You are on page 1of 801

‫َّ‬

‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪1‬‬

‫‪‬‬
‫َّ ْ ُ َّ (‪َ ْ )1‬‬
‫التف ِريغ الن ِص ي ِل ِسل ِسل ِة‬
‫َّ َ (‪)2‬‬
‫اع ِة في ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك الطاع ِة‬ ‫َ‬
‫الب َر َ‬
‫َ ْ َّ ْ َ ُ َ َّ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ِلف ِضيل ِة الشي ِخ املج ِاه ِد عب ِدالرحمن محمد مصطفى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أ ِبي ع ِلي األنب ِاري‬
‫‪َ -‬ت َق َّب َل ُه ُ‬
‫للا‪-‬‬

‫(‪ )1‬بـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــرف يـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪.‬‬


‫(‪ )2‬هذه السلسلة ألقاها الشيخ ‪-‬تقبله هللا‪ -‬يف املعهد الشرعي إلعداد اخلُطباء يف مدينة‬
‫املوصل بوالية نينوى ‪-‬أعادها هللا للمسلمني‪ ،-‬يف أواخر العام ‪ 1435‬ه‪ ،‬وقد متّ نشر دروس‬
‫للمرة األوىل يف أوائل العام ‪ 1436‬هـ على حساب [هذه سبيلي‬ ‫ّ‬ ‫السلسلة‬
‫‪ ]@HADEHY_SABELY‬اخلاص بالشيخ ‪-‬تقبله هللا‪ -‬يف موقع تويرت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪2‬‬

‫مُقُدُمُةُُالنُاشُرُ‪:‬‬
‫احلمد هلل عظيم املِن ِة‪ ،‬ناصر الدين بأهل السنة‪ ،‬والصالة والسالم على من جعل هللا‬
‫األسن ِة؛ مث أما بعد‪:‬‬
‫رزقه حتت ظالل ِ‬

‫ان يش ْر يك الطَّ َ‬
‫اعة" لفضيلة الشيخ‬ ‫اعة يِف تيْب ي ي‬
‫َ‬ ‫فهذا تفريغ نصي لسلسلة دروس "الْبَ َر َ‬
‫اجملاهد أيب علي األنباري ‪-‬تقبله هللا‪ ،-‬ننشرها حىت تَـعُم الفائدة‪ ،‬ولتكون صدقة‬
‫جارية لصاحبها ‪-‬تقبله هللا‪ -‬ولكل من ساهم فيها‪.‬‬

‫تَ ْنويه‪ :‬قد كان الشيخ ‪-‬تقبله هللا‪ -‬نوه احلاضرين إىل عدم تسجيل الدروس‪ ،‬وعلل‬
‫منعه بأن يكون التسجيل مركزيا‪ ،‬وأنه سيحتاج إىل مراجعة ما قاله لتجاوز اخلطأ فيه‬
‫إن ورد‪ ،‬وقد متت املراجعة ونُشرت دروس السلسلة على احلساب اخلاص به ‪-‬تقبله‬
‫هللا‪ -‬كما أسلفنا يف احلاشية رقم‪.)2( :‬‬

‫النّ ي‬
‫اشر‪:‬‬

‫األربعاء ‪ 12‬احمل ّرم ‪ 1441‬ه )‪ 11‬سبتمرب ‪ 2019‬م(‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪3‬‬
‫َّ ْ ُ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫س األ َّو ُل‬ ‫الدر‬
‫َ َ َُ‬
‫ِِلاذا نقا ِت ُل؟‬
‫بسم هللا‪ ،‬احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنا ّ‬
‫احلق حقا وأعنّا‬
‫اعه‪ ،‬وأ ِرنا ِ‬
‫الباط َل باطال وأعنّـا علـى اجتنابِـه‪ ،‬اللهـم علّمنـا مـا ينفعنـا وانفعنـا ـا‬ ‫على اتّب ِ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بِعِلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجـة لنـا يـوم نلقـا وال‬
‫ويســر أمــري‪ ،‬واحلُــل‬‫رب اشــر صــدي‪ّ ،‬‬ ‫جتعلــهُ ُح ّجــة علينــا يــا أرحــم الـ ّـراحني‪ِّ ،‬‬
‫عُقــدة مــن لســاو يفقه ـوا قــو ‪ ،‬اللهــم اجعــل عملــي صــاحلا‪ ،‬ولوجهــا خالص ـا‪ ،‬وال‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬ ‫جتعل فيه نصيبا ٍ‬

‫حيّاكم هللا وبيّاكم يا مشايخ‪ ،‬ونسأل هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬أن يُعيننا على أن نُتِم هذه‬
‫الدورة خبري‪ ،‬وأن ينفعنا بكم‪ ،‬إنه على ذلا قدير‪ .‬هذه الدورة املباركة ‪-‬إن شاء هللا‬
‫تعاىل‪ -‬نتناول من الدروس املوكلة إ ّ مسائل تتعلق جبانب شر الطاعة ‪-‬إن شاء هللا‬
‫تعاىل‪ ،-‬وسندخل يف بعض التفاصيل املتعلقة هبذا النوع من الشر ؛ ألن األمة قد‬
‫ُ‬
‫ابتُليت كما تعلم يف فرتة من الفرتات كان بشر الدعاء‪ ،‬مث احنسر هذا النوع من‬
‫الشر قليال وانزوى نوعا ما‪ ،‬لكن الشر الذي طغى على الساحة اآلن هو شر‬
‫الطاعة‪ .‬سندخل يف األيام القادمة ‪-‬إن شاء هللا تعاىل‪ -‬يف تفاصيل هذا املوضوع‬
‫يسر هللا ¸ لنا‪ ،‬أما حديثنا اليوم كمقدمة لبداية عملنا‪ ،‬إجابة لسؤال‪:‬‬
‫بقدر ما يُ ّ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫الج َهاد في س ِب ِيل ِ‬
‫للا؟‬ ‫ِِلاذا ِ‬

‫(‪ )1‬ما بني « » ليس من كالم الشيخ ‪-‬تقبله هللا‪.-‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪4‬‬

‫فأقول ُمستعينا باهلل ‪-‬تبار وتعاىل‪ :-‬ال خيفى على حضراتكم أن أبناءكم‬
‫وإخوانكم قد حلوا السال منذ سنة ألفني وثالثة‪ ،‬وما زالوا ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪،-‬‬
‫(بالنسبة إىل التسجيل‪ ،‬يا شيخ لو مسحت‪ :‬التسجيل را نسجل ‪-‬إن شاء هللا‪-‬‬
‫وبعد ذلا تعطى لكم التسجيالت؛ حىت تكون هنا مركزية يف العمل ‪-‬إن شاء‬
‫هللا‪ ،-‬ألنين بشر وقد أخطأ يف شيء‪ ،‬فاراجع‪ ...‬إذا حنصر التسجيل‪ ،‬أمسع‪ ،‬أطمئن‬
‫إىل أن هذا الذي قلته ال أُاخذ عليه‪ ،‬عند ذلا ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬تعطى لكم‬
‫التسجيالت ‪-‬بإذن هللا تعاىل‪ ،-‬أما من أراد أن يدون بعض املالحظات‪ ،‬فله ذلا)‬
‫إذا هؤالء الناس طوال هذه السنوات ملاذا قاتلوا؟‬

‫ُول‪ :‬كما ال خيفى عليكم أن اجلهاد يف سبيل هللا ¸ عبادة‪ ،‬بل من‬
‫الغَايَةُ األ َ‬
‫أجل العبادات‪ ،‬هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬أمر رسوله ‘ هبذه العبادة‪ ،‬يف قوله ‪-‬تبار‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا﴾ [النساء‪ ،]84:‬فالقتال هنا‬ ‫ف إِال نَـف َس َ‬
‫وتعاىل‪﴿ :-‬فَـ َقاتل ِيف َسبِ ِيل اَلل َال تُ َكل ُ‬
‫فرض على رسول هللا ‘‪ ،‬وسنأيت إىل تفصيل هذه اآلية ‪-‬إن شاء هللا تعاىل‪.-‬‬ ‫ٌ‬
‫وحديث أيب ُهريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عند اإلمام البخاري ‪ ¬-‬تعاىل رحة‬
‫عمل ِ‬
‫يعد ُل اجلهاد‪.‬‬ ‫واسعة‪ ،-‬قال‪( :‬جاء رجل إىل رسول هللا ‘‪ ،‬فقال‪ُ :‬دلّين على ٍ‬
‫قال‪ :‬ال أجده)‪ ،‬عندما سأل عن العمل يقينا كان يسأل عن العبادات‪ ،‬الرسول ‘‬
‫عمل ِ‬
‫يعد ُل اجلهاد)‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫(دلّين على ٍ‬
‫ما وجد نوعا من العبادة إجابة هلذا السؤال‪ُ :‬‬
‫(ال أجده)‪ ،‬مث قال له‪ :‬هل تستطيع إذا خرج الـ ُمجاهد‪ ،‬أن تدخل مسجد ‪ ،‬فتقوم‬
‫فطر؟ قال‪ :‬ومن يستطيع ذلا؟)(‪.)4‬‬‫وال تفرت‪ ،‬وتصوم وال تُ ِ‬

‫(‪ )4‬صحيح البخاري‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪5‬‬

‫نتقرب هبا إىل هللا ¸‪،‬‬ ‫إذا الغاية األوىل من اجلهاد يف سبيل هللا‪ :‬أنه عبودية‪ّ ،‬‬
‫فالرسول ‘ كان ُُياهد يف سبيل هللا‪ ،‬كما يف غزوة األحزاب عندما جاء بعض‬
‫الناس يتعذرون عن اجلهاد ألسباب ذكرها هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَـ ُقولُو َن إِن بـُيُوتَـنَا َعوَرةٌ‬
‫يدو َن إِال فَِرارا﴾ [األحزاب‪ ،]13:‬وكذلا املنافقون‪ ،‬هلؤالء قال هللا‬ ‫َوَما ِه َي بِ َعوَرةٍ إِن يُِر ُ‬
‫ف‬ ‫¸‪﴿ :‬ل َقد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ ِ‬
‫ول اَلل أُس َوةٌ َح َسنَةٌ﴾ [األحزاب‪ ،]21:‬هذا الذي ختلّ َ‬ ‫َُ‬
‫ويتأخر‪ ،‬ألولئا قال هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬ل َقد َكا َن لَ ُكم‬ ‫ِ‬
‫عن اجلهاد وأراد أن يعتذر ّ‬
‫ول اَللِ أُس َوةٌ َح َسنَةٌ﴾؛ فينبغي أن تكون اإلشارة إىل هذه اآلية يف هذا املوطن‬ ‫ِيف رس ِ‬
‫َُ‬
‫بالذات‪ ،‬أما أن نستشهد هبذه اآلية يف باقي األعمال اليت نقتدي هبا برسول هللا‬
‫‘‪ ،‬فاالستدالل أيضا صحيح؛ لكن سبب نزول هذه اآلية أن أُناسا كانوا‬
‫ول اَللِ‬
‫يعتذرون‪ ،‬فألولئا املعتذرين قال هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬ل َقد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ‬
‫َُ‬ ‫ُ‬
‫أُس َوةٌ َح َسنَةٌ﴾‪ ،‬ألنه كان حيفر اخلندق‪ ،‬ويواظب على احلضور مع الصحابة يف‬
‫اخلندق‪ ،‬مث بعد ذلا كان معهم عندما حيرسون‪ ،‬وكان معهم عندما جاهبوا املشركني‬
‫ُ‬
‫يف الطرف اآلخر من اخلندق‪.‬‬

‫وتأخر‬
‫كذلا يف السنة التاسعة من اهلجرة‪ ،‬عندما خرج الرسول ‘ إىل تبو ‪ّ ،‬‬
‫تأخر من املنافقني‪ ،‬واعتذر من اعتذر‪ ،‬هلؤالء قال هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِال تَ ُ‬
‫نص ُروهُ‬ ‫من ّ‬
‫ني إِذ ُُها ِيف الغَا ِر إِذ يـ ُقو ُل لِص ِ‬
‫احبِ ِه َال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين َك َف ُروا ثَ ِاوَ اثـنَـ ِ َ‬
‫صَرهُ اَللُ إذ أَخَر َجهُ الذ َ‬
‫فَـ َقد نَ َ‬
‫ونتقرب‬ ‫ِ‬
‫َحتَزن إن اَللَ َم َعنَا﴾ [التوبة‪]40:‬؛ إذا من هنا نعلم أن اجلهاد عبادة نتعبّد به‪ّ ،‬‬
‫جل يف عُاله‪ .‬هذه الغاية األوىل من اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬وأما اآليات األخرى‬
‫إليه ّ‬
‫نُشري إليها ولكن ال نقف كثريا عندها‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪6‬‬

‫نجي ُكم ِّمن‬ ‫كقوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬يا أَيـُّها ال ِذين آمنوا هل أَدلُّ ُكم علَى ِجتارةٍ تُ ِ‬
‫َ ٰ ََ‬ ‫َ َُ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اب أَلِي ٍم ۝ تُـؤِمنو َن بِاَللِ ورسولِِه وُجت ِ‬
‫اه ُدو َن ِيف َسبِ ِيل اَللِ بِأَم َوالِ ُكم َوأَن ُف ِس ُكم‬ ‫َع َذ ٍ‬
‫ََ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ات َجت ِري‬‫َٰذلِ ُكم خيـر ل ُكم إِن ُكنتُم تَـعلَمو َن ۝ يـغ ِفر لَ ُكم ذُنُوب ُكم ويد ِخل ُكم جن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َحتتِها األَنـهار ومساكِن طَيِبة ِيف جن ِ‬
‫يم ۝ َوأُخَر ٰى‬ ‫ا ال َفوُز ال َعظ ُ‬ ‫ات َعد ٍن َٰذل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يب﴾ [الصف‪.]13-10:‬‬ ‫ُحتبُّونَـ َها نَصٌر ّم َن اَلل َوفَـت ٌح قَ ِر ٌ‬
‫َ َ ُ َّ ُ ُ ُ َ َ ٌ‬
‫الربا ِنية ش ُروطها ثالثة‪:‬‬ ‫َه ِذ ِه ال ِتجارة‬
‫أن تكون من املؤمنني باهلل على منهاج أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وأن تكون من‬
‫للمساُهة يف هذه التجارة‬
‫املؤمنني برسول هللا ‘‪ ،‬إال أن هذين الشرطني ال يكفيان ُ‬
‫ضف إليهما الشرط الثالث‪ :‬أن ُجتاهد يف سبيل هللا‪ ،‬فإذا عرض‬ ‫الربانية ما مل تُ ِ‬
‫ّ‬
‫اإلنسان نفسه على كتاب هللا تبار وتعاىل‪ ،‬مث وقف عند هذه اآلية وسأل نفسه‪:‬‬
‫هل أنا من أهل هذه اآلية أم ال؟‪ ،‬فإن كان ممّن جاهد يف سبيل هللا‪ ،‬يقينا يطمئِن‬
‫أهل هذهِ اآلية‪ ،‬وأما من قعد وإن‬
‫ت من ِ‬ ‫علي فَ ُكن ُ‬
‫من ّ‬ ‫وينشر صدره أن هللا ¸ قد ّ‬
‫كان مؤمنا باهلل ورسوله‪ ،‬فال نصيب له هبذه التجارة وال كاسب هذه التجارة‪ ،‬هذه‬
‫الغاية األوىل من اجلهاد يف سبيل هللا‪.‬‬

‫الغَايَةُ الثَّانييةُ‪ :‬أن حيمل هؤالء الناس اآلخرين على أن يكونوا عبادا هلل ¸‪ ،‬أن‬
‫﴿وَما‬
‫حيملوا اآلخرين على أن يكونوا عبادا هلل تبار وتعاىل؛ ألن هللا ¸ قال‪َ :‬‬
‫ون﴾ [الذاريات‪]56:‬؛ إذا الغاية من خلقنا أن نكون‬ ‫اإلنس إِال لِيـعب ُد ِ‬
‫ت اجلِن َو ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َخلَق ُ‬
‫عبادا هلل تبار وتعاىل‪ ،‬فإذا أجلت النظر يف املوقع الذي تعيش فيه‪ ،‬أو أجريت‬
‫مسحا على بعض البلدان‪ ،‬ستعلم كم هلل وكم للشيطان؛ هنا يأيت دور املجاهد ودور‬
‫ُ‬
‫اجلهاد‪ ،‬أن تعمل على إخراج هؤالء من عبادة العباد إىل عبادة هللا تبار وتعاىل‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪7‬‬

‫جرت بينهم‬
‫وهذا الذي كان يقول أصحاب رسول هللا ‘ يف بعض احملادثات اليت َ‬
‫وبني ال ُفرس قبل القتال‪ ،‬فكان ال ُفرس يسألوهنم‪ :‬ما الذي جاء بكم؟‬

‫ِج الناس من عبادة العباد إىل عبادة‬ ‫ِ‬


‫الصحابة كانوا ُُييبون قوال واحدا‪ :‬جئنا لنُخر َ‬
‫رب العباد‪ ،‬يقينا ما جاؤوا بالدعوة‪ ،‬وإمنا جاؤوا بالقتال‪ ،‬ألهنم كانوا يُقاتلون يف سبيل‬
‫ّ‬
‫هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫اس اعبُ ُدوا‬ ‫وكذلا اآلية يف سورة البقرة‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الن ُ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫رب ُكم ال ِذي خلَ َق ُكم وال ِذ ِ ِ‬
‫ين من قَـبل ُكم لَ َعل ُكم تَـتـ ُقو َن ۝ الذي َج َع َل لَ ُك ُم األَر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ات ِرزقا ل ُكم فَ َال َجت َعلُوا‬ ‫فِراشا والسماء بِنَاء وأَنزَل ِمن السم ِاء ماء فَأَخرج بِِه ِمن الثمر ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ ََ ََ َ َ َ‬
‫كغاية من اخللق‪،‬‬ ‫َندادا وأَنتُم تَـعلَمو َن﴾ [البقرة‪]22-21:‬؛ إذا أُِمرنا بِعبادة هللا ¸ ٍ‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫َلل أ َ َ‬
‫َندادا﴾‪،‬‬ ‫يسر هللا ¸ لنا أسباب العبادة قال‪﴿ :‬فَ َال َجت َعلُوا َِللِ أ َ‬ ‫مث بعد ذلا بعد أن ّ‬
‫فإذا وجدنا من يعمل هلل أندادا‪ ،‬هنا يأيت دور اجلهاد أن حنمل هؤالء على أن ال‬
‫يكون هلم أنداد مع هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫قد ت ِرد بعض املالحظات يف األذهان؛ كيف تربط هذه املسألة بقول هللا تبار‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ [البقرة‪ ،]256:‬وبقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم‬
‫وتعاىل‪َ :‬‬
‫سنتوسع فيها بإذن هللا تعاىل عندما نتحدث‬ ‫ّ‬ ‫َوِ َ ِدي ِن﴾ [الكافرون‪ ،]6:‬هذه املسألة‬
‫عن الركن األول من أركان الدميُقراطية والذي هو‪ُ :‬حريّة العقيدة‪ ،‬يف ذلا الوقت إذا‬
‫سنتوسع يف هذه اآليات‪ ،‬وكيف حنمل الناس على أن يكونوا عبادا‬ ‫ّ‬ ‫يسر هللا ¸ لنا‬
‫ّ‬
‫األعني ‪-‬وهلل الفضل‬ ‫هلل ¸‪ ،‬ويف هذا السبيل كما تعلم اآلية كانت واضحة أمام ُ‬
‫واملِنة‪ ،-‬فإخوانكم عندما بدؤوا اجلهاد‪ ،‬وم ّكن هللا تبار وتعاىل هلم يف األرض‪،‬‬
‫مسار عملهم بعد‬ ‫عملوا على أن حيملوا الناس على أن يكونوا عبادا هلل ¸؛ فكان ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪8‬‬

‫التمكني ّأال يدعوا موطنا للشر يُشر به مع هللا ¸‪ ،‬ومن هنا كانت الـ ُمبادرة إىل‬
‫إزالة أماكن الشر سواء كان بناء على قبور صاحلني‪ ،‬أو مزارات‪ ،‬أو بناء على قبور‬
‫أنبياء مزعومة أهنا قبور لألنبياء‪ ،‬ألن القرب الوحيد الذي يُعرف هو قرب رسول هللا‬
‫‘‪ ،‬أما باقي األنبياء فال يعرف أحد ٍ‬
‫ألحد من األنبياء قربه‪ ..‬هذه مزعومة‪ ،‬حىت لو‬
‫صحت‪.‬‬
‫ّ‬
‫إذا عن طريق اجلهاد م ّكنهم هللا ¸ أن يُزيلوا أماكن الشر ‪ ،‬ويقينا يف داخل‬
‫ٍّ‬
‫كل منكم كان شيء‪ ،‬أنه كيف نُزيل األماكن اليت يُشر هبا باهلل ¸؟‬

‫تصل إليها إال باجلهاد‪ ،‬أما الشيء اآلخر من حل الناس على‬‫وهذه الغاية ما ُ‬
‫عبادة هللا تبار وتعاىل‪ :‬أن األماكن اليت كان يُدرس فيها الشر أُزيلت ‪-‬وهلل الفضل‬
‫درس القوانني الوضعية‬
‫واملنة‪ ،-‬كالتّكايا واحلُسينيّات واملعاهد والكليات اليت كانت تُ ّ‬
‫وما إىل ذلا‪.‬‬

‫إذا باجلهاد أُزيلت أماكن الشر ‪ ،‬وباجلهاد أُزيلت أماكن أيضا تعلّم الشر ‪،‬‬
‫وباجلهاد أُزيل من كان يُعلّم الناس الشر فال جتد أحدا منهم ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪-‬‬
‫ظاهرا يف دار اإلسالم‪ ،‬إذا الغاية الثانية‪ :‬حل الناس على أن يكونوا عبادا هلل ¸‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫وهم‬ ‫الغَايَةُ الثَّالثَةُ من اجلهاد يف سبيل هللا تبار وتعاىل‪ :‬يف قول هللا ¸‪َ :‬‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫ين ُكلُّهُ َِللِ﴾ [األنفال‪.]39:‬‬ ‫حىت ال تَ ُكو َن فِتـنةٌ وي ُكو َن ِّ‬
‫الد ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫إذا الغاية الثالثة‪ :‬أن حتمل السال أخي الكرمي وغايتا من حل السال ّأال‬
‫تكون هنا فتنة‪ ،‬هذه الفتنة ال تُزال إال بالقتال‪ ،‬وأما معىن الفتنة هنا يف هذه اآلية‪:‬‬
‫يقول اإلمام أحد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪" :-‬الفتنة أي‪ :‬الشر "‪ ،‬ولكن يقينا ال خيفى‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪9‬‬

‫عليكم أنه ليس من معاو الفتنة يف لغة العرب الشر بأي حال من األحوال‪ ،‬وإمنا‬
‫معىن الفتنة‪ :‬االختبار واالمتحان والتمحيص واالبتالء‪ ،‬هذه هي معاو الفتنة‪ ،‬فكيف‬
‫وهم َحىت ال تَ ُكو َن فِتـنَةٌ﴾‪ :‬حىت ال‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫يقول اإلمام أحد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪َ :-‬‬
‫يكون شر ؛ ألن املعىن اخلامس من معاو الفتنة‪ :‬تعريض اإلنسان على التعذيب‬
‫والعقوبة ِحلَملِ ِه على تر دينه‪ ،‬ودليل ذلا من كتاب هللا ¸‪﴿ :‬يَـوَم ُهم َعلَى النا ِر‬
‫يـُفتَـنُو َن﴾ [الذاريات‪ ،]13:‬ومعىن (يُفتنون) أي‪ :‬يُعرضون؛ إذا من معاو الفتنة‪ :‬عرض‬
‫شيء لشيء‪.‬‬

‫ب الـ ُمسلم حىت ُحي َم َل على تر دينه‪:‬‬ ‫أما الدليل على أن معىن الفتنة أن يُعذ َ‬
‫فقوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن ال ِذين فَـتَـنُوا المؤِمنِني والمؤِمنَ ِ‬
‫ات ُمث َمل يَـتُوبُوا﴾ [الربوج‪،]10:‬‬ ‫ُ ََ ُ‬ ‫َ‬
‫عرضونه على النار‬ ‫وأنت تعلم أن طريقة الفتنة أهنم كانوا يأتون ن آمن باهلل ¸‪ ،‬ويُ ّ‬
‫أصر على دينه كان يُلقى يف النار‪ ،‬وإن تراجع كان ُخيلّى سبيله؛ إذا‬ ‫يف اخلندق‪ ،‬فإن ّ‬
‫معىن الفتنة‪ :‬تعريض اإلنسان للتعذيب‪ ،‬حلمله على تر دينه؛ فالغاية من القتال‪ :‬أن‬
‫تُغلق أماكن التعذيب هذه اليت ُحي َم ُل فيها املسلم على تر دينه‪ ،‬وأعين بذلا‬
‫السجون واملعتقالت يف بالد الطواغيت‪ ،‬وأنت تعلم أن بعض السجون قد نالت‬
‫ُ‬
‫الشهرة ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬كسجن أيب غريب‪ ،‬وسجن امل ّثىن‪ ،‬وسجن باغرام‪ ،‬وسجن‬
‫ُ‬
‫غوانتانامو‪ ،‬هذه أصبحت أمساء مشهورة‪ ،‬علما أن املسجونني يف هذه السجون‬
‫مسلمون حصرا‪ ،‬أما الرافضة فكانت هلم أقسام خاصة هبم يف سجون األمريكان‪.‬‬

‫إذا الغاية من القتال‪ :‬أن تُغلق هذه السجون‪ ،‬وهلذا عندما بدأ الشباب حبمل‬
‫السال ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪ ،-‬وبعد أن استمرت هبم السنني يف اجلهاد كانت من‬
‫نفا هؤالء الذين‬
‫ضمن األعمال اليت قاموا هبا أن جعلوا جزءا من ُههم‪ :‬كيف ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪10‬‬

‫سميهم الرسول ‘‪ :‬العاو‪( ..‬فُ ّكوا العاو)(‪ ،)5‬ولكن عن طريق القتال‪:‬‬ ‫يُ ّ‬
‫وهم َحىت ال تَ ُكو َن فِتـنَةٌ﴾؛ إذا السجون تُغلق بالقتال‪ ،‬وهذا قد ملسناهُ يف‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫َ‬
‫بلدنا ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪ ،-‬فمنذ زمن الشيخ أبو مصعب ‪-‬أسأل هللا تبار وتعاىل‬
‫أن يتقبّلهُ يف عليّني‪ -‬كان من أولويّات اهتماماته يف اجلهاد أن ُيد طريقا للسجون‬
‫بالقتال حىت ُخيرج أولئا املستضعفني من تلا السجون‪ ،‬ورأيتم العمليات اليت‬
‫ُ‬
‫حصلت على السجون‪ ،‬ويف سويعات قليلة َم ّن هللا ¸ على اآلالف منهم وخرجوا‬
‫سمون باألحرار ألهنم ُحِّرُروا من السجن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يف وقت قصري‪ ،‬وهم اآلن يُ ّ‬
‫هذا احلل الذي وضعه هللا ¸ ملنع هؤالء الناس أن يُعذبونا حىت حيملونا على‬
‫تر ديننا‪.‬‬

‫اإلشكالية يف هذه املناطق أين؟‪ ،‬أن هؤالء عندما يعتقلون أحد الـ ُملتزمني بدينه‬
‫من أهل السنة واجلماعة‪ ،‬مث حيملونه على تر دينه هذه مصيبة‪ ،‬بالتعذيب على أن‬
‫حل هبؤالء يف السجون جتدهُ هو بدأ‬ ‫ترت دينا‪ ،‬واإلشكال اآلخر‪ :‬أن من يسمع ا ّ‬
‫ودع السجون‪ ،‬مث بعد ذلا‬ ‫يرتاجع عن كثري من دينه خشية أن يُلقى عليه القبض ويُ َ‬
‫يُ َنزل فيه من العذاب ما أُن ِزل بفالن وفالن وفالن؛ إذا الذي يف داخل السجن ُحيمل‬
‫حل بذلا يعمل على‬ ‫حيل به ما ّ‬
‫على تر دينه‪ ،‬والذي خارج السجن خوفا من أن ّ‬
‫الرتاجع عن كثري من دينه؛ من هنا ينشأ الشر ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬فإذا كان امللتزمون‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وهم َحىت ال‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫يرتاجعون وغريهم لديهم ما لديهم‪ ،‬إذا من هنا قال اإلمام أحد‪َ :‬‬
‫تَ ُكو َن فِتـنَةٌ﴾ قال‪ :‬حىت ال يكون شر ‪.‬‬

‫(‪ )5‬صحيح البخاري‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪11‬‬

‫وهذه اآليات عندما ُجتيل النظر يف السجون تلمسه‪ ،‬فقد ظهرت فئة يف سجون‬
‫عما كانوا عليه من دين‪،‬‬
‫الطواغيت ُعرفوا بالـ ُمرتاجعني‪ ،‬وكتبوا تراجعات‪ ،‬أي‪ :‬تراجعوا ّ‬
‫وهنا أمساء معروفة جاهدوا يف أفغانستان وجاهدوا يف اليمن‪ ،‬ولكن عندما اعتُقلوا‬
‫وش ِّد َد عليهم بالتعذيب‪ ،‬تراجعوا عن املنهاج الذي كانوا عليه‪ ،‬وبدؤوا ينشرون‬ ‫ُ‬
‫الرتاجعات أن هؤالء الطواغيت على صواب وأنكم ُُمطؤون‪ ..‬فأصبحوا مفتونني‬
‫بذواهتم مث أصبحوا فتنة ملن كان خارج السجن ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫حل هللا ¸‪ ،‬فمن أراد أن يعلم أمر هللا تبار وتعاىل إلغالق هذه‬ ‫هذا هو ّ‬
‫وهم﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫السجون وهذه املُعتقالت؛ فاحلل الوحيد‪َ :‬‬
‫يل‪ :‬من تر أمر هللا ¸ ومل يُلزم نفسه هبذه اآلية الكرمية‪ ،‬أمثال هؤالء‬ ‫ي‬
‫ّأما البَد ُ‬
‫يأتون باحللول اليت هي بدائل‪ ،‬فقد وجدنا يف بلدنا بدائل ألمر هللا ¸ وهي‬
‫املظاهرات‪ ،‬والتّشجيب‪ ،‬والتّنديد والتّباكي يف الفضائيّات‪ ،‬هذه كلها كانت بدائل‬
‫ُ‬
‫وهم َحىت ال تَ ُكو َن فِتـنَةٌ﴾‪.‬‬‫عن قول هللا ¸‪﴿ :‬وقَات ُِ‬
‫َ ُ‬‫ل‬
‫وهم﴾‪ ،‬وبني أ ٍ‬
‫ُناس‬ ‫ِ‬ ‫عندما ُجتري ُمقارنة بني أ ٍ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫ُناس استجابوا ألمر هللا ¸‪َ :‬‬
‫جاؤوا بالبدائل‪ ،‬ترى الفارق بينهما؛ هؤالء جعلهم هللا ¸ سببا إلطالق اآلالف من‬
‫السجناء من السجن‪ ،‬وهؤالء ما استطاعوا أن حيموا أنفسهم‪ ،‬بل كانت قُـ ّوة‬ ‫ُّ‬
‫(سوات) تدخل يف وسط املتظاهرين مث يلقوا القبض على من يشاؤوا منهم‪ ،‬مث‬
‫ُ‬
‫يُودعونه السجون‪ ،‬واملادة (‪ )4‬يف انتظاره‪.‬‬

‫إذا هو ما استطاع أن حيمي نفسه‪ ،‬وال يستطيع‪ ،‬ملاذا؟ ألنه جاء ِحبَ ٍل غري حل‬
‫هللا ¸‪ ،‬لو أخذ باحلل الذي أمرنا هللا ¸ به‪ ،‬هذا اجلمع لو استجابوا بإذن هللا كانوا‬
‫سيجعلهم هللا ¸ سببا لفتح كل تلا السجون وإليقاف التعذيب يف تلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪12‬‬

‫السجون؛ إذا هنا حل شرعي‪ ،‬وهنا بدائل عن احلل الشرعي‪ ،‬وملدة سنتني بعد‬
‫حر الصيف برد الشتاء‪ ،‬انتهت املظاهرات إىل ال‬ ‫ٍ‬
‫وحتمل ّ‬ ‫نوم يف الشوارع واألرصفة‪ّ ،‬‬
‫شيء؛ ألن هللا تبار وتعاىل َعلِ َم املشاكل‪َ ،‬و َعلِ َم احللول هلذه املشاكل‪ ،‬فال ميكن‬
‫لفئة تأيت بالبديل عن حل هللا ¸ مث يُوفّق يف مسعاه أو ينتهي إىل نتائج تُرضي هللا‬ ‫ٍ‬
‫تبار وتعاىل؛ إذا هذه الغاية الثالثة من اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬واألمر قد حصل ‪-‬وهلل‬
‫الفضل واملنّة‪.-‬‬
‫الرابيعةُ‪ :‬يف ذات اآلية‪﴿ :‬وقَاتِلُوهم حىت ال تَ ُكو َن فِتـنةٌ وي ُكو َن ِّ‬
‫ين ُكلُّهُ‬
‫الد ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫الغَايَةُ َّ َ‬
‫َِللِ﴾‪ ،‬إذا الغاية الرابعة من حل السال واجلهاد يف سبيل هللا‪ :‬أن تكون كلمة هللا‬
‫كلمة مواز ٍية لكلمة هللا ¸؛ فضال عن أن نرضى أن‬ ‫هي العليا‪ ،‬فال نرضى ألي ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تكون كلمة ٍ‬
‫أحد فوق كالم هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫ين ُكلُّهُ َِللِ﴾‪ ،‬تسعة وتسعني باملائة هلل‪ ،‬واحد باملائة لغري هللا‪ ،‬القتال‬ ‫﴿وي ُكو َن ِّ‬
‫الد ُ‬ ‫ََ‬
‫يستمر‪..‬‬

‫فمن أخذ بأمر هللا ¸‪ ،‬سيُحقق هللا تبار وتعاىل الغاية اليت ذكرها يف هذه‬
‫اآلية‪ ...‬قاتلوهم حىت يكون الدين كله هلل‪ ،‬فإذا استجبنا ألمر هللا ¸‪ ،‬يقينا هذه‬
‫النتيجة ستحصل بإذن هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫إذا احلل الوحيد‪ ،‬احلل الوحيد لتحكيم شرع هللا ¸‪ :‬القتال‪ ،‬من تن ّكب عن‬
‫القتال وجاء بالبدائل‪ ،‬معاذ هللا أن حيقق هللا ¸ على يديه شيئا؛ ألن لو كان هنا‬
‫بديل عن القتال لتحكيم شرع هللا ¸ لبيّنهُ هللا تبار وتعاىل ولبيّنهُ رسول هللا ‘‪،‬‬
‫و ا أن الكتاب والسنة اقتصرا على ذكر هذه الوسيلة الوحيدة؛ إذا نقول للمسلمني‬
‫مجيعا‪ :‬ال جمال أماكم إذا أردمت أن ُحت ّكموا شرع هللا ¸ إال القتال‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪13‬‬

‫وكذلا أقول كما قلت يف السجون‪ ،‬فإن أناسا من املنتسبني لإلسالم أنِفوا أن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وهم﴾‪ ،‬فكان أن أتوا بالبدائل‪ ،‬وكان البديل عند‬ ‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫يأخذوا بأمر هللا ¸‪َ :‬‬
‫أفالطون ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬وليس عند حممد بن عبدهللا ‘‪.‬‬

‫البديل كان يف الدميُقراطية‪ ،‬البديل كان يف االنتخابات‪ ،‬البديل كان يف‬


‫أذل الناس‪،‬‬‫الربملانات‪ ،‬البديل كان يف التصويت على الدستور؛ وهلذا جتدهم هؤالء ّ‬
‫ال يستطيع أن حيمي نفسه فضال عن أن ُحي ّكم شرع هللا ¸‪ ..‬إذا ال الدميُقراطية‬
‫وسيلة إىل حتكيم شرع هللا‪ ،‬وال االنتخابات وسيلة إىل حتكيم شرع هللا تبار وتعاىل‪،‬‬
‫وال الربملانات وسيلة إىل حتكيم شرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وعندما نتح ّدث عن هذه‬
‫سنتوسع إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املسائل يف حينها‬

‫َولَ يك ْن أقُ ُ‬
‫ول َو َعلَى عُ َجالَة‪ :‬أنتم تعلمون َمن الدُّعاة إىل الدميُقراطية‪ ،‬كانوا يف‬
‫بداية األمر احلزب املعروف بـ(احلزب اإلسالمي العراقي)‪ ،‬ولكن يف الـ ُمحاضرات ‪-‬إن‬
‫م ّد هللا ¸ يف عُمري‪ -‬سأقتصر على كلمة‪( :‬احلزب العراقي)‪ ،‬فتعلم أنين أعين‪:‬‬
‫احلزب اإلسالمي العراقي؛ ألنين أستكثر عليهم كلمة اإلسالم‪ ،‬فاألوىل أن يُقال عنهم‬
‫احلزب العراقي‪ ،‬حاهلم كحال احلزب الشيوعي‪ ،‬حاهلم كحال األحزاب األخرى‬
‫املوجودة يف الساحة‪.‬‬

‫هؤالء هم ُدعاة الدميُقراطية‪ ،‬هؤالء هم أتباع أفالطون وليسوا أتباع رسول هللا‬
‫‘؛ ألن هللا ¸ قال للمسلمني إذا أرادوا أن ُحي ّكموا شرع هللا تبار وتعاىل‪:‬‬
‫وهم﴾‪ ،‬أما هؤالء أحدهم ال ميلا سالحا يف بيته فضال عن أن حيمل سالحا‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫َ‬
‫لكي يُقاتل أعداء هللا ¸‪ ..‬اذهب إىل بيت من شئت منهم‪ ،‬ال جتده ميلا إطالقة‬
‫واحدة يف بيته‪ ،‬كيف تنصر دين هللا ¸ وأنت ال متلا سالحا تُدافع به عن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪14‬‬

‫نفسا؟‪ ،‬وجتد الرؤوس منهم ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬كانوا يُهانون على أيدي املجنّدين‬
‫ُ‬
‫واملجنّدات من اجليش األمريكي‪ُ ،‬جمنّدة وضعت رجلها على رأس (حمسن عبداحلميد)‬
‫ُ‬
‫ملدة ربع ساعة! وما استطاع أن يُدافع‪ ،‬أنت ال تستطيع أن تُدافع عن نفسا‪ ،‬كيف‬
‫وهم﴾‪ ،‬وجاؤوا بالبديل‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫تنصر دين هللا ¸؟‪ ،‬ملاذا؟؛ ألهنم تركوا أمر هللا ¸‪َ :‬‬
‫األفالطوو‪ :‬الدميُقراطية واالنتخابات والربملانات وما إىل ذلا‪.‬‬

‫وهؤالء الناس كما تعلم ‪-‬عندما نتكلم عن إخوان مصر سنتوسع يف هذا األمر‪-‬‬
‫العلمانيني‬
‫منذ ‪ 1950‬م إىل يومنا هذا ما وجدوا برملانا إال وجتدهم يُنافسون َ‬
‫ويُنافسون الكفار للوصول إىل موطن احلكم‪ ،‬وخيدعون املسلمني أننا ُسنقيم ُحكم هللا‬
‫¸ من حتت قُـبّة الربملان!‪ ،‬معاذ هللا أن يُقام دين هللا ¸ من حتت تلا ال ُقبب؛ إذ‬
‫بب‪.‬‬‫ال قتال حتت تلا ال ُقبب‪ ،‬وإمنا القتال خارج تلا ال ُقبب ألهل هذه ال ُق ِ‬

‫عالم الغيوب‪ ،‬وهو احلكيم اخلبري‪،‬‬


‫إذا البدائل ال تأيت بنتائج‪ ،‬ألن هللا ¸ وهو ّ‬
‫لو َعلِ َم أن يف الدميُقراطية خريا لنا‪ ،‬ألشار إليها بوسيلة من الوسائل‪ ،‬بآية‪ ،‬حبديث أو‬
‫ما إىل ذلا‪.‬‬

‫رت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وهم﴾‪ ،‬وأن نرت قول رسول هللا ‘‪( :‬أُم ُ‬ ‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫أما أن نرت أمر هللا ¸‪َ :‬‬
‫أو رسول هللا‪ ،‬ويُقيموا الصالة‪ ،‬ويُؤتوا‬ ‫أن أُقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا و ّ‬
‫وهم﴾‪،‬‬ ‫ل‬
‫ُ‬‫الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلا عصموا مين دماءهم وأمواهلم)(‪ ،)6‬نرت أمر هللا ﴿وقَاتِ‬
‫َ ُ‬
‫السلم واملساملة‪ ،‬ونأيت بالبديل‬‫ّ‬ ‫رت‪ ،)...‬مث نلجأ إىل‬ ‫ُ‬ ‫ونرت أمر رسول هللا ‘‪( :‬أ ُِم‬
‫ُ‬

‫(‪ )6‬صحيح ابن حبّان‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪15‬‬

‫األفالطوو! يضحكون على أنفسهم ويقولون نريد أن ُحن ّكم شرع هللا ¸ من خالل‬
‫الربملان! هذا ليس ديننا وليس هنج نبيّنا ‘‪.‬‬
‫ال ِف سبي ي ي‬ ‫الغَايةُ األ ْخرى يمن ي‬
‫القتَ ي‬
‫يل للا‪ :‬يف قول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪َ :-‬‬
‫﴿وَما‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ذ‬‫لَ ُكم َال تُـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل اَللِ والمستضع ِفني ِمن ال ِرج ِال والنِّس ِاء وال ِول َد ِان ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫نا َولِيًّا َواج َعل لنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يَـ ُقولُو َن َربـنَا أَخ ِرجنَا ِمن َٰهذه ال َقريَِة الظامل أَهلُ َها َواج َعل لنَا ِمن ل ُد َ‬
‫صريا﴾ [النساء‪ ،]75:‬إذا أمرنا هللا ¸ أن نُقاتل يف سبيله حىت نكون‬ ‫نا نَ ِ‬ ‫ِمن ل ُد َ‬
‫سببا يف إنقاذ هؤالء املستضعفني يف أرجاء األرض‪.‬‬
‫ُ‬
‫﴿وَما لَ ُكم َال تُـ َقاتِلُو َن﴾‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ي‬
‫َّأما طَ يري َقةُ ا يلنْ َقاذ‪ :‬إذا أخذنا بأمر هللا ¸‪َ :‬‬
‫قاتلوا‪ ،‬فإذا أخذنا بأمر هللا ¸ وقاتلنا‪ ،‬قد نكون سببا يف تيسري السبيل ألولئا‬
‫الـ ُمستضعفني أن يأتوا إلينا‪ ،‬وهذا حاصل ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ -‬كما كان حاصال يف‬
‫زمن رسول هللا ‘‪ ،‬عندما بدأ بالقتال وم ّكن هللا ¸ له يف األرض‪ ،‬بدأ‬
‫املستضعفون من املسلمني يف أرجاء اجلزيرة يُهاجرون إىل مدينة رسول هللا ‘‪،‬‬
‫وكذلا حالنا اآلن عندما بدأ القتال ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ ،-‬بدأ املستضعفون من‬
‫ُ‬
‫امللتزمني بدينهم يف بلدان املسلمني يُهاجرون إلينا‪.‬‬

‫إذا القتال إما أن نكون سببا يف تيسري السبيل ألولئا ليجعلنا هللا ¸ سببا يف‬
‫إنقاذهم‪ ،‬أما إذا تركنا القتال‪ ،‬يقينا ال يهاجر إلينا أحد وال يأيت إلينا أحد‪ ،‬ه ِذهِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُول‪.‬‬‫الو يسيلَةُ األ َ‬
‫َ‬
‫الو يسيلَةُ الثَّانييةُ‪ :‬أن تُقاتل هؤالء الطُّغاة الظّلَ َمة الذين يظلمون املستضعفني من‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫شرهم عن املستضعفني‬ ‫فتكف ّ‬
‫ّ‬ ‫املسلمني يف األرض‪ ،‬مث حتملهم على اعتناق اإلسالم‬
‫شرفها هللا‬
‫يف األرض‪ ،‬وهذا الذي حصل يف زمن رسول هللا ‘ عندما فتح مكة ‪ّ -‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪16‬‬

‫تعاىل وعظّمها‪ ،-‬فإن املستضعفني يف م ّكة كانوا يف داخلها لكن بعد الفتح أصبحوا‬
‫ُِ‬
‫أحرارا ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪.-‬‬

‫ث عبدهللا بن عبّاس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال أنا كنت من املستضعفني وأمي‬ ‫حدي ُ‬


‫أيضا كانت من املستضعفني من النساء‪.‬‬

‫شرهم‬
‫كف ّ‬‫إذا تُقاتل حىت حتمل هؤالء على اإلسالم‪ ،‬فإذا اعتنقوا اإلسالم سيُ ّ‬
‫عن املستضعفني من املسلمني يف مناطقهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫الو يسيلَةُ الثَّاليثَةُ‪ :‬أن تُقاتل حىت ُخترج هؤالء وتكون سببا يف إنقاذ‬
‫ًأما َ‬
‫املستضعفني من املسلمني‪ ،‬وهذا حصل يف هذه الوالية املباركة ‪-‬نسأل هللا تبار‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتعاىل أن حيرسها وأن حيرس أهلها باخلري‪ ،‬وأن يُتِم لنا مجيعا بالصاحلات‪ ،-‬فعندما‬
‫بدأ القتال والظلمة كانوا يستضعفوننا ويستضعفونكم‪ ،‬وقد مسعت كثريا من القصص‬
‫وكثريا من األمثال ماذا كان يفعل هؤالء بأهل هذه الوالية وكذلا يف باقي املدن‪،‬‬
‫وصل األمر برجل كبري يف السن أن قال ‪" :‬وهللا لو طال بنا األمد‪ ،‬أحدهم كان‬
‫تعرض لعرضي ما كنت أستطيع أن أفعل شيئا"‪ ،‬وذكر رجل آخر كان يأتيين‪،‬‬ ‫إذا ّ‬
‫قال‪" :‬يأيت اجلندي‪ ،‬ويطرق بايب يف الساعة الثانية بعد منتصف الليل‪ ،‬وأخرج وعندما‬
‫ُيدو أمامه‪ ،‬يقول إذا عندكم حبوب لوجع الراس فإنين أعاو من صداع‪ ،‬يقول أنا‬
‫أعلم أن األمر كذب‪ ،‬وإمنا طرق الباب حىت خترج له امرأة يف ذلا الوقت املتأخر من‬
‫الليل"!‬

‫إذا الظلمة كانوا يستضعفون أهل السنة‪ ،‬لكن بالقتال ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪-‬‬
‫أزاحهم هللا ¸‪ ،‬فكان اجملاهدون سببا يف إنقاذ هؤالء املستضعفني من هؤالء‬
‫ُ‬
‫الظلمة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪17‬‬

‫ني ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿وَما لَ ُكم َال تُـ َقاتلُو َن ِيف َسبِ ِيل اَلل َوال ُمستَض َعف َ‬
‫إذا الغاية من القتال َ‬
‫ال ِرج ِال والنِس ِاء وال ِولد ِان ال ِذين يـقولُو َن ربـنا أَخ ِرجنا ِمن ٰه ِذهِ القري ِة الظ ِ‬
‫امل أَهلُ َها‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬ ‫َّ َ َّ َ َ‬
‫واجعل لنا ِمن لد ِ‬
‫صريا﴾‪ ،‬هذه غاية‪.‬‬ ‫نا نَ ِ‬‫نا َوليًّا َواج َعل لنَا ِمن ل ُد َ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫يكف هللا ¸ عنّا بأس الكفار‪ ،‬بالقتال‬ ‫اك غَايَةٌ أ ْخ َرى‪ :‬نُقاتل‪ ،‬بالقتال ّ‬ ‫ُهنَ َ‬
‫يكف هللا ¸ عنّا‪ ،‬عن املسلمني بأس ال ُك ّفار‪ ،‬دليل ذلا يف قول هللا تبار وتعاىل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َع َسى اَللُ أَن يَ ُكف‬ ‫ف إِال نَـف َس َ‬
‫ا َو َحِّر ِ‬
‫ض ال ُمؤمن َ‬ ‫﴿فَـ َقاتل ِيف َسبِ ِيل اَلل َال تُ َكل ُ‬
‫َش ُّد بأسا وأ َ ِ‬ ‫بأ ِ‬
‫َش ُّد تَنكيال ۝ من يَش َفع َش َف َ‬
‫اعة َح َسنَة يَ ُكن لهُ‬ ‫ين َك َف ُروا َواَللُ أ َ َ َ‬‫س الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫صيب ِمنـها ومن يش َفع ش َفاعة سيِئة ي ُكن له كِفل ِمنـها وَكا َن اَلل علَى ُك ِل شيءٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ ٰ ّ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ ُ ٌ ّ َ َ‬ ‫نَ ٌ ّ َ َ َ َ‬
‫ُّم ِقيتا﴾ [النساء‪.]85-84:‬‬

‫اجلصاص ‪ -¬-‬يف تفسريه‪" :‬أمر هللا تبار وتعاىل نبيّه باجلهاد‬ ‫يقول اإلمام ّ‬
‫يف هذه اآلية من وجهني‪ :‬أمره بالقتال واحلضور يف القتال بنفسه‪ ،‬مث أمره باجلهاد‬
‫بتحريض املؤمنني على القتال"‪.‬‬

‫رطيب ‪ -¬-‬يف تفسريه‪" :‬أمر هللا ¸ رسوله بالقتال حىت لو‬ ‫ويقول اإلمام ال ُق ّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾"‪.‬‬ ‫ف إِال نَـف َس َ‬
‫ا ۚ َو َحِّر ِ‬
‫ض ال ُمؤمن َ‬ ‫كان لوحده ﴿فَـ َقاتل ِيف َسبِ ِيل اَلل َال تُ َكل ُ‬
‫وهذا سيكون دوركم بإذن هللا تعاىل‪ ،‬أن تقاتلوا يف سبيل هللا وأن ُحتّرضوا الناس أيضا‬
‫على القتال يف سبيل هللا‪.‬‬

‫وحرضنا اآلخرين على القتال‪ ،‬هذا العمل الذي نقوم به سيكون سببا‬ ‫فإذا قاتلنا ّ‬
‫َش ُّد‬ ‫يف كف بأس الذين كفروا عنّا ﴿عسى اَلل أَن ي ُكف بأ ِ‬
‫ين َك َف ُروا ۚ َواَللُ أ َ‬
‫س الذ َ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ّ‬
‫وجبَة‪،‬‬‫نكيال﴾‪ ،‬وكما تعلم أ ّن ﴿عسى﴾ يف القرآن كما يقول املفسرون م ِ‬ ‫َش ُّد تَ ِ‬
‫ُ ّ ُ‬ ‫ََ‬ ‫بَأسا َوأ َ‬
‫﴿ع َسى﴾‪ ،‬وهذا الذي‬ ‫﴿ع َسى﴾ فإنه ُحي ّقق ما ذكرهُ ما بعد َ‬
‫أي‪ :‬إذا قال هللا ¸‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪18‬‬

‫كف هللا ¸ بأس اجليش‬ ‫ِ‬


‫حصل ‪-‬وهلل الفضل واملنة‪ -‬عندما بدأ اجلهاد يف العراق‪ّ ،‬‬
‫األمريكي عن املسلمني‪ ،‬ال يستطيع اآلن جندي واحد أن يدخل أي بقعة من بالد‬
‫ومتوالية من قادة أمريكا‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم ‪-‬وهلل الفضل واملنة‪ ،-‬وهلذا جتد التصرحيات ُمتتالية ُ‬
‫كف بأسهم‬‫أننا لن ندخل العراق وال الشام جبنود مشاة‪ ،‬ال ُميكن؛ ألن هللا ¸ قد ّ‬
‫عنّا عندما بدأنا بقتاهلم ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪.-‬‬

‫وهذه الطائرات سيك ّفها هللا ¸ عنّا طاملا أخذنا باألسباب اليت أمرنا هللا ¸ هبا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سيكف‬
‫ّ‬ ‫وحرضنا‬
‫ض﴾‪ ،‬إذا قاتلنا ّ‬ ‫ف إِال نَـف َس َ‬
‫ا ۚ َو َحِّر ِ‬ ‫﴿فَـ َقاتل ِيف َسبِ ِيل اَلل َال تُ َكل ُ‬
‫ضُّروُكم إِال‬
‫هللا ¸ عنّا بأس هذه القوة اليت ال تُساوي شيء بإذن هللا تعاىل‪﴿ ..‬لَن يَ ُ‬
‫أَذى﴾ [آل عمران‪ ]111:‬ليس أكثر؛ إذا هذه أيضا غاية من غايات القتال يف‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫ى‪ :‬إرهاب أعداء هللا ¸‪ُ ،‬جتاهد حىت تُرهبهم‪ ،‬يقول هللا تبار‬ ‫اك غَايةٌ أ ْخ َر َ‬‫ُهنَ َ‬
‫اط اخلي ِل تُـرِهبو َن بِِه ع ُدو ِ‬
‫اَلل‬ ‫َع ُّدوا َهلم ما استَطَعتُم ِمن قُـوةٍ وِمن ِرب ِ‬ ‫وتعاىل‪﴿ :‬وأ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ين ِمن ُدوهنِِم َال تَـعلَ ُمونَـ ُه ُم اَللُ يَـعلَ ُم ُهم﴾ [األنفال‪ ،]60:‬إذا إذا أعددنا‬ ‫آخ ِر َ‬
‫َو َع ُدوُكم َو َ‬
‫القوة وبدأنا باجلهاد‪ ،‬هللا ¸ يُدخل الرهبة يف قلوب الكفار منّا‪( ،‬أال إن القوة الرمي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أال إن القوة الرمي‪ ،‬أال إن القوة الرمي) كما عند اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫الرعب يف قلوب هؤالء‬ ‫إذا باإلعداد للقتال وبتهيئة أنفسنا للقتال يُدخل هللا ¸ ُّ‬
‫ص ُدوِرِهم ِّم َن‬
‫َش ُّد َرهبَة ِيف ُ‬
‫﴿ألَنتُم أ َ‬
‫الناس‪ ،‬ونكون من أهل من قال هللا ¸ فيهم‪َ :‬‬
‫اَللِ﴾ [احلشر‪ ،]13:‬جرد أن تتمثّل نهاج رسول هللا ‘‪ ،‬وبالدين الذي جاء به من‬
‫هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ ،-‬وأنت أعزل ال متلا شيء‪ ،‬وهللاِ خيافون منا أكثر مما خيافون‬
‫﴿ألَنتُم﴾ ما ذكر مع أنتم أي شيء آخر‪ ،‬ال ذكر‬
‫من هللا؛ ألن هللا ¸ عندما قال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪19‬‬

‫﴿ألَنتُم﴾‪ ،‬أي‪ :‬بذواتكم‪ ،‬خيافون منكم أكثر‬


‫سالحا وال عددا وال عدة‪ ،‬وإمنا قال‪َ :‬‬
‫مما خيافون من هللا ¸‪.‬‬

‫إذا نُقاتل حىت نُرهب هؤالء‪ ،‬وهذا األمر حصل ‪-‬وهلل األمر واملِنة‪ ،-‬فقد جعل‬
‫هللا ¸ على ألسنة هؤالء أن مسّوا الـ ُمجاهدين (إرهابيني)‪ ،‬ما مكن أن خيتاروا كملة‬
‫عربوا عنه‬
‫أخرى‪ ،‬ألن هذا الذي وجدوه يف صدورهم‪ ،‬وما يكون يف صدورهم ّ‬
‫بألسنتهم‪ ،‬فقالوا أنتم إرهابيون‪ ،‬لو قلنا حنن أننا أرهبنا هؤالء الكفار‪ ،‬كان من الناس‬
‫يشا يف قولنا‪ ،‬قد وقد‪ ،‬أما أن يأيت من نُقاتلهُ يقول "أنت تُرهبين"؛ إذا هنا‬ ‫من ّ‬
‫ص ُدوِرِهم ِّم َن اَللِ﴾‪.‬‬
‫َش ُّد َرهبَة ِيف ُ‬
‫﴿ألَنتُم أ َ‬
‫مصداق قول هللا ¸‪َ :‬‬
‫هذه أيضا غاية من غايات اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬أن تُرعب أعداء هللا ¸ وأنت‬
‫جالس يف موطنا‪ ،‬وقو وأنت جالس يف موطنا‪ ،‬إشارة إىل حديث رسول هللا‬
‫‘ عند اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬عن جابر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫بالرعب مسرية‬
‫عطه ّن أحد قبلي‪ :‬نُصرت ُّ‬ ‫رسول هللا ‘‪( :‬أُعطيت مخسا مل يُ ُ‬
‫شهر‪ ،)...‬حنن يف ٍ‬
‫طرف من ال ُكرة األرضية وأمريكا يف الطرف اآلخر‪ ،‬ولكن من‬
‫هنا يُعلنون أن هؤالء إرهابيون‪ ،‬فصدق فينا قول هللا ¸‪ ،‬وصدق فينا ‪-‬وهلل الفضل‬
‫واملِنة‪ -‬قول رسول هللا ‘‪ ،‬ولكن بشرط‪ :‬أن نأخذ ا جاء يف ديننا‪.‬‬

‫﴿وَما أَر َسلنَا َ إِال‬ ‫األخريةُ يمن اجليه ي‬


‫اد ِف َسبي ي‬ ‫والغَايةُ ي‬
‫يل للا‪ :‬أن هذا الدين رحة َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اس بَ ِشريا َونَ ِذيرا﴾‬‫﴿وَما أَر َسلنَا َ إِال َكافة لِّلن ِ‬
‫ني﴾ [األنبياء‪َ ،]107:‬‬
‫ِ ِ‬
‫َرحَة لّل َعالَم َ‬
‫وص َل هذا الدين ألوصله‪ ،‬فكان‬ ‫[سبأ‪ ،]28:‬إذا هذا الدين رحة‪ ،‬هللا ¸ لو شاء أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫من مشيئته تبار وتعاىل أن حّلنا أمانة إيصال هذا الدين إىل األطراف األخرى‪ ،‬إىل‬
‫بالرسالة كان ال ينام‪،‬‬ ‫البلدان األخرى‪ ،‬القعود ال ُُيدي‪ ،‬الرسول ‘ عندما ُكلّف ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪20‬‬

‫قالت له أ ُّمنا خدُية ‪ ~-‬وأرضاها‪ -‬أال تنام يا رسول هللا؟ قال‪( :‬ذهب أوان النوم‬
‫يا خدُية)(‪.)7‬‬

‫وص َل هذه الرحة إىل هؤالء‬ ‫هذه رحة‪ ،‬هذا الدين رحة‪ ،‬مأمور أنا وأنت أن نُ ِ‬
‫الم ِدينا فَـلَن يـُقبَ َل ِمنهُ َوُه َو ِيف‬
‫الناس حىت نكون سببا إلنقاذهم ﴿ومن يـبتَ ِغ َغيـر ا ِإلس ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪ ،]85:‬هذه اآلية ال يعلمها اليهود‪ ،‬هذه اآلية ال‬ ‫اآلخَرة م َن اخلَاس ِر َ‬
‫يعلمها النصارى‪ ،‬هذه اآلية أعلمها أنا وأنت‪ ،‬ونعلم من حال الناس ما خيفى‬
‫عليهم‪ ،‬ولو بقوا على ما هم عليه فهم من اخلاسرين ومن أصحاب النار؛ إذا نعمل‬
‫على إنقاذهم‪ ،‬ولكن ال ميكن أن نكون سببا يف إنقاذ هؤالء ألن هؤالء الطواغيت‬
‫كما تعلم هلم جيوش وهلم قوة حتول بيننا وبني الوصول إىل من ورائهم‪ ،‬فنحتاج إىل‬
‫القوة وحنتاج إىل اإلعداد‪ ،‬حىت إذا أردنا أن حنمل هذا الدين إىل البلدان الـ ُمحيطة بنا‬
‫مث منعتنا جيوش الطواغيت من الدخول‪ ،‬نقاتلهم ونسأل هللا تبار وتعاىل أن ينصرنا‬
‫عليهم‪ ،‬فإذا جتاوزنا هذه القوة الطاغوتّية عند ذلا إيصال هذه الرحة إىل من ورائهم‬
‫يكون سهال‪.‬‬

‫مثل ذلا ما حصل يف األندلس‪ ،‬عندما دخل القادة بالد األندلس‪ ،‬القوة اليت‬
‫كانت يف بالد األندلس وقفت أمام هذه الرحة‪ ،‬لكن م ّكن هللا ¸ طارق بن زياد‬
‫‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬و ن كان معه من اجملاهدين من إخوانه‪ ،‬مت ّكنوا‪ ،‬تغلّبوا على‬
‫القوة‪ ،‬وبعد ذلا فُتِ َحت األمصار أمامهم‪ ،‬فاعتنق أهل األندلس اإلسالم يف‬‫هذه ّ‬
‫ب إىل اخلليفة األموي يف ذلا أن أهل األندلس اعتنقوا اإلسالم‬ ‫ِ‬
‫شهرين‪ ،‬وعندما ُكت َ‬
‫يف شهرين‪ ،‬قال هذا حشر‪.‬‬

‫(‪« )7‬مل جند خترُيا للحديث‪ ..‬وهللا أعلم»‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪21‬‬

‫الرحة إىل‬ ‫ِ‬


‫إذا الغاية من اجلهاد أن نُزيل هذه القوى حىت نُوص َل هذا الدين وهذه ّ‬
‫من ورائهم‪ ،‬أما مع وجود الطاغوت‪ ،‬مع وجود وزارة الدفاع والداخلية واالستخبارات‬
‫واجلواسيس‪ ،‬ال ميكن أن نُ ِ‬
‫وص َل إن مل منلا قوة إلزاحتهم‪ ،‬أما بالدعوة والدُّعاة ما‬
‫غري شيئا‪ ،‬حتتاج إىل قتال وحتتاج إىل جهاد‪.‬‬
‫تستطيع أن تُ ّ‬
‫هذه هي الغايات يف اجلهاد‪ ،‬وهذا ما م ّكنين هللا ¸ من اإلشارة إليه‪ ،‬وجزاكم‬
‫هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪22‬‬
‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الثا ِني‬‫الدر‬
‫ْ ُ َ ْ ُ َّ‬
‫الط َ‬
‫اع ِة‬ ‫الشرك و ِشرك‬
‫ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق ًّ‬
‫حقا وأعنّا على‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫الباط َل باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫اتّ ِ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بِعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم ّ‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم إو أسألا علما نافعا‪ ،‬وقلبا خاشعا‪،‬‬ ‫وُ‬
‫وجسدا على البالء صابرا‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪ ،‬وال جتعل‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فيه نصيبا ٍ‬

‫درسـنا هلــذا اليــوم إن شــاء هللا تعــاىل بدايــة عــن شــر الطاعــة‪ ،‬فــأقول ُمســتعينا بــاهلل‬
‫ب من ُجزئني‪ :‬شر ‪ ،‬وطاعة‪ ،‬فما تعريف الشر ؟‪،‬‬ ‫¸‪ :‬هذا االسم كما تعلم أنه ُمرّك ٌ‬
‫وما تعريف الطاعة؟‪ ،‬وما تعريف شر الطاعة؟‬

‫ِّ ْر يك‪ :‬جــاء يف حــديث عبــدهللا بــن مســعود ‪ ¢-‬وأرضــاه‪ -‬أنــه ســأل‬‫تَ ْع يري ُ ال يّ‬
‫أي الــذنب أعظـم؟‪ ،‬قــال الرســول ‘‪( :‬أن جتعـل هلل نـِـدًّا وهــو‬
‫رسـول هللا ‘‪ ،‬وقــال‪ُّ :‬‬
‫(‪)8‬‬
‫خلقــا) ‪ .‬ومعــىن النــد‪ّ :‬‬
‫الشــبيهُ واملثيـ ُـل والنّظــري‪ ،‬فمــن جعــل هلل نــدًّا يف ربوبيّتــه فقــد‬
‫أشــر ‪ ،‬ومــن جعــل هلل نــدًّا شــبيها يف ألوهيّتــه فقــد أشــر ‪ ،‬ومــن جعــل هلل نــدًّا يف أمسائــه‬
‫وصفاته فقد أشر ‪ .‬إذا هذا تعريف الشر ‪.‬‬

‫(‪ُ )8‬متفق عليه‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪23‬‬

‫َّأما الطَّ َ‬
‫اعةُ‪ :‬معىن هذه الكلمة عند أهلها (عند العرب) عىن‪ :‬االنقياد‬
‫واخلضوع‪.‬‬
‫أما تَ ع يري ُ يشر يك الطَّ ي‬
‫اع ية فهو‪ :‬اإلقرار بال ّدساتري والقوانني الوضعية‪ ،‬واألعراف‬ ‫ْ‬ ‫ّ ْ‬
‫العشائريّة‪.‬‬

‫أقر هبذه ال ّدساتري اليت ُحيكم هبا العباد والبالد‪ ،‬والقوانني التابعة للدساتري‪،‬‬
‫فمن ّ‬
‫سمى‪ :‬شر‬‫وكذلا األعراف العشائريّة‪ ،‬فقد أشر باهلل ¸‪ .‬ونوع الشر هنا يُ ّ‬
‫طاعة‪ ،‬وقبل الدخول إىل االستدالل على هذا النوع من الشر ‪ ،‬ال بد من اإلشارة‬
‫إىل‪:‬‬
‫ْ‬
‫اإلن َسان َي َ‬
‫وم الق َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ُ َّ‬
‫يام ِة؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫في‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ك‬‫ر‬ ‫الش‬ ‫ماذا يع ِني وجود‬
‫يرتتّب على وجود الشر يف سجل اإلنسان يوم القيامة ثالث مسائل‪:‬‬

‫ذنب غري قابل‬ ‫ُول‪ :‬أن هذا النوع من الذنب ال يغفره هللا ¸‪ٌ ،‬‬ ‫ال َم ْسألَةُ األ َ‬
‫للمغفرة‪ ،‬آية سورة النساء يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن اَللَ َال يَـغ ِف ُر أَن يُشَرَ بِِه‬
‫قابل للمغفرة‪ ،‬حتت‬ ‫ويـغ ِفر ما دو َن َٰذلِ ِ‬
‫ا ل َمن يَ َشاءُ﴾ [النساء‪]48:‬؛ إذا دون الشر ٌ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ ُ‬
‫قابل للمغفرة من هللا ¸ جزما‪﴿ ..‬إِن اَللَ َال يَـغ ِف ُر أَن يُشَرَ‬ ‫املشيئة‪ ،‬أما الشر فغري ٍ‬
‫ا لِ َمن يَ َشاءُ﴾‪ ،‬هذه املسألة األوىل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِِه َويَـغف ُر َما ُدو َن َٰذل َ‬
‫ّأما ال َم ْسألَةُ الثّانييةُ‪ :‬وجود الشر يف سجل اإلنسان ‪-‬أعاذنا هللا ¸ وإياكم‬
‫منه‪ -‬يعين‪ :‬حبوط ثواب أعماله‪ ،‬أي أن هذا اإلنسان الذي أشر باهلل ¸ (شر‬
‫دعاء‪ ،‬شر طاعة‪ ،‬شر حمبة‪ ،‬شر إرادة وقصد‪ ،‬شر تعطيل‪ ،‬شر متثيل‪ ،‬شر‬
‫سم من هذه الشركيّات ما شئت‪ ،‬إذا ُوِج َد يف سجلِّ ِه‬ ‫ِ‬
‫شفاعة‪ ،‬شر خوف‪ّ )...‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪24‬‬

‫تدر عليه باحلسنات‪ ،‬كأن يكون من الـ ُمنتسبني إىل اإلسالم‬ ‫شر ‪ ،‬وله أعمال كانت ُّ‬
‫كان يصوم ويصلي وحيج ويعتمر‪ ،‬بل قد يكون حافظا لكتاب هللا ¸‪ ،‬فهذه‬
‫األعمال هلا حسنات لكن وجود الشر يُبطل ثواب كل هذه األعمال‪ ،‬ودليل ذلا‬
‫من كتاب هللا ¸ كما يف سورة األنعام‪ ،‬فاهلل تبار وتعاىل ذكر مثانية عشر نبيًّا‬
‫﴿ولَو أَشَرُكوا َحلَبِ َ‬
‫ط َعنـ ُهم‬ ‫باالسم‪ ،‬مث يف هناية هذا السرد بتلا األمساء املُباركة قال‪َ :‬‬
‫ط أي بَطُ َل ثواب أعماهلم‪ .‬وكذلا قال‬ ‫ما َكانُوا يَـع َملُو َن﴾ [األنعام‪ ،]88:‬ومعىن َحبِ َ‬
‫ا﴾ [الزمر‪ ،]65:‬وحاشا ألنبياء هللا‬ ‫ت لَيَحبَطَن َع َملُ َ‬ ‫ِ‬
‫عن رسول هللا ‘‪﴿ :‬لَئن أَشَرك َ‬
‫أن يُشركوا باهلل ¸‪ ،‬وحاشا لرسول هللا ‘ أن يُشر باهلل تبار وتعاىل؛ وإمنا هذا‬
‫خطاب لألمة من خالل األنبياء‪.‬‬

‫أفهم من هذه اآليات‪ :‬أن اإلنسان مهما بلغت منزلته عند هللا ¸ (كمنزلة‬
‫النبوة وما إىل ذلا)‪ ،‬فإذا ُوِج َد شر فإن هذه املنزلة ال تشفع لصاحبها بأي حال‬
‫ّ‬
‫من األحوال‪ ،‬ألن الشر ذنب ال يغفر هللا ¸‪ ،‬وهنا يأيت السؤال‪ :‬هللا تبار وتعاىل‬
‫عادل‪ ،‬فإذا كان هذا اإلنسان أشر باهلل ¸ نوع شر ‪ ،‬ولكن كانت له أعمال فيها‬
‫حسنات كما ذكرت‪ ،‬فكيف تكون عدالة هللا ¸ مع هذه األعمال اليت فيها‬
‫حسنات وهذا الشر الذي أبطل ثواب هذه األعمال؟‬

‫اإلجابة يف حديث رسول هللا ‘‪ :‬قال‪( :‬وأما الكافر فَـيُطعم حبسناته يف الدنيا‪،‬‬
‫فإذا أفضى إىل اآلخرة مل ت ُكن له حسنة يُعطى هبا خريا)(‪)9‬؛ إذا ُمقابل هذه األعمال‬
‫اليت هي أعمال حسنة‪ ،‬هللا تبار وتعاىل حكم أنه ال يبقى له شيء يوم القيامة‬
‫عوضه هللا تبار وتعاىل أمور‬ ‫بسبب وجود الشر ‪ ،‬لكن ُمقابل هذه األعمال احلسنة يُ ّ‬

‫(‪ )9‬صحيح ابن حبّان‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪25‬‬

‫دنيا‪ ،‬قد يكون يف املال‪ ،‬قد يكون يف الزوجة‪ ،‬قد يكون يف الصحة وما إىل ذلا‪،‬‬
‫املهم أنه ال حسنة له يف سجلّ ِه يوم القيامة‪ ،‬ألن الشر ُحيبط ثواب العمل‪ .‬هذه‬
‫املسألة الثانية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫حرم هللا ¸ عليه دخول‬ ‫ّأما ال َم ْسألَةُ الثّالثةُ‪ :‬من ُوج َد يف سجلّه شر فقد ّ‬
‫اجلنة‪ ،‬اآلية الكرمية يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِنهُ َمن يُش ِر بِاَللِ فَـ َقد َحرَم اَللُ َعلَي ِه‬
‫َنصا ٍر﴾ [املائدة‪﴿ ،]72:‬إِنهُ َمن يُش ِر بِاَللِ فَـ َقد‬ ‫اجلنةَ ومأواه النار وما لِلظالِ ِم ِ‬
‫ني من أ َ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ ُ ُ ََ‬
‫َحرَم اَللُ َعلَي ِه اجلَنةَ َوَمأ َواهُ الن ُار﴾‪ ،‬أنت تعلم أن الدار يف اآلخرة إما دار نعيم‪ ،‬وإما‬
‫حرم على من كان‬ ‫دار عذاب وعقاب‪ ،‬ال توجد دار أخرى؛ فطاملا أن هللا ¸ قد ّ‬
‫عنده شركيّات دخول اجلنة‪ ،‬إذا ليس له إال النار ‪-‬والعياذ باهلل‪﴿ ،-‬إِنهُ َمن يُش ِر‬
‫قرر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫باَلل فَـ َقد َحرَم اَللُ َعلَيه اجلَنةَ َوَمأ َواهُ الن ُار﴾‪ ،‬فإذا أحطنا علما هبذه اآليات اليت تُ ّ‬
‫مصري اإلنسان بني يدي هللا ¸؛ إذا من هنا ُيب أن يكون تدقيقنا ومتحيصنا‬
‫ملسألة الشر ‪ ،‬وُيب أن ُحنيط فرداهتا ومسائلها ودقائقها‪ ،‬ألنين إذا جنوت من هذا‬
‫الذنب فما دون هذا الذنب قابل للمغفرة‪ ،‬املهم أنين أجنو من الشر األكرب‪ ،‬طبعا‬
‫حديثي كله يدور عن الشر األكرب وال يتطرق حديثي إىل الشر األصغر‪.‬‬

‫إذا ينبغي أن أعلم التفاصيل عن شر الدعاء‪ ،‬ينبغي أن أعلم التفاصيل عن‬


‫تربأت من هذه الشركيّات أم ال؟؛ ألن‬
‫شر الطاعة‪ ،‬مث بعد ذلا أسأل نفسي‪ :‬هل ّ‬
‫اإلنسان إذا دخل النار وهو غري مشر باهلل ¸‪ ،‬فإنه سيخرج بإذن هللا تعاىل؛ ألن‬
‫اإلنسان قد يدخل النار بسبب الذنوب واملعاصي‪ ،‬لكن يف هناية األمر هللا تبار‬
‫مين عليهم وخيرجون‪ ،‬إذا املهم ّأال يكون عندي شر ‪ ،‬حىت لو دخلت النار‬
‫وتعاىل ُّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪26‬‬

‫أأمن برحة هللا ¸ أنين ال أُخلّد يف النار‪ ،‬من هنا ُيب أن يكون االهتمام سألة‬
‫الشر بدقائقها وبتفاصيلها و سائلها‪ ،‬نأيت اآلن إىل موضوعنا‪:‬‬
‫يشر ُك الطَّ َ ي‬
‫اعة قُلْنَا‪ :‬اإلقرار‪ ،‬من ّ‬
‫أقر هبذه القوانني وهلذه الدساتري بأن ُيوز احلكم‬ ‫ْ‬
‫هبذه القوانني أو ُحن َكم هبذه القوانني‪ ،‬هذا أشر باهلل ¸‪ ،‬دليل ذلا من كتاب هللا‬
‫﴿وَال تَأ ُكلُوا ِمما َمل يُذ َك ِر اس ُم‬
‫تبار وتعاىل‪ :‬يقول هللا ¸ يف [سورة األنعام‪َ :]121:‬‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وهم‬‫وحو َن إِ َ ٰىل أَوليَائ ِهم ليُ َجادلُوُكم َوإِن أَطَعتُ ُم ُ‬ ‫اَلل َعلَيه َوإِنهُ لَفس ٌق َوإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬
‫إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾‪ ،‬وقبل الدخول يف تفاصيل هذه اآلية‪ ،‬ال بد من اإلحاطة بسبب‬
‫نزول هذه اآلية؛ ألن معرفة سبب النزول يُعينا على فهم اآلية‪.‬‬

‫‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬ ‫أما سبب نزول هذه اآلية‪ :‬فالرواية عند اإلمام الرتمذي‬
‫‘‪ ،‬قالوا‪ :‬نأكل ما‬ ‫ُناس النيب‬
‫قال‪ :‬عن ابن عبّاس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪" :‬أتى أ ٌ‬
‫ِمما َمل يذ َك ِر اسم اَللِ‬ ‫﴿وَال تَأ ُكلُوا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نقتل‪ ،‬وال نأكل ما قتل هللا؟! فأنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫(‪)10‬‬
‫َعلَي ِه‪."﴾...‬‬

‫ُناس النيب‬
‫أما ابن كثري ذكر رواية‪ :‬عن ابن عبّاس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪" :‬أتى أ ٌ‬
‫﴿وَال تَأ ُكلُوا ِمما َمل يُذ َك ِر اس ُم اَللِ َعلَي ِه‪- ،﴾...‬قال‪ -:‬قال‬
‫عندما أنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫اجملوس لقريش‪ :‬خاصموا ُحم ّمدا وقولوا‪ :‬ما تذبح أنت بسكني فهو حالل‪ ،‬وما ذبح‬

‫(‪ )10‬وقال اإلمام الرتمذي عن هذا احلديث‪[ :‬حسن غريب]‪ .‬هذه من مفردات اإلمام‬
‫الرتمذي‪ ،‬وكذلا ذكره ابن العريب ‪ ¬-‬تعاىل‪ -‬هبذه الصيغة يف تفسريه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪27‬‬

‫﴿وإِن‬
‫هللا بشمشري من ذهب ‪-‬يقصدون امليتة‪ -‬فهو حرام؟‪ ،‬فأنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾"‪.‬‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وحو َن إِ َ ٰىل أَوليَائ ِهم ليُ َجادلُوُكم َوإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫ني لَيُ ُ‬
‫الشيَاط َ‬
‫سبب النزول ورد عن ابن أيب حامت ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ُ -‬مرسال عن سعيد بن‬
‫جبري‪ ،‬قال‪" :‬إن اليهود خاصموا النيب ‘"‪ ،‬ورواية أيب داوود ُموصلة عن سعيد بن‬
‫جبري‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -¢-‬قال‪" :‬أن اليهود خاصموا النيب ‘"‪ ،‬إذا اآلن‬
‫استج ّدت لنا روايتني تقول أن اليهود هم الذين خاصموا وليس اجملوس علّموا ُمشركي‬
‫مكة‪.‬‬

‫رد الرواية اليت تقول أن اليهود هم كانوا مبعث‬


‫ابن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ّ -‬‬
‫السؤال‪ ،‬فقال‪ :‬ويف املسألة نظر من ثالثة وجوه ‪-‬أي أن اليهود هم الذين خاصموا‪،‬‬
‫هذه املسألة فيها نظر من ثالثة وجوه‪:-‬‬

‫األو ُل‪ :‬إن اليهود حيرمون امليتتة فكيف خياصمون النيب ‪ ‬يف امليتة؟!‪ ،‬فال‬
‫الوجهُ ّ‬
‫َ‬
‫ميكن أن يكون اليهود هم الذين خاصموا النيب ‪ ‬يف هذه املسألة‪ ،‬هذا الرد األول‬
‫بالنسبة البن كثري‪ .‬أما الرد الثاو‪ ،‬قال‪ :‬اآلية م ّكيّة ‪-‬أي أهنا نزلت يف مكة‪ ،‬وأنت‬
‫شرفها هللا تعاىل وعظّمها ما كان يوجد وال يهودي واحد‪ .-‬مث ذكر‬ ‫تعلم أن يف مكة ّ‬
‫سببا ثالثا ابن كثري ‪ ،-¬-‬قال‪ :‬والرواية ذُكرت عن الرتمذي بصيغة أن أُناسا أتوا‬
‫النيب ‘ ومل يذكر اليهود‪.‬‬

‫بعد أن ذكر هذه األوجه الثالثة‪ ،‬قال‪ :‬وقد ذكر الطربي ‪-‬أي ابن جرير الطربي‬
‫¬ رحة واسعة‪ -‬روايات متعددة عن ابن عبّاس وليس فيه ذكر لليهود‪ ،‬مث قال ابن‬
‫باندفاع‬
‫ٍ‬ ‫كثري‪" :‬وهذا هو احملفوظ"؛ إذا الذين جاؤوا هم قريش بتعلي ٍم من اجملوس أو‬
‫من عندهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪28‬‬

‫سبب النزول هذا‪ :‬قال اإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عنه‪ ،‬قال‪ :‬أمجع‬
‫عتد به من أهل العلم أن سبب النزول ‪-‬ذكر سبب النزول‪ ،‬أن أُناسا جاؤوا النيب‬ ‫من يُ ُّ‬
‫﴿وَال تَأ ُكلُوا ِمما َمل يُذ َك ِر اس ُم اَللِ َعلَي ِه﴾‪ ،‬إذا إمجاع‬
‫‘ فقالوا‪ -...‬مث أنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫العلماء أن سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬ألن املشركني قالوا لرسول هللا ‘‪ :‬كيف تأكلون‬
‫﴿وَال‬
‫شاة أنتم تذحبوهنا‪ ،‬وال تأكلون شاة قتلها هللا ¸؟‪ ،‬فأنزل هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫تَأ ُكلُوا ِمما َمل يُذ َك ِر اس ُم اَللِ َعلَي ِه﴾؛ إذا يف بداية اآلية اآلن تعلم أن اآلية أشارت إىل‬
‫تشريعني‪:‬‬

‫﴿وَال تَأ ُكلُوا ِمما َمل يُذ َك ِر اس ُم اَللِ َعلَي ِه﴾‪ ،‬أما‬
‫تشريع هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪َ :-‬‬
‫التشريع اجلاهلي الذي كان سائدا يف مكة‪ :‬أهنم كانوا يأكلون امليتة‪ ،‬هذا تشريع‬
‫﴿وَال تَأ ُكلُوا‪ ،﴾...‬وشريعة‬ ‫ال ُـمشركني‪ ،‬فأمامنا اآلن شريعتان‪ :‬شريعة هللا ¸‪َ :‬‬
‫املشركني‪ُ :‬كلوا من امليتة‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل منعنا‪ ،‬مث ذكر بعض األمور يف حال من‬
‫ُخيالف شرع هللا ¸ ويُطيع شريعة املشركني‪ ،‬هذا التشريع الـ ُمخالف من أطاعه إيش‬
‫ُ‬
‫حاله؟‬

‫﴿وإِنهُ لَِفس ٌق﴾‪ ،‬أي‪ :‬إذا خالفتم شرعي‪ ،‬وأطعتم شرع‬ ‫قال هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫الِ ْس يِ يع ْن َد‬
‫الـمشركني وأكلتم امليتة‪ ،‬عملكم هذا فسق‪﴿ ..‬وإِنه لَِفسق﴾‪ ،‬وم ْعن ي‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫ُ‬
‫اع ية‪:‬‬ ‫ي‬
‫الس ْن ية َواجلَ َم َ‬
‫عُلَماء ْأه يل ُ‬
‫قال العز بن عبدالسالم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه‪ ،‬قال‪" :‬الفسق‪ :‬املعصية‬
‫أو الكفر"‪ ،‬املعصية أو الكفر‪ ،‬كذلا ذكر ابن جرير ¬ يف تفسريه‪.‬‬

‫أما اإلمام ال ُقرطيب ¬ يف تفسريه‪ :‬فقد نقل عن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪،-‬‬


‫قال‪" :‬الفسق‪ :‬املعصية"‪ ،‬رواية أخرى عنه‪" :‬الفسق‪ :‬اخلروج"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪29‬‬

‫فسر الفسق يف تفسريه لسورة الشورى‪ ،‬قال‪:‬‬‫أما اإلمام الشنقيطي ¬ فقد ّ‬


‫"الفسق‪ :‬خروج عن طاعة هللا تعاىل‪ ،‬واتّباعٌ لتشريع الشيطان"‪.‬‬

‫صلَة‪ :‬أن علماء أهل السنة واجلماعة قالوا عن الفسق هنا‪ :‬أنه‬ ‫إذًا خترج يِبُ َح يّ‬
‫معصية أو كفر‪ ،‬فلماذا هذا التفسري هلذه الكلمة؟‪ ،‬ملاذا أحيانا معصية وأحيانا كفر؟‪،‬‬
‫ألن الفسق ينقسم إل قسمني‪:‬‬

‫إما أنه فسق أصغر ال ُخيرج صاحبه من ملّة اإلسالم‪ ،‬وإما أنه فسق أكرب ُخيرج‬
‫صاحبه من امللّة‪ ،‬فالفسق األصغر دليله من كتاب هللا ¸‪ :‬يف [سورة البقرة‪ ،‬ويف آية‬
‫وق بِ ُكم﴾‪ ،‬ومعىن‬ ‫ب َوَال َش ِهي ٌد َوإِن تَـف َعلُوا فَِإنهُ فُ ُس ٌ‬ ‫ِ‬
‫ضار َكات ٌ‬
‫﴿وَال يُ َ‬
‫الدين‪ ]282:‬قال‪َ :‬‬
‫بكاتب وجاؤوا بشاهدين‪ ،‬هللا ¸‬ ‫ٍ‬ ‫لرجل‪ ،‬وجاؤوا‬ ‫هذه اآلية‪ :‬أن رجال إذا أعطى دينا ٍ‬
‫يضروا أحدا من الشاهدين‪.‬‬ ‫يضروا الكاتب أو ّ‬ ‫يقول ال ُيوز ال للدائن وال للمدين أن ّ‬
‫وإذا تضرروا؟‪ ،‬قال إذا أضررمت الكاتب أو الشاهد‪ ،‬عملكم هذا فسق‪ ،‬ويقينا‬
‫هذا الفسق ال ُخيرج صاحبه من ملّة اإلسالم‪ ،‬فماذا يُسمى هذا النوع من الفسق؟‪،‬‬
‫﴿وإِذ قُـلنَا‬‫سمى فسقا أصغرا‪ ،‬أما الفسق األكرب دليله‪ :‬قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬ ‫يُ ّ‬
‫يس َكا َن ِم َن اجلِ ِّن فَـ َف َس َق َعن أَم ِر َربِِّه‬‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫لل َم َالئ َكة اس ُج ُدوا آل َد َم فَ َس َج ُدوا إال إبل َ‬
‫ني بَ َدال﴾‬ ‫أَفَـتَت ِخ ُذونَه وذُ ِريـتَه أَولِياء ِمن د ِوو وهم لَ ُكم ع ُد ٌّوال بِئ ِ ِ ِ‬
‫س للظالم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫ُ َّ ُ ََ‬
‫[الكهف‪.]50:‬‬

‫إذا إبليس عندما عصى هللا ¸‪ ،‬ومل يُطعه يف السجود آلدم‪ ،‬مسّى هللا ¸‬
‫معصيته فسقا؛ هذا النوع من الفسق ُخيرج صاحبه من امللّة‪ ،‬إذا أحيانا الفسق‬
‫معصية‪ ،‬وأحيانا الفسق عمل ُُمرج من امللّة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪30‬‬

‫يف مسألة امليتة املتعلّقة باآلية اليت نتحدث عنها‪ :‬جاء رجل وأكل من امليتة‪،‬‬
‫ُ‬
‫حرمها‪ ،‬فسقه هذا فسق أصغر‪ ،‬مرتكب كبرية‪ ،‬ملاذا؟ ألنه‬ ‫وقال أنا أعلم أن هللا ¸ ّ‬
‫قر باحلُرمة ولكنه يعصي أمر هللا ¸ ويأكل‪ ،‬هذا فسق أصغر‪ ،‬رجل آخر ما أكل‬ ‫يُ ّ‬
‫حرمهُ هللا ¸‪،‬‬‫أحل ما ّ‬
‫من امليتة‪ ،‬وقال امليتة حالل‪ ،‬هذا خيرج من امللة‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه ّ‬
‫فالقاعدة عند أهل السنة واجلماعة كما ذكرها اإلمام الطحاوي ‪ -¬-‬يف عقيدته‬
‫قال‪" :‬ال نُك ّفر أحدا من أهل القبلة ٍ‬
‫بذنب ما مل يستحلّه"‪.‬‬

‫إذا جئنا إىل الذنوب‪ ،‬واملسلم يرتكب هذه الذنوب‪ ،‬يبقى يف دائرة اإلسالم لكنه‬
‫فيه فسق‪ ،‬أما إذا قال عن احلالل حراما أو عن احلرام حالال؛ هذا خيرج من امللّة‪،‬‬
‫ألنه خالف شرع هللا ¸ وجاء بتشريع ُمالف لشرع هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫وأبو حممد املقدسي أضاف قيدا إىل هذه القاعدة وقال‪" :‬ال نُك ّفر أحدا من‬
‫أهل القبلة ٍ‬
‫بذنب غري ُمك ّفر ما مل يستحلّه"‪ ،‬وعندما نأيت إىل بعض التفاصيل نُشري‬
‫إىل فائدة هذا القيد إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫﴿وإِنهُ لَِفس ٌق﴾‪ ،‬اآلن من وافق أن ُحيكم بالقوانني والدساتري‪ ،‬هل هذا فسقه‬‫إذا َ‬
‫فسق أصغر؟‪ ،‬أم فسق أكرب؟‪ ،‬هذا فسق أكرب؛ ودليل ذلا قول هللا تبار وتعاىل يف‬
‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾‪ ،‬هللا ¸ حكم عليه بالشر ‪،‬‬
‫﴿وإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫هناية اآلية قال‪َ :‬‬
‫يل‬‫ومن حكم عليه هللا تبار وتعاىل عليه بالشر ال يكون شركه أصغر‪ .‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬
‫األو ُل‪.‬‬
‫َّ‬
‫َّأما َّ ي‬
‫اآلخ ُر‪ :‬فإ ّن من ّ‬
‫أقر هبذه القوانني‪ ،‬فقد جعل من واضعي هذه‬ ‫يل َ‬ ‫الدل ُ‬
‫القوانني أندادا هلل ¸‪ ،‬كيف؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪31‬‬

‫ألحد أن يضع تشريعا ألحد إال‬ ‫وضع األحكام من اختصاص هللا ¸‪ ،‬ال ُيوز ٍ‬
‫هللا ¸؛ دليل ذلا يف [سورة يوسف‪ ،]40:‬يقول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬إِ ِن احلُك ُم‬
‫ين ال َقيِّ ُم َوٰلَ ِكن أَكثَـَر الن ِ‬
‫اس َال يَـعلَ ُمو َن﴾‪،‬‬ ‫إِال َِللِ ۚ أَمر أَال تَـعب ُدوا إِال إِياه َٰذلِ ِ‬
‫ا ال ّد ُ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫سنتوسع فيها بإذن هللا تعاىل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عندما نأيت إىل هذه اآلية‬
‫إذا هذه اآلية خصت وضع األحكام باهلل تبار وتعاىل‪ ،‬فال ُيوز ٍ‬
‫ألحد غري هللا‬ ‫ّ‬
‫¸ أن يضع تشريعا‪ ،‬فإذا جاءت جلنة كتابة الدستور ووضعوا دستورا‪ ،‬واإلنسان وافق‬
‫على هذا الدستور‪ ،‬إذا ّاختَ َذ من واضعي الدستور إهلا؛ ألن الذي يضع التشريعات‬
‫والقوانني إله‪ ،‬فإما أنه ربّنا‪ ،‬وإما أنه أعطى لنفسه خصوصية من خصوصيات هللا‬
‫أقر بالقانون‪ ،‬فقد جعل لنفسه إهلني‪ ،‬هللا ¸ يف‬ ‫أقر بشرع هللا ¸ و ّ‬ ‫¸‪ ،‬ومن ّ‬
‫تشريعه‪ ،‬وهؤالء يف قوانينهم ويف دساتريهم؛ ومن هنا يكون عمله فسقا أكربا ُُمرجا‬
‫من امللة‪ ،‬وباقي التفاصيل إن شاء هللا تعاىل سنذكرها أثناء لقائنا إن شاء هللا تبار‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫اطني﴾‪ ،‬فما املقصود بِالش ِ‬
‫ِ‬ ‫إذا ِ ِ‬
‫ياط ِ‬
‫ني ُهنَا؟‬ ‫َ ُُ‬ ‫﴿وإِن الشيَ َ‬
‫﴿وإنهُ لَفس ٌق﴾‪ ،‬مث قال‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ذكر ال ُقرطيب ¬‪ ،‬عن عكرمة ¬ قال‪" :‬املقصود بالشياطني هنا‪ :‬مردة‬
‫اإلنس من جموس فارس"‪ .‬وذكر رواية أخرى عن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪:‬‬
‫"الشياطني هنا‪ :‬اجلن"‪.‬‬

‫ملاذا هذا التباين يف حل شياطني هنا بني شياطني اإلنس وشياطني اجلن؟؛ ألن‬
‫ض ُهم إِ َىل‬ ‫اطني ا ِإل ِ ِ ِ‬ ‫هللا ¸ قد ذكر هذين الصنفني‪ ،‬فقال‪ِ َ :‬‬
‫نس َواجل ِّن يُوحي بَـع ُ‬ ‫﴿شيَ َ‬
‫ف ال َقوِل غُُرورا﴾؛ إذا هنا شياطني إنس وهنا شياطني جن‪.‬‬ ‫بَـع ٍ‬
‫ض ُزخ ُر َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪32‬‬

‫أما اإلمام الطربي ‪ ¬-‬تعال رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه فقال‪" :‬والصواب من‬
‫القول يف ذلا أن يُقال‪ :‬أن شياطني اإلنس يُوحون إىل أوليائهم من اإلنس‪ ،‬وُيوز‬
‫أيضا‪ :‬شياطني اجلن يُوحون إىل اإلنس"‪ ،‬إذا ماذا أصبحت؟‬

‫شياطني اإلنس يُوحون إىل اإلنس‪ ،‬شياطني اجلن يُوحون إىل اإلنس‪ .‬قال‪:‬‬
‫"وميكن أن يكون األمر من الصنفني"‪ ،‬أي‪ :‬شياطني اجلن وشياطني اإلنس يُوحون‬
‫إىل أوليائهم‪.‬‬

‫إذا علمنا اآلن ما املقصود بالشياطني يف هذه اآلية الكرمية‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫وحو َن﴾‪ ،‬أي‪ :‬الشياطني يُوحون‪﴿ ،‬إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم﴾ األولياء‪ :‬هم األنصار واحملبّون‪،‬‬
‫﴿لَيُ ُ‬
‫الو ّ‪ :‬هو الناصر واملحب‪ ،‬أما معىن الوحي من الشيطان إىل أوليائه هنا‪:‬‬
‫ُ‬
‫الوحي كما جاء يف [ُمتار الصحا ] ‪-‬هذا من قواميس اللغة العربية كما تعلم‪-‬‬
‫سمى وحيا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قال‪ :‬الوحي‪ :‬هو اإلهلام‪ ،‬أو ما يُلقى من كالم خف ٍي أيضا يُ ّ‬
‫هذا الوحي هبذا املعىن ينقسم إىل قسمني‪ :‬وحي ربّاو من هللا ¸ إىل من يشاء‬
‫من خلقه‪ ،‬ووحي شيطاو من الشيطان إىل أوليائه‪ ،‬إيش الدليل؟‬

‫بالنسبة إىل الوحي الربّاو من هللا ¸ إىل من يشاء من عباده‪ :‬هنا وحي من‬
‫هللا ¸ إىل األنبياء والرسل‪ ،‬كما يف قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِنا أَو َحيـنَا إِلَي َ‬
‫ا َك َما أَو َحيـنَا‬
‫وب‬ ‫يل َوإِس َح َ‬ ‫إِ َ ٰىل نُو ٍ والنبِيِني ِمن بـع ِدهِ وأَوحيـنَا إِ َ ٰىل إِبـر ِاه ِ ِ‬
‫اق َويَـع ُق َ‬ ‫يم َوإمسَاع َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫سمى؟‪ ،‬هذا وحي ربّاو من هللا إىل األنبياء‬ ‫ِ‬
‫َواألَسبَاط﴾ [النساء‪ ،]163:‬هذا ماذا يُ ّ‬
‫الرسل‪.‬‬
‫و ُّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪33‬‬

‫﴿وإِذ‬
‫لكن أحيانا يُوحي هللا ¸ إىل غري األنبياء‪ ،‬كما يف قوله ‪-‬تبار وتعاىل‪َ :-‬‬
‫ني أَن ِآمنُوا ِيب َوبَِر ُسوِ ﴾ [املائدة‪ ،]111:‬احلواريون هم الناس الذي‬
‫ت إِ َىل احلََوا ِريِّ َ‬‫أَو َحي ُ‬
‫قربني من نيب هللا عيسى ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة والسالم‪ ،-‬فأوحى هللا‬ ‫كانوا ُم ّ‬
‫¸ إىل هؤالء أن آمنوا يب وبرسو ‪ ..‬ما معىن الوحي؟‪ ،‬أي ألقى يف صدورهم هذا‬
‫الكالم‪.‬‬

‫هنا وحي ثالث من هللا ¸ إىل بعض خلقه‪ ،‬كما يف آية [سورة النحل‪:]68:‬‬
‫اخت ِذي ِم َن اجلِبَ ِال بـُيُوتا﴾‪ ،‬هذا تعليم من هللا ¸ هلذا‬
‫ا إِ َىل النح ِل أ َِن ِ‬
‫﴿وأَو َح ٰى َربُّ َ‬
‫َ‬
‫املخلوق‪ ،‬مسّاهُ هللا ¸ وحيا‪ ،‬إذا الوحي الربّاو من هللا ¸ إىل من يشاء من عباده‪.‬‬

‫أما النوع الثاو من الوحي‪ :‬من الشيطان إىل أوليائه‪ :‬فدليله قوله تبار وتعاىل‪:‬‬
‫ني‬ ‫اطني لَيوحو َن إِ َ ٰىل أَولِيائِ ِهم﴾‪ ،‬وكذلا قوله تبار وتعاىل‪ِ َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿شيَاط َ‬ ‫َ‬ ‫﴿وإن الشيَ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ف ال َقوِل غُُرورا﴾ [األنعام‪.]112:‬‬ ‫ض ُهم إِ َ ٰىل بَـع ٍ‬ ‫اإل ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُزخ ُر َ‬ ‫نس َواجل ِّن يُوحي بَـع ُ‬
‫جاء أُناس إىل ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬قالوا‪ :‬إن املختار الثقفي يزعم أنه‬
‫ُ‬
‫يأتيه وحي‪( ،‬املختار الثقفي هذا ابن أيب عبيد الثقفي‪ ،‬والده قائد معركة اجلسر يف‬
‫النبوة‪ ،‬فكان يزعم أنه‬
‫القادسية)‪ ،‬لكنه بعد ذلا خرج يطلب بثأر احلُسني‪ ،‬مث ّادعى ّ‬
‫يأتيه وحي‪ -‬فقال ابن عبّاس‪" :‬نعم"‪ ،‬أي‪ :‬صحيح أن الـ ُمختار الثقفي يأتيه وحي‪،‬‬
‫وحو َن إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫مث تال قول هللا ¸‪َ :‬‬
‫توىل فئة‬
‫هذه الوالية بني الشيطان وبني هؤالء كيف تتحقق؟؛ ألن الشيطان إذا ّ‬
‫من الناس‪ ،‬أو الناس تولّوه‪ ،‬فإن الشيطان يكون له سطوة وسلطة على هؤالء‪ ،‬فما‬
‫مداخل الشيطان حىت يكون بعض الناس أولياء له؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪34‬‬

‫هنا أربعة أبواب للشيطان ممكن أن يدخل من خالهلا إىل بعض الناس‬
‫ويتخذهم أولياء‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬إذا كان هنا خلل يف اإلميان‪ ،‬هذا باب واسع يدخل الشيطان‬
‫منه إىل أصحاب هؤالء ويتخذهم أولياء له‪ ،‬خلل يف اإلميان‪ ،‬أو خلل يف التوكل على‬
‫هللا ¸‪ ،‬أو خلل يف اإلميان والتوكل‪ ..‬هذه أبواب مداخل الشيطان (خلل يف‬
‫اإلميان‪ ،‬خلل يف التوكل‪ ،‬خلل يف اإلميان والتوكل) الباب الرابع‪ :‬إذا ُوِج َد عند‬
‫اإلنسان شر فهذا باب للشيطان واسع يدخل من خالله ويتّخذ هؤالء أولياء له‪،‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬الذنوب واملعاصي‪ ،‬باب للشيطان لكي يتّخذ هؤالء أولياء له‪ ،‬ما‬
‫الدليل على هذا الكالم الذي قلته؟‬

‫ين َآمنُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫س لَهُ ُسلطَا ٌن َعلَى الذ َ‬
‫يقول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬عن الشيطان‪﴿ :‬إنهُ لَي َ‬
‫ين ُهم بِِه ُمش ِرُكو َن﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين يَـتَـ َولونَهُ َوالذ َ‬
‫َو َعلَ ٰى َرّهبم يَـتَـ َوكلُو َن ۝ إمنَا ُسلطَانُهُ َعلَى الذ َ‬
‫فمانع أن يكون اإلنسان من أولياء‬ ‫ٌ‬ ‫[النحل‪ ،]100-99:‬إذا إذا وجد اإلميان‬
‫مانع أن يكون اإلنسان من أولياء الشيطان؛‬ ‫الشيطان‪ ،‬إذا وجد التوكل الصحيح‪ٌ ..‬‬
‫إذا حتقق هذين األمرين ال ميكن أن يكون اإلنسان من أولياء الشيطان‪ ،‬كذلا إذا‬
‫انتفى الشر عن اإلنسان ال ميكن أن يكون من أولياء الشيطان‪ ،‬هذه أربعة أسباب‪.‬‬

‫أما السبب اخلامس‪ :‬الذنوب واملعاصي‪ ،‬باب من أبواب الشيطان كما ذكرت‬
‫لا‪ ،‬فقوله ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬فَـَزي َن َهلُ ُم الشيطَا ُن أَع َما َهلُم فَـ ُه َو َولِيُّـ ُه ُم اليَـوَم َوَهلُم‬
‫يم﴾ [النحل‪]63:‬؛ إذا بسبب الذنوب واملعاصي‪ ،‬يأيت بالذنب مث يرى أن‬ ‫ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫هذا الذنب الذي يأيت به عمل مقبول وعمل صحيح ويُثىن عليه‪ ،‬أمثال هؤالء هم‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪35‬‬

‫من أولياء الشيطان‪ ،‬إذا كل من أتى نكر ُمالف للشرع‪ ،‬مث رأى أن هذه املخالفة‬
‫الشرعية مقبولة ُمزيّنة‪ ،‬فهذا من أولياء الشيطان‪.‬‬

‫إذا علمت أن الشيطان يُوحي‪ ،‬وعلمت أن للشيطان أولياء‪ ،‬وعلمت كيف‬


‫يتخذ الشيطان األولياء‪.‬‬

‫بعد ذلا ذكر هللا تبار وتعاىل يف هذه اآلية ملاذا الشياطني يُوحون إىل‬
‫أوليائهم؟ ما الغاية من هذا الوحي‪ ،‬فقال‪﴿ :‬لِيُ َج ِادلُوُكم﴾‪ ،‬الالم هنا للتعليل كما‬
‫تعلم‪.‬‬

‫﴿لِيُ َج ِادلُوُكم﴾‪ ،‬معىن اجلدال يف [ُمتار الصحا ] قال‪ :‬اجلدل‪ :‬ش ّدة اخلصومة‪.‬‬

‫أما تعريف اإلمام ال ُقرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬للجدال قال بالنص هكذا‪:‬‬
‫"دفع القول عن طريق احلُ ّج ِة وال ُقوة"‪ .‬ما معىن هذا الكالم؟‬

‫إما أن يكون اإلنسان صاحب حق‪ ،‬وإما أنه صاحب باطل‪ ،‬فإذا أراد أحدهم‬
‫أن يدفع صاحبه ‪-‬صاحب احلق‪ -‬إذا أراد أن يدفع صاحب الباطل باحلجة وبعد‬
‫ذلا بالقوة‪ ،‬هذا يسمى جدال‪ ،‬كذلا إذا أراد صاحب الباطل أن يدفع صاحب‬
‫سمى جدال‪.‬‬
‫احلق باحلجة أو بالقوة‪ ،‬هذا أيضا يُ ّ‬
‫إذا اجلدال اسم مشرت بني اجلدال احلسن وبني اجلدال القبيح‪ ،‬فاسم اجلدال‬
‫يُطلق على اجلدال احلسن ويُطلق أيضا على اجلدال القبيح‪ ،‬ما الدليل على هذا‬
‫التقسيم؟‬

‫ا بِاحلِك َم ِة َوال َمو ِعظَِة‬


‫«اجلدال احلسن»‪ :‬يقول هللا ¸‪﴿ :‬ادعُ إِ َ ٰىل َسبِ ِيل َربِّ َ‬
‫احلَ َسنَ ِة ۚ َو َج ِادهلُم بِال ِيت ِه َي أَح َس ُن﴾ [النحل‪.]125:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪36‬‬

‫إذا هنا جدال حسن‪ ،‬أن تدفع قوهلم باحلُ ّجة‪ ،‬فإذا تطلّب األمر بعد ذلا أن‬
‫اب إِال بِال ِيت ِه َي‬
‫تدفعهم بالقوة‪ .‬كذلا يقول هللا ¸‪﴿ :‬وَال ُجتَ ِادلُوا أَهل ال ِكتَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أَح َس ُن﴾ [العنكبوت‪.]46:‬‬

‫هل الرسول ‘ دفع باحلق الذي كان عنده باطل املشركني باحلجة والقوة؟‬
‫نعم‪ ،‬ثالثة عشر سنة وهو يدعو ُمشركي مكة باحلُ ّجة‪ ،‬مث بعد اهلجرة ِأذ َن هللا ¸ له‬
‫بالقتال‪ ،‬فبدأ يدفع ذلا الباطل بالقوة؛ إذا ال نقتصر حنن املسلمون‪ ،‬ال نقتصر يف‬
‫دفع الباطل على إقامة احلجة فقط‪ ،‬فإذا استوجب األمر بعد ذلا أن نلجأ إل القوة‬
‫جدال حسن‬
‫لدفع هذا الباطل ُيوز لنا ذلا؛ ألن هذا من هدي رسول هللا ‘‪ ،‬إذا ٌ‬
‫صاحب احلق يدفع الباطل باحلجة‪ ،‬وإذا تطلّب األمر فبالقوة‪.‬‬

‫اجلدال القبيح املذموم‪ :‬وهو أن يأيت صاحب الباطل وحياول أن يدفع صاحب‬
‫احلق بباطله‪ ،‬إذا عمل هؤالء أهل الباطل إذا دفعوا احلق باحلُ ّجة أو دفعوا احلق بالقوة‪،‬‬
‫سمى جدال‪.‬‬‫أيضا عملهم يُ ّ‬
‫دليل ذلا يف كتاب هللا ¸‪ :‬يف [سورة الكهف‪ ]56:‬يقول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪:-‬‬
‫ضوا بِِه احلَق﴾‪ ،‬كذلا يف آية أخرى يقول هللا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َك َف ُروا بِالبَاط ِل ليُدح ُ‬
‫﴿وُُيَاد ُل الذ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ضوا بِه احلَق﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫﴿وَُهت ُك ُّل أُمة بَِر ُسوهلم ليَأ ُخ ُذوهُ َو َج َادلُوا بِالبَاط ِل ليُدح ُ‬‫تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫[غافر‪.]5:‬‬

‫إذا إما أنه جدال حسن‪ :‬تدفع الباطل باحلق‪ ،‬وإما أنه جدال باطل‪ :‬يدفع‬
‫بالباطل احلق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪37‬‬

‫هذا اآلن حاصل يف أرض الواقع‪ ،‬فاجملاهدون يف سبيل هللا أقاموا احلُ ّجة على أن‬
‫العليا‪ ،‬أقاموا‬
‫ما حنن عليه حق‪ ،‬نريد أن ُحنكم بشرع هللا ¸ وأن تكون كلمة هللا هي ُ‬
‫بالقوة‪ ،‬وحاولوا أن يدفعوا الباطل بكل ما أُتوا؛ إذا‬
‫احلُ ّجة بذلا‪ ،‬مث قرنوا إقامة احلُ ّجة ّ‬
‫جادلوا باليت هي أحسن‪ ،‬كذلا مقابل ذلا أهل الباطل ُُيادلون عن باطلهم‬
‫بالقوة‪ ،‬أما احلُ ّجة‪ :‬فعن طريق علماء السالطني‪ ،‬وعن طريق علماء‬ ‫باحلُ ّجة وكذلا ّ‬
‫الفضائيات‪ ،‬فتجد أحدهم وكان يف مدينتنا اثنني منهم (أبو حارث‪ ،‬وأبو صفوة) إذا‬
‫تذكروهنم‪ ،‬هؤالء أرادوا أن يدفعوا احلق بالباطل‪ ،‬كيف؟‬

‫عندما جعلوا من الطواغيت هؤالء أمراء طاعتهم واجبة‪ ،‬يف ذلا الوقت كان‬
‫عالوي)‪ ،‬قال‪ :‬هؤالء طاعتهم واجبة‪ ،‬مث أضافوا إىل ذلا‬ ‫عالوي وما إياد ّ‬‫(إياد ّ‬
‫وقالوا‪ :‬الذي ُُينّد يف وزارة الدفاع ويف وزارة الداخليّة هؤالء يُعتربون ُجماهدين‬
‫سمون خوارج!‬
‫ُمرابطني!‪ ،‬أما من خيرج على هؤالء احلُ ّكام ويريد أن يُقاتلهم هؤالء يُ ّ‬
‫عندما نتكلم عن املرجئة سندخل يف التفاصيل بإذن هللا تعاىل‪ ،‬لكن موضوعنا‬
‫ُ‬
‫اآلن أن نُثبت أن أهل الباطل حاولوا أن يدفعوا أهل احلق باحلُ ّجة مث بعد ذلا‬
‫بالقوة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إذا قالوا‪ :‬أمراء وطاعتهم واجبة‪ ،‬جنودهم وشرطهم جماهدون مرابطون يف سبيل‬
‫هللا‪ ،‬أما الذين خرجوا عليهم بالسال هؤالء خوارج‪ ،‬مث قالوا‪ :‬من يُقتل من اجليش‬
‫ومن الشرطة له أجر شهيدين!‪ ،‬ومن يُقتل من اخلوارج هؤالء‪ ،‬قال‪ :‬هؤالء كالب‬
‫النار!‪ ،‬مث جاؤوا بكل األحاديث اليت قاهلا الرسول ‘ يف اخلوارج!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪38‬‬

‫إذا حاولوا هبذا الباطل أن يدفعوا هذا احلق باحلُ ّجة‪ ،‬مث بعد ذلا قرنوا هذه‬
‫بالقوة‪ ،‬جاؤوا بوزارة الدفاع‪ ،‬جاؤوا باألمريكان‪ ،‬جاؤوا بالشرط‪ ،‬جاؤوا‬ ‫احلُ ّجة ّ‬
‫بالقوة أن يدفعوا هذا احلق‪.‬‬
‫باجلواسيس‪ ،‬جاؤوا بالـ ُمعينني هلم‪ ،‬وحاولوا ّ‬
‫وحو َن إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم﴾‪ ،‬الغاية‪﴿ :‬لِيُ َج ِادلُوُكم﴾‪ ،‬حىت يدفعوا‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫إذا َ‬
‫شرع هللا ¸ هبذا التشريع الشيطاو الذي أوحاه إىل أوليائه‪.‬‬

‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾‪،‬‬


‫﴿وإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫يف هناية اآلية قال هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪َ :-‬‬
‫أي‪ :‬إذا خالفتم تشريعي الذي وضعته‪ ،‬قلت ال تأكلوا مما مل يذكر اسم هللا عليه‪،‬‬
‫وأكلتم من امليتة طاعة لتشريع أولئا الـ ُمشركني؛ أنتم هبذا العمل‪ ،‬بطاعتكم لذلا‬
‫التشريع قد أصبحتم ُمشركني‪.‬‬

‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾ هنا التفاتة طيبة لإلمام الشنقيطي ‪¬-‬‬
‫﴿وإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫َ‬
‫رحة واسعة‪ -‬يف هذا اجلزء من اآلية‪:‬‬

‫قسم حمذوف‪ ،‬يف هذا اجلزء من اآلية قسم حمذوف‪ ،‬ما هو؟‪ ،‬قال‬ ‫قال‪ :‬يف اآلية ٌ‬
‫‪-‬يعين هذا معىن كالمه أنقله باملعىن وليس بالنص‪ :-‬أن أداة الشرط يف (إن) حتتاج‬
‫إىل فعل شرط وحتتاج إىل جواب شرط‪ ،‬كما تقول‪( :‬إن تدرس‪ ،‬تنجح)‪ ،‬هذا الفعل‬
‫إذا أتيت به‪ ،‬هذا اجلواب يتحقق لا بإذن هللا تعاىل النجا ‪ ،‬يف هذه اآلية قال‪:‬‬
‫وهم﴾‪ ،‬إن‪ :‬أداة شرط‪ ،‬أطعتموهم‪ :‬هذا فعل الشرط‪ ،‬ما هي النتيجة‬ ‫﴿وإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫َ‬
‫املرتتبة على هذه الطاعة؟ قال‪﴿ :‬إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾ هذا ليس جواب الشرط‪﴿ ،‬إِن ُكم‬
‫ُ‬
‫اب للشرط‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬قال‪ :‬ألن جواب الشرط إن مل ي ُكن‬ ‫لَمش ِرُكو َن﴾ هذا ليس جبو ٍ‬
‫ُ‬
‫ُفسر قوله‪ -‬ألن جواب‬ ‫فعل مضارع ‪-‬هذا قو أنا ما أقوله عن الشنقيطي‪ ،‬إمنا أ ّ‬
‫الشرط إن كان فعل مضارع ال حيتاج إىل الفاعل‪ ،‬فقط الفعل املضارع‪ ،‬أما إذا كان‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪39‬‬

‫فعل ماض أو أمر أو شبه مجلة أو شيء من هذا القبيل‪ ،‬فيجب أن يُقرتن بالفاء يف‬
‫لغة العرب؛ فلو كانت اآلية (وإن أطعتموهم فإنكم ملشركون)‪،‬كان ُيوز أن نقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫(فإنكم ملشركون) جواب الشرط هذا‪ ،‬فبما أن الفاء مل تُذكر هنا إذا ﴿إِن ُكم‬
‫لَ ُمش ِرُكو َن﴾ ليس جواب الشرط‪ ،‬فأين جواب الشرط إذا؟‪ ،‬قال‪ :‬جواب الشرط ٌ‬
‫قسم‬
‫قسم حمذوف تقديره‪( :‬وإن أطعتموهم فوهللا إنكم لـ ُمشركون)‪ ،‬إذا اآليةُ‬ ‫حمذوف‪ٌ ،‬‬
‫وع ٍة ِم َن ال َـم َسائِ ِل‪:‬‬
‫اآل َن َدلّت على َجم ُم َ‬
‫ُول‪ :‬أن هذه اآلية ُمو ّجهة إىل املسلمني‪ ،‬هذه اآلية ُختاطب‬ ‫ال َم ْسألَةُ األ َ‬
‫ُ‬
‫املسلمني وليس املشركني؛ ألنه ال ميكن أن أقول ملشر ‪( :‬إن أطعت املشركني يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تشريعاهتم تكون ُمشركا) هذا كالم باطل حاشا هلل ¸ أن يكون كالمه كذلا‪ ،‬إمنا‬
‫موجهة إىل املسلمني‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل للمسلمني ال تُطيعوا‬ ‫هذه اآلية جزما ّ‬
‫التشريعات األخرى اليت تُوضع من قِبَل اآلخرين وترتكوا شريعيت؛ فإن أطعتم هذه‬
‫التشريعات ﴿إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾‪ ،‬إذا اآلية موجهة إىل املسلمني حصرا‪.‬‬

‫اآلية‪ :‬أن نعلم جازمني أن كل تشريع‬ ‫اآلخر الَّ يذي نَستَِي ُدهُ يمن َه يذهي ي‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الِّيءُ َ ُ‬
‫يُوضع غري شرع هللا ¸ من أي جهة كانت‪ ،‬من أي مصدر كان‪ ،‬إمنا هو تشريع‬
‫وحو َن إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم﴾‪ ،‬هذه الفائدة أو‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫شيطاو؛ ألن هللا ¸ قال‪َ :‬‬
‫املسألة الثانية اليت نقف عندها إزاء هذه اآلية‪.‬‬
‫ي‬
‫ال َم ْسألَةُ الثَّالثَةُ‪ :‬أن من ّ‬
‫أقر لتشريع غري شرع هللا ¸‪ ،‬أو وافق‪ ،‬أو رضي؛ هذا‬
‫﴿وإِن‬
‫حكم هللا ¸ عليه بالشر وحيا يف القرآن‪ ،‬ألنه يف هناية اآلية قال‪َ :‬‬
‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾؛ إذا احلكم بالشر هنا من هللا ¸ وحيا يف القرآن‪،‬‬‫أَطَعتُ ُم ُ‬
‫فعندما آيت وأقول أن من يُطيع القوانني والدساتري ُمشركون‪ ،‬هذا ليس قو ‪ ،‬هذا قول‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪40‬‬

‫هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وإمنا أنا ناقل ما قاله هللا ¸؛ فاحلكم حكم هللا‪ ،‬وحنن ننقل حكم‬
‫هللا ¸ من باب البيان وإقامة احلُ ّجة‪.‬‬

‫رية َوهي‪ :‬أن من ذهب يف األيام ويف السنوات الغابرة‪ ،‬ووافق‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أُشريُ إل َم ْسأَلة أخ َ‬
‫على أن ُحيكم هبذه القوانني عليه أن يتدار نفسه فقد ارتكب شركا‪ ،‬ومن فضل هللا‬
‫¸ على من وقع يف مثل هذا الشر ‪ ،‬أن هللا ¸ أم ّد يف عمره إىل أن تتهيّأ له فرصة‬
‫التوبة‪ ،‬فمن قال للدستور‪" :‬نعم"‪ ،‬فقد أشر باهلل ¸‪ ،‬ونوع الشر شر طاعة‪،‬‬
‫عليه أن يتدار نفسه وأن يتوب إىل هللا ¸ من هذا الشر الذي وقع فيه‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪41‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ‬
‫س الث ِالث‬ ‫الدر‬
‫َُ ُ‬
‫َح ِق َيقة ل ْج َنة ِك َت َاب ِة الد ْس ُتو ِر‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا وأعنّا على‬
‫اتّ ِ‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا الباطل باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬
‫علمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫واحلُل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪،‬‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬ ‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬

‫انتهينا ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ -‬من احلديث عن شر الطاعة وذكرنا األدلة على‬
‫هذا النوع من الشر ‪ ،‬وقلنا من وافق على أن ُحي َكم هبذه القوانني الوضعية‪ ،‬أو رضي‬
‫هبا‪ ،‬فقد أشر باهلل ¸ شركا‪ ،‬ونوع الشر هو شر الطاعة‪ ،‬نتناول اليوم احلديث‬
‫بإذن هللا تعاىل عن‪ :‬جلنة كتابة الدستور‪.‬‬

‫خبفي‪ ،‬أنت تعلم أن بالد‬ ‫وال‬ ‫فأقول مستعينا باهلل ¸‪ :‬األمر ليس ِ ُ ٍ‬
‫ستغرب‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سموهنم بالديكتاتوريني‪ ،‬وهم الذين‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم كانت ُحتكم من قبَل ُح ّكام الغرب يُ ّ‬
‫ُناس أن يُزحيوا هؤالء‬
‫ينفردون باحلكم‪ ،‬مث بعد ذلا حدث اهلرج واملرج ومت ّكن أ ٌ‬
‫احلُ ّكام‪ ،‬وبدأ تشكيل األحزاب‪ ،‬فهؤالء الذين ش ّكلوا األحزاب بدؤوا يدعون إىل‬
‫الدميُقراطيّة‪ ،‬ومن ضمن األشياء اليت دعوا إليها على أن هنا تغيري يف داخل احلكم‬
‫ويف داخل األحكام‪ ،‬دعوا إىل تشكيل جلنة لكتابة الدستور من جديد‪ ،‬فكان يف‬
‫العراق جلنة كتابة دستوٍر‪ ،‬ويف مصر جلنة كتابة دستور‪ ،‬ويف تونس جلنة كتابة دستور‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪42‬‬

‫مرت به هذه البالد‪ ،‬سيعملون‬


‫متر ا ّ‬
‫ويف ليبيا وكذلا يف أي بلد من البلدان اليت ّ‬
‫على تشكيل جلنة لكتابة الدستور‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ما َح ِقيقة َه ِذ ِه الل ْج َن ِة َوما ُحك ُم الش ْر ِع فيهم؟‪،‬‬
‫هذه اللجان تُعترب أندادا هللِ ¸‪ ،‬كل ٍ‬
‫جلنة ُش ّكلت لكتابة دستور‪ ،‬فاحلكم‬
‫الشرعي يف هذه اللجنة أهنا أنداد هلل ¸‪ ،‬ومعىن الن ّد كما جاء يف قواميس اللغة‬
‫الشبيه‪.‬‬
‫العربية‪ :‬النظري واملثيل و ّ‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ¢-‬وأرضاه‪( :-‬ال ُكفؤ)‪ ،‬كما ذكر اإلمام املاوردي ‪-¬-‬‬
‫يف تفسريه‪ ،‬وذكر اإلمام املاوردي أيضا عن ابن عباس ‪ -ƒ-‬قال‪" :‬الن ّد هو‬
‫الشبيه"‪ ،‬وذكر صاحب كتاب [العني] اخلليل بن أحد الفراهيدي‪ :‬أن ما كان مثيال‬ ‫ّ‬
‫ضاد املثيل‪ .‬وكذلا يف [تاج العروس]‪ :‬أن الن ّد يس ّد مس ّد‬
‫ضادهُ‪ .‬الن ّد يُ ّ‬
‫لشيء‪ ،‬فهو يُ ّ‬
‫[األصل يعين]‪ ،‬وكذلا الن ّد يكون دائما ُُمالفا لألصل‪.‬‬

‫ضاد‬
‫هذه لغة العرب وهذا معىن الند‪ ،‬أي أنه يكون شبيها ويكون مثيال‪ ،‬ويُ ّ‬
‫وخيالفه؛ وإال الن ّدية كيف تظهر إن مل ُخيالف األصل ويُضاد األصل‪ ،‬هذا‬
‫األصل ُ‬
‫معىن الن ّدية‪.‬‬

‫أما الدليل على أن جلنة كتابة الدستور أنداد هلل تبار وتعاىل‪ :‬ففي قوله تبار‬
‫وتعاىل يف [سورة يوسف‪ ،]40:‬يقول هللا ¸‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ ۚ أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال‬
‫ين ال َقيِّ ُم َوٰلَكِن أَكثَـَر الن ِ‬
‫اس َال يَـعلَ ُمو َن﴾‪.‬‬ ‫إِياه َٰذلِ ِ‬
‫ا ال ّد ُ‬
‫ُ َ‬
‫كيف تستدل هبذه اآلية عن أن جلنة كتابة الدستور أنداد هلل ¸‪ ،‬أي جعلوا من‬
‫أنفسهم آهلة؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪43‬‬

‫ابتداء اآلية بدأت ﴿إِ ِن احلُك ُم﴾‪ ،‬مث بعد ذلا‪﴿ :‬إِال َِللِ﴾‪ ،‬علماء اللغة العربية‬
‫يقولون‪ :‬أ ّن (إن) إذا جاءت بعدها أداة االستثناء‪ ،‬فـ ــ(إن) معناها هنا‪ :‬عىن (ما‬
‫نافية)‪ ،‬فيكون معىن اآلية‪ :‬ما احلكم إال هلل‪ ،‬هذا الذي نفهمه من اآلية ابتداء‪.‬‬

‫وعندما ينفي هللا ¸ عن اآلخرين وضع األحكام‪ ،‬جاءت أداة االستثناء‪( :‬إال)‪،‬‬
‫بعدها لفظ اجلاللة (هللا)؛ إذا ما احلكم‪ ،‬أي ما يضع أحد احلكم للبشرية إال هللا‬
‫¸‪.‬‬

‫ما بعد االستثناء مل يُذكر إال لفظ اجلاللة‪ ،‬إذا هذه خصوصية من خصوصيات‬
‫هللا تبار وتعاىل؛ وأعين به‪ :‬وضع األحكام‪ ،‬ألن هللا ¸ بعد أداة االستثناء ما ذكر‬
‫إال لفظ اجلاللة‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪ ،‬أي‪ :‬أن هللا ¸ لوحده فقط يضع‬
‫التشريعات ويضع األحكام‪.‬‬

‫ما الدليل على خصوصية هللا ¸ على أن له االنفرادية يف وضع األحكام؟‪،‬‬


‫كيف تُثبت أن وضع األحكام خصوصية من خصوصيّات هللا ¸؟‬

‫األو ُل‪ :‬ما ذكرته من اآلية الكرمية‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪ ،‬هنا فاتين أن‬
‫يل َّ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫أُشري إىل أم ٍر‪ :‬النافية بعدها أداة استثناء‪ ،‬هذه يف لغة العرب تُعرف باحلصر‪ ،‬وأعلى‬
‫درجات احلصر‪ :‬أن تكون اجلملة منفيّة‪ ،‬وبعد النفي تأيت أداة االستثناء؛ أي أن‪:‬‬
‫وضع األحكام حصر باهلل ¸‪ ،‬ألن هذه إحدى أساليب احلصر يف لغة العرب‪.‬‬

‫﴿وَمن‬
‫أما األساليب األخرى‪ ،‬األسلوب الثاو‪ :‬أن تستخدم أداة احلصر (إمنا)‪َ :‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَكسب إِمثا فَِإمنَا يَكسبُهُ َعلَ ٰى نَـفسه﴾ [النساء‪ ،]111:‬أي ال يتجاوز غريه‪ٌ ،‬‬
‫خاص به‪،‬‬
‫حصر به‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪44‬‬

‫كذلا األسلوب الثالث من أساليب احلصر يف لغة العرب‪ :‬تقدمي ما ح ّقه‬


‫التأخري‪ ،‬كما يف قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِيا َ نَـعبُ ُد﴾ [الفاحتة‪ ،]5:‬أنت تعلم أن الضمري‬
‫يتأخر‪ ،‬فطاملا موقعه التأخري مثّ تق ّدم؛ إذا هذا يفيد احلصر‪ ،‬أي‪ :‬أننا ال نعبد أحدا إال‬
‫هللا ¸‪ ،‬كيف فهمت حصر العبودية باهلل تبار وتعاىل؟‪ ،‬ألن ما ح ّقه التأخري قد‬
‫تق ّدم‪﴿ :‬إِيا َ نَـعبُ ُد﴾‪ ،‬واألصل نعبد إيا ؛ إذا يف هذه اآلية‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪،‬‬
‫أعلى درجات احلصر يف لغة العرب‪ ،‬فاهلل تبار وتعاىل يف هذه اآلية الكرمية حصر‬
‫وضع األحكام بذاته العليّة‪ ،‬إذا هذا الدليل األول ﴿إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾ على أن وضع‬
‫األحكام من اختصاص هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬هنا آيات أخرى تُثبت أن هللا تبار وتعاىل ينفرد باحلكم‪ ،‬كما‬ ‫يل َ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫يف قوله تبار وتعاىل يف [سورة الشورى‪َ ﴿ :]10:‬وَما اختَـلَفتُم فِ ِيه ِمن َشي ٍء فَ ُحك ُمهُ إِ َىل‬
‫﴿وَما‬ ‫ِ‬
‫اَلل﴾‪ ،‬إذا ال يضع أحد حكما على املُختلفات واملُتنازعات غري هللا ¸ َ‬
‫اختَـلَفتُم فِ ِيه ِمن َشي ٍء﴾‪ ،‬وكلمة شيء تشمل مجيع األشياء صغريها وكبريها‪ُ ،‬جلّها‬
‫﴿وَما اختَـلَفتُم فِ ِيه ِمن َشي ٍء فَ ُحك ُمهُ إِ َىل اَللِ﴾ ليس إىل غري هللا‪ ،‬هذه‬‫ودقيقها‪ ،‬إذا َ‬
‫يف سورة الشورى‪ ،‬أما يف سورة األنعام يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَفَـغَيـَر اَللِ أَبـتَغِي‬
‫َح َكما﴾ [األنعام‪ ]114:‬إذا ال يوجد حكم غري هللا ¸‪ ،‬وكذلا يف سورة الكهف‬
‫ِِ‬
‫َحدا﴾ [الكهف‪.]26:‬‬ ‫﴿وَال يُش ِرُ ِيف ُحكمه أ َ‬
‫يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫لدي دليالن‪ ،‬الدليل األول‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪ ،‬الدليل الثاو على‬
‫إذا اآلن ّ‬
‫أن وضع األحكام من اختصاص هللا ¸ هذه اآليات الثالثة اليت ذكرهتا‪.‬‬

‫ث على أن وضع األحكام من اختصاص هللا ¸‪ :‬إذا أمعنت يف‬ ‫يل الثَّالي ُ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫اآلية‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ﴾ يأيت السؤال‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪45‬‬

‫هل الرسول ‘ يضع التشريعات تبليغا عن هللا ¸ أم ال؟‪ ،‬يقينا يضع‪ ،‬فلماذا‬
‫مل يُذكر امسه مع اسم اجلاللة يف هذه اآلية؟‪ ،‬ملاذا مل يَـ ُقل هللا ¸ (إن احلكم إال هلل‬
‫ورسوله)؟‪ ،‬علما أن اسم الرسول ‘ قد اقرتن يف غري هذا املوطن يف آيات أخرى‪،‬‬
‫كما يف آية [سورة النور‪ ،]62:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِمنَا المؤِمنُو َن ال ِذين آمنُوا بِاَللِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫َوَر ُسولِِه َوإِ َذا َكانُوا َم َعهُ َعلَ ٰى أَم ٍر َج ِام ٍع مل يَذ َهبُوا َح ٰىت يَستَأ ِذنُوهُ﴾‪ ،‬إذا يف مقام اإلميان‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذُكَر اسم اجلاللة وإىل جانب اسم اجلاللة ذُكَر اسم الرسول‪﴿ ،‬إمنَا ال ُمؤمنُو َن الذ َ‬
‫َآمنُوا بِاَللِ َوَر ُسولِِه﴾‪ ،‬هذا يف مقام اإلميان‪.‬‬

‫أما يف مقام الطاعة‪ :‬فكما يف سورة آل عمران‪ ،‬آية [سورة آل عمران‪:]132:‬‬


‫ول لَ َعل ُكم تُـر َحُو َن﴾‪ ،‬إذا اقرتن اسم الرسول ‘ يف مقام الطاعة‬ ‫﴿وأ ِ‬
‫َطيعُوا اَللَ َوالر ُس َ‬ ‫َ‬
‫بِاِسم هللا تبار وتعاىل‪ ،‬لكن عندما جئنا إىل آية احلُكم وجدنا أن هللا تبار وتعاىل‬
‫اقتصر على ذكر امسه اجلليل ومل يقرن امسه باِسم الرسول ‘‪.‬‬

‫كيف تُثبت أن الرسول ‘ يضع تشريعات ومع ذلا مل يُذكر امسه يف هذه‬
‫اآلية؟‬

‫األدلة على ذلا‪ :‬كما يف [سورة األعراف‪ ،]157:‬يقول هللا تبار وتعاىل عن‬
‫ول النِيب األ ُِّمي ال ِذي َُِي ُدونَهُ َمكتُوبا ِع َ‬
‫ند ُهم ِيف‬ ‫ين يَـتبِعُو َن الر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫اليهود والنصارى‪﴿ :‬الذ َ‬
‫وف ويـنـهاهم ع ِن المن َك ِر وُِحي ُّل َهلم الطيِب ِ‬
‫ات َوُحيَِّرُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التـوراةِ و ِ ِ‬
‫ُ ُ َّ‬ ‫اإلجن ِيل يَأ ُم ُرُهم بال َمع ُر َ َ َ ُ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ث﴾؛ إذا من صفات رسول هللا ‘ يف التوراة‪ ،‬ومن صفاته يف اإلجنيل‬ ‫َعلَي ِه ُم اخلَبَائِ َ‬
‫وحيّرم عليهم اخلبائث‪ ،‬هذا تشريع‪.‬‬ ‫أنه ُحي ُّل ألمته احلالل ُ‬
‫جيّد‪ ..‬ما األدلة على هذا التشريع؟‪ ،‬يعين كيف تُثبت أن الرسول ‘ عزل عن‬
‫وحيّرم أيضا؟‬
‫القرآن ُحيلّل ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪46‬‬

‫﴿حِّرَمت َعلَي ُك ُم ال َميتَةُ َوالد ُم﴾ [املائدة‪،]3:‬‬ ‫َّ ي‬


‫األو ُل‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪ُ :‬‬
‫يل َّ‬‫الدل ُ‬
‫هذا يف كتاب ربّنا‪.‬‬

‫أما يف هدي نبيّنا ويف ُسنّة نبيّنا ‘‪ :‬فاحلديث هكذا‪ :‬قال رسول هللا ‘‪:‬‬
‫(‪)11‬‬
‫(أُحلّت لنا ميتتان ودمان‪ ،‬امليتتان‪ :‬احلوت واجلراد‪ ،‬الدمان‪ :‬الكبد والطّحال)‪.‬‬

‫﴿حِّرَمت َعلَي ُك ُم ال َميتَةُ َوالد ُم﴾ هذا تشريع يف كتاب ربّنا‪ ،‬أما‬
‫إذا هللا ¸ قال‪ُ :‬‬
‫يف ُسنّة نبيّنا قال‪ :‬ال‪ ،‬أُحلّت لنا ميتتان‪ :‬احلوت عىن السما‪ ،‬واجلراد معروف‪ ،‬أما‬
‫الدمان‪ :‬فالكبد والطحال‪.‬‬

‫صح أنه‬
‫اإلمام الصنعاو ‪ -¬-‬يف [سبل السالم] قال عن هذا احلديث‪" :‬أنهُ ّ‬
‫موقوف على الصحايب"‪ ،‬أي‪ :‬هو قول صحايب‪ ،‬ولكن كما تعلم واإلمام الصنعاو‬
‫يقول ذلا‪ :‬أن مثل هذه األحاديث يكون له حكم املرفوع؛ ألن الصحايب إذا قال‪:‬‬
‫"أُمرنا أو ُهنينا"‪ ،‬هذا يأخذ حكم الرفع‪ ،‬فهذا احلديث وإن قيل عنه أنه موقوف‬
‫وصح أنه موقوف‪ ،‬فله حكم املرفوع؛ ألن الصحايب ال ميكن أن يقول من عنده‬ ‫ّ‬
‫صح أنه موقوف‬‫أُحلّت لنا ميتتان أو ُحرمت علينا كذا وكذا؛ إذا احلديث وإن ذُ َكر ّ‬
‫فله حكم املرفوع كما عند علماء أهل احلديث‪.‬‬

‫كذلا قال الرسول ‘ عن امليتة عندما ُسئِ َل عن ماء البحر أنتوضأ أم ال؟‪،‬‬
‫﴿حِّرَمت َعلَي ُك ُم‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫¸‬ ‫هللا‬ ‫ا‬‫إذ‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)12‬‬
‫قال‪( :‬هو الطهور ماؤه‪ ،‬احلِ ُّل ميتته)‬
‫ات‬‫الميتَةُ﴾‪ ،‬وجند يف سنة نبينا ‘ أن بعض امليتات حالل لنا؛ إذا ﴿وُِحي ُّل َهلم الطيِب ِ‬
‫َ ُ ُ َّ‬ ‫َ‬

‫(‪ )11‬احلديث رواه ابن ماجة والدار قطين والبيهقي ‪ †-‬تعاىل مجيعا‪.-‬‬
‫حسن صحيح»‪.‬‬
‫حديث ٌ‬
‫ٌ‬ ‫(‪« )12‬رواه اخلمسة‪ ،‬وقال الرتمذي‪ :‬هذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪47‬‬

‫َوُحيَِّرُم َعلَي ِه ُم اخلَبَائِ َ‬


‫ث﴾‪ ،‬هذا دليل على أن التشريع يف القرآن شيء‪ ،‬ويف السنة قد‬
‫يكون شيء آخر‪.‬‬
‫ي‬
‫حرمات من النساء‪:‬‬ ‫آخر‪ :‬هللا تبار وتعاىل يف سورة النساء بعد أن ذكر املُ ّ‬ ‫يل َ‬ ‫َدل ٌ‬
‫َخ‬
‫ات األ ِ‬ ‫﴿حِّرَمت َعلَي ُكم أُم َهاتُ ُكم َوبَـنَاتُ ُكم َوأ َ‬
‫َخ َواتُ ُكم َو َعماتُ ُكم َو َخ َاالتُ ُكم َوبَـنَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ُحل لَ ُكم ما َوَراءَ ٰذَلِ ُكم أَن‬ ‫ت﴾ [النساء‪ ،]23:‬مث بعد ذلا قال‪﴿ :‬وأ ِ‬
‫َ‬
‫وبـنَات األُخ ِ‬
‫ََ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وأُحل لَ ُكم ما َوَراءَ‬ ‫ني﴾ [النساء‪َ ،]24:‬‬ ‫ني َغيـَر ُم َسافح َ‬ ‫تَـبتَـغُوا بِأَم َوال ُكم ُّحمصن َ‬
‫َٰذلِ ُكم﴾ أي هذه األصناف أو هذه األمساء اليت ذكرها هللا ¸ ال ُيوز للمسلم أن‬
‫حرمات يف هذه اآلية‬ ‫يتزوج بإحداهن‪ ،‬جتد أن هللا تبار وتعاىل ما ذكر من ضمن املُ ّ‬
‫تطرقت إىل‬ ‫عمتها؟‪ ،‬هل تُنكح املرأة على خالتها؟‪ ،‬اآلية ما ّ‬ ‫هل تُنكح املرأة على ّ‬
‫حرمات‪ ،‬فلو اقتصرنا على كتاب هللا ¸ جلاز للرجل أن يتزوج‬ ‫هذين النوعني من املُ ّ‬
‫بعمة زوجته‪ ،‬أو أن ينكح املرأة على عمتها‪ ،‬وأن ينكح املرأة أيضا على خالتها‪ ،‬هذا‬ ‫ّ‬
‫إذا اقتصرنا على كتاب ربّنا‪ ،‬أما ما جاء يف ُسنّة نبيّنا ‘ كما عند اإلمام مسلم ‪-‬‬
‫عمتها‪ ،‬وال على خالتها)‪ .‬إذا هذا‬ ‫¬ رحة واسعة‪ -‬قال‪( :‬ال تُنكح املرأة على ّ‬
‫تشريع ما ذُكَِر يف آيات حترمي الزواج من النساء‪ ،‬هذا تشريع وهذا أيضا تشريع‪.‬‬
‫ي‬
‫حرمات من‬ ‫آخر‪ :‬هللا تبار وتعاىل يف نفس سورة النساء ذكر من ضمن املُ ّ‬ ‫يل َ‬ ‫َدل ٌ‬
‫اع ِة﴾‬
‫ضَ‬
‫ِ‬
‫َخ َواتُ ُكم ّم َن الر َ‬ ‫﴿وأُم َهاتُ ُك ُم الالِيت أَر َ‬
‫ضعنَ ُكم َوأ َ‬ ‫النساء على املسلم‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫علي وحيرم عليا يف كتاب هللا ¸ أن‬ ‫[النساء‪ ،]23:‬إذا يف مسألة الرضاعة حيرم ّ‬
‫تتزوج باملرأة اليت أرضعتا‪ ،‬وكذلا ببنات هذه املرأة اليت أرضعتا؛ ألن هذه تُعترب‬
‫أ ًُّما وهذه تُعترب أُختا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪48‬‬

‫إذا كتاب ربّنا اقتصر على صنفني من النساء‪ ،‬األمهات وكذلا البنات‪ ،‬هذا يف‬
‫كتاب ربّنا‪ ،‬أما يف ُسنّة نبيّنا كما يف حديث عبدهللا بن عبّاس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ -‬عند‬
‫اإلمام البُخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬قيل لرسول هللا ‘‪ِ :‬ملَ ال يتزوج أو أنه يتزوج‬
‫من بنت حزة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬قال‪( :‬ال َحتُ ّل ‪ ،‬حيرم من الرضاع ما حيرم من‬
‫النّسب‪ ،‬هي بنت أخي من الرضاعة)(‪.)13‬‬

‫(هي بنت أخي من الرضاعة)‪ ،‬إذا جتد أن يف كتاب هللا ¸ األم واألخت‪ ،‬أما‬
‫بنت األخ ما مذكور يف كتاب هللا ¸‪ ،‬أين ذُكر؟ ذُكر يف حديث رسول هللا ‘‪،‬‬
‫إذا هذا تشريع وهذا أيضا تشريع‪.‬‬

‫آخر‪ :‬كما عند البخاري ومسلم ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ ،-‬حديث‬ ‫يل َ‬ ‫ي‬
‫َدل ٌ‬
‫عبدهللا بن عمر قال‪( :‬هنى رسول هللا ‘ عام خيرب عن حلوم احلُ ُمر األهلية)‪ ،‬حرام‬
‫أحد يأكل من حلوم احلُ ُمر األهلية‪ ،‬إذا حبثت عن حرمة حلم احلمار ال جتده يف كتاب‬
‫هللا ¸ بالنص‪ ،‬وإمنا وجدته يف ُسنّة رسول هللا ‘؛ إذا هذا تشريع‪ُ ،‬حك ٌم يُضاف‬
‫إىل األحكام اليت جاءت يف كتاب هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫إذا هبذه األدلة اآلن ثبت ولا أن الرسول ‘ يضع التشريعات تبليغا عن‬
‫هللا ¸‪ ،‬ومع ذلا مل يُذكر امسه يف تلا اآلية‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪ ،‬مل ي ُقل‬
‫ولرسوله أيضا‪ ،‬ملاذا؟‬

‫األو ُل‪ :‬ألن وضع التشريعات من اختصاص هللا ¸ حصرا‪ ،‬هذا‬‫ب َّ‬ ‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫السبب األول لعدم ذكر اسم الرسول يف هذه اآلية‪.‬‬

‫(‪ )13‬هذا لفظ اإلمام البخاري‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪49‬‬

‫ب الثَّاين‪ :‬أن الذي جاءنا عن طريق رسول هللا ‘ ينقسم إىل ثالثة‪:‬‬ ‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫جاءنا عن طريقه القرآن‪ ،‬وتعريفه‪ :‬اللفظ واملعىن من هللا ¸‪.‬‬

‫وجاءنا عنه ‘ األحاديث ال ُقدسية‪ ،‬وتعريف احلديث ال ُقدسي ‪-‬كأحد تعريفي‬


‫العلماء‪ :-‬اللفظ واملعىن من هللا ¸‪ ،‬مع الفارق بني احلديث ال ُقدسي وآيات هللا ¸‬
‫يف القرآن‪ .‬إذا هذا أيضا من هللا ¸‪.‬‬

‫وجاءنا عن رسول هللا ‘ األحاديث النّبوية‪ ،‬تعريف هذه األحاديث‪ :‬اللفظ من‬
‫الرسول ‘‪ ،‬واملعىن من هللا ¸‪.‬‬

‫حصلة‪ :‬القرآن من هللا‪ ،‬احلديث ال ُقدسي من هللا‪ ،‬احلديث‬ ‫ِ‬


‫إذا اآلن خترج ُ ّ‬
‫النّبوي‪ :‬املعىن من هللا؛ إذا من هنا هذا السبب مل يُذكر اسم الرسول ‘ يف تلا‬
‫اآلية؛ ألن كل التبليغات اليت جاءت كلها من هللا ¸‪ ،‬ودليل ذلا يف [سورة‬
‫النجم‪ ،]4-3:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وما ي ِ‬
‫نط ُق َع ِن اهلََو ٰى ۝ إِن ُه َو إِال َوح ٌي‬‫ََ َ‬
‫وح ٰى﴾‪ .‬إذا كل هذا الذي جاءنا إمنا هو وحي‪.‬‬
‫يُ َ‬
‫وكذلا حديث رسول هللا ‘ عند اإلمام أحد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫إو أُوتيت القرآن ومثله معه)‪.‬‬
‫رسول هللا ‘‪( :‬أال ّ‬
‫إذا ثبت أن الرسول ‘ يضع التشريعات تبليغا عن هللا ¸‪ ،‬وهلذا مل يُذكر‬
‫امسه يف هذه اآلية الكرمية‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪.‬‬

‫حصلة اليت خنرج هبا‪ :‬كل هذا الذي ذكرته تأكيد على أن وضع األحكام‬
‫إذا املُ ّ‬
‫من خصوصيات هللا ¸‪ ،‬مل ُيعل ألحد من خلقه هذه اخلصوصية استقالال‪ ،‬حىت‬
‫لرسول هللا ‘‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪50‬‬
‫َ َ‬
‫اآلن نأ ِتي إلى ِل ْج َن ِة ِك َت َاب ِة الد ْس ُتو ِر‪:‬‬
‫هؤالء وضعوا التشريعات‪ ،‬ولكن حتت عنوان النّ ّديّة هلل ¸‪ ،‬جاؤوا بتشريعات‬
‫ضادة لتشريع هللا ¸‪ ،‬وأثبتوا أهنم أنداد هلل تبار وتعاىل‪ ،‬كيف تُثبت هذا‬
‫وم ّ‬‫ُُمالفة ُ‬
‫الكالم؟‬

‫هنا مادة يف الدستور العراقي‪ ،‬الحظ ماذا تقول هذه املادة‪ ،‬املادة (‪/19‬ثانيا)‬
‫ت عليه يف ‪2005‬م‪ ،‬والناس‬ ‫ص ِّو َ‬
‫من القانون العراقي‪ ،‬هذا القانون الدستور الذي ُ‬
‫قالوا نعم للدستور‪ ،‬املادة (‪/19‬ثانيا) من الدستور العراقي‪ ،‬قال‪" :‬ال جرمية وال‬
‫عقوبة إال بينَص [أي بنص قانوو]‪ ،‬وال عقوبة إال على الِعل الذي يعُ ّده القانون‬
‫وقت اقرتافه جرمية‪ ،‬وال جيوز تطبيِ عقوبة [يعين إنزال] أشد من العقوبة النافذة‬
‫وقت ارتكاب اجلرمية"‪.‬‬

‫كيف تُثبت من خالل هذه املادة القانونيّة أن جلنة كتابة الدستور قد جعلوا من‬
‫أنفسهم نِدًّا هلل تبار وتعاىل؟‬

‫الحظ اإلشارة األوىل‪" :‬ال جرمية وال عقوبة إال بنص"‪ ،‬لديهم فقهاء يُسمون‬
‫فقهاء القانون ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬معىن "ال جرمية وال عقوبة إال بنص" أي أن جلنة كتابة‬
‫الدستور هم الذين يُصنّفون اجلرائم‪ ،‬فما قالت عنه جلنة كتابة الدستور أن هذا الفعل‬
‫يُع ّد جرمية‪ ،‬يُع ّد هذا الفعل جرمية‪ ،‬أما إذا مل يقولوا عنه أنه جرمية‪ ،‬ال يُعترب هذا الفعل‬
‫يف القانون العراقي جرمية‪ ،‬طبعا كل القوانني اليت يُعمل هبا يف بالد املسلمني اآلن كلها‬
‫على هذه املادة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪51‬‬

‫بعد ذلا إذا ح ّددت جلنة كتابة الدستور اجلرائم‪ ،‬فقد أعطت لنفسها صالحية‬
‫وضع العقوبات على هذه اجلرمية‪ ،‬من ناحية املقدار ومن ناحية العدد أو ما إىل‬
‫ذلا‪ ..‬يعين هم يُق ّدرون نوع العقوبة على هذه اجلرمية‪.‬‬

‫أ َْمثيلَة‪ :‬تر الصالة ليس جرمية؛ إذا ال عقوبة‪ ،‬القانون ال يُعاقب ألن جلنة كتابة‬
‫الدستور هم الذين ح ّددوا اجلرائم‪ ،‬يقينا إذا حبثت عن اجلرائم يف الدستور العراقي ال‬
‫جتد أن تر الصالة جرمية؛ إذا جلنة كتابة الدستور ال يع ّدون تر الصالة جرمية‪ ،‬وهلذا‬
‫مل يُرتّبوا عقوبة على من يرت الصالة‪ .‬هذا مثال‪.‬‬

‫آخر‪ :‬تغيري الدين‪ ،‬ورجل مسلم ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬أصبح يزيدي‪ ،‬يف القانون‬ ‫يمثَ ٌ‬
‫ال َ‬
‫العراقي هذا ال يُع ّد جرمية‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن دولة دميُقراطية‪ ،‬ومن أركان الدميُقراطية‪ :‬حرية‬
‫العقيدة‪ ،‬أي‪ :‬أن يعتنق الناس من األديان ما يشاؤون‪ ،‬فلجنة كتابة الدستور ال‬
‫غري دينه وانتقل إىل دين آخر‪،‬‬‫يعتربون تغيري األديان جرمية؛ إذا ال عقوبة على مسلم ّ‬
‫والرسول ‘ يقول‪( :‬من ب ّدل دينه فاقتلوه)(‪.)14‬‬

‫الزنَا‪ :‬ال يُعد جرمية إال بشروط‪ ،‬وواضع هذه الشروط هم جلنة كتابة الدستور‪،‬‬ ‫ّي‬
‫الذي قالوه‪ :‬الزنا بذاته ليس جرمية‪ ،‬بذاته ليس جبرمية‪ ،‬إذا توفّرت الشروط‪ ،‬أما إذا‬
‫اختل شرط من هذه الشروط فإن الزنا يُع ّد عند ذلا جرمية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ط األَ َّو ُل‪ :‬قالوا أن تكون املرأة بالغة‪ ،‬فإذا كانت دون البلوغ وأحد زنا هبا‬ ‫َّ‬
‫الِّ ْر ُ‬
‫هذه جرمية‪ ،‬أما إذا كانت بالغة مث زنت بعد ذلا ال يُع ّد‪ ،‬أي الشرط األول قد حتقق‬
‫يف املرأة‪.‬‬

‫(‪ )14‬مسند اإلمام أحد‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪52‬‬

‫ط الثَّ ياين‪ :‬قالوا أن يكون برضاها‪ ،‬أي إذا غُ ِ‬


‫صبَت على الزنا هذه جرمية‪ ،‬أما‬ ‫ال َّ‬
‫ِّ ْر ُ‬
‫إذا طاوعت من أراد هبا الفاحشة فال يُع ّد يف القانون هذا جرمية‪.‬‬

‫ط الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬قالوا أن يكون يف مكان ُمالئم‪ ،‬مراعاة لآلداب العامة‪ ،‬إذا أن‬ ‫َّ‬
‫الِّ ْر ُ‬
‫تكون بالغة‪ ،‬برضاها‪ ،‬يف مكان ُمالئم؛ وهلذا يف القانون املصري الذي حيكم به‬
‫ُمرجئة وإخوان مصر‪ ،‬من ضمن هذا القانون‪:‬‬

‫يقول إذا رأى الشرطي رجال وامرأة ُميارسون الزنا يف داخل السيارة‪ ،‬ال ُيوز‬
‫للشرطي أن يطرق زجاج السيارة عليهما؛ ألن ُحرمة السيارة َك ُحرمة البيت‪ ،‬إذا يا‬
‫جلنة مىت تعتربون الزنا جرمية؟‪ ،‬الحظ أخي يف حالة واحدة فقط‪ :‬إذا أخذت أجرا‬
‫على الزنا‪ ،‬وهي غري ُجمازة قانونا! إذا املرأة زنت‪ ،‬وأخذت أجرا على الزنا‪ ،‬وليس‬
‫لديها إجازة ُممارسة مهنة‪ ،‬القانون يُعاقبها ال على زناها‪ ،‬وإمنا امتهنت مهنة وهي غري‬
‫ُجمازة قانونا‪ ،‬هذا ما وضعته جلنة كتابة الدستور‪ ،‬وهذا الكالم يف مصر‪ ،‬أنا أؤّكد على‬
‫مصر؛ ألن منبع الشر من مصر‪ ،‬ال أقصد املصريني ال ‪-‬حاشاهم‪ ،-‬لكن الفكرة اليت‬
‫خرجت من هنا ‪ ،‬منبع الشر من هنا ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫سميهم إخوان مسلمني‪ ..‬إخوان مصر‪ ،‬إخوان‬ ‫يف مصر ‪-‬إخوان مصر ال نُ ّ‬
‫عمميهم إىل الربملان املصري‪ ،‬والرجل تر ّشح‬
‫أقباط‪ ،‬إخوان إيش‪ -!!..‬دفعوا أحد ُم ّ‬
‫للدخول يف الربملان‪ ،‬أنا قرأت ُمذ ّكرات هذا الرجل ألنه تاب بعد ذلا‪ ،‬بدأ يتفقد‬
‫رعاياه ومن أعطى له األصوات للدخول إىل الربملان‪ ،‬ومن ضمن املواقع اليت زارها أنه‬
‫ذهب إىل مركز للشرطة‪ ،‬هذا الرجل يقول يف مذكراته هكذا‪:‬‬

‫يقول وعندما دخلت مركز الشرطة أتفقد‪ ،‬وجدت غرفة تكتظ بالنساء‪ ،‬قلت‬
‫للضابط املسؤول عن املركز‪ :‬ما بال هؤالء النسوة؟‪ ،‬قال‪ :‬يا شيخنا زانيات‪ .‬فالتفت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪53‬‬

‫ميينا ويسارا فما وجدت رجاال‪ ،‬قلت‪ :‬وأين الزناة إذا؟‪ ،‬إذا كانت هذه زانية فأين‬
‫الزاو؟‪ ،‬قال‪ :‬يا شيخ أنتم نسيتم أنكم أقررت يف الربملان أن املرأة إذا زنت‪ ،‬وأخذت‬
‫أجرا على الزنا‪ ،‬وهي غري ُجمازة قانونا‪ ،‬تُعاقب‪ ،‬فهذه النسوة الاليت جئن هبا مارست‬
‫الزناة‪ ،‬وأخذت أجرا على الزنا‪ ،‬وعندما سألناها عن إجازة ممارسة مهنة ما وجدنا‪،‬‬
‫فجئنا هبا نعاقبها وفق القانون‪ ،‬من ذلا املوقع تاب الرجل إىل هللا ¸‪ ،‬وتر‬
‫الربملان‪ ،‬وكتب مذكراته‪.‬‬

‫إذا جلنة كتابة الدستور عندما تضع هذه التشريعات‪ ،‬أليست هذه النديّة اليت‬
‫ذكرت لا معانيها؟‬

‫إذا "ال جرمية وال عقوبة إال بنص‪[ ،‬الحظ تكملة املادة] وال عقوبة إال على‬
‫الِعل الذي يع ّده القانون وقت اقرتافه جرمية"‪ ،‬ما معىن هذا اجلزء من هذه املادة؟‬

‫أحيانا جلنة كتابة الدستور يغفلون عن بعض اجلرائم‪ ،‬يعين هنا جرائم لكن هم‬
‫نصوا على أن هذا الفعل جرمية‪ ،‬وما رتّبوا عقوبة على هذه اجلرمية‪ ،‬ويأيت إنسان‬ ‫ما ّ‬
‫ويقرتف هذه اجلرمية؛ إذا القانون مل ينص على اجلرمية وال على العقوبة‪ ،‬فماذا يُقال؟‬
‫ع قد غفل عن‬ ‫يُقال أن هذا الرجل الذي ارتكب هذه اجلرمية ال يُع ّد ُجمرما؛ ألن امل ِّ‬
‫شر َ‬ ‫ُ‬
‫اعتبار هذا الفعل جرمية‪ ،‬مث غفل بعد ذلا أن يُرتّب عقوبة على هذه اجلرمية‪.‬‬

‫شرعُ بعد ذلا‪ ،‬يعين بعد‬ ‫املقطع الثالث من القانون قال‪ :‬فإذا وضع الـ ُم ِّ‬
‫اكتشاف هذا الفعل أنه جرمية‪ ،‬ع ّدوه من ضمن اجلرائم‪ ،‬ورتّبوا عقوبة على هذه‬
‫اجلرمية‪ ،‬زين ذلا الرجل الذي ارتكب هذه اجلرمية قبل هذا التشريع يُعاقب أم ال؟‪،‬‬
‫جلنة كتابة الدستور ‪-‬إنصافا من باب العدالة‪ -‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬هذا ال يُعاقب‪ .‬ملاذا؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ألنه قبل أن نُ ّبني أن هذا الفعل جرمية وقبل أن نُرتّب على هذا الفعل عقوبة‪ ،‬الرجل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪54‬‬

‫ارتكب هذا الفعل؛ إذا ال نُعاقبه ألن فعله كان سابقا لتشريعنا! هذه املواد اليت‬
‫تكتبها جلنة كتابة الدستور!!‬

‫بل األنكى من ذلا هنا مادة نُشرت يف الدستور العراقي‪ ،‬وهذه املادة نُشرت‬
‫يف جريدتني وكنت أقتين هذا اجلريدة‪ ،‬جريدة امسها [دار السالم] وأنت تعلم ملن هذه‬
‫اجلريدة (للحزب العراقي)‪ ،‬وجريدة أمريكيّة نشرت نص الدستور العراقي يف ‪2005‬م‪،‬‬
‫اجليش األمريكي نزلوا مفرزات كانوا يُلزمون الناس أن يأخذ نسخة من اجلريدة‬
‫مسودة الدستور العراقي‪ ،‬وكذلا جريدة [دار السالم]‬ ‫ّ‬ ‫األمريكية حىت يطّلعوا على‬
‫نالت ‪-‬شرف‪ -‬نشر هذا الدستور‪ ،‬ومل يُعلّقوا على املواد اليت جاءت بأيّة كلمة!‬

‫نصها هكذا ولكن ال أذكر رقم املادة‪ ،‬تنص هكذا‪:‬‬


‫املادة اليت كانت موجودة ّ‬
‫تِّريعا‪ ،‬فإنه يعلو على أي تِّريع آخر‪ ،‬من أي‬
‫ً‬ ‫"إذا وضعت السلطة التِّريعية‬
‫جهة كانت عند التعارض بينهما"‪.‬‬

‫"إذا وضعت السلطة التشريعية تشريعا" املقصود بالسلطة التشريعية هنا‪ :‬أعضاء‬
‫الربملان؛ إذا فضال عن أن يكونوا هم أندادا هلل ¸‪ ،‬فإن جلنة كتابة الدستور أعطوا‬
‫حق هلم‪-‬‬
‫النديّة أيضا للربملان‪ ،‬ألنه خالل أربع سنوات من حق أعضاء الربملان ‪-‬وال ّ‬
‫للمستج ّدات‪ ،‬ألن القانون قاصر‪ ،‬فقد حيدث خالل األربع‬ ‫أن يضعوا التشريعات ُ‬
‫سنوات أشياء‪ ،‬والقانون ال يفي هبذه األشياء اليت وقعت‪ ،‬أعضاء الربملان هم يُبادرون‬
‫بوضع التشريعات‪ ..‬من الذي أعطى هلم هذه الصالحية؟‪ ،‬جلنة كتابة الدستور‪.‬‬

‫"إذا وضعت السلطة التشريعية تشريعا‪ ،‬فإنه يعلو على أي تشريع آخر‪ ،‬من أي‬
‫ٍ‬
‫جهة كانت عند التعارض بينهما"‪ ،‬إذا هذه املادة كانت موجودة يف املسودة‪ ،‬ومن‬
‫رجع إىل جرائد ‪ 2005‬م سيجد هذا الكالم الذي ذكرته يف اجلريدة‪ ،‬لكن بعد ذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪55‬‬

‫عندما أعادوا كتابة الدستور حذفوا هذه املادة من الدستور‪ ،‬فالدستور اآلن ال يوجد‬
‫فيه هذه املادة؛ ولكن حذف هذه املادة من الدستور ال يعين أن هؤالء احلُكام هؤالء‬
‫الطواغيت ال يعملون هبذه املادة‪ ،‬هي حمذوفة ولكنها مفعولة‪ ،‬كيف؟‬

‫إذا جاء أُناس اآلن وقالوا نريد أن نقطع يد السارق‪ ،‬كل أعضاء الربملان يعرتضون‬
‫عليه‪ ،‬واملادة اليت يستندون إليها املادة (‪/19‬ثانيا) "ال جرمية وال عقوبة إال بنص"‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬القانون العراقي نص على أن السرقة جرمية‪ ،‬لكن ما نص على أن عقوبة‬
‫السرقة القطع‪ ،‬عقوبتها السجن‪.‬‬

‫إذا هم حىت ولو رفعوا هذه املادة‪ ،‬فهم يعملون هبا اآلن‪ ،‬ويبقون يعملون هبا‪،‬‬
‫حبيث ال ميكن ٍ‬
‫ألحد أن ُخيالف الدستور‪.‬‬

‫لكن املصيبة أين؟‪ ،‬أن التشريعات اليت وضعوها يشرتطون فيها أهنا إذا اعرتضت‬
‫مع تشريع آخر‪ ،‬فإن التشريع الذي يضعه الربملان سيعلو على هذا التشريع‪ ،‬ومل‬
‫يقتصر على ذلا؛ بل قالوا‪" :‬من أي جهة كانت"‪.‬‬

‫﴿والسا ِر ُق َوالسا ِرقَةُ فَاقطَعُوا‬


‫ُقرب لا الصورة باملثل‪ :‬هللا تبار وتعاىل قال‪َ :‬‬ ‫أّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾ [املائدة‪ ،]38:‬جلنة كتابة‬ ‫أَيديَـ ُه َما َجَزاء َا َك َسبَا نَ َكاال ّم َن اَلل ۚ َواَللُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫وُمالفون له‪ ،‬قالوا‪ :‬السارقة والسارقة‬ ‫ضادون ُ‬ ‫وم ّ‬ ‫الدستور وهم أنداد هلل ¸‪ُ ،‬‬
‫يُسجنان‪ ،‬أو يدفعان تعويضا عن السرقة‪.‬‬

‫إذا إما سجن‪ ،‬وإما غرامة ماديّة‪ ،‬اآلن هنا تعارض بني هذه الشريعة‪:‬‬
‫﴿والسا ِر ُق َوالسا ِرقَةُ فَاقطَ ُعوا‪ ،﴾...‬وبني شريعة‪" :‬اسجنوا أو يدفعوا غرامة"‪ ،‬طاملا‬
‫َ‬
‫تعارضا شريعة من تعلو؟‪ ،‬الطواغيت؛ "فإنه يعلو على أي تشريع آخر"‪ ،‬مث بعد ذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪56‬‬

‫شرع؟‪ ،‬إذا‬ ‫ٍ‬


‫قال‪" :‬من أي جهة كانت"‪ ،‬حسنا‪ ..‬هذا التشريع من ربنا‪ ،‬ماذا تقول يا ُم ّ‬
‫من هنا اآلن تستعيد معي معىن الند‪ ،‬وهو املثيل والشبيه املضاد املخالف الذي يس ّد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مس ّد األصل؛ إذا جلنة كتابة الدستور آهلة‪ ،‬بل أنداد هلل ¸‪ ،‬فكأن اآلية عندهم‪ ،‬هللا‬
‫¸ ما أعطى لرسوله ‘ جماال للذكر يف هذه اآلية‪ ،‬لكن اآلية خارج القرآن عند‬
‫هؤالء كأهنا أصبحت هكذا‪ :‬إن احلكم إال للجنة كتابة الدستور‪ ،‬وإن احلكم إال‬
‫ألعضاء الربملان‪ ،‬وإن احلكم إال لبعض شيوخ العشائر‪.‬‬

‫إذا من هنا تُدر كيف تستدل هبذه اآلية على أن جلنة كتابة الدستور أنداد هلل‬
‫التطرق إىل باقي اآلية‪:‬‬
‫¸‪ ،‬نُكمل ّ‬
‫هللا تبار وتعاىل قال بعد ذلا‪﴿ :‬أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ﴾‪ ،‬ومعىن تعبدوا‪:‬‬
‫تُطيعوا‪ .‬أي‪ :‬أمر ّأال تُطيعوا إال هللا ¸‪.‬‬

‫طاملا أن الطاعة هنا جاءت يف سياق احلاكميّة؛ إذا نفهم من اآلية‪ :‬أمر ّأال‬
‫تتحاكموا إال إىل شرعه‪﴿ ،‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾ اآلية يف احلاكميّة‪ ،‬بعد ذلا ماذا‬
‫قال؟ ﴿أََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ﴾‪ ،‬أي‪ :‬ال تُطيعوا إال هللا ¸ يف التشريعات اليت‬
‫ين ال َقيِّ ُم﴾‪ ،‬وأنت تعلم أن ذلا اسم إشارة‪،‬‬ ‫وضعها‪ ،‬مث بعد ذلا قال‪َٰ ﴿ :‬ذلِ ِ‬
‫ا ال ّد ُ‬‫َ‬
‫واسم اإلشارة حيتاج إىل ُمشا ٍر‪ ،‬واملشار هنا‪ :‬إىل املقطعني يف بداية اآلية‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم‬
‫ُ‬
‫أقر باحلاكميّة هلل ¸‪ ،‬مث حتاكم إىل شرع هللا‬ ‫ّ‬ ‫فمن‬ ‫إِال َِللِ أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ﴾‪،‬‬
‫ين ال َقيِّ ُم﴾‪ ،‬أي‪ :‬القومي املستقيم الذي ال‬
‫ُ‬ ‫ا ال ِّد‬ ‫ِ‬
‫¸ هؤالء يقول هللا ¸ عنهم‪َٰ ﴿ :‬ذل َ‬
‫ُ‬
‫قر باحلاكميّة هلل‪ ،‬وأن تتحاكم إىل شرع هللا‪.‬‬ ‫اعوجاج فيه؛ أن تُ ّ‬
‫أقر باحلاكميّة لغري هللا ¸‪ ،‬يقينا هذا ليس على‬ ‫أقر باحلاكمية هلل‪ ،‬مث ّ‬
‫إذا من ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قر‬ ‫ِ‬
‫ين ال َقيّ ُم﴾‪ ،‬أي‪ :‬من يُ ّ‬ ‫الدين القومي املستقيم‪ ،‬ألن هللا ¸ قال‪ٰ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫ا ال ّد ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪57‬‬

‫قر بالتحاكم إىل شرع هللا تبار‬


‫باحلاكميّة هلل وحده وليس للجنة كتابة الدستور‪ ،‬مث يُ ّ‬
‫وتعاىل‪.‬‬

‫اس َال يَـعلَ ُمو َن﴾‪ ،‬ما الذي ال يعلمونه؟‬ ‫﴿وٰلَ ِكن أَكثَـَر الن ِ‬
‫اجلزء األخري من اآلية‪َ :‬‬
‫أي هذه احلقائق الثالثة اليت ذُكَِرت يف اآلية‪ :‬ال يعلمون ﴿إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪ ،‬ال‬
‫ا ال ِّدي ُن ال َقيِّ ُم﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يعلمون ﴿أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ﴾‪ ،‬ال يعلمون ﴿ َٰذل َ‬
‫اس َال يـَعلَ ُمو َن﴾‪ ،‬وأنت تعلم أن كالم هللا ¸ حاشاه أن‬ ‫﴿وٰلَ ِكن أَكثَـَر الن ِ‬
‫َ‬
‫ُخيالف الواقع؛ فإذا أجريت إحصائيّة على الكرة األرضية‪ ،‬جتد أن عدد سكان الكرة‬
‫األرضية آخر إحصائية أعلمها سبعة مليار ونصف نسمة‪ ،‬من السبعة ونصف ستة‬
‫وربع كلهم على غري اإلسالم‪ ،‬ال يعلمون ﴿إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‪ ،‬ال يعلمون ﴿أ ََمَر أَال‬
‫تعال معي إىل املليار والربع‪ ،‬كم‬ ‫ين ال َقيِّ ُم﴾‪َ ..‬‬ ‫تَـعب ُدوا إِال إِياه﴾‪ ،‬ال يعلمون ﴿ ٰذَلِ ِ‬
‫ا ال ّد ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫﴿وٰلَ ِكن أَكثَـَر الن ِ‬
‫اس َال يَـعلَ ُمو َن﴾ هذه‬ ‫منهم يعلم؟؛ إذا صدق هللا ¸ عندما قال‪َ :‬‬
‫احلقائق الثالثة‪.‬‬

‫ِّ ْر يك َعلَي يه ْم‪ ،‬كوهنم ال‬


‫اس يم ال يّ‬ ‫ي‬ ‫يي‬
‫َك ْونَ ُه ْم َْجي َهلُو َن َهذه الََقائي َِ ال ميَْنَ ُع م ْن إطْ َل يق ْ‬
‫فرق بني االسم وبني‬‫سمى ُمشركا؛ لكن نُ ّ‬
‫يعلمون ال يُعذرون‪ ،‬فمن وقع يف الشر يُ ّ‬
‫إنزال احلُكم‪ ،‬يعين رجل وقع يف الشر نُسميه ُمشر ‪ ،‬لكن ليس من واجيب أن أُقيم‬
‫عليه ح ّد هللا ¸‪ ،‬هذا شأن أمراء املسلمني‪ ،‬لكن مسألة إطالق االسم هذا من ديين‬
‫أن من وقع يف الشر أُمسّيه ُمشركا حىت ولو كان جاهال‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ك‪ :‬قول هللا تبار وتعاىل يف [سورة التوبة‪﴿ :]6:‬وإِن أ ِ‬
‫َح ٌد ّم َن ال ُمش ِرك َ‬
‫ني‬ ‫َ َ‬ ‫يل ذَلي َ‬‫ي‬
‫َدل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ َج َارَ فَأَجرهُ َح ٰىت يَس َم َع َك َال َم اَلل ُمث أَبلغهُ َمأ َمنَهُ َٰذل َ‬
‫ا بِأَنـ ُهم قَـوٌم ال يَـعلَ ُمو َن﴾‪،‬‬
‫فسماهم ُمشركني علما أنه قال يف هناية اآلية‪﴿ :‬ال يَـعلَ ُمو َن﴾؛ إذا من وقع يف الشر‬ ‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪58‬‬

‫سمى ُمشركا حىت ولو ثبت أنه ال يعلم‪ ،‬ألنه ال عذر باجلهل يف أصول العقيدة‪،‬‬ ‫يُ ّ‬
‫الناس اآلن قاطبة دون استثناء أمام هذه اآلية الـ ُمباركة ينقسمون إىل أصناف ثالثة‪:‬‬

‫األو ُل‪ :‬وهم الذين يُ ّ‬


‫قرون باحلاكميّة هلل ¸‪ ،‬ويتحاكمون إىل شرع هللا‬ ‫يّ‬
‫الص ْن ُ َّ‬
‫ين‬ ‫تبار وتعاىل‪ ،‬هؤالء مؤمنون وهم على الدين القومي بشهادة هللا ¸‪ٰ ﴿ :‬ذَلِ ِ‬
‫ا ال ّد ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ال َقيِّ ُم﴾‪.‬‬

‫قرون للجنة كتابة الدستور أيضا‬ ‫قرون باحلاكميّة هلل ¸‪ ،‬ويُ ّ‬ ‫الص ْن ُ الثَّاين‪ :‬يُ ّ‬ ‫يّ‬
‫باحلاكميّة‪ ،‬هؤالء ُمشركون ونوع الشر عندهم شر طاعة‪ ،‬أما اإلميان الذي ي ّدعيه‬
‫زعم؛ دليل ذلا يف‬ ‫زعم‪ ،‬هذا اإلميان الذي ي ّدعيه باهلل‪ ،‬أن احلكم له‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫فهذا ٌ‬
‫ين يَـزعُ ُمو َن أَنـ ُهم َآمنُوا ِ َا‬ ‫ِ ِ‬
‫[سورة النساء‪ ،]60:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَ َمل تَـَر إ َىل الذ َ‬
‫وت َوقَد أ ُِم ُروا أَن‬ ‫يدو َن أَن يـتَحا َكموا إِ َىل الطاغُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ا يُِر ُ‬‫ا َوَما أُن ِزَل ِمن قَـبل َ‬ ‫أُن ِزَل إِلَي َ‬
‫أقر باحلاكميّة هلل ¸‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يد الشيطَا ُن أَن ي ِ‬ ‫يَك ُف ُروا بِِه َويُِر ُ‬
‫ض َالال بَعيدا﴾؛ إذا من ّ‬ ‫ضل ُهم َ‬ ‫ُ‬
‫أقر باحلاكميّة لغريه‪ ،‬وهو ي ّدعي اإلميان؛ ألمثال هؤالء يقول هللا ¸ أنت تزعم‬ ‫مث ّ‬
‫الزعم أكذب احلديث‪ ،‬وهو أن ي ّدعي‬ ‫أنا مؤمن‪ ،‬أنت تزعم‪ ،‬وأنت تعلم أن ّ‬
‫اإلنسان ما ليس عنده‪ .‬هذا الصنف الثاو جتاه هذه اآلية‪.‬‬

‫الص ْن ُ الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬وهم الذين ال يُ ّ‬
‫قرون باحلاكميّة هلل ¸‪ ،‬وال يتحاكمون إىل‬ ‫َّأما يّ‬
‫شرع هللا‪ ،‬وهؤالء هم الكفار ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪59‬‬

‫الر ِاب ُع‬


‫س َّ‬ ‫َّ‬
‫الد ْر ُ‬
‫ُ‬
‫َح ِق َيقة ِك َت َاب ِة الد ْس ُتو ِر‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتّ ِ‬
‫َ‬
‫لمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫ِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫واحلُل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪،‬‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬اللهم إو أسألا علما نافعا‪ ،‬وقلبا خاشعا‬ ‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫وجسدا على البالء صابرا؛ أما بعد‪:‬‬

‫تكلمنا يوم أمس ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ -‬عن حقيقة جلنة كتابة الدستور‪ ،‬وقلنـا أهنـم‬
‫أنداد هلل تبار وتعاىل‪ ،‬واستشهدنا بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ أ ََمَر أَال‬ ‫ٌ‬
‫ين ال َق ــيِّ ُم َوٰلَ ِك ــن أَكثَـ ـ َـر الن ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاس َال يَـعلَ ُم ــو َن﴾ [يوس ــف‪،]40:‬‬ ‫تَـعبُ ـ ُـدوا إِال إِي ــاهُ ٰذَل ـ َ‬
‫ـا الـ ـ ّد ُ‬
‫ونتناول اليوم مسائل أخرى ُمتعلّقة بلجنة كتابة الدستور وهي‪:‬‬

‫اب م ْ‬
‫ٌ‬ ‫اللج َنة َوهي‪ْ :‬أن ُه ْم أ َرَ‬ ‫َ َ ُ َّ ُ‬
‫ية ل َهذه ْ‬
‫للا‬
‫ِ ِ‬‫ن‬‫دو‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫الح ِقيقة الثا ِن ِ ِ ِ‬
‫ودليل ذلا من كتاب هللا تبـار وتعـاىل‪ :‬قولـه ¸ يف [سـورة التوبـة‪﴿ :]31:‬اختَـ ُذوا‬
‫ـيح ابـ َـن َمــرَميَ َوَمــا أ ُِمـ ُـروا إِال لِيَـعبُـ ُـدوا إِ َٰهلــا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـارُهم َوُرهبَــانَـ ُهم أَربَابــا ّمــن ُدون اَلل َوال َمسـ َ‬
‫أَحبَـ َ‬
‫َوا ِحدا ال إِٰلَهَ إِال ُه َو ُسب َحانَهُ َعما يُش ِرُكو َن﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪60‬‬

‫مــا تفســري هــذه اآليــة؟‪ ،‬وكيــف تســتدل هبــذه اآليــة علــى أن جلنــة كتابــة الدســتور‬
‫أرباب من دون هللا؟‬

‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬ابتداء ال بد من اإلحاطة علمـا مـن املقصـود هبـذه اآليـة‪:‬‬
‫﴿اختَ ُذوا أَحبارهم ورهبانَـهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫ون﴾؟‬ ‫َ َُ َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫املقصــود هبــذه اآليــة‪ :‬اليهــود والنصــارى‪ ،‬واألدلــة علــى أن املقصــود باآليــة اليهــود‬
‫والنصارى اآلية اليت قبلها‪:‬‬
‫ت النصارى الم ِسيح ابن ِ‬
‫اَلل‬ ‫ت اليـهود عزيـر ابن اَللِ وقَالَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ َ ُ ُ‬ ‫﴿وقَالَ َ ُ ُ َُ ٌ ُ َ‬ ‫يقول هللا ¸‪َ :‬‬
‫ين َك َف ُروا ِمن قَـب ُل قَاتَـلَ ُه ُم اَللُ أ ٰ‬
‫ََّن يـُؤفَ ُكو َن‬ ‫ِ‬ ‫ٰذَلِا قَـوُهلم بِأَفـو ِاه ِهم ي ِ‬
‫ضاهئُو َن قَـوَل الذ َ‬
‫َُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫يح اب َن َمرَميَ َوَما أ ُِم ُروا إِال‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫۝ اختَ ُذوا أَحبَ َارُهم َوُرهبَانَـ ُهم أَربَابا ّمن ُدون اَلل َوال َمس َ‬
‫احداال إِٰلَهَ إِال ُه َو ُسب َحانَهُ َعما يُش ِرُكو َن﴾ [التوبة‪]31-30:‬؛ إذا اآلية‬ ‫لِيـعب ُدوا إِ َٰهلا و ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫اليت قبلها تُ ّبني أن املقصود بــ‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبَ َارُهم َوُرهبَانَـ ُهم﴾ هم اليهود والنصارى‪.‬‬
‫هذا الدليل األول‪ ،‬وحسبُا من هذا الدليل‪ ،‬لكن ألجل زيادة الفائدة وكيف نستدل‬
‫باآليات آيت بدليل آخر‪.‬‬

‫هللا تبار وتعاىل ذكر يف هذه اآلية امسني‪ ،‬قال‪ :‬أحبار ورهبان‪ ،‬األحبار كما يف‬
‫[ُمتار الصحا ]‪ :‬احلَرب واح ٌد وهم أحبار اليهود‪ ،‬أي‪ :‬علماء اليهود‪.‬‬

‫وكذلا عند اإلمام اآللوسي ‪ -¬-‬يف تفسريه قال‪" :‬األحبار هم علماء‬


‫الضحا ‪ ،‬قال‪" :‬األحبار هم‬
‫اليهود"‪ ،‬وابن أيب حامت ‪ -¬-‬نقل يف تفسريه عن ّ‬
‫علماء اليهود أو قُراؤهم"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪61‬‬

‫إال أن اآللوسي ‪ -¬-‬يف تفسريه ذكر شيئا آخر‪ ،‬قال‪" :‬كلمة حرب الذي هو‬
‫مي؛ ألن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪-‬‬ ‫العامل يُطلق على املسلم ويُطلق أيضا على ال ّذ ّ‬
‫سمى َحرب األمة"‪.‬‬
‫كان يُ ّ‬
‫"حرب" ُيوز أن تكون بالفتح َحرب‪ ،‬وُيوز لا أن تقول بالكسر ِحرب‪،‬‬‫وكلمة َ‬
‫كالُها معىن واحد إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫الضحا ‪ †-‬تعاىل رحة‬


‫ّ‬ ‫إذا املقصود باألحبار كما قال اآللوسي وكما قال‬
‫نص على ذلا‬‫الرهبان‪ :‬فهؤالء علماء النصارى‪ّ .‬‬
‫واسعة‪ -‬هم علماء اليهود‪ ،‬أما ُّ‬
‫اإلمام اآللوسي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫إذا هذا دليل على أن املقصود باآلية اليهود والنصارى‪ ،‬سبب تأكيدي هلذه اآلية‬
‫ملسألة ُمتعلّقة باملوضوع‪.‬‬

‫اآلخ ُر على أن املقصود باآلية اليهود والنصارى‪ :‬أن هذه اآلية جاءت‬ ‫يل َ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫بالضمائر‪ ،‬وأنت تعلم أن الضمري عوض عن اس ٍم‪ ،‬فإذا أردنا أن نُعيد الضمائر إىل‬
‫ِ‬
‫اليهود أربابا من دون‬ ‫أحبار‬ ‫ٍ‬
‫اليهود َ‬
‫ُ‬ ‫أمساء‪ ،‬اآلية يف خارج القرآن تكون هكذا‪ّ :‬اخت َذ‬
‫هللا‪ّ ،‬اخت َذ النصارى ُرهبان النصارى أربابا من دون هللا؛ إذا هذه األدلة كلها تُثبت أن‬
‫املقصود باآلية اليهود والنصارى‪.‬‬

‫معىن أرباب ﴿اختَ ُذوا أَحبَ َارُهم َوُرهبَانـَ ُهم أَربَابا﴾‪ :‬األرباب‪ :‬مجع رب‪ ،‬وهو‬
‫املعبود املـُطاع إذا أُف ِرَدت بال ِّذك ِر؛ كلمة الرب إذا جاءت ُمفردة تعين‪ :‬املعبود‪ ،‬وتعين‪:‬‬
‫املطاع‪.‬‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪62‬‬

‫ب السماو ِ‬
‫ات َواألَر ِ‬
‫ض‬ ‫دليل ذلا يف [سورة مرمي‪ ]65:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬ر ُّ َ َ‬
‫ب السماو ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫َوَما بَـيـنَـ ُه َما فَاعبُدهُ َواصطَرب لعبَ َادته َهل تَـعلَ ُم لَهُ َمسيًّا﴾‪ ،‬قال‪﴿ :‬ر ُّ َ َ‬
‫ض﴾‪ ،‬مث قال‪﴿ :‬فَاعبُدهُ﴾‪.‬‬ ‫َواألَر ِ‬

‫كذلا يف [سورة البقرة‪ ]21:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الن ُ‬
‫اس اعبُ ُدوا َرب ُك ُم‬
‫ين ِمن قَـبلِ ُكم لَ َعل ُكم تَـتـ ُقو َن﴾؛ إذا الرب هو املعبود واملطاع‪.‬‬
‫َ‬ ‫ال ِذي َخلَ َق ُكم َوال ِذ‬
‫ُ‬
‫لكن هذا ال يعين بأهنم كانوا يُصلّون هلم ويصومون هلم ال‪ ،‬وإمنا طاعتهم من‬
‫سنتوسع يف هذه املسألة بإذن هللا‬ ‫ّ‬ ‫نوع آخر‪ ،‬عندما نتكلم عن موقفنا من الدستور‬ ‫ٍ‬
‫تعاىل‪ ،‬إذا اآلن علمت أن علماء اليهود ورهبان النصارى قد أصبحوا أربابا‪.‬‬
‫ف ْ َ َ‬‫َ َ‬
‫ؤالء أ ْرَب َابا؟‬
‫أص َبح ه ِ‬ ‫كي‬

‫حديث رواه اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬عن الرباء بن عازب‪ ،‬وقبل ذكر‬ ‫ٌ‬
‫غريوا وب ّدلوا يف‬
‫احلديث أُشري إىل األمر‪ :‬أن علماء اليهود الذين هم األحبار قد ّ‬
‫أحكام من شريعة نيب هللا موسى‪ ،‬وعلماء النصارى قد ب ّدلوا دين نيب هللا عيسى‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫فعندما ب ّدل هؤالء العلماء بعض الشرائع‪ ،‬أو الدين كله من التوحيد إىل التثليث‪،‬‬
‫واليهود والنصارى أطاعوا علماءهم يف هذا البديل الذي جاؤوا به‪ ،‬من هنا قال هللا‬
‫¸ عنهم أن هؤالء العلماء اآلن قد أصبحوا أربابا من دون هللا‪.‬‬

‫غريوا يف شريعة نيب هللا موسى‪ ،‬ورهبان النصارى‬


‫إذا السبب أن علماء اليهود ّ‬
‫غريوا يف شريعة نيب هللا عيسى ‪-‬على رسولنا وعليهم الصالة والسالم‪.-‬‬
‫ّ‬
‫ما الدليل على تغيري اليهود‪ ،‬وما الدليل على تغيري علماء النصارى ألدياهنم؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪63‬‬

‫ي‬ ‫ي ي ي‬
‫حديث رواه اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة‬ ‫ٌ‬ ‫بيالنيّ ْسبَة لعُلَ َماء اليَ ُهود ( ْ‬
‫األحبَار)‪:‬‬
‫"مر على رسول هللا ‘ يهودي‬ ‫واسعة‪ ،-‬عن الرباء بن عازب ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬قال‪ُ :‬‬
‫مروا به‪ ،‬وإذا هبم رجل حمموم جملود‪،‬‬ ‫حمموم جملود"‪ ،‬الرسول ‘ يف املدينة اليهود ّ‬
‫ومعىن حمموم‪ :‬أي وضعوا على وجهه احلمم‪ ،‬وهو ُُملّفات النار مع الرماد مع املاء‪.‬‬
‫وجملود‪ ،‬وكانوا يُركبونه على الدابة باملقلوب‪ ،‬أي رأسه إىل وجه الدابة ووجهه إىل دبر‬
‫الدابة‪ ،‬فقال الرسول ‘ هلؤالء اليهود‪( :‬هكذا جتدون ح ّد الزاو يف كتابكم؟) قالوا‪:‬‬
‫"نعم"‪ ،‬فدعا رجال من علمائهم‪ ،‬فقال‪( :‬أُنشد باهلل الذي أنزل التوراة على موسى‪،‬‬
‫أهكذا جتدون ح ّد الزاو يف كتابكم؟)‪ ،‬هذا اليهودي قال‪ :‬ال‪ ،‬ولوال أنا نشدتين‬
‫هبذا مل أُخرب ‪ ،‬جنده الرجم‪ ،‬مث قال‪ :‬ولكنه كثُـَر يف أشرافنا الزنا‪ ،‬ف ُكنّا إذا أخذنا‬
‫الشريف تركناه‪ ،‬وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه احلد‪ .‬قلنا‪ :‬تعالوا فلنجتمع على‬
‫شيء نُقيمهُ على الشريف والوضيع‪ ،‬فجعلنا التحميم واجللد مكان الرجم‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫إذا هذا اليهودي أخرب الرسول ‘ بأهنم قد أمجع علماؤهم على تغيري حد الزاو‬
‫من الرجم إىل اجللد والتحميم‪ ،‬واليهود أطاعوهم يف هذا التشريع الذي جاؤوا به؛ من‬
‫هنا مسّاهم هللا ¸ أن هؤالء األحبار قد أصبحوا أربابا من دون هللا‪ ،‬هذا بالنسبة إىل‬
‫علماء اليهود‪.‬‬
‫ي‬ ‫ي ي‬
‫ارى‪ :‬أنت تعلم أن هذا الدين كان دين توحيد‬ ‫َّأما بيالنّ ْسبَة إل عُلَ َماء الن َ‬
‫َّص َ‬
‫ولكن جنده اآلن دين تثليث‪ ،‬ويف زمن رسول هللا ‘ هذا الدين الذي نراه كان‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫سائدا يف ذلا الوقت‪ ،‬بدليل أن هللا ¸ أنزل قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬ل َقد َك َفَر الذ َ‬
‫تغري من التوحيد إىل‬ ‫قَالُوا إِن اَلل ثَالِ ُ ٍ‬
‫ث ثََالثَة﴾ [املائدة‪]73 :‬؛ إذا هذا الدين قد ّ‬ ‫َ‬
‫تغري؟‬
‫التثليث‪ ،‬كيف ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪64‬‬

‫أهل السرية أو أهل التاريخ ذكروا نبذة عن هذه املسألة‪ ،‬أنه بعد أن بعث هللا‬
‫¸ نيب هللا عيسى برسالته إىل بين إسرائيل‪ ،‬وبدأ الناس يعتنقون هذا الدين اجلديد‬
‫ويتخلّون عن دين نيب هللا موسى‪ ،‬اليهود ما كانوا يرضون ٍ‬
‫ألحد أن يرت دين نيب هللا‬
‫موسى ويعتنق ما جاء به نيب هللا عيسى‪ ،‬وبدأ علماؤهم يفتون بقتل من يعتنق‬
‫النصرانية‪ ،‬واستشرى فيهم القتل‪ ،‬وكان أش ّدهم على النصارى رجل يهودي امسه‬
‫(شاؤول)‪ ،‬أبادوا قرى بكاملها‪ ،‬إال أهنم وجدوا أن هذه الطريقة يف منع الناس من‬
‫اعتناق الديانة النصرانية ال ُجتدي نفعا‪ ،‬وعلى طريقتهم يف اخلبث يف التفكري جاء‬
‫(شاؤول) هذا إىل حواري نيب هللا عيسى‪ ،‬قال‪ :‬إو كنت سائرا يف الصحراء ومسعت‬
‫ُمناديا يُنادي يقول ‪" :‬يا شاؤول كفا قتال بأصحايب‪ُ ،‬كن من أتباعي"‪ ،‬وأنا أريد‬
‫أن أعتنق الديانة النصرانية‪.‬‬

‫األحبار يف ذلا الوقت اعرتضوا على اعتناق هذا الرجل (شاؤول) الديانة‬
‫النصرانية حبكم ش ّدته على النصارى يف القتل‪ ،‬لكن كان من بينهم رجل امسه (برنابا)‬
‫وهذا اسم موجود كما تعلم ألن له إجنيل موجود غري ُمعرتف به‪ ،‬فكأنه كان طيّب‬
‫فتوسط أنه يقبل هذا الرجل أن يعتنق الديانة النصرانية‪ ،‬فبدأ يعمل على‬ ‫القلب‪ّ ،‬‬
‫ختريب هذه الديانة من الداخل وبدأ بإلقاء الشُّبَه‪ ،‬أول شبهة ألقاها قال‪ :‬هل ميكن‬
‫أن يُولد طفل دون أن يكون له أب أو أم؟‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬ال ميكن‪ُ ،‬سنّة هللا ¸ أن‬
‫الطفل من أب وأم‪ ،‬سأل‪ :‬إذا من أبو عيسى؟‪ ،‬قالوا‪ :‬ليس له أب‪ ،‬إذا خالفتم‬
‫املقدمة اليت اتفقنا عليها‪ ،‬عندما مل ُيدوا جوابا هلذا السؤال‪ ،‬قال‪ :‬طاملا ال يوجد له‬
‫أب بشري‪ ،‬إذا أبوه هللا! واستسلموا هلذه ‪-‬الشبهة والعياذ باهلل‪.-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪65‬‬

‫بعد أن أُشربت قلوهبم هبذه الشبهة‪ ،‬جاء بشبهة ثانية‪ ،‬قال‪ :‬طاملا اتفقنا على أن‬
‫أبا عيسى ‪-‬حاشا هلل تبار وتعاىل‪ -‬هللا أبوه‪ ،‬حنن نعلم أن الطفل ال يكون إال جبزء‬
‫من األب وجزء من األم‪ ،‬إذا عيسى فيه شيء من مرمي‪ ،‬وفيه شيء أيضا من هللا ¸‬
‫‪-‬تعاىل هللا عما يقول الظاملون عُ ًّلوا كبريا‪ .-‬بعد أن استسلموا للشبهة األوىل‪ُ ،‬يب‬
‫أن يستسلموا للشبهة الثانية‪ ،‬قالوا‪ :‬صحيح إذا فيه شيء من هللا وفيه شيء من مرمي‪.‬‬

‫وعقيدة النصارى إىل يومنا هذا قائمة على هذا األساس‪ ،‬يقولون‪" :‬عيسى فيه‬
‫اجلزء الالهويت‪ ،‬وفيه اجلزء الناسويت" يقصدون بالالهويت أي أن هللا أبوه‪ ،‬وجزء من‬
‫هللا قد حل يف عيسى‪ .‬والناسويت‪ :‬جزء من مرمي قد حل يف نيب هللا عسى؛ استسلموا‬
‫هلذه الشبهة أيضا‪.‬‬

‫مث بعد ذلا جاء بالشبهة األخرية‪ ،‬قال‪ :‬طاملا اتفقنا أن نيب هللا عيسى فيه شيء‬
‫من هللا ¸‪ ،‬إذا يستحق أن يُعبد‪ ،‬نعبد هذا اجلزء اإلهلي الذي يف عيسى‪ ،‬وهبذا‬
‫حول هذا الدين من ديانة توحيد إىل ديانة تثليث‪ ،‬فقال‪ :‬هللا االبن رو القدس‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فأصبحت اآلهلة ثالث‪ ،‬والنصارى أطاعوا واتبعوا (شاؤول) هذا فيما جاء به من‬
‫ُش ٍبه‪ ،‬وعلماء النصارى ما زالوا يدعون إىل هذه الشبهة‪ ،‬والنصارى يُطيعوهنم‪.‬‬

‫تنس (شاؤول) هذا بعد أن اعتنق الديانة النصرانية مسّى نفسه (بولس‬ ‫إذا ال َ‬
‫الرسول)‪ ،‬وله رسائل يف اإلجنيل‪ ،‬له رسائل إىل أهل روما‪ ،‬له رسائل إىل فالن وإىل‬
‫غري هذا‬
‫فالن‪ ،‬له رسائل يف اإلجنيل؛ إذا هو رجل ُمق ّد ٌم فيهم‪ ،‬ولكن هو الذي ّ‬
‫الدين من ديانة توحيد إىل ديانة تثليث‪ ،‬والنصارى أطاعوه وما زالوا يُطيعونه؛ إذا‬
‫العلماء هبذا التغيري هلذه الديانة والنصارى أطاعوهم‪ ،‬إذا هؤالء العلماء قد أصبحوا‬
‫أربابا من دون هللا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪66‬‬

‫غريين‬
‫مالحظة مهمة أُشري إليها يف صدد هذا املوضوع‪ :‬أن الذي مسّى العلماء املُ ّ‬
‫لشريعة نيب هللا موسى ولشريعة نيب هللا عيسى (رب)‪ :‬هللا تعاىل وحيا يف القرآن‪ ،‬يعين‬
‫غريوا شريعة نيب والناس‬ ‫هذا حكم من هللا ¸ وليس من البشر‪ ،‬أي‪ :‬العلماء إذا ّ‬
‫أطاعوهم يف ذلا التغيري؛ فإن هذا ِ‬
‫العامل يُعترب ربًّا ألولئا‪ ،‬جيّد‪ ،‬اآلن نأيت‪:‬‬

‫ُْ‬ ‫َُُ‬
‫ما َعالقة ل ْج َن ِة ِك َت َاب ِة الد ْس ُتو ِر ِبال ِذي قل َن ُاه؟‬

‫ورهبان‬ ‫ِ‬
‫جلنة كتابة الدستور مل يُذكروا يف هذه اآلية‪ ،‬وإمنا الذي ذُكر أحبار اليهود ُ‬
‫النصارى‪ ،‬أما جلنة كتابة الدستور فهؤالء غري مذكورين يف اآلية‪ ،‬فهل يدخلون يف‬
‫حكم هذه الية أم ال؟‪ ،‬يدخلون؛ والدليل على ذلا‪:‬‬

‫حديث رواه أبو سعيد اخلدري ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫َّأوًال‪:‬‬
‫(لتتبعُ ّن َسنن من قبلكم‪ ،‬شربا بشرب‪ ،‬وذراعا بذراع‪ ،‬حىت لو سلكوا ُجحر ٍ‬
‫ضب‬
‫لسلكتموه)‪ ،‬قلنا يا رسول هللا‪ ،‬اليهود والنصارى؟‪ ،‬قال‪( :‬فمن؟)(‪.)15‬‬

‫إذا كل الذي حدث عند اليهود‪ ،‬وحدث عند النصارى‪ ،‬سيكون يف أمة رسول‬
‫هللا ‘ من يفعلون فعل أولئا‪ ،‬الذي فعله العلماء يف دين نيب هللا موسى ويف دين‬
‫غريوا شريعة‬
‫غريوا ذلا الدين؛ وجدنا أن جلنة كتابة الدستور قد ّ‬ ‫نيب هللا عيسى أهنم ّ‬
‫رسول هللا ‘‪ ،‬إذا فعلوا بديننا ما فعله األحبار والرهبان بدين نيب هللا موسى وبدين‬
‫نيب هللا عيسى‪.‬‬

‫(‪ )15‬احلديث رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪67‬‬

‫(لتتبعُ ّن َسنن من قبلكم‪ ،‬شربا بشرب‪ ،‬ذراعا بذراع‪ ،‬حىت لو سلكوا ُجحر ٍ‬
‫ضب‬
‫لسلكتموه)‪ ،‬قالوا‪ :‬اليهود والنصارى؟‪ ،‬قال‪( :‬فمن؟)؛ إذا ما فعله علماء اليهود‬
‫والنصارى سيكون يف هذه األمة أيضا علماء يفعلون بشريعة نبينا حممد ‘ ما فعله‬
‫األو ُل‪.‬‬
‫يل َّ‬ ‫أولئا بشرائع أنبيائهم‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬
‫َّاين‪ :‬هنا قاعدة يف شرعنا احلنيف تقول‪" :‬األحكام اإلسالمية تدور‬ ‫يل الث ي‬‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫مع ِعلَلِها‪ ،‬أينما ُوِج َدت العلة ُوِج َد احلُك ُم"‪ ،‬أين العلّة يف تسمية هللا ¸ لعلماء‬
‫وغريوا‬
‫غريوا شريعة نيب هللا واليهود أطاعوهم‪ّ ،‬‬ ‫اليهود والنصارى (أربابا)؟‪ ،‬العلّة أهنم ّ‬
‫غريوا‬
‫شريعة نيب هللا عيسى والنصارى أطاعوهم‪ ،‬إذا العلّة يف التغيري مع الطاعة؛ هم ّ‬
‫غريوا‬
‫وناس أطاعوهم يف هذا التغيري‪ ،‬هذه العلّة ُمتح ّققة يف جلنة كتابة الدستور‪ ،‬فقد ّ‬
‫شريعة رسول هللا ‘‪ ،‬وب ّدلوها وجاؤوا بالبديل‪ ،‬وأنت تعلم كم من الناس اآلن‬
‫يُطيعوهنم على هذا البديل الذي جاؤوا به‪.‬‬

‫إذا الذي حصل من علماء اليهود وعلماء النصارى قد حصل من هؤالء أيضا‪،‬‬
‫إذا كان علّة تسمية علماء اليهود والنصارى (أربابا) التغيري‪ ،‬فإن هذه العلّة ُمتح ّققة‬
‫يف جلنة كتابة الدستور؛ فقد غريوا شريعة رسول هللا ‘‪ ،‬علما أن هللا ¸ مل ي ِ‬
‫عط‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫غري شيئا من هذه الشريعة اليت ذكرت‪ ،‬هذا الدليل الثاو على دخول‬ ‫ٍ‬
‫حقًّا ألحد أن يُ ّ‬
‫جلنة كتابة الدستور يف حكم هذه اآلية‪.‬‬

‫يل الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬يُ ّ‬
‫سمى بقياس األوىل‪ ،‬وتعريف قياس األوىل ‪-‬أذكره باملعىن‪ :-‬أن‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫يأيت حكم يف نص من النصوص‪ ،‬مث يسكت عن حك ٍم أوىل بال ّذك ِر من املذكور‪،‬‬
‫يعين يأيت حكم يف نص‪ ،‬والنص يسكت عن ُحك ٍم آخر‪ ،‬ذا الذي سكت عنه‬
‫كان أوىل بالذكر من هذا الذي ذُكَِر‪ ،‬هذا علماء األصول يسمونه قياس األوىل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪68‬‬

‫مثال ذلا‪ :‬قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَ َال تَـ ُقل هلَُما أ ٍّ‬
‫ُف َوَال تَـنـ َهرُُهَا َوقُل هلَُما‬
‫ُف﴾‪ ،‬إذا جاء رجل‬ ‫قَـوال َك ِرميا﴾ [اإلسراء‪ .]23:‬إذا هللا ¸ قال‪﴿ :‬فَ َال تَـ ُقل هلَُما أ ٍّ‬
‫قال‪ :‬يا شيخ هل ميكن ألحد أن يضرب أباه أو أمه؟‪ ،‬تقول‪ :‬ال من باب أوىل ال‬
‫ُميكن‪ ،‬ألن هللا ¸ ال يرضى أن تقول (أف) كيف يرضى بالضرب؟‪ ،‬إذا الدليل ذكر‬
‫(أف) ولكن مل يذكر الضرب‪ ،‬علما أن الضرب أوىل باملنع من األف‪ ،‬فإذا كان‬
‫األف ال يُقبل؛ إذا من باب أوىل ّأال يُقبل الضرب‪.‬‬

‫﴿وَال تَـقتُـلُوا أَوَال َد ُكم َخشيَةَ إِم َال ٍق﴾‬


‫كذلا قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫[اإلسراء‪ .]31:‬أي‪ :‬ال تقتلوا أوالدكم بسبب اخلوف من الفقر‪ ،‬إذا الغين من باب‬
‫أوىل ّأال يقتل‪ ،‬ألن العلّة هنا ُمنتفية فيه؛ إذا هذا يُسمى قياس األوىل‪.‬‬

‫بييقيَ ي‬
‫اس األَ ْو َل‪ :‬دخول جلنة كتابة الدستور يف حكم هذه اآلية أوىل من علماء‬
‫سموا‬
‫اليهود وأوىل من علماء النصارى أهنم (أرباب) من ثالثة وجوه‪ ،‬هؤالء أوىل أن يُ ّ‬
‫أربابا من وجوه ثالثة‪:‬‬

‫األو ُل‪ :‬أن شريعة نيب هللا موسى وشريعة نيب هللا عيسى ‪-‬على رسولنا‬ ‫الو ْجهُ َّ‬ ‫َ‬
‫وعليهما الصالة والسالم‪ -‬كانت ألقوام ُمصوصني (لبين إسرائيل)‪ ،‬تلا الشرائع‬
‫اليت تالعب فيها العلماء‪ ،‬ومسّى هللا ¸ املتالعبني أربابا‪ ،‬هذه الشرائع وهذا الدين‬
‫ُ‬ ‫كان ٍ‬
‫لقوم ُمصوصني وهم بنو إسرائيل‪ ،‬كما يف آية [سورة الصف‪ ]6-5:‬يقول هللا‬
‫ول اَللِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫تبار وتعاىل‪ِ :‬‬
‫َو َر ُس ُ‬ ‫وس ٰى ل َقومه يَا قَـوم ملَ تُـؤذُونَِين َوقَد تـعلَ ُمو َن أِّ‬
‫﴿وإذ قَ َال ُم َ‬ ‫َ‬
‫يسى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫إِلَي ُكم فَـلَما َزاغُوا أ ََزا َ‬
‫غ اَللُ قُـلُوبَـ ُهم َواَللُ َال يَـهدي ال َقوَم ال َفاسقني ۝ َوإذ قَ َال ع َ‬
‫ني يَ َدي ِم َن التـوَراةِ َوُمبَ ِّشرا‬ ‫ول اَللِ إِلَي ُكم ُّم ِ ِ‬ ‫يل إِِّو َر ُس ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ّدقا لّ َما بَـ َ‬
‫َ‬ ‫اب ُن َمرَميَ يَا بَِين إسَرائ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِرس ٍ‬
‫ني﴾‪ ،‬إذا‬ ‫ول يَأِيت من بَـعدي امسُهُ أَحَ ُد فَـلَما َجاءَ ُهم بِالبَـيِّنَات قَالُوا َٰه َذا سحٌر ُّمبِ ٌ‬ ‫َُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪69‬‬

‫تنص على أن نيب هللا موسى كان مبعوثا إىل بين إسرائيل‪ ،‬واآلية تنص على أن‬
‫اآلية ّ‬
‫نيب هللا عيسى كان مبعوثا أيضا إىل بين إسرائيل وهؤالء قوم ُمصوصون‪.‬‬

‫بينما شريعة رسول هللا ‘ إىل الناس مجيعا‪ ،‬ليست إىل قوم ُحم ّددين كما يف آية‬
‫ول اَللِ إِلَي ُكم َِ‬ ‫اس إِِّو َر ُس ُ‬
‫مجيعا﴾‪ ،‬إذا إىل فئة‬ ‫[سورة األعراف‪﴿ :]158:‬قُل يَا أَيـُّ َها الن ُ‬
‫ول اَللِ إِلَي ُكم‬
‫اس إِِّو َر ُس ُ‬
‫وال إىل مجاعة وال إىل قوم‪ ،‬إىل الناس مجيعا ﴿قُل يَا أَيـُّ َها الن ُ‬
‫اس بَ ِشريا َونَ ِذيرا﴾ [سبأ‪،]28:‬‬ ‫﴿وَما أَر َسلنَا َ إِال َكافة لِّلن ِ‬ ‫ِ‬
‫َمجيعا﴾‪ ،‬ويف اآلية األخرى‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬
‫ني﴾ [األنبياء‪ ،]107:‬إذا تلا‬ ‫﴿وَما أَر َسلنَا َ إِال َرحَة لّل َعالَم َ‬ ‫ويف اآلية األخرى‪َ :‬‬
‫وغريوا كانت ألقوٍام ُمصوصني‪ ،‬أما هذا فلجميع‬ ‫الديانات اليت تالعب هبا العلماء ّ‬
‫البشرية؛ فالذي تالعب بدين جلميع البشرية أسوأ حاال بكثري من أن يتالعب بدين‬
‫كان ُمصوصا لقوم ُمعيّنني‪ .‬هذا الوجه األول‪.‬‬

‫الو ْجهُ الثَّاين‪ :‬أن تلا الشرائع نُ ِس َخت بعث رسول هللا ‘‪ ،‬إذا كان هلا مدى‬ ‫َ‬
‫من حيث الزمن‪ ،‬بعث رسول هللا انتهى العمل بالتوراة وانتهى العمل أيضا باإلجنيل‪،‬‬
‫اإلس َالِم ِدينا فَـلَن يـُقبَ َل ِمنهُ َوُه َو‬
‫﴿وَمن يَـبتَ ِغ َغيـر ِ‬
‫َ‬ ‫دليل ذلا قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِِ‬
‫غري فيها علماء‬ ‫ين﴾ [آل عمران‪ ،]85:‬إذا تلا الشرائع اليت ّ‬ ‫يف اآلخَرة م َن اخلَاس ِر َ‬
‫اليهود والنصارى كانت لزمن حمدد حسب مشيئة هللا ¸‪ ،‬أما هذه الديانة فمنذ‬
‫مبعث رسول هللا ‘ ستبقى إىل قيام الساعة؛ إذ ال نيب بعد رسول هللا ‘‪ ،‬والدليل‬
‫يف [سورة األحزاب‪﴿ :]40:‬ما َكا َن ُحمم ٌد أَبا أَح ٍد ِمن ِرجالِ ُكم وٰلَ ِكن رس َ ِ‬
‫ول اَلل َو َخ َامتَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ّ َّ‬
‫ني﴾‪ ،‬إذا ال نيب بعد رسول هللا؛ إذا هذه الشريعة منذ مبعث رسول هللا إىل قيام‬ ‫النبِيِّ َ‬
‫الساعة‪ ،‬فالذي يتالعب بشريعة قد جعلها هللا ¸ للناس إىل قيام الساعة أسوأ بكثري‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪70‬‬

‫من حال عامل تالعب بشريعة قد شاء هللا ¸ أن تكون هلا مدة حمدودة‪ .‬هذا الوجه‬
‫الثاو يف دخول جلنة كتابة الدستور يف حكم اآلية‪.‬‬

‫ث‪ :‬هذه الشريعة الربانية هللا تبار وتعاىل أمتّها وأكملها ورضيها‬ ‫الو ْجهُ الثَّالي ُ‬
‫َّأما َ‬
‫اإلس َال َم ِدينا﴾‬
‫يت لَ ُكم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَي ُكم نع َم ِيت َوَرض ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ت لَ ُكم دينَ ُكم َوأَمتَم ُ‬
‫لنا ﴿اليَـوَم أَك َمل ُ‬
‫وغريوا دينا‬
‫غريوا دينا أمتّهُ هللا ¸‪ّ ،‬‬ ‫[املائدة‪ ،]3:‬فعندما جاءت جلنة كتابة الدستور ّ‬
‫رضيه هللا تبار وتعاىل للبشرية إىل قيام الساعة‪ ،‬بينما هذه الوصوفات ما قيلت عن‬
‫التوراة وال قيلت عن اإلجنيل؛ إذا هؤالء جلنة كتابة الدستور أسوأ حاال من أحبار‬
‫اليهود‪ ،‬وأسوأ حاال من رهبان النصارى‪ ،‬وأوىل بالدخول يف حكم هذه اآلية؛ إذا‬
‫باب من دون هللا ¸‪.‬‬
‫حصلة اليت خنرج هبا‪ :‬أن جلنة كتابة الدستور أر ٌ‬ ‫الـ ُم ّ‬

‫َ َ ُ ْ ُ‬
‫الح ِقيقة األخ َرى ِلل ْج َن ِة ِك َت َاب ِة الد ْس ُتو ِر‪:‬‬
‫ُ َ ُ َ َْ‬ ‫َّ َ‬
‫للا ¸‪.‬‬ ‫ؤالء مع ِقبون ِألح ِ ِ‬
‫ام‬ ‫ك‬ ‫أن ه ِ‬
‫وغريوا‪ ،‬أقول اآلن أن جلنة كتابة‬
‫تأكيد للمسألة الثانية اليت ذكرناها أهنم ب ّدلوا ّ‬
‫عط ٍ‬
‫ألحد احلق أن يُع ّقب على‬ ‫الدستور ع ّقبوا على أحكام هللا ¸‪ ،‬وهللا تبار مل ي ِ‬
‫ُ‬
‫﴿واَللُ‬
‫شيء من أحكامه‪ ،‬دليل ذلا يف [سورة الرعد‪ ]41:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫اب﴾‪.‬‬‫َحي ُكم َال مع ِّقب ِحلك ِم ِه وُهو س ِريع احلِس ِ‬
‫ُ َُ َ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫ب ِحلُك ِم ِه﴾ معىن التعقيب‪ :‬يقول اإلمام البغوي ‪-¬-‬‬ ‫ِ‬
‫﴿واَللُ َحي ُك ُم َال ُم َع ّق َ‬
‫َ‬
‫يف تفسريه‪" :‬أي‪ :‬ال ر ّاد لقضائه وال ناقض حلُكمه"‪ ،‬كذلا عند اإلمام اآللوسي‬
‫كالم شبيه هبذا؛ إذا معىن التعقيب‪ :‬هو الرد‪ ،‬وهو النقض‪ ،‬وهو اإلبطال‪ ،‬وهو‬
‫التعطيل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪71‬‬

‫وهذا احلق ما جعله هللا ¸ ٍ‬


‫ألحد بعد أن أكمل لنا هذا الدين وأمتّه ورضيهُ لنا‪،‬‬
‫﴿وُه َو‬
‫وجلنة كتابة الدستور كما تعلم ما تركوا شيئا من دين هللا ¸ إال وع ّقبوا عليه‪َ ،‬‬
‫عجل حبساهبم يف الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬ ‫س ِر ِ ِ‬
‫يع احل َساب﴾ فنسأل هللا ¸ أن يُ ّ‬‫َ ُ‬
‫النقض والرد والتعطيل والتبديل‪ ،‬كل هذه تدخل يف التعقيب‪ ،‬وهو أن حيكم هللا‬
‫ُناس حبك ٍم غري هذا احلكم الذي جاء به‪ ،‬إما بالزيادة وإما‬
‫¸ حبك ٍم‪ ،‬مث يأيت أ ٌ‬
‫بالنقصان وإما بالتبديل وإما بالنقض‪ ،‬هذا كله يُسمى تعقيب‪.‬‬

‫إذا جلنة كتابة الدستور ع ّقبوا على أحكام هللا ¸ قاطبة‪ ،‬بل ما تركوا شيئا إال‬
‫وأتوا عليه‪ ،‬وال يغُّرنّا قوهلم‪" :‬أن الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع‪ ،‬وأن‬
‫الزواج من الشريعة وأن الطالق من الشريعة‪ ،"...‬ال‪ ..‬ال يغرنّا هذا الكالم؛ ألهنم‬
‫ما أخذوا هذا إال بناء على أهوائهم هم‪ ،‬لو وجدوا أفضل مما وجدوا يف ديننا‬
‫ألخذوه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الح ِقيقة ال َّر ِاب َعة ِم ْن َحقا ِئ ِق ِل ْج ْن ِة ِك َت َاب ِة الد ْس ُتو ِر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ ْ ُ َ َ‬
‫لل ¸‪.‬‬ ‫أنهم شر ِ‬
‫اء‬ ‫ك‬
‫قلنا أنداد‪ ،‬قلنا أرباب‪ ،‬قلنا ُمع ّقبون‪ ،‬اآلن نقول‪ :‬شركاء هلل ¸‪ ،‬ودليل ذلا‪:‬‬
‫يف آية [سورة الشورى‪ ]21:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَم َهلُم ُشَرَكاءُ َشَرعُوا َهلُم ِّم َن‬
‫ال ِّدي ِن َما َمل يَإذا بِِه اَللُ﴾‪.‬‬

‫هذا الذي وضعته جلنة كتابة الدستور يا إخوة هذا دين‪ ،‬هذا دين؛ ألن كلمة‬
‫سمى‬
‫الدين كما تعلم تُطلق على الدين احلق‪ ،‬وتُطلق على الدين الباطل‪ ،‬فالباطل يُ ّ‬
‫سمى دينا؛ دليل ذلا من كتاب هللا ¸ قوله تبار وتعاىل‪:‬‬ ‫دينا‪ ،‬واحلق أيضا يُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪72‬‬

‫﴿دينا﴾ [آل عمران‪ ،]85:‬إذا غري اإلسالم أيضا‬ ‫اإلس َالِم﴾ إيش؟‪ِ ،‬‬
‫﴿وَمن يَـبتَ ِغ َغيـر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سميها هللا ¸ دينا‪.‬‬
‫دين‪ ،‬إذا اإلسالم دين‪ ،‬وغري اإلسالم أيضا األديان الباطلة يُ ّ‬
‫الدليل اآلخر‪ :‬يف [سورة الكافرون‪ ]6:‬يقول هللا تبار وتعاىل لِ ُمشركي مكة‪:‬‬
‫﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪ ،‬إذا ما كان عليه املشركون مسّاه هللا ¸ دينا‪.‬‬

‫اف أَن يـُبَ ِّد َل ِدينَ ُكم‬ ‫وس ٰى َوليَدعُ َربهُ إِِّو أ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫وكذلا فرعون قال ﴿ذَ ُر ِوو أَقـتُل ُم َ‬
‫فسمى ما كان عليه من أم ٍر مسّاه دين‪،‬‬ ‫ض ال َف َس َاد﴾ [غافر‪ّ ،]26:‬‬ ‫أَو أَن يُظ ِهَر ِيف األَر ِ‬
‫وهللا ¸ نقل لنا ذلا وحيا يف القرآن الكرمي‪.‬‬

‫إذا الدين يسمى دين احلق يسمى دين‪ ،‬اإلسالم يسمى دين‪ ،‬وغري اإلسالم كل‬
‫الشرائع سواء كانت مساويّة أو كانت أرضية كلها تسمى أيضا دين‪ ،‬طاملا إذا هذا‬
‫الذي وضعوه يُقنّن حياة البشرية ويتداخل يف تنظيم حياهتم إذا يُسمى دين‪ ،‬ولكنه‬
‫دين باطل مل يإذا به هللا ¸؛ فمن وضع دينا غري دين هللا ¸ دينا باطال غري دين‬
‫هللا ¸‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل مل يإذا له بوضع هذا الدين‪ ،‬فإن واضع الدين قد جعل‬
‫من نفسه شريكا هلل ¸‪ ،‬واضع هذا الدين قد جعل من نفسه شريكا هلل ¸‪ ،‬وهذا‬
‫الذي قلناه يف درسنا األوىل معىن الند‪.‬‬

‫إذا هم شركاء هلل ¸ ألهنم وضعوا دينا مل يإذا به هللا ¸ وهو دين باطل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫األخ َيرة ِبال ِن ْس َب ِة إلى ِل ْج َن ِة ِك َت َاب ِة الد ْس ُتو ِر َوهي الخ ِام َسة‪:‬‬
‫الح ِقيقة ِ‬
‫ُ َّ َ‬ ‫َّ‬
‫ياء للشيط ِان‪.‬‬ ‫أن ُه ْم ِ‬
‫أول‬
‫ِ‬
‫وحو َن‬ ‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫دليل ذلا‪ :‬ما ذكرناه سابقا من [سورة األنعام‪َ :]121:‬‬
‫إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم لِيُ َج ِادلُوُكم﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪73‬‬

‫هللا تبار وتعاىل مسى تلا اجلزيئة وحيا من الشيطان‪ ،‬عندما قالوا‪ِ :‬‬
‫"ملَ تأكلون‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الشاة اليت تذحبوهنا‪ ،‬وشاة قتلها هللا ¸ ال تأكلوهنا؟!"؛ إذا أكل امليتة تشريع‪ ،‬هذا‬
‫التشريع قال هللا ¸ عنه‪ :‬هذا كان بوحي من الشيطان إىل أوليائهم‪.‬‬

‫جيّد‪ ،‬جلنة كتابة الدستور عندما انفردوا بالغرفة وبدؤوا يكتبون هذه القوانني‬
‫غرية‪ ،‬هذه املواد‬
‫وم ّ‬
‫ومب ّدلة ُ‬
‫ومع ّقبة ألحكام هللا ¸ ُ‬
‫وهذه الدساتري‪ ،‬وهي ناقضة ور ّادة ُ‬
‫اليت كتبوها أنا أجزم يقينا أن الشيطان كان معهم يف الغرفة وإن كان ال يُرى‪ ،‬وكان‬
‫يوحي إليهم وُميلي هلم وهم يكتبون هذه املواد ويكتبون هذه الدساتري‪.‬‬

‫كيف أجزم بوجود الشيطان يف تلا الغرفة معهم؟‪ ،‬ألن من ال خيفى عليه شيء‬
‫وحو َن إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫يف األرض وال يف السماء قد قال‪َ :‬‬
‫لِيُ َج ِادلُوُكم﴾‪ ،‬ومن أش ّد الناس والء للشيطان هم جلنة كتابة الدستور؛ ألن الرجل قد‬
‫يأيت حبك ٍم هذا ال يساوي شيء عند الشيطان‪ ،‬ممكن أن يُوحي له مسألة صغرية‬
‫كأكل ميتة وما أكل ميتة‪ ،‬أما هؤالء فقد وضعوا تقنينا ودينا ُمتكامال يدخل يف كل‬
‫تفاصيل احلياة‪ ،‬إذا جلنة كتابة الدستور يُعتربون أولياء للشيطان بنص هذه اآلية‬
‫الكرمية‪.‬‬

‫ومع ّقبون وشركاء هلل ¸‪،‬‬


‫فإذا علمت أن جلنة كتابة الدستور أنداد وأرباب ُ‬
‫وأولياء للشيطان يقينا حكم هؤالء ظاهر عند ‪.‬‬
‫ول‪ :‬أن هللا ¸ إذا حكم حكما ال يرضى أل ٍ‬
‫حد أن‬ ‫َولَ يك ْن يم ْن بَ ي‬
‫اب ال َِائي َدةي أقُ ُ‬
‫ُ‬
‫غري هذا احلكم وال أن يُب ّدله‪ ،‬مثال ذلا‪ :‬يف [سورة التوبة‪ ]36:‬يقول هللا تبار‬ ‫يُ ّ‬
‫اب اَللِ يـوم خلَق السماو ِ‬
‫ند اَللِ اثـنَا َع َشر َشهرا ِيف كِتَ ِ‬ ‫ُّهوِر ِع َ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ََ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫وتعاىل‪﴿ :‬إِن عد َة الش ُ‬
‫ين ال َقيِّ ُم فَ َال تَظلِ ُموا فِي ِهن أَن ُف َس ُكم﴾‪ ،‬هذا حكم‬ ‫واألَرض ِمنـها أَربـعةٌ حرم ٰذَلِ ِ‬
‫ا ال ّد ُ‬‫َ َ َ َ َ ُ ٌُ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪74‬‬

‫هللا ¸ أنه عندما خلق الكون‪ ،‬تشريع كوو اثنا عشر شهرا‪ ،‬لكن من بني هذه‬
‫األشهر أربعة أشهر ُح ُرم‪ ،‬هذا حكم من هللا ¸‪ُ ،‬مشركو مكة كانوا يُب ّدلون األشهر‬
‫وحمّرم‬
‫وحمّرم‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وذو احلجة‪ُ ،‬‬
‫احلُُرم‪ ،‬فكان يأيت إىل ُحمّرم‪ ،‬أنت تعلم رجب‪ُ ،‬‬
‫هذه األشهر احلرم‪ ،‬فمشركي مكة كانوا يعرفون هبذه األشهر احلرم‪ ،‬لكن كانوا‬
‫أحدهم أُوكِل إليه هذا األمر يقول‪ :‬شهر حمرم هذه السنة حالل‪ُ ،‬‬
‫وحي ّول احلرام إىل‬
‫شهر آخر‪ ،‬فيجعلون احلرام حالال‪ ،‬واحلالل حراما؛ إذا هذا تغيري وتبديل يف حكم‬
‫من أحكام هللا ¸‪.‬‬

‫غري أو ب ّدل يف أحكام هللا تبار وتعاىل قال عنهم‪﴿ :‬إِمنَا الن ِسيءُ ِزيَ َادةٌ ِيف‬ ‫ملن ّ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُكف ِر ي ِِ ِ‬
‫ين َك َف ُروا ُحيلُّونَهُ َعاما َوُحيَِّرُمونَهُ َعاما لّيُـ َواطئُوا عد َة َما َحرَم اَللُ‬
‫ض ُّل به الذ َ‬
‫َُ‬
‫فَـيُ ِحلُّوا َما َحرَم اَللُ﴾ [التوبة‪ ،]37:‬إذا هذا التغيري من املشركني لتلا األشهر من‬
‫احلرام إىل احلالل‪ ،‬ومن احلالل إىل احلرام‪ ،‬هللا ¸ ما قال هذا كفر فقط‪ ،‬بل قال‬
‫هذا زيادة يف الكفر؛ ألن هذا الفعل قد أضفتموه إىل الكفر الذي لديكم قبل هذا‬
‫الكفر؛ إذا جلنة كتابة الدستور ليسوا ُمرتدين وُك ّفارا فقط‪ ،‬بل عندهم زيادة يف الكفر‬
‫‪-‬والعياذ باهلل‪ .-‬أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء‪،‬‬
‫وهبذا ننتهي من اجلزء الثاو من موضوعنا وهو حكم جلنة كتابة الدستور‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪75‬‬
‫َّ ْ ُ َ‬
‫الخ ِام ُ‬
‫س‬ ‫الدرس‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َح ِقيقة الد ْس ُتو ِر‪َ ،‬و ُحك ُم الش ِرع ِف ِيه‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمــد هلل‪ ،‬والصــالة والســالم علــى رســول هللا‪ ،‬اللهــم أ ِرنَــا احلـ ّـق حقــا وأعنّــا علــى‬
‫اتّباعــه‪ ،‬وأ ِرنَــا الباطــل بــاطال وأعنّــا علــى اجتنابــه‪ ،‬اللهــم علّمنــا مــا ينفعنــا‪ ،‬وانفعنــا ــا‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجـة لنـا يـوم نلقـا وال‬
‫ويســر أمــري‪ ،‬واحلُــل‬ ‫رب اشــر صــدري‪ّ ،‬‬ ‫جتعلــه ُح ّجــة علينــا يــا أرحــم الـراحني‪ِّ ،‬‬
‫عُقــدة مــن لســاو يفقه ـوا قــو ‪ ،‬اللهــم اجعــل عملــي صــاحلا‪ ،‬ولوجهــا خالصــا‪ ،‬وال‬
‫ألحد من خلقا؛ أما بعد‪:‬‬ ‫جتعل فيه نصيبا ٍ‬

‫درس سابق ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬عن جلنة كتابة الدسـتور وأثبتنـا بعـض‬ ‫تكلمنا يف ٍ‬
‫الصــفات هلــذه اللجنــة مــن خــالل اآليــات القرآنيــة وأحاديــث رســول هللا ‘‪ ،‬وقلنــا أن‬
‫هــؤالء مرتــدون عــن ديــن هللا تبــار وتعــاىل‪ ،‬يكــون حــديثنا اليــوم إن شــاء هللا تعــاىل عــن‬
‫الدستور‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ما َح ِقيقة الد ْس ُتو ِر؟‪َ ،‬وما ُحك ُم الش ْر ِع ِف ِيه؟‬
‫أقــول ُمســتعينا بــاهلل ¸‪ :‬أنــت تعلــم أن اإلنســان كــائن اجتمــاعي‪ ،‬ال يســتطيع أن‬
‫جتمـ ٍع ال بـد مـن وجـود تشـريع يُـنظّم‬ ‫عزل عن بين جنسـه‪ ،‬وطاملـا أنـه يعـيش يف ُّ‬ ‫يعيش ٍ‬
‫جتمـ ـ ٍع دون أن يك ــون هن ــا‬
‫حي ــاة ه ــؤالء الن ــاس املُجتمع ــني‪ ،‬ال ميك ــن أن يعيشـ ـوا يف ّ‬
‫تشـريع يـُـنظّم حيــاهتم‪ ،‬هــذه التشـريعات الــيت تُــنظّم حيــاة البشـرية أينمــا وجــدوا سـواء يف‬
‫اجملتمعــات الصــغرية أو يف اجملتمعــات الكبــرية تنقســم إىل قســمني‪ :‬إمــا أهنــا شـريعة ُم ّنزلــة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪76‬‬

‫م ــن هللا تب ــار وتع ــاىل‪ ،‬وإال إذا حنّـ ـوا ش ـ ـريعة هللا ¸ جانب ــا فتج ــد أهن ــم ه ــم وض ــعوا‬
‫ألنفس ــهم تشـ ـريعات ح ــىت يُنظّمـ ـوا حي ــاهتم؛ إذا البش ــرية ال يس ــتغنون ع ــن التشـ ـريعات‬
‫س ـواء كانــت ربّانيــة أو كانــت بش ـرية وضــعية‪ ،‬وهللا ¸ أرســل آخــر الرســاالت بش ـريعة‬
‫رس ــول هللا ‘ وه ــي شـ ـريعة كم ــا تعل ــم ص ــاحلة لك ــل زم ــان ولك ــل مك ــان وإىل قي ــام‬
‫الساعة‪.‬‬

‫هــذه الق ـوانني الــيت تُوضــع مــن قبــل البش ـرية (حنّـوا ش ـريعة هللا ¸ جانبــا)‪ ،‬وجــاؤوا‬
‫بقوانني وبدساتري‪ ،‬ما حقيقة هذه القوانني؟‪ ،‬وما حقيقة هذه الدساتري؟‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُكـ ُّـل قَــانُون‪ُ ،‬كـ ُّـل ُدســتُوٍر َعــدا َشــرِع هللا ¸‪ُ ،‬كلُّه ـا قَاطبَــة ُدو َن اســتثـنَاء‪ :‬أح َكـ ٌ‬
‫ـام‬
‫اهلِيّ ـةٌ‪ ،‬دليــل ذلــا مــن كتــاب هللا ¸‪ :‬قولــه تبــار وتعــاىل يف [ســورة املائــدة‪-49:‬‬ ‫جِ‬
‫َ‬
‫اهلِي ِـة يَـبـغُـو َن َوَمـن أَح َس ُـن ِم َـن‬
‫اسـ ُقو َن ۝ أَفَحكـم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫ـاس لََف ِ‬
‫﴿وإِن َكثِريا ِّم َن الن ِ‬
‫‪َ :]50‬‬
‫اَللِ ُحكما لَِّقوٍم يُوقِنُو َن﴾‪ ،‬فكيف تسـتدل هبـذه اآليـة علـى أن التشـريعات غـري الربّانيـة‬
‫قاطبة أحكام جاهلية؟‪ ،‬نقف عند بعض مفردات هذه اآلية الكرمية‪:‬‬

‫ألو َل‪ :‬ذكر هللا ¸ يف هذه اآلية كلمة‪( :‬اجلاهلية)‪ُ ،‬مثَّ ذََك َر َكلي َم ًة‬ ‫املُِْ َر َدةُ ا ّ‬
‫ال‪( :‬أحكام)‪ ،‬أي‪ :‬أن هلؤالء اجلاهليني أحكام‪ ،‬فهذه مفردتني‪ ،‬مث بعد‬ ‫أُ ْخ َرى‪ ،‬قَ َ‬
‫ذلا ذكر أن كثريا من الناس يريدون هذه األحكام اجلاهلية‪َ ،‬ه يذهي ُم ِْ َر َدةٌ ثَاليثَة‪،‬‬
‫الرابي َعةُ يف هذه اآلية الكرمية‪ :‬حكم هللا ¸ على من يريد هذه األحكام‬ ‫املُِْ َر َدةُ َّ‬
‫اهلِي ِة يـَبـغُو َن‬
‫اس ُقو َن ۝ أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫اس لََف ِ‬
‫﴿وإِن َكثِريا ِّم َن الن ِ‬
‫اجلاهلية بأهنم فَ َس َقة‪َ :‬‬
‫َوَمن أَح َس ُن ِم َن اَللِ ُحكما لَِّقوٍم يُوقِنُو َن﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪77‬‬

‫إذا يف البداية حنتاج أن نعرف ما املقصود باجلاهلية‪ ،‬مث بعد ذلا نعرف ما‬
‫أحكام اجلاهلية‪ ،‬مث بعد ذلا نعرف ما عالقة هذه اآلية الكرمية بالدساتري والقوانني‬
‫الوضعية‪.‬‬

‫أما بالنسبة إىل اجلاهلية‪ :‬اإلمام ابن حجر ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [الفتح] قال‪:‬‬
‫"اجلاهلية تُطلق على ما مضى من الزمن‪ ،‬واملراد‪ :‬ما قبل اإلسالم‪ ،‬وضابط آخره غالبا‬
‫عرف اجلاهلية بأهنا األزمان اليت كانت قبل‬ ‫بفتح مكة"‪ ،‬إذا ابن حجر ‪ّ -¬-‬‬
‫مبعث رسول هللا ‘‪ ،‬وأن هذه اجلاهلية وهذا الزمن استمر إىل أن فُتِ َحت مكة‪ ،‬بعد‬
‫أن فُتِحت مكة انتهى هذا العصر‪ ،‬أما ما نقله الطحاوي ‪ -¬-‬يف [م ِ‬
‫شك ِل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اآلثار]‪ ،‬عن ُجماهد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪" :‬اجلاهلية ما بني عيسى وحممد ‘"‪،‬‬
‫إذا اعترب الفرتة احملصورة بني عيسى ’ إىل مبعث رسول هللا ‘ بالنسبة إىل أهل‬
‫مكة‪ ،‬قال هي هذه فرتة اجلاهلية‪ ،‬إذا هذا العصر عُ ِر َ‬
‫ف بالتاريخ بالعصر اجلاهلي‪.‬‬

‫َويم ْن ي‬
‫أجل ال َِائي َدةي أ ي‬
‫ُشريُ إل َم ْسأَلَة‪ :‬أنت تعلم أن البعثيني كانوا قد حكموا هذه‬
‫البالد فرتة‪ ،‬وهؤالء اجتاههم كان قوميا ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬عندما أمر املتق ّدم فيهم يف‬
‫ُ‬
‫ذلا الوقت (ذلا الطاغية) بإعادة كتاب التاريخ‪ ،‬فجاؤوا إىل بعض املفردات وأرادوا‬
‫أن يُعيدوا صياغتها من جديد‪ ،‬من بني املفردات اليت أعادوا صياغتها‪ :‬حذفوا كلمة‬
‫(العصر اجلاهلي) وجاؤوا صطلح جديد مسّوه‪( :‬عصر ما قبل اإلسالم)؛ ألن القومية‬
‫سموا أولئا املشركني يف ذلا الزمن‬ ‫اليت كانوا يدينون هبا كانت تأىب عليهم أن يُ ّ‬
‫سموا جاهلية‪ ،‬فكانوا يأنفون أن تُطلق على العرب‬ ‫الغابر الذين ماتوا على الشر أن يُ ّ‬
‫جاهلي‪ ،‬فب ّدلوا هذا املصطلح إىل‬
‫ّ‬ ‫وإن كان يف تلا الفرتة وعلى الشر أن يُسمى‬
‫مصطلح عصر ما قبل اإلسالم؛ فاإلنسان حيذر عندما يستخدم مثل هذا املصطلح‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪78‬‬

‫سميه‬
‫فإنه بعثي‪ ،‬وأما املصطلحات اإلسالمية فهي اليت نتشبّث هبا‪ ،‬وذلا العصر نُ ّ‬
‫بالعصر اجلاهلي‪ ،‬إذا اآلن علمت أن هي الفرتة املمتدة ما قبل رسول هللا ‘‪.‬‬
‫وجود َهذا َ‬
‫الع ْ‬ ‫َ‬
‫األد َّل ُة على ُ‬
‫ص ِر؟‬ ‫ِ‬ ‫ما هي ِ‬
‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن﴾‬ ‫ََ َ َ‬ ‫اء يم ْن كيتَ ي‬
‫اب للا ‪-‬تَ بار َك وتَ ع َال‪ :-‬قوله ¸‪﴿ :‬أَفَحكم اجل ِ‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫ُ َ َ‬
‫[املائدة‪ ،]50:‬إذا هللا ¸ أثبت أن هنا جاهلية‪ ،‬كذلا يف آية [سورة األحزاب‪:‬‬
‫ُوىل﴾‪ ،‬إذا اخلطاب موجه إىل‬‫اهلِي ِة األ َ‬
‫‪﴿ :]33‬وقَـر َن ِيف بـيوتِ ُكن وَال تَـبـرجن تَـبـُّرج اجل ِ‬
‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬
‫تتربجن تربج اجلاهلية األوىل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أمهاتنا وإىل النساء املسلمات من خالل أمهاتنا ّأال‬
‫يقينا هذه اجلاهلية كانت معروفة عند أمهاتنا عندما ُهنني أن تتربج كما كانت تتربج‬
‫يف اجلاهلية؛ إذا اآلية تُشري إىل أن عهد اجلاهلية قريب من عهد اإلسالم‪.‬‬
‫يث ر ُس ي‬
‫ول للا ‘‪:‬‬ ‫السن يَّة يمن ي‬ ‫ي‬
‫حديث رواه اإلمام مسلم ‪¬-‬‬
‫ٌ‬ ‫أحاد ُ َ‬
‫َّأما م َن ُّ ْ َ‬
‫رحة واسعة‪ -‬يف حجة الوداع‪ ،‬من ضمن قاله الرسول ‘‪( :‬وربا اجلاهلية موضوع‬
‫وأول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد املطلب فإنه موضوع كله)‪ ،‬فماذا مسّاه؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(وربا اجلاهلية موضوع)‪ ،‬من ضمن الناس الذين كانوا يتعاملون بالربا العباس بن عبد‬
‫املطلب‪ ،‬فكان له ربا أخذا وعطاء يف اجلاهلية وضعه الرسول ‘ باإلسالم؛ إذا ما‬
‫يل‪.‬‬ ‫ي‬
‫قبل اإلسالم هي اجلاهلية‪َ .‬ه َذا َدل ٌ‬
‫آخر‪ :‬حديث عبدهللا بن مسعود ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬قال‪ :‬قال رسول‬ ‫يل َ‬ ‫هنَ َ ي‬
‫اك َدل ٌ‬ ‫ُ‬
‫هللا ‘‪( :‬من أحسن يف اإلسالم مل يُؤاخذ ا عمل يف اجلاهلية‪ ،‬ومن أساء يف‬
‫ُخ َذ باألول واآلخر)(‪.)16‬‬ ‫اإلسالم أ ِ‬

‫(‪ )16‬احلديث رواه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪79‬‬

‫إذا العهد قريب (من أحسن يف اإلسالم مل يُؤاخذ ا عمل يف اجلاهلية)‪ ،‬إذا ما‬
‫قبل اإلسالم كانت اجلاهلية‪.‬‬

‫كذلا حديث أيب هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬قال رسول هللا ‘ عندما ُسئِ َل عن‬
‫خيار الناس‪ ،‬قال‪( :‬خياركم يف اجلاهلية خياركم يف اإلسالم‪ ،‬إذا فقهوا)(‪ ،)17‬إذا‬
‫خريين‬
‫اخلريين إذا أسلموا سيكونون ّ‬
‫خريين‪ ،‬هؤالء ّ‬
‫ُناس كانوا يف اجلاهلية كانوا ّ‬
‫هنا أ ٌ‬
‫يف اإلسالم لكن بشرط أن يفقهوا‪.‬‬

‫إذا احلد الفاصل من خالل أحاديث رسول هللا ‘ أنه‪ :‬اجلاهلية ما قبل‬
‫اإلسالم وما بعد اإلسالم هو اإلسالم‪ .‬هذا بالنسبة إىل أحاديث رسول هللا ‘‪.‬‬

‫الصحابة كانوا يذكرون اجلاهلية أمام رسول هللا ‘ هبذا املفهوم‪ ،‬وما كان‬
‫يعرتض عليهم‪ .‬من بني هذه األحاديث‪:‬‬

‫حديث عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عند البخاري ومسلم ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪،-‬‬


‫قال‪" :‬قلت يا رسول هللا‪ ،‬إو نذرت يف اجلاهلية أن أعتكف ليلة يف املسجد احلرام‪،‬‬
‫فقال له الرسول ‘‪ِ ( :‬‬
‫أوف بنذر )"(‪.)18‬‬

‫(إو نذرت يف اجلاهلية أن أعتكف)؛ إذا عمر عاش فرتة اجلاهلية ومسى تلا‬
‫الفرتة اليت كانت قبل اإلسالم باجلاهلية والرسول ‘ ما اعرتض عليه‪ ،‬إذا األمر كان‬
‫ُمتعارفا عند الصحابة أن فرتة حياهتم قبل اإلسالم هي فرتة جاهلية‪.‬‬

‫(‪ )17‬صحيح اجلامع‪.‬‬


‫(‪ )18‬احلديث ُمتفق عليه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪80‬‬

‫كذلا حديث حكيم بن حزام ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عند البخاري ومسلم ‪،-†-‬‬


‫قال‪" :‬قلت يا رسول هللا‪ ،‬أشياء كنت أحتنّث هبا يف اجلاهلية من صدقة‪ ،‬أو عتاقة‪،‬‬
‫وصلة رحم‪ ،‬فهل فيها من أجر؟" أشياء كنت أحتنّث هبا يف اجلاهلية‪ ..‬اآلن هو‬
‫مسلم‪ ،‬لكن أشياء عملها يف اجلاهلية صدقة‪ ،‬عتاقة‪ ،‬صلة رحم‪ ،‬عتاقة يعين كان‬
‫يعتق العبيد‪ ،‬قال‪( :‬أسلمت على ما أسلفت من خري)‪ .‬هذا عند البخاري ومسلم‪،‬‬
‫الزيادة عند مسلم ‪ ،-¬-‬عن حكم بن حزام ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ " :‬قلت‪ :‬فوهللا‬
‫فعلت يف ا ِإلسالم مثله"(‪.)19‬‬
‫ال أدعُ شيئا صنعتهُ يف اجلاهلية إال ُ‬
‫إذا حكيم بن حزام ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬يُقر أمام رسول هللا أنه عاش فرتة اجلاهلية‬
‫وعمل أشياء يف اجلاهلية‪ ،‬وهو اآلن يف اإلسالم يسأل ما مصري تلا األعمال اليت‬
‫عملتها يف اجلاهلية‪ ،‬إذا الصحابة أيضا يذكرون تلا الفرتة بأهنا فرتة جاهلية‪.‬‬

‫كذلا اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬له باب يف صحيحه‪ ،‬قال‪ :‬باب‬
‫إذا نذر أو حلف أن ال يُكلّم إنسانا يف اجلاهلية مث أسلم‪ ،‬هذا الباب وضعه اإلمام‬
‫البخاري كأنه يُثبت أن هنا جاهلية‪ ،‬وبعد االنتقال إىل اإلسالم فهو شيء آخر‪.‬‬

‫كذلا اإلمام مسلم ‪ -¬-‬يف صحيحه ذكر اثنني من التابعني وُها أبو‬
‫عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ‪ ،‬قال‪" :‬وُها ممن أدر اجلاهلية‪ ،‬وصحبا أصحاب‬
‫رسول هللا ‘"‪.‬‬

‫(‪ )19‬هذه الزيادة عند اإلمام مسلم‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪81‬‬

‫إذا كل هذا الذي سقته يثبت لا من خالل األحاديث أن ما قبل مبعث رسول‬
‫سمى بالعصر اجلاهلي‪ ،‬وسبب تأكيدي هلذه األدلة ألن املسألة ليست‬
‫هللا ‘ يُ ّ‬
‫هينة‪.‬‬

‫هذا األمر األول إذا من خالل اآلية اآلن فهمت ما مراد هللا ¸ بكلمة اجلاهلية‬
‫من مركب حكم اجلاهلية‪ ،‬اآلن نأيت إىل األحكام‪ ،‬طاملا علمنا أن هذه الفرتة هي‬
‫فرتة اجلاهلية‪..‬‬
‫أح َكام َ‬
‫الج ِاه ِل ِية؟‬ ‫َفيا ُت َرى ما اِلَ ْق ُ‬
‫ص ُ‬
‫ود ب ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلِي ِة‬
‫اس ُقو َن ۝ أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫اس لََف ِ‬
‫﴿وإِن َكثِريا ِّم َن الن ِ‬
‫فإن هللا ¸ قال‪َ :‬‬
‫يَـبـغُو َن﴾؛ إذا هؤالء اجلاهليني كانت هلم أحكام‪ ،‬فما هي هذه األحكام؟‬

