You are on page 1of 192

‫كتاب الشجرة النعمانية‬

‫الشيخ األكبر محيي الدين ابن العربي‬


‫الطائي الحاتمي‬

‫شرح أبو المعالي صدر الدين‬


‫محمد بن إسحاق القونوي‬

‫‪1‬‬
‫الشجرة النعمانية بشرح صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي‬

‫مقدمة محقق كتاب الشجرة النعمانية‬


‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫ِب ْ‬
‫تقديم‬
‫الحمد هّلل الواحد األحد ‪ ،‬الفرد الصمد ‪ ،‬الذي ليس كمثله شيء من حيث ذاته ‪ ،‬والسميع‬
‫البصير من حيث أسماؤه وصفاته ‪ ،‬ال تدركه األبصار من حيث خفاء بطونه ‪ ،‬ووجوه‬
‫يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ‪ ،‬من حيث تجلهيات ظهوره ‪،‬‬
‫سو ٍل فَإِناهُ يَ ْسلُكُ ِم ْن‬ ‫ب فَال يُ ْ‬
‫ظ ِه ُر َعلى َغ ْي ِب ِه أ َ َحدا ً ( ‪ِ ) 26‬إ اال َم ِن ْ‬
‫ارتَضى ِم ْن َر ُ‬ ‫عا ِل ُم ْالغَ ْي ِ‬
‫صدا ً ( ‪ [) 27‬الجن ‪. ] 27 ، 26 :‬‬ ‫َبي ِْن َي َد ْي ِه َو ِم ْن خ َْل ِف ِه َر َ‬
‫سر األسرار ومنبع األنوار ‪ ،‬تجلهى له كل شيء وعرفه ‪،‬‬ ‫ّللا على سيدنا محمد ه‬ ‫وصلهى ه‬
‫كما ثبت في الصحيح ‪،‬‬
‫ّللا عنه قال ‪« :‬‬ ‫فقد روى الترمذي في الجامع الصحيح عن معاذ بن جبل رضي ه‬
‫ّللا عليه وسلم ذات غداة عن صالة الصبح حتى كدنا‬ ‫ّللا صلى ه‬ ‫احتبس عنا رسول ه‬
‫ّللا عليه‬‫ّللا صلى ه‬ ‫نتراءى عين الشمس ‪ ،‬فخرج سريعا فثوب بالصالة فصلى رسول ه‬
‫وسلم وتجوز في صالته ‪.‬‬
‫فلما سلم دعا بصوته قال ‪ « :‬لنا على مصافكم كما أنتم ‪ ،‬ثم انفتل إلينا ثم قال ‪ :‬أما إني‬
‫سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة ‪ ،‬إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي ‪،‬‬
‫فنعست في صالتي حتى استثقلت ‪ ،‬فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا محمد ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لبيك رب ‪.‬‬
‫قال فيم يختصم المأل األعلى ؟‬
‫قلت ال أدري قالها ثالثا ‪،‬‬
‫قال فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي ‪ .‬فتجلى لي كل شيء‬
‫وعرفت ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا محمد ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬لبيك رب‬
‫قال ‪ :‬فيم يختصم المأل األعلى ؟‬
‫قلت ‪ :‬في الكفارات‬
‫قال ‪ :‬ما هن قلت ‪ :‬مشي األقدام إلى الحسنات والجلوس في المساجد بعد الصلوات‬
‫وإسباغ الوضوء حين الكريهات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيم قلت إطعام الطعام ولين الكالم والصالة بالليل والناس نيام ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬سل قل ‪ :‬اللهم إني أسألك فعل الخيرات ‪ ،‬وترك المنكرات ‪ ،‬وحب المساكين ‪،‬‬
‫وأن تغفر لي وترحمني ‪ ،‬وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون ‪ ،‬أسألك‬
‫حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلي حبك » ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬إنّها حق فادرسوها ثم تعلموها »‬ ‫ّللا صلى ه‬ ‫قال رسول ه‬
‫ّللا عليه وسلم‬
‫قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ‪ .‬وقال صلى ه‬
‫فيما رواه اإلمام أحمد وغيره عن مكحول مرسال ‪ « :‬من أخلص ّّلل أربعين يوما‬
‫تفجرت ينابيع الحكمة من فمه وعلى لسانه »‬
‫التصوف اإلسالمي التي نقوم بتحقيقها وتنقيحها‬ ‫ه‬ ‫‪ .‬وبعد ففي إطار مجموعة كتب‬
‫وتصحيحها ونشرها بأبهى حلهة خدمة للركن الثالث أركان الدين اإلسالمي الكامل الذي‬
‫هو اإلحسان ؛ مقام التربية والسلوك إلى ملك الملكوت وعالم الغيوب مقام ‪:‬‬
‫ّللا كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك »‪.‬‬ ‫« أن تعبد ه‬
‫للقراء كتاب ( الشجرة النعمانية ) للشيخ األكبر محيي الدين بن العربي الحاتمي‬ ‫نقدم ّ‬
‫ّللا تعالى ونفعنا بعلومه وأسراره ‪ ،‬وشرحه لتلميذه الشيخ صدر الدين القونوي ‪.‬‬ ‫رحمه ه‬
‫ألفها في الدولة العثمانية وذكر فيها ما يكون فيها وفي غيرها من أخبار وأحداث كونية‬
‫طبيعية وسياسية وتحدث عن ظهور اإلمام المهدي في آخر الزمان ‪.‬‬
‫وبين الشيخ األكبر محور موضوعات كتابه بقوله ‪:‬‬
‫« موضوع هذا العلم الداللة على قدرة الباري ج هل وعال لكونه من جملة العلوم الباعثة‬
‫عن أسرار القدر بما يشير إليه من الودائع المخزونة في كنوز الحروف التي عليها‬
‫ّللا تعالى لفهم تلك الرموز الحرفية ‪ ،‬عرف جميع األصول الجفرية‬ ‫المدار ‪ ،‬فمن وفقه ه‬
‫المرتبطة بدالالت االقترانات الفلكية ‪ ،‬المسلطة على أقطار الدائرة الكونية وحصول‬
‫تأثيراتها في أركان الدائرة بالحوادث والوقائع المؤثرة في أحايينها وأناتها كائنة ما‬
‫كانت » ‪.‬‬
‫ويلي الكتاب مجموعة كتب صغيرة للشيخ األكبر نفسه وهي على الترتيب التالي ‪:‬‬
‫كتاب ( شق الحبيب بعلم الغيب ) ذكر فيه ما يحتاجه طالب معرفة العالم الكبير‬
‫وأسرار علم الغيب بكن ويكون ‪.‬‬
‫وكتاب ( منزل المنازل الفهوانية ) تكلم فيه عن المنازل الروحية خالل عروجها من‬
‫قوالبها الظلمانية السفلى إلى السماوات العلى ‪.‬‬
‫وكتاب ( المقصد األسمى في اإلشارات ) تكلم فيه على ما وقع في القرآن الكريم من‬
‫األسماء والكنايات بلسان الشريعة والحقيقة ‪.‬‬
‫وكتاب ( العظمة ) تكلم فيه عن أسرار حضرات روحية يتحقق بها السالكون العارفون‬
‫باّلل تعالى ‪ ،‬ومدار جميعها على تجلي أنوار العظمة اإللهية ‪،‬‬ ‫ه‬
‫وكتاب ( تاج الرسائل ومنهاج الوسائل ) تحدث فيه عن المعاني اإللهية المودعة في‬
‫المشرفة ‪.‬‬
‫ه‬ ‫المعاني الروحانية التي جرت بينه وبين الكعبة‬
‫وم هما ال شك فيه أن كتب التصوف اإلسالمي تساعد المريد على االطالع على األحوال‬
‫ّللا تعالى ‪،‬‬
‫يمر بها السالك إلى ه‬
‫والمقامات ‪ ،‬التي ه‬
‫كما يطلع على الحكم والقواعد الصوفية ‪ ،‬التي يستلهم منها كيفية التحقق بأحكام مقام‬
‫‪:‬وا ْعبُ ْد‬‫اإلسالم وأنوار مقام اإليمان ‪ ،‬وأسرار مقام اإلحسان ‪ ،‬وصوال إلى قوله تعالى َ‬
‫َرب َاك َحتاى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِقي ُن ( ‪ [) 99‬الحجر ‪. ] 99 :‬‬

‫‪3‬‬
‫كل ذلك بإشراف ورعاية وتربية شيخه العالم بأمراض النفوس والقلوب ؛ وباألدوية‬
‫الشافية له من هذه األمراض ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم علوم وأسرار مقامات الدين الثالث ؛ اإلسالم‬ ‫ألنه ورث عن النبي صلى ه‬
‫واإليمان واإلحسان ‪ ،‬الشريعة والطريقة والحقيقة ؛ الملك والملكوت والجبروت ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬العلماء ورثة األنبياء » ‪.‬‬ ‫مصداقا لقوله صلى ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬إن هذا العلم دين فانظروا ع همن تأخذون دينكم » ‪.‬‬ ‫و قوله صلى ه‬
‫ّللا تعالى أن ينفعنا والمسلمين بما في هذه الكتب من الحب واإلخالص‬ ‫ونرجو ه‬
‫ّللا عليه‬ ‫والصدق واليقين ‪ ،‬ومن أنوار أسرار ما تعبدنا هّلل به على لسان نبيهه صلى ه‬
‫سنَةٌ ِل َم ْن كانَ َي ْر ُجوا ا َ‬
‫ّللا‬ ‫ّللا أ ُ ْس َوة ٌ َح َ‬
‫سو ِل ا ِ‬ ‫وسلم ‪ :‬مصداقا لقوله تعالى ‪:‬لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم ِفي َر ُ‬
‫ّللا َك ِثيرا ً ( ‪ [) 21‬األحزاب ‪] 21 :‬‬ ‫َو ْال َي ْو َم ْاْل ِخ َر َو َذ َك َر ا َ‬
‫ي يُوحى ( ‪ [) 4‬النجم ‪، 3 :‬‬ ‫وقوله تعالى ‪َ :‬وما يَ ْن ِط ُق َع ِن ْال َهوى ( ‪ ) 3‬إِ ْن ُه َو إِ اال َو ْح ٌ‬
‫‪]4‬‬
‫سو َل فَأُولئِ َك َم َع الاذِينَ أ َ ْن َع َم ا‬
‫ّللاُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النا ِبيِهينَ‬ ‫الر ُ‬
‫ّللا َو ا‬‫وقوله تعالى ‪َ :‬و َم ْن يُ ِطعِ ا َ‬
‫سنَ أُولئِ َك َرفِيقاً( ‪ [ ) 69‬النساء ‪] 69 :‬‬ ‫صا ِل ِحينَ َو َح ُ‬
‫داء َوال ا‬‫ش َه ِ‬ ‫ص هدِي ِقينَ َوال ُّ‬
‫َوال ِ ه‬
‫ّللا تعالى في الدنيا ‪ ،‬والنظر إلى وجهه الكريم‬ ‫للنال السعادة الحقيقية المتمثلة بمعرفة ه‬
‫ناظ َرة ٌ‬
‫ناض َرة ٌ ( ‪ ) 22‬إِلى َر ِبهها ِ‬ ‫في اْلخرة مصداقا لقوله تعالى ‪ُ :‬و ُجوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ ِ‬
‫( ‪ [) 23‬القيامة ‪. ] 23 ، 22 :‬‬
‫كتبه الشيخ الدكتور عاصم إبراهيم الكيالي الحسيني الشاذلي الدرقاوي‬

‫ترجمة شارح الشجرة النعمانية صدر الدين القونوي‬


‫* هو اإلمام محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي نسبة إلى‬
‫بلدته قونية وكانت تحت حكم الرومان وهي اْلن إحدى مدن جنوب تركيا ‪.‬‬
‫* كان القونوي شافعي المذهب أكبري المشرب فهو من خواص تالميذ الشيخ األكبر‬
‫المقربين الذين أخذوا عنه ونشروا مذهبه ‪ .‬وربما يعود‬
‫ه‬ ‫محي الدين بن العربي الحاتمي‬
‫السبب في ذلك إلى عاملين ‪،‬‬
‫غرا إلى الشيخ األكبر محي‬ ‫األول ‪ :‬ه‬
‫أن أمه أرسلته بعد وفاة والده وهو ما زال طفال ه‬
‫الدين بن العربي حيث درس على يديه الفقه وحفظ القرآن الكريم وتعلم القراءات ‪،‬‬
‫وسرعان ما تأثر بشيخه وبمذهبه الصوفي فزهد في زخارف الحياة الدنيا وانكبه على‬
‫التصوف علما وعمال ‪.‬‬
‫ه‬
‫أن الشيخ األكبر تزوج أمه فشجعه ذلك على مالزمته حتى وفاته ‪.‬‬ ‫والثاني ‪ :‬ه‬
‫* جرت مكاتبات عديدة بين الشيخ صدر الدين القونوي والشيخ نصير الدين الطوسي‬
‫في كثير من المسائل الفقهية التي ع همت معارفه في ميدان الفقه اإلسالمي وخاصة‬
‫المذهب الشافعي كما جرى بينهما مكاتبات في مسائل الطريقة والحقيقة ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫* ترك القونوي العديد من الكتب القيّمة التي أثرت المكتبة اإلسالمية في علمي‬
‫الشريعة والحقيقة ‪.‬‬
‫ومن كتبه ‪:‬‬
‫« إعجاز البيان في تفسير القرآن ‪ ،‬والنصوص في تحقيق الطور المخصوص ‪،‬‬
‫واللمعة النورانية في مشكالت الشجرة النعمانية ‪ ،‬ومفتاح الغيب وشرح األحاديث‬
‫األربعينية وشرح األسماء الحسنى ‪ ،‬والرسالة الهادية والنفحات اإللهية القدسية ‪،‬‬
‫والرسالة الرشيدية في أحكام الصفات اإللهية ‪ ،‬والرسالة المفصحة ‪ ،‬ولطائف اإلعالم‬
‫في إشارات أهل اإللهام ‪ ،‬وبرزخ البرازخ ‪.‬‬
‫* ولد القونوي في بلدته قونية الواقعة جنوب تركيا وهو مجهول تاريخ الوالدة ‪ ،‬وتوفي‬
‫فيها سنة ‪ 673‬هـ ‪ 1275‬م ودفن في أحد الزوايا التي أصبحت فيما بعد مقاما له يزار‬
‫حتى يومنا هذا ‪.‬‬

‫( ‪ ) 1‬للتوسع في ترجمته يرجع للمصادر التالية ‪ :‬األعالم للزركلي ( ‪) 30 / 6‬‬


‫ومفتاح السعادة ( ‪ 451 / 1‬و ‪ ) 211 / 2‬وطبقات السبكي ‪ 19 / 5‬وجامع كرامات‬
‫األولياء ( ‪ ) 133 / 1‬وكشف الظنون ( ‪ ) 1956 / 2‬وبروكلمان ( ‪ ) 1‬والكتبخانه‬
‫( ‪ 363 / 5‬و ‪ 364‬و ‪ 176 / 7‬و ‪. ) 382‬‬

‫ترجمة الشيخ األكبر محيي الدين بن العربي‬


‫نسبه‬
‫ّللا بن حاتم أخي‬
‫ّللا الحاتمي من ولد عبد ه‬
‫هو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد ه‬
‫ي مهد النبوغ والتفوق العقلي في جاهليهتها وإسالمها ‪.‬‬
‫ي بن حاتم من قبيلة ط ه‬
‫عد ه‬
‫يكنى أبا بكر ويلقب بمحيي الدين ‪،‬‬
‫ويعرف بالحاتمي وبابن عربي لدى أهل المشرق تفريقا بينه وبين القاضي أبي بكر بن‬
‫العربي ‪.‬‬

‫مولده ونشأته ‪:‬‬


‫ولد في يوم االثنين السابع عشر من رمضان عام خمسمائة وستين هجرية الموافق ‪28‬‬
‫يولية سنة ألف ومائة وخمس وستين ميالدية في مدينة « مرسية » باألندلس ‪ ،‬وهي‬
‫مدينة أنشأها المسلمون في عهد بني أمية ‪.‬‬
‫وكان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه والحديث ‪ ،‬ومن أعالم الزهد والتقوى‬
‫والتصوف ‪.‬‬
‫وكان جده أحد قضاة األندلس وعلمائها ‪ ،‬فنشأ نشأة تقيهة ورعة نقيهة من جميع الشوائب‬
‫الشائبة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وهكذا درج محيي الدين في جو عامر بنور التقوى ‪ ،‬فيه سباق حر مشرق نحو‬
‫الشرفات العليا لإليمان ‪ ،‬وفيه عزمات لرجال أقوياء ينشدون نصرا وفوزا في‬
‫محاريب الهدى والطاعة ‪.‬‬
‫وانتقل والده إلى إشبيلية ‪ ،‬وحاكمها إذ ذاك السلطان محمد بن سعد ‪ ،‬وهي عاصمة من‬
‫عواصم الحضارة والعلم في األندلس ‪ ،‬وفيها شب محيي الدين ودرج ‪.‬‬
‫وما كاد لسانه يبين حتى دفع به والده إلى أبي بكر بن خلف عميد الفقهاء ‪ ،‬فقرأ عليه‬
‫القرآن الكريم بالسبع في كتاب « الكافي » ‪ ،‬فما أتم العاشرة من عمره حتى كان‬
‫مبرزا في القراءات ملهما في المعاني واإلشارات ‪.‬‬
‫ثم أسلمه والده إلى طائفة من رجال الحديث والفقه ‪ ،‬يذكرهم لنا اإلمام شمس الدين بن‬
‫مسدي في روايته عن محيي الدين فيقول واصفا متحدثا عن أساتذته األول ‪:‬‬
‫« كان جميل الجملة والتفصيل ‪ ،‬محصال لفنون العلم أخص تحصيل ‪ ،‬وله في األدب‬
‫الشأو الذي ال يلحق ‪ ،‬والتقدم الذي ال يسبق ‪ ،‬سمع في بالده في شبابه الباكر من ابن‬
‫زرقون ‪ ،‬والحافظ ابن الجد ‪ ،‬وأبي الوليد الحضرمي ‪ ،‬الشيخ أبي الحسن بن نصر » ‪.‬‬
‫ثم ال يذكر لنا التاريخ بعد ذلك شيئا ذا بال عن شباب محيي الدين ‪ ،‬وال عن شيوخه ‪،‬‬
‫ومقدار ما حصل من العلوم والفنون ؛ وإنما هو يحدثنا أنه مرض في شبابه مرضا‬
‫شديدا ‪ .‬وفي أثناء شدة الحمى رأى في المنام أنه محوط بعدد ضخم من قوى الشر ‪،‬‬
‫مسلحين يريدون الفتك به ‪.‬‬
‫ففرقها‬
‫وبغتة رأى شخصا جميال قويا مشرق الوجه ‪ ،‬حمل على هذه األرواح الشريرة ه‬
‫شذر مذر ‪ ،‬ولم يبق منها أي أثر ‪ ،‬فيسأله محيي الدين من أنت ؟ فقال له ‪ :‬أنا سورة‬
‫يس ‪.‬‬
‫وعلى أثر هذا استيقظ فرأى والده جالسا إلى وسادته يتلو عند رأسه سورة يس ‪.‬‬
‫ثم لم يلبث أن برئ من مرضه ‪ ،‬وألقي في روعه أنه مع هد للحياة الروحية ‪ ،‬وآمن‬
‫بوجود سيره فيها إلى نهايتها ففعل ‪.‬‬
‫وفي طليعة هذا الشباب المزهر بفضل ثروة أسرته تزوج بفتاة تعتبر مثاال في الكمال‬
‫الروحي والجمال الظاهري وحسن الخلق ‪ ،‬فساهمت معه في تصفية حياته الروحية ‪،‬‬
‫بل كانت أحد دوافعه إلى اإلمعان فيها ‪.‬‬
‫وفي هذه األثناء كان يتردد على إحدى مدارس األندلس التي تعلم سرا مذهب األمبيذ‬
‫وقلية المحدثة المفعمة بالرموز والتأويالت والموروثة عن الفيثاغورية واألورفيوسية‬
‫والفطرية الهندية ‪.‬‬
‫وكانت هذه المدرسة هي الوحيدة التي تدرس لتالميذها المبادئ الخفية والتعاليم‬
‫الرمزية منذ عهد ابن مسرة المتوفى بقرطبة في سنة ‪ 319‬هـ ‪ 931 -‬م والذي لم‬
‫يعرف المستشرقون مؤلفاته هإال عن طريق محيي الدين ‪.‬‬
‫وكان أشهر أساتذة تلك المدرسة في ذلك القرن ابن العريف المتوفى في سنة ‪ 1141‬م‬
‫فلم يره محيي الدين ‪ ،‬ولكنه تتلمذ على منتجاته وعلى رواية تلميذه المباشر وصديق‬
‫ّللا الغزال ‪.‬‬
‫محيي الدين الوفي أبي عبد ه‬

‫‪6‬‬
‫ومما ال ريب فيه أن استعداده الفطري ونشأته في هذه البيئة التقية ‪ ،‬واختالفه إلى تلك‬
‫المدرسة الرمزية ‪ ،‬كل ذلك قد تضافر على إبراز هذه الناحية الروحية عنده في سن‬
‫مبكرة وعلى صورة ناصعة ال تتيسر للكثيرين ممن تشوب حياتهم األولى شوائب‬
‫الغرائز والنزوات ‪.‬‬
‫فلم يكد يختم الحلقة الثانية من عمره حتى كان قد انغمس في أنوار الكشف واإللهام ‪،‬‬
‫ولم يشارف العشرين حتى أعلن أنه جعل يسير في الطريق الروحاني بخطوات واسعة‬
‫ثابتة ‪ ،‬وأنه بدأ يطلع على أسرار الحياة الصوفية ‪ ،‬وأن عددا من الخفايا الكونية قد‬
‫تكشف أمامه ‪ ،‬وأن حياته منذ ذلك العهد المبكر لم تعد سوى سلسلة من البحث‬
‫المتواصل عما يحقق الكمال لتلك االستعدادات الفطرية التي تنير أضواؤها جوانب‬
‫عقله وقلبه ‪.‬‬
‫ولم يزل عاكفا على ذلك النشاط الروحاني حتى ظفر بأكبر قدر ممكن من األسرار ‪.‬‬
‫ولم تكن آماله في التغلغل إلى تلك األسرار وبحوثه عن وسائلها الضرورية تقف عند‬
‫حد ‪ ،‬ألنه أيقن منذ نعومة أظفاره بأنه مؤمن بمبادىء عقيدة حقيقية أزلية مرت بجميع‬
‫األزمان الكونية ‪ ،‬وطافت بكل األجناس البشرية متممة ما فيها من نقص وقصور ‪،‬‬
‫وأنها جمعت كل الروحانيات في الوحدة الفطرية التي تتمثل من حين إلى آخر في‬
‫صور تنسكية رفيعة تبدو على مسرح اإلنسانية ردحا من الزمن ثم تختفي ‪ ،‬وال يدرك‬
‫حقيقتها إال القليلون ‪.‬‬

‫وأكثر من ذلك أنه حين كان ال يزال في قرطبة قد تكشف له من أقطاب العصور البائدة‬
‫عدد من حكماء فارس واإلغريق كفيثاغورس ‪ ،‬وأمبيذوقليس ‪ ،‬وأفالطون ومن إليهم‬
‫ممن ألقيت على كواهلهم مسؤولية القطبية الروحية في عصورهم المتعاقبة قبل ظهور‬
‫اإلسالم ‪.‬‬
‫وهذا هو السبب في أنه قد شغف بأن يطلع على جميع الدرجات التنسكية في كل‬
‫األديان والمذاهب عن طريق أرواح رجالها الحقيقيين بهيئة مباشرة ‪ ،‬وبصورة مؤسسة‬
‫على الشرف العلمي الذي يحمل الباحث النزيه على االعتماد عليه دون أدنى تردد أو‬
‫ارتياب ‪.‬‬

‫غير أن هذه السكينة الروحانية التي بدأت لدى هذا الشاب مبكرة والتي كانت ثمارها‬
‫فيما بعد تتمثل في تلك المعرفة التي أشرنا إليها آنفا ‪ ،‬لم تدم طويال على حالة واحدة ‪،‬‬
‫إذ أنه لم يلبث أن تبين أول األمر باإللهام ‪ ،‬ثم عن طريق الكشف الجلي أنه لم يعد له‬
‫ب هد ‪ -‬في تلك البيئة المغربية إذ ذاك –‬
‫من أحد أمرين ‪ :‬إما أن يجاري التيار العام الذي كان يحدق به إحداق السوار بالمعصم‬
‫‪ ،‬وهو أن يتقيد في جميع أفكاره وتعقالته وأحاسيسه ومشاعره وحركاته وسكناته‬
‫سر وال رمز وال تأويل ‪ ،‬وبهذا تختفي‬
‫بحرفية الدين التي ال روح فيها وال حياة وال ه‬
‫شخصيته الحقيقية وتفشل رسالته الطبيعية ‪ ،‬وهذا شيء ال يستطيعه بأي حال ‪ ،‬وإما أن‬

‫‪7‬‬
‫يسير على فطرته وحسب تكوين عقله وقلبه فيصطدم في كل خطوة من خطواته من‬
‫أهل الحل والعقد في البالد ‪.‬‬
‫وقد حدث ذلك فعال حيث احتدمت بينه وبين بعض األمراء الموحدين مجادالت عنيفة ‪،‬‬
‫وحيكت حوله دسائس قوية اتهمته بإحداث اضطراب في سياسة الدولة ‪.‬‬
‫وإذ ذاك رأى في حالة اليقظة أنه أمام العرش اإللهي المحمول على أعمدة من لهب‬
‫متفجر ‪ ،‬ورأى طائرا بديع الصنع يحلق حول العرش ويصدر إليه األمر بأن يرتحل‬
‫إلى الشرق وينبئه بأنه سيكون هو مرشده السماوي ‪،‬‬
‫وبأن رفيقا من البشر يدعى فالنا ينتظره في مدينة فاس ‪ ،‬وأن هذا األخير قد أمر هو‬
‫أيضا بهذه الرحلة إلى الشرق ‪ ،‬ولكنه يجب أال يرتحل قبل أن يجيء إليه رفيق من‬
‫األندلس ‪ ،‬فيفعل ما أمر به ويرتحل بصحبة هذا الرفيق ‪.‬‬

‫وفيما بين سنتي ‪ 620 ، 597‬هـ ‪ 1223 ، 1200‬م يبدأ رحالته الطويلة المتعددة إلى‬
‫بالد الشرق فيتجه في سنة ‪ 1201‬م إلى مكة فيستقبله فيها شيخ إيراني وقور جليل‬
‫عريق المحتد ممتاز في العقل والعلم والخلق والصالح ‪.‬‬
‫وفي هذه األسرة التقية يلتقي بفتاة تدعى « نظاما » وهي ابنة ذلك الشيخ ‪ ،‬وقد حبتها‬
‫السماء بنصيب موفور من المحاسن الجسميهة ‪ ،‬والميزات الروحانية الفائقة ‪ ،‬فاتخذ‬
‫منها محيي الدين رمزا ظاهريا للحكمة الخالدة ‪ ،‬وأنشأ في تصوير هذه الرموز قصائد‬
‫سجلها في ديوان ألفه في ذلك الحين ‪.‬‬
‫وفي هذه البيئة النقية المختارة له من قبل سطعت مواهبه العقلية والروحية ‪ ،‬وتركزت‬
‫حياته الصوفية ‪ ،‬وجعلت تصعد في معارج القدس شيئا فشيئا حتى بلغت شأوا عظيما ‪.‬‬
‫ومن ذلك أنه في إحدى طوفاته التأملية والبدنية بالكعبة يلتقي من جديد بمرشده‬
‫السماوي الذي أمره سالفا بالهجرة من األندلس والمغرب إلى األصقاع الشرقية ‪،‬‬
‫فيتلقى منه األمر أيضا بتأليف كتابه الجامع الخالد « الفتوحات المكية » الذي ضمنه‬
‫أكثر وأهم آرائه الصوفية والعقلية ومبادئه الروحية ‪ ،‬والذي ال يتطاول إلى قمته في‬
‫عصره أي كتاب آخر فيما نعلم من إنتاج هذا الصنف من المتنسكين ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 1204‬م يرتحل إلى الموصل حيث تجتذبه تعاليم الصوفي الكبير علي بن‬
‫ّللا بن جامع الذي تلقى لبس الخرقة عن الخضر مباشرة ‪ ،‬ثم ألبس محيي الدين‬ ‫عبد ه‬
‫إياها بدوره ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1206‬م نلتقي به في القاهرة مع فريق من الصوفية الذي يطبقون حياة‬
‫تنسكية قوية محافظة ‪.‬‬
‫وهنا يظهر له رائد سماوي يأمره بإدخال شيء من الكمال على مذهبه ‪ ،‬ولكنه ال يكاد‬
‫يفعل حتى يتنمر له عدد من الفقهاء يحيكون حوله وحول أصحابه شباكا من الدسائس‬
‫تهدهد اطمئنانهم بل حياتهم ‪ ،‬ولوال نفود أحد أصدقائه لوقع في ذلك الخطر ‪ ،‬ولكنه‬
‫لحسن حظه يستطيع أن ينجو بنفسه ويفر إلى مكة في سنة‬

‫‪8‬‬
‫م فيلتقي فيها بأصدقائه القدماء األوفياء ‪ ،‬ويقيم بينهم في هدوء وسكينة نحو ثالثة أعوام‬
‫‪ ،‬ثم يرتحل إلى قونية بتركيا حيث يتلقاه أميرها السلجوقي باحتفال بهيج ‪.‬‬

‫وهناك يتزوج بوالدة صدر الدين القونيوي ‪ ،‬وهو أحد تالميذه المفضلين ثم ال يلبث أن‬
‫يرتحل إلى أرمينيا ‪ ،‬ومنها إلى شاطىء الفرات ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1211‬م نلتقي به في بغداد حيث يتصل بالصوفي المعروف شهاب الدين‬
‫عمر السهروردي ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1214‬م يعود إلى مكة وال يكاد يستقر فيها حتى يجد أن عددا من فقهائها‬
‫المنافقين الدساسين قد جعلوا يشوهون سمعته ويرمونه بأن قصائده التي نشرها في‬
‫ديوانه الرمزي منذ ثالثة عشر عاما كانت تصور غرامه المادي الواقعي بالفتاة «‬
‫نظام » ابنة صديقه الشيخ اإليراني التي أشرنا آنفا إلى أنه اتخذ منها رمزا نقيا للحكمة‬
‫الخالدة ‪.‬‬
‫وعندما تبيهن هذه التهمة الرخيصة وعرف مصادرها الحقيقية حمل عليها وعلى‬
‫واضعيها حملة قوية كشفت زيفها للجميع بصورة جعلت القائمين بها يعترفون‬
‫بأخطائهم ويعتذرون إليه عنها ‪.‬‬
‫وبعد ذلك يرتحل إلى حلب فيقيم بها ردحا من الزمن معززا مكرما من أميرها ‪.‬‬
‫وأخيرا يلقي عصا التسيار في دمشق في سنة ‪ 1223‬م حيث كان أميرها أحد تالميذه‬
‫المؤمنين بعلمه ونقائه ويظل بها يؤلف ويعلم ‪ ،‬ويخرج التالميذ والمريدين يحوطه‬
‫الهدوء وتحف به السكينة حتى يتوفى بها في ‪ 28‬ربيع الثاني من سنة ‪ 638‬هـ‬
‫الموافق ‪ 16‬نوفمبر من سنة ‪ 1240‬م ‪.‬‬

‫مؤلفاته وشيوخه‬
‫قال الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني في كتابه « جامع كرامات األولياء » ضمن‬
‫ترجمته للشيخ ابن العربي ‪:‬‬
‫وقد اطلعت له على إجازة أجاز بها الملك المظفر ابن الملك العادل األيوبي ‪،‬‬
‫ذكر فيها كثيرا من مشايخه ومؤلفاته ‪ ،‬ولتمام الفائدة أذكرها هنا بحروفها فأقول ‪:‬‬
‫َّللا عنه ‪:‬‬
‫قال رضي ّ‬
‫َّللا الرحمن الرحيم ‪ ،‬وبه نستعين‬
‫بسم ّ‬
‫علي بن العربي الطائي األندلسي الحاتمي ‪،‬‬‫ّ‬ ‫أقول وأنا محمد بن‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬وأجزت السلطان الملك المظفر بهاء الدين غازي ‪،‬‬ ‫وهذا لفظي ‪ :‬استخرت ه‬
‫ّللا تعالى أبي بكر بن أيوب وأوالده ‪ ،‬ولمن أدرك‬ ‫ابن الملك العادل المرحوم إن شاء ه‬
‫حياتي الرواية عني في جميع ما رويته عن أشياخي ‪ ،‬من قراءة وسماع ومناولة‬
‫وكتاب وإجازة ‪ ،‬وجميع ما ألفته وصنفته من ضروب العلم ‪ ،‬وما لنا من نثر ونظم‬
‫على الشرط المعتبر بين أهل هذا الشأن ‪ ،‬وتلفظت باإلجازة عند تعبيري هذا الخط ‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫وذلك في غرة محرم سنة ‪ 632‬هـ بمحروسة دمشق وكان قد سألني في استدعائه أن‬
‫أذكر من أسماء شيوخي ما يتسر لي ذكره منهم ‪،‬‬
‫ّللا تعالى‬
‫وبعض مسموعاتي ‪ ،‬وما تيسر من أسماء مصنفاتي ‪ ،‬فأجبت استدعاءه نفعه ه‬
‫ي كريم ‪.‬‬
‫بالعلم ‪ ،‬وجعلنا وإياه من أهله ‪ ،‬إنه ول ه‬
‫فمن شيوخنا أبو بكر بن أخلف اللخمي ‪ ،‬قرأت عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع‬
‫ّللا محمد بن شريح الرعيني في مذاهب القراء السبعة‬ ‫بكتاب الكافي ألبي عبد ه‬
‫المشهورين ‪ ،‬وحدثني عن ابن المؤلف ‪.‬‬
‫ومن شيوخنا في القراءة أبو الحسن شريح بن محمد بن محمد بن شريح الرعيني ‪ ،‬عن‬
‫أبيه المؤلف ‪.‬‬
‫ومن شيوخنا في القرآن أيضا أبو القاسم عبد الرحمن بن غالب الشراط ‪ ،‬من أهل‬
‫قرطبة ‪ ،‬قرأت عليه أيضا القرآن الكريم بالكتاب المذكور وحدثني أيضا عن ابن‬
‫المؤلف أبي الحسن شريح عن أبيه المؤلف محمد بن شريح المقري ‪.‬‬
‫ّللا البازلي قاضي مدينة فاس ‪ ،‬حدثني بكتاب «‬ ‫ومن شيوخنا القاضي أبو محمد عبد ه‬
‫التبصرة في مذاهب القراء السبعة » ألبي محمد مكي المقري عن أبي بحر سفيان ابن‬
‫القاضي ‪ ،‬عن المؤلف بجمع تآليف مكي أيضا ‪ ،‬وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬

‫ومن شيوخنا القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي حمزة ‪ ،‬سمعت عليه كتاب‬
‫التيسير في مذاهب القراء السبعة ألبي عمرو عثمان بن أبي سعيد الداني المقري ‪،‬‬
‫حدثني به عن أبيه عن المؤلف وبجميع تآليف الداني وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬
‫ّللا محمد بن سعيد بن دربون ‪ ،‬سمعت عليه كتاب‬ ‫ومن شيوخنا القاضي أبو عبد ه‬
‫البقعي ألبي عمر يوسف بن عبد البر النميري الشاطبي ‪ ،‬وحدثني به عن أبي عمران‬
‫موسى بن أبي بكر ابن المؤلف وبجميع تآليفه مثل االستذكار ‪ ،‬والتمهيد ‪ ،‬واالستيعاب‬
‫‪ ،‬واالنتقاء ‪ ،‬وأجاز لي إجازة عامة في الروايتين ‪ ،‬أجاز لي أن أرويه عنه وجميع‬
‫تآليفه ‪.‬‬
‫ّللا اإلشبيلي ‪،‬‬
‫ومن شيوخنا المحدث أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد ه‬
‫حدثني بجميع مصنفاته في الحديث ‪ ،‬وعين لي من أسمائها تلقين المبتدي ‪ ،‬واألحكام‬
‫الصغرى والوسطى والكبرى ‪ ،‬وكتاب العاقة ونظمه ونثره ‪ ،‬وحدثني اإلمام أبي محمد‬
‫علي بن أحمد بن حزم عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح ‪ ،‬عنه ‪.‬‬

‫ومن شيوخنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن أبي الفضل الحرستاني ‪ ،‬سمعت عليه‬
‫صحيح مسلم حدثني به عن الفراوي عن عبد الغفار الجلودي ‪ ،‬عن إبراهيم المروزي‬
‫عن مسلم ‪ ،‬وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬
‫ومن شيوخنا يونس بن يحيى أبي الحسن العباسي الهاشمي ‪ ،‬نزل مكة سمعت عليه‬
‫كتبا كثيرة في الحديث والرقائق ‪ ،‬منها كتاب صحيح البخاري ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ومن شيوخنا المكيين أبو شجاع زاهد بن رستم األصفهاني إمام المقام بالحرم ‪ ،‬سمعت‬
‫عليه كتاب الترمذي ألبي عيسى ‪ ،‬حدثني به عن الكرخي عن الخزاعي المحبوبي عن‬
‫الترمذي ‪ ،‬وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬

‫ومن شيوخنا البرهان نصر بن أبي الفتوح بن عمر الحصري إمام مقام الحنابلة بالحرم‬
‫الشريف ‪ ،‬سمعت عليه كتبا كثيرة منها السنن ألبي داود السجستاني ‪ ،‬حدثني بها ‪ ،‬عن‬
‫ي بن ثابت الخطيب ‪ ،‬عن‬ ‫ي بن السمناني ‪ ،‬عن أبي بكر أحمد بن عل ه‬ ‫أبي جعفر بن عل ه‬
‫أبي عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي البصري ‪ ،‬عن أبي علي محمد بن‬
‫أحمد بن عمر اللؤلؤي ‪ ،‬عن أبي داود ‪ ،‬وأجاز لي إجازة عامة ‪.‬‬
‫وحدثني بكتب ابن ثابت الخطيب عن أبي جعفر السمناني ‪.‬‬
‫ّللا اإلفريقي ‪ ،‬سمعت عليه كتاب المعلم بفوائد مسلم‬‫ومن شيوخنا سالم بن رزق ه‬
‫للمازري ‪ ،‬حدثني به عنه وبجميع مصنفاته وتآليفه ‪ ،‬وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬
‫ومن شيوخنا محمد أبو الوليد بن أحمد بن محمد بن سبيل ‪ ،‬قرأت عليه كثيرا من تآليفه‬
‫‪ ،‬وناولني كتاب « نهاية المجتهد وكفاية المقتصد » واألحكام الشريفة من تأليفه ‪.‬‬
‫ّللا بن العزي الفاخري ‪ ،‬وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬ ‫ومن شيوخنا أبو عبد ه‬
‫ّللا بن عمر بن أحمد بن منصور الصفا ‪ ،‬حدثني بكتب‬ ‫ومن شيوخنا أبو سعيد عبد ه‬
‫الواحدي كتابة عبد الجبار محمد بن أحمد الحواري عنه ‪.‬‬
‫ومن شيوخنا أبو الوابل بن العربي ‪ ،‬سمعت عليه سراج المهتدين للقاضي ابن العربي‬
‫ابن عمه ‪ ،‬حدثني به عنه ‪ ،‬وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬
‫ومن شيوخنا أبو الثناء محمود بن المظفر اللبان ‪ ،‬حدثني بكتب ابن خميس عنه ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬محمد بن محمد بن محمد البكري ‪ ،‬سمعت عليه رسالة القشيري ‪ ،‬وحدثني بها‬
‫عن أبي األسعد عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ‪ ،‬عن‬
‫جده عبد الكريم ‪ ،‬المؤلف ‪ ،‬وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬ضياء الدين عبد الوهاب بن علي بن علي بن سكينة شيخ الشيوخ ببغداد ‪،‬‬
‫أجازني إجازة عامة ‪ ،‬وأخذ عني وأخذت عنه ‪ ،‬وسمعت عليه بمدينة باب السالم‬
‫بحضور ابنه عبد الرزاق ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني ‪ ،‬حدثني بتآليف‬
‫البيهقي وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم وأجازني إجازة عامة ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو طاهر السلفي األصبهاني ‪ ،‬أجازني إجازة عامة ‪ ،‬وهو يروي عن أبي‬
‫ي أن أروي عنه‬ ‫الحسن شريح بن عمرو بن شريح الرعيني المقري ‪ ،‬أجازني وكتب إل ه‬
‫كتب عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬وحدثني عن محمد نصار البيهقي عنه ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬جابر بن أيوب الحضرمي ‪ ،‬أجازني إجازة عامة ‪ ،‬وهو يروي عن أبي‬
‫الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني المقري ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وممن أجازني إجازة عامة محمد بن إسماعيل بن محمد القزويني ‪ ،‬والحافظ الكبير ابن‬
‫عساكر صاحب تاريخ دمشق ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو القاسم خلف بن بشكوال ‪.‬‬
‫ّللا بن الحسن الشافعي ‪.‬‬
‫ّللا بن عبد ه‬
‫ومنهم ‪ :‬القاسم بن علي بن الحسن بن هبة ه‬
‫ومنهم ‪ :‬يوسف بن الحسن بن أبي النقاب بن الحسين وأخوه أبو العباس أيضا ‪،‬‬
‫وأجازنا أبو القاسم ذاكر بن كامل بن غالب ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬محمد بن يوسف بن علي الغزنوي الخفهاف ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر بن حسن بن عمر بن أحمد القرشي‬
‫المياستي ‪.‬‬
‫ي بالرواية عنه‬‫ومنهم ‪ :‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحافظ ‪ ،‬كتب إل ه‬
‫بجميع تآليفه ونظمه ونثره وسمى لنا من كتبه « صفوة الصفوة » و « مثير الغرام‬
‫الساكن إلى أشرف األماكن » ‪ .‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو بكر بن أبي الفتح الشيخاني ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬المبارك بن علي بن الحسين الطباخ ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد الرحمن ابن األستاذ ‪ ،‬المعروف بابن علوان ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد الجليل الزنجاني ‪.‬‬
‫ّللا بن علي بن مسعود بن شداد الموصلي ‪.‬‬ ‫ومنهم ‪ :‬أبو القاسم هبة ه‬
‫ومنهم ‪ :‬أحمد بن أبي منصور ‪.‬‬
‫ّللا بن موهب بن جامع بن عبدون البغدادي‬ ‫ومنهم ‪ :‬محمد بن أبي المعالي عبد ه‬
‫الصوفي يعرف بابن الثناء ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬محمد بن أبي بكر الطوسي ‪.‬‬
‫ّللا الطيب الضرير ‪.‬‬ ‫ومنهم ‪ :‬المهذب بن علي بن هبة ه‬
‫ّللا بن أحمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب ‪،‬‬ ‫ومنهم ‪ :‬ركن الدين أحمد بن عبد ه‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫وأخوه شمس الدين أبو عبد ه‬
‫ومنهم ‪ :‬القرماني ببغداد ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬ثابت بن قرة الحاوي ‪ ،‬قرأت عليه من كتبه وتآليفه ‪ ،‬ووقفها بروايتها بمسجد‬
‫العمادين الجالدين بالموصل ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد العزيز بن األخضر ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو عمر عثمان بن أبي يعلى بن أبي عمر األبهري الشافعي من أوالد البراء‬
‫بن عازب ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬سعيد بن محمد بن أبي المعالي ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد الحميد بن محمد بن علي بن أبي المرشد القزويني ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو النجيب القزويني ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬محمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم الفاسي ‪ ،‬قرأت عليه جميع مصنفاته ‪.‬‬
‫ّللا بن الحسين الرازي ‪.‬‬ ‫ومنهم ‪ :‬أبو الحسن علي بن عبد ه‬

‫‪12‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أحمد بن منصور الجوزي ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو محمد بن إسحاق بن يوسف بن علي ‪.‬‬
‫ّللا الحجري ‪.‬‬‫ّللا محمد بن عبد ه‬ ‫ومنهم ‪ :‬أبو عبد ه‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو الصبر أيوب بن أحمد المقري ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو بكر محمد بن عبيد السكسكي ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬ابن مالك ‪ ،‬حدثني بمقامات الحريري عن مصنفها ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد الودود بن سمحون قاضي النبك ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد المنعم بن القرشي الخزرجي ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬علي بن عبد الواحد بن جامع ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو جعفر بن يحيى الورعي ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬ابن هذيل ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو زيد السهيلي ‪ ،‬حدثني بالروض األنف في شرح السيرة والمعارف‬
‫واألعالم وجميع تآليفه ‪.‬‬
‫ّللا بن الفخار المالقي المحدث ‪.‬‬ ‫ومنهم ‪ :‬أبو عبيد ه‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو الحسن بن الصائغ األنصاري ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد الجليل مؤلف المشكل في الحديث وشعب اإليمان ‪.‬‬
‫ّللا بن المجاهد ‪.‬‬ ‫ومنهم ‪ :‬أبو عبد ه‬
‫ومنهم ‪ :‬أبو عمران موسى بن عمران المزيلي ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬الحاج محمد بن علي ابن أخت أبي الربيع المقومي ‪.‬‬
‫ي بن النضر ‪ .‬ولوال خوف المالل وضيق الوقت لذكرنا جميع من سمعنا‬ ‫ومنهم ‪ :‬عل ه‬
‫عليه ولقيناه ‪.‬‬
‫سر فإنها كثيرة ‪ ،‬وأصغرها جرما كراسة واحدة ‪،‬‬ ‫وها أنا أذكر من تآليفي ما تي ه‬
‫وأكبرها ما يزيد على مائة مجلد وما بينهما ‪.‬‬
‫فمن ذلك كتاب المصباح في الجمع بين الصحاح في الحديث ‪ .‬اختصار مسلم ‪.‬‬
‫اختصار البخاري ‪ .‬اختصار الترمذي ‪ ،‬اختصار المحلى ‪ .‬االحتفال فيما كان عليه‬
‫ّللا عليه وسلم من سني األحوال ‪.‬‬ ‫ّللا صلى ه‬ ‫رسول ه‬

‫ّللا تعالى التي هي نتائج األعمال ‪ ،‬فمن ذلك وهو السابع كتاب‬ ‫وأما الحقائق في طريق ه‬
‫من تصانيفنا « الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل » أفرغ في أربعة وستين‬
‫مجلدا إلى قوله تعالى في سورة الكهف ‪َ :‬و ِإ ْذ قا َل ُموسى ِلفَتاهُ ال أَب َْر ُح[ الكهف ‪:‬‬
‫‪. ] 60‬‬
‫الجذوة المقتبسة والخطرة المختلسة ‪ .‬مفتاح السعادة في معرفة الدخول إلى طريق‬
‫اإلرادة ‪.‬‬
‫المثلثات الواردة في القرآن العظيم ‪ .‬األجوبة عن المسائل المنصورة ‪.‬‬
‫متابعة القطب ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مناهج االرتقا إلى افتضاض أبكار النقا بجنان اللقا ‪ ،‬يحوي ثالثة آالف مقام في طريق‬
‫ّللا تعالى على ثالثمائة باب ‪ ،‬كل باب عشرة مقامات ‪ ،‬كنه ما ال بد للمريد منه ‪.‬‬ ‫ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ .‬الخالف في آداب المإل‬‫ّللا صلى ه‬ ‫المحكم في المحكم وأذان رسول ه‬
‫األعلى ‪.‬‬
‫ّللا الحسنى ‪.‬‬
‫سر أسماء ه‬‫كشف الغين ‪ :‬ه‬
‫شفاء العليل في إيضاح السبيل ‪.‬‬
‫عقلة المستوفز جالء القلوب ‪.‬‬
‫سر الصديق ‪.‬‬ ‫التحقيق في الكشف عن ه‬
‫اإلعالم بإشارات أهل األوهام واإلفهام في شرحه ‪.‬‬
‫السراج الوهاج في شرح كالم الحالج ‪.‬‬
‫المنتخب في مآثر العرب ‪.‬‬
‫نتائج األفكار وحدائق األزهار ‪.‬‬
‫الميزان في حقيقة اإلنسان ‪ .‬المحجة البيضاء ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم من األدعية واألذكار ‪.‬‬
‫كنز األبرار فيما روي عن النبي صلى ه‬
‫ّللا تعالى من األخبار ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم عن ه‬
‫مكافأة األنوار فيما روي عن النبي صلى ه‬
‫األربعين المتقابلة األحاديث األربعين في الطول ‪.‬‬
‫العين ‪ .‬التدبيرات اإللهية في إصالح المحاكمة اإلنسانية تعشق النفس بالجسم ‪.‬‬
‫إنزال الغيوب على سائر القلوب ‪ .‬أسرار قلوب العارفين ‪ .‬مشاهد األسرار القدسية‬
‫ومطالع األنوار اإللهية ‪ .‬الخالء ‪ .‬المنهج السديد في شرح أنس المنقطعين ‪ .‬الموعظة‬
‫الحسنة ‪.‬‬
‫البغية ‪ .‬الدرة الفاخرة في ذكر من انتفعت به طريق اْلخرة من إنسان وحيوان ونبات‬
‫ومعدن ‪ .‬المبادي والغايات فيما في حروف المعجم من اْليات ‪ .‬مواقع النجوم ‪.‬‬
‫اإلنزاالت ‪ .‬الموجود ‪ .‬حلية األبدال ‪ .‬أنوار الفجر ‪.‬‬
‫الفتوحات المكية عشرون مجلدا ‪ .‬تاج التراجم ‪ .‬الفحوص ‪ .‬الرصوص ‪ .‬الشواهد ‪.‬‬
‫القطب واإلمامين ‪ .‬روح القدس ‪.‬‬
‫التنزالت الموصلية ‪ .‬إشارات القرآن في العالم واإلنسان ‪ .‬القسم اإللهي ‪ .‬األقسام‬
‫اإللهية ‪ .‬الجمال والجالل ‪ .‬المقنع في إيضاح السهل الممتنع ‪ .‬شروط أهل الطريق ‪.‬‬
‫األنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من األسرار ‪.‬‬
‫عنقاء مغرب ‪ .‬عقائد أهل علم الكالم ‪ .‬اإليجاد والكون ‪ .‬الرسائل واإلشارات في‬
‫األسرار ‪ .‬اإللهيات والكتابات ‪ .‬الحجة ‪.‬‬
‫إنشاء الجداول والدوائر ‪ .‬األعالق في مكارم األخالق ‪ .‬روضة العاشقين ‪ .‬الميم والواو‬
‫والنون ‪ .‬المعارف اإللهية وهو الديوان ‪ .‬المبشرات ‪ .‬الرحلة ‪ .‬العوالي في أسانيد‬
‫األحاديث ‪ .‬األحدية ‪ .‬الهوية الرحمية ‪.‬‬
‫الجامع وهو كتاب الجاللة العظيمة ‪ .‬المجد ‪.‬‬
‫الديمومة ‪ .‬الجود ‪ .‬القيومية ‪ .‬اإلحسان ‪ .‬الفلك والسعادة ‪ .‬الحكمة ‪ .‬العزة ‪ .‬األزل ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫النون ‪ .‬اإلبداع ‪ .‬الخلق واألمر ‪ .‬القدم ‪ .‬الصادر والوارد ‪ .‬الملك ‪ .‬الوارد والواردات ‪.‬‬
‫القدس ‪ .‬الحياة ‪ .‬العلم ‪ .‬المشتبه ‪ .‬الفهوانية ‪ .‬الرقم ‪ .‬العين ‪ .‬المياه ‪ .‬ركن المدائن ‪.‬‬
‫المبادي ‪ .‬الزلفة ‪ .‬الرقيم ‪ .‬الدعاء ‪ .‬اإلجابة ‪ .‬الرمز ‪ .‬الرتبة ‪ .‬البقاء ‪ .‬القدرة ‪ .‬الحكم‬
‫والشرائع ‪ .‬الغيب ‪.‬‬
‫مفاتيح الغيب الخزائن العلمية ‪ .‬الرياح اللواقح ‪ .‬الريح العقيم ‪ .‬الكنز ‪ .‬التدبير‬
‫والتفصيل ‪ .‬اللذة واأللم ‪ .‬الحق ‪ .‬الحمد ‪ .‬المؤمن والمسلم والمحسن ‪.‬‬
‫القدر ‪ .‬الشأن ‪ .‬الوجود ‪ .‬التحويل ‪ .‬الوحي ‪ .‬اإلنسان ‪ .‬التركيب ‪ .‬المعراج ‪ .‬الروائح‬
‫واألنفاس ‪ .‬الملل ‪ .‬األرواح ‪ .‬النحل ‪ ،‬البرزخ ‪ .‬الحسن ‪ .‬القسطاس ‪.‬‬
‫القلم ‪ .‬اللوح ‪ .‬التحفة والعرافة ‪ .‬المعرفة ‪ .‬األعراف ‪ .‬زيادة كبد النون ‪ .‬اإلسفار في‬
‫نتائج األسفار ‪.‬‬
‫األحجار المتفجرة والمتشققة والهابطة ‪ .‬الجبال ‪ .‬الطبق ‪ .‬النمل ‪ .‬العرش ‪ .‬مراتب‬
‫الكشف ‪ .‬األبيض ‪ .‬الكرسي ‪ .‬الفلك المشحون ‪.‬‬
‫الهباء ‪ .‬الجسم ‪ .‬الزمان ‪ .‬المكان ‪ .‬الحركة ‪ .‬العالم ‪ .‬اْلباء العلويات واألمهات‬
‫السفليات ‪ .‬النجم والشجر ‪ .‬سجود القلب ‪.‬‬
‫الرسالة والنبوة والمعرفة والوالية ‪ .‬الغايات التسعة عشر ‪ .‬الجنة ‪ .‬النار ‪ .‬الحضرة ‪.‬‬
‫المناظرة بين اإلنسان الكامل ‪ .‬التفضيل بين الملك والبشر ‪ .‬المبشرات الكبرى ‪.‬‬
‫محاضرة األبرار ومسامرة األخيار ‪ .‬األولين ‪.‬‬
‫العبادة ‪ .‬ما يعول عليه وهو كتاب النصائح ‪ .‬إيجاز اللسان في الترجمة عن القرآن ‪.‬‬
‫المعرفة ‪ .‬شرح األسماء ‪ .‬الذخائر واألعالق ‪ .‬الوسائل ‪ .‬النكاح المطلق ‪ .‬فصوص‬
‫الحكم ‪ .‬نائج األذكار ‪ .‬اختصار السيرة النبوية المحمدية ‪ .‬اللوامح ‪ .‬اللوائح ‪ .‬االسم‬
‫والرسم ‪ .‬الفصل والوصل ‪ .‬مراتب العلوم ‪ .‬الوهب ‪ .‬انتقاش النور ‪ .‬النحل ‪ .‬الوجد ‪.‬‬
‫الطالب والمجذوب ‪ .‬األدب ‪.‬‬
‫الحال ‪ .‬الشريعة والحقيقة ‪ .‬التحكم والشطح ‪ .‬الحق ‪ .‬المخلوق ‪ .‬اإلفراد وذوو‬
‫األعداد ‪ .‬المالمية ‪ .‬الخوف والرجاء ‪ .‬الفيض والبسط ‪ .‬الهبة واألنس ‪ .‬اللسانين ‪.‬‬
‫التواصي الليلية ‪ .‬الفناء والبقاء ‪ .‬الغيبة والحضور ‪.‬‬
‫الصحو والسكر ‪ .‬التجليات ‪ .‬القرب والبعد ‪ .‬المحو واإلثبات ‪ .‬الخواطر ‪ .‬الشاهد‬
‫والمشاهد ‪ .‬الكشف ‪ .‬الولد ‪ .‬التجريد والتفريد ‪ .‬العزة واالجتهاد ‪ .‬اللطائف والعوارف ‪.‬‬
‫الرياضة والتجلي ‪ .‬المحق والسحق ‪.‬‬
‫التودد والهجوم ‪ .‬التلوين والتمكين ‪ .‬اللمة والهمة ‪ .‬العزة والغيرة ‪ .‬الفتوح‬
‫والمطالعات ‪.‬‬
‫الوقائع ‪ .‬الحرف المعني ‪ .‬التدني والتدلي ‪ .‬الرجعة ‪ .‬الستر والخلوة ‪ .‬النون ‪ .‬الختم‬
‫ّللا عنه ‪ ،‬فلم‬
‫والطبع ‪ .‬انتهت ‪ ،‬ولعزتها ذكرتها هنا فإنها من أعظم كراماته رضي ه‬
‫أخرج بذكرها عن الصدد الذي ألف الكتاب ألجله ‪ ،‬وقد رأيت كتابا مستقال في ذكر‬
‫ّللا عنه سنة‬‫مؤلفاته وفيه كثير منها لم يذكر هنا في هذه اإلجازة ‪ ،‬وكانت وفاته رضي ه‬
‫‪ 638‬هـ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مقدمة القونوي لشرح كتاب الشّجرة النّعمانيّة‬
‫شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن‬ ‫بشرح صدر الدهين مح همد بن إسحاق القونوي تأليف ال ه‬
‫علي بن مح همد ابن عربي الحاتمي المتوفى ‪ 638‬هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه‬
‫شاذلي الدهرقاوي‬ ‫شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني ال ه‬
‫ال ه‬

‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬‫بِ ْ‬
‫يا فتّاح يا عليم‬
‫الحمد هّلل الذي بيهن التبيان ألهل العرفان في كل زمان وأوان بما أودع في الفرقان ‪،‬‬
‫ومن أسرار حركات االقتران ‪ ،‬الدالة على حوادث األقاليم والبلدان ‪ ،‬بحكم ما قدهره‬
‫الباري سبحانه وأراده من غير زيادة وال نقصان ‪ ،‬أحمده هو المحسان وأشكره وهو‬
‫البديع المنهان ‪ ،‬وأشهد أن ال إله هإال هو وحده ال شريك له ‪ ،‬الملك الديهان ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ّللا عليه‬ ‫سيد الخالئق محمد المصطفى من خاص خواص خالصة نسل عدنان ‪ ،‬صلهى ه‬
‫وعلى آله وأصحابه الذي جاء بمدحهم القرآن في قوله تعالى ‪:‬يَ ْبتَغُونَ فَض ًْال ِمنَ ا ِ‬
‫ّللا‬
‫َو ِرضْواناً[ الفتح ‪. ] 9 :‬‬
‫صالة وسالما يدومان بدوام األكوان إلى يوم الفوز والغفران ‪.‬‬
‫أما بعد ‪. . .‬‬
‫ش ْيءٍ إِذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن‬
‫ّللا تعالى ‪ ":‬إِناما قَ ْولُنا ِل َ‬
‫فإن الحرف األول في الكاف والنون قال ه‬
‫ون " [ النحل ‪. ] 40 :‬‬ ‫نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ‬
‫وقد أراد بما كان في غامض علمه من إيجاد الكائنات وخفض األرضين ورفع‬
‫السماوات واستخالف خليفة جامعا لمفترقات المكنونات ‪ ،‬سماه آدم وعلهمه أسماء ما‬
‫تأخر وما تقادم في جملة ما أعلمه به ما تختص به ذريته جيال بعد جيل إلى حصول‬
‫نفخة إسرافيل ‪ ،‬وأمره إعالم خواص بنيه بذلك النبأ العظيم فتلقى عنه ولده شيت ثم‬
‫أنوش ثم األخص فاألخص إلى إدريس ‪ ،‬وهلم جرا إلى أن تمت األدوار ومرت‬
‫ّللا األول واْلخر‬ ‫األذكار وانتهى األمر إلى دور السيادة المحمدية ‪ ،‬فانحصر فيما آتاه ه‬
‫والباطن والظاهر ‪.‬‬
‫ش ْيءٍ [ األنعام ‪. ] 38 :‬‬ ‫ب ِم ْن َ‬‫طنا ِفي ْال ِكتا ِ‬‫ّللا تعالى ‪:‬ما فَ ار ْ‬ ‫قال ه‬
‫وشيء أنكر النكران ‪. .‬‬
‫فالكتاب المبين حاو للعلوم الحقيهة والعلوم الخلقيهة ما شذه عنه شيء ‪ ،‬فهو األمر المعجز‬
‫لكون أمه السبع المثاني حوت علوم المحسوسات‬
‫والمعاني إذا تأملها الحاذق النحرير والعالمة الخبير وجدها األنموذج الجامع والنور‬
‫الساطع الالمع ‪ ،‬في أول آية منها جميع المعاني ما اشتملت عليه من األسرار ‪ ،‬بل في‬
‫نقطة الباء منها جميع حقائق األدوار فهي كاألس للبناء ‪ ،‬وفيها بلوغ المنى لكونها نقطة‬
‫الدائرة الوجودية ولمعة األنوار الالهوتية ‪ ،‬والدائرة بطرفيها قد دارت عليها ظاهرة‬
‫بمراتبها كما رتبها العزيز الحكيم من عرش وفرش ومحو ونقش وتخطيط أقاليم وتقديم‬
‫أقانيم ‪ ،‬فمن ذلك ما أشار إليه الكتاب العزيز بأنواع البيان وضروب التبيان في‬

‫‪16‬‬
‫اإلخبارات التي ظهرت في اْليات الشريفة واألحاديث المنيعة ‪ ،‬وكتب الشرع مشحونة‬
‫بذلك وصدور عظماء الصحابة مملوءة من علوم أخبار الممالك ‪ ،‬ولم تزل الكمل من‬
‫الصحابة والتابعين يعظمون قدر هذا العلم ويعلون منارته ويجلون مقداره كاإلمام علي‬
‫ّللا عنه وكأبي هريرة وحذيفة ابن اليمان وأحزابهم ‪،‬‬ ‫رضي ه‬
‫مما سمع ودعي حتى انتهى األمر إلى قطب دائرة المحققين وارث علوم األنبياء‬
‫والمرسلين الشيخ األكبر والكبريت األحمر سيدي محمد محيي الدين محمد العربي‬
‫ّللا عنه ونفعنا به ‪ ،‬فنظر في العلوم الحرفية‬
‫الحاتمي الطائي األندلسي رضي ه‬
‫واألسرار الجفرية نظر منصف غير متعسف ‪ ،‬وأفرد لكل قطر من األقطار ما يليق به‬
‫من األخبار التي عليها المدار في سائر األمصار بكل األعصار ‪،‬‬
‫فمن أجل ما استخرجه اإلمام المذكور من جفر الجفور دائرة شريفة سماها الشجرة‬
‫النعمانية في الدولة العثمانية تكلم فيها برموز جلية وأسرار خفية عليهة ‪ ،‬خصص بها‬
‫مصرا دون غيرها من األمصار ونبهه على ما يتصل بها وما ينفصل عنها من أخبار‬
‫الديار وما يرد عليها من المسرات والمضار ‪ ،‬جعل االبتداء فيها من قران النحسين‬
‫ووبال االثنيين في المغربين ‪ ،‬واالنتهاء إلى مقابلة المريخ كيوان في آخر درجة من‬
‫الميزان ولم يسمح الزمان بمثل تلك الدائرة لكونها لكل الدوائر قاهرة بأخبار‬
‫القاهرة ‪. . .‬‬
‫ّللا على ما فيها من الرموز واإلشارات أحببت أن أشرحها شرحا كافيا‬ ‫ولما أطلعني ه‬
‫يحل مشكاتها ويوضح مراداتها ‪. .‬‬
‫ّللا سبحانه وتعالى وما خاب من استخاره على ما جرت به عادة كل مستمد‬ ‫فاستخرت ه‬
‫من اإلمداد الرباني والفيض الصمداني ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم في‬ ‫واستعنت به تعالى وتوسلت إليه بأشرف خليقته وخير بريته صلى ه‬
‫إتمام ذلك إنه ولي التوفيق ‪،‬‬
‫واقتفيت أثر السلف الصالح في تكثير السواد بالمحبة التي هي غاية المراد وبالتشبه‬
‫وهو من األسباب الموصلة إلى طرق الرشاد ‪،‬‬
‫وّللا تعالى ولي‬
‫ووضعت أساس هذا الشرح ورتبته على مقدمة وثالث فصول وخاتمة ه‬
‫التوفيق المرجو المأمول من لطفه أن يسهل إيراده ويجعله خالصا لوجهه الكريم وأن‬
‫ينفع به ممليه وسامعه ‪.‬‬
‫كما يسر تحصيل جوامعه إنه على ما يشاء قدير وباإلجابة جدير ‪.‬‬

‫المقدمة للشيخ األكبر‬


‫اعلم أيها األخ الصفي والخل الوفي أن شرف كل علم بشرف موضوعه وموضوع هذا‬
‫العلم الداللة على قدرة الباري ج هل وعال لكونه من جملة العلوم السرية الباحثة عن‬
‫أسرار القدر بما يشير إليه من الودائع المخزونة في كنوز الحروف التي عليها المدار ‪،‬‬
‫ّللا تعالى لفهم تلك الرموز الحرفية عرف جميع األصول الجفرية المرتبطة‬ ‫فمن وفقه ه‬
‫بدالالت االقترانات الفلكية المسلطة على أقطار الدائرة الكونية وحصول تأثيراتها في‬

‫‪17‬‬
‫أركان الدائرة بالحوادث والوقائع المؤثرة في أحايينها وأناتها كائنة ما كانت ومن ال‬
‫فال ‪. .‬‬
‫وباّلل التوفيق إن األمر في نفسه مبني على الكواكب‬
‫ه‬ ‫ولما كان األمر على ما بيهنهاه نقول‬
‫السبعة ‪ ،‬وعلى البروج االثني عشر ‪،‬‬
‫وعلى المنازل الثمانية والعشرين منزلة ‪ ،‬والجميع على األسم األعظم الذي هو نقطة‬
‫الدائرة المحرك للكل بتقدير العزيز العليم المريد القادر الحكيم هذا التفضيل الصحيح‬
‫الحقاني‬
‫وباّلل التوفيق ‪.‬‬
‫ه‬ ‫وّللا سبحانه وتعالى أعلم‬
‫فافهم ه‬

‫‪18‬‬
‫الفصل األول في معرفة المفاتيح الغيبية‬
‫المشار إليها بقوله تعالى ‪َ :‬و ِع ْن َدهُ َمفاتِ ُح ْالغَ ْي ِ‬
‫ب ال َي ْعلَ ُمها ِإ اال ُه َو[ األنعام ‪. ] 59 :‬‬
‫اعلم أن غالب الناس قد اشتبه عليه معرفة تلك المفاتيح وحصل التفاوت في فهم معاني‬
‫هذه اْلية الشريفة ‪،‬‬
‫فمن قائل ال مطمع لبشر في فهم علم تلك المفاتيح الغيبية ‪ ،‬ومن قائل بإمكان الفهم من‬
‫حيث النسبة اإلضافية الممنون بها على حكم تخصيص اإلرادة األزلية لخالصة‬
‫خواص العبيد ‪،‬‬
‫فالقائل بعدم المعرفة ظاهري على مذهبه جمهور العلماء واستنادهم إلى االسم الهو من‬
‫حيث استناده إلى المسمى عزت عزته ‪،‬‬
‫فهم يقولون ال يعلم هذه المفاتيح هإال هو سبحانه وتعالى فال قدم لمخلوق فيه أصال ‪،‬‬
‫والقائل بإمكان حصول العلم باطني على مذهب خواص أهل التحقيق من الورثة‬
‫واستنادهم إلى التخلق باألخالق اإللهية بعد التصفية الكاملة والتخلص من عوائق‬
‫البشرية بالرياضات القلبية والتقرب بالنوافل المشار إليها بحديث‬
‫ال يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت وكنت إلى آخره‬
‫‪ .‬رواه البخاري وغيره‬
‫ّللا قال ‪ :‬من عادى لي وليا فقد‬ ‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬إن ه‬ ‫ّللا صلى ه‬ ‫"" قال ‪ :‬قال رسول ه‬
‫آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال‬
‫عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره‬
‫الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني ألعطينه ولئن‬
‫استعاذني ألعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت‬
‫وأنا أكره مساءته » ‪"" .‬‬

‫فمن كان الحق سمعه وبصره ال يحجبه شيء عن خفيات األسرار ألنه يصير مجلى‬
‫جملة األسماء اإللهية ومن جملة األسماء االسم الهو ال الصورة العبدية فافهم هذا‬
‫اعتقاد الفرقتين ‪. .‬‬
‫الكل مصيب في معتقده ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الفصل الثاني في معرفة تلك المفاتيح وتمييزها‬
‫اعلم أيها األخ أن المفاتيح الغيبية تنحصر في خمس مفاتيح ال غير ‪ ،‬منها مفتاحين‬
‫عظيمين شريفين هما أعظم المفاتيح ‪. .‬‬
‫المفتاح األول منها هو الوحي بواسطة الملك لألنبياء والمرسلين وقد س هد بابه مكلفا‬
‫بخاتم المرسلين محمد المصطفى عليه أفضل الصالة والسالم بقوله ‪:‬‬
‫« أنا لبنة التمام » رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم قال ‪ « :‬مثلي ومثل األنبياء من قبلي كمثل رجل‬ ‫ّللا صلى ه‬
‫"" أن رسول ه‬
‫بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إال موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به‬
‫ويعجبون له ويقولون هال وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين »‪"" .‬‬

‫والمفتاح الثاني اإللهام الروحي وهو لكل الورثة إذا بلغوا مقام التمكين الكلي وشروطه‬
‫معلومة لهم ‪ ،‬وما عدا هذين المفتاحين‬
‫ينقسم إلى ثالثة أقسام ‪:‬‬

‫القسم األول‬
‫ّللا‬
‫يؤخذ من األحاديث النبوية واإلخبارات المصطفوية التي أخبر بها المصطفى صلى ه‬
‫ّللا عنهم كسيدنا‬
‫وأسر بها إلى خواص أصحابه رضي ه‬ ‫ه‬ ‫عليه وسلم في عقود حديثه ‪،‬‬
‫ّللا عنه وأضرابه من الصحابة ‪،‬‬ ‫اإلمام علي رضي ه‬
‫دونوها دواوين وأتقنوها غاية اإلتقان ‪ ،‬وقد استنبطوا منها جملة من‬ ‫وهي كثيرة جدا قد ه‬
‫العلوم السرية بحسب الوقت والقابل ‪،‬‬
‫ّللا عنه وسماها بالجفر‬
‫فأول من شرح مضمونها وأظهر مكنونها سيدنا علي رضي ه‬
‫الجامع‬
‫ّللا عليه وسلم لكون باب االختالف كان مقفوال‬ ‫وجعل االبتداء من وفاة الرسول صلى ه‬
‫في أيام حياته ‪،‬‬
‫وفتح حين قالت فيه األنصار منا أمير ومنكم أمير ‪ ،‬وقفله االتفاق على بيعة الصديق‬
‫ّللا عنه وفي النفوس ما فيها حتى أفضى األمر إلى قتل الخلفاء الثالثة وكان ما‬ ‫رضي ه‬
‫كان وقصتهم مشهورة ‪،‬‬
‫ّللا عنه إلى يومنا هذا وإلى‬
‫ثم هذا العلم ينفرد به الواحد من بعد اإلمام علي رضي ه‬
‫آخر وقت ‪ ،‬وهذا القسم األول من الثالثة أقسام التي ذكرناها ‪.‬‬

‫القسم الثاني‬
‫هو معرفة حركات األفالك وأحكام الكواكب السبعة المسخرة المرتبة في مراتبها ‪،‬‬
‫ومعرفة طلوعها في شروقها وغروبها واقترانها واجتماعها وافتراقها ومواصلتها‬

‫‪20‬‬
‫وسيرها في مراتبها ‪ ،‬وما يحدثه الحق سبحانه وتعالى في العالم بموجب حركات‬
‫سيرها كالرياح واألمطار والرعود والبروق والزالزل والفتن والرخاء والغالء ‪،‬‬
‫وحدوث األمراض على اختالف أنواعها وتأثيرها على األمزجة والطبائع في الفصول‬
‫األربعة وتأثيرات العناصر ‪،‬‬
‫وبذلك يعرف ما أودع الباري سبحانه فيها من األسرار اإللهية إذ ال تأثير لشيء في‬
‫شيء هإال بإذنه وإرادته ومشيئته ‪ ،‬خالفا لمن زعم أنها فعالة باالستقالل ‪. .‬‬
‫ّللا ‪ ،‬وإن شاء كما خلق اإلحراق في النار‬ ‫حاشا وكال فهو سبحانه بال اختالف إن شاء ه‬
‫سالم‪.‬‬ ‫وأبطله في قصة إبراهيم عليه ال ه‬
‫ص ُروا آ ِل َهت َ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم فا ِع ِلينَ ( ‪ ) 68‬قُ ْلنا يا‬
‫"" يشير إلى قوله تعالى ‪:‬قالُوا َح ِ هرقُوهُ َوا ْن ُ‬
‫يم ( ‪ [) 69‬األنبياء ‪"". ] 69 ، 68 :‬‬ ‫سالما ً َعلى ِإبْرا ِه َ‬
‫نار ُكو ِني َب ْردا ً َو َ‬
‫ُ‬

‫سالم ‪.‬‬ ‫وخلق اإلغراق في الماء وأبطله في قصة موسى عليه ال ه‬


‫صاك ْالبَ ْح َر فَا ْنفَلَقَ فَكانَ‬
‫َ‬ ‫"" يشير إلى قوله تعالى ‪:‬فَأ َ ْو َحيْنا ِإلى ُموسى أ َ ِن اض ِْربْ ِب َع‬
‫الط ْو ِد ْال َع ِظ ِيم ( ‪ [) 63‬الشعراء ‪"" . ] 63 :‬‬ ‫ق َك ا‬‫ُك ُّل فِ ْر ٍ‬

‫وخلق القطع وأبطله في قصة سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السالم ‪.‬‬
‫ي إِ ِنهي أَرى فِي ْال َم ِ‬
‫نام أ َ ِنهي‬ ‫ي قا َل يا بُنَ ا‬ ‫"" يشير إلى قوله تعالى ‪:‬فَلَ اما بَلَ َغ َمعَهُ ال ا‬
‫س ْع َ‬
‫صابِ ِرينَ‬ ‫ّللاُ ِمنَ ال ا‬‫ست َ ِج ُدنِي ِإ ْن شا َء ا‬ ‫ظ ْر ما ذا تَرى قا َل يا أَبَ ِ‬
‫ت ا ْف َع ْل ما تُؤْ َم ُر َ‬ ‫أ َ ْذبَ ُح َك فَا ْن ُ‬
‫ت‬ ‫ين ( ‪َ ) 103‬ونا َديْناهُ أ َ ْن يا ِإبْرا ِهي ُم ( ‪ ) 104‬قَ ْد َ‬
‫ص اد ْق َ‬ ‫( ‪ ) 102‬فَلَ اما أ َ ْسلَما َوتَلاهُ ِل ْل َج ِب ِ‬
‫ين ( ‪َ ) 106‬وفَ َديْناهُ‬ ‫الرؤْ يا ِإناا َكذ ِل َك ن َْج ِزي ْال ُم ْح ِسنِينَ ( ‪ِ ) 105‬إ ان هذا لَ ُه َو ْال َبال ُء ْال ُم ِب ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِب ِذبْحٍ َع ِظ ٍيم ( ‪ [) 107‬الصافات ‪"" . ] 107 - 102 :‬‬

‫فهو سبحانه له النقض واإلبرام ‪ ،‬ومن هنا كذب المنجمون من الفالسفة والحكماء ‪،‬‬
‫فمن عرف الطوالع والغوارب وأحكام الحركات الفلكية وأتقنها اإلتقان الشافي بمعرفة‬
‫البرج والدقائق والثواني والثوالث والروابع والخوامس وجميع األصول المتفق عليها‬
‫في االصطالح عرف بعض ما يليق بمعرفة األفالك ‪. .‬‬

‫القسم الثالث‬
‫من المفاتيح يؤخذ من طريق الحروف ومعرفة طبائعها وحارها وباردها ورطبها‬
‫ويابسها ومخضها وتركيبها وأعدادها وإسقاطاتها ومزجها وتعديلها واستنطاقها بعد‬
‫تنزيلها في الجداول الحرفية واألوفاق العددية ولقطها وإخراج أزمنتها ‪.‬‬
‫ويسمى هذا القسم بالزايرجة وتلك الحروف المذكورة هي حروف أي جاد التسعة‬
‫والعشرين بحرف الم ألف‬
‫وهي مقسمة على الطبائع األربعة كل قسم سبعة حروف ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫فالنار لها ‪ « :‬أ ‪ ،‬هـ ‪ ،‬ط ‪ ،‬م ‪ ،‬ف ‪ ،‬ش ‪ ،‬ذا » ‪.‬‬
‫والهوى له ‪ « :‬ج ‪ ،‬ز ‪ ،‬ك ‪ ،‬س ‪ ،‬ق ‪ ،‬ث ‪ ،‬ظ » ‪.‬‬
‫والماء له ‪ « :‬د ‪ ،‬ح ‪ ،‬ل ‪ ،‬ع ‪ ،‬ر ‪ ،‬خ ‪ ،‬غ » ‪.‬‬
‫والتراب له ‪ « :‬ب ‪ ،‬و ‪ ،‬ي ‪ ،‬ن ‪ ،‬ص ‪ ،‬ث ‪ ،‬ض » ‪.‬‬
‫والالم ألف ‪ :‬فيه جميع الضدين الماء والنار كما هو مشهور عند كل عارف وهذه‬
‫الحروف المذكورة موزعة في ملء الدائرة الخلقية لكل حرف خدمة هي وظيفته ‪،‬‬
‫من ِم ْن‬
‫الر ْح ِ‬
‫ق ا‬ ‫واألمر في نفسه على هذا المنوال كقوله تعالى ‪:‬ما تَرى فِي خ َْل ِ‬
‫تَ ُ‬
‫فاو ٍ‬
‫ت[ الملك ‪. ] 3 :‬‬
‫واعلم أن األسماء والمسميات كلها تحت حيطة هذه الحروف ‪،‬‬
‫فاأللف القائم هو كأول أفراد النوع اإلنساني وبقية الحروف كأوالده ‪،‬‬
‫والنقطة أصل الجميع والكل في قبضة قهر القدرة األزلية ال تتحرك ذرة في الكون هإال‬
‫بإذن الحق تعالى وال تسكن حركة هإال بإذنه سبحانه ‪،‬‬
‫فجميع ما في الكون من الحوادث إنما هو آثار األسماء اإللهية ظهرت في صور‬
‫المخلوقات على طبق مراد الحق سبحانه وتعالى ‪ ،‬ونحن نسميها حوادث ووقائع تتنوع‬
‫وّللا أعلم ‪،‬‬
‫لكثرة مظاهرها واختالف مقاصد مظاهرها هذا هو المتفق عليه فافهم ‪ ،‬ه‬

‫ولما كان األمر على ما قررناه نقول ‪:‬‬


‫إن هذه األقسام الثالثة التي هي علم الجفر ؛ علم الغيب وعلم الفلك وعلم الحرف‬
‫معلومة بأصول وضوابط ال يقال إنها علم غيب أبدا إذ علم الغيب شرطه أن يكون‬
‫مجردا عن المراد والبسائط الكونية وهذه العلوم لوال هي ما علمت العلوم ‪.‬‬

‫وأما المعلمين السابقين فمن طريق الوهب والفيض األقدس ‪ ،‬أما اإلعالم بالوحي فغير‬
‫ّللا يختص برحمته من يشاء ‪ ،‬والعلم باإللهام ال مادة له هإال الوهب اإللهي‬ ‫مكتسب بل ه‬
‫فاعلم ذلك وتدبره ترشد إلى سواء السبيل ‪. .‬‬
‫وحيث انتهى بنا البحث إلى هنا ونبههنا على األقسام الخمسة وميهزنا بينها وبين بعضها‬
‫ّللا عنه ‪ ،‬التي هي‬
‫‪ ،‬فلنرجع إلى ما نحن بصدده من شرح دائرة الشيخ األكبر رضي ه‬
‫الشجرة النعمانية المخصوصة بالدولة العثمانية‬
‫والتنبيه على رموزها وإشاراتها وألغازها وسبب عقدها على دائرة كرة مصر دون‬
‫وباّلل التوفيق ‪. .‬‬
‫ه‬ ‫غيرها من المدن واألمصار فنقول‬
‫أما سبب تخصيص مصر بهذه الدائرة فلكون مصر محل كرسي الوقت المشار إليه‬
‫دون غيرها واألمصار المتعلقة بها تابعة لها ‪،‬‬
‫فال يصح التخصيص ّإال لها ‪ ،‬وأيضا لكونها نقطة حسن على خد مالحة في مطلق‬
‫أقاليم البسيطة بما اختصت به من األوصاف الكاملة ‪ ،‬هذا هو سبب التخصيص ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وأما الرموز واإلشارات واأللغاز فهي بحكم اصطالح القوم إذ ال سبيل إلى التصريح‬
‫مطلقا ‪ ،‬ألن التصريح بالعلوم السرية من سوء األدب ‪ ،‬وذلك غير الئق بمقامات القوم‬
‫‪ ،‬فإنهم لو صرحوا بالعلوم السرية لوقع الخلل في نظام ترتيب الحكمة الكونية وفي‬
‫ذلك ما فيه من التعطيل وغيره ‪. .‬‬
‫بل نعم ما فعلوا من إسبال الستور على وجوه البدور في الخدور ‪ ،‬وقد أبقوا حل ما‬
‫هناك ومعرفة حل تلك الرموز األلغاز على حكم اصطالحهم حتى تؤخذ بالتلقين من‬
‫المرشد مشافهة فافهم ‪.‬‬

‫َّللا عنه ونفعنا به ‪ :‬د‬


‫قال الشيخ رضي ّ‬
‫دائرة كرة مصر ومقدار أفقها ال تزال بادعة مع حكامها في مخادعة ‪ ،‬وألثقال األمور‬
‫موادعة حتى يقابل المريخ كيوان في آخر درجة الميزان تخرج من يد آل عثمان ‪. .‬‬

‫ّللا عنه قبل‬


‫َّللا بروح منه أن األصل في ذلك ما أشار إليه الشيخ رضي ه‬‫اعلم أيدك ّ‬
‫عقد هذه الدائرة بقوله ‪ :‬إذا انقضت قاف الجيم قامت ميم سليم ‪.‬‬
‫ّللا تعالى سليم األول سلطان الدولة العثمانية الذي عاش بين‬
‫"" يقصد الشيخ رحمه ه‬
‫األعوام من ‪ 1521 - 1512‬م ‪"" .‬‬

‫في القران الكبير وتقابل الجيشان ‪.‬‬


‫"" الجيشان ‪ :‬هما جيش السلطان سليم وجيش الشاه الفارسي إسماعيل ‪"".‬‬

‫بخط النهروان واصطدم من عنصر الهوى حرفان ‪ ،‬فالرابع غالب والخامس مغلوب‬
‫في دليل على أنه سيكون حركة كبرى بين ملكين عظيمين بأرض النهروان بالقرب من‬
‫شط الفرات ‪ ،‬ويكون السين صاحب التمكين ألن السين رابع حرف من عنصر الهوى‬
‫‪ ،‬ويكون القاف مقلوب بل تقضي دولة بإشارة إذا انقضت قاف الجيم ‪.‬‬
‫ثم قال ويثبت الكاف للسين في الميم في القرآن إلى القرآن وحدة دولته في عدد حروف‬
‫االسم مقدد سليم ‪ 140‬قسم ‪.‬‬

‫وأما المغلوب فهو القاف قاف الجيم سيظهر ويملك مصر وما يليها من األقطار وهو‬
‫جركسي األصل ‪ ،‬تفسير اسمه ماء الدم ‪.‬‬
‫"" يشير الشيخ إلى السلطان المملوكي قانصوه الغوري الذي هزمه السلطان سليم في‬
‫عام ‪ 1501‬م في معركة قتل فيها وتولى بعده ابنه طوقان باي حكم مصر ‪ .‬وقانصوه‬
‫بالشركسية ‪ :‬أي ماء الدم ‪ ( .‬تاريخ العالم اإلسالمي لعمر رضا كحالة ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬
‫المكتبة الهاشمية ‪"" . ) 1958‬‬

‫‪23‬‬
‫وزمان انقضاء دولته كظ ‪ ، 920‬وفيه القران المشار إليه والقائم عليه من حروف‬
‫عنصره حرف سين يعضده ألف وخاء ‪ ،‬وفي تغليب هذا السين على مصر يكون‬
‫االستيالء على كامل جزيرة العرب إلى تخوم المغرب مع أطراف اليمن ‪ .‬واألقطار‬
‫الحجازية ودولته أصلح الدول في القرن العاشر حتى تتم القرون ببقية العدد في إشارة‬
‫المريخ تكون إشارة الخروج المبينة في دائرة الشجرة عند قوله حتى يقابل المريخ‬
‫كيوان في آخر درجة الميزان تخرج من يد آل عثمان ‪.‬‬

‫َّللا لفهم المعاني ‪ ،‬ومشاهدة المباني ‪ ،‬أن قوله تخرج من الزمان وذلك‬‫اعلم وفقك ّ‬
‫يكون بظهور صاحب الزمان‪.‬‬
‫ّللا عنه الذي يظهر آخر الزمان ‪،‬‬
‫"" يقصد بصاحب الزمان اإلمام المهدي رضي ه‬
‫وردت به أحاديث كثيرة منها‬
‫ّللا رجال من أهل‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬لو لم يبق من الدهر إال ليوم لبعث ه‬
‫قوله صلى ه‬
‫بيتي يملؤه عدال كما ملئت جورا » مصنف ابن أبي شيبة‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬ال تذهب األيام والليالي حتى يملك رجل من أهل‬‫ومنها قوله صلى ه‬
‫بيتي يوطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ‪ ،‬فيمأل األرض قسطا وعدال كما ملئت‬
‫جورا وظلما » الحاكم المستدرك على الصحيحين ‪"" .‬‬
‫الذي تنقلب له األعيان ‪ ،‬وفي أرض خراسان ينتشر خبر ما بين كرمان إلى أرض‬
‫نعمان ‪.‬‬
‫"" كرمان ونعمان هما منطقتان من أراضي خراسان سابقا ‪ ،‬أراضي إيران‬
‫وّللا أعلم ‪"" .‬‬
‫الجمهورية اإلسالمية حاليا ‪ ،‬ه‬

‫ذلك هو الذي تكون له البيعة عند الغلبة وتأتي رايات صاحبه من وراء النهر هو الذي‬
‫يشارك سين الختم العثماني ظاهرا وينفرد بالحكم والتصريف باطنا ‪.‬‬

