Professional Documents
Culture Documents
Dictature
Dictature
ربما تظن أن الناس يتبعون الطغاة على اختالف مواقعهم ،سواء كان الشخص الطاغية
أو الديكتاتور رئيس دولة أو مدير عمل أو رب أسرة ،خوفا منهم أو طمعا في المزايا
التي قد يحصلون عليها بطاعتهم .هذه أسباب بالطبع ،لكن أسباب اتباع الطاغية أو
الديكتاتور ال تقتصر على عوامل الخوف والطمع ،بل تمتد إلى أسباب أخرى أكثر تركيبا
وتعقيدا.
في البداية ،دعونا نتفق على تعريف محدد للطاغية أو الديكتاتور .وفقا للموسوعة
البريطانية ،فإن الديكتاتورية هي صورة من صور الحكم يمتلك خاللها شخص واحد أو
مجموعة صغيرة سلطة مطلقة دون قيود دستورية فعالة )1(.أما الطاغية ف ُتعرِّ فه
قاس وظالم ،استولى على السلطة بطريقة غير دستورية ،أو الموسوعة ذاتها بأنه حاكم ٍ
ربما يكون قد ورث هذه السلطة)2(.
قد يمتلك بعض الديكتاتوريين إذن شخصية جذابة وساحرة من بعض النواحي ،لكنهم
ُظه رون قسوة وشدة وال يعبأون بآراء اآلخرين .يميل هؤالء األشخاص إلى عادة ما ي ِ
امتالك مزيج من سِ َم ات اضطراب الشخصية النرجسية والشخصية المُعادية للمجتمع،
مثل االفتقار إلى التعاطف والعظمة والعطش للسلطة والسيطرة والكذب والخداع والال
مباالة بالقوانين أو القواعد التقليدية Tأو األخالق ،هذا النوع من األشخاص ل َّقبه المحلل
النفسي الشهير أوتو كيرنبرغ وآخرون بـ "النرجسي الخبيث".
النرجسي الخبيث
يمكن أن تظهر هذه االضطرابات في سِ َمات ظاهرة ،مثل :الغطرسة ،والحاجة إلى القوة
واالعتراف والتأييد ،والميل إلى استخدام أو استغالل اآلخرين ألسباب شخصية .يمكن أن
يؤدي الوقوع في فلك شخص نرجسي خبيث إلى خسائر فادحة ،وكلما اتسعت السلطة
التي تقع في يد هذا الشخص زادت الخسائر وكثر المُتضرِّ رون)3(.
يأخذ النرجسي الخبيث كل شيء تقريبا بمحمل شخصي ،وهذا يجعل النرجسي يشعر
باإلهانة من تصرفات بسيطة وعفوية مثل مخالفته في الرأي مثال ،وعندما يشعر بهذا
الشعور يمكن أن يكون انتقامه وحشيا .يميل األشخاص المصابون باضطراب الشخصية
هذا إلى حمل ضغائن طويلة ضد أي شخص أساء إليهم بأي شكل من األشكال ،فحتى
االختالف معهم ،أو إعطاؤهم مالحظات ،أو التشكيك في أي شيء قالوه يمكن أن يؤدي
إلى انتقام سريع وشديد الغضب.
يمكن أن يكون النرجسيون الخبيثون قساة ،وساديين ،ويبدو أنهم يستمتعون أو يرضون
بمعاناة اآلخرين .هذا يعني أنهم يمكن أن يكونوا Tمفترسين يتالعبون باآلخرين ويُسيئون
معاملتهم ويستغلونهم ،أحيانا لتحقيق مكاسب شخصية ،وأحيانا للمتعة فقط .عندما يريد
النرجسيون الخبيثون شيئا ما ،فقد ال يكون هناك أي خطأ يتورَّ عون عن ارتكابه لتحقيق
ما يريدون ،مُتسلِّحين في طريقهم إلى هذا بافتقارهم إلى التعاطف أو إلى مراعاة مشاعر
واحتياجات اآلخرين)4(.