‫ذكر هللا تبار وتعاىل جانبا من األحكام اليت كانت تُنظّم حياة املشركني يف‬
‫اجلاهلية‪ ،‬من بني هذه األحكام سواء كانت دينية أو كانت دنيوية‪ ،‬هي شرائع‬
‫وأحكام وضعوها ألنفسهم كما يقول ابن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬يف تفسريه‬
‫مأخوذة من آرائهم وأهوائهم‪.‬‬

‫األح َك يام‪ :‬مسألة وأد البنات‪ ،‬يف [سورة النحل‪ ]59-85:‬يقول هللا‬ ‫َ يي‬
‫أول َهذه ْ‬
‫يم ۝ يَـتَـ َو َار ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تبار وتعاىل‪ِ ِ :‬‬
‫َح ُد ُهم باألُنثَ ٰى ظَل َوج ُههُ ُمس َوًّدا َوُه َو َكظ ٌ‬
‫﴿وإ َذا بُ ّشَر أ َ‬
‫َ‬
‫اب أََال َساءَ َما‬ ‫ِمن ال َقوِم ِمن سوء ما ب ِّشر بِِه أَُمي ِس ُكه علَ ٰى ه ٍ‬
‫ون أَم ي ُد ُّسهُ ِيف التـُّر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َحي ُك ُمو َن﴾؛ إذا هذا كان مما يدين أهل اجلاهلية من أحكامهم أن الرجل منهم إذا‬
‫مر بقوم حياول أن ُخيالف‬ ‫ِ‬
‫ُرز َق ببنت‪ ،‬كانت تظهر عالمات االنزعاج على وجهه وإذا ّ‬
‫وء َما بُ ِّشَر بِِه﴾‪ ،‬وهو أثناء ذلا‬ ‫طريقه حىت ال مير عليهم ﴿يـتـوار ٰى ِمن ال َقوِم يمن س ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪82‬‬

‫يفكر ﴿أَُمي ِس ُكه علَ ٰى ه ٍ‬


‫ون﴾ يعين‪ :‬على إهانة‪ ،‬أم ﴿أَم ي ُد ُّسهُ ِيف التـُّر ِ‬
‫اب﴾‪ ،‬البنت‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫كانت تُدفن وهي حيّة‪.‬‬

‫﴿وإِ َذا ال َموءُ َ‬


‫ودةُ‬ ‫واآلية الثانية اليت تؤكد هذا التشريع قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫نب قُتِلَت﴾ [التكوير‪ ،]9-8:‬واآلية األخرى اليت تؤكد هذا املعىن‬ ‫َي ذَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُسئلَت ۝ بأ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَك َٰذل َ‬
‫ا َزي َن ل َكث ٍري ّم َن ال ُمش ِرك َ‬
‫ني‬ ‫يف [سورة األنعام‪ ]137:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫قَـت َل أَوَال ِد ِهم ُشَرَك ُاؤُهم﴾‪ ،‬إذا املسألة اآلن تشريع هذا‪ ،‬أن دفن البنات ليس من‬
‫األهواء فقط وإمنا زيّن هلم شركاؤهم أن يقتلوا أو أن يدفنوا بناهتم‪.‬‬

‫وهلذا قال شاعرهم‪:‬‬

‫وذود عشر‬
‫ألف وعبدان ٌ‬
‫املهر‪ٌ ...‬‬
‫ساق إ ّ ُ‬
‫"وإو ليُ ُ‬
‫أحب أصهاري إ ّ القرب‪" ...‬‬
‫و ُّ‬

‫قال‪ :‬أنا يُساق املهر‪ ،‬ألف من األموال‪ ،‬وعبدان‪ ،‬وذود عشر ‪-‬نوق عشر‪،-‬‬
‫قال‪ :‬لكن أحب أصهاري إ ّ القرب؛ إذا هذا كان من التشريعات اجلاهلية اليت كانت‬
‫قبل اإلسالم‪.‬‬

‫يمن التَّ ِّْ يريع ي‬


‫ات األُ ْخ َرى‪ :‬أن رجال امسه (عمرو بن حلي)‪ ،‬هذا الرجل قال عنه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُير قصبه) واحلديث صحيح‪ ،‬هذا وضع هلم‬ ‫الرسول ‘‪( :‬رأيته يف النار ُّ‬
‫بعض التشريعات‪ ،‬من بني هذه التشريعات‪:‬‬

‫‪ -‬أنه جلب األصنام من الشام وحل أهل اجلزيرة على أن يعبدوا هذه األصنام‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪83‬‬

‫‪ -‬جعلوا البحرية والسائبة والوصيلة واحلام‪ ،‬هذه من التشريعات اليت جعلها هلم‬
‫﴿ما‬
‫عمرو بن حلي‪ ،‬وكلها متعلقة باألنعام كانوا يرتكوهنا آلهلتهم‪ ،‬وهلذا أنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫جعل اَلل ِمن َِحبريةٍ وَال سائِب ٍة وَال و ِصيلَ ٍة وَال ح ٍام وٰلَ ِكن ال ِذين َك َفروا يـفتـرو َن علَى اَللِ‬
‫َ ُ َ َُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫ب َوأَكثَـ ُرُهم َال يَـع ِقلُون﴾ [املائدة‪ ،]103:‬إذا ما جعل هللا من حبرية وال سائبة وال‬ ‫ِ‬
‫ال َكذ َ‬
‫وصيلة وال حام‪ ،‬إذا هذه املفردات وهذه التشريعات كانت موجودة يف اجلاهلية‪.‬‬

‫ث َواألَنـ َع ِام‬‫كذلا أحكام أخرى ذكرها هللا ¸‪﴿ :‬وجعلُوا َِللِ ِمما َذرأَ ِمن احلر ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫صيبا فَـ َقالُوا َٰه َذا َِللِ بَِزع ِم ِهم َو َٰه َذا لِ ُشَرَكائِنَا﴾ [األنعام‪ ،]136:‬إذا هذا أيضا كان من‬
‫نَ ِ‬
‫ات ُمتَـ َعلِ َقةٌ بِال ِّدي ِن أيضا‪:‬‬
‫التشريعات السائدة يف تلا الفرتة‪َ ،‬كانَت َهلُم تَشر َيع ٌ‬

‫ِف َم ْسأَلَ ية الَ يّج‪ :‬أهل مكة باعتبارهم أهل حرم ما كانوا خيرجون إىل عرفة أل ّن‬
‫عرفة خارج احلرم‪ ،‬فكانوا يقولون حنن أهل املسجد نفيض من داخل املسجد من‬
‫داخل احلرم‪ ،‬أما أن خيرج أهل احلرم إىل احلِ ِّل ما كانوا يفعلون ذلا‪ ،‬وهلذا أنزل هللا‬
‫¸‪ِ ُ :‬‬
‫اس﴾ [البقرة‪ ،]199:‬هذه كانت من األحكام‬ ‫اض الن ُ‬ ‫يضوا ِمن َحي ُ‬
‫ث أَفَ َ‬ ‫﴿مث أَف ُ‬
‫السائدة‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل بني ذلا وألغى هذه األحكام‪.‬‬

‫ك‪ :‬القرشي كان يطوف ا عليه من مالبس‪ ،‬أما إذا جاء رجل من خارج‬ ‫َوَك َذلي َ‬
‫احلرم‪ ،‬كان إما أن يأيت البس جديدة‪ ،‬أو يستعري ثوبا من أهل مكة‪ ،‬باعتبار‬
‫أ ّن هذه الثياب قد عصوا هللا ¸ فيها‪ ،‬فما كانوا يطوفون البسهم اليت جاؤوا هبا‪،‬‬
‫حصل ثوبا من قرشي من داخل مكة كان يطوف هبذا الثوب‪ ،‬أما إذا مل حيصل‬ ‫فإذا ّ‬
‫كان يطوف عاريا سواء كانوا رجاال أو نساء ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬حىت املرأة كانت‬
‫تطوف عارية‪ ،‬وامرأة مجيلة جاءت تطوف يف بيت هللا احلرام وما حصلّت ثوبا من‬
‫أحد‪ ،‬فبدأت تطوف وهي عارية‪ ،‬فمما نقلهُ أهل السرية من قوهلا‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪84‬‬

‫اليوم يبدو بعضه أو كله‪ ...‬وما بدا منه فال أ ِ‬


‫ُحلُّه‬

‫هذه التشريعات ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬جاهلية‪.‬‬

‫اج‪ :‬عند اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬ذكرت أن‬ ‫الزَو ي‬ ‫َك َذلي َ‬
‫ك ِف َم ْسأَلَ ية َّ‬
‫أمنا عائشة ‪ ~-‬وأرضاها‪ -‬أربعة أصناف من النكا يف اجلاهلية‪ ،‬ذكرت إحدى‬
‫هذه األصناف وتسميها ُّأمنا عائشة باالستبضاع‪ ،‬أي أ ّن الرجل كان إذا طهرت‬
‫امرأته من طمث يقول هلا‪ :‬اذهيب إىل فالن واستبضعي منه‪ ،‬كانوا خيتارون النبالء‬
‫وأصحاب املكانة يف املنطقة‪ ،‬مث يرسل زوجته لكي تضاجع ذلا الرجل‪ ،‬فإذا رجعت‬
‫كان الزوج يعتزهلا فرتة إىل أن يتبني حلها‪ ،‬فإذا حلت بعد ذلا إذا أراد أن يأتيها‬
‫يأتيها‪ ،‬ألهنم كانوا يبحثون عن النجابة يف االبن؛ هذا نوع من الزواج تشريع كان‬
‫موجودا يف ذلا الوقت‪ ،‬و ُّأمنا عائشة ذكرت ذلا‪.‬‬

‫الرهط من‬‫نوع آخر من األنكحة اجلاهلية اليت كانت موجودة‪ :‬قالت‪ :‬كان ّ‬
‫الرجال دون العشرة ُيتمعون على املرأة‪ ،‬فإذا حلت مث أجنبت تُرسل إىل هؤالء وال‬
‫يستطيع أحد أن يتأخر‪ ،‬مث ختتار من بني هؤالء وتقول‪ :‬أنت يا فالن أب هلذا‬
‫الطفل‪ ،‬وال يستطيع أن يتن ّكر هلذا الطفل‪ ،‬فيُنسب هذا الطفل إىل ذلا الرجل‪،‬‬
‫تشريع‪.‬‬

‫كذلا ُّأمنا عائشة ذكرت نوعا آخر من الزواج‪ :‬قالت‪ :‬كان الرجال يطرقون‬
‫وهن البغايا‪ ،‬وإحداهن كانت تضع علما على باهبا وتُعرفن بذوات‬
‫على بعض النساء ُ‬
‫األعالم‪ ،‬وهن البغايا‪ ،‬يطرقهن من يشاء من الرجال‪ ،‬ولكنها إذا حلت وأجنبت‬
‫كانت ترسل إىل القافة؛ والقافة هؤالء أُناس يستطيعون أن يستدلوا من خالل النظر‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪85‬‬

‫إىل بعض العالمات أن يقولوا هذا ابن فالن أو هذا ابن فالن‪ ،‬فكانوا يأتون بالقافة‪،‬‬
‫ينظُر إىل هذا الطفل‪ ،‬القافة ينسبون هذا الطفل إىل من يرون شبها بينه وبني أحد‬
‫أولئا الذين طرقوا هذه املرأة‪ ،‬هذه التشريعات كلها كانت سائدة‪.‬‬

‫ومن بني األنكحة اليت كانت سائدة‪ :‬ما هو معروف اآلن من نكا املسلمني‪،‬‬
‫فالرسول ‘ أبطل كل تلا األنكحة وأقر نكا اإلسالم‪.‬‬

‫لدي أحكام هلذه اجلاهلية‪ ،‬هذا هو‬ ‫لدي جاهلية‪ ،‬وأصبحت ّ‬ ‫إذا اآلن أصبحت ّ‬
‫اهلِي ِة﴾‪ ،‬اآلن نأيت إىل الكلمة‬
‫مراد هللا ¸ من قوله تبار هللا وتعاىل‪﴿ :‬أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫الثالثة‪ :‬قال‪﴿ :‬يَـبـغُو َن﴾‪ ،‬عىن‪ :‬يريدون‪.‬‬

‫عندما تبحث عن هذه الكلمة يف أرض الواقع يف تلا الفرتة ترجع إىل مبعث‬
‫حّل الرسول ‘ هذه الرسالة‪ ،‬أهل‬ ‫رسول هللا ‘‪ ،‬إىل أن فُتِحت مكة‪ ،‬منذ أن ُِ‬
‫َ‬
‫وحدوا هللا ¸‪ ،‬بل يريدون أن‬ ‫مكة كانوا معرتضني عليها‪ ،‬ال يقبلون يف العقيدة أن يُ ّ‬
‫يعبدوا اآلهلة واألصنام‪ ،‬وذا العدد اهلائل من األصنام اليت كانت حول الكعبة؛ إذا‬
‫﴿يبغون﴾ كانوا يريدون تلا األحكام‪ ،‬وال يريدون توحيد هللا ¸‪ ،‬مث بعد أن هاجر‬
‫إىل املدينة ونزلت األحكام التشريعية‪ ،‬أهل مكة وأهل اجلزيرة ما كانوا يريدون هذه‬
‫صّرون على أن ُحيكموا بتلا األحكام‬ ‫األحكام الـموحاة من هللا ¸‪ ،‬بل كانوا ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلاهلية‪ ،‬أما وسيلتهم لإلبقاء على األحكام اجلاهلية ودفع أحكام شرع هللا ¸‬
‫فكانت بالقتال‪ ،‬أهل مكة كانوا يُقاتلون الرسول ‘ ويقاتلون الصحابة حىت يب َقوا‬
‫حيكمون بتلا األحكام اجلاهلية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪86‬‬

‫إذا أجريت إحصائية كم من أهل اجلزيرة كانوا يُريدون األحكام اجلاهلية‪ ،‬وكم‬
‫كان منهم يريد األحكام الشرعيّة الربّانيّة‪ ،‬ستجد أن كثريا من أهل اجلاهلية كانوا‬
‫اس لََف ِ‬
‫اس ُقو َن‬ ‫﴿وإِن َكثِريا ِم َن الن ِ‬
‫يريدون تلا األحكام اجلاهلية‪ ،‬من هنا قال هللا ¸‪َ :‬‬
‫حكما لَِقوٍم يُوقِنُو َن﴾ [املائدة‪-49:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫۝ أَفَ ُحك َم اجلَاهلية يَـبـغُو َن َوَمن أَح َس ُن م َن اَلل ُ‬
‫‪.]50‬‬

‫ِ‬ ‫بـع َد أن علِمت ه ِذهِ التـ َف ِ‬


‫يل عن َهذهِ املسأَلَِة‪ ،‬ما َعلقَةُ َه َذا الَّذي قُلْنَاهُ‬
‫َ‬ ‫اص‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫الد ْستُوير وال َقانُ ي‬
‫ون؟‬ ‫بي ُّ‬
‫َ‬

‫﴿وَال‬
‫عن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬ذكره ابن حجر يف الفتح ‪ -¬-‬قال‪َ :‬‬
‫اهلِي ِة األ َ ٰ‬
‫ُوىل﴾‪ ،‬قال ابن عباس‪ُ " :‬كنّا نقول‪ :‬تكون جاهلية أخرى"‪،‬‬ ‫تَـبـرجن تَـبـُّرج اجل ِ‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫كيف تكون أخرى؟‬

‫قال‪ :‬طاملا أن هللا ¸ قال اجلاهلية األوىل‪ ،‬فما من أوىل إال وهلا آخرة أيضا‪،‬‬
‫هذا تفسري ابن عباس كما ينقل ابن حجر ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عنه‪.‬‬

‫هذه األحكام اليت ُحيكم هبا العباد والبالد يف بالد املسلمني هل هي أحكام‬
‫جاهلية؟ هل صفة اجلاهلية تلا حمصورة على تلا األحكام؟ أم أن صفة اجلاهلية‬
‫تسري على تلا األحكام وعلى هذه القوانني اليت ُحيكم هبا املسلمون اآلن؟‬

‫لإلجابة على هذا السؤال البد من إجراء مقارنة بني األحكام السائدة يف‬
‫اجلاهلية باألمس‪ ،‬وبني األحكام السائدة اآلن‪ ،‬فإذا وجدنا أوجه شبه بني األحكام‬
‫ووجدنا بينهما قواسم مشرتكة‪ ،‬إذا نقول صفة‬
‫اجلاهلية تلا‪ ،‬وبني القوانني والدساتري‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪87‬‬

‫اجلاهلية تُطلق على تلا األحكام وكذلا تُطلق على هذه األحكام‪ ،‬أما جمال املقارنة‬
‫فتكون يف اخلطوط العريضة فقط دون الدخول يف التفاصيل؛ ألن حسبا أن تعلم‬
‫القواسم املشرتكة بني اجلاهلية باألمس وبني هذه القوانني والدساتري يف اخلطوط‬
‫العريضة‪.‬‬

‫وأول خط نقف عنده‪ :‬مسألة العقيدة اليت هي من أخطر املسائل‪ ،‬ألنه على‬
‫ضوئها يُقرر مصري اإلنسان يوم القيامة‪ ،‬إما إىل نعيم اجلنة‪ ،‬وإما إىل جحيم تتلظى ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫س‪ :‬عندما أقول باألمس أقصد األحكام اليت كانت‬ ‫اهلييّ ية بياأل َْم ي‬
‫الع يقي َدةُ ِف اجل ي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سائدة يف العصر اجلاهلي‪ ،‬يف اجلاهلية باألمس كان الناس ُميارسون حرية العقيدة دون‬
‫دونوا هذه يف مادة قانونية‪ ،‬كيف؟‬ ‫أن يُ ِّ‬

‫يف مكة شرفها هللا تعاىل وعظّمها‪ ،‬العقيدة السائدة‪ :‬عبادة األصنام‪ ،‬هذه يف‬
‫تنس أن منطقة جنران‪ ،‬ومناطق قبيلة (طيء)‬ ‫مكة وأجزاء من اجلزيرة العربية‪ ،‬لكن ال َ‬
‫ث ثَالثٍَة﴾ [املائدة‪ ،]73:‬هذه عقيدة‬ ‫ِ‬
‫هؤالء كانوا يدينون بالديانة النصرانية ﴿إِن اَللَ ثَال ُ‬
‫وهذه عقيدة‪ ،‬وكذلا يف يثرب العقيدة السائدة إىل جانب الشر كانت عقيدة‬
‫اليهود هذا أيضا يف داخل اجلزيرة‪ ،‬أما يف جنوب اجلزيرة يف مناطق اليمن فالعقيدة‬
‫العقائد كانت‬
‫ُ‬ ‫السائدة كانت عقيدة اجملوس وعبادة النار؛ إذا هذه اجلزيرة هبذا الرسم‬
‫متنوعة ومتوزعة يف أرجاء اجلزيرة‪ ،‬فال أحد يعرتض على أحد‪ ،‬فمن أراد أن يكون‬
‫يهوديا يكون‪ ،‬ومن أراد أن يكون نصرانيا يكون‪ ،‬ومن أراد أن يكون جموسيا يكون‪،‬‬
‫ومن أراد أن يكون عابدا للصنم والوثن يكون‪ ،‬فال يعرتض أحد على أحد؛ إذا ُحرية‬
‫العقيدة كانت ُمتارس داخل اجلزيرة دون أن تُدون واد قانونية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪88‬‬

‫الع يقي َدةي أُ ْع ّيرفُها هكذا‪ :‬تع ّدد املعبود مع حرية االختيار‪ ،‬هذا تعريفي حلرية‬
‫َو ُح ْريَّةُ َ‬
‫العقيدة‪.‬‬

‫هذه احلرية منصوص عليها يف القوانني اآلن‪ ،‬ما من دولة ُحتكم بالدميُقراطية اآلن‬
‫إال ودستور ذلا البلد وقانونه ينص على حرية العقيدة‪ ،‬كتبت مادة من القانون‬
‫العراقي‪ ،‬هذا القانون الذي قالوا عنه "نعم" يف ‪ 2005 /10 /15‬م‪ ،‬املادة (‪/2‬‬
‫ثانيا) هذا نص الدستور العراقي‪ ،‬أقرأ النص ‪-‬هذه كتابة جلنة كتابة الدستور‪،‬‬
‫تشريعهم‪ ،-‬قال‪" :‬يضمن هذا الدستور الِاظ على اهلوية السلمية لغالبية‬
‫الِّعب العراقي‪ ،‬كما ويضمن كامل القوق الدينية جلميع األفراد ِف حرية‬
‫العقيدة واملمارسة الدينية‪ ،‬كاملسيحيني‪ ،‬واليزيديني‪ ،‬والصابئة املندائيني"‪ .‬انتهى‬
‫نص املادة‪.‬‬
‫ُّ‬

‫إذا رأيت أن املادة الثانية من الدستور العراقي (ثانيا) تضمن لكل األديان حرية‬
‫عرتف‪ ،‬املسيحي دينهم‬‫العقيدة وحرية ممارسة طقوسهم‪ ،‬أي أن اليزيدي دينه ُم َ‬
‫عرتف‪ ،‬بل القانون يضمن هلم‬‫الصابئي الذي يعبد الكواكب هذا أيضا ُم َ‬‫ّ‬ ‫عرتف‪،‬‬‫ُم َ‬
‫حرية العقيدة ويضمن هلم حرية ممارسة العقيدة‪ ،‬فأي فرق بني القانون اجلاهلي‬
‫باألمس والقانون اجلاهلي اليوم؟‬

‫لكل حق يف أن‬‫وأجلَى صورة يف هذه احلكومات ملسألة تعدد األديان على أن ٍّ‬
‫ُميارس دينه وعقيدته وطقوسه‪ :‬ما تُسمى بوزارة األوقاف والشؤون الدينية‪ ،‬ال يسموهنا‬
‫سموها دينية‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن القانون يعرتف ِّ‬
‫بكل‬ ‫يتجرؤون! ُيب أن يُ ّ‬
‫إسالمية‪ ،‬ما ّ‬
‫األديان املوجودة يف البلد؛ فوزارة األوقاف ليست حكرا للمسلمني‪ ،‬بل اليزيدي إذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪89‬‬

‫أراد أن يبين معبدا لشيطانه‪ ،‬مث راجع وزير األوقاف‪ ،‬فإن وزير األوقاف يصرف له من‬
‫املال كما يصرف للمسجد‪ ،‬رافضي إذا أراد أن يبين حسينية يشر باهلل ¸ فيها‬
‫ويلطم ويلعن الصحابة ويشتم ويكفر املسلمني‪ ،‬يُعطي له من األموال بقدر ما يُعطي‬
‫للمسلمني إذا أرادوا أن يبنوا مسجدا‪ ،‬وكذلا املسيحي له حق يف هذه الوزارة؛ ألهنا‬
‫قائمة على األديان وليس على اإلسالم‪.‬‬

‫إذا هذه هي املادة وهذه هي الوزارة اليت تثبت أن البلدان هذه ُحتكم حبرية‬
‫العقيدة‪ ،‬فال فرق بني القانون اجلاهلي باألمس يف حرية العقيدة وبني القانون اجلاهلي‬
‫اليوم‪ ،‬هذا يف جمال العقيدة‪ ،‬إذا املسألة األوىل يف املقارنة قلنا حرية العقيدة‪.‬‬

‫نأيت إىل احلالل واحلرام حىت ُجنري مقارنة بني القانون اجلاهلي يف األمس والقانون‬
‫اجلاهلي اليوم‪ ،‬لنرى هل صفة اجلاهلية تقتصر على تلا األحكام؟‪ ،‬أم هذه األحكام‬
‫أيضا تعترب جاهلية؟‬
‫الحالل َو َ‬
‫الح َر ِام‬ ‫في َم َسائل َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ّأو ُل َم ْسألَة نَيق ُ يع ْن َد َها‪ :‬مسألة اخلمر ‪-‬والعياذُ باهلل‪ :-‬اخلمر كانت تُصنّع يف‬
‫يتعرض أحد ألحد‪ ،‬من شاء أن يصنع كان يصنع‪ ،‬وكانت هلم‬ ‫اجلاهلية دون أن ّ‬
‫أسواق لبيع اخلمر‪ ،‬وكانوا يقتنون اخلمور يف البيوت ال يعرتض أحد على أحد‪ ،‬إذا‬
‫الصنع والشرب يف أماكن ُمصصة‪ ،‬كانت هلم أماكن يشربون فيها اخلمر تُسمى‬ ‫ُّ‬
‫باحلوانيت‪ ،‬كما يف بيت شعري لطرفة بن العبد قال‪:‬‬

‫ِ‬
‫تصطد‬ ‫إن تبغين يف حلقة القوم تلقين‪ ...‬وإن تلتمسين يف احلوانيت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪90‬‬

‫فإما أن جتدو مع املأل أجلس معهم‪ ،‬إذا مل جتدو هنا احبث عين يف احلوانيت‬
‫ستجدو سكرانا ‪-‬والعياذُ باهلل‪ ،-‬إذا احلوانيت كانت أماكن لشرب اخلمر‪ ،‬لكن‬
‫الناس كانوا يقتنون اخلمور أيضا يف بيوهتم‪ ،‬بدليل أن هللا ¸ عندما حرم اخلمر‪،‬‬
‫الصحابة سكبوا ما يف بيوهتم من مخور‪ ،‬أهل السرية ذكروا أن طُرقات املدينة كانت‬
‫جتري باخلمور؛ إذا يف القانون اجلاهلي باألمس قبل حترمي هللا ¸ للخمر‪ ،‬التصنيع ال‬
‫يعرتض أحد‪ ،‬أماكن للشرب ال يعرتض أحد‪ ،‬وكذلا البيع ال يعرتض أحد‪.‬‬

‫يف القانون اجلاهلي اليوم‪ :‬الدولة تبنّت هذه املسألة‪ ،‬فهنالا شركات تابعة‬
‫سمى شركة إنتاج املشروبات الغازية والروحية ‪-‬أظن هكذا‪ ،-‬الكحولية أو‬ ‫للدولة تُ ّ‬
‫سموهنا‪ ،‬فأفهم الغازية البيبسي ومشتقاهتا‪ ،‬لكن الروحية هذه يقينا‬‫الروحية أحيانا يُ ّ‬
‫تُطلق على املسكرات من املشروبات ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬اخلمر وما إىل ذلا‪ ،‬إذا هذه‬
‫املصانع تابعة للدولة‪ ،‬الدولة هي اليت تنتج اخلمور؛ إذا القانون اجلاهلي اليوم ُُييز‬
‫اخلمر بدليل الدولة اليت حتكم بالقانون هي اليت تُنشئ املصانع لصناعة اخلمر‪ ،‬أما‬
‫عن أماكن بيع اخلمر فال حتتاج إىل كثري أدلة‪ ،‬فإن الشوارع كانت تكتظ حالت بيع‬
‫استحصل إجازة‬
‫َ‬ ‫اخلمر‪ ،‬وهؤالء ما كان أحدهم يتجرأ أن يبيع قنينة مخر إال إذا‬
‫ممارسة مهنة‪ ،‬وهلذا البائع كان يضع إجازة ممارسة مهنة فوق رأسه‪ ،‬فإذا دخل أحدهم‬
‫ُحياسبه على أنا جتاوزت القانون ألنا بعت اخلمر دون أن تستحصل إجازة‬
‫قانونية‪ ،‬كان يضعها فوق رأسه حىت ال يعرتض عليه أحد‪ ،‬إذا البيع أيضا باسم‬
‫القانون وبإجازة من القانون‪.‬‬

‫ّأما أماكن ُشرب اخلمر فهذا أيضا واضح ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬يف مجيع عواصم بالد‬
‫املسلمني اآلن يف كل املدن يف غالب املدن هنا حمالت لشرب اخلمر‪ ،‬إذا ال فرق‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪91‬‬

‫بني القانون اجلاهلي باألمس والقانون اجلاهلي اليوم يف هذه املسألة من احلالل‬
‫واحلرام‪.‬‬

‫َّأما ِف ّي‬
‫الزنَا‪ :‬فذكرت لا أن املرأة يف ذلا الوقت كانت تضع علما على باهبا‪،‬‬
‫كما يف حديث ِّأمنا عائشة ‪ ~-‬وأرضاها‪ -‬يف حديث مسلم ‪ ،-¬-‬فالناس‬
‫عندما كانوا يُريدون أن يرتادوا مثل هذه البيوت كانوا يدخلون دون استئذان‪ ،‬ألن‬
‫املرأة قد أعلنت عن نفسها أهنا تستقبل الرجال‪ ،‬وكن يُعرفن بالبغايا‪ ،‬هذا يف القانون‬
‫اجلاهلي باألمس‪.‬‬

‫أما يف القانون اجلاهلي اليوم‪ :‬فأصبحت املسألة مرتبة‪ ،‬حبيث أن املرأة ال تستطيع‬
‫أن متارس الزنا إال بعد أن تستحصل جمموعة من املوافقات‪ ،‬ويف مقدمة الوزارات اليت‬
‫توافق على املرأة لكي تستحصل إجازة الزنا‪ :‬وزير الصحة‪ ،‬ألن شرط هذه املرأة أن‬
‫عد‪ ،‬وهذا األمر ال يكون إال عن طريق وزارة الصحة‪،‬‬ ‫تكون ال يوجد فيها مرض م ٍ‬
‫ُ‬
‫فاألطباء يفحصون ويُعطون هلا شهادة أهنا خالية من األمراض املعدية ألهنا ستعرض‬
‫نفسها للرجال فإذا كان فيها مرض م ٍ‬
‫عد معناها ما تصلح أن متارس هذه املهنة‪ ،‬وبعد‬ ‫ُ‬
‫ذلا األمن أيضا كان ُيب أن يوافقوا‪ ،‬ألهنم كانوا يتخذون من هؤالء البغايا وكالء‬
‫لالستخبارات‪ ،‬وكذلا البلدية ُيب أن تُوافق‪ ،‬وكذلا باقي مرفقات الدولة توافق‪،‬‬
‫الِّبَ يه أيّ َن؟‬
‫َوَو ْجهُ َّ‬

‫أن املرأة يف اجلاهلية كانت تضع علما‪ ،‬أما املرأة يف القانون اجلاهلي اليوم فتضع‬
‫أي فرق إذا؟!‪ ،‬الفارق أن املرأة يف ذلا الوقت إذا حلت كانت‬ ‫إعالنات ضوئية‪ُّ ،‬‬
‫تنسب القافة الطفل إىل أحد‪ ،‬أما املرأة العصرية يف القانون اجلاهلي اليوم فإن األطباء‬
‫حلُّوا هلا هذه املشكلة بأن وفروا هلا حبوب منع حل‪ ،‬فال حتمل بعد ذلا عندما‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪92‬‬

‫طرق من قبل الرجال ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬هذا قانون جاهلي باألمس وهذا قانون‬ ‫تُ َ‬
‫جاهلي اليوم‪.‬‬

‫ال بُد من اإلشارة إىل مسألة ُحمزنة حقيقة وهي‪ :‬أننا بدأنا نرى األمساء التارخيية‬
‫اإلسالمية الالمعة على مثل هذه األماكن‪ :‬ملهى إشبيلية‪ ،‬ملهى قُرطبة‪ ،‬ملهى‬
‫األندلس‪ ،‬ملهى غرناطة‪ ..‬فما وجدنا أمة تستخف بتارخيها كهؤالء!‪ ،‬وعلى مرأى من‬
‫املسلمني واملسلمات‪ ،‬قرطبة وإشبيلية وغرناطة مالهٍ!!‪ ،‬اجلهاد فرض عني علينا اآلن‬
‫حىت نستعيد تلا البالد‪ ،‬لكن وجدناها عالمات للباغيات يف بالدنا!‪ ،‬ويف أعلى‬
‫مكان يف العمارة جتد مثل هذه األمساء‪ ،‬وكذلا على السينمات‪ ،‬وكذلا على‬
‫أماكن شرب اخلمر؛ إذا ال فرق بني اجلاهلية باألمس واجلاهلية اليوم يف مسألة الزنا‪.‬‬

‫َك َذلي َ‬
‫ك ِف َم ْسأَلَ ية ّي‬
‫الربَا‪ :‬باألمس يف القانون اجلاهلي كان ُُييز التعامل بالربا‪،‬‬
‫ودليله ما ذكرته عن رسول هللا ‘‪ ،‬يف خطبة حجة الوداع‪( :‬وربا اجلاهلية موضوع‪،‬‬
‫وأول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد املطلب‪ ،‬فإنه موضوع كله)(‪ ،)20‬هذه من‬
‫املعامالت اليت كانت يَسمح هبا القانون اجلاهلي باألمس‪.‬‬

‫أما القانون اجلاهلي اليوم‪ :‬فأنت ترى البنو أو املصارف التابعة للدولة‬
‫واملصارف األهلية غري التابعة للدولة‪ ،‬الفرق بني هذين املصرفني‪ :‬أن الدولة تعطي‬
‫ربا من‪ ،4-1 :‬وأعطوا حق للمصارف األهلية أن يعطوا من‪.7-1 :‬‬

‫(‪ )20‬رواه مسلم‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪93‬‬

‫ومن باب املغالطات وإماتة هذا الدين يف النفوس مسّوا الربا بغري امسه‪ ،‬مسوه‬
‫(فائدة)‪ ،‬فعندما تقول‪ :‬فالن يأخذ فائدة‪ ،‬ما ُحيّر يف داخلا شيء‪ ،‬لكن عندما‬
‫حتس بردة الفعل يف داخلا‪ ،‬فأماتوا كلمة الربا من العقول‬ ‫تقول‪ :‬فالن يأكل ربا‪ّ ،‬‬
‫ومن النفوس ومن القلوب‪ ،‬وجاؤوا بالبديل عن تلا الكلمة ومسوها (الفائدة)؛ فال‬
‫ا َعلَ ٰى َش َجَرةِ اخلُل ِد‬
‫﴿هل أ َُدلُّ َ‬
‫تنس أ ّن شيخهم يف ذلا إبليس عندما قال آلدم َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَال تَـقَربَا َٰهذه الش َجَرةَ﴾ [البقرة‪،]35:‬‬ ‫ٍ‬
‫َوُملا ال يَـبـلَ ٰى﴾ [طه‪ ،]120:‬هللا ¸ قال‪َ :‬‬
‫لا‪ ،‬فشيخ من يغري األمساء إبليس‪ ،‬وكما‬ ‫سمي تلا الشجرة شجرة اخللد وم ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫هو يُ ّ‬
‫يقول ابن حزم ‪" :-¬-‬والشيخ ليس بثقة"‪.‬‬

‫يت مقارنة ال جتد‬


‫كذلا يف مسائل أخرى‪ ،‬يف مسألة القتل وغريها‪ ،‬فإذا أجر َ‬
‫فارقا بني القانون اجلاهلي باألمس والقانون اجلاهلي اليوم؛ إذا صفة اجلاهلية ال‬
‫تقتصر على تلا األحكام‪ ،‬بل هذه القوانني اليت ُحن َكم هبا هي أحكام جاهلية‪.‬‬

‫َ َ ْ ََ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ٌ ٌ ُ‬
‫موضوع ِأخير أ ِشير ِإل ِيه وهو مسألة‪:‬‬
‫ص َد ٌر م ْن َم َ‬
‫ص ِاد ِر‬ ‫الم َم ْ‬ ‫ين َقالوا ْ‬
‫"اإلس ُ‬ ‫الثالث َّالذ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫الصن ِف ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ْ‬
‫التش ِر ِيع"‬

‫أخذوا شيئا من اإلسالم‪ ،‬وأخذوا أشياء من اليهود‪ ،‬وأشياء من النصارى‪ ،‬وأشياء‬


‫من غري هذه األديان‪ ،‬فجمعوا من القانون األمريكي والربيطاو واهلندي وما إىل‬
‫ذلا‪ ،‬مث أخذوا أشياء من اإلسالم‪ ،‬ما وصف هؤالء يف كتاب هللا ¸؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪94‬‬

‫هؤالء سلفهم اليهود‪ ،‬هؤالء سلفهم يف كتاب هللا ¸ اليهود‪ ،‬يقول هللا تبار‬
‫َخذنَا ِميثَاقَ ُكم َال تَس ِف ُكو َن ِد َماءَ ُكم َوَال‬ ‫﴿وإِذ أ َ‬
‫وتعاىل يف [سورة البقرة‪َ :]85-84:‬‬
‫ُخت ِر ُجو َن أَنـ ُف َس ُكم ِمن ِديَا ِرُكم ُمث أَقـَررُمت َوأَنـتُم تَش َه ُدو َن ۝ ُمث أَنـتُم َٰه ُؤَال ِء تَـقتُـلُو َن‬
‫اإل ِمث َوالعُد َو ِان َوإِن يَأتُوُكم‬ ‫اهرو َن َعلَي ِهم بِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫أَنـ ُف َس ُكم َوُختر ُجو َن فَريقا من ُكم من ديَارهم تَظَ َ ُ‬
‫اب َوتَك ُف ُرو َن‬ ‫ض ال ِكتَ ِ‬ ‫اج ُهم أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬ ‫ِ‬
‫وهم َوُه َو ُحمَرٌم َعلَي ُكم إخَر ُ‬
‫اد ُ‬
‫ُس َار ٰى تُـ َف ُ‬
‫أَ‬
‫الدنـيَا َويَـوَم ال ِقيَ َام ِة يـَُرُّدو َن‬
‫ي ِيف احلَيَاةِ ُّ‬ ‫ض فَما جزاء من يـفعل ٰذَلِ َ ِ ِ ِ‬
‫ا من ُكم إال خز ٌ‬ ‫ببَـع َ َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫ِ ٍ‬
‫اب َوَما اَللُ بِغَافِ ٍل َعما تَـع َملُو َن﴾‪ .‬هؤالء سلفهم اليهود‪.‬‬ ‫َش ِّد الع َذ ِ‬
‫إِ َ ٰىل أ َ َ‬

‫يقول اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬يف تفسريه‪" :‬أرادوا أن خيلقوا دينا للجمع بني‬
‫اإلسالم وبني اليهودية"‪ .‬ابتدعوا دينا من اإلسالم واليهودية‪ ،‬هذا قول اإلمام القرطيب‬
‫وقول غريه أيضا‪ .‬وكذلا يقول اإلمام القرطيب‪ :‬أخذ هللا ¸ على اليهود أربعة عهود‪،‬‬
‫العهد األول‪ :‬أن ال يقتلوا أنفسهم‪.‬‬

‫العهد الثاو‪ :‬أن ال ُخيرِج أحدهم يهوديا من بيته‪.‬‬

‫العهد الثالث‪ :‬أن ال يُعينوا أحدا ُخيرِج اليهود من بيوهتم‪ ،‬العهد الرابع‪ :‬إذا وقع‬
‫يهودي يف األسر أن يُفادوه‪ ،‬فرتكوا كل األحكام اليت أخذها هللا ¸ عليهم‪ ،‬وأخذوا‬‫ٌ‬
‫حبكم واحد فقط‪ ،‬وب ّدلوا األحكام‪.‬‬

‫اب َوتَك ُف ُرو َن بِبَـع ٍ‬


‫ض فَ َما َجَزاءُ َمن‬ ‫ض ال ِكتَ ِ‬ ‫هللا ¸ هلؤالء قال‪﴿ :‬أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬
‫َش ِّد الع َذ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي ِيف احلَيَاةِ ُّ‬ ‫يـفعل ٰذَلِ َ ِ ِ ِ‬
‫اب َوَما‬ ‫الدنـيَ َاويَـوَم القيَ َامة يـَُرُّدو َن إِ َ ٰىل أ َ َ‬ ‫ا من ُكم إال خز ٌ‬ ‫َ َُ‬
‫اَللُ بِغَافِ ٍل َعما تَـع َملُو َن﴾ [البقرة‪.]85:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪95‬‬

‫نكمل هذا املوضوع ألنه مهم يف لقاء قادم إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬وجزاكم هللا خري‬
‫اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪96‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪97‬‬

‫س‬ ‫س َّ‬
‫الس ِاد ُ‬ ‫َّ‬
‫الد ْر ُ‬
‫َْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َح ِقيقة الد ْس ُتو ِر‪َ ،‬و ُحك ُم الش ْر ِع ِف ِيه [تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمــد هلل‪ ،‬والصــالة والســالم علــى رســول هللا‪ ،‬اللهــم أ ِرنَــا احلــق ًّ‬
‫حقــا وأعنّــا علــى‬
‫الباطــل بـ ِ‬
‫ـاطال وأعنّــا علــى اجتنابــه‪ ،‬اللهــم علّمنــا مــا ينفعنــا‪ ،‬وانفعنــا ــا‬ ‫اتّباعــه‪ ،‬وأ ِرنَــا ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنــا‪ ،‬اللهــم اجعلنــا مــن العــاملني بعلمنــا‪ ،‬اللهــم اجعــل علمنــا ُح ّجــة لنــا يــوم نلقــا ‪،‬‬
‫ويس ــر أم ــري‪،‬‬ ‫رب اش ــر ص ــدري‪ّ ،‬‬ ‫وال جتعل ــه ُح ّج ــة علين ــا ي ــا أرح ــم الـ ـراحني‪ِّ ،‬‬
‫واحلُــل عُقــدة مــن لســاو يفقهـوا قــو ‪ ،‬اللهــم اجعــل عملــي صــاحلا ولوجهــا خالصــا‪،‬‬
‫إو أعـوذ بـا أن أ ِزل أو أَُزل‪ ،‬أو ِ‬
‫أض ّـل‬ ‫ٍ‬
‫وال جتعل فيـه نصـيبا ألحـد مـن خلقـا‪ ،‬اللهـم ّ‬
‫ُضل‪ ،‬أو أظلِم أو أُظلَم‪ ،‬أو أجهل أو ُُيهل علي يا أرحم الراحني‪.‬‬ ‫أو أ َ‬

‫لقاء سابق من احلديث عن الدستور‪ ،‬وقلنا احلقيقة األوىل اليت ينبغي‬ ‫انتهينا يف ٍ‬
‫أحكام جاهلية‪ ،‬واستشهدنا بقول‬ ‫ٌ‬ ‫للمسلم أن يعرفها عن هذه القوانني والدساتري أهنا‬
‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن َوَمن‬
‫اس ُقو َن ۝ أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫اس لََف ِ‬
‫﴿وإِن َكثِريا ِّم َن الن ِ‬
‫هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫أَح َس ُن ِم َن اَللِ ُحكما لَِّقوٍم يُوقِنُو َن﴾ [املائدة‪ ،]50-49:‬مث أثبتنا ما املقصود باجلاهلية‬
‫من خالل القرآن واألحاديث وأقوال الصحابة‪ ،‬مث أثبتنا ما املقصود باألحكام هنا‪ ،‬مث‬
‫تبينّا ما املقصود بأحكام اجلاهلية‪ ،‬مث ربطنا املوضوع بواقعنا وقلنا هل صفة اجلاهلية‬
‫اليت مسّاها هللا ¸ لتلا األحكام يف ذلا الوقت ُمقتصرة على تلا األحكام‪ ،‬أم أن‬
‫هذه الصفة تسري على القوانني والدساتري املعمول هبا اآلن‪ ،‬أجرينا جمموعة من‬
‫تبني لنا أن هذه األحكام‬ ‫املقارنات ومن خالل هذه املقارنات يف اخلطوط العريضة ّ‬
‫عمل هبا اليوم هي أحكام جاهلية أيضا كما كانت تلا األحكام جاهلية؛ إذا‬ ‫اليت يُ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪98‬‬

‫تنس أن أي شرع غري شرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬أي حك ٍم‪ ،‬أي دستوٍر‪ ،‬أي قانون‬ ‫ال َ‬
‫من أي جهة كانت كلها أحكام جاهلية بدون استثناء‪ ،‬نُكمل حديثنا عن الدستور‪،‬‬
‫ونتح ّدث اليوم عن ٍ‬
‫جزء آخر ُمتعلّق باألحكام اجلاهلية‪ ،‬فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪:‬‬
‫األحكام كما تعلم إما أهنا‪:‬‬

‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن﴾‪.‬‬ ‫أح َك ٌ ي ي ي‬


‫صرفَةٌ‪ ...‬انتهينا منها ﴿أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ام َجاهليةٌ ْ‬ ‫ْ‬

‫﴿وَمن أَح َس ُن ِم َن اَللِ ُحكما لَِّقوٍم يُوقِنُو َن﴾‪.‬‬ ‫أح َك ٌ ي ي‬


‫ام َربّانيّةٌ ص ْرفَةٌ‪َ ...‬‬ ‫وإما َّأَّنا ْ‬
‫َّ‬

‫ث‪ :‬هذا الصنف الثالث وهم الذين أرادوا أن يأخذوا شيئا من‬ ‫ص ْن ُ ثَالي ٌ‬
‫اك ي‬
‫ُهنَ َ‬
‫الشرع‪ ،‬وأشياء من القوانني ومن الدساتري ومن األديان األخرى‪ ،‬ما اسم هؤالء؟‪،‬‬
‫وهل ذكرهم هللا ¸ يف القرآن؟‪ ،‬وإذا كانوا ذُكِروا ما عالقتهم هبذا القانون املعمول به‬
‫اآلن يف البالد والذي ُحيكم به العباد؟‬

‫ول ُمستَعِينا بِاهلل ¸‪ :‬هذا الصنف أُمسّيه صنف أصحاب السبيل الثالث‪،‬‬ ‫أقُ ُ‬
‫الصنف األول الذين حيكمون باألحكام اجلاهلية‪ ،‬الصنف الثاو الذين حيكمون‬
‫باألحكام الربّانيّة‪ ،‬أما من أراد أن يأخذ من هنا شيء ومن هنا شيء‪ ،‬فهؤالء أُمسّيهم‬
‫أصحاب السبيل الثالث‪ ،‬ما الدليل على هذه التسمية من كتاب هللا ¸؟‬

‫ض َويُِر ُ‬
‫يدو َن أَن‬ ‫﴿ويَـ ُقولُو َن نـُؤِم ُن بِبَـع ٍ‬
‫ض َونَك ُف ُر بِبَـع ٍ‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫يـت ِخ ُذوا بـ ِ‬
‫ا َسبِيال﴾ [النساء‪ ،]150:‬إذا يريدون طريقا ثالثا بني اإلميان وبني‬ ‫ني َٰذل َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫الكفر‪ ،‬فال هم إميان حمض وال هم كفر حمض‪ ،‬وإمنا أرادوا أن ُيمعوا بني الشيئني‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪99‬‬

‫يدو َن أَن يـت ِخ ُذوا بـ ِ‬


‫ني َٰذل َ‬
‫ا َسبِيال﴾؛ إذا االسم الذي‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫﴿ويُِر ُ‬
‫فاهلل ¸ قال عنهم َ‬
‫اصطلحه عليهم‪ :‬أصحاب السبيل الثالث‪.‬‬

‫يل األ ََّو ُل‪ :‬أحكام جاهلية‪.‬‬‫ا َّ ي‬


‫لسب ُ‬
‫يل الثَّاين‪ :‬أحكام ربّانيّة‪.‬‬‫َّ ي‬
‫السب ُ‬
‫شيء من الشرع و ٍ‬
‫أشياء من خارج‬ ‫يل الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬هؤالء الذين ُيمعون بني ٍ‬ ‫َّ ي‬
‫السب ُ‬
‫الشرع‪.‬‬

‫هل هذا الصنف ذكره هللا ¸ يف القرآن؟‬

‫﴿وإِذ أَ َخذنَا ِميثَاقَ ُكم َال‬‫نعم‪ ،‬هللا تبار وتعاىل ذكر عن اليهود يف القرآن‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫تَس ِف ُكو َن ِد َماءَ ُكم َوَال ُخت ِر ُجو َن أَن ُف َس ُكم ِّمن ِديَا ِرُكم ُمث أَقـَررُمت َوأَنتُم تَش َه ُدو َن ۝ ُمث‬
‫اهرو َن َعلَي ِهم بِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ِمث‬ ‫أَنتُم َٰه ُؤَالء تَـقتُـلُو َن أَن ُف َس ُكم َوُخت ِر ُجو َن فَ ِريقا ّمن ُكم ّمن ديَا ِرهم تَظَ َُ‬
‫ض‬‫اج ُهم أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬ ‫ِ‬
‫وهم َوُه َو ُحمَرٌم َعلَي ُكم إخَر ُ‬ ‫اد ُ‬
‫ُس َار ٰى تـُ َف ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوالعُد َوان َوإن يَأتُوُكم أ َ‬
‫ي ِيف احلَيَاةِ ُّ‬
‫الدنـيَا‬ ‫ض فَما جزاء من يـفعل َٰذلِ َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا من ُكم إال خز ٌ‬ ‫الكتَاب َوتَك ُف ُرو َن ببَـع َ َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫ين‬ ‫اب وما اَلل بِغَافِ ٍل عما تَـعملُو َن ۝ أُوٰلَئِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويـوم ال ِقيام ِة يـرُّدو َن إِ َ ٰىل أ ِ‬
‫ا الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َش ّد ال َع َذ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َُ‬
‫ِ‬
‫نص ُرو َن﴾ [البقرة‪-84:‬‬ ‫اب َوَال ُهم يُ َ‬ ‫الدنـيَا بِاآلخَرةِ فَ َال ُخيَف ُ‬
‫ف َعنـ ُه ُم ال َع َذ ُ‬ ‫اشتَـَرُوا احلَيَاةَ ُّ‬
‫‪ ،]86‬ما تفاصيل هذه اآلية؟ وما الذي حصل لليهود؟ وما حكم هللا ¸ فيما صدر‬
‫منهم؟‬

‫يقول اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪" :-‬قال علماؤنا‪ :‬إن هللا ¸ أخذ على‬
‫ومفاداة األسرى"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫اليهود أربعة عهود‪ :‬تر القتل‪ ،‬وتر اإلخراج‪ ،‬وتر املُظاهرة ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪100‬‬

‫هذه أربعة ٍ‬
‫عهود أخذها هللا ¸ على بين إسرائيل‪:‬‬

‫األو ُل‪ :‬أنه ال تقتلوا أنفسكم‪ ،‬ينقل ابن أيب حامت ‪ -¬-‬عن أيب العالية‬
‫الع ْه ُد َّ‬
‫َ‬
‫‪ -¬-‬قال‪" :‬وال تقتلوا أنفسكم أي‪ :‬ال يقتل بعضكم بعضا"‪ ،‬إذا العهد األول ال‬
‫تقتلوا أنفسكم‪.‬‬

‫الع ْه ُد الثَّاين‪ :‬ال ُخترجوا أنفسكم من دياركم‪ ،‬يعين األمر إىل اليهود‪ ،‬العهد الذي‬
‫َ‬
‫بني هللا ¸ وبني اليهود‪ :‬أن اليهودي ال ُيوز له أن ُخيرج اليهودي من داره‪.‬‬

‫ث‪ :‬أن أُناسا آخرين من غري اليهود إذا أرادوا أن ُخيرجوا‬ ‫الع ْه ُد الثَّالي ُ‬
‫ك َ‬ ‫َوَكذلي َ‬
‫اليهود من ديارهم‪ ،‬ال ُيوز لليهود اآلخرين أن يُعينوا أولئا على هؤالء اليهود؛ يعين‬
‫أُناس آخرين غري يهود‪ ،‬يريدون أن ُخيرجوا اليهود من ديارهم‪ ،‬ال ُيوز لليهودي أن‬
‫يُعني أولئا يف إخراج هؤالء اليهود‪ ،‬هذه ثالثة عهود أخذها هللا ¸ على بين‬
‫إسرائيل‪.‬‬

‫الرابي ُع‪ :‬أن اليهودي إذا وقع يف األسر‪ ،‬فأمر هللا تبار وتعاىل إليهم‪:‬‬
‫الع ْه ُد َّ‬
‫َّأما َ‬
‫أن تعملوا على ُمفاداة هذا اليهودي من األسر‪.‬‬

‫احد ٍ‬
‫بعهد‬ ‫الذي حصل أن اليهود خالفوا ثالثة من هذه البنود‪ ،‬والتزموا ببند و ٍ‬
‫واحد فقط؛ هللا ¸ قال ال تقتلوا أنفسكم‪ ،‬كان أحدهم يقتل اآلخر‪ ،‬هللا ¸ قال‬
‫ال خترجوا أنفسكم من دياركم‪ ،‬اليهود كانوا ُخيرج أحدهم اآلخر من دياره‪ ،‬يعين‬
‫كتجمع كقبائل وما إىل ذلا‪ ،‬ال تُعينوا أحدا على اليهود‪ ،‬كانوا يُعينون املشركني على‬
‫ّ‬
‫اليهود كما يف احللف الذي كان بني األوس واخلزرج وبني بين قينقاع وبين النظري وبين‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪101‬‬

‫قريظة‪ ،‬قسم كانوا حلفا مع هؤالء يُعينوهنم على اليهود‪ ،‬وقسم كانوا حلفا مع هؤالء‬
‫يُعينوهنم على اليهود؛ إذا هذه ثالثة عهود ما التزم اليهود هبا‪ .‬أما العهد الوحيد الذي‬
‫التزموا به‪ :‬أن اليهودي كان إذا وقع يف األسر كانوا يُبادرون إىل ُمفاداته وإنقاذه من‬
‫األسر‪ ..‬إذا هم آمنوا ببعض الكتاب كما قال هللا ¸‪ ،‬وكفروا ببعض‪.‬‬

‫يقول اإلمام اجلصاص ¬ يف تفسريه ‪-‬أنقل كالمه باملعىن‪ :-‬أن إخراجهم‬


‫لليهود كان ُكفرا ببعض الكتاب‪ ،‬ألهنم خالفوا ما أمرهم هللا ¸ به‪ ،‬ومفاداهتم‬
‫األسرى كان إميانا منهم ببعض الكتاب‪ ،‬ألهنم قاموا ا أمرهم هللا ¸ به؛ إذا مسّى‬
‫ض ال ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫وُمالفة الكتب مسّاها ُكفرا ﴿أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬ ‫هللا ¸ موافقة الكتاب إميانا‪ُ ،‬‬
‫ا ِمن ُكم﴾‪ ،‬طاملا أن اليهود التزموا ببعض‬ ‫ِ‬
‫ض فَ َما َجَزاءُ َمن يَـف َع ُل ٰذَل َ‬
‫َوتَك ُف ُرو َن بِبَـع ٍ‬
‫أوامر هللا ¸ وخالفوا أوامر أخرى‪ ،‬مسّى هللا عملهم هذا إميانا ببعض الكتاب وكفر‬
‫ببعض الكتاب‪ ،‬مث ذكر هللا ¸ حكم من فعل من اليهود ذلا‪:‬‬

‫ي ِيف احلَيَاةِ ُّ‬


‫الدنـيَا﴾‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫قال‪﴿ :‬فَما جزاء من يـفعل َٰذلِ َ ِ‬
‫ا من ُكم﴾ أوال‪﴿ :‬إال خز ٌ‬ ‫َ ََ ُ َ َ َ ُ‬
‫ي﴾ عىن‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫أذالء صاغرين ُمهانني‪﴿ ،‬إال خز ٌ‬ ‫يف احلياة الدنيا أمثال هؤالء يعيشون ّ‬
‫الدنـيَا﴾ هذا يف‬ ‫ي ِيف احلَيَاةِ ُّ‬ ‫هوان وذل‪﴿ ،‬فَما جزاء من يـفعل َٰذلِ َ ِ ِ ِ‬
‫ا من ُكم إال خز ٌ‬ ‫َ ََ ُ َ َ َ ُ‬
‫َش ِّد الع َذ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب﴾ وأنت تعلم أن ال موطن للعذاب‬ ‫﴿ويَـوَم القيَ َامة يـَُرُّدو َن إِ َ ٰىل أ َ َ‬
‫الدنيا‪َ ،‬‬
‫الشديد إال جهنم ‪-‬والعياذ باهلل‪-‬؛ هذين حكمني دنيوي وأخروي‪ ،‬مث قال هللا ¸‪:‬‬
‫الدنـيَا بِاآل ِخَرةِ﴾‪ ،‬إذا سبب ُمالفتهم ألمر هللا ¸ كان‬ ‫ين اشتَـَرُوا احلَيَا َة ُّ‬ ‫﴿أُوٰلَئِ ِ‬
‫ا الذ َ‬ ‫َ‬
‫حديث ‪-‬حقيقة ال‬ ‫ٍ‬ ‫ألجل الدنيا‪ ،‬إذا كأنه باع آخرته ألجل دنياه‪ ،‬والرسول ‘ يف‬
‫أذكر مبلغ صحته‪ -‬قال‪( :‬أخسر الناس صفقة من باع آخرته بدنيا غريه)‪ ،‬إذا هذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪102‬‬

‫اب﴾‪ ،‬يقينا إذا هم يف‬


‫ف َعنـ ُه ُم ال َع َذ ُ‬
‫حكم آخر ذكره هللا ¸‪ .‬مث قال‪﴿ :‬فَ َال ُخيَف ُ‬
‫جهنم‪.‬‬
‫ض‬‫﴿ويَـ ُقولُو َن نـُؤِم ُن بِبَـع ٍ‬
‫مثل هذا احلكم ذُكر يف آية أخرى‪ ،‬يقول هللا ¸‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ض ال ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫ض﴾ [النساء‪ ،]150:‬اآلية اليت قبلها‪﴿ :‬أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬ ‫َونَك ُف ُر بِبَـع ٍ‬
‫يدو َن أَن يَـت ِخ ُذوا‬
‫ض َويُِر ُ‬ ‫﴿ويَـ ُقولُو َن نـُؤِم ُن بِبَـع ٍ‬
‫ض َونَك ُف ُر بِبَـع ٍ‬ ‫ض﴾ هنا‪َ :‬‬‫َوتَك ُف ُرو َن بِبَـع ٍ‬
‫بـ ِ‬
‫ا َسبِيال﴾‪.‬‬ ‫ني َٰذل َ‬‫ََ‬
‫ؤالء‪:‬‬‫ه‬‫ُح ْك ُم للا في ْأم َثال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾ [النساء‪.]151:‬‬
‫قال‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫طبعا هذا الصنف الذي أحتدث عنه بعد ذلا أذكر من شبيههم يف عصرنا‪،‬‬
‫احلديث اآلن فقط عن اليهود‪ ،‬إذا الذي يؤمن ببعض الكتاب‪ ،‬أي‪ :‬يأخذ ببعض‬
‫وخيالف بعض الكتاب‪ ،‬أمثال هؤالء هللا ¸ قال عنهم‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫الكتاب ُ‬
‫﴿حقًّا﴾ هنا فسرها اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬ ‫ِ‬
‫ال َكاف ُرو َن َحقًّا﴾‪ ،‬كلمة َ‬
‫التوهم يف إمياهنم حني وصفهم بأهنم يقولون نؤمن ببعض"‪ ،‬هذا‬
‫قال‪" :‬تأكيد يزيل ّ‬
‫كالم اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬بالنص‪.‬‬
‫ِ‬
‫﴿حقًّا﴾ هنا؟‬ ‫ملاذا قال ﴿أُوٰلَئِ َ‬
‫ا ُه ُم ال َكاف ُرو َن َحقًّا﴾؟ ما معىن َ‬
‫التوهم يف إمياهنم"‪ ،‬يعين قد يأيت إنسان ويقرأ قول هللا ¸‬ ‫قال‪" :‬تأكيد يزيل ّ‬
‫ض﴾‪ ،‬فعندما قال هللا ¸ ﴿أُوٰلَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫ض ال ِكتَ ِ‬
‫اب َوتَك ُف ُرو َن بِبَـع ٍ‬ ‫﴿أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬
‫ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾؛ إذا كل وهم عندي بأن هؤالء فيهم شيء من اإلميان قد زال؛‬
‫تأكيد لزوال التوهم يف إمياهنم حىت ال يتوهم أحد أن هؤالء مؤمنون‪ ،‬ألن هللا وصفهم‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪103‬‬

‫اب﴾‪ ،‬إذا هذا تؤمنون ببعض ال يساوي شيئا أمام‬ ‫ض ال ِكتَ ِ‬ ‫وقال‪﴿ :‬أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾‪.‬‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫ذكر أبو حفص الدمشقي احلنبلي‪ ،‬عنده كتاب امسه [اللباب يف علوم الكتاب]‪،‬‬
‫ا ُه ُم‬ ‫فسر ﴿أُوٰلَئِ َ‬
‫عن أحد العلماء امسه أبو البقاء ‪-‬أظن هكذا امسه‪ -‬عندما ّ‬
‫ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾‪ ،‬قال‪" :‬كافرون غري شا"‪ ،‬ما يشا يف كفرهم أحد‪ ،‬مث أبو‬
‫احلفص الدمشقي احلنبلي ذكر كالما عن الواحدي ‪-‬هؤالء كلهم مفسرون‪،‬‬
‫والواحدي كما تعلم له [أسباب النزول]‪ ،-‬الواحدي ما كان يرى هذا التفسري ‪-‬يعين‬
‫أن هؤالء كفار حقًّا‪ -‬ما كان يرى أن املعىن تكفريهم‪ ،‬قال‪" :‬ألن الكفر ال يُوصف‬
‫فرد أبو‬ ‫ٍ‬
‫باحلق بوجه من الوجوه"‪ ،‬ما مكن أن نقول كافر حقا ونقصد به الكفر‪ّ ،‬‬
‫حفص الدمشقي على الواحدي‪- ،‬موطن الشاهد سآتيا إن شاء هللا‪ ،-‬قال‪" :‬ليس‬
‫املراد باحلق هنا الذي هو ُمقابل الباطل‪ ،‬وإمنا املر ُاد‪ :‬أنه ثابت عليهم‪ ،‬وأن كفرهم‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾‪ ،‬قال‪" :‬ثابت عليهم‪ ،‬وأن كفرهم مقطوع‬
‫مقطوع به‪﴿ ،".‬أُوٰلَئِ َ‬
‫به" يعين ما تشا أن هؤالء ليسوا بكفار‪ ،‬هذا بالنسبة إىل عمل اليهود وأخذهم‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن‬
‫ببعض الكتاب‪ ،‬وُمالفتهم لبعض الكتاب‪ ،‬مسّاهم هللا ¸ ﴿أُوٰلَئِ َ‬
‫َحقًّا﴾‪.‬‬

‫إذا اليهود اآلن عملوا عملني‪ :‬آمنوا ببعض الكتاب‪ ،‬وخالفوا بعض الكتاب‪،‬‬
‫هنا عمل ثالث لليهود‪ :‬أهنم ب ّدلوا بعض أحكام الكتاب‪ .‬دليل ذلا‪:‬‬

‫أنه يف زمن رسول هللا ‘ كانت قبيلة بين النضري وقبيلة بين قريظة وقينقاع أيضا‬
‫النضري‬
‫ّ‬ ‫كانت موجودة‪ ،‬لكن احلكم الذي كان بني بين النضري وبني بين قريظة‪ :‬أن‬
‫إذا قتل رجال من قريظة‪ ،‬هذا يدفع دية مائة وسق متر‪ ،‬أما القرظي إذا قتل رجال من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪104‬‬

‫بين النضري هذا يُقتل‪ ،‬إذا اآلن أصبح احلكم بني اليهود متغاير‪ ،‬يهودي إذا قتل‬
‫يهوديا يُقتل‪ ،‬يهودي آخر إذا قتل يهوديًّا ال هذا ما يُقتل هذا يدفع دية‪ ،‬طبعا‬
‫التبديل أين هذا؟‪ ،‬حنن أشرنا إىل أن اليهود ب ّدلوا‪ ،‬التبديل أين؟‬

‫س‬ ‫ف‬‫ـ‬‫ن‬ ‫ال‬ ‫َن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫يه‬‫الثابت يف توراة اليهود قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وَكتبـنا علَي ِهم فِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫َنف واإلذا بِاإلذا و ِ ِ ِ‬
‫ني واأل َ ِ ِ‬ ‫س وال َع َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اص﴾‬‫ص ٌ‬ ‫الس ِّن َواجلُُرو َ ق َ‬
‫السن ب ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫َنف باأل َ‬ ‫ني بال َع َ‬ ‫بالنـف ِ َ‬
‫[املائدة‪ ،]45:‬إذا الثابت يف التوراة أن النفس بالنفس‪ ،‬لكن اليهود ب ّدلوا هذا احلكم؛‬
‫ففي زمن رسول هللا ‘ حدث هذا األمر‪ ،‬هذا احلديث عن ابن عباس ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ ،-‬رواه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬ورواه ابن أيب حامت‪،‬‬
‫ورواه أبو داوود ‪ ،-†-‬ورواه احلاكم يف [املستدر ] وقال اإلمام الذهيب‪ :‬صحيح‪،‬‬
‫ألن احلاكم عندما ذكر هذه الرواية عن ابن عباس‪ ،‬قال صحيح على شرط‬
‫الشيخني‪ ،‬وتعليق اإلمام الذهيب يف التلخيص قال‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫يقول ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬أنه حدث قتل‪ ،‬قرظي قتل رجال من النضري‪،‬‬
‫فقال بنو النضري لبين قريظة‪ :‬سلّموا لنا القرظي لنقتله‪ ،‬قالوا‪ :‬بيننا وبينكم نيب هللا‪،‬‬
‫ت‬‫﴿وإِن َح َكم َ‬
‫فجاؤوا يتحاكمون إىل رسول هللا ‘‪ ،‬فأنزل هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم بِال ِقس ِط﴾ [املائدة‪ ،]42:‬يقول ابن عباس‪" :‬أي‪ :‬النفس بالنفس"‪ ،‬مث‬
‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن﴾؛ إذا هذا التغيري وهذا التبديل أيضا يعترب من‬
‫نزلت‪﴿ :‬أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫ضمن األحكام اجلاهلية سواء كان عند اليهود أو كان عند املشركني‪ ،‬إذًا من هنا‬
‫أؤكد قويل‪ :‬أن التشريعات من أي جهة كانت غري شرع هللا ¸ يف ديننا كلها‬
‫أحكام جاهلية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪105‬‬

‫إذا احملصلة اليت خرجت هبا من قراءيت هلذه اآلية‪ :‬أن اليهود آمنوا ببعض الكتاب‬
‫وكفروا ببعض‪ ،‬خالفوا بعض أحكام هللا ¸‪ ،‬حكم هللا تبار وتعاىل عليهم بالكفر‪،‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾‪.‬‬
‫وال يشا يف كفر هؤالء أحد؛ ألن هللا ¸ قال‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫اآلية ِب َوا ِق ِع َنا؟‬ ‫ه‬ ‫ذ‬‫ه‬‫الق ُة َ‬
‫َ َ‬
‫ما ع‬
‫ِِ ِ‬
‫هنا منتسبون إىل اإلسالم‪ ،‬دائما تسمع منهم عبارة "الِّريعة السلمية‬
‫مصدر من مصادر التِّريع"‪ ،‬قبل أن أدخل يف هذا املوضوع‪:‬‬

‫هل ميكن أن نُنزل هذه اآلية اليت جاءت يف اليهود على أهل امللّة؟‪ ،‬يعين هنا‬
‫آيات نزلت يف اليهود‪ ،‬هنا آيات نزلت يف النصارى‪ ،‬وهنا آيات نزلت يف‬
‫املشركني‪ ،‬هل ميكن أن أُنزل هذه اآليات على بعض أهل امللة يف اإلسالم؟‬

‫إنزال هذه اآليات على اإلطالق هذا من عقيدة اخلوارج‪ ،‬كل آية يف الكفار‬
‫تُ ّنزهلا يف أهل اإلميان‪ ،‬كل آية يف املنافقني تُ ّنزهلا يف أهل اإلميان؛ هذه عقيدة اخلوارج‪.‬‬

‫ولكن الصواب من القول يف ذلا‪ :‬أننا ننظر ما العلّة يف هذا احلكم؛ ألن هللا‬
‫¸ ال حيكم حبكم إال بناء على علّة يف احلكم‪ ،‬فننظر إىل هذه العلّة‪ ،‬مث ننظر إىل‬
‫احلكم‪ ،‬هذه العلة إذا حتققت يف املنتسبني إىل اإلسالم؛ إذا هم ليسوا أفضل عند هللا‬
‫¸ من اليهود وال أفضل عند هللا ¸ من النصارى‪ ،‬فاليهودي الذي خالف أمر هللا‬
‫ُناس ينتسبون إىل اإلسالم؛‬ ‫ببعض وكفر ببعض‪ ،‬هذه العلّة إذا حت ّققت يف أ ٍ‬ ‫¸‪ ،‬وآمن ٍ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن العلّة‬‫إذا يُقال فيهم قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫يف احلكم هنا هي نفس العلّة يف احلكم هنا ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪106‬‬

‫أذكر لا أدلّة على ذلا‪ :‬مشركو مكة عندما كانوا يعبدون األصنام‪ ،‬ماذا قالوا؟‬
‫﴿ما نَـعبُ ُد ُهم إِال لِيُـ َقِّربُونَا إِ َىل اَللِ ُزل َف ٰى﴾ [الزمر‪ ،]3:‬إذا هي ليست عبادة مباشرة‬
‫قالوا َ‬
‫نتقرب من خالل هؤالء إىل هللا ¸‪.‬‬ ‫وإمنا نريد أن ّ‬
‫إذا سبب شركهم أهنم جعلوا بينهم وبني هللا ¸ واسطة‪ ،‬من خالل هذه‬
‫الواسطة يريدون أن يتقربوا إىل هللا تبار وتعاىل‪ ،‬هذه العلّة إذا ِ‬
‫وج َدت يف األمة هذا‬ ‫ّ‬
‫ناقض من نواقض اإلسالم كما ذكر الشيخ حممد بن عبدالوهاب ‪ ¬-‬رحة‬
‫واسعة‪ -‬يف نواقض اإلسالم‪ ،‬من ضمن نواقض اإلسالم‪ :‬من جعل بينه وبني هللا‬
‫واسطة‪.‬‬

‫إذا هو كان ينتمي لإلسالم‪ ،‬لكن فعل فعال كان يفعله املشركون‪ ،‬ذلا الفعل‬
‫حكمه الشر ؛ فمن فعل مثل فعلهم إذا يقينا يسري عليهم حكمهم‪ ..‬ذا مشر ‪،‬‬
‫إذا أنت أيضا إذا فعلت نفس هذا الفعل أنت أيضا تكون مشركا باهلل ¸‪ ،‬هذا‬
‫ناقض من نواقض اإلسالم العشرة اليت ذكرها حممد بن عبدالوهاب ‪ ¬-‬رحة‬
‫واسعة‪.-‬‬

‫أذكر لا دليال آخر سبق أن تطرقنا إليه‪ :‬قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬اختَ ُذوا‬
‫ون اَللِ﴾ [التوبة‪ ،]31:‬اآلية يف اليهود والنصارى‪ ،‬لكن‬
‫أَحبارهم ورهبانَـهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫َ َُ َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫تذكرون أننا قلنا أن من يتالعب بشريعة رسول هللا ‘ يدخل يف حكم اآلية‪.‬‬

‫إذا كما قلنا عن األحبار والرهبان أهنم أرباب‪ ،‬إذا من يفعل بدين رسول ‘ ما‬
‫سمون‬
‫فعله أولئا بشريعة نيب هللا موسى أو بشريعة نيب هللا عيسى‪ ،‬إذا هؤالء أيضا يُ ّ‬
‫أربابا علما أهنم غري مذكورين يف اآلية‪ ،‬أولئا يهود ونصارى‪ ،‬هذا مسلم كافر؛ لكن‬
‫احلكم يسري عليه‪ ،‬ألن العلّة اليت عند أولئا قد حتققت يف هؤالء أيضا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪107‬‬

‫إذا آيات الكفار واملشركني واملنافقني ال ننزهلا كلها على املسلمني‪ ،‬ال‪ ..‬ننظر من‬
‫حتققت فيه علّة احلكم يُنزل عليه احلكم أيضا‪.‬‬

‫نأيت إىل هذه اآلية أن اليهود آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض‪:‬‬

‫هذا وصف هللا ¸ هلم‪ ،‬وآمنوا ببعض الكتاب كيف أفهم آمنوا ببعض‬
‫الكتاب؟‪ ،‬أهنم كانوا يُفادون األسرى‪ ،‬كفروا ببعض الكتاب‪ :‬خالفوا يف القتل‪ ،‬خالفوا‬
‫يف اإلخراج‪ ،‬خالفوا يف املظاهرة‪ ،‬هذا مسّاه هللا ¸ كفرا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن‬
‫إذا من حتققت فيه هذه العلّة‪ ،‬فإن احلكم يسري عليه ﴿أُوٰلَئِ َ‬
‫َحقًّا﴾‪.‬‬

‫للا‪َ ،‬و َشيّئًا يم َن‬


‫يمن أح َك يام ي‬
‫أخذوا َشيّئًا‬
‫ْ ْ‬ ‫الع ياملُو َن بي ُّ‬
‫الد ْستُوير َه ْل َ‬ ‫اآلن نأيت‪َ ..‬‬
‫ال؟‪ ،‬الحظ املسألة كيف‪،‬‬ ‫الِّ ْر يعيّ ية ْأم‬
‫ات َّ‬ ‫األح َك يام األُ ْخرى‪ ،‬وجاؤوا بياملُ َخالََِ ي‬
‫ََ‬ ‫ْ‬
‫اليهود خالفوا ثالثة عهود من العهود اليت أخذها هللا ¸ عليهم‪ ،‬يف الدستور‬
‫والقانون شاهبوا اليهود يف أم ٍر‪ ،‬وزادوا اليهود سوءا يف أمور‪.‬‬

‫مشاهبة الدستور والقانون لليهود أين؟‬

‫أن اليهود خالفوا كما ذكرت لا ثالثة أحكام‪ ،‬إذا العنوان ُمالفة‪ ،‬هذه املخالفة‬
‫هل هي ُحم ّققة الدستور والقانون أم ال؟ نبحث‪..‬‬

‫األو ُل‪- :‬نُشري إىل اخلطوط العريضة فقط‪ -‬هللا تبار وتعاىل أمر كل‬ ‫اخلي ُ‬
‫لف َّ‬
‫ون﴾ [الذاريات‪ ،]56:‬وأنت‬ ‫اإلنس إِال لِيـعب ُد ِ‬
‫ت اجلِن َو ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫﴿وَما َخلَق ُ‬
‫خلقه أن يعبدوه َ‬
‫تعلم أن العبادات توقيفية‪ ،‬ما أستطيع أن أجتهد وآيت بعبادة‪ ،‬جيّد‪ ..‬طاملا أن هللا‬
‫¸ خلقنا للعبادة‪ ،‬بعد مبعث رسول هللا ‘ ما املطلوب من الناس أن يتعبّدوا هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪108‬‬

‫¸ به؟ يقينا شريعة رسول هللا ‘؛ إذا هللا تبار وتعاىل يُوحد من خالل هذه‬
‫الشريعة‪.‬‬

‫بند كما قرأت على‬ ‫هذا الدستور وهذا القانون حيتوي على نص‪ ،‬على ٍ‬
‫حضراتكم سابقا حبرية العقيدة‪" ،‬كما يضمن هذا الدستور حرية العقيدة واملمارسة‬
‫الدينية للمسيحيني واليزيديني والصابئة املندائيني"؛ إذا هؤالء خالفوا ما جاؤوا به‬
‫الرسول ‘ من توحيد هللا بالعبودية‪ ،‬فجعلوا العبودية هلل ولغريه‪ ،‬اليزيدي من ح ّقه أن‬
‫يعبد الشيطان‪ ،‬إذا هذه ُمالفة‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬هللا تبار وتعاىل ارتضى لنا اإلسالم دينا‪.‬‬


‫األم ُر َ‬
‫ْ‬
‫الد ْستُوير وال َقانُ ي‬
‫ون‪ :‬أن الناس هلم أن يأخذوا من األديان ما يشاؤون‪ ،‬فالديانة‬ ‫ِف ُّ‬
‫َ‬
‫اليزيدية ُمعرتف هبا‪ ،‬الديانة النصرانية والكلدانية واآلشورية‪ ،‬وأي دين ممكن أن يتواجد‬
‫قر هبذه األديان‪ ،‬إذا كما أن اليهود كفروا ببعض‪ ،‬هؤالء أيضا‬
‫فإن الدستور والقانون يُ ّ‬
‫كفروا ببعض؛ عىن‪ :‬خالفوا أحكام هللا ¸‪.‬‬

‫املَثَ ُل الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬أن هلل تبار وتعاىل أحكاما يف السرقة ويف الزنا ويف شرب اخلمر‬
‫ويف القصاص ويف القتل وما إىل ذلا هذه أحكام‪ ..‬حدود‪.‬‬
‫الد ْستُوير وال َقانُ ي‬
‫ون‪ :‬كل هذه األحكام اليت ذُكَِرت كلها ُُمالفة لشرع هللا ¸‪.‬‬ ‫ِف ُّ‬
‫َ‬
‫إذا كما أن اليهود خالفوا ما جاء يف التوراة من عهود هللا ¸‪ ،‬كذلا جلنة كتابة‬
‫الدستور عندما كتبوا الدستور هذا الدستور فيه ُمالفات لشرع هللا ´ يف النقاط اليت‬
‫ذكرهتا لا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪109‬‬

‫َ‬ ‫ْ ُ َ َ َ َُ َ‬ ‫َ ْ ُ َّ َ َ َ َ‬
‫وجه الشب ِه بين هذا الدستو ِر وبين اليه ِ‬
‫ود أين؟‬
‫اليهود أخذوا باملفاداة من التوراة‪ ،‬هؤالء أخذوا األحكام الشخصية من اإلسالم؛‬
‫ُ‬
‫أي املسائل املتعلقة بالزواج والطالق واملرياث‪ ،‬قد تكون هنا بعض املسائل الفقهية‬
‫أيضا أخذوا هبا‪ ،‬إذا اليهود أخذوا بعهد‪ ،‬وهؤالء أيضا أخذوا بأشياء من الشريعة‬
‫اإلسالمية؛ إذا هذا وجه الشبه بني عمل اليهود يف التوراة وبني عمل جلنة كتابة‬
‫الدستور يف الدستور‪ ،‬إذا هؤالء يقينا سلفهم اليهود‪ ،‬من قال أن "الشريعة اإلسالمية‬
‫مصدر من مصادر التشريع" هذا سلفه يف كتاب ربّنا اليهود‪ ،‬كما فعل اليهود هو‬
‫أيضا يريد أن يفعل بالشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫وأزيد وأقول‪ :‬أن هؤالء أصحاب مقولة "الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر‬
‫التشريع" هؤالء أسوأ بكثري من اليهود الذين ذكرهم هللا ¸ يف القرآن‪ ،‬بل اليهود‬
‫أحسن حاال منهم بكثري‪ ،‬ما األدلة على هذا الكالم؟‬

‫َّأوًال‪ :‬أن اليهود عندما آمنوا ببعض الكتاب (الـ ُمفاداة) مل يُ ّ‬


‫غريوا هذا احلكم‪ ،‬ومل‬
‫يُب ّدلوا‪ ،‬ومل يزيدوا‪ ،‬ومل ينقصوا‪ ،‬أخذوه كحكم من كتابه‪.‬‬

‫أما هؤالء عندما قالوا‪" :‬الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع"‪ ،‬وأخذوا‬
‫بعض التشريعات من ديننا احلنيف‪ ،‬ما فعلوا هبذا الذي أخذوه ما فعل اليهود‪ ،‬اليهود‬
‫كانوا أُمناء؛ مفاداة‪ ..‬مفاداة كما يف التوراة‪ ،‬أما هؤالء عندما أخذوا هذا الذي‬
‫غريوا فيه‪ ،‬أضافوا فيه ونقصوا منه وزادوا فيه‪ ،‬كما يف مسألة املرياث‪،‬‬
‫أخذوه ب ّدلوه‪ّ ،‬‬
‫أنت تعلم أن من ضمن أحكام ربّنا‪ :‬للذكر مثل حظ األنثيني‪ ،‬طاملا أنت أخذت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪110‬‬

‫املرياث لو كنت ُمتّبعا لليهود يف املسألة عليا أن تُ ّنزل هذه األحكام كما يف شرع‬
‫غريوه وب ّدلوه‪ ،‬فقالوا‪" :‬الذكر يساوي األنثى واألنثى‬
‫ربّنا‪ ،‬لكن حىت الذي أخذوه ّ‬
‫تساوي الذكر"‪.‬‬

‫إذا حىت الذي أخذوه‪ ،‬اليهود أحسن حاال منهم؛ ألن اليهود عندما أخذوا من‬
‫حرفوا‪ .‬هذا دليل على أن هؤالء أسوأ حاال يف تعاملهم‬
‫غريوا وال ب ّدلوا وال ّ‬
‫كتاهبم ما ّ‬
‫مع كتاب ربنا‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬اليهود عندما أخذوا حكم املفاداة نسبوه إىل التوراة ُمباشرة‪ ،‬أن‬ ‫َّ‬
‫الِّيءُ َ‬
‫ُ‬
‫هذا احلكم مأخوذ من كتاب هللا يف ذلا الوقت التوراة‪.‬‬

‫أما من قال أن الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع ال يستطيع أن‬


‫ينسب األحوال الشخصية يف الزواج والطالق ويف املرياث إىل ٍ‬
‫كتاب وال إىل سنة‪،‬‬
‫وإمنا ينسبها إىل املادة الفالنية من القانون وإىل املادة الفالنية من الدستور؛ إذا اليهود‬
‫أحسن حاال منه ألن اليهود أخذوا املفاداة كان يعلم أنه أخذ من التوراة مباشرة‪ ،‬أما‬
‫ُ‬
‫هم عندما أخذوا ما يستطيعون أن ينسبوه ال إىل ٍ‬
‫كتاب وال إىل سنة‪ ،‬وإمنا ينسبه إىل‬
‫املادة الفالنية من الدستور وإىل املادة الفالنية من القانون‪.‬‬

‫غريوا وب ّدلوا‪:‬‬
‫الوجه اآلخر الذي يُثبت أن هؤالء أسوأ حاال من اليهود الذين ّ‬
‫ض‬‫أن اليهود آمنوا بالتوراة يف هذا اجلزء‪ ،‬هللا ¸ قال‪﴿ :‬أَفَـتُـؤِمنُو َن بِبَـع ِ‬
‫اب﴾‪ ،‬أما هؤالء ال ميكن من يقول أن "الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر‬ ‫ال ِكتَ ِ‬
‫يتبجح وأن يقول أنا أؤمن بأحكام هللا ¸‪ ،‬ما مكن أن يقول هذا‬ ‫التشريع" أن ّ‬
‫الكالم‪ ،‬فإن قال فهو غري صادق‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن هذه األحكام اليت أخذوها من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪111‬‬

‫اإلسالم ووضعوها يف ٍ‬
‫قانون ويف دستور‪ ،‬هل ُيوز لواضعي الدستور وواضعي القانون‬
‫غريوا هذا الذي أخذه من الشريعة أم ال؟‪ ،‬يعين أخذوا مرياث من الشريعة‪ ،‬اآلن‬
‫أن يُ ّ‬
‫املرياث دخل يف القانون‪ ،‬هؤالء الناس إذا قالوا أن أؤمن ببعض الكتاب‪ ،‬نقول‪ :‬ال‪،‬‬
‫كذبت أنت ال تؤمن ببعض الكتاب‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن هذا اجلزء الذي أخذته لو أن أهل‬
‫غريوا هذا احلكم بالتصويت هلم أن‬‫احلل والعقد من هذه احلكومات أرادوا أن يُ ّ‬
‫يُغريوه‪.‬‬

‫يعين قالوا على سبيل املثال‪ُ :‬يوز للرجل أن يتزوج بأربعة نساء‪ ،‬ويأيت هذا‬
‫تبجح يقول الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع‪ ،‬كيف؟‪ ،‬قال هذا يف‬ ‫املُ ّ‬
‫قانونا جعلنا الرجل يتزوج بأربعة نساء‪.‬‬

‫نقول‪ :‬أنت ال تؤمن بكتاب هللا ¸‪ ،‬ألنا عندما أجزت‪ ،‬ما تقول قال هللا‬
‫اع﴾ [النساء‪ ،]3:‬وإمنا تقول وتستند إىل املادة‬
‫ث َوُربَ َ‬
‫﴿مثـ َ ٰىن َوثَُال َ‬
‫تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫األو ُل‪.‬‬
‫الفالنية من الدستور‪َ ،‬ه َذا األ َْم ُر َّ‬

‫األ َْم ُر الثَّاين‪ :‬أنكم لو اجتمعتم على أن تُ ّ‬


‫غريوا هذا احلكم‪ ،‬تقول كنا سابقا قلنا‬
‫صوتتم وإذا ‪ 51‬واحد‬
‫الرجل يتزوج بأربعة‪ ،‬اآلن نريد أن يقتصر على امرأة واحدة‪ّ ،‬‬
‫يتغري؛ إذا هذا ليس‬
‫يتغري أم ال؟‪ ،‬يقينا ّ‬
‫يقول ال ُيوز‪ ،‬و‪ 49‬قالوا ُيوز‪ ،‬هذا احلكم ّ‬
‫يتغري وإمنا هذا حكم القانون وحكم الدستور‪ ،‬بدليل‬
‫حكم هللا‪ ،‬ألن حكم هللا ما ّ‬
‫وصوت عليه وجعلت واحدة‪ ،‬إذا أنت ما كنت‬ ‫صوت عليه جعلت أربعة‪ّ ،‬‬ ‫أنا ّ‬
‫تستند ال إىل ٍ‬
‫كتاب وال إىل سنة؛ ألنا لو كنت ُمستندا ال ميكن ألحكام هللا ¸ أن‬
‫تتغري بالتصويت أو باالنتخاب أو ما إىل ذلا‪ ،‬إذا حىت هذا الذي أدخلته يف‬‫ّ‬
‫القانون ال يُقال عنا تؤمن ببعض الكتاب كما قال هللا عن اليهود‪ ،‬ال‪ ،‬أنت تؤمن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪112‬‬

‫بالدستور وأنت تؤمن بالقانون‪ ،‬بدليل أن هذه األحكام الشريعة املذكورة يف الدستور‬
‫صوت عليها وأن تُغري وأن تُب ّدل‪.‬‬
‫ويف القانون بإمكانا أن تُ ّ‬
‫يف مؤمتر الهاي ‪ 1950‬م وكسر‪ ،‬كان مؤمتر الهاي لوضع القانون العاملي‬
‫حلقوق اإلنسان‪ ،‬الذين اجتمعوا لوضع هذا القانون أُناس كانوا أهل اختصاص من‬
‫ُمتلف األديان‪ ،‬نصرانية على أشياء كثرية من بينهم يهود‪ ،‬عندما انتهوا من وضع‬
‫هذه القوانني أرادوا أن يُثبتوا مصادر التشريع لديهم‪ ،‬فالكل أمجعوا على أن الشريعة‬
‫اإلسالمية املصدر الرئيسي األول للقانون العاملي‪ ،‬الكل أمجعوا على هذا األمر إال‬
‫عرفونه باأللف والالم‪ ،‬ال تقولون الشريعة اإلسالمية‬
‫يهودي واحد‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ال تُ ّ‬
‫املصدر التشريعي األول للتشريع العاملي ال‪ ،‬تقولون الشريعة اإلسالمية مصدر من‬
‫مصادر التشريع العاملي‪- ،‬وهذا الذي قُـّرر اآلن‪ ،-‬فعندما يأيت فالن يقول الشريعة‬
‫اإلسالمية املصدر الرئيسي‪ ،‬معناته حتت الرئيسي هنا أشياء أخرى تندرج‪ ،‬لكن‬
‫عندما يقول الشريعة اإلسالمية املصدر التشريعي الوحيد عند ذلا نقول هذا إميان‪.‬‬

‫عندما يقول الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع يف احلقيقة ال يوجد‬


‫شيء من الشريعة يف القانون الذي وضعتموه‪ ،‬وإمنا أخذمت أشياء بناء على أهوائكم‬
‫أنتم‪ ،‬وهذا الذي أخذمتوه ما آمنتم به كما آمنت اليهود‪ ،‬اليهود عندما أخذوا املفاداة‬
‫ُ‬
‫غريوا وال زادوا وال ب ّدلوا‪ ،‬أما أنتم‬
‫أخذوا ُمفاداة كانوا يُعطون مال يأتون باليهود‪ ،‬ما ّ‬
‫هذا الذي ت ّدعون أنكم أخذمتوه من الشريعة قد أضفتم به وزدمت فيه ونقصتم منه‬
‫وغريمت وب ّدلتم‪.‬‬
‫ّ‬
‫اآلن يف القانون العراقي‪ :‬االبن يُنسب إىل األم ال يُنسب إىل األب‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن‬
‫الذي وضعوه رافضة وهؤالء عندهم بدعة‪ ،‬فاملرأة إذا أجنبت طفل غري معروف األب‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪113‬‬

‫هذا يأخذ جنسية عراقية؛ إذا أين الذي أخذمتوه من الشريعة؟!‪ ،‬هذا فقط لذر الرماد‬
‫يف العيون‪ ،‬هؤالء املنتسبون إىل اإلسالم هذه األحزاب اليت تنتسب إىل اإلسالم كيف‬
‫تُنقذ نفسها من اللوم؟‪ ،‬أن تقول يا ناس ترى الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر‬
‫التشريع‪ ،‬هذا للخداع فقط‪ ،‬وإال أي مصدر من مصادر التشريع هذا؟!‬

‫(مرسي) قبل االنتخابات‪ :‬أنه صحيح أنا ستحكم ا أنزل هللا إذا‬ ‫ِ‬
‫ُسئ َل هذا ُ‬
‫أصبحت؟‪ ،‬قال‪ :‬الذي حيكم بالقانون املصري حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬كيف؟‪ ،‬قال‪ :‬املادة‬
‫الثانية من الدستور املصري تقول "الشريعة اإلسالمية املصدر الرئيسي للتشريع"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فالذي حيكم هبذه القوانني حيكم ا أنزل هللا‪.‬‬

‫هذا ما يستحي!!‪ ،‬باالنتخابات قبطي وصل وبدأ حيكم هبذه القوانني‪ ،‬نقول يا‬
‫قبطي أنت حتكم ا أنزل هللا؟‪ ،‬أليس من املتحمل أن القبطي يصل؟‪ ،‬انتخابات‬
‫ُ‬
‫هي‪ ..‬زين قبطي وصل وصار رئيسا وحكم هبذه القوانني‪ ،‬يا ُمرسي هذا القبطي‬
‫الذي حيكم هبذا القانون كما حكمت أنت به‪ ،‬هل يُقال هذا القبطي حيكم ا أنزل‬
‫هللا؟! وهل القبطي يرضى أن حيكم ا أنزل هللا حىت يرضى بكم؟‪ ،‬هذا من‬
‫الضحا‪ ،‬هذا من اخلداع‪ ،‬جمرد تربير ملوافقتهم على الدستور وحىت يُقبلون فيما‬
‫يقولون‪ ،‬وإال أين شريعة هللا؟‪ ،‬كيف يكون شرع هللا ¸ ُجزءا من قوانني أخرى؟‪،‬‬
‫كيف؟!‬

‫وهذه املسألة اليت سآيت إليها اآلن وهي‪:‬‬

‫إذا ثبت لنا أن هنا أُناس يقولون‪" :‬الشريعة اإلسالميّة مصدر من مصادر‬
‫التشريع"‪ ،‬وحيكمون هبذا القانون وحيكمون هبذا الدستور‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪114‬‬

‫اعلم أخي الكرمي‪ :‬أننا مأمورون بأمر هللا ¸ ِ ُقاتلة هؤالء‪ ،‬هذا الذي يقول‪:‬‬
‫"الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع"‪ ..‬يف املصحف الذي يف بيوتنا آية‬
‫يأمرنا هللا ¸ هبا أن نُقاتل هؤالء‪ ،‬هذه اآلية قوله تبار وتعاىل يف موطنني‪ ،‬يف سورة‬
‫وهم َح ٰىت َال‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫البقرة ويف سورة األنفال‪ ،‬أقرأ اآلية اليت يف [سورة األنفال‪َ :]39:‬‬
‫ين ُكلُّهُ َِللِ﴾‪ ،‬زين من قال "الشريعة اإلسالمية مصدر من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ُكو َن فتـنَةٌ َويَ ُكو َن ال ّد ُ‬
‫مصادر التشريع" جعل احلكم هلل؟‪ ،‬يقينا ال‪ ،‬فطاملا احلكم ليس كله هلل أنا وأنت‬
‫مأمورون بقتال هؤالء‪ ،‬ومن هنا كان قتلنا هلم يف الربملانات ويف احلكومات ألن هذا‬
‫َلل﴾‪ ،‬أنت جعلت‬ ‫أمر هللا ¸ ﴿وقَاتِلُوهم حىت َال تَ ُكو َن فِتـنَةٌ وي ُكو َن ال ِّدين ُكلُّه ِ ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َٰ‬
‫الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع‪ ،‬إذا الدين كله ليس هلل‪ ،‬فيما إذا ثبت‬
‫أنا أدخلت شيئا من شرع هللا يف قانونا؛ إذا حنن مأمورون بقتال هؤالء وقتال‬
‫غريهم ممن حيكمون بغري ما أنزل هللا‪ ،‬وبالذات من يقولون "الشريعة اإلسالمية مصدر‬
‫من مصادر التشريع"‪.‬‬

‫‪ -‬سائل‪ :‬حىت ا ّ يقول يا شيخ‪" :‬مصدر رئيسي"؟‬

‫* الشيخ‪ :‬كيفما كان‪ ،‬إن مل ي ُقل املصدر الوحيد‪ ،‬هذا يُقاتَل؛ ألنه سيجعل إىل‬
‫جانب التشريع الربّاو تشريعات أخرى‪ ،‬وهلذا عندما نأيت إىل تفسري قول هللا تبار‬
‫وتعاىل‪﴿ :‬ولَن تَـرضى عنا اليـهود وَال النصار ٰى حىت تَـتبِع ِملتـهم قُل إِن ه َدى اَللِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ٰ َ َُ‬ ‫َ ٰ َ َ َُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ت أَه َواءَ ُهم بَـع َد الذي َجاءَ َ م َن العل ِم َما لَ َ‬
‫ا م َن اَلل من َو ٍّ‬ ‫ُه َو اهلَُد ٰى َولَئ ِن اتـبَـع َ‬
‫ص ٍري﴾ [البقرة‪ ،]120:‬غدا إن شاء هللا تعاىل نتناول هذه اآلية حىت تعلم أن هذه‬ ‫وَال نَ ِ‬
‫َ‬
‫القوانني وهذه الدساتري ُمستم ّدة من أهواء اليهود والنصارى وليس من شريعة هللا‬
‫تبار وتعاىل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪115‬‬

‫اهلِي ِة يـبـغُو َن ومن أَحسن ِمن ِ‬


‫اَلل‬ ‫كالم أخري أقوله يف مسألة‪﴿ :‬أَفَحكم اجل ِ‬
‫َُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ٌ‬
‫﴿وإِن َكثِريا ِم َن الن ِ‬
‫اس‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ُحكما لَّقوم يُوقنُو َن﴾ [املائدة‪ ،]50:‬اآلية اليت قبلها‪َ :‬‬
‫لََف ِ‬
‫اس ُقو َن﴾ [املائدة‪..]49:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ ٌ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫أصغ ٌر غي ُر ُمخ ِرج ِم َن ا ِِلل ِة؟ ْأم‬ ‫اس ُقون ُه َنا؟ َه ْل هو ِفسق‬ ‫ما معنى ِ‬
‫ف‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّأن ُه ِف ْس ٌق أك َب ٌر ُمخ ِر ٌج ِم َن ا ِِلل ِة؟‬

‫هذا الفسق فسق ُُمرج من امللّة‪ ،‬من أراد األحكام اجلاهليّة هذا فسق أكرب ُمرج‬
‫من امللّة‪ ،‬كيف؟‬
‫ألن الذي أراد األحكام اجلاهلية يَ ْل يزُم من إرادته‪ :‬أنه را ٍ‬
‫ض بالقوانني الوضعية؛‬
‫ألن من أراد شيئا فقد رضي به‪ ،‬أنا ال أريد األشياء اليت ال أرضى عنها‪ ،‬أما الشيء‬
‫الذي أريده بالضرورة أنا ر ٍ‬
‫اض عنه‪.‬‬

‫اض هبذه القوانني وهبذه الدساتري‪،‬‬‫إذا من لوازم ابتغاء أحكام اجلاهليّة أنه ر ٍ‬
‫والقاعدة عند أهل السنة واجلماعة كما ذكر القاضي عياض ¬ قال‪" :‬والرضا‬
‫بالكفر ُكفر"؛ إذا هذا الزم من لوازم ابتغاء األحكام اجلاهلية‪.‬‬

‫الل يزُم اآل َخ ُر‪ :‬من أراد هذه القوانني‪ ،‬وأن ُحي َكم هبذه القوانني وهبذه الدساتري‬
‫ينطبق عليه ما قُلناه يف جلنة كتابة الدستور؛ فقد ّاختذ من جلنة كتابة الدستور ندا هلل‬
‫¸‪ ،‬و ّاختذهم ربًّا من دون هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وجعلهم شركاء هلل ¸‪ ،‬وجعلهم‬
‫واضعني لدي ٍن مل يأذن به هللا ¸‪ ،‬هذه كلها من لوازم من يرضى ثل هذه القوانني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪116‬‬

‫نحي شريعة هللا جانبا‪ ،‬ألن‬‫ي‬ ‫أن‬ ‫ُيب‬ ‫بالضرورة‬ ‫أنه‬ ‫‪:‬‬ ‫ا‬‫أيض‬ ‫ا‬‫ض‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫ذا‬‫ه‬ ‫ويمن لَوا يزي‬
‫م‬
‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫الذي يبتغي األحكام اجلاهليّة ويريد األحكام اجلاهليّة؛ إذا بالضرورة شريعة هللا تبار‬
‫نحى جانبا‪.‬‬
‫وتعاىل تُ ّ‬
‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن﴾‪ ،‬فمن أراد فهذا فاسق‪ ،‬وفسقه أكرب ُُمرج من‬
‫إذا ﴿أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫امللّة؛ ألن هذه اإلرادة من لوازمها هذه األمور الثالثة اليت ذكرهتا‪.‬‬

‫ومن الغريب أن واقع الناس اآلن ال خيتلف عن واقع الناس يف زمن نزول هذه‬
‫الِّبَ يه‪:‬‬
‫أوجهَ َّ‬ ‫ي‬
‫اآلية‪ ،‬ما خيتلف يف شيء‪ ،‬الح ْظ ُ‬
‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن﴾‪،‬‬
‫يف ذلا الوقت كانت األحكام اجلاهلية موجودة ﴿أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ّ‬
‫إذا هنا أحكام جاهليّة‪ ،‬اآلن ثبت أن هنا أحكام جاهليّة هذه القوانني‬
‫األول‪.‬‬ ‫والدساتري‪َ ،‬ه َذا وجهُ َّ ي‬
‫الِّبَه ّ‬ ‫َُ‬
‫الِّبَ يه الثَّاين‪ :‬يف ذلا الوقت كان الكثري من الناس يريدون تلا األحكام‬
‫َو ْجهُ َّ‬
‫اجلاهليّة‪ ،‬اآلن ماذا تقول من الذي يريد؟‪ ،‬األكثريّة أين؟‪ ،‬هل الذين يريدون شرع‬
‫أحسن األحكام؟‪ ،‬أم الذين يريدون أحكام اجلاهلية؟‪ ،‬إذا األكثريّة كما كانت‬
‫ُمتح ّققة هنا ‪ُ ،‬متح ّققة هنا أيضا‪.‬‬

‫الِّبَ يه الث ُ‬
‫َّالث‪ :‬أن أولئا كانوا يُقاتلون لِيُحكموا هبذه األحكام اجلاهلية‪،‬‬ ‫َو ْجهُ َّ‬
‫هذا أيضا اآلن ُمتح ّقق أن هنا من يُقاتل وهنا من يُعني الذي يُقاتل‪ ،‬وهنا من‬
‫يُشار الذي يُقاتل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪117‬‬

‫أوجه الشبه هذه كلها ُمتح ّققة بني أولئا وبني هؤالء‪ ،‬فكما كان أولئا‬
‫فاسقون ُمشركون ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬هؤالء أيضا فاسقون ُمرتدون عن دين هللا تبار‬
‫وتعاىل‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪118‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪119‬‬

‫الس ِاب ُع‬


‫س َّ‬ ‫َّ‬
‫الد ْر ُ‬
‫َْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َح ِقيقة الد ْس ُتو ِر‪َ ،‬و ُحك ُم الش ْر ِع ِف ِيه [تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا وال‬
‫ويسر أمري‪ ،‬واحلُل‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪ ،‬وال‬
‫جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬

‫ما زال احلديث عن القانون وعن الدستور‪ ،‬وحقيقة الدستور وحكم الشرع يف‬
‫هذا الدستور‪.‬‬
‫تكلّمنا يف ٍ‬
‫لقاء سابق وقُلنا أن هذه األحكام ُكلّها تُعترب أحكاما جاهليّة‪ ،‬وذكرنا‬
‫إما أهنا أحكاما جاهليّة صرفة‪ ،‬وإما أهنا أحكام ربّانية‪ ،‬والصنف الثالث الذين أرادوا‬
‫أن يتّخذوا بني ذلا سبيال‪ ،‬أولئا قد قال هللا تبار وتعاىل عنهم‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬
‫ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾ [النساء‪ ،]151:‬هذا التكفري من أين جاء؟‬

‫وع‪ :‬هنا قاعدة وضعها‬ ‫املوض ي‬


‫ُ‬ ‫فَ َق ْط مسأَلَةٌ أ ي‬
‫ُشريُ إلَيها قَ ْب َل أ ْن نَ ْد ُخ َل ِف‬ ‫َْ‬
‫الشيخ عبداللطيف آل الشيخ ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪" :‬اإلسالم والشر ض ّدان ال‬
‫ُيتمعان‪ ،‬ونقيضان ال ُيتمعان وال يرتفعان"‪.‬‬
‫َما َم ْع َن َه َذا ال َك ي‬
‫لم؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪120‬‬

‫عرفونه‪ :-‬كل ُكلّ ٍي يندرج حتته أكثر‬


‫األضداد كما عند أهل املنطق ‪-‬هكذا أظن يُ ّ‬
‫سمى من األضداد‪.‬‬
‫من جزئني هذا يُ ّ‬
‫اسم ُكلّي يندرج حتته أكثر من جزئني‪ ،‬هذا من األضداد‪ ،‬كأن تقول‪ :‬شجرة‪،‬‬
‫هذه من األمساء ال ُكليّات هذه‪ ،‬لكن حتت هذا االسم هنا تني‪ ،‬هنا رمان‪ ،‬هنا‬
‫هنا ‪ ...‬فهذه األشجار متضادة‪ ،‬ال ميكن أن تلتقي هذه الشجرة مع هذه الشجرة‪،‬‬
‫حبيث يف نفس الوقت تكون رمان وتني يف ٍ‬
‫آن واحد‪.‬‬

‫إذا األضداد ال جتتمع‪ ،‬ولكن قد ترتفع‪ ،‬أي أن هذه الشجرة قلنا رمان‪ ،‬قد ال‬
‫تكون رمان قد تكون تني‪ ،‬قد يكون متر‪ ،‬قد يكون وقد يكون‪ ..‬إذا ال جتتمع يقينا‬
‫لكن قد يرتفعان‪ ،‬فهذه الشجرة بالذات ليست هذه ليست هذه‪ ،‬وإمنا هذه‪.‬‬

‫اإلسالم والشر من األضداد اليت ال جتتمع‪ ،‬ال ميكن أن ُيتمع يف اإلنسان يف‬
‫ذات الوقت شر وإميان‪ ،‬ال ميكن‪ ،‬هذا اجلزء األول من القاعدة‪.‬‬

‫اجلزء الثاو قال‪" :‬ونقيضان ال ُيتمعان وال يرتفعان"‪.‬‬

‫تعريف النقائض هكذا‪ :‬كل ُكلّ ٍي يندرج حتته جزئني فقط‪ ،‬هذه تسمى من‬
‫حي أو ميّت‪ ،‬فال ميكن بأي حال من‬ ‫النقائض‪ ،‬كمسألة اإلنسان تقول‪ :‬إما أنه ّ‬
‫األحوال أن ُيتمع يف اإلنسان هذين النقيضني‪ ،‬يعين يكون ميّتا وحيًّا أو حيًّا وميّتا‪،‬‬
‫ال ميكن للنقائض أبدا أن جتتمع‪.‬‬

‫فالقاعدة تقول‪" :‬ونقيضان ال ُيتمعان" مث قال‪" :‬وال يرتفعان"‪ ،‬معىن ال‬


‫يرتفعان‪ :‬أي ال ميكن أن يكون اإلنسان ال هو حي وال هو ميت‪ُ ،‬يب أن نُثبت‬
‫أحدُها‪ ،‬فإذا أثبتنا أحدُها ارتفع اآلخر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪121‬‬

‫فاإلسالم والشر من هذا القبيل‪ ،‬نقيضان ال ُيتمعان وال يرتفعان‪ ،‬يعين ال‬
‫ميكن أن يكون اإلنسان مؤمنا عنده شركيات‪ ،‬هذه عبارة خاطئة‪ ،‬ال ميكن بأي ٍ‬
‫حال‬ ‫ّ‬
‫من األحوال أن يكون مسلما عنده شركيّات‪ ..‬خطأ هذا‪ ،‬ألن اإلسالم مع الشر ال‬
‫حال من األحوال؛ وإذا اجتمعا فأحدهم يرتفع‪ ،‬إذا قلنا مسلم‬ ‫ُيتمعان بأي ٍ‬
‫ومشر ‪ ،‬طاملا أثبت الشر ُيب أن ترفع اإلسالم‪ ،‬ما دليل هذا الكالم؟‬

‫يدو َن أَن يَـت ِخ ُذوا‬ ‫﴿ويَـ ُقولُو َن نـُؤِم ُن بِبَـع ٍ‬


‫ض َونَك ُف ُر بِبَـع ٍ‬
‫ض َويُِر ُ‬ ‫قوله تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫بـ ِ‬
‫ا َسبِيال﴾ [النساء‪ ،]150:‬إذا أرادوا أن ُيمعوا بني النقيضني‪ ،‬بني اإلسالم‬ ‫ني ٰذَل َ‬
‫ََ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن َح ّقا﴾‪ ،‬عندما أثبت‬ ‫وبني الكفر‪ ،‬هللا ¸ ماذا قال؟‪ ،‬قال‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫نتوسع‬
‫يسر قد ّ‬ ‫الكفر ارتفع اإلميان‪ ،‬أحببت أن أُشري إىل هذه املسألة‪ ،‬وإذا هللا ¸ ّ‬
‫يف هذا األمر يف يوم من األيام‪.‬‬

‫يث َعن الد َساتِ ِري‪ ،‬هذه القوانني اليت ُحي َكم هبا‬ ‫وض ي‬
‫وعنَا‪ :‬تَك ِملَةُ احل ِد ِ‬ ‫نَ يأِت إل َم ُ‬
‫َ‬
‫املسلمون ‪-‬حديثي عن املسلمني اآلن يف بالد اإلسالم‪ِ ،-‬ص َفةُ َه ِذهِ الد َساتِري َوَه ِذ ِه‬
‫ال َق َوانِني‪:‬‬

‫ص َارى‪.‬‬ ‫الي ُهود َو َّ‬


‫الن َ‬ ‫َ‬ ‫َأ َّن َها م ْن ْأه َِ‬
‫اء‬ ‫و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬ ‫﴿ولَن تَـر َ‬‫ما الدليل على هذا الكالم؟ يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت أَه َواءَ ُهم بَـع َد‬‫ص َار ٰى َح ٰىت تَـتبِ َع ملتَـ ُهم قُل إِن ُه َدى اَلل ُه َو اهلَُد ٰى َولَئ ِن اتـبَـع َ‬
‫َوَال الن َ‬
‫ص ٍري﴾ [البقرة‪.]120:‬‬ ‫ا ِمن اَللِ ِمن وٍِ وَال نَ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ََّ‬ ‫الذي َجاءَ َ م َن العلم َما لَ َ َ‬
‫ما عالقة هذه اآلية بالعنوان الذي وضعناه وقلنا‪ :‬أن هذه الدساتري من أهواء‬
‫اليهود والنصارى؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪122‬‬

‫ابتداء‪ :‬هللا تبار وتعاىل ذكر يف هذه اآلية الكرمية مسائل‪ ،‬من بني هذه املسائل‪:‬‬

‫األوَىل‪ :‬أنه أثبت ‪-‬أي أثبت هللا تبار وتعاىل‪ -‬أن لليهود والنصارى ِملة‪ ،‬مث‬ ‫ّ‬
‫ص َار ٰى َح ٰىت‬
‫ود َوَال الن َ‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬
‫﴿ولَن تَـر َ‬ ‫أثبت أيضا أن لليهود والنصارى أهواء َ‬
‫ت أَه َواءَ ُهم﴾؛ إذا هلم ِملة وهلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَـتبِ َع ملتَـ ُهم قُل إِن ُه َدى اَلل ُه َو اهلَُد ٰى َولَئ ِن اتـبَـع َ‬
‫أيضا أهواء‪ ،‬هللا تبار وتعاىل أثبت هذين األمرين يف هذه املسألة‪ ،‬فما املقصود‬
‫باألهواء؟‪ ،‬وما املقصود بِاملِلة يف هذه اآلية الكرمية؟‬

‫اإلمام القرطيب وغريه من العلماء قالوا‪ :‬املقصود بِاملِلة هنا الدين والشريعة‬
‫واحلكم‪.‬‬

‫ص َار ٰى‬ ‫ِ‬


‫ود َوَال الن َ‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬
‫﴿ولَن تَـر َ‬
‫لكن ُحتمل كلمة امللة هنا على الدين َ‬
‫َح ٰىت تَـتبِ َع ِملتَـ ُهم﴾ أي حىت تتبع دينهم‪ ،‬ما الدليل على أن امللة عىن الدين؟‬

‫آية يف [سورة يوسف‪ ،]38-37:‬يقول هللا تبار وتعاىل على لسان نيب هللا يوسف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحيا‪﴿ :‬إِِو تـرك ِ ٍ‬
‫ت ملةَ قَـوم ال يـُؤمنُو َن بِاَلل َوُهم بِاآلخَرةِ ُهم َكاف ُرو َن ۝ َواتـبَـع ُ‬
‫ت‬ ‫ّ ََ ُ‬
‫وب﴾؛ إذا أثبت للكفار ملة‪ ،‬وأثبت لنيب هللا إبراهيم‬ ‫يم َوإِس َح َ‬ ‫ِملةَ آبائِي إِبـر ِ‬
‫اق َويَـع ُق َ‬ ‫اه‬
‫َ َ َ‬
‫ت ِملةَ‬‫وإسحاق ويعقوب هلم ملة‪ ،‬لكن عندما تكلم عن تلا امللل قال‪﴿ :‬إِِّو تَـَرك ُ‬
‫قَـوٍم ال يـُؤِمنُو َن بِاَللِ َوُهم بِاآل ِخَرةِ ُهم َكافُِرو َن﴾‪ ،‬إذا امللة قد تكون ملة ُكفر‪ ،‬وقد‬
‫وب﴾‪ ،‬هذه ملة إميان‪،‬‬ ‫يم َوإِس َح َ‬ ‫تكون ملة إميان‪﴿ :‬واتـبـع ِ ِ ِ ِ‬
‫اق َويَـع ُق َ‬ ‫ت ملةَ آبَائي إبـَراه َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫تنس تلا ملة كفر‪ ،‬هذا بالنسبة إىل امللة‪ ،‬نقف عندها قليال قبل أن نأيت إىل‬ ‫لكن ال َ‬
‫األهواء‪ِ ،‬‬
‫ت أَه َواءَ ُهم﴾ ما الذي نفهمه من هذه اآلية؟‬ ‫﴿ولَئ ِن اتـبَـع َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪123‬‬

‫األوَىل الِّيت نَـف َه ُم َها‪ :‬ما عالقة اليهود والنصارى بنا حنن املسلمون؟‪ ،‬مث‬
‫املَسأَلَةُ ّ‬
‫بعد ذلا ما عالقتنا حنن باليهود والنصارى؟‬

‫أما بالنسبة إىل عالقتهم بنا‪ :‬فقائمة على العداء‪ ،‬ألن هللا تبار وتعاىل قال‪:‬‬
‫ص َار ٰى َح ٰىت تَـتبِ َع ِملتَـ ُهم﴾؛ إذا عداوهتم قائمة علينا‬
‫ود َوَال الن َ‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬
‫﴿ولَن تَـر َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ألسباب أخرى‪ ،‬قد يُعادون‬ ‫بسبب ديننا‪ ،‬قد يكون لليهود وللنصارى عداوات‬
‫احلاكم الفالو أو الفئة الفالنية أو الدولة الفالنية ملصاحل‪ ،‬كما حاهلم اآلن مع إيران‪،‬‬
‫كما كان حاهلم مع صدام سابقا كيف وقفوا معه مث انقلبوا عليه‪ ،‬إذا عداؤهم كان‬
‫ليس ألجل الدين وإمنا ملصاحل كانت موجودة لديهم‪ ،‬فإذا حتققت هذه املصاحل‬
‫يرضون وإذا انتفت هذه املصاحل يغضبون‪ ،‬وكذلا هنا أحزاب ت ّدعي االنتساب إىل‬
‫اإلسالم‪ ،‬غالبا يرضون عنهم لكن أحيانا يغضبون عليهم‪ ،‬فغضبهم هذا ليس‬
‫ألسباب أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لدينهم‪ ،‬وإمنا‬

‫أما عداؤهم ألهل السنة واجلماعة هذا عداء عقيدة ال يوجد له حل‪ ،‬العداء بني‬
‫اليهود والنصارى وامللل األخرى إن كانت على مصاحل‪ ،‬إن كانت على اختالفات‪،‬‬
‫إن كانت‪ ،‬إن كانت‪ ...‬هذه كلها قابلة للحل‪ ،‬أنت ترى كم كان عداؤهم إليران‬
‫السلطة إىل يومنا هذا (الشيطان‬
‫منذ وصول ذلا األبلَه ‪-‬أجلّا هللا‪ -‬اخلُميين إىل ُّ‬
‫األكرب وجيش القدس ونصل ونصل‪ ،)...‬لكن عداؤهم ما كان ذا العداء القائم‬
‫عليهم‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه ليس عداء قائما على دين أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وإمنا هي عداء‬
‫مصاحل‪.‬‬

‫حل له‪ ،‬والدليل على أن هذا العداء ال‬ ‫السنّة هذا عداء ال ّ‬ ‫أما عداؤهم ألهل ُّ‬
‫﴿وَال يَـَزالُو َن يـُ َقاتِلُونَ ُكم َح ٰىت يَـ ُرُّدوُكم َعن ِدينِ ُكم إِ ِن‬
‫حل له قوله تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪124‬‬

‫استَطَاعُوا﴾ [البقرة‪ ،]217:‬إذا القتال يستمر منهم لنا‪ ،‬وهذا القتال ال يتوقّف إال إذا‬
‫يردونا عن ديننا‪ ،‬فإذا تراجعنا عن ديننا عند ذلا القتال يتوقّف‪.‬‬
‫مت ّكنوا أن ّ‬
‫إذا من هنا أوصلت لا ما أريد‪ ،‬أن عداء اليهود والنصارى لنا إن كنّا متثّلنا‬
‫ِ‬
‫بديننا؛ وأعين بالتمثّل بالدين ما جاء يف قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا‬
‫السل ِم َكافة﴾ [البقرة‪ ،]208 :‬أي‪ :‬خذوا اإلسالم ُك ًّال ُمتكامال ال تدعوا‬ ‫ِ ِ‬
‫اد ُخلُوا يف ّ‬
‫منه شيء‪ ،‬فمن أخذ الدين ُك ًّال ُمتكامال‪ ،‬اليهود والنصارى يُعادونه وال وقوف هلذا‬
‫حال من األحوال إىل أن ُمي ّكن هللا ¸ للمسلمني ويندحر هؤالء‪ ،‬أما‬ ‫العداء بأي ٍ‬
‫من ّادعى االنتساب إىل اإلسالم ومل يأخذ اإلسالم ُك ًّال ُمتكامال فهؤالء حىت إذا‬
‫ٍ‬
‫ألسباب أخرى‪.‬‬ ‫عادوهم ال يُعادوهنم لدينهم‪ ،‬لكن قد يُعادوهنم‬
‫ِ‬
‫السلم‬ ‫ومعىن ﴿اد ُخلُوا ِيف ِ ِ‬
‫السلم َكافة﴾‪ :‬أن تأخذ الدين دعوة وقتاال‪ ،‬هذا هو ّ‬ ‫ّ‬
‫كافة؛ وهلذا إذا ختلّى املسلمون عن اجلهاد سريضون عنهم‪ ،‬علما أننا ما تركنا ديننا‪،‬‬
‫ما زلنا نُصلّي ونذهب إىل املساجد ونصوم ونُزّكي وحنُج‪ ...‬ليست لديهم مشكلة‪،‬‬
‫لكن فقط ال تُف ّكر حبمل السال ‪ ،‬ألنا إذا أتيت هبذه األركان وأضفت إىل هذه‬
‫القوة وحل السال واجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬أنت اآلن ال ُميكن أن يتّفقوا معا‬ ‫األركان ّ‬
‫نا‬
‫ض ٰى َع َ‬
‫﴿ولَن تَـر َ‬ ‫ٍ‬
‫بأي حال من األحوال‪ ،‬ولن يرضوا عنا حىت تكون تابعا هلم َ‬
‫ص َار ٰى َح ٰىت تَـتبِ َع ِملتَـ ُهم﴾‪ ،‬إذا العالقة بيننا وبينهم عالقة قتال وال‬
‫ود َوَال الن َ‬
‫اليَـ ُه ُ‬
‫يتوقف إىل قيام الساعة‪.‬‬

‫الشيء اآلخر من اآليات اليت تُشري إىل العالقة بني أهل السنة وبني اليهود‬
‫والنصارى‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪125‬‬

‫أنت تعلم أن اإلعالم اآلن إحدى وسائل احلرب‪ ،‬وسيلة من وسائل املعركة‪،‬‬
‫وكلٌّ يستغل اإلعالم بالطريقة‪ ،‬واإلعالم كما تعلم من هدي نبيّنا ‘ وأهل مكة‬
‫أيضا كانوا يستخدمون اإلعالم يف حرهبم لرسول هللا ‘‪ ،‬أما العالمة الفارقة بني‬
‫أهل السنة واجلماعة وبني اليهود والنصارى يف مسألة اإلعالم يف قول هللا تبار‬
‫ين أَشَرُكوا أَذى‬ ‫ِ ِ‬ ‫وتعاىل‪﴿ :‬ولَتسمعن ِمن ال ِذين أُوتُوا ال ِكت ِ ِ‬
‫اب من قَـبل ُكم َوم َن الذ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ َ‬
‫َكثِريا﴾ [آل عمران‪ .]186:‬فعندما نرى هذا اإلعالم نتأذّى أذيّة كثرية من هذا‬
‫اإلعالم‪ ،‬هذا أمر يشر الصدور منّا‪ ،‬أطمئن إىل أنين من أهل هذه اآلية‪ ،‬بدليل أهنم‬
‫يف إعالمهم ال يتهاونون يف النّيل منّا‪ ،‬سواء إعالم مبين على كذب‪ ،‬مبين على حق‪،‬‬
‫أي كان‪ ،‬املهم أتأذّى من هذا اإلعالم‪ ،‬فأذيّتهم لنا يف اإلعالم‬ ‫مبين على صدق ّ‬
‫مبعث سرور بالنسبة لنا‪ ،‬وإن كان هذا اإلعالم ُحيزننا أحيانا ألننا جند أن بعض‬
‫املسلمني قد تأثّروا هبذا اإلعالم‪ ،‬بل يكاد منهم من يص ّدق ما يقول أولئا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وال أدري كيف يكون النصراو صادقا عند هؤالء!‪ ،‬ألننا املسلم إذا كان يكذب‬
‫وحمارب للمسلمني‪ ،‬مث بعد‬ ‫ال يقبل حديثه‪ ،‬فما بالا نصراو مشر م ٍ‬
‫عاد هلل ورسوله ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذلا يكون موطن ثقة وموطن صدق وأخباره تُؤخذ باالعتبار!‬

‫ود‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬ ‫﴿ولَن تَـر َ‬
‫إذا هذه عالمات فارقة بيننا وبني هؤالء‪ ،‬فإذا قلت‪َ :‬‬
‫ص َار ٰى﴾‪ ،‬فاعلم أن اآلية تقصد هؤالء وليس غريهم‪ .‬وهلذا إخوان مصر عندما‬ ‫َوَال الن َ‬
‫السلطة يف مصر أول الوفود الذين زاروا مصر هم األمريكان‪َ ،‬وقَبِلوا هبم ورضوا‬ ‫تولّوا ُّ‬
‫يتوسل هبؤالء‪،‬‬ ‫وتوسلوا هبم‪ ،‬والغنّوشي عندما كان يف تونس زار أمريكا وبدأ ّ‬ ‫عنهم ّ‬
‫﴿ولَو أَن أَه َل ال ُقَر ٰى َآمنُوا‬
‫الرزاق َ‬
‫كان يريد بعض املعونات ونسي أن هللا ¸ هو ّ‬
‫ض﴾ [األعراف‪ ،]96:‬بركات السماء‬ ‫ات ِّم َن الس َم ِاء َواألَر ِ‬
‫واتـ َقوا لََفتَحنَا علَي ِهم بـرَك ٍ‬
‫َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪126‬‬

‫واألرض ال تُفتح من أمريكا‪ ،‬وإمنا تُفتح باإلميان والتقوى‪ ،‬ذهب إىل بالد أمريكا‬
‫يشحذ منهم املال‪ ،‬قال ال أدري ماذا يريد منّا األمريكان؟‪ ،‬أما اإلرهابيون فقد‬
‫قتلناهم وسجنّاهم‪ ،‬ماذا يريدون منّا أكثر من ذلا؟!‪ ،‬هؤالء يُذلّوهنم ويستصغروهنم‬
‫أعزوا دينهم‪ ،‬فيُسلّط هللا ¸ عليهم هؤالء‪.‬‬
‫ألهنم ما ّ‬
‫ص َار ٰى‬
‫ود َوَال الن َ‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬
‫﴿ولَن تَـر َ‬
‫هذا أمر ينبغي أن نقف عنده يف مسألة َ‬
‫َح ٰىت تَـتبِ َع ِملتَـ ُهم﴾‪.‬‬

‫أمر آخر له عالقة هبذه اآلية‪ :‬جتد أن هؤالء النصارى اآلن ُمسلّطون على مجيع‬
‫ُح ّكام بالد اإلسالم عدا الدولة اإلسالمية ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ ،-‬ال سلطة هلم علينا‪،‬‬
‫سريوننا وال يستطيعون أن يدخلوا‬ ‫احلرب سجال بيننا وبينهم‪ ،‬لكن ال يستطيعون أن يُ ّ‬
‫بالدنا إال ُمقاتلني‪ ،‬أما ُزّوار فال يدخلون بالدنا كما يدخلون البالد األخرى‪ ،‬هذه‬
‫السطوة من أين جاءت؟‪ ،‬ملاذا سلّط هللا ¸ هذا األقلف على كل‬ ‫السلطة وهذه ّ‬ ‫ُّ‬
‫هذه املدن؟‪ ،‬لديهم جيوش‪ ،‬لديهم عُدد‪ ،‬لديهم َعدد‪ ،‬ولديهم أموال‪ ،‬فما باهلم‬
‫ُمستذلّني ُمستصغرين ُمهانني حتت يد هؤالء؟‬

‫أوباما يزور السعودية مث يطلب منهم أن يلتحقوا هبذا الركب أن حياربوا املسلمني‪،‬‬
‫بعد يومني يُعلن أنه دخل يف هذا احللف وأصبح منهم‪ ،‬ملا األردن أصبح منهم‪،‬‬
‫اجلزيرة اخلليج أصبحوا منهم‪ ،‬من أين جاء هذا الذل وهذا الصغار؟‪ ،‬علما أهنم‬
‫ِ‬
‫ين قَالُوا إِن اَللَ‬
‫يقفون مع نصراو كافر‪ ،‬قال هللا تبار وتعاىل عنه‪﴿ :‬ل َقد َك َفَر الذ َ‬
‫ث ثََالثٍَة﴾ [املائدة‪ ،]73:‬ما خيفى عليهم هذا األمر فكيف وقفوا معه؟‬ ‫ِ‬
‫ثَال ُ‬
‫ا إِ َ َوُمطَ ِّه ُرَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس ٰى إِِّو ُمتَـ َوفّ َ‬
‫يا َوَرافعُ َ‬ ‫ِ‬
‫لقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إذ قَ َال اَللُ يَا ع َ‬
‫ام ِة﴾ [آل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َك َف ُروا إ َ ٰىل يَـوم القيَ َ‬
‫ين اتـبَـعُو َ فَـو َق الذ َ‬ ‫ين َك َف ُروا َو َجاع ُل الذ َ‬
‫م َن الذ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪127‬‬

‫عمران‪ ،]55:‬أتباع نيب هللا عيسى يُسلّطون على الكفار وعلى املرتدين إىل قيام‬
‫ط هؤالء الكفار على أولئا وال‬ ‫الساعة‪ ،‬فهذه عالمة أيضا تستدل هبا ملاذا ُسلِّ َ‬
‫يستطيعون أن يُسلّطوا على هؤالء‪.‬‬

‫﴿وَال َهتِنُوا َوَال‬


‫عدم تسلطهم على هذه الدولة املباركة لقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِِ‬
‫ني﴾ [آل عمران‪]139:‬؛ إذا باإلميان نعلو على‬ ‫َحتَزنُوا َوأَنتُ ُم األَعلَو َن إِن ُكنتُم ُّمؤمن َ‬
‫هؤالء‪ ،‬لكن من ختلّى عن هذا اإلميان يُسلّط هللا ¸ عليه اليهودي ويُسلّط عليه‬
‫النصراو‪ ،‬فتجده ُمهانا صغريا‪ ،‬يعيش يف ذ ٍّل وهوان‪ ،‬بل ينتظر مىت سيبعثون إليه من‬
‫غريه‪ ،‬ومن يقوم عليه بعملية انقالب وما إىل ذلا‪.‬‬ ‫يُ ّ‬
‫﴿ولَن‬
‫إذا هذه العالمات الفارقة نقف عندها يف بداية قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ص َار ٰى َح ٰىت تَـتبِ َع ِملتَـ ُهم﴾‪ .‬هذا بالنسبة ملا يريدونه منّا‪،‬‬
‫ود َوَال الن َ‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬
‫تَـر َ‬
‫وبقدر انسالخ املسلم عن دينه يرضون عنه‪ ،‬فمن انسلخ مخسني باملائة‪ ..‬رضاهم‬
‫مخسني باملائة‪ ،‬ومن انسلخ مائة باملائة‪ ..‬رضاهم مائة باملائة‪.‬‬

‫املسألة األخرى‪ :‬كيف نتعامل حنن معهم؟‬

‫ت أَه َواءَ ُهم بَـع َد ال ِذي َجاءَ َ ِم َن العِل ِم ۚ َما‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل‪ِ :‬‬
‫﴿ولَئ ِن اتـبَـع َ‬
‫َ‬
‫ص ٍري﴾‪ ،‬هم رضاهم متوقف على تر ديننا‪ ،‬حنن تعاملنا‬ ‫ا ِمن اَللِ ِمن وٍِ وَال نَ ِ‬
‫ََّ‬ ‫لَ َ َ‬
‫معهم‪ :‬أن حنذر من أهوائهم‪ ،‬ليس من ملّتهم وإمنا من أهوائهم‪.‬‬

‫واهلوى كما تعلم‪ :‬ما متيل إليه النفس من الشهوات ومن الشبهات‪ .‬أي‪ :‬من‬
‫املخالفات الشرعية تُسمى هوى‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪128‬‬

‫اآلن يأيت السؤال‪ :‬هؤالء الناس يف بالد أوروبا (اليهود والنصارى) هؤالء ُحي َكمون‬
‫بدينهم أم ُحيكمون بأهوائهم؟‪ ،‬يقينا ُحيكمون اآلن بأهوائهم وليس بدينهم‪.‬‬

‫حتول هؤالء النصارى بأن ختلّوا عن دينهم وجاؤوا بقوانني وضعوها‬ ‫كيف ّ‬
‫بأهوائهم‪ ،‬وحيكمون هبذه القوانني ويتحاكمون إىل هذه القوانني؟‬

‫ال تستغرب إذا علمت أن املسألة ُمتعلّقة باليهود‪ ،‬وبضعف هؤالء وبنفوسهم‪،‬‬
‫مهدوا هلذا األمر لكي يُوصلوا بالد النصارى إىل أن ُحيكموا بأهوائهم وليس‬ ‫اليهود ّ‬
‫بدينهم‪ ،‬واملسألة بدأت يف القرن السادس عشر امليالدي (يعين ‪1600‬م وكسر)‪،‬‬
‫خرج يف ذلا الوقت رجل يهودي امسه (مارتن لوثر) اعتنق النصرانية‪ ،‬مث بدأ يدعو‬
‫إىل اليهودية حتت اسم النصرانية‪ ،‬هو يهودي اعتنق النصرانية مث بدأ يدعو إىل‬
‫اليهودية من خالل النصرانية‪ ،‬فأوجد فرقة عند النصارى ‪-‬هم كاثوليا وأرثوذُكس‪-‬‬
‫حتجون)‪ ،‬كيف‬
‫لكن أوجد فرقة ثالثة عُرفوا بالربوتستانت والرتمجة هلذه الكلمة (املُ ّ‬
‫أوجد هذا الرجل هذه الفئة؟‬

‫دعا إىل حرفيّة التوراة للنصارى‪ ،‬أي حلهم على أن يُؤمنوا بأن كل ما جاء يف‬
‫التوراة صحيح‪ ،‬علما أنه نصراو والناس الذين يرتددون إليه نصارى‪ ،‬أقنعهم بأن‬
‫يؤمنوا بالتوراة قبل اإلميان باإلجنيل‪ ،‬وهلذا جتد هذا الصنف من النصارى ميتلكون‬
‫الكتابني‪ ،‬يُسمى العهد القدمي والعهد اجلديد يف نسخة واحدة‪ ،‬فالنصراو بدأ يقرأ‬
‫التوراة ويؤمن ا جاء يف التوراة‪ ،‬مث بعد ذلا يقرأ ما جاء يف اإلجنيل‪.‬‬

‫حتولوا إىل يهود‪ ،‬لكن ظاهره نصراو‪ ،‬وهلذا مجيع رؤساء أوروبا‬
‫هؤالء يف داخلهم ّ‬
‫ال يكونون إال من هذا املذهب‪ ،‬كلهم بروتستانت ال ميكن أن يأيت كاثوليا وال‬
‫ميكن أن يأيت أرثوذُكس‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن الربوتستانيت يف داخله يهودي وإن كان قشره‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪129‬‬

‫اخلارجي نصراو؛ وهلذا جتدهم من أشد املدافعني عن إسرائيل ويُذلون شعبهم لكي‬
‫ُ‬
‫يدافعوا عن إسرائيل‪.‬‬

‫و(إبراهيم لينكون) كما تعلم ذا الرئيس األمريكي يف زمنه ح ّذر األمريكان من‬
‫التعامل مع اليهود‪ ،‬كتب رسالة وهذه الرسالة حمفوظة يف متاحف أمريكا يقول ما‬
‫سريون احلكومة األمريكية والشعب األمريكي‪،‬‬ ‫معناه‪ :‬أن اليهود إذا بقوا هكذا يُ ّ‬
‫فسيأيت يوم يتحول الشعب األمريكي إىل خدم إلسرائيل‪ ،‬هذا قاله يف ‪1800‬م‪ ،‬هذه‬
‫حتققت يف وقتنا‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألهنم ساروا يف نفس النهج الذي حذرهم منهم فوصلوا إىل‬
‫النتيجة أن الشعب األمريكي بكل مقدراهتم اآلن خدم لليهود كما تعلم‪.‬‬

‫إذا حتويل النصارى إىل يهود‪ ،‬بعد ذلا أرادوا أن يتخلّصوا من شيء امسه دين‪،‬‬
‫أي دين كان‪ ،‬هنا كتاب أنصحا بقراءته امسه [بروتوكوالت حكماء صهيون] لكن‬
‫بشرط أن تقرأه بتحقيق (حممد خليفة التونسي)‪ ،‬تقريبا هنا مائة صفحة يف املقدمة‪،‬‬
‫اليهود من عقيدهتم أهنم يريدون أن يسيطروا على الكرة األرضية‪ ،‬وأن ُحي ّولوا مجيع من‬
‫خدم هلم‪ ،‬هذه نظرهتم وهذا الذي يريدون أن يصلوا إليه‪،‬‬ ‫على الكرة األرضية إىل ٍ‬
‫لكن عندما درس هؤالء احلكماء العوائق واملوانع اليت أمامهم ليصلوا إىل هذه الغاية‪،‬‬
‫فوجدوا العائق يف أمرين‪ :‬الدين واألخالق‪ ،‬فبدؤوا يعملون حلمل الناس على أن يرتكوا‬
‫أي دين‪ ،‬ال دينيني‪ ،‬وتنفيذا هلذا املخطّط خرج رجل يف االحتاد السوفيييت امسه (كارل‬
‫ُ‬
‫ماركس) ‪1800‬م وكسر‪ ،‬هذا الرجل والده حاخام يهودي‪ ،‬دفعوه وهو يف السادسة‬
‫تنصر‪ ،‬مث ترىب على أنه نصراو‪ ،‬واالحتاد السوفيييت كان معقال من أكرب‬ ‫من عمره ّ‬
‫معاقل النصارى‪ ،‬هذا الرجل بعد أن كرب وبعد أن بلغ وأصبح له شأن بدأ يدعو إىل‬
‫ُناس من إيطاليا استأجرهم ثالث مائة رجل قاموا بثورة انقالب‪،‬‬ ‫الشيوعيّة‪ ،‬وجاء بأ ٍ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪130‬‬

‫وأعلنوا قيام الدولة الشيوعية يف االحتاد السوفيييت‪ ،‬عقيدة احلزب الشيوعي قائمة على‬
‫أساسني‪ :‬األساس األول‪ :‬ال إله‪ ،‬واحلياة مادة‪ ،‬ال يعرتفون بوجود إله‪ ،‬الشيء الثاو‬
‫قال‪ :‬الدين أفيون الشعوب‪ ،‬أي أن الشعوب املتديّنة تكون ُُم ّدرة فإذا أردنا أن‬
‫ُ‬
‫فحولوا االحتاد‬
‫ّ‬ ‫دين‪،‬‬ ‫بينهم‬ ‫يكون‬ ‫صحي هؤالء الناس مما فيهم من خدر ُيب ّأال‬‫نُ ّ‬
‫السوفيييت كله إىل دولة ال تؤمن بدين وال تؤمن بإله‪ ،‬مث بدأت هذه الشرارة تنتقل إىل‬
‫بلغاريا‪ ،‬إىل تشيكوسلوفاكيا‪ ،‬ووصل إىل بالدنا‪ ،‬هنا اآلن بربكة الرافضة وبربكة‬
‫احلزب العراقي هنا اآلن احلزب الشيوعي العراقي‪ ،‬الذين ال يؤمنون بوجود إىل وال‬
‫يعرتفون بدين أساسا‪.‬‬

‫حولوا الناس إىل ال دينيني‪ ،‬طاملا ال يوجد دين‪ ،‬ال ُحيكمون بدين‪ ،‬إذا ُيب‬
‫إذا ّ‬
‫أن يأتوا بقوانني تُنظّم حياهتم‪ ،‬فعزلوا الدين يف الكنيسة‪ ،‬ووضعوا القوانني ووضعوا‬
‫الدساتري‪ ،‬وبدؤوا حيكمون أنفسهم هبذه القوانني وهبذه الدساتري؛ إذا هم اآلن‬
‫ُحيكمون بأهوائهم وليس بدينهم‪.‬‬

‫أذكر لا بعض األدلة املتعلّقة بالوصايا العشرة يف الديانة النصرانية‪:‬‬


‫ُ‬
‫الديانة النصرانية قائمة على وصايا عشرة أحفظ قسما منها وال أحفظها كلها‪،‬‬
‫تزن‪ ،‬ال تكذب‪ ،‬ال تعق والديا‪ ،‬هذه تسمى بالوصايا‬ ‫من بينها‪ :‬ال تسرق‪ ،‬ال ِ‬
‫تزن‪ ،‬هذا دينهم‪ ،‬لكن عندما ختلّوا عن‬ ‫العشر‪ ،‬إذا من ضمن الوصايا العشرة‪ :‬ال ِ‬
‫حتولوا إىل حيوانات ‪-‬أجلّا هللا‪ -‬يف الشوارع‪،‬‬ ‫دينهم وبدؤوا ُحيكمون بأهوائهم ّ‬
‫يأتوهنا يف األرصفة‪ ،‬يأتوهنا يف السيارات‪ ،‬يأتوهنا يف املطاعم‪ ،‬يأتوهنا يف املقاهي‪ ،‬أنا‬
‫مسعت ممن كان يف تلا الديار قال‪ :‬ال يوجد منطقة يتجمعون فيها إال ويوجد فيها‬
‫مكان الجتماع الرجل مع أي امرأة كانت‪ ،‬ويف الشوارع يفعلوهنا كذلا!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪131‬‬

‫مرة قرأت كالما ٍ‬


‫لرجل ال يستحق أن أذكر امسه‪ ،‬كأنه كان يف بريطانيا يف لندن‪،‬‬
‫يقول كنت يف كنيسة ‪-‬كأنه كان يريد أن يستطلع بعض مظاهر البناء يف تلا‬
‫فمر يب قس‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫املنطقة‪ -‬قال‪ :‬فوجدت الناس ميارسون الزنا يف باحة الكنيسة‪ّ ،‬‬
‫أأنا يف كنيسة؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ .‬فقلت‪ :‬ما شأن هؤالء الناس يف داخل الكنيسة ُميارسون‬
‫تزن!‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت من الشرق؟‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬ ‫الزنا؟‪ ،‬من الوصايا العشر ال ِ‬
‫فرتكين ومشى‪.‬‬

‫إذا القس يف باحة الكنيسة ما يستطيع أن يفعل شيء‪ ،‬ألهنم ال ُحيكمون‬


‫بدينهم بل ُحيكمون بأهوائهم‪ ،‬بالقوانني‪.‬‬

‫كذلا مسألة الطالق‪ :‬أنت تعلم أن النصراو إذا تزوج من نصرانية‪ ،‬وعقد هلم‬
‫القس‪ ،‬فهذا العقد ال يُفسخ؛ ألن لديهم نص يف إجنيلهم أن عقد النكا من هللا‬
‫¸‪ ،‬وما عقده الرب ال يفسخه بشر‪ ،‬فتبقى هذه املرأة متعلقة بذمة هذا الرجل وإن‬
‫اختلفا وإن عاش أحدهم يف قارة واآلخر يف قارة األخرى‪ ،‬لكن عقد الزواج يبقى‪،‬‬
‫هذا دينهم‪ ،‬لكن يف اخلمسينات من القرن املاضي ‪-‬يعين ‪1950‬م وكسر‪-‬‬
‫اإليطاليون أحسوا هبذا األمر أن ما هذه اإلشكالية هذه أتزوج أبتلي‪ ،‬فخرجوا يف‬
‫مظاهرات يريدون من احلكومة اإليطالية أن يسنّوا قوانني ُُييزون لإليطا أن يُطلّق‬
‫زوجته اإليطالية‪ ،‬وباملظاهرات وما إىل ذلا وكتابة الشعارات‪ ،‬ومن بني الشعارات‬
‫اليت كتبوها عبارة تقول‪( :‬احليوانات فقط ال تُطلّق‪ ،‬أما البشر يُطلّقون) طبعا هذا فيه‬
‫مأخذ كبري على دينهم‪ ،‬ألن يف دينهم ال ُييزون الطالق‪.‬‬

‫أقروا أنه ُيوز‬


‫باإلحلا على احلكومة اإليطالية مت االجتماع‪ ،‬مث بالتصويت ّ‬
‫لإليطا أن يُطلّق زوجته اإليطالية النصرانية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪132‬‬

‫سبب ذكري إليطاليا بالذات أن هنا يف داخل إيطاليا دولة ُمصغّرة امسها‬
‫الفاتيكان‪ ،‬يعين باباهم موجود هنا ‪ ،‬وهؤالء يريدون شيء ُخيالف دينهم‪ ،‬ومع هذا‬
‫احلكومة اإليطالية وضعت قانونا ُخيالف دين النصارى والبابا قريب منهم يف بالدهم‬
‫يتدخل‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن أولئا الناس ُحيكمون‬
‫غري وال يستطيع أن ّ‬ ‫ما يستطيع أن يُ ّ‬
‫بأهوائهم وال ُحيكمون بدينهم‪.‬‬

‫فإذا ثبت لنا أن تلا الدول ُحتكم بأهوائهم‪ ،‬ما عالقة هذا الذي قلته بالدستور‬
‫املعمول يف بالدنا اآلن؟‬

‫إذا رجعت إىل مصادر التشريع‪ ،‬جلنة كتابة الدستور يف العراق‪ ،‬جلنة كتابة‬
‫الدستور يف تونس‪ ،‬يف مصر‪ ،‬يف ليبيا‪ ،‬يف املغرب‪ ،‬يف أي بلد‪ ..‬هؤالء عندما ينتهون‬
‫من كتابة هذه القوانني والبنود وما إىل ذلا‪ ،‬يُشريون إىل املصادر اليت أخذوا منها‬
‫هذه التشريعات‪ ،‬واحد‪ :‬الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع‪ ،‬أسفل هذا‬
‫املصدر ماذا؟‪ ،‬ستجد القانون الفرنسي‪ ،‬ستجد القانون اإليطا ‪ ،‬ستجد القانون‬
‫األمريكي‪ ،‬وستجد القانون الربيطاو؛ إذا هذه القوانني ُمستم ّدة من قوانني أولئا‪،‬‬
‫أولئا ُحيكمون بأهوائهم؛ إذا هذه القوانني اليت حيكم هبا املسلمون اآلن ُمستم ّدة من‬
‫أهواء اليهود والنصارى‪ ،‬وإال هم بأهوائهم أجازوا الزنا فما بال القانون يف وسط‬
‫املسلمني ُُييز الزنا؟!‬

‫هم جعلوا شرب اخلمر من ضمن احلقوق الشخصية‪ ،‬قال‪ :‬ألن اخلمر سائل‪،‬‬
‫ومن حق اإلنسان أن يشرب السائل‪ ،‬إذا من حقه أن يشرب اخلمر!‪ ،‬هذا يف دينهم‬
‫ويف ديارهم ويف أهوائهم‪ ،‬كيف أصبحت اخلمر ُمستحلّة يف بالد املسلمني صناعة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪133‬‬

‫وشربا‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل قال ﴿فَاجتَنِبُوهُ﴾ [املائدة‪]90:‬؟‪ ،‬إذا هذه القوانني‬
‫وبيعا ُ‬
‫استُم ّدت من أهوائهم‪.‬‬

‫املرأة هنا خترج كيفما شاءت‪ ،‬خترج عارية‪ ،‬خترج كيفما شاءت ال يعرتض عليها‬
‫أحد‪ ،‬فما بال املرأة املسلمة خترج هبيئة شبيهة هبيئات أولئا وقد قال الرسول ‘‪:‬‬
‫(صنفان من أهل النار مل أرُها‪ ...:‬ونساء كاسيات عاريات‪ ،‬مميالت مائالت‪،‬‬
‫(‪)21‬‬
‫هذه املرأة املسلمة‬ ‫رؤوسهن كأسنمة البخت‪ ،‬ال يدخلن اجلنة وال ُيد َن رحيها)‬
‫أين هي من هذا احلديث؟‪ ،‬ملاذا هذه القوانني أجازت للمرأة أن تكون هلا حرية يف‬
‫اللبس؟‬

‫رشح للرئاسة يف قناة اجلزيرة‪ ،‬سأله‬


‫حممد مرسي ذا الطاغوت‪ ،‬يف لقاء قبل أن يُ ّ‬
‫يتخوفون منكم أنا إذا وصلت ستُلزم النساء بلبس‬ ‫املذيع وأنا أمسع‪ ،‬قال‪ :‬الناس ّ‬
‫احلجاب‪ ،‬قال باملصري‪" :‬مني قال كدا؟ احلرية مضمونة وفق القانون‪ ،‬املرأة تلبس ما‬
‫تشاء"‪.‬‬

‫زين‪ ،‬هذا بديننا أم بأهواء اليهود والنصارى؟!‪ ،‬املرأة حرة تلبس ما تشاء‪ ،‬القانون‬
‫يكفل للجميع‪!!..‬‬

‫زين يا إخوة هذه القوانني ُمستم ّدة من أهواء اليهود ومن أهواء النصارى‪ ،‬وهلذا‬
‫جتد مجيع بنود هذه القوانني كلها ُُمالفة لديننا‪ُُ ،‬مالفة ملا تربّينا عليها‪ُُ ،‬مالفة ملا نشأنا‬
‫حىت مسائل التقاليد املوجودة العُرف العشائري جتد أن هذه القوانني ُختالف حىت‬
‫العُرف الذي تربّينا عليه‪ ،‬طاملا أن هذا العرف ال ُخيالف شريعة هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫(‪[ )21‬صحيح مسلم]‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪134‬‬

‫إذا هذه القوانني وهذه الدساتري صفتها‪ :‬أهنا ُمستم ّدة من أهواء اليهود ومن‬
‫أهواء النصارى‪.‬‬

‫ا َع ِن‬ ‫ادوا لَيَـفتِنُونَ َ‬


‫﴿وإِن َك ُ‬
‫هنا آية ُخت ِّوف‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل لرسوله‪َ :‬‬
‫ي َعلَيـنَا َغيـَرهُ َوإذا الختَ ُذو َ َخلِيال ۝ َولَوَال أَن ثـَبتـنَا َ لََقد‬ ‫ال ِذي أَو َحيـنَا إِلَي َ ِ ِ‬
‫ا لتَـف َرت َ‬
‫كِدت تَـرَكن إِلَي ِهم َشيئا قَلِيال ۝ إذا ألَ َذقـنَا َ ِضعف احلياةِ و ِضعف المم ِ‬
‫ات ُمث َال‬ ‫َ ََ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫صريا﴾ [اإلسراء‪.]75-73:‬‬ ‫ا علَيـنَا نَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َجت ُد لَ َ َ‬
‫ِ‬
‫ا﴾‪ ،‬إذا‬ ‫﴿ع ِن الذي أَو َحيـنَا إِلَي َ‬
‫ا﴾ أي‪ :‬يصرفونا‪َ ،‬‬ ‫ادوا لَيَـفتِنُونَ َ‬
‫﴿وإِن َك ُ‬
‫َ‬
‫انصرف املسلم عن بعض ما أوحى هللا تبار وتعاىل إلينا‪ ،‬يعين‪ :‬جئنا بالبدائل؛‬
‫نص واضح‪ ،‬أي تراجع عن أحكام هللا تبار وتعاىل‪ ،‬رضا‬ ‫ِ‬
‫﴿وإذا الختَ ُذو َ َخليال﴾ ٌ‬ ‫َ‬
‫اليهود ورضا النصارى يتحقق منا إذا مت ّكنوا أن حيملونا على أن نرتاجع عن شيء من‬
‫﴿وإذا الختَ ُذو َ َخلِيال﴾‪ ،‬إذا اخللّة أنت تعلم هي أعلى درجات احملبة‪ ،‬ليست‬ ‫ديننا َ‬
‫فقط صداقة وإمنا خلّة‪ ،‬فمن تراجع عن دينه‪ ،‬رضا أولئا يتحقق بل يتخذونه خليال‬
‫إذا تراجعنا ‪-‬ال ق ّدر هللا‪ -‬عن ديننا‪ .‬هذه احلقيقة اليت ينبغي للمسلم أن يعرفها‪.‬‬

‫هنا شيء آخر متعلق أيضا هبذه القوانني وهبذه الدساتري‪ ،‬لكن قبل الدخول‬
‫أُشري إىل أم ٍر‪:‬‬

‫﴿وأ َِن‬
‫أقول كان ينبغي هلؤالء احلُ ّكام أن حيكموا بالد اليهود والنصارى باإلسالم َ‬
‫َنزَل اَلل﴾ [املائدة‪ ،]49:‬أما أن حيكموا املسلمني بدين أولئا فهذه‬ ‫ِ‬
‫اح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬
‫من الطامات‪ ،‬هللا ¸ أمرنا أن حنكم أمريكا ا أنزل هللا‪ ،‬أن حنكم فرنسا وبريطانيا‬
‫ا أنزل هللا‪ ،‬أما أن نأيت بقوانينهم ال ُكفرية وحنكم املسلمني فهذا قلب للموازين ‪-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪135‬‬

‫والعياذ باهلل‪ !-‬املوازين مقلوبة‪ ،‬بدال من أن يذهبوا باإلسالم إىل بالدهم جاؤوا‬
‫بكفرهم إىل بالد اإلسالم!! هذه من العجائب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ ُ‬
‫الح ِق َيقة األ ِخ َيرة ال ِتي َين َب ِغي ِلل ُم ْس ِل ِم ْأن َي ْع ِرفها َع ِن الد ْس ُتو ِر‬
‫َ ُ‬
‫َوالقانو ِن‪:‬‬
‫آية سبق أن أشرنا إليها‪ ،‬لكن نُشري إىل بعض ُمتعلقاهتا‪ :‬أن هذا ال َقانُون وهذا‬
‫ال ّدستُور ِدين‪ ،‬من حكم هبذا القانون وهبذا الدستور فقد حكم بدي ٍن‪.‬‬

‫ودليل ذلا‪ :‬يف آية [سورة الشورى‪﴿ :]21:‬أَم َهلُم ُشَرَكاءُ َشَرعُوا َهلُم ِّم َن ال ِّدي ِن َما‬
‫َمل يَإذا بِِه اَللُ﴾‪.‬‬

‫يف حينها قلنا الدين ينقسم إىل‪ :‬دين حق‪ ،‬وإىل دين باطل‪.‬‬

‫ود بي يدي ين الَيِّ‪ :‬دين هللا ¸‪ ،‬دين احلق دين هللا تبار تعاىل‪،‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ول‪ :‬املَْق ُ‬‫اآل َن أقُ ُ‬
‫ات‬‫دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪﴿ :‬أَفَـغَيـر ِدي ِن اَللِ يـبـغُو َن ولَه أَسلَم من ِيف السماو ِ‬
‫ََ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض طَوعا َوَكرها َوإِلَي ِه يـُر َجعُو َن﴾ [آل عمران‪.]83:‬‬ ‫َواألَر ِ‬

‫إذا ﴿أَفَـغَيـَر ِدي ِن اَللِ﴾ هنا دين نسبه هللا تبار وتعاىل إىل ذاته العليّة‪﴿ ،‬أَفَـغَيـَر‬
‫ض طَوعا َوَكرها َوإِلَي ِه يـُر َجعُو َن﴾‪.‬‬ ‫ِدي ِن اَللِ يـبـغُو َن ولَه أَسلَم من ِيف السماو ِ‬
‫ات َواألَر ِ‬ ‫ََ‬ ‫َُ ََ‬ ‫َ‬
‫س ّميّ يه‪ :‬دين امللا‪ ،‬والدليل على وجود دين‬ ‫ي‬ ‫الدين َ ي‬ ‫ي‬
‫ين بَاطل نُ َ‬
‫اآلخ ُر‪ ،‬د ُ‬ ‫َّأما ّ ُ‬
‫َخاهُ ِيف ِدي ِن‬ ‫ِ‬
‫﴿ما َكا َن ليَأ ُخ َذ أ َ‬ ‫امللا‪ :‬يف [سورة يوسف‪ ]76:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا﴾؛ إذا إما أنه دين هللا ¸‪ ،‬وإما أنه دين امللا‪.‬‬ ‫الملِ ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪136‬‬

‫وهذه األحكام يقينا امللا كان حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬هللا تبار وتعاىل مسّاه‬
‫سميه‬
‫دين امللا؛ إذا ما ُحيكم به املسلمون اآلن يف بالد املسلمني هذا دين‪ ،‬ولكن نُ ّ‬
‫دين امللا‪.‬‬

‫كيف ال يكون دينا وهو يُنظّم حياة الناس يف كل شيء‪ ،‬يف العقائد‪ :‬قالوا لا‬
‫حرية العقيدة‪ ،‬يف األحكام‪ :‬وضعوا اجلرائم مث وضعوا العقوبات على هذه اجلرائم‪ ،‬يف‬
‫مسائل األموال‪ :‬نظّموا مسائل األموال املصارف الربوية تعمل‪ ،‬يف مسائل األحوال‬
‫الشخصيّة‪ :‬نظّموا احلياة‪.‬‬

‫إذا هذا التنظيم للحياة هبذه الطريقة هذا دين‪ ،‬ولكنه دين امللا وليس دين هللا‬
‫تبار وتعاىل‪.‬‬

‫هذه ثالث حقائق ينبغي للمسلم أن يعرفها عن الدستور‪ ،‬أهنا أحكام جاهلية‪،‬‬
‫وأن هذه الدساتري من أهواء اليهود والنصارى‪ ،‬وأن هذا الدستور دين من حكم به‬
‫فقد حكم بدي ٍن باطل (دين امللا)‪.‬‬

‫ْ َ‬ ‫ُ َ ْ ُ ْ َ‬
‫وال ِلل ُعل َم ِاء في ُحك ِم َهذا الد ْس ُتو ِر‪:‬‬‫هناك أق‬
‫األو ُل‪ :‬البن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عندما تكلم عن قول هللا ¸‪:‬‬ ‫ول َّ‬ ‫ال َق ُ‬
‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن﴾ [املائدة‪ ،]50:‬إذا رجعت إىل تفسري هذه اآلية ستجد أن‬
‫﴿أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫ابن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قد تكلم عن ٍ‬
‫كتاب امسه [الياسق]‪ ،‬هذا الكتاب‬
‫عرف ابن تيمية هذا الكتاب‪ ،‬قال‪ :‬كان جمموعة‬‫وضعه رجل امسه (جنكيز خان)‪ّ ،‬‬
‫مأخوذة من شرائع اليهود‪ ،‬ومن امللل األخرى‪ ،‬وشيئا من اإلسالم‪ ،‬وشيئا من أهواء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪137‬‬

‫وسنّة‬
‫جنكيز خان وآرائه‪ ،‬أبناؤه كانوا حيكمون هبذا الياسق ويُق ّدمونه على كتاب هللا ُ‬
‫رسوله‪ ،‬فكان شرعا ُمتّبعا عندهم‪ ،‬هذا معىن كالم ابن تيمية ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫عرف الياسق ماذا قال؟‪ ،‬قال‪ :‬مأخوذ من اليهود ومن النصارى ومن‬ ‫إذا عندما ّ‬
‫الشرائع األخرى‪ ،‬ومن أهواء جنكيز خان وآرائه؛ القانون املعمول به اآلن هو الياسق‬
‫العصري وفق تعريف ابن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫أما أقوال العلماء فهنا كالم حملمد بن إبراهيم آل الشيخ ‪ †-‬تعاىل رحة‬
‫واسعة‪ -‬أقرأه بالنص‪ ،‬وكذلا كالم ألحد شاكر أقرأه أيضا بالنص إن شاء هللا‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫يخ يف رسالة له [حتكيم القوانني] يقول بالنص‪:‬‬ ‫يم آل َّ‬


‫الِّ ي‬ ‫ي‬
‫ول ُُمَ َّم ْد بن إبْ َراه ْ‬
‫يَ ُق ُ‬
‫وسنّة رسوله‬
‫ومستندات مرجعها كلها إل كتاب هللا ُ‬ ‫"فكما أن للمحاكم مراجع ُ‬
‫شىت‬
‫[يقصد احملاكم اإلسالمية]‪ ،‬فلهذه احملاكم مراجع وهي القانون الـ ُمل ّفق من شرائع ّ‬
‫وقوانني كثرية‪ ،‬كالقانون الفرنسي‪ ،‬والقانون األمريكي‪ ،‬والقانون الربيطاو" مث بعد ذلا‬
‫ذكر كيف أن الناس يأتون أسرابا إىل هذه احملاكم وكيف حيكمون فيهم بغري ما أنزل‬
‫ٍ‬
‫"فأي ُكف ٍر فوق هذا الكفر؟‪ ،‬و ّ‬
‫أي‬ ‫هللا‪ ،‬من غري استناد إىل كتاب وسنة‪ ،‬مث قال‪ّ :‬‬
‫ُمناقضة للشهادة بأن حممدا رسول هللا بعد هذه املناقضة؟"‬
‫ُ‬
‫أي ُمناقضة للشهادة بأن حممدا‬‫"فأي ُكف ٍر فوق هذا الكفر؟" أي‪ :‬الدستور‪ " ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫رسول هللا؟" فمن وافق على مثل فقد انتقضت الشهادة عنده‪.‬‬

‫ألمحَ ْد َشاكي ْر ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪" :‬إن األمر يف هذه‬


‫آخ ٌر ْ‬
‫لم َ‬
‫اك َك ٌ‬
‫ُهنَ َ‬
‫القوانني الوضعيّة واضح وضو الشمس‪ ،‬هي كفر بوا ‪ ،‬ال خفاء فيه وال ُمداراة"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪138‬‬

‫يط ّي ‪ -¬-‬يف تفسريه يقول‪" :‬أما النظام‬ ‫الِّ ْن يق ي‬


‫آخ ٌر لي ْيْل َم يام َّ‬
‫لم َ‬
‫اك َك ٌ‬
‫ُهنَ َ‬
‫الشرعي املخالف لتشريع خالق السماوات واألرض حتكيمه كفر خبالق السماوات‬
‫ُ‬
‫واألرض‪ ،‬كدعوى أن تفضيل الذكر على األنثى يف املرياث ليس بإنصاف"‪.‬‬

‫إذا باإلضافة إىل ما أثبتناه من خالل اآليات ومن خالل األحاديث وأقوال‬
‫العلماء عن حقيقة هذا الدستور‪ ،‬هذه أقوال العلماء الذين وقفوا على هذه الدساتري‬
‫عن قرب‪ ،‬وابن كثري كالمه ألنه عاصر رجال وضع قانونا ودستورا يف عصره‪ ،‬فتكلم‬
‫بذلا الكالم‪.‬‬

‫إذا هذا القانون كفر ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬ومن رضي به خيرج من امللّة‪ ،‬ونسأل هللا‬
‫تبار وتعاىل العافية‪.‬‬
‫ِ‬
‫َنزَل اَللُ‬
‫﴿وَمن مل َحي ُكم َا أ َ‬
‫‪-‬سائل‪ :‬القوانني والدساتري تنطبق عليهم اآلية َ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾؟‬
‫فَأُوٰلَئِ َ‬
‫يسر هللا ¸ لنا يف العمل وم ّد يف األجل‪ ،‬سنتكلم عن هذه اآلية‬ ‫*الشيخ‪ :‬إذا ّ‬
‫َنزَل‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن مل َحي ُكم َا أ َ‬
‫بإذن هللا تعاىل‪ ،‬لكن من نافلة القول أقول اآلن فيما يتعلق بـ ـ َ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪:‬‬
‫اَللُ فَأُوٰلَئِ َ‬
‫كالم ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬كفر دون كفر‪ ،‬يف زمانه بعض الناس ك ّفروا‬
‫اخللفاء الذين كانوا حيكمون ا أنزل هللا‪ ،‬خلفاء بين أمية؛ ألهنم رأوا عندهم بعض‬
‫املخالفات الشرعية‪ ،‬فبناء على هذه املخالفات الشرعية يف بعض اجلزيئات من الناس‬
‫من ك ّفروهم‪ ،‬إذا هؤالء كانوا غُالة‪ ،‬ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وهو حرب األمة علم‬
‫أن هذه املؤاخذات على هؤالء اخللفاء الذين حيكمون ا أنزل هللا ال تُدخلهم يف‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪139‬‬

‫باب الردة وال ُخترجهم من امللة؛ وهلذا قال‪" :‬ليس بالكفر الذي تذهبون إليه‪ ،‬هذا‬
‫كفر دون كفر"‪ ،‬يعين هذه األعمال اليت يأتون هبا تدخل يف باب املعصية وال تدخل‬
‫يف باب الكفر‪ ،‬إذا هذا القول قيل حبق من؟‪ ،‬حبق رجل حيكم ا أنزل هللا ويعمل‬
‫عالوي‪،‬‬
‫حتت اسم أمري املؤمنني وحيمل صفة خليفة‪ ،‬هذا الكالم يُنزل على إياد ّ‬
‫وعلى ُمرسي‪ ،‬وعلى غريه وعلى غريه؟!‬

‫اج ِر مقارنة بني هؤالء‪ ،‬وبني من قيل يف حقه هذا الكالم‪ ،‬ال يوجد وجه مقارنة‪،‬‬
‫إذا كان الناس يبحثون عن الكفر يف تصرفات هؤالء‪ ،‬حنن نبحث أين اإلميان يف‬
‫تصرفات هؤالء!‪ ،‬يعين ما تبحث عن ال ُكفريّات ما حتتاج!‪ ،‬لكن قُل أين صار قريبا‬
‫صح هذا القول‪ -‬كيف نُنزل قوال قيل‬
‫من اإلسالم فقط؟‪ ،‬إذا كيف نُنزل ‪-‬فيما إذا ّ‬
‫يف أمري للمؤمنني خليفة حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬ننزله على أُناس حيكمون باألحكام‬
‫اجلاهلية‪ ،‬بأهواء اليهود والنصارى وبدي ٍن ٍ‬
‫باطل دين امللا‪ ،‬كيف يُنزل هذا الكالم يف‬
‫هؤالء!‬

‫يسر سنتكلم يف هذا املوضوع بإذن هللا‪ ..‬جزاكم هللا‬


‫إن شاء هللا إذا هللا ¸ ّ‬
‫خري اجلزاء‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪140‬‬
‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الث ِام ُن‬ ‫الدر‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُم َن ِفذو الد ْس ُتو ِر‪َ ..‬ما َح ِقيق ُت ُه ْم َو َما ُحك ُم الش ْر ِع ِف ِيه ْم؟‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬
‫حقــا و ِ‬
‫أعنــا علــى‬ ‫احلمــد هلل‪ ،‬والصــالة والســالم علــى رســول هللا‪ ،‬اللهــم أ ِرنــا احلــق ًّ‬
‫أعنــا علــى اجتنابِــه‪ ،‬اللهــم علِّمنــا مــا ينفعنــا‪ ،‬وانفعنــا ــا‬
‫الباطــل بــاطال و ِ‬
‫َ‬
‫باعــه‪ ،‬وأ ِرنَــا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫ـوم نلقــا ‪،‬‬
‫علمتنــا‪ ،‬اللهــم اجعلنــا مــن العــاملني بعلمنــا‪ ،‬اللهــم اجعــل علمنــا ُحجــة لنــا يـ َ‬
‫ِ‬
‫ويس ــر أم ــري‪،‬‬ ‫رب اش ــر ص ــدري‪ّ ،‬‬ ‫وال جتعل ــه ُح َج ــة علين ــا ي ــا أرح ــم الـ ـراحني‪ِّ ،‬‬
‫واحلُل عُقدة مـن لسـاو يفقهـوا قـو ‪ ،‬اللهـم اجعـل عملـي صـاحلا‪ ،‬ولوجهـا خالصـا‪،‬‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬ ‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬

‫انتهينــا ‪-‬وهلل الفضــل واملِنــة‪ -‬مــن اجلــزء األول مــن موضــوعنا عنــدما تكلمنــا عــن‬
‫شر الطاعة تعريفا وتأصيال ‪-‬وهلل الفضل واملنة‪ ،-‬مث بعد ذلا كان احلديث عن جلنة‬
‫كتابة الدستور‪ ،‬وذكرنا بعض احلقائق عن هذه اللجنة‪ :‬أهنـم أنـداد‪ ،‬أهنـم أربـاب‪ ،‬أهنـم‬
‫ُشــركاء‪ ،‬أهنــم ُمع ّقبــون‪ ،‬وأهنــم أوليــاء للشــيطان‪ ،‬مث كــان احلــديث ‪-‬وهلل الفضــل واملِنــة‪-‬‬
‫عــن الدســتور‪ ،‬قُلنــا أهنــا أحكــام جاهليــة‪ ،‬وأهنــا مــن أه ـواء اليهــود والنصــارى‪ ،‬وقلنــا أن‬
‫ـوع‬
‫ضـ ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخـ ُـر مـ َـن املو ُ‬
‫هــذه الدســاتري ديــن‪ ،‬هــذا اجلــزء الثالــث كــان مــن املوضــوع‪ ،‬اجلُــزءُ َ‬
‫َ‬
‫َسيَ ُكو ُن َعن‪:‬‬

‫ُم َن ِفذي الد ْس ُتو ِر‬


‫هذا الدستور من حيكم به؟‪ ،‬ما حقيقة هؤالء؟‪ ،‬وما حكم الشرع فيهم؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪141‬‬

‫أق ـ ــول مس ـ ــتعينا ب ـ ــاهلل ¸‪ :‬املقص ـ ــود ُن ِّف ـ ـ ِـذي الق ـ ـ ـوانني والدس ـ ــاتري‪ :‬ه ـ ــي ه ـ ــذه‬
‫احلكومات اليت حتكم هبذه القوانني بكـل تشـكيالهتا‪ .‬وأنـت تعلـم أن هـذه احلكومـات‬
‫السـلطة القضـائية‪ .‬هـذه‬ ‫السلطة التشـريعية‪ ،‬و ُّ‬ ‫السلطة التنفيذية‪ ،‬و ُّ‬
‫هلا ثالث تشكيالت‪ُّ :‬‬
‫ثالث ُسلطات يف هذه احلكومات‪.‬‬

‫ريعيّ ية‪ :‬هــم أعضــاء الربملــان‪ ،‬هــؤالء مــن صــالحياهتم أن‬


‫الس ْلطَية التَّ ِّْ ي‬
‫ود بي ُّ‬
‫ص ُ‬‫امل ْق ُ‬
‫للمسـتج ّدات خـالل فـرتة حكمهـم أو دورة حكمهـم الـيت هـي أربـع‬ ‫يضعوا التشريعات ُ‬
‫س ــنوات يف العـ ـراق‪ ،‬ويف تركي ــا س ــبع س ــنوات‪ ،‬ويف اجلزائ ــر مخس ــة‪ ،‬ويف بع ــض البل ــدان‬
‫غالــب البلــدان علــى أربــع ســنوات‪ ،‬إذا احلكومــات تتــألف مــن الســلطة التش ـريعية هــم‬
‫أعضاء الربملان‪.‬‬
‫الس ْلطَةُ التَ ْن يِ ي‬
‫يذيّةُ‪ :‬ويـدخل يف هـذه السـلطة الـوزراء ووكالئهـم واملـدراء العـاملون‬ ‫َو ُّ‬
‫وك ــل ه ــذه التش ــكيلة كله ــا ت ــدخل ض ــمن الس ــلطة التنفيذي ــة‪ ،‬رئ ــيس ال ــوزراء ورئ ــيس‬
‫اجلمهورية‪ ...‬كل هؤالء يعتربون ضمن السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫ض ائيّةُ‪ ،‬واملقصــود هبــا‪ :‬ســلطة القضــاء‬ ‫الس ْلطَةُ الثَّاليثَ ةُ َو يه ي ُّ‬


‫الس ْلطَةُ ال َق َ‬ ‫لَ َديّنَا ُّ‬
‫وتوابع القضاء احملاماة وما إىل ذلا‪ .‬إذا تشـكيلة احلكومـة قائمـة علـى هـذه السـلطات‬
‫الثالثة‪ ،‬فحديثي يكون عن هؤالء هبذه التشكيلة‪.‬‬

‫ومات طاغوتية‪.‬‬ ‫ك‬


‫ُ‬ ‫ح‬ ‫ى‬‫م‬ ‫س‬‫ت‬
‫ُ‬ ‫ا‬‫أهن‬ ‫‪:‬‬ ‫االسم الشر ِعي ِهل ِذهِ احل ُكوم ِ‬
‫ات‬
‫َّ ُ َ‬ ‫ُّ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫كي ــف تثب ــت أن ه ــذه احلكوم ــات ال ــيت حتك ــم بغ ــري م ــا أن ــزل هللا أهن ــا حكوم ــات‬
‫طاغوتية؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪142‬‬

‫من ناحية اللغة‪ :‬إذا رجعت إىل القواميس جتد أن االسـم‪" :‬طـاغوت" مـأخوذ مـن‬
‫الفعل‪ :‬طغى‪ .‬ومعىن طغـى‪ :‬أي جتـاوز احلـد‪ .‬أي شـيء سـواء كـان إنسـانا‪ ،‬أو حيوانـا‪،‬‬
‫سمى طاغوت‪.‬‬ ‫املقرر له يُ ّ‬
‫أو أي ُملوق من ُملوقات هللا ¸‪ ،‬إذا جتاوز احل ّد ّ‬
‫دليل ذلا من كتاب هللا تبار وتعاىل‪ :‬قوله ¸‪﴿ :‬إِنا لَمـا طَغَـى ال َمـاءُ َحَلنَـا ُكم‬ ‫ُ‬
‫ِيف اجلَا ِريَة﴾ [سورة احلاقة‪ ،]11:‬إذا املاء هنـا طـاغوت‪ ،‬كيـف أصـبح املـاء طاغوتـا؟ ألنّـه‬‫ِ‬
‫جتـاوز اجملــال الـذي جعلــه هللا ¸ لـه‪ .‬هنــر الفـرات‪ ،‬هنــر دجلـة لــه منسـوب حمــدد‪ ،‬لكــن‬
‫إذا جتــاوز هــذا احلــد هــذا يســمى طغيــان‪ ،‬إذا املــاء قــد يُسـ ّـمى طاغوتــا‪ .‬هــذا مــن ناحيــة‬
‫اللغة‪.‬‬

‫فــإذا جئنــا إىل هــذه احلكومــات مــن ناحيــة اللغــة جنــد أهنــم قــد جتــاوزوا أحكــام هللا‬
‫¸ وجــاؤوا بأحكـ ٍـام بديلــة‪ ،‬إذا مــن ناحيــة اللغــة املعــىن متحقــق يف هــذه احلكومــات‪،‬‬
‫أهنم جتاوزوا أحكام هللا ¸ إىل القوانني وإىل الدساتري‪َ ،‬ه َذا يم ْن نَاحيَ ية اللُّغَ ية‪.‬‬
‫َّأم ا يم ن نَ ي‬
‫احي ية َّ‬
‫الِّ ْر يع‪ :‬يقـ ــول ابـ ــن الق ــيم ‪ ¬-‬رحـ ــة واس ــعة‪ -‬يف تعريـ ــف‬ ‫ْ‬
‫الطاغوت‪" :‬كل ما جتاوز به العبد ح ّده من معبـود أو متبـوع أو ُمطـاع‪ ،‬وطـاغوت كـل‬
‫قوم من يتحاكمون إليه غري هللا ورسوله"(‪.)22‬‬

‫عنــد ابــن أيب حــامت ‪ -¬-‬نقــل كالمــا عــن ُجماهــد ‪ -¬-‬قــال‪" :‬الطــاغوت‬
‫شيطان يف صورة إنسان‪ ،‬يتحاكمون إليه وهو و أمرهم"‪ .‬هذا عند جماهد‪.‬‬

‫أمــا عن ــد اإلم ــام مال ــا ب ــن أن ــس ‪ ¬-‬رحــة واس ــعة‪ ،-‬كم ــا ينق ــل عن ــه اإلم ــام‬
‫القرطيب ‪ -¬-‬قال‪" :‬الطاغوت هو الشيطان أو الساحر أو الكاهن"‪ ،‬هؤالء ُكلّهم‬

‫(‪[)22‬إعالم املوقعني ‪.]50/1‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪143‬‬

‫يعتربون طواغيـت‪ ،‬إذا قـد يكـون الطـاغوت إنسـانا‪ ،‬وقـد يكـون الطـاغوت غـري إنسـان‪،‬‬
‫قرر له فاالسم الشرعي ومن ناحية اللغة أيضا‪ :‬طاغوت‪ .‬هـذه‬ ‫طاملا أنه جتاوز احلد الـ ُم ّ‬
‫أقوال العلماء‪.‬‬

‫لكن أين الدليل من كتاب هللا ¸ على أن الذي حيكـم بغـري مـا أنـزل هللا يُس ّـمى‬
‫طاغوتا؟‬
‫ِ ِ‬
‫اآليــة يف [ســورة النســاء‪ ،]60:‬يقــول هللا تبــار وتعــاىل‪﴿ :‬أَ َمل تَـ َـر إ َىل الــذ َ‬
‫ين يَـزعُ ُمــو َن‬
‫ـا ي ِري ُـدو َن أَن يـتَحـا َكموا إِ َىل الطـاغُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وت َوقَـد‬ ‫َ َ ُ‬ ‫أَنـ ُهم َآمنُوا ِ َا أُن ِزَل إِلَي َ‬
‫ا َوَما أُنـ ِزَل مـن قَـبل َ ُ‬
‫ض َالال بَعِيدا﴾‪.‬‬
‫ضل ُهم َ‬‫يد الشيطَا ُن أَن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫أ ُِم ُروا أَن يَك ُف ُروا بِِه َويُِر ُ‬
‫َْ َ‬
‫ف َت ْس َتدل ب َهذه اآلية على َّأن الذي َي ْح ُك ُم ب َغير َما ْأن َز َل ُ‬
‫للا ُي َسمى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كي‬
‫ُ ً‬ ‫َ‬
‫طاغوتا؟‬
‫ابتداء ال بد من اإلشارة إىل سبب نزول هذه اآلية‪ :‬ذكر ابن العريب ‪ ¬-‬رحـة‬
‫واسعة‪ -‬يف تفسريه عن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضـاه‪ ،-‬أنـه حـدث خـالف بـني منـافق يف‬
‫زمن رسـول هللا ‘ وبـني يهـودي‪ ،‬وأرادا أن يتحاكمـا‪ ،‬فـاليهودي أراد أن يتحـاكم إىل‬
‫رسول هللا ‘‪ ،‬أما املنـافق فكـان يريـد أن يتحـاكم إىل كعـب بـن األشـرف‪ ،‬فـأنزل هللا‬
‫ـا َوَمــا أُن ـ ِزَل ِمــن‬ ‫ِ ِ‬
‫ين يَـزعُ ُمــو َن أَنـ ُهــم َآمنُـوا ِ ـَـا أُن ـ ِزَل إِلَيـ َ‬
‫تبــار وتعــاىل‪﴿ :‬أَ َمل تَـ َـر إ َىل الــذ َ‬
‫وت﴾‪ .‬ه ــذا عن ــد اب ــن العـ ــريب ‪ ¬-‬رح ــة‬ ‫ـا ي ِري ـ ُـدو َن أَن يـتَح ــا َكموا إِ َىل الط ــاغُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫قَـبل ـ َ ُ‬
‫واسعة‪.-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪144‬‬

‫أمــا عنــد الواحــدي ‪ -¬-‬يف أســاب النــزول‪ :‬ذكــر نفــس القصــة‪ ،‬لكــن املغــايرة‬
‫كانــت يف االســم‪ ،‬فقــال‪ :‬أراد اليهــودي أن يتحــاكم إىل رســول هللا ‘‪ ،‬وأراد املنــافق‬
‫ُ‬
‫أن يتحاكم إىل أيب بردة األسلمي‪.‬‬

‫إذا يف بع ــض الرواي ــات أن املن ــافق أراد أن يتح ــاكم إىل كع ــب ب ــن األش ــرف‪ ،‬ويف‬
‫روايــة أخــرى أنــه أراد أن يتحــاكم إىل أيب بــردة األســلمي‪ ،‬س ـواء كــان هــذا أو هــذا ال‬
‫يهمنا هذا األمر كثريا‪.‬‬

‫االستي ْد ُ‬
‫الل أيّ َن؟‬ ‫ْ‬
‫يف قول ــه تب ــار وتع ــاىل‪﴿ :‬يُِري ـ ُـدو َن أَن يَـتَ َح ــا َك ُموا﴾‪ ،‬وأن ــت تعل ــم أن التح ــاكم ال‬
‫يكـون إال ملــن َحي ُكـم؛ ألن الــذي ال حيكـم ال يتحــاكم إليـه النــاس‪ ،‬وهلـذا اختــار املنــافق‬
‫كعــب بــن األشــرف أو أبــا بــردة أو أحــد هــذين االمســني‪ ،‬أراد أن ُحييــل القضــية والن ـزاع‬
‫إليه‪ ،‬إذا يقينا هذا كان حيكم‪ ،‬وهلذا أراد املنافق أن يتحاكم إليه‪.‬‬

‫اه يد يم ن اآلي ية أيّ َن؟‪ ،‬أننــا علمنــا أن مــن أراد املنــافق أن يتحــاكم إليــه‬
‫الِّ ي‬
‫َم ْو يط ُن َّ‬
‫سواء كان كعب بن األشرف أو أبو بردة األسلمي‪ ،‬ملـاذا مل يـذكرهم هللا ¸ باالسـم؟‬
‫ملــاذا مل ي ُقــل (أمل تــر إىل الــذين يزعمــون أهنــم آمنـوا ــا أنــزل اليــا ومــا أنــزل مــن قبلــا‬
‫ـب َوتَـب﴾‬‫يريدون أن يتحاكموا إىل كعـب بـن األشـرف)‪ ،‬كمـا قـال ﴿تَـبـت يَ َـدا أَِيب َهلَ ٍ‬
‫[املســد‪ ،]1:‬إذا األمســاء ذُكِــرت‪ ،‬فلمــاذا مل يــذكر هللا ¸ اســم مــن أرادوا أن يتحــاكموا‬
‫وت﴾؟‬ ‫يدو َن أَن يـتَحا َكموا إِ َىل الطاغُ ِ‬
‫إليه وجاء باسم آخر‪ ،‬قال‪﴿ :‬يُِر ُ‬
‫َ َ ُ‬
‫ألن كعب بن األشرف كان حيكم ا هو على دينه ‪-‬يهودي كان‪ ،-‬وأبو بردة‬
‫األسلمي كان حيكم بغري ما أنزل هللا ¸‪ ،‬إذا هؤالء الذين حيكمون بغري ما أنزل هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪145‬‬

‫¸‪ ،‬إذا ُحتوكِم إليهم‪ ،‬فاالسم الشرعي هلم أهنم طواغيت‪ ..‬وهللا تبار وتعاىل كما‬
‫تعلم عندما جعل هذا الدين املبار آخر األديان فقد جاء بأحكام تصلح لكل زمان‬
‫صت اآلية‬ ‫ولكل مكان‪ ،‬فلو قال‪( :‬يريدون أن يتحاكموا إىل كعب بن األشرف) خلُ ّ‬
‫هبذا االسم‪ ،‬ال ُيوز بعد ذلا أن نُدخل امسا آخر مع كعب بن األشرف‪ ،‬لكن جاء‬
‫باِسم يصلح لكعب ويصلح ملن هو مثل كعب إىل قيام الساعة؛ فكل من حكم بغري‬
‫ما أنزل هللا ¸ يسمى يف كتاب ربنا طاغوتا‪ ،‬إذا هنا موطن االستدالل بقول هللا‬
‫وت﴾‪.‬‬‫يدو َن أَن يـتَحا َكموا إِ َىل الطاغُ ِ‬
‫تبار وتعاىل‪﴿ :‬يُِر ُ‬
‫َ َ ُ‬
‫ي‬
‫لحظَةٌ ُم يه َّمةٌ أُشريُ ْ‬
‫إلي َها‪ :‬فإذا أيقنّا أن هللا ¸ مل يذكر الذين كانوا حيكمون‬ ‫ُم َ‬
‫بغري ما أنزل هللا باالسم‪ ،‬وإمنا ذكرهم باِس ٍم يصلح لكل زمان ومكان (طاغوت)‪ ،‬ال‬
‫تنس أن هذا اختيار هللا ¸‪ ،‬هذا االسم اختيار هللا تبار وتعاىل وحيا يف القرآن‪،‬‬
‫َ‬
‫سمى طاغوتا؛ ومن مسّاهم‬‫فكل من شابه كعب بن األشرف أو أبو بردة األسلمي يُ ّ‬
‫بغري هذا االسم فقد خالف تسمية هللا ¸ يف القرآن‪.‬‬

‫فإذا قال كما يقول مرجئة العصر والعياذ باهلل‪- ،‬وهؤالء نسميهم ُمرجئة من باب‬
‫التعريف‪ ،‬وإال هم أسوأ حال من الكرامية الذين كانوا يف زمن الدولة العباسية‪ -‬من‬
‫باب التعريف املرجئة يقولون عن هؤالء احلكام الذين حيكمون بغري ما أنزل هللا‬
‫سموهنم أمراء‪ ،‬وطاعتهم واجبة‪ ،‬هؤالء مجيعهم قاطبة بدون استثناء‪ ،‬الذي مع‬ ‫يُ ّ‬
‫اليهود‪ ،‬والذي مع النصارى‪ ،‬والذي ارتد عن دين هللا‪ ،‬والذي فعل ما فعل‪ ..‬كيفما‬
‫فعل‪ ،‬قال‪" :‬هو أمري طاعته واجبة"‪ ،‬بناء على عقيدهتم الفاسدة؛ ألن العقيدة عند‬
‫املرجئ‪ :‬أن من قال مرة واحدة يف حياته (ال إله إال هللا) ال خيرج من دائرة اإلسالم‬
‫ُ‬
‫بناقض‪ ،‬واشرتطوا يف الناقض االستحالل القليب مث التصريح اللساو‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إال إذا أتى‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪146‬‬

‫فأصبحت خطوات التكفري عند املرجئة‪ :‬أن يقع اإلنسان يف الناقض‪ ،‬وبعد ذلا أن‬
‫صر بلسانه‪( :‬يا ناس أنا وقعت يف هذا الكفر‪،‬‬ ‫يستحل هذا الناقض يف قلبه‪ ،‬مث يُ ِّ‬
‫وأنا أستحل هذا الكفر)‪ ،‬قال عند ذلا حنكم على هذا اإلنسان بالكفر! عدا هذه‬
‫اخلطوات الثالثة ال ُحيكم على إنسان بأنه خرج من امللة مهما فعل من األفعال‪،‬‬
‫فبناء على هذه العقيدة الفاسدة يعتربون هؤالء احلكام مسلمني‪ ،‬وطاملا مسلمون‬
‫رجئي‬
‫حيكمون املسلمني أيضا‪ ،‬قال‪ :‬هؤالء أمراء طاعتهم واجبة‪ .‬إذا هذا الوصف املُ ّ‬
‫هلؤالء احلكام ُخيالف قول هللا ¸ يف كتاب هللا تبار وتعاىل‪ ،‬فقد مساهم طواغيت ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪ ،-‬والطاغوت ال ُميكن أن يكون أمريا للمسلمني يف يوم من األيام‪ ،‬ه يذهي‬
‫َ‬
‫األو َل‪.‬‬
‫ال َم ْسأَلَةُ ّ‬
‫ال َم ْسأَلَةُ الثَّانييةُ‪ :‬إذا قلنا من خالل كتاب ربنا أن هؤالء احلكام ‪-‬بدون استثناء‬
‫عود لسانا على هذه‬ ‫يا إخوة‪ ،-‬كلهم االسم الشرعي هلم (طاغوت)‪ ،‬إذا مل تُ ِّ‬
‫الكلمة ومسعا‪ ،‬يبقى يف داخلا شيء‪ ،‬فيجب أن تستخدم املصطلحات الشرعية‬
‫حىت تكون وقافا عند حدود هللا ¸‪ ،‬ألنين عندما أقول عن هذه احلكومة حكومة‬
‫املودة هلؤالء‪.‬‬
‫طاغوتيّة‪ ،‬ال ميكن أن يكون يف داخلي شيء من ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ َ نَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َّ ُ‬
‫اغيت‪ ،‬هل يحتاجو إلى إقام ِة‬ ‫ؤالء طو ِ‬
‫اِلسألة الثا ِنية‪ :‬إذا قلنا ه ِ‬
‫ُ ُ ََ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ ُ ْ َ‬
‫يت؟‪ ،‬ك َما هي َعا َدة اِل ْر ِجئة‪..‬‬ ‫واغ‬
‫حجة حتى نس ِميهم ِ‬
‫ط‬ ‫ُ ْ‬

‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬هؤالء احلكام الذين هم حيكمون بغري ما أنزل هللا‪،‬‬
‫وامسهم الشرعي طاغوت‪ ،‬ينقسمون إىل قسمني‪:‬‬

‫أصلييّو َن‪ :‬كاحلكام الذين حيكمون بالد الغرب‪ ،‬هؤالء طواغيت‬ ‫ّإما أنَّ ُه ْم ُك َِّ ٌ‬
‫ار ْ‬
‫كفار أصليون‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪147‬‬

‫يت مرتَ ّدو َن عن يدي ين ي‬ ‫ي‬


‫للا ¸‪ :‬كاحلكام الذين حيكمون بالد‬ ‫وإما أنَّ ُه ْم طََواغ ُ ُ ْ‬
‫ّ‬
‫املسلمني‪ .‬هؤالء إذا أردنا أن نسميهم كما مسّاهم هللا ¸ هل يُشرتط أن نقيم عليهم‬
‫احلجة قبل أن نطلق عليهم هذا االسم؟‬

‫َّأوًال‪ :‬ال حنتاج إىل أن نُقيم عليهم احلجة ‪-‬اآلن حديثي عن الطواغيت‬
‫املرتدين‪ ،-‬ال حنتاج إىل أن نقيم عليهم احلجة حىت نسميهم طواغيت‪ ..‬ما الدليل؟‬

‫يقول هللا تبار وتعاىل يف حمكم كتابه عن نيب هللا موسى‪﴿ :‬اذ َهب إِ َ ٰىل فِر َعو َن‬
‫إِنهُ طَغَ ٰى﴾ [النازعات‪ ،]17:‬هذا األمر من هللا ¸ صدر إىل نيب هللا موسى يف حال‬
‫عودته من مدين‪ ،‬يف منطقة سيناء أوحى هللا ¸ إليه هبذه اآلية‪﴿ :‬اذ َهب إِ َ ٰىل فِر َعو َن‬
‫إِنهُ طَغَ ٰى﴾؛ إذا هو اآلن يف سيناء‪ ،‬وفرعون كان يف مصر‪ ،‬إذا ملا يصل بعد إليه‪،‬‬
‫ّ‬
‫موسى ’ ما وصل بعد ال دخل مصر وال وصل إىل فرعون‪ ،‬ومع هذا مسّاه هللا‬
‫¸ طاغوتا ﴿اذ َهب إِ َ ٰىل فِر َعو َن إِنهُ طَغَ ٰى﴾‪ ،‬أي‪ :‬جتاوز احلد‪ ،‬فطاملا أنه طغى‪ ،‬هذا‬
‫فعل‪ ،‬االسم منه‪ :‬طاغوت‪ ،‬إذا فرعون طاغوت‪ .‬إذا هللا تبار وتعاىل مسّى فرعون‬
‫ذكرت لا يف‬ ‫ُ‬ ‫مصر طاغوتا قبل أن يذهب إليه نيب هللا موسى؛ ألن هذا األمر كما‬
‫سيناء‪ ،‬وفرعون مصر يف مصر ما وصل له بعد‪ ،‬إذا احلجة ما أُقيمت على فرعون‬
‫بعد‪ ،‬ومع هذا مسّاهُ هللا ¸ طاغوتا‪.‬‬
‫ِ‬
‫سميه طاغوتا‪،‬‬
‫فإذا كان هذا يف الكافر األصلي ال حيتاج إىل إقامة حجة حىت تُ ّ‬
‫فما تقول يف مرتد ارت ّد عن دين هللا ¸ وأصبح طاغوتا؟‬

‫إذا من باب أوىل ال حيتاج إىل إقامة حجة؛ ألن الرسول ‘ عندما كان يغزو‬
‫بالد الكفار كان ينتظر ‪-‬بالذات إذا خرج يف الليل‪ ،-‬كان ينتظر إىل الصبح‪ ،‬فإذا‬
‫مسع أذانا كان ينصرف‪ ،‬وإذا مل يسمع كان يغري عليهم‪ ،‬ألن األذان عالمة من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪148‬‬

‫عالمات املسلمني‪ ،‬إذا ال يوجد أذان يُغري عليهم‪ ،‬ملاذا؟ ألن احلُ ّجة قد أُقيمت‬
‫عليهم برسالة رسول هللا ‘‪ .‬إذا هؤالء يف تسميتهم بالطواغيت ‪-‬املرتدون منهم‬
‫األو ُل‪.‬‬ ‫بالذات‪ -‬ال حيتاجون إىل إقامة حجة‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫يل ّ‬ ‫الدل ُ‬ ‫َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬ما الذي ُيهله هؤالء عن الدين حىت نُقيم عليهم احلجة؟!‪،‬‬
‫يل َ‬ ‫أما َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫ّ‬
‫أُيهلون أن هللا ¸ أنزل كتابا امسه القرآن؟!‪ ،‬أُيهلون أن هللا تبار وتعاىل أرسل‬
‫رسوال امسهُ حممد بن عبدهللا؟‪ ،‬يقينا ال ُيهل أحد من هؤالء احلُ ّكام شيئا من هذا؛‬
‫يتبجح قليال يف الفضائيات جتده جلس وبدأ يقرأ‬ ‫بدليل أن أحدهم إذا أراد أن ّ‬
‫بالقرآن‪ ،‬إذا هو يُؤمن أو َعلِ َم أن هللا ¸ قد أنزل هذا الكتاب‪ُ ،‬كنّا نرى الذي كان‬
‫حيكم العراق كيف يقرأ‪ ،‬وُكنا نرى القذايف كيف يقرأ‪ ،‬وُكنا نرى فالن كيف يقرأ‪،‬‬
‫عمر القذايف كان من‬‫وعبد األمريكان كيف يقرأ‪ ،‬وعبد اإلجنليز كيف يقرأ‪ ،‬بل إن ُم ّ‬
‫اجملتهدين يف كتاب هللا ¸‪ ،‬كان يقول‪( :‬سورة اإلخالص تبدأ‪ :‬هللا أحد‪ ،‬هللا‬
‫الصمد‪ ،‬مل يلد ومل يولد)‪ ،‬كيف؟‪ ،‬قال‪( :‬ألن كلمة‪" :‬قُل" هذا قول جربيل حملمد‬
‫‘‪ ،‬ليس قول هللا ¸)! إذا الرجل ليس فقط يعلم أن هنا كتاب امسه قرآن‪ ،‬بل‬
‫ُيتهد يف كتاب هللا ¸‪ .‬إذا هؤالء كانوا يعلمون هبذا األمر‪.‬‬

‫الِّيءُ الثّاين‪ :‬هل هؤالء احلكام ُيهلون أن الرسول ‘ حكم هبذه األحكام‬ ‫َّ‬
‫توىل احلُكم من بعده اخللفاء الراشدين‪ ،‬مث بعد ذلا اخللفاء الذين‬‫فرتة حياته‪ ،‬مث ّ‬
‫جاؤوا من بعدهم؟‪ ،‬هل هذه املسألة التارخيية ختفى على هؤالء‪ ،‬واملسألة امتدت ألف‬
‫وأربعمائة سنة‪ ،‬يعين املسألة ليست حمصورة يف يوم أو يومني حىت نقول خفي األمر‬
‫على فالن ومل ُِحيط الثاو علما!! ال‪ ،‬املسألة ألف وأربعمائة سنة‪ ،‬وكل هؤالء اخللفاء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪149‬‬

‫حيكمون هبذه األحكام اليت يف كتاب هللا وسنة رسوله ‘‪ ،‬هؤالء ليسوا جباهلني‬
‫هبذه القضية بالذات‪.‬‬

‫أُيهل هؤالء أن عاصمة اخلالفة اإلسالمية كانت يف يثرب يف مدينة رسول هللا‬
‫‘‪ ،‬مث بعد ذلا يف الكوفة‪ ،‬مث بعد ذلا يف دمشق‪ ،‬مث بعد ذلا يف بغداد‪ ،‬مث بعد‬
‫ذلا يف قرطبة‪ ،‬أختفى على هؤالء هذه املسائل؟‪ ،‬ويقينا يعلمون أن اخللفاء الذين‬
‫كانوا حيكمون من خالل تلا العواصم كانوا حيكمون من خالل هذا الكتاب ومن‬
‫خالل سنة رسول هللا ‘‪.‬‬

‫أخيفى على هؤالء املسائل الظاهرة من الدين اليت ال ختفى على صغار املسلمني‪،‬‬
‫على أطفال املسلمني؟‪َ ،‬من ِمن املسلمني ال يعلم أن اخلمر حرام؟‪َ ،‬من ِمن املسلمني‬
‫ُ‬
‫الزنا حرام؟‪َ ،‬من ِمن املسلمني ال يعلم أن الربا حرام؟‪ ،‬أختفى هذه املسائل‬
‫ال يعلم أن ِّ‬
‫الظاهرة على هؤالء وحكومتهم قائمة على اخلمر وعلى الزنا وعلى الربا؟‪ ،‬أُيهل‬
‫هؤالء أحكام هللا ¸؟‬

‫استقرض من البنا الدو أربع مليار‬


‫َ‬ ‫(مرسي) حافظا لكتاب هللا عندما‬ ‫َأما كان ُ‬
‫ِ‬
‫يم عليه احلُ ّجة وهو حافظ لكتاب هللا؟‪ ،‬وكذلا الباقون‪،‬‬‫ونصف كلها بالربا؟‪ ،‬أَأُق ُ‬
‫َخفي على هؤالء أن هنا أحكاما لبعض احلدود اليت وضعها هللا ¸؟‪ ،‬أُيهلون أن‬ ‫أَ‬
‫من يزو إذا حتققت فيه شروط الزنا‪ ،‬أنه يُرجم إن كان ُحمصنا‪ ،‬وُُيلد إن كان غري‬
‫حمصن؟‪ ،‬أُيهلون أن السارق إذا حتققت فيه شروط السرقة يده تُقطع؟‪ ،‬أُيهل هؤالء‬
‫ِ‬
‫سميه طاغوتا إال‬
‫هذه األحكام حىت يأيت ُمرجئ بعد ذلا ويقول ال نستطيع أن نُ ّ‬
‫بعد أن نقيم عليه احلجة؟‪ ،‬هذا كالم مرجئة‪ ،‬وإمنا الصواب من القول‪ :‬أن الكافر‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪150‬‬

‫األصلي ال حيتاج إىل إقامة حجة‪ ،‬فمن باب أوىل املرتد عن دين هللا ¸ ال حيتاج إىل‬
‫اآلخ ُر‪.‬‬
‫يل َ‬ ‫إقامة حجة‪ ،‬بل هم طواغيت‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬
‫يل الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬يا إخوة هؤالء الطواغيت ال يعرفون اإلسالم فقط‪ ،‬وإمنا يعرفون‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫مودة مع الصوفية‪ ،‬جتدهم على مودة مع‬ ‫ِ‬
‫فَرق اإلسالم أيضا‪ ،‬وهلذا جتدهم على ّ‬
‫احلزب العراقي‪ ،‬جتدهم على مودة مع املرجئة‪ ،‬وعندما يصل األمر إىل أهل السنة فهم‬
‫ُمييّزو َن بني القاعد منهم واجملاهد؛ أهذا حيتاج أن تُقيم عليه احلجة حىت تسميه‬
‫طاغوتا؟‬

‫أما تذكرون يف زمن البعثيني أن اللحية إذا كانت على وجه مرجئ مسمو ‪ ،‬أما‬
‫إذا على وجه آخر غري مسمو ‪ ،‬زين‪ ..‬كيف فرقوا بني هذا وهذا‪ ،‬وهذا مسلم يف‬
‫حساهبم‪ ،‬وهذا مسلم‪ ،‬ملاذا للمرجئ ُيوز أن يُطلق حليته‪ ،‬بينما اآلخر يستدرج إىل‬
‫جوب‪ ،‬بل ويُه ّدد إن مل حيلق حليته؟‪ ،‬كيف ميزوا بني هذا وهذا؟؛ إذا‬ ‫م ٍ‬
‫قرات ويُستَ َ‬
‫َّ‬
‫هم ليسوا يعرفون اإلسالم فقط‪ ،‬بل يعرفون فَِرق اإلسالم‪ ،‬ويعرفون موطن الشدة‬
‫عليهم أين‪ ،‬وموطن اللني أين‪.‬‬

‫وأنتم تذكرون يف زمن البعثيني أن الذين كانوا يتصدرون املنابر ويتصدرون‬


‫وهايب كان يُعزل مباشرة‪،‬‬
‫التصوف‪ ،‬وأحدهم إذا أثبتوا عليه أنه ّ‬
‫ّ‬ ‫املساجد هم أهل‬
‫ويأتوا خبطيب من هذا املعهد الذين كانوا يتخرجون منه يف ذلا الوقت؛ إذا هؤالء‬
‫احلكام الذين يعرفون فَِرق املسلمني من يضرهم ومن ال يضرهم‪ ،‬مث تأيت بعد ذلا‬
‫تقول أقيم عليه احلجة حىت أ ِ‬
‫ُمسّيه طاغوتا؟! بل هو يعلم من الدين ما جتهله أنت! إذا‬
‫هؤالء ال حيتاجون إىل قيام احلجة يف تسميتهم بالطواغيت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪151‬‬

‫ي‬
‫تنس أن أمساءهم أمساء إسالمية‪ ،‬وعاشوا يف جمتمع‬ ‫أُضي ُ إل َه َذا‪ :‬ال َ‬
‫إسالمي‪ ،‬ويف بيئة إسالمية‪ ،‬ويف أسرة ‪-‬وهللا حسيبهم‪ ،‬ال نعلم ما حال هؤالء‬
‫الناس‪ -‬لكن يقينا الكل ينتسبون إىل اإلسالم‪ ،‬ويقينا املنطقة اليت كانوا يتواجدون‬
‫فيها إىل أن وصلوا إىل ُسدة احلكم كانوا يعلمون أن هنا مساجد‪ ،‬أن هنا‬
‫صلوات‪ ،‬أن هنا ُخطَب‪ ،‬وأن هنا أشياء من دين هللا ¸‪ ،‬كل هذه األمور كانوا‬
‫تنس أن هؤالء ليسوا من سقط املتاع يف مسائل الدنيا‪ ،‬بل هم أناس‬ ‫يعلموهنا‪ ،‬وال َ‬
‫حيكمون كذا مليون من الناس‪ ،‬إذا ليسوا أناسا عاديني‪ ،‬أمثل هؤالء تُقام عليهم‬
‫سميهم؟‪ ،‬إذا ال حنتاج إىل إقامة احلجة على‬ ‫سميهم طواغيت أو ال نُ ّ‬‫احلجة حىت نُ ّ‬
‫هؤالء بل هم طواغيت كما مسّاهم هللا ¸‪.‬‬

‫طبعا هذه املسألة تدخل يف مسألة األمساء واألحكام‪ ،‬ألن أحكام الشرع كما‬
‫تعلم تنقسم ضمن ثالثة أبواب‪ :‬مسائل الشر األكرب‪ ،‬واملسائل الظاهرة‪ ،‬واملسائل‬
‫اخلفية‪ ،‬مسائل الشر األكرب واملسائل الظاهرة احلجة تُقام بشروط‪ ،‬أما املسائل‬
‫اخلفية فاحلجة تقام بشروط أخرى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َّ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫يت‬
‫اغ ِ‬
‫ؤالء الطو ِ‬
‫اِلسألة الث ِالثة‪ :‬ما الذي ينب ِغي لك أن تع ِرفه عن ه ِ‬
‫للا ¸؟‬ ‫ين‬‫د‬ ‫ن‬ ‫اِلُ ْرَتد َ‬
‫ين َع ْ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫األو َل اليت ينبغي لنا أن نُدركها‪ :‬أن دين أعضاء هذه احلكومات‪:‬‬ ‫ي‬
‫الَقي َقةُ ّ‬
‫القانون والدستور‪ ،‬وليس اإلسالم‪ ،‬دين هذه احلكومات القانون والدستور‪ ،‬ليس‬
‫اإلسالم‪ ،‬وإن ّادعى أنه مسلم‪ ،‬وإن زعم أنه مسلم‪ ،‬لكن احلقيقة أن دين هؤالء‬
‫احلكام بكل هذه التشكيالت اليت ذكرهتا‪ ،‬دين هؤالء الدستور والقانون‪ ..‬ما الدليل؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪152‬‬

‫تذكرون عندما تكلمنا عن الدستور‪ ،‬قلنا أن هذه القوانني والدساتري دين‪،‬‬


‫واستشهدنا بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَم َهلم شرَكاء شرعوا َهلم ِمن ِّ‬
‫الدي ِن َما َمل يَإذا بِِه‬ ‫ُ َُ ُ ََ ُ ُ ّ َ‬
‫ِ ِ‬
‫اَللُ﴾ [الشورى‪ ،]21 :‬وقلنا الدين هنا يقسم إىل دين هللا‪﴿ :‬أَفَـغَيـَر دي ِن اَلل يَـبـغُو َن َولَهُ‬
‫ض طَوعا َوَكرها َوإِلَي ِه يـُر َجعُو َن﴾ [آل عمران‪ ،]83 :‬ودين‬ ‫أَسلَم من ِيف السماو ِ‬
‫ات َواألَر ِ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫ا﴾ [يوسف‪]76 :‬؛ إذا الدين دينان‪ :‬إما‬ ‫امللا‪﴿ :‬ما َكا َن لِيأخ َذ أَخاه ِيف ِدي ِن الملِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َ‬
‫دين هللا ¸‪ ،‬أو دين امللا‪ ،‬هؤالء الناس الذين حيكمون العباد والبالد اآلن حيكمون‬
‫بدين امللا وليس بدين هللا عز جل‪ ،‬دين هللا واضح‪ُ ،‬معطّل وقد ُحنّي جانبا‪ ،‬أما دين‬
‫امللا فهو املهيمن وهو املسيطر على البالد وعلى العباد‪ .‬إذا جازما تقول أخي‬
‫ُ‬
‫الكرمي أن دين هؤالء الطواغيت القانون والدستور وليس اإلسالم‪.‬‬

‫هل ميكن أن جنمع ونقول‪ :‬دينهم اإلسالم دين حق‪- ،‬يعين فيهم شيء من‬
‫اإلسالم باعتباره يصوم ويصلي وقد حيج ويعتمر وما إىل ذلا‪ ،-‬وإىل جانب هذا‬
‫الدين احلق فيه شيء من دين الباطل‪ ،‬يعين مجع بني دين هللا ودين امللا؟‬

‫ال ميكن البتّة أن ُيتمع دين هللا ¸ مع دين امللا يف ذات اإلنسان‪ ،‬يستحيل‬
‫ض َونَك ُف ُر‬‫﴿ويَـ ُقولُو َن نـُؤِم ُن بِبَـع ٍ‬
‫هذا األمر؛ ألننا سبق أن أشرنا إىل اآلية الكرمية‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن‬
‫ا َسبِيال﴾‪ ،‬هللا ¸ قال‪﴿ :‬أُوٰلَئِ َ‬
‫يدو َن أَن يـت ِخ ُذوا بـ ِ‬
‫ني َٰذل َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫بِبَـع ٍ‬
‫ض َويُِر ُ‬
‫َحقًّا﴾ [النساء‪ ،]151-150 :‬وسبق أن ذكرنا قاعدة يف مسألة اإلسالم مع الشر‬
‫وقلنا‪" :‬اإلسالم والشر ضدان ال ُيتمعان‪ ،‬ونقيضان ال ُيتمعان وال يرتفعان"‪ ،‬فال‬
‫آن واحد‪ ،‬إذا أثبتنا دين احلق دين اإلسالم‪،‬‬ ‫ميكن أن يكون اإلنسان على دينني يف ٍ‬
‫فقد ارتفع دين امللا الباطل‪ ،‬أما إذا أثبتنا دين امللا الباطل‪ ،‬يقينا قد ارتفع دين هللا‬
‫اإلسالم دين احلق‪ ،‬ال ميكن أن ُيتمع يف إنسان واحد دينان‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪153‬‬

‫إذا طاملا أن هؤالء دينهم الدستور والقانون ألهنم حيكمون هبذه القوانني‪ ،‬إذا ال‬
‫ميكن أن نقول أن هؤالء دينهم اإلسالم؛ ألنه لو كان دينهم اإلسالم لكانوا حكموا‬
‫ا أنزل هللا ¸‪ ،‬هذه احلقيقة األوىل اليت ينبغي لا أن تعرفها عن هؤالء الطواغيت‪.‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الَقي َقةُ الثَّانيةُ‪ :‬أن ّ‬
‫رب هذه احلكومات الطاغوتيّة الـ ُمرت ّدة‪ :‬جلنة كتابة‬
‫الدستور‪..‬‬

‫رّهبم جلنة كتابة الدستور‪ ..‬ما الدليل؟‬

‫اس ُقو َن ۝‬‫اس لََف ِ‬


‫﴿وإِن َكثِريا ِّم َن الن ِ‬
‫تذكرون عندما حتدثنا عن قول هللا ¸‪َ :‬‬
‫حكما لَِّقوٍم يُوقِنُو َن﴾ [املائدة‪-49 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫أَفَ ُحك َم اجلَاهلية يَـبـغُو َن ۚ َوَمن أَح َس ُن م َن اَلل ُ‬
‫ون اَللِ﴾ [التوبة‪:‬‬
‫‪ ،]50‬وذكرنا آية أخرى‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبارهم ورهبانـَهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َُ َُ َ ُ َ‬
‫تنس أننا قلنا أن علماء اليهود‬ ‫‪ ،]31‬يف حينها قلنا أن هذه أحكام جاهلية‪ ،‬لكن ال َ‬
‫غريوا شريعة نيب هللا‬ ‫غريوا شريعة نيب هللا موسى‪ ،‬وعلماء النصارى عندما ّ‬ ‫عندما ّ‬
‫عيسى‪ ،‬واليهود والنصارى أطاعوا علماءهم‪ ،‬فإن علماءهم أصبحوا أربابا من دون‬
‫ُناس وضعوا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بنص اآلية‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبَ َارُهم َوُرهبَانَـ ُهم أَربَابا من ُدون اَلل﴾‪ ،‬إذا أ ٌ‬ ‫هللا ّ‬
‫قانونا‪ ،‬وهذه احلكومات تُطيع هؤالء (جلنة كتابة الدستور) يف هذا الدين الذي‬
‫وضعوه‪ ..‬لدي دين باطل (دين امللا) واضعه جلنة كتابة الدستور‪ ،‬هذه احلكومات‬
‫تطيع جلنة كتابة الدستور هبذا الدين املوضوع؛ إذا بالنتيجة ُيب أن نقول‪ :‬أ ّن دينهم‬
‫القانون والدستور‪ ،‬إذا بالضرورة رهبم واضع هذا الدين وواضع هذا القانون وواضعو‬
‫هذا الدستور‪ ،‬والذين هم جلنة كتابة الدستور‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪154‬‬

‫يعين املسألة أصبحت شبيهة ا يلي‪ :‬يهود ونصارى‪ ،‬يف الطرف اآلخر حكومة‬
‫غريوا‪ ،‬اليهود‬
‫غريوا‪ ،‬جلنة كتابة الدستور ّ‬
‫طاغوتية‪ ،‬علماء اليهود وعلماء النصارى ّ‬
‫والنصارى أطاعوا‪ ،‬هذه احلكومة أطاعت‪.‬‬

‫الِّبَ يه‪ :‬مائة باملائة‪ .‬هؤالء اليهود مسّاهم هللا ¸ قال أنتم اآلن اختذمت‬
‫َو ْجهُ َّ‬
‫أحباركم ورهبانكم أربابا‪ ،‬ملاذا؟ ألهنم أطاعوا علماءهم يف الشريعة املب ّدلة‪ .‬وهؤالء‬
‫ُ‬
‫غري لشرع هللا‬
‫الطواغيت أطاعوا جلنة كتابة الدستور يف القانون والدستور املُب ّدل واملُ ّ‬
‫¸؛ فسيان هم واليهود يف هذا احلكم‪ ،‬بل هؤالء أسوأ من اليهود ومن النصارى‪،‬‬
‫هذه احلكومات الطاغوتية املرتدة أسوأ بكثري من اليهود ومن أحبار اليهود ومن رهبان‬
‫ُ‬
‫النصارى‪ ،‬كيف؟‬

‫أولئا عندما جاؤوا بالبدائل عن التشريع ما ألزموا الناس بالقوة أن يكونوا‬


‫خاضعني هلذا التشريع البديل الذي جاؤوا به‪ ،‬علماء اليهود وعلماء النصارى ما كانوا‬
‫يلزمون الناس بالقوة أن يكونوا خاضعني هلذا التشريع البديل الذي جاؤوا به‪ ،‬أما‬
‫هؤالء الطواغيت أسوأ حاال من اليهود والنصارى ومن علمائهم؛ ألهنم حيملون‬
‫حاال‬
‫املسلمني اآلن بالقوة على اخلضوع هلذا الدين الباطل دين امللا‪ ،‬إذًا هم أسوأ ً‬
‫َّاحيةَ‪.‬‬ ‫ي يي‬
‫م ْن َهذه الن َ‬
‫ي ي‬
‫أسوأ َح ًاال م ْن نَاحية أُ ْخ َرى‪ :‬علماء اليهود وعلماء النصارى عندما ّ‬
‫غريوا ما‬ ‫ْ‬
‫كانوا يراقبون اليهود والنصارى هل يلتزمون بدينهم أم يلتزمون بالتشريع البديل الذي‬
‫جاؤوا به‪ ،‬ما كانت عندهم جلنة مراقبة وجلنة متابعة ألمر الناس‪ ،‬هل الناس يلتزمون‬
‫بالتشريع البديل أم ال‪ ،‬أما هذه احلكومات الطاغوتية فأينما تذهب هنا رقيب على‬
‫الناس‪ ،‬هل خالفت القانون هنا أم ال‪ ،‬علما أن من صالحيات أعضاء الربملان‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪155‬‬

‫حماسبة الوزراء إذا خالفوا شيئا من الدستور أو القانون‪ ،‬وهلذا جتد بعض األحزاب إذا‬
‫حصلوا على كذا توقيع باستدعاء الوزير الفالو‪ ،‬يُستدعى ويُستجوب أمام الربملان‬
‫أنا خالفت املادة الفالنية من القانون‪ ،‬وخالفت النص الفالو من الدستور‪ ،‬إذا‬
‫هؤالء حيملون الناس بالقوة للخضوع هلذا الدين الباطل دين امللا‪ ،‬مث هلم عيون وهلم‬
‫أناس يتابعون املخالفني هلذا القانون‪ ،‬فإذا وجدوا من خيالف فإهنم حيملونه على‬
‫الطاعة بالقوة‪ .‬إذا من هنا كانوا أسوأ حاال من علماء اليهود ومن علماء النصارى‪.‬‬

‫أسوأ َح ًاال يم ْن يج َهة ثَاليثَة‪ :‬أهنم وضعوا عقوبات للمخالفني‪ ،‬أي إنسان‬
‫َوَكانُواْ ْ‬
‫خيالف القانون أو الدستور يُعاقب وجب القانون و وجب الدستور‪ .‬وأذكر لا‬
‫مثال‪ :‬لو أن أحدهم جترأ وبدأ يصنع اخلمر يف بيته‪ ،‬هل تعلم أنه يُعاقَب قانونا؟ ال‬
‫ألن صناعة اخلمر حرام‪ ،‬بل ألنه صنع شيئا دون إذا القانون‪ ،‬هذه ُمالفة قانونية‬
‫ُحياسب عليها‪ .‬ويف منطقتنا كان رجل يصنع اخلمر‪ ،‬وبني فرتة وأخرى جتده مع‬
‫الشرطة يُؤخذ إىل املخفر‪ ،‬ملاذا؟؛ ألهنم داُهوا بيته ووجدوا مخرا‪ ،‬قالوا‪ :‬أنت ما عند‬
‫إجازة‪ ،‬وأنت تصنع اخلمر‪ ،‬القانون يُعاقبا على هذا‪ ،‬وكان الرجل يُسجن‪.‬‬

‫إذا بالقوة حلوا على اخلضوع هلذا الدين الباطل‪ ،‬مث بعد ذلا جعلوا العيون‬
‫ملتابعة من خيالف‪ ،‬مث وضعوا العقوبات على من خيالف‪ ،‬إذا يقينا هم أسوأ حاال من‬
‫األحبار ومن الرهبان‪ ،‬وأسوأ حاال من اليهود يف طاعتهم لعلمائهم‪ ،‬هذا ما ينبغي‬
‫للمسلم أن يعرفه عن هذه احلكومات الطاغوتية‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ْ ََ ُ ُ‬
‫اال ْخ َر َى التي َي ْن َبغي َل َك ْأن َت ْعر َفها َع ْن َ‬
‫ات‬
‫ِ‬ ‫وم‬ ‫ك‬ ‫الح‬ ‫ه‬
‫ِِ‬‫ذ‬‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِلسألة‬
‫ُ َ‬ ‫َّ ُ‬
‫الطاغو ِتي ِة اِل ْرتد ِة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪156‬‬

‫علي وعليا بأمر هللا ¸‪ ،‬آيةٌ سبق أن استشهدنا‬


‫يا إخوة‪ ..‬قتال هؤالء واجب ّ‬
‫هبا أكثر من مرة يف سورة البقرة ويف سورة األنفال‪ ،‬واليت أذكرها يف [سورة األنفال‪:‬‬
‫ين ُكلُّهُ َِللِ فَِإ ِن‬ ‫‪ ]39‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وقَاتِلُوهم حىت ال تَ ُكو َن فِتـنةٌ وي ُكو َن ِّ‬
‫الد ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ُ َ‬
‫صريٌ﴾‪ ،‬هؤالء ما جعلوا شيئا هلل‪ ،‬ولو أهنم جعلوا كل‬ ‫انـتَـهوا فَِإن اَلل ِ َا يـعملُو َن ب ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫شيء هلل إال شيء واحد لغري هللا‪ ،‬أنت مأمور بأمر هللا ¸ أن تُقاتل هؤالء الناس‪،‬‬
‫حرفوه‪ ،‬وأدخلوه حتت الدستور‬
‫فما بالا أهنم ما جعلوا شيئا هلل ¸‪ ،‬وما جعلوه قد ّ‬
‫وحتت مواد القانون‪ ،‬فهم حيكمون بالدستور والقانون كما قلنا سابقا‪ ،‬وال حيكمون‬
‫باسم هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫ولذلا جتدهم عندما خيرج القرار من الربملان‪ ،‬وإن كان (إبراهيم نعمة) الذي‬
‫يقرأ البيان ال يستطيع أن يقول "بسم هللا الرحن الرحيـم"‪ ،‬وإمنا يقول‪" :‬بسم‬
‫الشعب"! ألن األحكام تصدر باسم الشعب نيابة عنهم؛ ألن هؤالء ميثلون الشعب‬
‫سمي باسم هللا‬
‫وحيكمون الناس باسم الشعب‪ ،‬إذا عندما يضع قانونا أو تشريعا ما يُ ّ‬
‫سميه باسم الشعب؛ إذا إذا علمت أن‬ ‫حىت لو كان موافقا لشرع هللا ¸‪ ،‬وإمنا يُ ّ‬
‫علمت أهنم قد اختذوا من جلنة كتابة‬
‫َ‬ ‫دينهم دين امللا (الدستور والقانون)‪ ،‬وإذا‬
‫الدستور أربابا‪ ،‬فاعلم أن هللا ¸ قد أمر قاتلة هؤالء حىت يكون الدين كله هلل‪ ،‬ال‬
‫نرضى أن يكون شيئا من احلكم لغري هللا ¸‪ ،‬وإال فالصحابة ملاذا جتشموا كل هذا‬
‫العناء حىت يُوصلوا هذا الدين إلينا يسريا سهال‪ ،‬مث بعد ذلا جنعل الدين لغري هللا ¸‬
‫وهم َحىت ال‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَاتلُ ُ‬
‫وحنن نؤمن هبذا الدين؟! معاذ هللا أن يكون األمر كذلا‪ .‬إذا َ‬
‫ين ُكلُّهُ َِللِ﴾‪.‬‬ ‫تَ ُكو َن فِتـنةٌ وي ُكو َن ِّ‬
‫الد ُ‬ ‫َ ََ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪157‬‬

‫واغيت‪ :‬أهنم من أحرص الناس على ِ‬ ‫َك أَ ْن تَع يرفَه عن ه ي‬


‫ؤالء الطَّ ي‬ ‫ي‬
‫إبعاد‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َوِمَّا يَ ْنبَ يغي ل َ‬
‫املسلمني عن دينهم‪ ..‬ال يوجد هلم هم سوى أن يعملوا على إبعاد املسلم عن دينه‪،‬‬
‫وأنتم تذكرون يف زمن البعثيني عندما كان أحد الشباب يرتدد إىل املسجد‪ ،‬كان‬
‫حس‬
‫يُالحق من قبل االستخبارات ومن قبل األمن ومن قبل احلزب‪ ،‬مث بعد ذلا إذا ّ‬
‫وعلِ َم أنه ُمتابع كان حىت يُتيّه األمر‪ ،‬كان يذهب إىل الكازينو‬
‫هذا املسلم على نفسه َ‬
‫وإىل املقهى شيء‪ ،‬وإىل هنا شيء وإىل ُهنا شيء‪ ...‬فكانت التقارير األخرية تكتب‪:‬‬
‫"حتسنت أخالقه"‪ ،‬فما كانوا يُتابعونه بعد ذلا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ما يفعلونه الطواغيت اآلن يف بالد املسلمني أش ّد من هذا بكثري‪ ،‬هل تعلم أن‬
‫يف تونس من كان يُستدعى‪ ،‬أول ما يُكشف عن رجله لَِريى هل هنا أثر يف قدمه‬
‫أو يف رجله للسجود! ألن املسلم عندما ُيلس على رجله هنا ندبة‪ ،‬هذا أثر على‬
‫أنا تُصلّي‪ ،‬هذه كان يؤاخذ املسلم عليها يف ذلا الوقت‪ ،‬ومن يفتح الضوء يف‬
‫وقت الفجر معىن ذلا أن هذا البيت يصلي الصبح‪ ،‬يُتابَع‪ ،‬إذا باإلضافة إىل نشر‬
‫الفساد ‪-‬والعياذ باهلل‪ُ -‬ههم الوحيد كيف يعملون على إبعاد املسلمني عن دينهم؛‬
‫س بسوء إال من قبل املسلمني‪ ،‬إذا‬ ‫ألهنم يعلمون أن هذا الكرسي الطاغويتّ ال ُمي ّ‬
‫ُيب أن ال يكون املسلم على دينه‪ ،‬وإمنا يرضون منه أن يكون إنسانا مساملا كما‬
‫يريد إخوان مصر وكما يريد احلزب العراقي‪ ،‬إنسان ُمسامل وينبذ العنف وال يؤمن‬
‫قربونه أيضا‪.‬‬
‫أساسا‪ ،‬ليس وقت جهاد‪ ،‬هذا النوع من املسلم ُحيبّذونه بل يُ ّ‬
‫هذه مسائل ينبغي للمسلم أن يعرفها عن هؤالء الطواغيت‪ ،‬أما يف درس الحق‬
‫إن شاء هللا تعاىل سنتكلم ما الذي ُيب عليا جتاه هؤالء الطواغيت‪.‬‬

‫أقول قو هذا‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪158‬‬

‫اس ُع‬ ‫س َّ‬


‫الت‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َّ‬
‫الد‬
‫ِ‬
‫يت؟‬ ‫واغ‬
‫َّ‬
‫الط‬ ‫ؤالء‬ ‫ه‬ ‫َما الذي َيج ُب َع َلينا ت َج َاه َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا و ِ‬
‫أعنا على‬ ‫َ‬
‫أعنا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علِّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬‫اطال و ِ‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا الباطل ب ِ‬
‫َ َ‬
‫اتِّ ِ‬
‫لمنا ُحجة لنا يوم نلقا وال‬ ‫ِ‬
‫علمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫جتعلهُ ُحجة علينا يا أرحم الراحني‪ .‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪ ،‬وال‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ويسر أمري‪ ،‬واحلُل‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫جتعل فيه نصيبا ألحد من خلقا‪ِّ ،‬‬
‫رب اشر‬
‫قدة من لساو يفقوا قو ‪ .‬أما بعد‪:‬‬ ‫عُ َ‬
‫لقاء يوم أمس عن ُمنفذي الدستور‪ ،‬وقلنا‬ ‫تكلمنا ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ -‬يف ِ‬
‫املقصود باملنفذين هذه احلكومات اليت حتكم بغري ما أنزل هللا ¸ بتشكيالهتا‬
‫الثالثة‪ :‬السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ..‬وقلنا هؤالء ال حيتاجون إىل إقامة‬
‫للمسلم أن يعرفه عن‬
‫حجة يف إطالق اسم الطاغوت عليهم‪ ،‬وكذلا ذكرنا ما ينبغي ُ‬
‫هؤالء الطواغيت‪ ،‬من ضمن هذه املسائل قلنا أ ّن دين هذه احلكومات الطاغوتيّة‬
‫زعم‪ ،‬وإمنا دينهم الدستور‬
‫الدستور والقانون وليس اإلسالم‪ ،‬فإذا ادعوا فهذا ٌ‬
‫والقانون‪ .‬وكذلا قلنا أن رهبم جلنة كتابة الدستور‪ ،‬واستشهدنا باآليات يف ذلا‪ ،‬مث‬
‫ذكرنا مسألة أخرى أن هؤالء يُعادون أهل السنة بالذات ويعملون على تنحية املسلم‬
‫عن دينه وأن يتحول إىل مسلم ُمسامل يرضون عنه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪159‬‬

‫نُكمل حديثنا وشيء متعلق وضوعنا وهو‪ :‬ما ال ِذي َُِيب علَينا ُجتاه ه ِ‬
‫ؤالء‬ ‫ُ َ َ ََ َ‬ ‫َ‬
‫الطو ِ‬
‫اغ ِ‬
‫يت؟‬ ‫َ‬
‫إذا تي ّقنت اآلن أن هذه احلكومات حكومات طاغوتيّة كما مسّاها هللا ¸‪،‬‬
‫فماذا ُيب علينا حنن املسلمون جتاه هذه احلكومات الطاغوتيّة؟‪ ،‬أقول مستعينا باهلل‬
‫¸‪:‬‬

‫يت ُه َو‪ :‬أن تَك ُفَر ِهبَ َؤال ِء‬ ‫األو ُل ال ِذي يـنبغِي لِلمسلِ ِم ُجتاه ه ِ‬
‫ؤالء الطو ِ‬
‫اغ ِ‬
‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ِّيءُ َّ‬ ‫ال ّ‬
‫يت‪ ،‬دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَ َمن يَك ُفر‬ ‫الطو ِ‬
‫اغ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِالطاغُ ِ‬
‫ص َام َهلَا﴾ [البقرة‪.]256:‬‬ ‫وت َويـُؤِمن بِاَلل فَـ َقد استَم َس َ‬
‫ا بِالعُرَوة ال ُوثـ َقى َال انف َ‬
‫معىن هذه اآلية أو تفسري هذه اآلية‪ :‬هذه اآلية شرطيّة‪ ،‬أي أهنا بدأت بأداة‬
‫شرط (من)‪﴿ ،‬فَ َمن يَك ُفر﴾‪ ،‬وكل أداة شرط كما قلنا سابقا حتتاج إىل ٍ‬
‫(فعل) تأتيه‬
‫سمى (جواب الشرط)‪ ،‬أي تأيت هبذا‬
‫أنت‪ ،‬مث هنا ما يرتتب على إتيان هذا الفعل يُ ّ‬
‫الفعل‪ ،‬فتتلقى اإلجابة على هذا الفعل الذي فعلته‪ ،‬فيكون‪ :‬أداة شرط وفعل شرط‬
‫وجواب شرط‪.‬‬

‫فأداة الشرط هنا‪( :‬من)‪ ،‬أما فعل الشرط‪ ..‬ما الذي ينبغي ولا أن نفعله؟‪،‬‬
‫وت َويـُؤِمن بِاَللِ﴾‪ ،‬إذا شرط يف اإلميان‪ :‬أن نكفر بالطاغوت‬
‫قال‪﴿ :‬يك ُفر بِالطاغُ ِ‬
‫َ‬
‫وأن نُؤمن باهلل‪ ،‬فمن كفر بالطاغوت وآمن باهلل‪ ..‬يكون جواب الشرط‪﴿ :‬فَـ َق ِد‬
‫ا بِالعُرَوةِ ال ُوثـ َقى﴾‪.‬‬
‫استَم َس َ‬
‫الـ ُمفسرون ‪ †-‬رحة واسعة‪ -‬ذكروا أقواال يف تفسري العروة الوثقى‪ ،‬فمنهم من‬
‫قال معىن العروة الوثقى‪" :‬ال إله هللا"‪ ،‬ومنهم من قال‪" :‬القرآن"‪ ،‬ومنهم من قال‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪160‬‬

‫"الرسول"‪ ،‬ومنهم من قال‪" :‬اإلسالم"‪ ،‬لكن كل هذه املعاو صحيحة بالنسبة إىل‬
‫ط حىت نكون من املتمسكني بالعروة الوثقى‪ ،‬ابتداء‪ :‬أن نكفر‬ ‫العروة الوثقى‪ ،‬إذا شر ٌ‬
‫هبؤالء الطواغيت‪ ،‬مث نؤمن باهلل ¸‪ ،‬فمن آمن باهلل تبار وتعاىل ومل يكفر هبؤالء‬
‫الطواغيت‪ ،‬هبذه احلكومات الطاغوتيّة‪ ،‬هذا ليس من الـ ُمستمسكني بالعروة الوثقى‪،‬‬
‫ملاذا؟؛ ألنه لديه نقص يف فعل الشرط‪ ،‬هو آمن باهلل‪ ،‬لكن ما كفر بالطاغوت؛ إذا مل‬
‫يأت بفعل الشرط كما أمر هللا ¸‪ ،‬هللا تبار وتعاىل أراد منا أمرين‪ ،‬األمر األول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أن تكفر بالطاغوت‪ ،‬واألمر الثاو‪ :‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬فمن قال‪ :‬أنا أؤمن باهلل ¸‪ ،‬و ا‬
‫جاء عن رسول هللا ‘‪ ،‬وباليوم اآلخر‪ ،‬وبالكتاب‪ ،‬وبالنيب‪ ،‬آمن بكل هذا‪ ،‬لكن ما‬
‫لست من املستمسكني بالعروة‬ ‫كفر هبذه احلكومات الطاغوتية‪ ..‬نقول له‪ :‬أنت َ‬
‫ُ‬
‫الوثقى‪ ،‬ألن لديا نقص يف فعل الشرط‪ ،‬ووجود النقص يف فعل الشرط ال يرتتب‬
‫عليه جواب الشرط‪ ..‬فال تكون أنت من املستمسكني بالعروة الوثقى؛ إذا أول ما‬
‫ُيب علينا جتاه هؤالء الطواغيت أن نكفر هبذه احلكومات الطاغوتية‪.‬‬

‫وأنت تعلم أن هذه اآلية هلا عالقة بالشهادتني‪ ،‬فمن قال‪" :‬أشهد أن ال إله إال‬
‫هللا"‪ ،‬نسأله عندما قلت "ال إله"‪ ،‬هل نفيت األلوهية عن جلنة كتابة الدستور وعن‬
‫هؤالء الطواغيت وعن الربملانيني‪ ،‬هل نفيت األلوهية عنهم؟‪ ،‬فإذا نفيتها‪ ،‬أَثبَت‬
‫أتيت بالشهادة‪ ،‬أما إذا مل ِ‬
‫تنف األلوهية والربوبية عن جلنة‬ ‫األلوهية هلل ¸؛ إذا أنت َ‬
‫أنت ما نفيت‬ ‫كتابة الدستور‪ ،‬وأن الربملانيني هلم حق أن يضعوا التشريعات‪ ،‬إذا َ‬
‫األلوهية عن هؤالء‪ ،‬فما فائدة أن تقول "إال هللا"؟!‪ ،‬ال ينفع قولا "إال هللا" إن مل‬
‫تنف األلوهية عن كل من زعم أنه إله أو ُز ِع َم له أنه إله‪.‬‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪161‬‬

‫إذا هذه مسألة متعلقة بالشهادتني‪ ،‬وواجب على كل مسلم أن يعرف معىن هذه‬
‫اآلية حىت يعلم كيف يكون من املستمسكني بالعروة الوثقى‪.‬‬

‫ُهنا يأيت السؤال‪ :‬أنا أريد أن أكفر هبؤالء الطواغيت‪ ،‬كيف أكفر؟‪ ،‬ما الذي‬
‫أفعله حىت أكون من الذين يكفرون بالطواغيت؟‬

‫اإلميان باهلل أعرف‪ ..‬لكن كيف أكفر هبؤالء الطواغيت حىت أكون من أهل هذه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اآلية‪﴿ :‬فَمن يك ُفر بِالطاغُ ِ‬
‫ص َام‬ ‫وت َويـُؤِمن بِاَلل فَـ َقد استَم َس َ‬
‫ا بِالعُرَوة ال ُوثـ َقى َال انف َ‬ ‫َ َ‬
‫َهلَا وهللا مسيع عليم﴾؟‬

‫اإلجابة على هذا السؤال يف قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ‬
‫حسنَةٌ ِيف إِبـر ِاهيم وال ِذين معه إِذ قَالُوا لَِقوِم ِهم إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ َ َ َ ََُ‬ ‫ََ‬
‫ضاءُ أَبَدا َح ٰىت تُـؤِمنُوا بِاَللِ َوح َدهُ﴾‬‫َك َفرنَا بِ ُكم َوبَ َدا بَـيـنَـنَا َوبـَيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ َوالبَـغ َ‬
‫[املمتحنة‪ ،]4:‬هذه اآلية فيها جمموعة من املسائل منر عليها بإذن هللا تعاىل‪ ،‬وقبل‬
‫احلديث عن أنه من خالل هذه اآلية كيف أَكفر هبؤالء بالطواغيت‪ ،‬نشري إىل بعض‬
‫املسائل‪..‬‬

‫األو َل‪ :‬ملاذا جعل هللا ¸ نيب هللا إبراهيم أسوة لنا يف هذه اآلية؟‪،‬‬
‫ال َم ْسأَلَةُ ّ‬
‫علما أن نبينا هو حممد بن عبدهللا ‘‪ ،‬وقد قال هللا تبار وتعاىل عنه يف هذا‬
‫ول اَللِ أُس َوةٌ َح َسنَةٌ﴾ [األحزاب‪ ،]21:‬فهذا‬
‫الكتاب املبار ‪﴿ :‬ل َقد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ‬
‫َُ‬
‫االستثناء بالنسبة لنيب هللا إبراهيم يف هذه املسألة ملاذا؟‪ ،‬ملاذا هو أسوتنا يف هذه اآلية‬
‫أو يف هذه املسألة بالذات؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪162‬‬

‫األو ُل‪ :‬ألن هللا ¸ قد جعل إبراهيم إماما للناس يف قول هللا‬ ‫ب ّ‬ ‫السبَ ُ‬
‫ال َعه ِدي‬ ‫ا لِلن ِ‬
‫اس إِ َماما ۚ قَ َال َوِمن ذُِّري ِيت ۚ قَ َال َال يَـنَ ُ‬ ‫تبار تعاىل‪﴿ :‬إِِو ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫ّ َ‬
‫نيب هللا إبراهيم جعله هللا ¸ إماما للناس مجيعا‪ ،‬وهلذا‬ ‫ا‬‫إذ‬ ‫؛‬ ‫ني﴾ [البقرة‪]124:‬‬ ‫الظالِ ِ‬
‫م‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫جتد اليهود يدعون أن نيب هللا إبراهيم كان يهوديًّا‪ ،‬النصارى يدعون أنه كان نصرانيًّا‪،‬‬
‫إذا هم يؤمنون بنبوة نيب هللا إبراهيم‪ ،‬وكذلا النصارى يؤمنون‪ ،‬واملشركون أيضا كانوا‬
‫قرون لنيب هللا إبراهيم بالنبوة‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن‬ ‫يؤمنون‪ ،‬بل كثري من أصحاب األديان اآلن يُ ّ‬
‫سميه‬‫ِ‬
‫هللا ¸ جعله إماما للناس‪ ،‬ومعىن اإلمام‪ :‬أي املُتق ّدم‪ .‬وهلذا الذي يُصلّي فينا نُ ّ‬
‫إماما‪.‬‬

‫إذا أهل األديان اعرتفوا بنبوة نيب هللا إبراهيم‪ ،‬لكن اليهود آمنوا وسى ومل يؤمنوا‬
‫حمد ‘‪ ،‬والنصارى آمنوا بعيسى ومل يؤمنوا برسول هللا ‘‪ ،‬إذا هنا تباين بني‬
‫األقوام وبني األديان يف اإلميان باألنبياء إال إبراهيم ’‪ ،‬وهلذا قال هللا ¸ عن‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب ِمل ُحت ُّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‬
‫يم َوَما أُنزلَت التـوَراةُ َواإلجن ُ‬ ‫اجو َن يف إبـَراه َ‬ ‫اليهود والنصارى‪﴿ :‬يَا أَه َل الكتَ ِ َ َ‬
‫إِال ِمن بَـع ِدهِ﴾ [آل عمران‪ ،]65:‬كيف تقول أنه يهودي ودينا جاء بعده؟‪ ،‬كيف‬
‫تقول أنه نصراو ونبيا جاء بعده؟ ﴿ما َكا َن إِبـر ِاهيم يـه ِ‬
‫وديًّا َوال نَصَرانِيًّا َولَ ِكن َكا َن‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قرون‬ ‫ني﴾ [آل عمران‪ ،]67:‬إذا كل أهل األديان يُ ُّ‬ ‫َحنيفا ُمسلما َوَما َكا َن م َن ال ُمش ِرك َ‬
‫لنيب هللا إبراهيم باإلمامة وبالنبوة ألن هللا ¸ جعله للناس إماما‪.‬‬

‫يم﴾‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫فعندما يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ َح َسنَةٌ يف إبـَراه َ‬
‫قر بنبوة نيب هللا إبراهيم وبإمامته‬ ‫ِ‬
‫بإمكاننا أن ُحناج َج اليهود هبذه اآلية‪ ،‬إذا كنت تُ ّ‬
‫تقر لنيب هللا إبراهيم‬
‫فهذا فعلُه‪ ،‬وبإمكاننا أن حنتج على النصارى هبذه اآلية‪ ،‬إذا كنت ّ‬
‫عليا‬
‫فعل نيب هللا إبراهيم‪ ،‬وهذه هي األعمال اليت قام هبا َ‬ ‫بالنبوة وباإلمامة‪ ،‬إذا هذا ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪163‬‬

‫تج عليهم هبذه اآلية‪ ،‬قد‬


‫أن تقوم هبا؛ إذا من باب اإلمامة واالعرتاف به كلهم ُحي ُّ‬
‫يكون هذا السبب أو هذه احلكمة‪.‬‬

‫أما احلكمة األخرى وهللا تبار وتعاىل أعلم وأحكم‪ :‬أن نيب هللا إبراهيم أقدم‬
‫على أم ٍر وهو ُمستضعف لوحده‪ ،‬عندما جاء قومه ودعوه للخروج معهم يف العيد‬
‫يدن أَصنَ َام ُكم بَـع َد أَن‬‫﴿وتَاَللِ َألَكِ َ‬
‫تعلّل بأنه سقيم‪ ،‬لكنه بعد أن غادره قومه قال‪َ :‬‬
‫ج َذإذا إِال َكبِريا هلُم لَ َعل ُهم إِلَي ِه يَـرِجعُو َن﴾ [األنبياء‪-57:‬‬ ‫ين ۝ فَ َج َعلَ ُهم ُ‬
‫ُّ ِ‬
‫تُـ َولوا ُمدب ِر َ‬
‫كسر هذه األصنام لوحده‪ ،‬وعندما رجع قومه ورأوا ما‬ ‫‪ ،]58‬إذا هو كان لوحده‪ ،‬و ّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫نال آهلتهم من التكسري ومن التفتيت‪﴿ :‬قَالُوا َمن فَـ َع َل َٰه َذا بِآهلَتنَا إِنهُ لَم َن الظالم َ‬
‫ني‬
‫ني الن ِ‬
‫اس‬ ‫ال لَهُ إِبـر ِاهيم ۝ قَالُوا فَأتُوا بِِه َعلَى أَع ُ ِ‬
‫۝ قَالُوا َِمسعنَا فَـىت يَذ ُك ُرُهم يـُ َق ُ‬
‫َ ُ‬
‫لَ َعل ُهم يَش َه ُدو َن﴾ [األنبياء‪ ،]61-59:‬إذا هبذا الفعل الذي أقدم عليه نيب هللا إبراهيم‬
‫يستحق أن يكون إماما للناس يف هذه املسألة‪ ،‬هللا تبار وتعاىل أحكم قد يكون هذا‬
‫جعل نيب هللا إبراهيم أسوة لنا ولغرينا يف هذه اآلية‪.‬‬ ‫سبب ِ‬

‫ين َم َعهُ﴾‪ ،‬من هؤالء الذين معه؟‪ ،‬اإلمام اجلصاص ‪ -¬-‬يف‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫مث قال‪َ :‬‬
‫ين َم َعهُ﴾‪ ،‬أي من آمن بإبراهيم يف زمانه"‪ ،‬هذا قول‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫تفسريه قال‪" :‬املقصود ب ـ َ‬
‫القول اآلخر قال‪" :‬كل األنبياء كانوا على هذا النهج الذي عليه نيب هللا‬
‫ين َم َعهُ﴾ أي‪ :‬األنبياء‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫إبراهيم"‪ ،‬إذا قد يكون من آمن به يف زمانه‪ ،‬وقد يكون َ‬
‫الذين أرسلهم هللا ¸ هم مع نيب هللا إبراهيم يف هذه الشروط اليت ذكرت يف هذه‬
‫اآلية‪.‬‬

‫أقول ‪-‬وهللا تبار وتعاىل أعلم وأحكم‪ :-‬أن اآلية حتتمل املعنيني‪ ،‬حتتمل من‬
‫آمن بنيب هللا إبراهيم‪ ،‬وحتتمل مجيع األنبياء والرسل‪ ،‬ودليل ذلا من كتاب هللا تبار‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪164‬‬

‫اس بِِإبـر ِاه ِ‬ ‫ِ‬


‫ين اتـبَـعُوهُ‬ ‫وتعاىل آية يف سورة آل عمران‪ ،‬يقول هللا ¸‪﴿ :‬إن أَوَىل الن ِ َ َ‬
‫يم لَلذ َ‬
‫ِِ‬ ‫وه َذا النِ ِ‬
‫ني﴾ [آل عمران‪]68:‬؛ إذا الذين معه هم‬ ‫ين َآمنُوا َواَللُ َوِ ُّ ال ُمؤمن َ‬
‫يب َوالذ َ‬
‫ُّ‬ ‫ََ‬
‫تنس النيب أيضا ومن آمن بالنيب أيضا مع نيب هللا إبراهيم‪ ،‬إذا‬ ‫الذين اتبعوه‪ ،‬لكن ال َ‬
‫ين َم َعهُ﴾ أي‪ :‬من آمن بإبراهيم كان‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم َوالذ َ‬
‫﴿قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ َح َسنَةٌ يف إبـَراه َ‬
‫على هذا النهج‪ ،‬ورسول هللا ‘ على هذا النهج‪ ،‬ومن آمن برسول هللا ‘ حقًّا‬
‫على هذا النهج‪.‬‬

‫التأسي ُحن ِّقق‬


‫ِ‬
‫ين َم َعهُ﴾‪ ،‬كيف نتأسى بنيب هللا إبراهيم‪ ،‬ومن خالل هذا ّ‬
‫ِ‬
‫﴿ َوالذ َ‬
‫وت ويـؤِمن بِاَللِ فَـ َق ِد استمسا بِالعروةِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َُ‬ ‫يف ذاتنا قول هللا ¸‪﴿ :‬فَ َمن يَك ُفر بالطاغُ َ ُ‬
‫ال ُوثـ َقى﴾؟‬

‫َّأوًال‪﴿ :‬إِذ قَالُوا لَِقوِم ِهم إِنا بـَُرآءُ ِمن ُكم﴾‪ ،‬هذا الشرط األول يف التأسي بنيب هللا‬
‫إبراهيم‪ ،‬أن تقولوا لقومكم إنا برآءُ منكم‪ ،‬فهم هذا الشرط حيتاج إىل أمرين‪:‬‬

‫األو ُل‪ :‬أن أفهم معىن براءة‪ ،‬ما معىن ّ‬


‫التربؤ؟‪ ،‬مث بعد ذلا إذا علمت‬ ‫األم ُر ّ‬
‫َ‬
‫التربؤ‪ ،‬أتربأ ممن؟‪ ،‬فبتحقق هذين األمرين يتحقق فيا الشرط األول‪.‬‬