‫هذا معنى الخروج المشار إليه في القران الذي يكون في آخر درجة الميزان وتبقى مدة‬
‫الختم وبنيه مدة آخر ألف ونون ويتصور اسم قائم ألن في عدد هذا االسم ظهور راعي‬
‫الغنم في فالة من أرض عند باب الحديد من أرض المشرق ‪ .‬عدة جيشه كاسمه ينتهي‬
‫أمره إلى جواز أرض قرمان ‪ "" .‬منطقة واقعة في جنوب تركيا ‪"".‬‬

‫وّللا‬
‫ويرهقه خوف صاحب الباب فيتفرق جيشه من حوله ويهلك في فرشه فافهم ‪ .‬ه‬
‫الموفق ال رب غيره ‪.‬‬
‫وقوله ال تزال بادعة يعني يحدث فيها الحوادث ومع حكامها مخادعة يعني بالخدعة ‪،‬‬
‫وال تقال األمور موادعة يعني ال تدوم شدتها ‪ ،‬ألن الموادعة مفارقة حيث يقابل المريخ‬
‫كيوان بشرط أن يفترقا في آخر درجة من الميزان ‪ ،‬ألنهما طالما اقترنا في آخر درجة‬
‫من الميزان وما وقع ذلك الخروج ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثالث في بيان رموز هذه الشجرة وما في ضمن الدائرة المذكورة من التنبيه‬
‫على الحوادث الكونية ‪.‬‬

‫ّللا عنه لما عقد الدائرة على نقطة‬


‫َّللا بالتأييد االعتصامي أن الشيخ رضي ه‬
‫اعلم أيدك ّ‬
‫بيكارها قال ‪ :‬إذا دخل السين في الشين يظهر قبر محيي الدين ‪،‬‬
‫وذلك أنه نظر بعين بصيرته من طريق الكشف والشهود أن قبره يكون بمحروسة‬
‫دمشق الشام ‪،‬‬
‫وأنه يخفى ويندرس رسمه برهة من الزمان حتى يظهر صاحب القران والزمان من‬
‫نسل آل عثمان أول اسمه حرف سين بالتعيين بالغ في استخراج االسم حتى تصور له‬
‫الحرف اسم سليم‬
‫فيكون إظهار قبره بعد الدثور على يده عند ذلك خاطبه في الدائرة الروحية بقوله يا‬
‫( سين ) أنت صاحب التمكين لك الظهور وأنت المؤيد المنصور ‪. .‬‬
‫ثم قال إذا دخل السين في الشين يظهر قبر محيي الدين ‪ ،‬هذا في وقته ذكر ما يكون‬
‫في وقت ظهوره وفي مدة ملكه وبنيه من بعده ‪ ،‬وفرق ذلك في أركان الشجرة داخال‬
‫وخارجا فمن ذلك ما ذكره ومنه ما ذكره ملغوزا إلى غير ذلك من أنواع البيان ‪. .‬‬

‫ّللا عنه ‪ " :‬الملوك العثمانية من السين الفاتح إلى األلف الخاتم عدد يد "‬
‫قال رضي ه‬
‫فـ إذا دخل الرابع عشر وإن نوزع في الكاف وخرجت عنه األطراف فإن جلوسه‬
‫صحيح وقدره رجيح ووجهه صبيح‬
‫يخرج من سجن النساء وهن يتلين عسى في مدته هياج وتوازن عجاج إلى ظهور‬
‫الختم الذي يوجب الكتم ‪،‬‬
‫والملوك العثمانية بين سين الفتح وألف الختم هم هذه الحروف بال خالف يعرف اسم‬
‫كل ملك منهم بحرفين من أول االسم إلى آخره ‪.‬‬
‫وهم هذه الحروف التي تقدم ذكرها فانظر في هذه الحروف ترى عجبا يرجع األمر‬
‫وّللا أعلم بما كان ويكون سبحانه ال إله إال هو وال رب غيره إشارات‬
‫إلى البطون ه‬
‫أسماء الصدور وهم سبعة عند ظهور الختم فتدبر ترشد وهم هؤالء قواعد سريره‬
‫وصعدة كرسيه ‪.‬‬

‫فتأمل وتدبر وهم سبعة ‪:‬‬


‫ذكر ما بين الفاتح والخاتم من الحركات الكليات دون الجزئيات ‪ ،‬إذ ال سبيل إلى حصر‬
‫الحوادث الجزئيات بوجه أبدا لكثرة وقوعها في األقطار ‪،‬‬
‫فذكر الكليات هنا وإن لم تكن متوالية ‪ ،‬فالتقديم والتأخير من جملة أنواع الرمز‬
‫المصطلح عليه ‪،‬‬
‫وخلط الكالم لإليهام وذلك سنة القدماء حتى ال يتخلص السر إلى الجهر ‪ ،‬هذا هو‬
‫السبب‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ّللا عنه قال ‪:‬‬
‫فأول من شبه عليه الشيخ رضي ه‬
‫خيانة حرف خاء وحرف غين بانجراف بواطنهم على قاف الجيم ألمر عظيم وخطب‬
‫جسيم بإشارة حال الحال ‪،‬‬
‫إذا ظهرت حمرة عند الفرات فاضحة فهي إشارات واضحة في عام ع والعين عزل‬
‫القاف عن كرسيه في كظ ‪ .‬فافهم ‪.‬‬

‫ثم قال في ركن الدائرة ‪:‬‬


‫فمصر يخاف على قافها في كظ أوال ‪ ،‬وفي طمغ آخرا‬
‫واْلخر قسم ألن القاف اإلحاطية جنة الكنانة من كل سوء حتى يقضى ‪ ،‬وللقاف ظهور‬
‫بالكنانة في واو نون الغين إذا تقارب الزمان إلى نزع ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬حركة أخرى ترمي مصر بقوس الجور في زيغ وبقوس الزهرة بعد ذلك ‪ ،‬إذ‬
‫قد كان تقدم سر العدد في المدد بإشارة إذا قابلت الزهرة وجه زحل حال الحال بالكنانة‬
‫وغيرها فقد تقع المقابلة مرات عديدة منها حركة قيام الجيم على الميم وعلى خاء‬
‫وعلى عين وعلى ألف وحركته كبرى ‪،‬‬
‫أو على ميم ميم ميم في أحايين مختلفة كلها بمقتضى مقابلة الزهرة وجه زحل وما‬
‫رمزه الشيخ ورتبه على حركات االقترانات هإال لكمال الرمز وصيانة لمقام الكشف ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬نزول أهل الزيغ في زيغ ‪ ،‬يشير إلى فتنة عظيمة في حكم العدد في اإلشارة‬
‫الثانية‬
‫وقوله ‪ :‬إذا قابل عطارد المشتري كثرت العوائد وقلهت الفوائد لجيم الجند والرعية ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬إذا دخل كيوان بالميزان نفخ الشيطان وضعفت غلبة السلطان واستدار الزمان‬
‫إلى س ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬إذا شرعت الناس في المخاصمة بطلت المحاكمة برهة ‪ ،‬ثم ينتظم األمر إلى‬
‫عام سين ‪ ،‬يشير إلى عام سير الجند إلى المشرق فإن السين ليست لعدد هنا ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬ظهور دال النون بعد الجيم بعد هياج عظيم يثور بها إلى عام سين ‪ ،‬هذه للعدد‬
‫واإلشارة إلى رجفات ورجات تتوالى برهة على الجنود والضد هو النزاع والهياج‬
‫معلوم ‪،‬‬
‫وقوله إذا ظهر النجم في آخر الدلو في حركات بها عزل وتولية وفي هاء النون‬
‫نظيرها ينسحب حكمها للسين يا لطيف ألطف فيه‬
‫إشارة إلى شدة الحركة وقوتها ‪،‬‬
‫ّللا مراد الثاني دليل على‬
‫ّللا تقتل ملكها وينصر ه‬
‫وقوله ‪ :‬تقوم طائفة من بني عبد ه‬
‫ظهور مراد ومراد ‪.‬‬
‫إشارة إلى الفتك يملك أول اسمه ل وصرح بأخذ ثأره‬

‫‪26‬‬
‫ّللا مراد الثاني ‪،‬‬
‫بقوله ‪ :‬وينصر ه‬
‫وقوله ‪ :‬بغداد يخرجها بأكبر أع م خروج صغير‬
‫فيه إشارة إلى خروجها عن حوزة يد إمام الوقت بتغلب النيات عليها ‪،‬‬
‫وقوله ‪ :‬والخاء غير أخذ بغداد خ خ وال الجيم ج ‪ ،‬يشير إلى محاصرة بغ بحرف‬
‫الخاء وحرف الجيم العددية ‪ 3‬وعدم أخذهم إياها ‪،‬‬
‫وقوله ‪ :‬م ع م ز قوال وفعال هو إشارة إلى الحروف الثالثة وعدم أخذهم دار الخالفة‬
‫من أربعين إلى سبع وأربعين وفي حسم ملك الميم ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬بغ ال يفتح بابها هإال بعد مضي ز م في ح م اإلشارة ‪ 48‬بعينها وإن اختلفت‬
‫ألفاظها ‪،‬‬
‫وقوله ‪ :‬ويخاف على ‪ 47‬مجال ‪ 48‬الشمال من باب األرض فخر وخرابها بالجيم‬
‫العددية ‪ ،‬يشير إلى ظهور خارجي بها ال يتم أمره وعلته الجيم العددية وقوله ‪ :‬مراد‬
‫يطلب الثار أوال قوله وله كرة أخرى هي حركة حم بعينها ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬رجة أهل الحرم من قوم أوغاد ال يتم لهم المراد بال فساد ‪ ،‬يشير إلى قيام‬
‫فرقة هناك ويهلكون بالواد ‪،‬‬
‫قوله ‪ :‬قيام أفراد مصر لنصرة أهل الحرم رحمة حتى يختلفون فيما بينهم برهة‬
‫هي اإلشارة بعينها واألوغاد ال نسب لهم وفعلهم قبيح ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬لليمن قاف القاف ال يفتح وترمي مصر بقوس الجور حتى يرده ميم وجيم‬
‫بالتسليم لحرف الحاء والنون فافهم‬
‫وقوله ‪ :‬يخاف على بيرم الصدر في زم أو ح م ‪.‬‬
‫وبعده ترتيب الميمات بمصر والباب م م م م م م م م كذا‬

‫وقوله ‪ :‬تعديل األدوار وظهور سعد ميم مراد هي في عام ‪ 1‬م يأخذ الثأر ويزيل العار‬
‫عند قيامه تلك اإلشارة إلى ما تقدم شأنه في حق مراد الثاني ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬خ ص إذا عمرت أسوان بالباء والعين في آخر الزمان حكمت النسوان في‬
‫دولة آل عثمان برا وبحرا ويكون خوف وضجر بها وبالحبشة آل ع وبالمغرب‬
‫اختالف بين أهله يعم ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬الميم القائم بالميم في بن عن إذن رحيم يثبت ‪ ،‬ويل للسبع من السبع‬
‫إشارة إلى قيام قائم بمصر عن إذن إبراهيم يثبت للحكم المقدر عليه فويل له من السبع‬
‫الذي يفترسه ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وقوله ‪ :‬حركة قزق مع الميم وحركة بدم مع الميم مع عالمة حركة الميم مع جيم‬
‫الكنانة في دن يشير إلى حركة تقع نواحي القزق مع الميم الصدر وبعدها نظيرها في‬
‫حصن بدم ميم مع آخر فافهم ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬يخاف على الجيم من عين يقوم بها في دن يشير إلى حركة تكون بين الجند‬
‫وحرف عين في الدال والنون يعني في دار النزاع ألن الدال والنون بلسان اإلشارة‬
‫هكذا ‪،‬‬

‫وقوله في عين العقبة جموع بمصر وتحكم العبيد على األحرار ثم تحكم الرعية شرار‬
‫البرية ‪،‬‬
‫وقوله ‪ :‬في براري مصر رجفات يشير إلى رجفات الفتن مع قطان الجبال فافهم ‪.‬‬
‫سكارى َوما ُه ْم بِ ُ‬
‫سكارى[ الحج ‪، ] 2 :‬‬ ‫وقوله تعالى ‪َ :‬وت َ َرى النا َ‬
‫اس ُ‬
‫م هما يحدث من ذلك األمر ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬تثور الروم بدليل معلوم ترقبه تراه ه ‪ .‬ف إشارة إلى قيام حركة‬
‫بالروم مع م ح والظفر للميم الذي تثبت بعده ترقبه تجده ميم الصدر فافهم ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬تحصل صكة الختم ج س من بعد ميم وفي دس نظيرها يشير إلى جلوس رحيم‬
‫الذي تفسيره ألف وميم بعد ميم ترقبه تجده بعد ميم يتقدمه من قبله‬
‫وفي الدال والسين ج د س نظيرها فتدبره ترشد ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬س ل ي م وعند الختم يفترس من الكتم الرجوع األمر إلى البطون ‪،‬‬
‫يشير إلى الملك الخاتم ألن في جلوسه اختالفات كثيرة وأمور مهمة ال يجوز كشفها‬
‫وعند فناء حاء الزمان ودالها على فاء مدلول الكرود ويقوم مع السبعة األعالم والناس‬
‫غفل ‪،‬‬
‫إشارة إلى ظهور ميم ختم الختم األكبر وأصحابه السبعة األعالم رجال سدته وأصحاب‬
‫بيعته فتدبره ترشد ‪،‬‬
‫وقوله ‪ :‬ملك أحمد الملوك فيه‬
‫إشارة إلى دولة العثمانيين إذا ملكت أرض العرب‬

‫وقوله ‪ :‬قاسم جنة الكنانة‬


‫إشارة إلى عش حرف القاف ما دام في الكنانة هذه جنة ألهلها ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬ويل ألهل أرض الكنانة في طولها والعرض من شجرة الحنظل إذا نبتت بها‬
‫وهي م وهـ م ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬ح ود وع ور ز ول وح وب هذه أحرف فروع شجرة الحنظل تنبه لها وخذ‬
‫تفسيرها من أعدادها تعرف أشخاصها ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫سيَ ْغ ِلبُونَ‬ ‫ض َو ُه ْم ِم ْن بَ ْع ِد َغلَبِ ِه ْم َ‬ ‫الرو ُم ( ‪ ) 2‬فِي أ َ ْدنَى ْاأل َ ْر ِ‬ ‫ت ُّ‬ ‫وقوله ‪ :‬ألم ( ‪ُ ) 1‬‬
‫غ ِلبَ ِ‬
‫ص ِر‬‫ّلل ْاأل َ ْم ُر ِم ْن قَ ْب ُل َو ِم ْن َب ْع ُد َو َي ْو َمئِ ٍذ َي ْف َر ُح ْال ُمؤْ ِمنُونَ ( ‪ِ ) 4‬بنَ ْ‬
‫( ‪ ) 3‬فِي ِبضْعِ ِسنِينَ ِ ا ِ‬
‫ّللاُ َو ْع َدهُ َول ِك ان أ َ ْكث َ َر‬
‫ف ا‬ ‫ّللاِ ال يُ ْخ ِل ُ‬
‫الر ِحي ُم ( ‪َ ) 5‬و ْع َد ا‬ ‫يز ا‬ ‫ص ُر َم ْن َيشا ُء َو ُه َو ْال َع ِز ُ‬
‫ّللا َي ْن ُ‬
‫اِ‬
‫اس ال َي ْعلَ ُمونَ ( ‪ [) 6‬الروم ‪. ] 6 - 1 :‬‬ ‫النا ِ‬
‫فيها إشارة إلى مدد الدولة العثمانية ‪ ،‬تنقسم تلك األعالم األعداد على كراسي ملوكهم‬
‫في أوقات مخصوصة لهم ‪،‬‬
‫قد رأينا االتفاق الشافي في أعداد تلك اْلية ألنها جامعة ألمورهم‬
‫فتدبرها تعرف سرها وهذا تقسيمها ‪:‬‬
‫" ا ل م غ ل ب ت ا ل ر وم ف ي أد ن ا ل ا ر ض وهـ م م ن ب ع د غ ل ب هـ م‬
‫س ي غ ل ب ون ف ي ب ض ع س ن ي ن "‬
‫ّللا ينصر من يشاء ‪.‬‬ ‫هّلل األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ه‬

‫فإذا أردت معرفة ذلك يعني تقسيم اْلية فاألعداد في األحرف الترابية لكنها تبدل بأقل‬
‫أعدادها وال يمكن التصريح بسرها فتدبره ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفي قتل م د بالكنانة فتح باب الفتن وال يقفل هإال إذا تمت عقود األعداد وظهر‬
‫سيد األفراد مع أصحاب أمجاد فيه‬
‫إشارة إلى قتل يتكرر مرات‬
‫ألنه ذكر قوله ‪ :‬أسها الفتك بإبراهيم بعدم د فافهم اإلشارة ‪.‬‬
‫وعقود األعداد فيها أمور عظيمة يتكرر وقوعها لكنه لم يصرح بها خشية من وقوع‬
‫الفتنة فتدبر ذلك ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬وسيقدم ميم بأمر عظيم من باب رحيم ترقبه بنقض وإبرام إذا ناقش أرباب‬
‫ّللا بأهل الكنانة ‪،‬‬
‫األقالم وذلك إذا ظهرت عالمة النيرين في ميقات واحد يلطف ه‬
‫يشير إلى قدوم ميم ضخم من باب الملك يناقش أرباب األقالم بالنقض واإلبرام عزل‬
‫وتولية وإدخال وإخراج وحل وربط وذلك في عقد الوسط من اْلية الشريفة ‪ :‬يأتي إلى‬
‫الكنانة وعلى يده فتح باب الخاء فتدبره ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬قيام السين بفتح أرض العرب إلى قيام السين المعاهد بقونيه‬
‫يشير إلى سين الفتح وسين الختم الذي يظهر ويبايع الميم ببلدة قونيه من أرض الروم ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬إذا رجع األمر إلى أوالد البطون هناك حادثة البلخي وقيامه من وراء النهر‬
‫يقصد الباب وال يدخله وعلته ضيق وقته ‪،‬‬
‫يشير إلى حادثة تكون في أوائل ظهور الميم الخاتم من أرض بلخ وراء النهر وهو‬
‫السين المولود به وهو سفياني األصل فاعلمه ‪. .‬‬

‫‪29‬‬
‫قوله ‪ :‬في إشارة البالغ واألعالم رجال النجدة ليسوا من جنس واحد صدرهم األعظم‬
‫ميم سليم رومي األصل وهو المنعوت في جفر اإلمام بالدين وهو صاحب التمكين‬
‫مر ذكره ‪،‬‬
‫ضابط اسمه ه‬
‫يشير إلى ذكره في عقود اْلية الشريفة من أولها وآخرها تركب أحرف الضابط االسم‬
‫فتدبره ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬في بعض نسخ الدائرة من الشجرة فتح الجزيرة وذكر ذلك على صيغ شتى‬
‫وفي مواضيع متعددة لكن أصحها ما وجدناه مقابال على نسخة األصل نبه على ذلك‬
‫في محل قيام الروم عند صكة الختم في جلوس رحيم‬
‫وفي تمام الفتح أقوال لعدم ارتباط األعداد في عقودها واألصح في عام واو نون الغين‬
‫فافهم ‪،‬‬

‫قوله ‪ ( :‬ا ل م ر ر ي خ )‬
‫في ذلك إشارة العدد الموجب للقران الموعود إذا كانت الراء تاء هي بتكرارها ألن‬
‫الرائين حرف تاء فالتاء مع الخاء غين وبقية األحرف تطلب تكميل عددها من اْلية‬
‫من عقودها‬
‫ألن اْلية الشريفة إذا أتت أمعنت النظر في إعدادها وعرفتها بالجملة أو بالتفصيل‬
‫عرفت جميع ما تضمنته من األسرار وما اشتملت عليه من حوادث األمصار واألقطار‬

‫فمن المشايخ من جمع أعدادها وأسقط وأبقى ما ناسب التأخير ‪،‬‬


‫ومنهم من فصلها عقودا وأعدادا أو جعل لكل عقد أعدادا تقوم بذاتها لكن بطريق‬
‫التوليد أو المخض أو الكسر أو البسط أو صيغة من صيغ الفن وعلم ذلك كثير جدا‬
‫ّللا تعالى ‪.‬‬
‫وسنوضحه لك فيما بعد إن شاء ه‬

‫وفي قوله ‪ :‬قاسم جنة الكنانة إشارة عظيمة سرية حرفية ظاهرها ق م حتى يقضي‬
‫يظهر حرف عدد اسمه في حكم الضدية‬
‫معنى ذلك إن أول اسم الضد الظاهر بعده يكون عدد كامل حروف اسمه‬
‫ومعنى ظهوره بالضدية يعني نقيض ما كان عليه حرف القاف‬
‫وإذا ظهر هذا النقيض ينتهي لمرة في عدد اسمه فتدبر ترشد ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬في الدائرة الكبرى ( م م ي ع وع ح ي )‬


‫في هذه األحرف إشارة بليغة ألفراد من قطان الكنانة ألنه ذكرهم بين األركان‬
‫واألضالع من داخل الدائرة ‪،‬‬
‫يشير إلى ثمانية أفراد فضلت من كسر اْلية وبسطها ستظهر في العقد األخير من اْلية‬
‫إذا قام بالكنانة الحرف اإلحاطي المسلط على بقية العناصر‬

‫‪30‬‬
‫يكون أولئك األفراد وحفدته وأركان سدته إن ساعده القران في قبة الميزان فافهم ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬إذا نبتت شجرة الحنظل بالكنانة تثمر النفاق وتؤثر الشقاق وتفرق بين‬
‫الرفاق ويسري شؤمها إلى األفاق‬
‫وفي ذلك إشارة بليغة تعلم إذا علمت أشخاص الشجرة وفي رمز تخصيص الحنظل‬
‫دون غيره ألنه مقصور النفع على بعض أفراد‬
‫وليست على حكم اإلطالق ألن الحنظل تقدره نفوس بعض الحيوانات الناطقة‬
‫والصامتة نعم واإلشارة للذم ال للمدح ‪.‬‬
‫وألجل ذلك يكون ما ذكر من النفاق والشقاق والفرقة بين الرفاق وسريان ذلك في‬
‫اآلفاق فال حول وال قوة هإال ه‬
‫باّلل العلي العظيم ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬خروج عدل ال خروج جور وال زوال‬


‫في ذلك إشارة إلى تمييز المدتين األولى والثانية ‪،‬‬
‫وقد تقدم ذكرهما في التنبيه على ما زاد على اسم السين الفاتح وسنزيدك بيانا‬

‫اعلم أن السين الفاتح جعلت المرة األولى الصافية في عدد اسمه من عام تفتح فيه‬
‫القاهرة إلى عام خروجها من يدري ذلك الوقت ومن عام الخروج المشار إليه إلى‬
‫الغاية عدة ألف ونون جامدتين وهي تمام المدة الثانية‬
‫وقد حررناها في اسم سليمان ولد سليم ألننا ما وجدنا الواحد وخمسين الزائدة هإال في‬
‫اسم سليمان والمدتين ‪ 191‬منها األولى ‪ 140‬والثانية ‪. 51‬‬
‫أما المدة األولى ‪ :‬فهي الصافية دون مشاركة ‪،‬‬
‫والثانية ‪ :‬يدخل فيها تصريف الغير الذي ختم الختم الميم األكبر ‪،‬‬

‫فاعلم أن ذلك الخروج ليس على ظاهره كما يظنه من ال معرفة له بعلوم األسرار‬
‫الجفرية ‪،‬‬
‫ولهذا قال في هذه الدائرة خروج عدل ال خروج زوال‬
‫ألن خروج الزوال ألنه يبقى التصرف على حاله لكن تغيير النعوت الجورية بالنعوت‬
‫العدلية‬
‫وإلى ذلك اإلشارة بقوله ‪ :‬في ميم الختم يمأل األرض عدال كما ملئت جورا ‪.‬‬

‫أما قيام العمد فعلى قواعدها األصلية من رجال الدولة العثمانية ألن دولتهم باقية‬
‫برجالها إلى ظهور العين في الشين هذا هو المعتمد عليه في االصطالح وهو المشهور‬
‫عند أرباب الجفور ‪،‬‬
‫فلو كان خروج جور لكان يلزم منه االنقراض بالكلية ولكان الميم القائم بينهم يهتم في‬
‫ظهوره بما ال يطيق من النعوت التي هي ضد العدل ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وقد انعقد اإلجماع على أنه يمأل األرض قسطا وعدال فلم يبق للخروج معنى هإال تغير‬
‫الجور والظلم بالقسط والعدل ال غير ‪.‬‬
‫فافهم ما أشار إليه في األصل بقوله ‪ :‬خروج عدل ال خروج جور‬
‫وَّللا يقول ‪ :‬هداك بمنهه وكرمه ‪،‬‬
‫ّ‬
‫وقوله ‪ :‬وسنوضحه لك بعين نعرفك كيفية االستخراج منها بوجه الئق من وجوه الفن‬
‫الذي عليه االصطالح متى أردت االستنباط لشيء من اْلية‬
‫آلف حروف الطبائع لكل عنصر على حدته‬
‫ثم خذ عدد ذلك المجموع وعمر به جدول على قدر العدد واستنطقه ينطق بالمقصود‬
‫وهذا الوجه أصح الوجوه كلها ‪،‬‬
‫وثم وجه آخر هو أن الجملة المجتمعة من الحروف المذكورة تتولد توليدا واحدا أو‬
‫تجمع أعدادها جملة واحدة تقسم ثالثة أقسام‬
‫فيطرح قسمان ويؤخذ القسم الواحد يعمر به جدول بقدره ويلقط منه ‪ 12 12‬فإذا تم‬
‫وّللا الموفق ال رب غيره ‪.‬‬
‫أدواره تجده ناطقا بالمطلوب ه‬

‫واعلم أن لهذه الدولة تأصيل نسب وعلو مرتبة بأصل صحيح يعلم منه شرف مقاماتهم‬
‫العلية‬
‫طفَيْنا ِم ْن‬ ‫ص َ‬ ‫تاب الاذِينَ ا ْ‬ ‫وذلك التأصيل في اْلية الشريفة في قوله تعالى ‪:‬ث ُ ام أ َ ْو َرثْنَا ْال ِك َ‬
‫ِعبادِنا[ فاطر ‪] 32 :‬‬
‫ّللا عليه وسلم مع ما أشارت‬ ‫فقد دخلوا ضمن اْلية الشريفة لكونهم من أمة محمد صلى ه‬
‫إليه اْلية فال شك أنهم في سلكها ‪.‬‬
‫ور ِم ْن َب ْع ِد ال ِذه ْك ِر أ َ ان‬ ‫ومن التأصيل المشار إليه أيضا قوله تعالى ‪َ :‬ولَقَ ْد َكتَبْنا ِفي ا‬
‫الزبُ ِ‬
‫صا ِل ُحونَ ( ‪ ) 105‬إِ ان فِي هذا لَبَالغا ً ِلقَ ْو ٍم عابِدِينَ ( ‪) 106‬‬ ‫ِي ال ا‬ ‫ْاأل َ ْر َ‬
‫ض يَ ِرثُها ِعباد َ‬
‫[ األنبياء ‪. ] 106 ، 105 :‬‬

‫أما الصالحية فهي بالنسبة إلى غيرهم من أصلح الدول بعد الصحابة والتابعين لوجود‬
‫النعت فيهم وباعتبار انقيادهم للشرع الشريف وتمكينهم من رتبة العبادة والخدمة‬
‫والصالة والصيام والزكاة والحج والجهاد ومالزمة الجماعة وأتباع السنة وحسن‬
‫العقيدة ‪،‬‬
‫وق هل أين يوجد ذلك بكماله في دولة من الدول الذين تقدموا ‪.‬‬

‫وأما لفظة لبالغا فهي إشارة تقيد العلم بالوقت المنتظر وكفى بذلك شرفا ورفعة فمن‬
‫ّللا تعالى وفتح عين بصيرته رأى نعت الصالحية فيهم ظاهرا ‪ ،‬أو سيظهر ذلك‬ ‫أيقظه ه‬
‫ّللا تعالى وتشاهده عند ظهور دولتهم فافهم ‪.‬‬‫إن شاء ه‬

‫فائدة عظيمة ال يستغنى عنها ‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫اعلم أن ظهور هذه الدولة قد حكاه ونبه عليه صاحب األصل في خطبة البيان بإشارة‬
‫واضحة‬
‫وذكر مبدأ ظهورها اإلحاطي في بكظ‬
‫وانتهاء ظهورها في دسغ‬
‫وأنها ستظهر على غالب المعمور من وجه البسيطة ويقهرون من ناوأهم وينتهي سير‬
‫ّللا على يد م ح ‪.‬‬
‫جنودهم إلى الجزيرة الكبرى ويفتحها ه‬

‫ومن المدن المنسوبة إلى معنى اإلشارة وتفتح ميم بالتسليم وأخرى بهول عظيم وأخرى‬
‫يحب رحيم وأخرى بالرعب العميم ‪. .‬‬
‫قال ‪ :‬ويتسلسل ذلك األمر إلى أن يظهر العلج األصفر والطود األصغر ويجمع‬
‫الجنود على حصن النهر ويقابله ميم الصدر في السفن البحرية وعلى الخيول العربية ‪،‬‬
‫ّللا الميم‬
‫فيغرق العلج وتهلك جنوده وينصر ه‬
‫وبمصداق ذلك في عقد من عقود اْلية الشريفة ‪ ،‬وسنذكر لتقسيمها قاعدة أخرى مقيدة‬
‫فيها بالغة عظيمة إذا أتقنت بإتقان الشافي أوضحت مكنونها ويثبت مضمونها وكشفت‬
‫عن وجوه حقائقها ‪،‬‬

‫وذلك أن في كل عقودها جملة من األسرار المودوعة في الحروف وفي نطق كل جملة‬


‫من تلك الجمل حروف حوادث ووقائع وحركات ستظهر في آناتها محررة ‪ ،‬وهذه‬
‫صفة التقسيم‬
‫( ا ل ف غ ‪ ،‬ل ب ت ‪ ،‬ا ل ر وم ف ي ‪ ،‬ا د ن ي األ ‪ ،‬ر ض وهـ م م ن ب ع د ‪،‬‬
‫غ ل ب ‪ ،‬هـ م ‪ ،‬س ي غ ‪ ،‬ل ب ون ‪ ،‬ف ي ‪ ،‬ب ض ع ‪ ،‬س ن ي ف ‪ ،‬هّلل األمر‬
‫ص ُر َم ْن يَشا ُء[ الروم ‪:‬‬‫ّللاِ يَ ْن ُ‬
‫ص ِر ا‬
‫من قبل ‪ ،‬ومن بعد ‪ ،‬ويومئذ ‪ ،‬يفرح ‪ ،‬المؤمنون ‪،‬بِنَ ْ‬
‫‪،]5‬‬
‫هذا تقسيم مخصوص ألعداد مخصوصة بطريقة غير األولى لمن يعيها‬
‫فيأخذ من كل جملة أعداد مدة من المدد المعلومة المنصوص عليها وقد حرموا كشفها‬
‫للعامة‬
‫فال قائل بالتصريح على ما جرت به العوائد للقوم ‪،‬‬
‫ولقد رأينا من تصدى الستخراج تلك المدد وتبيان وقائعها وحوادثها فأغني المبتدىء‬
‫عن عالج القواعد واألحوال فتظهر له من باطن األحرف عجائب وغرائب تنبىء عن‬
‫كل شيء ‪،‬‬
‫وألف في ذلك ورقات لطيفة يذكر فيها أسماء األفراد في كل دورة من أدوار المدة‬
‫المقدرة حتى حال به جواد البيان ‪،‬‬
‫وقلب األعداد إلى ما وراء المدة المقدرة وأركزه على مركز الغاية المنبه عليها بقوله‬
‫ت َو َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض إِ اال َم ْن شا َء‬ ‫سماوا ِ‬‫ص ِعقَ َم ْن فِي ال ا‬
‫ور فَ َ‬
‫ص ِ‬‫تعالى ‪َ :‬ونُ ِف َخ فِي ال ُّ‬
‫ّللاُ[ الزمر ‪. ] 68 :‬‬ ‫ا‬

‫‪33‬‬
‫ثم إلى غاية الغاية المنبه عليها بقوله تعالى ‪:‬ث ُ ام نُ ِف َخ فِي ِه أ ُ ْخرى فَإِذا ُه ْم قِيا ٌم‬
‫ظ ُرونَ [ الزمر ‪، ] 68 :‬‬‫َي ْن ُ‬
‫فمن وقف على سر هذه اْلية الشريفة عرف األمر على ما هو عليه ‪ ،‬وكشف أسرار‬
‫الدورة اْلدمية جليها وضغينها ووجب عليها الستر رحمة ألهل الدائة الحية ‪ ،‬وإال‬
‫تعطلت معايشهم بالكتم لما في إظهار ذلك من الضر ‪،‬‬
‫وإال تعطلت أمور‬ ‫وإذا أميط عنه حجاب الستر ألن الحجاب رحمة ألهل الدائرة الحسيهة ه‬
‫معايشهم وتصير أبصارهم طامحة إلى رؤيا ما ال قدرة لهم عليه ‪،‬‬
‫فالكتم أفضل والستر أولى ‪ ،‬وأرباب الحقائق ما اصطلحوا هإال على التنبيه بأنواع البيان‬
‫وأحالوا أتباعهم على معرفة األصول التي هي المفاتيح ال غير ‪،‬‬
‫وعرفوا أن من حذا حذوهم واقتفى أثرهم يلحظ بعين بصيرته ما تضمنته تلك األصول‬
‫‪ ،‬وبهذا المقتضى صارت الحكمة والمعرفة في األفراد واشتغلوا الناس في العموم بما‬
‫هو األولى واألحرى في حقهم ‪،‬‬
‫س ْخ ِريًّا[ الزخرف ‪. ] 32 :‬‬ ‫ض ُه ْم بَ ْعضا ً ُ‬ ‫وإلى ذلك اإلشارة بقوله تعالى ‪ِ :‬ليَت ا ِخ َذ بَ ْع ُ‬
‫من التسخير في المصالح الكونية التي فيها حياتهم ‪ .‬وسلطان الجمهور هو األمل‬
‫الباعث على حركات الهمم لتعمير المراتب باختالف المرادات إذا الحكم مختلف ‪،‬‬
‫وإن كانت العين واحدة باالتفاق فاألصل هنا له السلطة لقوة تصريفه بنور الوهم الحاكم‬
‫على مطلق مراتب الوجود ‪،‬‬
‫فاألمل يحمل صاحبه على تعمير الرتب ‪ ،‬والوهم يحمله على تحصيل ما يخاف فوته‬
‫من المرادات إذ لوال األمل ما أحدث شيء ‪،‬‬
‫ولوال الوهم ما خاف الملكين من هو أعظم منهما في المملكة اإلنسانية يس همى اليقين‬
‫يقوم في صورة اإلنسانية ‪،‬‬
‫فيغلب األمل والوهم ويطويهما طيا كليا ‪ ،‬وقيامه في الصورة على قاعدة عظيمة هي‬
‫اإليمان الباعث على الذوق يجر إلى الشوق والشوق يجر إلى العشق والعشق يجر إلى‬
‫الكشف والكشف يقضي إلى الثبوت والثبوت يفضي إلى الرسوخ والرسوخ هو المشار‬
‫الرا ِس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم َيقُولُونَ آ َمناا ِب ِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َر ِبهنا[ آل عمران ‪:‬‬ ‫إليه بقوله تعالى ‪َ :‬و ا‬
‫‪،]7‬‬
‫وأربابه هم أهل التمكين الذين عرفوا األمر على ما هو عليه وفصلوا مجمله وأجملوا‬
‫تفصيله ‪،‬‬
‫فهم ناظرون إلى ما وراء األستار مشاهدون لما بطن وما ظهر من األسرار قائمون‬
‫بمطلق المراتب من غير تعطيل ‪،‬‬
‫قد فازوا بأسرار تجليات األسماء من تمثيل ال يخرجنهم الفزع األكبر ‪،‬‬
‫وال يغير بواطنهم الهلع هإال ظهر ألنهم محل جريان األقدار ومجالي الظلمات واألنوار‬
‫وقد عثروا على العين الخضرية فيشربوا وطابوا كلما الح لهم في الدائرة الخلقية بارق‬
‫حادثة حملوها على ما كشف لهم من أسرار أسباب حدوثها ‪،‬‬
‫فهم بهذا الحكم في عين البقاء وما سواهم بالتبعية لهم على قدر مراتبهم ‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫وبهذا يتضح لك سر طروء الحوادث كائنة ما كانت ووقعها في اْليات المختلفة بحكم‬
‫اختالف االقترانات الفلكية كما قررناه سابقا ‪.‬‬
‫وحيث انتهى البحث إلى هنا فلنرجع إلى ما نحن بصدده من تبيان الحوادث والوقائع‬
‫وباّلل التوفيق وهو‬
‫ه‬ ‫المودوعة في رموز الشجرة التي نحن بصدد بيان أسرارها فنقول‬
‫الهادي إلى سبيل خير فريق ‪:‬‬
‫َّللا بتأييد العصمة أن بعض الفضالء من المطلعين على األسرار الحرفية‬ ‫اعلم أيدك ّ‬
‫والكنوز الجفرية ألف ورقات لطيفة فيما يتعلق بالحوادث الكليات الكبار ‪،‬‬
‫وأسس تلك الورقات على حروف أبي جاد ‪ ،‬فجاءت مطابقة لحوادث الربع المعمور‬
‫من البسيطة ألنه جعل لكل قطر من األقطار قاعدة مبنية على حرف أو حرفين من‬
‫حروف أبي جاد ‪،‬‬
‫وأعطى لكل قرن ما يليق به من تلك الحروف التسعة والعشرون بحسب طبيعة ذلك‬
‫المنظر وقابلية أصل ذلك القرن ‪ ،‬فال تكون حادثة في قطر من األقطار في قرن من‬
‫وإال بسر قيام أهل يخصه من تلك األحرف ‪،‬‬ ‫القرون ه‬
‫وجعل مثال ذلك في دائرة مربعة األركان غير مستديرة الشكل بل مسدسة في عين‬
‫التربيع ‪ ،‬لم يراعي فيها هإال تصور أسماء الحوادث في صور األشخاص القائمة في‬
‫الوقت وعدل عن بيان األسماء مجردة وسماها دائرة الخطوط في األمر المربوط وهذه‬
‫صفتها ‪:‬‬

‫فانظر في كل حرف على انفراده ‪ ،‬واعرف مركزه وخذ من كل نقطة نقطة اسم شيء‬
‫يظهر عند مخضه وتوليده ‪ ،‬يتصور بين يديك جملة من الحوادث الكليات المودعة في‬
‫جدران الحروف واألعداد ‪،‬‬
‫واعلم أن االبتداء في العمل من ركن المحراب ‪ ،‬وحرف األلف والهاء والطاء والميم‬
‫والفاء والشين والذال المعجمة ‪ ،‬ويمشي على اليمين إلى الظاء وهو حرف الغاية من‬
‫عنصر الهواء الذي عليه المدار في الحركة ‪،‬‬
‫ولما اطلعت على هذه الدائرة المربعة ووجدتها مثمنة األركان اخترت تربيعها في‬
‫صورة أخرى وقسمت الحروف على أركانها األربعة‬
‫بهذه الصورة كما ترى ‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫وقد ه‬
‫اطلع عليها بعض العارفين فأعجبته لما في طيها من األسرار العجيبة واألمور‬
‫الغريبة ‪ ،‬فلكل ركن من األركان سبعة أحرف طبيعية تؤخذ أعداد أوالدها المنوطة‬
‫منها وتجمع جملة واحدة ويدخل بها الطالب إلى جدول مناسب ويعمر بها ويستنطقه‬
‫ينطق بحادثة الوقت التي تخص ذلك الركن ‪ ،‬فتدبر ذلك واعمل بمقتضاه ترشد إلى‬
‫سواء السبيل ‪.‬‬

‫واعلم أيها المريد المسترشد أن بين يديك عقبة كؤود ال يقطعها هإال كل ضامر ‪ ،‬وهي‬
‫أعظم العقبات المانعة عن الوصول إلى معرفة أسرار الحروف يقال لها عقبة‬
‫االشتراك بين حرفين ‪ ،‬ألنه قد يتفق االشتراك بين حرفين في قطر من األقطار ‪،‬‬
‫ووجه التخلص من هذه العقبة أن يؤخذ عدد الحرفين ويضرب في مثله ‪ ،‬ثم يضرب‬
‫المجتمع أيضا في مثله ‪ ،‬فتظهر جملة جامدة تسقط تلك الجملة ‪ 99‬والباقي بعد اإلسقاط‬
‫هو الحرف الذي ال يقبل االشتراك ‪ ،‬فاحكم به على قطره وهذه قاعدة عظيمة فاعمل‬
‫بها ترشد إلى الطريق والصواب ‪.‬‬

‫واعلم أنه إذا تمت أعداد بضع سنين يفتح باب ( هـ م ب ع م ) يلزم من فتحه حصول‬
‫جملة من المتاعب ال تزال تزداد وتنمو شيئا فشيئا إلى الميقات المعلوم ‪،‬‬
‫فمنها في ( ز ن ) ألن شق العصا وتفريق الكلمة عند من عصا خصوصا في الحروف‬
‫األربعة التي هلكت األشرار ولوال أطيار األعشاش طاش من طاش وعاش من عاش ‪،‬‬
‫فالقاف الراحل مخرب المنازل‬
‫والقاف القائم مجده مالزم وحزن الناس على صعب المراس وظهور النساء في صور‬
‫الرجال وبال وأي وبال ‪،‬‬
‫والجزيرة البحرية تفتحها المراكب السحرية ‪ ،‬والحاء المصري يظهر مع البوم ألهل‬
‫الروم ‪،‬‬
‫وحرف السين يقود الجيم للعراك وهو ال يعلم ما هناك ‪ ،‬أما حرف الميم فأمره عظيم‬
‫إذا تعددت أشخاص الميم في الميم قويت شوكة األخيار وذلت األشرار ‪ ،‬تنبه يا نائم‬
‫لألمر القائم وال تغفل يا مطلوب ألنك المخطوب ‪،‬‬

‫‪36‬‬
‫إذا باح الميم بسر التعليم ارتجت الكنانة بخطب عظيم ال شك وال خفاء أن الطرف غفا‬
‫عن حادثة البرق في الشرق قيام الميم بنعت الخالف‬
‫يوجب تحريك األطراف وخروج الخان على ميم قرمان يحرك صاحب اإليوان على‬
‫طلب ‪ ،‬وإن رب الممالك مالك وضد وقته هالك ‪ ،‬ال يخدم الملوك ّإال كل مملوك‬

‫وال تعمر القاهرة بالفئة الظاهرة بالثالث الهوى أنت ممن غوا ‪،‬‬
‫لوال الدوا يا سادس الناس ركبك العار يا رابع الماء ‪،‬‬
‫قد بلغت السماء من تعدى حده تجاوز إلى ضده ‪،‬‬
‫ويح القاهرة إذا حكمت العاهرة ‪،‬‬
‫أما دابة األرض فهي صاحبة الطول والعرض كيف يطيب العيش مع وجود الطيش ‪،‬‬
‫إذا تفرقت القلوب تفرقت األجساد ‪،‬‬
‫إذا كثرت الخصيان خربت البلدان ‪ ،‬إذا عمرت الخزائن خربت المدائن ‪،‬‬
‫إذا عمرت األجداث حكمت األحداث ‪ ،‬بين النون والسين يفتح التحسين ‪ ،‬أما عقد البيعة‬
‫فال يصح بالضيعة ‪.‬‬
‫وال يصح األمان هإال في صفاء الزمان باختالف الفرقة ‪ ،‬تكون الفرق بكثرة الحساد‬
‫يظهر حكم اإلفساد ‪،‬‬
‫أما الكنانة فهي عش األمانة إن سلمت من الخيانة ألن رجالها نبال رشاقة ‪،‬‬
‫وأعينهم رامقة يصفو لهم الوقت المعلوم إن خالفوا رأي البوم ‪،‬‬
‫أما التخليط فمن علة التفريط إن قويت حرارة الميم أحرقت كل زنيم ‪،‬‬
‫أما المشورة ليس فيها معيرة ألن االتفاق يجمع شمل الرفاق والفرح الدائم عند انتباه‬
‫النائم ‪،‬‬
‫كل حركة تكون في الكنانة من الفتنة الفتانة بسر عش القاف بجمع األطراف على‬
‫شرط اإلنصاف بسر االئتالف كيف الخالص والطيور في األقفاص وْلت حين مناص‬
‫يا قائم نم ويا نائم ‪،‬‬
‫قم يا رب الباب احذر من األصحاب وأكرم الحجاب والنواب ‪ ،‬يا مصري ال تؤاخي‬
‫القصري ألنه غدار وغايته الفرار وعليه المدار ‪.‬‬
‫هذا جميعه حال االقتران والقمر في الديوان ‪ ،‬ومقابلة المشتري كيوان ترقب ذلك إذا‬
‫أرغمت المعاطس وكثرت األفاطس ووسوست القساقس وانتهى عدد غين فافهم ‪،‬‬
‫وإذا فهمت فاكتم ‪.‬‬
‫وعليك باتباع الميم إذا تربعت قواعدها واشتد ساعدها وأعطت المدد‬
‫واعلم أن هذه اإلشارة كلها بين قرنين كبيرين منحصرين فيما بين النون إلى السين‬
‫وفي ألف السين ظهور النجم األحمر فوق الجبل األخضر ‪ ،‬يراه كل ناظر من يراه كل‬
‫باد وحاضر‬
‫ويخشى على خدام ذلك النجم الفرار من كشف األسرار ‪،‬‬
‫ويذبح القربان على باب أسوان إذا اجتمعت الفئتان ‪،‬‬

‫‪37‬‬
‫واتفقت آراء الغربان وجارت العربان ‪،‬‬
‫فالكنانة مصونة وأسرارها مكنونة كلما أطرقها طارق أو قصدها مارق رمي بشهاب‬
‫ثاقب من رب المشارق والمغارب ألن عمدها قائمة وإمداداتها دائمة وهي الربوة‬
‫المباركة التي ال تقبل المشاركة‬
‫قد أحاط بها جبل ق من جميع األطراف قاف محيط باألكناف فهو عالي الذرى لتربية‬
‫أمجاد الورى‬
‫سيفشو أمره ويذاع خبره ترقبه في جوف الكنانة وهو محيط بها لكن ميقاته السين‬
‫لكمال التعيين ‪.‬‬
‫أما رابع النار فعليه المدار في حفظ الديار ال بد من االتفاق على ترك النفاق ‪،‬‬
‫وفي دسغ العدد يظهر سر المدد‬
‫وذلك أعدل المدد لقرب الوقت المعلوم وحصول القدر المحتوم ‪،‬‬
‫إذا نفذ عدد الدسغ فاح شذا طيب الميم فال يشمه ّإال كريم ذو عقل سليم ‪،‬‬
‫وليس أحرى لذلك اإلسهام الكنانة المهيؤون لحفظ األمانة ‪ ،‬وفي عين الغين ينصلح‬
‫وجه البسيطة بالتمهيد المطلوب بكل حبيب يحكم محبوب ‪،‬‬
‫هذا ما دلت عليه الحروف في حيثية أعدادها واستنطاقاتها بحكم االصطالح المتفق‬
‫عليه الجمهور ‪،‬‬
‫فانتبه لما أبرزته قدرة الباري سبحانه من أسرار الحروف واألعداد فافهم ‪.‬‬
‫وقال بعض من اطلع على دائرة الشجرة النعمانية وحرر إشاراتها وأظهر مكنوناتها‬
‫بالصناعة الحرفية ‪،‬‬
‫إنه إذا أخذت الغين الجامدة استحقاقها تختلف أحوال القاهرة من الحوادث المتواترة ‪،‬‬
‫ويختل نظام قطانها وتتغير أهوية أزمانها وتنبت بها شجرة الخالف تعم وتتفرق‬
‫أغصانها ‪ ،‬في األطراف وتثمر عدم االئتالف بين الجواهر واألصداف ‪،‬‬
‫تلك شجرة الحنظل التي تقذفها النفوس وبظهورها تتفشى المظالم والمكوس ويتكرر‬
‫الطاء المترادف بالعكوف ‪،‬‬
‫فالرجات مترادفة والحركات متقاربة ‪،‬‬
‫وهي مبنية على السالفة فالعين مخذولة وحرف األلف مقتول‬
‫والميم سيفه مسلول يقتضي األسود وأمره غير مردود وعلى يده نقص العدد وإرغام‬
‫أنف الوالد والولد‬
‫وإخراج فرقة بعض النواجذ من شؤم رأيهم الفاسد ويناصحه الميم والباء بال مراء وهو‬
‫خراب أول القرى ‪،‬‬
‫ويكون الدور والتسلسل في النزاع وظهور االبتداع ‪،‬‬
‫وال تنسى رجة الحرم من األوغاد وسهام الكنانة تأخذهم في الواد عند شجرة القتاد ‪،‬‬
‫هل سهام الكنانة ّإال رجال النجدة وأرباب الحدة ‪،‬‬
‫سيظعنون منها وإليها يعودون بعزم متين ونصر عزيز وتمكين ‪،‬‬

‫‪38‬‬
‫أسس تلك الحركة قيام القاف بالجيم ‪ ،‬إلى الياء يقضي ذلك إلى اختالف عظيم في‬
‫األمور ويفر القاف من الجيم ويرجع بأقبح رد غيبته ‪،‬‬
‫يريد الكنانة فيرده من يرهقه ويصده عنها إلى مغربها تقول برهة ويقضي فال يعمر‬
‫عشه بأفراخه إلى غير الغين ‪ ،‬تأمله تراه وترقبه تلقاه ‪،‬‬
‫أما قيام العرب من العجب ألنه ينتج النصب ‪ ،‬وتعطيل النفوذ من السود أكالين الكبود ‪،‬‬
‫وتكرار وارد الباب من أعظم األسباب للخراب ‪ ،‬إن صحت الجمعية هلكت الرعية ‪.‬‬

‫إياك والغفلة فإنها رفلة ‪ ،‬كن في السواد األعظم فإنك ال تندم بل تغنم ‪،‬‬

‫عليك بالبيت المعمور فإنه مغشى بالنور ‪ ،‬ال تفارق الكنانة تبقى وحيد وتستحكم فيك‬
‫العبيد ‪،‬‬
‫وإذا رأيت القران األول فاعلم أنه عالمة واضحة أنوارها واضحة غير معاينة هي‬
‫عالمة ظهور الكردي النائم ومالقاته لميم قائم ‪،‬‬
‫ويستمد الميم من الكنانة بعدة الغين فيظعنون إليه ويجتمعون عليه ‪،‬‬
‫وينهزم الكردي بخربة ويرجع المصري على دربه بعد حربه يدخل الكنانة في رجب ‪،‬‬
‫والناس من جهته في وصب ‪،‬‬
‫وال تنسى حادثة الزوراء وما بعدها فإن لها سبع كرات حتى يجتمع الشتات ويذل شاه‬
‫العجم لراعي الغنم ويؤخذ ولده أسيرا إذا خالف المشير ‪،‬‬
‫وسابع كرة عند اجتماع نجوم المجرة ‪،‬‬
‫وتسكن الحركات بالكنانة بصفاء الوقت برهة حتى ترد أخبار الكنانة من الروم بقيامهم‬
‫على ساق واجتماعهم على حصن النهر ‪،‬‬
‫ومالكه إذ ذاك ميم ونصرته ميم وميم وميم وحاء وياء قديم ‪،‬‬
‫وتستمر الحرب بينهم ميقات والنار يضرمها الهياج والنهر متالطم األمواج والسبعة‬
‫المجتمعة يهزمهم صاحب الراية المرتفعة ميم الحصن العثماني وصدر المقام الخاقاني‬
‫والسابع منهم غريق وهالك السفن من الحريق يا لها من وقعة هائلة ما شوهد مثلها في‬
‫القرون الخالية الزائلة كيف ال ؟‬
‫وجنود أهل الطغيان مجتمعة من خلف هميان ‪ ،‬ال شك وال خفاء إن عظيمهم القران‬
‫األكبر شناره مرتفع بصليب الجوهر ‪،‬‬
‫ثم ال تقوم لهم بعدها قائمة وهزيمتهم إلى الميقات دائمة ‪ ،‬عندها يلج الميم بالجيم دخوال‬
‫إلى مدينة العجب وكنيسة الذهب ‪ ،‬يتم حصارها ميقات وتفتح في أشرف األوقات الذي‬
‫هو اليوم األزهر في ساعة صعود الخطيب على المنبر ‪،‬‬
‫ويغنم الميم وجنده غنيمة ما غنموها قط هإال في تلك الوقعة غاية الوقائع اإلسالمية وما‬
‫بعدها هإال وقعة أصفهان مع جنود فارس وكرمان ‪،‬‬
‫وينهزم رب الطيلسان بجنوده على شط النهروان ‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫تلك نهاية حركات الميم صاحب القائم ‪ ،‬وقد تم دور المريخ وكيوان المنتظر في حكم‬
‫القران ‪،‬‬
‫ليت شعري هل علمت من يكون ذلك الميم هل هو إال ليث الكنانة الصمداني المتصدر‬
‫في سدة السين العثماني عهده مثبوت وعقده غير مبتوت‬
‫لتعلم أن الحركات التي تحصل في الدائرة أسسها ومعظمها جيم القاهرة ‪ ،‬هذا غاية ما‬
‫نصه ذلك الحبر في معنى قوله ‪ :‬إذا أخذت الغين الجامدة استحقاقها كان وكان فافهم ‪.‬‬

‫واعلم أن الغين الجامدة عدتها ألف سنة شمسية ‪،‬‬


‫والغين غير الجامدة زيادتها سين سين ‪،‬‬
‫وينتقل الحكم إلى قران آخر عجيب يتعين فيه كل أمر غريب ينسحب حكم الحوادث‬
‫فيه إلى تمام القران الزائد الذي رأسه يظهر المجد الماجد صاحب القران الخاتم لألمر‬
‫المهول الالزم ‪،‬‬
‫وقد تصدى بعض أرباب الفن واستخرج اسم األفراد من الحروف واألعداد من دسغ‬
‫العدد إلى نهاية قاف الغين فرد فردا‬
‫لكنه ما قيد الحروف بزمان مخصوص بل أطلقها في العموم والخصوص غير أنه‬
‫ذكرها على التوالي حتى ال يدع عامه خالي ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬إذا كان عام دال سين الغين بعمر عشر الحرف اإلحاطي في الكنانة بالسبعة‬
‫الشداد الذين هم أعيان األفراد م م س س ي ق دورة ظهورهم من دسغ إلى دقع ‪،‬‬
‫يظهرون للتعمير وال ينبئك مثل خبير ‪،‬‬
‫سل عنهم صاحب اإلمداد قوي األوتاد المنبه عليه في دائرة الشجرة بأنه من البررة ‪،‬‬
‫نجمه أزهر وقدره أفخر وعلمه أظهر ‪،‬‬
‫وبقية الحروف في ضمن دائرته تظهر يستمدون منه ويأخذون المجد عنه ‪ ،‬لكل فرد‬
‫منهم نعت يخصه دون صاحبه وهذا نعت التخصيص م س ق ح ي إمداد فتأمل ترشد‬
‫وّللا يتولى هداك ‪.‬‬
‫ه‬

‫واعلم أن هؤالء األفراد نعتهم هكذا كما ترى ‪:‬‬


‫صالبة مدد سيار بصيرة قوة حلم يقين "ص م س س ق ح ي "‬
‫ثم يرث مراتبهم عشرة من دفغ إلى طمغ لكنهم ليسوا من عش واحد ‪،‬‬
‫تربيهم الكنانة في ضميرها فال تظهرهم هإال إذا عدم مشيرها ‪،‬‬
‫ترقبهم تجدهم حال الظهور في المجد والجمهور وهذه أحرفهم " ح ح ق م م س س ع‬
‫م"‬
‫هؤالء رجال التمهيد للفرد المجدد المجيد وعلى أيديهم عمارة القصور وسد الثغور‬
‫وجباية األموال وترتيب الرجال وحرب قطان المدن والجبال وحفظ الديار من األهوال‬
‫ورد جيوش المغرب األقصى من المدينة الحادثة غربي الكنانة وملكهم المنعوت‬
‫بالديانة ‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫وأخذ المراكب البحرية في عتبة اإلسكندرية واألمواج قائمة كالجبال والرياح تختلف‬
‫على اليمين والشمال ‪،‬‬
‫يا لها من غنيمة ما أكثرها من نعمة ما أغزرها ‪ ،‬ونقمة على األعداء الذين ال يبتغون‬
‫الهدى وال يستحقون النداء وال يتقون أفعال الردى ‪،‬‬
‫تلك الواقعة سبب تخريب بالد الصليب وقيام األطراف على جزيرة القليب ‪ ،‬هذا في‬
‫قران ثابت الطرف من هوله هإال في قطر الكنانة فإن طالعها قد خص بالصيانة ال‬
‫يقهرها قاهر وال يظهر عليها فاجر ‪،‬‬
‫فهي محفوظة األركان مخصوصة باألمان واإليمان حتى تشرق الشمس من عين‬
‫الروح إذا تعين نزوله في يوم العروبة من المنارة البيضاء كما هو منصوص عليه في‬
‫األصول المشيرة إلى ما ذكرناه آنفا ‪،‬‬
‫ورب قائل يقول قد دلت األصول بالقرائن إلى عالم ط صنع وختمه ‪ ،‬فماذا تدل عليه‬
‫بعد ذلك وهذا مما ال بأس به ألن الحوادث لم تزل مترادفة ما دامت األفالك دائرة‬
‫بالحكمة ‪،‬‬
‫فإذا تمت الدورة الخيالية المثالية وأخذت استحقاقها بعقود المدة المقدورة العددية المشار‬
‫إليها بلفظة قيام وينظرون تم األمر وانتقل الحكم من ترتيب الحكمة إلى تدبير القدرة ‪،‬‬
‫وينقضي طرد الحوادث بانقضاء الدورة الخيالية‬
‫لكن لما كان األمر يحتاج إلى التنبيه على ما بعد عام قاف الغين إلى نفوذ عدد ينظرون‬
‫وّللا أعلم تنحاز الممالك في أيدي البغاة‬
‫نقول إن‪ :‬القاف إذا تمت شهورها وأيامها ربما ه‬
‫من المتغلبين في كامل أقطار البسيطة ‪.‬‬
‫وتستمر الكنانة في حصن الصيانة فتقوى شوكة قطانها حتى ال يدخلها دخيل وال‬
‫يتصرف فيها بديل‬
‫رجالها األعيان عدتهم الغين الجامدة غير المتحركة ‪،‬‬
‫إذا آن أوانهم وتعينت أعيانهم شيدوا أركانها وكثروا أعيانها ‪،‬‬
‫فالفرد القائم إذ ذاك هو الميم ابن الميم من األحرار ال من العبيد ‪،‬‬
‫رجاله رجال النجدة عدة الغين كما تقوم حوادث زمانهم جزئيات غير كليات لكثرتها ‪،‬‬
‫فال حاجة إلى ذكرها لعدم فائدتها ‪،‬‬
‫غير أن التنبيه على األحرف الضابطة ألسماء الرؤساء منهم ال بأس به واألخرى منهم‬
‫بالتنبيه على اسمه ما في هذه الدائرة ‪:‬‬

‫"ع ح ح م م ق س " وهم سبعة ألنهم رؤس والجميع بالتفاق ‪100 40 40 8 8 70‬‬
‫‪10‬‬

‫‪41‬‬
‫وعليهم المدار في الخالف والوفاق فافهم ‪ ،‬األمام والوراء هذا ما دل عليه نطق األعداد‬
‫المستخرجة من األزواج واألفراد باألصول الحرفية والقواعد الجفرية ‪.‬‬
‫وّللا يتولى هداك بمنه وكرمه ‪ ،‬وحوله رجوع واستدراك لما فيه الحاجة أكد‬ ‫فاعلم ذلك ه‬
‫من التنبيه على حوادث الوقت الذي بين الغين الجامدة والغين غير الجامدة والمدة‬
‫الزائدة إلى تمام عدد القاف الجامدة ‪،‬‬
‫وباّلل التوفيق إن واضع الشجرة لم ينبه فيها هإال على مقتضى حكم الوقت ال غير‬ ‫ه‬ ‫فنقول‬
‫‪ ،‬وذلك من القران األول الذي نص عليه في قوله ‪:‬‬
‫إذا انقضت قاف الجيم قامت ميم سليم إلى القران الثاني المشار إليه بقوله حيث يقابل‬
‫المريخ كيوان في آخر درجة من الميزان ‪،‬‬
‫وأحال االطالع على ما وراء ذلك من الحوادث الكلية على فن االستنباط من األصول‬
‫لكنه أنموذج الجميع ‪،‬‬
‫ّللا عنه في دائرة الشجرة بحسب الوقت‬ ‫وقد نبهنا على بيان ما رمزه الشيخ رضي ه‬
‫والقابل فال بد من التنبيه على أسماء رجال بين الغين والسين وإن تأخر محل التبعية‬
‫فال معيب‬
‫وهذه دائرتهم كما ترى ‪:‬‬

‫ثم على سبع جداول حرفية تشتمل على أسرار خفية يفهم منها ما أغفله الشيخ وظن به‬
‫فلم يذكره صريحا غيرة عليه كما جرت عادة كل واصف خبير ‪،‬‬
‫الجدول األول ‪:‬‬
‫جدول التقابل للحروف المشار إليها وهي حروف الكوكبين المشار إليهما في دائرة‬
‫الشجرة بأنهما إذا تقابال في آخر درجة من الميزان كان وصار وهذه صفة تقابلهما في‬
‫الدرجة المذكورة باالعتدال الطبيعي كما ترى ‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫والجدول الثاني جدول المقارنة وفيه األحرف على غير النعت األول فهي مقارنة فلكية‬
‫تشير إلى أسماء أفراد الوقت الذي هو بين الغين والسين فافهم وتأمل وهو هذا كما‬
‫ترى ‪:‬‬

‫ألن األحرف تكون تارة بالمصادقة وتارة بالمضاضدة لكن على طريق مخصوصة‬
‫خالية غير طبيعية فافهم ‪.‬‬

‫الجدول الثالث جدول االستبدال وهو جدول فيه األحرف عربية بأعيانها وهي ‪:‬‬

‫فتبدل الحرف بما في رتبة من العنصر الثالث حتى تتصور األحرف ينظر فيها فكل‬
‫حرف منها أول اسم من أسماء األفراد أصحاب الوقت المشار إليه بأن فيه مقابلة‬
‫المريخ كيوان في آخر درجة من الميزان وهم أفراد البطون أرباب المدد الذين يمهدون‬
‫ويمدون أرباب السيف بالهمم وعليهم المدار فافهم ‪.‬‬

‫الجدول الرابع جدول االشتراك توضع فيه األحرف جملة بأعدادها وأوالدها ويصور‬
‫منها األحرف الجامعة للسيف والمدد ‪ ،‬هم خواص األفراد بحكم الوقت في دائرة الكنانة‬
‫وهذه صفاتها ‪:‬‬

‫واإلسقاط تسعة تسعة والفاضل مشيب عربي وهو األسم األول من الحرف فتدبره‬

‫‪43‬‬
‫الجدول الخامس ‪:‬‬
‫جدول طبيعي توضع فيه األحرف عربية بأوالدها دون األعداد وتجمع كل حرف‬
‫طبيعة على حدتها فيعطي لكل ركن حقه من األحرف وتصور األسماء من الحروف‬
‫كما ترى ‪:‬‬

‫فتظهر أسماء األفراد أرباب المراتب في الكنانة بحكم ما بين النون إلى العين فافهم‬
‫ذلك ترشد إلى وجه الصواب‬
‫وّللا يتولى هداك بمنه وكرمه وهو الهادي إلى طريق الصواب وهذه صفاتها ‪:‬‬ ‫ه‬

‫الجدول السادس ‪ :‬جدول األسرار وهو جدول توضع فيه األحرف كما هي بقدرها‬
‫عربية جامدة ممتزجة ببعضها سطرا واحدا أو ترد العجز على الصدر حتى يصير‬
‫األخير هو األول بعينه وتجمع أعداد الجميع جملة واحدة وتقسم جملتين بالسوية وما‬
‫وّللا الهادي إلى‬
‫زاد ينزل فيصور من كل من جملة اسم أو اسمين أو ثالثة مثال فافهم ه‬
‫طريق الرشاد ‪.‬‬
‫ا ك ل ى م ور ا ر ن ى خ ك ى وا ن‬

‫ال تزال إلى ترد صدره على عجزه حتى يظهر زمامه بعينه وتسلك به المسالك كما‬
‫تقدم‪ .‬فإفهم‬

‫الجدول السابع ‪ :‬جدول األسرار وهو جدول توضع فيه األحرف كما هي بقدرها بعد‬
‫توليدها ‪ ،‬واألخذ منه العاشر دأبا على التوالي من أعاله إلى أسفله حتى ال يبقى فيه‬
‫حرف ثم انظر في األحرف الملقوطة من العاشر للعاشر وتضم إلى بعضها وتركب‬
‫أسماء فيظهر من تركيبها أسماء حوادث عجيبة ووقائع غريبة ‪ ،‬فاعمل بهذه الجداول‬
‫السبعة ترى عجبا عجيبا وأمرا غريبا ألن اإلشارة في الكوكبين جمعت أسرار الدائرة‬
‫‪ ،‬واعلم أن الكوكبين إشارة إلى رجلين نحسين يظهران في معرض المضاددة والمباينة‬
‫والصورة صورة المصادقة ‪ ،‬وذلك هو النفاق الصريح وظهوره هو النعت القبيح وإليه‬
‫اإلشارة في دائرة الشجرة بقوله ‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫ويظهر الشقاق بين الرفاق ‪ :‬واعلم أن ميقات ذلك ما بين النون إلى السين نفوذ عدد‬
‫غين ‪ ،‬أما بعد سين الغين فحكم آخر غير النفاق المشار إليه ‪،‬‬
‫فمن أراد أن يعرف شخصي الكوكبين النحسين المشار إليهما ‪،‬‬
‫فليأخذ عدد أحرف الكوكب الواحد دون اْلخر ويضرب العدد في نفسه فيتصور له‬
‫جملة جامدة يركب منها أحرف االسم ضرورة ‪ ،‬ويفعل بأحرف الكوكب الثاني كذلك‬
‫فإنه يعرف االسمين كل واحد على حدته ‪،‬‬
‫وإن تعذر النطق فهو بالخيار إن شاء ولد أحرف النطق واستطرد حتى يظهر االسم‬
‫صريحا ‪ ،‬وإن شاء أبدل األحرف من العنصر الثالث من رتبته يظهر لك صريحا ‪،‬‬
‫وكأني تلمحت طريقة في بعض األصول تجمع أسرار الدائرة كلها جليها وخفيها‬
‫وتوضح مكنوناتها ‪.‬‬

‫َّللا عنه رمز في حروف الدائرة التي بين الدائرتين وأغمض‬


‫وذلك أن الشيخ رضي ّ‬
‫الرمز عند قوله ‪:‬‬
‫دائرة كرة مصر مقدار أفقها ال تزال بادعة ومع حكامها مخادعة وألثقال األمور‬
‫موادعة حتى يقابل المريخ كيوان في آخر درجة من الميزان تخرج من يد آل عثمان ‪،‬‬
‫واعلم أن السر المكتوم المكنون في هذه األحرف من الدال إلى النون ‪ ،‬فطريقة‬
‫استخراج ما فيها من األسرار الخفية أن تؤخذ أعداد األحرف كلها جريدة واحدة‬
‫بالجمل الكبير وتعقد جملة واحدة ويزاد عليها قدرها مرة واحدة ويعمر بها وفق الكاف‬
‫بشروطه ويلقط ‪ 12 12‬أدوار حتى يتم لقطة ينظر في األحرف الملقوطة فتعزل كل‬
‫طليعة وحدها ‪.‬‬

‫أما األحرف النارية ‪ ،‬فيركب منها أسماء أرباب السالح ‪،‬‬


‫وأما األحرف الهوائية فيركب منها أسماء قسم عطارد ‪،‬‬
‫وأما األحرف المائية فيركب منها أسماء علماء الوقت ‪،‬‬
‫وأما األحرف الترابية فيركب منها أسماء رجال الوقت ألن الثبوت والرسوخ لهم ‪،‬‬

‫وقولنا يركب من األحرف أسماء كذا وكذا فيحتاج إلى معرفة صناعة التركيب لألسماء‬
‫من األحرف المذكورة ألنه تارة ينطق الحرف بأول حرف من االسم كالسين مثال من‬
‫اسم سليم أو الدال من اسم داوود والميم من اسم محمد هذا وجه ‪.‬‬

‫وتارة يكون الحرف الناطق في عدد غير الناطق في بدله من ثالث عنصر ‪ ،‬وبهذا‬
‫يتضح لك سر وضع الحروف في الدائرة وتركيبها كلمات ناطقة من دائرة كرة مصر‬
‫إلى لفظة عثمان ‪،‬‬
‫وأما ما زاد على ذلك في بعض النسخ كقوله بعد لفظة عثمان ‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫خروج وعدل ال خروج جور‬
‫فذلك ليس فيه رمز بل فيه إشارة إلى أن الخروج ليس على ظاهره كما يظنه من ال‬
‫معرفة له باالصطالح ‪،‬‬
‫فالخروج هنا على الحقيقة من الجور إلى العدل ال غير لكون الميم الخاتم القائم على‬
‫ظهوره رحمة ألهل اإليمان ونقمه على أهل الكفر والطغيان ‪،‬‬
‫قيامه لتجديد الشريعة وسد الذريعة ‪ ،‬وأعظم أنصار ميم السين العز والتمكين صدر‬
‫الصدور الخنكارية وأمين األسرار العثمانية ترقبه تراه إذا سبق رب الباب ‪،‬‬
‫وهو بأرض دارب يجتمع على سميه ببلدة قونيه الرومية ويبايعه ببيعة يتربصها رب‬
‫الباب ويحققها بتكميل عدد األصحاب ‪،‬‬
‫ذلك أوان السرور وزمان الرضا والحبور ‪ ،‬كيف يقال إن ميم الختام يتعرض بطريق‬
‫التغليب ال صلح حكام األنام في اإلسالم‬
‫حاشا وكال أن المنعوت بالفضل الموصوف بالعدل يعدل عن الصراط المستقيم أو يميل‬
‫عن الخط القويم ‪،‬‬
‫ال سيهما وقد نعته سيد األكوان وأشرف ولد عدنان بأنه المحيي للسنة والفرض وأنه‬
‫رحمة ألهل األرض ‪،‬‬
‫وقد ثبت عند علماء الحقيقة ومشايخ الطريقة بأنه يظهر في آخر الزمان وتقبل راياته‬
‫من قبل خراسان وسواد راياته من السؤدد ال من السواد ‪،‬‬
‫وقائد جنده أعظم األفراد يقوم من وراء النهر في عدة مستعدة وأمجاد أهل قوة وشدة‬
‫حتى يوافي شط الفرات ويقابل أبطال الغزاة ‪،‬‬
‫يا لها من فرحة ما أعظمها وجملة أعياد ما أكرمها ‪ ،‬هذا والميم الخاتم األعظم بين‬
‫الركن والمقام وزمزم ينتظرون الوقت المعلوم وإن برز له من الحضرة مرسوم يأتيه‬
‫اإلذن بالظهور في أشرف الشهور فيأتي بخواص أصحابه الكرام إلى غوطة الشام ‪ ،‬ثم‬
‫ينتهي سيره إلى عين تاب ويجتمع عليه قبائل األعراب ‪،‬‬
‫فإذا وصل قونيه الحصينة يجتمع به صدر الباب العثماني على الرضا والتسليم عن إذن‬
‫سين سليم الحميم ‪.‬‬
‫هناك اتفاق األمراء على الفتح المبين الخاتم لفتوحات أهل اليمن ‪،‬‬
‫ذاك هو الفتح الموعود به في األصول إلعادة ذخائر بيت المقدس وكنزه المنقول بعد‬
‫خراب رومية وهدم البيعة الذهبية ‪،‬‬
‫وهي أعظم مدينة يغنمها جند الميم‬
‫وهذه صفة البيعة وبيانها للتعليم والتقسيم صحيح ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫أما التعليم فهو اإلعالم بالسر المكتوب‬
‫والتقسيم لبيان األحرف المرقوقة ألربابها في األس القديم واسم البيعة هيكل أهل‬
‫الطغيان وحزب الشيطان وعباد الصلبان ‪.‬‬

‫بعد هذه الوقعة ال تقوم لهم قائمة وهي الوقعة الخاتمة‬


‫يرجع منها ميم الختام وميم الصدر المقدام إلى كاف القاف الجامع لألطراف المحفوظ‬
‫األكناف ‪.‬‬

‫معقل الدين الحنيف ومقام العز والتشريف ينفرد بالمقام فيه ذلك المقدار مع سين الوقت‬
‫القائم في بابه بأتم النظام ‪،‬‬
‫ويرجع صاحب الديوان إلى مستقره مع يحيى صاحب سره الذي لم يقف أحد على‬
‫حقيقة اسمه ومقره ‪ ،‬معلوم عند علماء الرسوم ‪،‬‬
‫وعند ذلك تندمج الميم في العين ويزول العرض من البين‬
‫وينفرد العين بالملك دون مشاركة ‪ ،‬ومدته هي المدة المباركة‬

‫وقد قلت في ذلك قصيدة ‪:‬‬


‫َّللا في األرض ظاهر ‪ ....‬على رغم شيطائل يمحق الكفر‬ ‫يقوم بأمر ّ‬
‫يؤيد شرع المصطفى وهو ختمه ‪ ....‬ويمتد من ميم بأحكامها يدري‬
‫ومدة ميقات موسى وجنده ‪ ....‬خيار الورى في الوقت جلوا عن الحصر‬
‫على يده محق اللئام جميعهم ‪ ....‬بسيف قوي متين عسى تدري‬
‫حقيقة ذاك السيف والقائم الذي ‪ ....‬تعين للدين القويم على األمر‬
‫لعمري هو الفرد الذي سريانه ‪ ....‬بكل زمان في مظاهره يسري‬
‫تسمى بأسماء المراتب كلها ‪ ....‬خفاء وإعالنا كذلك إلى الحشر‬
‫أليس هو النور األتم حقيقة ‪ ....‬ونقطة ميم منه إمدادها يجري‬
‫يفيض على األكوان ما قد أفاضه ‪ ....‬عليه إله العرش في أزل الدهر‬
‫فما تم إال الميم ال شيء غيرها ‪ ....‬وذا العين من نوابه مفرد العصر‬
‫هو الروح فاعلمه وخذ عهده إذا ‪ ....‬بلغت إلى مد مديد من العمر‬

‫‪47‬‬
‫كأنك بالمذكور يهبط راقيا ‪ ....‬إلى ذروة المجد األتيل على القدر‬
‫بذا قال أهل الحل والعقد فاكتفي ‪ ....‬بنصهم المثبوت في صحف الزبر‬
‫فإن تبغ ميقات الظهور فإنه ‪ ....‬يكون بدور جامع مطلع الفجر‬
‫بشمس تمد الكل من ضوء نورها ‪ ....‬وجمع دراري األوج فيها مع البدر‬
‫فال تك في ريب مريب لريبة ‪ ....‬قد ودمع األوهام والحدس والفكر‬
‫وخذ محض علم الحق من أحرف بدت ‪ ....‬عن الفرد المغرور للحجب في حذر‬
‫مبنية في مخضها وانبساطها ‪ ....‬وتوليدها والشفع يخبر بالوتر‬
‫وص ّل على المختار من آل هاشم ‪ ....‬محمد المبعوث بالنهي واألمر‬
‫َّللا ما الح بارق ‪ ....‬وما أشرقت شمس الغزالة في الظهر‬ ‫عليه صالة ّ‬
‫وآل وأصحاب أولي المجد والتقى ‪ ....‬صالة وتسليما يدومان للحشر‬

‫‪48‬‬
‫تنبيه وإشارة إليضاح حقائق األمور‬

‫اعلم أيها الطالب إليضاح حقائق األمور قد جرت عادة أرباب الحقائق وأصحاب‬
‫الطرائق بالتقديم والتأخير وال معيب عليهم‬
‫في ذلك ألنها قاعدة كلية عليها اصطالح الجمهور إلسبال الستور على البدور ‪،‬‬
‫وذلك من مقتضيات الحكمة فلو ذكروا األشياء على التوالي لكان ذلك قادحا في كونها‬
‫حكمة ولكون العلوم السرية ال تكون هإال هكذا بالتقديم والتأخير وخلط الكالم على غير‬
‫العالم النحرير ‪،‬‬
‫وفائدة ذلك دوام تعلق الخاطر واْلمال بالبحث عن مجهوالت األمور ‪،‬‬
‫والنفوس مجبولة على حب طلب العلوم الخفية لما فيها من االستعداد والقبول لذلك‬
‫األمر الخفي ‪،‬‬
‫فهذا هو السبب الخاص بهذا الفن وغيره ‪،‬‬
‫وحيث انتهى بنا القول إلى هنا فلنرجع إلى دقائق ودقائق أعداد األحرف المركبة من‬
‫وباّلل التوفيق ‪،‬‬
‫ه‬ ‫الدال إلى النون التي بين الدائرتين من الشجرة األصليهة فنقول‬
‫إذا أحصيت األعداد كلها وجمعتها بالجمل الكبير جملة واحدة من الدال إلى النون كما‬
‫ذكرنا ونبهناك عليه ‪،‬‬
‫فاقسم ذلك العدد وتلك الجملة أربعة أقسام صحيحة ‪.‬‬

‫وخذ القسم الواحد وعمر به جدول الدال واستنطقه ينطق لك بأحرف عربية فيها‬
‫غرائب وعجائب تخبرك بحوادث ووقائع وأسماء رجال إذا ركبتها تركيب االصطالح‬
‫باالعتدال الطبيعي ‪،‬‬

‫ومن أعجب العجب أنك إذا عالجت األقسام الثالثة‬


‫بما عالجت القسم األول تظهر لك األحرف غير ناطقة ‪،‬‬
‫ولو ركبتها إذا أبدلتها بحكم الطبيعة فإنها تنطق وهذه نكتة عجيبة ‪،‬‬
‫وفي عشر العدد إذا قسمته أعشارا ما هو أبلغ من هذا ‪،‬‬
‫وجدوله جدول الياء فاعرف قدر هذه األصول وال تفش سرها لغير أهلها ‪،‬‬
‫فإن حروف النسق الذي ذكرناه ما تركبت هإال على جمل من األسرار الكونية فالحروف‬
‫لها كاألصداف للجوهر ال يبلغها هإال الغواصون المشار إليهم بقوله تعالى ‪َ ":‬وتِ ْل َك‬
‫اس َوما يَ ْع ِقلُها ِإ اال ْالعا ِل ُمونَ "( ‪ [ ) 43‬العنكبوت ‪. ] 43 :‬‬
‫ْاأل َ ْمثا ُل نَض ِْربُها ِللنا ِ‬

‫الذين يذوقون حالوة العلم بأنواع التبيان كما قيل في ذلك ‪:‬‬
‫دعني بالتلويح يفهم ذائق ‪ ....‬غني عن التصريح للمتعنت‬
‫لكون المتعنت ال يطلب هإال التصريح باألمر والتصريح تارة يكون حراما وتارة يكون‬
‫كفرا وتارة يكون جائزا‬

‫‪49‬‬
‫وال يكون حالال هإال فيما مدحه الشرع ال غير فمن طلبه في كل المواطن ‪،‬‬
‫كان جاهال باألمر وال كالم لنا معه ‪ ،‬فقد تقرر بهذا البيان أن علوم األسرار مبنية على‬
‫الكتم دون اإلفشاء في األصول المقررة في اإلنشاء فافهم ‪.‬‬
‫وّللا سبحانه وتعالى أعلم ‪،‬‬
‫ه‬

‫ورب قائل يقول ‪ :‬ما فائدة تأليف الكتب والرسائل وتصنيفها وقد قلتم بالكتم وعدم‬
‫ّ‬
‫اإلفشاء وأحلتم على معرفة األصول والذوق الصحيح ‪،‬‬
‫الجواب ‪ :‬أنه لم تزل علماء األمصار وأقطاب األعصار يتنافسون في تأليف الكتب‬
‫والرسائل ويودعونها جواهر العلوم النفيسة ويقيمون أساسها على قواعد الرموز‬
‫واأللغاز واإليحاء والتلويح والمجاز ‪،‬‬
‫ويبتغون مفاتيح تلك العلوم ألربابها كل ذلك صيانة لألسرار وحفظا لذخائر األخبار ‪،‬‬
‫فالكتم أولى والرمز أجلى والتلويح أعاله حتى يتعين كفؤ كريم ‪ ،‬هذا جواب من أنكر‬
‫على الرموز واأللغاز وطلب بيان الحقيقة من غير المجاز فافهم ‪.‬‬

‫وّللا سبحانه أعلم ولنختم هذه الرسالة بخاتمة وجيزة إجمالية ‪ ،‬نذكر فيها أسرار القران‬‫ه‬
‫الذي يتعين في عام سين الغين وتتكرر شواهده مرات عديدة إلى مدة مديدة ذلك‬
‫باجتماع أعيان الكواكب في مركز واحد تظهر نتيجة ذلك القرن إذا ظهرت العالمة‬
‫السماوية حمرة الئحة ‪،‬‬
‫وهي إشارة واضحة من أحكام قيام األعراب على ساق وظهور صاحب الرستاق يفني‬
‫عددهم ويقطع مددهم ويرجع إلى عشة بالكنانة ويكون مر عشر الحرف اإلحاطي ‪،‬‬
‫وذلك أوان اجتماع اْلراء على رأي واحد ينعقد ذلك الرأي عقدة ال تنحل في دائرة‬
‫القاهرة وهي اْلية الباهرة يأتي الكالم على حوادث ما بعدها في مختصر الرسالة فافهم‬
‫وّللا سبحانه وتعالى أعلم والحمد هّلل أوال وآخرا ‪.‬‬
‫ه‬

‫تنبيه وتقرير لما سبق‬


‫اعلم أن معظم الحوادث بالكنانة بعد بغي لكونها تفتح باب الغي وتترادف الحوادث‬
‫إلى عام فرض ‪،‬‬
‫فمنها حدوث الطاء وتكراره مرات ويفتح باب الغي رحيم الكنانة إذا حصل القران‬
‫األصغر فترجم له قاف ذميم يتلوه ميم في عدد زي سنين‬
‫يقوم بشد الغارة بالنفس األمارة وعلى يده فتك بأرباب اإلمارة تاريخه زيغ وبعده نفتح‬
‫الفردة األخرى من الباب في توقع نزع فيعم الجور برا وبحرا ‪،‬‬
‫قال في أضالع الشجرة إذا عمرت أسوان وحكمت النسوان وكثرت الخصيان وكبرت‬
‫الغربان ضعفت غلبة السلطان واختلفت آراء صدور آل عثمان هذا إذا ظهر النجم‬
‫الطويل وصار الطبيب عليل ‪. .‬‬
‫قال شارح المفتاح ‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫أسوان من مصر حصن البربر قديما ثم ملكها فقط الرومي األكبر وجعلها حصنا له‬
‫ولجنده ‪ ،‬ولما ظهرت الملة اإلسالمية وكان القرن في الميزان وإن أوان فتح البالد‬
‫المصرية‬
‫كانت أسوان من جملة الحصون التي فتحها المسلمون ‪ ،‬وكان عامل مصر إذ ذاك‬
‫عمرو بن العاص وهو أمير القوم على مصر ونواحيها ‪،‬‬
‫فلما تم فتح مصر وما حولها من المدن والقرى كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن‬
‫ّللا عنه يبشر بما فتح عليه وذكر أسوان بصفتها وقوة حصنها وأن‬ ‫الخطاب رضي ه‬
‫ّللا عنهم هدموا أسوارها حتى ال تؤخذ مرة أخرى‬‫الصحابة رضي ه‬

‫وكرم وجهه‬
‫ّللا عنه ه‬ ‫فلما قرأ أمير المؤمنين الكتاب دفعه إلى سيدنا اإلمام علي رضي ه‬
‫فقرأه واستوفى قراءته‬
‫ثم قال ‪ :‬نعم عندي علم أسوان به أخبرني سيد ولد عدنان وأخبر أنها تصير خرابا إلى‬
‫آخر الزمان حتى يتم عدد غين الجامدة دون المتحركة بتمام عشرة بعدها‬
‫يظهر حرف الياء الترابي من قبل صاحب مصر فيعمرها ويحفل بها لكنه ال يتم‬
‫تعميرها ويقضي ‪،‬‬
‫ثم يقوم عين بعد برهة من الزمان فيتم تعميرها وتصير معقال عظيما وهي على جانب‬
‫البحر بالوجه الجنوبي من الكنانة‪.‬‬

‫وقوله في الشرط المذكور ‪:‬‬


‫إذا عمرت أسوان كان وكان نظرا إلى ما يحدثه الحق سبحانه وتعالى حال االقتران في‬
‫األكوان ‪ ،‬لكون أن الباري عزت عزته وجلت قدرته أودع أسراره في اقترانات‬
‫الكواكب وأعظمها الكواكب‬

‫السبعة المشار إليها وهي ‪:‬‬


‫زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر‬
‫إذ قد أودع الباري سبحانه وتعالى في كل منهم سرا من أسراره يظهر أثره في قطره‬
‫المخصوص به وذلك مشهور عند أرباب الفلك ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬يكون ويكون من طريق إخباره ‪ ،‬طابق ذلك العلم النجومي واستنبط فيه‬
‫ظهور طالع النساء باالستيالء على مراتب الرجال والتحكم فيها بال مجال ‪،‬‬
‫فلذلك قال تظهر النسوان وتكثر الخصيان نظرا إلى اقتران الزهرة بعطارد ‪،‬‬

‫وقوله ‪ :‬تضعف غلبة السلطان ‪ ،‬ذلك من تصرف من ليس له رتبة التصريف في ذلك‬
‫اختالف أمور الكون وإشعار بنقض وإبرام ‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫وقوله ‪ :‬الغربان فال ندري أهي إشارة إلى كثرة المفاسد من الغربان كما هو المفهوم‬
‫وّللا أعلم بحقيقة الحال ‪.‬‬
‫من ظاهره أو تكون إشارة إلى قوم نعوتهم تشبيها بهم ه‬
‫في رمزه قيام الروم بدليل العلوم قد ذكره اإلمام الصفدي في رسالته ونبه عليه أن‬
‫يكون تمام نون الغين تفتح الجزيرة البحرية بالمراكب السحرية ‪،‬‬

‫وذلك إذا ظهر مسجون النساء عسى المساء ذلك األلف المطلوب المحذوف المعطوف‬
‫على بقية الحروف قيامه بعد الميم وهو األخ الحميم نعته رحيم يقوم بمنقبة فيها متعبة‬
‫للعموم بدليل معلوم على يده فتح الجزيرة ‪،‬‬
‫يقوم بأمره ميم وصاد والجيم القائم لمصالح العباد واألجناد ‪،‬‬
‫ويستمر إلى عدد غين يا زين وبالكنانة رجفات وتجديد حوادث وآفات ورجات لوال‬
‫رجال النجدة والحمية هلكت الرعية ‪،‬‬

