Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
1
الشجرة النعمانية بشرح صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي
2
ّللا عليه وسلم « :إنّها حق فادرسوها ثم تعلموها » ّللا صلى ه قال رسول ه
ّللا عليه وسلم
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .وقال صلى ه
فيما رواه اإلمام أحمد وغيره عن مكحول مرسال « :من أخلص ّّلل أربعين يوما
تفجرت ينابيع الحكمة من فمه وعلى لسانه »
التصوف اإلسالمي التي نقوم بتحقيقها وتنقيحها ه .وبعد ففي إطار مجموعة كتب
وتصحيحها ونشرها بأبهى حلهة خدمة للركن الثالث أركان الدين اإلسالمي الكامل الذي
هو اإلحسان ؛ مقام التربية والسلوك إلى ملك الملكوت وعالم الغيوب مقام :
ّللا كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ». « أن تعبد ه
للقراء كتاب ( الشجرة النعمانية ) للشيخ األكبر محيي الدين بن العربي الحاتمي نقدم ّ
ّللا تعالى ونفعنا بعلومه وأسراره ،وشرحه لتلميذه الشيخ صدر الدين القونوي . رحمه ه
ألفها في الدولة العثمانية وذكر فيها ما يكون فيها وفي غيرها من أخبار وأحداث كونية
طبيعية وسياسية وتحدث عن ظهور اإلمام المهدي في آخر الزمان .
وبين الشيخ األكبر محور موضوعات كتابه بقوله :
« موضوع هذا العلم الداللة على قدرة الباري ج هل وعال لكونه من جملة العلوم الباعثة
عن أسرار القدر بما يشير إليه من الودائع المخزونة في كنوز الحروف التي عليها
ّللا تعالى لفهم تلك الرموز الحرفية ،عرف جميع األصول الجفرية المدار ،فمن وفقه ه
المرتبطة بدالالت االقترانات الفلكية ،المسلطة على أقطار الدائرة الكونية وحصول
تأثيراتها في أركان الدائرة بالحوادث والوقائع المؤثرة في أحايينها وأناتها كائنة ما
كانت » .
ويلي الكتاب مجموعة كتب صغيرة للشيخ األكبر نفسه وهي على الترتيب التالي :
كتاب ( شق الحبيب بعلم الغيب ) ذكر فيه ما يحتاجه طالب معرفة العالم الكبير
وأسرار علم الغيب بكن ويكون .
وكتاب ( منزل المنازل الفهوانية ) تكلم فيه عن المنازل الروحية خالل عروجها من
قوالبها الظلمانية السفلى إلى السماوات العلى .
وكتاب ( المقصد األسمى في اإلشارات ) تكلم فيه على ما وقع في القرآن الكريم من
األسماء والكنايات بلسان الشريعة والحقيقة .
وكتاب ( العظمة ) تكلم فيه عن أسرار حضرات روحية يتحقق بها السالكون العارفون
باّلل تعالى ،ومدار جميعها على تجلي أنوار العظمة اإللهية ، ه
وكتاب ( تاج الرسائل ومنهاج الوسائل ) تحدث فيه عن المعاني اإللهية المودعة في
المشرفة .
ه المعاني الروحانية التي جرت بينه وبين الكعبة
وم هما ال شك فيه أن كتب التصوف اإلسالمي تساعد المريد على االطالع على األحوال
ّللا تعالى ،
يمر بها السالك إلى ه
والمقامات ،التي ه
كما يطلع على الحكم والقواعد الصوفية ،التي يستلهم منها كيفية التحقق بأحكام مقام
:وا ْعبُ ْداإلسالم وأنوار مقام اإليمان ،وأسرار مقام اإلحسان ،وصوال إلى قوله تعالى َ
َرب َاك َحتاى يَأْتِيَ َك ْاليَ ِقي ُن ( [) 99الحجر . ] 99 :
3
كل ذلك بإشراف ورعاية وتربية شيخه العالم بأمراض النفوس والقلوب ؛ وباألدوية
الشافية له من هذه األمراض .
ّللا عليه وسلم علوم وأسرار مقامات الدين الثالث ؛ اإلسالم ألنه ورث عن النبي صلى ه
واإليمان واإلحسان ،الشريعة والطريقة والحقيقة ؛ الملك والملكوت والجبروت ،
ّللا عليه وسلم « :العلماء ورثة األنبياء » . مصداقا لقوله صلى ه
ّللا عليه وسلم « :إن هذا العلم دين فانظروا ع همن تأخذون دينكم » . و قوله صلى ه
ّللا تعالى أن ينفعنا والمسلمين بما في هذه الكتب من الحب واإلخالص ونرجو ه
ّللا عليه والصدق واليقين ،ومن أنوار أسرار ما تعبدنا هّلل به على لسان نبيهه صلى ه
سنَةٌ ِل َم ْن كانَ َي ْر ُجوا ا َ
ّللا ّللا أ ُ ْس َوة ٌ َح َ
سو ِل ا ِ وسلم :مصداقا لقوله تعالى :لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم ِفي َر ُ
ّللا َك ِثيرا ً ( [) 21األحزاب ] 21 : َو ْال َي ْو َم ْاْل ِخ َر َو َذ َك َر ا َ
ي يُوحى ( [) 4النجم ، 3 : وقوله تعالى َ :وما يَ ْن ِط ُق َع ِن ْال َهوى ( ) 3إِ ْن ُه َو إِ اال َو ْح ٌ
]4
سو َل فَأُولئِ َك َم َع الاذِينَ أ َ ْن َع َم ا
ّللاُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النا ِبيِهينَ الر ُ
ّللا َو اوقوله تعالى َ :و َم ْن يُ ِطعِ ا َ
سنَ أُولئِ َك َرفِيقاً( [ ) 69النساء ] 69 : صا ِل ِحينَ َو َح ُ
داء َوال اش َه ِ ص هدِي ِقينَ َوال ُّ
َوال ِ ه
ّللا تعالى في الدنيا ،والنظر إلى وجهه الكريم للنال السعادة الحقيقية المتمثلة بمعرفة ه
ناظ َرة ٌ
ناض َرة ٌ ( ) 22إِلى َر ِبهها ِ في اْلخرة مصداقا لقوله تعالى ُ :و ُجوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ ِ
( [) 23القيامة . ] 23 ، 22 :
كتبه الشيخ الدكتور عاصم إبراهيم الكيالي الحسيني الشاذلي الدرقاوي
4
* ترك القونوي العديد من الكتب القيّمة التي أثرت المكتبة اإلسالمية في علمي
الشريعة والحقيقة .
ومن كتبه :
« إعجاز البيان في تفسير القرآن ،والنصوص في تحقيق الطور المخصوص ،
واللمعة النورانية في مشكالت الشجرة النعمانية ،ومفتاح الغيب وشرح األحاديث
األربعينية وشرح األسماء الحسنى ،والرسالة الهادية والنفحات اإللهية القدسية ،
والرسالة الرشيدية في أحكام الصفات اإللهية ،والرسالة المفصحة ،ولطائف اإلعالم
في إشارات أهل اإللهام ،وبرزخ البرازخ .
* ولد القونوي في بلدته قونية الواقعة جنوب تركيا وهو مجهول تاريخ الوالدة ،وتوفي
فيها سنة 673هـ 1275م ودفن في أحد الزوايا التي أصبحت فيما بعد مقاما له يزار
حتى يومنا هذا .
5
وهكذا درج محيي الدين في جو عامر بنور التقوى ،فيه سباق حر مشرق نحو
الشرفات العليا لإليمان ،وفيه عزمات لرجال أقوياء ينشدون نصرا وفوزا في
محاريب الهدى والطاعة .
وانتقل والده إلى إشبيلية ،وحاكمها إذ ذاك السلطان محمد بن سعد ،وهي عاصمة من
عواصم الحضارة والعلم في األندلس ،وفيها شب محيي الدين ودرج .
وما كاد لسانه يبين حتى دفع به والده إلى أبي بكر بن خلف عميد الفقهاء ،فقرأ عليه
القرآن الكريم بالسبع في كتاب « الكافي » ،فما أتم العاشرة من عمره حتى كان
مبرزا في القراءات ملهما في المعاني واإلشارات .
ثم أسلمه والده إلى طائفة من رجال الحديث والفقه ،يذكرهم لنا اإلمام شمس الدين بن
مسدي في روايته عن محيي الدين فيقول واصفا متحدثا عن أساتذته األول :
« كان جميل الجملة والتفصيل ،محصال لفنون العلم أخص تحصيل ،وله في األدب
الشأو الذي ال يلحق ،والتقدم الذي ال يسبق ،سمع في بالده في شبابه الباكر من ابن
زرقون ،والحافظ ابن الجد ،وأبي الوليد الحضرمي ،الشيخ أبي الحسن بن نصر » .
ثم ال يذكر لنا التاريخ بعد ذلك شيئا ذا بال عن شباب محيي الدين ،وال عن شيوخه ،
ومقدار ما حصل من العلوم والفنون ؛ وإنما هو يحدثنا أنه مرض في شبابه مرضا
شديدا .وفي أثناء شدة الحمى رأى في المنام أنه محوط بعدد ضخم من قوى الشر ،
مسلحين يريدون الفتك به .
ففرقها
وبغتة رأى شخصا جميال قويا مشرق الوجه ،حمل على هذه األرواح الشريرة ه
شذر مذر ،ولم يبق منها أي أثر ،فيسأله محيي الدين من أنت ؟ فقال له :أنا سورة
يس .
وعلى أثر هذا استيقظ فرأى والده جالسا إلى وسادته يتلو عند رأسه سورة يس .
ثم لم يلبث أن برئ من مرضه ،وألقي في روعه أنه مع هد للحياة الروحية ،وآمن
بوجود سيره فيها إلى نهايتها ففعل .
وفي طليعة هذا الشباب المزهر بفضل ثروة أسرته تزوج بفتاة تعتبر مثاال في الكمال
الروحي والجمال الظاهري وحسن الخلق ،فساهمت معه في تصفية حياته الروحية ،
بل كانت أحد دوافعه إلى اإلمعان فيها .
وفي هذه األثناء كان يتردد على إحدى مدارس األندلس التي تعلم سرا مذهب األمبيذ
وقلية المحدثة المفعمة بالرموز والتأويالت والموروثة عن الفيثاغورية واألورفيوسية
والفطرية الهندية .
وكانت هذه المدرسة هي الوحيدة التي تدرس لتالميذها المبادئ الخفية والتعاليم
الرمزية منذ عهد ابن مسرة المتوفى بقرطبة في سنة 319هـ 931 -م والذي لم
يعرف المستشرقون مؤلفاته هإال عن طريق محيي الدين .
وكان أشهر أساتذة تلك المدرسة في ذلك القرن ابن العريف المتوفى في سنة 1141م
فلم يره محيي الدين ،ولكنه تتلمذ على منتجاته وعلى رواية تلميذه المباشر وصديق
ّللا الغزال .
محيي الدين الوفي أبي عبد ه
6
ومما ال ريب فيه أن استعداده الفطري ونشأته في هذه البيئة التقية ،واختالفه إلى تلك
المدرسة الرمزية ،كل ذلك قد تضافر على إبراز هذه الناحية الروحية عنده في سن
مبكرة وعلى صورة ناصعة ال تتيسر للكثيرين ممن تشوب حياتهم األولى شوائب
الغرائز والنزوات .
فلم يكد يختم الحلقة الثانية من عمره حتى كان قد انغمس في أنوار الكشف واإللهام ،
ولم يشارف العشرين حتى أعلن أنه جعل يسير في الطريق الروحاني بخطوات واسعة
ثابتة ،وأنه بدأ يطلع على أسرار الحياة الصوفية ،وأن عددا من الخفايا الكونية قد
تكشف أمامه ،وأن حياته منذ ذلك العهد المبكر لم تعد سوى سلسلة من البحث
المتواصل عما يحقق الكمال لتلك االستعدادات الفطرية التي تنير أضواؤها جوانب
عقله وقلبه .
ولم يزل عاكفا على ذلك النشاط الروحاني حتى ظفر بأكبر قدر ممكن من األسرار .
ولم تكن آماله في التغلغل إلى تلك األسرار وبحوثه عن وسائلها الضرورية تقف عند
حد ،ألنه أيقن منذ نعومة أظفاره بأنه مؤمن بمبادىء عقيدة حقيقية أزلية مرت بجميع
األزمان الكونية ،وطافت بكل األجناس البشرية متممة ما فيها من نقص وقصور ،
وأنها جمعت كل الروحانيات في الوحدة الفطرية التي تتمثل من حين إلى آخر في
صور تنسكية رفيعة تبدو على مسرح اإلنسانية ردحا من الزمن ثم تختفي ،وال يدرك
حقيقتها إال القليلون .
وأكثر من ذلك أنه حين كان ال يزال في قرطبة قد تكشف له من أقطاب العصور البائدة
عدد من حكماء فارس واإلغريق كفيثاغورس ،وأمبيذوقليس ،وأفالطون ومن إليهم
ممن ألقيت على كواهلهم مسؤولية القطبية الروحية في عصورهم المتعاقبة قبل ظهور
اإلسالم .
وهذا هو السبب في أنه قد شغف بأن يطلع على جميع الدرجات التنسكية في كل
األديان والمذاهب عن طريق أرواح رجالها الحقيقيين بهيئة مباشرة ،وبصورة مؤسسة
على الشرف العلمي الذي يحمل الباحث النزيه على االعتماد عليه دون أدنى تردد أو
ارتياب .
غير أن هذه السكينة الروحانية التي بدأت لدى هذا الشاب مبكرة والتي كانت ثمارها
فيما بعد تتمثل في تلك المعرفة التي أشرنا إليها آنفا ،لم تدم طويال على حالة واحدة ،
إذ أنه لم يلبث أن تبين أول األمر باإللهام ،ثم عن طريق الكشف الجلي أنه لم يعد له
ب هد -في تلك البيئة المغربية إذ ذاك –
من أحد أمرين :إما أن يجاري التيار العام الذي كان يحدق به إحداق السوار بالمعصم
،وهو أن يتقيد في جميع أفكاره وتعقالته وأحاسيسه ومشاعره وحركاته وسكناته
سر وال رمز وال تأويل ،وبهذا تختفي
بحرفية الدين التي ال روح فيها وال حياة وال ه
شخصيته الحقيقية وتفشل رسالته الطبيعية ،وهذا شيء ال يستطيعه بأي حال ،وإما أن
7
يسير على فطرته وحسب تكوين عقله وقلبه فيصطدم في كل خطوة من خطواته من
أهل الحل والعقد في البالد .
وقد حدث ذلك فعال حيث احتدمت بينه وبين بعض األمراء الموحدين مجادالت عنيفة ،
وحيكت حوله دسائس قوية اتهمته بإحداث اضطراب في سياسة الدولة .
وإذ ذاك رأى في حالة اليقظة أنه أمام العرش اإللهي المحمول على أعمدة من لهب
متفجر ،ورأى طائرا بديع الصنع يحلق حول العرش ويصدر إليه األمر بأن يرتحل
إلى الشرق وينبئه بأنه سيكون هو مرشده السماوي ،
وبأن رفيقا من البشر يدعى فالنا ينتظره في مدينة فاس ،وأن هذا األخير قد أمر هو
أيضا بهذه الرحلة إلى الشرق ،ولكنه يجب أال يرتحل قبل أن يجيء إليه رفيق من
األندلس ،فيفعل ما أمر به ويرتحل بصحبة هذا الرفيق .
وفيما بين سنتي 620 ، 597هـ 1223 ، 1200م يبدأ رحالته الطويلة المتعددة إلى
بالد الشرق فيتجه في سنة 1201م إلى مكة فيستقبله فيها شيخ إيراني وقور جليل
عريق المحتد ممتاز في العقل والعلم والخلق والصالح .
وفي هذه األسرة التقية يلتقي بفتاة تدعى « نظاما » وهي ابنة ذلك الشيخ ،وقد حبتها
السماء بنصيب موفور من المحاسن الجسميهة ،والميزات الروحانية الفائقة ،فاتخذ
منها محيي الدين رمزا ظاهريا للحكمة الخالدة ،وأنشأ في تصوير هذه الرموز قصائد
سجلها في ديوان ألفه في ذلك الحين .
وفي هذه البيئة النقية المختارة له من قبل سطعت مواهبه العقلية والروحية ،وتركزت
حياته الصوفية ،وجعلت تصعد في معارج القدس شيئا فشيئا حتى بلغت شأوا عظيما .
ومن ذلك أنه في إحدى طوفاته التأملية والبدنية بالكعبة يلتقي من جديد بمرشده
السماوي الذي أمره سالفا بالهجرة من األندلس والمغرب إلى األصقاع الشرقية ،
فيتلقى منه األمر أيضا بتأليف كتابه الجامع الخالد « الفتوحات المكية » الذي ضمنه
أكثر وأهم آرائه الصوفية والعقلية ومبادئه الروحية ،والذي ال يتطاول إلى قمته في
عصره أي كتاب آخر فيما نعلم من إنتاج هذا الصنف من المتنسكين .
وفي سنة 1204م يرتحل إلى الموصل حيث تجتذبه تعاليم الصوفي الكبير علي بن
ّللا بن جامع الذي تلقى لبس الخرقة عن الخضر مباشرة ،ثم ألبس محيي الدين عبد ه
إياها بدوره .
وفي سنة 1206م نلتقي به في القاهرة مع فريق من الصوفية الذي يطبقون حياة
تنسكية قوية محافظة .
وهنا يظهر له رائد سماوي يأمره بإدخال شيء من الكمال على مذهبه ،ولكنه ال يكاد
يفعل حتى يتنمر له عدد من الفقهاء يحيكون حوله وحول أصحابه شباكا من الدسائس
تهدهد اطمئنانهم بل حياتهم ،ولوال نفود أحد أصدقائه لوقع في ذلك الخطر ،ولكنه
لحسن حظه يستطيع أن ينجو بنفسه ويفر إلى مكة في سنة
8
م فيلتقي فيها بأصدقائه القدماء األوفياء ،ويقيم بينهم في هدوء وسكينة نحو ثالثة أعوام
،ثم يرتحل إلى قونية بتركيا حيث يتلقاه أميرها السلجوقي باحتفال بهيج .
وهناك يتزوج بوالدة صدر الدين القونيوي ،وهو أحد تالميذه المفضلين ثم ال يلبث أن
يرتحل إلى أرمينيا ،ومنها إلى شاطىء الفرات .
وفي سنة 1211م نلتقي به في بغداد حيث يتصل بالصوفي المعروف شهاب الدين
عمر السهروردي .
وفي سنة 1214م يعود إلى مكة وال يكاد يستقر فيها حتى يجد أن عددا من فقهائها
المنافقين الدساسين قد جعلوا يشوهون سمعته ويرمونه بأن قصائده التي نشرها في
ديوانه الرمزي منذ ثالثة عشر عاما كانت تصور غرامه المادي الواقعي بالفتاة «
نظام » ابنة صديقه الشيخ اإليراني التي أشرنا آنفا إلى أنه اتخذ منها رمزا نقيا للحكمة
الخالدة .
وعندما تبيهن هذه التهمة الرخيصة وعرف مصادرها الحقيقية حمل عليها وعلى
واضعيها حملة قوية كشفت زيفها للجميع بصورة جعلت القائمين بها يعترفون
بأخطائهم ويعتذرون إليه عنها .
وبعد ذلك يرتحل إلى حلب فيقيم بها ردحا من الزمن معززا مكرما من أميرها .
وأخيرا يلقي عصا التسيار في دمشق في سنة 1223م حيث كان أميرها أحد تالميذه
المؤمنين بعلمه ونقائه ويظل بها يؤلف ويعلم ،ويخرج التالميذ والمريدين يحوطه
الهدوء وتحف به السكينة حتى يتوفى بها في 28ربيع الثاني من سنة 638هـ
الموافق 16نوفمبر من سنة 1240م .
مؤلفاته وشيوخه
قال الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني في كتابه « جامع كرامات األولياء » ضمن
ترجمته للشيخ ابن العربي :
وقد اطلعت له على إجازة أجاز بها الملك المظفر ابن الملك العادل األيوبي ،
ذكر فيها كثيرا من مشايخه ومؤلفاته ،ولتمام الفائدة أذكرها هنا بحروفها فأقول :
َّللا عنه :
قال رضي ّ
َّللا الرحمن الرحيم ،وبه نستعين
بسم ّ
علي بن العربي الطائي األندلسي الحاتمي ،ّ أقول وأنا محمد بن
ّللا تعالى ،وأجزت السلطان الملك المظفر بهاء الدين غازي ، وهذا لفظي :استخرت ه
ّللا تعالى أبي بكر بن أيوب وأوالده ،ولمن أدرك ابن الملك العادل المرحوم إن شاء ه
حياتي الرواية عني في جميع ما رويته عن أشياخي ،من قراءة وسماع ومناولة
وكتاب وإجازة ،وجميع ما ألفته وصنفته من ضروب العلم ،وما لنا من نثر ونظم
على الشرط المعتبر بين أهل هذا الشأن ،وتلفظت باإلجازة عند تعبيري هذا الخط ،
9
وذلك في غرة محرم سنة 632هـ بمحروسة دمشق وكان قد سألني في استدعائه أن
أذكر من أسماء شيوخي ما يتسر لي ذكره منهم ،
ّللا تعالى
وبعض مسموعاتي ،وما تيسر من أسماء مصنفاتي ،فأجبت استدعاءه نفعه ه
ي كريم .
بالعلم ،وجعلنا وإياه من أهله ،إنه ول ه
فمن شيوخنا أبو بكر بن أخلف اللخمي ،قرأت عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع
ّللا محمد بن شريح الرعيني في مذاهب القراء السبعة بكتاب الكافي ألبي عبد ه
المشهورين ،وحدثني عن ابن المؤلف .
ومن شيوخنا في القراءة أبو الحسن شريح بن محمد بن محمد بن شريح الرعيني ،عن
أبيه المؤلف .
ومن شيوخنا في القرآن أيضا أبو القاسم عبد الرحمن بن غالب الشراط ،من أهل
قرطبة ،قرأت عليه أيضا القرآن الكريم بالكتاب المذكور وحدثني أيضا عن ابن
المؤلف أبي الحسن شريح عن أبيه المؤلف محمد بن شريح المقري .
ّللا البازلي قاضي مدينة فاس ،حدثني بكتاب « ومن شيوخنا القاضي أبو محمد عبد ه
التبصرة في مذاهب القراء السبعة » ألبي محمد مكي المقري عن أبي بحر سفيان ابن
القاضي ،عن المؤلف بجمع تآليف مكي أيضا ،وأجازني إجازة عامة .
ومن شيوخنا القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي حمزة ،سمعت عليه كتاب
التيسير في مذاهب القراء السبعة ألبي عمرو عثمان بن أبي سعيد الداني المقري ،
حدثني به عن أبيه عن المؤلف وبجميع تآليف الداني وأجازني إجازة عامة .
ّللا محمد بن سعيد بن دربون ،سمعت عليه كتاب ومن شيوخنا القاضي أبو عبد ه
البقعي ألبي عمر يوسف بن عبد البر النميري الشاطبي ،وحدثني به عن أبي عمران
موسى بن أبي بكر ابن المؤلف وبجميع تآليفه مثل االستذكار ،والتمهيد ،واالستيعاب
،واالنتقاء ،وأجاز لي إجازة عامة في الروايتين ،أجاز لي أن أرويه عنه وجميع
تآليفه .
ّللا اإلشبيلي ،
ومن شيوخنا المحدث أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد ه
حدثني بجميع مصنفاته في الحديث ،وعين لي من أسمائها تلقين المبتدي ،واألحكام
الصغرى والوسطى والكبرى ،وكتاب العاقة ونظمه ونثره ،وحدثني اإلمام أبي محمد
علي بن أحمد بن حزم عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح ،عنه .
ومن شيوخنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن أبي الفضل الحرستاني ،سمعت عليه
صحيح مسلم حدثني به عن الفراوي عن عبد الغفار الجلودي ،عن إبراهيم المروزي
عن مسلم ،وأجازني إجازة عامة .
ومن شيوخنا يونس بن يحيى أبي الحسن العباسي الهاشمي ،نزل مكة سمعت عليه
كتبا كثيرة في الحديث والرقائق ،منها كتاب صحيح البخاري .
10
ومن شيوخنا المكيين أبو شجاع زاهد بن رستم األصفهاني إمام المقام بالحرم ،سمعت
عليه كتاب الترمذي ألبي عيسى ،حدثني به عن الكرخي عن الخزاعي المحبوبي عن
الترمذي ،وأجازني إجازة عامة .
ومن شيوخنا البرهان نصر بن أبي الفتوح بن عمر الحصري إمام مقام الحنابلة بالحرم
الشريف ،سمعت عليه كتبا كثيرة منها السنن ألبي داود السجستاني ،حدثني بها ،عن
ي بن ثابت الخطيب ،عن ي بن السمناني ،عن أبي بكر أحمد بن عل ه أبي جعفر بن عل ه
أبي عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي البصري ،عن أبي علي محمد بن
أحمد بن عمر اللؤلؤي ،عن أبي داود ،وأجاز لي إجازة عامة .
وحدثني بكتب ابن ثابت الخطيب عن أبي جعفر السمناني .
ّللا اإلفريقي ،سمعت عليه كتاب المعلم بفوائد مسلمومن شيوخنا سالم بن رزق ه
للمازري ،حدثني به عنه وبجميع مصنفاته وتآليفه ،وأجازني إجازة عامة .
ومن شيوخنا محمد أبو الوليد بن أحمد بن محمد بن سبيل ،قرأت عليه كثيرا من تآليفه
،وناولني كتاب « نهاية المجتهد وكفاية المقتصد » واألحكام الشريفة من تأليفه .
ّللا بن العزي الفاخري ،وأجازني إجازة عامة . ومن شيوخنا أبو عبد ه
ّللا بن عمر بن أحمد بن منصور الصفا ،حدثني بكتب ومن شيوخنا أبو سعيد عبد ه
الواحدي كتابة عبد الجبار محمد بن أحمد الحواري عنه .
ومن شيوخنا أبو الوابل بن العربي ،سمعت عليه سراج المهتدين للقاضي ابن العربي
ابن عمه ،حدثني به عنه ،وأجازني إجازة عامة .
ومن شيوخنا أبو الثناء محمود بن المظفر اللبان ،حدثني بكتب ابن خميس عنه .
ومنهم :محمد بن محمد بن محمد البكري ،سمعت عليه رسالة القشيري ،وحدثني بها
عن أبي األسعد عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ،عن
جده عبد الكريم ،المؤلف ،وأجازني إجازة عامة .
ومنهم :ضياء الدين عبد الوهاب بن علي بن علي بن سكينة شيخ الشيوخ ببغداد ،
أجازني إجازة عامة ،وأخذ عني وأخذت عنه ،وسمعت عليه بمدينة باب السالم
بحضور ابنه عبد الرزاق .
ومنهم :أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني ،حدثني بتآليف
البيهقي وأجازني إجازة عامة .
ومنهم :أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم وأجازني إجازة عامة .
ومنهم :أبو طاهر السلفي األصبهاني ،أجازني إجازة عامة ،وهو يروي عن أبي
ي أن أروي عنه الحسن شريح بن عمرو بن شريح الرعيني المقري ،أجازني وكتب إل ه
كتب عبد الرحمن السلمي ،وحدثني عن محمد نصار البيهقي عنه .
ومنهم :جابر بن أيوب الحضرمي ،أجازني إجازة عامة ،وهو يروي عن أبي
الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني المقري .
11
وممن أجازني إجازة عامة محمد بن إسماعيل بن محمد القزويني ،والحافظ الكبير ابن
عساكر صاحب تاريخ دمشق .
ومنهم :أبو القاسم خلف بن بشكوال .
ّللا بن الحسن الشافعي .
ّللا بن عبد ه
ومنهم :القاسم بن علي بن الحسن بن هبة ه
ومنهم :يوسف بن الحسن بن أبي النقاب بن الحسين وأخوه أبو العباس أيضا ،
وأجازنا أبو القاسم ذاكر بن كامل بن غالب .
ومنهم :محمد بن يوسف بن علي الغزنوي الخفهاف .
ومنهم :أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر بن حسن بن عمر بن أحمد القرشي
المياستي .
ي بالرواية عنهومنهم :أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحافظ ،كتب إل ه
بجميع تآليفه ونظمه ونثره وسمى لنا من كتبه « صفوة الصفوة » و « مثير الغرام
الساكن إلى أشرف األماكن » .وغير ذلك .
ومنهم :أبو بكر بن أبي الفتح الشيخاني .
ومنهم :المبارك بن علي بن الحسين الطباخ .
ومنهم :عبد الرحمن ابن األستاذ ،المعروف بابن علوان .
ومنهم :عبد الجليل الزنجاني .
ّللا بن علي بن مسعود بن شداد الموصلي . ومنهم :أبو القاسم هبة ه
ومنهم :أحمد بن أبي منصور .
ّللا بن موهب بن جامع بن عبدون البغدادي ومنهم :محمد بن أبي المعالي عبد ه
الصوفي يعرف بابن الثناء .
ومنهم :محمد بن أبي بكر الطوسي .
ّللا الطيب الضرير . ومنهم :المهذب بن علي بن هبة ه
ّللا بن أحمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب ، ومنهم :ركن الدين أحمد بن عبد ه
ّللا .
وأخوه شمس الدين أبو عبد ه
ومنهم :القرماني ببغداد .
ومنهم :ثابت بن قرة الحاوي ،قرأت عليه من كتبه وتآليفه ،ووقفها بروايتها بمسجد
العمادين الجالدين بالموصل .
ومنهم :عبد العزيز بن األخضر .
ومنهم :أبو عمر عثمان بن أبي يعلى بن أبي عمر األبهري الشافعي من أوالد البراء
بن عازب .
ومنهم :سعيد بن محمد بن أبي المعالي .
ومنهم :عبد الحميد بن محمد بن علي بن أبي المرشد القزويني .
ومنهم :أبو النجيب القزويني .
ومنهم :محمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم الفاسي ،قرأت عليه جميع مصنفاته .
ّللا بن الحسين الرازي . ومنهم :أبو الحسن علي بن عبد ه
12
ومنهم :أحمد بن منصور الجوزي .
ومنهم :أبو محمد بن إسحاق بن يوسف بن علي .
ّللا الحجري .ّللا محمد بن عبد ه ومنهم :أبو عبد ه
ومنهم :أبو الصبر أيوب بن أحمد المقري .
ومنهم :أبو بكر محمد بن عبيد السكسكي .
ومنهم :ابن مالك ،حدثني بمقامات الحريري عن مصنفها .
ومنهم :عبد الودود بن سمحون قاضي النبك .
ومنهم :عبد المنعم بن القرشي الخزرجي .
ومنهم :علي بن عبد الواحد بن جامع .
ومنهم :أبو جعفر بن يحيى الورعي .
ومنهم :ابن هذيل .
ومنهم :أبو زيد السهيلي ،حدثني بالروض األنف في شرح السيرة والمعارف
واألعالم وجميع تآليفه .
ّللا بن الفخار المالقي المحدث . ومنهم :أبو عبيد ه
ومنهم :أبو الحسن بن الصائغ األنصاري .
ومنهم :عبد الجليل مؤلف المشكل في الحديث وشعب اإليمان .
ّللا بن المجاهد . ومنهم :أبو عبد ه
ومنهم :أبو عمران موسى بن عمران المزيلي .
ومنهم :الحاج محمد بن علي ابن أخت أبي الربيع المقومي .
ي بن النضر .ولوال خوف المالل وضيق الوقت لذكرنا جميع من سمعنا ومنهم :عل ه
عليه ولقيناه .
سر فإنها كثيرة ،وأصغرها جرما كراسة واحدة ، وها أنا أذكر من تآليفي ما تي ه
وأكبرها ما يزيد على مائة مجلد وما بينهما .
فمن ذلك كتاب المصباح في الجمع بين الصحاح في الحديث .اختصار مسلم .
اختصار البخاري .اختصار الترمذي ،اختصار المحلى .االحتفال فيما كان عليه
ّللا عليه وسلم من سني األحوال . ّللا صلى ه رسول ه
ّللا تعالى التي هي نتائج األعمال ،فمن ذلك وهو السابع كتاب وأما الحقائق في طريق ه
من تصانيفنا « الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل » أفرغ في أربعة وستين
مجلدا إلى قوله تعالى في سورة الكهف َ :و ِإ ْذ قا َل ُموسى ِلفَتاهُ ال أَب َْر ُح[ الكهف :
. ] 60
الجذوة المقتبسة والخطرة المختلسة .مفتاح السعادة في معرفة الدخول إلى طريق
اإلرادة .
المثلثات الواردة في القرآن العظيم .األجوبة عن المسائل المنصورة .
متابعة القطب .
13
مناهج االرتقا إلى افتضاض أبكار النقا بجنان اللقا ،يحوي ثالثة آالف مقام في طريق
ّللا تعالى على ثالثمائة باب ،كل باب عشرة مقامات ،كنه ما ال بد للمريد منه . ه
ّللا عليه وسلم .الخالف في آداب المإلّللا صلى ه المحكم في المحكم وأذان رسول ه
األعلى .
ّللا الحسنى .
سر أسماء هكشف الغين :ه
شفاء العليل في إيضاح السبيل .
عقلة المستوفز جالء القلوب .
سر الصديق . التحقيق في الكشف عن ه
اإلعالم بإشارات أهل األوهام واإلفهام في شرحه .
السراج الوهاج في شرح كالم الحالج .
المنتخب في مآثر العرب .
نتائج األفكار وحدائق األزهار .
الميزان في حقيقة اإلنسان .المحجة البيضاء .
ّللا عليه وسلم من األدعية واألذكار .
كنز األبرار فيما روي عن النبي صلى ه
ّللا تعالى من األخبار .
ّللا عليه وسلم عن ه
مكافأة األنوار فيما روي عن النبي صلى ه
األربعين المتقابلة األحاديث األربعين في الطول .
العين .التدبيرات اإللهية في إصالح المحاكمة اإلنسانية تعشق النفس بالجسم .
إنزال الغيوب على سائر القلوب .أسرار قلوب العارفين .مشاهد األسرار القدسية
ومطالع األنوار اإللهية .الخالء .المنهج السديد في شرح أنس المنقطعين .الموعظة
الحسنة .
البغية .الدرة الفاخرة في ذكر من انتفعت به طريق اْلخرة من إنسان وحيوان ونبات
ومعدن .المبادي والغايات فيما في حروف المعجم من اْليات .مواقع النجوم .
اإلنزاالت .الموجود .حلية األبدال .أنوار الفجر .
الفتوحات المكية عشرون مجلدا .تاج التراجم .الفحوص .الرصوص .الشواهد .
القطب واإلمامين .روح القدس .
التنزالت الموصلية .إشارات القرآن في العالم واإلنسان .القسم اإللهي .األقسام
اإللهية .الجمال والجالل .المقنع في إيضاح السهل الممتنع .شروط أهل الطريق .
األنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من األسرار .
عنقاء مغرب .عقائد أهل علم الكالم .اإليجاد والكون .الرسائل واإلشارات في
األسرار .اإللهيات والكتابات .الحجة .
إنشاء الجداول والدوائر .األعالق في مكارم األخالق .روضة العاشقين .الميم والواو
والنون .المعارف اإللهية وهو الديوان .المبشرات .الرحلة .العوالي في أسانيد
األحاديث .األحدية .الهوية الرحمية .
الجامع وهو كتاب الجاللة العظيمة .المجد .
الديمومة .الجود .القيومية .اإلحسان .الفلك والسعادة .الحكمة .العزة .األزل .
14
النون .اإلبداع .الخلق واألمر .القدم .الصادر والوارد .الملك .الوارد والواردات .
القدس .الحياة .العلم .المشتبه .الفهوانية .الرقم .العين .المياه .ركن المدائن .
المبادي .الزلفة .الرقيم .الدعاء .اإلجابة .الرمز .الرتبة .البقاء .القدرة .الحكم
والشرائع .الغيب .
مفاتيح الغيب الخزائن العلمية .الرياح اللواقح .الريح العقيم .الكنز .التدبير
والتفصيل .اللذة واأللم .الحق .الحمد .المؤمن والمسلم والمحسن .
القدر .الشأن .الوجود .التحويل .الوحي .اإلنسان .التركيب .المعراج .الروائح
واألنفاس .الملل .األرواح .النحل ،البرزخ .الحسن .القسطاس .
القلم .اللوح .التحفة والعرافة .المعرفة .األعراف .زيادة كبد النون .اإلسفار في
نتائج األسفار .
األحجار المتفجرة والمتشققة والهابطة .الجبال .الطبق .النمل .العرش .مراتب
الكشف .األبيض .الكرسي .الفلك المشحون .
الهباء .الجسم .الزمان .المكان .الحركة .العالم .اْلباء العلويات واألمهات
السفليات .النجم والشجر .سجود القلب .
الرسالة والنبوة والمعرفة والوالية .الغايات التسعة عشر .الجنة .النار .الحضرة .
المناظرة بين اإلنسان الكامل .التفضيل بين الملك والبشر .المبشرات الكبرى .
محاضرة األبرار ومسامرة األخيار .األولين .
العبادة .ما يعول عليه وهو كتاب النصائح .إيجاز اللسان في الترجمة عن القرآن .
المعرفة .شرح األسماء .الذخائر واألعالق .الوسائل .النكاح المطلق .فصوص
الحكم .نائج األذكار .اختصار السيرة النبوية المحمدية .اللوامح .اللوائح .االسم
والرسم .الفصل والوصل .مراتب العلوم .الوهب .انتقاش النور .النحل .الوجد .
الطالب والمجذوب .األدب .
الحال .الشريعة والحقيقة .التحكم والشطح .الحق .المخلوق .اإلفراد وذوو
األعداد .المالمية .الخوف والرجاء .الفيض والبسط .الهبة واألنس .اللسانين .
التواصي الليلية .الفناء والبقاء .الغيبة والحضور .
الصحو والسكر .التجليات .القرب والبعد .المحو واإلثبات .الخواطر .الشاهد
والمشاهد .الكشف .الولد .التجريد والتفريد .العزة واالجتهاد .اللطائف والعوارف .
الرياضة والتجلي .المحق والسحق .
التودد والهجوم .التلوين والتمكين .اللمة والهمة .العزة والغيرة .الفتوح
والمطالعات .
الوقائع .الحرف المعني .التدني والتدلي .الرجعة .الستر والخلوة .النون .الختم
ّللا عنه ،فلم
والطبع .انتهت ،ولعزتها ذكرتها هنا فإنها من أعظم كراماته رضي ه
أخرج بذكرها عن الصدد الذي ألف الكتاب ألجله ،وقد رأيت كتابا مستقال في ذكر
ّللا عنه سنةمؤلفاته وفيه كثير منها لم يذكر هنا في هذه اإلجازة ،وكانت وفاته رضي ه
638هـ.
15
مقدمة القونوي لشرح كتاب الشّجرة النّعمانيّة
شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن بشرح صدر الدهين مح همد بن إسحاق القونوي تأليف ال ه
علي بن مح همد ابن عربي الحاتمي المتوفى 638هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه
شاذلي الدهرقاوي شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني ال ه
ال ه
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِبِ ْ
يا فتّاح يا عليم
الحمد هّلل الذي بيهن التبيان ألهل العرفان في كل زمان وأوان بما أودع في الفرقان ،
ومن أسرار حركات االقتران ،الدالة على حوادث األقاليم والبلدان ،بحكم ما قدهره
الباري سبحانه وأراده من غير زيادة وال نقصان ،أحمده هو المحسان وأشكره وهو
البديع المنهان ،وأشهد أن ال إله هإال هو وحده ال شريك له ،الملك الديهان ،وأشهد أن
ّللا عليه سيد الخالئق محمد المصطفى من خاص خواص خالصة نسل عدنان ،صلهى ه
وعلى آله وأصحابه الذي جاء بمدحهم القرآن في قوله تعالى :يَ ْبتَغُونَ فَض ًْال ِمنَ ا ِ
ّللا
َو ِرضْواناً[ الفتح . ] 9 :
صالة وسالما يدومان بدوام األكوان إلى يوم الفوز والغفران .
أما بعد . . .
ش ْيءٍ إِذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن
ّللا تعالى ":إِناما قَ ْولُنا ِل َ
فإن الحرف األول في الكاف والنون قال ه
ون " [ النحل . ] 40 : نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
وقد أراد بما كان في غامض علمه من إيجاد الكائنات وخفض األرضين ورفع
السماوات واستخالف خليفة جامعا لمفترقات المكنونات ،سماه آدم وعلهمه أسماء ما
تأخر وما تقادم في جملة ما أعلمه به ما تختص به ذريته جيال بعد جيل إلى حصول
نفخة إسرافيل ،وأمره إعالم خواص بنيه بذلك النبأ العظيم فتلقى عنه ولده شيت ثم
أنوش ثم األخص فاألخص إلى إدريس ،وهلم جرا إلى أن تمت األدوار ومرت
ّللا األول واْلخر األذكار وانتهى األمر إلى دور السيادة المحمدية ،فانحصر فيما آتاه ه
والباطن والظاهر .
ش ْيءٍ [ األنعام . ] 38 : ب ِم ْن َطنا ِفي ْال ِكتا ِّللا تعالى :ما فَ ار ْ قال ه
وشيء أنكر النكران . .
فالكتاب المبين حاو للعلوم الحقيهة والعلوم الخلقيهة ما شذه عنه شيء ،فهو األمر المعجز
لكون أمه السبع المثاني حوت علوم المحسوسات
والمعاني إذا تأملها الحاذق النحرير والعالمة الخبير وجدها األنموذج الجامع والنور
الساطع الالمع ،في أول آية منها جميع المعاني ما اشتملت عليه من األسرار ،بل في
نقطة الباء منها جميع حقائق األدوار فهي كاألس للبناء ،وفيها بلوغ المنى لكونها نقطة
الدائرة الوجودية ولمعة األنوار الالهوتية ،والدائرة بطرفيها قد دارت عليها ظاهرة
بمراتبها كما رتبها العزيز الحكيم من عرش وفرش ومحو ونقش وتخطيط أقاليم وتقديم
أقانيم ،فمن ذلك ما أشار إليه الكتاب العزيز بأنواع البيان وضروب التبيان في
16
اإلخبارات التي ظهرت في اْليات الشريفة واألحاديث المنيعة ،وكتب الشرع مشحونة
بذلك وصدور عظماء الصحابة مملوءة من علوم أخبار الممالك ،ولم تزل الكمل من
الصحابة والتابعين يعظمون قدر هذا العلم ويعلون منارته ويجلون مقداره كاإلمام علي
ّللا عنه وكأبي هريرة وحذيفة ابن اليمان وأحزابهم ، رضي ه
مما سمع ودعي حتى انتهى األمر إلى قطب دائرة المحققين وارث علوم األنبياء
والمرسلين الشيخ األكبر والكبريت األحمر سيدي محمد محيي الدين محمد العربي
ّللا عنه ونفعنا به ،فنظر في العلوم الحرفية
الحاتمي الطائي األندلسي رضي ه
واألسرار الجفرية نظر منصف غير متعسف ،وأفرد لكل قطر من األقطار ما يليق به
من األخبار التي عليها المدار في سائر األمصار بكل األعصار ،
فمن أجل ما استخرجه اإلمام المذكور من جفر الجفور دائرة شريفة سماها الشجرة
النعمانية في الدولة العثمانية تكلم فيها برموز جلية وأسرار خفية عليهة ،خصص بها
مصرا دون غيرها من األمصار ونبهه على ما يتصل بها وما ينفصل عنها من أخبار
الديار وما يرد عليها من المسرات والمضار ،جعل االبتداء فيها من قران النحسين
ووبال االثنيين في المغربين ،واالنتهاء إلى مقابلة المريخ كيوان في آخر درجة من
الميزان ولم يسمح الزمان بمثل تلك الدائرة لكونها لكل الدوائر قاهرة بأخبار
القاهرة . . .
ّللا على ما فيها من الرموز واإلشارات أحببت أن أشرحها شرحا كافيا ولما أطلعني ه
يحل مشكاتها ويوضح مراداتها . .
ّللا سبحانه وتعالى وما خاب من استخاره على ما جرت به عادة كل مستمد فاستخرت ه
من اإلمداد الرباني والفيض الصمداني ،
ّللا عليه وسلم في واستعنت به تعالى وتوسلت إليه بأشرف خليقته وخير بريته صلى ه
إتمام ذلك إنه ولي التوفيق ،
واقتفيت أثر السلف الصالح في تكثير السواد بالمحبة التي هي غاية المراد وبالتشبه
وهو من األسباب الموصلة إلى طرق الرشاد ،
وّللا تعالى ولي
ووضعت أساس هذا الشرح ورتبته على مقدمة وثالث فصول وخاتمة ه
التوفيق المرجو المأمول من لطفه أن يسهل إيراده ويجعله خالصا لوجهه الكريم وأن
ينفع به ممليه وسامعه .
كما يسر تحصيل جوامعه إنه على ما يشاء قدير وباإلجابة جدير .
17
أركان الدائرة بالحوادث والوقائع المؤثرة في أحايينها وأناتها كائنة ما كانت ومن ال
فال . .
وباّلل التوفيق إن األمر في نفسه مبني على الكواكب
ه ولما كان األمر على ما بيهنهاه نقول
السبعة ،وعلى البروج االثني عشر ،
وعلى المنازل الثمانية والعشرين منزلة ،والجميع على األسم األعظم الذي هو نقطة
الدائرة المحرك للكل بتقدير العزيز العليم المريد القادر الحكيم هذا التفضيل الصحيح
الحقاني
وباّلل التوفيق .
ه وّللا سبحانه وتعالى أعلم
فافهم ه
18
الفصل األول في معرفة المفاتيح الغيبية
المشار إليها بقوله تعالى َ :و ِع ْن َدهُ َمفاتِ ُح ْالغَ ْي ِ
ب ال َي ْعلَ ُمها ِإ اال ُه َو[ األنعام . ] 59 :
اعلم أن غالب الناس قد اشتبه عليه معرفة تلك المفاتيح وحصل التفاوت في فهم معاني
هذه اْلية الشريفة ،
فمن قائل ال مطمع لبشر في فهم علم تلك المفاتيح الغيبية ،ومن قائل بإمكان الفهم من
حيث النسبة اإلضافية الممنون بها على حكم تخصيص اإلرادة األزلية لخالصة
خواص العبيد ،
فالقائل بعدم المعرفة ظاهري على مذهبه جمهور العلماء واستنادهم إلى االسم الهو من
حيث استناده إلى المسمى عزت عزته ،
فهم يقولون ال يعلم هذه المفاتيح هإال هو سبحانه وتعالى فال قدم لمخلوق فيه أصال ،
والقائل بإمكان حصول العلم باطني على مذهب خواص أهل التحقيق من الورثة
واستنادهم إلى التخلق باألخالق اإللهية بعد التصفية الكاملة والتخلص من عوائق
البشرية بالرياضات القلبية والتقرب بالنوافل المشار إليها بحديث
ال يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت وكنت إلى آخره
.رواه البخاري وغيره
ّللا قال :من عادى لي وليا فقد ّللا عليه وسلم « :إن ه ّللا صلى ه "" قال :قال رسول ه
آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال
عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره
الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني ألعطينه ولئن
استعاذني ألعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت
وأنا أكره مساءته » "" .
فمن كان الحق سمعه وبصره ال يحجبه شيء عن خفيات األسرار ألنه يصير مجلى
جملة األسماء اإللهية ومن جملة األسماء االسم الهو ال الصورة العبدية فافهم هذا
اعتقاد الفرقتين . .
الكل مصيب في معتقده .
19
الفصل الثاني في معرفة تلك المفاتيح وتمييزها
اعلم أيها األخ أن المفاتيح الغيبية تنحصر في خمس مفاتيح ال غير ،منها مفتاحين
عظيمين شريفين هما أعظم المفاتيح . .
المفتاح األول منها هو الوحي بواسطة الملك لألنبياء والمرسلين وقد س هد بابه مكلفا
بخاتم المرسلين محمد المصطفى عليه أفضل الصالة والسالم بقوله :
« أنا لبنة التمام » رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ّللا عليه وسلم قال « :مثلي ومثل األنبياء من قبلي كمثل رجل ّللا صلى ه
"" أن رسول ه
بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إال موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به
ويعجبون له ويقولون هال وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين »"" .
والمفتاح الثاني اإللهام الروحي وهو لكل الورثة إذا بلغوا مقام التمكين الكلي وشروطه
معلومة لهم ،وما عدا هذين المفتاحين
ينقسم إلى ثالثة أقسام :
القسم األول
ّللا
يؤخذ من األحاديث النبوية واإلخبارات المصطفوية التي أخبر بها المصطفى صلى ه
ّللا عنهم كسيدنا
وأسر بها إلى خواص أصحابه رضي ه ه عليه وسلم في عقود حديثه ،
ّللا عنه وأضرابه من الصحابة ، اإلمام علي رضي ه
دونوها دواوين وأتقنوها غاية اإلتقان ،وقد استنبطوا منها جملة من وهي كثيرة جدا قد ه
العلوم السرية بحسب الوقت والقابل ،
ّللا عنه وسماها بالجفر
فأول من شرح مضمونها وأظهر مكنونها سيدنا علي رضي ه
الجامع
ّللا عليه وسلم لكون باب االختالف كان مقفوال وجعل االبتداء من وفاة الرسول صلى ه
في أيام حياته ،
وفتح حين قالت فيه األنصار منا أمير ومنكم أمير ،وقفله االتفاق على بيعة الصديق
ّللا عنه وفي النفوس ما فيها حتى أفضى األمر إلى قتل الخلفاء الثالثة وكان ما رضي ه
كان وقصتهم مشهورة ،
ّللا عنه إلى يومنا هذا وإلى
ثم هذا العلم ينفرد به الواحد من بعد اإلمام علي رضي ه
آخر وقت ،وهذا القسم األول من الثالثة أقسام التي ذكرناها .
القسم الثاني
هو معرفة حركات األفالك وأحكام الكواكب السبعة المسخرة المرتبة في مراتبها ،
ومعرفة طلوعها في شروقها وغروبها واقترانها واجتماعها وافتراقها ومواصلتها
20
وسيرها في مراتبها ،وما يحدثه الحق سبحانه وتعالى في العالم بموجب حركات
سيرها كالرياح واألمطار والرعود والبروق والزالزل والفتن والرخاء والغالء ،
وحدوث األمراض على اختالف أنواعها وتأثيرها على األمزجة والطبائع في الفصول
األربعة وتأثيرات العناصر ،
وبذلك يعرف ما أودع الباري سبحانه فيها من األسرار اإللهية إذ ال تأثير لشيء في
شيء هإال بإذنه وإرادته ومشيئته ،خالفا لمن زعم أنها فعالة باالستقالل . .
ّللا ،وإن شاء كما خلق اإلحراق في النار حاشا وكال فهو سبحانه بال اختالف إن شاء ه
سالم. وأبطله في قصة إبراهيم عليه ال ه
ص ُروا آ ِل َهت َ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم فا ِع ِلينَ ( ) 68قُ ْلنا يا
"" يشير إلى قوله تعالى :قالُوا َح ِ هرقُوهُ َوا ْن ُ
يم ( [) 69األنبياء "". ] 69 ، 68 : سالما ً َعلى ِإبْرا ِه َ
نار ُكو ِني َب ْردا ً َو َ
ُ
وخلق القطع وأبطله في قصة سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السالم .
