Professional Documents
Culture Documents
مقدمة:
تندرج هذه الدراسة ضمن التاريخ الوطني للجزائر في الفترة المعاصرة أين سقطت هذه اإليالة العثمانية في يد االستعمار
الفرنسي بعد القضاء على ما تبقى من حكم الخالفة اإلسالمية فيها .ولتحليل المحاور األساسية لهذا الموضوع ،ارتأينا إلى توضيح
بعد السياسة الفرنسية االستعمارية ،والسبل المستخدمة آنذاك لتركيع وتجويع شعب بأكمله من أجل استعباده واستغالل ثرواته.
واألخطر من كل هذا سعى االستعمار ومن ورائه المعمرين الحاقدين إدماج البلد بفرنسا ،والعمل على تمسيحه وسلخه عن مقوماته
المكتسبة المتمثلة في اإلسالم والعروبة.
DOI: Pending.
© 2017 The Authors. Published by Oases Vox Ed. This is an open access article licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0
International License. (https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0/).
36 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043
لقد تميزت الجزائر عن ما كانت عليه منذ أن وطأت أقدام االستعمار الفرنسي أرضها سنة ،1830حيث فرض عليها النظام
الكولونيالي االستيطاني مما غيّر البنية االجتماعية للمجتمع القديم ،وظهرت حواضر جديدة على النمط الغربي في الشمال خاصة
حتى تخضع للقوانين الفرنسية حسب ما هو مشرع في المتروبول .وتزامن التوسع العسكري مع حركة سلب األراضي وتوزيعها
على المعمرين الوافدين وإن كانت بعض المراحل أشد وقعا على القبائل والفالحين الجزائريين كسنة 1848و 1871خاصة.
وأردنا من خالل هذه الدراسة تسليط الضوء على الفترة االستعمارية من خالل ما تضمنته المحاور لمعرفة نوايا االستعمار
من وراء اعتماد تقسيم إداري أوربي في الجزائر ،وتداعياته على الجزائريين الذين ألفوا النظام التقليدي قبل سنة .1830
-1النظام اإلداري الفرنسي وتأثيراته على المجتمع الجزائري:
-نظام الحكم:
اعتمدت فرنسا في فترة حكمها للجزائر ما بين 1870-1830 :على الضباط العسكريين لتسيير أقاليم (الوسط ،الشرق،
الغرب) ،وساعدهم في تأدية مهامهم واتصالهم باألهالي الجزائريين مجموعة من الموظفين الجزائريين احتفظوا بألقاب إدارية قديمة
هي :الخليفة ،واآلغا ،والقايد ،والشيخ .1وارتكز التنظيم اإلداري االستعماري في البداية على الجيش لتوطيد االحتالل أكثر ،وإخماد
بيد من حديد أي محاولة تمردية أو مقاومة شعبية قد تعرقل مساعي التوسع االستعماري وحركة االستيطان .وعبر عن هذا شارل
دوما ) (Charles Dumasلما ذكر أن الجيش هو أحسن طريقة لتكوين المجتمع المدني ،لكن مهمته تبقى صعبة إذ عليه تحقيق
األمن ،وبناء الوحدات العسكرية ،وفتح الطرقات ،وإنجاز الجسور ،ومساعدة بطريقة مباشرة االستعمار المدني .2ولعبت اإلدارة
االستعمارية دورا كبيرا لتوفير الراحة للمعمرين الوافدين بتخصيص عدة مراكز لهم ،وتوزيع اآلالف من األراضي الفالحية لكي
يزاولوا نشاطهم ،كما حرصت أن توزع في مواسم الفالحة حتى ال تضيع عليهم فرصة االنتفاع من هذه األراضي ،وأحيانا كانت
توزع عليهم وقت الحصاد.3
تمكنت القوات الفرنسية من فرض سيطرتها على ا لوضع في الجزائر وخاصة المدن الكبرى والقرى وذلك بفضل تعداد
الجيش الفرنسي الذي فاق عدده مائة وعشرة آالف محارب ،وبفضل قوة سالحها تمكنت من إعطاء السياسة الجديدة دفعا لالستيطان