‫ئ‪ :‬سلم وخلي وفارق‪ ،‬يقول صاحب [ُمتار‬ ‫الصحا ]‪ :‬ب ِر َ‬


‫ِ‬
‫الرباءة كما يف [ُمتار ّ‬
‫وبارأ شريكه أي‪ :‬فارقه"‪ .‬إذا معىن بُرآء‬ ‫ِ‬
‫"بارأ الرجل زوجته أي‪ :‬فارقها‪َ ،‬‬
‫الصحا ]‪َ :‬‬ ‫ّ‬
‫أي‪ :‬سليمني‪ ،‬خالني‪ ،‬وكذلا مفارقني‪ .‬هذا معىن الرباءة‪.‬‬

‫فإذا علمت هذا‪ ،‬عليا أن تعلم ممن تتربأ‪ ،‬هذا األمر ُحيتِّم عليا أن حتيط علما‬
‫ِ‬
‫بالفَرِق املوجودة يف املنطقة اليت تتواجد فيها‪ ،‬وعقائد هذه الفرق‪ ،‬فمن كان على‬
‫منهاج أهل السنة واجلماعة ال ميكن أن تتربأ منه‪ ،‬فإذا وجدت فئة ليسوا على منهاج‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪165‬‬

‫التأسي بنيب هللا‬


‫أهل السنة واجلماعة؛ عليا أن تتربأ منهم‪ ،‬ألن هذا الشرط األول يف ّ‬
‫إبراهيم‪﴿ :‬إِنا بـَُرآءُ ِمن ُكم﴾‪.‬‬

‫فالفَرق املوجودة يف الساحة اآلن‪ :‬إما أهنم كفار أصليون ويلتحق هبؤالء‬ ‫ِ‬
‫العلمانيون‪ ،‬وإما أهنم مشركون أصليون ويلتحق هبؤالء املشركني املتصوفة‪ ،‬ويلتحق‬
‫هبؤالء املشركني مجاعة احلزب العراقي‪ ،‬ويلتحق هبؤالء املشركني املرجئة‪ ،‬أما الرافضة ال‬
‫نتحدث عن هؤالء؛ ألن هؤالء ليسوا مسلمني‪ ،‬فال نذكرهم يف حديثنا ألن هؤالء ما‬
‫هلم عالقة باإلسالم‪.‬‬

‫إذا علمت ما معىن الرباءة ( عىن سلم وخلي وفارق)‪ ،‬مث أحطت علما بالفرق‬
‫مت أن املتصوفة عندهم شر دعاء‪ ،‬وعلمت أن‬ ‫ِ‬
‫املوجودة‪ ،‬وبعقائد هذه الفرق‪ ،‬فعل َ‬
‫احلزب العراقي لديهم شر طاعة؛ إذا هذه اآلية تُلزما إذا أردت أن تتأسى بنيب هللا‬
‫إبراهيم‪ ،‬تُلزما بأن تتربأ من هذه الفرق‪ ،‬كيف؟‬

‫أن تكون خاليا من عقائد هذه الفرق‪ ،‬ليس فيا شيء منهم‪ ،‬تفارقهم بذاهتم‪،‬‬
‫وتفارقهم وتكون خاليا منهم‪ ،‬فإذا حتق َق فيا هذا األمر فيتحقق فيا‪﴿ :‬إِذ قَالُوا‬
‫لَِقوِم ِهم إِنا بـَُرآءُ ِمن ُكم﴾‪ ،‬وهذا األمر يدخل يف الوالء والرباء كما تعلم‪ ،‬فمن كان‬
‫على اإلميان ‪-‬ونسأل هللا العافية‪ ،-‬مث أقرب الناس إليه يف الطرف اآلخر‪ ،‬فعليا أن‬
‫تتربأ منه ﴿إِنا بـَُرآءُ ِمن ُكم﴾‪ ،‬وهذا ال مينع أن تدعوهُ إىل هللا ¸ وأن تُ ّبني له احلق‬
‫الذي خفي عليه أو احلق الذي أعرض عنه‪ ،‬ال مينعا من أن تدعوه‪ ،‬ولكن عليا‬
‫أن تتربأ من كل من كان خارج دائرة أهل السنة واجلماعة‪.‬‬

‫والصحابة كانوا هبذه املنزلة‪ ،‬وهلذا أكرمهم هللا ¸ يف الذكر يف القرآن‪ ،‬على‬
‫سبيل املثال‪ :‬مصعب بن ُع َمري ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬يف غزوة بدر‪ ،‬كان من ضمن األسرى‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪166‬‬

‫أخ له امسه عزيز بن عُ َمري‪ ،‬وجد أحد الصحابة يش ّد وثاقه ألنه أسري‪ ،‬رآه مصعب‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫فقال للصحايب‪ُ :‬ش ّد وثاقه فإ ّن أمه ذات متاع‪ ،‬فقال عزيز ملصعب (أخيه بالنسب)‬
‫يف وأنت أخي؟‪ ،‬قال‪ :‬بل هو أخي من دونا‪ ،‬هذا الذي‬ ‫قال‪ :‬أهذه وصاتا ّ‬
‫يربطا هو أخي‪ ،‬أما أنت فال‪﴿ .‬إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ﴾‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫الفرق‪ ،‬وتربأت من هذه ِ‬
‫الفَرق‪ ،‬وأصبحت‬ ‫ِ‬
‫إذا الشرط الثاو‪ :‬بعد أن علمت َ‬
‫خاليا من التعلق هبم وفارقتهم‪ :‬عليا أن تعرف معبوداهتم من دون هللا ¸‪.‬‬

‫طاملا أهنا فرق ضالة‪ ،‬إذا هلا معبودات من دون هللا ¸‪ ،‬فعليا أن تعرف‬
‫عقائدهم حىت تتربأ من آهلتهم‪﴿ ،‬إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ﴾‪ ،‬فكل‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫تتربأ من‬
‫تتربأ من هذه الفرقة وأن ّ‬ ‫فرقة هلا نوع من العبودية لغري هللا ¸‪ ،‬عليا أن ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫رين‪:‬‬ ‫معبود هذه الفرقة‪َ ،‬ولَك ْن ِف َم ْسأَلَة ال َم ْعبُود َعلَينَا أَ ْن ُُنيّز بَ َ‬
‫ني ْأم ْ‬
‫نتربأ منها بذاهتا‪ ،‬أي‪ :‬من ذاهتا‪ ،‬أما بعض املعبودات ال ُميكن‬
‫بعض املعبودات ّ‬
‫أن نتربأ من ذاهتا‪ ،‬املعبود إذا كان صنما أو حجرا أو شجرا‪ ،‬هذا نتربأ منه بذاته‪ ،‬أي‬
‫قر له بألوهية‪ ،‬ال ينفع وال يضر‪.‬‬
‫ال نُ ّ‬
‫نتربأ من ذواهتم‪ ،‬أنت تعلم أن النصارى‬‫أما بعض املعبودات ال نستطيع أن ّ‬
‫أتربأ من النصارى‪ ،‬لكن‬
‫يعبدون عيسى ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة والسالم‪ ،-‬فأنا ّ‬
‫أقر لعيسى‬
‫أتربأ من عيسى ’ بذاته‪ ،‬إذا كيف أك ُفر عبودهم؟‪ ،‬ال ّ‬ ‫ال ُميكن أن ّ‬
‫باأللوهية‪ ،‬أي أنه ال ينفع وال يضر بعد أن رفعه هللا إليه‪.‬‬

‫كذلا علي بن أيب طالب ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬واحلسن واحلسني‪ ،‬ما نستطيع أن‬
‫نتربأ من ذوات هؤالء ألهنم مبشرون باجلنة‪ ،‬وأنت تعلم أن الرافضة يعبدوهنم‪ ،‬إذا‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪167‬‬

‫أتربأ من معبوداهتم؟‪ ،‬أي أن ال أقر هلم بأهنم آهلة يُعبدون من دون هللا‪ ،‬وأن ال‬ ‫كيف ّ‬
‫أُقر هلم بأهنم ينفعون أو يضرون أو ُيلبون خريا أو يدفعون شرا؛ إذا كفرنا بكم ﴿إِنا‬
‫بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ﴾‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫نتربأ من‬
‫كذلا الشيخ عبدالقادر اجليالو ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬ال نستطيع أن ّ‬
‫ذاته ‪-‬وهللا حسيبه‪ ،-‬ألنه معروف أنه من علماء أهل السنة‪ ،‬ولكن هذه الفرقة‬
‫الضالة جعلته لنفسه علما‪ ،‬مث أضافت إليه من اخلزعبالت ما أنتم عاملون به؛ إذا ما‬
‫نتربأ من كونه يُعبد من دون هللا‪ ،‬أي يُدعى‬ ‫نتربأ من ذات عبدالقادر اجليالو‪ ،‬ولكن ّ‬‫ّ‬
‫توسل به من دون هللا‪ ،‬ويُطلب منه من دون هللا‪ ،‬وال نُِقُّر له أنه يدفع‬ ‫من دون هللا ويُ ّ‬
‫أو يضر‪ ،‬أو ُيلب خريا أو يدفع شرا‪ ،‬إذا ﴿إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫اَللِ﴾‪.‬‬
‫أما بيالنيّسب ية ليم ُ ي‬
‫وضوعنَا‪ ..‬بالنسبة هلذه احلكومات الطاغوتيّة‪ :‬عليا أن ت ّ‬
‫تربأ من‬ ‫َْ َ‬ ‫ّ‬
‫تتربأ من معبوداهتم‪ ،‬وسبق أن قلنا أن‬ ‫هذه احلكومات بذاهتا‪ ،‬بكل تشكيالهتا‪ ،‬وأن ّ‬
‫تتربأ من هذه احلكومة‪ ،‬وأن تتربأ من‬ ‫معبودهم جلنة كتابة الدستور‪ ،‬عليا أن ّ‬
‫معبوداهتم جلنة كتابة الدستور ﴿إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ﴾ أي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬
‫تُطيعون من دون هللا ¸‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الثَّالي ُ‬
‫ث‪َ ﴿ :‬ك َفرنَا ب ُكم﴾‪ ،‬ومعىن كفرنا بكم أي‪ :‬ال نُ ّ‬
‫قر لكم هبذا املعتقد الذي‬
‫ومعتقدهم‪،‬‬‫قر للمتصوفة دينهم ُ‬ ‫أنتم عليه‪ ،‬فال نُقر للرافضة دينهم ومعتقدهم‪ ،‬وال نُ ّ‬
‫قر هلذه‬
‫قر للحزب العراقي معتقدهم ودينهم‪ ،‬ألن دينهم دين الدميقراطية‪ ،‬وال نُ ّ‬ ‫وال نُ ّ‬
‫احلكومات الطاغوتيّة باحلكم وال باحلاكمية‪ ،‬ال نعرتف هبم ُح ّكاما‪ ،‬وال نعرتف ا‬
‫قركم على ما‬ ‫ِ‬
‫حيكمون به أيضا من القوانني والدساتري‪ ،‬إذا ﴿ َك َفرنَا ب ُكم﴾ أي‪ :‬ال نُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪168‬‬

‫قر لكم حبكم وال حاكمية‪ ،‬فمن حت ّقق فيه هذا الشرط‪ ،‬فقد حتقق‬ ‫أنتم عليه‪ ،‬وال نُ ّ‬
‫التأسي بنيب هللا إبراهيم ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫فيه الشرط الثالث من ّ‬
‫ط ًّ ي‬ ‫َّ‬
‫ظهر وبان‪،‬‬ ‫الراب ُع‪َ :‬‬
‫﴿وبَ َدا بَـيـنَـنَا َوبَـيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ﴾‪ ،‬ومعىن بدا‪ :‬أي َ‬ ‫الِّ ْر ُ‬
‫فعلى من أراد أن يتأسى بنيب هللا إبراهيم‪ ،‬وأن يكون من أهل هذه اآلية‪ ،‬أن يُظهر‬
‫من العداوة هلؤالء الطواغيت وهلذه الفرق الضالة ما يستطيع‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل أعلم‬
‫احد ِمنّا‪ ،‬وبعد ذلا حنن أيضا على علم بقدراتنا‪ ،‬والعداوة املطلوبة‬ ‫بقدرات كل و ٍ‬
‫﴿وبَ َدا بَـيـنَـنَا‬
‫هنا‪ :‬أن تظهر هلؤالء الطواغيت من العداوة على اجلوار ما تستطيع َ‬
‫َوبَـيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ﴾‪ ،‬العداوة هنا على اجلوار ‪ ،‬أما من مل يظهر هلم العداوة هذا ليس‬
‫﴿وبَ َدا بَـيـنَـنَا َوبَـيـنَ ُك ُم‬ ‫ِ‬
‫املتأسني بنيب هللا إبراهيم‪ ،‬وبالضرورة مل يكفر بالطاغوت َ‬ ‫من ّ‬
‫ال َع َد َاوةُ﴾‪.‬‬

‫هنا كالم لعبداللطيف آل الشيخ‪ ،‬كالم طيب أقرأه يف مسألة إظهار العداوة‪،‬‬
‫يقول عبداللطيف بن عبدالرحن آل الشيخ ¬‪ ،‬وهو من أبناء الشيخ حممد بن‬
‫تصور أ ّن أحدا يعرف التوحيد‪،‬‬
‫السنيّة] قال‪" :‬ال يُ ّ‬
‫عبدالوهاب كما تعلم يف [الدرر ّ‬
‫ويعمل به‪ ،‬وال يعادي املشركني(‪ )23‬ومن مل ي ِ‬
‫عادهم ال يُقال له‪َ :‬عرف التوحيد وعمل‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫به"(‪)24‬؛ إذا التوحيد مع عدم عداوة هؤالء ال يُعترب توحيدا‪ ،‬عليا أن تُظهر من‬
‫العداوة هلؤالء الطواغيت بقدر ما تستطيع‪.‬‬
‫الِّر ُ ي‬ ‫ُمثَّ بَ ْع َد َذلي َ‬
‫ضاءُ﴾‪ ،‬أي أن تُضمر هلؤالء الطواغيت‬ ‫ط اخلَّام ُ‬
‫س‪َ :‬‬
‫﴿والبَـغ َ‬ ‫ك َّ ْ‬
‫﴿وبَ َدا بـَيـنَـنَا َوبَـيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ والبغضاء﴾‪،‬‬
‫من البغض يف قلبا ما هللا ¸ به عليم؛ َ‬
‫تصور‪ ،‬سواء كانوا فَِرقا ضالة أم حكومات طاغوتيّة‪.‬‬
‫(‪ )23‬ال يُ ّ‬
‫(‪ )24‬الدرر السنية (‪.)359 /8‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪169‬‬

‫وأنت تعلم أن البغضاء من أعمال القلوب‪ ،‬والبغض ضد احلب‪ ،‬يقول هللا تبار‬
‫وتعاىل‪﴿ :‬ال َِجت ُد قَـوما يـؤِمنُو َن بِاَللِ واليـوِم ِ‬
‫اآلخ ِر يـُ َو ُّادو َن َمن َحاد اَللَ َوَر ُسولَهُ َولَو‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ب ِيف قُـلُوهبِِ ُم ا ِإلميَا َن‬ ‫َكانُوا آبَاءَ ُهم أَو أَبـنَاءَ ُهم أَو إِخ َوانَـ ُهم أَو َع ِش َريتَـ ُهم أُولَئِ َ‬
‫ا َكتَ َ‬
‫ات َجت ِري من حتتها األهنار﴾ [اجملادلة‪.]22:‬‬ ‫وأَي َدهم بِرو ٍ ِمنه ويد ِخلُهم جن ٍ‬
‫ُ َُ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـت ِخ ُذوا َع ُد ِّوي َو َع ُدوُكم‬ ‫ِ‬
‫كذلا قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫أَوليَاءَ تُـل ُقو َن إلَيهم بال َم َودة َوقَد َك َف ُروا َا َجاءَ ُكم ّم َن احلَ ِّق﴾ [املمتحنة‪ ،]1:‬إذا ُح ّ‬
‫هؤالء مع اإلميان باهلل ما ُيتمعان يف القلب‪ ،‬وإمنا ُيتمع يف القلب اإلميان باهلل‬
‫والبغض هلؤالء الطواغيت؛ ألن البغض من ضمن التأسي بنيب هللا إبراهيم‪.‬‬

‫أذ ُكر قصة ذكرها أحد املشايخ ‪-‬أسأل هللا تبار وتعاىل أن يتقبله يف عليني‪-‬‬
‫‪ ،‬هذه مسألة العداوة والبغضاء والوالء والرباء‪ ،‬قال‪ :‬كان أحد علماء التابعني يف‬
‫خراسان امسه هبلول‪- ،‬ما ذكر املصدر وإمنا مسعت منه مباشرة‪ ،-‬أرسل غالما له‬
‫إىل صاحب حانوت لكي يشرتي له زيتا بدرهم‪ ،‬فذهب الغالم إىل صاحب احلانوت‬
‫وكان نصرانيا‪ ،‬قال‪ :‬زيت بدرهم‪ ،‬فقال النصراو‪ :‬ملن الزيت؟‪ ،‬قال‪ :‬لبهلول‪ ،‬فقال‬
‫النصراو‪ :‬انظر يا هذا‪ ،‬كما أنكم حتبون هبلول لدينه‪ ،‬فنحن حنبه ألخالقه‪ ،‬هذا زيت‬
‫بدرُهني‪- .‬يعين زيادة يف الكمية‪ ،-‬رجع الغالم بالزيت إىل هبلول ‪-‬رحه هلل‪ ،-‬وجد‬
‫أن الكمية أكثر مما يُشرتى بدرهم‪ ،‬فسأل الغالم‪ :‬ما هذا؟‪ ،‬قال‪ :‬النصراو عندما‬
‫َعلِ َم أن الزيت لا ضاعف يف الكمية‪ ،‬ف ّكر قليال مث قال‪ :‬ارجع يا غالم بالزيت إىل‬
‫النصراو‪ ،‬فإو أخشى إن واظبت على األكل من هذا الزيت أن يقع شيء من حمبته‬
‫يف قليب‪ ،‬فأكون ممن قال هللا ¸ فيهم‪﴿ :‬ال َِجت ُد قَـوما يـؤِمنُو َن بِاَللِ واليـوِم ِ‬
‫اآلخ ِر‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫يـُ َو ُّادو َن َمن َحاد اَللَ َوَر ُسولَهُ َولَو َكانُوا آبَاءَ ُهم أَو أَبـنَاءَ ُهم﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪170‬‬

‫هللا املستعان!! بأمثال هؤالء وصل الدين إىل خراسان يا شباب‪..‬‬

‫وذكر الشيخ الذي حدثين هبذا األمر‪ ،‬كان يف السجن‪ ،‬قال‪ :‬استدعانا مدير‬
‫السجن وكان أحد الضباط قد جاء يف زيارة إىل السجن‪ ،‬وكنا ثالثة‪ ،‬جاؤوا لنا‬
‫بالشاي‪ ،‬أحدنا كان صائما كفاهُ هللا شر هذا الشاي‪ ،‬الثالث شرب‪ ،‬وأنا امتنعت‬
‫عن الشرب‪ ،‬فقال الضابط‪ :‬ملاذا ال تشرب الشاي؟‪ ،‬قلت‪ :‬أنا ال أشرب الشاي‬
‫الذي ِ‬
‫تأت أنت به‪ ،‬قال‪ :‬وملاذا تشرب الشاي الذي نعطيا إياه يف السجن؟‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ذا شيء أشرت فيه مع اجلميع‪ ،‬أما هذا شيء أنت خصصته ‪ ،‬وال أريد شيئا‬
‫ختصين به‪.‬‬
‫أنت ُّ‬
‫أمثال هؤالء أكرمهم هللا ¸ باجلهاد وكتب على أيديهم ما كتب من الفتوحات‬
‫‪-‬وهلل الفضل واملنة‪.-‬‬

‫إذا يا شباب اآليات عندما نقرأها‪ ،‬ال نفهمها حىت نتحدث هبا‪ ،‬بل نقرأها حىت‬
‫نفهمها ونعمل هبا؛ ألن العلم بغري عمل ال خري فيه‪ ،‬هللا ¸ عندما ُحياسبنا يوم‬
‫القيامة ونقف بني يديه‪ ..‬حديث رسول هللا ‘‪( :‬ال تزول قدما عبد يوم القيامة‬
‫حىت يُسأل عن‪ ...‬وعن علمه)(‪ ،)25‬مل ي ُقل‪( :‬ما قال به)‪ ،‬بل‪( :‬عن علمه ما عمل‬
‫به)‪ ،‬فهذه اآليات ما أنزهلا هللا ¸ فقط حىت نتعبّد بتالوهتا‪ ،‬بل نتعبّد‪ ،‬ونفهم‪،‬‬
‫ونعمل‪ ،‬إذا هكذا نكفر هبذه احلكومات الطاغوتية‪ ،‬هذا ما ينبغي للمسلم أن يعرفه‬
‫أو ُيب عليه ُجتاه هؤالء الطواغيت‪.‬‬

‫يت‪:‬‬
‫اغ ِ‬ ‫الثاني ُت َج َاه َه ِ َّ َ‬
‫َ ُ َّ‬
‫ؤالء الطو ِ‬ ‫الو ِاجب‬

‫(‪« )25‬رواه الرتمذي‪».‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪171‬‬

‫أي نَـوٍع ِمن أنـو ِاع ِ‬


‫القتَ ِال‪ ،‬ال بالسال ‪ ،‬وال بالكلمة‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫أن ال تُـ َقات َل دفَاعا َعنـ ُهم بَ ِّ‬
‫حديث ُروي‬
‫ٌ‬ ‫وال باإلشارة‪ ،‬وال بأي نوع من أنواع املعونة‪ ،‬ألن أحيانا الكلمة إعانة‪،‬‬
‫ضعفه‪ ،‬قال‪( :‬من أعان على‬ ‫ِ‬
‫حسنه ومنهم من ّ‬ ‫عن رسول هللا ‘ من العلماء من ّ‬
‫قتل مسلم ولو بشطر كلمة‪ )...‬إذا اإلعانة تكون أحيانا بالكالم‪( ،‬من أعان على‬
‫آيس من رحة هللا)(‪ ،)26‬إذا‬
‫قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بني عينيه‪ٌ :‬‬
‫ال نعني هؤالء‪ ،‬ال نُقاتل دفاعا عنهم‪ُ ،‬يب علينا أن ندر هذا األمر‪ ،‬بأي نوع من‬
‫أنواع القتال‪.‬‬

‫ين َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن ِيف‬ ‫ِ‬


‫دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬الذ َ‬
‫ان إِن َكي َد‬ ‫وت فَـ َقاتِلُوا أَولِياء الشيطَ ِ‬
‫سبِ ِيل اَللِ وال ِذين َك َفروا يـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل الطاغُ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ضعِيفا﴾ [النساء‪ ،]76 :‬غدا إن شاء هللا تعاىل سنتحدث عن هذه‬ ‫ان َكا َن َ‬ ‫الشيطَ ِ‬
‫اآلية‪.‬‬

‫«طلب أحد احلضور إعادة احلديث»‪..‬‬

‫*الشيخ‪ :‬احلديث فيه ضعف‪( ..‬من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء‬
‫آيس من رحة هللا)‪ ،‬احلديث فيه ضعف‪ ،‬بعض‬ ‫يوم القيامة مكتوب بني عينيه‪ٌ :‬‬
‫ص ّح احلديث يُذ ّكر حبديث رسول هللا ‘‪( :‬ال يدخل اجلنة‬‫العلماء صححوه‪ ،‬إن َ‬
‫يتغمدو هللا‬
‫أحد منكم بعمله‪ .‬قالوا‪ :‬وال أنت يا رسول هللا؟‪ ،‬قال‪ :‬وال أنا‪ ،‬إال أن ّ‬
‫(‪)27‬‬
‫برحة منه وفضل)‪.‬‬

‫الزه ِر ِي عن سعِ ِ‬
‫يد‬ ‫(‪‹‹ )26‬رواه ابن ماجة يف السنن برقم (‪ ،)2620‬من طريق يزيد بن زياد َع ِن ُّ ّ َ َ‬
‫ب َعن أيب هريرة ‪ ¢‬قال الذهيب ¬‪" :‬هذا حديث باطل موضوع"‪››.‬‬ ‫ب ِن المسي ِ‬
‫َُ‬
‫(‪)27‬متفق عليه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪172‬‬

‫آيس من رحة‬ ‫ِ‬


‫ص ّح احلديث‪ٌ -‬‬ ‫إذا تدخل بالرحة‪ ،‬هذا قد ُكتب بني عينيه ‪-‬إن َ‬
‫هللا‪ ،‬إذا املعونة قد تكون بكلمة‪ .‬غدا إن شاء هللا تعاىل إذا يسر هللا ¸ لنا يف العمل‬
‫وم ّد يف األجل‪ ،‬سنتحدث عن هذه اآلية بإذن هللا‪.‬‬

‫يت‪:‬‬
‫َّ‬ ‫أيضا ُت َج َاه َ‬ ‫ف َثال ٌث َع َل َ‬
‫يك ْأن َت ْعر َف ُه ً‬ ‫َُ َ َْ ٌ‬
‫واغ ِ‬
‫ِ‬ ‫الط‬ ‫ؤالء‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫هناك مو ِق ِ‬
‫أن ال تُولِّ ُيهم أمَرَ ‪ ،‬أي أ ّن الوزير الفالو إذا أصدر أمرا‪ ،‬أنت غري مشمول هبذا‬
‫األمر‪ ،‬ألنا غري تابع لوزارة من هذه الوزارات‪.‬‬
‫دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪﴿ :‬اَلل وِ ُّ ال ِذين آمنُوا ُخي ِرجهم ِمن الظُّلُم ِ‬
‫ات إِ َىل‬ ‫ُُ ّ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬
‫ات﴾‬ ‫النُّوِر وال ِذين َك َفروا أَولِي ُاؤهم الطاغُوت ُخي ِرجونَـهم ِمن النُّوِر إِ َىل الظُّلُم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫[البقرة‪ .]257:‬هذا أيضا ينبغي لكل مسلم‪ُ ،‬يب عليه أن يعرفه أيضا جتاه هؤالء‬
‫الطواغيت‪.‬‬

‫َ‬ ‫َّ‬
‫الش ُيء اآلخ ُر‪:‬‬
‫اط‪ ،‬دليل‬ ‫ط هبِِم بِأي نَوٍع ِمن أنـو ِاع االرتِب ِ‬ ‫يا أن تَـتَ َجنبَـ ُهم‪ ،‬أي‪ :‬أن ال تَـرتَبِ َ‬
‫َعلَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫﴿ولََقد بَـ َعثـنَا ِيف ُك ِّل أُم ٍة َر ُسوال أ َِن‬
‫ذلا من كتاب هللا ¸‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫وت﴾ [النحل‪.]63:‬‬ ‫ِ‬
‫اعبُ ُدوا اَللَ َواجتَنبُوا الطاغُ َ‬
‫وأنت تعلم أن داللة االجتناب على الرت أكثر من داللة احلرمة على الرت ‪،‬‬
‫﴿حِّرَمت َعلَي ُك ُم ال َميتَةُ﴾‬
‫أشد من داللة احلرمة؛ ألن هللا ¸ عندما قال‪ُ :‬‬
‫لست ُملزما شرعا غادرة هذه‬ ‫[املائدة‪ ،]3:‬بإمكاو أن أتواجد يف غرفة فيها ميتة‪ُ ،‬‬
‫الغرفة‪ ،‬لكن ‪-‬ال ق ّدر هللا‪ -‬إن ُوجدت يف مكان وفيه مزعة مخر (شيء قليل من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪173‬‬

‫اخلمر)‪ ،‬واجب عليا أن تغادر‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن هللا ¸ قال‪﴿ :‬إِمنَا اخلَم ُر َوال َمي ِس ُر‬
‫ان فَاجتَنِبُوهُ لَ َعل ُكم تُـفلِ ُحو َن﴾‬
‫واألَنصاب واألَزالم ِرجس ِمن عم ِل الشيطَ ِ‬
‫ََ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ُ َ ُ‬
‫[املائدة‪ ،]90:‬أي ال ُيوز لا أن تتواجد يف مكان فيه مخر‪ ،‬وهلذا حديث رسول هللا‬
‫‘ أنه لعن يف اخلمر سبعا‪ :‬شارهبا وحاملها واحملمولة إليه وعاصرها و‪ ...‬كل هؤالء‬
‫(‪)28‬‬
‫ملعونون‪ ،‬ملاذا؟؛ ألهنم مل ُيتنبوا اخلمر‪.‬‬

‫إذا هللا ¸ عندما أمرنا باجتناب الطاغوت‪ ،‬أي ّأال نرتبط هبؤالء بأي نوع من‬
‫يسر هللا ¸ لنا وكان هنا جمال سنتحدث عن‬ ‫أنواع االرتباط‪ ،‬أما الوظائف إذا ّ‬
‫الوظائف واليت تكون مع هذه احلكومات الطاغوتية على مستوى الوزارات بإذن هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬هذا أمر ُيب عليا أن تعرفه أيضا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً َ َ َْ‬ ‫َ ْ ََ ٌ ٌَ ََ َ ْ ُ ْ َ‬
‫مسألة ِأخيرة عليك أن تد ِركها أيضا [ذكرناها أمس]‪:‬‬
‫يا أن تُـ َقاتِلَ ُهم‪ ،‬إذا عليا أن تكفر هبم‪ ،‬عليا أن ال تقاتل دفاعا عنهم‪،‬‬
‫َعلَ َ‬
‫عليا أن ال تولّيهم أمر عليا‪ ،‬عليا أن تتجنبهم‪ ،‬عليا أن تُقاتلهم‪.‬‬

‫ين ُكلُّهُ َِللِ﴾‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وقَاتِلُوهم حىت َال تَ ُكو َن فِتـنةٌ وي ُكو َن ِّ‬
‫الد ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ُ َٰ‬
‫[األنفال‪.]39:‬‬

‫فاتين يوم أمس أن أنقل لكم كالم ابن تيمية ‪ -¬-‬يف مسألة قتال هؤالء‬
‫الطواغيت‪..‬‬

‫اصرها ومعتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ ( :‬لَعن رس ُ ِ‬ ‫ٍِ‬


‫صَرَها‬ ‫ول اَلل ‘ ِيف اخلَم ِر عَشَرة َع َ َ َ ُ‬ ‫س ب ِن َمالا ‪ ¢‬قَ َ َ َ َ ُ‬ ‫(‪َ « )28‬عن أَنَ ِ‬
‫َو َشا ِربـَ َها َو َح ِاملَ َها َوال َمح ُمولَةُ إِلَي ِه َو َساقِيَـ َها َوبَائَِع َها َوآكِ َل َمثَنِ َها َوال ُمش َِرتي َهلَا َوال ُمشتَـَراةُ لَه)»‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪174‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف كتابه [جمموع الفتاوى] الحظ نص كالم‬
‫ابن تيمية‪ ،‬قال ‪" :-¬-‬وأميا طائفة انتسبت إىل اإلسالم‪ ،‬وامتنعت من بعض‬
‫شرائعه الظاهرة املتواترة‪ ،‬فإنه ُيب جهادها باتفاق املسلمني حىت يكون الدين كله‬
‫هلل‪ ،‬كما قاتل الصديق وسائر الصحابة مانعي الزكاة‪ ".‬هذا نص كالم ابن تيمية يف‬
‫مسألة القتال‪.‬‬

‫أما قوله اآلخر‪ ،‬هذا يف [السياسة الشرعية]‪ ،‬قال‪" :‬وقد اختلف الفقهاء يف‬
‫الطائفة املمتنعة" املقصود بالطائفة املمتنعة‪ :‬مجاعة امتنعت عن شريعة من شرائع هللا‬
‫¸ ولديهم قوة ولديهم شوكة‪ ،‬الحظ قول ابن تيمية يف الطائفة املمتنعة بشوكة‪،‬‬
‫وهؤالء الطواغيت ممتنعون بشوكة كما تعلم (وزارة دفاع‪ ،‬وزارة داخلية‪ ،‬صحوة‪،‬‬
‫واألخرية هذه املشكلة هذه احلشد الشعيب) هللا خيزيهم مجيعا‪ ..‬نسأل هللا أن يهديهم‬
‫وأن يأيت هبم‪" .‬وقد اختلف الفقهاء يف الطائفة املمتنعة لو تركت السنة الراتبة كركعيت‬
‫الفجر‪ ،‬هل ُيوز قتاهلا على قولني" هذا يف ركعيت الفجر‪ ،‬طاملا مجاعة بقوة امتنعوا‪،‬‬
‫من الفقهاء من قالوا قتاهلم واجب ومنهم من قال ال‪ ،‬الحظ تكملة قوله‪" :‬فأما‬
‫الواجبات واحملرمات الظاهرة واملستِيضة‪ ،‬فيُقاتل عليها باالتِاق"‪ ،‬هذا باالتفاق‪،‬‬
‫ما جاء يف الدين من واجبات وحمرمات ظاهرة ‪-‬املسائل هذه اليت تعرفوهنا‪-‬‬
‫واملستفيضة‪ ،‬فيُقاتل عليها باالتفاق‪ ،‬أي املسلمون متفقون على قتال الطائفة املمتنعة‬
‫إن امتنعت عن إحدى الواجبات يف الدين أو أتت بإحدى احملرمات من الدين‪.‬‬

‫له قول ثالث أيضا يف [السياسة الشرعية]‪ ،‬يقول ابن تيمية ‪" :-¬-‬فثبت‬
‫بالكتاب والسنة وإمجاع األمة‪ ،‬أنه يُقاتَل من خرج عن شريعة السلم‪ ،‬وإن‬
‫تكلم بالِّهادتني"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪175‬‬

‫فال يُقال لنا كيف تُقاتلون وهؤالء يصلون ويصومون ويشهدون أن ال إله إال هللا‪،‬‬
‫ألهنم إن أتوا هبذه األقوال‪ ،‬فقد أتوا ا أخرجهم من ملة اإلسالم‪ .‬جزاكم هللا خري‬
‫اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪176‬‬

‫اش ُر‬ ‫س َ‬
‫الع‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َّ‬
‫الد‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َّ‬
‫الح ما َح ِقيق ُت ُه ْم؟‪َ ،‬و َما ُحك ُم الش ْر ِع ِف ِيه ْم؟‬ ‫الس‬‫ب‬ ‫يت‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ‬‫اغ‬‫و‬‫الط َ‬ ‫أنصار‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا و ِ‬
‫أعنّا على‬
‫أعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬‫اتباعه‪ ،‬وأ ِرنَا الباطل باطال و ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫علمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُحجة لنا يوم نلقا وال‬
‫ويسر أمري‪ ،‬واحلل‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ .‬‬
‫عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪ ،‬وال‬
‫جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫انتهينا من احلديث عن هذه احلكومات اليت علمنا أن التسمية الشرعيّة هلا أهنا‬
‫حكومات طاغوتيّة‪ ،‬سيكون احلديث اليوم بإذن هللا تعاىل عن أنصار الطواغيت‪،‬‬
‫يت َك َما تَ ْعلَ ُم يَ ْن َق يس ُمو َن إل قي ْس َم ي‬
‫ني‪:‬‬ ‫وأَنْصار الطَّو ي‬
‫اغ ي‬
‫َُ َ‬
‫اغ ِ ِ‬
‫السال ِ ‪ :‬يدخل يف هذا القسم وزاريت الدفاع والداخلية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت ب ّ‬ ‫صرو َن الط َو َ‬
‫قس ٌم يَـن ُ‬
‫بكل تشكيالهتم بدون استثناء‪ ،‬ومن يُعينهم‪ ،‬ويدخل أيضا من عُرفوا ‪-‬والعياذ باهلل‬
‫سمون‪ :‬أنصار الطواغيت‬ ‫بالصحوات‪ ،‬ومن عُرفوا اآلن باحلشد الشعيب‪ ،‬هؤالء كلهم يُ ّ‬
‫األو ُل‪.‬‬ ‫بالسال ‪َ ،‬ه َذا ي‬
‫الص ْن ُ َّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪177‬‬

‫ي‬
‫الص ْن ُ الثَّاين‪ :‬أنصار للطواغيت باللسان‪ :‬يدخل يف هذا القسم وزارة اإلعالم‪،‬‬
‫كل من كتب شيئا أو نشر‪ ،‬أو نشر صورة‪ ،‬أي شيء من هذه املنشورات يف أي‬
‫وسيلة من وسائل اإلعالم (املرئية‪ ،‬املقروءة‪ ،‬املسموعة) لرتسيخ أركان هذه احلكومات‬
‫الطاغوتيّة‪ ،‬هؤالء يُعتربون أنصارا للطواغيت باللسان‪ ،‬ويدخل مع هؤالء بعض خطباء‬
‫املساجد الذين كانوا يدعون إىل ترسيخ أركان هذه الدولة الطاغوتيّة وهم كثريون يف‬
‫مجيع بالد املسلمني‪ ،‬إذا وزارة اإلعالم وبعض اخلطباء هؤالء يُعتربون‬
‫أنصارا للطواغيت باللسان‪ ،‬فنبدأ احلديث إن شاء هللا تعاىل عن‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َّ‬
‫الط َواغيت بالسالح‪َ ...‬ما َحق َيق ُة َ‬
‫ؤالء؟‪َ ،‬و َما ُحك ُم الش ْر ِع‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫أنصار‬
‫ِف ِيه ْم؟‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫أقول مستعينا باهلل ¸‪ :‬هنا آية يف كتاب هللا تبار وتعاىل تقول‪﴿ :‬الذ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ين َك َف ُروا يـُ َقاتلُو َن يف َسب ِيل الطاغُوت فَـ َقاتلُوا أَوليَاءَ‬
‫َآمنُوا يـُ َقاتلُو َن يف َسب ِيل اَلل َوالذ َ‬
‫ضعِيفا﴾ [النساء‪.]76:‬‬ ‫ان إِن َكي َد الشيطَ ِ‬
‫ان َكا َن َ‬ ‫الشيطَ ِ‬

‫املواضيع واملسائل اليت تضمنتها هذه اآلية الكرمية‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬أن هللا ¸ ذكر فئتني‪ ،‬وذكر عمل كل فئة من هاتني الفئتني‪ ،‬مث بعد ذلا‬
‫ذكر الغاية من عمل كل فئة من هاتني الفئتني‪ ،‬مث ذكر حكم كل فئة يف هذه اآلية‪،‬‬
‫مث ذكر العالقة بني الفئة األوىل والفئة الثانية‪ ،‬مث ذكر مآل كل فئة من هاتني الفئتني‪،‬‬
‫هذا الكالم كله ضمن مضمون هذه اآلية الكرمية‪ ،‬فما هي التفاصيل؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪178‬‬

‫قلنا أن هللا تبار وتعاىل ذكر يف هذه اآلية الكرمية فئتني‪ :‬الفئة األوىل‪ ،‬هكذا يف‬
‫ين َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل اَللِ﴾‪ ،‬إذا هذه هي‬ ‫ِ‬
‫بداية اآلية‪ ،‬قال هللا ¸ عنهم‪﴿ :‬الذ َ‬
‫الفئة األوىل‪ .‬الفئة الثانية قال‪﴿ :‬وال ِذين َك َفروا يـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل الطاغُ ِ‬
‫وت﴾‪ .‬إذا هذه‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫هي الفئة الثانية‪.‬‬

‫ِ‬ ‫يي‬ ‫ي ي يي‬


‫اء‪ :‬هللا تبار وتعاىل قال عن هذه الفئة‪﴿ :‬الذ َ‬
‫ين‬ ‫األو َل ابْتد ً‬
‫نَق ُ ع ْن َد الِئَة ّ‬
‫آ َمنُوا﴾‪ ،‬اإلميان املقصود هنا‪ ،‬ومن يدخل ضمن دائرة اإلميان يف هذه اآلية‪ ،‬ومن‬
‫يكون من أهل هذه اآلية‪:‬‬

‫املقصود بالذين آمنوا‪ :‬من كان على منهاج أهل السنة واجلماعة يف العقيدة‪.‬‬
‫وأعين بذلا‪ :‬أن يعتقد املسلم أن اإلميان قول وعمل‪ ،‬فعقيدة أهل السنة واجلماعة‪:‬‬
‫أن اإلميان ال يقتصر على القول فقط باللسان‪ ،‬وال على التصديق باجلنان‪ ،‬وإمنا‬
‫سمى اإلميان عند أهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫يُضاف إىل ذلا‪ :‬العمل‪ ،‬ألن العمل من ُم ّ‬
‫سمى هذه اآلية املرجئة؛ ألهنم ال يعتربون‬
‫عندما نقول هذا القول‪ ،‬خيرج من ُم ّ‬
‫العمل من ضمن مسمى اإلميان‪ ،‬وإمنا يعتربون العمل على اإلطالق من شروط كمال‬
‫اإلميان؛ أي أن اإلنسان إذا قال بلسانه "ال إله إال هللا"‪ ،‬وصدق ذلا يف قلبه‪ ،‬ال‬
‫يهم بعد ذلا أن يأيت بالعمل أو ال يأيت‪ ..‬إذا جاء بالعمل يكمل إميانه‪ ،‬إذا مل ِ‬
‫يأت‬ ‫ُّ‬
‫بالعمل ينقص إميانه‪ ،‬ولكنهم ال خيرجون أحدا من امللة بسبب العمل‪ ،‬ألن العمل‬
‫سمى اإلميان عند املرجئة‪.‬‬
‫ليس من ُم ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪179‬‬

‫أما اخلوارج على النقيض من ذلا؛ من تر أي شيء من األعمال (سواء أكان‬


‫من أعمال كمال اإلميان أو الكمال الواجب‪ ،‬أو من أصل اإلميان) ُخي ِرجونه من امللة‪،‬‬
‫بينما أهل السنة ال من هؤالء وال من هؤالء‪ .‬فاإلميان لديهم قول انتهينا‪.‬‬

‫أما عندما يأتون إىل العمل‪ :‬فيُـ َق ِّسمون العمل إىل ثالثة أقسام‪ :‬هنا أعمال يف‬
‫اإلميان املستحب أو الكمال املستحب‪ ،‬األعمال املستحبة تكون يف كمال اإلميان‪،‬‬
‫وكذلا األعمال الواجبة عليا إذا أتيت هبا هذا أيضا يدخل يف كمال اإلميان‪ ،‬أي‪:‬‬
‫تزداد إميانا وتكتمل إميانا‪.‬‬

‫هنا صنف ثالث من األعمال يدخل يف أصل اإلميان‪ ،‬حبيث إذا تركت ما هو‬
‫من أصل اإلميان خيرج اإلنسان من امللة‪ ،‬وإذا أتى ما هو ليس من أصل اإلميان أيضا‬
‫ين َآمنُوا﴾ املعين هبم‬ ‫ِ‬
‫خيرج من امللة‪ ،‬إذا اإلميان قول وعمل‪ ،‬فقول هللا ¸‪﴿ :‬الذ َ‬
‫هؤالء «أي أهل السنة»‪.‬‬

‫ذكر هللا ¸ عمل هذه الفئة‪ ،‬طبعا يُضاف إىل ذلا ّأال يكون عنده شر‬
‫ين َآمنُوا﴾‪،‬‬ ‫ِ‬
‫دعاء‪ ،‬فمن كان عنده شر دعاء ليس من مسمى هذه اآلية ﴿الذ َ‬
‫كذلا من كان عنده شر طاعة هذا أيضا ليس من مسمى هذه اآلية‪.‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬شيخنا‪ ،‬يعين اخلوارج ال يدخلون ضمن هذه اآلية؟‬

‫*الشيخ‪ :‬ال‪ ،‬اخلوارج ما ك ّفرهم إال ثالث من العلماء‪ ،‬املسلمون أمجعوا على أن‬
‫كفرهم‪،‬‬
‫اخلوارج مسلمون ولكنهم بُغاة‪ ،‬علي بن أيب طالب ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬ما ّ‬
‫كفرهم ابن العريب‪ ،‬وكفرهم اثنني من العلماء اآلخرين فقط‪ ،‬أما باقي العلماء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪180‬‬

‫فمجمعون على أن اخلوارج مسلمون؛ وهلذا عندما قاتلوهم كانوا يقاتلوهنم قتال بغاة‬‫ُ‬
‫وليس قتال مرتدين‪.‬‬

‫ين َآمنُوا﴾ علمت من املقصود ومن الذي يدخل يف خطاب هللا ¸‪:‬‬ ‫ِ‬
‫إذا ﴿الذ َ‬
‫ين َآمنُوا﴾‪ ،‬الذي يقول‪ :‬اإلميان قول وعمل‪ ،‬وليس فيه شيء من شر الدعاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫﴿الذ َ‬
‫وليس فيه شيء من شر الطاعة‪ ،‬أو احملبة‪ ،‬أو اإلرادة والقصد‪َ ،‬ه يذهي ال َم ْسأَلَةُ‬
‫األو َل‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َم ْسأَلَةُ الثَّانيةُ‪ :‬أن عمل هذه الفئة من أهل اإلميان أهنم ُمقاتلون‪﴿ ،‬الذ َ‬
‫ين‬
‫َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن﴾‪ ،‬إذا من كان من أهل اإلميان على الوصف الذي ذكرته (قول وعمل‪،‬‬
‫أنت تعلم‬
‫ال يوجد شركيّات)‪ ،‬لكنه مل يقاتل‪ ،‬هذا ال يدخل يف مضمون هذه اآلية‪ ،‬و َ‬
‫أن اإلنسان يَع ِرض نفسه على كتاب هللا ¸‪ ،‬عندما تقرأ آية‪َ ،‬سل نفسا أين أنا‬
‫ين َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن﴾‪،‬‬ ‫ِ‬
‫من هذه اآلية؟‪ ،‬وأين هذه اآلية مين؟‪ ،‬هللا ¸ عندما قالوا ﴿الذ َ‬
‫فمن مل يكن ُمقاتال إذا هذا ليس من ضمن أهل هذه اآلية‪.‬‬

‫ذكر هللا ¸ الغاية من قتاهلم‪ ..‬إذا هم مؤمنون‪ ،‬صفتهم يُقاتلون‪ ،‬لكن الغاية‬
‫من قتاهلم‪ :‬أهنم يُقاتلون يف سبيل هللا‪ ،‬ليست هلم غاية من القتال إال سبيل هللا‪ ،‬ألن‬
‫نص على هذه الغاية يف هذه اآلية‪.‬‬‫هللا ¸ ّ‬

‫ما معىن‪﴿ :‬يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل اَللِ﴾؟‪ ،‬حديث أيب موسى األشعري ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬عند اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬قال‪( :‬جاء رجل إىل رسول هللا‬
‫‘‪ ،‬قال‪ :‬الرجل يُقاتل للمغنم‪ ،‬والرجل يقاتل لل ِّذكر‪ ،‬والرجل يقاتل ليُـَرى مكانه‪،‬‬
‫فمن يف سبيل هللا؟‪ ،‬قال الرسول ‘‪ :‬من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬فهو يف‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪181‬‬

‫سبيل هللا)‪ ،‬هنا روايات أخرى عند اإلمام مسلم‪ ،‬وروايات أخرى عند اإلمام‬
‫البخاري‪( :‬شجاعة‪ ،‬حية‪ ،‬وما إىل ذلا)‪.‬‬

‫إذا الغاية من القتال عند هذه الفئة املؤمنة أهنم يُقاتلون لتكون كلمة هللا هي‬
‫ين َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل اَللِ﴾ هذه الفئة‪ ،‬من مل يقاتل ال يدخل يف‬ ‫ِ‬
‫العليا‪ ،‬إذا ﴿الذ َ‬
‫هذه الفئة‪.‬‬

‫إذا عندما تتحدث عن الفرقة الناجية والفرقة املنصورة وما إىل ذلا‪ ،‬كلٌّ يدعي‬
‫أنه من الفرقة الناجية‪ ،‬حىت احلزب العراقي ي ّدعي أنه من الفرقة الناجية‪ ،‬املرجئة‬
‫ُ‬
‫ي ّدعون أهنم من الفرقة الناجية؛ ألهنم أخذوا بآيات وأخذوا بأحاديث‪ ،‬لكن ال َفيصل‬
‫بني الفرقة الناجية وبني هؤالء‪ :‬القتال‪.‬‬

‫دليل ذلا‪ :‬عند اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪:‬‬
‫ُ‬
‫(ال تزال طائفة من أميت يُقاتلون على احلق ظاهرين إىل يوم القيامة)‪ ،‬إذا الطائفة‬
‫املعنية هذه اليت تبقى إىل قيام الساعة‪ ،‬صفتها األساسية أهنا ُمقاتلة‪ ،‬يف غري صحيح‬
‫مسلم ما ذُكر القتال إال عند اإلمام مسلم‪ ،‬بالنسبة إىل هذه الطائفة يف غري صحيح‬
‫مسلم‪( :‬ال تزال طائفة من أميت) لكن مل يذكر الرسول ‘ القتال‪.‬‬

‫حديث آخر أيضا يف [صحيح مسلم]‪ ،‬يقول الرسول ‘‪( :‬ال تز ُال عصابة من‬
‫ٌ‬
‫أميت يُقاتلون على أمر هللا قاهرين لعدوهم‪ ،‬ال يضرهم من خالفهم حىت تأتيهم‬
‫الساعة وهم على ذلا)؛ إذا من هنا أفهم أن هذه الطائفة تبقى إىل قيام الساعة‪،‬‬
‫وأهنا تُقاتل سواء انتصر هلم الناس أو خذلوهم‪ ،‬ما يهمهم هذا األمر‪ ،‬ودائما جتدهم‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪182‬‬

‫ظاهرين على احلق‪ ،‬هم مع احلق‪ ،‬وجتد احلق أيضا معهم‪ ،‬إذا هذه الفئة األوىل اليت‬
‫ذكرها هللا ¸ يف هذه اآلية هذه صفاهتم‪.‬‬

‫ي‬
‫باآلية‪ :‬أن هللا ¸ شهد هلؤالء باإلميان‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وأشريُ إل ْأمر ُم يه ّم ُمتَ َعليِ‬
‫ي‬
‫ين َآمنُوا﴾‪ ،‬فمن حل السال ‪ ،‬وقاتل لتكون كلمة هللا هي العُليا‪ ،‬وجب هذه‬ ‫ِ‬
‫﴿الذ َ‬
‫اآلية هللا ¸ يشهد له باإلميان؛ ألنه ال يُقاتل ألجل إعالء كلمة هللا إال من ختلص‬
‫من النواقض وأتى بشروط ال إله إال هللا‪ ،‬أما من كان ُمتلبّسا بناقض من النواقض ال‬
‫ميكن أن يُقاتل لكي ينصر دين هللا ¸ وحىت تكون كلمة هللا هي العُليا‪ ..‬قد جتد‬
‫الصوفية حلوا السال فرتة‪ ،‬هؤالء ال يُقاتلون يف سبيل هللا‪ ،‬بدليل أن هللا ¸ إذا‬
‫م ّكن هلم ‪-‬ال ق ّدر هللا‪ -‬يف بقعة من البقاع جتد أن املزارات تنتشر يف تلا الديار‪،‬‬
‫والشركيّات ستنتشر‪ ،‬وسيفتحون املعاهد واملدارس لتعليم الناس الشركيّات‪ ،‬إذا هؤالء‬
‫ما قاتلوا يف سبيل هللا ولتكون كلمة هللا هي العليا‪.‬‬

‫كذلا احلزب العراقي ‪-‬فيما إذا فكروا‪ -‬أو إخوان مصر ‪-‬فيما إذا فكروا‪ -‬يف‬
‫يوم من األيام أن حيملوا سالحا‪ ،‬لن حيملوا لكي تكون كلمة هللا هي العُليا‪ ،‬واملشاهد‬
‫ِ‬
‫غمضة ع ٍ‬
‫ني‪،‬‬ ‫واضحة أماما يف مصر‪ ،‬فقد قُتِل منهم أربعة آالف رجل يف ٍ‬
‫يوم‪ ،‬يف‬ ‫َ‬
‫ولكن ألجل الدميقراطية وألجل عودة الشرعية!!‪ ،‬ويعنون بالشرعية هنا‪ :‬أ ّن ُمرسي‬
‫انتُخب بطريقة دميُقراطية وكانت شرعية‪ ،‬فعليهم أن يُعيدوا مرسي إىل احلكم‪ ،‬ألن‬
‫هذه هي الطريقة الشرعية يف احلكم!!؛ إذا حىت ولو حلوا السال فهم ليسوا من‬
‫أهل هذه اآلية؛ ألهنم ال يقاتلون يف سبيل هللا حىت تكون كلمة هللا هي العُليا‪.‬‬

‫أما سبب إشاريت إىل هذه الفرق غالبا‪ :‬أُريد فقط أن ُمتيّز أين أنت من هؤالء‪،‬‬
‫األو َل‪.‬‬ ‫يي ي‬
‫إ ًذا َهذه الِئَةُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪183‬‬

‫ين َك َف ُروا يـُ َقاتِلُو َن﴾‪ ،‬إذا الفئة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫يي‬
‫نَأِْت إل الِئَة الثّانية‪ :‬قال هللا تعاىل عنهم‪َ :‬‬
‫﴿والذ َ‬
‫ين َك َف ُروا‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫الثانية أيضا فئة ُمقاتلة‪ ،‬أي‪ :‬حلة سال ‪ ،‬أو أعوان حلملة السال ‪َ ،‬‬
‫يـُ َقاتِلُو َن﴾‪ ،‬لكن هللا ¸ ذكر الغاية من قتاهلم‪ ،‬فقال‪﴿ :‬يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل‬
‫الطاغُ ِ‬
‫وت﴾‪.‬‬

‫اتفقنا يوم أمس أن احلكومات املرت ّدة هذه اليت حتكم بغري ما أنزل هللا حكومات‬
‫ُ‬
‫يدو َن أَن‬‫ِ‬
‫طاغوتيّة‪ ،‬ال خيتلف مسلمان يف هذا األمر‪ ،‬بداللة قول هللا ¸‪﴿ :‬يُر ُ‬
‫يـتَحا َكموا إِ َىل الطاغُ ِ‬
‫وت َوقَد أ ُِم ُروا أَن يَك ُف ُروا بِِه﴾ [النساء‪ ،]60:‬وبداللة فهم علماء‬ ‫َ َ ُ‬
‫أهل السنة واجلماعة‪ ،‬كابن القيم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [إعالم املوقعني] عندما‬
‫قال‪" :‬وطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غري هللا ورسوله"‪ ،‬وبداللة فهم جماهد ‪-‬‬
‫¬‪ -‬عندما قال‪" :‬الطاغوت شيطان يف صورة إنسان يتحاكمون إليه"‪ ،‬وكذلا‬
‫تفسري اإلمام مالا كما نقل القرطيب ‪ †-‬تعاىل‪-‬؛ إذا هؤالء علماء أهل السنة‬
‫سمى الطاغوت‪ ،‬هذا ال خنتلف عليه‪،‬‬ ‫أدخلوا الذي حيكم بغري ما أنزل هللا حتت ُم ّ‬
‫وت﴾‪،‬‬‫فإذا جئنا إىل اآلية‪ ،‬هللا ¸ يقول‪﴿ :‬وال ِذين َك َفروا يـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل الطاغُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫أي‪ :‬يف سبيل هذه احلكومات لرتسيخ أركاهنا يف البالد‪ ،‬ولتكون كلمة الطاغوت هي‬
‫العُليَا‪.‬‬

‫ين َك َف ُروا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل‬ ‫ِ‬


‫﴿والذ َ‬
‫كيف أفهم القتال يف سبيل الطاغوت؟‪َ ،‬‬
‫الطاغُ ِ‬
‫وت﴾‪ ،‬ما معىن يف سبيل الطاغوت هنا؟‬

‫يف سبيل هللا فهمت‪ ،‬من قاتل لتكون كلمة هللا هي العُليا فهو يف سبيل هللا‪ ،‬من‬
‫خالل حديث رسول هللا ‘ أفهم ماذا يعين القتال يف سبيل الطاغوت‪ ،‬يكون‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪184‬‬

‫هكذا‪( :‬من قاتل لتكون كلمة هللا هي العُليا‪ ،‬فهو يف سبيل هللا)؛ إذا من قاتل‬
‫لتكون كلمة الطاغوت هي العُليا‪ ،‬فهو يف سبيل الطاغوت‪.‬‬

‫ويقينا املقصود بسبيل الطاغوت وكلمة الطاغوت ليست هذه التصرحيات اليت‬
‫يُدلون هبا يف الفضائيات‪ ،‬وإمنا املقصود بكلمة الطاغوت‪ :‬القانون والدستور؛ ألن‬
‫الطاغوت شخص يذهب‪ ،‬لكن الدستور والقانون ٍ‬
‫باق‪ ،‬ووزارة الدفاع والداخلية مهما‬
‫قُتِلوا‪ ،‬فالوزارتان باقيتان‪ ،‬وأعضاء هاتني الوزارتني دائما يُقاتلون لتكون كلمة الطاغوت‬
‫هي العُليا؛ إذا بالضرورة هم يقاتلون إلعالء الدستور‪ ،‬وإلعالء القانون حىت حيكم‬
‫العباد والبالد هبذه القوانني وهبذه الدساتري‪.‬‬

‫ين َك َف ُروا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل‬ ‫ِ‬


‫﴿والذ َ‬
‫هللا تبار وتعاىل قال يف وصف هؤالء‪َ :‬‬
‫وت﴾ ذكر احلُكم قبل الفعل وقبل العمل‪ ،‬ملاذا مل يَـ ُقل هللا ¸‪( :‬والذين‬ ‫الطاغُ ِ‬
‫ين َك َف ُروا﴾؟ ملاذا قدم احلكم‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫يقاتلون يف سبيل الطاغوت كفار)؟‪ ،‬ملاذا قال‪َ :‬‬
‫على العمل؟‬

‫ألن القرآن نزل بلغة العرب‪ ،‬والعرب دائما إذا أرادوا أن يعطوا أُهية لشيء‬
‫يقدمونه يف البداية‪ ،‬هذه أساليب العرب يف إيصال املفاهيم‪ ،‬إذا قُلت على سبيل‬
‫املثال‪( :‬ذهب أحد إىل السوق)‪ ،‬العريب يفهم أنين أعطيت األُهيّة للذهاب‪ ،‬ألنين‬
‫ذكرت الذهاب يف البداية‪ ،‬أما إذا قلت‪( :‬إىل السوق ذهب أحد)‪ ،‬هذا يعين أنين‬
‫أعطيت األُهيّة للسوق‪ ،‬ألنين ذكرته يف البداية‪ ،‬أما إذا قلت‪( :‬أحد ذهب إىل‬
‫أعطيت األُهية ألحد؛ إذا من هنا اللغة العربية هكذا يذكرون األهم مث‬
‫ُ‬ ‫السوق)‪،‬‬
‫املهم‪ ،‬وكتاب ربِّنا نزل بلغة العرب؛ وأهم شيء يف هذه اآلية املتعلقة بأنصار‬
‫الطواغيت حكمهم‪ ،‬وهلذا ق ّدم هللا ¸ احلكم على العمل من باب التنبيه‪ ،‬ومن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪185‬‬

‫ين َك َف ُروا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل‬ ‫ِ‬


‫﴿والذ َ‬
‫باب التحذير‪ ،‬ومن باب التوبيخ‪ ،‬ومن باب الزجر‪َ ،‬‬
‫وت﴾‪.‬‬‫الطاغُ ِ‬

‫فإذا علمت أن كل من قاتل لتكون كلمة الطاغوت هي العليُا (القانون‬


‫والدستور)‪ ،‬فقد حكم هللا ¸ عليه بالكفر‪ ،‬أي هذا التكفري ليس بشريًّا‪ ،‬هذا تكفريٌ‬
‫ربّاو وحيًّا يف كتاب هللا ¸‪ ،‬فعندما تقول وزارة الدفاع والداخلية واحلشد والصحوة‬
‫لست حاكما‪ ،‬وإمنا أنا أنقل ُحكما حكمه هللا ¸ من فوق سبع‬ ‫مرتدون‪ ،‬أنا ُ‬
‫مساوات‪ ،‬وال ميكن أن يُشنع على الناقل‪.‬‬

‫للمرجئة اخلبثاء‪ -‬هل هذا كفر أكرب ُمرج من‬


‫إذا علمنا أن هؤالء كفار‪- ،‬جماراة ُ‬
‫امللة؟‪ ،‬أم كفر أصغر وكفر دون كفر كما يتشبث به هؤالء أحباب الطواغيت؟‬

‫هذا الكفر املذكور هنا كفر أكرب ُمرج من امللة‪ ..‬واألدلة على ذلا‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬أن هللا ¸ قد قال عن هذه الفئة أهنا تُقاتل يف سبيل الطاغوت‪ ،‬وعلمت‬
‫ما معىن القتال يف سبيل الطاغوت‪ ،‬أي أنه حل السال لكي ُحي َكم العباد والبالد‬
‫بالقانون وبالدستور‪ ،‬هذا ال خيتلف عليه أحد‪ ،‬وهذا مناط كفري؛ أل ّن الرجل إذا‬
‫حل السال ‪ ،‬ما الفرق بني املشر الذي كان يف زمن رسول ‘ ويُقاتل حىت ُحي َكم‬
‫باألحكام اجلاهلية‪ ،‬وبني وزارة الداخلية واحلشد والصحوة اليوم؟‪ ،‬ال فرق بينهما‪،‬‬
‫أولئا كانوا يقاتلون ليُحكموا باألحكام اجلاهلية‪ ،‬هؤالء يقاتلون حىت ُحيكم العباد ‪-‬‬
‫املسلمون بالذات‪ ،-‬ل َكي ُحيكموا باألحكام اجلاهلية‪ ،‬إذا هذا مناط كفري‪ ،‬الذي‬
‫يُقاتل يف سبيل الطاغوت ‪-‬وقد َعلِمنَا ما معىن الطاغوت‪ ،-‬ال خيتلف إال ُمرجئ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪186‬‬

‫خبيث أو إخواو خبيث على أن هؤالء مرتدون عن دين هللا ¸‪ ،‬هذا املناط‬
‫الكفري األول‪.‬‬

‫ط ال ُك ِْ ير ّ‬
‫ي الثَّاين‪ :‬يُفهم من إشارة النص‪ ،‬وإشارة النص كما يعرفها علماء‬ ‫املَنَا ُ‬
‫األصول‪" :‬داللة اللفظ على الزم غري مقصود من اللفظ‪ ،‬ال يتوقف عليه صدق‬
‫الكالم وال صحته" ما معىن هذا الكالم؟‬

‫ني﴾‬ ‫ني َك ِاملَ ِ‬


‫ات يـُر ِضعن أَوَال َد ُهن َحولَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫﴿وال َوال َد ُ‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫صالُهُ ثََالثُو َن َشهرا﴾‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫﴿و َحلُهُ َوف َ‬‫[البقرة‪ ،]233:‬آية واضحة‪ ،‬يف آية أخرى‪َ :‬‬
‫[األحقاف‪ ،]15:‬من خالل مجع هاتني اآليتني إشارة النص تقول لا‪ :‬أن الطفل إذا‬
‫ولد لستة أشهر تعترب والدته شرعية‪ ،‬ال يُعترب ابن زنا بأي حال من األحوال‪ ،‬ملاذا؟؛‬
‫ني﴾‬ ‫ني َك ِاملَ ِ‬
‫ات يـُر ِضعن أَوَال َد ُهن َحولَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫﴿وال َوال َد ُ‬
‫صالُهُ ثََالثُو َن َشهرا﴾‪َ ،‬‬
‫﴿و َحلُهُ َوف َ‬
‫ألن َ‬
‫ثالثني ناقص أربعة وعشرين‪ ..‬ستة أشهر‪ ،‬إذا ُولِ َد الطفل لستة أشهر هذا الطفل ُولِ َد‬
‫شرعيا‪ ،‬ال يستطيع األب أن يتنصل عن نسبة هذا الولد‪ ..‬هذا الكالم الذي قلته ال‬
‫يوجد يف اآلية األوىل وال يف اآلية الثانية‪ ،‬إذا من أين جئنا به؟‪ ،‬ابن عباس من أين‬
‫جاء هبذا احلكم؟‪ ،‬العلماء يقولون‪ :‬هذا من إشارة النص "داللة اللفظ على معىن‬
‫الزم غري مقصود من اللفظ‪ ،‬ال يتوقف عليه صدق الكالم وال صحته"‪ ،‬يعين إذا مل‬
‫أقُل هذه الكالم‪ ،‬اآلية تبقى على معناها واآلية الثانية أيضا تبقى على معناها‪.‬‬

‫وت﴾‪..‬‬‫إشارة النص يف هذه اآلية أين؟‪﴿ ،‬وال ِذين َك َفروا يـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل الطاغُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫تفهم بالضرورة أن هؤالء بالضرورة سيُقاتلون الفئة األوىل اليت قال هللا عنهم‪﴿ :‬الذ َ‬
‫َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل اَللِ﴾‪ ،‬ال ميكن أن يُفهم أن أحدهم يقتل اآلخر‪« ،‬أي أن‬
‫كل فئة تقاتل بعضها البعض»‪ ،‬وال ميكن أن يُفهم أهنم يُقاتلون أناسا أيضا يريدون‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪187‬‬

‫أن ُحي ِّكموا الطاغوت وُيعلون كلمة الطاغوت هي العُليا‪ ،‬وإمنا يُقاتلون من يريد أن‬
‫تكون كلمة هللا هي العُليا‪.‬‬

‫إذا تفهم من إشارة النص‪ :‬أن هذه الفئة اليت حكم هللا ¸ عليها بالكفر‪،‬‬
‫بالضرورة ُستقاتِل الفئة األوىل اليت تقاتل يف سبيل هللا‪ ،‬وهذا يدخل يف استحالل الدم‬
‫وبني الغاية‬
‫وبني عملهم أهنم يُقاتلون‪ّ ،‬‬ ‫احلرام؛ ألن هؤالء شهد هللا ¸ هلم باإلميان‪ّ ،‬‬
‫من قتاهلم (لتكون كلمة هللا هي العُليا)‪ ..‬إذا هذه الدماء ُحمّرمة‪.‬‬

‫حديث رواه أيب هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬كما عند اإلمام مسلم ‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫دليل ذلا‪:‬‬
‫¬‪ :-‬قال رسول هللا ‘‪ُ ( :‬ك ّل املسلم على املسلم حرام‪ ،‬دمه‪ ،‬وماله‪ ،‬وعرضه)‪،‬‬
‫هؤالء مسلمون‪ ،‬بشهادة هللا مؤمنون‪ ،‬ويقاتلون يف سبيل هللا‪ ،‬دماؤهم حمرمة‪ ،‬فمن‬
‫حرمه هللا ¸‪.‬‬
‫استحل قتل هؤالء فقد استحل ما ّ‬
‫ّ‬
‫وأنت تعلم القاعدة عند اإلمام الطحاوي ‪ -¬-‬يقول‪" :‬ال نُك ِّفر أحدا من‬
‫أهل القبلة بذنب ما مل يستحله"‪ ،‬سفا الدم هذا ذنب‪ ،‬قد يقتل إنسا ٌن إنسانا هذا‬
‫يعترب من املعاصي‪ ،‬من الكبائر‪ ،‬أما إذا قال‪( :‬دم هذا املسلم حالل) هذا خيرج من‬
‫امللة‪.‬‬

‫كذلا احلديث الذي رواه أيب بكرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عند اإلمام البخاري‪ ،‬يف‬
‫خطبة حجة الوداع قال الرسول ‘‪( :‬إ ّن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام‬
‫تحل‬
‫َك ُحرمة يومكم هذا‪ ،‬يف شهركم هذا‪ ،‬يف بلدكم هذا)‪ ،‬هذه دماء حمرمة‪ ،‬فمن اس ّ‬
‫هذه الدماء خيرج من امللة‪ ،‬وهؤالء قد استحلوا دماء هؤالء الذين شهد هللا ¸ هلم‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪188‬‬

‫باإلميان وحلوا السال لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬هذا مناط كفري ٍ‬
‫ثان يُفهم من‬ ‫ُ‬
‫إشارة النص‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ال ُك ِْ يري الثَّالي ُ ي ي‬


‫ث هلَؤالء‪ :‬أن هللا ¸ قال عنهم‪﴿ :‬فَـ َقاتلُوا أَوليَاءَ‬ ‫ّ‬ ‫املَنَا ُ‬
‫ان﴾‪ ،‬إذا املناط الكفري الثالث أن وزارة الدفاع‪ ،‬والداخلية‪ ،‬والصحوة‪ ،‬واحلشد‬ ‫الشيطَ ِ‬
‫هؤالء أولياء الشيطان‪.‬‬
‫ما دخل الشيطان يف املوضوع؟‪ ،‬ملاذا مل ي ُقل هللا ¸‪( :‬فقاتلوا أولياء الطاغوت)‬
‫طاملا السياق عن الطواغيت؟‪( ،‬والذين كفروا يقاتلون يف سبيل الطاغوت فقاتلوا‬
‫أولياء الطواغيت) ملاذا مل يقل هللا ¸ ذلا؟‪ ،‬ما دخل الشيطان يف هذا املوضوع؟‬

‫أر َاد هللا ¸ أن يثبت هلؤالء الذين حكم عليهم بالكفر مناطا ثالثا‪ ،‬أ ّن هؤالء‬
‫من أولياء الشيطان‪ ..‬كيف تثبت أ ّن هؤالء أولياء الشيطان؟‬

‫﴿وإِن‬
‫َّأوًال‪ :‬تذكر عندما قلنا أن هذه القوانني والدساتري وحي من الشيطان؟‪َ ،‬‬
‫وحو َن إِ َىل أَولِيَائِ ِهم لِيُ َج ِادلُوُكم﴾ [األنعام‪ ،]121:‬إذا هذا القانون وهذا‬
‫ني لَيُ ُ‬
‫ِ‬
‫الشيَاط َ‬
‫الدستور بوحي من الشيطان‪ ،‬وزارة الدفاع والداخلية والصحوات واحلشد يقاتلون‬
‫لتحكيم هذه القوانني وهذه الدساتري اليت هي من وحي الشيطان‪ ،‬إذا أليسوا هؤالء‬
‫أولياء للشيطان؟‪ ،‬يقينا؛ ألن معىن الو هنا‪ :‬املحب‪ ،‬النّاصر‪ ،‬احلليف‪ .‬وهؤالء أحبّوا‬
‫دفاعا عن ٍ‬‫ُ‬
‫قانون ودستوٍر أوحاهُ الشيطان‬ ‫الشيطان والشيطان أحبّهم‪ ،‬وهلذا يُقاتلون‬
‫يل‬ ‫إىل أوليائه‪ ،‬إذا هؤالء الذين يقاتلون يف سبيل الطاغوت أولياء الشيطان‪ .‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫األو ُل‪.‬‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪189‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أن كل من خالف شيئا من شرع هللا ¸ فقد أطاع‬ ‫يل َ‬ ‫ي‬
‫َّأما ال َدل ُ‬
‫الشيطان‪ ،‬سواء أكان يف كبائر األمور أم يف صغائرها‪ ،‬كل ُمالفة لشرع هللا ¸ طاعة‬
‫للشيطان‪.‬‬

‫ان َوإِيتَ ِاء ِذي ال ُقرَ ٰىب‬‫اإلحس ِ‬


‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫دليل ذلا‪ :‬قول هللا ¸‪﴿ :‬إن اَللَ يَأ ُم ُر بال َعدل َو َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َويَـنـ َه ٰى َع ِن ال َفح َشاء َوال ُمن َك ِر َوالبَـغ ِي يَعِظُ ُكم لَ َعل ُكم تَ َذك ُرو َن﴾ [النحل‪ ،]90:‬إذا هللا‬
‫¸ ينهى عن الفحشاء‪ ،‬بينما اآلية يف [سورة البقرة‪﴿ :]268:‬الشيطَا ُن يَعِ ُد ُك ُم ال َفقَر‬
‫َويَأ ُمرُكم بِال َفح َش ِاء﴾؛ إذا هللا ¸ ينهى‪ ،‬والشيطان يأمر‪ ..‬وهلذا إذا جئت إىل ٍ‬
‫مثل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَال تَـقَربُوا الِّزنَا إنهُ َكا َن فَاح َشة َو َساءَ‬
‫يف النهي واألمر‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫َسبِيال﴾ [اإلسراء‪ ،]32:‬إذا هللا ¸ ينهى عن الفاحشة‪ ،‬الزنا فاحشة‪ ،‬إذا هللا ¸‬
‫ينهى عن الفاحشة‪ ،‬عن الزنا‪ ،‬الشيطان يأمر بالزنا؛ ألن الزنا من الفاحشة‪ ،‬إذا كل‬
‫األو ُل‪.‬‬ ‫ُمالفة ألمر هللا ¸ أو لشرع هللا تبار وتعاىل طاعة للشيطان‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫يل ّ‬ ‫الدل ُ‬ ‫َ‬

‫اآلخ ُر‪ :‬ما جاء يف سورة األنعام عن نيب هللا إبراهيم ‪-‬على رسولنا‬ ‫يل َ‬ ‫أما َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫ّ‬
‫يم ِألَبِ ِيه َآزَر أَتَـت ِخ ُذ أَصنَاما ِآهلَة إِِّو أ ََرا َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وعليه الصالة والسالم‪ِ :-‬‬
‫﴿وإذ قَ َال إبـَراه ُ‬
‫َ‬
‫ني﴾ هذا يف [سورة األنعام‪ ،]74:‬أما يف [سورة الشعراء‪:]71-69:‬‬ ‫ض َال ٍل ُّمبِ ٍ‬‫ا ِيف َ‬ ‫َوقَـوَم َ‬
‫يم ۝ إِذ قَ َال ِألَبِ ِيه َوقَـوِم ِه َما تَـعبُ ُدو َن ۝ قَالُوا نَـعبُ ُد أَصنَاما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وات ُل َعلَيهم نَـبَأَ إبـَراه َ‬
‫َ‬
‫ني﴾؛ إذا من خالل آية األنعام وآية الشعراء ثبت أن والد نيب هللا‬ ‫ِِ‬
‫فَـنَظَ ُّل َهلَا َعاكف َ‬
‫يم ِألَبِ ِيه َآزَر أَتَـت ِخ ُذ أَصنَاما ِآهلَة﴾‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫إبراهيم كان يعبد صنما‪ِ ..‬‬
‫﴿وإذ قَ َال إبـَراه ُ‬
‫َ‬
‫تنس أن الرافضة ال يعرتفون أن والد نيب هللا إبراهيم آزر ‪-‬خنرج عن املوضوع‬
‫وال َ‬
‫قليال‪ ،‬ألننا طاملا ذكرنا هذه نذكر هذه أيضا‪ -‬الرافضة ال يقبلون أن تقول عن والد‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪190‬‬

‫نيب هللا إبراهيم آزر بأن هذا أبوه‪ ..‬قالوا‪ :‬هذا عمه‪ ،‬إذا من أبوه؟‪ ،‬قالوا‪ :‬أبوهُ تار ‪،‬‬
‫هل تعلم أن تار هو اسم والد نيب هللا إبراهيم يف التوراة؟‪ ،‬بينما يف القرآن آزر‪ ،‬مل‬
‫يقولوه ُحبًّا يف إبراهيم ’ وال يف أبيه وال يف عمه‪ ،‬وإمنا إذا جاز دخول أيب إبراهيم‬
‫’ النار‪ ،‬فدخول أيب طالب ال شيء يف ذلا بعد ذلا‪ ،‬لكن إذا كان عمه ال‪..‬‬
‫األمر خيتلف‪ُ ،‬خبثاء‪ .‬إذا من خالف شيئا من أحكام هللا ¸ فقد أطاع الشيطان‪.‬‬

‫يم ِألَبِ ِيه َآزَر أَتَـت ِخ ُذ أَصنَاما ِآهلَة﴾‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫يف سورة األنعام ذكرت اآلية‪ِ :‬‬
‫﴿وإذ قَ َال إبـَراه ُ‬
‫َ‬
‫إذا يقينا والد إبراهيم كان يعبد صنما‪ ،‬بينما اآلية يف [سورة مرمي‪﴿ :]44:‬يا أَب ِ‬
‫ت َال‬ ‫َ َ‬
‫ح ِن ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صيًّا﴾‪ ،‬أنا أريد أن أعرف هل كان يعبد‬ ‫تَـعبُد الشيطَا َن إِن الشيطَا َن َكا َن للر َٰ َ‬
‫صنما أم كان يعبد شيطانا؟‪ ،‬هذا نص من هللا تبار وتعاىل يف هذه اآلية‪ ،‬وهذا نص‬
‫﴿ال تَـعبُ ِد الشيطَا َن﴾‪﴿ ،‬أَتَـت ِخ ُذ أَصنَاما ِآهلَة﴾؛ إذا تفهم‬ ‫يف كتاب ربنا يف هذه اآلية َ‬
‫بالضرورة أن العبادة للصنم كانت عبادة مباشرة‪ ،‬أما عبادته للشيطان فكانت عبادة‬
‫غري مباشرة‪ ،‬ألن هذا الصنم ما وجد إال بتزيني من الشيطان‪.‬‬

‫ان﴾‪ ،‬إذا‬‫وت فَـ َقاتِلُوا أَولِياء الشيطَ ِ‬


‫إذا ﴿وال ِذين َك َفروا يـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل الطاغُ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫وزارة الدفاع والداخلية والصحوة واحلشد هذا‪ ،‬هؤالء كلهم أولياء للشيطان‪ ،‬هذه‬
‫ثالث مناطات يف هذه اآلية يف أن كفر هؤالء كفر اكرب ُمرج من امللة‪ ،‬نكمل اآلية‪،‬‬
‫ما العالقة بني الفئة األوىل (الذين آمنوا)‪ ،‬وبني الفئة الثانية (الذين كفروا)؟‬

‫العالقة عالقة قتال‪ ،‬واألمر بالقتال صادر من هللا ¸‪ ،‬األمر بالقتال ليس‬
‫ين َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل‬ ‫ِ‬
‫بشريًّا‪ ،‬هذا أمر من هللا تبار وتعاىل فهو الذي قال‪﴿ :‬الذ َ‬
‫وت فَـ َقاتِلُوا﴾‪ ،‬هذا األمر موجه إىل من؟‪،‬‬ ‫اَللِ وال ِذين َك َفروا يـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل الطاغُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪191‬‬

‫ين َآمنُوا يـُ َقاتِلُو َن ِيف َسبِ ِيل اَللِ﴾‪ ،‬هلؤالء‬ ‫ِ‬
‫إىل الفئة األوىل الذين قال هللا عنهم‪﴿ :‬الذ َ‬
‫ان﴾ هؤالء‪.‬‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَـ َقاتِلُوا أَولِياء الشيطَ ِ‬
‫ََ‬
‫إذا األمر بقتال اجلندي والشرطي والصحوة واحلشد هذا من هللا ¸ ليس من‬
‫البشر‪ ،‬وهذا األمر موجه إىل كل من آمن هبذا الكتاب‪ ،‬كل من آمن بكتاب هللا‬
‫¸‪ ،‬فاهلل تبار وتعاىل قد أمره أن يكون من فئة املؤمنني الذين يقاتلون يف سبيل‬
‫هللا‪ ،‬وأن يقاتل الفئة الكافرة اليت تقاتل يف سبيل الطاغوت والذين هم أولياء‬
‫للشيطان‪.‬‬

‫شرع الربملان يف دورته السابقة أو‬


‫ُناس وقالوا‪( :‬الدم العراقي حرام) كما ّ‬
‫فإذا جاء أ ٌ‬
‫قبل السابقة‪ ،‬ص ّدروا تشريعا بتحرمي الدم العراقي‪ ،‬وهللا ¸ يقول‪﴿ :‬فَـ َقاتِلُوا﴾‪ ،‬وهذا‬
‫التشريع ‪-‬مسألة حترمي الدماء بناء على األهواء‪ ،-‬دائما منبعها هؤالء اخلبثاء إخوان‬
‫مصر؛ ألهنم يف فلسطني أيضا ص ّدروا قرارا مسّوه حترمي الدم الفلسطيين‪ ،‬وهلذا جتد‬
‫الشرائح يف سياراهتم وما مسعنا يوما أنه قُتِل فلسطيين ألنه كان يُعني اليهود على‬
‫الفلسطينيني‪ ،‬ما مسعنا‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن الدم الفلسطيين حرام! حىت ولو قتل قاداهتم‬
‫وقتل أمراءهم ووضع الشرائح يف مصانعهم ال يهم‪ ..‬ملاذا؟‪ ،‬ألن الدم الفلسطيين‬
‫حرام‪.‬‬

‫وهذا الذي فعلوه يف العراق أيضا عندما قالوا‪ :‬حرام‪ ،‬الدم العراقي حرام‪ ،‬وهللا‬
‫ان﴾‪ ،‬إذا من قال أن اجلندي ال يُقاتَل‪ ،‬والشرطي‬ ‫¸ يقول‪﴿ :‬فَـ َقاتِلُوا أَولِياء الشيطَ ِ‬
‫ََ‬
‫ال يُقاتَل‪ ،‬والصحوجي ال يُقاتَل‪ ،‬واحلشدوي ال يُقاتَل‪ ،‬هذا كالمه ُمالف ألمر هللا‬
‫¸ القائل‪﴿ :‬فَـ َقاتِلُوا أَولِياء الشيطَ ِ‬
‫ان﴾‪.‬‬ ‫ََ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪192‬‬

‫ومن قال أن هؤالء مسلمون‪ ..‬نقول‪ :‬هذا قولا‪ ،‬أما قول ربنا فقد كفرهم هللا‬
‫وت﴾‪ ،‬وال يهمين‬ ‫¸ يف القرآن الكرمي‪ ،‬قال‪﴿ :‬وال ِذين َك َفروا يـ َقاتِلُو َن ِيف سبِ ِيل الطاغُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫بعد ذلا أن يكون من املرتددين إىل املساجد‪ ،‬ومن الذين يصومون شهر رمضان‪،‬‬
‫ومن الذين حيجون ويقرؤون القرآن؛ ألن هذه األعمال كلها ال ُجت ِدي نفعا إذا خرج‬
‫الصديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قاتل أُناسا فقط امتنعوا عن الزكاة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أنت تعلم أن ّ‬‫من امللة‪ ،‬و َ‬
‫كانوا يشهدون أن ال إله إال هللا‪ ،‬ويصلون‪ ،‬ويأتون بباقي األركان‪ ،‬لكن امتنعوا عن‬
‫الزكاة فقط فقاتلهم على أهنم مرتدون‪ ،‬وهذا إمجاع الصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم‬
‫أمجعني‪.-‬‬

‫إذا ندخل اإلسالم من كل أبوابه‪ ،‬لكن اإلنسان قد خيرج من باب واحد‪ ،‬فإذا‬
‫خرج من باب واحد‪ ،‬ال ُجت ِديه باقي األبواب اليت ستكون فيه سواء أكان مصليًّا أو‬
‫ما إىل ذلا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بصوت غري مسموع‪ ،‬فأجاب الشيخ تقبله هللا»‪:‬‬ ‫«سأل أحد احلضور ُسؤاال‬

‫* الشيخ‪ :‬نعم‪ ..‬املرتد الذي ردته مغلظة‪ ،‬ألن اإلنسان قد خيرج من امللة دون‬
‫جمرد تار صالة‪ ،‬هذه ردة ُجمّردة‪ ،‬يُستتاب‬ ‫أن يكون ُمؤذيا للمسلمني أو لإلسالم‪ّ ،‬‬
‫وحيارب اإلسالم‬ ‫ثالثة أيام‪ ،‬فإن تاب وإال قُتل‪ ،‬أما الذي خيرج من اإلسالم ُ‬
‫واملسلمني‪ ،‬هذه ردة مغلظة‪ ،‬توبته مقبولة قبل القدرة عليه‪ ،‬أما إذا م ّكن هللا ¸‬
‫فادى وال ميَُ ُّن عليه وال‪ ،‬وال‪...‬‬
‫عباده منه ليس له إال القتل‪ ،‬ليس له إال القتل‪ ،‬ال يُ َ‬
‫فقط القتل هذا حكم املرتد الُمقاتل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪193‬‬

‫وذكرت لا مناطات التكفري‪ ،‬وقلت‪ :‬أن هللا ¸ أمر‬ ‫ُ‬ ‫إذا هللا ¸ ك ّفر هؤالء‪،‬‬
‫الفئة األوىل ِ ُقاتلة الفئة الثانية‪ ،‬فمن قال‪ :‬ال يُقاتَلون‪ ،‬هذا قوله هو‪ ،‬أما قول ربنا‪:‬‬
‫ان﴾‪.‬‬‫﴿فَـ َقاتِلُوا أَولِياء الشيطَ ِ‬
‫ََ‬
‫ضعِيفا﴾‪ ،‬هنا البشارة للفئة‬ ‫ِّارةُ ِف يَّنَاي ية اآلي ية‪﴿ :‬إِن َكي َد الشيطَ ِ‬ ‫ي‬
‫ان َكا َن َ‬ ‫َ َ‬ ‫الب َ َ‬
‫األوىل‪ ،‬ألنه إذا أحس أن أولياءه ميرون يف موقف حرج وصعب‪ ،‬فما أسرع أن يتخلى‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَللَ‬
‫اف ّ‬ ‫ص َعلَى َعقبَـيه َوقَ َال إِِّو بَِريءٌ ّمن ُكم إِِّو أ ََرى َما الَ تَـَرو َن إِِّوَ أ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫عنهم‪﴿ ،‬نَ َك َ‬
‫ضعِيفا﴾‪ ،‬فإذا كان كيد‬ ‫يد العقاب﴾ [األنفال‪﴿ ،]48:‬إِن َكي َد الشيطَ ِ‬
‫ان َكا َن َ‬ ‫اَللُ َش ِد ُ‬
‫َو ّ‬
‫الشيطان ضعيفا يقينا كيد من يتوالهم الشيطان‪ ،‬وهم يتولون الشيطان‪ ،‬أضعف‬
‫بكثري‪.‬‬

‫وهلذا وجدت ‪-‬ليس هذا كالمي وإمنا كالم قيل يف الفضائيات‪ ،-‬أ ّن صال‬
‫الدين هذه احملافظة حمافظة أهل السنة ُسلِّمت للمجاهدين‪ ،‬ما ُسلِّمت‪ ،‬وإمنا م ّكنهم‬
‫هللا ¸ منها يف نصف ساعة‪ ،‬عدد اجليش والشرطة والصحوة مخسني ألف‪ ،‬عدد‬
‫ضعِيفا﴾‪ ،‬مخسني ألف‬ ‫الشباب الذين دخلوا ثالمثائة فقط‪﴿ ..‬إِن َكي َد الشيطَ ِ‬
‫ان َكا َن َ‬
‫يف نصف ساعة‪ ،‬وعدد الشباب الذين دخلوا ثالمثائة!‪ ،‬وكذلا احلال يف املوصل يف‬
‫حمافظة نينوى‪ ،‬وكذلا احلال يف زمار ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬هذه األطراف‪ ،‬والرافضة‬
‫ضعِيفا﴾‪.‬‬ ‫يف تلعفر‪ ،‬إذا البشارة يف هناية اآلية‪﴿ :‬إِن َكي َد الشيطَ ِ‬
‫ان َكا َن َ‬
‫ِ‬
‫حصلة اليت خنرج هبا يا إخوة يا كرام‪ :‬الفئة األوىل عرفناهم‪ ،‬والفئة الثانية‬
‫إذا املـُ ّ‬
‫أيضا عرفناهم‪ ،‬وقد حكم هللا ¸ عليهم بال ُكفر‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪194‬‬
‫َ‬ ‫ال َّد ْر ُ‬
‫الح ِادي َعشر‬‫س َ‬
‫ُ َ َ‬
‫الق ُتها ب ْ‬ ‫الد ُيم ْ‬
‫الم‬
‫ِ‬ ‫اإلس‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ي‬‫اط‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ق‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا وأعنّا على‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫الباط َل باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫اتّ ِ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ .‬‬
‫واحلُل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪،‬‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬حت ّدثنا بشكل قد يكون نوعا من التوضيح يف‬ ‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫أنصار الطواغيت باللسان‪ ،‬سيكون حديثنا عن‪:‬‬
‫يت بيالّليس ي‬
‫ان‪:‬‬ ‫اسم املُ ِّْت ر ُك ب ني أنْصا ير الطَّو ي‬
‫اغ ي‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال َق ُ َ َ َ َّ َ‬
‫القاسم املشرت بني هؤالء اخلُطباء سواء كانوا ُمرجئة‪ ،‬أم كانوا إخوان مصر‪ ،‬أم‬
‫ُ‬
‫أذناهبم‪ ،‬أم صوفيّة‪ ،‬أم أي من هؤالء اخلطباء الذين خيطبون ممن ليسوا على منهج‬
‫أهل السنة واجلماعة‪ ..‬دعوهتم إىل الدميُقراطيّة‪ ،‬وأش ّد الدُّعاة إىل الدميُقراطية قدميا‬
‫وحديثا هم إخوان مصر‪ ،‬وهلذا جتدهم دائما يُ ّرددون "اإلسالم دين دميُقراطي" دائما‬
‫جتد الوصفة هكذا يف حديثهم ويف كتاباهتم ويف دروسهم ويف حماضراهتم‪ ،‬فما هي‬
‫بقوة السال واجليش؟‪ ،‬وملاذا هؤالء ي ّدعون‬ ‫هذه ال ّدميُقراطيّة اليت تدعو إليها أمريكا ّ‬
‫دين دميُقراطي؟‬
‫أن اإلسالم ٌ‬

‫(‪ )29‬وقد نشر حبث مفصل للشيخ تقبله هللا هبذا العنوان‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪195‬‬

‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬هنا كالم لعبدالقادر بن عبدالعزيز يف كتابه [اجلامع]‪،‬‬


‫نسأل هللا تبار وتعاىل أن يُلهمهُ ُرشده وأن يُعيده إىل ُرشده وأن يهديه‪ ،‬لديه‬
‫تراجعات يف سجون مصر‪.‬‬

‫ذكر كالما عن طريقة معرفة معىن الدميُقراطيّة‪- ،‬أنقل كالمه باملعىن وليس‬
‫بالنص‪ -‬فقال‪ :‬أننا إذا أردنا أن نعرف معىن كلمة من الكلمات ومن بينها‬
‫لدي الشرع‪،‬‬
‫لدي اللغة العربية‪ ،‬و ّ‬
‫الدميُقراطية‪ ،‬فإن املصادر أو املراجع اليت أرجع إليها‪ّ :‬‬
‫لدي العُرف‪ ،‬ممكن أن أفهم معىن الكلمة من خالل إحدى هذه املصادر‪.‬‬ ‫و ّ‬
‫على سبيل املثال‪ :‬الصالة يف لغة العرب عىن‪ :‬الدعاء‪ ،‬ولكن الصالة يف الشرع‪:‬‬
‫هي العبادة اليت تبدأ بتكبرية اإلحرام‪ ،‬وتنتهي بالتسليم‪ ،‬إذا هذا فهم من ناحية اللغة‪،‬‬
‫وهذا فهم من ناحية الشرع‪.‬‬

‫وهنا بعض الفهومات لبعض العبارات مما تعارف عليه الناس‪ ،‬سواء كانوا أهل‬
‫حي‪ ،‬أو أهل صنعة من الصنائع‪ ،‬جتد لديهم بعض املفردات مما‬ ‫ّ‬ ‫منطقة أو أهل‬
‫ُ‬
‫تعارفوا على استخدامها‪.‬‬

‫فإذا أردنا أن نعرف معىن ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬اجملاالت اليت أرجع إليها‪ :‬أرجع إىل اللغة‪،‬‬
‫وأرجع إىل الشرع‪ ،‬وأرجع إىل العُرف‪ ،‬فأحبث هل هلذه الكلمة من معىن يف هذه‬
‫املراجع الثالثة اليت أرجع إليها؟‬

‫عندما ترجع إىل كتب املعاجم واللغة ال جتد يف كتب اللغة العربية تفسريا ملعىن‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬ألهنا كلمة أعجميّة‪ ،‬وإذا رجعت إىل الشرع احلنيف ال جتد تفسريا‬
‫لل ّدميُقراطيّة‪ ،‬ألهنا ليست من ديننا ال يف قليل وال يف كثري؛ إذا اآلن استنفدت وسيليت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪196‬‬

‫عني‬
‫لدي لفهم كلمة ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬مث أحبث‪ :‬هل املسلمون تعارفوا على معىن ُم ّ‬
‫الفهم ّ‬
‫أو ُحم ّدد لل ّدميُقراطيّة فيما بينهم؟‪ ،‬هذه ليست من الكلمات املتعارفة فيما بني‬
‫ُ‬
‫املسلمني؛ إذا مصادري ال تُعينين على إدرا معىن ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬فإذا كان احلال هكذا‪،‬‬
‫إذا ليس أمامي إال أن أرجع إىل أهل هذه الكلمة‪ ،‬إىل قواميسهم وإىل معامجهم‪،‬‬
‫فسروا هذه الكلمة؟‪ ،‬وماذا قالوا عنها؟‬ ‫وأحبث هم كيف ّ‬
‫يقول عبدالقادر بن عبدالعزيز‪ :‬إذا رجعنا إىل كتبهم ومعامجهم‪ ،‬وكتب اللغة‬
‫ويفسروهنا هكذا‪:‬‬
‫عرفون ال ّدميُقراطيّة ّ‬
‫لديهم‪ ،‬جند أهنم يُ ّ‬

‫ال ّدميُْقراطيّةُ تَ ْعين‪ّ :‬‬


‫السيادة للشعب‪.‬‬

‫إذا ُكنّا نفهم ما معىن الشعب‪ ،‬ال ُخيتلف يف فهم هذه الكلمة‪ ،‬لكن قد خنتلف‬
‫"السيادة"؛ إذا تضطر أن ترجع مرة أخرى إىل كتبهم حىت تعلم ماذا‬
‫يف فهم معىن ّ‬
‫"السيادة" عندما استخدموها يف هذا املوطن‪.‬‬
‫يعنون بكلمة ّ‬
‫السلطَة اليت ليست‬
‫فالسيادة يف كتبهم ويف قواميسهم املتعلّقة بال ّدميُقراطيّة تعين‪ُّ :‬‬‫ّ‬
‫ُ‬
‫السيادة للشعب‪،‬‬
‫فوقها ُسلطَةٌ أخرى‪ ،‬إذا أصبح تعريف ال ّدميُقراطيّة عند أهلها‪ :‬أن ّ‬
‫السلطَة اليت ليست فوقها ُسلطَةٌ أخرى‪ ،‬هذا هو‬ ‫السيادة لديهم قال‪ :‬هي ُّ‬ ‫ومعىن ّ‬
‫تعريف ال ّدميُقراطيّة عند أهلها‪.‬‬

‫و ا أن بالد املسلمني اآلن يُراد هلم أن ُحيكموا هبذه القوانني وبال ّدميُقراطيّات‪،‬‬
‫ُ‬
‫فإذا رجعت إىل الدستور جتد أن تعريف ال ّدميُقراطيّة قد ُو ِض َع يف مواد الدستور‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل املثال‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪197‬‬

‫"السيادة للشعب وحده‪ ،‬وهو‬


‫يف القانون املصري‪ :‬املادة (الثالثة) تقول بالنص‪ّ :‬‬
‫السلطَات"‪ ..‬عني تعريف ال ّدميُقراطيّة عند الغرب‪.‬‬
‫مصدر ُّ‬
‫"السيادة‬ ‫ِ‬
‫شرع املصري ‪-‬أخزاه هللا‪ -‬مل يكتف بأن يقول ّ‬ ‫وكما ترى فإن املُ ّ‬
‫"السيادة للشعب وحده" حىت‬‫للشعب وحده"‪ ،‬بل أ ّكد األمر بإضافة كلمة "وحده" ّ‬
‫السيادة هلا‪ ،‬فجاؤوا بكلمة‬
‫يتوهم أحد أن مع الشعب هنا جهة أخرى قد تكون ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وحده إمعانا يف إفهام معىن ال ّدميُقراطيّة من خالل الدستور‪.‬‬

‫"السيادة للقانون‪،‬‬
‫أما يف القانون العراقي‪ :‬املادة (اخلامسة) تنص هكذا‪ّ :‬‬
‫وشرعيّتها"‪.‬‬
‫السلطات ّ‬‫والشعب مصدر ُّ‬
‫إذا ما هو معروف عند الغرب موجود يف القوانني والدساتري‪ ،‬أما بالنسبة إىل‬
‫"السيادة للشعب‬
‫القانون املصري‪ ،‬فاألمر واضح‪ ،‬موافقة للتعريف الغريب مائة باملائة ّ‬
‫"السيادة‬
‫السيادة للشعب‪ ،‬بل قالوا" ّ‬ ‫وحده"‪ ،‬أما يف القانون العراقي مل يقولوا ّ‬
‫للقانون"‪..‬‬

‫السيادة للقانون يف العمل‬


‫السيادة للشعب‪ ،‬وبني ّ‬
‫فهل هنا فارق بني ّ‬
‫بال ّدميُقراطيّة؟‬

‫قر القانون الذي‬ ‫الحظ‪ :‬ا أن الشعب السيادة له‪ ،‬هذا الشعب هو الذي يُ ّ‬
‫السيادة ال تكون للقانون إال بعد تصويت الشعب عليه؛ إذا القانون ال‬ ‫سيُح َكم به‪ّ ،‬‬
‫"السيادة للقانون"‬
‫شرع العراقي عندما قال‪ّ :‬‬ ‫يُساوي شيئا بدون موافقة الشعب‪ ،‬فاملُ ّ‬
‫عمل به‪ ،‬وال يُؤبه به إن‬
‫هذا ال يعين بأن القانون فوق الشعب؛ ألن هذا القانون ال يُ َ‬
‫السيادة أصبح‬‫مل يُوافق الشعب على هذا القانون‪ ،‬إذا هذا القانون الذي جعلوا له ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪198‬‬

‫من نتاج الشعب‪ ،‬الشعب يُوافق‪ ..‬القانون يسود‪ ،‬الشعب ال يُوافق‪ ..‬القانون ال‬
‫يسود‪.‬‬

‫إذا رجعنا إىل تعريف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬ورجعنا إىل الصراحة املوجودة عند املصريني أن‬
‫شرع العراقي‬
‫عمل به بدون موافقة الشعب‪ ،‬واملُ ّ‬‫السيادة للشعب‪ ،‬ألن هذا القانون ال يُ َ‬ ‫ّ‬
‫أيضا جاء بالتعريف لل ّدميُقراطيّة ولكن بدل الشعب جاء بالقانون‪ ،‬إذا اآلن فهمت‬
‫معىن ال ّدميُقراطيّة عند الغرب‪ ،‬وفهمت معىن ال ّدميُقراطيّة يف الدستور املصري ويف‬
‫السيادة للشعب يف‬ ‫للشعب؟‪ ،‬كيف تكون ّ‬ ‫الدستور العراقي‪ ،‬أما كيف يكون احلكم ّ‬
‫البلدان ال ّدميُقراطيّة؟‬

‫سمى (عملية انتخاب ُممثّلي الشعب)‪ ،‬وممثلو الشعب‬


‫وضعوا آليّة‪ ،‬هذه اآللية تُ ّ‬
‫سمون‪( :‬اجمللس‬
‫تبجح‪ ،‬ويُ ّ‬
‫(السلطة التشريعيّة) بكل ّ‬
‫سمون‪ُّ :‬‬ ‫هؤالء يُصطلح عليهم يُ ّ‬
‫سموهنم‪:‬‬
‫سموهنم‪( :‬أعضاء الربملان)‪ ،‬ويُ ّ‬
‫األمة)‪ ،‬ويُ ّ‬
‫سمونه‪( :‬جملس ّ‬ ‫الوطين)‪ ،‬ويُ ّ‬
‫(النـ ُّّواب)‪ ..‬كل هذه األمساء تُطلق على من خيتاره الشعب للحكم‪.‬‬

‫"يتكون‬
‫ّ‬ ‫تنص على ما يلي قال‪:‬‬ ‫وهنا مادة يف القانون العراقي املادة (‪ّ )47‬‬
‫لكل مائة ألف نسمة من نفوس‬ ‫ٍ‬
‫جملس النـ ُّّواب من عدد من األعضاء بنسبة واحد ّ‬
‫السري‬
‫يتم انتخاهبم بطريق االقرتاع العام ّ‬ ‫العراق‪ُ ،‬ميثّلون الشعب العراقي بأكمله‪ّ ،‬‬
‫مكونات الشعب فيه"‪.‬‬
‫املُباشر‪ ،‬ويُراعى متثيل سائر ّ‬
‫السيادة للشعب‪ ،‬أي‪ :‬أن احلكم يكون من‬ ‫ما معىن هذه املادة؟‪ ،‬حنن قلنا ّ‬
‫السيادة للشعب يف البلد ال ّدميُقراطي؟‬
‫خالل الشعب‪ ،‬فكيف تُطبّق ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪199‬‬

‫يأتون يُش ّكلون األحزاب‪ ،‬بعد تشكيل األحزاب هنا قانون يف تشكيل‬
‫األحزاب‪ ،‬فأي جمموعة نالت املوافقة على تشكيل احلزب‪ ،‬هؤالء جتد هلم برامج‪ ،‬جتد‬
‫هلم األمور اليت يطرحوهنا بأننا سنفعل إذا دخلنا يف الربملان يف السنوات األربع‬
‫رشحون هؤالء لكي‬ ‫القادمة‪ ،‬بعد ذلا هؤالء يطرحون أمساءهم لالنتخابات‪ ،‬الناس يُ ّ‬
‫يكونوا ُممثّلني هلم يف الربملان‪ ،‬فتجد احلزب الفالو أخذ من أصوات الشعب أربع‬
‫ماليني‪ ،‬واآلخر أخذ مخس ماليني‪ ،‬واآلخر أخذ عشر ماليني‪ ،‬إذا هؤالء الذين‬
‫ُرِّش ِحوا للدخول يف الربملان الشعب هم الذين ّ‬
‫رشحوهم‪ ،‬فيُعترب هؤالء األعضاء ُممثّلني‬
‫للشعب يف احلكم‪.‬‬

‫وهلذا عندما يُص ّدرون بيانا أو قرارا‪ ،‬ال يقولون "بسم هللا الرحن الرحيـم"‪ ،‬وإمنا‬
‫يقولون‪" :‬بسم الشعب" ملاذا؟؛ ألن هؤالء كل واحد منهم ُميثّل مائة ألف عراقي‪ ،‬أو‬
‫مائة ألف‪ ..‬شوف باقي الدول كم يشرتطون‪ ،‬ألن عدد السكان يُقسم على عدد‬
‫النواب (‪ )350‬عند ذلا تعلم كل ُممثّل كم ُميثّل من أبناء ذلا البلد‪.‬‬

‫إذا هبذه الطريقة عندما حيكم هؤالء‪ ،‬إذا هم حيكمون باسم الشعب‪ ،‬إذا‬
‫السيادة للشعب من خالل املـُمثّلني يف الربملان‪.‬‬
‫أصبحت ّ‬
‫السيادة للشعب؟‪ ،‬وإال الشعب ال ميكن أن‬‫عرفت كيف ال ّدميُقراطيّة جعلت ّ‬
‫السلطَة اليت ليس فوقهم ُسلطَة أخرى‪ ،‬وإمنا يكونون ُسلطَة من‬
‫يكونوا كلهم هم ُّ‬
‫خالل من ُميثّلهم يف الربملان‪.‬‬

‫ومن باب املضحكات‪ ،‬ال أقول املبكيات‪ :‬لو علمت ما حال أعضاء الربملان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املزورة فح ّدث‬
‫ّ‬ ‫الشهادات‬ ‫أما‬ ‫الشعب‪،‬‬ ‫باسم‬ ‫وحيكمون‬ ‫الشعب‬ ‫لون‬‫العراقي! هؤالء ُميثّ‬
‫وال حرج!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪200‬‬

‫ُبني ماذا تعين ال ّدميُقراطيّة يف احلكم‪ ،‬أن الشعب هم الذين‬


‫إذا اآلن أستطيع أن أ ّ‬
‫قررون الدستور الذي سيُح َكمون به‪ ..‬هذه سيادة‪ ،‬أن الشعب هم الذين خيتارون‬ ‫يُ ّ‬
‫أعضاء احلكومة اليت حتكم الشعب‪ ،‬أن الشعب هم الذين حيكمون من خالل هؤالء‬
‫‪-‬هذا معىن ال ّدميُقراطيّة‪ ،-‬أن الشعب يُراقب احلكومة ومدى التزامها بالقانون من‬
‫خالل ُممثّليهم‪ ،‬وأن الشعب يكون له احلق يف إسقاط احلكومات ألن شرعيّتها ‪-‬هذه‬
‫احلكومات‪ -‬شرعيّتها متوقفة على إرادة الشعب‪ ،‬فالشعب إذا أراد أن يُسقط حكومة‬
‫من هذه احلكومات‪ ،‬له ذلا إذا كانت هنالا ُمالفة للقانون‪ُ ،‬مالفة للدستور‪ ،‬أو‬
‫تف ا وعدت به‪ ،‬عند ذلا يكون من حق هذا الشعب أن يعمل‬ ‫أن احلكومة مل ِ‬
‫السيادة‬
‫على إسقاط هذه احلكومة‪ ،‬إذا هبذه املواصفات اليت ذكرهتا أصبحت ّ‬
‫للشعب‪.‬‬

‫ول‪ :‬ال ّدميُقراطيّة هبذا املعىن الذي ذكرته ّ‬


‫"السيادة للشعب" تُرمجت يف‬ ‫إذًا اآلن أقُ ُ‬
‫بالد املسلمني من خالل هؤالء الطواغيت‪:‬‬

‫أحيانًا‪ُ :‬حكم الشعب للشعب‪ .‬فيُ ّ‬


‫فسرونه‬ ‫ال ّدميُقراطيّةُ تَ ْعين‪ :‬احلكم للشعب‪َ .‬و ْ‬
‫هبذين التفسريين‪.‬‬

‫السيادة واحلُكم للشعب ‪-‬هذا تعريف‬


‫السلطَة و ّ‬
‫أن‪ُّ :‬‬ ‫اآلن إذا ثبت‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،-‬ما عالقة هذا التعريف باإلسالم؟‬

‫وسنّة رسوله‪ ،‬جتد أن هذا التعريف يتناقض‬ ‫اعرض هذا األمر على كتاب هللا ¸ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫تناقضا ُكليًّا مع قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن احلُك ُم إِال َلل ۚ أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ‬
‫اس َال يَـعلَ ُمو َن﴾ [يوسف‪]40:‬؛ إذا ال عالقة‬ ‫ين ال َقيِّ ُم َوٰلَ ِكن أَكثَـَر الن ِ‬ ‫َٰذلِا ِّ‬
‫الد ُ‬ ‫َ‬
‫لل ّدميُقراطيّة باإلسالم من حيث التعريف‪ ،‬ال عالقة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪201‬‬

‫الع َراقي يّي‪:‬‬


‫ون ي‬‫ري وال َقانُ ي‬
‫ص يّ َ‬
‫نَأِْت إل ال َقانُ ي‬
‫ون ال َم ْ‬
‫السلطات وشرعيّتها"‪ ،‬أما يف‬
‫يف القانون العراقي قال‪" :‬والشعب هو مصدر ُّ‬
‫السلطات"‪.‬‬
‫"السيادة للشعب وحده‪ ،‬وهو مصدر ُّ‬
‫القانون املصري‪ّ :‬‬
‫"السلطات" هنا؟‪ ،‬وما معىن "مصدر"؟‪ ،‬وما معىن "شرعيّة"؟‬
‫ما معىن ُّ‬

‫بالسلطات هنا‪ :‬هي ُّ‬


‫السلطات الثالثة اليت تتش ّكل منها احلكومات‬ ‫املقصود ُّ‬
‫السلطة‬
‫سموهنم باالسم ُّ‬ ‫السلطة التّشريعيّة‪ :‬هؤالء أعضاء الربملان يُ ّ‬ ‫ال ّدميُقراطيّة‪ُّ :‬‬
‫السلطّة التّنفيذيّة‪ :‬هؤالء الوزراء‪ ،‬والوكالء‪ ،‬واملدراء‬
‫التّشريعيّة اليت تضع التّشريعات‪ ،‬و ُّ‬
‫ُ‬
‫السلطَة القضائية‪ :‬القضاء‪ ،‬واملـُحاماة‪ ،‬وما إىل ذلا‪.‬‬ ‫العاملني‪ ،‬ومن ينوب عنهم‪ ،‬و ُّ‬
‫تنص على أن الشعب مصدر‬ ‫إذا القانون العراقي واملصري وباقي ال ّدساتري كلها ّ‬
‫السلطَة ال تكون إال من خالل الشعب‪ ،‬فالشعب هو الذي‬ ‫السلطَات‪ ،‬أي أن هذه ُّ‬ ‫ُّ‬
‫السلطَات؛ أي أن‬‫خيتار أعضاء احلكومة لكي ُحي َكمون‪ ،‬هذا معىن الشعب مصدر ُّ‬
‫الشعب إذا مل خيتاروا أُناسا حيكموهنم‪ ،‬ال حيكمهم أحد‪ ،‬وإذا اختاروا أُناسا‬
‫حيكموهنم‪ ،‬إذا هؤالء الذي اُختريُوا من قبل الشعب هم الذين حيكمون‪ ،‬هذا يف‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬

‫ص َد ُر" يدخل يف كلمة الشعب كل الطوائف‬


‫ب َم ْ‬ ‫ول َّ‬
‫"الِّ ْع ُ‬ ‫س‪ :‬يع ْن َد َما تَ ُق ُ‬
‫َوال تَ ْن َ‬
‫شرع العراقي ‪-‬أخزاهم‬ ‫وكل األديان وكل األحزاب املوجودة يف البلد‪ ،‬فعندما قال املُ ّ‬
‫السلطات" تسأل ما حال الشعب العراقي؟‪ ،‬كذا باملائة‬ ‫هللا‪" :-‬الشعب مصدر ُّ‬
‫رافضة‪ ،‬كذا باملائة نصارى‪ ،‬آشوريون‪ ،‬كلدانيون‪ ،‬صابئة‪ ،‬شيوعيون‪ ،‬علمانيون‪،‬‬
‫كونات كلها‬‫قوميّون‪ ،‬يزيديّة‪ ..‬كل هؤالء يدخلون حتت دائرة الشعب‪ ،‬إذا هذه الـمـُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪202‬‬

‫السلطَة خترج من خالل اختيار هؤالء الناس‪،‬‬


‫السلطَة؛ أي ُّ‬
‫يف بالدنا اآلن هم مصدر ُّ‬
‫وكل هؤالء هلم احلق يف أن خيتاروا من حيكمهم‪.‬‬

‫أما يف مصر على سبيل املثال‪ :‬فاألقباط يُشاركون يف اختيار من حيكمهم‪،‬‬


‫السلطات‪ ،‬وكذلا يف باقي البلدان‪.‬‬‫ملاذا؟؛ ألن الشعب مصدر ُّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫َه َذا في الد ُيم ْ‬
‫يار الوال ِة؟‬
‫ِ ِ‬‫ت‬‫اخ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ال‬
‫ِ ِ ِ‬‫س‬ ‫اإل‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫ية‬ ‫اط‬
‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫ق‬
‫كونات‪ ،‬بأدياهنم‪ ،‬بطوائفهم‪ ،‬بأحزاهبم‪ُ ،‬رت ّديهم‪،‬‬‫علمنا أن الشعب بكل هذه املُ ّ‬
‫السلطَة‪ .‬هذا يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬فما حال اإلسالم إذا‬
‫بعلمانيّهم‪ ..‬هم مصدر اختيار ُّ‬
‫يف اختيار الوالة؟‬

‫والة األمر يف اإلسالم حيكمون بإحدى طرق ثالثة‪:‬‬

‫إما بوصيّة من السابق إىل الالحق‪ .‬أي‪ :‬أن يكون أمري املؤمنني أو اخلليفة أو‬
‫يتوىل‬
‫احلاكم أو السلطان‪ ،‬يوصي بأن اخلليفة من بعدي فالن بن فالن‪ ،‬إذا هذا ّ‬
‫اإلمارة بوصية‪ ،‬إذا اآلن ما لنا عالقة بال ّدميُقراطيّة‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن هذه إحدى وسائل‬
‫إثبات احلكم يف اإلسالم‪.‬‬

‫يل ذَلي َ‬
‫ك‪ :‬أن الص ّديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما حانت منيّته‪ ،‬أوصى باخلالفة‬ ‫ي‬
‫َو َدل ُ‬
‫من بعده إىل الفاروق عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ .-‬إذا هذه طريقة شرعيّة يف إسناد األمر يف‬
‫داخل بالد املسلمني‪ .‬وهذا كان بعلم مجيع الصحابة ‪-‬رضوان هللا تعاىل عليهم‬
‫أمجعني‪ -‬من كان منهم حيًّا وكان اإلمجاع على هذا األمر‪.‬‬

‫الطَّري َقةُ الثّانييةُ‪ :‬أن ُيعل احلاكم املسلم املسألة ّ‬


‫بالشورى ملن بعده‪ ،‬يعين‪ :‬خيتار‬
‫جمموعة من الناس‪ ،‬يقول‪ :‬من بني هؤالء ختتارون رجال شورى‪ ،‬وهذا الذي فعله عمر‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪203‬‬

‫وعلِ َم أن منيّته أوشكت‪ ،‬فاختار ستة من‬ ‫ض ِر َ‬


‫ب يف الصالة‪َ ،‬‬ ‫‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما ُ‬
‫الصحابة‪ ،‬وقال‪ :‬هم يتفقون على ٍ‬
‫رجل من بينهم‪ ،‬إذا جعل اختيار احلاكم بالشورى‪،‬‬
‫بالشورى‪ ،‬هذه هي الطريقة الشرعيّة يف إسناد األمر بالنسبة‬
‫إذا إما بالوصيّة وإما ّ‬
‫للمسلمني يف بالد اإلسالم‪.‬‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫بالقوة‬
‫السيف‪ ،‬أن يأيت أحدهم ّ‬ ‫ّأما الطري َقةُ الثَّالثَةُ‪ :‬وهي طريقة املُتغلّب ب ّ‬
‫وبالسيف يستو على بقعة من األرض‪ ،‬مث يُعلن نفسه حاكما على هذه البقعة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بالقوة وبالغلبة أن يُقيم شرع هللا ¸ يف‬
‫وهذا أيضا أمري يُعرتف به شرعا‪ ،‬ألنه مت ّكن ّ‬
‫بقعة من البقاع‪ ،‬فله السمع والطاعة‪.‬‬

‫بالشورى‪ ،‬وإما بالغلَبَة‬


‫إذا‪ ،‬تولية األمر إىل الوالة يف اإلسالم إما بالوصيّة‪ ،‬وإما ّ‬
‫السلطَات؟‪ ،‬إذا ال‬‫القوة‪ .‬أين هذا الذي قلته عن ال ّدميُقراطيّة؟!‪ ،‬أين الشعب مصدر ُّ‬ ‫و ّ‬
‫عالقة لل ّدميُقراطيّة باختيار احلُ ّكام‪ .‬هذا أمر‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬يف البالد ال ّدميُقراطيّة قال‪" :‬الشعب مصدر ُّ‬


‫السلطَات"؛ إذا من‬ ‫األم ُر َ‬
‫ْ‬
‫بغض النظر عن‬ ‫ٍ‬
‫حق الشعب أن خيتاروا أي إنسان ليكون ُممثّال هلم وحاكما بامسهم‪ّ ،‬‬
‫الردة واإلسالم! ليس من ضوابط اختيار الشعب‬ ‫وبغض النظر عن الكفر و ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدين‪،‬‬
‫الرافضة هلم وجود‪ ،‬وأن النّصارى هلم وجود‪ ،‬وكذلا باقي‬ ‫للح ّكام الدين؛ بدليل أن ّ‬
‫ُ‬
‫كي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫الشيوعي له وجود! إذا فيهم من هم على دين شر ّ‬ ‫كونات هلم وجود‪ ،‬واحلزب ّ‬ ‫الـمـُ ّ‬
‫وفيهم من هو على دي ٍن منسوخ‪ُ ..‬كفر‪ ،‬وفيهم من ال دين له ّ‬
‫كالشيوعيني‪ ،‬ملاذا؟؛‬
‫ألن هذه التّشكيلة ُوِج َدت ألن الشعب له هو مصدر ُّ‬
‫السلطَات‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪204‬‬

‫لت النظر يف تشكيلة الربملان العراقي سيأخذ العجب‪ %35 ،‬هم‬ ‫أج َ‬‫فإذا َ‬
‫نساء‪ ..‬ال خري يف أمة تو أمرها النساء‪ ..‬حديث رسول هللا ‘(‪َ ..)30‬ه َذا‬
‫األو ُل‪.‬‬
‫ال َم ْد َخ ُل ّ‬
‫ال َم ْد َخ ُل الثّاين‪ :‬جتد إىل جانب صاحب العمامة واجلُبّة واللحية البيضاء‪..‬‬
‫يزيدي‪ ،‬أو نصراو‪ ،‬هذا يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬اعرض هذ األمر على اإلسالم‪ ،‬احلاكم‬
‫املسلم هو الذي خيتار من يُعينه على حل هذه األمانة‪ ،‬ألن هذه أمانة‪ ،‬وضابط‬
‫االختيار عند احلاكم املسلم‪ :‬حديث عبدهللا بن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عن رسول‬
‫ٍ‬
‫عصابة‪ ،‬ويف تلا العصابة من هو أرضى هلل‬ ‫هللا ‘ ملا قال‪( :‬من استعمل رجال من‬
‫منه‪ ،‬فقد خان هللا وخان الرسول وخان املؤمنني)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عصابة)‪ ..‬الحظ الضابط بالنسبة للحاكم ‪-‬بعد أن‬ ‫(من استعمل رجال من‬
‫ٍ‬
‫عصابة‪ ،‬ويف تلا العصابة من هو‬ ‫عملت حال ال ّدميُقراطيّة‪( :-‬من استعمل رجال من‬
‫أرضى هلل منه‪ ،‬فقد خان هللا وخان الرسول وخان املؤمنني)‪ ،‬هذا احلديث ذكره‬
‫البوصريي يف [إحتاف اخلرية املهرة] وقال رواه الطرباو‪ ،‬ويف سنده رجل امسه (حسني بن‬
‫حسن حديثه‪ ،‬اإلمام‬‫ضعفه‪ ،‬ومنهم من ّ‬
‫قيس) املعروف بــ(حنش)‪ ،‬من العلماء من ّ‬
‫وصحح حديثه‪ ،‬وابن منرة أيضا‬
‫وحسن حديثه‪ ،‬واحلاكم روى له ّ‬ ‫الرتمذي روى له ّ‬
‫حسن حديثه‪ ،‬إال أن هلذا‬
‫ضعف ومنهم من ّ‬ ‫وثّقه‪ .‬إذا رجل ُمتلف فيه‪ ،‬منهم من ّ‬
‫قويه غري طريق حسني بن قيس هذا‪.‬‬ ‫احلديث طريق يُ ّ‬

‫(‪« )30‬قال الرسول ‘‪( :‬لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)‪[ .‬رواه البخاري]‪».‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪205‬‬

‫فإذا علمت أن احلاكم الـ ُمسلم ال يُو شيئا من أمور املسلمني إىل النساء هذا‬
‫الفارق األول‪ ،‬وال يُق ّدم إال من هو أهل ألن يُق ّدم؛ فإن ق ّدم ممن هو ليس ٍ‬
‫بأهل فقد‬
‫خان هللا ورسوله وخان املؤمنني‪.‬‬

‫هذا الضابط يف اختيار من يُعني احلاكم يف متشية أمور إمارة الدولة‪ ،‬ولكن جزما‬
‫رجل من أي دي ٍن كان‪ ،‬ال من أهل الكتاب‪ ،‬ال نصراو‪ ،‬وال‬ ‫ال يكون معه أي ٍ‬
‫يهودي وال غريه‪ ،‬ملاذا؟‬

‫آمنُوا َال تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة ِّمن ُدونِ ُكم﴾ [آل‬ ‫ِ‬
‫لقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫سمى‪ :‬بطانة‪،‬‬
‫قرب‪ ،‬داخل الشيء يُ ّ‬ ‫عمران‪ ]118:‬أي‪ :‬من غريكم‪ ،‬بطانة هذا املُ ّ‬
‫سمون بطانة‪ ،‬وما جعل هللا ¸ حاكما إال وله بطانة خري‬ ‫قربني من احلاكم يُ ّ‬‫فاملُ ّ‬
‫تأمره باملعروف أو بطانة شر تأمره بالسوء ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫ين َآمنُوا َال تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة ِّمن ُدونِ ُكم َال يَألُونَ ُكم َخبَاال َوُّدوا َما‬ ‫ِ‬
‫﴿يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ت البـغضاء ِمن أَفـو ِاه ِهم وما ُخت ِفي ص ُدورهم أَكبـر قَد بـيـنا لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ ُُ َُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َعنتُّم قَد بَ َد َ َ ُ‬
‫إِن ُكنتُم تَـع ِقلُو َن﴾ إن كنتم تعقلون هي هذه املواصفات‪ ،‬ما ينبغي لا أن جتعل‬
‫قرب) من غري املسلمني‪.‬‬ ‫لنفسا بطانة ( ُم ّ‬
‫وهلذا عندما جاء أبو موسى األشعري ‪ ¢-‬وأضاه‪ -‬إىل عمر‪ ¢-‬وأرضاه‪،-‬‬
‫املاديّة ‪-‬ال أدري أين‬
‫وكان معه رجل كأنه كان ُُييد مسائل احلساب واإلداريّات ّ‬
‫قرأت هذه الرواية هكذا‪ ،-‬كأن عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما رأى ما فيه من نباهة يف‬
‫احلساب قال‪ :‬ستُصلي لنا‪ ،‬فقال أبو موسى‪ :‬إنه ال يدخل املسجد يا أمري املؤمنني‪،‬‬
‫أجنب هو؟‪ ،‬قال‪ :‬بل نصراو‪ ،‬فضربه على فخذه‪ ،‬وقال‪ :‬أيُبعدهم هللا‬ ‫قال‪ُ :‬‬
‫عزوهنم؟‪ ،‬ويُهينهم هللا وتُكرموهنم؟‬
‫قربوهنم؟‪ ،‬ويُذ ّهلم هللا وتُ ُّ‬
‫وتُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪206‬‬

‫وهلذا عندما قيل لعمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬أن هنا نصراو ُُييد مسائل األمور‬
‫املاديّة أن اختذته كاتبا لا‪ ،‬تال هذه اآلية إذا اختذت من دون املؤمنني بطانة‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذا يف اإلسالم‪ ،‬وهذا يف ال ّدميُقراطيّة؛ إذا ال عالقة لل ّدميُقراطيّة باإلسالم‪ ،‬ال من‬
‫حيث التعريف‪ ،‬وال من حيث تعيني احلُ ّكام‪ ،‬وال من حيث إدارة أمور الدولة‪.‬‬

‫بقي اجلزء األخري من التعريف يف ال ّدستور العراقي وال ّدستور املصري‪" :‬والِّعب‬
‫السلطَات وشرعيّتها"‪ ..‬ما معن شرعيّتها؟‬
‫مصدر ُّ‬
‫حق الشعب أن يُسقط احلكومة إن أراد ذلا‪ ،‬وهذا وجب‬ ‫هذا يعين أن من ّ‬
‫السلطَة اليت أُعطيت للشعب‪ ،‬و وجب احلرية اليت يتمتع هبا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وهلذا إذا كنت تراقب األحداث يف مصر‪ ،‬إخوان مصر دائما يف الفضائيّات ماذا‬
‫الشرعيّة هذه؟!!‬
‫"الشرعيّة"‪ ..‬إيش ّ‬
‫"الشريعة"‪ّ ..‬‬
‫الشرعيّة" ليس ّ‬
‫يقولون؟‪" ،‬نريد عودة ّ‬
‫اختيار‬
‫ٌ‬ ‫بناء على القانون املصري‪ ،‬أن الشعب إذا اختار أُناسا للحكم‪ ،‬هذا‬
‫و"مرسي" اُختري من قِبَل الشعب‪ ،‬إذا هذا اختيار شرعي؛ ألن الشعب‬ ‫شرعي‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫"السيسي" هذا فقد جاء بطريقة غري شرعيّة‪ ،‬وهلذا دائما يف‬
‫السلطَات‪ ،‬أما ّ‬
‫مصدر ُّ‬
‫الشرعيّة"‪ ..‬أي‪ :‬أن يُعاد إىل احلُكم من اُختري من قِبَل‬
‫املظاهرات "نريد عودة ّ‬
‫ُ‬
‫السلطَات وشرعيّتها"‪ ،‬فالناس الذين ُخيتارون للحكم‬
‫ُّ‬ ‫مصدر‬ ‫"الشعب‬ ‫ألن‬ ‫الشعب؛‬
‫هؤالء شرعيّون يف احلكم‪ ،‬أما من جاء بغري هذه الطريقة فهذه حكومة غري شرعيّة‬
‫السيسي‪ ،‬إذا من حق الشعب أن يعزل أو أن يُسقط احلكومة‪.‬‬
‫كحكومة ّ‬
‫طبعا هذه احلُريّة للشعب من الذي أوجدها؟‪ ،‬اليهود هم الذين أوجدوا هذا‬
‫النوع من احلُريّة للشعب يف إسقاط احلكومات‪ ،‬حبيث أن احلكومة ال تُعترب شرعيّة إال‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪207‬‬

‫إذا كانت ُمنبثقة عن الشعب‪ ،‬الحظ ماذا يقول اليهود يف الربوتوكول األول من‬
‫بروتوكوالهتم‪:‬‬

‫الرعاع بأ ّن احلكومة ليست‬‫جترد كلمة احلُريّة جعلها قادرة على إقناع ِّ‬
‫قالوا‪" :‬إن ّ‬
‫شيئا آخر غري مدي ٍر ينوب عن املالا الذي هو األ ُّمة"‪ ..‬هذه احلُريّة أقنعت الناس‬
‫بأن احلكومة ليست شيئا آخر غري مدي ٍر ينوب عن املالا الذي هو األ ُّمة‪ ،‬مث ماذا‬
‫قالوا؟‪" ،‬وإن يف املستطاع خلعها َك ُق ّفازين باليني"‪ ..‬إذا من الذي خيلع؟‪ ،‬الشعب‪..‬‬
‫ُ‬
‫الحظ تكملة الربوتوكول‪" :‬وإن الثّقة بأن ُممثّلي األ ُّمة ُميكن عزهلم‪ ،‬قد أسلمت‬
‫احلرية يف إسقاط احلكومة‪ ،‬هؤالء‬ ‫ِ ِ‬
‫ُممثّليهم ل ُسلطاننَا"‪ ..‬عندما أعطوا للشعب هذه ّ‬
‫يرمتون يف أحضان من؟ قال هؤالء يرمتون يف أحضاننا‪.‬‬

‫"وإن الثّقة بأن ُممثّلي األ ُّمة ُميكن عزهلم‪ ،‬قد أسلمت ُممثّليهم لِ ُسلطانِنَا‪ ،‬وجعلت‬
‫تعيينهم عمليًّا يف أيدينا"‪ ..‬أعطوا احلُريّة للشعب بأن من ح ّقكم أن تُسقطوا هذه‬
‫احلكومة‪ ،‬هذه احلكومة حىت ال تسقط حتتاج إىل مال‪ ،‬حتتاج إىل إعالم‪ ،‬حتتاج إىل‬
‫دعم‪ ..‬زين‪ ..‬املال واإلعالم وال ّدعم بيد من؟‪ ،‬بيدهم هم‪ ،‬خاصة يف بالد أوروبا‪.‬‬

‫تنس أن اليهود هلم طريقة يف اإلتيان ببعض األشخاص إىل احلكم‪ ،‬وهذا هو‬ ‫وال َ‬
‫الظاهر للعيان يف بالد املسلمني‪ ،‬دائما يأتون بأ ٍ‬
‫ُناس ساقطني‪ ،‬وُيعلون منهم شيئا‪،‬‬
‫هذا عندما يوصلوه إىل تلا املرتبة ال ميكن أن ُخيالف هلم أمرا؛ ألنه جرد املخالفة‬
‫ينشرون ّأوليّاته يف اجلرائد وينتهي الرجل‪ ،‬فال ميكن أن ُخيالفهم يف األمر حفاظا على‬
‫املوقع الذي وصل إليه‪.‬‬
‫إذا يف ال ّدميقراطيات الشعب هو الذي ي ِ‬
‫سقط احلكومات‪ ،‬هذا يف ال ّدميُقراطيّة‪..‬‬‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪208‬‬

‫ي‬ ‫ي ي‬
‫للمسلمني ‪-‬ال‬‫ْارج ْع إ َل ا يل ْس َلم‪ :‬حاكم حيكم ا أنزل هللا ¸‪ ،‬هل ُيوز ُ‬
‫للمسلمني أو ألهل ال ّذ ّمة الذين يعيشون يف دار اإلسالم يعطون‬ ‫أقول للشعب‪ُ -‬‬
‫حيق هلؤالء أن يعزلوا اخلليفة أو أن يُسقطوا اإلمارة؟‬ ‫ٍ‬
‫اجلزية عن يد وهم صاغرون‪ ..‬هل ّ‬
‫يستحيل إال يف حالة واحدة‪ :‬إذا ظهر منه كفر بوا ‪-‬والعياذ باهلل‪ ..-‬ليس أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬وإمنا املسلمون هم الذين يعملون على عزل هذا احلاكم إذا ظهر منه‬
‫جلي‪.‬‬
‫بشرط‪ :‬كفر‪ ،‬وهذا الكفر واضح ّبني ّ‬
‫والشرط الثاو‪ :‬لدينا الدليل من الشرع على أن هذا القول أو هذا الفعل الذي‬
‫صدر من احلاكم كفر‪.‬‬

‫فري‪ ،‬والشيء الثاو‪ :‬لدينا‬


‫فإذا الشروط أصبحت‪ :‬أن يصدر منه عمل أو قول ُك ّ‬
‫الربهان والدليل على أن هذا كفر‪.‬‬

‫حديث رسول هللا ‘ عندما قيل له عن اخلروج على احلُ ّكام قال‪( :‬إال أن تروا‬
‫ُكفرا بواحا عندكم من هللا فيه برهان)(‪.)31‬‬

‫الذمة‪ ،-‬يعملون‬
‫إذا يف هذه احلالة فقط املسلمون ‪-‬وليس الشعب‪ ،‬وليس أهل ّ‬
‫على عزل هذا األمري‪.‬‬

‫أما إذا ظلم أو ضرب أو أخذ املال‪ ،‬ال ُيوز للمسلمني أن خيرجوا على هذا‬
‫احلاكم أو يعزلوه؛ ألن املفسدة اليت ستنجم من اخلروج أضعاف أضعاف هذا الظلم‬
‫الذي يصدر منه‪ ،‬وأضعاف أضعاف مفسدة أخذ املال أو ضرب الظهر‪ ،‬فبالـ ُمقارنة‬

‫(‪[ )31‬رواه مسلم]‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪209‬‬

‫نتحمل ما يصدر منه ألن هذه مفسدة‬


‫حتمله ّ‬
‫بني مفسدة اخلروج عليه‪ ،‬وبني مفسدة ّ‬
‫صغرى بالنسبة إىل مفسدة اخلروج عليه‪.‬‬

‫فقارن بني هذا الذي يف اإلسالم‪ ،‬وبني ما جاء يف الدستور العراقي والدستور‬
‫املصري‪ ،‬حىت تعلم أين اإلسالم من ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وأين ال ّدميُقراطيّة من اإلسالم؛ إذا‬
‫ُها دينان ُُمتلفان ال يلتقيان‪ ،‬دينان ُُمتلفان‪ ،‬ال ّدميُقراطيّة دين‪ ،‬لكن اإلسالم دين‬
‫السلطَة‬
‫نلتق بال ّدميُقراطيّة ال من ناحية التعريف‪ ،‬وال من ناحية جعل ُّ‬ ‫آخر‪ ،‬فال ِ‬
‫للشعب‪ ،‬وال الختيار احلكام للشعب‪ ،‬وال لعزل احلكام من قِبَل الشعب‪ ،‬كل هذه‬
‫النقاط اإلسالم ال يلتقي بال ّدميُقراطية بأي آصرةٍ من أواصر االتصال هبا‪ ،‬أبد‪ ،‬ال‬
‫يوجد بني اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة أي اتصال يف هذه النقاط اليت ذكرهتا‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خريا وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪210‬‬
‫َ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الثاني َعش ْر‬ ‫الدر‬
‫ْ‬
‫اطي ِة‪ ،‬الرك ُن األو ُل‪:‬‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ْأر َكان الد ُيم ْ‬
‫ق‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُحري ُة َ‬
‫العق َ‬
‫يد ِة‬ ‫ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق ًّ‬
‫حقا وأعنّا على‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫الباط َل باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫اتّ ِ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بِعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم ّ‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم إو أسألا علما نافعا‪ ،‬وقلبا خاشعا‪،‬‬ ‫وُ‬
‫وجسدا على البالء صابرا‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪ ،‬وال جتعل‬
‫فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬

‫تكلّمنا يوم أمس ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬عن ال ّدميُقراطيّة وعالقتها باإلسالم من‬
‫صلَة‪ ،‬وال شيء من‬‫حيث التعريف‪ ،‬وتبني لنا أن ال ّدميُقراطية ال متُت إىل اإلسالم بِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال ّدميُقراطيّة يف اإلسالم‪.‬‬

‫نتناول باحلديث اليوم إن شاء هللا تعاىل بعض أركان ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬لِنَرى ما عالقة‬
‫هذه األركان أيضا باإلسالم‪ ،‬فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪:‬‬
‫َ ْ ُ َ َ َْ‬ ‫الد ُيم ْق َراطي ُة َت ُق ُ‬
‫األرك ِان‪:‬‬ ‫وم على مجموعة ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سمى‪ُ :‬حّريّة العقيدة‪.‬‬
‫الرك ُن األ ّو ُل يُ ّ‬
‫ُّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪211‬‬

‫الرأي‪.‬‬
‫ُوالُّرك ُن الثاو‪ُ :‬حّرية ّ‬
‫سمى‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الشخصيّة‪ ،‬وهنا مبدأ من مبادئ ال ّدميُقراطيّة يُ ّ‬ ‫ث‪ :‬احلُّريّة ّ‬‫الرك ُن الثّال ُ‬
‫َو ُّ‬
‫مبدأ املساواة‪.‬‬
‫ُ‬
‫نأيت إىل كل رك ٍن من هذه األركان حىت نرى ما عالقة هذه األركان باإلسالم‪،‬‬
‫ولكن قبل احلديث عن هذه األركان ال بُ ّد أنا انتبهت أن القاسم املشرت بني أركان‬
‫ُ‬
‫ال ّدميُقراطيّة (احلُريّة)‪ ..‬فَ ُحريّة العقيدة‪ُ ،‬حريّة الرأي‪ ،‬واحلُريّة الشخصيّة؛ إذا كل هذه‬
‫األركان ُمرتبطة بشيء امسه احلُريّة؛ إذا ال بُ ّد يف البداية أن نعلم ما معىن هذه احلُريّة‬
‫يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وبعد ذلا من الذي وضع هذه احلُريّة‪ ،‬وكيف‪ ،‬وملاذا‪..‬‬

‫يف درسنا هلذا اليوم بإذن هللا تعاىل سأضطر إىل القراءة من الورق‪ ،‬ألن النصوص‬
‫عرف احلُريّة املعمول هبا يف ال ّدميُقراطيّة هم اليهود يف‬ ‫ِِ‬
‫ينبغي أن تُنقل بدقة‪ ،‬فالذي ّ‬
‫بروتوكوالهتم‪ ،‬فالذي جاء يف الربوتوكول الثاو عشر‪ ،‬يقول‪" :‬إ ّن كلمة احلُريّة اليت‬
‫حق عمل ما يسمح به‬ ‫ٍ‬
‫شىت سنجدها هكذا‪ :‬احلُريّة هي ّ‬ ‫فسر بوجوه ّ‬ ‫ُميكن أن تُ ّ‬
‫القانون‪ ،‬تعريف الكلمة هكذا سينفعنا على هذا الوجه‪ ،‬إذ سيرت لنا أن نقول أين‬
‫لسبب بسيط هو أن القانون لن يسمح‬ ‫تكون احلُريّة‪ ،‬وأين ينبغي ّأال تكون‪ ،‬وذلا ٍ‬
‫إال ا نرغب حنن فيه"‪.‬‬

‫إيش قوهلم هذا؟‪ ،‬وهل هذا الكالم موجود اآلن يف أرض الواقع أم ال؟‬

‫عرفوا احلُريّة قالوا هي عمل ما يسمح به القانون؛ إذا احلُريّة ُمقيّدة‬


‫اليهود عندما ّ‬
‫بضوابط القانون‪ ،‬فما يسمح به القانون لا احلُريّة أن تعمل به‪ ،‬أما ما ال يسمح به‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪212‬‬

‫القانون ال ُيوز لا أن تعمل به‪ ،‬إذا هذا هو تعريف احلُريّة يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬إذا ال‬
‫توجد ُحريّة ُمطلَقة وإمنا هي ُحريّة ُمقيّدة بالقانون‪ ،‬وهلذا إذا أقدمت على ٍ‬
‫عمل‬
‫ُخيالف القانون أو ال ّدستور‪ ،‬مث ّادعيت أنين ُحّر يف أداء هذا العمل‪ُ ،‬حتاسب ُوجب‬
‫القانون‪ ،‬ألن القانون ال يعترب هذا العمل الذي عملته من احلُريّة يف شيء‪.‬‬

‫وهنا أعمال أُقِّرت‪ ،‬على سبيل املثال ‪-‬دائما أُؤّكد على املسائل الظاهرة‪،-‬‬
‫مسألة اخلمر‪ :‬ال يستطيع أحد أن مينع أحدا أن يشرب مخرا‪ ،‬ملاذا؟؛ قال ألن هذه‬
‫من احلُريّة‪ ،‬القانون أعطى احلُريّة للناس‪ ،‬من أراد أن يشرب اخلمر يشرب‪ ،‬فإذا جاء‬
‫إنسان وأراد أن مينع‪ ،‬إذا أنت جتاوزت على ُحريّة اآلخرين‪.‬‬

‫إذًا خترج يِبُ ّ‬


‫حصلة دقيقة ًّ‬
‫جدا‪ :‬أن احلُريّة املقصودة يف ال ّدميُقراطيّة هي‪ :‬ما ُُييزه‬
‫للحريّة‪ ،‬وقال هذه الطريقة ‪-‬يف تعريف‬
‫القانون حصرا‪ .‬وهذا هو التعريف اليهودي ُ‬
‫احلُريّة‪ُ -‬حي ّقق هلم ماذا؟‬

‫قال حنن ُحن ّدد احلُريّة أين تكون وأين ال تكون‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألننا حنن سنضع بنود‬
‫وحن ّدد أين‬
‫القانون‪ ،‬واحلُريّة تكون ُمقيّدة هبذا القانون؛ إذا حنن ُحن ّدد جماالت احلُريّة ُ‬
‫تكون وأين ال تكون‪.‬‬

‫يتبجح هبا املنتسبون إىل اإلسالم هذه حقيقتها‪ ،‬فإذا علمت‬


‫ّ‬ ‫هذه احلُريّة اليت‬
‫ُ‬
‫األلسن‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ويف‬ ‫األذهان‬ ‫يف‬ ‫ة‬‫ذلا فاعلم مىت وضع اليهود هذه ُ ّ‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫احل‬

‫يف الربوتوكول األول قال‪" :‬كذلا ُكنّا قدميا أول من صا َ يف الناس‪ ،‬احلُّريّة‬
‫كلمات ما انف ّكت تُ ُّرددها منذ ذلا احلني ببغاوات جاهلة‬
‫ٌ‬ ‫واملساواة واإلخاء‪..‬‬
‫ُ‬
‫ُمتجمهرة يف كل مكان حول هذه الشعائر"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪213‬‬

‫فسروا معىن احلريّة وهم‬


‫إذا أول من وضع احلُريّة واملُساواة واإلخاء هم اليهود‪ ،‬إذا ّ‬
‫دعوا إىل هذه احلُرية‪.‬‬
‫الذين َ‬
‫ويقينا أنت تعلم أن هذه الشعارات الثالثة "احلُريّة‪ ،‬املساواة واإلخاء" هذه كانت‬
‫ُ‬
‫شعار الثورة الفرنسيّة اليت قامت يف ‪ 1800‬م وكسر‪ ،‬ومت ّكنوا من أن يُزيلوا الدين ُكليًّا‬
‫عن حياة الناس‪ ،‬وحصروا الديانة يف داخل الكنيسة‪ ،‬مث أصبحوا ُحي َكمون بالقوانني‬
‫اليت وضعوها ألنفسهم‪ ،‬إذا هم أول من وضعوا هذه احلُريّة املزعومة يف ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬

‫بعد ذلا (ميشيل عفلق) عندما ذهب إىل فرنسا وبقي فرتة هنا ‪ ،‬جاء بفكرة‬
‫القوميّة‪ ،‬ويف الفرتة اليت ذهب فيها إىل فرنسا‪ ،‬فرنسا كانت حتفل يف ذلا الوقت‬
‫جتمعات باِسم اليهود‪ ،‬ولكن تعمل بأمساء‬ ‫باحملافل املاسونيّة‪ ،‬احملافل املاسونيّة هي ّ‬
‫بأمساء صرحية‪ ..‬رجع الرجل من هنا ب ــ"وحدة‪ُ ،‬حريّة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى أحيانا وأحيانا‬
‫"حريّة" هي نفسها ُحريّة‪،‬‬ ‫اشرتاكيّة" هي تغيري للشعار الفرنسي يف ذلا الوقت‪ُ ..‬‬
‫غري يف الكلمات ولكن جاء بنفس‬ ‫"مساواة" اشرتاكية‪ ،‬وإخاء "وحدة"‪ ..‬فقط ّ‬ ‫ُ‬
‫الشعارات اليت وضعها اليهود ألولئا‪ ،‬إذا هذا تعريف احلُريّة يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وهؤالء‬
‫هم واضعو هذه احلُريّة‪.‬‬

‫اليهود يقولون‪ :‬عندما دعونا إىل هذه احلُريّة‪ ،‬هذه احلُريّة أوجدت لنا حكومات‬
‫حتكم بال ّدساتري وبالقوانني‪ ،‬وهم هذا ما كانوا يصبون إليه‪ :‬أن يُوجدوا حكومات‬
‫حتكم بالقوانني وبال ّدساتري‪ ،‬الحظ ماذا يقولون يف الربوتوكول العاشر‪:‬‬

‫"لقد ولدت احلُريّة احلكومات ال ّدستوريّة‪ ،‬فال ّدستور كما تعلمون ليس أكثر من‬
‫مدرسة للفنت واالختالفات واملشاحنات واهليجانات احلزبيّة العميقة‪ ،‬وهو بإُيا ٍز‬
‫ُ‬ ‫مدرسة لكل ٍ‬
‫شيء يُضعف نفوذ احلكومة"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪214‬‬

‫عرفوا احلُريّة‪ ،‬أدخلوا احلُريّة‪ ،‬هذه احلُريّة أوجدت هلم احلكومات اليت حتكم‬
‫إذا ّ‬
‫بالقوانني وبال ّدساتري‪ ،‬وحنّوا الدين ُكلّيا عن حياة الناس‪ ،‬سواء كانوا نصارى أو كانوا‬
‫مسلمني‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ملاذا اليهود يريدون هبذه الطريقة أن ُحي َكم الناس بال ّدساتري‬
‫وبالقوانني؟‬

‫ما جاء يف بروتوكوالهتم أهنم يعتربون أنفسهم شعب هللا املختار‪ ،‬والناس يف‬
‫ُ‬
‫الدرجة التالية أو فيما دون منهم‪ ،‬حنن ال نُعترب يف درجة اليهود‪ ،‬كل األديان وكل‬
‫البشرية‪ ،‬اليهود هؤالء صنف خاص‪ ،‬هم شعب هللا املختار‪ ،‬أما الباقون فيجب أن‬
‫ُ‬
‫يكونوا خدما هلم؛ وهلذا جاء يف بروتوكوالهتم‪ :‬يُعلّمون أتباعهم‪ ،‬إذا قيل لكم ملاذا أنا‬
‫قد ُخلقت على شاكلتا؟‪ ،‬ملاذا أنت تكون سيّدا وأنا أكون عبدا؟‪ ،‬ملاذا أنا عبد‬
‫وأنت سيّد؟‪ ،‬قال‪ :‬فقولوا هلم‪ :‬خلقكم هللا على هيئتنا لكي ال ننفر منكم عندما‬
‫ختدموننا‪ ..‬يعين إذا كان شكلا غري شكلي‪ ،‬وأنت عبد ختدمين‪ ،‬قد أنفر منا‪،‬‬
‫فخلقا هللا يف صوريت حىت ال أنفر منا عندما ختدمين‪!..‬‬

‫وملاذا أيضا؟‪ ،‬ألن اليهود يعتربون كل ما يف الكرة األرضيّة من أمو ٍال ملا هلم‪،‬‬
‫وحنن وغرينا من أهل األديان قد سلبنا من اليهود أمواهلم‪ ،‬فهم يريدون أن يُعيدوا‬
‫السيطرة على الكرة األرضية‪ ،‬وأن يكونوا هم شعب هللا املختار‪ ،‬والناس اآلخرون‬
‫ُ‬
‫دوهنم يف التسلسل‪ ،‬وهذه الغاية ال ميكن أن يصلوا إليها إال بعد أن يتخلّصوا من‬
‫أمرين‪:‬‬

‫األو ُل‪ :‬أن اليبقى هنا شيء امسه دين‪ ،‬أي دي ٍن كان‪ ،‬عدا دينهم‪.‬‬
‫األم ُر ّ‬
‫ْ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬أن اليبقى هنا امسه أخالق‪.‬‬
‫ِّيءُ َ‬
‫َوال َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪215‬‬

‫فالعائق أمامهم للوصول إىل هاتني الغايتني‪ :‬الدين وكذلا األخالق‪ .‬أما الدين‬
‫فتم ّكنوا من أن يتخلّصوا منه هبذه الطريقة اليت ذكرهتا لا عندما جاؤوا باحلُريّة‪،‬‬
‫وولدت هلم هذه احلُريّة هذه احلكومات اليت حتكم بالقوانني وال ّدساتري‪ ،‬ووصل األمر‬
‫حولوا‬
‫تنصلوا من الدين كلّيا‪ ،‬بدؤوا بالنصارى‪ ،‬يف االحتاد السوفيييت‪ّ ،‬‬ ‫إىل أنه ناس ّ‬
‫مادة"‪ ،‬مث‬‫ُناس ال يُؤمنون بدين‪ ،‬شيوعية‪" ..‬ال إله‪ ،‬واحلياة ّ‬ ‫أولئا النصارى إىل أ ٍ‬
‫السيئة ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬تنتقل إىل الدول األخرى تشيكوسلوفاكيا‪،‬‬ ‫بدأت هذه الشرارة ّ‬
‫يوغوسالفيا‪ ،‬بلغاريا‪ ،‬الصني‪ ،‬كندا‪ ،‬وما إىل ذلا‪ ..‬ودخلت بالد املسلمني أيضا‪،‬‬
‫فتم ّكنوا من أن يُزيلوا ال ّديانة النصرانية ُكلّيا‪ ،‬على أنه دين ُمنحرف‪ ،‬وحاولوا أن يُزيلوا‬
‫ٍ‬
‫حكومات حتكم‬ ‫اإلسالم أيضا وجنحوا يف ذلا بأن ولّدت هلم هذه احلُريّات‬
‫بالقوانني وحتكم بال ّدساتري‪.‬‬
‫إذا استحوذ اليهود ووصلوا إىل الغاية اليت يريدوهنا‪ ..‬سيطروا على ب ٍ‬
‫قعة من‬‫ُ‬
‫األرض‪ ،‬ماذا يفعلون باحلُريّة هذه؟‪ ،‬الحظ‪:‬‬

‫"إن كلمة احلُريّة تز ّج باجملتمع يف نز ٍاع مع كل ال ُقوى‪ ،‬حىت ّقوة الطبيعة‪ ،‬وقوة هللا"‬
‫هكذا هم يقولون زعما‪" ،‬وذلا هو السبب يف أنه ُيب علينا حني نستحوذ على‬
‫القوة الوحشيّة‬
‫السلطَة أن منحق كلمة احلُريّة من ُمعجم اإلنسانيّة‪ ،‬باعتبار أهنا رمز ّ‬ ‫ُّ‬
‫شة إىل الدماء"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫انات متعطّ ٍ‬
‫الذي ميسخ الشعب حيو ُ‬
‫اليهود يعلمون ماذا فعلت هذه احلُريّة بالناس‪ ،‬وماذا فعلت باألديان‪،‬‬
‫سموهنم‪..-‬‬
‫وبالببغاوات ‪-‬كما يُ ّ‬
‫يقول إذا استحوذنا على ٍ‬
‫مكان يف األرض‪ ،‬أول األعمال اليت سيقومون هبا أهنم‬
‫ميسحون كلمة احلُريّة من املعاجم اإلنسانيّة‪ ،‬ما يبقى هنا شيء امسه ُحريّة‪ ،‬ملاذا؟؛‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪216‬‬

‫ب الدماء وسفا الدماء؛ إذا‬ ‫قال ألن هذه احلُريّة ُحت ّول الشعوب إىل ّقوة وحشيّة ُحت ّ‬
‫ُيب أن منحق هذه الكلمة من معاجم اإلنسانيّة ومنسحها بال ُكليّة‪ ،‬إذا هم عرفوا‬
‫خطر احلُريّة على غريهم‪ ،‬فإذا أصبحت احلُريّة خطرا عليهم‪ ،‬قال‪ :‬سنمحق هذه‬
‫الكلمة ومنسحها من معاجم اإلنسانية‪.‬‬

‫وقد تقول‪ :‬أهذا الذي يفعله اليهود؟‪ ،‬نعم‪ ..‬هكذا يفعلون‪ ،‬لقول هللا تبار‬
‫ني َولَتَـعلُن عُلًُّوا‬ ‫ض َمرتَـ ِ‬‫اب لَتُـف ِس ُدن ِيف األَر ِ‬‫ضيـنَا إِ َ ٰىل ب ِين إِسرائِيل ِيف ال ِكتَ ِ‬
‫﴿وقَ َ‬
‫وتعاىل‪َ :‬‬
‫َ َ َ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫َكبِريا ۝ فَِإذَا َجاءَ َوع ُد أ َ‬
‫اسوا‬ ‫ُوال ُُهَا بَـ َعثـنَا َعلَي ُكم عبَادا لنَا أُوِ بَأ ٍس َشديد فَ َج ُ‬
‫ِخ َال َل ال ِّديَا ِر َوَكا َن َوعدا مفعُوال ۝ ُمث َرَددنَا لَ ُك ُم ال َكرةَ َعلَي ِهم َوأَم َددنَا ُكم بِأَم َو ٍال‬
‫َسأ ُمت فَـلَ َها فَِإ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َو َج َعلنَا ُكم أَكثَـَر نَفريا ۝ إن أَح َسنتُم أَح َسنتُم ألَن ُفس ُكم َوإن أ َ‬ ‫َوبَن َ‬
‫وه ُكم َولِيَد ُخلُوا ال َمس ِج َد َك َما َد َخلُوهُ أَوَل َمرةٍ َولِيُتَِّربُوا َما‬ ‫ِ ِ‬
‫َجاءَ َوع ُد اآلخَرةِ ليَ ُسوءُوا ُو ُج َ‬
‫َعلَوا تَـتبِريا﴾ [اإلسراء‪.]6-4:‬‬

‫إذا جعلناكم أكثر نفريا‪ ..‬اليهود ثالث ماليني‪ ..‬أربع ماليني‪ ،‬لكن ثالث مائة‬
‫مليون من أمريكا ينفرون معهم‪ ،‬كذا مليون يف فرنسا ينفرون معهم‪ ،‬كذا مليون يف‬
‫ُناس آخرين يف القتال‪ ،‬اليهود‬ ‫أناس دعما أل ٍ‬ ‫بريطانيا ينفرون معهم؛ إذا النّفرة أن يأيت ٌ‬
‫ال يستطيعون أن يفعلوا شيئا‪ ،‬لكن استطاعوا أن ُُينّدوا كل هؤالء لكي ينفروا معهم‬
‫عندما يُريدون أن يعملوا شيئا؛ وهلذا اليهود ال يُقاتلوننا بذاهتم‪ ،‬لقول هللا تبار‬
‫مجيعا إِال ِيف قُـرى ُّحمَصنَ ٍة أَو ِمن َوَر ِاء ُج ُد ٍر﴾ [احلشر‪،]14:‬‬
‫﴿ال يـ َقاتِلُونَ ُكم َِ‬
‫وتعاىل‪ُ َ :‬‬
‫لكن يستطيعون أن يُقاتلوننا بالطائرات األمريكية والربيطانية والفرنسية‪..‬‬

‫إذا من هنا؛ اليهود هم الذين ُحيّركون‪ ،‬وهم الذين مت ّكنوا من أن يُدخلوا‬


‫ال ّدميُقراطيّة من خالل أمريكا يف بالدنا ويف بالد املسلمني‪ ،‬ومت ّكنوا من أن يُل ّقنوا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪217‬‬

‫وحريّة‬
‫هؤالء الببغاوات أن يُ ّرددوا كلمة احلُريّة‪ُ ..‬حريّة العقيدة‪ ،‬واحلرية الشخصيّة‪ُ ،‬‬
‫الرأي‪.‬‬

‫هذه املق ّدمة ال بُ ّد منها قبل الدخول يف موضوع الركن األول من أركان‬
‫ُ‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ُ :‬حرية العقيدة‪ ،‬إذا نتناول مسألة‪ُ :‬حّرية العقيدة‪.‬‬

‫ود‪َ ،‬م َع ُحرية‬ ‫ُ‬


‫ب‬ ‫يدة َس َب َق ْأن َع َّر ْف ُت َها َه َك َذا‪َ :‬ت َعد ُد الـ َم ْ‬
‫ع‬ ‫ُ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫حرية الع ِق ِ‬
‫ْ‬
‫االخ ِت َي ِار‪.‬‬
‫تع ّدد املعبود‪ ،‬مع ُحّرية االختيار‪ ..‬تُريد أن تعبد هللا‪ ..‬لا احلُّرية يف ذلا‪ ،‬تُريد‬
‫الرافضة ‪-‬حاشا‬‫أن تعبد عيسى‪ ..‬لا احلُّرية يف ذلا‪ ،‬تُريد أن تعبد األئمة‪ ..‬أئمة ّ‬
‫األئمة‪ ..-‬لا احلُّرية يف ذلا‪ ،‬يُريد أن يعبد شيطانا‪ ..‬له ذلا‪ ،‬يُريد أن يعبد‬
‫الكواكب‪ ..‬له ذلا؛ إذا تع ّدد املعبود‪ ،‬مع ُحّرية االختيار‪.‬‬

‫أقر ال ّدستور‬
‫أقرها‪ّ ،‬‬
‫هذه احلُّرية ‪ُ -‬حّرية العقيدة‪ -‬هبذا املفهوم‪ ،‬ال ّدستور العراقي ّ‬
‫العراقي ُحّرية العقيدة على أهنا ركن من أركان ال ّدميُقراطيّة‪..‬‬

‫صوت عليه‬
‫وأقرأ لا املادة (الثانية) من ال ّدستور العراقي‪ ..‬هذا ال ّدستور الذي ّ‬
‫الناس بتاريخ ‪ 2005 /10/15‬م‪ ،‬فالذي ذهب وقال للدستور "نعم"‪ ،‬فليعلم وافق‬
‫عالما؟!‬
‫َ‬
‫املادة الثانية من الدستور العراقي‪ /‬أوال‪ :‬قالوا ‪-‬وهذا زعم‪" :-‬اإلسالم دين الدولة‬
‫الرمسي‪ ،‬وهو مصدر أساسي للتّشريع"‪ ..‬وسبق أن تكلمنا إيش معىن هذا الكالم‪...‬‬ ‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪218‬‬

‫ثانيا‪" :‬يضمن هذا الدستور احلَِفاظ على اهلويّة اإلسالميّة لغالبيّة الشعب‬
‫العراقي‪ ،‬كما ويضمن [الحظ] كامل احلقوق الدينية جلميع األفراد‪ ،‬يف ُحّرية العقيدة‬
‫واملمارسة الدينية"‪ ..‬كما ويضمن كامل احلقوق الدينية جلميع األفراد بدون استثناء‪،‬‬
‫يف كل الطوائف اليت ذكرهتا‪ ..‬يف ُحّرية العقيدة واملمارسة الدينية‪ ،‬كاملسيحيني‪،‬‬
‫واليزيديني‪ ،‬والصابئة املندائيني‪ ..‬هذا نص القانون العراقي‪ ،‬هذا نص الدستور‪.‬‬
‫يف املادة (‪ )40‬من الدستور العراقي‪ ..‬النص‪" :‬لكل ٍ‬
‫فرد ُحّرية الفكر والضمري‬
‫والعقيدة"‪.‬‬

‫املادة (‪ /41‬ثانيا) من الدستور العراقي‪" :‬تكفل الدولة ُحّرية العبادة‪ ،‬وحاية‬


‫أماكنها"‪.‬‬

‫فمن وضع أصبعه يف ذلا اللون‪ ،‬مث قال "نعم" وتباهى‪ ،‬أكان يعلم وافق على‬
‫ماذا؟‪ ،‬وافق على ٍ‬
‫أشياء من ضمنها‪ :‬أن كل دي ٍن يف العراق هلم احلُّرية يف اختيار‬
‫دينهم‪ ،‬القانون وال ّدستور َك َفل هلم البقاء على ما هم عليه من دين‪ ،‬مث تك ّفل‬
‫الرافضي يذهب مشيا‬ ‫ال ّدستور أيضا بأن يقوم هؤالء بكل ُحّرية مارسة طقوسهم‪ّ ،‬‬
‫إىل األئمة ال تستطيع أن تعرتض‪ ،‬اليزيدي يصعد إىل جبال سنجار ال تستطيع أن‬
‫ابئي يعبد الكواكب ويتع ّمد باملياه ال‬
‫الص ّ‬
‫تعرتض (إىل اللش‪ ..‬وغريه وما غريه)‪ّ ،‬‬
‫تستطيع أن تعرتض‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن ال ّدستور العراقي َك َف َل هلؤالء وتض ّمن مارسة‬
‫الطقوس الدينية هلم‪.‬‬

‫إذا ُحّرية عقيدة‪ ..‬والقانون يُدافع عن هؤالء عندما ُميارسون طقوسهم‪ ،‬وال‬
‫يستطيع أحد أن مينعهم‪ ،‬ألن القانون حاميهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪219‬‬

‫والشيء الثالث‪ :‬أن الدولة تتك ّفل حبماية أماكن عبادهتم‪ ،‬اليزيديون يف سنجار‬
‫أماكن عبادهتم (شرف الدين‪ ،‬والشيخ هادي‪ ،‬واللش) وما إىل ذلا‪ ،‬ال يستطيع‬
‫ميس تلا األماكن بسوء‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن القانون والدستور حيمي أماكن عبادة‬
‫أحد أن ّ‬
‫هؤالء‪ ،‬وهذا الدستور يؤدي إىل أمرين‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫األو ُل‪ :‬أن كل‬
‫إنسان يبقى على ما هو من دين‪ ..‬النصراو يبقى على‬ ‫األ َْم ُر ّ‬
‫كل يبقى على ما هو‬
‫الرافضي‪ّ ..‬‬ ‫الصابئي واليزيدي و ّ‬
‫نصرانيّته‪ ،‬الكلداو واآلشوري و ّ‬
‫عليه من دي ٍن بسبب ُحريّة العقيدة املنصوص عليها يف ال ّدستور العراقي‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أن هذا ال ّدستور ُُييز لألفراد االنتقال من دي ٍن إىل دي ٍن آخر‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الِّيءُ َ‬
‫فلو أن أحد املنتسبني إىل اإلسالم أصبح يزيديًّا‪ ،‬ما تستطيع أن تفعل له شيئا‪ ،‬ملاذا؟‪،‬‬
‫ُ‬
‫وحّرية العقيدة تن ّقال‪ ،‬أتعلم إخوانا ملاذا‬
‫ُ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ناق‬ ‫اعت‬ ‫العقيدة‬ ‫ية‬
‫ر‬‫ألن ال ّدستور َ َ َ ُ ّ‬
‫ح‬ ‫ل‬‫ف‬‫ك‬ ‫قد‬
‫كانوا يُقاتلون هؤالء؟!‬

‫والتطبيق العملي هلذا الذي ذكرته جتده يف أوروبا أكثر مما جتده يف بالد‬
‫وحّرية ممارسة الطقوس‪ ،‬وحاية أماكن العبادة؛‬ ‫ِ‬
‫املسلمني‪ ،‬عندما قالوا حبُّرية العقيدة‪ُ ،‬‬
‫كثري من النصارى اعتنقوا اإلسالم‪ ،‬وال أمريكا وال فرنسا وال غريهم يستطيعون أن‬
‫ينص على ُحّرية العقيدة اعتناقا‪ ..‬تكون نصراو ال‬
‫يعرتضوا‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ألن ال ّدستور ّ‬
‫شأن‪ ..‬أما أن تنتقل من دي ٍن إىل دي ٍن آخر أيضا لا ذلا؛ وهلذا باملئات باآلالف‬
‫منهم يعتنقون اإلسالم‪.‬‬

‫يتسمون اآلن يف بريطانيا بِاِسم‬


‫مسعت تقريرا عن بريطانيا‪ ،‬أن أكثر الناس ّ‬
‫وأمس ُ‬
‫(حممد) ‘‪ ،‬علما أهنم على نصرانيّتهم‪..‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪220‬‬

‫هذا ما جاء عن طريق ُدعاة اإلخوان‪ ،‬وإال فهم منذ عشرات السنني يف بريطانيا‪،‬‬
‫وإمنا جاء بفضل هللا ¸ مث حبمل السال ؛ عندما علموا ماذا يفعل املسلمون عندما‬
‫الصغار وأصبح هلم وجود‪ ،‬بدأ الناس ينتبهون‪ ..‬ما‬ ‫الذل واهلوان و ّ‬
‫خرجوا من ثوب ّ‬
‫حقيقة هذا الدين وبدؤوا يدرسون هذا الدين وبدؤوا يعتنقون هذا الدين‪.‬‬

‫إذا هذا هو ال ّدستور‪ُ ..‬حّرية عقيدة‪ُ ،‬حّرية ُممارسة‪ ،‬وحاية أماكن العبادة‪ ،‬فمن‬
‫السلطَة اآلن من األحزاب املنتسبة إىل اإلسالم يعملون وفق هذا ال ّدستور‪ ،‬ويف‬ ‫يف ُّ‬
‫ُ‬
‫ُمق ّدمتهم ذلا الـ‪( ...‬سليم اجلبوري) وهو رأس يف هذا احلزب‪ ،‬أتعلم أنه يعمل‬
‫جاهدا على إعادة اليزيديني إىل أوطاهنم؟‪ ،‬أتعلم أنه لو مت ّكن ‪-‬ولن يتم ّكن بإذن‬
‫هللا‪ -‬من أن يُعيد هؤالء‪ ،‬سيدفع هلم األموال لكي يُعيدوا بناء معابدهم؟‪ ،‬ومن معهم‬
‫ينص على ُحّرية‬‫من أصحاب العمائم سيُعينوهنم على ذلا‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن ال ّدستور ّ‬
‫يكتف بتحريض اجليش على‬ ‫العقيدة‪ ،‬وممارسة الطّقوس‪ ،‬وحاية أماكن العبادة‪ ،‬بل مل ِ‬
‫يدي إىل موطنه ويبقى‬ ‫قتال املُسلمني‪ ،‬واستعان بالكفار أيضا‪ ،‬فقط لكي يُعيد اليز ّ‬
‫على دينه وُميارس طقوسه ويعبد شيطانه‪ ..‬مث بعد ذلا يقول‪ :‬حزب إسالمي‬
‫عراقي!! كيف إسالمي كيف؟‪ ،‬أُميكن أن ُيتمع دين هللا مع هذا الدين؟‪ ،‬معاذ هللا!!‬
‫ِ‬
‫وهم﴾ [التوبة‪.]5:‬‬ ‫ث َو َجدُمتُ ُ‬ ‫هللا تبار وتعاىل الذي قال لا‪﴿ :‬فَاقـتُـلُوا ال ُمش ِرك َ‬
‫ني َحي ُ‬
‫هذا ال ّدستور يقول لا‪ :‬له احلُّرية أن يعتنق العقيدة‪ ،‬وله احلُّرية أن ُميارس‪ ،‬وله احلُّرية‬
‫أن يبين من املعابد ما يشاء!! كيف ُيتمع هذان الدينان يف رأس إنسان؟‪ ،‬كيف؟!‬

‫إذا هؤالء احلُثالة كانوا حيكموننا هبذا ال ّدستور‪ ،‬وهم اآلن عمليًّا يُطبقونه يف أرض‬
‫يدي إىل بالده لكي يبقى على دينه!!‬ ‫الواقع‪ ،‬يريدون أن يُعيدون اليز ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪221‬‬

‫فعندما تقول ديين اإلسالم‪ ،‬مث تُقدم على هذا العمل‪ ،‬أنت خدمت الدستور أم‬
‫تنس‪ ..‬لتحقيق ال ّدستور تُقاتل من؟‪ ،‬تُقاتِ ُل أناسا جاهدوا يف‬‫خدمت دينا؟‪ ،‬وال َ‬
‫ات‪ ،‬وم ّكنهم هللا ¸‪ ،‬فأعلنوا دولة‪ ،‬وأعلنوا خالفة‪ ،‬وأنت ُحتارهبم‪ ،‬مث‬‫سبيل هللا لسنو ٍ‬
‫تقول حزب إسالمي؟‪ ،‬هذا ال ّدستور‪..‬‬
‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫َّأما بيالنيّ ْسبَ ية إل ُر ي‬
‫ؤوس َه َذا اليْز ي‬
‫ب‪َ ،‬واملُْرجئَة َوغَ ّيريه ْم‪ُ :‬‬
‫(مرسي) وال أُمسّيه بامسه‬
‫لقاء معه يف قناة اجلزيرة‪ ..‬أظن ‪/1/29‬‬ ‫األول؛ ألنه ما يستحق! فهو (مرسي)‪ ،‬يف ٍ‬
‫ُ‬
‫الردة‪ ،‬قبل أن يُصبح طاغوتا‪ ،‬املذيع‬ ‫رشح للدخول يف مواطن ّ‬ ‫‪2012‬م قبل أن يُ ّ‬
‫سأله‪ ،‬قال‪ :‬هنا إشاعة أنا إذا وصلت إىل احلكم ستُلزم النساء بلبس احلجاب؟‪،‬‬
‫وحّرية‬ ‫ِ‬
‫وحّرية العقيدة‪ُ ،‬‬
‫العامة‪ُ ،‬‬
‫قال‪" :‬مني قال ك َدا؟!" وقال كالما‪ ..‬قال‪ :‬احلُّريات ّ‬
‫وحّرية اللباس ‪-‬‬ ‫وحّرية العقيدة‪ُ ،‬‬‫العامة‪ُ ،‬‬‫اللباس مضمون وفق القانون!!‪ ،‬احلُّريات ّ‬
‫بالنسبة للمرأة‪ -‬مضمون وفق القانون‪ ،‬وعندما وصل إىل احلُكم أكرم القبطيني أكثر‬
‫من غريهم‪ ،‬هذا رأس من رؤوسهم‪ ،‬وإذا أردت أن تبحث عن هذا األمر‪ ،‬ستجد‬
‫لكل رأس فيهم تصرحيا شبيها هبذا‪ ..‬وكذلا الرسالة اليت ذكرهتا عن (إبراهيم‬
‫نعمة)‪..‬‬

‫(مرسي) وهذا قول (إبراهيم نعمة)‪ ،‬وأنا سبب تأكيدي على هذا‬ ‫إذا هذا قول ُ‬
‫االسم ملا أعرفه‪ ،‬ملا كان له من اس ٍم يف هذه املدينة ويف خارج هذه املدينة‪ ،‬حىت تعلم‬
‫ماذا كان يفعل هذا الذي‪ ...‬أربع سنوات يف الربملان اذا كان حيكمنا‪..‬‬

‫السيّد قائد ّقوات التحالف العراقي اجلنرال‬


‫قال يف رسالته ‪-‬ذكرته سابقا‪" :-‬إىل ّ‬
‫أبو زيد املحرتم"‪.‬‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪222‬‬

‫وقلنا يف حينها بعد البسملة أغضب هللا ¸‪ ،‬حلديث رسول هللا ‘‪( :‬ال تقولوا‬
‫ا سيّدكم فقد أسخطتم ربّكم ¸)(‪ ،)32‬مث قال عنه‪:‬‬ ‫للمنافق‪ :‬سيّد‪ ،‬فإنه إن يَ ُ‬
‫ُ‬
‫"حمرتم"!!‪ ،‬وأنت تعلم أن هذا قال هللا ¸ أنه جنس!‪ ،‬وما خاطبه بامسه األول بل‬ ‫ُ‬
‫خاطبه بامسه الثاو‪ ،‬كأنه ُخياطب أحدا من املسلمني "أبو زيد"‪ ..‬ملاذا ال ُختاطبه‬
‫ُ‬
‫بــ"جبون"؟‬

‫من األمور اليت ذكرها يف هذه الرسالة ومما علق يف ذاكريت أنه قال لـسيّده‬
‫"جون" ذا ‪ ..‬قال‪ :‬اإلسالم دين رحة وأمن وأمان‪( ..‬ال أدري) قال‪ :‬يؤمن بتع ّدد‬
‫األديان‪ ،‬أم‪ :‬حبُّرية األديان! هذه العبارة أو شبيهة هلا موجودة يف هذه الرسالة‬

‫﴿ال إِكَراهَ ِيف ال ِّدي ِن﴾ [البقرة‪ ،]256:‬ذكر أمن‬


‫مث استشهد بآيتني‪ :‬اآلية األوىل‪َ :‬‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬وقال‬
‫وأمان ورحة‪ ،‬ويؤمن حبرية األديان‪ ..‬قال‪ :‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫تعاىل‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ [الكافرون‪ ،]6:‬مث ذكر جمموعة من الطّ ّامات‬
‫نتجاوزها ألننا سبق أن أشرنا إليها‪..‬‬

‫قر ِحبُّرية العقيدة واملمارسة واحلماية‪ ،‬هؤالء حكموا هذه البالد هبذا‬
‫ّ‬ ‫إذا ال ّدستور ي‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫صرحون فيها ِحبُّرية العقيدة‪.‬‬
‫ال ّدستور‪ ،‬وهلم تصرحيات يُ ّ‬
‫الرش ُد ِم َن الغَ ِّي﴾؟‪،‬‬
‫ني ُّ‬
‫قَد تـبَـ َ‬ ‫﴿ال إِكَراهَ ِيف ال ِّدي ِن‬
‫إذا َما َمع َىن قَـوِل هللاِ تَـ َع َاىل‪َ :‬‬
‫يف ال ّدستور ويف القانون‪ ،‬ويف‬ ‫وهل هذه اآلية فيها داللة على ُحّريّة العقيدة املذكورة‬
‫ال ّدميُقراطيّات؟‬

‫(‪ )32‬احلديث رواه اإلمام البخاري يف [األدب املفرد]‪.‬‬


‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪223‬‬

‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬اإلكراه هو أن َحت ِم َـل اإلنسان على أن يأيت ما ال‬
‫يُريده‪ ..‬هذا هو اإلكراه‪ ..‬أن َحت ِم َـل إنسانا على أن يعمل شيئا هو ال يريده‪ ..‬هذا‬
‫سمى إكراه‪..‬‬ ‫هو اإلكراه؛ ألنه إن وافقا ورضي هذا ال يُ ّ‬
‫سبب نزول هذه اآلية‪ :‬ذكر اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬يف سبب نزول هذه اآلية‪:‬‬
‫عن ابن عبّاس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬واحلديث عن أيب داوود ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬قال‪:‬‬
‫"كانت املرأة يف يثرب تكون مقالة"‪ ..‬واملقالة هي اليت ال يقف هلا مولود‪ ،‬إما أنه‬
‫ميوت جنينا وإما أنه ميوت بعد الوالدة‪ ،‬هذا يُسمى مقالة‪ ،‬فكانت املرأة من هذا‬
‫هودهُ ستجعله يكون‬ ‫النمط إذا حلت كانت تنذر نذرا‪ ،‬أن هذا الطفل إن عاش َستُ ّ‬
‫يهوديًّا‪ ،‬ألن اليهود كانوا يف املدينة‪ ،‬واملرأة تُقدم على مثل هذه األمور يف ذلا الوقت‬
‫ويف هذا الوقت أيضا‪ ،‬فال تستغرب عندما ترى رافضيًّا امسه (عُ َمر)‪ ،‬ال تستغرب‪،‬‬
‫سمي الطفل باس ٍم لكي‬ ‫ملاذا؟؛ ألن أمه مقالة ما كانت يقف هلا جنني‪ ،‬فتنذر أن تُ ّ‬
‫سمونه (زبالة) هكذا!!‬‫سمي (عُ َمر) وموجود هذا األمر‪ ..‬وأحيانا يُ ّ‬
‫يعيش‪ ،‬فقد تُ ّ‬
‫هؤالء أصبحوا عرب على الديانة اليهودية‪ ،‬أنت تعلم أن الرسول ‘ أجلى بين‬
‫قينقاع من املدينة‪ ،‬قبيلة يهوديّة طردها من املدينة‪ ،‬وكانت شديدة وأعداد وأصحاب‬
‫سال ‪ ،‬ألهنم كانوا أصحاب سوق يشرتون ألنفسهم السال ‪ ،‬أتعلم ملاذا أخرجهم؟؟‬

‫جاءت امرأة مسلمة إىل سوق لليهود وهم صاغة‪ ،‬أصحاب ذهب وبيع وشراء‪،‬‬
‫وأرادت أن تبيع وأن تشرتي‪ ،‬فطلبوا منها أن تكشف وجهها‪ ،‬فأبَت‪ ،‬فجاء أحد‬
‫اليهود إليها من اخللف وعلّق ثوهبا بظهرها‪ ،‬فعندما قامت املرأة املسلمة هذه انكشف‬
‫بعض عورهتا‪ ،‬فصاحت‪ ،‬وكان أحد الصحابة قريبا منهم‪ ،‬فبادر إىل اليهودي وقتله‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪224‬‬

‫فاجتمع عليه اليهود وقتلوه‪ ،‬وصل األمر إىل رسول هللا ‘‪ ،‬قال‪ :‬ال يُساكنوننا يف‬
‫مدينتنا بعد اليوم‪..‬‬

‫هذا الدين‪ ،‬ليس ال ّدستور!!‪ ،‬عندما فاحت رائحة النساء ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬يف‬
‫سجون أيب غريب‪( ،‬حمسن عبداحلميد) زارهم‪ ،‬قال‪ :‬ما وجدت شيئا مما ذكروا‪ ،‬وبعد‬
‫ثالثة أيام كانت فضيحة أبو غريب!!‬

‫عندما كان رئيسا ملدة شهر‪ ،‬وجد من الدين أن يتف ّقد حال السجناء‪ ،‬تل ّقوه‬
‫أهل السجون بالنعال‪ ،‬ولكن بعدما رجع قال‪ :‬يذكرون أن هنا اعتداء على النساء‪،‬‬
‫ما حصل شيء من هذا القبيل‪ ،‬بعد يومني أو ثالثة كانت فضيحة أبو غريب‪ ،‬هؤالء‬
‫ُحيّررون الناس؟!!‬

‫إذا الرسول ‘ أمر بإجالء بين قينقاع وبين النّضري بعد ذلا‪ ،‬هؤالء أوالد‬
‫هتودوا‪ ،‬فأرادوا أن خيروجوا مع اليهود‪ ،‬آباؤهم تشبّثوا هبم‪ ،‬كيف‬‫األنصار كانوا قد ّ‬
‫تذهب مع اليهود؟‪ ،‬وأرادوا أن حيملوهنم على اإلسالم‪ ،‬أبناؤهم أرادوا أن يذهبوا مع‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف‬
‫أهل ملّتهم‪ ،‬آباؤهم أرادوا أن مينعوهنم‪ ،‬ما تذهبون‪ ..‬فأنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬فرتكوهم‪ .‬إذا هذا سبب نزول هذه اآلية‪.‬‬
‫اع ية ِف َه يذهي ي‬ ‫ي‬
‫اآلية؟‬ ‫السن يَّة َواجلَ َم َ‬
‫ال عُلَ َماء أ َْه يل ُ‬
‫َما أَق َْو ُ‬

‫آراء العلماء املفسرون منهم ‪ †-‬تعاىل مجيعا‪ -‬تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ُ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬
‫ق ْس ٌم م َن العُلَ َماء قالوا‪ :‬إن هذه اآلية منسوخة‪ ،‬ونسختها آيات ّ‬
‫السيف‪ .‬هذا‬
‫قول جملموعة من العلماء‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪225‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أن هذه اآلية ُحم َك َمة غري منسوخة‪ ،‬ولكنها خاصة بأهل الكتاب‪.‬‬
‫ال َق ْو ُل َ‬
‫هذا قول جمموعة من العلماء‪.‬‬

‫عامة يف كل الناس‪ ،‬أي ال نُكره أحدا على‬ ‫ال َق ْو ُل الثَّالي ُ‬


‫ث‪ :‬قالوا أن اآلية كانت ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬لكن بعد ذلا نُ ِس َخت حبق املشركني‪ ،‬وبقيت حبق أهل الكتاب ُحم َك َمة‪.‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬فأمر بقتال أهل‬


‫يقول ابن كثري ‪" :-¬-‬مث إنه نسخ َ‬
‫الكتاب يف سورة براءة"‪.‬‬

‫يقول اإلمام ال ُقرطيب ‪-‬وهو ناقل‪ -‬قال‪" :‬اختلف العلماء يف معىن هذه اآلية إىل‬
‫ستة أقوال‪ ،‬القول األول‪ :‬قيل أهنا منسوخة؛ ألن النيب ‘ أكره العرب على دين‬
‫يرض منهم إال باإلسالم"‪ ،‬مث قال بعد ذلا‪" :‬نسختها‪﴿ :‬يَا‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وقاتلهم‪ ،‬ومل َ‬
‫ني﴾ [التحرمي‪ ،"]9:‬مث قال‪ :‬أنه ذكر هذا القول كثري‬ ‫ِِ‬ ‫أَيـُّها النِ ِ ِ‬
‫يب َجاهد ال ُكف َار َوال ُمنَافق َ‬
‫َ ُّ‬
‫من املفسرين‪ ،‬إذا هذا قول ابن كثري‪ ،‬وهذا نقل اإلمام القرطيب لرأي بعض العلماء‪.‬‬

‫﴿ال‬
‫كذلا قول البن العريب ‪ -¬-‬يف [أحكام القرآن] قال‪" :‬قوله تعاىل َ‬
‫إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ فيها ثالث مسائل‪ ،‬املسألة األوىل‪ :‬قيل أهنا منسوخة بآية القتال"‬
‫يعين هذا ليس رأيه وإمنا ينقل رأي غريه‪.‬‬
‫ِ‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ّدي ِن قَد تـبَـ َ‬
‫ني‬ ‫اجلصاص يف تفسريه أيضا‪" :‬قوله تعاىل َ‬ ‫يقول اإلمام ّ‬
‫ُّ ِ‬
‫الرش ُد م َن الغَ ِّي﴾ ُروي بعد ذلا قال‪ ..‬أنه منسوخ بقوله تعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها النِ ُّ‬
‫يب‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ني﴾‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬فَاقـتُـلُوا ال ُمش ِرك َ‬
‫َجاهد ال ُكف َار َوال ُمنَافق َ‬
‫هذه أقوال العلماء ومن نقلوا عنهم من العلماء أن هذه اآلية منسوخة على‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪226‬‬

‫َّأما ال َق ْو ُل الثَّاين‪ :‬أهنا غري منسوخة وأهنا ُحم َك َمة وباقية‪ ،‬ولكن حبق أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬ممن قال هبذا القول‪:‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‬


‫اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪" :‬أن معىن قوله َ‬
‫حل قبول اجلزية منه‪ ،‬بأدائه اجلزية‪ ،‬ورضاه‬ ‫ٍ‬
‫إمنا هو‪ :‬ال إكراه يف الدين ألحد ممن ّ‬
‫حبكم اإلسالم"‪.‬‬

‫إذا قول خاص بأهل الكتاب‪ ،‬من كان من أهل اجلزية‪ ،‬ورضي أن يدفع اجلزية‪،‬‬
‫هذا ال نُكرهه على اإلسالم‪ ،‬هذا قول اإلمام الطربي‪.‬‬

‫اإلمام ابن العريب ‪( -¬-‬هذا قوله اآلن‪ ،‬أما سابقا فقد نقل قول غريه)‪..‬‬
‫قرون على اجلزية‪ ،‬وعلى هذا فكل من‬‫قال‪" :‬أهنا ُمصوصة يف أهل الكتاب الذين يُ ّ‬
‫رأى قبول اجلزية من ٍ‬
‫جنس ُحت َمل اآلية عليه"‪ ،‬إذا اآلية عند ابن العريب ‪ -¬-‬أهنا‬
‫خاصة بأهل اجلزية‪.‬‬

‫يقول القرطيب ‪-‬هذا قوله اآلن هو‪ -‬يقول ‪ -¬-‬عن اآلية‪" :‬ليست‬
‫نسوخة‪ ،‬وإمنا نزلت يف أهل الكتاب خاصة‪ ،‬وأهنم ال يُكرهون على اإلسالم إذا ّأدوا‬
‫اجلزية"‪.‬‬

‫يقول اآللوسي ‪ -¬-‬يف تفسريه عن هذه اآلية‪" :‬أو ُمصوص بأهل الكتاب‬
‫الضحا ‪ ،‬ويف سبب النزول ما‬
‫احملكي عن احلسن وقتادة و ّ‬
‫ّ‬ ‫الذين قبلوا اجلزية‪ ،‬وهو‬
‫يؤيّده"‪.‬‬

‫يقول اإلمام الشوكاو ‪" :-¬-‬القول الثاو‪ :‬أهنا ليست نسوخة‪ ،‬وإمنا نزلت‬
‫خاصة‪ ،‬وأهنم ال يُكرهون على اإلسالم إذا ّأدوا اجلزية‪ ،‬والذي ينبغي‬
‫يف أهل الكتاب ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪227‬‬

‫ويتعني الوقوف عنده‪ :‬أهنا يف السبب الذي نزلت ألجله ُحم َك َمة غري‬
‫اعتماده ّ‬
‫منسوخة"‪.‬‬

‫إذا هؤالء العلماء املفسرون الذين قرأت كالمهم يقولون أن اآلية غري منسوخة‪،‬‬
‫خاصة بأهل الكتاب إذا دفعوا اجلزية‪ ،‬وسنأيت إىل التفاصيل بعد ذلا إن‬
‫وإمنا هي ّ‬
‫شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫صت بأهل الكتاب‪،‬‬ ‫ث‪ :‬وهو أهنا كانت ّ‬


‫عامة‪ ،‬مث بعد ذلا ُخ ّ‬ ‫َّأما ال َق ْو ُل الثَّالي ُ‬
‫كل اآليات اليت أمرت بقتال املشركني والكفار ناسخة حبق املشركني‪ ،‬فاملشركون‬
‫نقاتلهم وحنملهم على اإلسالم‪ ،‬أما أهل الكتاب فيبقون على دينهم‪.‬‬

‫هل اليهود والنصارى يبقون على دينهم؟‪ ،‬ومىت؟‬


‫هؤالء عندما يكونون يف دار ٍ‬
‫إسالم‪ ،‬وتعريف دار اإلسالم‪ :‬هي الدار اليت ُحتكم‬
‫ا أنزل هللا ¸‪ ،‬فدارنا اآلن ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ -‬دار إسالم‪.‬‬

‫أما دار الكفر‪ :‬كل بقعة يف األرض ُحت َكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬يف هي دار كفر‪،‬‬
‫ولكن هذا ال يعين أن من على تلا األرض كلهم ك ّفار‪ ..‬ال‪ ،‬األردن دار كفر‪ ،‬تركيا‬
‫دار كفر‪ ،‬هذه كلها تعترب ديار كفر‪ ،‬لكن هذا ال يعين أن أهل األردن كفار‪ ،‬وإمنا‬
‫سمى دار كفر‪.‬‬ ‫األحكام اليت تعلو تلا ال ّديار أحكام ُكفريّة‪ ،‬فتُ ّ‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ لليهود والنصارى‪ ،‬هذا يقوله أهل اجلهاد‬
‫فعندما يُقال‪َ :‬‬
‫أهل التّمكني‪ ،‬عندما ُمي ّكن هللا ¸ هلم يف بقعة من األرض‪ ،‬وضمن حدود دار‬
‫اإلسالم هنا يهود ونصارى‪ ،‬هؤالء من ح ّقهم أن يقولوا هلؤالء اليهود وهلؤالء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪228‬‬

‫أحب إلينا من‬


‫النصارى‪ :‬أنتم ُُم ّريون بني ثالثة أمور‪ :‬إما أن تعتنقوا اإلسالم‪ ،‬وهذا ّ‬
‫غريه‪ ،‬وإن مل ترضوا فتدفعوا اجلزية عن ٍ‬
‫يد وأنتم صاغرون‪ ،‬فإن أبيتم فالقتال بيننا‪..‬‬

‫هذه اآلية يستشهد هبا من م ّكنه هللا ¸ يف األرض‪ ،‬أما رجل ُمنتسب إىل‬
‫﴿ال‬
‫اإلسالم يعيش ذليال صغريا حقريا‪ ،‬ال فرق بينه وبني بابا شنودة‪ ،‬يقول للنصارى َ‬
‫إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ أين أنت من هذه اآلية؟‪ ،‬هذه اآلية يقوهلا أهل البأس‪ ،‬يقوهلا أهل‬
‫اجلهاد ممن حيملون النصارى على دفع اجلزية‪ ،‬أنت ال تستطيع‪ ..‬أنت والنصراو‬
‫سواء‪ ...‬حتت ظل القانون ال فرق بينكما!!‪ ،‬أنتم كالكما سواء‪ ،‬فبأي ٍ‬
‫حق تقول‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾؟‪ ،‬ما الذي تستطيعه؟‪ ،‬هل تستطيع أن حتمله على‬‫للنصراو َ‬
‫ا على اعتنقاء اإلسالم!!‬‫اجلزية؟‪ ،‬حىت تقول أنا ال أُك ِرُه َ‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬وهذا‬
‫إذا اليهود والنصارى يف بالد اإلسالم يُقال هلم‪َ :‬‬
‫للمسلمني‬ ‫ِ‬
‫الذي حصل يف الشام ‪-‬وهلل الفضل واملنة‪ -‬عندما م ّكن هللا تبار وتعاىل ُ‬
‫يف تلا البقاع‪ ،‬جاء النصارى ومتّ االتصال بينهم‪ ،‬ومت اجللوس معهم‪ ،‬وكانت جلسة‬
‫أوىل وثانية وثالثة‪ ..‬يف اجللسة األوىل رغّبوهم يف اإلسالم‪ ،‬أن عليكم أن تعتنقوا هذا‬
‫الدين‪ ،‬هذا هو دين احلق‪ ،‬هذا كتاب ربّنا‪ ،‬وهذا كتاب نبيّنا‪ ،‬وما أنتم عليه شر ‪..‬‬
‫فإن أبيتم فعليكم أن تدفعوا اجلزية‪..‬‬

‫عندما وصل األمر إىل اجلزية بدؤوا يستفسرون‪ ،‬ما هي اجلزية؟‪ ،‬وما هي‬
‫نرد لكم‬ ‫ِ‬
‫ضوابطها؟‪ ،‬وما هي شروطها؟‪ ،‬ذُكَر هلم‪ ..‬قالوا‪ :‬دعونا ُخنرب من وراءنا مث ّ‬
‫بعد ذلا‪..‬‬

‫تردون لنا اإلجابة‪ ،‬هل اخرتمت اإلسالم أم‬


‫قيل هلم‪ :‬لكم من األيام كذا‪ ..‬مث ّ‬
‫اخرتمت اجلزية‪ ،‬ولكن ال تنسوا‪ ،‬إن أبيتم االثنني سنُقاتلكم!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪229‬‬

‫لسان واحد‪ :‬أما هذا الثالث فاتركوه‪ ..‬هذا الثالث اتركوه‪ ...‬وهم اآلن‬‫قالوا‪ :‬ب ٍ‬
‫يدفعون اجلزية ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪.-‬‬
‫(إبراهيم نعمة) عندما يقول لـ(جون أبو زيد)‪ِ ِ ِ َ :‬‬
‫﴿ال إكَر َاه يف ال ّدي ِن﴾‪ ..‬أنت ٌ‬
‫أهل‬
‫ألن تستشهد هبذه اآلية؟!‪ ،‬وملثل هؤالء؟!‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خريا‪..‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪230‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪231‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫س الث ِالث َعش ْر‬ ‫الدر‬
‫الر ْك ُن َّ‬
‫األو ُل‪:‬‬ ‫اطي ِة‪ُ ،‬‬ ‫ر‬ ‫ْأر َكان الد ُيم ْ‬
‫ق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ َ َ َْ َ‬
‫يد ِة [تك ِملة]‪:‬‬ ‫حرية الع ِق‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا وأعنّا على‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫الباط َل باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫اتّ ِ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بِعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم ّ‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪،‬‬ ‫وُ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫لقاء سابق ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ -‬عن ال ّدميُقراطيّة وعن الركن األول من‬ ‫تكلّمنا يف ٍ‬
‫أركان ال ّدميُقراطيّة‪ُ :‬حّريّة العقيدة‪ ،‬وقلنا فيما قلناه أن هذه احلُّرية تُعترب القاسم املشرت‬
‫ُ‬
‫الرأي‪ ،‬احلُّرية الشخصيّة‪ ،‬وأشرنا إىل أن‬ ‫بني أركان ال ّدميُقراطيّة ُحّرية العقيدة‪ُ ،‬حّرية ّ‬
‫وفسروها أيضا بـَِع َمل ما يسمح به‬ ‫هذه احلُّرية أول من دعا إليها ووضعها هم اليهود‪ّ ،‬‬
‫القانون‪ ،‬مث قالوا القانون حنن الذين نضع القوانني فنعلم أين تكون احلُّرية وأين ال‬
‫تكون‪.‬‬

‫مث قالوا أن هذه احلُّريات أوجدت لنا احلكومات ال ّدستوريّة اليت حتكم بالقوانني‬
‫الوضعيّة‪ ،‬مث ّاختذوا من هذه احلُّرية اليت أقحموها يف أوساط الناس على أهنا وسيلتهم‬
‫عامة الناس إليهم‪ ،‬فإذا أرادوا أن‬ ‫إلسقاط بعض احلكومات عن طريق جذب ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪232‬‬

‫الرئيس‪ ،‬فيتخلّصون منه‪ ،‬وقالوا‬ ‫يتخلّصوا من ر ٍ‬


‫ئيس ُحيّركون باسم احلُّرية الناس على ّ‬
‫هبذه الطريقة فإن الناس قد سلّموا ُممثّليهم إىل ُسلطاننا‪ ،‬فنحن الذين نقوم بتعيينهم‬
‫عمليًّا؛ ألن الشعب إذا وقف ضد احلكومة‪ ،‬احلكومة حتتاج إىل من تستند إليه‪،‬‬
‫اليهود هم الذين يُساندوهنم عن طريق أمريكا‪ ،‬عن طريق بريطانيا‪ ،‬عن طريق فرنسا‪.‬‬

‫وقُلنا يف قُلناه أيضا أن ما جاء يف بروتوكوالهتم عندما علموا خطر احلُّرية على‬
‫قعة من األرض‪ ،‬سنمحق‬ ‫السلطَة يف ب ٍ‬
‫االستقرار يف البالد قالوا‪ :‬إذا استولينا على ُّ‬
‫ُ‬
‫هذه الكلمة من معاجم الناس‪ ،‬ألهنا ُحت ّول الناس إىل وحوش يشتهون الدماء ‪-‬والعياذ‬
‫باهلل‪ ،-‬هذه هي احلُّرية يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وهذه هي اليت يدعونا إليها أوباما وغريه من‬
‫املرت ّدين والكفار ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬
‫ُ‬
‫قر ُحّرية العقيدة‪ ،‬وقرأنا املادة الثانية‪ ،‬واملادة‬
‫وقُلنا فيما قُلناه أن ال ّدستور العراقي يُ ّ‬
‫األربعون‪ ،‬واملادة احلادية واألربعون‪ ،‬قرأنا هذه املواد وهي تُثبت أن القانون العراقي‬
‫قر مارسة الطقوس ال ّدينيّة‪ ،‬ويتك ّفل حبماية أماكن‬ ‫وال ّدستور ي ِ‬
‫قر حبُّرية العقيدة‪ ،‬ويُ ّ‬
‫ُّ‬
‫العبادة جلميع األديان املوجودة يف العراق‪.‬‬

‫يح له‪ ،‬باعتباره ُميثّل اإلخوان‪،‬‬


‫(مرسي) أيضا يف تصر ٍ‬ ‫قر بذلا ُ‬
‫وقُلنا أيضا ممن يُ ّ‬
‫أقر ِحبُّرية العقيدة‪،‬‬
‫وقلنا (إبراهيم نعمة) أيضا يف رسالته إىل سيّده (جون) أيضا ّ‬
‫ـ(فوري) يف ُحّرية العقيدة‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫واحلقيقة وقفت على كالم آخر لل ّ‬
‫هل تعلم ملاذا جاهد الرسول ‘ يف سبيل هللا طوال سنوات؟‪ ،‬حىت يُعبد هللا‬
‫¸ يف األرض وحده‪َ ﴿ ،‬ولََقد بَـ َعثـنَا ِيف ُك ِّل أُم ٍة ر ُسوال أ َِن اعبُ ُدوا اَللَ َواجتَنِبُوا‬
‫وت﴾ [النحل‪ ،]36:‬هذه هي رسالة األنبياء قاطبة دون استثناء عبادة هللا‪،‬‬ ‫الطاغُ َ‬
‫واجتناب الطواغيت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪233‬‬

‫[الرحيق املختوم‪ :‬صفحة ‪ ]295‬حتت‬ ‫(الفوري) هذا يف كتابه ّ‬


‫ّ‬ ‫الحظ ماذا قال‬
‫يتمخض عن بنود املعاهدة؟‪ ،‬طبعا هذا ُميثّل اإلخوان‪ ،‬وهذه الكتب‬ ‫موضوع‪ :‬ماذا ّ‬
‫ُ‬
‫جرت بني املسلمني‬
‫َ‬ ‫دخلت البيوت ودخلت املساجد‪ ،‬قال‪" :‬إن احلروب ال ّدامية اليت‬
‫ُ‬
‫سميهم ُمشركني!] مل ت ُكن أهدافها بالنسبة إىل املسلمني ُمصادرة‬
‫وبني أعدائهم [أبد ال يُ ّ‬
‫ُ‬
‫األموال [يقصد الغنيمة] وإبادة األروا ‪ ،‬وإفناء الناس‪ ،‬أو إكراه العدو على اعتناق‬
‫اإلسالم‪ ،‬وإمنا كان اهلدف الوحيد الذي يهدفه املسلمون [يعين الرسول ‘ ومن معه‬
‫من الصحابة] يف هذه احلروب‪ ،‬هي احلُّرية الكاملة للناس يف العقيدة والدين‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬فَ َمن َشاءَ فَـليُـؤِمن َوَمن َشاءَ فَـليَك ُفر﴾ [الكهف‪."]29:‬‬

‫هذا الرجل يدعو إىل منهاجه‪ ،‬ال يدعو إىل دين‪ ،‬يدعو إىل منهاج اإلخوان؛‬
‫قرون باإلسالم‪ ،‬ويدعون إىل ُحّرية العقيدة أكثر مما‬ ‫قرون بال ّدميُقراطيّة أكثر مما يُ ّ‬
‫ألهنم يُ ّ‬
‫يدعون إىل اإلسالم؛ وهلذا من خالل هذا الكتاب أرادوا أن يُهيّؤوا النفوس‬
‫لل ّدميُقراطيّة اليت تكون يف بالدنا‪ ،‬وكانت‪ ،‬فأدخلوا هذه الكتب إىل املساجد‪ ،‬وأدخلوا‬
‫هتمني بأمور الدين إال ويقتين هذا‬‫هذه ال ُكتب إىل البيوت‪ ،‬ال جتد بيت أحد من املُ ّ‬
‫الكتاب أو قرأ هذا الكتاب‪ ،‬فهذا الرجل كان ُمي ّهد لل ّدميُقراطيّة وليس للدين‪.‬‬

‫وحّرية الدين؟!‪ ،‬إذا هذا الذي قُلناه أن هؤالء‬‫الرسول ‘ يُقاتل حلُريّة العقيدة ُ‬
‫يدعون إىل ال ّدميُقراطيّة ويدعون أيضا إىل ُحّرية العقيدة والدين‪.‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪،‬‬


‫مث ذكرنا األدلة اليت يستدلّون هبا‪ ،‬قوله تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫قسام‪ ،‬القسم األول‪ :‬قالوا أن‬ ‫وذكرنا أن أقوال العلماء يف هذه اآلية تنقسم إىل ثالثة أ ٍ‬
‫كمة خاصة بأهل الكتاب‪ ،‬القسم‬ ‫اآلية منسوخة‪ ،‬والقسم الثاو‪ :‬قالوا أن اآلية ُحم َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪234‬‬

‫عامة مث نُ ِس َخت حبق املشركني وبقيت حبق أهل الكتاب‪.‬‬


‫الثالث‪ :‬قالوا هي كانت ّ‬
‫ُ‬
‫وذكرنا أقوال العلماء يف ذلا‪ ،‬اآلن نُكمل موضوعنا‪.‬‬

‫ود َو َّ‬
‫الن َ‬
‫ص َارى على ِد ِين ِه ْم؟‬ ‫الي ُه َ‬ ‫َه ْل ُيقر ْ‬
‫اإلس ُ‬
‫الم َ‬ ‫ِ‬
‫نَـعم‪َ ،‬ولَ ِكن بِ ُش ُروط‪ ،‬واألدلّة على اإلقرار ابتداء‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَاتِلُوا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َال يـُؤمنُو َن باَلل َوَال باليَـوم اآلخ ِر َوَال ُحيَِّرُمو َن َما َحرَم اَللُ َوَر ُسولُهُ َوَال يَدينُو َن د َ‬
‫ين‬ ‫الذ َ‬
‫اغ ُرو َن﴾ [التوبة‪]29:‬؛‬ ‫احل ِق ِمن ال ِذين أُوتُوا ال ِكتَاب حىت يـعطُوا اجلِزيةَ عن ي ٍد وهم ص ِ‬
‫َ َ َ َُ َ‬ ‫َ َٰ ُ‬ ‫َّ َ َ‬
‫بنص هذه اآلية هم بني ثالث‪ :‬يُدعون إىل اإلسالم‪ ،‬فإن أبوا‬ ‫إذا اليهود والنصارى ّ‬
‫يل‬ ‫يشرتط عليهم أن يدفعوا اجلزية مع بقائهم على دينهم‪ ،‬فإن أبوا يقاتَلون‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫األَ َّو ُل‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أن الرسول ‘ يف عام الوفود‪ ،‬عندما بدأت الوفود تأيت إليه من‬
‫يل َ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫القبائل يف أرجاء اجلزيرة العربية‪ ،‬من ضمن الوفود كان وفد جنران‪ ،‬هؤالء كانوا‬
‫نصارى كما تعلم‪ ،‬ودعاهم الرسول ‘ إىل اإلسالم فأبَوا‪ ،‬مث أراد أن يُباهلهم‬
‫فامتنعوا‪ ،‬مث أقروا باجلزية‪ ،‬على أن يدفعوا يف كل ٍ‬
‫سنة ألفي ُحلّة‪ ،‬واحلُلّة يف لغة‬ ‫ّ‬
‫ثوب من قطعتني‪ .‬فالنصارى يف ذلا الوقت‪ ،‬اجلزية اليت‬ ‫العرب‪ :‬اسم يطلق على كل ٍ‬
‫ُ‬
‫فرضها الرسول ‘ عليهم ألفي ُحلّة يف كل سنة‪ ،‬ألف يدفعوهنا يف رجب‪ ،‬وألف‬
‫يدفعوهنا يف صفر‪ ،‬ومع كل ُحلّة أوقية‪ ،‬هذا دليل‪.‬‬

‫عبد كان لِعُ َمر‪ ،‬امسه‬


‫وكذلا ذكر اإلمام اجلصاص ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عن ٍ‬
‫ّ‬
‫الرومي‪ ،‬كان على النصرانية‪ ،‬قال له عمر‪ :‬أسلِم‪ ،‬فإنا إن أسلمت استعنت‬
‫َو َسق ّ‬
‫با على بعض أمور املسلمني‪ ،‬ألنه ال ينبغي أن أستعني عليهم ن ليس منهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪235‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬وعند وفاته‬


‫فأبيت‪ .‬قال‪ :‬تال عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪َ :-‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫الرومي هذا‪ :‬اذهب حيث شئت‪ .‬فأعتقه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬ل َو َسق ّ‬
‫وكذلا ذكر زيد بن أسلم‪ :‬أن عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬رأى امرأة نصرانية كبرية يف‬
‫السن‪ ،‬يا عجوز أسلمي‪ ،‬فإن هللا بعث ُحممدا باحلق‪ ،‬قالت‪ :‬أنا امرأة أو عجوز كبرية‬
‫﴿ال إِكَراهَ ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬إذا هذه أدلّة تُثبت أن‬
‫واملوت إ ّ قريب‪ .‬قال‪ :‬اللهم فاشهد َ‬
‫النصارى يـُ َقُّرون على دينهم‪ ،‬ولكن بشروط‪:‬‬
‫ِّر ي‬
‫وط‪ :‬أن يكون هؤالء ضمن حدود دائرة اإلسالم‪ ،‬وأن تكون‬ ‫يمن ب ي ي ي‬
‫ني َهذه ال ُ ُ‬
‫ْ َّ‬
‫الدار دار إسالم‪ ،‬أي أن الدار ُحتكم ا أنزل هللا ¸‪ ،‬كحالنا اآلن‪ ،‬اآلن لنا دار‬
‫إسالم ولنا خليفة ونسأل هللا تبار وتعاىل أن حيفظه وإخوانه‪ ،‬حيكمون ا أنزل هللا‬
‫عرض عليهم اإلسالم‪ ،‬فإن أبَوا تُعرض‬ ‫¸‪ ،‬النصارى ضمن حدود دولة اإلسالم‪ ،‬يُ َ‬
‫قرون على دينهم‪ ،‬فإن أبَوا عند ذا يُقاتلون‪.‬‬ ‫عليهم اجلزية‪ ،‬فإن قبلوا يُ ّ‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ لكل نصراو يف وجه األرض‪ ،‬وإمنا هذه اآلية‬
‫إذا ال يُقال َ‬
‫تكون ُمقيّدة ضمن دائرة اإلسالم‪ ،‬وإال أنت والنصراو حتت ظل القانون‪ ،‬حتت ظل‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف‬
‫ال ّدستور‪ ،‬كالكما سواء‪ ..‬كيف تستشهد عليه بقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ال ِّدي ِن﴾؟‪ ،‬أنت ُمستضعف أكثر منه‪ ،‬بل هو أحسن حاال منا يف القانون!‬

‫(بابا شنودة) قبل أن ميوت‪ ،‬تعلم أنه كان يتن ّقل بني البلدان كما يتن ّقل‬
‫الرؤساء؟‪ ،‬وكان يُستقبل يف املطارات باحلفاوة والتكرمي‪َ ،‬من ِمن إخوان مصر ِمن‬
‫بلد من البلدان كما كان يُستقبل (بابا شنودة)؟‪،‬‬‫علمائهم ومف ّكريهم يستقبل يف أي ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(حسين) مرة كان طريقه أن ميُّر بربيطانيا‪ ،‬فما‬
‫بل الوزير املصري يف ذلا الوقت زمن ُ‬
‫وقف يف مطارات بريطانيا وجتاوز إىل البلد الذي يريد الوصول إليه‪ ..‬تعلم ملاذا؟؛ ألن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪236‬‬

‫الربيطانيني أدخلوا (شنودة) هذا يف غرفة التفتيش‪ ،‬فاعرتاضا على احلكومة‬


‫الربيطانية‪ ..‬كيف تُفتّشون (شنودة) هذا؟‪ ،‬وزير اخلارجية ما نزل يف مطارات بريطانيا‪،‬‬
‫وأصدرت احلكومة املصرية أمرا أن كل بريطاو يدخل مصر‪ ،‬كلهم يدخلون هذه‬
‫الغرفة ُمعاملة باملثل ألن (شنودة) دخل غرفة التفتيش!‪ ،‬أليس هو أحسن حاال منا‬
‫يا هذا؟!‬

‫تتفوهوا هبذه اآلية‪ ،‬أنت ما متلا شيء‪ ،‬أنت لست‬ ‫إذا أنتم ال متلكون احلق بأن ّ‬
‫﴿ال‬ ‫ُحًّرا يف نفسا وال يف ذاتا‪ ،‬أتقول ملن هو أكرم منا يف القانون وال ّدستور َ‬
‫إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾؟!‪ ،‬هذا الكالم وهذه اآلية يقوهلا من م ّكنهم هللا ¸ يف األرض ممن‬
‫﴿ال إِكَر َاه‬
‫السطوة يف األرض‪ ،‬هؤالء يقولون للنصارى َ‬‫الشوكة والغَلَبَة و ّ‬
‫كانوا من أهل ّ‬
‫ِيف ال ِّدي ِن﴾ إن قبلتم أن تدفعوا اجلزية لنا‪ ،‬وهذا الذي حصل ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪.-‬‬

‫ففي الشام قبل أن يكون التّمكني يف العراق‪ ،‬هنا عندما م ّكن هللا ¸ لعباده‪،‬‬
‫جاء النصارى وقالوا‪ :‬نرضى أن حتكمونا‪ ،‬ولكن فقط بيّنوا لنا‪ ..‬وكان ُميثّلهم وفد من‬
‫النصارى‪ ،‬جمموعة كانت ُمتثّل من وراءهم‪ ،‬فجلس معهم جمموعة من الشباب‪،‬‬
‫ور ّغبوهم يف اإلسالم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ندعوكم أن تعتنقوا هذا الدين وذكروا هلم األدلة‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫أحب إلينا من أموالكم‪ ،‬ال تظن أنين سآخذ منا املال وأنا أحب املال‪،‬‬ ‫إسالمكم ّ‬
‫أحب إ ّ من كل أموال الدنيا اليت ستدفعها لنا‪.‬‬
‫بل اعتناقا لإلسالم ّ‬
‫قالوا‪ :‬نريد أن نعلم ما تفاصيل اجلزية يف دينكم؟‪ ،‬فَ ُذكَِر هلم أن هنا أغنياء‪،‬‬
‫قسط على قسمني‬ ‫مرة أو تُ ّ‬
‫متوسطو احلال‪ ،‬وتدفعون يف السنة ّ‬
‫ّ‬ ‫وهنا فقراء‪ ،‬وهنا‬
‫النساء غري مشموالت‪ ،‬األطفال غري مشمولني‪ ،‬املقعد غري مشمول‪ ،‬وكذلا الشيوخ‬
‫ُ‬
‫الكبار يف السن غري مشمولني‪ ،‬فقط الرجال الشباب هؤالء مشمولون فإن أبيتم‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪237‬‬

‫ٍ‬
‫بلسان واحد‪ :‬أما هذا الثالث فاتركوه هذا الثالث اتركه‪ ..‬يعين احصر‬ ‫نُقاتلكم‪ ،‬قالوا‬
‫األمر بني اإلسالم وبني اجلزية‪.‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬يقول لــ(جون أبو‬


‫هذا يقوله مسلم‪ ،‬ال يقوله ذليل‪َ ..‬‬
‫زيد) وهو قائد عسكري يدخل بالد اإلسالم‪ ،‬ويأيت رجل َخ ِرف يقول ديننا يقول‪:‬‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾؟! من أنت!! لست من أهل هذه اآلية!! هذه اآلية يقوهلا‬‫َ‬
‫ألوباما‪ ،‬ويقوهلا ألمريكا‪ ،‬ويقوهلا لكل نصراو يف وجه األرض‪ :‬إما اإلسالم‪ ،‬وإما‬
‫اجلزية‪ ،‬وإما القتال‪ ،‬إذا هذه ضوابط قبول هؤالء يف بالدنا إذا قبلوا باجلزية‪ ،‬وإال‬
‫فالقتال‪.‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ هذه آية‬


‫إذا علمت هذا األمر‪ ،‬فإن اآلية على العموم َ‬
‫عامة كما يقول اإلمام الشوكاو يف [فتح القدير] ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬عموميّات‬ ‫ّ‬
‫هذه اآلية ثالث‪ ،‬يعين هذه اآلية تدل على أهنا تشمل كل كافر بثالث أدلة‪:‬‬

‫يدل على العموم ﴿إِكَر َاه﴾ هنا‬ ‫األو ُل‪ :‬أن النكرة يف سياق النفي ّ‬ ‫يل َّ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫عرفة ال بــ(ال) التعريف‪ ،‬وال باإلضافة‪ .‬إذا ماذا‬
‫جاءت نكرة‪ ،‬هذه الكلمة نكرة غري ُم ّ‬
‫﴿ال﴾‪( ..‬ال) أداة نفي‪﴿ ،‬إِكَر َاه﴾‪ :‬نكرة؛ إذا‬
‫سمى؟‪ ،‬هذه نكرة‪ ،‬جاءت بعد نفي َ‬ ‫يُ ّ‬
‫هذه ماذا تسمى؟‪ ،‬نكرة يف سياق النفي‪ ..‬وهذه من صيغ العموم‪.‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف‬


‫اآلخ ُر على عموميّة هذه اآلية‪ :‬جاءت بكلمة (دين)‪َ ..‬‬
‫يل َ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬و(الدين) يف التعريف‪ :‬يشمل الدين احلق‪ ،‬ويشمل الدين الباطل؛ إذا كل‬
‫باطل ال يُكره أهل هذا الدين على اإلسالم‪ ،‬هذا الدليل الثاو على أن هذه‬ ‫دي ٍن ٍ‬
‫عامة يف كل الكفار واملشركني‪ ،‬سواء كانوا أهل كتاب أو غري أهل كتاب‪.‬‬
‫اآلية ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪238‬‬

‫يل الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬القاعدة املوجودة عند علماء أهل السنة واجلماعة قوهلم‪" :‬العربة‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫لسبب خاص‪ ،‬ذكرناه يف درس‬ ‫بعموم اللفظ‪ ،‬ال خبصوص السبب"‪ ،‬هذه اآلية نزلت ٍ‬
‫سابق (أن بعض أوالد األنصار كانوا يهود‪ ،‬وأرادوا أن خيرجوا‪ ،‬فمنعوهم‪ ،‬فأنزل هللا‬
‫اآلية‪ )..‬هذا اخلصوص‪ ،‬لكن العربة بعموم اللفظ‪ ،‬ال خبصوص السبب‪.‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ عامٌّ لكل‬


‫إذا هلذه األدلة الثالثة‪ ،‬فقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫الكفار ولكل األديان‪ ،‬نأيت اآلن بعد أن أثبتنا العموم‪ ،‬من الذي يُكره على اإلسالم؟‬

‫اإلسالم ألدلة ُأ ْخ َرى ُت َقي ُد َه َذا ُ‬


‫الع ُم ْ‬
‫وم؟‬ ‫َم ْن الذي ُي ْك َر ُه على ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫األو ُل‪ :‬من ارت ّد عن دين هللا ¸ هذا يُكره على اإلسالم‪ ،‬حلديث‬ ‫ي‬
‫الص ْن ُ َّ‬
‫عبدهللا بن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬من ب ّدل دينه‬
‫فاقتلوه)(‪.)33‬‬
‫ردته ُمغلّظة‪ ،‬فإن‬
‫ردته ُجمّردة‪ ،‬وإما أن ّ‬
‫فإذا ارت ّد مسلم عن دين هللا ¸‪ :‬إما أن ّ‬
‫كانت ُجمّردة‪ ،‬كتار الصالة‪ ،‬هذا يسجنه القاضي املسلم ثالثة أيام‪ ،‬فإن صلّى‬
‫أصر على تر‬
‫خالهلا ولو نفاقا ‪-‬هللا أعلم خبفايا القلوب‪ ،-‬فإن صلّى ُخيلّى‪ ،‬وإن ّ‬
‫الصالة يُقتل‪ ،‬إذا هذا ُُيرب على العودة إىل اإلسالم‪.‬‬

‫ردته ُمغلّظة‪ :‬أي خرج من اإلسالم‪ ،‬وحارب اإلسالم واملسلمني‪،‬‬ ‫أما إن كانت ّ‬
‫فهذا إذا تاب إىل هللا ¸ قبل القدرة عليه‪ ..‬توبته مقبولة‪ .‬إذا قد يرجع إىل اإلسالم‬
‫خوفا من القتل‪ ،‬إذا هو أُك ِرَه على الدخول يف اإلسالم ألنه خيشى من القتل‪ ،‬وأن‬

‫(‪)33‬احلديث رواه اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪239‬‬

‫تعلم أن حكم املرتد بعد القدرة عليه ليس له إال القتل‪ ،‬إذا هذا الصنف يُكرهون‬
‫على الدخول يف اإلسالم بعد أن خرجوا منه‪.‬‬

‫الص ْن ُ الثَّاين من الناس الذين يُكرهون على اإلسالم‪ :‬الكفار‪ ،‬عدا أهل‬ ‫ي‬
‫الكتاب إذا قبلوا اجلزية أو قبول اإلسالم إذا قبلوا اإلسالم "حملولة"‪ ،‬إذا قبلوا اجلزية ال‬
‫يُكرهون‪ ،‬أما عدا هؤالء‪ ،‬فالكفار يُكرهون على اإلسالم‪ ،‬وأهل الكتاب إن مل يقبلوا‬
‫اإلسالم ومل يقبلوا اجلزية أيضا يُكرهون إما على اإلسالم وإما على اجلزية‪ ،‬إذا اآلية‬
‫صصها‪ ،‬والدليل على أن الكفار يُكرهون‬ ‫ليست على عمومها‪ ،‬لوجود أدلة أخرى ُخت ّ‬
‫على اإلسالم‪:‬‬
‫ث َو َج ُّ‬ ‫ِ‬
‫وهم‬
‫ص ُر ُ‬
‫وهم َواح ُ‬ ‫وهم َو ُخ ُذ ُ‬ ‫دمتُ ُ‬ ‫ني َحي ُ‬ ‫قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَاقـتُـلُوا ال ُمش ِرك َ‬
‫ص ٍد ۚ فَِإن تَابُوا َوأَقَ ُاموا الص َالةَ َوآتَـ ُوا الزَكاةَ فَ َخلُّوا َسبِيلَ ُهم ۚ إِن‬ ‫َواقـعُ ُدوا َهلُم ُكل َمر َ‬
‫يم﴾ [التوبة‪.]5:‬‬ ‫اَلل َغ ُف ِ‬
‫ور رح ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫ث َو َج ُّ‬ ‫ِ‬
‫وهم﴾ عىن‪ :‬أسرى‪،‬‬ ‫﴿و ُخ ُذ ُ‬
‫وهم﴾‪َ ،‬‬ ‫دمتُ ُ‬ ‫ني َحي ُ‬ ‫إذا‪﴿ :‬فَاقـتُـلُوا ال ُمش ِرك َ‬
‫ترتصده يف‬ ‫﴿واقـع ُدوا َهلم ُكل مر ٍ‬
‫صد﴾ من العلماء من قال‪ :‬هذا هو االغتيال‪ ،‬أي ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫طريقه وتقتله‪ ،‬والكمائن واالغتياالت يف هذه اآلية‪.‬‬

‫رت أن أُقاتِ َل‬ ‫ِ‬


‫وكذلا قول رسول هللا ‘‪ :‬عند البخاري ومسلم ‪( :-†-‬أُم ُ‬
‫الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأو رسول هللا‪ ،)...‬إذا الكفار يُستثنون من‬
‫هذه اآلية‪.‬‬

‫لم‪ :‬وهم املحاربون‪ ،‬من أي صنف كانوا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ص ْن ٌ ثَالي ٌ‬


‫ث ُْجيبَ رو َن َعلَى ا يل ْس ي‬ ‫اك ي‬
‫ُهنَ َ‬
‫ُ‬
‫سواء كانوا أهل كتاب أو غري أهل كتاب؛ إذا كانوا ُحماربني ُُيربون على اإلسالم‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪240‬‬

‫حريب‪ .‬أما املحارب‪ :‬فهو الكافر الذي‬


‫ّ‬ ‫احلريب‪ :‬كل كاف ٍر‬
‫احلريب واملُحارب‪ّ :‬‬
‫والفرق بني ّ‬
‫ُ‬
‫حل السال ‪.‬‬

‫إذا أصبح عندي‪ :‬املرتد يُكره على اإلسالم‪ ،‬الكافر‪ :‬يُكره على اإلسالم‪..‬‬
‫ُ‬
‫املحارب‪ :‬يُكره على اإلسالم؛ ألنه إذا حل السال وقاتل املسلمني‪ :‬إما أن يُقتل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بالقوة‪ ،‬إما قتل‪ ،‬وإما‬
‫ّ‬ ‫املسألة‬ ‫أصبحت‬ ‫ا‬‫إذ‬ ‫‪،‬‬ ‫الدين‬ ‫هلذا‬ ‫خيضع‬ ‫أن‬ ‫وإما‬ ‫ر‪،‬‬‫ؤس‬ ‫ي‬
‫ُ َ‬ ‫أن‬ ‫وإما‬
‫أسر‪ ،‬وإما اعتناق لإلسالم‪.‬‬

‫يقول اإلمام الشوكاو ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [فتح القدير]‪" :‬أما أهل احلرب‪،‬‬
‫فاآلية وإن كانت تعُ ّمهم(‪ )34‬ألن النكرة يف سياق النفي‪ ،‬وتعريف الدين يُفيدان‬
‫ص هذا العموم ا ورد‬
‫ذلا‪ ،‬واالعتبار بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪ ،‬لكن قد ُخ ّ‬
‫من ٍ‬
‫آيات يف إكراه أهل احلرب من الكفار على اإلسالم"‪.‬‬

‫إذا اآليات اليت ذكرهتا‪ ،‬طاملا أهنم ُحماربون؛ إذا يُكرهون على اعتناق اإلسالم‪،‬‬
‫وإما أن يُقتلوا أو قد يُؤسرون‪ ،‬إذا هذا الصنف الثالث من الناس الذين يُكرهون على‬
‫اعتناق اإلسالم‪.‬‬
‫ي‬
‫الص ْن ُ َّ ي‬
‫الراب ُع‪ :‬وهم ّ‬
‫السبايا‪ ،‬سواء كانوا رجاال أو نساء‪ ،‬كبارا‪ ،‬أو صغارا‪ ،‬يقول‬
‫ابن كثري(‪ ¬- )35‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه‪" :‬أما السبايا‪ ،‬فإن كانوا أهل ٍ‬
‫كتاب‪،‬‬ ‫ّ‬

‫ِ‬
‫تعم الكفار أيضا‪.‬‬ ‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ّدي ِن﴾‪ ..‬هذه ّ‬
‫عامة ّ‬ ‫(‪ )34‬أي‪َ :‬‬
‫(‪« )35‬ناقل هذا القول هو القرطيب ¬ عن بعض العلماء يف تفسريه»‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪241‬‬

‫ُُيربون على اإلسالم إال إذا كانوا كبارا(‪ )36‬أما اجملوس‪ :‬كبارا وصغارا‪ ،‬والوثنيني‪ ،‬فإهنم‬
‫ُُيربون على اإلسالم"‪.‬‬

‫مث ذكر ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬ملاذا هؤالء ُُيربون على اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬ألن املسلم‬
‫يستقذر هؤالء إن ب َقوا على دينهم‪ ،‬أنت تعلم أهنم يأكلون امليتة‪ ،‬وال يتحّرجون من‬
‫شيء اسم حرام يف ديننا‪.‬‬

‫والسبب اآلخر «لكوهنم» ُُيربون على اإلسالم قال‪ :‬ألن املالا ال يستطيع أن‬
‫يتمتّع هبم وهم على دينهم؛ إذا هلذين السببني ذكر ابن كثري أن السبايا إن كانوا‬
‫جموسا أو وثنيني‪ُُ ،‬يربون على اإلسالم‪ ،‬وإن كانوا أهل كتاب كبا ٍر يف السن ال‬
‫ُُيربون‪.‬‬

‫سميه ابن كثري(‪ ¬- )37‬رحة واسعة‪ -‬هذا‬ ‫نقل كالما عن (أشهب) هكذا يُ ّ‬
‫قره على هذا القول أيضا‪ ،‬قال‪" :‬هم على دين من سباهم‪ ،‬فإن امتنعوا‪،‬‬ ‫يعين بأنه يُ ّ‬
‫أُجربوا على اإلسالم‪ ،‬والصغار فإهنم ال دين هلم‪ ،‬فلذلا أُجربوا على الدخول يف دين‬
‫لئال يذهبوا إىل الدين الباطل"‪.‬‬
‫اإلسالم ّ‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ كل هؤالء‬
‫هؤالء اآلن يُستثنون من اآلية‪ ،‬فعندما نقول‪َ :‬‬
‫يُكرهون على الدخول يف الدين‪..‬‬

‫(‪ )36‬إذا كانوا كبارا ال ُُيربون على اإلسالم‪ ،‬أما إن كانوا أطفاال‪ ،‬فإهنم ُُيربون على اإلسالم‪.‬‬
‫(‪« )37‬أيضا نقل هذا القول هو القرطيب يف تفسريه عن أشهب ‪ -‬رحهما هللا مجيعا‪.»-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪242‬‬

‫﴿ال إ ْك َر َاه في الدين﴾‪َ ،‬و َبي َن َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ ُ َ َ َ‬


‫يث‬ ‫د‬
‫ِ ِ‬ ‫ح‬ ‫ِ ِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬‬‫¸‬ ‫للا‬ ‫ل‬
‫كيف نو ِفق بين ِ ِ‬
‫و‬ ‫ق‬
‫اس َح َّتى َي ْش َه ُدوا أ ْن ال َإل َه إال للا‪ُ،‬‬‫الن َ‬‫رت أن ُأ َقات َل َّ‬
‫َ ُسول للا ‘‪(ُ :‬أم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر ِ ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫للا)؟‬ ‫وأني َرسول ِ‬
‫الربط بني اآلية وبني احلديث بناء على ما ذكرته سابقا‪ ،‬أي أن الناس غري‬
‫املسلمني ينقسمون إىل قسمني‪ :‬إما أهنم كفار أهل كتاب‪ ،‬هؤالء يُدعون إىل‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإن أبَوا فاجلزية‪ ،‬فإن أبَوا فالقتال‪ ،‬وإما أهنم ليسوا أهل كتاب‪ ،‬هؤالء‬
‫ُُيربون على اإلسالم‪.‬‬

‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪،‬‬


‫إذا ال تعارض وال تناقض ‪-‬حاشا‪ -‬بني قول هللا ¸ َ‬
‫وبني حديث رسول هللا ‘‪.‬‬

‫عندما نقول‪ :‬اليهود والنصارى يبقون على دينهم‪ ،‬هل هذه هي احلُّرية الكاملة‬
‫(الفوري هذا)؟‪ ،‬وكما جاء يف ال ّدستور العراقي وبعض األقوال‬
‫ّ‬ ‫يف العقيدة كما قال‬
‫اليت ذكرناها؟!‪.‬‬

‫﴿ح ٰىت يـُعطُوا اجلِزيَةَ َعن‬


‫مبين على الصغار َ‬
‫ال‪ ،‬املوافقة على إبقائهم على دينهم ّ‬
‫ي ٍد وهم ص ِ‬
‫اغ ُرو َن﴾‪ ،‬وحىت تعلم أنه ليس هلؤالء ُحّرية ُمطلَ َقة يف دينهم‪ ،‬بل هم يُذلُّون‬ ‫َ َُ َ‬
‫بسبب دينهم‪ ،‬تعود إىل الشروط العُمريّة اليت كانت بني أمري املؤمنني عُ َمر ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬وبني النصارى واليهود يف الشام‪ ،‬عندما أصبحوا ضمن حدود دائرة‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪243‬‬

‫الحظ الشروط اليت وضعها النصارى على أنفسهم ووافق عُ َمر على ذلا‪ ،‬من‬
‫بني هذه الشروط(‪ )38‬حىت تعلم ما الفارق بني ُحّرية العقيدة يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وبني‬
‫إقرار هؤالء على دينهم يف اإلسالم‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬ال يبنون كنيسة وال ديرا‪ ..‬ممنوع؛ ألن البلدان اليت تدخل يف دائرة اإلسالم‬
‫إما أهنا أمصار [أي ُم ُدن] بناها املسلمون‪ ،‬ال ُيوز لنصراوّ أن يبين كنيسة وال ليهودي‬
‫ُ‬
‫أن يبين ديرا «فيها» ملاذا؟؛ ألن هذا ِمصر من أمصار املسلمني‪ ،‬املسلمون هم الذين‬
‫خطّوا هذه املدينة‪ ،‬فال نصيب ال ليهودي وال لنصراو‪ ،‬وإن عاشوا يف هذه املدينة‬
‫وحيق هلم أن يعيشوا فيها‪ ،‬لكن ما يبنون ال دير وال كنيسة‪.‬‬

‫أما البالد اليت فتحها املسلمون عنوة‪ ،‬وكانت فيها كنائس‪ ،‬فرأي الفقهاء أن هذه‬
‫الكنائس تبقى‪ ،‬وهذا هو الصواب؛ بدليل بقاء الكنائس منذ عهد الصحابة ‪-‬رضوان‬
‫هللا تعاىل عليهم أمجعني‪ -‬إىل يومنا هذا‪ ،‬فهذه الكنائس تبقى‪ ،‬ولكن إذا هت ّدمت‬
‫كنيسة هل يُعاد البناء مرة أخرى؟‬

‫من الفقهاء من قالوا‪ُ :‬جنيز هلم أن يُرّمموا كنائسهم‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬ال ُجنيز هلم‬
‫أن يُرّمموا كنائسهم‪.‬‬

‫هذه ُحّرية وال ّدميُقراطيّة ُحّرية؟!!‪ ،‬أهل ال ّدميُقراطيّة يُعطون هلم األموال لكي يبنوا‬
‫الكنائس يف أمصار املسلمني‪ ،‬أما ديننا ال يقبل‪ ،‬ال نقبل أن تبين كنيسة يف ٍ‬
‫مدينة‬

‫وضعف الرواية بسبب رجل‪ ،‬علماء احلديث يقولون‬ ‫ضعفه ّ‬ ‫(‪ )38‬وإن ّ‬
‫ضعف الرواية األلباوّ‪ّ ،‬‬
‫الع َمَريّة‬
‫سن ٌد آخر ليس فيه هذا الرجل الذي ضعّفه األلباوّ‪ ،‬ومن جاء بعده شنّعوا على الشروط ُ‬
‫تنس أن ابن تيمية ‪ -¬-‬وابن‬ ‫ٍ‬
‫حتت ذريعة أن هذه الشروط قد جاءت بسند ضعيف‪ ..‬وال َ‬
‫عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪.-‬‬ ‫أقروا هذه الشروط اليت كانت يف زمن َ‬‫القيّم قد ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪244‬‬

‫حق لا أن تبين «فيها» كنيسة‬


‫بناها عُ َمر!!‪ ،‬أي شخص بىن مدينة للمسلمني ال ّ‬
‫أو ديرا‪.‬‬

‫أقرهم على‬ ‫اآلخ ُر‪ :‬أن هؤالء النصارى ّ‬


‫أقروا على أنفسهم‪ ،‬وأمري املؤمنني ّ‬ ‫َّ‬
‫الِّيءُ َ‬
‫ذلا‪ :‬أن الكنائس تكون مفتوحة أمام املسلمني‪ ،‬من أراد أن يدخل الكنيسة يدخل‪،‬‬
‫ما متنعونه؛ ألن كما تعلم إن كانت الكنيسة خالية من الصور ومن التماثيل‪ُ ،‬يوز‬
‫لا أن تُصلّي يف هذه الكنيسة كما فعل ابن عبّاس ‪ ¢-‬وأرضاه‪.-‬‬
‫ي‬ ‫ك يمن ُّ ي‬ ‫ي‬
‫ارى ‪-‬وهذه الشروط تبقى معمول هبا‬ ‫صَ‬‫الِّ ُروط العُ َم يريَّة َعلَى النَّ َ‬ ‫َك َذل َ َ‬
‫طاملا هنا حكم إسالمي وطاملا هنا يهود ونصارى‪ :-‬أن املسلم إذا دخل حيًّا من‬
‫ُ‬
‫أحياء النصارى أو مدينة من مدهنم‪ ،‬فإن من حق املسلم عليهم أن يستضيفوه ثالثة‬
‫أيام‪ ،‬مأكل ومشرب ومبيت‪ ..‬هذا ما ُِ‬
‫اشرت َط عليهم‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أهنم إذا بنوا بناء يف داخل املسلمني‪ ،‬نصراو أراد أن يبين بيتا‪..‬‬ ‫َّ‬
‫الِّيءُ َ‬
‫«بيت» جاره من طابق واحد‪« ،‬فالنصراو» ما يبين طابقني؛ ألنه ال ُيوز لا أن‬
‫تعتلي على املسلمني‪ ،‬أنت صاغر‪.‬‬

‫هذه الشروط عندما تذكرها قد يستهجنها إخوان مصر؛ ألن هؤالء يعتربوهنم‬
‫إخواننا يف الدين‪ ،‬وإخواننا يف الوطنيّة!‪ ،‬ال‪ ،‬هذا ديننا‪.‬‬

‫وكذلا احلديث الذي رواه اإلمام مسلم‪ ،‬عن أيب هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪:‬‬
‫(ال تبدؤوا اليهود وال النصارى بالسالم‪« ،‬فإذا لقيتم أحدهم يف طريق فاضطّروه إىل‬
‫الذمة حنن ال نبدؤه بالسالم‪ ،‬هو‬
‫أضيقه»)‪ ،‬إذا كان يعيش معنا نصراو من أهل ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪245‬‬

‫يبدؤنا بالسالم‪ ،‬أهذا دين له احلُّرية الكاملة؟‪ ،‬إذا جئت إىل طر ٍيق أنا ال أحناز عن‬
‫الطريق‪ ،‬هو ينحاز عن الطريق؛ ألنين مسلم‪ ،‬وهو ذليل‪ ..‬كافر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جهاد عند‬ ‫ط َعلَْي يه ْم عُ َم ُر‪ّ :‬أال يركبوا فرسا‪ ،‬ألن الفرس وسيلة‬ ‫َوَك َذلي َ‬
‫ك ا ْشتَ َر َ‬
‫وجتزون نواصي رؤوسكم‬
‫املسلمني‪ ،‬وأنت لست أهال لذلا‪ ،‬وال حتملون السال ‪ّ ،‬‬
‫أي‪ :‬تقطعون قطعة من شعوركم من هنا‪« ،‬من ُمق ّدمة الرأس» حىت إذا رآ املسلم‬
‫يعرفا‪.‬‬

‫َوا ْشتَ َرطُوا َعلَى أَنْ ُِ يس يه ْم‪ّ :‬أال يلبسوا مالبس املسلمني‪ ،‬و ّأال حيملوا السال ‪،‬‬
‫يشدوا الزنانري على أوساطهم‪ ،‬حىت إذا‬
‫ُيزوا رؤوسهم‪ ،‬وأن ّ‬ ‫و ّأال يتكنّوا بِ ُكناهم‪ ،‬وأن ّ‬
‫علي‪،‬‬
‫علي واجبات‪ ،‬حىت أيف ا لا ّ‬ ‫رآ املسلم يعرفا؛ ألن عليا حقوق ولا ّ‬
‫وتفي ا عليا‪ ،‬وأنا ال أعرفا إذا كنت تشبه املسلمني أو تتشبه هبم‪ ،‬فعليا أن‬
‫تكون لا مواصفاتا اخلاصة‪.‬‬
‫ط َعلَى الي ه ي‬
‫ود‪ :‬أن يطيلوا زلوفهم‪ ،‬وعندما شاع هذا األمر األن «بني‬ ‫َوا ْشتَ َر َ‬
‫َُ‬
‫املسلمني» قلنا يا سبحان هللا لو عاد عمر لفرض على هالء اجلزية؛ ألنه سيظنهم‬
‫على العالمة اليت تركها‪ ،‬وأن هؤالء يهود‪.‬‬

‫الصلبان تكون يف داخل الكنيسة‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬


‫مكان‪ُّ ،‬‬ ‫ك‪ :‬ال يرفعون صليبا يف‬ ‫َك َذلي َ‬
‫بناقوس‪ ،‬الناقوس يكون يف داخل الكنيسة‪ ،‬ال ترفع صوتا بدينا‪ ،‬ال تُسمع‬‫ٍ‬ ‫تضرب‬
‫املسلمني شيئا من دينا‪ ،‬ال تُعلّم أبناء القرآن‪ ،‬وال متنعوا إنسانا منكم من الدخول‬
‫تربجات يف شوارع املسلمني‪ ،‬وال تبيعون اخلمر وال‬ ‫يف الدين‪ ،‬وال تظهر النساء ُم ّ‬
‫ُ‬
‫اخلنزير‪ ،‬وال تُظهرون شيئا من ذلا يف شوارع املسلمني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪246‬‬

‫كل هذه القيود على هؤالء؛ إذا هم ُمقيّدون بديننا‪ ،‬ملاذا؟؛ ألهنم رضوا أن‬
‫صاغرا‪ ،‬هذه أحكامنا عليهم‪ ،‬أما‬
‫يعيشوا بالكفر‪ ،‬فمن رضي أن يدفع اجلزية ذليال ّ‬
‫قبلت باإلسالم‪ ،‬فأنت أخ لنا‪ ،‬وكرامتا من كرامتنا‪ ،‬لا ما لنا وعليا ما علينا‪،‬‬
‫إن َ‬
‫فإذا اخرتت اإلسالم‪ ،‬هذه أحكامنا‪ ،‬إذا اخرتت اجلزية‪ ،‬هذه أحكامنا؛ فإن أبيت‬
‫فحكمنا القتال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هذه‬

‫أهؤالء يُقال بأن هلم احلُّرية يف ديننا؟!‪ ،‬أو احلُّرية اليت جاءت يف ال ّدميُقراطية!!‬
‫الِّر ي‬ ‫ي‬
‫ال‪ :‬نُوقّر املسلمني‪ ،‬ونقوم هلم من جمالسنا إذا أراد أحدهم‬
‫وط قَ َ‬ ‫طبعا م َن ُّ ُ‬
‫ً‬
‫أن ُيلس‪.‬‬

‫اآلية انقلبت‪ ..‬أصبح النصارى يفعلون بنا الشروط العُ َمريّة!!‬


‫طَْب عا َه َذا َشيء متَ علي ٌِ بي يديني يهم‪َّ ،‬أما املُتَ عليّ ُِ بي َذواتييم وأَ ْمواهلييم وأَ ْعر ي‬
‫اض يه ْم‪ :‬ال‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌَُ‬ ‫ً‬
‫ذميًّا كنت خصمه يوم‬ ‫ُيوز ملسل ٍم أن يُسيء إىل نصراو يدفع اجلزية‪( ..‬من آذى ّ‬
‫القيامة)(‪.)39‬‬

‫ذميًّا؟‬
‫‪ -‬سائل‪ :‬شيخ‪ ،‬بعدما يدفعوا اجلزية‪ ،‬بذلا يطبق عليه أن هذا ّ‬
‫* الشيخ‪ :‬أهااا‪ ،‬ال تؤذيه يف ذاته‪ ،‬يف داخل دائرة اإلسالم‪ ،‬يف داخل حدود‬
‫اإلسالم‪ ،‬دفع اجلزية ينضبط هبذه الضوابط اليت ذكرناها‪ ..‬هذا يف دينا‪ ،‬اآلن نأيت‬
‫إىل ذاتا ومالا وعرضا‪ :‬ال ُيوز ملسل ٍم أن يُسيء إىل نصراو على أنه نصراو‪ ،‬قد‬
‫بفعل حلا على أن تضربه أو شيء من هذا‬ ‫تُسيء إليه ألنه أساء إليا أو أتى ٍ‬

‫(‪« )39‬أخرجه البخاري ومسلم»‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪247‬‬

‫القبيل‪ ،‬لكن أن تُؤذيه ألجل دينه‪ ،‬هذا ال ُُييزه ديننا‪ ،‬كذلا ال ُيوز لا أن تأخذ‬
‫غرمه مثن هذا اخلنزير‪ ،‬ألن‬
‫شيئا من ماهلم‪ ،‬من قتل خنزيرا لنصراو‪ ،‬القاضي املسلم يُ ّ‬
‫قوم عندهم‪ ..‬له قيمة‪ ،‬لكن حنن ال قيمة للخنزير عندنا‪ ،‬إذا أصبح‬ ‫اخلنزير مال ُم ّ‬
‫ومصانا يف ماله‪.‬‬
‫ومصانا يف أهله‪ُ ،‬‬
‫ُمصانا يف نفسه‪ُ ،‬‬
‫وهللا يا شباب‪ ،‬والشيوخ أيضا شباب إن شاء هللا‪ ،):‬يف الشام‪ ،‬بني اجللسة‬
‫األوىل واجللسة الثانية‪ ،‬كانت مدة أسبوعني‪ ،‬دخلوا يف أمان إىل أن يُعطوا رأيهم‪ ،‬أنا‬
‫أحسست باألمان ال يف زمن‬
‫ُ‬ ‫مسعت من أكثر من اثنني ثالثة منهم‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما‬
‫أحسست يف هذين األسبوعني!‪ ،‬ال أدري ملاذا‪ ،‬لكن‬‫ُ‬ ‫النظام‪ ،‬وال يف زمن الثّوار‪ ،‬كما‬
‫شعرت به ال يف‬
‫ُ‬ ‫أحسست أنين أعيش يف أمان‪ ،‬ال يُؤذيين أحد‪ ،‬هذا اإلحساس ما‬ ‫ُ‬
‫زمن النظام‪ ،‬وال يف زمن الثُّوار‪ ،‬اآلن أنا أحس أنه ال يستطيع أحد أن يُسيء إ ّ‬
‫بشيء إال إذا خالفت‪.‬‬

‫حيل ماله ودمه‪،‬‬


‫الذمة ّ‬
‫طبعا هذه الشروط اليت ذكرهتا إذا خالفها أحد من أهل ّ‬
‫أي ُُمالفة هلذه البنود جتعله حالل الدم وحالل املال‪..‬‬

‫اغ ُرو َن﴾ هذه معاو صاغرون‪ ،‬وهذه‬ ‫إذا عندما قال هللا تعاىل‪﴿ :‬عن ي ٍد وهم ص ِ‬
‫َ َ َُ َ‬
‫املسألة اليت اتفق عليها أصحاب رسول هللا ‘ يف زمن أمري املؤمنني عُ َمر‪ ،‬فال ُميكن‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ ويُنسب األمر إىل ال ّدميُقراطيّة!!‬ ‫مل ٍ‬
‫نتسب إىل اإلسالم يقول َ‬
‫ُ‬
‫يف ال ّدميُقراطيّة نعم‪ ،‬لا أن تفعل ما تشاء‪ ،‬أما إذا كنت ترى نفسا يف دائرة‬
‫حق لا يف ذلا‪ ،‬أنت خارج دائرة‬ ‫اإلسالم‪ ،‬مث تتح ّدث لل ّدميُقراطيني‪ ،‬نقول ال ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬ح ّدثهم خارج دائرة اإلسالم‪ ،‬ألن هذه هي ضوابط املسلمني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪248‬‬

‫الم‪:‬‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫الف ْر ُق َبي َن ُ ْ‬


‫َ‬
‫الديمقراطي ِة وبين اإلس ِ‬
‫ِ‬

‫ال َِا ير ُق َّ‬


‫األو ُل‪ :‬أن ُحّرية العقيدة اليت هي ر ٌ‬
‫كن من أركان ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬ال تكون‬
‫إال يف البالد اليت ُحت َكم بغري ما أنزل هللا ¸‪ُ ،‬حّرية العقيدة‪ ،‬واملمارسة‪ ،‬وحاية أماكن‬
‫ُ‬
‫العبادة‪ ،‬أما اإلقرار الذي ذكرته هبذه الضوابط‪ ،‬هذا يف دار اإلسالم‪.‬‬