ي إِ ِنهي أَرى فِي ْال َم ِ
نام أ َ ِنهي ي قا َل يا بُنَ ا "" يشير إلى قوله تعالى :فَلَ اما بَلَ َغ َمعَهُ ال ا
س ْع َ
صابِ ِرينَ ّللاُ ِمنَ ال است َ ِج ُدنِي ِإ ْن شا َء ا ظ ْر ما ذا تَرى قا َل يا أَبَ ِ
ت ا ْف َع ْل ما تُؤْ َم ُر َ أ َ ْذبَ ُح َك فَا ْن ُ
ت ين ( َ ) 103ونا َديْناهُ أ َ ْن يا ِإبْرا ِهي ُم ( ) 104قَ ْد َ
ص اد ْق َ ( ) 102فَلَ اما أ َ ْسلَما َوتَلاهُ ِل ْل َج ِب ِ
ين ( َ ) 106وفَ َديْناهُ الرؤْ يا ِإناا َكذ ِل َك ن َْج ِزي ْال ُم ْح ِسنِينَ ( ِ ) 105إ ان هذا لَ ُه َو ْال َبال ُء ْال ُم ِب ُ ُّ
ِب ِذبْحٍ َع ِظ ٍيم ( [) 107الصافات "" . ] 107 - 102 :
فهو سبحانه له النقض واإلبرام ،ومن هنا كذب المنجمون من الفالسفة والحكماء ،
فمن عرف الطوالع والغوارب وأحكام الحركات الفلكية وأتقنها اإلتقان الشافي بمعرفة
البرج والدقائق والثواني والثوالث والروابع والخوامس وجميع األصول المتفق عليها
في االصطالح عرف بعض ما يليق بمعرفة األفالك . .
القسم الثالث
من المفاتيح يؤخذ من طريق الحروف ومعرفة طبائعها وحارها وباردها ورطبها
ويابسها ومخضها وتركيبها وأعدادها وإسقاطاتها ومزجها وتعديلها واستنطاقها بعد
تنزيلها في الجداول الحرفية واألوفاق العددية ولقطها وإخراج أزمنتها .
ويسمى هذا القسم بالزايرجة وتلك الحروف المذكورة هي حروف أي جاد التسعة
والعشرين بحرف الم ألف
وهي مقسمة على الطبائع األربعة كل قسم سبعة حروف .
21
فالنار لها « :أ ،هـ ،ط ،م ،ف ،ش ،ذا » .
والهوى له « :ج ،ز ،ك ،س ،ق ،ث ،ظ » .
والماء له « :د ،ح ،ل ،ع ،ر ،خ ،غ » .
والتراب له « :ب ،و ،ي ،ن ،ص ،ث ،ض » .
والالم ألف :فيه جميع الضدين الماء والنار كما هو مشهور عند كل عارف وهذه
الحروف المذكورة موزعة في ملء الدائرة الخلقية لكل حرف خدمة هي وظيفته ،
من ِم ْن
الر ْح ِ
ق ا واألمر في نفسه على هذا المنوال كقوله تعالى :ما تَرى فِي خ َْل ِ
تَ ُ
فاو ٍ
ت[ الملك . ] 3 :
واعلم أن األسماء والمسميات كلها تحت حيطة هذه الحروف ،
فاأللف القائم هو كأول أفراد النوع اإلنساني وبقية الحروف كأوالده ،
والنقطة أصل الجميع والكل في قبضة قهر القدرة األزلية ال تتحرك ذرة في الكون هإال
بإذن الحق تعالى وال تسكن حركة هإال بإذنه سبحانه ،
فجميع ما في الكون من الحوادث إنما هو آثار األسماء اإللهية ظهرت في صور
المخلوقات على طبق مراد الحق سبحانه وتعالى ،ونحن نسميها حوادث ووقائع تتنوع
وّللا أعلم ،
لكثرة مظاهرها واختالف مقاصد مظاهرها هذا هو المتفق عليه فافهم ،ه
وأما المعلمين السابقين فمن طريق الوهب والفيض األقدس ،أما اإلعالم بالوحي فغير
ّللا يختص برحمته من يشاء ،والعلم باإللهام ال مادة له هإال الوهب اإللهي مكتسب بل ه
فاعلم ذلك وتدبره ترشد إلى سواء السبيل . .
وحيث انتهى بنا البحث إلى هنا ونبههنا على األقسام الخمسة وميهزنا بينها وبين بعضها
ّللا عنه ،التي هي
،فلنرجع إلى ما نحن بصدده من شرح دائرة الشيخ األكبر رضي ه
الشجرة النعمانية المخصوصة بالدولة العثمانية
والتنبيه على رموزها وإشاراتها وألغازها وسبب عقدها على دائرة كرة مصر دون
وباّلل التوفيق . .
ه غيرها من المدن واألمصار فنقول
أما سبب تخصيص مصر بهذه الدائرة فلكون مصر محل كرسي الوقت المشار إليه
دون غيرها واألمصار المتعلقة بها تابعة لها ،
فال يصح التخصيص ّإال لها ،وأيضا لكونها نقطة حسن على خد مالحة في مطلق
أقاليم البسيطة بما اختصت به من األوصاف الكاملة ،هذا هو سبب التخصيص .
22
وأما الرموز واإلشارات واأللغاز فهي بحكم اصطالح القوم إذ ال سبيل إلى التصريح
مطلقا ،ألن التصريح بالعلوم السرية من سوء األدب ،وذلك غير الئق بمقامات القوم
،فإنهم لو صرحوا بالعلوم السرية لوقع الخلل في نظام ترتيب الحكمة الكونية وفي
ذلك ما فيه من التعطيل وغيره . .
بل نعم ما فعلوا من إسبال الستور على وجوه البدور في الخدور ،وقد أبقوا حل ما
هناك ومعرفة حل تلك الرموز األلغاز على حكم اصطالحهم حتى تؤخذ بالتلقين من
المرشد مشافهة فافهم .
بخط النهروان واصطدم من عنصر الهوى حرفان ،فالرابع غالب والخامس مغلوب
في دليل على أنه سيكون حركة كبرى بين ملكين عظيمين بأرض النهروان بالقرب من
شط الفرات ،ويكون السين صاحب التمكين ألن السين رابع حرف من عنصر الهوى
،ويكون القاف مقلوب بل تقضي دولة بإشارة إذا انقضت قاف الجيم .
ثم قال ويثبت الكاف للسين في الميم في القرآن إلى القرآن وحدة دولته في عدد حروف
االسم مقدد سليم 140قسم .
وأما المغلوب فهو القاف قاف الجيم سيظهر ويملك مصر وما يليها من األقطار وهو
جركسي األصل ،تفسير اسمه ماء الدم .
"" يشير الشيخ إلى السلطان المملوكي قانصوه الغوري الذي هزمه السلطان سليم في
عام 1501م في معركة قتل فيها وتولى بعده ابنه طوقان باي حكم مصر .وقانصوه
بالشركسية :أي ماء الدم ( .تاريخ العالم اإلسالمي لعمر رضا كحالة ،دمشق ،
المكتبة الهاشمية "" . ) 1958
23
وزمان انقضاء دولته كظ ، 920وفيه القران المشار إليه والقائم عليه من حروف
عنصره حرف سين يعضده ألف وخاء ،وفي تغليب هذا السين على مصر يكون
االستيالء على كامل جزيرة العرب إلى تخوم المغرب مع أطراف اليمن .واألقطار
الحجازية ودولته أصلح الدول في القرن العاشر حتى تتم القرون ببقية العدد في إشارة
المريخ تكون إشارة الخروج المبينة في دائرة الشجرة عند قوله حتى يقابل المريخ
كيوان في آخر درجة الميزان تخرج من يد آل عثمان .
َّللا لفهم المعاني ،ومشاهدة المباني ،أن قوله تخرج من الزمان وذلكاعلم وفقك ّ
يكون بظهور صاحب الزمان.
ّللا عنه الذي يظهر آخر الزمان ،
"" يقصد بصاحب الزمان اإلمام المهدي رضي ه
وردت به أحاديث كثيرة منها
ّللا رجال من أهل
ّللا عليه وسلم « :لو لم يبق من الدهر إال ليوم لبعث ه
قوله صلى ه
بيتي يملؤه عدال كما ملئت جورا » مصنف ابن أبي شيبة
ّللا عليه وسلم « :ال تذهب األيام والليالي حتى يملك رجل من أهلومنها قوله صلى ه
بيتي يوطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ،فيمأل األرض قسطا وعدال كما ملئت
جورا وظلما » الحاكم المستدرك على الصحيحين "" .
الذي تنقلب له األعيان ،وفي أرض خراسان ينتشر خبر ما بين كرمان إلى أرض
نعمان .
"" كرمان ونعمان هما منطقتان من أراضي خراسان سابقا ،أراضي إيران
وّللا أعلم "" .
الجمهورية اإلسالمية حاليا ،ه
ذلك هو الذي تكون له البيعة عند الغلبة وتأتي رايات صاحبه من وراء النهر هو الذي
يشارك سين الختم العثماني ظاهرا وينفرد بالحكم والتصريف باطنا .
هذا معنى الخروج المشار إليه في القران الذي يكون في آخر درجة الميزان وتبقى مدة
الختم وبنيه مدة آخر ألف ونون ويتصور اسم قائم ألن في عدد هذا االسم ظهور راعي
الغنم في فالة من أرض عند باب الحديد من أرض المشرق .عدة جيشه كاسمه ينتهي
أمره إلى جواز أرض قرمان "" .منطقة واقعة في جنوب تركيا "".
وّللا
ويرهقه خوف صاحب الباب فيتفرق جيشه من حوله ويهلك في فرشه فافهم .ه
الموفق ال رب غيره .
وقوله ال تزال بادعة يعني يحدث فيها الحوادث ومع حكامها مخادعة يعني بالخدعة ،
وال تقال األمور موادعة يعني ال تدوم شدتها ،ألن الموادعة مفارقة حيث يقابل المريخ
كيوان بشرط أن يفترقا في آخر درجة من الميزان ،ألنهما طالما اقترنا في آخر درجة
من الميزان وما وقع ذلك الخروج .
24
الفصل الثالث في بيان رموز هذه الشجرة وما في ضمن الدائرة المذكورة من التنبيه
على الحوادث الكونية .
ّللا عنه " :الملوك العثمانية من السين الفاتح إلى األلف الخاتم عدد يد "
قال رضي ه
فـ إذا دخل الرابع عشر وإن نوزع في الكاف وخرجت عنه األطراف فإن جلوسه
صحيح وقدره رجيح ووجهه صبيح
يخرج من سجن النساء وهن يتلين عسى في مدته هياج وتوازن عجاج إلى ظهور
الختم الذي يوجب الكتم ،
والملوك العثمانية بين سين الفتح وألف الختم هم هذه الحروف بال خالف يعرف اسم
كل ملك منهم بحرفين من أول االسم إلى آخره .
وهم هذه الحروف التي تقدم ذكرها فانظر في هذه الحروف ترى عجبا يرجع األمر
وّللا أعلم بما كان ويكون سبحانه ال إله إال هو وال رب غيره إشارات
إلى البطون ه
أسماء الصدور وهم سبعة عند ظهور الختم فتدبر ترشد وهم هؤالء قواعد سريره
وصعدة كرسيه .
25
ّللا عنه قال :
فأول من شبه عليه الشيخ رضي ه
خيانة حرف خاء وحرف غين بانجراف بواطنهم على قاف الجيم ألمر عظيم وخطب
جسيم بإشارة حال الحال ،
إذا ظهرت حمرة عند الفرات فاضحة فهي إشارات واضحة في عام ع والعين عزل
القاف عن كرسيه في كظ .فافهم .
وقوله :حركة أخرى ترمي مصر بقوس الجور في زيغ وبقوس الزهرة بعد ذلك ،إذ
قد كان تقدم سر العدد في المدد بإشارة إذا قابلت الزهرة وجه زحل حال الحال بالكنانة
وغيرها فقد تقع المقابلة مرات عديدة منها حركة قيام الجيم على الميم وعلى خاء
وعلى عين وعلى ألف وحركته كبرى ،
أو على ميم ميم ميم في أحايين مختلفة كلها بمقتضى مقابلة الزهرة وجه زحل وما
رمزه الشيخ ورتبه على حركات االقترانات هإال لكمال الرمز وصيانة لمقام الكشف ،
وقوله :نزول أهل الزيغ في زيغ ،يشير إلى فتنة عظيمة في حكم العدد في اإلشارة
الثانية
وقوله :إذا قابل عطارد المشتري كثرت العوائد وقلهت الفوائد لجيم الجند والرعية .
وقوله :إذا دخل كيوان بالميزان نفخ الشيطان وضعفت غلبة السلطان واستدار الزمان
إلى س .
وقوله :إذا شرعت الناس في المخاصمة بطلت المحاكمة برهة ،ثم ينتظم األمر إلى
عام سين ،يشير إلى عام سير الجند إلى المشرق فإن السين ليست لعدد هنا .
وقوله :ظهور دال النون بعد الجيم بعد هياج عظيم يثور بها إلى عام سين ،هذه للعدد
واإلشارة إلى رجفات ورجات تتوالى برهة على الجنود والضد هو النزاع والهياج
معلوم ،
وقوله إذا ظهر النجم في آخر الدلو في حركات بها عزل وتولية وفي هاء النون
نظيرها ينسحب حكمها للسين يا لطيف ألطف فيه
إشارة إلى شدة الحركة وقوتها ،
ّللا مراد الثاني دليل على
ّللا تقتل ملكها وينصر ه
وقوله :تقوم طائفة من بني عبد ه
ظهور مراد ومراد .
إشارة إلى الفتك يملك أول اسمه ل وصرح بأخذ ثأره
26
ّللا مراد الثاني ،
بقوله :وينصر ه
وقوله :بغداد يخرجها بأكبر أع م خروج صغير
فيه إشارة إلى خروجها عن حوزة يد إمام الوقت بتغلب النيات عليها ،
وقوله :والخاء غير أخذ بغداد خ خ وال الجيم ج ،يشير إلى محاصرة بغ بحرف
الخاء وحرف الجيم العددية 3وعدم أخذهم إياها ،
وقوله :م ع م ز قوال وفعال هو إشارة إلى الحروف الثالثة وعدم أخذهم دار الخالفة
من أربعين إلى سبع وأربعين وفي حسم ملك الميم ،
وقوله :بغ ال يفتح بابها هإال بعد مضي ز م في ح م اإلشارة 48بعينها وإن اختلفت
ألفاظها ،
وقوله :ويخاف على 47مجال 48الشمال من باب األرض فخر وخرابها بالجيم
العددية ،يشير إلى ظهور خارجي بها ال يتم أمره وعلته الجيم العددية وقوله :مراد
يطلب الثار أوال قوله وله كرة أخرى هي حركة حم بعينها .
وقوله :رجة أهل الحرم من قوم أوغاد ال يتم لهم المراد بال فساد ،يشير إلى قيام
فرقة هناك ويهلكون بالواد ،
قوله :قيام أفراد مصر لنصرة أهل الحرم رحمة حتى يختلفون فيما بينهم برهة
هي اإلشارة بعينها واألوغاد ال نسب لهم وفعلهم قبيح ،
وقوله :لليمن قاف القاف ال يفتح وترمي مصر بقوس الجور حتى يرده ميم وجيم
بالتسليم لحرف الحاء والنون فافهم
وقوله :يخاف على بيرم الصدر في زم أو ح م .
وبعده ترتيب الميمات بمصر والباب م م م م م م م م كذا
وقوله :تعديل األدوار وظهور سعد ميم مراد هي في عام 1م يأخذ الثأر ويزيل العار
عند قيامه تلك اإلشارة إلى ما تقدم شأنه في حق مراد الثاني .
وقوله :خ ص إذا عمرت أسوان بالباء والعين في آخر الزمان حكمت النسوان في
دولة آل عثمان برا وبحرا ويكون خوف وضجر بها وبالحبشة آل ع وبالمغرب
اختالف بين أهله يعم .
وقوله :الميم القائم بالميم في بن عن إذن رحيم يثبت ،ويل للسبع من السبع
إشارة إلى قيام قائم بمصر عن إذن إبراهيم يثبت للحكم المقدر عليه فويل له من السبع
الذي يفترسه .
27
وقوله :حركة قزق مع الميم وحركة بدم مع الميم مع عالمة حركة الميم مع جيم
الكنانة في دن يشير إلى حركة تقع نواحي القزق مع الميم الصدر وبعدها نظيرها في
حصن بدم ميم مع آخر فافهم .
وقوله :يخاف على الجيم من عين يقوم بها في دن يشير إلى حركة تكون بين الجند
وحرف عين في الدال والنون يعني في دار النزاع ألن الدال والنون بلسان اإلشارة
هكذا ،
وقوله في عين العقبة جموع بمصر وتحكم العبيد على األحرار ثم تحكم الرعية شرار
البرية ،
وقوله :في براري مصر رجفات يشير إلى رجفات الفتن مع قطان الجبال فافهم .
سكارى َوما ُه ْم بِ ُ
سكارى[ الحج ، ] 2 : وقوله تعالى َ :وت َ َرى النا َ
اس ُ
م هما يحدث من ذلك األمر ،
وقوله :تثور الروم بدليل معلوم ترقبه تراه ه .ف إشارة إلى قيام حركة
بالروم مع م ح والظفر للميم الذي تثبت بعده ترقبه تجده ميم الصدر فافهم ،
وقوله :تحصل صكة الختم ج س من بعد ميم وفي دس نظيرها يشير إلى جلوس رحيم
الذي تفسيره ألف وميم بعد ميم ترقبه تجده بعد ميم يتقدمه من قبله
وفي الدال والسين ج د س نظيرها فتدبره ترشد ،
وقوله :س ل ي م وعند الختم يفترس من الكتم الرجوع األمر إلى البطون ،
يشير إلى الملك الخاتم ألن في جلوسه اختالفات كثيرة وأمور مهمة ال يجوز كشفها
وعند فناء حاء الزمان ودالها على فاء مدلول الكرود ويقوم مع السبعة األعالم والناس
غفل ،
إشارة إلى ظهور ميم ختم الختم األكبر وأصحابه السبعة األعالم رجال سدته وأصحاب
بيعته فتدبره ترشد ،
وقوله :ملك أحمد الملوك فيه
إشارة إلى دولة العثمانيين إذا ملكت أرض العرب
28
سيَ ْغ ِلبُونَ ض َو ُه ْم ِم ْن بَ ْع ِد َغلَبِ ِه ْم َ الرو ُم ( ) 2فِي أ َ ْدنَى ْاأل َ ْر ِ ت ُّ وقوله :ألم ( ُ ) 1
غ ِلبَ ِ
ص ِرّلل ْاأل َ ْم ُر ِم ْن قَ ْب ُل َو ِم ْن َب ْع ُد َو َي ْو َمئِ ٍذ َي ْف َر ُح ْال ُمؤْ ِمنُونَ ( ِ ) 4بنَ ْ
( ) 3فِي ِبضْعِ ِسنِينَ ِ ا ِ
ّللاُ َو ْع َدهُ َول ِك ان أ َ ْكث َ َر
ف ا ّللاِ ال يُ ْخ ِل ُ
الر ِحي ُم ( َ ) 5و ْع َد ا يز ا ص ُر َم ْن َيشا ُء َو ُه َو ْال َع ِز ُ
ّللا َي ْن ُ
اِ
اس ال َي ْعلَ ُمونَ ( [) 6الروم . ] 6 - 1 : النا ِ
فيها إشارة إلى مدد الدولة العثمانية ،تنقسم تلك األعالم األعداد على كراسي ملوكهم
في أوقات مخصوصة لهم ،
قد رأينا االتفاق الشافي في أعداد تلك اْلية ألنها جامعة ألمورهم
فتدبرها تعرف سرها وهذا تقسيمها :
" ا ل م غ ل ب ت ا ل ر وم ف ي أد ن ا ل ا ر ض وهـ م م ن ب ع د غ ل ب هـ م
س ي غ ل ب ون ف ي ب ض ع س ن ي ن "
ّللا ينصر من يشاء . هّلل األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ه
فإذا أردت معرفة ذلك يعني تقسيم اْلية فاألعداد في األحرف الترابية لكنها تبدل بأقل
أعدادها وال يمكن التصريح بسرها فتدبره .
قوله :وفي قتل م د بالكنانة فتح باب الفتن وال يقفل هإال إذا تمت عقود األعداد وظهر
سيد األفراد مع أصحاب أمجاد فيه
إشارة إلى قتل يتكرر مرات
ألنه ذكر قوله :أسها الفتك بإبراهيم بعدم د فافهم اإلشارة .
وعقود األعداد فيها أمور عظيمة يتكرر وقوعها لكنه لم يصرح بها خشية من وقوع
الفتنة فتدبر ذلك .
وقوله :وسيقدم ميم بأمر عظيم من باب رحيم ترقبه بنقض وإبرام إذا ناقش أرباب
ّللا بأهل الكنانة ،
األقالم وذلك إذا ظهرت عالمة النيرين في ميقات واحد يلطف ه
يشير إلى قدوم ميم ضخم من باب الملك يناقش أرباب األقالم بالنقض واإلبرام عزل
وتولية وإدخال وإخراج وحل وربط وذلك في عقد الوسط من اْلية الشريفة :يأتي إلى
الكنانة وعلى يده فتح باب الخاء فتدبره .
وقوله :قيام السين بفتح أرض العرب إلى قيام السين المعاهد بقونيه
يشير إلى سين الفتح وسين الختم الذي يظهر ويبايع الميم ببلدة قونيه من أرض الروم .
وقوله :إذا رجع األمر إلى أوالد البطون هناك حادثة البلخي وقيامه من وراء النهر
يقصد الباب وال يدخله وعلته ضيق وقته ،
يشير إلى حادثة تكون في أوائل ظهور الميم الخاتم من أرض بلخ وراء النهر وهو
السين المولود به وهو سفياني األصل فاعلمه . .
29
قوله :في إشارة البالغ واألعالم رجال النجدة ليسوا من جنس واحد صدرهم األعظم
ميم سليم رومي األصل وهو المنعوت في جفر اإلمام بالدين وهو صاحب التمكين
مر ذكره ،
ضابط اسمه ه
يشير إلى ذكره في عقود اْلية الشريفة من أولها وآخرها تركب أحرف الضابط االسم
فتدبره ،
وقوله :في بعض نسخ الدائرة من الشجرة فتح الجزيرة وذكر ذلك على صيغ شتى
وفي مواضيع متعددة لكن أصحها ما وجدناه مقابال على نسخة األصل نبه على ذلك
في محل قيام الروم عند صكة الختم في جلوس رحيم
وفي تمام الفتح أقوال لعدم ارتباط األعداد في عقودها واألصح في عام واو نون الغين
فافهم ،
قوله ( :ا ل م ر ر ي خ )
في ذلك إشارة العدد الموجب للقران الموعود إذا كانت الراء تاء هي بتكرارها ألن
الرائين حرف تاء فالتاء مع الخاء غين وبقية األحرف تطلب تكميل عددها من اْلية
من عقودها
ألن اْلية الشريفة إذا أتت أمعنت النظر في إعدادها وعرفتها بالجملة أو بالتفصيل
عرفت جميع ما تضمنته من األسرار وما اشتملت عليه من حوادث األمصار واألقطار
وفي قوله :قاسم جنة الكنانة إشارة عظيمة سرية حرفية ظاهرها ق م حتى يقضي
يظهر حرف عدد اسمه في حكم الضدية
معنى ذلك إن أول اسم الضد الظاهر بعده يكون عدد كامل حروف اسمه
ومعنى ظهوره بالضدية يعني نقيض ما كان عليه حرف القاف
وإذا ظهر هذا النقيض ينتهي لمرة في عدد اسمه فتدبر ترشد ،
30
يكون أولئك األفراد وحفدته وأركان سدته إن ساعده القران في قبة الميزان فافهم ،
وقوله :إذا نبتت شجرة الحنظل بالكنانة تثمر النفاق وتؤثر الشقاق وتفرق بين
الرفاق ويسري شؤمها إلى األفاق
وفي ذلك إشارة بليغة تعلم إذا علمت أشخاص الشجرة وفي رمز تخصيص الحنظل
دون غيره ألنه مقصور النفع على بعض أفراد
وليست على حكم اإلطالق ألن الحنظل تقدره نفوس بعض الحيوانات الناطقة
والصامتة نعم واإلشارة للذم ال للمدح .
وألجل ذلك يكون ما ذكر من النفاق والشقاق والفرقة بين الرفاق وسريان ذلك في
اآلفاق فال حول وال قوة هإال ه
باّلل العلي العظيم .
اعلم أن السين الفاتح جعلت المرة األولى الصافية في عدد اسمه من عام تفتح فيه
القاهرة إلى عام خروجها من يدري ذلك الوقت ومن عام الخروج المشار إليه إلى
الغاية عدة ألف ونون جامدتين وهي تمام المدة الثانية
وقد حررناها في اسم سليمان ولد سليم ألننا ما وجدنا الواحد وخمسين الزائدة هإال في
اسم سليمان والمدتين 191منها األولى 140والثانية . 51
أما المدة األولى :فهي الصافية دون مشاركة ،
والثانية :يدخل فيها تصريف الغير الذي ختم الختم الميم األكبر ،
فاعلم أن ذلك الخروج ليس على ظاهره كما يظنه من ال معرفة له بعلوم األسرار
الجفرية ،
ولهذا قال في هذه الدائرة خروج عدل ال خروج زوال
ألن خروج الزوال ألنه يبقى التصرف على حاله لكن تغيير النعوت الجورية بالنعوت
العدلية
وإلى ذلك اإلشارة بقوله :في ميم الختم يمأل األرض عدال كما ملئت جورا .
أما قيام العمد فعلى قواعدها األصلية من رجال الدولة العثمانية ألن دولتهم باقية
برجالها إلى ظهور العين في الشين هذا هو المعتمد عليه في االصطالح وهو المشهور
عند أرباب الجفور ،
فلو كان خروج جور لكان يلزم منه االنقراض بالكلية ولكان الميم القائم بينهم يهتم في
ظهوره بما ال يطيق من النعوت التي هي ضد العدل .
31
وقد انعقد اإلجماع على أنه يمأل األرض قسطا وعدال فلم يبق للخروج معنى هإال تغير
الجور والظلم بالقسط والعدل ال غير .
فافهم ما أشار إليه في األصل بقوله :خروج عدل ال خروج جور
وَّللا يقول :هداك بمنهه وكرمه ،
ّ
وقوله :وسنوضحه لك بعين نعرفك كيفية االستخراج منها بوجه الئق من وجوه الفن
الذي عليه االصطالح متى أردت االستنباط لشيء من اْلية
آلف حروف الطبائع لكل عنصر على حدته
ثم خذ عدد ذلك المجموع وعمر به جدول على قدر العدد واستنطقه ينطق بالمقصود
وهذا الوجه أصح الوجوه كلها ،
وثم وجه آخر هو أن الجملة المجتمعة من الحروف المذكورة تتولد توليدا واحدا أو
تجمع أعدادها جملة واحدة تقسم ثالثة أقسام
فيطرح قسمان ويؤخذ القسم الواحد يعمر به جدول بقدره ويلقط منه 12 12فإذا تم
وّللا الموفق ال رب غيره .
أدواره تجده ناطقا بالمطلوب ه
واعلم أن لهذه الدولة تأصيل نسب وعلو مرتبة بأصل صحيح يعلم منه شرف مقاماتهم
العلية
طفَيْنا ِم ْن ص َ تاب الاذِينَ ا ْ وذلك التأصيل في اْلية الشريفة في قوله تعالى :ث ُ ام أ َ ْو َرثْنَا ْال ِك َ
ِعبادِنا[ فاطر ] 32 :
ّللا عليه وسلم مع ما أشارت فقد دخلوا ضمن اْلية الشريفة لكونهم من أمة محمد صلى ه
إليه اْلية فال شك أنهم في سلكها .
ور ِم ْن َب ْع ِد ال ِذه ْك ِر أ َ ان ومن التأصيل المشار إليه أيضا قوله تعالى َ :ولَقَ ْد َكتَبْنا ِفي ا
الزبُ ِ
صا ِل ُحونَ ( ) 105إِ ان فِي هذا لَبَالغا ً ِلقَ ْو ٍم عابِدِينَ ( ) 106 ِي ال ا ْاأل َ ْر َ
ض يَ ِرثُها ِعباد َ
[ األنبياء . ] 106 ، 105 :
أما الصالحية فهي بالنسبة إلى غيرهم من أصلح الدول بعد الصحابة والتابعين لوجود
النعت فيهم وباعتبار انقيادهم للشرع الشريف وتمكينهم من رتبة العبادة والخدمة
والصالة والصيام والزكاة والحج والجهاد ومالزمة الجماعة وأتباع السنة وحسن
العقيدة ،
وق هل أين يوجد ذلك بكماله في دولة من الدول الذين تقدموا .
وأما لفظة لبالغا فهي إشارة تقيد العلم بالوقت المنتظر وكفى بذلك شرفا ورفعة فمن
ّللا تعالى وفتح عين بصيرته رأى نعت الصالحية فيهم ظاهرا ،أو سيظهر ذلك أيقظه ه
ّللا تعالى وتشاهده عند ظهور دولتهم فافهم .إن شاء ه
32
اعلم أن ظهور هذه الدولة قد حكاه ونبه عليه صاحب األصل في خطبة البيان بإشارة
واضحة
وذكر مبدأ ظهورها اإلحاطي في بكظ
وانتهاء ظهورها في دسغ
وأنها ستظهر على غالب المعمور من وجه البسيطة ويقهرون من ناوأهم وينتهي سير
ّللا على يد م ح .
جنودهم إلى الجزيرة الكبرى ويفتحها ه
ومن المدن المنسوبة إلى معنى اإلشارة وتفتح ميم بالتسليم وأخرى بهول عظيم وأخرى
يحب رحيم وأخرى بالرعب العميم . .
قال :ويتسلسل ذلك األمر إلى أن يظهر العلج األصفر والطود األصغر ويجمع
الجنود على حصن النهر ويقابله ميم الصدر في السفن البحرية وعلى الخيول العربية ،
ّللا الميم
فيغرق العلج وتهلك جنوده وينصر ه
وبمصداق ذلك في عقد من عقود اْلية الشريفة ،وسنذكر لتقسيمها قاعدة أخرى مقيدة
فيها بالغة عظيمة إذا أتقنت بإتقان الشافي أوضحت مكنونها ويثبت مضمونها وكشفت
عن وجوه حقائقها ،
33
ثم إلى غاية الغاية المنبه عليها بقوله تعالى :ث ُ ام نُ ِف َخ فِي ِه أ ُ ْخرى فَإِذا ُه ْم قِيا ٌم
ظ ُرونَ [ الزمر ، ] 68 :َي ْن ُ
فمن وقف على سر هذه اْلية الشريفة عرف األمر على ما هو عليه ،وكشف أسرار
الدورة اْلدمية جليها وضغينها ووجب عليها الستر رحمة ألهل الدائة الحية ،وإال
تعطلت معايشهم بالكتم لما في إظهار ذلك من الضر ،
وإال تعطلت أمور وإذا أميط عنه حجاب الستر ألن الحجاب رحمة ألهل الدائرة الحسيهة ه
معايشهم وتصير أبصارهم طامحة إلى رؤيا ما ال قدرة لهم عليه ،
فالكتم أفضل والستر أولى ،وأرباب الحقائق ما اصطلحوا هإال على التنبيه بأنواع البيان
وأحالوا أتباعهم على معرفة األصول التي هي المفاتيح ال غير ،
وعرفوا أن من حذا حذوهم واقتفى أثرهم يلحظ بعين بصيرته ما تضمنته تلك األصول
،وبهذا المقتضى صارت الحكمة والمعرفة في األفراد واشتغلوا الناس في العموم بما
هو األولى واألحرى في حقهم ،
س ْخ ِريًّا[ الزخرف . ] 32 : ض ُه ْم بَ ْعضا ً ُ وإلى ذلك اإلشارة بقوله تعالى ِ :ليَت ا ِخ َذ بَ ْع ُ
من التسخير في المصالح الكونية التي فيها حياتهم .وسلطان الجمهور هو األمل
الباعث على حركات الهمم لتعمير المراتب باختالف المرادات إذا الحكم مختلف ،
وإن كانت العين واحدة باالتفاق فاألصل هنا له السلطة لقوة تصريفه بنور الوهم الحاكم
على مطلق مراتب الوجود ،
فاألمل يحمل صاحبه على تعمير الرتب ،والوهم يحمله على تحصيل ما يخاف فوته
من المرادات إذ لوال األمل ما أحدث شيء ،
ولوال الوهم ما خاف الملكين من هو أعظم منهما في المملكة اإلنسانية يس همى اليقين
يقوم في صورة اإلنسانية ،
فيغلب األمل والوهم ويطويهما طيا كليا ،وقيامه في الصورة على قاعدة عظيمة هي
اإليمان الباعث على الذوق يجر إلى الشوق والشوق يجر إلى العشق والعشق يجر إلى
الكشف والكشف يقضي إلى الثبوت والثبوت يفضي إلى الرسوخ والرسوخ هو المشار
الرا ِس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم َيقُولُونَ آ َمناا ِب ِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َر ِبهنا[ آل عمران : إليه بقوله تعالى َ :و ا
،]7
وأربابه هم أهل التمكين الذين عرفوا األمر على ما هو عليه وفصلوا مجمله وأجملوا
تفصيله ،
فهم ناظرون إلى ما وراء األستار مشاهدون لما بطن وما ظهر من األسرار قائمون
بمطلق المراتب من غير تعطيل ،
قد فازوا بأسرار تجليات األسماء من تمثيل ال يخرجنهم الفزع األكبر ،
وال يغير بواطنهم الهلع هإال ظهر ألنهم محل جريان األقدار ومجالي الظلمات واألنوار
وقد عثروا على العين الخضرية فيشربوا وطابوا كلما الح لهم في الدائرة الخلقية بارق
حادثة حملوها على ما كشف لهم من أسرار أسباب حدوثها ،
فهم بهذا الحكم في عين البقاء وما سواهم بالتبعية لهم على قدر مراتبهم ،
34
وبهذا يتضح لك سر طروء الحوادث كائنة ما كانت ووقعها في اْليات المختلفة بحكم
اختالف االقترانات الفلكية كما قررناه سابقا .
وحيث انتهى البحث إلى هنا فلنرجع إلى ما نحن بصدده من تبيان الحوادث والوقائع
وباّلل التوفيق وهو
ه المودوعة في رموز الشجرة التي نحن بصدد بيان أسرارها فنقول
الهادي إلى سبيل خير فريق :
َّللا بتأييد العصمة أن بعض الفضالء من المطلعين على األسرار الحرفية اعلم أيدك ّ
والكنوز الجفرية ألف ورقات لطيفة فيما يتعلق بالحوادث الكليات الكبار ،
وأسس تلك الورقات على حروف أبي جاد ،فجاءت مطابقة لحوادث الربع المعمور
من البسيطة ألنه جعل لكل قطر من األقطار قاعدة مبنية على حرف أو حرفين من
حروف أبي جاد ،
وأعطى لكل قرن ما يليق به من تلك الحروف التسعة والعشرون بحسب طبيعة ذلك
المنظر وقابلية أصل ذلك القرن ،فال تكون حادثة في قطر من األقطار في قرن من
وإال بسر قيام أهل يخصه من تلك األحرف ، القرون ه
وجعل مثال ذلك في دائرة مربعة األركان غير مستديرة الشكل بل مسدسة في عين
التربيع ،لم يراعي فيها هإال تصور أسماء الحوادث في صور األشخاص القائمة في
الوقت وعدل عن بيان األسماء مجردة وسماها دائرة الخطوط في األمر المربوط وهذه
صفتها :
فانظر في كل حرف على انفراده ،واعرف مركزه وخذ من كل نقطة نقطة اسم شيء
يظهر عند مخضه وتوليده ،يتصور بين يديك جملة من الحوادث الكليات المودعة في
جدران الحروف واألعداد ،
واعلم أن االبتداء في العمل من ركن المحراب ،وحرف األلف والهاء والطاء والميم
والفاء والشين والذال المعجمة ،ويمشي على اليمين إلى الظاء وهو حرف الغاية من
عنصر الهواء الذي عليه المدار في الحركة ،
ولما اطلعت على هذه الدائرة المربعة ووجدتها مثمنة األركان اخترت تربيعها في
صورة أخرى وقسمت الحروف على أركانها األربعة
بهذه الصورة كما ترى :
35
وقد ه
اطلع عليها بعض العارفين فأعجبته لما في طيها من األسرار العجيبة واألمور
الغريبة ،فلكل ركن من األركان سبعة أحرف طبيعية تؤخذ أعداد أوالدها المنوطة
منها وتجمع جملة واحدة ويدخل بها الطالب إلى جدول مناسب ويعمر بها ويستنطقه
ينطق بحادثة الوقت التي تخص ذلك الركن ،فتدبر ذلك واعمل بمقتضاه ترشد إلى
سواء السبيل .
واعلم أيها المريد المسترشد أن بين يديك عقبة كؤود ال يقطعها هإال كل ضامر ،وهي
أعظم العقبات المانعة عن الوصول إلى معرفة أسرار الحروف يقال لها عقبة
االشتراك بين حرفين ،ألنه قد يتفق االشتراك بين حرفين في قطر من األقطار ،
ووجه التخلص من هذه العقبة أن يؤخذ عدد الحرفين ويضرب في مثله ،ثم يضرب
المجتمع أيضا في مثله ،فتظهر جملة جامدة تسقط تلك الجملة 99والباقي بعد اإلسقاط
هو الحرف الذي ال يقبل االشتراك ،فاحكم به على قطره وهذه قاعدة عظيمة فاعمل
بها ترشد إلى الطريق والصواب .
واعلم أنه إذا تمت أعداد بضع سنين يفتح باب ( هـ م ب ع م ) يلزم من فتحه حصول
جملة من المتاعب ال تزال تزداد وتنمو شيئا فشيئا إلى الميقات المعلوم ،
فمنها في ( ز ن ) ألن شق العصا وتفريق الكلمة عند من عصا خصوصا في الحروف
األربعة التي هلكت األشرار ولوال أطيار األعشاش طاش من طاش وعاش من عاش ،
فالقاف الراحل مخرب المنازل
والقاف القائم مجده مالزم وحزن الناس على صعب المراس وظهور النساء في صور
الرجال وبال وأي وبال ،
والجزيرة البحرية تفتحها المراكب السحرية ،والحاء المصري يظهر مع البوم ألهل
الروم ،
وحرف السين يقود الجيم للعراك وهو ال يعلم ما هناك ،أما حرف الميم فأمره عظيم
إذا تعددت أشخاص الميم في الميم قويت شوكة األخيار وذلت األشرار ،تنبه يا نائم
لألمر القائم وال تغفل يا مطلوب ألنك المخطوب ،
36
إذا باح الميم بسر التعليم ارتجت الكنانة بخطب عظيم ال شك وال خفاء أن الطرف غفا
عن حادثة البرق في الشرق قيام الميم بنعت الخالف
يوجب تحريك األطراف وخروج الخان على ميم قرمان يحرك صاحب اإليوان على
طلب ،وإن رب الممالك مالك وضد وقته هالك ،ال يخدم الملوك ّإال كل مملوك
وال تعمر القاهرة بالفئة الظاهرة بالثالث الهوى أنت ممن غوا ،
لوال الدوا يا سادس الناس ركبك العار يا رابع الماء ،
قد بلغت السماء من تعدى حده تجاوز إلى ضده ،
ويح القاهرة إذا حكمت العاهرة ،
أما دابة األرض فهي صاحبة الطول والعرض كيف يطيب العيش مع وجود الطيش ،
إذا تفرقت القلوب تفرقت األجساد ،
إذا كثرت الخصيان خربت البلدان ،إذا عمرت الخزائن خربت المدائن ،
إذا عمرت األجداث حكمت األحداث ،بين النون والسين يفتح التحسين ،أما عقد البيعة
فال يصح بالضيعة .
وال يصح األمان هإال في صفاء الزمان باختالف الفرقة ،تكون الفرق بكثرة الحساد
يظهر حكم اإلفساد ،
أما الكنانة فهي عش األمانة إن سلمت من الخيانة ألن رجالها نبال رشاقة ،
وأعينهم رامقة يصفو لهم الوقت المعلوم إن خالفوا رأي البوم ،
أما التخليط فمن علة التفريط إن قويت حرارة الميم أحرقت كل زنيم ،
أما المشورة ليس فيها معيرة ألن االتفاق يجمع شمل الرفاق والفرح الدائم عند انتباه
النائم ،
كل حركة تكون في الكنانة من الفتنة الفتانة بسر عش القاف بجمع األطراف على
شرط اإلنصاف بسر االئتالف كيف الخالص والطيور في األقفاص وْلت حين مناص
يا قائم نم ويا نائم ،
قم يا رب الباب احذر من األصحاب وأكرم الحجاب والنواب ،يا مصري ال تؤاخي
القصري ألنه غدار وغايته الفرار وعليه المدار .
هذا جميعه حال االقتران والقمر في الديوان ،ومقابلة المشتري كيوان ترقب ذلك إذا
أرغمت المعاطس وكثرت األفاطس ووسوست القساقس وانتهى عدد غين فافهم ،
وإذا فهمت فاكتم .
وعليك باتباع الميم إذا تربعت قواعدها واشتد ساعدها وأعطت المدد
واعلم أن هذه اإلشارة كلها بين قرنين كبيرين منحصرين فيما بين النون إلى السين
وفي ألف السين ظهور النجم األحمر فوق الجبل األخضر ،يراه كل ناظر من يراه كل
باد وحاضر
ويخشى على خدام ذلك النجم الفرار من كشف األسرار ،
ويذبح القربان على باب أسوان إذا اجتمعت الفئتان ،
37
واتفقت آراء الغربان وجارت العربان ،
فالكنانة مصونة وأسرارها مكنونة كلما أطرقها طارق أو قصدها مارق رمي بشهاب
ثاقب من رب المشارق والمغارب ألن عمدها قائمة وإمداداتها دائمة وهي الربوة
المباركة التي ال تقبل المشاركة
قد أحاط بها جبل ق من جميع األطراف قاف محيط باألكناف فهو عالي الذرى لتربية
أمجاد الورى
سيفشو أمره ويذاع خبره ترقبه في جوف الكنانة وهو محيط بها لكن ميقاته السين
لكمال التعيين .
أما رابع النار فعليه المدار في حفظ الديار ال بد من االتفاق على ترك النفاق ،
وفي دسغ العدد يظهر سر المدد
وذلك أعدل المدد لقرب الوقت المعلوم وحصول القدر المحتوم ،
إذا نفذ عدد الدسغ فاح شذا طيب الميم فال يشمه ّإال كريم ذو عقل سليم ،
وليس أحرى لذلك اإلسهام الكنانة المهيؤون لحفظ األمانة ،وفي عين الغين ينصلح
وجه البسيطة بالتمهيد المطلوب بكل حبيب يحكم محبوب ،
هذا ما دلت عليه الحروف في حيثية أعدادها واستنطاقاتها بحكم االصطالح المتفق
عليه الجمهور ،
فانتبه لما أبرزته قدرة الباري سبحانه من أسرار الحروف واألعداد فافهم .
وقال بعض من اطلع على دائرة الشجرة النعمانية وحرر إشاراتها وأظهر مكنوناتها
بالصناعة الحرفية ،
إنه إذا أخذت الغين الجامدة استحقاقها تختلف أحوال القاهرة من الحوادث المتواترة ،
ويختل نظام قطانها وتتغير أهوية أزمانها وتنبت بها شجرة الخالف تعم وتتفرق
أغصانها ،في األطراف وتثمر عدم االئتالف بين الجواهر واألصداف ،
تلك شجرة الحنظل التي تقذفها النفوس وبظهورها تتفشى المظالم والمكوس ويتكرر
الطاء المترادف بالعكوف ،
فالرجات مترادفة والحركات متقاربة ،
وهي مبنية على السالفة فالعين مخذولة وحرف األلف مقتول
والميم سيفه مسلول يقتضي األسود وأمره غير مردود وعلى يده نقص العدد وإرغام
أنف الوالد والولد
وإخراج فرقة بعض النواجذ من شؤم رأيهم الفاسد ويناصحه الميم والباء بال مراء وهو
خراب أول القرى ،
ويكون الدور والتسلسل في النزاع وظهور االبتداع ،
وال تنسى رجة الحرم من األوغاد وسهام الكنانة تأخذهم في الواد عند شجرة القتاد ،
هل سهام الكنانة ّإال رجال النجدة وأرباب الحدة ،
سيظعنون منها وإليها يعودون بعزم متين ونصر عزيز وتمكين ،
38
أسس تلك الحركة قيام القاف بالجيم ،إلى الياء يقضي ذلك إلى اختالف عظيم في
األمور ويفر القاف من الجيم ويرجع بأقبح رد غيبته ،
يريد الكنانة فيرده من يرهقه ويصده عنها إلى مغربها تقول برهة ويقضي فال يعمر
عشه بأفراخه إلى غير الغين ،تأمله تراه وترقبه تلقاه ،
أما قيام العرب من العجب ألنه ينتج النصب ،وتعطيل النفوذ من السود أكالين الكبود ،
وتكرار وارد الباب من أعظم األسباب للخراب ،إن صحت الجمعية هلكت الرعية .
إياك والغفلة فإنها رفلة ،كن في السواد األعظم فإنك ال تندم بل تغنم ،
عليك بالبيت المعمور فإنه مغشى بالنور ،ال تفارق الكنانة تبقى وحيد وتستحكم فيك
العبيد ،
وإذا رأيت القران األول فاعلم أنه عالمة واضحة أنوارها واضحة غير معاينة هي
عالمة ظهور الكردي النائم ومالقاته لميم قائم ،
ويستمد الميم من الكنانة بعدة الغين فيظعنون إليه ويجتمعون عليه ،
وينهزم الكردي بخربة ويرجع المصري على دربه بعد حربه يدخل الكنانة في رجب ،
والناس من جهته في وصب ،
وال تنسى حادثة الزوراء وما بعدها فإن لها سبع كرات حتى يجتمع الشتات ويذل شاه
العجم لراعي الغنم ويؤخذ ولده أسيرا إذا خالف المشير ،
وسابع كرة عند اجتماع نجوم المجرة ،
وتسكن الحركات بالكنانة بصفاء الوقت برهة حتى ترد أخبار الكنانة من الروم بقيامهم
على ساق واجتماعهم على حصن النهر ،
ومالكه إذ ذاك ميم ونصرته ميم وميم وميم وحاء وياء قديم ،
وتستمر الحرب بينهم ميقات والنار يضرمها الهياج والنهر متالطم األمواج والسبعة
المجتمعة يهزمهم صاحب الراية المرتفعة ميم الحصن العثماني وصدر المقام الخاقاني
والسابع منهم غريق وهالك السفن من الحريق يا لها من وقعة هائلة ما شوهد مثلها في
القرون الخالية الزائلة كيف ال ؟
وجنود أهل الطغيان مجتمعة من خلف هميان ،ال شك وال خفاء إن عظيمهم القران
األكبر شناره مرتفع بصليب الجوهر ،
ثم ال تقوم لهم بعدها قائمة وهزيمتهم إلى الميقات دائمة ،عندها يلج الميم بالجيم دخوال
إلى مدينة العجب وكنيسة الذهب ،يتم حصارها ميقات وتفتح في أشرف األوقات الذي
هو اليوم األزهر في ساعة صعود الخطيب على المنبر ،
ويغنم الميم وجنده غنيمة ما غنموها قط هإال في تلك الوقعة غاية الوقائع اإلسالمية وما
بعدها هإال وقعة أصفهان مع جنود فارس وكرمان ،
وينهزم رب الطيلسان بجنوده على شط النهروان ،
39
تلك نهاية حركات الميم صاحب القائم ،وقد تم دور المريخ وكيوان المنتظر في حكم
القران ،
ليت شعري هل علمت من يكون ذلك الميم هل هو إال ليث الكنانة الصمداني المتصدر
في سدة السين العثماني عهده مثبوت وعقده غير مبتوت
لتعلم أن الحركات التي تحصل في الدائرة أسسها ومعظمها جيم القاهرة ،هذا غاية ما
نصه ذلك الحبر في معنى قوله :إذا أخذت الغين الجامدة استحقاقها كان وكان فافهم .
40
وأخذ المراكب البحرية في عتبة اإلسكندرية واألمواج قائمة كالجبال والرياح تختلف
على اليمين والشمال ،
يا لها من غنيمة ما أكثرها من نعمة ما أغزرها ،ونقمة على األعداء الذين ال يبتغون
الهدى وال يستحقون النداء وال يتقون أفعال الردى ،
تلك الواقعة سبب تخريب بالد الصليب وقيام األطراف على جزيرة القليب ،هذا في
قران ثابت الطرف من هوله هإال في قطر الكنانة فإن طالعها قد خص بالصيانة ال
يقهرها قاهر وال يظهر عليها فاجر ،
فهي محفوظة األركان مخصوصة باألمان واإليمان حتى تشرق الشمس من عين
الروح إذا تعين نزوله في يوم العروبة من المنارة البيضاء كما هو منصوص عليه في
األصول المشيرة إلى ما ذكرناه آنفا ،
ورب قائل يقول قد دلت األصول بالقرائن إلى عالم ط صنع وختمه ،فماذا تدل عليه
بعد ذلك وهذا مما ال بأس به ألن الحوادث لم تزل مترادفة ما دامت األفالك دائرة
بالحكمة ،
فإذا تمت الدورة الخيالية المثالية وأخذت استحقاقها بعقود المدة المقدورة العددية المشار
إليها بلفظة قيام وينظرون تم األمر وانتقل الحكم من ترتيب الحكمة إلى تدبير القدرة ،
وينقضي طرد الحوادث بانقضاء الدورة الخيالية
لكن لما كان األمر يحتاج إلى التنبيه على ما بعد عام قاف الغين إلى نفوذ عدد ينظرون
وّللا أعلم تنحاز الممالك في أيدي البغاة
نقول إن :القاف إذا تمت شهورها وأيامها ربما ه
من المتغلبين في كامل أقطار البسيطة .
وتستمر الكنانة في حصن الصيانة فتقوى شوكة قطانها حتى ال يدخلها دخيل وال
يتصرف فيها بديل
رجالها األعيان عدتهم الغين الجامدة غير المتحركة ،
إذا آن أوانهم وتعينت أعيانهم شيدوا أركانها وكثروا أعيانها ،
فالفرد القائم إذ ذاك هو الميم ابن الميم من األحرار ال من العبيد ،
رجاله رجال النجدة عدة الغين كما تقوم حوادث زمانهم جزئيات غير كليات لكثرتها ،
فال حاجة إلى ذكرها لعدم فائدتها ،
غير أن التنبيه على األحرف الضابطة ألسماء الرؤساء منهم ال بأس به واألخرى منهم
بالتنبيه على اسمه ما في هذه الدائرة :
"ع ح ح م م ق س " وهم سبعة ألنهم رؤس والجميع بالتفاق 100 40 40 8 8 70
10
41
وعليهم المدار في الخالف والوفاق فافهم ،األمام والوراء هذا ما دل عليه نطق األعداد
المستخرجة من األزواج واألفراد باألصول الحرفية والقواعد الجفرية .
