You are on page 1of 9

‫‪INTERNATIONAL JOURNAL‬‬ ‫‪OF‬‬ ‫‪INNOVATIVE RESEARCH‬‬ ‫‪IN‬‬ ‫‪HUMAN SCIENCES VOL 1.

ISSUE 1 (2017) 035–043‬‬

‫‪Available online at www.OasesVox.com‬‬

‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences‬‬

‫‪Journal homepage: https://oasesvox.com/journals/index.php/ijirhs‬‬

‫النظام اإلداري االستعماري والمجتمع الجزائري ‪.1962-1830‬‬


‫د‪ .‬محمد بكار‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي‪/‬الشلف‬

‫‪ARTICLE INFO‬‬ ‫الملخص‬


‫‪Article history:‬‬
‫‪Received 24 October 17‬‬ ‫تندرج هذه الدراسة ضمن التاريخ الوطني للجزائر في الفترة المعاصرة أين سقطت اإليالة‬
‫‪Accepted 17 november 17‬‬
‫العثمانية في مخالب االستعمار الف رنسي بعد القضاء على ما تبقى من حكم الخالفة اإلسالمية فيها‪.‬‬
‫‪Keywords:‬‬ ‫ولتحليل المحاور األساسية لهذا الموضوع‪ ،‬ارتأينا إلى توضيح بعد السياسة الفرنسية االستعمارية‬
‫اإلدارة اإلستعمارية‬
‫الحكومة العامة‬ ‫من وراء سعيها إدماج البلد بفرنسا‪ .‬لقد تميزت عن ما كانت عليه منذ أن وطأت أقدام االستعمار‬
‫المعمرون‬ ‫الفرنسي أرضها سنة ‪ ،1830‬حيث فرض على الجزائر النظام الكولونيالي االستيطاني مما غيّر‬
‫السكان المحليون‬
‫التقسيم اإلداري‬ ‫البنية االجتماعية للمجتمع القديم‪ ،‬وظهرت حواضر جديدة على النمط الغربي في الشمال خاصة‬
‫النظام الكولونيالي‬ ‫حتى تخضع للقوانين الفرنسية حسب ما هو مشرع في المتروبول‪.‬‬
‫المتروبول‬
‫اإليالة العثمانية‬ ‫في الحقيقة قد أنجز االستعمار مهمته بالتوسع اإلداري والعسكري إلخضاع شعب مغلوب على أمره‪.‬‬
‫المكاتب العربية‬ ‫ولم تهتم اإلدارة االستعمارية بالمشاريع التنموية قدر االهتمام بمصلحتها بعدما اعتمدت على تقسيم‬
‫الجزائر‬
‫المفوضيات المالية‬ ‫إداري أوربي غريب صعب على الجزائريين التأقلم معه نظرا للعنصرية المفروضة المدعمة‬
‫العماالت‬ ‫للحركة االستيطانية المخيبة آلمال السكان المحليين‪.‬‬
‫البلديات كاملة الصالحيات‬
‫البلديات المختلطة‬
‫‪© 2017 The Authors. Published by Oases Vox Ed. This is an open access article licensed under a‬‬
‫‪Creative Commons Attribution-Non-Commercial 4.0 International License.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تندرج هذه الدراسة ضمن التاريخ الوطني للجزائر في الفترة المعاصرة أين سقطت هذه اإليالة العثمانية في يد االستعمار‬
‫الفرنسي بعد القضاء على ما تبقى من حكم الخالفة اإلسالمية فيها‪ .‬ولتحليل المحاور األساسية لهذا الموضوع‪ ،‬ارتأينا إلى توضيح‬
‫بعد السياسة الفرنسية االستعمارية‪ ،‬والسبل المستخدمة آنذاك لتركيع وتجويع شعب بأكمله من أجل استعباده واستغالل ثرواته‪.‬‬
‫واألخطر من كل هذا سعى االستعمار ومن ورائه المعمرين الحاقدين إدماج البلد بفرنسا‪ ،‬والعمل على تمسيحه وسلخه عن مقوماته‬
‫المكتسبة المتمثلة في اإلسالم والعروبة‪.‬‬

‫‪* Corresponding author.‬‬


‫‪E-mail address: medbekkar1961@gmail.com‬‬

‫‪DOI: Pending.‬‬
‫‪© 2017 The Authors. Published by Oases Vox Ed. This is an open access article licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0‬‬
‫‪International License. (https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0/).‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫لقد تميزت الجزائر عن ما كانت عليه منذ أن وطأت أقدام االستعمار الفرنسي أرضها سنة ‪ ،1830‬حيث فرض عليها النظام‬
‫الكولونيالي االستيطاني مما غيّر البنية االجتماعية للمجتمع القديم‪ ،‬وظهرت حواضر جديدة على النمط الغربي في الشمال خاصة‬
‫حتى تخضع للقوانين الفرنسية حسب ما هو مشرع في المتروبول‪ .‬وتزامن التوسع العسكري مع حركة سلب األراضي وتوزيعها‬
‫على المعمرين الوافدين وإن كانت بعض المراحل أشد وقعا على القبائل والفالحين الجزائريين كسنة ‪ 1848‬و‪ 1871‬خاصة‪.‬‬
‫وأردنا من خالل هذه الدراسة تسليط الضوء على الفترة االستعمارية من خالل ما تضمنته المحاور لمعرفة نوايا االستعمار‬
‫من وراء اعتماد تقسيم إداري أوربي في الجزائر‪ ،‬وتداعياته على الجزائريين الذين ألفوا النظام التقليدي قبل سنة ‪.1830‬‬
‫‪ -1‬النظام اإلداري الفرنسي وتأثيراته على المجتمع الجزائري‪:‬‬
‫‪ -‬نظام الحكم‪:‬‬

