�إمنا هو تعقيد التجارب
(ا�ستدارة) الكلمات ويختنقُ املًخْ رَجُ »
ُ تنطفئ واخلربات واملحن ومن ثم ف�إن التعامل معها يحتاج
�إىل مهارات خا�صة فهي ذات يعبث يف �أزرارها مرة
«�أحاول خنقً �صبيٍ ين�سل من الأ عماق ولها جتاعيد مرة ،ولها �أخاديد مرة �أخرى وتبدو
(حطام) ويخ�شى ي�أ�سي» « �أفعال» التعامل معها �أفعاال دالة ملدى اجلهد
فحالة اخلنق �أو االختناق حالة حا�ضرة يف املبذول لك�شف مغاليقها �أو للوقوف على �أ�سرارها
امل�شهد الن�صي ب�أكمله مت بلورتُها وتكثيفها بدقة �أو حتى لدفعها للبوح( �أعبث – يح�شد – يجو�س
متناهية فيما اختاره ال�شاعر عنوانا داال لديوانه ) وهي ذات خمتنقة �ضاقت باحلزن واملرارة والأ �سى
«فرا�شة يف الدخان». و�سئمت اخل�سائر والهزائم:
ورغم �أن ال�شاع َر َق�سَّ م ديوانه لثالثة �أق�سام �إال �أن املوت املبك ِر
«يف �سكر ِة ِ
الذات املت�شظية واملحرتقة واحلريى هي ذات واحدة ال �أفكر يف الهزائمِ
تطوف وحتوم على كل الق�صائد ( 21ق�صيدة) مع واملرارات التي �ستنا ُم
ِ واخل�سائ ِر
مالحظة �أن الق�سم الثاين له خ�صو�صية الإ هداء (�سكرة املوت املبكر) نع�ش معي» يف ٍ
114
منها �أ�سئلة تنتظر جوابا . ما يُغري نع�شا»
والديوان ينتمي يف جممله لق�صيدة التفعيلة مع «منذ متى يتلذذ بدبيب املوت؟»
الرتكيز ال�شديد على القافية وا�ستدعائها بق�صد ويبدو �أن يف املوت راح ًة لتلك الذات فاجلثة
لكن ما يلفت االنتبا َه هنا هو قدرة ال�شاعر على ترفرف ،واملوت مالذ ،وال ب�أ�س بفناء اجل�سد نف�سِ ه
اختياره عددا من القوايف غري املطروقة والتي حتى ال يجد النع�ش ما يحمله !..كل ذلك خال�صاً
جاءت كلها دون تكلف �أو ت�صنع رغم وعورتها من تناق�ضات وعذابات هذا الواقع الذي �شكَّ ل هو
و�صعوبة توظيفها فما الذي دفع ال�شاع َر �إليها؟ نف�سه عالم َة ا�ستفهامٍ كربى لدى ال�شاعر والذات
نعتقد �أن امل�شقة التي جتدها الذات ال�شاعرة تت�سق معا ،وليتبلور حمو ٌر يحتاج وحده �إىل قراءة منف�صلة
وتتفق متاما مع م�شقة البحث عن قافية ت�شكل هي عن قيمة «ال�س� ؤال» ك�أداة فنية ا�ستخدمها ال�شاعر
نف�سها عنا ًء وتعبا يف ا�ستدعائها وتوظيفها ولنالحظ يف جتربته ا�ستخداما يكاد �أن يكون حموريا ،ولوال
ق�صيدة (فوق رماد ال�صبوة) حيث جاءت قوافيها �أننا �أ�شرنا يف بداية تلك الدرا�سة �إىل �أننا اكتفينا فيها
كالتايل: بالإ �شارة والتلميح لطال وقوفنا �أمامها .وح�سبنا �أن
«رثة – كثة – جمتثة –اجلثة» ن�شري �إىل �أن ال�شاعر والذات ا�ستخدما «ال�س� ؤال»
وق�صيدة (�ضحى) جاءت قوافيها كالتايل:
�أكرث مِن �سبعني مرة مع تنوع الغر�ض من ال�س� ؤال
«انطف�أ – انكف�أ – قر�أ – ملأ – ظم�أ – بد�أ»
واختالف �سياقاته ،وقد حملت الق�صيدة الأ وىل
ثمانية �أ�سئلة (الحظْ معي �أن الق�صيدة الأ خرية وق�صيدة (�صفيه) كالتايل يف قوافيها:
حملت ثمانية �أ�سئلة �أي�ضا) منها:
«ريه – ع�صيه – هويه – �صبيه – ق�صيه – غيه
«�أفرك عيني و�أ�صحو
– �ضيه»
�أين �أنا؟»
وق�صيدة (براق) اختار لها ال�شاعر: «هل يك�سر تلك البيدا َء النوحُ ؟»
«عر�شا – عط�شا – نق�شا – بط�شا – نع�شا»
البنت املن�سوج ُة من �شد ِو الأ �ضلعِ؟»
«�أين ُ
وحملت ق�صيدة (الظل مبفرده) خم�سة �أ�سئلة ويطول بنا اال�ست�شها ُد لكن التجرب َة نف�سَ ها تطرحُ
�إ�شكالي َة ق�صيدة التفعيلة وما يرتدد من �أنها مل تعد منها:
قادر ًة على تلبية ال�شوق الإ ن�ساين وال التحليق يبحث عن مال ٍذ
ُ «كيف
يف ف�ضاءات ال�شعرية املعا�صرة ،لكننا نرى هنا يف يف �ضلوعِ الزوبعة؟»
حققت كثرياً من ذلك ْ «فرا�شة يف الدخان» �أنها «ماذا ر�أى قبل انفجار جنونه؟»
ومل تزدها قوافيها املق�صودة واملتعمدة �إال �ألقاً وبها ًء وحملت ق�صيدة (�ضحى) �ستة �أ�سئلة منها:
ولعل ال�شاع َر كان معنياً بالت�أكيد على �أن ال�شعر ال «�أين �أ�صيب ال�صهيلً وكيف انكف�أ؟»
يرتبط ب�شكل الق�صيدة بقدر ما يرتبط بال�شاعرية «ملاذا يغاد ُر �أوجاعَ نا؟»
ولن يغفل قارئ الديوان عن تلك الأ �سئلة التي نف�سها ،فق�صيدة اخلليل ب�شكلها التقليدي ميكن �أن
ال تبحث عن �إجابات بقدر ما تبحث عن خال�ص تتحقق فيها ال�شاعري ُة كما تتحقق يف ق�صيدة النرث
من خالل طرحها كق�ضايا وجودية وفل�سفية �أكرث وكما حققها هو هنا �أي�ضا يف ق�صيدة التفعيلة .