وّللا يتولى هداك بمنه وكرمه ،وحوله رجوع واستدراك لما فيه الحاجة أكد فاعلم ذلك ه
من التنبيه على حوادث الوقت الذي بين الغين الجامدة والغين غير الجامدة والمدة
الزائدة إلى تمام عدد القاف الجامدة ،
وباّلل التوفيق إن واضع الشجرة لم ينبه فيها هإال على مقتضى حكم الوقت ال غير ه فنقول
،وذلك من القران األول الذي نص عليه في قوله :
إذا انقضت قاف الجيم قامت ميم سليم إلى القران الثاني المشار إليه بقوله حيث يقابل
المريخ كيوان في آخر درجة من الميزان ،
وأحال االطالع على ما وراء ذلك من الحوادث الكلية على فن االستنباط من األصول
لكنه أنموذج الجميع ،
ّللا عنه في دائرة الشجرة بحسب الوقت وقد نبهنا على بيان ما رمزه الشيخ رضي ه
والقابل فال بد من التنبيه على أسماء رجال بين الغين والسين وإن تأخر محل التبعية
فال معيب
وهذه دائرتهم كما ترى :
ثم على سبع جداول حرفية تشتمل على أسرار خفية يفهم منها ما أغفله الشيخ وظن به
فلم يذكره صريحا غيرة عليه كما جرت عادة كل واصف خبير ،
الجدول األول :
جدول التقابل للحروف المشار إليها وهي حروف الكوكبين المشار إليهما في دائرة
الشجرة بأنهما إذا تقابال في آخر درجة من الميزان كان وصار وهذه صفة تقابلهما في
الدرجة المذكورة باالعتدال الطبيعي كما ترى :
42
والجدول الثاني جدول المقارنة وفيه األحرف على غير النعت األول فهي مقارنة فلكية
تشير إلى أسماء أفراد الوقت الذي هو بين الغين والسين فافهم وتأمل وهو هذا كما
ترى :
ألن األحرف تكون تارة بالمصادقة وتارة بالمضاضدة لكن على طريق مخصوصة
خالية غير طبيعية فافهم .
الجدول الثالث جدول االستبدال وهو جدول فيه األحرف عربية بأعيانها وهي :
فتبدل الحرف بما في رتبة من العنصر الثالث حتى تتصور األحرف ينظر فيها فكل
حرف منها أول اسم من أسماء األفراد أصحاب الوقت المشار إليه بأن فيه مقابلة
المريخ كيوان في آخر درجة من الميزان وهم أفراد البطون أرباب المدد الذين يمهدون
ويمدون أرباب السيف بالهمم وعليهم المدار فافهم .
الجدول الرابع جدول االشتراك توضع فيه األحرف جملة بأعدادها وأوالدها ويصور
منها األحرف الجامعة للسيف والمدد ،هم خواص األفراد بحكم الوقت في دائرة الكنانة
وهذه صفاتها :
واإلسقاط تسعة تسعة والفاضل مشيب عربي وهو األسم األول من الحرف فتدبره
43
الجدول الخامس :
جدول طبيعي توضع فيه األحرف عربية بأوالدها دون األعداد وتجمع كل حرف
طبيعة على حدتها فيعطي لكل ركن حقه من األحرف وتصور األسماء من الحروف
كما ترى :
فتظهر أسماء األفراد أرباب المراتب في الكنانة بحكم ما بين النون إلى العين فافهم
ذلك ترشد إلى وجه الصواب
وّللا يتولى هداك بمنه وكرمه وهو الهادي إلى طريق الصواب وهذه صفاتها : ه
الجدول السادس :جدول األسرار وهو جدول توضع فيه األحرف كما هي بقدرها
عربية جامدة ممتزجة ببعضها سطرا واحدا أو ترد العجز على الصدر حتى يصير
األخير هو األول بعينه وتجمع أعداد الجميع جملة واحدة وتقسم جملتين بالسوية وما
وّللا الهادي إلى
زاد ينزل فيصور من كل من جملة اسم أو اسمين أو ثالثة مثال فافهم ه
طريق الرشاد .
ا ك ل ى م ور ا ر ن ى خ ك ى وا ن
ال تزال إلى ترد صدره على عجزه حتى يظهر زمامه بعينه وتسلك به المسالك كما
تقدم .فإفهم
الجدول السابع :جدول األسرار وهو جدول توضع فيه األحرف كما هي بقدرها بعد
توليدها ،واألخذ منه العاشر دأبا على التوالي من أعاله إلى أسفله حتى ال يبقى فيه
حرف ثم انظر في األحرف الملقوطة من العاشر للعاشر وتضم إلى بعضها وتركب
أسماء فيظهر من تركيبها أسماء حوادث عجيبة ووقائع غريبة ،فاعمل بهذه الجداول
السبعة ترى عجبا عجيبا وأمرا غريبا ألن اإلشارة في الكوكبين جمعت أسرار الدائرة
،واعلم أن الكوكبين إشارة إلى رجلين نحسين يظهران في معرض المضاددة والمباينة
والصورة صورة المصادقة ،وذلك هو النفاق الصريح وظهوره هو النعت القبيح وإليه
اإلشارة في دائرة الشجرة بقوله :
44
ويظهر الشقاق بين الرفاق :واعلم أن ميقات ذلك ما بين النون إلى السين نفوذ عدد
غين ،أما بعد سين الغين فحكم آخر غير النفاق المشار إليه ،
فمن أراد أن يعرف شخصي الكوكبين النحسين المشار إليهما ،
فليأخذ عدد أحرف الكوكب الواحد دون اْلخر ويضرب العدد في نفسه فيتصور له
جملة جامدة يركب منها أحرف االسم ضرورة ،ويفعل بأحرف الكوكب الثاني كذلك
فإنه يعرف االسمين كل واحد على حدته ،
وإن تعذر النطق فهو بالخيار إن شاء ولد أحرف النطق واستطرد حتى يظهر االسم
صريحا ،وإن شاء أبدل األحرف من العنصر الثالث من رتبته يظهر لك صريحا ،
وكأني تلمحت طريقة في بعض األصول تجمع أسرار الدائرة كلها جليها وخفيها
وتوضح مكنوناتها .
وقولنا يركب من األحرف أسماء كذا وكذا فيحتاج إلى معرفة صناعة التركيب لألسماء
من األحرف المذكورة ألنه تارة ينطق الحرف بأول حرف من االسم كالسين مثال من
اسم سليم أو الدال من اسم داوود والميم من اسم محمد هذا وجه .
وتارة يكون الحرف الناطق في عدد غير الناطق في بدله من ثالث عنصر ،وبهذا
يتضح لك سر وضع الحروف في الدائرة وتركيبها كلمات ناطقة من دائرة كرة مصر
إلى لفظة عثمان ،
وأما ما زاد على ذلك في بعض النسخ كقوله بعد لفظة عثمان :
45
خروج وعدل ال خروج جور
فذلك ليس فيه رمز بل فيه إشارة إلى أن الخروج ليس على ظاهره كما يظنه من ال
معرفة له باالصطالح ،
فالخروج هنا على الحقيقة من الجور إلى العدل ال غير لكون الميم الخاتم القائم على
ظهوره رحمة ألهل اإليمان ونقمه على أهل الكفر والطغيان ،
قيامه لتجديد الشريعة وسد الذريعة ،وأعظم أنصار ميم السين العز والتمكين صدر
الصدور الخنكارية وأمين األسرار العثمانية ترقبه تراه إذا سبق رب الباب ،
وهو بأرض دارب يجتمع على سميه ببلدة قونيه الرومية ويبايعه ببيعة يتربصها رب
الباب ويحققها بتكميل عدد األصحاب ،
ذلك أوان السرور وزمان الرضا والحبور ،كيف يقال إن ميم الختام يتعرض بطريق
التغليب ال صلح حكام األنام في اإلسالم
حاشا وكال أن المنعوت بالفضل الموصوف بالعدل يعدل عن الصراط المستقيم أو يميل
عن الخط القويم ،
ال سيهما وقد نعته سيد األكوان وأشرف ولد عدنان بأنه المحيي للسنة والفرض وأنه
رحمة ألهل األرض ،
وقد ثبت عند علماء الحقيقة ومشايخ الطريقة بأنه يظهر في آخر الزمان وتقبل راياته
من قبل خراسان وسواد راياته من السؤدد ال من السواد ،
وقائد جنده أعظم األفراد يقوم من وراء النهر في عدة مستعدة وأمجاد أهل قوة وشدة
حتى يوافي شط الفرات ويقابل أبطال الغزاة ،
يا لها من فرحة ما أعظمها وجملة أعياد ما أكرمها ،هذا والميم الخاتم األعظم بين
الركن والمقام وزمزم ينتظرون الوقت المعلوم وإن برز له من الحضرة مرسوم يأتيه
اإلذن بالظهور في أشرف الشهور فيأتي بخواص أصحابه الكرام إلى غوطة الشام ،ثم
ينتهي سيره إلى عين تاب ويجتمع عليه قبائل األعراب ،
فإذا وصل قونيه الحصينة يجتمع به صدر الباب العثماني على الرضا والتسليم عن إذن
سين سليم الحميم .
هناك اتفاق األمراء على الفتح المبين الخاتم لفتوحات أهل اليمن ،
ذاك هو الفتح الموعود به في األصول إلعادة ذخائر بيت المقدس وكنزه المنقول بعد
خراب رومية وهدم البيعة الذهبية ،
وهي أعظم مدينة يغنمها جند الميم
وهذه صفة البيعة وبيانها للتعليم والتقسيم صحيح .
46
أما التعليم فهو اإلعالم بالسر المكتوب
والتقسيم لبيان األحرف المرقوقة ألربابها في األس القديم واسم البيعة هيكل أهل
الطغيان وحزب الشيطان وعباد الصلبان .
معقل الدين الحنيف ومقام العز والتشريف ينفرد بالمقام فيه ذلك المقدار مع سين الوقت
القائم في بابه بأتم النظام ،
ويرجع صاحب الديوان إلى مستقره مع يحيى صاحب سره الذي لم يقف أحد على
حقيقة اسمه ومقره ،معلوم عند علماء الرسوم ،
وعند ذلك تندمج الميم في العين ويزول العرض من البين
وينفرد العين بالملك دون مشاركة ،ومدته هي المدة المباركة
47
كأنك بالمذكور يهبط راقيا ....إلى ذروة المجد األتيل على القدر
بذا قال أهل الحل والعقد فاكتفي ....بنصهم المثبوت في صحف الزبر
فإن تبغ ميقات الظهور فإنه ....يكون بدور جامع مطلع الفجر
بشمس تمد الكل من ضوء نورها ....وجمع دراري األوج فيها مع البدر
فال تك في ريب مريب لريبة ....قد ودمع األوهام والحدس والفكر
وخذ محض علم الحق من أحرف بدت ....عن الفرد المغرور للحجب في حذر
مبنية في مخضها وانبساطها ....وتوليدها والشفع يخبر بالوتر
وص ّل على المختار من آل هاشم ....محمد المبعوث بالنهي واألمر
َّللا ما الح بارق ....وما أشرقت شمس الغزالة في الظهر عليه صالة ّ
وآل وأصحاب أولي المجد والتقى ....صالة وتسليما يدومان للحشر
48
تنبيه وإشارة إليضاح حقائق األمور
اعلم أيها الطالب إليضاح حقائق األمور قد جرت عادة أرباب الحقائق وأصحاب
الطرائق بالتقديم والتأخير وال معيب عليهم
في ذلك ألنها قاعدة كلية عليها اصطالح الجمهور إلسبال الستور على البدور ،
وذلك من مقتضيات الحكمة فلو ذكروا األشياء على التوالي لكان ذلك قادحا في كونها
حكمة ولكون العلوم السرية ال تكون هإال هكذا بالتقديم والتأخير وخلط الكالم على غير
العالم النحرير ،
وفائدة ذلك دوام تعلق الخاطر واْلمال بالبحث عن مجهوالت األمور ،
والنفوس مجبولة على حب طلب العلوم الخفية لما فيها من االستعداد والقبول لذلك
األمر الخفي ،
فهذا هو السبب الخاص بهذا الفن وغيره ،
وحيث انتهى بنا القول إلى هنا فلنرجع إلى دقائق ودقائق أعداد األحرف المركبة من
وباّلل التوفيق ،
ه الدال إلى النون التي بين الدائرتين من الشجرة األصليهة فنقول
إذا أحصيت األعداد كلها وجمعتها بالجمل الكبير جملة واحدة من الدال إلى النون كما
ذكرنا ونبهناك عليه ،
فاقسم ذلك العدد وتلك الجملة أربعة أقسام صحيحة .
وخذ القسم الواحد وعمر به جدول الدال واستنطقه ينطق لك بأحرف عربية فيها
غرائب وعجائب تخبرك بحوادث ووقائع وأسماء رجال إذا ركبتها تركيب االصطالح
باالعتدال الطبيعي ،
الذين يذوقون حالوة العلم بأنواع التبيان كما قيل في ذلك :
دعني بالتلويح يفهم ذائق ....غني عن التصريح للمتعنت
لكون المتعنت ال يطلب هإال التصريح باألمر والتصريح تارة يكون حراما وتارة يكون
كفرا وتارة يكون جائزا
49
وال يكون حالال هإال فيما مدحه الشرع ال غير فمن طلبه في كل المواطن ،
كان جاهال باألمر وال كالم لنا معه ،فقد تقرر بهذا البيان أن علوم األسرار مبنية على
الكتم دون اإلفشاء في األصول المقررة في اإلنشاء فافهم .
وّللا سبحانه وتعالى أعلم ،
ه
ورب قائل يقول :ما فائدة تأليف الكتب والرسائل وتصنيفها وقد قلتم بالكتم وعدم
ّ
اإلفشاء وأحلتم على معرفة األصول والذوق الصحيح ،
الجواب :أنه لم تزل علماء األمصار وأقطاب األعصار يتنافسون في تأليف الكتب
والرسائل ويودعونها جواهر العلوم النفيسة ويقيمون أساسها على قواعد الرموز
واأللغاز واإليحاء والتلويح والمجاز ،
ويبتغون مفاتيح تلك العلوم ألربابها كل ذلك صيانة لألسرار وحفظا لذخائر األخبار ،
فالكتم أولى والرمز أجلى والتلويح أعاله حتى يتعين كفؤ كريم ،هذا جواب من أنكر
على الرموز واأللغاز وطلب بيان الحقيقة من غير المجاز فافهم .
وّللا سبحانه أعلم ولنختم هذه الرسالة بخاتمة وجيزة إجمالية ،نذكر فيها أسرار القرانه
الذي يتعين في عام سين الغين وتتكرر شواهده مرات عديدة إلى مدة مديدة ذلك
باجتماع أعيان الكواكب في مركز واحد تظهر نتيجة ذلك القرن إذا ظهرت العالمة
السماوية حمرة الئحة ،
وهي إشارة واضحة من أحكام قيام األعراب على ساق وظهور صاحب الرستاق يفني
عددهم ويقطع مددهم ويرجع إلى عشة بالكنانة ويكون مر عشر الحرف اإلحاطي ،
وذلك أوان اجتماع اْلراء على رأي واحد ينعقد ذلك الرأي عقدة ال تنحل في دائرة
القاهرة وهي اْلية الباهرة يأتي الكالم على حوادث ما بعدها في مختصر الرسالة فافهم
وّللا سبحانه وتعالى أعلم والحمد هّلل أوال وآخرا .
ه
50
أسوان من مصر حصن البربر قديما ثم ملكها فقط الرومي األكبر وجعلها حصنا له
ولجنده ،ولما ظهرت الملة اإلسالمية وكان القرن في الميزان وإن أوان فتح البالد
المصرية
كانت أسوان من جملة الحصون التي فتحها المسلمون ،وكان عامل مصر إذ ذاك
عمرو بن العاص وهو أمير القوم على مصر ونواحيها ،
فلما تم فتح مصر وما حولها من المدن والقرى كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن
ّللا عنه يبشر بما فتح عليه وذكر أسوان بصفتها وقوة حصنها وأن الخطاب رضي ه
ّللا عنهم هدموا أسوارها حتى ال تؤخذ مرة أخرىالصحابة رضي ه
وكرم وجهه
ّللا عنه ه فلما قرأ أمير المؤمنين الكتاب دفعه إلى سيدنا اإلمام علي رضي ه
فقرأه واستوفى قراءته
ثم قال :نعم عندي علم أسوان به أخبرني سيد ولد عدنان وأخبر أنها تصير خرابا إلى
آخر الزمان حتى يتم عدد غين الجامدة دون المتحركة بتمام عشرة بعدها
يظهر حرف الياء الترابي من قبل صاحب مصر فيعمرها ويحفل بها لكنه ال يتم
تعميرها ويقضي ،
ثم يقوم عين بعد برهة من الزمان فيتم تعميرها وتصير معقال عظيما وهي على جانب
البحر بالوجه الجنوبي من الكنانة.
وقوله :يكون ويكون من طريق إخباره ،طابق ذلك العلم النجومي واستنبط فيه
ظهور طالع النساء باالستيالء على مراتب الرجال والتحكم فيها بال مجال ،
فلذلك قال تظهر النسوان وتكثر الخصيان نظرا إلى اقتران الزهرة بعطارد ،
وقوله :تضعف غلبة السلطان ،ذلك من تصرف من ليس له رتبة التصريف في ذلك
اختالف أمور الكون وإشعار بنقض وإبرام ،
51
وقوله :الغربان فال ندري أهي إشارة إلى كثرة المفاسد من الغربان كما هو المفهوم
وّللا أعلم بحقيقة الحال .
من ظاهره أو تكون إشارة إلى قوم نعوتهم تشبيها بهم ه
في رمزه قيام الروم بدليل العلوم قد ذكره اإلمام الصفدي في رسالته ونبه عليه أن
يكون تمام نون الغين تفتح الجزيرة البحرية بالمراكب السحرية ،
وذلك إذا ظهر مسجون النساء عسى المساء ذلك األلف المطلوب المحذوف المعطوف
على بقية الحروف قيامه بعد الميم وهو األخ الحميم نعته رحيم يقوم بمنقبة فيها متعبة
للعموم بدليل معلوم على يده فتح الجزيرة ،
يقوم بأمره ميم وصاد والجيم القائم لمصالح العباد واألجناد ،
ويستمر إلى عدد غين يا زين وبالكنانة رجفات وتجديد حوادث وآفات ورجات لوال
رجال النجدة والحمية هلكت الرعية ،
وفيما بين النون والسين يظهر اليقين ورجال النجدة قطانها أعني الكنانة لتخصيصها
باإلشارة الجفرية والطوالع الفلكية
وكون عقد دائرة الشجرة عليها دون غيرها ،
وأما القران األخير المشار إليه في بحصولها في آخر درجة الميزان فانتظره في عدد
فرض واكتم هذا األمر ،
فإنه من الفرض فيما بين ذلك من الحوادث ما ال يحصى كثرته فتدبره واستنبط خبره
من األصول الحرفية والقواعد الجفرية ،
وقد ذكر شارح الميزان خبر هذا القرن إذا قابل المريخ كيوان في آخر درجة من
الميزان وذكر الخروج لكن ليس على ظاهره كما تقدم ذكره
بل هو خروج عدل ال خروج جور بالنظر إلى تجديد الشريعة وسد الذريعة وذلك عند
ظهور الختم المشار إليه في دسغ العدد وهو صاحب المدد ،
وأما الدولة العثمانية فال انقراض بها هإال بعد تمام ! يقع الجفرية فافهم ه
وّللا أعلم .
52
ثم يظهر نجم المسجون وهو صاحب السر المصون
ذلك حرف الميم الخاتم السم رحيم بظهوره يظهر سعد قطان الكنانة وتسكن الحركات
برهة وهي آفة وأفرادها كامنة إلى قران آخر دسغ العدد
فاطلب المدد وال تركن إلى أحد وسل عن عام الغين ينبئك بما فيه ومن حسن إسالم
المرء تركه ما ال يعنيه
،وقد تقدم ذكر حوادث إجمالية ينسحب حكمها إلى ايقغ فال حاجة إلى تكرارها وقد
تقدم التنبيه إلى فروع الشجرة النعمانية
وهنا تم بتمامها ولم يبق هإال أحكام القران األكبر بعد عام ايقغ وقد أفردنا له رسالة
عجيبة سميناها االهتمام بأمر الختام ،
وّللا سبحانه أعلم بغيبه وأحكم ال راد ألمره وال معقب لحكمه وهو سريع الحساب ه
ي بعده محمد وآلهّللا على من ال نب ه
وإليه المرجع والمآب والحمد هّلل وحده وصلى ه
وصحبه وسلم ،
........
ووافق الفراغ من كتابتها يوم األربعاء المبارك ثاني عشر محرم الحرام سنة 1080
هـ على يد أفقر عباده وأحوجهم إلى عون ربه الجواد عبد القادر بن السيد محمد
السرجاوي الحلبي الشافعي مذهبا نزيل جده . .
ّللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم . . .آمين . وصلى ه
مطلب المهدي
سالم ،ال بد منه ولو لم يبق من الدنيا إال يوم هذا وإن خروج السيد المهدي عليه ال ه
ّللا ذلك اليوم وجاء بالسيد المهدي مع أشراط الساعة . واحد لطول ه
ّللا عليه وسلم « إن صلحت وبيان هذا اليوم المذكور هنا مأخوذ من قول النبي صلى ه
أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم »
سنَ ٍة ِم اما "" يعني من أيام الرب المشار إليها بقوله تعالى َ :و ِإ ان يَ ْوما ً ِع ْن َد َر ِبه َك َكأ َ ْل ِ
ف َ
تَعُ ُّدونَ [ الحج "". ] 47 :
قال بعض العارفين :وأول األلف محسوب من وفاة سيدنا علي ابن أبي طالب رضي
ّللا عليه وسلم
ّللا عنه آخر الخلفاء ألن تلك المدة كانت من جملة أيام نبوته صلى ه ه
ّللا تعالى للخلفاء األربعة البالد .
ورسالته فمهد ه
ّللا عليه وسلم أن باأللف مدة سلطان شريعته إلى انتهاء األلف ثم تأخذ
ومراده صلى ه
في ابتداء االضمحالل إلى أن يصير الدين غريبا كما بدا ،
وذلك االضمحالل يكون بدايته من مضي ثالثين سنة في القرن الحادي عشر ،
ّللا عليه وسلم وهو من أوالد حسن العسكري فهناك يترقب خروج المهدي صلى ه
ومولده عليه السالم ليلة النصف من شعبان يجتمع بسيدنا عيسى عليه السالم فيكون
53
عمره إلى وقتنا هذا ثمان وخمسين وتسعمائة سنة فصار عمره تسعمائة وثالث
وستين .
ّللا عنه في الباب السادس والستين وعبارة الشيخ محيي الدين بن العربي رضي ه
وثالثمائة من الفتوحات ،
قال :اعلموا أنه ال ب هد من خروج المهدي ولو لم يكن من الدنيا إال يوم واحد لطول ه
ّللا
ّللا عليه وسلم
ّللا صلى ه تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة ،وهو من عترة رسول ه
ّللا عنها جده الحسين بن علي بن أبي طالب ،ووالده حسن من ولد فاطمة رضي ه
العسكري ابن اإلمام النقي بالنون بن محمد التقي بالتاء ابن اإلمام علي الرضا بن
موسى الكاظم ابن اإلمام جعفر الصادق ابن اإلمام محمد الباقر ابن اإلمام زين العابدين
ّللا عنه ،
ابن اإلمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي ه
ّللا عليه وسلم ،يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ّللا صلى ه
يوطئ اسمه اسم رسول ه
ّللا في الخلق بالفتح وينزل عنه بالخلق بضمها ،إذ ال يكون أحد مثل ،يشبهه رسول ه
وّللا تعالى يقول َ :وإِنا َك لَ َعلى ُخلُ ٍ
ق ّللا عليه وسلم في أخالقه ه
ّللا صلى ه رسول ه
َع ِظ ٍيم[ ن . ] 4 :
وهو أجس الجبهة أقنى األنف أسعد الناس فيه أهل الكوفة ،يقسم المال بالسوية ويعدل
في الرعية ،يأتيه الرجل فيقول يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحشي له في ثوبه ما
استطاع أن يحمله ،
يخرج على فترة من الدين يزع به ما ال يزع بالقرآن ،
يمسي الرجل جاهال وجبانا وبخيال فيصبح عالما شجاعا كريما ،
يمسي النصر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ،
ّللا عليه وسلم يعطى له ملك يسدده من حيث ال يراه ،يحمل ّللا صلى ه
يقفو أثر رسول ه
الكل ويعين الضعيف ويساعد على نوائب الحق ،
ويفعل ما يقول ويقول ما يفعل ،ويعلم ما يشهد ،
ّللا في ليلة يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألف من المسلمين من ولد يعلمه ه
إسحاق ،
ّللا بمرج عكا يبيد الظلم وأهله ويقيم الدين ،
يشهد الملحمة الكبرى مأدبة ه
ّللا به اإلسالم بعد ذله ويحييه بعد موته ،
وينفخ الروح في اإلسالم يعز ه
ّللا بالسيف ،
يضع الجزية ويدعو إلى ه
فمن أبى قتل ومن نازعه خذل ،
ّللا عليه وسلم حيا
ّللا صلى هيظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتى ولو كان رسول ه
لحكم به فال يبق في زمانه إال الدين الخالص عن الرأي ،يخالف في غالب أحكامه
ّللا تعالى ما بقي يحدث بعد أئمتهم مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم أن ه
مجتهدا ،وأطال في ذكر وقائعه معهم .
54
ثم قال :واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمون خاصتهم وعامتهم ،وله
رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له ،يتحملون أثقال المملكة
ّللا تعالى له ،
ويعينونه على ما قلده ه
ينزل عيسى بن مريم عليه السالم بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متكئا على ملكين ملكا
عن يمينه وملكا عن يساره والناس في صالة العصر ،
ّللا عليه
فيتنحى له اإلمام عن مكانه فيتقدم فيصلي بالناس يأمر الناس بسنة محمد صلى ه
ّللا المهدي إليه طاهرا مطهرا ،وسلم ،يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض ه
وفي زمانه يقتل السفياني ويخسف بجيشه في البيداء ،
ومن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته ،
وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه قد ظهر في القرن الرابع الالحق بالقرون الثالثة
ّللا عليه وسلم وهو قرن الصحابة ثم الذي يلي الثاني ، ّللا صلى هالماضية قرن رسول ه
ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء فاختفى إلى أن يجيء الوقت
الموعود ،
فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل األمناء .
وّللا سبحانه وتعالى أعلم وبعباده أرحم . .انتهى يواقيت .
ه
*
تم بحمد هللا رب العالمين كتاب الشجرة النعمانية
عبد هللا المسافر باهلل
55
ودر الدرر
كتاب شق الجيب بعلم الغيب بكن ويكون ّ
تأليف ال ه
شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى
638هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه الشيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني
ال ه
شاذلي الدهرقاوي
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
وقواني على إخراج الحمد هّلل رب العالمين ،الذي وفقني للسباحة في علم اليقين ،ه
الدرر من أصداف العبارات ،واالستعارات العجيبة ،واألوضاع الجديدة ،الواردة
على قلبي بإلهام ربي ،وهي في الحقيقة درر عوارفه في حق العارفين .
والصالة على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين ،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم
الدين .
وبعد
فلما فرغت من كتاب اليقين بالتماس الولد العزيز األعز محسن الدين ،وقد رغب في
حفظه ،ووافقه الولد العزيز ذو النسب الصحيح والحسب الصريح زين العابدين ،
ّللا بإخالص المخلصين ،فخطر ببالي في أثناء اشتغالي بالصالة ،بين زينهما ه
العشائين ،أن ألتقط منه ما يحتاج إليه طالب معرفة العالم الكبير ،وأس هميه :
ودر الدرر » . بـ « شق الجيب بعلم الغيب بكن ويكون ّ
ّللا تعالى فيه فوجدت شرح الصدر .فعافصتني هذه الخطبة نشرت بعد فاستخرت ه
الفراغ عن صالة العشاء ،
أن الشيء الذي يصدق إطالق القدم عليه ال يخلو وقلت :اعلم يا طالب درة المعرفة ،ه
من أن يكون مستغنيا بجميع الوجوه عن غيره أو ال .
ّللا األحد الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفوا فإن يكن فهو ذات ه
أحد .
وله القدم على الصفات ثابت من حيث الذات .
وهذا القدم عبارة عن ما ال يسبقه شيء بالسبقات السبع :
الذاتية ،
والمصدرية ،
والعلية ،
والمكانية ،
والزمانية ،
والرتبيّة ،
ّ
والطبيعية .
وإن لم يكن مستغنيا بجميع الوجوه عن غيره فال يخلو من أن يكون داخال تحت أمر
كن باإليجاد واإلفاضة أو ال .
56
فإن يكن داخال فال يخلو من أن يكون سرمديا أو ال .فإن يكن داخال فهي الصفات
المفتقرات في القيام إلى الذات ،ولها القدم ثابت على قيام األفعال من حيث المصدري
،وإن يكن فهي األفعال المفتقرات في صدورها إلى مصادرها ،ولها القدم ثابت على
اْلثار الظاهرة بسببها من حيث العلى .
والعبارة عن هذين القدمين هي أن ال يكونا داخلين تحت األمر .فإن لم يكن سرمديا
فال يخلو من أن يكون مسبوقا بزمان إفاقي أو ال ،
فإن لم يكن فهي بالبسائط الحقيقية التي وجدت بالفيض اإليجادي بال واسطة ،المفتقرة
إلى فيض اإليجاد واإلبقاء ،والنسبة التي وجدت بالفيض األمري بواسطة العقل ،
المفتقرة إلى فيض األمر ،ووساطة العقل ،
وهذا القدم عبارة عن ما ال يسبقه الزمان اإلفاقي ،وإن كان مسبوقا فهو كالمتولدات
المفتقرة إلى مفرداتها بالتركيب ،وإلى فيوض المفردات اإليجادية واألمرية ،وإلى
المؤلهفات كلها .وهذا القدم عبارة عن طول الزمان كالعرجون القديم ،والبينونات
القديمة .
ثم اعلم أن اْلثار الظاهرة بسبب العقل الصادر عن الصفة الدهال عليها اسم الموجد
الخالق ،الثابتة للذات حين تجلهيه ليعرف ممكن الوجود ،وهو عبارة عما يكون
متساوي الطرفين في الجواز ،
وهو على قسمين :
-مقوم نفسه - .وغير مقوم نفسه .
فالمقوم نفسه على قسمين :
-مفرد - .وغير مفرد .
فالمفرد المعبر عنه بالجوهر على قسمين :
-إيجادي - .وأمري .
فاإليجادي :الذي هو البسيط الحقيقي ال يخلو من أن يكون قابال لنقوش الفيوض
المتواترة ،الفائضة من حضرة الحق المتعالي أو ال .
فإن يكن فهو اللوح المحفوظ المعبر عنه بالعقل ،الذي هو أثر أول فيض مخصوص
ّللا عليه وسلم إلى أوليته في مرتبته بقوله :
بالحكمة وظلها .وقد أشار النبي صلى ه
ّللا العقل » .أورده العجلوني في كشف الخفاء والديلمي في الفردوس « أول ما خلق ه
بمأثور الخطاب وأورده غيرهما .
وهو أول شيء عقل به بعقال اإلمكان ،بحيث عقل نفسه وموجده ،وأنه مأمور
باالستفاضة في المرتبة اللوحية ،وباإلفاضة في مرتبة الخالفة ،وإن لم يكن قابال
لنقوش الفيوض ال يخلو من أن يكون مالقيا للهوح أو ال ،فإن يكون فهو المداد المعبر
عنه بالنور المحمدي ،
َّللا نوري »
المشار إليه وإلى أوليته بقوله « :أول ما خلق ّ
57
وفي حديث آخر « :فإن المداد نوري »
وهو أثر أول فيض مخصوص بالقدرة وظلها .
وإن لم يكن مالقيا للهوح فال يخلو من أن يكون أقرب األوليات إلى حضرة الحق
المتعالي أو ال .
فإن لم يكن فهو الدواة المعبهر عنه بالروح األحمدية المشار إلى أوليتها في مرتبتها
َّللا روحي » .
بقوله « :أول ما خلق ّ
ّللا تعالى
وهو أثر أول فيض مخصوص باإلرادة وظلها ،وإن يكن أقرب األوليات إلى ه
فهو القلم المعبر عنه بالخفي عند عارفي أرباب الطريقة من الصوفية المشار إلى
َّللا القلم » .
أوليته في مرتبته بقوله « :أول ما خلق ّ
ثم النون :وهي الدواة ،وهو أثر أول فيض مخصوص بالعلم وظلهه .
وتيقن بأن العلم ما لم يفض لم تتيقظ اإلرادة ،وما لم تتيقظ اإلرادة لم تنتبه القدرة ،وما
لم تنتبه القدرة لم تتقن الحكمة للقدر المقدر والمراد المعلوم .
فالحكمة متقنة للقدر المقدور .
والقدرة منبعثة بأمر اإلرادة المخصصة لما في العلم .
ّللا األحد الواحد .
والعلم منتظر لتجلي ه
واألمري :ال يخلو من أن يكون قابال للتأليف أو ال .
فإن لم يكن فهو جوهر النفس المعبر عنه بالعرش الفائض من لوح العقل بأمر الحق ،
من حيث تعقهله موجده فصار ظل القلم .
وإن يكن فال يخلو من أن يكون ذا فعل أو ال .
فإن يكن فهو جوهر الصور ؛ الفائض من لوح العقل بأمر الحق ،من حيث تعقله ؛ أنه
مأمور باإلفاضة فصار ظل الدواة .
وإن لم يكن فهو جوهر المادة الفائض من لوح العقل بأمر الحق من حيث تعقله أنه
مأمور باالستفاضة .
فصار ظل المداد غير المفرد المعبر عنه بالجسم .وهو عبارة عما يصدق عليه إطالق
التأليف والتركيب الحاصل من فيض أمر العقل .
وهو على قسمين :
-مؤلف .
-ومركب .
فالمؤلّف :عبارة عما وجد من ائتالف جوهري الصورة والمادة ال في زمان إفاقي .
والمركّب :عبارة عما وجد من جوهرين فصاعدا في زمان إفاقي مفتقرا إلى الفيوض
الفلكية ونيهراتها وما فوقها .
والزمان اآلفاقي :عبارة عن بدء حركة األفالك وتعداد أوقاتها .
ّللا تعالى .
والزمان األنفسي :عبارة عن مقادير ه
58
فدارهُ أ َ ْل َ
ّللا تعالى في آية واحدة إلى هذين الزمانين بقوله :فِي يَ ْو ٍم كانَ ِم ْق ُ وقد أشار ه
سنَ ٍة ِم اما تَعُ ُّدونَ [ السجدة . ] 5 :
َ
فاليوم إشارة إلى الزمان اْلفاقي األنفسي .
وألف سنة مما تعدون إشارة إلى الزمان .
والذي غير مقوم نفسه عرض ،وهو ال يخلو من أن يجوز طرآنه على الممكنات كلها
أوال .
فإن يجز فهو الضعيف الالحق بالوجود عند دخوله تحت ذل التكوين وتقيده بقيد
اإلمكان .
وإن لم يجز فال يخلو من أن يبقى مع من يقوم به كبقائه أو ال .
فإن يبق فهو كالحيهز للمفردات المعبهر عنها بالجواهر والمكان لألجسام المركبة
والمؤلفة ،وما يختص بالمؤلفات كتدوير األفالك ،وإن لم يبق فهو كضوء الشمع على
الجدار ،وصفرة الخجل ،وحمرة الوجل ،والغضب حالة الجدل ،مما يختص
بالمركبات .وهو ما ال يبقى زمانين .
-والحيّز :عبارة عما ظهر مع كل موجود مفرد ،بحيث ال يسع فيه غيره .
-والمكان :عبارة عما ظهر مع الجسم ،بحيث ال يسع فيه غيره كالطبع .
والفرق بين الملك ( بضم الميم ) والملك ( بكسرها ) بيهن ألن الملك ( بالضم ) يصدق
إطالقا على جميع الممكنات .
وبالكسر :ال يصدق هإال على المؤمنين الذين اشترى ه
ّللا منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة ؛ فدخلوا بحكم البيع والشراء في دائرة ملكيته ( بكسر الميم ) ،بعد أن كانوا
داخلين في ملكه ( بضم الميم ) كسائر الممكنات .
59
ّللا بخصوصية العبودية .
صه ه وأكملهم من خ ه
وأن يفعل :داال على صفة فاعليته ،وتحقيق قوله :فَعاا ٌل ِلما يُ ِري ُد[البروج . ]16:
وأن ينفعل :داال على حكمته المتقنة للقدر المقدور المراد من المعلوم ،والقدرة ال
تتعلق بشيء خال عن الحكمة .ومن شأن الحكيم أن ال يفعل شيئا عبثا ،وشاكلة
الحكمة الصواب .
فاّلل الحكيم خالق العالم على شاكلته .
ه
وجعل المقوم نفسه داال على ذاته القائم بنفسه .كما جعل غير المقوم نفسه داال على ما
بيهناه من قبل .
ّللا عليه وسلم :قُ ْل ُك ٌّل َي ْع َم ُل َعلى شا ِكلَ ِت ِه [ اإلسراء . ] 84 :وقال لنبيهه صلى ه
ثم اعلم :أن خاتم التراكيب أخص أنواع الحيوان ،وهو اإلنسان .
الذي هو أبعد األشياء عن حضرة الوحدة في الصورة ،وأقرب األشياء إليها في
المعنى .
وكل فرد من أفراده عالم تام صغير بالجثة كبير بالمعنى ،فيه شيء ليس في العالم
الكبير بالجثهة وهو مرآة مدركة ،ذوق مشاهده ،عكس جمال الشاهد المنطبع فيها
المعبر عنها باللطيفة األنانية .
التي هي عبارة عن الحقائق التي قامت بها المفردات اإليجادية واألمرية ،والمؤلفات
ّللا تعالى عند تجليه بالصفة الواحدية . والمركبات أحدثها الفيض من ه
المعراة ،والقاف ) من البدن المجتمع فيها ه ليعرف المعبر عنه باللطيفة الحقيهة ( بالحاء
العناصر األربعة ،من حيث االعتدال التام ،القابل لفيوض المفردات اإليجادية
واألمرية ،التي هي الجواهر واألجسام المؤلفة اللطيفة ونيهراتها إليه ليكون مرآة لوجه
ّللا ذي الجالل واإلكرام والجمال والكمال . ه
المشرف بسجود المالئكة وخالفة األرض ه وبها صار اإلنسان أشرف الموجودات
وعمارتها .
وس هخر له ما في السماوات وما في األرض جميعا .وهي األمانة الكبرى المودعة في
سفلى من الحضرة العظمى المستورة عن أعين أهل السماوات العلى واألرضين ال ه
أخص الخواص من عباده المخلصين وقليل ما هم .
وهم األعظمون األجر ،األقلون العدد فانظر بعد بعين اليقين بكمال متابعة خير النبيين
عليهم الصالة والسالم في وجود العالم .وتيقين بأنه شخص واحد .
األفالك :بدنه الغير المحلول .والعناصر األربعة وطبائعها أخالطه األربعة ،
والطبائع المختصة بها .
والكواكب الثابتة والسيارة :حواسه الظاهرة والباطنة ،وقواه الخادمة والمخدومة .
والمالئكة :قواه الروحانية الصالحة .
والجن المؤمن :قواه الزكية النفسانية .
والشيطان الكافر اللعين :قواه الفاسدة المخصوصة باللطيفة القالبية .
60
والنفس الكلية :لطيفته النفسية .
والعقل الكلي :لطيفته القلبية .
والمداد النوري :لطيفته الروحية .
والقلم القدسي الخفي عن عين العقل ،التي لم تكن منورة بنور الحق الفائض من
ّللا عليه وسلم لطيفته الخفية ( بالخاء المعجمة ).روزنة قلب النبي صلى ه
المعراة ،
ه والفيض الفائض بتجلي األحد الواحد ليعرف لطيفته الحقيهة ( بالحاء
والقاف ).
والشهادة ظاهر برقه مما تراه حواسه :العين الظاهرة.
والغيب :باطنه مما تراه حاسة البصيرة الباطنية.
والفصول األربعة :نفوسه األربع:
األ ّمارة الشتوية ،
واللوامة الربيعية ،
ّ
والملهمة الصيفية ،
والمطمئنة الخريفية.
61
وفي حديث آخر :
« لو كان موسى حيها لما وسعه هإال اتباعي » .
وقد اطلعنا من حيث اليقين أن معلم موسى متبع شريعته الزهراء اليوم ،وبها يربي
أصحابه .
ثم اعلم :أن وجدان ذوق مشاهدة عكس جمال المرآة الشاهد المنطبع فيها ،والشاهد
المتجلي حجب إدراك ذوق عكس جماله ،فحق أن يقول :يُ ِحبُّ ُه ْم َويُ ِحبُّونَهُ[ المائدة :
، ] 54ثم بالصبر على المشاق في طلبها ،ثم بالتقوى عن وقع الغبار واألكدار على
وجهها والتراكم ،ثم باإلحسان في مراتبها ومراعاتها ،بمحاذاة الوجه دائما من غير
السر أشار ونص القرآن حيث قال لنبيهه عليه الصالة ه انحراف .إلى هذا
ت[ هود . ] 112 : والسالم :فَا ْست َ ِق ْم َكما أ ُ ِم ْر َ
وحق له أن يقول « :شيبتني هود وأخواتها » .رواه أحمد وابن أبي شيبة في مصنفه ه
رواه الحاكم في المستدرك وأبو يعلى في مسنده ورواه غيرهم
واإليمان بال طهارة الظاهر والباطن ال ينفع .
والصبر بال توكل ال يصح .
والتقوى بال توبة ال تنجح .واإلحسان بال قسط في األمور ال يتم .
ّللا واليته ،ومحبته للمؤمنين ،والصابرين ،والمتقين ،والمحسنين ، وألجل هذا أثبت ه
والمطهرين ،والمتوكلين ،والتائبين ،والمقسطين ،
صابِ ِرينَ [ آل عمران : ي ْال ُمؤْ ِمنِينَ [ آل عمران َ . ] 68 :و ا
ّللاُ يُ ِحبُّ ال ا ّللاُ َو ِل ُّبقوله َ :و ا
. ] 146
ّللا يُ ِحبُّ ْال ُم ْح ِسنِينَ [ البقرة َ . ] 195 :و ا
ّللاُ يُ ِحبُّ ّللا يُ ِحبُّ ْال ُمت ا ِقينَ [ التوبة ِ . ] 4 :إ ان ا َ ِإ ان ا َ
ّللا يُ ِحبُّ ْال ُمت َ َو ِ هك ِلينَ [ آل عمران ِ . ] 159 :إ ان ا َ
ّللا يُ ِحبُّ ط ِ هه ِرينَ [ التوبة ِ . ] 108 :إ ان ا َ ْال ُم ا
ّللاَ يُ ِحبُّ ْال ُم ْق ِس ِطينَ [ المائدة . ] 42 : الت ا اوابِينَ [ البقرة . ] 222 :إِ ان ا
ّللا تعالى ،ومحبته هإال بعد االحتراز عما ال يحبه ه
ّللا ، وال يمكن التمتع بوالية ه
كما بيهن في كتابه بقوله :
ّللاَ ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ [ القصص : ّللا ال يُ ِحبُّ ْالكا ِف ِرينَ [ آل عمران ِ . ] 32 :إ ان ا فَإ ِ ان ا َ
الظا ِل ِمينَ [ آل عمران ِ . ] 140 :إناهُ ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْست َ ْك ِب ِرينَ [ النحل : ّللاُ ال يُ ِحبُّ ا َ . ] 77و ا
ّللا ال يُ ِحبُّ ْالفَ ِر ِحينَ [ القصص . ] 76 :إِناهُ ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْس ِرفِينَ [ األعراف : . ] 23إِ ان ا َ
ّللا ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْعتَدِينَ [ البقرة . ] 190 :
ِ . ] 31إ ان ا َ
فالمتمتع بالوالية أو المحبة ينبغي أن يكون بريئا عن الكفر ،والفساد ،والظلم ،
والخيانة ،واالستكبار ،والفرح بغير الحق .
المورث للبطر ،وعن اإلسراف الذي هو اإلفراط ،واالعتداء الذي هو التفريط .متهقيا
عن صحبتهم ومواالتهم .
62
ّللا تعالى عنها [ المؤمنين ] بقوله :ال يَت ا ِخ ِذ ْال ُمؤْ ِمنُونَ ْالكافِ ِرينَ أ َ ْو ِليا َء ِم ْن د ِ
ُون وقد منع ه
َيءٍ ِإ اال أ َ ْن تَتاقُوا ِم ْن ُه ْم تُقاة ً [ آل عمران : ْس ِمنَ ا ِ
ّللا فِي ش ْ ْال ُمؤْ ِمنِينَ َو َم ْن َي ْف َع ْل ذ ِل َك فَلَي َ
. ] 28
عد اُو ُك ْم أ َ ْو ِليا َء ت ُ ْلقُونَ ِإلَ ْي ِه ْم ِب ْال َم َو اد ِة[ الممتحنة :
وفي آية أخرى قال :ال تَت ا ِخذُوا َعد ه ُِوي َو َ
.]1
وفي آية أخرى قال :يا أَيُّ َها الاذِينَ آ َمنُوا ال تَت ا ِخذُوا الاذِينَ ات ا َخذُوا دِينَ ُك ْم ُه ُزوا ً َولَ ِعبا ً ِمنَ
ّللا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ ( ) 57 ار أ َ ْو ِليا َء َواتاقُوا ا َ الاذِينَ أُوتُوا ْال ِك َ
تاب ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم َو ْال ُكفا َ
[ المائدة . ] 57 :
ثم اعلم :أن مشاهدة عكس جمال الشاهد المشهود ،المحب المحبوب ،المنطبع في
المرآة المعبر عنها باللطيفة اإلنسانية يكون صورته نورية وذوقية خالصة غير مشوبة
بالمعنى ،والنور ،والصورة ،وال يمكن الخالص عن الغلط الواقع في كل واحد
منهما ،بداية ،ووسطا ،ونهاية ؛ هإال بالتمسك بما في سورة اإلخالص من وجوب
ّللا تعالى ووحدانيته ونزاهته عن جميع ما يكون خاصة الممكن إجماال وجود ه
وتفصيال .
ثم اعلم :أنه ليس لهذا الذوق نهاية ،ألن تجليات الحق المتعال غير متناهية ،وبكل
تج هل تزيد سعة المرآة وصفاؤها ،وبقدر السعة والصفاء يزداد حسن عكس جمال
الشاهد المنطبع فيها ،وبقدر زيادة الحسن تزداد قوة إدراك المرآة وذوق حسن عكس
الجمال أبد اْلباد .
ثم اعلم :أن اللطيفة القلبية المكنهى عنها بذات الصدور عبارة عن قابلية حاصلة عن
اجتماع العناصر في هيئة معتدلة تا همة مستفيضة من األجرام اللطيفة الفلكية ،
ونيهراتها مستعدة لقبول فيض الكرسي ،المعبهر عنه بالفلك األطلس الساذج ،عن نقوش
الكواكب المعروض عليه ،التي كانت نقوشها محسوسة بالرصد ،مقسومة على
السماء الدنيا ،المزينة بزينة الكواكب ،الثابتة .
المنوطة بها صالح الدنيا وفسادها ،وسعادة أهلها ونحوسهم ،وبذلك س همي بالسماء
لدنوها منها المشرفة بشرف االستواء المعدهى بإلى بعد الفتق لتسوية السماوات الدنيا ه
السبع ،وتدبر كل أمر سماء منها مخصوصة بكوكب سيار من الكواكب السبعة
المسماة بالجوار الكنهس َو ُك ٌّل فِي فَلَكٍ يَ ْسبَ ُحونَ [ يس . ] 40 :
المحرك لألفالك الثمانية بالجبر من المشرق إلى المغرب على خالف حركتها غالبا بال
واسطة األفالك واألنجم ،وفيض العرش المعبر عنه بالنفس الكلية التي هي جوهر
غير مفارق ،وغير قابل للتأليف مغلوبا .
وبهذه اللطيفة القابلية القلبية يمتاز اإلنسان من الحيوان ألنها تبقى بعد خراب البدن
المحلول المشاهد الذي به يشارك الحيوان في قبول الفيوض الفائضة من األجرام
اللطيفة الفلكية ،ونيهراتها .
63
واللطيفة النفسية :عبارة عن قابلية حاصلة من فيض الكرسي والعرش مستعدة لقبول
فيض العرش غالبا واللوح مغلوبا بال واسطة الكرسي .
واللطيفة القلبية :عبارة عن قابلية حاصلة من فيض العرش واللوح مستعدة لقبول
فيض اللوح غالبا والمداد مغلوبا بال واسطة العرش .
س ّرية :عبارة عن قابلية حاصلة من فيض اللوح والمداد مستعدة لقبول واللطيفة ال ّ
المداد غالبا ،والدواة مغلوبا بال واسطة اللوح .
واللطيفة الروحية :عبارة عن قابلية حاصلة من فيض المداد والدواة مستعدة لقبول
فيض الدواة غالبا والقلم مغلوبا بال واسطة .
واللطيفة الخفية ( ،بالخاء المعجمة والفاء ) :عبارة عن قابلية حاصلة من فيض
ّللا بالصفة الواحدية ليعرف
الدواة والقلم مستعدة لقبول فيض القلم غالبا ،وفيض تجلي ه
مغلوبا بال واسطة العرش والدواة .
64
ّللا على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين .
وصلى ه
65
من كان من أهل عنايتي أنشأت له مركبا ،فجرى به في األنهار ،فإذا رمت به في
األبحر جرى فيها حتى ينتهي إلى البحر المحيط .
فإذا انتهى إليه علم الحقائق ،وكشف األسرار ،وإلى هذا البحر ينتهي المقربون .
ثم قال :
فأقر بصدقه واعترف ،والجاهلفالمؤمن به صدهقه وانصرف ،والعالم قام له البرهان ه
ه
والظان تخيهل وما عرف ،والناظر يطلع ه
والشاك تحيهر وتوقف ، نظر فيه وانحرف ،
تعرف .
ويتشوف ،والمقلد مع كل صنف ه
66
ثم أنشد بعدما أرشد :
ساتر
طى عليها شفعنا ال ّ فانظر إلى الحكمة مجهولة ....غ ّ
وأظهر الحكمة منثورة ....العالم الثّابت ،والدّاثر
َّللا من واحد ....نور على أرواحنا باهر صلّى عليه ّ
األول واآلخرضحى ....وانتظم ّ ما طلع البدر وشمس ال ّ
فصل قال السالك فبينما أنا نائم وسر وجودي متهجد قائم
قال السالك :
فبينما أنا نائم ،وسر وجودي متهجد قائم ،جاءني رسول التوفيق ،يهديني سواء
الطريق ،ومعه براق اإلخالص عليه لبد الفوز ولجام الخالص ،فكشف عن سقف
محلى ثم زج بي من صفاة الصفا في الهوا فسقط عن منكبي رداء الهوى ،وأوتيت
67
كان ما كان فهو مصروف إليكم ،وإنما هي أعمالكم ترد عليكم ،إن خيرا فخيرا ،
وإن شرا فشرا .فَ َم ْن يَ ْع َم ْل ِمثْقا َل َذ ارةٍ َخيْرا ً َي َرهُ ( َ ) 7و َم ْن َي ْع َم ْل ِمثْقا َل َذ ارةٍ ش ًَّرا َي َرهُ
( [) 8الزلزلة . ] 8 ، 7 :
ثم قال :هيهات أين الكرم من اإليثار ؟
الكرم سيادة ،واإليثار عبادة .الكرم مع الرئاسة ،واإليثار مع الخصاصة .