‫اعتمدت فرنسا في فترة حكمها للجزائر ما بين‪ 1870-1830 :‬على الضباط العسكريين لتسيير أقاليم (الوسط‪ ،‬الشرق‪،‬‬
‫الغرب)‪ ،‬وساعدهم في تأدية مهامهم واتصالهم باألهالي الجزائريين مجموعة من الموظفين الجزائريين احتفظوا بألقاب إدارية قديمة‬
‫هي‪ :‬الخليفة‪ ،‬واآلغا‪ ،‬والقايد‪ ،‬والشيخ‪ .1‬وارتكز التنظيم اإلداري االستعماري في البداية على الجيش لتوطيد االحتالل أكثر‪ ،‬وإخماد‬
‫بيد من حديد أي محاولة تمردية أو مقاومة شعبية قد تعرقل مساعي التوسع االستعماري وحركة االستيطان‪ .‬وعبر عن هذا شارل‬
‫دوما )‪ (Charles Dumas‬لما ذكر أن الجيش هو أحسن طريقة لتكوين المجتمع المدني‪ ،‬لكن مهمته تبقى صعبة إذ عليه تحقيق‬
‫األمن‪ ،‬وبناء الوحدات العسكرية‪ ،‬وفتح الطرقات‪ ،‬وإنجاز الجسور‪ ،‬ومساعدة بطريقة مباشرة االستعمار المدني‪ .2‬ولعبت اإلدارة‬
‫االستعمارية دورا كبيرا لتوفير الراحة للمعمرين الوافدين بتخصيص عدة مراكز لهم‪ ،‬وتوزيع اآلالف من األراضي الفالحية لكي‬
‫يزاولوا نشاطهم‪ ،‬كما حرصت أن توزع في مواسم الفالحة حتى ال تضيع عليهم فرصة االنتفاع من هذه األراضي‪ ،‬وأحيانا كانت‬
‫توزع عليهم وقت الحصاد‪.3‬‬
‫تمكنت القوات الفرنسية من فرض سيطرتها على ا لوضع في الجزائر وخاصة المدن الكبرى والقرى وذلك بفضل تعداد‬
‫الجيش الفرنسي الذي فاق عدده مائة وعشرة آالف محارب‪ ،‬وبفضل قوة سالحها تمكنت من إعطاء السياسة الجديدة دفعا لالستيطان‬
‫وذلك على حساب الجزائريين الذين صودرت أمالكهم وأراضيهم ومنحت للمهاجرين من دول أوربية مختلفة لحاجة استعمارية‪،‬‬
‫ولغرض عنصري أملته ظروف سياسية متحجرة لدى السياسيين الفرنسيين خالل القرن ‪19‬م‪ .‬ولم تحقق السياسة الجديدة النتائج‬
‫المنتظرة إال أنها أعطت نفسا جديدا للمقاومة الوطنية التي توسعت وانتشرت في الشمال والجنوب طيلة القرن التاسع عشر‪ ،‬وكانت‬
‫المناطق الجنوبية الشرقية والواحات الصحراوية مسرحا لها‪.4‬‬
‫ومع ترسيخ حركة االستيطان داخل البلد‪ ،‬ساهم الجزائريون بواسطة دفع الضرائب المتنوعة منها العربية أو الفرنسية‬
‫(الضرائب المباشرة وغير المباشرة) في تمويل مداخيل ميزانية المستعمرة بشكل واضح مقارنة بمساهمة المعمرين األوربيين‪،‬‬
‫وبفضل هذه السياسة غير العادلة في التحصيل الجبائي بين سكان األرض المحليين والدخالء األجانب‪ ،‬ظهرت الهوة بينهما‪ ،‬وتأثر‬
‫الجزائريون ماديا واجتماعيا بشكل واضح‪ ،‬بينما تمكن الدخالء االستفادة من المزايا الجبائية لمضاعفة أمالكهم وتوسيع عقاراتهم‪،‬‬
‫كما أدى هذا اإلجحاف إلى تخلي المجتمع الجزائري القبلي عن ممتلكاته بالبيع أو الفرار تحت الضغط إلى الخارج أو النزوح إلى‬
‫المدن طلبا للعيش الرغيد ألفراد األسرة أو العائلة‪ ،‬لكن تأثير هذا تجلى في تغير بعض العادات والتقاليد المكتسبة وبصورة أوضح‬
‫تغير النظام االجتماعي الجزائري في تجاه النمط الغربي‪.‬‬
‫وربما نكتشف من خالل دراستنا للحقبة االستعمارية أن االستعمار قد أفلح في بناء بنية تحتية لضمان توسعه اإلداري‬
‫والعسكري وإخضاع شعب مغلوب على أمره ‪ .‬ولم تهتم اإلدارة االستعمارية بالمشاريع التنموية إال لما تبين لها أن مصلحتها مرتبطة‬
‫‪37‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫بظهور أهمية النفط كمورد اقتصادي هام مكان الفحم‪ ،‬فبدأت سياسة جديدة مع امتداد عمليات جيش التحرير الوطني لفصل الصحراء‬
‫عن المناطق األخرى كآخر ورقة لتجزئة البالد وشعبها مقابل الطمع‪.‬‬
‫لقد ظلت اإلدارة االستعمارية تشجع احتكار المعمرين للحياة السياسية واالقتصادية حتى يتمكنوا من فرض تسلطهم وسلطتهم‬
‫على الجزائريين في الجزائر والمتروبول بواسطة نوابهم‪ ،‬فهيمنوا على الفالحة والصناعة والتجارة الخارجية‪ ،‬ولم يبق للجزائريين‬
‫إال المهن الشاقة لكسب قوتهم‪ .‬وأمام هذا الخلل وأمام سياسة اإلقصاء وانعدام المساواة بين المعمرين والجزائريين‪ ،‬ازدادت حركة‬
‫الهجرة إلى فرنسا خاصة‪ ،‬وهناك تحسنت أوضاع بعض الجزائريين‪ ،‬ونقلوا خبرتهم ومدخراتهم إلى بلدهم لتحسين وضع عائالتهم‬
‫بمشاريع منافسة للمعمرين وإن كانت قليلة‪.‬‬
‫وربما نجد أن نابليون الثالث كان الوحيد الذي نظر إلى الجزائر كمستعمرة في إطار "مملكة عربية"‪ ،‬لكن كالمه أثار حفيظة‬
‫المعمرين‪ ،‬وفي عهده صدر قانون سناتوس‪-‬كونسيلت (‪ )Sénatus Consulte‬يوم ‪ 22‬أبريل ‪ ،1863‬حيث كان الهدف من‬
‫المشروع التحكم أكثر في أرض الجزائر مثل الدواوير بالبلديات‪ ،‬والتي ستتحول مستقبال إلى بلديات عربية لها مجلس استشاري أو‬
‫نظام الجماعات‪ ،‬وكانت هذه البلديات المقترحة من أجل تعويض النظام القبلي السابق‪ .‬كانت السياسة المعروفة والمطبقة من قبل‬