‫وفيما بين النون والسين يظهر اليقين ورجال النجدة قطانها أعني الكنانة لتخصيصها‬
‫باإلشارة الجفرية والطوالع الفلكية‬
‫وكون عقد دائرة الشجرة عليها دون غيرها ‪،‬‬
‫وأما القران األخير المشار إليه في بحصولها في آخر درجة الميزان فانتظره في عدد‬
‫فرض واكتم هذا األمر ‪،‬‬
‫فإنه من الفرض فيما بين ذلك من الحوادث ما ال يحصى كثرته فتدبره واستنبط خبره‬
‫من األصول الحرفية والقواعد الجفرية ‪،‬‬

‫وقد ذكر شارح الميزان خبر هذا القرن إذا قابل المريخ كيوان في آخر درجة من‬
‫الميزان وذكر الخروج لكن ليس على ظاهره كما تقدم ذكره‬
‫بل هو خروج عدل ال خروج جور بالنظر إلى تجديد الشريعة وسد الذريعة وذلك عند‬
‫ظهور الختم المشار إليه في دسغ العدد وهو صاحب المدد ‪،‬‬
‫وأما الدولة العثمانية فال انقراض بها هإال بعد تمام ! يقع الجفرية فافهم ه‬
‫وّللا أعلم ‪.‬‬

‫تنبيه على أسرار عجيبة‪:‬‬


‫عند ظهور القران في أشهر عام النون اعلم أنه سيحصل في الكنانة رجات ورجفات‬
‫يتكرر حدوثها إلى برج الميزان ‪،‬‬
‫وفيما بين ذلك تحريم الجيم مرات إلى تمام الميقات والظفر للحروف المائية للمناسبة‬
‫بين الماء والهواء ‪.‬‬

‫وأما األحرف النارية‬


‫‪ :‬ففي حكم طبائع الطوالع في ضنك وشدة ووهن ال يشاركهم غيرهم ‪،‬‬
‫ويستمر إلى غاية العام عام حاء النون ‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫ثم يظهر نجم المسجون وهو صاحب السر المصون‬
‫ذلك حرف الميم الخاتم السم رحيم بظهوره يظهر سعد قطان الكنانة وتسكن الحركات‬
‫برهة وهي آفة وأفرادها كامنة إلى قران آخر دسغ العدد‬
‫فاطلب المدد وال تركن إلى أحد وسل عن عام الغين ينبئك بما فيه ومن حسن إسالم‬
‫المرء تركه ما ال يعنيه‬
‫‪ ،‬وقد تقدم ذكر حوادث إجمالية ينسحب حكمها إلى ايقغ فال حاجة إلى تكرارها وقد‬
‫تقدم التنبيه إلى فروع الشجرة النعمانية‬
‫وهنا تم بتمامها ولم يبق هإال أحكام القران األكبر بعد عام ايقغ وقد أفردنا له رسالة‬
‫عجيبة سميناها االهتمام بأمر الختام ‪،‬‬
‫وّللا سبحانه أعلم بغيبه وأحكم ال راد ألمره وال معقب لحكمه وهو سريع الحساب‬ ‫ه‬
‫ي بعده محمد وآله‬‫ّللا على من ال نب ه‬
‫وإليه المرجع والمآب والحمد هّلل وحده وصلى ه‬
‫وصحبه وسلم ‪،‬‬
‫‪........‬‬
‫ووافق الفراغ من كتابتها يوم األربعاء المبارك ثاني عشر محرم الحرام سنة ‪1080‬‬
‫هـ على يد أفقر عباده وأحوجهم إلى عون ربه الجواد عبد القادر بن السيد محمد‬
‫السرجاوي الحلبي الشافعي مذهبا نزيل جده ‪. .‬‬
‫ّللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ‪ . . .‬آمين ‪.‬‬ ‫وصلى ه‬

‫مطلب المهدي‬
‫سالم ‪ ،‬ال بد منه ولو لم يبق من الدنيا إال يوم‬ ‫هذا وإن خروج السيد المهدي عليه ال ه‬
‫ّللا ذلك اليوم وجاء بالسيد المهدي مع أشراط الساعة ‪.‬‬ ‫واحد لطول ه‬
‫ّللا عليه وسلم « إن صلحت‬ ‫وبيان هذا اليوم المذكور هنا مأخوذ من قول النبي صلى ه‬
‫أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم »‬
‫سنَ ٍة ِم اما‬ ‫"" يعني من أيام الرب المشار إليها بقوله تعالى ‪َ :‬و ِإ ان يَ ْوما ً ِع ْن َد َر ِبه َك َكأ َ ْل ِ‬
‫ف َ‬
‫تَعُ ُّدونَ [ الحج ‪"". ] 47 :‬‬

‫قال بعض العارفين ‪ :‬وأول األلف محسوب من وفاة سيدنا علي ابن أبي طالب رضي‬
‫ّللا عليه وسلم‬
‫ّللا عنه آخر الخلفاء ألن تلك المدة كانت من جملة أيام نبوته صلى ه‬ ‫ه‬
‫ّللا تعالى للخلفاء األربعة البالد ‪.‬‬
‫ورسالته فمهد ه‬

‫ّللا عليه وسلم أن باأللف مدة سلطان شريعته إلى انتهاء األلف ثم تأخذ‬
‫ومراده صلى ه‬
‫في ابتداء االضمحالل إلى أن يصير الدين غريبا كما بدا ‪،‬‬
‫وذلك االضمحالل يكون بدايته من مضي ثالثين سنة في القرن الحادي عشر ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم وهو من أوالد حسن العسكري‬ ‫فهناك يترقب خروج المهدي صلى ه‬
‫ومولده عليه السالم ليلة النصف من شعبان يجتمع بسيدنا عيسى عليه السالم فيكون‬

‫‪53‬‬
‫عمره إلى وقتنا هذا ثمان وخمسين وتسعمائة سنة فصار عمره تسعمائة وثالث‬
‫وستين ‪.‬‬
‫ّللا عنه في الباب السادس والستين‬ ‫وعبارة الشيخ محيي الدين بن العربي رضي ه‬
‫وثالثمائة من الفتوحات ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬اعلموا أنه ال ب هد من خروج المهدي ولو لم يكن من الدنيا إال يوم واحد لطول ه‬
‫ّللا‬
‫ّللا عليه وسلم‬
‫ّللا صلى ه‬ ‫تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة ‪ ،‬وهو من عترة رسول ه‬
‫ّللا عنها جده الحسين بن علي بن أبي طالب ‪ ،‬ووالده حسن‬ ‫من ولد فاطمة رضي ه‬
‫العسكري ابن اإلمام النقي بالنون بن محمد التقي بالتاء ابن اإلمام علي الرضا بن‬
‫موسى الكاظم ابن اإلمام جعفر الصادق ابن اإلمام محمد الباقر ابن اإلمام زين العابدين‬
‫ّللا عنه ‪،‬‬
‫ابن اإلمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي ه‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ ،‬يبايعه المسلمون بين الركن والمقام‬ ‫ّللا صلى ه‬
‫يوطئ اسمه اسم رسول ه‬
‫ّللا في الخلق بالفتح وينزل عنه بالخلق بضمها ‪ ،‬إذ ال يكون أحد مثل‬ ‫‪ ،‬يشبهه رسول ه‬
‫وّللا تعالى يقول ‪َ :‬وإِنا َك لَ َعلى ُخلُ ٍ‬
‫ق‬ ‫ّللا عليه وسلم في أخالقه ه‬
‫ّللا صلى ه‬ ‫رسول ه‬
‫َع ِظ ٍيم[ ن ‪. ] 4 :‬‬

‫وهو أجس الجبهة أقنى األنف أسعد الناس فيه أهل الكوفة ‪ ،‬يقسم المال بالسوية ويعدل‬
‫في الرعية ‪ ،‬يأتيه الرجل فيقول يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحشي له في ثوبه ما‬
‫استطاع أن يحمله ‪،‬‬
‫يخرج على فترة من الدين يزع به ما ال يزع بالقرآن ‪،‬‬
‫يمسي الرجل جاهال وجبانا وبخيال فيصبح عالما شجاعا كريما ‪،‬‬
‫يمسي النصر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم يعطى له ملك يسدده من حيث ال يراه ‪ ،‬يحمل‬ ‫ّللا صلى ه‬
‫يقفو أثر رسول ه‬
‫الكل ويعين الضعيف ويساعد على نوائب الحق ‪،‬‬
‫ويفعل ما يقول ويقول ما يفعل ‪ ،‬ويعلم ما يشهد ‪،‬‬
‫ّللا في ليلة يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألف من المسلمين من ولد‬ ‫يعلمه ه‬
‫إسحاق ‪،‬‬
‫ّللا بمرج عكا يبيد الظلم وأهله ويقيم الدين ‪،‬‬
‫يشهد الملحمة الكبرى مأدبة ه‬
‫ّللا به اإلسالم بعد ذله ويحييه بعد موته ‪،‬‬
‫وينفخ الروح في اإلسالم يعز ه‬
‫ّللا بالسيف ‪،‬‬
‫يضع الجزية ويدعو إلى ه‬
‫فمن أبى قتل ومن نازعه خذل ‪،‬‬
‫ّللا عليه وسلم حيا‬
‫ّللا صلى ه‬‫يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتى ولو كان رسول ه‬
‫لحكم به فال يبق في زمانه إال الدين الخالص عن الرأي ‪ ،‬يخالف في غالب أحكامه‬
‫ّللا تعالى ما بقي يحدث بعد أئمتهم‬ ‫مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم أن ه‬
‫مجتهدا ‪ ،‬وأطال في ذكر وقائعه معهم ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ثم قال ‪ :‬واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمون خاصتهم وعامتهم ‪ ،‬وله‬
‫رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له ‪ ،‬يتحملون أثقال المملكة‬
‫ّللا تعالى له ‪،‬‬
‫ويعينونه على ما قلده ه‬
‫ينزل عيسى بن مريم عليه السالم بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متكئا على ملكين ملكا‬
‫عن يمينه وملكا عن يساره والناس في صالة العصر ‪،‬‬
‫ّللا عليه‬
‫فيتنحى له اإلمام عن مكانه فيتقدم فيصلي بالناس يأمر الناس بسنة محمد صلى ه‬
‫ّللا المهدي إليه طاهرا مطهرا ‪،‬‬‫وسلم ‪ ،‬يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض ه‬
‫وفي زمانه يقتل السفياني ويخسف بجيشه في البيداء ‪،‬‬
‫ومن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته ‪،‬‬
‫وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه قد ظهر في القرن الرابع الالحق بالقرون الثالثة‬
‫ّللا عليه وسلم وهو قرن الصحابة ثم الذي يلي الثاني ‪،‬‬ ‫ّللا صلى ه‬‫الماضية قرن رسول ه‬
‫ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء فاختفى إلى أن يجيء الوقت‬
‫الموعود ‪،‬‬
‫فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل األمناء ‪.‬‬
‫وّللا سبحانه وتعالى أعلم وبعباده أرحم ‪ . .‬انتهى يواقيت ‪.‬‬
‫ه‬
‫*‬
‫تم بحمد هللا رب العالمين كتاب الشجرة النعمانية‬
‫عبد هللا المسافر باهلل‬

‫‪55‬‬
‫ودر الدرر‬
‫كتاب شق الجيب بعلم الغيب بكن ويكون ّ‬

‫تأليف ال ه‬
‫شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى‬
‫‪ 638‬هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه الشيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني‬
‫ال ه‬
‫شاذلي الدهرقاوي‬

‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫ِب ْ‬
‫وقواني على إخراج‬ ‫الحمد هّلل رب العالمين ‪ ،‬الذي وفقني للسباحة في علم اليقين ‪ ،‬ه‬
‫الدرر من أصداف العبارات ‪ ،‬واالستعارات العجيبة ‪ ،‬واألوضاع الجديدة ‪ ،‬الواردة‬
‫على قلبي بإلهام ربي ‪ ،‬وهي في الحقيقة درر عوارفه في حق العارفين ‪.‬‬
‫والصالة على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين ‪ ،‬والتابعين لهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين ‪.‬‬
‫وبعد‬
‫فلما فرغت من كتاب اليقين بالتماس الولد العزيز األعز محسن الدين ‪ ،‬وقد رغب في‬
‫حفظه ‪ ،‬ووافقه الولد العزيز ذو النسب الصحيح والحسب الصريح زين العابدين ‪،‬‬
‫ّللا بإخالص المخلصين ‪ ،‬فخطر ببالي في أثناء اشتغالي بالصالة ‪ ،‬بين‬ ‫زينهما ه‬
‫العشائين ‪ ،‬أن ألتقط منه ما يحتاج إليه طالب معرفة العالم الكبير ‪ ،‬وأس هميه ‪:‬‬
‫ودر الدرر » ‪.‬‬ ‫بـ « شق الجيب بعلم الغيب بكن ويكون ّ‬
‫ّللا تعالى فيه فوجدت شرح الصدر ‪ .‬فعافصتني هذه الخطبة نشرت بعد‬ ‫فاستخرت ه‬
‫الفراغ عن صالة العشاء ‪،‬‬
‫أن الشيء الذي يصدق إطالق القدم عليه ال يخلو‬ ‫وقلت ‪:‬اعلم يا طالب درة المعرفة ‪ ،‬ه‬
‫من أن يكون مستغنيا بجميع الوجوه عن غيره أو ال ‪.‬‬
‫ّللا األحد الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا‬ ‫فإن يكن فهو ذات ه‬
‫أحد ‪.‬‬
‫وله القدم على الصفات ثابت من حيث الذات ‪.‬‬
‫وهذا القدم عبارة عن ما ال يسبقه شيء بالسبقات السبع ‪:‬‬
‫الذاتية ‪،‬‬
‫والمصدرية ‪،‬‬
‫والعلية ‪،‬‬
‫والمكانية ‪،‬‬
‫والزمانية ‪،‬‬
‫والرتبيّة ‪،‬‬
‫ّ‬
‫والطبيعية ‪.‬‬
‫وإن لم يكن مستغنيا بجميع الوجوه عن غيره فال يخلو من أن يكون داخال تحت أمر‬
‫كن باإليجاد واإلفاضة أو ال ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫فإن يكن داخال فال يخلو من أن يكون سرمديا أو ال ‪ .‬فإن يكن داخال فهي الصفات‬
‫المفتقرات في القيام إلى الذات ‪ ،‬ولها القدم ثابت على قيام األفعال من حيث المصدري‬
‫‪ ،‬وإن يكن فهي األفعال المفتقرات في صدورها إلى مصادرها ‪ ،‬ولها القدم ثابت على‬
‫اْلثار الظاهرة بسببها من حيث العلى ‪.‬‬
‫والعبارة عن هذين القدمين هي أن ال يكونا داخلين تحت األمر ‪ .‬فإن لم يكن سرمديا‬
‫فال يخلو من أن يكون مسبوقا بزمان إفاقي أو ال ‪،‬‬
‫فإن لم يكن فهي بالبسائط الحقيقية التي وجدت بالفيض اإليجادي بال واسطة ‪ ،‬المفتقرة‬
‫إلى فيض اإليجاد واإلبقاء ‪ ،‬والنسبة التي وجدت بالفيض األمري بواسطة العقل ‪،‬‬
‫المفتقرة إلى فيض األمر ‪ ،‬ووساطة العقل ‪،‬‬
‫وهذا القدم عبارة عن ما ال يسبقه الزمان اإلفاقي ‪ ،‬وإن كان مسبوقا فهو كالمتولدات‬
‫المفتقرة إلى مفرداتها بالتركيب ‪ ،‬وإلى فيوض المفردات اإليجادية واألمرية ‪ ،‬وإلى‬
‫المؤلهفات كلها ‪ .‬وهذا القدم عبارة عن طول الزمان كالعرجون القديم ‪ ،‬والبينونات‬
‫القديمة ‪.‬‬
‫ثم اعلم أن اْلثار الظاهرة بسبب العقل الصادر عن الصفة الدهال عليها اسم الموجد‬
‫الخالق ‪ ،‬الثابتة للذات حين تجلهيه ليعرف ممكن الوجود ‪ ،‬وهو عبارة عما يكون‬
‫متساوي الطرفين في الجواز ‪،‬‬
‫وهو على قسمين ‪:‬‬
‫‪ -‬مقوم نفسه ‪ - .‬وغير مقوم نفسه ‪.‬‬
‫فالمقوم نفسه على قسمين ‪:‬‬
‫‪ -‬مفرد ‪ - .‬وغير مفرد ‪.‬‬
‫فالمفرد المعبر عنه بالجوهر على قسمين ‪:‬‬
‫‪ -‬إيجادي ‪ - .‬وأمري ‪.‬‬
‫فاإليجادي ‪ :‬الذي هو البسيط الحقيقي ال يخلو من أن يكون قابال لنقوش الفيوض‬
‫المتواترة ‪ ،‬الفائضة من حضرة الحق المتعالي أو ال ‪.‬‬
‫فإن يكن فهو اللوح المحفوظ المعبر عنه بالعقل ‪ ،‬الذي هو أثر أول فيض مخصوص‬
‫ّللا عليه وسلم إلى أوليته في مرتبته بقوله ‪:‬‬
‫بالحكمة وظلها ‪ .‬وقد أشار النبي صلى ه‬
‫ّللا العقل »‪ .‬أورده العجلوني في كشف الخفاء والديلمي في الفردوس‬ ‫« أول ما خلق ه‬
‫بمأثور الخطاب وأورده غيرهما ‪.‬‬

‫وهو أول شيء عقل به بعقال اإلمكان ‪ ،‬بحيث عقل نفسه وموجده ‪ ،‬وأنه مأمور‬
‫باالستفاضة في المرتبة اللوحية ‪ ،‬وباإلفاضة في مرتبة الخالفة ‪ ،‬وإن لم يكن قابال‬
‫لنقوش الفيوض ال يخلو من أن يكون مالقيا للهوح أو ال ‪ ،‬فإن يكون فهو المداد المعبر‬
‫عنه بالنور المحمدي ‪،‬‬
‫َّللا نوري »‬
‫المشار إليه وإلى أوليته بقوله ‪ « :‬أول ما خلق ّ‬

‫‪57‬‬
‫وفي حديث آخر ‪ « :‬فإن المداد نوري »‬
‫وهو أثر أول فيض مخصوص بالقدرة وظلها ‪.‬‬
‫وإن لم يكن مالقيا للهوح فال يخلو من أن يكون أقرب األوليات إلى حضرة الحق‬
‫المتعالي أو ال ‪.‬‬
‫فإن لم يكن فهو الدواة المعبهر عنه بالروح األحمدية المشار إلى أوليتها في مرتبتها‬
‫َّللا روحي » ‪.‬‬
‫بقوله ‪ « :‬أول ما خلق ّ‬
‫ّللا تعالى‬
‫وهو أثر أول فيض مخصوص باإلرادة وظلها ‪ ،‬وإن يكن أقرب األوليات إلى ه‬
‫فهو القلم المعبر عنه بالخفي عند عارفي أرباب الطريقة من الصوفية المشار إلى‬
‫َّللا القلم » ‪.‬‬
‫أوليته في مرتبته بقوله ‪ « :‬أول ما خلق ّ‬

‫ثم النون ‪ :‬وهي الدواة ‪ ،‬وهو أثر أول فيض مخصوص بالعلم وظلهه ‪.‬‬
‫وتيقن بأن العلم ما لم يفض لم تتيقظ اإلرادة ‪ ،‬وما لم تتيقظ اإلرادة لم تنتبه القدرة ‪ ،‬وما‬
‫لم تنتبه القدرة لم تتقن الحكمة للقدر المقدر والمراد المعلوم ‪.‬‬
‫فالحكمة متقنة للقدر المقدور ‪.‬‬
‫والقدرة منبعثة بأمر اإلرادة المخصصة لما في العلم ‪.‬‬
‫ّللا األحد الواحد ‪.‬‬
‫والعلم منتظر لتجلي ه‬
‫واألمري ‪ :‬ال يخلو من أن يكون قابال للتأليف أو ال ‪.‬‬
‫فإن لم يكن فهو جوهر النفس المعبر عنه بالعرش الفائض من لوح العقل بأمر الحق ‪،‬‬
‫من حيث تعقهله موجده فصار ظل القلم ‪.‬‬
‫وإن يكن فال يخلو من أن يكون ذا فعل أو ال ‪.‬‬
‫فإن يكن فهو جوهر الصور ؛ الفائض من لوح العقل بأمر الحق ‪ ،‬من حيث تعقله ؛ أنه‬
‫مأمور باإلفاضة فصار ظل الدواة ‪.‬‬
‫وإن لم يكن فهو جوهر المادة الفائض من لوح العقل بأمر الحق من حيث تعقله أنه‬
‫مأمور باالستفاضة ‪.‬‬
‫فصار ظل المداد غير المفرد المعبر عنه بالجسم ‪ .‬وهو عبارة عما يصدق عليه إطالق‬
‫التأليف والتركيب الحاصل من فيض أمر العقل ‪.‬‬
‫وهو على قسمين ‪:‬‬
‫‪ -‬مؤلف ‪.‬‬
‫‪ -‬ومركب ‪.‬‬
‫فالمؤلّف ‪ :‬عبارة عما وجد من ائتالف جوهري الصورة والمادة ال في زمان إفاقي ‪.‬‬
‫والمركّب ‪ :‬عبارة عما وجد من جوهرين فصاعدا في زمان إفاقي مفتقرا إلى الفيوض‬
‫الفلكية ونيهراتها وما فوقها ‪.‬‬
‫والزمان اآلفاقي ‪ :‬عبارة عن بدء حركة األفالك وتعداد أوقاتها ‪.‬‬
‫ّللا تعالى ‪.‬‬
‫والزمان األنفسي ‪ :‬عبارة عن مقادير ه‬

‫‪58‬‬
‫ف‬‫دارهُ أ َ ْل َ‬
‫ّللا تعالى في آية واحدة إلى هذين الزمانين بقوله ‪:‬فِي يَ ْو ٍم كانَ ِم ْق ُ‬ ‫وقد أشار ه‬
‫سنَ ٍة ِم اما تَعُ ُّدونَ [ السجدة ‪. ] 5 :‬‬
‫َ‬
‫فاليوم إشارة إلى الزمان اْلفاقي األنفسي ‪.‬‬
‫وألف سنة مما تعدون إشارة إلى الزمان ‪.‬‬
‫والذي غير مقوم نفسه عرض ‪ ،‬وهو ال يخلو من أن يجوز طرآنه على الممكنات كلها‬
‫أوال ‪.‬‬
‫فإن يجز فهو الضعيف الالحق بالوجود عند دخوله تحت ذل التكوين وتقيده بقيد‬
‫اإلمكان ‪.‬‬
‫وإن لم يجز فال يخلو من أن يبقى مع من يقوم به كبقائه أو ال ‪.‬‬
‫فإن يبق فهو كالحيهز للمفردات المعبهر عنها بالجواهر والمكان لألجسام المركبة‬
‫والمؤلفة ‪ ،‬وما يختص بالمؤلفات كتدوير األفالك ‪ ،‬وإن لم يبق فهو كضوء الشمع على‬
‫الجدار ‪ ،‬وصفرة الخجل ‪ ،‬وحمرة الوجل ‪ ،‬والغضب حالة الجدل ‪ ،‬مما يختص‬
‫بالمركبات ‪ .‬وهو ما ال يبقى زمانين ‪.‬‬
‫‪ -‬والحيّز ‪ :‬عبارة عما ظهر مع كل موجود مفرد ‪ ،‬بحيث ال يسع فيه غيره ‪.‬‬
‫‪ -‬والمكان ‪ :‬عبارة عما ظهر مع الجسم ‪ ،‬بحيث ال يسع فيه غيره كالطبع ‪.‬‬

‫وأقسام العرض عشرة ‪:‬‬


‫مر ذكرهما ‪.‬‬
‫الحيهز ‪ ،‬والمكان كما ه‬
‫والزمان اْلفاقي الحاصل منه الثواني ‪ ،‬والساعات ‪ ،‬والشهور ‪ ،‬واألعوام ‪ ،‬والقرون ‪،‬‬
‫واألحقاب ‪ -‬بعد الفتق ‪ ،‬والكيف ‪ ،‬والكم ‪ ،‬والوضع ‪ ،‬واإلضافة ‪ ،‬والملك ‪ -‬وأن يفعل ‪،‬‬
‫وأن ينفعل ‪.‬‬
‫داال على استوائه إلى السماء ‪.‬‬ ‫ّللا تعالى جعل الحيهز ه‬
‫ثم اعلم ‪ :‬أن ه‬
‫والزمان ‪ :‬داال على األزل واألبد ‪.‬‬
‫والكيف ‪ :‬داال على اللطف ‪ ،‬والقهر ‪ ،‬والرضا ‪ ،‬والغضب ‪.‬‬
‫والكم ‪ :‬داال على األسماء الحسنى ‪.‬‬
‫واإلضافة ‪ :‬دالة على األسماء المضافة كاإلله ‪ ،‬والرب ‪.‬‬
‫والوضع ‪ :‬داال على الهداية والضاللة والنفع والضر ‪.‬‬
‫ض َوما‬‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬ ‫ّلل ُم ْلكُ ال ا‬
‫سماوا ِ‬ ‫والملك ‪ :‬داال على صفة مالكيته وتحقيق قوله ‪َ :‬و ِ ا ِ‬
‫بَ ْينَ ُهما[ المائدة ‪. ] 18 :‬‬

‫والفرق بين الملك ( بضم الميم ) والملك ( بكسرها ) بيهن ألن الملك ( بالضم ) يصدق‬
‫إطالقا على جميع الممكنات ‪.‬‬
‫وبالكسر ‪ :‬ال يصدق هإال على المؤمنين الذين اشترى ه‬
‫ّللا منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم‬
‫الجنة ؛ فدخلوا بحكم البيع والشراء في دائرة ملكيته ( بكسر الميم ) ‪ ،‬بعد أن كانوا‬
‫داخلين في ملكه ( بضم الميم ) كسائر الممكنات ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ّللا بخصوصية العبودية ‪.‬‬
‫صه ه‬ ‫وأكملهم من خ ه‬
‫وأن يفعل ‪ :‬داال على صفة فاعليته ‪ ،‬وتحقيق قوله ‪:‬فَعاا ٌل ِلما يُ ِري ُد[البروج ‪. ]16:‬‬
‫وأن ينفعل ‪ :‬داال على حكمته المتقنة للقدر المقدور المراد من المعلوم ‪ ،‬والقدرة ال‬
‫تتعلق بشيء خال عن الحكمة ‪ .‬ومن شأن الحكيم أن ال يفعل شيئا عبثا ‪ ،‬وشاكلة‬
‫الحكمة الصواب ‪.‬‬
‫فاّلل الحكيم خالق العالم على شاكلته ‪.‬‬
‫ه‬
‫وجعل المقوم نفسه داال على ذاته القائم بنفسه ‪ .‬كما جعل غير المقوم نفسه داال على ما‬
‫بيهناه من قبل ‪.‬‬

‫ّللا عليه وسلم ‪:‬قُ ْل ُك ٌّل َي ْع َم ُل َعلى شا ِكلَ ِت ِه [ اإلسراء ‪. ] 84 :‬‬‫وقال لنبيهه صلى ه‬
‫ثم اعلم ‪ :‬أن خاتم التراكيب أخص أنواع الحيوان ‪ ،‬وهو اإلنسان ‪.‬‬
‫الذي هو أبعد األشياء عن حضرة الوحدة في الصورة ‪ ،‬وأقرب األشياء إليها في‬
‫المعنى ‪.‬‬
‫وكل فرد من أفراده عالم تام صغير بالجثة كبير بالمعنى ‪ ،‬فيه شيء ليس في العالم‬
‫الكبير بالجثهة وهو مرآة مدركة ‪ ،‬ذوق مشاهده ‪ ،‬عكس جمال الشاهد المنطبع فيها‬
‫المعبر عنها باللطيفة األنانية ‪.‬‬
‫التي هي عبارة عن الحقائق التي قامت بها المفردات اإليجادية واألمرية ‪ ،‬والمؤلفات‬
‫ّللا تعالى عند تجليه بالصفة الواحدية ‪.‬‬ ‫والمركبات أحدثها الفيض من ه‬
‫المعراة ‪ ،‬والقاف ) من البدن المجتمع فيها‬ ‫ه‬ ‫ليعرف المعبر عنه باللطيفة الحقيهة ( بالحاء‬
‫العناصر األربعة ‪ ،‬من حيث االعتدال التام ‪ ،‬القابل لفيوض المفردات اإليجادية‬
‫واألمرية ‪ ،‬التي هي الجواهر واألجسام المؤلفة اللطيفة ونيهراتها إليه ليكون مرآة لوجه‬
‫ّللا ذي الجالل واإلكرام والجمال والكمال ‪.‬‬ ‫ه‬
‫المشرف بسجود المالئكة وخالفة األرض‬ ‫ه‬ ‫وبها صار اإلنسان أشرف الموجودات‬
‫وعمارتها ‪.‬‬
‫وس هخر له ما في السماوات وما في األرض جميعا ‪ .‬وهي األمانة الكبرى المودعة في‬
‫سفلى من‬ ‫الحضرة العظمى المستورة عن أعين أهل السماوات العلى واألرضين ال ه‬
‫أخص الخواص من عباده المخلصين وقليل ما هم ‪.‬‬
‫وهم األعظمون األجر ‪ ،‬األقلون العدد فانظر بعد بعين اليقين بكمال متابعة خير النبيين‬
‫عليهم الصالة والسالم في وجود العالم ‪ .‬وتيقين بأنه شخص واحد ‪.‬‬
‫األفالك ‪ :‬بدنه الغير المحلول ‪ .‬والعناصر األربعة وطبائعها أخالطه األربعة ‪،‬‬
‫والطبائع المختصة بها ‪.‬‬
‫والكواكب الثابتة والسيارة ‪ :‬حواسه الظاهرة والباطنة ‪ ،‬وقواه الخادمة والمخدومة ‪.‬‬
‫والمالئكة ‪ :‬قواه الروحانية الصالحة ‪.‬‬
‫والجن المؤمن ‪ :‬قواه الزكية النفسانية ‪.‬‬
‫والشيطان الكافر اللعين ‪ :‬قواه الفاسدة المخصوصة باللطيفة القالبية ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫والنفس الكلية ‪ :‬لطيفته النفسية ‪.‬‬
‫والعقل الكلي ‪ :‬لطيفته القلبية ‪.‬‬
‫والمداد النوري ‪ :‬لطيفته الروحية ‪.‬‬
‫والقلم القدسي الخفي عن عين العقل ‪ ،‬التي لم تكن منورة بنور الحق الفائض من‬
‫ّللا عليه وسلم لطيفته الخفية ( بالخاء المعجمة )‪.‬‬‫روزنة قلب النبي صلى ه‬
‫المعراة ‪،‬‬
‫ه‬ ‫والفيض الفائض بتجلي األحد الواحد ليعرف لطيفته الحقيهة ( بالحاء‬
‫والقاف )‪.‬‬
‫والشهادة ظاهر برقه مما تراه حواسه ‪ :‬العين الظاهرة‪.‬‬
‫والغيب ‪ :‬باطنه مما تراه حاسة البصيرة الباطنية‪.‬‬
‫والفصول األربعة ‪ :‬نفوسه األربع‪:‬‬
‫األ ّمارة الشتوية ‪،‬‬
‫واللوامة الربيعية ‪،‬‬
‫ّ‬
‫والملهمة الصيفية ‪،‬‬
‫والمطمئنة الخريفية‪.‬‬

‫والمواليد ‪ :‬الثالثة الحروف ‪ ،‬واألباجاد ‪ ،‬والكلمات ‪،‬‬


‫واإلنسان الذي هو خاتم ألبنية التراكيب ‪ ،‬كالمه الكامل الذي يحسن السكوت عليه ‪.‬‬
‫فإنه المقصود من الحروف واألباجاد والكلمات ‪ ،‬والشقي والسعيد ‪ ،‬والخبيث والطيب‬
‫منه ‪ ،‬والجحيم والجنة ‪ ،‬شعور المتكلم بخبثه والتألم به وبطيبه والتنعم به ‪ ،‬والربع‬
‫المسكون من األرض المكشوفة التي هي مستقر المواليد ‪ ،‬ومزرعة اْلخرة ‪ ،‬ودار‬
‫الكسب وقابلة الكون والفساد بدنه المحلول المنفعل كل لمحة‪.‬‬
‫والجبال ‪ :‬عظامه‪.‬‬
‫واألنهار ‪ :‬عروقه‪.‬‬
‫واألشجار ‪ :‬أشعاره‪.‬‬
‫واألقاليم السبعة ‪ :‬أعضاؤه‪.‬‬
‫وقس البواقي على ما رمزته إلى أصولها ‪ ،‬إن كنت من أهل االستنباط ‪ ،‬وتيقن بأن‬
‫المرآة الكاملة األحقية عن الشروق والغروب ‪ ،‬والدائرة مع الحق في شؤون التجليات‬
‫كلها أبد اْلباد لطيفة أنانية خاتم النبيين وسيد األولين واْلخرين محمد األمين عليه‬
‫الصالة والسالم ‪.‬‬
‫أصالة ‪ ،‬ولمن قبله من النبيين ‪ ،‬ولمن بعده من األولياء تبعية‪.‬‬
‫ولقد صدق الصدوق عليه الصالة والسالم حين يحدث بنعمة ربه من حيث أمره به‪:‬‬
‫"أنا سيد ولد آدم وال فخر " رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك‬
‫والترمذي في جامعه الصحيح‬

‫‪61‬‬
‫وفي حديث آخر ‪:‬‬
‫« لو كان موسى حيها لما وسعه هإال اتباعي » ‪.‬‬
‫وقد اطلعنا من حيث اليقين أن معلم موسى متبع شريعته الزهراء اليوم ‪ ،‬وبها يربي‬
‫أصحابه ‪.‬‬
‫ثم اعلم ‪ :‬أن وجدان ذوق مشاهدة عكس جمال المرآة الشاهد المنطبع فيها ‪ ،‬والشاهد‬
‫المتجلي حجب إدراك ذوق عكس جماله ‪ ،‬فحق أن يقول ‪:‬يُ ِحبُّ ُه ْم َويُ ِحبُّونَهُ[ المائدة ‪:‬‬
‫‪ ، ] 54‬ثم بالصبر على المشاق في طلبها ‪ ،‬ثم بالتقوى عن وقع الغبار واألكدار على‬
‫وجهها والتراكم ‪ ،‬ثم باإلحسان في مراتبها ومراعاتها ‪ ،‬بمحاذاة الوجه دائما من غير‬
‫السر أشار ونص القرآن حيث قال لنبيهه عليه الصالة‬ ‫ه‬ ‫انحراف ‪ .‬إلى هذا‬
‫ت[ هود ‪. ] 112 :‬‬ ‫والسالم ‪:‬فَا ْست َ ِق ْم َكما أ ُ ِم ْر َ‬
‫وحق له أن يقول ‪ « :‬شيبتني هود وأخواتها » ‪ .‬رواه أحمد وابن أبي شيبة في مصنفه‬ ‫ه‬
‫رواه الحاكم في المستدرك وأبو يعلى في مسنده ورواه غيرهم‬
‫واإليمان بال طهارة الظاهر والباطن ال ينفع ‪.‬‬
‫والصبر بال توكل ال يصح ‪.‬‬
‫والتقوى بال توبة ال تنجح ‪ .‬واإلحسان بال قسط في األمور ال يتم ‪.‬‬
‫ّللا واليته ‪ ،‬ومحبته للمؤمنين ‪ ،‬والصابرين ‪ ،‬والمتقين ‪ ،‬والمحسنين ‪،‬‬ ‫وألجل هذا أثبت ه‬
‫والمطهرين ‪ ،‬والمتوكلين ‪ ،‬والتائبين ‪ ،‬والمقسطين ‪،‬‬
‫صابِ ِرينَ [ آل عمران ‪:‬‬ ‫ي ْال ُمؤْ ِمنِينَ [ آل عمران ‪َ . ] 68 :‬و ا‬
‫ّللاُ يُ ِحبُّ ال ا‬ ‫ّللاُ َو ِل ُّ‬‫بقوله ‪َ :‬و ا‬
‫‪. ] 146‬‬
‫ّللا يُ ِحبُّ ْال ُم ْح ِسنِينَ [ البقرة ‪َ . ] 195 :‬و ا‬
‫ّللاُ يُ ِحبُّ‬ ‫ّللا يُ ِحبُّ ْال ُمت ا ِقينَ [ التوبة ‪ِ . ] 4 :‬إ ان ا َ‬ ‫ِإ ان ا َ‬
‫ّللا يُ ِحبُّ ْال ُمت َ َو ِ هك ِلينَ [ آل عمران ‪ِ . ] 159 :‬إ ان ا َ‬
‫ّللا يُ ِحبُّ‬ ‫ط ِ هه ِرينَ [ التوبة ‪ِ . ] 108 :‬إ ان ا َ‬ ‫ْال ُم ا‬
‫ّللاَ يُ ِحبُّ ْال ُم ْق ِس ِطينَ [ المائدة ‪. ] 42 :‬‬ ‫الت ا اوابِينَ [ البقرة ‪. ] 222 :‬إِ ان ا‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬ومحبته هإال بعد االحتراز عما ال يحبه ه‬
‫ّللا ‪،‬‬ ‫وال يمكن التمتع بوالية ه‬
‫كما بيهن في كتابه بقوله ‪:‬‬

‫ّللاَ ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ [ القصص ‪:‬‬ ‫ّللا ال يُ ِحبُّ ْالكا ِف ِرينَ [ آل عمران ‪ِ . ] 32 :‬إ ان ا‬ ‫فَإ ِ ان ا َ‬
‫الظا ِل ِمينَ [ آل عمران ‪ِ . ] 140 :‬إناهُ ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْست َ ْك ِب ِرينَ [ النحل ‪:‬‬ ‫ّللاُ ال يُ ِحبُّ ا‬ ‫‪َ . ] 77‬و ا‬
‫ّللا ال يُ ِحبُّ ْالفَ ِر ِحينَ [ القصص ‪. ] 76 :‬إِناهُ ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْس ِرفِينَ [ األعراف ‪:‬‬ ‫‪. ] 23‬إِ ان ا َ‬
‫ّللا ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْعتَدِينَ [ البقرة ‪. ] 190 :‬‬
‫‪ِ . ] 31‬إ ان ا َ‬
‫فالمتمتع بالوالية أو المحبة ينبغي أن يكون بريئا عن الكفر ‪ ،‬والفساد ‪ ،‬والظلم ‪،‬‬
‫والخيانة ‪ ،‬واالستكبار ‪ ،‬والفرح بغير الحق ‪.‬‬
‫المورث للبطر ‪ ،‬وعن اإلسراف الذي هو اإلفراط ‪ ،‬واالعتداء الذي هو التفريط ‪ .‬متهقيا‬
‫عن صحبتهم ومواالتهم ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ّللا تعالى عنها [ المؤمنين ] بقوله ‪:‬ال يَت ا ِخ ِذ ْال ُمؤْ ِمنُونَ ْالكافِ ِرينَ أ َ ْو ِليا َء ِم ْن د ِ‬
‫ُون‬ ‫وقد منع ه‬
‫َيءٍ ِإ اال أ َ ْن تَتاقُوا ِم ْن ُه ْم تُقاة ً [ آل عمران ‪:‬‬ ‫ْس ِمنَ ا ِ‬
‫ّللا فِي ش ْ‬ ‫ْال ُمؤْ ِمنِينَ َو َم ْن َي ْف َع ْل ذ ِل َك فَلَي َ‬
‫‪. ] 28‬‬
‫عد اُو ُك ْم أ َ ْو ِليا َء ت ُ ْلقُونَ ِإلَ ْي ِه ْم ِب ْال َم َو اد ِة[ الممتحنة ‪:‬‬
‫وفي آية أخرى قال ‪:‬ال تَت ا ِخذُوا َعد ه ُِوي َو َ‬
‫‪.]1‬‬
‫وفي آية أخرى قال ‪:‬يا أَيُّ َها الاذِينَ آ َمنُوا ال تَت ا ِخذُوا الاذِينَ ات ا َخذُوا دِينَ ُك ْم ُه ُزوا ً َولَ ِعبا ً ِمنَ‬
‫ّللا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ ( ‪) 57‬‬ ‫ار أ َ ْو ِليا َء َواتاقُوا ا َ‬ ‫الاذِينَ أُوتُوا ْال ِك َ‬
‫تاب ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم َو ْال ُكفا َ‬
‫[ المائدة ‪. ] 57 :‬‬

‫ثم اعلم ‪ :‬أن مشاهدة عكس جمال الشاهد المشهود ‪ ،‬المحب المحبوب ‪ ،‬المنطبع في‬
‫المرآة المعبر عنها باللطيفة اإلنسانية يكون صورته نورية وذوقية خالصة غير مشوبة‬
‫بالمعنى ‪ ،‬والنور ‪ ،‬والصورة ‪ ،‬وال يمكن الخالص عن الغلط الواقع في كل واحد‬
‫منهما ‪ ،‬بداية ‪ ،‬ووسطا ‪ ،‬ونهاية ؛ هإال بالتمسك بما في سورة اإلخالص من وجوب‬
‫ّللا تعالى ووحدانيته ونزاهته عن جميع ما يكون خاصة الممكن إجماال‬ ‫وجود ه‬
‫وتفصيال ‪.‬‬
‫ثم اعلم ‪ :‬أنه ليس لهذا الذوق نهاية ‪ ،‬ألن تجليات الحق المتعال غير متناهية ‪ ،‬وبكل‬
‫تج هل تزيد سعة المرآة وصفاؤها ‪ ،‬وبقدر السعة والصفاء يزداد حسن عكس جمال‬
‫الشاهد المنطبع فيها ‪ ،‬وبقدر زيادة الحسن تزداد قوة إدراك المرآة وذوق حسن عكس‬
‫الجمال أبد اْلباد ‪.‬‬

‫ثم اعلم ‪ :‬أن اللطيفة القلبية المكنهى عنها بذات الصدور عبارة عن قابلية حاصلة عن‬
‫اجتماع العناصر في هيئة معتدلة تا همة مستفيضة من األجرام اللطيفة الفلكية ‪،‬‬
‫ونيهراتها مستعدة لقبول فيض الكرسي ‪ ،‬المعبهر عنه بالفلك األطلس الساذج ‪ ،‬عن نقوش‬
‫الكواكب المعروض عليه ‪ ،‬التي كانت نقوشها محسوسة بالرصد ‪ ،‬مقسومة على‬
‫السماء الدنيا ‪ ،‬المزينة بزينة الكواكب ‪ ،‬الثابتة ‪.‬‬
‫المنوطة بها صالح الدنيا وفسادها ‪ ،‬وسعادة أهلها ونحوسهم ‪ ،‬وبذلك س همي بالسماء‬
‫لدنوها منها المشرفة بشرف االستواء المعدهى بإلى بعد الفتق لتسوية السماوات‬ ‫الدنيا ه‬
‫السبع ‪ ،‬وتدبر كل أمر سماء منها مخصوصة بكوكب سيار من الكواكب السبعة‬
‫المسماة بالجوار الكنهس َو ُك ٌّل فِي فَلَكٍ يَ ْسبَ ُحونَ [ يس ‪. ] 40 :‬‬
‫المحرك لألفالك الثمانية بالجبر من المشرق إلى المغرب على خالف حركتها غالبا بال‬
‫واسطة األفالك واألنجم ‪ ،‬وفيض العرش المعبر عنه بالنفس الكلية التي هي جوهر‬
‫غير مفارق ‪ ،‬وغير قابل للتأليف مغلوبا ‪.‬‬
‫وبهذه اللطيفة القابلية القلبية يمتاز اإلنسان من الحيوان ألنها تبقى بعد خراب البدن‬
‫المحلول المشاهد الذي به يشارك الحيوان في قبول الفيوض الفائضة من األجرام‬
‫اللطيفة الفلكية ‪ ،‬ونيهراتها ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫واللطيفة النفسية ‪ :‬عبارة عن قابلية حاصلة من فيض الكرسي والعرش مستعدة لقبول‬
‫فيض العرش غالبا واللوح مغلوبا بال واسطة الكرسي ‪.‬‬
‫واللطيفة القلبية ‪ :‬عبارة عن قابلية حاصلة من فيض العرش واللوح مستعدة لقبول‬
‫فيض اللوح غالبا والمداد مغلوبا بال واسطة العرش ‪.‬‬
‫س ّرية ‪ :‬عبارة عن قابلية حاصلة من فيض اللوح والمداد مستعدة لقبول‬ ‫واللطيفة ال ّ‬
‫المداد غالبا ‪ ،‬والدواة مغلوبا بال واسطة اللوح ‪.‬‬
‫واللطيفة الروحية ‪ :‬عبارة عن قابلية حاصلة من فيض المداد والدواة مستعدة لقبول‬
‫فيض الدواة غالبا والقلم مغلوبا بال واسطة ‪.‬‬
‫واللطيفة الخفية ‪ ( ،‬بالخاء المعجمة والفاء ) ‪ :‬عبارة عن قابلية حاصلة من فيض‬
‫ّللا بالصفة الواحدية ليعرف‬
‫الدواة والقلم مستعدة لقبول فيض القلم غالبا ‪ ،‬وفيض تجلي ه‬
‫مغلوبا بال واسطة العرش والدواة ‪.‬‬

‫المعراة والقاف ) ‪ :‬عبارة عن قابلية حاصلة من العلم‬


‫ه‬ ‫واللطيفة الحقيّة ‪ ( ،‬بالحاء‬
‫ّللا بالصفة الموجدية المغلوب مستعدة لقبول فيض تجليه بالصفة الواحدية‬ ‫وفيض تجلهي ه‬
‫غالبا ‪ ،‬والواحدية مغلوبا في البداية ‪.‬‬
‫وفيض تجلي الصفة األحدية غالبا ‪ ،‬والذاتي مغلوبا في الوسط ‪.‬‬
‫ولقبول الفيوض كلها من حيث االعتدال التام غير غالب وال مغلوب ‪ .‬كما أن البدن‬
‫ّللا تعالى في هيئة معتدلة تامة ‪ ،‬ليكون مشيمة لجنين البدن‬
‫المحلول الذي هيهأه ه‬
‫المكتسب في مضيق بطن معالم الكون والفساد حق خاتم التراكيب الذي هو اإلنسان ‪.‬‬

‫والبدن المكتسب ‪ :‬عبارة عن اجتماع األمريات المتفرقات في العنصريات المستكنة‬


‫فيها حين اجتماعها في هيئة معتدلة حين جذبها فيض النفس المدبر لها لعلة المجانسة‬
‫إليه لتكون متشبهة متثبتة ‪.‬‬
‫والباء في غير المنفصل عنه في البرزخ والحشر ‪ ،‬والجنة والجحيم أبد اْلباد ‪ ،‬وغالفا‬
‫للمرآة المعبر عنها باللطيفة اإلنسانية ‪ ،‬ولواله ما أمكن اإلشارة إلى أحد أنهه زيد وبكر ‪،‬‬
‫شقي أو سعيد ‪ ،‬وكما أن االمتياز بين زيد وبكر في عالم الشهادة بالبدن المحلول‬
‫ّللا في أحسن هيأة معتدلة ‪ ،‬وخلقه في أحسن تقويم ‪ ،‬وفي أحسن‬ ‫لإلنسان الذي هيهأه ه‬
‫صورة ‪ ،‬ففي عالم الغيب بالبدن المكتسب ‪.‬‬
‫فإذا فهمت هذه األسرار ما هممت في طرق بيانها ‪ ،‬كن موقنا مطمئنا على ما في‬
‫سورة اإلخالص من اإللهيات وعلى صدق ما أخبر به األنبياء عليهم السالم من‬
‫ّللا عليه وسلم لتكون‬
‫ي محمد العربي صلى ه‬ ‫المغيبات وعلى ختم النبوة على النبي األ هم ه‬
‫من المخلصين الذين ال يقدر الشيطان على إغوائهم كما أخبر عنه نص‬
‫صينَ ( ‪ [) 83‬ص ‪:‬‬ ‫التنزيل ‪.‬فَبِ ِع ازتِ َك َأل ُ ْغ ِويَنا ُه ْم أ َ ْج َم ِعينَ ( ‪ ) 82‬إِ اال ِعبا َد َك ِم ْن ُه ُم ْال ُم ْخلَ ِ‬
‫‪. ] 83 ، 82‬‬

‫‪64‬‬
‫ّللا على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫وصلى ه‬

‫لب نبيه‬‫وصل وتنبيه لمن له ّ‬


‫اعلم ‪:‬‬
‫أن هذه العلوم ليست مما تدرك بالعلل والمنى ‪ ،‬وال وصلها الرجال بالهوينا والقصور ‪،‬‬
‫بل جدهوا واجتهدوا ولم يفتروا نهارا ‪ ،‬وال ناموا ليال ‪ ،‬وال سحبوا ذيال ‪.‬‬
‫آذانهم مصمتة ‪ ،‬وألسنتهم صامتة ‪ ،‬واعتزال دائم ‪ ،‬وفكر حاضر مالزم ‪ ،‬رداؤهم‬
‫الحياء والسكينة ‪ ،‬والوقار مئزرهم في حضرة األسرار ‪ ،‬هذه حالتهم آناء الليل‬
‫وأطراف النهار ‪.‬‬
‫وال سبيل أن يقف على هذه اإلشارات هإال أربابها ‪ .‬وهي أمانة بيدك ‪ ،‬يا من حصلت‬
‫بيده ‪ .‬فإن كان من أهلها حصل له مراده ‪ ،‬وإن كان من غير أهلها فليبحث عن أربابها‬
‫ّللاَ يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا ْاألَمانا ِ‬
‫ت ِإلى أ َ ْه ِلها[ النساء ‪. ] 58 :‬‬ ‫وّللا تعالى يقول ‪ِ :‬إ ان ا‬
‫وأهلها ‪ ،‬ه‬
‫وكل شيء لم تفهمه ‪ ،‬ولم يبلغ به علمك ‪ ،‬ولم يتصرف فيه عقلك ‪ ،‬فهو أمانة بيدك ‪،‬‬
‫وّللا تعالى يكرمك بنور البصائر ‪ ،‬ويصلح السرائر ‪ ،‬ويصفهي الضمائر ‪ ،‬ويلحق‬ ‫ه‬
‫اإلماء بالحرائر ‪ ،‬إنه الملئ بذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫فصل قال السالك أشّهدني الحق األنهار وقال لي تأ ّمل وقوعها‬


‫قال السالك ‪:‬‬
‫شهدني الحق األنهار ‪ ،‬وقال لي ‪ :‬تأ همل وقوعها ‪.‬‬ ‫أ ه‬
‫فرأيتها تقع في أربعة أبحر ‪.‬‬
‫الواحد ‪ :‬يرمى في بحر األرواح ‪.‬‬
‫والثاني يرمى في بحر الخطاب ‪.‬‬
‫والنهر الثالث ‪ :‬يرمى في بحر الشكر ‪.‬‬
‫والنهر الرابع ‪ :‬يرمى في بحر الحب ‪.‬‬
‫ويتفرع من هذه األنهر األربعة أربعة ‪.‬‬
‫ويتفجر من ذلك البحر المحيط ثم يرجع إليه بعد االمتزاج بهذه األبحر األربعة ‪.‬‬
‫فقال لي ‪:‬‬
‫هذا البحر المحيط ‪ . .‬يجري ‪ ،‬لكن ادعت السواحل أنها لها ‪ ،‬فمن رأى البحر المحيط‬
‫قبل األبحر واألنهار ثم األبحر فذلك صدهيق ‪.‬‬

‫ومن شاهده دفعة واحدة فذلك شهيد ‪.‬‬


‫كما أن من شاهد األنهار ‪ ،‬ثم األبحر ‪ ،‬فذلكم صاحب دليل ‪.‬‬
‫ومن شاهد األبحر ‪ ،‬ثم األنهار ‪ ،‬ثم البحر ‪ ،‬فذلك صاحب آفات ‪ ،‬لكنه ناج ‪.‬‬
‫ثم قال ‪:‬‬

‫‪65‬‬
‫من كان من أهل عنايتي أنشأت له مركبا ‪ ،‬فجرى به في األنهار ‪ ،‬فإذا رمت به في‬
‫األبحر جرى فيها حتى ينتهي إلى البحر المحيط ‪.‬‬
‫فإذا انتهى إليه علم الحقائق ‪ ،‬وكشف األسرار ‪ ،‬وإلى هذا البحر ينتهي المقربون ‪.‬‬
‫ثم قال ‪:‬‬
‫فأقر بصدقه واعترف ‪ ،‬والجاهل‬‫فالمؤمن به صدهقه وانصرف ‪ ،‬والعالم قام له البرهان ه‬
‫ه‬
‫والظان تخيهل وما عرف ‪ ،‬والناظر يطلع‬ ‫ه‬
‫والشاك تحيهر وتوقف ‪،‬‬ ‫نظر فيه وانحرف ‪،‬‬
‫تعرف ‪.‬‬
‫ويتشوف ‪ ،‬والمقلد مع كل صنف ه‬

‫فصل قال السالك فلقيت بالجدول المعين‬


‫قال السالك ‪:‬‬
‫ي الصفات ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬ ‫فلقيت بالجدول المعين ‪ ،‬وينبوع أرين فتى روحاني الذات ‪ ،‬وربهان ه‬
‫أين تريد ؟‬
‫قال ‪:‬‬
‫أرسلت إلى المشرقين ‪ ،‬إلى مطلع النيهرين ‪ ،‬إلى موضع القدمين ثم أنشدني وحيهرني ‪:‬‬
‫فال تنظر بطرفك نحو جسمي ‪ ....‬وع ّد عن التّنعّم بالمغاني‬
‫وغص في بحر ذات الذّات تبصر ‪ ....‬عجائب ما تبدّت للعيان‬
‫وأسرار تراءت مبهمات ‪ ....‬مستّرة بأرواح المعاني‬
‫سنان‬ ‫وإال سوف يقتل بال ّ‬‫ّ‬ ‫فمن فهم اإلشارة فليصنها ‪....‬‬
‫ثم قال ‪:‬‬
‫ال يعرف كالمي هإال من رقى مقامي ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أين تريد ؟‬
‫قال ‪ :‬أريد مدينة الرسول في طلب المقام األزهر ‪ ،‬والكبريت األحمر ‪.‬‬
‫فقال لي ‪ :‬يا طالب مثلي أما سمعت قولي ‪:‬‬
‫سكن‬‫س هر وال ه‬
‫س هر تقصده ‪ ....‬ارجع وراك ففيك ال ه‬ ‫يا طالبا لطريق ال ه‬
‫ثم قال ‪:‬‬
‫سر اللطيف ثالثة حجب من لطيف وكثيف ‪.‬‬ ‫بينك وبين المطلوب أيهها ال ه‬
‫الحجاب األول ‪ :‬مكلل بالياقوت األحمر ‪ ،‬وهو األول عند أهل التحقيق ‪.‬‬
‫واآلخر ‪ :‬مكلل بالياقوت األصفر ‪ ،‬وهو الثاني الذي عليه أهل التفريق ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬مكلل بالياقوت األكهب ‪ ،‬وهو الثالث الذي اعتمد عليه أهل البرازخ في‬
‫الطريق ‪.‬‬
‫فاصحب الرفاق ‪ ،‬وجب اْلفاق ‪ ،‬واعمل الركاب ‪ ،‬واقطع البيان ‪ ،‬وامتط اليعمالت ‪،‬‬
‫ومز نشاط الذاريات ‪ ،‬واركب البحار ‪ ،‬واخترق الحجب واألستار ‪ ،‬في هذا السر‬
‫الشريف ‪.‬‬
‫واعلم ‪:‬‬
‫أن االسم يدل على المسمى ‪ ،‬والكل فيك فاقنع بما يكفيك ‪ ،‬وامسك عما ال يعنيك ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ثم أنشد بعدما أرشد ‪:‬‬
‫ساتر‬
‫طى عليها شفعنا ال ّ‬ ‫فانظر إلى الحكمة مجهولة ‪ ....‬غ ّ‬
‫وأظهر الحكمة منثورة ‪ ....‬العالم الثّابت ‪ ،‬والدّاثر‬
‫َّللا من واحد ‪ ....‬نور على أرواحنا باهر‬ ‫صلّى عليه ّ‬
‫األول واآلخر‬‫ضحى ‪ ....‬وانتظم ّ‬ ‫ما طلع البدر وشمس ال ّ‬

‫فصل قال السالك فبينما أنا نائم وسر وجودي متهجد قائم‬
‫قال السالك ‪:‬‬
‫فبينما أنا نائم ‪ ،‬وسر وجودي متهجد قائم ‪ ،‬جاءني رسول التوفيق ‪ ،‬يهديني سواء‬
‫الطريق ‪ ،‬ومعه براق اإلخالص عليه لبد الفوز ولجام الخالص ‪ ،‬فكشف عن سقف‬
‫محلى ثم زج بي من صفاة الصفا في الهوا فسقط عن منكبي رداء الهوى ‪ ،‬وأوتيت‬

‫بالخمر واللبن ‪.‬‬


‫فشربت اللبن ميراث تمام تمكين ‪ ،‬وتركت الخمر حذار أن أكشف السر بالسكر فيضل‬
‫من يقفو أثري ‪ .‬ولو أوتيت بالماء بدلها لشربت الماء ‪.‬‬
‫ناك إِ اال َر ْح َمةً ِل ْلعالَ ِمينَ ( ‪) 107‬‬
‫س ْل َ‬
‫فإن خالصة التمكين في قوله تعالى ‪َ :‬وما أ َ ْر َ‬
‫[ األنبياء ‪. ] 107 :‬‬
‫لسر خفي في النحل ‪ ،‬فيه‬ ‫وأ هما لو كان الشراب عسال ‪ ،‬ما اتخذ أحد الشريعة قبال ‪ ،‬ه‬
‫هالك القلوب بالمحل ‪.‬‬
‫قال السالك ‪:‬‬
‫ت‬ ‫الط ِيهبُونَ ِل ا‬
‫لط ِيهبا ِ‬ ‫لط ِيهبِينَ َو ا‬‫الط ِيهباتُ ِل ا‬
‫هو ا‬ ‫فارتفعت الهمة لطلبه ‪ ،‬وبادرت الختراق حجب َ‬
‫[ النور ‪ ، ] 26 :‬إليكموها ساعدكم السعد صفقة رابحة ‪ ،‬وحالة مباركة صالحة ‪.‬‬
‫فرؤياه ه‬
‫جال ‪ ،‬وفقده ع هما ‪ ،‬ثم قام عجال ‪،‬‬
‫وأنشد مرتجال ‪:‬‬
‫غرست لكم غصن األمانة يانعا ‪ ....‬وإنّي ل ّجاني بعده ثمر الغرس‬
‫تولّعت بالتّبليغ ل ّما تبيّنت ‪ ....‬أمور تعرقيتي عن اإلنس واألنس‬
‫الحس‬
‫ّ‬ ‫ورحت وقد أبدت بروقي وميضها ‪ ....‬وجزت بحار الغيب في مركب‬
‫الجن واإلنس‬ ‫ّ‬ ‫ونمت وما نامت جفوني غديّة ‪ ....‬وتهت بال تيه على‬
‫الحق الح وجوده ‪ ....‬فإيّاك واإلنكار يا نفس يا نفس‬ ‫ّ‬ ‫فيا نفس هذا‬
‫وّللا ما أنهكتني المشقة‬ ‫ّللا العون ‪ ،‬ما دمت مدبر الكون ‪ ،‬فطال ه‬ ‫يالعزم العزم ‪ ،‬وأسأل ه‬
‫‪ ،‬وقطع بي بعد الشقة ‪ ،‬وهذه وصيتي ‪.‬‬
‫فاعلم دللتك بها على الطريق األرفق فالزم ‪ ،‬والسر الذي في زمزم هو لما شرب له‬
‫فالزم ‪.‬‬
‫قال السالك ‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫كان ما كان فهو مصروف إليكم ‪ ،‬وإنما هي أعمالكم ترد عليكم ‪ ،‬إن خيرا فخيرا ‪،‬‬
‫وإن شرا فشرا ‪.‬فَ َم ْن يَ ْع َم ْل ِمثْقا َل َذ ارةٍ َخيْرا ً َي َرهُ ( ‪َ ) 7‬و َم ْن َي ْع َم ْل ِمثْقا َل َذ ارةٍ ش ًَّرا َي َرهُ‬
‫( ‪ [) 8‬الزلزلة ‪. ] 8 ، 7 :‬‬
‫ثم قال ‪ :‬هيهات أين الكرم من اإليثار ؟‬
‫الكرم سيادة ‪ ،‬واإليثار عبادة ‪ .‬الكرم مع الرئاسة ‪ ،‬واإليثار مع الخصاصة ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬يا بني اقصد باب موالك إلى ما إليه ناداك محبك وموالك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا سيدي هل تعرف لهذا الباب مفتاحا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أي والعليم الفتاح ‪.‬‬
‫رأيت البيت مقفوال ‪ ....‬لسر السر قد ملكا‬
‫ّللا يفتحه * فقال ‪ :‬بمن ؟ فقلت بك‬ ‫سألت ه‬
‫قالت ‪ :‬ناولنيه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه‪.‬‬
‫قلت له ‪ :‬قد عرفت حقيقة مكانه ‪ ،‬فزدني في نعته وبيانه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬له أربعة أسنان ‪ ،‬أتقنها الحكيم الرحمن ‪.‬‬
‫فيها أربع حركات تحوي جميع البركات ‪.‬‬
‫فإذا فعلت ما ذكرته لك وأحكمته فزت بالمفتاح وملكته ‪ .‬فالق أيها الطالب بالك ‪ ،‬أصلح‬
‫ّللا حالك ‪.‬‬ ‫ه‬
‫حافظ على العلوم اللدنية واألسرار اإللهية ‪ ،‬وإياك وإفشاء سر الربوبية ‪ .‬أجل القلوب ‪،‬‬
‫وجاهد النفوس ‪ ،‬اجمع بين الظاهر والباطن ‪ ،‬يتضح لك الراحل والقاطن وتأمل‬
‫السرين في مجمع البحرين ‪ ،‬وألي فائدة اتخذ البحر مسلكا على سائر المسالك ‪.‬فصل‬ ‫ه‬
‫في إشاراتهم‬
‫ي أن‬ ‫ول هما سئلت عن غاية ال تدرك ‪ ،‬وصفة ال يحاط بها علما وال تملك ‪ ،‬تعيهن عل ه‬
‫ألوح لك منها على مقدار فهمك ‪ ،‬وأوقفك من شأنه على ما قدهر أن يكون لك منها ‪،‬‬ ‫ه‬
‫وقف للناس موضع القدمين ‪ ،‬وخذ من العلم حرف العين ‪ ،‬اخرق السفينة تلج المدينة ‪،‬‬
‫سآ ِوي‬ ‫تعرج على من قال " َ‬ ‫اجعل في السفينة ِم ْن ُك ٍهل زَ ْو َجي ِْن اثْنَي ِْن [ هود ‪ ] 40 :‬وال ه‬
‫ماء"[ هود ‪. ] 43 :‬‬ ‫ص ُم ِني ِمنَ ْال ِ‬ ‫ِإلى َج َب ٍل َي ْع ِ‬
‫هما سفينتان لهما في الوجود معنيان ‪،‬‬
‫الواحدة ‪ :‬سالمتها من الفتق ‪.‬‬
‫واألخرى ‪ :‬نجاتها من الرتق ‪.‬‬
‫ال تدفع الخاتم إلى أحد ‪ ،‬وال تأمن عليه أ هما وال ولد ‪ ،‬انشر البساط ‪ ،‬واترك الناس في‬
‫هياط ومياط ‪ ،‬اطو البساط ‪ ،‬واعدل إلى االنقباض ‪ ،‬من االنبساط ‪ ،‬ال تهز الجزع في‬
‫كل وقت فإنه مقت ‪ ،‬ال يغلب على مقلك النوم فتنفش غنمك في حرث القوم ‪ ،‬ال تكن‬
‫جبهارا فيخدعك الطريق ‪ ،‬حتى يصيهرك ضجيج الغريق فاجهد في سلوكك هذه‬
‫المقامات ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫واعلم ‪:‬‬
‫أن من أراد المقامات سلهم األمور إليه ؛ فسلهم األمور إليه ‪ ،‬وتوكل في سلوكك عليه ‪.‬‬
‫فطلبت منه الحقيقة فقيل لي ‪ :‬حتى تفنى عن الطريقة ‪.‬‬
‫إشارة ‪ :‬إيهاك أعني فاسمعي يا جارة ‪.‬‬
‫إشارة ‪ :‬إذا حضر الحبيب والرقيب فخاطب الرقيب بلسان الحبيب ليسمعك الحبيب‬
‫وتفهم لسانه فتأمن غوائل الرقباء ‪.‬‬
‫إشارة ‪ :‬الحكم مودعة في الهياكل ‪.‬‬
‫إشارة ‪ :‬الحكمة اليمانية لطيفة ‪ .‬من يضع شكال فليضعه مستديرا ‪ ،‬فإنه ال ب هد من‬
‫الرياح تزعجه فيتدحرج وال ينكسر ‪ .‬فالشكل الكروي أبقى ‪.‬‬
‫إشارة ‪ :‬إنما عملك مردود عليك ‪ ،‬فاجن ما غرست ‪.‬‬
‫إشارة ‪ :‬انظرني في الشمس ‪ ،‬واطلبني في القمر ‪ ،‬واهجرني [ في ] النجوم ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬لتكن طير عيسى اطلبني في العيس ‪.‬‬
‫ثم قال لي ‪ :‬إذا رأيت البقر ‪ ،‬والخيل ‪ ،‬والحمير ‪ ،‬فاركب البغال ‪ ،‬واستند إلى الجدار ‪.‬‬
‫ثم قال لي ‪ :‬إذا كنت النمط األوسط فسافر ‪ ،‬ثم إذا ركبت البغل فال تنظر من أي طرق‬
‫أنت فتهلك ‪.‬‬
‫لطيفة ‪ :‬إذا دعيت األسرار بلسان األمر ‪. . .‬‬
‫إذا دعيت األسرار بلسان األمر ‪ ،‬أدبرت للعزة التي عليها وإذا دعيت بلسان اللطف‬
‫أقبلت فقيرة ‪.‬‬
‫إشارة ‪ :‬فإن فلك الزمهرير أكبر من فلك البحر المستدير ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬شغلتنا مالحظة األغيار عن مباشرة هذه األسرار ‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬قال ‪ :‬إنها نظمنا لك الدرر والجواهر في السلك الواحد ‪. . .‬‬
‫قال ‪ :‬إنها نظمنا لك الدرر والجواهر في السلك الواحد ‪ ،‬وأبرزنا القول في حضرة‬
‫الفرق المتباعد ‪ ،‬فلهذا ترى الواقف عليه ‪ ،‬يكاد ال يعثر على سر النسبة التي أودعتها‬
‫لديه ‪ ،‬إنما هي رموز وأسرار ‪ ،‬ال تلحقها الخواطر واألفكار ‪ ،‬إن هي هإال مواهب من‬
‫الجبار ‪ ،‬جلهت أن تنال هإال ذوقا ‪ ،‬وال تصل هإال لمن هام بها عشقا وشوقا ‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :‬لم ضرب له الميقات ؟ قال ‪ :‬ليعلم أنه تحت رق األوقات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لم جاء العدد بالليل ولم يجئ بالنهار ؟‬
‫قلت ‪ :‬الحتجابك تحت األبصار ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لم طلب رؤية األحباء مع ثبوت اإليمان ؟‬
‫قلت ‪ :‬ليجمع بين العلم والعيان ‪.‬‬
‫وفي مثل هذا قيل ‪:‬‬
‫سرا إذا أمكن الجهر‬
‫أال فاسقني خمرا ‪ ،‬وقل لي هي الخمر ‪ ....‬وال تسقني ّ‬
‫وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى ‪ ....‬فال خير في اللّذّات من دونها ستر‬
‫قال ‪ :‬لم دللناه على أربعة من الطير ؟‬

‫‪69‬‬
‫قلت ‪ :‬إشارة إلى العناصر ال غير ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلم كان الوحي في المنام ؟‬
‫للحس بساحته إلمام ‪.‬‬
‫ه‬ ‫قلت ‪ :‬لئال يكون‬
‫إشارة ‪ :‬ال تأخذ من اللبن سوى زبدة المحض ‪ ،‬وعليك بروح األشياء ‪.‬‬
‫وال تأخذ من العسل سوى ما ادخره النحل لنفسه ‪.‬‬
‫وال تشرب من خمر العلوم هإال السالفة التي لم تعصرها األرجل ‪.‬‬
‫وال تشرب من المياه هإال المعصر ‪ ،‬فإن ماء التقطير فيه مزيد علم ‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬إذا ضرب القفل على الصندوق امتنع المال من المصارفة ‪. . .‬‬
‫إذا ضرب القفل على الصندوق امتنع المال من المصارفة ‪ ،‬وحياته فيها ألنه خلق بها ‪.‬‬
‫وهو مجبول على الحركة ‪ ،‬وتداول األيدي ‪.‬‬
‫والدليل على ذلك ‪ :‬الق سمعك إلى التابوت المقفل تسمع المال يتحرك في جوانب‬
‫التابوت ‪ ،‬فإذا استطعت أن تفتح القفل فال تكسره فإنك محتاج إلى ادهخاره وقتا ما ‪.‬‬
‫القفل لسانك فافهم !‬

‫فصل هذا باب يدق وصفه ويمنع كشفه هى‬


‫هذا باب يدق وصفه ‪ ،‬ويمنع كشفه ‪ ،‬هي أسطار نور خضر خلف حجاب البيان ‪ ،‬يلوح‬
‫لمن سبقت له المشيئة بوقوفه عليها حتى تودعه ما لديها ‪ .‬فاستعمل المجاهدة عساك‬
‫تلتذ بالمشاهدة ‪.‬‬
‫و قال عليه الصالة والسالم في سر التثليث ‪ « :‬لن تهلك أ همة أنا أولها ‪ ،‬وعيسى آخرها‬
‫‪ ،‬والمهدي وسطها » أورده المناوي في فيض القدير‬
‫فانخفض الطرفان والوسط ‪ ،‬وانتظم الملك وارتبط ‪.‬‬
‫فأتى بثالثة على حكم نشأة وتقابل الهيئة ‪ ،‬وإن كل إنسان ال بد له من إحدى الدارين ال‬
‫سرائها ‪ :‬الحمد هّلل المنعم المتفضل ‪.‬‬
‫محالة فنقول في ّ‬
‫ضرائها ‪ :‬الحمد هّلل على كل حال ‪.‬‬
‫ونقول في ه‬

‫فصل ثم نظرت بطرفي نحو السماء فرأيتها مزيّنة بالنجوم‬


‫ثم نظرت بطرفي نحو السماء فرأيتها مزيهنة بالنجوم ‪ ،‬فمنها اهتداء ومنها رجوم ‪،‬‬
‫ورأيت مقامات الخلفاء ‪ ،‬ومصابيح الظلماء ‪ ،‬فوجدتها ثمانية وعشرين ‪ ،‬وحضراتهم‬
‫اثنتي عشرة لتتم األربعين ‪.‬‬
‫فقيل لي ‪ :‬هذه منازل السالكين ‪ ،‬وينابيع الحكم المخلصين ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما سمعت أنهه أسر من الكتاب أماني ‪ ،‬خفت أن يقطعني عن إلمامي ‪ ،‬فنهضت‬
‫من تلك الظلمة المدلهمة ‪ ،‬وتركت بها براق الهمة ‪ ،‬ورفعت عن أسرة اللطائف ‪،‬‬
‫ومتكآت الرفارف إلى أن وصلنا مقام المماثل فيه تماثل السراج ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هذا حظك من كوني ‪ ،‬فأين حظك [ من ] عيني ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬أيها المشير ‪ :‬المناسبة تكون بالنظير المالزم ‪ ،‬ويكون بالذات والالزم ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫فقال المشير ‪ :‬أريد مناسبة النظير ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬في رسمي رسمك ‪ ،‬وفي نعتي نعتك ‪ ،‬واإلجمال أحسن من التفصيل في هذا‬
‫القبيل ‪.‬‬

‫ثم كشف لي عن شجرة البستان الكلية ؛ الموصوفة بالمثلية ‪.‬‬


‫فنظرت إلى شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ‪ ،‬وثمرها بيد آالت االستواء ‪ ،‬وبين‬
‫والمطوقة الورقاء ‪.‬‬
‫ه‬ ‫أغصانها الغراب والغربة والعنقاء ‪ ،‬وفي ذرى أفنانها العقاب ‪،‬‬
‫فسلمت على الشجرة فحيهت أحسن مني‬
‫وقالت ‪:‬‬
‫اسمع أيها السالك في المسالك أنا الشجرة الكلية الجامعة المثلية ذات األصول الراسخة‬
‫والفروع الشامخة ‪ ،‬غرستني يد األحد في بستان األبد مستورة عن تصاريف األمد ‪،‬‬
‫فأنا ذات روح وجسد ‪ ،‬وثمري مقطوف دون يد حملت من ثمر العلوم والمعارف ‪ ،‬ما‬
‫ال تستقل بحمله العقول السليمة وأسرار اللطائف ‪،‬‬
‫ورقي فرش مرفوعة ‪ ،‬وفاكهتي غير مقطوعة وال ممنوعة ‪ ،‬وسطي هو المقصود ‪،‬‬
‫وفروعي في هبوط وصعود ‪،‬‬
‫ونشأتي كالفلك في االستدارة ‪ ،‬وفروعي منازل األرواح الطيارة ‪ ،‬زهري كالكواكب‬
‫السيارة تتكون المعادن عن سيرانها ‪،‬‬
‫أنا شجرة النور والكالم ‪ ،‬وقرة عين موسى عليه السالم ‪ ،‬لي من الجهات اليمين‬
‫األنفس ‪ ،‬ومن األمكنة الوادي المقدس ‪،‬‬
‫ولي من الزمان اْلن ‪ ،‬ومن المساكن خط االستواء ‪ ،‬واعتدال الزمان في الدوام والبقاء‬
‫‪ ،‬والسعادة دون الشقاء ‪ ،‬جنتي دان وفني عني كأنه نشوان ‪ ،‬له لطافة وجنان ‪ ،‬على‬
‫جميع الحيوان ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬لها تأثيرات الشعاعات اليومية ‪،‬‬ ‫لم تزل أفناني لألرواح اللوحية ‪ ،‬كنار داود ف ه‬
‫ساترا ظلهي وممدود ألهل العناية ‪ ،‬وجناحي منشور على أهل الوالية ‪ ،‬تهب على‬
‫األرواح باختالف تصاريفها ‪ ،‬فتخرج أغصاني عن ترتيب تأليفها ‪ ،‬فتسمع لذلك‬
‫التداخل نغمات توله العقول العلوية على سمو أوجها ‪ ،‬فنهها يسقي الحكمة ‪ ،‬ويزيل‬
‫الهموم بحسن إيقاع النغمة ‪ ،‬فأنا الظ هل الممدود ‪ ،‬والطلح المنضود ‪،‬‬
‫والمعنى المقصود ‪:‬‬
‫كلمة الجود ‪ .‬فأوجدني من أوجدك عند التقابل ‪ ،‬وأظهرني من أظهرك على التماثل ‪.‬‬
‫فأنا من قوتك صادرة ‪ ،‬وبصورتك ظاهرة ‪،‬‬
‫وأودعني حقيقتين ‪:‬‬
‫‪ -‬حقيقة أعرف بها ‪.‬‬
‫‪ -‬وحقيقة أكون ما شئت بسببها ‪.‬‬
‫ورقيقة مني إليك ‪ ،‬تنزلني إذا اشتهيتك عليك ‪ ،‬وبها حضرت بين يديك ‪ .‬فلما سمع أن‬
‫بيني وبينه رقيقة ممتدة ‪ ،‬وهو قد تحقق بحقائق المودة ‪ ،‬ووقع النكاح المعنوي ‪،‬‬

‫‪71‬‬
‫واجتمع الماءان ‪ ،‬في الرحم اْلن فهو يتردد بين شوقين ‪ ،‬يغرب في غربين ويشرق‬
‫في شرقين ‪ .‬فوجدت في ذاتي امتالء لم أكن أعرفه قبل ذلك ‪.‬‬
‫وسدهت المجاري والمسالك ‪ ،‬فحركت الرقيقة اإللهية فأجابني ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬يا إلهي ما هذا الذي أصابني ؟‬
‫فقال ‪ :‬تنفس بذكري لتظهر عنك كلمة أمري ‪.‬‬

‫إشارة ‪:‬‬
‫ثم قالت الشجرة ‪ :‬أنا الحقيقة الالمعة لما عندي من السعة والمطاوعة ‪ ،‬تلبس بكل‬
‫حالية لبوسها ‪.‬‬
‫ى أن أهب العلوم ولست بعالمة ‪ ،‬وأمسخ‬
‫أ هما نعيمها وأ هما بؤسها ‪ ،‬ولكنني وهب إل ه‬
‫األحكام ولست بحاكمة ‪،‬‬
‫ال يظهر شيء لم أكن فيه وال يحصل له طالب مدرك وال يستوفيه ‪.‬‬
‫فبهذا القدر عظمت في أعين المحققين ‪.‬‬
‫فها أنا قد أنبأت عن حالي ‪ ،‬وأظهرت صدقي عن مجالي ‪.‬‬

‫فصل خطبة الغراب الحالك‬


‫فقام الغراب فقال ‪:‬‬
‫أنا هيكل األنوار ‪ ،‬وحامل األسرار ‪ ،‬ومحل الكيف والكم ‪ ،‬وسبب الفرح والغم ‪ ،‬أنا‬
‫الرئيس المرؤوس ‪ ،‬ولي الحس والمحسوس بي ظهرت الرسوم ‪ ،‬ومني قام عالم‬
‫الجسوم ‪ ،‬أنا أصل األشكال وبمراتب صورتي تضرب األمثال ‪.‬‬
‫فأنا المصباح في الرياح ‪ ،‬أنا السلسلة على صنوان والجناح ‪ ،‬أنا البحر الذي يصفق‬
‫موجه ‪ ،‬أنا الفرد المعدود وزوجه ‪ ،‬عرضي دار كرامة ألوليائه ‪ ،‬وعمقي دار إهانة‬
‫ألعدائه ‪.‬‬
‫عول‬‫ي ه‬ ‫وأنا بوطيقى الحكم ‪ ،‬وموسيقى النغم ‪ ،‬وجامع حقائق الكلم إلى المنتهى ‪ ،‬وعل ه‬
‫أولو النههى ‪ ،‬وأنا أمني ما أمنح من النهي ‪ ،‬أنا الغاية وليست لي غاية ‪ ،‬من أجلي أخذ‬
‫من أخذ ‪ ،‬وبسببي ندب من ندب ‪ ،‬أنا المطوقة باليمين أنا في قبضة الحق المبين ‪،‬‬
‫دعاني الحق إلى حضرته فأتيت ‪ ،‬وناداني إلى معرفته فلبهيت ‪،‬‬
‫أنا صورة الفلك ‪ ،‬ومحل الملك على أصح االستواء ‪ ،‬وعنهي كنى بالمستوى ‪ ،‬أنا‬
‫الالحق الذي ال يلحق كما أن العقاب السابق الذي ال يسبق ‪ .‬هو األول وأنا اْلخر ‪ ،‬وله‬
‫الباطن ولي الظاهر ‪ ،‬قسم الوجود بيني وبينه ‪،‬‬
‫وسرى في علمه إذا‬‫ه‬ ‫سرى فيه علمي ‪،‬‬ ‫عزه ‪ ،‬وكونه توقف على حكمه ‪ ،‬ه‬ ‫أنا أظهرت ه‬
‫دفعته ‪ ،‬وأوهبه مالي ليفيده ‪ ،‬وإذا أفدته شكرني ألزيده ‪ ،‬وقامت طائفة م همن تدهعي‬
‫العقل الرصين على زعمها ‪ ،‬وقضت على شيمتهم بحكمها ‪.‬‬
‫فناظرتني قبيح الهجاء ‪ ،‬وخلعوا عني خلعة حسن الثناء ‪ ،‬فجاز عليهم وبال ما كانوا‬
‫يعملون ‪ ،‬وحاق‬

‫‪72‬‬
‫سؤُا فِيها َوال‬ ‫بهم ما كانوا به يستهزئون ‪ .‬كأني بهم في غمرة يستصرخون فيجابون ‪ْ :‬‬
‫اخ َ‬
‫ون[ المؤمنون ‪. ] 108 :‬‬‫ت ُ َك ِله ُم ِ‬
‫وإذا كان في عرض أهل الثناء الحسن ‪ ،‬في حظي فاكهون هم وأزواجهم في روضة‬
‫ي الشرع فال أبالي ‪.‬‬‫يحبرون ‪ ،‬وقد أثنى عل ه‬
‫س ّر المستوي ‪ ....‬خلقت بال بنان‬ ‫أنا ال ّ‬
‫وأنا الّذي توارى ‪ ....‬جسمه عن العيان‬
‫فالّذي يرى وجودي ‪ ....‬لتصاريف ّ‬
‫الزمان‬
‫علمه أكمل علم ‪ ....‬شأنه أعظم شأن‬
‫هام بي ل ّما رآني ‪ ....‬في مقاصير الجنان‬
‫سنان ‪.‬‬‫ال أس ّميه فإنّي ‪ ....‬خائف حد ال ّ‬
‫فهذا يا كعبة الحسن قد أوضحت لك مقامات أ همهات األكوان ‪.‬‬

‫َّللا من األسرار‬
‫فصل ولما دعتني دواعي االشتياق إلى ما أودع ّ‬

‫ّللا من األسرار في هذه الطباق‬‫ولما دعتني دواعي االشتياق إلى ما أودع ه‬


‫قال ‪ :‬مرحبا بهذا االبن السعيد ‪ ،‬والطالب المستفيد ‪.‬‬
‫يا أيها االبن ما الذي أوصلك إلينا ‪ ،‬وما السبب الذي أنزلك علينا ‪ ،‬فخدمت بساطه ‪،‬‬
‫ّللا أيام الوالد المقدم المعظم ‪ ،‬وعدل قسطاسه وأبرم ‪ ،‬أ هم‬
‫واستغنمت انبساطه ‪ ،‬أدام ه‬
‫وحرر أنفاسه ‪،‬‬
‫ه‬ ‫رأسه ‪،‬‬
‫سر اإلنيتين أراد أن يقف‬
‫لما عرف العبد أنك صاحب العلمين والصورتين ‪ ،‬وحامل ه‬
‫عليها منك مواجهة ‪ ،‬وأن يسمعها بحضرتك مشافهة ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬همة شريفة ‪ ،‬وداعية سلطانية منيفة ‪ ،‬ثم دعا بترجمانه ‪ ،‬صاحب لسانه ‪،‬‬
‫وقال له ‪ :‬اصعد إلى منبر استوائنا ‪ ،‬واذكر بعض ما عندنا ‪ ،‬وعند حاجبنا من سرائر‬
‫معلوم الكونين والصورتين ‪.‬‬
‫فصعد الخطيب وتكلم ‪ ،‬وقال بعد أن بسمل وصلى ثم سلهم ‪:‬‬
‫الحمد هّلل الذي جمع ْلدم عبده ‪ ،‬وخليفته ‪ ،‬ورسوله ‪ ،‬بين يدي ‪ ،‬وحباه بصورتيه‬
‫ومنحه سورتيه ‪ ،‬وأودعه سريرتيه ‪ ،‬وحصل فيه قبضتيه ‪ ،‬وهداه نجوتيه ‪ ،‬وأنجب له‬
‫سبيله وخاطبه بكلمتيه ‪ ،‬وأمره على مالئه ‪،‬‬
‫وكرمه بمشاهدتيه ‪،‬‬‫واستلخفه على كونيه ‪ ،‬واصطفاه برسالتيه ‪ ،‬واختصه بخالفتيه ‪ ،‬ه‬
‫صه بجنتيه ‪ ،‬ووهبه معرفتيه ‪ ،‬وأنزله بين علميه ‪ ،‬وأشهده مركزه وقاب قوسيه ‪،‬‬ ‫وخ ه‬
‫وأسكنه في البرزخ متن كتابيه ‪ ،‬إلظهار صفتيه ‪.‬‬
‫فقام عظيم الشأن سلطانا على األعيان ‪ ،‬واستوزر له الزبرقان ‪ ،‬الذي هو نظير الرؤية‬
‫في اإلنسان ‪ ،‬فيعلو وينمو فيفضل ‪ ،‬ويدنو فيخل فيزيل ‪ .‬فوزيره مثله ‪ ،‬وعلى‬
‫صورته ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫وصورته له وجهان ‪ ،‬وطريقان ‪ ،‬وسيران ‪ ،‬وتجليان ‪ ،‬ومحقان ‪ ،‬وإدباران وإدبار‬
‫ومحق في كل أوان ‪ ،‬عند العالمين بما في الصفة العلوية من اإلحكام والترتيب‬
‫واإلتقان ‪ ،‬واعتدال األوزان ‪.‬‬
‫ضدهان ‪ ،‬وسرعة التأثير في األكوان ‪،‬‬ ‫وله محق واحد ‪ ،‬وإدبار واحد عند العامة ‪ ،‬فله ال ه‬
‫وهو شبيه باإلنسان من جميع الوجوه ؛ القباح والحسان ‪ ،‬وله التقابالن ‪.‬‬
‫وسران‬
‫ه‬ ‫سران ‪ ،‬وبدايتان وغايتان ‪ ،‬ونقصانان وكماالن ‪،‬‬ ‫وإليه ينظر الثقالن ‪ ،‬وفيه ه‬
‫وأمران ‪ ،‬وتأثيران ‪ ،‬وحكمان ‪ ،‬وله يدان ‪ ،‬ورجالن ‪ ،‬وعينان ‪ ،‬وأذنان ‪ ،‬وثديان ‪،‬‬
‫وعلوان وسفالن ‪ ،‬ويمينان وشماالن ‪،‬‬
‫وفوقان وتحتان ‪ ،‬وخلفان وأمامان ‪ ،‬وحاجبان وقلبان ‪ ،‬ولسانان ‪ ،‬ومعرفتان ‪ ،‬وأثيران‬
‫‪ ،‬وعرشان ‪ ،‬وكرسيان ‪ ،‬وروحان ‪ ،‬وتبييضان وتحميران ‪ ،‬وتسويدان ‪ ،‬وتكليسان ‪،‬‬
‫وحياتان وموتان ‪ ،‬واعتداالن وانحرافان ‪ ،‬وعقدتان ‪.‬‬
‫وفيه من كل شيء اثنان ‪ ،‬فسبحان من فطره وفطر الخليفة آدم على هذا اإلتقان ‪ ،‬مولى‬
‫االمتنان ‪ ،‬والصالة والسالم على الحقيقة المحمدية صاحب اإلمامة المطلقة ‪ ،‬والخالفة‬
‫المحققة ‪ ،‬ما اتصلت األرواح باألرواح ‪ ،‬واألبدان باألبدان ‪.‬‬