ثم قال :يا بني اقصد باب موالك إلى ما إليه ناداك محبك وموالك .
قال :يا سيدي هل تعرف لهذا الباب مفتاحا .
قال :أي والعليم الفتاح .
رأيت البيت مقفوال ....لسر السر قد ملكا
ّللا يفتحه * فقال :بمن ؟ فقلت بك سألت ه
قالت :ناولنيه .
قال :من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه.
قلت له :قد عرفت حقيقة مكانه ،فزدني في نعته وبيانه .
قال :له أربعة أسنان ،أتقنها الحكيم الرحمن .
فيها أربع حركات تحوي جميع البركات .
فإذا فعلت ما ذكرته لك وأحكمته فزت بالمفتاح وملكته .فالق أيها الطالب بالك ،أصلح
ّللا حالك . ه
حافظ على العلوم اللدنية واألسرار اإللهية ،وإياك وإفشاء سر الربوبية .أجل القلوب ،
وجاهد النفوس ،اجمع بين الظاهر والباطن ،يتضح لك الراحل والقاطن وتأمل
السرين في مجمع البحرين ،وألي فائدة اتخذ البحر مسلكا على سائر المسالك .فصل ه
في إشاراتهم
ي أن ول هما سئلت عن غاية ال تدرك ،وصفة ال يحاط بها علما وال تملك ،تعيهن عل ه
ألوح لك منها على مقدار فهمك ،وأوقفك من شأنه على ما قدهر أن يكون لك منها ، ه
وقف للناس موضع القدمين ،وخذ من العلم حرف العين ،اخرق السفينة تلج المدينة ،
سآ ِوي تعرج على من قال " َ اجعل في السفينة ِم ْن ُك ٍهل زَ ْو َجي ِْن اثْنَي ِْن [ هود ] 40 :وال ه
ماء"[ هود . ] 43 : ص ُم ِني ِمنَ ْال ِ ِإلى َج َب ٍل َي ْع ِ
هما سفينتان لهما في الوجود معنيان ،
الواحدة :سالمتها من الفتق .
واألخرى :نجاتها من الرتق .
ال تدفع الخاتم إلى أحد ،وال تأمن عليه أ هما وال ولد ،انشر البساط ،واترك الناس في
هياط ومياط ،اطو البساط ،واعدل إلى االنقباض ،من االنبساط ،ال تهز الجزع في
كل وقت فإنه مقت ،ال يغلب على مقلك النوم فتنفش غنمك في حرث القوم ،ال تكن
جبهارا فيخدعك الطريق ،حتى يصيهرك ضجيج الغريق فاجهد في سلوكك هذه
المقامات .
68
واعلم :
أن من أراد المقامات سلهم األمور إليه ؛ فسلهم األمور إليه ،وتوكل في سلوكك عليه .
فطلبت منه الحقيقة فقيل لي :حتى تفنى عن الطريقة .
إشارة :إيهاك أعني فاسمعي يا جارة .
إشارة :إذا حضر الحبيب والرقيب فخاطب الرقيب بلسان الحبيب ليسمعك الحبيب
وتفهم لسانه فتأمن غوائل الرقباء .
إشارة :الحكم مودعة في الهياكل .
إشارة :الحكمة اليمانية لطيفة .من يضع شكال فليضعه مستديرا ،فإنه ال ب هد من
الرياح تزعجه فيتدحرج وال ينكسر .فالشكل الكروي أبقى .
إشارة :إنما عملك مردود عليك ،فاجن ما غرست .
إشارة :انظرني في الشمس ،واطلبني في القمر ،واهجرني [ في ] النجوم .
ثم قال :لتكن طير عيسى اطلبني في العيس .
ثم قال لي :إذا رأيت البقر ،والخيل ،والحمير ،فاركب البغال ،واستند إلى الجدار .
ثم قال لي :إذا كنت النمط األوسط فسافر ،ثم إذا ركبت البغل فال تنظر من أي طرق
أنت فتهلك .
لطيفة :إذا دعيت األسرار بلسان األمر . . .
إذا دعيت األسرار بلسان األمر ،أدبرت للعزة التي عليها وإذا دعيت بلسان اللطف
أقبلت فقيرة .
إشارة :فإن فلك الزمهرير أكبر من فلك البحر المستدير .
ثم قال :شغلتنا مالحظة األغيار عن مباشرة هذه األسرار .
تنبيه :قال :إنها نظمنا لك الدرر والجواهر في السلك الواحد . . .
قال :إنها نظمنا لك الدرر والجواهر في السلك الواحد ،وأبرزنا القول في حضرة
الفرق المتباعد ،فلهذا ترى الواقف عليه ،يكاد ال يعثر على سر النسبة التي أودعتها
لديه ،إنما هي رموز وأسرار ،ال تلحقها الخواطر واألفكار ،إن هي هإال مواهب من
الجبار ،جلهت أن تنال هإال ذوقا ،وال تصل هإال لمن هام بها عشقا وشوقا .
ثم قال :لم ضرب له الميقات ؟ قال :ليعلم أنه تحت رق األوقات .
قال :لم جاء العدد بالليل ولم يجئ بالنهار ؟
قلت :الحتجابك تحت األبصار .
قال :لم طلب رؤية األحباء مع ثبوت اإليمان ؟
قلت :ليجمع بين العلم والعيان .
وفي مثل هذا قيل :
سرا إذا أمكن الجهر
أال فاسقني خمرا ،وقل لي هي الخمر ....وال تسقني ّ
وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى ....فال خير في اللّذّات من دونها ستر
قال :لم دللناه على أربعة من الطير ؟
69
قلت :إشارة إلى العناصر ال غير .
قال :فلم كان الوحي في المنام ؟
للحس بساحته إلمام .
ه قلت :لئال يكون
إشارة :ال تأخذ من اللبن سوى زبدة المحض ،وعليك بروح األشياء .
وال تأخذ من العسل سوى ما ادخره النحل لنفسه .
وال تشرب من خمر العلوم هإال السالفة التي لم تعصرها األرجل .
وال تشرب من المياه هإال المعصر ،فإن ماء التقطير فيه مزيد علم .
تنبيه :إذا ضرب القفل على الصندوق امتنع المال من المصارفة . . .
إذا ضرب القفل على الصندوق امتنع المال من المصارفة ،وحياته فيها ألنه خلق بها .
وهو مجبول على الحركة ،وتداول األيدي .
والدليل على ذلك :الق سمعك إلى التابوت المقفل تسمع المال يتحرك في جوانب
التابوت ،فإذا استطعت أن تفتح القفل فال تكسره فإنك محتاج إلى ادهخاره وقتا ما .
القفل لسانك فافهم !
70
فقال المشير :أريد مناسبة النظير .
فقلت :في رسمي رسمك ،وفي نعتي نعتك ،واإلجمال أحسن من التفصيل في هذا
القبيل .
71
واجتمع الماءان ،في الرحم اْلن فهو يتردد بين شوقين ،يغرب في غربين ويشرق
في شرقين .فوجدت في ذاتي امتالء لم أكن أعرفه قبل ذلك .
وسدهت المجاري والمسالك ،فحركت الرقيقة اإللهية فأجابني .
فقلت :يا إلهي ما هذا الذي أصابني ؟
فقال :تنفس بذكري لتظهر عنك كلمة أمري .
إشارة :
ثم قالت الشجرة :أنا الحقيقة الالمعة لما عندي من السعة والمطاوعة ،تلبس بكل
حالية لبوسها .
ى أن أهب العلوم ولست بعالمة ،وأمسخ
أ هما نعيمها وأ هما بؤسها ،ولكنني وهب إل ه
األحكام ولست بحاكمة ،
ال يظهر شيء لم أكن فيه وال يحصل له طالب مدرك وال يستوفيه .
فبهذا القدر عظمت في أعين المحققين .
فها أنا قد أنبأت عن حالي ،وأظهرت صدقي عن مجالي .
72
سؤُا فِيها َوال بهم ما كانوا به يستهزئون .كأني بهم في غمرة يستصرخون فيجابون ْ :
اخ َ
ون[ المؤمنون . ] 108 :ت ُ َك ِله ُم ِ
وإذا كان في عرض أهل الثناء الحسن ،في حظي فاكهون هم وأزواجهم في روضة
ي الشرع فال أبالي .يحبرون ،وقد أثنى عل ه
س ّر المستوي ....خلقت بال بنان أنا ال ّ
وأنا الّذي توارى ....جسمه عن العيان
فالّذي يرى وجودي ....لتصاريف ّ
الزمان
علمه أكمل علم ....شأنه أعظم شأن
هام بي ل ّما رآني ....في مقاصير الجنان
سنان .ال أس ّميه فإنّي ....خائف حد ال ّ
فهذا يا كعبة الحسن قد أوضحت لك مقامات أ همهات األكوان .
َّللا من األسرار
فصل ولما دعتني دواعي االشتياق إلى ما أودع ّ
73
وصورته له وجهان ،وطريقان ،وسيران ،وتجليان ،ومحقان ،وإدباران وإدبار
ومحق في كل أوان ،عند العالمين بما في الصفة العلوية من اإلحكام والترتيب
واإلتقان ،واعتدال األوزان .
ضدهان ،وسرعة التأثير في األكوان ، وله محق واحد ،وإدبار واحد عند العامة ،فله ال ه
وهو شبيه باإلنسان من جميع الوجوه ؛ القباح والحسان ،وله التقابالن .
وسران
ه سران ،وبدايتان وغايتان ،ونقصانان وكماالن ، وإليه ينظر الثقالن ،وفيه ه
وأمران ،وتأثيران ،وحكمان ،وله يدان ،ورجالن ،وعينان ،وأذنان ،وثديان ،
وعلوان وسفالن ،ويمينان وشماالن ،
وفوقان وتحتان ،وخلفان وأمامان ،وحاجبان وقلبان ،ولسانان ،ومعرفتان ،وأثيران
،وعرشان ،وكرسيان ،وروحان ،وتبييضان وتحميران ،وتسويدان ،وتكليسان ،
وحياتان وموتان ،واعتداالن وانحرافان ،وعقدتان .
وفيه من كل شيء اثنان ،فسبحان من فطره وفطر الخليفة آدم على هذا اإلتقان ،مولى
االمتنان ،والصالة والسالم على الحقيقة المحمدية صاحب اإلمامة المطلقة ،والخالفة
المحققة ،ما اتصلت األرواح باألرواح ،واألبدان باألبدان .
ثم قلت :يا بني أنت جامع القبضتين ،وصاحب الحكمتين ،وحامل الصورتين ،
فأخبرني عن السر الذي يرد المعادن إلى معدنين ،وأوقفني على الكنزين األبيضين ،
واألحمرين ،وعن سر كل وصفين .كالجالل والجمال ،واالنفصال واالتصال ،
والتركيب والتحليل ،والتجميل والتفصيل ،والفناء والبقاء ،واإلثبات والمحو ،
والحر والبرد .وما أشبه ذلك .
ه والسكر والصحو ،والرب والعبد ،
فإ هما أن تخبرني بحقيقة تجمع لي هذه المعاني وإ هما بتفصيل هذه المباني .
فقال :أ هما بالتفصيل فيطول ،وإيضاح الحقيقة الجامعة أولى بالوقت
فأقول :
74
إن األشياء المنفعلة إنما تبعث من فاعلها على حقيقة وجوده في األعيان ،ولهذا لم يبق
أبدع من هذا العالم في اإلمكان ،وأبين ما يكون ذلك في اإلنسان ،أذله الجود المطلق
،والفيض المحقق ،فإن تفطنت فقد أبنت لك عن درج التحقيق ،وألفيتك عن الطريق
،فأدرج عليه حتى تعاين أسرار التفصيل لديه .
وأ هما بحثك عن الكنزين ،واألمر الذي ير هد المعادن إلى معدنين
فاعلم أن هذا األمر على مرتبتين :
المرتبة الواحدة :في المشاهدة تسمى خرق العوائد ،وهي تصريف المحسوس على
صة بأرباب الهمم ومعادن الحكم ،وقوتهم تسري في حكم همم النفوس ،وهي مخت ه
األرواح بقلب صفات أعيان األشباح .فهذه صناعة علمية وصورة حكمية ألنها
روحانية موادهها سماوية ،إكسيرها مقرون بسعادة األبد ،وفعله مشاهدة األحد ،
يتصرف في العقل تصرف األفعال باألسماء .
وأ ّما المرتبة األخرى :
فهي صناعة علمية ،موقوفة على عناية أزلية تورث الجنان ومجاورة الرحمن ،ولهذا
قال في الكتاب المبين :نَتَبَ اوأ ُ ِمنَ ْال َجنا ِة َحي ُ
ْث نَشا ُء فَنِ ْع َم أ َ ْج ُر ْال ِ
عام ِلينَ [ الزمر . ] 74 :
عاملُونَ [ الصافات . ] 61 : ِل ِمثْ ِل هذا فَ ْل َي ْع َم ِل ْال ِ
سونَ [ المطففين . ] 26 : َوفِي ذ ِل َك فَ ْليَتَنافَ ِس ْال ُمتَنافِ ُ
فمن أراد أن يقف عليها ،ويصل إليها ،فإنها الكنز الذي ال يهدم جداره ،والزند الذي
ال يظهر أواره .
ّللا تعالى هإال لألمناء من عباده ،المتأهلين لحضرة إشهاده ،فإذا هي حكمة ال يودعها ه
أراد إنما يستعمل الفكر المحرق ،لما قام به من الشوق المعلق ،فأنتج له أن هذا األمر
موقوف على معرفة الحكمة وإنها موضوعة بين النور والظلمة ،موقوفة على المعدن
والنبات محكوم عليها لعدد شهود الزمان ،ولكن قصر به الفكر عن تعيين ذاته ،وعن
اإلدراك لجميع صفاته .
فصل ومن ذلك قال :فل ّما قام بنفس الملك خاطر السعادة
ومن ذلك قال :
فل هما قام بنفس الملك خاطر السعادة ،والتوجه إلى طريق االستفادة ،والبحث عن األمر
صاء علمائه
الذي به دوام الملك فقام بعض حكمائه ،وأخ ه
وقال :
قوتي ،ولكن قد ال تعرف قدرها أيها الملك مطلبك في قدرتي ،وحاجتك تحت ه
ّللا خيرها .
فيحرمك ه
ّللا بمكان ،وكأنها
فأنا أنبهك أوال عن كيفية إيجادها ،وحسن إسعادها ،بأنها من ه
شاركت القدرة في إيجاد األعيان ،فهي حكمة علوية ،مدرجة في صناعة علمية ،
ّللا هو الحكيم الخبير ،وأنه على كل شيء قدير ،وأنه قبل كل لتعلم أيها الملك أن ه
شيء ،وأنه أوجد األشياء ال من شيء ،ولكن مع اتصافه بهذه القدرة المحققة ،النافذة
75
المطلقة ،لم يوجد لهذي المعادن ابتداء ،حتى خلق األفالك ،العلوية والروحانية
السماوية ،واللمحات األفقية ،وأودع كل فلك روحانية كوكبية تحتوي على خاصية بها
،وعند وجودها خلق األرض والسماء والهواء واألثير .
ثم أوجد فيها منها دائرة الزمهرير ،ثم أجرى الشمس والقمر ،والنجوم مسخرات
سره ،تظهر المعادن في بسر من مكنون ه وخص كل متكون من هذه األجرام ه ه بأمره ،
أعيانها ،وتخلصت بكرور أزمانها .
ّللا مع قدرته ونفوذ إرادته ،وقوة علمه لم يوجد شيئا من المعادن إال بعد خلق فإذا كان ه
هذه األدوات ،وأجرى هذه المسخرات .فكيف تطمع أنت أيها الملك أن تكون فعاال
لهذه الحكمة مع عدم هذه األدوات وتحصيل هذه اْلالت .
ّللا شيئا من صل هذه اْلالت خاسرة ،وما فعل ه فإن قدرتك قاصرة ،وصفقتك إن لم تح ه
هذه األدوات ،وقدم هذه اْلالت مع غنائه عنها هإال لحكمة علمها من علمها ،وجهلها
من جهلها .
قال الملك :فكيف السبيل إلى تحصيل هذه األدوات ،وتركيب هذه المقامات .
خط االستواء ،وإنهك من أهل السواء ؟ فقال الحكيم :أيها الملك ألست ساكنا تحت ه
فقال الملك :نعم .
فقال الحكيم :من أراد أن يعلم أصل نشأة العالم ،وترتيب هيئتي من خط االستواء
نعرفه .
ه
فقال الملك :كيف أصنع ؟
فإني ال أجد في نفسي قوة تصور هذه األسباب والمقدمات ،وإيجاد هذه التأليفات
والمركبات .
ّللا تعالى قد منحني للقوة على نبأ ما يماثلها ،وإقامة ما يشاكلها ،
فقال الحكيم :إن ه
ووهبني أسرار كيفياتها وكمياتها ولي أصحاب من الحكماء أهل الفطنة والذكاء أش هد
بهم أزري ،وأحكم بمشاورتهم أمري ،ليقضي غرضي المولى وتقوم له هذه
الروحانية العلى .
فسر الملك بما قاله الحكيم ،وزال عنه ما كان أحاط به من الهموم . ه
فقال الحكيم :فاخترق مخاريق هذا الجبل العظيم ،ينظر فيه ؛ أين نقطة دائرة المركز
الذي تقوم النشأة به ،وترتب عليه نظام الهيئة فرأى الرياح والنجورات التي تنحل من
مسام ذلك الجبل تصير كالدائرة تتحرك في موضعها ،وال تتعدى إلى غير مهيهئها ،
وسوى جناحيه وطار ،واخترق معظم ه فعمل الحيلة حتى روح ذاته فالتحق باألطيار ،
بسموها إلى أن انتهى إلى موضع ه تلك الرياح محلقا في جوهرها ينزل بنزولها ويسمو
ال يتعدى النازل فيه على الصاعد وال الصاعد على النازل .
ّللا أكبر .قام الملك ؛ وظهر .
فقال الحكيم :ه
فأراد بذلك المركز المعتدل أرضا ذات أشجار وبقول ،وأدار عليها الماء فدار ،وأدار
عليها الهوى فصفق النسر بجناحيه وطار ،وأدار به دائرة الزمهرير وخلق به الفلك
األسير .
76
فلما أكمل هذه األركان إلنشاء ما يريده من المعادن والنبات والحيوان ،لم ينفصل
عنها ما أراد ألنها أشباح بال أرواح وإناث بال ذكور .
فاحتاج إلى إقامة النجوم الثابتة ،والبروج الحاكمة ،والكواكب السيهارة ،وحركة
أفالكها ،وفتح مسالك أمالكها فأقامها فكانت اْلباد العلويات ،وهذه األمهات السفليات
فتناكح بالحقائق الروحانيات ،والرقائق السماويات ،فتولد بينهما أبناء الحكيم ؛
المعدنيات ،والنباتيات ،والحيوانيات ،ولم تبلغ قوة هذا الحكيم فوق هذا الحد ،ولكنه
وفهى بالقصد .
فلما استوت هذه البنية على حسب ما أعطته الرؤية ،وحسن النيهة ،وجرت األقالم ،
وأعطت قواها الروحانيات ،وظهرت التكوينات واالنفعاالت ،وأشرف الملك الكريم ،
على ما فعله الحكيم ،وعاين تكوين الحكمة في هذه األجزاء ،وعرف أن األمر ال
يقوم هإال بوجود األرض والسماء ،فأعجبه ما رأى من حسن الرأي ،فأدركه الطيش
والوله .
فخاف عليه الحكيم التأله فأعمل الحيلة والنظر حتى الح له ما أراد ،
فظهر وشرع في إنشاء بستان ذي أفنان ،ففيه من كل وليد وقهرمان ،ومن الحور
الحسان ،والنخيل والرمان ضروب وألوان ،ينساب فيها الجداول انسياب الشعابين
بين تلك األزهار والبساتين ،وأنشأ فيها قصورا من الذهب والفضة البيضاء ،وأسكنها
من كل جارية غضاء ،وفرشها بالحرير من السندس واإلستبرق والعبقري المرفود .
وجعل حصباءها الياقوت والمرجان ،والزمرد ،والجوهر وترابها المسك ،فثبت
الملك .وآكامها العنبر .
ثم شرع في بناء دار أخرى ذات لهب وسعير ،وبرد وزمهرير ،وقيود وأغالل ،
وسرابيل من قطران وأفاعي كأنها النحت ،وأساور عظيمة السحت ،وعقارب مكنونة
من الشحت ،وبيوت مظلمة ومسالك ضيقة ،وكروب ،وغموم ،ومصائب ،
وهموم .
ثم أشرف الملك على الدّارين فقال :انظر ما بين المنزلتين فرأى ما رآه ،وسأله ما
السبب الذي دعاه ؟
فقال الحكيم :جعلت لك هذه الدار دار الرضا ،تنعم بها من أطاعك وأوالك ،وجعلت
هذه األخرى دار الغضب تعذب بها من عصاك وعاداك .
واعلم :
ّللا تعالى ما أسكنك في هذه الدهار هإال لتجعلها دار اعتبار ،فتتفكر وتعتبر ،وتتذكرأن ه
وصورك فج هملك ،وأوالك وملكك وعلمك ، ه سواك وعدلك ، وتزدجر ،وتعظم من ه
ّللا تعالى ،كما تصير أنت وإن كنت طائعا لربك عادال لرعيتك فتصير إلى النعيم عند ه
ومن أطاعك إلى هذا النعيم .وإن كنت عاصيا جائرا ،في حكمك ظالما ،فستصير
ّللا قلبك ،وأنذر قومك ،وطهر إلى ضيق وعذاب أليم ،فخف ربك ودينك وأصلح مع ه
ثوبك ،وال يحجبك سلطان عادتك ،عن تحصيل أسباب سعادتك ،فإن الدنيا لمحة
77
بارق ،وخيال طارق .كم ملك مثلك قد ملكها ،ثم رحل عنها وتركها ،وال بد لك من
الرحلة عنها إلى األخرى .فإ هما أن يعمر درجها وإ هما أن يعمر دركها .
واعلم :
ّللا تعالى قد جعلك ملكا على خلقه ،وأقامك بين الحق والباطل في مقام حقهه ،ال أن ه
لقصور قدرته عن صالح الخلق وتدبيره ،وتصريفه في إظهار الملك وتسخيره ،
وإنما ضرب لك بك مثاال في عالم الفناء ،لتستدل به على ترتيب الملك اإللهي في دار
البقاء ،ولهذا جعل في هذه الدنيا ظال زائال ،وغرضا مائال ،وجعلك عنها راحال ،
فهي جسر منصوب على بحر الهالك ،قد أبادت من القرون الماضية ،
واألمم الخالية ،والجبابرة الطاغية ،والفضالء ،والحكماء ،واألدباء ،والعقالء ،
واألولياء ،واألنبياء فَ َه ْل تَرى لَ ُه ْم ِم ْن با ِق َي ٍة( [ ) 8الحاقة . ] 8 :
وأنت أيها الملك على قاعدة مذهبهم ،وعن قريب تلحق بهم ،فإ هما إلى النعيم في دار
الخلود بجوار الصمد ،وإ هما إلى عذاب األبد .فاجهد في تحصيل أدوات النجاة ،
والبقاء فإن الدنيا متاع ،واْلخرة خير لمن اتقى .
78
معه وانصرف ،إلى أن أدخلني على الملك فقبلت يمنى بساطه ،وانبسط فسررت
بانبساطه فعرف مقصدي فأخذ بيدي ،وأشار إلى بعض رعيته .
وقال :سر به في ملكي ثم م هكنه من حاجاته .
فأخذني المملوك ،وكان من أحسن المماليك ،فاخترق بي جميع المسالك ،فرأيت ملكا
مدون الكم .
عظيما ،وسلطانا جسيما ،بديع الترتيب والنظم ،رفيع الكيف ه
ما من مسلك فيه هإال عليه حافظ ،وال مجلس هإال وعليه واعظ ،فمن عرف ما أودع في
تدبيره الحكيم من العلوم ،دبهر منه حكمته بصفة تقويه ينظر إليها روحانيات النجوم .
ومما رأيت في ذلك الجبل صهريجا معلقا في الهواء عليه قبهة عظيمة محكمة البناء ،
يسقط من تلك القبة حجارة رخوة بصفة هندسية روحانية في ذلك الصهريج ،وفيه
سرب ينتهي إلى صهريج آخر .
معلق في الهواء فترسب تلك الحجارة فتثقل .
وعندهم نهر يسمى نهر الغريب يجري في طرقات مدبرة في سرب حتى ينتهي إلى
ذلك الصهريج ،فإذا امتأل طفت الحجارة حتى تسامت فم صهريج مصنوع من
الكبريت فيعود ذلك الماء حميما فيطبخ تلك األحجار ،فتكون منها الحكمة وهي التي
تسمى الكيمياء .
فقال :هنا لمن عاش باألمانة وبقيت األعيان ،فاطلب األعيان بالعيان ،فشاهدنا ما
من ( َ ) 1علا َم ْالقُ ْرآنَ ( َ ) 2خلَقَ ْ ِ
اإل ْنسانَ الر ْح ُ
ّللا به في السورة التي يذكر فيها :ا
أخبر ه
79
( َ ) 3علا َمهُ ْالبَيانَ ( [) 4الرحمن ] 4 - 1 :غير أن جنى الجنتين ليس بدان ،فلما
قصرت أيدينا عن تناول شيء منها ،سألته ما السبب الذي قصر بنا عنها .
فقال :يا ولي تناولها موقوف على التركيب الثاني ،إن فهمت بتعظيم معرفته الثاني
وأنت في التركيب األول فاصبر حتى تتحول .
فإذا سرت روحانيتك في جسمك ،ووسمت وسمك وعرفت سعادتك ،وتقف على سر
حجرها وأحجارها ،فهنا يبدو لك شرف االعتدال ،وصورة التمام والكمال ،ويظهر
لعينك استواء المنحرف الميهال ،ويبقى العلم ويذهب الخيال ،وتتضح المعاني ويزول
اإلشكال ،وينحفظ التركيب باعتدال التركيب ،وتبرز حقيقة األبد ،ويدوم البقاء
بالديمومة اإللهية ،من غير أمد ،وتلوح كيفية التولد ،وماهية التعبد ،والتحاق
األجانب باألقارب ،وتنوع المراتب باختالف المذاهب ،وسرور الروح والنفس ،
بتحصيل الجمال واألنس ،وتقف على سر إجابة دعوة المضطر ،وإن كان كافرا ،
ّللا ال يضره معصية عاص ،وال تنفعه وهدى الطالب وإن كان جائرا ،وتعلم أن ه
طاعة طائع ،ولم يسم بالمانع ،والجوا هد ليس بالمانع .
ثم قال :نادى يا حنهان يا منهان ،يا رؤوف يا قديم اإلحسان ،يا من جعل معدن ه
النبوة
سويت فعدهلت ،وفي أي أشرف المعادن ،وموطن األحكام أرفع المواطن ،أنت الذي ه
صورة ما شئت ر هكبت ما سويت .
يا واهب إذ ال واهب ،ويا مانح المثوبات ألهل المكاسب ،أنت الذي وهبت التوفيق ،
وأخذت عبدك ومشيت به على الطريق ،وخلفت فيه األعمال المرضيهة ،واألقوال
سرت له أسباب السعادة ،ثم أدخلته دارك ، الزكية ،وأنطقته بالتوحيد والشهادة ،وي ه
ومنحته جوارك ،
وقلت له :هذا بعملك ولك ما انتهى إليه خاطر أملك ،فناديته كما أمرتني فأجاب ،
وقرعت بابه بهذه الكلمات ففتح ورفع الحجاب .فلما تجلى ذلك الجبل الراسي ،
وخررت على رأسي ،فانصرف اإلدراك إلى القلب فأبصر ،
ّللا أكبر .
وقال :أين هذا من مقام ه
سترين آيات جسام قال :فأستره فيسترني فيبدو ....لذي ال ّ
فمنها العين والتّحكيم فيها ....ومنها االنزعاج واالصطالم
أكاسير تر ّد الميت حيّا ....ويمطر عند رؤيتها الجهام
الحق حقّا يا غالم
ّ فهذا للقرآن قد فكّرت فيه ....وجدت
ثم قال :إنها نظمنا لك الدرر والجواهر في المسلك الواحد ،وأبرزنا لك القول في
سر النسبة التي
حضرة الفرق المتباعد ،ولهذا ترى الواقف عليها ال يكاد يعثر على ه
أودعها لديك .
قال :
80
حمدت إلهي والمقام عظيم ....فأبدى سرورا والفؤاد كظيم
وما عجبي من فرحتي كيف قورنت ....بترحة قلب ج ّل فيه عظيم
صدّيق في وقت كونه ....وشمس سماء الغرب منه عديم وما ناله ال ّ
مذاق ولكن الفؤاد مشاهد ....إلى ك ّل ما يبديه وهو كتوم
فأشخاصنا خمس وخمس وخمسة ....عليهم ترى أمر الوجود يقوم
إن األربعين نهاية ....لهم فهو قول يرتضيه كليم ومن قال ّ
وإن شئت أخبر عن ثمان وال تزد ....طريقهم فرد إليه قويم
فسبعتهم في األرض ال يجهلونها ....وثامنهم عند النّجوم لزيم
الزمان ودالها ....على فاء مدلول الكرور يقوم فعند فنا حاء ّ
سبعة األعالم والنّاس غفّل ....عليم بتدبير األمور حكيم مع ال ّ
الروضة الخضراء اسم عداته ....وصاحبها بالمؤمنين رحيم وفي ّ
يهب نسيم
ّ ويختص بالتّدبير من دون غيره ....إذا فاح زهر أو
ّ
تراه إذ ناوأه في األمر جاهل ....كثير الدّعاوى أو يكيد زنيم
فظاهره اإلعراض عنه وقلبه ....غيور على األمر العزيز زعيم
إذا ما بقي من يومه نصف ساعة ....إلى ساعة أخرى وح ّل صريم
فيهتز غصن العدل بعد سكونه ....ويحيى نبات األرض وهو هشيم ّ
َّللا شرقا ومغربا ....وشخص إمام المؤمنين رحيم ويظهر عدل ّ
وقال :
تدبّر أيّها الحبر اللّبيب ....أمورا قالها الفطن المصيب
وحقّق ما رمى لك من معان ....حواها لفظه العذب العجيب
وال تنظر إلى األكوان تشقى ....ويتعب جسمك الفذّ الغريب
ّللا الذي تقدم ،والصالة التي ختم بها الحمد وتمم .أ هما بعد حمد ه
ثم قال :
وكنت نويت أن أجعل في هذا الكتاب ما أوضحته تارة وأخفيه أخرى .
فأوله أين يكون من هذه النسخة اإلنسانية مقام األنبياء ، ّ
وثانيه مقام اإلمام المهدي المنسوب إلى بيت النبي مقام الطيبين ،وأين يكون ختم
األولياء وطائفة األصفياء إذ الحاجة إلى معرفة المقامين ،واإلنسان آكد من كل
مضاهاتها األكوان الحدثان .
العدو الشيطان ،أن يصرخ بي في حضرة السلطان . ه لكنني خفت نزعة
فيقول على ما ال أنويه ،وأحصل من أجله في بيت التنويه فسترت الشاة بالقززان
صيانة لهذا الجسمان .
ثم رأيت ما أودع الحق من األسرار لديه ،وتوكلت في إبرازه عليه .
81
فجعلت هذا الكتاب لمعرفة هذين المقامين ومتى تكلمت على مثل هذا فأنا أذكر العالمين
بسره المودع
،ليتبين األمر للسامع في العالم الكبير الذي يعرفه ويعقله ،ثم أضاهيه ه
في اإلنسان الذي ينكره ويجهله ،فليس غرضي في كل ما أصنهف في هذا الفن معرفة
كل ما ظهر في الكون ،وإنما الغرض تنبيه الغافل على ما وجد في هذا العين اإلنساني
،والشخص اْلدمي .ثم أبين لك ما يجهله من الشيء الذي تعقله وتعرفه بأولى
اإلشارات في أصداف العبارات .
فقال :
فالجسم فلك بحر الجود يزعجه ....ريح من الغرب باألسحار مشحون
وراكب الفلك ما دامت تسيّره ....ريح الشّريعة محفوظ وميمون
فال تزال كموج الملّقيات به ....يقول للكائنات في الورى كونوا
سر حكمته ....في ك ّل كون فذاك القلب مغبون فك ّل قلب سها عن ّ
َّللا فيك وال ....تظهره فهو عن األغيار مكنونسر ّ
فافهم فديتك ّ
الحر مدفون
ّ س ّر ميت بقلب
وغر عليه وصنه ما حييت به ....فال ّ
ي عطف النشوان يغازلني مغازلة الهيمان ،
ثم عطف عل ه
ويقول :
« ردهني برداء الكتم ،فإني أنا الختم .بفقدي تذهب الدول وتلحق األواخر باألول » .
ّ
فظن خيرا ،وال تسأل عن الخبر قد كان ما كان م ّما لست أذكره ....
82
ثم قال :
شق على قلبي حتى يرى شمس ربي . فمن كان ذا كشف علوي ،وعزم قوي ،ه
فمن امتطى عنق األشياء طلب ولحق ،ومن نزل إلى زلول الكتم نجا والتحق ،هإال إن
كان كما فعله وفعله من قبلي خفي رمز ،ودرج معنى في معمى ،ومن دون ذلك
البحر المذكور أرخينا الستور .
ول هما ص هح أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ،ثبت أن له حشرين ،وأنه صاحب
السر هو رهن بيدك وقد علق فال تيأس ،وأمسك عليه فتنكس ، ه حكمين .وصاحب هذا
ووجه األمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم ،والكتاب المختوم إفشاء تعريض ال
تصريح وإعالم وتنبيه وتنويه .
ول هما تلقيت منه األمر على هذا الح هد ،دخلت تحت هذا العقد ،فلزمني الوفاء بالعهد ،
فأنا اْلن أبدي وأعرض ،وإيهاك أعني واسمعي يا جارة .
بسري ،وأبدي مكنون أمري ،وأنا الموصي به غيري ،فيما يوضح وكيف أبوح ه
نظمي ونثري .
فمن كان له قلب وفطنة ،شغله طلب الحكمة عن البطنة ،ووقف على ما رمزناه ،
السر اإللهي لشافهنا به الوارد والصادر
ه وفك المعمى الذي لغزناه ،ولوال خوف إفشاء
،وجعلناه قوت المقيم وزاد المسافر .
وّللا الكفيل بالهداية إلى سواء السبيل .
ه
ولو شاء لهداكم أجمعين .
ي األسرار ،وسطعت عن مسام أشعته األنوار ،اغتسلت بالماء نزل عل هبل وصل ول هما ه
القراح ،فأعكست األنوار إلى محل اإللهام فجرت جداولها ،وأنهارها ،واشتد الريح
الغربي فتموجت بحارها ،فدخل الموج بعضه إلى بعض ،وأسرع إلى ما أبرمه
ي يغشاهبالمبرم والنقض فال تبصر هإال سحابا مركوما ،وموجا مختوما ،في بحر ل هج ه
موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض .
سك ،فإن الزمان شديد ،جبار فتأمل هذه اإلشارات في نفسك ،واجمع عليها بقلبك وح ه
عنيد ،وشيطان مريد .
83
وإال لحقت بأصحاب الشرور والويل ،وقد فانسلخ منهم انسالخ النهار من الليل ،ه
سبل فالزم .فأقامني الحق مقام البحر الذي عال موجه نصحتك فاعلم ،وأوضحت لك ال ه
فطما ،ودخل بعضه في بعض فهما ،وأنا في حالة ال يعرفه هإال من كابدها ،
وال يصفها ّإال من شاهدها كما قيل :
صبابة ّإال من يعانيها
ال يعرف الشّوق ّإال من يكابده ....وال ال ّ
ونزلت قلبي في مقام عليين ،إذ هو مح هل الحق ،ومقعد فأقمت متكئا إلى اليمين ،ه
الصدق ،وقد غمره الماء ،وأحاط به األنواء ،فلم تزل أمواجه تصفق ،
وأرياحه تزعج وتسبق إلى أن برقت لي منه بارقة كخرق اإلبرة ،فرشح منها قدر
رأس الشعرة ،رأيت فيها عبرة ،ولم ير هإال شخصا ملكيا أنشأها نشأ فلكيا القترابه ،
ي ،وأبرزه للعيان فعرفت أن ذلك الشخص جسمانية هذا الكتاب ،الذي أنزل الحق عل ه
المتموج ،
ه ي ،وإنه قطرة من ذلك البحرعلى يد ه
ورشحة من ذلك الموج األوهج ،فانظر وتأمل أيها المولى األكمل ،هذه األسرار التي
ال تتخلص بالفكر ،إذ هي من حضرة ما ال خطر على قلب بشر ،وال وعتها أذن
واعية ،وال أدركتها حقيقة بصر .
84
فما كان شملهم المقام وع هم ،فمنهم التا هم األتم ،فإنه من يقف على هذا العلم ،وال مقام
لهذا الحكم ،يروم ما ال يحصل له وذلك لما ذهل عنه وجهله وكفاك أن تعلم وهذا غاية
العجز .
قل للباحث على ما ال يصل إليه ،والطالب فوق ما يبتغيه :هل يعرف من الحق غير
ما أوجده فيه ؟
فانبعث من تلك الطريقة أشعة في الخالة ،استدارت أنوارها كاستدارة المرآة اللطيفة
الكيف ،الفارغة الجوف ،معلومة المنازل ،عند السالك والداخل ،
فجعل ذلك الكور ،وأنشأ ذلك الدهور ،كرسيا لقدميه ،وحضرة لنفوذ ما يصدر من
األمر بين يديه ،فيخرج األمر منه متحد العين ،حتى وصل الكرسي انقسم قسمين ،إذ
كان المخاطب من ذلك الموضع إلى أسفل موجودين اثنين ،
وإن كان واحدا فمن جهة أخرى ،وعلى ذلك الواحد تتابع الرسل تترى ،فإن
المخاطب لجميع األشياء إنما هو اإلنسان ليس ملك وال جان ،فإن الملك والجان جزء
منه ،وأنموذج خرج عنه ،فله بعض الخطاب ،واإلنسان كل الكتاب المنبهه عليه
طنا فِي ْال ِكتا ِ
ب ِم ْن ش ْ
َيءٍ [ األنعام . ] 38 : بقوله :ما فَ ار ْ
ثم بقوله :ث ُ ام ِإلى َر ِبه ِه ْم يُ ْحش َُرونَ [ األنعام . ] 38 :
وأول االبتداء فقال َ :و ِع ْن َدهُ أ ُ ُّم
كما نبهه على الحقيقة المحمدية التي هي أصل اإلنشاء ،ه
ب[ الرعد . ] 39 : ْال ِكتا ِ
فنحن الكتاب األجلى ،وهو اإلمام األعلى .فاإلنسان الكتاب الجامع ،والليل المظلم ،
والنهار المشرق الساطع .
وسمو منزلته ،وإنه واحد بالنظر إلى قواعده ،وخمسة بالنظر إلى ه علو مرتبه فمن ه
مملكته ،وستة بالنظر إلى جهاته ،وسبعة بالنظر إلى صفاته ،
وثمانية بالنظر إلى سجيهته ،وتسعة بالنظر إلى مراتبه ،وعشرة بالنظر إلى إحاطته ،
وإحدى عشر بالنظر إلى واليته ،وهو روح القدس .
تطلع على ذلك ببصرك عند ثم قال :وتركنا تعين ما ذكرته موقوفا على نفسك حتى ه
شروق شمسك ،وقد نبههنا عليها في هذا الكتاب بالتضمين .
85
وقو اجتهادك .عسى أن يفتح لك بابا من عنده عند مواظبتك على الوفاء
ففد فؤادك ه
والتصديق بوعيده ووعده .
86
وأقول للناظر في هذه العجالة :
ه
أثبت لك فيه كثيرا من دقائق الحقائق فيما يتعلق بك وفيما يتعلق باألسرار اإللهية ، قد
ولقد نبهتك على الكنزين ،وأجريت لك كالما من إشارات الصوفية ،
وتنبيهات حكمية ،ومقامات فردانية لتفهم ما قلت لك ،فإني أظهرت لك معنى من
معاني ،ورفعت لك الستر .
ّللا ،أن هذه األسرار من العلوم التي يجب سترها وال يجوز كشفها .
واعلم ،وفقك ه
وّللا الموفق بمنهه وكرمه .
ه
*
تم بحمد هللا رب العالمين
عبد هللا المسافر باهلل
87
كتاب منزل المنازل الفهوانية
تأليف ال ه
شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى
638هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه ال ه
شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني
ال ه
شاذلي الدهرقاوي
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
ّللا على محمد وعلى آله وسلم تسليما الحمد هّلل الذي نقهح العقول بعلوم صلى ه
الرياضيات وهذهبها ثم وضع لها المنازل على مدارجها ورتهبها ،بعزته عند معارجها
سفلى .
في السماوات العلى وتنوع مخارجها ،من هذه القوالب الظلمانية ال ه
إن منازل الثناء والمدح ألرباب الكشوفات والفتح .
ومنازل الرموز واأللغاز ،ألهل الحقيقة والمجاز .
ومنازل الدعاء والنداء ،ألهل اإلشارة واإلقصاء .
ومنازل األفعال ألهل األحوال والوصال .
ومنازل االبتداء ألهل الخواطر األول واإليماء .
ومنازل التنزيه ألولي االستنباطات والتوجيه .
ومنازل التقريب للمتأله الغريب .
ومنازل التوقهع ألصحاب السبحات والتبرقع .
ومنازل البركات ألهل الحركات .
ومنازل األقسام للمدبرين عوالم األجسام .
ومنازل الدهر لمن اغترف من النهر .
ومنازل اإلنيهة ألرباب المشاهد العينية .
ومنازل الم ألف ألهل السر الذي ال ينكشف .هإال بعد قيام األلف من رقدتها وحل الالم
من عقدتها .
ومنازل التقرير لعلماء اإلكسير .
ومنازل فناء الكون للمستورين خلف حجاب الصون
ومنازل األلفة ألصحاب األمان والغرفة .
ومنازل الوعيد للقائمين بالعرش المجيد .
ومنازل االستخبار للعارفين باألسرار .
ومنازل األمر للمتحققين بحقائق السر .
***
فالممتدحون بأوصافهم زاهون .
والرامزون من االعتراض فائزون .
والمتألهون بأوصاف الربوبية متخلقون تائهون .
88
والواصلون على العين حاصلون .
والمشيرون عند التبليغ حائرون .
والمستنبطون مصيبون وغالطون .
والغرباء المقربهون عند صولة الكون منكسرون .
والمتبرقعون من سطوة السبحات خائفون .
والمتحركون بغيرهم مرزوقون .
والمدبرون بالفكر سالكون .
والمم هكنون بوضع الحدود مكلفون .
والمشاهدون إذا سألتهم جاحدون .
والكاتمون مجهولون فهم سالمون .
والعالمون على األشياء والمعلومات حاكمون .
والمستورون عند المحققين منتظرون .
واْلمنون في مواطن الدنيا مخدوعون .
ّللا قاعدون .
والقائمون عند ه
والملهمون في األكوان محكمون .
والمحققون بالثالثة األحوال ظاهرون .
فهم المؤمنون الكافرون المنافقون .فتراهم لهذه الثالثة األحكام في كل واد يهيمون ،
وبكل لسان يتكلمون ،وفي كل صورة يظهرون ،وعلى كل سور يتسورون .
ّللا على الكامل في المراتب الوجودية ،والمالك للخزائن الجودية ،المجموع وصلى ه
له من المعراجين بالموقف األزهى ،والمكانة الزلفى ،وعلى آله وسلم تسليما .
أما بعد
ّللا تعالى ل هما جعل لهذه المعارج أحكاما ،وضع لها اسما بحسب أحكامها .
فإن ه
واشتق للمتحققين بها اسما من أسماء هذه األحكام .واختلفت توجهات الحقائق اإللهية
على هذه المعارج فاختلفت األلقاب على هذه التوجهات .
كل ذلك ليقع التمييز للمبهم ،واإلعراب للمعجم ،التفصيل للمجمل ثم جعل سبحانه
للقائمين بهذه المعارج أحواال لها ألقاب في عالم العبارة ،ليقع أيضا التمييز بين رجالها
أو بين أحكامها في الرجل الواحد كالعلم مجمال والعالم مفصال .وإذا وقع التفصيل في
العلم وقع التفصيل في العالم فقيل الهندسة ،والمنطق ،والنحو ،واللغة ،والطب ،إلى
غيره .
له من العلم الصناعي وغير الصناعي فقيل :
المهندس ،والمنطقي ،والنحوي ،واللغوي ،والطبيب .وغير ذلك .فلنذكر من هذا
الضرب تسعة عشر قسما كما ذكرناها في خطبة هذا الكتاب .وكما سترد أسماء
المنازل محاطة محصورة في تسعة عشر قسما .
ونبين حكمة انحصار األقسام في تسعة عشر .
89
وأن الموجودات محصورة فيها من وجوه متعددة فنقول :
ووطأ المعاقل للعاقل وزوى المراحل للراحل ، ه ّللا تعالى لما هيهأ المنازل للنازل ،
إن ه
صل المقاسم للقاسم ،وأع هد القواصم للقاصم ،وبيهن العواصموأعلى المعالم للعالم ،وف ه
للعاصم ،ورفع القواعد للقاعد ،ورتهب المراصد للراصد ،وس هخر المراكب للراكب ،
ه
وسطر المحامد للحامد ،وس ههل المقاصد للقاصد ،وأنشأ وقرب المذاهب للذاهب ، ه
المعارف للعارف ،وثبهت المواقف للواقف ،ووعهر المسالك للسالك ،وعيهن المناسك
للناسك ،وأخرس المشاهد للشاهد ،وأحرس الفراقد للراقد .
فجعل سبحانه وتعالى النازل مقدّرا ،والعاقل مفكّرا ،والراحل مشمرا ،والعالم
مشاهدا ،والقاسم مكابدا ،والقاصم مجاهدا ،والعاصم مساعدا ،والقاعد عارفا ،
والراصد واقفا ،والراكب محموال ،والذاهب معلوال ،والحامد مسؤوال ،والقاصد
مقبوال ،والعارف مبخوتا ،والواقف مبهوتا ،والسالك مردودا ،والناسك مبعودا ،
والشاهد محكما ،والراقد مسلما .
فهذا قد ذكرناه مفصال مبينا فأشرنا لهذه المنازل ،وإن كثرت ،
90
منازل المدح والتّباهي ....منازل ما لها تناهي
سمو مدحا ....مدائح القوم في الثهرى ه
تطلبن في ال ه ال
هي من ظمئت نفسه جهادا ....يشرب من أعذب المياه
فبين منزل العقل األول وبين منزل العرش األعظم ( ال ) منزال .
91
"" يشير الشيخ األكبر بعدد الحروف إلى عدد المنازل وهي ( ) 31منزال ألن « ال
» عددها بحساب الجمل ( ) 31وبذلك يكون بين العقل األول والعرش األعظم
( ) 31منزال .
هذا وإتماما للفائدة وتيسيرا على القارئ معرفة حساب الجمل لمعرفة عدد المنازل
أذكر كيفية عملية الحساب التي تجري وفق ( أبجد هوز ) وهي على النحو التالي أ 1
،ب ، 2ج ، 3د ، 4هـ ، 5و ، 6ز ، 7ح ، 8ط ، 9ي ، 10ك ، 20ل 30
،م ، 40ن ، 50س ، 60ع ، 70ف ، 80ص ، 90ق ، 100ر ، 200ش
، 300ت ، 400ث ، 500خ ، 600ذ ، 700ض ، 800ظ ، 900غ
. 1000
وهكذا نعرف عدد المنازل من معرفة عدد الحرف الواحد وبالنسبة للحرفين فصاعدا
نجمع عدد أرقام أحرفها والرقم المجموع يمثل عدد المنازل التي يشير إليها الشيخ
ّللا تعالى ونفعنا بعلومه وأسراره آمين "" .
األكبر رحمهما ه
92
وبين منزل القلوب ومنزل الحجاب ( ج ) .
وبينه وبين منزل االستواء الفهواني ( هـ ) .
وبينه وبين منزل األلوهية السارية ( و ) .
وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( د ) وبينه وبين منزل الدهر ( ح ) .
وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( ط ) .
وبين الحجاب ومنزل االستواء الفهواني منزل .
وبينه وبين منزل األلوهية السارية ( ب ) .
وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( ج ) .
وبينه وبين منزل الدهر ( د ) .
وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( ل ) .
وبين منزل االستواء الفهواني .
وبين منزل األلوهية السارية ( أ ) .
وبينه وبين منزل استمداد الكاهن ( ف ) .
وبينه وبين منزل الدهر ( ج ) .
وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( د ) .
وبين منزل األلوهية السارية وبين منزل استمداد الكاهن منزل وبين منزل األلوهية .
ومنزل الدهر ( أ )
وبينه وبين المنازل التي ال ثبات فيها ( ب ) .
وليس بين منزل استمداد الكاهن وبين منزل الدهر منزل .
وبين منزل استمداد الكاهن والمنازل التي ال ثبات فيها منزل .
وليس بين منزل الدهر والمنازل التي ال ثبات فيها منزل .
93
وبينه وبين منزل الخسف ( كه ) ،
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( كو ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( كر ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( كح ) ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( كط ) ،
وبين منزل األلوهية ومنزل الزيادة ( و ) ،
وبينه وبين منزل الغيرة ( ز ) ،
وبينه وبين منزل الفقر ( ح ) ،
وبينه وبين منزل ربع الشبه ( ي ) ،
وبينه وبين منزل الجود ( يا ) ،
وبينه وبين منزل القهر ( كب ) ،
وبينه وبين منزل الخسف ( كد ) ،
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( كه ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( كو ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( كز ) ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( كح ) ،وليس بين منزل الزيادة ومنزل الغيرة منزل ،
وبينه وبين منزل الفقر ( أ )
وبينه وبين منزل رفع الشكوك ( ج ) ،
وبينه وبين منزل الجود ( د )
وبينه وبين منزل القهر ( يه ) ،
وبينه وبين منزل الخسف ( يو ) ،
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يز ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( ير ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( يح ) ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( كط ) ،
وبين منزل الغيرة ومنزل الفقر منزل وبينه وبين منزل رفع الشكوك ( ب ) ،
وبينه وبين منزل الجود ( ح ) ،
وبينه وبين منزل القهر ( يد ) ،
وبينه وبين منزل الخسف ( يه ) ،
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يز ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( يح ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( يط )
وبينه وبين منزل االستدعاء ( ك ) ،
وبين منزل الفقد والوجد ومنزل رفع الشكوك ( أ ) ،
وبينه وبين منزل الجود ( ر ) ،
94
وبينه وبين منزل القهر ( يج ) ،
وبينه وبين منزل الخسف ( يه ) ،
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يو ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( يز ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( لح ) ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( ط ) ،
وليس بين منزل رفع الشكوك وبين منزل الجود منزل ،
وبينه وبين منزل القهر ( يب ) ،
وبينه وبين منزل الخسف ( يد ) ،
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يه ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( يو ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( ير ) ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( يح ) ،
وبين منزل الجود ومنزل القهر ( ي ) ،
وبينه وبين منزل الخسف ( يب ) ،
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( يح ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( يد ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( يه ) ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( يو ) ،
وبين منزل القهر ومنزل الخسف ( أ )
وبينه وبين منزل األرض الواسعة ( ي ) ،
وبينه وبين منزل اْليات ( ج ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( د ) ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( هـ ) ،وليس بين منزل الخسف وبين منزل األرض
الواسعة منزل ،
وبينه وبين منزل اْليات ( أ ) ،
وبينه وبين منزل الحكم ( ب )
وبينه وبين منزل االستعداد ( ج ) .وليس بين منزل األرض ومنزل اْليات منزل ،
وبينه وبين منزل الحكم ( أ )
وبينه وبين منزل االستعداد ( ب ) .وليس بين منزل اْليات وبين منزل الحكم منزل ،
وبينه وبين منزل االستعداد ( أ ) .وليس بين منزل الحكم ومنزل االستعداد منزل .