‫االستعمار وإدارته هي إلحاق الجزائر بفرنسا‪ ،‬لهذا جاء نظامها اإلداري في هذا االتجاه أملته بعض القوانين الخاصة من أجل‬
‫الموافقة عليها سواء صدرت في المتروبول أو في الجزائر‪.‬‬
‫هكذا قسم شمال البالد إداريا إلى ثالث عماالت هي عمالة الجزائر‪ ،‬وهران‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬على رأس كل واحدة والي‪ ،‬كما‬
‫قسمت الوالية بدورها إلى دوائر‪ ،‬وإلى بلديات‪ ،‬ومجالس منتخبة تشكلت من المعمرين في البداية‪ ،‬وجزائريين محظوظين وموالين‬
‫لإلدارة التي تقوم بتعيينهم من األميين في الغالب‪ ،‬وبعدها فتح المجال للنواب الجزائريين من القسم الثاني بعد تطبيق إصالحات ‪4‬‬
‫فبراير ‪ 1919‬ليكون لهم دور تمثيلي لشعب ظلم وقهر عقود كاملة‪ .‬وللتعرف على النظام الكولونيالي ال بد من اإلشارة إلى مؤسساته‬
‫المتكونة من‪:‬‬
‫‪ -‬الحكومة العامة‪:‬‬
‫منذ بداية االحتالل سير الجزائر حاكما عاما عسكريا‪ ،‬ووضعت البالد تحت إشراف وزارة الحربية الفرنسية التي كانت تنفذ‬
‫تعليمات الحكومة الفرنسية‪ .‬ولما جاء نابليون إلى الحكم حاول تطبيق نظام الحكم المدني كتجربة أولى في الجزائر ما بين ‪-1858‬‬
‫‪ ،1860‬ولكن كتب لهذه التجربة الفشل‪ ،‬وعاد الحكم العسكري مجددا إلى غاية سنة ‪ ،1870‬وهي السنة نفسها التي انهار فيها النظام‬
‫اإلمبراطوري في فرنسا أمام دولة بروسيا الناشئة‪ .5‬وفي محاولة لتقسيم الجزائر إلى عماالت بدال من نظام النواحي‪ ،‬صدر قانون‬
‫‪ 15‬أبريل ‪ 1845‬الذي أصبح بموجبه والي مدني يشرف على كل عمالة وبجانبه قائدا عسكريا لمساعدته‪ .6‬ومثل سلطة اإلدارة‬
‫االستعمارية والجمهورية الفرنسية في الجزائر الحاكم العام المعين من قبل الحكومة الفرنسية‪ ،‬وجمع تحت سلطته جميع الموظفين‬
‫من المدنيين والعسكريين العاملين في المستعمرة‪ ،‬واتفق الجميع على خدمة المعمر واالستيطان‪ .‬وكانت الحكومة العامة تسير البالد‬
‫حسب ما يمليه الحكم المركزي من الجزائر العاصمة أين يوجد مقرها (‪ ،)G.G.A‬وكانت الحكومة العامة تمثل الهيئة اإلدارية‬
‫العليا للبالد‪ ،‬وهي التي تقوم باقتراح وتوجيه الميزانية الخاصة بالمستعمرة‪.7‬‬
‫ساعد الحاكم العام مجلس إداري مصغر لتسهيل مهمته‪ ،‬تكون من خمس موظفين رئيسيين للجزائر‪ :‬مدير الشؤون الداخلية‪،‬‬
‫وكيل الجمهورية‪ ،‬مدير المالية‪ ،‬ضابط سامي للبحرية‪ ،‬مكلف عام لتموين للجيش‪ .8‬وساهمت اإلدارة االستعمارية بسياستها المحكمة‬
‫على بقاء االستعمار وذلك بتكريس سياسة التهميش واإلقصاء للعنصر المسلم‪ ،‬وفي المقابل منح األوربي كامل الحقوق‪ .‬وهكذا‬
‫أصبحت الجزائر بموجب مرسوم ‪ 24‬أكتوبر ‪ 1870‬تحت سلطة حاكم مدني يخضع لوزارة الداخلية‪ ،‬وتمتعت بمركزية إدارية‪،‬‬
‫ومثل الحكومة العامة قادة من العسكريين مثل األميرال دي قايدون )‪ ،(De Gueydon‬ثم الجنرال شنزيه )‪ ،(Chanzy‬لكن بعد‬
‫‪38‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫عهدتهما سقط االختيار على الموظفين العاملين في المتروبول‪ ،‬من الوالة‪ ،‬والمستشارين للدولة والسفراء‪.9‬‬
‫‪ -‬المجلس األعلى للحكومة وتحضير الميزانية‪:‬‬
‫كانت للحاكم العام صالحيات إعداد مشروع ميزانية مختلف المصالح في الجزائر‪ ،‬وبعدها يضعه بين أيدي المجلس األعلى‬
‫للحكومة‪ ،‬ويقوم هذا األخير أيضا بإعداد الميزانية وإعادة تنظيمها‪ .‬ووسع المجلس األعلى للحكومة ليضم ‪ 14‬عضو بموجب مرسوم‬
‫‪ 11‬أوت ‪ ،1875‬وانتقل العدد إلى ‪ 15‬عضو في سنة ‪ .1883‬وتشكل المجلس األعلى من والة العماالت‪ ،‬و‪ 18‬نائبا من المستشارين‬
‫العامين للبلديات‪ ،‬حيث يقومون بدراسة مقترحات الميزانية والغالف المالي واشتراكات الضرائب لوضعها على طاولة الوزاراء‪،‬‬
‫وحتى تخضع القروض الممنوحة للجزائر إلى قانون المالية‪.‬‬
‫ويبدو أن الميزانية تحدد حسب مصاريف الوزارات‪ ،‬وهي الخطوات المتبعة بالنسبة لميزانية الدولة في فرنسا‪ .10‬وتأسست‬
‫المفوضيات المالية (المندوبيات) سنة ‪ ، 1898‬وكانت تمثل المجلس األعلى الذي تخول له مهمة التصويت على الميزانية الخاصة‬
‫بالجزائر‪ .‬وتشكلت المندوبيات المالية من ثالث تشكيالت للمندوبين‪ :‬المعمرين‪ ،‬غير المعمرين‪ ،‬واألهالي‪ ،‬وتميزت مهمة مجلس‬
‫المندوبين الماليين على أنها مهمة غير سياسية‪ ،‬وتقتضي التصويت على الميزانية فقط‪.11‬‬
‫لقد وطد جيش االحتالل أركان الحكومة العامة بفضل التعزيزات العسكرية التي باشرت مهامها التطهيري لكل معارضة‬
‫جزائرية‪ .‬ومنحت السياسة الجديدة دفعا لالستيطان على حساب الجزائريين بمصادرة أراضيهم‪ ،‬ومنحت للمهاجرين األوربيين‬