وذلك على حساب الجزائريين الذين صودرت أمالكهم وأراضيهم ومنحت للمهاجرين من دول أوربية مختلفة لحاجة استعمارية،
ولغرض عنصري أملته ظروف سياسية متحجرة لدى السياسيين الفرنسيين خالل القرن 19م .ولم تحقق السياسة الجديدة النتائج
المنتظرة إال أنها أعطت نفسا جديدا للمقاومة الوطنية التي توسعت وانتشرت في الشمال والجنوب طيلة القرن التاسع عشر ،وكانت
المناطق الجنوبية الشرقية والواحات الصحراوية مسرحا لها.4
ومع ترسيخ حركة االستيطان داخل البلد ،ساهم الجزائريون بواسطة دفع الضرائب المتنوعة منها العربية أو الفرنسية
(الضرائب المباشرة وغير المباشرة) في تمويل مداخيل ميزانية المستعمرة بشكل واضح مقارنة بمساهمة المعمرين األوربيين،
وبفضل هذه السياسة غير العادلة في التحصيل الجبائي بين سكان األرض المحليين والدخالء األجانب ،ظهرت الهوة بينهما ،وتأثر
الجزائريون ماديا واجتماعيا بشكل واضح ،بينما تمكن الدخالء االستفادة من المزايا الجبائية لمضاعفة أمالكهم وتوسيع عقاراتهم،
كما أدى هذا اإلجحاف إلى تخلي المجتمع الجزائري القبلي عن ممتلكاته بالبيع أو الفرار تحت الضغط إلى الخارج أو النزوح إلى
المدن طلبا للعيش الرغيد ألفراد األسرة أو العائلة ،لكن تأثير هذا تجلى في تغير بعض العادات والتقاليد المكتسبة وبصورة أوضح
تغير النظام االجتماعي الجزائري في تجاه النمط الغربي.
وربما نكتشف من خالل دراستنا للحقبة االستعمارية أن االستعمار قد أفلح في بناء بنية تحتية لضمان توسعه اإلداري
والعسكري وإخضاع شعب مغلوب على أمره .ولم تهتم اإلدارة االستعمارية بالمشاريع التنموية إال لما تبين لها أن مصلحتها مرتبطة
37 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043
بظهور أهمية النفط كمورد اقتصادي هام مكان الفحم ،فبدأت سياسة جديدة مع امتداد عمليات جيش التحرير الوطني لفصل الصحراء
عن المناطق األخرى كآخر ورقة لتجزئة البالد وشعبها مقابل الطمع.
لقد ظلت اإلدارة االستعمارية تشجع احتكار المعمرين للحياة السياسية واالقتصادية حتى يتمكنوا من فرض تسلطهم وسلطتهم
على الجزائريين في الجزائر والمتروبول بواسطة نوابهم ،فهيمنوا على الفالحة والصناعة والتجارة الخارجية ،ولم يبق للجزائريين
إال المهن الشاقة لكسب قوتهم .وأمام هذا الخلل وأمام سياسة اإلقصاء وانعدام المساواة بين المعمرين والجزائريين ،ازدادت حركة
الهجرة إلى فرنسا خاصة ،وهناك تحسنت أوضاع بعض الجزائريين ،ونقلوا خبرتهم ومدخراتهم إلى بلدهم لتحسين وضع عائالتهم
بمشاريع منافسة للمعمرين وإن كانت قليلة.
وربما نجد أن نابليون الثالث كان الوحيد الذي نظر إلى الجزائر كمستعمرة في إطار "مملكة عربية" ،لكن كالمه أثار حفيظة
المعمرين ،وفي عهده صدر قانون سناتوس-كونسيلت ( )Sénatus Consulteيوم 22أبريل ،1863حيث كان الهدف من
المشروع التحكم أكثر في أرض الجزائر مثل الدواوير بالبلديات ،والتي ستتحول مستقبال إلى بلديات عربية لها مجلس استشاري أو
نظام الجماعات ،وكانت هذه البلديات المقترحة من أجل تعويض النظام القبلي السابق .كانت السياسة المعروفة والمطبقة من قبل
االستعمار وإدارته هي إلحاق الجزائر بفرنسا ،لهذا جاء نظامها اإلداري في هذا االتجاه أملته بعض القوانين الخاصة من أجل
الموافقة عليها سواء صدرت في المتروبول أو في الجزائر.