95
فبين منزل الزينة ومنزل هذا المعنى الذي أشرنا إليه ( ل ) .
96
وبينه وبين منزل االبتالء ( لو ) ،
وبينه وبين منزل المعرفة ( ما ) ،
وبينه وبين منزل المنع ( مذ ) ،
وبينه وبين منزل النواشي ( مط ) ،
وبينه وبين منزل التقديس ( ن ) ،
وبين منزل الحجب ومنزل المقاصير ( يه ) ،
وبينه وبين منزل االبتالء ( كو ) ،
وبينه وبين منزل المعرفة ( ال ) ،
وبينه وبين منزل المنع ( لب ) ،
وبينه وبين منزل النواشي ( لط ) ،
وبينه وبين منزل التقديس ( ص ) ،
وبين منزل المقاصير وبين منزل االبتالء ( مي ) ،
وبينه وبين منزل المعرفة ( يه ) ،
وبينه وبين منزل المنع ( يو ) ،
وبينه وبين منزل النواشي ( كح ) ،
وبينه وبين منزل التقديس ( كد ) ،
وبين منزل االبتالء ومنزل المعرفة ( د ) ،
وبينه وبين منزل االبتالء ومنزل المعرفة ( د ) ،
وبينه وبين منزل المنع ( ل ) ،
وبينه وبين منزل النواشي ( يب )
وبينه وبين منزل التقديس ( ح ) ،
وليس بين منزل المعرفة ومنزل المنع منزل ،
وبينه وبين منزل النواشي ( ر ) ،
وبينه وبين منزل التقديس ( ح )
وبين منزل المنع ومنزل النواشي ( ر ) ،
وبينه وبين منزل التقديس ( ح )
وبين منزل المنع ومنزل النواشي ( و ) ،
وبينه وبين منزل التقديس ( ن ) ،
وليس بين منزل النواشي وبين منزل التقديس ( ز ) وليس بين منزل النواشي ،
وبين منزل التقديس منزل وفي هذه المنازل
أقول :
الحق طوعا يأفل
ّ الرحمن فيك منازل ....فأجب نداءآلية ّ
رفعت إليك المرسالت أكفّها ....ترجو النّوال فال يخيب ال ّ
سائل
أنت الّذي قال الدّليل بفضله ....ولنا عليه شواهد ودالئل
97
لوال اختصاصك بالحقيقة ما زهت ....بنزولك األعلى لديه منازل
98
وبينه وبين منزل الرحموت ( ما ) ،
وبينه وبين منزل الحق ( مه ) ،
وبينه وبين منزل الفرع ( عز ) .
وبين منزل التنزالت وبين منزل علم التوحيد ( ز )
وبينه وبين منزل الرحموت ( يه )
وبينه وبين منزل الحق ( كط ) ،
وبينه وبين منزل الفرع ( سا ) .
وبين منزل علم التوحيد وبين منزل الرحموت ( ز )
وبينه وبين منزل الحق ( كا ) ،
وبينه وبين منزل الفرع ( نج ) ،
وبين منزل الرحموت وبين منزل الحق ( بح ) ،
وبينه وبين منزل الفرع ( مه ) ،
وبين منزل الحق ومنزل الفرع ( ر ) .
99
وبين منزل النشر ومنزل النصر ( أ ) ،
وبينه وبين منزل الجمع ( ر ) ،
وبينه وبين منزل الربح ( د ) ،
وبينه وبين منزل االستحاالت ( كز ) .وليس بين منزل النصر ومنزل الجمع منزل .
وبينه وبين منزل الربح ( ب )
وبينه وبين منزل االستحاالت ( كه )
وبين منزل الجمع ومنزل الربح ( أ ) ،
وبينه وبين منزل االستحاالت ( كه )
وبين منزل الربح والخسران ومنزل االستحاالت ( كب ) .
100
ثم يتلو هذا المنزل :منزل البركات
وهو يشتمل على منازل منها :
منزل الجمع والتفرقة ،ومنزل الخصام البرزخي وهو منزل الملك القاهر وبين
المنزلين منازل ( مت ) .
101
وبينه وبين منزل النفس الكلية ( مز ) ،
وبينه وبين منزل القطب ( مح ) ،
وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( ن ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس ( مح ) ،
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( ند ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( نه ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( نز ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( سا ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( سد ) .
وليس بين منزل المقاسم الروحانية ومنزل الرقوم منزل وبينه وبين منزل مساقط النور
(أ)،
وبينه وبين منزل السفر ( كه )
وبينه وبين منازل المراتب ( كز ) ،
وبينه وبين منزل النفس الكلية ( لج ) ،
وبينه وبين منزل القطب ( لد ) ،
وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( لز ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس ( لط )
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( م ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( ما ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( مج ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مح )
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( نا ) .
وليس بين منزل الرقوم ومنزل مساقط النور منزل ،
وبينه وبين منزل الشعراء ( كد ) ،
وبينه وبين منزل المراتب ( كو ) ،
وبينه وبين منزل النفس الكلية ( لب ) ،
وبينه وبين منزل القطب ( ج ) ،
وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( نو ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس ( لح ) ،
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( لط ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( م ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( مب ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مز ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ن ) .
وبين منزل مساقط النور وبين منزل الشعراء ( كج ) ،
102
وبينه وبين منزل المراتب ( كه ) ،
وبينه وبين منزل النفس الكلية ( ال ) ،
وبينه وبين منزل القطب ( لب ) ،
وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( له ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس ( لز ) ،
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( لح ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( لط ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( م ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مه ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( مح ) .
وبين منزل الشعراء وبين منزل المراتب الروحانية ( أ ) ،
وبينه وبين منزل النفس الكلية ( ز ) ،
وبينه وبين منزل القطب ( ح ) ،
وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( يا ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس ( يح ) ،
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( يد ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( ته ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( بر ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( كب ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( كه ) .
وبين منزل المراتب الروحانية وبين منزل النفس الكلية ،
وبينه وبين منزل القطب ( و ) ،
وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( ط ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس ( ما )
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( يب ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( يج ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( يه ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( ك ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( كج ) .
وليس بين منزل النفس الكلية وبين منزل القطب منزل ،
وبينه وبين منزل انفهاق األنوار ( ج ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس الناطقة ( ط ) ،
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( ،و ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( ز ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ط ) .
103
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( يد ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( يز ) .
وبين منزل القطب ومنزل انفهاق األنوار ( ب ) ،
وبينه وبين منزل مراتب النفس ( د ) ،
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( ط ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( و ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ح ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( يح ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( يو ) .
وبين منزل انفهاق األنوار وبين منزل مراتب النفس ( أ ) ،
وبينه وبين منزل اختالف الطرق ( ب ) ،
وبينه وبين منزل المودة ( ج ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ط ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( ي ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( يح ) .
وليس بين مراتب النفس الناطقة ومنزل اختالف الطرق منزل ،وبينه وبين منزل
المودة ( أ ) ،
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ما ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( مو ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( مط ) ،
وليس بين منزل الطرق وبين منزل المودة منزل .
وبينه وبين منزل علوم اإللهام ( ب ) ،
وبينه وبين منزل النفوس الحيوانية ( ز ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ي ) .
وبين منزل المودة ومنزل علوم اإللهام ( أ ) ،
وبينه وبين منزل النفس الحيوانية ( و ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ط ) .
وبين منازل علوم اإللهام وبين منزل النفوس الحيوانية ( د ) ،
وبينه وبين منزل الصالة الوسطى ( ز ) ،
وبين منزل النفوس الحيوانية وبين منزل الصالة الوسطى ( ب ) .
104
ثم يتلو هذا المنزل :منزل اإلنيّة
ويشتمل على منازل منها :
منزل سليمان عليه السالم ،
منزل الستر الكامل ،
ومنزل اختالف المخلوقات ،
ومنزل الروح ،
ومنزل العلوم .
105
وبينه وبين منزل روحانيات األفالك ( كد ) ،
وبينه وبين األمر اإللهي ( هك ) ،
وبينه وبين منزل الوالدة ( كز ) ،
وبينه وبين منزل الموازنة ( مت ) ،
وبينه وبين منزل البشارة ( نج ) .
وبين منزل العزة وبين منزل روحانيات األفالك ( يط ) ،
وبينه وبين منزل األمر اإللهي ( نط ) ،
وبينه وبين منزل الوالدة ( كا ) ،
وبينه وبين منزل الموازنة ( مج ) ،
وبينه وبين منزل البشارة باللقاء ( ند ) .
وليس بين منزل روحانيات األفالك ومنزل األمر اإللهي منزل ،وبينه وبين منزل
الوالدة ( ب ) ،
وبينه وبين منزل الموازنة ( نط ) ،
وبينه وبين منزل البشارة باللقاء ( كح ) .
وبين منزل األمر اإللهي ومنزل الوالدة ( أ ) ،
وبينه وبين منزل الموازنة ( بو ) ،
وبينه وبين منزل البشارة ( كر ) ،
وبين منزل الوالدة ومنزل الموازنة ( يد ) ،
وبينه وبين منزل البشارة ( كه ) ،وبين منزل الموازنة ومنزل البشارة ( ي ) .
106
منزل التقرير :ويشتمل على منازل منها :
منزل بعدد النعم ،
ومنزل دفع الضرر ،
ومنزل الشرك المطلق .
فبين منزل بعدد النعم وبين منزل دفع الضرر ( ي ) ،
وبينه وبين منزل الشرك المطلق ( يب )
وبين منزل دفع الضرر وبين منزل الشرك المطلق ( أ ) .
أقول :
منازل األلفة مألوفة ....وهي بهذا النّعت معروفة
عرس فيها أقم ....فإنّها باألمن محفوفة
فقل لمن ّ
107
وهي على االثنين موقوفة ....وعن عذاب الخوف مصروفة
108
وبينه وبين منزل النسب ( لح ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( لط ) ،
وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( مر ) .
وبين منزل التعليم وبين منزل السر ( يب ) ،
وبينه وبين منزل النسب ( نه ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( يو ) ،
وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( يز ) .
وبين منزل السر ومنزل النسب ( ر ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( ح ) ،
وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( د ) .
وليس بين منزل النسب ومنزل التمائم منزل .
وبينه وبين منزل القطب واإلمامين ( أ ) .
وليس بين منزل التمائم ومنزل القطب واإلمامين منزل .
فبهذا قد ذكرنا المنازل المعينة بأسمائها ،وذكرنا كم بين منزل ومنزل من المنازل ولم
نسمها ،وإنما ذكرناها من أجل السالك ،إذا سلك عليها ليتقدم له الخير بكيفيتها ،
وسكتنا عن كيفياتها من أجل المدهعي .
فإن المدهعي متى حصل الكيفيات ظهر بصورة الصدق ،وال يعرفه األجنبي فتمشي
دعواه وال يفرق بينه وبين الصادق .
فلهذا ال نصرح بالكيفيات ،وال بنتائج األعمال مربوطة بأعمالها .
بل نسوق األعمال في أبواب المعامالت ،ونسوق النتائج في أبواب األحوال ،وأبواب
األسرار .
وال نقول هذا الحال نتيجة العمل الفالني ،وال هذا السر طريقه العمل العالني من أجل
ما ذكرناه وال نبالي من المدهعي .
لو قلته إذا ادعاه عبد ما فأخذه مني .وإنما نخاف من انقياد الخلق إليه واتباعه ،فيمزج
ذلك الحق بهواه فيضل به الغير ،ومن هنا ظهرت اإلباحية وأصحاب الحلول في
طريق القوم ،فظهروا بالصورة لعيون العامة ولزوم الناموس .
فإذا خلوا فهم شر الخلق .
ّللا علينا وعليهم وراجع بنا ،وبهم .
قلوبهم قلوب الذباب .تاب ه
فلمزجهم الحق بهواهم ،وأكاذيبهم .
109
لم نبين ذلك حتى ال يكون في صحيفتي .
فمنهم أشبه الخلق بالشياطين عندما يسترقون السمع .
فيأخذ كلمة الحق فيضيف إليها سبعين كذبة من السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا في
جهنم ،فيأت بها إلى وليه ليضله بها .
ّللا تعالى يشير إلى
"" لعل الشيخ األكبر رحمه ه
ّللا ال يرى بها
ّللا عليه وسلم « :إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط ه
قول النبي صلى ه
بأسا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا » .رواه ابن ماجة في سننه "".
110
* وأ ّما منزل اإلنيّة :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم الذات .
* وأ ّما منزل الم األلف :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم نسبة الكون إلى المكون .
* وأ ّما منزل التقرير :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم الحضور .
* وأ ّما منزل فناء الكون :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم قلب األعيان .
* وأ ّما منزل األلفة :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم االلتحام بين الموجودات عموما .
* وأ ّما منزل الوعيد :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم المواطن والتمييز في كل شيء .
* وأ ّما منزل االستفهام :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم ليس كمثله شيء .
فإنهم إذا أحالوك عند استفهامك عن منازل أحبابك على لفظه .
عز وجوههم في قلبك حيث لم يتمكن تصورهم وال يتعلق بهم علم . فقد ه
فلم يجبلوك على قلبك ،وال على أعيانهم .
فإن أعيانهم ال تشهد :ال ت ُ ْد ِر ُكهُ ْاألَب ُ
ْصار.
فال القلب يملكهم وال العين تدركهم .فما بقي عندك سوى أسمائهم .
* وأ ّما منزل األمر :
فكذلك ،لكن أخص أوصافه :علم العبودية .
فبهذا قد ذكرنا ما تعطيه أمهات المنازل التي هي تسعة عشر ،وإنما كانت تسعة عشر
ألن المنزول عليه في هذه المنازل يعطي حقيقة تسع عشرة حقيقة ال تنقال يكون عنها
تسعة عشرة حقيقة تنقال بصورة الموجودات على صورة هذه الحقائق .
ولم يكن عندنا علم بحصر هذه الحقائق حتى نظرنا هذه المنازل عندما أردنا أن
نظهرها في عالم العبارة .فرأيناها تسعة عشر منزال .
فنظرنا في مراتب كثيرة في الوجود فوجدنا التسع عشرة محاولة في الموجودات .
فارتفعنا بالنظر إلى الجانب العالي فوجدناها هناك تقتضي هذا العدد .
فمن ذلك :الممكنات :تسعة عشر نوعا .
والمالئكة :نوع واحد ،
وعالم األجسام :ثمانية عشر نوعا .
واألفالك :أحد عشر نوعا ،
واألركان :أربعة أنواع
والمولدات :ثالثة أنواع .
ومن ذلك :
111
صدور الذوات عن الذات ،وصدور األعراض عن الصفات ،وصدور الزمان عن
األزل ،وصدور المكان عن قبولها للنعوت ،وصدور اإلضافات عن اإلضافات ،
وصدور األوضاع عن الفهوانية ،وصدور الكميات عن األسماء ،
وصدور الكيفيات عن التجليات ،وصدور التأثيرات عن الجود ،وصدور االنفعاالت
عن التجلي في صورة االعتقادات ،وصدور الخاصية عن األحدية ،وال تتجلى
أسماؤه ألحد أبدا .
ألن سلطانها ال يقبل عينا سواها ولذلك إذا ضربت الواحد في الواحد لم يخرج هإال واحد
،وقد تكلمنا على هذا المقام في « كتاب األحدية » .
"" وهو كتاب « األلف » مطبوع ضمن رسائل ابن العربي ""
ومن هذا المقام يكون لكل مخلوق ومبدع وموجود خاصية تخصه .بها يتميز من غيره
،وهي أحدية كل موجود .ولهذا كان مبنى الوجود على التوحيد .
قال القائل "أبو العتاهية" :وفي كل شيء له آية ....تدل على أنه واحد
واْلية هي أحدية كل معلوم ،وصدور الحيرة عن العمى وصدور حياة الكائنات عن
الحي ،وصدور العلم عن العليم ،وصدور الهواجس والعزمات واإلرادات والقصود
والنيات عن المريد ،وصدور اإلبصار عن البصير ،وصدور السمع عن السميع ،
وصدور اإلنسان عن الكمال ،وصدور األنوار والظلم عن النور .
"" هو أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي ،توفي في بغداد سنة
211هـ 826 ،م وكانت والدته سنة 130هـ 747م "" .
فهذه خمس مراتب وحروفها أربعة عشر حرفا .فذلك تسعة عشر حرفا .
ومن ذلك :جهنم .عليها تسعة عشر شرعا .
ومن ذلك :الجنة .عليها تسعة عشر خازنا كشفا .
ومن ذلك :وجود اْلثار في الكون العنصري على أيدي تسعة عشر بتقدير العزيز
العليم .
112
وهي :البروج اثني عشر ،والدراري سبعة فعند حلول هذه السيارة في هذه البروج
ّللا سبحانه هذه اْلثار في عالم الكون . يحدث ه
والدراري غير مسخرة .ال تتصرف هإال عن حقائق إالهية بالتصريف ،وكذلك االثني
عشر برجا .فال بد من الحقائق اإللهية ألن يكون توجهها مختلفا .
رات بِأ َ ْم ِر ِه[ النحل . ] 12 :
س اخ ٌ
قال تعالى َ :والنُّ ُجو ُم ُم َ
ومن ذلك أيضا :أنها تتبعنا ما ص هح من األخبار في باب الجبر والنزول إلى محل
التنشئة .فوجدناها تسعة عشر وهي :
الصورة ،والعين ،واليد ،واليمين ،والقبض ،والقدم ،والتحول ،والفرح ،
والضحك ،والعجب ،والنفس ،والذراع ،والمعية ،واالمتحان ،واألنامل ،
واالستواء ،والظرفية ،والمكانية ،والنزول .
ومن ذلك :أنه اتفق أنا نظرنا سور القرآن فوجدناها تسعة عشر نوعا .
منها :
* سور أوائلها :الحروف المجهولة .
* وسور أوائلها :الحمد .
113
* وسور أوائلها :يا أيها .
* وسور أوائلها :األفعال المستقبلية .
* وسور أوائلها :األفعال الماضية .
* وسور أوائلها :أفعال األمر .
* وسور أوائلها :التسبيح .
* وسور أوائلها :إذا .
* وسور أوائلها :ويل .
* وسور أوائلها :ألم .
* وسور أوائلها :القسم .
* وسور أوائلها :االستفهام .
* وسورة أولها :حرف النفي .
* وسور مفردات أولها :االبتداء .
* وسور أولها :تبارك .
* وسور أولها :اقترب .
* وسور أولها :إنها .
* وسور أوائلها :الم األلف .
* وسور أولها :قد .
فهذه تسعة عشر نوعا .
114
ّللا عليه وسلم وبجسمه فاخترق الجود ،األركان والعناصر ، فإنه أسري به صلى ه
وذلك بالحركة ،وكان محموال بالبراق .والحكمة القسرية غير منكورة عندنا وعند
المحيلين لهذا اإلسراء الجسماني .
فإنها نأخذ الحجر وطبعه النزول .فيرمى به في الهواء فصعوده في الهواء بخالف
طبعه ،وبطبعه .
فإن طبعه يقتضي الحركة نحو المركز .فصعوده في الهواء عرضي بالحركة القسرية
،وهي رمي به علوا .
وأما قولنا :وبطبعه .
فإنه على طبيعة تقبل بها الحركة القسرية .ولو لم يكن ذلك في طبعه لما انفعل لها ،
وال قبلها .
ّللا عليه وسلم الفلك األثير ،وهو نار .والجسم اإلنساني مهيأ وكذلك اختراقه صلى ه
مستعد لقبول اإلحراق .
ثم إن المانع من اإلحراق أمور يسلمها الخصم .فتلك األمور كانت الحجب ،التي
ّللا سبحانه في جسم المسمى به . خلقها ه
فلم يكن عنده استعداد االنفعال للحرق ،أو أمر آخر وهو الطريق الذي اخترقه .ليس
النار هإال محمول في جسم لطيف .
وذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وجعل ضده كنار إبراهيم عليه السالم
وبأي وجه كان ،فليس بمحال .
ولنا على ذلك طريقة أخرى من جهة الدليل العقلي .
ّللا فاعل كل شيء .فال ليس هذا الكتاب موضعه .فإنا إنما نتكلم مع المسلمين لنا أن ه
أبالي .
ثم اخترق األفالك من غير أن يسكنها عن تحريكها كاختراق الماء والهواء إلى أن
وصل السدرة المنتهى فترك البراق بها ،وقعد على الرفرف األزهى .
وارتقى في تلك المحفة العظمى إلى المكانة الزلفى .فاخترق عوالم األنوار إلى أن
حار موضع القدمين إلى الكون المحيط باألكوان وهي الدائرة الكبرى ،والمحيط
األعظم ،وحامل الشكل األول .
ّللا عليه وسلم .فعاين محل االستواء ،وخلع عليه بذلك المكان كل ذلك بجسمه صلى ه
خلعة البهاء .
فلما فارق عالم التركيب والتدبير لم يبق له أنيس من جنسه .فاستوحش من حيث
مركبه فنودي بصوت أبي بكر :يا محمد قف .إن ربك رضي .
ص ِلهي
فارتاع لذلك النداء ،واضطرب .فسكن جانبيه بأن تلي عليه عند ذلك ُ :ه َو الاذِي يُ َ
ور[ األحزاب . ] 43 :ت إِلَى النُّ ِ َعلَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ ِليُ ْخ ِر َج ُك ْم ِمنَ ُّ
الظلُما ِ
هذا لسان األحباب .وخطاب األخالء واألصحاب .وهذا أول األبواب المعنوية .من
هنا تقع في بحر اإلشارات والمعاني ،وهو اإلسراء البسيط .
115
فيقع المشاهد بالبصر ال بالجارحة ألعيان األرواح المهيمة التي ال مدخل لها في عالم
األجسام .
فترك الرفرف في الحين وانسلخ من الرسم واالسم وسافر برفرف همته فحطت العين
بساحل بحر العماء حيث ال حيث وال أين .
فأدركت ما أدركت من خلف حجاب العزة األحمى الذي ال يرتفع أبدا .
ثم عادت بال مسافة الشهود علينا .ثم إلى تركيب كونها المتروك بالمستوى مع
الرفرف األزهى .فنزلت به على معراجها األقدس من عرشه األعلى إلى كرسيه
األبهى ،إلى السدرة المنتهى .
فأشرف على االستعداد بالعدوة القصوى ،واطلع على السعداء بالعدوة الدنيا .
ثم نزل إلى السماوات العلى سماء بعد سماء إلى بيته األشرف بالحرم المكي األحمى
غير الكعبة العظمى فأصبح في حرمه آمنا .
ال أثر عليه من إسرائه .وقد أخذ بأبصار القوم عن إدراكهم نور بهائه .
وأخبر القوم بحاله فآمنت طائفة ،وأنكرت طائفة .
فنعت لهم بيت المقدس لرفع التلبيس فازدادوا كفرا ولهم عذاب أليم .
ّللا عليه وسلم إسراءات روحانية خالف هذا اإلسراء . ثم له صلى ه
ومعارج معنوية غير هذا المعراج .
مثل :معراج عائشة .
ومنتهى ما انتهت في ذلك الروايات في علمي من طريق ما رويت إلى أربعة وثالثين
معراجا .
ّللا عليه وسلم من المعراجين الظاهر والباطن ،جسما ومعنى . فجمع له صلى ه
وأ هما نحن :فاإلسراء بنا رؤيا نراها في حال النوم أو الفناء .
فإن كانت نوما فهو الرؤيا والمبشرات وإن كانت فناء فهو المكاشفات .
* والفناء ال ينقض الطهارة ،والنوم ينقضها .
* والنوم حالة تعم الخاص والعام .
* والكشف مخصوص بالخصوص .
* والكشف نتائج األحوال ،والرؤيا نتائج األعمال .
وبينهما فرقان يعلمه أهل هذا الشأن .
* فللمؤمنين واألولياء كشف واستطالع على هذه المنازل الجسمانية في األفالك
العلوية .
ّللا تعالى فيها من فنعاين ترقيها وتواضعها ،وأشكالها ،وترتيب عوالمها وما أودع ه
الخصائص ،وغير ذلك .وليس لهم في عالم المعاني معراج أصال للمؤمنين وأ هما
األولياء المختصون فلهم عروج شريف في عالم المعاني مطلقا .
ثم انتقال عنه إلى المشاهد اإللهية التي ال تتغير بالمكان وال نحكم عليها اْلن.
116
"" في أصل الكتاب المخطوط قال الشيخ إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ محيي
الدين بن العربي « :سمعت جميع هذا الكتاب ،وهو كتاب « منزل المنازل الفهوانية
ّللا محمد بن علي العربي ،
» على منشئه اإلمام العالم المحقق الراسخ :أبي عبد ه
ّللا عنه .مع أبي .وسمع بعضه جماعة منهم :أبو بكر بن عيسى الناعوري . رضي ه
وشمس الدين محمد بن األمير سعد الدين المعظمي الشيخ المسمع وأجازهما الشيخ
على ما بهما في المجلس .
وذلك في ثاني المحرم سنة ثمان عشرة وستمائة عليه جميعه وقال إسماعيل بن
وّلل الحمد والمنهة وهو حسبنا ونعم الوكيل » "" .
سودكين .ه
*
تم بحمد هللا رب العالمين
عبد هللا المسافر باهلل
117
كتاب المدخل إلى المقصد األسمى في اإلشارات
تأليف ال ه
شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى
638هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه ال ه
شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني
ال ه
شاذلي الدهرقاوي
الر ِح ِيم
من هالرحْ َِّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
ّللا على محمد وآله وسلم تسليما رب وفق الحمد هّلل وهو نفس الحمد على ما وصلى ه
تقرر في قلب كل من به تو هحد ،ثم شاهده منه في كل مشهد ،ونزل به وعليه وله في ه
أصدق مقعد .
والصالة على من هو عين الجمع في هو ،ثم دعى بعبد هو ،وبمحمد .صالة هي
نفس مصليها وتوحد .ذاتا للحمد في كل قلب وصل وحد .
أ ّما بعد
فهذا كتاب تكلمنا فيه على ما وقع في القرآن العظيم من األسماء بلسان الحقيقة
باّلل به ال بي . والشريعة على طريقة يرتضيها كل عالم ه
وسميته :
« المدخل إلى المقصد األسما في اإلشارات ،فيما وقع في القرآن بلسان الشريعة
والحقيقة من األسماء والكنايات » .
فأول ما أذكره : ه
أن االسم هو المسمى ،والمسمى والتسمية لسان حقيقة .
لسان عقل االسم ؛ اللفظ الدها هل على المس همى ليس المسمى وهو لفظ المسمى أو رسمه .
والمس ّمى :الالفظ باالسم أو الراقم له ،والمس همى المدعو بذلك اللفظ أو الرقم .
والتسمية :حالة في المس همى ،وهو تصور االسم في النفس .
س ِبهحِ ا ْس َم َر ِبه َك[ األعلى ] 1 :وت َ َ
بار َك ا ْس ُم َر ِبه َك[ الرحمن . ] 78 : لسان حقيقة َ :
فالرب :هو االسم على الحقيقة .كقولك :اسم .واسم عبارة عن المسمى ،وهو ّ
المسبهح .
وهو « الهو » المشهود فيك ،
وهو الشاهد .فإن التسبيح له ،والهو المطلق ال يقبل التسبيح .
ومن هنا قال العارف « :سبحاني » .
س ام ْيت ُ ُموها[ يوسف . ] 40 : إشارة بلسان الحقيقة :ما ت َ ْعبُدُونَ ِم ْن دُونِ ِه إِ اال أ َ ْسما ًء َ
فاالسم :روح .والمس ّمى :حامله .
ولوال االسم ما عبد هذا الصنم .واالسم للهو ،ال لذا .فاالسم المعبود .فانتفى
الشرك .
س ْل ٍ
طان[ النجم : س ام ْيت ُ ُموها أ َ ْنت ُ ْم َوآبا ُؤ ُك ْم ما أ َ ْنزَ َل ا
ّللاُ بِها ِم ْن ُ ي إِ اال أ َ ْسما ٌء َ
إشارة .إِ ْن ِه َ
. ] 23
118
ونزهها عن النزول .فإنهه ال ينزل على شيء هإال من لم فمن أسمائه هنا أنت ،وأنا .ه
يكن فيه ،ولم يكن شيء بال هو ،فال نزول .
وعلى هذا النحو ما بقي فأدرج عليه بفتح أقفال الغيوب بأيسر شيء .لسان عقل في
كل ما ذكرنا المسبهح المس همى وهو المعبود .
ّلل ْاأل َ ْسما ُء ْال ُح ْسنى[ األعراف :
فاالسم قد يطلق ويراد به المس همى ،لسان حقيقة َ :و ِ ا ِ
. ] 180فإذن ثم األسماء السواء .
ي :فاألسماء هّلل كالمعاني للذات سواء .انظر كيف نفى ب « ال » ،والالم كسرت أ ه
الهاء .
وقد انتفت بـ « ال » فظهر الهو .فبقي هو األسماء الحسنى .
ئ ْال ُم َ
ص ه ِو ُر[ الحشر ] 24 : بار ُّللاُ ْالخا ِل ُق ْال ِ
ّللا تعالى :هُ َو ا
فاالسم :المسمى .قال ه
وغير ذلك .
ّللا .
وتكفي هذه اإلشارة في االسم :لسان ظاهر « بسم » لسان باطن ه
افتتح كالمه بالباء وهي اثنان .ولم يمكن أن يفتتح باأللف ألنه يريد الظهور ،وإدخال
الوجود األول في الثاني .فدخل بالباء من أجل أنها اثنان وهو المطلوب .
ّللا بعد
وهي من عالم الشهادة من أجل الظهور والغيب مدرج فيه ،وظهر في كلمة ه
بسم .
فبدأ بالباء فلما انتهى إلى السين عاد إلى ما منه بدأ وهو الميم .
ّللا .فل هما انتهى إلى « الالم » .عاد إلى ما منه بدأ وهو الهاء . ثم بدأ باأللف في كلمة ه
الط هرة فكل شيء في فالتقى الالم بالسين في معقد اإلزار وهو الوسط كما رسمناه في ه
َّللا » .
قولك « :بسم ّ
وإن كان الهو أنت .فأنت أنت ،وهو هو .
َّللا » .
فاختص بالهاء بالحرفين وهما «كن» واختص «أنت» بالكلمتين وهما « بسم ّ
ولما لم يكن أن يقوم « األنت » هإال با « لهو » .
لم يكن أن تخلو الكلمتين عن حرف ألن الحرفين له .فدخلت الباء .ول هما كانت كلمتين
احتجنا حرفا يكون اثنين .
فلهذا كانت الباء دون غيرها .
َّللا منك بمنزلة كن منه » . وقد أشار بعض السادة إلى ما ذكرناه فقال « :بسم ّ
فهذا بسط ما أشار على اإليجاز .
ّللا ،لم يحتج إلى علم سواه .فإنه الحاوي لكل شيء والساري في كل فمن عرف بسم ه
شيء .
ولهذا بدىء به وجعل الباء تعمل في الميم عمل اإلضافة في الهاء وهو عمل انخفاض
من أجل النزول إلينا لنعرفه فإنها في الخفض فلو جاء بعامل الرفع لم نطق ذلك .
كناية « ب » من « بسم »
ّللا .وليس األمر كما زعم .فإنهه أرسلها كنى بالباء عن الهو عند بعض شيوخنا رحمه ه
مطلقة ،ووجه التحقيق في ذلك إنما الكناية بالباء من كونها مكسورة ،ألنها تظهر «
119
ياء » الكناية التي هي بمنزلة الهو في مرتبة أخرى ،ثم حذفت من مرتبتي الخط
واللهفظ من أجل سكون السين ،وهي غيب في السر البرزخي الذي بين الباء والسين ،
وفي موضع هذه الياء الغيبية ظهرت األلف األنية من ِ :ب ْس ِم ا ِ
ّللا َم ْجراها[ هود . ] 41 :
وا ْق َرأْ ِبا ْس ِم َر ِبه َك[ العلق . ] 1 :
فإن بعض الحذهاق جعل الباء بدال من ألف الوصل ،ولو كان ما قاله حقا لما أظهره
ّللا َم ْجراها .وا ْق َرأْ بِا ْس ِم َر ِبه َك.
لنحقق الصادق اإلمامة في :بِ ْس ِم ا ِ
َّللا » :
اسم « ّ
اسم وقع في القرآن باللسانين .وهو االسم المحيط .فجميع األسماء تحت حيطته ،
ستتنوع في
ه وهو لها كالذات لما تحمله من المعاني وهو اسم الذات المجازية ،التي
الصور على البصائر ،واألبصار .
التنوع البصري في أعيان األرواح كالصورة الدحيية ،وشبهها .وظهر وظهر هذا ه
التنوع البصري في اإلنسان . ه
ويكون له التنوع البصري وقتا ،وفي سوق الجنان قلب األعيان في صور اإلحسان .
ي في العالم ،وهو ما يؤيد باب الصورة المفطورة . التنوع اإلله ه
فقد ظهر ه
والهو من هذا االسم :هو اسم الذات الحقيقية التي تتنوع فيها الصور وتتقدس في نفسها
نوع والتحول . عن الت ه ه
وسيأتي اسم الهو بعد هذا .
فهذا االسم كلمة نفي رفعتها الروحانيات العلى إليها وشدهت تم هكنها بها لتنفي بذلك كل
ما سوى الهو ،وألف األنا ،والم األلف النافية موجودة في رسم الهو .
هكذا فانظر هو .
َّللا .
فاّلل الهو ،والهو ّ ّ
فتارة يكون الهو بالهو .ولكن بوجود األنا ،وتارة يكون الهو باألنا ،واألنا بالهو .
120
فوقعت األلف اإلنيهة غير متصلة وال متصل بها ظاهرا وباطنا .
ووقع الهو مثل ذلك باطنا ال ظاهرا رسميا ،ولكن ظاهرا فهوانيا .
فإنه ال يصح اتصالها مع كلمة العدم .فإن الهو كلمة وجودية ،وهذه حرف النفي .
فإن األلف فيه ظاهر .
ثم قد يقع الهو بالهاء والهي وقد أشرنا لذلك
و « لياء » إلضافة في قولنا :
طن الخريت لي وتنبّها انظر إذا ما قلت هو أو قلت ها ....وتف ّ
الدني تألّها
ّ وأنّا يولد منها هي والذي .....يعطي أنا تجد
ما ياء إنّي غير واو الهو وال .....هو ذاته عند اللطائف والنّهى
إن النّهى معقولة بنفوسها .....وكذا النفوس بهو وهي عقلت وها ّ
س ّر في غسق الدّجى ....ليحلّها بالعين من عند اللها فإذا دعاها ال ّ
قالت :
أنا محبوسة بدعائكم ....ما بين مبدي جودكم والمنتهى
وقد اندرج في الكالم في هذا االسم اللسانان .
وهي إشارات قدسية تتميماتها غيب فيها ليعرف المدهعي المستور على الحقائق أين هو
فلينتقل .
121
فإنهم ما عقلوا الحقيقة ،ولو عرفوا أن للرحمن األسماء الحسنى ،كما هي هّلل ،لعرفوا
أن من أسماء الرحمن المكلف والمعبود وغير ذلك .فافهم .
ول هما كانت المهيمنيهة على جميع األسماء لذلك اختص االستواء وبما في السماوات
بالسر وما هو أخفى .فإن الهو
ه واألرض وما بينهما ،وما تحت الثرى ،وبالعلم
من ( [) 1الرحمن ] 1 :بعدم الر ْح ُ
لإلن الحقيقي كناية عن الرحمن ا ه المجاور
المعارضة واإلعجاز وهي عالمته فيه ولكن من كونه قرآنا ال فرقانا .
آن ال َيأْتُونَ ِب ِمثْ ِل ِه[ األسراء . ] 88 :ولم يقل الفرقان .
ولهذا قال ِ :ب ِمثْ ِل ه َذا ْالقُ ْر ِ
فإن مقام الجمع صعب المنال جدا .فالرحمن جمع الجمع .فإنه المعلم الجاعل العالمة
في عين الجمع بالتمانع ،فافقه .ويكفي هذا القدر باللسانين .
122
أين قوله :رب العالمين .وقوله :وهو رب كل شيء .من قوله :ربكم وربه آبائكم .
أو قوله :ربه السماوات .
فإذا أطلق من غير تقييد فهو الهو الثابت وليس له حكم .فإنه ليس ث هم سوى الهو ،وإذا
قيهد فال ب هد من وجود العين وظهور السلطان .
123
ّللا أو على
ويستعيذ أن يغتال من تحته وكل ذم وقع في الوجود في فعل من األفعال من ه
لسان الكون .فهو على هذا االسم وكل حاجة تقضى في العالم عند الدعاء .
فهذا االسم الذي يقضيها فهو المشؤوم ،وهو بهذه المثابة .
ومن تخلق بهذا االسم العابد لم يكن أحد فوقه .
المدعو بقوله :اهدنا ،وال تؤاخذنا ،وافعل لنا ،واصنع لنا .
ه وهو
وعن صورة هذا االسم صدر العالم .
وهو قوله عليه الصالة والسالم « :خلق آدم على صورته » رواه البخاري ومسلم
ورواه غيرهما .
هذه هي الصورة الحقيقية .
وأ هما الصورة المجازية فمن الذات المجازية .
فخص هذا االسم .فإن اْلدمية لها هذا المقام .
ه ولهذا قال :خلق آدم .
124
هذا االسم ،وإن انسحب على جميع النعم كما تنسحب عليه جميع النعم من باب
اإلجمال ولكن ال بد من تقييده بنعمة مخصوصة أي ال شخصية ال يصح إطالقه مرسال
س هر فيه ،أو في
مثل المنعم في الفاتحة بالسلوك على الصراط المستقيم الذي هو ال ه
األشياء به وال بد .
فهذا معنى تقييده وكذا جميع األسماء والكنايات .
125
ألنه ال بد مني ومنه فهي الكتابة فإن ظهرنا هنا فإنها وإن ظهرنا هناك فهو الكاتب لسان
المعاني أوجدت ذوات الحروف في أعيانها ،والحروف أوجدت المعاني عندك .
إنك توجد فال بد لك من مادة ،وهو الحرف .
وهو األستاذ فال بد له من مادة التوصل الذي به يقع التلقي منك وهو الحرف فقد اجتمع
األستاذ والتلميذ على إيجاد الحرف .فهي الكتابة وواضعها الكاتب ،وهو اجتماع
الذاتين على إيجاده فتحقق .
126
كتاب العظمة
الر ِح ِيم
من ه الرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
ّللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد هّلل مبدع الثاني في وصلى ه
ه
ومنزل القرآن العظيم سبعة أعالما ، المثاني ،ومودع المعاني في المعاني ،مقيم ال ه
ّللا على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما. إماما ،وصلى ه
وهذه الكلمات كلها ( صدرت على حكم الكون األسفل ،مع علوها ورفعتها ،ولهذه
ونوم .
الكلمات الوجودية ) عشرون شخصا .منهم أموات ،وأحياء ،ه
فاألحياء :عشرة أشخاص ،منهم ستة حياتهم سفلية ،وأربعة حياتهم برزخية ،وما
فيهم من له حياة علوية .
واألموات :ثمانية .
والنّوم :اثنان .
ولكل واحد من هؤالء األشخاص منازل يعرفون بها ،ومن هذه المنازل يكون لهم
الحكم في العالم .
فالحي األول :له منزلتان .
ّ
والثاني :له أربعون منزلة
والثالث :له خمس منازل .
والرابع :له خمسون منزلة .
والخامس :له ثماني منازل .
والسادس :له أربعون منزلة .
127
وهذه منازل أهل الحياة السفلية .
وأ ّما أهل الحياة البرزخية :
فاألول :له ثالثون منزلة .
والثاني :له مائتا منزلة .
والثالث :له أربعون منزلة .
والرابع :له مائتا منزلة.
والميّت :
األول :له منزلة واحدة .
والثاني :له ثالثون منزلة .
والثالث :له منزلة واحدة .
والرابع :له ثالثون منزلة .
والخامس :له منزلة واحدة .
والسادس :له منزلة واحدة .
والسابع :له ثالثون منزلة .
والثامن :له عشر منازل .
مر بهم في سفره الروحاني ما فليلزم السالك مع هؤالء األشخاص الروحانيين ،إذا ه
يستحقون من اْلداب .
تخص حضرته ،وللميت كذلك ،وللنائم كذلك .ه فإن للحي آدابا
وإذا تلقى السالك منهم أسرارهم ،وما يهبونه من الحكم اإللهية ،يتلقاها بالقبول
والتسليم .
فإنها من العلوم اإللهية الرفيعة المنار ،المحرقات سبحاتها ،والظاهرة آياتها .
128
وجماع أدبه أن يلقي السمع وهو شهيد .فإذا تميهز في هذه المشاهدة غاب ث همة المشهود
في الشاهد .
عرف حينئذ خالف علماء الكشف اإليماني في هذا الباب لماذا يرجع .
فإن طائفة من أهل الكشف اإليماني ألحقت هذا الباب بمقام العظمة ،
وقالت :إنه جزء منها ووصف لها ،وال بد .
وطائفة قالت :إنه ليس من مقام العظمة ،ولكنه مفتاح لكل مقام إلهي ،هإال لمقام القهر
والغلبة ،فإنه يناقض معناه .
فلعدم المناسبة لم يصح أن يكون له مفتاحا أصال .غير أن في هذا الباب ثالثة
أشخاص لم تدركهم المشاهدة ألنهم في حال فناء محقق .
ومعنى قولي :الفناء المحقق تحرز من الفناء غير المحقق .والفرق بينهما :أن الفناء
المحقق :كما يفنى صاحبه عن شهود نفسه .
كذلك يفنى عنه الغير ،لتحققه بحالة الفناء ؛ فال تظهر له صورة أصال مشهودة ،لغلبة
الحق عليه ظاهرا وباطنا ،فال يرى كما أن الحق ال يرى.
129
أن هؤالء األشخاص وإن كانوا ثالثة وعشرين فليسوا من جنس واحد بل من عشرة
أجناس .
ّللا .
ومعنى أجناس حضرات إلهية .صدر كل جنس عن حضرة مخصوصة بإذن ه
فمنهم من ظهر من جنسه شخص واحد فصاعدا ،فمنها حضرة البهاء ،والرفعة ،
والشرف ،واإلنيهة ،واللطف ،والهوية ،والحياة ،والنور ،والرحمة ،واليمن .
فالحي األول :من حضرة البهاء .
والنائم األول :من حضرة الرفعة .
والحي الثاني والسادس والعاشر من حضرة الشرف .
والميت األول والثالث والخامس والسادس والفانين المحققين من حضرة اإلنيّة.
والميت الثاني والحي الثالث والميت الرابع والسابع من حضرة اللطف .
والحي الرابع :من حضرة الهوية .
والحي الخامس والثامن :من حضرة الرحمة .
والنائم الثاني والحي التاسع من حضرة الحياة .
والحي السابع :من حضرة النور .
والميت الثامن :من حضرة اليمن .
والفاني الثالث :من حضرة أخرى خالف هذه العشرة وهي حضرة الوقاية ولها اسم
الواقي مهيمن عليها .
فإذا أردت أن تعرف كم مسألة إلهية في هذا الباب فانظر ما يجتمع لك من المنازل
التي فيه .
فهي عيون المسائل مع أعداد األشخاص ضعفين من أجل نعوتهم بالحياة والموت
والنوم والفناء .باب من الحضرة عينها أوله ألف ،وآخره نون وهو الباب الثاني من
سبعة أبواب من هذا الكتاب
ول هما كان هذا الكتاب يتضمن مقامات السبعة األبدال لهذا بيهنهاه على سبعة أبواب .
وهؤالء األبدال وإن كانوا سبعة فمنهم أربعة هم أوتاد األرض .
وهؤالء األوتاد وإن كانوا أربعة .فمنهم القطب واإلمامان .
130
والمكون
ه المكون
ه فأول هذا الباب ألف المدح ،وآخره نون الكون ويتصرف الثناء بين
المكون حقيقة ويجني
ه المكون على
ه المكون فثناؤه على نفسه .ويثني ه المكون على
ه فيثني
ثمرة ثنائه بما يليق بحقيقته .قُ ْل ُك ٌّل َي ْع َم ُل َعلى شا ِكلَتِ ِه[ اإلسراء . ] 84 :
المكون قول القائل :فإذا مدحت فإنهما أثني على نفسي * فنفسي عين ذات
ّ فثناء
المكون قول اْلخر :إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت الهذي تثني فوق الهذي
ه ثناءوثناء
نثني لكن الثناء على األلوهية بالربوبية من أعجب ما سمعته اْلذان وسطرته األقالم .
ولكن لما قامت األلوهية هنا مقام الذات ،ونابت منابها ؛ ألنها الوصف األخص
والنعت األعلى ،واالسم األسنى لذلك أثنى عليها بالربوبية وغيرها من أسماء الثناء
كالملك ،القدوس ،السالم ،المؤمن ،المهيمن ،إلى غير ذلك .
المكون بأي اسم كان .فإن كل كون يكون حظه من الثناء بذلكه هذا وإن كان الثناء من
االسم على قدره في علمه بمنشئه من وجه حقه ال من وجه سببه ،وقدره في علمه
راجع إلى قدر قبوله ،وقبوله على قدر استعداده .
واستعداده األكمل على قدر نشأته ،مفردا كان أو مركبا ،ذا جسم أو غير جسم
والعالم كله أعالم منصوبة للداللة عليه سبحانه من حيث ما هو ناصب لها ومن حيث
ما أودع فيها ،ال من حيث ما هو عليه تعالى ،ومن حيث ما يعرف نفسه .
ألنه يتقدس ويتعالى عن تعلهق األفكار به ،وتحصيلها له عند منتهى سفرها وإلقائها
عصا تسيارها ،فإنها ما انتهت في سفرها ،
وما ألقت عصاها بعدما وفهت حقيقتها في المطلب ،هإال في بحر العجز والحيرة ،
العزة والغيرة ،ولكن نعم ما سافرت هذه األفكار ،ونعم ما حصلت في وخلف حجاب ه
طريقها من األسرار ،
لكن ما أوتي عليها هإال من مفارقة ذاتها وجوالنها في غير ميدانها ،والمطلوب إليها
أقرب من حبل الوريد .
131
يقول العبد :
الكبرياء هّلل ،والعظمة هّلل ،أو الحمد هّلل .
فيأخذها الحق منه ،أخذ عزيز مقتدر ،من عبد اله غير مفتكر .
عندما يصل النطق إلى الم الخفض من الحمد هّلل .يأخذه الحق مقدسا قبل أن يدنسه
الكون وتبقى « اله » صفة محققة للعبد حيث أراد أن يحمده .
وهو غير قادر على ذلك .
فجهل نفسه فكيف يعرف غيره وهذا باب عظيم أسراره كثيرة لوال التطويل لعرفناك
بعددها وأشخاصها ونعوتهم وحضراتهم مثل األول
باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ألف وآخره ميم وهو الباب الثالث من سبعة
هذا ألف الثناء وميم الوصف ،وبينهما بحور زواخر كيانية تموجها رياح إلهية ،
سر ألواحه ،وتغرق أهله زعازع ال تبقي هذه الرياح على ظهر هذه فلكا يجري إال تك ه
ّللا أحسن الخالقين.
،ثم ترمي بالكل إلى السيف ،فينشأون خلقا آخر فتبارك ه
لكن مدار هذا الباب ،وإن كان عسير المدرك ،سامي التجلي على أربعة أقطاب :
قطب :يتضمن مائتا ركن من أركان الرحمانية .
وقطب :يتضمن أربعمائة ركن متصلة من أركان التوبة .وخمسة أركان من أركان
الهوية .
وقطب :يتضمن ثمانية أركان من أركان الجناب الرحموتي .
وقطب :يتضمن أربعين ركنا من أركان الملك والشرف .
فتفيض أركان الجناب الرحموتي من سبحاتها على صفاء نهر الرحمانية ،فيضرب له
شعاع في زوايا الكون فيعرفون من ذلك النور .
132
العارفون المفتوحة أبصارهم بنور الكشف مآل الكون وعاقبته ،وإلى أين يرجع بعد
انقضاء مدته ؟
وفي الباب الذي قبله يعرف من أين صدر ؟
وتفيض أركان الملك والشرف من سبحاتها على أركان صفاء نهر الهوية .فيضرب
لها شعاع في زوايا البرزخ فيضيء على أهله ويشرف فيعرفون بذلك النور .من
كشف غطاؤه عنه مراتب الخلق ونتائج أعمالهم وكشوفات أبصارهم ومطالعات
أسرارهم ،فطوبى لمن أشرقت أرضه بهذه األنوار ،وجمع بين الدارين في هذه الدار
،فاستراح من ذلة الوقفة ولحق بأهل االستثناء عند نفخة الصعقة ،ثم طوبى له وحسن
مآب .
فهذا أخصر ما يمكنني من إيضاح ما يتضمنه هذا الباب ،ومسائله أكثر من نصف
مسائل الباب األول من هذا الكتاب .
وطلب االختصار منعنا من ذكر أعداد المسائل في كل باب لكن أكثرها مسائل الباب
السابع اْلتي آخر الكتاب
باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ميم ،وآخره نون وهو الباب الرابع من سبعة
ميم الثناء ،ونون نتائج األعمال .وبينهما أفالك تدور ومياه تغور وتدور على العالم
بأسره .
هذه األفالك ثمانية عشر ألف ألف دورة .تعطي للسعداء في هذه الدورات نورا
شعشعانيا ال ظلمة بعده ،وتعطي لألشقياء ظلمة ظلمانية ال نور بعدها .
وتعطي للعصاة من أهل التوحيد سدفة بعد انقضائها .
أعني الدورات يعقبها نور ال ظلمة بعده .
وتعطي للمنافقين المتظاهرين بأكمل الطاعات سدفة يعقبها ظلمة مركزية سفلية ال نور
بعدها وال علو .
وفي هذا الباب ،وعند وجود هذه الحركات تتمايل أغصان سدرة المنتهى ،تحمل
خزائن األعمال مملوءة نورا ،
وترتفع أغصان شجرة الزقوم ؛ تحمل خفراء من األعمال مملوءة ظلمة ،
فتتفتح خزائن السدرة ،فتنتشر األنوار بين يدي ع همالها ،فترى نورهم يسعى بين
أيديهم ،
وتنفتح خزائن الشجرة الملعونة فتنتشر ظلماتها بين يدي عمالها ،حتى أن أحدهم إذا
أخرج يده لم يكد يراها ،
ويضرب بالخزائن بعضها في بعض ؛ فترمي بخزائن أخر ليس فيها شيء ،وترمي
بخزائن أخر فيها نور وظلمة على السواء ،
وترمي بخزائن أخر نورها يغلب على ظلمتها ،وترمي بخزائن أخر ظلمتها تغلب
على نورها .فتبدو المراتب على حسب ما ذكرنا .
133
فإذا انقضى األمر بعد تعاقب هذه األدوار ،وتكرير النهار على النهار .يتعلق العالم
بأغصان الشجرتين فترتفع هذه بأصحابها إلى الجوار ،وتنزل هذه بأصحابها إلى
الدرك األسفل من النار .