في عالم السياسة ،لطالما استخدم مثل هؤالء الطغاة قدرا كبيرا من العنف لترهيب
معارضيهم وإحكام سيطرتهم ،لكن في العقود األخيرة ظهر شكل آخر للسيطرة تستخدمه
الحكومات االستبدادية ،هذا الشكل يتناسب أكثر مع وسائل اإلعالم المعولمة والتقنيات
المتطورة للقرن الحادي والعشرين .فُأطلِقت "أنظمة جديدة" تحاكي األنظمة الديمقراطية،
و ُتجري انتخابات صورية ل ُتعطي الشرعية لبقائها في السلطة ،وترشو وتراقب الصحافة
الخاصة بدال من إلغائها ،وتقضي على أي بديل "معقول" قد يُنافسها في الغد .هذه
األنظمة تحرص حرصا خاصا على إظهار مدى تأييد الشعوب لها)5(.
لكن تأييد الشعوب لألنظمة الديكتاتورية قد ال يكون صوريا فقط ،بل قد يكون حقيقيا
وصادقا ،هناك أسباب قد تكون مفهومة مثل الخوف من الطغاة أو الطمع في المزايا التي
قد يوفرونها التباعهم ،لكن بخالف هذه العوامل ،هناك أسباب أخرى تدفع الناس إلى
اتباع الطغاة عن طِ يب خاطر ورُبما عن محبة وإعجاب حقيقيين .هل تود أن تتعرَّ ف
إليها؟ ربما تريد يوما ما أن تصبح أحد هؤالء الطغاة الذين يُشار إليهم بالبنان!
كن أ ًبا ..أحيانا
في مقدمة هذه األسباب يأتي االحتياج الشديد إلى الشخصيات األبوية القوية والمثالية،
وهي إحدى الحاجات األساسية التي تجذب الكثير من الناس إلى قبول فكرة وجود سلطة
أو قوة أعلى .يبدأ هذا األمر منذ مراحل الطفولة المُبكرة ،عندما يظهر اآلباء في اُألفق
بوصفهم مُشرفين وحُماة ومُتحملين للمسؤولية كاملة ،رُبما مسؤولية تبعات السلوكيات
السيئة للطفل ذاته ،ويستمر معنا حتى بعد النضج .هذه الرغبة في االحتفاظ بنسخة دائمة
من األب القوي Tالمثالي ُتم ِّكن الزعيم المستبد بسهولة من السيطرة الكاملة والتحكم في
أتباعه.
يتج َّسد الحاكم المستبد في هيئة األب ،وتحوُّ ل مواطنيه إلى أطفال بدرجة ما ،مداعبا
رغبتهم في الحصول على أفضل النتائج (االستقرار – الرفاه) دون مساهمة ُتذكر .ورغم
أن الحقيقة Tهي أن الطاغية رُبما لن يتم َّك ن إال من تحقيق أسوأ النتائج غالبا ،فإنه يستخدم
هذا العامل النفسي شكال من أشكال المراوغة والتالعب الذي يمنحه مزيدا من القوة
وإحكام السيطرة.
كن مثاليا في كل شيء
سبب آخر لمحبة الطغاة هو المثالية الساذجة ،فأحيانا يكون حُسن النية واإليمان بالطيبة
البشرية أسبابا تجعل البعض عُرضة للتالعب واالستغالل .البعض يفترض أن جميع
الناس لديهم على األقل الحد األدنى من االحترام المتبادل والكرم والتعاطف واإلنصاف،
هذا االفتراض يجعلهم يقعون بسهولة في مكائد المُعتلين اجتماعيا الذين يُوهِمون َمن
حولهم بمثاليتهم وتعاطفهم ،بينما هم في الواقع ال يهتمون باآلخرين بأي قدر.
أيضا قد يجد البعض التبريرات الدائمة ألخطاء الطغاة والحكام المُستبدين ،هذه التبريرات
قد ُتقلِّل من َو ْقع الفظائع التي يرتكبها الطغاة على البعض .المثالية الساذجة والتبريرات
الجاهزة دائما ُتسهِّل االستغالل من قِ َبل الطاغية ،ألنك ال تشك أو تفحص تصريحاته أو
دوافعه بعين ناقدة.