‫ثم نزل وتكلم األب فقال ‪:‬‬


‫ّللا صدرك ‪ ،‬ورفع في ذروة التوحيد قدرك ‪:‬‬ ‫اعلم يا بني شرح ه‬
‫ّللا تعالى ل هما كان على الحقيقتين ‪ ،‬وأبان عنهما بالقبضتين في الموطنين ‪ ،‬وأنبأ‬
‫أن ه‬
‫عنهما في عالم العبارات بالحرفين ‪ ،‬وجعلهما على السوا في الفطرتين ‪ ،‬والنعيمين‬
‫والعذابين ‪ ،‬والطاعتين والمعصيين ‪ ،‬باعتدال الكفين ‪،‬‬
‫وجعل اْلخرة ذات دارين ليحط بالعالمين ‪ ،‬وفيها يقع الميز بين الفريقين ‪ ،‬كما وقع في‬
‫أوان القبضتين قبل أخذ الميثاقين ‪ ،‬وجعل الدنيا برزخين ‪.‬‬
‫وأظهر الكافر في صورة المؤمن والمؤمن في صورة الكافر لذي عينين ‪ ،‬وجعلهما‬
‫محل تمحيص وبلوى للطائفتين ‪ ،‬فو هجه إليهم على لسان واحد منهم حكمين ‪ ،‬فأمر‬
‫ونهى لتميز الكلمتين ‪.‬‬

‫ثم قلت ‪ :‬يا بني أنت جامع القبضتين ‪ ،‬وصاحب الحكمتين ‪ ،‬وحامل الصورتين ‪،‬‬
‫فأخبرني عن السر الذي يرد المعادن إلى معدنين ‪ ،‬وأوقفني على الكنزين األبيضين ‪،‬‬
‫واألحمرين ‪ ،‬وعن سر كل وصفين ‪ .‬كالجالل والجمال ‪ ،‬واالنفصال واالتصال ‪،‬‬
‫والتركيب والتحليل ‪ ،‬والتجميل والتفصيل ‪ ،‬والفناء والبقاء ‪ ،‬واإلثبات والمحو ‪،‬‬
‫والحر والبرد ‪ .‬وما أشبه ذلك ‪.‬‬
‫ه‬ ‫والسكر والصحو ‪ ،‬والرب والعبد ‪،‬‬
‫فإ هما أن تخبرني بحقيقة تجمع لي هذه المعاني وإ هما بتفصيل هذه المباني ‪.‬‬

‫فقال ‪ :‬أ هما بالتفصيل فيطول ‪ ،‬وإيضاح الحقيقة الجامعة أولى بالوقت‬
‫فأقول ‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫إن األشياء المنفعلة إنما تبعث من فاعلها على حقيقة وجوده في األعيان ‪ ،‬ولهذا لم يبق‬
‫أبدع من هذا العالم في اإلمكان ‪ ،‬وأبين ما يكون ذلك في اإلنسان ‪ ،‬أذله الجود المطلق‬
‫‪ ،‬والفيض المحقق ‪ ،‬فإن تفطنت فقد أبنت لك عن درج التحقيق ‪ ،‬وألفيتك عن الطريق‬
‫‪ ،‬فأدرج عليه حتى تعاين أسرار التفصيل لديه ‪.‬‬
‫وأ هما بحثك عن الكنزين ‪ ،‬واألمر الذي ير هد المعادن إلى معدنين‬
‫فاعلم أن هذا األمر على مرتبتين ‪:‬‬
‫المرتبة الواحدة ‪ :‬في المشاهدة تسمى خرق العوائد ‪ ،‬وهي تصريف المحسوس على‬
‫صة بأرباب الهمم ومعادن الحكم ‪ ،‬وقوتهم تسري في‬ ‫حكم همم النفوس ‪ ،‬وهي مخت ه‬
‫األرواح بقلب صفات أعيان األشباح ‪ .‬فهذه صناعة علمية وصورة حكمية ألنها‬
‫روحانية موادهها سماوية ‪ ،‬إكسيرها مقرون بسعادة األبد ‪ ،‬وفعله مشاهدة األحد ‪،‬‬
‫يتصرف في العقل تصرف األفعال باألسماء ‪.‬‬
‫وأ ّما المرتبة األخرى ‪:‬‬
‫فهي صناعة علمية ‪ ،‬موقوفة على عناية أزلية تورث الجنان ومجاورة الرحمن ‪ ،‬ولهذا‬
‫قال في الكتاب المبين ‪:‬نَتَبَ اوأ ُ ِمنَ ْال َجنا ِة َحي ُ‬
‫ْث نَشا ُء فَنِ ْع َم أ َ ْج ُر ْال ِ‬
‫عام ِلينَ [ الزمر ‪. ] 74 :‬‬
‫عاملُونَ [ الصافات ‪. ] 61 :‬‬ ‫ِل ِمثْ ِل هذا فَ ْل َي ْع َم ِل ْال ِ‬
‫سونَ [ المطففين ‪. ] 26 :‬‬ ‫َوفِي ذ ِل َك فَ ْليَتَنافَ ِس ْال ُمتَنافِ ُ‬
‫فمن أراد أن يقف عليها ‪ ،‬ويصل إليها ‪ ،‬فإنها الكنز الذي ال يهدم جداره ‪ ،‬والزند الذي‬
‫ال يظهر أواره ‪.‬‬
‫ّللا تعالى هإال لألمناء من عباده ‪ ،‬المتأهلين لحضرة إشهاده ‪ ،‬فإذا‬ ‫هي حكمة ال يودعها ه‬
‫أراد إنما يستعمل الفكر المحرق ‪ ،‬لما قام به من الشوق المعلق ‪ ،‬فأنتج له أن هذا األمر‬
‫موقوف على معرفة الحكمة وإنها موضوعة بين النور والظلمة ‪ ،‬موقوفة على المعدن‬
‫والنبات محكوم عليها لعدد شهود الزمان ‪ ،‬ولكن قصر به الفكر عن تعيين ذاته ‪ ،‬وعن‬
‫اإلدراك لجميع صفاته ‪.‬‬

‫فصل ومن ذلك قال ‪ :‬فل ّما قام بنفس الملك خاطر السعادة‬
‫ومن ذلك قال ‪:‬‬
‫فل هما قام بنفس الملك خاطر السعادة ‪ ،‬والتوجه إلى طريق االستفادة ‪ ،‬والبحث عن األمر‬
‫صاء علمائه‬
‫الذي به دوام الملك فقام بعض حكمائه ‪ ،‬وأخ ه‬
‫وقال ‪:‬‬
‫قوتي ‪ ،‬ولكن قد ال تعرف قدرها‬ ‫أيها الملك مطلبك في قدرتي ‪ ،‬وحاجتك تحت ه‬
‫ّللا خيرها ‪.‬‬
‫فيحرمك ه‬
‫ّللا بمكان ‪ ،‬وكأنها‬
‫فأنا أنبهك أوال عن كيفية إيجادها ‪ ،‬وحسن إسعادها ‪ ،‬بأنها من ه‬
‫شاركت القدرة في إيجاد األعيان ‪ ،‬فهي حكمة علوية ‪ ،‬مدرجة في صناعة علمية ‪،‬‬
‫ّللا هو الحكيم الخبير ‪ ،‬وأنه على كل شيء قدير ‪ ،‬وأنه قبل كل‬ ‫لتعلم أيها الملك أن ه‬
‫شيء ‪ ،‬وأنه أوجد األشياء ال من شيء ‪ ،‬ولكن مع اتصافه بهذه القدرة المحققة ‪ ،‬النافذة‬

‫‪75‬‬
‫المطلقة ‪ ،‬لم يوجد لهذي المعادن ابتداء ‪ ،‬حتى خلق األفالك ‪ ،‬العلوية والروحانية‬
‫السماوية ‪ ،‬واللمحات األفقية ‪ ،‬وأودع كل فلك روحانية كوكبية تحتوي على خاصية بها‬
‫‪ ،‬وعند وجودها خلق األرض والسماء والهواء واألثير ‪.‬‬
‫ثم أوجد فيها منها دائرة الزمهرير ‪ ،‬ثم أجرى الشمس والقمر ‪ ،‬والنجوم مسخرات‬
‫سره ‪ ،‬تظهر المعادن في‬ ‫بسر من مكنون ه‬ ‫وخص كل متكون من هذه األجرام ه‬ ‫ه‬ ‫بأمره ‪،‬‬
‫أعيانها ‪ ،‬وتخلصت بكرور أزمانها ‪.‬‬
‫ّللا مع قدرته ونفوذ إرادته ‪ ،‬وقوة علمه لم يوجد شيئا من المعادن إال بعد خلق‬ ‫فإذا كان ه‬
‫هذه األدوات ‪ ،‬وأجرى هذه المسخرات ‪ .‬فكيف تطمع أنت أيها الملك أن تكون فعاال‬
‫لهذه الحكمة مع عدم هذه األدوات وتحصيل هذه اْلالت ‪.‬‬
‫ّللا شيئا من‬ ‫صل هذه اْلالت خاسرة ‪ ،‬وما فعل ه‬ ‫فإن قدرتك قاصرة ‪ ،‬وصفقتك إن لم تح ه‬
‫هذه األدوات ‪ ،‬وقدم هذه اْلالت مع غنائه عنها هإال لحكمة علمها من علمها ‪ ،‬وجهلها‬
‫من جهلها ‪.‬‬
‫قال الملك ‪ :‬فكيف السبيل إلى تحصيل هذه األدوات ‪ ،‬وتركيب هذه المقامات ‪.‬‬
‫خط االستواء ‪ ،‬وإنهك من أهل السواء ؟‬ ‫فقال الحكيم ‪ :‬أيها الملك ألست ساكنا تحت ه‬
‫فقال الملك ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫فقال الحكيم ‪ :‬من أراد أن يعلم أصل نشأة العالم ‪ ،‬وترتيب هيئتي من خط االستواء‬
‫نعرفه ‪.‬‬
‫ه‬
‫فقال الملك ‪ :‬كيف أصنع ؟‬
‫فإني ال أجد في نفسي قوة تصور هذه األسباب والمقدمات ‪ ،‬وإيجاد هذه التأليفات‬
‫والمركبات ‪.‬‬
‫ّللا تعالى قد منحني للقوة على نبأ ما يماثلها ‪ ،‬وإقامة ما يشاكلها ‪،‬‬
‫فقال الحكيم ‪ :‬إن ه‬
‫ووهبني أسرار كيفياتها وكمياتها ولي أصحاب من الحكماء أهل الفطنة والذكاء أش هد‬
‫بهم أزري ‪ ،‬وأحكم بمشاورتهم أمري ‪ ،‬ليقضي غرضي المولى وتقوم له هذه‬
‫الروحانية العلى ‪.‬‬
‫فسر الملك بما قاله الحكيم ‪ ،‬وزال عنه ما كان أحاط به من الهموم ‪.‬‬ ‫ه‬
‫فقال الحكيم ‪ :‬فاخترق مخاريق هذا الجبل العظيم ‪ ،‬ينظر فيه ؛ أين نقطة دائرة المركز‬
‫الذي تقوم النشأة به ‪ ،‬وترتب عليه نظام الهيئة فرأى الرياح والنجورات التي تنحل من‬
‫مسام ذلك الجبل تصير كالدائرة تتحرك في موضعها ‪ ،‬وال تتعدى إلى غير مهيهئها ‪،‬‬
‫وسوى جناحيه وطار ‪ ،‬واخترق معظم‬ ‫ه‬ ‫فعمل الحيلة حتى روح ذاته فالتحق باألطيار ‪،‬‬
‫بسموها إلى أن انتهى إلى موضع‬ ‫ه‬ ‫تلك الرياح محلقا في جوهرها ينزل بنزولها ويسمو‬
‫ال يتعدى النازل فيه على الصاعد وال الصاعد على النازل ‪.‬‬
‫ّللا أكبر ‪ .‬قام الملك ؛ وظهر ‪.‬‬
‫فقال الحكيم ‪ :‬ه‬
‫فأراد بذلك المركز المعتدل أرضا ذات أشجار وبقول ‪ ،‬وأدار عليها الماء فدار ‪ ،‬وأدار‬
‫عليها الهوى فصفق النسر بجناحيه وطار ‪ ،‬وأدار به دائرة الزمهرير وخلق به الفلك‬
‫األسير ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫فلما أكمل هذه األركان إلنشاء ما يريده من المعادن والنبات والحيوان ‪ ،‬لم ينفصل‬
‫عنها ما أراد ألنها أشباح بال أرواح وإناث بال ذكور ‪.‬‬
‫فاحتاج إلى إقامة النجوم الثابتة ‪ ،‬والبروج الحاكمة ‪ ،‬والكواكب السيهارة ‪ ،‬وحركة‬
‫أفالكها ‪ ،‬وفتح مسالك أمالكها فأقامها فكانت اْلباد العلويات ‪ ،‬وهذه األمهات السفليات‬
‫فتناكح بالحقائق الروحانيات ‪ ،‬والرقائق السماويات ‪ ،‬فتولد بينهما أبناء الحكيم ؛‬
‫المعدنيات ‪ ،‬والنباتيات ‪ ،‬والحيوانيات ‪ ،‬ولم تبلغ قوة هذا الحكيم فوق هذا الحد ‪ ،‬ولكنه‬
‫وفهى بالقصد ‪.‬‬
‫فلما استوت هذه البنية على حسب ما أعطته الرؤية ‪ ،‬وحسن النيهة ‪ ،‬وجرت األقالم ‪،‬‬
‫وأعطت قواها الروحانيات ‪ ،‬وظهرت التكوينات واالنفعاالت ‪ ،‬وأشرف الملك الكريم ‪،‬‬
‫على ما فعله الحكيم ‪ ،‬وعاين تكوين الحكمة في هذه األجزاء ‪ ،‬وعرف أن األمر ال‬
‫يقوم هإال بوجود األرض والسماء ‪ ،‬فأعجبه ما رأى من حسن الرأي ‪ ،‬فأدركه الطيش‬
‫والوله ‪.‬‬
‫فخاف عليه الحكيم التأله فأعمل الحيلة والنظر حتى الح له ما أراد ‪،‬‬
‫فظهر وشرع في إنشاء بستان ذي أفنان ‪ ،‬ففيه من كل وليد وقهرمان ‪ ،‬ومن الحور‬
‫الحسان ‪ ،‬والنخيل والرمان ضروب وألوان ‪ ،‬ينساب فيها الجداول انسياب الشعابين‬
‫بين تلك األزهار والبساتين ‪ ،‬وأنشأ فيها قصورا من الذهب والفضة البيضاء ‪ ،‬وأسكنها‬
‫من كل جارية غضاء ‪ ،‬وفرشها بالحرير من السندس واإلستبرق والعبقري المرفود ‪.‬‬
‫وجعل حصباءها الياقوت والمرجان ‪ ،‬والزمرد ‪ ،‬والجوهر وترابها المسك ‪ ،‬فثبت‬
‫الملك ‪ .‬وآكامها العنبر ‪.‬‬
‫ثم شرع في بناء دار أخرى ذات لهب وسعير ‪ ،‬وبرد وزمهرير ‪ ،‬وقيود وأغالل ‪،‬‬
‫وسرابيل من قطران وأفاعي كأنها النحت ‪ ،‬وأساور عظيمة السحت ‪ ،‬وعقارب مكنونة‬
‫من الشحت ‪ ،‬وبيوت مظلمة ومسالك ضيقة ‪ ،‬وكروب ‪ ،‬وغموم ‪ ،‬ومصائب ‪،‬‬
‫وهموم ‪.‬‬
‫ثم أشرف الملك على الدّارين فقال ‪ :‬انظر ما بين المنزلتين فرأى ما رآه ‪ ،‬وسأله ما‬
‫السبب الذي دعاه ؟‬
‫فقال الحكيم ‪ :‬جعلت لك هذه الدار دار الرضا ‪ ،‬تنعم بها من أطاعك وأوالك ‪ ،‬وجعلت‬
‫هذه األخرى دار الغضب تعذب بها من عصاك وعاداك ‪.‬‬
‫واعلم ‪:‬‬
‫ّللا تعالى ما أسكنك في هذه الدهار هإال لتجعلها دار اعتبار ‪ ،‬فتتفكر وتعتبر ‪ ،‬وتتذكر‬‫أن ه‬
‫وصورك فج هملك ‪ ،‬وأوالك وملكك وعلمك ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫سواك وعدلك ‪،‬‬ ‫وتزدجر ‪ ،‬وتعظم من ه‬
‫ّللا تعالى ‪ ،‬كما تصير أنت‬ ‫وإن كنت طائعا لربك عادال لرعيتك فتصير إلى النعيم عند ه‬
‫ومن أطاعك إلى هذا النعيم ‪ .‬وإن كنت عاصيا جائرا ‪ ،‬في حكمك ظالما ‪ ،‬فستصير‬
‫ّللا قلبك ‪ ،‬وأنذر قومك ‪ ،‬وطهر‬ ‫إلى ضيق وعذاب أليم ‪ ،‬فخف ربك ودينك وأصلح مع ه‬
‫ثوبك ‪ ،‬وال يحجبك سلطان عادتك ‪ ،‬عن تحصيل أسباب سعادتك ‪ ،‬فإن الدنيا لمحة‬

‫‪77‬‬
‫بارق ‪ ،‬وخيال طارق ‪ .‬كم ملك مثلك قد ملكها ‪ ،‬ثم رحل عنها وتركها ‪ ،‬وال بد لك من‬
‫الرحلة عنها إلى األخرى ‪ .‬فإ هما أن يعمر درجها وإ هما أن يعمر دركها ‪.‬‬
‫واعلم ‪:‬‬
‫ّللا تعالى قد جعلك ملكا على خلقه ‪ ،‬وأقامك بين الحق والباطل في مقام حقهه ‪ ،‬ال‬ ‫أن ه‬
‫لقصور قدرته عن صالح الخلق وتدبيره ‪ ،‬وتصريفه في إظهار الملك وتسخيره ‪،‬‬
‫وإنما ضرب لك بك مثاال في عالم الفناء ‪ ،‬لتستدل به على ترتيب الملك اإللهي في دار‬
‫البقاء ‪ ،‬ولهذا جعل في هذه الدنيا ظال زائال ‪ ،‬وغرضا مائال ‪ ،‬وجعلك عنها راحال ‪،‬‬
‫فهي جسر منصوب على بحر الهالك ‪ ،‬قد أبادت من القرون الماضية ‪،‬‬
‫واألمم الخالية ‪ ،‬والجبابرة الطاغية ‪ ،‬والفضالء ‪ ،‬والحكماء ‪ ،‬واألدباء ‪ ،‬والعقالء ‪،‬‬
‫واألولياء ‪ ،‬واألنبياء فَ َه ْل تَرى لَ ُه ْم ِم ْن با ِق َي ٍة( ‪ [ ) 8‬الحاقة ‪. ] 8 :‬‬
‫وأنت أيها الملك على قاعدة مذهبهم ‪ ،‬وعن قريب تلحق بهم ‪ ،‬فإ هما إلى النعيم في دار‬
‫الخلود بجوار الصمد ‪ ،‬وإ هما إلى عذاب األبد ‪ .‬فاجهد في تحصيل أدوات النجاة ‪،‬‬
‫والبقاء فإن الدنيا متاع ‪ ،‬واْلخرة خير لمن اتقى ‪.‬‬

‫فصل ومن ذلك ثم قال الحكيم‬


‫ومن ذلك ‪:‬‬
‫ثم قال الحكيم ‪ :‬فأدر سماواتك ‪ ،‬واستنزل روحانياتك ‪ ،‬عسى ينجلي عنك غمامها ‪،‬‬
‫ويبدو لك بدر تمامها ‪.‬‬
‫فإن الحقائق الروحانية والرقائق السماوية تتأذهى ( مما تتأذى ) به اإلنسانية ‪ ،‬فالحذر‬
‫الحذر من صفقة القدر ‪ ،‬واطلب الشيء من معدنه ‪ ،‬ودبره في موطنه ‪ ،‬فإنه من تولد‬
‫من الحقائق الطيبة الممزوجة باألثقال ‪ ،‬ال بد لمن أراد أن يكمل ذاته من مباشرة‬
‫األزبال ‪ .‬فإنه عنها تتكون وبها يتحقق وجوده ‪ ،‬وال يغرنهك التحاق األسافل باألعالي ‪،‬‬
‫والتحام األباعد باألداني ‪ .‬فإن للمعادن مواطنا ‪ ،‬ولكل ساكن مسكنا ‪ ،‬فمن حال بينها‬
‫وبين معادنها ‪ ،‬ودبرها في غير موطنها ‪ ،‬تسقط في يديه ‪ ،‬ودار وباله عليه ‪ ،‬وكانت‬
‫صفقته خاسرة وتجارته بايرة ‪.‬‬
‫فإن كنت إلى تدبير هذه الصنعة ‪ ،‬وإيجاد هذه الحكمة باألشواق ‪ ،‬فانزل عن هذه‬
‫الطباق ‪ ،‬وسل عن الجبل المعروف فتجد مطلوبك وإني أودعك إياه ‪ ،‬وأنزلك في‬
‫محيهاه وأعرفك بمعنهاه ‪ ،‬وأتحفك بسره ومعناه ‪ ،‬وأفرق لك حكمته في مماته وحكمته‬
‫في محياه ‪ ،‬فانهض معي بال حول وال قوة هإال ه‬
‫باّلل ‪.‬‬
‫فرحل بي إلى خط االستواء ‪.‬‬
‫فإذا بالجبل المذكور يعانق عنان السماء ‪ .‬فنزل إليه شخص من سراة األرواح في نسيم‬
‫األرواح ‪ ،‬لطيف اإلشارة ‪ ،‬فصيح العبارة ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬مرحبا ‪ ،‬وأهال وسهال ‪.‬‬
‫فقال الشيخ ‪ :‬هذا الغالم قد أنزلته عليك ‪ ،‬وسلمته إليك ‪ ،‬له ه همة في طلب الحكمة ‪،‬‬
‫وسرى‬
‫ه‬ ‫وتشوق إلى معدن الرحمة ‪ ،‬فسلمني إليه ووقف ‪ ،‬وقبلني اْلخر ولم يتوقف ‪،‬‬

‫‪78‬‬
‫معه وانصرف ‪ ،‬إلى أن أدخلني على الملك فقبلت يمنى بساطه ‪ ،‬وانبسط فسررت‬
‫بانبساطه فعرف مقصدي فأخذ بيدي ‪ ،‬وأشار إلى بعض رعيته ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬سر به في ملكي ثم م هكنه من حاجاته ‪.‬‬
‫فأخذني المملوك ‪ ،‬وكان من أحسن المماليك ‪ ،‬فاخترق بي جميع المسالك ‪ ،‬فرأيت ملكا‬
‫مدون الكم ‪.‬‬
‫عظيما ‪ ،‬وسلطانا جسيما ‪ ،‬بديع الترتيب والنظم ‪ ،‬رفيع الكيف ه‬
‫ما من مسلك فيه هإال عليه حافظ ‪ ،‬وال مجلس هإال وعليه واعظ ‪ ،‬فمن عرف ما أودع في‬
‫تدبيره الحكيم من العلوم ‪ ،‬دبهر منه حكمته بصفة تقويه ينظر إليها روحانيات النجوم ‪.‬‬
‫ومما رأيت في ذلك الجبل صهريجا معلقا في الهواء عليه قبهة عظيمة محكمة البناء ‪،‬‬
‫يسقط من تلك القبة حجارة رخوة بصفة هندسية روحانية في ذلك الصهريج ‪ ،‬وفيه‬
‫سرب ينتهي إلى صهريج آخر ‪.‬‬
‫معلق في الهواء فترسب تلك الحجارة فتثقل ‪.‬‬
‫وعندهم نهر يسمى نهر الغريب يجري في طرقات مدبرة في سرب حتى ينتهي إلى‬
‫ذلك الصهريج ‪ ،‬فإذا امتأل طفت الحجارة حتى تسامت فم صهريج مصنوع من‬
‫الكبريت فيعود ذلك الماء حميما فيطبخ تلك األحجار ‪ ،‬فتكون منها الحكمة وهي التي‬
‫تسمى الكيمياء ‪.‬‬

‫فصل ومن ذلك حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكالم‬


‫ومن ذلك ‪:‬‬
‫حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكالم ‪ ،‬لنقف على ما ورثناه من موسى عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ ،‬فلما دخلنا عليه ‪ ،‬وخضعنا بين يديه ‪ ،‬سلهمنا وخدمنا ‪ ،‬فأكرمنا‬
‫واألبوة ‪ ،‬إثبات الشرف مقام النبي محمد عليه‬ ‫ه‬ ‫األخوة‬
‫ه‬ ‫واحترمنا ‪ ،‬وجمع لنا بين إقبال‬
‫الصالة والسالم ووفى بمقام النبوة ‪.‬‬
‫حظنا منك لنخبر به عنك ‪ ،‬وأوقفنا على ما لديك ‪ ،‬وما صرف الرحمن‬ ‫فقلنا له ‪ :‬ما ه‬
‫فيه النظر إليك ‪.‬‬
‫يان‪،‬فِي ِهما‬ ‫ْنان ت َ ْج ِر ِ‬
‫نان‪،‬فِي ِهما َعي ِ‬ ‫فشال الحجاب ‪ ،‬وانفتح الباب من خلفه جنتان ‪َ ،‬ذواتا أ َ ْف ٍ‬
‫ان‪َ ،‬كأَنا ُه ان‬
‫س قَ ْبلَ ُه ْم َوال َج ٌّ‬ ‫ف لَ ْم َي ْ‬
‫ط ِمثْ ُه ان إِ ْن ٌ‬ ‫قاصراتُ ا‬
‫الط ْر ِ‬ ‫جان‪ِ ،‬في ِه ان ِ‬ ‫ِم ْن ُك ِهل فا ِك َه ٍة زَ ْو ِ‬
‫ْالياقُوتُ َو ْال َم ْر ُ‬
‫جان‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬هذا لمن حرم في دنياه األمان ‪.‬‬
‫ْنان‬
‫تان‪،‬فِي ِهما َعي ِ‬ ‫ثم شال عن يساره الحجاب فانفتح الباب من خلفه جنهتان ‪ُ ،‬م ْدها ام ِ‬
‫ورات فِي ْال ِخ ِ‬
‫يام‪،‬لَ ْم‬ ‫ٌ‬ ‫ور َم ْق ُ‬
‫ص‬ ‫سان‪ُ ،‬ح ٌ‬ ‫ْرات ِح ٌ‬ ‫َتان‪،‬فِي ِهما فا ِك َهةٌ َون َْخ ٌل َو ُر امانٌ ِفي ِه ان َخي ٌ‬
‫نَضااخ ِ‬
‫سان‪.‬‬‫ي ٍ ِح ٍ‬ ‫ان‪ُ ،‬مت ا ِكئِينَ َعلى َر ْف َرفٍ ُخض ٍْر َو َع ْبقَ ِر ه‬ ‫س قَ ْبلَ ُه ْم َوال َج ٌّ‬ ‫َي ْ‬
‫ط ِمثْ ُه ان ِإ ْن ٌ‬

‫فقال ‪ :‬هنا لمن عاش باألمانة وبقيت األعيان ‪ ،‬فاطلب األعيان بالعيان ‪ ،‬فشاهدنا ما‬
‫من ( ‪َ ) 1‬علا َم ْالقُ ْرآنَ ( ‪َ ) 2‬خلَقَ ْ ِ‬
‫اإل ْنسانَ‬ ‫الر ْح ُ‬
‫ّللا به في السورة التي يذكر فيها ‪ :‬ا‬
‫أخبر ه‬

‫‪79‬‬
‫( ‪َ ) 3‬علا َمهُ ْالبَيانَ ( ‪ [) 4‬الرحمن ‪ ] 4 - 1 :‬غير أن جنى الجنتين ليس بدان ‪ ،‬فلما‬
‫قصرت أيدينا عن تناول شيء منها ‪ ،‬سألته ما السبب الذي قصر بنا عنها ‪.‬‬

‫فقال ‪ :‬يا ولي تناولها موقوف على التركيب الثاني ‪ ،‬إن فهمت بتعظيم معرفته الثاني‬
‫وأنت في التركيب األول فاصبر حتى تتحول ‪.‬‬
‫فإذا سرت روحانيتك في جسمك ‪ ،‬ووسمت وسمك وعرفت سعادتك ‪ ،‬وتقف على سر‬
‫حجرها وأحجارها ‪ ،‬فهنا يبدو لك شرف االعتدال ‪ ،‬وصورة التمام والكمال ‪ ،‬ويظهر‬
‫لعينك استواء المنحرف الميهال ‪ ،‬ويبقى العلم ويذهب الخيال ‪ ،‬وتتضح المعاني ويزول‬
‫اإلشكال ‪ ،‬وينحفظ التركيب باعتدال التركيب ‪ ،‬وتبرز حقيقة األبد ‪ ،‬ويدوم البقاء‬
‫بالديمومة اإللهية ‪ ،‬من غير أمد ‪ ،‬وتلوح كيفية التولد ‪ ،‬وماهية التعبد ‪ ،‬والتحاق‬
‫األجانب باألقارب ‪ ،‬وتنوع المراتب باختالف المذاهب ‪ ،‬وسرور الروح والنفس ‪،‬‬
‫بتحصيل الجمال واألنس ‪ ،‬وتقف على سر إجابة دعوة المضطر ‪ ،‬وإن كان كافرا ‪،‬‬
‫ّللا ال يضره معصية عاص ‪ ،‬وال تنفعه‬ ‫وهدى الطالب وإن كان جائرا ‪ ،‬وتعلم أن ه‬
‫طاعة طائع ‪ ،‬ولم يسم بالمانع ‪ ،‬والجوا هد ليس بالمانع ‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :‬نادى يا حنهان يا منهان ‪ ،‬يا رؤوف يا قديم اإلحسان ‪ ،‬يا من جعل معدن ه‬
‫النبوة‬
‫سويت فعدهلت ‪ ،‬وفي أي‬ ‫أشرف المعادن ‪ ،‬وموطن األحكام أرفع المواطن ‪ ،‬أنت الذي ه‬
‫صورة ما شئت ر هكبت ما سويت ‪.‬‬
‫يا واهب إذ ال واهب ‪ ،‬ويا مانح المثوبات ألهل المكاسب ‪ ،‬أنت الذي وهبت التوفيق ‪،‬‬
‫وأخذت عبدك ومشيت به على الطريق ‪ ،‬وخلفت فيه األعمال المرضيهة ‪ ،‬واألقوال‬
‫سرت له أسباب السعادة ‪ ،‬ثم أدخلته دارك ‪،‬‬ ‫الزكية ‪ ،‬وأنطقته بالتوحيد والشهادة ‪ ،‬وي ه‬
‫ومنحته جوارك ‪،‬‬
‫وقلت له ‪ :‬هذا بعملك ولك ما انتهى إليه خاطر أملك ‪ ،‬فناديته كما أمرتني فأجاب ‪،‬‬
‫وقرعت بابه بهذه الكلمات ففتح ورفع الحجاب ‪ .‬فلما تجلى ذلك الجبل الراسي ‪،‬‬
‫وخررت على رأسي ‪ ،‬فانصرف اإلدراك إلى القلب فأبصر ‪،‬‬
‫ّللا أكبر ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬أين هذا من مقام ه‬
‫سترين آيات جسام‬ ‫قال ‪ :‬فأستره فيسترني فيبدو ‪ ....‬لذي ال ّ‬
‫فمنها العين والتّحكيم فيها ‪ ....‬ومنها االنزعاج واالصطالم‬
‫أكاسير تر ّد الميت حيّا ‪ ....‬ويمطر عند رؤيتها الجهام‬
‫الحق حقّا يا غالم‬
‫ّ‬ ‫فهذا للقرآن قد فكّرت فيه ‪ ....‬وجدت‬

‫ثم قال ‪ :‬إنها نظمنا لك الدرر والجواهر في المسلك الواحد ‪ ،‬وأبرزنا لك القول في‬
‫سر النسبة التي‬
‫حضرة الفرق المتباعد ‪ ،‬ولهذا ترى الواقف عليها ال يكاد يعثر على ه‬
‫أودعها لديك ‪.‬‬
‫قال ‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫حمدت إلهي والمقام عظيم ‪ ....‬فأبدى سرورا والفؤاد كظيم‬
‫وما عجبي من فرحتي كيف قورنت ‪ ....‬بترحة قلب ج ّل فيه عظيم‬
‫صدّيق في وقت كونه ‪ ....‬وشمس سماء الغرب منه عديم‬ ‫وما ناله ال ّ‬
‫مذاق ولكن الفؤاد مشاهد ‪ ....‬إلى ك ّل ما يبديه وهو كتوم‬
‫فأشخاصنا خمس وخمس وخمسة ‪ ....‬عليهم ترى أمر الوجود يقوم‬
‫إن األربعين نهاية ‪ ....‬لهم فهو قول يرتضيه كليم‬ ‫ومن قال ّ‬
‫وإن شئت أخبر عن ثمان وال تزد ‪ ....‬طريقهم فرد إليه قويم‬
‫فسبعتهم في األرض ال يجهلونها ‪ ....‬وثامنهم عند النّجوم لزيم‬
‫الزمان ودالها ‪ ....‬على فاء مدلول الكرور يقوم‬ ‫فعند فنا حاء ّ‬
‫سبعة األعالم والنّاس غفّل ‪ ....‬عليم بتدبير األمور حكيم‬ ‫مع ال ّ‬
‫الروضة الخضراء اسم عداته ‪ ....‬وصاحبها بالمؤمنين رحيم‬ ‫وفي ّ‬
‫يهب نسيم‬
‫ّ‬ ‫ويختص بالتّدبير من دون غيره ‪ ....‬إذا فاح زهر أو‬
‫ّ‬
‫تراه إذ ناوأه في األمر جاهل ‪ ....‬كثير الدّعاوى أو يكيد زنيم‬
‫فظاهره اإلعراض عنه وقلبه ‪ ....‬غيور على األمر العزيز زعيم‬
‫إذا ما بقي من يومه نصف ساعة ‪ ....‬إلى ساعة أخرى وح ّل صريم‬
‫فيهتز غصن العدل بعد سكونه ‪ ....‬ويحيى نبات األرض وهو هشيم‬ ‫ّ‬
‫َّللا شرقا ومغربا ‪ ....‬وشخص إمام المؤمنين رحيم‬ ‫ويظهر عدل ّ‬

‫وقال ‪:‬‬
‫تدبّر أيّها الحبر اللّبيب ‪ ....‬أمورا قالها الفطن المصيب‬
‫وحقّق ما رمى لك من معان ‪ ....‬حواها لفظه العذب العجيب‬
‫وال تنظر إلى األكوان تشقى ‪ ....‬ويتعب جسمك الفذّ الغريب‬

‫ّللا الذي تقدم ‪ ،‬والصالة التي ختم بها الحمد وتمم ‪.‬‬‫أ هما بعد حمد ه‬
‫ثم قال ‪:‬‬
‫وكنت نويت أن أجعل في هذا الكتاب ما أوضحته تارة وأخفيه أخرى ‪.‬‬
‫فأوله أين يكون من هذه النسخة اإلنسانية مقام األنبياء ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وثانيه مقام اإلمام المهدي المنسوب إلى بيت النبي مقام الطيبين ‪ ،‬وأين يكون ختم‬
‫األولياء وطائفة األصفياء إذ الحاجة إلى معرفة المقامين ‪ ،‬واإلنسان آكد من كل‬
‫مضاهاتها األكوان الحدثان ‪.‬‬
‫العدو الشيطان ‪ ،‬أن يصرخ بي في حضرة السلطان ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫لكنني خفت نزعة‬
‫فيقول على ما ال أنويه ‪ ،‬وأحصل من أجله في بيت التنويه فسترت الشاة بالقززان‬
‫صيانة لهذا الجسمان ‪.‬‬
‫ثم رأيت ما أودع الحق من األسرار لديه ‪ ،‬وتوكلت في إبرازه عليه ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فجعلت هذا الكتاب لمعرفة هذين المقامين ومتى تكلمت على مثل هذا فأنا أذكر العالمين‬
‫بسره المودع‬
‫‪ ،‬ليتبين األمر للسامع في العالم الكبير الذي يعرفه ويعقله ‪ ،‬ثم أضاهيه ه‬
‫في اإلنسان الذي ينكره ويجهله ‪ ،‬فليس غرضي في كل ما أصنهف في هذا الفن معرفة‬
‫كل ما ظهر في الكون ‪ ،‬وإنما الغرض تنبيه الغافل على ما وجد في هذا العين اإلنساني‬
‫‪ ،‬والشخص اْلدمي ‪ .‬ثم أبين لك ما يجهله من الشيء الذي تعقله وتعرفه بأولى‬
‫اإلشارات في أصداف العبارات ‪.‬‬

‫تنبيه ‪ :‬ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق‬


‫ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق ‪ ،‬أن يصل إليه حتى يقطع كل فج عميق ‪ ،‬ويترك‬
‫اإللف والوطن ‪ ،‬ويهجر الخلد والفطن ‪ ،‬ويفارق األهل والولد ‪ ،‬ويستوحش في سيره‬
‫رق األوقات ‪ ،‬وتجرد عن مخيطه ‪،‬‬ ‫من كل أحد ‪ ،‬حتى إذا وصل الميقات ‪ ،‬خرج من ه‬
‫وخرج من مركزه إلى بسيطه ‪ ،‬وأخذ يلبي من دعاه ‪ ،‬بشيء ما كان قبل ذلك وعاه‬
‫فصعد وقد الح له على علم الهدى ‪ ،‬ودخل الحرم ولثم الحجر ‪.‬‬
‫فإن الطريق الذي سلكت عليه ‪ ،‬والمقام الذي طلبته وانفردت إليه ‪ ،‬هو مقام فردانية‬
‫األحد ‪ ،‬ونفي الكثرة والعدد ‪ ،‬ال يصح معه التعريج على كون ‪ ،‬وال يقبل هإال ما تحققه‬
‫عين ‪.‬‬
‫ولما لم تعلم بحوادث الكون همتي ‪ ،‬وتشوقت إليه كلمتي ‪ ،‬كان الحق سبحانه وتعالى‬
‫وجهتي ‪ ،‬ونزهتي ‪ ،‬عن مالحظة جهتي ‪ ،‬وكنت ال أشهد أينا ‪ ،‬وال أبصر كونا ‪.‬‬

‫ومن ذلك أقول ‪:‬‬


‫ق في العدد الخمس‬ ‫ّ‬
‫بأن وجود الح ّ‬ ‫أقول وروح القدس تنفث في النّفس ‪....‬‬
‫ولكنّني أدعى على القرب والنّوى ‪ ....‬بال كيف بالبعل الكريم وبالعرس‬

‫فقال ‪:‬‬
‫فالجسم فلك بحر الجود يزعجه ‪ ....‬ريح من الغرب باألسحار مشحون‬
‫وراكب الفلك ما دامت تسيّره ‪ ....‬ريح الشّريعة محفوظ وميمون‬
‫فال تزال كموج الملّقيات به ‪ ....‬يقول للكائنات في الورى كونوا‬
‫سر حكمته ‪ ....‬في ك ّل كون فذاك القلب مغبون‬ ‫فك ّل قلب سها عن ّ‬
‫َّللا فيك وال ‪ ....‬تظهره فهو عن األغيار مكنون‬‫سر ّ‬
‫فافهم فديتك ّ‬
‫الحر مدفون‬
‫ّ‬ ‫س ّر ميت بقلب‬
‫وغر عليه وصنه ما حييت به ‪ ....‬فال ّ‬
‫ي عطف النشوان يغازلني مغازلة الهيمان ‪،‬‬
‫ثم عطف عل ه‬

‫ويقول ‪:‬‬
‫« ردهني برداء الكتم ‪ ،‬فإني أنا الختم ‪ .‬بفقدي تذهب الدول وتلحق األواخر باألول » ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فظن خيرا ‪ ،‬وال تسأل عن الخبر‬ ‫قد كان ما كان م ّما لست أذكره ‪....‬‬

‫‪82‬‬
‫ثم قال ‪:‬‬
‫شق على قلبي حتى يرى شمس ربي ‪.‬‬ ‫فمن كان ذا كشف علوي ‪ ،‬وعزم قوي ‪ ،‬ه‬
‫فمن امتطى عنق األشياء طلب ولحق ‪ ،‬ومن نزل إلى زلول الكتم نجا والتحق ‪ ،‬هإال إن‬
‫كان كما فعله وفعله من قبلي خفي رمز ‪ ،‬ودرج معنى في معمى ‪ ،‬ومن دون ذلك‬
‫البحر المذكور أرخينا الستور ‪.‬‬
‫ول هما ص هح أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ‪ ،‬ثبت أن له حشرين ‪ ،‬وأنه صاحب‬
‫السر هو رهن بيدك وقد علق فال تيأس ‪ ،‬وأمسك عليه فتنكس ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫حكمين ‪ .‬وصاحب هذا‬
‫ووجه األمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم ‪ ،‬والكتاب المختوم إفشاء تعريض ال‬
‫تصريح وإعالم وتنبيه وتنويه ‪.‬‬

‫ول هما تلقيت منه األمر على هذا الح هد ‪ ،‬دخلت تحت هذا العقد ‪ ،‬فلزمني الوفاء بالعهد ‪،‬‬
‫فأنا اْلن أبدي وأعرض ‪ ،‬وإيهاك أعني واسمعي يا جارة ‪.‬‬
‫بسري ‪ ،‬وأبدي مكنون أمري ‪ ،‬وأنا الموصي به غيري ‪ ،‬فيما يوضح‬ ‫وكيف أبوح ه‬
‫نظمي ونثري ‪.‬‬

‫ثم قال ‪:‬‬


‫س ّر له مقت‬
‫س ّر وال تفشه ‪ ....‬فالبوح بال ّ‬
‫نبّه على ال ّ‬
‫على الّذي تبديه فاصبر ‪ ....‬واكتمه حتّى يصل الوقت‬

‫فمن كان له قلب وفطنة ‪ ،‬شغله طلب الحكمة عن البطنة ‪ ،‬ووقف على ما رمزناه ‪،‬‬
‫السر اإللهي لشافهنا به الوارد والصادر‬
‫ه‬ ‫وفك المعمى الذي لغزناه ‪ ،‬ولوال خوف إفشاء‬
‫‪ ،‬وجعلناه قوت المقيم وزاد المسافر ‪.‬‬
‫وّللا الكفيل بالهداية إلى سواء السبيل ‪.‬‬
‫ه‬
‫ولو شاء لهداكم أجمعين ‪.‬‬

‫ي األسرار‬ ‫فصل بل وصل ول ّما ّ‬


‫نزل عل ّ‬

‫ي األسرار ‪ ،‬وسطعت عن مسام أشعته األنوار ‪ ،‬اغتسلت بالماء‬ ‫نزل عل ه‬‫بل وصل ول هما ه‬
‫القراح ‪ ،‬فأعكست األنوار إلى محل اإللهام فجرت جداولها ‪ ،‬وأنهارها ‪ ،‬واشتد الريح‬
‫الغربي فتموجت بحارها ‪ ،‬فدخل الموج بعضه إلى بعض ‪ ،‬وأسرع إلى ما أبرمه‬
‫ي يغشاه‬‫بالمبرم والنقض فال تبصر هإال سحابا مركوما ‪ ،‬وموجا مختوما ‪ ،‬في بحر ل هج ه‬
‫موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ‪.‬‬
‫سك ‪ ،‬فإن الزمان شديد ‪ ،‬جبار‬ ‫فتأمل هذه اإلشارات في نفسك ‪ ،‬واجمع عليها بقلبك وح ه‬
‫عنيد ‪ ،‬وشيطان مريد ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وإال لحقت بأصحاب الشرور والويل ‪ ،‬وقد‬ ‫فانسلخ منهم انسالخ النهار من الليل ‪ ،‬ه‬
‫سبل فالزم ‪ .‬فأقامني الحق مقام البحر الذي عال موجه‬ ‫نصحتك فاعلم ‪ ،‬وأوضحت لك ال ه‬
‫فطما ‪ ،‬ودخل بعضه في بعض فهما ‪ ،‬وأنا في حالة ال يعرفه هإال من كابدها ‪،‬‬
‫وال يصفها ّإال من شاهدها كما قيل ‪:‬‬
‫صبابة ّإال من يعانيها‬
‫ال يعرف الشّوق ّإال من يكابده ‪ ....‬وال ال ّ‬
‫ونزلت قلبي في مقام عليين ‪ ،‬إذ هو مح هل الحق ‪ ،‬ومقعد‬ ‫فأقمت متكئا إلى اليمين ‪ ،‬ه‬
‫الصدق ‪ ،‬وقد غمره الماء ‪ ،‬وأحاط به األنواء ‪ ،‬فلم تزل أمواجه تصفق ‪،‬‬

‫وأرياحه تزعج وتسبق إلى أن برقت لي منه بارقة كخرق اإلبرة ‪ ،‬فرشح منها قدر‬
‫رأس الشعرة ‪ ،‬رأيت فيها عبرة ‪ ،‬ولم ير هإال شخصا ملكيا أنشأها نشأ فلكيا القترابه ‪،‬‬
‫ي ‪ ،‬وأبرزه للعيان‬ ‫فعرفت أن ذلك الشخص جسمانية هذا الكتاب ‪ ،‬الذي أنزل الحق عل ه‬
‫المتموج ‪،‬‬
‫ه‬ ‫ي ‪ ،‬وإنه قطرة من ذلك البحر‬‫على يد ه‬
‫ورشحة من ذلك الموج األوهج ‪ ،‬فانظر وتأمل أيها المولى األكمل ‪ ،‬هذه األسرار التي‬
‫ال تتخلص بالفكر ‪ ،‬إذ هي من حضرة ما ال خطر على قلب بشر ‪ ،‬وال وعتها أذن‬
‫واعية ‪ ،‬وال أدركتها حقيقة بصر ‪.‬‬

‫عجبت من بحر بال ساحل ‪ ....‬وساحل ليس له بحر‬


‫وصبحة ليس لها ظلمة ‪ ....‬وليلة ليس لها فجر‬
‫وكرة ليس لها موضع ‪ ....‬يعرفها الجاهل والحير‬
‫وقبّة خضراء منصوبة ‪ ....‬جارية مركزها العمر‬
‫من خطب الحسناء في خدرها ‪ ....‬متيّما لم يغله المهر‬
‫أعطيتها المهر وأنكحتها ‪ ....‬في ليلة حتّى دنى الفجر‬
‫ساطع ّ‬
‫والزهر‬ ‫فالشّمس قد أدرج في ضوئها ‪ ....‬القمر ال ّ‬
‫فقد رمزنا في الصفات أمرا يعجز عنه ‪ ،‬وال يصل إليه أحد هإال ما قدهر منه ‪ ،‬فإن‬
‫الموج والغبار باالمتزاج يزيد النار ‪.‬‬
‫يسرها ‪ ....‬فذلك علم ربّك النّافع‬ ‫لغزت أمورا إن تحقّقت ّ‬
‫غطس الغاطس ليخرج ياقوتها األحمر في صدفة األزهر ‪ ،‬فيخرج من بعد ذلك البحر‬
‫صفر اليدين ‪ ،‬مكسور الجناحين ‪ ،‬مكفوف العين ‪ ،‬أخرس ال ينطق ‪ ،‬مبهوت ال يعقل ‪،‬‬
‫فسئل بعد ما رجع إليه النهفس ‪ ،‬وخرج من سدفة الغلس ‪.‬‬

‫فقيل له ‪ :‬ما رأيت ‪ ،‬وما هذا الذي أصابك ؟‬


‫وّللا ال ناله أحد ‪ ،‬وال تضمن معرفته‬
‫فقال ‪ :‬هيهات لما تطلبون ‪ ،‬وبعدا لما ترومون ‪ ،‬ه‬
‫روح وال جسد ‪ ،‬وهو العزيز الذي ال يدرك ‪ ،‬والموجود الذي ال يهلك وال يملك ‪،‬‬
‫وإذا حارت العقول وطاشت األلباب في تلقي صفاته هذا مقام األنبياء ‪ ،‬ومنزل األمناء‬
‫‪ ،‬وحضرة البلغاء وكل واحد من الواصلين إليه على قدر علمه ‪ ،‬وقوة عزمه ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫فما كان شملهم المقام وع هم ‪ ،‬فمنهم التا هم األتم ‪ ،‬فإنه من يقف على هذا العلم ‪ ،‬وال مقام‬
‫لهذا الحكم ‪ ،‬يروم ما ال يحصل له وذلك لما ذهل عنه وجهله وكفاك أن تعلم وهذا غاية‬
‫العجز ‪.‬‬
‫قل للباحث على ما ال يصل إليه ‪ ،‬والطالب فوق ما يبتغيه ‪ :‬هل يعرف من الحق غير‬
‫ما أوجده فيه ؟‬

‫ثم قال للعارف ‪:‬‬


‫أخرنا على المريد بالتعلهق ‪ ،‬وعلى ه‬
‫ّللا اإليجاد والتخلق ‪ ،‬ولو فتحنا عليك بابا لوسعها ‪،‬‬
‫والتجأ بعضها إلى بعض لرأيت أمرا يهولك شطره ‪ ،‬ويطيب لك خيره وخبره ولكن‬
‫فيما ذكرناه تنبيها على ما سكتنا عنه وتركناه ‪،‬‬
‫وصيهره الحق سبحانه وتعالى ‪ ،‬فزانه صبره ‪ ،‬وهو موضوع نفوذ أمره هإال منه وهو‬
‫حجاب تجليه ‪ ،‬وترقي تدلهيه ‪ ،‬ثم نظر طالبا أين موضع قدميه ؟‬
‫وأين موضع نعليه ؟‬

‫فانبعث من تلك الطريقة أشعة في الخالة ‪ ،‬استدارت أنوارها كاستدارة المرآة اللطيفة‬
‫الكيف ‪ ،‬الفارغة الجوف ‪ ،‬معلومة المنازل ‪ ،‬عند السالك والداخل ‪،‬‬
‫فجعل ذلك الكور ‪ ،‬وأنشأ ذلك الدهور ‪ ،‬كرسيا لقدميه ‪ ،‬وحضرة لنفوذ ما يصدر من‬
‫األمر بين يديه ‪ ،‬فيخرج األمر منه متحد العين ‪ ،‬حتى وصل الكرسي انقسم قسمين ‪ ،‬إذ‬
‫كان المخاطب من ذلك الموضع إلى أسفل موجودين اثنين ‪،‬‬
‫وإن كان واحدا فمن جهة أخرى ‪ ،‬وعلى ذلك الواحد تتابع الرسل تترى ‪ ،‬فإن‬
‫المخاطب لجميع األشياء إنما هو اإلنسان ليس ملك وال جان ‪ ،‬فإن الملك والجان جزء‬
‫منه ‪ ،‬وأنموذج خرج عنه ‪ ،‬فله بعض الخطاب ‪ ،‬واإلنسان كل الكتاب المنبهه عليه‬
‫طنا فِي ْال ِكتا ِ‬
‫ب ِم ْن ش ْ‬
‫َيءٍ [ األنعام ‪. ] 38 :‬‬ ‫بقوله ‪:‬ما فَ ار ْ‬
‫ثم بقوله ‪:‬ث ُ ام ِإلى َر ِبه ِه ْم يُ ْحش َُرونَ [ األنعام ‪. ] 38 :‬‬
‫وأول االبتداء فقال ‪َ :‬و ِع ْن َدهُ أ ُ ُّم‬
‫كما نبهه على الحقيقة المحمدية التي هي أصل اإلنشاء ‪ ،‬ه‬
‫ب[ الرعد ‪. ] 39 :‬‬ ‫ْال ِكتا ِ‬
‫فنحن الكتاب األجلى ‪ ،‬وهو اإلمام األعلى ‪ .‬فاإلنسان الكتاب الجامع ‪ ،‬والليل المظلم ‪،‬‬
‫والنهار المشرق الساطع ‪.‬‬
‫وسمو منزلته ‪ ،‬وإنه واحد بالنظر إلى قواعده ‪ ،‬وخمسة بالنظر إلى‬ ‫ه‬ ‫علو مرتبه‬ ‫فمن ه‬
‫مملكته ‪ ،‬وستة بالنظر إلى جهاته ‪ ،‬وسبعة بالنظر إلى صفاته ‪،‬‬
‫وثمانية بالنظر إلى سجيهته ‪ ،‬وتسعة بالنظر إلى مراتبه ‪ ،‬وعشرة بالنظر إلى إحاطته ‪،‬‬
‫وإحدى عشر بالنظر إلى واليته ‪ ،‬وهو روح القدس ‪.‬‬
‫تطلع على ذلك ببصرك عند‬ ‫ثم قال ‪ :‬وتركنا تعين ما ذكرته موقوفا على نفسك حتى ه‬
‫شروق شمسك ‪ ،‬وقد نبههنا عليها في هذا الكتاب بالتضمين ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وقو اجتهادك ‪ .‬عسى أن يفتح لك بابا من عنده عند مواظبتك على الوفاء‬
‫ففد فؤادك ه‬
‫والتصديق بوعيده ووعده ‪.‬‬

‫ومن ذلك إشارة ‪:‬‬


‫مناقب المعارف والحكم موقوفة على ارتفاع الهمم ‪.‬‬
‫فقلت له ‪ :‬ارفع اله همة ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬مضى زمان رفع اله همة ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬اللهم ارفع بي الزمان ‪ ،‬وبغير زمان زال الزمان فال زمان ‪.‬‬
‫ارفع الهمة في الزمان تنل ما نبهتك عليه ‪ ،‬فالترقهي دائما أبدا ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما لك يضرب لك المثل بعد المثل ‪ ،‬وال تتفكر كم تخبط في الظلمة وتحسب‬
‫أنك في النور ‪ ،‬ال يغرنهك اتساع أرضه كلها شوك وال فعل لك ‪.‬‬
‫كم مات فيها من أمثالك ؟‬
‫كم خرقت من نعال ؟‬
‫فوقفوا ولم يتقدموا ‪ ،‬ولم يتأخروا جوعا وعطشا ‪.‬وصية‬
‫ال راحة مع الخلق ‪ ،‬فارجع إلى الحق فهو أولى لك ‪.‬‬
‫فإن عاشرتهم على ما هم عليه بعدت من الحق ‪.‬‬
‫وإن عاشرتهم على ما أنت عليه قتلوك ‪.‬‬
‫فالستر أولى لك ‪.‬‬

‫العدو المالزم ‪.‬‬


‫ه‬ ‫تنبيه ‪ :‬تحفهظ من الصاحب فهو‬
‫العدو المالزم ‪.‬‬
‫ه‬ ‫تحفهظ من الصاحب فهو‬
‫فدلهه على الحق ‪ ،‬واشغله به ‪ ،‬فإنه سيشكر لك ذلك عند ه‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫ّللا بضروب نعمه بإنجاز هذا الكتاب من إشارات الصوفية ‪.‬‬‫أن س ههل ه‬
‫فإن العلم محصور المعلومات في ثالثة ‪:‬‬
‫فإ هما علم يتعلق بحضرة الدنيا وأسبابها ‪ ،‬وما يحصل منها ‪.‬‬
‫وإ هما علم يتعلق باْلخرة ‪.‬‬
‫وإ هما علم يتعلق بالحق تعالى ‪.‬‬

‫علم األذواق من ‪:‬‬


‫الصحو ‪ ،‬والسكر ‪ ،‬والشرب ‪ ،‬والهيبة ‪ ،‬واألنس ‪ ،‬واإلثبات ‪ ،‬والمحو ‪ ،‬والمحق ‪،‬‬
‫ومحق المحو ‪ ،‬وفناء العين ‪.‬‬
‫واألنبياء عليهم السالم هم الذين جمعوا هذه العلوم ‪ .‬والعلماء الذين هم ورثة لهم ‪ .‬وما‬
‫عدا هذين الصنفين ‪ .‬فإنما بالبعض ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وأقول للناظر في هذه العجالة ‪:‬‬
‫ه‬
‫أثبت لك فيه كثيرا من دقائق الحقائق فيما يتعلق بك وفيما يتعلق باألسرار اإللهية ‪،‬‬ ‫قد‬
‫ولقد نبهتك على الكنزين ‪ ،‬وأجريت لك كالما من إشارات الصوفية ‪،‬‬
‫وتنبيهات حكمية ‪ ،‬ومقامات فردانية لتفهم ما قلت لك ‪ ،‬فإني أظهرت لك معنى من‬
‫معاني ‪ ،‬ورفعت لك الستر ‪.‬‬

‫ّللا ‪ ،‬أن هذه األسرار من العلوم التي يجب سترها وال يجوز كشفها ‪.‬‬
‫واعلم ‪ ،‬وفقك ه‬
‫وّللا الموفق بمنهه وكرمه ‪.‬‬
‫ه‬

‫*‬
‫تم بحمد هللا رب العالمين‬
‫عبد هللا المسافر باهلل‬

‫‪87‬‬
‫كتاب منزل المنازل الفهوانية‬

‫تأليف ال ه‬
‫شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى‬
‫‪ 638‬هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه ال ه‬
‫شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني‬
‫ال ه‬
‫شاذلي الدهرقاوي‬

‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫ِب ْ‬
‫ّللا على محمد وعلى آله وسلم تسليما الحمد هّلل الذي نقهح العقول بعلوم‬ ‫صلى ه‬
‫الرياضيات وهذهبها ثم وضع لها المنازل على مدارجها ورتهبها ‪ ،‬بعزته عند معارجها‬
‫سفلى ‪.‬‬
‫في السماوات العلى وتنوع مخارجها ‪ ،‬من هذه القوالب الظلمانية ال ه‬
‫إن منازل الثناء والمدح ألرباب الكشوفات والفتح ‪.‬‬
‫ومنازل الرموز واأللغاز ‪ ،‬ألهل الحقيقة والمجاز ‪.‬‬
‫ومنازل الدعاء والنداء ‪ ،‬ألهل اإلشارة واإلقصاء ‪.‬‬
‫ومنازل األفعال ألهل األحوال والوصال ‪.‬‬
‫ومنازل االبتداء ألهل الخواطر األول واإليماء ‪.‬‬
‫ومنازل التنزيه ألولي االستنباطات والتوجيه ‪.‬‬
‫ومنازل التقريب للمتأله الغريب ‪.‬‬
‫ومنازل التوقهع ألصحاب السبحات والتبرقع ‪.‬‬
‫ومنازل البركات ألهل الحركات ‪.‬‬
‫ومنازل األقسام للمدبرين عوالم األجسام ‪.‬‬
‫ومنازل الدهر لمن اغترف من النهر ‪.‬‬
‫ومنازل اإلنيهة ألرباب المشاهد العينية ‪.‬‬
‫ومنازل الم ألف ألهل السر الذي ال ينكشف ‪ .‬هإال بعد قيام األلف من رقدتها وحل الالم‬
‫من عقدتها ‪.‬‬
‫ومنازل التقرير لعلماء اإلكسير ‪.‬‬
‫ومنازل فناء الكون للمستورين خلف حجاب الصون‬
‫ومنازل األلفة ألصحاب األمان والغرفة ‪.‬‬
‫ومنازل الوعيد للقائمين بالعرش المجيد ‪.‬‬
‫ومنازل االستخبار للعارفين باألسرار ‪.‬‬
‫ومنازل األمر للمتحققين بحقائق السر ‪.‬‬

‫***‬
‫فالممتدحون بأوصافهم زاهون ‪.‬‬
‫والرامزون من االعتراض فائزون ‪.‬‬
‫والمتألهون بأوصاف الربوبية متخلقون تائهون ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫والواصلون على العين حاصلون ‪.‬‬
‫والمشيرون عند التبليغ حائرون ‪.‬‬
‫والمستنبطون مصيبون وغالطون ‪.‬‬
‫والغرباء المقربهون عند صولة الكون منكسرون ‪.‬‬
‫والمتبرقعون من سطوة السبحات خائفون ‪.‬‬
‫والمتحركون بغيرهم مرزوقون ‪.‬‬
‫والمدبرون بالفكر سالكون ‪.‬‬
‫والمم هكنون بوضع الحدود مكلفون ‪.‬‬
‫والمشاهدون إذا سألتهم جاحدون ‪.‬‬
‫والكاتمون مجهولون فهم سالمون ‪.‬‬
‫والعالمون على األشياء والمعلومات حاكمون ‪.‬‬
‫والمستورون عند المحققين منتظرون ‪.‬‬
‫واْلمنون في مواطن الدنيا مخدوعون ‪.‬‬
‫ّللا قاعدون ‪.‬‬
‫والقائمون عند ه‬
‫والملهمون في األكوان محكمون ‪.‬‬
‫والمحققون بالثالثة األحوال ظاهرون ‪.‬‬
‫فهم المؤمنون الكافرون المنافقون ‪ .‬فتراهم لهذه الثالثة األحكام في كل واد يهيمون ‪،‬‬
‫وبكل لسان يتكلمون ‪ ،‬وفي كل صورة يظهرون ‪ ،‬وعلى كل سور يتسورون ‪.‬‬

‫ّللا على الكامل في المراتب الوجودية ‪ ،‬والمالك للخزائن الجودية ‪ ،‬المجموع‬ ‫وصلى ه‬
‫له من المعراجين بالموقف األزهى ‪ ،‬والمكانة الزلفى ‪ ،‬وعلى آله وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد‬
‫ّللا تعالى ل هما جعل لهذه المعارج أحكاما ‪ ،‬وضع لها اسما بحسب أحكامها ‪.‬‬
‫فإن ه‬
‫واشتق للمتحققين بها اسما من أسماء هذه األحكام ‪ .‬واختلفت توجهات الحقائق اإللهية‬
‫على هذه المعارج فاختلفت األلقاب على هذه التوجهات ‪.‬‬
‫كل ذلك ليقع التمييز للمبهم ‪ ،‬واإلعراب للمعجم ‪ ،‬التفصيل للمجمل ثم جعل سبحانه‬
‫للقائمين بهذه المعارج أحواال لها ألقاب في عالم العبارة ‪ ،‬ليقع أيضا التمييز بين رجالها‬
‫أو بين أحكامها في الرجل الواحد كالعلم مجمال والعالم مفصال ‪ .‬وإذا وقع التفصيل في‬
‫العلم وقع التفصيل في العالم فقيل الهندسة ‪ ،‬والمنطق ‪ ،‬والنحو ‪ ،‬واللغة ‪ ،‬والطب ‪ ،‬إلى‬
‫غيره ‪.‬‬
‫له من العلم الصناعي وغير الصناعي فقيل ‪:‬‬
‫المهندس ‪ ،‬والمنطقي ‪ ،‬والنحوي ‪ ،‬واللغوي ‪ ،‬والطبيب ‪ .‬وغير ذلك ‪ .‬فلنذكر من هذا‬
‫الضرب تسعة عشر قسما كما ذكرناها في خطبة هذا الكتاب ‪ .‬وكما سترد أسماء‬
‫المنازل محاطة محصورة في تسعة عشر قسما ‪.‬‬
‫ونبين حكمة انحصار األقسام في تسعة عشر ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وأن الموجودات محصورة فيها من وجوه متعددة فنقول ‪:‬‬
‫ووطأ المعاقل للعاقل وزوى المراحل للراحل ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ّللا تعالى لما هيهأ المنازل للنازل ‪،‬‬
‫إن ه‬
‫صل المقاسم للقاسم ‪ ،‬وأع هد القواصم للقاصم ‪ ،‬وبيهن العواصم‬‫وأعلى المعالم للعالم ‪ ،‬وف ه‬
‫للعاصم ‪ ،‬ورفع القواعد للقاعد ‪ ،‬ورتهب المراصد للراصد ‪ ،‬وس هخر المراكب للراكب ‪،‬‬
‫ه‬
‫وسطر المحامد للحامد ‪ ،‬وس ههل المقاصد للقاصد ‪ ،‬وأنشأ‬ ‫وقرب المذاهب للذاهب ‪،‬‬ ‫ه‬
‫المعارف للعارف ‪ ،‬وثبهت المواقف للواقف ‪ ،‬ووعهر المسالك للسالك ‪ ،‬وعيهن المناسك‬
‫للناسك ‪ ،‬وأخرس المشاهد للشاهد ‪ ،‬وأحرس الفراقد للراقد ‪.‬‬
‫فجعل سبحانه وتعالى النازل مقدّرا ‪ ،‬والعاقل مفكّرا ‪ ،‬والراحل مشمرا ‪ ،‬والعالم‬
‫مشاهدا ‪ ،‬والقاسم مكابدا ‪ ،‬والقاصم مجاهدا ‪ ،‬والعاصم مساعدا ‪ ،‬والقاعد عارفا ‪،‬‬
‫والراصد واقفا ‪ ،‬والراكب محموال ‪ ،‬والذاهب معلوال ‪ ،‬والحامد مسؤوال ‪ ،‬والقاصد‬
‫مقبوال ‪ ،‬والعارف مبخوتا ‪ ،‬والواقف مبهوتا ‪ ،‬والسالك مردودا ‪ ،‬والناسك مبعودا ‪،‬‬
‫والشاهد محكما ‪ ،‬والراقد مسلما ‪.‬‬
‫فهذا قد ذكرناه مفصال مبينا فأشرنا لهذه المنازل ‪ ،‬وإن كثرت ‪،‬‬

‫بمنزل يجمعها يسمى ‪ :‬منزل المنازل وهو هذا الكتاب‬

‫وفيه أقول ‪:‬‬


‫إن المنازل في المنازل ساريه‬ ‫سامية ‪ّ ....‬‬ ‫عجبا ألقوال النّفوس ال ّ‬
‫كيف العروج من الحضيض إلى العلى ‪ّ ....‬إال بقهر الحضرة المتعالية‬
‫ساميه‬‫فصناعة التّحليل في معراجها ‪ ....‬نحو اللّطائف واألمور ال ّ‬
‫وصناعة التّركيب عند رجوعها ‪ ....‬بسنا الوجود إلى ظالم الهاوية‬
‫وفي هذا المنزل تجتمع المنازل كلها المذكورة في هذا الكتاب وغيرها مما ذكرناه في‬
‫غير هذا الموضع ‪ ،‬ومما لم نذكره ‪ .‬وربما تس همى المشاهد ‪.‬‬
‫وقد س هماها غيرنا ‪ « :‬المواقف » ‪ ،‬و « البشائر » ‪ ،‬و « الموارد » ‪ .‬كما قد أشرنا‬
‫إلى ذلك فيما تقدم ‪.‬‬
‫ّللا في هذا الكتاب ما يعطيه هذا المنزل ‪ ،‬وما يعطيه كل منزل ‪.‬‬ ‫وسنذكر إن شاء ه‬
‫أعني من األمهات التسعة عشر ‪.‬‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫وأ هما ما تعطيه المنازل فنذكرها في كتبها إذا ذكرناها ‪ ،‬إن شاء ه‬
‫فأول منزل يلقاك في هذا المعراج ‪:‬‬
‫منزل الثناء والمدح ‪:‬‬
‫وفيه منازل ‪ ،‬وهو مخصوص ‪ .‬وإنما ذكرناه في خطبة الكتاب ومنازله ‪ :‬منزل الفتح ‪،‬‬
‫ومنزل المفاتح األول ‪ ،‬ومنزل العجائب ‪ ،‬ومنزل تسخير األرواح البرزخية ‪ ،‬ومنزل‬
‫األرواح العلوية ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل قلت ‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫منازل المدح والتّباهي ‪ ....‬منازل ما لها تناهي‬
‫سمو مدحا ‪ ....‬مدائح القوم في الثهرى‬ ‫ه‬
‫تطلبن في ال ه‬ ‫ال‬
‫هي من ظمئت نفسه جهادا ‪ ....‬يشرب من أعذب المياه‬

‫وبين منزل الفتح ‪ ،‬ومنزل المفاتح األول أربعة منازل ‪.‬‬


‫وبينه وبين منزل العجائب خمسة عشر منزال ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل األرواح البرزخية أحد وثالثون منزال ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل األرواح العلوية اثنان وثالثون منزال ‪.‬‬
‫وبين منزل المفاتح األول ومنزل األرواح العلوية ثمانية وعشرون منزال ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل العجائب أحد عشر منزال ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل األرواح البرزخية سبعة وعشرون منزال ‪.‬‬
‫ال تصل إلى منزل من هذه المنازل حتى تسلك هذه المنازل ‪ ،‬التي بينها ‪ .‬ولكل منزل‬
‫من هذه المنازل تجليات إلهية كثيرة نخاف من ذكرنا إياها في كل منزل لما جاء فيها‬
‫من الطول وضيق الوقت ‪.‬‬
‫وفي كل تجل مواهب وأسرار تزيد على السبع مائة ألف فأي ديوان يسعها ‪.‬‬
‫لكن من دخل هذه المنازل سيقف على هذه األسرار ‪ .‬وربه رجل يقف على هذه‬
‫المنازل وتجلياتها وعلومها في اللحظة الواحدة من هذا العالم فيحصلها بجملتها ‪.‬‬
‫ولذلك أضربنا عن ذكرها وإن كنا نذكر من تجلياتها في بعض هذه المنازل ليقع‬
‫االستدالل بها على ما لم نذكره ‪ .‬تجد لك في منزل البرزخ من القسم الثالث من منازل‬
‫الرموز ثم يتلو هذا المنزل ‪:‬‬

‫منزل الرموز وهو على خمسة أقسام ‪:‬‬


‫القسم األول ‪ :‬في الوحدانية ‪.‬‬
‫وفيه منزل العقل األول ‪ ،‬ومنزل العرش األعظم ‪ ،‬ومنزل رد الكالم على المتكلم ‪،‬‬
‫ويسمى الصدأ ‪.‬‬
‫مثل ما وقع التجلي للنفس بالتجريد عن المادة فقال لها ‪:‬‬
‫من أنا ؟‬
‫فقالت له ‪ :‬من أنا ؟‬
‫فلما أسكنها هذا القالب ‪ ،‬الظلمات ‪ ،‬الذي هو بحر الفقر تجلى لها فقال لها ‪ :‬من أنا ؟‬
‫فقالت ‪ :‬ربي ‪.‬‬
‫وقد ورد هذا في بعض األخبار النبوية ‪:‬‬
‫ّللا لما خلق النفس قال لها ‪ :‬من أنا ؟ فقالت له ‪ :‬من أنا ؟‬
‫« إن ه‬
‫فأسكنها في بحر الجوع أربعة آالف سنة ‪ ،‬ثم قال لها ‪ :‬من أنا ؟ قالت ‪ :‬أنت ربي »‬

‫فبين منزل العقل األول وبين منزل العرش األعظم ( ال ) منزال ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫"" يشير الشيخ األكبر بعدد الحروف إلى عدد المنازل وهي ( ‪ ) 31‬منزال ألن « ال‬
‫» عددها بحساب الجمل ( ‪ ) 31‬وبذلك يكون بين العقل األول والعرش األعظم‬
‫( ‪ ) 31‬منزال ‪.‬‬
‫هذا وإتماما للفائدة وتيسيرا على القارئ معرفة حساب الجمل لمعرفة عدد المنازل‬
‫أذكر كيفية عملية الحساب التي تجري وفق ( أبجد هوز ) وهي على النحو التالي أ ‪1‬‬
‫‪ ،‬ب ‪ ، 2‬ج ‪ ، 3‬د ‪ ، 4‬هـ ‪ ، 5‬و ‪ ، 6‬ز ‪ ، 7‬ح ‪ ، 8‬ط ‪ ، 9‬ي ‪ ، 10‬ك ‪ ، 20‬ل ‪30‬‬
‫‪ ،‬م ‪ ، 40‬ن ‪ ، 50‬س ‪ ، 60‬ع ‪ ، 70‬ف ‪ ، 80‬ص ‪ ، 90‬ق ‪ ، 100‬ر ‪ ، 200‬ش‬
‫‪ ، 300‬ت ‪ ، 400‬ث ‪ ، 500‬خ ‪ ، 600‬ذ ‪ ، 700‬ض ‪ ، 800‬ظ ‪ ، 900‬غ‬
‫‪. 1000‬‬
‫وهكذا نعرف عدد المنازل من معرفة عدد الحرف الواحد وبالنسبة للحرفين فصاعدا‬
‫نجمع عدد أرقام أحرفها والرقم المجموع يمثل عدد المنازل التي يشير إليها الشيخ‬
‫ّللا تعالى ونفعنا بعلومه وأسراره آمين ‪"" .‬‬
‫األكبر رحمهما ه‬

‫وبينه وبين منزل رد الكالم على المتكلم ( كط ) منزال ‪.‬‬


‫وبين منزل العرش األعظم وبين منزل رد الكالم ( يا ) منزال ‪.‬‬

‫وأما القسم الثاني ‪:‬‬


‫فإنه يشتمل على منازل منها منزل االستواء من العماء ومنزل التمثل ‪ ،‬ومنزل القلوب‬
‫‪ ،‬ومنزل الحجاب ‪ ،‬ومنزل االستواء الفهواني ‪ ،‬ومنزل األلوهية السارية ‪ ،‬ومنزل‬
‫استمداد الكاهن ‪ ،‬ومنزل الدهر ‪ ،‬ومنزل المنازل التي ال ثبات فيها ‪ .‬فهذه منازل هذا‬
‫القسم ‪.‬‬
‫وبين منزل االستواء من العماء ومنزل التمثل ( و ) منازل ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل القلوب ( يه ) منزال ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل الحجاب ( يط )‬
‫وبينه وبين منزال االستواء الفهواني ( ك ) منزال ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزال األلوهية السارية ( كب )‬
‫وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( كحب ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل الدهر ( كد ) وبينه وبين المنازل التي ال ثبات لها ( كه ) منزال ‪.‬‬
‫وبين منزل التمثل ومنزل القلوب ( ح ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل الحجاب ( يب ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل االستواء الفهواني ( يج ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل األلوهية السارية ( يه )‬
‫وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( يو ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل الدهر ( يز ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( طا ) ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫وبين منزل القلوب ومنزل الحجاب ( ج ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل االستواء الفهواني ( هـ ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل األلوهية السارية ( و ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( د ) وبينه وبين منزل الدهر ( ح ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( ط ) ‪.‬‬
‫وبين الحجاب ومنزل االستواء الفهواني منزل ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل األلوهية السارية ( ب ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( ج ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل الدهر ( د ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( ل ) ‪.‬‬
‫وبين منزل االستواء الفهواني ‪.‬‬
‫وبين منزل األلوهية السارية ( أ ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( ف ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل الدهر ( ج ) ‪.‬‬
‫وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( د ) ‪.‬‬
‫وبين منزل األلوهية السارية وبين منزل استمداد الكاهن منزل وبين منزل األلوهية ‪.‬‬
‫ومنزل الدهر ( أ )‬
‫وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( ب ) ‪.‬‬
‫وليس بين منزل استمداد الكاهن وبين منزل الدهر منزل ‪.‬‬
‫وبين منزل استمداد الكاهن والمنازل التي ال ثبات فيها منزل ‪.‬‬
‫وليس بين منزل الدهر والمنازل التي ال ثبات فيها منزل ‪.‬‬

‫وأ ّما القسم الثالث ‪:‬‬


‫فإنه يشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل البرازخ ‪ ،‬ومنزل األلوهية ‪ ،‬ومنزل الزيادة ‪ ،‬ومنزل الغيرة ‪ ،‬ومنزل الفقد‬
‫والوجد ‪ ،‬ومنزل الشكوك ‪ ،‬ومنزل الجود المخزون ‪ ،‬ومنزل القهر ‪ ،‬ومنزل الخسف ‪،‬‬
‫ومنزل األرض الواسعة ومنزل اْليات الغريبة ‪ ،‬ومنزل الحكم اإللهية ‪ ،‬ومنزل‬
‫االستعداد ‪.‬‬
‫وليس بين منزل البرازخ ومنزل األلوهية منزل ‪.‬‬
‫وبين منزل الزيادة ( ن ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الغيرة ( ح )‬
‫وبينه وبين منزل الفقر ( ط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل رفع الشكوك ( يا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجود ( يب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القهر ( كج ) ‪،‬‬

‫‪93‬‬
‫وبينه وبين منزل الخسف ( كه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( كو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( كر ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( كح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( كط ) ‪،‬‬
‫وبين منزل األلوهية ومنزل الزيادة ( و ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الغيرة ( ز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الفقر ( ح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل ربع الشبه ( ي ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجود ( يا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القهر ( كب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الخسف ( كد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( كه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( كو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( كز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( كح ) ‪ ،‬وليس بين منزل الزيادة ومنزل الغيرة منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الفقر ( أ )‬
‫وبينه وبين منزل رفع الشكوك ( ج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجود ( د )‬
‫وبينه وبين منزل القهر ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الخسف ( يو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( ير ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( يح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( كط ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الغيرة ومنزل الفقر منزل وبينه وبين منزل رفع الشكوك ( ب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجود ( ح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القهر ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الخسف ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( يح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( يط )‬
‫وبينه وبين منزل االستدعاء ( ك ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الفقد والوجد ومنزل رفع الشكوك ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجود ( ر ) ‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫وبينه وبين منزل القهر ( يج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الخسف ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( يز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( لح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( ط ) ‪،‬‬
‫وليس بين منزل رفع الشكوك وبين منزل الجود منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القهر ( يب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الخسف ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( يو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( ير ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( يح ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الجود ومنزل القهر ( ي ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الخسف ( يب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( يو ) ‪،‬‬
‫وبين منزل القهر ومنزل الخسف ( أ )‬
‫وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( ي ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( ج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( د ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( هـ ) ‪ ،‬وليس بين منزل الخسف وبين منزل األرض‬
‫الواسعة منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اْليات ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( ب )‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( ج ) ‪ .‬وليس بين منزل األرض ومنزل اْليات منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحكم ( أ )‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( ب ) ‪ .‬وليس بين منزل اْليات وبين منزل الحكم منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستعداد ( أ ) ‪ .‬وليس بين منزل الحكم ومنزل االستعداد منزل ‪.‬‬

‫وأ ّما القسم الرابع ‪:‬‬


‫فإنه يشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الزينة اإللهية ‪ ،‬ومنزل المعنى الذي به يمسك السماء أن تقع على األرض ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫فبين منزل الزينة ومنزل هذا المعنى الذي أشرنا إليه ( ل ) ‪.‬‬

‫وأ ّما القسم الخامس ‪:‬‬


‫فإنه يشتمل على منازل منها منزل الذكر ‪ ،‬ومنزل السلب ‪ ،‬فبين منزل الذكر ومنزل‬
‫السلب ( كب ) ‪.‬‬
‫فهذه جملة هذه المنازل وفيها أقوال ‪:‬‬
‫منازل الكون في الوجود ‪ ....‬منازل كلهها رموز‬
‫منازل للعقول فيها ‪ ....‬دالئل كلهها تجوز‬
‫الطالبون قصدا ‪ ....‬لنيل شيء فذاك ‪ :‬جوزوا‬ ‫لما أتى ه‬
‫فيا عبيد الكيان حوزوا ‪ ....‬هذا الهذي ساقكم وجوزوا‬

‫ثم يتلو هذا المنزل أعني منازل الرموز ‪:‬‬


‫منزل النداء ‪:‬‬
‫وهي ‪ :‬منزل األنس بالشبيه ‪ ،‬ومنزل األغذية ومنزل الغربتين ‪ ،‬ومنزل الحجب ‪،‬‬
‫ومنزل المقاصير والخدود ‪ ،‬ومنزل االبتالء ‪ ،‬ومنزل المعرفة ‪ ،‬ومنزل المنع ‪ ،‬ومنزل‬
‫النواشي ‪ ،‬ومنزل التقديس ‪.‬‬
‫وليس بين منزل األنس ومنزل األغذية منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الغربتين ( ير )‬
‫وبينه وبين منزل الحجب ( كح )‬
‫وبينه وبين منزل المقاصير والخدود ( مد )‬
‫وبينه وبين منزل االبتالء ( يه )‬
‫وبينه وبين منزل المعرفة ( س )‬
‫وبينه وبين منزل المنع ( سا )‬
‫وبينه وبين منزل النواشي ( سح )‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( سط )‬
‫وبين منزل األغذية وبين منزل الغربتين ( يو )‬
‫وبينه وبين منزل الحجب ( كز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المقاصير ( مج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االبتالء ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المعرفة ( نط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المنع ( س ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النواشي ( سز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( سح ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الغربتين ومنزل الحجب ( يب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المقاصير ( كه ) ‪،‬‬

‫‪96‬‬
‫وبينه وبين منزل االبتالء ( لو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المعرفة ( ما ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المنع ( مذ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النواشي ( مط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( ن ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الحجب ومنزل المقاصير ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االبتالء ( كو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المعرفة ( ال ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المنع ( لب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النواشي ( لط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( ص ) ‪،‬‬
‫وبين منزل المقاصير وبين منزل االبتالء ( مي ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المعرفة ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المنع ( يو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النواشي ( كح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( كد ) ‪،‬‬
‫وبين منزل االبتالء ومنزل المعرفة ( د ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االبتالء ومنزل المعرفة ( د ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المنع ( ل ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النواشي ( يب )‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( ح ) ‪،‬‬
‫وليس بين منزل المعرفة ومنزل المنع منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النواشي ( ر ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( ح )‬
‫وبين منزل المنع ومنزل النواشي ( ر ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( ح )‬
‫وبين منزل المنع ومنزل النواشي ( و ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التقديس ( ن ) ‪،‬‬
‫وليس بين منزل النواشي وبين منزل التقديس ( ز ) وليس بين منزل النواشي ‪،‬‬
‫وبين منزل التقديس منزل وفي هذه المنازل‬

‫أقول ‪:‬‬
‫الحق طوعا يأفل‬
‫ّ‬ ‫الرحمن فيك منازل ‪ ....‬فأجب نداء‬‫آلية ّ‬
‫رفعت إليك المرسالت أكفّها ‪ ....‬ترجو النّوال فال يخيب ال ّ‬
‫سائل‬
‫أنت الّذي قال الدّليل بفضله ‪ ....‬ولنا عليه شواهد ودالئل‬

‫‪97‬‬
‫لوال اختصاصك بالحقيقة ما زهت ‪ ....‬بنزولك األعلى لديه منازل‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪:‬‬


‫منزل األفعال ‪:‬‬
‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الفضل ‪ ،‬ومنزل اإللهام ‪ ،‬ومنزل اإلسراء الروحاني ‪ ،‬ومنزل التلطف ‪ ،‬ومنزل‬
‫الهالك ‪.‬‬
‫فبين منزل الفضل ومنزل اإللهام ( ز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اإلسراء الروحاني ( سا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التلطف ( مجا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الهالك ( قب ) ‪،‬‬
‫وبين منزل اإللهام وبين منزل اإلسراء الروحاني ( ني ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التلطف ( سج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الهالك ( صه ) ‪،‬‬
‫وبين منزل اإلسراء الروحاني وبين منزل التلطف ( ط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الهالك ( مر ) ‪،‬‬
‫وبين منزل التلطف ومنزل الهالك ( ل ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫سحاب زعازع‬ ‫لمنازل األفعال برق المع ‪ ....‬ورياحها تزجي ال ّ‬
‫وسهامها في العالمين نوافذ ‪ ....‬وسيوفها في الكائنات قواطع‬
‫العز المحقّق أمرها ‪ ....‬فالعين تبصر والتّناول شاسع‬
‫ألقت إلى ّ‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل االبتداء ‪.‬‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الغلظة ‪ ،‬ومنزل السبحات ‪ ،‬ومنزل التنزالت ‪ ،‬ومنزل العلم بالتوحيد اإللهي ‪،‬‬
‫ومنزل الرحموت ‪ ،‬ومنزل الحق ‪ ،‬ومنزل الفرع ‪.‬‬
‫فبين منزل الغلظة ومنزل السحاب ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التنزالت ( ر ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل العلم بالتوحيد ( لز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الرحموت ( مه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحق ( نط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الفرع ( صا ) ‪،‬‬
‫وبين منزل السبحات ومنزل التنزالت ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علم التوحيد ( ك ) ‪،‬‬

‫‪98‬‬
‫وبينه وبين منزل الرحموت ( ما ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الحق ( مه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الفرع ( عز ) ‪.‬‬
‫وبين منزل التنزالت وبين منزل علم التوحيد ( ز )‬
‫وبينه وبين منزل الرحموت ( يه )‬
‫وبينه وبين منزل الحق ( كط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الفرع ( سا ) ‪.‬‬
‫وبين منزل علم التوحيد وبين منزل الرحموت ( ز )‬
‫وبينه وبين منزل الحق ( كا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الفرع ( نج ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الرحموت وبين منزل الحق ( بح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الفرع ( مه ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الحق ومنزل الفرع ( ر ) ‪.‬‬

‫وفي معنى هذه المنازل أقول ‪:‬‬


‫ط الركّاب منازل‬‫لالبتداء شواهد ودالئل ‪ ....‬وله إذا ح ّ‬
‫َّللا الكريم الفاعل‬
‫يحوي على عين الحوادث حكمة ‪ ....‬ويمدّه ّ‬
‫ما بينه نسب وبين اآللهة ‪ّ ....‬إال التّعلّق والوجود الحاصل‬
‫تسمعن مقالة من جاهل ‪ ....‬مبنى الوجود حقائق وأباطل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫مبنى الوجود حقائق مشهودة ‪ ....‬وسوى الوجود هو المحال الباطل‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل التنزيه‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الشكر ‪ ،‬ومنزل البأس ‪ ،‬ومنزل النشر ‪ ،‬ومنزل النصر ‪ ،‬ومنزل الجمع ‪ ،‬ومنزل‬
‫الربح والخسران ‪ ،‬ومنزل االستحاالت ‪.‬‬
‫فبين منزل الشكر ومنزل البأس ( لط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النشر ( ما ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النصر ( مح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجمع ( مد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الربح والخسران ( مو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستحاالت ( ع ) ‪،‬‬
‫وبين منزل البأس والنشر ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النصر ( ج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجمع ( د ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستحاالت ( كط ) ‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫وبين منزل النشر ومنزل النصر ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الجمع ( ر ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الربح ( د ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستحاالت ( كز ) ‪.‬وليس بين منزل النصر ومنزل الجمع منزل ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل الربح ( ب )‬
‫وبينه وبين منزل االستحاالت ( كه )‬
‫وبين منزل الجمع ومنزل الربح ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل االستحاالت ( كه )‬
‫وبين منزل الربح والخسران ومنزل االستحاالت ( كب ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫سر مقول حكمه معقول‬‫ّ‬ ‫لمنازل التّنزيه والتّقديس ‪....‬‬
‫المنزه حكمه ‪ ....‬فردوس قدس روضه مطلول‬ ‫ّ‬ ‫علم يعود على‬
‫مجوز ‪ ....‬ما قاله فمرامه تضليل‬
‫ّ‬ ‫ق المبين‬ ‫ّ‬
‫فمنزه الح ّ‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل التقريب‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل خرق العوائد ‪ ،‬ومنزل وحدانية كن ‪.‬‬