‫َّ‬
‫الِّيءُ الثَّاين‪ :‬احلُّرية يف ال ّدميُقراطيّة ّ‬
‫عامة‪ ،‬يعين ليست فقط ألهل الكتاب‪ ،‬بل‬
‫العامة تشمل كل هؤالء‪.‬‬
‫لليزيدي‪ ،‬لغريه‪ ،‬لغريه‪ ،‬شيوعي‪ ،‬أي كان‪ ..‬احلُّرية ّ‬
‫أما يف ديننا‪ :‬فال ُحّرية هلؤالء‪ ،‬بل ُُيربون على اإلسالم أو يُقتلون‪ ،‬إال إذا كانوا‬
‫اب وفق الضوابط اليت ذكرهتا لا‪ ،‬إذا هذا فارق بني ُحّرية العقيدة يف‬ ‫أهل كت ٍ‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وبني إقرار النصارى على دينهم يف داخل دار اإلسالم‪.‬‬

‫ُقروا على دينهم يدفعون اجلزية‪ ،‬لكن يف‬ ‫ث‪ :‬أن أهل الكتاب إذا أ ّ‬ ‫ال َِا ير ُق الثَّالي ُ‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ :‬أهل ال ّدميُقراطيّة يدفعون هلم املال من أموال املسلمني‪ ..‬هذه األموال‬
‫ُ‬
‫النفط ما النفط‪ ..‬هذه أموال مسلمني‪ ،‬من هذه األموال اآلن تُعطى للنصارى‪ ،‬وكان‬
‫يُفرتض أن نأخذ منهم اجلزية ال أن ندفع هلم املال!!‪ ،‬هذا فارق أيضا بني ال ّدميُقراطيّة‬
‫وبني اإلسالم‪.‬‬

‫ال َِا ير ُق َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬أن النصارى واليهود يف البلدان ال ّدميُقراطيّة خيضعون لل ّدستور‬
‫والقانون‪ ،‬أي يتقيّدون بضوابط القانون وبضوابط ال ّدستور‪ ،‬أما يف دار اإلسالم‪:‬‬
‫فيتقيّدون بضوابط الشرع‪ ،‬وتسري عليهم أحكام هللا ¸‪.‬‬

‫هذه الفروقات موجودة بني ُحّرية العقيدة يف ال ّديُقراطيّة‪ ،‬وبني إقرارنا لليهود‬
‫والنصارى على دينهم يف داخل دار اإلسالم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪249‬‬
‫َُ َ ُ‬
‫اك ش ْب َه َتـ ِـان‪:‬‬ ‫هن‬
‫األو َل‪ :‬قد يأيت رجل عليم اللسان والعياذ باهلل ‪( -‬إن أخوف ما أخاف‬ ‫ُّ‬
‫الِّ ْب َهةُ ّ‬
‫كالم سابقا مسعنا‬
‫عليكم كل ُمنافق عليم اللسان) هكذا قال الرسول ‘‪ ،-‬وهذا ٌ‬
‫قر‬
‫منه‪ ،‬قال‪ :‬يعين ملاذا هذا التّهويل لألمر؟‪ ،‬هؤالء موجودون سواء أقررنا هبم أو مل نُ ّ‬
‫بوجودهم‪ ،‬هم موجودون‪.‬‬

‫نقول‪ :‬ال‪ ..‬الفارق بني إقرار هلم مع وجودهم شيء‪ ،‬وعدم إقرار هلم مع‬
‫قر هبم‬
‫وجودهم شيء آخر‪ ،‬إذا هم موجودون‪ ،‬لكن إذا أقررت هذا حكم‪ ،‬وإذا مل تُ ّ‬
‫غريهُ بيده)(‪)40‬رجل قال‪ :‬ال‬ ‫هذا حكم آخر‪ ،‬كحال اخلمر؛ (من رأى منكم ُمنكرا فليُ ّ‬
‫أقر املنكر!‪ ،‬أما من‬ ‫ضري أن تُباع اخلمر ألن هنا من يشرب‪..‬إذا هذا رأى املنكر و‬
‫ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫يضره‪ ،‬ألنه أنكر هذا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ..‬هذا ال ُيوز يف بالد املسلمني؛ إذا وجود اخلمر‬
‫ُ‬
‫املنكر‪.‬‬
‫ُ‬
‫قر" ال‪ ،‬أنت‬ ‫إذا هؤالء اآلن عندما يقولون‪" :‬هم موجودون سواء أقررنا أو مل نُ ّ‬
‫قر هلؤالء دينهم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أقررته وجب القانون وكان عليا أن تُنكر‪ ،‬وأنت تعمل بقانون يُ ّ‬
‫ورد على هذه الشُّبهة‪.‬‬ ‫وممارساهتم‪ ،‬هذا فارق ّ‬ ‫قر هلم أيضا مذاهبهم وعباداهتم ُ‬
‫ويُ ّ‬
‫ُّ‬
‫الِّ ْب َهةُ الثَّانيةُ‪ :‬قد يأيت رجل من هؤالء اإلخوان ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬أو املرجئة أو‬
‫ُ‬
‫ما إىل ذلا حترير‪ ..‬يقول‪ :‬نعم أنا أعمل على إعادة اليزيديني إىل مناطقهم‪ ،‬وأبين‬
‫اض بدينهم‪ ،‬أعمل هلم‬ ‫اض بدينهم‪ ،‬أنا غري ر ٍ‬
‫هلم معابدهم‪ ،‬لكن هذا ال يعين أنين ر ٍ‬
‫هذه األعمال لكنين لست ر ٍ‬
‫اض بدينهم‪.‬‬

‫(‪ )40‬رواه مسلم والرتمذي والنسائي ‪.-†-‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪250‬‬

‫ٍ‬
‫بقانون أم بدين؟‪ ،‬بال ّدستور أم بال ّدين؟‪،‬‬ ‫يُقال له‪ :‬أنت أقدمت على هذا العمل‬
‫(حّرية العقيد‬ ‫يقينا بال ّدستور‪ ..‬ال ّدستور هو الذي يُلزما أن تعمل هلم هذا‪ُ ..‬‬
‫واملمارسة وحاية أماكن‪)...‬؛ إذا أنت عملت هذا وجب ال ّدستور‪ ..‬زين ما رأي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وهم َواقـعُ ُدوا‬‫ر‬‫ص‬‫اح‬
‫و‬ ‫م‬ ‫وه‬ ‫ذ‬‫خ‬‫و‬ ‫م‬‫وه‬ ‫ُّ‬
‫دمت‬ ‫ج‬‫و‬ ‫ث‬‫ي‬ ‫ح‬ ‫ني‬
‫َ ُُ ُ َ َ ُ َ َ ُ ُ َ ُ ُ ُ َ ُُ ُ‬ ‫ك‬‫ِ‬
‫ر‬ ‫ش‬‫م‬ ‫ال‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ل‬‫ـ‬‫ت‬ ‫ـ‬‫ق‬‫ا‬ ‫ف‬‫﴿‬ ‫‪،‬‬ ‫؟‬‫هؤالء‬ ‫يف‬ ‫دينا‬
‫ص ٍد﴾‪ ..‬هذا دينا وذا دستور ؛ إذا أنت عملت بال ّدستور ما عملت‬ ‫َهلُم ُكل َمر َ‬
‫الرضا ال ينفع هنا‪.‬‬ ‫فالرضا وعدم ّ‬ ‫بال ّدين‪ّ ،‬‬
‫شيء آخر‪ :‬أنا ستُعيد هؤالء الناس‪ ،‬أنت تُعيد هؤالء إىل مناطقهم‪- ،‬قُلنا‬
‫وجب ال ّدستور‪ ،‬وليس وجب ال ّدين الذي ت ّدعيه‪ ،-‬لتحقيق ال ّدستور ُحتارب من؟‪،‬‬
‫يقينا ُحتارب مسلمني أقاموا دولة إسالميّة‪.‬‬

‫شيء آخر‪ :‬حىت تُعيد هؤالء إىل مناطقهم‪ ،‬تُعيد هلم أماكن عبادهتم‪ ،‬حاربت‬
‫املسلمني‪ ،‬استعنت ن؟‪ ،‬استعنت بالنصارى على هؤالء‪..‬‬

‫حصلة اليت خنرج هبا‪ :‬أنا استعنت بالكفار على املسلمني ألجل‬ ‫إذا املُ ّ‬
‫املشركني‪ ..‬ما الذي بقي لا من دينا؟!‪ ،‬إذا أنت ابن دستوٍر‪ ،‬ودينا ال ّدستور‪،‬‬
‫وربّا وإهلا جلنة كتابة ال ّدستور‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء‪.‬‬ ‫أقول قو قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪251‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الر ِاب ُع َعش ْر ُ‬
‫س َّ‬ ‫الد ْر ُ‬
‫الر ْك ُن َّ‬
‫األو ُل‪:‬‬ ‫اطي ِة‪ُ ،‬‬ ‫ر‬‫ق‬‫ْأر َكان الد ُيم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ َ َ َْ َ‬
‫حرية الع ِقيد ِة [تك ِملة]‪:‬‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق ًّ‬
‫حقا وأعنّا على‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫الباط َل باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫اتّ ِ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بِعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم ّ‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‪،‬‬ ‫وُ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬

‫عما‬
‫كان احلديث يف الدرس املاضي عن ُحّرية العقيدة يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وحت ّدثنا ّ‬
‫يستدل به املنتسبون إىل اإلسالم يف إثبات أن يف الدين شيء امسه ُحّرية العقيدة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وحّرية األديان‪ ..‬وقلنا يستشهدون بآيتني من كتاب هللا ¸‪ ،‬اآلية األوىل‪َ﴿ :‬ال إكَراهَ‬
‫ُ‬
‫ِيف ال ِّدي ِن﴾ [البقرة‪ ،]256:‬وقد تناولنا هذه اآلية بالتفصيل ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪،-‬‬
‫الشرعيّة‪.‬‬
‫وتبني أن املقصود باآلية هم أهل الكتاب حصرا وفق الضوابط اإلسالميّة ّ‬
‫ّ‬
‫وقلنا هذه اآلية ال يقوهلا إال أُناس م ّكنهم هللا ¸ يف دار ٍ‬
‫إسالم‪ ،‬أما يف دار‬ ‫ٌ‬
‫وخياطب النصارى‬ ‫ُكف ٍر وحتت ال ّدميُقراطيّة وحتت الطّواغيت يأيت ُمنتسب إىل اإلسالم ُ‬
‫يقول‪َ﴿ :‬ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬وقلنا ال عالقة لا أنت هبذه اآلية‪ ،‬وإمنا هذه اآلية‬
‫ُناس جاهدوا يف هللا وصدقوا مع هللا‪ ،‬فم ّكنهم هللا ¸ يف األرض‪ ،‬هؤالء‬ ‫يقوهلا أ ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪252‬‬

‫يقولون للنصارى يف دار اإلسالم‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ [الكافرون‪ ]6:‬أو ﴿َال‬
‫إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪.‬‬

‫نتناول اليوم إن شاء هللا تعاىل اآلية الثانية اليت يستدل هبا ُدعاة ُحّرية العقيدة‬
‫وحّرية األديان من أتباع أفالطون‪ ،‬أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬اآلية الثانية يف‬ ‫ُ‬
‫استدالالهتم قوله تبار وتعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫﴿ل ُك ْم د ُين ُك ْم َول َي دين﴾‪َ ،‬ما َم ْع َنى َهذه َ‬
‫اآلي ِة َو َما َس َب ُب ن ُزو ِل َها؟‪َ ،‬و َه ْل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ْ ٌ ْ ُ ُ ُ َ ُ َ َ َْ‬ ‫ُ ْ ُ ْ ْ ُ ِ َ َ َِ ََّ‬
‫الم ش يء اسمه حرية الع ِقيد ِة أو‬ ‫اإلس ِ‬
‫يم ِكن االس ِتدالل ِبها على أن في ِ‬
‫ُ َُ‬
‫الد ِين؟‬
‫حرية ِ‬
‫فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬ابتداء سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬ملاذا أنزل هللا ¸ ﴿قُل‬
‫يَا أَيـُّ َها ال َكافُِرو َن﴾ إىل قوله تعاىل‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ [الكافرون‪ ،]6-1:‬ذكر‬
‫سبب النزول ابن حبّان كما ينقل عنه ابن تيمية ‪ ¨-‬تعاىل رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه‪،‬‬
‫وكذلا نقل اإلمام البغوي يف تفسريه سبب النزول‪ ،‬وكذلا ذكر سبب النزول اإلمام‬
‫األجالء ذكروا سبب نزول هذه اآلية‬
‫ّ‬ ‫العز بن عبدالسالم ¬ يف تفسريه‪ ،‬هؤالء‬ ‫ّ‬
‫فقالوا‪:‬‬

‫أن أُناسا من ُمشركي م ّكة (أُميّة بن خلف‪ ،‬والعاص بن وائل‪ ،‬واملطّلب بن‬
‫ُ‬
‫األسود) ومعهم رجل رابع جاؤوا إىل رسول هللا ‘ وقالوا‪ :‬نعبد إهلا سنة‪ ،‬وتعبد‬
‫إهلنا سنة‪ ،‬فإن كان اخلري عند نكون قد أخذنا نصيبنا من الذي عند ‪ ،‬وإن كان‬
‫اخلري عندنا تكون قد أخذت نصيبا من الذي عندنا‪ ،‬هذا ُجممل كالمهم‪ ،‬فأنزل هللا‬
‫¸‪﴿ :‬قُل يَا أَيـُّ َها ال َكافُِرو َن ۝ َال أَعبُ ُد َما تَـعبُ ُدو َن ۝ َوَال أَنـتُم َعابِ ُدو َن َما أَعبُ ُد‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪253‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫۝ َوَال أَنَا َعاب ٌد َما َعبَد ُمت ۝ َوَال أَنـتُم َعاب ُدو َن َما أَعبُ ُد ۝ لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ِدي ِن﴾‪ ،‬هذا سبب نزول هذه اآلية‪.‬‬

‫يل ال ُمتَ َعليّ َق ية يبَ يذهي اآليَية‪:‬‬ ‫ض التَّ َِ ي‬


‫اص ي‬ ‫بَ ْع ُ‬
‫ابتداء نبحث عن مسألة‪ :‬هل هذه اآلية منسوخة أم غري منسوخة؟‪ ،‬إذا كانت‬
‫منسوخة ما هي الداللة؟‪ ،‬وإذا كانت غري منسوخة ما هي داللة تفسري اآلية؟‬

‫انقسمت آراء العلماء إىل قسمني‪:‬‬

‫قسم من علماء أهل السنة واجلماعة قالوا‪ :‬إن هذه اآلية منسوخة‪ .‬ومن‬
‫فسرين الذين قالوا بالنسخ‪ :‬اإلمام ال ُقرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه‪ ..‬قال‪:‬‬ ‫املُ ّ‬
‫أن هذه اآلية كانت قبل أن يُؤمر الرسول ‘ بالقتال‪ ،‬مث نُ ِس َخت بآية القتال‪ ،‬هذا‬
‫قول اإلمام ال ُقرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫كذلا ابن حزم ‪ -¬-‬يف كتابه [الناسخ واملنسوخ] قال‪ :‬أن هذه اآلية‬
‫منسوخة بآيات اجلهاد‪ ،‬أو بآية السيف‪.‬‬

‫كذلا قول لإلمام الزركشي يف [الربهان] على أن هذه اآلية منسوخة‪.‬‬

‫كذلا نقل اإلمام البغوي ‪ -¬-‬عن ُمقاتِل‪ :‬أن هذه اآلية منسوخة بآيات‬
‫اجلهاد‪.‬‬

‫إذا هذا القول األول بالنسبة لعلماء أهل السنة واجلماعة الذين قالوا أن هذه‬
‫اآلية منسوخة؛ هذا يعين بأن اللفظ ٍ‬
‫باق لكن احلُكم ال يُعمل به؛ فبناء على قول من‬
‫قال أن اآلية منسوخة‪ :‬هذا يعين أنه ال يوجد شيء امسه ُحّرية العقيدة يف الدين‪ ،‬ال‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪254‬‬

‫ُحّرية عقيدة وال ُحّرية أديان‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن الذين يست ّدلون هبذه اآلية على ُحّرية‬
‫وحّرية الدين‪ ..‬العلماء قالوا‪ :‬هذه اآلية منسوخة‪ ،‬فبناء على هذا القول‪ :‬ال‬
‫العقيدة ُ‬
‫وحّرية الدين اليت هي ركن من‬ ‫يُستشهد وال يُستدل هبذه اآلية على ُحّرية العقيدة ُ‬
‫أركان ال ّدميُقراطيّة‪َ ،‬ه َذا ال َق ْو ُل األَ َّو ُل‪.‬‬

‫أَ َّما ال َق ْو ُل َ‬
‫اآلخ ُر من قو علماء أهل السنة واجلماعة‪ :‬فقد قالوا إن اآلية‬
‫ُحم َك َمة‪ ،‬ال نسخ يف اآلية‪ .‬وبسبب طول عبارات العلماء‪ ،‬أقرؤها من الورقة إن شاء‬
‫هللا‪.‬‬

‫ال َق ْو ُل األَ َّو ُل الب ِن ال َقيّ ِم ‪ -¬-‬يف تفسريه ‪-‬هل اآلية منسوخة أم ال‪..-‬‬
‫السور اليت يستحيل دخول النسخ يف مضموهنا؛ فإ ّن‬‫يقول ‪" :-¬-‬وهي من ّ‬
‫الر ُسل يستحيل دخول النسخ فيه‪ ،‬وهذه‬ ‫أحكام التوحيد اليت اتفقت عليه دعوة ُّ‬
‫سمى سورة اإلخالص كما‬ ‫السورة [يقصد سورة الكافرون] أخلصت التوحيد‪ ،‬وهلذا تُ ّ‬
‫تق ّدم"‪.‬‬

‫كمة‪ ،‬اذا يستدل على أن هذه‬ ‫إذا يقول ابن القيّم ‪ -¬-‬أن هذه اآلية ُحم َ‬
‫اآلية ال يدخلها النسخ؟‪ ،‬قال‪ :‬ألن هذه من آيات األحكام اليت اتّفقت عليه دعوة‬
‫﴿ولََقد بَـ َعثـنَا ِيف ُك ِّل أُم ٍة ر ُسوال أ َِن اعبُ ُدوا‬
‫مجيع األنبياء والرسل‪ ،‬األنبياء كلهم يدعون َ‬
‫وت﴾ [النحل‪ ]36:‬مسألة الرباءة من الكفار ومن املشركني هذه من‬ ‫ِ‬
‫اَللَ َواجتَنبُوا الطاغُ َ‬
‫أصول دعوة األنبياء والرسل‪ ،‬قال فطاملا هي من أصول دعوة األنبياء والرسل؛ إذا ال‬
‫ُميكن أن تُنسخ هذه اآلية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪255‬‬

‫بعد ذلا ذكر ابن القيّم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬ملاذا بعض العلماء قالوا بالنسخ‪،‬‬
‫فقال‪" :‬ومنشأ الغلط‪ :‬ظنّهم أن اآلية اقتضت إقرارهم على دينهم‪ ،‬مث رأوا أن هذا‬
‫اإلقرار ز َال بالس ِ‬
‫يف‪ ،‬فقالوا‪ :‬منسوخة"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إذا ابن القيّم ‪ -¬-‬يُعلِّل ملاذا العلماء قالوا اآلية منسوخة‪ ،‬قال‪ :‬ألهنم كانوا‬
‫أقرت للكفار واملشركني دينهم ﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪ ،‬كأهنم‬
‫يظنون أن هذه اآلية ّ‬
‫السيف اآلن‬ ‫فهموا من اآلية اإلقرار‪ ،‬مث عندما جاءت آية السيّف‪ ،‬قالوا إذا آية ّ‬
‫نسخت ذلا اإلقرار الذي جاء يف قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬

‫بالنسخ منشأ اخلطأ‪ ..‬من أين نشأ هذا اخلطأ؟‪ ،‬قال ألهنم‬ ‫قال‪ :‬ألن من قال ّ‬
‫كانوا يرون أو يظنون أن قول هللا ¸ للمشركني‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ كأنه إقرار‬
‫هلم على ما هم عليه من دين‪ ،‬فعندما جاءت آيات القتال وآيات السيف‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا‬
‫هذه اآليات نسخت تلا اآلية‪ ،‬هذا قول ابن القيّم وتعليله ملن قال أن اآلية كانت‬
‫ُحم َك َمة مث نُ ِس َخت‪.‬‬

‫مث يقول ابن القيم يف نفس الكتاب ‪" :-¬-‬بل هذه آية قائمة ُحم َك َمة ثابتة‬
‫طهر هللا منهم عباده وبالده"‪.‬‬
‫بني املؤمنني والكافرين‪ ،‬إىل أن يُ ّ‬
‫إذا هذه اآلية يف قول ابن القيّم ليست منسوخة‪ ،‬وتبقى إىل قيام الساعة‪ ،‬وأهنا‬
‫الفيصل بني أهل اإلميان وبني أهل الكفر‪.‬‬

‫أما قول اإلمام الزركشي يف كتابه‪[ :‬الربهان يف علوم القرآن] فيقول ‪" :-¬-‬ما‬
‫فسرين يف اآليات اآلمرة بالتخفيف‪ :‬أهنا منسوخة بآية السيف‬
‫هلج به كثري من الـ ُم ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪256‬‬

‫قول ضعيف(‪ )41‬فهو من املنسأ عىن‪ :‬أن كل أمر ورد ُيب امتثاله يف ٍ‬
‫وقت ما‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫توجب ذلا احلُكم‪ ،‬مث ينتقل بانتقال تلا العلّة إىل ُحك ٍم آخر ليس بنسخ"‪.‬‬

‫ما معىن كالم اإلمام الزركشي ‪-¬-‬؟‬


‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫قال بعض العلماء عندما قرؤوا‪﴿ :‬قُل يَا أَيـُّ َها ال َكاف ُرو َن﴾ مث قرؤوا‪﴿ :‬إذا للذ َ‬
‫ين‬
‫يـُ َقاتَـلُو َن بِأَنـ ُهم ظُلِ ُموا﴾ [احلج‪ ،]39:‬قالوا هذه اآلية نسخت هذه اآلية‪ .‬هو يقول‪:‬‬
‫كمة تبقى‪ ،‬وهذه اآلية ُحم َك َمة تبقى‪ ،‬ولكن لكل آية وقت للعمل‪،‬‬ ‫ال‪ ..‬هذه اآلية ُحم َ‬
‫فإذا حت ّققت العلّة اآلن‪ ،‬نعمل بآية‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪ ،‬وإذا حت ّققت العلّة‬
‫ين يـُ َقاتَـلُو َن بِأَنـ ُهم ظُلِ ُموا َوإِن اَللَ َعلَ ٰى نَص ِرِهم لََق ِد ٌير﴾‪،‬‬ ‫ِِ‬
‫بالقتال‪ :‬نعمل ب ــ﴿إذا للذ َ‬
‫قال إذا هذه اآلية ُحم َك َمة‪ ،‬هلا وقت نعمل هبا‪ ،‬وهذه اآلية ُحم َك َمة وهلا وقت نعمل‬
‫هبا‪.‬‬

‫صيب فيما ذهب إليه؛ بدليل‪ :‬أن املسلمني أش ّد ما يكونون حاجة إىل‬ ‫وهو ُم ٌ‬
‫التعامل مع قول هللا ¸‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ بسبب ظهور هذه األديان‬
‫التحزبات‪ ،‬وهذه االنتماءات إىل اإلسالم‪ ،‬وهذه‬ ‫الباطلة ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬وهذه ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفَرق‪ ،‬فمن كان على منهاج أهل السنة واجلماعة اآلن يقولوا‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ِدي ِن﴾ إذا يف بالد املسلمني ‪-‬اآلن حنن يف دار اإلسالم ما حنتاج واحلمد هلل‪ ،-‬لكن‬
‫للمرجئة‪ ،‬يقولوا‬
‫املسلمون يف بالد املسلمني حيتاجون أن يقولوا لإلخوان‪ ،‬يقولوا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تصوفة‪ ،‬يقولوا للرافضة‪ ،‬أن يعملوا هبذه اآلية‪ ،‬ويقولوا هلم‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫للم ّ‬
‫ُ‬
‫ِدي ِن﴾‪.‬‬

‫(‪ )41‬اآليات اآلمرة‪ ..‬بعض اآليات اليت أمرت ببعض املسائل‪ ،‬مث جاءت آيات السيف‪،‬‬
‫فجعلوا كل آية سيف ناسخة لتلا اآليات‪ ،‬قال هذا قول ضعيف‪..‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪257‬‬

‫إذا اآلية ليست منسوخة‪ ،‬وإمنا نعمل هبا عندما تتح ّقق العلّة يف العمل هبذه‬
‫اآلية‪ .‬إذا هذا قول اإلمام الزركشي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫مث قال بعد ذلا‪" :‬فليس ُحك ُم املـُسايفة ناسخا ِحلُك ِم الـ ُمساملة‪ ،‬بل كلٌّ منهما‬
‫ُيب امتثاله يف وقته"‪.‬‬

‫آية املـُسايفة‪ :‬أي اآليات اليت فيها أمر بالقتال‪ .‬آية الـ ُمساملة‪ :‬هذه اآليات اليت‬
‫قرأناها ﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬

‫قال‪ :‬كل آية منتثل حلكمها عندما نعيش يف أجوائها‪ ،‬فالرسول ‘ عندما كان‬
‫كف اليد ﴿أَ َمل تَـَر إِ َىل‬
‫يف مكة‪ ،‬وكان ُمستضعفا ومل يُؤمر بالقتال بعد‪ ،‬وكانت مرحلة ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِذ ِ‬
‫يل َهلُم ُك ُّفوا أَيديَ ُكم َوأَق ُ‬
‫يموا الص َال َة َوآتُوا الزَكا َة﴾ [النساء‪ .]77:‬وأحد‬ ‫ين ق َ‬
‫َ‬
‫الصحابة عندما كان يطلب من الرسول اإلذن بالقتال‪ ،‬كان يقول‪ :‬مل أُؤمر بذلا‪،‬‬
‫إذا يف تلا الفرتة كانت ﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪ ..‬فاملسلمون إذا عاشوا يف موط ٍن‬
‫فيه أديان ويف هذا املوطن فرق ضالّة ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬وهم على هنج أهل السنة‬
‫واجلماعة يعملون هبذه اآلية ويقولون هلؤالء‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪ ،‬هذا قول‬
‫اإلمام الزركشي ‪.-¬-‬‬

‫أمر ُحم َك ٌم ال يقبل النسخ"‪.‬‬


‫هنا قول آخر البن تيمية ‪ -¬-‬يقول‪" :‬وهذا ٌ‬
‫إذا اآلن أصبح عندي قولني يف اآلية‪ :‬علماء قالوا‪ :‬منسوخة‪ .‬وعلماء قالوا‪ :‬اآلية‬
‫غري منسوخة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪258‬‬

‫هؤالء الذين قالوا‪ :‬اآلية غري منسوخة‪ ..‬كيف فهموها؟‪ ،‬يعين ما معىن قول هللا‬
‫¸‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ عند هؤالء العلماء؟‪ ،‬طاملا هي ُحم َك َمة إذا ما معىن‬
‫هذه اآلية؟‪ ،‬أنقل لا أقوال بعض العلماء يف فهم هذه اآلية‪:‬‬

‫اس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ -‬نقل عنه قوال‪،‬‬‫اإلمام النيسابوري ‪ -¬-‬نقل عن ابن عبّ ٍ‬
‫قال‪" :‬ما يف القرآن من سورةٍ أش ّد غيظا إلبليس من هذه السورة؛ فإهنا التوحيد‬
‫والرباءة من الشر "‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إذا ماذا أفهم من ﴿قُل يَا أَيـُّ َها ال َكاف ُرو َن﴾ هناية السورة‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ِ‬
‫وتتربأ من الشر ومن أهل الشر ‪ ،‬وهذا األمر الذي أشرنا‬ ‫وحد هللا ¸‪ّ ،‬‬ ‫دي ِن﴾؟‪ ،‬تُ ّ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم َوالذ َ‬
‫إليه عندما تكلمنا عن قول هللا ¸‪﴿ :‬قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ َح َسنَةٌ يف إبـَراه َ‬
‫َم َعهُ إِذ قَالُوا لَِقوِم ِهم إِنا بـَُرآءُ ِمن ُكم﴾ [املمتحنة‪.]4:‬‬

‫القول اآلخر البن تيمية ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [اجلواب الصحيح ملن ب ّدل دين‬
‫املسيح] قال يف تفسري ﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪﴿" :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ ّ‬
‫يدل‬
‫تص بديين ال تُشركونين‬
‫تصون بدينكم‪ ،‬ال أُشرككم فيه [براءة] وأنا ُُم ٌ‬
‫على أنكم ُُم ّ‬
‫فيه"‪.‬‬

‫إذا كيف فُ ِه َم على أن هذه اآلية آية براءة وآية ُمفاصلة‪ ،‬يقول‪ّ :‬‬
‫"يدل على أنكم‬
‫تص بديين ال تُشركونين فيه"‪ ،‬مث استدل ٍ‬
‫بآية‬ ‫تصون بدينكم‪ ،‬ال أُشرككم فيه‪ ،‬وأنا ُُم ٌّ‬
‫ُُم ّ‬
‫كرمية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪259‬‬

‫هنا قول آخر البن تيمية يف [الفتاوى] يقول عن قول هللا ¸ ﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم‬
‫َوِ َ ِدي ِن﴾‪ّ :‬‬
‫"يدل على ترب ٍئة من دينهم‪ ،‬وهلذا قال ‘ يف هذه السورة‪ :‬إهنا براءة من‬
‫الشر "‪.‬‬

‫أما قول ابن القيّم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه أيضا يقول معىن اآلية‪ :‬أن‬
‫ُحت ّقق التوحيد‪ ،‬وأن ُحت ّقق الرباءة من الشر واملشركني‪ ،‬الحظ ماذا يقول‪" :‬اآلية‬
‫اقتضت الرباءة احملضة كما تق ّدم [كأنه أشار إىل هذا األمر سابقا] وأن ما هم عليه من‬
‫تص بكم‪ ،‬وال نُشرككم فيه‪ ،‬وال‬
‫الدين ال نُوافقكم عليه أبدا؛ فإنه دين باطل‪ ،‬فهو ُُم ٌ‬
‫التنصل من موافقتهم يف دينهم"‪.‬‬
‫أنتم تُشركوننا يف ديننا احلق‪ ،‬فهذا غاية الرباءة و ُّ‬
‫إذا معىن ﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪ :‬أن تت ّربأ من هؤالء وأن تنفصل عنهم‪.‬‬

‫كذلا هنا كالم أليب حيّان يف تفسريه [البحر املحيط]‪ ،‬يقول ‪﴿" :-¬-‬لَ ُكم‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دينُ ُكم َوِ َ دي ِن﴾ أي‪ :‬لكم شرُككم و توحيدي‪ ،‬وهذا غايةٌ يف ّ‬
‫التربؤ"‪.‬‬

‫إذًا علماء أهل السنة فهموا من قول هللا ¸ املح َكم الثابت غري املنسوخ‪ :‬أننا‬
‫ُ‬
‫ونتربأ من املشركني ومن دينهم‪ ،‬ونعمل هبذه اآلية‬
‫نتربأ من الكفار‪ّ ،‬‬
‫وجب هذه اآلية ّ‬
‫ُ‬
‫منر باألجواء اليت كان هبا رسول هللا ‘ يف مكة‪.‬‬
‫عندما ُّ‬
‫الرافضة عندما كانوا حيكمون هذه البالد‪ ،‬كان على أهل السنة أن‬ ‫يعين يف زمن ّ‬
‫الفَرق اليت كانت ظاهرة على السطح‪ ،‬كاألحزاب املوجودة‪ ،‬والرافضة وما‬ ‫يقولوا لكل ِ‬
‫إىل ذلا‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪260‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قسم من العلماء‪ :‬حلوا هذه اآلية على التهديد‪ ،‬فقالوا معىن ﴿لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫الفَرق‪ ،‬من الذين قالوا‬‫ِدي ِن﴾‪ :‬هذا هتديد من هللا ¸ ألهل هذه األديان وألهل هذه ِ‬
‫هبذا القول‪:‬‬

‫اإلمام املاوردي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه [النكت والعيون]‪ ،‬قال‪" :‬وهذا‬
‫هتديد منه هلم‪ ،‬ومعناه‪ :‬وكفى جبزاء عملي ثوابا"‪ .‬أي‪ :‬أنين سأقول لكم‪ :‬إو بريء‬
‫منكم‪ ،‬وأنا أُعاديكم‪ ،‬وأتربّأ من دينكم‪ ،‬وسيجزيين هللا ¸ على هذا القول الذي‬
‫قلته فيكم‪ ،‬إذا هذا من باب التهديد هلؤالء‪.‬‬

‫طبعا ليس هذا قول اإلمام املاوردي‪ ،‬وإمنا قال‪" :‬قاله ابن عيسى"‪ ..‬أنا ال أعلم‬
‫من ابن عيسى‪ ،‬لكن اإلمام املاوردي ‪ -¬-‬نسب إليه هذا القول‪.‬‬

‫وأنت تعلم أن العلماء ال ينسبون إىل أنفسهم قوال لغريهم؛ ألن القاعدة لديهم‪:‬‬
‫من بركة العلم نسبته إىل صاحبه‪.‬‬

‫الرزاي كان ُمعتزليًّا مث تاب‬


‫الرازي ذكر يف تفسريه ‪-‬وأنت تعلم أن ّ‬‫وكذلا اإلمام ّ‬
‫إىل هللا ¸‪ -‬قال يف هذه اآلية‪" :‬املقصود منه‪ :‬التهديد‪ ،‬كقوله تعاىل‪﴿ :‬اع َملُوا َما‬
‫ِشئتُم﴾ [فصلت‪."]40:‬‬

‫إذا أصبح عندي آية ُحم َك َمة‪ ..‬كيف أفهم طاملا هي ُحم َك َمة ليست منسوخة؟‪،‬‬
‫تتربأ من املشركني‪ ،‬ويف نفس الوقت‬
‫أن ُحت ّقق التوحيد من خالل هذه السورة‪ ،‬وأن ّ‬
‫عملا يُعترب هتديد هلم بأن هللا ¸ سيجزيا على عملا عندما قلت هلم‪﴿ :‬لَ ُكم‬
‫ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪261‬‬

‫طاملا هذه اآلية ُحم َك َمة‪ ،‬فهي باقية إىل قيام الساعة‪ ،‬يقول ابن تيمية ‪ -¬-‬يف‬
‫تفسريه بعد أن ذكر سبب نزول اآلية قال‪" :‬فاخلطاب للمشركني كلهم من مضى‪،‬‬
‫ومن يأيت إىل يوم القيامة"‪.‬‬

‫هذا فهم علماء أهل السنة واجلماعة لآلية‪.‬‬

‫الت ْه ِد ِيد‪َ ،‬ه ْل‬


‫الب َر َاءة َو َ‬
‫الت ْوح َ َ‬ ‫َ ْ َ ً َ َ ُ َ َ َّ‬ ‫َ ُ َ‬
‫يد و ِ‬ ‫ك ْون ه ِذ ِه اآلي ِة ُمحك َمة‪ ،‬وتد ُل على ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اآلي ِة أ َّن ِم ْن َم َعا ِنيها ِإق َر َار الك َّف ِار َعلى َما ُه ْم‬ ‫ُي ْم ِك ُن أ ْن ُي ْف َه َم ِم ْن َه ِذ ِه‬
‫َ‬
‫َعل ِيه ِم ْن ِد ْين؟‬
‫يف هذا الذي قلته قوالن‪ :‬قول لعلماء أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وقول لوزي ٍر ترتي‪،‬‬
‫ودعاة أفالطون والقائلني‬
‫فما قول علماء أهل السنة واجلماعة؟‪ ،‬وما قول الترتي ُ‬
‫وحّرية العقيدة؟‪ ،‬هل وافقوا الوزير التّرتي؟‪ ،‬أم وافقوا علماء أهل السنة‬
‫بال ّدميُقراطيّة ُ‬
‫ومجاعة؟‪ ،‬الحظ أقوال العلماء‪:‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ -¬-‬يف [الفرقان بني أولياء الرحن وأولياء الشيطان]‪" :‬وهذه‬
‫كلمة(‪ )42‬تقتضي براءته من دينهم‪ ،‬وال تقتضي رضاه بذلا"‪ .‬هذا قول‪.‬‬

‫ظن من املالحدة أن هذا رضا‬


‫له قول آخر ‪-‬يف نفس الكتاب‪ ،-‬قال‪" :‬ومن ّ‬
‫منه بدين الكفار(‪ )43‬فهو من أكذب الناس وأكفرهم"‪.‬‬

‫(‪ )42‬أي قول هللا ¸‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬
‫(‪ )43‬أي بقول هللا ¸‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪262‬‬

‫له قول آخر‪ :‬قال‪" :‬هي براءةٌ من الشر ‪ ،‬وليس يف هذه اآلية أنه رضي بدين‬
‫املشركني وال أهل الكتاب كما يظنّهُ بعض الـ ُملحدين‪ ".‬هذا الكالم يف [الصفدية]‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما قول ابن القيّم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه قال‪" :‬ومعاذ هللا أن تكون‬
‫اآلية اقتضت تقريرا هلم أو إقرارا على دينهم أبدا‪ ،‬بل مل يَـَزل الرسول ‘ يف أول‬
‫أشد على اإلنكار عليهم‪ ،‬وعيب دينهم‪،‬‬ ‫األمر وأش ِّده عليه وعلى أصحابه‪ُّ ،‬‬
‫ناد‪ ،‬وقد سألوه أن‬‫وتقبيحه‪ ،‬والنهي عنه‪ ،‬والتهديد‪ ،‬والوعيد‪ ،‬كل وقت ويف كل ٍ‬
‫ي ُكف عن ذكر آهلتهم وعيب دينهم‪ ،‬ويرتكوه وشأنه؛ فأىب إال ُمضيًّا على اإلنكار‬
‫عليهم وعيب دينهم‪ ،‬فكيف يُقال‪ :‬إن اآلية اقتضت تقريره هلم؟!‪ ،‬معاذ هللا من هذا‬
‫الزعم الباطل‪ ،‬وإمنا اآلية اقتضت الرباءة احملضة كما تق ّدم‪ ،‬وأن ما هم عليه من الدين‬ ‫ّ‬
‫تص بكم ال نُشرُككم فيه‪ ،‬وال أنتم‬ ‫دين باطل‪ ،‬فهو ُُم ٌ‬ ‫ال نُوافقكم عليه أبدا؛ فإنه ٌ‬
‫التنصل من موافقتهم يف دينهم‪ ،‬فأين‬ ‫تشاركوننا يف ديننا احلق‪ .‬وهذا غاية الرباءة و ُّ‬
‫وهدوا بالسيف [أي الكفار]‬ ‫اإلقرار حىت يدعو النسخ أو التخصيص؟!‪ ،‬أفرتى إذا ج ِ‬
‫ُ‬
‫كما ج ِ‬
‫وهدوا باحلُ ّجة‪ ،‬ال يصح أن يُقال‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾؟!"‬ ‫ُ‬
‫أي‪ :‬أثناء قتالنا هلم‪ ،‬أال ُميكن أن نقول هلم أيضا‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾؟؛‬
‫إذا اآلية ُحم َكمة‪ ،‬والقتال أيضا ُحم َكم‪.‬‬

‫الرازي أيضا‪ٌ ..‬‬


‫كالم قيّم ذكره يف تفسريه‪ ،‬قال‪" :‬فإن قيل‪:‬‬ ‫هنا كالم لإلمام ّ‬
‫كال‪ ،‬فإنه ‪ -’-‬ما بُعِ َ‬
‫(‪)44‬‬
‫ث إال للمنع من‬ ‫فهل يُقال إنه إذا هلم يف الكفر؟ قُلنا‪ّ :‬‬
‫الكفر‪ ،‬فكيف يأذن بالكفر؟!!"‬

‫(‪ )44‬بناء على هذه اآلية‪ ،‬هل يُقال إنه إذا هلم يف الكفر!؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪263‬‬

‫هللا ¸ بعثه حىت ال يكون كفر‪ ،‬كيف يإذا أن يكون كفر؟!! إذا اآلية ال داللة‬
‫فيها على ُحّرية العقيدة وال ُحّرية األديان كما يزعم ُدعاة أفالطون‪.‬‬

‫العق َ‬
‫يدة َو ُحريةَ‬ ‫ال َأ َّن َهذه َ‬
‫اآلي َة َت ُدل َع َلى ُحرَية َ‬ ‫ًإذا َم ْن َّال ِذي َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫الد ِين؟‬ ‫ِ‬
‫السفيه‬
‫الحظ‪ :‬يقول ابن تيمية ‪ -¬-‬يف [الفتاوى الكربى]‪" :‬وكذلا وزيرهم ّ‬
‫بالرشيد(‪ ...)45‬حىت أن وزيرهم هذا اخلبيث الـ ُملحد الـ ُمنافق صنّف ُمصنّـفا‬ ‫الـ ُمل ّقب ّ‬
‫مضمونه‪ :‬أن النيب ‘ رضي بدي ِن اليهود والنصارى‪ ،‬وأنه ال يُن َكر عليهم‪ ،‬وال‬
‫استدل اخلبيث‬ ‫ؤمرون باالنتقال إىل اإلسالم‪ .‬و ّ‬ ‫ذمون‪ ،‬وال يُ َنهون على دينهم‪ ،‬وال يُ َ‬ ‫يُ ُّ‬
‫اجلاهل بقوله‪﴿ :‬قُل يَا أَيـُّ َها ال َكافُِرو َن ۝ َال أَعبُ ُد َما تَـعبُ ُدو َن ۝ َوَال أَنـتُم َعابِ ُدو َن‬
‫َما أَعبُ ُد ۝ َوَال أَنَا َعابِ ٌد َما َعبَد ُمت ۝ َوَال أَنـتُم َعابِ ُدو َن َما أَعبُ ُد ۝ لَ ُكم ِدينُ ُكم‬
‫َوِ َ ِدي ِن﴾‪ ،‬وزعم أن هذه اآلية تقتضي أنه يرضى دينهم وهذه اآلية ُحم َك َمة ليست‬
‫منسوخة‪ ،‬وجرت بسبب ذلا أمور"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يستدل بقول هللا ¸‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ّ‬ ‫ما قول ابن تيمية ‪ -¬-‬فيمن‬
‫ِ‬
‫دي ِن﴾ على أن نرت الكفار على ما هم عليه ُحّرية عقيدة ُ‬
‫وحريّة دين؟‬

‫(‪ )45‬يتكلم عن التتار‪ ،‬كان هلم وزير يُل ّقب ّ‬


‫الربشيد‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪264‬‬

‫قال‪ :‬كان هلم وزير ملحد منافق‪ ..‬ووصفه بالوصوفات اليت مسعتها‪ ...‬هذا الرجل‬
‫ألّف كتابا مضمونه‪ :‬أن الرسول ‘ تر اليهود على ما هم عليه‪ ،‬والنصارى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يستدل بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ّ‬ ‫واملشركني على ما هم عليه‪ ،‬وكان‬
‫ِدي ِن﴾‪ ،‬وقال‪ :‬بسبب هذا الزعم حدثت أمور‪ ..‬أي يف املناطق اليت كان يتواجد فيها‬
‫هذا امللحد الضال‪.‬‬

‫جهل منه‪،‬‬ ‫ِ‬


‫حبق هذا الوزير‪ ..‬قال‪" :‬ومن املعلوم أن هذا ٌ‬
‫مث أُكمل كالم ابن تيمية ّ‬
‫فإن قوله‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ ليس فيه ما يقتضي أن يكون دين املشركني‬
‫ترب ِئه من دينهم‪ ،‬وهلذا قال الرسول ‘ يف هذه‬
‫يدل على ّ‬‫حقًّا‪ ،‬وال مرضيًّا له‪ ،‬وإمنا ّ‬
‫السورة‪ :‬إهنا براءةٌ من الشر "‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إذا الذي وضع ُحّرية العقيدة واألديان بناء على قول هللا ¸‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ِ‬
‫فدعاة أفالطون اآلن من أدعياء‬ ‫دي ِن﴾ إمنا هو ذلا التّرتي الـ ُمل ّقب ّ‬
‫بالرشيد؛ ُ‬
‫االنتساب إىل اإلسالم من سلفهم؟‪ ،‬يقينا ليسوا علماء أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وإمنا‬
‫بالرشيد‪.‬‬
‫سلفهم ذلا الـ ُملحد الضال الذي ذكره ابن تيمية وقال كان يُل ّقب ّ‬
‫هذا قال ِحبُّرية العقيدة واألديان‪ ،‬املنتسبون إىل اإلسالم من ُدعاة أفالطون أيضا‬
‫يقولون ِحبُّرية العقيدة‪ ،‬وأنت تعلم أن هذه اآلية هي غايةٌ يف الرباءة من الكفر ومن‬
‫الكفار‪.‬‬

‫كالم آخر البن تيمية ‪ -¬-‬هبذا اخلصوص‪ ،‬قال يف [اجلواب الصحيح‬ ‫ٌ‬ ‫هنا‬
‫"فظن هذا امللحد أن قوله‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ معناه‪ :‬أنه‬
‫ملن ب ّدل دين املسيح]‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫رضي بدين الكفار‪ ...‬هذه اآلية [هنا مكتوب غري منسوخة‪ ،‬لكن الصواب أن تكون غري‬
‫منسوخة] غري منسوخة‪ ،‬فيكون قد رضي بدين الكفار‪ ،‬وهذا من أبني الكذب‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪265‬‬

‫يرض قط إال بدين هللا الذي أرسل به ُرسله‪ ،‬وأنزل‬


‫واالفرتاء على حممد ‘؛ فإنه مل َ‬
‫به كتبه‪ ،‬ما رضي قط بدين الكفار ال من املشركني وال من أهل الكتاب‪.‬‬

‫هنا قول ثالث البن تيمية يف [الفتاوى الكربى]‪ ،‬الحظ‪ ،‬جماراة هلؤالء الناس‬
‫على أن ﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ على أن أهل األديان يبقون على ما هم عليه‪..‬‬
‫الحظ ماذا يقول‪" :‬ولو قُ ّد َر أن يف هذه السورة ما يقتضي أهنم مل يُؤمروا برت‬
‫دينهم(‪ )46‬فقد ُعلِ َم باالضطرار من دين اإلسالم بالنصوص املتواترة وبإمجاع األمة‪ :‬أنه‬
‫أمر املشركني وأهل الكتاب باإلميان به‪ ،‬وأنه جاءهم على ذلا‪ ،‬وأخرب أهنم كافرون‬
‫ُُملّدون يف النار"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فهذا من باب املُجاراة يقوله ابن تيمية‪ .‬قال‪ :‬لو ق ّدرنا أن ﴿لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ِدي ِن﴾ على أننا نرتككم على ما أنتم عليه بناء على هذه اآلية‪ ،‬قال هنا آيات‬
‫متواترة ونصوص متواترة تأمر بعدم تر هؤالء على دينهم‪ ،‬بل بقتاهلم وإخبارهم أهنم‬
‫كفار وأهنم سيُخلّدون يف نار جهنم‪.‬‬

‫وحّرية األديان‪ ،‬بل‬


‫إذا ال نقتصر على هذه اآلية فقط يف إنكار ُحّرية العقيدة ُ‬
‫كم هائل من اآليات اليت تأمر ِ ُقاتلة هؤالء‪ ،‬وبإخبارهم أهنم كفار‪ ،‬وأهنم إذا‬
‫هنا ٌّ‬
‫ماتوا على ما هم عليه سيُخلّدون يف نار جهنم‪.‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬شيخنا نستنتج من اآلية أهنا غري منسوخة‪ُ ..‬حم َك َمة‪ ،‬وآيات القتال‬
‫ُحم َك َمة؟‬

‫(‪ )46‬هذا على التقدير أن هذه اآلية‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ معناها تبقون على دينكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪266‬‬

‫تدل على إقرار دينهم‪،‬‬ ‫*الشيخ‪ُ :‬حم َك َمة‪ ،‬وآيات القتال ُحم َك َمة‪ ،‬وهذه اآلية ال ّ‬
‫وإمنا هبذه اآلية تعمل يف األجواء اليت تكون فيها ُمستضعفا‪ ،‬وفيها فرق باطلة وضالّة‬
‫وأديان ضالّة‪ ..‬يف ذلا الوقت على أهل السنة أن يقولوا هلؤالء الناس‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم‬
‫َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬

‫ويف زمن البعثيني‪ :‬من كان على منهاج أهل السنة واجلماعة‪ ،‬كانوا يقولون لكل‬
‫للصوفيّة‪ ،‬للبعثيني‪ ..‬كانوا يقولون‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للرافضة‪ّ ،‬‬
‫تلا الفَرق‪ّ :‬‬
‫وع‪:‬‬
‫ض ي‬‫نَأْيِت إل َم ْسأَلَة أُ ْخ َرى ُمتَ َعليَّقة بيال َم ْو ُ‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ..‬وقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬لَ ُكم‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪ ..‬يقينا هذه اآليات نزلت على رسول هللا ‘‪ ،‬فهل قال ألهل‬
‫دي ٍن من األديان أنكم تبقون على دينكم‪ ،‬على ما أنتم عليه دون أن ينضبطوا‬
‫بضوابط الشرع‪ ،‬كأهل الكتاب؟‪ ،‬أو هل قال لـ ُمشركي مكة‪ :‬تبقون على دينكم إىل‬
‫أن مات؟‬

‫يقينا‪ :‬ال‪ ..‬عندما هاجر إىل املدينة‪ ،‬وإذا هللا ¸ له بالقتال‪ ،‬كان الرسول ‘‬
‫يف داخل تلا املدينة ُحماطا بثالثة أديان‪ :‬دين املشركني يف اجلزيرة العربية‪ ،‬ودين‬
‫ُ‬
‫النصارى يف مشال اجلزيرة‪ ،‬ودين اجملوس يف شرق اجلزيرة‪ ،‬وهذه اآليات نزلت عليه‪،‬‬
‫فهل قال لِ ُمشركي اجلزيرة لكم دينكم و دين وتركهم على ما هم عليه؟‪ ،‬يقينا ال‪..‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪267‬‬

‫باشر بقتاهلم‪ ،‬ووصل إىل السنة الرابعة حيث‬


‫بدليل‪ :‬أنه بعد أن إذا له بالقتال‪َ ،‬‬
‫شر القتال‪ ،‬قال الرسول ‘‪( :‬اآلن نغزوهم وال‬‫غزوة األحزاب‪ ،‬وكفى هللا املؤمنني ّ‬
‫يغزونا)(‪.)47‬‬

‫وصل إىل السنة السادسة من اهلجرة‪ ،‬والكفار ُمستضعفون‪ ،‬وك ّفة اإلميان بدأت‬
‫لح ما يعين اإلقرار على ما هم‬ ‫الص َ‬
‫تقوى وتعلو‪ ،‬فكان صلح احلُديبية‪ ،‬وأنت تعلم أن ُّ‬
‫عليه من دين‪ ،‬وإمنا هي كانت فرتة ُمتاركة‪ ،‬فكانوا يقولون هلم‪ :‬أنكم مشركون‪ ،‬وأنكم‬
‫صلح‪ ،‬وعندما نقضت قريش‬ ‫ُختلّدون يف النار‪ ،‬لكن دخلوا يف فرتة ُهدنة ويف فرتة ُ‬
‫العهد بينها وبني رسول ‘‪ ،‬غزاهم‪ ،‬وفتح هللا ¸ له مكة‪ ،‬وكان بالعصا بيده‬
‫اطل إِن الب ِ‬
‫اط َل َكا َن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫﴿وقُل َجاءَ احلَ ُّق َوَزَه َق البَ ُ‬
‫الشريفة يكسر تلا األصنام ويقول‪َ :‬‬
‫َزُهوقا﴾ [اإلسراء‪.]81:‬‬

‫إذا كان هذا باطل وأزاله أيضا؛ إذا أين عمله من قول هللا ¸‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم‬
‫ِ‬
‫وجهة إىل ُمشركي‬ ‫َوِ َ دي ِن﴾؟‪ ،‬أما نزلت هذه اآلية عندما كان يف مكة‪ ،‬وكانت ُم ّ‬
‫ودعاة ُحّرية العقيدة وأتباع‬‫مكة؟‪ ،‬فلماذا مل يرتكهم كما يزعم ُدعاة ال ّدميُقراطيّة ُ‬
‫أفالطون؟!‪ ،‬إذا هذا كان دين املشركني‪..‬‬

‫كان إىل الشمال من املدينة‪ :‬دين النصارى‪ ،‬ابتداء أرسل إليهم جيشا بقيادة زيد‬
‫بن حارثة‪ ،‬فوصلوا إىل منطقة مؤتة‪ ،‬فكانت الغزوة هنا وقاتلوا الروم‪ ،‬وعدد‬
‫الصحابة يف تلا الغزوة‪ :‬ثالثة آالف صحايب‪ ،‬أما عدد جنود الروم مئيت ألف رومي‬

‫(‪)47‬احلديث رواه اإلمام أحد‪ .‬وقال شعيب أرناؤوط‪ :‬أن احلديث صحيح‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪268‬‬

‫يعين الصحايب كان يُقاتل من مخسني إىل ستني رجل منهم‪ ،‬وال تظُنّن أن املسألة‬
‫خنادق وإطالق وزناد من بعيد!! ال‪ُ ،‬مسايفة فعلى بعد مرت أحدهم يُقاتل اآلخر‪.‬‬

‫م ّكن هللا ¸ خالدا من أن ينسحب باملسلمني ورجعوا إىل املدينة‪ ،‬أتعلم أن‬
‫أهل املدينة تلّقوهم باحلجارة؟ قالوا‪ :‬فُـّرار‪ ..‬فررمت يف سبيل هللا!‪ ،‬وما مت ّكن أحدهم أن‬
‫يأوي إىل بيته إال بعد أن قال الرسول ‘‪( :‬ليسوا بال ُفرار‪ ،‬ولكنهم الكرار إن شاء‬
‫هللا)‪( ،‬أنا فئتكم)‪ ..‬عند ذلا أهل املدينة تركوهم‪.‬‬

‫بعد ذلا أرسل الرسول ‘ رسالة إىل قيصر ملا الروم‪ ،‬احلديث ذكره أهل‬
‫احلديث واحلديث صحيح‪ ،‬نص الرسالة‪:‬‬

‫الر ِوم َس َال ٌم‬


‫(بِس ِم اَللِ الرحَ ِن الرِحي ِم‪ِ .‬من ُحمَم ٍد َعب ِداَللِ َوَر ُسولِِه إِ َىل ِهَرق َل َع ِظي ِم ُّ‬
‫علَى من اتـبع اهل َدى أَما بـع ُد؛ فَِإِو أَدعو َ بِ ِدعاي ِة ا ِإلس ِ ِ‬
‫ا اَللُ‬ ‫الم‪ :‬أَسلم تَسلَم؛ يـُؤتِ َ‬ ‫ََ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ ُ‬
‫ِ‬
‫ني‪ )48()...‬إذا الدعوة وصلت إىل‬ ‫ا إِمثَ األَ ِريسيِّ َ‬‫ت فَِإن َعلَي َ‬‫ني‪ ،‬فَِإن تَـ َولي َ‬
‫أَجرَ َمرتَـ ِ‬
‫َ‬
‫الروم‪.‬‬

‫ومن باب اإلشارة أقول‪ :‬عليا أن تُقارن بني هذه الرسالة‪ ،‬ورسالة (إبراهيم‬
‫ُسامة ‪-‬نسأل‬
‫نعمة) إىل سيّده (جون) احملرتم لديه!!‪ ،‬ولا أن تتذكر رسالة الشيخ أ َ‬
‫ُسامة إىل أوباما‪ :‬السالم على من اتّبع‬
‫هللا تبار وتعاىل أن يتقبّله‪ -‬إىل أوباما‪" ..‬من أ َ‬
‫اهلُدى‪ ،‬لو أن رسائلنا كانت تصل إليكم بالكلمات ما أرسلناها بالطائرات‪."...‬‬

‫(‪[‹‹ )48‬صحيح األدب املفرد] للبخاري ¬››‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪269‬‬

‫قارن بني هذه الرسائل وبني رسائل هؤالء‪ ،‬وال ضري أن ترجع إىل رسالة عائض‬
‫القرو‪ ،‬وترجع إىل رسالة سفر احلوا ‪ ،‬وترجع إىل رسالة حسن البنّا‪ ،‬وترجع إىل رسالة‬
‫فالن‪ ،‬حىت تعلم أين هؤالء من اإلسالم عندما ُخياطبون الطواغيت‪.‬‬

‫إذا الدعوة وصلت إىل الروم‪ ..‬خرج الرسول ‘ يف السنة التاسعة‪ ،‬غزاهم‪،‬‬
‫توجه إىل قتاهلم علما أن هللا ¸ قد أنزل‬ ‫يلق كيدا‪ ،‬إذا ّ‬
‫وصل إىل تبو ‪ ،‬مث رجع ومل َ‬
‫عليه‪َ﴿ :‬ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬وأنزل عليه‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾؛ إذا هذه‬
‫الغزوات وهذا اخلروج وهذه الرسالة‪ ،‬كيف تُوفّق بينها وبني فهم هؤالء هلاتني اآليتني؟‬

‫بعد ذلا الصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم أمجعني‪ -‬كانوا على هنج رسول هللا ‘‪،‬‬
‫الصديق بعد أن أصبح خليفة للمسلمني جمموعة من اجليوش‪ ،‬من ضمن هذه‬ ‫فأخرج ّ‬
‫توجه إىل بالد الشام لِ ُمقاتلة الروم الذين هم نصارى‪ ،‬وهو كان يعلم‬ ‫اجليوش‪ :‬جيش ّ‬
‫بقول هللا تبار وتعاىل‪َ﴿ :‬ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾‪ ،‬وكان يعلم بقول هللا تبار وتعاىل‪:‬‬
‫﴿لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾‪.‬‬

‫إذا فهم رسول هللا‪ ،‬وفهم الصحابة‪ ،‬ال يتوافق مع فهم هؤالء‪ ،‬هؤالء يف و ٍاد‬
‫والدين يف و ٍاد آخر‪ ،‬فال الرسول ‘ تر النصارى‪ ،‬وال الصحابة تركوهم‪ ،‬وجالدوهم‬
‫الشامي يف ذلا الوقت بني‬
‫ّ‬ ‫وجاهدوهم إىل أن أزاحوا الروم من بالد الشام‪ ،‬فأصبح‬
‫ُم ٍ‬
‫عتنق لإلسالم‪ ،‬أو خاض ٍع للشروط العُمريّة بدفع اجلزية‪ ،‬إذا أين عمل الصحابة من‬
‫فهم هؤالء هلذه اآلية؟!‬

‫كذلا بالنسبة إىل اجملوس‪ :‬أرسل الرسول ‘ إىل كسرى عظيم ال ُفرس‪( ..‬بسم‬
‫الرحيم‪ .‬من حممد رسول هللا إىل كسرى عظيم فارس‪ )...‬أيضا دعاهُ فيها‬
‫هللا الرحن ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪270‬‬

‫إىل هللا ¸‪( ..‬فإو أنا رسول هللا إىل الناس كافة) مث بعد ذلا (فإن أبيت فإن إمث‬
‫(‪)49‬‬
‫اجملوس عليا)‪.‬‬

‫مزق رسالة رسول هللا‪ ،‬فدعا عليه‬


‫الرواية اليت جاءت عن البخاري ‪ :-¬-‬أنه ّ‬
‫أن ُميّزق هللا ُمل َكه‪.‬‬

‫مل يتّسع عمر الرسول ‘ لِ ُمقاتلة هؤالء‪ ،‬شاء هللا تبار وتعاىل ذلا‪ ،‬لكن‬
‫الصحابة كانوا امتدادا لنهج رسول هللا ‘‪ ،‬فأخرجوا اجليوش‪ ،‬ويف مقدمة من‬
‫أخرج‪ :‬الصديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما أرسل سعدا ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬لِ ُمقاتلة ال ُفرس‪،‬‬
‫وما تركوهم حىت أتوا على دينهم‪ ،‬وحىت أتوا على نارهم‪ ،‬ودخل أولئا يف اإلسالم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصحابة ما كانوا يعلمون أن يف كتاب هللا ¸ آية تقول‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َو َ‬
‫ِدي ِن﴾؟‪ ،‬أما كانوا يعلمون‪َ﴿ :‬ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾؟‪ ،‬فكيف فهموا هذه اآليات‬
‫وكيف تعاملوا مع هذه اآليات؟!‬

‫إذا ال تركوا املشركني على دينهم‪ ،‬وال تركوا النصارى على دينهم‪ ،‬وال تركوا اجملوس‬
‫على دينهم‪.‬‬

‫الرحيم‪ .‬من حممد رسول هللا إىل كسرى عظيم فارس‪،‬‬ ‫(‪« )49‬نص الرسالة‪( :‬بسم هللا الرحن ّ‬
‫سالم على من اتبع اهلدى‪ ،‬وآمن باهلل ورسوله‪ ،‬وشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريا له‪ ،‬وأن‬
‫حممدا عبده ورسوله‪ ،‬وأدعو بدعاية هللا‪ ،‬فإو أنا رسول هللا إىل الناس كافة‪ ،‬لينذر من كان حيًّا‬
‫وحيق القول على الكافرين‪ ،‬فأسلم تسلم‪ ،‬فإن أبيت فإن إمث اجملوس عليا‪»).‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪271‬‬

‫ودليل آخر‪ :‬أن امتداد اإلسالم من غانا إىل فرغانة‪ ،‬ما كان إال بإزاحة الكفار‪،‬‬
‫مر التاريخ‪ ،‬علما أهنم كانوا‬
‫وإزاحة ّقوهتم‪ ،‬وحلوهم على اعتناق اإلسالم على ّ‬
‫يعلمون أن يف كتاب هللا هاتني اآليتني‪.‬‬

‫سقيم‪ ،‬سلفهم ذلا الوزير التّرتي الذي قال عنه ابن تيمية ما قال‪،‬‬
‫فهم ٌ‬ ‫إذا هذا ٌ‬
‫صلة‪ ،‬بل ال عالقة هلم بفهم‬‫أما سلفهم ال ميّتون إىل أي عا ٍمل من علماء أهل السنة بِ ِ‬
‫علماء أهل السنة واجلماعة لآلية‪ ،‬وال بعمل رسول هللا ‘‪ ،‬وال بعمل الصحابة‪.‬‬

‫ناسخ لألديان السابقة‪ ،‬فإذا قُلنا‪﴿ :‬لَ ُكم‬ ‫دين ٌ‬ ‫تنس أن اإلسالم ٌ‬ ‫َوأَقُ ْو ُل‪ :‬ال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معلوم من‬
‫الف ملا هو ٌ‬ ‫دينُ ُكم َوِ َ دي ِن﴾ هذا يعين بأن الديان كلها تبقى‪ ..‬وهذا ُُم ٌ‬
‫﴿وَمن‬
‫ناسخ لألديان السابقة‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬ ‫ديننا بالضرورة أن اإلسالم ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫يـبت ِغ َغيـر ِ ِ ِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪.]85:‬‬ ‫اإلس َالم دينا فَـلَن يـُقبَ َل منهُ َوُه َو يف اآلخَرة م َن اخلَاس ِر َ‬ ‫ََ َ‬
‫أما اليهود‪ :‬فما أبقاهم الرسول ‘ على دينهم‪ ،‬بل أجالهم من املدينة‪ ،‬وعند‬
‫موته قال‪( :‬أخرجوا اليهود من جزيرة العرب) وقال أيضا‪( :‬أخرجوا اليهود والنصارى‬
‫من جزيرة العرب)‪ ،‬هذا قول نبيّنا‪ ،‬وهذا فعله‪ ،‬أما من جاء من بعده‪ ،‬كأمثال (عبد‬
‫الضاللة أفتوا‬
‫األمريكان) هؤالء‪ ،‬فإهنم أدخلوا األمريكان إىل جزيرة العرب‪ ،‬وعلماء ّ‬
‫هلم باجلواز على أنه و ّ أم ٍر أدخل هؤالء‪ ،‬بل مسعت منهم من قال‪ :‬أهنم أهل ّ‬
‫ذمة‬
‫ذمة طائرات تقصف باملسلمني؟‪ ،‬أين اجلزية إذا؟‪،‬‬
‫بذمة األمري!‪ ،‬يَا َول أهل ّ‬
‫دخلوا ّ‬
‫ذمة يدفعون جزية!‬
‫إذا كانوا أهل ّ‬
‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪272‬‬
‫َّ ْ ُ َ ُ َ‬
‫س َعشر‬ ‫الدرس الخ ِام‬
‫ْ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ‬
‫اط ِي ِة‪ ،‬الركن الثا ِني‪:‬‬ ‫الديمقر ِ‬
‫أرك ِان ِ‬
‫َّ ْ‬
‫ُحرية الرأي‬
‫بسم هللا‪ ،‬احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا ّ‬
‫احلق حقًّا وأعنّا‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫على اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫رب اشر‬
‫لوجها خالصا‪،‬‬ ‫احلا و‬‫واحلُل عقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صيبا ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬ ‫وال جتعل فيه نَ ِ‬

‫لقاء سابق عن ال ِّدميُقراطيّة وعن أركان‬ ‫تكلمنا ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬يف ٍ‬
‫األول من أركان ال ِّدميُقراطيّة‪ :‬حريّة العقيدة والدين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وانتهينا من الركن ّ‬
‫وذكرنا الدستور وذكرنا َمن يدعو إىل ُحريّة العقيدة وإىل حريّة الدين‪ ،‬وأشرنا إىل‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ [البقرة‪،]256:‬‬
‫األدلة اليت يستشهدون هبا‪ :‬قول هللا تبار وتعاىل َ‬
‫وعلمت يقينا أ ّن قول هللا‬
‫َ‬ ‫وقوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ [الكافرون‪،]6:‬‬
‫¸‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ ال عالقة له حبُريّة العقيدة وال حبُريّة األديان‪ّ ،‬أما َ‬
‫﴿ال‬
‫إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ فهذا ُمصوص يف أهل الكتاب بالضوابط اليت ذكرناها عند أهل‬
‫السنة واجلماعة من خالل الشروط العُمريّة‪ ،‬نتناول اليوم بإذن هللا تعاىل‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪273‬‬
‫َُْ ْ‬ ‫ْ ََْ‬ ‫ْ َ َّ‬
‫اط َية‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫يم‬‫الد‬
‫ِ ِ‬‫ان‬‫ك‬‫ر‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫الركن ِ ِ‬
‫ي‬ ‫ن‬‫ا‬ ‫الث‬
‫ُحرية الرأي‪.‬‬
‫الرأي يف املفهوم ال ّدميُقراطي ويف النظام‬‫فأقول مستعينا باهلل ¸‪ُ :‬حريّة ّ‬
‫أي‪:‬‬
‫ال ّدميُقراطي يعين‪ :‬أن تقول ما تشاء‪ ،‬وأن تكتب ما تشاء‪ ،‬وأن تنشر ما تشاء‪ّ .‬‬
‫أي‬
‫كل ما ُيول يف خاطر فالقانون يُبيحه لا‪ ،‬دون تقيّد بشيء امسه دين‪ ،‬الدين ّ‬
‫عوقا عن ممارسة حرية‬
‫دين كان‪ ،‬ال الدين اإلسالمي وال غريه من األديان يكون ُم ّ‬
‫كالم سواء وافق الدين أو خالفه أو نال من‬ ‫الرأي يف البلدان ال ّدميُقراطية؛ فيقول أي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عرب عن رأيه ا يراه يف أي وسيلة من وسائل‬ ‫الدين أو‪ ...‬ما يهمه األمر‪ ،‬املهم أنه يُ ّ‬
‫جلسات‪ ،‬سواء يف إذاعة أو يف تلفزيون أو يف صحيفة أو يف دار‬ ‫ٍ‬ ‫اإلعالم‪ ،‬سواء يف‬
‫الرأي‪.‬‬
‫األول بالنسبة إىل ُحّريّة ّ‬
‫نشر‪ ..‬ما يهمه هذا األمر‪ .‬هذا األمر ّ‬
‫فَـ َعن طريق ُحريّة الرأي ينالون من الدين مباشرة؛ ألن اإلنسان إذا َعلِم أنه ال‬
‫حياسب على ما يقول يف الدين؛ إذا ال يوجد شيء مينعه أن يقول ما يشاء‪ ،‬إذا‬
‫الرأي هذه‬
‫ستكون هنا وسائل أو كتابات أو تصرحيات ُمباشرة هلدم الدين‪ ،‬و ُحّريّة ّ‬
‫إحدى غاياهتا‪.‬‬

‫أي‬
‫الرأي‪ :‬فتح اجملال أمام ّ‬
‫الطريقة الثانية للتخلص من األديان عن طريق ُحّريّة ّ‬
‫كالشيوعيّة والعلمانيّة والقوميّة‪ ،‬وهذه األحزاب اليت تكتظ هبا بالد‬
‫عقيدة كانت‪ّ ،‬‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪274‬‬

‫إذا عن طريق حرية الرأي يهدمون الدين مباشرة‪ ،‬ويهدمون الدين أيضا عن طريق‬
‫فسح اجملال للعقائد الكفريّة والعلمانيّة بأن يكون هلم وجود وأن يكون هلم وسائل‬
‫الر ي‬ ‫ي ي ي‬
‫أي‪.‬‬‫يدعون من خالهلا إىل عقائدهم‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل ال ُمتَ َعلّ ُِ بُّريّة ّ‬
‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬عن طريق حرية الرأي يعملون على هدم أي شيء له عالقة‬
‫الرأي‪ ،‬بل جتد أ ّن‬
‫باألخالق‪ :‬فاألخالق ُهت َدم عن طريق ال ّدميُقراطيّة بالعمل حبُّريّة ّ‬
‫الناس الذي يعيشون يف البلدان ال ّدميُقراطيّة هلم أن ينشروا أي شيء‪ ،‬سواء يهدم‬
‫اسبون على ذلا‪.‬‬ ‫ميس األخالق أو يُضيّع األخالق‪ ،‬ما ُحي َ‬ ‫األخالق أو ّ‬
‫الرأي؛ حىت‬
‫نأيت إىل التفاصيل يف البلدان الدميقراطية‪ ،‬وإىل أين أوصلتهم ُحّريّة ّ‬
‫الرأي‪،‬‬
‫من خالهلا تعلم ملاذا يُريدون لنا ال ّدميُقراطيّة وملاذا ُيب أن يكون لدينا ُحّريّة ّ‬
‫ففي بريطانيا نشر رجل امسه (سلمان رشدي) إيراوّ األصل‪ ،‬عاش يف بريطانيا وترعرع‬
‫هنا ودرس يف كلياهتم‪ ،‬ألّف كتابا يف الثمانينات من القرن املاضي مساه‪[ :‬اآليات‬
‫عمن كان يتحدث؟‪ ،‬عن رسول هللا ‘ وعن أمهاتنا‪ ،‬آيات‬ ‫الشيطانية]‪ ،‬أتعلم ّ‬
‫شيطانية!!‬

‫املسلمون يف ذلا الوقت خرجوا يف مظاهرات‪ ،‬وتنديد وما إىل ذلا ‪-‬جزاهم‬
‫هللا خريا من أخلص النيّة هلل ¸‪ -‬كان يف ضمن هذا الوسط (اخلميين) ذلا‬
‫افضي النجس‪ ،‬كان على رأس مجهورية إيران اليت تُسمى زورا (إسالميّة)‪ ،‬هذا‬
‫الر ّ‬
‫الرجل عندما مسع هبذا الكتاب وأن املسلمني قد قاموا باالعرتاض على هذا الكتاب‬
‫ومظاهرات وما إىل ذلا‪ ،‬ما كان ميلا إال أن تكون له الكلمة أيضا حبق سلمان‬
‫رشدي هذا وكتابه‪ ،‬فأصدر فتوى‪ ،‬قال‪" :‬إ ّن على مجيع املسلمني يف العامل أن يعملوا‬
‫على تنفيذ حكم اإلعدام يف مؤلف الكتاب وناشريه إن كانوا على عل ٍم ضمونه‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪275‬‬

‫ومن كان يعلم كانه وال يستطيع أن يُن ّفذ فيه حكم اإلعدام‪ ،‬عليه أن خيرب من‬
‫يستطيع أن يُنفذ فيه حكم اإلعدام؛ لكي ال يتجرأ أح ٌد على مق ّدسات املسلمني"‪.‬‬
‫نص فتواه‪ ،‬ومن ملحقات الفتوى أيضا‪" :‬أن من قُتل يف هذا السبيل فإنه شهيد‬
‫هذا ّ‬
‫بإذن هللا"‪ ،‬وأنا سبب ربطي سلمان رشدي باخلميين هذا؛ حىت تعلم إيش معىن ُحّريّة‬
‫الرأي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ابتداء‪ :‬املسلمون الذين ال يعرفون إيش معىن الرافضة‪ ..‬اخندعوا كثريا باخلميين‪،‬‬
‫وأنه حامي احلمى‪ ،‬وأنه الذي دافع‪ ،‬وأنه الذي أصدر حكما بقتله‪ ،‬ومجيع حكام‬
‫العرب ساكتون وما حركوا شيئا‪ ...‬اخلميين هو الوحيد الذي فعل‪ ،‬هو الذي قال‪،‬‬
‫اخلميين عندما أصدر هذه الفتوى كانت مبناها التقيّة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تنس أن‬
‫وهو الذي‪ ،!..‬ال َ‬
‫ليس ُحبا يف الدين‪ ،‬وال بغضا لسلمان رشدي؛ ألن سلمان رشدي إذا نال من أمنا‬
‫عائشة وحفصة وخدُية‪ ،‬فهم ينالون من أمهاتنا أش ّد بكثري من سلمان رشدي‪ ،‬فأمنا‬
‫الرأي يف‬ ‫طهرة هي املتهمة عندهم بأهنا الزانية‪ ،‬وبسبب ُحّريّة ّ‬ ‫عائشة هذه الـ ُم ّ‬
‫يف وقالوا‪..‬‬
‫الفضائيات يقولون ذلا‪ ..‬أحدهم قال‪ :‬أنا قلت إهنا زانية‪ ،‬وتكلموا ّ‬
‫يقول‪ :‬أنا ما قلت أهنا زنت يف حياة رسول هللا‪ ،‬ال‪ ،‬زنت بعد وفاة رسول هللا!!‬

‫أتعلم من أعمال مهديهم ‪-‬الذي ال وجود له‪ -‬إيش؟!‪ ،‬هذا املهدي الذي‬
‫"عجل هللا فرجه"‪ ،‬ويف كتبهم يكتبون "عج"‪ ،‬من أوائل أعماله‪ :‬أنه يقتل‬ ‫يقولون ّ‬
‫وخيرج أمنا عائشة من قربها ويُقيم عليها حد الزنا!!‬
‫املسلمني يف احلرم‪ُ ،‬‬
‫إذا ما الذي أغضب اخلميين؟‪ ،‬هذا مهديّا الذي تنتظره هكذا سيفعل‪ ،‬فإذا‬
‫كان سلمان رشدي تكلم بكلمات نال هبا من ّأمنا عائشة ما الذي أزعجا؟!‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪276‬‬

‫مهديّا املعصوم يفعل أضعاف أضعاف ما سيفعله هذا! وأنت تؤمن به وتؤمن ا‬
‫سيفعل!! إذا من هنا تعلم أن الرجل ما أصدر هذه الفتوى إال تقية‪.‬‬

‫السبب اآلخر ‹‹لكون›› هذه الفتوى تقية‪ :‬ألن املسلمني استنكروا هذا األمر‪،‬‬
‫فال ميكن أن يسكت وهو ي ّدعي أنه زعيم دولة إسالمية‪ ،‬ما ممكن؛ إذا التقية من‬
‫جانب‪ ،‬ووضعه احلا دفعه إىل إصدار هذه الفتوى‪.‬‬

‫كيف تُثبت أ ّن هذه الفتوى مبناها التقيّة؟‬

‫لو كان اخلميين هذا يف ُحسينيّة من احلُسينيّات وأصدر هذه الفتوى‪ ،‬كان يُعذر‪،‬‬
‫لته باخلُمس وباملتعة ال جمال عنده حىت يذهب ويقتل هذا الرجل‪،‬‬ ‫تقول الرجل م ٍ‬
‫ُ‬
‫واحلكومات ما يسمعون إىل كالمه‪ ،‬ال‪ ..‬عندما أصدر هذه الفتوى كان على رأس‬
‫دولة‪ ،‬لديه وزارة الدفاع‪ ،‬لديه وزارة الداخلية‪ ،‬لديه استخبارات‪ ،‬لديه جيش قاتل‬
‫البعثيني ملدة مثان سنوات‪ ،‬من كل هذه املاليني ما يستطيع أن يُكلّف رجل واحد‬
‫ليذهب إىل بريطانيا لكي يغتال هذا الرجل؟‪ ،‬علما أ ّن أتباعه يلتزمون بأمره تدينا‪،‬‬
‫يرون من العبادة أ ّن اخلميين إذا قال كالم أن يلتزموا بكالمه‪ ،‬وهلذا قاتلوا البعثيني ملدة‬
‫مثان سنوات‪ ،‬ألن اخلميين ما كان يرضى أن يُصاحل‪ ،‬وما كان أحدهم يرتاجع‪ ،‬بل‬
‫أحدهم عندما كان يُقال له أنا تدخل اجلنة وهذا املفتا ‪ ،‬كان يصدق اخلميين يف‬
‫ومطاع وال ُخيالف يف كلمة يقوهلا‪،‬‬ ‫ذلا! إذا هو على رأس دولة‪ ،‬وهو مسموع له ُ‬
‫صوت لكي يغتال ذلا ال‪...‬‬ ‫أكان يعجز أن يبعث رجال إيرانيا إىل بريطانيا بكامت ٍ‬
‫سلمان‪ ،‬مث بعد ذلا ينتهي األمر؟‪ ،‬ملاذا ُهتيّج العامل أن ّنزلوا فيه حكم اإلعدام‪ ،‬وإذا‬
‫أنت ما‬
‫كان هنا من ال يعلم مكانه وآخر يعلم مكانه خيرب من يستطيع‪ ،‬إذا َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪277‬‬

‫تستطيع؟!؛ إذا هذه الفتوى ما كان مبناها ُحب الدين أو دفاعا عن رسول هللا أو‬
‫عن زوجاته‪.‬‬

‫نرجع إىل موضوعنا‪..‬‬


‫ي‬ ‫يي‬
‫الرأي يف بريطانيا بعد أن صدرت هذه‬ ‫أي‪ُ :‬حّريّة ّ‬ ‫َهذه ال َِ ْت َوى تَ ْربيطُ َها بُّريّة ّ‬
‫الر ي‬
‫الرأي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفتوى‪ ،‬مباشرة اختذوا إجراءات تُثبت ّأهنم دميُقراطيّون وأ ّهنم ملتزمون حبُّريّة ّ‬
‫فوفروا حراسة متواصلة لسلمان رشدي‪ ..‬يف بيته حراسه‪ ،‬عندما يتنقل حراسة‪ ،‬ملاذا؟؛‬
‫الرأي‪.‬‬
‫اطي يؤمن حبُّريّة ّ‬
‫ألنه رجل ُمه ّدد بسبب كتاب ألّفه يف بلد دميُقر ّ‬
‫إذا الغاية من هذه الفتوى‪ :‬توفري احلماية لسلمان رشدي وليس قتله‪،‬‬
‫اخلميين هذا؛ ألنه إذا قُتل قد يكون عنده شيء آخر ممكن‬
‫ّ‬ ‫والربيطانيون فعلوا ما أراده‬
‫أن ينال به من اإلسالم واملسلمني‪ ،‬فبقاؤه خري من قتله‪ ،‬وهلذا هبذه الفتوى احلكومة‬
‫وحّريّة الّرأي وفروا لسلمان رشدي احلماية ومازالوا‪،‬‬ ‫الربيطانية حتت حكم ال ّدميُقراطيّة ُ‬
‫وما يستطيع أحد أن يفعل شيئا‪ ،‬ملاذا؟؛ قالوا ألن بالدنا دميُقراطيّة‪ ،‬ومن احلُّريّة أن‬
‫نقول ما نشاء‪ ..‬يا ناس أصبتم من رسول ّأمة تعدادهم مليار ونصف‪ ..‬تقول ُحّريّة‬
‫الرأي يف بالد‬ ‫الرأي‪ .‬إذا هذا هو التطبيق العملي حلُّريّة ّ‬‫رأي؟‪ ،‬نعم‪ ..‬هذه هي ُحّريّة ّ‬
‫الغرب‪.‬‬

‫صحفي دمناركي رسم لرسول هللا ‘ صورة كاريكاترية ‪ُ -‬شلّت‬ ‫ّ‬ ‫آخ ْر‪:‬‬
‫َمثَ ٌل َ‬
‫الرد‪:‬‬
‫ميينه‪ -‬املسلمون أيضا ما يقبلوا أن يُساء لرسول هللا ‘‪ ،‬ولكن طريقة ّ‬
‫مظاهرات وتنديد وشجب وما إىل ذلا‪ ،‬مثّ بعد ذلا ما تستطيع أن تفعل شيئا‪..‬‬
‫من خالل املظاهرات ومن خالل علماء الفضائيات طالبوا احلكومة الدمناركية بأن‬
‫يعتذر فقط للمسلمني ألنه أساء إىل رسوهلم‪ ،‬ما وافقوا‪ ..‬طلبوا من احلكومة الدمناركية‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪278‬‬

‫اعتذروا يا ناس!! كل بالد أوروبا أمجعوا على أننا ال نعتذر ألننا دول دميُقراطيّة؛‬
‫الرأي عندنا‪ ،‬هذا يعين بأننا ال نستطيع أن نقول بعد اليوم ما‬ ‫ميس حبُّريّة ّ‬
‫واالعتذار ّ‬
‫نريد إذا اعتذرنا‪ ،‬معناه‪ :‬تسيء‪ ،‬متس املسلمني بكلمة خترج تعتذر‪ ،‬متس فالن‬
‫بكلمة‪ ..‬خترج تعتذر‪ ،‬قالوا ال نعتذر ألن دولتنا دولة دميُقراطيّة‪ ،‬ومن ضمن أركان‬
‫ال ّدميُقراطيّة أننا نقول ما نشاء‪ّ ،‬أما أنت تغضب أو ال تغضب فاألمر يهما أنت ال‬
‫يهمين يف شيء‪.‬‬

‫الرأي ودفاعا عن ذلا الرسام‪ :‬ثالث عشرة جريدة‬ ‫وإمعانا يف إثبات ُحّريّة ّ‬
‫الرأي‬ ‫أوروبية أعادوا نشر هذه الصورة‪ ،‬لكي يثبتوا أننا دول دميُقراطيّة وأننا نعمل حبُّريّة ّ‬
‫سواء مسوا دينا أو مسوا نبيا أو مسوا رسالة‪ ،‬ما يهمهم هذا األمر‪ .‬هذا َمثَل حلُّريّة‬
‫الرأي عندهم وهذا الذي يريدونه لنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫يكي أنتج فيلم‪ ،‬عُرف بالفيلم الـ ُمسيء إىل رسول هللا ‘‪ ،‬يف‬ ‫ث‪ :‬أمر ّ‬ ‫َمثَ ٌل ثَالي ٌ‬
‫أحسوا بأنفسهم‬ ‫هذه الفرتة يف فرتة املساس أنت تعلم كان اجلهاد والقتال واملسلمون ّ‬
‫أعزاء‪ ،‬فكانت االندفاعة من الفطرة‪ ،‬بالفطرة املسلمون يف مجيع‬ ‫ويريدون أن يكونوا ّ‬
‫بالد املسلمني اندفعوا‪ ،‬فقتلوا السفري األمريكي يف ليبيا‪ ،‬وهجموا على السفارة يف‬
‫مصر وهجموا على السفارة يف املكان الفالو‪ ،‬الفطرة تدفعهم؛ أ ّن أُناسا يقولون‬
‫الرأي دفعتهم إىل أن ميسوا رسولنا‪ ،‬فكان رد‬ ‫وحّريّة ّ‬
‫دميقراطيون‪ ،‬ولنا ُحريّة رأي‪ُ ،‬‬
‫األول ويف اليوم الثاو‪ ،‬يف اليوم الثالث‬ ‫املبين على الفطرة هكذا‪ ،‬هذا يف اليوم ّ‬
‫الفعل ّ‬
‫الرأي‪،‬‬
‫تدخل علماء الفضائيات من أتباع أفالطون دعاة ال ّدميُقراطيّة القائلني حبُّريّة ّ‬ ‫ّ‬
‫لف ل ّفه‪ ،‬وبدؤوا يستنكرون على املسلمني أعماهلم هذه‪ ،‬بل مسّوها‬ ‫(القرضاوي) ومن ّ‬
‫(هذه ُهجية)! الصواب‪ :‬أن يكون رد حضاري‪ ،‬خترج يف مظاهرات وتطلب حبقا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪279‬‬

‫وتندد وحتملهم على أن يعتذروا لا!!‪ ،‬وقال يوسف القرضاوي‪ :‬حنن اآلن منذ كذا‬
‫غريوا فطرة املسلم‪،‬‬
‫سنة أو سنة أو سنتني نعمل يف إنتاج فيلم عن رسول هللا ‘! ف ّ‬
‫وسكن الناس‪.‬‬

‫وأنت تعلم أن هؤالء إذا كان اآلباء يغريون فطرة األبناء‪ ،‬فهؤالء يغريون فطرة‬
‫(‪)50‬‬
‫املسلمني (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه)‪.‬‬
‫يغري‪.‬‬
‫ويف رواية‪( :‬أو ميشركانه)‪ .‬الطفل يولد على الفطرة‪ّ ،‬أما األب هو الذي ّ‬
‫املسلمون انطلقوا بناء على الفطرة‪ ،‬أُسيء إىل رسول هللا‪ ،‬أرادوا أن ينتقموا‪،‬‬
‫تدخل هؤالء فغريوا فطرة املسلمني وحلوهم على الركون وعلى أن يُطالبوا من خالل‬‫ّ‬
‫املظاهرات وما إىل ذلا‪ ،‬مث ماتت املسألة وانتهت‪.‬‬

‫علما أن الرسول ‘ عندما كان يُسيء أحد يقول‪ :‬من لفالن؟‪ ،‬فقد آذى هللا‬
‫ورسوله‪ ،‬من لكعب بن األشرف؟‪ ،‬فقد آذى هللا ورسوله‪َ ،‬من خلالد بن سفيان؟‪ ،‬فقد‬
‫األمة َمن لنا بأمريكا‪ ،‬فقد آذت هللا‬ ‫آذى هللا ورسوله‪ ..‬هؤالء ما قالوا لشباب ّ‬
‫ورسوله‪ ،‬وإمنا قالوا تتظاهرون‪ ،‬وبطريقة حضارية دميُقراطيّة تطالبون باحلقوق‪ ،‬هذا‬
‫الرأي‪ ،‬كما‬
‫وحّريّة ّ‬
‫اخلنوع الذي يريدون أن يُعيّشوا املسلمني فيه عن طريق ال ّدميُقراطيّة ُ‬
‫الرأي أنت أيضا خترج تُبدي رأيا‪ ،‬هذا رأي وهذا رأي‪ ..‬ما يضر! ّأما أن تكون‬ ‫هلم ّ‬
‫اإلساءة لرسول هللا ما يضر أيضا! إذا املساس بالدين مباشرة هنا‪.‬‬

‫الرأي يف البالد‬
‫ّأما املساس بالدين بطريقة غري مباشرة‪ :‬عن طريق ُحّريّة ّ‬
‫أي عقيدة كان‪ ،‬وهلذا جتد يف‬
‫أي حزب على ّ‬‫ال ّدميُقراطيّة القانون ُييز هلم أن يُوجدوا ّ‬

‫(‪‹‹ )50‬متفق عليه‪››.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪280‬‬

‫بالدنا احلزب الشيوعي العراقي الذين ال خيتلفون عن احلزب اإلسالمي العراقي‪ ،‬وجتد‬
‫أيضا إىل جانبهم أحزابا علمانية‪ ،‬واحلزب العلماو الرتمجة احلرفية هلذه الكلمة هي‪:‬‬
‫ّأال دينيّة‪ ،‬العلمانية‪ّ :‬أال دينية‪ ..‬لكن ما يستطيعون أن يقولوا حنن أحزاب ال دينية‪،‬‬
‫فاصطلحوا على أنفسهم وقالوا علمانية؛ ألن كلمة العلم كيفما كانت قد تُقبل‪ ،‬أما‬
‫ال دينية ال تُقبل بأي حال من األحوال‪ .‬وهلذا تعريف العلمانيّة يف قاموس [أكسفورد]‬
‫ٍ‬
‫أساس غري‬ ‫عرفوها‪ ،‬قال‪" :‬مفهوم يرى أ ّن األخالق والتعليم يقومان على‬ ‫هكذا ّ‬
‫ديين"‪.‬‬

‫هؤالء الذين يريدون أن يوجدوا أناسا ال عالقة هلم بالدين هؤالء يسمون علمانيني‪،‬‬
‫فال نغرت بكلمة علماو ونظن أهنم أصحاب علم وما إىل ذلا‪ ..‬ال‪ ،‬هؤالء يريدوهنا‬
‫الرأي‬
‫وحّريّة ّ‬
‫ال دينية‪ ،‬وهذه األحزاب اآلن موجودة‪ ،‬وبفضل ال ّدميُقراطيّة والدعاة إليها ُ‬
‫هلم وجود اآلن‪ ،‬ميلكون مجيع وسائل اإلعالم سواء كانت املسموعة أو املقروءة أو‬
‫املرئية‪ ،‬كل هذه األجهزة املسخرة للدعوة إىل الشيوعية والدعوة إىل العلمانية‪ ،‬وال‬
‫يستطيع أحد أن يعرتض ألن الدولة دولة دميُقراطيّة‪ ،‬ومن أركان الدولة ال ّدميُقراطيّة‪:‬‬
‫الرأي‪ .‬هذا اجملال األول من جماالت حريّة الرأي‪.‬‬
‫ُحّريّة ّ‬
‫اجملال الثاو‪ :‬هدم األخالق‪ ..‬ال يُريدون أن يُبقوا شيئا امسه أخالق‪ ..‬ألنين‬
‫ذكرت سابقا أن اليهود من خططهم السيطرة على العامل‪ ،‬أما العوائق اليت أمامهم‬
‫الرأي وأ ّن األخالق أيضا‬‫الدين واألخالق‪ّ ،‬أما الدين فهدمه عن طريق ُحّريّة ّ‬
‫سيهدموهنا عن طريق ُحّريّة الّرأي‪ ،‬وحاشا هلل ¸ أن ميكنهم من ذلا‪ ،‬ولكن هم‬
‫يسعون‪ ،‬فقد متكنوا من أن حيملوا بالد أوروبا على أن يتخلوا عن شيء امسه أخالق‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪281‬‬

‫ُناس كالبهائم‪ ،‬من زار تلا البالد مسعت منه مباشرة قال‪ :‬وهللا ال خيتلفون عن‬
‫هم أ ٌ‬
‫احليوانات يف شيء‪ ،‬أكل وشرب ومسائل اجلنس ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫ومبعث هذا الشر تصريح جلولدا مائري ‪-‬تلا رئيسة وزراء كانت يف فرتة‪،-‬‬
‫قالت‪" :‬نريد أن خنلق جيال ال يستحي من جهازه التناسلي"!‪ ،‬لكن يقينا ليس‬
‫اليهود‪ ،‬وإمنا األمم األخرى الذين يسموهنم باجلوييم‪ ..‬اجلوييم هو غري اليهودي‪ ،‬نريد‬
‫أن خنلق من هؤالء أُناس ما يستحون من جهازهم التناسلي‪ ،‬وهذا األمر ما يتحقق‬
‫الرأي هنا‬
‫الرأي؛ فعن طريق ُحّريّة ّ‬
‫إال عن طريق ال ّدميُقراطيّة وعن طريق ُحّريّة ّ‬
‫اجملالت اإلباحية اليت تصور املرأة مع الرجل يف كل هيآهتم‪ ،‬هنا القنوات الفضائية‬
‫املتخصصة هبذا اجملال وهنا الصحف وهنا اإلعالم‪.‬‬

‫الرأي بالدعوة إىل كسر األخالق ونشر الفاحشة ال تظهر إال يف‬ ‫وآثار ُحّريّة ّ‬
‫الصفحة األخرية يف بالد املسلمني‪ ،‬وقد تكون بعد ذلا يف ثنايا اجلريدة‪ ،‬أما‬
‫الصفحة األخرية فهي ُمصصة هلذا األمر‪ ،‬لكن إذا متكنوا من أن يسريوا يف‬
‫الرأي سينشرون تلا اليت نُشرت يف بالد الغرب حبيث وصل‬ ‫الدّميُقراطيّة ويف ُحّريّة ّ‬
‫هبم األمر أهنم حتولوا إىل هبائم ‪-‬أجلّا هللا‪.-‬‬

‫رجل ابتاله هللا ¸ فرتة كان يف أملانيا‪ ،‬ح ّدثين‪ ،‬قال‪ :‬هي دولة جتد فيها الغيوم‬
‫دائما‪ ،‬ال جتد الشمس إال نادرا‪ ،‬لكن إذا أشرقت الشمس جتد النساء والرجال‬
‫العامة ويتمددون حتت أشعة الشمس كما خلقهم هللا ¸‪،‬‬ ‫يُبادرون إىل احلدائق ّ‬
‫يقول املشكلة أنه ال يهتم أحد‪ ،‬هذه امرأة عارية متمددة وتقرأ يف جريدة فالناس‬
‫ميرون من حوهلا وال يهتمون هبا‪ ..‬كيف وصلوا إىل هذا األمر؟!‪ ،‬عن طريق ُحريّة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪282‬‬

‫الرأي‪ ،‬وعن طريق أنه ال يوجد شيء امسه جنس ال يوجد شيء ألهنم تشبّعوا هبذا‬
‫ّ‬
‫األمر‪.‬‬

‫الرأي عن طريق كسر األخالق هبذه الوسائل ّأدت هبم إىل زنا احملارم‪ ،‬وزنا‬ ‫ُحّريّة ّ‬
‫احملارم كما تعلم ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬أن يأيت الرجل أمه أو أخته أو بنته‪ ،‬وهذا مشاع اآلن‬
‫يف أوروبا ويف أمريكا بالذات‪ ،‬وبوش ‪-‬ما مسعت مباشرة وإمنا نقال‪ -‬كان من ضمن‬
‫أهدافه عندما أراد أن يدخل العراق قال‪ :‬سنحملكم على ذلا؛ ألن األمريكيني‬
‫يُعريون هبذا األمر‪ ،‬فقال سنحملكم على ذلا‪ .‬كيف؟‪ ،‬يقينا ال يأيت اجلندي‬
‫وُيربه على إتيان هذا الفعل‪ ،‬لكن عن طريق ُحّريّة‬ ‫األمريكي يقف على رأس املسلم ُ‬
‫الرأي‪ ،‬عن طريق كسر األخالق‪ ،‬عن طريق الفضائيات سيحملون الناس على هذا‬ ‫ّ‬
‫األمر‪ .‬كيف؟‪ ،‬أ ّن الرجل مع أمه وينظر إىل هذه املناظر‪ ،‬يقينا سيهيّج فيهم الشيطان‬
‫تلا املغريات اليت ستؤدي به إىل أن يقع على أمه‪ ،‬وهذا الذي حيصل يف بالدهم‬
‫وهذا الذي كان سيحصل لوال أ ّن هللا ¸ ق ّدر أُناسا دفعوهم وحلوهم على اهلزمية‪.‬‬

‫الرأي يف البلدان ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وهذا الذي يريدونه لنا من‬‫إذا هذه هي ُحريّة ّ‬
‫خالل ال ّدميُقراطيّة ومن خالل أركان ال ّدميُقراطيّة؛ أن خيرج من بيننا أُناس يتكلمون يف‬
‫اإلسالم وال يستطيع أحد أن حياسبهم‪ ،‬أن خيرج بيننا أُناس يدعون إىل العلمانية وإىل‬
‫الشيوعية وال تستطيع أن تعرتض عليهم‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن ال ّدميُقراطيّة إذا أخذت مسارها‬
‫ما يستطيع أحد أن يعرتض على هؤالء‪ ،‬كما ال يستطيع أحد أن يعرتض ال يف‬
‫أمريكا وال يف بريطانيا وال يف غريها من البلدان‪ .‬هذه الدميقراطية اليت يريدوهنا لنا‪.‬‬

‫يسمى املرشد العام إلخوان مصر‪ ،‬والصواب‬


‫الرأي وجدت كالما لرجل ّ‬ ‫يف ُحّريّة ّ‬
‫الرأي‪ ،‬هذا‬
‫ضل العام (عمر التلّمساو) الحظ ماذا يقول عن ُحّريّة ّ‬
‫أن تسميه الـ ُم ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪283‬‬

‫الكالم كان يف لقاء معه يف جملة اجملتمع بتاريخ ‪ 1986/5/27‬م‪ :‬قال‪" :‬إننا نقف‬
‫مع األحزاب كلها موقف االحرتام احلّر لرأي اآلخرين"!!‬

‫الرأي حنن أيضا واقفون معهم‪ ،‬يعين‬ ‫كل األحزاب‪ ،‬كما أهنم يقفون على أن ُحّريّة ّ‬
‫واقف مع الشيوعي‪ ،‬واقف مع القبطي‪ ،‬واقف مع فالن ما يفرق‪ ،‬كلنا سواسية يف‬
‫الرأي‪" ..‬إننا نقف مع األحزاب كلها موقف االحرتام حلرية رأي اآلخرين‪ ،‬وإذا‬‫مسألة ّ‬
‫ُحرم على‬
‫كنت حريصا [الحظ التعليل عند هذا ال‪ ]...‬أن يأخذ الناس برأيي؛ فلماذا أ ّ‬
‫ُ‬
‫الناس ما أبيحه لنفسي؟"‪.‬‬

‫يَا َول أنت تتكلم باسم اإلسالم‪ !!..‬هؤالء يتكلمون أقباط وشيعييون وعلمانيني!!‬
‫الحظ‪ ..‬كأنه يستنكر على من يستنكر عليه‪ ،‬قال‪" :‬وهل من احلرية أن أحول بني‬
‫الناس وبني االعتداد بآرائهم بعد أن منحهم أحكم احلاكمني هذا احلق يف وضو ٍ ال‬
‫لبس فيه ﴿فَ َمن َشاءَ فَـليُـؤِمن َوَمن َشاءَ فَـليَك ُفر﴾ [الكهف‪ ."]29:‬هذا رأس يف‬
‫الرأي وال ّدميُقراطيّة مقبولة عند هؤالء‪.‬‬
‫اإلخوان‪ ،‬إذا ُحريّة ّ‬
‫سمون رجئة العصر‪ ،‬وهؤالء فقط من باب التعريف‬ ‫والتحق بالركب اآلن ما يُ ّ‬
‫كرامية‪ ،‬جهميّة‪ِ ،‬مسّهم ما شئت‪ ،‬لكن اصطُلِح على‬ ‫نسميهم مرجئة‪ ،‬وإّال هؤالء ّ‬
‫مسمى مرجئة‪ ،‬فحزب النور على سبيل املثال التحقوا بالركب هم اآلن مع السيسي‪،‬‬
‫يف اخلليج التحقوا هم اآلن يف الربملان الكوييت‪ ،‬وهم اآلن يف قطر‪ ،‬وهكذا جتدهم‪..‬‬
‫إذا هؤالء كلهم يريدوهنا دُميقراطيّة‪ ،‬ويريدوهنا ُحريّة رأي‪ ،‬وتعلم اذا خدعهم إبليس؟؛‬
‫ألن هؤالء الناس يعتربون الساحة يف البلدان ال ّدميُقراطيّة سوقا لعرض البضائع‪ ،‬قال‪:‬‬
‫الكل يعرضون بضائعهم‪ ،‬ما يف إشكال‪ ،‬الشيوعي يعرض‪ ،‬القومي يعرض‪ ،‬والرافضي‬
‫يعرض‪ ،‬وحنن أيضا نعرض بضاعتنا‪ ،‬على أمل أن بضاعتهم أجود البضاعات‪ ،‬وأ ّهنا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪284‬‬

‫ستلقى القبول أكثر من اآلخرين؛ ولكنهم ما زالوا خيدعون أنفسهم هبذا األمر‬
‫وخيدعون املسلمني‪.‬‬

‫أي بضاعة اليت تعرضها أنت يَا َول؟‪ ،‬إسالم حتت اسم دميُقراطيّة؟‪ ،‬إسالم حتت‬
‫اسم ُحريّة العقيدة؟! إسالم حتت اسم ُحريّة رأي؟‪ ،‬أي إسالم هذا الذي تطرحه‬
‫أنت؟!‪ ،‬اإلسالم الذي تعترب اجلهاد فيه مفسدة وعنفا؟!!‪ ،‬اإلسالم الذي يُ َشنّع على‬
‫اجملاهدين فيما إذا قتلوا رجال يف أرجاء األرض؟!!‪ ،‬إذا هذه هي الدميقراطية يف حرية‬
‫الرأي‪.‬‬

‫أعرض هذا األمر على شرعنا احلنيف‪ :‬لدينا ُحريّة ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪ ،-‬ولكن‬
‫حريتنا منضبطة بضوابط الشرع؛ ألننا نؤمن باهلل ونؤمن باليوم اآلخر‪ ،‬ونعلم أ ّن هللا‬
‫ّ‬
‫¸ قد شرع لنا شرائع‪ ،‬ومن خالل هذه الشرائع نعلم أننا سنحاسب يوم القيامة‪،‬‬
‫فأحرص على أن ال أخالف الشرع‪ ،‬حىت ال أُحاسب يوم القيامة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أي‬
‫أي كلمة؟‪ ،‬أن أقول ّ‬
‫أتفوه بأي كلمة؟‪ ،‬أن أنشر ّ‬
‫يف مسألة‪ :‬هل ُيوز أن ّ‬
‫أي كلمة؟‬
‫كلمة؟‪ ،‬أن أكتب ّ‬
‫﴿ع ِن اليَ ِم ِ‬
‫ني َو َع ِن‬ ‫ال‪ ،‬تنضبط بضوابط الشرع؛ ودليل ذلا من كتاب هللا ¸‪َ :‬‬
‫يب َعتِي ٌد﴾ [ق‪ ،]18-17:‬ملكان‬ ‫ِ ِ‬ ‫الشم ِال قَعِي ٌد ۝ ما يـل ِف ُ ِ ٍ ِ‬
‫ِ‬
‫ظ من قَـول إال لَ َديه َرق ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫يب‬ ‫فرد منا‪ ،‬ووصفهم هللا ¸ قال‪ِ :‬‬ ‫أوكل هللا ¸ إليهما كتابة ما يصدر عن كل ٍ‬
‫﴿رق ٌ‬ ‫َ‬
‫َعتِي ٌد﴾‪ ،‬ورقيب عتيد كما تعلم صيغة مبالغة تدل على ش ّدة املراقبة وعلى ش ّدة‬
‫التّهيؤ؛ ألن عتيد عىن‪ُ :‬متهيّئ‪ ..‬ما أن تصدر منا كلمة مباشرة تنزل يف السجل‪..‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪285‬‬

‫يئن‪،‬‬
‫وهلذا عندما كان اإلمام أحد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف مرض موته كان ّ‬
‫فزاره أحد أقرانه‪ ،‬أظنّه حيىي بن معني ‪ ¬-‬مجيعا‪ ،-‬فقال‪ :‬إ ّن األنني يسجل يف‬
‫يب َعتِي ٌد﴾‪ ،‬فقطع اإلمام أحد األنني؛ ألن‬ ‫السجل‪﴿ ..‬ما يـل ِف ُ ِ ٍ ِ ِ ِ‬
‫ظ من قَـول إال لَ َديه َرق ٌ‬ ‫َ‬
‫التوجع وعن األمل‪ ،‬فكما أنين أقول‪ :‬إنين أتأمل‪ ،‬أقول‪ :‬آه‪ ،‬إذا‬‫عرب عن ّ‬ ‫األنني صوت يُ ّ‬
‫هذا تعبري عن ذلا اللفظ‪ ..‬فيحىي بن معني يرى أن حىت هذا سيسجل يف سجل‬
‫اإلنسان‪ .‬هذا يف الدنيا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب فَـتَـَرى ال ُمج ِرم َ‬
‫ني‬ ‫﴿وُوض َع الكتَ ُ‬‫آثارها مىت تظهر؟‪ ،‬يف قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫صغِ َرية َوَال َكبِ َرية إِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مش ِف ِق ِ ِ ِ‬
‫ني مما فيه َويَـ ُقولُو َن يَا َويـلَتَـنَا َمال َٰه َذا الكتَاب َال يـُغَاد ُر َ‬
‫ُ َ‬
‫َحدا﴾ [الكهف‪ ،]49:‬إذا هذه‬ ‫ِ‬ ‫أَحصاها ۚ ووج ُدوا ما ع ِملُوا ح ِ‬
‫اأَ‬ ‫اضرا َوَال يَظل ُم َربُّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ َ َ َ‬
‫احلرية اليت يريدون أن يسوقوها إىل بالدنا إىل بالد املسلمني‪ ..‬أنا تضبطين هذه‬
‫أتفوه بكلمة أعلم أنين سأحاسب عليها يوم القيامة‪.‬‬ ‫اآليات‪ ،‬ما ممكن أن ّ‬
‫أما ما جاء من أحاديث رسول هللا ‘‪ :‬فحديث معاذ ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عند‬
‫اإلمام الرتمذي وصححه اإلمام الرتمذي‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘ عندما سأله‬
‫ب‬
‫ا يَا ُم َعاذُ! َوَهل يَ ُك ُّ‬ ‫معاذ‪ :‬يا نيب هللا أيؤاخذنا هللا ا نقول؟‪ ،‬قال‪( :‬ثَ ِكلَت َ‬
‫ا أ ُُّم َ‬
‫صائِ ُد أَل ِسنَتِ ِهم؟) إذا سبب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ِِف النا ِر َعلَى ُو ُجوه ِهم أَو َعلَى َمنَاخ ِرهم إِال َح َ‬
‫الن َ‬
‫وحياسب وبسببه قد يدخل النار‪ ،‬إذا أين‬ ‫دخول النار أننا نتكلم‪ ،‬اإلنسان يتكلم ُ‬
‫وحريّة الكلمة وما إىل ذلا؟!‬
‫الرأي ُ‬
‫ُحريّة ّ‬
‫حديث آخر‪ :‬رواه ابن ماجة ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عن أيب هريرة ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط هللا ال يرى‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪286‬‬

‫الرأي وبني‬
‫هبا بأسا فيهوي هبا يف نار جهنم سبعني خريفا)‪ ،‬فكيف جتمع بني ُحريّة ّ‬
‫هذه األدلة وهذه األحاديث؟‬

‫﴿ولَئِن‬‫بل هنا من األقوال ما خترج صاحبها من امللة‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ب ۚ قُل أَبِاَللِ َوآيَاتِِه َوَر ُسولِِه ُكنتُم تَستَـه ِزئُو َن‬ ‫َسأَلتَـ ُهم لَيَـ ُقولُن إِمنَا ُكنا َخنُ ُ‬
‫وض َونَـل َع ُ‬
‫ف َعن طَائَِف ٍة ِمن ُكم نـُ َع ِّذب طَائَِفة﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫۝ َال تَـعتَذ ُروا قَد َك َفرُمت بَـع َد إِميَان ُكم إِن نَـع ُ‬
‫[التوبة‪.]66-65:‬‬

‫سبب نزول هذه اآلية‪ :‬يف غزوة تبو ‪ ،‬يعين أناس خرجوا مع رسول هللا للجهاد‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بكلمات‪ ..‬قالوا‪ :‬ما رأينا مثل أصحابنا هؤالء ‪-‬يقصدون أصحاب رسول هللا‬ ‫تفوهوا‬
‫ّ‬
‫‘‪ ..-‬أرغب بطونا‪ ،‬وال أكذب ألسنا‪ ،‬وال أجنب عند اللقاء!؛ فأنزل هللا ¸ هذه‬
‫اآلية‪ ،‬فجاؤوا يعتذرون‪ ،‬والرسول ‘ يقول‪ :‬أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون؟‪،‬‬
‫قد كفرمت بعد إميانكم‪.‬‬

‫ف َعن طَائَِف ٍة﴾‪ ..‬كان معهم رجل امسه حري بن ُماشن‪ ،‬هذا الرجل‬‫﴿إِن نَـع ُ‬
‫فقط ضحا‪ ،‬ما شار يف الكالم فقط ضحا من كالمهم‪ ،‬وعندما اعتذر إىل‬
‫رسول هللا ‘ قال‪ :‬يا رسول هللا أقعدو امسي واسم أيب‪ ،‬يعين هذه املصيبة نزلت‬
‫الصحايب يقول‪ :‬اللهم‬
‫ّ‬ ‫علي أنت تعرف إيش امسي‪ ..‬حري تصغري حار‪ ..‬وكان هذا‬ ‫ّ‬
‫غسلت‪،‬‬‫إو أعلم آية أنا أُعىن هبا‪ ،‬اللهم اجعل مويت قتال يف سبيلا‪ ،‬فال يقول أح ٌد ّ‬
‫وال يقول أحد كفنت‪ ،‬وال يقول أحد دفنت‪ ،‬فمات يف حرب الردة وما وجدوا له‬
‫أثرا‪.‬‬

‫هذه حريّة رأي؟!‪ ،‬هذه دميُقراطيّة؟!‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪287‬‬

‫﴿حيلِ ُفو َن بِاَللِ َما‬


‫آية أخرى تدل على أن الكلمة أحيانا ُخترج صاحبها من امللة‪َ :‬‬
‫قَالُوا َولََقد قَالُوا َكلِ َمةَ ال ُكف ِر َوَك َف ُروا بَـع َد إِس َال ِم ِهم﴾ [التوبة‪ ،]74:‬كلمة أخرجتهم من‬
‫امللّة‪..‬‬

‫تزوج بامرأةٍ هلا ابن من رجل آخر‪،‬‬ ‫جالس ّ‬


‫سبب نزول هذه اآلية‪ :‬رجل امسه ّ‬
‫مرة‪ :‬إن كان هذا الذي جاء‬ ‫والعالقة كانت قوية بني جالس وبني هذا الغالم‪ ،‬قال ّ‬
‫أحب‬
‫أشر من احلمري‪ ،‬فقال هذا الغالم جلالس‪ :‬وهللا إنا ّ‬ ‫به حممد حقا‪ ،‬لنحن ُّ‬
‫أحب ّأال يُصيبا مكروه؛ ولكنا قلت كلمة إن سكت عنها سكت‬ ‫الناس إ ّ‪ ،‬و ّ‬
‫أحب إ ّ منا‪ ،‬وبلّغ الرسول ‘‬ ‫عن عظيم‪ ،‬وإن تفوهت تفوهت بعظيم‪ ،‬وديين ّ‬
‫﴿حيلِ ُفو َن بِاَللِ َما قَالُوا َولََقد قَالُوا‬
‫بذلا‪ ،‬وبدأ يُقسم أنين ما قلت‪ ،‬فأنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫َكلِ َمةَ ال ُكف ِر َوَك َف ُروا بَـع َد إِس َال ِم ِهم﴾‪ ،‬يقول ابن كثري ¬ ‪-‬على ما أذكر‪ -‬يف‬
‫تفسريه‪ :‬أنه بعد ذلا تاب إىل هللا ¸ وحسن إسالمه‪ .‬هذا ديننا يا إخوة‪ ..‬أين‬
‫الرأي؟!‬
‫ال ّدُميقراطيّة؟!‪ ،‬أين ُحريّة ّ‬
‫آخ ٍر يف ِدينِنَا‪:‬‬
‫ض ُحّريةَ الرأ ِي َعلَى أَم ٍر َ‬
‫آخٌر‪ :‬نَـع ِر ُ‬
‫َشيءٌ َ‬
‫ين َآمنُوا َهلُم‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن ال ِذ ِ‬
‫يع ال َفاح َشةُ يف الذ َ‬
‫ين ُحيبُّو َن أَن تَش َ‬
‫َ‬
‫الدنـيَا َواآل ِخَرةِ﴾ [النور‪.]19:‬‬
‫يم ِيف ُّ‬‫ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫الزنَا ۚ إِنهُ َكا َن‬‫﴿وَال تَـقربُوا ِّ‬
‫الفاحشة يف كتاب هللا ¸ تأيت عىن الزنا‪َ َ :‬‬
‫اح َشة﴾ [اإلسراء‪ ،]32 :‬وتأيت عىن عمل قوم لوط‪﴿ :‬إِن ُكم لَتَأتُو َن ال َف ِ‬
‫اح َشةَ َما‬ ‫فَ ِ‬
‫ني﴾ [العنكبوت‪ ،]28:‬وتأيت عىن املعاصي والذنوب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫سبـ َق ُكم ِهبا ِمن أ ٍ ِ‬
‫َحد ّم َن ال َعالَم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫اب ِضع َف ِ‬ ‫ِ ٍ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‬ ‫اعف َهلَا ال َع َذ ُ‬ ‫يب َمن يَأت من ُكن بَِفاح َشة ُّمبَـيِّنَة يُ َ‬
‫ضَ‬ ‫ِ‬
‫﴿يَا ن َساءَ الن ِّ‬
‫[األحزاب‪ ،]30:‬يف حق أمهاتنا زوجات رسول هللا ‘‪ .‬وتأيت عىن البخل‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪288‬‬

‫﴿الشيطَا ُن يَعِ ُد ُك ُم ال َفقَر َويَأ ُم ُرُكم بِال َفح َش ِاء﴾ [البقرة‪ .]268:‬هذا يف جمال على ما‬
‫أذكر يف جمال البخل‪ ،‬وتأيت يف جمال الشر أيضا والعياذ باهلل‪.‬‬

‫الرأي وال ّدميُقراطيّة تدعو إىل كل هذه الفواحش؛‬


‫إذا هذه هي الفاحشة‪ُ ،‬حريّة ّ‬
‫حبيث ال ُحياسب أحد على الزنا بل هذه من احلُريّة الشخصيّة‪.‬‬

‫أحب أن تُشاع الفاحشة يف املؤمنني عقوبته‬ ‫إذا الفاحشة هبذه املعاو‪ ..‬من ّ‬
‫املوعودة من هللا ¸ مزدوجة‪ ،‬عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية؛ ألن بعض املخالفات‬
‫﴿والسا ِر ُق َوالسا ِرقَةُ فَاقطَعُوا أَي ِديَـ ُه َما﴾ [املائدة‪ ]38:‬دنيوية‪﴿ .‬إِن‬
‫عقوبتها دنيوية‪َ :‬‬
‫ني ِيف الدرِ األَس َف ِل ِم َن النا ِر﴾ [النساء‪ ]145:‬أخروية‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫ال ُمنَافق َ‬
‫أما هؤالء فعقوبتهم مزدوجة دنيوية وآخروية‪ ،‬لكن من؟‪ ،‬الذي حيب‪ ،‬وأنت تعلم‬
‫أحب يف قلبه أن تُشاع الفاحشة يف الذين آمنوا‪:‬‬
‫أ ّن احملبة من أعمال القلوب؛ فمن ّ‬
‫الدنـيَا َواآل ِخَرةِ﴾‪.‬‬
‫يم ِيف ُّ‬‫﴿ َهلم ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫ُ َ ٌ‬
‫وهلذا يقول ابن القيم ‪ -¬-‬يف تفسريه‪" :‬هذا فيمن أحب إشاعتها وإذاعتها‪،‬‬
‫توىل كِ َرب ذلا؟" ُحريّة رأي‪ ..‬دميُقراطيّة‪!!..‬‬
‫فكيف ن ّ‬
‫يقول ابن تيمية ‪" :-¬-‬هذه احملبة قد ال يُقرتن هبا قول أو فعل‪ ،‬فكيف إذا‬
‫أحب نشر الفاحشة‪ ..‬إشاعة الفاحشة‪ ،‬لكن ما تكلم‬ ‫اقرتن هبا قول أو فعل؟" يعين ّ‬
‫فعل يشيع هبا الفاحشة‪ ..‬هذا ُمه ّدد من‬‫بكلمة يشيع هبا الفاحشة‪ ،‬وال أقدم على ٍ‬
‫قِبَل هللا ¸‪ ،‬فكيف إذا ُس ّخرت وسيلة اإلعالم لنشر الفاحشة حتت عنوان ُحريّة‬
‫الرأي من ديننا؟!‬
‫الرأي وال ّدميُقراطيّة؟‪ ،‬إذا أين ال ّدميُقراطيّة وأين ُحريّة ّ‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪289‬‬

‫شيء آخر‪ :‬حنن املسلمون لدينا شيء امسه احلياء‪ ..‬حديث أيب هريرة ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬عند البخاري ‪ -¬-‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬اإلميان بضع وستون‬
‫ُشعبة‪ ،‬واحلياء ُشعبة من اإلميان)‪.‬‬

‫مر على رجل من األنصار‬


‫وعند البخاري أيضا‪ ،‬عن ابن عمر أن الرسول ‘ ّ‬
‫أضر احلياء الذي‬ ‫ِ‬
‫وهو يعظ أخاه يف احلياء‪ ..‬ويف رواية أخرى‪ :‬كأنه يقول له قد ّ‬
‫فيا؛ فقال الرسول ‘‪َ ( :‬دعهُ فإن احلياء من اإلميان)‪.‬‬

‫ُناس على أمر من هذه‬


‫إذا هل ممكن أن نعيش يف جمتمع أو أن نقبل أن يقدم أ ٌ‬
‫الفواحش‪ ،‬وحنن من ديننا أن لدينا شيء امسه احلياء؟!‬

‫يؤدبنا ربّنا يف كتابه؟‬


‫الحظ يف مسألة‪ :‬املسائل اليت ختدش احلياء‪ ،‬كيف ّ‬
‫حنن قلنا جرائد وجمالت وقنوات وفضائيات‪ ..‬كلها عن العالقة بني الرجل‬
‫واملرأة‪ ،‬بينما يف كتاب ربّنا عندما حيدثنا عن العالقة بني الرجل واملرأة يقول هكذا‪:‬‬
‫َح ٌد ِّمن ُكم ِّم َن الغَائِ ِط أَو َال َمستُ ُم النِّ َساءَ﴾ [النساء‪ .]43:‬أنا أفهم إيش‬
‫﴿أَو َجاءَ أ َ‬
‫المستم‪ ،‬لكنها ما ختدش احلياء‪ ..‬أدب‪ ..‬يؤدبنا هللا ¸ كيف نتكلم‪.‬‬

‫ََّن يَ ُكو ُن ِ َولَ ٌد َوَمل َمي َسس ِين بَ َشٌر﴾ [آل عمران‪ .]47:‬أنا‬
‫بأ ٰ‬ ‫عن مرمي‪﴿ :‬قَالَت َر ِّ‬
‫أفهم إيش ميسسين‪ ،‬لكنها ما ختدش احلياء‪.‬‬

‫اب َعلَي ُكم َو َع َفا َعن ُكم ۚ فَاآل َن‬ ‫ِ‬


‫﴿عل َم اَللُ أَن ُكم ُكنتُم َختتَانُو َن أَن ُف َس ُكم فَـتَ َ‬
‫َ‬
‫ث ل ُكم فَأتُوا‬‫باشروهن‪﴿ ،‬نِ َسا ُؤُكم َحر ٌ‬
‫ّ‬ ‫وهن﴾ [البقرة‪ .]187:‬أنا أعرف إيش معىن‬ ‫ِ‬
‫بَاش ُر ُ‬
‫نتفوه هبا ألهنا‬ ‫حرثَ ُكم أ ٰ ِ‬
‫ََّن شئتُم﴾ [البقرة‪ ،]223:‬أنا أفهم‪ ،‬لكن جتد هذه الكلمات ّ‬ ‫َ‬
‫ال ختدش احلياء يف مسألة متعلقة بني الرجل واملرأة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪290‬‬

‫أهؤالء يُقال هلم ُحريّة رأي؟!‪ ،‬إذا كيف توفق بني احلياء الذي هو من اإلميان‪،‬‬
‫الرأي وإشاعة الفاحشة يف وسط املؤمنني؟!‬
‫وبني ُحريّة ّ‬

‫أتفوه هبا يسمعها هللا ¸‪ ،‬كل كلمة ّ‬


‫أتفوه‬ ‫وشيء آخر‪ :‬أننا نعلم أن كل كلمة ّ‬
‫مين؛ إذا من هنا‬
‫هبا‪ ،‬وكل أمر أقدم عليه أعلم يقينا أن هللا ¸ قد مسع تلا الكلمة ّ‬
‫أتقيد يف الكلمة اليت أتفوه هبا خشية أن أ ِ‬
‫ُمسع هللا ¸ ما ال يرضاه مين وال يقبله مين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقد يعاقبين عليه‪.‬‬

‫ا ِيف َزوِج َها‬ ‫ِ‬


‫ودليل ذلا‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَد َِمس َع اَللُ قَـوَل ال ِيت ُجتَادلُ َ‬
‫َوتَشتَ ِكي إِ َىل اَللِ َواَللُ يَس َم ُع َحتَ ُاوَرُك َما﴾ [اجملادلة‪ .]1:‬تقول أمنا عائشة ‪~-‬‬
‫وأرضاها‪" :-‬تبار الذي وسع مسعه كل شيء‪ ،‬إو ألمسع كالم خولة بنت ثعلبة‬
‫وخيفى علي بعضه‪ "..‬كيف؟‬

‫أنت تعلم أن حجرة أمنا عائشة صغرية‪ ،‬ويف داخل هذه احلجرة الرسول ‘‬
‫واملرأة وأمنا عائشة‪ ،‬الدليل على صغر هذه احلجرة أن الرسول عندما كان يصلي من‬
‫الليل ‘ عندما كان يريد أن يسجد ما يستطيع‪ ،‬ألن عائشة كانت تنام أمامه‪،‬‬
‫فيمسها يف رجلها فتقبض رجليها فيسجد‪ ،‬مث إذا قام كانت متد رجليها‪ ،‬إذا احلجرة‬
‫صغرية‪ ،‬ومع هذا تقول أمنا عائشة ما كنت أمسع كثريا مما تقوهلا‪ ،‬فأنزل هللا ¸‪:‬‬
‫ا ِيف َزوِج َها﴾‪ ،‬هذا ديننا وهذه ضوابطنا‪ ،‬وهذه‬ ‫ِ‬
‫﴿قَد َِمس َع اَللُ قَـوَل ال ِيت ُجتَادلُ َ‬
‫الرأي‪..‬‬
‫ال ّدميُقراطيّة وهذه ُحريّة ّ‬
‫إذا من هنا أعلم ملاذا يريدوهنا دميُقراطيّة وملاذا يريدوهنا ُحريّة رأي؛ ألنه ال يوجد‬
‫أمامهم من وسيلة للقضاء على هذا الدين ‪-‬زعموا‪ -‬إال أن حيملوا املسلمني على‬
‫الرأي‪.‬‬‫ال ّدميُقراطيّة وأن حيملوهم على ُحريّة ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪291‬‬

‫هنا احلرية األخرية إن شاء هللا نتناوهلا ألهنا مسألة ما تأخذ منّا على ما تنتهون‬
‫وهي احلرية الشخصية‪.‬‬
‫َّ ْ‬ ‫َن ْأتي إلى ُ‬
‫الح ِري ِة الشخ ِص َّي ِة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫إيش هذه املصيبة الثالثة؟‪ ،‬احلرية الشخصية أي أن يفعل اإلنسان ما يشاء‪ ،‬وال‬
‫ُحياسب من قِبل أحد‪.‬‬

‫مثل واحد‪ :‬أتعلم أن يف أمريكا‬‫ال أُطيل يف احلديث كثريا‪ ،‬فقط أختصر على ٍ‬
‫مخسني مليون من الشاذين جنسيا؟‪ ،‬أي‪ :‬الذين يعملون عمل قوم لوط‪ ..‬مخسني‬
‫مليون من أصل ‪ 350‬مليون!!‪ ،‬يعين ُسبع الشعب األمريكي ُميارسون عمل قوم‬
‫لوط‪ ،‬ستة‪ ،‬واحد ميارس‪ ،‬ستة‪ ..‬واحد ميارس‪ ،‬من أين جاءت هذه املصيبة؟!‪ ،‬من‬
‫احلرية الشخصية‪ ،‬فأجازوا للرجل أن يتزوج بالرجل؛ وهو ما عرف بالقوانني األوروبية‬
‫اآلن بزواج املثليني‪ ،‬أي‪ :‬يتزوج برجل مثله‪ ،‬وهنا عقد وهنا كتاب‪ ،‬وهنا ضوابط‬
‫لتنظيم هذا األمر‪.‬‬

‫كيف؟‪ ،‬قال ألن هذه من احلرية الشخصية‪ ،‬أنت ما تستطيع أن متنع إنسانا من‬
‫أن ميارس يف جسده ما يراه لنفسه‪ ،‬ففي البالد ال ّدميُقراطيّة إذا خرج املسلم من البيت‬
‫إىل املسجد‪ ،‬ورأى نساء كاسيات عاريات‪ ،‬ما يستطيع أن يقول شيئا‪ُ ..‬حريّة‬
‫شخصيّة!!‪ ،‬ورأى أُناسا يزنون يف قارعة الطريق‪ ،‬ما يستطيع أن يقول شيئا‪ ..‬هذه‬
‫ُحريّة شخصيّة!‪ ،‬ورأى أُناسا يعملون عمل قوم لوط‪ ،‬ما يستطيع أن يعمل شيئا‪..‬‬
‫هم أحرار‪ُ ،‬حريّة شخصيّة!‪ ،‬ورأى أُناسا يشربون اخلمر‪ ،‬ما يستطيع أن يعمل شيئا‪..‬‬
‫مر جبزيرةٍ تُعرف جبزيرة العراة‪ ،‬ما يستطيع أن يعمل شيئا؛‬
‫ُحريّة شخصيّة هذه!!‪ ،‬وإذا ّ‬
‫ألن هذه من احلُريّة الشخصيّة!!‪ ،‬يف بالد أوروبا باحلرية الشخصية لديهم جزر‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪292‬‬

‫ُمصصة‪ ،‬أماكن تعرف جبزيرة العرايا؛ أي أن الرجل واملرأة ما تدخل إال بعد أن تتعرى‬
‫ميل من‬
‫كليا!! أما قضية تبادل األزواج‪ ،‬فهذا أيضا من احلُريّة الشخصيّة‪ ،‬الرجل قد ّ‬
‫زوجته لفرتة‪ ،‬فال ضري أن يعطي زوجته لفالن ويستعري زوجة فالن؛ ألن هذه من‬
‫احلُريّة الشخصيّة!!‬

‫فأين يلتقي اإلسالم بال ّدميُقراطيّة؟‪ ،‬وأين اإلسالم من هذه األركان؟‪ ،‬أقول قو‬
‫هذا‪ ،‬وأستغفر هللا ‪ ،‬ولكم وجزاكم هللا خريا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪293‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪294‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫س َعشر‬ ‫الدرس الس ِاد‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ‬
‫اطي ِة‪:‬‬ ‫الديمقر ِ‬ ‫أرك ِان ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََُْ ُ‬
‫مبدأ اِلساو ِاة‬
‫بسم هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق ًّ‬
‫حقا‬
‫باطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأعنّا على اتّباعه‪ ،‬وأرنَا ال َ‬
‫وانفعنا ا علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم‬
‫ويسر‬
‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫نلقا ‪ ،‬وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫رب اشر‬
‫أمري‪ ،‬واحلُل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها‬
‫خالصا وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫انتهينا من احلديث ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬عن تعريف ال ّدميُقراطيّة وعالقتها‬


‫باإلسالم‪ ،‬مث كان احلديث عن الركن األول من أركان ال ّدميُقراطية‪ُ :‬حريّة العقيدة‪ ،‬مث‬
‫الرأي‪ ،‬مث احلُريّة الشخصيّة‪ ،‬وسنتناول اليوم بإذن هللا تعاىل جانبا آخر من‬ ‫ُحريّة ّ‬
‫املسائل املتعلّقة بال ّدميُقراطيّة وهي‪:‬‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ ُ ُ‬
‫مسألة اِلساو ِاة‪.‬‬
‫فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬النُّظم ال ّدميُقراطيّة أينما كانت قائمة على أساس‬
‫املساواة بني أبناء اجملتمع دون تفرقة بني الذكور واإلناث‪ ،‬ودون تفرقة بسبب األديان‬
‫ُ‬
‫أو بسبب املذاهب‪ .‬وهذا األمر جاء يف املادة (‪ )14‬من الدستور العراقي‪ ،‬واملادة‬
‫تنص على أن‪" :‬العراقيني ُمتساوون أمام القانون‪ ،‬دون متييز بسبب اجلنس أو‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪295‬‬

‫الدين أو املذهب أو العقيدة أو الالة الجتماعيّة"‪ .‬جتاوزت بعض املفردات‪،‬‬


‫وذكرت ما يهمنا من مفردات هذه املادة يف الدستور العراقي‪.‬‬

‫نقف يف حديثنا عن الـ ُمساواة أمام ثالث مفردات جاءت يف هذا الدستور ‪-‬‬
‫وهذا معمول به يف مجيع البلدان ال ّدميُقراطيّة‪:-‬‬

‫أن الناس مجيعا ُمتساوون‪ ،‬ال فرق من ناحية اجلنس؛ أي أن املرأة ال ختتلف عن‬
‫الرجل‪َ ،‬ه َذا األَم ُر األَو ُل‪.‬‬

‫اآلخ ُر الذي سنقف عنده إن شاء هللا تعاىل‪ :‬كذلا ُمتساوون أمام القانون‬ ‫األَم ُر َ‬
‫دون متييز بسبب الدين؛ أي أن املسلم واليزيدي والنصراو والرافضي واآلشوري‬
‫والكلداو والشيوعي كلهم على السواء وجب هذا القانون‪ ،‬ألن الدولة دميُقراطيّة‪،‬‬
‫ف ِعن َد َها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ومن مبادئ ال ّدميُقراطيّة‪ :‬ال ُـمساواة بني الناس‪َ ،‬هذه أيّضا َحالَةٌ َسنَق ُ‬
‫احلَالَةُ الثالِثَةُ‪ :‬الرافضة ألهنم يعلمون أن أهل السنة ال يعرتفون هبم؛ فجعلوا أيضا‬
‫الـ ُمساواة يف املذهب‪ ،‬أدخلوا كلمة "املذهب" يف الدستور العراقي‪ ،‬فقالوا‪ :‬العراقيون‬
‫ُمتساوون أمام القانون دون متييز بسبب اجلنس أو الدين أو املذهب‪ ،‬ونقف عند هذا‬
‫املذهب حىت نعلم حىت حنن سواسية أم غري ذلا‪.‬‬

‫إذًا نَيق ُ يع ْن َد ال َم ْسأَلَ ية األ َ‬


‫ُول‪" :‬العراقييون ُمتساوون أمام القانون دون متييز‬
‫بسبب اجلنس" وهل املرأة تُساوي الرجل‪ ،‬والرجل يُساوي املرأة يف ديننا احلنيف؟‬

‫نأيت إىل التفاصيل‪ :‬وكالمي هذا سيكون مبنيًّا على اآليات واألحاديث‪ ،‬وال‬
‫يعين االستنقاص من أخواتنا أو أمهاتنا أو بناتنا‪ ،‬وإمنا هذا شرع ندين هللا ¸ به‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪296‬‬

‫فاملسألة األوىل‪ :‬أن الرجل ال يُساوي املرأة يف ديننا احلنيف‪ ،‬وال املرأة ُمتاثل الرجل‬
‫يف ديننا احلنيف‪ ،‬والفروقات بني الذكر واألنثى تنقسم إىل قسمني‪:‬‬

‫قسم من هذه الفروقات قدريّة كونيّة‪ :‬أي أن هللا ¸ ق ّدر أن يكون األمر عند‬
‫الرجل هكذا وعند النساء كذا‪ ..‬إذا قسم من الفروقات كونيّة قدريّة‪.‬‬

‫نص على بعض‬ ‫أما القسم الثاو من الفروقات فهذه شرعيّة‪ :‬أي أن هللا ¸ ّ‬
‫الفروقات بني الرجل واملرأة يف املسائل الشرعيّة‪ ،‬وأما بالنسبة إىل الفروقات القدريّة‬
‫الكونيّة بني الرجل واملرأة‪:‬‬

‫طبعا احلديث يكون عن جنس الرجال مع جنس النساء‪ ،‬ال عن مفردات الرجال‬
‫مع مفردات النساء‪ ،‬ال‪ ..‬جنس الرجال خيتلفون عن جنس النساء‪ ،‬والفروقات‬
‫القدرية‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬من حيث البنية واهليأة‪ ،‬فالرجل خيتلف بتقدي ٍر كوو إهلي عن هيأة املرأة‬
‫وعن بُنيتها‪ ،‬فاهلل تبار وتعاىل جعل القوة يف جنس الرجال‪ ،‬وجعل الضعف يف‬
‫جنس النساء من ناحية البنية اجلسديّة‪ ،‬دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪ :‬املرأتان اللتان‬
‫كانتا ترعيان الغنم ونيب هللا موسى سقى هلما‪ ،‬فاقرتحت إحدى البنات على أبيها‬
‫ني﴾ [القصص‪]26:‬؛‬ ‫ت استَأ ِجره إِن خيـر م ِن استَأجرت ال َق ِو ُّ ِ‬
‫قالت‪﴿ :‬يا أَب ِ‬
‫ي األَم ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ألهنا رأت من نيب هللا موسى القوة‪.‬‬

‫وهذا ال يعين أن نيب هللا موسى وحده هو القوي لوحده‪ ،‬بل كل من يتمكن من‬
‫وضع احلجارة يف فم البئر فهو قوي‪ ،‬وكل من يتمكن من أن يرفع احلجارة فهو قوي‪،‬‬
‫يل ممكن أن يُستدل به‪.‬‬‫ي‬
‫ويقينا هذه املرأة ما كانت تستطيع ذلا‪َ ،‬ه َذا َدل ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪297‬‬

‫ضيـنَا إِ َ ٰىل بَِين‬ ‫َّأما َّ ي‬


‫اآلخ ُر‪ :‬قول هللا تبار وتعاىل عن بين إسرائيل‪َ :‬‬
‫﴿وقَ َ‬ ‫يل َ‬ ‫الدل ُ‬
‫ني َولَتَـعلُن عُلًُّوا َكبِريا ۝ فَِإ َذا َجاءَ َوع ُد‬ ‫اب لَتُـف ِس ُدن ِيف األَر ِ‬
‫ض َمرتَـ ِ‬ ‫إِسرائِيل ِيف ال ِكتَ ِ‬
‫َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوال ُُهَا بَـ َعثـنَا َعلَي ُكم عبَادا لنَا أُوِ بَأ ٍس َشديد﴾ [اإلسراء‪ .]5-4:‬الذيني ذهبوا ملقاتلة‬ ‫أَ‬
‫ُ‬
‫اليهود كانوا رجاال صرفا ما كان فيهم نساء‪ ،‬وهللا ¸ وصفهم بأهنم أولو بأس‬
‫شديد‪ ،‬وهذا الوصف يكون يف الرجال وال يكون يف النساء‪.‬‬

‫وكذلا‪ :‬نيب هللا سليمان عندما أرسل الرسالة إىل سبأ‪ ،‬وجاء الرد‪ ،‬وبعد ذلا‬
‫ود ال قِبَ َل َهلُم ِهبَا﴾ [النمل‪ .]37:‬يقينا هؤالء‬
‫جاءت اهلدية‪ ،‬قال‪﴿ :‬فَـلَنَأتِيـنـهم ِجبنُ ٍ‬
‫َُ ُ‬
‫اجلنود دائما يكونون من صنف الرجال وال يكونون من صنف النساء عرب التاريخ‪،‬‬
‫نيته خيتلف عن املرأة يف بنيتها‪ ،‬هذا من ناحية القوة‬ ‫إذا بقدر كوو إهلي الرجل يف ب ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ ّ‬
‫البدنية‪.‬‬

‫أثبت أن القوة يف الرجال‪ ،‬كيف تُثبت أن الضعف يف النساء؟‬


‫بعد أن ّ‬
‫نسا َن بَِوالِ َدي ِه َحَلَتهُ أ ُُّمهُ َوهنا َعلَ ٰى َوه ٍن‬ ‫ِ‬
‫﴿وَوصيـنَا اإل َ‬
‫يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ني﴾ [لقمان‪ ،]14:‬املرأة يف األصل هي واهنة ضعيفة‪ ،‬عندما حتمل‬ ‫صالُهُ ِيف َع َام ِ‬ ‫ِ‬
‫َوف َ‬
‫تزداد ضعفا وتزداد وهنا‪ ..‬إذا وهنا على وهن‪ ،‬يف األصل هي ضعيفة وعندما حتمل‬
‫تزداد ضعفا على ذلا الضعف الذي أساسا هي فيه‪.‬‬

‫نسا َن بَِوالِ َدي ِه َحَلَتهُ أ ُُّمهُ َوهنا َعلَ ٰى َوه ٍن﴾‪ ،‬إذا كل أم فيها وهن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وَوصيـنَا اإل َ‬
‫إذا َ‬
‫وعندما حتمل تكون أكثر وهنا من ذي قبل‪ ..‬إذا الوهن يف األصل والضعف يف‬
‫بالقدري والكووّ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األصل‪ .‬هذا الفارق األول‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪298‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬فمن ناحية الوظيفة‪ :‬هللا تبار وتعاىل جعل للنساء وظائف‬ ‫َّأما ال َِا ير ُق َ‬
‫ال تكون يف الرجال‪ ،‬ومن بني هذه الوظائف‪ :‬مسألة احلمل‪ ،‬قال هللا تبار وتعاىل‪:‬‬
‫نسا َن بَِوالِ َدي ِه َحَلَتهُ أ ُُّمهُ﴾‪ .‬إذا احلمل ال يكون إال يف النساء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وَوصيـنَا اإل َ‬
‫َ‬
‫اها َحَلَت‬ ‫وكذلا قول هللا تبار وتعاىل يف [سورة األعراف‪﴿ :]189:‬فَـلَما تَـغَش َ‬
‫َحال خ ِفيفا فَمرت بِِه ۚ فَـلَما أَثـ َقلَت دعوا اَلل ربـهما لَئِن آتَـيتـنا ص ِ‬
‫احلا لنَ ُكونَن ِم َن‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين﴾‪ ،‬إذا جنس املرأة مع ّد للحمل‪ ،‬وهذا ال يكون يف الرجال وهذا فارق كووّ‬ ‫الشاك ِر َ‬
‫إهلي‪ ،‬هذا من ناحية احلمل‪.‬‬ ‫قدري ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلجناب‪ :‬يكون يف النساء‪ ،‬اإلجناب أيضا يكون يف النساء وليس يف الرجال‪،‬‬
‫س‬‫ض َعت َولَي َ‬ ‫ضعتُـ َها أُنثَ ٰى َواَللُ أَعلَ ُم ِ َا َو َ‬
‫ب إِِّو َو َ‬‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَالَت َر ِّ‬
‫الذ َك ُر َكاألُنثَى﴾ [آل عمران‪ ،]36:‬امرأة عمران عندما حلت ونذرت أن اجلنني‬
‫سيكون خادما يف بيت املقدس على أنه سيكون ذكرا‪ ،‬لكن ملا وضعت وإذا باملولود‬
‫س الذ َك ُر‬
‫ض َعت َولَي َ‬ ‫ضعتُـ َها أُنثَ ٰى َواَللُ أَعلَ ُم ِ َا َو َ‬ ‫ض َعتـ َها قَالَت َر ِّ‬
‫ب إِِّو َو َ‬ ‫أنثى ﴿فَـلَما َو َ‬
‫َكاألُنثَ ٰى﴾‪ ،‬إذا مسألة احلمل واإلجناب تقدير كوو إهلي يف جنس النساء‪.‬‬

‫بعد ذلا تأيت مرحلة الرضاعة‪ :‬هذا أيضا من ضمن عمل النساء وفارق بني‬
‫ات يـُر ِضع َن أَوَال َد ُهن‬ ‫ِ‬
‫﴿وال َوال َد ُ‬
‫جنس الرجال وجنس النساء‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫اعةَ﴾ [البقرة‪ ،]233:‬إذا هذه أصبحت من‬ ‫ِ‬ ‫ني َك ِاملَ ِ ِ‬
‫َحولَ ِ‬
‫ضَ‬ ‫ني ۚ ل َمن أ ََر َاد أَن يُتم الر َ‬
‫ضمن وظائف املرأة وليست من ضمن وظائف الرجل‪ ،‬فال ميكن على اإلطالق أن‬
‫نقول أن الرجل يُساوي املرأة أو املرأة تساوي الرجل‪.‬‬

‫اآلخ ُر أيضا من الفروقات القدرية الكونية‪ :‬أن جنس الرجال أفضل من‬ ‫َّ‬
‫الِّ ْيءُ َ‬
‫ال قَـو ُامو َن َعلَى النِّ َس ِاء﴾ [النساء‪.]34:‬‬ ‫جنس النساء‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪ِّ :‬‬
‫﴿الر َج ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪299‬‬

‫ض﴾ إذا هذه القوامة جاءت نتيجة األفضلية‬ ‫بإيش؟‪َ ِ﴿ ،‬ا فَض َل اَللُ بَـع َ‬
‫ض ُهم َعلَ ٰى بَـع ٍ‬
‫بني الرجال وبني النساء‪ ،‬لكن هذه األفضلية ممن؟‪ ،‬من هللا ¸‪ ،‬وهلذا ال جتد رجال‬
‫يفتخر بأنه رجل وال جتد املرأة جتد يف نفسها شيء من أهنا امرأة‪ ،‬ألهنا كانت مشيئة‬
‫هللا ¸ القدرية أن ُخيلق فالن ذكرا وأن ُختلق فالنة أنثى‪ ،‬إذا الرجال ّقوامون على‬
‫فضل هللا بعضهم على بعض‪ ،‬هذه من الفروقات القدرية الكونية بني‬ ‫النساء ا ّ‬
‫الرجال وبني النساء‪.‬‬

‫ي‪ :‬أن املرأة تعرتيها بعض احلاالت اليت ال تكون للرجال‪،‬‬ ‫آخ ُر قَ َد ير ّ‬
‫فَا ير ٌق َ‬
‫قدري‬
‫وبسبب هذه احلاالت املرأة ترت الصالة وترت الصوم أيضا‪ ،‬هذا أيضا فار ٌق ّ‬
‫إهلي‪ ،‬كل امرأة بلغت تعرتيها هذه احلاالت اليت ذكرهتا وهذا فارق قدري كوو‪.‬‬
‫ي‬ ‫اك فَا ير ٌق َ ي‬
‫ب‬‫آخ ٌر أُشريُ إلَيه‪ :‬أن هللا تبار وتعاىل جعل من طبيعة املرأة أهنا ُحت ّ‬ ‫ُهنَ َ‬
‫التحلّي والتزيّن‪ ،‬وجتدها ضعيفة أيضا يف اخلصومات‪ ،‬يقول تبار وتعاىل‪﴿ :‬أ ََوَمن‬
‫ص ِام َغيـر ُمبِ ٍ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ني﴾ [الزخرف‪ ،]18:‬جنس املرأة ُحتب دائما‬ ‫يـُنَشأُ يف احلليَة َوُه َو يف اخل َ ُ‬
‫وحتب دائما التحلّي‪ ،‬هذا ال جتده يف الرجال وإذا ُوِجد فالفارق يف نوع الزينة‬ ‫التزيّن ُ‬
‫بني الرجل وبني املرأة وإمنا املرأة منذ طفولتها جتدها متيل إىل التحلي وإىل ما ذكره هللا‬
‫¸‪.‬‬
‫ص ِام َغيـر ُمبِ ٍ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ني﴾ جنس النساء عندما تريد أن‬ ‫﴿أ ََوَمن يـُنَشأُ يف احلليَة َوُه َو يف اخل َ ُ‬
‫تُدافع وأن تُقيم احلجة غالبا ال تستطيع‪ ،‬وهلذا يقول قتادة ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬كما‬
‫ينقل عنه اإلمام القرطيب‪ ،‬قال‪" :‬ما تكلمت امرأة وهلا حجة إال كانت عليها"‪ .‬امرأة‬
‫تتكلم وهلا حجة‪ ،‬يف النهاية تقيمها على نفسها‪ ،‬ألهنا ال تستطيع أن تُدافع عن‬
‫نفسها‪ ،‬هذا جنس النساء‪ ،‬ولكن قد يكون يف النساء من تستطيع أن تقيم احلجة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪300‬‬

‫أكثر من فالن من الرجال ومن فالن من الرجال‪ ،‬لكن الصبغة العامة للنساء هذا‬
‫الذي ذكره هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫ني لَنَا أن هنالا فروقات من ناحية البنية والقوة اجلسدية‪ ،‬وبعد لا‬ ‫فَيإذَا تَبَ َّ َ‬
‫النقاط اليت ذكرهتا من حاالت احلمل واإلجناب والوضع والرضاعة وبسبب ميلها إىل‬
‫التزيّن وعدم قدرهتا على اخلصومة‪ ،‬كل هذه املواصفات ال تكون يف األنبياء‪ ،‬فكان‬
‫اختيار هللا ¸ القدري الكوو أن األنبياء يكونون من الرجال وال يكونون من‬
‫ُّوحي إِلَي ِهم ۚ فَاسأَلُوا أَه َل ال ِّذك ِر إِن‬
‫ا إِال ِرجاال ن ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫﴿وَما أَر َسلنَا ِمن قَـبل َ‬
‫النساء‪َ ..‬‬
‫ُكنتُم َال تَـعلَ ُمو َن﴾ [النحل‪.]43:‬‬

‫هذه الفروقات نُثبتها‪ ،‬وإن كان القانون أو الدستور يثبتها أو ال يثبتها ال شأن‬
‫لنا هبم‪ ،‬ولكن يقينا هم ال يريدون أن يُثبتوا هذه الفروقات ألن هذه فروقات شرعية‪،‬‬
‫الشرعية بني الرجل‬
‫س الذ َك ُر َكاألُنثَ ٰى﴾‪ ،‬أما الفروقات ّ‬
‫﴿ولَي َ‬
‫هذا اجلزء األول إلثبات َ‬
‫وبني املرأة يف ديننا احلنيف‪:‬‬

‫ال َِا ير ُق األَ َّو ُل‪ :‬أن هللا ¸ عندما جعل القوامة للرجل يف األسرة ترتّب على هذه‬
‫القوامة أن اإلنفاق عليها وعلى أهل البيت يكون من ضمن عمل الرجل ويُلقى على‬
‫ِ ِِ‬ ‫كاهله اإلنفاق‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪ِّ :‬‬
‫ال قَـو ُامو َن َعلَى النّ َساء َا فَض َل اَللُ‬
‫﴿الر َج ُ‬
‫ض َوَِا أَن َف ُقوا ِمن أَم َواهلِِم﴾؛ إذا األفضلية جاءت من ناحيتني‪:‬‬ ‫ض ُهم َعلَ ٰى بَـع ٍ‬
‫بَـع َ‬
‫القوامة‪ ،‬واإلنفاق‪ ،‬فجعل هللا تبار وتعاىل تشريعا أن الرجل هو الذي يُكلّف‬
‫باإلنفاق على املرأة‪.‬‬

‫ويقينا دعاة حترير املرأة وقفوا عند هذه اآلية وعلموا أن أحد أسباب كون القوامة‬
‫املادي‪ ،‬فأرادوا أن يوظفوا املرأة حىت‬
‫ّ‬ ‫للرجل وأن الكلمة يف األسرة تكون له‪ :‬اجلانب‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪301‬‬

‫تتخلص من سيطرة الرجل‪ ،‬ألهنا إذا أصبح هلا وارد ما هذا يعين بأن القوامة ال‬
‫تكون للرجل يف األسرة‪ ،‬ألن الرجل طاملا هو ينفق فله القوامة‪ ،‬أما إذا أصبح هلا مورد‬
‫ما هذا يعين بأهنا ختلصت من قوامة الرجل يف مسألة املال؛ ومن هنا أرادوا أن‬
‫يدفعوا املرأة إىل العمل وإىل الوظيفة لكي يكون هلا راتب شهري ومصدر ما ّ‪.‬‬

‫تغريت‪،‬‬
‫وحقيقة ما زادوا املرأة بذلا إال أعباء على عبئها‪ ،‬فبقيت هي امرأة ما ّ‬
‫كل الذي فعلوه أهنم زادوا أعباء الوظيفة على أعباء البيت فضيّعت بيتها ألجل‬
‫مصد ٍر ما ‪ ،‬وكان هللا ¸ قد جعلها إىل الرجل وهو يتكفل باإلنفاق عليها‪..‬‬
‫فتجدها من الصبح تودع األطفال يف الروضة‪ ،‬وبعد ذلا تذهب إىل عملها مث تعود‬
‫منهكة‪ ،‬فال هي تستطيع أن تقوم بأمور البيت وال تطلبات احلياة الزوجية وال برتبية‬
‫األبناء‪ ،‬كل هذا يضيع مقابل أن تنال راتبا لكي ال تكون القوامة للرجل يف البيت‪،‬‬
‫هكذا ظنوا‪ ،‬ولكنهم أساؤوا ما أصلحوا‪.‬‬

‫إذا هذه القوامة من الناحية الشرعية ترتب عليها اإلنفاق‪ ..‬طبعا هذه احلالة يف‬
‫بالد أوروبا ال يعيشوهنا‪ ،‬ال أدري مرة قرأت يف أي كتاب‪ ..‬أن رجال كان يف بالد‬
‫أوروبا فرأى امرأة كبرية يف السن تعمل‪ ،‬يعين عمرها ال يساعد على أن تعمل يف‬
‫لا ابن ينفقون عليا‬ ‫لا زوج‪ ،‬أما ِ‬ ‫تنظيف البيت وما إىل ذلا‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أما ِ‬
‫أنت يف هذا العمر تعملني؟!‪ ،‬قالت‪ :‬وإن وجدوا فهم غري مكلفني أن ينفقوا علي‪،‬‬ ‫و ِ‬
‫أنا أنفق على نفسي‪ ،‬فقال هلا‪ :‬حنن يف ديننا االبن واألب أو الزوج هم الذين يقومون‬
‫أنت ما تعملني أي شيء‪ ..‬قالت هذه األمور حنن ال تعرفها يف بالدنا‪ ،‬إذا‬ ‫باإلنفاق‪ِ ،‬‬
‫س الذ َك ُر َكاألُنثَ ٰى﴾‪.‬‬
‫﴿ولَي َ‬
‫شرعي بني الذكر واألنثى َ‬
‫هذا فارق ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪302‬‬

‫ال َِا ير ُق َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬بسبب القوامة طاملا أن هللا ¸ جعل الوالية يف األمر يف داخل‬
‫حل املشاكل أيضا إىل الرجل وليس إىل املرأة‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل‬ ‫البيت للرجل‪ ،‬إذا ّ‬
‫وضع جمموعة من احللول حلل املشاكل بني الرجل وبني زوجته فيما إذا بدأت تعصيه‬
‫﴿والالِيت َختَافُو َن نُ ُش َوزُهن‬
‫ونشزت عليه وبدأت ال تطيعه‪ ..‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫وهن ۚ فَِإن أَطَعنَ ُكم فَ َال تَـبـغُوا َعلَي ِهن‬ ‫فَعِظُوهن واهجروهن ِيف الم ِ‬
‫ضاج ِع َواض ِربُ ُ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ُُ ُ‬
‫َسبِيال ۚ إِن اَللَ َكا َن َعلِيًّا َكبِريا﴾ [النساء‪ ،]34:‬إذا هذه القوامة شرعا يف األسرة‬
‫املسلمة جعلها هللا ¸ إىل الرجل فيما إذا جنم إشكال أو مشكلة بني الرجل وبني‬
‫زوجته‪- ..‬نشزت عىن بدأت ال تطيع زوجها‪ ،-‬احللول اليت وضعها هللا ¸ هذه‬
‫حلول شرعية ندين هللا ¸ هبا‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن الذي خلق املرأة علم ما الذي يقوم‬
‫طبعها‪ ،‬خالق الشيء أدرى ا خلق‪ ،‬خلق املرأة ويعلم طبع املرأة‪ ،‬فإذا جنم إشكال‬
‫بني الرجل وبني زوجته إىل من يلجؤون؟‪ ،‬هللا ¸ قال الرجل هو الذي حيل هذا‬
‫اإلشكال‪.‬‬

‫وهن﴾‪ ،‬وهذه مسائل قد نفتقدها‬ ‫ِ‬


‫الطريقة األوىل‪ :‬أن يبدأ الرجل بالنصح ﴿فَعظُ ُ‬
‫يف كثري من أسرنا املسلمة‪ ،‬الرجل جتده بدأ من حيث انتهى هللا ¸ آخر الشيء‬
‫الطالق‪ ،‬هو أول ما يبدأ به الطالق أو يبدأ بالضرب‪ ،‬وهذا ال ُيوز شرعا؛ ألن هللا‬
‫تدرج هبذه احللول حىت إذا ال مل ُُي ِد احلل األول تنتقل إىل احلل الثاو‬
‫تبار وتعاىل ّ‬
‫فاحلل األول أن تنصحها‪ ،‬أن تُذ ّكرها باهلل ¸‪ ،‬وقد يكون يف قول رسول هللا ‘‪:‬‬
‫(‪)51‬‬
‫يكفي أن‬ ‫(أميا امرأة باتت وزوجها عليها ساخط لعنتها املالئكة حىت تصبح)‪.‬‬
‫تعلم هذا احلديث حىت بعد ذلا ختضع حلكم هللا ¸ وليس حلكم الرجل‪.‬‬

‫(‪‹‹ )51‬أخرجه اإلمام أحد ¬ يف ُمسنده‪.‬‬


‫=‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪303‬‬

‫ولكن هذا ال يعين أن بعد النصيحة مباشرة جتد اآلثار ظهرت عليها‪ ،‬قد حيتاج‬
‫حال لإلشكال انتهى اإلشكال‪،‬‬ ‫األمر إىل وقت فعليا أن تصرب‪ ،‬فإذا كانت املوعظة ًّ‬
‫أما إذا وجدت أن النصح ال ُُيدي نفعا فاهلل تبار وتعاىل علّما أن هتجرها يف‬
‫املضاجع‪ ،‬ومسألة اهلجر يف املضاجع ‪-‬كما قال العلماء‪ :‬إن هللا ال يستحي من‬
‫احلق‪ -‬أن يُدير الرجل ظهره إىل زوجته أو أن ينام يف غرفة أخرى‪ ،‬وأنت تعلم‪ ،‬أو‬
‫قبل أن تعلم أنت‪ ،‬هللا ¸ يعلم مدى تأثري هذا اإلجراء يف املرأة؛ وهلذا قال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫﴿واهجروهن ِيف الم ِ‬
‫وهن﴾‪ ،‬املرأة املسلمة ما‬‫﴿واض ِربُ ُ‬
‫ضاج ِع﴾‪ ،‬فإذا مل ُُيد نفعا قال‪َ :‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُُ ُ‬
‫ينبغي هلا أن تستنكر هذا احلل الربّاو‪ ،‬ألن الرجل ليس برجولته وال بقوامته وال ببنيته‬
‫وال جبسده قال هذا حل‪ ،‬ال‪ ..‬الذي وضع هذا احلل خالق املرأة وخالق الرجل؛ ألن‬
‫من النساء من ال تستقيم إال بالضرب‪ ،‬وأنت تعلم الضوابط الشرعيّة يف مثل هذه‬
‫املسائل‪ :‬ال ُيوز ضرب الرأس وما حوى‪ ،‬وال ضرب البطن أيضا‪ ،‬وإمنا قد يكون على‬
‫الظهر أو على الرجلني‪ ،‬وقيل أن عطاء ‪ -¬-‬سأل ابن عباس ‪ -ƒ-‬عن هذا‬
‫الضرب‪ ،‬قال‪ :‬بالسوا ‪.‬‬

‫ضرب‪ ،‬فإذا مل‬ ‫هي املسألة إيش؟ إشعارها أهنا قد وصلت إىل مرحلة ممكن أن تُ َ‬
‫﴿وإِن ِخفتُم ِش َق َ‬
‫اق‬ ‫ِ‬
‫ُُيد الضرب نفعا وما زالت اإلشكاالت قائمة‪ ،‬احلل الرابع‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫يدا إِص َالحا يـُ َوفّ ِق اَللُ‬‫بَـينِ ِه َما فَابـ َعثُوا َح َكما ِّمن أَهلِ ِه َو َح َكما ِّمن أَهلِ َها إِن يُِر َ‬
‫بَـيـنَـ ُه َما﴾ [النساء‪ .]35:‬فإذا مل ُُي ِد هذا احلل‪ ،‬عند ذا قد يصل األمر إىل الطالق‪،‬‬
‫إذا هذه مسائل شرعيّة جعلها هللا ¸ إىل الرجل ومل ُيعلها إىل املرأة‪.‬‬

‫=‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪304‬‬

‫هنا أشياء اإلنسان يستحي من ذكرها‪ ،‬ولكن املقام يتطلّب‪ ..‬أتعلم أن‬
‫عترب يف‬
‫القانون األملاو يقول أن الرجل إذا أراد أن ُُيامع زوجته وهي غري راغبة‪ ،‬يُ َ‬
‫القانون األملاو اغتصاب؟!‪ ،‬وإذا أثبتت املرأة ذلا يُسجن تسع سنوات!‪ِ ،‬فقس هذا‬
‫األمر‪ ،‬وانظر إىل شرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬إذا هذه من ضمن الفروقات الشرعيّة‪.‬‬
‫الِّر يعيَّ ية ِف َشر يعنَا النيي ي ‪ :‬مسأَلَةُ امليري ي‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬
‫اث‪ :‬ودائما هذا‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َوم ْن ض ْم ين ال ُِ ُروقَات َّ ْ‬
‫وصي ُك ُم اَللُ ِيف أَوَال ِد ُكم ۚ لِلذ َك ِر ِمث ُل َح ِّ‬
‫ظ‬ ‫الذي يدندنون حوله‪ ،‬هللا ¸ قال‪﴿ :‬ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ني﴾ [النساء‪ ،]11:‬هذا يف كتاب ربّنا‪ ،‬أما يف القوانني والدساتري والبلدان‬ ‫األُنثَـيَـ ِ‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ :‬قال‪ :‬العراقيون متساوون أمام القانون دون متييز بسبب اجلنس؛ إذا يف‬
‫مسألة املرياث الرجل يساوي املرأة واملرأة تساوي الرجل‪ ،‬هذا يف الدستور‪ ،‬أما يف‬
‫ني﴾‪ ،‬وهذا‬ ‫وصي ُك ُم اَللُ ِيف أَوَال ِد ُكم ۚ لِلذ َك ِر ِمث ُل َح ِّ‬
‫ظ األُنثَـيَـ ِ‬ ‫كتاب ربنا‪ :‬ال‪﴿ ،‬ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الذي يُشنّع دائما على اإلسالم من خالله‪.‬‬
‫ني الرج ِل واملرأَةِ يف َشر ِعنَا احلنِ ِ‬
‫يف؟‬ ‫ما ِهي تَـ َف ِ‬
‫اصيل الـ ِمري ِ‬
‫اث بَـ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هللا تبار وتعاىل وضع أحكاما للرجال ووضع أحكاما للنساء‪ ،‬بناء على هذه‬
‫قسم بني الورثة كما جاء يف شرع ربّنا‪ ،‬الحظ‪:‬‬
‫األحكام األموال تُ ّ‬
‫ني﴾‪ ،‬إذا [أحيانا] الرجل يأخذ‬ ‫وصي ُك ُم اَللُ ِيف أَوَال ِد ُكم ۚ لِلذ َك ِر ِمث ُل َح ِّ‬
‫ظ األُنثَـيَـ ِ‬ ‫﴿ي ِ‬
‫ُ‬
‫اج ُكم إِن‬ ‫ِ‬
‫ف َما تَـَرَ أَزَو ُ‬ ‫﴿ولَ ُكم نص ُ‬ ‫ضعف املرأة وهذا ثابت‪ ،‬وكذلا يف آية أخرى‪َ :‬‬
‫الربُ ُع ِمما تَـَركتُم إِن مل‬
‫﴿وَهلُن ُّ‬
‫مل يَ ُكن هلُن َولَ ٌد﴾ [النساء‪ ،]12:‬أما هي كم تأخذ؟‪َ ،‬‬
‫يَ ُكن ل ُكم َولَ ٌد﴾ [النساء‪ ،]12:‬إذا أحيانا الرجل يأخذ سهمني‪ ،‬واملرأة تأخذ سهما‬
‫واحدا‪ .‬هذا يف حالة خاصة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪305‬‬

‫وأحيانا الرجل يتساوى يف املرياث مع املرأة وهذا يف شرع ربّنا‪ ،‬يقول هللا تبار‬
‫س﴾‬ ‫اح ٍد ِّمنـ ُه َما ُّ‬
‫الس ُد ُ‬
‫اح َدة فَـلَها النِّصف وِألَبـوي ِه لِ ُك ِل و ِ‬
‫ّ َ‬ ‫ُ َ ََ‬ ‫َ‬
‫وتعاىل‪﴿ :‬وإِن َكانَت و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫[النساء‪ ،]11:‬إذا هنا األب واألم تساوا يف املرياث‪ ،‬األب يأخذ ُسدسا‪ ،‬واألم أيضا‬
‫ت فَلِ ُك ِّل‬‫َخ أَو أُخ ٌ‬ ‫تأخذ السدس‪ ،‬كذلا‪﴿ :‬إِن َكا َن َر ُج ٌل يُ َور ُ‬
‫ث َك َاللَة أَ ِو امَرأَةٌ َولَهُ أ ٌ‬
‫ث﴾ [النساء‪.]12:‬‬ ‫ا فَـهم ُشرَكاء ِيف الثُّـلُ ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫الس ُد ِ‬ ‫ٍِِ‬
‫س فَإن َكانُوا أَكثَـَر من َذل َ ُ َ ُ‬ ‫َواحد ّمنـ ُه َما ُّ ُ‬
‫إذا هنا الرجل يُساوي املرأة‪ ،‬ألن هذه وضعية ختتلف عن احلالة األوىل اليت ذكرناها‬
‫ني﴾‪ ،‬وهنا يتساوون‪.‬‬ ‫هنالا ﴿لِلذ َك ِر ِمث ُل َح ِّ‬
‫ظ األُنثَـيَـ ِ‬

‫أحيانا املرأة تأخذ أكثر من الرجل‪﴿ ..‬فَِإن مل يَ ُكن لهُ َولَ ٌد َوَوِرثَهُ أَبَـ َواهُ فَِأل ُِّم ِه‬
‫ث﴾ [النساء‪ ]11:‬األم هنا تأخذ أكثر من األب فيما إذا ُوِج َد‪.‬‬ ‫الثُّـلُ ُ‬
‫ني﴾‪ ،‬وحنن نريد‬ ‫ظ األُنثَـيَـ ِ‬‫إذا ال يُشنّع على اإلسالم حتت ذريعة‪﴿ :‬لِلذ َك ِر ِمث ُل َح ِّ‬
‫أن نُساوي بني الرجال والنساء‪ ،‬مث ننسى أن شرع ربّنا قائم على إعطاء األموال يف‬
‫ني﴾ ألن‬ ‫ظ األُنثَـيَـ ِ‬ ‫كل موطن حسب ما تقتضي احلالة‪ ،‬فأحيانا‪﴿ :‬لِلذ َك ِر ِمث ُل َح ِّ‬
‫الرجل يف ذلا املوطن ُمكلّف باإلنفاق وبتقدمي املهر‪ ،‬فالذي يُكلّف بتقدمي املهر‬
‫واإلنفاق من حقه أن يأخذ أكثر مما تأخذ من ال نفقة عليها وال مهر وال شيء من‬
‫هذا القبيل‪.‬‬

‫أما إذا كانوا إخوة يف احلواشي‪ :‬ال‪ ،‬هؤالء يتساوون؛ ألن قد يكونون أبناء آلباء‪،‬‬
‫لكن قد يكونون إخوة للميت أو أخوات للميت‪ ،‬فإذا كانت املسألة يف اإلخوة‬
‫ِ‬
‫ا‬‫واألخوات فكل واحد منهم يأخذ السدس رجاال ونساء ﴿فَِإن َكانُوا أَكثَـَر ِمن ٰذَل َ‬
‫فَـهم ُشرَكاء ِيف الثُّـلُ ِ‬
‫ث﴾ [النساء‪ ،]12:‬الرجل يأخذ كما تأخذ املرأة‪.‬‬ ‫ُ َ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪306‬‬

‫أما يف احلالة الثالثة‪ :‬عندما تكون املرأة كبرية يف السن‪ ،‬ومقطوعة ال يوجد هلا‬
‫حصتها أكثر ألهنا ال معيل هلا‪ ،‬فيكون نصيبها من املرياث أكثر‬
‫أبناء هللا ¸ جعل ّ‬
‫من نصيب الرجل‪.‬‬

‫هذا التقسيم الربّاو العادل قائم على األحكام الشرعيّة‪ ،‬فهذه األحكام ال‬
‫تنفصل عن األحكام اليت ُحي َكم هبا الرجال والنساء يف حاالت النفقة ويف حاالت‬
‫الزواج ويف حاالت اإلنفاق‪ ،‬هذه مرتبطة هبذه‪ ،‬فال ميكن أن نعزل مسألة املرياث عن‬
‫هذه املفردات اليت ذكرها هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫إذا مسألة املرياث ليس دائما املرأة تأخذ أقل من الرجل‪ ،‬بل أحيانا‪ ..‬فإذا يف‬
‫هذه األحيان كان نصيب املرأة أن تأخذ أقل من الرجل‪ :‬هذا شرعنا‪ ،‬أما يف الدستور‬
‫والقانون‪ :‬فاملرأة كيفما كانت‪ ،‬فهي تُساوي الرجل‪.‬‬

‫هذا تشريع‪ ،‬وهذا تشريع‪ ..‬هذا تشريع شيطاو‪ ،‬وهذا تشريع ربّاو‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مسأَلَةُ تَ ع ُّد يد َّ ي‬
‫الزْو َجات‪ :‬جعلها هللا ¸ للرجل شرعا ﴿فَانك ُحوا َما طَ َ‬
‫اب لَ ُكم‬ ‫َْ َ‬
‫ث ورباع ۚ فَإِن ِخفتُم أَال تَـع ِدلُوا فَـو ِ‬
‫اح َدة أَو َما َملَ َكت‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ّم َن النّ َساء َمثـ َ ٰىن َوثَُال َ َ َُ َ‬
‫ِ‬
‫َّن أَال تَـعُولُوا﴾ [النساء‪ ،]3:‬هذه أيضا من التشريعات اليت جعلها‬ ‫ا أَد َٰ‬ ‫أَميَانُ ُكم ۚ ٰذَل َ‬
‫آن واحد‪،‬‬ ‫هللا ¸ يف الرجال وليست للنساء‪ ،‬فاملرأة ال ميكن أن تتزوج برجلني يف ٍ‬
‫آن واحد‪.‬‬‫ولكن ُيوز للرجل أن يتزوج بأربعة نساء يف ٍ‬

‫خالق اإلنسان يعلم أن هذه املوازين تنضبط هبذه الطريقة؛ ألن اإلسالم يريد‬
‫ُجمتمعا نقيًّا طاهرا بعيدا عن الدنس‪ ،‬وهذه إحدى الوسائل اليت تُعني على نقاء‬
‫اجملتمع وعلى طهارته‪ ،‬فالرجل إذا أراد أن يتزوج بأكثر من امرأة له ذلا والذين‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪307‬‬

‫يقولون ال ُيوز جتدهم له زوجة وله خليلة وله عشيقة‪ ،‬فرجعوا إىل فطرة هللا ¸ إىل‬
‫شرع هللا ولكن بطريقة غري شرعية ملاذا؟؛ ألهنم أخذوا التشريع من الديانة النصرانية‪،‬‬
‫وأنت تعلم أن الديانة النصرانية ال ُجتيز الزواج بأكثر من امرأة واحدة‪ ،‬فتخلّوا عن‬
‫وحتولوا إىل النصرانية‪ ،‬وجعلوا الرجل املسلم يقتصر على املرأة الواحدة؛ ومن‬‫اإلسالم ّ‬
‫هنا يبدأ ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬الفساد‪ ،‬وبلدان أوروبا ‪-‬كما دائما ينقلون عنهم‪ -‬جتد أن‬
‫الرجل له زوجة وله عشيقة وله خليلة‪ ،‬وكذلا يف األسرة هنا (صديق العائلة) أما‬
‫هذا فهو إحدى املصائب ‪-‬والعياذ باهلل‪ !!-‬جتده خيتلي باملرأة‪ ..‬إيش؟!‪ ،‬قال‪ :‬أنا‬
‫صديق العائلة!‪ ،‬خيتلي بالبنت‪ ..‬يقول‪ :‬أنا صديق العائلة!‪ ،‬إذا هذه من الفروقات‬
‫الشرعيّة يف ديننا بني الرجل وبني املرأة‪.‬‬

‫﴿وليَض ِرب َن ِخبُ ُم ِرِهن َعلَ ٰى ُجيُوهبِِن ۚ‬ ‫ات أُ ْخ َرى‪ ،‬يف مسألة املالبس‪َ :‬‬ ‫اك فُ ُروقَ ٌ‬ ‫ُهنَ َ‬
‫ين ِزينَتَـ ُهن إِال لِبُـعُولَتِ ِهن أَو آبَائِ ِهن أَو آبَ ِاء بـُعُولَتِ ِهن أَو أَبـنَائِ ِهن أَو أَبـنَ ِاء‬ ‫ِ‬
‫َوَال يـُبد َ‬
‫َخ َواهتِِن أَو نِ َسائِ ِهن﴾ [النور‪ ،]31:‬هذه‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫بـُعُولَت ِهن أَو إِخ َواهنن أَو بَِين إِخ َواهنن أَو بَِين أ َ‬
‫كلها ضوابط شرعيّة‪ ،‬وهذه فروقات بني الرجل وبني املرأة من ناحية التشريع‪.‬‬

‫إذا ديننا ال يُساوي بني الرجل واملرأة يف كل املفردات اليت ذكرهتا‪ ،‬أما القانون‬
‫الدستور الذي ذهب إليه الناس وقالوا‪" :‬نعم" نريد أن ُحن َكم هبذا الدستور‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫العراقيون متساوون أمام القانون دون متييز بسبب اجلنس‪.‬‬

‫نأيت إىل اجلزء الثاو من موضوعنا‪" :‬العراقيوون متساوون أمام القانون دون متييز‬
‫بسبب الدين"‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪308‬‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َه ِل الـ ُم ْس ِل ُم ُمت َساو َم َع غ ِير ِه ِم ْن أ ْه ِل األ ْد َي ِان األخ َرى؟‬
‫القانون العراقي يقول‪ :‬نعم‪ ..‬فماذا يقول شرع ربّنا؟‬

‫اء‪ :‬أن الكفار يف كتاب ربّنا هم من صنف احليوانات‪ ،‬بل أدَّن‪ ،‬يعين إذا‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫أردت أن تُصنّف البشرية مع غريهم من املخلوقات‪ ،‬فالكفار يف ديننا يُع ّدون من‬
‫صنف البهائم‪.‬‬

‫نس ۚ َهلُم‬ ‫﴿ولََقد ذَ َرأنَا ِجلَ َهنم َكثِريا ِّم َن اجلِ ِّن َو ِ‬
‫اإل ِ‬ ‫دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ص ُرو َن ِهبَا َوَهلُم آ َذا ٌن ال يَس َمعُو َن ِهبَا ۚ أُوٰلَئِ َ‬
‫ا‬ ‫ني ال يـب ِ‬ ‫ِ‬
‫وب ال يَـف َق ُهو َن هبَا َوَهلُم أَع ُ ٌ ُ‬
‫قُـلُ ٌ‬
‫َض ُّل﴾ [األعراف‪ .]179:‬أنت تعلم أن (الكاف) هنا حرف تشبيه‪،‬‬ ‫َكاألَنـ َع ِام بَل ُهم أ َ‬
‫فشبّه هللا ¸ الكافرين باألنعام‪ ،‬مث بعد ذلا قال‪ :‬ال‪ ،‬ليسوا كاألنعام فقط‪ ،‬بل هم‬
‫أدَّن درجة من األنعام‪.‬‬

‫ين َك َف ُروا يَـتَ َمتـعُو َن َويَأ ُكلُو َن َك َما تَأ ُك ُل األَنـ َع ُام َوالن ُار َمثـوى‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫ويف آية أخرى‪َ :‬‬
‫يتنعم بنعيم هللا ¸ ويأكل من خريات هللا تبار‬ ‫هلُم﴾ [حممد‪ ،]12:‬ال فرق عندما ّ‬
‫وتعاىل يف األرض‪ ،‬ال خيتلف عن أي حيوان يأكل أي شيء يف األرض‪ ،‬كالُها‬
‫حتول هؤالءالناس من صنف البشر علما أن هللا تبار وتعاىل قد‬ ‫سواء‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬ملاذا ّ‬
‫اهم ِيف البَـِّر َوالبَح ِر﴾ [اإلسراء‪ ،]70:‬كل بين آدم‬ ‫﴿ولََقد َكرمنَا بَِين َ‬
‫آد َم َو َحَلنَ ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫كرمني وأصبحوا مع‬ ‫كرمني وخرجوا من املـُ ّ‬ ‫كرمون‪ ،‬فلماذا هؤالء كانوا يف صنف الـ ُم ّ‬ ‫ُم ّ‬
‫البهائم‪ ،‬بل أدَّن منهم درجة؟!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪309‬‬

‫العلّة يف ذلا‪ :‬ألهنم مل يأتوا بالغاية اليت ُخلقوا ألجلها‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪:‬‬
‫ون﴾ [الذاريات‪ ،]56:‬هؤالء ما عبدوا هللا ¸‬ ‫اإلنس إِال لِيـعب ُد ِ‬
‫﴿وَما َخلَق ُ ِ ِ‬
‫َُ‬ ‫ت اجلن َو َ‬ ‫َ‬
‫بالدين الذي أراده‪ ،‬إذا هم كاحليوانات‪ ،‬بل هم أضل من احليوانات‪.‬‬

‫كيف أصبح هؤالء أضل من احليوانات؟‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل عن فرعون‪:‬‬
‫وس ٰى ۝ قَ َال َربـُّنَا ال ِذي أَعطَ ٰى ُكل َشي ٍء َخل َقهُ ُمث َه َد ٰى﴾‬ ‫﴿قَ َال فَ َمن ربُّ ُك َما يَا ُم َ‬
‫[طه‪ ،]50-49:‬هللا تبار وتعاىل ربنا الذي أعطى كل ُملوق هيأة معينة‪ ،‬مث علّمه ما‬
‫املطلوب منه‪ ،‬فتجد الكلب ‪-‬أجلّا هللا‪ -‬يقوم بدور احلراسة‪ ،‬الذئب من صنف‬
‫الكالب مهمته االفرتاس ُها من صنف واحد‪ ،‬هذا حيرس وحيمي‪ ،‬وهذا يفرتس‪،‬‬
‫شيء خلقه مث هدى‪ ،‬علّمه ما املطلوب منه وماذا يفعل‬ ‫ملاذا؟‪ ،‬ربنا الذي أعطى كل ٍ‬
‫ّ‬
‫يف احلياة؛ ومن هنا جتد يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَ َمل تَـَر أَن اَللَ يَس ُج ُد لَهُ َمن ِيف‬
‫اب﴾‬ ‫وم َواجلِبَ ُ‬
‫ال َوالش َج ُر َوالد َو ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّج ُ‬
‫س َوال َق َم ُر َوالن ُ‬
‫الس َم َاوات َوَمن يف األَرض َوالشم ُ‬
‫﴿وَكثِريٌ ِّم َن‬
‫[احلج‪ ،]18:‬هؤالء كلهم على اإلطالق‪ ،‬لكن عندما جاء إىل البشر قال‪َ :‬‬
‫اب﴾ [احلج‪.]18:‬‬ ‫ِ‬ ‫الن َِ ِ‬
‫اس َكثريٌ َحق َعلَيه ال َع َذ ُ‬
‫إذا هذه املخلوقات كلها تسجد هلل ال يوجد أحد يستعصي عن السجود أو‬
‫يعصي هللا ¸ يف العبودية‪﴿ ..‬إِن ِّمن َشي ٍء إِال يُ َسبِّ ُح ِحبَم ِدهِ َوٰلَ ِكن ال تَـف َق ُهو َن‬
‫يح ُهم﴾ [اإلسراء‪ ،]44:‬لكن عندما وصل األمر إىل البشرية قال‪ :‬كثري منهم‬ ‫تَسبِ َ‬
‫حق عليه الضاللة‪.‬‬
‫يسجدون وكثري ّ‬
‫إذا هؤالء ما ّأدوا املهمة اليت ُخلقوا من أجلها‪ ،‬فكانوا أدَّن درجة من احليوان‪،‬‬
‫احليوان يقوم همته ويكون ُمطيعا ساجدا ُمسبّحا هلل تبار وتعاىل‪ ،‬أما هؤالء‬
‫فيتنعمون ولكن ال يأتون ا هو مطلوب منهم؛ من هنا كانوا أدَّن درجة من احليوان‪.‬‬ ‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪310‬‬

‫ريب أكون أنا وهو سواء؟!‬


‫أفمن كان هذا وضعه يف كتاب ّ‬
‫أنت وهو تكونون سواء؟!‬
‫ِ‬ ‫أَ ْم ٌر َ‬
‫آخ ٌر‪ :‬أنت تعلم أن هللا ¸ أمر املؤمنني بقتال الكافرين وبقتلهم ﴿قَاتلُ ُ‬
‫وهم‬
‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‬ ‫نصرُكم َعلَي ِهم َويَشف ُ‬
‫ص ُد َور قَـوم ُّمؤمن َ‬ ‫يـُ َع ّذبـ ُه ُم اَللُ بِأَيدي ُكم َوُخي ِزهم َويَ ُ‬
‫ث َو َج ُّ‬ ‫ِ‬
‫وهم َواقـعُ ُدوا َهلُم‬
‫ص ُر ُ‬
‫وهم َواح ُ‬
‫وهم َو ُخ ُذ ُ‬ ‫دمتُ ُ‬ ‫ني َحي ُ‬‫[التوبة‪﴿ ،]14:‬فَاقـتُـلُوا ال ُمش ِرك َ‬
‫ُكل مر ٍ‬
‫صد ۚ فَِإن تَابُوا َوأَقَ ُاموا الص َال َة َوآتَـ ُوا الزَكا َة فَ َخلُّوا َسبِيلَ ُهم ۚ إِن اَللَ غَ ُف ٌ‬
‫ور‬ ‫َ َ‬
‫يم﴾ [التوبة‪.]5:‬‬ ‫ِ‬
‫رح ٌ‬
‫إذا حنن مأمورون بأمر هللا ¸ بقتال هؤالء‪ ،‬فبماذا يُكرما هللا ¸ إذا قتلت‬
‫أحد هؤالء الذين هم أدَّن درجة من احليوان؟‬

‫حديث أيب هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عند اإلمام مسلم‪ ،‬قال‪( :‬ال ُيتمع كافر‬
‫وقاتله يف النار)‪ ،‬طاملا قتلته ألجل هللا تبار وتعاىل‪ ،‬فأنت ال جتتمع معه يف النار‪ ،‬هو‬
‫يف النار ولكن يقينا بإذن هللا تعاىل أنت ستكون يف اجلنة‪.‬‬

‫(ال ُيتمع كافر وقاتله يف النار)‪ ،‬إذا أمرنا بقتاهلم‪ ،‬مث قال‪ :‬إذا قتلته ألجلي‪،‬‬
‫أنت ما تدخل معه النار ألن الكافر املقتول ال ُيتمع مع قاتله املؤمن يف مك ٍ‬
‫ان‬
‫واحد‪ ..‬أنكون حنن وهم سواء؟!‬

‫﴿وَمن‬‫آخ ٌر‪ :‬فيما إذا هم قتلوا أحدا من املؤمنني‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬ ‫ْأم ٌر َ‬
‫َعد لَهُ َع َذابا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب اَللُ َعلَيه َولَ َعنَهُ َوأ َ‬
‫يَـقتُل ُمؤمنا ُّمتَـ َع ّمدا فَ َجَز ُاؤهُ َج َهن ُم َخالدا ف َيها َو َغض َ‬
‫َع ِظيما﴾ [النساء‪ ،]93:‬أأنا وهذا نكون سواء؟!!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪311‬‬

‫حديث رواه الرتمذي وصححه‪ ،‬قال‪ ،‬قال رسول هللا ‘‪( :‬لزوال الدنيا أهون‬
‫ٌ‬
‫عند هللا من قتل رجل مسلم)‪ ،‬الدنيا كلها تذهب‪ ،‬ال تساوي عند هللا شيئا‪ ..‬لكن‬
‫ال يُقتل رجل مسلم‪.‬‬

‫إذا ال سواء‪ ..‬وإن قال الدستور ذلا وإن قال أصحاب ال ّدميُقراطيّة ذلا‪ ،‬وإن‬
‫قال العلمانيّون ذلا‪ ،‬وإن قال األفالطيّون ذلا‪ ..‬حنن شيء وهم شيء‪ ،‬فال سواء‬
‫يف الدين‪ ،‬وال نستوي معهم طاملا هذا وضعهم وهذا وصفهم يف كتاب هللا ¸‪.‬‬
‫يحة التي ُت ْثب ُت َأ َّن الـ ُم ْؤم َن ال ُي ْم َك ُن َأنْ‬ ‫الصر َ‬‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫نأ ِتي اآلن إلى األ ِدل ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫يض ِم َّما َج َاء في الد ْس ُتو ِر ال ِع َر ِاق ِي َوفي‬ ‫ق‬ ‫الكافر‪َ ،‬و َع َلى َ‬
‫الن‬
‫َُ َ ُْ َ َ‬
‫يكون مثل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ات‪:‬‬
‫ات وفي البرِلان ِ‬ ‫اطي ِ‬
‫الديمقر ِ‬
‫اسقا ۚ ال يَستَـ ُوو َن﴾‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَفَمن َكا َن مؤِمنا َكمن َكا َن فَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫[السجدة‪ ،]18:‬القانون العراقي ماذا قال؟‪ ،‬قال‪ :‬يستوون‪ ..‬الدستور العراقي يقول‪:‬‬
‫يستوون‪ ..‬ربّنا ماذا يقول؟‪ ،‬يقول‪ :‬ال يستوون‪﴿ ..‬أَفَ َمن َكا َن ُمؤِمنا َك َمن َكا َن‬
‫اسقا ۚ ال يَستَـ ُوو َن﴾‪ ،‬هللا ¸ يقول ال يستوون‪ ،‬الدستور العراقي يقول‪ :‬يستوون‪..‬‬ ‫فَ ِ‬
‫واألحزاب املـُنتسبة إىل اإلسالم حيكمون املسلمني هبذا القانون منذ عشر سنوات‪،‬‬
‫جعلوا املسلمني كهؤالء‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل يقول‪﴿ :‬أَفَ َمن َكا َن ُمؤِمنا َك َمن َكا َن‬
‫اسقا ۚ ال يَستَـ ُوو َن﴾ ال يف احلياة وال يف املمات‪ ،‬ال نُساويهم ال يف معيشتنا‪ ،‬وال‬ ‫فَ ِ‬
‫يف موتنا وال يف اآلخرة‪.‬‬

‫ين اجتَـَر ُحوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ب الذ َ‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل يف [سورة اجلاثية‪﴿ :]21:‬أَم َحس َ‬
‫اهم َوممََاتُـ ُهم ۚ َساءَ َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َآمنُوا َو َعملُوا الصاحلَات َس َواء حميَ ُ‬
‫السيّئَات أَن جن َعلَ ُهم َكالذ َ‬
‫َحي ُك ُمو َن﴾‪ ،‬إذا ال ميكن أن يكون الذي يكتسب السيئات كالذي آمن وعمل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪312‬‬

‫الصاحلات‪ ،‬ال ميكن ال يف حياهتم وال يف مماهتم ال ميكن أن يكونوا سواء‪ ،‬وهللا ¸‬
‫سيء بشهادة‬
‫﴿ساءَ َما َحي ُك ُمو َن﴾‪ ،‬هذا حكم ّ‬
‫يقول عن من حكم بأهنم سواسية‪َ :‬‬
‫هللا ¸؛ ألهنم خالفوا أمر هللا تبار وتعاىل بأن ال يستوي املؤمن مع الكافر‪ ،‬فكيف‬
‫يُساوي املؤمن بالكافر؟!‪ ،‬كيف يُساوي اليزيدي؟!‪ ،‬كيف يُساوي الرافضي؟!‪ ،‬كيف‬
‫يُساوي الصابئي؟!‪ ،‬كيف؟!؛ إذا ال يستوون‪.‬‬

‫ات‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين َآمنُوا َو َعملُوا الصاحلَات فَـلَ ُهم َجن ُ‬ ‫كذلا يف اآلخرة ال يستوون‪﴿ :‬أَما الذ َ‬
‫ين فَ َس ُقوا فَ َمأ َو ُاه ُم الن ُار ۚ ُكل َما أ ََر ُادوا أَن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َمأ َو ٰى نـُُزال َا َكانُوا يَـع َملُو َن ۝ َوأَما الذ َ‬
‫اب النا ِر ال ِذي ُكنتُم بِِه تُ َك ِّذبُو َن ۝‬ ‫يل َهلُم ذُوقُوا َع َذ َ‬
‫َ‬
‫يدوا فِيها وقِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َخيرجوا ِمنـها أ ِ‬
‫ُع‬ ‫ُُ َ‬
‫اب األَك َِرب لَ َعل ُهم يَـرِجعُو َن﴾ [السجدة‪-19:‬‬ ‫َّن ُدو َن الع َذ ِ‬
‫َ‬
‫ولَنُ ِذي َقنـهم ِمن الع َذ ِ‬
‫اب األَد َٰ‬ ‫ُ َّ َ‬ ‫َ‬
‫‪.]21‬‬

‫هؤالء هم‪ ،‬وهؤالء أهل اإلميان‪ ..‬ال هم سواء يف احلياة وال هم سواء يف املمات‬
‫وال هم سواء يف اآلخرة‪ ،‬وإن قال الدستور العراقي هم متساوون أمام القانون ال‬
‫خيتلفون بسبب الدين‪ ،‬نقول‪ :‬ال‪ ،‬خنتلف‪ ،‬هذا كتاب ربنا وهذا دين نبينا وهذه آيات‬
‫ربنا يف قرآننا‪ ،‬فكيف ميكن أن أختلى عن اآليات الربانية مث أذهب إىل دستور يقول‬
‫أن الكل متساوون وال اختالف بسبب الدين؟!‬

‫هذا الدستور الذي دعا إليه احلزب العراقي أن يذهب املسلمون ويقولوا له نعم‪،‬‬
‫وهذا الدستور الذي حيكمون به منذ عشر سنوات بعماماهتم وجبببهم وبلحاهم‬
‫ال ُـمخ ّففة!‪ ،‬أهذا قانون ُحي َك ُم به مسلم؟‬
‫ِ‬
‫احل ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا َو َعملُوا الص َ‬
‫ويف آية أخرى يقول هللا ¸‪﴿ :‬أَم َجن َع ُل الذ َ‬
‫ني َكال ُفجا ِر﴾ [ص‪.]28:‬‬ ‫ِ‬ ‫ين ِيف األَر ِ‬ ‫ِِ‬
‫ض أَم َجن َع ُل ال ُمتق َ‬ ‫َكال ُمفسد َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪313‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ ¬-‬رحة واسعة‪" :-‬كل من عمل بغري كتاب هللا وسنة‬
‫رسوله‪ ،‬فقد سعى يف األرض فسادا"‪ ،‬هؤالء الذين يُفسدون يف األرض نكون معهم‬
‫سواء‪ ،‬ال فرق بيننا وبينهم؟!‪ ،‬هذا الذي أكرمه هللا ¸ بالقرآن‪ ،‬وأذلّه أهل‬
‫الدستور‪ ..‬خنضع للدستور وال نُكرم أنفسنا بكتاب هللا ¸؟‬

‫هنا آية أخرى‪ :‬الحظ هذه اآلية الكرمية‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل فيها‪:‬‬
‫اب فِ ِيه‬ ‫ِ‬
‫ف َحت ُك ُمو َن ۝ أَم لَ ُكم كتَ ٌ‬ ‫ني ۝ َما لَ ُكم َكي َ‬
‫ِ‬
‫ني َكال ُمج ِرم َ‬
‫ِِ‬
‫﴿أَفَـنَج َع ُل ال ُمسلم َ‬
‫وجه إىل كل من وافق أن‬ ‫تَد ُر ُسو َن﴾ [القلم‪ ،]37-35:‬فهذا السؤال من هللا ¸ يُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني ۝‬ ‫ني َكال ُمج ِرم َ‬
‫ُحي َكم هبذه القوانني أو أن َحي ُك َم هبذا القانون‪﴿ :‬أَفَـنَج َع ُل ال ُمسلم َ‬
‫اب فِ ِيه تَد ُر ُسو َن﴾؟!‬ ‫ِ‬
‫ف َحت ُك ُمو َن ۝ أَم لَ ُكم كتَ ٌ‬
‫َما لَ ُكم َكي َ‬
‫يقول ابن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف مسألة الكتاب‪" :‬أفبأيديكم كتاب ُم ّنزل‬
‫تضم ٌن ُحكما ُمؤّكدا‬
‫من السماء تدرسونه وحتفظونه وتتداولونه خلفا عن سلف‪ُ ،‬م ّ‬
‫كما ت ّدعونه؟!"‬

‫اب فِ ِيه تَد ُر ُسو َن﴾ هل لكم كتاب أنزله هللا ¸ من السماء وهذا‬ ‫ِ‬
‫﴿أَم لَ ُكم كتَ ٌ‬
‫الكتاب أنتم تدرسون فيه وحتفظونه وتتداولونه‪ ،‬حبيث اخللف يرثه من السلف‪ ..‬هل‬
‫يف هذا الكتاب أن املسلمني كاجملرمني؟!‪ ،‬تعلم الجابة أين؟‬

‫من ذهب إىل الدستور وقال‪" :‬نعم"‪ ،‬سيقول‪ :‬نعم يا رب‪ ،‬لنا كتاب درسنا فيه‪،‬‬
‫قال لنا‪ :‬املادة (‪ )14‬أن العراقيني متساوون أمام القانون دون متييز بسبب الدين‪ ،‬أنا‬
‫وجدت هذا الكتاب ودرست هذا الكتاب ووافقت على أُحكم هبذا الكتاب وعلى‬
‫أن حيكموو هبذا الكتاب!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪314‬‬

‫اب فِ ِيه‬ ‫ِ‬


‫وهللا من وافق على الدستور سيُجيب هللا تبار وتعاىل على ﴿أَم لَ ُكم كتَ ٌ‬
‫تَد ُر ُسو َن﴾‪ ،‬نعم وجدوا الكتاب يف الدستور‪ ،‬وقالوا ما قاله الدستور‪ ،‬وخالفوا حكم‬
‫ربّنا أهنم ال يتساوون وال ميكن أن يكونوا سواء‪ ..‬هذا بالنسبة إىل الدين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫النسب ِة إلى الـمذه ِب‪:‬‬
‫أما ِب ِ‬
‫نص الدستور العراقي على أن‪" :‬العراقيني متساوون أمام القانون دون متييز‬
‫فقد ّ‬
‫بسبب املذهب"‪ ،‬وأدخلوا كلمة "املذهب" بسبب الرافضة حصرا‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫يتساوى مذهب أهل السنة واجلماعة ذهب هؤالء؛ ألهنم قد ذهبوا عن اإلسالم‪،‬‬
‫ذهبهم قد ذهبوا عن اإلسالم‪ ،‬ألن الدين عندنا شيء‪ ،‬وعندهم شيء آخر‪.‬‬

‫الشر عندنا‪ ،‬اإلميان‪ ،‬أركان اإلسالم‪ ،‬اسأل أي طفل مسلم‪ ،‬يقول لا‪ :‬شهادة‬
‫أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‬
‫وحج البيت‪ ،‬هذه أركان اإلسالم عندنا‪ ،‬أما عند الرافضة كما يف [الكايف]‪ ،‬يقول‬
‫رواهتم‪ُ :‬سئِ َل عن أركان اإلسالم أحد أئمتنا‪ ،‬قال‪ :‬الصوم والصالة واحلج والزكاة‬
‫والوالية‪ ،‬وأفضلهن الوالية‪.‬‬

‫أفضلهن الوالية!!‪ ،‬وهلذا جاءت روايات يف [الكايف]‪ :‬أن من أشر مع إمام‬


‫إمامته من هللا إماما ليس إمامته من هللا‪ ،‬فقد أشر ‪.‬‬

‫رأيت الفارق بيننا وبينهم يف الشر ؟ "إمام أمامته من هللا" من هؤالء األحد‬
‫عشر‪- ،‬ألن الثاو عشر ما موجود‪ -‬فإذا جاء إنسان وقال‪ :‬إمامة فالن اليت ليست‬
‫من هللا‪ ،‬هو أيضا إمام؛ إذا فقد أشر باهلل!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪315‬‬

‫أحنن وهؤالء مذهبنا سواء؟!‪ ،‬أفمن يأخذ الدين من القرآن ومن السنن‪ ،‬كمن‬
‫يأخذ من [الكايف] ومن [االستبصار] ومن [التهذيب] ومن [فقيه من ال حيضره الفقيه]؟!؛‬
‫يقينا ليس مذهبنا ومذهبهم سواء‪..‬‬

‫أفمن جعل النياحة واللطم والتطبري من الدين‪ ،‬كمن قال رسوله‪( :‬ليس منّا من‬
‫وشق اجليوب ودعا بدعوى اجلاهلية)(‪ )52‬أهذا املذهب كهذا املذهب؟‬
‫لطم اخلدود‪ّ ،‬‬
‫أفمن ك ّفر الصحابة قاطبة دون استثناء إال ثالث‪ ،‬كمن يتلو قول هللا ¸‪:‬‬
‫اج ِرين واألَنصا ِر وال ِذين اتـبـعوهم بِإِحس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوا‬
‫ان ‪َ €‬وَر ُ‬ ‫َ‬ ‫﴿والسابِ ُقو َن األَولُو َن م َن ال ُم َه َ َ َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َجت ِري َحتتـها األَنـهار خالِ ِد ِ‬
‫عنه وأَعد َهلم جن ٍ‬
‫يم﴾‬‫ا ال َفوُز ال َعظ ُ‬ ‫ين ف َيها أَبَدا ۚ َٰذل َ‬
‫َُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َََُ ُ َ‬
‫[التوبة‪]100:‬؟!؛ إذا ال سواء يف ديننا مع الكفار‪ ،‬ال سواء يف مذهبنا مع الرافضة‪.‬‬

‫هذا هو الدستور وهذه هي السواسية وهذا مبدأ من مبادئ ال ّدميُقراطيّة اليت‬


‫يدعو إليها إخوان مصر ويدعو إليها حلزب العراقي ويدعو إليها كل أذناب إخوان‬
‫بلد من البلدان‪ ،‬هذا حاهلم يف تونس‪ ،‬وهذا حاهلم يف ليبيا‪ ،‬وهذا حاهلم‬ ‫مصر يف أي ٍ‬
‫يف املغرب‪ ..‬وأنت تعلم أن رئيس الدولة الذي فطس كان من هذا احلزب‪ ،‬دائما‬
‫حزب (العدالة والتنمية) ال جتد فيهم شيئا من العدالة وال جتد فيهم شيئا من النّماء‪،‬‬
‫ولكن وضعوا هذا االسم ليكون هلم شعارا أينما وجدوا‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬

‫(‪ )52‬هذا احلديث عند احلديث عن البخاري ¬‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪316‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الس ِاب ُع َعشر‬
‫س َّ‬ ‫الد ْر ُ‬
‫َ‬ ‫الق ُة َب ْي َن الد ُيم ْق َراط َّية َوالشو َ‬
‫َ‬
‫اإل ْسال ِم‬
‫ِ ِ‬‫ي‬ ‫ف‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِع‬

‫بسم هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا ّ‬
‫احلق ًّ‬
‫حقا‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪،‬‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫وأعنّا على اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫وانفعنا ا علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم‬
‫ويسر‬
‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬‫نلقا ‪ ،‬وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫لوجها‬ ‫احلا‪ ،‬و‬‫أمري‪ ،‬واحلُل عقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صيبا ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬ ‫خالصا وال جتعل فيه نَ ِ‬

‫انتهينا ‪-‬وهلل الفضل واملِنة‪ -‬من احلديث عن ال ّدميُقراطيّة تعريفا‪ ،‬مث بعد ذلا كان‬
‫الشخصيّة مث مبدأ املساواة‪..‬‬ ‫الرأي‪ ،‬و ّ‬‫ّ‬ ‫احلديث عن أركان ال ّدميُقراطيّة‪ُ :‬حريّة العقيدة‪ ،‬و‬
‫ُ‬
‫ويقينا ما يُتوص ُل إليه من خالل األدلّة اليت ذكرناها‪ّ :‬أال إسالم يف ال ّدميُقراطيّة وال‬
‫دميُقراطيّة يف اإلسالم‪ ..‬ال إسالم يف ال ّدميُقراطيّة وال ديُقراطيّة يف اإلسالم‪ُ ..‬ها دينان‬
‫ُُمتلفان‪ ،‬هذا أفالطوو وهذا ربّاو‪ ،‬وسنتناول اليوم جانبا آخر من املسائل الـ ُمتعلّقة‬
‫بال ّدميُقراطيّة‪:‬‬

‫دين‬
‫األلسن وطرقَت األمساع‪ ،‬دائما تسمع‪" :‬السلم ٌ‬ ‫هنا عبارةٌ شاعت على ُ‬
‫قراطي" سواء يف اللقاءات أو يف الدروس أو يف احملاضرات أو يف اخلُطَب أو يف‬
‫دميُ ّ‬
‫يتوىل كِرب نشر هذه العبارة هم‬
‫الكتب‪ ،‬دائما جتد هذه العبارة تطرق األمساع‪ ،‬والذي ّ‬
‫اطي"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫دين دُميقر ّ‬
‫إخوان مصر وأذناهبم أينما ُوج ُدوا؛ فهم أصحاب كلمة "اإلسالم ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪317‬‬

‫اطي؟ ما الذي استندوا عليه‬


‫دين ديُقر ّ‬
‫جترأ هؤالء أن يصفوا اإلسالم بأنه ٌ‬
‫كيف ّ‬
‫اطي؟‬
‫دين دميُقر ّ‬
‫من الشرع ‪-‬على ما زعموا‪ -‬أن اإلسالم ٌ‬
‫املدخل الذي وجدوه يف اإلسالم ‪-‬مع الفارق‪ -‬لكي يقولوا عن ال ّدميُقراطيّة أهنا‬
‫بالشورى‪ ،‬فعندما جاؤوا إىل الشورى كـَاِسم‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫إسالم‪ :‬ما هو معروف يف شرعنا ّ‬
‫طاملا عندنا الشورى‪ ،‬وال ّدميُقراطيّة أيضا قائمة على اختيار أشخاص وعلى استطالع‬
‫اآلراء؛ إذا الشيء املوجود يف ال ّدميُقراطيّة هو الشيء املوجود يف اإلسالم باسم‬
‫اطي‪،‬‬
‫دين دميُقر ّ‬‫صرون دائما على أنه ٌ‬ ‫سمون اإلسالم دين شورى‪ ،‬بل يُ ّ‬ ‫(الشورى) ال يُ ّ‬
‫جترؤوا أن ُيعلوا اإلسالم تابعا ألفالطون؟!‪،‬‬‫والذي دفعهم إىل هذا األمر‪ ،‬يعين كيف ّ‬
‫كيف؟! ألهنم أرادوا أن ُحي ّققوا بعض املسائل‪:‬‬

‫سائي يل‪ :‬أن يرضى عنهم الغرب‪ ،‬ال أدري إذا كنت ممن قرأ لِ ُمف ّكري‬ ‫يي‬
‫أُ ْو َل َهذه ال َم َ‬
‫صحة‬
‫اإلخوان وأذناهبم شيئا من الكتب‪ ،‬دائما حيرصون على االستشهاد على ّ‬
‫اإلسالم بأقوال العامل األمريكي الفالو والربيطاو الفالو والفرنسي الفالو‪ ،‬فإذا كان‬
‫هللا تبار وتعاىل ارتضاه لنا واختاره لنا‪ ،‬ماذا يُساوي عندي كالم ذلا النصراو‬
‫وذلا اليهودي وذلا وذلا؟! فهم يعتاشون دائما على هذه املسائل‪ ،‬وحياولون أن‬
‫يُثبتوا عظمة اإلسالم من خالل هؤالء‪ ،‬وهم حريصون دائما على إرضاء الغرب‪،‬‬
‫اطي!‬
‫والغرب يرديوهنا دميُقراطيّة؛ إذا ال ضري يف أن يقولوا‪ :‬اإلسالم دين دميُقر ّ‬
‫وهؤالء كما تعلم دائما ميسكون العصا من الوسط‪ ،‬فأرضوا الغرب الذين يدعون‬
‫اطي‪..‬‬
‫دين دميُقر ّ‬
‫إىل ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وأرادوا أن خيدعوا املسلمني أيضا؛ فقالوا‪ :‬اإلسالم ٌ‬
‫واملسلمون أيضا كأهنم سكنوا هلذه العبارة أو قبلوها سواء على مضض أو عن قناعة‪،‬‬
‫دين دميُقراطي‪.‬‬
‫لكن أصبح املُشاع بني الناس‪ :‬أن اإلسالم ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪318‬‬
‫ََ‬ ‫الم َم َع الد ُيم ْ‬ ‫َف َأ ْي َن َي ْل َتقي اإل ْ‬
‫اط َّي ِة في َم ْسأل ِة الشو َرى؟‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ِ ِ‬
‫يف موطنني‪ ،‬وجد ُدعاة أفالطون ‪-‬وأعين هبم إخوان مصر وأذناهبم ومن حلق هبم‬
‫من الـ ُمرجئة ومن ُدعاة ال ّدميُقراطيّة‪ -‬وجدوا وجه شبه يف نقطتني ‪-‬فيما زعموا‪ ،‬مع‬
‫اطي‪ ..‬أما هاتني املسألتني‪:‬‬
‫دين دميُقر ّ‬
‫الفارق يف التطبيق‪ -‬فقالوا‪ :‬اإلسالم ٌ‬
‫األُ ْو َل‪ :‬يف اختيار احلُ ّكام‪ ،‬فعندما وجدوا يف البلدان ال ّدميُقراطيّة ويف النظام‬
‫ال ّدميُقراط ّي أن الناس خيتارون والة أمرهم‪ ،‬قالوا‪ :‬أيضا هذا يوجد يف الشورى‪،‬‬
‫اطي‪ ،‬هذا املوطن‬
‫دين دميُقر ّ‬ ‫املسلمون خيتارون والة أمرهم‪ ،‬من هنا قالوا‪ :‬اإلسالم ٌ‬
‫األول الذي ظنّوا منه أهنم وجدوا وجه شبه بني اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬
‫ي‬
‫سميهم برملانيون من باب‬ ‫َّأما ال َم ْوط ُن الثَّ ياين‪ :‬ففي عمل الربملان‪ ،‬وهؤالء نُ ّ‬
‫سمون أنفسهم‪( :‬باجمللس‬ ‫التعريف‪ ،‬وإال فالصواب تديـُّنا أن نسميهم كما يُ ّ‬
‫التشريعي)؛ ﴿أَم َهلُم ُشَرَكاءُ َشَرعُوا َهلُم ِّم َن ال ِّدي ِن َما َمل يَأ َذن بِِه اَلل﴾ [الشورى‪.]21:‬‬
‫فهم جملس تشريعي‪ ،‬فعندما نظر أتباع أفالطون من الـ ُمنتسبني إىل اإلسالم أنه يف‬
‫الربملان ال يُقدمون على أم ٍر إال بعد أن يستشريوا اجلالسني؛ قالوا إذا هذه ال ّدميُقراطيّة‬
‫هي نفسها املوجودة عندنا يف اإلسالم‪ ،‬احلُ ّكام أيضا يف اإلسالم يستشريون قبل أن‬
‫يُقدموا على أم ٍر‪ ،‬وهنا يف الربملان يستشريون يف اجملالس التشريعيّة قبل أن يُقدموا على‬
‫أمر‪.‬‬

‫يف هذين املوطنني زعموا أن اإلسالم فيه شيء من ال ّدميُقراطيّة‪ .‬فهل يف ما ذهب‬
‫الصحة؟!‬
‫إليه هؤالء شيء من الصواب أو من ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪319‬‬

‫خيتلف يف‬
‫ُ‬ ‫الحظ‪ :‬الفارق بني اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة يف اختيار احلُ ّكام‬
‫جانبني‪:‬‬

‫ب األَو ُل‪ :‬من َخيتَار؟‬ ‫ِ‬


‫اجلَان ُ‬
‫ب الث ِاو‪ :‬من ُخيتَار؟‬ ‫ِ‬
‫اجلَان ُ‬
‫إذا االختالف يف اجلانب األول‪ :‬من الذي خيتار احلُ ّكام‪ ،‬هنا فارق بني‬
‫اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬الفارق اآلخر يف اختيار احلُ ّكام‪ :‬من خنتار؟‪ ،‬ويف‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ :‬من خيتارون‪ ..‬فإذا علمت هذه املسألة تعلم ّأال عالقة يف اختيار احلُ ّكام‬
‫بني شورى اإلسالم ودميُقراطيّة أفالطون ودميُقراطيّة إخوان مصر‪.‬‬
‫َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َّ‬
‫الحك َام‪:‬‬ ‫في مسأل ِة‪ :‬من يختار‬
‫ِف ا يل ْس ي‬
‫لم‪ :‬سبق أن ذكرنا هذا األمر‪ ،‬أن والية األمر تُوَكل إىل املسلم إما‪:‬‬
‫بنص من اخلليفة الذي قبله‪ ..‬لدينا خليفة‪ ،‬نص على أن فالن يكون خليفة من‬ ‫ٍ‬
‫يتوىل اخلالفة بالنص ممن سبقه هل يستشريه‪ ،‬هل هو يعلم‬ ‫بعدي‪ ..‬انتهى األمر‪ ،‬هذا ّ‬
‫أنه أهل هلذا األمر؟‪ ،‬فاملسألة تعود إليه؛ وهلذا عندما قيل للصديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪:-‬‬
‫كيف اخرتت الفاروق؟‪- ،‬والناس كانوا يعلمون ش ّدته‪ -‬قال‪ :‬أقول هلم‪ :‬اخرتت هلم‬
‫أصلحهم‪ ،‬أو كما قال الصديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬هذه الطريقة األوىل يف اختيار‬
‫احلُ ّكام يف ديننا‪.‬‬

‫َّأما الطَ يري َقةُ الثَّانييَةُ‪ :‬أن يُستشار أهل احلل والعقد وأهل الشورى يف اختيار من‬
‫يتوىل أمر املسلمني‪ ،‬وهذا كان من عمل عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما جعل األمر‬ ‫ّ‬
‫شورى بني ستة من الصحابة‪ ،‬وجعل األمر إىل ابنه عبدهللا بن عمر على أنه ليس له‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪320‬‬

‫الرأي‪ ..‬هؤالء تشاوروا‬


‫من األمر شيء‪ ،‬يكون معهم لكن ال يدخل فيهم‪ ،‬مث استقر ّ‬
‫واستشاروا بعض املسلمني يف املدينة‪ ،‬فاستقر رأيهم على أن يُق ّدموا عثمان ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ ،-‬فق ّدموه وبايعوه على هذا األساس‪ ،‬هذا يف ديننا‪.‬‬

‫الو يسيلَةُ الثَّاليثَةُ‪ :‬كحالنا اآلن‪ ،‬األحكام اإلسالمية ُمعطّلة‪ ،‬والطواغيت هم‬
‫َ‬
‫الذين حيكمون العباد والبالد بال ّدستور والقانون الشيطاو‪ ،‬فم ّكن هللا ¸ بعض‬
‫املسلمني من اجلهاد يف سبيله‪ ،‬إىل أن م ّكن هللا ¸ هلم يف األرض‪ ،‬فأعلنوا خالفة‪،‬‬
‫هذه اخلالفة أصبحت بالغلَبَة‪ ،‬بالسيف والقوة‪ ،‬أي أناس جاهدوا‪ ،‬هؤالء الذين‬
‫جاهدوا م ّكنهم هللا ¸ فاختاروا أمريهم خليفة هلم‪ ،‬وعلى املسلمني أن يُطيعوه ألنه‬
‫توىل األمر بالغلبة والقوة والسيف‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذه أوجه نصب اخلليفة يف اإلسالم‪ ،‬إذا طريقة االختيار يف اإلسالم هكذا‪.‬‬
‫َّأما ِف ال ّيدميُْقر ي‬
‫اطيَّ ية‪ :‬كل من يف العراق شار يف اختيار احلاكم بشرط‪ :‬أن يكون‬ ‫َ‬
‫قد جتاوز الثامنة عشرة من عمره‪ ،‬مثانية عشرة سنة له احلق يف أن خيتار من حيكم‬
‫البالد‪ ..‬يف ظل هذا الشرط كل املوجودين يف العراق أصبح هلم احلق يف التصويت‬
‫الختيار احلاكم‪ ،‬فأصبح النصراو واآلشوري والكلداو له احلق يف أن خيتار من حيكم‬
‫املسلمني يف العراق ‪-‬وهم أقليّة‪ -‬وأصبح لليزيدي احلق يف أن خيتار من حيكم‪،‬‬
‫والشيوعي والعلماو والرافضي‪ ،‬كل هؤالء أصبح هلم حق يف أن خيتاروا من حيكم‬
‫البالد‪.‬‬

‫ودعادة أفالطون‬ ‫إذا هذا فارق بني ال ّدميُقراطيّة وبني اإلسالم يف اختيار احلُ ّكام‪ُ ،‬‬
‫ظنّوا أن هنا وجه شبه بني اختيار احلُ ّكام يف اإلسالم وبني اختيار احلُ ّكام يف‬
‫دين دميُقراطي"‪.‬‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وهلذا قالوا‪" :‬اإلسالم ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪321‬‬

‫أنت ترى اآلن ال وجه شبه بني اإلسالم وال ّدميُقراطيّة يف اختيار احلُكام‪..‬‬
‫كيف؟؛ يف ال ّدميُقراطيّة‪ :‬قلنا الكل هلم احلق بشرط أن يكون جتاوز الثامنة عشرة‪ ..‬أما‬
‫يف اإلسالم‪ :‬فال يُستشار إال املسلم‪ ..‬ال يُستشار إال مسلم‪ ..‬وأنت تعلم يف دارنا‬
‫اآلن درا إسالم‪ ،‬ولنا أهل ذمة (نصارى هم أهل ذمة املسلمني)‪ ،‬هؤالء ليس هلم قول‬
‫يف اختيار من سيحكم املسلمني‪ ،‬ال يُؤخذ برأيهم وال يُستأنس وال هلم احلق أن يُدلوا‬
‫بصوهتم يف من حيكم دار اإلسالم هذه ومن يتوىل األمر يف هذا‪ ..‬علما أهنم ضمن‬
‫دار اإلسالم يعيشون؛ فإذا كان الذي أمناه على دينه بشروط اإلسالم وبضوابط‬
‫اإلسالم ليس له احلق أن يُشار يف اختيار من حيكمنا‪ ..‬إذا أين وجه الشبه بني‬
‫اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة يف اختيار احلُ ّكام؟‬

‫بالنسبة إىل اختيار احلُ ّكام يف اإلسالم‪ :‬يكون إىل أهل احلل والعقد وهم أهل‬
‫الشورى‪ ،‬أهل الشورى باعتبار هؤالء ابتداء‪ :‬هم مسلمون‪ ،‬وفيهم أصحاب العلم‪،‬‬
‫وفيهم من هو أهل ألن يتوىل هذا األمر‪ ..‬وبني هؤالء جتد أحدهم يدفع عن نفسه‬
‫أحدا‬ ‫إىل صاحبه‪ ،‬ألهنم يعلمون حديث رسول هللا ‘‪( :‬إنا واَلل الَ نـُ َوِّ ه َذا َ‬
‫الع َم َل َ‬
‫أحدا َحَرص عليه)(‪ ،)53‬فإذا وجدوا فيما بينهم أحدا يسأل ما يُعطوه‪ ،‬وإذا‬
‫َسأَلَه‪ ،‬أَو َ‬
‫أُعطي له ووجدوا منه احلرص بعد ذلا ما يُسلّمونه شيئا من األمر؛ إذا هم عندما‬
‫خيتارون هؤالء‪ ،‬خيتارون وجب ما ُحّلوا من هذه األمانة أن هؤالء هم الذين إذا‬
‫اختاروا رجال ففيما اختاره هؤالء سيكون فيه رضا للمسلمني أيضا‪.‬‬

‫وهلذا عندما اُختري أبو بكر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال علي ‪ ¢-‬وأرضاه‪" :-‬رضينا‬
‫لدنيانا من رضيه رسول هللا ‘ لديننا"‪ ..‬كان يف الدين يصلي بنا يف حياة رسول‬
‫ُ‬

‫(‪ُ ‹‹ )53‬متّفق عليه››‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪322‬‬

‫توىل أمور دنيانا‪ ،‬فطاملا هو رضي به يف الدين‪ ،‬إذا نرضى به يف الدنيا‬ ‫هللا‪ ،‬اآلن ّ‬
‫أيضا‪ ..‬إذا هؤالء عندما ُخيتارون‪ُ ،‬خيتارون هكذا‪ .‬أما هل نأيت إىل املسلمني كأفراد‪،‬‬
‫أن تقول إيش رأيا ونسوي انتخابات وما إىل ذلا‪ ..‬ال‪ ،‬األمر ليس كذلا‪.‬‬

‫إذا النقطة األوىل اليت ظنوا هبا أن اإلسالم يشبه ال ّدميُقراطيّة‪ ..‬قلنا ال شبه‪( ..‬من‬
‫تار)‪..‬‬
‫َخي ُ‬
‫َ ْ ُ َْ ُ ْ ُ ْ‬ ‫َ َْ‬
‫اآلن نأ ِتي إلى‪ :‬من يختار ِللحك ِم؟‬
‫ورى ا يل ْس ي‬
‫لم‪ :‬ال ُخيتار إال املسلم‪ ..‬ال َخيتار إال املسلم‪ ،‬وال ُخيتار إال‬ ‫ِف ُش َ‬
‫املسلم‪ ..‬أي ال يتوىل احلُكم إال مسلم‪ ،‬هذا يف اإلسالم‪.‬‬

‫بل ال نرضى من احلاكم املسلم أن يكون رجل يف بطانته من غري املسلمني‪ ،‬من‬
‫قربني له شرعا ال ُيوز أن يكون قريبا منه يهودي وال نصراو‪ ..‬علما أهنم يعيشون‬
‫الـ ُم ّ‬
‫ذمتنا‪ ،‬لكن هل هلم احلق يف أن يكونوا بطانة للخليفة؟ ال‬ ‫يف دار اإلسالم وهم أهل ّ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة ِّمن ُدونِ ُكم‬ ‫ِ‬
‫ُيوز هذا؛ لقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت البـغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورُهم‬
‫ص ُد ُ‬‫ضاءُ من أَفـ َواه ِهم َوَما ُختفي ُ‬ ‫َال يَألُونَ ُكم َخبَاال َوُّدوا َما َعنتُّم قَد بَ َد َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَكبَـ ُر ۚ قَد بَـيـنا لَ ُك ُم اآليَات ۚ إِن ُكنتُم تَـعقلُو َن﴾ [آل عمران‪ ،]118:‬و ّ‬
‫﴿من‬
‫ُدونِ ُكم﴾ يعين‪ :‬من غريكم‪.‬‬

‫﴿إِن ُكنتُم تَـع ِقلُو َن﴾ إذا كنتم أصحاب عقول‪ ،‬فما ينبغي لا أن جتعل بطانتا‬
‫من غري املسلمني‪ ..‬هذا يف اإلسالم‪.‬‬
‫ال م يعي إل ال ّيدميُْقر ي‬
‫اطيّ ية حىت تنظر إىل هذه الكشكولة اليت حتكم العراق‬ ‫َ‬ ‫تَ َع َ َ‬
‫اآلن‪ ..‬ففيهم‪ :‬رافضة‪ ،‬وهؤالء مرتدون عن دين هللا ¸‪ ،‬فيهم‪ :‬نصارى‪ ،‬وهؤالء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪323‬‬

‫ث ثََالثٍَة﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين قَالُوا إِن اَللَ ثَال ُ‬
‫ك ّفرهم هللا ¸ بقوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬ل َقد َك َفَر الذ َ‬
‫[املائدة‪ ،]73:‬وفيهم‪ :‬يزيدي‪ ،‬بل يزيدية‪ ،‬وهؤالء كما تعلم عبدة الشيطان‪ ،‬حنن أعلم هبم‬
‫وهم أهل بالدنا‪ ،‬نعرف ماذا يعبدون‪ ..‬قد يكون من عاش يف غري البالد ال يعرف عن‬
‫اليزيدية شيئا‪ ،‬قد يقول أنا ال أعرف‪ ..‬لكن حنن نعرفهم أهنم يعبدون الشيطان‪ ،‬هؤالء‬
‫اُنتخبوا لكي يكونوا من ضمن التشكيلة احلكومية اليت حتكم العراق؛ إذا ال عالقة بني‬
‫اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة يف اختيار احلُ ّكام‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ ُ َ ْ ُ َن َ ْ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ‬
‫ى‬
‫َْ‬
‫اللها أراد دعاة أفالطو أن يث ِبتوا‬ ‫نأ ِتي إلى اِلسأل ِة األخر ال ِتي ِمن ِخ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اطي‪:‬‬
‫اإلسالم ِدين ِديمقر ِ‬ ‫أن ِ‬
‫َ ْ ََ ُ َ ََ‬
‫الب ْرِل ِان‪:‬‬ ‫مسألة‬
‫قال‪ :‬كما يف اإلسالم اخلليفة ال يُقدم على أم ٍر إال بعد أن يتشاور مع إخوانه‪،‬‬
‫كذلا يف ال ّدميُقراطيّة ترى هذا رئيس الربملان ما يقطع أمرا إال بعد أن يستشري من‬
‫معه‪ ..‬فظنوا أن ال ّدميُقراطيّة تشبه اإلسالم هنا‪ ..‬الفارق أين؟‬

‫ان (اجمللس التشريعي)‪ :‬جتد أمناطا من الناس‪ ،‬واملـُنتسب إىل احلزب‬ ‫ِف الب رلَم ي‬
‫َْ َ‬
‫العراقي سليم اجلبوري (هذا رأس من رؤوس احلزب العراقي)‪ ،‬عندما ُيلس جتد فوق‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بـَيـنَـ ُهم﴾ [الشورى‪ ،]38:‬مث جتده يستشري يزيديّة سافرة‪ ،‬يا َول‬ ‫رأسه‪َ :‬‬
‫ني َمن؟‪ ،‬بني املسلمني‪ ،‬ليست‬ ‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾‪ ،‬بـَ َّ‬
‫هذه من ﴿بَـيـنَـ ُهم﴾؟!‪َ ،‬‬
‫اليزيدية‪ ،‬وال الشيوعي‪ ،‬وال الرافضي‪ ،‬وال العلماو‪ ،‬وال النصراو‪ ،‬وال اليهودي‪ ،‬كل‬
‫هؤالء ال يُستشارون‪ ،‬ولكن يف الربملان كل هؤالء يُستشارون‪ ،‬مث يأيت اإلخواو ‪-‬‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾‪.‬‬
‫والعياذ باهلل منهم‪ -‬يقول‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪324‬‬

‫هذه اآلية جتدها يف مصر‪ ،‬هذه اآلية جتدها يف تونس‪ ،‬هذه اآلية جتدها يف‬
‫يتورعون‬
‫السودان‪ ،‬يف مجيع البلدان اليت ُحيكم هبا جتد هذه اآلية مكتوبة فوقهم‪ ،‬مث ال ّ‬
‫عن أن يستشريوا يهوديا أو نصرانيا أو شيوعيا أو يزيديا‪ ،‬بل وصل األمر يف السودان‬
‫عندما ُح ِكموا ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬من قبل أذناب إخوان مصر‪ ،‬متكن من أن يقتطعوا‬
‫اض خاصة هلم يف جنوب السودان! يف عهد‬ ‫أجزاء من أراضي املسلمني فأصبحت أر ٍ‬
‫هؤالء احلُثالة!!‬

‫علما أنه يف عهد هؤالء احلُثالة‪ :‬عندما كان الشيخ أسامة‪ ،‬بعد أن حصل يف‬
‫أفغانستان ما حصل‪ ،‬احنازوا إىل السودان وق ّدموا هلم من اخلدمات ما قدموا‪ ،‬هنا‬
‫حماضرة لـمحسن عبداحلميد ‪-‬خنرج عن املوضوع قليال‪ -‬اسم هذه احملاضرة‪ ..‬وهللا‬
‫بس حتفظ االسم تتعب‪[ ..‬العقلية املقاصدية يف اإلسالم] تذكرهتا‪[ ..‬العقلية‬
‫املقاصدية يف اإلسالم]‪ ..‬الحظ هؤالء اإلخوجنية ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬إيش حاهلم‪ ..‬قال‬
‫يف هذه احملاضرة‪ :‬دخل أُسامة ومعه جمموعة من املتحمسني السودان‪ ،‬قدموا بعض‬
‫أحسوا هبم‪ ،‬فقالوا أن السودان تأوي اإلرهابيني‬
‫املسائل‪ ،‬بعض املنافع‪ ،‬ولكن الغرب ّ‬
‫وما إىل ذلا‪ ..‬يقول‪ :‬وهنا حتركت العقلية املقاصدية‪ ،‬فأرسلوا إليه الرتايب [أي حسن‬
‫الرتايب]‪ ،‬فقال‪ :‬إنا جاهدت يف سبيل هللا‪ ،‬أجر على هللا‪ ،‬ولكن وجود خطر‬
‫حسوا أن السودان فيه‬‫علينا‪ ،‬عليا أن تُغادر البلد خالل أسبوع؛ فقط الغرب ّ‬
‫إرهابيني‪ ،‬قالوا‪ :‬وجود خطر علينا‪ ،‬عليا أن تُغادر!‬

‫وعندما غادر هؤالء اجملاهدون املهاجرون تلا األراضي اإلسالمية‪ ،‬احلكومة‬


‫السودانية قالوا‪ :‬فقط الليبيني يبقون‪ ،‬املهاجر اللييب يبقى ما يف إشكال فخرج منهم‪،‬‬
‫أربعة فقط بقوا يف السودان‪ ،‬يف تلا الفرتة كانت العالقة سيئة بني السودان وبني‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪325‬‬

‫ليبيا‪ ،‬وكانت املفاوضات جتري فيما بينهم لتحسني العالقة‪ ،‬الوزير السوداو حل معه‬
‫هؤالء األربعة اجملاهدين وطار هبم إىل القذايف وسلّمهم للقذايف‪ ،‬قتلهم يف يوم عيد!‬

‫أشر على اإلسالم من هؤالء!! ال توجد ديانة وال حزب وال شيء‬ ‫وهللا ليس ّ‬
‫أضر على اإلسالم من إخوان مصر؛ ألن دائما جتدهم إىل جانب النصارى‪ ،‬إىل‬ ‫ّ‬
‫جانب الكفار‪ ،‬إىل جانب الرافضة‪ ..‬لكن ال جتدهم يف يوم من األيام إىل جانب‬
‫املسلمني‪ ،‬بل هم من ألد أعداء املسلمني أينما وجدوا‪.‬‬

‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى‬


‫فيأيت أمثال هؤالء (سليم اجلبوري)‪ ،‬ويكتب فوق رأسه‪َ :‬‬
‫بَـيـنَـ ُهم﴾‪ ،‬ويتحدث باآليات واألحاديث‪ ،‬وينتمي إىل حزب يسمي نفسه‬
‫(إسالمي)‪ ،‬مث إذا به يستشري يزيدية‪ ،‬ويستشري شيوعي‪ ،‬ويستشري رافضي‪ ،‬ويظن أنه‬
‫يقيم شيئا من دين هللا‪ ،‬أو أن اإلسالم هو هذه ال ّدميُقراطيّة!! فأين اإلسالم من‬
‫ال ّدميُقراطيّة يف اختيار احلُ ّكام‪ ،‬وأين اإلسالم يف ال ّدميُقراطيّة من الربملانات؟!‬

‫وآيت إىل مزيد من التفاصيل يف الفرق بني اإلسالم وال ّدميُقراطيّة يف اجمللس‬
‫التشريعي (يف الربملان)‪:‬‬

‫ؤصل؛ أي‪ :‬أن نأيت‬ ‫ى‪ :‬عندما نقول هذا من اإلسالم علينا أن نُ ّ‬ ‫ور َ‬
‫ِّ َ‬
‫َّأوًال‪ :‬ال ُ‬
‫بالدليل على أن الشورى من اإلسالم‪ ،‬والدليل على كون الشورى من اإلسالم‪ :‬قوله‬
‫نت فَظًّا َغلِي َ‬
‫ظ‬ ‫نت َهلُم ۚ َولَو ُك َ‬
‫ٍِ ِِ‬
‫تبار وتعاىل لرسول هللا ‘‪﴿ :‬فَبِ َما َرحَة ّم َن اَلل ل َ‬
‫ف َعنـ ُهم َواستَـغ ِفر َهلُم َو َشا ِورُهم ِيف األَم ِر ۚ فَِإ َذا‬ ‫ِ‬
‫ا ۚ فَاع ُ‬‫ضوا ِمن َحول َ‬
‫ب َالن َف ُّ‬‫ال َقل ِ‬
‫ت فَـتَـ َوكل َعلَى اَللِ﴾ [آل عمران‪]159:‬؛ إذا هللا تبار وتعاىل أمر رسوله أن‬ ‫َعَزم َ‬
‫يستشري الصحابة‪ ..‬هذا تأصيل على شرعيّة الشورى يف اإلسالم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪326‬‬

‫يقول اإلمام الشافعي ‪ -¬-‬يف تفسريه [أحكام القرآن]‪" :‬قال احلسن ‪ :¢‬إن‬
‫كان النيب ‘ لغنيا عن مشاورهتم‪ ،‬ولكنه ´ أراد أن يسنت بذلا احلكام بعده"‪.‬‬

‫يسنت‪ ..‬أي‪ :‬يأخذ احلُكام الشورى ُسنّة هلم‪ ..‬فما من‬


‫أي‪ :‬أراد هللا ¸ أن ّ‬
‫حاك ٍم يأيت إال عليه أن يستشري يف األمور القابلة لالستشارة‪ ،‬بل هنا من يوجب‬
‫االستشارة على احلاكم كابن عطيّة ‪ -¬-‬بالذات استشارة أهل العلم‪.‬‬

‫إذا هذا دليل على أن الشورى من اإلسالم‪ ..‬زين أين الدليل على أن ال ّدميُقراطيّة‬
‫من اإلسالم؟!‪ ،‬لو حديث موضوع!‪ ،‬ال يوجد‪ ..‬إذا هذا إسالم‪ ،‬وهذا ليس بإسالم‪،‬‬
‫هذا من حيث التأصيل‪.‬‬

‫أما من حيث التعريف‪ :‬الفارق بني الشورى يف اإلسالم‪ ،‬وبني ال ّدميُقراطية‪:‬‬


‫السيادة‬
‫عرفنا ال ّدميُقراطيّة وفق ما لديهم‪ ،‬قلنا‪ّ :‬‬
‫الحظ‪ ..‬سابقا تذكرون عندما ّ‬
‫السلطَة اليت ليست فوقها سلطَة أخرى‪ .‬هذا تعريف‬ ‫السيادة‪ُّ :‬‬
‫للشعب‪ ،‬ومعىن ّ‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬ما تعريف الشورى؟‬

‫يقول ابن العريب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه يف تعريف الشورى‪ ..‬قال‪:‬‬
‫"عرض األمر على اخلرية حىت يُعلم املراد منه"‪.‬‬
‫ُ‬
‫اخلريين‪.‬‬
‫على اخلرية أي‪ :‬على الناس ّ‬
‫من خالل ما قرأت ومن خالل ما وقفت على بعض التعريفات‪ ،‬قلت يف تعريف‬
‫الشورى‪:‬‬

‫الِّورى‪ :‬استطالع آراء املسلمني ملعرفة الصواب يف الرأي كلٌّ يف اختصاصه‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪327‬‬

‫إيش معىن هذا التعريف؟‬

‫اء‪ :‬أنه ال يُستشار إال املسلمون‪ ،‬فقط املسلمون يُستشارون‪ ..‬الغاية من‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫االستشارة‪ :‬املستشري يريد أن يعرف أصوب اآلراء يف هذه املسألة‪ ،‬هنا رأي وهنا‬
‫ُ‬
‫رأي وهنا رأي‪ ..‬يستشري فالن ويستشري فالن حىت يتبني ما أصوب اآلراء من‬
‫الناحية الشرعية يف هذه املسألة‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬للوصول إىل الصواب ذكرناه وكلٌّ حسب اختصاصه؛ هذا يعين‬ ‫ال َق ْي ُد َ‬
‫بأن املسألة إذا كانت شرعية‪ ..‬يُستشار العلماء‪ ،‬إذا كانت عسكرية أهل االختصاص‬
‫يُستشارون‪ ،‬إذا كانت إدارية‪ ،‬إذا كانت خدمية‪ ،‬إذا كانت فنيّة‪ ،‬إذا كانت تقنيّة؛ إذا‬
‫خيتار و األمر لكل عل ٍم من هذه العلوم‪ ،‬ويستشريهم حسب اختصاصهم؛ ألنين‬
‫إذا كنت أتكلم يف اجلانب الشرعي‪ ،‬إذا سألين عن التقنيات واستشارو‪ ،‬أنا ما‬
‫أجديه نفعا يف هذه املسألة‪ ،‬وكذلا صاحب التقنية إذا اُستُشري يف املسائل الشرعية‬
‫قد ال ُُيديه نفعا‪.‬‬

‫إذا يستطلع آراء املسلمني للوصول إىل الصواب يف الرأي كلٌّ حسب‬
‫اختصاصه‪ ..‬هذه الشورى عندنا يف اإلسالم‪ .‬أما تعريفهم يف ال ّدميُقراطيّة ذكرته لا‪..‬‬
‫زين أين العالقة بني الشورى وبني ال ّدميُقراطيّة يف التعريف؟؛ إذا ال يف التأصيل وال يف‬
‫التعريف‪.‬‬
‫ِّورى وب ني ال ّيدميُْقر ي‬
‫اطيّ ية‪ :‬أن الشورى جعلها هللا ¸ صفة‬ ‫ال َِا ير ُق َ‬
‫َ‬ ‫ني ال ُ َ َ َ َّ‬
‫اآلخ ُر بَ َّ‬
‫للمؤمينن من بني تسع صفات‪ ..‬ذكر هللا ¸ يف آية سورة الشورى تسع صفات‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بـَيـنَـ ُهم﴾‪.‬‬
‫للمؤمنني‪ ،‬من بني هذه الصفات‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪328‬‬

‫ند اَللِ‬‫الدنـيَا ۚ َوَما ِع َ‬‫الحظ اآلية الكرمية‪﴿ :‬فَ َما أُوتِيتُم ِّمن َشي ٍء فَ َمتَاعُ احلَيَاةِ ُّ‬
‫ين َُيتَنِبُو َن َكبَائِر ِ‬
‫اإل ِمث‬ ‫خيـر وأَبـ َقى لِل ِذين آمنوا وعلَى رّهبِِم يـتـوكلُو َن ۝ وال ِ‬
‫ذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ٰ َ ََ َ‬ ‫ٌَ َ ٰ‬
‫ين استَ َجابُوا لَِرّهبِِم َوأَقَ ُاموا الص َالةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش َوإ َذا َما َغضبُوا ُهم يَـغف ُرو َن ۝ َوالذ َ‬
‫اح َ ِ‬ ‫وال َفو ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين إِ َذا أ َ‬
‫َصابَـ ُه ُم البَـغ ُي ُهم‬ ‫اهم يُنف ُقو َن ۝ َوالذ َ‬ ‫َوأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم َومما َرَزقـنَ ُ‬
‫ص ُرو َن﴾ [الشورى‪ ،]39-36:‬هذه تسع صفات ذكرها هللا ¸ للمؤمنني يف هذه‬ ‫ينتَ ِ‬
‫َ‬
‫اآلية‪ ،‬من بني صفاهتم‪ :‬أن أمرهم شورى بينهم‪.‬‬
‫ي‬
‫الص َِةُ األ َْو َل‪ :‬مؤمنون؛ إذا من كان من غري املؤمنني ال عالقة له باآلية‪ ،‬ال يف‬
‫هذه الصفات وال يف صفة الشورى‪ ،‬ألن هللا ¸ جعل من صفات املؤمنني أهنم‬
‫يتشاورون فيما بينهم؛ إذا الشرط األول حىت يكون اإلنسان ممن يُتشاور وممن‬
‫يستشري‪ :‬أن يكون مؤمنا‪.‬‬

‫الص َِةُ الثَّانييَةُ‪ :‬وعلى رهبم يتوكلون‪ .‬ومعىن التوكل‪ :‬أن تأخذ باألسباب وتتوكل‬
‫ي‬
‫على رب األسباب‪ ،‬وال تتوكل على األسباب‪ ..‬هذا ُمتصره‪.‬‬

‫ذُكَِر عن اإلمام أحد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬جاءه رجل وقال أريد أن أحج على‬
‫التوكل‪ ،‬أي‪ :‬أن أخرج إىل بيت هللا احلرام ‪-‬كان يف اليمن‪ -‬دون أن آخذ معي زادا‬
‫وال ماء وال متاعا‪ ،‬قال له اإلمام أحد‪ :‬أحتج لوحد أم مع مجاعة؟ قال‪ :‬بل مع‬
‫مجاعة‪ .‬قال‪ :‬أنت ُمتوّكل على خرج صاحبا؛ ألنا يف الطريق جتوع‪ ،‬تطلب منهم‬
‫الطعام‪ ،‬تعطش‪ ،‬تطلب منهم املاء‪ ..‬إذا أنت لست موكال على هللا‪ ،‬بل توكلت على‬
‫من معا من الناس الذين سيحجون‪.‬‬

‫رب‬
‫إذا التوكل أن تأخذ باألسباب ولكن ال تعتمد على األسباب‪ ،‬تعتمد على ّ‬
‫األسباب‪ .‬هذه صفة أهل اإلميان‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪329‬‬

‫الص َِةُ الثَّاليثَةُ‪ :‬الذين ُيتنبون كبائر اإلمث والفواحش‪ ،‬هذه صفة من يتشاورون‬
‫ي‬
‫فيما بينهم‪ ..‬طبعا كبائر اإلمث‪ :‬الكبائر‪ ،‬الفواحش‪ :‬ذكرناها يف ٍ‬
‫لقاء سابق‪ ،‬قلنا الزنا‪،‬‬
‫وعمل قوم لوط‪ ،‬والذنوب‪ ،‬واملعاصي‪ ،‬والبخل والشر ‪.‬‬

‫الرابي َعةُ‪ :‬وإذا ما غضبوا هم يغفرون‪ ،‬هؤالء الناس من صفاهتم أهنم يف‬ ‫ي‬
‫الص َِةُ َ‬
‫حالة الغضب يغفرون ملن أغضبهم‪ .‬طبعا هنا فرق بني الغضب وبني الظلم‪ ..‬قد‬
‫تغضب ألي أمر من األمور‪ ،‬لكن إذا وقع عليا ظلم هذا شيء آخر‪.‬‬
‫ي‬
‫الص َِةُ األُ ْخ َرى هلؤالء‪ :‬والذين استجابوا لرهبم‪ ،‬أي‪ :‬فيما أمر وفيما هنى‪.‬‬
‫الس ي‬
‫اد َسةُ‪ :‬وأقاموا الصالة‪ ،‬أي‪ :‬باحملافظة على أوقاهتا‪ ،‬أو بأدائها بشروطها‪..‬‬ ‫َ‬
‫كما قال اإلمام املاوردي ‪ -¬-‬يف تفسريه‪.‬‬

‫السابي َعةُ‪ :‬وأمرهم شورى بينهم‪ ،‬من صفات أهل اإلميان أهنم فيما بينهم‬ ‫َّ‬
‫يتشاورون‪ ..‬زين إيش معىن "بينهم" هذه؟‪ ،‬بينهم يعين بني املؤمنني واملسلمني‪،‬‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى‬
‫فكيف يُستشار الرافضي والنصراو والشيوعي واليزيدي‪ ،‬مث يُكتب‪َ :‬‬
‫بَـيـنَـ ُهم﴾؟!‪ ،‬أين هؤالء من "بينهم"؟‪َ ،‬‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾ أي‪ :‬املؤمنون‬
‫يتشاورون فيما بينهم‪.‬‬

‫﴿و َشا ِورُهم ِيف األَم ِر﴾‪ ..‬كان يف املدينة‬


‫ودليل ذلا أيضا‪ :‬أمر هللا ¸ لرسوله‪َ :‬‬
‫بعض املشركني‪ ،‬وكان يف املدينة اليهود‪ ،‬وكان يف املدينة الرسول ‘ مع أصحابه‪،‬‬
‫فعندما أمره هللا ¸ باالستشارة‪ ،‬ال يُفهم من هذا األمر أن يذهب إىل اليهود ‪-‬‬
‫علي يف هذه املسألة!! ألن هؤالء ليسوا ممن آمنوا‬ ‫حاشاه‪ -‬ويقول‪ :‬اذا تُشريون ّ‬
‫﴿يف األَم ِر﴾‪ ..‬هؤالء ليسوا من‬ ‫برسول هللا‪﴿ ..‬و َشا ِورُهم﴾ أي‪ :‬أصحابا ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪330‬‬

‫أصحابه‪ ..‬وكذلا ال يستشري املشركني الذين يف املدينة ألهنم ليسوا من الذين آمنوا‬
‫﴿و َشا ِورُهم ِيف األَم ِر﴾ أي‪ :‬أصحابا‪.‬‬
‫به‪َ ..‬‬
‫إذا الـ ُمشاورة من صفة أهل اإلميان‪ ،‬يتشاورون فيما بينهم وال ييستشريون أحدا‬
‫من خارج دين اإلسالم‪.‬‬

‫ص ُرو َن﴾‪ ،‬العلماء قالوا‪ :‬الفرق بني اآلية األوىل‪:‬‬ ‫﴿إِذَا أَصابـهم البـغي هم ينتَ ِ‬
‫َ َُ ُ َ ُ ُ َ‬
‫ص ُرو َن﴾‪..‬‬ ‫ضبوا هم يـغ ِفرو َن﴾ وآية‪﴿ :‬وال ِذين إِذَا أَصابـهم البـغي هم ينتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َُ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫﴿وإذَا َما َغ ُ ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫﴿و َجَزاءُ َسيِّئَ ٍة َسيِّئَةٌ ِّمثـلُ َها ۚ فَ َمن َع َفا َوأَصلَ َح فَأَج ُرهُ َعلَى‬
‫اآلية الكرمية اليت بعدها‪َ :‬‬
‫وحريّة أن تعفو‪ ..‬وإن‬ ‫ِ‬
‫اَلل﴾ [الشورى‪ ،]40:‬إذا تر لا ُحّرية أن تنتصر لنفسا‪ُ ،‬‬
‫كانت اآليات األخرى حتث على العفو وحتث على الصلح‪ ،‬لكن هنا قال‪ :‬إذا وقع‬
‫عليا ظلم من حقا أن تنتصر لنفسا‪ ،‬لكن إذا أردت أن تعفو وتصلح فاألمر‬
‫أيضا إليا وأجر على هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫إذًا الشورى صفة ألهل اإلميان‪ ،‬يتشاورون فيما بينهم‪ ،‬زين‪ ..‬أين هذا الذي قلته‬
‫يف اجمللس التشريعي العراقي؟!‪ ،‬كم من الطوائف يف ذلا اجمللس؟‪( ،‬سليم اجلبوري)‬
‫اطي؟‪ ،‬أين الشورى بني‬
‫دين دميُقر ّ‬
‫كم يستشري من هؤالء؟!‪ ،‬فكيف نقول أن اإلسالم ٌ‬
‫اإلسالم وبني هؤالء؟!‪ ،‬وهلا جتده يقول‪ :‬ونطر األمر للتصويت‪ ..‬ويرفعون أيديهم‪،‬‬
‫وتنتهي املسألة‪ ..‬قُـِّرر باإلمجاع‪ ،‬وميضي التشريع ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬وإذا ُسئِل قال‪:‬‬
‫أمرهم شورى بينهم‪ ..‬شاورنا هؤالء الذين كانوا معنا!!؛ إذا ال عالقة بني اإلسالم‬
‫وال ّدميُقراطيّة يف مسألة أن الشورى صفة ألهل اإلميان يتشاورون فيما بينهم‪.‬‬
‫ِّورى وال ّيدميُْقر ي‬
‫اطيَّ ية‪:‬‬ ‫ني ال ُ َ َ َ‬ ‫ات األُ ْخ َرى بَ َّ‬
‫ال ُِ ُروقَ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪331‬‬