العدد - 150صيف 115 2013
خـاص
هل ا�ستطاع املبدع اجلنوبي مبا ميلكه من وعى ميثل البحث عن اخل�صو�صية (ماهيتها -كيفية
وثقافة �أن يعرب جماليًا عن الأ زمة التي يعانيها الإ ن�سان حتققها) مو�ضوعا بالغ الأ همية ال يف جمال الإ بداع
العربي يف اللحظة املعا�صرة؟ ،و�إذا حتقق له ذلك .فهل فقط ،و�إمنا يف كافة مظاهر وجماالت احلياة .تزداد هذه
لعبت ثقافة الإ قليم /املكان مبفهومه الوا�سع دوراً يف الأ همية يف ظل القوى املهيمنة التي ت�سعى لتفكيك
ت�شكيل هذه الر�ؤية اجلمالية التي �أك�سبت �إبداعه الهويات والإ طاحة بكل خ�صو�صيات .ورغم تلك
خ�صو�صية؟ هذا ما ت�سعى �إليه الورقة من خالل الأ همية� ،إال �أنه غالبًا ما يُ�سَ اء فهم اخل�صو�صية
درا�سة جمموعة (تقطيبة املحارب) لل�شاعر اجلنوبي (خ�صو�صية الإ بداع) لدى بع�ض املبدعني (من زاوية
فتحي عبد ال�سميع وهو �شاعر ينتمي �إىل جيل كيفية حتقيق هذه اخل�صو�صية) ،ومن بع�ض النقاد
الثمانينيات؛ و�صدر له �أربعة جمموعات �شعرية-: (من زاوية املدخل احلقيقي لفهمها) ،ودون الدخول
«اخليط يف يدي» « 1997تقطيبة املحارب» 2000 يف تف�صيالت �أوجز فهمي ملفهوم اخل�صو�صية يف
«خازنة املاء» « 2002فرا�شة يف الدخان» 2008 الإ بداع يف نقطتني -:
وقد بد�أ فتحي عبدا ل�سميع م�سريته الإ بداعية ( - )1ال تت�أتى اخل�صو�صية الإ بداعية ملبدع ٍ ما
بكتابة ق�صيدة التفعيلة (فرا�شة يف الدخان – خازنة يف �إقليم ٍ ما من نقل واقع ريفي �أو واقع �صحراوي �أو
املاء )-ثم اجته يف ديوانه الأ خري – من حيث الإ بداع مدين ،وال تت�أتى اخل�صو�صية الإ بداعية من �شحذ
– (تقطيبة املحارب) �إىل كتابة ق�صيدة النرث. الن�صو�ص الإ بداعية مبفردات بيئية ،ي�صبح فيها الن�ص
والتيمة الأ �سا�سية التي تهيمن على �أعمال فتحي الإ بداعي متحفًا ملفردات حمنطة و�صياغات حملية
عبد ال�سميع «ت�أرجح الذات ما بني ق�سوة اللحظة غري ناب�ضة �أو فاعلة يف احلياة.
التي تعي�شها ،وال�شعور الداخلي ب�أن هناك نقاطًا (� -)2إن البحث عن خ�صو�صية الإ بداع يف �إقليم
م�ضيئة ميكنها حتطيم هذه الق�سوة والتغلب عليها» لذا ما� ،أو يف فرتة ما ،يجب �أن ينطلق من اخل�صائ�ص
فال�شاعر يراهن على الداخل (داخل الإ ن�سان) لتجاوز النوعية للإ بداع �أق�صد من الت�شكيالت ،فهي
�أزماته واحباطاته ،ومن ثَمَّ فهو دائم البحث عن ثقب احلامل احلقيقي ملجموع القيم واحلاجات اجلمالية
�إبره للنفاذ ،وهو يف حالة ترقب وانتظار للحظة امليالد للمجتمع.
/التحقق التي تنحل فيها �أ�سوار اغرتابه .وهذا ما بهذا الفهم �أ�ستطيع �أن �أوجه �س�ؤاال �أو جمموعة
نراه بو�ضوح يف «مفتتح» ق�صيدة �صالة العابر من من الأ �سئلة ،مفادها -:
116
ملحارب �ستدفعه تباعًا للقيام بفعل ايجابي وفعَال جتاه ديوان (خازنة املاء)
�أحداث الواقع و�أزماته؟ �أم �أنها (تقطيبة قنوط وي�أ�س) �أعرف �أن اللحظة قا�سية
ناجتة عن عجز املحارب �إزاء ما يحدث يف الواقع؟. �أن ن�صا ًال ال ح�صر لها تكرب يف �أع�ضائي
الداللة العامة للديوان ترجح االحتمال الثاين، �أن جراد ًا فوالذيًا
فاملت�صفح لق�صائد الديوان التي تتميز بالق�صر ينق�ض من الأ ركان الأ ربعة
حمارب عاج ٍز عن
والتكثيف ال يخفى عليه �أننا �إزاء ٍ و ال يرتك بني اجلنبني
القيام مبهامه ،فهو العائد دومًا من معاركه «ب�ساقني �سنابل �أو قطنًا
عجوزين وتقطيبة ال حتتمل ق�سوتها طاقة الأ هل �أعرف �أن اللحظة قا�سية
وال�شوارع» ومن َثَّم تغدو التقطيبة مبعناها ال�سلبي و الريح معاندة
الدال على(القنوط والي�أ�س) قرينة الزمة ال تفارق أي�ضا �أنى �أول من �سار مع املوت
لكنى �أعرف � ً
املحارب وال الأ هل وال العامة من النا�س .وكذلك على ج�سر الأ بدية
قرينة الزمة لذات ال�شاعر كفرد من �أفراد ه�ؤالء مثل حبيبني
الأ هل. و �أول من حفر على جذع الوقت
هذا العجز الذي ال يتوانى ال�شاعر يف �إبرازه من ف�ضاء وع�صافري
خالل املفارقات الكلية التي متتد من �أول الق�صيدة و �أول من بد�أ التقومي
�إىل �أخرها (راجع ق�صيدة :العراقي� -صفحة جديدة) و �أخر من يفنى
�أو املفارقات اجلزئية (راجع ق�صيدة :غزلية ال�صاروخ- يف ج�سدي ع�ضو ما
عربة نقل املوتى -جمرة فا�سدة) .ورغم �سوداوية يحتاج �إىل وخزة دبو�س
امل�شهد وم�أ�ساوية الر�ؤية التي تعرتى الذات ال�شاعرة، كي يتحرك جنزير يف الروح
�إال �أنها ر� ؤية مل ت�صل �إىل اال�ست�سالم الكامل� ،إذ �أنها ويطحن تلك الغيبوبة
حتمل بداخلها بذور ر� ؤية ثورية ميكنها – ولو م�ستقب ًال طحنًا من ديوان «خازنة املاء»
-القدرة على حتقيق الفعل ،ولتو�ضيح ذلك �س�أقوم يف ديوان «تقطيبة املحارب» ت�ستمر التيمة ويختلف
بتحليل ق�صيدتي («الكرْم ب�أكمله» « -بندقية على اللحن وتتعدد �أوتار الفجيعة ،التي تقوده هذه املرة �إىل
احلائط») باعتبارهما �صلب الر� ؤية التي يقوم عليها االنفتاح �أكرث على الواقع واال�شتباك احلقيقي مع الواقع
الديوان. ب�صورة مل نعهدها من قبل يف باقي دواوينه�.إذ يح�ضر
يف ق�صيدة «الكرْم ب�أكمله» يفتتح ال�شاعر ق�صيدته امل�شهد العراقي بدمويته ال كمو�ضوع و�إمنا كمر�آة تعرى
ب�س�ؤال ا�ستنكاري يتعجب فيه من موقف «العجوز» الذات وتك�شف عوراتها وما �أ�صابها من ت�شوهات.