‫وبين المنزلين ( لج ) ‪.‬‬


‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬
‫لمنازل التّقريب شرط يعلم ‪ ....‬ولها على ذات الكيان تحكّم‬
‫فإذا أتى شرط القيامة واستوى ‪ ....‬جبّارها خضع الوجود ويخدم‬
‫هيهات ال تجني النّفوس ثمارها ‪ّ ....‬إال الّتي فعلت وأنت مج ّ‬
‫سم‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل التوقع‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الطريق اإللهي ‪ ،‬ومنزل السمع ‪.‬‬
‫وبين المنزلين ( لو ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫المقرب دانيه‬
‫ّ‬ ‫ظهرت منازل للتّوقّع بادية ‪ ....‬وقطوفها ليد‬
‫ّ‬
‫تقطفن من الغصون العادية‬ ‫ّنو ثمارها ‪ ....‬ال‬
‫فاقطف من أغصان الد ّ‬
‫طريق ترى الحقائق باديه‬ ‫والزمن ‪ ....‬وسط ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تخرجن عن اعتدالك‬ ‫ال‬

‫‪100‬‬
‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل البركات‬
‫وهو يشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الجمع والتفرقة ‪ ،‬ومنزل الخصام البرزخي وهو منزل الملك القاهر وبين‬
‫المنزلين منازل ( مت ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫لمنازل البركات نور يسطع ‪ ....‬وله بحبّات القلوب توقّع‬
‫فيها المزيد لك ّل طالب مشهد ‪ ....‬ولها إلى نفس الوجود تطلّع‬
‫فإذا تحقّق ّ‬
‫سر طالب حكمه ‪ ....‬بحقائق البركات ش ّد المطلع‬
‫فالحمد ّّلل الّذي في كونه ‪ ....‬أعيانه مشهودة تتس ّمع‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل األقسام‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬

‫منزل الفهوانيات الروحانية ‪،‬‬


‫ومنزل المقاسم الروحانية ‪،‬‬
‫ومنزل الرقوم ‪،‬‬
‫ومنزل مساقط النور ‪،‬‬
‫ومنزل الشعراء ‪،‬‬
‫ومنزل المراتب الروحانية ‪،‬‬
‫ومنزل النفس الكلية ‪،‬‬
‫ومنزل القطب ‪،‬‬
‫ومنزل انفهاق األنوار على عالم الغيب ‪،‬‬
‫ومنزل مراتب النفس الناطقة ‪،‬‬
‫ومنزل اختالف الطرق ‪،‬‬
‫ومنزل المودة ‪،‬‬
‫ومنزل علوم اإللهام ‪،‬‬
‫ومنزل النفوس الحيوانية ‪،‬‬
‫ومنزل الصالة الوسطى ‪.‬‬

‫فبين منزل الفهوانيات ومنزل المقاسم ( يح ) ‪،‬‬


‫وبينه وبين منزل الرقوم ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مساقط النور ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منازل الشعراء ( لط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المراتب ( ما ) ‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫وبينه وبين منزل النفس الكلية ( مز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب ( مح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( ن ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس ( مح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( ند ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( نه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( نز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( سا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( سد ) ‪.‬‬
‫وليس بين منزل المقاسم الروحانية ومنزل الرقوم منزل وبينه وبين منزل مساقط النور‬
‫(أ)‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل السفر ( كه )‬
‫وبينه وبين منازل المراتب ( كز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفس الكلية ( لج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب ( لد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( لز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس ( لط )‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( م ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( ما ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( مج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مح )‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( نا ) ‪.‬‬
‫وليس بين منزل الرقوم ومنزل مساقط النور منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الشعراء ( كد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المراتب ( كو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفس الكلية ( لب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب ( ج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( نو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس ( لح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( لط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( م ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( مب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ن ) ‪.‬‬
‫وبين منزل مساقط النور وبين منزل الشعراء ( كج ) ‪،‬‬

‫‪102‬‬
‫وبينه وبين منزل المراتب ( كه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفس الكلية ( ال ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب ( لب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( له ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس ( لز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( لح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( لط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( م ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( مح ) ‪.‬‬
‫وبين منزل الشعراء وبين منزل المراتب الروحانية ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفس الكلية ( ز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب ( ح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( يا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس ( يح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( ته ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( بر ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( كب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( كه ) ‪.‬‬
‫وبين منزل المراتب الروحانية وبين منزل النفس الكلية ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب ( و ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( ط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس ( ما )‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( يب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( يج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( يه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( ك ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( كج ) ‪.‬‬
‫وليس بين منزل النفس الكلية وبين منزل القطب منزل ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( ج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس الناطقة ( ط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ‪ ( ،‬و ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( ز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ط ) ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( يز ) ‪.‬‬
‫وبين منزل القطب ومنزل انفهاق األنوار ( ب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل مراتب النفس ( د ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( ط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( و ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( يح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( يو ) ‪.‬‬
‫وبين منزل انفهاق األنوار وبين منزل مراتب النفس ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( ب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل المودة ( ج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( ي ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( يح ) ‪.‬‬
‫وليس بين مراتب النفس الناطقة ومنزل اختالف الطرق منزل ‪ ،‬وبينه وبين منزل‬
‫المودة ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ما ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( مط ) ‪،‬‬
‫وليس بين منزل الطرق وبين منزل المودة منزل ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( ز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ي ) ‪.‬‬
‫وبين منزل المودة ومنزل علوم اإللهام ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النفس الحيوانية ( و ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ط ) ‪.‬‬
‫وبين منازل علوم اإللهام وبين منزل النفوس الحيوانية ( د ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ز ) ‪،‬‬
‫وبين منزل النفوس الحيوانية وبين منزل الصالة الوسطى ( ب ) ‪.‬‬

‫وفي هذه المنازل أقول ‪:‬‬


‫منازل األقسام في العرض ‪ ....‬أحكامها في عالم األرض‬
‫سنهة والفرض‬
‫سعود على ‪ ....‬من قام بال ه‬‫تجري بأفالك ال ه‬
‫وعلمها وقف على عينها ‪ ....‬وحكمها في ه‬
‫الطول والعرض‬

‫‪104‬‬
‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل اإلنيّة‬
‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل سليمان عليه السالم ‪،‬‬
‫منزل الستر الكامل ‪،‬‬
‫ومنزل اختالف المخلوقات ‪،‬‬
‫ومنزل الروح ‪،‬‬
‫ومنزل العلوم ‪.‬‬

‫فبين منزل سليمان ومنزل الستر ( يط ) ‪،‬‬


‫وبينه وبين منزل اختالف المخلوقات ( يب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الروح ( سح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل العلوم ( عط ) ‪.‬‬
‫وبين منزل الستر وبين منزل اختالف المخلوقات ( كب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الروح ( مح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل العلوم ( نط ) ‪،‬‬
‫وبين منزل اختالف المخلوقات وبين منزل الروح ( كه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل العلوم ( لو ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الروح وبين منزل العلوم ( ي ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫الرجال منازل‬
‫إنيّة قدسيّة مشهودة ‪ ....‬لوجودها عند ّ‬
‫تفني الكيان إذا تجلّت صورة ‪ ....‬في سورة أعالمها تتفاضل‬
‫ظالل وجودها لك شامل‬ ‫وتريك فيك وجودها بنعوتها ‪ ....‬خلف ال ّ‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل الدهور‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل المسابقة ‪،‬‬
‫ومنزل العزة ‪،‬‬
‫ومنزل روحانيات األفالك ‪،‬‬
‫ومنزل األمر اإللهي ‪،‬‬
‫ومنزل الوالدة ‪،‬‬
‫ومنزل الموازنة ‪،‬‬
‫ومنزل البشارة باللقاء ‪.‬‬
‫فبين منزل المسابقة وبين منزل العزة ( و ) ‪،‬‬

‫‪105‬‬
‫وبينه وبين منزل روحانيات األفالك ( كد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين األمر اإللهي ( هك ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الوالدة ( كز ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الموازنة ( مت ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل البشارة ( نج ) ‪.‬‬
‫وبين منزل العزة وبين منزل روحانيات األفالك ( يط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل األمر اإللهي ( نط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الوالدة ( كا ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الموازنة ( مج ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل البشارة باللقاء ( ند ) ‪.‬‬
‫وليس بين منزل روحانيات األفالك ومنزل األمر اإللهي منزل ‪ ،‬وبينه وبين منزل‬
‫الوالدة ( ب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الموازنة ( نط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل البشارة باللقاء ( كح ) ‪.‬‬
‫وبين منزل األمر اإللهي ومنزل الوالدة ( أ ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الموازنة ( بو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل البشارة ( كر ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الوالدة ومنزل الموازنة ( يد ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل البشارة ( كه ) ‪ ،‬وبين منزل الموازنة ومنزل البشارة ( ي ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫الزمان فإنّه متّو ّهم‬
‫ومن المنازل ما يكون مقدّره ‪ ....‬مثل ّ‬
‫صرف والمقام األعظم‬ ‫دلّت عليه الدّائرات بدورها ‪ ....‬وله الت ّ ّ‬

‫ثم يتلو هذا المنزل ‪ :‬منزل الم األلف‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫ّللا عليه وسلم وبين المنزلين‬
‫منزل جمع األمرين ‪ ،‬ومنزل تشريف محمد صلى ه‬
‫( يد ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫منازل الالم في التّحقيق واأللف ‪ ....‬عند اللّقاء انفصال حال وصلهما‬
‫سر الوجود وأنّي عينه فهما‬‫ّ‬ ‫هما الدّليل على من قال ّ‬
‫إن أنا ‪....‬‬
‫دال بحالهما ‪ ....‬ال كالّذي د ّل باألقوال فانصرما‬
‫نعم الدّليالن إذ ّ‬
‫ثم يتلو هذا المنزل ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫منزل التقرير ‪ :‬ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل بعدد النعم ‪،‬‬
‫ومنزل دفع الضرر ‪،‬‬
‫ومنزل الشرك المطلق ‪.‬‬
‫فبين منزل بعدد النعم وبين منزل دفع الضرر ( ي ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الشرك المطلق ( يب )‬
‫وبين منزل دفع الضرر وبين منزل الشرك المطلق ( أ ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫ظهور على الكمون‬ ‫سكون ‪ ....‬ور ّجحت ال ّ‬‫تقررت المنازل بال ّ‬
‫ّ‬
‫ودلّت بالعيان على عيون ‪ ....‬مف ّجرة من الماء المعين‬

‫ثم يتلو هذا المنزل منزل فناء الكون ‪:‬‬


‫وهو منزل واحد ‪ ،‬وهو منزل المشاهدة ‪.‬‬
‫فيه يفنى ما لم يكن ‪ ،‬ويبقى من لم يزل ‪.‬‬

‫وفيه أقول ‪:‬‬


‫في فناء الكون منزل ‪ ....‬روحه فينا تنزل‬
‫إنه ليلة قدري ‪ ....‬ما له نور وال ظل‬
‫هو عين النّور صرفا ‪ ....‬ما له عنه تنّقّل‬
‫األول‬
‫صدر ّ‬ ‫فأنا اإلمام حقّا ‪ ....‬ملك في ال ّ‬
‫عنده مفتاح أمري ‪ ....‬فيّولّيكم ويعزل‬
‫سمهر يأتي طوال ‪ ....‬لست بالسماك األعزل‬
‫الحق فيكم ‪ ....‬دائم ال يتبدّل‬
‫ّ‬ ‫فالمقام‬
‫وهو القاهر منّه ‪ ....‬وهو اإلمام األعدل‬
‫ليس بالنور الممثّل ‪ ....‬بل من المهأة أكمل‬
‫السر األفضل‬
‫ّ‬ ‫وأنا منه يقينا ‪ ....‬بمكان‬
‫فبعين العين أسمو ‪ ....‬وبأمر األمر أنزل‬

‫ثم يتلو هذا المنزل منزل األلفة ‪:‬‬


‫وهو منزل واحد وفي هذا المنزل‬

‫أقول ‪:‬‬
‫منازل األلفة مألوفة ‪ ....‬وهي بهذا النّعت معروفة‬
‫عرس فيها أقم ‪ ....‬فإنّها باألمن محفوفة‬
‫فقل لمن ّ‬

‫‪107‬‬
‫وهي على االثنين موقوفة ‪ ....‬وعن عذاب الخوف مصروفة‬

‫ثم يتلو هذا المنزل منزل االستخبار ‪:‬‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل المنازعة الروحانية ‪ ،‬ومنزل حلية السعداء على األشقياء ‪ ،‬وحلية األشقياء على‬
‫السعداء ‪ ،‬ومنزل الكون قبل اإلنسان ‪.‬‬
‫فبين منزل المنازعة وبين منزل الحلية ( ط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل الكون ( أ ) ‪،‬‬
‫وبين منزل الحلية ومنزل الكون ( يا ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫إذا استفهمت عن أحباب قلبي ‪ ....‬أحالوني على استفهام لفظي‬
‫ظي‬‫منازلهم بلفظك ليس ّإال ‪ ....‬فيا شؤمي لذاك وسوء ح ّ‬
‫وعظت الناس ال تنظر إليهم ‪ ....‬فما التفتت بخاطرها لوعظي‬
‫ظي عين لفظي‬ ‫لفظتهمو عسى أحظى بكون ‪ ....‬فكانوا عين ح ّ‬

‫ثم يتلو هذا المنزل منزل الوعيد ‪:‬‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الجود ‪ ،‬ومنزل االستمساك بالكون وبين المنزلين ( ك ) ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫صراط األقوم‬‫سلوك على ال ّ‬‫إن الوعيد لمنزالن هما لمن ‪ ....‬ترك ال ّ‬‫ّ‬
‫سناء األقدم‬
‫فإذا تحقق بالكمال وجوده ‪ ....‬ومشى على حكم ال ّ‬
‫عاد نعيما عنده فنعيمه ‪ ....‬في النّار وهي نعيم ك ّل مكرم‬

‫ثم يتلو هذا المنزل منزل األمر ‪:‬‬


‫ويشتمل على منازل منها ‪:‬‬
‫منزل الروحانيات البرزخية ‪،‬‬
‫سرى ‪،‬‬ ‫ومنزل التعليم ‪ ،‬ومنزل ال ّ‬
‫ومنزل النسب ‪،‬‬
‫ومنزل التمائم ‪،‬‬
‫ومنزل القطب واإلمامين ‪.‬‬

‫فبين منزل الروحانيات البرزخية وبين منزل التعليم ( كب ) ‪،‬‬


‫وبينه وبين منزل السرى ( له ) ‪،‬‬

‫‪108‬‬
‫وبينه وبين منزل النسب ( لح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التمائم ( لط ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( مر ) ‪.‬‬
‫وبين منزل التعليم وبين منزل السر ( يب ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل النسب ( نه ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التمائم ( يو ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( يز ) ‪.‬‬
‫وبين منزل السر ومنزل النسب ( ر ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل التمائم ( ح ) ‪،‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( د ) ‪.‬‬
‫وليس بين منزل النسب ومنزل التمائم منزل ‪.‬‬
‫وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( أ ) ‪.‬‬
‫وليس بين منزل التمائم ومنزل القطب واإلمامين منزل ‪.‬‬

‫وفي هذا المنزل أقول ‪:‬‬


‫منازل األمر فهوانيّة الذّات ‪ ....‬بها تحصل أفراحي ولذّات‬
‫فليتني قائم فيها مدى عمري ‪ ....‬وال أزول إلى وقت المالقاة‬
‫تبرز في صدر المناجاة‬
‫فقرة العين للمختار كان له ‪ ....‬إذا ّ‬
‫ّ‬

‫فبهذا قد ذكرنا المنازل المعينة بأسمائها ‪ ،‬وذكرنا كم بين منزل ومنزل من المنازل ولم‬
‫نسمها ‪ ،‬وإنما ذكرناها من أجل السالك ‪ ،‬إذا سلك عليها ليتقدم له الخير بكيفيتها ‪،‬‬
‫وسكتنا عن كيفياتها من أجل المدهعي ‪.‬‬
‫فإن المدهعي متى حصل الكيفيات ظهر بصورة الصدق ‪ ،‬وال يعرفه األجنبي فتمشي‬
‫دعواه وال يفرق بينه وبين الصادق ‪.‬‬
‫فلهذا ال نصرح بالكيفيات ‪ ،‬وال بنتائج األعمال مربوطة بأعمالها ‪.‬‬
‫بل نسوق األعمال في أبواب المعامالت ‪ ،‬ونسوق النتائج في أبواب األحوال ‪ ،‬وأبواب‬
‫األسرار ‪.‬‬
‫وال نقول هذا الحال نتيجة العمل الفالني ‪ ،‬وال هذا السر طريقه العمل العالني من أجل‬
‫ما ذكرناه وال نبالي من المدهعي ‪.‬‬
‫لو قلته إذا ادعاه عبد ما فأخذه مني ‪ .‬وإنما نخاف من انقياد الخلق إليه واتباعه ‪ ،‬فيمزج‬
‫ذلك الحق بهواه فيضل به الغير ‪ ،‬ومن هنا ظهرت اإلباحية وأصحاب الحلول في‬
‫طريق القوم ‪ ،‬فظهروا بالصورة لعيون العامة ولزوم الناموس ‪.‬‬
‫فإذا خلوا فهم شر الخلق ‪.‬‬
‫ّللا علينا وعليهم وراجع بنا ‪ ،‬وبهم ‪.‬‬
‫قلوبهم قلوب الذباب ‪ .‬تاب ه‬
‫فلمزجهم الحق بهواهم ‪ ،‬وأكاذيبهم ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫لم نبين ذلك حتى ال يكون في صحيفتي ‪.‬‬
‫فمنهم أشبه الخلق بالشياطين عندما يسترقون السمع ‪.‬‬
‫فيأخذ كلمة الحق فيضيف إليها سبعين كذبة من السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا في‬
‫جهنم ‪ ،‬فيأت بها إلى وليه ليضله بها ‪.‬‬
‫ّللا تعالى يشير إلى‬
‫"" لعل الشيخ األكبر رحمه ه‬
‫ّللا ال يرى بها‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط ه‬
‫قول النبي صلى ه‬
‫بأسا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا »‪ .‬رواه ابن ماجة في سننه ""‪.‬‬

‫ياطينَ َليُو ُحونَ ِإلى أ َ ْو ِليا ِئ ِه ْم[ األنعام ‪. ] 121 :‬‬


‫ش ِ‬ ‫كذا قال تعالى ‪َ :‬و ِإ ان ال ا‬
‫ّللاُ َيقُو ُل ْال َح اق َو ُه َو يَ ْهدِي ال ا‬
‫س ِبي َل[ األحزاب ‪. ] 4 :‬‬ ‫ّللا تعالى ‪َ :‬و ا‬‫كذا قال ه‬
‫* فأ ّما منزل المدح ‪:‬‬
‫فله أسرار كثيرة ‪ ،‬ووجوه ‪ .‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬تعلق العلم بما ال يتناهى ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل الرموز ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬خواص العدد واألسماء والحروف ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل النداء ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أوصافه ‪ :‬علوم اإلشارة والتحلية ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل األفعال ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم اْلن ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل االبتداء ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم المبدأ والمعاد ومعرفة األوائل من كل شيء ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل التنزيه ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم الخلع والسلخ ‪ .‬وهو علم شريف إن لم يحققه‬
‫اإلنسان وإال ضل ‪.‬‬
‫ومنه ضلت طائفتان كبيرتان ‪ :‬الباطنية والحشوية ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل التقريب ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم الدالالت ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل التوقع ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم النسب واإلضافات ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل البركات ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم األسباب وارتباطاتها بالمسببات ‪ ،‬والعلل‬
‫والمعلوالت ‪ ،‬والشروط والمشروطات ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل األقسام ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم العظمة ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل الدهر ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم األزل واستمرار وجود الباري ووجود المالئكة ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫* وأ ّما منزل اإلنيّة ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم الذات ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل الم األلف ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم نسبة الكون إلى المكون ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل التقرير ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم الحضور ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل فناء الكون ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم قلب األعيان ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل األلفة ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم االلتحام بين الموجودات عموما ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل الوعيد ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم المواطن والتمييز في كل شيء ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل االستفهام ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم ليس كمثله شيء ‪.‬‬
‫فإنهم إذا أحالوك عند استفهامك عن منازل أحبابك على لفظه ‪.‬‬
‫عز وجوههم في قلبك حيث لم يتمكن تصورهم وال يتعلق بهم علم ‪.‬‬ ‫فقد ه‬
‫فلم يجبلوك على قلبك ‪ ،‬وال على أعيانهم ‪.‬‬
‫فإن أعيانهم ال تشهد ‪:‬ال ت ُ ْد ِر ُكهُ ْاألَب ُ‬
‫ْصار‪.‬‬
‫فال القلب يملكهم وال العين تدركهم ‪ .‬فما بقي عندك سوى أسمائهم ‪.‬‬
‫* وأ ّما منزل األمر ‪:‬‬
‫فكذلك ‪ ،‬لكن أخص أوصافه ‪ :‬علم العبودية ‪.‬‬
‫فبهذا قد ذكرنا ما تعطيه أمهات المنازل التي هي تسعة عشر ‪ ،‬وإنما كانت تسعة عشر‬
‫ألن المنزول عليه في هذه المنازل يعطي حقيقة تسع عشرة حقيقة ال تنقال يكون عنها‬
‫تسعة عشرة حقيقة تنقال بصورة الموجودات على صورة هذه الحقائق ‪.‬‬
‫ولم يكن عندنا علم بحصر هذه الحقائق حتى نظرنا هذه المنازل عندما أردنا أن‬
‫نظهرها في عالم العبارة ‪ .‬فرأيناها تسعة عشر منزال ‪.‬‬
‫فنظرنا في مراتب كثيرة في الوجود فوجدنا التسع عشرة محاولة في الموجودات ‪.‬‬
‫فارتفعنا بالنظر إلى الجانب العالي فوجدناها هناك تقتضي هذا العدد ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬الممكنات ‪ :‬تسعة عشر نوعا ‪.‬‬
‫والمالئكة ‪ :‬نوع واحد ‪،‬‬
‫وعالم األجسام ‪ :‬ثمانية عشر نوعا ‪.‬‬
‫واألفالك ‪ :‬أحد عشر نوعا ‪،‬‬
‫واألركان ‪ :‬أربعة أنواع‬
‫والمولدات ‪ :‬ثالثة أنواع ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫صدور الذوات عن الذات ‪ ،‬وصدور األعراض عن الصفات ‪ ،‬وصدور الزمان عن‬
‫األزل ‪ ،‬وصدور المكان عن قبولها للنعوت ‪ ،‬وصدور اإلضافات عن اإلضافات ‪،‬‬
‫وصدور األوضاع عن الفهوانية ‪ ،‬وصدور الكميات عن األسماء ‪،‬‬
‫وصدور الكيفيات عن التجليات ‪ ،‬وصدور التأثيرات عن الجود ‪ ،‬وصدور االنفعاالت‬
‫عن التجلي في صورة االعتقادات ‪ ،‬وصدور الخاصية عن األحدية ‪ ،‬وال تتجلى‬
‫أسماؤه ألحد أبدا ‪.‬‬
‫ألن سلطانها ال يقبل عينا سواها ولذلك إذا ضربت الواحد في الواحد لم يخرج هإال واحد‬
‫‪ ،‬وقد تكلمنا على هذا المقام في « كتاب األحدية » ‪.‬‬
‫"" وهو كتاب « األلف » مطبوع ضمن رسائل ابن العربي ""‬

‫ومن هذا المقام يكون لكل مخلوق ومبدع وموجود خاصية تخصه ‪ .‬بها يتميز من غيره‬
‫‪ ،‬وهي أحدية كل موجود ‪ .‬ولهذا كان مبنى الوجود على التوحيد ‪.‬‬

‫قال القائل "أبو العتاهية" ‪ :‬وفي كل شيء له آية ‪ ....‬تدل على أنه واحد‬
‫واْلية هي أحدية كل معلوم ‪ ،‬وصدور الحيرة عن العمى وصدور حياة الكائنات عن‬
‫الحي ‪ ،‬وصدور العلم عن العليم ‪ ،‬وصدور الهواجس والعزمات واإلرادات والقصود‬
‫والنيات عن المريد ‪ ،‬وصدور اإلبصار عن البصير ‪ ،‬وصدور السمع عن السميع ‪،‬‬
‫وصدور اإلنسان عن الكمال ‪ ،‬وصدور األنوار والظلم عن النور ‪.‬‬
‫"" هو أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي ‪ ،‬توفي في بغداد سنة‬
‫‪ 211‬هـ ‪ 826 ،‬م وكانت والدته سنة ‪ 130‬هـ ‪ 747‬م ‪"" .‬‬

‫ومن ذلك ‪:‬‬


‫أن السور من القرآن العزيز التي في أوائلها حروف الهجاء هي على خمس مراتب ‪:‬‬
‫* مرتبة على حرف واحد مثل ‪ « :‬ن » ‪ « ،‬ص » ‪.‬‬
‫* ومرتبة على حرفين مثل ‪ « :‬طه » ‪ « ،‬يس » وشبه ذلك ‪.‬‬
‫* ومرتبة على ثالثة أحرف مثل ‪ « :‬آلم » و « ألر » ‪ .‬وشبهه ‪.‬‬
‫* ومرتبة على أربعة أحرف مثل ‪ « :‬ألمص » و « ألمر » ‪.‬‬
‫* ومرتبة على خمسة أحرف مثل ‪ « :‬كهيعص » ‪.‬‬

‫فهذه خمس مراتب وحروفها أربعة عشر حرفا ‪ .‬فذلك تسعة عشر حرفا ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬جهنم ‪ .‬عليها تسعة عشر شرعا ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬الجنة ‪ .‬عليها تسعة عشر خازنا كشفا ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬وجود اْلثار في الكون العنصري على أيدي تسعة عشر بتقدير العزيز‬
‫العليم ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫وهي ‪ :‬البروج اثني عشر ‪ ،‬والدراري سبعة فعند حلول هذه السيارة في هذه البروج‬
‫ّللا سبحانه هذه اْلثار في عالم الكون ‪.‬‬ ‫يحدث ه‬
‫والدراري غير مسخرة ‪ .‬ال تتصرف هإال عن حقائق إالهية بالتصريف ‪ ،‬وكذلك االثني‬
‫عشر برجا ‪ .‬فال بد من الحقائق اإللهية ألن يكون توجهها مختلفا ‪.‬‬
‫رات بِأ َ ْم ِر ِه[ النحل ‪. ] 12 :‬‬
‫س اخ ٌ‬
‫قال تعالى ‪َ :‬والنُّ ُجو ُم ُم َ‬

‫ومن ذلك ‪:‬‬


‫ّللا بهم نظام العالم تسعة عشر ‪.‬‬ ‫الرجال الذين يحفظ ه‬
‫اثني عشر منهم النجباء ‪.‬‬
‫ويقال لهم في األمة اإلسرائيلية ‪ :‬النقباء ‪.‬‬
‫والسبعة ومنهم ‪ :‬األبدال ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬القطب ‪ ،‬واألوتاد ‪ ،‬واألئمة ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬الجنة مقسمة على تسعة عشر رتبة ‪ .‬على أربعة أصناف لكل صنف‬
‫أربعة ‪ .‬ويتميزون في هذه المراتب على ثالثة أحوال ‪ .‬فأربعة في أربعة بستة عشر ‪،‬‬
‫واألحوال الثالثة متميزة بعضها عن بعض بالمرتبة ‪ .‬فذلك تسعة عشر ‪.‬‬
‫واألصناف األربعة هم ‪ :‬الرسل ‪ ،‬واألنبياء ‪ ،‬واألولياء ‪ ،‬والمؤمنون ونعهدهم على‬
‫تسعة عشر قاعدة ‪.‬‬
‫وأسرة‬
‫ه‬ ‫سه ‪ ،‬ونفسه بأربعة ‪ .‬وهي ‪ :‬منابر ‪،‬‬
‫كل صنف منهم يتنعم من حيث عقله ‪ ،‬وح ه‬
‫‪ ،‬وكراسي ‪ ،‬ومراتب ‪.‬‬
‫وتقع التفاصيل في النعيم بين األصناف على حسب حقائقهم ‪ ،‬وأعمالهم ‪،‬‬
‫واختصاصاتهم ‪ ،‬وجدهتهم ‪.‬‬
‫واألسرة قدما بقدم ‪ .‬والمراتب على حد‬
‫ه‬ ‫نقسمه على أهلها بهذه المثابة من المنابر ‪،‬‬
‫سواء ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا هذا الفصل مستوفيا محققا في كتاب ‪ « :‬أسرار الصالة من التنزالت‬
‫الموصلية » ‪.‬‬

‫ومن ذلك أيضا ‪ :‬أنها تتبعنا ما ص هح من األخبار في باب الجبر والنزول إلى محل‬
‫التنشئة ‪ .‬فوجدناها تسعة عشر وهي ‪:‬‬
‫الصورة ‪ ،‬والعين ‪ ،‬واليد ‪ ،‬واليمين ‪ ،‬والقبض ‪ ،‬والقدم ‪ ،‬والتحول ‪ ،‬والفرح ‪،‬‬
‫والضحك ‪ ،‬والعجب ‪ ،‬والنفس ‪ ،‬والذراع ‪ ،‬والمعية ‪ ،‬واالمتحان ‪ ،‬واألنامل ‪،‬‬
‫واالستواء ‪ ،‬والظرفية ‪ ،‬والمكانية ‪ ،‬والنزول ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أنه اتفق أنا نظرنا سور القرآن فوجدناها تسعة عشر نوعا ‪.‬‬
‫منها ‪:‬‬
‫* سور أوائلها ‪ :‬الحروف المجهولة ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬الحمد ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬يا أيها ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬األفعال المستقبلية ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬األفعال الماضية ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬أفعال األمر ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬التسبيح ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬إذا ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬ويل ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬ألم ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬القسم ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬االستفهام ‪.‬‬
‫* وسورة أولها ‪ :‬حرف النفي ‪.‬‬
‫* وسور مفردات أولها ‪ :‬االبتداء ‪.‬‬
‫* وسور أولها ‪ :‬تبارك ‪.‬‬
‫* وسور أولها ‪ :‬اقترب ‪.‬‬
‫* وسور أولها ‪ :‬إنها ‪.‬‬
‫* وسور أوائلها ‪ :‬الم األلف ‪.‬‬
‫* وسور أولها ‪ :‬قد ‪.‬‬
‫فهذه تسعة عشر نوعا ‪.‬‬

‫الرحيم تسعة عشر حرفا ‪.‬‬ ‫الرحمن ّ‬ ‫َّللا ّ‬


‫ومن ذلك ‪ :‬بسم ّ‬
‫والبسملة لألولياء بمنزلة « كن » للحضرة اإللهية ‪ .‬فإذا أراد الولي كون أمر ‪.‬‬
‫الر ِح ِيم فيقع ما يريده ‪.‬‬
‫من ا‬ ‫ّللاِ ا‬
‫الر ْح ِ‬ ‫قال ‪ :‬بِ ْس ِم ا‬
‫الرحيم منك بمنزل « كن » منه واشتركت في‬ ‫الرحمن ه‬ ‫ّللا ه‬
‫وقال الحالج ‪ « :‬بسم ه‬
‫ظهور اْلثار عن التسعة عشر والكواكب التي ذكرناها مجهولة سببا بتقدير العزيز‬
‫العليم » ‪.‬‬
‫وربما لو تتبعنا الوجود وجدنا من ذلك كثير ‪ .‬فليكتف هذا القدر ‪ .‬ولنرجع إلى ما يدل‬
‫عليه هذا المنزل الذي هو منزل المنازل ‪.‬‬
‫ونقول ‪:‬‬
‫العروج في هذه المنازل على نوعين ‪ :‬أعني المنازل المعنوية التي ال يصح النزول‬
‫منها لعالم األجسام ‪ ،‬ألنها ليست أجساما وأ هما العروج فيها بالميم ‪.‬‬
‫فعلى الحقيقة ‪ :‬اللطائف اإلنسانية هي المنزلة لهذه المعاني اإللهية ‪ ،‬واألسرار‬
‫الفهوانية ‪ ،‬وغيرها مما هو لغير الحضرة الفهوانية ‪.‬‬
‫وأما العروج باألجسام فال يصح هإال في عالم األجسام ‪ .‬وذلك مخصوص بمحمد صلى‬
‫ّللا عليه وسلم اختصاص عناية إلهية ‪.‬‬ ‫ه‬

‫‪114‬‬
‫ّللا عليه وسلم وبجسمه فاخترق الجود ‪ ،‬األركان والعناصر ‪،‬‬ ‫فإنه أسري به صلى ه‬
‫وذلك بالحركة ‪ ،‬وكان محموال بالبراق ‪ .‬والحكمة القسرية غير منكورة عندنا وعند‬
‫المحيلين لهذا اإلسراء الجسماني ‪.‬‬
‫فإنها نأخذ الحجر وطبعه النزول ‪ .‬فيرمى به في الهواء فصعوده في الهواء بخالف‬
‫طبعه ‪ ،‬وبطبعه ‪.‬‬
‫فإن طبعه يقتضي الحركة نحو المركز ‪ .‬فصعوده في الهواء عرضي بالحركة القسرية‬
‫‪ ،‬وهي رمي به علوا ‪.‬‬
‫وأما قولنا ‪ :‬وبطبعه ‪.‬‬
‫فإنه على طبيعة تقبل بها الحركة القسرية ‪ .‬ولو لم يكن ذلك في طبعه لما انفعل لها ‪،‬‬
‫وال قبلها ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم الفلك األثير ‪ ،‬وهو نار ‪ .‬والجسم اإلنساني مهيأ‬ ‫وكذلك اختراقه صلى ه‬
‫مستعد لقبول اإلحراق ‪.‬‬
‫ثم إن المانع من اإلحراق أمور يسلمها الخصم ‪ .‬فتلك األمور كانت الحجب ‪ ،‬التي‬
‫ّللا سبحانه في جسم المسمى به ‪.‬‬ ‫خلقها ه‬
‫فلم يكن عنده استعداد االنفعال للحرق ‪ ،‬أو أمر آخر وهو الطريق الذي اخترقه ‪ .‬ليس‬
‫النار هإال محمول في جسم لطيف ‪.‬‬
‫وذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وجعل ضده كنار إبراهيم عليه السالم‬
‫وبأي وجه كان ‪ ،‬فليس بمحال ‪.‬‬
‫ولنا على ذلك طريقة أخرى من جهة الدليل العقلي ‪.‬‬
‫ّللا فاعل كل شيء ‪ .‬فال‬ ‫ليس هذا الكتاب موضعه ‪ .‬فإنا إنما نتكلم مع المسلمين لنا أن ه‬
‫أبالي ‪.‬‬
‫ثم اخترق األفالك من غير أن يسكنها عن تحريكها كاختراق الماء والهواء إلى أن‬
‫وصل السدرة المنتهى فترك البراق بها ‪ ،‬وقعد على الرفرف األزهى ‪.‬‬
‫وارتقى في تلك المحفة العظمى إلى المكانة الزلفى ‪ .‬فاخترق عوالم األنوار إلى أن‬
‫حار موضع القدمين إلى الكون المحيط باألكوان وهي الدائرة الكبرى ‪ ،‬والمحيط‬
‫األعظم ‪ ،‬وحامل الشكل األول ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم ‪ .‬فعاين محل االستواء ‪ ،‬وخلع عليه بذلك المكان‬ ‫كل ذلك بجسمه صلى ه‬
‫خلعة البهاء ‪.‬‬
‫فلما فارق عالم التركيب والتدبير لم يبق له أنيس من جنسه ‪ .‬فاستوحش من حيث‬
‫مركبه فنودي بصوت أبي بكر ‪ :‬يا محمد قف ‪ .‬إن ربك رضي ‪.‬‬

‫ص ِلهي‬
‫فارتاع لذلك النداء ‪ ،‬واضطرب ‪ .‬فسكن جانبيه بأن تلي عليه عند ذلك ‪ُ :‬ه َو الاذِي يُ َ‬
‫ور[ األحزاب ‪. ] 43 :‬‬‫ت إِلَى النُّ ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ ِليُ ْخ ِر َج ُك ْم ِمنَ ُّ‬
‫الظلُما ِ‬
‫هذا لسان األحباب ‪ .‬وخطاب األخالء واألصحاب ‪ .‬وهذا أول األبواب المعنوية ‪ .‬من‬
‫هنا تقع في بحر اإلشارات والمعاني ‪ ،‬وهو اإلسراء البسيط ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫فيقع المشاهد بالبصر ال بالجارحة ألعيان األرواح المهيمة التي ال مدخل لها في عالم‬
‫األجسام ‪.‬‬
‫فترك الرفرف في الحين وانسلخ من الرسم واالسم وسافر برفرف همته فحطت العين‬
‫بساحل بحر العماء حيث ال حيث وال أين ‪.‬‬
‫فأدركت ما أدركت من خلف حجاب العزة األحمى الذي ال يرتفع أبدا ‪.‬‬
‫ثم عادت بال مسافة الشهود علينا ‪ .‬ثم إلى تركيب كونها المتروك بالمستوى مع‬
‫الرفرف األزهى ‪ .‬فنزلت به على معراجها األقدس من عرشه األعلى إلى كرسيه‬
‫األبهى ‪ ،‬إلى السدرة المنتهى ‪.‬‬
‫فأشرف على االستعداد بالعدوة القصوى ‪ ،‬واطلع على السعداء بالعدوة الدنيا ‪.‬‬
‫ثم نزل إلى السماوات العلى سماء بعد سماء إلى بيته األشرف بالحرم المكي األحمى‬
‫غير الكعبة العظمى فأصبح في حرمه آمنا ‪.‬‬
‫ال أثر عليه من إسرائه ‪ .‬وقد أخذ بأبصار القوم عن إدراكهم نور بهائه ‪.‬‬
‫وأخبر القوم بحاله فآمنت طائفة ‪ ،‬وأنكرت طائفة ‪.‬‬
‫فنعت لهم بيت المقدس لرفع التلبيس فازدادوا كفرا ولهم عذاب أليم ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم إسراءات روحانية خالف هذا اإلسراء ‪.‬‬ ‫ثم له صلى ه‬
‫ومعارج معنوية غير هذا المعراج ‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬معراج عائشة ‪.‬‬
‫ومنتهى ما انتهت في ذلك الروايات في علمي من طريق ما رويت إلى أربعة وثالثين‬
‫معراجا ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم من المعراجين الظاهر والباطن ‪ ،‬جسما ومعنى ‪.‬‬ ‫فجمع له صلى ه‬
‫وأ هما نحن ‪ :‬فاإلسراء بنا رؤيا نراها في حال النوم أو الفناء ‪.‬‬
‫فإن كانت نوما فهو الرؤيا والمبشرات وإن كانت فناء فهو المكاشفات ‪.‬‬
‫* والفناء ال ينقض الطهارة ‪ ،‬والنوم ينقضها ‪.‬‬
‫* والنوم حالة تعم الخاص والعام ‪.‬‬
‫* والكشف مخصوص بالخصوص ‪.‬‬
‫* والكشف نتائج األحوال ‪ ،‬والرؤيا نتائج األعمال ‪.‬‬
‫وبينهما فرقان يعلمه أهل هذا الشأن ‪.‬‬
‫* فللمؤمنين واألولياء كشف واستطالع على هذه المنازل الجسمانية في األفالك‬
‫العلوية ‪.‬‬
‫ّللا تعالى فيها من‬ ‫فنعاين ترقيها وتواضعها ‪ ،‬وأشكالها ‪ ،‬وترتيب عوالمها وما أودع ه‬
‫الخصائص ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬وليس لهم في عالم المعاني معراج أصال للمؤمنين وأ هما‬
‫األولياء المختصون فلهم عروج شريف في عالم المعاني مطلقا ‪.‬‬
‫ثم انتقال عنه إلى المشاهد اإللهية التي ال تتغير بالمكان وال نحكم عليها اْلن‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫"" في أصل الكتاب المخطوط قال الشيخ إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ محيي‬
‫الدين بن العربي ‪ « :‬سمعت جميع هذا الكتاب ‪ ،‬وهو كتاب « منزل المنازل الفهوانية‬
‫ّللا محمد بن علي العربي ‪،‬‬
‫» على منشئه اإلمام العالم المحقق الراسخ ‪ :‬أبي عبد ه‬
‫ّللا عنه ‪ .‬مع أبي ‪ .‬وسمع بعضه جماعة منهم ‪ :‬أبو بكر بن عيسى الناعوري ‪.‬‬ ‫رضي ه‬
‫وشمس الدين محمد بن األمير سعد الدين المعظمي الشيخ المسمع وأجازهما الشيخ‬
‫على ما بهما في المجلس ‪.‬‬
‫وذلك في ثاني المحرم سنة ثمان عشرة وستمائة عليه جميعه وقال إسماعيل بن‬
‫وّلل الحمد والمنهة وهو حسبنا ونعم الوكيل » ‪"" .‬‬
‫سودكين ‪ .‬ه‬

‫*‬
‫تم بحمد هللا رب العالمين‬
‫عبد هللا المسافر باهلل‬

‫‪117‬‬
‫كتاب المدخل إلى المقصد األسمى في اإلشارات‬
‫تأليف ال ه‬
‫شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى‬
‫‪ 638‬هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه ال ه‬
‫شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني‬
‫ال ه‬
‫شاذلي الدهرقاوي‬

‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫بِ ْ‬
‫ّللا على محمد وآله وسلم تسليما رب وفق الحمد هّلل وهو نفس الحمد على ما‬ ‫وصلى ه‬
‫تقرر في قلب كل من به تو هحد ‪ ،‬ثم شاهده منه في كل مشهد ‪ ،‬ونزل به وعليه وله في‬ ‫ه‬
‫أصدق مقعد ‪.‬‬
‫والصالة على من هو عين الجمع في هو ‪ ،‬ثم دعى بعبد هو ‪ ،‬وبمحمد ‪ .‬صالة هي‬
‫نفس مصليها وتوحد ‪ .‬ذاتا للحمد في كل قلب وصل وحد ‪.‬‬
‫أ ّما بعد‬
‫فهذا كتاب تكلمنا فيه على ما وقع في القرآن العظيم من األسماء بلسان الحقيقة‬
‫باّلل به ال بي ‪.‬‬ ‫والشريعة على طريقة يرتضيها كل عالم ه‬
‫وسميته ‪:‬‬
‫« المدخل إلى المقصد األسما في اإلشارات ‪ ،‬فيما وقع في القرآن بلسان الشريعة‬
‫والحقيقة من األسماء والكنايات » ‪.‬‬
‫فأول ما أذكره ‪:‬‬ ‫ه‬
‫أن االسم هو المسمى ‪ ،‬والمسمى والتسمية لسان حقيقة ‪.‬‬
‫لسان عقل االسم ؛ اللفظ الدها هل على المس همى ليس المسمى وهو لفظ المسمى أو رسمه ‪.‬‬
‫والمس ّمى ‪ :‬الالفظ باالسم أو الراقم له ‪ ،‬والمس همى المدعو بذلك اللفظ أو الرقم ‪.‬‬
‫والتسمية ‪ :‬حالة في المس همى ‪ ،‬وهو تصور االسم في النفس ‪.‬‬
‫س ِبهحِ ا ْس َم َر ِبه َك[ األعلى ‪ ] 1 :‬وت َ َ‬
‫بار َك ا ْس ُم َر ِبه َك[ الرحمن ‪. ] 78 :‬‬ ‫لسان حقيقة ‪َ :‬‬

‫فالرب ‪ :‬هو االسم على الحقيقة ‪ .‬كقولك ‪ :‬اسم ‪ .‬واسم عبارة عن المسمى ‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬
‫المسبهح ‪.‬‬
‫وهو « الهو » المشهود فيك ‪،‬‬
‫وهو الشاهد ‪ .‬فإن التسبيح له ‪ ،‬والهو المطلق ال يقبل التسبيح ‪.‬‬
‫ومن هنا قال العارف ‪ « :‬سبحاني » ‪.‬‬
‫س ام ْيت ُ ُموها[ يوسف ‪. ] 40 :‬‬ ‫إشارة بلسان الحقيقة ‪:‬ما ت َ ْعبُدُونَ ِم ْن دُونِ ِه إِ اال أ َ ْسما ًء َ‬
‫فاالسم ‪ :‬روح ‪ .‬والمس ّمى ‪ :‬حامله ‪.‬‬
‫ولوال االسم ما عبد هذا الصنم ‪ .‬واالسم للهو ‪ ،‬ال لذا ‪ .‬فاالسم المعبود ‪ .‬فانتفى‬
‫الشرك ‪.‬‬
‫س ْل ٍ‬
‫طان[ النجم ‪:‬‬ ‫س ام ْيت ُ ُموها أ َ ْنت ُ ْم َوآبا ُؤ ُك ْم ما أ َ ْنزَ َل ا‬
‫ّللاُ بِها ِم ْن ُ‬ ‫ي إِ اال أ َ ْسما ٌء َ‬
‫إشارة ‪.‬إِ ْن ِه َ‬
‫‪. ] 23‬‬

‫‪118‬‬
‫ونزهها عن النزول ‪ .‬فإنهه ال ينزل على شيء هإال من لم‬ ‫فمن أسمائه هنا أنت ‪ ،‬وأنا ‪ .‬ه‬
‫يكن فيه ‪ ،‬ولم يكن شيء بال هو ‪ ،‬فال نزول ‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو ما بقي فأدرج عليه بفتح أقفال الغيوب بأيسر شيء ‪ .‬لسان عقل في‬
‫كل ما ذكرنا المسبهح المس همى وهو المعبود ‪.‬‬
‫ّلل ْاأل َ ْسما ُء ْال ُح ْسنى[ األعراف ‪:‬‬
‫فاالسم قد يطلق ويراد به المس همى ‪ ،‬لسان حقيقة ‪َ :‬و ِ ا ِ‬
‫‪ . ] 180‬فإذن ثم األسماء السواء ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬فاألسماء هّلل كالمعاني للذات سواء ‪ .‬انظر كيف نفى ب « ال » ‪ ،‬والالم كسرت‬ ‫أ ه‬
‫الهاء ‪.‬‬
‫وقد انتفت بـ « ال » فظهر الهو ‪ .‬فبقي هو األسماء الحسنى ‪.‬‬
‫ئ ْال ُم َ‬
‫ص ه ِو ُر[ الحشر ‪] 24 :‬‬ ‫بار ُ‬‫ّللاُ ْالخا ِل ُق ْال ِ‬
‫ّللا تعالى ‪:‬هُ َو ا‬
‫فاالسم ‪ :‬المسمى ‪ .‬قال ه‬
‫وغير ذلك ‪.‬‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫وتكفي هذه اإلشارة في االسم ‪ :‬لسان ظاهر « بسم » لسان باطن ه‬
‫افتتح كالمه بالباء وهي اثنان ‪ .‬ولم يمكن أن يفتتح باأللف ألنه يريد الظهور ‪ ،‬وإدخال‬
‫الوجود األول في الثاني ‪ .‬فدخل بالباء من أجل أنها اثنان وهو المطلوب ‪.‬‬
‫ّللا بعد‬
‫وهي من عالم الشهادة من أجل الظهور والغيب مدرج فيه ‪ ،‬وظهر في كلمة ه‬
‫بسم ‪.‬‬
‫فبدأ بالباء فلما انتهى إلى السين عاد إلى ما منه بدأ وهو الميم ‪.‬‬
‫ّللا ‪ .‬فل هما انتهى إلى « الالم » ‪ .‬عاد إلى ما منه بدأ وهو الهاء ‪.‬‬ ‫ثم بدأ باأللف في كلمة ه‬
‫الط هرة فكل شيء في‬ ‫فالتقى الالم بالسين في معقد اإلزار وهو الوسط كما رسمناه في ه‬
‫َّللا » ‪.‬‬
‫قولك ‪ « :‬بسم ّ‬
‫وإن كان الهو أنت ‪ .‬فأنت أنت ‪ ،‬وهو هو ‪.‬‬
‫َّللا » ‪.‬‬
‫فاختص بالهاء بالحرفين وهما «كن» واختص «أنت» بالكلمتين وهما « بسم ّ‬
‫ولما لم يكن أن يقوم « األنت » هإال با « لهو » ‪.‬‬
‫لم يكن أن تخلو الكلمتين عن حرف ألن الحرفين له ‪ .‬فدخلت الباء ‪ .‬ول هما كانت كلمتين‬
‫احتجنا حرفا يكون اثنين ‪.‬‬
‫فلهذا كانت الباء دون غيرها ‪.‬‬
‫َّللا منك بمنزلة كن منه » ‪.‬‬ ‫وقد أشار بعض السادة إلى ما ذكرناه فقال ‪ « :‬بسم ّ‬
‫فهذا بسط ما أشار على اإليجاز ‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬لم يحتج إلى علم سواه ‪ .‬فإنه الحاوي لكل شيء والساري في كل‬ ‫فمن عرف بسم ه‬
‫شيء ‪.‬‬
‫ولهذا بدىء به وجعل الباء تعمل في الميم عمل اإلضافة في الهاء وهو عمل انخفاض‬
‫من أجل النزول إلينا لنعرفه فإنها في الخفض فلو جاء بعامل الرفع لم نطق ذلك ‪.‬‬
‫كناية « ب » من « بسم »‬
‫ّللا ‪ .‬وليس األمر كما زعم ‪ .‬فإنهه أرسلها‬ ‫كنى بالباء عن الهو عند بعض شيوخنا رحمه ه‬
‫مطلقة ‪ ،‬ووجه التحقيق في ذلك إنما الكناية بالباء من كونها مكسورة ‪ ،‬ألنها تظهر «‬

‫‪119‬‬
‫ياء » الكناية التي هي بمنزلة الهو في مرتبة أخرى ‪ ،‬ثم حذفت من مرتبتي الخط‬
‫واللهفظ من أجل سكون السين ‪ ،‬وهي غيب في السر البرزخي الذي بين الباء والسين ‪،‬‬
‫وفي موضع هذه الياء الغيبية ظهرت األلف األنية من ‪ِ :‬ب ْس ِم ا ِ‬
‫ّللا َم ْجراها[ هود ‪. ] 41 :‬‬
‫وا ْق َرأْ ِبا ْس ِم َر ِبه َك[ العلق ‪. ] 1 :‬‬
‫فإن بعض الحذهاق جعل الباء بدال من ألف الوصل ‪ ،‬ولو كان ما قاله حقا لما أظهره‬
‫ّللا َم ْجراها‪ .‬وا ْق َرأْ بِا ْس ِم َر ِبه َك‪.‬‬
‫لنحقق الصادق اإلمامة في ‪:‬بِ ْس ِم ا ِ‬

‫ّللا بدل من البسملة كلها نقلت إلى‬


‫لكن الذي يعطي التحقيق ‪ .‬أن الباء من براءة من ه‬
‫سورة النمل في الكتاب السليماني فهذا الحرف البائي إنما وقعت الكناية به في حال‬
‫ي على صورة الحضرة اإللهية ‪.‬‬ ‫كسره ألنه ثنائ ه‬
‫فإنه عين العبد الجامع اإلنساني الصوري ‪ ،‬وكذلك بالصورة اإلنسانية وهي حرف‬
‫الباء ‪.‬‬
‫ظهر االقتدار والحكم في المملكة وبهذا كنى عنه بالخالفة فكان ظاهرا لباطنيهته‬
‫المستخلفة وشهادة لغيبيته ليكون مطلوبا أبدا ‪.‬‬
‫فيكون االفتقار الزما والحاجة ‪ .‬ويكون العبد مقدسا مشهودا حجابا أحمى ‪ .‬وهو أينيهة‬
‫المعنى المطلوب الذي كان في العماء ‪.‬‬
‫وقد أشار من قدس غيبه لذلك فقال ‪ « :‬ما وسعني أرضي وال سمائي ووسعني قلب‬
‫عبدي » فافهم ‪ .‬أورده العجلوني‬

‫َّللا » ‪:‬‬
‫اسم « ّ‬
‫اسم وقع في القرآن باللسانين ‪ .‬وهو االسم المحيط ‪ .‬فجميع األسماء تحت حيطته ‪،‬‬
‫ستتنوع في‬
‫ه‬ ‫وهو لها كالذات لما تحمله من المعاني وهو اسم الذات المجازية ‪ ،‬التي‬
‫الصور على البصائر ‪ ،‬واألبصار ‪.‬‬
‫التنوع البصري في أعيان األرواح كالصورة الدحيية ‪ ،‬وشبهها ‪ .‬وظهر‬ ‫وظهر هذا ه‬
‫التنوع البصري في اإلنسان ‪.‬‬ ‫ه‬
‫ويكون له التنوع البصري وقتا ‪ ،‬وفي سوق الجنان قلب األعيان في صور اإلحسان ‪.‬‬
‫ي في العالم ‪ ،‬وهو ما يؤيد باب الصورة المفطورة ‪.‬‬ ‫التنوع اإلله ه‬
‫فقد ظهر ه‬
‫والهو من هذا االسم ‪ :‬هو اسم الذات الحقيقية التي تتنوع فيها الصور وتتقدس في نفسها‬
‫نوع والتحول ‪.‬‬ ‫عن الت ه ه‬
‫وسيأتي اسم الهو بعد هذا ‪.‬‬
‫فهذا االسم كلمة نفي رفعتها الروحانيات العلى إليها وشدهت تم هكنها بها لتنفي بذلك كل‬
‫ما سوى الهو ‪ ،‬وألف األنا ‪ ،‬والم األلف النافية موجودة في رسم الهو ‪.‬‬
‫هكذا فانظر هو ‪.‬‬
‫َّللا ‪.‬‬
‫فاّلل الهو ‪ ،‬والهو ّ‬ ‫ّ‬
‫فتارة يكون الهو بالهو ‪ .‬ولكن بوجود األنا ‪ ،‬وتارة يكون الهو باألنا ‪ ،‬واألنا بالهو ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫فوقعت األلف اإلنيهة غير متصلة وال متصل بها ظاهرا وباطنا ‪.‬‬
‫ووقع الهو مثل ذلك باطنا ال ظاهرا رسميا ‪ ،‬ولكن ظاهرا فهوانيا ‪.‬‬
‫فإنه ال يصح اتصالها مع كلمة العدم ‪ .‬فإن الهو كلمة وجودية ‪ ،‬وهذه حرف النفي ‪.‬‬
‫فإن األلف فيه ظاهر ‪.‬‬
‫ثم قد يقع الهو بالهاء والهي وقد أشرنا لذلك‬
‫و « لياء » إلضافة في قولنا ‪:‬‬
‫طن الخريت لي وتنبّها‬ ‫انظر إذا ما قلت هو أو قلت ها ‪ ....‬وتف ّ‬
‫الدني تألّها‬
‫ّ‬ ‫وأنّا يولد منها هي والذي ‪ .....‬يعطي أنا تجد‬
‫ما ياء إنّي غير واو الهو وال ‪ .....‬هو ذاته عند اللطائف والنّهى‬
‫إن النّهى معقولة بنفوسها ‪ .....‬وكذا النفوس بهو وهي عقلت وها‬ ‫ّ‬
‫س ّر في غسق الدّجى ‪ ....‬ليحلّها بالعين من عند اللها‬ ‫فإذا دعاها ال ّ‬
‫قالت ‪:‬‬
‫أنا محبوسة بدعائكم ‪ ....‬ما بين مبدي جودكم والمنتهى‬
‫وقد اندرج في الكالم في هذا االسم اللسانان ‪.‬‬
‫وهي إشارات قدسية تتميماتها غيب فيها ليعرف المدهعي المستور على الحقائق أين هو‬
‫فلينتقل ‪.‬‬

‫اسم « الرحمن » ‪:‬‬


‫من ( ‪َ ) 1‬علا َم ْالقُ ْرآنَ ( ‪ [) 2‬الرحمن ‪. ] 2 ، 1 :‬‬ ‫الر ْح ُ‬
‫الر ِح ِيم ا‬
‫من ا‬ ‫ّللاِ ا‬
‫الر ْح ِ‬ ‫ِب ْس ِم ا‬
‫رحيم بين رحمانين كنهر بين بستانين ‪ .‬وتلميذ حديد القلب ملقى بين أستاذين ‪ .‬فقل‬
‫ّلل ْاأل َ ْسما ُء ْال ُح ْسنى[ األعراف ‪، ] 180 :‬‬
‫‪.‬و ِ ا ِ‬
‫السر في هذين َ‬
‫ه‬ ‫للحاذق النحرير إن‬
‫وللرحمن األسماء الحسنى ‪.‬‬
‫ّللا منيع الحمى مفردا أبدا ‪ .‬والرحمن منيع الحمى مثله ما دامت‬ ‫وهما المدعوان لكن ه‬
‫ألف أنا ‪ ،‬والم المعرفة معه ‪ .‬فإذا زاال أخذته اإلضافة ‪.‬‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫فقيل ‪ :‬رحمان اليمامة فهو منيع الحمى على اإلطالق ولهذا ناب مناب االسم ه‬

‫وإنما قيل اإلضافة ألمرين ‪:‬‬


‫األمر الواحد ‪ :‬ما ذكرناه من زوال ألف األنا ‪.‬‬
‫ّللا وهو الهو إذا وقعت الكناية عنه دخل النكران كما دخل في‬ ‫أن ه‬‫واألمر اآلخر ‪ :‬ه‬
‫رحمان ‪.‬‬
‫فقيل ‪ :‬إلهك وإلهي ‪ .‬كما قيل ‪ :‬رحمان الدنيا واْلخرة ‪.‬‬
‫َّللا » حين قيل‬
‫شبه بين االسمين كان ما ذكرناه لسان لم يقولوا ‪ « :‬وما ّ‬ ‫فل هما وقع ال ه‬
‫َّللا » ‪.‬‬
‫لهم ‪ « :‬اعبدوا ّ‬
‫من[ الفرقان ‪. ] 1 :‬‬ ‫وقالوا ‪ « :‬وما الرحمن » ‪ .‬حين قِي َل لَ ُه ُم ا ْس ُجدُوا ِل ا‬
‫لر ْح ِ‬
‫فإن الرحمة تناقض التكليف ‪ .‬بخالف األلوهية ‪ .‬فلهذا زادهم نفورا ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫فإنهم ما عقلوا الحقيقة ‪ ،‬ولو عرفوا أن للرحمن األسماء الحسنى ‪ ،‬كما هي هّلل ‪ ،‬لعرفوا‬
‫أن من أسماء الرحمن المكلف والمعبود وغير ذلك ‪ .‬فافهم ‪.‬‬

‫ول هما كانت المهيمنيهة على جميع األسماء لذلك اختص االستواء وبما في السماوات‬
‫بالسر وما هو أخفى ‪ .‬فإن الهو‬
‫ه‬ ‫واألرض وما بينهما ‪ ،‬وما تحت الثرى ‪ ،‬وبالعلم‬
‫من ( ‪ [) 1‬الرحمن ‪ ] 1 :‬بعدم‬ ‫الر ْح ُ‬
‫لإلن الحقيقي كناية عن الرحمن ا‬ ‫ه‬ ‫المجاور‬
‫المعارضة واإلعجاز وهي عالمته فيه ولكن من كونه قرآنا ال فرقانا ‪.‬‬
‫آن ال َيأْتُونَ ِب ِمثْ ِل ِه[ األسراء ‪ . ] 88 :‬ولم يقل الفرقان ‪.‬‬
‫ولهذا قال ‪ِ :‬ب ِمثْ ِل ه َذا ْالقُ ْر ِ‬
‫فإن مقام الجمع صعب المنال جدا ‪ .‬فالرحمن جمع الجمع ‪ .‬فإنه المعلم الجاعل العالمة‬
‫في عين الجمع بالتمانع ‪ ،‬فافقه ‪ .‬ويكفي هذا القدر باللسانين ‪.‬‬

‫اسم « الرحيم » ‪:‬‬


‫اسم من ثالثة أسماء ظهرت في كل منزلة ‪ ،‬وهو اسم مشترك في التفكير ‪ ،‬مفرد في‬
‫التعريف ‪ .‬اسم مختص باإليمان والتقوى واإلنفاق واالتباع ‪.‬‬
‫وهو االسم الكاتب على نفس الربه ‪.‬‬
‫وهو في األلوهية مطلق ‪ .‬فإذا اتبع السم آخر فليس لضعف فيه مثل قوله ‪َ :‬غفُ ٌ‬
‫ور‬
‫الر ِحي ُم[ الطور ‪. ] 28 :‬‬ ‫َر ِحي ٌم[ البقرة ‪ْ ، ] 173 :‬‬
‫والبَ ُّر ا‬
‫قال ‪َ :‬وكانَ بِ ْال ُمؤْ ِمنِينَ َر ِحيما ً[ األحزاب ‪. ] 43 :‬‬
‫ُف َر ِحي ٌم[ التوبة ‪. ] 128 :‬‬‫وقال ‪ِ :‬ب ْال ُمؤْ ِمنِينَ َرؤ ٌ‬
‫فإن الرحمانية لها الوجود اإليجادي ‪ ،‬ولها الصبغة ‪ .‬والرحيم له الصبغة والنعت‬
‫والصفة وهو شجنه من مس هماه إذا أطلق على الكون فهو أبدا يطلب الوصل ويكره‬
‫القطع والفصل هو اْلخر والمباشر للمنزلة ‪.‬‬
‫ّللا وال شيء معه ‪ .‬وهو‬ ‫ألن المنزلة والمرتبة للشيء ال يكون هإال بعد وجود عينه فكان ه‬
‫اْلن على ما عليه كان ‪.‬‬
‫والرحمن ‪ :‬إليجاد األعيان ‪ .‬والرحيم ‪ :‬لتعيين المراتب ‪ .‬ولهذا كانت السورة من‬
‫القرآن بالسين ‪.‬‬
‫ّللا أعطاك سورة ‪ .‬أي ‪ :‬منزلة ‪ .‬ألف أنا ‪ ،‬أيهد الفهوانية به ‪،‬‬ ‫قال النابغة ‪ :‬ألم تر أن ه‬
‫والم التعريف نكرة لكونه ليس هو ‪ .‬فإن الهو ال يقبل الزيادة ‪ ،‬ألنه نفس المعرفة ‪.‬‬
‫ولوال هذه األسماء ما هي نابتة عن الهو ما كان لها هذا الحكم ‪ ،‬ولما لم تكن عين‬
‫الهو ‪ .‬لهذا قبلت التعريف ‪.‬‬

‫رب » اإلضافة ‪:‬‬


‫اسم « ّ‬
‫الربه المضاف حكمه حكم ما أضيف إليه ‪.‬‬
‫ألنه ال يعطى هإال بحسب ما يقتضي مرتبة المضاف إليه ‪ ،‬وأعلى مراتب اإلضافة أن‬
‫يضاف إلى كل ما سواه ‪ .‬فإنه يقرب من مرتبة الرب المطلق ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫أين قوله ‪ :‬رب العالمين ‪ .‬وقوله ‪ :‬وهو رب كل شيء ‪ .‬من قوله ‪ :‬ربكم وربه آبائكم ‪.‬‬
‫أو قوله ‪ :‬ربه السماوات ‪.‬‬

‫فإذا أطلق من غير تقييد فهو الهو الثابت وليس له حكم ‪ .‬فإنه ليس ث هم سوى الهو ‪ ،‬وإذا‬
‫قيهد فال ب هد من وجود العين وظهور السلطان ‪.‬‬

‫اسم « مالك الملك » إذا أضيفا ‪:‬‬


‫الكالم في إضافته كما تقدم في الربه ‪ ،‬وهكذا كل مضاف إليه هذا االسم تحت حيطة‬
‫الرب وهو عنه ومن سريته وال يصح أن يكون مطلقا أبدا ال بالقوة وال بالفعل ‪.‬‬
‫والملك ‪ :‬ملكان ‪ - .‬ملك يجوز بيعه ‪ - .‬وملك ال يجوز بيعه ‪.‬‬
‫فملك هذا المالك يصح فيه البيع من وجه وال يصح في مرتبة أخرى ‪ ،‬ولهذا اشترى‬
‫من المؤمنين أنفسهم ‪ ،‬واشترى منه الضاللة بالهدى ‪.‬‬
‫والملك ‪ :‬ملكان ‪ - .‬ملك يعزل عنه مالكه ‪ .‬على زعم الذي يعزله ‪ .‬وهو قوله ‪ِ :‬ل َم ِن‬
‫ار[ غافر ‪– . ] 16 :‬‬ ‫واح ِد ْالقَ اه ِ‬
‫ّلل ْال ِ‬
‫ْال ُم ْلكُ ْال َي ْو َم ِ ا ِ‬
‫وملك ال يعزل عنه مالكه ‪.‬‬
‫وهذا كله موجود في الحضرة اإللهية غير العامة لتنزلها وعندنا لما تعطيه الحقائق ‪،‬‬
‫وإن تنزل ‪ .‬فلو ال ما أعطت الحقائق ه‬
‫تنزله ما تنزل ‪.‬‬
‫أقر لنا بالملك ‪.‬‬
‫ولما كان ال يصح ملك بين اثنين ‪ .‬قلنا هذا وقد ه‬
‫ت أَيْمانُ ُك ْم[ النساء ‪ . ] 3 :‬فأيهد الملك باليمين التي هي القوة ‪ .‬فص هح ‪،‬‬ ‫فقال ‪:‬أ َ ْو ما َملَ َك ْ‬
‫وال تبالي من االشتراك في الملك ‪ .‬فإنه ليس بصحيح عند االنتقاد والفحص ‪ .‬فإن الذي‬
‫لهذا منه غير الذي للشريك منه ‪.‬‬
‫مقرون بالوحدانية أبدا ‪.‬‬ ‫فالملك إنا ّ‬
‫كناية « ك » ‪:‬‬
‫اسم خطابي يطلب الحضور والمشاهدة والرؤية ‪ .‬لكن بابه الحضور خاصة ‪ ،‬وقد‬
‫ّللا تعالى ‪ .‬فإن الخطاب والمشاهدة ال يجتمعان‬ ‫يكون الحجاب ‪ ،‬وقد يكون هإال في حق ه‬
‫فال بد من الحجاب ‪.‬‬
‫وأ هما في الكون فال تبالي بشيء هإال المحبين في وقت ما ‪ ،‬ال في كل وقت ‪.‬‬
‫وهذا الكاف هو اسم للذات المجازية وكذلك الياء في إِ ِنهي أَنَا َرب َُّك[ طه ‪ ] 12 :‬وغير‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وهو المؤيد للتسعة عشر ‪ .‬وهم السبعة واالثنا عشر ‪ .‬وال بد من عجز الكون فال بد من‬
‫تأييد القادر وهو العشرون وهو الكاف ‪ ،‬وهو نظير الباء في العقد األول فإنه ثان ‪.‬‬

‫كناية « العابد » ‪ :‬نيابة‬


‫« مرضت فلم تعدني ‪ ،‬وجعت فلم تطعمني »‪.‬‬
‫وهذا االسم هو الذي يهب من تحت األرجل ‪ ،‬وكان يدعو عليه اللهم ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫ّللا أو على‬
‫ويستعيذ أن يغتال من تحته وكل ذم وقع في الوجود في فعل من األفعال من ه‬
‫لسان الكون ‪ .‬فهو على هذا االسم وكل حاجة تقضى في العالم عند الدعاء ‪.‬‬
‫فهذا االسم الذي يقضيها فهو المشؤوم ‪ ،‬وهو بهذه المثابة ‪.‬‬
‫ومن تخلق بهذا االسم العابد لم يكن أحد فوقه ‪.‬‬
‫المدعو بقوله ‪ :‬اهدنا ‪ ،‬وال تؤاخذنا ‪ ،‬وافعل لنا ‪ ،‬واصنع لنا ‪.‬‬
‫ه‬ ‫وهو‬
‫وعن صورة هذا االسم صدر العالم ‪.‬‬
‫وهو قوله عليه الصالة والسالم ‪ « :‬خلق آدم على صورته » رواه البخاري ومسلم‬
‫ورواه غيرهما ‪.‬‬
‫هذه هي الصورة الحقيقية ‪.‬‬
‫وأ هما الصورة المجازية فمن الذات المجازية ‪.‬‬
‫فخص هذا االسم ‪ .‬فإن اْلدمية لها هذا المقام ‪.‬‬
‫ه‬ ‫ولهذا قال ‪ :‬خلق آدم ‪.‬‬

‫كناية «النّستعين» ‪ :‬نيابة ‪.‬‬


‫ال تصح كمال الحمد والمعرفة في الوجود هإال بوجود حمد الكون ومعرفته ‪ ،‬وحينئذ‬
‫تكون المراتب كاملة ‪ .‬وكان طلب العون لكمال الحمد والمعرفة والكون ‪.‬‬
‫إذ ذاك ال شيء لكنه من األشياء العلمية ‪ .‬ألن مراتب الوجود أربعة ‪.‬‬
‫فخوطب في مرتبة ما منها يطلب العون طلبه االسم العابد باالسم المستعين ‪.‬‬
‫فأجاب الكون ‪ ،‬فخرج من وجود العلم إلى وجود العين فكان العون المطلوب في كمال‬
‫المراتب ‪.‬‬
‫فكان المتعين هذا منه إنما هو مطلوب معاوضة ‪ .‬فطلب العابد والمستعين من المعين‬
‫والمستعين ‪ ،‬والمستهدى من المستهدي ‪.‬‬
‫فكما أعنتك فأعنهي ‪ ،‬وكما هديتك فاهدني ‪.‬‬
‫ّللا ما أعجبه ‪.‬‬
‫سر ه‬ ‫وهذا في كل نيابة فأيهم ه‬

‫كناية « المستهدي » ‪:‬‬


‫نيابة من طلب منك العون في أمر ما فقد طلب منك الهداية إلى ظهور طريق ذلك ‪.‬‬
‫فإنه بك يظهر ‪ ،‬فأنت المبين له والمهدي فإن العين يجب أن تراه ‪.‬‬
‫ولهذا االسم المستهدي فإن العلم به ثابت لكن العين له فائدة ‪ ،‬وال يهتدي لطريقه إال‬
‫بوجوده ‪ .‬فلهذا كان الكون المستهدي والهادي ‪.‬‬
‫تتنوع بحسب ما يكنى به عنها من األمور ‪ ،‬وما يتوجه به عليه ‪ ،‬وقد‬ ‫ثم هذه الكناية ه‬
‫يكون اسما ولكن ال بد أن يكون مسندا فإنه غير مستقل ‪.‬‬
‫كأكثر األسماء هإال القليل مثل الحي ‪ ،‬والثابت ‪ ،‬والعالم ‪ .‬وقليل من ه‬
‫سر به ‪.‬‬
‫االسم " المنعم " ‪:‬‬
‫اسم أظهر به النعمة التي هي أثره فهو عنها كما هي عنه ‪ ،‬فصار األمر دوريا ‪،‬‬
‫بأولها ‪ .‬فلم يتعين أول عن آخر ‪ ،‬وال آخر عن أول ‪ .‬غير أن‬ ‫واتصلت أواخر الدوائر ه‬

‫‪124‬‬
‫هذا االسم ‪ ،‬وإن انسحب على جميع النعم كما تنسحب عليه جميع النعم من باب‬
‫اإلجمال ولكن ال بد من تقييده بنعمة مخصوصة أي ال شخصية ال يصح إطالقه مرسال‬
‫س هر فيه ‪ ،‬أو في‬
‫مثل المنعم في الفاتحة بالسلوك على الصراط المستقيم الذي هو ال ه‬
‫األشياء به وال بد ‪.‬‬
‫فهذا معنى تقييده وكذا جميع األسماء والكنايات ‪.‬‬

‫كناية " المغضوب عليه " ‪:‬‬


‫نيابة ظهرت في الكون عنه تقديسا للجانب األحمى ترقاه من هذه الكناية بنفسه ‪ ،‬ولهذا‬
‫شرف الكون حيث كان حبه الذم المتعارف عن الجانب القدسي وتحقيق هذا اإلنسان أن‬
‫كل اسمين تقابال كالمبلي والمنعم ‪ ،‬وما أشبه ذلك إذا ظهر سلطان أحدهما في المحل‬
‫فإن مقابله معزول معروض عنه فهو مغضوب عليه إلى أن يدور الدور وتأتي دولته‬
‫ويعزل صاحبه فينعكس الغضب عليه ‪.‬‬
‫ولذلك إن الغضب ال يصح للذوات ‪ ،‬وإنما يطلب صاحب الفعل وهو االسم المقابل ‪،‬‬
‫فهو المغضوب عليه وهو المضل مثال ‪ ،‬والخاذل ‪.‬‬
‫فإن الهادي صاحب المنعم فهو يطلب المغضوب الذي هو المضل ‪ .‬فافهم ‪.‬‬

‫ضال " ‪:‬‬‫كناية " ال ّ‬


‫نيابة الضا هد هنا عن طريق مخصوص دعاه إليه االسم الهادي وكان المدعو عنك ذلك‬
‫بحب فسلك به طريق غير الهدى فسمى الهادي المضل ضاال ‪.‬‬
‫لعدوله عما دعاه إليه مما يوافق غرض المدعو آجال ال عاجال ‪ .‬فبانت الحقائق‪.‬‬

‫كناية " الكاتب " ‪ :‬نيابة ‪.‬‬


‫وذلك أنه لما ض هم المعاني إلى القوالب المحتومة وأدرجها فيها ‪ ،‬كان كاتبا ‪.‬‬
‫الكاتب يطلق [ على ] من كان مراده نفس قلمه ‪ ،‬وقلمه أصبعه وأصبعه عين ذاته‬
‫فيكون هو هو ليس غير ‪ .‬وكل كاتب يفتقر إلى آلة فهو كاتب كون الوجود رق منشور‬
‫‪ ،‬والعالم فيه كتاب مسطور ‪ ،‬والقلب بيت معمور بما وسع من « ما وسعني » ‪،‬‬
‫والطور نصف الدائرة الظاهرة الذي هو « ن » ‪.‬‬
‫ومستوى الرحمن الذي هو العقل السقف المرفوع والنفس الحاملة نسخة الحق والعالم‬
‫البحر المسجور إن عذاب ربك لواقع بتالطم األمواج الحتراق الرياح والزعازع ما له‬
‫من دافع لوجود الخالء ولطافة الهبوب لسان ضم الذات إلى الذات على الموازنة كتابة‬
‫وانضم لهما كاتب ‪.‬‬
‫وكنية لبستها بكنية حتى إذا التبست نقصت بها يدي فتصادمت الذاتان فتقادما وقع‬
‫الصلح على أن أكون الظاهر هنا ويكون الباطن ‪ ،‬ويكون هو الظاهر هناك وأكون‬
‫الباطن فيصح الظاهر والباطن للذاتين بالتجليين في الحضرتين فال بد من ظاهر وباطن‬

‫‪125‬‬
‫ألنه ال بد مني ومنه فهي الكتابة فإن ظهرنا هنا فإنها وإن ظهرنا هناك فهو الكاتب لسان‬
‫المعاني أوجدت ذوات الحروف في أعيانها ‪ ،‬والحروف أوجدت المعاني عندك ‪.‬‬
‫إنك توجد فال بد لك من مادة ‪ ،‬وهو الحرف ‪.‬‬
‫وهو األستاذ فال بد له من مادة التوصل الذي به يقع التلقي منك وهو الحرف فقد اجتمع‬
‫األستاذ والتلميذ على إيجاد الحرف ‪ .‬فهي الكتابة وواضعها الكاتب ‪ ،‬وهو اجتماع‬
‫الذاتين على إيجاده فتحقق ‪.‬‬

‫فصل وقد بيّنّا في هذا المدخل كيف ينبغي للعارف‬


‫وقد بيهنها في هذا المدخل كيف ينبغي للعارف أن يأخذ األسماء والكنايات ‪ ،‬وكيف ينزلها‬
‫سعناها حتى نستوفي ما ظهر في الوجود منها لطال األمر وحاف على وقتنا‬ ‫‪ .‬فإنا لو و ه‬
‫وتركنا ما هو األولى بنا من االشتغال ‪.‬‬
‫وّللا يعصم إنه على ما يشاء قدير ‪.‬‬
‫وعرفنا صورة التأويل ‪ ،‬ه‬ ‫ه‬ ‫فقد م ههدنا السبيل‬
‫ّللا تعالى وعونه ‪.‬‬‫كمل كتاب المدخل بحمد ه‬
‫وذلك في أواخر شهر ذي الحجة ‪.‬‬
‫ّللا على سيدنا محمد ‪.‬‬
‫سنة تسع وعشرين وثماني مائة ‪ .‬والحمد هّلل وحده وصلى ه‬
‫وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا‪.‬‬
‫*‬
‫تم بحمد هللا رب العالمين‬
‫عبد هللا المسافر باهلل‬

‫‪126‬‬
‫كتاب العظمة‬

‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬ ‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫ِب ْ‬
‫ّللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد هّلل مبدع الثاني في‬ ‫وصلى ه‬
‫ه‬
‫ومنزل القرآن العظيم‬ ‫سبعة أعالما ‪،‬‬ ‫المثاني ‪ ،‬ومودع المعاني في المعاني ‪ ،‬مقيم ال ه‬
‫ّللا على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما‪.‬‬ ‫إماما ‪ ،‬وصلى ه‬

‫حضرة تميّز األول باب أوله باء ‪ ،‬وآخره ميم‬


‫ولما كانت الباء أول موجود مقيهد ‪ ،‬وكانت في المرتبة الثانية من الوجود ‪ .‬كان لها‬
‫سفلي ‪.‬‬‫العمل في عالم الكون ال ه‬
‫فأول معمول يليها هي الحاكمة عليه بالذات ‪.‬‬
‫ثم إذا كان معموال ممن يطلب وجودا آخر يستند إليه ‪ ،‬عمل فيه ذلك االستناد عمل‬
‫الباء ‪ ،‬وإن اختلف وجه الحكم ؛ فصورة العمل واحدة ‪.‬‬
‫غير أن في هذا الباب الذي في هذه الحضرة ‪،‬‬
‫أربع كلمات قدسية ‪:‬‬
‫اسم االسم وهو مكون الباء ‪.‬‬
‫ثم االسم ‪ :‬وهو مكون اسم االسم ‪.‬‬
‫ثم كلمة العموم اإليجادي ‪.‬‬
‫ثم كلمة االختصاص ‪.‬‬

‫وهذه الكلمات كلها ( صدرت على حكم الكون األسفل ‪ ،‬مع علوها ورفعتها ‪ ،‬ولهذه‬
‫ونوم ‪.‬‬
‫الكلمات الوجودية ) عشرون شخصا ‪ .‬منهم أموات ‪ ،‬وأحياء ‪ ،‬ه‬

‫فاألحياء ‪ :‬عشرة أشخاص ‪ ،‬منهم ستة حياتهم سفلية ‪ ،‬وأربعة حياتهم برزخية ‪ ،‬وما‬
‫فيهم من له حياة علوية ‪.‬‬
‫واألموات ‪ :‬ثمانية ‪.‬‬
‫والنّوم ‪ :‬اثنان ‪.‬‬
‫ولكل واحد من هؤالء األشخاص منازل يعرفون بها ‪ ،‬ومن هذه المنازل يكون لهم‬
‫الحكم في العالم ‪.‬‬
‫فالحي األول ‪ :‬له منزلتان ‪.‬‬
‫ّ‬
‫والثاني ‪ :‬له أربعون منزلة‬
‫والثالث ‪ :‬له خمس منازل ‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬له خمسون منزلة ‪.‬‬
‫والخامس ‪ :‬له ثماني منازل ‪.‬‬
‫والسادس ‪ :‬له أربعون منزلة ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫وهذه منازل أهل الحياة السفلية ‪.‬‬
‫وأ ّما أهل الحياة البرزخية ‪:‬‬
‫فاألول ‪ :‬له ثالثون منزلة ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬له مائتا منزلة ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬له أربعون منزلة ‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬له مائتا منزلة‪.‬‬

‫والميّت ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬له منزلة واحدة ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬له ثالثون منزلة ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬له منزلة واحدة ‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬له ثالثون منزلة ‪.‬‬
‫والخامس ‪ :‬له منزلة واحدة ‪.‬‬
‫والسادس ‪ :‬له منزلة واحدة ‪.‬‬
‫والسابع ‪ :‬له ثالثون منزلة ‪.‬‬
‫والثامن ‪ :‬له عشر منازل ‪.‬‬

‫والنائم األول ‪ :‬له ثالث مائة منزلة ‪.‬‬


‫والنائم الثاني ‪ :‬له ثمانية منازل ‪.‬‬
‫مر السالك على هؤالء األشخاص أفاده كل شخص من العلوم واألسرار على قدر‬ ‫فإذا ه‬
‫منازله ‪.‬‬
‫فأول ما يمر على الحي األول ‪ ،‬ثم على النائم األول ‪ ،‬ثم على الحي الثاني ‪ ،‬ثم على‬
‫الميت األول ‪ ،‬ثم على الميت الثاني ‪ ،‬ثم على الحي الثالث ‪ ،‬ثم على الحي الرابع ‪ ،‬ثم‬
‫على الميت الثالث ‪ ،‬ثم على الميت الرابع ‪ ،‬ثم على الحي الخامس ‪ ،‬ثم على النائم‬
‫الثاني ‪ ،‬ثم على الحي السادس ‪ ،‬ثم على الميت الخامس ‪ ،‬ثم على الحي السابع ‪ ،‬ثم‬
‫على الميت السادس ‪ ،‬ثم على الميت السابع ‪ ،‬ثم على الحي الثامن ‪ ،‬ثم على الحي‬
‫التاسع ‪ ،‬ثم على الميت الثامن ‪ ،‬ثم على الحي العاشر ‪.‬‬

‫مر بهم في سفره الروحاني ما‬ ‫فليلزم السالك مع هؤالء األشخاص الروحانيين ‪ ،‬إذا ه‬
‫يستحقون من اْلداب ‪.‬‬
‫تخص حضرته ‪ ،‬وللميت كذلك ‪ ،‬وللنائم كذلك ‪.‬‬‫ه‬ ‫فإن للحي آدابا‬
‫وإذا تلقى السالك منهم أسرارهم ‪ ،‬وما يهبونه من الحكم اإللهية ‪ ،‬يتلقاها بالقبول‬
‫والتسليم ‪.‬‬
‫فإنها من العلوم اإللهية الرفيعة المنار ‪ ،‬المحرقات سبحاتها ‪ ،‬والظاهرة آياتها ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫وجماع أدبه أن يلقي السمع وهو شهيد ‪ .‬فإذا تميهز في هذه المشاهدة غاب ث همة المشهود‬
‫في الشاهد ‪.‬‬
‫عرف حينئذ خالف علماء الكشف اإليماني في هذا الباب لماذا يرجع ‪.‬‬
‫فإن طائفة من أهل الكشف اإليماني ألحقت هذا الباب بمقام العظمة ‪،‬‬
‫وقالت ‪ :‬إنه جزء منها ووصف لها ‪ ،‬وال بد ‪.‬‬
‫وطائفة قالت ‪ :‬إنه ليس من مقام العظمة ‪ ،‬ولكنه مفتاح لكل مقام إلهي ‪ ،‬هإال لمقام القهر‬
‫والغلبة ‪ ،‬فإنه يناقض معناه ‪.‬‬
‫فلعدم المناسبة لم يصح أن يكون له مفتاحا أصال ‪ .‬غير أن في هذا الباب ثالثة‬
‫أشخاص لم تدركهم المشاهدة ألنهم في حال فناء محقق ‪.‬‬
‫ومعنى قولي ‪ :‬الفناء المحقق تحرز من الفناء غير المحقق ‪ .‬والفرق بينهما ‪ :‬أن الفناء‬
‫المحقق ‪ :‬كما يفنى صاحبه عن شهود نفسه ‪.‬‬
‫كذلك يفنى عنه الغير ‪ ،‬لتحققه بحالة الفناء ؛ فال تظهر له صورة أصال مشهودة ‪ ،‬لغلبة‬
‫الحق عليه ظاهرا وباطنا ‪ ،‬فال يرى كما أن الحق ال يرى‪.‬‬

‫والفناء الذي هو غير المحقق ‪:‬‬


‫يفنى عن نفسه ‪ ،‬وصورته ظاهرة لغير جليسه فقد استحكمت المشاهدة على باطنه‬
‫خاصة ‪.‬‬
‫ومقام الفناء المحقق ‪ :‬يكون في الدار اْلخرة مطلقا لكل مشاهد ‪ ،‬ألن المشاهدة هناك‬
‫تعم ذات المشاهد ‪ .‬وهنا ليس كذلك في حق كل شخص ‪.‬‬
‫فهؤالء الثالثة أشخاص المغيهبون على هذه الحالة ‪ .‬فإن أردت أن تعرف أماكنهم ‪،‬‬
‫فانظر الواحد منهم بين الحي األول والنائم األول تثبهت هناك عسى تشملك بركة غيبته‬
‫‪ .‬وما له سوى منزل واحد ‪.‬‬
‫وأ هما الثاني فمكانه من الحي الثالث والرابع ‪ ،‬فتثبهت هناك أيضا طالبا بركته ‪ ،‬وما له‬
‫سوى منزل واحد ‪.‬‬
‫وأ ّما الثّالث ‪ :‬فمكانه بين الحي الرابع والميت الثالث فتثبت هناك قليال ‪ .‬وله ست‬
‫منازل ‪ .‬وهو أخفى من صاحبيه ‪ .‬فإنه ما ثم ما يدل عليه ألبتهة ‪ .‬ألنه هو الدليل على‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫فجماعهم ثالثة وعشرون شخصا ال غير فإذا أحكم اإلنسان مسائل هذا الباب وتحققها‬
‫وقبلها علما ‪.‬‬
‫أحاط علما بأمور تكاد ال تتناهى ‪ ،‬فأحرى بالموجودات ‪.‬‬
‫وقد أشبعنا القول في هذا الباب في كثير من كتبنا على ضروب مختلفة ‪.‬‬
‫وهذا الكتاب من الفتوحات فهو جار على ما أعطاه الفتح اإللهي المكي ‪.‬وإن قيدناه في‬
‫غيره فالتنزل لها وبقوتها ‪.‬‬
‫واعلم ‪:‬‬