‫لحاجة استعمارية‪ .‬ولم تحقق السياسة الجديدة النتائج المنتظرة إال أنها أعطت نفسا جديدا للمقاومة الوطنية التي توسعت وانتشرت‬
‫في الشمال والجنوب طيلة القرن التاسع عشر‪ ،‬وكانت المناطق الجنوبية الشرقية والواحات الصحراوية مسرحا لها‪ .12‬وحسب‬
‫البعض من الموظفين الذين أخطئوا التقدير في تقاريرهم في نقل الحقائق بموضوعية‪ ،‬فإن اإلدارة فكرت في هذه الظروف تشجيع‬
‫في الجزائر أو فرنسا البحوث التي تهتم باإلدارة الجيدة‪ ،‬والتنظيم الجيد‪ ،‬وحتى تطوير اقتصاد المستعمرة‪.13‬‬
‫‪ -‬العماالت وتنظيماتها‪:‬‬
‫أثمر النظام اإلداري االستعماري بتقسيم شمال البالد إلى عماالت‪ ،‬حيث أدار كل واحدة والي معين ساعده قائد عسكري‬
‫برتبة جنرال‪ ،‬وهو في الوقت نفسه قائدا للناحية العسكرية للعمالة‪ ،‬أما مجالس البلديات فقد نظم مهامها مرسوم ‪ 23‬سبتمبر ‪،1875‬‬
‫الذي حدد عدد أعضاء عمالة الجزائر وقسنطينة بثالثين عضوا‪ ،‬ووهران بسبعة وعشرين عضوا‪ ،‬وهم جميعا من الفرنسيين سواء‬
‫كانوا مسلمين متجنسين أو أوربيين‪ .‬وكان المرسوم نابع من النظام الفرنسي مع وجود بعض االستثناءات المطبقة إال في الجزائر‬
‫نظرا لخصوصيات وضع البالد‪ .‬ولعل أهم القوانين هو تعيين الحاكم العام ستة أعضاء من المسلمين داخل المجلس العام‪ ،‬وأيضا‬
‫مشاركة الجنرال قائد المنطقة العسكرية في اجتماعات المجلس العام للعمالة حول القضايا التي تهم المنطقة عسكريا‪.14‬‬
‫وقسمت العماالت بدورها إلى مجموعة من الدوائر يديرها رئيس الدائرة أو ما يعرف بنائب الوالي‪ ،‬وتضم الدائرة مجموعة‬
‫من البلديات سواء كانت بلديات كام لة الصالحيات أو بلديات مختلطة‪ ،‬وأيضا مجموعة من الجماعات في القرى والمداشر التابعة‬
‫لها‪ .‬وتميز الجزء الجنوبي من البالد وب جود تنظيم آخر مغاير للتسيير المدني السائد في الشمال‪ ،‬المتمثل في المكاتب العربية التي‬
‫يشرف عليها ضباط عسكريين بمساعدة جزائريين كوسطاء بين النظام الكولونيالي واألهالي‪ ،‬كما ألحقت المكاتب العربية ضررا‬
‫بالغا بالقبائل والعروش الجزائرية‪ ،‬حيث قضي على المقاومة‪ ،‬وانتهكت أمالك الجزائريين بشكل سافر‪ ،‬باإلضافة إلى اإلبادة‬
‫الجماعية‪.‬‬
‫‪ -‬البلديات‪:‬‬
‫حسب اإلدارة االستعمارية فإن البالد كانت في حاجة إلى تنظيم إداري جديد‪ ،‬ففي الجزائر ال توجد بلديات أو هيآت محلية‬
‫بالمفهوم األوربي‪ ،‬كان من الواجب اتخاذ خمسة أو ستة مراسيم لخلقها‪ ،‬ال توجد حياة مدنية في إفريقيا‪ .15‬وهذا الزعم دفع السلطة‬
‫‪39‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫االستعمارية الجديدة بواسطة الحكومة العامة إلى إعادة هيكلة المناطق المحتلة وفقا لما هو موجود في المتروبول‪ ،‬وتجاوز هذا‬
‫بتنظيم المناطق الصحراوية بشكل عسكري للقضاء على االنتفاضات والمقاومة الشعبية‪.‬‬
‫لقد جاء مرسوم ‪ 24‬أكتوبر ‪ 1870‬مكرسا لمبدأ النفوذ األجنبي‪ ،‬كما أن تطبيقه على أرض الواقع جعل المناطق المسماة‬
‫بالمكاتب العربية تتراجع أمام المناطق المدنية‪ ،‬وأصبحت نحو ‪ 1576‬منطقة‪ ،‬عاش فيها نحو ‪ 10000‬أوربي‪ ،‬وهكذا تقلص عدد‬
‫بعض البلديات التي كانت تحت الحكم العسكري‪ .16‬وما يهمنا هو أن اإلدارة وجدت نفسها في ورطة حتى تتمكن من تسيير بشكل‬
‫محكم البلديات المدنية‪ ،‬ويرجع سبب تخوفها كون أن معظم البلديات احتوت على نسبة قليلة من الفرنسيين أي أقل بكثير من‬
‫الجزائريين‪ .‬ولكي ال يفشل مشروع مرسوم ‪ 24‬أكتوبر ‪ 1870‬منح الحاكم العام شنزيه (‪ )Chanzy‬سياسة النظام المدني للبلديات‬
‫ا لمختلطة وللمناطق العسكرية (المكاتب العربية)‪ ،‬وهكذا أصبحت تتمتع المناطق المدنية من نموذجين‪ :‬بلديات كاملة الصالحية‪،‬‬
‫وبلديات مختلطة‪.17‬‬
‫أ‪ -‬البلديات كاملة الصالحية‪:‬‬
‫تمتعت هذه البلديات بالتنظيم نفسه المطبق في بلديات المتروبول‪ ،‬سواء تعلق األمر بالقوانين أو المبائ المحددة بموجب‬
‫قانون البلدية الصادر يوم ‪ 5‬أبريل ‪ .1884‬ويتعطل اإلصالح البلدي بفعل التوقيفات عن العمل التي جاءت في حق رؤساء البلديات‬
‫أو نوابهم وحل المجالس البلدية‪ .18...‬وسير البلدية شيخ البلدية المنتخب عليه‪ ،‬ويساعده عدة نواب منتخبين من قبل المجلس البلدي‪.‬‬
‫ونقطة االختالف بين المتروبول والجزائر هو مرسوم ‪ 7‬أبريل ‪ 1884‬الذي أضاف للمجلس البلدي مستشارين للبلدية‪ ،‬وهم من‬
‫المنتخبين في القسمين األول والثاني‪ .‬ووصل عدد البلديات كاملة الصالحيات إلى ‪ 196‬بلدية‪ ،‬ثم إلى ‪ 209‬بلدية عام ‪ ،1884‬وإلى‬
‫‪ 261‬بلدية عام ‪ ،1900‬وكلها تستقي ميزانيتها من الرسوم المفروضة على الجزائريين‪.19‬‬
‫لقد نظمت اإلدارة االستعمارية االنتخابات وسمحت للمعمرين كي ينتخبوا على رؤساء البلديات ومساعديهم منذ سنة ‪1882‬‬