‫ذمة يدفعون للمسلمني‬‫لم‪ :‬الكفار ال يُستشارون وإن كانوا أهل ّ‬ ‫قُ ْلنَا ِف ا يل ْس ي‬
‫اجلزية‪ ..‬اآلن يف دار اإلسالم‪ ،‬يف دولتنا هذه ‪-‬وهلل احلمد واملنّة‪ -‬هنا نصارى‬
‫يدفعون اجلزية‪ ،‬هل نستشريهم يف بعض املسائل؟‪ ،‬ال ميكن‪ ،‬ال ميكن أن يُستشاروا‬
‫يف أي مسألة من املسائل اليت ختص املسلمني وختص دار اإلسالم‪ ،‬وإمنا هم‬
‫ٍ‬
‫أحكام أو من‬ ‫خاضعون ألحكام هللا تبار وتعاىل ال رأي هلم فيما نرتئيه ألنفسنا من‬
‫آر ٍاء ومن استشارة‪.‬‬

‫ان‪ :‬هنا نصارى يُستشارون‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل ك ّفر النصارى‬ ‫ب ي نَما ِف الب رلَم ي‬
‫َْ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ث ثََالثٍَة﴾ [املائدة‪.]73:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين قَالُوا إِن اَللَ ثَال ُ‬
‫عندما قال‪﴿ :‬ل َقد َك َفَر الذ َ‬
‫إذا يقينا يف الربملان الكافر يُستشار‪ ،‬يف اإلسالم ال يُستشار إال املسلم‪..‬‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾‪.‬‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ َ َ ُ َ َ‬
‫الد ُيمق َر ِ‬
‫اطي ِة‪:‬‬ ‫الف ِارق اآلخ ُر بين الشورى و ِ‬
‫لم‪ :‬ال يوجد يف دار اإلسالم شيء امسه علماوّ‪ ،‬وال قومي‪ ،‬وال‬ ‫ِف ا يل ْس ي‬
‫شيوعي‪ ،‬فإذا كان ال وجود هلم يف دار اإلسالم؛ إذا بالضرورة ال يُستشارون‪ ،‬كيف‬
‫أستشري من ال أقبل وجوده بيننا؟!‪ ،‬ال نرضى أن يكون يف دار اإلسالم رجل يعتقد‬
‫بعقيدة الشيوعية‪ ،‬وإذا ُوِج َد يُستتاب‪ ،‬فإن مل يتُب يُقتَل‪ ،‬وكذلا القومي‪ ،‬وكذلا‬
‫العلماو‪ ،‬كل هؤالء ال يُقبلون يف دار اإلسالم‪ ،‬فإن كان ال وجود هلم‪ ،‬إذا بالضرورة‬
‫ال ميكن أن نستشري أُناسا ال نقبلهم أن يتواجدوا فيما بيننا‪.‬‬
‫عرفناها يف ٍ‬ ‫ي ي‬
‫درس سابق‪ ،‬كما يف [أكسفورد]‪ ،‬عندما قالوا‪:‬‬ ‫َوالع ْل َمانيَّةُ كما تعلم ّ‬
‫"مفهوم يرى ضرورة أن تقوم األخالق والتعليم على ٍ‬
‫أساس غري ديين"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪332‬‬

‫"أال يكون‬
‫وجدت تعريفا آخر للعلمانية يف كتاب‪ ..‬قال‪ :‬العلمانية تعين‪ّ :‬‬
‫اإلنسان ُملزما بتنظيم أفكاره وأعماله وفق معايري مفروضة على أهنا شريعة أو إرادة‬
‫إهلية"‪.‬‬

‫الحظ‪" ..‬على أهنا شريعة أو إرادة إهلية"‪ ،‬هؤالء يُقبلون بني املسلمني؟! يقينا‬
‫ال‪ ،‬فكيف يُستشارون؟!‪ ،‬بينما جتد العلماو يف برملان (سليم اجلبوري)‪ ..‬وحتت قول‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾‪ ..‬يستشري هؤالء!!‬
‫هللا ¸‪َ :‬‬
‫«سؤال من أحد اإلخوة عن التعريف السابق‪»..‬‬

‫*الشيخ‪ :‬يعين شيء من الشريعة‪ ،‬تقول هذا من الشريعة‪ ،‬وأنت تنضبط هبذه‬
‫الشريعة‪ ..‬يقول‪ :‬أنا علماو ال أقبل بالشريعة‪ ..‬زين هذا أمر هللا ¸!!‪ ،‬يقول‪ :‬أنا‬
‫علماو‪ ،‬ال أضبط نفسي باألوامر اإلهلية وال باألوامر الشرعية‪.‬‬

‫التَـع ِريف الصحيح للعلمانية‪ّ :‬‬


‫الال دينية‪ ،‬هذا هو التعريف الصحيح هلذه الكلمة‪،‬‬
‫هي كلمة بريطانية أظن (‪ )Secularism‬هكذا يسموهنا‪ ..‬فالتعريف احلريف عندهم‬
‫للعلمانية‪ :‬ال دينية‪ .‬لكن هم مسّوها علمانية كما قلنا سابقا؛ ألنه عندما يقول"‬
‫"علماو" أخف بكثري من أن يقول‪" :‬ال ديين"‪.‬‬

‫إذا هذا فارق بني الشورى يف اإلسالم وبني الدميُقراطيّة‪ ،‬ال نستشري الكفار وإن‬
‫ذمة‪ ،‬ال نقبل بالعلمانيني وال بالشيوعيني‪ ،‬فكيف نستشريهم؟‪ ،‬وكل هؤالء‬ ‫كانوا أهل ّ‬
‫شر شاهد على ما أقول‪.‬‬
‫يُستشارون يف ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬واجملالس التشريعية ُّ‬
‫ك‪ :‬ال نستشري الرافضة يف اإلسالم‪ ،‬الرافضة ال يُستشارون؛ ألن هؤالء‬ ‫َك َذلي َ‬
‫مرتدون عن دين هللا ¸‪ ،‬وكما أننا نُك ّفرهم هم أيضا يُك ّفروننا‪ ،‬فال ُميكن أن نقبل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪333‬‬

‫أن يكون لنا يف اإلسالم ُمستشار رافضي‪ ،‬ألن هؤالء ما تولّوا يوما شيئا من أمور‬
‫املسلمني إال كانوا وباال على اإلسالم واملسلمني؛ كذلا الوزير (الطوسي) عندما كان‬
‫العباسي‪ ،‬هو الذي أدخل التتار إىل بالد املسلمني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مع اخلليفة‬

‫يسر هللا ¸‪ -‬سنتكلم عنهم بالتفصيل‪ ،‬ولكن هم دين وحنن‬ ‫والرافضة ‪-‬إذا ّ‬
‫دين آخر‪ ،‬ألهنم يأخذون دينهم من كتب خاصة هبم‪ ،‬ال نعرتف هبا أساسا‪[ ،‬الكايف]‬
‫حملمد بن يعقوب ال ُكليين‪ ،‬هذا الكتاب إذا قرأته ستمرض‪ ،‬أنا ما قرأته إال بإحلا‬
‫على نفسي وما أمتمته إال يف املرة الثالثة؛ ألنه ال عقلا وال دينا يتحمل أن جتد‬
‫هذا الكالم يف كتاب أُنا ٍس ي ّدعون أهنم أتباع أهل البيت‪ ،‬عدد الروايات يف هذا‬
‫الكتاب ستة عشر ألف كسر رواية‪ ..‬بتحقيقهم هم إحدى عشر ألف رواية ضعيفة!‬
‫بتحقيقهم هم‪ ..‬ولكن مع هذا يعملون بالروايات الضعيفة‪ ،‬ألهنم إذا تركوا الروايات‬
‫الضعيفة ما يبقى عندهم دين‪.‬‬

‫فمن كان هذا دينه‪ ،‬كيف أستشريه؟!‪ ،‬أُناس يُك ّفرون أصحاب رسول هللا ‘‬
‫كيف أستشريهم؟! أُناس يُك ّفرون املسلمني‪ ..‬وهللا يا إخوة‪ ،‬نقول أهنم مرتدون عن‬
‫تنس أهنم حكموا على كل أهل السنة أهنم كفار وقتلهم جائز‬ ‫دين هللا‪ ،‬ولكن ال َ‬
‫عندهم‪ ،‬بل الكل ‪-‬حاشاكم‪ -‬كل أهل السنة أبناء زنا عندهم!‪ ،‬تعلم ملاذا؟!؛ قال‪:‬‬
‫ألن يف أموالكم اخلُمس (حق اإلمام) وأنتم ما ُخترجون حق اإلمام وتتزوجون هبذه‬
‫ب من هذا العقد هو ابن زنا‪..‬‬ ‫ِ‬
‫األموال‪ ،‬فالعقد غري جائز؛ إذا الزواج زنا‪ ،‬فمن أُجن َ‬
‫كل أهل السنة أبناء زنا عندهم‪ ،‬لكن ما يستطيعون أن يُصرحوا بذلا‪ ..‬كل أهل‬
‫السنة كفار عندهم‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن الرافضة ك ّفروا أصحاب رسول هللا ‘‪ ،‬وعلّة‬
‫ب بالوالية من هللا ¸‪ ..‬أي‪ :‬هللا ¸ جعله إماما بعد‬ ‫ِ‬
‫صَ‬‫التكفري قال‪ :‬ألن عليًّا نُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪334‬‬

‫رسول هللا‪ ،‬فمن مل ي ُقل بإمامته فقد كفر باهلل‪ ..‬فالصحابة ك ّفروهم ألهنم مل يقولوا‬
‫بإمامة علي بعد رسول هللا‪ ،‬وق ّدموا الصديق ‪-‬وحنن أيضا نقول هبذا القول‪ ..-‬فالذي‬
‫يف وفيا؟!؛ إذا حنن يف نظرهم ُك ّفار‪..‬‬
‫ال يتوقّف يف الصحابة‪ ،‬يتوقّف ّ‬
‫أقرأ لا بعض النصوص حىت تعلم إيش رأيهم بأهل السنة‪:‬‬

‫سربوه ألهل السنة‪..‬‬


‫حنن كلنا نواصب‪ ،‬ال تظن أن التعريف الذي متكنوا من أن يُ ّ‬
‫قالوا‪ :‬الناصيب هو الذي ينصب العداء ألهل البيت‪ ،‬والناس عندما يقول أنا احلمد هلل‬
‫ما أُعادي أهل البيت إذا أنا لست ناصبيًّا‪ ..‬ال‪ ،‬هذا تعريف متكنوا من أن يُوغلوه‬
‫بني املسلمني‪ ،‬وإال يف دينهم‪ :‬كل رجل ينتسب إىل أهل السنة فهو ناصيب‪..‬‬

‫الحظ ماذا جاء يف [األنوار النُّعمانيّة] لرجل يُسمى بـ(نعمة هللا اجلزائري) الحظ‪..‬‬
‫قال‪" :‬بل أخبارهم تُنادي [أي أخبار األئمة حاشاهم] بأن الناصب هو ما يُقال له‬
‫ين األخبار تضافرت على أن هؤالء نواصب‪.‬‬ ‫ين‪ ".‬إذا كل ُس ّ‬
‫عندهم‪ُ :‬س ّّ‬
‫وقال يف نفس الكتاب يف موض ٍع آخر‪" :‬وال كالم يف أن املراد بالناصبة‪ :‬هم أهل‬
‫ُ‬
‫التّسنُّن"‪ ،‬بدون استثناء‪.‬‬

‫ويف موط ٍن ثالث يقول نفس الرجل‪" :‬ويُؤيّد هذا املعىن [أي أن كل رجل سين‬
‫اصهم‪ ،‬أطلقوا لفظ الناصيب على أيب حنيفة [املقصود به‬
‫ناصيب] أن األئمة ﭺ وخو ّ‬
‫النعمان ¬] وأمثاله‪ ،‬مع أنه مل ي ُكن ممن ينصب العداوة آلل البيت"‪.‬‬

‫الناصيب هو من ينصب العداء‪ ،‬ال‪ ،‬أبو حنيفة ‪ -¬-‬الذي مل‬


‫ّ‬ ‫إذا ال تظن أن‬
‫سمونه ناصيب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يُعاد أحدا يف زمانه‪ ،‬مع هذا األئمة كانوا يُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪335‬‬

‫أئمتهم‪:‬‬
‫كالم يُنسب إىل أحد ّ‬
‫بل يف كتاب [الكايف] يف موضعني أو ثالثة‪ٌ ،‬‬
‫"لعن هللا أبا حنيفة‪ ،‬ولعن هللا أبا حنيفة"‪.‬‬

‫فإذا كنا نواصب‪ ،‬اخلميين حكم علينا بأننا أجناس هذا النجس ‪-‬أجلّكم هللا‪.-‬‬

‫الحظ قوله يف [حترير الوسيلة]‪ ..‬يقول النجس هذا اخلميين‪" :‬وأما النواصب‬
‫واخلوارج لعنهم هللا تبار وتعاىل‪ ،‬فهما جنسان من غري توقّف"‪.‬‬

‫طبعا اخلوارج هم الذين سلبوا األئمة احلكم‪ ..‬هؤالء خوارج‪ ،‬وكذلا الناصيب؛‬
‫إذا طاملا أهل السنة نواصب إذا كلنا عند اخلميين النجس أجناس‪ ،‬بل كفار أيضا‪،‬‬
‫طاملا ناصيب وجنس معناه كافر‪.‬‬

‫يقول حممد باقر اجمللسي‪ ..‬ويعرف ب ُـم ّال حممد باقر اجمللسي‪ ..‬له كتاب امسه‬
‫[مرآة العقول]‪ ،‬وله كتاب [حبار األنوار] حبار األنوار مائة وعشرة جملد‪ ،‬مجع فيه من‬
‫الغثاء ما هللا ¸ به عليم‪ ،‬الحظ ماذا يقول هذا اجمللسي‪ ..‬طبعا هذا ما كان ُميارس‬
‫صر ‪ ،‬كحاهلم‬ ‫التقية‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه ظهر يف زمن الصفويني‪ ،‬ما كان خياف أحدا‪ ،‬فبدأ يُ ّ‬
‫سمونا العُمريّة‪ ،‬ولعن هللا عمر‪ ،‬ولعن هللا فالنا ولعن هللا فالنا‪،‬‬
‫اآلن بالفضائيات يُ ّ‬
‫ملاذا؟؛ ألن الوقت ليس وقت تقية‪ ،‬هم حيكمون‪ ..‬فاجمللسي هذا كان يف زمن ال‬
‫حيتاج فيه إىل تقية‪ ،‬الحظ ماذا يقول‪..‬‬

‫قال‪" :‬اعلم أن إطالق لفظ الشر والكفر على من مل يعتقد بإمامة أمري‬
‫يدل على أهنم ُك ّفار‬
‫وفضل عليهم غريهم‪ّ ،‬‬
‫املؤمنني‪ ،‬واألئمة من ولده ﭺ‪ّ ،‬‬
‫ُُملّدون يف النار‪".‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪336‬‬

‫من مل ي ُقل بإمامة علي واألئمة من بعده‪ ،‬وقال بإمامة غريهم‪ ،‬هؤالء قال‪ :‬أدلة‬
‫كثرية على أن هؤالء كفار وُملدون يف النار‪ ..‬حنن كلنا نقول إمامته ليست من هللا‪،‬‬
‫وكلنا نقول أن اخلليفة من بعده أبو بكر؛ إذا كل هذه األدلة تُثبت عند الرافضة أننا‬
‫صرحوا هبذا األمر؛ ألهنم يعلمون أهنم سيفتحون على‬ ‫كفار‪ ،‬لكن ما يستطيعون أن يُ ّ‬
‫أنفسهم بابا ال يستطيعون أن يسدُّونه بعد ذلا‪ ،‬ودليل ذلا‪ :‬أننا عندما قلنا عندما‬
‫قلنا عن اجليش والشرطة مرتدين انظر ماذا فعلوا بنا‪ ،‬فما بالا عندما يأيت ويقول‬
‫مليار مسلم كلهم مرتدون هؤالء وكلهم كفار‪ ،‬ما يستطيعون أن يتفوهوا‪ ،‬ولكن هذه‬
‫عقيدهتم وهذا دينهم‪ ،‬فإذا كنا كفار‪ ،‬فما احلكم يف أموالنا ودمائنا؟‬

‫الص ُدوق (ابن بابويه ال ُق ّمي) يُل ّقب بالشيخ‬


‫سمونه ّ‬
‫الحظ‪ ..‬شيخ عندهم يُ ّ‬
‫الص ُدوق‪ ،‬له كتاب امسه [التوحيد]‪ ،‬ليس فيه من التوحيد إال العنوان‪ ،‬وله كتاب امسه‬
‫ّ‬
‫[من ال حيضره الفقيه] هذه أحد مصادرهم األربعة األساسية‪ ،‬ينقل رواية‪ ،‬قال‪" :‬عن‬
‫داوود بن فرقد‪ ،‬قال‪ :‬قلت أليب عبدهللا [يعين جعفر الصادق ¬ حاشاه] ما تقول يف‬
‫قتل الناصب؟(‪ )54‬قال‪ :‬حالل الدم‪ ،‬ولكين أتقي عليا فإن قدرت أن تقلب عليه‬
‫حائطا أو تغرقه يف ٍ‬
‫ماء؛ لكي ال يشهد عليا‪ ،‬فافعل‪[ ،‬الحظ تكملة الرواية] قلت‪:‬‬
‫فما ترى يف ماله؟‪ ،‬قال‪ :‬تَـ ِّوه ما قدرت عليه" هذه الرواية موجودة يف [علل الشرائع]‬
‫للحر العاملي] واجلزائري أيضا ذكرها يف [األنوار النعمانية]‪.‬‬
‫وكذلا يف [وسائل الشيعة‪ُ ،‬‬
‫الطوسي هذا يف [التهذيب واالستبصار] هذا الكتاب الثاو من مصادر تشريعهم‪،‬‬
‫الحظ ماذا يقول يف [هتذيب األحكام]‪ ،‬قال‪" :‬قال اإلمام الصادق [حاشاه]‪ُ :‬خذ مال‬
‫الناصب حيثما وجدته‪ ،‬وادفع إلينا ُمخ َسه"‪.‬‬

‫(‪ )54‬أنت عرفت اآلن منو الناصب‪ ..‬أهل السنة‪ ،‬اآلن السؤال‪ :‬ما تقول يف قتل الناصب؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪337‬‬

‫الحظ اخلميين ماذا يقول يف [حترير الوسيلة]‪ ،‬هذه فتاوى مبنية على رو ٍ‬
‫ايات‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عندهم يف [الكايف] وغريه وغريه‪ ..‬الحظ اخلُميين يف [حترير الوسيلة]‪ ،‬قال‪" :‬واألقوى‬
‫إحلاق الناصب بأهل احلرب يف إباحة ما اُغتنم منهم‪ ،‬وتعلق اخلُمس به‪ ،‬بل الظاهر‬
‫جواز أخذ ماله أين ُوِجد‪ ،‬وبأي حن ٍو كان‪ ،‬ووجوب إخراج ُمخ َسه"‪.‬‬

‫وهلذا يا شباب عندما تتابعون يف األخبار أهنم سطوا على البيوت وأخذوا‬
‫وأخذوا‪ ..‬هؤالء ال تظن أهنم جمموعة ُسراق‪ ،‬ال‪ ،‬هؤالء ُميارسون الدين؛ ألنه إذا قتل‬
‫مال‬
‫يقتل ناصبيًّا وجب الروايات املوجودة عنده يف كتابه‪ ،‬وإذا أخذ ماال فهذا ٌ‬
‫حالل له‪ ،‬فقط عندما يرجع ُخيرج اخلمس ويعطيه للمرجع‪ ،‬هذا املال حالل له‪،‬‬
‫بشرط أن يكون مال أهل السنة‪..‬‬

‫أيف دار اإلسالم نقبل أحدا من هؤالء؟!‪ ،‬فإذا كنا ال نقبل هبم‪ ،‬فكيف نستشري‬
‫أُناسا أساسا ال نقبلهم؟!‪ ،‬وهلذا ملا مكننا هللا ¸ أخرجناهم من دار اإلسالم‪،‬‬
‫طهرنا هذه األرض من جنسهم‪ ..‬ال ُحسينيّة‪ ،‬وال لطميّة‪ ،‬وال سب وشتم‬ ‫ف ّ‬
‫الرأي‪ ،‬فأين يا‬
‫للصحابة‪ ..‬ما نقبل‪ ،‬اآلن يف ال ّدميُقراطيّة هؤالء يُستشارون وهم أهل ّ‬
‫قرضاوي ويا إخوان مصر الشورى من ال ّدميُقراطيّة؟!‬

‫كذلا احلزب العراقي هؤالء ال يُستشارون‪ ،‬هؤالء مرتدون عن دين هللا ¸‪ ،‬كل‬
‫من دان هبذا احلزب وأخذ بعقيدة هذا احلزب‪ ،‬هذا مرتد عن دين هللا ¸؛ ألنه ال‬
‫فرق بينه وبني احلزب الشيوعي‪ ،‬هؤالء يقولون علمانية‪ ،‬هم يقولون علمانية‪ ..‬هؤالء‬
‫يقولون دميُقراطيّة‪ ،‬هم يقولون دميُقراطيّة‪ ..‬يقولون دستور‪ ،‬يقولون دستور‪ ..‬كل هذه‬
‫املفردات اليت جتدها عند الشيوعيني جتدها عندهم‪ ،‬فما بال الشيوعي إذا حكم‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪338‬‬

‫سميهم طواغيت؟‪ ،‬أين‬


‫بالدستور وبالقانون قلنا طاغوت‪ ،‬وإذا حكم هؤالء ما نُ ّ‬
‫الفارق؟!‬

‫(مرسي) عندما حكم‪ ،‬إيش الفارق بينه وبني (السيسي)؟!‪ ،‬وبني (حسين‬
‫تغري؟! بل على األقل (حسين مبار ) كان رجل يقول أنا‬ ‫مبار )؟!‪ ،‬ما الذي ّ‬
‫علماو‪ ،‬ما كان خيدع املسلمني ويقول أنا مسلم‪ ،‬مث حيكم بالعلمانيّة! ما قال هذا‬
‫الشيء‪ ..‬إذا هؤالء أيضا ال يُستشارون؛ ألهنم ليسوا من زمرة الذين آمنوا‪.‬‬

‫نُكمل غدا إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬ألن املوضوع ما زال فيه كالم‪ ،‬وجزاكم هللا خري‬
‫اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪339‬‬
‫َ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الث ِام ُن َعشر‬ ‫الدر‬
‫َ َْ َ‬ ‫الق ُة َب ْي َن الد ُيم ْق َراط َّية َوالشو َ‬
‫َ‬
‫اإل ْسال ِم [تك ِملة]‬
‫ِ ِ‬‫ي‬‫ف‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِع‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمدهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا وأعنّا على‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬‫الباطل ِ‬
‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ .‬‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬‫وُ‬
‫تكلّمنا يوم أمس عن عالقة ال ّدميُقراطيّة بالشورى‪ ،‬وقلنا أن هذا هو املدخل‬
‫الذي مت ّكن من خالله إخوان مصر وإذناهبم من أن يُلبّسوا على املسلمني دينهم‪،‬‬
‫دين دميُقراطي‪ ،‬مث يُسألون كيف تُثبت ال ّدميُقراطيّة‬
‫عندما يقولون أن اإلسالم ٌ‬
‫لإلسالم؟! فيُشري إىل الشورى‪ ،‬يقول‪ :‬كما أن يف اإلسالم شورى‪ ،‬كذلا ما هو‬
‫موجود يف ال ّدميُقراطيّة يشبه الشورى يف اإلسالم‪.‬‬

‫وذكرنا يوم أمس أن أوجه الشبه اليت يزعم هؤالء أهنا بني اإلسالم وبني‬
‫ال ّدميُقراطيّة يف اختيار احلُ ّكام وكذلا يف عمل اجمللس التشريعي الربملاو‪ ،‬أما يف‬
‫اختيار احلُ ّكام‪ :‬فقلنا هنا فارق بني اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة من جانبيني‪ :‬اجلانب‬
‫تار للحكم‪.‬‬ ‫تار احلُ ّكام‪ ،‬اجلانب الثاو‪ :‬من ُخي ُ‬
‫األول‪ :‬من َخي ُ‬
‫تار احل ّكام‪ :‬فذكرنا اآللية يف ذلا‪ ،‬أن هذه مسألة حمصورة باملسلمني‪،‬‬
‫أما من َخي ُ‬
‫أهل الذمة الذين يعيشون مع املسلمني يف دار اإلسالم ال شأن هلم هبذا املوضوع وال‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪340‬‬

‫يُؤخذ رأيهم أساسا يف هذه املسألة؛ إذا هي خاصة باملسلمني‪ ،‬هم الذين خيتارون‪.‬‬
‫تار إال مسلم‪ .‬هذا يف اإلسالم‪.‬‬
‫أما من ُخيتار لكي يتوىل األمر‪ :‬فال ُخي ُ‬
‫أما يف ال ّدميُقراطيّة‪ :‬فاملسلم واملنتسب إىل اإلسالم وغريهم‪ ..‬كلهم يُشاركون يف‬
‫فار أصليّون‪،‬‬
‫اختيار احلُ ّكام‪ ،‬وكذلا ُيوز هلم أن خيتاروا أُناسا يتولّون األمر وهم ُك ٌ‬
‫وفيهم مرتدون‪ ،‬وفيهم رافضة‪ ،‬وفيهم وفيهم‪ ..‬إذا ال وجه شبه بني شورى اإلسالم‬
‫وبني ال ّدميُقراطيّة يف اختيار من يتوىل األمر‪.‬‬

‫عندما وصلنا إىل الربملان ‪-‬وقلنا أيضا هذه إحدى وسائل التّلبيس‪ -‬بدأنا ُجنري‬
‫ُمقارنة بني الشورى يف اإلسالم وبني عمل الربملان يف احلكومات ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬فقلنا‬
‫﴿وأَم ُرُهم‬
‫الفارق األول من حيث التأصيل‪ :‬هنا أدلة على أن الشورى من اإلسالم؛ َ‬
‫﴿و َشا ِورُهم ِيف األَم ِر﴾ [آل‬‫ُش َور ٰى بـَيـنَـ ُهم﴾ [الشورى‪ ،]38:‬وقوله تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫حبديث‬ ‫عمران‪ ،]159:‬أما يف ال ّدميُقراطيّة‪ :‬ما تستطيع أن تُثبت ال ّدميُقراطيّة ولو‬
‫تأصيل إسالمي‪ ،‬وال عالقة لل ّدميُقراطيّة من حيث التأصيل‬ ‫ٌ‬ ‫موضوع‪ ،‬إذا هذا‬
‫باإلسالم‪.‬‬

‫مث أجرينا مقارنة من حيث التعريف‪ ،‬وقلنا‪ :‬الشورى‪ :‬استطالع آراء املسلمني‬
‫الرأي‪ ،‬وكلٌّ حسب اختصاصه‪ ،‬هذا تعريف الشورى‪ ،‬وكما‬ ‫للوصول إىل الصواب يف ّ‬
‫فالسيادة‬
‫هي عند اإلمام ابن العريب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬أما تعريف ال ّدميُقراطيّة‪ّ :‬‬
‫السلطَة اليت ليست فوقها ُسلطَة‪.‬‬
‫السيادة تعين‪ُّ :‬‬
‫للشعب‪ ،‬و ّ‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾ هذه صفة املؤمنني‪ ،‬صفة‬
‫مث ذكرنا فارقا آخر‪ ،‬قلنا أن َ‬
‫من صفات املؤمنني‪ ..‬هللا تبار وتعاىل ذكر يف آية سورة الشورى تسع صفات‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾‪ ،‬إذا حبثت عن هذه الصفات‬
‫للمؤمنني‪ ،‬إحدى صفاهتم‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪341‬‬

‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾ ال جتد وال صفة من هذه الصفات‬ ‫ِ‬
‫اليت ذُكرهتم ومن بينها َ‬
‫يف أعضاء الربملان‪.‬‬

‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾ أي‪ :‬يقصد‬


‫وقلنا الفارق‪ :‬أن هللا تبار وتعاىل قال‪َ :‬‬
‫املؤمنني‪ ،‬أن املؤمنني فيما بينهم يتشاورون‪ ،‬هذه الشورى‪ ،‬أما يف ال ّدميُقراطيّة‪ :‬أنت‬
‫تعلم من يستشري الذي يكون يف الربملان سواء كان يزيديًّا أو شيوعيًّأ أو رافضيًّا أو‬
‫نصرانيًّا أو يهوديًّا‪ ..‬ال يهم األمر‪ ،‬طاملا أن الشعب اختار هؤالء لكي ينوبوا عنهم‪،‬‬
‫فهو يستشري كل هؤالء؛ إذا ال عالقة بني الشورى يف اإلسالم‪ ،‬وبني عمل الربملان يف‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بـَيـنَـ ُهم﴾ أي‪ :‬بني املسلمني‪.‬‬
‫مسألة االستشارة‪َ ،‬‬
‫وصلنا إىل مسألة أخرى‪ ،‬قلنا من الذي يُستشار يف اإلسالم ومن الذي ال‬
‫يُستشار؟‪ ،‬قلنا الذين يُستشارون‪ :‬هم املسلمون قطعا‪ ،‬ال يُستشار غري املسلم يف‬
‫مسألة احلكم (من يكون اخلليفة) فقط املسلمون يُستشارون‪ ،‬غريهم ال يُستشارون يف‬
‫هذا األمر‪ ،‬إذا الذين ال يُستشارون يف اإلسالم‪ :‬غري املسلمني ال يُستشارون‪ ،‬هذا‬
‫الصنف األول‪.‬‬

‫ألنا ال ترضى بغري املسلمني يف دار اإلسالم إال إذا كانوا أهل ذمة يدفعون‬
‫يد وهم صاغرون وخاضعون ألحكام هللا ¸‪ ،‬ووفق الشروط العُمريّة‪..‬‬ ‫اجلزية عن ٍ‬
‫هؤالء ال شأن هلم‪ ،‬أما يف الربملان‪ :‬ال‪ ،‬الكفار واملرتدون هؤالء كلهم يُستشارون‪.‬‬

‫اجملموعة الثانية اليت ال تُستشار أيضا‪ :‬قلنا العلمانيون والشيوعيون ال‬


‫أحد من هؤالء يف دار اإلسالم‪ ،‬هو وجوده‬‫يستشارون‪ ..‬ملاذا؟؛ ألننا ال نُقر بوجود ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫غري مقبول‪ ،‬كيف يُقبَل أن يُستشار يف أمر من األمور؟!‪ ،‬فمن ال نقبل بوجوده‪،‬‬
‫بالضرورة ال عالقة له باالستشارة‪ ،‬بينما يف الربملان العراقي‪ :‬جتد أن احلزب الشيوعي‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪342‬‬

‫هلم أفراد‪ ،‬وجتد أن القوميني هلم أفراد‪ ،‬والعلمانيون هلم أفراد‪ ،‬وذا الـ ُمنتسب إىل‬
‫احلزب العراقي يستشري كل هؤالء‪ ،‬وال خيجل من قول هللا تبار وتعاىل فوق رأسه‪:‬‬
‫﴿وأَم ُرُهم ُش َور ٰى بَـيـنَـ ُهم﴾‪ ،‬هؤالء أيضا ال يُستشارون‪.‬‬
‫َ‬
‫وذكرنا الصنف الثالث الذي ال يُستشار‪ :‬وهم الرافضة‪ ،‬وهؤالء أيضا ال وجود‬
‫هلم يف دار اإلسالم‪ ،‬أينما وصلنا بإذن هللا تعاىل ما نُبقي رافضيًّا واحدا يف الديار اليت‬
‫نصل إليها؛ إما أن يعتنقوا اإلسالم وإما أن يذهبوا إىل املواطن اليت يستطيعون أن‬
‫يعيشوا فيها‪ ،‬فطاملا ليس هلم وجود يف دار اإلسالم‪ ،‬إذا ال يُستشارون‪ ،‬ألن من ال‬
‫وجود له‪ ،‬ال شورى له‪ ،‬أما يف الربملان العراقي‪ :‬جتد أن نصف الربملان كلهم رافضة‪،‬‬
‫و(سليم اجلبوري) واحلزب العراقي يستشريون كل هؤالء‪ ،‬وي ّدعون االنتساب أيضا إىل‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫وقلنا احلزب العراقي ما يُستشارون‪ ،‬هؤالء مرتدون عن دين هللا ¸‪ ،‬فهذه‬


‫فروقات ذكرناها بني الشورى يف اإلسالم وبني ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬

‫نُكمل حديثنا‪..‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُق َ‬
‫اآلخ ُر َبي َن الشو َرى في اإل ْس َ َ َ‬
‫اط َّي ِة‬
‫الد ُيمق َر ِ‬
‫الم وبين ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫الف ِار‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫األفالطو ِن َّي ِة‪:‬‬
‫ِ‬
‫يف َم َسائ ِل الش َ‬
‫ُّورى‪ :‬إذا أردنا أن نستشري‪ ،‬ما هي املسائل اليت ُيوز لو األمر‬
‫املسلم أن يستشري فيها؟‪ ،‬وما هي املسائل اليت ال ُيوز له أن يستشري فيها؟‬

‫َّأوًال‪ :‬ما ورد فيه نص قطعي ال ّداللة‪ :‬ال استشارة فيه‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪343‬‬

‫ما ورد فيه نص قطعي ال ّداللة على معناه‪ ..‬هذا ال يُستشار فيه أحدا من اخللق‪،‬‬
‫لتزم بأمر هللا تبار وتعاىل‪.‬‬
‫بل يُ َ‬
‫نص قطعي أن الصوم ال يكون إال يف رمضان‪،‬‬ ‫‪ -‬كما يف مسألة صيام رمضان‪ٌّ :‬‬
‫هل ُميكن أن نتشاور‪ :‬يف الصيف‪ ،‬أن ُحن ّوله إىل شهر آخر؟‪ ،‬ال ُميكن؛ ألن هللا ¸‬
‫نص بالنص القاطع الداللة على أن الصوم ال يكون إال يف رمضان‪ ،‬و﴿إِمنَا‬ ‫قد ّ‬
‫الن ِسيءُ ِزيَ َادةٌ ِيف ال ُكف ِر﴾ [التوبة‪ ،]37:‬والعياذ باهلل‪.‬‬

‫نقطع يد‬ ‫‪-‬هل ميكن أن يتشاور و األمر مع ُمستشاريه ومع إخوانه‪ ،‬هل‬
‫هل نوا‬ ‫السارق أم ال؟‪ ،‬هل نرجم الزاو أم ال؟‪ ،‬هل جنلد شارب اخلمر أم ال؟‪،‬‬
‫ال تدخل‬ ‫النصارى‪ ،‬أو نستعني بالنصارى على غريهم؟‪ ،‬هذه كلها نصوص قطعيّة‪،‬‬
‫يف باب االستشارة وال يف باب الشورى‪.‬‬

‫اء‬ ‫ي‬‫‪﴿-‬يا أَيـُّها ال ِذين آمنوا َال تَـت ِخ ُذوا اليـهود والنصار ٰى أَولِياء ۚ بـعضهم أَولِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُُ‬ ‫َُ َ َ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬
‫نص قطعي‪ ،‬ما مكن أن‬ ‫ض ۚ َوَمن يَـتَـ َوهلُم ِّمن ُكم فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾ [املائدة‪ٌّ ،]51:‬‬‫بَـع ٍ‬
‫نتشاور يف هذه املسألة‪ ،‬هل نستعني بالنصارى أو باليهود أو ال نستعني؛ إذا‬
‫حال من‬ ‫النصوص القطعية قطعية الداللة‪ ،‬ال تدخل يف جمال االستشارة بأي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األحوال‪ ،‬هذا القسم األول من مسائل االستشارة‪.‬‬

‫أما إذا استشاروا يف مسألة من املسائل‪ ،‬أمري املؤمنني استشار من معه من إخوانه‬
‫وتشعبت اآلراء يف طر هذا املوضوع‪ ،‬كلٌّ أدىل بدلوه واآلراء مل تتفق على‬
‫يف مسألة‪ّ ،‬‬
‫رجل جاء بدليل؛ الكل يرتكون آراءهم ويرجعون إىل‬ ‫مسألة‪ ،‬خرج من بني هؤالء ٌ‬
‫الدليل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪344‬‬

‫ودليل ذلا‪ :‬أن أبا بكر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما استقر األمر له ُِ‬
‫وحّل األمانة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫قال‪" :‬أنفذوا جيش أسامة" كما يذكر ابن حجر ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [الفتح]‪..‬‬
‫أنفذوا جيش أسامة‪ ..‬بعض الصحابة كان رأيهم أن اجليش يبقى؛ ألن املدينة معرضة‬
‫للهجوم من املرتدين الذين حول املدينة‪ ،‬فكان رأيهم أن يبقى اجليش يف املدينة‬
‫للدفاع عن املدينة‪ ،‬فقال الصديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ :-‬ذلا عهد رسول هللا عند موته‪..‬‬
‫قبل أن ميوت قال‪ :‬أنفذوا جيش أسامة‪.‬‬

‫إذا الصديق اآلن لديه نص‪ ،‬وهذا النص الصحابة يريدون أن يعملوا بغري هذا‬
‫النص‪ ..‬النص لديه‪ :‬أن اجليش خيرج‪ ،‬أما الصحابة كانوا يرون أن إبقاء اجليش يف‬
‫املدينة للدفاع عن املدينة أفضل من إخراجه‪ ،‬والصديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬التزم بأمر‬
‫رسول هللا ‘‪( :‬أنفذوا جيش أسامة)‪ ،‬فخرج جيش أسامة‪ ،‬علما أن الصحابة كانوا‬
‫تشعبت اآلراء‪ ،‬وقال أحدهم ٍ‬
‫بدليل؛ الرجوع يكون إىل‬ ‫يعرتضون على ذلا‪ ،‬إذا إذا ّ‬
‫الدليل‪.‬‬

‫اجلزء اآلخر من املسائل اليت ُيوز أن نتشاور فيها‪ :‬وهي مسألة النصوص غري‬
‫القطعيّة الداللة‪ ،‬لدينا نصوص قطعيّة الداللة ولدينا نصوص غري قطعيّة ال ّداللة على‬
‫معناها؛ يعين أن النص يدل على أكثر من معىن‪ ..‬يف هذه النصوص ‪-‬سواء كانت‬
‫آيات أو أحاديث‪ُ -‬يوز لو األمر أن يستشري العلماء حىت يعلم مراد هللا ¸ من‬
‫هذا النص‪.‬‬
‫كما يف قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬والمطَل َقات يـتـربصن بِأَن ُف ِس ِهن ثََالثَةَ قُـر ٍ‬
‫وء﴾‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫[البقرة‪ ،]228:‬وكلمة (ال ُقرء) كما تعلم يف لغة العرب‪ :‬تُطلق على الطُّهر وتُطلق على‬
‫احليض‪ ،‬فإذا أردنا أن نلتزم أمر هللا ¸‪ ،‬هل نُلزم املرأة املسلمة إذا طُلِّ َقت بثالث‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪345‬‬

‫حيضات؟‪ ،‬أم بثالث أطهار؟‪ ،‬املسألة حتتاج إىل مشاورة‪ ،‬علما أن اآلية يف كتاب هللا‬
‫¸‪.‬‬

‫يد ّل على معناه داللة قطعيّة‪ُ ..‬يوز لو األمر أن يستشري‬ ‫إذا النص إن مل ُ‬
‫العلماء حىت يعلم ما مراد هللا ¸ من هذه اآلية‪ ،‬فما يظهر هلم عند ذلا يلتزمون‬
‫به‪.‬‬
‫إذا‪ :‬نصوص قطعيّة‪ :‬ال استشارة‪ ،‬نصوص غري قطعيّة‪ :‬االستشارة جائزة‪.‬‬
‫ِ‬
‫السلم‪ ،‬بناء املدن‪،‬‬
‫إذا دخلنا يف املسائل اإلداريّة‪ :‬من ناحية‪ :‬قيام احلرب‪ ،‬إبرام ّ‬
‫إنشاء الدواوين‪ ،‬ترتيب احلاالت اإلدارية‪ ..‬هذه كلها تدخل ضمن االستشارة‪ُ ،‬يوز‬
‫ألمري املؤمنني أن يستشري إخوانه يف كل هذه املفردات اليت ذكرهتا؛ طاملا ال يوجد‬
‫نص قطعي من آية أو حديث‪ ،‬أما إذا دخلنا يف املسائل اإلدارية فهذه القابلة‬
‫سميها‪ :‬مسائل االستشارة‪.‬‬
‫لالستشارة يف اإلسالم‪ ،‬هذه يف ديننا نُ ّ‬
‫فإذا علمت أن هذا من اإلسالم‪ ،‬فماذا تقول يف الربملان (اجمللس التشريعي) هل‬
‫يتورعون عن االستشارة فيه ‹‹وإن جاء فيه›› نص قطعي يف كتاب هللا‬ ‫هنا شيء ّ‬
‫¸ أو يف سنة رسوله؟!‬

‫يتورع ــون ع ــن ش ــيء‪ ،‬وإال ه ــل هن ــا آي ــة أوض ــح دالل ــة م ــن ق ــول هللا تب ــار‬ ‫ال ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿والســا ِر ُق َوالســا ِرقَةُ فَــاقطَعُوا أَيــديَـ ُه َما َجـ َـزاء ـَـا َك َســبَا نَ َكــاال ّمـ َـن اَلل ۚ َواَللُ‬
‫وتعــاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ـيم﴾ [املائ ــدة‪]38:‬؟!‪ ،‬أن ــت تعل ــم ــاذا حيكم ــون اآلن يف مس ــألة قط ــع ي ــد‬ ‫َع ِزي ـ ٌـز َحك ـ ٌ‬
‫السارق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪346‬‬

‫ي‬ ‫ي‬
‫إ ًذا أَقُوُهلَا َه َك َذا يا إ ْخ َوة‪ :‬ال يوجد ٌ‬
‫دين حتت قُـبّة الربملان‪ ،‬حتت قُـبّة الربملان ال‬
‫يوجد شيء امسه دين؛ بدليل أهنم ُُييزون ألنفسهم أن يُناقشوا أي مسألة تُطر حىت‬
‫شيوعي أو علماوّ أو نصراوّ‪ ...‬كل األمور اليت تُطر‬
‫ّ‬ ‫افضي أو‬
‫يدي أو ر ّ‬‫ولو من يز ّ‬
‫الرأي‪ ،‬وأن يطرحوا آراءهم كما يرون هم‪.‬‬
‫قابلة للنقاش؛ ألن هؤالء هلم حق يف ُحّريّة ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أما كيف تثبت‪ :‬أال دين تحت قبة البرِلان؟‬
‫َّ ي‬
‫يل األَ َّو ُل‪ :‬ألن النظام ٌ‬
‫نظام دميُقراطي؛ وأنت تعلم تعريف ال ّدميُقراطّية‪:‬‬ ‫الدل ُ‬
‫السيادة للشعب‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫السيادة للشعب‪ ،‬وليس ﴿إن احلُك ُم إال َلل﴾ [األنعام‪ ]57:‬بل‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫فمن كان كذلا‪ ،‬إذا ال عالقة له بالدين‪ ،‬هذا الدليل األول‪.‬‬
‫يل الثَّ ياين‪ :‬أن الشعب هم الذين اختاروا هؤالء‪ ،‬وهؤالء ُميثّلون مجيع األديان‬‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫املوجودة يف داخل البلد‪ ،‬فهنا رافضي‪ ،‬هنا نصراو‪ ،‬هنا شيوعي‪ ،‬هنا يزيدي‪،‬‬
‫ألحد أن يطر موضوعا من خالل دينه‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫كل هؤالء موجودون‪ ،‬فال ميكن‬
‫الـ ُمنتسب إىل اإلسالم‪ ،‬وال النصراو‪ ،‬وال اليزيدي‪ ،‬وال الشيوعي‪ ..‬ال يستطيعون أن‬
‫يطرحوا شيئا له عالقة بالدين‪ ،‬ملاذا؟!؛ ألن هنا شيء يف النظام ال ّدميُقراطي امسه‪:‬‬
‫ُحّريّة العقيدة؛ فعليهم قبل أن يدخلوا إىل جملس الربملان (بناية الربملان) أن يتخلّوا عن‬
‫يتجرد‬
‫يتنصل من دينه عند الباب قبل أن يدخل‪ ،‬فإذا دخل ّ‬ ‫دينهم عند الباب‪ ،‬كلٌّ ّ‬
‫من كل دين‪ ،‬ال يستطيع املنتسب إىل اإلسالم أن يطر أي شيء له عالقة‬
‫ُ‬
‫باإلسالم‪ ..‬ما يستطيع‪ ،‬وإال اليزيدي يطر مسائل وفق رؤيته الدينية‪ ،‬والنصراو‬
‫يطر وفق رؤيته الدينية‪ ،‬والرافضي يطر وفق رؤيته الدينية‪ ..‬وهم ليسوا هكذا‪ ،‬هم‬
‫أقروا ُحّريّة العقيدة؛ الدين الذي تريده خارج قُـبّة الربملان‪ ،‬أما هنا فهنا دستور وهنا‬
‫ّ‬
‫قانون وهنا أهواء‪ ،‬أما أن تأيت بنص يف دي ٍن من األديان‪ ..‬الكل يرفضون ذلا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪347‬‬

‫ت قُبَّ ية البَ ْرملاَ ين؛ وهلذا الربملان العراقي ألزم املنتسبني إىل اإلسالم‪،‬‬
‫ين َتْ َ‬ ‫ي‬
‫إ ًذا ال د َ‬
‫أن الواحد منهم إذا قرأ آية من كتاب هللا‪ّ ،‬أال يستعيذ باهلل من الشيطان الرجيم؛ ألنه‬
‫ميس أخاه اليزيدي بذلا!!‪ ،‬إذا أين الشورى يف اإلسالم من ال ّدميُقراطيّة؟؟!‬
‫ّ‬
‫هذا فارق بني الشورى يف اإلسالم‪ ،‬وبني ال ّدميُقراطيّة األفالطونيّة هذه‪..‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫َّأما الف ِارق اآلخ ُر‪ِ :‬م ْن ن ْست ِش ُير؟‬
‫إذا علمنا مسائل االستشارة‪ ،‬فمن نستشري؟‪ ،‬من نستشري يف اإلسالم؟‪ ،‬ومن‬
‫يستشري هؤالء يف الربملان؟‬
‫لم‪ :‬فال يُستشار إال املسلم‪ ،‬ال يُستشار إال املسلم‪ ،‬أهل ّ‬
‫الذمة‬ ‫َّأما ِف ا يل ْس ي‬
‫يد وهم صاغرون ال يستشارون يف ٍ‬
‫شأن من شؤون‬ ‫الذين يدفعون اجلزية عن ٍ‬
‫ُ‬
‫املسلمني‪ ،‬علما أهنم يعيشون يف دار اإلسالم لكن هؤالء ال يُستشارون‪.‬‬

‫إذا الشورى تكون ُمقتصرة على املسلمني فقط‪ ،‬وهؤالء املسلمون منقسمون إىل‬
‫قسمني‪ :‬إما أن أمري املؤمنني (اخلليفة) يكون له جملس شورى يرجع إليهم‪ ،‬وهذا‬
‫مر ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫جائز شرعا؛ ألن الرسول ‘ ما أكثر ما كان يستشري أبا بكر ويستشري عُ َ‬
‫‪.-ƒ‬‬
‫هذه االستشارة ثابتة‪ ،‬ولكن ُيوز لو األمر أن يتجاوز هذا اجمللس وأن يستشري‬
‫كل أهل موطن يف موطنهم‪ ،‬ففي املوطن الفالو يستشري اجلماعة الفالنية‪ ،‬لكن يف‬
‫بعض املسائل يرجع إىل من يستشريهم غالبا‪ ..‬إيش هذه احلالة؟‬
‫قلنا الرسول ‘ كان يُكثر من استشارة أيب بكر وعمر ‪ ،-~-‬أما بعيدا عن‬
‫هذا االختصاص‪ ،‬فالرسول ‘ كان يستشري كل فئة يف املوطن الذي هو فيه‪ ،‬كما‬
‫يف غزوة بدر‪ ،‬عندما خرج إىل بدر‪ ،‬والنية كانت االستيالء على القافلة‪ ،‬مث فلتت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪348‬‬

‫القافلة‪ ،‬وإذا جبيش خرج من مكة ُمتّجها إىل بدر‪ ،‬فالرسول ‘ قال يف جيش بدر‪:‬‬
‫علي أيها‬ ‫علي أيها الناس)‪ ..‬فتكلم الص ّديق ‪ ¢-‬وأرضاه‪( ،-‬أشريوا ّ‬ ‫(أشريوا ّ‬
‫علي أيها الناس)‪ ،‬تكلم املقداد بن‬ ‫الناس)‪ ..‬فتكلم عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪( ،-‬أشريوا ّ‬
‫علي أيها الناس)‪ ،‬فقال سعد بن معاذ‪ :‬وهللا‬ ‫معد يكرب ‪ ¢-‬وأرضاه‪( ،-‬أشريوا ّ‬
‫صدقـنَا َ ‪،‬‬ ‫ا‪َ ،‬و َ‬ ‫لكأنا تُريدنا يا رسول هللا‪ ..‬قال ‘‪ :‬أجل؛ فقال سعد‪" :‬قَد َآمنا بِ َ‬
‫ودنَا َوَم َواثِي َقنَا‪َ ،‬علَى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا عُ ُه َ‬‫ت بِِه ُه َو احلَ ُّق‪َ ،‬وأَعطَيـنَا َ َعلَى ذَل َ‬ ‫َو َش ِهدنَا أَن َما جئ َ‬
‫ا بِاحلَ ِّق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ض يا رس َ ِ ِ‬ ‫السم ِع والط ِ‬
‫ا‪ ،‬فَـ َوالذي بَـ َعثَ َ‬ ‫ت فنَح ُن َم َع َ‬‫ول اَلل ل َما أ ََرد َ‬ ‫اعة‪ ،‬فَام ِ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اح ٌد‪َ ،‬وَما‬ ‫ا‪ ،‬ما َختَلف ِمنا رجل و ِ‬ ‫لَ ِو استَـعرض َ ِ‬
‫َ َُ ٌ َ‬ ‫ت بنَا َه َذا البَحَر فَ ُخضتَهُ َخلُضنَاهُ َم َع َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا‬‫ص ُد ٌق يف اللّ َقاء‪َ ،‬ولَ َعل اَللَ يُِريَ َ‬ ‫صبُـٌر يف احلَرب‪ُ ،‬‬ ‫نَكَرهُ أَن تَـل َقى بِنَا َع ُدونَا َغدا‪ ،‬إِنا لَ ُ‬
‫ا‪ ،‬فَ ِسر بِنَا َعلَى بـََرَك ِة اَللِ"(‪.)55‬‬
‫ِمنا َما تَـ َقُّر بِِه َعيـنُ َ‬
‫إذا الرسول ‘ أراد أن يستشري جمموعة داخل اجلماعة‪ ،‬ألن هؤالء هم املعنيون‬
‫علي" إال عندما أبدى‬
‫اآلن باالستشارة من ضمن جيش بدر‪ ،‬وهلذا ما تر "أشريوا ّ‬
‫األنصار رأيهم؛ ألهنم هم الذين كانوا معنيني سألة االستشارة يف ذلا املوطن‪.‬‬

‫آخ ٌر‪ :‬يف غزوة أحد‪ ،‬عندما علم الرسول ‘ أن مشركي مكة قد خرجوا‬ ‫َمثَ ٌل َ‬
‫باجتاه املدينة‪ ،‬ويريدون غزو املدينة‪ ،‬فبدأ يستشري أصحابه يف داخل املدينة‪ :‬هل‬
‫نُقاتلهم يف داخل املدينة أم نتلقاهم خارج املدينة؟‪ ،‬هذه أيضا استشارة ألهل املوطن‬
‫يف ذلا املكان‪.‬‬

‫(‪[ )55‬السرية البن هشام]‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪349‬‬

‫ك ِف َم ْو يطن ثَاليث‪ ،‬مثال آخر‪ :‬عندما جاء األحزاب‪ ،‬عشرة آالف مشر‬
‫َك َذلي َ‬
‫‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬ووقفوا على اخلندق يرومون دخول املدينة‪ ،‬أراد الرسول ‘ أن‬
‫يُفتّت هذا اجلمع‪ ،‬ووسيلته أنه أراد أن يُعطي لغطفان ثلث مثار املدينة على أن‬
‫قدم‪ ،‬استشار أهل الثمار‪ ،‬فجاء بسعد بن معاذ‬ ‫يرجعوا عن املدينة‪ ..‬ولكن قبل أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫وسعد بن عُبادة ‪ -ƒ-‬فذكر ذلا هلما‪ ،‬واستشارُها فيه‪ ،‬فقاال له‪" :‬يا رسول هللا‪..‬‬
‫أمرا حنبه فنصنعه‪ ،‬أم شيئا أمر هللا به‪ ،‬ال بد لنا من العمل به‪ ،‬أم شيئا تصنعه لنا؟"‬
‫قال‪( :‬بل شيء أصنعه لكم‪ ،‬وهللا ما أصنع ذلا إال ألنين رأيت العرب قد رمتكم‬
‫عن قوس واحدة‪ ،‬وكالبوكم من كل جانب‪ ،‬فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إىل‬
‫أمر ما)‪ ،‬فقال له سعد بن معاذ‪" :‬يا رسول هللا‪ ..‬قد كنا حنن وهؤالء القوم على‬
‫الشر باهلل وعبادة األوثان‪ ،‬ال نعبد هللا وال نعرفه‪ ،‬وهم ال يطمعون أن يأكلوا منها‬
‫مترة إال قرى أو بيعا‪ ،‬أفحني أكرمنا هللا باإلسالم وهدانا له وأعزنا با وبه‪ ،‬نعطيهم‬
‫أموالنا؟!‪ ،‬وهللا ما لنا هبذا من حاجة‪ ،‬وهللا ال نعطيهم إال السيف حىت حيكم هللا بيننا‬
‫(‪)56‬‬
‫هذه استشارة‪ ..‬يف هذا املوطن‬ ‫وبينهم" قال رسول هللا ‘‪( :‬فأنت وذا )‬
‫يُستشار هؤالء‪.‬‬
‫ك‪ :‬عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما كان ُيوب املدينة يف الليل‪ ،‬مسع امرأة‬‫َك َذلي َ‬
‫تنشد ببعض األشعار‪ ،‬كأهنا تشتكي من وحدهتا وبعد زوجها عنها‪..‬‬

‫فوهللا لوال هللا أو أراقب ــه‪ ...‬حلر من هذا السرير جوانبه‬

‫كالم قالته املرأة‪ ،‬ومسع الكالم عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬مث استدعى املرأة‪ ،‬ما‬
‫شأنا؟‪ ،‬قالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬زوجي اكتتب يف غزوة وطال بـُعده‪ ،‬فجاء إىل أمنا‬

‫(‪[ )56‬السرية البن هشام]‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪350‬‬

‫حفصة ‪ ~-‬وأرضاها‪ ،-‬قال‪ :‬كم تصرب املرأة عن زوجها؟‪( ،‬استشارة)‪ ..‬قالت‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫أبت غفر هللا لا‪ ،‬أمثلا يسأل مثلي عن هذه املسألة؟‪ ،‬قال‪ :‬هو أمر أردت أن أراه‬
‫للرعية‪ ،‬وهلذا سألتا‪ ،‬فقالت‪ :‬أربعة أشهر‪ ،‬مخسة أشهر‪ ،‬ستة أشهر‪ ..‬فقرر الفاروق‬
‫‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬أن الرجل ذهابه شهر وإيابه شهر‪ ،‬وميكث يف الثغور أربعة أشهر‪.‬‬
‫ونُ ِظّ َمت اإلجازات على هذا األساس‪ ،‬إذا هذا األمر الذي صدر من أمري املؤمنني‬
‫بناء على استشارته المرأةٍ مسلمة‪.‬‬

‫إذا يف كل موط ٍن أمري املؤمنني يستشري من يراهم أهال لالستشارة حبسب‬


‫اختصاصهم‪.‬‬

‫واإلمارة يف اإلسالم‪ ..‬ال يتقيدون باألعمار يف االستشارة؛ يعين ليس بالضرورة‬


‫أن يكون أهل الشورى عند أمري املؤمنني من جتاوز األربعني ومن جتاوز اخلمسني وما‬
‫إىل ذلا‪ ..‬ال‪ ،‬إن كان يف مسائل األحكام كما يقول اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة‬
‫واسعة‪ -‬يُق ّدم أهل العلم وأهل الدين‪ ،‬وإن كان يف أمور الدنيا‪ ،‬فيُق ّدم العلماء‬
‫واحلكماء وأصحاب التجربة‪ ،‬فكان من ضمن استشارة عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عبدهللا‬
‫بن عباس‪ ،‬علما أنه ما كان قد جتاوز العشرين من عمره يف ذلا الوقت؛ ألنه كان‬
‫صاحب علم‪ ،‬إذا هؤالء هم الذين يُستشارون يف اإلسالم‪ ،‬وال يُتجاوز إىل غري‬
‫املسلمني‪ ،‬وذكرت لا (سليم اجلبوري) يستشري من يف داخل الربملان‪ ..‬هذا فارق‬
‫بني الشورى وبني الربملان‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪351‬‬
‫َ ٌ َ‬
‫ف ِارق آخ ٌر‪:‬‬
‫أن هذا ال‪ ...‬ال يستطيع أن يتجاوز أعضاء الربملان يف االستشارة‪ ،‬فقط‬
‫يستشري هذا الكم اهلائل من الكفار واملرتدين‪ ،‬أما خارج هؤالء ما يستطيع أن يأخذ‬
‫رأي أحد ويبين قرارا بناء على رأي ذلا الذي خارج الربملان‪ ..‬وهذا فارق بني‬
‫الشورى وبني ال ّدميُقراطيّة‪..‬‬

‫يف الشورى‪ :‬أمري املؤمنني يستشري من يرى‪ ،‬قد يستشري مجاعة‪ ،‬قد يستشري‬
‫أفرادا‪ ،‬قد يستشري نساء‪ ..‬أما هؤالء فال يتجاوزون اجمللس التشريعي بأي ٍ‬
‫حال من‬
‫األحوال‪.‬‬

‫أح ٌد‪ ..‬عندما استشهدت بقول عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬ألمنا حفصة‪،‬‬ ‫وال يظُنّ َّن َ‬
‫أنه ُيوز للرافضية واليزيدية أيضا أن تدخل يف الربملان وأن تكون أهل شورى‪ ..‬ال‪،‬‬
‫وإمنا هذه مسألة متعلقة بالنساء‪ ،‬وهلذا استشار عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬أمنا حفصة يف‬
‫هذه املسألة‪.‬‬

‫ت بأمور تتعلق بالشعب العراقي بكامله‪،‬‬ ‫وأنت تعلم أن اليزيدية اآلن تبُ ّ‬
‫والرافضية تبت‪ ،‬والنصرانية تبت‪ ،‬والسافرة تبت‪ ..‬فال عالقة بني قو عن حفصة ‪-‬‬
‫~ وأرضاها‪ ،-‬وال وجه شبه بني هؤالء الاليت يف الربملان‪ ،‬إذا هذا يف القياس فارق‬
‫بني الشورى وبني ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬
‫الفارق َبي َن الشو َرى َو َبي َن الد ُيم ْ‬ ‫َ ْ َ َ ٌ ُ ْ َى َ‬
‫اط َّي ِة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫مسألة أخر في ِ ِ‬
‫َ‬
‫الخالف؟‬ ‫ع‬‫َم ْن َي ْر َف ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪352‬‬

‫تشعبت اآلراء‪ ،‬من‬


‫إذا استشار أمري املؤمنني إخوانه‪ ،‬املرجع يكون إىل من؟‪ ،‬إذا ّ‬
‫يرفع اخلالف يف تلا اجللسة؟‪ ،‬أمري املؤمنني يستشري إخوانه وما اتفقوا على أمر‪،‬‬
‫كيف يكون احلل يف الشورى يف اإلسالم؟‪ ،‬مث نرجع إىل ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬

‫َّأوًال‪ :‬الذي يرفع اخلالف‪ :‬كتاب هللا ¸‪ ،‬وسنة رسوله ‘‪ ،‬إذا تناقشوا يف أمر‬
‫تبني هلم دليل من األدلة‪ ،‬يرتكون كل رأي ويرجعون إىل كتاب هللا ¸‬ ‫من األمور‪ ،‬مث ّ‬
‫وسنة رسوله؛ لقوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَِإن تَـنَ َازعتُم ِيف َشي ٍء فَـرُّدوه إِ َىل اَللِ والرس ِ‬
‫ول إِن‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا َخيـٌر َوأَح َس ُن تَأ ِويال﴾ [النساء‪.]59:‬‬ ‫ُكنتُم تُـؤِمنُو َن بِاَلل َواليَـوم اآل ِخ ِر ۚ ٰذَل َ‬
‫اآلن نتدارس يف مسألة‪ ،‬واآلراء مل تتفق‪ ،‬لكن وجدنا آية؛ إذا األمر ُح ِسم‬
‫عندنا‪ ،‬نرجع إىل آية ربنا‪ ،‬ونرجع إىل حديث نبينا ‘‪.‬‬

‫الدليل اآلخر على أننا نرجع إىل الدليل إذا ظهر لنا‪ :‬ما كان من أمر عمر ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬كما عند البخاري ‪ ،-¬-‬عن عبدهللا بن عباس عن أبيه ‪ ،ƒ‬عندما‬
‫توجه إىل الشام لِتفقُّد تلا الديار‪ ..‬تل ّقاه أمراء األجناد‪ :‬أبو عبيدة‪ ،‬وخالد‪ ،‬وزيد بن‬
‫سفيان ‪ €-‬مجيعا‪ -‬يف منطقة خارج تلا الديار‪ ،‬وأخربوه أن الطاعون قد‬
‫استشرى يف تلا املناطق‪ ،‬فصارت املسألة‪ :‬بعد أن علم بوجود الطاعون يف تلا‬
‫الديار‪ ،‬هل يدخل أم ال؟‪ ،‬مسألة حباجة إىل شورى‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬فقال عمر‪ :‬ادعُ‬
‫املهاجرين األولني‪ ،‬فدعاهم‪ ،‬فاستشارهم وأخربهم أن الوباء قد وقع بالشام‪،‬‬
‫فاختلفوا‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬قد خرجت ألمر وال نرى أن ترجع عنه‪ ،‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫معا بقية الناس وأصحاب رسول هللا ‘‪ ،‬وال نرى أن تقدمهم على هذا الوباء‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ارتفعوا عين‪ ،‬مث قال‪ :‬ادعُ األنصار‪ ،‬فدعوهتم‪ ،‬فاستشارهم فسلكوا سبيل‬
‫املهاجرين‪ ،‬واختلفوا كاختالفهم‪ ،‬فقال‪ :‬ارتفعوا عين‪ ،‬مث قال‪ :‬ادعُ من كان ها هنا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪353‬‬

‫من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح‪- ..‬الناس الكبار الذين كانوا يف مكة وأسلموا‬
‫يف زمن الفتح‪ -‬فدعوهتم‪ ،‬فلم خيتلف منهم عليه رجالن‪ ،‬فقالوا‪ :‬نرى أن ترجع‬
‫بالناس وال تقدمهم على هذا الوباء‪ ،‬فنادى عمر يف الناس‪ :‬إو مصبح على ظهر‪،‬‬
‫فأصبحوا عليه‪- ،‬يعين غدا صباحا سأركب وأرجع‪ ،‬وأنتم أيضا تركبون وترجعون‪.-‬‬
‫إذا هنا من الذي رفع اخلالف؟‪ ،‬الفاروق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬باالختيار بعد هذا‬
‫جاء عبدالرحن بن عوف ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وكان متغيبا قد خرج يف حاجته‪ ،‬وعلم‬
‫باستشارة الفاروق ألصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬إن عندي يف هذا علما‪ ،‬مسعت رسول هللا ‘‬
‫بأرض فال تقدموا عليه‪ ،‬وإذا وقع ٍ‬
‫بأرض وأنتم هبا فال خترجوا‬ ‫يقول‪( :‬إذا مسعتم به ٍ‬
‫فرارا منه)‪.‬‬

‫اآلن لدينا استشارة‪ ،‬ولدينا نص‪ ،‬أقول‪ :‬لو أن عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬بعد‬
‫استقر رأيه على أن يدخل يف تلا الديار‪ ،‬مث جاءه النص‪ ،‬يقينا كان‬‫االستشارة ّ‬
‫سيرتاجع عن رأيه ويرجع إىل النص ويرجع عن تلا الديار وما يدخلها‪ ..‬ملاذا؟ ألهنم‬
‫استقر رأيه على أن‬
‫تشاوروا وقبل أن يأتيهم النص استقّر رأيه على أن يرجع‪ ،‬لكن لو ّ‬
‫يدخل‪ ،‬مث جاءه النص‪ ،‬يقينا كان سيتخلى عن رأيه ويرجع ويلتزم بنص حديث‬
‫رسول هللا ‘‪.‬‬

‫فعندما أخربه عبدالرحن بن عوف ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬باحلديث‪ ،‬حد هللا عمر مث‬
‫انصرف‪ ..‬أن ما اختاره كان موافقا حلديث رسول هللا ‘‪.‬‬

‫إذا املسألة األوىل يف رفع اخلالف يف الشورى‪ :‬أننا نرجع إىل كتاب هللا ¸‪ ،‬فإذا‬
‫وجدنا دليال‪ ،‬الكل يتخلون عن آرائهم ويلتزمون بقول هللا تبار وتعاىل ويلتزمون‬
‫بقول رسول هللا ‘‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪354‬‬

‫ني َرأْيًا ُمَاليًِا للنَّ ي‬ ‫ي‬ ‫َّأما إذا ا ْخت ي‬


‫ص ‪-‬حاشاه‪ :-‬اختار رأيا ُُمالفا‬ ‫ار أَمريُ ال ُم ْؤمني َ‬
‫ََ‬
‫لنص من كتاب هللا ¸ أو سنة رسوله ‘‪ :‬ال يُطيعه أحد من املسلمني‪ ،‬حلديث‬
‫رسول هللا ‘‪( :‬ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق)‪ ،‬طاملا الرأي اآلن ُمالف لنص‬
‫الغراء؛ إذا نُطيع هللا ¸ وال نُطيع العبد إذا أمرنا ا ُخيالف أمر‬ ‫من نصوص شريعتنا ّ‬
‫هللا ¸‪.‬‬

‫إذا إما أنه‪ :‬نرجع إىل كتاب هللا‪ ،‬وإذا جاءنا أمر ُمالف ألمر هللا ¸‪ ..‬فال مسع‬
‫وال طاعة‪.‬‬
‫الِّيءُ الثَالي ُ‬
‫ث‪ :‬أنه قد يرفع األمري اخلالف ‪-‬هذه مسألة القرآن عرفناها‪ ،‬مسألة‬ ‫َّ‬
‫تنس أن األمري أيضا عندما يستشري يف بعض‬ ‫يأمر بغري ما أنزل هللا عرفناها‪ -‬وال َ‬
‫املسائل‪ ،‬قد تكون هنا كثرة وقد تكون هنا قلة ‪-‬يقينا‪ ،-‬ويكون هنا أيضا رأي‬
‫ألمري املؤمنني‪ ،‬فإذا استشار جمموعة يف مسألة‪ ،‬األكثرية قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬واألقلية قالوا‪:‬‬
‫ال‪ ،‬وهو له رأي‪ ،‬فماذا يكون احلل يف مثل هذه املسائل؟‪ ،‬اآلن ال يوجد هنا نص‪،‬‬
‫وإمنا يف املسائل اإلدارية؟‬

‫ال يُفهم يف ديننا أن احلق مع األغلبية‪ ،‬فأمري املؤمنني ال يلتزم برأي األكثرية‪ ،‬وإن‬
‫﴿وٰلَ ِكن‬
‫كانوا أكثرية؛ ألن املقاييس هنا ال تُعمل باألكثرية‪ ،‬ألن هللا ¸ قد قال لنا‪َ :‬‬
‫اس َولَو‬‫﴿وَما أَكثَـ ُر الن ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫أَكثَـَرُكم لل َح ّق َكارُهو َن﴾ [الزخرف‪ ،]78:‬هؤالء أكثرية‪َ ،‬‬
‫ض يِ‬ ‫حرصت ِ ُؤِمنِني﴾ [يوسف‪ِ ِ .]103:‬‬
‫ضلُّو َ َعن‬ ‫﴿وإن تُطع أَكثَـَر َمن ِيف األَر ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫َسبِ ِيل اَللِ﴾ [األنعام‪.]116:‬‬
‫إذا ليس املقياس لدينا أن هذا الرأي نأخذ به ألن أكثر اجلالسني قالوا به‪ ،‬ال‪..‬‬
‫هذا ليس مقياسا يف ديننا‪ ،‬بل قد يأخذ أمري املؤمنني برأي األكثرية‪ ،‬وقد يأخذ برأي‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪355‬‬

‫األقلية‪ ،‬وقد ال يأخذ برأيهما ويأخذ برأي هو يراه‪ ،‬وأيهم فعل فهو مصيب بإذن هللا‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫أما الدليل على مسألة األقلية واألكثرية‪ ،‬وماذا خيتار‪ :‬ما كان غزوة أحد‪ ،‬عندما‬
‫استشار الرسول ‘‪ ،‬هل خنرج أو ال خنرج‪ ،‬قسم قالوا‪ :‬خنرج‪ ،‬وقسم قالوا‪ :‬ال خنرج‪..‬‬
‫اختار أن خيرج‪ ،‬فالكل خرجوا معه‪.‬‬
‫لكن أحيانا‪ ،‬هنا أكثرية وافقوا‪ ،‬وأقلية قالوا برأي آخر‪ ،‬لكن أمري املؤمنني له‬
‫رأي آخر‪ ،‬هل يستطيع أن ُميضي رأيه بعدما مسع من هؤالء؟‬
‫نعم ُيوز له ذلا‪ ،‬ألنه هو أيضا يريد اخلري لألمة‪ ،‬ويريد نصرة هذا الدين‪ ،‬لكن‬
‫تبني له أن األمر إذا أقدم عليه وفق ما يراه سيكون فيه اخلري بإذن هللا تعاىل‪ ،‬ما دليل‬
‫ّ‬
‫ذلا؟‬
‫الردة بعد وفاة رسول هللا ‘‪ ،‬قرر الص ّديق ُمقاتلتهم‪ ،‬الصحابة كانوا‬
‫يف حروب ّ‬
‫ُمعرتضني على األمر‪ ..‬كيف تُقاتل أُناسا يشهدون أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن حممدا‬
‫أدونه إىل‬
‫رسول هللا؟‪ ،‬فقال الص ّديق حامسا األمر‪" :‬وهللا لو منعوو عقاال كانوا يُ ّ‬
‫رسول هللا لقاتلتهم عليه"‪ ..‬هذا رأيه‪ ،‬علما أن رأي الصحابة كان ُمغايرا لرأيه يف‬
‫مسألة القتال‪ ،‬بعد ذلا يقول عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ :-‬فما أن استمر األمر حىت شر‬
‫هللا ¸ صدري ملا شر له صدر أيب بكر‪ ،‬فعلمت أن اخلري فيه‪.‬‬

‫إذا قد يأخذ برأي األكثرية‪ ،‬وقد يأخذ برأي األقلية‪ ،‬وقد يكون له رأي هو يرى‬
‫أن اخلري يف هذا األمر فيُقدم عليه‪ .‬هذا يف ديننا‪.‬‬
‫َ ٌ َ َّ َ َ ُ‬ ‫ََ ٌ‬
‫َم ْسألة ُم َت َع ِلقة ِب َهذا ال ِذي ذك ْرت ُه‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪356‬‬

‫إذا أخذ اإلمام برأي األكثرية‪ ،‬أو أخذ اإلمام برأي األقلية‪ ،‬أو أخذ برأيه‪،‬‬
‫وكانت النتائج بعد ذلا سلبية‪ ،‬هل ُيوز ٍ‬
‫ألحد من املسلمني أن يلومه أو يُعاتبه؟‬
‫ال يفعلون ذلا‪ ،‬املؤمنون ال يفعلون‪ ،‬يعين ال يأيت األكثرية ويقولون‪ :‬أخذ برأي‬
‫حل بنا‪ ،‬وال ميكن أن يأيت هذا اجلمع ويقولون حنن‬ ‫األقلية وما أخذ برأينا‪ ،‬وانظر ماذا ّ‬
‫حل‬
‫قلنا وهؤال قالوا‪ ،‬ال أخذ برأينا وال أخذ برأي هؤالء‪ ،‬أخذ برأيه هو وانظر ماذا ّ‬
‫بنا‪ ،‬أهل اإلميان ال يقولون ذلا يف شورى اإلسالم‪.‬‬

‫ت ِم َن اخلَ ِري َوَما‬


‫ب َالستَكثَـر ُ‬
‫نت أَعلَ ُم الغَي َ‬
‫﴿ولَو ُك ُ‬
‫دليل ذلا من كتاب ربّنا‪َ :‬‬
‫السوءُ﴾ [األعراف‪ ،]188:‬إذا عندما اختذ هذا القرار‪ ،‬اجلميع ما كانوا يعلمون‬ ‫ِ‬
‫ين ُّ‬
‫َمس َ‬
‫ماذا يرتتب على هذا القرار من إُيابيات أو من سلبيات‪ ،‬ولو علم أن هذا القرار‬
‫ستكون نتائجه سلبية‪ ،‬يقينا ما كان يقدم‪ ،‬إذا هو أقدم وهو يريد اخلري‪ ،‬كم من مر ٍ‬
‫يد‬ ‫ُ‬
‫ض﴾ [هود‪ ،]123:‬هللا ¸ هو‬ ‫ات َواألَر ِ‬ ‫للخري قد ُخيطئ اخلري‪﴿ ..‬وَِللِ َغيب السماو ِ‬
‫ُ ََ‬ ‫َ‬
‫مالا الغيب‪ ،‬حنن بشر‪ ،‬نأخذ القرارات لكن ال نعلم ما الذي سيحصل بعد ذلا‪.‬‬

‫«عندما يكون القرار صائبا»‪ ،‬مهما كانت النتائج‪ ،‬أهل اإلميان املستشارون‬
‫ُ‬
‫يقولون‪ :‬القرار يف حينه كان صائبا‪ ،‬لكن ال ُحناسب القرار بناء على النتائج‪ ،‬دليل‬
‫ذلا‪ :‬عندما اختار الرسول ‘ الوليد بن عقبة بن أيب ُمعيط‪ ،‬وكلّفه أن يذهب‬
‫ويأيت بصدقة قوم من األقوام‪ ،‬وصل إىل هنا وقبل أن يدخل يف داخل القرية رجع‬
‫ألنه كان بينهم ثأر يف اجلاهلية‪ ،‬فخشي أن يقتلوه‪ ،‬رجع إىل رسول هللا ‘ وقال‪:‬‬
‫فتجهز الرسول ‘ لغزوهم‪ ،‬فأنزل هللا تبار‬ ‫القوم منعونا الزكاة ومنعونا الصدقة‪ّ ..‬‬
‫صيبُوا قَـوما ِجبَ َهالٍَة﴾‬ ‫ِ‬
‫اسق بِنَبٍإ فَـتَبـيـنُوا أَن تُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا إن َجاءَ ُكم فَ ٌ َ َ‬‫وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫[احلجرات‪.]6:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪357‬‬

‫إذا هل يف حلظة االختيار الوليد بن عقبة كان فاسقا؟ معاذ هللا‪ ،‬ألنه لو كان‬
‫فاسقا ما اختاره الرسول ‘‪ ،‬إذا رآه أهال هلذا األمر فاختاره‪ ،‬لكن بعد االختيار‬
‫تبني أنه فاسق‪ ،‬وأنزل هللا ¸ حبقه آية‪ .‬إذا يف االستشارة‪ ،‬أهل اإلميان ال ُحياسبون‬
‫ّ‬
‫و األمر على النتائج وإن كانت سلبية‪.‬‬
‫جيد‪ ،‬من الذي ُحي ِ‬
‫اسب؟‪ ،‬الـ ُمنافقون فقط يف ديننا ُحياسبون صاحب القرار على‬ ‫ّ‬
‫النتيجة إن كانت سلبية‪ ،‬املنافقون فقط يعرتضون ويلومون ويُعاتبون صاحب القرار إن‬
‫ُ‬
‫ين قَالُوا ِِإلخ َواهنِِم‬
‫َ‬
‫الحظ اآلية الكرمية عن الـمنافقني‪﴿ :‬ال ِ‬
‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫كانت النتائج سلبيّة‪..‬‬
‫ني﴾‬ ‫وقَـع ُدوا لَو أَطَاعونَا ما قُتِلُوا ۚ قُل فَادرءوا عن أَن ُف ِس ُكم الموت إِن ُكنتم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ‬
‫[آل عمران‪ ،]168:‬حنن قلنا ال خنرج‪ ،‬الحظ‪ :‬لو مسعوا كالمنا ما كان ليصيبهم ما‬
‫أصاهبم‪ ،‬إذا هؤالء املنافقون دائما ُحياسبون على النتائج‪ ،‬أما أهل اإلميان فيتخذون‬
‫القرار يف حينه‪ ،‬ويعلمون أن هذا القرار صائب‪ ،‬مث ال يعلمون ماذا يرتتب على هذا‬
‫القرار؛ وإال فالرسول ‘ عندما قرر اخلروج إىل أحد‪ ،‬سبعني صاحيب قُتِل‪..‬‬
‫نت أَعلَ ُم‬
‫﴿ولَو ُك ُ‬
‫ُحياسب؟ حاشاه‪ ،‬يُعاتب؟‪ ،‬ال؛ ألنه ال يعلم ما الذي سيحصل َ‬
‫الش َورى‪.‬‬
‫السوءُ﴾‪َ ،‬ه َذا يف ُّ‬
‫ين ُّ‬ ‫ت ِم َن اخلَ ِري َوَما َمس ِ‬
‫ب َالستَكثَـر ُ‬
‫الغَي َ‬
‫َ‬

‫اطي ِة‪:‬‬ ‫ِ‬


‫الدميُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫تَـ َع َال َمعي إىل ّ َ‬
‫اء‪ :‬ال يوجد شيء امسه نرجع إىل كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬ال يوجد شيء‪،‬‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫ليس الكتاب وال السنة مرجعا يف استشارة اجمللس التشريعي (الربملان) ال يستطيع‬
‫بآية وال أن يستشهد حبديث‪ ،‬وإال فاليزيدي أيضا يأيت بنص من‬ ‫أحد أن يستشهد ٍ‬
‫الكتاب األسود ويُلزم الناس هبذا النص الذي جاء به من الكتاب األسود‪ ..‬يُسمونه‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪358‬‬

‫(كتاب رش) الذي ال وجود له‪ ،‬عندما تسأله‪ :‬أين كتابا؟‪ ،‬يقول‪ :‬يف أملانيا ولكن‬
‫هلم نصوص من هذا الكتاب‪ ،‬فإذا استشهد هؤالء‪ ،‬هؤالء أيضا يستشهدون‪ ،‬وقد‬
‫حرف‪ ،‬وحياول أن يُلزم هؤالء؛ إذا ال يستطيع‬ ‫يأيت نصراو بنصوص من إجنيله الـ ُم ّ‬
‫أحد أن يرجع إىل كتابه‪ ،‬ألن الكتب ُمتلفة ومتباينة‪ ،‬ولكل دين كتاهبم‪ .‬فال يستطيع‬
‫هؤالء أن يرجعوا إىل كتاب هللا ¸‪ ،‬وال هؤالء إىل اإلجنيل‪ ،‬وال هؤالء إىل ما كتبه‬
‫كار ماركس‪ ،‬وال هؤالء يستطيعون إىل الكايف وإىل ال ُكليين وما إىل ذلا‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه‬
‫ال دين حتت قُـبّة الربملان‪.‬‬
‫إذا اإلمام هبذه الطريقة يرفع اخلالف عندما يستشري إخوانه‪ ،‬إما بوجود نص‪ ،‬أو‬
‫نرجع إىل نص‪ ،‬أو يأخذ برأي األكثرية‪ ،‬أو يأخذ برأي األقلية‪ ،‬أو يأخذ برأيه هو‪،‬‬
‫هذا يف اإلسالم‪.‬‬

‫سمونه‪:‬‬‫أما يف اجملالس ال ّدميُقراطيّة‪ :‬فالقرارات تُؤخذ بناء على األغلبية‪ ،‬ويُ ّ‬


‫صوت‪ ،‬مخسني‬ ‫(مخسني ‪ +‬واحد)‪ ،‬إذا كان عدد األعضاء مائة‪ ،‬و(سليم اجلبوري) ّ‬
‫رفعوا أيديهم نعم‪ ،‬ومخسني قالوا‪ :‬ال‪ ..‬املسألة ُحم ّرية‪ ،‬يزيدي بعد ذلا أنزل يده‪،‬‬
‫القرار أصبح باألغلبيّة بصوت اليزيدي‪ ،‬هنا ماذا يقولون؟‪ ،‬القرار اُّختذ باألغلبيّة‪،‬‬
‫ملاذا؟؛ ألن واحد ومخسني قالوا‪ :‬نعم‪ ..‬وتسعة وأربعني قالوا‪ :‬ال‪ ،‬علما أن هذه املوازنة‬
‫تغريت بصوت يزيدي؛ إذا أين الشورى يف اإلسالم عن ال ّدميُقراطيّة يف الربملان؟!‪ ،‬هذا‬ ‫ّ‬
‫أيضا فارق بني الشورى وبني ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬
‫َ ُق َ‬
‫اآلخ ُر َبي َن الشو َرى في اإل ْسالم َو َبي َن الد ُيم ْ‬
‫اط َّي ِة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الف ِار‬
‫ِف ا يل ْس ي‬
‫لم‪ :‬عندما يستشري أمري املؤمنني إخوانه يف مسألة من املسائل‪ ،‬أو أهل‬
‫مدينة‪ ،‬أو مجاعة‪ ،‬كيفما كان األمر‪ ،‬يقينا سيكون فيهم من يوافق‪ ،‬ويكون فيهم من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪359‬‬

‫ُخيالف‪ ،‬فإذا اختار أمري املؤمنني رأيا‪ ،‬املوافق والـ ُمخالف خيضعون الختيار األمري‪ ،‬ال‬
‫فرق بني من وافق ومن مل يوافق‪ ،‬الكل خيضعون ملا اختاره أمري املؤمنني‪ .‬هذا يف‬
‫الشورى يف ديننا‪.‬‬

‫ك‪ :‬أن الرسول ‘ عندما أراد أن خيرج إىل أحد‪ ،‬قسم من الصحابة‬ ‫َدلييل َذلي ي‬
‫ُ‬
‫كانوا يرون أن يبقوا يف داخل املدينة‪ ،‬والقسم اآلخر أرادوا أن خيرجوا‪ ،‬لكن عندما‬
‫استقر رأي الرسول ‘ على اخلروج‪ ،‬املوافق والـ ُمخالف كلهم خرجوا‪ ،‬ما بقي يف‬ ‫ّ‬
‫املدينة أحد من الذين كانوا يرون القتال يف داخل املدينة‪.‬‬

‫أما من الذي رجع؟‪ ،‬فال ُـمنافقون‪ ،‬فقط املنافق ال يلتزم بأمر األمري بعد‬
‫ان فَبِِإذ ِن‬‫االستشارة؛ دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪﴿ :‬وما أَصاب ُكم يـوم التَـ َقى اجلمع ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ َ َ َ َ‬
‫اَللِ ولِيـعلَم المؤِمنِني ۝ ولِيـعلَم ال ِذين نَافَـ ُقوا ۚ وقِيل َهلم تَـعالَوا قَاتِلُوا ِيف سبِ ِيل اَللِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ َ ُ َ‬
‫ان﴾‬ ‫أَ ِو ادفَـعوا ۚ قَالُوا لَو نـَعلَم قِتَاال التـبـعنَا ُكم ۚ هم لِل ُكف ِر يـومئِ ٍذ أَقـرب ِمنـهم لِ ِإلميَ ِ‬
‫ََ َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫[آل عمران‪]167-166:‬؛ إذا إذا استشار أمري املؤمنني إخوانه واختلفوا‪ ،‬مث اختار رأيا‪،‬‬
‫الكل ينصاعون ألمر األمري‪ ،‬وال خيرج من الطاعة يف ديننا إال الـ ُمنافق‪ ،‬وذكرت لا‬
‫الدليل يف ذلا‪.‬‬
‫ِف ال ّيدميُْقر ي‬
‫اطيَّ ي‬
‫ات إذا كيف ُحيسم األمر؟‪ ،‬دائما احلزب الـ ُمعارض يبقى إىل هناية‬ ‫َ‬
‫املسار ُمعارضا‪ ،‬أنت تعلم أن اجلمهوريني هم الذين قرروا دخول العراق‪ ،‬الدميُقراطيّون‬
‫ما كانوا يرضون هبذا األمر‪ ،‬ملدة مثان سنوات هم واقفون هلم يف الطريق‪ ،‬ما ُيدون‬
‫مغمزا ينالون به من اجلموريني إال ونشروه يف اإلعالم‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن رأيهم ال نريد‬
‫القتال يف العراق‪ ،‬وملدة مثان سنوات ما خضعوا لراعي البقر األرعن ذلا يف قرا ٍر من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪360‬‬

‫قراراته بل دائما كانوا له باملرصاد‪ ،‬ملاذا؟؛ ألهنم غري متفقني معه على خوض القتال‬
‫يف العراق‪ ،‬هذه دميُقراطيّة‪..‬‬

‫يف ال ّدميُقراطيّة إذا اعرتضت على أمر ومل توافق على هذا األمر‪ ،‬تبقى إىل هناية‬
‫وحتاول أن جتد الـ ُم ّربرات لكي تُلغي هذا األمر‪،‬‬‫املطاف ُحتاول أن تُعطّل هذا األمر‪ُ ،‬‬
‫أو حتمل صاحب األمر على أن يرتاجع عن أمره‪ ،‬هذا يف ال ّدميُقراطيّة‪ ..‬أما يف ديننا‬
‫اإلسالمي يف الشورى‪ :‬الكل خيرجون دون أن يبقى أحد منهم‪.‬‬

‫بقت مسألتني‪ ،‬إن شاء هللا تعاىل يف يوم آخر نُكمل‪ ..‬واحلمد هلل‪ ،‬وصلى هللا‬
‫على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم أمجعني‪ ..‬جزاكم هللا خريا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪361‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪362‬‬
‫َ‬ ‫س َّ‬ ‫َّ‬
‫اس ُع َعشر‬ ‫ِ‬ ‫الت‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫الد‬
‫َ ََ‬
‫الب ْرِل ِان‬ ‫الر َّد ِة ِفي ُد ُخو ِل‬
‫ِ‬
‫َمواط ُ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمدهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‬ ‫وُ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫انتهينا ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬من ال ّدميُقراطيّة ُتعلّقاهتا‪ ،‬ومسألة استدالل بعض‬
‫املنتسبني إىل اإلسالم على أن ال ّدميُقراطيّة من اإلسالم يف مسألة الشورى ‪-‬وهلل‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الفضل واملنّة‪ ،-‬وسيكون حديثنا اليوم إن شاء هللا تعاىل عن‪:‬‬
‫َ َ‬
‫الب ْرِل ِان‪.‬‬ ‫الد ِاخ ِل َين في‬ ‫الب ْ َرِلَ ْ‬
‫ان‪َ ،‬و ُح ْك ُم َّ‬ ‫َ‬

‫فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬الربملان‪ :‬هم إحدى ُسلطَات احلكومات ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬

‫وهنا ُسلطَة قضائيّة‪ ،‬فحديثنا‬ ‫وهنا ُسلطَة تشريعيّة‪ُ ،‬‬ ‫ُهنا ُسلطَة تنفيذيّة‪ُ ،‬‬
‫سمون بالربملان‪،‬‬‫السلطَة التّشريعيّة‪ ،‬هذا امسهم‪ ،‬وهلم أمساء أخرى أيضا‪ ،‬يُ ّ‬
‫يكون عن‪ُّ :‬‬
‫سمون‪ ...‬كل‬ ‫األمة‪ ،‬ويُ ّ‬
‫سمون جملس ّ‬ ‫سمون جملس الشعب‪ ،‬ويُ ّ‬ ‫سمون بالنـ ُّّواب‪ ،‬ويُ ّ‬
‫ويُ ّ‬
‫(السلطَة التّشريعيّة)‪.‬‬
‫السلطّة التّشريعيّة‪ ،‬هذا امسهم الصحيح ُّ‬
‫هذه األمساء تُطلق على ُّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪363‬‬

‫احلديث عن هؤالء (من يدخل يف هذا املوطن) هل يرت ّد عن دين هللا ¸ أم‬
‫رشح؟‪ ،‬وهذه‬
‫رشح وبعد أن يُ ّ‬
‫ال؟‪ ،‬وما هي املواطن اليت ُيب أن ميُّر هبا قبل أن يُ ّ‬
‫املواطن اليت ُيب أن يدخلها‪ ،‬وهل ستُخرجه من املِلّة أم ال؟‪ ،‬وقبل احلديث عن هذه‬
‫التفاصيل‪:‬‬

‫ال بُ ّد من اإلشارة إىل أن هذه من مسائل النوازل‪..‬‬

‫تُعترب هذه من النوازل‪ ،‬وأنت تعلم أن اإلسالم ُحييط جبميع الـ ُمستج ّدات اليت‬
‫تكون يف احلياة إىل قيام الساعة‪ ،‬ال ميكن أن يكون هنا شيء يُستج ّد يف حياة‬
‫الناس دون أن يكون هلذا الـ ُمستج ّد حكم يف شرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬فتجد أن هذا‬
‫الفرع الذي حدث ال بد أن له أصل‪ ،‬ويُرجع هذا الفرع إىل ذلا األصل؛ ألن من‬
‫قال أن هذه من املـُستج ّدات‪ ،‬وأهنا من أمور السياسة‪ ،‬ومن أمور اإلدارة‪ ،‬وال حكم‬
‫ملثل هذه املسائل يف شرع هللا تبار وتعاىل‪ ..‬فهذا الكالم يرتتّب عليه‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬أنه نسب العجز إىل هللا ¸‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬يرتتب على من قال أن هنا بعض املستج ّدات اليت ليس هلا‬ ‫الِّيءُ َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫حكم يف شرعنا‪ ،‬وإمنا تدخل يف السياسات وما إىل ذلا‪ ..‬يرتتّب على هذا القول‬
‫ت‬‫تكذيب قول هللا تبار وتعاىل يف القرآن‪ ،‬وأعين به اآلية الكرمية‪﴿ :‬اليَـوَم أَك َمل ُ‬
‫اإلس َال َم ِدينا﴾ [املائدة‪]3:‬؛ إذا هذا‬
‫يت لَ ُكم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَي ُكم نع َم ِيت َوَرض ُ ُ‬
‫ِ‬
‫لَ ُكم دينَ ُكم َوأَمتَم ُ‬
‫الدين كامل‪ ،‬طاملا أنه كامل فإنه ُحييط جبميع ُمستج ّدات احلياة إىل قيام الساعة‪.‬‬

‫من قال أن هذه ال ُحييط هبا الدين‪ ،‬أو أهنا ال تدخل‪ ،‬أو شيء من هذا‬
‫القبيل‪ ..‬هذا يُك ّذب آية يف كتاب هللا تبار وتعاىل‪ ،‬ويُك ّذب أن ديننا قد ّبني لنا كل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪364‬‬

‫ث ِيف ُك ِّل أُم ٍة َش ِهيدا َعلَي ِهم ِّمن‬ ‫﴿ويَـوَم نَـبـ َع ُ‬


‫شيء؛ يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫اب تِبـيَانا لِّ ُك ِّل َشي ٍء‬ ‫ا َش ِهيدا علَى ٰهؤَال ِء ۚ ونَـزلنَا علَي َ ِ‬
‫ا الكتَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ٰ َُ‬
‫ِ‬
‫أَن ُف ِس ِهم ۚ َوجئـنَا بِ َ‬
‫ني﴾ [النحل‪]89:‬؛ إذا قرآننا هذا فيه تبيان لكل شيء‪،‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫َوُهدى َوَرحَة َوبُشَر ٰى لل ُمسلم َ‬
‫ا‬ ‫﴿ونَـزلنَا َعلَي َ‬
‫ال يوجد ُمستج ّد يف احلياة دون أن يكون له حكم يف شرعنا‪َ ..‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ال ِكت ِ ِ‬
‫اب تبـيَانا لّ ُك ِّل َشيء َوُهدى َوَرحَة َوبُشَر ٰى لل ُمسلم َ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫هذه النازلة إذا على العلماء أن يبحثوها حىت يعلموا ما حال هؤالء الناس الذين‬
‫دخلوا يف هذا املوطن‪ ،‬وما حال الناس الذين يوافقون على وجودهم يف مثل هذا‬
‫املوطن‪.‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف رسالته‪" :‬فليست تنزل ٍ‬
‫بأحد من‬
‫أهل دين هللا نازلة‪ ،‬إال ويف كتاب اَلل الدليل على سبيل اهلدى فيها‪ ".‬إذا النوازل هلا‬
‫أحكام يف كتاب هللا ¸‪.‬‬
‫َ ََْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ل‬
‫نأ ِتي ِإلى الدخو ِ في البرِل ِان‪:‬‬
‫ملعرفة حكم الشرع يف هؤالء عليا أن ُحتيط علما بواقعهم‪ ،‬و فردات واقعهم‪،‬‬
‫فيتبني لا الكفر من اإلسالم‪.‬‬
‫مث تعرض هذه املفردات على شرع هللا ¸؛ ّ‬
‫طبعا هنا الذي يدرس هذه الوقائع‪ ،‬إما أنه‪ :‬يُصيب حكم هللا ¸‪ ،‬وهذا‬
‫شيء حسن‪ ،‬وإما أنه ُخيطئ يف الوصول إىل احلكم‪ ،‬والـ ُمخطئون ينقسمون إىل‬
‫قسمني‪ :‬إما أنه كان يبحث عن احلق‪ ،‬فلم يُوفق يف الوصول إليه‪ ،‬وإما أنه كان‬
‫صاحب هوى‪ ،‬وهلذا أخطأ يف الوصول إىل احلكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪365‬‬

‫كيف ُمنيّز بني من كان يبحث عن احلق وأخطأ‪ ،‬وبني من كان صاحب هوى؟‬
‫عن طريق الرجوع إىل احلق إذا ظهر‪ ،‬فإذا ظهر احلق من كان يبحث عن احلق‬
‫صر على عدم‬
‫وأخطأ‪ ..‬جتده يرجع إىل احلق‪ ،‬وإذا ظهر احلق وكان صاحب هوى‪ ،‬يُ ّ‬
‫الرجوع إىل احلق‪ ،‬من هنا ُمنيّز بني من كان يبحث عن احلق وأخطأ‪ ،‬وبني من كان‬
‫صاحب هوى يف حبث هذه املسألة‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫اطة ب َحال َه ُؤالء َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ب َن ًاء َع َلى َما َت َق َّد َم‪َ ،‬وم ْ‬
‫اس‪ ،‬ن ْب َدأ في‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ح‬‫اإل‬ ‫الل‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫َّ َ ُ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الء‪:‬‬
‫اط ِن ال ِتي يمر ِبها هؤ ِ‬ ‫ب ِح ِث اِلـو ِ‬
‫َْ ُ َ‬
‫األ َّول‪ُ:‬‬ ‫الـمو ِطن‬
‫ميروا هبذا‬
‫مجيع األحزاب اليت تشرت يف الربملانات (يف اجمللس التشريعي) ُيب أن ّ‬
‫املوطن األول‪ ،‬وهذا املوطن أمسّيه‪ :‬املوافقة على الدستور‪ ،‬فيجب على كل األحزاب‬
‫اليت تريد أن تشرت يف الربملان ويف هذه احلكومات الطاغوتيّة‪ ،‬اخلطوة األوىل‪ُ :‬يب‬
‫أن يوافقوا على الدستور‪ ،‬وعند دراسة واقع الناس‪ ،‬جتد أن الذي حصل ما يلي‪:‬‬

‫سموهنم بالديكتاتوريني ‪-‬‬ ‫كانت هذه الدول حتكم من قبل حكام بلغة الغرب يُ ّ‬
‫أي‪ :‬الذين ينفردون باحلكم‪ ،-‬متكن بعض الناس من إزالة هؤالء احلكام‪ ،‬وجاء أُناس‬
‫آخرون يريدون أن حيكموا بال ّدميُقراطيّة؛ نتيجة هذا التغيري احتاج أهل ال ّدميُقراطيّة إىل‬
‫تفرد باحلكم (ال ّديكتاتور)‬‫إعادة كتابة الدستور‪ ،‬ألن الدستور الذي كان حيكم به الـ ُم ّ‬
‫ال يصلح هلذه احلكومة اجلديدة اليت تريد أن حتكم بقوانني أو فهوم ال ّدميُقراطيّة؛ من‬
‫هنا بدؤوا بتشكيل اللجان لكتابة الدستور‪ ،‬فاللجنة اليت ُش ّكلت يف العراق (من‬
‫الرافضة‪ ،‬ومن البشمركة‪ ،‬ومن احلزب العراقي‪ )..‬كتبوا هذا الدستور‪ ،‬مث بعد ذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪366‬‬

‫عرضوه‪ ،‬مث بعد ذلا‪ ،‬كذلا يف مصر‪ ،‬كذلا يف ليبيا‪ ،‬كذلا يف تونس‪ ،‬كذلا يف‬
‫كل البلدان اليت ُحتكم بال ّدميُقراطيّة‪.‬‬

‫اخلطوة األوىل‪ُ :‬يب أن يُش ّكلوا جلنة لكتابة الدستور ‪-‬وأنت تذكر ماذا قلنا عن‬
‫جلنة كتابة الدستور يف دروسنا السابقة‪ -‬فإذا انتهى هؤالء الناس من كتابة الدستور‪،‬‬
‫عند ذلا يُعرض هذا الدستور على الناس حىت يوافقوا عليه أو ال يوافقوا‪ ..‬فإذا متت‬
‫رشحيها للدخول يف‬ ‫املوافقة‪ ،‬اخلطوة الثالثة تأيت‪ :‬أن هذه األحزاب تُعلن عن ُم ّ‬
‫السلطَة‪ ..‬املرشحون يأتون بعد إقرار الدستور؛ إذا ال يوجد ترشيح‪ ،‬وال انتخابات‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫وال دخول يف الربملانات إال بعد كتابة الدستور وإقراره‪.‬‬

‫وهذا الذي حصل يف العراق بعد أن سقطت حكومة البعثيني أمام اجليش‬
‫األمريكي‪ ،‬تأخر تشكيل احلكومة يف العراق إىل ‪2005‬م‪ ،‬علما أن سقوط دولة‬
‫البعثيني يف ‪2003‬م‪ ،‬ملاذا تأخروا يف تشكيل احلكومة كل هذه الفرتة؟‪( ،‬كانت‬
‫حكومة متشية أعمال فقط) ألهنم ما كانوا قد انتهوا من كتابة الدستور‪ ،‬جرد أن‬
‫وش ّكلت‬‫انتهوا من كتابة الدستور‪ ،‬بدأت الرتشيحات‪ ،‬وبدأت االنتخابات‪ُ ،‬‬
‫احلكومة‪ ،‬كذلا هذا الذي حصل يف مصر‪ ،‬عندما انتخبوا بعض الناس وش ّكلوا‬
‫برملانا وجملسا تشريعيا‪ ،‬كان هنا جملس ُش ِّكل قبل كتابة الدستور‪ ،‬وهلذا ألغوا تلا‬
‫رشحني للدخول‬ ‫للم ّ‬
‫االنتخابات‪ ،‬ألهنا ُش ّكلت قبل كتابة الدستور؛ إذا اخلطوة األوىل ُ‬
‫عمل به يف داخل البلد‪.‬‬
‫يف الربملانات‪ :‬أن يكون هنا دستور ُمتّفق عليه ويُ َ‬
‫أذكر لا بعض من وافق على أن ُحيكم بالدستور‪ ،‬أو ‹‹من سعى›› لإلسراع‬
‫بكتابة الدستور‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪367‬‬

‫أول هؤالء الناس‪( :‬إبراهيم نعمة) يف رسالته إىل سيّده (جون) ال ُـمحرتم (لديه)‬
‫من ضمن املقرتحات اليت اقرتحها على ذلا األقلف‪ ..‬قال‪ :‬اإلسراع بكتابة الدستور‬
‫وتشكيل احلكومة‪ ،‬ألن احلكومة ما تُش ّكل إال بدستور‪.‬‬

‫الردة ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬قال‪ :‬سأبذل كل ما يف‬


‫كذلا (مرسي) عندما وصل إىل ّ‬
‫وسعي لإلسراع يف تشكيل جلنة كتابة الدستور‪ ،‬وكذلا احلزب العراقي‪ ،‬شاركوا يف‬
‫كتابة الدستور يف العراق‪.‬‬

‫إذا هؤالء رموز يُعتربون يف بعض التوجهات اليت ت ّدعي االنتساب إىل اإلسالم‬
‫هؤالء كانوا من العاملني على إُياد اللجنة‪ ،‬أو كانوا من املشاركني يف جلنة كتابة‬
‫الدستور‪.‬‬

‫ص ِّو َ‬
‫ت عليه‪ ،‬ومتت املوافقة على‬ ‫ٍ‬
‫قر بالدستور (هبذا القانون الذي ُ‬‫كل حزب ال يُ ّ‬
‫قر بالدستور والقانون‪ ،‬ال تُعطى له إجازة تشكيل حزب‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫احلكم به) كل حزب ال يُ ّ‬
‫قر بالدستور وأن توافق على احلكم بالدستور‪.‬‬ ‫ط يف وجودها‪ :‬أن تُ ّ‬ ‫هذه األحزاب شر ٌ‬
‫حزب من هذه األحزاب اآلن املوجودة‪ ،‬إذا حزب من هذه األحزاب رفض‬ ‫فأي ٍ‬
‫املوافقة على الدستور أو احلكم بالدستور‪ ،‬هذا احلزب القانون ال ُييز له حق‬
‫الوجود‪ ،‬بل ال يُش ّكل أساسا‪.‬‬

‫طبعا هنا ضوابط لتشكيل احلزب‪ ،‬املادة (‪ )37‬من القانون العراقي تنص على‬
‫ذلا‪ ،‬على أن هنا حرية يف تشكيل األحزاب‪ ،‬وأن هذا يُنظّم بالقانون؛ إذا من‬
‫ليست له إجازة لتشكيل حزب‪ ،‬بالضرورة ال يُشار يف االنتخابات‪ ،‬إذا بالضرورة ال‬
‫يكون عضوا يف الربملان وال يف احلكومة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪368‬‬

‫إ ًذا أصل الدخول يف احلكومة ويف الربملان أصبح‪ :‬الدستور‪ ،‬مث املوافقة على هذا‬
‫ط أساسي يف هذه األحزاب أن يوافقوا على هذا الدستور‪.‬‬
‫الدستور‪ .‬إذا شر ٌ‬
‫َ َ ْ ُ َُ‬ ‫َم ْن َو َاف َق َع َلى ُ‬
‫الح ْكم ب َهذه َّ‬
‫العل َم ِاء ِف ِيه؟‬ ‫الد َسا ِت ِير‪ ..‬ما قول‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫من وافق على احلكم هبذه الدساتري‪ ،‬على أن َحيكم هبذه القوانني والدساتري‪:‬‬

‫"ومعلوم باالضطرار من دين املسلمني‪،‬‬ ‫يميَّةَ ‪ ¬-‬رحة واسعة‪:-‬‬ ‫يقو ُل ابْن تَ ي‬


‫ٌ‬ ‫َْ ُ‬
‫وباتفاق مجيع املسلمني‪ :‬أن من سوغ اتباع غري دين اإلسالم‪ ،‬أو اتباع شر ٍ‬
‫يعة غري‬ ‫ّ‬
‫شريعة حممد ‘؛ فهو كافر‪ ،‬وهو َك ُكف ِر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض‬
‫الكتاب"‪ .‬هذا قول ابن تيمية يف [الفتاوى]‪" ،‬وباتفاق مجيع املسلمني" أي‪ :‬موطن‬
‫سوغ" أي‪ :‬أجاز‪.‬‬
‫إمجاع "أن من ّ‬
‫يخ‪ ،‬وهو من‬ ‫يم بي ْن َع ْب يداللَّ يطي ْ آل َّ‬
‫الِّ ي‬ ‫ي‬ ‫اك قَ و ٌل َ ي‬
‫آخ ٌر ل ُم َح َّم ْد بي ْن إبْراه ْ‬ ‫ُهنَ َ ْ‬
‫أحفاد حممد بن عبدالوهاب ¬‪ ،‬له رسالة يف [حتكيم القوانني]‪ ،‬من ضمن ما يقول‬
‫أنه يصف هذه القوانني أهنا مستمدة من القانون الفرنسي والربيطاو واألمريكي‪،‬‬
‫الحظ كالمه‪" :‬فكما للمحاكم مراجع ومستندات مرجعها كلها إىل كتاب هللا وسنة‬
‫شىت‪،‬‬
‫رسوله‪ ،‬فلهذه احملاكم [أي الطاغوتيّة] مراجع‪ :‬وهي القانون املُل ّفق من شرائع ّ‬
‫وقوانني كثرية‪ ،‬كالقانون الفرنسي‪ ،‬والقانون األمريكي‪ ،‬والقانون الربيطاو‪ ،‬وغريها من‬
‫القوانني‪ ،‬ومن مذاهب بعض املـُنتسبني إىل الشريعة وغري ذلا"‪ .‬يعين‪ :‬شيء من‬
‫الشريعة‪ ،‬وشيء من أهواء اليهود والنصارى كما قلنا يف دروسنا املاضية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪369‬‬

‫مث قال‪" :‬فهذه احملاكم يف كثري من أمصار اإلسالم ُمهيّأة‪ ،‬مفتوحة األبواب‪،‬‬
‫والناس إليها أسراب إثر أسراب‪ُ ،‬حيكم بينهم ا ُخيالف حكم السنة والكتاب من‬
‫أحكام ذلا القانون"‪.‬‬

‫مث قال‪" :‬وتلزمهم به‪ّ ،‬‬


‫وتقرهم عليه‪ ،‬وحتكمهم به‪ ،‬فأي كفر فوق هذا الكفر؟!‪،‬‬
‫وأي ُمناقضة للشهادة بأن حممدا رسول هللا بعد هذه املناقضة؟!"‪.‬‬

‫أقر هبذه القوانني‪ ،‬حممد بن إبراهيم آل الشيخ يقول‪ :‬ليس بعد هذا‬
‫إذا من ّ‬
‫الناقض ناقض‪ ،‬وليس بعد هذا الكفر كفر‪.‬‬
‫ُّص ِ‬ ‫يطي ‪ -¬-‬يف [أضواء البيان]‪ ،‬فيقول‪ِ ِ ِ :‬‬ ‫َّأما قَ و ُل ا يلم يام َّ ي ي‬
‫وص‬ ‫"وهبَذه الن ُ‬ ‫َ‬ ‫الِّ ْنق ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ني ال َوضعِيةَ ال ِيت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يَـتبِعُو َن ال َق َوان َ‬ ‫ِ‬
‫الس َما ِوية ال ِيت ذَ َكرنَا يَظ َه ُر َغايَةَ الظُّ ُهور‪ :‬أَن الذ َ‬
‫َشَر َع َها الشيطَا ُن َعلَى أَل ِسنَ ِة أَولِيَائِِه ُُمَالََفة لِ َما َشَر َعهُ اَللُ َجل َو َع َال َعلَى أَل ِسنَ ِة ُر ُسلِ ِه‬
‫ص َريتَهُ‪،‬‬‫ا ِيف ُكف ِرِهم و ِشركِ ِهم إِال من طَمس اَلل ب ِ‬ ‫صلى اَللُ َعلَي ِهم َو َسل َم‪ ،‬أَنهُ َال يَ ُش ُّ‬
‫َ َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َوأَع َماهُ َعن نُوِر ال َوح ِي ِمثـلَ ُهم"‪.‬‬

‫قر هبذا الدستور‪ ،‬وهذه‬


‫ط أساسي للدخول واالشرتا يف احلكم‪ :‬أن تُ ّ‬ ‫إذا شر ٌ‬
‫أقوال العلماء فيمن يوافق أن ُحيكم بدي ٍن غري دين اإلسالم‪.‬‬

‫أرجع أُذ ّكر ا قلته سابقا يف احملاضرات السابقة‪ ،‬حىت تعلم ماذا يعين موافقة‬
‫األحزاب على احلكم هبذه القوانني‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬قلنا أن هذه الدساتري ‪-‬بدون استثناء‪ -‬كلها من وحي الشيطان‪،‬‬


‫وحو َن إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫واستشهدنا بقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪370‬‬

‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾ [األنعام‪ ،]121:‬هذه آية استشهدنا‬ ‫ِ ِ‬
‫ليُ َجادلُوُكم ۚ َوإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫هبا‪ ،‬وهذا حكم هللا ¸ يف القوانني غري الشرعيّة‪.‬‬

‫واستشهدنا يف ذلا‬ ‫الِّيءُ الثَّ ياين‪ :‬تذكرون قلنا عن هذه القوانني أهنا دين‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ال ِّدي ِن َما َمل يَأ َذن بِِه‬ ‫الوقت بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَم َهلُم ُشَرَكاءُ َشَرعُوا َهلُم ِّم َن‬
‫اَللُ﴾ [الشورى‪.]21:‬‬

‫َوِف يحيني يه قُ ْلنَا‪ :‬أن الدين ينقسم إىل قسمني‪ :‬دين حق‪ ..‬وهو دين هللا ¸‪.‬‬
‫ض طَوعا َوَكرها﴾ [آل‬ ‫﴿أَفَـغَيـر ِدي ِن اَللِ يـبـغُو َن ولَه أَسلَم من ِيف السماو ِ‬
‫ات َواألَر ِ‬ ‫ََ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َخاهُ‬
‫﴿ما َكا َن ليَأ ُخ َذ أ َ‬
‫عمران‪ ،]83:‬ودين امللا‪ ..‬واستشهدنا بقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا﴾ [يوسف‪ ،]76:‬إذا هذا الدين يقينا دين امللا وليس دين هللا ¸؛‬ ‫ِيف ِدي ِن الملِ ِ‬
‫َ‬
‫باطل ال ميت إىل دين اإلسالم بصلة‪.‬‬ ‫فمن حكم هبذا الدستور‪ ،‬فقد حكم بدي ٍن ٍ‬

‫يضا‪ :‬أن هذه القوانني قاطبة دون استثناء كلها أحكام‬ ‫ت أَ ً‬‫ك الوقْ ي‬ ‫ي‬
‫َوقُ ْلنَا ِف ذَل َ َ‬
‫اس لََف ِ‬
‫اس ُقو َن ۝‬ ‫﴿وإِن َكثِريا ِّم َن الن ِ‬
‫جاهليّة‪ ،‬واستشهدنا بقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫حكما لَِّقوٍم يُوقِنُو َن﴾ [املائدة‪-49:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫أَفَ ُحك َم اجلَاهلية يَـبـغُو َن ۚ َوَمن أَح َس ُن م َن اَلل ُ‬
‫‪.]50‬‬

‫ُمثَّ بَ ْع َد ذَلي َ‬
‫ك قُلْنَا‪ :‬أن هذه القوانني والدساتري اليت يُعمل هبا يف بالد املسلمني‪:‬‬
‫﴿ولَن‬‫هذه ُمستم ّدة من أهواء اليهود والنصارى‪ ،‬واستشهدنا بقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ص َار ٰى َح ٰىت تَـتبِ َع ِملتَـ ُهم ۚ قُل إِن ُه َدى اَللِ ُه َو اهلَُد ٰى ۚ‬
‫ود َوَال الن َ‬
‫نا اليَـ ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬ ‫تَـر َ‬
‫ا ِم َن اَللِ ِمن َوٍِّ َوَال‬ ‫ِ‬
‫ت أَه َواءَ ُهم بَـع َد الذي َجاءَ َ ِم َن العِل ِم ۚ َما لَ َ‬ ‫ِ‬
‫َولَئ ِن اتـبَـع َ‬
‫ص ٍري﴾ [البقرة‪.]120:‬‬ ‫نَ ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪371‬‬

‫إذا هذه الوصوفات كلها قلناها يف هذا الدستور‪ ،‬وهؤالء الناس وهذه األحزاب‬
‫توافق على أن َحت ُكم وأن ُحت َكم‪ ،‬وحيملون الناس أيضا على أن يوافقوا على احلكم‬
‫هبذه القوانني‪.‬‬
‫اها َعن َّ ي‬ ‫ي‬
‫الد َسات يري‪ :‬قلنا أن من ّ‬
‫غري شريعة ن ٍيب‪ ،‬مث أُطيع يف‬ ‫َوَم ْسأَلَةٌ أَخ َ‬
‫ريةٌ ذَ َك ْرنَ َ ْ‬
‫غري هلم ربًّا‪ ،‬وذكرنا يف ذلا الوقت‪﴿ :‬اختَ ُذوا‬‫هذا التغيري؛ فاملُطيعون قد ّاختذوا املُ ّ‬
‫ون اَللِ﴾ [التوبة‪ ،]31:‬وقلنا جلنة كتابة الدستور‬ ‫أَحبارهم ورهبانَـهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫َ َُ َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫غريوا يف شريعة رسول هللا ‘‪.‬‬
‫يدخلون يف حكم اآلية من باب أوىل؛ ألهنم ّ‬
‫إذا هذه األحزاب‪ ،‬هذا املوطن ُيب أن ميروا به‪ ،‬وُيب أن يوافقوا على‬
‫الدستور‪ ،‬فإذا وافقوا على الدستور هبذه املواصفات اليت ذكرهتا‪ ،‬وذكرت لا قول ابن‬
‫تيمية أيضا‪ ،‬وقول حممد بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬وقول الشنقيطي الذين حكموا‬
‫قر ثل هذه القوانني؛ إذا هذه األحزاب عندما يدخلون هذا‬ ‫بالكفر على من يُ ّ‬
‫املوطن‪ ،‬فإن هذا موطن ِردة‪ ..‬خيرجون عن دين هللا تبار وتعاىل‪.‬‬
‫اك َأ ْمر‪ٌ:‬‬
‫َي ْب َقى ُه َن َ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َأ َن ُه َه ْل َ‬
‫اس َت َحلوا الدخو َل أ ْم ال؟‬ ‫ؤالء‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫رجئي خبيث غيب‪ ،‬ال يفقه من دين هللا شيئا‪ ،‬هل هؤالء يُشرتط فيهم‬
‫يأتيا ُم ّ‬
‫االستحالل؟‪ ،‬بل أقول هكذا‪ :‬هذه األحزاب عندما دخلت بعد أن وافقت على‬
‫احلكم بالدستور‪ ،‬وحلت الناس على املوافقة‪ ،‬هل استحلّوا عندما دخلوا يف الربملان‬
‫أم ال؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪372‬‬

‫اك قَ ْو ٌل البْ ين تَ ْي يميَّةَ ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬الحظ‪ ،‬قال يف [منهاج السنة‬


‫ُهنَ َ‬
‫اتباع ملا أنزل‬
‫استحل أن َحي ُك َم بني الناس ا يراهُ هو عدال‪ ،‬من غري ٍ‬
‫ّ‬ ‫النبوية]‪" :‬فمن‬
‫هللا؛ فهو كافر"‪.‬‬

‫نأيت إىل هذا الكالم‪ ،‬نرى هؤالء الناس عندما دخلوا يف الربملان بعد أن وافقوا‬
‫على الدستور‪ ،‬هل استحلّوا احلكم بالدستور أم ال؟‪ ،‬الحظ‪..‬‬

‫ابتداء‪ :‬هذه األحزاب كلها دون استثناء ‪-‬املنتسبة إىل اإلسالم وغريهم‪ -‬كلهم‬ ‫ً‬
‫وافقوا على هذا الدستور‪ ،‬ألهنم إن مل يوافقوا ال تُعطى هلم إجازة تشكيل حزب‪ ..‬إذا‬
‫وجودهم على السطح‪ ،‬ووجود املقرات‪ ،‬دليل على أهنم وافقوا على الدستور‪،‬‬
‫و وجب الدستور استحصلوا على إجازة تشكيل حزب؛ إذا املوافقة عندما تقول هذه‬
‫األحزاب‪" :‬نوافق أن ُحن َكم هبذا القانون وهبذا الدستور"‪ ..‬كلمة "نوافق" اذا تُفهم؟!‬
‫أليست هذه اإلجازة؟!‪ ،‬أليس هذا هو االستحالل؟!‪ ،‬عندما يأيت إنسان يقول‪:‬‬
‫أُجيز لنفسي أن أُح َكم وأن أَح ُكم هبذا القانون‪ ،‬اإلجازة كما تعلم هي االستحالل‬
‫بعينه‪.‬‬

‫بل زاد هؤالء يف األمر سوءا أهنم مل يقتصروا يف اإلجازة على أنفسهم‪ ،‬بل حلوا‬
‫املسلمني على أن يقولوا للدستور أيضا‪" :‬نعم"‪ ..‬دفعوهم دفعا ُيب أن تذهبوا‬
‫وتوافقوا على الدستور‪ ،‬وكانت الشعارات اليت يكتبوهنا‪" :‬قولوا نعم الدستور‪ ..‬قولوا‬
‫وحي ُكموا هبذا الدستور‪.‬‬
‫نعم للدستور"‪ ،‬إذا هم أجازوا ألنفسهم أن ُحي َكموا َ‬
‫اآلخ ُر على استحالل هؤالء احلكم بالقانون‪ :‬أهنم دفعوا املسلمني أيضا‬
‫يل َ‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫للموافقة على احلكم هبذا القانون‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪373‬‬

‫يل الثَّالي ُ‬
‫ث على االستحالل‪ :‬أنه بعد أن وافق‪ ،‬وحل املسلمني على املوافقة‪،‬‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫ؤدي‬
‫عندما يصل إىل الربملان قبل أن يتّخذ لنفسه ُكرسيًّا حتت قُـبّة الربملان‪ ،‬عليه أن يُ ّ‬
‫اليمني الدستورية‪.‬‬

‫واليمني الدستورية سنتحدث عنها يف املوطن الثالث إن شاء هللا تعاىل‪..‬‬


‫رشح للدخول يف الربملان ُيب أن يُقسم‪ ،‬يضع يده على‬ ‫مضمون هذا اليمني‪ :‬أن املـُ ّ‬
‫كتاب هللا ¸ ويقول‪ :‬أقسم باهلل العلي العظيم على أن أعمل بالدستور‪ ،‬وأن‬
‫أحافظ عليه وأن أكون أمينا يف العمل بالتشريعات املعمول هبا يف بالدنا‪ ،‬وسنقرأ‬
‫نص هذا القسم بإذن هللا تعاىل‪.‬‬

‫إذا هو وافق‪ ،‬قال نعم للدستور‪ ،‬وحل الناس على أن يقولوا نعم‪ ،‬مث بعد ذلا‬
‫أقسم على أن ُحيافظ على هذا الدستور‪ ،‬وأقسم على أن يعمل هبذا الدستور؛ إذا‬
‫اآلن بدأت األمور تزداد توكيدا على االستحالل‪.‬‬

‫أَ يزي ُد َك َم ْسأَلَةً َرابي َعةً‪ :‬بعد أن قال نعم (وافق)‪ ،‬وحل الناس على أن يقولوا‬
‫"نعم"‪ ،‬مث أقسم باهلل على أن يعمل‪.‬‬

‫الدور الرابع‪ :‬أن مهمة أعضاء الربملان‪ ،‬املادة (‪ )47‬من القانون العراقي تنص‬
‫على مسألتني‪ :‬عمل الربملان‪ ،‬وماذا يفعلون؟‬

‫السلطَة التنفيذية‪ ،‬املادة (‪ )47‬من القانون العراقي‪:‬‬


‫يضعون التشريعات‪ ،‬ويراقبون ُّ‬
‫سن القوانني‪ ،‬هذا واجبهم األول‪ ،‬واجبهم‬ ‫مهمة أعضاء الربملان (اجمللس التشريعي) ّ‬
‫السلطَة التنفيذية‪ ،‬أي‪ :‬أعضاء هذا احلزب الذين دخلوا يف احلكومة‪ ،‬إذا‬
‫الثاو‪ :‬مراقبة ُّ‬
‫خالف أحد الوزراء مادة يف الدستور أو يف القانون‪ ،‬حيق هلم أن يستدعوا هذا الوزير‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪374‬‬

‫أو أن يستدعوا هذا املدير أو هذا الوكيل‪ ،‬وحياسبوه أمام الربملان‪ ،‬ألهنم أثبتوا أنه‬
‫خالف الدستور يف املادة الفالنية وخالف املادة الفالنية من القانون‪.‬‬

‫إذا هذه أربع مسائل بتضافرها‪ ،‬ولوحدها‪ ،‬كل واحد من هذه دليل على أن‬
‫هؤالء قد استحلّوا احلكم بالقانون واحلكم بالدستور‪.‬‬

‫ابتداء‪ :‬قالوا‪" :‬نعم"‪ ،‬و"نعم" إجازة واستحالل‪ ،‬مث‪ :‬حلوا املسلمني على أن‬
‫يقولوا "نعم"‪ ،‬أي حلوهم على اإلجازة واالستحالل‪ ،‬مث أقسموا باهلل أن يعملوا هبذا‬
‫الدستور وحيافظوا عليه‪ ،‬مث بعد ذلا‪ًّ :‬برا بقسمهم عندما ُيدون أحدا ُخيالف‬
‫ُحياسبونه‪.‬‬

‫فتنازال مع هؤالء‪ ..‬هل استحلّوا هؤالء؟‪ ،‬نعم هذا استحالل‪ ،‬وهذه هي ضوابط‬
‫االستحالل عند هؤالء‪.‬‬

‫إذا املوطن األول الذي ُيب أن تدخله هذه األحزاب‪ :‬مسألة املوافقة على‬
‫الدستور‪ ،‬ومن دخل هذا املوطن بالشروحات اليت ذكرهتا لا‪ ،‬هذا عمل ُمرج من‬
‫امللة‪ ،‬هذا األمر األول‪.‬‬
‫َّ‬
‫ال َـم ْـو ِط ُن الثا ِني‬
‫الذي ُيب أن يدخله أعضاء الربملان واألحزاب كذلا‪ :‬مسألة اإلميان بالتّعدُّديّة‬
‫احلِزبيّة‪ ،‬الحظ املادة (‪ )37‬من الدستور العراقي على ماذا تنص‪" :‬أوال‪ُ :‬حريّة تأسيس‬
‫اجلمعيّات واألحزاب السياسيّة‪ ،‬أو االنضمام إليها مكفولة‪ ،‬ويُنظم ذلا بقانون"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪375‬‬

‫إذا املسألة اآلن‪ :‬الناس أحرار يف أن يُش ّكلوا أحزابا‪ ،‬ولكن هذه األحزاب تُنظّم‬
‫وفق القانون‪ ،‬فمن استطاع أن يستحصل الضوابط القانونية لتشكيل ٍ‬
‫حزب‪ ،‬الدستور‬
‫ُُييز له أن يُش ّكل حزبا‪..‬‬

‫طبعا يف مقدمة هذه األمور اليت تُطلب منهم‪ :‬أن يأيت بأربعة آالف ‪-‬على ما‬
‫أذكر‪ -‬أربعة آالف توقيع على أن له أعضاء عددهم أربعة آالف (غالب ظين قد‬
‫يكون أكثر من هذا الرقم)‪ ،‬املهم مطلوب منه أن يأيت برقم يثبت أن هؤالء كلهم‬
‫على هنج هذا احلزب الذي يريد أن يشكله‪ ،‬ويريد أن يعلنه؛ بغض النظر عن طبيعة‬
‫هذا احلزب‪ ،‬كذلا من ضمن شروط تشكيل هذا احلزب‪ :‬املوافقة على الدستور‪ ،‬من‬
‫ضمن شروط تشكيل احلزب‪ :‬حماربة اإلرهاب‪ ،‬من ضمن شروط تشكيل احلزب‪ّ :‬أال‬
‫يكون احلزب له جنا عسكري‪.‬‬

‫طبعا هؤالء الرافضة ال يلتزمون ال بدستورهم وال بقانوهنم‪ ،‬املفروض أنه ال يوجد‬
‫حزب يعمل يف احلكومة له جنا عسكري‪ ،‬لكن جتد احلزب الفالو‪( :‬منظمة بدر)‪،‬‬
‫احلزب الفالو‪( :‬سرية السالم)‪ ،‬احلزب الفالو‪ ..‬ما أعرف إيش‪ ..‬إذا األصل يف‬
‫الدستور أن احلزب الذي يريد أن يشرت ‪ ،‬ال ُُييزون له أن تكون له قوة عسكرية‪،‬‬
‫والرافضة خيالفون ألهنم هم أهل السلطة يف هذه البالد كما تعلم يف جنوب العراق‪.‬‬

‫الح ْزِب َّي ِة؟‬ ‫ة‬‫ي‬‫َّ‬ ‫د‬‫د‬‫ع‬ ‫َم َاذا َي َت َرَّت ُب َع َلى اإل َيمان ب َّ‬
‫الت َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫طبعا اإلميان بالتّع ّدديّة احلزبيّة هذا ليس ُمصطلحي يا إخوة‪ ،‬ال‪ ،‬هذا هم‬
‫يقولونه‪ ،‬هم يقولون‪ :‬نؤمن بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬هكذا هم يصرحون دائما‪ ،‬وسأقرأ لا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪376‬‬

‫بعض أقوال الرؤوس يف هذه األحزاب حىت تعلم إيش معىن "نؤمن بالتّع ّدديّة‬
‫احلزبيّة"‪..‬‬

‫يرتتب على هذا اإلميان‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬الشيوعي ‪-‬الذي ال خيتلف أحد يف كفره‪ ،-‬العلماو‪ ،‬اليزيدي‪ ،‬النصراو‪،‬‬


‫الصابئي‪ ،‬اآلشوري‪ ،‬الكلداو‪ ..‬كل هؤالء إذا متكنوا من حتقيق املستلزمات القانونية‪،‬‬
‫قر لكل هؤالء بأن‬ ‫حيق هلم أن يُش ّكلوا حزبا؛ إذا مبدأ اإلميان بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪ :‬أن تُ ّ‬
‫هلم احلق يف أن يُش ّكلوا أحزابا يف بالد املسلمني‪.‬‬

‫وأنا ذكرت فقط األصناف اليت كفرهم أصلي‪ :‬نصارى‪ ،‬صابئة‪ ،‬يزيدية‪ ..‬يُضاف‬
‫إىل هؤالء الشيوعيون والعلمانيون‪ ،‬ألنه ال يشا يف كفر الشيوعي أحد‪.‬‬

‫إذا عندما تؤمن بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬والذي يريد أن يشار يف احلكومة وأن يكون‬
‫عضوا يف الربملان‪ُ ،‬يب أن يؤمن بالتّع ّدديّة احلزبيّة؛ ألن احلكومة ال ّدميُقراطيّة ال تقوم‬
‫إال على أحزاب ُمتع ّددة‪ ،‬ألهنم إذا أصبحوا حزبا واحدا هذه ال تسمى دميُقراطيّة‪،‬‬
‫هذه يسموهنا ديكتاتورية؛ فبما أهنم دميُقراطيّون إذا ُيب أن تكون هنا أحزاب‬
‫ُمتع ّددة‪ ،‬وكل هذه األحزاب تشرت يف احلكم‪ ..‬إذا أقررت هلؤالء الكفار بأن هلم‬
‫احلق يف الوجود‪ ،‬أن يعلنوا عن عقيدهتم‪.‬‬

‫يرتتب على هذا اإلميان بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪ :‬أن ميتلكوا وسائل اإلعالم للدعاية‬
‫ألنفسهم‪ ،‬ولبيان عقيدهتم‪ ،‬ولبيان براجمهم وما يريدون أن حيققوه‪ ،‬إذا هذه أيضا من‬
‫ضمن األمور اليت ترتتب على قولا "أؤمن بالتّع ّدديّة احلزبيّة"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪377‬‬

‫الِّيءُ الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬معىن ذلا أنا أقررت هلم بأن يدعوا إىل عقيدهتم وإىل دينهم‬ ‫َّ‬
‫يف وسط املسلمني‪.‬‬
‫(‪)57‬‬
‫ال‪،‬‬ ‫عندما يأيت نصراو ويشكل حزبا‪ ،‬شكل حزبا مخا ياخذ اثنني باملقر؟!‬
‫يدعو إىل حزبه‪ ،‬يدعو إىل عقيدته‪ ،‬يدعو إىل منهاجه‪ ،‬وتُوفر له كل وسائل اإلعالم‬
‫حىت خيصص هذه الوسائل للدعوة إىل دينه‪ ..‬لكن هذه األمور ما ظهرت ‪-‬وهلل‬
‫ألحد منهم أن يفتح مقرا‪ ،‬لوال أن هللا‬‫ٍ‬ ‫الفضل واملِنّة‪ -‬يف بالدنا؛ ألن اجلهاد ما تر‬
‫سخر شبابا لكي ُُياهدوا هؤالء‪ ،‬لوجدت احلزب الشيوعي يف داخل مدينة‬ ‫¸ ّ‬
‫املوصل‪ ،‬ولوجدت األحزاب الرافضية يف داخل مدينة املوصل‪ ،‬ولوجدت النصارى‪،‬‬
‫ولوجدت الصابئة‪ ،‬ولوجدت اليزيدي‪ ..‬كل هؤالء كانوا يفتحون هلم مقرات يف داخل‬
‫هذه املدينة ألهنم من َس َك ِنة هذه احملافظة‪ ،‬وما يستطيع أحد أن يعرتض عليهم‪..‬‬
‫والزيدي من خالل وسائل اإلعالم يدعو إىل شيطانه وإىل كتابه األسود‪ ،‬وال أنتم وال أنا‬
‫كنا نستطيع أن نعمل له شيئا‪ ،‬وال أن نغري من واقعه شيئا إال حبمل السال واجلهاد يف‬
‫سبيل هللا تبار وتعاىل؛ إذا أقررت هلم دينهم‪ ،‬مث أقررت هلم أن يكون هلم وجود‪ ،‬مث‬
‫أقررت هلم أن ميتلكوا وسائل اإلعالم لكي يدعوا إىل دينهم‪.‬‬

‫وأنت تذكر يف بداية السقوط كم مقر كان يف مدينة املوصل‪ ،‬وكم مقر كان‪،‬‬
‫البشمركة دخلوا‪ ،‬اليزيدية دخلوا‪ ،‬النصارى دخلوا‪ ،‬اآلشوريون دخلوا‪ ،‬بل اليهود‬
‫دخلوا‪ ..‬املوساد كانوا مأجرين بيوت داخل مدينة املوصل! ملاذا؟؛ ألن هذا هو احلق‪،‬‬
‫هذا هو احلق يف دستورهم ويف دينهم‪ ،‬أنه طاملا أنا تؤمن بال ّدميُقراطيّة؛ إذا من‬
‫ضمن اإلميان بال ّدميُقراطيّة‪ :‬أن تؤمن بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪.‬‬

‫(‪‹‹ )57‬أي هل يُعقل أن يأخذ معه شخصني باملقر فقط!؟››‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪378‬‬

‫إذا أقررت له بعقيدته‪ ،‬مث أحبت له أن يدعو إىل عقيدته‪ ،‬مث أحبت له أن يدعو‬
‫الناس أيضا إىل عقيدته؛ وبالضرورة جتيز له أيضا أن يُشار يف احلكم‪ ..‬إذا جاءت‬
‫جمموعة من األصوات لشيوعي‪ ،‬أو لنصراو‪ ،‬أو ليزيدي‪ُ ،‬جتيز له أن يشرت أيضا‪،‬‬
‫ألن هذه أمور مرتتبة هكذا‪ :‬أعلن عن حزب‪ ،‬دعا إىل هذا احلزب‪ ،‬جاء بأصوات‪،‬‬
‫ُرِّشح للدخول يف الربملان‪ ،‬وال يستطيع أحد أن يعرتض عليهم‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن هذا من‬
‫ضمن اإلميان بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪.‬‬

‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ ُ َ ْ ََ‬


‫الحزِبية‪:‬‬ ‫الحظ ماذا يقول ِ‬
‫اإلخوان في مسأل ِة التعد ِدي ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‪ :‬إذا رجعت إىل جريدة [الشورى] اليت كانت تنشر يف مدينة املوصل‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫‪2004-2003‬م‪ ،‬كانت لقاءات متواصلة مع ذلا املدعو (إدريس داوود) أظن‬
‫هكذا امسه (إدريس احلاج داوود) ذا الطبيب‪ ..‬فطس‪ ،‬إذا رجعت إىل تصرحياته‪،‬‬
‫كانت له لقاءات مع كربيات جرائد العامل‪ ،‬وكان الرجل يظن نفسه أنه مهم من‬
‫أمريكا‪ ،‬من بريطانيا‪ ..‬هؤالء كانوا استخبارات يريدون أن يعلموا‪ ،‬هؤالء الناس قالوا‬
‫مسلمني‪ ..‬إيش حاهلم؟ فكانوا يسألونه‪ :‬تُؤمنون بال ّدميُقراطيّة؟ نعم‪ ..‬بالتّع ّدديّة‬
‫وسئِ َل‪ :‬جيّد‪ ..‬أنتم قلتم‬ ‫ٍ‬
‫احلزبيّة؟‪ ،‬ما من لقاء إال وأ ّكد أننا نؤمن بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪ُ ..‬‬
‫حزب إسالمي‪ ،‬هل تقبلون غري املسلمني؟‪ ،‬قال‪ :‬أبوابنا مفتوحة للجميع‪ ،‬فقط‬
‫يأتوا!!‬

‫ك إخوان سوريا ‪-‬والعياذ باهلل منهم‪ :-‬عندما قام الناس حيملون السال‬ ‫َوَك َذلي َ‬
‫هم دائما جتدهم يف اخللفيات ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬يف الفنادق ويف الفضائيات وما إىل‬
‫ذلا‪ ،‬كتبوا وثيقة‪ ،‬قالوا‪" :‬وهذه وثيقة نقدمها أمام هللا وأمام الشعب"‪ ..‬بالنص!!‪ ،‬ال‬
‫يوجد أمام هللا مث أمام الشعب بل "أمام هللا وأمام الشعب"‪ ،‬والذي تال النقاط‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪379‬‬

‫املوجودة يف هذه الوثيقة‪ ،‬رجل امسه (ابن بيانوو) ال أدري إيش امسه‪ ،‬ومن ضمن‬
‫النقاط اليت حددوها‪ :‬ما هي طبيعة احلكومة اليت نريدها بعض سقوط النصريي بشار‬
‫(أظنه البند الثامن يف ميثاقهم)‪ ،‬قال‪" :‬نريدها دميُقراطيّة‪ ،‬تّع ّدديّة‪ ،‬تداوليّة"‪ ،‬هؤالء‬
‫إخوان سوريا‪ ،‬وهؤالء إخوان العراق‪.‬‬

‫ص َر‪ :‬الحظ‪ ..‬يقول (فريد عبداخلالق) هذا من رؤوسهم يف مصر ‪-‬والعياذ‬ ‫ي‬
‫ِف م ْ‬
‫اب سياسية‪،‬‬‫باهلل منهم‪ -‬جمللة [املصور]‪ ،‬قال‪" :‬إن اإلسالم ال يتعارض مع قيام أحز ٍ‬
‫ب ال ّدميُقراطيّة من صميم اإلسالم"‪.‬‬
‫وال يتعارض مع ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬بل إن لُ ّ‬
‫إذا اإلسالم ال يتعارض مع قيام األحزاب السياسية! هذا قول ر ٍ‬
‫أس فيهم‪.‬‬

‫آخ ٌر‪ :‬الحظ األمساء (أحد سيف اإلسالم) تعرف ابن من هذا؟‪،‬‬ ‫اك قَ ْو ٌل َ‬
‫ُهنَ َ‬
‫ابن (حسن البنا) أحد سيف اإلسالم حسن البنا كان لقاء معه يف جملة [اجملتمع]‪،‬‬
‫سألوه‪" :‬ما رأيكم وما موقفكم من حق تكوين األحزاب جلميع االجتاهات‬
‫واالنتماءات‪ ،‬ومن ضمنها الشيوعيون؟" سؤال صريح واضح‪.‬‬

‫قال‪" :‬هلا هذا احلق‪[ ..‬مث أكمل كالمه] واإلسالم ال ُيرب اإلنسان على االلتزام‬
‫﴿ال إِكَر َاه ِيف ال ِّدي ِن﴾ [البقرة‪."]256:‬‬
‫بعقيدةٍ‪َ ..‬‬
‫يا َول شيوعي!!‪ ،‬له حق بأن يكون له حزب يف داخل املسلمني؟!‪ ،‬ملاذا هذا‬
‫األمر؟؛ ألن هذه األحزاب ُيب أن تؤمن بالتّع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬إذا ما آمنت بالتّع ّدديّة‬
‫احلزبيّة ما يقبلونه‪ ،‬ال أن يفتح مقر‪ ،‬وال أن يشار يف انتخابات وال أن يشار يف‬
‫حكومة؛ ألن هذه من ضوابط االشرتا يف احلكومات الطاغوتية هذه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪380‬‬

‫طاملا أقررت للشيوعي أن له احلق بأن يشكل حزبا‪ ،‬وأن يدعو حلزبه وأن يشار‬
‫يف احلكم‪ ،‬إذا وصل للحكم‪،‬كيف؟!؛ أقررت له بالوجود‪ ،‬وأن يدعو لنفسه وأن‬
‫يشار يف االنتخابات‪ ..‬وصل باألغلبية‪ ،‬جتيز له أن حيكمنا؟‬
‫ي‬
‫الح ْظ (أحد ياسني) ماذا يقول‪ :‬كان لقاء صحفي معه (طبعا هذا الكالم نقله‬
‫أبو بصري الطرطوسي‪ ،‬وهو سيء) يف كتابه [حكم اإلسالم يف ال ّدميُقراطيّة والتع ّدديّة‬
‫احلزبيّة]‪ ،‬نقل حوارا مع أحد ياسني يف كتاب امسه [أحد ياسني الظاهرة الـ ُمعجزة وأسطورة‬
‫التحدي‪ ،‬ص‪ ]118-116:‬يعين هو نقل هذا الكالم من ٍ‬
‫كتاب هذا امسه [أحد ياسني‬
‫الظاهرة املعجزة وأسطورة التحدي]‪ ،‬هذا الكالم أنا أنقله من كتاب‪[ :‬حكم اإلسالم يف‬
‫ُ‬
‫ال ّدميُقراطيّة والتع ّدديّة احلزبيّة]‪ ،‬سألوه‪" :‬ولكن الشعب الفلسطيين يريد دولة دميُقراطيّة‪،‬‬
‫وأنت ملاذا تُعانده؟"‬

‫السلطَة‬
‫أجاب أحد ياسني‪" :‬وأنا أيضا أريد دولة دميُقراطيّة ُمتع ّددة األحزاب‪ ،‬و ُّ‬
‫فيها ملن يفوز يف االنتخابات"‪.‬‬

‫سأله الصحفي‪" :‬لو فاز احلزب الشيوعي‪ ،‬فماذا يكون موقفا؟"‬

‫قال‪" :‬حىت لو فاز احلزب الشيوعي‪ ،‬فسأحرتم رغبة الشعب الفلسطيين"!!‬

‫تكملة‪ ..‬سألوه‪" :‬إن الشعب الفلسطيين يريد دولة دميُقراطيّة ُمتع ّددة‬
‫األحزاب‪"..‬‬

‫طبعا هو كاتب أنه أجاب بغضب‪ ،‬وقال‪" :‬وهللا حنن شعب لنا كرامة ولنا‬
‫حقوق‪ ،‬إذا ما أعرب الشعب الفلسطيين عن رفضه للدولة اإلسالمية‪ ،‬فأنا أحرتم‬
‫وأُق ّدس رغبته وإرادته"‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪381‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬شيخ‪ ،‬هذا أحد ياسني ا ّ كان؟!‬

‫*الشيخ‪ :‬ا ّ كان ُمقعد يف فلسطني‪.‬‬

‫‪-‬السائل‪ :‬مؤسس حركة حاس؟‬

‫*الشيخ‪ :‬نعم‪ ،‬هو كان مؤسس حركة حاس‪.‬‬

‫‪-‬سائل آخر‪ :‬يعين هو أراد الكفر‪ ،‬وهو يُق ّدس الكفر؟‬

‫*الشيخ‪ :‬هذا نص كالمه‪ ،‬قال‪" :‬وهللا حنن شعب لنا كرامة ولنا حقوق‪ ،‬إذا ما‬
‫أعرب الشعب الفلسطيين عن رفضه للدولة اإلسالمية‪ ،‬فأنا أحرتم وأُق ّدس رغبته‬
‫وإرادته"‪.‬‬
‫ملاذا؟؛ ألنه ينتمي إىل ٍ‬
‫حزب يؤمن بال ّدميُقراطيّة أكثر مما يؤمن باهلل ¸‪ ،‬وكذلا‬
‫من ضمن اإلميان‪ :‬أن يؤمن بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬فعندما تقر للشيوعي بأن له احلق يف‬
‫أن يكون له وجود‪ ،‬وأن تكون له دعوة وأن يشرت يف احلكم؛ إذا أنت أقررت له‪،‬‬
‫فإذا توىل احلكم أيضا ما تستطيع أن تنكر‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن البداية بدأهتا‪" :‬نؤمن‬
‫ِ‬
‫اإلميان ُيب أن تستسلم له‪.‬‬ ‫بالتّعدُّديّة احلزبيّة"‪ ،‬فما يرتتب على هذا‬

‫‪ -‬سائل‪ :‬شيخ‪ ،‬هذا بنفس الكتاب الكالم؟‪ ،‬نفس الكتاب اخلاص بأحد‬
‫ياسني؟‬

‫* الشيخ‪ :‬هذا يف كتاب‪[ :‬حكم اإلسالم يف ال ّدميُقراطيّة والتّعدُّديّة احلزبيّة]‪ ،‬أما‬


‫الكالم الذي ذكرته قبل عن فريد عبداخلالق وأحد سيف اإلسالم‪ ،‬ففي‪[ :‬احلصاد‬
‫الـ ُمر]‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪382‬‬

‫استحل أن َحي ُكم بني الناس ا يراه هو عدال‬


‫ّ‬ ‫أمل ي ُقل ابن تيمية ¬‪" :‬فمن‬
‫من غري اتباع ملا أنزل هللا؛ فهو كافر"؟‬

‫س ين البَ نَّا‪ ،‬له كتاب امسه [رسائل حسن البنّا]‪،‬‬ ‫ي‬ ‫فَاتَيين أَ ْن أَذْ ُك َر بَ ْع َ‬
‫ض أَقْ َوال َح َ‬
‫هذا ُمق ّدس عند اإلخوان‪ ،‬يستشهدون به دائما‪ ..‬مما قاله يف هذا الكتاب عن‬
‫الدستور‪:‬‬

‫قال‪" :‬يعتقد اإلخوان أن نظام احلكم الدستوري هو أقرب نُظُم احلكم القائمة‬
‫يف العامل كله إىل اإلسالم‪ ،‬وهم ال يعدلون به نظاما آخر" هذا قول‪.‬‬

‫له قول آخر‪" :‬ميكن أن نقول يف اطمئنان أن القواعد األساسية اليت قام عليها‬
‫الدستور املصري ال تتناِف مع قواعد اإلسالم‪".‬‬

‫له قول آخر‪" :‬فنحن نُسلّم باملبادئ األساسية للحكم الدستوري‪ ،‬باعتبارها‬
‫ُمتّ ِف َقة‪ ،‬بل ُمستم ّدة من نظام اإلسالم" يعين هو ليس اإلسالم‪ ،‬لكن مأخوذ من‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫نرجع إىل موضوعنا‪ ،‬وهو مسألة اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ :‬إذا هذه األحزاب‬
‫قر هلؤالء الكفار الذين كفرهم كفر أصلي بأن هلم احلق يف الوجود‪ ،‬وبأن‬ ‫ُيب أن تُ ّ‬
‫هلم احلق يف الدعوة إىل عقيدهتم يف وسط املسلمني؛ وهذا يدخل يف باب‪ :‬عدم‬
‫تكفريهم‪ ،‬ألن من كفرهم (قال هؤالء كفار)‪ ،‬ال ميكن أن ُُييز يف نفس الوقت‬
‫للنصراو أن يكون له حزب‪ ،‬ويدعو إىل حزبه‪ ..‬للشيوعي أن يكون له حزب‪ ،‬ويدعو‬
‫إىل حزبه‪ ..‬وال ميكن أن يوافق أيضا على أن هؤالء إذا فازوا أن حيكموا املسلمني‪،‬‬
‫والشيوعيني إذا فازوا أن حيكموا املسلمني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪383‬‬

‫إذا قد يقول‪ :‬أنا أكفرهم‪ ،‬أراهم كفار‪ ..‬لكن اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة ال يتفق‬
‫مع تكفري هؤالء‪ ،‬طاملا قلت‪" :‬أنا أؤمن بالتّعدُّديّة احلزبيّة"؛ إذا أنت اآلن على مفرتق‬
‫طرق‪ :‬هؤالء كفار؟‪ ،‬نعم‪ ،‬ملاذا كفرهتم؟‪ ،‬قال‪ :‬اإلسالم كفرهم‪ ،‬هللا ¸ قال هؤالء‬
‫كفار‪ ،‬جيّد‪ ،‬دستور ماذا قال؟‪ ،‬دستور أجاز التّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬وأنت قلت‬
‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫بالدستور وتريد أن تقول بالقرآن أيضا! ال ميكن أن ُيتمع هذان االثنان يف‬
‫ث ثََالثٍَة﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين قَالُوا إِن اَللَ ثَال ُ‬
‫واحد‪ ،‬ال مكن أن ُيتمع فيه‪﴿ :‬ل َقد َك َفَر الذ َ‬
‫[املائدة‪ ،]73:‬مث تقول‪ :‬يا نصراو‪ ،‬لا حق بأن يكون لا حزب‪ ،‬وأن تدعو الناس‬
‫إىل عقيدتا‪ ،‬وأنت تُر ّغبهم يف دينا‪ ،‬وأن تشار يف االنتخابات وإن جئت بأكرب‬
‫عدد من األصوات حيق لا أن حتكمنا بعد ذلا!!‬

‫ال ميكن أن يتفق هذا التأصيل مع ما جاء يف ديننا‪ ،‬فمن كفرهم ال يُقر هلم‬
‫أقر هلم بالتّعدُّديّة احلزبيّة بالضرورة هو ال يكفرهم حىت ولو‬
‫بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬أما من ّ‬
‫قال هم كفار‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه نقض حكم الكفر هبذه اإلجازات اليت أجازها هلم‪ .‬هذان‬
‫ما ُيتمعان‪ ،‬ما ميكن أن تقول كفار‪ ،‬ولا حق بأن تدعو إىل دينا وإىل عقيدتا!!‬

‫الذي يقول هذا القول عليه أن يقول ا كان يف مكة ‪-‬لو افرتضنا‪ -‬أن الرسول‬
‫شرفها هللا تعاىل وعظّمها‪- ،-‬لو أنه‪ -‬بعد أن‬ ‫‘ بعد أن فتح هللا ¸ له مكة ‪ّ -‬‬
‫أوكل األمر إىل عتاب بن أُسيد ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬الذي أصبح أمري مكة‪ ،‬جاء جمموعة‬
‫من أهل مكة ‪-‬حاشاهم‪ ،-‬قالوا‪ :‬يا عتاب‪ ،‬أنتم دخلتم مكة وحتكمون بدينكم‪،‬‬
‫حنن ما زلنا باقني على شركنا وعلى عبادة أصنامنا‪ ،‬فنريد أن ُجتيزوا لنا أن نُش ّكل‬
‫مجعية وندعو أيضا الناس من كان يريد أن يعبد صنما يلتحق بنا‪ ،‬طاملا يوجد يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتابكم‪﴿ :‬لَ ُكم دينُ ُكم َوِ َ دي ِن﴾ [الكافرون‪ ،]6:‬طاملا يوجد يف قرآنكم‪﴿ :‬ال إِكَراهَ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪384‬‬

‫الدي ِن﴾‪ ،‬إذا هذه اآليات تلزما يا عتاب أن تسمح لنا بأن جنتمع‪ ،‬حنن نريد أن‬‫ِيف ِّ‬
‫نعبد األصنام‪ ،‬وأن ندعو أيضا إىل عبادة األصنام‪ ،‬وعليكم ّأال تعرتضوا على هذا‪،‬‬
‫ألن املسألة مسألة سوق‪ ،‬أنت تعرض اإلسالم وأنا أريد أن أعرض هذه اجلاهلية اليت‬
‫عندي!!‪ ،‬مث بعد ذلا قال‪ :‬ال ضري يف أن نشرت معكم يف احلكم أيضا‪ ،‬ألن هنا‬
‫بعض األحكام يف دينكم توافق ديننا‪ ،‬حنن نُعظّم بيت هللا احلرام‪ ،‬ونطوف حول‬
‫الكعبة ونسعى بني الصفا واملروة‪ ،‬ونذبح أيضا هنا‪ ،‬ونسقي احلجاج ونُع ّد هلم‬
‫الطعام‪ ،‬ونؤمن بنيب هللا إبراهيم‪ ،‬هذه األمور أيضا ‹‹يف دينكم››‪ ،‬لكن لنا بعض‬
‫التشريعات عليكم أن توافقوا عليها‪ ،‬سائبة وحبرية ووصيلة‪ ،‬ووأد البنات وقتل‬
‫األوالد‪ ...‬عليكم أن توافقوا على هذا أيضا كما وافقنا على ما عندكم!‬

‫من أجاز هذا لعصرهِ عليه أن ُُييز ذلا يف زمن الرسول ‘‪ ،‬سيان ال فرق‪ ،‬ال‬
‫أقرهم على كفرهم‪ ،‬والقاعدة‬ ‫فرق!‪ ،‬وأنت تعلم أن هؤالء وإن قالوا‪ :‬هم كفار‪ ..‬فقد ّ‬
‫اليت ذكرها حممد بن عبدالوهاب يف [نواقض اإلسالم]‪ ،‬قال‪" :‬من مل يُك ّفر املشركني‪،‬‬
‫صحح مذهبهم؛ فقد كفر"‪.‬‬
‫شا يف كفرهم‪ ،‬أو ّ‬ ‫أو ّ‬
‫شا يف كفرهم"‪ ..‬كيف جتمع بني تكفريهم‪ ،‬وبني‬ ‫"من مل يُك ّفر املشركني‪ ،‬أو ّ‬
‫إعطائهم كل هذه (احلقوق) وجب اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة؟! هذه ال جتتمع مع‬
‫هذه!!‬

‫وكذلا تعريف اإلسالم كما هو معروف عندكم‪ ،‬قال‪" :‬اإلسالم‪ :‬هو‬


‫االستسالم له بالتوحيد‪ ،‬واالنقياد له بالطاعة‪ ،‬والرباءة من الشر وأهله"‪ ..‬وإال فأين‬
‫ين َم َعهُ إِذ قَالُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم َوالذ َ‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ َح َسنَةٌ يف إبـَراه َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪385‬‬

‫لَِقوِم ِهم إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ َك َفرنَا بِ ُكم َوبَ َدا بَـيـنَـنَا َوبـَيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫ِ‬
‫ضاءُ أَبَدا َح ٰىت تُـؤِمنُوا بِاَلل َوح َدهُ﴾ [املمتحنة‪]4:‬؟!‬ ‫َوالبَـغ َ‬
‫إلنسان ينتمي لإلسالم أن يؤمن بالقرآن‪ ،‬وأن يؤمن بالدستور؛ فهذا‬ ‫ٍ‬ ‫فال ميكن‬
‫هو اجلمع بني املتناقضات‪ ،‬وال ميكن أن ُيتمع النقيضان بأي ٍ‬
‫حال من األحوال‪،‬‬
‫هذا املوطن الثاو الذي ُيب أن يدخله الذين يريدون الدخول يف الربملانات‪.‬‬

‫ولكم وجزاكم هللا خريا‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪386‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪387‬‬
‫َّ ْ ُ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس‬
‫َ ََْ َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫الر َّد ِة ِفي ُدخو ِل البرِل ِان [تك ِملة]‬
‫ِ‬
‫َمواط ُ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمدهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‬ ‫وُ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫رشحون للربملان والعاملون يف‬ ‫تكلمنا يوم أمس عن املواطن اليت يدخلها الـ ُم ّ‬
‫احلكومات الطاغوتيّة‪ ،‬وقلنا املوطن األول‪ :‬أن هذه األحزاب ‪-‬سواء كانت ُمنتسبة‬
‫إىل اإلسالم أو غري ُمنتسبة إىل اإلسالم‪ -‬هؤالء قاطبة ابتداء ُيب أن يوافقوا على‬
‫الدستور‪ ،‬وذكرنا بعض التفاصيل وذكرنا أقوال العلماء‪ ،‬وذكرنا قول ابن تيمية يف‬
‫مسـألة االستحالل وقلنا هؤالء استحلوا احلكم عندما قالوا للدستور "نعم"‪ ،‬وعندما‬
‫حلوا الناس أيضا على أن يقولوا "نعم"‪ ،‬وعندما أقسموا باهلل العلي العظيم أن يعملوا‬
‫هبذا الدستور و ّأال ُخيالفوه‪ ،‬وكذلا عندما ُحياسبون من ُخيالف الدستور (أحد من‬
‫الوزراء أو إحدى الوزارات)‪ ،‬نكمل حديثنا عن املوطن الثاو الذي ُيب أن تدخله‬
‫سميه‪:‬‬
‫األحزاب اليت تشار يف احلكم‪ ،‬وهذا املوطن نُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪388‬‬

‫الح ْزِب َّي ِة‬ ‫َّ َ‬ ‫َْ ُ‬


‫اإل َيم ِان ِبالتعد ِد َّي ِة ِ‬
‫مو ِطن ِ‬
‫كلمة اإلميان هذه ليست من ُمصطلحي‪ ،‬هم يسمونه هكذا يقولون‪" :‬نؤمن‬
‫بالتّعدُّديّة احلزبيّة"‪ ،‬ويقولون أيضا من باب التعبري‪" :‬اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة"‪.‬‬

‫تنص على ما‬


‫شرع العراقي يف الدستور‪ ،‬واملادة (‪ّ )37‬‬ ‫نص عليها الـ ُم ّ‬
‫هذه املسألة ّ‬
‫"حّرية تأسيس اجلمعيّات واألحزاب السياسيّة‪ ،‬أو االنضمام إليها مكفولة‪،‬‬ ‫يلي‪ُ :‬‬
‫ويُنظم ذلا بالقانون‪ ".‬هذا نص املادة (‪ )37‬من القانون العراقي‪.‬‬

‫ون‪ :‬عندما يقول القانون‪ :‬لكم احلرية يف تأسيس اجلمعيات‬ ‫م ْعن َه َذا ال َقانُ ي‬
‫َ َ‬
‫واألحزاب السياسية‪ ،‬ولكم احلرية يف أن تنضم إىل أي حزب من هذه األحزاب اليت‬
‫أُ ّقرت من قبل القانون‪ ،‬مث قال‪" :‬مكفولة"‪ ،‬ومعىن مكفولة‪ :‬أي أن الدولة تتكفل‬
‫جبواز إنشاء هذه األحزاب‪ ،‬ومن مث حاية هذه األحزاب‪ .‬إال أن الشرط الذي وضعوه‬
‫قال‪" :‬ويُنظّم ذلا بالقانون"‪ ،‬أي أن القانون هو الذي يضع الشروط لألحزاب اليت‬
‫تُش ّكل‪ ،‬ما هي الضوابط ال ّدستورية املطلوبة من هذه األحزاب حىت يكون هلم حق يف‬
‫الوجود‪.‬‬

‫إذا علمت هذا األصل‪ ،‬احلُريّة هنا تعين‪ :‬اإلجازة‪ ،‬عندما يسألا إنسان‪ :‬أفعل‬
‫كذا أم ال؟‪ ،‬تقول‪ :‬أنت ُحٌر‪ ،‬أي‪ُ :‬يوز لا أن تفعل هذا األمر‪ ،‬وُيوز لا ّأال‬
‫تفعل هذا األمر‪ ،‬لكن إذا فعلت أنا سأكفل لا ّأال يُساء إليا؛ إذا أنت أجزت له‬
‫اإلقدام على هذا األمر‪ ،‬فالقانون أجاز إنشاء األحزاب وإنشاء اجلمعيات‪ ،‬وكذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪389‬‬

‫أجاز االنضمام إىل هذه األحزاب وإىل هذه اجلمعيات؛ وإال فأي معىن للحرية يف‬
‫هذه املادة من الدستور؟!‬

‫إذا بناء على هذه املادة خنرج حصلة‪ ،‬نقول‪ :‬أن من آمن بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬فقد‬
‫أجاز للنصارى أن يكون هلم أحزاب‪ ،‬آشوري‪ ،‬كلداو‪ ،‬نصراو‪ ،‬األمساء اليت كانت‬
‫موجودة يف هذه املدينة‪ ،‬وكذلا ُُييز لليزيدي أن يُش ّكل حزبا وفق دينه ووفق‬
‫معبوداته‪ ،‬لا احلرية معناه‪ :‬أجيز لا ذلا‪ ،‬وإن فعلت‪ ،‬فأنا أتكفل حبمايتا‬
‫وأتكفل بوجود ‪ ،‬وكذلا هذه اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة بناء على هذه املادة يعين أنه‬
‫ُييز للشيوعي أن يكون له حزب‪ ،‬وُييز للعلماو أن يكون له حزب‪ ،‬هذا ما ال‬
‫خيتلف عليه عاقالن‪ ،‬اثنان من أهل العقل ال خيتلفان يف هذه املسألة‪ ،‬وهذا نص‬
‫الدستور العراقي‪.‬‬

‫وبناء على هذه املادة‪ :‬الحظتم يف ‪2003‬م عدد املقرات اليت كانت موجودة يف‬
‫داخل مدينة املوصل وكذلا يف باقي مدن أهل السنة يف ضمن هذه احملافظات‪،‬‬
‫كانت هنا مقرات للرافضة مباشرة بعد السقوط بدؤوا ُحيييون بعض شعائرهم‪ ،‬وقد‬
‫رأيت بعيين يف ‪ 2003‬م يف أول حمرم كيف خرجت املواكب من الرشيدية حيملون‬
‫األعالم السود واألعالم احلمر املكتوب عليها "يا أبا الفضل العباس" و"يا أبا عبدهللا‬
‫احلسني"‪ ،‬وكانت هلم حسينية يف الفيصلية بدأت تنشط‪ ،‬وأرادوا أن يبنوا حسينية‬
‫أخرى يف منطقة أخرى‪ ،‬ال يوجد رافضي يف داخل املدينة ولكن هلم بعض األفراد يف‬
‫األطراف توغلوا يف داخل املدينة‪ ،‬وقد كانوا يف ‪ 2004‬م ‪-‬على ما أذكر‪ -‬أو‬
‫‪ 2005‬م‪ ،‬هتيّؤوا للخروج باملواكب يف شوارع مدينة املوصل يف داخل احلسينية اليت‬
‫كانت يف الفيصلية‪ ،‬ولكن أحد الشباب ‪-‬أسأل هللا تبار وتعاىل أن يتقبله يف‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪390‬‬

‫عليني‪ -‬دخل بينهم‪ ،‬فكانت هنايتهم بتلا العملية‪ ،‬فما فكر رافضي بعد ذلا يف‬
‫أن ميشي يف شوارع أهل السنة يف هذه املدن مث يدعو "يا حسني" و"يا عباس" و"يا‬
‫فاطمة" وما إىل ذلا‪..‬‬

‫إذا لوال أن هللا تبار وتعاىل هيّأ هؤالء الشباب‪ ،‬وهللا لوجدمت مقرات احلزب‬
‫الشيوعي بني أظهركم‪ ،‬وهللا لوجدمت مقرات الرافضة بني أظهركم‪ ،‬ولرأيتم أصحاب‬
‫العمائم السوداء ماذا كانوا سيفعلون بأهل هذه املدينة‪ ،‬ولرأيتم ولرأيتم ولرأيتم‪...‬‬
‫ولكن هللا تبار وتعاىل دفع هذا الشر عن أهل هذه احملافظات ‪-‬قد يكون خل ٍري‬
‫فكف هللا تبار وتعاىل عنهم هذه الشرور‪.‬‬
‫فيهم‪ ،‬وهللا حسيبهم‪ّ ،-‬‬
‫إذا معىن اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة بناء على املادة العراقية؛ أي أن هذه األحزاب‬
‫ُجتيز لآلخرين إنشاء األحزاب‪ ،‬وذكرت فقط من ال خنتلف يف كفرهم‪ ،‬ذكرت‬
‫النصارى‪ ،‬وذكرت اليزيدية‪ ،‬وذكرت الشيوعية‪ ،‬وذكرت العلمانية‪ ،‬هؤالء ال خيتلف‬
‫مسلمان يف كفرهم‪ ،‬كل هؤالء ُيوز هلم أن يكون هلم أحزاب‪.‬‬

‫َ‬ ‫َو َأ ْن ُق ُل َل َك َأ ْق َو َ‬
‫ال َم ْن ُي ِج ُيز ذ ِل َك‪:‬‬
‫َّأوًال‪ :‬إذا رجعت إىل جريدة [الشورى] اليت كانت تصدر يف داخل مدينة املوصل‬
‫يف بداية السقوط (أسود وأبيض)‪ ،‬يف هذه اجلريدة هنا لقاءات عديدة مع (إدريس‬
‫حاج داوود) وهو كان مسؤول احلزب العراقي يف هذه املدينة‪ ،‬كربيات الصحف‬
‫كانت جتري لقاءات معه‪ ،‬والرجل كان يظن نفسه أن له شأن‪ ،‬من ضمن األسئلة‬
‫اليت كانت توجه له‪ :‬هل تؤمنون بالتّعدُّديّة احلزبيّة؟ كانت اإلجابة دائما‪ :‬نؤمن‬
‫بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬هذا رأس يدعي االنتساب إىل اإلسالم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪391‬‬

‫كان هنا حزب آخر يف سوريا (حزب اإلخوان)‪ ،‬ال تستغرب من كالمي‬
‫عندما أذكر هؤالء دائما‪ ،‬أي حزب من أي جهة كانت هذه األقوال تسري عليه‪،‬‬
‫ولكن التأكيد على هؤالء من باب أهنم ي ّدعون االنتساب إىل اإلسالم‬

‫احلزب السوري‪( ..‬حزب إخوان سوريا)‪ :‬رجل امسه (البيانوو) من مدينة بيانون‬
‫يف سوريا‪ ،‬من ريف حلب‪ ،‬هذا الرجل‪ ،‬عقدوا مؤمترا يف قناة اجلزيرة املباشرة‪ ،‬وتلوا‬
‫بيانا أع ّدوه ‹‹لتبيني›› منط احلكومة اليت يريدوهنا بعد سقوط بشار ذلا النصريي‪،‬‬
‫فقالوا يف بداية الوثيقة‪" :‬وهذه وثيقة نقدمها أمام هللا‪ ،‬وأمام الشعب" حبرف العطف‬
‫(و)‪ ..‬من ضمن هذه البنود قال‪" :‬نريدها [أي بعد سقوط بشار] دولة دميُقراطيّة‬
‫تعدُّديّة تداوليّة"‪ ،‬تعدُّديّة تداوليّة أي‪ :‬أن هذه الرؤوس اليت تتصدر هذه األحزاب‪،‬‬
‫يؤمنون بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬من شاء أن يُشكل حزبا من أي دين من أي انتماء من أي‬
‫عقيدة على أي فكرة‪ ،‬ال يهم‪ ،‬ليش؟؛ ألن القانون ُييز ذلا‪ ،‬ومن ال ّدميُقراطيّة أن‬
‫تكون هنا تعدُّديّة حزبيّة‪ ،‬وإال أي معىن لل ّدميُقراطيّة إن قامت الدولة على حزب‬
‫واحد؟!‪ ،‬ال ميكن‪.‬‬

‫كذلا (فريد عبداخلالق)‪ :‬هذا من رؤوس إخوان مصر يف مصر‪ ..‬هذا الكالم‬
‫منقول من [احلصاد الـ ُمر]‪ ،‬وأصله يف جملة [املصور‪ ،‬العدد ‪ 29 ،3217‬رمضان ‪1406‬ه‪،‬‬
‫اب سياسيّة‪ ،‬وال‬‫املوافق‪1986 :‬م]‪ ،‬قال‪" :‬إن اإلسالم ال يتعارض مع قيام أحز ٍ‬
‫ض فوه‪ ..‬هذا‬‫ب ال ّدميُقراطيّة من صميم اإلسالم" فُ ّ‬
‫يتعارض مع ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬بل إن لُ ّ‬
‫قوله‪.‬‬

‫رجل آخر امسه (أحد سيف اإلسالم)‪ ،‬الحظ األمساء‪ ،‬وهو ما ميلا سكني‪ ،‬أنا‬
‫متأكد (أحد سيف اإلسالم) تعلم ابن من؟‪ ،‬ابن حسن البنّا‪ ،‬أحد سيف اإلسالم‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪392‬‬

‫يف لقاءٌ معه يف جملة [اجملتمع‪ ،‬العدد ‪ 9 ،884‬مجاد األوىل ‪1408‬هـ‪ ،‬املوافق‪87 :‬م]‪ُ ،‬سئل‬
‫من قِبَل اجمللة‪" :‬ما رأيكم وما موقفكم من حق تكوين األحزاب جلميع االجتاهات‬
‫واالنتماءات‪ ،‬ومن ضمنها الشيوعيون؟"‬

‫سؤال صريح وواضح‪ ..‬أجاب سيف اإلسالم الحظ ماذا أجاب‪ ،‬قال‪" :‬هلا هذا‬
‫احلق"‪.‬‬

‫إذا عندما قلنا أن هذا القانون ُييز هلؤالء أن يشكلوا حزبا‪ ،‬هذه تصرحيات‬
‫اب يف داخل بالد‬‫الرؤوس‪ ،‬أهنم ُييزون للشيوعيني أن يكون هلم احلق يف إنشاء أحز ٍ‬
‫املسلمني‪ ،‬قال‪" :‬هلا هذا احلق‪ ،‬واإلسالم ال ُيرب اإلنسان على االلتزام بعقيدة ﴿ال‬
‫إِكراه ِيف ِّ‬
‫الدي ِن﴾"‪.‬‬ ‫ََ‬
‫الحظ ماذا يرتتب على هذا القول‪ ،‬عندما أجازوا وآمنوا بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬يرتتب‬
‫على هذا اإلميان وعلى هذه اإلجازة‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬أن يبقى على دينه‪ ،‬وأن ُيهر بعقيدته‪ ،‬وإال ما معىن لا احلق يف أن‬
‫تشكل حزبا وأنت يف مفصل عن عقيدتا؟!‪ ،‬النصراو له احلق إذا أجيز له أن‬
‫يشكل حزبا‪ ،‬هذا يعين بأنه يدعو إىل عقيدته‪ ،‬اليزيدي طاملا له احلق يف أن يُنشئ‬
‫حزبا‪ ،‬إذا له أن ُيهر بعقيدته‪ ،‬الشيوعي‪ ،‬العلماو‪ُ ..‬ييز هلم القانون‪ ،‬واملؤمنون‬
‫بالتّعدُّديّة احلزبيّة أن ُيهروا بدعوهتم‪ ،‬هذا ما يرتتب على اإلميان بدأ التّعدُّديّة‬
‫احلزبيّة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪393‬‬

‫الِّيءُ الثَّ ياين‪ :‬أن هذا اإلميان ُييز هلم أن ميتلكوا وسائل اإلعالم؛ إذا أن ُيهر‬
‫َّ‬
‫بعقيدته وال يتخ ّفى‪ ،‬وأن ميتلا وسائل اإلعالم بكل تشكيالهتا وأنواعها (املقروءة‬
‫واملرئية واملسموعة)‪.‬‬

‫ان بيالتَّ َع ُّد يديَّية اليْزبييَّ ية‪ :‬إجازة هؤالء للدعوة إىل عقيدهتم وإىل‬
‫وي تَ رتَب َعلَى ا يلميَ ي‬
‫ََ َ ُ‬
‫دينهم‪.‬‬

‫ضا‪ :‬أن حيكموا البلد إذا جاؤوا بأكرب عدد من األصوات‪ ،‬وإن كانت‬
‫ب أيّ ً‬
‫َويَتَ َرتَ ُ‬
‫دون ذلا‪ ،‬فلهم احلق يف أن يشاركوا يف احلكم‪.‬‬

‫اإلميان بدأ التّعدُّديّة احلزبيّة يرتتب عليه هذه املسائل األربعة‪ ،‬أن ُيهر بعقيدته‪،‬‬
‫وأن ميتلا وسائل اإلعالم‪ ،‬وأن يدعو إىل عقيدته‪ ،‬وأن يشار يف االنتخابات‪ ،‬فإن‬
‫ُرِّشح بأكرب عدد من األصوات حيكم البالد‪.‬‬

‫النصارى جاؤوا باألغلبية‪ ،‬أعلنوا عن عقيدهتم‪ ،‬ووسائل اإلعالم‪ ،‬ودعوا إىل‬


‫النصرانية‪ ،‬والناس اقتنعوا هبم ويف االنتخابات فازوا ووصلوا إىل احلكم‪ ،‬الشيوعيون‬
‫مادة"‪ ،‬مث بعد ذلا عن طريق وسائل اإلعالم دعوا‬ ‫جهروا بعقيدهتم "ال إله واحلياة ّ‬
‫إىل هذه العقيدة‪ ،‬والناس استجابوا هلم‪ ،‬وأكرب عدد من األصوات‪ ،‬وصلوا إىل‬
‫الربملان‪ ،‬احلكم هلم‪ ،‬من يؤمن بالتّعدُّديّة احلزبيّة ُيب أن يستسلم هلذه الـ ُمسلّمات‬
‫وهلذه احلقائق‪.‬‬

‫السلطَة‪ ،‬الذين يؤمنون بالتّ ُّ‬


‫عدديّة احلزبيّة‬ ‫فإذا وصل الشيوعي هبذه الطريقة إىل ُّ‬
‫يتنصلون من ذلا أم يستسلمون للشيوعيني ويُسلّمون هلم احلكم؟‬
‫هل ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪394‬‬

‫السلطَة‬
‫يقينا يُسلّمون هلم احلكم؛ ألن هنا قانون آخر يقول‪" :‬مبدأ تداول ُّ‬
‫السلطَة‪ :‬أي أن احلزب احلاكم إذا خسر‪ ،‬وجاء أناس‬ ‫بِ ِسلميّة"‪ ،‬ومعىن تداول ُّ‬
‫السلطَة إىل احلزب الذي فاز‪ ،‬وهذا يعرف‬
‫بأصوات أكثر‪ ،‬فعلى هذا احلزب أن يُسلّم ُّ‬
‫السلطَة‬
‫السلطَة بسلمية‪ ،‬وتعطيين ُّ‬
‫السلطَة‪ ،‬أي أُعطيا ُّ‬
‫يف النظام الربملاو بدأ تداول ُّ‬
‫أيضا بسلمية‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُ َ َ َ َ َ ْ َ‬


‫وعيين أن يحكموا الـمس ِل ِمين؟‬‫هل هناك ِمن القاد ِة من أجاز ِللشي ِ‬
‫نعم‪ ،‬أتعلم من؟‪ ،‬أحد ياسني‪ ..‬هذا الذي أقرأه ذكره (أبو بصري الطرطوسي)‬
‫وهو إنسان سيء‪ ،‬له كتاب امسه [حكم اإلسالم يف ال ّدميُقراطيّة والتع ّدديّة احلزبيّة]‪ ،‬نقل يف‬
‫هذا الكتاب حوارا دار مع أحد ياسني‪..‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬هذا الذي يف فلسطني؟‬

‫*الشيخ‪ :‬نعم‪ ،‬قائد حاس‪ ..‬الذي أسس حركة حاس‪.‬‬

‫وكالمه الذي نقله‪ ،‬قد نقله من كتاب امسه [أحد ياسني الظاهرة املـُعجزة وأسطورة‬
‫التحدي‪ ،‬ص‪ ،]118-116:‬إذا هذا احلوار أين؟‪ ،‬يف كتاب امسه [أحد ياسني الظاهرة‬
‫الـ ُمعجزة وأسطورة التحدي‪ ،‬رقم الصفحة‪]118-116:‬ـ هكذا يقول أبو بصري يف كتابه‬
‫الذي نقل فيه وامسه [حكم اإلسالم يف ال ّدميُقراطيّة والتع ّدديّة احلزبيّة]‪ ،‬الحظ احلوار الذي‬
‫دار‪:‬‬

‫قال الصحفي ألحد ياسني‪" :‬ولكن الشعب الفلسطيين يريد دولة دميُقراطيّة‪،‬‬
‫وأنت ملاذا تُعانده؟"‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪395‬‬

‫السلطَة‬
‫قال أحد ياسني‪" :‬وأنا أيضا أريد دولة دميُقراطيّة ُمتع ّددة األحزاب‪ ،‬و ُّ‬
‫فيها ملن يفوز يف االنتخابات"‪.‬‬

‫سأله الصحفي سؤاال آخر‪ :‬لو فاز احلزب الشيوعي‪ ،‬فماذا يكون موقفا؟‬
‫(تقول أن له احلرية‪ ،‬احلزب الشيوعي فاز‪ ..‬ما موقفكم؟)‬

‫قال‪" :‬حىت لو فاز احلزب الشيوعي‪ ،‬فسأحرتم رغبة الشعب الفلسطيين‪".‬‬

‫سأله الصحفي سؤاال آخر‪ ،‬قال‪" :‬إن الشعب الفلسطيين يريد دولة دميُقراطيّة‬
‫ُمتع ّددة األحزاب"‬

‫طبعا هو هذا الكالم قال ذكره بغضب‪ ..‬قال‪" :‬وهللا حنن شعب لنا كرامة ولنا‬
‫حقوق‪ ،‬إذا ما أعرب الشعب الفلسطيين عن رفضه للدولة اإلسالمية‪ ،‬فأنا أحرتم‬
‫وأُق ّدس رغبته وإرادته‪".‬‬

‫ُناس يرفضون الدولة اإلسالمية اذا يرضون؟‪ ،‬بالشيوعية‪ ،‬قال‪" :‬فأنا أحرتم‬‫أ ٌ‬
‫وأُق ّدس رغبته وإرادته‪".‬‬

‫فيا إخوة املسألة ليست مسألة أحزاب‪ ،‬وإمنا عليا أن تعلم ماذا يرتتب على‬
‫اإلميان بالتع ّددية احلزبية‪ ،‬إذا هذه هي احلقيقة‪ ،‬التع ّددية احلزبية‪ :‬من ِ‬
‫يصل‪ ..‬حي ُكم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وهنا نتوجه بالسؤال إىل املرجئ اخلبيث اخلنيث‪ ،‬وإىل من ُخ ِدع من املسلمني باحلزب‬
‫العراقي‪:‬‬

‫إذا وصل النصارى (الذين كفرهم أصلي) وجب األغلبية‪ ،‬أو اليزيدي وجب‬
‫األغلبية وصل إىل احلكم وتوىل احلكم‪ ،‬الرئيس منهم‪ ،‬ورئيس الوزراء منهم وأكثر‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪396‬‬

‫ويسريون الدولة وفق عقيدهتم ومنهاجهم‪ ،‬هؤالء أيضا ستقولون‬


‫الوزراء بأيديهم‪ّ ،‬‬
‫كفر دون كفر؟!‬
‫عنهم‪ :‬طاعتهم واجبة؟!‪ ،‬وهل ستقولون أيضا‪ٌ :‬‬
‫لت‪ :‬نعم‪ ،‬ارتددت عن دين هللا ¸‪ ،‬إن قُلت‪ :‬ال‪ ،‬هؤالء ليسوا أمراء‬‫إن قُ َ‬
‫وطاعتهم غري واجبة‪ ،‬يأيت السؤال‪ :‬إذا ما الفرق بني خديدة وبطرس وماركس‪..‬‬
‫تغريت؛ املواقع نفس‬
‫و(سليم اجلبوري)؟!‪ ،‬ما الفرق؟!‪ ،‬كل الذي حصل أن األمساء ّ‬
‫املواقع‪ ،‬والوزارات نفس الوزارات‪ ،‬واملهام نفس املهمام‪ ،‬كان بطرس حيكم‪ ،‬جاء‬
‫تغري؟!‬
‫خديدة‪ ،‬ذهب خديدة جاء ماركس‪ ،‬ذهب ماركس جاء سليم!‪ ،‬ما الذي ّ‬
‫لت‪ :‬من حيكم هبذه القوانني اآلن طاعتهم واجبة وهم أمراء لنا‪ ،‬إذا عليا‬
‫فإذا قُ َ‬
‫قر لليزيدي والنصراو والشيوعي‪ ،‬ألنه ما خيتلف هؤالء عن هؤالء يف شيء‪ ،‬كل‬ ‫أن تُ ّ‬
‫الذي تغري فقط االسم‪ ،‬ملاذا الشيوعي الذي الذي حيكم بنفس الدستور ونفس‬
‫القانون ال يُسمى أمريا طاعته واجبة‪ ،‬مث تأيت إىل آخرين بنفس القانون‪ ،‬نفس‬
‫الدستور‪ ،‬نفس األحكام‪ ،‬مث تقول‪ :‬طاعته واجبة‪ ،‬ومن خرج عليه فهو خارجي‪،‬‬
‫وكفره دون كفر؟!‪ ،‬أين الفارق؟!‪ ،‬ال يوجد فارق‪.‬‬

‫أقر هبذا‪ ،‬النصراو أو اليزيدي أو الشيوعي‪ ،‬إذا حكم‪ ،‬وقيل‪ :‬هؤالء أمراء‬
‫من ّ‬
‫طاعتهم واجبة‪ ،‬ومن خرج عليهم خارجي‪ ،‬وكفرهم دون كفر؛ إذا عليا أن حتكم‬
‫بنفس هذا احلكم الذين حيكمون بالد أوروبا‪ ،‬هنا بطرس حيكم‪ ،‬هنا أوباما املرتد‬
‫حيكم‪ ،‬هذا قانون وضعي‪ ،‬وهذا قانون وضعي‪ ،‬إذا قلت عن هذا النصراو هبذه‬
‫"كفر دون كفر"‪،‬‬
‫"كفر دون كفر"؛ إذا ُيب أن تقول عن أولئا أيضا‪ٌ :‬‬‫املواصفات‪ٌ :‬‬
‫ال فرق بني هؤالء وبني أولئا!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪397‬‬

‫فعلى املسلم أن يُدر ما معىن هؤالء املرجئة‪ ،‬وما معىن احلزب العراقي‪ ،‬وما معىن‬
‫الدعوة إىل االنتخابات؛ ألن من ضمن االنتخابات ُيب أن يؤمنوا بالتع ّدديّة احلزبيّة‪.‬‬

‫هؤالء اآلن يا إخوة‪ ،‬أشبه ما يكونون بصورةٍ أذكرها‪:‬‬

‫شرفها هللا تعاىل وعظّمها‪ ،-‬الرسول ‘ جعل على إمارة مكة‬


‫بعد فتح مكة ‪ّ -‬‬
‫عتاب بن أُسيد ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وكان يف الثامنة عشرة من عمره ‪-‬ذكرت هذه حىت‬
‫ال تستغرب عندما ترى شابا يتوىل أمرا‪ ،‬علما أن سهيل بن عمرو كان موجودا‪ ،‬أبو‬
‫سفيان كان موجودا‪ ،‬وهؤالء سادة مكة يف اجلاهلية‪ ،‬لكن الرسول ‘ رأى أن يوكل‬
‫أهل حلمل هذه األمانة‪ -‬نرجع إىل موضوعنا‪[ ،‬لو] جاءت‬ ‫األمر إىل هذا الشاب ألنه ٌ‬
‫ثـُلّة من داخل أهل مكة‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا عتاب‪ ،‬هللا ¸ أنزل علينا آية حنن أهل مكة‬
‫بالذات‪ ،‬قال‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ [الكافرون‪ ،]6:‬حنن نريد أن نبقى على‬
‫شركنا‪ ،‬وأنزل يف كتابكم آية أخرى تقول‪﴿ :‬ال إِكراه ِيف ِّ‬
‫الدي ِن﴾‪ ،‬إذا نريد أن خنتار‬ ‫ََ‬
‫ديننا‪ ،‬وبناء على هذه اآلية أنت ال تستطيع أن تُكرهنا على أن نرت عبادتنا‬
‫وشركيّاتنا‪ ،‬نريد أن نبقى على ما حنن عليه‪ ،‬مث عليا أن ُجتيز لنا أن ندعو اآلخرين‬
‫إىل عبادة األصنام‪ ،‬وأن جنهر أيضا بوجود صن ٍم يف داخل مكة‪ ،‬ووثن هنا‪ ،‬وإله هنا‪،‬‬
‫وآهلة هنا اآليات تُلزما يا عتاب‪ ،‬مث عليا أن توافق على أن نُشار معا يف‬
‫احلكم أيضا يف حكم مكة باعتبار أن لنا وجود يف مكة‪ ،‬حنن طائفة من ضمن أهل‬
‫مكة؛ فعليا كما أنا حتكم مكة‪ ،‬حنن هبذه الكتلة طاملا وافقتم على بقائنا على ما‬
‫الدي ِن﴾‪ ..‬إذا عليا أن تُشركين‬‫حنن عليه ﴿لَ ُكم ِدين ُكم وِ ِدي ِن﴾‪﴿ ،‬ال إِكراه ِيف ِّ‬
‫ََ‬ ‫ُ ََ‬
‫أيضا يف احلكم‪ ،‬وسبب مشاركيت لا أن هنا بعض األحكام يف دينكم حنن نوافق‬
‫عليها‪ ،‬نُق ّدس بيت هللا احلرام‪ ،‬ونقبل بالطواف ونقبل بالسعي‪ ،‬ونُق ّدس احملرمات اليت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪398‬‬

‫قروا لنا ببعض العبادات اخلاصة بنا‪ ..‬أن جنعل‬


‫تكون يف داخل مكة‪ ،‬لكن ُيب أن تُ ّ‬
‫سائبة ألصنامنا‪ ،‬وحام ووصيل وما إىل ذلا‪ ،‬وأن تأذنوا لنا إن كان املولود أنثى أن‬
‫ندفنها‪ ،‬ألن هذا خاص بنا‪.‬‬

‫ما الفرق بني هذا الذي قلته وبني واقع حال هؤالء؟!‪ ،‬أليس معىن التّعدُّديّة‬
‫احلزبيّة أن يُعلن النصراو ديانته يف داخل ‹‹أراضي اإلسالم›› كما [لو] أُجيز ملشركي‬
‫مكة يف ذلا الوقت؟!‪ ،‬وكذلا باقي األحزاب الذين ذكرت‪ ،‬ال فرق بني الصورتني‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َ َ ُ َّ ُ ُ َ‬
‫اِلسألة األ ِخيرة ال ِتي أ ِشير ِإليها‪:‬‬
‫من آمن بالتّعدُّديّة احلزبيّة؛ أي أجاز للناس أن يُش ّكلوا أحزابا‪ ،‬وبالذات من‬
‫كفرهم أصلي‪ ،‬كالنصارى بتشعباهتم‪ ،‬كلداو‪ ،‬إىل آشوري‪ ،‬إىل صابئي‪ ،‬إىل هؤالء‬
‫الذين كفرهم كفر أصلي ال خنتلف يف كفرهم‪ ،‬اليزيدي ال خنتلف يف كفره‪ ،‬الشيوعي‪،‬‬
‫العلماو‪ ..‬هؤالء مرتدون‪ ،‬من قال أؤمن بالتّعدُّديّة احلزبيّة‪ ،‬وبناء على تلا احلقوق‬
‫هذا يعين أنا ال تُك ّفر هؤالء‪ ،‬وإن قلت بلسانا أنين أُك ّفرهم‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنا إذا‬
‫قر هلم أن‬ ‫قر هلم أن ُيهروا بعقيدهتم‪ ،‬ال تُ ّ‬
‫ك ّفرهتم فال تُقر هلم هبذه احلقوق‪ ،‬ال تُ ّ‬
‫قر هلم أن يدعوا إىل عقيدهتم من خالل وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫ميتلكوا وسائل اإلعالم‪ ،‬ال تُ ّ‬
‫قر هلم أن حيكموا‪ ،‬إذا إذا آمنت بالتّعدُّديّة‬ ‫قر هلم أن يشرتكوا يف احلكم‪ ،‬ال تُ ّ‬‫ال تُ ّ‬
‫حق من‬ ‫احلزبيّة‪ ،‬هذا يعين أنا ال تُك ّفرهم‪ ،‬وإال لو ك ّفرهتم عليا ّأال ال تُقر هلم بأي ٍ‬
‫ّ‬
‫احلقوق‪.‬‬

‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم َوالذ َ‬ ‫دليل ذلا‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ َح َسنَةٌ يف إبـَراه َ‬
‫معه إِذ قَالُوا لَِقوِم ِهم إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ َك َفرنَا بِ ُكم َوبَ َدا بـَيـنَـنَا‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ََُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪399‬‬

‫ضاءُ أَبَدا َح ٰىت تُـؤِمنُوا بِاَللِ َوح َدهُ﴾ [املمتحنة‪ ،]4:‬هذا ديننا‪،‬‬
‫َوبَـيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ َوالبَـغ َ‬
‫واإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة هذا دستورهم‪.‬‬

‫اآلن هم يعملون بدينهم أم يعملون بدستورهم؟‪ ،‬يقينا يعمل بدستوره‪ ،‬فهو‬


‫يُك ّفره يف الدين (يقول هؤالء كفار)‪ ،‬هذا يف اإلسالم‪ ،‬لكن عندما يأيت ويلتزم‬
‫بالدستور‪ُ ،‬ييز هلؤالء العقيدة وُييز اإلعالم وُييز الدعوة وُييز املشاركة وُييز احلكم‬
‫دين يقول لا‪ :‬ادعُ ُهم إىل اإلسالم‪ ،‬فإن‬
‫أيضا؛ إذا كيف تُوفّق بني هذين الدينني؟!‪ٌ ،‬‬
‫مل يستجيبوا‪ ،‬عليهم أن يدفعوا اجلزية‪ ،‬وبعضهم ُخيري بني اإلسالم وبني القتل‪ ،‬هذا‬
‫نصت املادة‬
‫ديننا‪ ،‬أما الذي يعملون به‪ :‬قال ُيوز هلؤالء أن يُنشؤوا األحزاب وفق ما ّ‬
‫(‪ )37‬من الدستور العراقي‪.‬‬

‫قر أحدا على ما هو عليه‪،‬‬ ‫دين ال يُ ّ‬ ‫إذا أنت اآلن جتمع بني دينني ُمتناقضني‪ٌ ،‬‬
‫أقر ألهل الكتاب‪ ،‬فالبضوابط الشرعية؛ ال أن يكون ُحًّرا يف الدعوة إىل عقيدته‪،‬‬ ‫وإن ّ‬
‫بشيء من عقيدته وال من دينه وال يظهر‬ ‫ٍ‬ ‫يف اإلسالم‪ :‬ذكرنا لكم سابقا أنه ال ُيهر‬
‫شيئا من شعائره‪ ،‬هذا ديننا‪ ،‬أما يف الدستور‪ :‬له أن يُعلن كل ذلا؛ إذا أنت اآلن‬
‫تريد أن جتمع بني دينني متناقضني‪ ،‬ال ميكن أن ُيتمع اإلسالم مع هذا اإلميان‪ ..‬ال‬
‫ميكن‪ ،‬فإذا خالط اإلسالم هذه العقيدة (عقيدة اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة) ال يبقى‬
‫يدو َن أَن يَـت ِخ ُذوا‬ ‫﴿ويَـ ُقولُو َن نـُؤِم ُن بِبَـع ٍ‬
‫ض َونَك ُف ُر بِبَـع ٍ‬
‫ض َويُِر ُ‬ ‫عند شيء امسه إسالم‪َ ،‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن َحقًّا﴾ [النساء‪ ،]151-150:‬إذا هؤالء‬ ‫ا َسبِيال ۝ أُوٰلَئِ َ‬
‫بـ ِ‬
‫ني ٰذَل َ‬
‫ََ‬
‫أقروا هلم‬
‫كفروهم‪ ،‬لو ك ّفروهم ما ّ‬ ‫وإن قالوا‪ :‬حنن نعتربهم كفار‪ ،‬لكن يف دستورهم مل يُ ّ‬
‫بكل هذه احلقوق‪ ،‬وما أجازوا هلم إنشاء األحزاب يف وسط بالد املسلمني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪400‬‬

‫الشيء اآلخر‪ :‬وأنت تعلم أن من مل يُك ّفر الكافر األصلي‪ ،‬فقد كفر؛ ألنه‬
‫يُك ّذب اآليات القرآنية‪ ،‬وكذلا الناقض الذي ذكره الشيء حممد بن عبدالوهاب ‪-‬‬
‫¬ رحة واسعة‪ -‬يف [نواقض اإلسالم] قال‪" :‬من مل يُك ّفر املشركني‪ ،‬أو ّ‬
‫شا يف‬
‫حسن عقيدهتم؛ فقد كفر"‪.‬‬
‫كفرهم‪ ،‬أو ّ‬
‫إن مل تُك ّفرهم‪ ..‬تكفر؛ ألن هللا ¸ ك ّفرهم‪ ،‬ومن مل يُك ّفر من ك ّفره هللا تبار‬
‫وتعاىل ما يبقى له يف اإلسالم شيء‪..‬‬

‫وكذلا اإلميان بالتّعدُّديّة احلزبيّة يكون ُمتناقضا مع تعريف اإلسالم أيضا‪،‬‬


‫وتعريف اإلسالم كما تعلم‪" :‬االستسالم له بالتوحيد‪ ،‬واالنقياد له بالطاعة‪ ،‬والرباءة‬
‫من الشر وأهله"‪ ،‬هذا تعريف اإلسالم‪ ،‬فمن حتققت فيه هذه األجزاء الثالثة من‬
‫التعريف فهو مسلم‪ ،‬فأين الرباءة من الشر عند من يؤمن بالتّعدُّديّة احلزبيّة؟!‪ ،‬وأين‬
‫الرباءة من آهلتهم ومن معبوداهتم؟!‬

‫رشحون واألحزاب اليت تُشار يف االنتخابات البلدان ال ّدميُقراطيّة وتدخل‬


‫إذا الـ ُم ّ‬
‫يف الربملانات يف هذا املوطن خيرجون من املِلّة‪ ،‬هذا موطن ٍ‬
‫ثان‪ ،‬نَ ِأيت إىل‪:‬‬
‫َّ‬
‫الـ َم ْو ِط ِن الث ِال ِث‪:‬‬
‫هؤالء األحزاب يعلمون يقينا أهنم عندما يدخلون يف االنتخابات‪ ،‬وأفرادهم‬
‫ؤدو َن‬
‫رشحون للدخول يف احلكومة الطاغوتيّة‪ ..‬اجلميع يعلمون أن هؤالء األفراد‪ :‬يُ ّ‬ ‫يُ ّ‬
‫ِ‬
‫ي)‪.‬‬ ‫الدستُوِريةَ أَو (ال َق َس َم الدستُوِر ّ‬
‫ني ُّ‬
‫اليَم َ‬
‫نص القسم الدستوري يف القانون العراقي‪ ،‬الحظ‪ ..‬املادة (‪ )48‬من‬ ‫أقرأ لا ّ‬
‫الدستور العراقي‪ ،‬قال‪" :‬يؤدي عضو جملس النواب اليمني الدستورية أمام اجمللس‪ ،‬قبل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪401‬‬

‫أن يباشر عمله‪ ،‬بالصيغة اآلتية(‪[ )58‬الحظ الصيغة] اُقسم باهلل العلي العظيم‪ ،‬أن أؤدي‬
‫بتفان وإخالص‪ ،‬وأن أحافظ على استقالل العراق‬ ‫مهمايت ومسؤوليايت القانونية‪ٍ ،‬‬
‫وسيادته‪ ،‬وأرعى مصاحل شعبه‪ ،‬وأسهر على سالمة أرضه ومسائه ومياهه وثرواته‬
‫ونظامه الدميقراطي االحتادي‪ ،‬وأن أعمل على صيانة احلريات العامة واخلاصة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بأمانة وحياد‪ ،‬وهللا على ما أقول‬ ‫واستقالل القضاء‪ ،‬وألتزم بتطبيق التشريعات‬
‫شهيد"‪.‬‬

‫أين يضع يده عندما يُ ّردد هذا القسم؟‪ ،‬على كتاب هللا ¸‪ ،‬يُقسم باهلل تبار‬
‫وتعاىل ويُشهده على ّأال يعمل بكتاب هللا ¸!‬

‫‪-‬أخ‪ :‬يعين يُقسم باهلل على أن يعصيه‪.‬‬

‫تتصور (إبراهيم نعمة) ّأدى‬


‫*الشيخ‪ :‬لو كانت معصية هلانت املسألة يا شيخ‪ّ ،‬‬
‫هذا القسم!‪ ،‬إيش معىن هذا القسم يا شباب؟‬

‫أَ َّو ُل َشيء‪ :‬قال‪" :‬اُقسم باهلل العلي العظيم‪ ،‬أن أؤدي مهمايت ومسؤوليايت‬
‫القانونية"؛ يعين عندما أستلم أمرا‪ ،‬هذا األمر ُمنضبط بالقانون وبالدستور‪ ،‬أقسم باهلل‬
‫ٍ‬
‫"بتفان وإخالص"؛ ألن‬ ‫أن ألتزم بالقانون وبالدستور يف أي موضع تضعونين‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫نصوا على اإلخالص يف‬ ‫العمل ال يُقبل كما تعلم إال إذا كان فيه إخالص‪ ،‬وهؤالء ّ‬
‫العمل‪ ،‬على أن يلتزم بالدستور ٍ‬
‫بتفان وبإخالص‪.‬‬

‫اخ َذةُ األُ ْخ َرى‪ :‬قال‪" :‬وأن أحافظ على استقالل العراق وسيادته"؛ يعين‬
‫ال ُم َؤ َ‬
‫(سايكس بيكو)‪.‬‬

‫(‪ )58‬قبل أن تستلم أي شيء تُقسم‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪402‬‬

‫من هللا ¸ علينا وأُزيلت احلدود بني سوريا وبني العراق‪ ،‬تعلم أن الذين‬
‫اآلن ّ‬
‫أقسموا على هذا اليمني اآلن يعملون على إعادة الساتر من جديد؟!؛ ألهنم أقسموا‬
‫على أن ُحيافظوا على سيادة العراق وأرضه‪ ،‬والعراق معلومة احلدود وفق تقسيم‬
‫سايكس بيكو‪.‬‬

‫آخ ٌر‪ :‬قال‪ :‬وأقسم باهلل العظيم أن أُحافظ أيضا على "نظامه الدميقراطي‬
‫َشيءٌ َ‬
‫االحتادي"؛ يعين أي نظام آخر ما يقبله‪..‬‬
‫ٍ‬
‫بأمانة"؛ إيش التشريعات هذه؟‪ ،‬أي‬ ‫آخ ٌر‪" :‬وألتزم بتطبيق التشريعات‬
‫َو َشيءٌ َ‬
‫اليت سيضعها أعضاء الربملان‪ ،‬ألن هؤالء سيضعون التشريعات‪ ،‬فقد يكون عندما‬
‫أقسم بعض التشريعات ما كانت موجودة يف الدستور‪ ،‬لكن أعضاء اجمللس التشريعي‬
‫(الربملان) عندما يضعون دستورا‪ ،‬أقسم على أنه سيطيع هذه التشريعات اليت‬
‫ستضعها مجاعة اجمللس التشريعي أو السلطة التشريعية وهم أعضاء الربملان‪.‬‬

‫ك‪" :‬وهللا على ما أقول شهيد"؛ هذا الكالم يؤكد ما قلناه سابقا‪،‬‬‫ُمثَّ بَ ْع َد ذَلي َ‬
‫أليس هذا استحالال باليمني على احلكم يف الدستور؟!‪ ،‬هذا القسم ال يعين عند‬
‫السامع أن هؤالء الناس ليس فقط يستحلون‪ ،‬بل يؤكدون االستحالل بأغلظ‬
‫األميان؟!؛ إذا هذا هو االستحالل بعينه‪.‬‬

‫إخوان مصر‪ ،‬وكذلا احلزب العراقي يف العراق‪ ،‬هؤالء حبكم انتمائهم لإلسالم‪،‬‬
‫عندما قيل هلم‪ :‬كيف تقسمون هذه األقسام وتؤدون هذه األميان؟!‬

‫جاؤوا خبديعتني‪ :‬ألن الرجل ُمتشبّث بال ّدميُقراطيّة‪ ،‬ممكن أن يـُ ّؤل اإلسالم ا‬
‫يوافق ال ّدميُقراطية‪ ،‬لكن ال ميكن أن ميس الدميُقراطية بأي ٍ‬
‫حال من األحوال‪ ،‬فعندما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪403‬‬

‫جوهبوا هبذا األمر‪ ،‬كيف تقسم هبذا القسم على أن تعمل بالدستور وبالتشريعات‬
‫ٍ‬
‫بتفان وإخالص وأن ُحتافظ؟!‬

‫قالوا‪ :‬أنا عندما أضع يدي على كتاب هللا ¸‪ ،‬وأُقسم على العمل بالقانون‬
‫وبالتشريعات‪ ،‬أنا نيّيت شريعة هللا ¸ وليست هذه القوانني والدساتري!‪ ،‬وهذه كانت‬
‫ُناس اعتادوا على خداع املسلمني حبكم أهل املنابر‪ ،‬حبكم علماء‪ ،‬حبكم‬ ‫خديعة من أ ٍ‬
‫أصحاب حماضرات‪ ،‬حبكم أصحاب دروس‪ ،‬حبكم أن الناس يستفتوهنم‪ ،‬حبكم‪،‬‬
‫حبكم‪ ،‬حبكم‪ ...‬أنا الرجل املسلم ما يُدريين عندما يأيت رجل هبذه املواصفات‪ ،‬يقول‬
‫ثقة عندي‪ ،‬وال يوجد عندي من العلم ما أُفنّد‬ ‫أنا أقسمت هكذا؟!‪ ،‬وهو موطن ٍ‬
‫به قوله هذا!‪ ،‬فهل يُسلم هلم هبذه اخلديعة اليت خدعوا هبا املسلمني؟‬

‫حديث رواه أبو هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عند اإلمام مسلم ‪ ،-¬-‬قال‪ :‬قال‬ ‫ٌ‬
‫ف)‪ ،‬هنا حالِف‪ :‬الذي يقوم بأداء‬ ‫رسول هللا ‘‪( :‬اليمني على ني ِة الـمستحلِ ِ‬
‫ّ ُ‬
‫اليمني‪ ،‬وهنا ُمستحلِف‪ :‬الذي يطلب منا أداء اليمني‪.‬‬

‫هؤالء الناس بناء على هذا احلديث‪ ،‬أقسموا على نيّتهم‪ ،‬أم أقسموا على ما‬
‫جاء يف الدستور؟‬

‫‪ -‬اإلخوة‪ :‬على ما جاء يف الدستور‪.‬‬

‫*الشيخ‪ :‬الدستور؛ ألن صاحب الدستور هو الذي طلب منهم أن يؤدوا هذا‬
‫القسم‪ ،‬وعندما كان يقول‪ :‬أنين ألتزم بالقوانني وبالتشريعات‪ٍ ،‬‬
‫بتفان وإخالص‪،‬‬
‫صاحب هذا القانون يقصد الدستور ويقصد القانون؛ إذا الذي يُقسم‪ ،‬يُقسم على‬
‫نيّ ِة من وضع هذه املادة يف الدستور العراقي‪ ،‬وليس على نيّتا أنت‪ ،‬وإال لو أقسمت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪404‬‬

‫على نيّيت لضاعت الكثري من احلقوق!‪ ،‬تُطالبين بشيء‪ ،‬تقول‪ :‬هذا اجلهاز ‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬أقسم باهلل هذا اجلهاز ليس لا‪ ،‬وأنا أعلم أن اجلهاز لا‪ ،‬ولكن يف نيّيت‬
‫إيش؟‪ ،‬أنا أقصد هذا الكأس‪ ،‬إذا را عليا اجلهاز‪.‬‬

‫إذًا لو كانت اليمني على نيّ ِة احلالف لضاعت كثري من احلقوق؛ وهلذا الرسول‬
‫ف)‪ ،‬فأن ختدعنا وتقول‪ :‬أنا كنت أقصد‬ ‫‘ قال‪( :‬اليمني على ني ِة املـستحلِ ِ‬
‫ّ ُ‬
‫أنت تعلم قبل غري أنا تكذب!‪ ،‬ليس فقط احلديث‪ ،‬بل تعلم يقينا‬ ‫الشريعة‪ ،‬و َ‬
‫أنا تكذب‪ ،‬ألنا إذا دخلت يف تلا الدائرة‪ ،‬ال ميكن أن حتكم بشرع هللا ¸‪،‬‬
‫بل يقينا تعلم أنا ستحكم بالدستور‪ ،‬فكيف تقول نيّيت شريعة هللا ¸؟!‬

‫هذا اليمني الذي ألزمت نفسا به‪ ،‬عندما تدخل يف الربملان‪ ،‬ستحكم بكتاب‬
‫هللا وشريعة هللا أم حتكم بالدستور؟!‬

‫‪-‬اإلخوة‪ :‬بالدستور‪.‬‬

‫*الشيخ‪ :‬إذا أين ميينا؟!‪ ،‬هذا ُمرج أراد هؤالء أن ُخيرجوا أنفسهم به من حتت‬
‫طائلة هذا اليمني‪ ،‬فإخوان مصر‪ ،‬ودائما الشيطان يفتح هلم من األبواب ‪-‬والعياذ‬
‫وحو َن إِ َىل أَولِيَائِ ِهم﴾ [األنعام‪ ،]121:‬عندما جاؤوا إىل‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫باهلل‪َ ..-‬‬
‫اليمني‪ ،‬أضافوا استثناء‪ :‬أقسم باهلل أن أعمل بالدستور والتشريعات وأن أُحافظ‪...‬‬
‫قال‪" :‬ما مل ت ُكن فيه معصية"‪ ،‬أو‪" :‬ما مل ُخيالف الشرع"!!‬

‫‪-‬أخ‪ :‬هو كله ُمالف للشرع‪.‬‬

‫*الشيخ‪ :‬يا إخوة هذا للخداع‪ ..‬هذا للخداع‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪405‬‬

‫(مرسي) أصبح رئيس دولة‪ ،‬ما فائدة قوله‪" :‬ما مل ُخيالف شرع هللا"؟!‪ ،‬ما فائدة‬
‫قوله‪" :‬ما مل أُؤمر عصية"؟!‪ ،‬أليس القانون املصري ُُييز التعامل بالربا؟‪ ،‬عندما‬
‫سحب أربع مليار ونصف من البنا الدو ‪ ،‬أين كان من "على أن ال ُخيالف شرع‬
‫هللا‪ ،‬وعلى أن ال أؤمر عصية"؟!؛ إذا هذه كانت خديعة‪ ،‬فقط حىت يُ ّربوا استمرارهم‬
‫يف السري خلف أفالطون‪ ،‬والعمل بال ّدميُقراطيّة وإرضاء أوباما‪ ،‬ليس إال‪.‬‬

‫رجل أقسم هبذه األميان‪ ،‬ما الذي يبقى له من اإلسالم؟!‪ ،‬ومما يُثبت أيضا‬ ‫ٌ‬
‫كذب هؤالء‪‹‹ :‬يف قوهلم›› "أنين كنت أقصد‪ :‬ما مل أؤمر عصية‪ ،‬وما مل وما مل وما‬
‫مل‪ "...‬تعرف إيش مهمة أعضاء الربملان يف العراق وكذلا يف باقي الربملانات؟!‬

‫املادة (‪ )58‬من الدستور العراقي‪ :‬على أن مهمات النواب‪ :‬أوال تشريع القوانني‪،‬‬
‫السلطَة التنفيذيّة‪ ،‬هذا واجبهم؛ إذا أنت عندما تدخل‪ ،‬أنت ستضع‬
‫ثانيا الرقابة على ُّ‬
‫التشريعات‪ ،‬وسرتاقب أي وزير إذا خالف الدستور وستحاسبه؛ إذا أين احلكم ا‬
‫أنزل هللا ("أقسمت على أنين أحكم بشريعة هللا")؟!‪ ،‬وأين قوهلم‪" :‬ما مل أؤمر‬
‫يأت نص" وما إىل ذلا؟!؛ إذا هذه خديعة كانوا‬ ‫عصية"؟!‪ ،‬وقوهلم‪" :‬ما مل ِ‬
‫خيدعون هبا املسلمني طوال هذه الفرتة‪.‬‬

‫واحلمد هلل‪ ،‬وصلى هللا على نبينا حممد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪406‬‬

‫ْ‬ ‫َّ‬
‫الح ِادي َوا ُعش ُرون‬ ‫س َ‬ ‫الد ْر ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ََ‬
‫الب ْرِل ِان [تـك ِملة]‪:‬‬ ‫الر َّد ِة ِفي ُد ُخو ِل‬
‫ِ‬
‫َمواط ُ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمدهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‬ ‫وُ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫تكلمنا عن املواطن اليت يدخلها األحزاب اليت تُشار يف احلُكم‪ ،‬وذكرنا بعض‬
‫بالتعدديّة‬
‫ُ‬ ‫املواطن‪ ،‬ونذكر املواطن األخرى‪ ،‬وقلنا ُيب اإلقرار بالدستور‪ ،‬اإلميان‬
‫احلزبية‪ ،‬واملوطن الثالث الذي حتدثنا عنه‪ :‬أداء القسم الدستوري‪ ،‬وقلنا هذه كلها‬
‫مواطن ُخترِج أهلها من امللّة إن كانوا منتسبني إىل اإلسالم‪ ،‬وسنتحدث عن‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪407‬‬

‫الـ َم ْو ِطن َ‬
‫الر ِاب ِع‬ ‫ِ‬
‫رشحون للدخول يف الربملان ويف احلكومة وهو‪:‬‬
‫الذي ُيب أن يدخله أيضا امل ّ‬
‫ُ‬
‫الدستُوِر وبِال َقانُ ِ‬
‫ون‪.‬‬ ‫احلُك ُم بِ ُ‬
‫َ‬
‫هذا املوطن ُيب أن يدخله كل األحزاب اليت تشار يف احلكومات الطاغوتيّة‬
‫بدون استثناء ألهنم جزء من هذه التشكيلة‪.‬‬

‫ومسألة احلكم هبذه القوانني وهبذه الدساتري أُشري إىل بعض تفاصيلها‪ ،‬من بني‬
‫هذه التفاصيل‪ :‬أن اإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬ذكر يف كتابه [أضواء‬
‫البيان]‪ :‬حكم من حيكم هبذه القوانني الوضعية‪ ،‬مث بعد ذلا نتذكر ما قلناه سابقا‬
‫من عل ٍم ونربط ذلا العلم هبذا الواقع الذي سنتحدث عنه‪.‬‬

‫يقول اإلمام الشنقيطي ¬ رحة واسعة ‪-‬طبعا هذا يف تفسري سورة الكهف‪،‬‬
‫الشرعي الـ ُمخالف لتشريع خالق السماوات‬
‫ّ‬ ‫ملن أراد أن يرجع‪ -‬قال‪" :‬و ّأما النظام‬
‫واألرض‪ ،‬حتكيمه ُكفٌر خبالق السماوات واألرض‪ ،‬كدعوى أ ّن تفضيل الذكر على‬
‫ٍ‬
‫بإنصاف‪ ،‬وأهنما يلزم استواؤُها يف املرياث‪ ،‬وكدعوى أ ّن تعدد‬ ‫األنثى يف املرياث ليس‬
‫الزوجات ظلم‪ ،‬وأن الطالق ظلم للمرأة‪ ،‬وأ ّن الرجم والقطع وحنوُها أعمال وحشية ال‬
‫يسوغ فعلها باإلنسان‪ ،‬وحنو ذلا"‪.‬‬

‫مث قال‪" :‬فتحكيم هذا النوع من النظام يف أنفس اجملتمع وأمواهلم وأعراضهم‬
‫مترد على نظام السماء‬
‫وأنساهبم وعقوهلم وأدياهنم؛ كفر خبالق السماوات واألرض‪ ،‬و ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪408‬‬

‫شرع آخر‬
‫الذي وضعه خالق اخلالئق‪ ،‬وهو أعلم صاحلها ´ عن أن يكون معه ُم ّ‬
‫عُلًُّوا كبريا"(‪ )59‬انتهى كالم اإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬

‫إذا اإلمام الشنقيطي يرى أن احلكم هبذه القوانني وبني الناس يف دمائهم‬
‫وأعراضهم وأمواهلم كفر خبالق السماوات واألرض‪ ،‬وتذكرون عندما تكلمنا عن بعض‬
‫املسائل املتعلقة بالدستور وبلجنة كتابة الدستور‪ ،‬فإذا كان أعضاء الربملان وكذلا‬
‫السلطة التنفيذية والقضائية حيكمون هبذا الدستور‪ ،‬إذا هنا يأيت السؤال‪:‬‬

‫الت ْشري ِعي ِة ‪َ -‬و َأ ْعني بهمُ‬


‫ْ َ َّ‬
‫ة‬ ‫ط‬ ‫ل‬‫الس‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫الح ُك َ‬
‫وم ِة؟‪َ ،‬و َم ْن َ‬ ‫َم ْن َرب َهذه ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬
‫الب ْرِلَ َ‬
‫َ‬
‫ان‪-‬؟‬
‫أنت تذكر عندما حتدثنا عن الدستور قلنا عن اليهود والنصارى‪ :‬إهنم اختذوا‬
‫أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون هللا‪ ،‬قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبَ َارُهم‬
‫ون اَللِ﴾ [التوبة‪ ،]31:‬ويف حينها قلنا أن األحبار والرهبان قد‬ ‫ورهبانَـهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫أصبحوا أربابا بالوحي الرباوّ يف القرآن؛ وسبب تسمية الرهبان واألحبار أربابا‪ :‬أهنم‬
‫نيب هللا عيسى‪ ،‬فاهلل تبار‬ ‫غريوا وجاؤوا بالبديل عن شريعة نيب هللا موسى وعن شريعة ّ‬ ‫ّ‬
‫وتعاىل بسبب هذا التغيري‪ ،‬بسبب هذا التبديل‪ ،‬واليهود والنصارى أطاعوا علماءهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬علماؤهم اآلن أصبحوا أربابا هلؤالء اليهود وهلؤالء النصارى‪ ،‬وقلنا يف حينها‬
‫غري‪ ،‬فقد أصبح‬ ‫ِ‬
‫أيضا‪ :‬أن الذي يتالعب بشريعة رسول هللا ‘ أو يُب ّدل أو يُ ّ‬
‫بالضرورة ربًّا ملن يُطيعه‪ ،‬وأنت تعلم أن هذه احلكومة ُم َلزمة بطاعة القانون والدستور‬
‫الذي وضعه جلنة كتابة الدستور‪.‬‬

‫(‪[ )59‬أضواء البيان‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.]260‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪409‬‬

‫إذا كما أن احلرب عندما أُطيع أصبح ربًّا‪ ،‬وكما أن الراهب عندما جاء بالبديل‬
‫غريوا وب ّدلوا وجاؤوا بالبديل‪،‬‬
‫وغري وب ّدل وأُطيع أصبح ربًّا‪ ،‬جلنة كتابة الدستور أيضا ّ‬
‫ّ‬
‫وهذه احلكومة تلتزم حرفيًّا بتنفيذ هذا الدستور وبااللتزام هبذا القانون‪ ،‬بل زادوا على‬
‫ذلا أهنم يُل ِزمون املسلمني وغري املسلمني أيضا هبذه القوانني وهبذه الدساتري‪ .‬وأنت‬
‫تعلم ما الفارق بني رجل مبتدع‪ ،‬ورجل مبتدع يدعو إىل بدعته‪ ،‬فهؤالء ال يكتفون‬
‫بأهنم يُلزمون أنفسهم بالقانون وبالدستور‪ ،‬بل يُلزمون كل الناس املوجودين يف تلا‬
‫الدولة هبذه القوانني وهبذه الدساتري‪.‬‬

‫إذا ال ُميكن ملسلم أن خيتلف يف أن هذه احلكومات رهبم جلنة كتابة الدستور‬
‫وليس هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وإن ّادعوا ذلا وزعموا؛ ألن من اجتمع يف حياته ربّان‪ ،‬ال‬
‫أقر بالربوبية‬
‫فمن ّ‬‫رب آخر‪ ،‬يستحيل هذا األمر‪َ ،‬‬‫ُميكن أن يكون هللا تبار وتعاىل مع ٍّ‬
‫هلل تبار وتعاىل‪ ،‬ال يكون إىل جانب ربّنا رب آخر‪ ،‬فمن أوجد ربًّا آخر‪ ،‬فإنه يكون‬
‫عبدا هلذا الرب الذي أوجده دون هللا ¸‪.‬‬

‫عدي تذكره يقينا‪ ،‬العلماء منهم من حسنوه ومنهم من قالوا فيه‬ ‫وحديث ّ‬
‫ضعف‪ ،‬عندما قال لرسول هللا ‘‪ :‬إنا لسنا نعبدهم‪ ،‬قال‪( :‬أليس حيلون ما حرم هللا‬
‫فتحلونه‪ ،‬وحيرمون ما أحل هللا فتحرمونه؟) قال بلى‪ ،‬قال‪( :‬فتلا عبادتكم‬
‫إياهم)(‪.)60‬‬

‫إذا ربوبية متحققة بقول هللا تبار وتعاىل‪ ،‬ومن أطاعهم فقد عبدهم حلديث‬
‫عدي ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬ودعا ممّا يُقال‪" :‬كفر دون كفر‪ "...‬فإن هذه اآليات وهذه‬
‫ّ‬

‫(‪‹‹ )60‬واه الرتمذي والبيهقي والطرباو †››‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪410‬‬

‫قول قد يثبت أو ال يثبت يف نسبته إىل ابن‬ ‫احملكمات ال ُميكن أن تُلغى بسبب ٍ‬
‫عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪َ ،-‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل بالنسبة هلذه احلكومة وبالنسبة للربملان‬
‫أعضاء السلطة التشريعية‪.‬‬

‫سألت‪ :‬ما دين هذه احلكومة؟ وما دين السلطة التشريعية‬


‫َ‬ ‫األَ ْم ُر َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬إذا‬
‫وأعضاء الربملان؟‬

‫يقينا ُجتيب جازما أن دينهم الدستور وأن دينهم القانون‪ ،‬وال ميكن أن يكون‬
‫دروس ماضية عندما حتدثنا‬ ‫دينهم اإلسالم‪ ،‬وإن ّادعوا االنتساب إليه؛ ألننا قلنا يف ٍ‬
‫عن الدستور قلنا الدستور من أحكام اجلاهلية‪ ،‬وقلنا من أهواء اليهود والنصارى‪،‬‬
‫تنس أيضا يف حينها أثبتنا أن هذه القوانني وهذه الدساتري دين‪ ،‬واستشهدنا‬ ‫ولكن ال َ‬
‫بقول هللا تبار وتعاىل ﴿أم َهلم شرَكاء شرعوا َهلم ِمن ِّ‬
‫الدي ِن َما َمل يَأذَن بِِه اَللُ﴾‬ ‫ُ َُ ُ َ َ ُ ُ َ‬
‫[الشورى‪]21:‬؛ إذا هؤالء دينهم ليس دين اإلسالم وإن ّادعوا االنتساب إليه‪ ،‬وإمنا‬
‫دينهم الدستور الذي يعملون به‪ ،‬كيف؟‬

‫هللا تبار وتعاىل وضع أحكاما‪ ،‬هذا ديننا‪ ،‬جلنة كتابة الدستور وضعوا أحكاما‪،‬‬
‫هذا دينهم‪ ،‬فهم يلتزمون بأحكام الدستور أكثر مما يلتزمون بأحكام هللا ¸‪ ،‬وإذا‬
‫تعارض حكم الدستور مع حكم هللا تبار وتعاىل يعملون حبكم هللا حبكم الدستور‬
‫ويُلزمون الناس أيضا حبكم الدستور‪ ،‬فكيف ُميكن أن يكون هؤالء دينهم اإلسالم؟!‬

‫﴿والسا ِر ُق َوالسا ِرقَةُ فَاقطَعُوا أَي ِديَـ ُه َما َجَزاء ِ َا َك َسبَا نَ َكاال‬
‫هللا تبار وتعاىل قال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم﴾ [املائدة‪ ،]38:‬واللجنة عندما وضعت العقوبة اعتربت‬ ‫ّم َن اَلل ۚ َواَللُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫السرقة جرمية‪ ،‬ووضعت على هذه اجلرمية عقوبة‪ ،‬والعقوبة سجن‪ ..‬هؤالء الذين‬
‫ي ّدعون االنتساب إىل اإلسالم هل يعملون بدين الدستور أم يعملون بدين هللا ¸؟!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪411‬‬

‫َوقِس على هذا الذي قلته كل األحكام اليت جاءت يف شرع ربنا عندما جتد أن هذه‬
‫األحكام ُمتعارضة مع الدستور‪ ،‬فهم يلتزمون بالدستور ويُلزمون املسلمني بالدستور‬
‫وغري املسلمني أيضا بالدستور‪.‬‬

‫فمن دا َن بغري دين هللا ¸‪ ،‬ومن نصر غري دين هللا تبار وتعاىل‪ ،‬ومن انتصر‬
‫لغري دين هللا ¸ هل ُميكن بعد ذلا أن يقتنع ُمسلم بأن دين هؤالء هو اإلسالم؟!‪،‬‬
‫معاذ هللا أن يكون األمر كذلا‪ ،‬بل هؤالء دينهم الدستور‪ ،‬وينطبق على هؤالء‬
‫املنتسبني إىل اإلسالم القاعدة اليت كان يعمل هبا النصارى يف بالدهم عندما عزلوا‬
‫الدين عن السياسة وعن احلكم‪ ،‬قالوا‪ِ :‬‬
‫"أعط ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل" هؤالء‬
‫تنطبق عليهم هذه القاعدة اليت عُملت يف تلا الديار‪.‬‬

‫وحياضر يف املسجد‪ ،‬ويُلقي ُحماضرة ودرس‪،‬‬


‫هؤالء أيضا جتده يُصلي يف املسجد‪ُ ،‬‬
‫خيش من ِ‬
‫القتل‪ ،‬ولكن عندما‬ ‫وحافظ لكتاب هللا‪ ،‬وحيج‪ ،‬وحيضر صالة الفجر إن مل َ‬
‫يذهب إىل الربملان جتده ُحي ّكم يف الناس وحيكم يف الناس هبذه القوانني وهبذه‬
‫الدساتري‪.‬‬

‫صلَ ية‪ :‬اآلن هم يعملون ا كان النصارى يعملون يف بالدهم‪ ،‬عندما‬


‫إذًا بياملُ َح يّ‬
‫قالوا تريد أن تعبد هللا ¸ هذه الكنيسة وهذا املسجد موجود‪ ،‬أما إذا أردت أن‬
‫حتكم فاحلكم ال يكون هلل‪ ،‬وإمنا احلكم يكون للجنة كتابة الدستور‪ ،‬هؤالء هذه‬
‫رجئي خبيث يقول كفر دون كفر‪ ،‬ويتالِف كل هذه احلقائق‪،‬‬‫حقيقتهم‪ ،‬أما يأيت ُم ّ‬
‫وكل هذه األحكام‪ ،‬ويتشبث‪ ،‬ويُدلّس على الناس دينهم!‪ ،‬هذا ال ُميكن أن يُقبل‬
‫عند من كان عند من كان له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد‪َ ،‬ه َذا أَ ْم ٌر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪412‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬الحظ ابن تيمية ‪-‬رحه هللا تعاىل‪ -‬يف [الفتاوى] ماذا يقول ملن‬ ‫األَ ْم ُر َ‬
‫السنّة‪ ،‬مث تر ُحكم هللا تبار وتعاىل إىل‬ ‫كان يعلم حكم هللا ¸ يف الكتاب و ُ‬
‫حكم حاكم ُُمالف حلكم هللا ورسوله ‘‪ ،‬الحظ نص كالم ابن تيمية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫رسولِه‪ ،‬واتّـبَع ُحكم احلاك ِم املخالِف‬ ‫وسنّة‬ ‫العامل ما علِ َمهُ من كِتاب هللا‬ ‫ِ‬ ‫"ومىت تر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وسنّة رسوله‪ ،‬كان ُمرتدا كافرا‪ ،‬يستحق العقوبة يف الدنيا ويف اآلخرة‪ ،‬قال‬ ‫لكتاب هللا ُ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬املص ۝ كِتاب أُن ِزَل إِلَيا فَ َال ي ُكن ِيف صد ِرَ حرج ِمنه لِت ِ‬
‫نذ َر بِِه َوِذكَر ٰى‬‫ََ ٌ ّ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ٌ‬
‫ني ۝ اتبِعُوا َما أُن ِزَل إِلَي ُكم ِّمن ربِّ ُكم َوَال تَـتبِعُوا ِمن ُدونِِه أَولِيَاءَ ۚ قَلِيال ما‬ ‫ِ ِِ‬
‫لل ُمؤمن َ‬
‫تَ َذك ُرو َن﴾ [األعراف‪."]3-1:‬‬

‫إذا هؤالء اآلن الذين يذهبون إىل هذه الربملانات ويدخلون إىل هذه احلكومات‪،‬‬
‫هل يعلمون حكم هللا ¸ ويعلمون حكم الدستور؟!‪ ،‬يقينا يعلمون أنه ال ُيوز‬
‫للمسلم إال أن حيكم حبكم هللا تبار وتعاىل‪ ،‬ويقينا يعلمون كل أحكام هللا تبار‬
‫وتعاىل‪ ،‬ومع هذا تركوا حكم هللا ¸ وألزموا أنفسهم حبكم حاكم ُمالف لكتاب هللا‬
‫لسنّة رسول هللا‪ ..‬أمثال هؤالء يقول ابن تيمية عنهم "كان ُمرتدا كافرا‬ ‫وُمالف ُ‬‫ُ‬
‫يستحق العقوبة يف الدنيا ويف اآلخرة" واستشهد بقول هللا تبار وتعاىل يف بداية سورة‬
‫األعراف‪.‬‬

‫إذا هذا املوطن الرابع الذي ُيب أن تدخله كل هذه األحزاب اليت تشرت يف‬
‫هذه احلكومات الطاغوتية سواء كانوا يف العراق أو خارج العراق‪ ،‬فال جنعل الدائرة‬
‫عمت من املغرب إىل املشرق‪ ،‬ففي املغرب هذا‬ ‫حمصورة يف داخل العراق‪ ،‬فالطامة قد ّ‬
‫حاهلم‪ ،‬ويف اجلزائر هذا حاهلم‪ ،‬ويف تونس هذا حاهلم‪ ،‬ويف ليبيا ُحياولون أن يكون‬
‫هذا حاهلم‪ ،‬وكذلا يف مصر‪ ،‬والسودان‪ ،‬وكذلا يف األردن‪ ،‬وكذلا يف سوريا أيضا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪413‬‬

‫ُحياولون أن يكونوا كذلا‪ ،‬لكن ال يُهيئ هللا تبار وتعاىل هلؤالء أن يكون هلم موطئ‬
‫قدم يف الشام بإذن هللا تعاىل‪ ،‬وكذلا حاهلم يف العراق‪ ،‬وكذلا حاهلم يف اجلزيرة‪،‬‬
‫هؤالء احلُثالة هذا حاهلم سواء كانوا من إخوان مصر وأذناهبم أو كانوا من املرجئة‬
‫اخلُبثاء هؤالء‪.‬‬

‫إذا هذا املوطن ال خيتلف مسلم يف أنه سيدخل‪ ،‬وال نقف عند قول ابن عباس‬
‫"كفر دون كفر" مث نلغي كل هذه اآليات ونلغي كل هذه األحكام اليت ذكرها‬
‫العلماء ونقول هؤالء "كفر دون كفر"‪ ،‬وأظن أشرنا يف موطن سابق إىل هذه املسألة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬


‫س‬
‫نأ ِتي إلى الـمو ِط ِن الخ ِام ِ‬
‫من املواطن اليت ُيب أن يدخلها أعضاء هذه احلكومة والسلطة التشريعية‬
‫بالذات أقصد الربملانيون ‪-‬والعياذ باهلل منهم‪ -‬هذا املوطن نسميه‪ :‬وضع التشريعات‬
‫للمستجدات‪ ،‬موطن وضع التشريعات للمستجدات‪ ..‬إيش معىن هذا املوطن؟‬

‫أنت تعلم أن واضع الدستوِر بشر‪ ،‬فيه مجيع مواصفات البشرية وقصورهم‪،‬‬
‫فعندما وضعت اللجنة هذه مواد الدستور والقانون وضعوها بناء على ما فيهم من‬
‫قصوٍر؛ أي أنه إذا وقعت ُمستج ّدات يف املستقبل‪ ،‬هم ال يُدركون هذه املستج ّدات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهلذا ال يضعون أحكاما ألمور ستقع يف املستقبل؛ ومن ُهنا جلنة كتابة الدستور‬
‫لعلمهم هبذا العجز الذي فيهم‪ ،‬وبالقصور املوجود يف الدستور‪ ،‬قالوا أنه إذا استج ّد‬
‫شيء يف املستقبل‪ ،‬السلطة التشريعية هم الذين يضعون التشريعات‪ ..‬السلطة‬
‫التشريعية (يعين أعضاء الربملان والنواب) إذا استجد شيء وال توجد مادة دستورية أو‬
‫قانونية‪ ،‬هؤالء يضعون التشريعات يف املستقبل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪414‬‬

‫املادة (‪ )58‬من الدستور العراقي‪ ،‬الحظ هذه اللجنة وجرمية هذه اللجنة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫النواب من األعمال ا يأيت [يعين‪ :‬ما عملهم]‪ :‬أوال‪ :‬تشريع القوانني اإلحتادية‬ ‫"خيتص ّ‬
‫[هذا عملهم األول]‪ ،‬ثانيا‪ :‬الرقابة على آداء السلطة التنفيذية‪".‬‬

‫هذا عمل أعضاء الربملان‪ ،‬تشريع القوانني اإلحتادية‪ ،‬الرقابة على آداء السلطة‬
‫سمون بالسلطة التشريعية‪،‬‬
‫التنفيذية‪ .‬إذا عندما يدخلون ألربع سنوات يف الربملان يُ ّ‬
‫شرعة للدستور أعطت هلؤالء احلق‬
‫سمون باجمللس التشريعي‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن اللجنة الـ ُم ّ‬
‫ويُ ّ‬
‫شرعون‪.‬‬ ‫يف وضع التشريعات للمستجدات‪ ،‬إذا هم ُم ّ‬
‫هؤالء عندما يضعون تشريعا ‪-‬أعضاء الربملان والسلطة التشريعية هؤالء‪-‬‬
‫جهة كانت‪ ،‬وهذه املادة تذكرون عندما‬ ‫تشريعهم يعلو على أي تشريع آخر من أي ٍ‬
‫بيضة حذفوا‪ ،‬ولكن احلذف‬ ‫قلت كانت موجودة يف مسودة الدستور العراقي ويف الـ ُم ّ‬
‫ال يعين اإللغاء؛ فهم عاملون هبذه املادة رغم حذفها من أصل الدستور‪ ،‬ونص املادة‬
‫السلطة التشريعية تشريعا"‪َ ..‬من املعين هبذا؟‪ ،‬أعضاء‬ ‫كان هكذا‪" :‬إذا وضعت ُ‬
‫الربملان؛ ألن املادة (‪ )58‬اليت ذكرنا إيش عملهم األول (تشريع القوانني)‪ ،‬هذه املادة‬
‫ماذا كانت تقول؟‪" ،‬إذا وضعت السلطة التشريعية تشريعا‪ ،‬فإنه يعلو على أي تشري ٍع‬
‫خولت هؤالء بوضع‬ ‫آخر من أي جهة كانت عند التعارض بينهما"؛ إذا اللجنة ّ‬
‫تشريعات‪ ،‬ولكن كيف تُثبت بعد حذف هذه املادة أ ّن أعضاء الربملان إذا وضعوا‬
‫تشريعا فإنه يعلو على أي تشري ٍع آخر؟‬

‫الحظ املادة الدستورية العراقية‪ ،‬هذه املادة (‪ )2‬من الدستور العراقي قالوا ‪-‬‬
‫وزعموا‪:-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪415‬‬

‫مصدر ٍ‬
‫أساس للتشريع‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫" َّأوًال‪ :‬اإلسالم دين الدولة وهو‬

‫أ‪ -‬ال ُيوز ّ‬


‫سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام اإلسالم‪.‬‬

‫ب‪ :-‬ال ُيوز ّ‬


‫سن قانون يتعارض مع مبادئ ال ّدميُقراطيّة‪.‬‬

‫ج‪ :-‬ال ُيوز ّ‬


‫سن قوانني تتعارض مع احلقوق واحلريات األساسية الواردة يف هذا‬
‫الدستور"‪.‬‬

‫جتسد‪ ،‬أممكن أن خيدع الناس هبذه الطريقة؟!‪ ،‬كيف‬ ‫أيت لو أن الشيطان ّ‬ ‫أر َ‬
‫ُميكن؟!‪ ،‬إذا وضعوا ضوابط للسلطة التشريعية عندما يضعون التشريعات‪ ،‬إيش هذه‬
‫الضوابط؟‪ ،‬قال‪ :‬الضابط األول أنا إذا وضعت تشريعا ُيب أن ال ُختالِف ثوابت‬
‫اإلسالم‪ ،‬ومعىن الثابت من األحكام‪ :‬أي هي األحكام اليت ال تقبل التغيري وال‬
‫سمى أحكام ثابتة لإلسالم‪ ،‬هذا الشرط األول من جلنة كتابة الدستور‬
‫التبديل‪ ،‬هذه تُ ّ‬
‫ألعضاء الربملان‪.‬‬

‫الشرط الثاو‪ :‬قال‪ :‬إذا وضعتم تشريعا ُيب ّأال يتعارض هذا التشريع مع مبادئ‬
‫الدميُقراطية‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬إذا وضعتم تشريعا ُيب ّأال يتعارض مع احلقوق واحلريات‬
‫األساسية الواردة يف هذا الدستور‪ ،‬كيف؟!‪ ،‬كيف ممكن أن توفق بني هذه املقاطع؟!‬

‫إذا يا شباب‪ ..‬مسألة الدين واإلسالم ما أُقحم يف الدستور ُحبا يف هللا أو يف‬
‫الدين‪ ،‬وإمنا ِخداعا للمسلمني‪ ،‬وتربيرا لوجودهم يف موطن الكفر هذا‪ِ ،‬خداعا‬
‫للمسلمني وتربيرا لوجودهم يف هذا املوطن‪..‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪416‬‬

‫أناس تابعني للحزب العراقي‪ ،‬ويستنكر عليهم هذا األمر‪،‬‬ ‫ُناس إىل ٍ‬
‫عندما يأيت أ ٌ‬
‫شرع قانونا يتعارض مع‬ ‫يقول اإلسالم هو املصدر األساسي للتشريع وال ُيوز أن نُ ّ‬
‫تنس أن كل‬ ‫ضوابط أحكام اإلسالم!؛! إذا هذا للخداع!‪ ،‬وكذلا الرافضة‪ ،‬ال َ‬
‫األحزاب اليت حتكم العراق اآلن من قِبَل الرافضة‪ ،‬يف دينهم يُعتربون أحزابا إسالمية‪،‬‬
‫يَعتربون أنفسهم أحزابا إسالمية تابعني للمراجع وتابعني ألعلى ُسلطة فيهم‪ ،‬وهؤالء‬
‫اآلن حيكمون بغري ما أنزل هللا‪ ،‬ال حيكمون حىت بدينهم‪ ،‬فعندما هؤالء يريدون أن‬
‫يُربروا وجودهم ماذا يقولون؟‪ ،‬يقولون حنن قلنا يف الدستور الذي حنكم به أ ّن اإلسالم‬
‫نسن قانونا يتعارض مع ثوابت أحكام‬ ‫دين الدولة ومصدر أساسي للتشريع وال ّ‬
‫ت؟‬‫اإلسالم؛ إذا هذا للخداع‪ ،‬وهذا لتربير الوجود يف موطن الردة هذا‪َ ،‬كيَّ َ تُثْبي ُ‬
‫توحيد هللا ¸‪ ..‬هذا من الثوابت أم من املتغريات؟‪ ،‬ثوابت‪ ،‬إذا من أحكام‬
‫اإلسالم الثابتة‪ ،‬ما يقبل التغيري‪ ،‬إذا أرادوا أن يضعوا تشريعا ُيب ّأال خيالفوا ثوابت‬
‫اإلسالم‪ ،‬جيّد‪ ،‬هذا خيالف ثوابت اإلسالم‪ ،‬عندما قالوا حبرية العقيدة‪ ،‬خالفوا‬
‫اإلسالم ووافقوا الدميقراطية أم ال؟‪ ،‬كيف تُثبت؟‪ ،‬بعد ذلا عندما قالوا أ ّن اإلنسان‬
‫حر يف عبادته ويف عقيدته ويف ممارسة طقوسه‪ ،‬معناته عندما تقول بوحدانية هللا تبار‬
‫"أال تتعارض احلقوق واحلريات األساسية"‪،‬‬ ‫وتعاىل‪ ..‬قد عارض ثالثا من املادة اثنني‪ّ :‬‬
‫حر أن يعبد هللا كما يرغب‪ ،‬إذا كيف توفق هذه البنود يف وضع‬ ‫النصراو ٌ‬
‫التشريعات؟!‪ ،‬ال ميكن‪ ،‬إذا ما معىن ذكر اإلسالم هنا؟‪ ،‬للخداع وللتربير فقط‪.‬‬

‫شيء آخر‪ :‬اخلمر حترميها من الثوابت أم من املتغريات؟‪ ،‬من الثوابت‪ ،‬إذا هذا‬
‫وشربا وبيعا أم‬
‫من ثوابت أحكام اإلسالم يف ديننا احلنيف‪ ،‬زين القانون ُييزه صناعة ُ‬
‫ال؟‪ُُ ،‬ييزه وجب احلرية الشخصية‪ ،‬إذا احلرية هنا أصبحت ُمتغلّبة على ُحك ٍم ثابت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪417‬‬

‫يف ديننا؛ إذا رجعنا إىل املادة احملذوفة‪" :‬إذا وضعت السلطة التشريعية تشريعا فإنه‬
‫يعلو على أي تشري ٍع آخر من أي جهة كانت عند التعارض بينهما"‪ ،‬هذا املوطن‬
‫ُيب أن يدخله هؤالء‪.‬‬

‫أناس ُخ ِّولوا بوضع التشريعات‪ ،‬جلنة‬ ‫اآلن نربط هذا اللي قلتهُ ا قلناه سابقا‪ٌ :‬‬
‫كتابة الدستور قالوا ألعضاء الربملان أ ّن عملكم وضع التشريعات للمستجدات‪،‬‬
‫وتذكر عندما حتدثنا عن جلنة كتابة الدستور وقلنا أهنم سيكونون أربابا‪ ،‬وقلنا أهنم‬
‫يكونون شركاء هلل ¸ هبذه التشريعات اليت يضعوهنا‪ ،‬وقلنا أهنم سيأتون بدين غري‬
‫دين هللا ¸‪ ،‬كل ذلا الكالم الذي قلناه يف تلا احملاضرات ينطبق على أعضاء‬
‫فهم أرباب من دون هللا‬ ‫الربملان واألحزاب الداخلني يف احلكومات الطاغوتية هذه‪ُ ،‬‬
‫وهم شركاء هلل ¸‪ ،‬أذ ّكر باآليات‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبارهم ورهبانَـهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫ون‬ ‫َ َُ َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫اَللِ﴾ [التوبة‪ ،]31:‬شركاء هلل تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَم َهلُم ُشَرَكاءُ َشَرعُوا َهلُم ِّم َن ال ِّدي ِن َما َمل‬
‫وحكم هللا‬ ‫ِِ‬
‫يَأ َذن به اَللُ﴾ [الشورى‪ ،]21:‬وقد وضعوا دينا غري دين هللا تبار وتعاىل‪ُ ،‬‬
‫اإلس َالِم ِدينا فَـلَن يـُقبَ َل ِمنهُ َوُه َو ِيف اآل ِخَرةِ ِم َن‬
‫﴿وَمن يَـبتَ ِغ َغيـر ِ‬
‫َ‬ ‫¸ يف أمثال هؤالء َ‬
‫ِ‬
‫اخلَاس ِر َ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪.]85:‬‬

‫هؤالء املنتسبون إىل اإلسالم دائما يُوجدون التربيرات ألنفسهم لوجودهم يف‬
‫مواطن الردة وخداع املسلمني‪ ،‬فعندما يستنكر عليهم أحد كيف تدخلون يف حكومة‬
‫طاغوتية حتكم بغري ما أنزل هللا؟!‪ ،‬يقولون‪:‬‬

‫يشرعوا قانونا‬
‫حنن ندخل معارضني‪ ،‬حبيث يف أثناء األربع سنوات إذا أرادوا أن ّ‬
‫خيالف شرع هللا ¸ حنن نعرتض على هذا القانون‪ ،‬إذا وجودنا لالعرتاض على‬
‫األحكام املخالفة لشرع هللا ¸‪ ،‬وهذا من اخلداع‪ ،‬هذا من اخلداع‪ ،‬كيف؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪418‬‬

‫ألهنم أثناء االعرتاض على حكم ُمالف لشرع هللا ‪-‬يعين الربملان يريدون أن‬
‫يضعوا تشريعا‪ ..‬واضح‪ُ ..‬مالف لشرع هللا ¸‪ ،-‬هؤالء الذين ي ّدعون أهنم‬
‫غري‬
‫سيعرتضون‪ّ ،‬إما أهنم أقلّية يف الربملان وإما أهنم أكثرية‪ ،‬فإن كانوا أقلية رأيهم ما يُ ّ‬
‫شيئا‪ ،‬رأيهم واعرتاضهم ال يغري شيئا؛ ألن املواد ُحتكم باألغلبية وليس باألقلّيّة‪.‬‬
‫علي‪ ،‬أنا اعرتضت على هذا احلكم‪،‬‬ ‫يأتيا هذا املنافق ويقول لا أنا ّأديت الذي ّ‬
‫وحديث رسول هللا ‘‪( :‬من رأى منكم منكرا فليغريه بيده‪ ،‬فإن مل يستطع فبلسانه‪،‬‬
‫فإن مل يستطع فبقلبه وذلا أضعف اإلميان)(‪ ،)61‬أنا اعرتضت على هذا احلكم‬
‫املخالف بلساو!‬

‫هل يعترب أمثال هؤالء املنافقني قد أبرؤوا الذمة أمام هللا ¸ باالعرتاض عندما‬
‫يكونون أقلّية؟!‪ ،‬ال‪ ،‬ما أبرأ الذمة أمام هللا ¸‪ ،‬كيف؟؛ ألن هؤالء هم أقلية‪ ،‬هذا‬
‫يعين أن األكثرية إذا قرروا هذه املادة سيكون تشريعا‪ ..‬مادة قانونية‪ ،‬هؤالء األقلية‬
‫الذين اعرتضوا على هذا التشريع سيُ َلزمون هبذا التشريع‪ ،‬سيُ َلزمون هبذا التشريع‪..‬‬
‫القانون يلزمهم‪ ،‬وهم يُلزمون أنفسهم ألهنم ضمن هذه التشكيلة احلكومية‪ ،‬القانون‬
‫يُلزمهم؛ األكثرية ص ّدروا تشريعا ُمالفا لشرع هللا‪ ،‬أنتم اعرتضتم‪ ،‬النتيجة‪ :‬أنا ستلتزم‬
‫هبذا القانون ألنه قانون أصدره برملان وحكومة‪ ،‬وتُلزم نفسا أيضا ألنا جزء من‬
‫هذه احلكومة‪ ،‬وكل من كان جزءا من هذه احلكومة فإنه يلتزم بالتشريعات اليت تصدر‬
‫من أعضاء الربملان‪.‬‬