هكذا قسم شمال البالد إداريا إلى ثالث عماالت هي عمالة الجزائر ،وهران ،قسنطينة ،على رأس كل واحدة والي ،كما
قسمت الوالية بدورها إلى دوائر ،وإلى بلديات ،ومجالس منتخبة تشكلت من المعمرين في البداية ،وجزائريين محظوظين وموالين
لإلدارة التي تقوم بتعيينهم من األميين في الغالب ،وبعدها فتح المجال للنواب الجزائريين من القسم الثاني بعد تطبيق إصالحات 4
فبراير 1919ليكون لهم دور تمثيلي لشعب ظلم وقهر عقود كاملة .وللتعرف على النظام الكولونيالي ال بد من اإلشارة إلى مؤسساته
المتكونة من:
-الحكومة العامة:
منذ بداية االحتالل سير الجزائر حاكما عاما عسكريا ،ووضعت البالد تحت إشراف وزارة الحربية الفرنسية التي كانت تنفذ
تعليمات الحكومة الفرنسية .ولما جاء نابليون إلى الحكم حاول تطبيق نظام الحكم المدني كتجربة أولى في الجزائر ما بين -1858
،1860ولكن كتب لهذه التجربة الفشل ،وعاد الحكم العسكري مجددا إلى غاية سنة ،1870وهي السنة نفسها التي انهار فيها النظام
اإلمبراطوري في فرنسا أمام دولة بروسيا الناشئة .5وفي محاولة لتقسيم الجزائر إلى عماالت بدال من نظام النواحي ،صدر قانون
15أبريل 1845الذي أصبح بموجبه والي مدني يشرف على كل عمالة وبجانبه قائدا عسكريا لمساعدته .6ومثل سلطة اإلدارة
االستعمارية والجمهورية الفرنسية في الجزائر الحاكم العام المعين من قبل الحكومة الفرنسية ،وجمع تحت سلطته جميع الموظفين
من المدنيين والعسكريين العاملين في المستعمرة ،واتفق الجميع على خدمة المعمر واالستيطان .وكانت الحكومة العامة تسير البالد
حسب ما يمليه الحكم المركزي من الجزائر العاصمة أين يوجد مقرها ( ،)G.G.Aوكانت الحكومة العامة تمثل الهيئة اإلدارية
العليا للبالد ،وهي التي تقوم باقتراح وتوجيه الميزانية الخاصة بالمستعمرة.7
ساعد الحاكم العام مجلس إداري مصغر لتسهيل مهمته ،تكون من خمس موظفين رئيسيين للجزائر :مدير الشؤون الداخلية،
وكيل الجمهورية ،مدير المالية ،ضابط سامي للبحرية ،مكلف عام لتموين للجيش .8وساهمت اإلدارة االستعمارية بسياستها المحكمة
على بقاء االستعمار وذلك بتكريس سياسة التهميش واإلقصاء للعنصر المسلم ،وفي المقابل منح األوربي كامل الحقوق .وهكذا
أصبحت الجزائر بموجب مرسوم 24أكتوبر 1870تحت سلطة حاكم مدني يخضع لوزارة الداخلية ،وتمتعت بمركزية إدارية،
ومثل الحكومة العامة قادة من العسكريين مثل األميرال دي قايدون ) ،(De Gueydonثم الجنرال شنزيه ) ،(Chanzyلكن بعد
38 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043
عهدتهما سقط االختيار على الموظفين العاملين في المتروبول ،من الوالة ،والمستشارين للدولة والسفراء.9
-المجلس األعلى للحكومة وتحضير الميزانية:
كانت للحاكم العام صالحيات إعداد مشروع ميزانية مختلف المصالح في الجزائر ،وبعدها يضعه بين أيدي المجلس األعلى
للحكومة ،ويقوم هذا األخير أيضا بإعداد الميزانية وإعادة تنظيمها .ووسع المجلس األعلى للحكومة ليضم 14عضو بموجب مرسوم
11أوت ،1875وانتقل العدد إلى 15عضو في سنة .1883وتشكل المجلس األعلى من والة العماالت ،و 18نائبا من المستشارين
العامين للبلديات ،حيث يقومون بدراسة مقترحات الميزانية والغالف المالي واشتراكات الضرائب لوضعها على طاولة الوزاراء،
وحتى تخضع القروض الممنوحة للجزائر إلى قانون المالية.