استعرض قوتك في كل صورة
ِ
من أسباب محبة الطغاة أيضا اإلعجاب بـ"القوة" و"الشخص القوي" ،فالكثير منا يخلطون
ُظهرون
ُعجبون ب َمن ي ِ
بين الغطرسة والنرجسية من ناحية ،والقوة من ناحية أخرى ،وي َ
سِ َمات القوة ،حتى إذا وصلت هذه القوة "المُتوهَّمة" إلى حد "افتراس" اآلخرين .العجيب
ُعجبون،
أن بعض الناس ربما يقمعون األفكار والسلوكيات المؤذية في أنفسهم ،لكنهم ي َ
بدرجة ما ،بأولئك الذين يستطيعون كسر هذه القيود "األخالقية" من أجل تحقيق المزيد
من القوة.
في تلك الحالة ،يكون سبب إعجاب الناس بالطغاة هو شعورهم الذاتي بالضعف .فعندما
يشعر الناس بنقص سيطرتهم على مُق َّدرات حياتهم ،فإنهم يلجأون إلى الشخصيات
الخيالية بوصفها منفذا يهربون إليه بهدف استعادة الشعور بالقوة .في بعض األحيان ال
يلجأ الناس إلى الشخصيات الخيالية ،بل يلجأون إلى الشخصيات البارزة في حياتهم،
سواء كانت هذه الشخصيات البارزة من المشاهير أو األثرياء أو السياسيين ،تمتلك هذه
الشخصيات عموما الكاريزما والقوة ،كما أنهم يملكون شيئا آخر يحتاج إليه الناس خالل
لحظات ضعفهم ،هذا الشيء هو "الثقة بالنفس" ،وهذه الثقة بالنفس تكون مطمئنة ومُعدية
ألولئك الذين يشعرون بعدم االستقرار أو عدم األمان في أنفسهم.
اتبع التقاليد واألصول
من أسباب اتباع الطغاة عن طِ يب خاطر أيضا هو أن القليل فقط هم َمن يرغبون في
التغريد خارج السرب ،لكنَّ الكثيرين جدا يجدون جاذبية كبيرة في االصطفاف مع
اآلخرين الذين "يؤيدون" ما يفعله الطاغية .من المدرسة االبتدائية فصاعدا ،يكون ضغط
األقران هائال ،يبذل الشخص جهدا ويؤيد ويوافق ما ال يرغب في تأييده أو الموافقة عليه،
فقط لكي ال يبدو "غريب األطوار" أو يُر َفض أو يُن َبذ اجتماعيا .هذا األمر ،إلى ح ٍّد ما ،ال
يتغير حتى في مجتمع البالغين)6(.
ال تقلق ..البعض ال يعبأون حقا
أطعِمهم ..وأشعِرهم باألمان
أضِ ف إلى ذلك أن األداء االقتصادي الجيد ،وتلبية تصورات المواطنين االقتصادية،
وزيادة السالمة العامة المتصوَّ رة ،وإبراز قدرة الحكومات على الدفاع عن الوطن ضد
التهديدات الخارجية والداخلية ،هي من أسباب دعم الطغاة .فكلما كان الوضع االقتصادي
للدولة أفضل واألوضاع األمنية مستقرة ،زاد قبول ورُبما محبة المواطنين لحاكمهم ،حتى
وإن كان مُستبدا أو طاغية)7(.
يستغل الديكتاتور الغريزة المعروفة لدى معظم الناس لطلب الحماية من قائد قوي ،تقول
أليس لوسيسيرو ،عالِمة النفس اإلكلينيكية Tوالباحثة Tفي القيادة في كامبريدج،
ماساتشوستس ،عن هذا األمر" :ال يزال سلوكنا يتأثر بما حدث منذ آالف السنين ،من
األسهل أن نفهم سبب رغبة الناس في االرتباط بقادة أقوياء ،إذا عرفنا أنه في التطور
الدارويني نجا األشخاص الذين ارتبطوا بالزعيم .توارت هذه الغريزة لكن ظاللها ما
زالت تتجَّ سد في الرغبة في االرتباط بقائد قوي")8(.
———————————————————
المصادر:
Dictatorship .1
Tyrant .2
Narcissistic Personality Disorder .3
?What Is a Malignant Narcissist .4
How Modern Dictators Survive .5
?Why Do People Follow Tyrants .6
The Popularity of Authoritarian Leaders .7
How Dictators Keep Control .8