ومدار هذا الباب وإن عظمت خطوبه وكثرت أسراره ،
غير أن هذه األنوار إذا انتشرت على صفاء نهر الحقيقة ،اكتسبت من ذلك النهر
صفاء ،يندرج صفاء سبحاتها فيه اندراج نور الكواكب في نور الشمس ،فتسري
شعبة العامة في جميع المعلومات على ضروبها من األنوار المتولدة منهما ،من حيث ال ه
النفي واإلثبات .
وبذلك النور يدرك العلماء معلوماتهم على مراتبها ومن حيث الشعب الخاصة لمقام
اإلنيهة تسري في الصدور خاصة فتنشرح بها .
المعول عليه : ه وذلك هو النور اإلسالمي
ور ِم ْن َر ِبه ِه[ الزمر . ] 22 :وقوله :نُ ٌ
ور الم فَ ُه َو َعلى نُ ٍ ص ْد َرهُ ِل ْ ِ
إل ْس ِ أَفَ َم ْن ش ََر َح ا
ّللاُ َ
ور[ النور . ] 35 : َعلى نُ ٍ
فهذا نور الشرح والفتح لتحصيل المعارف والعلوم بذلك النور اْلخر المتقدم ذكره .
فافهم .
وباّلل التوفيق.
ه
134
حضرة االشتراك الباب األول منها أوله ألف وآخره دال وهو الباب الخامس من سبعة
135
وهي في الجملة وإن كانت المدبرة فلها تكليف يخصها يناسب ذاتها .فلهذه الجمعية
يقول العبد هّلل تعالى :
"لك نصلي ونسجد ،وإليك نسعى ونحفد ،وإياك نعبد » وأمثال هذا الخطاب .
رواه ابن خزيمة ..."" .قال :وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصالته على النبي
واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته :اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك
نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد أن عذابك لمن عاديت ملحق ثم
يكبهر ويهوي ساجدا """ .
ولقد سألني سائل من علماء الرسوم عن هذه المسألة عينها .كان قد حار فيها .
فأجبته بأجوبة منها هذا فشفى غليله والحمد هّلل .
ولهذا الباب أسرار لطيفة ومعان دقيقة أضربنا عن إيرادها في هذا المختصر ألسباب
ولكن قد تأتي مفرقة في " الفتوحات " .
فإن هذه « الفتوحات المكية » تضمنت « خمسمائة كتاب وستين كتابا » هذا أحد
هذه الكتب ،وهو من فصل المنازل .وهذا الفصل مائة منزل وبضعة عشر منزال .
كل منزل كتاب ،
فتفيض أركان الرفعة من سبحاتها على صفاء نهر المكالمة اإللهية ،الجاري من نهر
التوحيد ،فيضرب لها شعاع في زوايا عالم األمر فيشرق.
وألجل هذا النور ال يمسهم في عبادتهم ألن هذا النور يحملهم فيها فهم المحمولون
ّللا بهم .
ألحقنا ه
ويفيض ركنا البهاء من سبحاتها على صفاء نهر ه
العزة فينعكس الشعاع عليه .
فيكون انعكاسه سببا لتحقق األولياء بمقام العبودية والحرية بخروجهم بهذا النور عن
رق األكوان فهم العبيد األحرار ،الذين ليس ألحد عليهم سلطان .
وتفيض أركان الديمومية من سبحاتها على صفاء نهر الكمال فيضرب له شعاع في
زوايا الكون المنفصل فيظهر له بذلك النور عين الجمع والوجود فينغمس فيها فيلحق
بالكون المتصل ويزول الشرك .
*إن الكون المنفصل عبارة عن وصف النفس بما ليست عليه .
*الكون المتصل ما له دعوى البتة تلعب به يد األقدار حيث شاءت ال حراك له وال
سكون من نفسه .
قيل له :أنت .فلم يجب .
136
قيل له :ما أنت .فلم يجب .
قيل له :فإيش تريد أن تكون ؟
أثبتناك فلم تجب ؟ أو نفيناك فلم تجب ؟ !
فقال فانيا في خطابه عن خطابه بخطاب األمر لألمر من نفس هذا المختص :
جوابك في كالمك ،وسؤالك .
فإنك أثبتني ونفيتني .
فلو كنت لي مني مثبتا لم تقل أثبتناك .
ولو كنت لي مني منفيا لم تقل نفيناك .
فكيف يجيب من ال ثبوت له وال انتفاء .
أنت أنت أيها األمر في أنت وفي أنا .
فأنا غير أنت أيها األمر وأنت غير أنا .
فأنت إذا أنت ألنت ،ال ألنا ،ومن ضرب الواحد في نفسه لم يخرج له سوى نفسه .
فاسأل وال تسأل فما يجيبك غيرك فذم وامدح ،وهذا المفتاح فمن شاء فليفتح .
وّللا الموفق ال ربه غيره .
ه
وقد علم كل أناس مشربهم .
باب آخر منها أوله ألف وآخره نون وهو الباب السادس من سبعة
ّللا تعالى ل هما أوجد عالم الهياكل الظلمانية والقوالب الجسمانية أوجدهم في
اعلم :أن ه
الكون المنفصل ،فظهرت عنهم الدعاوى المهلكة والدعاوى الصادقة ،عن غير
الحقيقة التي طولبوا بها.
فأ هما أصحاب الدعاوى المهلكة ،فادهعوا الربوبية مطلقا فهلكوا ،وكانوا من الخاسرين
وهم طائفتان :
*طائفة ادعت القوة لها كفرعون ،وغيره .
*وطائفة ادعت أن القوة هّلل ،والفعل لها .وهم المعتزلة ومن تابعهم .
فهؤالء أصحاب الدعاوى المهلكة .
137
ففرق بين ظلمتهم ونورهم شهودهم الذي أشهدهم . ه
فأفنوا ث ّم أفنوا ث ّم أفنوا ....فكانوا في الوجود لسان حقّه
فصرفهم على مقدار وفقهّ وأبقوا ث ّم أبقوا ث ّم أبقوا ....
وما أفنوا ،وال أبقوا فكانوا ....لهو المستور في أطوار خلقه
فناداهم عبيدي من عبادي ....فردّوا من تناديه بحقّه
مقيم ال يزال يراك فيه ....وتبصره على تحقيق صدقه
فإن أخرجته منه فأهال ....وسهال وليكن إخراج شوقه
إلي نزل بتركيب نزيه ....عن التّحليل مقرون بأفقه ّ
وري بعد شرب نال منه ....على قدر ولكن بعد ذوقه ّ
فلما ألحقهم بالكون المتصل ناداهم فلم يجيبوا فتعطلت األسماء في حقهم ،وما ظهر لها
أثر في لطائفهم .
ي ردههم إلى الكون المنفصل ،فنطقوا بلسان فبعد هذا المشهد العلي ،والحال السن ه
نص لهم ،تالين ما أمروا بتالوته ،
التقوى فيه ،ال بلسان الدعوى ،فكانوا حاكين ما ه
ال طالبين ؛ فهم الشهود األمناء ،وهم األبرياء األخفياء ال يعرفهم سواه .
شبه بالصورة ،واختالف البواعث والمعاني . مجهولة أحوالهم من حيث ال ه
فهم يأكلون ويشربون ،ويركبون ،وينكحون ،ويمزحون ،ويضحكون .
عام َويَ ْم ِشي فِي ْاأل َ ْسوا ِ
ق[ الفرقان .] 7 : سو ِل يَأ ْ ُك ُل ا
الط َ ما ِله َذا ا
الر ُ
انظر ماذا فعلت مشاركة الصور ،وإن اختلفت السور ،فبهذا اللسان نطقوا ،وعن
هذه الحقيقة ترجموا ،ولو عثر عليهم رجموا .
َّللا عنه فسبحان من سترهم بهم عن أعين المنكرين ،وإن
هكذا قال ابن عباس رضي ّ
كانوا مسلمين صالحين .
قال بعض العارفين « :ال يبلغ أحد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صدّيق أنه
زنديق » .
معنى هذا الكالم لو نطق بما يقتضيه مقامه وحاله المستور .
لكن ال ينطق هإال بأمر المعتاد ،فيخفى بين العباد ،فيحيا طيب العيش ،نزيه المكان ،
كثير اإلمكان ،فهذه أحوال أرباب هذا الباب مجملة .
138
فتفيض أركان العلم من سبحاتها على صفاء نهر العبودية ،فيضرب لها شعاع في
ور ِم ْن َر ِبه ِه[ الزمر ، ] 22 :لَ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم
أركان الوالية .فذلك نور األولياء فَ ُه َو َعلى نُ ٍ
َونُ ُ
ور ُه ْم[ الحديد . ] 19 :
وتفيض أركان النور من سبحاتها على صفاء نهر الهداية ،فيضرب لها شعاع في
ّللا ،فحيثما وقع ذلك النور فالطريق الظاهر به طريق السعادة مح هجة السالكين إلى ه
والمجانب له طريق الشقاوة .
فمن كوشف بهذا النور ،فإنه معصوم ،إن كان نبيّا .
ومحفوظ ،إن كان وليا .
حضرة تميّز الثاني باب أوله ألف وصل وآخره نون وهو الباب السابع
إذا الح علم الهداية للبصائر طلبته اللطائف بهياكلها ،وذلك ألن العبد إذا أشرقت لعينه
أنوار النور ،حصل له التميهز علما ال غير .
فيرى طريق المقامات العلية والمشاهد القدسية ،عليها اْلثار النبوية بالعالمات الربانية
،واْليات الرحمانية ،والدالالت اإللهية .
ويرى عكس هذا الطريق من جميع الوجوه ،ويرى نفسه عليه ،أو بينهما .فإن خلع
سبحات العلى ، عليه رداء التوفيق مشى بالموافقة على الطريقة المثلى المحقوقة بال ه
القائدة إلى المورد األحلى بالمقام األجلى ،حيث الشهود األسنى ،والمكانة الزلفى ،
والمرتبة العظمى ،حيث تنكشف أسرار المودة في القربى ،عند حجاب ه
العزة األحمى
،بساحل بحر العمى .
أل ليت التّراجم مخبرات ....بما يبدو إلى البصر الغريب
من األسرار في فلك المعالي ....إذا يسري على الحكم العجيب
فتبصر ناطقا بلسان غيب ....غريبا في غريب ،في غريب
سر االستقامة في كل شيء من حيث أن كل شيء منه بدا ،وإليه يعود . وقام له ه
فليس ظهور االستقامة فيما يطلق عليه في االصطالح اسم المستقيم.
فإن الكرة مستقيمة في التدوير .وليس اسم االستقامة على الخط المستقيم بأولى من
غيره .
139
لو قيل لكل غصن من أغصان الشجرة على اختالفها ودخول أغصانها بعضها على
بعض :لماذا خرجت عن ح هد االستقامة الذي مشى عليها هذا الغصن اْلخر ؟
لقال :بل سله لما خرج عن حد االستقامة التي أنا عليها ؟
فمن رأى وجود األشياء منه سبحانه ابتداء ونشأ .
ورأى رجوعها إليه عودا ،ورأى معيهته في األشياء بين البدء والعود .لم ير معوجا .
بل كان يرى استقامة محضة ال غير .
فالعارف إذا سأل االستقامة .
ير
ص ُ إنما يسأل معرفة حكمة األشياء في وضعها ،ووجوه الحق فيها .أَال ِإلَى ا ِ
ّللا ت َ ِ
ور[ الشورى .] 53 : ْاأل ُ ُم ُ
ّللا تعالى .
فإذا اتضح للعبد طريق السعادة وطريق الشقاوة ،ورأى غاية الطريقين إلى ه
فال يخلو هذا العبد .
إ هما أن يلحظ نفسه وما يعطيه طبعه .وإ هما أن ال يلحظ ذلك .
فإن لم يلحظ ذلك :فال يقع له التميز من الطريقين من حيث الغاية .فال يسأل النجاة
من النار ،وال يسأل نعيم الجنان .
متنزه قد تسامى عن حكم األكوان فيه . ه بل ينظر في الطريقين نظر
َّللا " في غاية الطريقين حينئذ يكون بهذه المثابة . وذلك إذا كان االسم " ّ
صل برؤيته نفسه ما في َّللا » في الغاية ف ه فإن لحظ نفسه :في هذا المشهد مع االسم « ّ
َّللا » من اإلجمال فهرب من النار ،وطلب الجنة . االسم « ّ
فإن رأى غاية كل طريق االسم الخاص به فرأى في طريق السعادة االسم المنعم ،
ّللا .
ّللا إلى ه فر من ه ورأى في طريق الشقاوة االسم المبلي ،ه
فر من المبلي المنتقم إلى المنعم ،واالستعاذة به . ه
قال :أعوذ بك منك .فإنه هرب منه إليه ،وال سيما إن شاهد أهل الخبرة والتيه ،
الذين تخيلوا في ضاللتهم أنهم على هدى يشتد تعوذه لعظيم سلطان هذا المكر .
ْث ال َي ْعلَ ُمونَ [األعراف 182 : سنَ ْست َ ْد ِر ُج ُه ْم ِم ْن َحي ُ حيث مكر بهم من حيث ال يشعر ون َ
].
فإن الضال إذا عرف أنه ضال ،فهو على هدى في ضاللته ،لكن يكون ظالما
مستكبرا عالما فيرجى له .
ألن العالم ال يمكن له أن يلتبس عليه معلومه بعد قيام العلم ،وحضوره معه .
علُ ًّوا[ النمل . ] 14 : ظ ْلما ً َو ُ لكن كما قال تعالى َ :و َج َحدُوا ِبها َوا ْست َ ْيقَنَتْها أ َ ْنفُ ُ
س ُه ْم ُ
هذا وصف العالم تشم عليه روائح السعادة .
وقال في الشقي المطلق الجاهل :أَنَا َخي ٌْر ِم ْنهُ َخلَ ْقت َ ِني ِم ْن ٍ
نار َو َخلَ ْقتَهُ ِم ْن ِط ٍ
ين[
األعراف . ] 12 :
140
فسبب إبايته وتكبره جهله .بخالف األول الذي سبب إبايته عن االنقياد بالظاهر تكبره
على جنسه .
فإن العالم ال يتمكن له اإلباية بباطنه لحصول العلم عنده .
ّللا .
فهو منقاد مطيع باطنا .معتاص جموح ظاهرا .وأمره إلى ه
َّللا " مستوفى فإن هناك محله ومكانه .
وقد تكلمنا عليه في كتاب " ال إله إال ّ
ثم إن السعيد المجتبى إذا عاين معارج المهتدين الذين يقدموه زمانا ورأى صفاء
أنوارهم لما تخلصت عن ظلماتهم .
وتلك الضياءات الالمعة المستخلصة من ظلمة الكون الثقلى بالضرورة يرى نوره دون
أنوارهم في الصفاء والشعشعانية .
وقد يكون فوق من رأى بالرتبة والفضيلة وهو ال يشعر لما يرى من المفاضلة بين
النورين ،وما يعلم أن سبب قصور نوره أنه للعالقة الماسكة له لبقاء هذه الجثة
الظلمانية وشغله بها ،وعدم تخلصه منها .
فيسأل حينئذ ربه تعالى في العروج به على معارج هذه األنوار التي تراءت له رغبة
في الصفاء المحض الذي ال يشوبه تكدير وتكثر .
رغبته في ذلك والحاجة وطلبته إلى أن يتخلص كما تخلصوا فيكون صفاؤه عند ذلك
على قدر ما اتصف من المعارف اإللهية وتحقق به من الصورة المعلومة .
فهذه صورة عالم هذا الباب .
فاإلنيهة مصحوبهم أبد اْلبدين ،ونهر الديمومية يمد الدارين بحقيقته في شعاع كل نور
،ولهذا هؤالء في السعادة دائمون ،وهؤالء في الشقاوة دائمون .
ّللا وإيهاكم من غوائل الفتن وصرف عنها وجوه المحن إنه ذو اْلالء والمنن .
عصمنا ه
141
فهذا منزل العظمة قد أعطى من حقائقه قدر ما قبله استعداد الوقت صاحبه .
يصغر إذا كان من أرواح التسخير حتى يصير كالوضع ال غير .
وأ هما نحن في هذا المنزل فال نصغر بل نفنى ونفنى عن نفنى بال نفنى بل به عنه ،وال
غير وال أثر وال مخبر وال خبر وال رجوع بعد هذا الفناء بأنا لكن بهو .
فيكون الراجع الهو ال األنا .
فيتسامى إذ ذاك عن االتصاف بالصغر والتعرض للحكم .
كما قال « أبو يزيد » « :ضحكت زمانا وبكيت زمانا ،وأنا اليوم ال أضحك وال
أبكي » .وقيل له :كيف أصبحت ؟ فقال « :ال صباح لي وال مساء .إنما الصباح
والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا ال صفة لي » .
ّللا على محمد وعلى آله .والحمد هّلل رب العالمين ،وصلى ه
هذا التنزل م هكي والمح هل قونوي يوناني فما تخلص من آثار الحكم الفكرية هإال بعد أن
ّللا له من بين يديه ومن خلفه رصدا . جعله ه
ّللا ونعم الوكيل . وال حول وال قوة هإال ه
باّلل العلي العظيم .وحسبنا ه
نسخ من نسخة قوبلت من أصل نسخ من خط المؤلف وقرىء عليه فصح جهد الطاقة
والحمد هّلل وحده .
قوبل من أصل قوبل من أصل نسخ من خط المؤلف وقرىء عليه فصح جهد الطاقة
والحمد هّلل وحده.
ظمته نزال ....وإن تعاظمت جلّت ذاته فعال إن العظيم إذا ع ّ
ّ
فهو الّذي أبطل األكوان أجمعها .....من باب غيرته وهو الّذي فعال
والرسال
ّ العلوي
ّ وليس يدرك ما قلنا سوى رجل .....قد جاوز المأل
يظن الخلق أجمعه .....تحصيله وسها عن نفسه وسال ّ وهام فيمن
رب الوسيلة في أوصافه كمالاعلم َّللا أحمدنا ّ ....
الرسول رسول ّ ذاك ّ
142
ّللا عالم الدنيا .
وبهذه األحكام يحفظ ه
ّللا الوجود على عالم الدنيا .ونظيره من الطب فمن علم هذا المنزل علم كيف يحفظ ه
علم تقويم الصحة .كما أنه باألبدال تنحفظ األقاليم ،وباألوتاد ينحفظ الجنوب والشمال
والمغرب والمشرق .
وباإلمامين ينحفظ عالم الغيب الذي في عالم الدنيا وعالم الشهادة ،وهو ما أدركه
الحس .
وبالقطب ينحفظ جميع هؤالء ،فإنه الذي يدور عليه أمر عالم الكون والفساد .
وهؤالء على قلب أربعة عشر نبيا وهم :
آدم ،وإدريس ،ونوح ،وإبراهيم ،ويوسف ،وهود ،وصالح ،وموسى ،وداود ،
َّللا عليهم وعلى المرسلين
وسليمان ،ويحيى ،وهارون ،وعيسى ،ومحمد سالم ّ
والحمد هّلل رب العالمين.
ولكل واحد ممن ذكرنا طريق يخصه ،وعلم ينصه ،وخبر يقصه ،ويرثه من ذكرناه
ممن ليست له نبوة التشريع ،وإن كانت له النبوة العامة .
فلنذكر من ذلك ما تيسر فإنه يطول الشرح فيه ،ويتفرع إلى ما ال يكاد أن ينحصر .
وهذه الحروف من عالم األنفاس اإللهية ،وما تركب من الكلمات من هذه الحروف
خاصة مما وقع عليها االصطالح في كل لسان بما تكون بها الفائدة في ذلك اللسان .
فإن تلك الكلمات لها على ما قيل لي خواص في العالم ليست لسائر الكلم .
143
ّللا ينزلون
وأ هما األرواح النورية فعين لهؤالء األنبياء منهم أربعة عشر روحا من أمر ه
من األسماء -التي ذكرناها -اإللهية على قلوب األنبياء وتلقاها حقائق األنبياء عليهم
السالم على قلوب من ذكرناه من الورثة ،ويحصل للفرد الواحد من األفراد وراثة
الجماعة المذكورة ،
فيأخذون علم الورث من طريق المذكورين من األرواح الملكية واألنبياء البشريين ،
ويأخذون بالوجه الخاص من األسماء اإللهية علوما ال يعلمها من ذكرناه سوى محمد
ّللا عليه وسلم فإن له هذا العلم كله .صلى ه
ألنه أخبر أنه قد علم علم األولين وعلم اْلخرين.
اعلم
أن هّلل كنوزا في الطبيعة التي تحت عرش العماء ،اكتنز فيها أمورا ،فيها سعادة العباد
.كاكتزان الذهب في المعدن .
وصور هذه الكنوز صور الكلمات المركبة من الحروف اللفظية فال تظهر ،إذا أراد
ّللا إظهارها ،هإال على ظهر أرض أجسام البشر على ألسنتهم . ه
وإنفاقها واالنتفاع بها عين التلفظ بها ،مثل قول اإلنسان .
ي العظيم " "ال حول وال قوة هإال ه
باّلل العل ه
ّللا عليه
ّللا على لسان رسوله صلى ه فهذه الكلمات من الكنوز المنصوص عليها من ه
وسلم ،
ّللا تعالى على لسان آدم عليه السالم فهو أول من أنفق من هذا الكنز وأول ما أظهرها ه
في الطواف بالكعبة حين أنزله جبريل فطاف به بالكعبة
فسأله :ما كنتم تقولون في طوافكم بهذا البيت ؟
144
ّللا إظهار كنزفالكنوز المكتنزة تحت العرش ،إنما هي مكتنزة في نشأتنا ،فإذا أراد ه
منها ،أظهره على ألسنتنا ،وجعل ذلك قربة إليه ،فإنفاقه النطق به .
وهكذا جميع ما اكتنزه مما فيه قربة ،وما ليس بقربة م هما هو مكتنز ،بل يخلق في
الوقت في لسان العبد ،وكانت صورة اختزانه -إذ ال يختزن هإال أمر وجودي -أن ه
ّللا
لما أراد إيجاد هذا المكتنز ،
تجلى في صورة آدمية ،ثم تكلم بهذا األمر الذي يريد أن يكتنزه لنا أو لمن شاء من
ّللا
خلقه ،فإذا تكلم به أسمعه ذلك المكان ،الذي يختزنه فيه فيمسك عليه ،فإذا أنشأ ه
ّللا ،
ذلك المكان صورة ظهر هذا الكنز في نطق تلك الصورة ،فانتفع بظهوره عند ه
ثم لم يزل ينتقل في ألسنة الذاكرين به دائما أبدا ،ولم يكن كنزا هإال فيمن ظهر منه
ابتداء ،ال في كل من ظهر منه بحكم االنتقال والحفظ .
سن سنّة حسنة " .رواه ابن خزيمة وابن ماجة وهكذا ك هل " من ّ
ّللا في
ّللا إليه فتلك الحسنة كنز اكتنزها ه ابتداء من غير تلقف من أحد مخلوق هإال من ه
هذا العبد من الوجه الخاص ،ثم نطق بها العبد إلظهارها ،كالذي ينفق ماله الذي
اختزنه في صندوقه فهذا صورة االكتناز -إن فهمت .
فال يكون اكتنازا هإال من الوجه الخاص اإللهي ،وما عدا ذلك فليس باكتناز .
ّللا فيه .
فأول ناطق به هو محل االكتناز ،الذي اكتنزه ه
وهو في حق من تلقفه منه ذكر مقرب كان موصوفا بأنه كنز ،فهذه كلها رموزه ألنها
كلها كنوزه .
وبعد أن أعلمتك بصورة الكنز واالكتناز ،وكيفية األمر في ذلك لتعلم ما أنت كنز له ،
أي :محل الكتنازه ،مما لست بمحل له إذا تلقنته ،أو تلقفته من غيرك فتعلم عند ذلك
صك به من مشارب النبوة. حظك من ربهك وما خ ه
فتكون عند ذلك على بينة من ربك فيما تعبده به ،وال تكون فيما أنت محل الكتنازه
وارثا ،بل تكون موروثا فتحقق ما ترثه وما يورث منك .
ّللا عليه وسلم في
ّللا صلى ه
ومن هذا الباب مسألة بالل الذي نص عليها لنا رسول ه
قوله له " :بم سبقتني إلى الجنة " .رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والترمذي.
145
أي :أنت الذي اكتنزته في عبادتك ،فهو يجعلك فيهم واختزانك ولذلك يكون قربة إليك
العلم به ،ثم قال" :والش ّّر ليس إليك" .رواه مسلم وابن خزيمة والحاكم في المستدرك
وأبو داود ورواه غيرهم
ّللا عليه وسلم أنه
ّللا صلى ه
"" وفى رواية مسلم :عن علي بن أبي طالب عن رسول ه
كان إذا قام إلى الصالة قال « :وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض حنيفا
وما أنا من المشركين ،إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هّلل رب العالمين ال شريك
له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك ال إله إال أنت أنت ربي وأنا عبدك
ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه ال يغفر الذنوب إال أنت
واهدني ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت واصرف عني سيئها ال يصرف
عني سيئها إال أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك
تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك »
وإذا ركع قال « :اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري
ومخي وعظمي وعصبي »
وإذا رفع قال « :اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء األرض وملء ما بينهما
وملء ما شئت من شيء بعد »
وإذا سجد قال « :اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه
ّللا أحسن الخالقين » .
وصوره وشق سمعه وبصره تبارك ه
ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت
وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ال
إله إال أنت """ .
ّللاِ َوما أَصابَ َك أي :لم تختزنه في عبادك .وهو قوله تعالى :ما أَصابَ َك ِم ْن َح َ
سنَ ٍة فَ ِمنَ ا
س ِيهئ َ ٍة فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك [ النساء . ] 79 :
ِم ْن َ
حق .وأ هما قوله :قُ ْل ُك ٌّل ِم ْن فأضاف السوء إليك والحسن إليه ،وقوله صدق وأخباره ه
ّللاِ[ النساء . ] 79 : ِع ْن ِد ا
ّللا وهذا من نفسك . ّللا ،والحكم بأن هذا من هأي :التعريف بذلك من عند ه
وهذا خير وهذا شر .
َّللا ) ولهذا قال في حق من جهل الذي ذكرناه منهم .فَما ِلهؤ ِ
ُالء معنى( ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد ه ِ
ْالقَ ْو ِم ال يَكادُونَ يَ ْفقَ ُهونَ َحدِيثا ً .
أي :ما لهم ال يفقهون ما حدثتهم به فإني قد قلت :ما أَصابَ َك ِم ْن َح َ
سنَ ٍة فَ ِمنَ ا ِ
ّللا َوما
سيِهئ َ ٍة فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك فرفعت االحتمال أو نصصت على األمر بما هو عليه. أَصا َب َك ِم ْن َ
146
ّللا عليه وسلم قال " :والخير كله بيديك والشر ليس ّللا صلى ه ول هما علم ذلك رسول ه
إليك " .
ورها َوت َ ْقواها ( [) 8الشمس : س اواها ( ) 7فَأ َ ْل َه َمها فُ ُج َ وكذلك قوله تعالى َ :ونَ ْف ٍس َوما َ
] 8 ، 7فجورها أنه فجورها ،وتقواها أنه تقوى .
ليفصل بين الفجور والتقوى .إذ هي محل لظهور األمرين فيها .
فربهما التبس عليها األمر وتخيلت فيه أنه كله تقوى .
ّللا فيما ألهمها ما يتميز به عندها الفجور من التقوى ،ولذا جاء باإللهام ولم فعلهمها ه
يجئ باألمر .
ّللا ال يأمر بالفحشاء ،والفجور فحشاء .فالذكر لألصل وهو القطب . فإن ه
السراء والض هراء لما انقسم التحميد بلسان الشرع . ه والتحميدان أعني تحميد
بين قوله ( :في السراء ) الحمد هّلل المنعم المتفضل ،
وبين قوله ( :في الضراء ) الحمد هّلل على كل حال ،وما له في الكون هإال حالة تسر
،أو حالة تضر ،ولكل حالة تحميد ،
وهي قوله تعالى لنا في كتابه عن إبليس :ث ُ ام َْلتِيَنا ُه ْم ِم ْن َبي ِْن أ َ ْيدِي ِه ْم َو ِم ْن خ َْل ِف ِه ْم َو َع ْن
أَيْما ِن ِه ْم َو َع ْن شَما ِئ ِل ِه ْم[ األعراف . ] 17 :
وقام على كل جهة من هذه الجهات من يحفظ إيمانه منها جعل األوتاد أربعة للزومهم
هذه الجهات لكل وتد جهة أي الغالب عليه حفظ تلك الجهة خاصة .
وإن كان له حفظ لسائر الجهات " كأفرضكم زيد " رواه الحاكم " أفرض أمتي زيد
بن ثابت ".
علي " رواه الطبراني ،و « كالجماعة تحمل ما ال يقدر الواحد على ّ و " أقضاكم
حمله إذا انفرد به .
َّللا عليه وسلم " :أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأرفق أمتي َّللا صلى ّ "" قال رسول ّ
ألمتي عمر بن الخطاب وأصدق أمتي حياء عثمان وأقضى أمتي علي بن أبي طالب
وأعلمها بالحالل والحرام معاذ بن جبل يجيء يوم القيامة أمام العلماء برتوة وأقرأ
أمتي أبي بن كعب وأفرضها زيد بن ثابت " "" .رواه الطبراني
فلكل واحد من الجماعة قوة في حمله ،وأغلب قوته حمل ما يباشره من ذلك المحمول.
فلوال الجماعة ما انتقل هذا المحمول ألن كل واحد واحد ال يقدر على حمله فبالمجموع
كان الحمل .
كذلك هذا األمر .فهذه سبعة .
وأ ّما األبدال :فلهم حفظ السبع الصفات في تصريف صاحبها لها ،إذ لها تصرف في
الخير ،وتصرف في الشر ،فتحفظ على صاحبها تصريف الخير ،وتقيه من
تصريفاتها في الشر.
147
فهذه جملة األربعة عشر التي ذكرناها لقوم يعقلون من المؤمنين إذا أنصفوا ،ومن
حصل له حفظ ما ذكرناه فذلك المعصوم ،وتلك العصمة .
ّللاُ بِ ُك ِهل ش ْ
َيءٍ َع ِلي ٌم[ الحجرات.] 16: ما ثم غير هذين في الظاهر والباطن َو ا
وإذا علمت هذا وانفتح لك مقفله مشيت لكل واحد من الذي عيهنها لك على ما له مما
ذكرناه من األسماء اإللهية ،والحروف الرقمية المعينة ،واألفهام الموروثة من النبيين
المذكورين واألرواح النورية ،فيحصل لك ذوقا جميع ما ذكرناه وكشفا لمعناه فال
تغفل عن استعماله .
وفي هذا المنزل من العلوم .
ّللا تعالى ،علم األذكار المقربة إلى ه
وعلم األسماء اإللهية ،
وعلم اختصاص الرحمة وشمولها ،
وعلم األسماء المركبة التي هّلل ،
وعلم عواقب األمور ،
وعلم العالم ،
وعلم مراتب السيادة في العالم ،
وعلم الثناء بالثناء ،
وعلم الملك والملكوت ،
وعلم الزمان ،
وعلم الجزاء ،
وعلم االستناد ،
وعلم التعاون ،
وعلم العبادة ،
وعلم البيان والتبيين ،
وعلم طرق السعادة ،
وعلم النعمة والمنعم واإلنعام ،
وعلم أسباب الطرد عن السعادة التي ال يشوبها شقاء ،
وعلم الحيرة والمتحيرين ،
وعلم السائل والمجيب ،
ي التعريفين أقوى . وعلم التعريف بالذات واإلضافة وأ ه
148
فإن تناهى العلم في نفسه فإن المعلوم ال ينتهي .
وقد نهيت النّفس عن قولها ....باالنتها فيه فلم تنته
لجهلها باألمر في نفسه ....لذاك قالت إنّه ينتهي
وقد رأينا نفرا منهم ....بمكّة يجول في مهمه
ب من األبلهقد حكمت أوهامهم فيهم ....فانحاز ذو اللّ ّ
واعلم أن عالم اإلنسان لما كان ملكا هّلل تعالى كان الحق تعالى ملكا لهذا الملك بالتدبير
فيه وبالتفصيل .
ض"[ الفتح ] 4 : ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ّلل ُجنُو ُد ال ا ولهذا وصف نفسه تعالى بأن " َو ِ ا ِ
،وقال َ :وما َي ْعلَ ُم ُجنُو َد َر ِبه َك ِإ اال ُه َو[ المدهثر . ] 31 :
فهو تعالى حافظ هذه المدينة اإلنسانية لكونها حضرته التي وسعته وهي عين مملكته ،
وما وصف نفسه بالجنود والقوة هإال وقد علم أنه تعالى قد سبقت مشيئته في خلقه أن
يخلق له منازعا ينازعه في حضرته ويثور عليه في ملكه بنفوذ مشيئته فيه وسابق
علمه وكلمته التي ال تتبدّل سماه الحارث ،
وجعل له خيال ورجال وسلهطه على اإلنسان فأجلب هذا العدو على هذا الملك اإلنساني
بخيله ورجله .
ّللا في مقابلة ووعده بالغرور بسفراء خواطره التي تمشي بينه وبين اإلنسان فجعل ه
أجناده أجناد مالئكته ،
فلما تراءى الجمعان وهو في قلب جيشه جعل ميمنة ومسيرة وتقدمة وساقة
َّللا بذلك لنأخذ حذرنا منه من هذه الجهات وعرفنا ّ
ّللا تعالى لنا أنه قال هذا العدو .ث ُ ام َْل ِتيَنا ُه ْم ِم ْن َبي ِْن أ َ ْيدِي ِه ْم َو ِم ْن خ َْل ِف ِه ْم َو َع ْن أَيْما ِن ِه ْم فقال ه
َو َع ْن شَمائِ ِل ِه ْم[ الحجرات . ] 16 :
ّللا في ّللا هذا الملك اإلنساني بأن كان ه وهو في قلب جيشه في باطن اإلنسان فحفظ ه
قلب هذا الجيش ،وهذا العسكر اإلنساني في مقابلة قلب جيش الشيطان ،وجعل على
ميمنته االسم الربه ،وعلى ميسرته االسم الملك ،وعلى تقدمته االسم الرحمن ،
وفي ساقته االسم الرحيم ،وجعل االسم الهادي يمشي برسالة االسم الرحمن ،الذي في
المقدمة إلى هذا الشيطان ،وما هو شيطان الجان وإنما أعني به شيطان اإلنس .
اإل ْن ِس َو ْال ِج ِهن[ األنعام ، ] 112 : َياطينَ ْ ِ
ّللا تعالى يقول :ش ِ فإن ه
اس ( ِ ) 5منَ ُور النا ِ صد ِ س فِي ُ واس ْال َخناا ِس ( ) 4الاذِي يُ َو ْس ِو ُ وقال ِ :م ْن ش ِ هَر ْال َو ْس ِ
اس ( [) 6الناس . ] 6 - 4 : ْال ِجنا ِة َوالنا ِ
فإن شياطين اإلنس لهم سلطان على ظاهر اإلنسان وباطنه ،
نواب شياطين اإلنس في بواطن الناس ،وشياطين الجن هم ه
وشياطين الجن هم الذين يدخلون اْلراء على شياطين اإلنس ،ويدبرون دولتهم
فيفصلون لهم ما يظهرون فيها من األحكام ،
149
ّللا عنه ليحفظ عليه وال يزال القتال يعمل على هذا اإلنسان المؤمن خاصة فيقاتل ه
إيمانه ،ويقاتل عليه إبليس ليرده إليه ،ويسلب عنه اإليمان ،ويخرجه عن طريق
سعادته حسدا منه .
فإنه إذا أخرجه تبرأ منه وجثا بين يدي ربه الذي هو مقدم صاحب الميمنة ويجعله
ّللا بذلك كله لنعرف مكايده . وعرفنا ه
ه سفيرا بينه وبين االسم الرحمن ،
فهو يقول لإلنسان بما يزين له ( أكفر ) فإذا كفر يقول له ِ :إ ِنهي بَ ِري ٌء ِم ْن َك ِإ ِنهي أ َ ُ
خاف
ار خا ِل َدي ِْن فِيها[ الحشر . ] 17 ، 16 : ّللا َربا ْالعالَ ِمينَ فَكانَ عاقِبَت َ ُهما أَنا ُهما فِي النا ِ
اَ
ألن الكفر هنا هو الشرك ،وهو الظلم العظيم
الظا ِل ِمينَيريد المشركين ،فإنهم الذين لبسوا إيمانهم بظلم وفسره ولذلك قال َ :وذ ِل َك َجزا ُء ا
ي ال ت ُ ْش ِر ْك ِب ا ِ
اّلل ِإ ان ال ِ ه
ش ْر َك ّللا عليه وسلم بما قاله لقمان البنه :يا بُنَ ا ّللا صلى ه رسول ه
ظ ْل ٌم َع ِظي ٌم[ لقمان . ] 13 : لَ ُ
ظ ْل ٍم[ األنعام : سوا ِإيمانَ ُه ْم بِ ُ ّللا أراد باإليمان هنا في قوله َ :ولَ ْم يَ ْلبِ ُ فعلمنا بهذا التفسير أن ه
. ] 82
ّللا ،ألن الشرك ال يقابله ّإال التوحيد . أنه اإليمان بتوحيد ه
َّللا عليه وسلم ما لم تعلمه الصحابة ،ولهذا ترك التأويل من تركه فعلم النبي صلى ّ
من العلماء ولم يقل به ،واعتمد على الظاهر ،وترك ذلك هّلل ،
إذ قال َ :وما يَ ْعلَ ُم تَأ ْ ِويلَهُ ِإ اال ا
ّللاُ[ آل عمران . ] 7 :
ّللا بخلقه
ّللا ال بنظره ،ومن رحمة ه ّللا بما أراده في قوله ،علمه بإعالم ه فمن أعلمه ه
أنه غفر للمتأولين من أهل ذلك اللسان العلماء به إذا أخطأوا في تأويلهم فيما تلفظ به
رسولهم .
ّللا ،وإ هما فيما شرع له أن يشرعه قوال وفعال ،وليس في المنازل إ هما فيما ترجمه عن ه
اإللهية كلها على كثرتها ما ذكرنا منها في هذا الكتاب ،وما لم نذكر من يعطي
اإلنصاف ويؤدي الحقوق وال يترك عليه حجة هّلل وال لخلقه فيوفي الربوبية حقها
والعبودية حقها ،
ّللا
ّللا بما ألهمه أهل طريق ه وما ثم ّإال عبد ورب ّإال هذا المنزل خاصة هكذا أعلمنا ه
ّللا منه ورثة أنبيائه .
الذي جرت به العادة أن يعلم ه
وهو منزل غريب عجيب أوله يتضمن كله ،وكلّه يتضمن جميع المنازل كلها .
وما رأيت أحدا تحقق به سوى شخص واحد مك همل في واليته لقيته بإشبيليهة ،وصحبته
ّللا .
وهو في هذا المنزل ،وما زال عليه إلى أن مات رحمه ه
وغير هذا الشخص فما رأيته مع أني ما أعرف منزال ،وال نحلة ،وال ملهة هإال رأيت
قائال بها ومعتقدا لها ومنصفا بها باعترافه من نفسه .
150
فما أحكي مذهبا وال نحلة هإال عن أهلها القائلين بها ،وإن كنها قد علمناها من ه
ّللا بطريق
ي وعنايته بي حتى أني ّللا عل ه
ّللا قائال بها لنعلم فضل ه
خاص ،ولكن ال بد أن يرينا ه
ّللا في خلقه ،وأن الممكنات متناهية ،وأن
أعلمت أن في العالم من يقول بانتهاء علم ه
األمر ال بد أن يلحق بالعدم والدثور ،ويبقى الحق حقا لنفسه وال عالم .
فرأيت بمكة من يقول بهذا القول ،وصرح لي به معتقدا له من أهل السوس من بالد
المغرب األقصى .
يصر على هذا المذهب حتى صرح به عندنا ،وما قدرت على ه ح ّج معنا وخدمنا وكان
ردهه عنه ،وال أدري بعد فراقه إيهانا هل رجع عن ذلك ،أو مات عليه ؟
وكان لديه علوم جمة وفضل هإال أنه لم يكن له دين وإنما كان يقيمه صورة عصمة
لدمه.
هذا قوله لي ويعطيه مذهبه .وليس في مراتب الجهل أعظم من هذا الجهل .
وّللا يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ه
ه
المعظم ( اسم مفعول ) هإال أن ه
المعظم ( اسم فاعل ) ال حال واعلم أن العظمة حال
ه
المعظم ( اسم ه
المعظم ألن يكون الشيء يعظم عنده ذاته فعند ذلك تكون العظمة حال
فاعل ) ما عظمت عنده هإال نفسه فهو من كونه معظما نفسه كانت الحال صفته ،وما
151
عظم سوى نفسه ،فالعظمة حال نفسه ،وهذه الحالة توجب الهيبة واإلجالل والخوف
فيمن قامت بنفسه .
قال بعضهم :
طير فوق أرؤسهم ....ال خوف ظلم ولكن خوف إجالل كأنّما ال ّ
لما في قلوبهم من هيبته وعظمته ،
وقال اْلخر :
أشتاقه فإذا بدا ....أطرقت من إجالله
ال خيفة بل هيبة ....وصيانة لجماله
وهذه األسباب كلها موجبات لحصول العظمة في نفس هذا المعظم هإال من عظمة الحق
في القلوب ال توجبها هإال المعرفة في قلوب المؤمنين ،وهي من آثار األسماء اإللهية .
فإن األمر يعظم بقدر ما ينسب إلى هذه الذات المعظمة من نفوذ االقتدار وكونها تفعل
ما تريد وال را هد لحكمها ،وال يقف شيء ألمرها فبالضرورة تعظم في قلب العارف
بهذه األمور ،
وهي العظمة األولى الحاصلة لمن حصلت عنده من اإليمان ،
والمرتبة الثانية من العظمة هي ما يعطيه التجلي في قلوب أهل الشهود والوجود من
غير أن يخطر لهم شيء من تأثير األسماء ،وال من األحكام اإللهية بل بمجرد التجلي
تحصل العظمة في نفس من يشاهده ،
وهذه العظمة الذاتية ال تحصل ّإال لمن شاهده به ال بنفسه ،وهو الذي يكون الحق
بصره وال أعظم من الحق عند نفسه ،فال أعظم من الحق عند من يشهده في تجليه
ببصر الحق ال ببصره ،
فإن بصر كل إنسان وكل مشاهد بحسب عقده وما أعطاه دليله وهذا الصنف من أهل
العظمة خارج ع هما ارتبطت عليه أفئدة العارفين من العقائد فيرونه من غير تقييد فذلك
هو الحق المشهود ،
فال يلحق عظمتهم عظمة معظم أصال ،وما أحسن ما جاء هذا االسم حيث جاء في
ّللا ببنية فعيل فقال :عظيم .
كالم ه
وهي بنية لها وجه إلى الفاعل ووجه إلى المفعول .
ه
والمعظم فأتى بلفظ يجمع الوجهين ه
المعظم ولما كان الحق عظيما عند نفسه كان هو
كالعليم سواء ،وقد يرد هذا البناء ويراد به الوجه الواحد من الوجهين كاالسم الحليم ،
هذا لسان الظاهر وعلم الرسم .
وأ هما علم الحقيقة المعتمد عليه عند العارفين .
فكل فعيل في أسماء الحق وصفاته ونعوته كالحليم والعليم والكريم فال فرق بين هذه
األسماء وبين العظيم في داللتها على الوجهين ،وذلك لكونه هو الظاهر في مظاهر
أعيان الممكنات فما حلم هإال عنه وال تكرم هإال عليه .
152
أال ترى حكم إيجاد المرجح إيجاده عند المتكلمين هإال بالقدرة أو القادرية عند بعضهم ،
أو بكونه قادرا عند طائفة فهو القادر ،وال يترجح الممكن هإال باإلرادة كما قلنا في
القدرة على ذلك الترتيب والمساق فهو المريد .
فالمريد إذا أراد ترجيح الوجود على العدم في المخلوق إن لم يكن هو القادر على ذلك
،ه
وإال فعدم اإلرادة أو وجودها على السواء .
فيحتاج المريد إلى القادر بال شك والعين واحدة ما ث هم عين زائدة مع اختالف الحكم .
فلهذا قلنا في هذا البناء في حق الحق بطلب الوجهين وال يقدر أحد من الطوائف من
باّلل على مثل هذا العلم اإللهي هإال العلماء الراسخون من أهل ه
ّللا الذين هوية العلماء ه
الحق علمهم كما هي سمعهم وبصرهم فاعلم ذلك .
وّللا يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ه
*
تم بحمد هللا رب العالمين
عبد هللا المسافر باهلل
153
الرسائل ومنهاج الوسائل
تاج ّ
شيخ األكبر محيي الدهين مح همد بن علي بن مح همد ابن العربي الحاتمي المتوفى تأليف ال ه
شيخ الدهكتور عاصم إبراهيم الكيهالي الحسيني 638هـ ضبطه وص هححه وعلهمه عليه ال ه
شاذلي الدهرقاوي ال ه
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
ّللا على سيدنا محمد وآله وسلهم تسليما هذا كتاب ( تاج الرسائل ومنهاج وصلهى ه
الوسائل في إيضاح المعاني اإللهية المودعة في المعاني الروحانية ) م هما جرى بيني
وبين الكعبة المعظمة عند طوافي بها من باب المكاشفة والمطالعة إلى بعض من يكرم
ويعز لديه من أترابه بمكة سنة ستمائة . ه عليه من أصحابه ،
العزة بعد الخضوع ،وردهاني برداء الرفعة بعد توجني بتاج ه فقال :الحمد هّلل الذي ه
الخشوع ،ووحدني بالواحدة البتول من األعيان ،التي لم يطمثها إنس قبلي وال جان ،
ّللا على السيد المختار من آل عدنان ،وسلم كثيرا ما اختلف الملوان . وصلهى ه
أ ّما بعد
ّللا تعالى لما أنزلني في حرمه ،وأطلعني على حرمه وجمع شملي بكعبة الحسن فإن ه
المونقة ،وروضة المزن المورقة عاينت نشأة فلكيهة ،وحقيقة ملكية ،وجارية فلكية
ومرتبة ملكية ،وتربية مكيهة .
ستر مسدل ،ويمين تقبهل ،وكلمات تقبل ،ونفحات يمنية سريانية تقبل .واستالم
ومص ريق ،وتعنيق ،رخيمة الدالل ،معشوقة اإلدالل ،رائعة الجمال ، ه والتزام ،
فائقة الجالل .غضهة ناضرة ،نكتة نادرة وضهاحة الجبين ،معتدلة العرنين ،حسنة
الق هد ،أسيلة الخ هد ،روضة مظلولة ،ال ملولة وال مملولة ،نجالء العينين ،رائقة
المنظرين ،مائسة العطفين .
سجنجل مهفهفة بيضاء غير مفاضة ....ترائبها مصقولة كال ّ
"" بيت إمرىء القيس :
والمهفهفة :اللطيفة الخصر الضامرة البطن .والمفاضة :المرأة العظيمة البطن
المسترخية اللحم .
والترائب :جمع التريبة وهي موضع القالدة من الصدر .والصقل :إزالة الصدأ
والدنس وغيرهما .
والسجنجل :المرآة وهي لغة رومية عربتها العرب ،وقيل بل هو قطع الذهب
والفضة "" .
در منظوم ،وتتنفهس عن مسك مختوم ،سبطة البنان ،مريضة األجفان ،تفتر عن ه
عنبرية النشر ،دائمة البشر ،صابرة محتسبة ،قائمة منتصبة ،ال تعترض وال
تعرض وتمرض بعد ما تمرض .
154
عذبة الكالم ،شهيهة الفدام ،سهلة الهوى ،صعبة القياد ،كثيرة البلوى ،حليفة السهاد
،تقيد الخاطر ،وتسحر الناظر ،وتذيب األشباح ،وتفني األرواح ،وتنحل األجساد ،
وتنضج األكباد ،وتورث االحتراق ،وتربهي األشواق ،وتفي بالعهد والميثاق ،صادقة
الموعد ،إلهيهة المحتد ،ربانية المولد ،روحانية المقصد ،عزيهة المشهد .
إن نظرت إلى عباراتها قلت :عربية عرباء .
وإن نظرت إلى إشاراتها قلت :سريانية خرساء .
سمت بين ثالثة أسماء ،كما وصف محبوبته في قصيدته بشار بن برد األعمى فقال : ق ه
سمت ....بين غصن وكثيب وقمر بنت عشر وثالث ق ّ
-فغصن للحركة المستقيمة .
-وكثيب للمقعدة الكريمة .
-وقمر للنظرة السليمة .
أو كما وصفت أنا في بعض قصائدي ،وفريدة من فرائدي .فجمعت في بيت واحد
أربعة أوصاف .
فقلت :
بدر ت ّم تحت دجن قد سما ....فوق أملود على دعص نقا
"" الدّجن :ظ هل الغيم في اليوم المطير .واألملد واألملودة :الناعمة المستوية القامة .
والملدان :اهتزاز الغصين .والدّعص :قور من الرمل مجتمع ،والجمع أدعاص .
والنّقا :مقصور من كثبان الرمل "".
155
فإن المقام جليل ،والخاطر كليل ،والمحبوب متعوب ،والمحب منهوب ،والقلب
مصطلم ،والنار في الجوانح تضطرم ،فاقنع أيها السائل بما جرى به قلمي ،فإنه ما
استقر به قدمي .
وّللا المستعان ،وعليه التكالن .
ه
َّللا إليها ونزل بها عليها سل بها عبد ّ - 1الرسالة اإللهية تو ّ
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِِب ْ
ّللا
ّللا إلى كعبة الحسن ،وروضة المزن .سالم عليك ورحمة ه من محمد بن عبد ه
وبركاته .
أما بعد
الحمد هّلل والثناء ،والصالة على سر األنبياء .
فإن زمان االعتدال قد طل ،ووجه غالم الشباب قد نقل ،واألرض قد أخذت زخرفها
وازينت ،وأنبتت من كل زوج بهيج ،قد قابلت الزهر بالزهر ،والنور بالنور ،فال ه
تعاين هإال حقائق في حدائق ،ونغمات في رنهات ،إلى فنن ميهاس في رملة ميعاس ،
وجداول تنساب انسياب الثعابين ،
بين فراديس األرواح والرياحين ،ومياه تطرد ،وطيور تغرد ،ونسيم يهب فيميل
باألغصان عليك ،ويسوق روائح األزهار العطرية في كفه ليهديها إليك ،وقد سرى
النعيم في الحواس واألرواح ،بوجود الذوات وهبوب الرياح .
لحس ،وريح وروح لروح قدس ،فتنبهه أيها الغافل واستيقظ أيها النائم . ه فذات
فقد جاءك النصيح بالتصريح ،وما قنع باإلشارة والتلويح .
هذه عين قد نظرت إلى بهجتها ،وأذن أصغت إلى نغمتها ،ويد عطفت فقطفت ،
ورجل سعت فوصلت ،وقلب عشق فلحق ،وعقل سار فحار ،عين مفتونة بلون ،
وقلب متعشق بكون ،
وعقل حائر في قضية عين فال لون انتقل ،وال كون اتحد بذات عاشقة فاتصل ،وال
حاكم على وجه الحق عثر في قضية العين فحصل ،فال حبيب تدلهى ،وال محب دنا .