ويبدو أن الميزانية تحدد حسب مصاريف الوزارات ،وهي الخطوات المتبعة بالنسبة لميزانية الدولة في فرنسا .10وتأسست
المفوضيات المالية (المندوبيات) سنة ، 1898وكانت تمثل المجلس األعلى الذي تخول له مهمة التصويت على الميزانية الخاصة
بالجزائر .وتشكلت المندوبيات المالية من ثالث تشكيالت للمندوبين :المعمرين ،غير المعمرين ،واألهالي ،وتميزت مهمة مجلس
المندوبين الماليين على أنها مهمة غير سياسية ،وتقتضي التصويت على الميزانية فقط.11
لقد وطد جيش االحتالل أركان الحكومة العامة بفضل التعزيزات العسكرية التي باشرت مهامها التطهيري لكل معارضة
جزائرية .ومنحت السياسة الجديدة دفعا لالستيطان على حساب الجزائريين بمصادرة أراضيهم ،ومنحت للمهاجرين األوربيين
لحاجة استعمارية .ولم تحقق السياسة الجديدة النتائج المنتظرة إال أنها أعطت نفسا جديدا للمقاومة الوطنية التي توسعت وانتشرت
في الشمال والجنوب طيلة القرن التاسع عشر ،وكانت المناطق الجنوبية الشرقية والواحات الصحراوية مسرحا لها .12وحسب
البعض من الموظفين الذين أخطئوا التقدير في تقاريرهم في نقل الحقائق بموضوعية ،فإن اإلدارة فكرت في هذه الظروف تشجيع
في الجزائر أو فرنسا البحوث التي تهتم باإلدارة الجيدة ،والتنظيم الجيد ،وحتى تطوير اقتصاد المستعمرة.13
-العماالت وتنظيماتها:
أثمر النظام اإلداري االستعماري بتقسيم شمال البالد إلى عماالت ،حيث أدار كل واحدة والي معين ساعده قائد عسكري
برتبة جنرال ،وهو في الوقت نفسه قائدا للناحية العسكرية للعمالة ،أما مجالس البلديات فقد نظم مهامها مرسوم 23سبتمبر ،1875
الذي حدد عدد أعضاء عمالة الجزائر وقسنطينة بثالثين عضوا ،ووهران بسبعة وعشرين عضوا ،وهم جميعا من الفرنسيين سواء
كانوا مسلمين متجنسين أو أوربيين .وكان المرسوم نابع من النظام الفرنسي مع وجود بعض االستثناءات المطبقة إال في الجزائر
نظرا لخصوصيات وضع البالد .ولعل أهم القوانين هو تعيين الحاكم العام ستة أعضاء من المسلمين داخل المجلس العام ،وأيضا
مشاركة الجنرال قائد المنطقة العسكرية في اجتماعات المجلس العام للعمالة حول القضايا التي تهم المنطقة عسكريا.14
وقسمت العماالت بدورها إلى مجموعة من الدوائر يديرها رئيس الدائرة أو ما يعرف بنائب الوالي ،وتضم الدائرة مجموعة
من البلديات سواء كانت بلديات كام لة الصالحيات أو بلديات مختلطة ،وأيضا مجموعة من الجماعات في القرى والمداشر التابعة
لها .وتميز الجزء الجنوبي من البالد وب جود تنظيم آخر مغاير للتسيير المدني السائد في الشمال ،المتمثل في المكاتب العربية التي
يشرف عليها ضباط عسكريين بمساعدة جزائريين كوسطاء بين النظام الكولونيالي واألهالي ،كما ألحقت المكاتب العربية ضررا
بالغا بالقبائل والعروش الجزائرية ،حيث قضي على المقاومة ،وانتهكت أمالك الجزائريين بشكل سافر ،باإلضافة إلى اإلبادة
الجماعية.
-البلديات:
حسب اإلدارة االستعمارية فإن البالد كانت في حاجة إلى تنظيم إداري جديد ،ففي الجزائر ال توجد بلديات أو هيآت محلية
بالمفهوم األوربي ،كان من الواجب اتخاذ خمسة أو ستة مراسيم لخلقها ،ال توجد حياة مدنية في إفريقيا .15وهذا الزعم دفع السلطة
39 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043
االستعمارية الجديدة بواسطة الحكومة العامة إلى إعادة هيكلة المناطق المحتلة وفقا لما هو موجود في المتروبول ،وتجاوز هذا
بتنظيم المناطق الصحراوية بشكل عسكري للقضاء على االنتفاضات والمقاومة الشعبية.