‫‪129‬‬
‫أن هؤالء األشخاص وإن كانوا ثالثة وعشرين فليسوا من جنس واحد بل من عشرة‬
‫أجناس ‪.‬‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫ومعنى أجناس حضرات إلهية ‪ .‬صدر كل جنس عن حضرة مخصوصة بإذن ه‬
‫فمنهم من ظهر من جنسه شخص واحد فصاعدا ‪ ،‬فمنها حضرة البهاء ‪ ،‬والرفعة ‪،‬‬
‫والشرف ‪ ،‬واإلنيهة ‪ ،‬واللطف ‪ ،‬والهوية ‪ ،‬والحياة ‪ ،‬والنور ‪ ،‬والرحمة ‪ ،‬واليمن ‪.‬‬
‫فالحي األول ‪ :‬من حضرة البهاء ‪.‬‬
‫والنائم األول ‪ :‬من حضرة الرفعة ‪.‬‬
‫والحي الثاني والسادس والعاشر من حضرة الشرف ‪.‬‬
‫والميت األول والثالث والخامس والسادس والفانين المحققين من حضرة اإلنيّة‪.‬‬
‫والميت الثاني والحي الثالث والميت الرابع والسابع من حضرة اللطف ‪.‬‬
‫والحي الرابع ‪ :‬من حضرة الهوية ‪.‬‬
‫والحي الخامس والثامن ‪ :‬من حضرة الرحمة ‪.‬‬
‫والنائم الثاني والحي التاسع من حضرة الحياة ‪.‬‬
‫والحي السابع ‪ :‬من حضرة النور ‪.‬‬
‫والميت الثامن ‪ :‬من حضرة اليمن ‪.‬‬
‫والفاني الثالث ‪ :‬من حضرة أخرى خالف هذه العشرة وهي حضرة الوقاية ولها اسم‬
‫الواقي مهيمن عليها ‪.‬‬
‫فإذا أردت أن تعرف كم مسألة إلهية في هذا الباب فانظر ما يجتمع لك من المنازل‬
‫التي فيه ‪.‬‬
‫فهي عيون المسائل مع أعداد األشخاص ضعفين من أجل نعوتهم بالحياة والموت‬
‫والنوم والفناء ‪.‬باب من الحضرة عينها أوله ألف ‪ ،‬وآخره نون وهو الباب الثاني من‬
‫سبعة أبواب من هذا الكتاب‬
‫ول هما كان هذا الكتاب يتضمن مقامات السبعة األبدال لهذا بيهنهاه على سبعة أبواب ‪.‬‬
‫وهؤالء األبدال وإن كانوا سبعة فمنهم أربعة هم أوتاد األرض ‪.‬‬
‫وهؤالء األوتاد وإن كانوا أربعة ‪ .‬فمنهم القطب واإلمامان ‪.‬‬

‫وقد تكلمنا في حقيقة القطب واإلمامين في كتاب « منزل القطب واإلمامين » من «‬


‫الفتوحات المكية » ‪ ،‬ونبهنا على طرف منه في كتاب " مواقع النجوم " ‪.‬‬
‫فالقطب ‪ :‬يحفظ المركز ‪.‬‬
‫واإلمام األيمن ‪ :‬يحفظ عالم األرواح ‪.‬‬
‫واإلمام األيسر ‪ :‬يحفظ عالم األجسام ‪.‬‬
‫واألوتاد األربعة ‪ :‬يحفظون الشرق والغرب والجنوب والشمال ‪.‬‬
‫واألبدال السبعة ‪ :‬يحفظون أقاليم الكرة علوا وسفال فهم سبعة بالشخص ‪ ،‬وأربعة‬
‫عشر بالحكم‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫والمكون‬
‫ه‬ ‫المكون‬
‫ه‬ ‫فأول هذا الباب ألف المدح ‪ ،‬وآخره نون الكون ويتصرف الثناء بين‬
‫المكون حقيقة ويجني‬
‫ه‬ ‫المكون على‬
‫ه‬ ‫المكون فثناؤه على نفسه ‪ .‬ويثني‬ ‫ه‬ ‫المكون على‬
‫ه‬ ‫فيثني‬
‫ثمرة ثنائه بما يليق بحقيقته ‪.‬قُ ْل ُك ٌّل َي ْع َم ُل َعلى شا ِكلَتِ ِه[ اإلسراء ‪. ] 84 :‬‬

‫المكون قول القائل ‪:‬فإذا مدحت فإنهما أثني على نفسي * فنفسي عين ذات‬
‫ّ‬ ‫فثناء‬
‫المكون قول اْلخر ‪:‬إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت الهذي تثني فوق الهذي‬
‫ه‬ ‫ثناءوثناء‬
‫نثني لكن الثناء على األلوهية بالربوبية من أعجب ما سمعته اْلذان وسطرته األقالم ‪.‬‬

‫ولكن لما قامت األلوهية هنا مقام الذات ‪ ،‬ونابت منابها ؛ ألنها الوصف األخص‬
‫والنعت األعلى ‪ ،‬واالسم األسنى لذلك أثنى عليها بالربوبية وغيرها من أسماء الثناء‬
‫كالملك ‪ ،‬القدوس ‪ ،‬السالم ‪ ،‬المؤمن ‪ ،‬المهيمن ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪.‬‬
‫المكون بأي اسم كان ‪ .‬فإن كل كون يكون حظه من الثناء بذلك‬‫ه‬ ‫هذا وإن كان الثناء من‬
‫االسم على قدره في علمه بمنشئه من وجه حقه ال من وجه سببه ‪ ،‬وقدره في علمه‬
‫راجع إلى قدر قبوله ‪ ،‬وقبوله على قدر استعداده ‪.‬‬
‫واستعداده األكمل على قدر نشأته ‪ ،‬مفردا كان أو مركبا ‪ ،‬ذا جسم أو غير جسم‬
‫والعالم كله أعالم منصوبة للداللة عليه سبحانه من حيث ما هو ناصب لها ومن حيث‬
‫ما أودع فيها ‪ ،‬ال من حيث ما هو عليه تعالى ‪ ،‬ومن حيث ما يعرف نفسه ‪.‬‬
‫ألنه يتقدس ويتعالى عن تعلهق األفكار به ‪ ،‬وتحصيلها له عند منتهى سفرها وإلقائها‬
‫عصا تسيارها ‪ ،‬فإنها ما انتهت في سفرها ‪،‬‬
‫وما ألقت عصاها بعدما وفهت حقيقتها في المطلب ‪ ،‬هإال في بحر العجز والحيرة ‪،‬‬
‫العزة والغيرة ‪ ،‬ولكن نعم ما سافرت هذه األفكار ‪ ،‬ونعم ما حصلت في‬ ‫وخلف حجاب ه‬
‫طريقها من األسرار ‪،‬‬
‫لكن ما أوتي عليها هإال من مفارقة ذاتها وجوالنها في غير ميدانها ‪ ،‬والمطلوب إليها‬
‫أقرب من حبل الوريد ‪.‬‬

‫وقد قال القائل ‪:‬‬


‫الراحل‬
‫سبب المطلوب في ّ‬ ‫قد يرحل المرء لمطلوبه ‪ ...‬وال ّ‬
‫ي لَ ُه ْم ِم ْن قُ ارةِ أ َ ْعيُ ٍن[ السجدة ‪] 17 :‬‬ ‫ُ‬ ‫فَال ت َ ْعلَ ُم نَ ْف ٌ‬
‫س ما أ ْخ ِف َ‬
‫هو قرة األعين ‪ ،‬وشفاء لما في الصدور ‪ ،‬من علل طلبه والبحث فيما ال مبحث فيه ‪.‬‬
‫فلو سكنت لرأته منها مخبرا عنها ‪ ،‬وله ما سكن ال لغيره ‪ .‬ولغيره ما لم يكن ال له ‪.‬‬
‫فهو أغنى الشركاء عن الشرك ‪.‬‬
‫من قال هذا هّلل ولوجوهكم فهو لوجوهكم ليس هّلل منه شيء ‪.‬‬
‫ال تقبل الحضرة اإللهية حكما دنهسه الكون بظهوره فيه شركا ‪.‬‬
‫يا ناظرا لحكمة من خارج ‪ ....‬إنسانك الحكمة يا ناظر‬

‫‪131‬‬
‫يقول العبد ‪:‬‬
‫الكبرياء هّلل ‪ ،‬والعظمة هّلل ‪ ،‬أو الحمد هّلل ‪.‬‬
‫فيأخذها الحق منه ‪ ،‬أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬من عبد اله غير مفتكر ‪.‬‬
‫عندما يصل النطق إلى الم الخفض من الحمد هّلل ‪ .‬يأخذه الحق مقدسا قبل أن يدنسه‬
‫الكون وتبقى « اله » صفة محققة للعبد حيث أراد أن يحمده ‪.‬‬
‫وهو غير قادر على ذلك ‪.‬‬
‫فجهل نفسه فكيف يعرف غيره وهذا باب عظيم أسراره كثيرة لوال التطويل لعرفناك‬
‫بعددها وأشخاصها ونعوتهم وحضراتهم مثل األول‬

‫ولكن مداره من جهة جناب الحق على ثالثة أقطاب ‪:‬‬


‫*قطب يتضمن أربعين ركنا من أركان المجد ‪.‬‬
‫*وقطب يتضمن ثمانية أركان من أركان الحياة األزلية ‪.‬‬
‫*وقطب يتضمن أربعة أركان من أركان الديمومة ‪ ،‬فتفيض أركان المجد من سبحاتها‬
‫على سبحات الديمومة ‪ ،‬فتنتشر على صفاء بحر األلوهية ؛ فيضرب لها شعاع في‬
‫حقائق الربوبية ؛ فيضيء منها العالم ‪.‬‬
‫فهو النور الذي فيه يسعون ‪ ،‬كما تفيض أيضا أركان المجد من سبحاتها على سبحات‬
‫الحياة ‪ ،‬فينتشر على صفاء بحر المعرفة اإلنيهة ‪.‬‬
‫فيضرب لها شعاع في أكناف الرحمة اإليمانية ‪ ،‬فيكون عنها الوجود المحفوظ ‪.‬‬
‫فهذا روح هذا الباب ومعناه ‪ ،‬ل هخصناه ألصحابنا ؛ أهل الكشف والوجود والجمع ؛‬
‫وباّلل التوفيق ‪.‬‬
‫ه‬ ‫ليتحققوا به إذا وقفوا عليه ‪.‬‬

‫باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ألف وآخره ميم وهو الباب الثالث من سبعة‬

‫هذا ألف الثناء وميم الوصف ‪ ،‬وبينهما بحور زواخر كيانية تموجها رياح إلهية ‪،‬‬
‫سر ألواحه ‪ ،‬وتغرق أهله‬ ‫زعازع ال تبقي هذه الرياح على ظهر هذه فلكا يجري إال تك ه‬
‫ّللا أحسن الخالقين‪.‬‬
‫‪ ،‬ثم ترمي بالكل إلى السيف ‪ ،‬فينشأون خلقا آخر فتبارك ه‬

‫لكن مدار هذا الباب ‪ ،‬وإن كان عسير المدرك ‪ ،‬سامي التجلي على أربعة أقطاب ‪:‬‬
‫قطب ‪ :‬يتضمن مائتا ركن من أركان الرحمانية ‪.‬‬
‫وقطب ‪ :‬يتضمن أربعمائة ركن متصلة من أركان التوبة ‪ .‬وخمسة أركان من أركان‬
‫الهوية ‪.‬‬
‫وقطب ‪ :‬يتضمن ثمانية أركان من أركان الجناب الرحموتي ‪.‬‬
‫وقطب ‪ :‬يتضمن أربعين ركنا من أركان الملك والشرف ‪.‬‬
‫فتفيض أركان الجناب الرحموتي من سبحاتها على صفاء نهر الرحمانية ‪ ،‬فيضرب له‬
‫شعاع في زوايا الكون فيعرفون من ذلك النور ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫العارفون المفتوحة أبصارهم بنور الكشف مآل الكون وعاقبته ‪ ،‬وإلى أين يرجع بعد‬
‫انقضاء مدته ؟‬
‫وفي الباب الذي قبله يعرف من أين صدر ؟‬
‫وتفيض أركان الملك والشرف من سبحاتها على أركان صفاء نهر الهوية ‪ .‬فيضرب‬
‫لها شعاع في زوايا البرزخ فيضيء على أهله ويشرف فيعرفون بذلك النور ‪ .‬من‬
‫كشف غطاؤه عنه مراتب الخلق ونتائج أعمالهم وكشوفات أبصارهم ومطالعات‬
‫أسرارهم ‪ ،‬فطوبى لمن أشرقت أرضه بهذه األنوار ‪ ،‬وجمع بين الدارين في هذه الدار‬
‫‪ ،‬فاستراح من ذلة الوقفة ولحق بأهل االستثناء عند نفخة الصعقة ‪ ،‬ثم طوبى له وحسن‬
‫مآب ‪.‬‬
‫فهذا أخصر ما يمكنني من إيضاح ما يتضمنه هذا الباب ‪ ،‬ومسائله أكثر من نصف‬
‫مسائل الباب األول من هذا الكتاب ‪.‬‬
‫وطلب االختصار منعنا من ذكر أعداد المسائل في كل باب لكن أكثرها مسائل الباب‬
‫السابع اْلتي آخر الكتاب‬

‫باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ميم ‪ ،‬وآخره نون وهو الباب الرابع من سبعة‬

‫ميم الثناء ‪ ،‬ونون نتائج األعمال ‪ .‬وبينهما أفالك تدور ومياه تغور وتدور على العالم‬
‫بأسره ‪.‬‬
‫هذه األفالك ثمانية عشر ألف ألف دورة ‪ .‬تعطي للسعداء في هذه الدورات نورا‬
‫شعشعانيا ال ظلمة بعده ‪ ،‬وتعطي لألشقياء ظلمة ظلمانية ال نور بعدها ‪.‬‬
‫وتعطي للعصاة من أهل التوحيد سدفة بعد انقضائها ‪.‬‬
‫أعني الدورات يعقبها نور ال ظلمة بعده ‪.‬‬
‫وتعطي للمنافقين المتظاهرين بأكمل الطاعات سدفة يعقبها ظلمة مركزية سفلية ال نور‬
‫بعدها وال علو ‪.‬‬
‫وفي هذا الباب ‪ ،‬وعند وجود هذه الحركات تتمايل أغصان سدرة المنتهى ‪ ،‬تحمل‬
‫خزائن األعمال مملوءة نورا ‪،‬‬
‫وترتفع أغصان شجرة الزقوم ؛ تحمل خفراء من األعمال مملوءة ظلمة ‪،‬‬
‫فتتفتح خزائن السدرة ‪ ،‬فتنتشر األنوار بين يدي ع همالها ‪ ،‬فترى نورهم يسعى بين‬
‫أيديهم ‪،‬‬
‫وتنفتح خزائن الشجرة الملعونة فتنتشر ظلماتها بين يدي عمالها ‪ ،‬حتى أن أحدهم إذا‬
‫أخرج يده لم يكد يراها ‪،‬‬
‫ويضرب بالخزائن بعضها في بعض ؛ فترمي بخزائن أخر ليس فيها شيء ‪ ،‬وترمي‬
‫بخزائن أخر فيها نور وظلمة على السواء ‪،‬‬
‫وترمي بخزائن أخر نورها يغلب على ظلمتها ‪ ،‬وترمي بخزائن أخر ظلمتها تغلب‬
‫على نورها ‪ .‬فتبدو المراتب على حسب ما ذكرنا ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫فإذا انقضى األمر بعد تعاقب هذه األدوار ‪ ،‬وتكرير النهار على النهار ‪ .‬يتعلق العالم‬
‫بأغصان الشجرتين فترتفع هذه بأصحابها إلى الجوار ‪ ،‬وتنزل هذه بأصحابها إلى‬
‫الدرك األسفل من النار ‪.‬‬
‫ومدار هذا الباب وإن عظمت خطوبه وكثرت أسراره ‪،‬‬

‫وفاتت اإلحصاء على ثالثة أقطاب ‪:‬‬


‫قطب ‪ :‬يتضمن سبعة أركان من أركان ه‬
‫العزة ‪.‬‬
‫وقطب ‪ :‬يتضمن ثالثة أركان من أركان الجمال المطلق ‪.‬‬
‫وقطب ‪ :‬يتضمن ركنا واحدا من أركان الحقيقة ‪.‬‬

‫وينقسم هذا الركن إلى شعبتين ‪:‬‬


‫شعبة ‪ :‬تعم جميع أركان المقامات كلها ‪.‬‬
‫وشعبة ‪ :‬تخص مقام اإلنيهة من حيث التحقق بها ال من حيث السريان ‪.‬‬
‫العزة من سبحاتها على صفاء مرآة ذلك الجمال المطلق ‪.‬‬ ‫فتفيض أركان ه‬
‫فيضرب لها شعاع على عالم الرحمة االختصاصية فيتزاورون بها في جنات المعارف‬
‫واألسرار ويتسامرون له ‪.‬‬
‫وبهذا النور تقع المشاهدة هنا ألصحابها والرؤية هناك ألهلها ‪ ،‬كما تفيض أيضا أركان‬
‫العزة من سبحاتها على صفاء نهر الحقيقة ‪ ،‬فيضرب لها شعاع في زوايا مقامات‬ ‫ه‬
‫العبودية فيرون بها من يلجأون إليه فيخاطبونه تأنيسا لتوقع الحاجة ‪.‬‬
‫شدهة " أورده العجلوني ولفظه ‪« :‬‬ ‫ي في الرخاء أعرفك في ال ه‬ ‫تعرف إل ه‬
‫كما ورد ‪ " :‬ه‬
‫الرخاء يعرفك في الشدهة "‪.‬‬ ‫ّللا في ه‬
‫تعرف إلى ه‬‫ه‬

‫غير أن هذه األنوار إذا انتشرت على صفاء نهر الحقيقة ‪ ،‬اكتسبت من ذلك النهر‬
‫صفاء ‪ ،‬يندرج صفاء سبحاتها فيه اندراج نور الكواكب في نور الشمس ‪ ،‬فتسري‬
‫شعبة العامة في جميع المعلومات على ضروبها من‬ ‫األنوار المتولدة منهما ‪ ،‬من حيث ال ه‬
‫النفي واإلثبات ‪.‬‬
‫وبذلك النور يدرك العلماء معلوماتهم على مراتبها ومن حيث الشعب الخاصة لمقام‬
‫اإلنيهة تسري في الصدور خاصة فتنشرح بها ‪.‬‬
‫المعول عليه ‪:‬‬ ‫ه‬ ‫وذلك هو النور اإلسالمي‬
‫ور ِم ْن َر ِبه ِه[ الزمر ‪ . ] 22 :‬وقوله ‪:‬نُ ٌ‬
‫ور‬ ‫الم فَ ُه َو َعلى نُ ٍ‬ ‫ص ْد َرهُ ِل ْ ِ‬
‫إل ْس ِ‬ ‫أَفَ َم ْن ش ََر َح ا‬
‫ّللاُ َ‬
‫ور[ النور ‪. ] 35 :‬‬ ‫َعلى نُ ٍ‬
‫فهذا نور الشرح والفتح لتحصيل المعارف والعلوم بذلك النور اْلخر المتقدم ذكره ‪.‬‬
‫فافهم ‪.‬‬
‫وباّلل التوفيق‪.‬‬
‫ه‬

‫‪134‬‬
‫حضرة االشتراك الباب األول منها أوله ألف وآخره دال وهو الباب الخامس من سبعة‬

‫هذه ألف االلتجاء لحضرة مشاهدة الخطاب ‪.‬‬


‫والدّال ‪ :‬دال العلة التي لها خلق البارىء الكون في مقام جمعية العبد وتعظيمه ‪ ،‬ومقام‬
‫وحدانية الحق تعالى وعظمته ‪.‬‬
‫ُون( ‪ [ ) 56‬الذاريات ‪. ] 56 :‬‬ ‫س ِإ اال ِليَ ْعبُد ِ‬ ‫ّللا تعالى ‪َ :‬وما َخلَ ْقتُ ْال ِج ان َو ْ ِ‬
‫اإل ْن َ‬ ‫قال ه‬
‫ي‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬ليتذلهلوا إل ه‬
‫وال يتحقق العبد بالعبودية التي هي الذلهة هإال بعد معرفته بنفسه ‪ ،‬أنه مربوب ومقهور‬
‫مجبور لسيد قادر قاهر يفعل ما يشاء فيعرف ما ينبغي لسيده من أوصاف السيادة‬
‫والملك ‪ ،‬ويعرف ما ينبغي له من أوصاف العبودية فإذا صحت له هذه المعرفة حينئذ‬
‫يذل حقيقة حاال وقوال وعقدا لعز سلطان سيده ‪.‬‬
‫ُون ( ‪ [) 56‬الذاريات ‪:‬‬ ‫س إِ اال ِليَ ْعبُد ِ‬ ‫فما أبدع قول الحق سبحانه ‪َ :‬وما َخلَ ْقتُ ْال ِج ان َو ْ ِ‬
‫اإل ْن َ‬
‫‪. ] 56‬‬
‫ولم يقل هإال ليعرفون فيعبدوني ‪ .‬ولو قال ذلك لكانت المعرفة به من العلوم الكسبية ‪.‬‬
‫ّللاِ[ الروم ‪30 :‬‬ ‫والمعرفة به سبحانه ضرورية موجودة في فطر الخلق ‪:‬ال ت َ ْبدِي َل ِلخ َْل ِ‬
‫ق ا‬
‫] أَلَ ْستُ بِ َر ِبه ُك ْم قالُوا بَلى[ األعراف ‪. ] 172 :‬‬
‫كل مولود يولد على الفطرة ‪.‬‬
‫ولما كانت المعرفة به ضرورية قال ليعبدون فنبهه على السبب الذي أوجد ألجله الثقلين‬
‫وخرج من هذا الخطاب أمم أمثالنا كثيرون من الروحانيات والعالم األرضي ‪.‬‬
‫وسبب ذلك أنهم فطروا على المعرفة والعبادة فليس لهم في العبادة كسب ‪ ،‬ولذلك ليس‬
‫لهم جزاء على أعمالهم ‪.‬‬
‫إنما هي عبودية محضة ‪ ،‬ليس لهم رائحة مشم من الربوبية مثل ما للثقلين ‪.‬‬
‫قال في إبليس ‪:‬أَبى َوا ْست َ ْكبَ َر[ البقرة ‪. ] 34 :‬‬
‫اار[ غافر ‪ .] 35 :‬وما ذكر هذا الوصف عن غير الثقلين‬ ‫وفي فرعون ‪ُ :‬مت َ َك ِبه ٍر َجب ٍ‬
‫أصال‪.‬‬
‫فإذا كنى العبد عن نفسه بنون نفعل ‪ ،‬فليست بنون التعظيم ‪ ،‬وإذا كنى عن الحق تعالى‬
‫بضمير اإلفراد ‪ ،‬فإن ذلك لغلبة سلطان التوحيد في قلب هذا العبد ‪ ،‬وتحققه به حتى‬
‫سرى في كليته ‪ ،‬فظهر ذلك في نطقه لفظا كما كان عقدا وعلما ومشاهدة وعينا ‪ ،‬وهذه‬
‫النون نون الجمع ‪.‬‬
‫ي الحقيقة فإنه غير وحداني وال فرداني من‬ ‫ي اللطيفة ‪ ،‬وحدان ه‬ ‫فإن العبد وإن كان فردان ه‬
‫حيث لطيفته ومركبها وهيكلها وقالبها ‪.‬‬
‫وما من جزء في اإلنسان هإال والحق تعالى قد طالب الحقيقة الربانية التي فيه ‪ .‬إن تلقى‬
‫على هذه األجزاء ما يليق بها من العبادات ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫وهي في الجملة وإن كانت المدبرة فلها تكليف يخصها يناسب ذاتها ‪ .‬فلهذه الجمعية‬
‫يقول العبد هّلل تعالى ‪:‬‬
‫"لك نصلي ونسجد ‪ ،‬وإليك نسعى ونحفد ‪ ،‬وإياك نعبد » وأمثال هذا الخطاب ‪.‬‬
‫رواه ابن خزيمة ‪ ..."" .‬قال ‪ :‬وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصالته على النبي‬
‫واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته ‪ :‬اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك‬
‫نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد أن عذابك لمن عاديت ملحق ثم‬
‫يكبهر ويهوي ساجدا "‪"" .‬‬

‫ولقد سألني سائل من علماء الرسوم عن هذه المسألة عينها ‪ .‬كان قد حار فيها ‪.‬‬
‫فأجبته بأجوبة منها هذا فشفى غليله والحمد هّلل ‪.‬‬
‫ولهذا الباب أسرار لطيفة ومعان دقيقة أضربنا عن إيرادها في هذا المختصر ألسباب‬
‫ولكن قد تأتي مفرقة في " الفتوحات " ‪.‬‬
‫فإن هذه « الفتوحات المكية » تضمنت « خمسمائة كتاب وستين كتابا » هذا أحد‬
‫هذه الكتب ‪ ،‬وهو من فصل المنازل ‪ .‬وهذا الفصل مائة منزل وبضعة عشر منزال ‪.‬‬
‫كل منزل كتاب ‪،‬‬

‫وهذا الباب على ثالثة أقطاب ‪:‬‬


‫قطب يتضمن سبعين ركنا من أركان رفيع الدرجات ‪.‬‬
‫وقطب يتضمن ركنين من البهاء ‪.‬‬
‫وقطب يتضمن أربعة أركان من أركان الديمومية‪.‬‬

‫فتفيض أركان الرفعة من سبحاتها على صفاء نهر المكالمة اإللهية ‪ ،‬الجاري من نهر‬
‫التوحيد ‪ ،‬فيضرب لها شعاع في زوايا عالم األمر فيشرق‪.‬‬
‫وألجل هذا النور ال يمسهم في عبادتهم ألن هذا النور يحملهم فيها فهم المحمولون‬
‫ّللا بهم ‪.‬‬
‫ألحقنا ه‬
‫ويفيض ركنا البهاء من سبحاتها على صفاء نهر ه‬
‫العزة فينعكس الشعاع عليه ‪.‬‬
‫فيكون انعكاسه سببا لتحقق األولياء بمقام العبودية والحرية بخروجهم بهذا النور عن‬
‫رق األكوان فهم العبيد األحرار ‪ ،‬الذين ليس ألحد عليهم سلطان ‪.‬‬
‫وتفيض أركان الديمومية من سبحاتها على صفاء نهر الكمال فيضرب له شعاع في‬
‫زوايا الكون المنفصل فيظهر له بذلك النور عين الجمع والوجود فينغمس فيها فيلحق‬
‫بالكون المتصل ويزول الشرك ‪.‬‬
‫*إن الكون المنفصل عبارة عن وصف النفس بما ليست عليه ‪.‬‬
‫*الكون المتصل ما له دعوى البتة تلعب به يد األقدار حيث شاءت ال حراك له وال‬
‫سكون من نفسه ‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬أنت ‪ .‬فلم يجب ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫قيل له ‪ :‬ما أنت ‪ .‬فلم يجب ‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬فإيش تريد أن تكون ؟‬
‫أثبتناك فلم تجب ؟ أو نفيناك فلم تجب ؟ !‬
‫فقال فانيا في خطابه عن خطابه بخطاب األمر لألمر من نفس هذا المختص ‪:‬‬
‫جوابك في كالمك ‪ ،‬وسؤالك ‪.‬‬
‫فإنك أثبتني ونفيتني ‪.‬‬
‫فلو كنت لي مني مثبتا لم تقل أثبتناك ‪.‬‬
‫ولو كنت لي مني منفيا لم تقل نفيناك ‪.‬‬
‫فكيف يجيب من ال ثبوت له وال انتفاء ‪.‬‬
‫أنت أنت أيها األمر في أنت وفي أنا ‪.‬‬
‫فأنا غير أنت أيها األمر وأنت غير أنا ‪.‬‬
‫فأنت إذا أنت ألنت ‪ ،‬ال ألنا ‪ ،‬ومن ضرب الواحد في نفسه لم يخرج له سوى نفسه ‪.‬‬
‫فاسأل وال تسأل فما يجيبك غيرك فذم وامدح ‪ ،‬وهذا المفتاح فمن شاء فليفتح ‪.‬‬
‫وّللا الموفق ال ربه غيره ‪.‬‬
‫ه‬
‫وقد علم كل أناس مشربهم ‪.‬‬

‫باب آخر منها أوله ألف وآخره نون وهو الباب السادس من سبعة‬

‫ّللا تعالى ل هما أوجد عالم الهياكل الظلمانية والقوالب الجسمانية أوجدهم في‬
‫اعلم ‪ :‬أن ه‬
‫الكون المنفصل ‪ ،‬فظهرت عنهم الدعاوى المهلكة والدعاوى الصادقة ‪ ،‬عن غير‬
‫الحقيقة التي طولبوا بها‪.‬‬
‫فأ هما أصحاب الدعاوى المهلكة ‪ ،‬فادهعوا الربوبية مطلقا فهلكوا ‪ ،‬وكانوا من الخاسرين‬
‫وهم طائفتان ‪:‬‬
‫*طائفة ادعت القوة لها كفرعون ‪ ،‬وغيره ‪.‬‬
‫*وطائفة ادعت أن القوة هّلل ‪ ،‬والفعل لها ‪ .‬وهم المعتزلة ومن تابعهم ‪.‬‬
‫فهؤالء أصحاب الدعاوى المهلكة ‪.‬‬

‫وأ ّما أصحاب الدعاوى الصادقة ‪:‬‬


‫ّللف معهم لغزان ‪.‬‬
‫فهم أصحاب غفالت مع العقد السليم ه‬
‫إن أخذهم بعقدهم ابتداء سلموا من غير مشقة ‪ ،‬وإن أخذهم بغفلتهم شقوا ثم شفع فيهم‬
‫عقدهم فانتقلوا إلى دار السعادة ‪ ،‬ولكن لم يشموا رائحة من الكون المتصل ‪ ،‬الذي هو‬
‫عين الجمع والوجود ‪.‬‬
‫وث هم طائفة من أصحاب الدعاوى الصادقة نظر الحق إليهم بعين العناية فهداهم‬
‫ليستخلصهم لنفسه ‪ ،‬واصطنعهم في دار االمتزاج قبل الرحلة إلى دار التخليص ‪.‬‬
‫فع هجل لهم التخليص هنا ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ففرق بين ظلمتهم ونورهم شهودهم الذي أشهدهم ‪.‬‬ ‫ه‬
‫فأفنوا ث ّم أفنوا ث ّم أفنوا ‪ ....‬فكانوا في الوجود لسان حقّه‬
‫فصرفهم على مقدار وفقه‬‫ّ‬ ‫وأبقوا ث ّم أبقوا ث ّم أبقوا ‪....‬‬
‫وما أفنوا ‪ ،‬وال أبقوا فكانوا ‪ ....‬لهو المستور في أطوار خلقه‬
‫فناداهم عبيدي من عبادي ‪ ....‬فردّوا من تناديه بحقّه‬
‫مقيم ال يزال يراك فيه ‪ ....‬وتبصره على تحقيق صدقه‬
‫فإن أخرجته منه فأهال ‪ ....‬وسهال وليكن إخراج شوقه‬
‫إلي نزل بتركيب نزيه ‪ ....‬عن التّحليل مقرون بأفقه‬ ‫ّ‬
‫وري بعد شرب نال منه ‪ ....‬على قدر ولكن بعد ذوقه‬ ‫ّ‬

‫فلما ألحقهم بالكون المتصل ناداهم فلم يجيبوا فتعطلت األسماء في حقهم ‪ ،‬وما ظهر لها‬
‫أثر في لطائفهم ‪.‬‬
‫ي ردههم إلى الكون المنفصل ‪ ،‬فنطقوا بلسان‬ ‫فبعد هذا المشهد العلي ‪ ،‬والحال السن ه‬
‫نص لهم ‪ ،‬تالين ما أمروا بتالوته ‪،‬‬
‫التقوى فيه ‪ ،‬ال بلسان الدعوى ‪ ،‬فكانوا حاكين ما ه‬
‫ال طالبين ؛ فهم الشهود األمناء ‪ ،‬وهم األبرياء األخفياء ال يعرفهم سواه ‪.‬‬
‫شبه بالصورة ‪ ،‬واختالف البواعث والمعاني ‪.‬‬ ‫مجهولة أحوالهم من حيث ال ه‬
‫فهم يأكلون ويشربون ‪ ،‬ويركبون ‪ ،‬وينكحون ‪ ،‬ويمزحون ‪ ،‬ويضحكون ‪.‬‬
‫عام َويَ ْم ِشي فِي ْاأل َ ْسوا ِ‬
‫ق[ الفرقان ‪.] 7 :‬‬ ‫سو ِل يَأ ْ ُك ُل ا‬
‫الط َ‬ ‫ما ِله َذا ا‬
‫الر ُ‬

‫انظر ماذا فعلت مشاركة الصور ‪ ،‬وإن اختلفت السور ‪ ،‬فبهذا اللسان نطقوا ‪ ،‬وعن‬
‫هذه الحقيقة ترجموا ‪ ،‬ولو عثر عليهم رجموا ‪.‬‬
‫َّللا عنه فسبحان من سترهم بهم عن أعين المنكرين ‪ ،‬وإن‬
‫هكذا قال ابن عباس رضي ّ‬
‫كانوا مسلمين صالحين ‪.‬‬

‫قال بعض العارفين ‪ « :‬ال يبلغ أحد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صدّيق أنه‬
‫زنديق » ‪.‬‬
‫معنى هذا الكالم لو نطق بما يقتضيه مقامه وحاله المستور ‪.‬‬
‫لكن ال ينطق هإال بأمر المعتاد ‪ ،‬فيخفى بين العباد ‪ ،‬فيحيا طيب العيش ‪ ،‬نزيه المكان ‪،‬‬
‫كثير اإلمكان ‪ ،‬فهذه أحوال أرباب هذا الباب مجملة ‪.‬‬

‫ومدار هذا الباب على ثالثة أقطاب ‪:‬‬


‫قطب يتضمن سبعين ركنا من أركان العلم ‪.‬‬
‫وقطب يتضمن ستة أركان من أركان الوراثة ‪.‬‬
‫وقطب يتضمن خمسين ركنا من أركان النور ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫فتفيض أركان العلم من سبحاتها على صفاء نهر العبودية ‪ ،‬فيضرب لها شعاع في‬
‫ور ِم ْن َر ِبه ِه[ الزمر ‪، ] 22 :‬لَ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم‬
‫أركان الوالية ‪ .‬فذلك نور األولياء فَ ُه َو َعلى نُ ٍ‬
‫َونُ ُ‬
‫ور ُه ْم[ الحديد ‪. ] 19 :‬‬
‫وتفيض أركان النور من سبحاتها على صفاء نهر الهداية ‪ ،‬فيضرب لها شعاع في‬
‫ّللا ‪ ،‬فحيثما وقع ذلك النور فالطريق الظاهر به طريق السعادة‬ ‫مح هجة السالكين إلى ه‬
‫والمجانب له طريق الشقاوة ‪.‬‬
‫فمن كوشف بهذا النور ‪ ،‬فإنه معصوم ‪ ،‬إن كان نبيّا ‪.‬‬
‫ومحفوظ ‪ ،‬إن كان وليا ‪.‬‬

‫والفرق بين العصمة والحفظ ‪:‬‬


‫ه‬
‫أن العصمة تع هم الذات كلها ‪،‬‬
‫والحفظ يتعلق بالجوارح مطلقا ‪ .‬وال يشترط استصحابه في السر ‪،‬‬
‫فقد تخطر للولي خواطر ال يقتضيها طريق الحفظ لكن ال يظهر لها حكم على الجوارح‬
‫ألبتهة ‪.‬‬
‫وّللا الموفق‪.‬‬
‫فاعلم ‪ ،‬ه‬

‫حضرة تميّز الثاني باب أوله ألف وصل وآخره نون وهو الباب السابع‬

‫إذا الح علم الهداية للبصائر طلبته اللطائف بهياكلها ‪ ،‬وذلك ألن العبد إذا أشرقت لعينه‬
‫أنوار النور ‪ ،‬حصل له التميهز علما ال غير ‪.‬‬
‫فيرى طريق المقامات العلية والمشاهد القدسية ‪ ،‬عليها اْلثار النبوية بالعالمات الربانية‬
‫‪ ،‬واْليات الرحمانية ‪ ،‬والدالالت اإللهية ‪.‬‬
‫ويرى عكس هذا الطريق من جميع الوجوه ‪ ،‬ويرى نفسه عليه ‪ ،‬أو بينهما ‪ .‬فإن خلع‬
‫سبحات العلى ‪،‬‬ ‫عليه رداء التوفيق مشى بالموافقة على الطريقة المثلى المحقوقة بال ه‬
‫القائدة إلى المورد األحلى بالمقام األجلى ‪ ،‬حيث الشهود األسنى ‪ ،‬والمكانة الزلفى ‪،‬‬
‫والمرتبة العظمى ‪ ،‬حيث تنكشف أسرار المودة في القربى ‪ ،‬عند حجاب ه‬
‫العزة األحمى‬
‫‪ ،‬بساحل بحر العمى ‪.‬‬
‫أل ليت التّراجم مخبرات ‪ ....‬بما يبدو إلى البصر الغريب‬
‫من األسرار في فلك المعالي ‪ ....‬إذا يسري على الحكم العجيب‬
‫فتبصر ناطقا بلسان غيب ‪ ....‬غريبا في غريب ‪ ،‬في غريب‬
‫سر االستقامة في كل شيء من حيث أن كل شيء منه بدا ‪ ،‬وإليه يعود ‪.‬‬ ‫وقام له ه‬
‫فليس ظهور االستقامة فيما يطلق عليه في االصطالح اسم المستقيم‪.‬‬
‫فإن الكرة مستقيمة في التدوير ‪ .‬وليس اسم االستقامة على الخط المستقيم بأولى من‬
‫غيره ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫لو قيل لكل غصن من أغصان الشجرة على اختالفها ودخول أغصانها بعضها على‬
‫بعض ‪ :‬لماذا خرجت عن ح هد االستقامة الذي مشى عليها هذا الغصن اْلخر ؟‬
‫لقال ‪ :‬بل سله لما خرج عن حد االستقامة التي أنا عليها ؟‬
‫فمن رأى وجود األشياء منه سبحانه ابتداء ونشأ ‪.‬‬
‫ورأى رجوعها إليه عودا ‪ ،‬ورأى معيهته في األشياء بين البدء والعود ‪ .‬لم ير معوجا ‪.‬‬
‫بل كان يرى استقامة محضة ال غير ‪.‬‬
‫فالعارف إذا سأل االستقامة ‪.‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬ ‫إنما يسأل معرفة حكمة األشياء في وضعها ‪ ،‬ووجوه الحق فيها ‪.‬أَال ِإلَى ا ِ‬
‫ّللا ت َ ِ‬
‫ور[ الشورى ‪.] 53 :‬‬ ‫ْاأل ُ ُم ُ‬
‫ّللا تعالى ‪.‬‬
‫فإذا اتضح للعبد طريق السعادة وطريق الشقاوة ‪ ،‬ورأى غاية الطريقين إلى ه‬
‫فال يخلو هذا العبد ‪.‬‬

‫إ هما أن يلحظ نفسه وما يعطيه طبعه ‪ .‬وإ هما أن ال يلحظ ذلك ‪.‬‬
‫فإن لم يلحظ ذلك ‪ :‬فال يقع له التميز من الطريقين من حيث الغاية ‪.‬فال يسأل النجاة‬
‫من النار ‪ ،‬وال يسأل نعيم الجنان ‪.‬‬
‫متنزه قد تسامى عن حكم األكوان فيه ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫بل ينظر في الطريقين نظر‬
‫َّللا " في غاية الطريقين حينئذ يكون بهذه المثابة ‪.‬‬ ‫وذلك إذا كان االسم " ّ‬

‫صل برؤيته نفسه ما في‬ ‫َّللا » في الغاية ف ه‬ ‫فإن لحظ نفسه ‪ :‬في هذا المشهد مع االسم « ّ‬
‫َّللا » من اإلجمال فهرب من النار ‪ ،‬وطلب الجنة ‪.‬‬ ‫االسم « ّ‬
‫فإن رأى غاية كل طريق االسم الخاص به فرأى في طريق السعادة االسم المنعم ‪،‬‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫ّللا إلى ه‬ ‫فر من ه‬ ‫ورأى في طريق الشقاوة االسم المبلي ‪ ،‬ه‬
‫فر من المبلي المنتقم إلى المنعم ‪ ،‬واالستعاذة به ‪.‬‬ ‫ه‬
‫قال ‪ :‬أعوذ بك منك ‪ .‬فإنه هرب منه إليه ‪ ،‬وال سيما إن شاهد أهل الخبرة والتيه ‪،‬‬
‫الذين تخيلوا في ضاللتهم أنهم على هدى يشتد تعوذه لعظيم سلطان هذا المكر ‪.‬‬
‫ْث ال َي ْعلَ ُمونَ [األعراف ‪182 :‬‬ ‫سنَ ْست َ ْد ِر ُج ُه ْم ِم ْن َحي ُ‬ ‫حيث مكر بهم من حيث ال يشعر ون َ‬
‫]‪.‬‬
‫فإن الضال إذا عرف أنه ضال ‪ ،‬فهو على هدى في ضاللته ‪ ،‬لكن يكون ظالما‬
‫مستكبرا عالما فيرجى له ‪.‬‬
‫ألن العالم ال يمكن له أن يلتبس عليه معلومه بعد قيام العلم ‪ ،‬وحضوره معه ‪.‬‬
‫علُ ًّوا[ النمل ‪. ] 14 :‬‬ ‫ظ ْلما ً َو ُ‬ ‫لكن كما قال تعالى ‪َ :‬و َج َحدُوا ِبها َوا ْست َ ْيقَنَتْها أ َ ْنفُ ُ‬
‫س ُه ْم ُ‬
‫هذا وصف العالم تشم عليه روائح السعادة ‪.‬‬
‫وقال في الشقي المطلق الجاهل ‪:‬أَنَا َخي ٌْر ِم ْنهُ َخلَ ْقت َ ِني ِم ْن ٍ‬
‫نار َو َخلَ ْقتَهُ ِم ْن ِط ٍ‬
‫ين[‬
‫األعراف ‪. ] 12 :‬‬

‫‪140‬‬
‫فسبب إبايته وتكبره جهله ‪ .‬بخالف األول الذي سبب إبايته عن االنقياد بالظاهر تكبره‬
‫على جنسه ‪.‬‬
‫فإن العالم ال يتمكن له اإلباية بباطنه لحصول العلم عنده ‪.‬‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫فهو منقاد مطيع باطنا ‪ .‬معتاص جموح ظاهرا ‪ .‬وأمره إلى ه‬
‫َّللا " مستوفى فإن هناك محله ومكانه ‪.‬‬
‫وقد تكلمنا عليه في كتاب " ال إله إال ّ‬

‫ثم إن السعيد المجتبى إذا عاين معارج المهتدين الذين يقدموه زمانا ورأى صفاء‬
‫أنوارهم لما تخلصت عن ظلماتهم ‪.‬‬
‫وتلك الضياءات الالمعة المستخلصة من ظلمة الكون الثقلى بالضرورة يرى نوره دون‬
‫أنوارهم في الصفاء والشعشعانية ‪.‬‬
‫وقد يكون فوق من رأى بالرتبة والفضيلة وهو ال يشعر لما يرى من المفاضلة بين‬
‫النورين ‪ ،‬وما يعلم أن سبب قصور نوره أنه للعالقة الماسكة له لبقاء هذه الجثة‬
‫الظلمانية وشغله بها ‪ ،‬وعدم تخلصه منها ‪.‬‬
‫فيسأل حينئذ ربه تعالى في العروج به على معارج هذه األنوار التي تراءت له رغبة‬
‫في الصفاء المحض الذي ال يشوبه تكدير وتكثر ‪.‬‬
‫رغبته في ذلك والحاجة وطلبته إلى أن يتخلص كما تخلصوا فيكون صفاؤه عند ذلك‬
‫على قدر ما اتصف من المعارف اإللهية وتحقق به من الصورة المعلومة ‪.‬‬
‫فهذه صورة عالم هذا الباب ‪.‬‬

‫ومداره على ثالثة أقطاب ‪:‬‬


‫قطب يتضمن خمسة أركان من أركان الهوية‪.‬‬
‫وقطب يتضمن أربعة أركان من أركان الديمومية ‪.‬‬
‫وقطب يتضمن ركنا من أركان اإلنيهة ‪.‬‬
‫فتفيض أركان الهوية ‪ ،‬وركن اإلنية من سبحاتها على صفاء نهر الديمومية ‪.‬‬
‫فيضرب لها شعاع في زوايا الجنهة والنار ‪ ،‬فيكون شعاع نور الهوية في جهنم فيقع‬
‫الحجاب ‪َ :‬ك اال ِإنا ُه ْم َع ْن َر ِبه ِه ْم َي ْو َم ِئ ٍذ لَ َم ْح ُجوبُونَ ( ‪ [) 15‬المطففين ‪. ] 15 :‬‬
‫فالهو مصحوبهم أبد اْلبدين ويكون شعاع نور اإلنيهة في الجنان فتكون الرؤية ‪ُ :‬و ُجوهٌ‬
‫ناظ َرة ٌ) ‪ [ ( 23‬القيامة ‪. ] 23 ، 22 :‬‬‫ناض َرة ٌ ( ‪ ) 22‬إِلى َر ِبهها ِ‬ ‫يَ ْو َمئِ ٍذ ِ‬

‫فاإلنيهة مصحوبهم أبد اْلبدين ‪ ،‬ونهر الديمومية يمد الدارين بحقيقته في شعاع كل نور‬
‫‪ ،‬ولهذا هؤالء في السعادة دائمون ‪ ،‬وهؤالء في الشقاوة دائمون ‪.‬‬
‫ّللا وإيهاكم من غوائل الفتن وصرف عنها وجوه المحن إنه ذو اْلالء والمنن ‪.‬‬
‫عصمنا ه‬

‫فصل فهذا منزل العظمة قد أعطى من حقائقه‬

‫‪141‬‬
‫فهذا منزل العظمة قد أعطى من حقائقه قدر ما قبله استعداد الوقت صاحبه ‪.‬‬
‫يصغر إذا كان من أرواح التسخير حتى يصير كالوضع ال غير ‪.‬‬
‫وأ هما نحن في هذا المنزل فال نصغر بل نفنى ونفنى عن نفنى بال نفنى بل به عنه ‪ ،‬وال‬
‫غير وال أثر وال مخبر وال خبر وال رجوع بعد هذا الفناء بأنا لكن بهو ‪.‬‬
‫فيكون الراجع الهو ال األنا ‪.‬‬
‫فيتسامى إذ ذاك عن االتصاف بالصغر والتعرض للحكم ‪.‬‬
‫كما قال « أبو يزيد » ‪ « :‬ضحكت زمانا وبكيت زمانا ‪ ،‬وأنا اليوم ال أضحك وال‬
‫أبكي » ‪ .‬وقيل له ‪ :‬كيف أصبحت ؟ فقال ‪ « :‬ال صباح لي وال مساء ‪ .‬إنما الصباح‬
‫والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا ال صفة لي » ‪.‬‬
‫ّللا على محمد وعلى آله ‪.‬‬‫والحمد هّلل رب العالمين ‪ ،‬وصلى ه‬

‫هذا التنزل م هكي والمح هل قونوي يوناني فما تخلص من آثار الحكم الفكرية هإال بعد أن‬
‫ّللا له من بين يديه ومن خلفه رصدا ‪.‬‬ ‫جعله ه‬
‫ّللا ونعم الوكيل ‪.‬‬ ‫وال حول وال قوة هإال ه‬
‫باّلل العلي العظيم ‪ .‬وحسبنا ه‬
‫نسخ من نسخة قوبلت من أصل نسخ من خط المؤلف وقرىء عليه فصح جهد الطاقة‬
‫والحمد هّلل وحده ‪.‬‬
‫قوبل من أصل قوبل من أصل نسخ من خط المؤلف وقرىء عليه فصح جهد الطاقة‬
‫والحمد هّلل وحده‪.‬‬

‫مالحق كتاب العظمة‬

‫ملحق ‪ 1‬في معرفة منزل العظمة الجامعة للعظمات المحمدية‬

‫ظمته نزال ‪ ....‬وإن تعاظمت جلّت ذاته فعال‬ ‫إن العظيم إذا ع ّ‬
‫ّ‬
‫فهو الّذي أبطل األكوان أجمعها ‪ .....‬من باب غيرته وهو الّذي فعال‬
‫والرسال‬
‫ّ‬ ‫العلوي‬
‫ّ‬ ‫وليس يدرك ما قلنا سوى رجل ‪ .....‬قد جاوز المأل‬
‫يظن الخلق أجمعه ‪ .....‬تحصيله وسها عن نفسه وسال‬ ‫ّ‬ ‫وهام فيمن‬
‫رب الوسيلة في أوصافه كمالاعلم‬ ‫َّللا أحمدنا ‪ّ ....‬‬
‫الرسول رسول ّ‬ ‫ذاك ّ‬

‫أن لهذا المنزل أربعة عشر حكما ‪:‬‬


‫األول ‪ :‬يختص بصاحب الزمان ‪.‬‬
‫والثاني والثالث ‪ :‬يختص باإلمامين‬
‫والرابع والخامس والسادس والسابع ‪ :‬يختص باألوتاد ‪.‬‬
‫والثامن والتاسع والعاشر واألحد عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر ‪:‬‬
‫باألبدال ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫ّللا عالم الدنيا ‪.‬‬
‫وبهذه األحكام يحفظ ه‬
‫ّللا الوجود على عالم الدنيا ‪ .‬ونظيره من الطب‬ ‫فمن علم هذا المنزل علم كيف يحفظ ه‬
‫علم تقويم الصحة ‪ .‬كما أنه باألبدال تنحفظ األقاليم ‪ ،‬وباألوتاد ينحفظ الجنوب والشمال‬
‫والمغرب والمشرق ‪.‬‬
‫وباإلمامين ينحفظ عالم الغيب الذي في عالم الدنيا وعالم الشهادة ‪ ،‬وهو ما أدركه‬
‫الحس ‪.‬‬
‫وبالقطب ينحفظ جميع هؤالء ‪ ،‬فإنه الذي يدور عليه أمر عالم الكون والفساد ‪.‬‬
‫وهؤالء على قلب أربعة عشر نبيا وهم ‪:‬‬
‫آدم ‪ ،‬وإدريس ‪ ،‬ونوح ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬ويوسف ‪ ،‬وهود ‪ ،‬وصالح ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وداود ‪،‬‬
‫َّللا عليهم وعلى المرسلين‬
‫وسليمان ‪ ،‬ويحيى ‪ ،‬وهارون ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬ومحمد سالم ّ‬
‫والحمد هّلل رب العالمين‪.‬‬

‫ولكل واحد ممن ذكرنا طريق يخصه ‪ ،‬وعلم ينصه ‪ ،‬وخبر يقصه ‪ ،‬ويرثه من ذكرناه‬
‫ممن ليست له نبوة التشريع ‪ ،‬وإن كانت له النبوة العامة ‪.‬‬
‫فلنذكر من ذلك ما تيسر فإنه يطول الشرح فيه ‪ ،‬ويتفرع إلى ما ال يكاد أن ينحصر ‪.‬‬

‫ولهم من األسماء اإللهية ‪:‬‬


‫َّللا ‪ ،‬والرب ‪ ،‬والهادي ‪ ،‬والرحيم ‪ ،‬والرحمن ‪ ،‬والشافي ‪ ،‬والقاهر ‪ ،‬والمميت ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والمحيي ‪ ،‬والجميل ‪ ،‬والقادر ‪ ،‬والخالق ‪ ،‬والجواد ‪ ،‬والمقسط ‪.‬‬
‫ي يفيض على كل‬ ‫ي م همن ذكرنا ‪ ،‬وكل نب ه‬
‫ي من هذه ينظر إلى قلب نب ه‬ ‫ك هل اسم إله ه‬
‫وارث ‪.‬‬
‫فالنبي كالبرزخ بين األسماء والورثة ‪ ،‬ولهم من حروف المعجم حروف أوائل السور ‪،‬‬
‫وهي ‪ :‬األلف ‪ ،‬والالم ‪ ،‬والميم ‪ ،‬والصاد ‪ ،‬والراء ‪ ،‬والكاف ‪ ،‬والهاء ‪ ،‬والياء ‪،‬‬
‫والعين ‪ ،‬والطاء ‪ ،‬والسين ‪ ،‬والحاء ‪ ،‬والقاف ‪ ،‬والنون ‪.‬‬
‫هذا لهم من حيث اإلمداد اإللهي الذي يأتيهم في قلوبهم ‪ ،‬وإنما الذي يأتيهم من‬
‫الحروف في صور خيالهم باإلمداد أيضا فالدال ‪ ،‬والذال ‪ ،‬والعين ‪ ،‬والنون ‪ ،‬والصاد‬
‫‪ ،‬والراء ‪ ،‬واأللف ‪ ،‬والطاء ‪ ،‬والحاء ‪ ،‬والواو ‪ ،‬والضاد ‪ ،‬والغين ‪ ،‬والالم ‪ ،‬والميم ‪،‬‬
‫والتاء ‪ ،‬والكاف ‪ ،‬والباء ‪ ،‬والسين ‪ ،‬والقاف ‪ ،‬والياء ‪ ،‬والهاء ‪ ،‬والحرف المركب‬
‫من الم األلف الذي هو للحروف بمنزلة الجوهر ‪.‬‬

‫وهذه الحروف من عالم األنفاس اإللهية ‪ ،‬وما تركب من الكلمات من هذه الحروف‬
‫خاصة مما وقع عليها االصطالح في كل لسان بما تكون بها الفائدة في ذلك اللسان ‪.‬‬
‫فإن تلك الكلمات لها على ما قيل لي خواص في العالم ليست لسائر الكلم ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫ّللا ينزلون‬
‫وأ هما األرواح النورية فعين لهؤالء األنبياء منهم أربعة عشر روحا من أمر ه‬
‫من األسماء ‪ -‬التي ذكرناها ‪ -‬اإللهية على قلوب األنبياء وتلقاها حقائق األنبياء عليهم‬
‫السالم على قلوب من ذكرناه من الورثة ‪ ،‬ويحصل للفرد الواحد من األفراد وراثة‬
‫الجماعة المذكورة ‪،‬‬
‫فيأخذون علم الورث من طريق المذكورين من األرواح الملكية واألنبياء البشريين ‪،‬‬
‫ويأخذون بالوجه الخاص من األسماء اإللهية علوما ال يعلمها من ذكرناه سوى محمد‬
‫ّللا عليه وسلم فإن له هذا العلم كله ‪.‬‬‫صلى ه‬
‫ألنه أخبر أنه قد علم علم األولين وعلم اْلخرين‪.‬‬
‫اعلم‬
‫أن هّلل كنوزا في الطبيعة التي تحت عرش العماء ‪ ،‬اكتنز فيها أمورا ‪ ،‬فيها سعادة العباد‬
‫‪ .‬كاكتزان الذهب في المعدن ‪.‬‬
‫وصور هذه الكنوز صور الكلمات المركبة من الحروف اللفظية فال تظهر ‪ ،‬إذا أراد‬
‫ّللا إظهارها ‪ ،‬هإال على ظهر أرض أجسام البشر على ألسنتهم ‪.‬‬ ‫ه‬
‫وإنفاقها واالنتفاع بها عين التلفظ بها ‪ ،‬مثل قول اإلنسان ‪.‬‬
‫ي العظيم "‬ ‫"ال حول وال قوة هإال ه‬
‫باّلل العل ه‬
‫ّللا عليه‬
‫ّللا على لسان رسوله صلى ه‬ ‫فهذه الكلمات من الكنوز المنصوص عليها من ه‬
‫وسلم ‪،‬‬
‫ّللا تعالى على لسان آدم عليه السالم فهو أول من أنفق من هذا الكنز‬ ‫وأول ما أظهرها ه‬
‫في الطواف بالكعبة حين أنزله جبريل فطاف به بالكعبة‬
‫فسأله ‪ :‬ما كنتم تقولون في طوافكم بهذا البيت ؟‬

‫فقال جبريل عليه السالم ‪:‬‬


‫وَّللا‬
‫َّللا ‪ّ ،‬‬‫َّللا‪ ،‬والحمد ّّلل ‪ ،‬وال إله ّإال ّ‬
‫كنا نقول في طوافنا بهذا البيت " سبحان ّ‬
‫أكبر"‪.‬‬
‫العلي‬
‫ّ‬ ‫باّلل‬
‫ّللا آدم وبنيه من حيث ال تعلمه المالئكة كلمة « ال حول وال قوة إال ّ‬ ‫فأعطى ه‬
‫العظيم » ‪.‬‬
‫ي‬ ‫فقال آدم لجبريل عليهما السالم ‪ :‬وأزيدكم أنا ‪" :‬ال حول وال قوة ّإال ّ‬
‫باّلل العل ّ‬
‫العظيم‪".‬‬
‫فبقيت سنهة في الذكر في الطواف لبنيه ‪ ،‬ولكل طائف به إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم أن هذه الكلمة أعطيها آدم عليه السالم من كنز‬ ‫ّللا صلى ه‬‫فأخبر رسول ه‬
‫تحت العرش ‪ .‬رواه البخاري ومسلم وابن حبان‬
‫ّللا ‪ ،‬قال ‪ " :‬أال أدلك على‬ ‫ّللا بن قيس » قلت ‪ :‬لبيك يا رسول ه‬‫"" فقال لي ‪ « :‬يا عبد ه‬
‫ّللا فداك أبي وأمي ‪ ،‬قال ‪ « :‬ال‬ ‫كلمة من كنز من كنوز الجنة ؟ " قلت ‪ :‬بلى يا رسول ه‬
‫باّلل » ‪"" .‬‬
‫حول وال قوة إال ه‬

‫‪144‬‬
‫ّللا إظهار كنز‬‫فالكنوز المكتنزة تحت العرش ‪ ،‬إنما هي مكتنزة في نشأتنا ‪ ،‬فإذا أراد ه‬
‫منها ‪ ،‬أظهره على ألسنتنا ‪ ،‬وجعل ذلك قربة إليه ‪ ،‬فإنفاقه النطق به ‪.‬‬
‫وهكذا جميع ما اكتنزه مما فيه قربة ‪ ،‬وما ليس بقربة م هما هو مكتنز ‪ ،‬بل يخلق في‬
‫الوقت في لسان العبد ‪ ،‬وكانت صورة اختزانه ‪ -‬إذ ال يختزن هإال أمر وجودي ‪ -‬أن ه‬
‫ّللا‬
‫لما أراد إيجاد هذا المكتنز ‪،‬‬
‫تجلى في صورة آدمية ‪ ،‬ثم تكلم بهذا األمر الذي يريد أن يكتنزه لنا أو لمن شاء من‬
‫ّللا‬
‫خلقه ‪ ،‬فإذا تكلم به أسمعه ذلك المكان ‪ ،‬الذي يختزنه فيه فيمسك عليه ‪ ،‬فإذا أنشأ ه‬
‫ّللا ‪،‬‬
‫ذلك المكان صورة ظهر هذا الكنز في نطق تلك الصورة ‪ ،‬فانتفع بظهوره عند ه‬
‫ثم لم يزل ينتقل في ألسنة الذاكرين به دائما أبدا ‪ ،‬ولم يكن كنزا هإال فيمن ظهر منه‬
‫ابتداء ‪ ،‬ال في كل من ظهر منه بحكم االنتقال والحفظ ‪.‬‬

‫سن سنّة حسنة "‪ .‬رواه ابن خزيمة وابن ماجة‬ ‫وهكذا ك هل " من ّ‬
‫ّللا في‬
‫ّللا إليه فتلك الحسنة كنز اكتنزها ه‬ ‫ابتداء من غير تلقف من أحد مخلوق هإال من ه‬
‫هذا العبد من الوجه الخاص ‪ ،‬ثم نطق بها العبد إلظهارها ‪ ،‬كالذي ينفق ماله الذي‬
‫اختزنه في صندوقه فهذا صورة االكتناز ‪ -‬إن فهمت ‪.‬‬
‫فال يكون اكتنازا هإال من الوجه الخاص اإللهي ‪ ،‬وما عدا ذلك فليس باكتناز ‪.‬‬
‫ّللا فيه ‪.‬‬
‫فأول ناطق به هو محل االكتناز ‪ ،‬الذي اكتنزه ه‬

‫وهو في حق من تلقفه منه ذكر مقرب كان موصوفا بأنه كنز ‪ ،‬فهذه كلها رموزه ألنها‬
‫كلها كنوزه ‪.‬‬
‫وبعد أن أعلمتك بصورة الكنز واالكتناز ‪ ،‬وكيفية األمر في ذلك لتعلم ما أنت كنز له ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬محل الكتنازه ‪ ،‬مما لست بمحل له إذا تلقنته ‪ ،‬أو تلقفته من غيرك فتعلم عند ذلك‬
‫صك به من مشارب النبوة‪.‬‬ ‫حظك من ربهك وما خ ه‬
‫فتكون عند ذلك على بينة من ربك فيما تعبده به ‪ ،‬وال تكون فيما أنت محل الكتنازه‬
‫وارثا ‪ ،‬بل تكون موروثا فتحقق ما ترثه وما يورث منك ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم في‬
‫ّللا صلى ه‬
‫ومن هذا الباب مسألة بالل الذي نص عليها لنا رسول ه‬
‫قوله له ‪ " :‬بم سبقتني إلى الجنة " ‪ .‬رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والترمذي‪.‬‬

‫ّللا عليه وسلم فلما ذكر له ما نص لنا قال ‪ :‬بهما ‪.‬‬


‫يستفهمه إذ علم أن السبق له صلى ه‬
‫أي ‪ :‬بتينك الحالتين فمن عمل على ذلك كان له أجر العمل ‪ ،‬ولبالل أجر التسنين وأجر‬
‫عملك معا ‪.‬‬
‫فهذا فائدة كون اإلنسان محال لالكتناز‪.‬‬
‫ّللا عليه‬
‫ش هر فليس باكتناز إلهي ‪ ،‬وإنما هو أمر طبيعي ‪ ،‬فإن النبي صلى ه‬ ‫وأ هما تسنين ال ه‬
‫وسلم يقول معلما لنا ‪" :‬والخير كله بيديك " ‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫أي ‪ :‬أنت الذي اكتنزته في عبادتك ‪ ،‬فهو يجعلك فيهم واختزانك ولذلك يكون قربة إليك‬
‫العلم به ‪ ،‬ثم قال‪" :‬والش ّّر ليس إليك" ‪ .‬رواه مسلم وابن خزيمة والحاكم في المستدرك‬
‫وأبو داود ورواه غيرهم‬
‫ّللا عليه وسلم أنه‬
‫ّللا صلى ه‬
‫"" وفى رواية مسلم ‪ :‬عن علي بن أبي طالب عن رسول ه‬
‫كان إذا قام إلى الصالة قال ‪ « :‬وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض حنيفا‬
‫وما أنا من المشركين ‪ ،‬إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هّلل رب العالمين ال شريك‬
‫له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك ال إله إال أنت أنت ربي وأنا عبدك‬
‫ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‬
‫واهدني ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت واصرف عني سيئها ال يصرف‬
‫عني سيئها إال أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك‬
‫تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك »‬
‫وإذا ركع قال ‪ « :‬اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري‬
‫ومخي وعظمي وعصبي »‬
‫وإذا رفع قال ‪ « :‬اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء األرض وملء ما بينهما‬
‫وملء ما شئت من شيء بعد »‬
‫وإذا سجد قال ‪ « :‬اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه‬
‫ّللا أحسن الخالقين » ‪.‬‬
‫وصوره وشق سمعه وبصره تبارك ه‬
‫ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت‬
‫وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ال‬
‫إله إال أنت "‪"" .‬‬

‫ّللاِ َوما أَصابَ َك‬ ‫أي ‪ :‬لم تختزنه في عبادك ‪ .‬وهو قوله تعالى ‪:‬ما أَصابَ َك ِم ْن َح َ‬
‫سنَ ٍة فَ ِمنَ ا‬
‫س ِيهئ َ ٍة فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك [ النساء ‪. ] 79 :‬‬
‫ِم ْن َ‬
‫حق ‪ .‬وأ هما قوله ‪:‬قُ ْل ُك ٌّل ِم ْن‬ ‫فأضاف السوء إليك والحسن إليه ‪ ،‬وقوله صدق وأخباره ه‬
‫ّللاِ[ النساء ‪. ] 79 :‬‬ ‫ِع ْن ِد ا‬
‫ّللا وهذا من نفسك ‪.‬‬ ‫ّللا ‪ ،‬والحكم بأن هذا من ه‬‫أي ‪ :‬التعريف بذلك من عند ه‬
‫وهذا خير وهذا شر ‪.‬‬
‫َّللا ) ولهذا قال في حق من جهل الذي ذكرناه منهم ‪.‬فَما ِلهؤ ِ‬
‫ُالء‬ ‫معنى( ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد ه ِ‬
‫ْالقَ ْو ِم ال يَكادُونَ يَ ْفقَ ُهونَ َحدِيثا ً ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ما لهم ال يفقهون ما حدثتهم به فإني قد قلت ‪:‬ما أَصابَ َك ِم ْن َح َ‬
‫سنَ ٍة فَ ِمنَ ا ِ‬
‫ّللا َوما‬
‫سيِهئ َ ٍة فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك فرفعت االحتمال أو نصصت على األمر بما هو عليه‪.‬‬ ‫أَصا َب َك ِم ْن َ‬

‫فلما قلت ‪ُ ( :‬ك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد ا‬


‫ّللاِ )‪ .‬يعلم العالم ه‬
‫باّلل أني أريد الحكم واإلعالم بذلك أنه من‬
‫ّللا ال عين السوء ‪.‬‬ ‫عند ه‬

‫‪146‬‬
‫ّللا عليه وسلم قال ‪ " :‬والخير كله بيديك والشر ليس‬ ‫ّللا صلى ه‬ ‫ول هما علم ذلك رسول ه‬
‫إليك " ‪.‬‬
‫ورها َوت َ ْقواها ( ‪ [) 8‬الشمس ‪:‬‬ ‫س اواها ( ‪ ) 7‬فَأ َ ْل َه َمها فُ ُج َ‬ ‫وكذلك قوله تعالى ‪َ :‬ونَ ْف ٍس َوما َ‬
‫‪ ] 8 ، 7‬فجورها أنه فجورها ‪ ،‬وتقواها أنه تقوى ‪.‬‬
‫ليفصل بين الفجور والتقوى ‪ .‬إذ هي محل لظهور األمرين فيها ‪.‬‬
‫فربهما التبس عليها األمر وتخيلت فيه أنه كله تقوى ‪.‬‬
‫ّللا فيما ألهمها ما يتميز به عندها الفجور من التقوى ‪ ،‬ولذا جاء باإللهام ولم‬ ‫فعلهمها ه‬
‫يجئ باألمر ‪.‬‬
‫ّللا ال يأمر بالفحشاء ‪ ،‬والفجور فحشاء ‪ .‬فالذكر لألصل وهو القطب ‪.‬‬ ‫فإن ه‬
‫السراء والض هراء لما انقسم التحميد بلسان الشرع ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫والتحميدان أعني تحميد‬
‫بين قوله ‪ ( :‬في السراء ) الحمد هّلل المنعم المتفضل ‪،‬‬
‫وبين قوله ‪ ( :‬في الضراء ) الحمد هّلل على كل حال ‪ ،‬وما له في الكون هإال حالة تسر‬
‫‪ ،‬أو حالة تضر ‪ ،‬ولكل حالة تحميد ‪،‬‬
‫وهي قوله تعالى لنا في كتابه عن إبليس ‪:‬ث ُ ام َْلتِيَنا ُه ْم ِم ْن َبي ِْن أ َ ْيدِي ِه ْم َو ِم ْن خ َْل ِف ِه ْم َو َع ْن‬
‫أَيْما ِن ِه ْم َو َع ْن شَما ِئ ِل ِه ْم[ األعراف ‪. ] 17 :‬‬
‫وقام على كل جهة من هذه الجهات من يحفظ إيمانه منها جعل األوتاد أربعة للزومهم‬
‫هذه الجهات لكل وتد جهة أي الغالب عليه حفظ تلك الجهة خاصة ‪.‬‬
‫وإن كان له حفظ لسائر الجهات " كأفرضكم زيد " رواه الحاكم " أفرض أمتي زيد‬
‫بن ثابت "‪.‬‬
‫علي " رواه الطبراني ‪ ،‬و « كالجماعة تحمل ما ال يقدر الواحد على‬ ‫ّ‬ ‫و " أقضاكم‬
‫حمله إذا انفرد به ‪.‬‬
‫َّللا عليه وسلم ‪ " :‬أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأرفق أمتي‬ ‫َّللا صلى ّ‬ ‫"" قال رسول ّ‬
‫ألمتي عمر بن الخطاب وأصدق أمتي حياء عثمان وأقضى أمتي علي بن أبي طالب‬
‫وأعلمها بالحالل والحرام معاذ بن جبل يجيء يوم القيامة أمام العلماء برتوة وأقرأ‬
‫أمتي أبي بن كعب وأفرضها زيد بن ثابت "‪ "" .‬رواه الطبراني‬

‫فلكل واحد من الجماعة قوة في حمله ‪ ،‬وأغلب قوته حمل ما يباشره من ذلك المحمول‪.‬‬
‫فلوال الجماعة ما انتقل هذا المحمول ألن كل واحد واحد ال يقدر على حمله فبالمجموع‬
‫كان الحمل ‪.‬‬
‫كذلك هذا األمر ‪ .‬فهذه سبعة ‪.‬‬

‫وأ ّما األبدال ‪ :‬فلهم حفظ السبع الصفات في تصريف صاحبها لها ‪ ،‬إذ لها تصرف في‬
‫الخير ‪ ،‬وتصرف في الشر ‪ ،‬فتحفظ على صاحبها تصريف الخير ‪ ،‬وتقيه من‬
‫تصريفاتها في الشر‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫فهذه جملة األربعة عشر التي ذكرناها لقوم يعقلون من المؤمنين إذا أنصفوا ‪ ،‬ومن‬
‫حصل له حفظ ما ذكرناه فذلك المعصوم ‪ ،‬وتلك العصمة ‪.‬‬
‫ّللاُ بِ ُك ِهل ش ْ‬
‫َيءٍ َع ِلي ٌم[ الحجرات‪.] 16:‬‬ ‫ما ثم غير هذين في الظاهر والباطن َو ا‬
‫وإذا علمت هذا وانفتح لك مقفله مشيت لكل واحد من الذي عيهنها لك على ما له مما‬
‫ذكرناه من األسماء اإللهية ‪ ،‬والحروف الرقمية المعينة ‪ ،‬واألفهام الموروثة من النبيين‬
‫المذكورين واألرواح النورية ‪ ،‬فيحصل لك ذوقا جميع ما ذكرناه وكشفا لمعناه فال‬
‫تغفل عن استعماله ‪.‬‬
‫وفي هذا المنزل من العلوم ‪.‬‬
‫ّللا تعالى ‪،‬‬‫علم األذكار المقربة إلى ه‬
‫وعلم األسماء اإللهية ‪،‬‬
‫وعلم اختصاص الرحمة وشمولها ‪،‬‬
‫وعلم األسماء المركبة التي هّلل ‪،‬‬
‫وعلم عواقب األمور ‪،‬‬
‫وعلم العالم ‪،‬‬
‫وعلم مراتب السيادة في العالم ‪،‬‬
‫وعلم الثناء بالثناء ‪،‬‬
‫وعلم الملك والملكوت ‪،‬‬
‫وعلم الزمان ‪،‬‬
‫وعلم الجزاء ‪،‬‬
‫وعلم االستناد ‪،‬‬
‫وعلم التعاون ‪،‬‬
‫وعلم العبادة ‪،‬‬
‫وعلم البيان والتبيين ‪،‬‬
‫وعلم طرق السعادة ‪،‬‬
‫وعلم النعمة والمنعم واإلنعام ‪،‬‬
‫وعلم أسباب الطرد عن السعادة التي ال يشوبها شقاء ‪،‬‬
‫وعلم الحيرة والمتحيرين ‪،‬‬
‫وعلم السائل والمجيب ‪،‬‬
‫ي التعريفين أقوى ‪.‬‬ ‫وعلم التعريف بالذات واإلضافة وأ ه‬

‫هذه أمهات العلوم التي يحوي عليها هذا المنزل ‪،‬‬


‫وكل علم منها ‪ ،‬فتفاصيله ال تنحصر هإال هّلل تعالى ‪ .‬أي يعلم مع علمه بها أنها ال‬
‫تنحصر ‪ ،‬ألنها ال نهاية لها ‪.‬‬
‫ومنها تقع الزيادة في العلم لمن طلبها ‪ ،‬ومن أعطيها من غير طلب ‪ .‬وهو قوله ‪َ :‬وقُ ْل‬
‫َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً[ طه ‪. ] 114 :‬‬

‫‪148‬‬
‫فإن تناهى العلم في نفسه فإن المعلوم ال ينتهي ‪.‬‬
‫وقد نهيت النّفس عن قولها ‪ ....‬باالنتها فيه فلم تنته‬
‫لجهلها باألمر في نفسه ‪ ....‬لذاك قالت إنّه ينتهي‬
‫وقد رأينا نفرا منهم ‪ ....‬بمكّة يجول في مهمه‬
‫ب من األبله‬‫قد حكمت أوهامهم فيهم ‪ ....‬فانحاز ذو اللّ ّ‬

‫واعلم أن عالم اإلنسان لما كان ملكا هّلل تعالى كان الحق تعالى ملكا لهذا الملك بالتدبير‬
‫فيه وبالتفصيل ‪.‬‬
‫ض"[ الفتح ‪] 4 :‬‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ّلل ُجنُو ُد ال ا‬ ‫ولهذا وصف نفسه تعالى بأن " َو ِ ا ِ‬
‫‪ ،‬وقال ‪َ :‬وما َي ْعلَ ُم ُجنُو َد َر ِبه َك ِإ اال ُه َو[ المدهثر ‪. ] 31 :‬‬
‫فهو تعالى حافظ هذه المدينة اإلنسانية لكونها حضرته التي وسعته وهي عين مملكته ‪،‬‬
‫وما وصف نفسه بالجنود والقوة هإال وقد علم أنه تعالى قد سبقت مشيئته في خلقه أن‬
‫يخلق له منازعا ينازعه في حضرته ويثور عليه في ملكه بنفوذ مشيئته فيه وسابق‬
‫علمه وكلمته التي ال تتبدّل سماه الحارث ‪،‬‬
‫وجعل له خيال ورجال وسلهطه على اإلنسان فأجلب هذا العدو على هذا الملك اإلنساني‬
‫بخيله ورجله ‪.‬‬
‫ّللا في مقابلة‬ ‫ووعده بالغرور بسفراء خواطره التي تمشي بينه وبين اإلنسان فجعل ه‬
‫أجناده أجناد مالئكته ‪،‬‬
‫فلما تراءى الجمعان وهو في قلب جيشه جعل ميمنة ومسيرة وتقدمة وساقة‬
‫َّللا بذلك لنأخذ حذرنا منه من هذه الجهات‬ ‫وعرفنا ّ‬
‫ّللا تعالى لنا أنه قال هذا العدو ‪.‬ث ُ ام َْل ِتيَنا ُه ْم ِم ْن َبي ِْن أ َ ْيدِي ِه ْم َو ِم ْن خ َْل ِف ِه ْم َو َع ْن أَيْما ِن ِه ْم‬ ‫فقال ه‬
‫َو َع ْن شَمائِ ِل ِه ْم[ الحجرات ‪. ] 16 :‬‬
‫ّللا في‬ ‫ّللا هذا الملك اإلنساني بأن كان ه‬ ‫وهو في قلب جيشه في باطن اإلنسان فحفظ ه‬
‫قلب هذا الجيش ‪ ،‬وهذا العسكر اإلنساني في مقابلة قلب جيش الشيطان ‪ ،‬وجعل على‬
‫ميمنته االسم الربه ‪ ،‬وعلى ميسرته االسم الملك ‪ ،‬وعلى تقدمته االسم الرحمن ‪،‬‬
‫وفي ساقته االسم الرحيم ‪ ،‬وجعل االسم الهادي يمشي برسالة االسم الرحمن ‪ ،‬الذي في‬
‫المقدمة إلى هذا الشيطان ‪ ،‬وما هو شيطان الجان وإنما أعني به شيطان اإلنس ‪.‬‬
‫اإل ْن ِس َو ْال ِج ِهن[ األنعام ‪، ] 112 :‬‬ ‫َياطينَ ْ ِ‬
‫ّللا تعالى يقول ‪:‬ش ِ‬ ‫فإن ه‬
‫اس ( ‪ِ ) 5‬منَ‬ ‫ُور النا ِ‬ ‫صد ِ‬ ‫س فِي ُ‬ ‫واس ْال َخناا ِس ( ‪ ) 4‬الاذِي يُ َو ْس ِو ُ‬ ‫وقال ‪ِ :‬م ْن ش ِ هَر ْال َو ْس ِ‬
‫اس ( ‪ [) 6‬الناس ‪. ] 6 - 4 :‬‬ ‫ْال ِجنا ِة َوالنا ِ‬

‫فإن شياطين اإلنس لهم سلطان على ظاهر اإلنسان وباطنه ‪،‬‬
‫نواب شياطين اإلنس في بواطن الناس ‪،‬‬‫وشياطين الجن هم ه‬
‫وشياطين الجن هم الذين يدخلون اْلراء على شياطين اإلنس ‪ ،‬ويدبرون دولتهم‬
‫فيفصلون لهم ما يظهرون فيها من األحكام ‪،‬‬

‫‪149‬‬
‫ّللا عنه ليحفظ عليه‬ ‫وال يزال القتال يعمل على هذا اإلنسان المؤمن خاصة فيقاتل ه‬
‫إيمانه ‪ ،‬ويقاتل عليه إبليس ليرده إليه ‪ ،‬ويسلب عنه اإليمان ‪ ،‬ويخرجه عن طريق‬
‫سعادته حسدا منه ‪.‬‬
‫فإنه إذا أخرجه تبرأ منه وجثا بين يدي ربه الذي هو مقدم صاحب الميمنة ويجعله‬
‫ّللا بذلك كله لنعرف مكايده ‪.‬‬ ‫وعرفنا ه‬
‫ه‬ ‫سفيرا بينه وبين االسم الرحمن ‪،‬‬
‫فهو يقول لإلنسان بما يزين له ( أكفر ) فإذا كفر يقول له ‪ِ :‬إ ِنهي بَ ِري ٌء ِم ْن َك ِإ ِنهي أ َ ُ‬
‫خاف‬
‫ار خا ِل َدي ِْن فِيها[ الحشر ‪. ] 17 ، 16 :‬‬ ‫ّللا َربا ْالعالَ ِمينَ فَكانَ عاقِبَت َ ُهما أَنا ُهما فِي النا ِ‬
‫اَ‬
‫ألن الكفر هنا هو الشرك ‪ ،‬وهو الظلم العظيم‬
‫الظا ِل ِمينَيريد المشركين ‪ ،‬فإنهم الذين لبسوا إيمانهم بظلم وفسره‬ ‫ولذلك قال ‪َ :‬وذ ِل َك َجزا ُء ا‬
‫ي ال ت ُ ْش ِر ْك ِب ا ِ‬
‫اّلل ِإ ان ال ِ ه‬
‫ش ْر َك‬ ‫ّللا عليه وسلم بما قاله لقمان البنه ‪:‬يا بُنَ ا‬ ‫ّللا صلى ه‬ ‫رسول ه‬
‫ظ ْل ٌم َع ِظي ٌم[ لقمان ‪. ] 13 :‬‬ ‫لَ ُ‬
‫ظ ْل ٍم[ األنعام ‪:‬‬ ‫سوا ِإيمانَ ُه ْم بِ ُ‬ ‫ّللا أراد باإليمان هنا في قوله ‪َ :‬ولَ ْم يَ ْلبِ ُ‬ ‫فعلمنا بهذا التفسير أن ه‬
‫‪. ] 82‬‬
‫ّللا ‪ ،‬ألن الشرك ال يقابله ّإال التوحيد ‪.‬‬ ‫أنه اإليمان بتوحيد ه‬

‫َّللا عليه وسلم ما لم تعلمه الصحابة ‪ ،‬ولهذا ترك التأويل من تركه‬ ‫فعلم النبي صلى ّ‬
‫من العلماء ولم يقل به ‪ ،‬واعتمد على الظاهر ‪ ،‬وترك ذلك هّلل ‪،‬‬
‫إذ قال ‪َ :‬وما يَ ْعلَ ُم تَأ ْ ِويلَهُ ِإ اال ا‬
‫ّللاُ[ آل عمران ‪. ] 7 :‬‬
‫ّللا بخلقه‬
‫ّللا ال بنظره ‪ ،‬ومن رحمة ه‬ ‫ّللا بما أراده في قوله ‪ ،‬علمه بإعالم ه‬ ‫فمن أعلمه ه‬
‫أنه غفر للمتأولين من أهل ذلك اللسان العلماء به إذا أخطأوا في تأويلهم فيما تلفظ به‬
‫رسولهم ‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬وإ هما فيما شرع له أن يشرعه قوال وفعال ‪ ،‬وليس في المنازل‬ ‫إ هما فيما ترجمه عن ه‬
‫اإللهية كلها على كثرتها ما ذكرنا منها في هذا الكتاب ‪ ،‬وما لم نذكر من يعطي‬
‫اإلنصاف ويؤدي الحقوق وال يترك عليه حجة هّلل وال لخلقه فيوفي الربوبية حقها‬
‫والعبودية حقها ‪،‬‬
‫ّللا‬
‫ّللا بما ألهمه أهل طريق ه‬ ‫وما ثم ّإال عبد ورب ّإال هذا المنزل خاصة هكذا أعلمنا ه‬
‫ّللا منه ورثة أنبيائه ‪.‬‬
‫الذي جرت به العادة أن يعلم ه‬

‫وهو منزل غريب عجيب أوله يتضمن كله ‪ ،‬وكلّه يتضمن جميع المنازل كلها ‪.‬‬
‫وما رأيت أحدا تحقق به سوى شخص واحد مك همل في واليته لقيته بإشبيليهة ‪ ،‬وصحبته‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫وهو في هذا المنزل ‪ ،‬وما زال عليه إلى أن مات رحمه ه‬
‫وغير هذا الشخص فما رأيته مع أني ما أعرف منزال ‪ ،‬وال نحلة ‪ ،‬وال ملهة هإال رأيت‬
‫قائال بها ومعتقدا لها ومنصفا بها باعترافه من نفسه ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫فما أحكي مذهبا وال نحلة هإال عن أهلها القائلين بها ‪ ،‬وإن كنها قد علمناها من ه‬
‫ّللا بطريق‬
‫ي وعنايته بي حتى أني‬ ‫ّللا عل ه‬
‫ّللا قائال بها لنعلم فضل ه‬
‫خاص ‪ ،‬ولكن ال بد أن يرينا ه‬
‫ّللا في خلقه ‪ ،‬وأن الممكنات متناهية ‪ ،‬وأن‬
‫أعلمت أن في العالم من يقول بانتهاء علم ه‬
‫األمر ال بد أن يلحق بالعدم والدثور ‪ ،‬ويبقى الحق حقا لنفسه وال عالم ‪.‬‬
‫فرأيت بمكة من يقول بهذا القول ‪ ،‬وصرح لي به معتقدا له من أهل السوس من بالد‬
‫المغرب األقصى ‪.‬‬
‫يصر على هذا المذهب حتى صرح به عندنا ‪ ،‬وما قدرت على‬ ‫ه‬ ‫ح ّج معنا وخدمنا وكان‬
‫ردهه عنه ‪ ،‬وال أدري بعد فراقه إيهانا هل رجع عن ذلك ‪ ،‬أو مات عليه ؟‬
‫وكان لديه علوم جمة وفضل هإال أنه لم يكن له دين وإنما كان يقيمه صورة عصمة‬
‫لدمه‪.‬‬
‫هذا قوله لي ويعطيه مذهبه ‪ .‬وليس في مراتب الجهل أعظم من هذا الجهل ‪.‬‬
‫وّللا يقول الحق وهو يهدي السبيل‪.‬‬
‫ه‬

‫ملحق ‪ 2‬حضرة العظمة‬


‫ظمه ‪ ....‬أفعاله ليس من يقول أنا‬ ‫إن العظيم الّذي تع ّ‬ ‫ّ‬
‫ظمه ‪ ....‬أحسابه ال أرى له ثمنا‬ ‫ومن يقل إنّما تع ّ‬
‫ظمه إنّه رجل ‪ ....‬يحشر يوم الحساب في الجبنا‬ ‫فال تع ّ‬
‫يدعى صاحبها عبد العظيم ‪ ،‬وحال هذا العبد االحتقار التام مع كونه محال للعظمة‬
‫فيفنيه عن نفسه ‪،‬‬
‫وما رأيت أحدا يحكم هذا المقام هإال شخصا واحدا من حديثه الموصل ‪ ،‬وأخبرني‬
‫شيخي أبو العباس العريني من أهل العليا من غرب األندلس أنه رأى واحدا أيضا من‬
‫أهل هذه الحضرة ‪،‬‬
‫وقد تلبس كالحالج فيعظم جسمه في أعين الناظرين باألبصار ‪ ،‬وأ هما حكمها في‬
‫النفوس فكثير الوقوع ‪ ،‬فإنه تقع أمور كثيرة يعظم في النفوس قدرها بحيث ال تتسع‬
‫النفس لغيرها ‪ ،‬وال سيما في األمور الهائلة التي تؤثر الخوف في النفوس ‪.‬‬
‫ب[ الحج ‪. ] 32 :‬‬ ‫ّللا فَإِناها ِم ْن ت َ ْق َوى ْالقُلُو ِ‬
‫ظ ْم شَعا ِئ َر ا ِ‬‫َو َم ْن يُ َع ِ ه‬
‫ّللا فَ ُه َو َخي ٌْر لَهُ ِع ْن َد َر ِبه ِه[ الحج ‪. ] 30 :‬‬
‫ت اِ‬ ‫ظ ْم ُح ُرما ِ‬ ‫َو َم ْن يُ َع ِ ه‬
‫ظ ْل ٌم َع ِظي ٌم[ لقمان ‪. ] 13 :‬‬ ‫ش ْر َك لَ ُ‬ ‫إِ ان ال ِ ه‬
‫ولكن في نفس الموحد يشاهد عظمته في نفس المشرك ال في نفسه فيشاهده ظلمة‬
‫عظيمة إذا أخرج يده فيها لم يكد يراها ‪.‬‬

‫ه‬
‫المعظم ( اسم مفعول ) هإال أن‬ ‫ه‬
‫المعظم ( اسم فاعل ) ال حال‬ ‫واعلم أن العظمة حال‬
‫ه‬
‫المعظم ( اسم‬ ‫ه‬
‫المعظم ألن‬ ‫يكون الشيء يعظم عنده ذاته فعند ذلك تكون العظمة حال‬
‫فاعل ) ما عظمت عنده هإال نفسه فهو من كونه معظما نفسه كانت الحال صفته ‪ ،‬وما‬

‫‪151‬‬
‫عظم سوى نفسه ‪ ،‬فالعظمة حال نفسه ‪ ،‬وهذه الحالة توجب الهيبة واإلجالل والخوف‬
‫فيمن قامت بنفسه ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪:‬‬
‫طير فوق أرؤسهم ‪ ....‬ال خوف ظلم ولكن خوف إجالل‬ ‫كأنّما ال ّ‬
‫لما في قلوبهم من هيبته وعظمته ‪،‬‬
‫وقال اْلخر ‪:‬‬
‫أشتاقه فإذا بدا ‪ ....‬أطرقت من إجالله‬
‫ال خيفة بل هيبة ‪ ....‬وصيانة لجماله‬