�إزاء احرتاق وتفحم الكرْم /النخلة /الوطن .هذا يف احلقيقة حتريت كثرياً �أمام العنوان الذي و�ضعه
احلريق الذي على ما يبدو �أنه امتداد للحريق الذي فتحي عبدا ل�سميع للديوان «تقطيبة املحارب»:
�شب يف �أر�ض العراق ،ويف الوقت نف�سه �صفارة �إنذار مبعث هذه احلرية هو االنفتاح الداليل والإ �شارى
للبقية املتبقية من الأ را�ضي العربية ملاذا يتطلع العجوز للمفردة اللغوية (تقطيبة) والتي تدفعنا �إىل الت�سا� ؤل
بال مباالة للنخلة التي تتفحم؟ عن طبيعة هذه «التقطيبة»� :أهي (تقطيبة غ�ضب)
118
البندقية جزء من النبوة البندقية ح�ضن حنون
وال �شيء يتمثل بها البندقية �أ�شياء �أخرى كثرية
و�إن جاءكم من يدعى �أنه بندقية
ف�أعلموا �أنه �شيطان -البندقية رومانتيكية جد ًا
حتى لو مط ج�سمه ولها م�شربية جتل�س خلفها
و�صار ما�سورة �أو دبِ�شك ب�أعني متلهفة
وحتى لو دوى من فوهته الر�صا�ص وقلب مقبو�ض
هكذا �سعى ال�شاعر �إىل طرح �أ�شكال �أخرى �إىل �أن حتط على راحتيها
للبندقية ميكن �إذا ما عرفنا وظيفتها احلقيقية وقيمتها و�أ�سفل قبالتها مبا�شرة
احلقيقية �أن تعيد للمحارب /الإ ن�سان دوره امل�سلوب طلقة الهثة
منه� ،أو ت�أ�س�س حلياة وواقع جديد وقيم افتقدناها تتهته حول مهمتها
كثرياً.
طرحت الر� ؤية العامة للديوان ت�شكيالت جمالية أي�ضا
-للبندقية � ً
غايرت فيها اجلماليات ال�سائدة لق�صيدة النرث، ري�ش �أبي�ض
فال�شاعر مل يعمد �إىل تبنى منط بنائي جاهز و�أمنا وهديل �أخ�ضر
ت�أ�س�ست جماليات الق�صيدة وت�شكيالتها من منطلق أي�ضا منقار �صغري
للبندقية � ً
يعي تناق�ضات الواقع ،وقد �سعت هذه الر� ؤية �إىل يع�شق الإ م�ساك ب�أغ�صان الزيتون
تقدمي حلول جمالية لهذه التناق�ضات. الداللة التي تنطوى عليها املقاطع ال�سابقة داللة
ابتعدت ق�صيدة فتحي عن التجريد الذهني الذي بالغة اخلطورة� .أعتقد �أنها متثل �صلب الر�سالة /
ات�سمت به ق�صيدة النرث ،وانحازت �إىل الق�ضايا الر� ؤية التي يحملها �إلينا الديوان ،والتي ميكن يف
الإ ن�سانية والواقعية فا�ستطاعت �أن تالم�س الأ �شياء، �ضوءها �أي�ضً ا �أن تفك اال�شتباك الداليل للعنوان
وات�سمت بالب�ساطة ،وببناء درامي وا�ضح ،اعتمدت «تقطيبة املحارب»� ،أو مبعنى �أخر حتويل «التقطيبة»
فيه على املجاز ب�شكل الفت للنظر ،ومتيزت الق�صيدة الدالة على القنوط والي�أ�س �إىل تقطيبة دالة على
ب�إيقاع جهري ،وتنغيمات �صاعدة ،نتج عن تكرار الغ�ضب ،عندئذٍ ميكن للعجوز /املحارب /ال�شاعر
اجلمل ال�سيما الإ ن�شائية (اال�ستفهامية) ،واهتمت �أن ينقذ ما تبقى من نخيل الكرْم .لذا لي�س غريبًا
بالقارىء العادي و�سعت �إىل �أن جتعله طرفًا فاع ًال يف �أن ت�أتى و�صية ال�شاعر كالن�صل احلاد ،و�صية ال تقبل
�إنتاج الداللة . اجلدل:
و�أظن �أن الر� ؤية التي طرحها الديوان ر� ؤية اكت�سبت من ال بندقية له
معظم مالحمها من مالمح جنوبية غا�ضبة و�أبّيه ال حبيبة له
وراف�ضة..تتميز بال�صمود وت�ستند على ثقافة �صلبة من ال بندقية له
متتد �إىل اجلذور ،لكنها يف الوقت ذاته ال متلك يف ال وطن له
حلظتها الآ نية �آليات متار�س بها هذا الرف�ض. وذلك لأ ن -:
كيل
خ ْذ تلك الجمرة
وأقرأْ ما يتجمهر أسفل برشتها
الوردة مترق بني األ َّنات ُمزقزقة
من قصص
طرح
والغصن املنكوب ْ
وتواريخ
الوردة تستل متام توهجها
ورشفات ترتقب ما يرشق من جنبيك
َ هل طفح الكيل ؟
سطوتك عيل أقبية التقويم . ويفرد
وفرح
أخريا أحتضن الحارات بشوق ْ
أجراس تتألق يف جيد املرشق
خ ْذ تلك الجمرة
ْ وأنا أجتاز أسارير السنطة
وادعك أعضاءك جرحا جرحا
ولطالعة من نهر
أين الرغبة يف خلخلة الدنيا ؟
تتبخرت يف الرتتيالت
الحلكة ؟
كس ُ أين ال َق َسم عيل رْ قزح
أعدُّ ِشباكا من قوس ْ
يف أي رماد بات جناحك ؟ هل طفح ُ
الكيل ؟
من متي وعظامك تنساب ـ مولولةـ بني
طفح
الكيل ْ
األحجار ؟
والجمر النائم يف األوصال ج َم ْح
وكيف طويت الرمل عيل شاللك؟
