Professional Documents
Culture Documents
الفصل األول
-اعتماد املجتمع الجزائري ونشاطه االقتصادي قبل االستعمار على نظام إنتاجي تقليدي ما
قبل رأسمالي؛
-إقامة املحتل الفرنس ي بعد استقراره بالبالد الستعمار استيطاني رأسمالي كنتيجة طبيعية
للتطور الذي كان قد تحقق في بالده؛
-اصطدام املجتمع الجزائري بالنظام اإلنتاجي الجديد وعدم استطاعته التكيف معه،
و انحطاطه إلى مستوى سحيق من الفقر والجهل والعزلة ،خصوصا في ظل السياسات
اإلقصائية العنيفة التي كانت تمارسها السلطات االستعمارية ضده؛
-تشكل وعي نخبوي وطني ،في ظل الظروف التاريخية الصعبة التي مر بها الشعب الجزائري
والتيارات الفكرية التي سادت خالل النصف األول من القرن العشرين ،والذي تجسد في
الخيارات االقتصادية والسياسة التنموية التي أخذت بها الدولة الوطنية بعد االستقالل.
1
اقتصاد جزائري الفصل األول
تمهيد
تقتض ي دراستنا لالقتصاد الجزائري أن ّ
نعرف بداية بالظروف التاريخية والفكرية التي تشكلت في
ظلها السياسة التنموية التي تبنتها الدولة الوطنية بعد االستقالل وشرعت في تنفيذها بشكل فعلي بعد
.1965ويتعلق األمر بأهم التطورات التاريخية التي مر بها املجتمع الجزائري فيما يتصل بنشاطاته
االقتصادية قبل 1962وباألفكار والفلسفات االجتماعية التي راجت لدى نخبته السياسية خالل حرب
التحرير والسنوات األولى لالستقالل.
وقد خصصنا لهذا الغرض مبحثا أوال تناولنا فيه خصائص ومميزات االقتصاد الجزائري قبل 1962
ومبحثا ثانيا تناولنا فيه األسس املذهبية والنظرية للسياسة التنموية الوطنية بعد االستقالل.
2
اقتصاد جزائري الفصل األول
مختلف املناطق ،والتي كانت تشكل نقاطا للتبادل بين املتعاملين من مختلف املهن واملناطق واألرياف
واملدن.
أما النشاطات الحرفية فكانت متمركزة في عديد من الحواضر وبعض املناطق نذكر منها على
الخصوص الجزائر العاصمة ،قسنطينة ،املدية ،تلمسان ،بجاية وغيرها .وهي تتمثل في الحرف املتعلقة
والحدادة واألثاث وأدوات العمل املستخدمة في مختلف امليادين. باملنتجات النسيجية والجلدية ّ
والنجارة ِّ
ِّ
وأما تنظيمها فكان شبيها بتنظيم األنشطة الحرفية الذي كان سائدا في البلدان األوربية قبل الثورة
الصناعية ،حيث كان املنتمون لكل حرفة يتجمعون في طائفة واحدة يكون من صالحياتها تنظيم الشؤون
الخاصة بنشاط الطائفة من خالل تحديد شروط االنضمام إليها وقواعد ممارستها.
وأما النشاط التجاري فكان محدودا ويكاد ينحصر في ضمان نقل البضائع بين املناطق واألماكن
املختلفة وتخزينها املؤقت لتلبية الطلب الذي ال يغطيه االستهالك الذاتي .كما كان منحصرا تقريبا في حدود
السوق الداخلية ،ألن التجارة الخارجية كانت تحت سيطرة تجار أجانب بموجب اتفاقات تربطهم مع
السلطة العثمانية ،الش يء الذي أدى إلى عزل التجار واملنتجين املحليين عن السوق الخارجية وبالتالي عن
مواكبة التطورات التجارية واالقتصادية الحاصلة على املستوى الدولي ،خاصة في أوربا.
نشير أيضا إلى أن محدودية النشاط التجاري محليا أدت من جهة أخرى إلى استخدام محدود
للنقود في عمليات التبادل وانتشار التبادل العيني ،وحتى الضرائب كانت تسدد عينا في جزء كبير منها.
ويعكس هذا الوضع جليا الغياب شبه الكلي ملنطق السعي لتحقيق الربح وتكوين رأس املال والتوسع في
مراكمة الثروة عند املنتجين ،على عكس ما كان عليه الوضع في دول أوربا الغربية التي انتقلت آنذاك إلى
النظام الرأسمالي ودخلت في ثورة صناعية واسعة غيرت تماما قواعد وأساليب اإلنتاج بحيث صار هذا
األخير موجها للسوق ويهدف إلى تحقيق الربح ومراكمة الثروة.