‫بينما لم يسمح للجزائريين انتخاب حتى ممثليهم‪ ،‬حيث كانت اإلدارة االستعمارية تعين دون استشارة الجزائريين شيوخ الزوايا‬
‫والعائالت المالكة لألراضي الموالية لها‪ ،‬والقياد‪ ،‬والمساعدين اإلداريين لبعض العائالت البرجوازية لملء الفراغ كعائلة ابن جلول‪،‬‬
‫وأورابح‪ ،‬وقاضي بقسنطينة‪ ،‬وابن سالم بالجزائر العاصمة‪ ،‬وابراهيمي‪ ،‬وآيت علي في قطاع الوسط‪ ،‬والسايح بالشلف‪ ،‬وابن شيحة‪،‬‬
‫وبوخالوية بالقطاع الوهراني‪ ،‬وكذا عائلة شنتوف بمعسكر‪ ،‬وغالم بتيارت‪.20‬‬
‫ب‪ -‬البلديات المختلطة‪:‬‬
‫حدد مرسوم الحاكم العام الصادر بتاريخ ‪ 20‬ماي ‪ ،1868‬نظام تسيير البلديات المختلطة التابعة للمناطق العسكرية‪ ،‬ونشرت‬
‫تعليمات حكومية يوم ‪ 25‬أبريل ‪ 1880‬الستحداث ‪ 42‬بلدية مختلطة جمعت منطقة احتوت على ‪ 6.000.000‬هكتار‪ ،‬وتجمع سكاني‬
‫هام‪ .21‬وأدار هذه البلديات موظفون مدنيون من المتصرفين اإلداريين للمصالح المدنية‪ .‬وهكذا أصبحت البلديات المختلطة في تلك‬
‫الفترة مجرد بلديات مؤقتة في انتظار تحويلها إلى بلديات كاملة الصالحيات مستقبال‪ .‬والغريب في األمر أن تنظيم هذه البلديات‬
‫استمر إلى غاية صدور القانون اإلصالحي ليوم ‪ 20‬سبتمبر ‪ ،1947‬وحسب ما جاء في مادته ‪ 53‬التي ألغت هذا النوع من البلديات‪،‬‬
‫وهو ما حدث أيضا مع مرسوم ‪ 24‬ديسمبر ‪ 1870‬الذي ألغى المكاتب العربية‪ .22‬وتميزت البلديات المختلطة عن البلديات كاملة‬
‫الصالحية كونها تضم مساحة شاسعة‪ ،‬وتتميز بكثرة عدد السكان‪ ،‬لكن وضعية سكانها كانت أقل بكثير من وضعية سكان البلديات‬
‫كاملة الصالحيات‪ .‬وفضال عن هذا ضمت البلديات المختلطة عدة مراكز للمستوطنين‪ ،‬وعدد كبير من القرى‪ ،‬والدواوير‪ ،‬والقبائل‪،‬‬
‫واعتبرت مثل أي بلدية‪ ،‬حيث تمتعت بحالتها المدنية‪ ،‬واستقاللية كبيرة من ناحية الميزانية‪ .23‬وأدار هذه البلديات متصرف إداري‬
‫ي ساعده في مهامه نائب أو أكثر من المتصرفين اإلداريين‪ ،‬باإلضافة إلى بعض زعماء األهالي والقياد‪ ،‬وتحت رئاسة المتصرف‬
‫اإلداري وإشرافه‪ ،‬وكان المجلس البلدي يعقد اجتماعات ه الدورية‪ ،‬وتكونت لجنة للبلدية تشكلت من أعضاء أوربيين منتخبين‪ ،‬مثلوا‬
‫‪40‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫مراكز تجمعات المستوطنين ورؤساء الجماعات المنتخبة لدواوير البلدية المختلطة‪ ،‬ومختلف القياد الذين وضعوا على رأس قيادة‬
‫دوار أو عدة دواوير‪.24‬‬
‫وما يمكن استخالصه أن شؤون الجزائريين كانت تديرها اإلدارة االستعمارية الفرنسية وهو ما نتج عنه إبعاد كلي للشعب‬
‫الجزائري من كافة مراكز صنع القرار‪ .25‬وحتى ال يصبح الحاكم العام مجرد عون تنفيذي‪ ،‬جاء مرسوم ‪ 26‬أوت ‪ 1881‬ليطبق‬
‫نظاما إداريا جديدا‪ ،‬وعليه حولت مصالح الجزائر للسلطة المباشرة للوزاراء الذين كانوا يتابعون من باريس شؤون العماالت‪،‬‬
‫ووجهوا للحاكم العام التعليمات‪ ،‬وتابعوا ما أصدره من قرارات‪ ،‬وتدبروا أمور المستعمرة بأنفسهم‪ ،‬وإن استعصى عليهم ذلك‪،‬‬
‫حولوها إلى رئيس الدولة للنظر فيها‪ .‬وهكذا استرجع الحاكم العام حق المبادرة داخل المستعمرة‪ ،‬وأصبح بإمكانه التنسيق مع مختلف‬
‫وزارات المتروبول‪ ،‬إال أنه لم يتمتع باستقاللية تامة إال في ظل القوانين الخاصة التي منحت له بسبب سوء األوضاع األمنية‪.26‬‬
‫تأثيرات نظام الحكم على المجتمع الجزائري‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫لقد فقد المجتمع الجزائري كيانه التنظيمي السائد بعد مجيء األتراك بشكل سريع‪ ،‬وازداد األمر سوء بوجود قوات االحتالل‬
‫والنظام اإلداري الفرنسي المفروض عليه‪ .‬ربما نجد أن التقسيم اإلداري الفرنسي الجديد أضر باإليالة السابقة خاصة ما تعلق بنقل‬
‫القوانين الفرنسية إلى الجزائر‪ ،‬وهي قوانين غريبة عن المجتمع الذي ألف التشريع اإلسالمي بدال من القوانين الوضعية الخارجة‬
‫عن القيم العربية واإلسالمية‪ .‬وفي هذا السياق فرض نظام المكاتب العربية الذي كان يرمي إلى تفتيت المجتمع الجزائري بالقضاء‬
‫على الخلية األساسية فيه وهي القبيلة‪ ،‬وهي محاولة لدمج الجزائريين في المجتمع الفرنسي وسلخهم عن أحوالهم الشخصية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وإبعادهم عن قيمهم الحضارية الراسخة منذ قرون‪.‬‬
‫هكذا فقد الجزائريون في الريف اإلطار المالئم الذي كان ينظم حياتهم‪ ،‬ويحفظ لهم مصادر رزقهم‪ ،‬ولم تعد القبيلة تحمي‬
‫الفرد وتقدم له العون‪ ،‬حيث أصبح منعزال عن مواجهة اإلدارة االستعمارية‪ .27‬ونجد أن المعمرين األجانب هم الذين استفادوا من‬
‫النظام المطبق في الجزائر‪ ،‬إذ بموجب قرار مجلس الشيوخ لعام ‪ 1865‬أصبح لهؤالء الحق في الحصول على الجنسية الفرنسية‬