لقد جاء مرسوم 24أكتوبر 1870مكرسا لمبدأ النفوذ األجنبي ،كما أن تطبيقه على أرض الواقع جعل المناطق المسماة
بالمكاتب العربية تتراجع أمام المناطق المدنية ،وأصبحت نحو 1576منطقة ،عاش فيها نحو 10000أوربي ،وهكذا تقلص عدد
بعض البلديات التي كانت تحت الحكم العسكري .16وما يهمنا هو أن اإلدارة وجدت نفسها في ورطة حتى تتمكن من تسيير بشكل
محكم البلديات المدنية ،ويرجع سبب تخوفها كون أن معظم البلديات احتوت على نسبة قليلة من الفرنسيين أي أقل بكثير من
الجزائريين .ولكي ال يفشل مشروع مرسوم 24أكتوبر 1870منح الحاكم العام شنزيه ( )Chanzyسياسة النظام المدني للبلديات
ا لمختلطة وللمناطق العسكرية (المكاتب العربية) ،وهكذا أصبحت تتمتع المناطق المدنية من نموذجين :بلديات كاملة الصالحية،
وبلديات مختلطة.17
أ -البلديات كاملة الصالحية:
تمتعت هذه البلديات بالتنظيم نفسه المطبق في بلديات المتروبول ،سواء تعلق األمر بالقوانين أو المبائ المحددة بموجب
قانون البلدية الصادر يوم 5أبريل .1884ويتعطل اإلصالح البلدي بفعل التوقيفات عن العمل التي جاءت في حق رؤساء البلديات
أو نوابهم وحل المجالس البلدية .18...وسير البلدية شيخ البلدية المنتخب عليه ،ويساعده عدة نواب منتخبين من قبل المجلس البلدي.
ونقطة االختالف بين المتروبول والجزائر هو مرسوم 7أبريل 1884الذي أضاف للمجلس البلدي مستشارين للبلدية ،وهم من
المنتخبين في القسمين األول والثاني .ووصل عدد البلديات كاملة الصالحيات إلى 196بلدية ،ثم إلى 209بلدية عام ،1884وإلى
261بلدية عام ،1900وكلها تستقي ميزانيتها من الرسوم المفروضة على الجزائريين.19
لقد نظمت اإلدارة االستعمارية االنتخابات وسمحت للمعمرين كي ينتخبوا على رؤساء البلديات ومساعديهم منذ سنة 1882
بينما لم يسمح للجزائريين انتخاب حتى ممثليهم ،حيث كانت اإلدارة االستعمارية تعين دون استشارة الجزائريين شيوخ الزوايا
والعائالت المالكة لألراضي الموالية لها ،والقياد ،والمساعدين اإلداريين لبعض العائالت البرجوازية لملء الفراغ كعائلة ابن جلول،
وأورابح ،وقاضي بقسنطينة ،وابن سالم بالجزائر العاصمة ،وابراهيمي ،وآيت علي في قطاع الوسط ،والسايح بالشلف ،وابن شيحة،
وبوخالوية بالقطاع الوهراني ،وكذا عائلة شنتوف بمعسكر ،وغالم بتيارت.20
ب -البلديات المختلطة:
حدد مرسوم الحاكم العام الصادر بتاريخ 20ماي ،1868نظام تسيير البلديات المختلطة التابعة للمناطق العسكرية ،ونشرت
تعليمات حكومية يوم 25أبريل 1880الستحداث 42بلدية مختلطة جمعت منطقة احتوت على 6.000.000هكتار ،وتجمع سكاني
هام .21وأدار هذه البلديات موظفون مدنيون من المتصرفين اإلداريين للمصالح المدنية .وهكذا أصبحت البلديات المختلطة في تلك
الفترة مجرد بلديات مؤقتة في انتظار تحويلها إلى بلديات كاملة الصالحيات مستقبال .والغريب في األمر أن تنظيم هذه البلديات
استمر إلى غاية صدور القانون اإلصالحي ليوم 20سبتمبر ،1947وحسب ما جاء في مادته 53التي ألغت هذا النوع من البلديات،
وهو ما حدث أيضا مع مرسوم 24ديسمبر 1870الذي ألغى المكاتب العربية .22وتميزت البلديات المختلطة عن البلديات كاملة
الصالحية كونها تضم مساحة شاسعة ،وتتميز بكثرة عدد السكان ،لكن وضعية سكانها كانت أقل بكثير من وضعية سكان البلديات
كاملة الصالحيات .وفضال عن هذا ضمت البلديات المختلطة عدة مراكز للمستوطنين ،وعدد كبير من القرى ،والدواوير ،والقبائل،