كما كان دور الدولة منحصرا تقريبا في جمع الضرائب وتقوية اإلمكانيات العسكرية التقليدية ،ولم
تكن تعمل على ترويج التجارة وتشجيع اإلنتاج املحلي مثلما كانت تفعل الدول األوربية من خالل
السياسات التي اعتمدتها خالل املرحلة امليركانتيلية.
فاملجتمع الجزائري قبل االستعمار لم يكن يعرف بعد النظام الرأسمالي بكل خصائصه املرتبطة
باإلنتاج والتوزيع وما يصاحب ذلك من تنظيم إنتاجي وعالقات اجتماعية .والغزو الذي تعرض له في 1830
وما نجم عنه بعد ذلك من استيطان وبعث لنشاطات اقتصادية ذات طبيعة رأسمالية تستند إلى تراكمات
امتدت لفترة طويلة في البلد املستعمر جعله يصطدم بواقع تجاري واقتصادي وثقافي لم يكن مهيأ له
3
اقتصاد جزائري الفصل األول
باملرة .فتدهور ت أوضاعه االقتصادية واالجتماعية مع الوقت ،ولم يستطع العودة إلى الحياة إال بعد
الثورة التحريرية املباركة التي انفجرت في الفاتح من نوفمبر .1954
املطلب الثاني :أهم التحوالت التي شهدها االقتصاد الجزائري خالل الفترة االستعمارية .1962-1930
عرفت البنية االقتصادية واالجتماعية للمجتمع الجزائري خالل الفترة االستعمارية 1962 -1830
تحوالت عنيفة وعميقة نتجت عن السياسة التي مارسها االستعمار الفرنس ي تجاه الشعب الجزائري ،والتي
تميزت بمصادرة أراض ي السكان من أهل البالد وفتح مجال االستيطان أمام املهاجرين من األوربيين،
باإلضافة إلى إطالق يد أصحاب األعمال منهم في استغالل املوارد الطبيعية املتوفرة بالبالد واالستفادة من
فرص الربح التي توفرها النشاطات الجديدة في مختلف املجاالت .ومن أهم ما أدت إليه هذه السياسة من
تحوالت اقتصادية واجتماعية نذكر هنا على الخصوص ما يلي:
أوال -ظهور قطاع زراعي أوربي عصري على حساب القطاع التقليدي.
حيث استطاع املستوطنون األوربيون الذين استحوذوا على أغلب األراض ي الخصبة بالبالد ،تحت
رعاية السلطة االستعمارية ،أن يبعثوا قطاعا زراعيا عصريا متطورا معتمدين على ما ظهر في بلدانهم
األصلية من تقنيات وطرق إنتاج حديثة .فقد كان املعمرون في هذا القطاع محكومين بعقلية رأسمالية
يوجهون بموجبها إنتاجهم إلى السوق األجنبية وخاصة الفرنسية مستهدفين تحقيق الربح ،وكان نشاطهم
منصبا أساسا على توفير منتجات الحبوب والخمور والحمضيات .كما كانوا يلجأون إلى استخدام الوسائل
والتقنيات الحديثة ،من آالت وأسمدة وعمليات ري وغيرها؛ الش يء الذي جعل إنتاجية العمل بالقطاع
ترتفع إلى مستويات عالية جدا لم تعرفها البالد من قبل.
وبالتوازي مع هذا القطاع العصري ظل النشاط الفالحي الذي يقوم به السكان املحليون على نمطه
املعتاد من قبل ،مع فقده لحصة كبيرة من األراض ي الجيدة لصالح القطاع األول .حيث بقي ينتج وفقا
ملنطق أولوية االستهالك الذاتي في ظل امللكية املشاعية لألرض ي وباستخدام الطرق والوسائل التقليدية.
ويعبر عن هذا الوضع بازدواجية نمط اإلنتاج في القطاع الفالحي.
ثانيا -ظهور هياكل قاعدية (بنى تحتية) حديثة و أنشطة خدمية وصناعية محدودة.
بالتوازي مع تطور القطاع الزراعي وظهور أنشطة أخرى حديثة ،وزيادة حاجة السلطة االستعمارية
لتسخير مزيد من الوسائل املادية لتوفير الخدمات العمومية للمتعاملين االقتصاديين وللمستوطنين
األوربيين والسيطرة على البالد أكثر فأكثر ،ظهرت مع الوقت عديد من الهياكل القاعدية في مجاالت
4
اقتصاد جزائري الفصل األول
اإلدارة ،الخدمات العمومية ،النقل ،الطاقة ،االتصال وغيرها .كما توسعت النشطات التجارية والخدمات
املتعلقة بالنقل والتخزين ،وكذلك بالتمويل والتأمين وما إلى ذلك.