‫بعد مرور ثالث سنوات من اإلقامة في الجزائر‪ ،‬بينما استثني أصحاب األرض من هذا الحق‪ ،‬وبقي الفرار حبرا على ورق‪ .‬إن هذا‬
‫القرار ربط قضية نيل الحقوق المدني ة الفرنسية بتخلي الجزائريين عن األحوال الشخصية‪ ،‬وهو شرط تعجيزي زاد في شقائهم‬
‫ومعاناتهم‪ ،‬حيث كانوا خاضعين مضطهدين‪ ،‬ولم يعد بمقدورهم االرتقاء إلى مرتبة المواطنين األحرار التي يكفلها القانون الفرنسي‬
‫والتي كانت من حق المعمرين األوربيين واليهود فقط‪ .28‬ومن جهة أخرى خول مرسوم ‪ 10‬سبتمبر ‪ 1886‬حل الخالفات المدنية‬
‫والتجارية بين المسلمين لقضاة الصلح الفرنسي‪ ،‬ولم يبق للقضاة المسلمين سوى الفصل في قضايا األحوال الشخصية والمواريث‪.29‬‬
‫لقد غيرت اإلدارة االستعمارية كل شيء حتى العدالة المتمثلة في القضاء اإلسالمي‪ ،‬حيث جردتها من صالحياتها عن قصد‬
‫دفين تمهيدا لفرض القضاء الفرنسي على المسلمين‪ ،‬وصدق النائب البرلماني جونار لما صرح إن إصالح العدالة اإلسالمية معناه‪،‬‬
‫سحق العربي بإجراءاتنا‪ .30‬وطبعا غذت اإلدارة نفوذها بقرارات متعددة منها قرار ‪ 23‬أوت ‪ 1898‬الذي منح الحاكم العام كل‬
‫السلطات ال عسكرية والمدنية باستثناء العدل والتربية‪ .‬وبهذه الصفة يصبح الحاكم العام عضوا في مجلس استشاري (أي مجلس‬
‫الحكومة األعلى) الذي يضم نواب ماليين من فرنسيين منتخبين‪ ،‬وجزائريين مسلمين عمالء معروفين بإخالصهم لفرنسا‪ ،‬ولكنهم ال‬
‫يملكون حق التصويت‪.31‬‬
‫وبموجب قرار ‪ 1900/12/19‬أصبح للجزائر ميزانيتها الخاصة يقترحها الحاكم العام‪ ،‬ويناقشها مندوبون ماليون‪ ،‬كما أن‬
‫الجزائريين لم يخضعوا للنظام الجديد‪ ،‬حيث لم يعترف بهم كمواطنين جزائريين في وطنهم‪ ،‬فهم مجرد رعايا‪ ،‬وسواعد للعمل في‬
‫مزارع المعمرين‪ .‬وباستقالل الحكومة العامة والمعمرين بالميزانية سنة ‪ ،1900‬فتح باب الحكم الذاتي أمام هؤالء الدخالء لتسيير‬
‫‪41‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫المستعمرة بسلطة كاملة على األهالي‪ ،‬ودعموا سلطانهم بإنشاء مجالس للميزانية في العماالت‪ ،‬ومجالس بلدية بأنواعها المذكورة‬
‫سابقا‪ ،‬تعمل كلها من أجل دعم الكولون وتحرم الجزائريين من أبسط الحقوق‪ .‬وبالموازاة مع هذا سيطر العسكريون على القرى‬
‫واألرياف والمناطق الصحراوية أين يوجد الرحل‪ ،‬وساعدهم في ظلمهم الباشاغاوات والقياد وشيوخ الدواوير الذين ضيقوا الخناق‬
‫على مواطنيهم‪ ،‬وباعوا ضمائرهم لحماية مراكزهم ومصالحهم‪ .‬وكان تمثيل الجزائريون في المجالس المنتخبة شكليا‪ ،‬ال يتجاوز‬
‫عددهم ربع مجموع األعضاء والباقي فرنسيون‪.32‬‬
‫بعد اإلعالن عن دستور الجمهورية الثانية يوم ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1848‬والذي اعتبر الجزائر أرضا فرنسية‪ ،‬مكن قرار مارس‬
‫‪ 1848‬المستوطنين األوربيين من انتخاب نواب للبلديات يمثلوهم في الجزائر العاصمة‪ ،‬وهذا ما دفعهم إلى الضغط على اإلدارة‬
‫االستعمارية حتى قامت بإلغاء حق األهالي في انتخاب نواب لهم في المجالس البلدية عام ‪ 1850‬بدعوى عدم أهليتهم‪ .33‬لم يكن‬
‫للجزائريين حق المشاركة في البرلمان الفرنسيى‪ ،‬أما المعمرون فقد كانوا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنوهم في‬
‫فرنسا‪ .‬لقد تمكنوا من انتخباب ممثليهم في مجلس الشيوخ أيضا‪ ،‬وكذلك في الجمعية الوطنية‪ .34‬وأصدرت السلطات الفرنسية مرسوم‬
‫أكتوبر ‪ 1870‬الذي جاء ليكرس إخضاع كافة القبائل القاطنة في مناطق االستيطان للسلطة المدنية أي لسلطة الحكومة العامة‪،‬‬
‫وصدر مرسوم ‪ 10‬نوفمبر من السنة نفسها لي ضع المناطق العسكرية تحت سلطة والة العاصمة وقسنطينة ووهران‪ ،‬أما مرسوم‬
‫ديسمبر فنص على ضم أراضي القبائل الجزائرية المجاورة لمناطق االستيطان إلى المناطق المدنية وغيرها من المراسيم‪ .35‬لقد‬
‫اعتمدت اإلدارة فعال على قوانين ردعية لطرد سكان القبائل الثائرة إلى األراضي القاحلة بعد سلبها وتسليمها للمعمرين‪ ،‬وسلطت‬
‫بواسطة ممثلي البلديات الغرامات على السكان الجزائريين ألتفه األسباب‪ ،‬وبلغت تجاوزات شيوخ البلديات إلى حد سن قوانين‬
‫محلية تمنع سير األهالي والكالب على الشواطئ بدون أن تأخذ في الحسبان مشاعر الجزائريين وحقهم في التمتع أو التنقل على‬
‫أرضهم‪.‬‬
‫لقد أصبحت سلطة اإلدارة االستعمارية المحلية مطلقة‪ ،‬وأصبح حراس الغابات ورجال الدرك في األرياف سادة‪ ،‬بحجز‬
‫ممتلكات األهالي وإصدار عقوبات في حقهم وتحويلهم على القضاء‪ .‬لقد اختفى نظام الحبوس‪ ،‬حيث سلبت جميع العقارات واألمالك‬
‫وتحولت عائداتها إلى مجرد أرضية لتطبيق االستيطان‪ ،‬كما سلطت اإلدارة االستعمارية شتى الضرائب على الجزائريين‪ ،‬وأدى‬