واعتبرت مثل أي بلدية ،حيث تمتعت بحالتها المدنية ،واستقاللية كبيرة من ناحية الميزانية .23وأدار هذه البلديات متصرف إداري
ي ساعده في مهامه نائب أو أكثر من المتصرفين اإلداريين ،باإلضافة إلى بعض زعماء األهالي والقياد ،وتحت رئاسة المتصرف
اإلداري وإشرافه ،وكان المجلس البلدي يعقد اجتماعات ه الدورية ،وتكونت لجنة للبلدية تشكلت من أعضاء أوربيين منتخبين ،مثلوا
40 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043
مراكز تجمعات المستوطنين ورؤساء الجماعات المنتخبة لدواوير البلدية المختلطة ،ومختلف القياد الذين وضعوا على رأس قيادة
دوار أو عدة دواوير.24
وما يمكن استخالصه أن شؤون الجزائريين كانت تديرها اإلدارة االستعمارية الفرنسية وهو ما نتج عنه إبعاد كلي للشعب
الجزائري من كافة مراكز صنع القرار .25وحتى ال يصبح الحاكم العام مجرد عون تنفيذي ،جاء مرسوم 26أوت 1881ليطبق
نظاما إداريا جديدا ،وعليه حولت مصالح الجزائر للسلطة المباشرة للوزاراء الذين كانوا يتابعون من باريس شؤون العماالت،
ووجهوا للحاكم العام التعليمات ،وتابعوا ما أصدره من قرارات ،وتدبروا أمور المستعمرة بأنفسهم ،وإن استعصى عليهم ذلك،
حولوها إلى رئيس الدولة للنظر فيها .وهكذا استرجع الحاكم العام حق المبادرة داخل المستعمرة ،وأصبح بإمكانه التنسيق مع مختلف
وزارات المتروبول ،إال أنه لم يتمتع باستقاللية تامة إال في ظل القوانين الخاصة التي منحت له بسبب سوء األوضاع األمنية.26
تأثيرات نظام الحكم على المجتمع الجزائري: -2
لقد فقد المجتمع الجزائري كيانه التنظيمي السائد بعد مجيء األتراك بشكل سريع ،وازداد األمر سوء بوجود قوات االحتالل
والنظام اإلداري الفرنسي المفروض عليه .ربما نجد أن التقسيم اإلداري الفرنسي الجديد أضر باإليالة السابقة خاصة ما تعلق بنقل
القوانين الفرنسية إلى الجزائر ،وهي قوانين غريبة عن المجتمع الذي ألف التشريع اإلسالمي بدال من القوانين الوضعية الخارجة
عن القيم العربية واإلسالمية .وفي هذا السياق فرض نظام المكاتب العربية الذي كان يرمي إلى تفتيت المجتمع الجزائري بالقضاء
على الخلية األساسية فيه وهي القبيلة ،وهي محاولة لدمج الجزائريين في المجتمع الفرنسي وسلخهم عن أحوالهم الشخصية
اإلسالمية ،وإبعادهم عن قيمهم الحضارية الراسخة منذ قرون.
هكذا فقد الجزائريون في الريف اإلطار المالئم الذي كان ينظم حياتهم ،ويحفظ لهم مصادر رزقهم ،ولم تعد القبيلة تحمي
الفرد وتقدم له العون ،حيث أصبح منعزال عن مواجهة اإلدارة االستعمارية .27ونجد أن المعمرين األجانب هم الذين استفادوا من
النظام المطبق في الجزائر ،إذ بموجب قرار مجلس الشيوخ لعام 1865أصبح لهؤالء الحق في الحصول على الجنسية الفرنسية
بعد مرور ثالث سنوات من اإلقامة في الجزائر ،بينما استثني أصحاب األرض من هذا الحق ،وبقي الفرار حبرا على ورق .إن هذا
القرار ربط قضية نيل الحقوق المدني ة الفرنسية بتخلي الجزائريين عن األحوال الشخصية ،وهو شرط تعجيزي زاد في شقائهم
ومعاناتهم ،حيث كانوا خاضعين مضطهدين ،ولم يعد بمقدورهم االرتقاء إلى مرتبة المواطنين األحرار التي يكفلها القانون الفرنسي
والتي كانت من حق المعمرين األوربيين واليهود فقط .28ومن جهة أخرى خول مرسوم 10سبتمبر 1886حل الخالفات المدنية
والتجارية بين المسلمين لقضاة الصلح الفرنسي ،ولم يبق للقضاة المسلمين سوى الفصل في قضايا األحوال الشخصية والمواريث.29