‫وهذه األسباب كلها موجبات لحصول العظمة في نفس هذا المعظم هإال من عظمة الحق‬
‫في القلوب ال توجبها هإال المعرفة في قلوب المؤمنين ‪ ،‬وهي من آثار األسماء اإللهية ‪.‬‬
‫فإن األمر يعظم بقدر ما ينسب إلى هذه الذات المعظمة من نفوذ االقتدار وكونها تفعل‬
‫ما تريد وال را هد لحكمها ‪ ،‬وال يقف شيء ألمرها فبالضرورة تعظم في قلب العارف‬
‫بهذه األمور ‪،‬‬
‫وهي العظمة األولى الحاصلة لمن حصلت عنده من اإليمان ‪،‬‬
‫والمرتبة الثانية من العظمة هي ما يعطيه التجلي في قلوب أهل الشهود والوجود من‬
‫غير أن يخطر لهم شيء من تأثير األسماء ‪ ،‬وال من األحكام اإللهية بل بمجرد التجلي‬
‫تحصل العظمة في نفس من يشاهده ‪،‬‬
‫وهذه العظمة الذاتية ال تحصل ّإال لمن شاهده به ال بنفسه ‪ ،‬وهو الذي يكون الحق‬
‫بصره وال أعظم من الحق عند نفسه ‪ ،‬فال أعظم من الحق عند من يشهده في تجليه‬
‫ببصر الحق ال ببصره ‪،‬‬
‫فإن بصر كل إنسان وكل مشاهد بحسب عقده وما أعطاه دليله وهذا الصنف من أهل‬
‫العظمة خارج ع هما ارتبطت عليه أفئدة العارفين من العقائد فيرونه من غير تقييد فذلك‬
‫هو الحق المشهود ‪،‬‬
‫فال يلحق عظمتهم عظمة معظم أصال ‪ ،‬وما أحسن ما جاء هذا االسم حيث جاء في‬
‫ّللا ببنية فعيل فقال ‪ :‬عظيم ‪.‬‬
‫كالم ه‬
‫وهي بنية لها وجه إلى الفاعل ووجه إلى المفعول ‪.‬‬

‫ه‬
‫والمعظم فأتى بلفظ يجمع الوجهين‬ ‫ه‬
‫المعظم‬ ‫ولما كان الحق عظيما عند نفسه كان هو‬
‫كالعليم سواء ‪ ،‬وقد يرد هذا البناء ويراد به الوجه الواحد من الوجهين كاالسم الحليم ‪،‬‬
‫هذا لسان الظاهر وعلم الرسم ‪.‬‬
‫وأ هما علم الحقيقة المعتمد عليه عند العارفين ‪.‬‬
‫فكل فعيل في أسماء الحق وصفاته ونعوته كالحليم والعليم والكريم فال فرق بين هذه‬
‫األسماء وبين العظيم في داللتها على الوجهين ‪ ،‬وذلك لكونه هو الظاهر في مظاهر‬
‫أعيان الممكنات فما حلم هإال عنه وال تكرم هإال عليه ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫أال ترى حكم إيجاد المرجح إيجاده عند المتكلمين هإال بالقدرة أو القادرية عند بعضهم ‪،‬‬
‫أو بكونه قادرا عند طائفة فهو القادر ‪ ،‬وال يترجح الممكن هإال باإلرادة كما قلنا في‬
‫القدرة على ذلك الترتيب والمساق فهو المريد ‪.‬‬
‫فالمريد إذا أراد ترجيح الوجود على العدم في المخلوق إن لم يكن هو القادر على ذلك‬
‫‪ ،‬ه‬
‫وإال فعدم اإلرادة أو وجودها على السواء ‪.‬‬
‫فيحتاج المريد إلى القادر بال شك والعين واحدة ما ث هم عين زائدة مع اختالف الحكم ‪.‬‬

‫فلهذا قلنا في هذا البناء في حق الحق بطلب الوجهين وال يقدر أحد من الطوائف من‬
‫باّلل على مثل هذا العلم اإللهي هإال العلماء الراسخون من أهل ه‬
‫ّللا الذين هوية‬ ‫العلماء ه‬
‫الحق علمهم كما هي سمعهم وبصرهم فاعلم ذلك ‪.‬‬
‫وّللا يقول الحق وهو يهدي السبيل‪.‬‬
‫ه‬

‫*‬
‫تم بحمد هللا رب العالمين‬
‫عبد هللا المسافر باهلل‬

‫‪153‬‬
‫الرسائل ومنهاج الوسائل‬
‫تاج ّ‬

‫شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى‬ ‫تأليف ال ه‬
‫شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني‬ ‫‪ 638‬هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه ال ه‬
‫شاذلي الدهرقاوي‬ ‫ال ه‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫بِ ْ‬
‫ّللا على سيدنا محمد وآله وسلهم تسليما هذا كتاب ( تاج الرسائل ومنهاج‬ ‫وصلهى ه‬
‫الوسائل في إيضاح المعاني اإللهية المودعة في المعاني الروحانية ) م هما جرى بيني‬
‫وبين الكعبة المعظمة عند طوافي بها من باب المكاشفة والمطالعة إلى بعض من يكرم‬
‫ويعز لديه من أترابه بمكة سنة ستمائة ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫عليه من أصحابه ‪،‬‬
‫العزة بعد الخضوع ‪ ،‬وردهاني برداء الرفعة بعد‬ ‫توجني بتاج ه‬ ‫فقال ‪ :‬الحمد هّلل الذي ه‬
‫الخشوع ‪ ،‬ووحدني بالواحدة البتول من األعيان ‪ ،‬التي لم يطمثها إنس قبلي وال جان ‪،‬‬
‫ّللا على السيد المختار من آل عدنان ‪ ،‬وسلم كثيرا ما اختلف الملوان ‪.‬‬ ‫وصلهى ه‬
‫أ ّما بعد‬
‫ّللا تعالى لما أنزلني في حرمه ‪ ،‬وأطلعني على حرمه وجمع شملي بكعبة الحسن‬ ‫فإن ه‬
‫المونقة ‪ ،‬وروضة المزن المورقة عاينت نشأة فلكيهة ‪ ،‬وحقيقة ملكية ‪ ،‬وجارية فلكية‬
‫ومرتبة ملكية ‪ ،‬وتربية مكيهة ‪.‬‬
‫ستر مسدل ‪ ،‬ويمين تقبهل ‪ ،‬وكلمات تقبل ‪ ،‬ونفحات يمنية سريانية تقبل ‪ .‬واستالم‬
‫ومص ريق ‪ ،‬وتعنيق ‪ ،‬رخيمة الدالل ‪ ،‬معشوقة اإلدالل ‪ ،‬رائعة الجمال ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫والتزام ‪،‬‬
‫فائقة الجالل ‪ .‬غضهة ناضرة ‪ ،‬نكتة نادرة وضهاحة الجبين ‪ ،‬معتدلة العرنين ‪ ،‬حسنة‬
‫الق هد ‪ ،‬أسيلة الخ هد ‪ ،‬روضة مظلولة ‪ ،‬ال ملولة وال مملولة ‪ ،‬نجالء العينين ‪ ،‬رائقة‬
‫المنظرين ‪ ،‬مائسة العطفين ‪.‬‬
‫سجنجل‬ ‫مهفهفة بيضاء غير مفاضة ‪ ....‬ترائبها مصقولة كال ّ‬
‫"" بيت إمرىء القيس ‪:‬‬
‫والمهفهفة ‪ :‬اللطيفة الخصر الضامرة البطن ‪ .‬والمفاضة ‪ :‬المرأة العظيمة البطن‬
‫المسترخية اللحم ‪.‬‬
‫والترائب ‪ :‬جمع التريبة وهي موضع القالدة من الصدر ‪ .‬والصقل ‪ :‬إزالة الصدأ‬
‫والدنس وغيرهما ‪.‬‬
‫والسجنجل ‪ :‬المرآة وهي لغة رومية عربتها العرب ‪ ،‬وقيل بل هو قطع الذهب‬
‫والفضة ‪"" .‬‬

‫در منظوم ‪ ،‬وتتنفهس عن مسك مختوم ‪ ،‬سبطة البنان ‪ ،‬مريضة األجفان ‪،‬‬‫تفتر عن ه‬
‫عنبرية النشر ‪ ،‬دائمة البشر ‪ ،‬صابرة محتسبة ‪ ،‬قائمة منتصبة ‪ ،‬ال تعترض وال‬
‫تعرض وتمرض بعد ما تمرض ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫عذبة الكالم ‪ ،‬شهيهة الفدام ‪ ،‬سهلة الهوى ‪ ،‬صعبة القياد ‪ ،‬كثيرة البلوى ‪ ،‬حليفة السهاد‬
‫‪ ،‬تقيد الخاطر ‪ ،‬وتسحر الناظر ‪ ،‬وتذيب األشباح ‪ ،‬وتفني األرواح ‪ ،‬وتنحل األجساد ‪،‬‬
‫وتنضج األكباد ‪ ،‬وتورث االحتراق ‪ ،‬وتربهي األشواق ‪ ،‬وتفي بالعهد والميثاق ‪ ،‬صادقة‬
‫الموعد ‪ ،‬إلهيهة المحتد ‪ ،‬ربانية المولد ‪ ،‬روحانية المقصد ‪ ،‬عزيهة المشهد ‪.‬‬
‫إن نظرت إلى عباراتها قلت ‪ :‬عربية عرباء ‪.‬‬
‫وإن نظرت إلى إشاراتها قلت ‪ :‬سريانية خرساء ‪.‬‬
‫سمت بين ثالثة أسماء ‪ ،‬كما وصف محبوبته في قصيدته بشار بن برد األعمى فقال ‪:‬‬ ‫ق ه‬
‫سمت ‪ ....‬بين غصن وكثيب وقمر‬ ‫بنت عشر وثالث ق ّ‬
‫‪ -‬فغصن للحركة المستقيمة ‪.‬‬
‫‪ -‬وكثيب للمقعدة الكريمة ‪.‬‬
‫‪ -‬وقمر للنظرة السليمة ‪.‬‬
‫أو كما وصفت أنا في بعض قصائدي ‪ ،‬وفريدة من فرائدي ‪ .‬فجمعت في بيت واحد‬
‫أربعة أوصاف ‪.‬‬
‫فقلت ‪:‬‬
‫بدر ت ّم تحت دجن قد سما ‪ ....‬فوق أملود على دعص نقا‬
‫"" الدّجن ‪ :‬ظ هل الغيم في اليوم المطير ‪ .‬واألملد واألملودة ‪ :‬الناعمة المستوية القامة ‪.‬‬
‫والملدان ‪ :‬اهتزاز الغصين ‪ .‬والدّعص ‪ :‬قور من الرمل مجتمع ‪ ،‬والجمع أدعاص ‪.‬‬
‫والنّقا ‪ :‬مقصور من كثبان الرمل ‪"".‬‬

‫فزدت سواد الدالل في التهشبيه بسواد الليالي ‪ ،‬فدالل إلدالل ‪.‬‬


‫وحيدة الدهر ‪ ،‬فريدة العصر ‪ ،‬يتيمة الوقت ‪ ،‬سعيدة الشخت ‪.‬‬
‫شمس طالعة فوق السماء السابعة ‪ ،‬جاورها جبريل‪ ،‬واستند إليها الخليل ‪ ،‬وأثنى عليها‬
‫الجليل‪.‬‬
‫أشرت لها بطرفي ‪ ،‬ووضعت كفهها على كفهي ‪ ،‬وتنازعنا الحديث ‪ ،‬وترنمنا بالقديم‬
‫والحديث ‪ ،‬والناس بها طائفون ‪ ،‬والرقباء على بابها عاكفون ‪ ،‬وأنا وإيهاها تحت ثوب‬
‫واحد وهم ال يشعرون ‪.‬‬
‫فكانت بيننا مخاطبات تأنيس ‪ ،‬وقواعد تأسيس ‪ ،‬تحوي على معارف روحانية ‪،‬‬
‫وأسرار إلهية ‪ ،‬ومشارب محمدية ‪ ،‬وإشارات أحدية ‪ ،‬فسألتني بين الظهر والعصر ‪،‬‬
‫وقد قيدتني بنكتة العصر ‪ ،‬أن أضم بعض ما أشرت لها به في ديوان وأن أضعه في‬
‫اْلن ‪ ،‬فقيدته كما أمرت ‪،‬‬
‫ولم أتعد ما به حكمت على حد ما كانت بيني وبينها المخاطبات الروحانية ‪ ،‬واألنفاس‬
‫اإللهية في الحضرة الربانية ‪ ،‬ورسل عبيد األسماء تمشي بيني وبينها بالمخاطبات ‪،‬‬
‫وتسري بالمكاتبات ‪ ،‬متوسلين في االتصال الكلي ‪ ،‬بالمقام العلوي والسفلي ‪ ،‬حتى يقع‬
‫العموم ‪ ،‬ويتضح السر المكتوم فوضعت في هذا الجزء بعض ما تيسر في الحال ‪،‬‬
‫وسنح بالبال ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫فإن المقام جليل ‪ ،‬والخاطر كليل ‪ ،‬والمحبوب متعوب ‪ ،‬والمحب منهوب ‪ ،‬والقلب‬
‫مصطلم ‪ ،‬والنار في الجوانح تضطرم ‪ ،‬فاقنع أيها السائل بما جرى به قلمي ‪ ،‬فإنه ما‬
‫استقر به قدمي ‪.‬‬
‫وّللا المستعان ‪ ،‬وعليه التكالن ‪.‬‬
‫ه‬

‫َّللا إليها ونزل بها عليها‬ ‫سل بها عبد ّ‬ ‫‪ - 1‬الرسالة اإللهية تو ّ‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬‫ِب ْ‬
‫ّللا‬
‫ّللا إلى كعبة الحسن ‪ ،‬وروضة المزن ‪ .‬سالم عليك ورحمة ه‬ ‫من محمد بن عبد ه‬
‫وبركاته ‪.‬‬
‫أما بعد‬
‫الحمد هّلل والثناء ‪ ،‬والصالة على سر األنبياء ‪.‬‬
‫فإن زمان االعتدال قد طل ‪ ،‬ووجه غالم الشباب قد نقل ‪ ،‬واألرض قد أخذت زخرفها‬
‫وازينت ‪ ،‬وأنبتت من كل زوج بهيج ‪ ،‬قد قابلت الزهر بالزهر ‪ ،‬والنور بالنور ‪ ،‬فال‬ ‫ه‬
‫تعاين هإال حقائق في حدائق ‪ ،‬ونغمات في رنهات ‪ ،‬إلى فنن ميهاس في رملة ميعاس ‪،‬‬
‫وجداول تنساب انسياب الثعابين ‪،‬‬
‫بين فراديس األرواح والرياحين ‪ ،‬ومياه تطرد ‪ ،‬وطيور تغرد ‪ ،‬ونسيم يهب فيميل‬
‫باألغصان عليك ‪ ،‬ويسوق روائح األزهار العطرية في كفه ليهديها إليك ‪ ،‬وقد سرى‬
‫النعيم في الحواس واألرواح ‪ ،‬بوجود الذوات وهبوب الرياح ‪.‬‬
‫لحس ‪ ،‬وريح وروح لروح قدس ‪ ،‬فتنبهه أيها الغافل واستيقظ أيها النائم ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫فذات‬
‫فقد جاءك النصيح بالتصريح ‪ ،‬وما قنع باإلشارة والتلويح ‪.‬‬
‫هذه عين قد نظرت إلى بهجتها ‪ ،‬وأذن أصغت إلى نغمتها ‪ ،‬ويد عطفت فقطفت ‪،‬‬
‫ورجل سعت فوصلت ‪ ،‬وقلب عشق فلحق ‪ ،‬وعقل سار فحار ‪ ،‬عين مفتونة بلون ‪،‬‬
‫وقلب متعشق بكون ‪،‬‬
‫وعقل حائر في قضية عين فال لون انتقل ‪ ،‬وال كون اتحد بذات عاشقة فاتصل ‪ ،‬وال‬
‫حاكم على وجه الحق عثر في قضية العين فحصل ‪ ،‬فال حبيب تدلهى ‪ ،‬وال محب دنا ‪.‬‬
‫فعبرة تسكب ‪ ،‬وقلب بنار األسى يتقلهب ‪.‬‬
‫فإن ه هم الحبيب باالتصال وجاد بالوصال ‪ ،‬وأذن بالتجلي ‪ ،‬فسترى أيها الطائف خيالك‬
‫يتصدع ‪ ،‬وشامخك يخشع ‪ ،‬وآمنك يفرق ‪ ،‬وقائمك يصعق ‪ ،‬وروضك يحرق ‪،‬‬
‫لعزه ‪ ،‬أو آمنا ألمنه ‪ ،‬أو قائما لقيهوميته ‪ ،‬أو‬‫وجديدك يخلق ‪ ،‬غيرة أن تبقى عزيزا ه‬
‫دائما لديموميته ‪ ،‬فمن شاء أن يلحظ عنفوان شبابه ‪،‬‬
‫ويفوز به من بين أترابه ‪ ،‬ويخرق سرف الكم ‪ ،‬ويجوز بحار الهم ‪ ،‬ويجوب مفاوز‬
‫سنة في السنة ‪ ،‬والمؤنة في المحنة ‪ ،‬فال بد من‬ ‫الغم ‪ ،‬فليعلم أن الفتنة في المنهة ‪ ،‬وال ه‬
‫تجرع كؤوس البلوى ‪ ،‬والحنين إلى مواطن الشكوى ‪ ،‬وه هد ركن القوة ‪ ،‬ومحق رسم‬ ‫ه‬
‫الشباب والفتوة ‪ ،‬واضمحالل الرسم ‪ ،‬وفناء االسم ‪ ،‬وتعثر النطق ‪ ،‬ودحض الحجة‬
‫بالصدق ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫آه على قوم حرموا التوفيق ‪ ،‬فطلبوا الراحة وأخطأوا الطريق ‪ ،‬عليك يا كعبة الحسن‬
‫بالحزن الدائم ‪ ،‬والهم الالزم ‪ ،‬والتلف الكلي في وصال العلي ‪ ،‬فما أحسن ذلك الجمال‬
‫المطلق ‪ ،‬والبهاء المحقق ‪ ،‬والجالل األنفس األعلق ‪.‬‬
‫قدمي في مكاني ‪ ،‬وجناني في عياني ‪ ،‬فأنا النازح القريب ‪ ،‬وأنت األهل الغريب‬
‫رميت بفنون الشجون ‪ ،‬وقيل أنت المثقف المسجون ‪.‬‬
‫وّللا‬
‫وال عطفة ترجى ‪ ،‬وال رحمة تزجى ‪ ،‬وال رأفة تتوقع ‪ ،‬وال فائت يسترجع ‪ ،‬حار ه‬
‫سري ‪ ،‬وطاش لبهي في مجاراة األضداد ‪ ،‬ومصادمة األنداد ‪ ،‬واالئتالف بشجر‬
‫الخالف ‪ ،‬هال ظل غيرها من الشجر كان ‪ ،‬ولو كان النجم بدال من الشجر لكان أحسن‬
‫في نطق الزمان ‪.‬‬
‫وأين الفأل من الطيرة ‪ ،‬وأين السيرة من السيرة ‪ ،‬باسم الشجر عصى أب اْلباء ‪،‬‬
‫حتى نودي به في صريح فصيح األنباء ‪.‬‬
‫الدنو والنزوح ‪ ،‬واالغتراب واالقتراب ‪ ،‬والسكر والصحو ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ذات الجسم والروح ‪ ،‬بين‬
‫واإلثبات والمحو ‪ ،‬فال حالة تثبت ‪ ،‬وال أرض تنبت ‪ ،‬سماء تبكي ثم ترفع ‪ ،‬وأرض‬
‫سر الديمومية والثبات ‪ ،‬أين مالزمة االلتفات ‪ ،‬إلى متى‬ ‫تضحك وقتا ثم تخشع ‪ .‬أين ه‬
‫هذا التحول من حال إلى حال ‪ ،‬كأنه محال في محال ‪ ،‬أواه أواه على حمل األعباء ‪،‬‬
‫ي وال اخترقه ‪ ،‬هال طرق بابي وال أطرقه ‪ ،‬إنها هّلل على‬ ‫واختراق السماء ‪ ،‬ه‬
‫هال نزل إل ه‬
‫هؤالء العصاة ‪ ،‬ما أجهلهم بشرف الكلمات ‪.‬‬

‫هال نظروا إلى سيدهم قد وسعه قلبي وتضمنه لبهي وهم خلقوا من أجلي ‪،‬‬ ‫ه‬
‫وعرفوا أن ما ث هم في الوجود مثلي ‪ ،‬ما بال الفرصة ال تأتيني حتى أسعى إليها ‪ ،‬ما بال‬
‫ي قبل أن أنزل عليها ‪.‬‬‫الثمرة ال تنزل عل ه‬
‫تفطنت للمعنى المراد والسر الكمين في‬ ‫الخطة ه‬
‫ه‬ ‫يا ليت شعري ما هذه الغلطة وما هذه‬
‫الفؤاد‬
‫ي ‪ ،‬لجهلها بمكاني ‪ ،‬فال تعرف أين تراني ‪،‬‬ ‫ي ‪ ،‬وال تنزل عل ه‬‫ال يتمكن لها أن ترد إل ه‬
‫ّللا معنا بهذه المثابة ل هما لم‬
‫فمعرفتي بها أنزلتني عليها ‪ ،‬وحملتني إليها ‪ ،‬أال ترى ه‬
‫نعرفه لم نرحل إليه ‪ ،‬وال نزلنا عليه ‪ .‬فعرفنا فنزل ‪ ،‬واتخذ قلب العبد بيتا وإليه ه‬
‫تنزل ‪.‬‬
‫عرفنا األشياء وما عرفتنا ‪ ،‬فوجب علينا السعي إليها‬ ‫فلهذا التحقق اإللهي عندنا ه‬
‫والنزول عليها ‪.‬‬
‫يا حكمة ما أجالها ‪ ،‬وقطرة مزن ما أعذبها وأحالها ‪ ،‬لوال الجمال ما اشتهيت المال ‪،‬‬
‫ولوال الرذيلة ما تعشقت بالفضيلة ‪ ،‬ولوال النقص ما رغبت في الكمال ‪ .‬لهذه العلة‬
‫جهلت اإلشارات ‪ ،‬ولم تعرف العبارات ‪ ،‬فإنه أمران فصل وجمع ‪.‬‬
‫فالعالم في الفصل وأنا في الجمع ‪.‬‬
‫فكل شيء باإلضافة إلى ما يقابله موسوم ‪ ،‬وبرسمه مرسوم ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫عز اللب ‪،‬‬ ‫سفل ‪ ،‬ولوال الطيب ما عرف التفل ‪ ،‬ولوال القشر ما ه‬ ‫فلو ال العلو ما سمي ال ه‬
‫راط‬
‫ص ِ‬ ‫حاب ال ِ ه‬
‫ص ُ‬ ‫ست َ ْعلَ ُمونَ َم ْن أ َ ْ‬
‫ولوال العبد ما علم الرب ‪ .‬فالعلو ال يكون سفال أبدا ‪.‬فَ َ‬
‫ي ِ َو َم ِن ا ْهتَدى[ طه ‪.]135 :‬‬
‫س ِو ه‬
‫ال ا‬
‫وأنا الذي استوى ‪ ،‬وسقط ‪ ،‬وطلع ‪ ،‬وهبط ‪ ،‬وعصم وغلط ‪ ،‬وعال وسفل ‪ ،‬وارتفع‬
‫ونزل ‪.‬‬
‫يا ليت شعري ‪ :‬هل فهمت العقول إشاراتي ؟‬
‫هل سمعت اْلذان عباراتي ؟‬
‫هل عرف ما وراء هذه الحروف ؟‬
‫هل علم ما حوته هذه الظروف ؟‬
‫لسر مكتوم ‪ ،‬ووعاء مختوم ‪.‬‬ ‫واها ه‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫يا كعبة الحسن ‪ ،‬ويا روضة المزن ‪ .‬قد ناجيت فيك من أوجدك ‪ ،‬وسألت فيك من‬
‫و هحدك ‪.‬‬
‫إن تصح العزائم فتتحد األسرار ‪ ،‬وتصحو السماء فتتقد سرج األنوار ‪ ،‬فتدرعت‬
‫ّللا حاكما ‪.‬‬
‫الشرفة قائما ‪ ،‬وقمت باسمه ه‬
‫عز الذليل ‪ ،‬واهتدى الدليل ‪ ،‬والح السبيل ‪.‬‬ ‫َّللا بك ّ‬
‫فقلت ‪ :‬يا ّ‬
‫نصبت هذه الكعبة ‪ ،‬وجعلت القلوب إليها صبهة ‪ ،‬وأنا أريد أن أصف لك حالة تعلمها ‪،‬‬
‫وصفة لم تزل حقيقتي تلزمها ‪ ،‬لما أرخي العنان عنانه ‪ ،‬وزخرف الجنان جنانه ‪،‬‬
‫نواره ‪ ،‬وجلى طلوع الزهر أزهاره ‪،‬‬ ‫وأضحك النور ه‬
‫سطع الجمال في سماء االقتبال ‪ ،‬فتحير البال ‪ ،‬واشتد البلبال ‪ ،‬وفارت المراجل في‬
‫الصدور ‪ ،‬وأخذت األسرار في الورود بعد الصدور ‪ ،‬وعظم الخطب ‪ ،‬وق هل العزاء ‪،‬‬
‫وج هل األمر ‪ ،‬وع همت البلواء ‪.‬‬
‫فما ترى كل زوج بهيج هإال في أمر مريج ‪ .‬فأردت في سؤالك تسكين ما تحرك ‪ ،‬وخلع‬
‫ي ‪ ،‬وإعدام ضد‬ ‫ي ‪ ،‬ونفسا جموحة تذعن بالصدق إل ه‬ ‫من تملك ‪ ،‬وضالة قائدة تجمع عل ه‬
‫يريد عدمي ‪،‬‬
‫واستيالء سلطان يثبت في مودتها قدمي ‪ ،‬بمعونة إلهية عجماء ‪ ،‬ودعوة سريانية‬
‫خرساء ‪ ،‬تج هل وتسمو أن تعبهر عنه حروف الهجاء ‪ ،‬قوية اله همة ‪ ،‬صادقة الضراعة‬
‫واللجاء ‪.‬‬
‫عزة الغيرة ؟‬ ‫فإنه إذا بدا اللسان ‪ ،‬وظهر البيان ‪ ،‬وقام العيان ‪ ،‬فأين ه‬
‫وأين سلطان الحيرة ؟‬
‫كل ما سطره القلم فغير منظور إليه ‪ ،‬ألنه لو عشق لكتم وغير عليه هإال التعشق اإللهي‬
‫المطلوب ‪ ،‬بين الرب والمربوب ‪ ،‬فتلك حالة مجهولة ‪ ،‬صحيحة غير معلولة ‪ ،‬تنافي‬
‫هذه األحوال ‪ ،‬وتعز عن درك اإلخالل ‪.‬‬
‫يا عجبا ! كيف تذاع أسرار المعشوق ؟ !‬
‫كيف ترتب عليه الحقوق ؟ !‬

‫‪158‬‬
‫أليس هذا عين المحال والضالل ‪ ،‬أحبك وأحبهبك لغيري وأعشقك وأختار لك شري‬
‫على خيري ‪ .‬هذه مسألة دجالية المكان ‪ ،‬نارها ماء وماؤها نار في العيان ‪ ،‬ومسألة‬
‫نبوية في الشبهات‬
‫"حفهت الجنة بالمكاره وحفهت النار بالشهوات"‪ .‬رواه مسلم والترمذي وغيرهما‬
‫والمقامان ضدهان ‪ .‬بين الكذب والصدق ‪ ،‬والباطل والحق ‪ ،‬واألمر في العين واحد ‪،‬‬
‫عند المشهود والشاهد ‪.‬‬
‫ي من دنياكم ثالث " ‪ .‬رواه الحاكم‬
‫قال الحبيب ولم يكن في مقام االكتراث ‪ " :‬حبهب إل ه‬
‫في المستدرك والنسائي وغيرهما‬

‫هذه صفة المحبوب ال المحب ‪ ،‬ونعت المعشوق ال العاشق ‪.‬‬


‫المعشوق في االختيار ‪ ،‬والعاشق في االضطرار ‪ ،‬المعشوق في التمحيص واالختبار ‪،‬‬
‫والعاشق في السكون تحت مجاري األقدار ‪.‬‬
‫الكتمان في المحبة أصل ‪ ،‬لكل وجه وفصل ‪ ،‬فتارة من باب االحترام ‪ ،‬وتارة شفقا من‬
‫اْلالم ‪.‬‬
‫كما قلت ‪:‬‬
‫عليل الجسم قد هجر المناما ‪ ....‬بصاحب خيفة الواشين الما‬
‫يهيم بروح قدس ال يسامي ‪ ....‬إذا ما أبصر الشعرى تساما‬
‫يقول ‪ :‬أنا القتيل بغير سهم ‪ ....‬وذاتي كلّها ملئت سهاما‬
‫إلي وحدي ‪ ....‬وراعيت المودّة والذماما‬ ‫شكوت اسم الحبيب ّ‬
‫ولم أخف اسمه حذرا عليه ‪ ....‬ولكنّي ابتغيت االحتراما‬
‫فمهما أراد المحبوب ينطق فباسم الحبيب ‪ ،‬ومهما أراد يسمع فكالم الحبيب ‪ ،‬وكلما‬
‫أراد أن ينظر فإلى وجه الحبيب ‪ ،‬من نظر إلى غير وجه محبوبه هلك وتلف ‪ ،‬ومن‬
‫سمع غير كالم معشوقه ندم وأسف ‪ ،‬حبيبي بل ظلهي بظلك حتى تنهل الدهيم ‪ ،‬خلهق ذاتي‬
‫بخلوق خلقك حتى تتزكى ال ه‬
‫شيم ‪.‬‬

‫إلى متى يقيم الدهرج في الدهرج ؟‬


‫هذا أوان الع هج والث هج ‪ "" .‬الع ّج ‪ :‬رفع الصوت بالتلبية ‪ .‬والثّج ‪ :‬ذبح الهدى وسيالن‬
‫دمائها ‪"".‬‬
‫‪ ،‬نفوس تهدى ‪ ،‬وإبل تحدى ‪ ،‬وضدان مخصوبان ‪ ،‬وندهان منصوبان ‪ ،‬ورسائل‬
‫ووسائل ‪ ،‬واستماع واستمتاع ‪ ،‬ومواسم في مباسم ‪ ،‬وتباب في قباب ‪ ،‬وثغور في ثغور‬
‫‪ ،‬ودواهي في نواهي ‪،‬‬
‫سجل ‪،‬‬‫وقواصم في عواصم ‪ ،‬ونواظر في نواضر ‪ ،‬فمن غمره الفضل ‪ ،‬وسقاه ال ه‬
‫وصفاه الحب ‪ ،‬وتصافاه القرب ‪ ،‬وهجره الوعيد ‪ ،‬وناقره التهديد ‪ ،‬فذلك الذي ال‬
‫يتصف بعد بالسقا وال بالظما ‪ ،‬وال بالكدر والبعد ‪ ،‬وال يبرح في حظيرة السعد ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬ما أشد وجدي عليك ‪ ،‬وشوقي إليك ‪ ،‬وسرد في هؤالء الطوائف ‪،‬‬
‫واستغنم هذه الطرائف ‪ ،‬فعزيز أن يرى مثلي بربعك طائف ‪ ،‬تحقق بهذه المعارف‬
‫واإلشارات ‪ ،‬وانظر ما أومأت إليك به خلف حجاب هذه العبارات ‪ ،‬واسنح بها على‬
‫ذاتك ‪ ،‬وادهخرها بعدي لبناتك ‪،‬‬
‫باّلل وحياة‬ ‫أليست السلطانة بها بعدك أولى ‪ ،‬أليست السلطانة بميراثك أجدر وأحرى ‪ ،‬ه‬
‫الحب هل يستوي العبد والمولى ‪ ،‬فعليك بالتسليم لما أورده عليك ‪ ،‬وواجب عليك أن‬
‫تبلهغ ما أنزل إليك ‪ ،‬وال تسل عن العلة والسبب ‪،‬‬
‫فقد تميزت الرتب ‪ ،‬ل هما قسمت وعرفت النهسب ‪ ،‬ولكن أكثر الناس ال يعلمون ‪ ،‬وهي‬
‫فيهم وهم فيها وهم ال يشعرون ‪ ،‬فهم الجاهلون وإن عقلوا والص هم وإن سمعوا ‪ ،‬والعمي‬
‫وإن أبصروا ‪ ،‬والخرس وإن أفصحوا ‪.‬‬
‫ي فَ ُه ْم‬ ‫ص ٌّم بُ ْك ٌم ُ‬
‫ع ْم ٌ‬ ‫كم من لسان عجمي قلبه عربي ‪ ،‬وكم من لسان عربي قلبه أعجمي ُ‬
‫ال يَ ْع ِقلُونَ [ البقرة ‪.]171:‬‬
‫‪،‬وال ت َ ُكونُوا َكالاذِينَ قالُوا َ‬
‫س ِم ْعنا َو ُه ْم ال يَ ْس َمعُونَ ( ‪ [ ) 21‬األنفال ‪. ] 21 :‬‬ ‫َ‬

‫فديت يا كعبة الحسن قلبا يفهم إشاراتي إليك ‪ ،‬وإيمائي ومقاصدي وإيحائي ‪ ،‬ويبين‬
‫رمزها ‪ ،‬ويفك مع هماها ‪ ،‬ويحل لغزها ‪ ،‬طلسمات سيمياوية ‪ ،‬وتنبيهات كيمياوية ‪ ،‬هذه‬
‫المناهج قد أنهجتها ‪ ،‬هذه المعارج قد أبهجتها ‪.‬‬
‫أين من ينهج فيرى ؟‬
‫أين من يعرج بقلبه إلى السماء ؟‬
‫هذا البراق عند الباب ‪ ،‬هذا جبريل ممسك الركاب ‪.‬‬
‫هل من ه همة محمدية قد ورثت ورثا كليا ؟‬
‫هل من عزمة صمدية قوية قد نهجت منهجا عقليا ؟‬
‫هذه المعاني في المغاني ‪ ،‬هذه األرواح في األرواح ‪ ،‬هذه الحقائق الجسام في األجسام‬
‫‪ ،‬ما أعذب اللثم والعناق عند العشاق ‪ ،‬ما أطيب رائحة المحبوب ‪ ،‬ما أشد فرح من‬
‫جاد عليه دهره بالمطلوب ‪.‬‬
‫قطفنا من أغصان شجر الحب ‪ ،‬وكنا في حدائق القرب ‪ ،‬وأخبرنا عن المحبوب بما‬
‫تحصل لنا من العلم الموهوب ‪،‬‬
‫وجرينا إلى الغاية التي أرادها ‪ ،‬وأمطرنا بالسحابة التي ألقت علينا أكبادها ‪ ،‬وأنبأنا عن‬
‫غاية االبتداء ‪ ،‬وأ هملنا ما رأينا في االنتهاء ‪ ،‬وغنهينا بقريض االزدواج ‪ ،‬فأظهرنا‬
‫السلوك واألساورة والدمالج واإلكليل والتاج ‪،‬‬
‫فسمعنا عتاب من قصدناه وفهمنا منه ما أردناه ‪ ،‬فأخذنا خاتم الملك ‪ ،‬واستوينا به على‬
‫بعزه ‪ ،‬واشتهرنا بحكمته ‪ ،‬وأجبنا دعاء من دعوناه ‪ ،‬واعتقدنا دين من‬ ‫وتعززنا ه‬
‫ه‬ ‫الفلك ‪،‬‬
‫اعتقدناه وسرنا تحت لواء حمده ‪ ،‬إلى جنة صدق وعده ‪،‬‬
‫وصرخنا في مجلس سماعه ‪ ،‬وتلذذنا بحسن إيقاعه ‪ ،‬وابتغينا رضاه إذ تو هخيناه ‪،‬‬
‫وسحبنا زالل برد من أحببناه ‪ ،‬وتقلبنا في بساط من رجوناه ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫وّللا سبحانه يؤيدك يا كعبة الحسن في كل حال ‪.‬‬‫ه‬
‫سرك إليه ‪ ،‬وينزل بك عليه ‪ ،‬وهذه حالة تشتهى‬‫ويحول بينك وبين المحال ‪ ،‬ويصفي ه‬
‫وال تدرك وتعلم وال تملك ‪.‬‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫والسالم المعاد عليك ورحمة ه‬

‫سل بها عبد الحي إليها ونزل بها عليها‬ ‫‪ - 2‬الرسالة القدسية تو ّ‬
‫الرحيم‬
‫الرحمن ّ‬
‫َّللا ّ‬
‫بسم ّ‬
‫ّللا‬
‫من عبد الحي محمد بن علي إلى كعبة الحسن وروضة المزن ‪ .‬سالم عليك ورحمة ه‬
‫وبركاته ‪.‬‬
‫حق حمده ‪ ،‬والصالة على سيدنا محمد نبيهه وعبده ‪:‬‬‫ّللا ه‬
‫أ ّما بعد حمد ه‬
‫فإن تع هجبي في حق المحب من الشكوى ‪ ،‬أعظم من تع هجبي مما ح هل به من البلوى ‪.‬‬
‫فإن المحب مشغول بلذة حبهه فأين األلم ‪ ،‬ومن لم تكن هذه حاله في الحب فليس له فيه‬
‫قدم ‪ ،‬األلم مع اإلحساس والمحب مخدور ‪ ،‬الضراعة مع العقل والمحب معتوه مقسور‬
‫‪ ،‬أين أنت من المثل السائر في النقل ‪ ،‬وال خير في حبه يدبهر بالعقل‪.‬‬

‫وهذه « ليلى » وقفت على «قيس» فقال لها ‪ ( :‬إليك عنّي فإن حبّك شغلني عنك ) ‪.‬‬
‫وكان يمشي عريانا ال يواريه شيء فال عقل وال إحساس‪ ،‬وكنها نقول بالموت فيه لوال‬
‫األنفاس‪ .‬كيف يشكو من ال يعقل ؟‬
‫كيف يألم من غمرته اللذهات ؟‬
‫أما علمت أن شهوة الحب أعظم من سلطانه ‪ ،‬وإن شبهتها أقوى في الصورة من‬
‫برهانه ‪ ،‬ما هذا هإال توهم بعيد ‪ ،‬استحكم سلطانه على قلب العاشق الوحيد ‪.‬‬
‫ما أحسن هذا الشأن لو ظهر ولو بالنقل ‪ ،‬ما أبدعه لو خرج من القوة إلى الفعل ‪ ،‬لكن‬
‫العقول قد أعجبت بمداركها الفكرية ‪ ،‬والبصائر تائهة بتصاريفها العقلية ‪ ،‬واألذهان‬
‫محجوبة باستنباطاتها الزكيهة ‪،‬‬
‫لو عقل العقل أنه معقول ‪ ،‬وعلم العلم أنه معلوم ‪ ،‬وبصر البصر أنه مبصر ‪ ،‬لذل الكل‬
‫تحت القهر ‪ ،‬وغرق الكل في لجج هذا البحر ‪.‬‬
‫سواك ؟‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬هل نظرت في شأنك كيف ه‬
‫حتى انهدت أركانك وقواك ‪ .‬كيف لم تكن شيئا ثم كنت ؟‬
‫كيف لم تبن ثم بنت ؟‬
‫وقفت على اْليات التي أنبأت عن حقيقتك ‪ ،‬وأوضحت لك معالم طريقتك ‪.‬‬
‫أين أشعارك وإحساسك ؟ أين بحثك والتماسك ؟‬
‫تأتي إلى عارف مثلي تدخل معه في اللّجج ‪.‬‬
‫"" اللجج ‪ :‬جمع لجة ولجة األمر معظمه ولجة الليل ولجة الظالم ‪ :‬شدة ظلمته‬
‫وسواده ‪"" .‬‬

‫‪161‬‬
‫وتتوسط معه الثبج ‪.‬‬
‫"" والثّبج ‪ :‬وسط الشيء وفي اإلنسان ما بين الكاهل إلى الظهر‪"".‬‬

‫سبج ‪.‬‬ ‫وتبدي له ال ه‬


‫شبه في صور الحجج ‪ ،‬وأنت ال تفرق بين العاج وال ّ‬
‫سبج ‪ :‬خرز أسود ‪ ،‬دخيل معرب ‪"".‬‬ ‫"" ال ّ‬

‫أتظن أني ال أعلم بمقامك ومقامك ‪ ،‬ألست من اليسار ‪ ،‬ألست الضلع األعوج الذي إن‬
‫أردت تقويمه تسارع إليه االنكسار ‪ ،‬ال يصح لك أبدا االعتدال ‪ ،‬وال تنتقل من هذه‬
‫الحال ‪ ،‬أجبني إن كنت صادقة ‪ ،‬خاطبني إن كنت ناطقة ‪ ،‬ما بالك خرساء عن‬
‫مجاوبتي ‪ ،‬ما بالك عجماء في محاورتي ‪،‬‬
‫أنا الحي الذي خلقت مني ثم شاركتني ‪ ،‬حتى كنى بك عنهي ‪ ،‬أنت جزئي وكلي ‪ ،‬فيك‬
‫يا عجبا الكل في الجزء حقيقة ترميها العقول ‪ ،‬لوال الخبر المنقول ‪،‬‬
‫وهذه إشارة بينك وبينها سبعون ستارة فارفع الستور ‪ ،‬وسح على نفسك من أجل النور‬
‫‪ ،‬فإنه محرق ذاتك مذهب صفاتك ‪ ،‬فإن وقفت بعد الكشف على اإلحاطة ‪ ،‬فقد دخلت‬
‫بساطه ‪ ،‬وإن عجزت عنها فاعلم أنك فيها منها ‪.‬‬
‫فانظر أي المنزلتين أشرف ‪ ،‬وأي المقامين ألطف ‪ ،‬وأي المحبوبين أظرف ‪.‬‬

‫عزه تقاومه هإال بذلك ‪ ،‬فإنك ال ترى ه‬


‫عزه ه‬
‫بعزك ‪ ،‬وال‬ ‫ال تقابل حياته هإال بموتك ‪ ،‬وال ه‬
‫حياته بحياتك ‪ ،‬فإن بيان الرؤية من طريق الفيض ‪ ،‬وأنت مستغن عنه ‪ ،‬فكيف يأتي‬
‫صلت بين‬‫بي إليك بشيء منه ‪ ،‬ال تقل قد علمت العوالم ‪ ،‬ورتبت المنازل والمعالم ‪ ،‬وف ه‬
‫طبقات الكون ‪ ،‬وتحققت بحقائق العين ‪ ،‬كل ذلك هباء في جنب ما غاب ‪ ،‬وخبيث في‬
‫حق ما طاب ‪.‬‬
‫هّلل علم يتعالى عن اإلشارات والعبارات ‪،‬‬
‫ويتسامى عن اإلدراكات واإلحاطات ‪ ،‬على ذلك العلم فابحث ‪ ،‬عساه في روعك ينفث‬
‫‪ ،‬تشهده وال تعبر عنه ‪ ،‬وتجده وال تقدر تخرج منه ‪ ،‬يحكمك ولست تحكمه ‪ ،‬ويعجمك‬
‫ولست تعجمه ‪ ،‬إذا حركت رياح أسبابه الشمس الفصحى بالمقال ‪ ،‬تصدعت لها‬
‫شامخات الجبال ‪.‬‬

‫هذه عبارات األسباب ‪ ،‬من خلف سبعين ألف حجاب ‪.‬‬


‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬دون سبعون ألف حجاب نور وظلمة وما‬
‫"" يشير إلى قوله صلى ه‬
‫تسمع نفس شيئا من حس تلك الحجب إال زهقت نفسها » ‪ .‬مسند أبي يعلى والمعجم‬
‫الكبير للطبراني ‪"" .‬‬

‫سبحات ‪ ،‬ما بقيت ‪ -‬كما ورد الخبر ‪ -‬المبصرات ‪.‬‬


‫فكيف لو بدت ال ه‬

‫‪162‬‬
‫ّللا ه‬
‫عز وج هل ال ينام وال ينبغي له أن‬ ‫ّللا عليه وسلم ‪ « :‬إن ه‬
‫"" يشير إلى قوله صلى ه‬
‫ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل‬
‫الليل حجابه النور ‪ -‬وفي رواية أبي بكر ‪ -‬النار لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما‬
‫انتهى إليه بصره من خلقه » ‪ .‬صحيح مسلم و مسند احمد وابن حبان و ابن ماجة‬
‫والطبراني في األوسط وغيرهم ‪"" .‬‬

‫فال علم هإال عن عين ‪ ،‬وعد عن كل كون ‪ ،‬فإن الكون يحول ‪ ،‬والغير ينتقل ويزول ‪،‬‬
‫وكعبة الحسن سيدي باقية مستحيلة الفناء ‪ ،‬ألنها الكل من غير توهم األجزاء ‪ ،‬بل‬
‫إحاطة لفظية ‪ ،‬ولفظة حفظية ‪.‬‬
‫كم دمع عليك مسفوح !‬
‫كم قلب عليك مقروح !‬
‫آه لشوق مزعج ‪ ،‬وكبد بناء الهوى ينضج ‪. .‬‬
‫هذا علم البرزخ ماسك الطرفين ومالك األمرين ‪ ،‬الفاصل بين الضدين ؛ كالخط‬
‫الفاصل بين الظل والشمس ‪ ،‬والمعنى الرابط بين العقل والنفس ‪.‬‬
‫سرك عن كل كدر ‪،‬‬ ‫انظر إلى هذا التعشق اإللهي وهذا التحقق االعتصامي ‪ ،‬ه‬
‫نق ه‬
‫وط ههر جوارحك من كل دنس ‪ ،‬وأزل رمد الغفلة من جفنك بكحل االنتباه ‪ ،‬وغب‬
‫ي عن مالحظة األشباه ‪.‬‬‫بكليتك ف ه‬

‫صل هذا العلم الذي تلوناه عليك ‪ ،‬وأنزلناه إليك ‪ ،‬تضرع إلى ربه‬‫إن أردت أن تح ه‬
‫السماء في تحصيله ‪،‬‬
‫واسأل إله األسماء في أن يوفهقك على تفصيله ‪ ،‬وإياك أن تسأل منه الجمع فتعمى ‪،‬‬
‫وتحصل في دجنة ظلماء ‪ ،‬حيث ال ظل وال ماء ‪،‬‬
‫صل ‪ ،‬فتبقى الحيرة على‬‫فإن معرفة التفصيل تجمع وتحصل ‪ ،‬ومعرفة الجمع ال تف ه‬
‫أصلها لما لم تتحقق بفصلها ‪.‬‬
‫وقد نصحتك فأبلغت ‪ ،‬ودعوتك فأسمعت ‪ ،‬فأجب الداعي ‪ ،‬بالسمع الواعي ‪.‬‬
‫فقد آن االندكاك ‪ ،‬وقرب الهالك ‪ ،‬وضاقت السماء باألمالك ‪ ،‬واالستواء باألفالك ‪.‬‬

‫يا كعبة الحسن ‪:‬‬


‫ي رقيب وأنتم ال تشعرون ‪ ،‬ما لكم ال تبصرون ‪ ،‬أعميت‬ ‫قل لرقبائك نور وجهي عل ه‬
‫أبصاركم ‪ ،‬أطمست أنواركم ‪ ،‬ما لكم تحسدوني على عارف هي همه جاللي ‪ ،‬وتيهمه‬
‫داللي ‪ ،‬وسحره غنجي وجمالي وتيههه كمالي ‪.‬‬

‫ي رقاب الجبابرة ‪ ،‬وعنت لقيوميتي وجوه األكاسرة ‪.‬‬‫أنا الكعبة ؛ التي خضعت إل ه‬
‫كم تاج من على رأس صاحبه أسقطته ‪ ،‬وكم ثوب من على ظهره جردته ‪ ،‬من الذي‬
‫يجرؤ أن يدخل حرمي محال ‪ ،‬أو يتخذ بيتي محال ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ألم تروا إلى المتألهين حين رأوني قد زالت معالمهم ‪ ،‬وإلى األوابين قد انتقضت‬
‫عزائمهم ‪ ،‬وإلى األواهين قد انقضت صرائمهم ‪.‬‬
‫أين التائه في حيرته ؟‬
‫والواجد في سكرته ‪ ،‬والهائم في غمرته ‪ ،‬والواله في نفرته ‪ ،‬والمناجي في صالته ‪،‬‬
‫والراتع في غلياته ‪ ،‬والمطمئن في إشاراته ‪ ،‬والموقن في آياته ‪ ،‬والبالغ في عباراته ‪،‬‬
‫والعارف في إشاراته ‪ ،‬والمتفنهن في كناياته ‪.‬‬
‫لسر اختصصت به‬ ‫ما لهم إذا أبصروني ذهلوا ‪ ،‬وبالطواف بذاتي شغلوا ‪ ،‬هل ذاك هإال ه‬
‫على أبناء جنسي ‪ ،‬وأودعه الحق في نفسي ‪ .‬فكم يغار الرقيب ‪ ،‬وكم يروم أن يطفئ‬
‫هذا اللهيب ‪ ،‬من قلب كل حازم لبيب ‪ ،‬أسمعت القلوب اإللهية ندائي فتغاثت ‪ ،‬وأبديت‬
‫لها حجابي فطاشت ‪ ،‬وأسفرت لها عن ظاهر وجهي فتالشت ‪.‬‬

‫فكيف لو تجلى لهذه القلوب من أسرار حسني المعنوي وجمالي العلوي ‪ ،‬وهي بهذه‬
‫المثابة والمكانة ‪ ،‬من المقام العلي ما عرفت رسوم ديار ‪ ،‬وال ندبت أطالل وال آثار ‪،‬‬
‫فاعتبروا أيها العارفون في جمالي ‪ ،‬وإقامتي على اعتدالي ‪.‬‬

‫وإيهاك والغيرة أيهها الرقيب الحسود ‪ ،‬فإن حسرتها عليك تعود ‪ ،‬فجمالي مبذول لكل‬
‫عين ‪ ،‬وسحني متج هل في كل كون ‪ ،‬لما ه‬
‫تنزه أن يدرك ‪ ،‬وتعالى أن يملك ‪ ،‬لم أبال بما‬
‫ظهر منه للبشر ‪ ،‬فإنهم ما يقبلون سوى الحجر ‪ ،‬من رأيت قط منهم غاص في بهمته ‪،‬‬
‫وسار في كلمته ‪ ،‬ما منهم أحد يزيد على أن يستلم وينصرف ‪ ،‬ويعتدل ساعة ثم‬
‫ينحرف ‪ ،‬والعارف منهم غايته أن يقر بالعجز ويعترف ‪.‬‬

‫ّللا عليه وسلم في بعض الحركات قد وقف عند يميني ‪،‬‬‫ّللا صلى ه‬‫ألم تر إلى رسول ه‬
‫وقال لبعض أصحابه ‪ " :‬ها هنا ينبغي أن تسكب العبرات "‪ .‬رواه ابن خزيمة والحاكم‬
‫في المستدرك وابن ماجة في سننه ‪.‬‬

‫ّللا قد‬
‫أترى ذلك سدى ‪ ،‬أترى مبلغ ذلك مدا ‪ ،‬فما لك والحيرة ولباسك رداء الغيرة ‪ ،‬ه‬
‫هتك ستري وأخفى عنهم سري ‪ ،‬فيدورون بمعاهدي على حكم العادة ‪ ،‬وغاية الحاضر‬
‫منهم طريق العبادة ‪ ،‬وال يلحظ أحد منهم ما تحصل له في معناه عند طوافه بي من‬
‫الزيادة ‪.‬‬
‫أثبت الناموس األخشاب والناقوس ‪ ،‬وبئس الجاسوس ‪ ،‬الغراب أو الطاووس ‪ ،‬يتبع‬
‫فأف لها من‬‫ليرى ‪ ،‬وحسد وافترى ‪ ،‬وأتى في حديثه بقاصمة الظهر ‪ ،‬وقارعة الدهر ‪ ،‬ه‬
‫غرة ‪.‬‬
‫عسرة ‪ ،‬وتعسا لها من ه‬
‫أين هم من نعت الصادقين ‪ ،‬وصفة المخلصين ‪ ،‬حالة حوال ‪ ،‬وعين عورا ‪ ،‬دجال تائه‬
‫‪ ،‬على معنى يسير تافه ‪ ،‬بئست ألوهية ال تدوم سوى أربعين ليلة ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫ويلها من حالة وويله ‪ ،‬ولكن مدح أيوب بالصبر ‪ ،‬وداود بالشكر ‪ .‬فترادفت البلوى ‪،‬‬
‫وقيل إياك والشكوى ‪.‬‬

‫فتراني صابرة على دعواهم ‪ ،‬سامعة في كل حالة نجواهم ‪ ،‬قد سودوا يميني بخطاياهم‬
‫ه‬
‫ألصبرن على ما‬ ‫وّللا‬
‫‪ ،‬وكانت اليمين البيضاء ‪ ،‬وأبلوني وكنت الجديدة الغضا ‪ ،‬ه‬
‫المر في جنابه ‪ ،‬واستسهل الصعب رغبة في‬ ‫قضى ‪ ،‬حتى أحوز الرضا وأستعذب ه‬
‫اقترابه ‪ ،‬حتى أفوز وأجوز ‪ ،‬وأحصل وأحوز ‪.‬‬
‫فديتك يا كعبة الحسن ‪:‬‬
‫لقد وبهخت الرقباء ‪ ،‬وسفهت الحكماء ‪ ،‬وج ههلت العلماء ‪ ،‬وأعييت البلغاء ‪ ،‬طبت وطاب‬
‫ّللا وصبك ‪ ،‬وأراح تعبك ‪.‬‬‫كالمك ‪ ،‬ودمت ودامت أيامك ‪ ،‬أذهب ه‬
‫والسالم المعاد عليك ‪.‬‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫ورحمة ه‬
‫سل بها عبد العليم إليها ونزل بها عليها‬ ‫‪ - 3‬الرسالة االتحادية تو ّ‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫بِ ْ‬
‫من عبد العليم محمد بن علي إلى كعبة الحسن ‪ ،‬وروضة المزن ‪ .‬سالم عليك ورحمة‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫ه‬
‫ّللا األت هم ‪ ،‬والصالة على سيدنا محمد األقدم ‪.‬‬ ‫أ هما بعد حمد ه‬
‫فإن سر االتحاد مجهول في األشباح ‪ ،‬معقول في األرواح ‪ ،‬إذا انضم الحبيبان في‬
‫الثوب الواحد ‪ ،‬وتالصق المتيمان بحكم الشاهد ‪ ،‬وتعانق الشكالن تعانق الالم واأللف ‪،‬‬
‫صا الريق ‪ ،‬فانحدرت‬ ‫السر الذي ال ينكشف ‪ ،‬وأداما التعنيق وامت ه‬ ‫ه‬ ‫وارتبطا على‬
‫رطوبته الشهية إلى المعدة الغيبية ‪ ،‬وامتزجت مع الرطوبات التي منها القبلية ‪،‬‬
‫ودفعتها إلى بيت الكبد ‪ ،‬المودع في الجسد ‪ ،‬واختلطت رطوبة ريق المعشوق بأجزاء‬
‫الدم ‪ ،‬وانتشرت بين الجلد واللحم ‪ ،‬وفي العروق ‪.‬‬

‫فكانت منها حياة ذلك الجسد ‪ ،‬وعمارة ذلك البلد ‪ ،‬فإن روح الحياة بخار لطيف ‪ ،‬له‬
‫سريان شريف ‪ ،‬ينحل من رطوبة الدم ‪ ،‬وينتشر في جميع أجزاء الجسم ‪ ،‬به تكون‬
‫الحياة في هذه األشباح ‪،‬‬
‫وهو المعبر عنه باألرواح ‪ ،‬ومادته من االستنشاق الهوائي بالقوة الش هميهة ‪ ،‬لترويح‬
‫الحرارة التي في القلب الغريزية ‪ ،‬فلو ال هذا التبريد لوقع التبديد ‪ ،‬وكذلك إذا تنفس‬
‫الحبيبان مكافحة ‪ ،‬وتن ههدا مناوحة خرج مع ذلك التنفس شيء من نسيم الروح ‪،‬‬
‫فاختلط بأجزاء الهواء ‪ ،‬فدخل إلى خياشيمهما على السواء ‪ ،‬فسرى في أجسامهما علوا‬
‫وسفال سريان النور في البلور ‪ ،‬على طريق الرئة والحلقوم إلى القلب ‪،‬‬

‫‪165‬‬
‫والتحق بعالم الغيب ‪ ،‬فدب مع النبض والعروق الضوارب ‪ ،‬واختلط بالدم واللحم في‬
‫جميع المضارب ‪ ،‬فانعقد في بدن هذا ما تحلل من بدن هذا ‪ ،‬فصار له روحا ‪ ،‬والجسم‬
‫له ضريحا ‪.‬‬

‫ولما كان الروح الذي هو الحياة أحب شيء لإلنسان ‪ ،‬فصار هذا المعشوق أحب شيء‬
‫إليه في األعيان ‪ ،‬التحاد أرواحهما في الجثمان ‪ ،‬وإلى هنا انتهى عقل العقالء ‪ ،‬ونظر‬
‫أهل المودة والصفاء ‪ ،‬وما قدر منهم أحد أن يزيد عليه معنى يحقق به قوله ودعواه ‪،‬‬
‫ّللا عليهم في المسألة إيضاحا ‪ ،‬وجعلنا له‬
‫فإن االعتراض منوط بفحواه ‪ ،‬فزدنا بحمد ه‬
‫اإلشارة عنه مفتاحا ‪:‬‬

‫فاعلم أن النفس والريق إنما يجريان بحسب ما استقر في القلب استقرار االستفراغ ‪،‬‬
‫وانتهى فيه غاية البالغ ‪ ،‬فحينئذ يكون ما قالوه ‪ ،‬ويظهر ما أخبروا به وسطروه كما‬
‫حكي عن الحالج ‪ :‬إنه انكتب من دمه اسم المحبوب ‪.‬‬
‫وكذلك زليخا ‪ :‬حين فصدت وقع دمها في الطست يوسف بن يعقوب ‪.‬‬
‫فالذي يكون في القلب يتزايد كائنا ما كان حتى يذهب من األذهان ‪.‬‬
‫ويا عجبا ! كيف غفل عن هذا المعنى أصحابنا وهم أهل تدقيق وتحقيق ‪.‬‬
‫فهذا يا كعبة الحسن ‪.‬‬

‫قد كان بيني وبينك فقد اتحدت أرواحنا ‪ ،‬لما تعانقت أشخاصنا ‪ ،‬أتذكر إذ لثمت يمينك‬
‫الغراء في الهاجرة ‪ ،‬وأنت لي كالمحبة الهاجرة ‪ ،‬فانفتح يمينك حتى التقم الشهادة‬
‫ه‬
‫التوحيدية من نفسي ‪ ،‬وزفرت عند ذلك فكاد يحرقك قبسي ‪.‬‬

‫فالحمد هّلل الذي وحدني بك ووحدك بي ‪ ،‬وصرت مني كأمي من أبي ‪ ،‬هي ذاته وهي‬
‫أهله ‪ ،‬هي بعضه وهي كله ‪ ،‬لكن يا كعبة الحسن ‪.‬‬
‫وفرق بين‬
‫ّللا سبحانه بلطيف حكمته ‪ ،‬وغريب صنعته ‪ ،‬خلق أعضاء تكليفك ‪ ،‬ه‬ ‫إن ه‬
‫لطيفك وكثيفك ‪ ،‬وجعل في كل كثيف أمرا ‪ ،‬وفي كل لطيف سرا ‪ ،‬فإن أبقيت نظامها‬
‫على الوضع اإللهي ‪ ،‬والتناسب الربهاني فأنت المالك ‪ ،‬وإن لم تجرها على وضعها ‪،‬‬
‫وخلطت بين ضرها ونفعها ‪ ،‬والتبس عليك تثنيتها بجمعها فأنت الهالك ‪.‬‬
‫ى( ‪ [ ) 36‬القيامة ‪. ] 36 :‬‬ ‫سان أ َ ْن يُتْ َر َك ُ‬
‫سد ً‬ ‫ب ِْ‬
‫اإل ْن ُ‬ ‫س ُ‬
‫هيهات أيَ ْح َ‬
‫وكأني بك قد بلغت المدى ‪ ،‬اجعل العالم شهداء لك ال عليك ‪ ،‬وشاردين من كل أحد‬
‫إليك ‪ ،‬عشقهم بذاتك عشق من الح له من ذلك علم النجاة ‪ ،‬وشوقهم إليك تشوق من‬
‫الحظ الفوز في تحصيل الدرجات ‪ ،‬فامتطى بعمالت األعمال ‪ ،‬ورقص به اْلل ‪،‬‬
‫وواصل البكور باْلصال ‪ ،‬رغبة في المشاهدة والوصال ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫إيه يا قرة العين ‪ ،‬ويا حلب الكبد ‪ ،‬أصبحت مني كذراع من عضد ‪ ،‬أزعني سمعك ‪،‬‬
‫وهبني جمعك ‪.‬‬
‫خرجنا يوما إلى السياحة في فلوات المعاني ‪ ،‬وتجردنا للسباحة في بحر المثاني ‪ ،‬فلقينا‬
‫قوما جدهوا للبغية ‪ ،‬وكدهوا لتحصيل المنية ‪ ،‬وتحلوا بأسنى حلية ‪ ،‬فتاهوا في تيه الخشية‬
‫‪ ،‬فنالوا الرضا باإلنضا ‪،‬‬
‫ّللا فتملكوا ‪ ،‬وقدهسوا‬
‫ّللا فأدركوا ‪ ،‬ونطقوا بذكر ه‬‫وحازوا الجد بالجد ‪ ،‬نظروا بنور ه‬
‫نفوسهم من درن المخالفة ‪ ،‬فخولفوا وعاينوا ملكوت الحقيقة اإللهية فعموا فضوعفوا ‪،‬‬
‫واعتمدوا على قدم الصدق اليونسي فاطمأنوا ‪،‬‬
‫وامتألت جوانحهم بسرائر العشق فبدا عليهم ما أكنوا ‪ ،‬ترادفت عليهم المنن الربهانية‬
‫فلم تبق فيهم متسعا للطمع في غيرها فعصموا ‪ ،‬زهوا بخدمته بين عبيده لما اصطنعهم‬
‫عرجوا ‪ ،‬فنودوا‬ ‫لنفسه فحكموا ‪ ،‬خالط حب المنزل بشاشة قلوبهم ‪ ،‬فما عالجوا وال ه‬
‫فتلذذوا ‪.‬‬
‫فقيل لهم ‪ :‬ادرجوا ‪ .‬فما درجوا ‪ .‬وا عجباه ‪.‬‬
‫من مخالفة توجب قربا ‪ ،‬وحسنة موافقة تورث عتبا ‪ ،‬جاعوا فخصبوا ‪ ،‬حزنوا فلعبوا‬
‫‪ ،‬تمسكنوا حتى تمكنوا ‪ ،‬تملقوا حتى تحققوا ‪ ،‬توسلوا حتى تواصلوا ‪ ،‬و هحدوا حتى‬
‫اتحدوا ‪ ،‬أنسوا فلم يستوحشوا ‪،‬‬
‫استعملوا األقدام إليه ‪ ،‬فنزل بهم عليه ‪ ،‬فلما كشف لهم عن وجهه ‪ ،‬لم يروا سواهم فهم‬
‫العبيد والموالي ‪ ،‬واألسافل واألعالي ‪ ،‬نفسي الفداء لقلب يفهم ‪ ،‬أو سر يعلم ‪ ،‬للدهر‬
‫حوادث ومصائب ‪ ،‬وسهام ماضيات صوائب ‪ ،‬لكن منها سهام تبصر فتتقى ‪،‬‬
‫سي المكر فال تتوقى ‪ ،‬فموقع مثل هذا السهم‬ ‫ومنها سهام معنوية ترمى بها القلوب من ق ه‬
‫لذيذ في الحال ‪ ،‬فظيع المرارة في المآل ‪،‬‬
‫فإن سهام الرزايا إذا رمي بها عن قسي المكر ال يظهر فيها شيء من النكر ‪ ،‬فالحكم‬
‫للوقت ‪ ،‬فإما بالبخت ‪ ،‬وإما بالمقت ‪ ،‬شمس تدور ‪ ،‬وقضاء في ذلك الدوران يغور ‪،‬‬

‫تصاريف األقدار رساالت رسل الليل والنهار ‪ ،‬بياض وسواد ‪ ،‬شقاء وإسعاد ‪ ،‬رسوال‬
‫ّللا مقبولة ‪ ،‬ألنهما األمينان على كل‬‫أضداد ‪ ،‬البغية فيهما مجهولة ‪ ،‬وكلمتهما عند ه‬
‫ذات لما نصبت ‪ ،‬وهو القائم على كل نفس بما كسبت ‪،‬‬
‫فليل لجنهة في الدنيا والقصوى ‪ ،‬ونهار لسعير في اْلخرة واألولى هما اللذان يأتيان‬
‫بالكسب ‪ ،‬ويوبخان بالعتب ‪ ،‬ويستدرجان بالنعم المشوبة ‪ ،‬ويعرفان بأنها المطلوبة ‪،‬‬
‫فال تلتجي الستغنائها وتريد من موالها أن يحط بفنائها ‪.‬‬

‫إلى هذا انتهى أمر هذه النفس الخسيسة ‪ ،‬الكريمة الرئيسة ‪ ،‬تأملت سر االتحاد في الليل‬
‫والنهار ‪ ،‬الليل هنا لباس وعذاب في دار البوار ‪ ،‬والنهار هنا عذاب ونعيم في دار‬
‫القرار ‪ ،‬والنفس في هذا كله الهية ‪،‬‬

‫‪167‬‬
‫ليس لها لما أورده عليها أذن واعية ‪ ،‬ما أسرع ما تلحقها الرزايا ‪ ،‬وتختلسها المنايا ‪،‬‬
‫وتحيط بها الباليا ‪ ،‬وتجرعها الغصص ‪ ،‬وتكون أشأم مفترض يفترس فلو عرفت‬
‫حقيقة نفسها ‪ ،‬لفرقت بين يومها وأمسها ‪ ،‬وعقلها وحسها ‪.‬‬
‫أما علمت هذه النفس أن لها ثالث قوى في ست حضرات تتصرف تحت حكمها ‪،‬‬
‫وتمشي على مقتضى علمها ‪ ،‬قوة ناطقة حضرتها الدماغ ولها فيه منازل ‪ ،‬على عدد‬
‫النوازل ‪ ،‬يحفظها في اللفظ ‪ ،‬الخيال والفكر والحفظ ‪،‬‬

‫والخيال في مقدم الدماغ لتلقي المحسوسات ‪ ،‬والفكر في وسط الدماغ للتمييز والترجيح‬
‫في القضايا والحكومات ‪ ،‬والحفظ لصون ما حكم به الفكر في القضيات ‪ ،‬حتى تمس‬
‫الحاجة إليه فتلقيه بين يدي الحاكم ‪ ،‬هذا حكم له الزم ‪ ،‬فالفكر حاكم محقق ‪ ،‬والخيال‬
‫شاهد مصدهق ‪ ،‬والحفظ أمين موثهق ‪.‬‬
‫تبرزت ‪ ،‬فهي السيدة‬‫فهذه القوة الناطقة بكمالها قد تميزت ‪ ،‬وفي صدر موكبها قد ه‬
‫السلطانة ‪.‬‬
‫وأ ّما القوة الثانية فهي القوة الغضبية ‪ ،‬وحضرتها القلب ‪ ،‬ولهذا لها االسم الرب ‪،‬‬
‫وهي لهذه الناطقة أجناد االستعانة ‪.‬‬
‫وأ ّما القوة الثالثة فهي القوة الشهوية ‪ ،‬وحضرتها الكبد ولهذا لها تدبير الجسد ‪ ،‬وهي‬
‫لهذه الناطقة رعية االستكانة ‪.‬‬
‫فإذا جروا على ما أ ههلوا له بالح هد الموضوع ‪ ،‬والعهد المشروع ‪ ،‬والتصرف المعبودي‬
‫الحكمي فازوا وربحوا ‪ ،‬وإن عدلوا عن هذا الحد األمري ‪ ،‬إلى الحد اإلرادي ‪ ،‬ونزلوا‬
‫بالحكم االختياري ‪ ،‬اإللهي من جانب الغرض النفسي خابوا وخسروا‬
‫" فمن عرف نفسه عرف ربه "‬
‫ّللا فمن‬
‫َّللا ‪ ،‬فربي وإن كنت مع ه‬‫َّللا عرف قلبه ‪ ،‬فكن مع الرب ال مع ّ‬ ‫‪ ،‬ومن عرف ّ‬
‫كونه ربها ‪ ،‬فإن ذلك رحمي األبد ‪ ،‬ونعمى الخلد ‪.‬‬

‫ثم لتعلم يا كعبة الحسن الفائق ‪ :‬أن في الوجود نكتة غابت عنها عقول كثيرة ‪ ،‬وعمي‬
‫عنها كل بصر وبصيرة ‪ ،‬وذلك أن اإلنسان إذا كان في شيء لم ير حقيقته ومعناه ‪،‬‬
‫وإذا صار عنه أجنبيا رآه ‪ ،‬والنفس إذا التبست بشهوتها وغرضها ‪ ،‬وتعشقت بعلهتها‬
‫ومرضها ‪ ،‬ال ترى سوء ما هي فيه ولهذا تصطنعه وتصطفيه ‪.‬‬
‫سنا ً[ فاطر ‪. ] 8 :‬‬ ‫قال تعالى موعدا ومبينا ‪:‬أَفَ َم ْن ُز ِيهنَ لَهُ ُ‬
‫سو ُء َع َم ِل ِه فَ َرآهُ َح َ‬
‫فإذا كنت أنت المكلف يوما ما بذلك األمر سواك ‪ ،‬هل يستوي عندك من أطاعك فيه‬
‫ومن عصاك ‪ ،‬فإن أتى ما نهيته عنه أن يأتيه وتحاماه ‪ ،‬أو عصى ما أمرته به وأنت‬
‫تراه ‪،‬‬
‫هل كنت ترى فعله ذلك هإال عيبا عظيما ‪ ،‬وجرما جسيما ‪ ،‬وعدم احترام ‪،‬‬

‫‪168‬‬
‫وطرح احتشام ‪ ،‬وال سيما وأنت تعلم منه أنه يعلم أنك تراه ‪ ،‬ويتخاذل عليك ويجرؤ ‪،‬‬
‫وقد علم أنك فاضحه في أواله وأخراه ‪.‬‬
‫فاستوجب عندك العقوبة أو العفو على حسب ما تريد به من عافيتك أو بالئك ‪ ،‬بما‬
‫سك وقلبك ‪،‬‬‫تسلطه عليه من أسمائك ‪ ،‬كذلك أنت مع ربهك ‪ ،‬في عالم ح ه‬
‫فانظر إلى ما يستقبحه الشرع فاجتنبه ‪ ،‬وإلى ما يستحسنه فبادر إليه وامتثله ‪ ،‬وال‬
‫يغرنهك غدهار ‪ ،‬مدخول النصيحة ه‬
‫غرار ‪ ،‬فعليك باتباع العلم ‪،‬‬
‫واالستسالم للشيخ فيما و هجه عليك من الحكم ‪ ،‬وطهارة النفس ومحاسن األخالق‬
‫وجميل الوفاق ‪ ،‬واقبل قولي ‪ ،‬وعد عن فعلي ‪ ،‬فإن العصمة مطلوبة إنما هي في‬
‫النطق ‪ ،‬وإيراد الحق ‪ ،‬على وجه الصدق ‪ ،‬فإني وإن عصيت فال آمر بالعصيان ‪ ،‬وإن‬
‫تخاذلت فال آمر بالخذالن ‪ ،‬فإن ذلك يرده اإليمان ‪.‬‬
‫وهذه رسالة علمية عملية اتحدت ذاتها بصفاتها ‪ ،‬وغاب نورها في ظلماتها ‪ ،‬روحها‬
‫في جسدها مستور ‪ ،‬وظالمها قد احتوى على النور ‪ ،‬فمن انسلخ من هذه السدفة ‪،‬‬
‫وصعد أعلى الغرفة ‪ ،‬رأى النور يسري في فلكه وزمامه بيد ملكه ‪ ،‬فتشرق عليه‬
‫األنوار ‪ ،‬وتتهتك له األستار ‪ ،‬وتبرز له األسرار ‪.‬‬

‫ّللا وإيهاك يا كعبة الحسن م همن علم فعمل ‪ ،‬وسافر فوصل ‪ ،‬وأحب فبلغ الغاية‬
‫جعلنا ه‬
‫واألمل ‪ ،‬بمنهه ‪ ،‬والسالم المعاد عليك ‪ .‬ورحمة ه‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬

‫‪ - 4‬الرسالة السريانية توسل بها عبد الشكور إليها ونزل بها عليها‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬‫بِ ْ‬
‫من عبد الشكور محمد بن علي إلى كعبة الحسن ‪ ،‬وروضة المزن سالم عليك ورحمة‬
‫ّللا الذي كلهم موسى تكليما ‪ ،‬وصلى ه‬
‫ّللا على سيدنا محمد‬ ‫ّللا وبركاته ‪ .‬أ هما بعد حمد ه‬
‫ه‬
‫وعلى آله وسلهم تسليما ‪.‬‬
‫فإن القانص خرج يبتغي صيدا ‪ ،‬وقد أبطن له كيدا ‪ ،‬فأرسل على الصيد نداه ‪ ،‬فأجابه‬
‫فر ‪،‬‬
‫صداه ‪ ،‬فواجه صداه صيده ‪ ،‬وما عرف أنه أبطن له فيه كيده ‪ ،‬فرجع إلى مأمنه ه‬
‫فوقع في الحبالة وتوسطها فكأنه فيها بدر أحاطت به هالة ‪ ،‬هكذا فعل الحق في شرعك‬
‫سرك ‪ ،‬فأجابه الصدا ‪ :‬من شرعك ‪.‬‬ ‫‪ ،‬مع أصل وضعك ‪ ،‬ناداك في ه‬
‫سرك ‪ ،‬فوقعت في يد ربك ‪ ،‬فأخذك وقيهدك وسدهدك ‪ ،‬هل‬ ‫ففررت أمام الخطاب إلى ه‬
‫فعل هذا هإال لحبه فيه ‪ ،‬فيجتبيك ‪ ،‬ويصطفيك ‪ ،‬ولهذا أشار من ليس في إشارته مفتون‬
‫" استفت قلبك ولو أفتاك المفتون "‪.‬‬
‫"" رواه الدارمي في سننه وأحمد في المسند ويقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫" يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك " ثالث مرات " البر ما اطمأنت إليه النفس‬
‫واإلثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " ‪"".‬‬

‫‪169‬‬
‫فلما قيهدك بالمودة ‪ ،‬وأخذ عليك العهدة ‪ ،‬أضرم نار الشوق إليه ‪ ،‬في صدرك ‪ ،‬ورفع‬
‫لك عنده أعالم قدرك ‪ ،‬ولطف سرك ‪ ،‬البتغاء أمرك ‪ ،‬ووضع وزرك لخفة ظهرك ‪،‬‬
‫وشرح صدرك لرفيع ذكرك ‪ ،‬وسخر لك البالد والعباد ‪،‬‬
‫وخرق لك في سرائرك المعتاد ‪ ،‬وقيض لك في كل وجهة المراد ‪ ،‬وأراك غايات‬
‫الحاالت ‪ ،‬ورفع الستر بينك وبين ما فيك من اْليات ‪،‬‬
‫وقال لك أنت التاج ومن سواك النعل ‪ ،‬وأنت الفاعل ومن سواك الفعل ‪ ،‬فكنت السميعة‬
‫المطيعة ‪ ،‬فلم تتخذ الشكوى موطنا ‪ ،‬وال تجنيت على من أحبك مخلصا ‪ ،‬وما تكاسلت‬
‫عن بلوغ األمد األقصى ‪ ،‬الستشرافك عليه من منازل األقصا ‪،‬‬
‫أرغبت في سعادة األبد ‪ ،‬فزهدت في كل أحد ‪ ،‬لبست حالة صحيحة سوية ‪ ،‬وثقة‬
‫خريتا ‪،‬‬
‫محكمة قوية ‪ ،‬وعادة صالحة مرضية ‪ ،‬وقارنت عالما ّ‬
‫خريتا لشقه المفازة ‪"" .‬‬
‫الخريت ‪ :‬الدليل الحاذق بالداللة ‪ . .‬وإنما سمي ه‬
‫ّ‬ ‫""‬
‫وهمة عالية ‪ ،‬ويقينا جزما فثبتك تثبيتا ‪ ،‬اعتصمت من الفتن الغالبة ‪ ،‬وعزمت عزائم‬
‫أهل الهمم قاطبة ‪.‬‬
‫فأنت الروضة الغنهاء ‪ ،‬والسماء الزهراء ‪ ،‬وثبت على األمور الهائلة وثبة األسد‬
‫الضاري ‪ ،‬وألفت المفاوز في طلب المفاوز والبراري ‪ ،‬اعتبرت صحيحا ‪ ،‬فوجدت‬
‫الخطيب فصيحا ‪ ،‬والواعظ نصيحا حننت عند الغروب ‪ ،‬حنين الغريب ‪،‬‬
‫ألقيت أمرك بيد األمر فاسترحت ‪ ،‬وجثثت بين يديه وما برحت ‪ ،‬تصرفت عليك‬
‫ضروب التحكيم ‪ ،‬فقابلتها بالتفويض والتسليم ‪ ،‬تنزهت لما تنزهت ‪ ،‬وتقدست لما‬
‫تدنست ‪ ،‬وانتسبت كل حقيقة منك إلى اسمها ‪،‬‬
‫فوقفت على حقيقة رسمها ‪ ،‬هذا طربك على الغيب بآلة السماع ‪ ،‬فكيف حالك بالقرب‬
‫والكشف واالستمتاع ‪ ،‬خفيت اإلشارات في العبارات ‪،‬‬
‫واندرجت الغيابات في الحكايات ‪ ،‬وأل هم المرض فعظمت الكربات ‪ ،‬وطالت الوحشة‬
‫فتضاعفت الحسرات ‪ ،‬وتوالى الوجد فترادفت الزفرات ‪ ،‬التفت الغريب إلى وطنه فحن‬
‫وتذكر مشهدا كان له به ‪،‬‬
‫وّللا قلب تاه‬
‫فإن نظر إلى بواره في غربته وخساره ‪ ،‬وهالكه في غيبته ودماره ‪ ،‬هلك ه‬
‫بين الصدر والورد ‪ ،‬ونفس جالت بين البغض والود ‪.‬‬

‫عجبت لناصح غش ولمالك أهلك ولمصلح أفسد ‪ ،‬ولعزيز آذى ‪ ،‬ولقوي كاد ‪ ،‬معاملة‬
‫ال يقتضها منصبهم ‪ ،‬وال يرتضيها حسبهم ‪ ،‬ولكن ثم رموز وأسرار ‪ ،‬غطى عليها‬
‫ورها َوت َ ْقواها ( ‪ [) 8‬الشمس ‪]7،8 :‬‬‫س اواها ( ‪ ) 7‬فَأ َ ْل َه َمها فُ ُج َ‬‫إقرار وإنكار َونَ ْف ٍس َوما َ‬
‫‪.‬‬
‫من لم يصل إليك هإال بك فأنت أوصلته ‪ ،‬وما وصل ‪ ،‬ومن انفصل عنك لك فأنت‬
‫ْت َول ِك ان ا َ‬
‫ّللا َرمى"[ األنفال ‪. ] 17 :‬‬ ‫ْت إِ ْذ َر َمي َ‬
‫فصلته ‪ ،‬وما انفصل " َوما َر َمي َ‬
‫فاألصم هو السميع ‪ ،‬والبصير هو األعمى ‪ ،‬حكم الحاكم العالم ‪ ،‬متى أدبر النهار من‬
‫هاهنا ‪ ،‬وأقبل الليل من هاهنا ‪ ،‬وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ‪،‬‬

‫‪170‬‬
‫واغتمت الظلمة فاستترت العوالم ‪ ،‬فبقيت تخبط بغير دليل ‪ ،‬وال رؤية سبيل ‪ ،‬وال قمر‬
‫يبدو ‪ ،‬وال حاد يحدو ‪ ،‬ويلي عليك وويلي منك ‪ ،‬يا رجل ال راحة معك ‪ ،‬وال راحة‬
‫دونك ‪ ،‬يا أمل ‪.‬‬
‫هيهات حق وجب ‪ ،‬ورهن غلق ‪ ،‬وشمل تصدهع ‪ ،‬وعقل حار ‪ ،‬وقدم زلقت ‪ ،‬وعدم‬
‫ثبت ‪ ،‬وسقوط حصل ‪ ،‬ولم تبق هإال صبابة ‪ ،‬ويعرف اإلنسان ما أصابه ‪،‬‬
‫وفي تلك الصبابة جماع األمر ومالكه ‪ ،‬وقوام الشيء وهالكه ‪ ،‬فهي لما عمل فيها ‪،‬‬
‫وهي لمن يصطفيها ‪ ،‬وعلى من يزدريها ‪،‬‬
‫وقد علمت أن الحق قال ألبي يزيد ‪ ،‬وقد توسط بحر االضطرار ‪ ،‬وطاش لبهه وحار ‪،‬‬
‫ي ؛ الذلة واالفتقار ‪.‬‬ ‫ي بما ليس ل ه‬
‫تقرب إل ه‬
‫ه‬
‫ثم ضاعف له المقال في الحال ‪ :‬اترك نفسك وتعال ‪ .‬فاضرع إليه بأسمائك ‪ ،‬والجأ إليه‬
‫ببالئك ‪ ،‬فإن خلعته عليك أسماؤه ‪ ،‬ومنزلتك عنده أنباؤه ‪ ،‬فإذا دخلت عليه بخلعته فماذا‬
‫يخلع عليك ‪،‬‬
‫وإذا نظرت إليه به فكيف ينظر إليك ‪ ،‬ال يصح أن يجرد عنك خلعته ‪ ،‬وقد لبستها‬
‫مسروقة ‪ ،‬واتخذتها معشوقة ‪ ،‬وتخيلت أنك بها تنجو ‪ ،‬ولذلك كنت ترجو ‪ .‬هأال تراه‬
‫يز ْال َك ِري ُم ( ‪ [) 49‬الدخان ‪. ] 49 :‬‬
‫ت ْالعَ ِز ُ‬‫يناديك في عذاب الجحيم ‪ :‬ذُ ْق ِإنا َك أ َ ْن َ‬

‫فلو خلعها عليك بنفسه ‪ ،‬ألمنت من بأسه ‪ ،‬فعدهد عليه نعمه ‪ ،‬وو هجه إليه كلمه ‪ ،‬وقل له‬
‫في غياهب الدياجي المظلمة باأللسن المعربة والمعجمة ‪:‬‬
‫بوء اللطيف ‪.‬‬ ‫‪ -‬يا ألف التأليف ‪ - ،‬يا باء الت ه ه‬
‫‪ -‬يا جيم الجود المطلق ‪ - ،‬يا دال الدالل المحقق ‪.‬‬
‫‪ -‬يا هاء الهوية الغربية ‪ - ،‬يا واو الوصية القريبة ‪.‬‬
‫‪ -‬يا زاي الزيادة المطلوبة ‪ - ،‬يا حاء الحبهة المحبوبة ‪.‬‬
‫‪ -‬يا طاء الطوية الثابتة ‪ - ،‬يا ياء اليتيمة الفائتة ‪.‬‬
‫‪ -‬يا كاف الكمال الذي ال ينقص ‪ - ،‬يا الم اللوم الذي ال ينغص ‪.‬‬
‫‪ -‬يا ميم المجد الذي ال يدانى ‪ - ،‬يا نون النور الذي يتوارى ‪.‬‬
‫‪ -‬يا صاد الصدق الذي ال يقصد ‪ - ،‬يا عين العين الذي ال يشهد ‪.‬‬
‫‪ -‬يا فاء الفال النبوي ‪ - ،‬يا ضاد الضرب الوحي ‪.‬‬
‫‪ -‬يا قاف القوة التي ال ترد ‪ - ،‬يا راء الرؤية التي ال تحد ‪.‬‬
‫‪ -‬يا سين السناء الذي ال يسفل ‪ - ،‬يا تاء التمام الذي ال يفصل ‪.‬‬
‫‪ -‬يا ثاء الثبات الذي ال يتزلزل ‪ - ،‬يا خاء الخيف الذي قد تسهل ‪.‬‬
‫‪ -‬يا ذال الذلة المعبهدة ‪ - ،‬يا ظاء الظالالت الممددة ‪.‬‬
‫‪ -‬يا غين الغان العاصم ‪ - ،‬يا شين الشوب القاصم ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫تعريني ثوب اإليمان بعد ما كسوتنيه ‪ ،‬أتسلبني اإلحسان بعد ما وهبتنيه ‪ ،‬ما‬
‫أتراك ه‬
‫أنت عندي من أهل البدا ‪ ،‬وال أعتقد ذلك فيك أبدا ‪ ،‬كم طال عذابي بالمطال ‪ ،‬حتى‬
‫صال فؤادي بالوصال ‪ ،‬كنت لي هاديا فتبعتك ‪ ،‬وحاديا فما سبقتك ‪،‬‬
‫غنيت لي بالقرآن فسمعت ‪ ،‬فوجدت ‪ ،‬فزهزهت ‪ ،‬وخولطت فتأوهت ‪ ،‬فطلبت الخروج‬
‫إليك من هذا التركيب ‪ ،‬فجذبتني فيه ‪ ،‬فنظرت فإذا بالحبيب ‪ ،‬أأثرا بعد عيان ‪ ،‬أكفرا‬
‫بعد إيمان ‪.‬‬
‫عجبا لنشأة إلهية ‪ ،‬مثلية ‪ ،‬ملكية ‪ ،‬بشرية ‪ ،‬علوية ‪ ،‬سفلية ‪ ،‬تدرج بين عافية ‪ ،‬وعلة ‪،‬‬
‫وكثرة وقلة ‪.‬‬

‫يا كعبة الحسن فديت من يسمع ‪ ،‬فديت من يتطلع ‪ ،‬أعطاك قبل أن تسأله فكيف يردك‬
‫إذا سألته ‪ ،‬أدناك قبل أن تطلبه فكيف يردهك إذا طلبته ‪ ،‬هذه مناجاة المحجوب عن‬
‫حقائق المطلوب ‪.‬‬

‫وّللا ‪ ،‬يا كعبة الحسن ألمي ‪ ،‬ل هما جهل في العلم ثبوت قدمي ‪،‬‬ ‫اشت هد ‪ ،‬ه‬
‫واحد يقول ‪ :‬سألته في مسألة إلهية فالزم الخلوة لها ‪ ،‬حتى يمهد الحق له سبلها ‪ ،‬وآخر‬
‫يعضده على ذلك أمرا حتما ‪ ،‬ويحتج بقوله ‪َ :‬وقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً[ طه ‪. ] 114 :‬‬