‫هذا إلى تمويل الخزينة العمومية بما تحتاجه اإلدارة من أموال في مشاريعها‪ ،‬وانتفاع المعمرين منها بشكل سافر‪ .‬وكان قانون‬
‫األهالي وراء مشاكل الجزائريين التي لم تنتهي بعد حلول االستعمار‪ ،‬فرغم مهام محافظي البلديات في تنبيه األهالي وإرشادهم‪،‬‬
‫ومنع وقوع المخالفات أكثر من معاقبة مرتكبيها‪ ،‬إال أن عدد العقوبات تزايد بصورة محسوسة موازاة مع أزمة انعدام األمن ومع‬
‫نجاح المستوطنين في تجسيد مطالبهم‪.36‬‬
‫بهذه السياسة العنصرية واإلقصائية تمكن المحتل من بسط نفوذه داخل الجزائر‪ ،‬وبهذا التوسع اإلقليمي واإلداري تم إخماد‬
‫الثورات الشعبية‪ ،‬كما حاول تفكيك البنية االجتماعية والقبلية‪ ،‬لكن الشعب الجزائري في المقابل ظل متماسكا ومحافظا على قيمه‬
‫اإلسالمية بفضل العزوف عن اإلدارة االستعمارية وخدامها من الجزائريين منتظرا الفرصة للتخلص من أبشع استعمار استيطاني‬
‫عرفه التاريخ المعاصر‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫الهوامش‬
‫* ‪ -‬صالح فركوس‪ ،‬تاريخ الجزائر(المراحل الكبرى)‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2005 ،‬ص‪.244.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Charles Dumas, Petite Histoire de l’Algérie, Imp: Paul Brodart, Hachette, 1931, p.27.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, p.29.‬‬
‫‪ -4‬عمر موفق‪ ،‬السياسة االستعمارية من االحتالل الجزئي إلى االحتالل الشامل‪ ،‬مجلة عصور‪ ،‬عدد ‪ 7-6‬جوان‪ -‬ديسمبر‪،2005 ،‬‬
‫ص‪.118.‬‬
‫‪ -5‬محمد بكار‪ ،‬نواب اإلدارة االستعمارية الفرنسية في الجزائر ‪ ،1956-1919‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في التاريخ‬
‫الحديث والمعاصر‪ ،‬جامعة الجياللي ليابس بسيدي بلعباس‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2014-2013‬ص‪.14.‬‬
‫‪ -6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.16.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- Charles Dumas, op.cit, p.40.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪- Eugene Buret, Le Conquête de l’Algérie, Galerie de l’Orient, Paris, 1942. p.297.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-Les Institutions Algériennes 1870-1896, Documents Algériens, Service d’Information‬‬
‫‪du Cabinet du Gouverneur Général de l’Algérie, N°17, 10 Août 1948.‬‬
‫*‪ -0‬محمد بكار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.24.‬‬
‫‪*1‬‬
‫‪- Charles Dumas, op.cit, p.40.‬‬
‫‪ -12‬عمر موفق‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.118.‬‬
‫‪*3‬‬
‫‪-Victor Heintz, Rapport Sur Les Œuvres Spéciales Intéressant les Indigènes, Gouvernement Général‬‬
‫‪de L’Algérie, Direction des Affaires Indigènes, Imprimeur du Gouvernement Général, Alger Service‬‬
‫‪Gallica.bnf.fr/Bibliothèque Nationale de France, p.20.‬‬
‫* ‪ -4‬محمد بكار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪*5‬‬
‫‪- Eugène Buret, op.cit, p.312.‬‬
‫‪*6‬‬
‫‪-Les Institutions Algériennes 1870-1896, op.cit.‬‬
‫‪ -17‬محمد بكار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.26.‬‬
‫* ‪ -8‬جمال خرشي‪ ،‬االستعمار وسياسة االستيعاب في الجزائر ‪ ،1962 -1830‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.174.‬‬
‫* ‪ -9‬أمال علوان‪ ،‬تدرج مسألة انتخابات الجزائريين ‪ ،1919-1870‬المجلة المغاربية للدراسات التاريخيةواالجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،3‬جامعة‬
‫الجياللي ليابس‪ ،‬مكتبة الرشاد للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬سيدي بلعباس‪ ،‬جوان ‪ ،2011‬ص‪.174.‬‬
‫‪ -20‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.126.‬‬
‫*‪2‬‬
‫‪- Les Institutions Algériennes 1870-1896, op.cit.‬‬
‫‪ -22‬محمد بكار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪- Les Institutions Algériennes 1870-1896, op.cit.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪ -25‬عبد الوهاب بن خليف‪ ،‬تاريخ الحركة الوطنية من االحتالل إلى االستقالل‪ ،‬ط‪ ،1‬دار طليطلة‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.61.‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪International Journal of Innovative Research in Human Sciences Vol 1. Issue 1 (2017) 035–043‬‬