لقد غيرت اإلدارة االستعمارية كل شيء حتى العدالة المتمثلة في القضاء اإلسالمي ،حيث جردتها من صالحياتها عن قصد
دفين تمهيدا لفرض القضاء الفرنسي على المسلمين ،وصدق النائب البرلماني جونار لما صرح إن إصالح العدالة اإلسالمية معناه،
سحق العربي بإجراءاتنا .30وطبعا غذت اإلدارة نفوذها بقرارات متعددة منها قرار 23أوت 1898الذي منح الحاكم العام كل
السلطات ال عسكرية والمدنية باستثناء العدل والتربية .وبهذه الصفة يصبح الحاكم العام عضوا في مجلس استشاري (أي مجلس
الحكومة األعلى) الذي يضم نواب ماليين من فرنسيين منتخبين ،وجزائريين مسلمين عمالء معروفين بإخالصهم لفرنسا ،ولكنهم ال
يملكون حق التصويت.31
وبموجب قرار 1900/12/19أصبح للجزائر ميزانيتها الخاصة يقترحها الحاكم العام ،ويناقشها مندوبون ماليون ،كما أن
الجزائريين لم يخضعوا للنظام الجديد ،حيث لم يعترف بهم كمواطنين جزائريين في وطنهم ،فهم مجرد رعايا ،وسواعد للعمل في
مزارع المعمرين .وباستقالل الحكومة العامة والمعمرين بالميزانية سنة ،1900فتح باب الحكم الذاتي أمام هؤالء الدخالء لتسيير
41 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043
المستعمرة بسلطة كاملة على األهالي ،ودعموا سلطانهم بإنشاء مجالس للميزانية في العماالت ،ومجالس بلدية بأنواعها المذكورة
سابقا ،تعمل كلها من أجل دعم الكولون وتحرم الجزائريين من أبسط الحقوق .وبالموازاة مع هذا سيطر العسكريون على القرى
واألرياف والمناطق الصحراوية أين يوجد الرحل ،وساعدهم في ظلمهم الباشاغاوات والقياد وشيوخ الدواوير الذين ضيقوا الخناق
على مواطنيهم ،وباعوا ضمائرهم لحماية مراكزهم ومصالحهم .وكان تمثيل الجزائريون في المجالس المنتخبة شكليا ،ال يتجاوز
عددهم ربع مجموع األعضاء والباقي فرنسيون.32
بعد اإلعالن عن دستور الجمهورية الثانية يوم 4نوفمبر 1848والذي اعتبر الجزائر أرضا فرنسية ،مكن قرار مارس
1848المستوطنين األوربيين من انتخاب نواب للبلديات يمثلوهم في الجزائر العاصمة ،وهذا ما دفعهم إلى الضغط على اإلدارة
االستعمارية حتى قامت بإلغاء حق األهالي في انتخاب نواب لهم في المجالس البلدية عام 1850بدعوى عدم أهليتهم .33لم يكن
للجزائريين حق المشاركة في البرلمان الفرنسيى ،أما المعمرون فقد كانوا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنوهم في
فرنسا .لقد تمكنوا من انتخباب ممثليهم في مجلس الشيوخ أيضا ،وكذلك في الجمعية الوطنية .34وأصدرت السلطات الفرنسية مرسوم
أكتوبر 1870الذي جاء ليكرس إخضاع كافة القبائل القاطنة في مناطق االستيطان للسلطة المدنية أي لسلطة الحكومة العامة،
وصدر مرسوم 10نوفمبر من السنة نفسها لي ضع المناطق العسكرية تحت سلطة والة العاصمة وقسنطينة ووهران ،أما مرسوم
ديسمبر فنص على ضم أراضي القبائل الجزائرية المجاورة لمناطق االستيطان إلى المناطق المدنية وغيرها من المراسيم .35لقد
اعتمدت اإلدارة فعال على قوانين ردعية لطرد سكان القبائل الثائرة إلى األراضي القاحلة بعد سلبها وتسليمها للمعمرين ،وسلطت
بواسطة ممثلي البلديات الغرامات على السكان الجزائريين ألتفه األسباب ،وبلغت تجاوزات شيوخ البلديات إلى حد سن قوانين
محلية تمنع سير األهالي والكالب على الشواطئ بدون أن تأخذ في الحسبان مشاعر الجزائريين وحقهم في التمتع أو التنقل على
أرضهم.