فعبرة تسكب ،وقلب بنار األسى يتقلهب .
فإن ه هم الحبيب باالتصال وجاد بالوصال ،وأذن بالتجلي ،فسترى أيها الطائف خيالك
يتصدع ،وشامخك يخشع ،وآمنك يفرق ،وقائمك يصعق ،وروضك يحرق ،
لعزه ،أو آمنا ألمنه ،أو قائما لقيهوميته ،أووجديدك يخلق ،غيرة أن تبقى عزيزا ه
دائما لديموميته ،فمن شاء أن يلحظ عنفوان شبابه ،
ويفوز به من بين أترابه ،ويخرق سرف الكم ،ويجوز بحار الهم ،ويجوب مفاوز
سنة في السنة ،والمؤنة في المحنة ،فال بد من الغم ،فليعلم أن الفتنة في المنهة ،وال ه
تجرع كؤوس البلوى ،والحنين إلى مواطن الشكوى ،وه هد ركن القوة ،ومحق رسم ه
الشباب والفتوة ،واضمحالل الرسم ،وفناء االسم ،وتعثر النطق ،ودحض الحجة
بالصدق .
156
آه على قوم حرموا التوفيق ،فطلبوا الراحة وأخطأوا الطريق ،عليك يا كعبة الحسن
بالحزن الدائم ،والهم الالزم ،والتلف الكلي في وصال العلي ،فما أحسن ذلك الجمال
المطلق ،والبهاء المحقق ،والجالل األنفس األعلق .
قدمي في مكاني ،وجناني في عياني ،فأنا النازح القريب ،وأنت األهل الغريب
رميت بفنون الشجون ،وقيل أنت المثقف المسجون .
وّللا
وال عطفة ترجى ،وال رحمة تزجى ،وال رأفة تتوقع ،وال فائت يسترجع ،حار ه
سري ،وطاش لبهي في مجاراة األضداد ،ومصادمة األنداد ،واالئتالف بشجر
الخالف ،هال ظل غيرها من الشجر كان ،ولو كان النجم بدال من الشجر لكان أحسن
في نطق الزمان .
وأين الفأل من الطيرة ،وأين السيرة من السيرة ،باسم الشجر عصى أب اْلباء ،
حتى نودي به في صريح فصيح األنباء .
الدنو والنزوح ،واالغتراب واالقتراب ،والسكر والصحو ، ه ذات الجسم والروح ،بين
واإلثبات والمحو ،فال حالة تثبت ،وال أرض تنبت ،سماء تبكي ثم ترفع ،وأرض
سر الديمومية والثبات ،أين مالزمة االلتفات ،إلى متى تضحك وقتا ثم تخشع .أين ه
هذا التحول من حال إلى حال ،كأنه محال في محال ،أواه أواه على حمل األعباء ،
ي وال اخترقه ،هال طرق بابي وال أطرقه ،إنها هّلل على واختراق السماء ،ه
هال نزل إل ه
هؤالء العصاة ،ما أجهلهم بشرف الكلمات .
هال نظروا إلى سيدهم قد وسعه قلبي وتضمنه لبهي وهم خلقوا من أجلي ، ه
وعرفوا أن ما ث هم في الوجود مثلي ،ما بال الفرصة ال تأتيني حتى أسعى إليها ،ما بال
ي قبل أن أنزل عليها .الثمرة ال تنزل عل ه
تفطنت للمعنى المراد والسر الكمين في الخطة ه
ه يا ليت شعري ما هذه الغلطة وما هذه
الفؤاد
ي ،لجهلها بمكاني ،فال تعرف أين تراني ، ي ،وال تنزل عل هال يتمكن لها أن ترد إل ه
ّللا معنا بهذه المثابة ل هما لم
فمعرفتي بها أنزلتني عليها ،وحملتني إليها ،أال ترى ه
نعرفه لم نرحل إليه ،وال نزلنا عليه .فعرفنا فنزل ،واتخذ قلب العبد بيتا وإليه ه
تنزل .
عرفنا األشياء وما عرفتنا ،فوجب علينا السعي إليها فلهذا التحقق اإللهي عندنا ه
والنزول عليها .
يا حكمة ما أجالها ،وقطرة مزن ما أعذبها وأحالها ،لوال الجمال ما اشتهيت المال ،
ولوال الرذيلة ما تعشقت بالفضيلة ،ولوال النقص ما رغبت في الكمال .لهذه العلة
جهلت اإلشارات ،ولم تعرف العبارات ،فإنه أمران فصل وجمع .
فالعالم في الفصل وأنا في الجمع .
فكل شيء باإلضافة إلى ما يقابله موسوم ،وبرسمه مرسوم .
157
عز اللب ، سفل ،ولوال الطيب ما عرف التفل ،ولوال القشر ما ه فلو ال العلو ما سمي ال ه
راط
ص ِ حاب ال ِ ه
ص ُ ست َ ْعلَ ُمونَ َم ْن أ َ ْ
ولوال العبد ما علم الرب .فالعلو ال يكون سفال أبدا .فَ َ
ي ِ َو َم ِن ا ْهتَدى[ طه .]135 :
س ِو ه
ال ا
وأنا الذي استوى ،وسقط ،وطلع ،وهبط ،وعصم وغلط ،وعال وسفل ،وارتفع
ونزل .
يا ليت شعري :هل فهمت العقول إشاراتي ؟
هل سمعت اْلذان عباراتي ؟
هل عرف ما وراء هذه الحروف ؟
هل علم ما حوته هذه الظروف ؟
لسر مكتوم ،ووعاء مختوم . واها ه
وبعد :
يا كعبة الحسن ،ويا روضة المزن .قد ناجيت فيك من أوجدك ،وسألت فيك من
و هحدك .
إن تصح العزائم فتتحد األسرار ،وتصحو السماء فتتقد سرج األنوار ،فتدرعت
ّللا حاكما .
الشرفة قائما ،وقمت باسمه ه
عز الذليل ،واهتدى الدليل ،والح السبيل . َّللا بك ّ
فقلت :يا ّ
نصبت هذه الكعبة ،وجعلت القلوب إليها صبهة ،وأنا أريد أن أصف لك حالة تعلمها ،
وصفة لم تزل حقيقتي تلزمها ،لما أرخي العنان عنانه ،وزخرف الجنان جنانه ،
نواره ،وجلى طلوع الزهر أزهاره ، وأضحك النور ه
سطع الجمال في سماء االقتبال ،فتحير البال ،واشتد البلبال ،وفارت المراجل في
الصدور ،وأخذت األسرار في الورود بعد الصدور ،وعظم الخطب ،وق هل العزاء ،
وج هل األمر ،وع همت البلواء .
فما ترى كل زوج بهيج هإال في أمر مريج .فأردت في سؤالك تسكين ما تحرك ،وخلع
ي ،وإعدام ضد ي ،ونفسا جموحة تذعن بالصدق إل ه من تملك ،وضالة قائدة تجمع عل ه
يريد عدمي ،
واستيالء سلطان يثبت في مودتها قدمي ،بمعونة إلهية عجماء ،ودعوة سريانية
خرساء ،تج هل وتسمو أن تعبهر عنه حروف الهجاء ،قوية اله همة ،صادقة الضراعة
واللجاء .
عزة الغيرة ؟ فإنه إذا بدا اللسان ،وظهر البيان ،وقام العيان ،فأين ه
وأين سلطان الحيرة ؟
كل ما سطره القلم فغير منظور إليه ،ألنه لو عشق لكتم وغير عليه هإال التعشق اإللهي
المطلوب ،بين الرب والمربوب ،فتلك حالة مجهولة ،صحيحة غير معلولة ،تنافي
هذه األحوال ،وتعز عن درك اإلخالل .
يا عجبا ! كيف تذاع أسرار المعشوق ؟ !
كيف ترتب عليه الحقوق ؟ !
158
أليس هذا عين المحال والضالل ،أحبك وأحبهبك لغيري وأعشقك وأختار لك شري
على خيري .هذه مسألة دجالية المكان ،نارها ماء وماؤها نار في العيان ،ومسألة
نبوية في الشبهات
"حفهت الجنة بالمكاره وحفهت النار بالشهوات" .رواه مسلم والترمذي وغيرهما
والمقامان ضدهان .بين الكذب والصدق ،والباطل والحق ،واألمر في العين واحد ،
عند المشهود والشاهد .
ي من دنياكم ثالث " .رواه الحاكم
قال الحبيب ولم يكن في مقام االكتراث " :حبهب إل ه
في المستدرك والنسائي وغيرهما
159
يا كعبة الحسن :ما أشد وجدي عليك ،وشوقي إليك ،وسرد في هؤالء الطوائف ،
واستغنم هذه الطرائف ،فعزيز أن يرى مثلي بربعك طائف ،تحقق بهذه المعارف
واإلشارات ،وانظر ما أومأت إليك به خلف حجاب هذه العبارات ،واسنح بها على
ذاتك ،وادهخرها بعدي لبناتك ،
باّلل وحياة أليست السلطانة بها بعدك أولى ،أليست السلطانة بميراثك أجدر وأحرى ،ه
الحب هل يستوي العبد والمولى ،فعليك بالتسليم لما أورده عليك ،وواجب عليك أن
تبلهغ ما أنزل إليك ،وال تسل عن العلة والسبب ،
فقد تميزت الرتب ،ل هما قسمت وعرفت النهسب ،ولكن أكثر الناس ال يعلمون ،وهي
فيهم وهم فيها وهم ال يشعرون ،فهم الجاهلون وإن عقلوا والص هم وإن سمعوا ،والعمي
وإن أبصروا ،والخرس وإن أفصحوا .
ي فَ ُه ْم ص ٌّم بُ ْك ٌم ُ
ع ْم ٌ كم من لسان عجمي قلبه عربي ،وكم من لسان عربي قلبه أعجمي ُ
ال يَ ْع ِقلُونَ [ البقرة .]171:
،وال ت َ ُكونُوا َكالاذِينَ قالُوا َ
س ِم ْعنا َو ُه ْم ال يَ ْس َمعُونَ ( [ ) 21األنفال . ] 21 : َ
فديت يا كعبة الحسن قلبا يفهم إشاراتي إليك ،وإيمائي ومقاصدي وإيحائي ،ويبين
رمزها ،ويفك مع هماها ،ويحل لغزها ،طلسمات سيمياوية ،وتنبيهات كيمياوية ،هذه
المناهج قد أنهجتها ،هذه المعارج قد أبهجتها .
أين من ينهج فيرى ؟
أين من يعرج بقلبه إلى السماء ؟
هذا البراق عند الباب ،هذا جبريل ممسك الركاب .
هل من ه همة محمدية قد ورثت ورثا كليا ؟
هل من عزمة صمدية قوية قد نهجت منهجا عقليا ؟
هذه المعاني في المغاني ،هذه األرواح في األرواح ،هذه الحقائق الجسام في األجسام
،ما أعذب اللثم والعناق عند العشاق ،ما أطيب رائحة المحبوب ،ما أشد فرح من
جاد عليه دهره بالمطلوب .
قطفنا من أغصان شجر الحب ،وكنا في حدائق القرب ،وأخبرنا عن المحبوب بما
تحصل لنا من العلم الموهوب ،
وجرينا إلى الغاية التي أرادها ،وأمطرنا بالسحابة التي ألقت علينا أكبادها ،وأنبأنا عن
غاية االبتداء ،وأ هملنا ما رأينا في االنتهاء ،وغنهينا بقريض االزدواج ،فأظهرنا
السلوك واألساورة والدمالج واإلكليل والتاج ،
فسمعنا عتاب من قصدناه وفهمنا منه ما أردناه ،فأخذنا خاتم الملك ،واستوينا به على
بعزه ،واشتهرنا بحكمته ،وأجبنا دعاء من دعوناه ،واعتقدنا دين من وتعززنا ه
ه الفلك ،
اعتقدناه وسرنا تحت لواء حمده ،إلى جنة صدق وعده ،
وصرخنا في مجلس سماعه ،وتلذذنا بحسن إيقاعه ،وابتغينا رضاه إذ تو هخيناه ،
وسحبنا زالل برد من أحببناه ،وتقلبنا في بساط من رجوناه .
160
وّللا سبحانه يؤيدك يا كعبة الحسن في كل حال .ه
سرك إليه ،وينزل بك عليه ،وهذه حالة تشتهىويحول بينك وبين المحال ،ويصفي ه
وال تدرك وتعلم وال تملك .
ّللا وبركاته .
والسالم المعاد عليك ورحمة ه
سل بها عبد الحي إليها ونزل بها عليها - 2الرسالة القدسية تو ّ
الرحيم
الرحمن ّ
َّللا ّ
بسم ّ
ّللا
من عبد الحي محمد بن علي إلى كعبة الحسن وروضة المزن .سالم عليك ورحمة ه
وبركاته .
حق حمده ،والصالة على سيدنا محمد نبيهه وعبده :ّللا ه
أ ّما بعد حمد ه
فإن تع هجبي في حق المحب من الشكوى ،أعظم من تع هجبي مما ح هل به من البلوى .
فإن المحب مشغول بلذة حبهه فأين األلم ،ومن لم تكن هذه حاله في الحب فليس له فيه
قدم ،األلم مع اإلحساس والمحب مخدور ،الضراعة مع العقل والمحب معتوه مقسور
،أين أنت من المثل السائر في النقل ،وال خير في حبه يدبهر بالعقل.
وهذه « ليلى » وقفت على «قيس» فقال لها ( :إليك عنّي فإن حبّك شغلني عنك ) .
وكان يمشي عريانا ال يواريه شيء فال عقل وال إحساس ،وكنها نقول بالموت فيه لوال
األنفاس .كيف يشكو من ال يعقل ؟
كيف يألم من غمرته اللذهات ؟
أما علمت أن شهوة الحب أعظم من سلطانه ،وإن شبهتها أقوى في الصورة من
برهانه ،ما هذا هإال توهم بعيد ،استحكم سلطانه على قلب العاشق الوحيد .
ما أحسن هذا الشأن لو ظهر ولو بالنقل ،ما أبدعه لو خرج من القوة إلى الفعل ،لكن
العقول قد أعجبت بمداركها الفكرية ،والبصائر تائهة بتصاريفها العقلية ،واألذهان
محجوبة باستنباطاتها الزكيهة ،
لو عقل العقل أنه معقول ،وعلم العلم أنه معلوم ،وبصر البصر أنه مبصر ،لذل الكل
تحت القهر ،وغرق الكل في لجج هذا البحر .
سواك ؟
يا كعبة الحسن :هل نظرت في شأنك كيف ه
حتى انهدت أركانك وقواك .كيف لم تكن شيئا ثم كنت ؟
كيف لم تبن ثم بنت ؟
وقفت على اْليات التي أنبأت عن حقيقتك ،وأوضحت لك معالم طريقتك .
أين أشعارك وإحساسك ؟ أين بحثك والتماسك ؟
تأتي إلى عارف مثلي تدخل معه في اللّجج .
"" اللجج :جمع لجة ولجة األمر معظمه ولجة الليل ولجة الظالم :شدة ظلمته
وسواده "" .
161
وتتوسط معه الثبج .
"" والثّبج :وسط الشيء وفي اإلنسان ما بين الكاهل إلى الظهر"".
أتظن أني ال أعلم بمقامك ومقامك ،ألست من اليسار ،ألست الضلع األعوج الذي إن
أردت تقويمه تسارع إليه االنكسار ،ال يصح لك أبدا االعتدال ،وال تنتقل من هذه
الحال ،أجبني إن كنت صادقة ،خاطبني إن كنت ناطقة ،ما بالك خرساء عن
مجاوبتي ،ما بالك عجماء في محاورتي ،
أنا الحي الذي خلقت مني ثم شاركتني ،حتى كنى بك عنهي ،أنت جزئي وكلي ،فيك
يا عجبا الكل في الجزء حقيقة ترميها العقول ،لوال الخبر المنقول ،
وهذه إشارة بينك وبينها سبعون ستارة فارفع الستور ،وسح على نفسك من أجل النور
،فإنه محرق ذاتك مذهب صفاتك ،فإن وقفت بعد الكشف على اإلحاطة ،فقد دخلت
بساطه ،وإن عجزت عنها فاعلم أنك فيها منها .
فانظر أي المنزلتين أشرف ،وأي المقامين ألطف ،وأي المحبوبين أظرف .
162
ّللا ه
عز وج هل ال ينام وال ينبغي له أن ّللا عليه وسلم « :إن ه
"" يشير إلى قوله صلى ه
ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل
الليل حجابه النور -وفي رواية أبي بكر -النار لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما
انتهى إليه بصره من خلقه » .صحيح مسلم و مسند احمد وابن حبان و ابن ماجة
والطبراني في األوسط وغيرهم "" .
فال علم هإال عن عين ،وعد عن كل كون ،فإن الكون يحول ،والغير ينتقل ويزول ،
وكعبة الحسن سيدي باقية مستحيلة الفناء ،ألنها الكل من غير توهم األجزاء ،بل
إحاطة لفظية ،ولفظة حفظية .
كم دمع عليك مسفوح !
كم قلب عليك مقروح !
آه لشوق مزعج ،وكبد بناء الهوى ينضج . .
هذا علم البرزخ ماسك الطرفين ومالك األمرين ،الفاصل بين الضدين ؛ كالخط
الفاصل بين الظل والشمس ،والمعنى الرابط بين العقل والنفس .
سرك عن كل كدر ، انظر إلى هذا التعشق اإللهي وهذا التحقق االعتصامي ،ه
نق ه
وط ههر جوارحك من كل دنس ،وأزل رمد الغفلة من جفنك بكحل االنتباه ،وغب
ي عن مالحظة األشباه .بكليتك ف ه
صل هذا العلم الذي تلوناه عليك ،وأنزلناه إليك ،تضرع إلى ربهإن أردت أن تح ه
السماء في تحصيله ،
واسأل إله األسماء في أن يوفهقك على تفصيله ،وإياك أن تسأل منه الجمع فتعمى ،
وتحصل في دجنة ظلماء ،حيث ال ظل وال ماء ،
صل ،فتبقى الحيرة علىفإن معرفة التفصيل تجمع وتحصل ،ومعرفة الجمع ال تف ه
أصلها لما لم تتحقق بفصلها .
وقد نصحتك فأبلغت ،ودعوتك فأسمعت ،فأجب الداعي ،بالسمع الواعي .
فقد آن االندكاك ،وقرب الهالك ،وضاقت السماء باألمالك ،واالستواء باألفالك .
ي رقاب الجبابرة ،وعنت لقيوميتي وجوه األكاسرة .أنا الكعبة ؛ التي خضعت إل ه
كم تاج من على رأس صاحبه أسقطته ،وكم ثوب من على ظهره جردته ،من الذي
يجرؤ أن يدخل حرمي محال ،أو يتخذ بيتي محال .
163
ألم تروا إلى المتألهين حين رأوني قد زالت معالمهم ،وإلى األوابين قد انتقضت
عزائمهم ،وإلى األواهين قد انقضت صرائمهم .
أين التائه في حيرته ؟
والواجد في سكرته ،والهائم في غمرته ،والواله في نفرته ،والمناجي في صالته ،
والراتع في غلياته ،والمطمئن في إشاراته ،والموقن في آياته ،والبالغ في عباراته ،
والعارف في إشاراته ،والمتفنهن في كناياته .
لسر اختصصت به ما لهم إذا أبصروني ذهلوا ،وبالطواف بذاتي شغلوا ،هل ذاك هإال ه
على أبناء جنسي ،وأودعه الحق في نفسي .فكم يغار الرقيب ،وكم يروم أن يطفئ
هذا اللهيب ،من قلب كل حازم لبيب ،أسمعت القلوب اإللهية ندائي فتغاثت ،وأبديت
لها حجابي فطاشت ،وأسفرت لها عن ظاهر وجهي فتالشت .
فكيف لو تجلى لهذه القلوب من أسرار حسني المعنوي وجمالي العلوي ،وهي بهذه
المثابة والمكانة ،من المقام العلي ما عرفت رسوم ديار ،وال ندبت أطالل وال آثار ،
فاعتبروا أيها العارفون في جمالي ،وإقامتي على اعتدالي .
وإيهاك والغيرة أيهها الرقيب الحسود ،فإن حسرتها عليك تعود ،فجمالي مبذول لكل
عين ،وسحني متج هل في كل كون ،لما ه
تنزه أن يدرك ،وتعالى أن يملك ،لم أبال بما
ظهر منه للبشر ،فإنهم ما يقبلون سوى الحجر ،من رأيت قط منهم غاص في بهمته ،
وسار في كلمته ،ما منهم أحد يزيد على أن يستلم وينصرف ،ويعتدل ساعة ثم
ينحرف ،والعارف منهم غايته أن يقر بالعجز ويعترف .
ّللا عليه وسلم في بعض الحركات قد وقف عند يميني ،ّللا صلى هألم تر إلى رسول ه
وقال لبعض أصحابه " :ها هنا ينبغي أن تسكب العبرات " .رواه ابن خزيمة والحاكم
في المستدرك وابن ماجة في سننه .
ّللا قد
أترى ذلك سدى ،أترى مبلغ ذلك مدا ،فما لك والحيرة ولباسك رداء الغيرة ،ه
هتك ستري وأخفى عنهم سري ،فيدورون بمعاهدي على حكم العادة ،وغاية الحاضر
منهم طريق العبادة ،وال يلحظ أحد منهم ما تحصل له في معناه عند طوافه بي من
الزيادة .
أثبت الناموس األخشاب والناقوس ،وبئس الجاسوس ،الغراب أو الطاووس ،يتبع
فأف لها منليرى ،وحسد وافترى ،وأتى في حديثه بقاصمة الظهر ،وقارعة الدهر ،ه
غرة .
عسرة ،وتعسا لها من ه
أين هم من نعت الصادقين ،وصفة المخلصين ،حالة حوال ،وعين عورا ،دجال تائه
،على معنى يسير تافه ،بئست ألوهية ال تدوم سوى أربعين ليلة .
164
ويلها من حالة وويله ،ولكن مدح أيوب بالصبر ،وداود بالشكر .فترادفت البلوى ،
وقيل إياك والشكوى .
فتراني صابرة على دعواهم ،سامعة في كل حالة نجواهم ،قد سودوا يميني بخطاياهم
ه
ألصبرن على ما وّللا
،وكانت اليمين البيضاء ،وأبلوني وكنت الجديدة الغضا ،ه
المر في جنابه ،واستسهل الصعب رغبة في قضى ،حتى أحوز الرضا وأستعذب ه
اقترابه ،حتى أفوز وأجوز ،وأحصل وأحوز .
فديتك يا كعبة الحسن :
لقد وبهخت الرقباء ،وسفهت الحكماء ،وج ههلت العلماء ،وأعييت البلغاء ،طبت وطاب
ّللا وصبك ،وأراح تعبك .كالمك ،ودمت ودامت أيامك ،أذهب ه
والسالم المعاد عليك .
ّللا وبركاته .
ورحمة ه
سل بها عبد العليم إليها ونزل بها عليها - 3الرسالة االتحادية تو ّ
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
من عبد العليم محمد بن علي إلى كعبة الحسن ،وروضة المزن .سالم عليك ورحمة
ّللا وبركاته .
ه
ّللا األت هم ،والصالة على سيدنا محمد األقدم . أ هما بعد حمد ه
فإن سر االتحاد مجهول في األشباح ،معقول في األرواح ،إذا انضم الحبيبان في
الثوب الواحد ،وتالصق المتيمان بحكم الشاهد ،وتعانق الشكالن تعانق الالم واأللف ،
صا الريق ،فانحدرت السر الذي ال ينكشف ،وأداما التعنيق وامت ه ه وارتبطا على
رطوبته الشهية إلى المعدة الغيبية ،وامتزجت مع الرطوبات التي منها القبلية ،
ودفعتها إلى بيت الكبد ،المودع في الجسد ،واختلطت رطوبة ريق المعشوق بأجزاء
الدم ،وانتشرت بين الجلد واللحم ،وفي العروق .
فكانت منها حياة ذلك الجسد ،وعمارة ذلك البلد ،فإن روح الحياة بخار لطيف ،له
سريان شريف ،ينحل من رطوبة الدم ،وينتشر في جميع أجزاء الجسم ،به تكون
الحياة في هذه األشباح ،
وهو المعبر عنه باألرواح ،ومادته من االستنشاق الهوائي بالقوة الش هميهة ،لترويح
الحرارة التي في القلب الغريزية ،فلو ال هذا التبريد لوقع التبديد ،وكذلك إذا تنفس
الحبيبان مكافحة ،وتن ههدا مناوحة خرج مع ذلك التنفس شيء من نسيم الروح ،
فاختلط بأجزاء الهواء ،فدخل إلى خياشيمهما على السواء ،فسرى في أجسامهما علوا
وسفال سريان النور في البلور ،على طريق الرئة والحلقوم إلى القلب ،
165
والتحق بعالم الغيب ،فدب مع النبض والعروق الضوارب ،واختلط بالدم واللحم في
جميع المضارب ،فانعقد في بدن هذا ما تحلل من بدن هذا ،فصار له روحا ،والجسم
له ضريحا .
ولما كان الروح الذي هو الحياة أحب شيء لإلنسان ،فصار هذا المعشوق أحب شيء
إليه في األعيان ،التحاد أرواحهما في الجثمان ،وإلى هنا انتهى عقل العقالء ،ونظر
أهل المودة والصفاء ،وما قدر منهم أحد أن يزيد عليه معنى يحقق به قوله ودعواه ،
ّللا عليهم في المسألة إيضاحا ،وجعلنا له
فإن االعتراض منوط بفحواه ،فزدنا بحمد ه
اإلشارة عنه مفتاحا :
فاعلم أن النفس والريق إنما يجريان بحسب ما استقر في القلب استقرار االستفراغ ،
وانتهى فيه غاية البالغ ،فحينئذ يكون ما قالوه ،ويظهر ما أخبروا به وسطروه كما
حكي عن الحالج :إنه انكتب من دمه اسم المحبوب .
وكذلك زليخا :حين فصدت وقع دمها في الطست يوسف بن يعقوب .
فالذي يكون في القلب يتزايد كائنا ما كان حتى يذهب من األذهان .
ويا عجبا ! كيف غفل عن هذا المعنى أصحابنا وهم أهل تدقيق وتحقيق .
فهذا يا كعبة الحسن .
قد كان بيني وبينك فقد اتحدت أرواحنا ،لما تعانقت أشخاصنا ،أتذكر إذ لثمت يمينك
الغراء في الهاجرة ،وأنت لي كالمحبة الهاجرة ،فانفتح يمينك حتى التقم الشهادة
ه
التوحيدية من نفسي ،وزفرت عند ذلك فكاد يحرقك قبسي .
فالحمد هّلل الذي وحدني بك ووحدك بي ،وصرت مني كأمي من أبي ،هي ذاته وهي
أهله ،هي بعضه وهي كله ،لكن يا كعبة الحسن .
وفرق بين
ّللا سبحانه بلطيف حكمته ،وغريب صنعته ،خلق أعضاء تكليفك ،ه إن ه
لطيفك وكثيفك ،وجعل في كل كثيف أمرا ،وفي كل لطيف سرا ،فإن أبقيت نظامها
على الوضع اإللهي ،والتناسب الربهاني فأنت المالك ،وإن لم تجرها على وضعها ،
وخلطت بين ضرها ونفعها ،والتبس عليك تثنيتها بجمعها فأنت الهالك .
ى( [ ) 36القيامة . ] 36 : سان أ َ ْن يُتْ َر َك ُ
سد ً ب ِْ
اإل ْن ُ س ُ
هيهات أيَ ْح َ
وكأني بك قد بلغت المدى ،اجعل العالم شهداء لك ال عليك ،وشاردين من كل أحد
إليك ،عشقهم بذاتك عشق من الح له من ذلك علم النجاة ،وشوقهم إليك تشوق من
الحظ الفوز في تحصيل الدرجات ،فامتطى بعمالت األعمال ،ورقص به اْلل ،
وواصل البكور باْلصال ،رغبة في المشاهدة والوصال .
166
إيه يا قرة العين ،ويا حلب الكبد ،أصبحت مني كذراع من عضد ،أزعني سمعك ،
وهبني جمعك .
خرجنا يوما إلى السياحة في فلوات المعاني ،وتجردنا للسباحة في بحر المثاني ،فلقينا
قوما جدهوا للبغية ،وكدهوا لتحصيل المنية ،وتحلوا بأسنى حلية ،فتاهوا في تيه الخشية
،فنالوا الرضا باإلنضا ،
ّللا فتملكوا ،وقدهسوا
ّللا فأدركوا ،ونطقوا بذكر هوحازوا الجد بالجد ،نظروا بنور ه
نفوسهم من درن المخالفة ،فخولفوا وعاينوا ملكوت الحقيقة اإللهية فعموا فضوعفوا ،
واعتمدوا على قدم الصدق اليونسي فاطمأنوا ،
وامتألت جوانحهم بسرائر العشق فبدا عليهم ما أكنوا ،ترادفت عليهم المنن الربهانية
فلم تبق فيهم متسعا للطمع في غيرها فعصموا ،زهوا بخدمته بين عبيده لما اصطنعهم
عرجوا ،فنودوا لنفسه فحكموا ،خالط حب المنزل بشاشة قلوبهم ،فما عالجوا وال ه
فتلذذوا .
فقيل لهم :ادرجوا .فما درجوا .وا عجباه .
من مخالفة توجب قربا ،وحسنة موافقة تورث عتبا ،جاعوا فخصبوا ،حزنوا فلعبوا
،تمسكنوا حتى تمكنوا ،تملقوا حتى تحققوا ،توسلوا حتى تواصلوا ،و هحدوا حتى
اتحدوا ،أنسوا فلم يستوحشوا ،
استعملوا األقدام إليه ،فنزل بهم عليه ،فلما كشف لهم عن وجهه ،لم يروا سواهم فهم
العبيد والموالي ،واألسافل واألعالي ،نفسي الفداء لقلب يفهم ،أو سر يعلم ،للدهر
حوادث ومصائب ،وسهام ماضيات صوائب ،لكن منها سهام تبصر فتتقى ،
سي المكر فال تتوقى ،فموقع مثل هذا السهم ومنها سهام معنوية ترمى بها القلوب من ق ه
لذيذ في الحال ،فظيع المرارة في المآل ،
فإن سهام الرزايا إذا رمي بها عن قسي المكر ال يظهر فيها شيء من النكر ،فالحكم
للوقت ،فإما بالبخت ،وإما بالمقت ،شمس تدور ،وقضاء في ذلك الدوران يغور ،
تصاريف األقدار رساالت رسل الليل والنهار ،بياض وسواد ،شقاء وإسعاد ،رسوال
ّللا مقبولة ،ألنهما األمينان على كلأضداد ،البغية فيهما مجهولة ،وكلمتهما عند ه
ذات لما نصبت ،وهو القائم على كل نفس بما كسبت ،
فليل لجنهة في الدنيا والقصوى ،ونهار لسعير في اْلخرة واألولى هما اللذان يأتيان
بالكسب ،ويوبخان بالعتب ،ويستدرجان بالنعم المشوبة ،ويعرفان بأنها المطلوبة ،
فال تلتجي الستغنائها وتريد من موالها أن يحط بفنائها .
إلى هذا انتهى أمر هذه النفس الخسيسة ،الكريمة الرئيسة ،تأملت سر االتحاد في الليل
والنهار ،الليل هنا لباس وعذاب في دار البوار ،والنهار هنا عذاب ونعيم في دار
القرار ،والنفس في هذا كله الهية ،
167
ليس لها لما أورده عليها أذن واعية ،ما أسرع ما تلحقها الرزايا ،وتختلسها المنايا ،
وتحيط بها الباليا ،وتجرعها الغصص ،وتكون أشأم مفترض يفترس فلو عرفت
حقيقة نفسها ،لفرقت بين يومها وأمسها ،وعقلها وحسها .
أما علمت هذه النفس أن لها ثالث قوى في ست حضرات تتصرف تحت حكمها ،
وتمشي على مقتضى علمها ،قوة ناطقة حضرتها الدماغ ولها فيه منازل ،على عدد
النوازل ،يحفظها في اللفظ ،الخيال والفكر والحفظ ،
والخيال في مقدم الدماغ لتلقي المحسوسات ،والفكر في وسط الدماغ للتمييز والترجيح
في القضايا والحكومات ،والحفظ لصون ما حكم به الفكر في القضيات ،حتى تمس
الحاجة إليه فتلقيه بين يدي الحاكم ،هذا حكم له الزم ،فالفكر حاكم محقق ،والخيال
شاهد مصدهق ،والحفظ أمين موثهق .
تبرزت ،فهي السيدةفهذه القوة الناطقة بكمالها قد تميزت ،وفي صدر موكبها قد ه
السلطانة .
وأ ّما القوة الثانية فهي القوة الغضبية ،وحضرتها القلب ،ولهذا لها االسم الرب ،
وهي لهذه الناطقة أجناد االستعانة .
وأ ّما القوة الثالثة فهي القوة الشهوية ،وحضرتها الكبد ولهذا لها تدبير الجسد ،وهي
لهذه الناطقة رعية االستكانة .
فإذا جروا على ما أ ههلوا له بالح هد الموضوع ،والعهد المشروع ،والتصرف المعبودي
الحكمي فازوا وربحوا ،وإن عدلوا عن هذا الحد األمري ،إلى الحد اإلرادي ،ونزلوا
بالحكم االختياري ،اإللهي من جانب الغرض النفسي خابوا وخسروا
" فمن عرف نفسه عرف ربه "
ّللا فمن
َّللا ،فربي وإن كنت مع هَّللا عرف قلبه ،فكن مع الرب ال مع ّ ،ومن عرف ّ
كونه ربها ،فإن ذلك رحمي األبد ،ونعمى الخلد .
ثم لتعلم يا كعبة الحسن الفائق :أن في الوجود نكتة غابت عنها عقول كثيرة ،وعمي
عنها كل بصر وبصيرة ،وذلك أن اإلنسان إذا كان في شيء لم ير حقيقته ومعناه ،
وإذا صار عنه أجنبيا رآه ،والنفس إذا التبست بشهوتها وغرضها ،وتعشقت بعلهتها
ومرضها ،ال ترى سوء ما هي فيه ولهذا تصطنعه وتصطفيه .
سنا ً[ فاطر . ] 8 : قال تعالى موعدا ومبينا :أَفَ َم ْن ُز ِيهنَ لَهُ ُ
سو ُء َع َم ِل ِه فَ َرآهُ َح َ
فإذا كنت أنت المكلف يوما ما بذلك األمر سواك ،هل يستوي عندك من أطاعك فيه
ومن عصاك ،فإن أتى ما نهيته عنه أن يأتيه وتحاماه ،أو عصى ما أمرته به وأنت
تراه ،
هل كنت ترى فعله ذلك هإال عيبا عظيما ،وجرما جسيما ،وعدم احترام ،
168
وطرح احتشام ،وال سيما وأنت تعلم منه أنه يعلم أنك تراه ،ويتخاذل عليك ويجرؤ ،
وقد علم أنك فاضحه في أواله وأخراه .
فاستوجب عندك العقوبة أو العفو على حسب ما تريد به من عافيتك أو بالئك ،بما
سك وقلبك ،تسلطه عليه من أسمائك ،كذلك أنت مع ربهك ،في عالم ح ه
فانظر إلى ما يستقبحه الشرع فاجتنبه ،وإلى ما يستحسنه فبادر إليه وامتثله ،وال
يغرنهك غدهار ،مدخول النصيحة ه
غرار ،فعليك باتباع العلم ،
واالستسالم للشيخ فيما و هجه عليك من الحكم ،وطهارة النفس ومحاسن األخالق
وجميل الوفاق ،واقبل قولي ،وعد عن فعلي ،فإن العصمة مطلوبة إنما هي في
النطق ،وإيراد الحق ،على وجه الصدق ،فإني وإن عصيت فال آمر بالعصيان ،وإن
تخاذلت فال آمر بالخذالن ،فإن ذلك يرده اإليمان .
وهذه رسالة علمية عملية اتحدت ذاتها بصفاتها ،وغاب نورها في ظلماتها ،روحها
في جسدها مستور ،وظالمها قد احتوى على النور ،فمن انسلخ من هذه السدفة ،
وصعد أعلى الغرفة ،رأى النور يسري في فلكه وزمامه بيد ملكه ،فتشرق عليه
األنوار ،وتتهتك له األستار ،وتبرز له األسرار .
ّللا وإيهاك يا كعبة الحسن م همن علم فعمل ،وسافر فوصل ،وأحب فبلغ الغاية
جعلنا ه
واألمل ،بمنهه ،والسالم المعاد عليك .ورحمة ه
ّللا وبركاته .
- 4الرسالة السريانية توسل بها عبد الشكور إليها ونزل بها عليها
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِبِ ْ
من عبد الشكور محمد بن علي إلى كعبة الحسن ،وروضة المزن سالم عليك ورحمة
ّللا الذي كلهم موسى تكليما ،وصلى ه
ّللا على سيدنا محمد ّللا وبركاته .أ هما بعد حمد ه
ه
وعلى آله وسلهم تسليما .
فإن القانص خرج يبتغي صيدا ،وقد أبطن له كيدا ،فأرسل على الصيد نداه ،فأجابه
فر ،
صداه ،فواجه صداه صيده ،وما عرف أنه أبطن له فيه كيده ،فرجع إلى مأمنه ه
فوقع في الحبالة وتوسطها فكأنه فيها بدر أحاطت به هالة ،هكذا فعل الحق في شرعك
سرك ،فأجابه الصدا :من شرعك . ،مع أصل وضعك ،ناداك في ه
سرك ،فوقعت في يد ربك ،فأخذك وقيهدك وسدهدك ،هل ففررت أمام الخطاب إلى ه
فعل هذا هإال لحبه فيه ،فيجتبيك ،ويصطفيك ،ولهذا أشار من ليس في إشارته مفتون
" استفت قلبك ولو أفتاك المفتون ".
"" رواه الدارمي في سننه وأحمد في المسند ويقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :
" يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك " ثالث مرات " البر ما اطمأنت إليه النفس
واإلثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " "".
169
فلما قيهدك بالمودة ،وأخذ عليك العهدة ،أضرم نار الشوق إليه ،في صدرك ،ورفع
لك عنده أعالم قدرك ،ولطف سرك ،البتغاء أمرك ،ووضع وزرك لخفة ظهرك ،
وشرح صدرك لرفيع ذكرك ،وسخر لك البالد والعباد ،
وخرق لك في سرائرك المعتاد ،وقيض لك في كل وجهة المراد ،وأراك غايات
الحاالت ،ورفع الستر بينك وبين ما فيك من اْليات ،
وقال لك أنت التاج ومن سواك النعل ،وأنت الفاعل ومن سواك الفعل ،فكنت السميعة
المطيعة ،فلم تتخذ الشكوى موطنا ،وال تجنيت على من أحبك مخلصا ،وما تكاسلت
عن بلوغ األمد األقصى ،الستشرافك عليه من منازل األقصا ،
أرغبت في سعادة األبد ،فزهدت في كل أحد ،لبست حالة صحيحة سوية ،وثقة
خريتا ،
محكمة قوية ،وعادة صالحة مرضية ،وقارنت عالما ّ
خريتا لشقه المفازة "" .
الخريت :الدليل الحاذق بالداللة . .وإنما سمي ه
ّ ""
وهمة عالية ،ويقينا جزما فثبتك تثبيتا ،اعتصمت من الفتن الغالبة ،وعزمت عزائم
أهل الهمم قاطبة .
فأنت الروضة الغنهاء ،والسماء الزهراء ،وثبت على األمور الهائلة وثبة األسد
الضاري ،وألفت المفاوز في طلب المفاوز والبراري ،اعتبرت صحيحا ،فوجدت
الخطيب فصيحا ،والواعظ نصيحا حننت عند الغروب ،حنين الغريب ،
ألقيت أمرك بيد األمر فاسترحت ،وجثثت بين يديه وما برحت ،تصرفت عليك
ضروب التحكيم ،فقابلتها بالتفويض والتسليم ،تنزهت لما تنزهت ،وتقدست لما
تدنست ،وانتسبت كل حقيقة منك إلى اسمها ،
فوقفت على حقيقة رسمها ،هذا طربك على الغيب بآلة السماع ،فكيف حالك بالقرب
والكشف واالستمتاع ،خفيت اإلشارات في العبارات ،
واندرجت الغيابات في الحكايات ،وأل هم المرض فعظمت الكربات ،وطالت الوحشة
فتضاعفت الحسرات ،وتوالى الوجد فترادفت الزفرات ،التفت الغريب إلى وطنه فحن
وتذكر مشهدا كان له به ،
وّللا قلب تاه
فإن نظر إلى بواره في غربته وخساره ،وهالكه في غيبته ودماره ،هلك ه
بين الصدر والورد ،ونفس جالت بين البغض والود .
عجبت لناصح غش ولمالك أهلك ولمصلح أفسد ،ولعزيز آذى ،ولقوي كاد ،معاملة
ال يقتضها منصبهم ،وال يرتضيها حسبهم ،ولكن ثم رموز وأسرار ،غطى عليها
ورها َوت َ ْقواها ( [) 8الشمس ]7،8 :س اواها ( ) 7فَأ َ ْل َه َمها فُ ُج َإقرار وإنكار َونَ ْف ٍس َوما َ
.
من لم يصل إليك هإال بك فأنت أوصلته ،وما وصل ،ومن انفصل عنك لك فأنت
ْت َول ِك ان ا َ
ّللا َرمى"[ األنفال . ] 17 : ْت إِ ْذ َر َمي َ
فصلته ،وما انفصل " َوما َر َمي َ
فاألصم هو السميع ،والبصير هو األعمى ،حكم الحاكم العالم ،متى أدبر النهار من
هاهنا ،وأقبل الليل من هاهنا ،وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ،
170
واغتمت الظلمة فاستترت العوالم ،فبقيت تخبط بغير دليل ،وال رؤية سبيل ،وال قمر
يبدو ،وال حاد يحدو ،ويلي عليك وويلي منك ،يا رجل ال راحة معك ،وال راحة
دونك ،يا أمل .
هيهات حق وجب ،ورهن غلق ،وشمل تصدهع ،وعقل حار ،وقدم زلقت ،وعدم
ثبت ،وسقوط حصل ،ولم تبق هإال صبابة ،ويعرف اإلنسان ما أصابه ،
وفي تلك الصبابة جماع األمر ومالكه ،وقوام الشيء وهالكه ،فهي لما عمل فيها ،
وهي لمن يصطفيها ،وعلى من يزدريها ،
وقد علمت أن الحق قال ألبي يزيد ،وقد توسط بحر االضطرار ،وطاش لبهه وحار ،
ي ؛ الذلة واالفتقار . ي بما ليس ل ه
تقرب إل ه
ه
ثم ضاعف له المقال في الحال :اترك نفسك وتعال .فاضرع إليه بأسمائك ،والجأ إليه
ببالئك ،فإن خلعته عليك أسماؤه ،ومنزلتك عنده أنباؤه ،فإذا دخلت عليه بخلعته فماذا
يخلع عليك ،
وإذا نظرت إليه به فكيف ينظر إليك ،ال يصح أن يجرد عنك خلعته ،وقد لبستها
مسروقة ،واتخذتها معشوقة ،وتخيلت أنك بها تنجو ،ولذلك كنت ترجو .هأال تراه
يز ْال َك ِري ُم ( [) 49الدخان . ] 49 :
ت ْالعَ ِز ُيناديك في عذاب الجحيم :ذُ ْق ِإنا َك أ َ ْن َ
فلو خلعها عليك بنفسه ،ألمنت من بأسه ،فعدهد عليه نعمه ،وو هجه إليه كلمه ،وقل له
في غياهب الدياجي المظلمة باأللسن المعربة والمعجمة :
بوء اللطيف . -يا ألف التأليف - ،يا باء الت ه ه
-يا جيم الجود المطلق - ،يا دال الدالل المحقق .
-يا هاء الهوية الغربية - ،يا واو الوصية القريبة .
-يا زاي الزيادة المطلوبة - ،يا حاء الحبهة المحبوبة .
-يا طاء الطوية الثابتة - ،يا ياء اليتيمة الفائتة .
-يا كاف الكمال الذي ال ينقص - ،يا الم اللوم الذي ال ينغص .
-يا ميم المجد الذي ال يدانى - ،يا نون النور الذي يتوارى .
-يا صاد الصدق الذي ال يقصد - ،يا عين العين الذي ال يشهد .
-يا فاء الفال النبوي - ،يا ضاد الضرب الوحي .
-يا قاف القوة التي ال ترد - ،يا راء الرؤية التي ال تحد .
-يا سين السناء الذي ال يسفل - ،يا تاء التمام الذي ال يفصل .
-يا ثاء الثبات الذي ال يتزلزل - ،يا خاء الخيف الذي قد تسهل .
-يا ذال الذلة المعبهدة - ،يا ظاء الظالالت الممددة .
-يا غين الغان العاصم - ،يا شين الشوب القاصم .
171
تعريني ثوب اإليمان بعد ما كسوتنيه ،أتسلبني اإلحسان بعد ما وهبتنيه ،ما
أتراك ه
أنت عندي من أهل البدا ،وال أعتقد ذلك فيك أبدا ،كم طال عذابي بالمطال ،حتى
صال فؤادي بالوصال ،كنت لي هاديا فتبعتك ،وحاديا فما سبقتك ،
غنيت لي بالقرآن فسمعت ،فوجدت ،فزهزهت ،وخولطت فتأوهت ،فطلبت الخروج
إليك من هذا التركيب ،فجذبتني فيه ،فنظرت فإذا بالحبيب ،أأثرا بعد عيان ،أكفرا
بعد إيمان .
عجبا لنشأة إلهية ،مثلية ،ملكية ،بشرية ،علوية ،سفلية ،تدرج بين عافية ،وعلة ،
وكثرة وقلة .
يا كعبة الحسن فديت من يسمع ،فديت من يتطلع ،أعطاك قبل أن تسأله فكيف يردك
إذا سألته ،أدناك قبل أن تطلبه فكيف يردهك إذا طلبته ،هذه مناجاة المحجوب عن
حقائق المطلوب .
وّللا ،يا كعبة الحسن ألمي ،ل هما جهل في العلم ثبوت قدمي ، اشت هد ،ه
واحد يقول :سألته في مسألة إلهية فالزم الخلوة لها ،حتى يمهد الحق له سبلها ،وآخر
يعضده على ذلك أمرا حتما ،ويحتج بقوله َ :وقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً[ طه . ] 114 :
أترى هؤالء عرفوني ،ولو صحبوني مدى أعمارهم هل تراهم صحبوني ،فال مراتب
العلم عرفوا ،وال الحال على ما هي وصفوا ،الصنف الذي يطلب الزيادة فيه معلوم ،
والصنف الذي ال يطلب الزيادة فيه مفهوم ،ه
هال نظر إلى السائل وعقله ،ومرتبته في
علمه ،وأين هو في المراتب ؟
وأي مذنب سلك من هذه المذانب ،لو اجتمع الخلق من أولهم إلى آخرهم أن يسألوني
ما أخذت لسؤالهم خلوة ،فإن سؤال الخلوات على سؤال الحق موقوف ،لما يطرأ في
السر من موارد الغيب المعروف ،
ه
وما الكون حتى يضطرني ،وما العالم حتى يزعجني ،أتزل بي القدم ،عند رؤية هذا
العدم ،إنها هّلل على قلوب حجبت بأغراضها ،وقيهدت بأمراضها ،فقاست غيرها عليها
،وتخيلت أن هذا حق وصل إليها .
سر أبثهه إليك ،وأتلوه عليك ،معلوم أنه أعطى قبل السؤال ،ثم
يا كعبة الحسن :هذا ه
رد السؤال ،وما ردهه عندنا بطائل ،ألن الحقائق شتهى منها أين ومتى ،وشيخ وفتى ،
ومقرب ومبعود ،ومشهود ومطرود ،وموافقة مكان ،ومقارنة زمان ،وتحصيل اسم
على مسماه ،
قلت :يا رب .فقال :لم يصل الوقت .
قلت :يا إلهي .فقال :لم يصح الشرط .
172
الدعاء من القضاء يرد القضاء .
ذكره إيهاك تعريفا وتشريفا ،فانظر بماذا يذكرك كنايته عنك تقريعا وترفيعا ،فانظر
بما يكنى عنك ،ال يغرنك سماع الخطاب ،وال رفع الحجاب ،
تسر ،رفع حجاب العافية فنزل البالء ،
وإنما تغتر بما يبدو لك منهما ،فإ هما تساء وإ هما ه
ورفع حجاب البالء فنزلت العافية ،
فكل واحد منهما حجاب اْلخر محجوبه ،ورب اْلخر مربوبه ،كن غيبا في شهوده ،
وخبرا في عيانه ،وعناء في راحته ،
وعلة في شفائه ،وجهال في علمه ،وفقرا في غناه ،ومهجورا في مواصلته ،
ومستوحشا في مؤانسته ،وجموحا في إذالله ،وعقوال في لطفه .
ّللا لما أراد الخير بك يا كعبة الحسن عرف بيني وبينك ،وأشهدك عيني
واجهد فإن ه
وأشهدني عينك ،وحركني إليك ،وأنزلني عليك ،وعشقني بجمالك ،وهيمني في
داللك ،ولست ممن يحيل هذا وأنت الخابرة .
أما تراني أطوف بمعاهدك ،وأجري على مقاصدك ،فإذا أكملت األسبوع ،بادرت
إلى الركوع ،وال أنصرف قط عنك هإال عن أمرك ،فأنت المنصرفة ال أنا ،وأنت
المستريحة وأنا المعنهى :
إذا تر ّحلت عن قوم وقد قدروا ّ ....أال تفارقهم فالراحلون هم
"" هذا البيت للمتنبي ""
173
وال تحجبنك الظلمات ،فإن الفجر قد طلعت منازله ،والصبح قد الحت دالئله ،والليل
قد انقضت مناهله ،
وهذه الشمس قد بدا حجابها فأشرق ،وأبدى ما كان خفي من الحق ،وفتح باب كان
باألمس مغلقا ،وفرج أمر كان قبيل ذلك مطبقا .
والمنادي على األعراف صائح ،والسبيل بين يديه واضح .
ّللا ،ويا حادي الالهي .والصوت في الجو عال ،والدف يجيبه في الحال ،يا داعي ه
لمروق قد
أما ترى مجلس السرور قد احتفل ،ووجه غالم الزمان قد بقل ،والشراب ا ه
مزج بالتسنيم ،والنعيم قد ورد على النعيم ،والنديم يغازل النديم ،والحميم يناجيه
الحميم ،
وجالسه ،وأسرار أهله والمدير قد ش همر عن معصمه ،ودار بكأسه على ندمائه
المجلس متناغية ،وسوق المهرجان قد قام على ساقه ،والسماع في ارتفاع ،والتواجد
مطابقا لإليقاع ،واأليدي مبسوطة إلى المدير ،والعيون ناظرة إلى وجهه المنير ،
والمسمع فصيح ،والمحل فسيح ،والعاشق قد أعلن بالتشريح ،وتمثل بقلب طروب
من الكتمان جريح ،
وقل :
سرا إذا أمكن الجهر
أال فاسقنى خمرا وقل لى هي الخمر ...وال تسقنى ّ
وبح باسم من تهوى ودعنى عن الكنى ...فال خير في اللّذّات من دونها ستر
"" البيتين ألبي نواس ""
والفناء رحب ،والرقيب مبعود ،والحبيب مشهود ،والباب مقفل ،والستر مسدل ،
والعين تنهل ،والروض يعطي عرفه ونشره ،والدهر يريك طالقة وجهه وبشره ،
والسعد يساعدك ،واْلمال تناشدك ،واألمن يؤانسك .