(من مجموعة فراشة يف خازنة املاء )2002
واستسلمت بال حرشجة لغوايات املحو ؟
120
نحو تسلق السور املرصع بالزجاج س ْكر ُة املوت املبكر
هويت ُ مجروحا
قعدت ليك أحارص ما يسيل من الدماء كم وردة رفرفت يف عنابها ؟
فوقي حارس البستان فحط َّ َ كم من بنات الجن منن عيل ذراعي
أوثقني نهارا كامال يف طرف ساقية مثل زوجات
شيخ البلدة ـ املربورـإيل أن جاء ُ خرقت بإصبعي .ُ وكم سورا
من أقيص ارتفاع ذراعه يهوي ع َّ
يل يف سكرة املوت املبكر
بفرع سنط ـ مل ُيق َّلم جيدا ـ ,أو مل أقل ال أفكر يف الهزائم
منذ البداية والخسائر
كل شيئ كان يقصف أفرعي . واملرارات
لكنني مل أستفد من أي رمز التي ستنام يف نعش معي .
كنت أزهو بالرضوض
وأنتيش بفواجعي . منذ البداية
ما إن أري وردا تعري باذخا كل شيئ كان ينبئ باملصري
حتي أمد يدي ألقطف ما زلت أذكر
تاركا ملساطر الدنيا عندما استنشقت أول وردة
كتابة مرصعي . ووضعتها بني الكراريس ,
ما إن أري نهرا استشاط مدرس
يط ِّرز خرضة الكثبان وهوي مبسطرة
أو مييض إيل أبدية كفي وردة ً ,
لريسم فوق َّ
يل من املالبس حتي أبعرث ما ع َّ ما زلت أذكر
ثم أقفز عندما جدفت أول مرة يف النهر
يك أزف الروح لألرسار شدتني عجوز من نساء الجن
أهمس : وحدي
ـ لو فتاة من بنات الجن تجذبني رصت أقفز
وأبقي سابحا ثم أهبط
حتي أعبئ باملرسة كل جيب يف الجسد ْ . صارخا
ما إن أري سورا حتي أيت صياد أسامك
يداهمني اختناق ُ الصدر وخلصني
يثقبني الجنون ألغرق يف كوابيس
وأشتهي تحطيم َ هذا السور ويبقي من مالك املوت
يك ما يستلني يل الشهيق ريش سابح يف منبعي .
وال أبايل بالجنازير
صواعق يف أضلعي.ٍ التي تنهال مثل مازلت أذكر
عندما قادت خطايَ
يف سكرة املوت املبكر روائح البستان ـ
ـ ُ
ال أفكر يف املصري
العدد - 150صيف 121 2013
َح َّك حدقتيه ىف الفضاء فكيف أحرص كم من املرات ُّ
مت
وركض ُ
الجنون وكم من املرات أوقفني
لكنه نظر خلفه بعد لحظات عيل اللهيب
كانوا منقلبني عىل ظهورهم ومل أفارق موضعي.
يضحكون عىل رضاطه يف سكرة املوت املبكر
وصهيله الذى يشبك بكاء معزة
مثلام يف نشوة الصحو املبكر
شتمهم بثقة وامتعاض
وحلف بقرب أمه سوف أزهو بالجروح
أن ال يرأف بأحوالهم مرة أخرى . وأنتيش بفواجعي.
(من مجموعة فراشة يف الدخان)
فجأة
وجد نفسه وسطهم شهوة حمدان
كانوا يتحدثون عن حبيباتهم
فلم يحتمل الصمت مل يكن حمدان بهلوانا
ومل تكن لديه حبيبة يحدثهم عنها لكنه اشتهى أن يكون فراشة
اشتهى أن يحىك لهم عن جنية تعارشه فرمبا أدهشهم بألوانه الزاهية
فبينام كان يسري ىف الجبانة ورمبا أيقظ رقص ُه منارة ىف أعامقهم
يجمع كعكا وفاكهة هكذا غ َّز ىف جنبيه الريش
ـ كعادته كل خميس ـ وحينام رفرف ىف الفراغ
سمع عجوزا ترجوه أن يسقيها ْ
تناثرت دماؤه
فألقى الصفيحة ىف البرئ مل يعبأ بجراحه
وبينام كان يخرجها بعناء غريب بقدر ما حزن عىل خراب رقصته
فوجئ بجميلة تجلس فوقها
أفلتها صارخا تباروا ىف ركله
وهوت الصفيحة يف القاع وهم يعرضون عليه ثيابهم
لكن الصبية كانت ممسكة برقبته التى اتسخت بدمه
وقبل أن يحدثهم عن قبالتها لكن ركالتهم
وعقد زواجهام الذي أخرجته من تحت جفنها كانت أبسط من عكارة صدره
نظر حوله فلم يجد أحدا مل متنع ابتسامته
نادَى وهو ينظر إليهم
جاوبته أصوات غريبة منحدرين بعيدا عن حطامه
وقبل أن يكمل آية الكريس
هرول هاربا ىف مرة ثانية
وخرجوا من مخابئهم يضحكون اشتهى أن يكون حصانا
بينام يتطلعون يف غيابه رآهم يشتاقون إىل الصهيل
وميجدون نوادره . فوقف عىل أربع
(من مجموعة الخيط يف يدي القاهرة )1997 وحرك حافره األمين كمن ينبش برفق
122
أذكر أنهم حبسوين يف بناية مهجورة البومة العجوز
وىف الصباح
أوثقوين يف جميزة مثل لعنة ماذا فعلوا يب؟
وجمعوا الناس يف صف طويل جسدي بال أحالم
أمروهم بصفعي وذاكريت فارغة
ثم جردوين من مالبيس إال من تصاوير ناعقة
تركوين أعود إىل الدار تحجل هنا وهناك.