أما النشاطات الصناعية فتأخرت كثيرا في ظهورها ولم تكن بالحجم الذي يسمح للبالد باالنتقال إلى
مرحلة التصنيع الواسع .وذلك بسبب العالقات االقتصادية والتجارية املفتوحة بين االقتصاد الجزائري
واالقتصاد الفرنس ي التي كان لها ،وملدة طويلة ،أثر سلبي على املبادرات الخاصة والحكومية باتجاه إقامة
أنشطة صناعية ذات أهمية بالبالد ،حيث كانت أغلب االحتياجات املحلية من املنتجات الصناعية تلبى
عن طريق االستيراد من البلد املستعمر.
وفي السنوات األخيرة للحرب العاملية الثانية قامت السلطات االستعمارية بوضع إجراءات محفزة
تمنح بموجبها امتيازات هامة للمستثمرين بهدف تشجيع تنمية القطاع الصناعي باتجاه إحالل الواردات.
فظهرت بعض االستثمارات الخاصة في شكل مشاريع صغيرة ومتوسطة شملت الصناعات الغذائية،
النسيجية ،الكيميائية ،التعدينية وامليكانيكية .كما جذب قطاع املحروقات خالل سنوات الخمسينات من
جهته عددا من الشركات الفرنسية والغربية املهتمة بهذا املجال بعد اكتشاف حقلي حاس ي مسعود
وحاس ي الرمل.
غير أن هذه الهياكل والنشاطات ظلت محتكرة من طرف املستوطنين األوربيين .وبسبب ارتباط
أعمال هؤالء الكبير بالبلد املستعمر فإن االقتصاد الذي ورثته الجزائر عند االستقالل كان شديد التبعية
ّ
لالقتصاد الفرنس ي وال يشكل في ذاته بنية متكاملة ذات قطاعات متجانسة.
5
اقتصاد جزائري الفصل األول
فالسكان الجزائريون كانوا حسب أرقام الجدول متمركزين بنسبة تقدر بحوالي % 88في القطاع
الزراعي ،أغلبيتهم الساحقة تنتمي إلى القطاع التقليدي .أما الذين أدرجوا منهم في القطاعين الصناعي
والخدمي فكانوا في كثير من األحيان يقومون بنشاطات ثانوية كما لم يكن املستخدمون منهم في القطاعات
العصرية من ذوي الكفاءات العالية وال حتى املتوسطة إال نادرا.
وقد نتج عن هذا الوضع اختالل شديد في توزيع الدخل بين السكان ،بحيث أن متوسط نسبة
ّ
الدخل الفردي بين الجزائريين واألوربيين كانت تقدر بحوالي 8إلى 1.100وأدى ذلك باألغلبية الساحقة من
الجزائريين إلى الوقوع تحت وطأة الفقر الشديد وأن يصيروا فريسة لألمية والبطالة والتشرد ،ودفع
بالكثير منهم إلى النزوح من األرياف إلى املدن بحثا عن العمل ،ثم إلى الهجرة إلى الخارج.
املبحث الثاني :الخلفية املذهبية (اإليديوجية) والنظرية للسياسة التنموية الوطنية املعتمدة بعد
االستقالل.
تشكلت الخلفية املذهبية التي أثرت تأثيرا واضحا في صياغة السياسة التنموية للبالد بعد
االستقالل في ظل النضال السياس ي الذي خاضته النخبة الوطنية في صراعها مع املستعمر الفرنس ي وما
تبع ذلك من نضال مسلح امتد من 1954حتى .1962فقد كانت تلك النخبة تتناول بالنقاش والتحليل
مختلف املشاكل التي كان يتخبط فيها الشعب الجزائري وتضع تصورات بشأن الحلول املناسبة التي ترجو
وضعها موضع التنفيذ بعد تحقيق االستقالل .وكانت األفكار املتداولة بين أفرادها متأثرة باألوضاع
استعمار فرضته الدول الرأسمالية املتقدمة على
ٍ السائدة في البالد وكذلك بما كان سائدا في العالم من
وبروز لكتلة دولية
ٍ وظهور لحركات تحرر عديدة بالبلدان املستعمرة،
ٍ الغالبية الساحقة من الدول األخرى،
شيوعية معارضة للمنهج الرأسمالي يتزعمها االتحاد السوفياتي السابق.