‫وأنت تعلم أن الشرط يف تغيري املنكر‪ّ :‬أال تكون جزءا من املنكر‪ ،‬و ّأال تُل ِزم‬
‫نفسا بذلا املنكر‪ ،‬و ّأال تُل ِزم اآلخرين بذلا املنكر‪ ،‬هذا منكر!!‪ ،‬أنت اآلن أُل ِزمت‬

‫(‪‹‹ )61‬صحيح مسلم››‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪419‬‬

‫َلزمت نفسا به؛ ألنه تشريع‪،‬‬ ‫هبذا املنكر‪ ،‬واعرتضت عليه‪ ،‬ولكنا أُل ِزمت به‪ ،‬وأ َ‬
‫َو َستُلِزُم اآلخرين أيضا به ألنه تشريع؛ إذا أين تربئة الذمة أمام هللا ¸؟!‪ ،‬وأين أنت‬
‫ُخالَِف ُكم إِ َ ٰىل َما أَنـ َها ُكم‬ ‫من قول شعيب ‪ -’-‬عندما قال لقومه‪َ ﴿ :‬وَما أُ ِر ُ‬
‫يد أَن أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ت‬‫ت ۚ َوَما تَـوفيقي إِال بِاَلل ۚ َعلَيه تَـ َوكل ُ‬ ‫يد إِال ِ‬
‫اإلص َال َ َما استَطَع ُ‬ ‫َعنهُ ۚ إِن أُ ِر ُ‬
‫يب﴾ [هود‪ ،]88:‬فالـ ُمصلح عندما ينهى عن منكر‪ :‬ال يكون جزءا من هذا‬ ‫ِِ ِ‬
‫َوإلَيه أُن ُ‬
‫املنكر‪ ،‬وال يأيت هبذا املنكر‪ ،‬وال يُل ِزم اآلخرين هبذا املنكر؛ إذا أين قولا من‬
‫االعرتاض‪ ،‬ونعرتض على «ما خيالف» حكم هللا؟!‪ ،‬أنت ستلزمين هبذه األحكام اليت‬
‫صدرت‪ ،‬وأنا مسلم!؛ إذا هذا كذب‪ ،‬خداع‪ ،‬هذا فيما إذا كانوا أقلّية‪.‬‬

‫ُمالف لشرع هللا‬ ‫الشيء اآلخر‪ :‬إذا اعرتضوا‪ :‬هؤالء األكثرية صوتوا على تشريع ٍ‬
‫ّ‬
‫¸‪ ،‬وحبكم األكثرية أصبح تشريعا‪ ،‬ما املطلوب من هؤالء األقلية؟‪ ،‬عليهم أن‬
‫يغادروا هذا اجمللس و ّأال يعودوا إليه مرة أخرى؛ ألنكم جالستم أُناسا جاؤوا بتشري ٍع‬
‫ُمالف لشرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬حكم هللا على أمثال هؤالء إذا بقي جالسا معهم ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫هؤالء ال يبقون جالسني ‹‹فقط‪ ،‬بل›› ملدة أربع سنوات يبقون معهم‪ -‬يقول هللا‬
‫ات اَللِ‬
‫اب أَن إِ َذا َِمسعتُم آي ِ‬ ‫تبار وتعاىل عن أمثال هؤالء‪﴿ :‬وقَد نَـزَل َعلَي ُكم ِيف ال ِكتَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يث َغ ِريهِ ۚ إِن ُكم إذا‬ ‫ِ‬
‫يك َفر ِهبا ويستَـهزأُ ِهبا فَ َال تَـقع ُدوا معهم حىت َخيُوضوا ِيف حد ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََُ َ ٰ‬ ‫ُ ُ َ َُ َ َ‬
‫مجيعا﴾ [النساء‪]140:‬؛ إذا هذا‬ ‫ِمثـلُهم ۚ إِن اَلل ج ِامع المنَافِ ِقني وال َكافِ ِرين ِيف جهنم َِ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ‬ ‫ّ ُ‬
‫الذي يعرتض وال يُغادر اجمللس‪ ،‬مث يبقى ملدة أربع سنوات هذا منافق‪ ،‬هذا منافق‪،‬‬
‫عملي؛ ألن هللا ¸ قال‪﴿ :‬إِن ُكم إذا ِّمثـلُ ُهم﴾ أنت ال ختتلف‬ ‫ونفاقه عقائدي وليس ّ‬
‫عن هذا الذي كفر بآيات هللا واستهزأ بآيات هللا‪ ،‬طاملا تستمر معهم إذا ما عالقة‬
‫اعرتاضا هذا بالشرع؟!‪ ،‬ال عالقة؛ ألنا أثناء االعرتاض ختالف آيات قرآنية ثابتة‪:‬‬
‫ات اَللِ يُك َف ُر ِهبَا َويُستَـهَزأُ ِهبَا فَ َال‬‫اب أَن إِ َذا َِمسعتُم آي ِ‬
‫َ‬
‫﴿وقَد نَـزَل َعلَي ُكم ِيف ال ِكتَ ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪420‬‬

‫تَـقع ُدوا معهم حىت َخيُوضوا ِيف ح ِد ٍ‬


‫يث َغ ِريهِ ۚ إِن ُكم إذا ِّمثـلُ ُهم﴾‪ ،‬أنت ال ختتلف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََُ َ ٰ‬
‫عنهم يف شيء! ﴿إِن اَلل ج ِامع المنَافِ ِقني وال َكافِ ِرين ِيف جهنم َِ‬
‫مجيعا﴾‪.‬‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ‬
‫شرعوا‪ :‬هؤالء كفار ُمستهزؤون‪ ،‬أما من بقي جالسا معهم‪،‬‬ ‫فقسم هؤالء الذين ّ‬
‫ٌ‬
‫مث أصبح جزءا منهم ملدة أربع سنوات هذا منافق؛ وهلذا قال هللا ¸ أنتم مع الكفار‬
‫ستجتمعون يف نار جهنم‪ .‬هذا األمر الثاو فيما إذا كانوا أقلّيّة‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬أن هذا االعرتاض الذي ت ّدعونه ‪-‬أهنم إذا حكموا ا خيالف شرع‬
‫هللا سنعرتض‪ ،-‬هذا االعرتاض الذي ت ّدعونه ليس اعرتاضا شرعيا‪ ،‬ليس اعرتاضا‬
‫آية أو حديث‪ ،‬ما تستطيع‪..‬‬‫شرعيا؛ ألنا أثناء االعرتاض ال تستطيع أن تستند إىل ٍ‬
‫تا وعمامتا‬‫ُناس يريدون أن يضعوا تشريعا ُمالفا لشرع هللا‪ ،‬أنت تقف ِجبُبّ َ‬‫أ ٌ‬
‫وحليتا‪ ،‬مث تقول‪ :‬قال هللا تبار وتعاىل‪ ...‬هذا احلكم ال نوافق عليه؟!‪ ،‬أو قال‬
‫رسول هللا ‘‪ ،‬وهذا احلكم ال نوافق عليه؟! ما يستطيع أن يأيت بآية وال حبديث‪،‬‬
‫وإال فاليزيدي يأيت من الكتاب األسود‪ ،‬والنصراو يأيت من اإلجنيل‪ ،‬والشيوعي يأيت‬
‫من كارل ماركس‪ ،‬والصابئي ال أدري من أين يأيت!‪ ،‬وهم ليسوا متفقني على أن‬
‫عالم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ديين سابق‪ ،‬إذا اعرتاضا غري شرعي‪ ،‬إذا َ‬ ‫يستشهدوا بدليل من أي كتاب ّ‬
‫تُبدي اعرتاضا؟‪ ،‬إما على مادة دستورية‪ ،‬وإما إىل حتليل عقلي‪ ،‬تريد أن تُر ّغب‬
‫سوغات لكي يقبلوا‪ ،‬لكن ما تستطيع أن تقول‪ :‬قال‬ ‫الناس يف هذا األمر‪ ،‬فتأيت بالـ ُم ّ‬
‫هللا ¸‪ ،‬وال أن تقول قال رسول هللا ‘‪ ،‬إذا هذا االعرتاض الذي ي ّدعونه ‪-‬إذا‬
‫ميت إىل اإلسالم بصلة‪ ،‬وأما إذا كانوا أكثرية ‪-‬وهذا الذي دائما‬
‫كانوا أقلّية‪ ،-‬ال ّ‬
‫يسعون إليه "أن نكون أكثرية حىت ُحن ِّكم شرع هللا ¸"‪ -‬وطرحوا قانونا للتصويت‬
‫موافقا لشرع هللا تبار وتعاىل ‪-‬ليس شرع هللا‪ ،‬وإمنا موافق لشرع هللا تبار وتعاىل‪-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪421‬‬

‫يشرعون شرع هللا ¸؟!‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬


‫وأُقّر هذا األمر وأصبح تشريعا‪ ،‬هل يُ َس ّمون هؤالء أهنم ّ‬
‫حيكمون ا أنزل هللا؟!‪ ،‬معاذَ هللا‪ ،‬كيف؟!‬

‫ص ّوت عليها‪،‬‬ ‫َّأوًال‪ :‬أنت َعَرض َ‬


‫ت أحكام هللا للتصويت‪ ،‬وأحكام هللا ¸ ال يُ َ‬
‫هذا أوال‪.‬‬

‫الِّيء الثَّ ياين‪ :‬هذا العرض كان على كفار أصليني ومرتدين عن دين هللا ¸‪،‬‬
‫َّ‬
‫كم نصراو‪ ،‬كم يزيدي‪ ،‬كم صابئي‪ ،‬كم رافضي‪ ،‬كم شيوعي‪ ،‬كم قومي عرضت‬
‫عليهم أمر هللا ¸؟!‪ ،‬أهؤالء يُؤخذ برأيهم وصوهتم يف "هل حن ّكم شرع هللا يف هذه‬
‫عرض على هؤالء؟!؛ إذا ال ميكن أن تقول هذا دين‬ ‫املادة أم ال"؟!‪ ،‬أحكام هللا ¸ تُ َ‬
‫أنين أنصر دينا أو أنتصر لدين؛ ألنا «تنتظر تصويت» كفار ومرتدين‪ ،‬هل نعمل‬
‫هبذه املادة هبذا التشريع أم ال؟!‪ ،‬إذا حىت لو كنت أكثرية‪ ،‬وطرحت شيئا من الدين‪،‬‬
‫هذا ال يسمى أنا حتكم شرع هللا ¸‪.‬‬

‫طبعا قول هللا ¸ على هاتني النقطتني اللتني ذكرهتما‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪:‬‬
‫ضى اَللُ َوَر ُسولُهُ أَمرا أَن يَ ُكو َن َهلُ ُم اخلِيَـَرةُ ِمن‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿وَما َكا َن ل ُمؤم ٍن َوَال ُمؤمنَة إِذَا قَ َ‬
‫َ‬
‫أَم ِرِهم﴾ [األحزاب‪ ،]36:‬املؤمنون ال ُخي ّريون‪ُ ،‬أخن ّري النصراو والرافضي واليزيدي يف‬
‫ديننا؟!‬

‫وسبب نزول اآلية عند البخاري ‪ -¬-‬يف قصة زينب بنت جحش ‪~-‬‬
‫وأرضاها‪ -‬عندما ما كانت تريد أن تتزوج من زيد ألنه كان عبدا يف األصل‪ ،‬والرسول‬
‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضى‬‫﴿وَما َكا َن ل ُمؤم ٍن َوَال ُمؤمنَة إِذَا قَ َ‬
‫‘ كان يريد منها أن تتزوج‪ ،‬فأنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫اَللُ َوَر ُسولُهُ أَمرا أَن يَ ُكو َن َهلُ ُم اخلِيَـَرةُ ِمن أَم ِرِهم﴾‪ ..‬يَا َول ُختيّـ ُر يف ديننا يزيدي؟!‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪422‬‬

‫صوت‬
‫يزيديّة؟!‪ ،‬مث تقول ُحن ّكم شرع هللا من خالل الربملان؟!‪ ،‬سافــرة؟!‪ ،‬رافض ــي؟!‪ ،‬يُ ّ‬
‫على ديننا أحنكم أم ال؟!‪ ،‬هذه نُقطتني‪.‬‬

‫النُ ْقطَةُ الثَّاليثَةُ‪ :‬فيما إذا كانوا أكثرية وأقروا شيئا يشبه دين هللا ¸‪ ،‬وليس هو‬
‫من دين هللا تبار وتعاىل‪ :‬أن هذا الذي فرحت به وظننت أنا نصرت دين هللا‬
‫¸‪ ،‬لو جاء أناس من بعد بالصوت باألغلبية‪ ،‬سيلغون العمل هبذا الذي وضعته‪..‬‬
‫﴿واَللُ َحي ُك ُم َال‬
‫ومىت كانت أحكام هللا ¸ قابلة للتغري والتبديل وفق األقوال؟!‪َ ،‬‬
‫اب﴾ [الرعد‪]41:‬؛ إذا هذا الذي أدخلته يف‬ ‫مع ِّقب ِحلك ِم ِه ۚ وُهو س ِريع احلِس ِ‬
‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َُ َ ُ‬
‫الدستور من شرع هللا ¸ هذا ليس دين هللا‪ ،‬وإمنا أخذت ُحكما ُمشاهبا حلكم هللا‬
‫يغريونه كيفما‬ ‫وأدخلته يف الدستور‪ ،‬وإال لو كان هذا حكم هللا مث يأيت أناس ّ‬
‫يشاؤون!‪ ،‬أحكام هللا تبار وتعاىل غري قابلة للتبديل وال قابلة للتغيري‪ ،‬بينما هذه‬
‫غري يف أي دورة تشريعية بل يف أثناء الدورة‬ ‫األحكام ممكن أن تُـبَ ّدل وممكن أن تُ ّ‬
‫التشريعية‪.‬‬

‫الرابي ُع فيما إذا كانوا أكثرية وأخذوا شيئا من أحكام هللا ¸‪ :‬أنت عندما‬
‫األَ ْم ُر َّ‬
‫حتكم‪ ،‬ما حتكم باسم هللا ¸‪ ،‬بل حتكم باسم الشعب‪ ،‬وهلذا إذا وضعت تشريعا‬
‫موافقا لشرع هللا ¸ مث أردت أن تُعلن‪ ،‬ما تقول "بسم هللا الرحن الرحيم‪ ،‬قال تعاىل‬
‫أو قال رسول هللا ‘"؛ بل تقول‪" :‬بسم الشعب‪ ،‬قرر جملس النواب التشريع‬
‫التا ‪ "..‬وتنتهي املسألة‪ ..‬إذا أين حتكيم شرع هللا ¸ من خالل حزب معارض أو‬
‫عرتض؟!‪ ،‬فال يُعتربون ناصرين لدين هللا سواء كانوا أقلية وسواء كانوا أكثرية‪ ،‬وهذا‬ ‫ُم َِ‬
‫املوطن يقينا ُيب أن يدخله كل حزب يشرت يف هذه احلكومات الطاغوتيّة أو‬
‫يشار يف الربملانات‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪423‬‬

‫أتعلم أمثال هؤالء ماذا قال هللا ¸ عنهم؟‬

‫يدي ويزيدية‪ ،‬ونصراو‬ ‫الذين يريدون أن ينصرون دين هللا ¸ من خالل يز ّ‬


‫ونصرانية‪ ،‬ورافضي ورافضية!‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل يف [سورة النساء‪:]139-138:‬‬
‫﴿ب ِّش ِر المنَافِ ِقني بِأَن َهلم ع َذابا أَلِيما ۝ ال ِذين يـت ِخ ُذو َن ال َكافِ ِرين أَولِياء ِمن د ِ‬
‫ون‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ند ُه ُم العِزَة﴾؟!‪﴿ ،‬أَيَـبتَـغُو َن‬
‫ني﴾‪ ،‬هنا يأيت السؤال من هللا ´‪﴿ :‬أَيَـبتَـغُو َن ِع َ‬ ‫ِِ‬
‫ال ُمؤمن َ‬
‫ندهم العِزَة فَِإن العِزَة َِللِ َِ‬
‫مجيعا﴾ [النساء‪.]139:‬‬ ‫ِ‬
‫ع َُُ‬
‫إذا هذه طريقة الذليل املهان احلقري عندما ي ّدعي‪" :‬أنين أريد أنصر دين هللا‬
‫ُ‬
‫¸"‪ ،‬أنت ذليل ما تستطيع أن تنصر نفسا‪ ،‬تنصر دين هللا ¸ من خالل‬
‫هؤالء؟‪﴿ ،‬ب ِش ِر المنافِ ِقني بِأَن َهلم ع َذابا أَلِيما ۝ ال ِذين يـت ِخ ُذو َن ال َكافِ ِر ِ‬
‫ين أَوليَاءَ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ّ َُ َ‬
‫ندهم العِزةَ فَِإن العِزةَ َِللِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫مجيعا﴾‪.‬‬ ‫ني أَيَـبتَـغُو َن ع َ ُ ُ‬
‫من ُدون ال ُمؤمن َ‬
‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪424‬‬
‫َّ ْ ُ َّ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس الثا ِني و‬
‫َ ََ َ ْ َ‬
‫الب ْرِل ِان [تك ِملة]‬ ‫الر َّد ِة ِفي ُد ُخو ِل‬
‫ِ‬
‫َمواط ُ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمدهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ .‬‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ .‬أما بعد‪:‬‬ ‫وُ‬
‫اإلخوة يف القاعة‪ ،‬وبعض اإلخوة أشاروا إلينا أن نُشري إىل ُمستجدات الساحة‪،‬‬
‫هنا بعض املسلّمات ال بُ ّد من اإلشارة إليها‪ ،‬هذه بعض املسلّمات يف ديننا‪:‬‬

‫‪-‬أن اجملاهدين ال ينتصرون دائما أحيانا يكون هلم‪ ،‬وأحيانا عليهم‪ ،‬هذه ُسنّة هللا‬
‫ضُّروُكم إِال أَذى﴾ [آل عمران‪،]111:‬‬ ‫¸‪ ،‬دليل ذلا قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬لَن يَ ُ‬
‫فقط يؤذوننا لكن ما يستطيعون أن يفعلوا أكثر من ذلا بشيء‪ ،‬فقط أذيّة‪.‬‬

‫‪-‬الشيء اآلخر‪ :‬أن هذا السبيل ال ينقطع بإذن هللا تعاىل‪- ،‬وال ق ّدر هللا‪ -‬إن‬
‫غريون وال يُب ّدلون‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬
‫قُطع فسيأيت هللا بقوم آخرين‪ ،‬هؤالء الناس بإذن هللا تعاىل ما يُ ّ‬
‫يستقيلون وال يقيلون‪ ،‬لكن لو كلنا جلسنا وتركنا اجلهاد؛ فسيأيت هللا ¸ بقوم‬
‫آخرين؛ إذا هذا الطريق سالا لو بقى منّا رجل واحد‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪425‬‬

‫وتكالب األعداء بأعدادهم وأسلحتهم وعددهم وعدهتم‪ ،‬بإذن هللا تعاىل ما‬ ‫ُ‬
‫ُحيّر فينا شعرة‪ ،‬ألننا نعلم أنه ال ميوت أح ٌد إال يف أجله الذي يُق ّدر هللا ¸‪ ،‬يُقتل‬
‫فالن يُقتل‪ ،‬مهما اختذت من األسباب يُقتل‪ ،‬ومن مل يكتب هللا ¸ له القتل لو‬
‫دخل يف مواطن القتال والقتل ما يُقتل وسيخرج بإذن هللا تعاىل‪ ،‬إذا نُقاتل أُناسا‪،‬‬
‫هذه طبيعة القتال‪.‬‬

‫هول األمر بعض الشيء‪ ،‬هؤالء ديدهنم دائما‬‫األحداث األخرية كأن اإلعالم ّ‬
‫يتلقون األخبار اليت فيها ملسة لكن يضخموهنا ويكربوهنا‪ ،‬وهلذا قد تسمع األخبار‬
‫عن مدينة املوصل وأنت تعيش يف داخل هذه املدينة وتستغرب إيش هذا الكذب!‬

‫يسر هللا ¸ لنا الوصول‪ ،‬كنا نسمع‬ ‫يوم اجلمعة واخلميس كنا يف تلا املناطق ّ‬
‫األخبار أهنم دخلوا إىل املنطقة الفالنية وتقدموا إىل املكان الفالو وهم اآلن يقاتلون‬
‫يف املكان الفالو‪ ،‬علما أنه ال يوجد شيء من هذا القبيل أساسا‪ ،‬حدث بعض‬
‫التقدم من البشمركة يف بعض املناطق‪ ،‬لكن الشباب كانوا هتيئوا للرد عليهم‬
‫وسريدوهم بإذن هللا تعاىل‪ ..‬ال‪ ،‬هؤالء َسيُـرُّدون ألهنم ُّ‬
‫أذل من أن يقفوا أمام الشباب؛‬ ‫َ‬
‫فلخلل فينا‪ ،‬قد يكون فينا معصية قد يكون فينا شيء‪ ،‬فاهلل ¸ يريد أن‬ ‫ٍ‬ ‫فإن وقفوا‬
‫ميحصنا وأن يثبتنا أكثر من ذي قبل‪.‬‬

‫‪-‬والشيء اآلخر‪ :‬ألن دائما يف وقت الضيق اإلنسان يكون أش ّد ارتباطا باهلل‬
‫¸ من وقت السعة‪ ،‬فعشنا فرتة السعة وكنا حباجة إىل أن نُضبَط قليال حىت نعاود‬
‫الكرة والتضرع إىل هللا ¸‪ ،‬قد يكون فينا من نسي خالل هذه األيام بعض الدعاء‬
‫الذي كان يدعو به‪ ،‬بعض قيام الليل الذي كان يقومه‪ ،‬فاآلن حىت نُعاود‪ ،‬هذا من‬
‫هللا تبار وتعاىل ورحة بنا‪ ،‬وإن كان فيه أو ليس فيه أذيه ما يضر هذا األمر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪426‬‬

‫يضرونا بإذن هللا تعاىل إال أذيّة‪ ،‬قد‬


‫إذا هؤالء الناس مهما فعلوا ومهما عملوا ما ُّ‬
‫يقتل بعض الشباب‪ ،‬وهؤالء نفر ألُخراهم وحنزن لفراقهم‪ ،‬ونقول كما قال الرسول‬
‫‘‪ :‬إن العني لتدمع‪ ،‬وإن القلب ليحزن‪ ،‬وال نقول إال ما يُرضي ربنا‪ ،‬إنّا لفراقكم يا‬
‫عجلوا‪ ،‬هذا‬‫شباب حملزونون‪ ،‬وقد يكون الذي يتأخر ليس بأحسن حاال من الذين ّ‬
‫يف‬
‫الذي يكرمه هللا ¸ بالعجلة‪ ،‬هذا قد ُختم له ‪-‬وهللا حسيبهم‪ ،-‬لكن اإلشكال ّ‬
‫أنا الذي بقيت حلد اآلن‪ ،‬وفالن الذي بقى حلد اآلن؛ ألنا ال تأمن على نفسا‪،‬‬
‫اإلنسان طاملا هو حي‪ ،‬فهؤالء الذين يُقتلون نسأل هللا تبار وتعاىل أن يتقبلهم‪،‬‬
‫شباب رأيناهم ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪-‬‬
‫واألحياء نسأل هللا تبار وتعاىل أن يثبتهم‪ ،‬هم ٌ‬
‫ال خيافون ‪-‬وهلل الفضل‪ ،-‬رغم أنه قد تكون الطائرات مؤثرة‪ ،‬لكن ما خيافون من‬
‫هذه الطائرات؛ ألهنم يريدون نصر دين هللا ¸‪.‬‬

‫"يوم لنا‬
‫الفر‪ ،‬فهذه سنة هللا ¸‪ ،‬كما قال أبو سفيان هلرقل‪ٌ :‬‬
‫الكر و ّ‬
‫‪-‬أما مسألة ّ‬
‫ويوم علينا"‪ ..‬ولو كان أحد ممكن أن يكون دائما له لكان رسول هللا ‘‪ ،‬وهؤالء‬
‫أتباعه والسائرون على هنجه‪ ،‬فكما كان الرسول ‘ يوما ينتصر ويوما جتده قد‬
‫أصابه ما أصابه؛ هؤالء السائرون على هذا الطريق أيضا هذا حاهلم‪ ،‬وقد يفقدون‬
‫األمانة بعض الوقت كما كان الرسول ‘ وهو يف املدينة‪.‬‬

‫حديث ّأمنا عائشة ‪ ~-‬وأرضاها‪ -‬قالت قال رسول هللا ‘‪( :‬ليت رجال‬ ‫ُ‬
‫صاحلا من أصحايب حيرسين الليلة)‪ ،‬قالت‪ :‬ومسعنا صوت السال ‪ ،‬فقال رسول هللا‬
‫‘‪( :‬من هذا؟) قال سعد بن أيب وقاص‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬جئت أحرسا‪ ،‬قالت‬
‫عائشة‪ :‬فنام رسول هللا ‘ حىت مسعت غطيطه‪ )62(.‬فهذا أسوتنا وهذا قدوتنا‪ ،‬هذا‬

‫(‪‹‹ )62‬صحيح مسلم››‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪427‬‬

‫تأمن على‬
‫كان الرسول ‘ يف املدينة هذا حالهُ‪ ،‬واجلهاد هكذا‪ ،‬يف طريق اجلهاد ما ُ‬
‫نفسا إال نادرا‪ ،‬ما تأمن يف أي حلظة‪.‬‬

‫أمر سهل جدا بإذن هللا تعاىل‪ ،‬لكن‬ ‫فمسألة البشمركة إن شاء هللا تعاىل هذه ٌ‬
‫أمثال هؤالء ‪-‬من املنافقني‬ ‫كأن اإلعالم شوش قليال‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل ُحي ّذر من ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫وليس من الكافر األصلي‪﴿ ،-‬لَو َخَر ُجوا في ُكم ما َز ُادوُكم إِال َخبَاال َوَألَو َ‬
‫ضعُوا‬
‫ِخ َاللَ ُكم يَـبـغُونَ ُك ُم ال ِفتـنَةَ َوفِي ُكم َمساعُو َن َهلُم﴾ [التوبة‪ ،]47:‬إذا ما ينبغي أن أكون‬
‫من أهل هذه اآلية‪ ،‬كيف أمسع هلؤالء وهم أعداء‪ ،‬وأصدق ما يقولون وأنا أعيش يف‬
‫أرض الواقع‪ ،‬وكذلا ما أنقل األخبار اليت أمسعها من هؤالء ألن هللا تبار وتعاىل‬
‫قال‪﴿ :‬إِذ تَـلَقونَهُ بِأَل ِسنَتِ ُكم﴾ [النور‪ ،]15:‬علما أن التلقي يكون باألذن وليس‬
‫باللسان‪ ،‬لكن لسرعة تل ّقي اخلرب ونقله قال‪﴿ :‬إِذ تَـلَقونَهُ بِأَل ِسنَتِ ُكم﴾‪.‬‬

‫مرت‬
‫فهذه أمور يسرية جدا وسهلة إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬خالل هذه السنوات ّ‬
‫ضوائق كثرية وشدائد كثرية‪ ،‬وصل األمر أحيانا نتيجة الش ّدة ما جتد إال أفرادا قالئل‪،‬‬
‫لكن يفتح هللا ¸ هبوالء القالئل‪ ،‬يعين عندما كنت تعيش يف فرتة ما تأمن على‬
‫نفسا ال يف بيت وال يف شارع وال يف تنقلا‪ ،‬لكن ما كان أح ٌد يرت اجلهاد‪،‬‬
‫حدثين أحد الشباب يف فرتة من فرتات الضيق‪ ،‬احلالة غريبة‪ ..‬سألته عن مناطقه‬
‫كيف حال دياركم اآلن؟‪ ،‬قال‪ :‬وهللا األمر صعب‪ ،‬لكن احلمدهلل العمل مستمر‪،‬‬
‫قلت‪ :‬كيف؟‪ ،‬قال‪ :‬مسألة املاء‪ ..‬وصعب جدا يعين ما جند مكانا نأوي إليه‪ ،‬ففي‬
‫يوم من األيام ضاق بنا احلال ال أدري أين نبيت أنا وصاحيب‪ ،‬فتذكرت أحدا من‬
‫الشباب العاملني كان قد جلس بعد أن خرج من السجن‪ ،‬فقلت لصاحيب‪ :‬نذهب‬
‫إىل فالن‪ ،‬هذا أعلم حبالنا يأوينا إن شاء هللا هذه الليلة‪ ،‬فطرقنا الباب‪ ،‬خرج وعندما‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪428‬‬

‫رآنا شكله مو مال واحد يرحب بالقادمني(‪ )63‬ال كالم وال هيئته‪ ،‬سلمنا عليه‪ ،‬وقلنا‬
‫(‪)64‬‬
‫يا أبو فالن ممكن أن نبيت هذه الليلة عند ؟‪ ،‬قال‪ :‬تريدون أن ترجعوو إىل بوكا‬
‫مرة ثانية؟‪ ،‬قلنا له‪ :‬ال ال‪ ،‬ال نريد أن نرجعا‪ ،‬سلمنا عليه ومشينا‪ ،‬فأنا وصاحيب‬
‫على أرجلنا نفرت «أي منشي» يف داخل املدينة‪ ،‬وجدت ‪-‬أجلا هللا‪( -‬زبالة)‪ ،‬كومة‬
‫كبرية افرتيت حول املنطقة‪ ،‬وجدت أن ما يف رائحة ما يف وساخة شيء‪ ،‬ناس ذابّني‬
‫«أي ُملقني» ُملفات البيوت‪ ،‬فقلت لصاحيب‪ :‬ننام ليلتنا هنا إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬قال‬
‫ُحم ّدثي‪ :‬أهنَأُ ليلة بِتُّها هي تلا الليلة‪ ،‬ألن أعرف ما ُييين أحد هنا! ثاو يوم الصبح‬
‫أخذنا الكامت ونزلنا للشارع‪.‬‬

‫ففي تلا الفرتة كان العمل هبذه الطريقة ما انقطع‪ ،‬فما بالا اآلن دولة وخالفة‬
‫وجيش وشرعيني وحسبة وشرطة‪ ،‬نسأل هللا تبار وتعاىل أن يعيننا على شكر هذه‬
‫النعمة‪ ،‬وعلى استخدامها فيما يُرضيه تبار وتعاىل؛ ألن النعمة تدوم بالشكر‪،‬‬
‫وباستخدامها يف املوطن الذي يُرضي هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وال ننسى أننا بشر خنطئ‬
‫ونصيب‪ ،‬فنسأل هللا تبار وتعاىل أن يغفر لنا إن أخطأنا‪ ،‬و ّأال يُؤاخذنا ا يكون منّا‬
‫أو ا يصدر من بعضنا‪ ،‬فهو أرحم حبالنا منّا‪.‬‬

‫الردة اليت تكون للداخلني يف‬ ‫نرجع إىل موضوعنا‪ ..‬كنّا نتحدث عن مواطن ّ‬
‫الربملان‪ ،‬نتكلم عن املوطن السابع الذي ينبغي أن يدخله من يـَُرش ُح‪ ،‬أو كل األحزاب‬
‫اليت تشار يف هذه احلكومات الطاغوتيّة‪ ،‬فأقول مستعينا باهلل ¸‪.‬‬

‫(‪« )63‬أي ال يظهر عليه الرتحيب بالقادمني‪».‬‬


‫(‪« )64‬سجن أنشأته القوات األمريكية ‪-‬عليها وعلى أعواهنا ُ‬
‫وخ ّدامها لعائن هللا واملالئكة‬
‫والناس أمجعني إىل يوم القيامة‪ -‬يف جنوب العراق‪».‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪429‬‬

‫َ ُ ُ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ َّ ُ َ ُ َ َّ ُ‬
‫الت َحاك ُم إلى َه ْيئ ِة األ َم ِم اِل َّت ِح َد ِة‪.‬‬ ‫أما اِلو ِطن الس ِابع فهو‪:‬‬
‫وتعرتف هبيئة األمم املتحدة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حكومة طاغوتيٍّة من هذه احلكومات إال‬
‫ٍ‬ ‫ما من‬
‫ولديها االستعداد ألن تتحاكم إىل هيئة األمم املتحدة حل ّل املشاكل‪ ،‬فما هي هيئة‬
‫األمم املتحدة هذه؟‬

‫منظمة دولية‪ ،‬هلا ضوابط وقوانني ‪-‬شرائع‪ ،-‬تعمل على فصل النزاعات اليت‬
‫تكون يف داخل الدولة (والدولة عاجزة عن حل هذه املشاكل)‪ ،‬وأحيانا حتل املشاكل‬
‫اليت تكون بني الدول‪.‬‬

‫فما من طاغوت حيكم بالد املسلمني إال وله قضية ُحمالة إىل هيئة األمم‬
‫املتحدة‪ ،‬يف بلدنا اآلن يف العراق‪ :‬مسألة األراضي املتنازع عليها‪ ،‬هذه قضية حمالة إىل‬
‫هيئة األمم املتحدة ‪-‬قضية داخليّة‪ ،-‬مشكلة العراق البعثيني يف زمنهم مع الكويتيني‪،‬‬
‫هذه التعويضات اليت تُدفع‪ ..‬قضية حمالة إىل هيئة األمم املتحدة‪.‬‬

‫إذا أحيانا الـ ُمشكلة تكون داخليّة يستعصي على احلكومة الطاغوتيّة حلّها‪،‬‬
‫فيُحيلوهنا إىل هيئة األمم املتحدة‪ ،‬وأحيانا تكون خارجيّة‪.‬‬

‫قسما بالد املسلمني (سايكس وبيكو) هؤالء‬


‫تنس أن اخلبيثني اللذين ّ‬
‫ولكن ال َ‬
‫من خبثهم عندما وضعوا احلدود وضعوا قنابل موقوتة بني كل مصرين من أمصار‬
‫املسلمني‪ ،‬فمشاكل احلدود بني مجيع الدول هذه اآلن موجودة‪ ،‬مشكلة بني العراق‬
‫وإيران موجودة‪ ،‬مشكلة بني العراق والكويت موجودة‪ ،‬مشكلة بني سوريا مع تركيا‬
‫على اإلسكندرونة موجودة‪ ،‬مشكلة يف منطقة ‹‹حاليب وشالتني›› بني السودان‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪430‬‬

‫وبني مصر موجودة‪ ،‬بني ليبيا وبني اجلزائر وبني املغرب على الصحراء املغربية‪ ،‬بني‬
‫باكستان وبني اهلند على منطقة كشمري‪ ،‬بني‪ ...‬فما جتد دولة من بالد املسلمني إال‬
‫قسموا احلدود جعلوا يف بقعة من البقاع شيء أدخلوا من هنا وشيء أخرجوا‬ ‫عندما ّ‬
‫من هنا‪ ..‬فهذه جعلوها قنابل موقوتة حياولون أن يفجروها يف األوقات اليت تكون يف‬
‫صاحلهم‪.‬‬

‫فجروا احلدود بني‬


‫فعندما طغى اخلميين النجس ذا وبدأ يهدد ويُص ّدر الثورة‪ّ ،‬‬
‫البعثيني وبني هؤالء‪ ،‬واستمر القتال لثمان سنوات‪ ،‬فال هؤالء بقوا على ما كانوا عليه‬
‫وال هذا استطاع أن حيقق ما كان يصبو إليه يف ذلا الوقت‪ ،‬والفتيلة بدأت من‬
‫مسألة أراضي كذا مرت من هنا وكذا مرت أو كيلو مرت من هنا؛ إذا هذه القضايا كلها‬
‫ُحتال إىل هيئة األمم املتحدة‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل الذي ينبغي أن نُ ّ‬
‫ؤصله‪.‬‬

‫األَم ُر الث ِاو‪ :‬أن هذه احلكومة أو هذه اهليئة‪ ..‬هل هي هيئة طاغوتية أم ال؟‪،‬‬
‫حبيث الذين يتحاكمون إىل اهليئة نستطيع أن نسميهم يتحاكمون إىل الطاغوت أم‬
‫ال؟‬

‫إذا حنتاج إىل إثبات هيئة احلكم الشرعي يف هيئة األمم املتحدة‪ ،‬الوصول إىل‬
‫سهل جدا بإذن هللا تعاىل؛ ألن القائمني على هذه اهليئة ُك ّفار أصليون‪ ،‬قد‬
‫هذا األمر ٌ‬
‫كفار أصليون‪ ،‬هؤالء الكفار‬ ‫يشرت معهم منتسبون إىل اإلسالم‪ ،‬لكن األصل أهنم ٌ‬
‫األصليون وضعوا شرائعهم لرفع النزاعات بني الدول والقضايا اليت حتدث يف داخل‬
‫كفار‬
‫الدول؛ إذا يقينا ال هم مسلمون‪ ،‬وال هلم عالقة بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬وإمنا ٌ‬
‫املرجئي يف تسمية هؤالء‬
‫ّ‬ ‫أصليون وضعوا قوانني ودساتري‪ ،‬إذا ال خيتلف حىت‬
‫بالطواغيت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪431‬‬

‫وحييلون‬
‫فإذا ثبت لنا أن هؤالء طواغيت‪ ،‬وهؤالء ي ّدعون االنتساب إىل اإلسالم‪ُ ،‬‬
‫القضايا إىل هذه احملكمة‪ ،‬ابن القيم ‪ -¬-‬يف تفسريه للطاغوت قال‪" :‬وطاغوت‬
‫ُكل ٍ‬
‫قوم من يتحاكمون إليه غري هللا ورسوله"‪ ،‬إذا هؤالء أثبتنا أهنم طواغيت‪ ،‬وهؤالء‬
‫أثبتنا أهنم يتحاكمون إىل هؤالء الطواغيت‪ ،‬هذه مسألة ما خيتلف عليها إنسان‬
‫يعيش يف هذا العصر‪.‬‬

‫فإذا علمت أن هذه احلكومات ‪-‬وفيها األحزاب اليت ت ّدعي االنتساب إىل‬
‫اإلسالم‪ -‬يتحاكمون إىل هيئة األمم املتحدة‪ ،‬هذا فعلهم‪ ،‬فما حكم ربّنا حلل هذه‬
‫النزاعات؟‪ ،‬ما املطلوب منّا شرعا يف النزاعات اليت تقع بني املسلمني؟‬
‫املطلوب منّا أن نتحاكم إىل شرع هللا ¸؛ يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَفَـغَيـر اَللِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ُم َفصال﴾ [األنعام‪ ،]114:‬الذي يتحاكم‬ ‫َنزَل إِلَي ُك ُم الكتَ َ‬
‫أَبـتَغي َح َكما َوُه َو الذي أ َ‬
‫إىل هيئة األمم املتحدة‪ ،‬عن هذا السؤال سيجيب هللا تبار وتعاىل يقول‪ :‬نعم‪ ،‬غري‬
‫هنا يا رب‪ ،‬ونتحاكم إليه‪﴿ ..‬أَفَـغَيـر اَللِ أَبـتغِي﴾‪ ،‬عىن‪ :‬أريد‪ ،‬أطلب‪﴿ ،‬أَفَـغَيـر اَللِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أَبـتَغِي َح َكما﴾‪.‬‬

‫هذا الذي بني يديا فيه تفصيل كل شيء‪ ،‬فلماذا ال تتحاكم إىل هللا تبار‬
‫تعاىل؟!‪- ،‬يعين إىل كتابه وإىل سنة رسوله‪ -‬ملاذا تتحاكم إىل أولئا؟!‪ ،‬هذه اآلية‬
‫مطلوب من املسلمني وممن ي ّدعون االنتساب إىل اإلسالم إذا أرادوا أن‬ ‫ٌ‬ ‫األوىل‪ ،‬إذا‬
‫حيلّوا نزاعا داخليا أو خارجيا أن ُحييلوا األمر إىل كتاب هللا تبار وتعاىل وإىل سنة‬
‫رسول هللا ‘‪َ ،‬ه يذهي اآليَةُ األُ ْو َل‪.‬‬
‫ول َوأُوِ‬ ‫وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫َطيعُوا الر ُس َ‬ ‫َ‬ ‫أَ َّما اآليَةُ الثَّانيَةُ‪ :‬فقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَطيعُوا اَللَ‬
‫إِن ُكنتم تُـؤِمنُو َن بِاَللِ‬
‫ُ‬ ‫ول‬‫األَم ِر ِمن ُكم ۚ فَِإن تَـنَ َازعتُم ِيف َشي ٍء فَـرُّدوه إِ َىل اَللِ والرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪432‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواليَـوم اآل ِخ ِر ۚ َٰذل َ‬
‫ا َخيـٌر َوأَح َس ُن تَأ ِويال﴾ [النساء‪ ،]59:‬إذا هللا تبار وتعاىل قال‬
‫أنه سيكون هنا نزاع‪ ،‬لكن إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر؛ عليكم أن ُحتيلوا‬
‫هذه النزاعات إىل كتاب هللا تبار وتعاىل وإىل سنة رسول هللا ‘‪.‬‬

‫هذه األحزاب اليت تنتسب إىل اإلسالم‪ ،‬وفيهم حفظة لكتاب هللا ¸‪ ،‬أين هم‬
‫ٍ‬
‫حكومة ُحتيل القضايا إىل هيئة األمم املتحدة‪،‬‬ ‫من هذه اآليات عندما يكونون ضمن‬
‫وهللا ¸ يأمرهم أن ُحييلوها إىل كتاب هللا وإىل سنة رسوله؟!‪ ،‬هذه اآلية الثانية‪.‬‬

‫﴿وَما اختَـلَفتُم فِ ِيه ِمن َشي ٍء﴾‬ ‫ي‬


‫َوأَ َّما اآليَةُ الثَّالثَةُ‪ :‬فيقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫أي شيء‪ ،‬سواء كان داخليا أو خارجيا‪ ،‬كل األمور ُيب أن ُحتال إىل‬ ‫[الشورى‪ّ ،]10:‬‬
‫﴿وَما اختَـلَفتُم فِ ِيه ِمن َشي ٍء فَ ُحك ُمهُ إِ َىل اَللِ﴾‬
‫كتاب هللا وإىل سنّة رسول هللا‪َ ،‬‬
‫[الشورى‪ ،]10:‬ليس إىل هيئة األمم املتحدة‪.‬‬

‫إذا ال اآلية األوىل ُجتيز التحاكم إىل غري هللا‪ ،‬وال اآلية الثانية ُجتيز التحاكم إىل‬
‫غري شرع هللا‪ ،‬وال اآلية الثالثة ُجتيز التحاكم إىل غري شرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬فهذه‬
‫األحزاب عندما تكون ضمن هذه التشكيالت‪ ،‬ويتحاكمون إىل هيئة األمم‬
‫الـ ُمتحدة‪ ،‬ويرفعون القضايا هنا ؛ إذا هؤالء قد خالفوا هذه اآليات الثالث الصرحية‬
‫املحكمة‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬
‫ُ‬
‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬ما املطلوب ِمنّا؟‪ ،‬هؤالء أوجدوا هيئة أُممية ُمتّحدة‪ ،‬فما املطلوب‬
‫منّا شرعا؟‬

‫حنن املسلمون هللا تبار وتعاىل أمرنا أن حنكم بينهم ا أنزل هللا‪ ،‬ال أن نتحاكم‬
‫إليهم‪ ،‬أمرنا أن حنكم بني أعضاء هيئة األمم املتحدة والدول ال ُكفريّة التابعة هليئة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪433‬‬

‫األمم املتحدة‪ ،‬حنن املسلمون مأمورون من هللا تبار وتعاىل أن تكون لنا حنن‬
‫حمكمتنا الدولية الشرعية حىت حنكم على هؤالء ويف هؤالء ا أنزل هللا‪ ،‬ال أن‬
‫نتحاكم إىل شرعهم‪ ..‬يقول هللا تبار وتعاىل ‪-‬الحظ‪﴿ :-‬فَِإن َجاءُو َ فَاح ُكم‬
‫ضُّرو َ َشيئا ۚ َوإِن َح َكم َ‬
‫ت‬ ‫بَـيـنَـ ُهم أَو أَع ِرض َعنـ ُهم ۚ َوإِن تُـع ِرض َعنـ ُهم فَـلَن يَ ُ‬
‫ني﴾ [املائدة‪.]42:‬‬ ‫ِِ‬
‫ب ال ُمقسط َ‬‫فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم بِال ِقس ِط ۚ إِن اَللَ ُِحي ُّ‬
‫إذا ينبغي أن تكون لنا حنن حمكمتنا الدولية‪ ،‬وأن هؤالء ‪-‬بسبب عدالة‬
‫حماكمنا‪ -‬يتحاكمون إلينا‪ ،‬فإذا جاؤونا ورفعوا النزاعات إلينا‪ ،‬حنن باخليار‪ ،‬إذا أردنا‬
‫أن ننظر يف هذه القضية ننظر‪ ،‬وإذا أردنا أن نُعرض عن النظر يف هذه القضية ُيوز‬
‫لنا شرعا أن نُعرض عن هذه القضية‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل إذا غلّبنا جانب اإلعراض‬
‫ضُّرو َ َشيئا﴾‪ ،‬إذا قررت أن ال تنظر يف النزاعات اليت بينهم‪ ،‬ال حتسب‬ ‫قال‪﴿ :‬فَـلَن يَ ُ‬
‫حساب أهنم قد يضروو؛ ألهنم جتشموا اجمليء إلينا‪ ،‬مث بعد ذلا عرضوا‪ ،‬وحنن قلنا‬
‫﴿وإِن تـُع ِرض َعنـ ُهم فَـلَن يَ ُ‬
‫ضُّرو َ‬ ‫ال ننظر يف قضاياكم‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫السادة‪،‬‬‫َشيئا﴾‪ ..‬ال حتسب هلم حساب إذا قررت أن ال تنظر يف قضاياهم؛ إذا حنن ّ‬
‫األعزاء‪ ،‬حنن الذين يأتون إلينا‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل يف عليائه جعل األمر إىل إرادة‬
‫حنن ّ‬
‫املسلم‪ ،‬قال إن أردت أن حتكم األمر إليا‪ ،‬وإن أردت أن تصرف النظر عن هذه‬
‫القضايا اليت حتدث بينهم فاألمر إليا‪.‬‬

‫﴿فَِإن َجاءُو َ فَاح ُكم بـَيـنَـ ُهم أَو أَع ِرض َعنـ ُهم ۚ َوإِن تُـع ِرض َعنـ ُهم فَـلَن يَ ُ‬
‫ضُّرو َ‬
‫ت فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم بِال ِقس ِط﴾‪ ..‬إذا أردت‪ ..‬ال حتسب هلم‬ ‫َشيئا ۚ َوإِن َح َكم َ‬
‫حساب‪ ،‬لكن إذا أردت أن حتكم بينهم عليا أن حتكم بينهم بالقسط؛ واحلكم‬
‫بالقسط ال يكون إال على ضوء كتاب هللا تبار وتعاىل وسنة رسوله‪ .‬هذا املطلوب‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪434‬‬

‫منّا جتاه هؤالء‪ ،‬ال أن تُ ّشكل حكومة طاغوتية‪ ،‬مث بعد ذلا هذه احلكومة ترفع‬
‫نزاعاهتا وقضاياها إىل هيئة األمم املتحدة‪َ ،‬ه يذهي اآليَةُ األُ ْو َل‪.‬‬

‫ص ِّدقا لِّ َما‬‫اب بِاحلَ ِّق ُم َ‬


‫اآليةُ الثَّانييةُ‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وأَنزلنَا إِلَي َ ِ‬
‫ا الكتَ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َنزَل اَللُ ۚ َوَال تَـتبِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بـ َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ني يَ َديه م َن الكتَاب َوُم َهيمنا َعلَيه ۚ فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنزَل اَللُ﴾‪..‬‬ ‫أَه َواءَ ُهم َعما َجاءَ َ م َن احلَ ِّق﴾ [املائدة‪﴿ ،]48:‬فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬
‫اب َوُم َهي ِمنا﴾ إذا حنن‬ ‫ني ي َدي ِه ِمن ال ِكتَ ِ‬ ‫﴿وأَنزلنا إِلَيا ال ِكتاب بِاحل ِق م ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ص ّدقا لّ َما بَـ َ َ‬
‫َ ََ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫سيطر على الكتب السابقة‪ ،‬فبهذا الكتاب الذي أنزله وهو‬ ‫ط‪ُ ،‬م ٌ‬‫مهيمن‪ُ ،‬مسل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كتابنا‬
‫َنزَل‬ ‫ِ‬
‫كتاب له اهليمنة على باقي كتب هللا اليت نزلت‪ ..‬قال‪﴿ :‬فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬ ‫ٌ‬
‫اَللُ﴾‪ ..‬هؤالء عليا أن حتكم بني تلا الدول ‪-‬وهم على دينهم‪ -‬أن حنكم بينهم‬
‫﴿وَال تَـتبِع أَه َواءَ ُهم﴾؛ ألنا إذا حكمت قد يدخل أحدهم‬ ‫ا أنزل هللا ¸‪َ ،‬‬
‫وحياول أن يُؤثّر عليا باألهواء اليت لديهم‪ ،‬هذا ما جاء يف اإلجنيل‪ ،‬هذا ما جاء يف‬
‫الدستور‪ ...‬عليا أن تكون على حذر من هذا اجلانب‪ ،‬وأن حتكم بينهم ا أنزل‬
‫هللا ¸‪.‬‬

‫ما حال َمن هذه اآلية يف كتابه؟!‪ ،‬كيف دخل إذا هؤالء يف هذه احلكومات؟!‪،‬‬
‫وكيف أصبحوا جزءا من هذه احلكومات؟!‪ ،‬وكيف يرضون أن يرفعوا قضاياهم إىل‬
‫أ ٍ‬
‫ُناس أمرنا هللا أن حنكم بينهم بشرعنا؟!‪ ،‬وهذا ال يكون كما تعلم إال إذا مكننا هللا‬
‫تبار وتعاىل يف األرض‪ ،‬وأسأل هللا ¸ يف املستقبل ملن يأيت من بعدنا أو يف عصرنا‬
‫أن تكون هنا حمكمة عاملية إسالمية‪ ،‬يُعلنون أن من لديه قضية نزاع ترفعون إلينا‪،‬‬
‫ألن هللا ¸ أمرنا أن ننظر يف قضاياكم‪ ،‬ولكن جنعل من ضمن اإلعالن‪ :‬ال تظن أن‬
‫نصرف النظر عنها وال نستلمها‬‫ُ‬ ‫نقبل النظر فيها‪ ،‬فبعض القضايا قد‬
‫ُك ّل القضايا ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪435‬‬

‫خرينا‪ ..‬هذا حنن‪ ،‬هذا هو‬


‫أساسا؛ ألن هللا تبار وتعاىل يف بعض اآليات قد ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬هذا هو القرآن‪ ،‬جيّد‪ ،‬أين هؤالء الـ ُمنتسبون إىل اإلسالم من هذه‬
‫اآليات؟!‬

‫َنزَل اَللُ َوَال تَـتبِع أَه َواءَ ُهم َواح َذرُهم أَن‬ ‫ِ‬ ‫اآليةُ الثَّاليثَةُ‪ِ :‬‬
‫﴿وأَن اح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ا﴾ [املائدة‪.]49:‬‬ ‫َنزَل اَللُ إِلَي َ‬ ‫يَـفتِنُو َ َعن بَـع ِ‬
‫ض َما أ َ‬
‫َنزَل اَللُ َوَال تَـتبِع أَه َواءَ ُهم َواح َذرُهم أَن يَـفتِنُو َ ﴾ هنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وأَن اح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬
‫َ‬
‫عىن‪ :‬يصرفو عن بعض ما أنزل هللا إليا‪ ،‬إذا نتشبّث بشرع هللا تبار وتعاىل‪،‬‬
‫وبأحكام هللا ¸‪ ،‬وال نقبل أن تُؤثّر فينا أهواؤهم‪ ،‬وال نقبل منهم أن حيملونا على أن‬
‫﴿واح َذرُهم أَن يَـفتِنُو َ َعن‬ ‫ٍ‬
‫نغض الطرف عن شيء من أحكام هللا تبار وتعاىل‪َ .‬‬
‫ا﴾ هذه وصية أرحم الراحني باملسلمني‪.‬‬ ‫َنزَل اَللُ إِلَي َ‬ ‫بَـع ِ‬
‫ض َما أ َ‬
‫تتصور حال هذه احلكومات املوجودة‬
‫فإذا علمت هاتني احلقيقتني‪ ..‬وعليا أن ّ‬
‫ُناس يسمون أنفسهم أحزابا إسالمية‪ ،‬وجتدهم ضمن هذه التشكيلة‬ ‫اآلن وفيها أ ٌ‬
‫قرون‪ ،‬بل يرفعون قضاياهم إىل هيئة األمم املتحدة!‪ ،‬إذا من أحال قضية إىل هيئة‬
‫يُ ّ‬
‫األمم املتحدة‪ ،‬فقد خالف يف اجملموعة األوىل ثالث آيات‪ ،‬ويف اجملموعة الثالثة‬
‫ف هذه اآليات ورفع القضايا ويقول‪ :‬أنا‬ ‫ٍ‬
‫خالف ثالث آيات من كتاب ربنا‪َ ،‬خالَ َ‬
‫مسلم‪( ..‬حزب إسالمي عراقي)‪( ،‬إخوان مسلمون) ماحكم هذا اإلسالم املزعوم يف‬
‫كتاب هللا ¸؟!‬
‫ِ ِ‬
‫ا َوَما‬ ‫ين يَـزعُ ُمو َن أَنـ ُهم َآمنُوا ِ َا أُن ِزَل إِلَي َ‬
‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَ َمل تَـَر إ َىل الذ َ‬
‫يدو َن أَن يـتَحا َكموا إِ َىل الطاغُ ِ‬ ‫ِ‬
‫وت َوقَد أ ُِم ُروا أَن يَك ُف ُروا بِِه َويُِر ُ‬
‫يد‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ا يُِر ُ‬‫أُن ِزَل ِمن قَـبل َ‬
‫لدي هكذا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الشيطَا ُن أَن ي ِ‬
‫ض َالال بَعيدا﴾ [النساء‪ ،]60:‬إذا تفاصيل اآلية اآلن ّ‬ ‫ضل ُهم َ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪436‬‬

‫إنسا ٌن ي ّدعي أنه ُمسلم‪ ،‬حدثت له بعض النزاعات بعض اخلالفات مع بعض‪ ..‬أراد‬
‫يدو َن﴾ واإلرادة من أعمال القلوب طبعا‪ ،‬اآلن ال ُحياسب‬ ‫أن يرفعها‪" ..‬أراد"‪﴿ ..‬يُِر ُ‬
‫عمل اجلوار ‪ ،‬اآلن ُحياسبه هللا تبار وتعاىل على اإلرادة اليت حتققت يف قلبه‪،‬‬ ‫على ِ‬
‫وت﴾‪ ،‬هذه اإلرادة اليت حتققت يف قلبه‪َ ،‬ح َكم هللا‬ ‫يدو َن أَن يـتَحا َكموا إِ َىل الطاغُ ِ‬
‫﴿يُِر ُ‬
‫َ َ ُ‬
‫¸ عليه باإلميان الذي عنده أ ّن هذا زعم‪ ،‬هذا اإلميان الذي ت ّدعيه هذا زعم‪ ..‬زعم‬
‫الز ْع يم‪:‬‬
‫اء َماذَا قَالوا َع ْن َّ‬ ‫يي‬ ‫ِ‬
‫عىن‪ :‬كذب‪ ،‬الحظ العُلَ َم َ‬
‫يم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف رسالته يف [حتكيم‬ ‫ي‬ ‫ول َّ‬
‫الِّيّ ُخ ُُمَ َّم ْد بن إبْ َراه ْ‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫تكذيب هلم فيما‬
‫ٌ‬ ‫القوانني]‪ ،‬له رسالة هبذا العنوان‪ ،‬قال‪" :‬فإن قوله ¸ ﴿يَـزعُ ُمو َن﴾‪:‬‬
‫النيب ‘ مع اإلميان يف‬
‫ُيتمع التحاكم إىل غري ما جاء به ُّ‬
‫ّادعوه من اإلميان‪ ،‬فإنه ال ُ‬
‫قلب ٍ‬
‫عبد أصال‪ ،‬بل أحدُها يُنايف اآلخر"‪.‬‬ ‫ِ‬

‫قال أنا مسلم (حزب إسالمي عراقي)‪ ،‬لكن يقبل بالتحاكم إىل هيئة األمم‬
‫عم)‪ ،‬حممد بن إبراهيم يقول‪ :‬هذا‬ ‫(ز ٌ‬
‫املتحدة‪ ،‬هذا الذي ي ّدعيه يقول هللا ¸ عنه‪َ :‬‬
‫االدعاء ‪-‬من رضي أن يتحاكم إىل غري النيب ‘‪ ،‬إىل غري ما أنزل هللا‪ ،-‬هذا يُنايف‬
‫اإلميان الذي لديه؛ ألن اإلميان باهلل مع اإلميان بالتحاكم إىل هؤالء ال ُيتمعان يف‬
‫عبد أبدا‪ ،‬يستحيل‪ ،‬النقيضان ال ُيتمعان وال يرتفعان‪ ،‬هذا قول حممد بن‬ ‫قلب ٍ‬‫ِ‬
‫إبراهيم ‪.-¬-‬‬
‫الِّ ْن يق ي‬ ‫ي‬
‫يط ُّي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪" :‬ومن أصلح‬ ‫ام َّ‬‫ول ا يل َم ُ‬
‫الح ْظ َماذَا يَ ُق ُ‬
‫األدلة يف هذا أن هللا جل وعال يف سورة الن ِ‬
‫ساء ّبني أن من يُريدون أن يتحاكموا إىل‬
‫يتعجب من َزعمهم أهنم مؤمنون‪ ،‬وما ذلا إال ألن دعواهم اإلميان‬
‫شرعه هللا ّ‬
‫غري ما ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪437‬‬

‫حيصل منه العجب"‪ .‬يعين من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫مع إرادة التحاكم إىل الطاغوت بالغةٌ يف الكذب ما ُ‬
‫األمور العجائب‪ :‬أن ت ّدعي اإلميان‪ ،‬مثّ تتحاكم إىل الطواغيت!!‬

‫إذا أثبتنا اآلن أن هؤالء طواغيت‪ ،‬هؤالء ي ّدعون االنتساب إىل اإلسالم‪،‬‬
‫ويرفعون القضايا إىل هيئة األمم املتحدة‪ ،‬إذا ما تقول يف هذا اإلميان الذي عندهم؟!‬
‫ُ‬
‫عم)‪ ،‬وهذا فهم عُلماء أهل السنّة واجلماعة هلذه آلية‬
‫(ز ٌ‬
‫هللا تبار وتعاىل يقول هذا َ‬
‫ِ‬
‫وألمثال هؤالء‪.‬‬

‫موطن ُخيرج صاحبهُ من امللّة‪ ،‬وهم قد دخلوا يف هذا املوطن‪،‬‬‫ٌ‬ ‫إذا هذا‬
‫ِ‬
‫الطاغوت ال‬ ‫وسيدخلون أيضا طاملا رضوا أن يكونوا مع الطو ِ‬
‫اغيت‪ ،‬فمن كان مع‬
‫يضره أن يتحاكم أيضا إىل الطواغيت‪ ،‬هذا املوطن السابع‪.‬‬
‫ّ‬

‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ َّ ُ ْ‬


‫الك األس ِلح ِة املحرم ِة‬
‫ريم ام ِت ِ‬
‫أما اِلو ِطن الث ِامن‪ :‬االل ِتزام ِبتح ِ‬
‫ُد َوِليا‪.‬‬
‫إيش معىن هذا الكالم؟‪ ،‬أنت تعلم أن هذه القوة البشرية (أمريكا ومن حوهلا)‬
‫هلم سطوهتم على من حتتهم من الدول‪ِ ،‬‬
‫هؤالء أصدروا قانونا‪ ،‬ضمن هذا القانون‬
‫حرموا بعض األسلحة‪ ،‬تُعرف بامسني هذه األسلحة‪ :‬أسلحة الدمار الشامل‪،‬‬
‫ِ‬
‫اليهود (إذا سرق الشريف تركناه‪،‬‬ ‫واألسلحة احملرمة دوليًّا‪ ..‬وهذا التحرمي على عقيدةِ‬
‫ُ‬
‫الضعيف أقمنا عليه احلد)؛ فمسألة قرار حترمي هذا السال ليس على‬
‫ُ‬ ‫وإذا سرق فينا‬
‫ِ‬
‫التحرمي ينقسمون إىل ثالث‪:‬‬ ‫الدول أمام هذا‬
‫اجلمي ِع‪ ،‬وإمنا ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪438‬‬

‫قسم من الدول ميتلكونه‪ ،‬هم حرموه وهم ميتلكونه‪ ،‬كـأمريكا وفرنسا وبريطانيا‬
‫ٌ‬
‫صنف‬
‫والصني وروسيا‪ ،‬هؤالء كلهم حيرمون هذه األسلحة لكن هم ميلكوهنا‪ ،‬هذا ٌ‬
‫من الدول‪.‬‬

‫الصنف الثاو من الدول‪ :‬أرادوا أن ميلكوا‪ ،‬فشنّع عليهم هؤالء أ ّن حر ٌام عليا‬
‫ُ‬
‫أن متتلا هذه األسلحة‪ ،‬وبِسبب حماولة هؤالء المتال األسلحة ذهبت دولة‬
‫ٍ‬
‫ألسباب أخرى‬ ‫البعثيني‪ ،‬ألهنم أرادوا أن ميتلكوا‪ ،‬اختلقوا هلم التربيرات وما إىل ذلا‪،‬‬
‫َد َخلوا هذه الدولة ألنكم تُريدون أن متلكوا أسلحة حمرمة دوليًّا‪ .‬بينما إسرائيل متلا‬
‫وال أحد يستطيع أن ُحي ِدث مع إسرائيل شيئا‪.‬‬

‫وحرموا هذا السال على من يُريد أن ميتلا‪ ،‬ومن أراد أن‬ ‫إذا أجازوا ألنفسهم‪ّ ،‬‬
‫عمر الق ّذايف فالرجل‬
‫ميتلا ُحياربونه‪ ،‬كحاهلم مع إيران‪ ،‬كحاهلم مع البعثيني‪ ،‬أما ُم ّ‬
‫حل النووي وباع ُخ َردة‪.‬‬
‫فهم الدرس من البداية عندما رأى ما َح ّل بصدام ُمباشرة ّ‬
‫الصنف الثالث‪ :‬فحديثنا عن هذا الصنف الثالث‪ ،‬هؤالء مباشرة دخلوا يف‬ ‫ُ‬ ‫أما‬
‫السل ِم ووقّعوا على أهنم ُحيّرمون امتال هذه األسلحة اآلن وكذلا يف املستقبل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫كهذه احلُثالة املوجودة اآلن الذين حيكمون بالد املسلمني ُكلهم وقعوا على حترمي‬
‫امتال أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وأحدهم عندما يُف ّكر يف هذا األمر‪ ..‬يُقال له‪ :‬أنت‬
‫فق معنا على حترمي هذه األسلحة‪ .‬وهلذا ال يُف ّكر أحد منهم يف يوم من األيام أن‬‫ُمتّ ٌ‬
‫ميتلا هذه األسلحة‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪439‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬تأصيل التحرمي والتحليل ِمن حق َمن؟‪ ،‬فال أحد يستطيع أن ُحيلّل‬
‫فار أصليّون قالوا عن‬
‫وحنن ُملزمون بديننا‪ ،‬اآلن ُك ٌ‬
‫أو ُحيّرم إال هللا ¸‪ ،‬هذا يف شرعنا‪ُ ،‬‬
‫شيء أحلهُ هللا ¸‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا حرام‪ ،‬وهذه احلكومات الطاغوتيّة كلهم حرموا على‬ ‫ٍ‬
‫أنفسهم هذه األسلحة‪ ،‬وأقروا بتحرمي هذه األسلحة‪ ،‬علما أنه يف مسألة التحليل‬
‫والتحرمي‪ ،‬قلنا أن مسألة التحليل والتحرمي هذه من خصوصيات هللا تبار وتعاىل‪،‬‬
‫لكن قد يأيت إنسا ٌن ال ُحيرم الشيء وإمنا ُحيّرم الشيء على نفسه‪ ..‬هنا فرق بني أن‬
‫ُحتّرم الشيء على نفسا‪ ،‬وبني أن حتكم على الشيء بأنه حرام‪ ..‬بينهما فارق‪.‬‬

‫دليل التحرمي على النفس األول‪ :‬أن هللا تبار وتعاىل ما قَبِلَهُ من رسول هللا ‘‪،‬‬
‫احلديث عند البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف مسألة شربه من العسل‪ ،‬وبعد ذلا‬
‫يب ِملَ ُحتَِّرُم‬
‫ّقرر الرسول ‘ أن ال يشرب العسل‪ ،‬فأنزل هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها النِ ُّ‬
‫يم﴾ [التحرمي‪ ،]1:‬علما‬ ‫ا ۚ واَلل َغ ُف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور رح ٌ‬
‫ات أَزَواج َ َ ُ ٌ‬ ‫ض َ‬‫ا ۚ تَـبتَغي َمر َ‬
‫َحل اَللُ لَ َ‬
‫َما أ َ‬
‫حرم العسل على نفسه؛ إذا هللا تبار وتعاىل ما‬ ‫أنه ما قال العسل حرام‪ ،‬ولكن ّ‬
‫يرضى من رسوله أن ُحيرم على نفسه ما أحلّه هللا ¸‪.‬‬

‫حرموه على أنفسهم؛ ألن امتال هذه‬ ‫إذا ما أحلّه هللا تبار وتعاىل هؤالء ّ‬
‫األسلحة حالل‪ ،‬لكن الكفار حرموا هذه األسلحة‪ ،‬وهؤالء أيضا وافقوهم يف حترمي‬
‫هذه األسلحة على أنفسهم‪ ،‬هذا النوع األول من التحرمي‪.‬‬

‫أما النوع الثاو من التحرمي‪ :‬أن يأيت إنسا ٌن‪ ،‬أو جهة‪ ،‬أو طاغوت‪ ،‬ويقول عن‬
‫ف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫﴿وَال تَـ ُقولُوا ل َما تَص ُ‬
‫حالل‪ :‬هذا حرام‪ ،‬ألمثال هؤالء يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يَـفتَـ ُرو َن‬
‫ب ۚ إن الذ َ‬ ‫ب َٰه َذا َح َال ٌل َو َٰه َذا َحَر ٌام لّتَـفتَـ ُروا َعلَى اَلل ال َكذ َ‬
‫أَلسنَتُ ُك ُم ال َكذ َ‬
‫ب َال يـُفلِ ُحو َن﴾ [النحل‪.]116:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َعلَى اَلل ال َكذ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪440‬‬

‫إذا هؤالء اآلن مل حيرموا على أنفسهم‪ ،‬بل قالوا عن احلالل أنه حرام‪ ،‬ألمثال‬
‫هؤالء يقول هللا تبار وتعاىل‪ :‬أنتم مفرتون على هللا ¸؛ ألن هللا تبار وتعاىل له‬
‫حرم ما أحلّه هللا ¸ فقد افرتى على هللا‬‫احلق يف التحليل ويف التحرمي‪ ،‬فمن ّ‬
‫حالل‪ ،‬بل أنتم حرمتموه‪.‬‬
‫الكذب‪ ،‬ألن هذا يف األصل ٌ‬

‫وحرمت السال‬
‫إذا ثبت لا هذا األمر‪ :‬هذه احلكومات حرمت على أنفسها‪ّ ،‬‬
‫املرجئي الغيب‬
‫ّ‬ ‫يف ذاته ‪-‬أهنم ال ميلكون هذه األسلحة اليت حرمها الكفار‪ ،-‬وأظن‬
‫اخلبيث ال خيتلف معنا يف هذه املسالة‪ ،‬أن امتال هذا السال حالل‪ ،‬لكن هؤالء‬
‫قالوا حرام‪ ،‬فإذا جاء أناس ووافقوا بدون إكراه‪ ،‬قالوا‪ :‬حنن أيضا طاملا قررمت أن هذا‬
‫حرام‪ ،‬حنن نوافقكم ونتفق معكم‪ ،‬ونلتزم أن ال منلا هذا السال بأي حال من‬
‫األحوال وندخل معكم يف هذه االتفاقية‪ ،‬فإذا وجدمت يف يوم من األيام أننا استحللنا‬
‫ألنفسنا هذا احلرام‪ ،‬لكم أن تعاقبونا وجب القانون الدو ‪-‬شيءٌ أحلّه هللا ¸‬
‫ٍ‬
‫حالل‪ ،‬فأيَّ َن‬ ‫ُناس ألزموا أنفسهم حبكم كافر بتحرمي‬ ‫حرمتموه‪ ،!!-‬إذا أ ٌ‬ ‫وأنتم ّ‬
‫املَ ْد َخ ُل؟ التَّ ْك يِريُ أَيَّ َن؟‬

‫عدم امتال هذا السال وعدم تصنيع هذا السال ‪ ،‬إن كان املسلمون قادرون‬
‫مث مل يُصنّعوا ومل ميتلكوا فهم آمثون؛ ألن هذا من فروض الكفاية إذا قام به البعض‬
‫سقط اإلمث عن الباقني‪ ،‬لدينا القدرة أن منتلا مث توقفنا‪ :‬آمثون‪ ،‬لدينا القدرة أن‬
‫نُصنّع‪ ،‬توقفنا‪ :‬آمثون‪.‬‬

‫أما إذا جاء أناس وقالوا‪ :‬هذا احلالل الذي عندكم حنن حنرمه‪ ،‬مث جاء هؤالء‬
‫املنتسبون إىل اإلسالم وقالوا‪ :‬حنن نلتزم بتحرميكم‪ ،‬ونلتزم بتحرمي هذا السال أن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪441‬‬

‫وحرموا السال احمللل‬


‫حرموا على أنفسهم ّ‬
‫منتلكه أو أن نقتنيه يف يوم من األيام؛ إذا ّ‬
‫يف ذاته‪ ،‬هؤالء هبذا الوصف ماذا ينطبق عليهم من آية؟‬
‫﴿وإِن أَطَعتُم ُ ِ‬
‫وهم إن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾ [األنعام‪ ،]121:‬تذكر امليتة؟‪ ،‬عندما ّ‬
‫حرم هللا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫¸ امليتة‪ ،‬واملشركون أحلوا امليتة‪ ،‬هللا ¸ قال‪﴿ :‬وَال تَأ ُكلُوا ِمما َمل يذ َك ِر اسم اَللِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهم﴾‬ ‫وحو َن إِ َ ٰىل أَوليَائ ِهم ليُ َجادلُوُكم َوإِن أَطَعتُ ُم ُ‬ ‫َعلَيه َوإِنهُ لَفس ٌق ۚ َوإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬
‫[األنعام‪ ،]121:‬أي‪ :‬خالفتم شرعي‪ ،‬وأطعتم تشريع هؤالء‪﴿ :‬إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾‪.‬‬

‫إذا هذه احلكومات اآلن كلهم حرموا على أنفسهم امتال هذه األسلحة‪،‬‬
‫فأطاعوا الكفار يف التحرمي‪ ،‬وخالفوا هللا ¸ يف التحليل‪ ،‬شرع هللا ¸‪ :‬حالل‪ ،‬إيش‬
‫الدليل على ِح ّل هذه األسلحة؟!‬
‫َع ُّدوا َهلم ما استَطَعتُم ِمن قُـوةٍ وِمن ِرب ِ‬
‫اط اخلَي ِل‬ ‫قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وأ ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ين ِمن ُدوهنِِم َال تَـعلَ ُمونَـ ُه ُم اَللُ يَـعلَ ُم ُهم﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تُـرهبُو َن بِه َع ُدو اَلل َو َع ُدوُكم َو َ‬
‫آخ ِر َ‬
‫[األنفال‪]60:‬؛ إذا هللا تبار وتعاىل أمرنا أن نُع ّد ومنتلا هذه األسلحة‪ ،‬وهللا تبار‬
‫وتعاىل ما يأمرنا إال ا أحلّه لنا‪ ،‬أما هؤالء الكفار فقد حرموا ما أحله هللا ¸ لنا‪،‬‬
‫هذه احلكومات الطاغوتية ‪-‬مع وجود األحزاب املنتسبة لإلسالم‪ -‬قد وقعوا على‬
‫اتفاقية حترمي امتال هذه األسلحة‪ ،‬واألسلحة تسمى‪ :‬حمرمة دوليًّا؛ إذا هم أطاعوا‬
‫أحل‪ ،‬وهؤالء‬
‫الكفار يف تشريعهم‪ ،‬وخالفوا هللا تبار وتعاىل يف حتليله‪ ،‬هللا ¸ ّ‬
‫حرموا‪ ..‬أطاعوا الكفار‪ ،‬ومل يطيعوا هللا ¸‪ ،‬هللا تبار وتعاىل أمرنا أن نعد أنفسنا‬
‫لكي منتلا هذا السال ‪ ،‬هؤالء قالوا‪ :‬ال ُيوز لكم أن متتلكوا هذا السال ‪.‬‬
‫الضرورةي‪ :‬أصحاب هذه القوانني وأصحاب ِ‬ ‫ي‬
‫هؤالء الدساتري واحلكومات‪،‬‬ ‫إ ًذا ب َّ ُ َ‬
‫خالفوا من وأطاعوا من؟‪ ،‬ال خيتلف مسلمان يف أهنم أطاعوا الكفار يف احلرِام‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪442‬‬

‫وخالفوا هللا ¸ فيما حلّل‪ ،‬أطاعوا الكفار فيما أمروا‪ ،‬وعصوا هللا تبار وتعاىل فيما‬
‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾‪.‬‬
‫﴿وإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫أمر‪َ ،‬‬
‫هذا األمر هبذه الطريقة يدخلنا إىل حديث عدي ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬عندما جاء‬
‫ألق هذا الوثن عنا)‪ ،‬مث تال عليه‬ ‫ُمسلما ويف عنقه صليب‪ ،‬قال له الرسول ‘‪ِ ( :‬‬
‫ون اَللِ﴾ [التوبة‪،]31:‬‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبارهم ورهبانَـهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫َ َُ َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫قال عدي‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ما كنا نعبدهم‪ .‬قال‪( :‬أليس كانوا حيلون لكم ما‬
‫حرم هللا فتحلونه‪ ،‬وحيرمون عليكم ما أحل هللا‪ ،‬فتحرمونه؟) قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪( :‬فتلا‬
‫عبادهتم)‪.‬‬

‫إذا هذه احلكومات الطاغوتية ‪ -‬ا فيهم من منتسبني إىل اإلسالم‪ -‬قد أشركوا‬
‫باهلل ¸؛ ألهنم أطاعوا ذلا التشريع‪ ،‬وخالفوا شرع هللا ¸‪ ،‬وهذه الطاعة أدخلتهم‬
‫حرموا عليكم‬
‫يف باب العبودية ألولئا‪ ،‬وليس هلل تبار وتعاىل‪ ،‬تلا عبادتكم هلم‪ّ ،‬‬
‫وأنتم أطعتموهم‪ ،‬هذه الطاعة تعين أنا تعبُد هيئة األمم املتحدة وتعبد تلا الدول‬
‫وطن الث ِامن‪ ،‬أَما الـمو ِطن الت ِ‬
‫اس ُع وهو املوطن‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫أحل هللا ¸ لنا‪َ ،‬ه َذا املـَ ُ ُ‬
‫اليت حرمت ما ّ‬
‫األخري كي ننتهي من هذا املوضوع إن شاء هللا تعاىل‪:‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬


‫الت َداو ِل ( َم ْب َدأ َت َداو ِل‬
‫اإليمان ب َم ْب َدأ َّ‬
‫اس ُع‪ :‬ف ُهو َم ْو ِط ِن َ ِ ِ ِ‬
‫اِلو ِطن الت ِ‬
‫َ‬
‫السلط ِة)‪.‬‬
‫إيش معىن التداول هذه املصيبة؟‪ ،‬التداول‪ :‬أن أعطيا شيئا‪ ،‬وتعطيين شيئا‪ ،‬هذا‬
‫يسمى التداول‪ ،‬نتداول فيما بيننا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪443‬‬

‫قائم‬
‫يؤمن هبذا املبدأ كل الذين يشرتكون يف احلكومات الطاغوتية‪ ،‬وهذا املبدأ ٌ‬
‫على أساس أهنم يدخلون االنتخابات‪ ،‬فمن جاء بأكرب عدد ممكن من األصو ِ‬
‫ات‬
‫احلكم يكون إليهم‪ ،‬رئيس الوزراء منهم‪ ،‬والوزراء خيتارون هم الوزارات اليت يريدوهنا‪،‬‬
‫ُ‬
‫سريون احلكم من خالل منهاجهم هم‪ ،‬وفق ما جاء يف الدستور‪ ،‬لكن يف الدورة‬ ‫فيُ ّ‬
‫ُناس آخرون جاؤوا بأصوات أكثر من هؤالء‪ ،‬على هؤالء الذين كانوا‬ ‫الثانية إذا جاء أ ٌ‬
‫ات‪ ،‬هذا يسمى‬ ‫يف السلطة أن يسلموها إىل هؤالء الذين جاؤوا بأكرب عدد من األصو ِ‬
‫اإلميان بدأ تداول السلطة؛ أي‪ :‬أعطيا السلطة بسالسة وبدون تأخر وال ُّ‬
‫تلكؤ‪،‬‬
‫وأنا أيضا عندما آيت بأكرب عدد من األصوات تُسلّم السلطة‪ ،‬هذا اإلميان بدون‬
‫استثناء‪.‬‬

‫هذا املوطن مرتبط بأي موطن؟‪ ،‬وطن اإلميان بالتعددية احلزبية‪ ،‬فهم سابقا‬
‫السلطة‪ ،‬أي‪ :‬أن أي حزب‬ ‫قُلنا‪ :‬يؤمنون بالتعددية احلزبية‪ ،‬اآلن يؤمنون بدأ تداول ُّ‬
‫السلطة تُسلّم إليهم‪ ،‬حزب يزيدي‪ ،‬ما تقول؟!‪،‬‬ ‫عدد من األصو ِ‬
‫ات‪ُّ ،‬‬ ‫يأتون بأكرب ٍ‬
‫السلطة بسالسة‪ ،‬شيوعي؟‪ ،‬أال ميكن أن يأيت الشيوعيني بأكرب عدد‬‫قال‪ :‬نُسلّم له ُ‬
‫ممكن؟!‪ ،‬ممكن!!‬

‫لوال أن هللا ¸ هيّأ اجلهاد يف هذه البالد لرأيت كم كان يكون هلذه األحزاب‬
‫وجود يف أوساط املسلمني!!‪ ،‬كنت ستجد احلزب الشيوعي‪ ،‬وكنت ستجد‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫احلزب الرافضي‪ ،‬وكنت ستجد احلزب النصراو‪ُ ،‬ك ّل هذه األحزاب كنت ستجدها‪،‬‬
‫ولكنهم كانوا خيافون على أنفسهم من القتل ومن املفخخات ومن االستشهاديني‪،‬‬
‫فما متكنوا من أن يفتحوا ألنفسهم مقرا‪ ،‬وهلذا تعطلت هذه األحزاب عن العمل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪444‬‬

‫فإذا جاء الشيوعيون بأكرب عدد من األصوات‪ ،‬على احلزب العراقي أن يُسلّموا‬
‫سميه إخواو‪ ،‬يعين‬‫ا أن تُ ّ‬
‫السلطة‪ ،‬هذا ما آمنوا به‪ ..‬وهلذا ذا اإلخواو ‪َ -‬حسبُ َ‬
‫هلم ُ‬
‫تذم إنسانا‪ ،‬قُل يا إخواو‪ ..‬ال تَ ِزد على ذلا‪ ،‬فإنا لن تنال منه أكثر‬
‫إذا أردت أن ّ‬
‫من هذه الكلمة‪ -‬يوسف القرضاوي‪ ،‬سألوه‪ ،‬قال‪ :‬أحزاب‪ ..‬إذا أنتم تؤمنون‬
‫بالتعددية احلزبية‪ ،‬وبتداول السلطة‪ ،‬إذا كنتم يف السلطة وجاء ناس آخرون بأكرب‬
‫عدد من األصوات وأخذوا احلكم؟‪ ،‬قال‪ :‬طاملا ما استطاعوا أن يكسبوا ثقة الناس‪،‬‬
‫يستاهلوا يروحوا يف داهية‪ ..‬يستاهلوا يروحوا يف داهية!!‪ ،‬قال‪ :‬أربع سنوات ما‬
‫استطاعوا أن يكسبوا الناس بني إفراط وتفريط‪ ،‬ففقدوا ثقة الناس‪ ،‬الناس اختاروا‬
‫غريهم‪ ،‬يستاهلوا يروحوا يف داهية!!‬

‫الر َّدةُ تَ ُكو ُن ُهنَا ُم َرَّكبَة‪ ،‬ملاذا؟؛ ألهنم آمنوا بتسليم ُّ‬
‫السلطة إىل الكفار‪،‬‬ ‫إ ًذا ّي‬
‫نصراو جاء بأكرب عدد من األصوات‪ ،‬تُسلّم السلطة له‪ ،‬شيوعي جاء بأكرب عدد‬
‫السلطة إىل‬
‫الردةُ هنا مركبة‪ ،‬ألهنم سلّموا ُّ‬
‫السلطة له؛ فتكون ّ‬ ‫من األصوات‪ ..‬تُسلّم ُ‬
‫كفا ٍر ليحكموا بشرائع الكفار‪ ،‬وبغري ما أنزل هللا ¸‪.‬‬

‫دخلها الـ ُمرشحون يف الدخول يف‬


‫وهبذا ننتهي من املواطن اليت ُيب أن يَ ُ‬
‫الربملانات‪ ،‬وكذلا املشاركون يف هذه احلكومات‪.‬‬
‫ِ‬
‫وصحبه وسلم أمجعني‪.‬‬ ‫واحلمد هلل‪ ،‬وصلّى هللا على نبيّنا حممد وعلى آلِِه‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪445‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس الث ِالث و‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ َ َْ َ‬
‫للا‬
‫اب ِ‬‫حكم أعض ِاء البرِل ِان ِفي ِكت ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمدهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‬ ‫وُ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫انتهينا ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬من املواطن التسعة اليت يدخلها كل حزب يشرت يف‬
‫السلطَة التشريعيّة أو اجمللس التشريعي‬
‫هذه احلكومات الطاغوتية‪ ،‬ويكون له أفراد يف ًّ‬
‫أو ما يسمى بالربملان‪.‬‬

‫نتناول جانبا آخر من جوانب الربملان وبعض التفاصيل املتعلقة هبذه التشكيلة‪..‬‬
‫وتناولنا سيكون بإذن هللا ¸ ملوقع هؤالء يف كتاب هللا ¸‪.‬‬

‫أعضاء الربملان هؤالء ما حاهلم يف كتاب هللا تبار وتعاىل؟‪ ،‬هل هنا آيات‬
‫تصف حال هؤالء الناس؟‪ ،‬وكيف وصفهم هللا تبار وتعاىل؟‪ ،‬وما حكمهم؟‬

‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬يف كتاب هللا تبار وتعاىل إشارة إىل أمثال هؤالء يف‬
‫ثالثة مواطن‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪446‬‬

‫ين َآمنُوا إِن تُ ِطيعُوا فَ ِريقا ِّم َن‬ ‫ِ‬ ‫ي‬


‫ال َم ْوط ُن األَ َّو ُل‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف تَك ُف ُرو َن َوأَنتُم تُـتـلَ ٰى‬
‫ين ۝ َوَكي َ‬ ‫اب يَـ ُرُّدوُكم بَـع َد إميَان ُكم َكاف ِر َ‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬
‫الذ َ‬
‫اط ُّمستَ ِقي ٍم﴾‬ ‫صم بِاَللِ فَـ َقد ه ِدي إِ َ ٰىل ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫علَي ُكم آيات اَللِ وفِي ُكم رسولُه ۚ ومن يـعتَ ِ‬
‫َ ُ ُ ََ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫[آل عمران‪َ ،]101-100:‬ه يذهي اآليَةُ األُْو َل‪.‬‬
‫ي‬
‫﴿وقَد نَـزَل َعلَي ُكم‬ ‫أَ َّما اآليَةُ الثَّانيةُ‪ :‬فقوله تبار وتعاىل يف سورة [النساء‪َ ]140:‬‬
‫ات اَللِ يُك َف ُر ِهبَا َويُستَـهَزأُ ِهبَا فَ َال تَـقعُ ُدوا َم َع ُهم َح ٰىت‬ ‫اب أَن إِذَا َِمسعتُم آي ِ‬
‫َ‬
‫ِيف ال ِكتَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ين ِيف‬ ‫وضوا ِيف َحديث َغ ِريه ۚ إِن ُكم إذا ّمثـلُ ُهم ۚ إِن اَللَ َجام ُع ال ُمنَافق َ‬
‫ني َوال َكاف ِر َ‬ ‫َخيُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وضو َن ِيف‬‫ين َخيُ ُ‬ ‫ت الذ َ‬ ‫﴿وإِ َذا َرأَي َ‬
‫َج َهن َم َمجيعا﴾‪ ،‬وهذه اآلية هلا عالقة بآية أخرى‪َ :‬‬
‫ا الشيطَا ُن فَ َال‬ ‫يث َغ ِريهِ ۚ وإِما ي ِ‬
‫نسيَـن َ‬ ‫آياتِنَا فَأَع ِرض عنـهم حىت َخيُوضوا ِيف ح ِد ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َٰ‬ ‫َ‬
‫ين يَـتـ ُقو َن ِمن ِح َساهبِِم ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ۝ َوَما َعلَى الذ َ‬ ‫تَـقعُد بَـع َد ال ّذكَر ٰى َم َع ال َقوم الظالم َ‬
‫َشي ٍء﴾ [األنعام‪.]69-68:‬‬
‫ِ ِ‬
‫ث‪ :‬يف قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إن الذ َ‬
‫ين ارتَ ُّدوا‬ ‫اآليَةُ الثَّاليثَةُ أَ ْو ال َم ْو يط ُن الثَّالي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا‬ ‫ني َهلُ ُم اهلَُدى الشيطَا ُن َسوَل َهلُم َوأَملَ ٰى َهلُم ۝ ٰذَل َ‬‫َعلَ ٰى أَدبَا ِرهم ّمن بَـعد َما تَـبَـ َ‬
‫ين َك ِرُهوا َما نَـزَل اَللُ َسنُ ِطيعُ ُكم ِيف بَـع ِ‬
‫ض األَم ِر ۚ َواَللُ يَـعلَ ُم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫بأَنـ ُهم قَالُوا للذ َ‬
‫إِسَر َارُهم‪ ﴾...‬يف سورة حممد ‘‪ ،‬سورة القتال [اآليات‪.]26-25:‬‬

‫ين َآمنُوا إِن‬ ‫ِ‬


‫اآلية األوىل اليت نقف عندها‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف تَك ُف ُرو َن‬
‫ين ۝ َوَكي َ‬ ‫اب يَـ ُرُّدوُكم بَـع َد إميَان ُكم َكاف ِر َ‬ ‫تُطيعُوا فَ ِريقا ّم َن الذ َ‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬
‫صم بِاَللِ فَـ َقد ه ِدي إِ َ ٰىل ِصر ٍ‬
‫اط‬ ‫وأَنتُم تُـتـلَ ٰى علَي ُكم آيات اَللِ وفِي ُكم رسولُه ۚ ومن يـعتَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ ََ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُّمستَ ِقي ٍم﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪447‬‬

‫ما عالقة هذه اآلية هبذه احلكومات وبالربملانات وما إىل ذلا؟‪ ،‬عندما تبحث‬
‫عن اجلزئيات اليت ذُكرت يف هذه اآلية‪ ،‬هل هي متحققة يف واقعنا؟‪ ،‬وقبل احلديث‬
‫عن واقعنا أُشري إىل بعض املسائل املتعلقة باآلية‪:‬‬

‫املَ ْسأَلَةُ األُ ْو َل‪ :‬سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬كما ذكر علماء التفسري ‪ †-‬تعاىل‬
‫مر على‬‫رحة واسعة‪ -‬قالوا‪ :‬أن رجال من اليهود يف املدينة (مدينة رسول هللا ‘) ّ‬
‫أفر ٍاد من األوس واخلزرج وهم متآلفون ومتحابون وجالسون يتحدثون فيما بينهم‪،‬‬
‫فغاظه هذا األمر‪ ،‬وأن هؤالء كما يف عند (الواحدي) ¬ يف [أسباب النزول]‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال هذا الرجل (امسه‪ :‬شأس بن قيس‪ ..‬يهودي) قال‪ :‬هؤالء إذا اجتمعوا ما يبقى لنا‬
‫وجود يف املدينة‪ ،‬فغاظه هذا التآلف‪ ،‬وأن هذا االجتماع قد يؤدي إىل إخراجهم من‬
‫املدينة‪ ،‬فأرسل أحد شباب اليهود‪ ،‬وقال‪ :‬تذهب إليهم وتذكرهم بأشعارهم يوم‬
‫بعاث(‪ ،)65‬فجاء هذا اليهودي وجلس بينهم‪ ،‬وبدأ يُذ ّكرهم باألشعار‪ ..‬كيف قال‬
‫فالن قتلت فالن‪ ،‬وكيف قال فالن‪ ...‬فهاجت النفوس من هؤالء الصحبة الطيبة‪،‬‬
‫فكأهنم هرعوا إىل السال وأرادوا أن يعيدوا القتال كما كان يف اجلاهلية‪ .‬وصل األمر‬
‫إىل رسول هللا ‘‪ ،‬فجاء إليهم وقال‪( :‬أبدعوى اجلاهلية وأنا بني أظهركم؟!)(‪ )66‬يف‬
‫اجلاهلية كنتم هكذا‪ ،‬أما اآلن أنا بينكم‪ ،‬تريدون أن تفعلوا ما كنتم تفعلونه يف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا إن تُطيعُوا فَ ِريقا ّم َن الذ َ‬
‫ين أُوتُوا‬ ‫اجلاهية؟‪ ،‬فأنزل هللا ¸‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ال ِكتاب يـرُّدوُكم بـع َد إِميَانِ ُكم َكافِ ِرين ۝ وَكيف تَك ُفرو َن وأَنتم تُـتـلَى علَي ُكم آيات اَللِ‬
‫َ ُ‬ ‫ٰ َ‬ ‫َ َ ُ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ َ‬

‫(‪ )65‬يوم بعاث كانت املعركة األخرية بني األوس واخلزرج قبل وصول رسول هللا ‘ إىل املدينة‪،‬‬
‫وقد قُتِل الكثري من األوس‪ ،‬وقُتِل الكثري أيضا من اخلزرج‪.‬‬
‫(‪‹‹ )66‬السرية‪ ،‬البن هشام››‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪448‬‬

‫َوفِي ُكم َر ُسولُهُ﴾‪ ،‬هذا سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬والذي ذُكِر يف هذه اآلية هل هو كفر‬
‫ُمرج من امللة؟‪ ،‬أم كفر أصغر؟‬

‫وهللا تبار وتعاىل أعلم أن القتال بني املؤمنني حب ّد ذاته ليس ُُمرجا من امللة‪،‬‬
‫يعين قد يتقاتل املؤمنون فيما بينهم ألجل دين‪ ،‬أو ألجل دنيا‪ ،‬ألجل دين على‬
‫سبيل املثال‪ :‬بعض الناس خيرجون على و األمر‪ ،‬و األمر يُقاتلهم‪ ،‬هذا قتال‬
‫ألجل دين‪ ،‬لكن الطرفان مؤمنون‪ ،‬وقد يكون بسبب اختالفات على أمور دنيا‪ ،‬هذا‬
‫أيضا قد حيصل بني املؤمنني‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫﴿وإِن طَائ َفتَان م َن ال ُمؤمن َ‬
‫ني اقـتَتَـلُوا‬ ‫دليل ذلا من كتاب هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫اُهَا َعلَى األُخَر ٰى فَـ َقاتِلُوا ال ِيت تَـبغِي َح ٰىت تَِفيءَ إِ َ ٰىل‬
‫فَأَصلِ ُحوا بَـيـنَـ ُه َما ۚ فَِإن بَـغَت إِح َد ُ‬
‫ني﴾‬ ‫ِِ‬
‫ب ال ُمقسط َ‬ ‫أَم ِر اَللِ ۚ فَِإن فَاءَت فَأَصلِ ُحوا بَـيـنَـ ُه َما بِال َعد ِل َوأَق ِسطُوا ۚ إِن اَللَ ُِحي ُّ‬
‫[احلجرات‪ ،]9:‬إذا ممكن أن يكون هنا قتال بني طائفتني مؤمنتني‪.‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬شيخ‪ ،‬بس هذا مع استحالل الدم أم بدون استحالل؟‬

‫*الشيخ‪ :‬ال ال‪ ،‬بدون استحالل دم‪ ،‬هذا ألجل الدنيا‪ ،‬بُغاة يُقاتلوهنم‪ ،‬فهؤالء‬
‫يا من‬‫مؤمنون وهؤالء مؤمنون‪ ،‬وأما الذي حصل بني أفر ٍاد من األوس واخلزرج بتحر ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف تَك ُف ُرو َن‪﴾...‬؟‬ ‫اليهود‪ ،‬ملاذا قال هللا ¸‪﴿ :‬يَـ ُرُّدوُكم بَـع َد إميَان ُكم َكاف ِر َ‬
‫ين ۝ َوَكي َ‬
‫اء‪ :‬ألن هذا القتال الذي كاد أن يقع‪ ،‬ما كان ألجل دي ٍن وال ألجل دنيا‪،‬‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫وإمنا طاعة لتحريض من يهودي‪ ،‬أفراد من اليهود هم الذين حركوا‪ ،‬فاستجابوا‬
‫لتحريض اليهود وكادوا أن يتقاتلوا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪449‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أهنم عندما أرادوا أن يتقاتلوا‪ ،‬أرادوا أن يتقاتلوا كما كانوا يف‬ ‫الِّيءُ َ‬ ‫َّ‬
‫يستحل دم اآلخر‪ ..‬هنا املدخل‪ ،‬وإال فإن هللا ¸ قد‬ ‫ّ‬ ‫اجلاهلية؛ أي أن أحدهم كان‬
‫مجيعا وَال تَـ َفرقُوا ۚ واذ ُكروا نِعمت اَللِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫قال عن األوس واخلزرج‪﴿ :‬اعتَص ُموا حبَب ِل اَلل َ َ‬
‫ني قُـلُوبِ ُكم فَأَصبَحتُم بِنِع َمتِ ِه إِخ َوانا﴾‪ ،‬أنتم يف اجلاهلية‬ ‫َعلَي ُكم إِذ ُكنتُم أَع َداء فَأَل َ‬
‫ف بَـ َ‬
‫حفَرةٍ ِّم َن النا ِر فَأَن َق َذ ُكم ِّمنـ َها﴾ [آل‬
‫﴿وُكنتُم َعلَ ٰى َش َفا ُ‬
‫كنتم أعداء ومتقاتلون‪َ ،‬‬
‫عمران‪ ،]103:‬اآلن تآلفت قلوبكم وأصبحتم إخوانا‪ ،‬بعد أن تآلفتم وأصبحتم إخوانا‬
‫ترجعون إىل اجلاهلية وتريدون أن تتقاتلوا كما كنتم تتقاتلون يف اجلاهلية أحدكم‬
‫يستحل دم اآلخر؟!‪ ،‬إذا قد يكون من هنا املدخل و﴿يَـ ُرُّدوُكم بَـع َد إِميَانِ ُكم‬
‫ِ‬
‫ين﴾‪.‬‬‫َكاف ِر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َن ْأتي إلى َهذه َ‬
‫اآلي ِة‪َ ،‬ما َعالق ُتها ِب َوا ِق ِع َنا ن ْح ُن؟‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫حتس كأهنا نزلت يف‬
‫وهذا الذي يهمين من األمر‪ ،‬عندما تبحث هذه اآلية‪ّ ،‬‬
‫أيامنا هذه‪ ،‬كيف؟‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُوا﴾‪ ..‬أحد علماء‬ ‫هللا تبار وتعاىل خاطب أهل اإلميان‪﴿ ..‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬
‫ريب‪ ..‬ويقول‬ ‫ين َآمنُوا﴾‪ ..‬يقول‪ :‬خاطبين ّ‬ ‫التابعني كان عندما يقرأ‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬
‫عبدهللا بن مسعود ‪ ¢-‬وأرضاه‪" :-‬إذا مسعت هللا يقول‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا﴾‬
‫فارعها مسعا؛ فإنه خري يأمر به أو شر ينهى عنه"(‪.)67‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب﴾‪ ..‬يف البداية‪ :‬من هم الذين‬ ‫قال‪﴿ :‬إن تُطيعُوا فَ ِريقا ّم َن الذ َ‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬
‫أوتوا الكتاب؟‬

‫(‪‹‹ )67‬تفسري ابن كثري››‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪450‬‬

‫ين أُوتُوا‬ ‫ِ‬


‫﴿وطَ َع ُام الذ َ‬
‫هم اليهود والنصارى‪ ،‬وهؤالء يعتربون يف ديننا أهل كتاب‪َ ..‬‬
‫ات‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال ِكتَاب ِحلٌّ ل ُكم وطَعام ُكم ِحلٌّ هلم ۚ والمحصنَ ِ‬
‫صنَ ُ‬ ‫ات م َن ال ُمؤمنَات َوال ُمح َ‬ ‫ُ َ ُ َ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫اب ِمن قَـبلِ ُكم﴾ [املائدة‪ ،]5:‬إذا هؤالء يعتربون أهل كتاب وهذا‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬
‫ِ ِ‬
‫م َن الذ َ‬
‫أحل‬
‫تشريع ربنا؛ علما أن هللا ¸ عندما مسّاهم أهل كتاب ‪-‬وهم كفار كما تعلم‪ -‬و ّ‬
‫ِ‬
‫ين قَالُوا إِن اَللَ‬‫لنا طعامهم ونكا نسائهم‪ ،‬قال يف نفس القرآن‪﴿ :‬ل َقد َك َفَر الذ َ‬
‫ث ثََالثٍَة﴾ [املائدة‪.]73:‬‬ ‫ِ‬
‫ثَال ُ‬
‫اب﴾ هم اليهود أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إذا علمت اآلن‪﴿ :‬إِن تُ ِطيعُوا فَ ِريقا ِّم َن‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬
‫الذ َ‬
‫النصارى‪.‬‬
‫الذي حصل أن األمريكان دخلوا بلدنا (دخلوا العراق)‪ ،‬هؤالء أهل ٍ‬
‫كتاب كيفما‬
‫كانوا‪ ،‬دميُقراطيّون‪ ،‬مشركون‪ُ ،‬مثلّثون‪ ،‬لكن هم يعتربون أهل كتاب‪ ،‬هؤالء األمريكان‬
‫أهل كتاب هم ليسوا كل النصارى وإمنا هم فريق من أهل الكتاب‪ ،‬يعين مل يدخل‬
‫بلدنا كل النصارى‪ ،‬وإمنا دخل فريق من أهل الكتاب بالدنا‪ ،‬إذا هذا اجلزء من اآلية‬
‫متحقق يف هذا الذي حصل قبل سنوات يف بالدنا‪.‬‬

‫بعد ذلا قال هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن تُ ِطيعُوا﴾‪ ،‬أي‪ :‬إذا أطعتم هذا الفريق من‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين﴾‪.‬‬‫أهل الكتاب ﴿يَـ ُرُّدوُكم بَـع َد إميَان ُكم﴾ يا مؤمنني ﴿ َكاف ِر َ‬
‫وأنت تعلم أن الطاعة ال تكون إال ألم ٍر أو هني‪ ،‬عندما تأمر جهةٌ جهة‪..‬‬
‫وتستجيب اجلهة الثانية لألمر‪ ،‬هذا يسمى طاعة‪ ،‬وكذلا إذا هنت جهة‪ ،‬واجلهة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الثانية استجابت‪ ،‬هذه طاعة‪ ،‬إذا أفهم ﴿إن تُطيعُوا فَ ِريقا ّم َن الذ َ‬
‫ين أُوتُوا‬
‫اب﴾‪ ..‬أن هذا الفريق سيدعون إىل أمر‪ ،‬هل هذا اجلزء حصل يف بالدنا أم ال؟‬ ‫ِ‬
‫الكتَ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪451‬‬

‫نعم حصل‪ ،‬بعد أن دخل هذا الفريق من أهل الكتاب يف بالدنا‪ ،‬بدؤوا يدعون‬
‫الذين آمنوا إىل ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وإىل احلكومة الطاغوتية‪ ،‬وإىل الدستور وإىل‪ ..‬وإىل‪ ..‬كل‬
‫هذه األشياء دعوا إليها يف بالدنا‪ ،‬إذا هذا الفريق من أهل الكتاب دخلوا ودعوا إىل‬
‫الكفر‪ ،‬ويقينا توصلنا إىل حمصلة عندما حتدثنا عن ال ّدميُقراطيّة تعريفا وأركانا‪ :‬علمنا‬
‫أن ال ّدميُقراطيّة دين كفر‪ ،‬هذا الفريق من أهل الكتاب دعوا إىل ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬دعوا إىل‬
‫حكومة طاغوتيّة‪ ،‬دعوا إىل دستور ودعوا إىل برملان‪ ،‬ودعوا إىل كل هذه املفردات‪ ،‬إذا‬
‫هذا الفريق دخل ودعا‪.‬‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُوا﴾ إيش كان حال هؤالء الناس من دعوة‬ ‫اآلن وصلت‪﴿ ..‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫هذا الفريق من أهل هذا الكتاب؟‪ ،‬وحديثي عن كما يسموهنم (املثلث السين) يعين‪:‬‬
‫الرافضة ما يدخلون يف حديثي؛ هؤالء خارج القوس ألهنم ليسوا مسلمني‪ ،‬فقط‬
‫نتحدث عن املثلث السين‪ ،‬هذا الفريق عندما دخل ودعا إىل ال ّدميُقراطيّة وإىل الربملان‬
‫وإىل الدستور وإىل القانون وإىل‪ ...‬هؤالء الناس كيف كانت طاعتهم هلذا الفريق من‬
‫أهل الكتاب؟‪ ،‬والناس يف هذه املناطق انقسموا إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ي‬
‫الق ْس ُم األَ َّو ُل‪ :‬هم أصحاب األحزاب (احلزب العراقي‪ ،‬احلزب الفالو‪ ،‬احلزب‬
‫الفالو‪ )..‬كل األحزاب اليت كانت يف املثلث السين‪ ،‬ودخلوا مع األمريكان‪،‬‬
‫استجابوا لدعوة هذا الفريق من أهل الكتاب‪ ،‬وهذا الفريق قالوا‪ :‬دميُقراطيّة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫دميُقراطيّة‪ ،‬برملان‪ ..‬برملان‪ ،‬حكومة طاغوتيّة‪ ..‬طاغوتيّة‪ ،‬قانون‪ ،‬دستور‪ ..‬قالوا‪:‬‬
‫نُش ّكل جلنة كتابة الدستور وال نرضى بغري القانون وبغري الدستور؛ إذا هؤالء األحزاب‬
‫هم هذا الصنف األول‪ ،‬أطاعوا هذا الفرق من أهل الكتاب يف دعوهتم إىل الكفر‪.‬‬

‫خنتلف يف هذا األمر؟‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪452‬‬

‫‪-‬اإلخوة‪ :‬ال‪.‬‬

‫*الشيخ‪ :‬ما خنتلف‪ ،‬هذا واقع‪ ،‬طبعا عندما قلت احلزب‪ :‬ال أعين الرؤوس فقط‪،‬‬
‫وإمنا كل منت ٍم هلذا احلزب‪ ،‬فقد أطاع هذا الفريق من أهل الكتاب يف دعوهتم إىل‬
‫الكفر واستجابوا لدعوهتم‪ ..‬كل منت ٍم للحزب‪.‬‬
‫ي‬
‫الق ْس ُم الثَّ ياين من الناس يف املثلث السين‪ :‬كان حاهلم أهنم ليسوا منتمني إىل‬
‫األحزاب‪ ،‬ولكن رضوا بعمل هذه األحزاب‪ ،‬هؤالء أيضا من ضمن التابعني حلكم‬
‫احلزب هذا؛ ألن الرضا بالكفر كما تعلم ُكفر‪.‬‬

‫عامة املسلمني‪ ،‬فيهم املؤمن القاعد‪،‬‬


‫ُناس حاهلم من حال ّ‬‫ث‪ :‬أ ٌ‬ ‫ص ْن ٌ ثَالي ٌ‬
‫اك ي‬
‫ُهنَ َ‬
‫وفيهم الذي ال شأن له بشيء‪ ،‬وفيهم املرتد‪ ،‬وفيهم أشياء كثرية موجودة‪ ،‬لكن ال‬
‫وافقوا األحزاب وال وافقوا أهل الكتاب وال وافقوا شيئا‪ ،‬وال وافقوا اجملاهدين‪ ،‬أناس‬
‫انشغلوا بدنياهم وانشغلوا وانشغلوا‪ ..‬فهذا صنف أيضا‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬علموا من دينهم أن الكافر إذا دخل بالد املسلمني‪ ،‬فاجلهاد‬ ‫ي‬
‫الص ْن ُ َ‬
‫فرض عني‪ ،‬فحملوا السال وبدؤوا يُقاتلون‪ ،‬ورفضوا أن ُحي َكموا بال ّدميُقراطيّة أو‬
‫بالقانون أو بالدستور أو بالربملان أو باحلكومات الطاغوتيّة‪ ،‬وقارعوا السال بالسال‬
‫إىل أن م ّكنهم هللا ¸‪ ،‬فهزم على أيديهم اجليش األمريكي (املارينز)‪ ،‬وهذا الصنف‬
‫الرابع (اجملاهدون) كان هلم إخوة ينصروهنم ‪-‬بعض اإلخوة يف احملاضرات ذ ّكروو هبذا‬
‫الصنف‪ -‬هؤالء ما كانوا جماهدين‪ ،‬مؤمنون قاعدون‪ ،‬لكن يُناصرون اجملاهدين‬
‫باإليواء‪ ،‬بالتوفري وغريها من األشياء‪ ،‬هؤالء هلم أجر اإليواء‪ ،‬لكن اإليواء وهذه‬
‫اخلدمات اليت كانوا يقدموهنا ال تُسقط عنهم اجلهاد‪ ،‬وإمنا اجلهاد فرض عني على كل‬
‫مسلم‪ ،‬لكن هلم أجرهم فيما أعانوا به إخواهنم طوال هذه الفرتة جزاهم هللا عنّا وعن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪453‬‬

‫املسلمني خري اجلزاء‪ ،‬كنا نأوي إىل بيوهتم وما قصروا مع إخواهنم يف ٍ‬
‫شيء جزاهم هللا‬ ‫ّ‬
‫خريا‪.‬‬

‫إذا هذه هي األصناف اليت كانت بعد أن دخل ذلا الفريق من أهل الكتاب‬
‫إىل ديارنا وبدؤوا يدعون إىل الكفر‪.‬‬

‫بعد أن استجاب هؤالء الناس لدعوة هذا الفريق من أهل الكتاب إىل‬
‫ال ّدميُقراطيّة والربملان والدستور والقانون وما إىل ذلا‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا‬
‫اب يَـ ُرُّدوُكم بَـع َد إِميَانِ ُكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا إن تُطيعُوا فَ ِريقا ّم َن الذ َ‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬ ‫أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬
‫ين﴾‪ ،‬يقينا هذا الكفر املقصود هنا بناء على واقعنا حنن هذا كفر ُمرج من امللّة؛‬ ‫َكاف ِر َ‬
‫ألن الفريق من أهل الكتاب دعوا إىل الكفر باملفردات اليت ذكرهتا (دميُقراطيّة‪،‬‬
‫دستور‪ ،‬برملان وما إىل ذلا‪ )..‬هؤالء الناس الذين استجابوا هلذا الفريق قد ارتدوا بعد‬
‫إمياهنم كافرين‪ ،‬هذا ما ال ُخيتلف فيه بناء على احملاضرات اليت قلناها من بداية الدورة‬
‫إىل يومنا هذا عندما تكلمنا عن شر الطاعة‪ ،‬وعندما تكلمنا عن جلنة كتابة‬
‫الدستور‪ ،‬وعن الدستور‪ ،‬وتكلمنا عن منفذي الدستور‪ ،‬كل هذا الكالم يرتتب على‬
‫هذا الذي أقوله اآلن‪.‬‬

‫ف تَك ُف ُرو َن َوأَنتُم تُـتـلَ ٰى َعلَي ُكم‬


‫﴿وَكي َ‬
‫العجب أين؟‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ات اَللِ َوفِي ُكم َر ُسولُهُ﴾؟!‪ ،‬يعين كيف أطعتم هذا الفريق من أهل الكتاب‪ ،‬وكفرمت‬ ‫آيَ ُ‬
‫بسبب طاعتكم؛ علما أن لديكم كتاب هللا ¸ بني أيديكم؟!‪ ،‬اآليات موجودة‪،‬‬
‫واألحاديث أيضا موجودة‪ ،‬فكيف صرفتم النظر عن هذه اآليات وعن هذه‬
‫األحاديث اليت تعصمكم من الوقوع يف الكفر ومن الوقوع يف الردة؟!‪ ،‬كيف أطعتم‬
‫ات اَللِ﴾؟!‬
‫﴿وأَنتُم تُـتـلَ ٰى َعلَي ُكم آيَ ُ‬
‫هذا الفريق من أهل الكتاب َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪454‬‬

‫ض اآلي ي‬ ‫ي‬
‫ات‪ ،‬ولا أن ترجع إىل اآليات األخرى‪:‬‬‫أُشريُ إل بَ ْع ي َ‬
‫ات اَللِ﴾‪ ،‬أتعلم كيف وصف هللا ¸ أهل الكتاب‬
‫﴿وأَنتُم تُـتـلَ ٰى َعلَي ُكم آيَ ُ‬
‫َ‬
‫هؤالء؟‪ ،‬الحظ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يف هناية آية يف [سورة النساء‪ ]101:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إن ال َكاف ِر َ‬
‫ين َكانُوا‬
‫اَلل﴾‪ ،‬كل كافر عدو‪ ،‬ولكن هللا ¸‬ ‫لَ ُكم ع ُد ًّوا ُّمبِينا﴾‪﴿ ،‬وأَنتم تُـتـلَى علَي ُكم آيات ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ٰ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫ث ثَالثٍَة﴾ وسبب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين قَالُوا إِن اَللَ ثَال ُ‬ ‫خص النصارى بالذكر‪ ،‬قال‪﴿ :‬لََقد َك َفَر الذ َ‬ ‫قد ّ‬
‫ذكري هلذه اآلية؛ ألن هذا الفريق الذي دخل هم من أتباع نيب هللا عيسى ‪-‬على‬
‫ث ثَالثٍَة﴾‪ ،‬إذا هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين قَالُوا إِن اَللَ ثَال ُ‬ ‫رسولنا وعليه الصالة والسالم‪﴿ -‬لََقد َك َفَر الذ َ‬
‫الفريق الذي دخل بلدنا‪ ،‬ودعا إىل الكفر باهلل ¸‪ ،‬والناس استجابوا هلم‪ ،‬هللا ¸‬
‫ين َكانُوا لَ ُكم َع ُد ًّوا ُّمبِينا﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول عنهم‪ :‬أهنم أعداءٌ لكم ﴿إن ال َكاف ِر َ‬
‫ث ثَالثٍَة﴾‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين قَالُوا إِن اَللَ ثَال ُ‬ ‫يف مقدمة هؤالء األعداء من؟‪﴿ ،‬لََقد َك َفَر الذ َ‬
‫َشد الن ِ‬
‫اس َع َد َاوة‬ ‫ِ‬
‫ومن ضمن هؤالء األعداء‪ :‬يف قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬لَتَج َدن أ َ‬
‫ات اَللِ﴾‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫﴿وأَنتُم تُـتـلَ ٰى َعلَي ُكم آيَ ُ‬
‫ين أَشَرُكوا﴾ [املائدة‪َ ،]82:‬‬
‫ود َوالذ َ‬
‫ين َآمنُوا اليَـ ُه َ‬
‫لّلذ َ‬
‫يعين هذه املعلومة (إثبات عداوة هؤالء) ليست مبنية على استخبارات بشرية‪ ،‬يعين‬
‫ما جاء أبو فالن‪ ،‬قال‪ :‬يا شيخ احذر من هؤالء‪ ،‬ترى هؤالء يُعادوننا‪ ،‬هذا خرب‬
‫بشري‪ ،‬أما الذي جاءنا يف كتاب ربنا هذا وحي من هللا ¸‪ ،‬فإذا أثبت عداوة‬
‫النصارى لنا‪ ،‬ال ميكن بعد ذلا أن يأيت إنسان ويقول‪ :‬هؤالء أصدقاؤنا‪ ،‬وأرادوا اخلري‬
‫لنا‪ ،‬وأرادوا أن يبنوا بلدنا‪ ،‬وأرادوا أن نلحق باحلضارة وأرادوا أن نتطور‪ ..‬هذا الكالم‬
‫ال يُساوي شيئا؛ ألنا أثبت املودة والصداقة واحملبة‪ ،‬وهللا ¸ أثبت نقيض ذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪455‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ف تَك ُف ُرو َن َوأَنتُم تُـتـلَ ٰى‬
‫﴿وَكي َ‬ ‫عندما قال‪﴿ :‬إن ال َكاف ِر َ‬
‫ين َكانُوا لَ ُكم َع ُد ًّوا ُّمبينا﴾‪ .‬إذا َ‬
‫ات اَللِ﴾؟!‬
‫َعلَي ُكم آيَ ُ‬
‫بعد أن أثبت أن هؤالء أعداء‪ ،‬وطاعتهم ُُمرجة من امللّة‪﴿ :‬إِن تُ ِطيعُوا فَ ِريقا ِّم َن‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َع ُدو‪ ،‬وقال إذا أطعته‪:‬‬ ‫ت لَ َ‬ ‫اب يَـ ُرُّدوُكم بَـع َد إميَان ُكم َكاف ِر َ‬
‫ين﴾‪ ،‬أثـبَ َ‬ ‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬
‫الذ َ‬
‫ستخرج من امللة‪ ،‬هذه آيات تتلى‪ ،‬فكيف تطيعهم؟!‬

‫بعد ذلا هذه الطاعة انتهت بالناس إىل معصية هللا ¸‪ ،‬وصل األمر إىل أن هللا‬
‫أحد من خلقه يف األرض‪ ،‬يف هذا املثلث‬‫تبار وتعاىل مل يبق له أمر وال هني على ٍ‬
‫َ‬
‫أوامر هللا ¸ أصبحت ملغيّة‪ ،‬كيف تطيعهم إذا؟!‬

‫املادة (‪ /35‬ثانيا) من الدستور العراقي‪" :‬تكِل الدولة محاية الِرد من الكراه‬


‫الِكري والسياسي والديين"‪ ،‬أي‪ :‬ال تسطيع بناء على هذا القانون الذي أطاعوا به‬
‫ذلا الفريق من أهل الكتاب ما تستطيع أن تكره أحدا على الصالة؛ علما أن هللا‬
‫اإلنس إِال لِيـعب ُد ِ‬ ‫لغاية غري العبودية‪﴿ ،‬وما خلَق ِ‬ ‫تبار وتعاىل ما خلقنا ٍ‬
‫ون﴾‬ ‫ت اجلن َو ِ َ َ ُ‬ ‫ّ ََ َ ُ‬
‫[الذاريات‪ ،]56:‬حىت هذه الغاية اليت ُخلقنا من أجلها عُطّلَت‪ ،‬ما تستطيع أن تقول‬
‫شيئا‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن هنا ُحريّة عقيدة‪ ،‬وهنا ُحريّة رأي‪ ،‬وهنا املادة (‪ )35‬من‬
‫الدستور العراقي اليت تقول‪" :‬أن الدولة تكفل حاية الفرد من اإلكراه الفكري‬
‫والسياسي والديين"‪ ،‬ما تستطيع أن تكره أحدا على أن يلتزم بالعبودية هلل تبار‬
‫ات اَللِ﴾؟!‬
‫ف تَك ُف ُرو َن َوأَنتُم تـُتـلَ ٰى َعلَي ُكم آيَ ُ‬
‫﴿وَكي َ‬
‫وتعاىل؛ إذا َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪456‬‬

‫ول ي‬‫يث ر ُس ي‬ ‫ي‬


‫للا‪:‬‬ ‫أَ َحاد ُ َ‬
‫﴿وفِي ُكم َر ُسولُهُ﴾‪ ،‬أما حبثت عن أحاديث رسول ‘ حىت تعلم ما املطلوب‬ ‫َ‬
‫منا جتاه هؤالء الناس الذين دخلوا بالدنا وهم فريق من أهل الكتاب؟!‪ ،‬كان‬
‫يكفيا أن تقف عند حديث رسول هللا ‘‪( :‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا عصموا‬‫يموا الصالةَ ويـُؤتُوا الزكاةَ‪ ،‬فَِإذا فعلوا ذل َ‬
‫أن ال إله إال هللا وأو رسول هللا ويُق ُ‬
‫ِ (‪)68‬‬
‫مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها‪ ،‬وحساهبم على اَلل)‪.‬‬

‫وكان يكفيا من ذلا‪ ،‬احلديث الذي رواه اإلمام مسلم ‪ -¬-‬عن أيب‬
‫س ُحمَم ٍد بِيَ ِدهِ‪ ،‬الَ يَس َم ُع‬ ‫ِ‬
‫هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪َ ( :‬والذي نَـف ُ‬
‫ت بِِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِيب أحد من هذه األمة ال يـه ِ‬
‫وت َوَمل يـُؤمن بِالذي أُرسل ُ‬ ‫ي‪َ ،‬والَ نَصَرِاوٌّ‪ُ ،‬مث ميَُ ُ‬
‫ود ٌّ‬ ‫َُ‬
‫اب النار)‪ ،‬أما كانت تكفيا هذه األحاديث؟!‬ ‫إِال كا َن ِمن أَصح ِ‬
‫َ‬
‫أما كان يكفيا احلديث الذي عند الطرباو ‪ ،-¬-‬قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫يا لَهُ‪َ ،‬و ُجعِ َل‬ ‫اع ِة بِالسي ِ‬
‫ف َحىت يـُعبَ َد اَللُ َوح َدهُ ال َش ِر َ‬ ‫ني يَ َد ِي الس َ‬‫ت بَـ َ‬
‫ِ‬
‫‘‪( :‬بُعث ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِرزقِي َحت ِ ِ‬
‫ف‬ ‫﴿وَكي َ‬‫ت ظ ِّل ُرحمي‪َ ،‬و ُجعلَت ال ّذلةُ َوالصغَ ُار َعلَى َمن َخالََف ِين)؟!‪ ،‬إذا َ‬ ‫َ‬
‫ات اَللِ َوفِي ُكم َر ُسولُهُ﴾؟!‬
‫تَك ُف ُرو َن َوأَنتُم تُـتـلَ ٰى َعلَي ُكم آيَ ُ‬
‫إذا أردت أن تتقصى ماذا قال الرسول ‘ غري هذه األحاديث ستجد كما‬
‫هائال‪ ،‬وإذا أردت أن تتقصى عن آيات أخرى ستجد كما هائال؛ فالعجب العجاب‬
‫أين كان؟‪ ،‬أن هؤالء الذين آمنوا كيف يستجيبون هلذا الفريق من أهل الكتاب وكيف‬

‫(‪[ )68‬احلديث متفق عليه]‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪457‬‬

‫يطيعوهنم‪ ،‬وبسبب هذه الطاعة خرجوا من امللة وأصبحوا كفارا ‪-‬والعياذ باهلل‪،-‬‬
‫وآيات هللا بني أيديهم وأحاديث رسول هللا ‘ بني أيديهم؟!‬

‫طبعا فاتين أن أذكر حديثا بالنسبة إىل هؤالء الذين ما كانوا منتمني إىل األحزاب‬
‫اليت ارتدت عن دين هللا ¸‪ ،‬ولكن رضوا بأفعال هذا احلزب‪.‬‬

‫حديث ذكره اإلمام الرتمذي ‪ -¬-‬وصححه‪ ،‬عن أم سلمة ‪~-‬‬ ‫ٌ‬


‫وأرضاها‪ -‬قالت‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬إِنهُ َسيَ ُكو ُن َعلَي ُكم أَئِمةٌ تَـع ِرفُو َن‬
‫َوتُـن ِك ُرو َن(‪ ،)69‬فَ َمن أَن َكَر فَـ َقد بَِريءَ َوَمن َك ِرَه فَـ َقد َسلِ َم‪َ ،‬ولَ ِكن َمن َر ِض َي َوتَابَ َع)‪.‬‬

‫إذا قد ال يكون منتميا إىل احلزب‪ ،‬ولكن رضي هبذا احلزب‪ ،‬فينطبق عليه هذا‬
‫صلُّوا)‪ .‬طاملا يصلون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪ ،‬يف احلديث أيضا قالوا‪ :‬أَفَ َال نـُ َقاتلُ ُهم؟ قال‪(َ :‬ال‪َ ،‬ما َ‬
‫حىت إذا رأيتم منهم هذه املخالفات ال خترجوا عليهم‪ ،‬هذا يف رجل حيكم ا أنزل‬
‫هللا‪ ،‬فكيف هبؤالء (رضي وتابعهم) والعياذ باهلل؟!‬

‫النَّ َجاةُ أَيّ َن؟‬

‫كيف ينجو املسلمون من براثن هذا الفريق ومن أتباع هذا الفريق ‪-‬والعياذ باهلل‪-‬‬
‫من األحزاب؟‬

‫اط ُّمستَ ِقي ٍم﴾‪ ،‬ومعىن االعتصام‬


‫صم بِاَللِ فَـ َقد ه ِدي إِ َ ٰىل ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫قال‪﴿ :‬ومن يـعتَ ِ‬
‫ََ َ‬
‫باهلل‪ :‬أي بكتاب هللا ¸ وسنة رسوله‪ ،‬أن تتعلم دين هللا تبار وتعاىل‪ ،‬ولكن ليس‬
‫من ُمف ّكري اإلخوان وال من علماء الفضائيات املرجئة أحباب الطواغيت هؤالء؛ وإمنا‬

‫(‪ )69‬يعين تكون عندهم ُمالفات‪ ،‬أمراء حيكمون ا أنزل هللا تكون فيهم بعض املخالفات‬
‫تعرفون من هذه املخالفات وتنكرون‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪458‬‬

‫ترجع إىل علماء أهل السنة واجلماعة‪ ،‬ترجع إىل علمائنا األجالء ‪ ،-†-‬تفهم‬
‫دينا من خالهلم‪ ،‬فإذا تعلمت دينا من خالهلم عند ذلا ال ميكن أن ُختالف ما‬
‫علمته من دينا وتتبع فريقا من أهل الكتاب أو تتبع أُناسا رضوا أن يُطيعوا ذلا‬
‫الفريق من أهل الكتاب‪ ،‬إذا االعتصام بكتاب هللا ¸ علما وعمال يُنقذ من طاعة‬
‫هذا الفريق من أهل الكتاب أينما كانوا‪َ ،‬ه يذهي اآليَة األُ ْو َل‪ ،‬أما ترى أهنا كأهنا نزلت‬
‫علينا؟‬
‫اآليَةُ الثَّانييَةُ‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وقَد نَـزَل َعلَي ُكم ِيف ال ِكتَ ِ‬
‫اب أَن إِ َذا‬ ‫َ‬
‫يث‬‫ات اَللِ يك َفر ِهبا ويستَـهزأُ ِهبا فَ َال تَـقع ُدوا معهم حىت َخيُوضوا ِيف ح ِد ٍ‬ ‫َِمسعتُم آي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََُ َ ٰ‬ ‫ُ ُ َ َُ َ َ‬ ‫َ‬
‫مجيعا﴾‬ ‫َغ ِريهِ ۚ إِن ُكم إذا ِمثـلُهم ۚ إِن اَلل ج ِامع المنَافِ ِقني وال َكافِ ِرين ِيف جهنم َِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫ّ ُ‬
‫﴿وإِ َذا‬ ‫ٍ‬
‫[النساء‪ ،]140:‬هذه اآلية هلا عالقة بآية أخرى يف [سورة األنعام‪َ :]69-68:‬‬
‫رأَيت ال ِذين َخيُوضو َن ِيف آياتِنَا فَأَع ِرض عنـهم حىت َخيُوضوا ِيف ح ِد ٍ‬
‫يث َغ ِريهِ ۚ َوإِما‬ ‫َ‬ ‫َُ َٰ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫يِ‬
‫ني ۝ َوَما َعلَى الذ َ‬ ‫ا الشيطَا ُن فَ َال تَـقعُد بَـع َد ال ّذكَر ٰى َم َع ال َقوم الظالم َ‬ ‫نسيَـن َ‬ ‫ُ‬
‫يَـتـ ُقو َن ِمن ِح َساهبِِم ِّمن َشي ٍء﴾‪ ،‬فَ َما َعالقَةُ َه ِذهِ اآليَِة بِاآليَِة الثانِيَ ِة؟‬

‫يف اآلية األوىل‪﴿ :‬إِن ُكم إذا ِّمثـلُ ُهم﴾ هذا اجلزء من اآلية‪ ،‬ما عالقته بقول هللا‬
‫ين يَـتـ ُقو َن ِمن ِح َساهبِِم ِّمن َشي ٍء﴾؟‬ ‫ِ‬
‫﴿وَما َعلَى الذ َ‬
‫¸‪َ :‬‬
‫جملس ومل تُشار معهم‪ ،‬معىن ذلا أنا ال ُحتاسب‬ ‫أي أنا إذا جلست يف ٍ‬
‫ين يَـتـ ُقو َن‬ ‫ِ‬
‫﴿وَما َعلَى الذ َ‬
‫على ما صدر منهم‪ ،‬كيف نفهم هذا اجلزء من اآلية ابتداء َ‬
‫ِمن ِح َساهبِِم ِّمن َشي ٍء﴾؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪459‬‬

‫ُناس خاضوا يف آيات هللا ¸ واستهزؤوا‪ ،‬أنت إذا اتقيت هللا ¸ ما‬ ‫أي أ ٌ‬
‫﴿وَما َعلَى ال ِذي َن يَـتـ ُقو َن ِمن‬
‫ُحتاسب على ما كان منهم‪ ،‬إذا هذا اجلزء من اآلية َ‬
‫خري بني أن جتلس و ّأال جتلس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ح َساهبم ّمن َشيء﴾ كأن هللا ¸ ّ‬
‫اإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يقول يف تفسريه ‪-‬أنقله باملعىن وليس‬
‫ين يَـتـ ُقو َن ِمن ِح َساهبِِم ِّمن َشي ٍء﴾‪ :‬أن أُناسا إذا‬ ‫ِ‬
‫﴿وَما َعلَى الذ َ‬
‫بالنص‪ ،-‬قال‪ :‬معىن َ‬
‫جلسوا وكفروا بآيات هللا واستهزؤوا‪ ،‬وأنت مل جتلس معهم‪ ،‬هللا ¸ ال ُحياسبا على‬
‫معزل عن هذه‬ ‫ما كان منهم‪ ،‬ألنا اتقيت اجللوس يف هذه اجملالس‪ ،‬أي تكون يف ٍ‬
‫اجملالس‪ .‬هذا التفسري األول هلذه اآلية‪.‬‬

‫أما التفسري الثاو‪ :‬أن خيوضوا ويستهزؤوا بآيات هللا‪ ،‬واإلنسان يكون جالسا‬
‫ين يَـتـ ُقو َن ِمن ِح َساهبِِم ِّمن َشي ٍء﴾؟‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وَما َعلَى الذ َ‬
‫معهم‪ ،‬فكيف يكون َ‬
‫ُيلس معهم‪ ،‬ولكن ال يشاركهم ال يف الكفر وال يف االستهزاء‪ ،‬مث قال‪ :‬وكان هذا يف‬
‫زمن التقية‪.‬‬

‫ين يَـتـ ُقو َن ِمن ِح َساهبِِم‬ ‫ِ‬


‫﴿وَما َعلَى الذ َ‬
‫العلماء قالوا‪ :‬أن قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِّمن َشي ٍء﴾ قالوا‪ :‬هذه اآلية منسوخة بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن ُكم إذا ِّمثـلُ ُهم﴾‪،‬‬
‫الس ّدي كما نقل ابن كثري ‪ -¬-‬عنهم‪،‬‬ ‫والذي نقل النسخ‪ُ :‬جماهد‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬و ُّ‬
‫وكذلا اإلمام الشوكاو أيضا نقل النسخ‪ ،‬وكذلا النحاس ‪ -¬-‬يف كتابه‬
‫[الناسخ واملنسوخ]‪ ،‬وأثبت أن هذه اآلية منسوخة هبذه‪ .‬وكذلا ذكر ذلا اإلمام‬
‫الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫ين يَـتـ ُقو َن ِمن ِح َساهبِِم ِّمن َشي ٍء﴾ هذه‬ ‫ِ‬
‫﴿وَما َعلَى الذ َ‬
‫إذا آية التخيري َ‬
‫منسوخة‪ ..‬إيش الناسخ؟‪ ،‬قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن ُكم إذا ِّمثـلُ ُهم﴾‪ ،‬إذا بناء على‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪460‬‬

‫هذا النسخ‪ ،‬ال ُيوز ملسلم أن ُيلس يف ٍ‬


‫جملس يُكفر فيه بآيات هللا ¸ أو يُستهزأ‬
‫به‪.‬‬

‫هذه اجللسة إن كانت جلسة معصية‪ ،‬فمن جلس معهم فقد شاركهم يف‬
‫املعصية‪ ،‬وإن كانت جلسة كفر واستهزاء‪ ،‬فقد شاركهم يف حكم الكفر ويف حكم‬
‫االستهزاء‪.‬‬

‫أما جلسة املعصية‪ :‬ذكر ابن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه قال‪ :‬أن عمر‬
‫ُناس قد شربوا اخلمر‪ ،‬فأراد‬ ‫بن عبدالعزيز ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف خالفته‪ ،‬جيء بأ ٍ‬
‫أن يُقيم عليهم احلد‪ ،‬فقالوا ‪-‬أي ألمري املؤمنني عمر بن عبدالعزيز‪ :-‬إن أحدهم‬
‫اب‬‫صائم‪ ،‬قال‪ :‬فبه ابدؤوا‪ ،‬مث قال‪ :‬أما مسعتم قول هللا‪﴿ :‬وقَد نَـزَل َعلَي ُكم ِيف الكِتَ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وضوا ِيف‬ ‫أَن إِذَا َمسعتُم آيَات اَلل يُك َف ُر هبَا َويُستَـهَزأُ هبَا فَ َال تَـقعُ ُدوا َم َع ُهم َح ٰىت َخيُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ين ِيف َج َهن َم‬ ‫َحديث َغ ِريه ۚ إِن ُكم إذا ّمثـلُ ُهم ۚ إِن اَللَ َجام ُع ال ُمنَافق َ‬
‫ني َوال َكاف ِر َ‬
‫مجيعا﴾‪ ،‬قال‪ :‬تبدأ به‪ ،‬علما أنه ما شرب اخلمر الرجل كان صائما‪ ،‬لكن جلس مع‬ ‫َِ‬
‫ُناس عصوا هللا تبار وتعاىل؛ فكان له حكم من اقرتف هذا املنكر ﴿إِن ُكم إذا‬
‫أ ٍ‬
‫ِّمثـلُ ُهم﴾‪.‬‬
‫إذا اجللسات إذا كانت فيها ٍ‬
‫معاص‪ ،‬من جلس مع أهل املعصية فهو منهم‪ ..‬إما‬
‫أن يُغادر وإما أن يُنكر عليهم‪.‬‬

‫أما إن إذا كانت اجللسة جلسة كفر واستهزاء‪ :‬االستهزاء عمل ُمرج من امللّة‪،‬‬
‫لقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬ولَئِن سأَلتـهم لَيـ ُقولُن إِمنَا ُكنا َخنوض ونَـلعب ۚ قُل أَبِاَللِ‬
‫ُ ُ َ َُ‬ ‫َ َ َُ َ‬
‫َوآيَاتِِه َوَر ُسولِِه ُكنتُم تَستَـه ِزئُو َن ۝ َال تَـعتَ ِذ ُروا قَد َك َفرُمت بَـع َد إِميَانِ ُكم﴾ [التوبة‪-65:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪461‬‬

‫‪ ،]66‬إذا االستهزاء كفر ُمرج من امللّة‪ ..‬فمن جلس يف جملس يُكفر به بآيات هللا‬
‫¸ ويُستهزأ‪ ،‬ومل يُغادر اجمللس ومل يعرتض‪﴿ :‬إِن ُكم إذا ِّمثـلُ ُهم﴾‪.‬‬

‫لكن الفرق بينهما‪ :‬أن الذي كفر واستهزأ هذا كافر‪ ،‬أما الذي جلس ومل‬
‫يعرتض ومل يُغادر وهو ي ّدعي االنتساب إىل اإلسالم‪ ،‬هذا ُمنافق‪ ،‬ونفاقه عقائدي؛‬
‫بدليل أن هللا ¸ جعل حكمهم يف الدنيا سواء‪ ،‬قال‪﴿ :‬إِن ُكم إذا ِّمثـلُ ُهم﴾‪ .‬أنت ال‬
‫ختتلف عن هذا املستهزئ وال ختتلف عن هذا الذي كفر بآيات هللا‪ ،‬وعقوبتهم أيضا‬
‫موحدة يف اآلخرة‪ ،‬قال‪﴿ :‬إِن اَلل ج ِامع المنَافِ ِقني وال َكافِ ِرين ِيف جهنم َِ‬
‫مجيعا﴾‪.‬‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ‬
‫إذا حكمهم يف الدنيا سواء‪ ،‬وعقوبتهم يف اآلخر سواء‪ ،‬الفارق أين؟ الفارق يف‬
‫االسم فقط‪ ،‬هذا الذي كفر واستهزأ‪ :‬هذا كافر‪ ،‬وهذا الذي جلس معه ومل يعرتض‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾ أي‪ :‬اجلالسني‬‫ومل يُغادر‪ :‬هذا منافق‪ ،‬وهلذا قال هللا ¸‪﴿ :‬إِن اَللَ َجام ُع ال ُمنَافق َ‬
‫مع املستهزئني‪ ،‬والكفار يف نار جهنم مجيعا‪.‬‬

‫يسر لنا ذلا‪.‬‬


‫نُكمل يوم غد أو يوم السبت إذا هللا تبار وتعاىل ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪462‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس الر ِابع و‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ َ َْ َ‬
‫للا [تك ِملة]‬
‫اب ِ‬‫حكم أعض ِاء البرِل ِان ِفي ِكت ِ‬
‫السالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا‬‫الصالة و ّ‬
‫بسم هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬و ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪،‬‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫أعنا على اتِّ ِ‬
‫وِ‬
‫يوم‬ ‫ِ‬ ‫وانفعنا ا علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر‬
‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫رب اشر‬ ‫نَـل َقا ‪ ،‬وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫لوجها‬ ‫صاحلا‪ ،‬و‬‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ِ‬ ‫أمري‪ ،‬واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫َ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬‫خالِصا‪ ،‬وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬

‫تبني‬‫يف حديثنا عن تلا اآلية املباركة‪ ،‬ارتأيت أن أعيد ما قلته يوم أمس‪ ،‬ألنه ّ‬
‫أن األمر كان حيتاج إىل بعض الرتتيبات يف الطر ‪ ،‬فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬اآلية‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني َهلُ ُم‬‫ين ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرهم ّمن بَـعد َما تَـبَـ َ‬ ‫الكرمية اليت وقفنا عندها‪﴿ :‬إن الذ َ‬
‫ين َك ِرُهوا َما نَـزَل‬ ‫ِِ‬ ‫اهلَُدى ۚ الشيطَا ُن سوَل َهلُم وأَملَ ٰى َهلُم ۝ َٰذلِ َ ِ‬
‫ا بأَنـ ُهم قَالُوا للذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف إِذَا تَـ َوفـتـ ُه ُم‬‫ض األَم ِر ۚ َواَللُ يَـعلَ ُم إِسَر َارُهم ۝ فَ َكي َ‬ ‫اَللُ َسنُ ِطيعُ ُكم ِيف بَـع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط اَللَ َوَك ِرُهوا‬ ‫وه ُهم َوأَدبَ َارُهم ۝ َٰذل َ‬
‫ا بِأَنـ ُه ُم اتـبَـعُوا َما أَس َخ َ‬ ‫ال َم َالئ َكةُ يَض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫ط أَع َما َهلُم﴾ [حممد‪.]28-25:‬‬ ‫ِرض َوانَهُ فَأَحبَ َ‬
‫هذه اآلية من األُهية كان‪ ،‬لكالم لإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬
‫سنقرأه يف هناية احملاضرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرهم ّمن بَـعد َما تَـبَـ َ‬
‫ني َهلُ ُم‬ ‫اجلزء األول من اآلية‪﴿ :‬إن الذ َ‬
‫اهلَُدى﴾‪ ،‬ارت ّدوا عىن‪ :‬تراجعوا‪ ،‬إذا رجع اإلنسان للخلف يُسمى (القهقري)‪ ،‬أي‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪463‬‬

‫ين ارتَ ُّدوا‬ ‫ِ ِ‬


‫أن ترجع إىل اخللف دون أن تُدير وجها‪ ،‬هذا معىن االرتداد‪﴿ ،‬إن الذ َ‬
‫َعلَ ٰى أَدبَا ِرِهم﴾‪.‬‬

‫﴿اهلَُدى﴾ املقصود باهلدى هنا‪ :‬هدى هللا تبار وتعاىل؛ لقوله تبار وتعاىل‪:‬‬
‫﴿قُل إِن ُه َدى اَللِ ُه َو اهلَُد ٰى﴾ [البقرة‪ ،]120:‬واملقصود هبدى هللا تبار وتعاىل‪:‬‬
‫كتاب هللا تبار وتعاىل القرآن‪ ،‬وكذلا ما جاء به الرسول ‘ من رهبم‪ ،‬أما الدليل‬
‫اب‬ ‫على أن املقصود هبدى هللا ¸ القرآن‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬ونَـزلنَا علَي َ ِ‬
‫ا الكتَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫فسماه كتاب‬ ‫ني﴾ [النحل‪ّ ،]89:‬‬ ‫تبـيَانا لّ ُك ِّل َشيء َوُهدى َوَرحَة َوبُشَر ٰى لل ُمسلم َ‬
‫هداية‪ ،‬كذلا قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬إِن َٰه َذا ال ُقرآ َن يَـه ِدي لِل ِيت ِه َي أَقـ َوُم﴾‬
‫[اإلسراء‪.]9:‬‬

‫اط ُّمستَ ِقي ٍم﴾ [الشورى‪،]52:‬‬ ‫ا لَتَـه ِدي إِ َ ٰىل ِصر ٍ‬


‫َ‬ ‫﴿وإِن َ‬
‫وقال عن رسول هللا ‘‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫﴿ه َو الذي أَر َس َل َر ُسولَهُ‬
‫والكتاب والسنة قد اجتمعا يف قول هللا تبار وتعاىل‪ُ :‬‬
‫بِاهلَُد ٰى َوِدي ِن احلَ ِّق لِيُظ ِهَرهُ َعلَى ال ِّدي ِن ُكلِّ ِه﴾ [التوبة‪.]33:‬‬

‫فالعلماء ‪ †-‬تعاىل‪ -‬قالوا يف معىن اهلدى ودين احلق‪ :‬الفرقان‪ ،‬كاإلمام‬


‫القرطيب ‪ -¬-‬قال‪ :‬اهلدى‪ :‬الفرقان‪ ،‬ودين احلق‪ :‬احلجة البالغة‪ ،‬وابن كثري ‪-‬‬
‫¬‪ -‬قال يف معناها‪ :‬العلم النافع والعمل الصاحل‪ ،‬أما اإلمام الشوكاو ‪-¬-‬‬
‫قال يف معىن باهلدى ودين احلق‪ :‬اإلسالم‪.‬‬

‫يضل بإذن‬
‫متسا بالكتاب والسنة‪ ،‬لن ّ‬ ‫وقلنا فيما قلناه يف درسنا املاضي‪ :‬من ّ‬
‫متسا هبما على فهم أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وليس املعاصرين من‬‫ّ‬ ‫هللا تعاىل؛ طبعا‬
‫ُ‬
‫علماء الفضائيات الذين هلم مذاهب ومشارب شىت‪ ..‬فعندما نقول (على فهم أهل‬
‫السنة واجلماعة) نقصد‪ :‬علماء أهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪464‬‬

‫أما من تر اهلدى بعد أن تبني له‪ :‬فهذا بالضرورة قد انشق عن الرسول ‘‪،‬‬
‫ني لَهُ اهلَُد ٰى َويَـتبِع‬ ‫ِ‬ ‫واتبع غري سبيل املؤمنني‪﴿ ..‬ومن ي َشاقِ ِق الرس َ ِ‬
‫ول من بَـعد َما تَـبَـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫صريا﴾ [النساء‪،]115:‬‬ ‫َغيـر سبِ ِيل المؤِمنِني نـُولِِّه ما تَـو ٰىل ونُصلِ ِه جهنم ۚ وساءت م ِ‬
‫ََ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫تبني اهلدى‪ ،‬من تر اتباع اهلدى؛ بالضرورة قد انشق عن رسول هللا ‘‪.‬‬ ‫إذا بعد ّ‬
‫تبني هلم‬
‫وقلنا فيما قلناه‪ :‬أن السبب يف أن كثري من الناس (على العموم) إذا ّ‬
‫اهلدى ال يتبعونه‪ ،‬ما السبب يف ذلا؟‬

‫ا نـُتَ َخطف ِمن‬ ‫﴿وقَالُوا إِن نـتبِ ِع اهلَُد ٰى َم َع َ‬


‫قلنا‪ :‬اخلوف من تبعات الطريق‪َ .‬‬
‫ماض‪ ،‬قلنا أن هذا األمر‬ ‫لقاء ٍ‬ ‫أَر ِضنا﴾ [القصص‪ ،]57:‬وهذا الشيء ذكرناه يف ٍ‬
‫َ‬
‫يل ُّمستَض َع ُفو َن ِيف األَر ِ‬
‫ض َختَافُو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿واذ ُك ُروا إذ أَنتُم قَل ٌ‬
‫حاصل لقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫أَن يـتَخط َف ُكم الناس فَآوا ُكم وأَي َد ُكم بِنَص ِرهِ ورزقَ ُكم ِمن الطيِب ِ‬
‫ات لَ َعل ُكم تَش ُك ُرو َن﴾‬ ‫َ َ َ ّ َ َّ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ‬
‫[األنفال‪.]26:‬‬

‫إذا الذي منع مشركي مكة من اتباع رسول هللا ‘ على اهلدى الذي ظهر هلم‪،‬‬
‫هم اعرتفوا أن هذا هدى‪ ،‬وأن ما جئت به هدى‪ ،‬ولكن اخلوف من التخطف ومن‬
‫﴿وقَالُوا إِن نـتبِ ِع اهلَُد ٰى‬
‫القتل منعهم من اتباع اهلدى الذي جاء به الرسول ‘‪َ ،‬‬
‫ا نـُتَ َخطف ِمن أَر ِضنَا﴾‪.‬‬
‫َم َع َ‬
‫وهللا تبار وتعاىل أثبت أن من يسري يف هذا السبيل يصيبه ما يصيبه‪ ،‬وهي‬
‫يل ُّمستَض َع ُفو َن ِيف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿واذ ُك ُروا إذ أَنتُم قَل ٌ‬
‫املقدمات الثالثة اليت ذكرت يف اآلية الكرمية‪َ :‬‬
‫ض‪ ﴾...‬فدائما جتدهم قلّة‪ ،‬وجتدهم مستضعفون‪ ،‬وجتدهم متخطفون من قبل‬ ‫األَر ِ‬
‫آوا ُكم َوأَي َد ُكم بِنَص ِرهِ َوَرَزقَ ُكم‬
‫اآلخرين‪ ،‬لكن هناية هذه املسرية يف اآلية الكرمية‪﴿ :‬فَ َ‬
‫ِمن الطيِب ِ‬
‫ات لَ َعل ُكم تَش ُك ُرو َن﴾‪.‬‬‫ّ َ َّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪465‬‬

‫فمن مل مير هبذه املناطق الثالثة‪ ،‬ال ميكن أن ينتهي إىل هذه النتائج اليت ذكرها‬
‫هيء هللا ¸ له مأوى ورزقا طيبا ومسكنا وما إىل ذلا‪،‬‬ ‫هللا ¸‪ ،‬فكل من أراد أن يُ ّ‬
‫ُيب أن يكون من أهل هذا السبيل الذي هم قلة‪ ،‬مستضعفون يف األرض‪ ،‬وخيافون‬
‫أن يتخطفهم الناس‪ ،‬من كان ليس من هؤالء‪ ،‬ال يصل إىل هذه النتيجة‪ ،‬وهلذا جتد‬
‫أن األحزاب املنتسبة إىل اإلسالم هم باملاليني وال خيافون شيئا‪ ،‬ولكن ال ميكن يف‬
‫هيء هللا ¸ هلم مأوى أو أن يرزقهم من الطيبات‪ ،‬بل حاهلم‬ ‫يوم من األيام أن يُ ّ‬
‫ب‬
‫السبَ ُ‬
‫حال املرتدين وحال الكفار وحال اليزيدية‪ ،‬دائما يعيشون هكذا‪َ ،‬ه َذا َ‬
‫األَ َّو ُل‪.‬‬

‫تبني احلق ملاذا بعض الناس ال يتبعونه‪ :‬هذا يدخل يف‬ ‫ب الثًّ ياين‪ :‬قلنا بعد ّ‬
‫السبَ ُ‬
‫َ‬
‫َض ُّل ِمم ِن اتـبَ َع َه َواهُ بِغَ ِري ُهدى ِّم َن اَللِ﴾ [القصص‪ ،]50:‬إذا‬
‫﴿وَمن أ َ‬
‫اتباع اهلوى‪َ ..‬‬
‫اهلدى مع هللا ال يتفق مع اهلوى‪ ،‬ألن اهلوى ما متيل إليه النفس من املخالفات‬
‫الشرعية‪ ،‬فإذا كان تبني لإلنسان هدى هللا ¸‪ ،‬ال ميكن بعد ذلا أن خيالف اهلدى‬
‫الذي ظهر له إال إذا كان صاحب هوى‪.‬‬

‫إذا هلذين السببني ميكن لبعض الناس ّأال يتبع اهلدى بعد أن ظهر له‪ ،‬هذا على‬
‫العموم‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرهم ّمن بَـعد َما تَـبَـ َ‬
‫ني َهلُ ُم‬ ‫أما يف خصوص هذه اآلية ﴿إن الذ َ‬
‫اهلَُدى﴾‪:‬‬

‫صنف خاص من الناس‪ ،‬ألن هلم أسباب خاصة للردة عن دين هللا تبار‬
‫هؤالء ٌ‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪466‬‬

‫ولكن قبل الدخول يف هذه التفاصيل‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫من املَْع ي ُّ ي ي ي ي‬
‫ين بَذه اآليَة ﴿إِن الذي َن ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرهم ّمن بَـعد َما تَـبَـ َ‬
‫ني َهلُ ُم‬ ‫َْ‬
‫اهلَُدى﴾؟‬

‫علماء أهل السنة واجلماعة ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ -‬هلم ثالثة آراء‪:‬‬

‫ي األَ َّو ُل‪ :‬قالوا املعين هبذه اآلية هم اليهود‪ ،‬واستدلوا بقوله تبار وتعاىل‪:‬‬ ‫الرأْ ُ‬
‫َ‬
‫اب يـَع ِرفُونَهُ َك َما يَـع ِرفُو َن أَبـنَاءَ ُهم ۚ َوإِن فَ ِريقا ِّمنـ ُهم لَيَكتُ ُمو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ُم الكتَ َ‬
‫ين آتَـيـنَ ُ‬‫﴿الذ َ‬
‫احلَق َوُهم يَـعلَ ُمو َن﴾ [البقرة‪ ،]146:‬إذا اليهود تبني هلم اهلدى‪ ،‬ولكن بعد التبني ما‬
‫﴿وإِن فَ ِريقا ِّمنـ ُهم‬‫اتبعوا هذا اهلدى الذي تبني هلم بداللة قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫لَيَكتُ ُمو َن احلَق َوُهم يَـعلَ ُمو َن﴾‪ ،‬إذا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‪ ،‬ويعرفون احلق ولكن‬
‫كتموه‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا املعين هبذه اآلية‪ :‬اليهود‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬وهو قول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬يف ما ينقل عن ابن‬ ‫ال َق ْو ُل َ‬
‫عباس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ -‬قال‪ :‬املعين هبذه اآلية هم املنافقون‪.‬‬

‫صنف آخر‪ ،‬ليسوا منافقني وإمنا‬


‫ولكن بعد التأمل يف اآلية‪ ،‬جتد أن هؤالء الناس ٌ‬
‫هم صنف خاص من الناس‪ ،‬هنا فروقات بينهم وبني املنافقني‪:‬‬

‫ال َِا ير ُق األَ َّو ُل بني هذه الفئة وبني املنافقني‪ :‬أن املنافقني عندما يلتقون بأهل‬
‫﴿وإِذَا لَ ُقوا‬
‫ملتهم‪ ،‬ال يقولون هلم سنطيعكم يف بعض األمر‪ ،‬قوله تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ال ِذين آمنُوا قَالُوا آمنا وإِ َذا خلَوا إِ َ ٰىل َشي ِ‬
‫اطينِ ِهم قَالُوا إِنا َم َع ُكم إِمنَا َحن ُن ُمستَـه ِزئُو َن ۝‬‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ُّهم ِيف طُغيَاهنِِم يَـع َم ُهو َن﴾ [البقرة‪ ،]15-14:‬إذا املنافق عندما‬ ‫اَلل يستَـه ِز ُ ِِ‬
‫ئ هبم َوميَُد ُ‬ ‫َُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪467‬‬

‫يلتقي بأهل ملته‪ ،‬أو ن هو منهم‪ ،‬ال يقول هلؤالء الناس سنطيعكم يف بعض األمر‪،‬‬
‫وإمنا هو معهم مجلة وتفصيال‪.‬‬
‫أما هذا الصنف املذكور يف هذه اآلية‪ :‬ال‪ ،‬هؤالء عندما جاؤوا إىل أ ٍ‬
‫ُناس يكرهون‬
‫ما ّنزل هللا ¸‪ ،‬قالوا هلم‪ :‬سنطيعكم يف بعض األمر؛ إذا هم ليسوا معهم فيما‬
‫يقولونه مجلة وتفصيال‪ ،‬وإمنا يتبعوهنم يف بعض األمور اليت يروهنا‪ ،‬وهذا فارق بني‬
‫املنافق وبني هذا الصنف من الناس‪.‬‬

‫ال َِا ير ُق َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬أن املنافق عندما يقول ألتباعه أو ألهل ملته‪ ،‬يقول ذلا بالسر‬
‫اطينِ ِهم﴾ أي‪ :‬إذا اختلوا بأهل ملتهم بأهل دينهم‪ ،‬يقولون هلم إنا‬
‫﴿وإِ َذا خلَوا إِ َ ٰىل َشي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫معكم إمنا حنن مستهزؤون‪.‬‬

‫أما هذا الصنف املذكور يف هذه اآلية‪ :‬فهؤالء يقولون عالنية للناس الذين‬
‫يكرهون ما أنزل هللا‪ :‬سنطيعكم يف بعض األمر‪ ،‬وأنت تسمع تصرحياهتم يف‬
‫سر مثل هذا القول‬
‫الفضائيات‪ ،‬واملنافق ال يقول مثل هذا القول‪ ،‬ألن املنافق دائما يُ ّ‬
‫إىل أقرانه‪.‬‬

‫ث بني املنافقني وبني هؤالء‪ :‬أن هؤالء ّ‬


‫تبني هلم احلق‪ ،‬أي ظهر هلم‬ ‫ال َِا ير ُق الثَّالي ُ‬
‫احلق ومع هذا ارت ّدوا على أدبارهم واحنازوا إىل هؤالء‪.‬‬

‫تبني‬
‫أما املنافق‪ :‬فهذا يبطن الكفر ويظهر اإلسالم‪ ،‬أي‪ :‬ال يوجد يف داخله ّ‬
‫للحق‪ ،‬وإال لو تبني احلق يف داخله‪ ،‬التّبع احلق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪468‬‬

‫تبني هلم احلق‬


‫إذا املنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر اإلسالم‪ ..‬بينما هؤالء ّ‬
‫وعلموا أن هذا هو احلق‪ ،‬ومع هذا قالوا هلذا الفريق الذي يكره ما ّنزل هللا ¸‪:‬‬
‫سنطيعكم يف بعض األمر‪.‬‬

‫إذًا أَقُ ُ‬
‫ول ‪-‬وأسأل هللا تبار وتعاىل أن أكون ُمصيبا فيما ذهبت إليه‪:-‬‬

‫أن هذا الصنف ال عالقة هلم باملنافقني‪ ،‬وإمنا هم صنف خاص‪ ،‬وسنأيت إىل‬
‫تفاصيلهم بإذن هللا تعاىل‪.‬‬

‫القول الثالث من أقوال علماء أهل السنة واجلماعة‪ :‬وهو قول اإلمام الشنقيطي‬
‫عامة‪ .‬أي‪ :‬تشمل اليهود‪ ،‬وتشمل املنافقني‪،‬‬ ‫‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪ :‬اآلية ّ‬
‫وتشمل هؤالء الناس الذين ذكرهم هللا ¸ يف هذه اآلية‪.‬‬

‫الناس؟ َو َما هي إ ْش َك ُ‬
‫االت ُه ْم؟‬ ‫َإذا َع ِل ْم َت َه َذا‪َ ،‬ف َما ِق َّ‬
‫ص ُة َهؤالء َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقاء سابق أن‬ ‫األَمر األَ َّو ُل‪ :‬أهنم أُناس وقفوا على مصادر التشريع‪ ،‬وقلنا يف ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ُْ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرهم ّمن بَـعد َما تَـبَـ َ‬
‫ني َهلُ ُم اهلَُدى﴾‬ ‫اهلدى بذاته ال يظهر‪﴿ ..‬إن الذ َ‬
‫يتبني وال يظهر‪ ،‬وإمنا يظهر اهلدى‬ ‫أي‪ :‬أصبح ظاهرا واضحا‪ ،‬اهلدى بذاته ال ّ‬
‫بالرجوع إىل مصادر اهلدى‪ ،‬فإذا رجعت إىل القرآن ورجعت إىل السنة‪ ،‬وأحطت‬
‫علما باألدلة و ا قاله علماء أهل السنة واجلماعة؛ عند ذلا من هذه املصادر يظهر‬
‫تبني‬
‫لا اهلدى‪ ،‬إذا هؤالء صنف تعاملوا مع مصادر التشريع‪ ،‬ومن خالل املصادر ّ‬
‫هلم اهلداية أين واهلدى أين‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪469‬‬

‫تبني هلم هذا اهلدى‪ ،‬رجعوا على‬‫هذا الصنف هكذا وصفهم هللا ¸‪ ..‬بعد أن ّ‬
‫دبرهم‪ ،‬ارتدوا على أدبارهم واحنازوا إىل ٍ‬
‫فئة أخرى‪ ،‬تلا الفئة اليت احنازوا إليها‬
‫وصفهم هللا ¸ بأهنم يكرهون ما ّنزل هللا ¸‪.‬‬

‫لدي هكذا ‪-‬أنا سبب تأكيدي على هذا األمر ألن‬ ‫إذا الصورة اآلن أصبحت ّ‬
‫تبني هلم احلق‪ ،‬إذا هنا فئة أخرى‬ ‫ُناس ّ‬
‫هذه اآلية آية عجيبة هلا عالقة بواقعنا‪ ،-‬أ ٌ‬
‫يكرهون ما نّزل هللا ¸‪ ،‬وبالضرورة أفهم أن هذه الفئة اليت تكره ما ّنزل هللا ¸‬
‫ليسوا أفرادا ‪-‬يعين ليس فالن بن فالن يف الدولة الفالنية أو يف املدينة الفالنية أو يف‬
‫ُناس اتفقوا على أن يكرهوا ما ّنزل هللا ¸‪ ،‬فهم فئة‬ ‫القرية الفالنية‪ -‬وإمنا هؤالء أ ٌ‬
‫وهم مجاعة؛ ألن هذا الذي ت ّبني له احلق إذا احناز إىل رجل واحد‪ ،‬هذا ال يُذكر‪..‬‬
‫وإمنا الذي يُذكر أن تكون هنا جمموعة ثانية يكرهون ما ّنزل هللا ¸‪ ،‬وهؤالء قالوا‬
‫يل األَ َّو ُل على‬‫هلؤالء الذين يكرهون ما نزل هللا‪ :‬سنطيعكم يف بعض األمر‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أن هؤالء مجاعة‪.‬‬
‫َّ ي‬
‫يل الثَّ ياين على أن هذه الفئة اليت تكره ما أنزل هللا مجاعة‪ :‬أهنم أ ٌ‬
‫ُناس هلم أمر‬ ‫الدل ُ‬
‫وهلم هني؛ بدليل أن هذه الفئة قالوا هلؤالء‪ :‬سنُطيعكم‪ ..‬إذا هؤالء لديهم أوامر‬
‫ولديهم نواهٍ‪ ،‬وبعض أوامرهم قد تكون موافقة للشرع‪ ،‬وبعضها يقينا ُمالفة‪ ،‬وهذا ال‬
‫يكون إال جلماعة‪ ،‬إذا هذه اجملموعة بذواهتم يكرهون ما ّنزل هللا ¸‪.‬‬
‫ِ‬
‫ف إِذَا تَـ َوفـتـ ُه ُم ال َم َالئ َكةُ يَض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫وه ُهم‬ ‫ي ي‬
‫وعةُ َهلَا ص َِةٌ ثَانيَةٌ‪﴿ :‬فَ َكي َ‬ ‫َه يذهي ا ْمل ُم َ‬
‫ِ‬
‫ط اَللَ َوَك ِرُهوا ِرض َوانَهُ﴾‪ ..‬إذا هذه اجلماعة‬ ‫َوأَدبَ َارُهم ۝ َٰذل َ‬
‫ا بِأَنـ ُه ُم اتـبَـعُوا َما أَس َخ َ‬
‫تكره ما أنزل هللا ¸ بذواهتا‪ ،‬ولكن عندهم شيء يتبعونه‪ ،‬هذا الذي يتبعونه يُسخط‬
‫ط اَللَ﴾ إذا جمموعة تكره ما أنزل هللا‪ ،‬ولديهم شيء‬
‫هللا ¸‪﴿ ..‬اتـبَـعُوا َما أَس َخ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪470‬‬

‫يُسخط هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وهذا الذي يُسخط هللا تبار وتعاىل يقينا ليس شرع هللا‬
‫¸‪ ،‬وإمنا شرع آخر؛ ألنه لو كان شرع هللا تبار وتعاىل ما يُسخط هللا ¸ ذلا‪،‬‬
‫ُناس يكرهون ما أنزل هللا‪ ،‬ولديهم شيء يُسخط هللا تبار وتعاىل‪.‬‬
‫إذا أ ٌ‬
‫زين‪ ،‬كيف تُثبت أن لديهم شيء يُسخط هللا تبار وتعاىل؟‪ ،‬باستخدام األداة‬
‫ط اَللَ﴾ أي‪:‬‬ ‫[ما] ألن األداة [ما] تُستخدم دائما لغري العاقل‪﴿ ،‬اتـبَـعُوا َما أَس َخ َ‬
‫عاقل‪ ،‬واتبع هؤالء الناس ذلا الشيء الذي يُسخط هللا تبار‬ ‫لديهم شيء غري ٍ‬
‫وتعاىل‪ ،‬ويقينا يف هذا التجمع ال يكون هلم إال الدستور والقانون والدين الذي ال‬
‫يُرضي هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫ُناس يكرهون ما أنزل هللا‪ ،‬وهم على أم ٍر‬


‫تبني هلم اهلدى‪ ،‬أصبحوا مع أ ٍ‬
‫إذا ّ‬
‫يُسخط هللا ¸‪.‬‬

‫أما ما الذي يُسخط؟‪ ،‬أذكر لا بعض التفاصيل حىت أُثبت لا أن هؤالء على‬
‫أم ٍر يُسخط هللا ¸‪:‬‬

‫هلل تبار وتعاىل حالله وحرامه‪ ،‬هؤالء ما التزموا به‪ ،‬هؤالء الذين يكرهون ما‬
‫أنزل هللا هذا الذي هم عليه يُرضي هللا ¸ أم يُسخطه؟ يقينا يُسخطه‪ ..‬إذا كل‬
‫التشريعات اليت لديهم هذه تُسخط هللا تبار وتعاىل سواء وافقت الشرع أم ال توافق؛‬
‫ألهنم حىت عندما يوافقون الشرع ال حيكمون باسم هللا ¸‪ ،‬بل حيكمون باسم‬
‫الشعب‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪471‬‬

‫إذا علمت هذا‪ ..‬ما الذي دعا هذه الفئة املذكورة يف هذه اآلية وحلهم على أن‬
‫تبني هلم‪ ،‬مث يكونون مع أ ٍ‬
‫ُناس يكرهون ما أنزل هللا ولديهم شيء‬ ‫يرتكوا اهلدى بعد أن ّ‬
‫يُسخط هللا ¸؟ ما الذي حل هؤالء أن يكونوا مع هؤالء؟‬

‫هللا تبار وتعاىل ذكر سببني‪:‬‬

‫ب األَ َّو ُل‪ :‬قال‪﴿ :‬الشيطَا ُن َسوَل َهلُم﴾ مث قال‪َ ﴿ :‬وأَملَ ٰى َهلُم﴾‪ ..‬إذا‬
‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫سبب تر هؤالء‪ :‬تسويل الشيطان‪ ،‬وإمالؤه هلم‪.‬‬

‫نأيت إىل معىن تسويل ومعىن إمالء هنا‪ :‬أما تسويل الشيطان‪ :‬اإلمام الطربي وابن‬
‫فسروا ﴿ َسوَل َهلُم﴾ عىن‪:‬‬
‫كثري واإلمام الشنقيطي ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ -‬هؤالء ّ‬
‫زيّن‪.‬‬

‫يقول اإلمام الطربي‪ :‬أي‪ :‬زيّن هلم الشيطان ارتدادهم على أدبارهم‪ .‬ويقول ابن‬
‫وحسنه‪ ،‬وهنا قول شبيه‬
‫سول هلم‪ :‬أي زيّن هلم ذلا ّ‬ ‫كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ّ :-‬‬
‫أيضا لإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫إذا هنا مسألة‪ :‬سبب تركهم للهداية وانضمامهم إىل هؤالء الذين يكرهون ما‬
‫ني من الشيطان‪ ،‬وهذا األمر ليس ستغرب؛ ألن إحدى‬ ‫أنزل هللا‪ :‬إمنا كان بتزي ٍ‬
‫وسائل الشيطان حلمل أبناء آدم على ُمالفة شرع هللا ¸‪ :‬التزيني‪ ،‬واألدلة على ذلا‬
‫ِ‬ ‫ب ِ َا أَغ َويـتَِين َأل َُزيِّنَن َهلُم ِيف األَر ِ‬
‫ض َوَألُغ ِويَـنـ ُهم أَمجَع َ‬
‫ني﴾‬ ‫قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَ َال َر ِّ‬
‫[احلجر‪ ،]39:‬ويف آية أخرى‪﴿ :‬فَـَزي َن َهلُ ُم الشيطَا ُن أَع َما َهلُم فَـ ُه َو َولِيُّـ ُه ُم اليَـوَم﴾‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫سنا﴾ [فاطر‪.]8:‬‬ ‫[النحل‪ .]63:‬ويف آية أخرى‪﴿ :‬أَفَ َمن ُزيّ َن لَهُ ُسوءُ َع َمله فَـَرآهُ َح َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪472‬‬

‫سيء‪ ،‬غري موافق للشرع‪ ،‬لكن هؤالء الناس الذين‬ ‫إذا هو باألصل عمل قبيح‪ّ ،‬‬
‫تركوا اهلداية وأصبحوا مع هؤالء‪ ،‬بدؤوا ُحي ّسنون هذا الوضع الذي هم فيه‪ ،‬علما أهنم‬
‫ُناس يكرهون ما أنزل هللا ¸‪ ،‬اليزيدي الذي معهم‪ :‬يكره أم حيب؟‪ ،‬الصابئي‪،‬‬ ‫مع أ ٍ‬
‫النصراو‪ ،‬الرافضي‪ ..‬هؤالء حيبون أم يكرهون؟‪ ،‬يقينا يكرهون ما أنزل هللا‪ ،‬فكيف‬
‫سوغ هؤالء الناس ألنفسهم تر اهلداية‪ ،‬وأن يتواجدوا مع هؤالء؟!‬ ‫ّ‬
‫هللا ¸ ذكر العلّة وقال‪﴿ :‬الشيطَا ُن َسوَل َهلُم﴾ أي‪ :‬حلهم على أن ُحي ّسنوا‬
‫السيء يف عقوهلم ويف أنظارهم‪﴿ ،‬الشيطَا ُن َسوَل َهلُم﴾ هذا السبب‬ ‫هذا الشيء ّ‬
‫األول لرت اهلداية‪ ،‬واحندارهم إىل هذا املوقع مع هؤالء الناس‪.‬‬

‫ب الثَّ ياين‪ :‬قال‪َ ﴿ :‬وأَملَ ٰى َهلُم﴾‪.‬‬


‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫يقول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ :-‬معىن أملى هلم‪ :‬م ّد هللا هلم يف‬
‫سول هلم‪ ،‬وهللا أملى هلم‪.‬‬
‫آجاهلم مالوة من الدهر‪ ،‬ومعىن الكالم‪ :‬الشيطان ّ‬
‫أما اإلمام الشوكاو ‪ -¬-‬فقاله بأسلوب التمريض كما تعلم‪ ،‬قال‪ :‬قيل‪ :‬أن‬
‫الذي أملى هلم هو هللا ¸‪ ،‬على معىن‪ :‬أنه مل يُعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫أما اإلمام الشنقيطي ‪ -¬-‬فقال‪ :‬معىن أملى هلم‪ :‬أي‪ :‬أمهلهم إمهال‬
‫استدراج‪.‬‬

‫ما ذهب إليه أجالؤنا هؤالء علماؤنا يقينا أصابوا فيما ذهبوا إليه‪ ،‬ألن من معاو‬
‫وطول له‪ ،‬العرب يستخدمون الكلمة هبذا‬‫أملى هلم‪ ،‬أملى هللا له‪ :‬أي‪ :‬أمهله وم ّد له ّ‬
‫املعىن‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪473‬‬

‫ولكن قلنا أمس‪ :‬أن هنا معىن آخر‪ ،‬ما وجدته يف التفاسري اليت اطلعت عليها‪،‬‬
‫قد يكون يف تفاسري أنا مل أطلع عليها‪ ،‬لكن يف حدود ما اطلعت‪ :‬وجدت أن ألملى‬
‫هلم معىن آخر‪ ،‬ما أشار إليه من اطلعت على أقواهلم من املفسرين‪ ،‬وال أقول هذا‬
‫تزكية للنفس‪ ،‬وإمنا هذا علم وأريد أن أتبنّاه ألنه يُنسب إ ّ هذا الذي أقوله‪ ،‬فإن‬
‫كنت ُمصيبا فمن هللا ¸‪ ،‬وإن كان غري ذلا‪ ،‬فأستغفر هللا وأتوب إليه‪.‬‬

‫وجدت يف [ُمتار الصحا ] على سبيل املثال ‪-‬وكما تعلم هو معجم لغوي‪،-‬‬
‫يقول الرازي يف هذا الكتاب‪ :‬أملى عليه الكتاب‪ ،‬من ضمن معاو اإلمالء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أملى عليه الكتاب‪ ،‬واستشهد بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَـليُملِل َولِيُّهُ بِال َعد ِل﴾‬
‫[البقرة‪.]282:‬‬

‫إذا هنا معىن آخر لإلمالء غري اإلمهال وغري طول العمر‪ ،‬اإلمهال وطول‬
‫العمر هذا معىن‪ ،‬دليل أن اإلمهال عىن طول العمر قوله تبار وتعاىل ‪-‬بالنسبة لنيب‬
‫ا ۚ َواه ُجرِو َملِيًّا﴾ [مرمي‪ ،]46:‬أي‪ :‬زمنا طويال‪.‬‬
‫هللا إبراهيم‪﴿ :-‬لَئِن مل تَنتَ ِه َألَر ُمجَن َ‬
‫إذا من معاو اإلمالء‪ :‬الزمن الطويل والدهر والتأخري واإلمهال‪ ،‬ومن معاو اإلمالء‬
‫أيضا‪ :‬أن يُ ّردد إنسان كالما‪ ،‬واآلخر يكتبه‪ .‬هذا أيضا يسمى إمالء‪.‬‬

‫فإذا قلنا‪ :‬م ّد هللا يف أعمارهم‪ ،‬فيكون هللا ¸ أملى هلم‪ ،‬أما إذا جعلنا املسألة‬
‫حمصورة ضمن نطاق معىن اآلية‪ :‬نقول‪ :‬ال‪ ،‬هنا أيضا الشيطان زيّن هلم‪ ،‬والشيطان‬
‫أملى هلم‪ ،‬فكيف يكون معىن اآلية إذا قلنا‪ :‬الشيطان أملى هلم؟‬

‫أي‪ :‬أن الشيطان ألقى يف رؤوسهم كالما‪ ،‬هؤالء تلقوا هذا الكالم من‬
‫الشيطان‪ ،‬وبدؤوا يعملون هبذا الكالم‪ ،‬فرتكوا اهلدى واحنازوا إىل هذه الفئة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪474‬‬

‫ما الدليل على أن اإلمالء هنا عىن إلقاء كالم وكتابة كالم؟‬

‫آية الدين يف سورة البقرة‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَِإن َكا َن ال ِذي َعلَي ِه احلَ ُّق‬
‫يع أَن ُميِل ُه َو فَـليُملِل َولِيُّهُ بِال َعد ِل﴾‪ ..‬رجل أخذ دينا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫س ِفيها أَو ِ‬
‫ضعيفا أَو َال يَستَط ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لكن الذي أخذ الدين ال يستطيع إما بسبب السفاهة (اضطراب يف العقل) أو أنه‬
‫صغري سن ضعيف‪ ،‬ما يستطيع أن ميلي مفردات العقد‪ ،‬فمن الذي يتوىل إمالء‬
‫مفردات العقد؟‪ ،‬و هذا الصغري‪ ..‬يعين يأيت الو ‪ ،‬يقول أنا فالن بن فالن و هذا‬
‫اليتيم‪ ،‬أو هذا الضعيف‪ ،‬أو هذا السفيه‪ ..‬استقرضت من فالن بن فالن ماال إىل‬
‫أجل كذا بشهادة كذا‪ ..‬من الذي يردد؟‪ ،‬و السفيه هذا أو و الضعيف‪ ،‬إذا هو‬
‫ردد هذه الكلمات‪ ،‬والكاتب كتبه‪ ،‬فاهلل ¸ إيش قال عن هذه العملية؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫﴿فَـليُملِل َولِيُّهُ بِال َعد ِل﴾‪ ،‬أي‪ :‬لريدد وليه كلمات‪ ،‬والكاتب يكتب ما أماله الو ‪،‬‬
‫إذا هذا معىن موجود يف كتاب هللا ¸‪.‬‬

‫ني‬‫ِ‬ ‫وكذلا يف [سورة الفرقان‪ ]5:‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وقَالُوا أ ِ‬


‫َساطريُ األَول َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َصيال﴾‪ ..‬أي‪ :‬يقولون له الكالم‪ ،‬وهو ينقل هذا‬ ‫اكتَتَبـها فَ ِهي ُمتلَ ٰى علَي ِه بكرة وأ ِ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫الكالم الذي يُقال له‪.‬‬

‫وعلماء احلديث كما تعلم عندما ينقلون يف السند يقولون‪ :‬حدثنا فالن عن‬
‫فالن‪ ..‬أو مسعت من فالن إمالء‪ ،‬أي‪ :‬أنه كان يقول وحنن كنا نكتب‪ ،‬إذا من معاو‬
‫اإلمالء‪ :‬إلقاء الكالم إىل اآلخرين‪.‬‬

‫فإذا أخذنا هذا املعىن من معاو الكلمة يف اللغة العربية‪ ،‬إذا يكون معىن اآلية‪:‬‬
‫﴿الشيطَا ُن َسوَل َهلُم‪ ﴾...‬عىن‪ :‬زيّن هلم‪ ،‬وألقى يف عقوهلم وقلوهبم كالما هلم‪ ،‬هم‬
‫بدؤوا يعملون هبذا الذي قاله الشيطان هلم يف السر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪475‬‬

‫وهذا أيضا يدخل يف باب الوحي‪ ،‬ألن الكالم اخلفي الذي يُلقى يف النفس‬
‫يُسمى‪ :‬وحيا‪ ،‬وهنا دليل يثبت أن الشيطان يلقي كالما خفيًّا يف النفس ويسمى‬
‫وحو َن إِ َ ٰىل أَولِيَائِ ِهم لِيُ َج ِادلُوُكم ۚ‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِن الشيَاط َ‬
‫ني لَيُ ُ‬ ‫وحيًّا وهو قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾ [األنعام‪ ،]121:‬كذلا قول هللا تبار وتعاىل‪:‬‬ ‫َوإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫ف ال َقوِل غُُرورا﴾‬ ‫ض ُهم إِ َ ٰىل بَـع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني ِ‬
‫اإل ِ‬ ‫َ ِ‬
‫ض ُزخ ُر َ‬ ‫نس َواجل ِّن يُوحي بَـع ُ‬ ‫﴿شيَاط َ‬
‫[األنعام‪ ،]112:‬الشيطان عندما يوحي‪ ..‬يوحي كالما يلقيه يف داخل النفوس‪،‬‬
‫فالنفوس اليت تستجيب للشيطان تبدأ تعمل هبذه الكلمات اليت تلقتها من الشيطان‪.‬‬

‫﴿وأَملَ ٰى َهلُم﴾ أي‪ :‬الشيطان أملى هلم‪ُ ..‬يب هنا أن تقف وتقول‪:‬‬ ‫فإذا قلنا َ‬
‫﴿وأَملَ ٰى َهلُم﴾ ومل ي ُقل أملى عليهم؟؛ ألن اإلمالء يكون عليهم‪،‬‬
‫ملاذا قال هللا ¸ َ‬
‫فلماذا قال‪ :‬هلم؟‬

‫[الالم] هنا أوال للتمليا‪ ،‬فكأن الشيطان أعطى هلم هذا الكالم وهذه املربرات‬
‫وهذا التزيني‪ ،‬فأصبحوا هم يرون أنفسهم أهنم مالكو هذا الذي هم فيه‪ ،‬ال يعرتف‬
‫بأن الشيطان هو الذي أوحى له هبذا الكالم أو أملى له هبذا الكالم‪ ،‬بل يعترب أن‬
‫هذا من نتاجات عقله ومن نتاجات تفكريه وأن هذا ما توصل إليه‪ ،‬إذا كأنه أعطى‬
‫هلم هذا الكالم اخلفي‪ ،‬فأصبحوا مالكني له‪َ ﴿ ،‬وأَملَ ٰى َهلُم﴾ أي‪ :‬ملّكهم هذا الذي‬
‫ب األَ َّو ُل‪.‬‬
‫السبَ ُ‬
‫قاله هلم‪َ ،‬ه َذا َّ‬
‫ب الثَّ ياين‪ :‬ألنه ‪-‬حاشا هلل تبار وتعاىل‪ -‬لو قال‪( :‬أملى عليهم) خلالفت‬
‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫(عليهم) هذه آية أخرى يف كتاب هللا ¸‪ ..‬أن الشيطان ال سلطان له على أحد‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫وم ِوو َولُ ُ‬
‫وموا‬ ‫﴿وَما َكا َن ِ َ َعلَي ُكم ّمن ُسلطَان إال أَن َد َعوتُ ُكم فَاستَ َجبتُم ِ ۚ فَ َال تَـلُ ُ‬
‫َ‬
‫أَن ُف َس ُكم﴾ [إبراهيم‪ ،]22:‬فإذا قال‪( :‬أملى عليهم) معىن ذلا أنه أثبت أن للشيطان‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪476‬‬

‫سطوة عليهم‪ ،‬والشيطان ليس له سطوة على أحد‪ ،‬كما قال هللا تبار وتعاىل عنه‪:‬‬
‫﴿وما َكا َن ِ علَي ُكم ِمن سلطَ ٍ‬
‫ان﴾ أنا ما أملا قوة عندما أدعو إىل ُمالفة أمر‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫هللا‪ ،‬أو إىل الشر أو إىل الردة‪ ،‬فقط أدعو وأنت تستجيب ‪.‬‬

‫إذا عدم ذكر (عليهم) هنا؛ لنفي أي سلطة للشيطان على هؤالء‪ ،‬وهلذا احنصر‬
‫األمر يف باب التزيني ويف باب اإلمالء‪ ،‬لو كان يستطيع أن حيملهم على األمر‪ ،‬ملا‬
‫زيّن هلم‪ ،‬مباشرة يأمرهم ويستجيبون‪ ،‬لكن ال سلطة له عليهم‪ ،‬وهلذا زيّن هلم وأملى‬
‫هلم‪ ،‬وأسأل هللا تبار وتعاىل أن نكون قد أصبنا فيما ذهبنا إليه‪.‬‬

‫إذا ﴿الشيطَا ُن َسوَل َهلُم َوأَملَ ٰى َهلُم﴾‪.‬‬

‫سول هلم الشيطان‪ ..‬الحظ‪:‬‬


‫تبني هلؤالء‪ ،‬وكيف ّ‬
‫اآلن آيت أقرأ لا بعض ما ّ‬
‫ودائما العريب يقول‪" :‬الضرب يف الرأس يُوجع"‪( ،‬حسن البنّا)‪ ،‬أما املرجئة هؤالء‪،‬‬
‫فهؤالء أغبياء‪ ،‬هؤالء أغبياء؛ ألهنم لو رجعوا إىل كتب أهل السنة واجلماعة وقرؤوا يف‬
‫كراميّة ‪-‬والعياذ باهلل منهم‪،-‬‬ ‫عالقة العمل باإلميان‪ ،‬لعلموا أهنم مرجئة‪ ،‬بل هم ّ‬
‫فهؤالء من أغىب خلق هللا ¸؛ عندما يأيت إىل رافضي جنس‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا و األمر‬
‫وطاعته واجبة!!‪ ،‬ال يوجد على وجه األرض أغىب من هؤالء‪ ،‬وهلذا ال نذكرهم كثريا‬
‫ألهنم ما يستاهلون أحد يذكرهم‪.‬‬

‫تبني‬
‫تبني له احلق‪ ،‬وبعد أن ّ‬
‫الحظ (حسن البنّا) هذا ماذا يقول‪ ..‬حىت تعلم هل ّ‬
‫سول له الشيطان وأملى عليه أم ال؟‪ ،‬وأتباعه على رأيه‪ ..‬الحظ‪:‬‬
‫له احلق‪ ،‬هل ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪477‬‬

‫ال َق ْو ُل األَ َّو ُل هلذا الرجل‪ :‬يف رسائله‪ ،‬قال‪" :‬فكيف يكون موقف املسلم الذي‬
‫يُؤمن باهلل وكلماته إذا مسع هذه اآليات البيّنات وغريها من األحاديث واألحكام‪ ،‬مث‬
‫ٍ‬
‫بقانون يصطدم معها"‪.‬‬ ‫رأى نفسه حمكوما‬

‫تبني؟‬
‫تبني ّوال ما ّ‬
‫ّ‬
‫تبني‪..‬‬
‫‪-‬اإلخوة‪ّ :‬‬
‫تبني‪.‬‬
‫*الشيخ‪ّ :‬‬
‫ال‪" :‬فإذا طالب بالتعديل قيل له‪ :‬إن األجانب ال يرضون هبذا وال يوافقون‬
‫ُمثَّ قَ َ‬
‫عليه‪ ،‬مث يُقال بعد هذا احلجر والتضييق‪ :‬إن املصريني مستقلون‪ ،‬وهم مل ميلكوا بعد‬
‫أن يتمتعوا حبُريّة الدين"‪.‬‬

‫يعين القبطي يعيش على راحته‪ ،‬واليزيدي يعيش على راحته‪ ،‬ما وصلوا إىل هذا‬
‫املستوى بعد‪ ،‬وهلذا ال يُطب ّقون الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫ُمثَّ قَا َل‪" :‬على أن هذه القوانني الوضعية كما تصطدم بالدين ونصوصه‪ ،‬تصطدم‬
‫قرر أن دين الدولة هو اإلسالم‪ ،‬فكيف نوافق بني‬
‫بالدستور الوضعي نفسه الذي يُ ّ‬
‫هذين يا أو األلباب؟!"‬

‫ال يم ْنهُ‪َ ،‬وأَنَا أَيْ ً‬


‫ضا أَ ْسأَ ُل‪:‬‬ ‫الس َؤ ُ‬
‫َه َذا ُّ‬
‫يا صاحب العقل‪ ،‬كيف توفق بني شرع هللا ¸ وبني هذه القوانني وهذه‬
‫الدساتري؟! من كان ميلا مسكة من ٍ‬
‫عقل ُيب أن ُييب‪ :‬أنه ال ميكن التوفيق بني‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪478‬‬

‫هذين الدينني وال بني هاتني الشريعتني‪ ..‬شريعة هللا ¸ شيء‪ ،‬وشريعة هؤالء شيء‬
‫آخر‪ ،‬وال ميكن أن يتّ ِف َقا‪.‬‬

‫إذا علمت هذا من هذا الرجل‪ ،‬إليا املزيد من علم‪ ..‬الحظ‪:‬‬

‫ضا ِف َر َسائيلي يه‪ ،‬قال‪" :‬أما اإلخوان املسلمون فهم ال يوافقون على هذا‬
‫َه َذا أَيْ ً‬
‫حيل مكانه التشريع‬ ‫حبال‪ ،‬وسيعملون بكل ٍ‬ ‫القانون أبدا‪ ،‬وال يرضونه ٍ‬
‫سبيل على أن ّ‬
‫اإلسالمي العادل الفاضل يف نواحي القانون"‪.‬‬

‫تبني؟‬
‫تبني ّوال ما ّ‬
‫ّ‬
‫تبني‪.‬‬
‫‪-‬اإلخوة‪ّ :‬‬
‫تبني يقينا‪.‬‬
‫*الشيخ‪ّ :‬‬
‫أي أن هنا دستور ُحي َكم به‪ ،‬وهم ال يرضون هبذا الدستور ويريدون أن يعملوا‬
‫على حتكيم شرع هللا ¸‪ ،‬ألنه ال ميكن التوفيق بني شريعة هللا ¸ وبني هذه‬
‫القوانني‪..‬‬

‫﴿والسا ِر ُق َوالسا ِرقَةُ﴾ [املائدة‪" ،]38:‬السارق والسارقة فاسجنوُها"‪ ..‬كيف تُوفّق‬


‫َ‬
‫اح ٍد‬
‫بني هذين النّصني؟!‪ ،‬نص رباو‪ ،‬ونص شيطاو‪﴿ ،‬الزانِيةُ والزِاو فَاجلِ ُدوا ُكل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ ّ‬
‫ِّمنـ ُه َما ِمائَةَ َجل َدةٍ﴾ [النور‪ ،]2:‬كيف توفق بينها وبني الشروط اليت وضعت ملمارسة‬
‫الزنا‪ ،‬وأنه من املسائل الشخصية؟!‪ ،‬اخلمر‪﴿ :‬فَاجتَنِبُوهُ﴾ [املائدة‪ ،]90:‬أين (صنّعوه‪،‬‬
‫أو اشربوه‪ ،‬أو بيعوه)؟!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪479‬‬

‫قر أن هذه القوانني تصطدم مع شريعة هللا ¸‪ ،‬مث يٌقرر أننا سنعمل‬
‫إذا الرجل يُ ّ‬
‫على أن حن ّكم شرع هللا ¸‪ ،‬هذا قوله‪.‬‬

‫أما رأيه يف الدستور املصري بعد أن علم أن هذه الدساتري ما مكن التوفيق‬
‫سول له الشيطان وأملى له‪:‬‬
‫بينها‪ ،‬وأهنم يريدون حتكيم شرع هللا ¸‪ ..‬الحظ كيف ّ‬
‫قال‪" :‬وهبذا االعتبار‪ ،‬ميكن أيضا أن نقول يف اطمئنان أن القواعد األساسية‬
‫اليت قام عليها الدستور املصري ال تتناِف مع قواعد اإلسالم‪ ،‬وليست بعيدة من‬
‫سول له الشيطان وأملى له‪ ..‬الحظ قوله اآلخر‪:‬‬
‫النظام اإلسالمي وال غريبة عنه‪ّ ".‬‬
‫قال‪" :‬فنحن نُسلِّم باملبادئ األساسية للحكم الدستوري باعتبارها ُمتّ ِف َقة‪ ،‬بل‬
‫ُمستمدة من نظام اإلسالم‪َ ".‬ه َذا قَـولُهُ الث ِاو‪.‬‬

‫ث‪" :‬يعتقد اإلخوان املسلمون أن نظام احلكم الدستوري هو أقرب‬ ‫قَ ْولُهُ الثَّالي ُ‬
‫نظم احلكم القائمة يف العامل كله إىل اإلسالم‪ ".‬إذا هو ليس اإلسالم‪ ،‬وإمنا هو نظام‬
‫قريب من اإلسالم!!‬

‫ال‪" :‬يعتقد اإلخوان املسلمون أن نظام احلكم الدستوري هو‬ ‫ظ َماذَا قَ َ‬ ‫ُمثَّ ي‬
‫الح ْ‬
‫أقرب نظم احلكم القائمة يف العامل كله إىل اإلسالم‪ ،‬وهم ال يعدلون به نظاما آخر"‪.‬‬

‫الرابي َع أيضا هذا يف [الرسائل]‪ ،‬قال‪" :‬إن من نصوص الدستور‬ ‫صهُ َّ‬ ‫ي‬
‫الح ْظ نَ َّ‬
‫يدعُ جماال واسعا للتأويل والتفسري‬
‫املصري ما يراه اإلخوان املسلمون غامضا ُمبهما‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫حتديد وبيان‪ ..‬هذه‬ ‫ٍ‬
‫حاجة إىل وضو ٍ ‪ ،‬وإىل‬ ‫الذي ُمتليه الغايات واألهواء‪ ،‬فهي يف‬
‫توصل هبا إىل جين‬
‫واحدة‪ ،‬والثانية‪ :‬هي أن طريقة التنفيذ اليت يُطبّق هبا الدستور‪ ،‬ويُ ّ‬
‫مثرات احلكم الدستوري يف مصر‪ ،‬طريقة أثبتت التجارب فشلها"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪480‬‬

‫وجتىن هذه الثمرات‪ ،‬ولكن بسبب الفشل يف‬ ‫إذا هنا للحكم الدستوري مثرات‪ُ ،‬‬
‫التطبيق مل ُجت َن هذه الثمرات؛ فحسن البنّا يُشري إىل هؤالء أن يُعيدوا النظر يف آليّة‬
‫تطبيق الدستور‪ ،‬وكذلا أن يعيدوا النظر يف بعض مواد الدستور اليت هي حالة‬
‫أوجه‪ ،‬ويبينوا ماذا يريدون من هذا النظام وماذا يريدون من هذه املواد‪ ،‬هذا كالمه‪.‬‬

‫ال‪" :‬وهلذا يعمل اإلخوان املسلمون جهودهم حىت ُحت ّدد النصوص‬ ‫بَ ْع َد َذلي َ‬
‫ك قَ َ‬
‫املبهمة يف الدستور املصري‪ ،‬وتُع ّدل الطريقة اليت يُن ّفذ هبا هذا الدستور يف البالد‪،‬‬
‫وردت األمور إىل نصاهبا الصحيح‪".‬‬ ‫وأظن أن نوقف اإلخوان قد وضح هبذا البيان ّ‬
‫انتهى كالمه‪.‬‬

‫هذا قوله يف الدستور ويف تصادمه مع الشريعة‪ ،‬فما قوله يف النظام الربملاو (يف‬
‫سول له الشيطان وزيّن أم ال؟‬
‫تبني له احلق‪ ،‬مث ّ‬
‫النواب)؟؟ هل ّ‬
‫ّ‬
‫ينجر على كل من كان يف‬
‫طبعا عندما نذكر هذا االسم‪ ،‬معىن ذلا أن كالمي ّ‬
‫هذا احلزب يف أي ٍ‬
‫بلد من بلدان العامل‪ ،‬لكن هذا هو الرأس الذي أخذوا منه هذا‬
‫الغثاء ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬الحظ ماذا يقول عن جمالس النواب‪ ..‬إيش عملهم‪..‬‬

‫ال‪" :‬النواب الذين ُميثّلون األمة‪ ،‬ويقومون بتنفيذ دستورها وحايته‪ ".‬هذا عمل‬ ‫قَ َ‬
‫النواب كما جاء يف القوانني والدساتري‪ ،‬أما تفصيل احلياة النيابيّة الحظ ماذا يقول‬
‫أيضا يف [الرسائل]‪" :‬وحنن يف حياتنا العصريّة قد نقلنا من أوروبا هذا النظام النيايب‪،‬‬
‫الذي تعيش يف ظله حكوماتنا اآلن‪ ،‬ووضعنا دستونا على أساسه‪ ".‬إذا املسألة‬
‫ينسبها إىل نفسه‪ ،‬علما أنه من أين جاء هبذا النظام النيايب؟‪ ،‬قال من أوروبا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪481‬‬

‫ال‪" :‬فإىل أي مدى ينطبق هذا النظام على اإلسالم؟(‪ )70‬وإىل أي‬ ‫ُمثَّ يَأْيِت ُّ‬
‫الس َؤ ُ‬
‫مدى كانت فائدتنا منه(‪ )71‬طوال هذه املدة؟"‬

‫يب‪" :‬يقول علماء الفقه الدستوري(‪ )72‬إن النظام النيايب يقوم على مسؤولية‬ ‫ي‬
‫ُجي ُ‬
‫(‪)73‬‬
‫وسلطَة األمة واحرتام إرادهتا‪ ،‬وإنه ال مانع‬
‫ُ‬ ‫وسلطَة األمة واحرتام إرادهتا‬
‫احلاكم‪ُ ،‬‬
‫فيه مينع من وحدة األمة واجتماع كلمتها(‪ )74‬وإنه ال مانع فيه مينع من وحدة األمة‬
‫واجتماع كلمتها‪ ،‬وليست الفرفة واخلالف شرطا فيه [أي يف احلياة النيابية] وإن كان‬
‫بعضهم يقول‪ :‬إن من دعائم النظام النيايب الربملاو احلزبية‪ ،‬ولكن هذا إذا كان عُرفا‪،‬‬
‫فليس أصال يف قيم هذا النظام(‪ )75‬ولكن هذا إذا كان عُرفا‪ ،‬فليس أصال يف قيم هذا‬
‫ٍ‬
‫إخالل بقواعده األصلية‪ ،‬وعلى‬ ‫النظام؛ ألنه ميكن تطبيقه بدون هذه احلزبية‪ ،‬وبدون‬
‫هذا فليس يف قواعد هذا النظام [يقصد النيايب] ما يتناِف مع القواعد اليت وضعها‬
‫اإلسالم لنظام احلكم‪ ،‬وهو هبذا االعتبار ليس بعيدا عن النظام اإلسالمي وال غريبا‬
‫عنه‪ ".‬هذه كلها يف الرسائل‪.‬‬

‫(‪ )70‬أي‪ :‬النظام النيايب الذي جيء به من أوروبا‪ ..‬مدى انطباق هذا النظام على اإلسالم‪.‬‬
‫(‪" )71‬فائدتنا منه" ينسب إىل نفسه!‬
‫(‪ )72‬من هؤالء؟ أبو حنيفة؟ حاشاه‪.‬‬
‫ُناس اختاروا الشيوعيني ماذا تقول يف هذا الكالم؟ قال‬ ‫(‪ُّ )73‬‬
‫السلطَة للشعب‪ ،‬احرتام إرادهتا‪ :‬أ ٌ‬
‫‹‹أحد ياسني››‪ :‬أحرتم وأقدس إرادة الشعب الفلسطيين‪ ..‬هذا الكالم مأخوذٌ من هنا‪ ..‬من‬
‫شيخه‪ ،‬من سيّده‪.‬‬

‫(‪ )74‬هذه اجملالس النيابية وتشكيل األحزاب‪ ..‬ما مينع من اجتماع األمة وتوحيد كلمتها‪.‬‬

‫(‪ )75‬يعين‪ :‬ليس من أصول احلياة النيابية أن تكون هنا أحزاب وتفرقة وعدم وحدة صف‪..‬‬
‫ال‪ ،‬هذا ليس أصال‪ ،‬لكن هذا ما تعارفوا عليه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪482‬‬

‫الَّ يذي َختْر ي ي‬


‫ج به‪ :‬أن الرجل يُ ّ‬
‫قر بأن هذا الذي عملنا به ونعمل به ليس إسالما‪،‬‬ ‫ُُ‬
‫تبني له اهلدى من اإلسالم‪،‬‬
‫وإمنا هو شيء قريب من اإلسالم‪ ،‬هذا جممل قوله‪ ،‬إذا ّ‬
‫تبني أن هذا ليس من اإلسالم بل هو قريب من اإلسالم‪.‬‬
‫مث ّ‬
‫ين ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرِهم ِّمن‬ ‫ِ ِ‬
‫أمثال هؤالء أال ينطبق عليهم قول هللا ¸‪﴿ :‬إن الذ َ‬
‫ني َهلُ ُم اهلَُدى﴾؟‪ ،‬علم اهلدى أين‪ ،‬وعلم الضاللة أين‪ ،‬ولكن احناز إىل‬ ‫ِ‬
‫بَـعد َما تَـبَـ َ‬
‫هؤالء‪ ،‬فكان يف احلياة النيابية‪ ،‬وكان يف احلياة الدستورية‪ ،‬وأزيد من الشعر بيتا‪ :‬أنه‬
‫رشح نفسه‪ ،‬وه ّدده اإلجنليز لالنسحاب فما‬ ‫مات ألجل النيابة يف مصر! كان قد ّ‬
‫قبل‪ ،‬فقتلوه يف الشارع‪ ،‬وما زال أذنابه على هذا النمط وعلى هذه الرسائل أينما‬
‫وجدوا يف أرجاء األرض‪ ،‬ما ابتُليت األمة ٍّ‬
‫بشر كأمثال هؤالء‪.‬‬
‫ين َك ِرُهوا َما نَـزَل اَللُ َسنُ ِطيعُ ُكم ِيف بَـع ِ‬ ‫ِِ‬ ‫إذا ﴿ ٰذَلِ َ ِ‬
‫ض األَم ِر ۚ َواَللُ‬ ‫ا بأَنـ ُهم قَالُوا للذ َ‬
‫يَـعلَ ُم إِسَر َارُهم﴾‪.‬‬

‫َما َم ْع َن ﴿إي ْس َر َارُه ْم﴾؟‪ ،‬يعين‪ :‬هنا شيءٌ قالوه‪ ،‬وهنا شيءٌ أخفوه‪ ،‬الشيء‬
‫الذي أخفوه اآلن ظاهر للعيان‪ ،‬حىت لو قال بلسانه‪ :‬حنن ندخل حىت نعمل ا وافق‬
‫الشرع‪ ،‬ونعرتض على ما ال يوافق الشرع‪ ،‬هذا ظاهره‪ ،‬داخله سيعمل بكل القانون أم‬
‫﴿واَللُ يَـعلَ ُم إِسَر َارُهم﴾ عندما دخل كان ُيزم أنه سيعمل بكل الذي يؤمر‬ ‫ال؟‪ ،‬إذا َ‬
‫﴿سنُ ِطيعُ ُكم ِيف بَـع ِ‬
‫ض األَم ِر ۚ َواَللُ يَـعلَ ُم إِسَر َارُهم﴾‬ ‫به وليس بعض الذي يؤمر به‪َ ،‬‬
‫ألنه جرد أن يدخل مع هؤالء‪ ،‬ال ميكن أن يكون ضمن تشكيلة مث يُطيعهم يف‬
‫مترد عليهم يُعاقبوه وجب القانون‪،‬‬ ‫ويتمرد عليهم يف بعض األمر؛ من ّ‬ ‫بعض األمر ّ‬
‫بعض‪ ..‬كان يف داخلهم‬ ‫مترد‪ ،‬وهؤالء عندما قالوا‪ :‬نُطيع يف ٍ‬ ‫ألن عدم الطاعة للقانون ّ‬
‫أننا سنستسلم لكم ُكليًّا‪ ،‬وهذا احلاصل اآلن‪ ،‬سواء وافق الشرع أو مل يوافق‪ ..‬هو مع‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪483‬‬

‫الدستور ومع القانون‪ ،‬وإن أدى إىل حماربة هللا ¸ وأدى إىل حماربة رسول هللا ‘‬
‫وأدى إىل حماربة املسلمني فهو ينصاع إىل األوامر ُكلّيا‪.‬‬

‫﴿سنُ ِطيعُ ُكم ِيف بَـع ِ‬


‫ض األَم ِر ۚ َواَللُ يَـعلَ ُم إِسَر َارُهم﴾ أي‪ :‬أهنم‬ ‫إ ًذا قَ ْوُهلُ ْم‪َ :‬‬
‫سيُطيعوهنم يف كل األمر‪ ،‬وليس يف بعض األمر‪ ،‬قد يكون يف بداية الدخول يقول‪:‬‬
‫سنُطيعهم يف بعض األمر‪ ،‬لكنه يعلم إذا دخل سيُطيعهم يف كل األمر‪ ،‬من هنا قال‬
‫﴿واَللُ يَـعلَ ُم إِسَر َارُهم﴾‪.‬‬
‫هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫الح ْظ يَّنَايةَ ه ي‬
‫ؤالء‪:‬‬ ‫ي‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ف إِ َذا تَـ َوفـتـ ُه ُم ال َم َالئ َكةُ يَض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫وه ُهم َوأَدبَ َارُهم﴾‪ ..‬من مات منهم‬ ‫﴿فَ َكي َ‬
‫على هذا األمر‪ ،‬وهو مع الذين يكرهون ما أنزل هللا‪ ،‬إذا مات‪ ،‬أثناء املوت املالئكة‬
‫حنس هبذا الشيء‪ ،‬لكن العليم اخلبري الذي ال‬ ‫يضربون وجوههم وأدبارهم‪ ،‬حنن ال ّ‬
‫خيفى عليه شيء أخربنا أن من تر اهلداية واحناز إىل أ ٍ‬
‫ُناس يكرهون ما أنزل هللا ¸‪،‬‬
‫مث مات يف هذا املوقع‪ ،‬أثناء املوت املالئكة يضرون وجوههم وأدبارهم‪.‬‬

‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿ولَو تَـَر ٰى إذ يَـتَـ َوِف الذ َ‬ ‫وأنت تعلم أن هذا املوت ال يكون إال للكفار َ‬
‫ِ‬
‫وه ُهم َوأَدبَ َارُهم﴾ [األنفال‪ ،]50:‬إذا هذه الطريقة يف‬ ‫َك َف ُروا ۚ ال َم َالئ َكةُ يَض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا ۚ ال َم َالئ َكةُ يَض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫وه ُهم‬ ‫﴿ولَو تَـَر ٰى إذ يَـتَـ َوِف الذ َ‬
‫املوت للكفار فقط‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫ف إِ َذا تَـ َوفـتـ ُه ُم ال َم َالئ َكةُ يَض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫وه ُهم‬ ‫َوأَدبَ َارُهم﴾‪ ..‬وهنا إيش قال؟‪﴿ ،‬فَ َكي َ‬
‫ين َك َف ُروا﴾‪ ،‬على أن هذه‬ ‫ِ‬
‫َوأَدبَ َارُهم﴾‪ ،‬نفس اآلية‪ ،‬لكن هنا فقط زيدت كلمة ﴿الذ َ‬
‫الطريقة يف املوت ال تكون إال للكافرين‪.‬‬

‫إذا هؤالء ك ّفرهم هللا ¸‪ ،‬يف حياته هو مرتد‪ ،‬وهذا حاله عند املوت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪484‬‬

‫سبب كفر هؤالء‪ :‬قوهلم للذين كرهوا ما ّنزل هللا سنُطيعكم يف بعض األمر‪،‬‬
‫بسبب هذا القول ك ّفرهم هللا ¸‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ ُ ُ َُ‬
‫العل َم ُاء َح ْو َل َهذا الق ْو ِل؟‬ ‫ِإيش يقول‬
‫ين ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرِهم‪ ﴾...‬يقول‬ ‫ي ‪﴿" :-¬-‬إِن ال ِ‬
‫ذ‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬‫ام الط ََّ‬
‫رب‬ ‫م‬‫ل‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫َي ُقو ُ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫تبني هلم احلق‬
‫هللا ¸‪ :‬إن الذين رجعوا القهقري على أعقاهبم كفارا باهلل من بعد ما ّ‬
‫وقصد السبيل‪ ،‬فعرفوا واضح احلُ ّجة‪ ،‬مث آثروا الضاللة على اهلدى عنادا ألمر هللا‬
‫تعاىل ذكره من بعد العلم"‪.‬‬

‫إذا اإلمام الطربي يرى هؤالء الذين يقولون للذين يكرهون ما ّنزل هللا ¸‪:‬‬
‫سنُطيعكم يف بعض األمر‪ ،‬قال‪ :‬هذا كفر‪.‬‬

‫ول ابْ ُن َكثيري ‪ -¬-‬يف تفسريه‪" :‬أي‪ :‬فارقوا اإلميان ورجعوا إىل الكفر"‪.‬‬
‫َويَ ُق ُ‬

‫ول ابْ ُن َح ْزم ‪" :-¬-‬فجعلهم تعاىل مرتدين كفارا بعد علمهم احلق وبعد‬‫يَ ُق ُ‬
‫تبني هلم اهلدى‪ ،‬بقوهلم للكفار ما قالوا فقط"‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫ماذا قالوا للكفار؟‪ ،‬سنُطيعكم يف بعض األمر‪.‬‬
‫الِّ ْن يق ي‬
‫يط ُّي ‪" :-¬-‬الظاهر أن الذين ارتدوا على أدبارهم من‬ ‫ام َّ‬‫ول ا يل َم ُ‬
‫َويَ ُق ُ‬
‫بعد ما تبني هلم اهلدى‪ ،‬قوم كفروا بعد إمياهنم‪".‬‬

‫َو يمجَاعُ َه َذا الَّ يذي قَالَهُ العُلَ َماءُ‪:‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪485‬‬

‫وهم إِن ُكم لَ ُمش ِرُكو َن﴾ [األنعام‪]121:‬؛ ألنه‬


‫﴿وإِن أَطَعتُ ُم ُ‬
‫قوله تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫حىت لو وافق الشرع‪ ،‬وأطعته‪ ،‬ترت ّد عن دين هللا ¸‪ ،‬هؤالء الذين يكرهون ما أنزل‬
‫هللا‪ ،‬إذا كان لديهم شيء يوافق شرع هللا‪ ،‬وهؤالء الناس أطاعوهم فيما وافق شرع‬
‫هللا‪ ..‬يرت ّدون عن دين هللا ¸؛ ألن هذا الذي اختاروه ألهوائهم‪ ،‬وليس ُحبًّا يف هللا‬
‫¸‪ ..‬أخذوا من اليهود‪ ،‬أخذوا من النصارى‪ ،‬أخذوا من اليزيدية‪ ،‬أخذوا من‬
‫العلمانية‪ ،‬أخذوا من الصابئة‪ ،‬وأخذوا أشياء من الدين‪ ،‬إذا ما أخذوه ُحبًّا يف هللا ¸‬
‫وطاعة له‪ ،‬وإمنا مل ُيدوا أحسن مما عند هللا ¸‪ ،‬وهلذا أضافوه إىل قانوهنم‪ .‬أما إذا‬
‫وجدوا شيئا يف ديننا ال يوافق مزاجهم وأهواءهم‪ ،‬ال ميكن أن ُيعلوه من ضمن دينهم‬
‫وحيّرمون؟!‬‫وحرم‪ ،‬فكيف ُحيلّلون ُ‬
‫وال دستورهم‪ ،‬وإال فإن هللا تبار وتعاىل قد حلل ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا بِأَنـ ُه ُم‬‫وه ُهم َوأَدبَ َارُهم ۝ َٰذل َ‬
‫ف إِ َذا تَـ َوفـتـ ُه ُم ال َم َالئ َكةُ يَض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫﴿فَ َكي َ‬
‫تبني هلم‬ ‫ط اَللَ﴾‪ ..‬هذا الذي عندهم يُسخط هللا ¸‪ ،‬وهؤالء الذين ّ‬ ‫اتـبَـعُوا َما أَس َخ َ‬
‫اهلدى‪ ،‬مث صاروا مع هؤالء‪ ،‬اتبعوا ما أسخط هللا ¸؛ فأحبط أعماهلم‪ ،‬ما بقي‬
‫عنده شيء وال حسنة واحدة‪.‬‬

‫فحديث لرسول هللا ‘‪ :‬من عمل‬ ‫ٌ‬ ‫أما صومه وصالته وزكاته وما إىل ذلا‪،‬‬
‫شيئا هلل تعاىل فإن هللا يعوضه يف الدنيا‪ ،‬واحلديث ذكرته باملعىن‪ ،‬وهو عند اإلمام‬
‫مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪486‬‬
‫َّ ْ ُ َ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس الخ ِامس و‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ ْ َّ ُ ُ َ‬
‫الم) اِل ْفت َرى َعل ْي ِه‬ ‫يوسف (علي ِه الس‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫لوجها خالِصا‪،‬‬
‫َ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ِ‬
‫صاحلا‪ ،‬و‬ ‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬

‫انتهينا ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪ -‬من وضع الداخلني يف الربملانات يف كتاب هللا ¸‪،‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين ارتَ ُّدوا َعلَ ٰى أَدبَا ِرهم ّمن بَـعد َما تَـبَـ َ‬
‫ني َهلُ ُم‬ ‫واآلية األخرية اليت وقفنا عندها‪﴿ :‬إن الذ َ‬
‫اهلَُدى ۚ الشيطَا ُن َسوَل َهلُم َوأَملَ ٰى َهلُم‪[ ﴾...‬سورة حممد‪ :‬اآليات‪.]28-25:‬‬

‫حقيقة كان هنا كالم للشيخ الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تعليقه على‬
‫هذه اآليات املباركة‪ ،‬أقرؤه كما قاله بالنص‪ ،‬فإنه كالم ال نستطيع أن نزيد عليه شيئا‪.‬‬

‫يقول الشيخ ‪ -¬-‬يف [أضواء البيان]‪" :‬اعلم أن كل مسلم ُيب عليه يف هذا‬
‫التام مما تضمنته من‬
‫الزمان تأمل هذه اآليات من سورة حممد‪ ،‬وتدبرها‪ ،‬واحلذر ّ‬
‫الوعيد الشديد؛ أل ّن كثريا ممن ينتسبون للمسلمني داخلون بال شا فيما تضمنته من‬
‫الوعيد الشديد؛ أل ّن عامة الكفار من شرقيني وغربيني كارهون ملا نزل هللا على رسوله‬
‫حممد ‘ وهو هذا القرآن‪ ،‬وما يبينه به النيب ‘ من السنن‪ ،‬فكل من قال هلؤالء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪487‬‬

‫الكفار الكارهني ملا ّنزل هللا‪ :‬سنطيعكم يف بعض األمر؛ فهو داخل يف وعيد اآلية‪،‬‬
‫(‪)76‬‬
‫من يقول هلم‪ :‬سنطيعكم يف األمر؛ كالذين يتبعون القوانني‬ ‫وأحرى من ذلا‬
‫الوضعية مطيعني بذلا للذين كرهوا ما نزل هللا‪ ،‬فإ ّن هؤالء ال شا أهنم ممن تتوفاهم‬
‫املالئكة يضربون وجوههم وأدبارهم‪ ،‬وأهنم اتبعوا ما أسخط هللا وكرهوا رضوانه‪ ،‬وأنه‬
‫حمبط أعماهلم‪ ،‬فاحذر كل احلذر من الدخول يف الذين قالوا‪ :‬سنطيعكم يف بعض‬
‫األمر"‪ .‬انتهى كالمه ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫نتناول اليوم إن شاء هللا تعاىل موضوعا آخر من مواضيع الربملان‪ ،‬ونقف عند‬
‫مسألة‪:‬‬

‫ات؟‬
‫ُ َل َ ْ َ َ َ‬
‫ان‬ ‫ِل‬
‫ر‬ ‫الب‬ ‫في‬ ‫و‬‫خ‬‫الد‬ ‫ه‬‫س‬ ‫ب َم َاذا َي ْس َتدل َم ْن َأ َج َاز ل َن ْ‬
‫ف‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لديهم جمموعة من األدلة (يسموهنا أدلّة)‪ ،‬وقد يكون يف مقدمات تلا األدلة‬
‫اليت يستشهدون هبا‪ ،‬منها‪:‬‬

‫َ َّ ُ ُ ْ َ ُ‬
‫ف ‪َ -’-‬م َع ف ْر َع ْون م ْ‬
‫ص َر‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ق ِضية يوس‬
‫فما هي احلقيقة؟‪ ،‬وكيف يستشهد هؤالء بقصة نيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا‬
‫وعليه الصالة والسالم‪-‬؟‬

‫اء‪ُ :‬يب أن تعلم أن نيب هللا يوسف اُفرتي عليه من قبل جهتني‪ :‬اجلهة‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫األوىل‪ :‬امرأة العزيز‪ ..‬اهتمته يف ذاته ‪ -’-‬هذا صنف‪ ،‬الفئة الثانية‪ :‬إخوان مصر‬
‫نبوته عندما قالوا عنه‪ :‬اشرت مع فرعون مصر يف‬
‫‪-‬والعياذ باهلل منهم‪ -‬اهتموه يف ّ‬

‫(‪ )76‬أي أحرى بالدخول يف حكم اآلية‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪488‬‬

‫احلكم‪ ،‬وحنن بناء على هذا الكالم حنن نشرت أيضا يف هذه احلكومات‬
‫(الطاغوتيّة)!‬

‫أما قضية املرأة اليت اهتمت نيب هللا يوسف على رسولنا ‪-‬وعليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫‪ ،‬فإن هللا تبار وتعاىل قد أنبأنا من أخبارها ما فيه حسبنا‪ ،‬ولكن هؤالء عندما‬
‫اهتموه يف نبوته‪ ،‬فهنا ال بد أن يكون لنا وقفة حىت نتأمل يف قول هؤالء الناس‪،‬‬
‫وكيف زيّن هلم الشيطان وأملى هلم‪ ،‬وكيف حلوا الناس على هذا اخلداع وأقنعوهم‬
‫بأنه أن تكون مع الطاغوت هذا عمل نيب هللا يوسف ‪-‬حاشاه‪َ ،-‬وال َم ْسأَلَةُ األُ ْو َل‬
‫اليت نقف عندها‪:‬‬

‫امللا الذي كان يف زمن نيب هللا يوسف (فرعون مصر) هل اعتنق اإلسالم؟ أم‬
‫بقي على الكفر الذي كان عليه؟‬

‫من علماء املسلمني من قال أنه أسلم‪ ،‬كما ينقل اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة‬
‫واسعة‪ -‬عن ُجماهد‪ ،‬قال‪" :‬أسلم امللا الذي كان معه يوسف"‪ ،‬وهو قول ابن كثري‬
‫‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه‪ ،‬أما القرطيب ‪ -¬-‬قال عن هذا امللا‪" :‬وفرعون‬
‫يوسف كان صاحلا"‪.‬‬

‫أما باقي العلماء وباقي التفاسري‪ ،‬فقد اتفقوا على عبارة‪ ،‬هذه العبارة‪" :‬أن امللا‬
‫يومئذ كان الريان بن الوليد(‪ )77‬وهو رجل من العماليق وقد آمن بيوسف"‪ ،‬هذا القول‬
‫هبذه العبارة قاهلا اإلمام أبو حفص احلنبلي الدمشقي يف تفسريه‪[ :‬اللباب يف تفسري‬

‫(‪ )77‬أي يف زمن وجود نيب هللا يوسف‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪489‬‬

‫الكتاب]‪ ،‬وكذلا قاله النيسابوي يف تفسريه‪ ،‬وكذلا قاله املاوردي يف [النُّ َكت والعيون]‬
‫‪ ،-†-‬وكذلا قاله اآللوسي يف تفسريه‪.‬‬

‫إذًا هؤالء العلماء على اختالف أزماهنم قالوا أن هذا امللا قد أسلم وآمن بنيب‬
‫األجالء من املفسرين والعلماء؛ إذا ال يوجد دليل‬
‫هللا يوسف‪ ،‬فإذا قلنا بقول هؤالء ّ‬
‫نيب وكان يعمل مع ملا آمن به‪ ،‬إذا انتهى‬ ‫يف جواز‪ ...‬ملاذا؟‪ ،‬ألن يوسف ’ ٌ‬
‫االستدالل إذا أخذنا برأي من قال من العلماء أن ذلا امللا قد أسلم‪.‬‬

‫أما من قال من العلماء أنه مل يُسلم ومل يعتنق اإلسالم وما اتبع نيب هللا يوسف‪..‬‬
‫وجماراة هلؤالء ‹‹املـُجيزين للدخول يف الربملانات›› ‪-‬والعياذ‬
‫بناء على هذا القول‪ُ ،‬‬
‫باهلل‪.-‬‬

‫نقول‪ :‬لو قلنا فرضا أن هذا امللا ما أسلم وال اتّبع نيب هللا يوسف‪ ،‬فهل اشرت‬
‫استدل هؤالء على هذا االشرتا ؟‬
‫ّ‬ ‫معه نيب هللا يوسف؟‪ ،‬وكيف كان اشرتاكه؟‪ ،‬وكيف‬

‫ولكن قبل الدخول يف املوضوع‪ ،‬ال بد من أن نتوجه بالدعاء إىل هللا ¸‪ ،‬أنه‬
‫سنتكلم عن ٍ‬
‫رجل هللا تبار وتعاىل أعلم حباله‪ ،‬فإن كان قد أسلم‪ ،‬فأعوذ باهلل من أن‬
‫رجل بكلمة كفر وقد اعتنق اإلسالم‪ ،‬أما إن كان غري ذلا‪ ،‬فسننسب إليه‬ ‫أنال من ٍ‬
‫الكفر ُجماراة للعلماء الذين قالوا أنه مل يعتنق اإلسالم‪ ،‬هذا السبب األول‪.‬‬

‫والسبب الثاو‪ :‬حىت ندفع هذه الفرية وهذه التهمة عن نيب هللا يوسف ‪-‬على‬
‫رسولنا وعليه الصالة والسالم‪ ،-‬وأعوذ باهلل من أن يكون هذا الرجل إن كان قد‬
‫أسلم خصيمي يوم القيامة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪490‬‬
‫َ‬
‫للا ُي ْو ُسف‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ن‬
‫ْ َ َّ َ‬
‫ة‬‫ص‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ص‬‫م‬ ‫ان‬‫و‬ ‫َطر َيق ُة ْ‬
‫است ْدالل إ ْخ َ‬
‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يقولون‪ :‬أن يوسف ‪ -’-‬اشرت يف احلكم مع فرعون مصر‪ ،‬طبعا هم‬
‫يُثبتون أن فرعون مصر ما كان قد أسلم وال اعتنق اإلسالم وال اتبع نيب هللا يوسف‪،‬‬
‫وبناء على هذا القول هم يثبتون كفر امللا‪ ،‬مث بعد ذلا يثبتون أن نيب هللا يوسف‬
‫اشرت مع ذلا امللا يف احلكم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طاغوت يف‬ ‫فبناء على قوهلم هذا‪ ،‬يستدلون إذا كان النيب وهو نيب‪ ،‬اشرت مع‬
‫احلكم‪ ،‬إذا أين الضرر إذا اشرتكنا مع هؤالء الطواغيت يف احلكم؟‪ ،‬إذا دخلنا يف‬
‫الربملان‪ ،‬إذا استلمنا وزارات‪ ،‬إذا استلمنا خزائن‪ ،‬أين الضرر طاملا نيب من أنبياء هللا‬
‫¸ قد دخل وشار طاغوتا من الطواغيت يف احلكم؟‬

‫الل يبَ يذهي الطَّ يري َق ية‪:‬‬


‫االستي ْد ي‬ ‫ي ي‬
‫َول ْيْل َجابَة َعلَى َه َذا ْ‬
‫َّأوًال‪ :‬طريقة استدالل إخوان مصر ‪-‬والعياذ باهلل منهم‪ -‬تُسمى هذه الطريقة يف‬
‫بأصل‪ ،‬مث جاؤوا بفرٍع‪ ،‬مث جاؤوا حبك ٍم مث وجدوا‬
‫االستدالل‪ :‬قياسا‪ ،‬أي‪ :‬أهنم جاؤوا ٍ‬
‫أصل (وهو املقيس عليه)‪ ،‬وهنا فرعٌ‬ ‫ٌ‬ ‫العلّة‪ ..‬ألن أركان القياس كما تعلم‪ :‬هنا‬
‫حكم أصلي‪ ،‬وهنا العلّة يف األصل‪ ،‬فإذا وجد املقيس‬ ‫ٌ‬ ‫(وهو املقيس)‪ ،‬وهنا‬
‫واملقيس عليه واحلكم موجود والعلة كانت ُمتع ّدية من األصل إىل الفرع‪ ،‬عند ذلا‬
‫ميكن أن نُطلق حكم األصل على الفرع‪ ،‬هذا هو القياس وهذه هي أركان القياس‬
‫عند علماء أهل السنة واجلماعة‪.‬‬

‫إذًا يوسف ‪ -’-‬هو األصل‪ ،‬وهم الفرع‪ ،‬احلكم‪ :‬جواز دخول يوسف‬
‫’ ُُييز هلم الدخول يف املوطن الذي دخل فيه نيب هللا يوسف‪ ،‬العلّة الـ ُمشرتكة‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪491‬‬

‫أراد أن ُحي ّقق مصاحل‪ ،‬حنن أيضا نريد أن ُحن ّقق مصاحل‪ ،‬إذا يف زعمهم ظنّوا أهنم قد‬
‫أثبتوا القياس‪.‬‬

‫اآلن ندرس‪ :‬هل هذا القياس قياس صحيح أم قياس فاسد؟؛ ألن العلماء ‪†-‬‬
‫األحياء منهم واألموات‪ -‬عندما يتحدثون عن القياس‪ ،‬يقسمونه إىل قسمني‪ :‬هنا‬
‫قياس صحيح‪ ،‬وهنا قياس فاسد‪ ،‬فيا تُرى هذا القياس الذي يستدلون به هل هو‬
‫من القياس الصحيح أم من القياس الفاسد؟‬

‫ُجنري ُمقارنة بني نيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا وعليه والصالة والسالم‪ -‬وبني‬
‫هؤالء ‪-‬أجلّكم هللا‪ :-‬الحظ الفروقات املوجودة بني يوسف ‪ -’-‬وبني هؤالء‪:‬‬

‫ال َِا ير ُق األ ََّو ُل‪ :‬أن ملا مصر هو الذي أرسل إىل نيب هللا يوسف يستدعيه‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ا ائـتُ ِوو بِِه ۚ فَـلَما َجاءَهُ الر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫ول قَ َال ارجع إِ َ ٰىل َربِّ َ‬
‫ا فَاسأَلهُ َما بَ ُ‬ ‫﴿وقَ َال ال َمل ُ‬
‫َ‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم﴾ [يوسف‪ ،]50:‬إذا املسألة‬ ‫النّس َوة الالِيت قَطع َن أَيديَـ ُهن ۚ إن َرِّيب ب َكيدهن َعل ٌ‬
‫اآلن‪ :‬الثابت أن امللا أرسل إىل نيب هللا يوسف‪ ،‬ائتوو هبذا الرجل‪ ،‬ولكن نيب هللا‬
‫أصر على البقاء يف‬ ‫يوسف ما خرج سريعا تلبية لرغبة امللا وألمره وإلرادته‪ ،‬بل ّ‬
‫السجن‪ ،‬وقال لرسول امللا‪ :‬ارجع إىل ربّا ارجع إىل هذا امللا‪ ،‬واسأله ما بال‬
‫ريب بكيدهن عليهم‪ ،‬هذه حقيقة نيب هللا يوسف‪،‬‬ ‫أيديهن‪ ،‬إن ّ‬
‫ّ‬ ‫النسوة الاليت قطّعن‬
‫امللا هو الذي أرسل‪.‬‬
‫أَ َّما ه ي‬
‫ؤالء‪ :‬ابتداء ُيب أن يكون عضوا يف حزب‪ ،‬وبعد ذلا هذا احلزب يُق ّدم‬ ‫َ‬
‫رشحيه للدخول يف الطواغيت ومع هذه احلكومة‪ ،‬وبعد قبول األمساء تبدأ مرحلة‬ ‫ُم ّ‬
‫الدعاية واإلعالنات ولصق الصور والوعود‪ ،‬مث بعد ذلا تكون اللقاءات والتأثري عن‬
‫طريق الوعود الزائفة‪ ،‬وعن طريق الرتغيب بأهنم سيقدمون بعض احللول لبعض‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪492‬‬

‫املشاكل‪ ،‬مث بعد ذلا يكون التأثري من خالل العالقات‪ ،‬مث تأيت مرحلة الرشوة‪ ،‬بعد‬
‫رشحون للدخول يف الربملانات‪ ..‬هذا حال‬ ‫كل ذلا ُجترى االنتخابات فقسم منهم يُ ّ‬
‫الربملان‪ ،‬وذا حال نيب هللا يوسف‪ ،‬فأي شبه بني نيب هللا يوسف وبني هؤالء يف هذا‬
‫الفارق األَو ُل؟!‬

‫وهذا الذي قلته ُمعتربٌ يف القياس أنه فارق بني نيب هللا يوسف وبني هؤالء احلُثالة‬
‫‪-‬أجلّكم هللا‪.-‬‬

‫إ ًذا ال َِا ير ُق األ ََّو ُل‪ :‬امللا استدعاه‪ ،‬أما أنتم‪ :‬فأنتم تسعون بأرجلكم هبذه‬
‫الطريقة اليت ذكرهتا للدخول مع الطواغيت يف احلكم‪ ،‬وهذا يف القياس فارق‪.‬‬

‫ال َِا ير ُق الثَّ ياين‪ :‬أن امللا عندما استدعى نيب هللا يوسف‪ ،‬ما استدعاه إال بعد أن‬
‫تبني له أنه صاحب علم‪ ،‬وأنه نزيه‪ ،‬وأنه ُس ِجن بظلم؛ ألن الرسول بعد أن رجع إىل‬ ‫ّ‬
‫ف َعن نـف ِس ِه ۚ‬ ‫وس َ‬ ‫ِ‬
‫امللا‪ ،‬امللا استدعى النسوة‪﴿ ..‬قَ َال َما َخطبُ ُكن إذ َر َاودتُّن يُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫قُـلن ح ِ ِ ِ‬
‫َت ال َع ِزي ِز اآل َن َحص َح َ‬
‫ص احلَ ُّق أَنَا‬ ‫اش َلل َما َعلمنَا َعلَيه من ُسوء ۚ قَالَت امَرأ ُ‬
‫َ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يتقصى عن‬ ‫ني﴾ [يوسف‪ ،]51:‬إذا امللا اآلن بدأ ّ‬ ‫َر َاودتُّهُ َعن نـفسه َوإِنهُ لَم َن الصادق َ‬
‫فتبني أن يف نيب هللا يوسف خصلتني‪:‬‬ ‫حال نيب هللا يوسف‪ّ ،‬‬
‫اخلصلة األوىل‪ :‬أنه صاحب علم‪ ،‬ألنه ّأول له رؤياه‪ ،‬وهذا ما مل يستطع أن ّيؤله‬
‫أحد من املأل الـ ُمحيطني بفرعون مصر‪ ..‬أيها املأل أفتوو يف رؤيايـ قالوا ما نستطيع أن‬
‫عرب رؤيا هذه؛ إذا نيب هللا يوسف كان صاحب علم‪ ،‬وهذا الذي ثبت لذلا امللا‬
‫نُ ّ‬
‫يف ذلا الوقت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪493‬‬

‫الشيء اآلخر الذي ثبت عند امللا‪ :‬أنه كان نزيها وقد أحاطت به النساء‪،‬‬
‫تزل ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬الشباب هم يطلبون‪،‬‬ ‫وأنت تعلم أن يف مثل هذا املوطن األقدام ّ‬
‫عنهن!!‪ ،‬فال نزاهة فوق هذه‬ ‫فما بالا والنساء تطلب والشاب هو الذي يرغب ّ‬
‫ظل إال‬
‫النزاهة‪ ،‬وأنت تعلم حديث رسول هللا ‘ أن سبعة يظلهم هللا يف ظلّه يوم ال ّ‬
‫رجل دعته امرأة ذات ُحسن ومجال‪ ،‬فقال‪ :‬إو أخاف هللا رب‬ ‫ظلّه‪ ،‬ومن بني هؤالء‪ٌ :‬‬
‫ا‬ ‫ِ‬
‫﴿وقَ َال ال َمل ُ‬
‫العاملني‪ ..‬يوسف من هذا النمط‪ ،‬علم ونزاهة‪ ..‬وهلذا استدعاه امللا َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫خاصيت‪ .‬علما أنه قبل‬‫ائـتُ ِوو بِه أَستَخلصهُ لنَـفسي﴾ [يوسف‪ ،]54:‬أي‪ :‬أجعله من ّ‬
‫ظهور هذه امليزات هذه الصفات يف نيب هللا يوسف‪ ،‬كان يرز يف سجن هذا امللا‪،‬‬
‫لكن بسبب ظهور العلم وبسبب ظهور النزاهة‪ ،‬امللا قال‪ :‬ائتوو به أستخلصه‬
‫قربني إ ّ‪ .‬هذا عند نيب هللا يوسف‪.‬‬
‫خاصيت ومن الـ ُم ّ‬
‫لنفسي‪ ،‬أي أجعله من ّ‬
‫ي‬
‫أَ َّما ع ْن َد األَفْلطُوني َ‬
‫يني هؤالء ال ّدميُقراطيّني‪ :‬املادة (‪ )47‬من الدستور العراقي‪:‬‬
‫النواب‪ :‬أن يكون عراقيًّا كامل األهليّة"‪ ،‬فقط‬
‫رشح لعضويّة جملس ّ‬ ‫قال‪" :‬يُشرتط يف املـُ ّ‬
‫يشرتطون للدخول يف الربملانات هذين الشرطني‪ ،‬الشرط األول‪ :‬أن يكون صاحب‬
‫جنسية عراقية‪ ،‬يعين مسلم من مكان آخر غري مقبول‪ ،‬كافر من مكان آخر غري‬
‫مقبول‪ُ ،‬يب أن حيمل اجلنسية العراقية‪ ،‬وهم يكذبون يف ذلا ألن أكثر الرافضة‬
‫الذين حيكمون جنوب العراق اآلن لديهم جنسيات من دول أخرى‪.‬‬

‫والشرط الثاو‪ :‬أن يكون كامل األهليّة‪ ،‬وكامل األهليّة ال تظن أن يكون ُحًّرا‬
‫عاقال بالغا ُمسلما‪ ،‬ال‪ ،‬وإمنا يكفي أن يكون بالغا عاقال‪ ،‬فإذا توفرت هذه الشروط‬
‫الردة والكفر للوصول إىل الربملان‪.‬‬
‫فقط‪ ،‬عند ذا ُيوز هلذا املرشح أن يأخذ سبيل ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪494‬‬

‫هذه شروط الربملانيني‪ ،‬وهذا ما ظهر من نيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا وعليه‬
‫الصالة والسالم‪.-‬‬
‫الع ْل يم يع ْن َد ه ي‬
‫ؤالء َوالنَّ َز َاه ية‪ :‬أما العلم‪ :‬فأكثر الذين حيكمون اآلن‬ ‫نَأْيِت إل ي‬
‫َ‬
‫أصحاب شهادات مزورة‪ ،‬وأما النزاهة‪ :‬فقد اضطرت احلكومة الرافضية بسبب السرقة‬
‫تبني أن جلنة النزاهة‬
‫واالختالس من األموال أن يُش ّكلوا جلنة مسوها (جلنة النزاهة)‪ ،‬مث ّ‬
‫حباجة إىل جلنة نزاهة!!؛ إذا أين هؤالء من النزاهة؟!‪ ،‬وأين العلم؟!‬

‫فوه ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬جتده يف كل فضائية‪ ،‬مرة‬


‫رجل ُم ّ‬
‫أحد أعضاء الربملان‪ ،‬وهو ٌ‬
‫العدل‬
‫وقف يف الربملان واستشهد بآية "قال هللا تعاىل‪ :‬بسم هللا الرحن الرحيم‪ ،‬إن ُ‬
‫العدل" يتكلم‬ ‫أساس ِ‬
‫امللا‪ ..‬صدق هللا العلي العظيم‪ ،!!".‬كشف هللا سوأته‪" ..‬إن ُ‬ ‫ُ‬
‫أساس امللا‪ ..‬صدق هللا العلي العظيم" ألنه‬
‫العدل ُ‬‫بالفصحى‪ ..‬عضو برملان‪" ..‬إن ُ‬
‫رافضي!‬

‫يا َول أين العلم؟!‪ ،‬أين النزاهة؟!‪ ،‬مث تقول حا من حال نيب هللا يوسف؟!‪،‬‬
‫يقول‪ :‬حنن أصحاب علم وشهادات‪ ،‬هذا ماجستري‪ ،‬وهذا دكتوراة‪ ،‬وهذا علم‬
‫حديث وهذا تفسري‪ ،‬إذا حنن عندنا علم‪ ،‬وحنن نزيهون ما نأخذ شيئا من أموال‬
‫الدولة‪.‬‬

‫يُ َقا ُل‪ :‬حىت لو توفرت فيا هذه الشروط‪ ،‬فهي غري مشروطة يف الدخول يف‬
‫تلا املنطقة‪ ،‬ليست هذه الشروط‪ ،‬حىت لو كانت فيا‪ ،‬هم ال يريدون هذه‬
‫الشروط‪ ،‬إذا أنت تدخل يف موط ٍن ال يُشرتط فيه علم وال نزاهة‪ ،‬أما الذي ت ّدعيه ال‬
‫الردة هذا‪ ،‬وما ساقا إىل موط ٍن‬‫خري فيه‪ ،‬ألنه لو كان فيه خري ما ساقا إىل موطن ّ‬
‫وحتاول أن تُزيل دولة إسالميّة‬
‫وحتارب اجملاهدين يف سبيل هللا‪ُ ،‬‬
‫ُحتارب هللا ¸ ورسوله ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪495‬‬

‫أُعلِنت وحتكم ا أنزل هللا ¸‪ ،‬مث تقول ‪ :‬صاحب علم؟!‪ ،‬أي فائدة من هذا‬
‫العلم الذي ُيعلا تقف إىل جانب الطواغيت‪ ،‬مث ُحتارب املسلمني لكي تُقيم دولة‬
‫طاغوتيّة وتُزيل دولة إسالميّة؟!‪ ،‬أي علم هذا الذي ت ّدعيه لنفسا؟!‪ ،‬إذا هذا يف‬
‫القياس فارق‪ ،‬هذا حال نيب هللا يوسف‪ ،‬وهذا حال هؤالء‪.‬‬

‫ال َِا ير ُق الثَّالي ُ‬


‫ث‪ :‬أن نيب هللا يوسف ما َ‬
‫سلا ُسبال ُكفريّة ‪-‬حاشاه‪ -‬للوصول إىل‬
‫امللا‪ ،‬وإمنا من السجن ُمباشرة إىل قصر امللا‪ ،‬ما ّاختذ أي وسيلة غري شرعيّة‬
‫للوصول إىل قصر امللا وللوصول إىل آل فرعون‪ ،‬هذا حال نيب هللا يوسف‪.‬‬
‫ي‬
‫ال َهؤالء‪ :‬تذكرون مواطن ّ‬
‫الردة اليت تكلمنا عنها‪ ،‬يدخل أربع مواطن قبل‬ ‫َّأما َح ُ‬
‫ردة ُيب أن يدخلها قبل أن يصل إىل الربملان أو‬
‫أن يصل إىل الربملان‪ ،‬أربع مواطن ّ‬
‫أن حيتجز لنفسه ُكرسيًّا حتت قُـبّة الربملان‪.‬‬

‫قر بالدستور املكتوب واملعمول به يف البلد‪ ،‬نيب‬


‫املوطن ال ُكفري األول‪ُ :‬يب أن يُ ّ‬
‫ب من هذا األمر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هللا يوسف ما طُل َ‬
‫الشيء الثاو‪ُ :‬يب أن يؤمن بالتّعدُّديّة احلزبية‪ ..‬ال يوجد عند نيب هللا يوسف‬
‫شيء من هذا القبيل‪.‬‬

‫السلطَة‪ ..‬نيب هللا يوسف ما طُلب‬


‫الشيء الثالث‪ُ :‬يب أن يؤمن بدأ تداول ُّ‬
‫منه هذا األمر‪.‬‬

‫الشيء الرابع‪ُ :‬يب أن يؤدي القسم على باب الربملان قبل أن يدخل‪ ،‬حىت‬
‫خيرج من امللّة إن كان بقي فيه شيء من اإلسالم‪ ..‬نيب هللا يوسف ما طُلب منه كل‬
‫هذه األشياء‪ ،‬وهذا يف القياس فارق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪496‬‬

‫الرابي ُع‪ :‬أن امللا بعد أن وصل إليه نيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا وعليه‬ ‫ال َِا ير ُق َّ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫الصالة والسالم‪ -‬ومسع منه وعلم حباله‪ ،‬قال له امللا‪﴿ :‬إِن َ‬
‫ا اليَـوَم لَ َديـنَا َمك ٌ‬
‫ني﴾ [يوسف‪.]54:‬‬ ‫ِ‬
‫أَم ٌ‬
‫الع َل َم ُاء في َم ْس َأ َلة َ‬
‫﴿م ِك ٌين﴾‪:‬‬ ‫ال ُ‬‫َ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫ق‬ ‫الحظ ماذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل األقوال اليت قالوها اإلمام الطربي والقرطيب والشوكاو ‪ †-‬تعاىل‪ -‬تدور‬
‫حول أمر (أنا نافذ القول) الحظ‪:‬‬

‫"متم ّكن مما أردت‪ ".‬أما قول اإلمام‬


‫يقول اإلمام الطربي ‪ -¬-‬يف تفسريه‪ُ :‬‬
‫القرطيب فقال‪" :‬نافذ القول‪ ".‬أما غريُها من العلماء‪ ،‬كاإلمام الرازي ‪ -¬-‬يف‬
‫فالن عىن‪ّ :‬بني املكانة‪ ،‬أي‪ :‬املنزلة‪ .‬وهي حالةٌ‬‫تفسريه‪ ،‬قال‪" :‬فال ٌن مكني عند ٍ‬
‫يُتمكن هبا صاحبها مما يريد‪ّ ".‬بني عىن‪ :‬واضح املكانة واملنزلة‪ ،‬وأما قول الشوكاو ‪-‬‬
‫¬‪ -‬قال‪" :‬معىن مكني‪ :‬ذو ٍ‬
‫مكانة وأمانة‪ ،‬حبيث يتم ّكن مما يريده من امللا‪".‬‬

‫لخص فهم علمائنا لكلمة "التمكني" يف هذه اآلية‪ :‬أن نيب هللا‬ ‫إذا بإمكاننا أن نُ ّ‬
‫يوسف كان ُحّر التصرف يف أعماله‪ ،‬نافذ القول‪ ،‬يتمكن مما يريد‪ ،‬ويتمكن من أن‬
‫يطلب من امللا وال يرد له امللا طلبا‪ ،‬إذا نافذ القول‪ ،‬نيب هللا يوسف نافذ القول‬
‫عند امللا‪ ،‬ما يقوله ال يُرد‪ ،‬هذا قول امللا وهذا وعده لنيب هللا يوسف‪.‬‬

‫َمن ِمن الربملانيني يستطيع أن يقول لنفسه أو لغريه‪" :‬إنا نافذ القول"؟! أي‪:‬‬
‫لا يا فالن أن تتصرف يف الوزارة اليت أنت فيها كيفما تشاء‪ ،‬فكل الذي تعمله‬
‫دستور‪ ،‬وكل الذي تقوله قانون‪ ،‬ال نُراجعا فيما تقوله وال نراجعا فيما تعمل‪ ،‬بل‬
‫لا القول النافذ يف متشية أمور هذه الوزارة؟!‪ ،‬أهنا أحد يستطيع أن يقول ٍ‬
‫ألحد‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪497‬‬

‫مثل هذا القول؟!‪ ،‬ال ميكن‪ ،‬بل أن هؤالء األذالء لو أن أحدهم خالف شيئا من‬
‫ضوابط القانون أو ضوابط الدستور لسجنه و ّ أمره‪.‬‬

‫وخيتص جملس النواب ا‬


‫ّ‬ ‫تنس‪ -‬من واجبهم املادة اليت ذكرناها‪:‬‬
‫والربملان ‪-‬ال َ‬
‫السلطَة التنفيذية؛ إذا أنت ال‬
‫يأيت‪ :‬أوال تشريع القوانني‪ ،‬ثانيا‪ :‬املراقبة على أعمال ُّ‬
‫تستطيع أن ختالف شيئا من القانون‪ ،‬وال تستطيع أن ختالف شيئا من الدستور؛ ألن‬
‫الربملانيني يعتربون جهة مراقبة لتصرفات السلطة التنفيذية‪ ،‬فإن خالفت يأخذونا إىل‬
‫جلسة ويستجوبونا‪ ،‬إذا ال توجد يف هذه احلكومات الطاغوتية ال يوجد أحد ممكن‬
‫ألحد أن ما تقوله أنت هو الذي يكون‪ ،‬وسواء خالف القانون أو خالف‬ ‫أن يقول ٍ‬
‫الدستور‪ ..‬ال يوجد هذا الشيء‪ ،‬بينما هذا حصل لنيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا‬
‫وعليه الصالة والسالم‪ -‬مع ذلا امللا‪ ،‬وهذا كما تعلم يف القياس فارق‪.‬‬

‫أَ َّما ال َِا ير ُق األَ يخريُ‪ :‬فإن نيب هللا يوسف عندما استلم اخلزانة كان يدير اخلزانة ا‬
‫يراه هو وكيفما يريد هو‪ ،‬إيش الدليل على هذا القول؟‪ ،‬ألن امللا قال‪﴿ :‬إِن َ‬
‫ا اليَـوَم‬
‫ني﴾‪ ..‬أي‪ :‬ما تقوله وما تفعله يف إدارة هذه اخلزائن هو الذي يكون‪،‬‬ ‫لَ َديـنَا م ِك ِ‬
‫ني أَم ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫سري إدارة‬‫سواء وافق قانون امللا أو خالف قانون امللا‪ ،‬ال يهمه هذا األمر‪ ..‬إذا يُ ّ‬
‫اخلزانة وفق ما يرى هو‪ ،‬وليس وفق قانون امللا‪ ،‬هذا عند نيب هللا يوسف‪.‬‬
‫أَ َّما ه ي‬
‫ؤالء الُثَالَة‪ :‬عندما يستلمون وزارة من الوزارات ليس هلم هذا األمر‪ ،‬بل‬ ‫َ‬
‫يستلمون الوزارة وفق ضوابط الدستور ووفق ضوابط القانون‪ ،‬وكما تعلم هذا يف‬
‫القياس فارق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪498‬‬

‫فإذا ثبتت هذه الفروقات بني نيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،-‬وبني هؤالء‪ ،‬إذا نوع هذا القياس يسمى‪ :‬قياسا فاسدا‪ ،‬ليس بالقياس‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َُ‬
‫اس ِد؟‬
‫اس الف ِ‬
‫القي ِ‬
‫ات ِ‬
‫ما أقوال العلم ِاء في ِإثب ِ‬
‫أَ َّوًال‪ :‬القاعدة األصوليّة‪ :‬أنه إذا كان فارقا بني املقيس واملقيس عليه‪ ،‬هذا‬
‫سمى‪ :‬قياسا مع الفارق‪.‬‬ ‫يُ ّ‬
‫والقاعدة األصوليّة‪ :‬أن القياس مع الفارق‪ :‬باطل‪ ،‬هذه قاعدة ثابتة عند العلماء‪،‬‬
‫إذا ال يُعترب ُحكما إذا وجد فارق بني املقيس واملقيس عليه‪ .‬هذا قول أهل األصول‬
‫عند أهل السنة واجلماعة‪ ..‬ويسمى أيضا بالقياس الفاسد‪.‬‬