كفاى بني فخذي
يربكان هرولتي أتقرفص يف ِفرايش
وال ينجحان يف سرت عوريت. ظهري للنافذة
وعيناى عىل هشيم املرآة التي فتكت ُ بها
ال شك أنني كنت صبيا شقيا كياين كله شارد
أصعد النخلة مع الرغبة ىف أن أصري بومة.
وأصطاد الزنابري
أجعل السعفة فرسا من يصدق
وأرمح بها يف الشوارع أن هذا الوجه املكرمش
أغيب يف الزراعات وتلك العظام املرتهلة
يك أنعش جسدي يف حضن الرتعة لشاب يف الثالثني ؟
وأمأل ِح ْجر أمي من يصدق
بالثامر التي اكتمل نضجها أن ال ِفراش الذي أتقرفص فيه
وخيش التجار فسادها يف الطريق جثة حقيقية.
الشك أنني كنت صبيا جميال
غري أىن ال أذكر شيئا كان صويت برشيا بال شك
قبل اشتعال النار يف بيتنا ورمبا كانت يل حبيبة
وخروجي منها بال أهل وال ذكريات أغنى لها يف الخالء
مخلوقا من الرماد الخشن أو تحت الشبابيك
هب النه َر والعصافري
َي ْر ُ
وال يعرث عىل نفسه إال هنا ال ميكن أن أكون ولدت هكذا
وسط الزوايا التي ال يلمسها النور بحنجرة نصفها عواء
أو الهواء واآلخر أنني.
يعطى ظهره للنافذة
ويفكر بهدوء
يف ارتكاب الجرائم التي دفع مثنها أذكر أىن كنت صبيا
ومل يرتكبها. وأنهم ضبطوين أتطلع أثناء سريى
اعي املفتولني
إىل ذر َّ
(من مجموعة الخيط يف يدي) وصدري الذي يربز من الجلباب
نمل لسان قدمي طعم السراب َّ مين اللي مات بكره ؟!
رياحك
فرمحت في ِ
أتاريني في مداسي صدرك الممطر جفاف ِ من
خيمت من جلدى في نار تلجك َّ راضع حليبك دم من عضم الشقا
قمرك من زفير عيني شوهت ِ َّ ال الحلم بيطيق الخال
فمكخارج هشيم تكويني من ِ الكم ليه متشعلقه والروح في َطرف ُ
همكفمتنشديش علي جثتي ِ خدك الباهت َق َم ِرك ضرير علي ِ
هاجع علي رف الثبات طيفي غصب
ٍ كل المسافات تحتضر
عنكب جفاكي فأبتلع كيفي َّ وأنا خطوتي تاهت
مين اللي كان ضيفي؟! وجهك النازل
ممضوغ يا بكره في ِ
تمركهزيت في عو ِدك شهوتي ِ نبضك ما عاد طوعي
جمرك
كل الفصول ِ الفطره في ضلوعي ف متخنقيش ِ
سلكك الشائك بيحز قلبي ِ أعضائي تتبعتر في تبريرك
وأنا مين في أؤالئك يلفحني ض ِلك تحت ساس حيطك
وأنا في والئك وصبحت جنس غريب في تقديرك
الع َرق بيخبي في هال ِلك وحل َ يا نص آه مقصوصه من ريشي
عديت علي صراط الخروج ها ِلك براى
جواى وال َّ
يا شهقتي َّ
بابك بيتسع الجميع إالى مكتوم يا ناى بوحك
ضهرك ما عاد مأواى دا أنا الجماد ما يصحنيش نوحك
لفيت في ذاتي فأنفلق حيلي صفح ِتك خيطه
ِ الفجر نافر
فمباح دراع موالى ملضوم في عين العتمه وف كفي
عطش الوريد دغدع في براه ِنك نهرك اليابس القلب طافي ف ِ
متكرريش موتي في دوارانك مكسور شعاع الحكمه في كتابك
فحم السكات َّ
شكاى وأنا عوره بمالبس
تجاعيد سماوا ِتك بلون مالح شديت لجام قلبي اللي مات بدرى
يا رعشة الصيف في النواصي الطل فشهرت من روحي الخشب سيفي
يا مبروزاني في الميادين الفضا طلسمك عاصي ِ خاضع لتراتيل
ما تفهرسيش اللي مضي وأنا لسه في خالصي
مطروف يا قرص الشمس في لحظة شجر الكافور عارى ومكشوف لي
رضا فراغك تنقطع راسييزغر ِ
146
والقلب مش بيدق آخاني مو ِتك في النزول للتل
لجل اإلنزعاج يا قلبي يا محتل ...في كفوفي
وبتلون عينيكِّ خوافَّ مده جزرني فلفظني البحر ُّ
من ِفطرتَك طوقنيكشت إيدين الطوق ما َّ
من نظرتَك ُبكرايا يا بكره
روحك للجماد بتهز َ رسيني ع األوكره
ينبت
والريش ِّ دا أنا قلبي مالكي
تحت باطك يفضحك طول عمره مش أوجره
الريح يهاودك ضيك في إرتحال لوني غيهبني ِّ
من صباعك ترتبك ( البوصله ) كفك في الطريق مقلوب تمثلني ِ
ناحية طلعتك دقيت بيبانك والجراب خاوى
حتي في سكاتك وليتي من ريحة مخاض طي ِنك
غميني من تينك
الحروف تستعطفك
كل المواسم شرع قفاطينك
هو إنت حافي
لجل خدشك للطريق يا واقفه فين عيدك
وال إنت بتموت َّ متقصريش إيدك َّ
لما يد بتقطفك دا أنا دارى مش دارى
الدنيا بتشد القميص مواعيدك.