لقد أصبحت سلطة اإلدارة االستعمارية المحلية مطلقة ،وأصبح حراس الغابات ورجال الدرك في األرياف سادة ،بحجز
ممتلكات األهالي وإصدار عقوبات في حقهم وتحويلهم على القضاء .لقد اختفى نظام الحبوس ،حيث سلبت جميع العقارات واألمالك
وتحولت عائداتها إلى مجرد أرضية لتطبيق االستيطان ،كما سلطت اإلدارة االستعمارية شتى الضرائب على الجزائريين ،وأدى
هذا إلى تمويل الخزينة العمومية بما تحتاجه اإلدارة من أموال في مشاريعها ،وانتفاع المعمرين منها بشكل سافر .وكان قانون
األهالي وراء مشاكل الجزائريين التي لم تنتهي بعد حلول االستعمار ،فرغم مهام محافظي البلديات في تنبيه األهالي وإرشادهم،
ومنع وقوع المخالفات أكثر من معاقبة مرتكبيها ،إال أن عدد العقوبات تزايد بصورة محسوسة موازاة مع أزمة انعدام األمن ومع
نجاح المستوطنين في تجسيد مطالبهم.36
بهذه السياسة العنصرية واإلقصائية تمكن المحتل من بسط نفوذه داخل الجزائر ،وبهذا التوسع اإلقليمي واإلداري تم إخماد
الثورات الشعبية ،كما حاول تفكيك البنية االجتماعية والقبلية ،لكن الشعب الجزائري في المقابل ظل متماسكا ومحافظا على قيمه
اإلسالمية بفضل العزوف عن اإلدارة االستعمارية وخدامها من الجزائريين منتظرا الفرصة للتخلص من أبشع استعمار استيطاني
عرفه التاريخ المعاصر.
42 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043
الهوامش
* -صالح فركوس ،تاريخ الجزائر(المراحل الكبرى) ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،الجزائر ،2005 ،ص.244.
2
-Charles Dumas, Petite Histoire de l’Algérie, Imp: Paul Brodart, Hachette, 1931, p.27.
3
- Ibid, p.29.
-4عمر موفق ،السياسة االستعمارية من االحتالل الجزئي إلى االحتالل الشامل ،مجلة عصور ،عدد 7-6جوان -ديسمبر،2005 ،
ص.118.
-5محمد بكار ،نواب اإلدارة االستعمارية الفرنسية في الجزائر ،1956-1919أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في التاريخ
الحديث والمعاصر ،جامعة الجياللي ليابس بسيدي بلعباس ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،قسم التاريخ ،السنة الجامعية
،2014-2013ص.14.
-6المرجع نفسه ،ص.16.
7
- Charles Dumas, op.cit, p.40.
8
- Eugene Buret, Le Conquête de l’Algérie, Galerie de l’Orient, Paris, 1942. p.297.
9
-Les Institutions Algériennes 1870-1896, Documents Algériens, Service d’Information
du Cabinet du Gouverneur Général de l’Algérie, N°17, 10 Août 1948.
* -0محمد بكار ،المرجع السابق ،ص.24.
*1
- Charles Dumas, op.cit, p.40.
-12عمر موفق ،المرجع السابق ،ص.118.
*3
-Victor Heintz, Rapport Sur Les Œuvres Spéciales Intéressant les Indigènes, Gouvernement Général
de L’Algérie, Direction des Affaires Indigènes, Imprimeur du Gouvernement Général, Alger Service
Gallica.bnf.fr/Bibliothèque Nationale de France, p.20.
* -4محمد بكار ،المرجع السابق ،ص.25.
*5
- Eugène Buret, op.cit, p.312.
*6
-Les Institutions Algériennes 1870-1896, op.cit.
-17محمد بكار ،المرجع السابق ،ص.26.
* -8جمال خرشي ،االستعمار وسياسة االستيعاب في الجزائر ،1962 -1830دار القصبة للنشر ،الجزائر ،2009 ،ص.174.
* -9أمال علوان ،تدرج مسألة انتخابات الجزائريين ،1919-1870المجلة المغاربية للدراسات التاريخيةواالجتماعية ،العدد ،3جامعة
الجياللي ليابس ،مكتبة الرشاد للطباعة والنشر والتوزيع ،سيدي بلعباس ،جوان ،2011ص.174.
-20المرجع نفسه ،ص.126.
*2
- Les Institutions Algériennes 1870-1896, op.cit.
-22محمد بكار ،المرجع السابق ،ص.27.
23
- Les Institutions Algériennes 1870-1896, op.cit.
24
- Ibid.
-25عبد الوهاب بن خليف ،تاريخ الحركة الوطنية من االحتالل إلى االستقالل ،ط ،1دار طليطلة ،الجزائر ،2009 ،ص.61.
43 International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043