‫قول ابْ ُن ال َقيّ يم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪" :-‬والقياس الفاسد أصل كل شر"‪ ..‬مث‬
‫يَ ُ‬
‫قال‪" :‬ما فسد ما فسد من العامل‪ ،‬وما خرب ما خرب منه إال بالقياس الفاسد‪ ".‬هذا‬
‫قول ابن القيم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [إعالم املوقعني]‪.‬‬
‫الِّ ي‬
‫ب يف [االعتصام] فيقول‪" :‬القياس الفاسد هو الذي ال ّ‬
‫يصح‬ ‫اطي ُّ‬ ‫أَ َّما ا يل َم ُ‬
‫ام َّ‬
‫يؤدي إىل ُمالفة الشرع‪ ،‬وأن يصري احلالل بالشرع حراما‬
‫أن يوضع يف ال ّدين‪ ،‬فإنه ّ‬
‫بذلا القياس‪ ،‬واحلرام حالال‪".‬‬

‫القياس الفاسد هو الذي ال يصح أن يوضع يف الدين‪ ،‬يعين ال ميكن أن نأيت‬


‫ٍ‬
‫بقياس فاسد‪ ،‬مث نقول هذا من الدين وُيب أن نعمل به‪ ،‬هذا قول اإلمام يف‬
‫[االعتصام] ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬أن القياس الفاسد ال يعترب من الدين أساسا‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪499‬‬

‫ويؤدي إىل حتليل احلرام وإىل حترمي احلالل‪ ،‬وهو أصل كل شر كما قال ابن القيم ‪-‬‬
‫¬‪ -‬يف [اإلعالم]‪.‬‬

‫أَ َّما ا يل َم ُ‬
‫ام أَ ْمحَ ُد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬فقد نقل عنه ابن القيم يف [إعالم املوقعني]‬
‫‪-‬أنقل كالمه باملعىن وليس بالنص‪ :-‬القياس أن يكون املقيس ُمشاهبا للمقيس عليه‬
‫يف كل أحواله‪" ..‬أما إذا أشبهه يف حالة‪ ،‬وخالفه يف حالة‪ ،‬فأردت أن تقيس عليه؛‬
‫فهذا خطأ‪ ،‬قد خالفه يف بعض أحواله ووافقه يف بعض‪ ،‬فإذا كان مثله يف كل أحواله‬
‫فأقبلت به وأدبرت به‪ ،‬فليس يف نفسي منه شيء‪ ".‬هذا نص قول اإلمام أحد ‪-‬‬
‫¬‪.-‬‬

‫يُ َعليّ ُِ ابْ ُن ال َقيّ يم َعلَى قَ ْويل ا يل َم يام أَ ْمحَ َد فيقول‪" :‬وهذا قول أكثر احلنفية‪،‬‬
‫واحلنابلة واملالكية‪".‬‬

‫إذا الكل يقولون أنه ُيب ّأال يكون اختالف بني املقيس واملقيس عليه‪ ،‬أما إذا‬
‫حصل اختالف‪ ،‬قال‪ :‬هذا ال ُيوز‪ ،‬وأصل الشر كله من هذا املكان يبدأ‪ ،‬وأنت‬
‫ترى أين وصل الشر هبؤالء عندما جاؤوا هبذا القياس الفاسد‪ ،‬وبنوا ُحكما على هذا‬
‫جروا األمة من ورائهم لكي يكونوا ُجزءا‬
‫القياس الفاسد‪ ،‬كيف أدخلوا أنفسهم وكيف ّ‬
‫من هذه احلكومات الطاغوتية‪ ،‬أو على أقل تقدير أن يكونوا ُمتعاطفني مع هذه‬
‫احلكومات وال يرضون عنها بديال حىت ولو كان البديل أُناسا يريدون أن حيكموا ا‬
‫أنزل هللا ¸!؛ إذا هذا االستدالل استدالل فاسد‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪500‬‬

‫نأيت اآلن إىل اجلزء الثاو من املوضوع‪:‬‬

‫هؤالء بدون حياء يقولون‪ :‬نيب هللا يوسف اشرت يف احلكم مع امللا‪ ،‬قوهلم هذا‬
‫كم آية ُخيالف يف كتاب هللا ¸؟‪ ،‬عندما يقولون أن نيب هللا يوسف اشرت مع امللا‬
‫يف احلكم‪ ،‬وحنن أيضا نشرت كما اشرت يوسف ‪-’-‬؟‬

‫قوهلم هذا ُخيالف عددا من اآليات يف كتاب هللا ¸‪:‬‬

‫اآليَةُ األُ ْو َل‪ :‬الحظ نيب هللا يوسف وهو يف السجن ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة‬
‫ِ‬ ‫والسالم‪ -‬كان يعلّم السجناء العقيدة وأمور الدين ﴿يا ِ‬
‫السج ِن أَأَربَ ٌ‬
‫اب‬ ‫صاح َِيب ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُّمتَـ َفِّرقُو َن َخيـٌر أَِم اَللُ ال َواح ُد ال َقه ُار ۝ َما تَـعبُ ُدو َن من ُدونه إِال أَمسَاء َمسيتُ ُم َ‬
‫وها أَنتُم‬
‫ان ۚ إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ ۚ أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ ۚ‬
‫وآبا ُؤُكم ما أَنزَل اَلل ِهبا ِمن سلطَ ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََ‬
‫اس َال يَـعلَ ُمو َن﴾ [يوسف‪.]40-39:‬‬ ‫ين ال َقيِّ ُم َوٰلَ ِكن أَكثَـَر الن ِ‬ ‫َٰذلِ ِ‬
‫ا ال ّد ُ‬
‫َ‬
‫هذا الكالم قاله يوسف ‪ -’-‬يف غياهب السجن‪ ،‬يف ظلمات السجن وهو‬
‫ُمستضعف‪ ،‬أثبت يف داخل السجن أن احلاكميّة هلل ¸‪ ،‬وهذا القول الذي قاله نيب‬
‫هللا يوسف ارتضاه هللا تبار وتعاىل؛ فأنزله وحيا يف آخر رساالته إىل البشرية إىل قيام‬
‫الساعة‪ ،‬هذا قول نيب هللا يوسف يف السجن‪ ،‬فهل ُميكن بعد ذلا أن خيرج من‬
‫السجن‪ ،‬ويقول‪ :‬احلكم للطاغوت؟!‪ ،‬كيف تُوفّق؟!‬

‫إذا هذا القول اآلن عندما تقول‪" :‬اشرت مع امللا يف احلكم" قولا هذا ُخيالف‬
‫ما قاله نيب هللا يوسف‪ ،‬وأنزله هللا تبار وتعاىل إلينا وحيا يف القرآن‪﴿ ..‬إِ ِن احلُك ُم إِال‬
‫َِللِ ۚ أ ََمَر أَال تَـعبُ ُدوا إِال إِياهُ﴾‪ ،‬هذا قول نيب هللا يوسف‪ ،‬فمن كان هذا قوله‪ ،‬ال‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪501‬‬

‫ميكن بعد ذلا إذا خرج من السجن ‪-‬إن كان ذلا امللا طاغوتا‪ -‬أن يُشاركه يف‬
‫احلكم‪ ،‬وُيعل احلكم لغري هللا تبار وتعاىل وللطاغوت‪ .‬يستحيل هذا األمر‪ ،‬ملاذا؟‬

‫ألن ُُمالفة القول للعمل ال يرضاه هللا ¸ من أفراد املسلمني‪ ،‬أن تقول شيئا‪ ،‬مث‬
‫تعمل خالف ما تقول‪ ،‬هذا ال يرضاه هللا ¸ من أفراد املؤمنني‪ ،‬دليل ذلا‪ :‬يقول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا ملَ تَـ ُقولُو َن َما َال تَـف َعلُو َن ۝ َكبُـَر َمقتا ِع َ‬
‫ند‬ ‫هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫اَللِ أَن تَـ ُقولُوا َما َال تَـف َعلُو َن﴾ [الصف‪.]3-2:‬‬

‫أنا املؤمن إذا قلت قوال‪ ،‬مث خالفه فعلي‪ ،‬أنا أكون يف موطن مقت من هللا ¸‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لطاغوت‬ ‫فكيف بنيب من أنبياء هللا ¸ أيقول‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾ مث ُيعل احلكم‬
‫من الطواغيت؟! ال ميكن أن يكون هذا‪.‬‬

‫العلى؟!‪،‬‬
‫فإذا كان أفراد املؤمنني يف موطن مقت‪ ،‬فما تقول بأصحاب الدرجات ُ‬
‫هؤالء أيضا ميقتهم هللا ¸؟‪ ،‬أم أن هؤالء وضعهم أصعب بكثري من وضعي أنا؟!‪،‬‬
‫من كان صاحب درجة عالية‪ ،‬مث خالف‪ ..‬عقوبته أشد من عقوبة أفراد املؤمنني إذا‬
‫خالفوا‪ ..‬الحظ اآلية الكرمية يف [سورة األحزاب‪﴿ :]30:‬يا نِساء النِ ِيب من يأ ِ‬
‫ت ِمن ُكن‬ ‫َ ََ َّ َ‬
‫ا َعلَى اَللِ يَ ِسريا﴾‪ ،‬زين‬ ‫ِ‬ ‫اب ِضع َف ِ‬ ‫ِ ٍ ٍ‬
‫ني ۚ َوَكا َن َٰذل َ‬ ‫اعف َهلَا ال َع َذ ُ‬
‫ضَ‬ ‫بَِفاح َشة ُّمبَـيِّنَة يُ َ‬
‫ملاذا؟‪ ،‬أليست امرأة من نساء املسلمات؟‪ ،‬فلماذا تكون عقوبتها ُمضاعفة عندما تأيت‬
‫خالفة قد تأيت عشرات النساء ثل هذه املخالفة؟!‬

‫ألن منزلتها أعلى من باقي النساء‪ ،‬هي زوجة نيب‪ ،‬وهي أم للمؤمنني‪﴿ ..‬النِ ُّ‬
‫يب‬
‫ِ‬ ‫أَوَ ٰىل بِالمؤِمنِ ِ‬
‫ني من أَن ُفس ِهم ۚ َوأَزَو ُ‬
‫اجهُ أُم َهاتـُ ُهم﴾ [األحزاب‪ ،]6:‬إذا منزلتها أعلى من‬ ‫ُ َ‬
‫باقي النساء‪ ،‬ألهنا زوجة نيب‪ ،‬وألهنا أم للمؤمنني‪ ،‬وهلذا عندما ُختالف‪ ،‬عقوبتها تكون‬
‫أشد من عقوبة املرأة املسلمة اليت ليست هبذه املنزلة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪502‬‬

‫﴿ولَوَال أَن ثـَبتـنَا َ لََقد كِدت‬


‫وكذلا يقول هللا تبار وتعاىل لرسول هللا ‘‪َ :‬‬
‫تَـرَكن إِلَي ِهم َشيئا قَلِيال ۝ إذا ألَذَقـنَا َ ِضعف احلياةِ و ِضعف المم ِ‬
‫ا‬‫ات ُمث َال َِجت ُد لَ َ‬ ‫َ ََ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫جمرد أن متيل إىل هؤالء‪ ..‬قد مييل املؤمن‪ٍ ..‬‬
‫عاص‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َعلَيـنَا نَصريا﴾ [اإلسراء‪ّ ،]75-74:‬‬
‫آمث‪ ..‬لكن ‪-‬ال ق ّدر هللا‪ -‬النيب إذا مال‪ ،‬قال‪ :‬العقوبة تكون ُمضاعفة‪ ،‬تُعاقب يف‬
‫الدنيا‪ ،‬وضعف العقوبة اليت كانت يف الدنيا ستُعاقب هبا يف اآلخرة‪ ،‬وهذا ما ذكره‬
‫اإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬وأظنه نقله أيضا عن الزركشي‪.‬‬

‫إذا عندما تكون املنزلة عالية‪ ،‬ال ميكن أن تكون هنا ُمالفة بني القول والفعل‪،‬‬
‫ونيب هللا يوسف من األنبياء‪ ،‬فما ال يرضاه هللا من أفراد املؤمنني‪ ،‬ال ميكن أن يقبله‬
‫من نيب هللا يوسف‪ ،‬يقول يف السجن‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾ مث خيرج ويقول للملا‪:‬‬
‫احلكم لا؟!‪ ،‬هذا الكالم ال يستقيم مع هذه اآلية املباركة‪ ،‬إذا هذا القول يصطدم‬
‫مع هذه اآلية‪.‬‬

‫﴿ولََقد بَـ َعثـنَا ِيف ُك ِّل أُم ٍة ر ُسوال أ َِن اعبُ ُدوا‬ ‫ي‬
‫اآليَةُ الثَّانيَةُ‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫وت﴾ [النحل‪.]36:‬‬ ‫ِ‬
‫اَللَ َواجتَنبُوا الطاغُ َ‬
‫رسالة مجيع األنبياء قاطبة دون استثناء‪ ،‬كلها تقوم على ُركنني اثنني‪:‬‬

‫الركن األول‪ :‬أن يدعو الناس إىل عبادة هللا ¸‪.‬‬

‫﴿ولََقد بَـ َعثـنَا ِيف ُك ِّل أُم ٍة ر ُسوال أ َِن‬


‫الركن الثاو‪ :‬يدعوهنم إىل اجتناب الطاغوت‪َ ،‬‬
‫وت﴾‪ ،‬إذا هذا هو القاسم املشرت بدعوة مجيع أنبياء هللا‬ ‫ِ‬
‫اعبُ ُدوا اَللَ َواجتَنبُوا الطاغُ َ‬
‫¸ منذ عهد آدم وإىل مبعث نبينا ‘‪ ،‬الكل يعملون ضمن هذين الركنني‪ :‬دعوة‬
‫الناس إىل عبادة هللا‪ ،‬ودعوة الناس إىل اجتناب الطاغوت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪503‬‬

‫ٍ‬
‫مكان يتواجد فيه طاغوت‪.‬‬ ‫وأنت تعلم أن كلمة االجتناب‪ّ :‬أال تتواجد يف‬
‫وسبق أن تكلمنا عن هذه اآلية‪.‬‬

‫فقول هؤالء أن "نيب هللا يوسف شار ذلا الطاغوت يف احلكم" ُخيالف هذه‬
‫اآلية‪ ،‬هذا قول هللا ¸‪ ،‬وهذا نيب‪ ،‬وهذا قول أُناس من أراذل الناس‪ ،‬هللا ¸ يقول‬
‫عن األنبياء أهنم ليسوا فقط ُيتنبون الطواغيت‪ ،‬بل يدعون الناس إىل اجتناب‬
‫الطواغيت؛ فمن دعا الناس إىل اجتناب الطواغيت‪ ،‬إذا بالضرورة هو ملتزم هبذا‬
‫األمر‪ ،‬ألنه ال ميكن لنيب أن يقول للناس‪" :‬اجتنبوا الطاغوت"‪ ،‬مث بعد ذلا هو‬
‫يكون جزءا من تشكيلة الطاغوت احلكومية!‪ ،‬معاذ هللا أن يكون األمر كذلا‪.‬‬

‫وإال عليهم أن يقولوا‪ :‬إما أن نيب هللا يوسف ليس بنيب‪ ،‬عند ذلا له أن يدخل‬
‫أي موط ٍن يشاء‪ ،‬أو أن يثبت أنه نيب‪ ،‬فإذا أثبت أنه نيب؛ فإن رسالته قائمة على أن‬
‫اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت‪ ،‬ال أن تكونوا جزءا من الطاغوت‪.‬‬

‫إذًا قوهلم‪" :‬نيب هللا يوسف اشرت مع امللا يف احلكم" ُخيالف هذه اآلية‪ ،‬وهذا‬
‫يعين أن نيب هللا يوسف ما اجتنب الطاغوت كما أمره هللا ¸‪ ،‬وال دعا الناس إىل‬
‫اجتناب الطاغوت كما هي نصف رسالته‪ ..‬كيف يكون نيب‪ ،‬مث ُخيالف هو‬
‫دعوته؟!‪ ،‬وال يدعو الناس إىل ما أ ُِمَر أن يدعو إليه؟!؟ هللا ¸ أمره أن يدعو الناس‬
‫إىل أن ُيتنبوا الطاغوت‪ ..‬فأين االجتناب إذا قلنا أنه اشرت مع الطاغوت يف‬
‫احلكم؟!‪ ،‬إذا هذا القول ُخيالف هذه اآلية الكرمية‪.‬‬

‫ض يَـتَبَـوأُ ِمنـ َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬


‫ف ِيف األَر ِ‬
‫وس َ‬ ‫﴿وَك َٰذل َ‬
‫ا َمكنا ليُ ُ‬ ‫اآليَةُ الثَّالثَةُ‪ :‬يقول هللا ¸‪َ :‬‬
‫ث يَ َشاءُ﴾ [يوسف‪.]56:‬‬ ‫َحي ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪504‬‬

‫ما قرأت من أقوال العلماء ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ -‬أن (املتم ّكن)‪ :‬أي هو‬
‫ُ‬
‫الذي له األمر والنهي يف األرض‪ ،‬كحال التمكني اآلن‪ ،‬من م ّكن هللا ¸ له‪ ،‬يأمر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض يـَتَبَـوأُ ِمنـ َها َحي ُ‬
‫ث يَ َشاءُ﴾‪ ،‬إذا ثبت‬ ‫ف ِيف األَر ِ‬
‫وس َ‬ ‫﴿وَك َٰذل َ‬
‫ا َمكنا ليُ ُ‬ ‫وينهى‪َ ..‬‬
‫التمكني لنيب هللا يوسف بوحي رباو بآية قرآنية‪ ،‬ال خيتلف على هذا أحد (أن‬
‫التمكني حاصل لنيب هللا يوسف)‪.‬‬

‫فإذا ثبت له التمكني ‪-‬وهو ثابت‪ ،-‬من م ّكنه هللا ¸ يف األرض‪ ..‬ماذا يفعل؟‬
‫ِ‬
‫ض أَقَ ُاموا الص َال َة َوآتَـ ُوا الزَكا َة‬ ‫ين إِن مكن ُ‬
‫اهم ِيف األَر ِ‬ ‫الحظ اآلية الكرمية‪﴿ :‬الذ َ‬
‫وف َونَـ َهوا َع ِن ال ُمن َك ِر﴾ [احلج‪ ،]41:‬نيب هللا يوسف م ّكنه هللا ¸ يف‬ ‫وأَمروا بِالمعر ِ‬
‫َ َُ َ ُ‬
‫عام لكل من ُمي ّكنه يف األرض‪ ،‬كل من ُمي ّكنه هللا ¸‬ ‫األرض‪ ،‬مث جاء هللا ¸ حبك ٍم ٍ‬
‫يف األرض يُقدم على هذه األمور األربعة‪ :‬يأمر الناس بالصالة‪ ،‬ويأخذ منهم الزكاة‪،‬‬
‫ويأمر باملعروف وينهى عن املنكر‪.‬‬

‫إذًا بالضرورة نيب هللا يوسف ُيب أن يأمر باملعروف وأن ينهى عن املنكر‪ ،‬وال‬
‫يوجد منكر أعظم من أن يكون هنا حاكم حيكم بغري ما أنزل هللا ¸‪ ،‬ال يوجد‬
‫منكر أعظم من هذا‪ ..‬فإذا ثبت أن هذا منكر‪ ،‬ومطلوب من نيب هللا يوسف أن‬
‫ينهى عن املنكر‪ ،‬فكيف يكون جزءا من املنكر؟!‬

‫املفروض أن ينهى عن املنكر‪ ،‬هؤالء الناس يقولون‪ :‬يوسف ‪ -’-‬أصبح‬


‫جزءا من هذا املنكر!‪ ،‬وهذا القول كما ترى ُخيالف قول هللا ¸‪﴿ :‬وأَمروا بِالمعر ِ‬
‫وف‬ ‫َ َُ َ ُ‬
‫َونَـ َهوا َع ِن ال ُمن َك ِر َوَِللِ َعاقِبَةُ األ ُُموِر﴾‪ ،‬إذا قوهلم هذا ُخيالف هذه اآلية الكرمية يف‬
‫كتاب هللا ¸‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪505‬‬

‫أَ َّما اآليةُ ا َّلرابيعةُ‪ :‬فيقول نيب هللا يوسف‪﴿ :‬إِِو تَـركت ِملةَ قَـوٍم ال يـؤِمنُو َن بِاَللِ‬
‫ُ‬ ‫ّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وب ۚ َما‬ ‫يم َوإِس َح َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وهم بِاآل ِخرةِ هم َكافِرو َن ۝ واتـبـع ِ‬
‫اق َويَـع ُق َ‬ ‫ت ملةَ آبَائي إبـَراه َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ‬
‫ا ِمن فَض ِل اَللِ َعلَيـنَا َو َعلَى الن ِ‬
‫اس َوٰلَ ِكن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َكا َن لَنَا أَن نُّش ِرَ بِاَلل ِمن َشيء ۚ ٰذَل َ‬
‫اس َال يَش ُك ُرو َن﴾ [يوسف‪.]38-37:‬‬ ‫أَكثَـَر الن ِ‬

‫إذا نيب هللا يوسف قال هذا الكالم‪ ،‬قال‪ :‬أنا اتّبعت ملّة إبراهيم‪ ،‬وهللا تبار‬
‫وتعاىل نقل لنا كالم نيب هللا يوسف وحيا يف القرآن‪ ،‬هذا ثابت قطعا‪ ،‬جيّد‪ ،‬إذا أعلن‬
‫نيب هللا يوسف أنه ُمتّبع إلبراهيم ‪ ،-’-‬هذا يعين بأنه يقوم باألعمال اليت قام‬
‫هبا نيب هللا إبراهيم‪ ،‬واألعمال اليت قام هبا نيب هللا إبراهيم ذكرها هللا ¸ يف قوله تبار‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين َم َعهُ إذ قَالُوا ل َقومهم إنا بـَُرآءُ‬ ‫يم َوالذ َ‬ ‫وتعاىل‪﴿ :‬قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ َح َسنَةٌ يف إبـَراه َ‬
‫ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ ِ‬
‫ضاءُ أَبَدا‬‫ون اَلل َك َفرنَا بِ ُكم َوبَ َدا بَـيـنَـنَا َوبَـيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ َوالبَـغ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ىت تُـؤِمنُوا بِاَللِ َوح َدهُ﴾ [املمتحنة‪.]4:‬‬
‫َح ٰ‬
‫قر وينقل أنه اتّبع ملّة إبراهيم‪ ،‬مث يذكر هللا ¸‬‫نيب هللا يوسف يُعلن‪ ،‬وهللا ¸ يُ ّ‬
‫لنا ماذا يعين اتباع ملّة إبراهيم‪ ،‬أن يأيت هبذه األمور اليت أتى هبا نيب هللا إبراهيم؛ إذا‬
‫يقينا نيب هللا يوسف قد متثل هذه املواصفات اليت كان عليها نيب هللا إبراهيم‪.‬‬

‫يتربأ منهم‪،‬‬‫أما أن يقول‪ :‬اتّبعت ملّة نيب هللا إبراهيم‪ ،‬مث يكون مع الطواغيت‪ ،‬ال ّ‬
‫وال من آهلتهم‪ ،‬وال يعتزهلم‪ ،‬هذا ال يتفق مع قول هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وإال فمن قال‪:‬‬
‫ب َعن ِّمل ِة‬
‫﴿وَمن يَـر َغ ُ‬
‫أنه ليس على ملّة إبراهيم‪ ،‬فقد قال هللا تبار وتعاىل عنه‪َ :‬‬
‫يم إِال َمن َس ِفهَ نَـف َسهُ﴾ [البقرة‪ ،]130:‬وحاشا لنيب هللا يوسف أن يكون سفيه‬ ‫ِ ِ‬
‫إبـَراه َ‬
‫النفس‪ ،‬حاشاه من هذا الوصف!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪506‬‬

‫إ ًذا هو أعلن أنين اتبعت ملّة إبراهيم‪ ،‬وهللا ¸ ذكر ماذا ينبغي عليا إذا اتبعت‬
‫ملّة إبراهيم‪ ،‬وقال إذا تركت ملّة إبراهيم‪ ،‬ال يرتكها إال سفيه‪ ،‬حاشا لنيب هللا يوسف‬
‫أن ُخيالف ما ألزم نفسه به‪ ،‬مث بعد ذلا يرت لكي يكون حاشاه ممن قال هللا ¸‬
‫يم إِال َمن َس ِفهَ نَـف َسهُ﴾‪.‬‬ ‫ِِِ ِ‬
‫ب َعن ّملة إبـَراه َ‬
‫﴿وَمن يَـر َغ ُ‬
‫عنه‪َ :‬‬
‫إذا قوهلم هذا "أن نيب هللا يوسف كان يشرت مع امللا يف احلكم" ُخيالف هذه‬
‫اآلية الكرمية‪ ،‬أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا ‪ ،‬ولكم وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار‬
‫فيكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪507‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس الس ِادس و‬
‫َ َْ َُ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ ْ َّ ُ ُ َ‬
‫الم) اِل ْفت َرى َعل ْي ِه [تك ِملة]‬ ‫يوسف (علي ِه الس‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫أعنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪،‬‬ ‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا البا ِطل ِ‬
‫َ‬
‫على اتِّ ِ‬
‫لمنَا‬ ‫ِ‬ ‫وانفعنا ا علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬ ‫َ َ‬
‫ِِ‬
‫رب اشر‬‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬‫يوم نَـل َقا ‪ ،‬وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫ُح ّجة لنا َ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل‬ ‫ويسر أمري‪ ،‬واحلُل عُقدة من لِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صدري‪ّ ،‬‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما‬ ‫صاحلا‪ ،‬ولوجها خالِصا وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬ ‫عملي ِ‬
‫َ‬
‫بعد‪:‬‬
‫ماض عن استدالل إخوان مصر وأذناهبم بقصة نيب هللا يوسف يف‬ ‫لقاء ٍ‬ ‫حتدثنا يف ٍ‬
‫جواز الدخول يف الربملانات واالشرتا مع هذه احلكومات الطاغوتيّة‪ ،‬وقلنا أن قوهلم‬
‫هذا ُخيالف أربع آيات من كتاب هللا ¸‪ ..‬اآلية األوىل‪﴿ :‬إِ ِن احلُك ُم إِال َِللِ﴾‬
‫﴿ولََقد بَـ َعثـنَا ِيف ُك ِّل أُم ٍة ر ُسوال أ َِن اعبُ ُدوا اَللَ َواجتَنِبُوا‬
‫[يوسف‪ .]40:‬واآلية الثانية‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض﴾‬ ‫ف ِيف األَر ِ‬ ‫وس َ‬‫ا َمكنا ليُ ُ‬ ‫﴿وَك َٰذل َ‬
‫وت﴾ [النحل‪ ،]36:‬واآلية الثالثة‪َ :‬‬ ‫الطاغُ َ‬
‫ِ‬
‫ض‬‫اهم ِيف األَر ِ‬ ‫ين إِن مكن ُ‬ ‫[يوسف‪ ،]56:‬مع ربطها بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬الذ َ‬
‫وف َونَـ َهوا َع ِن ال ُمن َك ِر﴾ [احلج‪ ،]41:‬واآلية‬ ‫أَقَاموا الص َال َة وآتَـوا الزَكا َة وأَمروا بِالمعر ِ‬
‫َ َُ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ت ِملةَ‬ ‫﴿واتـبَـع ُ‬
‫الرابعة قول نيب هللا يوسف كما أوحى هللا تبار وتعاىل يف القرآن‪َ :‬‬
‫وب﴾ [يوسف‪ ،]38:‬وقلنا أصبح على ملة إبراهيم‪ ،‬ومن‬ ‫يم َوإِس َح َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اق َويَـع ُق َ‬ ‫آبَائي إبـَراه َ‬
‫كان على إبراهيم عليه أن يقوم باألعمال التالية‪﴿ :‬قَد َكانَت لَ ُكم أُس َوةٌ َح َسنَةٌ ِيف‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪508‬‬

‫إِبـر ِاهيم وال ِذين معه إِذ قَالُوا لَِقوِم ِهم إِنا بـرآء ِمن ُكم وِمما تَـعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اَللِ َك َفرنَا‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ َ َ َ ََُ‬
‫ضاءُ أَبَدا َح ٰىت تُـؤِمنُوا بِاَللِ َوح َدهُ﴾ [املمتحنة‪.]4:‬‬
‫بِ ُكم َوبَ َدا بَـيـنَـنَا َوبَـيـنَ ُك ُم ال َع َد َاوةُ َوالبَـغ َ‬
‫س يبَا يف االستدالل على ما قلناه‪ :‬وهذه اآلية قوله‬ ‫سةٌ نَ ْستَأْني ي‬ ‫ي‬
‫اك آيَة َخام َ‬
‫ُهنَ َ‬
‫تبار وتعاىل يف [سورة األنعام‪ ،]90:‬بعد أن ذكر هللا تبار وتعاىل مثانية عشر نبيًّا‬
‫ين َه َدى اَللُ ۚ فَبِ ُه َد ُاه ُم اقـتَ ِده﴾‪ ،‬إذا أولئا األنبياء‬ ‫ورسوال‪ ،‬مث قال‪﴿ :‬أُوٰلَئِ ِ‬
‫ا الذ َ‬ ‫َ‬
‫هلم هدي‪ ،‬مطلوب من رسول هللا ‘ أن يقتدي هبدي أولئا األنبياء‪ ،‬فإذا كان‬
‫االشرتا مع الطواغيت من هدي نيب هللا يوسف ‪-‬حاشاه‪ ،-‬إذا فعل ذلا هذا يعين‬
‫بأن هذا من هدي نيب هللا يوسف‪ ،‬وهو مذكور يف اآلية باالسم‪ ،‬فهل فعل الرسول‬
‫‘ مع املشركني ما فعله يوسف كما يزعمون مع ذلا امللا؟‬

‫يزعمون أن نيب اشرت مع الطاغوت يف احلكم‪ ،‬هل اقتدى الرسول ‘ بيوسف‬


‫ِ‬
‫ين َه َدى اَللُ ۚ فَبِ ُه َد ُاه ُم‬ ‫‪ -’-‬وقد أمره هللا تبار وتعاىل‪﴿ ..‬أُوٰلَئِ َ‬
‫ا الذ َ‬
‫اقـتَ ِده﴾‪.‬‬

‫الذي ثبت كما ذكر ابن هشام وابن إسحاق ‪ -†-‬وكذلا السهيلي يف‬
‫[روض األنف] وكذلا ابن كثري يف السرية ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ :-‬أن عتبة بن‬
‫ربيعة جاء إىل رسول هللا ‘‪ ،‬وعرض عليه بعض املسائل‪ :‬إن أردت ماال جعلنا‬
‫سودنا علينا فال نقطع أمرا إال برأيا‪ ،‬وإن أردت‬ ‫أكثرنا ماال‪ ،‬وإن أردت ُسؤددا ّ‬
‫زاوجا ّزوجنا ‪ ،‬وإن كان با رئة بذلنا أمولنا حىت نعاجلا‪ ،‬ذكر له كل هذه األشياء‪،‬‬
‫لكن ما استجاب الرسول ‘ هلم‪ ،‬وإمنا كان قوله هلم‪﴿ :‬قُل يَا أَيـُّ َها ال َكافُِرو َن ۝‬
‫َال أَعبُ ُد َما تَـعبُ ُدو َن‪ ﴾...‬وآخر السورة‪﴿ :‬لَ ُكم ِدينُ ُكم َوِ َ ِدي ِن﴾ [سورة الكافرون]‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪509‬‬

‫فإذا الرسول ‘ ما فعل يف يوم من األيام ‪-‬حاشاه‪ -‬ما يُقال أن نيب هللا يوسف‬
‫فعله مع ذلا امللا‪ ،‬إذا هذا ما كان من هدي نيب هللا يوسف وهلذا مل ِ‬
‫يقتد به‬
‫الرسول ‘‪ ،‬وهذه آية ليست بوضو تلا اآليات‪ ،‬لكن ميكن أيضا أن نستأنس‬
‫هبا‪.‬‬
‫ضوعنا‪َ:‬‬ ‫ُ ْ َّ‬
‫الثاني م ْن َم ْو ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫نأ ِتي اآلن إلى الجز ِء ِ ِ‬
‫حنن أ ّكدنا وقلنا أن نيب هللا يوسف ما اشرت يف احلكم مع امللا‪ ،‬وذكرنا األدلة‬
‫حال من األحوال‪..‬‬‫من كتاب هللا ¸ أنه ال ميكن أن يكون قد اشرت معه بأي ٍ‬
‫جيّد‪ ،‬بعد أن تيقنّا من هذا الشيء‪.‬‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً َ َ َ ُ ُل َ ْ ل َ‬
‫﴿اج َعل ِني َعل ٰى خ َزا ِئ ِن‬ ‫للا ت َبا َر َك َوت َعالى‪:‬‬
‫ِإذا ماذا نقو في قو ِ ِ‬
‫ْ َْ‬
‫ض﴾؟‬ ‫األر ِ‬
‫هذه آية ثابتة ال تستطيع أن تنكرها وال أن تتنكر هلا‪ ،‬ونيب هللا يوسف قال‬
‫لذلا امللا‪ :‬اجعلين على خزائن األرض‪ ،‬فكيف تُوفّق بني قولنا‪ :‬مل يشرت مع‬
‫امللا يف احلكم‪ ،‬وبني هذا الطلب الذي طلبه يوسف ‪ -’-‬من ذلا امللا؟‬

‫فرق بينهما‪:‬‬
‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬هنا مسألتان ُيب أن نُ ّ‬
‫ال َم ْسأَلَةُ األُْو َل‪ :‬العمل مع الكافر‪.‬‬

‫َوال َم ْسأَلَةُ الثَّانييَةُ‪ :‬العمل عند الكافر‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪510‬‬

‫ُها مسألتان ُُمتلفتان‪ ...‬حنن نفينا من خالل آيات هللا تبار وتعاىل أن يكون‬
‫نيب هللا يوسف عمل مع امللا‪ ،‬قلنا هذا يصطدم مع اآليات اليت ذكرناها‪ ،‬إذا اآلن‬
‫جتاوزنا العمل مع امللا‪.‬‬
‫يي‬ ‫ي‬
‫جائز شرعا‪ُ ،‬يوز‬ ‫نَأْيِت اآلن إل‪َ :‬‬
‫الع َم يل ع ْن َد ال َملك‪ :‬والعمل عند الكافر ٌ‬
‫للمسلم أن يعمل عند الكافر‪ ،‬ودليل ذلا‪ :‬هذه اآلية اليت ذكرناها‪﴿ :‬قَ َال اج َعل ِين‬
‫َعلَ ٰى َخَزائِ ِن األَر ِ‬
‫ض﴾‪.‬‬

‫اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬يقول يف تفسريه‪" :‬يف هذه اآلية ما يبيح للرجل الفاضل‬
‫أن يعمل للرجل الفاجر‪ ،‬والسلطان الكافر‪ ".‬إذا اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬فهم من‬
‫هذه اآلية أنه أراد العمل عند ذلا العمل‪ ،‬ومل يُِرد أن يعمل معه‪ ..‬مل يُِرد أن يعمل‬
‫معه‪ ،‬وإمنا أراد أن العمل عنده‪ ،‬هذا دليل‪.‬‬

‫إذا العلماء يستدلون هبذه اآلية على جواز العمل عند الكافر‪ ،‬وال يستدلّون به‬
‫على مشاركة الكافر بالعمل‪ ،‬ال يستدلون هبذه اآلية‪ ،‬وسنأيت إىل قول املهلب كما‬
‫يل األَ َّو ُل‪.‬‬‫نقل عنه ابن بطال ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ ،-‬إذا ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬
‫يل الثَّ ياين‪:‬‬‫َّ ي‬
‫حديث رواه البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬عن خباب بن‬ ‫ٌ‬ ‫الدل ُ‬
‫ت ‪ -¢-‬قال‪" :‬كنت رجال قينا‪ ،‬فعملت للعاص بن وائل‪ ،‬فاجتمع عنده‪،‬‬ ‫األر ّ‬
‫َ‬
‫فأتيته أتقاضاه‪ ".‬احلديث رواه البخاري‪.‬‬

‫خباب بن األرت من أصحاب رسول هللا ‘ يف مكة‪ ،‬كان قينا عىن‪ :‬حدادا‬
‫يعمل السيوف‪ ،‬وكان يعمل حلساب العاص بن وائل وهو مشر ‪ ،‬فنتيجة هذا العمل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪511‬‬

‫أصبح يُطالب العاص بن وائل ماال‪ ،‬يقول فجئت أتقاضاه فمنعين‪ ،‬قال ما أُعطيا‪،‬‬
‫ألهنم كانوا مستضعفني وهؤالء مشركون‪.‬‬

‫إذا العلماء استدلوا هبذا احلديث على جواز عمل املسلم عند الكافر؛ ألن‬
‫العاص بن وائل مشر وهذا صحايب‪ ،‬والرسول ‘ بني أظهرهم‪ ،‬ما منعه من هذا‬
‫العمل وال اعرتض على هذا العمل‪ ،‬ويقينا كان يعلم أن خباب بن األرت يعمل‬
‫صناع سيوف عند مشر من املشركني؛ إذا العمل عند الكافر جائز‪ ،‬ولكن العلماء‬
‫كما تعلم ‪-‬جزاهم هللا خري اجلزاء‪ -‬دائما يستنبطون الشرع من األدلة؛ فعندما قالوا‪:‬‬
‫ُيوز العمل عند الكافر وضعوا ضوابط هلذا العمل‪:‬‬

‫من بني هذه الضوابط ما ذكره ابن بطال ‪ -¬-‬يف شر [صحيح البخاري]‪،‬‬
‫ينقل كالما عن املهلب ‪ ،-¬-‬قال‪" :‬كره العلماء أن يؤاجر املسلم نفسه من‬
‫مشر يف دار احلرب أو دار اإلسالم؛ ألن يف ذلا ذلّة للمسلمني‪ ".‬إذا العمل‬
‫جائز‪ ،‬لكن الكراهة من أين تأيت؟؛ ألن املسلم إذا عمل عند كاف ٍر فذلا فيه ذلّة‬
‫للمسلم‪ ،‬واألصل أن يكون املسلم هو الذي يتحكم يف الكافر ال أن يتحكم الكافر‬
‫فيه‪.‬‬

‫قال‪" :‬إال أن تدعو إىل ذلا ضرورة‪ ،‬فال خيدمه فيما يعود على املسلمني بضر‪،‬‬
‫وال فيما ال حيل‪ ،‬مثل‪ :‬عصر مخر‪ ،‬أو رعاية خنازير‪ ،‬أو عمل سال أو شبه ذلا"‪.‬‬

‫أن تكون ضرورة‪ ،‬و ّأال يؤدي إىل ضرر للمسلمني‪ ،‬و ّأال يكون العمل فيه ُمالة‬
‫شرعية‪ ،‬هذه الشروط الثالثة ذكرها املهلب ‪ -¬-‬ونقلها ابن بطال يف شرحه‬
‫لصحيح البخاري؛ إذا العمل جائز‪ ،‬ولكن وفق ضوابط‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪512‬‬

‫اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬ذكر شرطا رابعا‪ ،‬قال‪" :‬يف هذه اآلية ما‬
‫يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر‪ ،‬والسلطان الكافر" مث ذكر شرطا‬
‫"بشرط أن يعلم أنّه يفوض إليه يف فعل ال يعارضه فيه‪ ،‬فيصلح منه ما شاء" أي‪:‬‬
‫يعمل وفق ما يرى هو‪.‬‬

‫مث قال‪" :‬وأما إذا كان عمله حبسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره‪ ،‬فال ُيوز‬
‫ط أيضا أضافه اإلمام القرطيب‪ ،‬وقد يندرج حتت شرط عدم املـُخالفةـ‬ ‫ذلا‪ ".‬هذا شر ٌ‬
‫ّأال ُخيالف الشرع‪ ،‬إذا أصل املسألة اجلواز‪.‬‬

‫إذا يوسف ’ عمل عند هذا امللا الكافر على اخلزانة‪ ،‬كيف تُثبت أنه‬
‫عمل عنده ومل يعمل معه؟‬

‫ض﴾‪ ،‬هذه اآلية يُفهم منها أنه يريد عمال‪،‬‬ ‫ألنه قال‪﴿ :‬اج َعل ِين َعلَ ٰى َخَزائِ ِن األَر ِ‬
‫بكالم غري هذا‪،‬‬ ‫وال يريد مشاركة يف احلكم؛ ألنه لو أراد أن يشاركه يف احلكم جلاء ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لقال‪ :‬أشركين معا‪ ،‬أشركين يف أمر ‪ ،‬اجعلين معا‪ ،‬لكن قال‪﴿ :‬اج َعل ِين َعلَ ٰى‬
‫ض﴾؛ إذا هو يطلب عمال وح ّدد مكان العمل (أن يكون على اخلزائن)؛‬ ‫َخَزائِ ِن األَر ِ‬
‫وهلذا ذكر عن نفسه صفاتا تليق ن يقوم بإدارة خزينة‪ ،‬ولكن ال تُذكر هذه الصفات‬
‫يم﴾ [يوسف‪،]55:‬‬ ‫عند من يريد أن يشار يف احلكم‪ ،‬قال‪﴿ :‬إِِو ح ِفي ٌ ِ‬
‫ظ َعل ٌ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬
‫سأحفظ األموال يف هذه اخلزانة‪ ،‬وأعلم كيف أُدير هذه اخلزانة‪ ،‬إذا هذا الطلب‪،‬‬
‫وذكره هذه املواصفات ليس طلب وال مواصفات من يريد أن يُشار يف احلكم أو أن‬
‫حيكم‪ ،‬وإمنا يريد أن يتوىل أمرا أو عمال عند هذا امللا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪513‬‬

‫إذا ثبت لنا هذا‪ ،‬إذا قلنا هبذا القول هذا يعين بأننا تالفينا االصطدام مع كل‬
‫تلا اآليات اليت ذكرناها‪ ،‬اآلن ال نصطدم‪ ،‬إذا قلنا يعمل عند امللا‪ ،‬والعمل عند‬
‫امللا الكافر جائز؛ إذا ما نصطدم مع تلا اآليات اليت ذكرناها يف بداية حديثنا‪.‬‬

‫ََ َ َ‬ ‫َْ‬
‫نأ ِتي إلى َم ْسألة ث ِالثة‪:‬‬
‫هذه املسألة‪ :‬أن نيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة والسالم‪ -‬باإلضافة‬
‫توىل عمال عند‬
‫إىل عمله عند هذا امللا‪ ،‬كانت له االستقاللية يف إدارة اخلزينة‪ّ ،‬‬
‫امللا‪ ،‬وأدار اخلزانة ُمستقال عن امللا‪ ،‬وهذا من تكرمي هللا ¸ لنيب هللا يوسف‪:‬‬
‫ضمن مملكة امللا‪ ،‬توىل له أمرا‪ ،‬يعمل عنده‪ ،‬مستقال عنه‪ ،‬ملاذا؟‬

‫ألنين عندما أعمل عند كافر‪ ،‬أو فالن يعمل عند كافر‪ ،‬نُقدم على العمل‪ ،‬لكن‬
‫عندما يكون نيب يعمل عند ملا‪ ،‬هللا تبار وتعاىل أكرمه بأن جعل له االستقاللية‬
‫يف إدارة هذه اخلزينة‪ ،‬وهذا من تكرمي هللا ¸ لنيب هللا يوسف‪.‬‬
‫كيف تُثبت أنه كان يعمل عند امللا ُم ًّ‬
‫ستقال عن امللا؟‪ ،‬الحظ‪:‬‬
‫ا اليـوم لَ َديـنَا م ِك ِ‬ ‫ي‬
‫ني﴾ [يوسف‪،]54:‬‬‫ني أَم ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫يل األَ َّو ُل‪ :‬قول امللا‪﴿ :‬قَ َال إِن َ َ َ‬
‫ال َدل ُ‬
‫ض﴾ [يوسف‪ ،]55:‬إذا‬ ‫بعدها مباشرة إيش قال؟‪﴿ ،‬قَ َال اج َعل ِين َعلَ ٰى َخَزائِ ِن األَر ِ‬
‫ملتزم بقوله‪:‬‬
‫طاملا امللا استجاب لنيب هللا يوسف وجعله على خزائن األرض‪ ،‬إذا هو ٌ‬
‫ا اليـوم لَ َديـنَا م ِك ِ‬
‫"مكني أمني" عندما نقلنا عن‬
‫ٌ‬ ‫ني﴾‪ ،‬وذكرنا معىن‬ ‫ني أَم ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫﴿إِن َ َ َ‬
‫العلماء‪ ،‬كاإلمام الطربي واإلمام ابن كثري والقرطيب وكذلا الرازي وكذلا الشوكاو‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪514‬‬

‫كل أقواهلم هذه‪ :‬إنا نافذ القول‪ ،‬وتعمل ما تراه وتعمل ما تريده‪ ،‬هذا معىن‪:‬‬
‫ا اليـوم لَ َديـنَا م ِك ِ‬
‫ني﴾‪ ،‬إذا له االستقاللية يف إدارة اخلزينة‪ .‬هذا الدليل‬
‫ني أَم ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫﴿إِن َ َ َ‬
‫األول‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَك َٰذل َ‬ ‫الدلي ُ ي‬ ‫َّ‬
‫ف‬‫وس َ‬
‫ا َمكنا ليُ ُ‬ ‫يل الثَّاين‪ :‬هللا تبار وتعاىل قال عن نيب هللا يوسف‪َ :‬‬
‫ض﴾ [يوسف‪ ،]56:‬إذا تولّيه إدارة اخلزانة كان بتمكني من هللا ¸‪ ،‬ومن‬ ‫ِيف األَر ِ‬
‫م ّكنه هللا تبار وتعاىل ال يكون تابعا ٍ‬
‫مللا غري ُمم ّك ٍن من هللا ¸؛ وإال ما فائدة هذا‬
‫مللا غري ُمم ّك ٍن من هللا ¸؟!‪ ،‬ذا مملكته‬ ‫التمكني عندما يكون يف عمله تابعا ٍ‬
‫أوسع بكثري من اخلزانة اليت ميلكها‪ ،‬فإذا أصبح تابعا سيكون جزءا تابعا ململكة‬
‫كبرية‪ ،‬وال فضل يف هذا األمر‪ ،‬لكن إذا أصبح ضمن اململكة ُمستقال عن امللا‪،‬‬
‫هذا هو التمكني بالنسبة إىل نيب هللا يوسف‪ ،‬هذا دليل‪.‬‬

‫آخ ٌر‪ :‬أن نيب هللا يوسف كان يف البيع يشرتط ما يشاء‪ ،‬عندما يريد أن‬ ‫يل َ‬ ‫ي‬
‫َدل ٌ‬
‫يبيع يشرتط هو من عنده ما يشاء‪ ،‬دليل ذلا‪ :‬عندما جاءه إخوته‪ ،‬ودخلوا عليه‬
‫﴿ولَما َجهَزُهم‬ ‫وجهزهم‪ ،‬بعد ذلا ماذا اشرتط عليهم؟‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِجبَ َها ِزِهم قَ َال ائـتُ ِوو بِأ ٍ‬
‫ُويف ال َكي َل َوأَنَا َخيـ ُر ال ُمن ِزل َ‬
‫ني‬ ‫َخ ل ُكم ّمن أَبِي ُكم ۚ أََال تَـَرو َن أِّ‬
‫َو أ ِ‬
‫ون﴾ [يوسف‪ ،]60-59:‬هذه‬ ‫ندي وَال تَـقرب ِ‬ ‫۝ فَِإن مل تَأتُ ِوو بِِه فَ َال َكيل لَ ُكم ِع ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫شروط يف البيع‪ ،‬أناس علم أن هلم أخ غري شقيق‪ ،‬قال‪ :‬يف املرة القادمة عندما تأتون‬
‫تشرتون‪ ،‬تأتون بأخيكم الذي من أبيكم‪ ،‬أما إذا مل تأتوا هبذا الغالم معكم‪ ،‬ال أبيع‬
‫لكم شيئا وال تدخلوا اململكة أساسا‪.‬‬

‫يقينا هذا الشرط ما كان يف دين امللا وال يف قانون امللا وال يف حكم امللا‪،‬‬
‫ال على العموم وال على اخلصوص؛ ألنه ال ميكن للملا عندما يبيع بضاعة من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪515‬‬

‫البضائع أن يقول من يشرتي ُيب أن يأيت بأخ له من أبيه حىت أبيع له‪ ،‬امللو ال‬
‫يشرتطون مثل هذه الشروط عندما يأخذون وعندما يبيعون أو يشرتون‪ ،‬وال على‬
‫اخلصوص‪ ..‬يعين ال ميكن أنه قال لنيب هللا يوسف‪ :‬إذا جاء أحد من أبناء يعقوب‪،‬‬
‫فال تبِع له إال أن يأتوا بأخ هلم من أبيهم‪ ،‬إذا ال على العموم توضع مثل هذه‬
‫الضوابط‪ ،‬وال على اخلصوص توضع مثل هذه الضوابط‪.‬‬

‫إذا دين امللا ال توجد فيه هذه الشروط‪ ،‬إمنا الذي وضع هذه الشروط هو نيب‬
‫هللا يوسف‪ ،‬إذا طاملا لديه القدرة على وضع الشروط يف البيع؛ إذا هو يُدير اخلزانة‬
‫ُم ًّ‬
‫ستقال عن امللا‪.‬‬

‫يُضاف إىل هذا الذي قلته‪ :‬يقينا مثل هذه األخبار ستُنقل إىل امللا‪ ،‬يعين ال‬
‫ميكن أن نيب هللا يوسف يتصرف بعض التصرفات داخل اخلزانة ومعه فتيان يعملون‬
‫معه‪ ،‬مث ال يصل اخلرب إىل امللا‪ ،‬إذا نيب هللا يوسف ما كان حيسب حسابا للملا‬
‫سواء علم أو مل يعلم‪ ،‬ألنه لو كان حيسب له حسابا لتخ ّفى يف مثل هذه املسائل‬
‫وملا عمله أمام فتيانه خشية أن يُبلغ امللا بذلا ويتخذ إجراءاته‪ ،‬هذا دليل على أنه‬
‫كان يُدير اخلزانة ُم ًّ‬
‫ستقال عن امللا‪.‬‬

‫يل آ َخ ٌر‪ :‬أنه كان يتصرف يف مثمن املبيعات‪ ،‬إذا باع شيئا‪ ،‬كان يُعيد مثن‬ ‫ي‬
‫َدل ٌ‬
‫املبيع ملن اشرتى‪ ،‬علما أن هذا اآلن بعد البيع املفروض يدخل خزينة امللا‪ ،‬وهذا‬
‫يكون من ضمن مال امللا‪ ،‬وهو أمني على ما قام به وينبغي أن يكون حفيظا‬
‫أيضا‪ ،‬ولكن وجدناه أنه أمر فتيانه بعد أن جاء إخوته واشرتوا منهم البضاعة‪ ،‬الحظ‬
‫اعتَـ ُهم ِيف ِر َحاهلِِم لَ َعل ُهم يَـع ِرفُونَـ َها إِذَا ان َقلَبُوا‬
‫ضَ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫﴿وقَ َال لفتـيَانه اج َعلُوا بِ َ‬
‫اآلية الكرمية‪َ :‬‬
‫إِ َ ٰىل أَهلِ ِهم لَ َعل ُهم يَـرِجعُو َن﴾ [يوسف‪ ،]62:‬فبعد أن باع وانتهى األمر وقبض الثمن‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪516‬‬

‫قال لفتيانه‪ :‬هذا الثمن الذي قبضناه من هؤالء أرجعوه إليهم واجعلوه يف داخل‬
‫بضاعتهم بدون أن يشعروا‪ ،‬حىت يكون عندهم مثن شراء ليأتوننا مرة أخرى‪.‬‬

‫اآلن نيب هللا يوسف يتصرف يف مثن املبيعات‪ ،‬كيف تربط هذا التصرف مع قوله‬
‫يم﴾؟‪ ،‬هو قال‪ :‬أنا أحفظ‪ ،‬لكن اآلن أعاد مثن املبيع ملن‬ ‫للملا‪﴿ :‬إِِو ح ِفي ٌ ِ‬
‫ظ َعل ٌ‬ ‫ّ َ‬
‫اشرتى‪ ..‬فأين احلفظ إذا؟‪ ،‬وكيف تصرف هذا التصرف؟؛ يقينا ألن امللا قد قال‬
‫ا اليـوم لَ َديـنَا م ِك ِ‬
‫ني﴾‪ ..‬لا أن تتصرف كيفما تشاء‪.‬‬‫ني أَم ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫له‪﴿ :‬إِن َ َ َ‬
‫َو ْج ْدنَا َدلي ًيل َ‬
‫آخ َر‪ :‬أن نيب هللا يوسف التزم إخوانه بالشرط الذي اشرتطه عليهم‬
‫بأخ هلم من أبيهم‪ ،‬ورآه نيب هللا يوسف (أخوه من‬ ‫عندما جاؤوا يف املرة الثانية‪ ،‬جاؤوا ٍ‬
‫األب ومن األم)‪ ،‬فأراد أن حيتفظ بأخيه عنده‪ ،‬وال ميكن أن يصل هلذا احلكم إال أن‬
‫يتخذ بعض اإلجراءات‪ ،‬من بني هذه اإلجراءات‪ :‬أن ُيعل هذا الغالم يظهر يف‬
‫َخ ِيه﴾‬‫الس َقايةَ ِيف رح ِل أ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صورة سارق‪ ،‬الحظ اآلية‪﴿ :‬فَـلَما َجهَزُهم جبَ َها ِزهم َج َع َل ّ َ َ‬
‫اعتَـ ُهم ِيف ِر َحاهلِِم﴾ اآلن‬ ‫ضَ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫﴿وقَ َال لفتـيَانه اج َعلُوا بِ َ‬‫[يوسف‪ ،]70:‬هنا إيش قال؟ َ‬
‫َخ ِيه‬
‫الس َقايةَ ِيف رح ِل أ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫املسألة حتتاج إىل تكتّم (سريّة)‪﴿ ،‬فَـلَما َجهَزُهم جبَ َها ِزهم َج َع َل ّ َ َ‬
‫ُمث أَذ َن ُم َؤِذّ ٌن أَيـتُـ َها العِريُ إِن ُكم لَ َسا ِرقُو َن ۝ قَالُوا َوأَقـبَـلُوا َعلَي ِهم ماذَا تَـف ِق ُدو َن ۝‬
‫يم ۝ قَالُوا تَاَللِ لََقد‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ٍ‬ ‫قَالُوا نَـف ِقد صو ِ ِ ِ‬
‫اع ال َملا َول َمن َجاءَ به ح ُل بَعري َوأَنَا به َزع ٌ‬ ‫ُ َُ َ‬
‫ني ۝ قَالُوا فَ َما َجَز ُاؤهُ إِن ُكنتُم‬ ‫ِ‬ ‫َعلِمتُم ما ِجئـنَا لِنُـف ِس َد ِيف األَر ِ‬
‫ض َوَما ُكنا َسا ِرق َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ۝ قَالُوا َجَز ُاؤهُ َمن ُوج َد ِيف َرحل ِه فَـ ُه َو َجَز ُاؤهُ ۚ َك َٰذل َ‬
‫ِ‬
‫ني﴾‬ ‫ا َجن ِزي الظالم َ‬ ‫َكاذبِ َ‬
‫[يوسف‪.]75-70:‬‬

‫يوسف ‪ -’-‬كان يريد أن يصل إىل هذا احلكم‪ ،‬إخوته بعد أن غادروا‬
‫تتبعهم أُناس وتتبعهم نيب هللا يوسف‪ ،‬وبدؤوا ينادوهنم أيها القافلة قفوا‪ ..‬وقفوا‪ ..‬ما‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪517‬‬

‫عندكم؟!‪ ،‬قالوا‪ :‬فيكم رجل سرق‪ ،‬ما الذي ُس ِرق؟!‪ ،‬قالوا‪ :‬آلة البيع صواع امللا‬
‫فُقدت منا وأنتم سرقتموه‪ ،‬أقسموا باهلل أهنم ما سرقوا‪ ،‬فسألوهم‪ :‬إذا ظهر أنكم‬
‫كاذبون‪ ،‬اذا حنكم عليكم؟‪ ،‬قالوا‪ :‬من ُوِج َد يف رحله فهو جزاؤه‪ ..‬الذي جتدون‬
‫الصواع عنده تأخذونه‪ ،‬هذا احلكم هو حكم نيب هللا يعقوب‪ ،‬أن السارق يُستعبد‬
‫أقروا هبذا احلكم‪ ،‬فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء‬ ‫للمسروق‪ ،‬يكون عبدا ملن سرق منه‪ ،‬وهم ّ‬
‫أخيه حىت ما تكون املسألة فيها شبهة‪﴿ ،‬فَـب َدأَ بِأَو ِعيتِ ِهم قَـبل ِوع ِاء أ ِ‬
‫َخ ِيه ُمث‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َخ ِيه﴾ [يوسف‪ ،]76:‬إذا اآلن ثبت أن هذا الغالم قد أخذ‬ ‫استَخرجها ِمن ِوع ِاء أ ِ‬
‫َ‬ ‫َََ‬
‫صواع امللا‪ ،‬وهم حكموا بأن من يوجد يف رحله يتحمل هو جزاء هذه السرقة‪،‬‬
‫فجاء بأخيه على أنه سيكون عبدا له ألنه ثبتت عليه السرقة‪.‬‬

‫جيّد‪ ،‬احلكم على السارق هنا باالستعباد هل هو حكم امللا؟‪ ،‬يقينا ال‪ ،‬وهلذا‬
‫ا﴾ [يوسف‪ ،]76:‬دين امللا إيش‬ ‫قال هللا ¸‪﴿ :‬ما َكا َن لِيأخ َذ أَخاه ِيف ِدي ِن الملِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َ‬
‫كان؟‬

‫يقول القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ :-‬أن السارق يف ذلا الوقت كان يُضرب‬
‫غرم‪ ،‬هذا حكم امللا وهذا دين امللا‪ ،‬يوسف ‪ -’-‬يف جمال عمله يف اخلزانة‬ ‫ويُ ّ‬
‫هنا شاب سرق‪ ،‬فحكم عليه باالسرتقاق‪ ،‬وخالف دين امللا‪ ،‬وهذا األمر كان‬
‫على مرأى من الفتيان‪ ،‬من كان معه رأوا هذا األمر‪ ،‬ويقينا أهل املدينة تناقلوا هذا‬
‫اخلرب ألنه حكم ُمالف حلكم امللا‪ ،‬ونقول إما أن امللا بلغه اخلرب أو مل يبلغه‪ ،‬فإذا‬
‫ك الْي وم لَ َدي نا م يك ي‬
‫ني﴾‪،‬‬ ‫كان بلغه وسكت‪ ،‬فلماذا؟؛ ألنه سبق أن قال‪﴿ :‬إينَّ َ َ ْ َ ْ َ َ ٌ‬
‫ني أَم ٌ‬
‫وإن مل يكن قد بلغه‪ ،‬إذا هو قد تر يوسف يعمل ما يشاء يف اخلزينة‪ ،‬فال يتتبع‬
‫أخباره ألنه مستقل يف إدارة اخلزينة‪ ،‬إذا هذا دليل يثبت أنه كان يدير اخلزينة وفق ما‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪518‬‬

‫يرى هو وال ينضبط بضوابط امللا‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه يعمل عند امللا لكن باستقالليّة‬
‫عن امللا‪.‬‬

‫لل‪ :‬دعاء نيب هللا يوسف ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة‬ ‫االستي ْق ي‬ ‫ي‬
‫آخ ٌر َعلَى ْ‬‫يل َ‬‫َدل ٌ‬
‫ا وعلمتَِين ِمن تَأ ِو ِيل األَح ِاد ِ‬ ‫ِ‬
‫يث ۚ‬ ‫َ‬ ‫ب قَد آتَـيتَِين م َن ال ُمل ِ َ َ‬
‫﴿ر ِّ‬
‫والسالم‪ ،‬قال يف اآلية‪َ :‬‬
‫َنت َولِيِّي ِيف ُّ‬
‫الدنـيَا َواآل ِخَرةِ ۚ تَـ َوف ِين ُمسلِما َوأَحلِق ِين‬ ‫ض أ َ‬
‫اطر السماو ِ‬
‫ات َواألَر ِ‬ ‫فَ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ِِ‬
‫ني﴾ [يوسف‪.]101:‬‬ ‫بِالصاحل َ‬
‫رب قد آتيتين من الـ ُملا‪ ..‬حرف اجلر (من) له ثالثة معاو‪:‬‬
‫قال يف دعائه‪ّ :‬‬
‫س‬ ‫ِ ِ‬
‫أحيانا يأيت عىن‪ :‬بيان اجلنس‪ .‬كما يف قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَاجتَنبُوا الّرج َ‬
‫ان﴾ [احلج‪ ،]30:‬أي‪ :‬كل ما هو من جنس األوثان اجتنبوه‪ ،‬معىن (من)‬ ‫ِمن األَوثَ ِ‬
‫َ‬
‫هنا‪ :‬للجنس‪.‬‬

‫أحيانا يأيت هذا احلرف لتحديد بداية االنطالق والغاية‪ ،‬يسمى‪ :‬بيان الغاية‪ ،‬أو‬
‫ني‬‫ا تُـبـ ِو ُ ِ ِ‬ ‫ابتداء الغاية‪ ،‬كما يف قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وإِذ َغ َدو ِ ِ‬
‫ئ ال ُمؤمن َ‬‫ت من أَهل َ َ ّ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫اع َد لِل ِقتَ ِال﴾ [آل عمران‪( ،]121:‬من) هنا بيّنت الغاية‪ ،‬بداية الغاية‪ ..‬البداية من‬
‫م َق ِ‬
‫َ‬
‫األهل‪ ،‬والغاية توطن املؤمنني مقاعد للقتال‪.‬‬

‫ني ِر َج ٌ‬
‫ال‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫﴿م َن ال ُمؤمن َ‬
‫أحيانا تأيت (من)‪ :‬تبعيضية‪ .‬كما يف قول هللا تبار وتعاىل‪ّ :‬‬
‫اه ُدوا اَللَ َعلَي ِه﴾ [األحزاب‪ ،]23:‬إذا ليس كل املؤمنني‪ ،‬وإمنا من املؤمنني‬
‫ص َدقُوا َما َع َ‬
‫َ‬
‫رجال صدقوا ما عاهدوا هللا عليه‪ ،‬إذا هنا ماذا نسمي (من)؟‪ ،‬نسميه تبعيض‪ ..‬أي‪:‬‬
‫جزء من كل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪519‬‬

‫(من) عندما يكون هذا احلرف للتبعيض‪ ،‬هذا يعين بأنه خرج جزء من شيء‪،‬‬
‫وهذا الذي خرج ال خيتلف عن الذي خرج منه‪ ،‬عندما تقول‪ :‬أخذت من الدراهم‪.‬‬
‫أنا ال أفهم أنا أخذت فواكه‪ ،‬أفهم أنا أخذت درُها من الدراهم‪ ،‬كيف أفهم‬
‫هذا؟؛ ألنا قلت أخذت من الدراهم‪ ،‬إذا يقينا الذي أخذته كان دراهم‪ ،‬وعندما‬
‫ب قَد آتَـيتَِين ِمن المل ِ‬
‫ا﴾ أي‪ :‬جزء من ملا كامل‪ ،‬إذا‬ ‫َ ُ‬ ‫﴿ر ِّ‬
‫قال نيب هللا يوسف‪َ :‬‬
‫﴿ر ِّ‬
‫ب قَد‬ ‫كان هو على مملكة‪ ،‬ولكن ليس كل اململكة وإمنا جزء من هذه اململكة‪َ ،‬‬
‫ا﴾ إذا ثبت أن هللا ¸ ملّكه إدارة هذه اخلزينة‪.‬‬ ‫آتَـيتَِين ِمن المل ِ‬
‫َ ُ‬
‫ارةي إل َم ْسأَلَة‪ :‬أنت ترى من خالل اآلية أن نيب هللا يوسف‬ ‫ي‬
‫َو ُهنَا ال بُ َّد م َن ا يل َش َ‬
‫ب قَد‬ ‫﴿ر ِّ‬
‫‪-‬على نبينا وعليه الصالة والسالم‪ -‬نسب ملكيّته للخزينة إىل هللا ¸ َ‬
‫ا﴾‪ ،‬ليس كل ملا مصر‪ ،‬وإمنا بعض ملا مصر ملّكتين إيّاه‪،‬‬ ‫آتَـيتَِين ِمن المل ِ‬
‫َ ُ‬
‫فنسب التمليا إىل هللا ¸ مباشرة‪ ،‬وأفهم من خالل هذه اآلية‪ :‬أن التمليا يكون‬
‫بطريقتني‪:‬‬

‫وحياولوا أن ميلكوا‪ ،‬هؤالء قد ميلكون‬


‫ُناس ويأخذوا بسنن التملّا ُ‬
‫إما أن يأيت أ ٌ‬
‫وقد ال ميلكون‪ ..‬رجل قام بعملية انقالب‪ ،‬إذا هو سلا سبيل التملّا‪ ،‬أما هل‬
‫ُميلّا أم ال؟‪ ،‬هللا أعلم حباله‪ ..‬إذا هنا طريقة للتملا أن تأخذ بسنن التملّا‪ ،‬أما‬
‫هل توفق أم ال‪ ،‬هللا أعلم‪.‬‬

‫هيء له األسباب‪ ،‬ويُذلّل له األسباب لكي‬ ‫أما إذا هللا ¸ ملّا إنسانا‪ ،‬فهو يُ ّ‬
‫يتملّا هذا األمر‪ ،‬فهنا فارق بني من يأخذ بالسنن للتملّا‪ ،‬وبني من ُميلّكه هللا‬
‫¸ مباشرة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪520‬‬

‫﴿ر ِّ‬
‫ب قَد آتَـيتَِين‬ ‫نيب هللا يوسف ملّكه هللا تبار وتعاىل مباشرة‪ ،‬بدليل أنه قال‪َ :‬‬
‫ا﴾‪ ،‬أنت جعلتين أملا إدارة هذه اخلزائن‪.‬‬ ‫ِمن المل ِ‬
‫َ ُ‬
‫اب َ‬
‫الت َمل ِك؟‬ ‫للا ¸ َل ُه َأ ْس َب َ‬
‫ف َه َّي َأ ُ‬
‫ً َْ َ‬
‫إذا كي‬
‫الحظ‪ :‬نيب ُمستضعف خرج من السجن ال حول له وال ّقوة‪ ،‬ال جيش وال‬
‫سلطة وال مال وال حواليه أحد‪ ،‬لوحده من السجن إىل قصر امللا‪ ،‬أراد هللا تبار‬
‫وتعاىل أن ُميلّكه‪ ،‬فهيّأ له األسباب وذلّل له هذه األسباب‪ ،‬جرد أن تكلم مع‬
‫ا اليـوم لَ َديـنَا م ِك ِ‬
‫ني﴾‪ ،‬مباشرة قال‪﴿ :‬اج َعل ِين‬
‫ني أَم ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫امللا‪ ،‬امللا قال بلسانه‪﴿ :‬إِن َ َ َ‬
‫فواله اخلزائن‪ ،‬إذا هللا ¸ هيّأ له أسباب التمليا‪ ،‬وذلّل له‬ ‫ض﴾‪ّ ،‬‬ ‫َعلَ ٰى َخَزائِ ِن األَر ِ‬
‫هذه األسباب‪.‬‬

‫اهلني أن يأيت ملا ميلا مملكة‪ ،‬مث يقول‬


‫وعندما تنظر إىل املسألة‪ ،‬ليس باألمر ّ‬
‫ألحدهم‪ :‬أنت تتوىل هذا اجلزء‪ ،‬وافعل يف هذا اجلزء ما تراه بدون أترجع إ ّ‪ ،‬ما‬
‫يُقدم أحد على مثله‪ ،‬امللو واحلكام ال يقدمون على مثل هذا األمر‪ ،‬لكن أراد هللا‬
‫فسهل له األسباب وذلّل‪ ،‬فأصبح على هذه اخلزائن‪..‬‬‫¸ أن ُميلّا نيب هللا يوسف‪ّ ،‬‬
‫إذا هذه األدلة اليت ذكرهتا تثبت أن نيب هللا يوسف كان يدير اخلزينة ُم ًّ‬
‫ستقال عن‬
‫امللا وإن كان يعمل عند امللا‪.‬‬
‫ُُْ َ‬
‫األخ ُير م َن الـ َم ْو ُ‬
‫ض ِوع‪:‬‬ ‫الجزء ِ ِ‬
‫واردات هذه اخلزائن كيف؟‪ ،‬أنت تعلم أن هذا ملا‪ ،‬يُنفق األموال على أشياء‬
‫قد ال ترضي هللا تبار وتعاىل يقينا‪ ،‬ونيب هللا يوسف كان يعيد واردات هذه اخلزائن‬
‫إىل امللا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪521‬‬

‫هنا نقول‪ :‬طاملا أن العمل ُيوز‪ ،‬إذا ما يرتتيب على العمل أيضا ُيوزن عندما‬
‫يُقال لا‪ :‬ادخل واعمل يف هذا املكان‪ ،‬أجاز لا الشرع أن تعمل يف هذا املكان؛‬
‫إذا ما يرتتب على هذا اجلواز أيضا يكون جائزا‪ ..‬فإذا جاز لنيب هللا يوسف أن يعمل‬
‫عند ٍ‬
‫ملا كاف ٍر‪ ،‬هذا اجلواز ُُييز له ما ترتب على هذا العمل‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بدليل‪ ،‬قال‪ :‬دليل‬ ‫استدل على هذا األمر‬
‫ّ‬ ‫املهلب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬
‫الـ ُمعاوضة أنا عندما أعمل عند كافر‪ ،‬وأُق ّدم له خدمات‪ ،‬ويُعطيين مقابل هذا ماال‪،‬‬
‫يشبه مسألة البيع والشراء‪ ،‬عندما أشرتي منه حاجة‪ ،‬أدفع له ماال‪ ،‬ال يوجد فارق‬
‫بني أن تعطيه بضاعة وبني أن تعمل عنده ومقابل ذلا تأخذ أجرا‪ ،‬إذا العمل عند‬
‫الكافر يشبه البيع والشراء من الكافر‪ ،‬كما أن هذا فيه منفعة للكافر‪ ،‬هذا أيضا فيه‬
‫منفعة للكافر‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر الثَّ ياين‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّالي ُ‬
‫ث‪ :‬أن خبّاب بن األرت ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما كان يعمل السيوف‬
‫للعاص بن وائل‪ ،‬رجل مشر يُنفق ماله لألصنام‪ ،‬مع هذا الرسول ‘ ما منعه أن‬
‫يعمل‪ ،‬علما أن واردات هذه األموال كان ينفقها العاص بن وائل على شركه‪ ،‬على‬
‫مخر‪ ،‬على آهلته‪ ،‬ما يهم‪.‬‬

‫إذا أنا عندما ُييز الشرع أن أعمل يف هذا املكان‪ ،‬ال أُسأل الثاو ‹‹الكافر‬
‫الذي أعمل عنده›› كيف يعمل‪.‬‬

‫ك‪ :‬أنت تعلم أن بعض الصحابة كانوا أثرياء‪ ،‬كعثمان بن عفان وعبد‬ ‫يل َذلي َ‬‫ي‬
‫َدل ُ‬
‫الرحن بن عوف ‪ ƒ-‬وأرضاُها‪ ،-‬هؤالء كانوا هلم قوافل تذهب إىل الشام‪ ،‬يبيعون‬
‫ويشرتون مث يأتون إىل املدينة‪ ،‬لكن ما اشرتطوا على أهل الشام (وهم كفار) أننا‬
‫عندما نشرتي منكم ونبيع ما نقبل أن تُنفقوا هذه األموال اليت تأخذوهنا منا إىل شيء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪522‬‬

‫يُغضب هللا ¸‪ ،‬ال يشرتط أحد مثل هذا الشرط‪ ،‬وإال إذا اشرتطنا مثل هذا الشرط‬
‫التجارة مع الكفار تتوقف‪ ،‬إذا كما أن التجارة جتوز (أن أدفع له ماال)‪ ،‬ال يهم بعد‬
‫ذلا أين ينفق هذا املال طاملا الشرع ُُييز هذا العمل‪ ،‬إذا أنا غري مسؤول عما‬
‫سيفعل هبذه األموال‪.‬‬

‫إ ًذا يِبُ ْج َم يل َه يذهي األَ يدلَّية نَ ُق ُ‬


‫ول‪ :‬عمل نيب هللا يوسف كان عمال شرعيًّا صحيحا‪،‬‬
‫أما ماذا يفعل امللا هبذه األموال فهذا يعود إىل امللا كما لو أنين أبيع وأشرتي من‬
‫كافر‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل أعلم وأحكم‪ ،‬جزاكم هللا خريا وبار فيكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪523‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪524‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس الس ِابع و‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َّ َ َ‬ ‫ُش ُب َه ُ‬
‫ات َ‬
‫ات‬‫ي‬ ‫ن‬
‫ِ ِ ِ‬‫ال‬‫ب‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫األ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫إن‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫اد‬‫م‬‫الر‬ ‫ام‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫لوجها خالِصا‪،‬‬
‫َ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ِ‬
‫صاحلا‪ ،‬و‬ ‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫انتهينا ‪-‬وهلل الفضل واملنّة‪-‬من الشُّبهة األوىل عند من ُُييز الدخول يف‬
‫الربملانات‪ ،‬وقلنا يستشهدون بقصة يوسف ‪ ،-’-‬و ّأال داللة يف عمل يوسف‬
‫على جواز الدخول يف هذه احلكومات الطاغوتيّة ال من قر ٍ‬
‫يب وال من بعيد‪.‬‬

‫ضي ُ ِف بي َدايَية َح يديثيي َه َذا‪ :‬الذي ذكرناه عن جواز عمل املسلم عند الكافر‬
‫أُ ي‬
‫بالشروط الثالثة‪ :‬أن يكون ُمضطرا‪ ،‬و ّأال يؤدي إىل ضرٍر باملسلمني‪ ،‬و ّأال يكون يف‬
‫العمل ُُمالفة شرعية‪ ،‬هذا ال يعين بأنه ُيوز لإلنسان أن يعمل مع هذه احلكومات‬
‫الطاغوتيّة‪ ،‬ألنه يقينا سينتج ضرر من العمل معهم‪ ،‬والشرط لدينا‪ّ :‬أال يكون هنا‬
‫ضرر من العمل معهم على املسلمني‪ ،‬وكذلا‪ّ :‬أال تكون هنا ُمالفة شرعية‪ ،‬العمل‬
‫مع هؤالء ُمالفة شرعية‪ ،‬أما إذا جئنا إىل مفردات األعمال‪ ،‬فكل عمل يؤخذ حب ّده‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪525‬‬

‫نُكمل احلديث عن باقي الشُّبَه اليت دائما يستشهد هبا من ُُييز الدخول يف‬
‫الربملانات‪ ،‬فأقول ُمسعينا باهلل ¸‪ :‬يف مسألة احلكم بغري ما أنزل هللا الناس ينقسمون‬
‫إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أَ ْهل السنَّ ية واجلم َ ي‬
‫اعة‪ :‬هؤالء يرون أن الدخول يف هذا املوطن كفر ّ‬
‫وردة عن دين‬ ‫ُ ُ َ ََ‬
‫هللا ¸‪ ،‬هذا عند أهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫ي‬
‫الق ْس ُم الثَّ ياين‪ :‬وهم املرجئة (أحباب الطواغيت) هؤالء يقولون‪ :‬ما عليه هؤالء ‪-‬‬
‫ُ‬
‫الطواغيت‪ -‬هذا كفر دون كفر‪.‬‬

‫أما الفرقة الثالثة ‪-‬والعياذ باهلل منهم‪ :-‬وهم إخوان مصر وأذناهبم‪ ،‬فهؤالء‬
‫يقولون‪ :‬الدخول يف هذه احلكومات من الدين‪ ،‬وهلذا يستشهد بقصة يوسف ‪-‬‬
‫’‪ ،-‬ويستشهد بالنجاشي‪ ،‬ويستشهد بعام الرمادة‪ ،‬ويستشهد بعدم إعطاء‬
‫املؤلفة قلوهبم‪ ،‬ويستشهد بأشياء كثرية يستدل هبا فقط حىت يثبت أن الوجود يف هذا‬
‫املكان من الدين‪.‬‬

‫وردة‪ ،‬املرجئة‪ :‬يرونه‬


‫إذا الناس ثالثة أقسام‪ :‬أهل السنة واجلماعة‪ :‬يرون هذا كفر ّ‬
‫ُ‬
‫كفر دون كفر‪ ،‬إخوان مصر وأذناهبم‪ :‬يرون من الدين أن يكونوا هنا ‪.‬‬

‫نأيت إىل الشبهة الثانية اليت يستدلون هبا على جواز الدخول يف هذه احلكومات‬
‫الطاغوتيّة‪ ،‬وهي مسألة‪:‬‬

‫الر َم َاد ِة‬ ‫َما َح َد َث م ْن َأ ْمر ُع َم َر ‪َ ¢-‬و َأ ْ َ‬


‫ض ُاه‪ -‬في َعام َّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمادة هذا كما يقول ابن حجر ‪ -¬-‬يف [الفتح]‪ ،‬قال‪ :‬كانت يف السنة‬
‫عام ّ‬
‫الثامنة عشرة من اهلجرة‪ ،‬أصاب الناس جوع بسبب انقطاع الغيث (جدب‪ ،‬ال يوجد‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪526‬‬

‫مطر) واستمرت هذه احلالة ملدة تسعة أشهر متواصلة‪ ،‬والناس أصاهبم ما أصاهبم يف‬
‫تلا الفرتة‪ ..‬يقول صاحب [السرية احللبية]‪ :‬حىت أن الرجل عندما كان يذبح شاة ال‬
‫الرتابيّة‬
‫يستطيع أن يأكل من حلمها شيئا بسبب نتانة اللحم‪ ،‬وكانت العواصف ُّ‬
‫تضرب‪ ،‬فَـعُ ِرفَت تلا السنة بعام ّ‬
‫الرمادة‪.‬‬

‫يف هذه السنة عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬ما قطع يد من كان يسرق؛ فإخوان مصر ‪-‬‬
‫الردة‬
‫والعياذ باهلل منهم‪ -‬عندما وجدوا هذه احلالة يف سرية عمر‪ ،‬بدؤوا يبنون قصور ّ‬
‫على هذا األساس؛ فقالوا‪ :‬عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عطّل بعض األحكام عندما كان‬
‫حيكم‪ ،‬فنحن أيضا ممكن أن ندخل يف هذه احلكومات‪ ،‬وتكون بعض األحكام‬
‫الشرعية ُمعطّلة‪ ،‬إذا من هنا كان استدالهلم بقضية عام الّرمادة يف الدخول يف‬
‫الرمادة على الدخول يف الربملانات؟‬
‫يصح االستدالل بعام ّ‬
‫الربملانات‪ ،‬فهل ّ‬
‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬عندما أوقف عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قطع يد السارق يف‬
‫تلا الفرتة‪ ،‬إذا أردنا أن نعرف ملاذا ما كان يقطع‪ ،‬لدينا طريقني للوصول إىل املعرفة‪:‬‬

‫صر هو ملاذا أقدم على‬ ‫الطَّ ير ُ‬


‫يِ األَ َّو ُل‪ :‬أن نفهم من عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وأن يُ ّ‬
‫وبرر فعله من الناحية الشرعية‪ ،‬ال ُيوز ملن جاء بعده أن يبحث‬
‫هذا الفعل‪ ،‬فإذا قال ّ‬
‫عن تربيرات أخرى لفعله‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه هو صاحب الشأن وهو الذي أقدم على‬
‫العمل وهو ّبني ملاذا ما كنت أقطع يد السارق؛ فال يبقى ألحد بعد تعليله كالما‪ ،‬ما‬
‫ُيوز ألحد أن يأيت بالتربيرات والتعليالت‪.‬‬

‫أَ َّما إذا َلْ َين ْد يع ْن َد عُ َم َر قَ ْوًال‪ :‬نأيت إىل الناس الذين كانوا يف زمن عمر ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬ونرى اذا عللوا عدم قطع يد السارق يف تلا األشهر‪ ،‬فإذا ذكروا لنا‬
‫األسباب الشرعية لذلا؛ إذا ال ُيوز ملن يأيت بعدهم أن يبحث عن تربيرات وعن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪527‬‬

‫تعليالت وعن مسوغات‪ ،‬ما ُيوز هلم‪ ،‬ملاذا؟؛ ألهنم هم أصحاب الشأن وهم بيّنوا‬
‫ملاذا أقدمنا على هذا الفعل‪.‬‬

‫ضاهُ‪ -‬تَ ْيرب ًيرا‪َ ،‬وال يع ْن َد َم ْن َكا َن ِف َع ْه يدهي يم َن‬


‫أَ َّما إذا َلْ َين ْد َع َن عُ َم َر ‪َ ¢-‬وأَ ْر َ‬
‫الص َحابَية‪ :‬عند ذلا نأيت إىل علماء أهل السنة واجلماعة‪ ،‬هم يبحثون ملاذا مل يقطع‬ ‫َ‬
‫عمر ‪-‬رضي هللا وأرضاه‪ -‬يد السارق‪.‬‬

‫وعندما أقول‪" :‬إىل العلماء"‪ ،‬أُح ّذر من علماء الضاللة ومن علماء الفضائيات‬
‫واملـُف ّكرين والـ ُمرجئة وما إىل ذلا؛ ألن هؤالء عندما يُ ّربرون‪ ،‬سيُ ّربرون احلادثة وفق‬
‫هنجهم وليس وفق دينهم‪ ،‬وهلذا عندما جاء إخوان مصر إىل هذه احلادثة مع وجود‬
‫التربير والتعليل عند عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬بدؤوا هم يعللون ملاذا مل يقطع عمر يد‬
‫السارق‪.‬‬

‫فمن ضمن األشياء اليت قالوها‪ :‬قالوا‪ :‬املصلحة كانت تقتضي إيقاف قطع يد‬
‫السارق‪ ،‬اآلن أيضا قالوا‪ :‬إذا أصبحنا ضمن هذه التشكيالت ‪-‬الطاغوتيّة‪،-‬‬
‫واقتضت املصلحة أن نُعطّل بعض أحكام الشرع‪ ،‬قال‪ُ :‬يوز لنا ذلا‪ ،‬إيش الدليل؟‪،‬‬
‫سوغ‪ ،‬وأنت تعلم أن حتت عباءة املصلحة‬ ‫قال‪ :‬فعل عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬هذا ُم ّ‬
‫ردة وكل كفر وكل شبهة‪.‬‬
‫يُدخلون كل ّ‬

‫أَ ْم ٌر َ‬
‫آخ ٌر‪ :‬بعضهم علل كما يف جملة [جمتمع الفقه اإلسالمي]‪ ،‬قال‪ :‬ألن الفساد‬
‫عم‪ ،‬وهلذا عطّل عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قطع يد السارق‪ ،‬بسبب‬ ‫يف ذلا الوقت ّ‬
‫اجملاعة وبسبب‪ ..‬كان الفساد منتشر وهلذا مل يقطعوا يد السارق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪528‬‬

‫هذا التربير عندما يُ ّربرونه ُحيالون أن ينزلوه أيضا على أرض الواقع‪ ،‬قال‪ :‬اآلن‬
‫أيضا الفساد منتشر‪ ،‬فال ميكن أن نُطبّق األحكام اإلسالمية يف واقعنا املعاصر‪.‬‬

‫هنا رجل آخر امسه (عبدالرحن بن عبداخلالق) إنسان سيء‪ ،‬إخواو‪ ،‬من‬
‫الكويت أظن‪ ،‬هذا ذكر كالما‪ ،‬قال‪ :‬ومن السذاجة أن نطلب إقامة حد الزاو‪ ،‬وحنن‬
‫نسمح بوجود أماكن الفجور والفسوق وأماكن اخلنا‪ ،‬أظن هذا نص كالم الرجل‪ ،‬إذا‬
‫هذا تربير‪ ،‬أننا ال نستطيع أن ننزل هذه األحكام ألن األجواء غري ُمهيّأة‪ ،‬وهنا كل‬
‫هذه املسائل‪.‬‬

‫هذا صادق فيما قاله‪ ،‬ونادرا ما يصدق هؤالء‪ ،‬إخوان مصر نادرا ما يصدقون‪،‬‬
‫صدقه أين؟‪ ،‬الرجل باسم اإلسالم يتح ّدث عن واقعه هو‪ ،‬واقعه أنه يعيش ضمن‬
‫حكومة طاغوتيّة ما حتكم ا أنزل هللا‪ ،‬هذه احلكومة تسمح بوجود الفسوق وبوجود‬
‫الفجور وبوجود أماكن ممارسة الزنا؛ إذا من السذاجة من أمثاله أن يُطالبوا بإقامة حد‬
‫الزاو على هؤالء‪ ..‬صادق هو فيما قال‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه يتحدث عن حكومة طاغوتيّة‬
‫هم جزء من هذه التشكيالت‪ ،‬فال ميكن أن يُطالبوا هذه احلكومات بإقامة احلدود‪،‬‬
‫وواقع الناس هكذا‪ ،‬إذا كله يدور حول عمل عمر وقول عمر ‪.¢‬‬

‫َوذَ َك ُروا قاعدة أخرى أيضا ربطوها باملوضوع‪ ،‬هذه القاعدة قد يصح تطبيقها يف‬
‫بعض املسائل‪ ،‬وال تصح على العموم‪ ،‬فعندما قرؤوا سرية عمر يف مسألة عام الرمادة‬
‫قالوا قاعدة هذه القاعدة تقول‪" :‬ال تُقام احلدود إال بعد إعطاء احلقوق"‪ ،‬فجعلوا‬
‫هذه القاعدة فضفاضة‪ ،‬حبيث أنه كل دولة ال تستطيع أن توفر احلقوق‪ ،‬عليها أن‬
‫تُعطّل األحكام‪ ،‬ملاذا؟؛ قالوا ‪-‬هذا كالمي اآلن‪ :-‬ألن عمر ‪ ¢‬ما استطاع أن يوفر‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪529‬‬

‫هلم املعيشة‪ ،‬وهلذا أوقف احلدود؛ إذا كل هذه التربيرات فقط لكي يسوغ لنفسه‬
‫الدخول يف تلا احلكومات الطاغوتيّة‪.‬‬

‫هنا رجل آخر امسه (حممد إقبال) هذا أيضا وضع قيودا لتطبيق أحكام هللا‬
‫¸‪ ،‬قال‪ُ :‬يب على والة األمر أن يوفروا مستوى معيشيا ‹‹طيّبا›› للمجتمع‪ ،‬وبعد‬
‫ذلا ممكن أن تُقام احلدود وتنزل األحكام‪ ،‬إذا كلها تدور حول املصلحة ومستوى‬
‫املعيشة والفساد وما إىل ذلا‪.‬‬

‫ُخ َذت؟‪ ،‬على أن عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬ما قطع يد‬ ‫طبعا هذه التربيرات من أين أ ِ‬
‫السارق‪ ،‬إذا هذه هي التربيرات لعمل عمر عند ُمف ّكري إخوان مصر‪ ،‬هذا قوهلم‪.‬‬

‫وحياولون أن يُبعدوا اإلسالم عن واقع الناس ألن‬


‫عندما ينظرون إىل واقع الناس ُ‬
‫هذا الواقع ‪-‬يف نظرهم‪ -‬ال يتقبّل اإلسالم كإسالم‪ ،‬هنا يأيت السؤال‪:‬‬

‫عندما نزلت هذه األحكام الربّانية‪ ،‬كيف كان واقع الناس؟‪ ،‬هل كانت متطلبات‬
‫املعيشة متوفرة للجميع كما يقولون؟‪ ،‬الحظ وضع الناس كيف كان يف زمن رسول‬
‫هللا ‘‪:‬‬

‫عن أيب هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬أتى رجال إىل النيب ‘ ‪-‬ضيف‪ -‬فأرسل‬
‫فقلن‪ :‬ال جند إال املاء‪ ،‬ما‬
‫إىل زوجاته ‪-‬أمهاتنا رضوان هللا تعاىل عليهم أمجعني‪َ ،-‬‬
‫عندنا شيء يف الببيت إال املاء‪ ،‬فقال الرسول ‘‪( :‬من يضم أو يضيف هذا؟)‪.‬‬
‫فقام رجل من األنصار فأخذه إىل بيته‪ ،‬وسأل زوجته عن الطعام‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما عندنا‬
‫إال قوت الصبية‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أكرمي ضيف رسول هللا ‘‪ ،‬هيئي الطعام وأضيئي‬
‫السراج ونومي الصبيان‪ ،‬عندما حيني وقت الطعام نومي الصبيان‪ ،‬عندما هيّأت املرأة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪530‬‬

‫الطعام‪ ،‬قامت إىل السراج لكي تصلحه فأطفأت السراج‪ ،‬وبدأ الضيف يأكل ظنا‬
‫منه أن صاحب البيت أيضا يأكل معه‪ ،‬فعندما جاء صباحا إىل رسول هللا ‘ قال‬
‫ب ِمن فَـ َعالِ ُك َما)‪ ،‬فأنزل هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪:-‬‬ ‫ِ‬
‫ا اَللُ الليـلَ َة أَو َعج َ‬ ‫ض ِح َ‬
‫‘‪َ ( :‬‬
‫وق ُشح نَـف ِس ِه فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫اصةٌ َوَمن يُ َ‬
‫ص َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ويـُؤث ُرو َن َعلَى أَنـ ُفس ِهم َولَو َكا َن هبم َخ َ‬
‫َ‬
‫ال ُمفلِ ُحو َن﴾ [احلشر‪ .]9:‬احلديث رواه البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪. -‬‬
‫(‪)78‬‬

‫جيّد‪ ..‬أين مستوى املعيشة؟!‬

‫كذلا حديث آخر‪ :‬عند البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬أن أبا هريرة كان‬
‫فمر يب أبو بكر ‪¢-‬‬ ‫رجال أصابه ما أصابه من اجلوع‪ ،‬قال‪ :‬فجلست يف الطريق‪ّ ،‬‬
‫ومر‬
‫وأرضاه‪ ،-‬سألته سؤاال وأنا أعرف اجلواب أمال أن يدعوو إىل الطعام‪ ،‬فما فعل‪ّ ،‬‬
‫الفاروق فسألته وما فعل‪ ،‬فمر يب رسول هللا ‘‪ ،‬فدعاو إىل البيت‪ ،‬فوجدت يف‬
‫البيت قدحا فيه لنب‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا اهلر‪ ،‬ادعُ من يف الصفة ‪-‬الصفة غرفة ملحقة‬
‫سجد رسول هللا‪ -‬فقلت يف نفسي (يقول أبو هريرة ‪ ¢‬وأرضاه يف معىن احلديث)‪:‬‬
‫أنين كنت أوىل بشرب هذا اللنب‪ ،‬وإيش يكفي هذا اللنب ألهل الصفة؟!‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫فدعوهتم فجاؤوا‪ ،‬فأمرو الرسول ‘ أن أعطيهم‪ ،‬فشربوا كلهم‪ ،‬مث بعد ذلا قال‬

‫(‪‹‹ )78‬نص احلديث‪ :‬عن أيب هريرة ‪ :¢‬أن رجال أتى النيب ‘‪ ،‬فبعث إىل نسائه فقلن‪ :‬ما معنا إال‬
‫املاء‪ ،‬فقال رسول هللا ‘‪( :‬من يضم أو يضيف هذا؟)‪ .‬فقال رجل من األنصار‪ :‬أنا‪ ،‬فانطلق به إىل‬
‫امرأته‪ ،‬فقال‪ :‬أكرمي ضيف رسول هللا ‘‪ ،‬فقالت‪ :‬ما عندنا إال قوت صبياو‪ ،‬فقال‪ :‬هيئي طعاما‪،‬‬
‫وأصبحي سراجا‪ ،‬ونومي صبيانا إذا أرادوا عشاء‪ .‬فهيأت طعامها‪ ،‬وأصبحت سراجها‪ ،‬ونومت‬
‫صبياهنا‪ ،‬مث قامت كأهنا تصلح سراجها فأطفأته‪ ،‬فجعال يريانه أهنما يأكالن فباتا طاويني‪ ،‬فلما أصبح‬
‫﴿ويـُؤثُِرو َن َعلَى‬
‫غدا إىل رسول هللا ‘ فقال‪( :‬ضحا هللا الليلة أو عجب من فعالكما)‪ .‬فأنزل هللا‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال ُمفلِ ُحو َن﴾››‪.‬‬
‫وق ُشح نـَف ِس ِه فَأُولَئِ َ‬
‫اصةٌ َوَمن يُ َ‬
‫ص َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫أَنـ ُفس ِهم َولَو َكا َن هبم َخ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪531‬‬

‫‪ :‬اشرب‪ ،‬فشربت‪ ،‬مث قال ‪ :‬اشرب‪ ،‬فشربت حىت شبعت‪ ،‬مث قال ‪ :‬اشرب‪،‬‬
‫قلت‪ :‬والذي بعثا باحلق‪ ،‬ال أجد له مسلكا‪ ،‬يعين ما بقي له مكان‪.‬‬

‫إذا أين هؤالء من ذلا اجملتمع يف ذلا الوقت هبذا الواقع؟!‪ ،‬واألحكام كانت‬
‫تنزل على هؤالء الناس!‪ ،‬وكان فيهم من يسرق‪ ،‬وكان فيهم من ُيوع وكان فيهم‪...‬‬
‫إذا هؤالء عندما رأوا الواقع‪ ،‬وهم مل يأخذوا باألسباب الشرعية لتحكيم شرع هللا‬
‫¸‪ ،‬ما وجدوا أمامهم إال أن ُيدوا تربيرا هلؤالء الناس أننا ال نستطيع أن حنكمكم‬
‫ا أنزل هللا ¸!‪ ،‬هذه هي التربيرات عند هؤالء‪.‬‬

‫رير ِع ْن َد ُع َم َر؟‬ ‫ًإذا َما َّ‬


‫الت ْب ُ‬

‫هو صاحب الشأن‪ ،‬هو الذي أوقف قطع يد السارق‪ ،‬ملاذا أوقف؟‪ ،‬يقول عمر‬
‫أحب إ ّ من أقيم ُحكما‬ ‫‪ ¢-‬وأرضاه‪" :-‬ألن أ ِ‬
‫ُخطيء يف احلدود بالشُّبهات‪ُّ ،‬‬
‫بالشبهات"‪ .‬هذا الكالم ذكره ابن حزم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ٍ -‬‬
‫بسند صحيح‪.‬‬

‫إذا التربير ماذا؟‪ ،‬أن عمر أوقف القطع‪ ،‬اآلن هو يُربّر ويُعلل ملاذا أوقفت قطع‬
‫يد السارق‪ ،‬قال‪ :‬ألنه كانت هنا شبه‪ ،‬هذه الشبه متنعين أن أقطع يد السارق‪ ،‬فأن‬
‫أوقف قطع يد السارق مع وجود الشبهة‪ ،‬أحب إ من أن أقطع يده مع وجود‬
‫الشبه‪ ،‬كيف؟‬

‫ألنه إذا توقف عن إنزال احلكم مع وجود الشبهة‪ ،‬له عذر بني يدي هللا ¸‬
‫عندما يُسأل ملاذا مل تُِقم ح ّد السارق على فالن وقد سرق؟‪ ،‬يقول‪ :‬يا رب‪ ،‬الشبهة‬
‫الفالنية منعتين‪ ،‬أما إذا قطع يد السارق مع وجود الشبهة‪ ،‬إيش عذره بني يدي هللا‬
‫¸؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪532‬‬

‫أحب إ ّ من أُقيم حدًّا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫من هنا قال‪ :‬أن ‹‹أُخطئ يف حد›› مع وجود الشبهة‪ّ ،‬‬
‫مع الشبهة‪ ،‬ألنه إذا أقام احلد مع الشبهة ال عذر له بني يدي هللا‪ ،‬أما إذا أوقف‬
‫ُحكما بسبب الشبهة‪ ،‬ال‪ ،‬له عذر بني يدي هللا تبار وتعاىل؛ إذا هذا هو السبب‬
‫يف عدم قطع يد السارق‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َْ ُ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ‬
‫هل الشبهة ذ ِريعة ِلدف ِع األحك ِام الشر ِعي ِة؟‬
‫كالم لعبدهللا بن مسعود ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬قال‪" :‬ادرؤوا اجللد والقتل عن‬
‫نعم‪ٌ ،‬‬
‫املسلمني ما استطعتُم"‪ .‬أي‪ :‬أينما وجدت ُمس ِوغًّا لكي تدفع هذا احلكم عن‬
‫املسلم‪ ،‬فافعل‪.‬‬

‫كذلا ذكر ابن املنذر ¬ قال‪" :‬أمجع كل من حنفظ عنه من أهل العلم أن‬
‫احلدود تُدرأ بالشبهات‪ ".‬أي‪ :‬إذا وجدت شبهة‪ ،‬احلد يُدفع عن املسلم‪.‬‬

‫قر بالزنا‪ ،‬بدأ يسأله أسئلة‬


‫وهلذا جتد الرسول ‘ عندما جاء إليه ماعز وهو يُ ّ‬
‫صرحية وواضحة‪ :‬لعلا قبّلت‪ ،‬لعلا ضاجعت‪ ،‬لعلا لعلا‪ ...‬ألنه قد يكون‬
‫الرجل يرى القبلة زنا وقال زنيت‪ ،‬فأراد أن يدفع هذه الشبهة‪ ،‬لعلا ضاجعت‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ال‪ ،‬إىل أن سأله السؤال الصريح بالكلمة‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأمر برمجه؛ إذا من هنا قال‬
‫العلماء‪ :‬احلدود تُدرأ بالشبهات‪.‬‬

‫إذا هنا عدم قطع من قبل عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬ومن كان معه من الصحابة‬
‫قد وافقوا على هذا األمر‪ ،‬والسبب‪ :‬وجود الشبهة‪.‬‬
‫َما هي َهذه الش ْب َه ُة َّالتي َك َان ْت في َ َمن ُع َمر ‪َ ¢-‬و َأ ْ َ‬
‫ض ُاه‪َ -‬و َم َن َع ْت ُه منْ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫قطع َي ِد َّ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫الس ِار ِق؟‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪533‬‬

‫الرمادة تعلم أن الناس كانوا يعيشون يف شدة‬ ‫الشبهة من خالل دراستا لعام ّ‬
‫مرت بالناس‪ ،‬وأنت تعلم أن‬ ‫جوع وُممصة وجماعة‪ ،‬هذه طبيعة تلا الشهور اليت ّ‬
‫اجلوع يدفع صاحبه إىل األكل‪ ،‬أينما وجد يأخذ‪ ،‬فإذا كانت هذه طبيعة اإلنسان‪،‬‬
‫فما بالا إذا كان أهل املدينة يعلمون قول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬فَ َم ِن اضطُر ِيف‬
‫يم﴾ [املائدة‪ ،]3 :‬واملخمصة كما يف‬ ‫ف ِِّإل ٍمث فَِإن اَلل َغ ُف ِ‬
‫َُممص ٍة َغيـر متَجانِ ٍ‬
‫ور رح ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬
‫[ُمتار الصحا ] عىن‪ :‬اجلوع‪.‬‬

‫ميرون حبالة جوع‪ ،‬شدة يف اجلوع‪ ،‬مث بعد ذلا هذا االضطرار‬ ‫فإذا كان الناس ّ‬
‫دفعه إىل أن يأخذ ماال من مسل ٍم‪ ،‬إذا هنا حتققت الشبهة‪ :‬اجملاعة واالضطرار الدافع‬
‫إىل أخذ مال املسلم؛ من هنا تولّدت الشبهة عند عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬وقد فاتين‬
‫أن أُشري إىل شروط السرقة قبل احلديث عن الشبهة‪..‬‬
‫السر َقة في اإل ْ‬ ‫َ ُ ُ ُ‬
‫ط َّ‬
‫الم‪:‬‬‫س‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فشرو‬
‫ط األَ َّو ُل‪ :‬أن يبلغ املال املسروق نصابا‪ ،‬والنصاب ذكره اإلمام البخاري ‪-‬‬ ‫َّ‬
‫الِّ ْر ُ‬
‫¬‪ -‬يف صحيحه‪ ،‬قال‪ :‬تُقطع اليد يف ربع دينار‪ ،‬وعند اإلمام مسلم‪ :‬يف ثالث‬
‫دراهم‪ ،‬وأنت تعلم أن الدراهم الثالثة هي ربع الدينار‪ ،‬إذا إذا بلغ املسروق ربع‬
‫دينار‪ ،‬حتقق الشرط األول يف السرقة‪.‬‬

‫ط الثَّ ياين‪ :‬أن يُؤخذ هذا املال من حرز‪ ،‬ومعىن احلرز‪ :‬أي مكان ُح ِفظ فيه‬
‫الِّ ير ُ‬
‫َّ‬
‫مال حرزه‪ ،‬فحرز املاشية غري حرز الذهب والفضة‪ ،‬وأحيانا وجود‬‫هذا املال‪ ،‬ولكل ٍ‬
‫صاحب املال عند ماله ‪-‬حىت ولو كان يف مكا ٍن مفتو ‪ -‬أيضا هذا يعترب حرزا‪،‬‬
‫ودليل ذلا‪ :‬حديث صفوان عندما كان نائما يف املسجد‪ ،‬وأحدهم سرق عباءته من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪534‬‬

‫حتت رأسه‪ ،‬ووصل األمر إىل رسول هللا ‘ فأمر بقطع يديه‪ ،‬العلماء قالوا‪ :‬إذا هذا‬
‫املال كان ُحمرزا بوجود صاحبه‪ ،‬إذا الشرط الثاو أن يؤخذ املال من احلرز‪.‬‬

‫ط الثَّالي ُ‬
‫ث‪ّ :‬أال تكون للسارق شبهة يف األخذ‪ ،‬فإن كانت له شبهة وأخذ‬ ‫َّ‬
‫الِّ ْر ُ‬
‫املال‪ ،‬هذه الشبهة تدفع قطع اليد عنه‪ ،‬مثل إيش؟‬

‫ابن من ُمزن أبيه أو من مكان حفظ املال ألبيه أخذ مبلغا بلغ النصاب‪ ،‬إذا‬ ‫ٌ‬
‫حتقق شرطي السرقة‪ :‬املال بلغ النصاب‪ ،‬وأ ِ‬
‫ُخ َذ أيضا من حرٍز‪ ،‬هل تُقطع يده؟‪ ،‬ال‬
‫تُقطع يده‪ ،‬ملاذا؟؛ لوجود شبهة أنه يرى نفسه ُيوز له أن يأخذ من مال أبيه‪.‬‬

‫كذلا الشريا عندما يأخذ من الشريا نصابا ومن حرٍز‪ :‬ال قطع عليه‪،‬‬
‫ملاذا؟؛ لوجود شبهة أنه ُيوز له أن يأخذ من مال شريكه‪ ،‬إذا وجود الشبهة يدفع‪.‬‬

‫فالشبهة هنا كما ذكرت لا يف زمن عمر‪ ،‬هي اجلوع وشد اجلوع واملخمصة‪،‬‬
‫فهل تعترب الشبهة مانعا من إنزال احلكم؟‬

‫ذكرنا قول عبدهللا بن مسعود ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وكذلا إمجاع العلماء الذي نقله‬
‫ابن املنذر ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬
‫دلييل آ َخر‪ :‬ذكره عبدالرزاق يف مصنّفه ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ٍ -‬‬
‫بسند ُمنقطع‪ ،‬أما‬ ‫ُ‬ ‫َ ٌ ٌ‬
‫تصل‪ ،‬قول عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪" :-‬ال قطع يف‬ ‫ٍ‬
‫ابن أيب شيبة ¬ فقد ذكره بسند ُم ّ‬
‫ِعذ ٍق وال عام ِ‬
‫السنة"‪.‬‬

‫مير على الناس وعليهم جدب أو قحط أو‬


‫إيش عام السنة؟‪ ،‬أي‪ :‬العام الذي ّ‬
‫قلّة مطر‪ ،‬هذا يسمى سنة‪ ،‬وهلذا يف الدعاء تقول‪ :‬عليهم سنني كسين يوسف‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪535‬‬

‫هذا الكالم لعمر‪ُ ،‬سئِل عنه اإلمام أحد‪ :‬أتقول هبذا القول؟ (يعين يف عام‬
‫السنة‪ ،‬يف عام اجملاعة ال تقطع؟) قال‪ :‬إذا كان الناس يف ش ّدة وجماعة نعم‪ ،‬ال نقطع‪.‬‬

‫إذا اآلن الشبهة أين ُوِج َدت عند عمر بالذات؟‪ ،‬أن هذا اجلوع سيدفع بعض‬
‫حيل‬
‫حيل هلم‪ ،‬ملاذا ّ‬ ‫حيل هلم‪ ،‬وهم يرون أنفسهم أنه ّ‬ ‫الناس إىل أن يأخذوا ماال ال ّ‬
‫ٍِ ِ‬ ‫هلم؟؛ لقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَم ِن اضطُر ِيف َُمم ٍ‬
‫صة َغيـَر ُمتَ َجانف ِّإل ٍمث ۚ فَِإن اَللَ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يم﴾‪.‬‬ ‫َغ ُف ِ‬
‫ور رح ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يل الثَّ ياين على أن أهل املدينة كانوا يعلمون هذه املسائل‪ :‬أهنم أهل حيطان‬ ‫ي‬
‫ال َدل ُ‬
‫وبساتني‪ ،‬فكانوا يعرفون ما معىن أن يدخل إنسان بُستانا وأن يأخذ من هذا البستان‬
‫شيئا يف حالة الرفاهية وكذلا يف حالة اجلوع‪.‬‬

‫يف حالة الرفاهية‪ :‬ذكر اإلمام النسائي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬حديثا لرسول هللا‬
‫اب‬‫َص َ‬ ‫‘ عن عبدهللا بن عمرو ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ ،-‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪َ ( :‬ما أ َ‬
‫اج ٍة َغيـَر ُمت ِخ ٍذ ُخبـنَة فَ َال َشيءَ َعلَي ِه‪َ ،‬وَمن َخَر َج بِ َشي ٍء ِمنهُ فَـ َعلَي ِه َغَر َامةُ‬‫من ذي َح َ‬
‫ِ ِ‬
‫ين فَـبَـلَ َغ َمثَ َن ال ِم َج ِّن فَـ َعلَي ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مثـلَيه َوالعُ ُقوبَةُ‪َ ،‬وَمن َسَر َق َشيئا منهُ بَـع َد أَن يـُؤِويَهُ اجلَ ِر ُ‬
‫ال َقط ُع)‪.‬‬

‫ُخبنة عىن‪ :‬دخل احلائط ‪-‬أي‪ :‬البستان‪ -‬وأخذ ما يكفيه ويس ّد رمقه‪ ،‬لكن ما‬
‫أخرج يف حضنه شيئا من البستان‪ُ ،‬خبنة عىن‪ :‬أخذ يف حضنه من البستان‪ ..‬هذا ال‬
‫شيء عليه‪.‬‬

‫أما من خرج وأخرج معه شيئا دون النصاب‪ :‬فعليه غرامة مثليه‪ ،‬والعقوبة‪ ،‬هذا‬
‫حديث رسول هللا ‘‪ ..‬دخل البستان‪ ،‬وأخذ حاجته وكفايته من الطعام‪ ،‬وعندما‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪536‬‬

‫خرج أخرج معه بعض الثمار‪ ،‬لكن هذا الذي أخرجه ما بلغ النصاب‪ ،‬فما حكم‬
‫الشرع فيه؟‪ ،‬قال‪ :‬يدفع ضعفي مثن الذي أخذه‪ ،‬وعلى و ّ األمر أن يُعاقبه‪ ،‬وهذا ما‬
‫وضبِط‪ ،‬هذا يدفع‬ ‫سمى بالتعزير‪ ،‬إذا إذا خرج من البستان بعد أن أخذ حاجته ُ‬ ‫يُ ّ‬
‫ضعفي الثمن وعليه العقوبة‪.‬‬

‫أما إذا آواه اجلرين ‪-‬اجلرين‪ :‬املكان الذي كانوا حيفظون فيه التمر أو الثمار‪-‬‬
‫فإذا دخل وأخذ حاجته وأخذ من اجلرين ‪-‬أي‪ :‬بعد أصبح يف احلرز‪ -‬وبلغ النصاب‪،‬‬
‫هذا عليه القطع‪.‬‬

‫إذا هذه املسائل كانت معروفة عند أهل املدينة‪ ،‬فإذا جاء أحدهم ودخل وأخذ‬
‫وأكل‪ ،‬إذا الشبهة متحققة عند عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬أما إذا جاء رجل اآلن وقال‬
‫هذه ليست فيها شبهة‪ ،‬نقول‪ :‬ليست فيها شبهة عند ‪ ،‬لكن عند و األمر‬
‫صاحب األمر والنهي يف ذلا الوقت رأى أن هذه شبهة‪ ،‬فدفع هذا احل ّد عن‬
‫املسلمني بسبب هذه الشبهة‪.‬‬

‫إذا هذا هو قول عمر‪ ،‬وهذا هو تربير عمر لعدم قطع يد السارق يف تلا‬
‫السنة‪.‬‬

‫إ ًذا ال داللة يف هذه احلادثة على جواز الدخول يف الربملانات‪ ،‬ما العالقة؟!‪،‬‬
‫َه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬أنه ال عالقة بني حادثة عام ّ‬


‫الرمادة‪ ،‬وبني جواز الدخول يف مواطن‬
‫الردة‪.‬‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪537‬‬

‫الَالَةُ الثَّانييَةُ‪ :‬أن عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما أوقف قطع يد السارق‪ ،‬ما عطّل‬
‫هذا احلكم إال لشبهة‪ ،‬وما جاء بالبديل‪ ..‬ما جاء بالبديل‪ ،‬طاملا هنا شبهة إذا ال‬
‫تُقطع يد السارق‪ ،‬انتهت املسألة‪ ،‬يعين ال يقول عمر ‪-‬حاشاه‪ :-‬طاملا أننا توقفنا‬
‫عن قطع يد السارق لشبهة‪ ،‬إذان العقوبة تكون كذا‪ ،‬ما قال هذا الشيء‪ ،‬ما جاء‬
‫بالبديل‪ ،‬لكن أنتم الذين دخلتم يف هذه احلكومات عطّلتم أحاكم هللا ¸‪ ،‬وجئتم‬
‫بالبدائل‪ ،‬وبدأمت حتكمون الناس بالبدائل‪ ،‬والفارق شاسع بني عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪-‬‬
‫الذي أوقف حكما هلل ¸ لوجود شبهة‪ ،‬وبينكم أنتم الذين عطّلتم أحكام هللا ¸‪،‬‬
‫وجئتم بالبدائل وحكمتم الناس بالبدائل اآلن‪ ..‬فأين أنت من عمر؟!‪ ،‬أين وجه‬
‫الرمادة‬
‫الشبه بني عملا وبني عمل عمر؟!‪ ،‬هل قال عمر‪ :‬أن الذي يسرق يف عام ّ‬
‫نسجنه؟!‪ ،‬أو أن يدفع؟!‪ ،‬ما قال شيئا من هذا القبيل‪ ،‬وإمنا ح ٌد توقف بسبب عذر‬
‫شرعي‪ ،‬وهذا العذر الشرعي هو وجود الشبهة‪ ،‬والشبهة‪ :‬وجود املخمصة عند الناس‪.‬‬

‫هنا كالم البن القيّم أيضا ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪" :‬ومقتضى قواعد الشرع‪،‬‬
‫فإن السنة إذا كانت سنة جماعة وشدة غلب على الناس احلاجة والضرورة‪ ،‬فال يكاد‬
‫يسلم السارق من ضرورةٍ تدعوه إىل ما يس ّد به رمقه [مث قال] وهذه شبهة قويّة تدرأ‬
‫القطع عن احملتاج‪ ".‬هذا قول ابن القيم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫فتذرع باجلوع وباملخمصة‪ ،‬هذه‬


‫أي أنا يف مثل هذه األجواء‪ ،‬إذا جئت بسارق ّ‬
‫شبهة؛ ألن غالبا الناس يف مثل هذه األوقات ما يسلمون من اجلوع وما يسلمون من‬
‫االضطرار إىل التطاول على أموار املسلمني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪538‬‬

‫إذا من هنا كانت الشبهة عند عمر‪ ،‬وبسبب هذه الشبهة أوقف قطع يد‬
‫الرمادة‬
‫السارق‪ ،‬ال جاء بالبديل وال عطّل حكم الشرع‪ ،‬بعد ذلا بعد انتهاء عام ّ‬
‫عاد القطع وعاد حكم هللا ¸ كما كان‪.‬‬
‫اك َح َال ٌة ُأ ْخ َرى َي ْذ ُك ُر َها َهؤالء َّ‬
‫الناس‪ُ:‬‬ ‫ُه َن َ‬
‫ِ‬
‫وهي مسألة‪ :‬يف زمن عمر أيضا ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬جيء بعبدين لعبدالرحن بن‬
‫حاطب بن أيب بلتعة‪ ،‬وكانا قد سرقا مجال وذحباه‪ ،‬مث علم هبم عمر فجيء هبم‪ ،‬وأراد‬
‫أن يقطع يدُها‪ ،‬فأثبتوا له أن الذي دفعنا إىل السرقة والذبح واألكل؛ اجلوع‪ ،‬تي ّقن‬
‫من هذا األمر فأرسل إىل عبدالرحن بن حاطب بن أيب بلتعة وأمره أن يدفع ضعفي‬
‫مثن الناقة إىل أهل الناقة‪ ،‬فبهذا عاقبه‪ ،‬إذا إيش يكون عندي؟‬

‫﴿ولَنَبـلَُون ُكم‬
‫ميرون ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬حبالة جوع َ‬ ‫َّإما أَنَّ َها َحالَةٌ َع َّامةٌ‪ :‬الناس كلهم ّ‬
‫س والثمر ِ‬ ‫ِ‬ ‫وع ونَـق ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫ات﴾ [البقرة‪- .]155:‬‬ ‫ص ّم َن األَم َوال َواألَن ُف ِ َ َ َ‬ ‫ب َشيء ّم َن اخلَوف َواجلُ ِ َ‬
‫مروا هبذه احلالة‪ ،‬عند ذلا ُيوز ألمري املؤمنني‬
‫ال ق ّدر هللا‪ -‬إذا الناس املسلمون كلهم ّ‬
‫أن يصدر أمرا بأن ال تقطعوا اليد خالل هذه الفرتة لوجود شبهة أن الناس قد‬
‫يضطرون إىل األكل‪ ،‬هذا ُيوز‪.‬‬
‫ض ال َ ي ي‬ ‫ي‬
‫االت ال َِ ْرديَّة‪ٌ :‬‬
‫رجل سرق‪ ،‬مث أثبت بالدليل أن الذي دفعه‬ ‫لَك ْن ِف بَ ْع ي َ‬
‫إىل السرقة اجلوع واملخمصة والش ّدة‪ ،‬إذا أُحيل أمره إىل القاضي‪ ،‬وثبت عند القاضي‬
‫أن الدافع كان اجلوع‪ُ ،‬يوز للقاضي أيضا أن يعفي هذا املسلم من قطع يده‪ .‬وهذه‬
‫حادثة هلا شبه بقضية هذين العبدين‪ ،‬فلم يقطع الفاروق ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬يد هذين‬
‫العبدين ألنه ثبت له أهنما ما أخذا هذا اجلمل إال بدافع اجلوع واملخمصة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪539‬‬
‫َ‬
‫ؤالء الق ْو ِم‪:‬‬‫ه‬‫َن ْأتي إلى ُش ْب َهة ُأ ْخ َرى م ْن ُش َبه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهي‪ :‬فتوى كانت البن باز يف حينه أصدر هذه الفتوى‪ ..‬أنا ما قرأهتا مباشرة‪،‬‬
‫كتاب‪ ،‬هذا الكتاب امسه كتاب [اجلامع يف طلب العلم الشريف‪،‬‬ ‫وإمنا قرأت الفتوى يف ٍ‬
‫لعبدالقادر بن عبدالعزيز] نسأل هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬أن يُعيده إىل ُرشده وأن يُعيد ُرشده‬
‫إليه‪ ،‬كان من الشباب اجملاهدين وصاحب علم‪ ،‬ابتاله هللا ¸ يف سجون مصر‬
‫عما كان عليه‪ ،‬نسأل هللا تبار وتعاىل العافية‪ ،‬وهذه‬ ‫فكانت له بعض الرتاجعات ّ‬
‫(‪)79‬‬
‫الفتوى قائمة على‪ :‬حديث رسول هللا ‘‪( :‬إمنا األعمال بالنيّات)‬

‫فكأنه أفىت أن اإلنسان إذا دخل بنيّة اإلصال وبنيّة حتقيق املصاحل وبنيّة دفع‬
‫املفاسد وما إىل ذلا‪ ،‬فحديث رسول هللا‪( :‬إمنا األعمال بالنيّات) ُييز لا أن‬
‫تدخل‪ ،‬إذا بناء على هذا احلديث أفىت لبعضهم جبواز الدخول يف الربملانات‪.‬‬

‫ورد على طريقة االستشهاد ‪-‬‬


‫رد على هذه الفتوى ّ‬
‫(عبدالقادر بن عبدالعزيز) ّ‬
‫أنقله كالمه باملعىن وليس بالنص‪:-‬‬
‫ٍ‬
‫طاعات بالنيّات‪ ،‬وإمنا املعاصي‬ ‫تتحول إىل‬
‫قال ‪-‬شبه قاعدة‪ :-‬املعاصي ال ّ‬
‫بدليل خارجي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طاعات ٍ‬ ‫تتحول إىل‬
‫ّ‬
‫إيش معىن هذا الذي ذكره (عبدالقادر بن عبدالعزيز)؟‪ ،‬قال‪ :‬إذا أقدم إنسان‬
‫تتحول إىل طاعة حتت ذريعة أن نيّيت كانت‬
‫على ُُمالفة شرعيّة‪ ،‬هل هذه املُخالفة ّ‬
‫تتحول‪ ،‬مث ذكر دليلني على هذه القاعدة‪:‬‬
‫حسنة؟‪ ،‬ال ّ‬

‫(‪ )79‬متفق عليه‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪540‬‬

‫يل األَ َّو ُل‪ :‬مسألة الكذب‪ ،‬أنت تعلم أن الكذب معصية‪ ،‬فإذا جاء رجل‬ ‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫س عصية‪ ،‬نيّتا ال ُجتديا نفعا‪،‬‬
‫وكذب وقال‪ :‬أنا نيّيت حسنة‪ ،‬يُقال له‪ :‬أنت ُمتلبّ ٌ‬
‫ولكن‪ :‬إذا كذب يف املواطن اليت أجاز هبا الشرع‪ ،‬كما يف حديث رسول هللا‬
‫‘(‪ ..)80‬حديث الرجل مع زوجته ‹‹لإلصال ››‪ ،‬ويف احلرب‪ ،‬ويف الصلح بني‬
‫طرفني‪ ،‬هذه ثالثة مواطن ُيوز للمسلم أن يكذب فيها‪ ،‬فإذا قام رجل للصلح بني‬
‫رجلني‪ ،‬وكذب هلذا وكذب هلذا‪ ،‬هذه معصية‪ ،‬لكن حتولت إىل طاعة بإيش؟‪،‬‬
‫حبديث رسول هللا ‘ وليس بنيّته؛ فمن كذب يف خارج هذه املواطن الثالثة‪ ،‬مث‬
‫قال‪ :‬نيّيت حسنة‪ .‬يُقال له‪ :‬أنت آمث هبذا الكذب الذي كذبته‪ ،‬أما إذا كذبت يف‬
‫حول معصيتا إىل طاعة‪ ،‬ذكر هذا الدليل األول‪.‬‬
‫هذه املواطن‪ ،‬فالدليل اخلارجي ّ‬
‫يل الثَّ ياين‪ :‬يف مسألة األكل من امليتة‪ ،‬إذا جاء رجل يف غري ُممصة ويف غري‬‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫تتحول هذه املعصية‬
‫جوع ويف غري ش ّدة‪ ،‬أكل من امليتة وقال‪ :‬أنا نيّيت حسنة‪ ،‬فال ّ‬
‫تتحول؟‪ ،‬عندما تكون يف ش ّدة ويف ُممصة‪،‬‬ ‫إىل طاعة بأي حال من األحوال‪ ،‬مىت ّ‬
‫فإذا ارتكبت هذه املخالفة الشرعيّة تُؤجر على هذه املعصية؛ لوجود دليل خارجي‪،‬‬
‫يم﴾‪.‬‬ ‫ف ِِّإل ٍمث ۚ فَِإن اَلل َغ ُف ِ‬
‫إيش الدليل؟‪﴿ ،‬فَم ِن اضطُر ِيف َُممص ٍة َغيـر متَجانِ ٍ‬
‫ور رح ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫حتولت إىل طاعة بدليل خارجي‪.‬‬
‫إذا هذه املعصية ّ‬
‫فمن أجاز لنفسه الدخول يف الربملانات عمال حبديث رسول هللا ‘‪( :‬إمنا‬
‫تتحول إىل طاعة بالنيّة‪ ،‬إمنا‬
‫الردة ما ّ‬
‫األعمال بالنيّات)‪ ،‬نقول‪ :‬هذه الـ ُمخالفة‪ ،‬هذه ّ‬
‫ُيب أن تأيت ٍ‬
‫بدليل خارج النيّة من الشرع ُُييز لا الدخول يف هذا املوطنـ فإذا‬

‫ضيـها‪ ،‬وال َك ِذب ِيف احلر ِ‬


‫ب‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫(‪( ‹‹ )80‬الَ َِحيل ال َك ِذب إِال ِيف ثَالَ ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ث الر ُجل امَرأَتَهُ ليُـر َ َ َ‬
‫ث‪ُ :‬حيَ ّد ُ‬ ‫ُ‬
‫اس)‪ .‬أخرجه أحد والرتمذي رحهما هللا››‪.‬‬ ‫ني الن ِ‬ ‫وال َك ِذ ِ ِ‬
‫ب ليُصل َح بـَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪541‬‬

‫عدمت الدليل‪ ،‬فال يصلح لا أن تست ّدل حبديث رسول هللا ‘‪( :‬إمنا األعمال‬
‫بالنيّات)‪ ..‬فال ُيوز االستدالل هبذا احلديث على الدخول يف مواطن ّ‬
‫الردة‪.‬‬

‫وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪542‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪543‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫الدرس الث ِامن و‬
‫الح َد ْيب َّية‪َ ،‬وح ْلف ُ‬
‫الف ُ‬
‫ضو ِل‬ ‫ص ْلح ُ‬ ‫ُش ْب َه ُة َّ‬
‫الن َجاش ي‪َ ،‬و ُ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمدهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقا وأعنّا على‬
‫الباطل ِ‬
‫باطال وأعنّا على اجتنابِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫باعه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫َ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫وال جتعله ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫احلل عُقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‬ ‫وُ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا؛ أما بعد‪:‬‬

‫ما زال احلديث عن الزمرة اليت تبحث عن الشبه لِتُجيز لنفسها الدخول يف‬
‫مواطن ال ِرّدة‪ ،‬وأعين واطن ّ‬
‫الردة‪ :‬احلكومات الطاغوتيّة واجملالس التشريعيّة النيابيّة‪.‬‬
‫لقاء سابق عن استدالهلم بقصة نيب هللا يوسف‪ ،‬وقلنا ال داللة عند‬ ‫وحتدثنا يف ٍ‬
‫يوسف ’ يف اقتحام مواطن ال ِرّدة‪.‬‬

‫وأُعيد وأؤّكد على مسألة‪ :‬أن الناس يف مسألة احلكم بغري ما أنزل هللا ينقسمون‬
‫إىل ثالث‪:‬‬

‫أهل السنة واجلماعة‪ :‬يرون أن هؤالء مرتدون عن دين هللا تعاىل‪ ،‬أما فرقة‬
‫الـ ُمرجئة (أحباب الطواغيت هؤالء)‪ :‬فيقولون عنهم‪ :‬كفر دون كفر‪ ،‬أما إخوان مصر‬
‫وأذناهبم‪ :‬فهؤالء يريدون أن ُيعلوا من الدخول يف تلا املواطن دينا‪ ،‬فريون الدخول‬
‫هنا من الدين‪ ،‬بل واجب شرعي أن يدخل اإلنسان يف تلا املواطن؛ ومن هنا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪544‬‬

‫بدؤوا يبحثون عن أي شبهة حىت يسوغوا ألنفسهم الدخول يف تلا املواطن‪ ،‬فمن‬
‫الشُّبَه اليت يستدلون هبا على الدخول يف الربملانات‪:‬‬

‫َ َْ ً َ ًَ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ ََ ُ‬


‫مسألة النج ِاش ِي ‪ ¬-‬رحمة و ِاسعة‪-‬‬
‫وأنت تعلم أن النجاشي ملا كان على احلبشة‪ ،‬وهذا مصطلح يُطلق على كل‬
‫من حيكم احلبشة‪ ،‬كما يسمى الذي حيكم الفرس بكسرى‪ ،‬والذي حيكم الروم‬
‫بقيصر‪ ،‬والذي حيكم اليمن بتُبّع‪ ،‬والذي حيكم مصر بفرعون وأحيانا املقوقس‪ ،‬فهذه‬
‫أمساء معروفة يف التاريخ تُطلق على هؤالء الناس‪ .‬واسم ملا احلبشة‪( :‬أصحمة) كما‬
‫عند البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫جاشي على جواز الدخول يف احلكومات‬


‫استدل أتباع أفالطون بالنّ ّ‬
‫ّ‬ ‫كيف‬
‫الطاغوتيّة والربملان؟‬

‫قالوا‪ :‬النجاشي أسلم‪ ،‬اعتنق اإلسالم يف حياة رسول هللا ‘‪ ،‬وبعد اإلسالم‬
‫بقي الوضع على ما كان عليه؛ كان حيكم احلبشة بنفس األحكام اليت كان حيكم‬
‫هبا قبل اعتناقه اإلسالم‪ ،‬إذا اآلن رجل مسلم‪ ،‬لكن حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬والرسول‬
‫أقره على ذلا‪ ،‬بل وصلى عليه عندما مات؛ إذا هذا دليل واضح ‪-‬كما‬ ‫‘ ّ‬
‫يزعمون‪ -‬على جواز الدخول يف هذه احلكومات الربملانيّة واحلكم أيضا بغري ما أنزل‬
‫هللا ¸‪.‬‬
‫َما َم َد َى ص َّح ِة َما َذ َه َب إ َل ْي ِه َه ْ‬
‫ؤالء؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪545‬‬

‫ال َم ْسأَلَة األُ ْو َل‪ :‬أن النجاشي كان ملكا على احلبشة‪ ،‬ال خنتلف يف هذا األمر‪.‬‬

‫ال َم ْسأَلَةُ الثَّانييَةُ‪ :‬أنه آمن يف حياة رسول هللا ‘‪ ،‬وهذه أيضا ال خالف فيها‪.‬‬

‫ال َم ْسأَلَةُ الثَّاليثَةُ‪ :‬أنه مل يتغري يف حكمه شيئا بعد أن اعتنق اإلسالم‪ ،‬هذا أيضا‬
‫ال خالف فيه‪.‬‬

‫إذا كيف حصل األمر وكيف نقول أنه آمن‪ ،‬وكان حيكم بغري أحكام هللا ¸؟‬

‫اء‪ :‬النجاشي ¬ بعد أن اعتنق اإلسالم ‪-‬طبعا العلماء يعدونه من‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫التابعني ألنه ما رأى الرسول ‘‪ ،‬آمن به ولكن مل َيره‪ ،‬فيُع ّد من التابعني‪ -‬بعد أن‬
‫آمن‪ ،‬من كان معه من املأل علموا من حاله أنه خالف دينهم‪ ،‬فأرادوا أن خيرجوا‬
‫عليه‪ ،‬عندما علم منهم أهنم سيخرجون عليه جاء إىل أصحاب رسول هللا ‘ الذين‬
‫علي انطلقوا حيث تشاؤون‪،‬‬ ‫كانوا يف احلبشة وهيّأ هلم سفنا‪ ،‬قال‪ :‬إذا كانت الغلبة ّ‬
‫أما إذا كانت الغلبة تبقون يف أرضي‪.‬‬

‫مث بعد ذلا دخل يف حوار مع من كان حوله من ذوي السلطة‪ ،‬وكتب ورقة‬
‫فيها‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن حممدا رسول هللا‪ ،‬وأن عيسى عبد هللا ورسوله‪ ..‬مث‬
‫وضعها يف ثنايا ثوبه‪ ،‬فعندما خرج ُيادل قومه وحياججهم‪ ،‬قالوا‪ :‬قد خرجت من‬
‫ديننا وتقول يف عيسى غري الذي نقول‪ ،‬قال‪ :‬ماذا تقولون؟‪ ،‬قالوا‪ :‬نقول أنه ابن هللا‪،‬‬
‫قال‪ :‬وأنا أقول هبذا‪ ،‬مث وضع يده على الورقة اليت يف ثنايا ثوبه‪ ،‬فسكن هؤالء‪.‬‬

‫إذا كان كأنه أظهر دينه‪ ،‬لكن بعد أن أرادوا أن خيرجوا عليه‪ ،‬بدأ يكتم دينه‪،‬‬
‫هذا النوع من الناس يُصنّفهم ابن تيمية وابن القيم ‪-‬رحهما هللا‪ -‬بالصنف الرابع‬
‫األصناف الثالثة األوىل ذُكروا يف بداية سورة البقرة‪ :‬املؤمنون والكافرون واملنافقون‪..‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪546‬‬

‫معروف هؤالء حاهلم‪ ،‬املنافق‪ :‬هو الذي يظهر اإلميان ويبطن الكفر‪ ،‬أما الصنف‬
‫الرابع‪ :‬هذا الذي يظهر الكفر ويبطن اإلميان‪.‬‬

‫فالنجاشي كان من هذا الصنف‪ ،‬تظاهر هلم بأنه على دينهم‪ ،‬لكنه يف حقيقته‬
‫أقروا هذا الصنف‪ ،‬جاؤوا‬
‫كان مؤمنا برسول هللا ‘‪ ،‬وابن تيمية وابن القيم عندما ّ‬
‫باألدلة على ذلا‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬

‫قوله ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬فَإِن َكا َن ِمن قَـوٍم َع ُد ٍّو ل ُكم َوُه َو ُمؤِم ٌن﴾ [النساء‪،]92:‬‬
‫إذا قد تقتل إنسانا قومه كلهم كفار‪ ،‬لكن الذي قتلته من بينهم هذا مؤمن كان‬
‫يعيش فيما بينهم‪.‬‬

‫﴿مؤِم ٌن ِّمن ِآل فِر َعو َن﴾ [غافر‪ ،]28:‬أنه‬


‫كذلا استدلوا بقول هللا تبار وتعاىل‪ُّ :‬‬
‫كان يكتم إميانه‪.‬‬

‫إذا هذا الصنف موجود‪ ،‬والنجاشي كان من هذا الصنف‪ ،‬يقول ابن القيم‬
‫¬‪" :‬مل َتزل هذه الطائفة ضرب يف الناس على عهد رسول هللا ‘ وبعده‪ ،‬وهم‬
‫على عكس املنافقني من كل ٍ‬
‫وجه‪ ،‬كمؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إميانه‪،‬‬
‫وكالنجاشي الذي صلى عليه رسول هللا ‘"‪ .‬انتهى كالم ابن القيم ¬‪ ،‬إذا‬
‫النجاشي من هذا الصنف‪.‬‬

‫يل َعلَى إميانه‪ :‬فما جاء يف [صحيح البخاري] ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ :-‬أنه‬ ‫أَ َّما َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫رجل صاحل‪ ،‬فقوموا فصلّوا على أخيكم‬ ‫يف يوم وفاته قال ألصحابه‪( :‬مات اليوم ٌ‬
‫أصحمة)‪ ،‬واحلديث عند اإلمام مسلم‪ ،‬ويف رواية عند البخاري‪( :‬استغفروا ألخيكم)‬
‫وص ّفهم صفوفا وصلى على النجاشي صالة الغائب‪ ،‬إذا يقينا كان على اإلميان‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪547‬‬

‫ابن األثري يف [أسد الغابة يف معرفة الصحابة] ذكر أن الرسول ‘ أرسل عمرو بن‬
‫أمية الضمري ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬إىل النجاشي برسالة‪ ،‬هذه الرسالة فيها طلب الرسول‬
‫‘ من النجاشي أن يعتنق اإلسالم‪ ،‬وطلب منه أيضا أن يزوجه بأم حبيبة (أمنا‬
‫~ وأرضاها رملة بنت أيب سفيان ‪ ،)¢‬وكذلا طلب منه يف الرسالة أن يبعث‬
‫إليه من عنده من املسلمني؛ هذه الرسالة وصلت إىل النجاشي يف السنة السادسة من‬
‫رد النجاشي لرسول هللا ‘ يف رسالة‪ :‬من النجاشي إىل رسول هللا‪ ،‬أنين‬ ‫اهلجرة‪ ،‬مث ّ‬
‫آمنت با صادقا ُمص ّدقا‪ ،‬وأو أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬بايعتا وبايعت ابن عما‪،‬‬
‫رب العاملني(‪ ،)81‬هذا مضمون رسالة النجاشي إىل رسول هللا‬
‫وأسلمت على يديه هلل ّ‬
‫قرر ‪-‬وهذه حقائق تارخيية‪-‬‬ ‫‘؛ إذا النجاشي آمن برسول هللا‪ ،‬ولكن ُيب أن نُ ّ‬
‫أنه‪:‬‬
‫َك ْم ُم َّد ُة ْ‬
‫إسالم َّ‬
‫الن َج ِاش ِي؟‬ ‫ِ‬
‫هو اعتنق اإلسالم يف السنة السادسة من اهلجرة‪ ،‬وفاته‪ :‬يقول ابن كثري ‪¬-‬‬
‫شرفها هللا تعاىل‬
‫رحة واسعة‪" :-‬ووفاته قبل فتح مكة بكثري"‪ ،‬وأنت تعلم أن مكة ‪ّ -‬‬
‫وعظّمها‪ -‬فُتِ َحت يف السنة الثامنة من اهلجرة‪ ،‬إذا وفاته قبل السنة الثامنة وبعد السنة‬
‫السادسة‪ ،‬هذه هي فرتة اعتناقه اإلسالم‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫(‪‹‹ )81‬نص الرسالة‪" :‬بِس ِم اَلل الرحَ ِن الرحي ِم إِ َىل ُحمَمد َر ُسول اَلل م َن الن َجاش ِّي أصحمة َس َالمٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا يَا‬‫ا يَا نَِيب اَلل ِم َن اَلل َوَرحَةُ اَلل َوبـََرَكاتُهُ‪ ،‬اَللُ الذي َال إِلَهَ إِال ُه َو‪ ،‬أَما بـَع ُد‪ :‬فَـ َقد بـَلَغَِين كِتَابُ َ‬ ‫َعلَي َ‬
‫ت ثفروقا‬ ‫يسى َال يَِز ُ‬ ‫ب السم ِاء واألَر ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اَللِ فِيما ذَ َكر ِ ِ ِ‬
‫يد َعلَى َما ذَ َكر َ‬ ‫ض إن ع َ‬ ‫يسى‪ ،‬فَـ َوَر ّ َ َ‬ ‫ت من أَمر ع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ول اَللِ‬‫ا َر ُس ُ‬ ‫ا َوأَص َحابَهُ فَأَش َه ُد أَن َ‬ ‫ت بِِه إِلَيـنَا‪َ ،‬وقَد قَـربـنَا اب َن َع ِّم َ‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ ،‬وقَد َعَرفـنَا َما بُعث َ‬ ‫إِنهُ َك َما ذَ َكر َ‬
‫ني"››‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب ال َعالَم َ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ت اب َن َع ِّم َ‬
‫ِ‬
‫ت َعلَى يَ َديه َلل َر ّ‬ ‫ا‪َ ،‬وأَسلَم ُ‬ ‫ا َوبَايـَع ُ‬
‫صدقا‪َ ،‬وقَد بَايـَعتُ َ‬ ‫صادقا ُم َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪548‬‬

‫إذا علمت هذه احلقائق‪ ،‬فكيف بقي حيكم احلبشة باألحكام اليت كان حيكم هبا‬
‫عندما كان على الديانة النصرانية؟‬

‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬أن النجاشي َع ِم َل ا َعلِ َم من دين هللا ¸‪.‬‬

‫ما الذي َعلِ َمهُ من دين هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وما الذي خفي عليه من دين هللا‬
‫تبار وتعاىل؟‪ ،‬وهذا الذي خفي عليه هل ُحياسب عليه شرعا أم ال؟‬

‫اء‪ :‬الذي علمه من دين هللا تبار وتعاىل‪ :‬توحيد هللا ¸‪ ،‬هو سابقا كان‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫يقول‪ :‬إن هللا ثالث ثالثة‪ ..‬بعد اإلميان باهلل‪ ،‬أصبح يقول‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬هذا الذي‬
‫بلغه‪ ،‬وكان يؤمن بعيسى ‪-‬على رسولنا وعليه الصالة والسالم‪ -‬على أنه ابن هلل ¸‪،‬‬
‫وبعد إميانه برسول هللا ‘‪ ،‬علم أنه عبد هللا ورسوله وأن كلمته ألقاها إىل ‪-‬مرمي‬
‫عليها السالم‪ ،-‬وتر الديانة النصرانية واعتنق ديانة اإلسالم؛ إذا هذه التحوالت‬
‫أصبحت بناء على ما بلغه من الدين‪.‬‬

‫هذه األمور وصلت إىل النجاشي وعمل هبذه األمور‪ ،‬أما باقي التشريعات فلم‬
‫يصل إىل النجاشي منها شيء‪ ،‬ما وصل له شيء؛ بدليل أن عبدهللا بن مسعود ‪-‬‬
‫‪ ¢‬وأررضاه‪ -‬عندما رجع من احلبشة سلّم على رسول هللا ‘ وكان يُصلّي‪ ،‬فلم‬
‫يرد عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬كنا نُسلِّم عليا‪ ،‬فرتد‪- .‬أي‪ :‬ملاذا مل ترد علي‬
‫ّ‬
‫اآلن؟‪ -‬قال الرسول ‘‪( :‬إن يف الصالة شغال)(‪.)82‬‬

‫(‪ )82‬احلديث عند البخاري ¬ رحة واسعة‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪549‬‬

‫يف بداية التشريع‪ :‬أثناء الصالة‪ ،‬أحد يُسلّم‪ ،‬تقول‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬لكن فرتة‬
‫وجود هؤالء الصحابة يف احلبشة‪ ،‬هذا التشريع نُ ِسخ وجاء بتشريع آخر‪ :‬أنا إذا‬
‫كنت يف الصالة‪ ،‬ومل يرد أحد السالم‪ ،‬أنت ترد باإلشارة بيد ‪ ،‬جتعل ظاهر يد إىل‬
‫السماء وباطن اليد إىل األرض‪ ،‬يف وضع كنت تشري هبذه الطريقة‪ ،‬هذه هي السنة يف‬
‫رد السالم‪ ،‬لكن عبدهللا بن بن مسعود ما علم هذا الشيء املتعلق بالصالة‪ ،‬ألن‬ ‫ّ‬
‫الشرائع ما كانت تصل إليهم‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬املسألة ليست مقتصرة على النجاشي‪ ،‬بل الصحابة الذين هاجروا‬
‫إىل تلا الديار كان حاهلم كحال النجاشي‪ ،‬فذهبوا من مكة ا علموه من اإلسالم‪،‬‬
‫وذهاهبم إىل احلبشة كان يف السنة اخلامسة من البعثة‪ ،‬بقوا إىل السنة السابعة من‬
‫اهلجرة‪ ،‬ورجعوا إىل املدينة يف عام غزوة خيرب من احلبشة‪ ،‬إذا ما يقرب من ثالث‬
‫عشرة سنة هم يف احلبشة‪ ،‬طوال هذه الفرتة ال يعرفون عن التشريعات اليت نزلت يف‬
‫فرتة املدينة‪ ،‬بل كانوا على ما أخذوه من دين يف العهد املكي وكانوا بتعبدون هللا ¸‬
‫بذا الذي علموه‪ ،‬إذا حال النجاشي كحال الصحابة الذين كانوا يف تلا الديار‪،‬‬
‫وسنأيت إىل قول ابن حزم ¬ حىت تعلم أن هؤالء يُعذرون أم ال‪.‬‬

‫إذًا النجاشي َع ِم َل ا َعلِ َم من الدين‪ ،‬أما التشريعات مل يعمل هبا ألنه مل يُبلغ‬
‫ومل تبلغه هذه التشريعات‪.‬‬

‫وأنت تعلم أن من موانع التكفري ‪-‬يعين إذا وقع رجل يف ناقض‪ ،‬هنا موانع‪-‬‬
‫من ضمن موانع التكفري‪ :‬أن من اعتنق اإلسالم‪ ،‬وكان يعيش يف منطقة نائية مقطوعة‬
‫عن املسلمني‪ ،‬بعد أن اعتنق اإلسالم ارتكب ناقضا من النواقض‪ ،‬هل ُيوز ٍ‬
‫ألحد أن‬
‫يُك ّفره؟‪ ،‬ال ُيوز‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن كونه يف منطقة نائية ومقطوعة عن املسلمني‪ ،‬مينع من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪550‬‬

‫الردة عليه؛ ألن املنطقة النائية مانع من موانع‬


‫الردة عليه أو إنزال حكم ّ‬
‫إطالق اسم ّ‬
‫التكفري‪.‬‬

‫إذا النجاشي هذا حاله‪ ،‬كان يعيش يف احلبشة وهو منقطع ُكليًّا عن املدينة وعن‬
‫بناقض من النواقض ال ُيوز‬‫ٍ‬ ‫التشريعات اليت كانت تنزل يف تلا الفرتة؛ إذا إذا أتى‬
‫بالردة أو باخلروج من اإلسالم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ألحد شرعا أن حيكم عليه ّ‬
‫هنا كالم البن العريب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬نقله اإلمام القرطيب ¬ يف‬
‫تفسريه‪ ،‬قال ابن العريب‪ :‬ملاذا صلى الرسول ‘ على النجاشي؟‬

‫قال ابن العريب وهو يُعلّل سبب صالة رسول هللا ‘ على النجاشي‪" :‬ألن‬
‫الرسول ‘ َعلِ َم أن النجاشي ومن معه من الصحابة ليس عندهم يف الصالة على‬
‫وعلِ َم أهنم سيدفنون النجاشي بغري صالةٍ؛ فبادر إىل الصالة"‪.‬‬
‫امليت أثر‪َ ،‬‬
‫الرسول ‘ َعلِ َم هذا األمر‪ ،‬هذا قول ابن العريب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫ابن كثري يف تفسريه نقل هذا الكالم البن العريب‪ ،‬مث قال بعد ذلا‪" :‬وهذا‬
‫اب جيّد" الكالم البن العريب‪ ،‬نقله اإلمام القرطيب‪ ،‬مث نقله ابن كثري‪ ،‬وابن كثري‬
‫جو ٌ‬
‫اب جيّد"‪.‬‬
‫علّق على كالم ابن العريب‪ ،‬قال‪" :‬وهذا جو ٌ‬
‫إذا علمت اآلن أن التشريعات ما كانت تصل إليهم‪ ،‬فطاملا أن التشريعات ما‬
‫وصلت إليه فكان حيكم ا يراه هو‪ ،‬هذا ال يُعترب ناقضا من نواقض اإلسالم يف‬
‫ديننا‪.‬‬

‫أقرأ اآلن قول ابن حزم وقول ابن تيمية رحهما هللا تعاىل يف هذه املسألة‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪551‬‬

‫ول ابْ ُن َح ْزم ¬ يف [احمللى]‪ ،‬يقول‪" :‬ال خالف يف أن امرءا لو‬ ‫ي‬
‫الح ْظ َما َذا يَ ُق ُ‬
‫أسلم ومل يعلم شرائع اإلسالم‪ ،‬فاعتقد أن اخلمر حالل‪ ،‬وأن ليس على اإلنسان‬
‫ٍ‬
‫خالف يُعت ّد به"‪.‬‬ ‫صالة‪ ،‬وهو مل يبلغه حكم هللا تعاىل؛ مل ي ُكن كافرا بال‬

‫إيش معىن كالم ابن حزم ¬؟‬

‫رجل كان يعيش يف منطقة نائية‪ ،‬اعتنق اإلسالم‪ ،‬لكن ما بلغه أن اخلمر يف‬
‫اإلسالم حرام‪ ،‬فكان يعتقد جازما أن اخلمر حالل‪ ،‬هذا عمل ُمرج من امللة‪ ،‬لكن‬
‫ما تستطيع أن تُك ّفره‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه يف منطقة نائية ومل يبلغه هذا احلكم الشرعي‪ ،‬بل‬
‫زاد على ذلا‪ ،‬قال‪ :‬ما كان يرى الصالة على اإلنسان‪ ،‬أساسا ما يرى أن هنا‬
‫شيء امسه صالة‪ ،‬هذا ال يُك ّفر‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه مل يبلغه التشريع‪ ،‬ومن مل يُبلّغ‬
‫بالشيء‪ ..‬ال ُحياسب عليه‪.‬‬

‫جة [أي هذا‬


‫بعد ذلا أكمل ابن حزم حديثه‪ ،‬قال‪" :‬حىت إذا قامت عليه احلُ ّ‬
‫الذي استحل وتر الصالة] فتمادى‪ٍ ،‬‬
‫حينئذ بإمجاع األمة فهو كافر‪ ".‬يعين‪ :‬قيل له أن‬ ‫ّ‬
‫يستحل اخلمر‪ ،‬عند ذلا يُك ّفر هذا اإلنسان؛‬
‫ّ‬ ‫اخلمر حرام يف ديننا‪ ،‬ومع هذا بقي‬
‫ألن احلجة قد قامت عليه والشرع قد بلغه‪ .‬هذا القول األول البن حزم‪.‬‬

‫أَ َّما قَ ْولُهُ َ‬


‫اآلخ ُر يف [الفصل يف امللل واألهواء والنحل]‪" :‬وكذلا من مل يبلغه الباب‬
‫معذور ال مالمة عليه‪ ،‬وقد كان جعفر بن أيب طالب‬ ‫ٌ‬ ‫من واجبات الدين‪ ،‬فإنه‬
‫وأصحاهبم ‪ €‬بأرض احلبشة ورسول هللا ‘ باملدينة والقرآن ينزل والشرائع تُشرع‪،‬‬
‫فال يبلغ إىل جعفر وأصحابه أصال النقطاع الطريق مجلة من املدينة إىل أرض احلبشة؛‬
‫ضرهم [أي أصحاب رسول هللا] ذلا يف دينهم شيئا إذا‬ ‫ست سنني فما ّ‬‫وبقوا كذلا ّ‬
‫عملوا احلرام وتركوا املفروض"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪552‬‬

‫طوال هذه السنوات الثالث عشرة اليت بقوا فيها هنا ‪ ،‬يقينا أشياء ُح ّرمت‬
‫وأشياء أُحلّت‪ ،‬ولكن هم ما كانوا يلتزمون ال هبذه التحليالت وال هبذه التحرميات‪،‬‬
‫وأشياء فُرضت هم ما كانوا يلزمون أنفسهم‪ ،‬هؤالء معذورون؛ ألن الشرع مل يبلغهم‬
‫يف تلا الديار‪ ،‬والنجاشي حاله من حال أصحاب رسول هللا ‘‪.‬‬

‫آخ ٌر البْ ين تَ ْي يميَّةَ يف [الواسطيّة]‪ ،‬يقول ¬‪" :‬ليس كل من خالف‬


‫لم َ‬
‫اك َك ٌ‬
‫ُهنَ َ‬
‫شيء من هذا االعتقاد ُيب أن يكون هالكا‪ ،‬فإن املنازع قد يكون ُجمتهدا يغفر‬ ‫يف ٍ‬
‫ُ‬
‫هللا له خطأه‪ ،‬وقد ال يكون بلغه يف ذلا من العلم ما تقوم به عليه احلُ ّجة"‪ .‬إذا من‬
‫مل يبلغه الدين ال ُحياسب على تركه للدين‪.‬‬

‫ول‪ :‬النجاشي َع ِم َل ا َعلِ َم من الدين‪ ،‬أما تفاصيل‬


‫إ ًذا نَأْيِت اآل َن َونَ ُق ُ‬
‫التشريعات‪ :‬فلم يصل إليه من رسول هللا ‘ شيء‪ ،‬فهو معذور على األحكام اليت‬
‫كان حيكم هبا تلا الديار‪ ،‬علما أنه كان على اإلسالم‪ ،‬هذه هي احلقيقة بالنسبة‬
‫إىل النجاشي‪.‬‬

‫نأيت اآلن إىل هؤالء الذين يستدلّون بقصة النجاشي يف الدخول يف الربملانات‬
‫ويف مواطن ال ِرّدة‪:‬‬

‫اء‪ :‬الفارق بني النجاشي ¬ وبني هؤالء احلُثالة‪ :‬أن النجاشي تر دينا‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫واعتنق اإلسالم‪ ،‬تر الديانة النصرانية واعتنق اإلسالم‪ ،‬أما هؤالء‪ :‬فقد تركوا اإلسالم‬
‫واعتنقوا األفالطونية وال ّدميُقراطيّة‪ ،‬وأنت علمت ما معىن الدستور‪ ،‬وما معىن جلنة‬
‫كتابة الدستور‪ ،‬وما معىن اجليش‪ ،‬وما معىن الشرط‪ ،‬وما معىن ال ّدميُقراطيّة‪ ..‬كل هذه‬
‫املعاو علمناها واحلمد هلل؛ إذا هؤالء خرجوا من اإلسالم واحنازوا إىل أفالطون وإىل‬
‫الردة ‪-‬‬
‫ال ّدميُقراطيّة وبدؤوا يدعون‪ ،‬فكيف يقيس رجل خرج من اإلسالم ودخل يف ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪553‬‬

‫والعياذ باهلل‪ -‬كيف يقيس نفسه على رجل خرج من الكفر ودخل يف اإلسالم؟!‪،‬‬
‫هذا فارق‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أن النجاشي َع ِم َل ا َعلِ َمهُ من الدين‪ ،‬وهذا الذي بلغه أنتم ما‬
‫ال َِا ير ُق َ‬
‫الذي خيفى عليكم من الدين؟!‪ ،‬اآلن هل خيفى علكيم شيء من الدين حىت إذا‬
‫دخلتم يف مواطن ال ِرّدة هذه نقول لكم العذر ألنكم مل تُبلّغوا؟!‪ ،‬أحكام هللا ¸‬
‫كلها تعرفوهنا‪ ،‬بل فيكم من خيطب‪ ،‬وفيكم من ُحياضر‪ ،‬وفيكم من يُد ِّرس‪ ،‬وفيكم‬
‫من يعترب نفسه عاملا‪ ،‬وفيكم من يعترب نفسه ُمف ّكرا‪ ،‬إذا أنت كيف تقيس نفسا‬
‫على النجاشي‪ ،‬والنجاشي ما َعلِ َم من الدين إال أشياء والتزم هبا‪ ،‬أما أنتم فقد تركتم‬
‫كل الدين الذي تعرفونه‪ ،‬واحنزمت إىل هؤالء وبدأمت تضربون شرع هللا ¸ جانبا‪،‬‬
‫وحتكمون بني الناس بالقوانني والدساتري؟!‪ ،‬إذا ال وجه شبه بني النجاشي وبني هؤالء‬
‫بناء على هذا الذي ذكرته‪ ،‬هذه الشبهة اليت يستدل هبا هؤالء‪.‬‬

‫َل ُه ْم ُش ْب َه ٌة ُأ ْخ َرى‪َ :‬وهي َم ْس َأ َل ُة‪ُ :‬‬


‫صلح ُ‬
‫الحديبية‬ ‫ِ‬
‫َوأُنَبيّ ُه َ‬
‫ك إل أَ ْمر‪ :‬أن هؤالء اخلُبثاء دائما يُكثرون من العناوين يف االستدالل‪،‬‬
‫عندما جتلس معه وتقول الربملان‪ ،‬يقول لا‪ :‬يا أخي العزيز‪ ..‬قصة يوسف‪،‬‬
‫أحل هللا؟!‪ ،‬حلف‬ ‫ِ‬
‫النجاشي‪ ،‬صلح احلُديبية‪ ،‬وثيقة املدينة‪ ،‬ملَ ُحتّرم على نفسا ما ّ‬
‫الفضول‪ ،‬يُكثر لا من العناوين‪ ،‬فتقول‪ :‬يا ُسبحان هللا‪ ،‬كل هذه األدلة واحنا ما‬
‫نعرف شيء!‪ ،‬لكن إذا طالبته بالتفاصيل يعجز‪ ،‬ما يستطيع أن ينزل هذا الدليل على‬
‫الواقع الذي يعيشه‪ ،‬ما مكن بأي ٍ‬
‫حال من األحوال‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪554‬‬

‫كيف استدلّوا بصلح احلُديبية على جواز الدخول يف الربملانات؟‬

‫قالوا‪ :‬ألن الرسول ‘ وافق املشركني يف بعض التشريعات اليت كانت لديهم‬
‫وبقي على اإلسالم‪ ،‬إذا حنن أيضا ممكن أن نوافق هؤالء يف بعض التشريعات اليت‬
‫عندهم ونبقى أيضا مسلمني‪ ،‬أين الضرر؟‪ ،‬هذا الدليل‪ ،‬صلح احلديبية!‪ ،‬فما حقيقة‬
‫صلح احلُديبية؟ وهل له عالقة بالذي ذهبوا إليه؟‬

‫َّأوًال‪ :‬صلح احلديبية يف السنة السادسة من اهلجرة خرج الرسول ‘ ُمعتمرا يريد‬
‫شرفها هللا تعاىل وعظّمها‪-‬‬
‫العمرة‪ ،‬عندما وصل إىل الثنية ‪-‬منطقة قريبة من مكة ّ‬
‫بركت ناقة رسول هللا ‘ وامسها (القصواء)‪ ،‬فالصحابة عندما رأوا هذا الشيء من‬
‫الناقة بدأ أحدهم يصرخ‪" :‬حل‪ ،‬حل"‪ ..‬وهذه كلمة تقوهلا العرب الستفزاز الناقة أو‬
‫الدابة لكي تنهض‪ ،‬مث عندما مل تتحر الدابة‪ ،‬قالوا‪ :‬خألت القصواء‪ ،‬خألت‬
‫القصواء‪ ،‬أي‪ :‬أصبح األمر صعبا عليها‪ ،‬فقال الرسول ‘‪( :‬ما خألت القصواء‪،‬‬
‫وما ذا هلا ِخبُلق‪ ،‬بل حبسها حابس الفيل)(‪.)83‬‬

‫ُيب أن تقف عند هذه الكلمات‪" ،‬حبسها حابس الفيل"‪ ..‬أي‪ :‬أن هللا تبار‬
‫وتعاىل ال يريد من رسوله أن يتو ّغل أكثر مما وصل إليه‪- ،‬كما أنه مع الفارق بني‬
‫أبرهة ورسول هللا‪ ،‬حاشا أن يكون بينهما وجه شبه‪ -‬لكن كما منع هللا ¸ الفيل من‬
‫التقدم باجتاه مكة‪ ،‬اآلن منع ناقة رسول هللا ‘ من أن تتوغّل باجتاه مكة؛ وهلذا‬
‫ّفزها الرسول ‘ مث توجه هبا إىل جهة احلديبية مث عسكر يف احلديبية‪.‬‬

‫(‪ )83‬صحيح البخاري‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪555‬‬

‫يف هذا املوطن قال الرسول ‘ كالما‪ ،‬ذكره اإلمام البخاري‪ ،‬قال‪( :‬والذي‬
‫نفسي بيده ال يسألوو خطة يعظمون فيها حرمات هللا إال أعطيتهم إياها)‪.‬‬

‫إذا كأنين أفهم من حديث رسول هللا ومن برو الناقة وحبس هللا ¸ للناقة‪ :‬أن‬
‫صلحا‪،‬‬‫الرسول ‘ أيقن أنه لن يدخل مكة هبذه الطريقة‪ ،‬لكن ممكن أن يدخلها ُ‬
‫علي خطة فيها تعظيم لبيت هللا احلرام‪،‬‬
‫وهلذا بعد بعد برو الناقة قال‪ :‬ما يعرضون ّ‬
‫إال وأوافقهم على هذه اخلطة اليت سيقرتحوهنا‪.‬‬

‫مث عسكر يف منطقة احلديبية‪ ،‬وفد إليه أناس من خزاعة ‪-‬وهؤالء كانوا على‬
‫حلف مع بين هاشم يف اجلاهلية‪ ،‬فبينهم أواصر‪ ،-‬ومن ضمن هذا الوفد كان رجل‬
‫امسه (بديل بن ورقاء اخلزاعي) حّله الرسول ‘ رسالة إىل أهل مكة‪ ،‬ألن أهل مكة‬
‫كانوا قد حتشدوا يف داخلها يريدون أن مينعوا الرسول ‘ من الدخول‪ ،‬أهل الطائف‬
‫قد قدموا‪ ،‬غطفان قد قدموا‪ ،‬كل هذه القبائل قد حتشدت‪ ،‬فقال الرسول ‘ لبديل‬
‫بن ورقاء‪ :‬أبلغ أهل مكة أننا مل ِجنئ ملـُقاتلة أحد‪ ،‬ولكن جئنا لنعتمر‪ ،‬فإن قريشا قد‬
‫وخيلّوا بيين وبني‬
‫أضرت هبم‪ ،‬فإن شاؤوا أن أماددهم مدة‪ ،‬أم ّدهم ُ‬ ‫هنكتهم احلرب و ّ‬
‫الناس‪ ،‬وإال فوالذي نفسي بيده ألقاتلنهم على أمري هذا حىت تنفرد سالفيت‪.‬‬

‫هذه رسالة حّلها الرسول ‘ بديال إىل أهل مكة‪ ،‬ذهب بديل بن ورقاء إىل‬
‫داخل مكة‪ ،‬اجتمع عليه الناس‪ ،‬قال‪ :‬جئت برسالة من هذا الرجل ‪-‬كما عند‬
‫البخاري ¬ رحة واسعة‪ ،-‬سفهاء أهل املكة ‪-‬أجلّكم هللا‪ ،-‬قالوا‪ :‬ال نريد أن‬
‫نعرف شيئا من خربه‪ ،‬أما احللماء منهم قالوا‪ :‬أمسع‪ ،‬فذكر هلم أو ما جئت ألقاتلكم‬
‫وإن كنتم تريدون أن أماددكم مدة وترتكوو مع الناس أقاتلهم‪ ،‬أدخل معكم يف هذا‬
‫الصلح‪ ،‬فكان من بني احلاضرين عروة بن مسعود الثقفي ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬ويف ذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪556‬‬

‫الوقت كان مشركا‪ ،‬قال‪ :‬هذه خطة خري‪ ،‬اقبلوها‪ ،‬ودعوو أن أذهب إليه‪ ،‬فأذنوا له‪،‬‬
‫ذهب إىل رسول هللا ‘ وطر عليه نفس املشروع‪( ..‬إن كنتم تريدون أن‬
‫أماددكم‪ ..‬أمدكم‪ ،‬على أن ترتكوو مع الناس‪ ،‬وإال إن مل تقبلوا باملماددة بيين‬
‫حل إال أن‬
‫وبينكم؛ ألقاتلنكم حىت حيكم هللا ¸ بيين وبينكم‪ )..‬فقريش علمت ّأال ّ‬
‫خيتاروا أحد األمرين‪ :‬إما الصلح‪ ،‬وإما القتال‪.‬‬

‫إذا الصلح هنا كان مبادرة من رسول هللا ‘ وليس من مشركي مكة‪ ،‬هو الذي‬
‫بادر سألة الصلح‪ ،‬وُيب أن نقف عند كملة الصلح هذه؛ ألن الصلح ال يكون إال‬
‫بني فئتني متكافئتني يف القوة وبينهما نزاع‪ ،‬فإذا كان نزاع بني فئتني والقوة متكافئة ‪-‬‬
‫قوة هذه تساوي قوة هذه‪ -‬هؤالء ممكن أن يفكروا بالصلح‪ ،‬هذا يشرتط وهذا‬
‫يشرتط‪ ،‬قد يتفقون وقد ال يتفقون‪ ،‬أما إذا كان طرف قوي والطرف اآلخر ضعيف‪:‬‬
‫هؤالء ال يتصاحلون؛ ألن القوي ميلي شروطه على الضعيف‪ ،‬وكذلا إذا دخلوا يف‬
‫صراع وأحدهم انتصر على اآلخر‪ :‬املنتصر ال يصاحل املهزوم‪ ،‬بل ميلي عليه شروطه‪..‬‬
‫وهذا الذي حصل يف احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وهذا الذي حصل يف احلرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬وهذا الذي حصل عندما دخل البعثيون الكويت‪ ،‬أملوا عليهم الشروط‪،‬‬
‫ملاذا؟؛ ألهنم قد اهنزموا يف املعركة‪.‬‬

‫إذا طرف يتغلب على طرف ال يسمى صلحا‪ ،‬وإمنا إمالء شروط‪ ..‬طرف قوي‬
‫وطرف ضعيف‪ ،‬ال يسمى صلحا وإمنا إمالء شروط‪ ،‬أما الصلح فال يكون إال بني‬
‫فئتني متكافئتني‪ ،‬وقريش قد علموا أن قوة رسول هللا ‘ أصبحت متكافئة بل أعلى‬
‫من قوهتم؛ بدليل أهنم يف السنة الثانية أخرجوا جيشا وقاتلوا رسول هللا ‘‪ ،‬يف السنة‬
‫الثالثة أخرجوا جيشا وقاتلوا‪ ،‬يف السنة الرابعة أخرجوا جيشا وقاتلوا‪ ،‬لكن بعد ذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪557‬‬

‫أضرهتم‪ ،‬فبدؤوا يفكرون أن هذه القوة أصبحت أعلى من قوهتم‬


‫هنكتهم احلروب و ّ‬
‫هم‪ ،‬من هنا ف ّكروا يف الدخول يف الصلح‪.‬‬

‫جيّد‪ ..‬هذا صلح‪ ،‬إيش عالقته يف الدخول يف الربملانات؟!‪ ،‬هذا صلح‪ ،‬أنت‬
‫تتصاحل مع من عندما تدخل يف الربملانات؟!‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬هل كان يف الشروط اليت وافق عليها الرسول ‘ شيئا من دين‬
‫املشركني؟‪َ ،‬ه َذا ُس َؤ ٌال‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬هل كان يف شيء من هذه الشروط ُمالفة شرعية يف ديننا‬ ‫ال َ‬ ‫الس َؤ ُ‬
‫َو ُّ‬
‫ث األَ ْم َر‪:‬‬
‫ووافق عليها الرسول ‘؟‪ ،‬نَ ْب َح ُ‬
‫ط األَ َّو ُل‪ :‬عندما جاء سهيل بن عمرو ‪-‬وهو آخر الوفود‪ -‬لكي يكتب‬ ‫َّ‬
‫الِّ ْر ُ‬
‫(‪)84‬‬
‫العقد مع رسول هللا ‘‪ ،‬ورآه الرسول ‘ فقال‪( :‬لقد ُس ِّهل لكم من أمركم)‬
‫كان يتفاءل باألمساء‪ ،‬فقال لعلي‪( :‬اكتب‪ :‬بسم هللا الرحن الرحيم) قال سهيل بن‬
‫عمرو‪" :‬أما الرحن فوهللا ما أدري ما هو‪ ،‬ولكن اكتب‪ :‬بامسا اللهم‪ ..‬كما كنت‬
‫تكتب"‪ .‬فقال النيب ‘‪( :‬اكتب‪ :‬بامسا اللهم)‪.‬‬

‫مث قال‪( :‬هذا ما قاضى عليه حممد رسول هللا)‪ ،‬قال سهيل‪" :‬وهللا لو كنا نعلم‬
‫أنا رسول هللا‪ ،‬ما صددنا عن البيت‪ ،‬وال قاتلنا ‪ ،‬ولكن اكتب‪ :‬حممد بن‬
‫عبدهللا"‪ ،‬فقال الرسول ‘‪( :‬وهللا إو لرسول هللا وإن كذبتموو‪ ،‬اكتب‪ :‬حممد بن‬
‫عبدهللا)‪.‬‬

‫(‪ )84‬صحيح البخاري‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪558‬‬

‫اآلن هل هذا موافق لدين املشركني‪ ،‬وُمالف لديننا؟!‪ ،‬هل يف القبول هباتني‬
‫العبارتني ُمالفة شرعية؟!‪ ،‬يقينا ال‪ ،‬إيش الدليل على أن األخذ هباتني العبارتني ليس‬
‫فيه ُمالفة شرعية؟‬

‫يل األَو ُل‪ :‬أن الرسول ‘ وافق‪ ،‬فطاملا وافق إذا ال يوجد شيء امسه ُمالفة‬‫الدلِ‬
‫ُ‬
‫شرعية‪ ،‬ألهنا لو كانت ُمالفة ما كان ليوافق‪ ،‬ودليل عدم وجود املعصية‪ :‬أن عمر ‪-‬‬
‫‪ ¢‬وأرضاه‪ -‬كما يف [صحيح البخاري]‪ ،‬جاء إىل رسول هللا ‘ بعد أن كتبوا عقد‬
‫الصلح‪ ،‬قال‪" :‬ألست نيب هللا حقا؟" فقال الرسول ‘‪( :‬بلى)‪ ،‬قال‪" :‬ألسنا على‬
‫احلق وعدونا على الباطل؟" قال‪( :‬بلى)‪ ،‬قال عمر‪" :‬فَلِ َم نُعطي الدنية يف ديننا‬
‫إذا؟!" قال النيب ‘‪( :‬إو رسول هللا لست أعصيه‪ ،‬وهو ناصري)‪.‬‬

‫"لست أعصيه"‪ ..‬إذا يف كل هذه الشروط ال توجد معصية‪" ،‬إو رسول هللا‬
‫ُ‬
‫لست أعصيه"‪.‬‬

‫ذهب إىل أيب بكر ‪ ¢‬وقال له نفس الكالم‪ ،‬فقال له الصديق‪" :‬أيها الرجل؛‬
‫إنه لرسول هللا ‘‪ ،‬وليس يعصي ربه‪ ،‬وهو ناصره؛ فاستمسا بغَرِزه"‪.‬‬

‫إذا هذه البنود اليت كتبت‪ ،‬الرسول ‘ قال‪ :‬لست أعصي هللا ¸؛ إذا ال توجد‬
‫معصية‪.‬‬

‫نَأْيِت اآل َن‪ :‬هل فيها موافقة لدين املشركني؟‬


‫ال‪ ،‬عندما يكتب‪" :‬بامسا اللهم" ليس هذا موافقة هلم يف دينهم‪ ،‬عندما يكتب‬
‫"حممد بن عبدهللا" ال توجد موافقة يف دينهم‪ ،‬وإمنا هذا يف ديننا أيضا‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪559‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أن الرسول ‘ إذا أراد أن يُقدم على أم ٍر ال يوافق ما عند هللا‬
‫األَ ْم ُر َ‬
‫¸‪ :‬إما أنه ُمينع من إتيان هذا األمر ‪-‬تتوفر األسباب فيُمنع‪ ،-‬أو أنه يدخل مث بعد‬
‫ذلا يُعاتَب‪ ،‬ودليل ذلا‪ :‬يف صحيح البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬يف يوم‬
‫اخلميس يف مرض موته ‘‪ ،‬قال‪َ ( :‬هلُ ّم أكتب لكم كتابا ال تضلّوا بعده)‪ .‬ائتوو‬
‫بقرطاس‪ ،‬ألكتب لكم كتابا ال تضلوا بعده‪ ..‬الصحابة حدث بينهم كالم أنه‬
‫نكتفي بكتاب هللا‪ ،‬الرسول ‘ مريض اآلن‪ ،‬فقال الرسول ‘ (قوموا)‪ ،‬وتر كتابة‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬

‫إذا هو أراد‪ ،‬لكن هللا ¸ ما أراد ذلا‪ ،‬وهلذا مل يكتب؛ بدليل أن بني وفاته‬
‫وبني هذا الطلب أربعة أيام‪ ،‬الطلب كان يوم اخلميس وتويف يوم االثنني‪ ،‬إذا لو أراد‬
‫هللا ¸ ذلا لنف ّذ رضي الصحابة أو مل يرضوا‪ ،‬إذا قد يريد أن يقدم على أمر ولكن‬
‫هللا ¸ ال يريد ذلا‪ ،‬فيهيء األسباب‪ ،‬فيمنع إمتام هذا األمر‪.‬‬

‫كذلا‪ :‬رواية ‹‹عند البخاري›› ‪ ¬-‬رحة واسعة‪‹‹ ،-‬عن عبادة بن الصامت‬


‫قال‪ :‬خرج النيب ‘ ليخربنا بليلة القدر›› فتالحى رجالن من املسلمني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(خرجت ألخربكم بليلة القدر‪ ،‬فتالحى فالن وفالن‪ ،‬فَـ ُرفِ َعت‪ ،‬وعسى أن يكون خريا‬
‫لكم‪ ،)..‬إذا هو أراد‪ ،‬لكن هللا ¸ ما أراد ذلا‪ ،‬فبسبب تالحي هذين االثنني ما‬
‫بلّغهم بليلة القدر‪ ،‬قال‪( :‬التمسوها يف العشر األواخر من رمضان)(‪.)85‬‬

‫(‪ )85‬رواه البخاري‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪560‬‬

‫إذا قد ُمينع‪ ،‬ولكن إذا دخل يف موطن ومل يوافق ما عند هللا ¸‪ ،‬يُعاتَب كما يف‬
‫ص َدقُوا َوتَـعلَ َم‬ ‫قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬ع َفا اَلل عنا ِمل أ َِذنت َهلم حىت يـتبـني لَ ِ‬
‫ين َ‬
‫ا الذ َ‬
‫َ ُ َ َ َ َ ُ َ ٰ َََ َ َ‬
‫ِ‬
‫ال َكاذبِ َ‬
‫ني﴾ [التوبة‪.]43:‬‬

‫يف غزوة تبو ‪ ،‬الرسول ‘ كان يأتيه املنافقون‪ :‬ائذن يا رسول هللا‪ ،‬فيأذن‬
‫نت َهلُم‬ ‫له‪ ،‬إذا دخل يف موطن‪ ،‬لكن اآلية بعد ذلا جاءت‪﴿ :‬ع َفا اَلل ع ِ ِ‬
‫نا ملَ أَذ َ‬
‫َ َُ َ‬
‫ِ‬ ‫حىت يـتبـني لَ ِ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ص َدقُوا َوتَـعلَ َم ال َكاذبِ َ‬
‫ين َ‬
‫ا الذ َ‬
‫َ ٰ َََ َ َ‬
‫س َوتَـ َو ٰىل ۝ أَن َجاءَهُ األَع َم ٰى‬ ‫﴿عبَ َ‬‫وكذلا‪ :‬يف قصة عبدهللا بن أم مكتوم‪َ :‬‬
‫ى﴾ [عبس‪.]4-1:‬‬ ‫يا لَ َعلهُ يَـزك ٰى ۝ أَو يَذك ُر فَـتَن َف َعهُ ال ِّذكَر ٰ‬
‫۝ َوَما يُد ِر َ‬
‫ب بعد ذلا؛ إذا ما جاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إذا الرسول ‘ ما ُمن َع من إمضاء هذا العقد‪ ،‬وال عُوت َ‬
‫يف هذا العقد شرعي‪.‬‬
‫كذلا الرسول ‘ ال يوافق على ٍ‬
‫شرط ُخيالف شرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬كما يف‬
‫قصة بريرة عندما أرادت أن تنال حريتها باملكاتبة‪ ،‬وجاءت إىل أمنا عائشة‪ ،‬فقالت‬
‫لا ‪-‬املكاتبة يعين‪ :‬قيمة املكاتبة على أن يكون والئا ‪-‬‬ ‫أمنا عائشة‪ :‬أنا أدفع ِ‬
‫لكن أهل بريرة كانوا يشرتطون أن الوالء يكون هلم‪ ،‬فبلغت رسول هللا ‘ هبذا‬
‫األمر‪ ،‬فقال‪( :‬خذيها واشرتطي هلم الوالء‪ ،‬فإمنا الوالء ملن أعتق)‪ ،‬مث بعد الصالة‬
‫قال‪( :‬ما بال رجال يشرتطون شروطا ليست يف كتاب هللا‪ ،‬ما كان من شرط ليس يف‬
‫كتاب هللا فهو باطل)(‪ )86‬إذا الشروط غري املوافقة للشرع‪ ،‬ال يوافق عليها الرسول‬
‫‘‪.‬‬

‫(‪ )86‬واحلديث عند البخاري‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪561‬‬

‫بَاقِي ُّ‬
‫الش ِ‬
‫روط‪:‬‬

‫من بني هذه الشروط‪ :‬الرسول ‘ قال لسهيل‪َ ( :‬علَى أَن ُختَلُّوا بَـيـنَـنَا َوبـَ َ‬
‫ني‬
‫ضغطَة(‪،)87‬‬ ‫ِ‬
‫ب أَنا أُخذنَا ُ‬ ‫"واَللِ َال تَـتَ َحد ُ‬
‫ث ال َعَر ُ‬ ‫ف به)‪ .‬قال سهيل‪َ :‬‬
‫ت فَـنَطُو َ ِِ‬ ‫البـي ِ‬
‫َ‬
‫ا ِم َن ال َع ِام ال ُمقب ِل "‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َولَ ِكن ذَل َ‬
‫ِ (‪)88‬‬

‫وعلى أن يدخلوا بسال الراكب والسيوف يف القرب ملدة ثالثة أيام‪ ،‬والرسول‬
‫‘ وافق على هذا األمر‪.‬‬

‫هذا الشرط ليس من دينهم‪ ،‬ليس من دين مشركي مكة أن يشرتطوا على‬
‫الداخلني ملكة شروطا‪ ،‬إذا هذا شرط يف الصلح‪ ،‬فاملوافقة عليه موافقة على شرط يف‬
‫الصلح وليس على الدين‪ ،‬هذا ليس من ديينهم‪.‬‬

‫مث قال‪ :‬ال يأتيا منّا رجل‪ ،‬وإن كان على دينا إال رددته إلينا‪ ،‬ومن يأتينا‬
‫نرده إليا‪ ،‬ووافق الرسول ‘ على هذا األمر‪.‬‬
‫منا‪ ،‬ال ّ‬
‫يعين‪ :‬رجل أسلم‪ ،‬والتحق با بعد الصلح تُعيده إلينا‪ ،‬ورجل من عند ارت ّد‬
‫والتحق بنا‪ ،‬هذا ال نعيده إليا‪.‬‬

‫ذكر اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬ملاذا الرسول ‘ وافق على هذا الشرط‪ ،‬الحظ‬
‫ماذا قال النيب ‘‪( :‬إنه من ذهب منّا إليهم فأبعده هللا‪ ،‬ومن جاءنا منهم سيجعل‬
‫هللا له فرجا وُمرجا)‪ ،‬أي‪ :‬سنعيده‪ ،‬لكن سيجعل هللا له فرجا وُمرجا‪ ،‬وهذا الذي‬
‫حصل‪ ،‬فما من رجل أعاده الرسول ‘ إال وأصبح وباال على أهل مكة‪ ،‬أبو بصري‬

‫(‪ )87‬أي‪ :‬أُجربنا على الدخول‪.‬‬


‫(‪ )88‬أي‪ :‬ولكن تأيت يف السنة القادمة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪562‬‬

‫عندما أرجعه وأصبح الذي يعتنق اإلسالم يلتحق بأيب بصري وما يلتحق برسول هللا‪،‬‬
‫أهل مكة جاؤوا إىل رسول هللا‪ ،‬هم يريدون إلغاء هذا البند من العقد‪ ،‬أنه اقبل هؤالء‬
‫إذا جاؤو ‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن الرسول ‘ يف فرتة صلح ما يقاتلهم‪ ،‬أما هؤالء الذين‬
‫جتمعوا هنا هؤالء بدؤوا يقطعون الطريق على قريش‪ ،‬إذا هم تنازلوا عن هذا الشرط‬
‫ألن الرسول ‘ قال‪ :‬سيجعل هللا هلم فرجا وُمرجا‪.‬‬

‫إذا ال يوجد شيء من هذه البنود من املوافقة على ‹‹دين›› مشركي مكة‪.‬‬

‫بعد ذلا هذا الذي جاء يف صلح احلديبية يثبت أن قريشا كانت يف موقف‬
‫ضعف‪ ،‬وهلذا قبلوا باملصاحلة‪ ،‬والدليل على ذلا‪ :‬أهنم ُخ ّريوا بني القتال وبني‬
‫الصلح‪ ،‬فاختاروا الصلح‪.‬‬

‫جبزء من املعاهدة‪ ،‬ألن هللا ¸ أمره بأم ٍر‬ ‫الشيء اآلخر‪ :‬أن الرسول ‘ ما التزم ٍ‬
‫فالتزم بأمر هللا تبار وتعاىل‪ ،‬هذا اجلزء أن امرأة امسها أم كلثوم بنت عقبة بن أيب‬
‫معيط‪ ،‬بعد الصلح هاجرت إىل املدينة‪ ،‬وجب االتفاقية على الرسول ‘ أن يعيدها‬
‫يسرتدها‪ ،‬فأنزل‬
‫إىل أهل مكة‪ ،‬وهلذا جاء الوليد بن عقبة بن أيب معيط أخوها لكي ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهن ۚ اَللُ‬ ‫ات ُم َهاجَرات فَامتَحنُ ُ‬ ‫ين َآمنُوا إِ َذا َجاءَ ُك ُم ال ُمؤمنَ ُ‬‫هللا ¸‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫وهن إِ َىل ال ُكفا ِر ۚ َال ُهن ِحلٌّ هلُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫وهن ُمؤمنَات فَ َال تَـرجعُ ُ‬ ‫أَعلَ ُم بِِإميَاهنن ۚ فَإِن َعلمتُ ُم ُ‬
‫َوَال ُهم َِحيلُّو َن َهلُن﴾ [املمتحنة‪ ،]10:‬فالتزم الرسول ‘ بأمر هللا تبار وتعاىل وما‬
‫حركت ساكنا‪ ،‬ما قالوا هذا خرق للصلح الذي بيننا‬ ‫أعاد هذه املرأة‪ ،‬وقريش ما ّ‬
‫وبينا‪ ،‬انتهى الصلح‪ ،‬ما قالوا هذا الشيء‪ ،‬إذا هذا دليل على ضعف هؤالء‪.‬‬

‫طبعا الدليل يف الصلح‪ :‬أهنم كتبوا‪" :‬ال يأتيا منّا رجل‪ "...‬فقال‪ :‬هذه امرأة‬
‫ليست رجل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪563‬‬

‫الذي يُثبت القوة‪ :‬أن قريشا نقضوا العهد بعد ذلا عندما أعانوا بين بكر على‬
‫خزاعة‪ ،‬الرسول ‘ خرج وغزاهم‪.‬‬

‫إذًا ال أدري حقيقة عندما أفكر يف هذه التفاصيل‪ ،‬إيش عالقة الربملان هبذا‬
‫الذي قلته؟!‪ ،‬إذا هي طريقة االستدالل بالعناوين‪ ،‬يعين عندما تبحث‪ :‬أين وجه‬
‫الردة من خالل صلح‬
‫الشبه؟!‪ ،‬أين جتد لا مدخال لكي تدخل يف موطن ّ‬
‫احلديبية؟!‬

‫األخ َير ُة‪َ :‬م ْس َأ َل ُة ح ْلف ُ‬


‫الف ُ‬
‫ضو ِل‪:‬‬
‫ُ َْ ُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫الشبهة ِ‬
‫وهذا أيضا مما يستدلون به‪ ،‬الرسول ‘ قال‪( :‬لقد شهدت يف دار عبدهللا بن‬
‫أحب أن به حر النعم‪ ،‬ولو أُدعى به يف اإلسالم ألجبت)(‪.)89‬‬ ‫جدعان حلفا‪ ،‬ما ّ‬
‫هؤالء اختذوا هذا األمر ذريعة‪ ،‬أن الرسول ‘ دخل يف حلف‪ ،‬مث أثىن على هذا‬
‫احللف‪ ،‬وكانوا مشركني يف ذلا الوقت؛ إذا ما الضري يف أن ندخل مع هؤالء أيضا‬
‫الل يبَ يذهي ُّ‬
‫الِّ ْب َه ية‪:‬‬ ‫االستي ْد ي‬
‫الر ُد َعلَى ْ‬
‫كما قال الرسول ‘ يف حلف الفضول؟!‪َ ،‬و َّ‬
‫َّأوًال‪ :‬الرسول ‘ قال‪( :‬ولو أُدعى به يف اإلسالم ألجبت)‪ ،‬ليس يف الشر ‪ ،‬يف‬
‫اإلسالم‪َ ،‬ه َذا أَمٌر‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬هل ميكن أن يأتوا مشركني إىل رسول هللا ‘‪ ،‬ويقولون‪ :‬نريد أن‬
‫ندخل معا يف حلف حىت ندفع بعض الظلم؟!‪ ،‬ويقبل أن يشرت مع هؤالء يف رفع‬
‫رد املظامل يف داخل مكة‪.‬‬
‫الظلم؟!؛ ألن حلف الفضول هذا احللف قام على أساس ّ‬

‫(‪ )89‬السرية النبوية‪ ،‬البن هشام‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪564‬‬

‫جاء رجل تاجر من خارج مكة‪ ،‬ومعه أموال ومعه فتاة‪ ،‬العاص بن وائل اشرتى‬
‫عطه‪ ،‬وأخذ اجلارية أيضا‪ ..‬فجاء الرجل يستعدي عليه أهل مكة‪ ،‬فما‬ ‫منه ومل ي ِ‬
‫ُ‬
‫استجاب له أحد‪ ،‬فوقف يف مكة وقال أشعارا‪ ،‬سادة مكة قالوا ما ينبغي أن نسكت‬
‫نرد‬
‫على هذا األمر‪ ،‬فاجتمع الزبري واجتمع فالن وفالن‪ ..‬وعقدوا حلفا على أن ّ‬
‫ردوه أهنم ذهبوا إىل العاص بن وائل وأخذوا منه‬
‫املظامل يف داخل مكة‪ ،‬فأول ظلم ّ‬
‫وردوها‪.‬‬
‫األموال وأخذوا منه اجلارية ّ‬
‫الرسول ‘ كان حاضرا يف عقد هذا احللف‪ ،‬لكن بعد ذلا قال‪( :‬ولو أُدعى‬
‫به يف اإلسالم ألجبت)‪.‬‬

‫اآلن إذا دخل مسلم مع مشركني يف حلف لرفع الظلم‪ ،‬كيف يستقيم األمر؟!‬

‫ألن ما يرونه هم ظلما‪ ،‬ال نراه حنن ظلم‪ ،‬على سبيل املثال‪ :‬توحيد هللا ¸ هم‬
‫يرونه ظلما‪ ،‬وهلذا قاتلوا الرسول ‘؛ إذا ضوابط عندهم غري ضوابط الظلم عندنا‪،‬‬
‫وضوابط الظلم عندنا غري ضوابط الظلم عندهم‪ ..‬حنن نرى أنه ال يُقتل إال القاتل‪،‬‬
‫هم كانوا يقتلون أي رجل‪ ،‬إذا هذا ظلم عندنا لكن ليس بظلم عندهم‪ ..‬إذا كيف‬
‫نتفق مع أ ٍ‬
‫ُناس ال نتفق معهم على ضوابط يف الظلم؟!‬

‫ُناس لكي نرفع الظلم اخلفيف وهو ُمتلبِّس‬


‫اآلخ ُر‪ :‬كيف نتفق مع أ ٍ‬ ‫َّ‬
‫الِّيءُ َ‬
‫يم﴾ [لقمان‪]13:‬؟!‪ ،‬األوىل أن أرفع هذا الظلم‬ ‫ِ‬ ‫بأكرب الظلم ﴿إِن ِّ‬
‫الشرَ لَظُل ٌم َعظ ٌ‬
‫الذي عليه‪ ،‬ال أن أستعني به حىت أرفع ظلما‪.‬‬

‫الرابي ُع‪ :‬أن رفع املظامل من خرييّة هذه األمة‪ُ ﴿ ..‬كنتُم َخيـَر أُم ٍة أُخ ِر َجت‬ ‫الِّيءُ َّ‬‫َّ‬
‫وف َوتَـنـ َهو َن َع ِن ال ُمن َك ِر َوتُـؤِمنُو َن بِاَللِ﴾ [آل عمران‪ ،]110:‬هذه‬
‫اس تَأمرو َن بِالمعر ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫للن ِ ُ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪565‬‬

‫األمة‪ ،‬فكيف‬
‫اخلرييّة ما تُعطى ملشر ‪ ،‬أن يُعينين حىت أرفع ظلما‪ ،‬هذه اخلرييّة هلذه ّ‬
‫أقبل من يزيدي أو يزيدية أن تشار معي حىت أرفع ظلما؟!‬

‫هذه هي حقيقة الربملانات‪ ،‬وهذه هي الشبه اليت ركبها هؤالء وهم أبعد الناس‬
‫عن اإلسالم‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪566‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪567‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون‬ ‫اسع و‬ ‫الدرس الت ِ‬
‫َم َس ِاج ُد ِض َرار‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪.‬‬

‫انتهينا من احلديث عن الشبه اليت يستدل هبا من ُُييز لنفسه الدخول يف‬
‫احلكومات الطاغوتيّة ويف الربملانات أيضا‪.‬‬

‫نأيت إىل موضوع متعلق ا قلناه سابقا‪ ،‬وهي مسألة‪ :‬مساجد ضرار‪ ،‬فما قصة‬
‫هذا املسجد؟‪ ،‬وما عالقة هذا املسجد بالكالم الذي قلناه سابقا؟‪ ،‬وما واقع‬
‫املساجد اآلن يف بالد املسلمني‪ ،‬فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪:‬‬

‫ض َرار‪ :‬يف زمن رسول هللا ‘ عندما هاجر إىل املدينة‪ ،‬كان يف‬‫صةُ مس يج يد ي‬ ‫ي‬
‫ق َّ َ ْ‬
‫الراهب‪ ،‬ذكره ابن كثري ¬ وذكره اإلمام‬ ‫املدينة رجل من أهلها يُعرف بأيب عامر ّ‬
‫البغوي وذكره القرطيب وباقي املفسرين ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ ،-‬أما ابن كثري‬
‫وترهب‪ ،‬وكان يلبس املسو ‪-‬أي‪ :‬كان على‬ ‫تنصر ّ‬
‫والبغوي † فقالوا‪ :‬كان قد ّ‬
‫النصرانية يف ذلا الوقت‪ -‬فعندما هاجر الرسول ‘‪ ،‬التقى برسول هللا ‘‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما هذا الذي جئت به؟ قال‪( :‬جئت باحلنيفية دين إبراهيم)‪ ،‬فقال أبو عامر هذا‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪568‬‬

‫لست عليها)‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكنا أنت أدخلت على‬ ‫فأنا عليها‪ ،‬فقال النيب ‘‪َ ( :‬‬
‫احلنيفية ما ليس فيها‪ ،‬فقال النيب ‘‪( :‬ما فعلت‪ ،‬ولكن جئت هبا بيضاء نقيّة) ‪-‬‬
‫كما نقل أهل السرية‪ -‬فقال أبو عامر هذا‪ :‬أمات هللا الكاذب منّا طريدا وحيدا‬
‫غريبا‪ ،‬فقال الرسول ‘‪( :‬آمني)‪ ،‬مث قال‪ :‬ال أجد قوما يُقاتلونا إال قاتلتا معهم‪،‬‬
‫مث تر املدينة وخرج‪.‬‬

‫كان مع املشركني يف غزوة أحد‪ ،‬عندما اصطفت الفئتان‪ ،‬ظن أبو عامر أنه إذا‬
‫أشعر الصحابة بأنه مع املشركني سيتخلون عن رسول هللا ويلتحقون باملشركني‪ ،‬فقال‬
‫ملن كان معه من املشركني‪ :‬دعوو أنادي قومي (هو خزرجي)‪ ،‬فوقف بني الصفني‬
‫وبدأ ينادي‪ :‬يا بين فالن‪ ،‬أنا أبو عامر الراهب‪ ،‬فقال الصحابة ‪-‬رضوان هللا تعاىل‬
‫أقر هللا لا عينا يا فاسق‪ ،‬فرجع الرجل إىل املشركني وقال‪ :‬إن‬
‫عليهم أمجعني‪ :-‬ال ّ‬
‫شر من بعدي‪- ..‬يعين قبل ما كانوا هكذا‪ ،‬عندما يسمعوو أتكلم‪.-‬‬ ‫قومي أصاهبم ٌ‬
‫هذا الرجل بقي طوال هذه الفرتة ُحماربا هلل تبار وتعاىل ولرسوله‪ ،‬وعندما فتح‬
‫يبق أليب عامر هذا موطنا ميكن أين يعيش فيه يف‬ ‫هللا ¸ البالد لرسول هللا ‘ مل َ‬
‫داخل اجلزيرة‪ ،‬وما زال على شركه وعلى حربه‪ ،‬ففكر أن يلتحق بالروم لكي حير‬
‫الروم ضد رسول هللا ‘‪ ،‬ولكن كان على عالقة ببعض املنافقني يف داخل املدينة‬
‫﴿وِمن أَه ِل‬
‫(أتباع له)‪ ،‬وأنت تعلم أن صنفا من املنافقني ذكرهم هللا ¸‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫الم ِدينَ ِة ۚ مردوا علَى النَِّف ِ‬
‫اق َال تَـعلَ ُم ُهم ۚ َحن ُن نَـعلَ ُم ُهم﴾ [التوبة‪ ،]101:‬هذا‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ‬
‫الصنف كان يف داخل املدينة‪ ،‬أبو عامر كان على اتصال ببعض هؤالء املنافقني‪،‬‬
‫فأرسل هلم رسالة‪ :‬أنين ذاهب إىل الروم ألحركهم لقتال حممد ‪ ،-‘-‬مث اقرت‬
‫عليهم أمرا وقال‪ :‬ابنوا مسجدا‪ ،‬حىت إذا أرسلت رجال تلتقون به يف داخل املسجد‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪569‬‬

‫وحىت إذا أردمت أن تنقلوا األخبار يكون يف داخل املسجد‪ ،‬فيُ ّموه االتصال بينه‬
‫وبني هؤالء املنافقني‪ ..‬إذا كانت عملية تغطية حلركاهتم وما يقومون به من أعمال‬
‫ضد اإلسالم واملسلمني‪.‬‬

‫هؤالء املنافقون استجابوا هلذا األمر وشرعوا يف بناء هذا املسجد‪ ،‬واشرت معهم‬
‫بدري ألنه ما كان يعرف نية هؤالء يف بناء هذا املسجد‪ ،‬بعد ذلا كان‬‫صحايب ّ‬
‫يؤم املسلمني يف املسجد‪.‬‬
‫عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬مينع هذا الصحايب من أن ّ‬
‫بنو عوف ‹‹الذين بنوا مسجد قباء›› جاؤوا إىل عمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬يستأذنونه‬
‫أن يؤمهم يف ‹‹مسجدهم›› هذا الصحايب الذي اشرت يف بناء مسجد ضرار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"ال‪ ،‬وال نعمة عني‪ ،‬أليس بإمام مسجد الضرار!" ما يكون إماما هذا‪ ،‬مث جاء‬
‫بدري‪ ،‬فأثبت لعمر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬أنين اشرتكت معهم‬‫الصحايب اجلليل هذا وهو ّ‬
‫ُناس يبنون مسجدا‬
‫وال أعلم بنيّتهم‪ ..‬يعين أنا ما شاركت على أنين معهم‪ ،‬وإمنا أ ٌ‬
‫يؤم املسلمني يف ذلا‬
‫فاشرتكت معهم يف بناء املسجد‪ ،‬عند ذلا إذا له عمر أن ّ‬
‫املسجد‪.‬‬

‫تنس أن هذه احلادثة يف‬


‫بعد أن انتهى هؤالء املنافقون من بناء هذا املسجد ‪-‬ال َ‬
‫السنة التاسعة من اهلجرة‪ -‬جاؤوا إىل رسول هللا ‘‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬قد بنينا‬
‫مسجدا لذي احلاجة‪ ،‬واملرضى والضعفاء والليلة الشاتية الباردة‪ ،‬فنحب أن تصلي لنا‬
‫فيه وتدعو بالربكة‪ ،‬فقال الرسول ‘ كما ذكر اإلمام القرطيب ¬‪( :‬إِِّو على سفر‬
‫صليـنَا لَ ُكم فِ ِيه) ألنه كان خيرج لقتال الروم يف غزوة‬
‫وحال شغل‪ ،‬فلو قدمنا ألتيناكم َو َ‬
‫تبو ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪570‬‬

‫خرج الرسول ‘ ورجع‪ ،‬ولكن قبل أن يدخل املدينة أنزل هللا تبار وتعاىل عليه‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‬
‫ني ال ُمؤمن َ‬ ‫ين اختَ ُذوا َمسجدا ضَرارا َوُكفرا َوتَـف ِريقا بَـ َ‬ ‫﴿والذ َ‬ ‫هذه اآلية املباركة قال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإِر ِ‬
‫ب اَللَ َوَر ُسولَهُ من قَـب ُل ۚ َولَيَحل ُفن إِن أ ََردنَا إِال احلُس َ ٰىن ۚ َواَللُ‬ ‫صادا لّ َمن َح َار َ‬ ‫َ َ‬
‫س َعلَى التـق َو ٰى ِمن أَوِل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يَش َه ُد إِنـ ُهم لَ َكاذبُو َن ۝ َال تَـ ُقم فيه أَبَدا ۚ ل َمسج ٌد أ ّ‬
‫ُس َ‬
‫ِ‬ ‫وم فِ ِيه ۚ فِ ِيه ِر َج ٌ‬
‫ال ُِحيبُّو َن أَن يَـتَطَه ُروا ۚ َواَللُ ُِحي ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ين﴾‬ ‫ب ال ُمط ّه ِر َ‬ ‫َح ُّق أَن تَـ ُق َ‬
‫يَـوم أ َ‬
‫[التوبة‪ ،]108-107:‬هذه اآلية نزلت قبل أن يدخل الرسول ‘ املدينة‪ ،‬فانتدب‬
‫عدي أو أخوه‬ ‫أربعة من أصحابه أحدهم امسه مالا بن الدُّخ ُش ِم‪ ،‬والثاو َمعن بن ّ‬
‫وحشي قاتل حزة ‪€-‬‬ ‫ّ‬ ‫عاصم بن عدي‪ ،‬والثالث عامر بن الس َكن والرابع‬
‫أمجعني‪ ،-‬وقال هلم‪( :‬انطَلِقوا إِ َىل ه َذا المس ِج ِد الظ ِ‬
‫امل أَهلُهُ فَاه ِد ُموهُ َوأَح ِرقُوهُ)‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫فانطلقوا مسرعني‪ ،‬وأخذ مالا ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬سعفة خنل‪ ،‬مث أشعل يف السعفة النار‬
‫وحتولت أرضية‬ ‫وجاء إىل هذا املسجد وأشعل النار يف املسجد‪ ،‬مث بعد ذلا ُه ّدم ّ‬
‫مكان تُرمى فيه القمامة والكناسة وما إىل ذلا‪ ،‬أظن هذه البقعة بقيت‬ ‫املسجد إىل ٍ‬
‫هكذا‪ ،‬لكن اإلمام البغوي ¬ ذكر يف تفسريه أن حتويل األرضية إىل مزبلة َوُك ّل‬
‫الكناسة‪ ،‬قال‪ :‬هذا كان بأمر رسول هللا ‘‪ ،‬لكين ما وجدت سندا متصال برسول‬
‫هللا ‘‪ ،‬كيفما كان األمر‪ ،‬األرضية حتولت إىل مزبلة‪ ،‬بعد ذلا أُعطيت هذه القطعة‬
‫من األرض إىل أحد أبناء األرقم بن أيب األرقم ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬هذه البقعة الوحيدة‬
‫يف املدينة اليت كان ماؤها مج‪ ..‬القطعة الوحيدة يف داخل املدينة‪ ،‬هذه هي حقيقية‬
‫هذا املسجد‪.‬‬

‫وال بد من اإلشارة إىل مسألة متعلقة باملوضوع‪:‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪571‬‬

‫تنس أن الرسول ‘ كان يتعامل مع ظاهر الناس وما يتعامل مع باطنهم؛‬ ‫ال َ‬
‫ألن باطن هؤالء كانوا قد بنوا املسجد هلذه الغايات األربعة‪ ،‬بينما ظاهرهم أهنم بنوا‬
‫هذا املسجد للضعفاء وللليلة الشاتية‪ ...‬والرسول ‘ تعامل مع ظاهرهم إىل أن نزل‬
‫الوحي عليه‪ ،‬عند ذا بدأ يتعامل مع ما أضمروه من شر يف بناء هذا املسجد‪.‬‬

‫َْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫إذا َعلي ْم ُ‬


‫ت َه َذا األَ ْمر‪ ،‬فَيإ َّن ِف َه َذا ال مس يج يد أَربع ي‬
‫ص َِات‪:‬‬

‫يّ‬
‫الص َِةُ األُ ْو َل‪ :‬ضرار‪.‬‬

‫الص َِةُ الثَّانييَةُ‪ :‬كفر‪.‬‬


‫يّ‬
‫الص َِةُ الثَّاليثَةُ‪ :‬تفريق بني املؤمنني‪.‬‬
‫يّ‬
‫الرابي َعةُ‪ :‬إرصاد ملن حارب هللا ورسوله‪ ،‬وهذه الصفات اليت حتققت يف‬ ‫يّ‬
‫الص َِةُ َّ‬
‫اج يدنَا اآل َن؟‬
‫ذلا املسجد‪َ ،‬هل َهلَا َعلقَةٌ يِبَس ي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫طبعا قد تسأل‪ :‬إيش عالقة هذه املساجد وضوعنا‪ ،‬وكنا نتكلم عن ال ّدميُقراطيّة‬
‫وعن الربملانات وما إىل ذلا؟!‪ ،‬ال‪ ،‬املوضوع على عالقة وطيدة جدا بكل الذي‬
‫الردة إال من خالل املنابر‪ ،‬بسبب عدم‬ ‫قلناه سابقا؛ ألن املسلمني ما أُدخلوا مواطن ّ‬
‫مرجئي‬
‫ّ‬ ‫معرفة (أين أُصلي‪ ،‬وأين ال أُصلي‪..‬؟) بدأ الناس يرتادون املساجد‪ ،‬هذا‬
‫يوجههم وجهة‪ ،‬وهذا حزب عراقي يوجههم وجهة‪ ،‬وهذا صويف يوجههم إىل مواطن‬
‫يتحمل جريرة‬ ‫ال ّردة؛ إذا من هنا كانت املسألة‪ :‬أن اخلطباء ليسوا هم وحدهم من ّ‬
‫الردة‪ ،‬بل من يصلي يف تلا املساجد هو أيضا يتحمل جانبا مما‬ ‫دعوة الناس إىل ّ‬
‫أ ِ‬
‫ُدخ َل فيه أو مما وقع فيه من ردة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪572‬‬

‫اإل ِمث ِمث ُل آثَ ِام‬


‫ض َاللٍَة َكا َن َعلَي ِه ِمن ِ‬
‫وحديث رسول هللا ‘‪َ ...( :‬وَمن َد َعا إِ َىل َ‬
‫ا ِمن آثَ ِام ِهم َشيئا) (‪ .)90‬فالذي يدعو إىل ال ِردة من خالل‬ ‫من تَبِعه َال يـنـ ُق ِ‬
‫ص ذَل َ‬
‫َ َُ َ ُ‬
‫يتحمل ذنوب ألف رجل‪ ..‬أما‬ ‫املنرب‪ ،‬إذا كان يصلي معه ألف‪ ،‬واستجابوا ألمره؛ ّ‬
‫عين‪..‬‬ ‫يتحمل ّ‬ ‫يتحمل ذنبه هو‪ ،‬ال يقول‪ :‬اخلطيب ّ‬ ‫فكل ّ‬ ‫هؤالء الذين استجابوا له‪ٌ :‬‬
‫ال‪ ،‬ال ينقص ذلا من آثامهم شيئا‪ ..‬إمث اإلنسان يبقى له‪ ،‬لكن بقدر هذا اإلمث‬
‫ُجوِر َمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(من َد َعا إ َىل ُهدى َكا َن لَهُ من األَج ِر مث ُل أ ُ‬ ‫ُيتمع عند اخلطيب‪ ..‬وكذلا َ‬
‫ُجوِرِهم َشيئا)(‪.)91‬‬ ‫تَبِعه َال يـنـ ُقص ذَلِ َ ِ‬
‫ا من أ ُ‬ ‫َُ َ ُ‬
‫إذا سبب ذهاب املسلمني لكي يقولوا للدستور‪( :‬نعم)‪ ،‬لكي يُعطوا أصواهتم‬
‫للمرشحني للربملانات؛ ألهنم ما كانوا يعرفون هذا احلكم الشرعي املتعلق باملساجد‪،‬‬
‫وأين ُيوز أن أُصلي‪ ،‬وأين ال ُيوز أن أُصلي‪ ،‬وإال لو علمنا هذا األمر‪ ،‬مث بعد‬
‫ذلا بقي هؤالء يُنادون من على املنابر‪ ،‬ال يستجيب هلم أحد‪ ،‬بل ال يُصلي معهم‬
‫إال من كان على هنجهم أو على خطّهم‪ .‬إذا من هنا كانت عالقة هذا املوضوع‬
‫بكل املواضع اليت ذكرناها سابقا‪.‬‬

‫فهذه الصفات األربعة اليت حت ّققت يف ذلا املسجد‪ ،‬هل هي ُمتح ّققة يف‬
‫مساجد عصرنا أيضا؟‬

‫يف دار اإلسالم ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬اآلن ال نُعاو من هذا اإلشكال‪ ،‬ألن أي‬
‫خطيب من هذا النمط من اخلطباء ما يقبل بأي ٍ‬
‫حال من األحوال‪ ،‬فأنا أدخل‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫املسجد وأن مطمئن البال أن هذه مساجد ال عالقة هلا ساجد ضرار اليت كانت‬

‫(‪ )90‬رواه اإلمام مسلم ¬‪.‬‬


‫(‪ )91‬رواه اإلمام مسلم ¬‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪573‬‬

‫قبل أن يفتح هللا ¸ لنا البالد والعباد‪ ،‬وهذا من بركة اجلهاد‪ ،‬اآلن أي مسجد‪،‬‬
‫تدخل وتصلي‪ ..‬ما هتتم أنه هل به صفة لضرار أم ال؛ بينما خارج حدود دار‬
‫اإلسالم‪ ،‬على املسلمني أن ينتبهوا إىل أنفسهم‪ ،‬وأن ُحييطوا علما بأحكام مساجد‬
‫ٍ‬
‫خطيب يوردهم املهالا ويُدخلهم يف مواطن ال ِرّدة ‪-‬‬ ‫ضرار‪ ،‬حىت ال يُصلّوا خلف‬
‫والعياذ باهلل‪!-‬‬

‫املساجد املوجودة اآلن يف بالد املسلمني تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫ي‬
‫الق ْس ُم األَ َّو ُل‪ :‬مسجد قام على أساس التقوى‪ ،‬وما زال على تقوى؛ أي أن‬
‫الذين بنوه بنوه ألجل هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وما دخلت صفة من صفات مسجد ضرار‬
‫ُسس على‬
‫يف هذا املسجد‪ ،‬فماذا نسمي هذا النمط من املساجد؟‪ ،‬نقول مسجد أ ّ‬
‫أساس التقوى‪ُ ..‬يوز لا أن تُصلي يف هذا املسجد اجلمعة واجلماعة أيضا‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫أَما ُحك ُم البنَاء‪ :‬ال ُيوز ملسلم أن ّ‬
‫ميس بناية هذه املساجد شرعا‪ ..‬هذا القسم‬
‫األول من املساجد‪.‬‬
‫ي‬
‫الق ْس ُم الثَّ ياين‪ :‬مساجد أ ّ‬
‫ُسست على أساس التقوى ‪ُ -‬حنسن الظن باملسلمني أنه‬
‫ما من مسلم يبين مسجدا إال ونظن فيه خريا أنه يريد التقرب إىل هللا ¸ هبذا‬
‫املسجد‪ -‬إذا أساس هذا املسجد لتقوى هللا ¸ وطلبا ملرضاته؛ لكن بعد انتهاء‬
‫البناء‪ ،‬إذا دخل يف هذا املسجد صفة من صفات مسجد ضرار كيف نصنف هذا‬
‫ُسس على التقوى‪ ،‬طرأت عليه صفة من صفات ضرار‪..‬‬ ‫املسجد؟‪ ،‬نقول‪ :‬مسجد أ ّ‬
‫ضر‪ ،‬أي دخلت فيه صفة من صفات مسجد‬ ‫ُسس على التقوى‪ ،‬طرأ عليه ّ‬ ‫مسجد أ ّ‬
‫ضرار‪ ،‬مثل هذا املسجد ال ُيوز للمسلم أن يصلي فيه ال مجعة وال مجاعة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪574‬‬

‫ِ ِ‬
‫أَما ُحك ُم البنَاء‪ :‬ال ُيوز ألحد من املسلمني أن ّ‬
‫ميس بناية هذا املسجد‪ ،‬البناية‬
‫تبقى‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن األساس تقوى‪ ،‬والضر طرأ على هذا املسجد‪.‬‬

‫ما املطلوب مين ومنا؟ ‪-‬اآلن احلديث للمسلمني يف باقي البلدان‪ :-‬عليهم أن‬
‫يعملوا على إخراج هؤالء من املسجد‪ ،‬أن يزيلوا صفة الضر من مساجدهم‪ ،‬فإذا‬
‫ُسس‬ ‫مكنهم هللا ¸ من إزالة هؤالء اخلطباء وهؤالء األئمة‪ ،‬يرجع املسجد مسجد أ ّ‬
‫على أساس التقوى‪ُ ،‬يوز لا أن تصلي فيه اجلمعة واجلماعة أيضا‪.‬‬

‫َولَ يك ْن ال بُ َّد يم َن التَّ ْنبي ييه‪ :‬أنه ال ُيوز للمسلمني لكي يزيلوا خطيبا أو إماما من‬
‫مسجد أن يلجؤوا إىل الوسائل غري الشرعية‪ ،‬كأن يتصل بأم ٍن أو استخبار ٍ‬
‫ات أو‬ ‫ٍ‬
‫أوقاف أو ما إىل ذلا؛ ألن هذه طرق غري شرعية لتحقيق تلا الغاية الشرعية‪ ،‬ال‬
‫ُيوز االستعانة هبؤالء‪ ،‬إذا كنت متلا وسيلة شرعية إلخراج هؤالء من املسجد‪:‬‬
‫قدم‪ ..‬ولكن ال تُقدم على أسلوب أو وسيلة غري شرعيّة‪ ،‬وإذا مل تتمكن فأنت‬ ‫تُ ِ‬
‫ف اَللُ نَـفسا إِال ُوس َع َها﴾ [البقرة‪ ،]286 :‬فال‬ ‫معذور بني يدي هللا ¸ َ ِ‬
‫﴿ال يُ َكلّ ُ‬
‫يدفعا عدم الوسع‪ ،‬إىل أن تستعني بالطواغيت إلخراج هؤالء من املساجد‪ ،‬هذا‬
‫القسم الثاو من املساجد‪.‬‬
‫ث‪ :‬مسجد أُسس من أول يوم ٍ‬
‫لغاية من هذه الغايات األربعة‪ :‬إما‬ ‫ّ‬ ‫الق ْس ُم الثَّالي ُ‬
‫ي‬
‫ُسس لغاية من هذه الغايات أو‬ ‫ٍ‬
‫ضر‪ ،‬إما كفر‪ ،‬إما تفريق وإما إرصاد‪ ،‬فأي مسجد أ ّ‬ ‫ّ‬
‫ُسس على أساس‬ ‫ألكثر من غاية من هذه الغايات‪ ،‬يُقال عن هذا املسجد‪ :‬مسجد أ ّ‬
‫ضر‪ ،‬وليس على أساس تقوى‪.‬‬

‫اج ِد‪ :‬ال ُيوز لا أن تصلي يف هذه املساجد ال‬


‫حكم الصالةِ يف ه ِذهِ الـمس ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫اجلمعة وال اجلماعة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪575‬‬

‫أّما ُحك ُم البِنَ ِاء‪ :‬فعلى املسلمني أن يعملوا على إزالة هذه البنايات‪ ،‬حبيث ال‬
‫يبقى هلا وجود‪.‬‬

‫إذا علمت هذا‪ ،‬فاعلم أنه ال يدخل يف حديثي احلُسينيّات‪ ..‬احلُسينيّات ما‬
‫ُناس ليسوا سلمني‪ ،‬ال عالقة هلم‬ ‫تدخل يف حديثي؛ ألن هذه أماكن عبادة تابعة أل ٍ‬
‫باإلسالم‪ ،‬فأين ما ُوِج َدت احلُسينيّة يف دار اإلسالم ُه ّد َمت ‪-‬وهلل الفضل واملِنَة‪-‬‬
‫ُسس على أساس‬ ‫ألننا ال نقبل‪ ،‬هذا مسجد ‪-‬فيما إذا مسّوه مسجدا‪ -‬هذا مسجد أ ّ‬
‫ضر‪ ،‬كل صفات مسجد ضرار كانت متحققة يف هذه احلُسينيّات‪ ،‬وهلذا بعد متكني‬
‫هللا ¸ ما بقيت ُحسينيّة واحدة يف دار اإلسالم؛ ألن حكم هذه البنايات اهلدم‬
‫واحلرق واإلزالة‪.‬‬

‫التصوف‪ ..‬هذه‬
‫سمىى بالتّكايا التابعة ألهل ّ‬ ‫وكذلا ال يدخل يف حديثي ما يُ ّ‬
‫بنايات غري شرعيّة‪ ،‬حكمها اهلدم أينما ُوِج َدت؛ ألهنا أصبحت شعارا أل ٍ‬
‫ُناس‬
‫سمون باملتوصوفة‪ ،‬وأوجدوا ألنفسهم أماكن للعبادة‪ ،‬علما أن مكان العبادة يف‬ ‫يُ ّ‬
‫ديننا املساجد‪ ،‬ارجع إىل كتاب هللا ¸‪ ،‬ال جتد مكان العبادة غري املسجد‪ ،‬وترجع‬
‫إىل أحاديث رسول هللا ‘‪ ،‬ال جتد ملكان العبادة عند املسلمني إال املسجد‪ ،‬أما أن‬
‫سمونه (تكية) خاصة هبم‪ ،‬فهذا أيضا يُزال ويُه ّدم‪.‬‬
‫يأتوا ويبنوا بناء ويُ ّ‬
‫تنس هذه من مستحدثات املتصوفة‪ ،‬ووجدوا ألنفسهم أيضا دليال على‬ ‫طبعا ال َ‬
‫وت أ َِذ َن اَللُ أَن تُـرفَ َع َويُذ َكَر‬
‫﴿يف بـي ٍ‬
‫التكية‪ ،‬استدلوا بآية [سورة النور‪ ]37-36:‬قال‪ُُ ِ :‬‬
‫ال ال تُـل ِهي ِهم ِجتَ َارةٌ َوَال بَـي ٌع َعن ِذك ِر‬
‫ص ِال ۝ ِر َج ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َيها امسُهُ يُ َسبِّ ُح لَهُ ف َيها بِالغُ ُد ِّو َواآل َ‬
‫اَللِ َوإِقَ ِام الص َالةِ﴾‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا هذا بيت ليس مسجدا‪ ،‬إذا نبين بيتا هبذه املواصفات‪،‬‬
‫فإذا بنينا أصحبنا يف بيوت هبذه املواصفات نتواجد فيها‪ ،‬وهذا فهم سقيم لآلية؛ ألن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪576‬‬

‫هذه اآلية نزلت على رسول هللا ‘‪ ،‬هل فهم من اآلية ما تفهمونه أنتم؟!‪ ،‬هل‬
‫ُوِج َد إىل جانب مسجد رسول هللا بناية أخرى تسمى تكية أو بيت للعبادة غري‬
‫املسجد بناء على هذه اآلية؟!‪ ،‬إذا الرسول ‘ ما فهم من اآلية ما فهمتموه أنتم‪،‬‬
‫وإمنا هذا كان بوحي من الشيطان‪ ،‬فوصل بكم أن أنشأمت ألنفسكم مكانا خاصا‬
‫بكم للعبادة‪.‬‬

‫هذا أيضا ال يدخل يف حكم مساجد ضرار‪ ،‬ألن هذه األماكن تُزال أساسا‬
‫أينما ُوِج َدت‪.‬‬

‫قلنا ال ُيوز لا أن تصلي يف هذه املساجد إيش الدليل؟‪ ،‬قبل أن نعرف‬


‫صفات هذه املساجد نقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َما َم ْع َنى‪﴿ :‬ال ت ُق ْم ِف ِيه أ َب ًدا﴾؟‬
‫علماء التفسري ‪ †-‬تعاىل‪ -‬كابن كثري ¬ قال‪ :‬أي‪ :‬ال تُصلّي فيه‪.‬‬
‫ابن العريب ¬ يقول‪ :‬ال تُقم فيه يف ٍ‬
‫وقت من األوقات‪ ،‬وال يف ح ٍ‬
‫ني من‬
‫األحيان‪.‬‬

‫﴿ال تَـ ُقم﴾؟؛ ألن (القيام) يف لغة العرب‬


‫جيّد‪ ..‬أنا أريد أن أفهم إيش معىن َ‬
‫هذه الكلمة هلا معىن‪ ،‬ويف الشرع هلا معىن آخر‪.‬‬

‫يف لغة العرب‪ :‬من انتصب واقفا على رجليه يسمى قائما‪ ..‬أي‪ :‬الواقف على‬
‫رجليه هذا قائم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪577‬‬

‫أما يف الشرع هل هللا ¸ هنانا أن نقف يف مثل هذه املساجد على رجلينا؟‪ ،‬أم‬
‫املطلوب شيء آخر؟‬

‫﴿ال تَـ ُقم فِي ِه أَبَدا﴾‪ :‬ال تصلي فيه أبدا‪.‬‬


‫ال‪ ،‬املطلوب من هذه الكلمة َ‬
‫َْ َ َ ْ ُ َ‬
‫﴿ال َت ُق ْم﴾ َع َلى (ال ُت َّ‬
‫ص ِلي)؟‬ ‫كيف تح ِمل‬
‫اء‪ :‬كالم ابن كثري وابن العريب وباقي املفسرين ‪ †-‬تعاىل‪ ،-‬أما إيش‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫﴿ال تَـ ُقم﴾ عىن ال تصلي؟‪ ،‬حديث رواه أبو هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪-‬‬ ‫الدليل على أنه َ‬
‫عن رسول هللا ‘ قال‪( :‬من قام رمضان إميانا واحتسابا‪ ،‬غُ ِفَر له ما تق ّدم من‬
‫(‪)92‬‬
‫رجلي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على‬ ‫ا‬‫اقف‬
‫و‬ ‫أبقى‬ ‫رمضان‬ ‫ليا‬ ‫ال‬
‫و‬ ‫ط‬ ‫أنين‬ ‫احلديث‬ ‫من‬ ‫أفهم‬ ‫ال‬ ‫أنا‬ ‫‪.‬‬ ‫ذنبه)‬
‫ما كان من ذنويب!‬ ‫مث ذلا يغفر هللا‬

‫وكذلا عند البخاري‪ ،‬عن أيب هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال الرسول ‘‪( :‬من قام‬
‫أحتني‬ ‫ِ‬
‫ليلة القدر إميانا واحتسابا غُفَر له ما تق ّدم من ذنبه)‪ ،‬أنا ال أفهم من (قام) أنين ّ‬
‫رجلي حىت يغفر هللا ¸ ما كان من ذنيب‪ ،‬ال‬ ‫ليلة القدر‪ ،‬مث أظل واقفا على ّ‬
‫يُفهم‪ ،‬إمنا ما الذي يُفهم؟‬

‫معىن أنا تُقيم‪ :‬أن تصلي ليا رمضان‪ ،‬ومعىن تُقيم ليلة القدر‪ :‬أي تصلي يف‬
‫ليلة القدر‪.‬‬

‫وكذلا دليل آخر عند اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عن أمنا عائشة ‪-‬‬
‫~ وأرضاها‪ :-‬أن نيب هللا ‘ كان يقوم من الليل حىت تتفطر قدماه‪ ،‬فقالت‬

‫(‪ )92‬احلديث عند اإلمام البخاري ¬ رحة واسعة‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪578‬‬

‫عائشة‪ِ :‬ملَ تصنع هذا يا رسول هللا وقد غفر هللا لا ما تقدم من ذنبا وما تأخر؟‪،‬‬
‫قال‪( :‬أفال أحب أن أكون عبدا شكورا)‪.‬‬

‫إذا كان يقوم حىت تتفطر قدماه‪ ،‬ما معناته يقف يف الليل وأصابه ما أصابه! ال‪،‬‬
‫﴿ال تَـ ُقم فِ ِيه أَبَدا﴾‪ :‬أي ال تصلي فيه‪ .‬هذا دليل‬
‫كان يصلي يف الليل‪ ،‬إذا معىن َ‬
‫دليل آخر‪ :‬هنا يف لغة العرب ‪-‬والقرآن نزل بلغتهم كما تعلم‪ -‬شيء يسمى‬
‫إطالق اجلزء وإرادة الكل‪ ،‬إيش الدليل على هذا الكالم؟‬

‫﴿وَما َكا َن لِ ُمؤِم ٍن أَن يَـقتُ َل ُمؤِمنا إِال َخطا ۚ َوَمن قَـتَ َل‬
‫يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ُمؤِمنا َخطا فَـتَح ِر ُير َرقَـبَ ٍة ُّمؤِمنَ ٍة﴾ [النساء‪.]92:‬‬

‫إذا الرقبة يف لغة العرب‪ :‬هذا املفصل الذي بني الرأس وبني البدن‪ .‬هللا ¸‬
‫يقول‪﴿ :‬فَـتَح ِر ُير َرقَـبَ ٍة ُّمؤِمنَ ٍة﴾‪ ،‬هل أفهم من اآلية أن من قتل مؤمنا خطا يأيت إىل‬
‫عبد يقول‪ :‬رقبتا حرة يف سبيل هللا؟!‪ ،‬يقينا ال‪ ،‬إذا كيف أفهم؟‬ ‫ٍ‬

‫أفهم أن هللا تبار وتعاىل أطلق اجلزء (أهم جزء يف العبد هي رقبته)‪ ،‬وأراد كل‬
‫حر يف سبيل هللا؛ وسبب تسمية العبد بالرقبة‪ :‬ألنه يُقاد‬ ‫العبد‪ ،‬أن تقول للعبد أنت ٌ‬
‫ائت باحلاجة‬‫إىل األمر الذي يريده سيده‪ ،‬اذهب إىل املكان الفالو‪ ،‬يذهب‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫الفالنية‪ ،‬يأيت‪ ..‬فكأنه يُقاد من رقبته‪ ،‬وهلذا يسمى رقبة‪ ،‬ومن أعتق عبدا يُسمى‪:‬‬
‫أعتق رقبة يف سبيل هللا‪ ..‬إذا إطالق اجلزأ وإرادة الكل‪.‬‬

‫﴿ال تَـ ُقم﴾‪ :‬ال تصلي؛ ألن القيام من هم أركان الصالة‪ ،‬وهو الركن‬
‫عندما قلنا‪َ :‬‬
‫حديث أذكره عن رسول هللا ‘‪ ،‬ولكن حقيقة ال أعلم مبلغ‬ ‫ٌ‬ ‫البارز يف الصالة‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪579‬‬

‫صحته‪ ،‬قال‪( :‬أفضل الصالة أطوهلّن قياما) كلما تزيد يف الوقوف‪ ،‬كلما تكون‬
‫الصالة أفضل‪ ..‬هذا إذا كنت تصلي لوحد ‪ ،‬أما إذا كنت إماما فاملسألة ختتلف‪.‬‬

‫ُمقابل هذا (إطالق اجلزء‪ ،‬وإرادة الكل)‪ :‬هنا يف لغة العرب شيء آخر‪:‬‬
‫إطالق الكل‪ ،‬وإرادة اجلزء‪ ،‬أن تُطلق اسم الكل‪ ،‬ولكن أنت تريد جزءا من هذا‬
‫َصابِ َع ُهم‬
‫﴿ُي َعلُو َن أ َ‬
‫املسمى وليس كل املسمى؛ دليل ذلا من كتاب هللا ¸ قال‪َ :‬‬
‫ت﴾ [البقرة‪ ،]19:‬األصبع هذا الذي يبدأ من‬ ‫اع ِق ح َذر المو ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫يف آ َذاهنم ّم َن الص َو َ َ َ‬
‫﴿ُي َعلُو َن‬
‫األمنل إىل اتصاله بالكف‪ ..‬هذا كله أصبع‪ ،‬هللا ¸ ماذا قال؟‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫َصابِ َع ُهم ِيف آذَاهنِِم﴾ يقينا ال ميكن أن يُدخل كل أصبعه يف داخل أذنه‪ ،‬فما الذي‬ ‫أَ‬
‫أفهمه؟‪ ،‬أطلق الكل‪ ،‬وأراد اجلزء (األنامل يدخلوهنا يف آذاهنم)‪.‬‬

‫﴿ال تَـ ُقم فِ ِيه أَبَدا﴾‪:‬‬


‫إذا إذا فهمنا هذا من لغة العرب ومن كتاب ربّنا‪ ،‬نفهم أن َ‬
‫أي‪ :‬ال تصلي فيه أبدا‪ ،‬ألن القيام جزء من الصالة‪ ،‬إذا املساجد هبذه املواصفات‬
‫﴿ال تَـ ُقم فِ ِيه أَبَدا﴾ أي‪ :‬ال تصلي فيه أبدا‪.‬‬
‫َ‬
‫َ ُ ُْ َ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ات َم ْس ِج ِد ِض َرار‪:‬‬ ‫ف‬
‫ِ ِ ِ‬‫ص‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ى‬ ‫ل‬‫و‬‫األ‬ ‫ة‬‫ف‬ ‫الص‬
‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ي‬‫ت‬‫نِ‬
‫أ‬
‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫ين اختَ ُذوا َمس ِجدا ِضَرارا﴾‪ ،‬إيش معىن ضرار هذه؟‪ ،‬هنا‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫رواه اإلمام أحد وابن ماجة والطربي ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ -‬أظن احلديث عن ابن‬
‫ضرَر وال ِضَرار)‪ ،‬من العلماء‬
‫عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬ال َ‬
‫حسنه‪.‬‬
‫صحح احلديث ومنهم من ّ‬ ‫من ّ‬
‫ضًّرا) بل قال‪﴿ :‬اختَ ُذوا‬
‫هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬ما قال‪( :‬الذين اختذوا مسجدا ُ‬
‫الضر‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َمسجدا ضَرارا﴾‪ ،‬إذا املعىن بالصفة‪ :‬الضرار وليس ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪580‬‬

‫الضر وبني الضرار‪،‬‬


‫بعض املفسرين ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ -‬قالوا‪ :‬ال فرق بني ّ‬
‫هذا قوهلم‪.‬‬

‫ولكن الصواب من األمر‪ :‬ما ذكره اإلمام الصنعاو ‪ ،-¬-‬وكذلا ابن‬


‫الضر شيء‪ ،‬والضرار شيء آخر‪.‬‬
‫عبدالرب ¬‪ :‬أن ّ‬
‫يسمى‬ ‫ٍ‬
‫الضر‪ :‬هو أن يصدر فعل من إنسان جتاه إنسان آخر (إساءة) هذا ّ‬ ‫ّ‬
‫رد عليه اإلساءة‪ ،‬هذا يف لغة العرب يسمى‪ :‬ضرارا‪ ،‬وهلذا‬‫ضرا‪ ..‬الطرف املقابل إذا ّ‬
‫يقول الصنعاو ¬‪ :‬الضر‪ :‬هو أن تُقدم أنت على أمر‪ ،‬أما الضرار‪ :‬املجازاة على‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫علي اإلساءة عمله يسمى‬‫رد ّ‬ ‫إنسان عملي يسمى ضرا‪ ،‬وإذا ّ‬ ‫ذلا‪ ،‬فإذا أسأت إىل‬
‫ضرارا‪.‬‬

‫إذا علمت هذا‪ ،‬فلماذا وصف هللا ¸ إذا ذلا املسجد بأنه قام على أساس‬
‫ضرا؟‬
‫ضرار وليس ُ‬
‫ألن أولئا املنافقني كانوا على الشر مع أيب عامر‪ ،‬يقينا رأوا أن الرسول ‘ ا‬
‫ضرهم‪ ،‬حلقهم ضرر بسبب هذا الدين؛ إذا هذا يف زعمهم هم‪،‬‬ ‫جاء به من دي ٍن قد ّ‬
‫رأوا أهنم قد تضرروا بسبب وجود اإلسالم‪ ،‬فبنوا هذا املسجد لكي يدفعوا هذا الضرر‬
‫عن أنفسهم وعن املدينة‪ ،‬فسمى هللا ¸ عملهم ‪-‬بناء على زعمهم‪ -‬ضرارا‪ ..‬قال‪:‬‬
‫ين اختَ ُذوا َمس ِجدا ِضَرارا﴾‪ ،‬لكي يدفعوا احلق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿والذ َ‬
‫َ‬
‫فأصبح عندي اآلن طرفني‪ :‬طرف حق‪ ،‬وطرف باطل‪ ،‬الباطل‪ :‬تضرر باحلق‪،‬‬
‫أهل الباطل أرادوا أن يردوا على أهل احلق‪ ..‬هذا يسمى يف ديننا ضرارا‪ ،‬فعل هؤالء‬
‫الناس يسمى ضرارا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪581‬‬

‫هذه الصفة حتققت يف املسجد األول‪ ،‬هل هذه الصفة موجودة اآلن يف مساجد‬
‫أهل السنة؟‬

‫نرجع إىل اخلطباء الذين خيطبون يف هذه املساجد‪ ،‬وتذكر سابقا قلنا ينقسمون‬
‫إىل ثالث‪ :‬متصوفة‪ ،‬ومرجئة‪ ،‬وإخوان مصر (واحلزب العراقي) ذنب من أذانبهم‪،‬‬
‫ويسر هللا ¸ ألهل السنة اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬بسبب‬
‫هؤالء كانوا على املساجد‪ّ ،‬‬
‫رد فعلهم من خالل‬ ‫هذا اجلهاد هل تضرر هؤالء أم ال؟‪ ،‬فإذا تضرروا‪ ،‬كيف كان ّ‬
‫املساجد؟‪ ،‬وعند البحث تصل إىل‪:‬‬

‫ص ّيوفَ ية‪ :‬يقينا هؤالء قد تضرروا من اجلهاد وأهله يف دينهم‪،‬‬


‫َّأوًال‪ُ :‬خطَبَاءُ املُتَ َ‬
‫ضروا هؤالء يف ما هم عليه من دين‪ ،‬يف مثل إيش؟‬ ‫اجلهاد واجملاهدون ّ‬
‫أنت تعلم أن هؤالء عُبّاد للقبور‪ ،‬يبنون على قبور من يروهنم صاحلني‪ ،‬ويبنون‬
‫املساجد أيضا على القبور‪ ،‬وهذا ما ال يقبله اجملاهدون يف سبيل هللا؛ ألهنم يرون إزالة‬
‫مثل هذه البنايات من الدين‪ ،‬كما يف حديث ‹‹مسلم›› ¬ عندما أرسل الرسول‬
‫ع متثاال إال طمسته‪ ،‬وال قربا ُمش ِرفا إال ّ‬
‫سويتَه)‪ ،‬إذا القرب‬ ‫‘ عليًّا‪ ،‬قال‪( :‬ال تَ َد َ‬
‫املشرف ال نقبل به‪ ،‬فكيف نقبل أن يُبىن على القرب؟!‬

‫وكذلا حديث البخاري ¬ عن أم حبيبة وأم سلمة ‪ُ ،-‡ -‬ك ّن قريبا من‬
‫رسول هللا ‘ يف مرض موته‪ ،‬فذكرت أم حبيبة بعض الكنائس اليت رأهتا يف احلبشة‪،‬‬
‫فقال الرسول ‘‪( :‬إن أولئا إذا كان فيهم الرجل الصاحل فمات بنوا على قربه‬
‫مسجدا وصوروا فيه تلا الصور‪ ،‬فأولئا شرار اخللق عند هللا يوم القيامة)‪ ،‬إذا طاملا‬
‫هم شرار اخللق‪ ،‬يقينا هذا الذي أتوا به غري شرعي‪ ،‬وهلذا عمل اجملاهدون على أن‬
‫يزيلوا هذه البنايات‪ ،‬فهؤالء رأوا أنفسهم قد تضرروا بسبب اجلهاد واجملاهدين‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪582‬‬

‫تنس‪ :‬إىل سنة ‪ 2005‬م ‪-‬تقريبا‪ ،-‬عدد املزارات اليت أُزيلت يف دياىل فقط‬ ‫وال َ‬
‫سبعون مزارا!‪ ،‬كلها ُه ِدم‪ ،‬ووصل األمر بالناس إىل أن توصلوا إىل قناعة أن هؤالء ما‬
‫يستطيعون أن يُدافعوا عن أنفسهم‪ ،‬إذا ال ينفعون وال يضرون‪ ،‬بسبب هذا العمل‬
‫تنس دائما يبقى يف‬‫املبار اقتنع الناس أن هؤالء ال ينفعون وال يضرون‪ ،‬ولكن ال َ‬
‫نص ُرو َن ۝ َال‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫﴿واختَ ُذوا من ُدون اَلل آهلَة ل َعل ُهم يُ َ‬
‫الناس بقية ممن قال هللا ¸ فيهم‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ض ُرو َن﴾ [يس‪.]75-74:‬‬ ‫يَستَطيعُو َن نَصَرُهم َوُهم َهلُم ُجن ٌد ُّحم َ‬
‫إذًا أهل التصوف تضرروا من اجلهاد واجملاهدين‪ ،‬فإذا رأيت خطيبا يُشنّع على‬
‫اجلهاد واجملاهدين بسبب ما حلق به من ضرر؛ فأيقن أن فعله هذا ضرار‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه‬
‫يريد أن يتخلّص من هؤالء حىت تعود املزارات كما كانت‪ ،‬وحىت يعود الشر كما‬
‫كان‪ ،‬وحىت تعود الصلوات يف املساجد اليت فيها القبور‪ ،‬هم يريدون هذا‪ ،‬وهؤالء ال‬
‫يريدون‪ ..‬إذا تضرروا وبدؤوا يدععون إىل أن يعودوا إىل ما كانوا عليه‪ ،‬إذا ما أكثر‬
‫وجه الشبه بني هؤالء وبني أولئا يف املسجد األول عندما أرادوا أن يُزحيوا املسلمني‬
‫من املدينة حىت يرجعوا على ما كانوا عليه‪ ،‬فإذا وجدت خطيبا ينتمي إىل أهل‬
‫التصوف‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل لا‪َ﴿ :‬ال تَـ ُقم فِ ِيه أَبَدا﴾‪ ،‬ال ُيوز لا شرعا أن‬
‫صويف‪ ،‬هذا بالنسبة إىل الصالة‪.‬‬
‫تصلي يف مسجد إمامه أو خطيبه ّ‬
‫ما املطلوب منّا كمسلمني؟‪ ،‬علينا أن نعمل على إزاحة هؤالء من مساجدنا‪،‬‬
‫أساس من التقوى وبقيت على ٍ‬
‫أساس من التقوى‪.‬‬ ‫حىت ترجع املساجد قد بُنيت على ٍ‬

‫ُسست على تقوى‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫ميس هذه البنايات طاملا أهنا أ ّ‬
‫أما البناء‪ :‬ال ُيوز ألحد أن ّ‬
‫وهذا الصويف دخل بعد ذلا يف هذا املسجد‪ .‬هذا الصنف األول من اخلطباء‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪583‬‬

‫اآلخ ُر‪َ :‬و ُه ْم ُخطَبَاءُ املُْريجئَ ية‪ :‬وهؤالء ما رأيت أُناسا أغىب منهم‪،‬‬ ‫أَ َّما يّ‬
‫الص ْن ُ َ‬
‫على وجه البسيطة ال يوجد أغىب من الـ ُمرجئة‪ ،‬وأقول فيهم ما قال اإلمام الشعيب ‪-‬‬
‫¬ رحة واسعة‪ -‬عندما كان ُحي ّدث أخاه مالا عن الرافضة‪ ،‬قال‪ :‬هؤالء لو كانوا‬
‫من الدواب لكانوا احلمري‪ ،‬ولو كانوا من الطيور لكانوا الرخم‪.‬‬

‫فالـ ُمرجئة هؤالء إذا كانوا من احليوانات يقينا لكانوا من صنف احلمري‪ ،‬ال‬
‫يكونون غري احلمري ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬ألنه ال يوجد أغىب منهم على وجه األرض‪ ..‬يا‬
‫َول املالكي‪ ،‬طاعته واجبة وال ُيوز اخلروج عليه‪ ،‬وأمري املؤمنني تتنصل وتُزيل حليتا‬
‫وتريد أن خترج من دار اإلسالم؟!‪ ،‬قُل فينا ما كنت تقوله يف الطواغيت!‪ ،‬قُل هؤالء‬
‫أيضا أُمراء طاعتهم واجبة!‪ ،‬ولكن ال يوجد على وجه األرض من هم أغىب منهم!‬

‫هؤالء كانوا ُدعاة إىل الطواغيت ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬وهلذا تذكرون كان رجل امسه‬
‫(أبو حارث) ومعه األسوأ منه‪ ،‬لواء الذئب عندما دخل هذه البالد وفعل ما فعل‪،‬‬
‫كانوا على عالقة وطيدة معهم‪ ،‬وقال‪ :‬أنا ما أمسيكم لواء الذئب‪ ،‬أنا أمسيكم لواء‬
‫ضل (أبو منار العلمي) ما وقفوا مع‬ ‫األمن واألمان!‪ ،‬وكذلا ذا الضال املـُ ّ‬
‫الطواغيت فقط بل وقفوا مع األمريكان! وهكذا حاهلم دائما‪ ،‬وعندما سأل املأمون‬
‫دين ُحيبّه امللو ‪.‬‬
‫العباسي ذلا اخلليفة أحد علماء التابعني‪ ،‬قال‪ :‬ما اإلرجاء؟‪ ،‬قال‪ٌ :‬‬
‫ّ‬
‫يا َول إياد عالوي أساسا رجل علماو بعثي رافضي‪ ..‬يقول‪ :‬طاعته واجبة!‪،‬‬
‫قرون على أنفسهم باإلسالم‪ ،‬وهذا الغيب يقول‪ :‬هذا أمريٌ طاعته واجبة!‪،‬‬
‫هؤالء ال يُ ّ‬
‫غري يف البداية يعرتف أنه مسلم!!‬

‫فإذا وجدت مرجئ على مسجد من املساجد ويُشنّع على املسلمني‪ ،‬ال ُيوز‬
‫لا أن تصلي يف هذا املسجد ال اجلمعة واجلماعة‪ ،‬ألهنم قد تضرروا بسبب اجلهاد‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪584‬‬

‫واجملاهدين‪ ،‬فهم يريدون ّأال يكون جهاد وال جماهدون حىت يرجع الطواغيت حيكمون‬
‫هذه البالد ويرجعون هم على السمع والطاعة لوالة أمورهم هؤالء الطواغيت‪.‬‬

‫الضر قد حلق هبم بسبب اجلهاد‪ ،‬فهم‬


‫إذا هذا فعلهم يسمى‪ :‬ضرار؛ ألن ّ‬
‫يريدون أن يدفعوا هذا الضر عن أنفسهم‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل يسمي تصرف أمثال‬
‫هؤالء‪ :‬ضرارا‪ .‬إذا ال ُيوز أن نصلي يف هذه املساجد‪.‬‬
‫ي‬ ‫القسم األَ يخري يمن اخلُطَب ياء‪ :‬و ُهم ُخطَباء اليْز ي ي ي‬‫ي‬
‫ب الع َراق يّي َوإي ْخ َوا ُن م َ‬
‫ص ير ‪-‬‬ ‫َ َ ْ َُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُْ‬
‫العياذُ بي ي‬
‫الل‪:-‬‬ ‫ي‬
‫َو َ‬
‫تصوفة‬
‫يقينا هؤالء قد تضرروا مجلة وتفصيال‪ ،‬بل تضررهم أش ّد من تضرر املـُ ّ‬
‫وتضررهم أش ّد من تضرر املرجئة؛ ألن هؤالء ما تركوا باب ِرّدة إال وسابقوا الطواغيت‬
‫ُ‬
‫إليه‪ ،‬وساقوا املسلمني خلفهم وأمامهم ليدخلوهم إىل مواطن ال ِرّدة‪ ،‬هم الدُّعاة إىل‪:‬‬
‫"قولوا للدستور‪ :‬نعم"‪ ،‬هم الدُّعاة إىل‪" :‬أعطوا أصواتكم هلؤالء املرشحني"‪ ،‬هم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الدُّعاة إىل ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬هم الدُّعاة لدخول اجليش والشَُّرطـ ما تركوا باب كفر ورّدة إال‬
‫ودعوا إليه من خالل املنابر‪ ،‬وكل الذي قلناه يقينا مسعتموه منهم عندما كانوا على‬
‫املنابر‪.‬‬

‫تضرروا بسبب اجلهاد؛ هم يقولون دميُقراطيّةـ وهؤالء‬


‫أحسوا أهنم قد ّ‬
‫إذا هؤالء ّ‬
‫يقولون كفر‪ ،‬هم يقولون جيش وشرطة‪ ..‬هؤالء يقولون ِرّدة ونقتلهم‪ ،‬هم يقولون‬
‫برملانات وواجب الدخول‪ ..‬هؤالء يقولون ِرّدة ونقتلهم؛ إذا أصاب هؤالء من الضرر‬
‫صب من ذكرنا قبلهم‪ ،‬وهلذا وجدهتم يف املساجد يُشنّعون على اجلهاد وأهله‪،‬‬ ‫ما مل ي ِ‬
‫ُ‬
‫ويريدون ّأال يكون هنا جهاد حىت يرجع أفالطون وهتيمن ال ّدميُقراطيّة على الساحة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪585‬‬

‫ويعيشون حتت ظل دستور حيكمهم هبذا الدستور إما رافضي وإما علماو أو شيء‬
‫من هذا القبيل‪.‬‬

‫سمى‪ :‬ضرارا‪ ..‬فإذا وجدت‬‫إذا هؤالء رد فعلهم على اجلهاد واجملاهدين شرعا يُ ّ‬
‫خطيبا إخوانيًّا يف أي بقعة من بالد املسلمني وغري بالد املسلمني‪ ،‬ال ُيوز شرعا أن‬
‫تصلي خلف إخواو‪ ،‬ألن هؤالء دائما يصدر منهم الضرار ألهل السنة واجلماعة‪،‬‬
‫هم املـُشنّعون على اجلهاد وأهله يف كل بقعة يتواجدون فيها‪ ،‬جتد له فضائية يف‬
‫شره‪ ،‬قنوات (املستقلة) وغريها من‬
‫بريطانيا‪ ،‬جالس هنا واملسلمون مل خيلصوا من ّ‬
‫هذه القنوات‪ ،‬أنت يف بريطانيا ويف أحضان النصارى وتعيش بينهم‪ ،‬أال تسكت عن‬
‫هؤالء الذين يتجشمون عناء الدفاع عن دينهم؟!‬
‫ٍ‬
‫مسجد فيه إخواو‪ ،‬يف أي بلد من‬ ‫إذا أينما كانوا‪ ،‬ال ُيوز للمسلم أن يصلي يف‬
‫بالد املسلمني‪ ،‬ويف بلدنا إذا كان من احلزب العراقي ال ُيوز للمسلم أن يصلي‬
‫ٍ‬
‫مسجد‬ ‫خلف هؤالء؛ ألهنم الصفة الصادرة منهم أهنم ضرارـ والصفة إذا حتققت يف‬
‫ال ُيوز الصالة يف هذا املسجد‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪586‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس‬
‫َْ َ‬
‫َم َس ِاج ُد ِض َرار [تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬ ‫َ َ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ِ ،‬‬ ‫اشر‬ ‫احني‪ِ ،‬‬
‫رب‬ ‫وال جتعله حجة علينا يا أرحم الر ِِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‬ ‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫جر‬
‫كان احلديث عن مساجد ضرار‪ ،‬وقلنا أن عدم معرفتنا بأحكام املساجد ّ‬
‫الويالت على املسلمني‪ ،‬ألنه بدأ يصلي خلف خطيب مرجئ أو حزب عزاقي‪،‬‬
‫وهؤالء كما تعلم يدعون إىل الكفر باهلل تبار وتعاىل‪ ،‬حتدثنا عن الصفة األوىل‪:‬‬
‫ضرار‪ ،‬وهنا أيضا مسألة ُمتعلّقة ب ـ‬
‫ُْْ‬ ‫ََ‬
‫﴿وت ْف ِر ًيقا َب ْي َن اِلؤ ِم ِن َين﴾‪:‬‬