ِ وكرهت
وإنت اللي تلقائي العيون
هي اللي تستر عورتك بتهز روحك للجماد
بإيديك بتغرف م السما
وبتقشط الوش المختوم بالرضا حجمك ضئيلَ
دايماً شفايفك ضلك بيلزق في الهدومِ
في الفراغ متكهربين سفسوفه م اإلحساس
والطقس يفرش لك بتعكس قلب
يخيركفصوله َّ من بره القفص
والدنيا بتخبط علي مضرب عن الفعل
تفتح .... اللي بيخض البياض
هواها دايمًا عينيك حتي
يغيرك.
َّ في منامك تبتسم
147 العدد - 150صيف 2013
حجر جهنم
ميسرة صالح الدين
عايزه يعني
تخليني أغني
إنتى ليه زعالنه منى ؟
هو أنا َغ ِّلست حبه؟
فلست المحبه؟ والاَّ ِّ
والاَّ كان قلبي إستخبى؟
والاَّ طالبه حبه قسوه؟
فيه بالد راحت في نَسوه!
نور إنقطع وفيه بالد عليت بفكره.
شعب إنخدع؟ ع الكتاف مولود ل ُبكره
والاَّ ح يقول تمردنا إسمه آسر ُ
ياخدنا
والشر اللى جه ُ عايزه يعنى وحش كاسر
أخد نفسه وراح يكرهو فيكي وفينا؟
َّ
وال إيه؟ والعيال تدعى علينا !
هيييييه طب قوليلي ...أقوله إيه؟
ورحاب يا أحالم البراح هييييييه
جات تقول لي إسألها كان يا ما كان
غضبانه دى والاَّ مالها؟ من كام وتالتين زمان
هى ح تفضل كده؟ مصر كانت
من ده ل ده؟ ُهنَّا وهانت
والاَّ جات كاتبه الحكايه
والاَّ أقو ُله إسأل ُعمر؟
إنسانيه في النهايه
طولة العمر بقمر
من أول الكابوس
ولعبة البالونه مع الدبوس لما شاف
و الدنيا بقت فرحانه حبه ُلطاف
م النور ما هيش دريانه. من بركاتك يناير.
والاَّ إيه؟ برضه ح يبقى حاير ُ والاَّ
هييييه ح يقول ُله إيه؟
عايزه إيه؟ هييييه
149 العدد - 150صيف 2013
قصيدتان
على حمدان
فراق
متصدقيش
انك سافرتى من زمان
ساعه ما شفتك ع الرصيف
و ف وقتها
كان الغروب
بيطل من بين المدى
المم جناح الشمس
من فوق البيوت
حالف يفوت
والسطر لسه فى اوله
من نن عينى اللى انجرح
لو تسمعى علشان تسيبى شنطتك
صوتى اللى عايش وتجيبى اتواب الفرح
يندهك او تمسحى
ويطل من بين المدن دمعى ودمعك
يمكن يشوفك والسكوت
ع الطريق كنتى ساعتها بتخرجى
قلبى البرىء من ضلع جوايا
اللى افنتكر انكسر
كل السنين والقطر صفر والزمن
والذكريات فارش على ارض الرصيف
من واحنا لسه بنبتدى تنهيده فيه بتتحرق
ولحد ما خدنا السفر القطر مش محتاج سفر
من كام سنه والنه سافر من سنين
كان قلبى محتاج اللقى سابنى لوحدى...
والنه سافر من سنين بانتظر
سابنى وحيد ساعه رجوع
بانده عليكى ترجعى والجرح نازف
وترجعى والدموع
قلبى مع قلبك بقى جوايا بتهز الحجر
وندارى ايام الشقى تبقى ارجعى
150
واتمنى وندوس على كل اللى فات
تكون لعنيكى وتكفى اصل انت عايشه فى الخيال
واجيب لك تانى فى كفى بس السؤال
جميع اشيائك الحلوه مش وانتى منى بتخرجى
وحاكنب لك م انا اصلى مش محتاج غنى
على بابى حروف اسمك قلبى انا
وانورها بلون الفرح محتاج ضلوعى تلملمه
وابدرها ..على رمشك وتفهمه
وحاحكى لك ..على عمرى ان السنين اللى مضت
من وانتى لسه صغيره
وفين قضيته من بعدك
انتى وانا
وحارجع لك
كان القدر
وعود الورد بيفتح كاتب علينا
مع فجرى نفترق
وبيرجع معاه بسمه
**********
زمان نساها
على شفانا تعود تجرى على قلبى
وحاحكى لك
فى سهرايه مسيرى حاعود
على حكايتى وعود الورد بيفتح
وحاتمنى زمانى يعود على اديكى
م انا بحلم
كما شئتى من االول
اكون ليكى
واكون طفلك
تشاركينى فى احالمى
واكون حضنك واهديكى
لمكن الحلم يا غاليه بقيت العمر ياحبيبتى
مصحينى ويوم الفرح ما يجمع
بصوت الرعد والمطره مبين قلبى
على بابى وشباكى وبين قلبك
وسابنى لوحدى حاغنى لك
وراح بدرى غنى م الحلو بيدفى
عشان يبكى وحاغزلك
على قلبى. سنين الفرح
151 العدد - 150صيف 2013
قصائد
اكرام عيد
حــــلم
سرقت منى الزمن
والحلم كان حلمى
دفعت وحدى التمن
لما االمل خانى
وطلعت فوق القمر
أجمع فتات نفسى
كان نفسى مرة القمر
يكتب قصص عنى
ايام ما كنت بوردتين وفيونكتين
وايدين ما لمستش االنين نقطة جنون
ليه االماكن هى هى مبعترة لحظة سكون الشمس
وناس كتير مستنظره بتفيض الدموع
مـــــــــــــدوا االيدين من بين عيون
واتمسكوا بحلم السنين كل الدروب
لحظة سكون الشمس ساعات نتوب
بتفيض الدموع نغزل مالمح جرحنا
لكن حبال اليأس لسه مربطين فوق السكات
غياب والذكريات نرسمها
دنيا جراح فوق وش المــــــدا
نقطة جنون
والكل فيها مراوحين
وانا مين اكـــــــون
مين اللى راح
علشان اعيش
واللى لسه واحلم بقلب
جوا منها متبتين يكــــــــون حنون
الزقين على جدار الحياه لسه العيون مغمضه
خايفين يتوهوا وجراحى مش القية الغطا
مع السنين يا زمن حزين
والروح مكانها ليه السنين بتشدنى تانى ..