فعندما يسمع مقالته ،يحمد حالته ،ويعلم الداعي أن الذي دعاهم إليه قد وصلوا إليه
قبله ،فيبقى يبحث كيف العلهة ،ومن لي بتدبير هذه العلة .
ّللا خمسين سنة ثم رجعت إليه فوجدتهم قد كما قال أبو يزيد :دعوت الخلق إلى ه
سبقوني .
ّللا عليه وسلم فيّللا عنه لسيدنا محمد صلى ه هكذا ذكر ،ومسابقة « بالل » رضي ه
الجنة ،وهو خير البشر ،فحقق يا كعبة الحسن هذه المسابقة وانظر في هذه المطابقة
،وعليك بمثل هذه الموافقة .
ي محبوب فعل هذا قبلك ،ما سمعت سك ،أ ه وهبتني نفسك ،وأهديت لي غيبك وح ه
بمعشوق صدر منه مثل هذا مع محبة مثلك .
وسرك المكتوم .
ه أبحت لي ريقك المختوم ،
أنت فردية الوجود الكوني ،أنت على خلق الموجود اإللهي ،لم تتخذ بوابا ،وال
أسدلت حجابا ،تأتي إلى من يحبك قبل أن يأتي إليك ،وتحضر بين يديه ،وهو أولى
بالحضور بين يديك ،تخدمه بكلهيتك ،وتجود عليه بنفسيتك ،
174
ي من قبل ما الذيي ابتداء ،ما الذي كان يأتي إليك ،لوال ما نزلت عل هلوال ما أتيت إل ه
كان ينزل بي عليك ،فلك الطول والفضل ،ولك األمر من قبل ومن بعد .قامت لك
البينة ،وإن كنت لم أنكر ،
ي الحجة البالغة وأنا المقر ،اعترفنا بأنك الواحدة في شأنك ،والفريدة
وصحت لك عل ه
في زمانك ،وغير زمانك ،ذكرت قبل كونك ،وعشقت عند وجود عينك .
ما أحسن مقلتك النجال ،وأبهى منظرك األجلى ،ما أعذب شفتك اللميا ،ما أصلح
وجهك األقمر ،ما أينع خدهك األزهر ،ما أنور جبينك الوضاح ،ما أزهرك بين
المالح ،ما أبلغك بين البلغاء ،ما أخطبك بين الخطباء ،
ّللا ومتعك
ما أشهى ذلك الثغر البرود ،ما أجمل في وجناتك ذلك التوريد ،متعني ه
بجمالك ،وال زالت األفواه تقبهل يمين بجاللك ،والنفوس تلتزم ملتزم بابك ،وتستجير
بمستجار جنابك ،وتجود عند ميزاب جودك .
ويذهل حجرها عند دخول حجرك ،وتقوم عند مشاهدة مقامك ،وتزمزم عند مشرب
زمزمك ،وتنحطم عند مجاورة حطيمك.
تاّلل لوال حذري أن أفقد عينك ،وخوفي أن يحال بيني وبينك ،لهتكت للعالمين أستاركه
،وأعلنت لهم أسرارك ،وأعربت لهم معجمك ،وأوضحت لهم مبهمك .
ّللا عليه من المحامد في المحاضر ،وقمت خطيبا برفيع وأفصحت لهم بما جبلك ه
مناصبك ومشاهدك في المنابر ،مما لم يرد به نقل ،وال وسعه عقل ،حتى يحار
الناس في تكييفك ،ويذهلون في لطائف لطيفك ،ومعارف كثيفك ،وإنما القلوب
محجوبة باألهواء ،وأنت المساعدة لهم في هذا العماء ،
فلو انقضت منك إذا حيل بي دونك أحجارك وتهتكت أستارك ،وعصيت العالم أجمع ،
لكنت في شأنك الخطيب المصقع ،وغرضي في إدامة مجالستك مذاهلتي لمؤانستك ،
ال زالت أعالمك مرفوعة ،وأقوالك مسموعة ،وأوامرك مطاعة ،وأسرارك عندي
مذاعة .
ّللا تعالى وبركاته .
والسالم عليك معادا مردهدا ورحمة ه
سل بها عبد البصير إليها ونزل بها عليها - 5الرسالة المشهدية تو ّ
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
من عبد البصير ،محمد بن علي ،إلى كعبة الحسن ،وروضة المزن .سالم عليك
ّللا وبركاته .
ورحمة ه
أ هما بعد
175
حمدا هّلل المشهود بكل عيان ،والصالة على سيدنا محمد المبعوث إلى اإلنس والجان .
فإن مشاهدة المحبوب هي البغية والمطلوب ،وهي أعز موجود ،وأصعب مفقود .
176
فاعتبروا يا أولي األبصار ،ويا أهل الفكر واالستبصار ،في هذا األمر الكبار ،وكيف
اجتمع األوار والدمع المدرار .
وَّللا غايتي وعمادي
يا هالال بين الجوانح بادي ....أنت ّ
أنت أنسي ووحشتي وحياتي ....ومماتي ،وفي يديك قيادي
سري ،وأنت جهري وبعضي ....أنت كلّي وناظري وفؤادي أنت ّ
الرقادي
أنت صيّرتني حزينا ذليال ....ساهرا ال أذوق طعم ّ
هائما في سباسب مهلكات ....نازال من ربا إلى بطن وادي
نفسي لك الفداء يا كعبة الحسن :
رأيت العارفين قد رموني بمحبتك ،وهي شرفي ومجدي ،وعيهرني المحققون
وّللا عن إدراك ما
بالتضرع إليك ،والطواف بربعك ،وفيهما حياتي وسعدي .عموا ه
ّللا فيك من الحقائق .وجهلوا امتداد ما بيننا من الرقائق .
أودع ه
فالحمد هّلل الذي جعل مصلحتي في رضاك ،وسعادتي في قضائك ،وزوى عني روح
حياتي بمشاهدتك ،وصفهاني من كدر الهوى بموافقتك ومساعدتك ،خسر من لم يمتثل
سرك .أمرك وال خاطب ه
أيها العاذل :أما تمل ،أما علمت أنه قد سبق السيف العذل ،ولوال لزومي مغناها ،
وتعشقي بحسنها ومعناها ،ولثمي مقبلها البرود ،وقطفي ورد تلك الخدود ،وتعلقي
بداللها وأردانها وتعشقي بحسنها البديع ،وإحسانها ،وتصفحي آثار الربوبية في
نشأتها ومالحظتي سر القيومية في بدأتها ،ونظري معنى األلوهية في صورتها ،
وشهودي أحكام العالمية في سيرتها ،لما كنت من العزة بحيث ال تبلغني ،ومن الرفعة
والتنزيه بحيث ال تعرفني.
ي وإنه لقسم عظيم ،عند كل ذي عقل سليم . ه
وعزة حياتها عل ه
اطلعت أيهها العاذل على المقام الذي حصل لي من وجدي بها ،وعشقي فيها ، لو ه
ّللا الذي أبقى عليك إيمانك بستريالتخذتني ربها معبودا ،ومولى مقصودا ،فاحمد ه
ي فهو الذي أهلك النصارى في المسيح، ي ،ونظرك بالعين السليمة إل ه بعدم اطالعك عل ه
ورمى بهم في المهامه الفيح.
ّللا الذي عشق إليكما أفرحني أيها العذول بجهلك بمقداري ،فإن فيه سعادتك ،فاحمد ه
عادتك.
وحياة الحب لو اطلعت من كعبة الحسن على ما اطلعت ،وسمعت منها السحر الذي
سمعت ،لكنت حبرا من األحبار ،يتحدث بك في جميع األمصار ،تسامر بك السمراء
ملوكها ،وتنظم بك الغواني سلوكها ،وتحدى بك الركائب ،ويستعان بك على قطع
السباسب ،وكنت ال تسعك محجة ،وال تقوم ألحد عليك حجة .
177
فأنت أيها العاذل المحروم السعيد ،وأنت الميت الشهيد ،جمعت بين الحياة والموت ،
والفوز والفوت ،إلى متى أيها الرقيب أنت يقظان ؟
إلى متى أيها العاذل أنت في أمري حيران .من أجل ما بلى الجفون وسنان ،مائس
األعطاف سكران .
اشتغل بإحصاء أنفاسك عن أنفاسي ،وبتعديل أمراسك عن أمراسي ،
( فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ) ،فال تكن بالناسي ،هبك شقيت أنا على
زعمك ما تحصل لك من شفائي ،هبك تعنيت ماذا في يديك من عنائي .
وّللا كشف البال ،
ألم تعلم أن كل إنسان مسؤول عن نفسه دون أبناء جنسه ،قد ه
وكذبت اْلمال ،وقل الصديق وتعذر الصديق ،وذهبت السيئات بالحسنات ،
والمخالفات بالموافقات ،والطبع بالشرع ،والقواصم بالعواصم ،والدواهي بالنواهي ،
فال فاهية تزيل داهية ،وال عاصمة ترفع قاصمة ،وال شرع يذهب طبعا ،وال حسنة
تمحو سيئة .
تضاعفت البلوى بحمل هذا العبء ،واستترت الشكوى بدوام هذا الخبء ،حمل فادح
على القريب والنازح ،وال معين وال معين ،وال صافي وال مصافي ،وال من يريد
تخليصي وإنصافي .
يا كعبة الحسن :أورث وسواسك الوسواس ،وع هم بالؤك جميع الناس .بيوت تنهب ،
وقلوب تلهب ،ونار تضرم ،وأنفال تقسم ،وداهية دهيا ،ولجة عميا .
ص ِر[ النحل ] 77 :وهذا نحس سا َع ِة ِإ اال َكلَ ْمحِ ْالبَ َ
وأمر َوما أ َ ْم ُر ال ا
ه كالساعة بل أدهى
دائم مستمر .
يا كعبة الحسن :فدتك نفسي من كل مكروه ،وأنهى لنفسي أن تفاديك ،اسمع خطابي
ي بيني ،وأتردد ور هد على جوابي ،وما قنعت مني إذ رميتني عني فأنا أشكو مني إل ه
فيما بيني وبيني .
ي ألم أكن لي حديقة لما جلت ،وملعب أنس لما زلت . يا أنا لم بخلت عل ه
ي ليس لي دعوة في أمر ،ولكني منهي تحت ستر ،وجدي إنما ال جرم أن ما أدعو إل ه
ي ،وولهي إنما هو بي ،ففي أهلك ،ولي أملك ، ي ،وعشقي إنما هو ف ه هو عل ه
فأنا المحب والمحبوب ،وأنا الطالب والمطلوب ،وأنا العاشق والمعشوق ،وأنا طالب
الحق الذي توجهت على الحقوق ،فانصفني يا أنا مني ،فقد ترجمت لي عني .
تقدهست هذه المطالبة عن البينونة ،وجلهت عن الكينونة ،لما فيها من االتحاد في أصل
اإليجاد أال وإن الموجد المحقق إذا عرج في معارج الحقائق وحصل ضربا من
مكاشفات اتحاد الرقائق والدقائق ،وصحا بعد ما سكر ،ونشر بعد ما قبر .
ال بد من مالزمة األدب ،وتباين الرتب ،ومعرفة النسب ،والوقوف عند العلة
والسبب ،فإن الجمجمة في الجمجمة ،والهمهمة في الحمحمة .
"" الجمجمة :الكالم المخفي في الصدر .والجمجمة :عظم الرأس .
والهمهمة :الكالم الخفي وقيل تردد الزئير في الصدر من الهم والحزن .
178
عر الفرس حين يقصر في الصهيل .والحمحمة :ه
وقال األزهري :حكاية صوت الفرس إذا طلب العلف ،أو رأى صاحبه الذي كان ألفه
واستأنس به "" .
وفي معرفة اختالف اللغات ،دليل على عموم المخاطبات ،فما من رسول هإال وأرسل
بلسان قومه .
هإال من أوتي جوامع الكلم من يومه ،وأخذها وارثه في نومه .
ومعرفتها على اإلبهام داء عضال ،وهي مسألة فيها عظيم إشكال ،كلما قيل لك في
لغة هذا ليس لك ،
فانظر اللغة األخرى تقول هو لك ،فإن لم تعرف موارد اللغات ،بقيت للحيرة في
سكرات ،وخضت في بحار الغمرات ،وأحرقتك السبحات ،وأدهاك إلى ما أرداك
وعرج بك عن سبيل هداك ،
َّللا االستدراج وال تقل :وأي منزلة فوق التاج .
واحذر من ّ
هو ح هد االستواء ،فوق العرش والسماء ،ما أسرع ما يصير لألفراس نعاال ،وللرحى
ثقاال ،فعليك بالذوبان في رضى الرحمان ،
فعن قريب تنحل من عالم التلفيق ،وتلحق بالمنظر األنيق ،الذي هو تحفة الواصلين ،
وغاية الطالبين ،وأنس المستوحشين وأمن الخائفين ،وراحة المجتهدين ،ورحمة
المغتنمين ،ومنية القاصدين ،وسر العارفين ،وعلم العالمين ،وعلم المتسابقين
وحكمة الحكماء الفاصلين .
وّللا اختراق واحتراق ،وتجرع السموم القاتلة ،ومعانقة الرزايا الشاملة ،
يعز هولكن ه
والتجافي عن الفرش المرفوعة ،والزهد في المنازل الرفيعة ،والمسابقة في األعمال
،والمسارعة إلى مرضاة الحق ،الذي تنقطع دونها رقاب األجناد من الرجال ،وبذل
الذخائر النفيسة ،وزوال رياسة هذه النفس الرئيسة ،حينئذ ينال ما ذكرناه ،وتنعم بما
سطرناه .
نعم يا كعبة الحسن :نفسي الفداء لسر يفهم ما أقول ،ويعلم ما أورده من حقائق
الوصول .
واحر قلباه من وجد متلف ،ومعنى جليل مشرف . ّ
وا أسفاه على ما لطف من الحال ،وا شوقاه إلى ما ه
رق من الخيال .
هل من عارف طريف يفهم إشاراتي ؟ !
هل من واصل عفيف أطلعه على ما وراء ستاراتي ؟ !
ي ذي ه همة شريف أجعل بين يديه عباراتي ؟ ! هل من ذك ه
القطان ،وخلت األوطان ،فال نادب وال مندوب ،وال طالب وال مطلوب ،هلكت ه راح
اإلضافات ،وبقيت الخرافات .
179
فيها ماج الناس ،وبها عظم الوسواس .فهذا زمان التعوذ واتخاذ التمائم ،وأوان
الرقى واستعمال العزائم .
قوة وال جمعا ،
فإن الرديء قد ط هم ،وبالءه قد ع هم ،اللهم ال نملك ضرا وال نفعا ،وال ه
أنكر علينا األخبار عنك واإلشارة إليك ،وحسدنا على ما وهبتنا من الحكم ،وأسبغت
علينا من النعم ،وأرجوك دافعا ومعينا ،وظهيرا وال أرجو سواك .
فأنت مالك األمالك .
فاحفظ يا كعبة الحسن هذه الوسيلة .وكن الحامي لها والوصيلة فإنك تحمد متقلبها ،
وتشكر سعيها ومذهبها .ولو بعد حين والحمد هّلل رب العالمين .
وقد أبنت لك في هذه الرسالة من الرموز واألسرار ما إذا تصفحتها تبحرت جداولك ،
ّللا إحسانك وال أخلى مكانك
واتسعت مضايقك ،وطاب عيشك ،واعتز عرشك ،أدام ه
بمنهه ،ال ربه غيره .
ّللا وبركاته .
والسالم المعاد عليك ورحمة ه
- 6الرسالة الفردوسية توسل بها عبد السميع إليها ونزل بها عليها
الر ِح ِيم
من هالرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
من عبد السميع محمد بن علي إلى كعبة الحسن ،وروضة المزن سالم عليك ورحمة
ّللا وبركاته .ه
ّللا المناجى بكل لسان ،والصالة على سيدنا محمد في كل أوان ،فإن أ هما بعد فالحمد ه
الراحة والبلوى ،والشكر والشكوى أحوال تعطي بحقائقها الكمال ،وتجعل من قامت ه
به برزخا بين األنوار والطالل وذلك هو االعتدال الوهمي ،ال أنه الوجود العيني ،
فإن الضدهين غير حاصلين في وحيد العين ،ونحن نتكلم في الواحد بما يعطيه الغائب
والشاهد ،ولكن تستخرج مواليد الحقائق أنفسها من ظلم المشئمة ،وتميز بين صفات
الميمنة منها ،وبين صفات المشئمة ،وإن اتصفت بالصفتين في وقتين أو محلين ،
وليس غير هذين حتى تقيم الحمدين ،وتنطق بالثناءين على رأس النجدين فيقول في
سرائها :الحمد هّلل المنعم المتفضل ،
ه
وتقول في ضرائها :الحمد هّلل على كل حال ،لكن في زمانين مختلفين ،أو في محلين
متجاورين ،أو متباينين ،يكونان ملكا تحت حيطتها ،ودائرة على نقطتها .
ي ،وأوقفني منك علىفاعلم يا كعبة الحسن :أن الحق أوصلني فيك إلى مقام إل ه
موقف إنهي ،لم أطالع فيه سوى الرحمة المطلقة والكرامة ،ولم أعاين فيه غير
ي اليدان ،والتحمت األباعد باألدان ،وجنىالسرور الذي ال تلحقه ندامة ،وامتدت إل ه
الجنتين دان ،وانعطف اْلخر على أوله وانتظم األبد بأزله ،ومتى وجد هذه الحالة من
وجدها ذهب عينه في المحاق ،وانعدم فصله عند هذا االتساق .
180
ولما رأيت المعرفة بنفسي قائمة ،وكلماتي بالذكر الحكيم ناطقة ،والقلب إلى الوحدانية
منتهض ،والفؤاد في وسط سبيل اليقين معترض ،
والسر بما يجده من العشق ثابت ،وغصن حقيقتي في روضة شرعه نابت والروح
تواقة إلى االتصال ،والجوارح مستمرة على األعمال ،والوجود متطلع إليها بالمغفرة
،ووجدها تسعى له باإلحسان والتذكرة ،والحرارة في الكبد تمدها الصبابة فيعلو
حنينها ،والحياة لم تبق منها هإال صبابة ،حتى ما يكاد يسمع أنينها ،والمضمار قد
ضمرت له العتاق ،وقد دخلت معهم في السباق ،
لما رفعت لها األعالم ،وأيقنت بذهاب األيام ،فحرت في االنسالخ منها ،والنزوح
عنها ،وهذا سباق ال يصبر عليه هإال رحب اللباب ،واسع النفس خفيف الحاذ ،أشم
القذال كبير الهمة ،سريع االنتهاض ،زاهد في الخلوة الخضرة راغب في الدار
اْلخرة .
فبعدما سرد هذا الخبر ،ونظمت هذه الدرر ،قلت قد أبلغت الرسل ،ومهدت السبل ،
وأبلغ في األعذار رسول اإلنذار ،ونصبت الدالالت والعالمات ،وأظهرت اْليات
ي من ألطافه العميمة الوارفة
ي من النعم الجسيمة ،وأسبغ عل ه
والكرامات ،بما ظهر عل ه
الظالل ،النيهرة الليال .
هذا قد جمع لك بين الحسنيين وأعطاك لذة النظرتين ،ومنحك سر الشهوتين ،وأبرز
لعينك ما سطرته األقالم في األلواح ،وأفادته األجسام لألرواح ،فاشكر فبالشكر تزيد
سر الحدث والقدم ،قد شهد بعرفانه القدم .
النعم ،وبه ترزأ النقم ،هذا ه
الغض ،
ه وتحققت حقيقة الوجود من العدم ،وتبين لك أن الوجود هو الخير الخالص
وأن العدم هو الشر المحض .
شر أشدي بالء أعظم من فناء العين ،أي ه وكل شر موجود فمشوب بالخير معقود ،أ ه
من عدم الكون ،ما دام لك في الوجود رسم ،وظهر لك فيه اسم ،فقد أخذت بحظ
وافر من الخير ،وقد أدرىء عنك ما في مقابلته من الضير فإنك ال تعرف قدر الشيء
هإال بضدهه ،كما ال تعرف مضاضة وعيده هإال بلذاذة وعده .
فالعالم كله في نعيم ،من كان منه في الجنة ومن كان منه في الجحيم ،نعيما علميا ،
سيها ،ودع عنك بعد معرفة هذه الحقائق ما تحمله النفوس من نضج وسرورا عقليا ال ح ه
الجلود بين أطباق السعير ،واستصراخهم لذلك بالويل والثبور ،فقد حمله السعداء في
العدوة الدنيا ،وقاسوا منه أعظم بلوى .
هذا حظ النفوس والجسوم ،فأين حظ المعارف والجسوم .
181
نحن ما تكلمنا في اإلحساس ،وإنما تكلمنا في رفع االلتباس ،بصحيح القياس ،هذا
خطيب النعم قد وقف على أعواده ،في محضر إشهاده معتمدا على عصاه ،محرشا
على من عصاه .
انظر كيف يدل على مواقعها في أوان االضطرار ،وكيف يريك لذاذتها إذا جاءت
على حكم االختيار ليست الموعظة من الشعر فترمز ،وال من الخطابة فتلغز ،وإنما
هي من النعم المبسوطة على الدوام ،على ممر الليالي واأليام .
آن ُمبِ ٌ
ين ( كما قال المهيمن العالم َ :وما َعلا ْمناهُ ال ِ ه
ش ْع َر َوما َي ْن َب ِغي لَهُ ِإ ْن ُه َو إِ اال ِذ ْك ٌر َوقُ ْر ٌ
ِ ) 69ليُ ْنذ َِر َم ْن كانَ َحيًّا َو َي ِح اق ْالقَ ْو ُل َعلَى ْالكا ِف ِرينَ ( [) 70يس . ] 70 ، 69 :
كيف تصفو األسرار واإلنسان على قدم الغرور ؟ !
كيف تطرح العالالت وقد جهل المصير ؟ !
كيف يواصل من يهواه من لم يعر عن هواه ؟ !
عجبا م همن يستلذ عافية باطنها بالء !
أو يتنعم براحة غايتها عناء !
عذب العذاب وال عتاب العتبى ،ووصل الوقت وال القرب في العقبى ،هذا حظ
أصحاب العاجلة ،الالهية قلوبهم عن اْلجلة ،اختطفتهم عن طريق الهدى أغراضهم ،
وتوالت عليهم شكوكهم وأمراضهم ،فبؤس عليهم ال يرتفع ،
وروح متوجه نحو الموعظة ال ينتفع ،ومعشوق إن راح لم يرح خياله ،ومحبوب إن
ذهب لم يذهب مثاله .
فالصبابة به أبدا مقلقلة ،وزفرة وجده في ضلوعه محرقة ،وال بد من الدهر أن يبدي
حكمه ،ويظهر علمه ،فشت وجمع وجبر وصدع ،وأمل مشتبه انتظر وطمع تحرك
فاستنظر ،فإ هما بالرجاء وإ هما باليأس ،وكالهما شديد على النفس .
إذا جاد الواهب الوصول على الكبد المحرقة بنار الهوى بنسيم المنح ،انزعجت
النفوس وظهر عليها الترح ،وإذا تسعر لهيب الطمع بريح الحدس ،همدت من
المحقق بيقين الهمس ،وإذا جاء الخطاب باليسرى ،
ي بالشرى مبطونةفال تغتر ففي طيهه العسرى ،فإن هذه الدار الدنيا مشوبة هإال ر ه
الحرب في السلم ،هي نشأة األمشاج ،ودار االمتزاج ،فكيف يتخلص فيها خطاب ،
أو كيف يظهر فيها جواب ،لو ظهر لكل عين لما كذهبت الرسل ،ولو الح لكل بصيرة
سبل ،فال يصفو فيها حبه عن اعتالل ، لما اختلفت ال ه
وال صحة عن إخالل ،وال وجد عن فقد ،وال صحبة عن ملل ،وال مساعدة عن
معاندة ،وال جهد عن فتور ،وال حق عن زور ،وال رجاء عن قنوط ،وال طلوع عن
هبوط ،
آه لعيون قد جمدت ،وخواطر قد سكنت ،ومحاسن قد سمجت ،وسماحة قد عبست ،
وعزة قد ذلهت ،
ه
182
الخلي » ،ويا ذلهة الفقير جانب ه
عزة الغني ّ للشجي من
ّ وحديث أفسده التكرار « ،ويل
أعول عليه ،وال ركن ،ما للوجد يجرعني كأسه ،ما له تحرقني أنفاسه ،وال معين ه
يفرج كربا ،أو يبدي
آوي إليه ،لعله يهيهىء أسبابا ،ويفتح أبوابا ،أو يذلل صعبا ،أو ه
أمرا ،أو يظهر عذرا .
طالت صحبتي لهذه الباليا ،وعظمت محنتي بهذه الرزايا ،فتاي يؤمن بي وال يسلم ،
ي
فإن وافقته في غرضه أعرض عني ومضى ولم يسلم وهو معي يدا بيد ،أنكر عل ه
صك وجهي بالقدم ،وما ارعوى عن ذلك وال ندم ، ه مسألة العدم ،وقام إلى
وقال هي مسألة معقولة فال أسلم ،وهكذا أكثر من يدهعي في كمال العلم ،وص هحة
الحكم ،ال يقبل هإال ما يعطيه فهمه ،وما يبلغه علمه ،فهو مع نفسه لم يبرح ،وعن
موطنه لم ينزح ،وهل التسليم واالستسالم هإال فيما تمجه النفوس ،ويكاد يرده
المحسوس ،
ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ث ُ ام ال يَ ِجدُوا فِي ولو كان به عليما :فَال َو َر ِبه َك ال يُؤْ ِمنُونَ َحتاى يُ َح ِ هك ُم َ
وك فِيما َ
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ً ( [) 65النساء . ] 65 : ْت َويُ َ أ َ ْنفُ ِس ِه ْم َح َرجا ً ِم اما قَ َ
ضي َ
ي من الغير ،وأحاطت بي من الفكر ،أولياء تاّلل ما غبت بوجهي هإال لما ترادف عل ه ه
ي إذافي جلود األفاعي ،وأعداء في صور األحباء ،ما ينفعني صحيح عقدهم ف ه
قابلوني بالمكروه ،ما عسى يبلغ مني ما أعرفه من احترامهم ،
إذا قالوا في مسألة أوردها عليهم فتقصر أفهام بعضهم ،عن إدراكها ،ال يعتقد هذا
معتوه ،أين هنا االحترام وقد ألحقوني بالحمقى ؟
أين هنا الصدق وقد وعدوني بالفراق ،وأسكنوني البلقاء ،إن لم آتهم بطائر فأقول لهم
وإال فال يقربوني . هذه العنقاء فيصدهقوني ،ه
سن الظن بي ي تفهيمهم ،من ح ه ي تعليمهم ،أرسول أنا فيفترض عل ه ي أنا فيجب عل ه أنب ه
صدق فانتفع ،وإن كنت كاذبا .
ومن أساء الظن بي فليش همر ثوبه ،وليو هل عني هاربا ،حذرا أن تحرقه ناري ،ويذهبه
أواري.
ّللا بصيرتك ،وأراك السالمة في رأيك فأخبرني حتى أثبت نور ه يا كعبة الحسن :إذا ه
نفسي في ديوان الشاكرين ،وأقعد في مجلس الذاكرين ،وأثني عليك في محافل
المتناظرين فسروري بما يفتح عليك ،وفرحي إنما هو بما ينزل من ربهك إليك
فتعرض للنفحات ،وتهيهأ للسبحات .
وأنا أتضرع وأسأل وأرغب وأؤمل أن يوطئ لك أكنافه ويمنحك ألطافه ،ويطلعك
على ودائع القلوب ،ويسري بك في سماوات الغيوب ،
حتى تبلغ المنى في حضرة « أو أدنى » فتكون صاحب تدل وتلق ،
فإذا نزلت عن االستواء ،وأخبرتني بخلوص الوالء ،وصدق الوفاء ،وحسن المعاملة
على الصفاء .
183
أسر بك فإنك تعرف في ذلك الوقت على الكشف كيف صافيتك ، حينئذ ّ
وبأي صفة وافيتك ،وتعثر على حركتي معك التي أنكرتها ،
نبي العرفان د ّجال النكر ،
وسكنتي عنك التي كفرتها ،وتبدل الكفر بالشكر ،ويقتل ّ
وتكون عيسوية الظهور مكتنفة بالنور ،صائمة عن المحظور ،موفاة من كل محذور
.
وسرنا بجميل إيابك ،وأظفرنا بطاغية نفسك ، ّ َّللا لنا ما تصعّب من جنابك ،
س ّهل ّ
وأسكنك حضرة قدسك ،ونزهك في حظيرة فردوسك ،وجلهلك بغالئل أنسك .
ّللا وبركاته .
بعزته ال ربه غيره ،والسالم عليك ورحمة هه
سل بها عبد الودود إليها ونزل بها عليها - 7الرسالة العذرية تو ّ
الر ِح ِيم
من ه الرحْ َِّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
من عبد الودود ،محمد بن علي ،إلى كعبة الحسن ،وروضة المزن ،سالم عليك
ّللا وبركاته .
ورحمة ه
أ ّما بعد .
الحمد هّلل الذي وصف نفسه بحبه عباده ،والصالة على رسوله محمد الذي اتخذه حبيبا
صه بليلة إشهاده . ،واصطفاه وخ ه
فإني أصف حالة عذرية ،وأنوح نياحة قمرية
فأقول :
آه من الوجد ث ّم آه ....يا ويح نفسي ماذا دهاها
تيّمها حسن من تعالت ....وزاد عن جفنها كراها
أتى إلى قلبها هواها ....ولم يكن قبل ذا أتاها
وعرس الوجد في ذراها ّ وخيّم الشّوق في فناها ....
تراها يا عاذلي تسلو ....عن حبّه أو ترى مناها
دب في حشاها لو عنه ....والسقم قد ّ س ّ
كيف لها بال ّ
يا كعبة الحسن :ال تسل عن شدهة ما لقيت بعد فراقك من الوبال ،لما غاب الشخص
وبقي الخيال ،وتدكدكت النفس ليالي األنس واالتصال ،وقد اشتمل عليها الحزن لذلك
ي اشتمال ،وخالطها الجنون والخبال ،فهام سائحا في بطون األودية ،وفتن الجبال أ ه
شوقا لذلك الجمال ،وهيمانا في ذلك الدالل .
كم نور أظلمته سبحاتك !
كم روض أذبلته وجناتك !
واحر قلباه من قلب لم تؤلمه دواعي األشواق ،وال أنضجته ه كم دم سفكته لحظاتك ،
حرارة الفراق إلى متى آسى وتسلو ،إلى كم أشكو وتلهو ؟
خليلي مهما جئتما على نجد ....فمنا بتبليغ السالم على هند ّ
وقوال لها رفقا بقلب متيّم ....تركناه بالجرعا يموت من الوجد
المبرح ما عندي
ّ البث والشوق ّ فلو كان من أهواه مثلي وعنده ....من
184
لما كنت أخشى أن أموت من النوى ....ألن الذي أهواه مثلي في الو ّد
ولكني آسي ويسلو وأشتكي ....ويلهو فمن للحب إن متّ من بعد
يتدكدكت النفس أيهاما سلفت فهامت فتلفت .
ه
البث ،والبث إذا صاحبه أما علمت يا كعبة الحسن بأن المحبة المفرطة إذا مدهها
التهوقان ،والتوقان إذا خالطه الهيمان ،والهيمان إذا مازجه االرتياع ،واالرتياع إذا
طمع فخانته األطماع يذوب لها الفؤاد ،ويذهب لها السواد ويتصدع لها الجماد ،
وتنفطر لها السبع الشداد .
ي محبوب يا كعبة الحسن والمحبة على قدر المحبوب ،والطلب على قدر المطلوب وأ ه
يعادلك ،وأي مطلوب يا قرة العين يماثلك.
بلواك أعظم من أن تحمل ،وداؤك أعضل من أن يؤسى ،
ي منك كتيبة خرساء ،فسبت الحريم ،وقتلت ذهبت منك بداهية دهياء ،وغارت عل ه
النديم ،وفرقت الحميم من الحميم ،وأذهبت النعيم ،وأضرمت نار الجحيم ،ولساني
عليك في هذا كله بالشكر ناطق ،وبالثناء موافق ،
وكيف ال أشكر وهذا كان مرادك ،وكيف ال أثني وهؤالء هم أجنادك ،ومن أنا وما
ي ،فتذيب العظم والشحم ، ي ،وتنزل بأجناد بالئك عل هخطري حتى تصرف همتك إل ه
وتذهب الدم واللحم ،
وتفني المهجة التي قد هيّمت في حسنك ،وتذبل الروضة التي قد أينعت بعيون مزنك
وّللا ما تعرضت لهذه البلية ،وال تطاولت حلول هذه الرزيهة ،فاجزع من مضاضة ،ه
فراقك ،واجرع كؤوس مرارة أشواقك ،
ولكنه كان عن أمرك فبادرت امتثاله ،وأقبل به رسولك عن مسرة منك فسررت
لسرورك بإقباله ،
وقال نفذ األمر المطاع ،من األمر الذي ال يستطاع ،بالرحلة عن هذه البقاع ،إلى
الشعاب الموحشة واليفاع ،فتجردنا في حندس الليل الدهاج ،وأسرعنا في اإلدالج ،فما
قاربت الغزالة الزوال ،
هإال والحال قد داخله االعتدال ،والجسم قد خالطه االنسالل ،والعقل قد مازجه الخبال
بالتنزه في محاسن ذلك الجمال ،ياه ي شباب تلك األيام والليال ،وأقر عيني ،ر هد ه
ّللا عل ه
شر حياتي إن لم أرك قبل الموت . طول حزني على الفوت ،ويا ه
وّللا ما كنت فيك محسودا ،ومن أجلك مقصودا ،واليوم فقد ألحفت بالحاسدين ، طال ه
وحرمت السير مع القاصدين .
أخبرني رسول الوداد الذي بيني وبينك أنك عنهي سالية ،وديارك من محبتي خالية ،
على عروشها خاوية ،ال أحضر لك في جنان ،وال أخطر لك في لسان ،وال أتمثهل
لك في خيال ،وال أجري لك على بال ،
قرة العين أني قد قطعت المألوفات ،وتركت المستحسنات ،وقصدتك من وقد علمت يا ه
دون العالم أجمع ،وخيهمت بفنائك ألخصب وأربع ،
185
ورغبت في سلم األعداء رغبة في جوارك ،وأعطيت الرشوة الرقباء ليسمحوا لي في
دنو مزارك .
ه
سري ،كان نعيمي بك طيهبا فكدهرته ،
وأنت تأنف عن ذكري ،وتتوقف عن مالحظة ه
وكان سربك مطلقا فأسرته ،فقلت هذا كله إليثاري إياك على كل مصحوب ،وتقديمي
إيهاك على كل محبوب ،وحملي عظيم بالئك ،وجهدي في بلوغ رضاك ،لم أزل بين
يديك منتصبا ،أضرع إليك منتحبا .
أشكو منك إليك ،وأتماوت لك عليك ،وأصعق عند رؤيتك وأفرق عند زورتك .يا
قلبا تقلهب على جمر الغضا ،أترى يعود إليك محبوبك بالرضا ،يا نفسا غرقت في
بحر األسى ،تعللي بذكره لع هل وعسى ،فربما يمسي عندك معرسا .
زودتنيها ليتها ما كانت ،يا حسرة أورثتنيها ليتها لو زالت .
يا نظرة ه
ور هد القال الذي هو لسان الزمان ،أو أوان الوصال قد آن ،وقد جاءت الرواحل
بالبشائر ،وانتظمت القبائل والعشائر .
فديتك يا كعبة الحسن :أال تصغي لشرح حالي معك ،ال قالك ربهي وال ودهعك ،لم
ي ُك ال يَ ْو ٍم ُه َو فِي شَأ ْ ٍن[الرحمن]29:أزل منك في كل لحظة وأوان ،في وصف إله ه
الن ( [) 31الرحمن ، ] 31 :غ لَ ُك ْم أَيُّهَ الثاقَ ِ
سنَ ْف ُر ُ
َ
كلما ظهرت لي منك آية ،أعقبتها عماية ،ومتى تحققت منك صفاء تاله كدر .
تشرب ريا بشربي والهوى سبب ...ألن أذوق فيه الصاب والعسال
كيف يبقى جسم قد أنضجت كبده حرارة االشتياق ،وغشيت عيناه من البكا حذر
الفراق ،في أيام التالق والعناق ،
وّللا
إن باح خاف من الوشاة ،وأن كتم هلك بتوالي الحسرات والزفرات ،فال أدري ه
في أي واد أهيم ،وال على أي حالة أحوم ،كلما باسطتك انقبضت ،وكلما أقبلت عليك
أعرضت ،أطلب أبلغ رضاك ،
وال أنظر لجهلي بقضاك ،أموري كلها بالباليا معروفة ،وعلى الرزايا موقوفة ،أما
تحن أما ترني ،أما تنظر من حزني وبثي . ه
فأنا ماثل بين يديك ،ناظر بعين الذلهة والمسكنة إليك ،حيران ال دين لي ،ولهان ال
عقل لي ،مبهوت بال نفس ،عين تجود ،وحزن جديد ال يبلى وال يبيد ،وأخ غير
مساعد وال موافق ،وليل ال صبح له ،
وال قائل يقول :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ....يكون وراءه فرج قريب .
186
"" قال البيت هدبة بن الخشرم في الحبس بعد قتله ابن عمه زيادة بن زيد العذري في
أيام معاوية فحبسه سعيد بن العاص وهو على المدينة خمس سنين ،ثم قتله ابن
المقتول عام 54هـ أخذًا منه بثأر أبيه.
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ...يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان ...ويأتي أهله النائي الغريب "".
باّلل من
وال نسيم وصل يهبه ،وهذا كله ليس منك فأنسبك إلى الظلم والجور ،فنعوذ ه
الحور بعد الكور ،وإنما هو منهي لمخالفتي أمرك ،ونظري إلى غيرك ،فجهلت عيبي
،فما استغفرت من ذنبي ،
المقرب
ه س هم ،فأحسب أني
وأنت تستدرجني من حيث ال أعلم ،وتمزج لي العسل بال ه
المشهود ،وأنا الطريد المبعود ،وأتخيهل أني الموصول ،وأنا بسهم الهجر مقتول ،
هجرت اسمي بكنيتي ،فتخيهلت أن ذلك لمكنتي ،
ي وكان ذلك عن الطرد ،وبيهضت جهي فقلت لي يا سيدي وأنا العبد ،وتمثلت بين يد ه
حين توجتني ،ولم أدر أن ذلك البياض سواد ،
إذ كنت قد استدرجتني وكلما رمت أن أنصح نفسي لم تقبل النصح وتقول :ما أسوأ
ظنك .
ألست تدري أن ذكر الجفا في موطن الصفا جفا ،أليست هذه كراماته عليه مترادفة ،
ي بهذه البراهين الساطعة ،واألدلة القاطعة ومطالعاته عليك متضاعفة ،فإذا قامت عل ه
،انخدعت لبرهانها ،
ومرحت في ميدانها ،ولم أنظر إلى شر المذهب ،وسوء المنقلب ،إذا بلغت النفس
التراق ،وقيل من راق ،والتفهت الساق بالساق .
وزلزلت أرض الجسوم زلزالها ،وبان للنفس ما عليها وما لها ،وزلت بها القدم ،
حينئذ تندم وال ينفعها الندم ،يا نفس ال يغرنهك هذا البلد األمين ،وال كمدك الذي ال
يبين ،
واطلبي مشربا آخر عذب العاقبة معصوبا من السهام الصائبة ،والحظ مالحظة حكيم
،في ربه منعم عظيم ،أليس من أعطاك مما وهب فقد صيهرك قربته ،أليس من
أطلعك على سره فقد أ ههلك لمؤانسته ،أليس من اختصك باالطالع على حرمه فقد
ارتضاك إلى مسامرته .
يا روحي ليس األمر كما بدا ،وقد تأتي الضاللة في صورة الهدى ،الحق وراء ذلك
كله ومعه ،كالشخص مع ظله فلن يدعه .
أين من يتطاول إليه بهمه ؟،
لقوة عزمه ؟
أين من يقصده ه
187
أين من يريد الظفر بمنيته ؟
أين من يطلب الوصول إلى بغيته ،هذه األعالم مرفوعة ،واْليات منصوبة موضوعة
ي بما قاله فصيح ، ،والنبأ صحيح ،والنب ه
آه لظاهر صاحبه العيب ،ولباطن حشره ريب ،وعين نوامة معروفة باألحالم ،وقلب
ملتذ بعوافي اْلالم ،ونفس متبعة عند األغراض ،وهوى يلجأ إليه لرفع مرض
الحاجات ،وقساوة نيطت بالفؤاد ،فألفها الجفا ،
ودين هجر بعادة سوء استمرت فدرس رسمه وعفا ،وإصرار ثابت غابت عنه أعالم
الشفا ،وعلم رفيع شابه البال ،فطوبى لمن ناح على فائته وبكى ،والزم باب من
سيرده عليه فحن وشكا .هذا أوان شق الجيوب ،وضرب الخدود ،وإقامة المآتم
والمنائح ،فهذا هو الرزء الفادح .
يا كعبة الحسن :أما تراني أدير لك الدور على الدور ،وأعطف لك الكور على الكور
السر بعد السر ،وأوضح لك الرمز بعد
ه ،وأرفع عنك الستر بعد الستر ،وأكشف لك
الرمز ،وأنتقل لك من صفة إلى صفة .
فعلي معك فعل ربي معي ،وأنا ال أسمع ،فإذا سمعت فال أعي ،اشتد وجعي لما دخل
ي المتكلم والسامع يختصمان ،وكالهما يشكوان صدق الوجد ويعلنان ،وقد احتاط عل ه
السامع واسترسل القائل فذكر المنع والعطا ،
فسأالني الحكم بينهما على السوا ،فأبرزت السلو ،قد اعرورى ظهر الغدر وامتطاه ،
وأبرزت الشوق فجال في ميدان الذل ،وم هد خطاه ،فتنزه السلو ،وتدنس الشوق ،
وذلت حقيقة الصمت تحت سلطان النطق ،وأمرت حاكم الشريعة والحقيقة فقاما بينهما
مسدهدين حكمين عدلين .
فكانت الحقيقة األول واْلخر وكانت الشريعة الوسط فتميز الباطن من الظاهر ،
وعرف اليقين بالريب ،والشهود بالغيب ،فحكما بالفناء والبقاء في الفريقين ونصبا
لهما العلم والعمل طريقين ،فسلكا عليهما علما ووهما ويقظة ونوما .
ّللا حكمة قد رفعت عنك حجابها ،ومددت لك أسبابها ،وأقمت لك فتأ همل عافاك ه
أعالمها ،فابحث عليها فيها ،وانظر معانيها في مغانيها ،فإن الغريب إنما يطلب في
الغربة ،فإن شددت على نفسك مئزر الحذر ،
وأمعنت فيما أورده عليك صحيح النظر ،كنت المحرر من رق الكون ،والمثبوت في
سرت ما كان عسرا ، مشاهدة العين ،وجبرت كسرا ،وي ه
ال زالت قطوف الوصال دانية وجنهات األلفة عالية ،وال أذكرنا األيام الخالية ،فإنها
الحسرة الباقية .
ّللا وبركاته .
والسالم المعاد عليك ورحمة ه
188
سل بها عبد القادر إليها ونزل بها عليها - 8الرسالة الوجودية تو ّ
الر ِح ِيم
من ه الرحْ ِ
َّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
من عبد القادر محمد بن علي إلى كعبة الحسن وروضة المزن .سالم عليك ورحمة
ّللا وبركاته .ه
أ ّما بعد .
ّللا الذي ألهم وعلهم ما لم أكن به عليما ،وأصلهي على من أوتي جوامع فإني أحمد إليك ه
الكلم وأسلهم تسليما .
أ ّما بعد :
فإن العلم أشرف موهوب ،وأج هل مطلوب ،وأعظم مصحوب ،وإن كان شرفه بشرف
معلومه ،ورونقه البديع في حسن تفهيمه .
فالشرف بالض هد معروف ،وبالنسبة إلى النقيض موصوف .فأشرف العلوم مرتبة ،
وأعظم المعارف منزلة معرفة النفس والرب ،فإنها تؤدي إلى القرب ،لحقيقة الصورة
والمثل ،المتعالي عن الشكل ،ولكن إعالم وإبهام .
وسرك سرياني ،فاسمع الرمز السرياني ألفك نازلة ه يا كعبة الحسن :معناك ربهاني ،
إليك ،وميمك نازلة منك عليك ،وأنت بينهما تأخذين وتعطين ،فهل تصيبين أو
تخطئين ،فمن تلقى منك كما تلقيت كان ممن قابل البيت بالبيت .
ما أشرفك يا واسطة العقد .
ما أكرمك يا خاتمة العقد .
واحر قلباه ،وا ثكاله .وهبت العالم الطريق إليك ،فباعوك ه آه يا كعبة الحسن :
باإلعراض عنك .
ليس الشقي كل الشقي من زلهت قدمه عن الطريق ،فإنه قد كان فيه فز هل وإنما الشقي
كل الشقي من ض هل عن الطريق ابتداء ولم يزل .
يا كعبة الحسن :إذا أشرقت اْلفاق بالنور الالمع ،وصلصلت األلحان للسامع ،طلبت
األرواح المعراج ،وهبهت باالنزعاج ،فزلزلت الهياكل األرضية وتداخلت الحركات
العلوية .
يا كعبة الحسن :أنت األولى فأين ثانيك ،انظري إليه فإنه في مبانيك ،ومدرج في
معانيك ،إذا انفعل عنك وظهر عينه ،والح لعينك بينك وبينه ،فأفيضي عليه من
ونزهيه في جمال سبحاتك ،فستلوح بين فيضك وقبوله أنوار أنوار غيب ذاتك ،ه
األشكال واألمثال فتلك األعراس اإللهية المستورة في الجالل .
يا كعبة الحسن :احذري النار المركبة على هذا المركب .
العز .فال يقوم تركيب هإال بح هل تركيب يا كعبة الحسن :ح هل الرمز ،فقد جاءت دولة ه
سره ،ل هما ذبحت البقرة قام الميت بحياتها من قبره . ،انظري في ه
يا كعبة الحسن :اإلعالم قبل اإللهام ،ور هد الرسول من جنابك برقعة من غدا في
إهابك .
189
فقلت :يا للعجب ! ركن مخلهق وإهاب ه
ممزق .حالة متناقضة اإلحكام فقال الرسول ال
تفعل هو إعالم ،بأوان اإلحرام ،فتذكرت الشيبي في قصة ،وجاءني األمر من قصه
فسأله عن الحال المعلوم ،وما بقي من محاسن الرسوم ،
فقال :إن الزهو قد شمل الشمائل ،وإن السعدان عشب الخمائل ،مرت الخميلة
وزهرها ،ومارت السماء وزهرها ،
فقلت :لعل تجلى مكان الخشوع ،أو عساها بارقة لموع ؟ !
فقال :ال والحب هإال أن ورود الربيع أزهر ،وليل السرور أقمر .فخرج الطائعون .
يا كعبة الحسن :للفرج ،وبقيت معطلة العشار فأدركها الحرج ،
وقالت :عرفت من أين ذهبت ،وعلمت من حيث أوتيت ،ما هو هإال ذلك الدهعي في
حبهي ،والشهي في قربي ،آثر البهار على النرجس ،وغاب عن صحيفة المتلمس .
أما عرف كيدي ،أما تحقق أنه صيدي ،متى وقع السراح ،متى ملك المفتاح .ألم
يعلم بأني العراقية الحجازية ،والحقيقة المجازية ،لئن وقعت عيني عليه ،ال جعلته
مثال في السائرين ومثلة للناظرين ،وخبرا للمسافرين .
هيهات اغتر بجنابي وعطفي ،وانخدع بإحساني ولطفي ما علم أن البطش شديد ،ما
تحقق أنه في لبس من خلق جديد ،
فقلت للرسول :وقد ورد على آخر الفصول .ما هلك امرؤ عرف قدره .سلهم عليها ،
وبلهغ ما أرسلك به إليها .
عز وجودك ،وبأخذي ظهر جودك ،أنشأت ذاتك بيدي ، يا كعبة الحسن :بي ه
ي أخدم بابك ، وأوصيت بك ولدي ،وتغربت إليك من بلدي ،وجعلتك سلطانة ،عل ه
وألزم ركابك ،وأقبهل كل يوم يمينك .
وتحولي
ه وأنت الثلث اْلخر من الليل لتنزلي ،وأنت الشوق الجناني لتشكلي في الصور
،غبت عن كونك محال .
ي حيدك عن المعرفة ، يا محل التحجير والمنع ،يا حضرة القدوم والرفع ،ه
عز عل ه
وجهلك بالنكتة المعرفة .
أين حجري من حجرك .أين يميني من يمينك ،أين مقامي من مقامك .يا نشأة جماد
قامت على مهاد .
أغرك مني أن حبّك قاتلي ...وأنك مهما تأمري القلب يفعل ّ
"من معلقة امرؤ القيس"
بعثت إليك بكتاب فناء واتحاد ،وحديث طيب غير معاد فلم تطيبي به نفسا ،
وال رفعت به رأسا ،ما ناديت أذنا صماء ،وال أبرزت رقوما لمقلة عمياء ،ما رأيت
لهذه الواقعة الشنعاء ،سوى إظهار األختين بالطائف وبإقليم صنعاء ،
190
وليس ذلك عن كفر بعد إيمان ،وال عن شبهة بعد برهان ،ولكن معاملة بسريان
المعبود في الوجود ،وتصديق كالمه َ :وقَضى َرب َُّك أ َ اال ت َ ْعبُدُوا إِ اال ِإيااهُ[ اإلسراء ] 23 :
لنفي الجحود .
وهنا بهذه اإلشارة انتهت الرسالة .
ّللا وبركاته .
والسالم عليك ورحمة ه
سماعات الكتاب
السماع األول :
سمع جميع ( تاج الرسائل ) على منشئها الشيخ اإلمام العامل العالم األوحد الزاهد
ّللا محمد بن عليالورع األرشد شيخ العارفين ،وقدوة المحققين محيي الدين أبي عبد ه
ّللا عنه .
بن محمد العربي الحاتمي الطائي رضي ه
ّللا الحبشي
ّللا بدر بن عبد ه
الشيخ األجل الكبير المحترم الزاهد الورع أبو بدر عبد ه
ّللا .
الحراني رحمه ه
ه عتيق أبي الغنائم بن أبي الفتوح
ّللا محمد بن قمر بن كوكبري والفقيه اإلمام العالم العامل األوحد سيف الدين أبو عبد ه
البغدادي.
ّللا تعالى إسماعيل محمد بن يوسف األنصاري . بقراءة العبد الفقير إلى ه
ّللا تعالى في العشر األول من شعبان وكان السماع بمنزل سيدنا اإلمام بملطية حرمها ه
من سنة ثالث عشرة وستمائة والحمد هّلل وحده والصالة على محمد النبي وآله .
191
وسمع من موضع اسمه إلى آخر الكتاب أبو المعالي محمد بن المصنف وذلك في
العشرين من محرم سنة ثالث وثالثين وستمائة بمنزل المسمع بدمشق .
ّللا على محمد وآله وصحبه .
والحمد هّلل وحد ،وصلى ه
*
تم بحمد هللا رب العالمين
عبد هللا المسافر باهلل
192