‫‪ -26‬محمد بكار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.24.‬‬


‫‪ -27‬محمد السعيد قاصري‪ ،‬دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ‪ ،1962-1830‬دار الغرشاد للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2013 ،‬ص‪.324.‬‬
‫‪ -28‬عدة بن داهة‪ ،‬االستبطان والصراع حول ملكية األرض إبان االحتالل الفرنسي للجزائر ‪ ،1962-1830‬طبعة خاصة‪ ،‬وزارة‬
‫المجاهدين‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص ص‪.147-146:‬‬
‫‪ -29‬عدة بن داهة‪ ،،‬المرجع لسابق‪ ،‬ص ص‪.240-239:‬‬
‫‪ -30‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫*‪ -3‬إدريس خيضر‪ ،‬البحث في تاريخ الجزائر الحديث ‪ ،1930-1830‬دار الغرب للنشر والتوزيع‪ ،‬وهران‪ ،2006 ،‬ص ص‪-285:‬‬
‫‪.286‬‬
‫‪ -32‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.266-265:‬‬
‫‪ - 33‬إدريس خيضر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12.‬‬
‫‪ -34‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.287.‬‬
‫‪ -35‬بشير بالح‪ ،‬تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،1989-1830 ،‬دار المعرفة‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ص‪.332-331 :‬‬
‫‪ -36‬شارل روبير آجرون‪ ،‬الجزائريون المسلمون وفرنسا ‪ ،1919-1871‬تر‪ :‬حاج مسعود‪ ،‬دار الرائد للكتاب‪ ،‬الجزائر‪،2007 ،‬‬
‫ص‪.192.‬‬

You might also like