واقفة تتفرج علينا لـــــــورا
152
النيـل
سيد شوقي
النيـل حزين واحنا مكانا وفى عنينا
باكي لكنه في ضحكته نور حزين
مخبي حزنه ودمعته ايه أخرة الحلم الجميل
ِّ
لما األماكن تفضا
صبور وماشي ف سكته
واحنا مرعوبين
يسقي السنابل والنخيل
قاعدين نلون ذكريات الخوف
يسقي خيال الملهمين
ونرسم جرحنا
سهران بيحكي للسهر
على كل نقطة ليل
سهران يم ّيل ع الغيطان معاندة عمرنا
يسقيها من قلبه حنان ايه ذمبنا
يسقي السواقي والعيدان علشان نعيش
يسقي الحكاوي للزمان متشتتين
يسقي من الحزن النايات لما نسافر
النيل جميل فوق سماوات الغروب
إنسان نبيل نرجع نتوب
كريم وعمره ما كان بخيل وفوق قلوب الموجوعين
يسقي الهوا من نسمته نحن تانى ألهلنا
يسقي الربيع وال خالص مبقاش حنين
يسقيه ربيعه وفرحته راح نحصد النور م السنين
وكمان هنغتال األنين
ويسقي مصر محبته
لما نالقى الخير
نقسى عليه ومهما نقسى
فى دروب عمرنا
بيسامحنا
ونبقى جمبه قريبين
نجرحه لكن ما عمره ف يوم جرحنا ّ وأما العدد ينقص
ُج َّواه جراح ولكن ونرجع نتولد
داير يغني لألمل.. تانى لفين
عاشق يسيل في حضن ناسه الطيبين هنروح ونكبر
نهر الفرح.. واحنا لسه صغرين.
153 العدد - 150صيف 2013
أن تكون شاع ًرا
يكتب بالعامية
الجميلى شحاتة
هذه القناعات هي ما تو�صلت �إليها الآ ن، �أن تكون �شاعرًا يعني �أن تعي�ش �ألف
بعد ان انخدعت �أنا وبقية �أبناء جيلي يف حياة موازية حلياتك اخلا�صة ،و�أن تخلق
دع��اوى االختالف والتجديد املق�صودة �آالف العوامل من عاملك الواقعي� ،إن كان
لذاتها ،ذلك التجديد املبني على و�صفات هناك عامل واقعي!
جاهزة ،والتجديد املبني على و�صفات �أن تكون �شاعرًا يعني �أن تكون همومك
جاهزة هو تقليد واع بغريه ،ولي�س واعيا اخلا�صة بابًا يف�ضي �إىل هموم النا�س� ،أو
بنف�سه ،مبعنى �أن املجدد وفقًا لو�صفة جاهزة �أن تكون هموم النا�س دليال �إىل همومك
ي�ضع ن�صب عينيه كل «�آخر جديد» ،ويقلده اخلا�صة،؛ من العامل ترى ال�شعر وتن�صت
بال�ضرورة كي ي�صبح جديدًا مثله ،لكنه �إليه ،ومن ال�شعر ترى العامل وتن�صت
ال ي�ضع ن�صب عينيه �شروطه اخلا�صة التي �إليه .هذا عن ال�شعر كفعل �أدبي عام ،فما
�إن خربها و�صل �إىل اجلديد /اجلديد� ،أو بالك ب�شعر العامية ب�شكل خا�ص؟ �شعر
اجلديد اخلا�ص. العامية الذي هو مهتم -يف الأ �سا�س-
بد�أت الكتابة يف �أواخر الثمانينيات ،قادمًا بالنا�س عامة ،ال ينزع �إىل النخبوي ،وال
من �صعيد م�صر ،يف �أواخر الت�سعينات �إيل يتكلم بل�سان املا�ضي ،و�إمنا كل ما عليه،
القاهرة كان همي وقتها �أن �أدون كل ما يعلق وهذا لي�س بالقليل� ،أن يجيد الإ ن�صات �إىل
بالذاكرة من �صور لطفولتي يف قرية اجلمالية احلا�ضر ،و�أن يقب�ض على تناق�ضاته ،و�أن
مبركز قو�ص – قنا يف جنوب م�صر ،بكل ما يرى يف احلا�ضر �شكل امل�ستقبل واملا�ضي
يخ�صها من تفا�صيل �أهلها و�أر�ضها و�سماءها معًا ،باعتبار �أن احلا�ضر الآ ن هو م�ستقبل
وكنت مقتنعًا بتلك ال�صور ورا�ضيا بها �أم�س وما�ضي الغد.
154
الثقايف ،ذلك اجليل الذي كان منظروه �أكرث متام الر�ضا ،ولكن منظري الإ بداع ،الذين
من مبدعيه ،والذي دفع بجيل الثمانينيات هم �أكرث من املبدعني بال�ضرورة ،عملوا
والت�سعينات� ،شعراء عامية وف�صحى� ،إىل على ت�شتيت «ذهني ال�شعري» �إن �صحت
االنتماء �إىل التنظري �أكرث من الإ بداع، الت�سمية ،قالوا :ال بد �أن تختلف ،ال تقلد
واالنتماء �إىل التنظري لي�س عيبًا ،لكن فالنا ،نحن يف زمن احلداثة.