‫أترى هؤالء عرفوني ‪ ،‬ولو صحبوني مدى أعمارهم هل تراهم صحبوني ‪ ،‬فال مراتب‬
‫العلم عرفوا ‪ ،‬وال الحال على ما هي وصفوا ‪ ،‬الصنف الذي يطلب الزيادة فيه معلوم ‪،‬‬
‫والصنف الذي ال يطلب الزيادة فيه مفهوم ‪ ،‬ه‬
‫هال نظر إلى السائل وعقله ‪ ،‬ومرتبته في‬
‫علمه ‪ ،‬وأين هو في المراتب ؟‬
‫وأي مذنب سلك من هذه المذانب ‪ ،‬لو اجتمع الخلق من أولهم إلى آخرهم أن يسألوني‬
‫ما أخذت لسؤالهم خلوة ‪ ،‬فإن سؤال الخلوات على سؤال الحق موقوف ‪ ،‬لما يطرأ في‬
‫السر من موارد الغيب المعروف ‪،‬‬
‫ه‬
‫وما الكون حتى يضطرني ‪ ،‬وما العالم حتى يزعجني ‪ ،‬أتزل بي القدم ‪ ،‬عند رؤية هذا‬
‫العدم ‪ ،‬إنها هّلل على قلوب حجبت بأغراضها ‪ ،‬وقيهدت بأمراضها ‪ ،‬فقاست غيرها عليها‬
‫‪ ،‬وتخيلت أن هذا حق وصل إليها ‪.‬‬

‫سر أبثهه إليك ‪ ،‬وأتلوه عليك ‪ ،‬معلوم أنه أعطى قبل السؤال ‪ ،‬ثم‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬هذا ه‬
‫رد السؤال ‪ ،‬وما ردهه عندنا بطائل ‪ ،‬ألن الحقائق شتهى منها أين ومتى ‪ ،‬وشيخ وفتى ‪،‬‬
‫ومقرب ومبعود ‪ ،‬ومشهود ومطرود ‪ ،‬وموافقة مكان ‪ ،‬ومقارنة زمان ‪ ،‬وتحصيل اسم‬
‫على مسماه ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رب ‪ .‬فقال ‪ :‬لم يصل الوقت ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا إلهي ‪ .‬فقال ‪ :‬لم يصح الشرط ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫الدعاء من القضاء يرد القضاء ‪.‬‬
‫ذكره إيهاك تعريفا وتشريفا ‪ ،‬فانظر بماذا يذكرك كنايته عنك تقريعا وترفيعا ‪ ،‬فانظر‬
‫بما يكنى عنك ‪ ،‬ال يغرنك سماع الخطاب ‪ ،‬وال رفع الحجاب ‪،‬‬
‫تسر ‪ ،‬رفع حجاب العافية فنزل البالء ‪،‬‬
‫وإنما تغتر بما يبدو لك منهما ‪ ،‬فإ هما تساء وإ هما ه‬
‫ورفع حجاب البالء فنزلت العافية ‪،‬‬
‫فكل واحد منهما حجاب اْلخر محجوبه ‪ ،‬ورب اْلخر مربوبه ‪ ،‬كن غيبا في شهوده ‪،‬‬
‫وخبرا في عيانه ‪ ،‬وعناء في راحته ‪،‬‬
‫وعلة في شفائه ‪ ،‬وجهال في علمه ‪ ،‬وفقرا في غناه ‪ ،‬ومهجورا في مواصلته ‪،‬‬
‫ومستوحشا في مؤانسته ‪ ،‬وجموحا في إذالله ‪ ،‬وعقوال في لطفه ‪.‬‬

‫ّللا لما أراد الخير بك يا كعبة الحسن عرف بيني وبينك ‪ ،‬وأشهدك عيني‬
‫واجهد فإن ه‬
‫وأشهدني عينك ‪ ،‬وحركني إليك ‪ ،‬وأنزلني عليك ‪ ،‬وعشقني بجمالك ‪ ،‬وهيمني في‬
‫داللك ‪ ،‬ولست ممن يحيل هذا وأنت الخابرة ‪.‬‬

‫أما تراني أطوف بمعاهدك ‪ ،‬وأجري على مقاصدك ‪ ،‬فإذا أكملت األسبوع ‪ ،‬بادرت‬
‫إلى الركوع ‪ ،‬وال أنصرف قط عنك هإال عن أمرك ‪ ،‬فأنت المنصرفة ال أنا ‪ ،‬وأنت‬
‫المستريحة وأنا المعنهى ‪:‬‬
‫إذا تر ّحلت عن قوم وقد قدروا ‪ّ ....‬أال تفارقهم فالراحلون هم‬
‫"" هذا البيت للمتنبي ""‬

‫أين ذهنك يا كعبة الحسن من كالمي ؟‬


‫وأين يقظتك من منامي ؟‬
‫اتحدت أسرارنا ‪ ،‬وامتزجت أنوارنا ‪ ،‬فأنا أنطق بك وعنك ‪ ،‬وأنظر إليك ومنك ‪،‬‬
‫فقضيت حقك ‪ ،‬وأعدمت في جنابك خلقك ‪.‬‬
‫فانتبه ‪ :‬فقد أيقظتك ‪ ،‬واتعظ فقد وعظتك ‪ ،‬اشتغلي بنفسك في حقي فسيحمد شغلك ‪،‬‬
‫وافعل فيها ما يرضيني منك فستشكر فعلك ‪ ،‬فكأن بأركانك قد هدهت ‪ ،‬وبحبالك قد مدهت‬
‫‪ ،‬وبسبلك قد سدهت ‪ ،‬وجاءت األحابشة فأخذت أحجارك ‪،‬‬
‫وهتكت أستارك ‪ ،‬ورمت بك في اليم ‪ ،‬وجارت عليك في الحكم ‪ ،‬وهذا كله لتوصلك‬
‫ي ‪ ،‬وتمثل ذاتك بين يدي ‪ ،‬ولكن انظر ما تقاسيه في طريقك إلينا من العناء ‪ ،‬ومن‬ ‫إل ه‬
‫عذل العاذلين وحراسة الرقباء ‪،‬‬
‫ومن صعوبة الطريق وحزنه ‪ ،‬ومن شدة كرب الهوى وحزنه ‪ ،‬فقف متضرعة عازمة‬
‫‪ ،‬وقوف مقصرة عالمة ‪ ،‬ومد اليمين واليسرى ‪ ،‬وسل في تيسير العسرى ‪،‬‬
‫وقل له ‪ « :‬أنا القصرى تعلم حقيقتي وتعرف طريقتي ‪ ،‬فحسبي علمك بحالي "‪،‬‬
‫فستفوز بمالك األمر ‪ ،‬وتحصيل السر ‪،‬‬
‫فإن الذي تناجيه اْلن في مقام البسط ‪ ،‬ومنزلة الحل ال الربط ‪ ،‬فال تخوفنك الغمرات ‪،‬‬

‫‪173‬‬
‫وال تحجبنك الظلمات ‪ ،‬فإن الفجر قد طلعت منازله ‪ ،‬والصبح قد الحت دالئله ‪ ،‬والليل‬
‫قد انقضت مناهله ‪،‬‬
‫وهذه الشمس قد بدا حجابها فأشرق ‪ ،‬وأبدى ما كان خفي من الحق ‪ ،‬وفتح باب كان‬
‫باألمس مغلقا ‪ ،‬وفرج أمر كان قبيل ذلك مطبقا ‪.‬‬
‫والمنادي على األعراف صائح ‪ ،‬والسبيل بين يديه واضح ‪.‬‬
‫ّللا ‪ ،‬ويا حادي الالهي ‪.‬‬‫والصوت في الجو عال ‪ ،‬والدف يجيبه في الحال ‪ ،‬يا داعي ه‬
‫لمروق قد‬
‫أما ترى مجلس السرور قد احتفل ‪ ،‬ووجه غالم الزمان قد بقل ‪ ،‬والشراب ا ه‬
‫مزج بالتسنيم ‪ ،‬والنعيم قد ورد على النعيم ‪ ،‬والنديم يغازل النديم ‪ ،‬والحميم يناجي‬‫ه‬
‫الحميم ‪،‬‬
‫وجالسه ‪ ،‬وأسرار أهل‬‫ه‬ ‫والمدير قد ش همر عن معصمه ‪ ،‬ودار بكأسه على ندمائه‬
‫المجلس متناغية ‪ ،‬وسوق المهرجان قد قام على ساقه ‪ ،‬والسماع في ارتفاع ‪ ،‬والتواجد‬
‫مطابقا لإليقاع ‪ ،‬واأليدي مبسوطة إلى المدير ‪ ،‬والعيون ناظرة إلى وجهه المنير ‪،‬‬
‫والمسمع فصيح ‪ ،‬والمحل فسيح ‪ ،‬والعاشق قد أعلن بالتشريح ‪ ،‬وتمثل بقلب طروب‬
‫من الكتمان جريح ‪،‬‬
‫وقل ‪:‬‬
‫سرا إذا أمكن الجهر‬
‫أال فاسقنى خمرا وقل لى هي الخمر ‪ ...‬وال تسقنى ّ‬
‫وبح باسم من تهوى ودعنى عن الكنى ‪ ...‬فال خير في اللّذّات من دونها ستر‬
‫"" البيتين ألبي نواس ""‬
‫والفناء رحب ‪ ،‬والرقيب مبعود ‪ ،‬والحبيب مشهود ‪ ،‬والباب مقفل ‪ ،‬والستر مسدل ‪،‬‬
‫والعين تنهل ‪ ،‬والروض يعطي عرفه ونشره ‪ ،‬والدهر يريك طالقة وجهه وبشره ‪،‬‬
‫والسعد يساعدك ‪ ،‬واْلمال تناشدك ‪ ،‬واألمن يؤانسك ‪.‬‬
‫فعندما يسمع مقالته ‪ ،‬يحمد حالته ‪ ،‬ويعلم الداعي أن الذي دعاهم إليه قد وصلوا إليه‬
‫قبله ‪ ،‬فيبقى يبحث كيف العلهة ‪ ،‬ومن لي بتدبير هذه العلة ‪.‬‬
‫ّللا خمسين سنة ثم رجعت إليه فوجدتهم قد‬ ‫كما قال أبو يزيد ‪ :‬دعوت الخلق إلى ه‬
‫سبقوني ‪.‬‬
‫ّللا عليه وسلم في‬‫ّللا عنه لسيدنا محمد صلى ه‬ ‫هكذا ذكر ‪ ،‬ومسابقة « بالل » رضي ه‬
‫الجنة ‪ ،‬وهو خير البشر ‪ ،‬فحقق يا كعبة الحسن هذه المسابقة وانظر في هذه المطابقة‬
‫‪ ،‬وعليك بمثل هذه الموافقة ‪.‬‬
‫ي محبوب فعل هذا قبلك ‪ ،‬ما سمعت‬ ‫سك ‪ ،‬أ ه‬ ‫وهبتني نفسك ‪ ،‬وأهديت لي غيبك وح ه‬
‫بمعشوق صدر منه مثل هذا مع محبة مثلك ‪.‬‬
‫وسرك المكتوم ‪.‬‬
‫ه‬ ‫أبحت لي ريقك المختوم ‪،‬‬
‫أنت فردية الوجود الكوني ‪ ،‬أنت على خلق الموجود اإللهي ‪ ،‬لم تتخذ بوابا ‪ ،‬وال‬
‫أسدلت حجابا ‪ ،‬تأتي إلى من يحبك قبل أن يأتي إليك ‪ ،‬وتحضر بين يديه ‪ ،‬وهو أولى‬
‫بالحضور بين يديك ‪ ،‬تخدمه بكلهيتك ‪ ،‬وتجود عليه بنفسيتك ‪،‬‬

‫‪174‬‬
‫ي من قبل ما الذي‬‫ي ابتداء ‪ ،‬ما الذي كان يأتي إليك ‪ ،‬لوال ما نزلت عل ه‬‫لوال ما أتيت إل ه‬
‫كان ينزل بي عليك ‪ ،‬فلك الطول والفضل ‪ ،‬ولك األمر من قبل ومن بعد ‪ .‬قامت لك‬
‫البينة ‪ ،‬وإن كنت لم أنكر ‪،‬‬
‫ي الحجة البالغة وأنا المقر ‪ ،‬اعترفنا بأنك الواحدة في شأنك ‪ ،‬والفريدة‬
‫وصحت لك عل ه‬
‫في زمانك ‪ ،‬وغير زمانك ‪ ،‬ذكرت قبل كونك ‪ ،‬وعشقت عند وجود عينك ‪.‬‬
‫ما أحسن مقلتك النجال ‪ ،‬وأبهى منظرك األجلى ‪ ،‬ما أعذب شفتك اللميا ‪ ،‬ما أصلح‬
‫وجهك األقمر ‪ ،‬ما أينع خدهك األزهر ‪ ،‬ما أنور جبينك الوضاح ‪ ،‬ما أزهرك بين‬
‫المالح ‪ ،‬ما أبلغك بين البلغاء ‪ ،‬ما أخطبك بين الخطباء ‪،‬‬
‫ّللا ومتعك‬
‫ما أشهى ذلك الثغر البرود ‪ ،‬ما أجمل في وجناتك ذلك التوريد ‪ ،‬متعني ه‬
‫بجمالك ‪ ،‬وال زالت األفواه تقبهل يمين بجاللك ‪ ،‬والنفوس تلتزم ملتزم بابك ‪ ،‬وتستجير‬
‫بمستجار جنابك ‪ ،‬وتجود عند ميزاب جودك ‪.‬‬
‫ويذهل حجرها عند دخول حجرك ‪ ،‬وتقوم عند مشاهدة مقامك ‪ ،‬وتزمزم عند مشرب‬
‫زمزمك ‪ ،‬وتنحطم عند مجاورة حطيمك‪.‬‬
‫تاّلل لوال حذري أن أفقد عينك ‪ ،‬وخوفي أن يحال بيني وبينك ‪ ،‬لهتكت للعالمين أستارك‬‫ه‬
‫‪ ،‬وأعلنت لهم أسرارك ‪ ،‬وأعربت لهم معجمك ‪ ،‬وأوضحت لهم مبهمك ‪.‬‬

‫ّللا عليه من المحامد في المحاضر ‪ ،‬وقمت خطيبا برفيع‬ ‫وأفصحت لهم بما جبلك ه‬
‫مناصبك ومشاهدك في المنابر ‪ ،‬مما لم يرد به نقل ‪ ،‬وال وسعه عقل ‪ ،‬حتى يحار‬
‫الناس في تكييفك ‪ ،‬ويذهلون في لطائف لطيفك ‪ ،‬ومعارف كثيفك ‪ ،‬وإنما القلوب‬
‫محجوبة باألهواء ‪ ،‬وأنت المساعدة لهم في هذا العماء ‪،‬‬
‫فلو انقضت منك إذا حيل بي دونك أحجارك وتهتكت أستارك ‪ ،‬وعصيت العالم أجمع ‪،‬‬
‫لكنت في شأنك الخطيب المصقع ‪ ،‬وغرضي في إدامة مجالستك مذاهلتي لمؤانستك ‪،‬‬
‫ال زالت أعالمك مرفوعة ‪ ،‬وأقوالك مسموعة ‪ ،‬وأوامرك مطاعة ‪ ،‬وأسرارك عندي‬
‫مذاعة ‪.‬‬
‫ّللا تعالى وبركاته ‪.‬‬
‫والسالم عليك معادا مردهدا ورحمة ه‬

‫سل بها عبد البصير إليها ونزل بها عليها‬ ‫‪ - 5‬الرسالة المشهدية تو ّ‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫بِ ْ‬
‫من عبد البصير ‪ ،‬محمد بن علي ‪ ،‬إلى كعبة الحسن ‪ ،‬وروضة المزن ‪ .‬سالم عليك‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫ورحمة ه‬
‫أ هما بعد‬

‫‪175‬‬
‫حمدا هّلل المشهود بكل عيان ‪ ،‬والصالة على سيدنا محمد المبعوث إلى اإلنس والجان ‪.‬‬
‫فإن مشاهدة المحبوب هي البغية والمطلوب ‪ ،‬وهي أعز موجود ‪ ،‬وأصعب مفقود ‪.‬‬

‫وعليك آداب في المشاهدة لها عالمات منها ‪:‬‬


‫الثبات وعدم االلتفات ‪ ،‬والخشوع واإلقناع ‪ ،‬والخضوع واالرتياع ‪.‬‬
‫واعلم ‪ :‬أن حقيقة المشاهدة تنطلق على كل ذات ‪ ،‬من موصوف وصفات ‪ ،‬ال تتقيد‬
‫صل المحققون أصلها ‪،‬‬ ‫بسوى الوجود العيني لها ‪ ،‬على هذا أ ه‬
‫فالنغمة مشهودة للسمع ‪ ،‬واللين مشهود للهمس ‪ ،‬والكون مشهود للعين ‪ ،‬وهنا ه‬
‫سر‬
‫فابحث عليه ‪ ،‬عسى يعطيك ما لديه ‪.‬‬
‫والريح مشهود للشم ‪ ،‬والحنك شاهد للطعم ‪،‬‬
‫وهكذا جميع األشياء مشهودة ‪ ،‬والعلة في ذلك كونها موجودة ‪ ،‬فلو لم يمكن لها كون‬
‫ما شاهدها عين ‪.‬‬
‫فإذا صح عندك ما ذكرته ‪ ،‬وتبين لك ما سطرته ‪ ،‬فما لك تتغنى بغير كالمه ‪ ،‬وهو‬
‫سواك وعدلك ‪ ،‬وما لك تسمع إلى غير خطابه ‪ ،‬وهو الذي اصطفاك وفضلك ‪،‬‬ ‫الذي ه‬
‫وما لك تلحظ غير ذاته وهو قد فطرك على الصورة ‪،‬‬
‫وما لك تتعشق بغير جماله وهو الذي أنار سريرة العشق منك البصيرة التي تعلم من‬
‫إرادته أنك في الدنيا قنطرة تعبر ‪ ،‬وفي األخرى سبيكة مدخولة فتمحص وتخبهر ‪.‬‬
‫نفسي لك الفداء يا كعبة الحسن ‪.‬‬
‫من كل ما يتهقى ويحذر ‪ ،‬وحياة الحب الذي بين جوانحي ‪ ،‬والوجد الذي أخدر‬
‫وسري فيك مقسم ‪ ،‬ونطقي بك‬ ‫ه‬ ‫جوارحي ‪ ،‬إن فؤادي بك لمتيهم ‪ ،‬وقلبي فيك مهيهم ‪،‬‬
‫معثر ‪ ،‬وخاطري منك محيهر ‪.‬‬
‫هل لي عندك متوسم ؟‬
‫هل لي في روضتك متنسم ؟‬
‫ها أنا منك بين الخوف والرجاء ‪ ،‬واالستسالم واللجا ‪ ،‬أخبريني فأنت شاهدتي ‪،‬‬
‫أعلميني فأنت واحدتي ‪ ،‬باح السر وانتهك الستر ‪ ،‬وشاع الخبر وانتشر ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هام العارف في الحجر ‪ .‬تعشق بنشأة جمادية ‪ ،‬ومنزلة عبادية ‪.‬‬
‫أين معرفته بربه ؟ !‬
‫أين دعواه في تقديس قلبه ؟ !‬
‫شغله ما يفنى عن مشاهدة قاب قوسين أو أدنى ‪.‬‬
‫أين هو من الشبلي حين أمر أصحابه على قبة زمزم أن يطوفوا بذاته ؟‬
‫قلت ‪ :‬ما علموا أن ذلك سكرة من سكراته ‪.‬‬
‫أين هذا المقام من ذلك ؟‬
‫أين قدر المملوك من المالك ؟‬
‫ما هو األشقى بعد ما كان سعد ‪ ،‬ور هد بعد قصده فبعد ‪ ،‬ج هد فخانه الج هد ‪ ،‬وساعد فلم‬
‫يساعده السعد ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫فاعتبروا يا أولي األبصار ‪ ،‬ويا أهل الفكر واالستبصار ‪ ،‬في هذا األمر الكبار ‪ ،‬وكيف‬
‫اجتمع األوار والدمع المدرار ‪.‬‬
‫وَّللا غايتي وعمادي‬
‫يا هالال بين الجوانح بادي ‪ ....‬أنت ّ‬
‫أنت أنسي ووحشتي وحياتي ‪ ....‬ومماتي ‪ ،‬وفي يديك قيادي‬
‫سري ‪ ،‬وأنت جهري وبعضي ‪ ....‬أنت كلّي وناظري وفؤادي‬ ‫أنت ّ‬
‫الرقادي‬
‫أنت صيّرتني حزينا ذليال ‪ ....‬ساهرا ال أذوق طعم ّ‬
‫هائما في سباسب مهلكات ‪ ....‬نازال من ربا إلى بطن وادي‬
‫نفسي لك الفداء يا كعبة الحسن ‪:‬‬
‫رأيت العارفين قد رموني بمحبتك ‪ ،‬وهي شرفي ومجدي ‪ ،‬وعيهرني المحققون‬
‫وّللا عن إدراك ما‬
‫بالتضرع إليك ‪ ،‬والطواف بربعك ‪ ،‬وفيهما حياتي وسعدي ‪ .‬عموا ه‬
‫ّللا فيك من الحقائق ‪ .‬وجهلوا امتداد ما بيننا من الرقائق ‪.‬‬
‫أودع ه‬

‫فالحمد هّلل الذي جعل مصلحتي في رضاك ‪ ،‬وسعادتي في قضائك ‪ ،‬وزوى عني روح‬
‫حياتي بمشاهدتك ‪ ،‬وصفهاني من كدر الهوى بموافقتك ومساعدتك ‪ ،‬خسر من لم يمتثل‬
‫سرك ‪.‬‬‫أمرك وال خاطب ه‬
‫أيها العاذل ‪ :‬أما تمل ‪ ،‬أما علمت أنه قد سبق السيف العذل ‪ ،‬ولوال لزومي مغناها ‪،‬‬
‫وتعشقي بحسنها ومعناها ‪ ،‬ولثمي مقبلها البرود ‪ ،‬وقطفي ورد تلك الخدود ‪ ،‬وتعلقي‬
‫بداللها وأردانها وتعشقي بحسنها البديع ‪ ،‬وإحسانها ‪ ،‬وتصفحي آثار الربوبية في‬
‫نشأتها ومالحظتي سر القيومية في بدأتها ‪ ،‬ونظري معنى األلوهية في صورتها ‪،‬‬
‫وشهودي أحكام العالمية في سيرتها ‪ ،‬لما كنت من العزة بحيث ال تبلغني ‪ ،‬ومن الرفعة‬
‫والتنزيه بحيث ال تعرفني‪.‬‬
‫ي وإنه لقسم عظيم ‪ ،‬عند كل ذي عقل سليم ‪.‬‬ ‫ه‬
‫وعزة حياتها عل ه‬
‫اطلعت أيهها العاذل على المقام الذي حصل لي من وجدي بها ‪ ،‬وعشقي فيها ‪،‬‬ ‫لو ه‬
‫ّللا الذي أبقى عليك إيمانك بستري‬‫التخذتني ربها معبودا ‪ ،‬ومولى مقصودا ‪ ،‬فاحمد ه‬
‫ي فهو الذي أهلك النصارى في المسيح‪،‬‬ ‫ي ‪ ،‬ونظرك بالعين السليمة إل ه‬ ‫بعدم اطالعك عل ه‬
‫ورمى بهم في المهامه الفيح‪.‬‬
‫ّللا الذي عشق إليك‬‫ما أفرحني أيها العذول بجهلك بمقداري ‪ ،‬فإن فيه سعادتك‪ ،‬فاحمد ه‬
‫عادتك‪.‬‬
‫وحياة الحب لو اطلعت من كعبة الحسن على ما اطلعت ‪ ،‬وسمعت منها السحر الذي‬
‫سمعت ‪ ،‬لكنت حبرا من األحبار ‪ ،‬يتحدث بك في جميع األمصار ‪ ،‬تسامر بك السمراء‬
‫ملوكها ‪ ،‬وتنظم بك الغواني سلوكها ‪ ،‬وتحدى بك الركائب ‪ ،‬ويستعان بك على قطع‬
‫السباسب ‪ ،‬وكنت ال تسعك محجة ‪ ،‬وال تقوم ألحد عليك حجة ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫فأنت أيها العاذل المحروم السعيد ‪ ،‬وأنت الميت الشهيد ‪ ،‬جمعت بين الحياة والموت ‪،‬‬
‫والفوز والفوت ‪ ،‬إلى متى أيها الرقيب أنت يقظان ؟‬
‫إلى متى أيها العاذل أنت في أمري حيران ‪ .‬من أجل ما بلى الجفون وسنان ‪ ،‬مائس‬
‫األعطاف سكران ‪.‬‬
‫اشتغل بإحصاء أنفاسك عن أنفاسي ‪ ،‬وبتعديل أمراسك عن أمراسي ‪،‬‬
‫( فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ) ‪ ،‬فال تكن بالناسي ‪ ،‬هبك شقيت أنا على‬
‫زعمك ما تحصل لك من شفائي ‪ ،‬هبك تعنيت ماذا في يديك من عنائي ‪.‬‬
‫وّللا كشف البال ‪،‬‬
‫ألم تعلم أن كل إنسان مسؤول عن نفسه دون أبناء جنسه ‪ ،‬قد ه‬
‫وكذبت اْلمال ‪ ،‬وقل الصديق وتعذر الصديق ‪ ،‬وذهبت السيئات بالحسنات ‪،‬‬
‫والمخالفات بالموافقات ‪ ،‬والطبع بالشرع ‪ ،‬والقواصم بالعواصم ‪ ،‬والدواهي بالنواهي ‪،‬‬
‫فال فاهية تزيل داهية ‪ ،‬وال عاصمة ترفع قاصمة ‪ ،‬وال شرع يذهب طبعا ‪ ،‬وال حسنة‬
‫تمحو سيئة ‪.‬‬
‫تضاعفت البلوى بحمل هذا العبء ‪ ،‬واستترت الشكوى بدوام هذا الخبء ‪ ،‬حمل فادح‬
‫على القريب والنازح ‪ ،‬وال معين وال معين ‪ ،‬وال صافي وال مصافي ‪ ،‬وال من يريد‬
‫تخليصي وإنصافي ‪.‬‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬أورث وسواسك الوسواس ‪ ،‬وع هم بالؤك جميع الناس ‪ .‬بيوت تنهب ‪،‬‬
‫وقلوب تلهب ‪ ،‬ونار تضرم ‪ ،‬وأنفال تقسم ‪ ،‬وداهية دهيا ‪ ،‬ولجة عميا ‪.‬‬
‫ص ِر[ النحل ‪ ] 77 :‬وهذا نحس‬ ‫سا َع ِة ِإ اال َكلَ ْمحِ ْالبَ َ‬
‫وأمر َوما أ َ ْم ُر ال ا‬
‫ه‬ ‫كالساعة بل أدهى‬
‫دائم مستمر ‪.‬‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬فدتك نفسي من كل مكروه ‪ ،‬وأنهى لنفسي أن تفاديك ‪ ،‬اسمع خطابي‬
‫ي بيني ‪ ،‬وأتردد‬ ‫ور هد على جوابي ‪ ،‬وما قنعت مني إذ رميتني عني فأنا أشكو مني إل ه‬
‫فيما بيني وبيني ‪.‬‬
‫ي ألم أكن لي حديقة لما جلت ‪ ،‬وملعب أنس لما زلت ‪.‬‬ ‫يا أنا لم بخلت عل ه‬
‫ي ليس لي دعوة في أمر ‪ ،‬ولكني منهي تحت ستر ‪ ،‬وجدي إنما‬ ‫ال جرم أن ما أدعو إل ه‬
‫ي ‪ ،‬وولهي إنما هو بي ‪ ،‬ففي أهلك ‪ ،‬ولي أملك ‪،‬‬ ‫ي ‪ ،‬وعشقي إنما هو ف ه‬ ‫هو عل ه‬
‫فأنا المحب والمحبوب ‪ ،‬وأنا الطالب والمطلوب ‪ ،‬وأنا العاشق والمعشوق ‪ ،‬وأنا طالب‬
‫الحق الذي توجهت على الحقوق ‪ ،‬فانصفني يا أنا مني ‪ ،‬فقد ترجمت لي عني ‪.‬‬
‫تقدهست هذه المطالبة عن البينونة ‪ ،‬وجلهت عن الكينونة ‪ ،‬لما فيها من االتحاد في أصل‬
‫اإليجاد أال وإن الموجد المحقق إذا عرج في معارج الحقائق وحصل ضربا من‬
‫مكاشفات اتحاد الرقائق والدقائق ‪ ،‬وصحا بعد ما سكر ‪ ،‬ونشر بعد ما قبر ‪.‬‬

‫ال بد من مالزمة األدب ‪ ،‬وتباين الرتب ‪ ،‬ومعرفة النسب ‪ ،‬والوقوف عند العلة‬
‫والسبب ‪ ،‬فإن الجمجمة في الجمجمة ‪ ،‬والهمهمة في الحمحمة ‪.‬‬
‫"" الجمجمة ‪ :‬الكالم المخفي في الصدر ‪ .‬والجمجمة ‪ :‬عظم الرأس ‪.‬‬
‫والهمهمة ‪ :‬الكالم الخفي وقيل تردد الزئير في الصدر من الهم والحزن ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫عر الفرس حين يقصر في الصهيل ‪.‬‬‫والحمحمة ‪ :‬ه‬
‫وقال األزهري ‪ :‬حكاية صوت الفرس إذا طلب العلف ‪ ،‬أو رأى صاحبه الذي كان ألفه‬
‫واستأنس به ‪"" .‬‬

‫وفي معرفة اختالف اللغات ‪ ،‬دليل على عموم المخاطبات ‪ ،‬فما من رسول هإال وأرسل‬
‫بلسان قومه ‪.‬‬
‫هإال من أوتي جوامع الكلم من يومه ‪ ،‬وأخذها وارثه في نومه ‪.‬‬
‫ومعرفتها على اإلبهام داء عضال ‪ ،‬وهي مسألة فيها عظيم إشكال ‪ ،‬كلما قيل لك في‬
‫لغة هذا ليس لك ‪،‬‬
‫فانظر اللغة األخرى تقول هو لك ‪ ،‬فإن لم تعرف موارد اللغات ‪ ،‬بقيت للحيرة في‬
‫سكرات ‪ ،‬وخضت في بحار الغمرات ‪ ،‬وأحرقتك السبحات ‪ ،‬وأدهاك إلى ما أرداك‬
‫وعرج بك عن سبيل هداك ‪،‬‬
‫َّللا االستدراج وال تقل ‪ :‬وأي منزلة فوق التاج ‪.‬‬
‫واحذر من ّ‬
‫هو ح هد االستواء ‪ ،‬فوق العرش والسماء ‪ ،‬ما أسرع ما يصير لألفراس نعاال ‪ ،‬وللرحى‬
‫ثقاال ‪ ،‬فعليك بالذوبان في رضى الرحمان ‪،‬‬
‫فعن قريب تنحل من عالم التلفيق ‪ ،‬وتلحق بالمنظر األنيق ‪ ،‬الذي هو تحفة الواصلين ‪،‬‬
‫وغاية الطالبين ‪ ،‬وأنس المستوحشين وأمن الخائفين ‪ ،‬وراحة المجتهدين ‪ ،‬ورحمة‬
‫المغتنمين ‪ ،‬ومنية القاصدين ‪ ،‬وسر العارفين ‪ ،‬وعلم العالمين ‪ ،‬وعلم المتسابقين‬
‫وحكمة الحكماء الفاصلين ‪.‬‬

‫وّللا اختراق واحتراق ‪ ،‬وتجرع السموم القاتلة ‪ ،‬ومعانقة الرزايا الشاملة ‪،‬‬
‫يعز ه‬‫ولكن ه‬
‫والتجافي عن الفرش المرفوعة ‪ ،‬والزهد في المنازل الرفيعة ‪ ،‬والمسابقة في األعمال‬
‫‪ ،‬والمسارعة إلى مرضاة الحق ‪ ،‬الذي تنقطع دونها رقاب األجناد من الرجال ‪ ،‬وبذل‬
‫الذخائر النفيسة ‪ ،‬وزوال رياسة هذه النفس الرئيسة ‪ ،‬حينئذ ينال ما ذكرناه ‪ ،‬وتنعم بما‬
‫سطرناه ‪.‬‬
‫نعم يا كعبة الحسن ‪ :‬نفسي الفداء لسر يفهم ما أقول ‪ ،‬ويعلم ما أورده من حقائق‬
‫الوصول ‪.‬‬
‫واحر قلباه من وجد متلف ‪ ،‬ومعنى جليل مشرف ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وا أسفاه على ما لطف من الحال ‪ ،‬وا شوقاه إلى ما ه‬
‫رق من الخيال ‪.‬‬
‫هل من عارف طريف يفهم إشاراتي ؟ !‬
‫هل من واصل عفيف أطلعه على ما وراء ستاراتي ؟ !‬
‫ي ذي ه همة شريف أجعل بين يديه عباراتي ؟ !‬ ‫هل من ذك ه‬
‫القطان ‪ ،‬وخلت األوطان ‪ ،‬فال نادب وال مندوب ‪ ،‬وال طالب وال مطلوب ‪ ،‬هلكت‬ ‫ه‬ ‫راح‬
‫اإلضافات ‪ ،‬وبقيت الخرافات ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫فيها ماج الناس ‪ ،‬وبها عظم الوسواس ‪ .‬فهذا زمان التعوذ واتخاذ التمائم ‪ ،‬وأوان‬
‫الرقى واستعمال العزائم ‪.‬‬
‫قوة وال جمعا ‪،‬‬
‫فإن الرديء قد ط هم ‪ ،‬وبالءه قد ع هم ‪ ،‬اللهم ال نملك ضرا وال نفعا ‪ ،‬وال ه‬
‫أنكر علينا األخبار عنك واإلشارة إليك ‪ ،‬وحسدنا على ما وهبتنا من الحكم ‪ ،‬وأسبغت‬
‫علينا من النعم ‪ ،‬وأرجوك دافعا ومعينا ‪ ،‬وظهيرا وال أرجو سواك ‪.‬‬
‫فأنت مالك األمالك ‪.‬‬

‫فاحفظ يا كعبة الحسن هذه الوسيلة ‪ .‬وكن الحامي لها والوصيلة فإنك تحمد متقلبها ‪،‬‬
‫وتشكر سعيها ومذهبها ‪ .‬ولو بعد حين والحمد هّلل رب العالمين ‪.‬‬

‫وقد أبنت لك في هذه الرسالة من الرموز واألسرار ما إذا تصفحتها تبحرت جداولك ‪،‬‬
‫ّللا إحسانك وال أخلى مكانك‬
‫واتسعت مضايقك ‪ ،‬وطاب عيشك ‪ ،‬واعتز عرشك ‪ ،‬أدام ه‬
‫بمنهه ‪ ،‬ال ربه غيره ‪.‬‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫والسالم المعاد عليك ورحمة ه‬

‫‪ - 6‬الرسالة الفردوسية توسل بها عبد السميع إليها ونزل بها عليها‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫بِ ْ‬
‫من عبد السميع محمد بن علي إلى كعبة الحسن ‪ ،‬وروضة المزن سالم عليك ورحمة‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬‫ه‬
‫ّللا المناجى بكل لسان ‪ ،‬والصالة على سيدنا محمد في كل أوان ‪ ،‬فإن‬ ‫أ هما بعد فالحمد ه‬
‫الراحة والبلوى ‪ ،‬والشكر والشكوى أحوال تعطي بحقائقها الكمال ‪ ،‬وتجعل من قامت‬ ‫ه‬
‫به برزخا بين األنوار والطالل وذلك هو االعتدال الوهمي ‪ ،‬ال أنه الوجود العيني ‪،‬‬
‫فإن الضدهين غير حاصلين في وحيد العين ‪ ،‬ونحن نتكلم في الواحد بما يعطيه الغائب‬
‫والشاهد ‪ ،‬ولكن تستخرج مواليد الحقائق أنفسها من ظلم المشئمة ‪ ،‬وتميز بين صفات‬
‫الميمنة منها ‪ ،‬وبين صفات المشئمة ‪ ،‬وإن اتصفت بالصفتين في وقتين أو محلين ‪،‬‬
‫وليس غير هذين حتى تقيم الحمدين ‪ ،‬وتنطق بالثناءين على رأس النجدين فيقول في‬
‫سرائها ‪ :‬الحمد هّلل المنعم المتفضل ‪،‬‬
‫ه‬
‫وتقول في ضرائها ‪ :‬الحمد هّلل على كل حال ‪ ،‬لكن في زمانين مختلفين ‪ ،‬أو في محلين‬
‫متجاورين ‪ ،‬أو متباينين ‪ ،‬يكونان ملكا تحت حيطتها ‪ ،‬ودائرة على نقطتها ‪.‬‬

‫ي ‪ ،‬وأوقفني منك على‬‫فاعلم يا كعبة الحسن ‪ :‬أن الحق أوصلني فيك إلى مقام إل ه‬
‫موقف إنهي ‪ ،‬لم أطالع فيه سوى الرحمة المطلقة والكرامة ‪ ،‬ولم أعاين فيه غير‬
‫ي اليدان ‪ ،‬والتحمت األباعد باألدان ‪ ،‬وجنى‬‫السرور الذي ال تلحقه ندامة ‪ ،‬وامتدت إل ه‬
‫الجنتين دان ‪ ،‬وانعطف اْلخر على أوله وانتظم األبد بأزله ‪ ،‬ومتى وجد هذه الحالة من‬
‫وجدها ذهب عينه في المحاق ‪ ،‬وانعدم فصله عند هذا االتساق ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ولما رأيت المعرفة بنفسي قائمة ‪ ،‬وكلماتي بالذكر الحكيم ناطقة ‪ ،‬والقلب إلى الوحدانية‬
‫منتهض ‪ ،‬والفؤاد في وسط سبيل اليقين معترض ‪،‬‬
‫والسر بما يجده من العشق ثابت ‪ ،‬وغصن حقيقتي في روضة شرعه نابت والروح‬
‫تواقة إلى االتصال ‪ ،‬والجوارح مستمرة على األعمال ‪ ،‬والوجود متطلع إليها بالمغفرة‬
‫‪ ،‬ووجدها تسعى له باإلحسان والتذكرة ‪ ،‬والحرارة في الكبد تمدها الصبابة فيعلو‬
‫حنينها ‪ ،‬والحياة لم تبق منها هإال صبابة ‪ ،‬حتى ما يكاد يسمع أنينها ‪ ،‬والمضمار قد‬
‫ضمرت له العتاق ‪ ،‬وقد دخلت معهم في السباق ‪،‬‬
‫لما رفعت لها األعالم ‪ ،‬وأيقنت بذهاب األيام ‪ ،‬فحرت في االنسالخ منها ‪ ،‬والنزوح‬
‫عنها ‪ ،‬وهذا سباق ال يصبر عليه هإال رحب اللباب ‪ ،‬واسع النفس خفيف الحاذ ‪ ،‬أشم‬
‫القذال كبير الهمة ‪ ،‬سريع االنتهاض ‪ ،‬زاهد في الخلوة الخضرة راغب في الدار‬
‫اْلخرة ‪.‬‬

‫فبعدما سرد هذا الخبر ‪ ،‬ونظمت هذه الدرر ‪ ،‬قلت قد أبلغت الرسل ‪ ،‬ومهدت السبل ‪،‬‬
‫وأبلغ في األعذار رسول اإلنذار ‪ ،‬ونصبت الدالالت والعالمات ‪ ،‬وأظهرت اْليات‬
‫ي من ألطافه العميمة الوارفة‬
‫ي من النعم الجسيمة ‪ ،‬وأسبغ عل ه‬
‫والكرامات ‪ ،‬بما ظهر عل ه‬
‫الظالل ‪ ،‬النيهرة الليال ‪.‬‬

‫هذا قد جمع لك بين الحسنيين وأعطاك لذة النظرتين ‪ ،‬ومنحك سر الشهوتين ‪ ،‬وأبرز‬
‫لعينك ما سطرته األقالم في األلواح ‪ ،‬وأفادته األجسام لألرواح ‪ ،‬فاشكر فبالشكر تزيد‬
‫سر الحدث والقدم ‪ ،‬قد شهد بعرفانه القدم ‪.‬‬
‫النعم ‪ ،‬وبه ترزأ النقم ‪ ،‬هذا ه‬

‫الغض ‪،‬‬
‫ه‬ ‫وتحققت حقيقة الوجود من العدم ‪ ،‬وتبين لك أن الوجود هو الخير الخالص‬
‫وأن العدم هو الشر المحض ‪.‬‬
‫شر أشد‬‫ي بالء أعظم من فناء العين ‪ ،‬أي ه‬ ‫وكل شر موجود فمشوب بالخير معقود ‪ ،‬أ ه‬
‫من عدم الكون ‪ ،‬ما دام لك في الوجود رسم ‪ ،‬وظهر لك فيه اسم ‪ ،‬فقد أخذت بحظ‬
‫وافر من الخير ‪ ،‬وقد أدرىء عنك ما في مقابلته من الضير فإنك ال تعرف قدر الشيء‬
‫هإال بضدهه ‪ ،‬كما ال تعرف مضاضة وعيده هإال بلذاذة وعده ‪.‬‬

‫فالعالم كله في نعيم ‪ ،‬من كان منه في الجنة ومن كان منه في الجحيم ‪ ،‬نعيما علميا ‪،‬‬
‫سيها ‪ ،‬ودع عنك بعد معرفة هذه الحقائق ما تحمله النفوس من نضج‬ ‫وسرورا عقليا ال ح ه‬
‫الجلود بين أطباق السعير ‪ ،‬واستصراخهم لذلك بالويل والثبور ‪ ،‬فقد حمله السعداء في‬
‫العدوة الدنيا ‪ ،‬وقاسوا منه أعظم بلوى ‪.‬‬
‫هذا حظ النفوس والجسوم ‪ ،‬فأين حظ المعارف والجسوم ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫نحن ما تكلمنا في اإلحساس ‪ ،‬وإنما تكلمنا في رفع االلتباس ‪ ،‬بصحيح القياس ‪ ،‬هذا‬
‫خطيب النعم قد وقف على أعواده ‪ ،‬في محضر إشهاده معتمدا على عصاه ‪ ،‬محرشا‬
‫على من عصاه ‪.‬‬
‫انظر كيف يدل على مواقعها في أوان االضطرار ‪ ،‬وكيف يريك لذاذتها إذا جاءت‬
‫على حكم االختيار ليست الموعظة من الشعر فترمز ‪ ،‬وال من الخطابة فتلغز ‪ ،‬وإنما‬
‫هي من النعم المبسوطة على الدوام ‪ ،‬على ممر الليالي واأليام ‪.‬‬

‫آن ُمبِ ٌ‬
‫ين (‬ ‫كما قال المهيمن العالم ‪َ :‬وما َعلا ْمناهُ ال ِ ه‬
‫ش ْع َر َوما َي ْن َب ِغي لَهُ ِإ ْن ُه َو إِ اال ِذ ْك ٌر َوقُ ْر ٌ‬
‫‪ِ ) 69‬ليُ ْنذ َِر َم ْن كانَ َحيًّا َو َي ِح اق ْالقَ ْو ُل َعلَى ْالكا ِف ِرينَ ( ‪ [) 70‬يس ‪. ] 70 ، 69 :‬‬
‫كيف تصفو األسرار واإلنسان على قدم الغرور ؟ !‬
‫كيف تطرح العالالت وقد جهل المصير ؟ !‬
‫كيف يواصل من يهواه من لم يعر عن هواه ؟ !‬
‫عجبا م همن يستلذ عافية باطنها بالء !‬
‫أو يتنعم براحة غايتها عناء !‬
‫عذب العذاب وال عتاب العتبى ‪ ،‬ووصل الوقت وال القرب في العقبى ‪ ،‬هذا حظ‬
‫أصحاب العاجلة ‪ ،‬الالهية قلوبهم عن اْلجلة ‪ ،‬اختطفتهم عن طريق الهدى أغراضهم ‪،‬‬
‫وتوالت عليهم شكوكهم وأمراضهم ‪ ،‬فبؤس عليهم ال يرتفع ‪،‬‬
‫وروح متوجه نحو الموعظة ال ينتفع ‪ ،‬ومعشوق إن راح لم يرح خياله ‪ ،‬ومحبوب إن‬
‫ذهب لم يذهب مثاله ‪.‬‬
‫فالصبابة به أبدا مقلقلة ‪ ،‬وزفرة وجده في ضلوعه محرقة ‪ ،‬وال بد من الدهر أن يبدي‬
‫حكمه ‪ ،‬ويظهر علمه ‪ ،‬فشت وجمع وجبر وصدع ‪ ،‬وأمل مشتبه انتظر وطمع تحرك‬
‫فاستنظر ‪ ،‬فإ هما بالرجاء وإ هما باليأس ‪ ،‬وكالهما شديد على النفس ‪.‬‬

‫إذا جاد الواهب الوصول على الكبد المحرقة بنار الهوى بنسيم المنح ‪ ،‬انزعجت‬
‫النفوس وظهر عليها الترح ‪ ،‬وإذا تسعر لهيب الطمع بريح الحدس ‪ ،‬همدت من‬
‫المحقق بيقين الهمس ‪ ،‬وإذا جاء الخطاب باليسرى ‪،‬‬
‫ي بالشرى مبطونة‬‫فال تغتر ففي طيهه العسرى ‪ ،‬فإن هذه الدار الدنيا مشوبة هإال ر ه‬
‫الحرب في السلم ‪ ،‬هي نشأة األمشاج ‪ ،‬ودار االمتزاج ‪ ،‬فكيف يتخلص فيها خطاب ‪،‬‬
‫أو كيف يظهر فيها جواب ‪ ،‬لو ظهر لكل عين لما كذهبت الرسل ‪ ،‬ولو الح لكل بصيرة‬
‫سبل ‪ ،‬فال يصفو فيها حبه عن اعتالل ‪،‬‬ ‫لما اختلفت ال ه‬
‫وال صحة عن إخالل ‪ ،‬وال وجد عن فقد ‪ ،‬وال صحبة عن ملل ‪ ،‬وال مساعدة عن‬
‫معاندة ‪ ،‬وال جهد عن فتور ‪ ،‬وال حق عن زور ‪ ،‬وال رجاء عن قنوط ‪ ،‬وال طلوع عن‬
‫هبوط ‪،‬‬
‫آه لعيون قد جمدت ‪ ،‬وخواطر قد سكنت ‪ ،‬ومحاسن قد سمجت ‪ ،‬وسماحة قد عبست ‪،‬‬
‫وعزة قد ذلهت ‪،‬‬
‫ه‬

‫‪182‬‬
‫الخلي » ‪ ،‬ويا ذلهة الفقير جانب ه‬
‫عزة الغني‬ ‫ّ‬ ‫للشجي من‬
‫ّ‬ ‫وحديث أفسده التكرار ‪ « ،‬ويل‬
‫أعول عليه ‪ ،‬وال ركن‬‫‪ ،‬ما للوجد يجرعني كأسه ‪ ،‬ما له تحرقني أنفاسه ‪ ،‬وال معين ه‬
‫يفرج كربا ‪ ،‬أو يبدي‬
‫آوي إليه ‪ ،‬لعله يهيهىء أسبابا ‪ ،‬ويفتح أبوابا ‪ ،‬أو يذلل صعبا ‪ ،‬أو ه‬
‫أمرا ‪ ،‬أو يظهر عذرا ‪.‬‬

‫طالت صحبتي لهذه الباليا ‪ ،‬وعظمت محنتي بهذه الرزايا ‪ ،‬فتاي يؤمن بي وال يسلم ‪،‬‬
‫ي‬
‫فإن وافقته في غرضه أعرض عني ومضى ولم يسلم وهو معي يدا بيد ‪ ،‬أنكر عل ه‬
‫صك وجهي بالقدم ‪ ،‬وما ارعوى عن ذلك وال ندم ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫مسألة العدم ‪ ،‬وقام إلى‬
‫وقال هي مسألة معقولة فال أسلم ‪ ،‬وهكذا أكثر من يدهعي في كمال العلم ‪ ،‬وص هحة‬
‫الحكم ‪ ،‬ال يقبل هإال ما يعطيه فهمه ‪ ،‬وما يبلغه علمه ‪ ،‬فهو مع نفسه لم يبرح ‪ ،‬وعن‬
‫موطنه لم ينزح ‪ ،‬وهل التسليم واالستسالم هإال فيما تمجه النفوس ‪ ،‬ويكاد يرده‬
‫المحسوس ‪،‬‬
‫ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ث ُ ام ال يَ ِجدُوا فِي‬ ‫ولو كان به عليما ‪:‬فَال َو َر ِبه َك ال يُؤْ ِمنُونَ َحتاى يُ َح ِ هك ُم َ‬
‫وك فِيما َ‬
‫س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ً ( ‪ [) 65‬النساء ‪. ] 65 :‬‬ ‫ْت َويُ َ‬ ‫أ َ ْنفُ ِس ِه ْم َح َرجا ً ِم اما قَ َ‬
‫ضي َ‬
‫ي من الغير ‪ ،‬وأحاطت بي من الفكر ‪ ،‬أولياء‬ ‫تاّلل ما غبت بوجهي هإال لما ترادف عل ه‬ ‫ه‬
‫ي إذا‬‫في جلود األفاعي ‪ ،‬وأعداء في صور األحباء ‪ ،‬ما ينفعني صحيح عقدهم ف ه‬
‫قابلوني بالمكروه ‪ ،‬ما عسى يبلغ مني ما أعرفه من احترامهم ‪،‬‬
‫إذا قالوا في مسألة أوردها عليهم فتقصر أفهام بعضهم ‪ ،‬عن إدراكها ‪ ،‬ال يعتقد هذا‬
‫معتوه ‪ ،‬أين هنا االحترام وقد ألحقوني بالحمقى ؟‬
‫أين هنا الصدق وقد وعدوني بالفراق ‪ ،‬وأسكنوني البلقاء ‪ ،‬إن لم آتهم بطائر فأقول لهم‬
‫وإال فال يقربوني ‪.‬‬ ‫هذه العنقاء فيصدهقوني ‪ ،‬ه‬
‫سن الظن بي‬ ‫ي تفهيمهم ‪ ،‬من ح ه‬ ‫ي تعليمهم ‪ ،‬أرسول أنا فيفترض عل ه‬ ‫ي أنا فيجب عل ه‬ ‫أنب ه‬
‫صدق فانتفع ‪ ،‬وإن كنت كاذبا ‪.‬‬
‫ومن أساء الظن بي فليش همر ثوبه ‪ ،‬وليو هل عني هاربا ‪ ،‬حذرا أن تحرقه ناري‪ ،‬ويذهبه‬
‫أواري‪.‬‬
‫ّللا بصيرتك ‪ ،‬وأراك السالمة في رأيك فأخبرني حتى أثبت‬ ‫نور ه‬ ‫يا كعبة الحسن ‪ :‬إذا ه‬
‫نفسي في ديوان الشاكرين ‪ ،‬وأقعد في مجلس الذاكرين ‪ ،‬وأثني عليك في محافل‬
‫المتناظرين فسروري بما يفتح عليك ‪ ،‬وفرحي إنما هو بما ينزل من ربهك إليك‬
‫فتعرض للنفحات ‪ ،‬وتهيهأ للسبحات ‪.‬‬

‫وأنا أتضرع وأسأل وأرغب وأؤمل أن يوطئ لك أكنافه ويمنحك ألطافه ‪ ،‬ويطلعك‬
‫على ودائع القلوب ‪ ،‬ويسري بك في سماوات الغيوب ‪،‬‬
‫حتى تبلغ المنى في حضرة « أو أدنى » فتكون صاحب تدل وتلق ‪،‬‬
‫فإذا نزلت عن االستواء ‪ ،‬وأخبرتني بخلوص الوالء ‪ ،‬وصدق الوفاء ‪ ،‬وحسن المعاملة‬
‫على الصفاء ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫أسر بك فإنك تعرف في ذلك الوقت على الكشف كيف صافيتك ‪،‬‬ ‫حينئذ ّ‬
‫وبأي صفة وافيتك ‪ ،‬وتعثر على حركتي معك التي أنكرتها ‪،‬‬
‫نبي العرفان د ّجال النكر ‪،‬‬
‫وسكنتي عنك التي كفرتها ‪ ،‬وتبدل الكفر بالشكر ‪ ،‬ويقتل ّ‬
‫وتكون عيسوية الظهور مكتنفة بالنور ‪ ،‬صائمة عن المحظور ‪ ،‬موفاة من كل محذور‬
‫‪.‬‬
‫وسرنا بجميل إيابك ‪ ،‬وأظفرنا بطاغية نفسك ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َّللا لنا ما تصعّب من جنابك ‪،‬‬
‫س ّهل ّ‬
‫وأسكنك حضرة قدسك ‪ ،‬ونزهك في حظيرة فردوسك ‪ ،‬وجلهلك بغالئل أنسك ‪.‬‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫بعزته ال ربه غيره ‪ ،‬والسالم عليك ورحمة ه‬‫ه‬

‫سل بها عبد الودود إليها ونزل بها عليها‬ ‫‪ - 7‬الرسالة العذرية تو ّ‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬ ‫الرحْ ِ‬‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫بِ ْ‬
‫من عبد الودود ‪ ،‬محمد بن علي ‪ ،‬إلى كعبة الحسن ‪ ،‬وروضة المزن ‪ ،‬سالم عليك‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫ورحمة ه‬
‫أ ّما بعد ‪.‬‬
‫الحمد هّلل الذي وصف نفسه بحبه عباده ‪ ،‬والصالة على رسوله محمد الذي اتخذه حبيبا‬
‫صه بليلة إشهاده ‪.‬‬ ‫‪ ،‬واصطفاه وخ ه‬
‫فإني أصف حالة عذرية ‪ ،‬وأنوح نياحة قمرية‬
‫فأقول ‪:‬‬
‫آه من الوجد ث ّم آه ‪ ....‬يا ويح نفسي ماذا دهاها‬
‫تيّمها حسن من تعالت ‪ ....‬وزاد عن جفنها كراها‬
‫أتى إلى قلبها هواها ‪ ....‬ولم يكن قبل ذا أتاها‬
‫وعرس الوجد في ذراها‬ ‫ّ‬ ‫وخيّم الشّوق في فناها ‪....‬‬
‫تراها يا عاذلي تسلو ‪ ....‬عن حبّه أو ترى مناها‬
‫دب في حشاها‬ ‫لو عنه ‪ ....‬والسقم قد ّ‬ ‫س ّ‬
‫كيف لها بال ّ‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬ال تسل عن شدهة ما لقيت بعد فراقك من الوبال ‪ ،‬لما غاب الشخص‬
‫وبقي الخيال ‪ ،‬وتدكدكت النفس ليالي األنس واالتصال ‪ ،‬وقد اشتمل عليها الحزن لذلك‬
‫ي اشتمال ‪ ،‬وخالطها الجنون والخبال ‪ ،‬فهام سائحا في بطون األودية ‪ ،‬وفتن الجبال‬ ‫أ ه‬
‫شوقا لذلك الجمال ‪ ،‬وهيمانا في ذلك الدالل ‪.‬‬
‫كم نور أظلمته سبحاتك !‬
‫كم روض أذبلته وجناتك !‬
‫واحر قلباه من قلب لم تؤلمه دواعي األشواق ‪ ،‬وال أنضجته‬ ‫ه‬ ‫كم دم سفكته لحظاتك ‪،‬‬
‫حرارة الفراق إلى متى آسى وتسلو ‪ ،‬إلى كم أشكو وتلهو ؟‬
‫خليلي مهما جئتما على نجد ‪ ....‬فمنا بتبليغ السالم على هند‬ ‫ّ‬
‫وقوال لها رفقا بقلب متيّم ‪ ....‬تركناه بالجرعا يموت من الوجد‬
‫المبرح ما عندي‬
‫ّ‬ ‫البث والشوق‬ ‫ّ‬ ‫فلو كان من أهواه مثلي وعنده ‪ ....‬من‬

‫‪184‬‬
‫لما كنت أخشى أن أموت من النوى ‪ ....‬ألن الذي أهواه مثلي في الو ّد‬
‫ولكني آسي ويسلو وأشتكي ‪ ....‬ويلهو فمن للحب إن متّ من بعد‬
‫يتدكدكت النفس أيهاما سلفت فهامت فتلفت ‪.‬‬
‫ه‬
‫البث ‪ ،‬والبث إذا صاحبه‬ ‫أما علمت يا كعبة الحسن بأن المحبة المفرطة إذا مدهها‬
‫التهوقان ‪ ،‬والتوقان إذا خالطه الهيمان ‪ ،‬والهيمان إذا مازجه االرتياع ‪ ،‬واالرتياع إذا‬
‫طمع فخانته األطماع يذوب لها الفؤاد ‪ ،‬ويذهب لها السواد ويتصدع لها الجماد ‪،‬‬
‫وتنفطر لها السبع الشداد ‪.‬‬

‫ي محبوب يا كعبة الحسن‬ ‫والمحبة على قدر المحبوب ‪ ،‬والطلب على قدر المطلوب وأ ه‬
‫يعادلك ‪ ،‬وأي مطلوب يا قرة العين يماثلك‪.‬‬
‫بلواك أعظم من أن تحمل ‪ ،‬وداؤك أعضل من أن يؤسى ‪،‬‬
‫ي منك كتيبة خرساء ‪ ،‬فسبت الحريم ‪ ،‬وقتلت‬ ‫ذهبت منك بداهية دهياء ‪ ،‬وغارت عل ه‬
‫النديم ‪ ،‬وفرقت الحميم من الحميم ‪ ،‬وأذهبت النعيم ‪ ،‬وأضرمت نار الجحيم ‪ ،‬ولساني‬
‫عليك في هذا كله بالشكر ناطق ‪ ،‬وبالثناء موافق ‪،‬‬
‫وكيف ال أشكر وهذا كان مرادك ‪ ،‬وكيف ال أثني وهؤالء هم أجنادك ‪ ،‬ومن أنا وما‬
‫ي ‪ ،‬فتذيب العظم والشحم ‪،‬‬ ‫ي ‪ ،‬وتنزل بأجناد بالئك عل ه‬‫خطري حتى تصرف همتك إل ه‬
‫وتذهب الدم واللحم ‪،‬‬
‫وتفني المهجة التي قد هيّمت في حسنك ‪ ،‬وتذبل الروضة التي قد أينعت بعيون مزنك‬
‫وّللا ما تعرضت لهذه البلية ‪ ،‬وال تطاولت حلول هذه الرزيهة ‪ ،‬فاجزع من مضاضة‬ ‫‪ ،‬ه‬
‫فراقك ‪ ،‬واجرع كؤوس مرارة أشواقك ‪،‬‬
‫ولكنه كان عن أمرك فبادرت امتثاله ‪ ،‬وأقبل به رسولك عن مسرة منك فسررت‬
‫لسرورك بإقباله ‪،‬‬
‫وقال نفذ األمر المطاع ‪ ،‬من األمر الذي ال يستطاع ‪ ،‬بالرحلة عن هذه البقاع ‪ ،‬إلى‬
‫الشعاب الموحشة واليفاع ‪ ،‬فتجردنا في حندس الليل الدهاج ‪ ،‬وأسرعنا في اإلدالج ‪ ،‬فما‬
‫قاربت الغزالة الزوال ‪،‬‬
‫هإال والحال قد داخله االعتدال ‪ ،‬والجسم قد خالطه االنسالل ‪ ،‬والعقل قد مازجه الخبال‬
‫بالتنزه في محاسن ذلك الجمال ‪ ،‬يا‬‫ه‬ ‫ي شباب تلك األيام والليال ‪ ،‬وأقر عيني‬ ‫‪ ،‬ر هد ه‬
‫ّللا عل ه‬
‫شر حياتي إن لم أرك قبل الموت ‪.‬‬ ‫طول حزني على الفوت ‪ ،‬ويا ه‬
‫وّللا ما كنت فيك محسودا ‪ ،‬ومن أجلك مقصودا ‪ ،‬واليوم فقد ألحفت بالحاسدين ‪،‬‬ ‫طال ه‬
‫وحرمت السير مع القاصدين ‪.‬‬
‫أخبرني رسول الوداد الذي بيني وبينك أنك عنهي سالية ‪ ،‬وديارك من محبتي خالية ‪،‬‬
‫على عروشها خاوية ‪ ،‬ال أحضر لك في جنان ‪ ،‬وال أخطر لك في لسان ‪ ،‬وال أتمثهل‬
‫لك في خيال ‪ ،‬وال أجري لك على بال ‪،‬‬
‫قرة العين أني قد قطعت المألوفات ‪ ،‬وتركت المستحسنات ‪ ،‬وقصدتك من‬ ‫وقد علمت يا ه‬
‫دون العالم أجمع ‪ ،‬وخيهمت بفنائك ألخصب وأربع ‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫ورغبت في سلم األعداء رغبة في جوارك ‪ ،‬وأعطيت الرشوة الرقباء ليسمحوا لي في‬
‫دنو مزارك ‪.‬‬
‫ه‬
‫سري ‪ ،‬كان نعيمي بك طيهبا فكدهرته ‪،‬‬
‫وأنت تأنف عن ذكري ‪ ،‬وتتوقف عن مالحظة ه‬
‫وكان سربك مطلقا فأسرته ‪ ،‬فقلت هذا كله إليثاري إياك على كل مصحوب ‪ ،‬وتقديمي‬
‫إيهاك على كل محبوب ‪ ،‬وحملي عظيم بالئك ‪ ،‬وجهدي في بلوغ رضاك ‪ ،‬لم أزل بين‬
‫يديك منتصبا ‪ ،‬أضرع إليك منتحبا ‪.‬‬

‫أشكو منك إليك ‪ ،‬وأتماوت لك عليك ‪ ،‬وأصعق عند رؤيتك وأفرق عند زورتك ‪ .‬يا‬
‫قلبا تقلهب على جمر الغضا ‪ ،‬أترى يعود إليك محبوبك بالرضا ‪ ،‬يا نفسا غرقت في‬
‫بحر األسى ‪ ،‬تعللي بذكره لع هل وعسى ‪ ،‬فربما يمسي عندك معرسا ‪.‬‬
‫زودتنيها ليتها ما كانت ‪ ،‬يا حسرة أورثتنيها ليتها لو زالت ‪.‬‬
‫يا نظرة ه‬

‫ور هد القال الذي هو لسان الزمان ‪ ،‬أو أوان الوصال قد آن ‪ ،‬وقد جاءت الرواحل‬
‫بالبشائر ‪ ،‬وانتظمت القبائل والعشائر ‪.‬‬
‫فديتك يا كعبة الحسن ‪ :‬أال تصغي لشرح حالي معك ‪ ،‬ال قالك ربهي وال ودهعك ‪ ،‬لم‬
‫ي ُك ال يَ ْو ٍم ُه َو فِي شَأ ْ ٍن[الرحمن‪]29:‬‬‫أزل منك في كل لحظة وأوان ‪ ،‬في وصف إله ه‬
‫الن ( ‪ [) 31‬الرحمن ‪، ] 31 :‬‬‫غ لَ ُك ْم أَيُّهَ الثاقَ ِ‬
‫سنَ ْف ُر ُ‬
‫َ‬

‫كلما ظهرت لي منك آية ‪ ،‬أعقبتها عماية ‪ ،‬ومتى تحققت منك صفاء تاله كدر ‪.‬‬
‫تشرب ريا بشربي والهوى سبب ‪ ...‬ألن أذوق فيه الصاب والعسال‬
‫كيف يبقى جسم قد أنضجت كبده حرارة االشتياق ‪ ،‬وغشيت عيناه من البكا حذر‬
‫الفراق ‪ ،‬في أيام التالق والعناق ‪،‬‬
‫وّللا‬
‫إن باح خاف من الوشاة ‪ ،‬وأن كتم هلك بتوالي الحسرات والزفرات ‪ ،‬فال أدري ه‬
‫في أي واد أهيم ‪ ،‬وال على أي حالة أحوم ‪ ،‬كلما باسطتك انقبضت ‪ ،‬وكلما أقبلت عليك‬
‫أعرضت ‪ ،‬أطلب أبلغ رضاك ‪،‬‬
‫وال أنظر لجهلي بقضاك ‪ ،‬أموري كلها بالباليا معروفة ‪ ،‬وعلى الرزايا موقوفة ‪ ،‬أما‬
‫تحن أما ترني ‪ ،‬أما تنظر من حزني وبثي ‪.‬‬ ‫ه‬
‫فأنا ماثل بين يديك ‪ ،‬ناظر بعين الذلهة والمسكنة إليك ‪ ،‬حيران ال دين لي ‪ ،‬ولهان ال‬
‫عقل لي ‪ ،‬مبهوت بال نفس ‪ ،‬عين تجود ‪ ،‬وحزن جديد ال يبلى وال يبيد ‪ ،‬وأخ غير‬
‫مساعد وال موافق ‪ ،‬وليل ال صبح له ‪،‬‬
‫وال قائل يقول ‪:‬‬
‫عسى الكرب الذي أمسيت فيه ‪ ....‬يكون وراءه فرج قريب ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫"" قال البيت هدبة بن الخشرم في الحبس بعد قتله ابن عمه زيادة بن زيد العذري في‬
‫أيام معاوية فحبسه سعيد بن العاص وهو على المدينة خمس سنين ‪ ،‬ثم قتله ابن‬
‫المقتول عام ‪ 54‬هـ أخذًا منه بثأر أبيه‪.‬‬
‫عسى الكرب الذي أمسيت فيه ‪ ...‬يكون وراءه فرج قريب‬
‫فيأمن خائف ويفك عان ‪ ...‬ويأتي أهله النائي الغريب ""‪.‬‬

‫باّلل من‬
‫وال نسيم وصل يهبه ‪ ،‬وهذا كله ليس منك فأنسبك إلى الظلم والجور ‪ ،‬فنعوذ ه‬
‫الحور بعد الكور ‪ ،‬وإنما هو منهي لمخالفتي أمرك ‪ ،‬ونظري إلى غيرك ‪ ،‬فجهلت عيبي‬
‫‪ ،‬فما استغفرت من ذنبي ‪،‬‬
‫المقرب‬
‫ه‬ ‫س هم ‪ ،‬فأحسب أني‬
‫وأنت تستدرجني من حيث ال أعلم ‪ ،‬وتمزج لي العسل بال ه‬
‫المشهود ‪ ،‬وأنا الطريد المبعود ‪ ،‬وأتخيهل أني الموصول ‪ ،‬وأنا بسهم الهجر مقتول ‪،‬‬
‫هجرت اسمي بكنيتي ‪ ،‬فتخيهلت أن ذلك لمكنتي ‪،‬‬
‫ي وكان ذلك عن الطرد ‪ ،‬وبيهضت جهي‬ ‫فقلت لي يا سيدي وأنا العبد ‪ ،‬وتمثلت بين يد ه‬
‫حين توجتني ‪ ،‬ولم أدر أن ذلك البياض سواد ‪،‬‬
‫إذ كنت قد استدرجتني وكلما رمت أن أنصح نفسي لم تقبل النصح وتقول ‪ :‬ما أسوأ‬
‫ظنك ‪.‬‬
‫ألست تدري أن ذكر الجفا في موطن الصفا جفا ‪ ،‬أليست هذه كراماته عليه مترادفة ‪،‬‬
‫ي بهذه البراهين الساطعة ‪ ،‬واألدلة القاطعة‬ ‫ومطالعاته عليك متضاعفة ‪ ،‬فإذا قامت عل ه‬
‫‪ ،‬انخدعت لبرهانها ‪،‬‬
‫ومرحت في ميدانها ‪ ،‬ولم أنظر إلى شر المذهب ‪ ،‬وسوء المنقلب ‪ ،‬إذا بلغت النفس‬
‫التراق ‪ ،‬وقيل من راق ‪ ،‬والتفهت الساق بالساق ‪.‬‬

‫وزلزلت أرض الجسوم زلزالها ‪ ،‬وبان للنفس ما عليها وما لها ‪ ،‬وزلت بها القدم ‪،‬‬
‫حينئذ تندم وال ينفعها الندم ‪ ،‬يا نفس ال يغرنهك هذا البلد األمين ‪ ،‬وال كمدك الذي ال‬
‫يبين ‪،‬‬

‫واطلبي مشربا آخر عذب العاقبة معصوبا من السهام الصائبة ‪ ،‬والحظ مالحظة حكيم‬
‫‪ ،‬في ربه منعم عظيم ‪ ،‬أليس من أعطاك مما وهب فقد صيهرك قربته ‪ ،‬أليس من‬
‫أطلعك على سره فقد أ ههلك لمؤانسته ‪ ،‬أليس من اختصك باالطالع على حرمه فقد‬
‫ارتضاك إلى مسامرته ‪.‬‬

‫يا روحي ليس األمر كما بدا ‪ ،‬وقد تأتي الضاللة في صورة الهدى ‪ ،‬الحق وراء ذلك‬
‫كله ومعه ‪ ،‬كالشخص مع ظله فلن يدعه ‪.‬‬
‫أين من يتطاول إليه بهمه ؟‪،‬‬
‫لقوة عزمه ؟‬
‫أين من يقصده ه‬

‫‪187‬‬
‫أين من يريد الظفر بمنيته ؟‬
‫أين من يطلب الوصول إلى بغيته ‪ ،‬هذه األعالم مرفوعة ‪ ،‬واْليات منصوبة موضوعة‬
‫ي بما قاله فصيح ‪،‬‬ ‫‪ ،‬والنبأ صحيح ‪ ،‬والنب ه‬
‫آه لظاهر صاحبه العيب ‪ ،‬ولباطن حشره ريب ‪ ،‬وعين نوامة معروفة باألحالم ‪ ،‬وقلب‬
‫ملتذ بعوافي اْلالم ‪ ،‬ونفس متبعة عند األغراض ‪ ،‬وهوى يلجأ إليه لرفع مرض‬
‫الحاجات ‪ ،‬وقساوة نيطت بالفؤاد ‪ ،‬فألفها الجفا ‪،‬‬
‫ودين هجر بعادة سوء استمرت فدرس رسمه وعفا ‪ ،‬وإصرار ثابت غابت عنه أعالم‬
‫الشفا ‪ ،‬وعلم رفيع شابه البال ‪ ،‬فطوبى لمن ناح على فائته وبكى ‪ ،‬والزم باب من‬
‫سيرده عليه فحن وشكا ‪ .‬هذا أوان شق الجيوب ‪ ،‬وضرب الخدود ‪ ،‬وإقامة المآتم‬
‫والمنائح ‪ ،‬فهذا هو الرزء الفادح ‪.‬‬

‫يا كعبة الحسن ‪ :‬أما تراني أدير لك الدور على الدور ‪ ،‬وأعطف لك الكور على الكور‬
‫السر بعد السر ‪ ،‬وأوضح لك الرمز بعد‬
‫ه‬ ‫‪ ،‬وأرفع عنك الستر بعد الستر ‪ ،‬وأكشف لك‬
‫الرمز ‪ ،‬وأنتقل لك من صفة إلى صفة ‪.‬‬

‫فعلي معك فعل ربي معي ‪ ،‬وأنا ال أسمع ‪ ،‬فإذا سمعت فال أعي ‪ ،‬اشتد وجعي لما دخل‬
‫ي المتكلم والسامع يختصمان ‪ ،‬وكالهما يشكوان صدق الوجد ويعلنان ‪ ،‬وقد احتاط‬ ‫عل ه‬
‫السامع واسترسل القائل فذكر المنع والعطا ‪،‬‬
‫فسأالني الحكم بينهما على السوا ‪ ،‬فأبرزت السلو ‪ ،‬قد اعرورى ظهر الغدر وامتطاه ‪،‬‬
‫وأبرزت الشوق فجال في ميدان الذل ‪ ،‬وم هد خطاه ‪ ،‬فتنزه السلو ‪ ،‬وتدنس الشوق ‪،‬‬
‫وذلت حقيقة الصمت تحت سلطان النطق ‪ ،‬وأمرت حاكم الشريعة والحقيقة فقاما بينهما‬
‫مسدهدين حكمين عدلين ‪.‬‬

‫فكانت الحقيقة األول واْلخر وكانت الشريعة الوسط فتميز الباطن من الظاهر ‪،‬‬
‫وعرف اليقين بالريب ‪ ،‬والشهود بالغيب ‪ ،‬فحكما بالفناء والبقاء في الفريقين ونصبا‬
‫لهما العلم والعمل طريقين ‪ ،‬فسلكا عليهما علما ووهما ويقظة ونوما ‪.‬‬

‫ّللا حكمة قد رفعت عنك حجابها ‪ ،‬ومددت لك أسبابها ‪ ،‬وأقمت لك‬ ‫فتأ همل عافاك ه‬
‫أعالمها ‪ ،‬فابحث عليها فيها ‪ ،‬وانظر معانيها في مغانيها ‪ ،‬فإن الغريب إنما يطلب في‬
‫الغربة ‪ ،‬فإن شددت على نفسك مئزر الحذر ‪،‬‬
‫وأمعنت فيما أورده عليك صحيح النظر ‪ ،‬كنت المحرر من رق الكون ‪ ،‬والمثبوت في‬
‫سرت ما كان عسرا ‪،‬‬ ‫مشاهدة العين ‪ ،‬وجبرت كسرا ‪ ،‬وي ه‬
‫ال زالت قطوف الوصال دانية وجنهات األلفة عالية ‪ ،‬وال أذكرنا األيام الخالية ‪ ،‬فإنها‬
‫الحسرة الباقية ‪.‬‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫والسالم المعاد عليك ورحمة ه‬

‫‪188‬‬
‫سل بها عبد القادر إليها ونزل بها عليها‬ ‫‪ - 8‬الرسالة الوجودية تو ّ‬
‫الر ِح ِيم‬
‫من ه‬ ‫الرحْ ِ‬
‫َّللا ه‬
‫س ِم ه ِ‬
‫ِب ْ‬
‫من عبد القادر محمد بن علي إلى كعبة الحسن وروضة المزن ‪ .‬سالم عليك ورحمة‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬‫ه‬
‫أ ّما بعد ‪.‬‬
‫ّللا الذي ألهم وعلهم ما لم أكن به عليما ‪ ،‬وأصلهي على من أوتي جوامع‬ ‫فإني أحمد إليك ه‬
‫الكلم وأسلهم تسليما ‪.‬‬
‫أ ّما بعد ‪:‬‬
‫فإن العلم أشرف موهوب ‪ ،‬وأج هل مطلوب ‪ ،‬وأعظم مصحوب ‪ ،‬وإن كان شرفه بشرف‬
‫معلومه ‪ ،‬ورونقه البديع في حسن تفهيمه ‪.‬‬
‫فالشرف بالض هد معروف ‪ ،‬وبالنسبة إلى النقيض موصوف ‪ .‬فأشرف العلوم مرتبة ‪،‬‬
‫وأعظم المعارف منزلة معرفة النفس والرب ‪ ،‬فإنها تؤدي إلى القرب ‪ ،‬لحقيقة الصورة‬
‫والمثل ‪ ،‬المتعالي عن الشكل ‪ ،‬ولكن إعالم وإبهام ‪.‬‬
‫وسرك سرياني ‪ ،‬فاسمع الرمز السرياني ألفك نازلة‬ ‫ه‬ ‫يا كعبة الحسن ‪ :‬معناك ربهاني ‪،‬‬
‫إليك ‪ ،‬وميمك نازلة منك عليك ‪ ،‬وأنت بينهما تأخذين وتعطين ‪ ،‬فهل تصيبين أو‬
‫تخطئين ‪ ،‬فمن تلقى منك كما تلقيت كان ممن قابل البيت بالبيت ‪.‬‬
‫ما أشرفك يا واسطة العقد ‪.‬‬
‫ما أكرمك يا خاتمة العقد ‪.‬‬
‫واحر قلباه ‪ ،‬وا ثكاله ‪ .‬وهبت العالم الطريق إليك ‪ ،‬فباعوك‬ ‫ه‬ ‫آه يا كعبة الحسن ‪:‬‬
‫باإلعراض عنك ‪.‬‬
‫ليس الشقي كل الشقي من زلهت قدمه عن الطريق ‪ ،‬فإنه قد كان فيه فز هل وإنما الشقي‬
‫كل الشقي من ض هل عن الطريق ابتداء ولم يزل ‪.‬‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬إذا أشرقت اْلفاق بالنور الالمع ‪ ،‬وصلصلت األلحان للسامع ‪ ،‬طلبت‬
‫األرواح المعراج ‪ ،‬وهبهت باالنزعاج ‪ ،‬فزلزلت الهياكل األرضية وتداخلت الحركات‬
‫العلوية ‪.‬‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬أنت األولى فأين ثانيك ‪ ،‬انظري إليه فإنه في مبانيك ‪ ،‬ومدرج في‬
‫معانيك ‪ ،‬إذا انفعل عنك وظهر عينه ‪ ،‬والح لعينك بينك وبينه ‪ ،‬فأفيضي عليه من‬
‫ونزهيه في جمال سبحاتك ‪ ،‬فستلوح بين فيضك وقبوله أنوار‬ ‫أنوار غيب ذاتك ‪ ،‬ه‬
‫األشكال واألمثال فتلك األعراس اإللهية المستورة في الجالل ‪.‬‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬احذري النار المركبة على هذا المركب ‪.‬‬
‫العز ‪ .‬فال يقوم تركيب هإال بح هل تركيب‬ ‫يا كعبة الحسن ‪ :‬ح هل الرمز ‪ ،‬فقد جاءت دولة ه‬
‫سره ‪ ،‬ل هما ذبحت البقرة قام الميت بحياتها من قبره ‪.‬‬ ‫‪ ،‬انظري في ه‬
‫يا كعبة الحسن ‪ :‬اإلعالم قبل اإللهام ‪ ،‬ور هد الرسول من جنابك برقعة من غدا في‬
‫إهابك ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫فقلت ‪ :‬يا للعجب ! ركن مخلهق وإهاب ه‬
‫ممزق ‪ .‬حالة متناقضة اإلحكام فقال الرسول ال‬
‫تفعل هو إعالم ‪ ،‬بأوان اإلحرام ‪ ،‬فتذكرت الشيبي في قصة ‪ ،‬وجاءني األمر من قصه‬
‫فسأله عن الحال المعلوم ‪ ،‬وما بقي من محاسن الرسوم ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬إن الزهو قد شمل الشمائل ‪ ،‬وإن السعدان عشب الخمائل ‪ ،‬مرت الخميلة‬
‫وزهرها ‪ ،‬ومارت السماء وزهرها ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬لعل تجلى مكان الخشوع ‪ ،‬أو عساها بارقة لموع ؟ !‬
‫فقال ‪ :‬ال والحب هإال أن ورود الربيع أزهر ‪ ،‬وليل السرور أقمر ‪ .‬فخرج الطائعون ‪.‬‬

‫يا كعبة الحسن ‪ :‬للفرج ‪ ،‬وبقيت معطلة العشار فأدركها الحرج ‪،‬‬
‫وقالت ‪ :‬عرفت من أين ذهبت ‪ ،‬وعلمت من حيث أوتيت ‪ ،‬ما هو هإال ذلك الدهعي في‬
‫حبهي ‪ ،‬والشهي في قربي ‪ ،‬آثر البهار على النرجس ‪ ،‬وغاب عن صحيفة المتلمس ‪.‬‬

‫أما عرف كيدي ‪ ،‬أما تحقق أنه صيدي ‪ ،‬متى وقع السراح ‪ ،‬متى ملك المفتاح ‪ .‬ألم‬
‫يعلم بأني العراقية الحجازية ‪ ،‬والحقيقة المجازية ‪ ،‬لئن وقعت عيني عليه ‪ ،‬ال جعلته‬
‫مثال في السائرين ومثلة للناظرين ‪ ،‬وخبرا للمسافرين ‪.‬‬
‫هيهات اغتر بجنابي وعطفي ‪ ،‬وانخدع بإحساني ولطفي ما علم أن البطش شديد ‪ ،‬ما‬
‫تحقق أنه في لبس من خلق جديد ‪،‬‬
‫فقلت للرسول ‪ :‬وقد ورد على آخر الفصول ‪ .‬ما هلك امرؤ عرف قدره ‪ .‬سلهم عليها ‪،‬‬
‫وبلهغ ما أرسلك به إليها ‪.‬‬
‫عز وجودك ‪ ،‬وبأخذي ظهر جودك ‪ ،‬أنشأت ذاتك بيدي ‪،‬‬ ‫يا كعبة الحسن ‪ :‬بي ه‬
‫ي أخدم بابك ‪،‬‬ ‫وأوصيت بك ولدي ‪ ،‬وتغربت إليك من بلدي ‪ ،‬وجعلتك سلطانة ‪ ،‬عل ه‬
‫وألزم ركابك ‪ ،‬وأقبهل كل يوم يمينك ‪.‬‬
‫وتحولي‬
‫ه‬ ‫وأنت الثلث اْلخر من الليل لتنزلي ‪ ،‬وأنت الشوق الجناني لتشكلي في الصور‬
‫‪ ،‬غبت عن كونك محال ‪.‬‬
‫ي حيدك عن المعرفة ‪،‬‬ ‫يا محل التحجير والمنع ‪ ،‬يا حضرة القدوم والرفع ‪ ،‬ه‬
‫عز عل ه‬
‫وجهلك بالنكتة المعرفة ‪.‬‬
‫أين حجري من حجرك ‪ .‬أين يميني من يمينك ‪ ،‬أين مقامي من مقامك ‪ .‬يا نشأة جماد‬
‫قامت على مهاد ‪.‬‬
‫أغرك مني أن حبّك قاتلي ‪ ...‬وأنك مهما تأمري القلب يفعل‬ ‫ّ‬
‫"من معلقة امرؤ القيس"‬
‫بعثت إليك بكتاب فناء واتحاد ‪ ،‬وحديث طيب غير معاد فلم تطيبي به نفسا ‪،‬‬
‫وال رفعت به رأسا ‪ ،‬ما ناديت أذنا صماء ‪ ،‬وال أبرزت رقوما لمقلة عمياء ‪ ،‬ما رأيت‬
‫لهذه الواقعة الشنعاء ‪ ،‬سوى إظهار األختين بالطائف وبإقليم صنعاء ‪،‬‬

‫‪190‬‬
‫وليس ذلك عن كفر بعد إيمان ‪ ،‬وال عن شبهة بعد برهان ‪ ،‬ولكن معاملة بسريان‬
‫المعبود في الوجود ‪ ،‬وتصديق كالمه ‪َ :‬وقَضى َرب َُّك أ َ اال ت َ ْعبُدُوا إِ اال ِإيااهُ[ اإلسراء ‪] 23 :‬‬
‫لنفي الجحود ‪.‬‬
‫وهنا بهذه اإلشارة انتهت الرسالة ‪.‬‬
‫ّللا وبركاته ‪.‬‬
‫والسالم عليك ورحمة ه‬

‫سماعات الكتاب‬
‫السماع األول ‪:‬‬
‫سمع جميع ( تاج الرسائل ) على منشئها الشيخ اإلمام العامل العالم األوحد الزاهد‬
‫ّللا محمد بن علي‬‫الورع األرشد شيخ العارفين ‪ ،‬وقدوة المحققين محيي الدين أبي عبد ه‬
‫ّللا عنه ‪.‬‬
‫بن محمد العربي الحاتمي الطائي رضي ه‬
‫ّللا الحبشي‬
‫ّللا بدر بن عبد ه‬
‫الشيخ األجل الكبير المحترم الزاهد الورع أبو بدر عبد ه‬
‫ّللا ‪.‬‬
‫الحراني رحمه ه‬
‫ه‬ ‫عتيق أبي الغنائم بن أبي الفتوح‬
‫ّللا محمد بن قمر بن كوكبري‬ ‫والفقيه اإلمام العالم العامل األوحد سيف الدين أبو عبد ه‬
‫البغدادي‪.‬‬
‫ّللا تعالى إسماعيل محمد بن يوسف األنصاري ‪.‬‬ ‫بقراءة العبد الفقير إلى ه‬
‫ّللا تعالى في العشر األول من شعبان‬ ‫وكان السماع بمنزل سيدنا اإلمام بملطية حرمها ه‬
‫من سنة ثالث عشرة وستمائة والحمد هّلل وحده والصالة على محمد النبي وآله ‪.‬‬

‫السماع الثاني ‪:‬‬


‫سمع ‪ ،‬جميع هذا الكتاب ‪ ،‬وهو ( تاج الرسائل ) على مصنفه الشيخ اإلمام العالم‬
‫ّللا محمد بن علي بن محمد بن العربي‬ ‫األوحد العارف العالمة محيي الدين أبي عبد ه‬
‫ّللا الجنة‬
‫الطائي أثابه ه‬
‫بقراءة اإلمام شمس الدين أبي الحسن علي بن المظفهر بن العالم النشبي الفقهال وعبد‬
‫ّللا ابن الحسين بن إبراهيم األربيلي ‪ -‬وأبو المعالي عبد العزيز بن عبد القوي بن‬
‫ه‬
‫ّللا بن أبي‬
‫ّللا محمد بن يوسف البرزالي ‪ ،‬وأبو الفتح نصر ه‬ ‫الجباب السعدي ‪ ،‬وأبو عبد ه‬
‫ّللا‬
‫العز بن أبي طالب الشيباني ‪ ،‬وأبو طاهر إسماعيل بن سودكين النوري ‪ ،‬وأبو عبد ه‬
‫محمد بن بريقش المعظمي ‪ ،‬وإبراهيم بن محمد بن محمد ‪ ،‬وعلي بن أحمد بن علي‬
‫القرطبي ‪ ،‬ويوسف بن محمد بن عبد العزيز ‪ ،‬ومحمد بن أحمد بن أبي عيسى‬
‫المابرقيان ‪ ،‬والخطيب يعقوب بن معاذ بن عبد الرحمن الوربي ‪ ،‬وأبو سعد محمد بن‬
‫المصنف ‪ ،‬وأحمد بن موسى بن حسين التركماني ‪ ،‬وحسين بن محمد بن علي‬
‫الموصلي ‪ ،‬ومحمد بن إلياس بن الخضر النصيبي ‪ ،‬ويونس بن عثمان بن أبي القاسم‬
‫الدمشقي ‪.‬‬
‫وكاتب السماع ‪ :‬إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز القرشي ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫وسمع من موضع اسمه إلى آخر الكتاب أبو المعالي محمد بن المصنف وذلك في‬
‫العشرين من محرم سنة ثالث وثالثين وستمائة بمنزل المسمع بدمشق ‪.‬‬
‫ّللا على محمد وآله وصحبه ‪.‬‬
‫والحمد هّلل وحد ‪ ،‬وصلى ه‬
‫*‬
‫تم بحمد هللا رب العالمين‬
‫عبد هللا المسافر باهلل‬

‫‪192‬‬

You might also like