1
A. BRAHIMI, Op. cit., P 27.
6
اقتصاد جزائري الفصل األول
ومع نهاية الحرب التحريرية تبلورت على مستوى الهيئات السياسية للثورة جملة من األفكار حول
السياسة التنموية املستقبلية تم التعبير عنها من خالل بيانات رسمية كانت عبارة عن تعهد علني بالتزامات
مستقبلية محددة.
أما عن الخلفية النظرية فإن األمر يتعلق بالنظريات االقتصادية العلمية التي تتوافق إلى ّ
حد ما في
ِّ
مقترحاتها عن التنمية مع السياسة التنموية الوطنية.
7
اقتصاد جزائري الفصل األول
-التشديد على املردودية املالية لالستثمارات الصناعية املزمع القيام بها وبالتالي إعطاء األولوية
للصناعات الخفيفة على الصناعات الثقيلة؛
-ضرورة االهتمام بالتكوين والرفع من مستوى كفاءة املواطن الجزائري واالعتماد على اإلمكانيات
الوطنية لتحقيق التنمية.
8
اقتصاد جزائري الفصل األول
مدخالت وما تطرحه من مخرجات 2.أما "دوبارنيس" فيرى (باإلضافة إلى ذلك) أن الصناعات التي يصفها ب ـ
ّ
"املصنعة" هي تلك التي تنتمي إلى قطاع الصناعات الثقيلة وتعتبر األكثر تأثيرا في محيطها .وذلك ملا تتميز به
ِّ
جر محيطها نحو التصنيع ،من خالل ما توفره من آالت ترفع من إنتاجية العمل به وما ّ
من قدرة أكبر على ِّ
تحدثه من إعادة هيكلة اقتصادية واجتماعية شاملة فيه 3.وعلى ضوء ذلك يكون باإلمكان إقامة مثل هذه
املصنعة في محيط متخلف لتطوير قطاعه الفالحي وتكثيف إنتاجه الصناعي ،والوصول إلى ّ الصناعات
ِّ
إنجاز بناء اقتصادي متكامل يعتمد على ذاته حتى في إقامة الصناعات الخفيفة الالزمة لتلبية حاجات
املجتمع من املنتجات الصناعية االستهالكية واستيعاب األعداد املتزايدة من األيدي العاملة ،بعد ما يكون
االقتصاد قد تحرر من العوامل الخارجية التي كانت تحد من معدل االستثمار به.
ووفقا للخلفية النظرية التي تقدمها نظرية الصناعات املصنعة ،فإن مراحل تنفيذ إستراتيجية
التنمية التي أخذت بها الجزائر كانت تتلخص ،حسب محمد الحسين بن يسعد ،كما يلي:
-املرحلة األولى.
-املرحلة الثانية.
2
- A. BRAHIMI, Op. cit., P 67.
3
- Ibid. P 70.
9
اقتصاد جزائري الفصل األول
ويرى محمد الحسين بن يسعد أن تجسيد هذا التصور النظري للمشروع التصنيعي كان يتطلب
توفير أربعة شروط على األقل تتمثل في:
-وجود موارد مالية ضخمة خاصة من العملة الصعبة؛
-وجود موارد بشرية ذات كفاءة تقنية عالية بأعداد كافية؛
-وجود سوق محلية واسعة؛
-وجود كفاءات إدارية عالية.
وبالنظر إلى التحليل الذي يقدمه فرانسوا بيرو فإن األخذ بهذه النظرية كان يقتض ي أيضا وجود
محيط اقتصادي يتوفر على قطاع خاص نشيط يتمتع بقدرات استثمارية عالية نسبيا.
لكن هذه الشروط لم تكن متوفرة في حالة االقتصاد الجزائري عندما تم األخذ بإستراتيجية
الصناعات املصنعة ،باستثناء الشرط املتعلق بالجانب املالي الذي اعتمدت الحكومة في تلبيته على وجود
موارد طبيعية قابلة للتصدير تتمثل في املحروقات من الغاز والبترول.
ويعود أخذ السلطات السياسية بتلك اإلستراتيجية على الرغم من عدم توفر شروط نجاحها إلى
حرصها الشديد على تحقيق االستقالل االقتصادي بعد تحقيق االستقالل السياس ي معتبرة أنه بإمكانها
مع الوقت تجاوز الصعوبات التي قد تعترض املشروع أثناء تنفيذه.
10