حينما يكون خارج الق�صيدة ال داخلها، وبعدما كنت �أحب ف� ؤاد حداد والأ بنودي
مبعنى �أنه ال بد من �أن يتوفر للق�صيدة احلرية وجاهني� ،صرت �أخافهم ،بل ويف معظم
الكافية كي ت�صل �إىل تنظرياتها اخلا�صة ،ال الأ حيان �أكرههم ،لأ ن �أ�شباحهم حا�ضرة
�أن تتبع و�صفات حمددة كي تكون جديدة، رغمًا عني يف الق�صائد� ،إىل �أن قر�أتهم
وهكذا بق�صد �أو ب��دون ق�صد� ،صارت وانحلت عقدة التجديد ،وعرفت �أن
ق�صيدة العامية م�سخً ا لق�صيدة الف�صحى ق�صائدهم الأ وىل لي�ست خالية متامًا من
التي كتبها ال�سبعينيون حتت دعوى �أ�شباح ابن عرو�س والندمي وبريم ،و�أنهم
ا�ستطاعوا باالنتماء حينا وبالالانتماء �أحيانًا
التجديد ،و�أ�صبحت تلعب يف النخبوي بعد
�أن ي�صلوا �إىل �صوتهم اخلا�ص ،فما كان مني
�أن ا�ستع�صى عليها اللعب يف ال�شعبي وبه،
�إال �أن عرفت �أن حبي واحرتامي لل�شعر
وامتلأ ت بـ»الإ ثنولوجيا ،والأ ركيولوجيا، ال بد من �أن يكون �أكرب من حبي لأ ناي
واالن�ثروب��ول��وج��ي��ا ،والهرمونيطيقا، ال�شعرية ،مبعنى �أنني مل �أ�ستطع ،ولو للحظة،
واال�سطاطيقا» بعد �أن هجرت «الغالبة، �أن �أنكر على ه� ؤالء الآ ب��اء �إ�سهماماتهم
واملدقات ،واملزلقانات ،و�سعد احلرامي». ال�شعرية ،بل بلغ بي احلال �أن �أدندندن
ولكن ال �ضري من التجريب ،ورب خط�أ �أ�شعارهم و�أفقد الثقة يف �أ�شعاري� ،إىل �أن
�أف�ضى �إىل �صواب و�صواب كان طريقًا �إىل ا�ستطاعت ق�صيدتي اخل��روج من �شرنقة
اخلط�أ ،املهم �أين حاولت كثريًا ،وال �أريد �أن الإ عجاب املفرط �إىل براح املعرفة املت�أنية،
�أظن �أنني جنحت ،لأ نني وقتها �س�أف�شل� ،أو يف قر�أتهم يف �سياقاتهم فعرفت �سياقي ،حددت
�أف�ضل الأ حيان �س�أكتفي ،ونهمي ال�شعري مواطن �إ�سهاماتهم فعرفت واجباتي.
يحر�ضني على عدم االكتفاء� ،س�أقول �إنني يف تلك الفرتة كانت ق�صيدة العامية ترتك
�أخط�أت ،ومن الآ ن �س�أحاول �أن �أجنح يف �أن العامية وتنحاز �إىل الف�صحي ،نظرا ملا كان
�أكون �شاعرًا يكتب بالعامية! جليل ال�سبعينيات من �سطوة على املحيط
155 العدد - 150صيف 2013
قصــائد
اجلميلى شحاتة
156
وقاموس للسسان العرب الالمزكور على شلة سهرك
وسطور للوطن الالمعقول على ظنك
وابريق للصال 00ونبيذ معصور على خيبة كل قصيدة
وحاجات جواكم منسية ملكت هواها
حدوتة أمى ال ع اآلخر خالص قروية واال الموال اللى تركتة
مانشت رئيسى لكل جرايد اليوم والورثة
وخبر مدفون اختلفوا
ممنوع نتكلم فيه عليه ؟
ماعادتش بتفرق لو نتشابه
وال عدنا بنهتم ببنت حدوتة أمى
تمس قليبنا بجد
المون الجنس 00الشعر آخر حدوتة انكتبت على عتبة قهرى
مباح على سلم وقتى المتكسر
الدين معتقل الفقرا على شوقى « لوغد «
الوطن المغشوش سواح أمى المسكونة بسور اهلل
حدوتة أمى غناكم بحكاوى قديمة
ومناهج على طلبة األزهر وكتب العرب الالتراثية
وكالم متنتور ما عادتش تلون يوم العيد التوب
بين طالب الجامعة األمريكانية وال عادت تنقش بالحنة
أمى ال ع اآلخر خالص قروية وال صبحت بتلم قصايدى وراى
كانت بتلملم حزنى من الكراريس مع انها كانت موال
وبتمسح ألمى وهوامش للشعرا الفقرا
ف باقى الكتب الالعلمية كانت ترقينى من الحساد000
كانت بتخاف لو بنت مع انى ما كنتش زى والد الحى جميل
ف يوم دقت على بابى الولد
ْ وال كنت مفتح زى بقيت
أو طلبت منى قصيدة عشق كنت اطلع فى السبق اآلخر
لو يوم علقت هموم الوطن بهمى فتطبطب على كتفى وتضحك
أو فتحت شبابيكها الى أمى القروية المهزومة000
دلوقتى أنا تايه والشيب مال راسها
مش عارف 00ايه الفرق حدوتة ألف كتاب000
ألبوم صور
ومصنف العشاق
وانا حواديت ألبوم صور
لسانى شايف فيه المم كتير م الذكريات
شقاوة شنطتى شايف عليه كل الكالم
والدرج االعمى اللى اندبح اللى اترسم فوق الشفايف
حلمى فوقيه فرش المشاعر ع الحيطان
وابويا لما يلمنا جنبه حاضن باديه
أنا كنت شايف فيه مالمح حلم البنات والولد
أولياء اهلل والورد لما نقسمه تقاسيم
كان له مدينة وحزن ألبوم صور
ألبوم صور شايل كراريسى الغبية
لسانا فيه والقلم والسلسلة
ما اتلونتش شفايف البنانيت المم طابور المدرسة
وال دقون االوالد حاضن حبيبة عشقها
وال كنا نحزن ع القصيدة لساه فى قلبى
البنت « نعمة ط علمتنى حاجات كتير لساه مخبينى ويدى ف يدها
حدوتة أمى اللى اتنست ألبوم صور
يا هل ترى والبنت « نعيمة « شخبطت ع القلب
تنسى شقاوة عشقنا ؟ غزلت من الغيرة قميص أبيض
لساها بتحس بصداع من ضمتى البنت « نعيمة « مستحيل تنكره
دخلت فى ألبوم صور البنت « نعيمة « مستحيل تنحب
واالها القصايد ألبوم صور
هربتها من الحياة. نايم مع كل البنات
158
قلم الضيف
أحـمد املريخـى
elmerekhy@hotamil.com
صوت ُ
يليق بسيد ٍة ال يستخد ُم أصاب َعه يف منادا ِة النادل؛ رمبا ٌ
بينام يو ِّق ُع الزبائنُ كلام ِته ِمنْ عىل مبعد ٍة
ليؤكدوا عىل طلبات املحرتم.
صاحب املقهى
َ ً
بقشيشا يدعو أيضا ..ال ُ
يرتك
ألن يتح َّر َر من ُكرسي ِه كلام رآه واق ًفا
كام ال يجدُ غراب ًة يف هذا؛