‫تبني لا أن هللا تبار وتعاىل ال يرضى للمؤمنني أن يتفرقوا وأن خيتلفوا‪ ،‬وأي‬‫ّ‬
‫سبب يؤدي إىل التفرقة بني املؤمنني‪ ،‬فاهلل تبار وتعاىل أمر بإزالة هذا السبب حىت‬
‫ولو كان مسجدا‪ ..‬إذا لو كان املسجد يؤدي إىل التفرقة بني املؤمنني‪ ،‬املسجد يُزال؛‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪587‬‬

‫ضّر من صفاته التفريق بني املؤمني‪ ،‬فأمر‬


‫ُسس على أساس ُ‬
‫ألن هذا املسجد الذي أ ّ‬
‫هللا تبار وتعاىل ّأال يقوم فيه أبدا‪ ،‬وأمر الرسول ‘ هبدم هذا املسجد‪ ،‬إذا املسألة‬
‫تدور حول وحدة الصف ووحدة الكلمة‪.‬‬

‫الوقْ َِةُ ُهنَا‪ :‬هنا بعض املنتسبني إىل اإلسالم ديدهنم يف كل حمفل يلتقون فيه‬
‫َو َ‬
‫ف عن إخوان‬ ‫أننا ندعو إىل وحدة الصف وندعو إىل وحدة الكلمة؛ وهذا الذي عُ ِر َ‬
‫مصر وهؤالء مشكلة‪ ،‬ما تتحدث يف موطن املواطن اإلميان إال وتضطر أن تتكلم‬
‫عنهم يف موطن من مواط ٍن الردة‪ ،‬فهؤالء دائما ديدهنم أينما وجدوا "ندعو إىل وحدة‬
‫الصف وندعو إىل وحدة الكلمة"‪ ..‬قوهلم هذا ما عالقته بوحدة الصف ووحدة‬
‫الكلمة عند أهل السنة؟‬

‫اعلم أن هؤالء ما يدعون إليه من وحدة الصف بناء على القاعدة اليت وضعها‬
‫(حسن البنّا)‪ ،‬وضع هلم يف العشرينات من القرن املاضي (‪ 1928‬م فما بعد)‪،‬‬
‫بعضا فيما اختلِنا فيه"‪..‬‬
‫قاعدة تقول‪" :‬نتعاون فيما اتِقنا عليه‪ ،‬ويعذر بعضنا ً‬
‫إذا بناء على هذه القاعدة هؤالء الناس لديهم القدرة على أن يوحدوا صفوفهم مع‬
‫كل الفرق املوجودة سواء كانت مرتدة‪ ،‬علمانية‪ ،‬ضالّة‪ ،‬شركية‪ ..‬كيفما كانت؛ وهلذا‬
‫جتدهم على عالقة وطيدة أينما وجدوا مع الرافضة‪ ،‬وعلى عالقة وطيدة أينما وجدوا‬
‫مع أهل التصوف‪ ،‬وكذلا مع العلمانيني‪ ،‬بل مع الشيوعيني‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن القاعدة‬
‫اليت وضعها ذلا الرجل قد ح ّددت هلم املسار إىل يومنا هذا؛ وهلذا جتدهم ُحييطون‬
‫علما بكل املذاهب املوجودة يف الساحة‪ ،‬جتدهم على عل ٍم حبال الرافضة‪ ،‬على عل ٍم‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪588‬‬

‫حبال املتصوفة‪ ،‬على عل ٍم بالعلمانيني؛ ألنه إذا اجتمع مع ٍ‬


‫أحد من هؤالء يبحث‬ ‫َ‬
‫دائما معه نقاط االلتقاء معه‪ ،‬وال يُثري نقاط االختالف‪ ،‬ألن دينه قائم على أساس‬
‫"وحدة الصف ووحدة الكلمة" مع أي كان‪ ،‬مع الكفار يلتقون‪ ،‬ال توجد فئة ما‬
‫يلتقي معها هؤالء بناء على هذه القاعدة اليت وضعها ذلا الرجل‪.‬‬

‫(يوسف القرضاوي) هذا كان يف حوار معه مع صحفي أمريكي من أصل‬


‫يهودي (متجنس أمريكي)‪ ،‬إحدى اجلرائد ‪-‬حقيقة ال أذكر اسم اجلريدة‪ ،-‬نشرت‬
‫تفاصيل هذا اللقاء‪ ،‬فمما قاله القرضاوي هذا لذلا اليهودي املـُتأمر ‪ ،‬قال‪ :‬دائما‬
‫حنن نقول إلخواننا النصارى‪ :‬أن نعمل وفق القاعدة الذهبية اليت تقول‪" :‬لنعمل فيما‬
‫اتفقنا عليه‪ ،‬وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"‪.‬‬

‫أعلمت أين وصل هبم األمر؟!‪ ،‬يا َول هذا يقول‪ :‬إن هللا ثالث ثالثة تعذره؟!‪،‬‬
‫اختلفت معه يف مسألة التوحيد والتثليث‪ ،‬تعذره؟!‪ ،‬نعم يعذره‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن القواعد‬
‫اليت يضعها رجاهلم فوق كالم هللا ¸ وفوق أحاديث رسول هللا ‘!‬

‫الحظ "وحدة الصف ووحدة الكلمة" عند هؤالء ماذا تعين‪:‬‬

‫(حسن البنّا) ذكرت لا أن له رسائل‪ ،‬من ضمن هذه الرسائل له كالم حول‬
‫موقف إخوان مصر من األحزاب الوطنية‪ ،‬فقال‪" :‬إذا كانت األحزاب الوطنية قائمة‬
‫ب تراب الوطن‪ ،‬فهذا من ديننا" واستشهد ببيت شعري لبالل ‪¢-‬‬
‫على أساس ُح ّ‬
‫شرفها هللا تعاىل‬
‫وأرضاه‪ -‬عندما كان يف املدينة‪ ،‬وكان يذكر حنينه إىل مكة ‪ّ -‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪589‬‬

‫وعظّمها‪ ..-‬مث قال‪" :‬وإذا كانت الوطنية تعين الدفاع عن الوطن‪ ،‬هذا أيضا من‬
‫ني﴾ [املنافقون‪ ،]8:‬وإذا‬‫ديننا" واستشهد بقول هللا ¸‪ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ :‬‬
‫﴿وَلل العزةُ َولَر ُسوله َولل ُمؤمن َ‬
‫َ‬
‫كانت الوطنية تعين تقوية الروابط بني أفراد اجملتمع‪ ،‬هذا أيضا من ديننا‪ ،‬واستشهد‬
‫بقول الرسول ‘‪( :‬كونوا عباد هللا إخوانا)!(‪.)93‬‬

‫بعد أن أثبت نقاط التقارب مع األحزاب الوطنية‪ ،‬قال بالنص‪" :‬فها أنت ذا قد‬
‫رأيت أننا مع ُدعاة الوطنية‪ ،‬بل مع غالهتم يف كل معانيها الصاحلة اليت تعود باخلري‬
‫على العباد والبالد‪ ،‬وقد رأيت مع هذا أن تلا الدعوة الوطنية العريضة مل خترج عن‬
‫أهنا جزء من تعاليم اإلسالم‪ ".‬هذا قول‪ ،‬هذا إذا "وحدة الصف ووحدة الكلمة" مع‬
‫األحزاب الوطنية‪.‬‬

‫مث ذكر نقاط االختالف أين ‪-‬يعين بني هؤالء املنتسبني (حزب اإلخوان) وبني‬
‫ُدعاة الوطنية‪ ،-‬قال‪"‹‹ :‬أما وجه اخلالف بيننا وبينهم‪ :‬فهو أننا نعترب حدود الوطنية‬
‫بالعقيدة‪ ،‬وهم يعتربوهنا بالتخوم األرضية واحلدود اجلغرافية"››‪ ..‬قال نقاط االختالف‬
‫بيننا وبينهم أن هؤالء ُيعلون حدود الوطنية حدودا جغرافية (يف األرض) يعين حدود‬
‫مصر كذا‪ ،‬وحدود العراق كذا‪ ،‬دعوات الوطنية حيددوهنا جغرافيا‪ ،‬أما حنن نقول‪:‬‬
‫حدودنا عقائدية‪ ،‬يعين أينما وجد اإلسالم فهذه حدودنا‪ ،‬قال‪ :‬هذا فارق بيننا‬
‫وبينهم‪.‬‬

‫(‪ )93‬رواه اإلمام مسلم‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪590‬‬

‫الفارق اآلخر ذكره‪ :‬قال‪"‹‹ :‬أن الوطنيني فقط ُج ّل ما يقصدون إليه ختليص‬
‫بالدهم‪ ،‬فإذا ما عملوا لتقويتها بعد ذلا اهتموا بالنواحي املادية كما تفعل أوروبا‬
‫اآلن‪ ،‬أما حنن فنعتقد أن املسلم يف عنقه أمانة عليه أن يبذل نفسه ودمه وماله يف‬
‫سبيل أدائها تلا هداية البشر بنور اإلسالم‪ ،‬ورفع علمه خفاقا يف كل ربوع‬
‫األرض"››‪.‬‬

‫أن األحزاب الوطنية عندما يتمكنون من حكم البالد يعملون على تطوير وتنمية‬
‫البالد اليت يتواجدون فيها‪ ،‬فينحصر عملهم يف هذا األمر‪ ،‬أما حنن قال‪ :‬فنحن‬
‫ُحم ّملون بأمانة إيصال هذا الدين إىل اآلخرين‪ ،‬وعلينا أن نعمل ألجل ذلا بدمائنا‬
‫وأنفسنا وأموالنا‪ ...‬وكالم من هذا القبيل‪.‬‬

‫رد على هتمة‪ ،‬إيش هذه التهمة؟‪ُ ،‬دعاة الوطنية يتهمون املنتسبني إىل‬ ‫مث ّ‬
‫اإلسالم‪ ..‬قال‪ :‬أن دعوتكم أنتم تؤدي إىل تفرقة أبناء اجملتمع‪- ..‬يعين إذا أنتم‬
‫(املنتسبون إىل اإلسالم) دعومت إىل اإلسالم‪ ،‬ما مكن أن تتحقق وحدة البلد‪ ،‬ملاذا؟؛‬
‫يرد على‬
‫بسبب وجود أديان أخرى‪ ،‬لكن الدعوة الوطنية تشمل كل هؤالء‪ ..‬فهو ّ‬
‫هذه التهمة فيقول‪" :‬قالوا‪ :‬االبتعاد عن مبدأ الوطنية يُغرق وحدة األمة اليت تتألف من‬
‫عناصر دينية ُمتلفة"‪ ..‬هذا قول دعاة الوطنية‪.‬‬

‫يرد عليهم (حسن البنّا) يف نفس الرسالة ويقول‪" :‬فإن اإلسالم‪ ،‬وهو دين‬ ‫ّ‬
‫الوحدة واملساواة كفل هذه الروابط بني اجلميع ما داموا ُمتعاونني على اخلري"‪ ..‬مث‬
‫ين َمل يـُ َقاتِلُوُكم ِيف ال ِّدي ِن َوَمل‬ ‫ِ‬
‫استشهد بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬ال يَـنـ َها ُك ُم اَللُ َع ِن الذ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪591‬‬

‫وهم َوتُـق ِسطُوا إِلَي ِهم﴾ [املمتحنة‪ ،]8:‬مث قال بعد ذلا‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ُخي ِر ُجوُكم ّمن ديَا ِرُكم أَن تَـبَـُّر ُ‬
‫"فمن أين يأيت التفريق إذا؟!" يعين حنن حالنا من حالكم‪ ،‬كما أنكم أنتم (األحزاب‬
‫الوطنية) ال تفرقون بني أبناء اجملتمع‪ ،‬حنن أيضا ال نفرق بني أبناء اجملتمع‪.‬‬

‫مث قال بعد ذكر مواطن االتفاق واالختالف بالنص‪" :‬أفرأيت بعد كيف أننا‬
‫متفقون مع أشد الناس غلوا يف الوطنية يف حب اخلري للبالد واجلهاد يف سبيل يف‬
‫سبيل ختليصها وخريها وارتقائها‪ "..‬ويف آخر الكالم يقول‪" :‬ونعمل ونؤيد كل من‬
‫يسعى يف ذلا بإخالص"‪ ..‬أنت حزب وطين‪ ،‬وتسعى حلب الرتبة وحب الوطن‬
‫وبناء الوطن‪ ..‬حنن معا يف كل مسعا بكل قوة!‪ ،‬هؤالء أيضا هم دعاة "وحدة‬
‫الصف ووحدة الكلمة"‪.‬‬

‫فيجب أن متيز بني دعوة هؤالء وبني دعوة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬عندما نقول‬
‫"وحدة الكلمة ووحدة الصف" نعين من كان على منهاج أهل السنة واجلماعة‪ ،‬فال‬
‫نرضى أن يكون بيننا صويف أو علماو أو شيوعي أو رافضي أو إخواو‪ ..‬ما مقبول‬
‫هؤالء أن يتواجدوا‪ ،‬ألهنم ليسوا على منهاج أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وهذا هو الفرق‬
‫بني قولنا "وحدة الصف والكلمة" عند أهل السنة‪ ،‬و"وحدة الصف والكلمة" عند‬
‫هؤالء‪.‬‬

‫انتهينا اآلن من الصفة الثالثة من صفات مسجد ضرار‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪592‬‬

‫الص َف ِة َّ‬ ‫َْ‬


‫الر ِاب َع ِة‪َ :‬و ِهي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫نِ‬
‫أ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص ًادا ِلَ ْن َحا َر َب َّ َ‬
‫اَّلل َو َر ُسول ُه ِمن ق ْب ُل﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وإ ْر َ‬
‫ِ‬
‫َ‬

‫صد‪ .‬والرصد هو املراقبة واملتابعة واالنتظار‪ .‬عندما تكون يف‬


‫الر َ‬
‫اإلرصاد‪ :‬من ّ‬
‫موط ٍن تتقرب وتنتظر وترتصد‪ ،‬هذا يسمى رصد‪.‬‬

‫هؤالء املنافقون عندما بنوا هذا املسجد‪ ،‬بنوه هلذه الغاية الرابعة؛ أهنم يتواجدون‬
‫يف املسجد ويرتصدون ‪ -‬عىن يرتقبون‪ -‬وينتظرون قدوم الوفد من قِبَ ِل من حارب هللا‬
‫ورسوله من قَـب ُل‪ ،‬واملعين به‪ :‬أبو عامر الفاسق‪ ،‬إذا يرتصدون ويرتقبون وينتظرون أن‬
‫يأيت مبعوث من قِبَل أيب عامر لينقل هلم التعليمات ما املطلوب منكم‪ ،‬وماذا‬
‫تفعلون‪ ،‬ويف ذات الوقت ينقلون إىل أيب عامر أخبار املنطقة وأخبار تلا املدينة اليت‬
‫يعيشون فيها‪ ،‬هذه هي الغاية الرابعة اليت بُين ألجلها ذلا املسجد‪.‬‬

‫اآلن نأيت‪ :‬هذه الصفة هل هي متحققة يف بعض مساجد أهل السنة؟‬

‫نعم‪ ،‬كل مسجد أصحاب هذا املسجد مرتبطون حبزب ‪-‬واألحزاب كم تعلم‬
‫حتول هذا املسجد إىل مق ٍر يلتقون فيه‬
‫من ضمن تشكيلة احلكومة الطاغوتية‪ -‬فإذا ّ‬
‫بعوث رؤوسهم‪ ،‬كأن يكون يف بغداد (إبراهيم نعمة‪ ،‬حمسن عبداحلميد‪ ،‬وغريهم‪)..‬‬
‫عندما يرسلون أحدهم إىل املسجد الفالو‪ ..‬تذهب إىل املسجد الفالو مسجد‬
‫للحزب العراقي تبلغهم أن يقوموا باألعمال التالية خالل األسابيع القادم أو خالل‬
‫ائت لنا بأخبار املنطقة ماذا ُيري وماذا حيصل‪ ..‬إذا ُوِج َد هذا‬
‫الشهر القادم‪ ،‬و ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪593‬‬

‫الشيء وكان متواجدا إذا مثل هذه املساجد قد حتققت فيها تلا الصفة اليت كانت‬
‫يف مسجد ضرار‪.‬‬

‫يتبني لا‬
‫اآلن أُجري ُمقارنة بني ذلا املسجد وعملهم‪ ،‬وبني عمل هؤالء حىت ّ‬
‫وجه الشبه بني املسجدين‪:‬‬

‫اء‪ :‬املسجد األول الذي بناه املنافقون‪ :‬كانوا يريدون أن تعود احلياة إىل ما‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫كانت عليه قبل جميء رسول هللا ‘‪ ،‬هذا الذي أرادوه‪ ،‬رأسهم كان خارج دار‬
‫اإلسالم‪ ،‬كان يف بالد الروم‪.‬‬

‫نأيت إىل هذه املساجد‪ :‬أصحاب هذا احلزب واملرجئة وأهل التصوف‪ ..‬يتمنون‬
‫أن يعود احلال إىل ما كان عليه قبل الفتح‪ ،‬إذا هنا شبه بني بُناة املسجد األول‬
‫وبني هؤالء الذين يتواجدون‪ ،‬أولئا كانوا يريدون للكفر أن يعود ولإلسالم أن خيرج‪،‬‬
‫وهؤالء أيضا يريدون أن يعود األمر إىل ما كان عليه‪ ..‬املسلمون ُحي َكمون بالقوانني‪،‬‬
‫وحي ُكمهم علمانيا‪ ،‬حيكمهم رافضيا‪ ،‬حيكمهم طاغوتا‪ ..‬ما يهم‬
‫وحي َكمون بالدساتري‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫هذا األمر‪ ،‬إذًا َه َذا َّ‬
‫الِّبَهُ األَ َّو ُل‪.‬‬

‫الِّبَ يه الثَّ ياين‪ :‬أن الرأس يف املنافقني يف زمن رسول هللا كان خارج دار‬
‫َو ْجهُ َّ‬
‫اإلسالم كان يف بالد الروم‪.‬‬

‫هؤالء رؤوسهم أيضا‪ ،‬اآلن موجودون خارج دار اإلسالم‪ ،‬جتده يف أربيل‪ ،‬جتده‬
‫يف دهو ‪ ،‬جتده يف تركيا‪ ،‬جتده‪ ...‬إذا هذا وجه شبه ٍ‬
‫ثان‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪594‬‬

‫الِّب يه الثَّالي ي‬
‫ث‪ :‬أن أبا عامر الفاسق الذي هو رأس املنافقني وكان يدبر هذا‬ ‫َو ْجهُ َّ َ‬
‫األمر‪ ،‬أراد أن يستعني بالروم إلعادة احلياة إىل ما كانت عليه قبل مبعث رسول هللا‬
‫‘‪ ،‬وهؤالء الرؤوس اآلن يستعينون بالرافضة‪ ،‬بدولة إيران الرافضية‪ ،‬ويستعينون‬
‫بالروم أيضا لكي يعيدوا احلياة إىل ما كانت عليه؛ فما أشبه اليوم باألمس‪.‬‬

‫إذًا كل مسجد فيه هذه الصفة‪ ،‬هبذه املواصفات‪ ..‬يا مسلم‪ ،‬ال ُيوز لا أن‬
‫تصلي فيه‪ ،‬اآلن حنن يف دار إسالم ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬قُ ِطع دابر هذا األمر‪ ،‬أما‬
‫خارج دار اإلسالم يقينا هنا مساجد ُح ِّولَت إىل مقرات‪ ،‬وهذه املساجد مرتبطة‬
‫بالرؤوس املوجود يف الربملانات‪ ،‬كبالد املغرب اإلسالمي‪ ،‬سواء يف املغرب أو يف اجلزائر‬
‫اخت َذت مقرات‪،‬‬‫أو يف تونس أو يف مصر أو يف ليبيا‪ ..‬كل هذه البالد هلم مساجد ُِّ‬
‫وهم على ارتباط بالطواغيت بأفرادهم املوجودين مع احلكومة الطاغوتية‪ ،‬ينتظرون‬
‫منهم األوامر ويتلقون منهم األوامر وينقلون إليهم األخبار؛ إذا ما أشبه تلا املساجد‬
‫ب اَللَ َوَر ُسولَهُ ِمن قَـب ُل﴾‪.‬‬ ‫سجد ضرار الذي قال هللا ¸ عنه‪﴿ :‬وإِر ِ‬
‫صادا لّ َمن َح َار َ‬
‫َ َ‬

‫الِّبَ يه َّ‬
‫الرابي يع‪ :‬أن أبا عامر هذا ما بدأ احلرب يف السنة التاسعة‪ ،‬ال‪ ..‬بناء‬ ‫َو ْجهُ َّ‬
‫املسجد يف السنة التاسعة‪ ،‬حربه كانت قبل ذلا بكثري‪ ،‬من أيام دخول رسول هللا‬
‫‘ إىل املدينة‪.‬‬

‫هؤالء أيضا‪ :‬حرهبم اآلن ليست وليدة اليوم‪ ،‬بل حرهبم قدمية‪ ،‬وهم يعيدوهنا‬
‫وُيددوهنا؛ كما أراد أبو عامر الفاسق ذلا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪595‬‬

‫من هللا‬ ‫ِ‬ ‫﴿وإِر ِ‬


‫ب اَللَ َوَر ُسولَهُ من قَـب ُل﴾‪ ..‬ومن خالل الدروس اليت ّ‬
‫صادا لّ َمن َح َار َ‬
‫َ َ‬
‫¸ هبا علينا‪ ،‬ومتكنّا من إيصاهلا؛ علمت أن هؤالء الناس كيف كانوا حماربني هلل‬
‫ولرسوله وللمسلمني قبل الفتح‪ ،‬وبعد الفتح بالطريقة اليت ذكرهتا لا‪.‬‬

‫اآل َن أَقُ ُ‬
‫ول‪ :‬إذا بىن رجل من احلزب العراقي مسجدا‪ ،‬هذا املسجد أ ّ‬
‫ُسس على‬
‫ضر ‪-‬أرجو أن تكون دقيقا يف الفهم‪ ،‬يعين ليس مسلما بىن وهم أعانوه‪ ،‬ال‪..‬‬
‫أساس ّ‬
‫رجل تعرفه من هذا احلزب الننت وتوىل بناء مسجد‪ -‬هذا املسجد الذي بناه يقينا بناه‬
‫هلذه الغايات اليت ذكرهتا‪ ،‬من خالله كانوا حياربون اجلهاد واجملاهدين‪ ،‬ليس يف العراق‬
‫فقط‪ ،‬بل يف كل أرجاء األرض‪ ،‬من خالل هذا املسجد كانوا يدعون إىل الكفر (إىل‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬إىل الدستور‪ ،‬إىل الربملان‪ ،‬إىل الطاغوتيّة‪ ،‬إىل الدخول يف اجليش والشرط‪،‬‬
‫إىل الصحوة‪ ،‬إىل‪ )...‬إذا كانت هنا دعوة إىل الكفر‪ ،‬هذا املسجد بُين وبدأ من‬
‫الضر وعلى أساس الكفر‪ ،‬وعلى أساس اإلرصاد ملن حارب هللا‬ ‫ٍ‬
‫أول يوم على أساس ّ‬
‫ورسوله من قبل؛ فمثل هذا املسجد الذي يبنيه رجل منت ٍم إىل احلزب العراقي‪ ،‬هذا‬
‫ُسس على أساس ضر من أول يوم‪..‬‬ ‫ُسس هلذه الغايات‪ ،‬إذا هو مسجد أ ّ‬
‫املسجد أ ّ‬
‫فال ُيوز ملسلم أن يصلي يف مثل هذه املساجد‪ ،‬ال مجعة وال مجاعة‪ ،‬ومثل هذه‬
‫املساجد إذا تي ّقن القائمون على األمر أن هذا مسجد بناه ُمنت ٍم إىل احلزب العراقي‪،‬‬
‫واجب عليهم أن يعملوا على هدم هذا املسجد؛ ألن املسجد إذا بُين على أساس‬
‫ضر من األول من البداية‪ ،‬الرسول ‘ أمر هبدمه وحبرقه‪ ،‬فهؤالء رجل ُمنت ٍم إىل‬
‫ّ‬
‫احلزب‪ ،‬وبىن املسجد للدعوة إىل عقيدهتم ومنهاجهم من خالل هذا املسجد الذي‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪596‬‬

‫بنوه‪ ،‬إذا هذا املسجد ما بُين على أساس تقوى‪ ،‬وإمنا بُين على أساس ضر أهنم‬
‫ُسس‬‫سيدعون إىل منهاجهم من خالل هذا املسجد‪ ،‬وفعلوا ذلا‪ ،‬إذا هذا املسجد أ ّ‬
‫من أول ٍ‬
‫يوم على أساس ضر ومل يُأسس على أساس تقوى‪.‬‬
‫َّ َ‬
‫اس ِب َه ِذ ِه الطريق ِة؟!‬ ‫ف َت ْح ُك ُم َع َلى َّ‬
‫الن‬
‫َ ْ َ ُ ُل َ ْ َ‬
‫قد تقو ‪ :‬كي‬
‫ِ‬
‫من خالل ما يظهر لنا من هذه املساجد‪ ،‬وأنت تعلم أن عقيدة أهل السنة‬
‫حزيب من احلزب العراقي‬
‫واجلماعة أننا نتعامل مع الظاهر وهللا يتوىل السرائر‪ ،‬فرجل ّ‬
‫إذا بىن مسجدا‪ ،‬ظاهره يقينا ال يقبل اخلطأ أنه سيدعو من هذا املسجد إىل الضرار‬
‫وسيدعو إىل الكفر باهلل ¸ وسيكون مقرا لإلرصاد ملن حارب هللا ورسوله من قبل؛‬
‫فإذا توفرت هذه الصفات من أول يوم يف بناء املسجد‪ ،‬إذا هذا املسجد بُين هلذه‬
‫نب لتقوى من هللا ¸‪.‬‬
‫الغايات ومل يُ َ‬
‫تو ي‬
‫اض ًحا‪ :‬أي مسجد بناه رجل أعرفه أنه ينتمي إىل هذ‬ ‫ت َوُك ْن ُ َ‬
‫اآل َن قُ ْل ُ‬
‫احلزب‪ ،‬مث بدأ يدعو إىل هذه الكفريات من خالل هذا املسجد‪ ،‬ويكفي أن تتوفر‬
‫صفة واحدة‪ ،‬فإذا علمت من حال هذا املسجد من أول يوم بُين أن هذا الرجل بناه‬
‫وأنا ُمتي ّقن أنه سيدعو إىل منهاجه من خالل هذا املسجد‪ ..‬كيف تثبت هذا األمر؟‬
‫ألن املساجد اليت يبنيها املسلمون يدعون إىل الكفر من خالهلا‪ ،‬فما بالا سجد‬
‫هم يبنونه؟!‪ ،‬يقينا سيتخذونه موطنا للدعوة إىل الكفر باهلل ¸ إىل املفردات اليت‬
‫ذكرهتا‪ ،‬هذا ما أدين هللا ¸ به‪ ،‬وهذا ما أعرفه عن حال هؤالء الناس‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪597‬‬

‫‪ -‬سائل‪ :‬زين شيخنا‪ ،‬إذا أُزحيوا عن املسجد؟‬

‫* الشيخ‪ :‬أها‪ ..‬ال‪ ،‬إذا كان املسجد بُين على هذا األساس‪ ،‬وهو من احلزب‬
‫العراقي بىن هذا املسجد‪ ،‬وبعد ذلا دعوا إىل الكفر يف هذا املسجد؛ هذا مسجد‬
‫هدم‪ ،‬وهذا خيتلف عن مسجد‬ ‫ُسس على ضر‪ ،‬واملسجد الذي يُؤسس على ضر يُ َ‬ ‫أّ‬
‫يبنيه رجل من أهل السنة مث يدخل هؤالء يف املسجد‪ ..‬هذا النوع إيش مسيناه؟‪،‬‬
‫ُسس على تقوى‪ ،‬طرأ علي ضر‪ ..‬إيش املطلوب منا؟‪ُ ،‬خنرجهم‪ ،‬نُزحيهم من‬
‫مسجد أ ّ‬
‫هذا املسجد وحنافظ على بناء املسجد‪ ،‬أما هذا املسجد فيختلف؛ حزب عراقي بىن‬
‫هذا املسجد‪ ،‬يقينا ما يبنيه حىت يُقال يا ناس جاهدوا يف سبيل هللا‪ ،‬وقفوا مع هؤالء‬
‫دين دميُقراطي‪،‬‬
‫اإلرهابيني‪ ..‬يقينا ما يقول‪ :‬اإلسالم دين شورى‪ ،‬وإمنا يقول‪ :‬اإلسالم ٌ‬
‫يقينا ما يقول‪ :‬إن احلكم إال هلل‪ ،‬وإمنا يقول‪ :‬إن احلكم إال للشعب‪ ،‬يقينا ما يقول‪:‬‬
‫اذهبوا إىل الثغور وجاهدوا يف سبيل هللا‪ ،‬بل يقول‪ :‬اذهبوا وادخلوا يف اجليش والشرط‬
‫وحاربوا هؤالء الناس‪ ..‬كل هذه املفردات تُقال من هذا املكان‪ ،‬هذا النوع من‬
‫ضر حكمه اهلدم‪ .‬ال‬
‫ُسس على ّ‬
‫املساجد حكم رسول هللا ‘ فيه‪ :‬إذا ثبت لنا أنه أ ّ‬
‫يُقال أننا نستفيد من البناء‪ُ ،‬حن ّوله إىل ُمزن‪ُ ،‬حن ّوله‪ ...‬ال‪ ،‬الرسول ‘ هذه األمور‬
‫كلها كان يعرفها‪ ،‬كان بإمكانه أن حيول تلا البناية يقول‪ :‬خل يأوي إليه بعض‬
‫الناس‪ ،‬ضعوا فيه بعض األمور‪ ،‬اربطوا فيه اخليول‪ ،‬اعملوا شيئا من هذا القبيل‪ ..‬لكن‬
‫ما رضي بأي فائدة ممكن أن يستفيده من ذلا البناء‪ ،‬بل أمر باهلدم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪598‬‬

‫يقول اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪" :-‬روي أن رسول هللا ‘ ملا نزلت‬
‫هذه اآلية كان ال مير بالطريق اليت فيها املسجد‪ ،‬وأمر وضعه أن يتخذ كناسة تلقى‬
‫فيها اجليف واألقذار والقمامات"‪ ،‬حىت من الطريق ما كان مير‪.‬‬

‫فهذه أمور فواصل يف ديننا‪ ،‬إذا ما نقف عند حدود هللا تبار وتعاىل‪ ،‬تبقى‬
‫املسائل مائعة‪ ،‬ويبقى هؤالء يدخلون مساجدنا ويدعون املسلمني إىل الكفر وإىل‬
‫الردة ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫من جنى منهم؟!‪ ،‬إال وذهب وقال للدستور‪( :‬نعم)‪ ،‬من جنى من املسلمني‬
‫ردة ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬ما الذي‬
‫منهم؟! إال وذهب وأعطى صوته ملرشح إىل كفر وإىل ّ‬
‫أورد املسلمني هذا املورد؟‪ ،‬هم هؤالء‪.‬‬

‫‪ -‬سائل‪ :‬شيخ هللا يرضى عنا‪ ،‬لو فرضنا كنيسة وحنن واإلخوة قعدنا هبا‪،‬‬
‫اختذناها كمقر يعين‪ ،‬وصلينا هبا صالة ظهر‪ ،‬مغرب‪ ،‬هل ُيوز؟‬

‫* الشيخ‪ :‬جتوز الصالة يف الكنيسة وهي كنيسة‪ ،‬إن مل يُكن فيها صور ومتاثيل‪،‬‬
‫وعبدهللا بن عباس كما يُنقل عنه أنه صلى يف كنيسة‪ ،‬فاألحكام اإلسالمية ما تُقاس‬
‫بناية إىل بناية‪ ،‬الكنيسة هلا أحكامها ومساجد ضرار هلا أحكامها‪ ،‬اآلن الكنائس‬
‫املوجود يف دار اإلسالم هذه يُنظر إليها‪ ،‬هل املدينة بناها املسلمون؟‪- ،‬تذكرون‬
‫صرت من قِبَل املسلمني ما‬
‫عندما تكلمنا عن الشروط العمرية‪ -‬إذا كانت املدينة ُم ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪599‬‬

‫ُيوز ألحد أن يبين كنيسة‪ ،‬أما إذا كانت املدينة قد بُنيت مث دخلنا حنن هلذه املدينة‬
‫وهلم كنيسة‪ ..‬يبقون على كنائسهم بالشروط العمرية اليت ذكرناها سابقا‪.‬‬

‫ب اَللَ َوَر ُسولَه﴾‪:‬‬ ‫اآلن نأيت إىل مسألة متعلّقة ب ـ ﴿وإِر ِ‬


‫صادا لّ َمن َح َار َ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َه ْل ُ‬
‫وج ُ‬
‫يس في اِل ْس ِج ِد َي ْج َع ُل في اِل ْس ِج ِد ِصفة ِم ْن‬
‫ِ‬ ‫اس‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ود َ‬
‫الج َ‬
‫َ َ ْ َ ً َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ات َم ْس ِج ِد ِضرار (وِإرصادا ِِلن حارب اَّلل ورسوله)؟‬ ‫ِصف ِ‬
‫ال‪ ،‬وجود اجلواسيس ال ُحي ِّول املسجد إىل مسجد ضرار‪ ،‬ملاذا؟؛ الفارق واضح‬
‫ب اَللَ َوَر ُسولَهُ ِمن قَـب ُل﴾‪ ،‬أما هؤالء‬ ‫يف اآلية‪ ..‬اآلية تقول ماذا؟‪﴿ ،‬وإِر ِ‬
‫صادا لّ َمن َح َار َ‬
‫َ َ‬
‫يرتصد‬
‫يرتصدون ملن؟ ملن آمن باهلل ورسوله‪ ..‬إذا الفرق بني اجلاسوس‪ :‬أن اجلاسوس ّ‬ ‫ّ‬
‫للمؤمنني يراقبهم ويتابع أخبارهم‪ ،‬أما املسجد الذي بُين على أساس ضر‪ :‬هؤالء‬
‫يرتصدون ملن حارب هللا ورسوله من قبل‪ .‬إذا وجود اجلاسوس ال ُحي ِّول املسجد إىل‬
‫ّ‬
‫مسجد ضرار‪ ،‬ألن هؤالء خيتلفون عن اجلواسيس‪ ،‬فيهم شيء من التجسس‪ ،‬وفيهم‬
‫زيادة أيضا عن التجسس‪ ،‬اآلن نأيت إىل مسألة أخرى ُمتعلّقة هبذا املوضوع‪:‬‬
‫َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫َه ْل ُيشت َرط ت َوف ُر َه ِذ ِه الش ُرو ِط األربع ِة حتى نحكم على اِلس ِج ِد‬
‫ْ‬

‫وط األَربَـ َع ِة َحىت َحن ُكم َعلَى املس ِجد بأنه مسجد‬
‫ط تَـوفُّـر ه ِذهِ الشُّر ِ‬
‫ُ‬ ‫َهل يُشتَـَر ُ َ ُ َ‬
‫َ‬
‫ضرار؟ أم إذا توفّرت صفة من هذه الصفات‪ ،‬نقول‪ :‬مسجد ضرار‪ ..‬ال ت ُقم فيه‬
‫أبدا؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪600‬‬

‫يكفي توفر صفة واحدة‪ ،‬دليل ذلا‪ :‬ما قاله اإلمام القرطيب ¬ يف تفسريه‬
‫وهو ينقل عن علماء املالكية‪ ،‬قال‪ :‬إذا بُين مسجد إىل جانب مسجد يف احلي‪،‬‬
‫ومسجد احلي يكفي أهل احلي‪ُ ،‬يب عليهم هدم هذا املسجد‪ ..‬إذا الصفة اليت‬
‫توفرت يف هذا املسجد إيش؟‪ ،‬تفريقا بني املؤمنني فقط‪ ،‬يعين ال يُدعى يف هذا‬
‫املسجد إىل ضرار‪ ،‬وال إىل كفر‪ ،‬وال إرصادا ملن حارب هللا ورسوله‪ ،‬وإمنا الصفة‬
‫الوحيدة اليت توفّرت يف هذا املسجد‪ :‬أنه تفريقا بني املؤمنني‪ .‬إذا يكفي أن تتوفر‬
‫رجل يدعو إىل‬
‫صفة واحدة يف املسجد حىت متتنع عن الصالة يف هذا املسجد‪ٌ ،‬‬
‫الكفر باهلل ¸‪ ،‬صويف‪ ،‬كيف ترتاد مثل هذه املساجد وتصلي؟!‪ ،‬رجل يدعو إىل‬
‫ال ّدميُقراطيّة‪ ،‬كيف تصلي يف هذا املسجد؟!‪ ،‬إذا يكفي حتقق صفة واحدة يف أي‬
‫مسجد من املساجد حىت ُيب على املسلمني أن ميتنعوا عن الصالة يف هذه‬
‫ُسس على أساس تقوى‪ ،‬ال ُيوز‬
‫املساجد‪ ،‬ال مجعة وال مجاعة‪ ،‬أما البناء‪ :‬طاملا أ ّ‬
‫ميس بناء هذه املساجد‪.‬‬
‫ألحد أن ّ‬
‫قد يُستأنس حبديث رسول هللا ‘ فيما قلناه‪ ،‬حديث رواه اإلمام البخاري ‪-‬‬
‫¬ رحة واسعة‪ -‬عن عبدهللا بن عمرو بن العاص ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ‘‪( :‬أربع من كن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة منهن‬
‫كانت فيه خصلة من النفاق حىت يدعها‪ :‬إذا اُؤمتن خان‪ ،‬وإذا ح ّدث كذب‪ ،‬وإذا‬
‫عاهد َغ َدر وإذا خاصم فَ َجر)‪ ،‬إذا ال نسميه منافقا صرفا‪ ،‬وإمنا نسميه فيه خصلة‬
‫من خصال النفاق‪ ،‬فهذه الصفات األربعة إذا اجتمعت يف مسجد‪ ،‬هذا مسجد‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪601‬‬

‫ضرار صرف‪ ،‬أما إذا توفرت فيه صفة من هذه الصفات نقول‪ :‬مسجد فيه صفة من‬
‫صفات ضرار؛ إذا ال ت ُقم فيه أبدا‪ ،‬قَد يَأِيت ُّ‬
‫الس َؤ ُال‪:‬‬

‫احلمد هلل‪ ،‬حنن يف دار اإلسالم اآلن نصلي يف أي مسجد دون أن حنسب هلذا‬
‫األمر حساب‪ ،‬أذّن أي مسجد قريب تدخل‪ ،‬وهذا من فضل هللا تبار وتعاىل علينا‪،‬‬
‫لكن اإلشكال يف بالد املسلمني (خارج دار اإلسالم)‪ ،‬هؤالء إذا ثبت هلم أن هذا‬
‫املسجد فيه صفة من صفات ضرار‪ ،‬هل ُيوز هلم أن يرتكوا صالة اجلمعة واجلماعة‬
‫يف هذا املسجد؟‬

‫نعم ُيوز هلم ذلا‪ ،‬وعليهم أن يذهبوا إىل املسجد الذي ليس فيه هذه‬
‫الصفات‪ ،‬أو صفة من هذه الصفات‪ ،‬إيش الدليل؟‬

‫أنت تعلم أن الرسول ‘ عندما جاءه بُناة مسجد ضرار أولئا املنافقون‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫يا رسول هللا‪ ،‬بنينا مسجدا نريد أن تُصلي فيه‪ ،‬قال‪ :‬سأصلي لكم عندما أرجع إن‬
‫﴿ال تَـ ُقم فِ ِيه أَبَدا﴾ فأمر‬
‫هم بالصالة‪ ،‬هللا ¸ إيش قال؟‪ ،‬قال‪َ :‬‬ ‫شاء هللا‪ ،‬إذا هو ّ‬
‫﴿ال‬
‫هللا يعلو على ما أراده الرسول ‘‪ ،‬هو أراد أن يصلي‪ ،‬لكن هللا ¸ قال له‪َ :‬‬
‫يل األَ َّو ُل‪.‬‬‫تَـ ُقم فِ ِيه أَبدا﴾‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي لِلص َالةِ ِمن يَـوِم اجلُ ُم َع ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ي‬
‫يل الثَّ ياين‪ :‬أن الذي قال لا يف القرآن‪﴿ :‬إذَا نُود َ‬
‫الدل ُ‬
‫فَاس َعوا إِ َ ٰىل ِذك ِر اَللِ َو َذ ُروا البَـي َع﴾ [اجلمعة‪ ،]9:‬هللا الذي أمرنا هبذا األمر يف هذا‬
‫الكتاب املبار ‪ ،‬أمرنا بنفس هذا الكتاب قال‪َ﴿ :‬ال تَـ ُقم فِ ِيه أَبَدا﴾‪ ..‬فكيف تُوفِّق‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪602‬‬

‫فَاس َعوا إِ َ ٰىل ِذك ِر اَللِ﴾ وبني قول هللا ¸‪:‬‬ ‫ي لِلص َالةِ ِمن يَـوِم اجلُ ُم َع ِة‬ ‫ِ ِ‬
‫بني‪﴿ :‬إ َذا نُود َ‬
‫﴿َال تَـ ُقم فِ ِيه أَبَدا﴾؟‬

‫إذا هذا ختصيص لذلا العموم‪ ،‬عليا أن تسعى إىل املسجد‪ ،‬وأن تصلي‬
‫اجلمعة واجلماعة يف املسجد؛ لكن بشرط‪ّ :‬أال يكون يف املسجد صفة من صفات‬
‫صة لعموم تلا املساجد‪ ،‬فكما هللا ¸ لا‪ :‬اسعوا إىل‬ ‫ِ‬
‫صَ‬‫ضرار‪ ،‬فهذه اآلية تعترب ُُم ّ‬
‫ذكر هللا‪ ،‬يف نفس الكتاب قال لا‪ :‬ال ت ُقم فيه أبدا‪ ،‬إذا السعي يكون إىل املساجد‬
‫اك َم ْسأَلَةٌ أَذْ ُك ُرَها‬
‫اليت تكون ليس فيها صفة من صفات ضرار‪ ،‬إذا علمت هذا‪ُ ،‬هنَ َ‬
‫تَ ْيربئَةً ليل ّيذ َم ية‪:‬‬

‫ال أُجيز ملسل ٍم مسع مقاليت هذه‪ ،‬أن يقول‪ :‬وهللا أتاري املساجد كلها ضرار واحنا‬
‫أتربأ إىل هللا ¸ من هذا القول‪ ،‬ملاذا؟‬ ‫ٍ‬
‫ما نعرف‪ ،‬ال أُجيز ألحد أن يقول هذا القول‪ّ ،‬‬
‫ألنا إذا علمت أحكام املساجد‪ ،‬فال ُيوز لا شرعا أن تُنزل هذا احلكم إال‬
‫على املسجد الذي أنت على عل ٍم حباله‪ ،‬فإذا كنت يف حي‪ ،‬وعلمت أن هذا‬
‫املسجد الذي يف حيّا فيه صفة من صفات ضرار؛ عليا أن تلتزم بأمر هللا ¸‪،‬‬
‫أما املسجد الذي يف احلي الذي إىل جانب حيّا‪ ،‬وأنت ال تعلم عن حال ذلا‬
‫املسجد شيئا؛ إذا املسجد يُعترب لا مستور احلال‪ُ ،‬يوز لا أن تُصلّي فيه اجلمعة‬
‫تتبني لا حقيقة هذا املسجد‪ ،‬لكن إذا وردت مسجدا من هذه‬ ‫واجلماعة‪ ،‬طاملا مل ّ‬
‫تبني لا أن فيه صفة من صفات ضرار؛ عليا أن متتنع عن هذا‬‫املساجد‪ ،‬مث ّ‬
‫املسجد أيضا وميكنا أن تقول إذا أحطت علما بأحكام مساجد ضرار‪ ،‬أن تقول‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪603‬‬

‫املسجد الفالو يف املنطقة الفالنية يُعترب مسجدا فيه صفة من صفات ضرار‪ ،‬وال‬
‫ِ‬
‫عمم هذه األحكام على مساجد املسلمني‪ ،‬ال ُيوز هذا األمر‪ ،‬وإمنا‬
‫ُيوز لا أن تُ ّ‬
‫هذه األحكام تنزل على املسجد الذي أنت على عل ٍم حباله؛ كما ال ُيوز لا أن‬
‫تقول‪ :‬األصل يف الناس الكفر‪ ،‬كذلا ال ُيوز لا أن تقول‪ :‬أن املساجد كلها‬
‫ضرار‪ ،‬فاألحكام تنزل بناء على ما تعرف من حال املساجد‪.‬‬

‫نأيت إىل مسألة أخرية حىت ننتهي من هذا املوضوع‪:‬‬


‫َ َ َ َ َ َْ ً‬ ‫َ َ َّ ُ ُ َّ‬ ‫اِلَ َساج ُد َّالتي َب َن َاها َ‬
‫اق فت َرة‬
‫وت ال ِذي حكم ال ِعر‬‫(صدام) ذ ِلك الطاغ‬ ‫ِ ِ‬
‫وت ال ِذي َح َك َم العَِر َ‬
‫اق فَـتـَرة هذه‬ ‫ا الطاغُ ُ‬
‫ِ‬
‫(ص ّدام) َذل َ‬
‫اها َ‬
‫ِ‬
‫املَ َساج ُد ال ِيت بَـنَ َ‬
‫املساجد يقينا ما بُنيت على أساس تقوى‪ ،‬ما خيتلف مسلمان على هذا األمر‪ ،‬كيف‬
‫وحماربة هلل تبار وتعاىل يف قلب رجل‬
‫تُثبت؟‪ ،‬ال ميكن أن ُيتمع بناء بيت هلل ¸‪ُ ،‬‬
‫واحد‪ ،‬ال ميكن‪.‬‬

‫وأنت تعلم كم كانت حماربته للملتزمني من املسلمني‪ ،‬أما من كان ُمساملا يرتدد‬
‫تعال إىل‬
‫من املسجد إىل البيت إىل احملل هذا ما عاَّن شيئا ما رأى منهم شيئا‪ ،‬لكن َ‬
‫الناس الذي كانت لديهم التزامات حىت تعلم ماذا كانوا يفعلون هبم‪ ،‬وبعض الناس‬
‫ومنِعُوا من األذان‪ ،‬قال‪ :‬أنت ممنوع تُؤذن يف املسجد‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫املقرات ُ‬
‫اُستدعوا إىل ّ‬
‫ناديت به خيتلف عن اآلخرين؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬لكن أنت ال‬ ‫ُ‬ ‫هذا‪ ،‬هذا األذان الذي‬
‫تُؤذن‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪604‬‬

‫إذا هؤالء أذياهلم كانوا هكذا يفعلون‪ ،‬ألن هذا منهاج هذا احلزب النصراو ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬ا ّ قائدهم (ميشيل عفلق)‪ ،‬فهذا الرجل عندما يأيت وحيارب هللا‬
‫تقربا إىل هللا‬
‫ورسوله من جهة‪ ،‬مث يبين مساجد من جهة؛ يقينا ما بىن هذه املساجد ّ‬
‫ُسست على‬
‫¸ وإن ّادعى ذلا‪ ،‬وإمنا هذا الصنف من املساجد ال تُسمى مساجد أ ّ‬
‫ضر‪ ،‬وإمنا تُسمى صنفا ثالثا‪ :‬وهي املساجد اليت بُنيت‬
‫أساس تقوى وال على أساس ّ‬
‫على الرياء‪.‬‬

‫قد تقول‪ :‬الرياء من أعمال القلوب‪ ،‬كيف حتكم على أفعال اآلخرين أن هذا‬
‫من الرياء؟‪ ،‬ال؛ (أال إن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله‪ ،‬وإذا فسدت‬
‫اس من يـع ِجبا قَـولُه ِيف احلياةِ‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ن‬ ‫م‬‫فسد اجلسد كله أال وهي القلب) (‪﴿ ،)94‬وِ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ص ِام ۝ َوإِ َذا تَـ َو ٰىل َس َع ٰى ِيف األَر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫الدنـيَا َويُش ِه ُد اَللَ َعلَ ٰى َما ِيف قَـلبِه َوُه َو أَلَ ُّد اخل َ‬
‫ُّ‬
‫ث َوالنس َل ۚ َواَللُ َال ُِحي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ال َف َس َاد﴾ [البقرة‪،]205-204:‬‬ ‫ا احلَر َ‬ ‫ليُـف ِس َد ف َيها َويـُهل َ‬
‫إذا بعض الناس قد يقولون كالما‪ ،‬لكن عندما ترى أفعاهلم ُختالف أقواهلم؛ يقينا تقول‬
‫هذا الذي كانوا يقولونه كان كذبا وكان رياء‪َ ،‬ه َذا األَم ُر األَو ُل‪.‬‬

‫ِ‬
‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬ذلا الطاغوت كان قد اُفتُ َ‬
‫نت بأن ُخيلّد يف العراق‪ ،‬ألنه قرأ التاريخ‬
‫باملقلوب‪ ،‬وجد نبوخذ نصر‪ ،‬وجد حورايب‪ ،‬وجد فالن وفالن قبل امليالد وتركوا آثارا‬
‫يف البالد‪ ،‬فأراد أن يرت أثرا يف البالد‪ ،‬ففي بداية أمره بدأ باآلثار‪ ،‬ذهب إىل آثار‬

‫(‪ )94‬أخرجه البخاري ومسلم ‪-‬رحهما هللا‪.-‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪605‬‬

‫بابل وبدأ باحلفريات وبالبناء‪ ،‬مث وضع بني قطعة وأخرى قطة طابوق عليها (ص‪.‬‬
‫)‪.‬‬

‫وح ّدثين من أهل تلا الديار‪ ،‬قال‪ :‬عندما زار اآلثار بعد االنتهاء‪ ،‬قال‪ :‬أوضعتم‬
‫هذه القطع يف األساس؟‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬حتفرون من جديد وتضعون هذه القطع يف‬
‫األساس!‬

‫يتوجه (شويّة) حنو اإلسالم (اإلسالم الصويف) الذي‬


‫مث بعد ذلا اضطر إىل أن ّ‬
‫التوجه اضطره إىل أن يبدأ ببناء املساجد‪ ،‬فبىن مسجدا هنا‬
‫يرتأسه ذلا اخلرف‪ ،‬فهذا ّ‬
‫ومسجدا هنا ومسجدا هنا‪ ،‬إذا هذه املساجد ما كانت يُراد هبا وجه هللا ¸؛ ألنه لو‬
‫أراد وجه هللا تبار وتعاىل ملا حارب هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬وال رسوله وال املؤمنني‪،‬‬
‫ولكان حكم ا أنزل هللا ¸‪.‬‬

‫وحييلهم إىل‬
‫ويرتصد الناس الذين يدخلون يف املسجد‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أما أن يبين مسجدا‬
‫(الشعبة اخلامسة)! كيف تُوفٍّق بني هذين األمرين؟!‪ ،‬كل رجل ُملتزم يف ذلا الوقت‬
‫إما أنه أُحيل إىل الشعبة اخلامسة‪ ،‬أو اُستدعي من قبل الشعبة اخلامسة من داخل‬
‫مساجد ص ّدام من الذين يرتددون إىل هذه املساجد‪ ،‬إذا كيف تُوفّق بني مسجد بُين‪،‬‬
‫مث بعد ذلا يُتابع املسلم داخل هذا املسجد؟!‪ ،‬فإذا كان صويف يرتكونه‪ ،‬مرجئ‬
‫يرتكونه‪ ،‬مسلم يف حاله يرتكونه‪ ،‬أما أن تكون من أهل السنة واجلماعة فهذا الذي ما‬
‫كانوا يرضونه لكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪606‬‬

‫إذا هذه املساجد بُنيت على أساس رياء‪ ،‬ومساجد الرياء ذكرها اإلمام القرطيب‬
‫‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬وأحلقوا مساجد الرياء ساجد الضرار‪.‬‬

‫ولكم وجزاكم هللا خريا‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪607‬‬
‫َ َّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫َّ‬
‫الد ْر ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الح ِادي و‬
‫َم ْو ِق ُف َنا ِم َن الد ْس ُتو ِر‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫ساو يفقهوا قو ؛ أما بعد‪:‬‬

‫انتيهنا ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬من احلديث عن األجزاء األوىل من سلسلة دروسنا‬
‫هذه‪ ،‬فتكلمنا عن شر الطاعة‪ ،‬وتكلمنا عن جلنة كتابة الدستور‪ ،‬مث عن الدستور‪،‬‬
‫مث عن ُمن ّفذي الدستور ببعض التفاصيل‪ .‬ووصلنا إىل اجلزء الرابع من موضوعنا وهو‪:‬‬
‫موقفنا من الدستور‪ ،‬ما املطلوب منّا جتاه هذه الدساتري؟‬

‫بعد ذلا سنتناول مسألتني أيضا ‪-‬إن شاء هللا تعاىل‪ ،-‬وهي‪ :‬املسألة األوىل‪:‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫تفسري قول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪َ :-‬‬
‫[املائدة‪ ،]44:‬سنتناول هذه اآلية ‪-‬إن شاء هللا تعاىل‪.-‬‬

‫واملسألة الثانية‪ :‬سنتناول مسألة االستنصار باليهود أو بالنصارى‪ ،‬ونقف عند‬


‫ض ُهم أَولِيَاءُ﴾‬ ‫ِ‬
‫ص َار ٰى أَوليَاءَ ۚ بَـع ُ‬
‫ود َوالن َ‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪ِ َ :‬‬
‫﴿ال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫[املائدة‪ ،]51:‬وهبذا نكون قد انتهينا إن شاء هللا تعاىل من سلسلة دروسنا هذه ‪-‬وهلل‬
‫الفضل واملِنّة‪ ،-‬إذا موضوعنا هلذا اليوم إن شاء هللا تعاىل‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪608‬‬

‫ما املطلوب منا يا مسلم جتاه هذه القوانني وجتاه هذه الدساتري وجتاه هذه‬
‫ت (سواء يف َدا ِر إِس ٍ‬
‫الم أَو َخا ِر َج‬ ‫ِ‬
‫ا أَيـنَ َما ُكن َ َ َ‬
‫ب َعلَي َ‬
‫احملاكم الطاغوتيّة؟‪ ،‬فَأو ُل َما َُي ُ‬
‫َدا ِر ِاإلس ِ‬
‫الم)‪:‬‬
‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ْأن تك ُف َر ِب َه ِذ ِه امل َح ِاك ِم الطاغو ِت َّي ِة‪.‬‬
‫يدو َن أَن يَـتَ َحا َك ُموا إِ َىل‬
‫دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬يُِر ُ‬
‫الطاغُ ِ‬
‫وت َوقَد أ ُِم ُروا أَن يَك ُف ُروا بِِه﴾ [النساء‪ ،]60:‬إذا هذا أمر هللا ¸ إليا أن تكفر‬
‫هبذه احملاكم الطاغوتيّة اليت حتكم بالقوانني وبالدساتري‪ ،‬وسبب هذا احلكم (ملاذا ُيب‬
‫عليا أن تكفر هبذه احملاكم)‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬هذا أمر هللا ¸‪ ،‬واإلنسان املؤمن ال ميلا اخليار أمام أمر هللا تبار‬
‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضى اَللُ َوَر ُسولُهُ أَمرا أَن يَ ُكو َن‬‫﴿وَما َكا َن ل ُمؤم ٍن َوَال ُمؤمنَة إِ َذا قَ َ‬
‫وتعاىل؛ لقوله ¸‪َ :‬‬
‫﴿وقَد أ ُِم ُروا أَن يَك ُف ُروا بِِه﴾ ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َهلُ ُم اخليَـَرةُ من أَم ِرهم﴾ [األحزاب‪ ،]36:‬فأمر هللا ¸ َ‬
‫يوجد بديل عن هذا األمر أو تغيري أو ختفيف من هذا األمر‪ ،‬هو أمر واحد عليا‬
‫أن تكفر‪ ،‬فال يوجد خيارات أخرى حىت تقول‪ :‬هل أختار هذا أم أختار هذا‪ ،‬إمنا‬
‫هو خيار واحد؛ أُمرت أن تكفر هبذه القوانني وهبذه الدساتري وهبذه احملاكم الطاغوتيّة‬
‫اليت حتكم بغري ما أنزل هللا ¸‪ ،‬إذا السبب األول ألن هذا أمر هللا تبار وتعاىل إىل‬
‫كل مسلم وإىل كل مؤمن‪.‬‬

‫السبب الثاو‪ :‬ألن هذه القوانني اليت حيكمون هبا‪ ،‬سبق أن أثبتنا من خالل‬
‫األدلة وقلنا‪ :‬أن هذه القوانني وهذه الدساتري دين‪﴿ ..‬أَم َهلُم ُشَرَكاءُ َشَرعُوا َهلُم ِّم َن‬
‫ال ِّدي ِن َما َمل يَأ َذن بِِه اَللُ﴾ [الشورى‪ ،]21:‬وسبق أن ذكرنا التفاصيل حول هذه اآلية‪،‬‬
‫وثبت لنا أن هذه القوانني وهذه الدساتري دين؛ فمن حتاكم إىل هذه احملاكم‪ ،‬ورضي‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪609‬‬

‫باحلكم الدستوري والقانوو‪ ،‬إذا يف هذا العمل قد اختار لنفسه دينا غري دين‬
‫اإلس َالِم ِدينا فَـلَن‬
‫﴿وَمن يَـبتَ ِغ َغيـر ِ‬
‫َ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬يف هذه اجلُزيئة تُطبّق عليه اآلية الكرمية‪َ :‬‬
‫يـُقبَ َل ِمنهُ﴾ [آل عمران‪ ،]85:‬إذا هذا هو السبب الثاو الشرعي الدافع ألن تكفر‬
‫هبذه احملاكم الطاغوتيّة‪.‬‬

‫السبب الثالث‪ :‬أن هذه األحكام والقوانني هذه شرع‪ ،‬هذه شريعة حيكمون هبا‪،‬‬
‫يسموهنم‪ :‬املـُ ِّ‬
‫شرع‬ ‫وهلذا جتدهم عندما يتكلمون عن واضعي القوانني والدساتري ّ‬
‫سمون‬ ‫شرعني‪ ،‬وكذلا يُ ّ‬ ‫شرع املصريـ إذا يسموهنم ُم ِّ‬ ‫شرع السوداو‪ ،‬وامل ـــُ ِّ‬ ‫العراقي‪ ،‬والـ ُم ِّ‬
‫تتكون‬
‫السلطَات اليت ّ‬ ‫جملس الربملان باجمللس التشريعي‪ ،‬وكذلا عندما يتحدثون عن ُّ‬
‫السلطَة التنفيذيّة‬ ‫السلطَة التشريعيّة‪ ،‬و ُّ‬ ‫منها هذه احلكومات الطاغوتيّة‪ ،‬يقولون‪ُّ :‬‬
‫قرون على أنفسهم أن هذه اجلهات اليت تضع القوانني‬ ‫السلطَة القضائيّة؛ إذا هم يُ ّ‬ ‫و ُّ‬
‫شرعون عندما وضعوا هذا القانون إذا‬ ‫وحتكم بالقوانني جهات تشريعيّةـ إذا هؤالء املـُ ّ‬
‫هذا القانون تشريع‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل يقول لرسول هللا ‘ يف [سورة اجلاثية‪:]18:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ين َال يَـعلَ ُمو َن﴾‪ ..‬إذا‬‫﴿مث َج َعلنَا َ َعلَ ٰى َش ِر َيعة ّم َن األَم ِر فَاتبع َها َوَال تَـتبع أَه َواءَ الذ َ‬‫ُ‬
‫شرع العراقي‬ ‫لدينا شريعة هللا تبار وتعاىل‪ ،‬ولدينا هذه التشريعات اليت وضعها امل ِّ‬
‫ُ‬
‫﴿مث َج َعلنَا َ َعلَ ٰى‬‫العالو‪ ..‬إذا هذه شريعة‪ ،‬مطلوب منا‪ُ :‬‬ ‫شرع ّ‬ ‫شرع الفالو وامل ِّ‬ ‫وامل ِّ‬
‫ين َال يَـعلَ ُمو َن﴾‪.‬‬ ‫ذ‬‫ش ِرُيع ٍة ِمن األَم ِر فَاتُبِعها وَال تَـتبِع أَهواء ال ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫إذا هلذه األسباب عليا أن تكفر هبذه القوانني وهبذه الدساتري وأن تكفر هبذه‬
‫احملاكم الطاغوتيّة اليت حتكم بغري ما أنزل هللا ¸‪َ ،‬و َه يذهي ال َم ْسأَلَةُ األُْو َل يف‬
‫موضوعنا‪ ،‬وأ ََّما ال َمْسأَلَةُ الثَّانييَةُ‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪610‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َز َ ْ َ َ‬
‫للا ت َبا َر َك َوت َعالى َوت َحاك َم إلى َه ِذ ِه امل َح ِاك ِم‪ِ ،‬ب ِماذا‬ ‫من تجاو أمر ِ‬
‫اس؟‬ ‫ال َهؤالء َّ‬
‫الن‬ ‫َ‬ ‫للا َت َبا َر َك َو َت َع َالى َ‬
‫ح‬ ‫ف ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫وص‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية الكرمية سبق أن ذكرناها أكثر من مرة‪ ،‬قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬أَ َمل تَـَر إِ َىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدو َن أَن يَـتَ َحا َك ُموا إِ َىل‬ ‫ا َوَما أُن ِزَل ِمن قَـبل َ‬
‫ا يُِر ُ‬ ‫ين يَـزعُ ُمو َن أَنـ ُهم َآمنُوا ِ َا أُن ِزَل إِلَي َ‬
‫الذ َ‬
‫ض َالال بَعِيدا﴾‬ ‫يد الشيطَا ُن أَن ي ِ‬ ‫وت َوقَد أ ُِم ُروا أَن يَك ُف ُروا بِِه َويُِر ُ‬ ‫الطاغُ ِ‬
‫ضل ُهم َ‬ ‫ُ‬
‫[النساء‪ ،]60:‬إذا هذه اآلية سبب نزوهلا سبق أن ذكرناه‪ ،‬ذلا اخلالف الذي كان‬
‫بني منافق وبني يهودي‪ ،‬وكيف أن املنافق أراد أن يتحاكم إىل كعب بن األشرف أو‬
‫إىل أيب بردة األسلمي ‪-‬أي كان منهما املهم هم طواغيت‪ ،-‬فأنزل هللا تبار وتعاىل‬
‫حبق هذا الذي كان ي ّدعي أنه مؤمن‪ ،‬مث حتققت منه اإلرادة‪ ،‬حتققت منه إرادة‬
‫التحاكم إىل كعب بن األشرف‪ ،‬على هذه اإلرادة اليت حتققت يف داخله‪ ،‬قال هللا‬
‫تبار وتعاىل عنه‪ :‬هذا اإلميان الذي ت ّدعيه هذا زعم‪ ،‬وأنت تعلم أن الزعم أكذب‬
‫احلديث‪ ،‬وهو أن ي ّدعي اإلنسان ما ال ميلا‪ ،‬يسمى زعما‪.‬‬

‫إذا كونه يقول‪ :‬أنا مؤمن‪ ،‬مث حتققت اإلرادة يف داخله للتحاكم إىل كعب بن‬
‫األشرف‪ ،‬هللا تبار وتعاىل حكم على هذه اإلرادة اليت حتققت يف داخله بأن اإلميان‬
‫الذي ت ّدعيه إميان زعم؛ ألنا لو كنت مؤمنا صحيحا حقيقيا ملنعا اإلميان من أن‬
‫تُِرد التحاكم إىل هؤالء‪.‬‬

‫(مريد التحاكم إىل الطاغوت يزعم أنه مؤمن)‪ ،‬فما تقول فيمن‬ ‫فإذا كان ُ‬
‫(يتحاكم فعليا) إىل هذه احملاكم؟!‪ ،‬هللا تبار وتعاىل ال يرضى أن ُيتمع اإلميان مع‬
‫إرادة التحاكم يف قلب رجل مسلم‪ ،‬فإذا اجتمعت إرادة التحاكم مع ّادعاء اإلميان؛‬
‫زعم‪ ،‬كذب‪ ..‬هذا الذي ت ّدعيه هذا‬ ‫هللا تبار وتعاىل يقول‪ّ :‬ادعاء اإلميان هنا فيا ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪611‬‬

‫كذب‪ ،‬إذا ال ميكن واحلال هذه ومن كان يف كتابه هذه اآليات املحكمة الواضحة‬
‫ُ‬
‫النرية‪ ،‬مث بعد ذلا يفكر أن يتحاكم إىل هذه احملاكم الطاغوتيّة اليت حتكم بغري ما‬
‫ّ‬
‫أنزل هللا ¸‪.‬‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ََْ‬
‫اص ِيل‪:‬‬
‫ض التف ِ‬‫اإلشارة هنا إلى بع ِ‬
‫وتأ ِتي ِ‬
‫وهي يف حال‪ :‬كون اإلنسان يعيش يف دار إسالم ‪-‬أي‪ :‬ال توجد غري احملاكم‬
‫الشرعيّة‪ -‬فإذا جاء رجل يف دار إسالم‪ ،‬مل يتحاكم إىل احملاكم الشرعيّة وحتاكم إىل‬
‫ُناس ال حيكمون ا أنزل هللا‪ ،‬هذا يدخل يف صورة‬ ‫فصل أو إىل رئيس عشرية أو إىل أ ٍ‬
‫ٍ‬
‫هذه اآلية‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬يف بعض البلدان سابقا وليس اآلن ‪-‬ال أدري يف بعض البلدان هل‬
‫يوجد‪ ،‬لكن سابقا كان موجود هذا‪ -‬أن هذه احلكومات الطاغوتيّة كانوا يُنشئون‬
‫حماكم شرعيّة‪ ،‬كما كان يف مصر والشيخ أحد شاكر كان قاضيا يف تلا احملكمة‬
‫الشرعيّة‪ ،‬وكذلا يف موريتانيا أيضا كانت حمكمة شرعيّة إىل جانب احملاكم الطاغوتيّة‬
‫والشيخ الشنقيطي كان ينظر يف قضايا املسلمني من الناحية الشرعيّة يف تلا‬
‫احملكمة‪ ،‬فإذا ُوِج َدت حماكم طاغوتيّة إىل جانب هذه احملاكم الشرعية‪ ،‬فمن تر‬
‫احملكمة الشرعيّة وذهب إىل احملاكم الطاغوتيّة؛ فهو من صورة هذه اآلية‪﴿ ..‬يَـزعُ ُمو َن‬
‫ِ‬
‫ا﴾‪.‬‬ ‫ا َوَما أُن ِزَل ِمن قَـبل َ‬
‫أَنـ ُهم َآمنُوا ِ َا أُن ِزَل إِلَي َ‬
‫الَالَةُ الثَّاليثَةُ‪ّ :‬أال تكون هنا حماكم شرعيّة‪ ،‬وإمنا الساحة مقتصرة على احملاكم‬
‫الطاغوتيّة‪ ،‬فكيف احلال هذه؟‪ ،‬هل ُيوز للمسلم يف البالد اليت ُحتكم من قِبَل‬
‫الطواغيت وال توجد حماكم شرعيّة‪ ،‬هل ُيوز هلم ‪-‬واحلال هذه‪ -‬أن يتحاكموا إىل‬
‫تلا احملاكم حتت ذريعة أنه ال توجد حماكم شرعيّة؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪612‬‬

‫أقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬ال ُيوز للمسلم يف بالد الطواغيت يف حالة عدم وجود‬
‫حماكم شرعيّة أن يتحاكموا إىل احملاكم الطاغوتيّة‪ ،‬ال ُيوز هلم ذلا‪ ،‬شرعا ال ُيوز‬
‫هلم ذلا‪ ،‬هذا الكالم ينطبق على األردن‪ ،‬ينطبق على تركيا‪ ،‬ينطبق على مصر‪ ،‬على‬
‫مجيع بالد املسلمني‪ ،‬ال ُيوز هلم يف تلا البالد أن يتحاكموا إىل احملاكم الطاغوتيّة‬
‫حتت ذريعة‪" :‬ال توجد حماكم شرعيّة‪ ،‬وحنن ُمضطرون إىل التحاكم"‪.‬‬

‫إيش الدليل على عدم اجلواز هذا؟‬

‫هللا تبار وتعاىل عندما حكم على ُم ّدعي اإلميان ذلا (بأنا تزعم أنا‬
‫مؤمن)‪ ،‬ذكر سببني مينعان من التحاكم إىل احملاكم الطاغوتيّة‪:‬‬

‫ب األَ َّو ُل‪ :‬أن تكفر بالطاغوت‪ ،‬والكفر بالطاغوت مينعا من التحاكم إىل‬
‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫هذه احملاكم‪ ،‬ألن الكفر بالطاغوت قبل التشريعات‪ ،‬قبل أن تُشرع التشريعات أنت‬
‫مطلوب منا أن تكفر بالطاغوت؛ وهلذا كل دعوات األنبياء قائمة على أساسني‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وت﴾ [النحل‪ ،]35:‬إذا‬ ‫﴿ولََقد بَـ َعثـنَا ِيف ُك ِّل أُمة ر ُسوال أَن اعبُ ُدوا اَللَ َواجتَنبُوا الطاغُ َ‬
‫َ‬
‫هذا األمر ليس له عالقة بالتشريعات‪ ،‬وإمنا رسالة األنبياء كلها قائمة على أن تكفر‬
‫بالطاغوت وأن تتجنب الطاغوت‪ ،‬إذا هذا دليل على ّأال تتحاكم إىل هذه احملاكم يف‬
‫حال عدم وجود حماكم شرعيّة؛ ألن الكفر بالطواغيت واجتناب الطواغيت هذا من‬
‫الدين‪ ،‬سواء ُوِج َدت احملاكم أم مل توجد‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬أن شرط دخول اإلسالم‪ ،‬من أراد أن يعتنق هذا الدين املبار‬ ‫يل َ‬ ‫الدلي‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عليه أن يكفر بالطاغوت‪ ،‬يقول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬فَمن يك ُفر بِالطاغُ ِ‬
‫وت‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َويـُؤِمن بِاَلل فَـ َقد استَم َس َ‬
‫ا بِالعُرَوة ال ُوثـ َق ٰى َال انف َ‬
‫ص َام َهلَا﴾ [البقرة‪ ،]256:‬إذا أردت‬
‫أن تدخل يف ديننا اإلسالمي احلنيف ما املطلوب منا؟‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪613‬‬

‫ابتِ َداء‪ :‬أن تكفر بكل الطواغيت‪ ،‬مث‪ :‬تُثبت األلوهية هلل ¸‪ ،‬فإذا جئت هبذين‬
‫الركنني فأنت من املستمسكني بالعروة الوثقى‪ ،‬أما من أثبت األلوهية هلل ¸‪ ،‬ومل‬
‫يكفر بالطواغيت؛ هذا ما حقق الشهادة‪ ،‬هذا مل حيقق الشهادة‪ ،‬أي‪ :‬ما دخل يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬وإن قال ال إله‪ ...‬طاملا ما نفيت األلوهية عن هؤالء الطواغيت أنت مل‬
‫وت َويـُؤِمن بِاَللِ﴾؛ إذا الكفر بالطاغوت ركن‬
‫حتقق اإلميان بعد‪﴿ ..‬فَمن يك ُفر بِالطاغُ ِ‬
‫َ َ‬
‫يف اإلميان‪ ،‬سواء ُوِج َدت احملاكم أم مل توجد‪ ،‬الكفر بالطاغوت ال عالقة له بكونا‬
‫وت﴾‪،‬‬‫تتحاكم أو ال تتحاكم‪ ،‬هذا جزء منفصل يف دينا‪﴿ ..‬فَمن يك ُفر بِالطاغُ ِ‬
‫َ َ‬
‫يل الث ِاو على أنه ال ُيوز لا أن تتحاكم إىل هذه احملاكم الطاغوتيّة يف‬ ‫ِ‬
‫َو َه َذا الدل ُ‬
‫حال عدم وجود حماكم شرعيّة‪.‬‬

‫ث‪ :‬أن اإلنسان بعد اعتناق اإلسالم ليس له خيار إال أن يكفر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل الثال ُ‬
‫الدل ُ‬
‫بالطاغوت‪ ،‬بعد اعتناقا اإلسالم أنت ال متلا اخليار إال أن تكفر بالطاغوت؛ وهلذا‬
‫﴿وقَد أ ُِم ُروا أَن يَك ُف ُروا بِِه﴾ [النساء‪ ،]60 :‬مىت جاء هذا‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫األمر؟ ألن الذي أراد أن يتحاكم كان يف داخل دائرة اإلسالم‪ ،‬وهلذا يقول هللا تبار‬
‫وتعاىل ملن كان يف داخل دائرة اإلسالم‪ :‬أنت مأمور أن تكفر بالطاغوت‪ ،‬فإذا‬
‫خالفت هذا األمر وحتاكمت إىل الطاغوت‪ ،‬فإميانا هذا زعم‪.‬‬
‫إذا هذه األدلة الثالثة منفصلة عن احملاكم‪ُ ،‬يب أن حتققها يف نفسا سواء وجدت‬
‫احملاكم أم مل توجد‪ ،‬وهذه األسباب الثالثة متنعنا من أن تتحاكم إىل احلاكم الطاغوتيّة بأي‬
‫ٍ‬
‫حال من األحوال‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪614‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ُ َُ‬
‫العل َم ُاء ِف َيم ْن َي َت َحاك ُم إلى َه ِذ ِه امل َح ِاك ِم ِم َّم ْن‬ ‫الحظ ماذا يقول‬
‫ِ‬
‫َ ْ ُ ُ َن َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ نَ‬
‫يزعمو أنهم مؤ ِمنو ‪:‬‬
‫ي‬
‫الِّيّ ُخ ُُمَ َّم ْد بي ْن إيبْ َراه ْ‬
‫يم ¬ يف رسالته يف [حتكيم القوانني]‪" :‬فإن قوله‬ ‫ول َّ‬‫يَ ُق ُ‬
‫تكذيب هلم فيما ّادعوه من اإلميان‪ ،‬فإنه ال ُيتمع التحاكم إىل‬
‫ٌ‬ ‫¸‪﴿ :‬يَـزعُ ُمو َن﴾‬
‫قلب ٍ‬
‫عبد أصال؛ بل أحدُها يُنايف اآلخر"‪.‬‬ ‫غري ما جاء به النيب ‘ مع اإلميان يف ِ‬
‫فمن حتاكم فقد انتفى عنه اإلميان‪ ،‬وهذا اإلميان الذي ي ّدعيه كما قال هللا تبار‬
‫وتعاىل‪ :‬إمنا هو زعم‪ ..‬كاذب‪ .‬هذا قول حممد بن إبراهيم ¬‪.‬‬
‫الِّ ْن يق ي‬
‫يط ُّي فيقول ¬ يف [أضواء البيان]‪" :‬ومن أصر األدلة يف‬ ‫ام َّ‬‫أَ َّما ا يل َم ُ‬
‫هذا‪ :‬أن هللا جل وعال يف سورة النساء ّبني أن من يريدون أن يتحاكموا إىل غري ما‬
‫يتعجب من زعمهم أهنم مؤمنون؛ وما ذلا إال ألن دعواهم اإلميان مع‬ ‫شرعه هللا ّ‬
‫إرادة التحاكم إىل الطاغوت بالغة من الكذب ما حيصل منه العجب"‪.‬‬
‫حال من األحوال يف أي ٍ‬
‫بلد يتواجد املسلمون أن يتحاكموا‬ ‫إذا ال ميكن بأي ٍ‬
‫إىل هذه احملاكم‪ ،‬ال حتت ذريعة االضطرار‪ ،‬وال حتت ذريعة ال توجد حماكم شرعيّة‬
‫فأين نذهب‪ ،‬وسآتيا بإذن هللا تعاىل وأذكر لا ما هي احللول يف مثل تلا األجواء‬
‫وما املطلوب من املسلمني حىت ُحي ّققوا عدم التحاكم إىل الطاغوت مع اإلتيان باألمر‬
‫حد أن‬‫الشرعي‪ ،‬سنأيت إىل هذا بعد أن ننتهي من سرد األدلة على أنه ال ُيوز أل ٍ‬
‫يتحاكم إىل هذه احملاكم‪َ ،‬ه يذهي اآليَةُ األُ ْو َل‪.‬‬

‫أَ َّما اآليَةُ الثَّانييَةُ اليت ُحت ّذر ومتنع من التحاكم إىل احملاكم الطاغوتيّة‪ :‬قوله تبار‬
‫يما َش َجَر بَـيـنَـ ُهم ُمث َال َُِي ُدوا ِيف‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َال يـُؤمنُو َن َح ٰىت ُحيَ ّك ُمو َ ف َ‬‫وتعاىل‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫ت َويُ َسلِّ ُموا تَسلِيما﴾ [النساء‪.]65:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضي َ‬‫أَن ُفس ِهم َحَرجا ّمما قَ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪615‬‬

‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‪ ..‬نفي قطعي‬


‫هللا تبار وتعاىل يُقسم بذاته العليّة ﴿فَ َال َوَربِّ َ‬
‫لإلميان‪ ،‬وهذا اإلميان ينتفي عن الناس على خطوات‪:‬‬

‫اخلُط َوةُ األُوَىل‪ :‬من حتاكم إىل شرع هللا ¸ فقد حتقق فيه شرط اإلميان يف‬
‫التحاكم‪ ،‬أما من حتاكم إىل غري شرع هللا ¸ ‪-‬أي إىل غري كتاب هللا تبار وتعاىل‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‬
‫وسنة رسوله‪ -‬فاهلل ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬يقول عن هؤالء‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫وحي ّكموا الرسول ‘‬ ‫يما َش َجَر﴾ أي‪ُ :‬حي ّكموا كتاب هللا‪ُ ،‬‬‫ِ‬ ‫واملقصود ب ـ ُ ِ‬
‫﴿حيَ ّك ُمو َ ف َ‬
‫وسنّته بعد وفاته‪.‬‬
‫يف حياته ُ‬
‫ودليل ذلا من [صحيح البخاري]‪ :‬أن رجلني ختاصما إىل رسول هللا ‘‪ ،‬فقال‬
‫أحدُها‪ :‬ناشدتا هللا إال قضيت بكتاب هللا‪ ،‬وكان خصمه رجال فقيها فقال‪:‬‬
‫اقض بيننا بكتاب هللا‪َ ،‬وأذَن ‪ .‬فقال الرسول ‘‪( :‬والذي نفسي بيده‬ ‫نعم‪ِ ،‬‬
‫ألقضني بينكما بكتاب هللا)‪.‬‬
‫ّ‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن َح ٰىت ُحيَ ِّك ُمو َ ﴾ أي حتكم بينهم بكتاب هللا‪ ،‬وحتكم‬
‫إذا ﴿فَ َال َوَربِّ َ‬
‫بينهم بسنتا هذا بعد وفاته‪ ..‬فمن حتاكم إىل شرع هللا ¸ فقد حتقق الشرط األول‬
‫فيه‪ ،‬أما من حتاكم إىل غري ديننا إىل غري شرعنا هذا يقول هللا عنه‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫ا َال‬
‫يـُؤِمنُو َن﴾ ال يؤمنون‪.‬‬

‫الشرط الثاو حىت يتحقق فيه اإلميان أو ينتفي عنه اإلميان‪ّ :‬أال ُيد حرجا يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت﴾‪ ..‬إذا‬
‫ضي َ‬‫﴿مث َال َُِي ُدوا ِيف أَن ُفس ِهم َحَرجا ّمما قَ َ‬
‫نفسه من قبول هذا احلكم؛ ُ‬
‫الشرط األول‪ :‬أن تتحاكم‪ ،‬إذا حتاكمت إىل غري كتاب هللا ¸ هذا مل يأمر هللا ¸‬
‫به‪ ،‬إمنا الذي أمر به أن تتحاكم إىل كتابه وإىل سنة نبيّه‪ ،‬فإذا حتاكمت‪ ،‬مث بعد ذلا‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‪.‬‬
‫تولّد احلرج يف داخلا من قبول هذا احلكم؛ ﴿فَ َال َوَربِّ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪616‬‬

‫الضحا ‪ :‬أي‪ :‬إمثا بعدم‬ ‫واحلرج كما قال اإلمام القرطيب‪ :‬الضيق والشا‪ .‬وقال ّ‬
‫قبوهلم حكما‪ .‬وكذلا قال أبو حفص الدمشقي احلنبلي ¬ وهو يذكر معاو‬
‫﴿مث َال َُِي ُدوا‬
‫احلرج‪ ،‬قال‪ :‬احلرج‪ :‬عىن الشا‪ .‬واستدل بقول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ُ :-‬‬
‫ِيف أَن ُف ِس ِهم َحَرجا﴾ أي‪ :‬شكا‪.‬‬

‫﴿وَما َج َع َل َعلَي ُكم ِيف ال ِّدي ِن ِمن َحَرٍج﴾ [احلج‪.]78:‬‬


‫ومن معاو احلرج‪ :‬الضيق‪َ .‬‬
‫ض ٰى َوَال‬ ‫أي‪ :‬من ضيق‪ .‬ومن معاو احلرج‪ :‬اإلمث‪﴿ .‬ليس علَى الض ِ‬
‫ُّع َفاء َوَال َعلَى ال َمر َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ين َال َُِي ُدو َن َما يُ ِنف ُقو َن َحَر ٌج﴾ [التوبة‪ ،]92:‬عىن‪ :‬إمث‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َعلَى الذ َ‬
‫إذا هذه معاو احلرج يف كتاب ربّنا‪ ،‬فمن حتاكم إىل شرع هللا ¸ ما ينبغي له أن‬
‫ُيد حرجا يف نفسه من هذا احلكم الشرعي‪ ،‬فمن وجد حرجا يف نفسه من قبول‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‪.‬‬
‫هذا احلكم‪ ..‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫تنس أن من لطف هللا ¸ بنا أنه ذكر بني التحاكم وبني انتفاء احلرج حرف‬ ‫وال َ‬
‫العطف (مث)‪ ،‬وأنت تعلم أن األحكام اإلسالمية ال تنزل على أقوياء اإلميان فقط بل‬
‫تنزل على ضعاف اإلميان أيضا‪ ،‬فمعىن حرف العطف هنا بالذات؛ ألن مث حرف‬
‫عطف يفيد التعقيب مع الرتاخي ‪-‬أي‪ :‬شيء بعد شيء‪ ،‬حىت ولو بعد فرتة أو بعد‬
‫مدة‪ -‬علم هللا ¸ من عباده من قد ال يستسلم للحكم الشرعي ابتداء لكن قد‬
‫﴿مث َال َُِي ُدوا ِيف أَن ُف ِس ِهم َحَرجا ِّمما‬
‫يستسلم بعد ذلا‪ ،‬فرأفة حبالنا ولعلمه حبالنا قال‪ُ :‬‬
‫ت﴾‪.‬‬‫ضي َ‬
‫قَ َ‬
‫وهلذا ال تستطيع أن تقول‪ :‬أزهرت األشجار وأمثرت‪ ..‬ال تصح هذه العبارة‪،‬‬
‫وإمنا تقول‪ :‬أزهرت األشجار مث أمثرت‪ ،‬ألن بني التثمري وبني اإلزهار هنا فرتة‪ ،‬هذه‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪617‬‬

‫﴿مث‬
‫الفرتة ال يعرب عنها العرب إال حبرف العطف (مث)‪ ..‬وهللا تبار وتعاىل قال هنا‪ُ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت﴾‪.‬‬ ‫َال َُِي ُدوا ِيف أَن ُفس ِهم َحَرجا ّمما قَ َ‬
‫ضي َ‬
‫جل مسلم حتاكم إىل شرع هللا ¸‪ ،‬هذا أمر حسن‪ ،‬ولكنه وجد الضيق من‬ ‫فر ٌ‬
‫قبول هذا احلكم‪ ،‬مث رجع إىل نفسه‪ ..‬يوم يومني أيام‪ ،‬مث راجع نفسه وتغلّب على‬
‫نتحرج من حكم هللا ¸‪ ،‬فانتفى احلرج منه‪،‬‬
‫شيطانه‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما ينبغي لنا أن ّ‬
‫حلظة انتفاء احلرج حتقق الشرط الثاو فيه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت﴾‪ ..‬يقول أبو حفص الدمشقي‬ ‫﴿مث َال َُِي ُدوا ِيف أَن ُفس ِهم َحَرجا ّمما قَ َ‬
‫ضي َ‬ ‫ُ‬
‫احلنبلي‪" :‬وهذا هو االنقياد الباطين"‪ .‬أي‪ :‬أن تنقاد لشرع هللا ¸ باطنيا؛ أي يف‬
‫قلبا‪ .‬مث بعد ذلا إذا حتاكمت وانتفى احلرج منا ابتداء‪ ،‬أو على الرتاخي‪ ..‬ال‬
‫يبقى أماما إال أن تستسلم حلكم هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وهلذا جاء حبرف العطف (و)‬
‫﴿ويُ َسلِّ ُموا تَسلِيما﴾‪.‬‬
‫الذي يفيد اجلمع‪ ..‬قال‪َ :‬‬
‫إذا عليا بعد التحاكم وانتفاء احلرج أن تستسلم حلكم هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وهذا‬
‫الذي يقول عنه أبو حفص الدمشقي ¬ قال‪" :‬وهو االنقياد الظاهري"‪ .‬ظاهريا‬
‫لدي هكذا‪:‬‬
‫عليا أن تنقاد إىل شرع هللا ¸‪ ،‬إذا اخلطوات أصبح ّ‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‪.‬‬
‫‪ -‬من مل يتحاكم إىل شرع هللا‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬

‫‪ -‬من وجد احلرج يف قبول حكم الشرع بعد التحاكم‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫ا َال‬
‫يـُؤِمنُو َن﴾‪.‬‬

‫ف قَلِيال‪..‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬من حتاكم‪ ،‬مث انتفى منه احلرج ومل يستسلم حلكم هللا ¸‪َ :‬وُهنَا نَق ُ‬
‫ا لِ َما َذا؟‬ ‫ع َدم استِس ِ‬
‫الم َ‬ ‫َ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪618‬‬

‫فإن قال‪ :‬أنا أعلم أن هذا شرع هللا ¸ وهذا احلكم‪ ،‬لكين ال أُعطيا حقا‪..‬‬
‫تقوى ومنع اآلخرين حقوقهم‪ ،‬هذا آمث‬ ‫تقوى‪ ..‬علم أن هذا شرع ولكنه ّ‬ ‫إذا الرجل ّ‬
‫ومرتكب كبرية‪ ،‬وإن مل يُعِد للناس حساهبم فهو يوم القيامة ممن قال فيهم الرسول‬
‫اع‪ .‬فَـ َق َال‪( :‬إِن‬ ‫ِ‬ ‫‘‪( :‬أَتَدرو َن ما المفلِس؟) قَالُوا‪ :‬المفلِ ِ‬
‫س فينَا َمن َال درَه َم لَهُ َوَال َمتَ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ َ ُ ُ‬
‫ص َالةٍ‪َ ،‬و ِصيَ ٍام‪َ ،‬وَزَكاةٍ‪َ ،‬ويَأِيت قَد َشتَ َم َه َذا‪َ ،‬وقَ َذ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫المفلِ ِ‬
‫ف‬ ‫س من أُم ِيت يَأِيت يَـوَم القيَ َامة بِ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َه َذا‪ ،‬فَـيُـعطَى َه َذا من َح َسنَاته‪َ ،‬وَه َذا‬ ‫َه َذا‪َ ،‬وأَ َك َل َم َال َه َذا‪َ ،‬و َس َف َ‬
‫ضَر َ‬‫ا َد َم َه َذا‪َ ،‬و َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اهم فَطُِر َحت‬ ‫ضى َما َعلَيه أُخ َذ من َخطَايَ ُ‬ ‫من َح َسنَاته‪ ،‬فَِإن فَنيَت َح َسنَاتُهُ قَـب َل أَن يـُق َ‬
‫َعلَي ِه‪ُ ،‬مث طُِر َ ِيف النا ِر)(‪ .)95‬إذا نقول أمر اآلن هكذا‪.‬‬

‫أما إذا مل يستسلم اعرتاضا على حكم هللا ¸ وإباء وتكربا ‹‹واعترب›› أن هذا‬
‫احلكم ظلم‪ :‬هذا خيرج من ملة اإلسالم‪.‬‬

‫إذا هذا دليل على أن التحاكم ال يكون إال إىل شرع هللا ¸‪ ،‬أما إىل احملاكم‬
‫الطاغوتيّة فاآلية ما رضيت ممن ُيد احلرج يف التحاكم قال‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫ا َال‬
‫يـُؤِمنُو َن﴾‪ ..‬فكيف يرضى هللا ¸ ممن يتحاكم إىل حماكم الطاغوت؟! هذا املتحاكم‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‪ ..‬فما بالا إذا حتاكم إىل‬
‫إىل شرع هللا إذا وجد حرجا ﴿فَ َال َوَربِّ َ‬
‫احملاكم الطاغوتيّة ‪-‬والعياذ باهلل‪!!-‬‬

‫َ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َُ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‬ ‫العل َم ُاء َح ْو َل َه ِذ ِه‬ ‫الحظ ماذا قال‬
‫ِ‬
‫(‪ )95‬رواه مسلم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪619‬‬
‫َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫﴿فال َو َر ِب َك ال ُيؤ ِم ُنون﴾‪:‬‬
‫يقول اإلمام اجلصاص ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسريه‪" :‬ويف هذه اآلية ‪-‬أي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رد‬
‫يما َش َجَر بَـيـنَـ ُهم﴾‪ -‬داللة على أن من ّ‬ ‫﴿فَ َال َوَربِّ َ‬
‫ا َال يـُؤمنُو َن َح ٰىت ُحيَ ّك ُمو َ ف َ‬
‫شيئا من أوامر هللا تبار وتعاىل‪ ،‬أو أوامر رسوله ‘؛ فهو خارج من اإلسالم سواء‬
‫رده من جهة الشا فيه أو من جهة تر القبول واالمتناع من التسليم [مث قال] وذلا‬ ‫ّ‬
‫يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة يف حكمهم بارتداد من امتنع عن أداء الزكاة‬
‫وقتلهم وسيب ذراريهم؛ ألن هللا تبار وتعاىل حكم بأن من مل يُسلِّم للنيب ‘ قضاءه‬
‫وحكمه فليس من أهل اإلميان‪ ".‬هذا قول اجلصاص‪.‬‬

‫أما أبو حفص الدمشقي‪ :‬فيقول كالما شبيها ا قاله اجلصاص‪ ،‬قال‪" :‬وهذه‬
‫رد شيئا من أوامر هللا والرسول فهو خارج من اإلسالم‪،‬‬‫تدل على أن من ّ‬ ‫اآليات ّ‬
‫التمرد‪ ،‬وذلا يوجب صحة ما ذهب إليه‬‫رده من جهة الشر أو من جهة ّ‬ ‫سواء ّ‬
‫الصحابة من احلكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسيب ذراريهم"‪.‬‬

‫أما يف [الدرر السنية]‪ ،‬فيقول يف الدرر‪" :‬فأقسم [أي هللا ¸] بنفسه أن اخللق ال‬
‫حكم انتفى احلرج باطنا‬
‫يؤمنون حىت حي ّكموا الرسول ‘ يف مجيع موارد النزاع‪ ،‬فإذا َ‬
‫وحصل التسليم الكامل ظاهرا‪ ،‬فمن مل حيصل منه ذلا؛ فاإلميان م ٍ‬
‫نتف عنه"‪ .‬هذا‬ ‫ُ‬
‫يف حال التحاكم إىل شرع هللا‪ ،‬فما تقول يف التحاكم إىل هذه احملاكم الطاغوتيّة؟!‪،‬‬
‫وهنا كالم آخر شبيه هبذا الذي ذكرته أيضا يف [الدرر السنية]‪ ،‬وهذا الدليل الثاو‪.‬‬

‫أما الدليل الثالث‪ :‬فسبق أن تطرقنا إليه يف حماضراتنا السابقة‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪620‬‬

‫من حتاكم إىل هذه احملاكم الطاغوتيّة يف حال عدم وجود حماكم شرعيّة‪ ،‬هذا قد‬
‫ّاختذ من جلنة كتابة الدستور ربًّا‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبَ َارُهم َوُرهبَانَـ ُهم‬
‫ون اَللِ﴾ [التوبة‪.]31:‬‬
‫أَربابا ِمن د ِ‬
‫َ ّ ُ‬
‫وسبق أن تطرقنا إىل تفسري هذه اآلية‪ ،‬وقلنا كيف أن اليهود اختذوا علماءهم‬
‫أربابا‪ ،‬وكيف أن النصارى اختذوا علماءهم أربابا؛ ألهنم جاؤوا بتشريع ُمالف لشريعة‬
‫نيب هللا موسى وُمالف لشريعة نيب هللا عيسى‪ ،‬واليهود والنصارى أطاعوهم‪ ،‬إذا من‬
‫هنا أصبح العلماء أربابا لليهود وأصبح العلماء أربابا للنصارى‪.‬‬

‫كذلا احلال اآلن‪ ،‬من رضي هبذه احملاكم وحتاكم إىل هذه احملاكم؛ فقد اختذ‬
‫من جلنة كتابة الدستور له ربًّا؛ دليل ذلا‪ :‬حديث عدي ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما قدم‬
‫إىل رسول هللا ‘‪ ،‬فتال عليه الرسول الكرمي قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبَ َارُهم‬
‫ون اَللِ﴾‪ ..‬قال عدي‪ :‬إنا لسنا نعبدهم‪ ،‬فقال النيب ‘‪:‬‬ ‫ورهبانَـهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫وحيلُّون ما حرم هللا‪ ،‬فتحلُّونه؟) قال‪ :‬قلت‪:‬‬ ‫حرمونه‪ُِ ،‬‬
‫حيرمون ما أحل هللاُ‪ ،‬فتُ ِّ‬‫(أليس ِّ‬
‫بلى‪ .‬فقال ‘‪( :‬فتلا عبادهتم)(‪ ،)96‬فالذي يتحاكم إىل هذه احملاكم هذا يعين بأنه‬
‫وحرمت احلالل‪ ،‬فمن رضي هبذه احملاكم‬ ‫يرضى هبذه القوانني اليت أحلّت احلرام ّ‬
‫وحتاكم إىل هذه احملاكم فقد اختذ من جلنة كتابة الدستور له ربًّا‪.‬‬

‫َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫َت ُقو ُل ْإي ْ‬


‫الح ْل؟‪َ ،‬ماذا أف َع ُل؟‬

‫(‪‹‹ )96‬رواه البخاري يف [التاريخ الكبري]‪ ،‬والرتمذي يف التفسري‪ ،‬وابن جرير يف تفسريه‪ ،‬وابن أيب‬
‫حامت يف تفسريه››‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪621‬‬

‫ول إيش احلَل؟‪َ ،‬ما َذا أفـ َع ُل؟‪ ،‬أنا أعيش يف دولة ال يوجد فيها إال احملاكم‬
‫تَـ ُق ُ‬
‫الطاغوتيّة أين أذهب لكي أجلب حقا أو أدفع ظلما؟‬

‫يُقال للمسلمني أينما كانوا‪ :‬عليا أن تبحث عن الوسائل الشرعيّة ابتداء‪ ،‬وأن‬
‫تدفع أو جتلب لا حقا بالطرق الشرعيّة‪ ،‬وال جتعل من أولويّاتا احملاكم‪ ،‬اجعل من‬
‫أولويّاتا‪ :‬كيف أخضع للشرع يف جلب ٍ‬
‫حق أو دفع ظلم‪.‬‬
‫وأُ ْو َل َه يذهي الُلُ ي‬
‫ول البَ يديلَ ية َع ْن املَ َحاكي يم الطَّاغُوتييَّ ية‪:‬‬ ‫َ‬
‫أن تبحث عن عا ٍمل مسل ٍم ممن يُعرف عنه الصال يف الدين‪ُ ،‬‬
‫وحتاول أن ترفع‬
‫نزاعا إىل هذا العامل‪ ،‬وباالستقراء‪ :‬املسلمون يعرفون أينما كنا أنه ال ختلو مدينة من‬
‫مدن املسلمني من عا ٍمل مسلم الناس يتحاكمون إليه ويتنازعون إليه وهو يقضي بينهم‬
‫ا أنزل هللا ¸‪ ..‬ال توجد مدينة ال يوجد فيها مثل هؤالء الناس‪ ،‬فإن مل ي ُكن يف‬
‫املدينة اليت أنت تتواجد فيها يقينا ستجد أمثال هؤالء على مقربة منا يف املدن‬
‫املحاذية لا؛ ودليل التحاكم إىل العلماء يف حال عدم وجود احملاكم الشرعيّة‪ :‬قول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ول َوأُوِ األَم ِر‬
‫ُ َ‬‫س‬‫الر‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫يع‬ ‫َط‬‫أ‬
‫و‬
‫ُ َ َ ُ‬‫اَلل‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫يع‬ ‫َط‬‫أ‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫آم‬
‫َ َُ‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ـ‬‫ي‬‫َ‬‫أ‬
‫َ ُّ َ‬ ‫ا‬ ‫﴿ي‬ ‫وتعاىل‪:‬‬ ‫تبار‬ ‫هللا‬
‫ِمن ُكم﴾ [النساء‪.]59:‬‬
‫ِِ‬
‫ونقف عند ﴿أُوِ األَمر من ُكم﴾‪ :‬فإن العلماء ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ّ -‬‬
‫فسروا‬
‫أو األمر بتفسريات متعددة‪ ،‬من بني هذه التفسريات‪:‬‬

‫اختيار اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪" :‬والصواب من القول يف ذلا‬


‫قول من قال أهنم األمراة والوالة"‪ .‬إذا أوىل معاو (أو األمر)‪ :‬الوالة واألمراء‪ ،‬هذا‬
‫قول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪622‬‬

‫أما اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ :-‬فريى أن املقصود باألمراء هنا‪ :‬أمراء‬
‫السلَ ِم ّي ‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬إذا تفسري أو‬‫السرايا‪ ،‬كما يف حديث عبدهللا بن ُحذافة ُّ‬
‫السرايا‪.‬‬
‫األمر هنا عند اإلمام البخاري‪ ،‬قال‪ :‬هم أمراء ّ‬
‫ومن العلماء من قالوا‪ :‬أن املقصود بــ(أو األمر) هنا‪ :‬العلماء‪ .‬وهو قول البن‬
‫كثري ¬ يف تفسريه‪ ،‬قال‪" :‬أهل الفقه والدين‪ ".‬مث ذكر وقال‪" :‬وهذا قول جماهد‬
‫وقول احلسن البصري وقول عطاء وقول أيب العالية‪ ".‬إذا هذا قول لإلمام ابن كثري‪ ،‬مث‬
‫قال‪" :‬وهذا القول ملن ذكرهتم"‪.‬‬

‫أما اإلمام القرطيب فقال‪" :‬وهو قول أكثر علماء التابعني‪ ،‬وهو اختيار مالا" ‪-‬‬
‫¬ رحة واسعة‪.-‬‬

‫فسر ﴿أُوِ األَم ِر﴾ يف هذه اآلية بأهنم العلماء‪.‬‬


‫إذا من العلماء من ّ‬
‫هنا قول خامس‪ :‬أن املقصود بأو األمر‪ :‬هم العلماء واألمراء‪ ،‬وهذا قول‬
‫البن كثري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬وقول البن العريب ‪ -¬-‬وقول لإلمام الشنقيطي‬
‫نص كالم هؤالء العلماء‪:‬‬
‫¬‪ ..‬وأقرأ ّ‬
‫يقول ابن العريب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪" :-‬والصحيح عندي أهنم األمراء والعلماء‬
‫مجيعا‪ ،‬أما األمراء فألن أضل األمر منهم واحلكم إليهم‪ ،‬وأما العلماء فألن سؤاهلم‬
‫تعني على اخللق‪ ،‬وجواهبم الزم‪ ،‬وامتثال فتواهم واجب‪ ".‬هذا قول ابن‬
‫واجب ُم ّ‬
‫العريب ¬‪.‬‬

‫عامة يف كل أو األمر من‬


‫أما ابن كثري ¬ يقول يف تفسريه‪" :‬وهللا أعلم أهنا ّ‬
‫األمراء والعلماء"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪623‬‬

‫أما الشنقيطي ¬ فيقول‪" :‬والتحقيق يف معىن اآلية الكرمية أن املراد بأو‬


‫األمر‪ :‬ما يشمل األمراء والعلماء؛ ألن العلماء ُمبلّغون عن هللا وعن رسوله‪ ،‬واألمراء‬
‫ُمن ّفذون‪ ،‬وال جتوز طاعة أحد منهم إال فيما إذا هللا فيه"‪.‬‬

‫لدي اآلن جمموعة من أقوال العلماء يف تفسري أو األمر‪ ،‬لكن من‬ ‫إذا أصبح ّ‬
‫َطيعوا اَلل وأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َطيعُوا‬ ‫ين َآمنُوا أ ُ َ َ‬ ‫فسر أن املقصود هبم العلماء‪﴿ ..‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫العلماء من ّ‬
‫ول َوأُوِ األَم ِر ِمن ُكم﴾‪ ..‬من املقصود اآلن يف البالد اليت ال ُحت َكم ا أنزل هللا‬
‫الر ُس َ‬
‫وليس هلم أمراء مسلمون‪ ،‬عليهم أن يلجؤوا إىل العلماء ألن من ضمن تفسري أو‬
‫األمر هم العلماء‪ .‬ففي حال فقد األمري ال تستطيع أن ت ّدعي أنا فقدت العامل ألن‬
‫العامل ‪-‬بفضل هللا ¸‪ -‬متواجد‪.‬‬
‫قد يأيت قائل ويقول‪ :‬إذا مل يرض خصمي أن نتحاكم إىل ِ‬
‫العامل‪ ،‬أنا طلبت منه‬ ‫َ‬
‫وما قَبِل‪ ..‬ماذا أفعل؟‬

‫ب هذا املسلم يف التحاكم إىل شرع هللا ¸ ما أُوتيت‬ ‫ِ‬


‫يُقال له‪ :‬عليا أن تُـَر ّغ َ‬
‫وسعا‪ ،‬أما إذا عجزت عن ذلا ورفض التحاكم إىل شرع هللا‪ ،‬سأذكر لا احللول‬
‫األخرى بعد االنتهاء من الكالم إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫هنا اعرتاض آخر قد يقال‪ :‬جيد‪ ..‬أنا حتاكمت إىل ِ‬
‫العامل‪ ،‬أين ُشرطيّه وأين‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫يرد حقي؟!‬‫ُجنديّه وأين ُمعتقله وأين سجونه حىت ّ‬
‫القوة املاديّة اليت‬ ‫ِ‬
‫القوة املعنويّة اليت ميلكها العامل أضعاف أضعاف ّ‬
‫يُقال له‪ّ :‬‬
‫القوة‬ ‫أضعاف‬ ‫أضعاف‬ ‫املسلم‬ ‫ميلكها الطواغيت‪ ،‬القوة املعنوية اليت ميلكها ِ‬
‫العامل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املاديّة اليت ميلكها الطواغيت‪ ،‬الطاغوت ميلا شرطيا وجنديا ومعتقال‪ ،‬أما هذا العامل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪624‬‬

‫إذا ُحتوكِ َم إليه هو أعزل ال ميلا شيئا ولكن ميلا من اآليات ومن األدلة ما حيمل‬
‫املتخاصم على أن ينصاع ألمر هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪.-‬‬

‫من بني هذه املسائل‪ :‬أن يُذ ّكر هؤالء الناس أنكم جرد قبولكم التحاكم إىل‬
‫شرع هللا هذا عبادة منكم‪ ،‬جمرد قبولكم هذه عبادة‪ ،‬ألن هللا ¸ أمركم أن‬
‫تتحاكموا‪ ..‬مث يُذ ّكرهم أنين إذا حكمت ال ُيوز لا أن ال ترضى هبذا احلكم‪،‬‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‪ ،‬وبعد ذلا يُذ ّكره أنين إذا حكمت‬
‫ويُذ ّكره بقول هللا ¸‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫عليا ومل تقبل فاعلم أن لا وقفة بني يدي هللا ¸‪ ،‬وقد أعمل على تعريتا يف‬
‫يغرت با أحد بعد ذلا‪.‬‬ ‫وسط املسلمني حىت ال ّ‬
‫وهذه املسائل من مارسها ملسها بيده‪ ،‬عندما يأتيا متخاصمني ُيدون من‬
‫الرهبة ما ال ُيدونه يف سجون الطواغيت وال عند شرطهم وال عند جنودهم‪ ،‬ملاذا؟؛‬
‫ّ‬
‫ألنا تُبلِّغ عن هللا ¸‪ ،‬وهؤالء فيهم من اخلري ما يدعوهم إىل أن يستجيبوا حلكم‬
‫هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫أذكر يف فرتة من الفرتات كان احلديث عن الغناء يف األفرا ‪ ،‬وقلنا يف ذلا‬


‫الوقت هذا ال ُيوز‪ ،‬هللا تبار وتعاىل رضي تلا الكلمة والناس استجابوا هلذا األمر‪،‬‬
‫فكان يأيت فالن مع ابنه يقول‪ :‬نريد أن تعقد على ابننا وسيتزوج إن شاء هللا‪ ..‬فكان‬
‫السؤال‪ :‬أجئتم باملغنيني؟‪ ،‬قال‪ :‬وهللا إذا خفينا عنا ما نستطيع أن خنفي عن هللا‬
‫¸‪ ،‬فكان يُقال له‪ :‬حنن ال نعقد لا‪ ،‬هذا املطرب الذي كان يغين من الصبح هذا‬
‫يعقد لا‪ ،‬ارجع‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪625‬‬

‫من يستطيع من الطواغيت أن يلزم مسلما ثل هذا الكالم؟!‪ ،‬إذا ِ‬


‫للعامل هيبته‪،‬‬ ‫ُ‬
‫هيبته من دين هللا ¸‪ ،‬وهيبته ألنه يتكلم بأمر هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وهلذا الناس‬
‫سيستجيبون‪.‬‬

‫إذا هذه الوسيلة األوىل‪ :‬أن ُحتيل األمر إىل عا ٍمل‪ ،‬فإذا أحلت األمر فقد جنّبت‬
‫نفسا التحاكم إىل حماكم الطواغيت‪ ،‬ويف نفس الوقت أوجدت لنفسا حكما‬
‫شرعيًّا أحلت األمر إىل كتاب هللا وإىل سنة رسوله‪.‬‬

‫أَ َّما إيذا َلْ تَ ْستَ يط ْع أَ ْن َتُ َّل ا يل ْش َكالييَّةَ يبَ يذهي الطَّ يري َق ية‪ ،‬عليا أن تبدأ ا يفعله‬
‫الناس خارج احملاكم؛ أن تُفاتح خصما مباشرة وأن حتاول أن تقنعه بأن يرتاجع أو‬
‫تلتقوا يف منتصف الطريق‪ ،‬أما إذا مل يقبل فالطريقة األخرى اليت ميارسها الناس‪ :‬أن‬
‫ُحتّر أُناسا يشفعون لا عند هذا‪ ،‬فتبحث من يؤثر فيه حىت يرتاجع عن ظلمه أو‬
‫يدفع احلق الذي لا عنده‪ ،‬كل هذه وسائل شرعيّة‪.‬‬
‫ي‬ ‫يي‬
‫الو َسائ يل‪ :‬فيجوز لا شرعا أن تلجأ إىل ّ‬
‫القوة لكي‬ ‫استَ ْن َِ َّ‬
‫دت ُك َل َهذه َ‬ ‫أَ َّما إذا ْ‬
‫متنع حقا يؤخذ منا أو تسرتد حقا أ ِ‬
‫ُخذ منا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫دليل ذلا من أحاديث رسول هللا ‘‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم ‪-‬رحهما هللا‪-‬‬
‫‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬من قُتِ َل دون ماله فهو شهيد)‪.‬‬

‫[سبل السالم] قال‪" :‬مجهور العلماء على أنه ُيوز‬‫ذكر اإلمام الصنعاو ¬ يف ُ‬
‫لإلنسان املقاتلة عن ماله سواء كان املال قليال أو كثريا"‪ .‬هذا رأي مجهور العلماء‪.‬‬
‫ُ‬
‫[سبل السالم]‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أما بعض علماء املالكيّة‪ :‬كما ذكر اإلمام الصنعاو ¬ ُ‬
‫"إذا كان املال قليال ال ُُييزون التقاتل"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪626‬‬

‫مث اإلمام القرطيب ¬ علّق على هذا التباين بني قول اجلمهور وبني قول بعض‬
‫املالكيّة‪ ،‬قال‪ :‬ألن اجلمهور نظروا إىل املسألة على أهنا منكر‪ ،‬واملنكر يُدفع سواء كان‬
‫قليال أو كثريا‪ .‬أما بعض علماء املالكيّة نظروا إىل املسألة على أهنا مفسدة‪ ،‬قالوا‪ :‬فإذا‬
‫ّأدت هذه املفسدة إىل مفسدة أكرب منها؛ إذا ال ُيوز لا أن تُقاتل للمال القليل‪.‬‬

‫لكن الدليل مع اجلمهور فيما رواه اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عن أيب‬
‫هريرة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪" :‬جاء رجل إىل رسول هللا ‘‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أرأيت‬
‫عط ِه مالا)‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت إن قاتلين؟‪،‬‬
‫إن جاء رجل يريد أخذ ما ‪ ..‬قال‪( :‬فال تُ ِ‬
‫قال‪( :‬قاتله)‪ ،‬قال أرأيت إن قتلين؟‪ ،‬قال‪( :‬فأنت شهي ٌد)‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلته؟‪،‬‬
‫قال‪( :‬هو يف النار)"‪.‬‬

‫وكذلا روى اإلمام مسلم ¬‪ :‬أن عبدهللا بن عمرو بن العاص ‪¢-‬‬


‫وأرضاه‪ -‬كان له بعض اخلالفات املاديّة مع رجل آخر امسه عنبسة بن أيب سفيان ‪-‬‬
‫فتيسرا للقتال‪ ،‬جاء خالد بن العاص إىل عبدهللا عمرو بن العاص‬ ‫‪ €‬مجيعا‪ّ ،-‬‬
‫وذ ّكره باهلل ¸ أنا كيف تتقاتل على مال‪ ،‬فقال عبدهللا بن عمرو‪ :‬أما علمت أن‬
‫رسول هللا ‘ قال‪( :‬من قُتِ َل دون ماله فهو شهيد)؟‬

‫إذًا ّ‬
‫لدي احللول الشرعيّة‪ ،‬فلماذا جتعل من أولويّاتا احللول الطاغوتيّة؟!‪ ،‬اجلأ‬
‫إىل احللول الشرعيّة فإذا استنفدهتا ال تلجأ إىل هؤالء الطواغيت ولو خسرت ُدنيا ؛‬
‫ألن املسألة ُمتعلّقة باليوم اآلخر‪ ،‬هل تستحصل كل حقا يف الدنيا؟!‪ ،‬أال تريد أن‬
‫ودنيا بالتحاكم‬ ‫ترت شيئا لا يف اآلخرة؟!‪ ،‬فأنت بني أمرين‪ :‬إما أن تُضيّع دينا ُ‬
‫تنس أنا سرتبح آخرتا بإذن هللا تعاىل‬ ‫إىل هؤالء‪ ،‬وإما أن ختسر ُدنيا ‪ ،‬ولكن ال َ‬
‫إن تنازلت وتركت التحاكم إىل هؤالء حىت ولو خسرت ماال وخسرت بعض متاع‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪627‬‬

‫عوض‪ ،‬أما خسارة اآلخرة فال تُـ َعوض‬


‫الدنيا؛ ألن الدنيا كيفما كانت اخلسارة فإهنا تُ ّ‬
‫بأي ٍ‬
‫حال من األحوال‪.‬‬

‫فهؤالء الناس املسلمون اآلن جتاه احملاكم الطاغوتيّة هم على سبيلني‪ :‬سبيل‬
‫يؤدي إىل جهنم ونزع اإلميان‪ ،‬وسبيل يؤدي إىل إثبات اإلميان وإىل اجلنة‪ ..‬فمن‬
‫ا َال يـُؤِمنُو َن﴾‪﴿ ،‬يَـزعُ ُمو َن أَنـ ُهم‬
‫اختار التحاكم إىل احملاكم الطاغوتيّة‪﴿ :‬فَ َال َوَربِّ َ‬
‫ِ‬
‫ا﴾‪ ،‬أما إذا اختار طريق اجلنة وحتاكم إىل‬ ‫ا َوَما أُن ِزَل ِمن قَـبل َ‬
‫َآمنُوا ِ َا أُن ِزَل إِلَي َ‬
‫احملاكم الشرعيّة‪ ،‬أو تر التحاكم ولو خسر هذا هو اإلميان وهذا هو اإلسالم‪.‬‬

‫هذا ما أدين هللا ¸ به‪ ،‬وُيب أن يُطر املوضوع هكذا هبذه الطريقة‪ ،‬وإال‬
‫هؤالء الـ ُمتخاذلون سيبقون إىل أن يشاء هللا ¸ يرضون هبذه احملاكم الطاغوتيّة‬
‫ويرضون هبؤالء الطُّغاة حتت ذريعة أننا ال منلا ّقوة وال نستطيع أن نُ ّ‬
‫غري‪ ..‬ال‪ ،‬إذا‬
‫تتحر فيا الغرية على أن‬‫ّ‬ ‫علمت أنا ال تستطيع أن تتحاكم إىل هؤالء عند ذا‬
‫غري هؤالء وأن تأيت بشرع هللا ¸‪.‬‬
‫تُ ّ‬

‫َف ْال َغ ُاية م ْن ذ ْكر َه َذا اِلَ ْو ُ‬


‫ض ِوع‪:‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َنزلنَا‬
‫ين يَكتُ ُمو َن َما أ َ‬ ‫َّأوًال‪ :‬أن هذا دين‪ ،‬وهللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬يقول‪﴿ :‬إن الذ َ‬
‫اب ۚ أُوٰلَئِ َ‬
‫ا يَـل َعنُـ ُه ُم اَللُ‬ ‫ات َواهلَُد ٰى ِمن بَـع ِد َما بـَيـناهُ لِلن ِ‬
‫اس ِيف ال ِكتَ ِ‬ ‫ِمن البـيِنَ ِ‬
‫َ َّ‬
‫َويَـل َعنُـ ُه ُم الال ِعنُو َن﴾ [البقرة‪ ،]159:‬على العلماء أينما كانوا أن يُعلّموا الناس أن هذا‬
‫من الدين‪ ،‬ال ُيوز لا أن تتحاكم إىل هذه احملاكم ولو خسرت ُدنيا ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪628‬‬

‫سيتحر‬
‫ّ‬ ‫اآلخ ُر‪ :‬أن املسلم إذا علم أنه يعيش يف ضائقة ويف حرج‬
‫الِّيءُ َ‬ ‫َو َّ‬
‫ويعمل على إزالة هؤالء وال يستسلم هلم‪ ،‬أما إذا ُوِج َد مسوغا أنا ُمضطر وأنا‬
‫ُمكره وأنا وأنا‪ ...‬سيبقى يعيش يف هذا الذل‪ ،‬وسيبقى ُحيكم بالطواغيت وسيبقى‬
‫يلجأ إىل احملاكم الطاغوتيّة‪ ،‬فال ُيوز ملسلم أينما كان أن يتحاكم إىل هذه احملاكم‬
‫لألدلة اليت ذكرناها‪ ،‬وجزء أخري من املوضوع‪:‬‬
‫ٌ َ َ َ‬ ‫َق ْد ُت َق ُام َع َل َ‬
‫يك َد ْع َوة‪ ،‬ف َماذا ت ْف َع ُل؟‬
‫عليا أن تُعاجل األمر خارج احملكمة‪ ،‬إذا أُقيمت عليا دعوة ال حتضر‪ ،‬ألنه إذا‬
‫فأجل املوضوع ما‬ ‫مل حتضر ستُؤجل القضية إىل جلسة أخرى‪ ،‬إذا مل حتضر ستُؤجل‪ّ ..‬‬
‫استطعت‪ ،‬وإذا متكنت من الوصول إىل اخلصم فحاول أن تُعاجل املشكلة خارج‬
‫احملكمة ولو أن تتنازل عن جزء من حقا‪ ،‬أو عن كل حقا‪ ،‬أو أن تُعطي هلم ما‬
‫ليس هلم حبق؛ ولكن احفظ دينا وال تتحاكم إىل هؤالء ألنا قد تدخل يف آيتني‬
‫ا﴾‪،‬‬ ‫من كتاب هللا ¸‪ ،‬ومن دخل يف حكم آية ﴿يَـزعُ ُمو َن أَنـ ُهم َآمنُوا ِ َا أُن ِزَل إِلَي َ‬
‫فالويل والثبور عند من يتحقق فيه هذا اجلزء من اآلية‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪629‬‬
‫َّ ْ ُ َّ َ َّ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس الثا ِني و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ُ ْ َ َ َ‬
‫القت ِال‬
‫اب ِفي ِ‬
‫الكت ِ‬
‫حكم االس ِتعان ِة ِبأه ِل ِ‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫ساو يفقهوا قو ؛ أما بعد‪:‬‬

‫سيكون احلديث ‪-‬إن شاء هللا تعاىل عن مسألة‪ :‬استنصار املسلمني بأهل‬
‫الكتاب أو بالكفار‪ ،‬وهل ُيوز للمسلم شرعا أن يستنصر باليهود والنصارى أم ال؟‬

‫أقول ُمستعينا باهلل تبار وتعاىل‪ :‬يقول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬يف هذه املسألة‪﴿ :‬يَا‬
‫ض ۚ َوَمن‬‫ض ُهم أَولِيَاءُ بَـع ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص َار ٰى أَوليَاءَ ۚ بَـع ُ‬
‫ود َوالن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾ [املائدة‪ ،]51:‬نقف‬ ‫يَـتَـ َوهلُم ّمن ُكم فَِإنهُ منـ ُهم ۚ إِن اَللَ َال يَـهدي ال َقوَم الظالم َ‬
‫عند بعض مفردات هذه اآلية الكرمية‪:‬‬

‫ين َآمنُوا﴾؛ فكل من يرى‬ ‫ِ‬ ‫ي‬


‫اء‪ :‬اخلطاب ُم ّ‬
‫وجه إىل أهل اإلميان‪﴿ ..‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬ ‫ابْت َد ً‬
‫وجه إليه وحيا من هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ ،-‬بعد هذا‬ ‫نفسه من أهل اإلميان فاخلطاب ُم ّ‬
‫ص َار ٰى‬ ‫اخلطاب املبار جاء األمر من هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ِ َ :-‬‬
‫ود َوالن َ‬
‫﴿ال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫أَولِيَاءَ﴾ أي يا من تتسمون باإلميان أمر هللا إليكم‪ :‬ال تتخذوا اليهود والنصارى‬
‫ض﴾‪ ،‬مث بعد ذلا جاء احلكم من هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪-‬‬ ‫ض ُهم أَولِيَاءُ بـَع ٍ‬
‫أولياء‪﴿ ..‬بَـع ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪630‬‬

‫﴿وَمن يَـتَـ َوهلُم ِّمن ُكم﴾ أي يا أهل اإلميان‪ ،‬يا من‬


‫الرباوّ قال‪َ :‬‬
‫ملن ُخيالف هذا األمر ّ‬
‫ُخوطبتم يف بداية اآلية من ُخيالف منكم هذا األمر ويستنصر باليهود أو يستنصر‬
‫بالنصارى ﴿فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾‪ ..‬هذه هي بعض خطوط هذه اآلية العريضة‪.‬‬

‫حىت أفهم هذه اآلية وأفهم كيف ألتزم بأمر هللا تبار وتعاىل‪ ،‬أول مسألة ُيب‬
‫أن أُدر معناها‪:‬‬
‫﴿أ ْوِل َي ُاء﴾ َما َم ْع َنى َأ ْوِلياء؟ْ‬
‫َُ َُ َ‬
‫الوالية هنا‬
‫ِ‬
‫ألنين إذا فهمت معىن أولياء أستطيع أن أُلزم نفسي بأمر هللا تبار وتعاىل‪،‬‬
‫فعندما ترجع إىل لغة العرب يف القواميس‪ ،‬وعندما ترجع إىل أهل السنة واجلماعة من‬
‫املفسرين‪:‬‬

‫جتد أهنم يفسرون ﴿أَولِيَاءُ﴾ كما يف [الصحا ] للجوهري‪ ،‬قال‪ :‬احلليف عند‬
‫العرب الو ‪ .‬إذا الوالية أو الو هنا عىن‪ :‬احلليف‪.‬‬

‫ُّصرة‪ .‬يُقال‪ :‬فالن على والية أي‪ُ :‬جمتمعون على‬


‫وتأيت هذه الكلمة عىن‪ :‬الن َ‬
‫نصرة‪.‬‬

‫إذا معىن الوالية يف [الصحا ] للجوهري‪ ،‬عىن أولياء‪ :‬حلفاء‪ .‬وأولياء عىن‪:‬‬
‫أنصار‪ ،‬أما يف ُمتار [الصحا ]‪ :‬فيقول من ضمن معاو أولياء‪ ،‬قال‪ :‬أنصار وحلفاء‪.‬‬
‫ذكر ٍ‬
‫معان أخرى‪ ،‬لكن ما يهمنا من معىن هذه الكلمة‪ :‬الناصر واحلليف‪ ..‬ذكر‬
‫املـُعتِق‪ ،‬واملـُعتَق وابن العم و‪ ..‬هذه املعاو ال تفيدنا‪ ،‬ولكن نبحث عن املعىن‬
‫املخصوص يف هذه اآلية‪ ،‬هذا عند أهل اللغة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪631‬‬

‫أما اإلمام اجلصاص ‪ -¬-‬قال‪" :‬الو هو الناصر؛ ألنه يلي صاحبه‬


‫بالنصرة‪ ".‬هذا عند اإلمام اجلصاص ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫وهلذه الكلمة أيضا تفسري عند اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال يف‬
‫تفسريه‪" :‬والصواب من القول عندنا‪ :‬أن يُقال إن هللا تبار وتعاىل ِذكره هنى املؤمنني‬
‫مجيعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل اإلميان باهلل ورسوله‪".‬‬
‫هذا قول اإلمام الطربي‪.‬‬

‫فسر أولياء هنا عىن أنصار و عىن حلفاء‪ ..‬هنى املؤمنني مجيعا أن يتخذوا‬‫إذا ّ‬
‫اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل اإلميان باهلل ورسوله‪.‬‬

‫فسر ﴿أَولِيَاءُ﴾ يف كتابه [فتح القدير] قال‪:‬‬ ‫وكذلا اإلمام الشوكاو ‪ّ -¬-‬‬
‫"واملراد من النهي عن ّاختاذهم أولياء أن يُعاملوا ُمعاملة األولياء يف املـُصادقة واملـُعاشرة‬
‫ُ‬
‫واملـُناصرة"‪.‬‬

‫فإذا علمت أن ﴿أَولِيَاءُ﴾ عىن‪ :‬أنصار وحلفاء؛ إذا ال ُيوز للمسلمني ألهل‬
‫اإلميان املخاطبون هبذه اآلية الكرمية أن يستنصروا باليهود وال بالنصارى‪.‬‬
‫ُ‬
‫[حديثي مقتصر على االستنصار بالذوات؛ يعين هل ُيوز للمؤمنني أن‬
‫يستنصروا بذوات املشركني يف القتال؟‪ ،‬حديثي كله سيدور حول هذا املوضوع‪ ،‬ألن‬
‫يف خارج االستنصار هنا بعض املسائل سنذكرها ُيوز لنا أن نستعني باملشركني وأن‬
‫نستعني بالكفار أيضا‪ ،‬إذا احلديث ُمنصب على التحالف وعلى االنتصار‪ ،‬وهذا ال‬
‫يكون إال يف القتال]‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪632‬‬

‫إذا علمت هذا‪ ،‬فمن ّاختذ اليهود أو النصارى (استنصر هبم) على املشركني أو‬
‫على املسلمني ما حال هؤالء الناس؟ هللا تبار وتعاىل قال يف هناية اآلية‪﴿ :‬فَِإنهُ‬
‫ِمنـ ُهم﴾‪.‬‬

‫وقبل احلديث عن هذا اجلزء من اآلية‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل اآليات األخرى‬
‫اليت هنى هللا ¸ فيها وح ّذر وه ّدد من يوا اليهود أو النصارى أو الكفار أو األقرباء‬
‫إذا كانوا على الكفر ‪-‬والعياذ باهلل‪:-‬‬
‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬ال يـت ِخ ِذ المؤِمنُو َن ال َكافِ ِرين أَولِياء ِمن د ِ‬
‫ون‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س ِم َن اَللِ ِيف َشي ٍء إِال أَن تَـتـ ُقوا ِمنـ ُهم تُـ َقاة ۚ‬ ‫ِ‬
‫ني ۚ َوَمن يَـف َعل َٰذل َ‬
‫ا فَـلَي َ‬
‫ِِ‬
‫ال ُمؤمن َ‬
‫صريُ﴾ [آل عمران‪ ،]28:‬إذا ال يتّخذ املؤمنون‬ ‫وُحي ِّذرُكم اَلل نَـفسه ۚ وإِ َىل اَللِ الم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ َُ َ‬
‫الكافرين أولياء‪ ،‬إذا املسألة ليست مقتصرة على اليهود والنصارى‪ ،‬وإمنا هنا آيات‬
‫أخرى أيضا ُحت ّذر من ّاختاذ الكفار أولياء كهذه اآلية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا ال َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ويف آية أخرى يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫يدو َن أَن َجت َعلُوا َِللِ َعلَي ُكم ُسلطَانا ُّمبِينا﴾‬ ‫ني ۚ أَتُِر ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أَوليَاءَ من ُدون ال ُمؤمن َ‬
‫[النساء‪ ،]144:‬أي أنا إذا تولّيت الكافر وقد هنا هللا ¸ أن تتواله أن تنتصر به‬
‫أو أن تدخل يف حلف معه‪ ،‬هؤالء إذا فعل أحد منهم شيئا من ذلا فقد جعلوا هلل‬
‫تعاىل على أنفسهم ُسلطانا‪ ..‬ومعىن السلطان هنا‪ :‬احلُ ّجة‪ .‬أي أصبح هلل تبار‬
‫وتعاىل ُح ّجة على هؤالء يف معاقبتهم ألهنم اختذوا الكافرين أولياء‪ .‬هذا بالنسبة إىل‬
‫الكافرين‪.‬‬

‫هنا آية أخرى ُحت ّذر من أهل الكتاب أيضا لكن مع زيادة صفة سيئة هبم‪،‬‬
‫ين اختَ ُذوا ِدينَ ُكم ُه ُزوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا الذ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪633‬‬

‫ِمن قَـبلِ ُكم َوال ُكف َار أَولِيَاءَ ۚ َواتـ ُقوا اَللَ إِن ُكنتُم‬ ‫اب‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َولَعبا ّم َن الذ َ‬
‫أهل كتاب سيتخذون ديننا هزوا ولعبا‪ ،‬هللا تبار‬ ‫ني﴾ [املائدة‪ ،]57:‬إذا هنا‬ ‫ِِ‬
‫ُّمؤمن َ‬
‫نستنصر هبم على أحد أو أن نتحالف معهم على‬ ‫وتعاىل هنانا أن نتوىل هؤالء أن‬
‫أحد‪.‬‬

‫وهذا هو احلاصل اآلن كما ترى يف أرجاء األرض‪ ،‬عندما تكون هنا جريدة‬
‫تستهزئ برسول هللا ‘ أو كاتب يستهزئ برسول هللا‪ ،‬فإذا أحد انتقم لرسول هللا‬
‫‘ جتد احلُثالة من الناس يعرتضون على املنتقم ولكن ال ينالون ممن أساء شيئا‪ ،‬ألنه‬
‫ُ‬ ‫يعيش يف ٍ‬
‫الرأي!‪ ،‬فهالنا ما رأينا من‬
‫اطي ومن أركان ال ّدميُقراطيّة ُحريّة ّ‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ق‬‫دمي‬
‫ُ‬ ‫بلد‬
‫الرسام وال يغضبون من الرسام الذي يستهزئ‬ ‫املسلمني كيف يغضبون ممن يقتل ّ‬
‫برسول هللا ‘‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ين اختَ ُذوا دينَ ُكم ُه ُزوا َولَعبا ّم َن الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا الذ َ‬ ‫إذا ﴿يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫أُوتُوا ال ِكت ِ ِ‬
‫ني﴾‪ ،‬هذه أيضا‬ ‫اب من قَـبل ُكم َوال ُكف َار أَوليَاءَ ۚ َواتـ ُقوا اَللَ إِن ُكنتُم ُّمؤمن َ‬ ‫َ َ‬
‫آية خاصة يف أهل الكتاب‪ ،‬لكن مع زيادة صفة وهذه الصفة اآلن ُمتح ّققة يف أرض‬
‫الواقع (اختذوا ديننا هزوا واختذوا ديننا لعبا)‪.‬‬

‫هنا آية أخرى ُحت ّذر من أقرب الناس إليا إذا كانوا على الكفر‪ ،‬يقول هللا‬
‫ين َآمنُوا َال تَـت ِخ ُذوا آبَاءَ ُكم َوإِخ َوانَ ُكم أَولِيَاءَ إِ ِن استَ َحبُّوا‬ ‫ِ‬
‫تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ا ُه ُم الظالِ ُمو َن﴾ [التوبة‪ ،]23:‬إذا‬ ‫ان ۚ َوَمن يَـتَـ َوهلُم ِّمن ُكم فَأُوٰلَئِ َ‬ ‫اإلميَ ِ‬
‫ال ُكفر َعلَى ِ‬
‫َ‬
‫الوالية تنقطع‪ ..‬الوالية عىن احملبة‪ ،‬الوالية عىن النصرة‪ ،‬الوالية عىن التحالف‪..‬‬
‫تنقطع بني املؤمن وبني كل هذه الفئات اليت ذكرها هللا تبار وتعاىل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪634‬‬

‫اآلن نأيت‪:‬‬
‫الية‪َ ،‬ما ُح ْك ُم ُه في ك َتاب للا َت َبا َ كَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ‬
‫ِ ِ ِ ر‬ ‫الو ِ‬‫للا ¸ بعد ِم ِ‬
‫من خالف أمر ِ‬
‫َ َ‬
‫َوت َعالى؟‬
‫﴿وَمن يَـتَـ َوهلُم ِّمن ُكم فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾‪ ،‬أقرأ أقوال العلماء‬
‫يف هناية اآلية قال هللا ¸‪َ :‬‬
‫يف تفسري هذا اجلزء من اآلية الكرمية‪:‬‬

‫ام الطَّ َيرب ُّ‬


‫ي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬وهو شيخ املفسرين‪ ،‬يف تفسري هذه‬ ‫ول ا يل َم ُ‬
‫يَ ُق ُ‬
‫اآلية قال‪" :‬والصواب من القول يف ذلا عندنا أن يُقال‪ :‬إن هللا تبار وتعاىل ذكره‬
‫هنى املؤمنني مجيعا أن يتخذوا اليهود والنصاى أنصارا وحلفاء على أهل اإلميان باهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬وأخرب أنه من ّاختذهم نصريا وحليفا ووليا من دون هللا ورسوله واملؤمنني؛ فإنه‬
‫التحزب على هللا وعلى رسوله واملؤمنني‪ ،‬وأن هللا ورسوله منه بريئان‪ ".‬هذا‬
‫منهم يف ّ‬
‫يف [جامع البيان]‪.‬‬

‫﴿وَمن يَـتَـ َوهلُم ِّمن ُكم﴾ أي‬


‫ب ‪ -¬-‬قال‪" :‬قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫أَ َّما يال َم ُ‬
‫ام ال ُق ْرطُي ُّ‬
‫يعضدهم على املسلمني [يُعينهم على املسلمني] ﴿فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾ ّبني تعاىل أن حكمه‬
‫كحكمهم؛ وهو مينع إثبات املرياث للمسلم من املرتد"‪.‬‬

‫فمن توىل هؤالء (استنصر هبم)‪ ،‬فإن العالقة بني املؤمن وبني املستنصر تنقطع‪،‬‬
‫ُ‬
‫ث ذلا املرتد وال ذلا املرتد يرث هذا املسلم‪ ،‬هذا قول‬‫فال ميكن هلذا املسلم أن ي ِر َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرطيب ‪.-¬-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪635‬‬

‫"﴿وَمن يَـتَـ َوهلُم ِّمن ُكم فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾ شرط وجوابه(‪)97‬؛ أي‬ ‫أَ َّما قَ ْولُهُ َ‬
‫اآلخ ُر‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫أنه قد خالف هللا تعاىل ورسوله كما خالفوا‪ ،‬ووجبت معاداته كما وجبت معاداهتم‪،‬‬
‫ووجبت له النار كما وجبت هلم؛ فصار منهم أي من أصحاهبم‪ ،‬وهذا احلكم ٍ‬
‫باق‬
‫إىل يوم القيامة يف قطع املواالة"‪.‬‬

‫اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬يقول‪ :‬من يستنصر هبؤالء‪ ،‬فإنه منهم أي ُيب ُمعاداته‬
‫كما جتب ُمعاداة اليهود والنصارى‪ ،‬وجتب عليه النار يوم القيامة كما جتب على‬
‫اليهود وعلى النصارى؛ أي كل حك ٍم ينزل على اليهود والنصارى ينزل أيضا على‬
‫املستنصرين هبم يف الدنيا ويف اآلخرة‪ ،‬هذا قول اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬
‫ُ‬
‫الذمة]‪" :‬قد حكم هللا وال أحسن من حكمه‪،‬‬ ‫ي‬
‫ول ابْ ُن ال َقّ يم يف [أحكام أهل ّ‬
‫يَ ُق ُ‬
‫توىل اليهود والنصارى فهو منهم‪ ،‬فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان‬ ‫أن من ّ‬
‫هلم حكمهم"‪.‬‬

‫حكمه حكم اليهود والنصارى يف التعامل الدنيوي وكذلا حاله يف اآلخرة‪ ،‬إذا‬
‫كان حكمه كحكمهم كما قال القرطيب ‪.-¬-‬‬

‫﴿وَمن يَـتَـ َوهلُم‬ ‫أَ َّما ابْ ُن َح ْزم ‪ -¬-‬فقال يف [املـُحلّى]‪ّ :‬‬
‫"صح أن قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِّمن ُكم فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾ إمنا هو على ظاهره‪ ،‬بأنه كافر من مجلة الكفار‪ ،‬وهذا حق ال‬
‫خيتلف فيه اثنان من املسلمني"‪.‬‬

‫(‪ )97‬أداة الشرط‪ :‬من‪ .‬فعل الشرط‪ :‬يتوهلم‪ .‬جواب الشرط‪ :‬فإنه منهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪636‬‬

‫ِ‬
‫"﴿وَمن يَـتَـ َوهلُم ّمن ُكم فَِإنهُ‬
‫الِّ ْوَك ياينُّ ‪ -¬-‬فيقول يف [فتح القدير]‪َ :‬‬
‫ام َّ‬‫أَ َّما ا يل َم ُ‬
‫ِمنـ ُهم﴾ فإنه من مجلتهم‪ ،‬ويف عدادهم(‪ )98‬وهو وعي ٌد شديد‪ ،‬فإن املعصية املوجبة‬
‫ُ‬ ‫للكفر هي اليت بلغت إىل ٍ‬
‫بفعل أقبح‬‫غاية ليس وراءها غاية‪ ".‬يعين ما ميكن أن يأتوا ٍ‬
‫من هذا الفعل الذي أتوه‪.‬‬

‫يط يّي ‪ -¬-‬يقول‪" :‬ذكر يف هذه اآلية الكرمية أن‬ ‫الِّ ْن يق ي‬


‫آخ ٌر لي يْل َم يام َّ‬
‫َوقَ ْو ٌل َ‬
‫من توىل اليهود والنصارى من املسلمني‪ ،‬فإنه يكون منهم بتولّيه إيّاهم"‪.‬‬

‫انتهيت اآلن من سرد أقوال علماء أهل السنة واجلماعة‪ ،‬إذا ظهر لا من قول‬
‫الطربي والقرطيب والشوكاو وابن حزم وابن القيم والشنقيطي ‪ †-‬تعاىل رحة‬
‫واسعة‪ -‬أن تفسري ﴿فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾ أي أن الذي يستنصر باليهود أو بالنصارى على‬
‫املسلمني يكون منهم‪ ،‬حكمه كحكمهم يف الدنيا؛ أي يُع ّدون يف عداد اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬وكذلا إذا مات على هذه احلالة حاله أيضا كحال اليهود والنصارى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫إ ًذا أَفْ َه ُم م َن اآليَة‪ :‬أن بدايتها كانت خطاب للمؤمنني ﴿يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا﴾‪،‬‬
‫ص َار ٰى أَولِيَاءَ﴾‪ ،‬جاء‬ ‫ود َوالن َ‬
‫مث بعد ذلا جاء األمر من هللا ¸‪ِ َ :‬‬
‫﴿ال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫أُناس خالفوا هذا األمر الربّاوّ‪ ،‬هللا تبار وتعاىل قال فيهم‪﴿ :‬فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾ أي هؤالء‬
‫اآلن خرجوا من دائرة اإلميان ودخلوا يف دائرة النصارى أو دخلوا يف دائرة اليهود‪ ،‬هذا‬
‫الذي قاله علماء أهل السنة واجلماعة‪.‬‬

‫(‪ )98‬يعين عندما حتسب َمن النصارى‪ ..‬هؤالء ُيب أن حتسبهم مع النصارى‪َ ،‬من اليهود‪..‬‬
‫هؤالء ُيب أن تع ّدهم مع اليهود‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪637‬‬

‫بآية أخرى يف كتاب هللا تبار وتعاىل‪ ،‬قال‪﴿ :‬تَـَر ٰى َكثِريا‬ ‫وهذه اآلية مفسرة ٍ‬
‫ُ ّ‬
‫س َما قَد َمت َهلُم أَن ُف ُس ُهم أَن َس ِخ َ‬
‫ط اَللُ َعلَي ِهم َوِيف‬ ‫ئ‬‫ِّمنـ ُهم يَـتَـولو َن ال ِذين َك َفروا ۚ لَبِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهم‬‫يب َوَما أُن ِزَل إِلَيه َما اختَ ُذ ُ‬‫ِ‬
‫ال َع َذاب ُهم َخال ُدو َن ۝ َولَو َكانُوا يـُؤمنُو َن باَلل َوالن ِّ‬
‫اس ُقو َن﴾ [املائدة‪.]81-80:‬‬ ‫أَولِياء وٰلَ ِكن َكثِريا ِمنـهم فَ ِ‬
‫ُّ‬ ‫َََ‬
‫أي هذا الفعل الذي فعلوه بداف ٍع من أنفسهم‪ ،‬بئس الفعل الذي فعله هؤالء‪..‬‬
‫س َما قَد َمت َهلُم أَن ُف ُس ُهم أَن َس ِخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ط اَللُ‬ ‫ين َك َف ُروا ۚ لَبئ َ‬ ‫﴿تَـَر ٰى َكثريا ّمنـ ُهم يَـتَـ َولو َن الذ َ‬
‫فسر معىن حكمهم يف الدنيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َعلَيهم َويف ال َع َذاب ُهم َخال ُدو َن﴾ إذا اآلن هذه اآلية تُ ّ‬
‫اب ُهم‬ ‫ومعىن حكمهم يف اآلخرة؛ أن هللا ¸ سخط عليهم‪ ،‬قال‪﴿ :‬وِيف الع َذ ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ولَو َكانُوا يـُؤِمنُو َن بِاَللِ َوالنِ ِّ‬ ‫ِ‬
‫وهم أَوليَاءَ‬‫يب َوَما أُن ِزَل إِلَيه َما اختَ ُذ ُ‬ ‫َخال ُدو َن﴾‪ ،‬مث قال‪َ :‬‬
‫اس ُقو َن﴾؛ إذا هؤالء الذين خالفوا أمر هللا ¸ (ال تتخذوهم‬ ‫وٰلَ ِكن َكثِريا ِمنـهم فَ ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫أولياء)‪ ،‬واختذوهم أولياء‪ ،‬مث بعد ذلا ي ّدعي اإلميان؛ يُقال له ما قال هللا تبار‬
‫وتعاىل‪ :‬لو كنت مؤمنا صحيح اإلميان باهلل‪ ،‬لو كنت مؤمنا صحيح اإلميان بالنيب‪ ،‬لو‬
‫كنت مؤمنا صحيح اإلميان بالقرآن؛ لكان هذا اإلميان حيول بينا وبني أن تستنصر‬
‫وهم أَولِيَاءَ َوٰلَ ِكن َكثِريا‬ ‫ِ‬
‫يب َوَما أُن ِزَل إِلَيه َما اختَ ُذ ُ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫﴿ولَو َكانُوا يـُؤمنُو َن باَلل َوالن ِّ‬ ‫هبؤالء َ‬
‫اس ُقو َن﴾؛ إذا هذه اآلية كأهنا توضح بشكل أكثر تلا اآلية اليت قال هللا ¸‬ ‫ِمنـهم فَ ِ‬
‫ُّ‬
‫فيها‪﴿ :‬فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾‪.‬‬
‫إذا اآلية واضحة‪ ،‬ال ُيوز للمسلم بأي ٍ‬
‫حال من األحوال وال للمسلمني أن‬
‫يستنصروا باليهود وال أن يستنصروا بالنصارى؛ فمن خالف أمر هللا ¸ خيرج من‬
‫دائرة اإلميان ويدخل يف دائرة اليهود ويدخل يف دائرة النصارى‪ ،‬وأنت أظن يف غىن‬
‫ُفسر لا الواقع الذي نعيشه‪ ،‬وما تراه من هؤالء الطواغيت وكيف ال‬ ‫عن أن أ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪638‬‬

‫يستنصرون بل ينصرون اليهود والنصارى على املسلمني ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬وسنأيت إىل‬
‫هذه اجلُزيئة‪.‬‬
‫َ ْ ُ َ َ َ ْ ٌل َ‬
‫آخ ٌر لف ْهم َهذه َ‬
‫اآلي ِة؟‬ ‫ِِ ِ ِِ‬ ‫هل هناك قو‬
‫قول نقله صاحب [التحرير والتنوير] ونسب هذا القول إىل ابن عطيّة ‪-‬‬ ‫نعم‪ٌ ،‬‬
‫﴿وَمن يَـتَـ َوهلُم ِّمن ُكم﴾ قال‪ :‬أولياء‪ ..‬أي‬
‫¬‪ :-‬أنه قال‪ :‬معىن يتوّهلم يف هذه اآلية َ‬
‫توالهم عتقده وبدينه‪ ،‬فهو كافر مثلهم وخالد يف النار مثلهم‪ ،‬هذا قول نسبه‬ ‫ّ‬
‫صاحب [التحرير والتنوير] إىل ابن عطية ‪.-¬-‬‬

‫ود‬‫ه‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫الي‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫و‬‫ر‬ ‫ص‬‫ن‬‫للم ْسلم َين َأ ْن َي ْس َت ْ‬
‫ُ‬ ‫يز‬
‫َ َّ َ ُ ُ‬
‫األ ْخ َرى َّالتي ُتج ُ‬ ‫الفئة‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أما ِ‬
‫ص َارى‪:‬‬ ‫َو َّ‬
‫الن َ‬

‫هم األغبياء من ُمرجئة العصر‪ ،‬األغبياء من ُمرجئة العصر هؤالء الذين ال ميتّون‬
‫إىل اإلسالم يف هذه املسائل بصلة‪ ،‬ملاذا أجاز ُمرجئة العصر االستعانة باليهود‬
‫فسروا الوالية هنا قالوا‪ :‬االتباع يف‬‫وبالنصارى علما أن هللا ¸ ح ّذر؟!؛ ألهنم أيضا ّ‬
‫ص َار ٰى أَولِيَاءَ﴾ املرجئ اخلبيث‬
‫ود َوالن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدين‪﴿ ..‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫فسر اآلية هبذه الطريقة؟‪ ،‬بناء على عقيدته‬ ‫الغيب قال‪ :‬أي ال تتبعوهم يف دينهم‪ ،‬ملاذا ّ‬
‫الفاسدة؛ ألنه ال يرى العمل من اإلميان‪ ،‬وأنت تعلم أن االستنصار هبؤالء عمل‪،‬‬
‫فطاملا أن اإلنسان مهما أتى بأعمال ُُمالفة لكتاب هللا ¸‪ُُ ،‬مالفة لسنة نبينا ‘‪،‬‬
‫وقد قال مرة يف حياته (ال إله إال هللا) إذا يبقى يف دائرة اإلميان!‪ ،‬فحىت يتخلّصوا من‬
‫هذه اآلية ويرجعوا إىل عقيدهتم الشيطانيّة الفاسدة قالوا‪ :‬معىن أولياء هنا‪ :‬أي ال‬
‫تتبعوهم يف دينهم‪ ،‬من يتّبعهم يف دينهم يكون منهم‪ ،‬ليست املسألة مسألة استنصار‬
‫أو ّقوة أو حتالف‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪639‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ك ْيف ُي ْف َه ُم َهذ ِين الق ْول ِين؟‬

‫اء‪ :‬ليس من معاو الوالية يف لغة العرب‪ :‬أن تتّبع دينا آخر حىت تكون وليًّا‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫فسري أهل السنة‬ ‫هلم‪ ..‬ارجع إىل ما شئت من كتب اللغة‪ ،‬وارجع إىل ما شئت من ُم ّ‬
‫واجلماعة‪ ،‬ال جتد أحدهم يقول‪ :‬من اتّبع اليهود يف دينهم يكون يهوديا‪ ،‬ومن اتّبع‬
‫النصارى يف دينهم يكون نصرانيا ال يقول أحد هبذا الكالم‪ ،‬هذا الرد األول‪.‬‬

‫الر ُد الثَّ ياين‪ :‬أن هذا التفسري لآلية لغو‪ ..‬هذا لغو ُجن ّل هللا تبار وتعاىل عن مثله؛‬ ‫َّ‬
‫ص َار ٰى أَولِيَاءَ﴾ أي‪ :‬ال تتبعوهم يف دينهم‪ ..‬إذا‬
‫ود َوالن َ‬
‫ألننا إذا قلنا َ ِ‬
‫﴿ال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫فسر اآلية تقول هكذا يقول هللا تبار وتعاىل ‪-‬حاشاه‪( :-‬يا أيها الذين‬ ‫أردت أن تُ ّ‬
‫آمنوا ال تتبعوا اليهود يف دينهم‪ ،‬فإن اتبعتموهم يف دينهم تكونون يهودا‪ ..‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ال تتبعوا النصارى يف دينهم‪ ،‬فإن اتبعتموهم يف دينهم تكونون نصارى)!!‬
‫أال ُجت ّل البُلغاء من الناس عن هذه السفسفة من القول؟!‪ ،‬البُلغاء ال يرضون ألنفسهم‬
‫ُمي إذا قلت له‪ :‬مىت‬
‫أن يكون معىن كالمهم هبذا املستوى‪ ،‬ألن اإلنسان اجلاهل األ ّ‬
‫يكون اإلنسان يهوديا؟‪ ،‬يقول لا‪ :‬إذا اتبع اليهود يكون يهوديا‪ ،‬مىت يكون نصرانيا؟‬
‫يقول لا بكل بساطة دون أن يرجع إىل كتاب‪ :‬إذا اتبع دينهم يكون نصرانيا‪ ،‬أهذا‬
‫الذي يريده هللا ¸؟!‪ ،‬أن يقول لنا يا أيها الذين آمنوا ال تتبعوا اليهود يف دينهم‪،‬‬
‫فإذا اتبعتموهم يف دينهم تكونون يهودا؟!‪ ،‬أهكذا ُخياطب هللا ¸ يف آخر رسالته‬
‫إىل البشرية؟!‪ ،‬هذا من اللغو يف الكالم‪ُ ،‬جن ّل كالم هللا ´ عنه‪ ،‬بل هذا من‬
‫سفاسف القول ال يقوله إال األغبياء هؤالء من املرجئة وأمثاهلم‪ .‬بينما إذا قلت‪﴿ :‬يَا‬
‫ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َار ٰى أَوليَاءَ﴾‪ :‬أنصار‪ ..‬اآلية تستقيم معىن‪،‬‬
‫ود َوالن َ‬ ‫أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫هذا ثانيا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪640‬‬

‫ٍ‬
‫أَ َّما ثَالثًا‪ :‬أنت تعلم أنه ال توجد فرقة ضالّة تستشهد بآية إال ويف اآلية ّ‬
‫الرد‬
‫الرد‬ ‫ٍ‬
‫عليهم‪ ،‬ال توجد فرقة ضالّة تستشهد بآية يف كتاب هللا إال ويف تلا اآلية ّ‬
‫الرد على األغبياء هؤالء يف هذه اآلية؟‬
‫عليهم‪ ..‬فأين ّ‬
‫تكررت يف هذه اآلية‬ ‫لياء‬‫و‬ ‫أ‬ ‫كلمة‬ ‫﴾‪..‬‬ ‫ض‬‫ٍ‬ ‫ع‬‫ـ‬‫ب‬ ‫اء‬ ‫ي‬‫قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬بـعضهم أَولِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ‬
‫ص َار ٰى أَولِيَاءَ﴾‪ ،‬مث قال‪:‬‬ ‫ود َوالن َ‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫ِ‬
‫مرتني‪ :‬األوىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ض﴾‪ ،‬هذه الكلمة مع هذه الكلمة كالُها سواء يف املبىن ويف‬ ‫ض ُهم أَولِيَاءُ بَـع ٍ‬
‫﴿بَـع ُ‬
‫املعىن‪ ،‬أي كالمهما (ألف‪ ،‬واو‪ ،‬ياء‪ ،‬ألف‪ُ ،‬هزة)‪ ،‬ال توجد زيادة حرف يف‬
‫ض﴾؟‬ ‫ض ُهم أَولِيَاءُ بَـع ٍ‬
‫الكلمتني‪ ..‬كذلا تتفقان يف املعىن‪ ،‬فلماذا قال هللا ¸‪﴿ :‬بَـع ُ‬
‫فسرت الكلمة األوىل ﴿يَا‬ ‫ِ‬
‫فسر ﴿أَوليَاءُ﴾ هنا أيضا باالتباع يف الدين؟! فإذا ّ‬ ‫وهل تُ ّ‬
‫ص َار ٰى أَولِيَاءَ﴾ بــ‪ :‬ال تتبعوهم يف دينهم‪ُ ،‬يب‬ ‫ود َوالن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫تفسر ﴿أَولِيَاءُ﴾ الثانية بنفس التفسري؛ أي تقول‪ :‬بعضهم أولياء بعض‪ ،‬أي‬ ‫أن ّ‬
‫بعضهم يتّبعون بعضا يف دينهم أو يف معتقدهم‪ ،‬ألن هذه (األولياء) هنا هي نفس‬
‫(أولياء) هنا‪ ..‬ال يوجد ‹‹اختالف›› ال يف املبىن وال يف املعىن‪ ..‬فهل ميكن أن نقول‪:‬‬
‫بعض اليهود أتباع لبعض النصارى يف العقيدة‪ ،‬وبعض النصارى أتباع لبعض اليهود‬
‫يف الدين؟!‪ ،‬هذا كالم ساقط‪ ،‬هذا كالم ساقط ال يقوله إال غيب مرجئ؛ ألن‬
‫اليهودي إذا اتبع النصارى ال يُقال بعض اليهود يتبعون بعض النصارى يف دينهم‪،‬‬
‫وإذا النصارى اتبعوا اليهود يف دينهم ال يُقال بعض النصارى يتبعون بعض اليهود يف‬
‫يتبعض‪.‬‬
‫دينهم؛ ألن االتباع ال يكون لألشخاص وإمنا للدين‪ ،‬والدين كما تعلم ال ّ‬
‫سمون‬
‫سمون يهودا بعد ذلا بل يُ ّ‬
‫والدليل على أن اليهود إذا اتبعوا النصارى ال يُ ّ‬
‫سمون نصارى بعد ذلا بل‬ ‫نصارى‪ ،‬والنصارى إذا اتبعوا اليهود يف دينهم ال يُ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪641‬‬

‫سمون يهودا‪ ..‬الدليل على هذا الذي قلته اآلن‪ :‬ما جاء يف هذه اآلية‪ ،‬بداية اآلية‬ ‫يُ ّ‬
‫ين َآمنُوا﴾ هناية اآلية‪﴿ :‬فَِإنهُ ِمنـ ُهم﴾‪ ..‬أنت اآلن خرجت‬ ‫ِ‬
‫إيش كانت؟ ﴿يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫من دائرة اإلميان ودخلت يف دائرة اليهود والنصارى‪ ،‬فال ميكن بعد الدخول يف دائرة‬
‫اليهود والنصارى أن تقول عنه مؤمن‪ ،‬أو أنه مسلم‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه خرج من هذه الدائرة‬
‫ودخل يف هذه الدائرة‪.‬‬

‫إ ًذا اآلن إذا قلنا‪ :‬بعض اليهود يتبعون بعض النصارى يف دينهم‪ ،‬هذا كالم ال‬
‫يستقيم‪ ،‬ألن اليهودي إذا اتبع النصارى يف دينهم ال يسمى يهوديا‪َ ،‬ه َذا األَ ْمر‬
‫األَ َّو ُل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬كالم هللا ¸ ال ُخيالف الواقع؛ جند اليهود ال يعرتفون بالنصارى‬
‫وال يتبعوهنم يف دينهم‪ ،‬وجند النصارى ال يتبعون اليهود يف دينهم‪ ،‬دليل ذلا قول هللا‬
‫ت‬‫ت النصار ٰى لَيس ِ‬ ‫ت النصار ٰى علَى َشي ٍء وقَالَ ِ‬ ‫ت اليـهود لَيس ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ٰ‬ ‫﴿وقَالَ َ ُ ُ َ‬ ‫تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ود َعلَ ٰى َشي ٍء﴾ [البقرة‪ ،]113:‬وما زالوا يقولون هبذا القول‪.‬‬ ‫اليَـ ُه ُ‬
‫ِ‬ ‫وكذلك‪﴿ :‬ولَئِن أَتَـي ِ‬
‫َنت‬
‫ا ۚ َوَما أ َ‬‫اب بِ ُك ِّل آيٍَة ما تَبِعُوا قبـلَتَ َ‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوا الكتَ َ‬ ‫ت الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض﴾ [البقرة‪ ،]145:‬حلد اآلن لليهود‬ ‫ض ُهم بِتَابِ ٍع قِبـلَةَ بَـع ٍ‬ ‫ِ‬
‫بِتَابِ ٍع قبـلَتَـ ُهم ۚ َوَما بَـع ُ‬
‫قبلتهم‪ ،‬وللنصارى قبلتهم؛ إذا ال ميكن أن نقول‪ :‬بعض اليهود يتبعون بعض النصارى‬
‫يف دينهم وبعض النصارى يتبعون بعض اليهود يف دينهم‪ ،‬هذا لغو من الكالم‪.‬‬

‫فسرت ﴿أَولِيَاءُ﴾ عىن‪ :‬أنصار و عىن حلفاء‪ ..‬اآلية تستقيم‪ ،‬الحظ‪:‬‬ ‫أما إذا ّ‬
‫ض﴾ أي بعض اليهود يستنصرون ببعض النصارى‪ ،‬وبعض‬ ‫ض ُهم أَولِيَاءُ بَـع ٍ‬
‫﴿بَـع ُ‬
‫النصارى يستنصرون ببعض اليهود‪ ،‬بعض اليهود يتحالفون مع بعض النصارى‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪642‬‬

‫وبعض النصارى يتحالفون مع بعض اليهود؛ هذا حاصل يف أرض الواقع منذ أن‬
‫نزلت هذه اآلية إىل يومنا وستبقى إىل قيام الساعة أيضا‪.‬‬

‫فسر ﴿أَولِيَاءُ﴾ هنا عىن االتباع يف العقيدة وال االتباع يف‬ ‫إذا ال ميكن أن تُ ّ‬
‫الدين‪ ،‬وإمنا معىن ﴿أَولِيَاءُ﴾‪ :‬أنصار وحلفاء‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر الثَّالي ُ‬
‫ث‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األَ ْمر َّ ي‬
‫ص َار ٰى‬
‫ود َوالن َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬ ‫الراب ُع‪ :‬أنا إذا قلت‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬ ‫ُ‬
‫أَولِيَاءَ﴾ أي أتباعا يف دينهم‪ ،‬هذه الزيادة‪ ،‬هذا اإلدخال هل اآلية تقتضيه؟‪ ،‬أي هل‬
‫حنتاج لتقدير هذه الكلمة حىت نفهم اآلية؟‪ ،‬إن كانت اآلية حباجة إىل هذه‬
‫الكلمات حىت نفهمها‪ ،‬يُقال هذا من اقتضاء النص؛ أي أن النص يقتضي هذه‬
‫عرفه اإلمام الشوكاو ‪ ¬-‬رحة واسعة‪:-‬‬ ‫الكلمة لكي تُفهم‪ ،‬واقتضاء النص كما ّ‬
‫أن اللفظ حيتاج إىل إضمار‪ ،‬أي أن معىن اللفظ ال يستقيم إال بإضمار شيء‪ ..‬هنا‬
‫بعض اآليات ما تستطيع أن تفهمها إذا ما جئت بكلمة توضح معىن هذه اآلية‪،‬‬
‫هذه الكلمة اليت تأيت هبا ملاذا جئت هبا؟؛ ألن النص يقتضي ذلا‪ ،‬النص يطلب‬
‫﴿حِّرَمت َعلَي ُكم أُم َهاتُ ُكم﴾ [النساء‪ ،]23:‬ويف‬ ‫ذلا‪ ..‬كما يف قول هللا تبار وتعاىل‪ُ :‬‬
‫﴿حِّرَمت َعلَي ُك ُم ال َميتَةُ﴾ [املائدة‪ ،]3:‬جيّد إيش معىن ُحرمت أمهاتكم‬ ‫آية أخرى‪ُ :‬‬
‫وإيش معىن ُحّرمت امليتة؟‪ ،‬كيف أفهم هاتني اآليتني؟‬

‫﴿حِّرَمت َعلَي ُكم أُم َهاتُ ُكم﴾؛ إذا‬


‫إذا هذه اآلية تقتضي لفظا حىت أفهمها‪ُ ..‬‬
‫﴿حِّرَمت َعلَي ُك ُم‬
‫نكاحهن‪ ،‬هذه اآلية ما تُفهم إذا ما آيت هبذا اللفظ‪ ..‬كذلا ُ‬
‫ال َميتَةُ﴾ أي أكلها‪ ..‬هذه اآلية ما تُفهم إذا ما آيت هبذه اللفظة؛ إذا هذه الطريقة‬
‫عند أهل األصول ماذا تسمى؟‪ ،‬تسمى اقتضاء النص؛ أي أن هذا النص حيتاج إىل‬
‫لفظ حىت أفهم هذا النص‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪643‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود‬ ‫إذا جئت إىل قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫ص َار ٰى أَولِيَاءَ﴾ هل أحتاج إىل كلمة (اتباعا يف الدين) حىت أفهم هذه الكلمة؟ ما‬ ‫َوالن َ‬
‫وحمبّني‪ ،‬إذا من جاء هبذا اللفظ‬ ‫أحتاج؛ ألن ﴿أَولِيَاءَ﴾ عىن أنصار و عىن حلفاء ُ‬
‫فقد أدخل يف اآلية ما ال حتتاج اآلية إليه‪ ،‬وإذا أدخل إنسان يف اآلية واآلية ال حتتاج‬
‫إىل ذلا الذي أدخله هذا يسمى زيادة على النص وهو غري مقبول وباطل كليا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َار ٰى‬
‫ود َوالن َ‬ ‫إ ًذا ترجع وتقول‪ :‬إن اآلية ﴿يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫أَولِيَاءَ﴾ أي ال تستنصروا هبم‪ ،‬وال ُحتالفوهم ال على املشركني وال على املسلمني‪ ،‬هذا‬
‫بالنسبة إىل هذه اآلية الكرمية‪.‬‬

‫َجيّد‪ ،‬إيش حال رسول هللا ‘ من هذه اآلية؟‪ ،‬التطبيق العملي يف السنة‬
‫القوليّة والسنة العمليّة‪ ،‬كيف كان يعمل الرسول ‘؟‬

‫السنَّ ية ال َق ْولييَّ ية‪ :‬احلديث عن أمنا عائشة ‪ ~-‬وأرضاها‪ -‬عند اإلمام‬ ‫ي‬
‫الح ْظ ِف ُ‬
‫مسلم ‪ -¬-‬عندما خرج الرسول ‘ إىل بعض غزواته‪ ،‬أدركه رجل وكان ُمدججا‬
‫بالسال وكان ذو جرأة‪ ،‬والصحابة عندما رأوه فرحوا به‪ ،‬أدر رسول هللا ‘ يف‬
‫منطقة الوبرة ‪-‬هكذا تقول أمنا عائشة‪ ..-‬فقال‪" :‬جئت ألتّبعا وأصيب معا‪- ".‬‬
‫يعين آيت معا حىت أُقاتل وآخذ املغنم‪ -‬قال له رسول هللا ‘‪( :‬تؤمن باهلل‬
‫ورسوله؟) قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪( :‬فارجع فلن أستعني شر )‪ .‬قالت‪ :‬مث مضى‪ ،‬حىت إذا كنا‬
‫بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة‪ ،‬فقال له النيب ‘ كما قال أول‬
‫مرة‪ ،‬قال‪( :‬فارجع فلن أستعني شر )‪ ،‬مث رجع‪ ،‬فأدركه بالبيداء فقال له كما قال‬
‫أول مرة‪( :‬تؤمن باهلل ورسوله؟) قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال له رسول هللا ‘‪( :‬فانطلق)‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪644‬‬

‫إذا هذا الرجل عندما كان على شركه ما وافق الرسول ‘ أن خيرج معه وأن‬
‫يشرت معه يف القتال‪ ،‬وعلل ذلا وقال‪( :‬فلن أستعني شر )‪ ..‬إذا هذا القول هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َار ٰى‬
‫ود َوالن َ‬ ‫التطبيق لقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫أَولِيَاءَ﴾ وكذلا اآليات األخرى اليت ذكرناها أنه ال ُيوز للمؤمن أن يستنصر‬
‫بالكفار وال باألعداء وال بأقرب الناس إليه إن كانوا على الكفر‪.‬‬

‫ك ذكر اإلمام البخاري ‪ -¬-‬يف [التاريخ الكبري] وذكره احلاكم يف‬ ‫َك َذلي َ‬
‫[املستدر ] وسكت الذهيب عنه وقال صاحب [جممع الزوائد] اهليثمي ‪ -¬-‬عن‬
‫هذه الرواية‪ :‬رواه الطرباو ورجاله ثقات‪ ..‬إيش هذه الرواية؟‬

‫ب األنصاري ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬عندما خرج الرسول ‘ لبعض‬ ‫عن ُخبَـي ٍ‬


‫غزواته‪ ،‬خرجت أنا ورجل من قومي وقلنا‪ :‬إنّا نكره أن يشهد قومنا مشهدا وال‬
‫نشهده معهم ‪-‬يُقاتلون‪ ..‬نستحي أن يشهد قومنا وال نشهد‪ -‬فأتينا رسول هللا ‘‪،‬‬
‫قال‪( :‬أأسلمتُما؟) قلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪( :‬فإنّا ال نستعني باملشركني على املشركني)‪ .‬فأسلمنا‬
‫وشهدنا معه‪.‬‬

‫إذا أقوال رسول هللا ‘ وأعماله مطابقة هلذه اآلية‪ ،‬واحلديث جاء مفردا أيضا‪:‬‬
‫نستعني باملشركني على املشركني)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫(إنّا ال‬

‫قطعا الرسول ‘ ما استعان شر واحد طوال عشر سنوات من اجلهاد يف‬


‫غزوة من الغزوات‪ ،‬إذا سرية رسول هللا ‘ تطبيق عملي هلذه اآلية‪ ،‬فكان من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َار ٰى‬‫ود َوالن َ‬ ‫امللتزمني بقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا اليَـ ُه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا ال َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫أَوليَاءَ﴾‪ ،‬وكذلا قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪645‬‬

‫أَولِيَاءَ﴾‪ ..‬وكذلا أي إنسان ذُكَِر بعدم الوالية مل يتولّه الرسول ‘‪ ،‬هذا دليل آخر‬
‫على عدم جواز االستعانة باملشركني‪ ،‬ومن استعان يكون منهم‪.‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬أنت تعلم أن أهل الكتاب عندما يكونون يف دار اإلسالم‬
‫يدفعون اجلزية‪ ،‬وهذه اجلزية ال تُؤخذ إال من البالغني من الرجال‪ ..‬يعين الرجل الكبري‬
‫يف السن ال تؤخذ منه اجلزية‪ ،‬املرأة ال تؤخذ منها‪ ،‬الطفل أيضا اجلزية ال تؤخذ منه‬
‫وكذلا الزمن وكذلا وكذلا‪ ..‬إمنا اجلزية تؤخذ من الرجال القادرين على القتال؛‬
‫وهلذا يقول اإلمام اجلصاص ‪ -¬-‬يف كالم ما معناه‪ :‬أن سبب أخذ اجلزية منهم‬
‫ألنه كان يُفرتض هبم أن يُقاتلوا ولكن دينهم مينعنا أن يكونوا معنا‪ ،‬وهلذا أبعدناهم‬
‫عن القتال معنا وفرض هللا ¸ عليهم اجلزية‪.‬‬

‫إذا نأخذ اجلزية من الرجال القادرين على القتال‪ ،‬لكن ال نسمح هلم أن يكونوا‬
‫معنا ألهنم على الديانة النصرانية‪ ..‬إذا مقابل ذلا يدفعون اجلزية‪.‬‬

‫"﴿ح ٰىت يـُعطُوا اجلِزيَةَ َعن يَ ٍد َوُهم‬


‫يقول اإلمام اجلصاص ‪ ¬-‬رحة واسعة‪َ :-‬‬
‫اغ ُرو َن﴾ [التوبة‪ ،]29:‬فكان معقوال من فحوى اآلية ومضموهنا أن اجلزية مأخوذة‬‫صِ‬
‫َ‬
‫ممن كان منهم من أهل القتال‪ ،‬قال أصحابنا‪ :‬إن من مل يكن من أهل القتال فال‬
‫جزية عليه"‪.‬‬

‫إذا هذا الذي يستطيع أن يُقاتل لكن طاملا كان على النصرانية‪ ،‬ما نستطيع أن‬
‫جنعله مع املسلمني؛ إذا مقابل هذا اإلعفاء بسبب دينه يدفع اجلزية‪.‬‬

‫من العلماء من قالوا أن اجلزية تؤخذ منهم لكفرهم‪ ،‬ومنهم من قال أن اجلزية‬
‫لسكناهم يف دار اإلسالم‪ ،‬ولكن أقول وهللا تبار وتعاىل أعلم وأحكم‪:‬‬
‫تؤخذ منهم ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪646‬‬

‫أن هذه ليست العلّة يف أخذ اجلزية؛ ألن إن كانت العلّة الكفر‪ ،‬لتساوى الرجل مع‬
‫املرأة يف دفع اجلزية‪ ،‬ولتساوى البالغ مع غري البالغ يف دفع اجلزية‪ ،‬أما إذا كانت العلّة‬
‫أيضا ألهنم يسكنون يف درا اإلسالم؛ أيضا هذه العلّة ال تصح ألن العلّة إن كانت‬
‫السكن ألخذنا من النساء وأخذنا من الرجال وأخذنا من األطفال أيضا‪ ،‬إذا تبقى‬
‫العلّة‪ :‬أن اجلزية تؤخذ من هؤالء ألنه كان ُيب عليهم أن يُقاتلوا معنا وأن يدافعوا‬
‫عن دار اإلسالم‪ ،‬ولكن ال ُيوز لنا أن جنعلهم يف جيش املسلمني وهلذا أبعدناهم‬
‫ولكن مقابل ذلا يدفعون اجلزية‪.‬‬

‫تذكرت قصة ذكرها الواقدي ‪-‬وأنت تعلم أن الواقدي يف السرية له باع ولكن‬
‫ضعفوه يف رواياته‪ ..-‬أبو عبيدة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما كان يف فلسطني‪،‬‬ ‫العلماء ّ‬
‫وأخذ اجلزية من اليهود والنصارى يف تلا الفرتة‪ ،‬مث جاءه األمر بالتوجه إىل منطقة‬
‫أخرى للقتال‪ ،‬فقال إلخوانه‪ :‬أعيدوا هلم أمواهلم‪ ،‬فإن هذه األموال أخذناها لكي‬
‫تعرضوا خلطر لكي‬
‫نُدافع عنهم‪ ،‬وحنن اآلن ال نستطيع أن نرجع من تلا الديار إذا ّ‬
‫نُدافع عنهم‪ ،‬فأرجعوا هلم اجلزية‪.‬‬

‫إذًا هذه اجلزية ُمقابل حايتنا هلم‪ ،‬يُفرتض أن من يستطيع حل السال أن‬
‫يُقاتل هو أيضا وأن يُدافع‪ ،‬لكن دينه هذا مينعه أن يكون معنا؛ إذا ال نستعني‬
‫بيهودي وال بنصراو‪.‬‬

‫إذا كان هذا حال من يستنصر (من يطلب النصرة) من اليهود والنصارى‪ ،‬فما‬
‫تقول ن يُعني اليهود والنصارى على املسلمني؟‬

‫لإلجابة على هذا السؤال أحتاج إىل إثبات بعض املسائل‪:‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪647‬‬

‫حنن اآلن يف الدولة اإلسالمية ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬النصارى يُقاتلوننا‪ ،‬اليهود‬
‫يُقاتلوننا‪ ،‬الرافضة يُقاتلوننا‪ ،‬هنا الطواغيت يف اخلليج ويف غري اخلليج أعانوا هؤالء‬
‫علينا‪.‬‬

‫اء‪ :‬أريد أن أُثبت‪ :‬هل حنن مسلمون أم ال؟‪ ،‬يقينُا مسلمون ‪-‬وهلل الفضل‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫واملِنّة‪ -‬ألن أقصى ما قالوا فينا‪ :‬أنكم خوارج‪ ،‬واخلوارج عند مجيع املسلمني مسلمون‪،‬‬
‫السبكي‬
‫إال ابن العريب ك ّفرهم ‪ -¬-‬وعبدالقاهر البغدادي ك ّفرهم‪ ،‬واإلمام ُّ‬
‫ك ّفرهم‪ ،‬عدا هؤالء‪ ،‬األئمة كلهم على أن اخلوارج مسلمون‪ ،‬فإذا قالوا عنّا خوارج‪،‬‬
‫فنحن مسلمون‪ ،‬وإذا كنا غري خوارج فنحن مسلمون‪ ،‬إذا أثبتنا اآلن اجلزء األول أننا‬
‫مسلمون هذا ثابت‪.‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬هؤالء النصارى يُقاتلوننا أم ال؟‪ ،‬يقينا يُقاتلوننا‪ ،‬هؤالء الطواغيت‬ ‫َّ‬
‫الِّيءُ َ‬
‫وقفوا معهم علينا أم ال؟‪ ،‬يقينا وقفوا‪ ،‬إذا دخلوهم يف اآلية من باب أوىل؛ ألهنم إذا‬
‫ُّصر من اليهود‬
‫ُّصرة من النصارى يكونون نصارى‪ ،‬وإذا طلبوا الن َ‬ ‫قاتلونا وطلبوا الن َ‬
‫يكونون يهودا‪ ،‬فما بالا إذا أعانوا النصارى على املسلمني؟!‬

‫طبعا هنا قول لإلمام أيب حنيفة ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬أنه أجاز التحاق بعض‬
‫أهل الكتاب أو املشركني مع املسلمني‪ ،‬واستدل حبادثة صفوان‪ ،‬وال داللة يف حادثة‬
‫صفوان‪ ،‬يقول اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬يف تفسريه‪( :‬إنّا ال نستعني باملشركني على‬
‫املشركني) قال‪ :‬وهذا هو الصحيح من مذهب اإلمام الشافعي‪ .‬ألنه أيضا لإلمام‬
‫الشافعي شرط يف جواز قبول بعض الكفار مع املسلمني‪ ،‬لكن القرطيب ‪-¬-‬‬
‫جوز أبو حنيفة ‪-‬‬
‫قال‪ :‬وهذا هو الصحيح من قول اإلمام الشافعي‪ .‬مث قال‪ :‬وقد ّ‬
‫¬‪ -‬االستعانة باملشركني‪ ،‬وهذا ُمالف لقول هللا وُمالف حلديث رسول هللا ‘‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪648‬‬

‫فال يؤخذ بقول أيب حنيفة ‪ -¬-‬ألنه بىن رأيه على أم ٍر سنأيت إىل تفاصيله‪،‬‬
‫وقوله هذا ُمالف لقول هللا تبار وتعاىل وُمالف ألقوال رسوله وُمالف هلدي رسول‬
‫هللا ‘‪.‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬أبو حنيفة يعين االستعانة باملشر على املشر وليس على املسلم؟‬

‫*الشيخ‪ :‬أها‪ ..‬قول أبو حنيفة ‪-‬جزا هللا خريا‪ -‬أنه يستعني باملشر على‬
‫املشر ‪ ،‬أما االستعانة بالكفار على املسلمني مل ي ُقل أحد أبدا ما قال أحد جبواز‬
‫االستعانة باليهود أو بالنصارى أو بالكفار على املسلمني مل ي ُقل هبذا القول أحد‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خريا‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪649‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪650‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ َّ َ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس الث ِالث و‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الك َّ‬ ‫ُ ْ ُ ْ َ َ‬
‫اإلدارِي ِة‬
‫ِ ِ‬‫ر‬‫و‬ ‫م‬ ‫األ‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫ار‬
‫ِِ‬ ‫ف‬ ‫ب‬‫حكم االس ِتع ِ ِ‬
‫ة‬‫ان‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫رب اشر‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها خالصا‬ ‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫حت ّدثنا ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬عن مسألة االستعانة باملشركني يف القتال‪ ،‬وقلنا هذا‬
‫ال ُيوز شرعا‪ ،‬مث كان احلديث عن ظاهر بعض الروايات اليت قد يبدو يف ظاهرها أهنا‬
‫تتعارض مع ما قلناه أنه ال ُيوز لا أن تستعني بالكفار وال باملشركني يف القتال‪،‬‬
‫وبينّا األوجه يف ذلا ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪.-‬‬

‫بقي جزء أخري متعلق سألة االستعانة بالكفار أو باملشركني أو بأهل الكتاب يف‬
‫املسائل اإلدرايّة‪ ،‬حنن حتدثنا عن األمور العسكرية (القتال)‪ ،‬فإذا كان يف القتال ال‬
‫جتوز االستعانة‪ ،‬فهل ُيوز أن نستعني هبم يف األمور اإلداريّة سواء كان أمريا أو‬
‫قربوا‬
‫صاحب شركة أو معمل أو شيء من هذا القبيل؟‪ ،‬هؤالء هل ُيوز هلم أن يُ ّ‬
‫هؤالء النصارى وُيعلوهم من بطانتهم؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪651‬‬

‫لإلجابة عن هذا السؤال‪ :‬هللا تبار وتعاىل ذكر آيات يف كتابه الكرمي‪ ،‬قال‪﴿ :‬يَا‬
‫ين َآمنُوا َال تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة ِّمن ُدونِ ُكم َال يَألُونَ ُكم َخبَاال َوُّدوا َما َعنِتُّم قَد‬ ‫ِ‬
‫أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ات ۚ إِن‬ ‫ت البـغضاء ِمن أَفـو ِاه ِهم وما ُخت ِفي ص ُدورهم أَكبـر ۚ قَد بـيـنا لَ ُكم اآلي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُُ َُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫بَ َد َ َ ُ‬
‫ُوال ِء ُِحتبُّونـَهم وَال ُِحيبُّونَ ُكم وتُـؤِمنُو َن بِال ِكتَ ِ‬
‫اب ُكلِّ ِه َوإِذَا‬ ‫ُكنتُم تَـع ِقلُو َن ۝ َها أَنتُم أ َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ضوا َعلَي ُك ُم األَنَ ِام َل ِم َن الغَي ِظ ۚ قُل ُموتُوا بِغَي ِظ ُكم ۚ‬ ‫لَ ُقوُكم قَالُوا َآمنا َوإِ َذا َخلَوا َع ُّ‬
‫صب ُكم َسيِّئَةٌ‬ ‫الص ُدوِر ۝ إِن َمتسس ُكم حسنَةٌ تَسؤهم وإِن تُ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫إِن اَلل علِيم بِ َذ ِ‬
‫ات‬
‫ََ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌ‬
‫ضُّرُكم َكي ُد ُهم َشيئا ۚ إِن اَللَ ِ َا يَـع َملُو َن ُِحمي ٌ‬ ‫ِ‬
‫ط﴾‬ ‫يَـفَر ُحوا هبَا ۚ َوإِن تَصِربُوا َوتَـتـ ُقوا َال يَ ُ‬
‫[آل عمران‪.]120-118:‬‬

‫ات ال َكرِميَِة‪ :‬بداية اخلطاب موجه إىل الذين آمنوا ﴿يَا أَيـُّ َها‬ ‫اصيل ه ِذهِ اآلي ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫تَـ َف ُ َ‬
‫ين َآمنُوا﴾‪ ،‬ودائما ننبه إىل هذه املسألة‪ ،‬أنا إذا وجدت آية تبدأ هبذا اخلطاب‬ ‫ِ‬
‫الذ َ‬
‫فعليا أن تستشعر أن هذا خطاب من هللا ¸ إليا وحيا يف القرآن الكرمي‪﴿ ،‬يَا‬
‫﴿ال تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة ِّمن ُدونِ ُكم﴾ البطانة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا﴾‪ ،‬بعد ذلا يأيت األمر‪َ :‬‬ ‫أَيـُّ َها الذ َ‬
‫هم املقربون الذين ُحييطون باإلنسان يسمون بطانة‪ ..‬فإذا كان رجل مسلم قد ُِ‬
‫حّ َل‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُّ‬
‫عامة‪ ،‬إمارة على مرفق من مرافق‬ ‫أمانة للمسلمني يف عمل من األعمال (إمارة ّ‬
‫ب أحدا من غري املسلمني؛ ألن هؤالء الذين‬ ‫العمل‪ )...‬هذا ال ُيوز له أن يُ ِّ‬
‫قر َ‬
‫سمون بطانة‪ ،‬وسبق أن أشرنا إىل هذا األمر وقلنا سبب التسمية‬ ‫ُحييطون به يُ ّ‬
‫بالبطانة؛ ألن داخل املالبس تسمى بطانة وهي أقرب شيء إىل جسد اإلنسان‪،‬‬
‫كذلا الذين ُحييطون باألمري العام أو بأي رجل مسلم يتسلّم مسؤولية يف العمل‬
‫سمون بطانته‪ ..‬فاهلل تبار وتعاىل يقول‪﴿ :‬يَا‬ ‫اإلسالمي الذين ُحييطون به هؤالء يُ ّ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قربة منا‬ ‫أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـتخ ُذوا بطَانَة ّمن ُدون ُكم﴾؛ أي ال تَ ُكن هذه احللقة املُ ّ‬
‫من غري املسلمني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪652‬‬

‫﴿من ُدونِ ُكم﴾‪:‬‬


‫ِ‬
‫هنا بعض األقوال أقرؤها لبعض العلماء يف مسألة ّ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫﴿من ُدو ِنك ْم﴾؟‬
‫من هم ِ‬
‫قرب إليه يف أي‬
‫كل إنسان غري مسلم فهو من دونكم‪ ،‬ال ُيوز للمسلم أن يُ ّ‬
‫عمل يتسلّمه غري املسلمني‪ ،‬إذا اإلمارة تكون إسالمية‪ ،‬والبطانة أيضا تكون‬
‫إسالمية‪ ،‬ومن هنا يظهر لا الفارق بني األحكام اإلسالمية وبني أحكام احلكومات‬
‫الطاغوتيّة هؤالء أو الربملانات أو ما إىل ذلا‪ ..‬جتد أن أحد هؤالء الطواغيت يعمل‬
‫لكي يكون النصراو من بطانته‪ ،‬جتده يعمل على أن يكون من بطانته من أصحاب‬
‫امللل األخرى حىت ُحيقق ‪-‬كما يقولون‪ -‬العدالة يف اجملتمع؛ أن اجلماعة الفالنية هلم‬
‫شخص يعمل مع الرئيس‪ ،‬وأهل الديانة الفالنية هلم رجل مع الرئيس؛ هبذه الطريقة‬
‫حياولون أن حيققوا ما يسمونه بالتسوية أو بالعدالة االجتماعية‪ ..‬لكن هللا تبار‬
‫قربني ممن يتسلّم شيئا من األمر من‬ ‫وتعاىل أمرنا حنن املسلمني ّأال يكون أحد من املُ ّ‬
‫﴿من ُدونِ ُكم﴾ قلنا‪ :‬كل غري‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫غري املسلمني‪َ﴿ ..‬ال تَـتخ ُذوا بِطَانَة ّمن ُدون ُكم﴾‪ .‬كلمة ّ‬
‫املسلمني كلهم هم من دون املسلمني‪.‬‬

‫"﴿من ُدونِ ُكم﴾ أي‪ :‬من دون أهل‬


‫ِ‬
‫يقول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ّ :-‬‬
‫دينكم وملتكم‪ ،‬يعين من غري املؤمنني‪ ".‬هذا قول اإلمام الطربي وكذلا ذكره ابن‬
‫كثري وذكره اإلمام اجلصاص أيضا يف تفسريه‪ ،‬يعين كالم شبيه هبذا الذي قرأته‪..‬‬
‫"﴿من ُدونِ ُكم﴾ يعين من غريكم وسواكم"‪ ،‬الشنقيطي‬
‫ِ‬
‫ويقول ابن العريب ‪ّ :-¬-‬‬
‫"﴿من ُدونِ ُكم﴾ يشمل املشركني واملنافقني وأهل الكتاب"‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ -¬-‬يقول أيضا‪ّ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪653‬‬
‫َ ُ ُز َ ْ َ ُ َن َ َ ً ُ ْ‬ ‫صَ‬ ‫َ‬
‫األ ْ‬ ‫ًإذا َأي ص ْنف م ْن َ‬
‫للمؤ ِم ِن‪،‬‬ ‫اف ال يجو أن يكو ِبطانة‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ذ‬‫ه‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫َو ِِلاذا؟‬

‫اء‪ :‬ألن هللا ¸ أمر بذلا‪ ،‬وأنت تعلم أن هللا تبار وتعاىل إذا أمر بأم ٍر‪،‬‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫﴿وَما َكا َن لِ ُمؤِم ٍن َوَال ُمؤِمنَ ٍة إِ َذا‬
‫املسلمون ال ميلكون اخليار أمام هذا األمر الربّاوّ َ‬
‫ضى اَللُ َوَر ُسولُهُ أَمرا أَن يَ ُكو َن َهلُ ُم اخلِيَـَرةُ ِمن أَم ِرِهم﴾ [األحزاب‪ ،]36:‬إذا ليس لنا‬ ‫قَ َ‬
‫اخليار يف هل نقرب املسلمني أم نقرب غري املسلمني‪ ،‬هللا تبار وتعاىل قال‪َ﴿ :‬ال‬
‫تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة ِّمن ُدونِ ُكم﴾‪ ،‬وهذا أمر‪ ،‬وكل مؤمن يلتزم بأمر هللا تبار وتعاىل‪ ،‬إذا‬
‫السبب األول لعدم تقريب أهل الذمة من أصحاب اإلمارة أو الوالية أو املسؤولية؛‬
‫ألن هذا أمر هللا ¸ وأنت ال متلا اخليار بني أن تلتزم أو ال تلتزم‪.‬‬

‫السبب الثاو‪ :‬ألن هللا تبار وتعاىل يف هذه اآليات ذكر األسباب اليت ُيب أن‬
‫حتملنا على ّأال نعمل أحدا من هؤالء بطانة لنا‪ ،‬وهذه األسباب قسم منها ظاهر‪،‬‬
‫والقسم اآلخر من أعمال القلوب‪ ،‬إذا ذكر هللا تبار وتعاىل لنا حقيقة غري املسلمني‬
‫تحمل أمانة‪ ،‬هنا بعض األمور الظاهرة أخربنا‬ ‫عندما يكونون بطانة لو أمر أو لـ ُم ّ‬
‫هللا ¸ عنها‪ ،‬وهنا بعض األمور هي من أعمال القلوب أيضا أخربنا هللا تبار‬
‫وتعاىل عنها‪.‬‬

‫إذا هذا من رحة هللا ¸ بنا ورأفته‪ ،‬ألنه لو قال‪َ﴿ :‬ال تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة ِّمن‬
‫ُدونِ ُكم﴾ تلتزم‪ ،‬لكن إذا ذكر لا األسباب أيضا معرفة هذه األسباب تُعينا على‬
‫أن تلتزم بأمر هللا ¸‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ًَ‬ ‫َ َ ُ‬
‫﴿ال ت َّت ِخذوا ِبطانة ِمن ُدو ِنك ْم﴾‪..‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪654‬‬

‫ب األَ َّو ُل‪ :‬قال‪َ :‬‬


‫﴿ال يَألُونَ ُكم َخبَاال﴾‪ ،‬واخلبال‪ :‬هو الفساد والشر ‪-‬‬ ‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫قصرون يف أن ُيعلوا فيكم‬
‫﴿ال يَألُونَ ُكم َخبَاال﴾‪ :‬أي ال يُ ّ‬
‫والعياذ باهلل‪ ،-‬ومعىن َ‬
‫الفساد وأن ُيعلوا فيكم الشر‪.‬‬

‫إذا العليم اخلبري ُخيرب عن حال هؤالء الناس‪ ،‬أنا إذا ّقربته سيبذل من اجلهد ما‬
‫يستطيع ليجعل الشر يف املكان الذي يتواجد فيه‪ ،‬ألن من معاو اخلبال‪ :‬الفساد‬
‫والشر كما ذكر أهل اللغة وكما ذكر املفسرون † تعاىل ‪-‬رحة واسعة‪ ،-‬فإذا رأيت‬
‫رجال قد ّقرب نصرانيا أو يهوديا أو رجال من ملّة أخرى‪ ،‬مث بدأ يُثين عليه هذا‬
‫جمنون؛ ألن هللا ¸ بعد أن ذكر هذه املواصفات قال‪﴿ :‬قَد بـيـنا لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ات ۚ إِن‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ُكنتُم تَـع ِقلُو َن﴾‪ ،‬إذا العاقل يعلم أن هذا الرجل مهما أظهر لا من حاله ومهما‬
‫أظهر لا من احلُسن أيقن أنه يف حقيقته ال يريد لا إال الفساد وال يريد لا إال‬
‫الشر‪ ،‬فإذا ظهر خالف ذلا فأنت بني أمرين‪ :‬بني أن تصدق هللا ¸ الذي يقول‬
‫أن هؤالء عندما يكونون قريبني منكم يريدون لكم الشر ويريدون لكم الفساد‪ ،‬هذا‬
‫قول هللا ¸‪ ،‬واألمر اآلخر أنت بني رؤيتا أنت‪ ..‬فأنت ُُم ّري بني أن تصدق هللا‬
‫¸ الذي يقول هؤالء أهل فساد‪ ،‬وبني رؤيتا أنت اليت تقول وهللا ما ظهر حلد‬
‫اآلن منه شيء يريبين فيه‪ ..‬هذا معناته أنا ق ّدمت رؤيتا الضعيفة الذليلة على خرب‬
‫﴿ال يَألُونَ ُكم َخبَاال﴾‪.‬‬
‫هللا تبار وتعاىل الذي يقول‪َ :‬‬
‫من هؤالء أهنم حىت ولو كانوا‬ ‫إذًا أُك ّذب عيين وأُص ّدق هللا ¸ مهما ظهر‬
‫على خالف ما أرى‪ ،‬لكن قناعيت مائة باملائة أن حقيقته ليست هذا الذي أراه فيه‪،‬‬
‫بل حقيقته ما أخربو هللا تبار وتعاىل عنه أنه مىت حتني له الفرصة أو مل ِحتن له‬
‫الفرصة سيعمل بكل ما أويت وبكل سعته أن حيملنا على الفساد وعلى الشر‪ ،‬وال‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪655‬‬

‫يُقصر اجلهد يف خلق الفساد ويف إُياد الشر بيننا‪ ،‬إذا أُك ّذب نفسي وأُك ّذب عيين‬
‫وأُك ّذب عقلي‪ ،‬ولكن أُص ّدق هللا تبار وتعاىل‪ ،‬هذه هي احلقيقة األوىل اليت ينبغي‬
‫قربوا نصرانيا‪،‬‬
‫قربوا بعد ذلا يهوديا‪ ،‬وال يُ ّ‬
‫للمسلمني أن ُحييطوا هبا علما‪ ،‬حىت ال يُ ّ‬
‫قربوا أي رجل من أي فئة كان ومن أي فئة كان‪ ،‬ألن هذه هي حقيقتهم‬ ‫وال يُ ّ‬
‫﴿ال يَألُونَ ُكم َخبَاال﴾‪.‬‬
‫األوىل‪َ ،‬‬
‫ي‬
‫ُّم﴾ املودة عىن‪ :‬احملبة‪ ،‬العنت عىن‪ :‬املش ّقة والش ّدة‪َ .‬‬
‫﴿وُّدوا َما‬ ‫﴿ َودُّوا َما َعنت ْ‬
‫وحيبّون لكم املشاق من األمور‪.‬‬ ‫وحيبّون لكم الصعاب ُ‬‫َعنِتُّم﴾ أي‪ُ :‬حيبّون لكم التعب ُ‬
‫وأنت تعلم أن احملبة من أعمال القلوب‪ ،‬عندما يكون معا رجل يُف ّكر يف‬
‫ب لا‬ ‫داخله كيف ُيعل حياتا شاقّة‪ ،‬كيف ُيعل حياتا صعبة‪ ،‬هذا يف داخله ُحي ّ‬
‫هذا الشيء‪ ،‬ويف ظاهره أنت ما ترى منه شيئا‪ ،‬لكن الذي ال خيفى عليه شيء يف‬
‫األرض وال يف السماء أخربنا عن قلب هؤالء‪ ،‬قال هؤالء ُحيبّون لكم العنت‪ُ ،‬حيبّون‬
‫وحيبّون لكم أن تعيشوا يف تعب ويف عناء‪ ،‬ال ميكن يف يوم من األيام أو‬ ‫لكم املشقة ُ‬
‫يف حلظة من اللحظات أن أشا يف هذه احلقائق‪ ،‬هؤالء عندما يكونون بطانة يقينا‬
‫وحيبّون لنا أيضا أن نعيش يف حياةٍ غري‬ ‫وحيبّون لنا املشقة ُ‬
‫كلهم ُحيبّون لنا العنت ُ‬
‫سويّة ‪-‬والعياذ باهلل منهم‪ ،-‬هذه احلقيقة الثانية اليت ينبغي لوالة األمر أو من كانوا‬
‫على عمل (إذا كنت على معمل‪ ،‬على شركة‪ ،‬على أي عمل من األعمال اليت تقوم‬
‫هبا) إذا ّقربت نصرانيا فأيقن أن حقيقته ما أخرب هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وإن ظهر لا‬
‫خالف ما قاله هللا ¸ أو تظاهر أنه خالف ما قال هللا تبار وتعاىل‪ ..‬فإذا وجدت‬
‫رجال ال يريد لا الشر وال يريد لا الفساد وما أظهر لا أنه ‹‹حيب›› أن ُيعلا يف‬
‫عنت ويف صعوبة ويف ش ّدة؛ اعلم أن هذا خالف حقيقته هو‪ ،‬اآلن الرجل يظهر لا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪656‬‬

‫خالف حقيقته‪ ،‬ألن حقيقته ما أخربنا هللا ¸ هبا‪ ،‬هذه احلقيقة الثانية هلؤالء عندما‬
‫﴿وُّدوا َما َعنِتُّم﴾‪.‬‬
‫يكونون بطانة‪َ ..‬‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت الْب ْغ َ ي‬
‫ي‬
‫ورُه ْم أَ ْكبَ ُر﴾ أنت تعلم أن‬ ‫ضاءُ م ْن أَفْ َواه يه ْم َوَما ُختِْي ُ‬
‫ص ُد ُ‬ ‫﴿قَ ْد بَ َد َ‬
‫اإلنسان عندما يكون يف داخله شيء‪ ،‬ال بد أن يأيت يوم وخيطئ وتظهر بعض‬
‫الكلمات اليت تُنبئ ا يُضمره يف قلبه أو ما يُضمره يف داخله‪ ،‬ألن الكالم عندما‬
‫يدور يف داخلا ال تستطيع أن تتكتّم عليه فيخرج يف فلتات اللسان‪ ،‬وهلذا دائما‬
‫الناس كيف خيطؤون؟؛ ألنه يتفوه بكلمة فإذا تتبعت هذه الكلمة قد توصلا إىل‬
‫ضاءُ ِمن أَفـ َو ِاه ِهم﴾ أي‬ ‫ِ‬
‫حقيقة هذا الرجل‪ ،‬هللا تبار وتعاىل يقول‪﴿ :‬قَد بَ َدت البَـغ َ‬
‫أحيانا يُظهرون من الكلمات ما يُثبت أهنم يبغضون هذا الدين ويبغضون أهل هذا‬
‫الدين‪ ،‬مث أخربنا وقال‪ :‬إذا كنتم ما وجدمت منهم إال القليل من الكلمات اليت تُظهر‬
‫البغضاء‪ ،‬فأيقن أن البغضاء اليت يف قلبه أضعاف أضعاف هذه الكلمة اليت أخطأ‬
‫فيها أو الكلمة اليت فلتت من لسانه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت البـغ ِ‬ ‫ِ‬
‫ورُهم أَكبَـ ُر﴾ هذه حقيقة‪ ،‬وهذه‬ ‫ضاءُ من أَفـ َواه ِهم َوَما ُختفي ُ‬
‫ص ُد ُ‬ ‫﴿قَد بَ َد َ َ‬
‫احلقائق ُيب أن ُيزم هبا املسلمون أينما كانوا عندما يتسلّمون شيئا من أمور‬
‫قرب‬
‫قرب نصرانيا‪ ،‬إيّاه إيّاه أن يُ ّ‬
‫املسلمني أو يكون على رأس أمر؛ فإيّاه إيّاه أن يُ ّ‬
‫قرب ُمرتدا؛ ألن هللا ¸ قد أخربنا عن مواصفات هؤالء‪ ،‬وهذه‬ ‫رافضيا‪ ،‬إيّاه إيّاه أن يُ ّ‬
‫املواصفات الثالثة كافية لتبعد هؤالء الناس عنا إذا أردت أن تعيش بعيدا عن‬
‫املشاكل وبعيدا عن هذه األمور اليت ذكرها هللا ¸ يف هذه اآليات‪.‬‬

‫ات﴾ اآليات عىن العالمات اليت تدل على‬ ‫بعد ذلا قال‪﴿ :‬قَد بـيـنا لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫األشياء‪ ،‬فاآلية اليت بيّنها هللا ¸ أن هؤالء ال يألون لنا خباال‪ ،‬أن هؤالء يودون لنا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪657‬‬

‫العنت‪ ،‬أن هؤالء يضمرون لنا يف قلوهبم من البغضاء أضعاف أضعاف ما خيرج على‬
‫فلتتات ألسنتهم؛ هللا ¸ يقول‪ :‬هذه العالمات قد أظهرهتا لكم وبيّنتها لكم وال‬
‫يتقبّل هذا اإلخبار الربّاوّ إال من كان عاقال؛ ألنه ل ِزَم االستتسالم هلذا األمر بالعقل‪،‬‬
‫ات ۚ إِن ُكنتُم تَـع ِقلُو َن﴾ إذا من الذي يُص ّدق هبذا اإلخبار‬
‫قال‪﴿ :‬قَد بـيـنا لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫الربّاوّ (أن النصراو ال يكون بطانة ملسلم‪ ،‬أن اليهودي ال يكون بطانة ملسلم‪ ،‬أن‬
‫الرافضي ال يكون بطانة ملسلم‪ )..‬من الذي يُص ّدق هبذا اإلخبار؟ فقط أصحاب‬
‫العقول‪ ،‬إذا إذا وجدت مسلما على أم ٍر من األمور مث وجدت يف بطانته يهوديا أو‬
‫نصرانيا أو رافضيا أو من أهل أي ملة كان‪ّ ،‬اهتم هذا الرجل يف عقله ألن هللا ¸‬
‫ات ۚ إِن ُكنتُم تَـع ِقلُو َن﴾‪ ..‬فإن كنت من أصحاب العقول‬ ‫قال‪﴿ :‬قَد بـيـنا لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫قرهبم‪ ،‬فمن ّقرهبم فهو متهم يف عقله وإن كان يرى‬ ‫عليا أن تُبعد هؤالء ال أن تُ ّ‬
‫نفسه من أعقل الناس ومن أعقل العقالء‪ ،‬أما إذا وضعنا عقله يف ميزان هللا ¸ ويف‬
‫وقرب من كان ُيب‬ ‫ميزان الشرع جتده ال يساوي عقله شيئا ألنه خالف أمر هللا ¸ ّ‬
‫عليه أن يُبعدهم‪.‬‬

‫هذه احلقائق ذكرها هللا تبار وتعاىل يف هذه اآلية الكرمية‪ ،‬فال ُيوز ملسلم أينما‬
‫قرب نصرانيا‪ ،‬ولكن عندما فلتت األمور من نصاهبا وانقلبت املوازين‬ ‫كان أن يُ ّ‬
‫وجدت النصراو يكون نائبا للطاغوت‪ ،‬وجدت النصراو وزيرا‪ ،‬وجدت النصراو يف‬
‫الربملان‪ ،‬وجدت النصراو على أم ٍر من أمور املسلمني‪ ،‬هذا ما ال يرضاه هللا تبار‬
‫وتعاىل للمسلمني‪ ،‬حنن ال نرضى هبم بطانة فكيف نرضى هبم أن يتسلّموا أمرا من‬
‫األمور؟!‪ ،‬وإذا رجعت إىل التاريخ وقرأته ال جتد أجدا من اخللفاء أعطى جماال‬
‫للنصارى إال وأذاقوا املسلمني األمرين يف تلا الفرتات‪ ،‬وهلذا يف بعض العصور عندما‬
‫أُوكِ َل األمر إىل بعض النصارى بدأ املسلمون يشتكون من ظلم هؤالء النصارى‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪658‬‬

‫للمسلمني‪ ،‬هذا الظلم من أين جاء؟؛ ألن هؤالء املسلمون ما التزموا بأمر هللا ¸‪،‬‬
‫ّقربوا من أمرهم هللا ¸ أن يُبعدوه ورفعوا من أمرهم هللا ¸ أن يضعوه‪ ،‬هذه املشاكل‬
‫كلها تنجم ملخالفتنا ألمر هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫﴿ال يَألُونَ ُكم‬


‫إذا هذه ثالث صفات ألهل البطانة إن كانوا من غري املسلمني‪َ ..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت البـغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورُهم أَكبَـ ُر ۚ قَد‬ ‫ضاءُ من أَفـ َواه ِهم َوَما ُختفي ُ‬
‫ص ُد ُ‬ ‫َخبَاال َوُّدوا َما َعنتُّم قَد بَ َد َ َ‬
‫ات﴾‪ ..‬اآليات أي العالمات اليت تُثبت لكم أن هؤالء ال يكونون‬ ‫بـيـنا لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫بطانة‪ ،‬لكن بشرط‪﴿ :‬إِن ُكنتُم تَـع ِقلُو َن﴾‪.‬‬

‫ُوال ِء ُِحتبُّونَـ ُهم َوَال ُِحيبُّونَ ُكم﴾؛ ألن‬


‫﴿ها أَنتُم أ َ‬
‫بعد ذلا يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫قرهبم إال حملبته هلم‪ ،‬عندما جتد أحدهم‬ ‫قرب هؤالء ال يُ ّ‬
‫الذي ُخيالف أمر هللا ¸ ويُ ّ‬
‫ّقرب نصرانيا وجعله بطانة‪ ،‬هذا الرجل ما وصل إىل هذه املنزلة إال ألن صاحب األمر‬
‫يود هذا النصراو وهلذا ّقربه؛ ألن و األمر أو من يتسلّم شيئا من أمور‬ ‫كان ّ‬
‫قرب إال من حيبهم‪ ،‬هللا ¸ كأنه يقول لنا‪ :‬إذا ّقربتم هؤالء فما‬ ‫املسلمني ال يُ ّ‬
‫ُوال ِء ُِحتبُّونَـ ُهم َوَال ُِحيبُّونَ ُكم﴾‬
‫﴿ها أَنتُم أ َ‬
‫قربوهنم إال حلبكم هلم‪ ،‬ولكن يرجع ويقول‪َ :‬‬
‫تُ ّ‬
‫ال يوجد نصراو أصبح قريبا من صاحب مسؤولية إال وصاحب املسؤولية كان حيب‬
‫﴿ها أَنتُم‬
‫هذا النصراو وهلذا ّقربه‪ ،‬هللا ¸ يعكس اآلية قال‪ :‬قد تكون أنت حتبه َ‬
‫وقربته‪ ،‬أيقن‬ ‫أَِ ِ‬
‫ُوالء ُحتبُّونَـ ُهم﴾ لكن أيقن أن هذا الذي أحببته وخالفت أمر هللا ¸ ّ‬
‫﴿ها أَنتُم‬
‫أن هذا النصراو وهذا الرافضي وهذا اليهودي أيقن جازما أنه ال حيبا‪َ ..‬‬
‫ُوال ِء ُِحتبُّونَـ ُهم َوَال ُِحيبُّونَ ُكم﴾‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل عندما ُخيرب عن عدم احملبة هذا‬
‫أَ‬
‫إخبار عن القلوب‪ ،‬وإال جتده يقينا عندما يلتقي به صباحا يسلم عليه ويهش ويبش‬
‫تغرت بوجهه وإيّا أن‬
‫عالم الغيوب أخربنا عن قلوب هؤالء‪ ،‬إيَا أن ّ‬ ‫بوجهه‪ ،‬لكن ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪659‬‬

‫تغرت بلسانه ألنه يف قلبه يقينا ال حيبا وال يكمن لا أي نوع من أنواع املودة أو‬ ‫ّ‬
‫﴿وَال ُِحيبُّونَ ُكم﴾‪.‬‬ ‫احملبة‪﴿ ،‬ها أَنتُم أ َ ِ ِ‬
‫ُوالء ُحتبُّونـَ ُهم﴾ قال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫اب ُكلِّ ِه﴾ أنتم تؤمنون بكل الكتاب‪ ،‬تؤمنون بالتوراة‬
‫مث قال‪﴿ :‬وتُـؤِمنُو َن بِال ِكتَ ِ‬
‫َ‬
‫على أهنا كتاب أنزله هللا ¸ على موسى‪ ،‬وتؤمنون باإلجنيل على أنه كتاب منزل ‪-‬‬
‫وإن كنا ال نؤمن هبذه التوراة املتداولة باأليدي وال نؤمن هبذه األناجيل‪ -‬لكن نؤمن‬
‫أن هللا ¸ أنزل كتابا امسه التوراة وأنزل كتابا أيضا امسه اإلجنيل‪ ..‬حنن نؤمن بكل‬
‫هذه الكتب‪ ،‬ولكن هؤالء‪ :‬إذا كان يهوديا فهو يؤمن بالتوراة والتلمود ولكن أيقن أنه‬
‫ال يؤمن بالقرآن‪ ،‬إذا كان نصرانيا فأيقن أنه يؤمن باإلجنيل ولكن أيقن أنه ال يؤمن‬
‫بالقرآن‪ ،‬وإذا كان رافضيا فأيقن أنه ال يؤمن بشيء امسه كتاب هللا ¸ ال قرآن وال‬
‫غري قرآن‪ ،‬وإمنا هلم قرآهنم اخلاص هبم الذي عند إمامهم الغائب الذي ال وجود له‪..‬‬
‫تنس أن هذا الذي جعلته بطانة وهو ليس‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ‬
‫﴿وتُـؤمنُو َن بالكتَاب ُكلّه﴾‪ ،‬لكن ال َ‬
‫إذا َ‬
‫سلم أيقن أنه ال يؤمن بالكتاب الذي أنت تؤمن به؛ ومن هنا يأيت العجب‪ ،‬كيف‬
‫قرب إنسانا ال يؤمن بكتابا؟!‪ ،‬كيف؟!‬ ‫تُ ّ‬
‫آمنَّا َوإيذَا َخلَ ْوا َعضُّوا َعلَْي ُك ُم ْاألَنَ يام َل يم َن الْغَْي يظ﴾‪..‬‬
‫﴿ َوإيذَا لَ ُقوُك ْم قَالُوا َ‬
‫هؤالء الذين تُقّربوهنم وختالفون وصوفات هللا تبار وتعاىل هلم‪ ،‬قد يقول أماما ال‬
‫يوجد فرق هذا نبيكم وهذا دينكم أنا ال أجد صعوبة يف قبول دينكم‪ ،‬قد يُظهر لا‬
‫تنس عندما يغيب عن‬ ‫بعض ما يدل على أنه فيه شيء ممكن أن أقبله‪ ،‬ولكن ال َ‬
‫و(عض األنامل) تعبري‬‫ّ‬ ‫يعضون عليكم األنامل من الغيظ‪،‬‬ ‫ناظريا ويلتقي بأهل ملّته ّ‬
‫عن ش ّدة الغيظ وعن ش ّدة الغضب وعن ش ّدة احلنق؛ ألن اإلنسان عندما يغضب‬
‫يعض على يديه من الغضب‪ ،‬هؤالء إذا أمامنا شيء ولكن عندما خيتلي‬ ‫ويفوته األمر ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪660‬‬

‫أحدهم بأهل ملته بأهل دينه شيء آخر‪ ،‬هذا خرب أنت ال تستطيع أن ُحتيط به‬
‫علما‪ ،‬ألنا تراه عندما يكون معا ولكن ال تعلم عندما يذهب إىل الكنيسة أو‬
‫عندما يذهب إىل احلُسينيّة أو عندما يذهب إىل املكان الفالو ماذا ُيري هنا !‬
‫أنت ال ُحتيط علما‪ ،‬لكن الذي ال خيفى عليه شيء يف األرض وال يف السماء ُخيرب‬
‫وخيرب عن األمور اليت تكون يف داخل‬ ‫عن األمور اليت تكون يف داخل البيوت‪ُ ،‬‬
‫وخيرب عن األمور اليت تكون يف داخل احلُسينيّات‪ ،‬وأنت ال ُحتيط علما‪،‬‬ ‫الكنائس‪ُ ،‬‬
‫يعض عليا األنامل من الغيظ؛ هذا يعين‬ ‫يف تلا املواطن بعد أن يغيب عن ناظريا ّ‬
‫يتحني لا الفرص‪ ،‬وإذا حانت له فرصة أيقني أنه ال يرحا أمثال هؤالء‪..‬‬ ‫بأنه ّ‬
‫ضوا َعلَي ُك ُم األَنَ ِام َل ِم َن الغَي ِظ﴾ هذا ما يقوله هللا‬
‫﴿ َوإِذَا لَ ُقوُكم قَالُوا َآمنا َوإِذَا َخلَوا َع ُّ‬
‫وعالم الغيوب ُخيرب عن‬ ‫ُناس هذه حقيقتهم‪ ،‬فكيف جتعلهم بطانة لا ّ‬ ‫¸ عن أ ٍ‬
‫حقيقة هؤالء؟!‬
‫اّلل َعلييم بي َذ ي‬ ‫ي ي‬
‫ص ُدوير﴾‪﴿ ..‬قُل ُموتُوا﴾ ليست‬
‫ات ال ُّ‬ ‫﴿قُ ْل ُموتُوا بغَْيظ ُك ْم ُۗ إي َّن ََّ ٌ‬
‫متعلقة بالبطانة؛ ألن هللا ¸ ال يقول لنا اختذوهم بطانة وإذا فعلوا لكم هذا الذي‬
‫الص ُدوِر﴾‪ ..‬ال‪ ،‬وهو‬ ‫قلته فيهم قولوا هلم‪﴿ :‬قُل موتُوا بِغَي ِظ ُكم ۚ إِن اَلل علِيم بِ َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ََ ٌ‬ ‫ُ‬
‫بعيد عنّا ويُف ّكر بكل هذه النقاط ‪-‬اليت ذكرها هللا ¸‪ -‬يريدون أن يفعلوها بنا‪،‬‬
‫هلؤالء يقول هللا ¸‪﴿ :‬قُل ُموتُوا بِغَي ِظ ُكم﴾‪ ..‬أنت ال تستطيع أن تؤذيين طاملا‬
‫﴿ال‬
‫التزمت بأمر هللا ¸‪ ،‬طاملا ما جعلتا بطانة إذا ال تستطيع‪ ،‬والصفة األوىل‪َ :‬‬ ‫ُ‬
‫﴿وُّدوا َما َعنِتُّم﴾ ال تستطيع أن تفعل‬ ‫يَألُونَ ُكم َخبَاال﴾ ما تستطيع أن تفعل شيئا‪َ ،‬‬
‫يب شيئا‪ ،‬وكذلا باقي الصفات ال تستطيع أن ُحتقق؛ إذا ُمت بغيظا‪ ،‬ألنين إذا‬
‫ّقربتا ستفعل يب كل الذي ذكره هللا ¸‪ ،‬أما إذا أبعدتا وأردت أن تفعل بنا هذه‬
‫الص ُدوِر﴾‪.‬‬ ‫األمور اليت ذكرها هللا ¸ ﴿قُل موتُوا بِغَي ِظ ُكم ۚ إِن اَلل علِيم بِ َذ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ََ ٌ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪661‬‬

‫قرهبم ويُصيبنا ما ح ّذرنا هللا ¸ منه‪ ،‬وإما أن نُبعدهم‪ ،‬وهم بعيدون‬ ‫إذا إما أن نُ ّ‬
‫عنّا يُف ّكرون يف أذيّتنا ويفكرون يف أن ُيعلوننا نعيش يف مشاق وحياولون ويودون لنا‬
‫العنت‪ ..‬لكنه بعيد عين‪ ،‬إذا فكر هبذه األمور عند ذلا نقول هلم‪﴿ :‬قُل ُموتُوا‬
‫الص ُدوِر﴾‪.‬‬
‫ات ُّ‬‫بِغَي ِظ ُكم ۚ إِن اَلل علِيم بِ َذ ِ‬
‫ََ ٌ‬
‫ص ُدوِر﴾‪ :‬ال أن ُختالف‬ ‫إذا مسألة‪﴿ :‬قُل موتُوا بِغَي ِظ ُكم ۚ إِن اَلل علِيم بِ َذ ِ‬
‫ات ال ُّ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫أمر هللا وتُقرهبم مث بعد ذلا تقول‪﴿ :‬قُل موتُوا بِغَي ِظ ُكم ۚ إِن اَلل علِيم بِ َذ ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الص ُدوِر﴾‪ ،‬ال‪ ..‬التزم بأمر هللا ¸ وأبعدهم‪ ،‬فإذا ف ّكروا يف أذيّتنا أو يف شيء من‬ ‫ُّ‬
‫هذا القبيل عند ذلا نقول هلم‪﴿ :‬قُل موتُوا بِغَي ِظ ُكم ۚ إِن اَلل علِيم بِ َذ ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫يف شيئا من هذه األمور اليت‬ ‫ُّ ِ‬
‫ُقربا ما تستطيع أن تفعل ّ‬ ‫الص ُدور﴾‪ ،‬ألنين إذا مل أ ّ‬
‫ذكرها هللا ¸‪.‬‬

‫قرب‬‫قرب نصرانيا‪ ،‬وال نُ ّ‬‫إذا هذه اآلية نتل ّفظ هبا مىت؟‪ ،‬عندما نلتزم بأمر هللا فال نُ ّ‬
‫قرب رافضيا‪ ،‬إذا أبعدنا هؤالء وأرادوا أن يُسيؤوا إلينا نقول هلم‪ :‬موتوا‬ ‫يهوديا‪ ،‬وال نُ ّ‬
‫عليم بذات الصدور‪ ،‬إذا هذه الكلمة يقوهلا من يلتزم بأمر هللا تبار‬ ‫بغيظكم إن هللا ٌ‬
‫وتعاىل ويُبعد هؤالء‪.‬‬
‫﴿إين متَْسس ُكم حسنَةٌ تَس ْؤ ُهم وإين تُ ي‬
‫ص ْب ُك ْم َسيّئَةٌ يَ ِْ َر ُحوا يبَا﴾ هذه حقيقتهم‪،‬‬ ‫َْ ْ ََ ُ َْ‬
‫إذا نزل اخلري باملسلمني هؤالء يُضامون ويُصيبهم ما يُصيبهم‪ ،‬وإذا نزلت مصيبة‬
‫جتدهم يفرحون؛ إذا من عالمة إرادة الشر للمسلمني فر هؤالء سواء كان يهوديا أو‬
‫نصرانيا أو رافضيا أو حزبيا أو مرتدا‪ ،‬كل هؤالء يسوءهم أن ينزل هللا ¸ علينا شيئا‬
‫من بركاته وشيئا من اخلري الذي عنده‪ ،‬أما إذا نزلت علينا مصيبة جتدهم يفرحون‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪662‬‬

‫هبذه املصيبة اليت نزلت‪ ،‬إذا هذه عالمة أخرى من عالمات هؤالء حىت حتذر من أن‬
‫جتعلهم بطانة لا‪.‬‬

‫ما احلل؟‪ ،‬إذا كان هؤالء أصحاب خربات وبإمكاننا أن نستفيد منهم لكن أمر‬
‫قربوهم؟‪ ،‬ماذا نفعل إذا؟‬
‫هللا ¸ ال تُ ّ‬
‫ط﴾‪ ..‬إذا‬ ‫ضُّرُكم َكي ُد ُهم َشيئا ۚ إِن اَللَ ِ َا يَـع َملُو َن ُِحمي ٌ‬
‫﴿ َوإِن تَصِربُوا َوتَـتـ ُقوا َال يَ ُ‬
‫أبعدت هؤالء عليا أن تصرب‪ ،‬إذا مل جتد من يقوم بعمله عليا أن تصرب‪ ،‬ألن هللا‬
‫هيء لا من هو أصلح منه‪ ،‬وعليا أن تتقي هللا ¸‪ ،‬تقوى هللا تبار‬ ‫¸ سيُ ّ‬
‫ين َآمنُوا َال تَـت ِخ ُذوا بِطَانَة‬ ‫ِ‬
‫وتعاىل‪ّ :‬أال ُختالف األمر الذي أصده إليا‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ِّمن ُدونِ ُكم﴾‪ ..‬هذا هو أمر هللا ¸‪ ،‬فمن تقوى هللا تبار وتعاىل أن تلتزم هبذا األمر‬
‫وال ُختالف أمر هللا تبار وتعاىل وتأيت بنصراو أو رافضي أو حزيب‪ ،‬وجتعله بطانة‬
‫لا‪ ..‬إذا تقوى هللا ¸ هنا‪ :‬أن تلتزم بأمر هللا تبار وتعاىل‪ .‬فإذا صربت وبعد ذلا‬
‫ضُّرُكم َكي ُد ُهم َشيئا﴾‪ ..‬كل هذه اخلطط‬
‫﴿ال يَ ُ‬
‫اتقيت هللا تبار وتعاىل والتزمت بأمره؛ َ‬
‫اليت سيدبروهنا بعيدا عنا‪ ،‬تك ّفل هللا ¸ بدفع ضررهم عنا‪.‬‬

‫وشر‬
‫وشر النصارى ّ‬ ‫شر الرافضة ّ‬ ‫نكف هبا عنّا ّ‬ ‫إذا إحدى الوسائل الشرعيّة اليت ّ‬
‫اليهود‪ّ :‬أال جتعلهم بطانة؛ ألنا إذا أبعدهتم مث ف ّكروا يف أذيّتا‪ ،‬هللا تبار وتعاىل‬
‫ضُّرُكم َكي ُد ُهم َشيئا﴾‪ ..‬هذه اخلطط وهذه التدابري اليت يضعوهنا بعيدا‬ ‫قال‪َ﴿ :‬ال يَ ُ‬
‫ط﴾‪.‬‬ ‫تضركم بإذن هللا تعاىل‪﴿ ..‬إِن اَللَ ِ َا يَـع َملُو َن ُِحمي ٌ‬
‫عنكم ما ّ‬
‫قربا‬ ‫ٍ‬ ‫إذا هذه هي احلقائق اليت ذكرها هللا ¸ عن كل ٍ‬
‫رجل غري مسلم يكون ُم ّ‬
‫من أو األمر أو ممن يتسلّم شيئا من املسؤوليّات‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪663‬‬

‫ول‪ :‬ال ُيوز االستعانة باليهود وال بالنصارى وال باملشركني يف‬ ‫إ ًذا أَ ْريج ُع فَأَقُ ُ‬
‫قرب أحدا من هؤالء بطانة له‪ ،‬واألدلة ما ذكرته‬ ‫ٍ‬
‫القتال بذواهتم‪ ،‬وال ُيوز ملسلم أن يُ ّ‬
‫وكذلا ما قاله العلماء ‪ †-‬رحة واسعة‪ ،-‬وكما قيل لعمر‪ :‬قيل إن يف املدينة‬
‫نصرانيا حاذقا يف الكتابة‪ ،‬لو اختذته كاتبا لا‪ ،‬قال‪ :‬قد اختذت إذا بطانة من دون‬
‫قربون وال يُوَكل إليهم حىت من‬
‫املؤمنني‪ ،‬استشهد هبذه اآلية على أن أمثال هؤالء ال يُ ّ‬
‫اإلداريّات ما يُسلّمون هؤالء شيئا‪ ،‬يعين ما يكون لديه موظف يف أي دائرة من دوائر‬
‫املسلمني وال يتسلم مسؤولية من املسؤوليات ألن هذه رفعة هلم وقد أمرنا هللا ¸ أن‬
‫نضعهم‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪664‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ َّ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس الر ِابع و‬
‫﴿و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ب َما َأ َنز َل َّ ُ‬
‫اَّلل َف ُأ ْو َلئ َك ُهمُ‬ ‫َق ْو ُل ُه ُس ْب َح َان ُه‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ َّ ٌ ْ َ َّ ٌ‬
‫الكا ِفرون﴾ هل اآلية خاصة أم عامة‬
‫السالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا‬
‫الصالة و ّ‬
‫بسم هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬و ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪،‬‬‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫أعنا على اتِّ ِ‬
‫وِ‬
‫يوم‬ ‫ِ‬ ‫وانفعنا ا علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر‬
‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫رب اشر‬ ‫نَـل َقا ‪ ،‬وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي صاحلا‪ ،‬ولوجها‬ ‫أمري‪ ،‬واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫خالصا وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪.‬‬

‫َنزَل‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫نتناول اليوم إن شاء هللا تعاىل‪ :‬قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ [املائدة‪ ،]44:‬واآلية اليت بعدها واآلية اليت بعدها‪ ،‬فما‬
‫اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫تفسري هذه اآلية؟‪ ،‬وما أقوال علماء أهل السنة واجلماعة يف هذه اآلية؟‪ ،‬وما أقوال‬
‫أدعياء السلفيّة (جهميّة العصر) يف هذه اآلية؟‪ ،‬وأين الصواب يف ذلا؟‬

‫فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬اعلم أن الكفر يف اإلسالم كفران‪ :‬كفر أكرب ُمرج من‬
‫امللة‪ ،‬وكفر أصغر غري ُمرج من امللة‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل ذكر هذا النوع من الكفر يف‬
‫القرآن‪ ،‬وذكر هذا النوع أيضا من الكفر يف القرآن‪.‬‬

‫ومن الكفر األكرب‪ :‬قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬قُل يَا أَيـُّ َها ال َكافُِرو َن ۝ َال أَعبُ ُد َما‬
‫تَـعبُ ُدو َن﴾ [الكافرون‪ .]2-1:‬هذا يقينا من الكفر األكرب‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪665‬‬

‫أما الكفر األصغر‪ :‬فكما يف قوله تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَـلَما َرآهُ ُمستَ ِقًّرا ِع َ‬
‫ندهُ قَ َال‬
‫َٰه َذا ِمن فَض ِل َرِّيب لِيَبـلَُوِو أَأَش ُك ُر أَم أَك ُف ُر﴾ [النمل‪ ،]40:‬قول سليمان ‪-‬على رسولنا‬
‫وعليه الصالة والسالم‪-‬يقينا هذا النوع من الكفر يسمى كفر النعمة‪ ،‬وهو كفر أصغر‬
‫وليس بالكفر األكرب‪.‬‬

‫كذلا الظلم منه ما يكون ظلما أكرب ومنه ما يكون ظلما أصغر‪ ،‬يقول هللا‬
‫يم﴾‬ ‫ِ‬ ‫﴿وال َكافُِرو َن ُه ُم الظالِ ُمو َن﴾ [البقرة‪﴿ ،]254:‬إِن ِّ‬
‫الشرَ لَظُل ٌم َعظ ٌ‬ ‫تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫[لقمان‪ ،]13:‬وهذه آيات تُثبت أن الظلم هنا ظلم أكرب‪ ،‬وهنا آيات تُثبت أن‬
‫هنا ظلم دون ذلا‪.‬‬

‫وكذلا الفسق منه ما هو أكرب ومنه ما هو أصغر‪ ،‬واآليات يف ذلا موجودة‬


‫يف كتاب هللا تبار تعاىل‪ ،‬أنا حسيب من املوضوع إثبات الكفر األكرب والكفر‬
‫األصغر‪.‬‬

‫إذا علمت هذا األمر‪ ،‬احلقيقة الثانية اليت ُيب أن يُدركها املسلم‪ :‬أن كلمة‬
‫فاملعين هبذه الكلمة هو الكفر‬ ‫ٍ‬
‫صارف؛‬ ‫الكفر إذا أُطلِ َقت من غري ٍ‬
‫قيد أو من غري‬
‫ّ‬
‫املـُخرج من امللة‪ ،‬فإذا جاءت كلمة الكفر يف آية أو يف حديث‪ ،‬األصل يف هذه‬
‫الكلمة ويف استخدامها أن املعين هبذه الكلمة الكفر املـُخرج من امللة‪ ،‬إال إذا جاءت‬
‫قرينة صرفت معىن اآلية من الكفر األكرب إىل الكفر األصغر عند ذا بسبب القرينة‬
‫نقول‪ :‬أن الكفر املذكور يف هذه اآلية كفر أصغر أو أن الكفر املذكور يف هذا‬
‫احلديث كفر أصغر‪ ،‬هذه احلقيقة ينبغي لكل مسلم أن يُدركها‪.‬‬

‫دليل ذلا‪ :‬أن كلمة الكفر إذا أُطلقت العرب يفهمون من هذه الكلمة أن‬
‫حديث رواه البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬عن عبدهللا بن‬
‫ٌ‬ ‫املعين اخلروج من امللّة‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪666‬‬

‫عباس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬أُريِ ُ‬


‫ت النار فإذا أكثر أهلها‬
‫النساء يَك ُفرن‪ ،‬قيل‪ :‬أيكفر َن باهلل؟‪ ،‬قال‪ :‬يكفرن العشري ويكفرن اإلحسان‪.)..‬‬

‫موطن الشاهد يف هذا احلديث‪ :‬أن الرسول ‘ عندما أخرب الصحابة بأن هللا‬
‫تبار وتعاىل أراه النار ورأى أن أكثر أهلها النساء‪ ،‬الصحابة سألوه‪ :‬ملاذا أكثر أهل‬
‫النار النساء؟‪ ،‬الرسول ‘ أجاب بكلمة‪ ،‬قال‪ :‬يكفرن‪ ،‬الصحابة فهموا مباشرة أن‬
‫كلمة الكفر هنا املقصود هبا‪ :‬اخلروج من امللة؛ وهلذا قالوا‪ :‬أيكفرن باهلل؟‪ ،‬الرسول‬
‫‘ قال‪ :‬يكفرن العشري ويكفرن اإلحسان‪ ،‬أي يكفرن فضل الزوج ويكفرن أيضا ما‬
‫يُق ّدمه الزوج هلن‪.‬‬

‫املعين‬
‫إذا هذا دليل على أن كلمة الكفر إذا أُطلقت يف آية أو يف حديث فإن ّ‬
‫هبا اخلروج من امللة‪ ،‬إال إذا جاءت قرينة صرفت‪ ،‬القرينة الصارفة يف هذا احلديث‬
‫"يكفرن" هو قول رسول هللا ‘‪( :‬يكفرن العشري ويكفرن اإلحسان)‪ ،‬إذا القرينة‬
‫املعين بالكفر هنا ليس الكفر األكرب‬
‫الصارفة هنا حديث رسول هللا ‘ وقوله أن ّ‬
‫املخرج من امللة‪ ،‬بل هو الكفر األصغر‪.‬‬

‫وحسنه‬ ‫ا‪ :‬احلديث الذي رواه اإلمام أحد ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َك َذل َ‬
‫وق‪َ ،‬وقِتَالُهُ ُكفر)‪ ،‬إذا مل‬
‫اب املسلِ ِم فُ ُس ٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬‫األرناؤوط‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪ِ ( :‬سب‬
‫ُ‬
‫جند قرينة تصرف كلمة الكفر من معناها احلقيقي‪ ،‬نقول املسلمون إذا تقاتلوا فيما‬
‫بينهم فهذا كفر ُمرج من امللة‪ ،‬أما إذا وجدنا قرينة صارفة عند ذلا نقول املعين‬
‫بالكفر يف هذا احلديث ليس الكفر األكرب املخرج من امللة‪ ،‬وإمنا هو كفر أصغر غري‬
‫ُ‬
‫ُمرج من امللة‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪667‬‬

‫عندما حبث العلماء عن القرينة هلذا الكفر هل هو كفر أكرب أم أصغر‪ ،‬وجدوا‬
‫ني اقـتَتَـلُوا فَأَصلِ ُحوا بَـيـنَـ ُه َما ۚ فَِإن‬‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫﴿وإِن طَائ َفتَان م َن ال ُمؤمن َ‬
‫قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫اُهَا َعلَى األُخَر ٰى فَـ َقاتِلُوا ال ِيت تَـبغِي﴾ [احلجرات‪ ،]9:‬إذا مسى هللا ¸‬ ‫بَـغَت إِح َد ُ‬
‫هاتني الفئتني (مؤمنتني)‪ ،‬هذا مؤمن وهذا مؤمن أيضا ويتقاتلون فيما بينهم‪ ..‬إذا‬
‫القتال بني املسلمني ليس عمال ُُمرجا من امللة‪ ،‬وإن قال الرسول ‘‪ :‬وقتال املسلم‬
‫كفر‪.‬‬

‫إذًا أَ ْر َج ُع َوأُؤكي ُد َوأَقُ ُ‬


‫ول‪ :‬إن كلمة الكفر إذا جاءت يف آية أو يف حديث‪ ،‬فإن‬
‫معىن هذه الكلمة‪ :‬الكفر أكرب‪ ،‬إال إذا وجدنا قرينة صارفة‪ ،‬عند ذلا نقول‪ :‬املعين‬
‫بالكفر هنا الكفر األصغر وليس الكفر األكرب‪.‬‬

‫وكذلا إذا حبثت عن باقي يأحاديث رسول هللا‪ ،‬ستجد ما من كفر إال إذا‬
‫وجدوا قرينة صرفوها‪ ،‬ما وجدوا قرينة قالوا هذا الكفر األكرب املخرج من امللّة‪ ،‬هذه‬
‫احلقيقة الثانية اليت ينبغي للمسلم أن يدركها‪.‬‬

‫نأيت إىل تفاصيل هذه اآليات‪:‬‬


‫َ‬ ‫ََ ُُ َ‬
‫ات‪:‬‬‫َما سب ُب نزو ِل ه ِذ ِه اآلي ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ َ‬
‫اَّلل فأ ْول ِئ َك ُه ُم الكا ِف ُرو َن﴾‬ ‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل‬
‫َ ُ َ َ ُ ُ ْ َ ُ نَ‬ ‫َ ُ َ َ ُ ُ َّ ُ نَ‬
‫اسقو ﴾؟‬ ‫﴿‪...‬فأول ِئك هم الظ ِاِلو ﴾ و﴿‪ ...‬فأول ِئك هم الف ِ‬
‫ألننا قلنا سابقا أن معرفة سبب نزول اآلية يُعني على فهم اآلية‪ ..‬يف سبب نزول‬
‫هذه اآلية هنا رواية ذكرها اإلمام مسلم ‪ -¬-‬يف صحيحه عن الرباء بن عازب‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪668‬‬

‫‪ ¢-‬وأرضاه‪ ،-‬وسبب النزول كما قال الرباء‪ :‬أن اليهود زَّن فيهم اثنان (يهودي‬
‫بيهودية)‪ ،‬فتحاكموا إىل رسول هللا ‘‪ ،‬وقالوا‪ :‬ائتوا ُحممدا‪ ،‬فإن أمركم بالتحميم‬
‫واجللد فخذوه‪ ،‬وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا‪ ..‬ورفعوا األمر إىل رسول هللا ‘ وحكم‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫ا‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫عليهما بأهنما يُرمجان‪ ،‬فأنزل هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ،‬هذا السبب ذكره اإلمام مسلم ‪ -¬-‬عن الرباء بن عازب‪.‬‬

‫أما السبب الثاو‪ :‬ذكره اإلمام أحد ‪ -¬-‬عن عبدهللا بن عباس ‪ ¢-‬وعن‬
‫أبيه‪ -‬وجعل سبب النزول يف مسألة الفدية بني بين قريظة وبني بين النضري‪ ،‬النضري‬
‫كان إذا قتل رجال من قريظة النضري كان يدفع الدية‪ ،‬أما القرظي إذا قتل رجال من‬
‫دسوا إىل‬
‫بين النضري كان يدفع أو يُقتل‪ ،‬إذا أحدهم يُقتل واآلخر يدفع الدية‪ ،‬فقالوا‪ّ :‬‬
‫حممد من خيرب لكم رأيه‪ ،‬فكلّفوا أحد املنافقني أن يسأل رسول هللا ‘ أن هؤالء‬
‫هكذا يتعاملون‪ ،‬اذا حنكم بينهم؟‪ ،‬أو كيف يكون احلكم بينهم؟ ‪-‬أنقل الرواية‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫باملعىن وليس بالنص‪ -‬فأنزل هللا ¸‪َ :‬‬
‫ال َكافُِرو َن﴾‪.‬‬

‫ولكن عند التحقيق وعندما ُمتعن النظر يف السبب الذي ذكره اإلمام أحد‬
‫يتبني لا أن الصواب يف رواية اإلمام مسلم‪،‬‬ ‫والسبب الذي ذكره اإلمام مسلم‪ّ ،‬‬
‫ملاذا؟؛ ألن يف رواية اإلمام مسلم أهنم حتاكموا إىل رسول هللا ‘‪ ،‬والرسول ‘‬
‫حكم بينهم‪ ،‬أما يف رواية اإلمام أحد ال‪ ،‬مل يتحاكموا‪ ،‬وإمنا أرسلوا رجال ليعرف ما‬
‫رأي رسول هللا ‘ يف مسألة يدفعون دية ّوال ال يدفعون دية‪ ،‬إذا يف رواية اإلمام‬
‫أحد ال يوجد شيء امسه حتاكم‪ ،‬وإمنا هو استطالع رأي‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪669‬‬

‫ضعف قول من يقول أن‬ ‫وجدت بعد ذلا ابن العريب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قد ّ‬
‫سبب نزول هذه اآلية املفاداة والدية أو بسبب القصاص‪ ،‬هذا ابن العريب ‪-¬-‬‬
‫ُ‬
‫ضعف هذه الرواية يف كوهنا سببا يف نزول اآلية‪ ،‬مث وجدت ابن كثري ‪ ¬-‬رحة‬ ‫ّ‬
‫واسعة‪ -‬بعد أن ذكر‪ ،‬قال‪ :‬والصحيح أن هذه اآلية نزلت يف الزانيني من اليهود؛ إذا‬
‫الصواب‪ :‬ما ذكره الرباء عند اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬وهذا الكالم‬
‫سنستفيد منه عندما نتكلم يف باقي املسائل املتعلقة باآلية‪.‬‬
‫اآلن َن ْأتي إلى َم ْس َأ َلة َراب َعة َوهي‪َ :‬م ْن اِلَ ْعني ب َهذه َ‬
‫اآلي ِة؟‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫هللا ¸ عندما قال‪َ :‬‬
‫اس ُقو َن﴾ [املائدة‪..]47:‬‬ ‫[املائدة‪ ،]44:‬و﴿‪ ...‬الظالِمو َن﴾ [املائدة‪ ،]45:‬و﴿‪ ...‬ال َف ِ‬
‫ُ‬
‫من املعين هبذه اآليات؟‬

‫يف البحث عن أقوال العلماء منذ عصر الصحابة إىل عصر املفسرين‪ ،‬جند أن‬
‫األقوال ُمتباينة واألقوال ُُمتلفة‪ ،‬وكل عا ٍمل وكل صحايب قال يف اآلية ما ظهر له من‬
‫صيب وبني ُُمط ٍئ‪ ،‬ومن أصاب فله أجران ومن أخطأ‬‫احلق‪ ،‬وهم كما تعلم بني ُم ٍ‬
‫منهم فله أجر االجتهاد‪ ،‬أَ َّما َ‬
‫اآلراءُ‪:‬‬

‫عامة‪ ،‬تشمل املسلمني‬‫َّأوًال‪ :‬من الصحابة والعلماء من قالوا‪ :‬أن هذه اآلية ّ‬
‫وتشمل غري املسلمني‪ ،‬وهذا قول عبدهللا بن مسعود ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وقول احلسن‬
‫عي‪ ،‬وأنقل لا بعض املعلومات حىت أُوثّق من أين جئنا‬
‫البصري وقول إبراهيم النّ َخ ّ‬
‫هبذه األقوال‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪670‬‬

‫عي ‪ -‬رحهما هللا‪-‬‬‫ُّخ ّ‬


‫بالنسبة إىل قول ابن مسعود واحلسن البصري وإبراهيم الن َ‬
‫قالوا‪" :‬هي عا ّمةٌ‪ ..‬يعين فيمن مل حيكم ا أنزل هللا‪ ".‬هذا الكالم نقله ابن العريب ‪-‬‬
‫¬‪ -‬يف تفسريه‪.‬‬

‫عامةٌ‪ ..‬يعين فيمن مل حيكم ا‬


‫وزاد القرطيب ‪-‬أي بعد أن نقل هذا القول‪" -‬هي ّ‬
‫أنزل هللا" قال‪" :‬من املسلمني واليهود والكفار‪ ".‬هذا قول احلسن البصري وقول‬
‫عي ‪ -‬رحهما هللا‪ -‬بنقل اإلمام ابن العريب‪.‬‬
‫إبراهيم النّ َخ ّ‬
‫عي‪ -‬نقله النيسابوري يف‬
‫وهنا قول آخر هلما ‪-‬للحسن البصري وإبراهيم النّ َخ ّ‬
‫تفسريه وكذلا ذكره ابن العريب ‪ -¬-‬يف تفسريه‪ ،‬ماذا قاال؟‪ ،‬قاال‪" :‬نزلت يف بين‬
‫إسرائيل‪ ،‬ورضي هلذه األمة هبا؛ فهي على الناس واجبة"‪.‬‬

‫هنا قول آخر أيضا يقول بأن اآلية عامة‪ ،‬وهو البن حجر ‪ ¬-‬رحة‬
‫واسعة‪ -‬قال يف [الفتح]‪" :‬إن اآليات وإن كان سببها أهل الكتاب‪ ،‬لكن عمومها‬
‫عامة وليست خاصة بأحد‪.‬‬
‫يتناول غريهم‪ ".‬إذا ابن حجر أيضا يرى أن اآلية ّ‬
‫(من) من صيغ‬ ‫كذلا اإلمام الشوكاو ‪ -¬-‬يف تفسريه يقول‪" :‬لفظ َ‬
‫تص بطائفة معينة‪ ،‬بل بكل َمن و احلكم‪ ".‬وقوله‬ ‫العموم‪ ،‬فيفيد أن هذا غري ُُم ٍ‬
‫عامة يف املسلمني ويف غري املسلمني‪.‬‬
‫واضح على أن أنه يرى أن اآلية ّ‬
‫خاصة‬
‫ّ‬ ‫الرازي يف تفسريه عندما ذكر أن بعض العلماء قالوا اآلية‬ ‫وكذلا ّ‬
‫باليهود‪ ،‬قال‪" :‬وهذا القول ضعيف‪ ".‬مث ّبرر ملاذا القول ضعيف عندما تقول اآلية‬
‫خاصة باليهود‪ ..‬قال‪" :‬ألن العربة بعموم اللفظ‪ ،‬ال خبصوص السبب‪".‬‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪671‬‬

‫إ ًذا اآلن هؤالء العلماء الذين قالوا أن اآلية ّ‬


‫عامة‪ ،‬أي أن حكم هذه اآلية‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ يشمل املسلمني ويشمل غري‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬ ‫َ‬
‫املسلمني‪َ ،‬ه َذا ال َق ْو ُل األَ َّو ُل‪.‬‬
‫ِ‬
‫أَ َّما ال َق ْو ُل الثَّ ياين‪ :‬وهو قول ُحذيفة ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما ُسئل عن َ‬
‫﴿وَمن َمل‬
‫َنزَل اَللُ‪ ﴾...‬املعين هبذه اآلية بنو إسرئيل؟‪ ،‬قال‪" :‬نِعم اإلخوة لكم بنو‬ ‫ِ‬
‫َحي ُكم َا أ َ‬
‫كال وهللا‪ ،‬لَتَسلُ ُكن طريقهم قد‬
‫إسرائيل إن كانت هلم كل ُمرة‪ ،‬ولكم كل حلوة! ّ‬
‫الشّرا ‪ ".‬إذا ُحذيفة ماذا يرى؟‪ ،‬يرى أن اآلية صحيح نزلت يف بين إسرائيل‪ ،‬لكن‬ ‫ِّ‬
‫هذه اآلية تشمل املسلمني أيضا‪ ،‬قال إذا كانت اآلية يف اليهود‪ ،‬إذا كل مصيبة‬
‫تتحملون من معاو هذه اآلية ومن أحكام هذه اآلية!‪ ،‬إذا‬
‫يتحملوهنا وأنتم ال ّ‬ ‫اليهود ّ‬
‫نعم اإلخوة لكم هم اليهود!‬

‫هذا القول نقله اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬يف تفسريه وكذلا نقله ابن أيب حامت ‪-‬‬
‫¬‪ -‬أيضا يف تفسريه‪ ..‬هذا القول الثاو يف اآلية‪ ،‬إذا حلد اآلن املسلمون داخلون‬
‫يف حكم اآلية‪.‬‬

‫ث‪ :‬وهو قول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف‬ ‫نَأْيِت إل ال َقويل الثَّالي ي‬
‫ْ‬
‫خاصة باليهود‪ ،‬وحكم أن نوع الكفر هنا كفر‬ ‫تفسريه‪ ،‬فاإلمام الطربي جعل اآلية ّ‬
‫جحود‪ ،‬قال‪" :‬إن اليهود كانوا جاحدين حلكم هللا يف كتاهبم [مث سأل نفسه] فإن قال‬
‫قائل‪ :‬فإن هللا تعاىل ذكره قد عم باخلرب بذلا عن مجيع من مل حيكم ا أنـزل هللا‪،‬‬
‫خاصا؟ قيل‪ :‬إن هللا تعاىل عم باخلرب بذلا عن ٍ‬
‫قوم كانوا حبكم هللا‬ ‫فكيف جعلته ًّ‬
‫َ‬
‫احلكم‪ ،‬على سبيل ما‬
‫َ‬ ‫الذي حكم به يف كتابه جاحدين‪ ،‬فأخرب عنهم أهنم برتكهم‬
‫القول يف كل من مل حيكم ا أنـزل هللا جاحدا به‪ ،‬هو باهلل‬
‫تركوه‪ ،‬كافرون‪ .‬وكذلا ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪672‬‬

‫القول يف كل من مل حيكم ا أنـزل هللا جاحدا به‪ ،‬هو‬


‫كافر [بعد ذلا قال] وكذلا ُ‬
‫باهلل كافر"‪.‬‬

‫خيص‬
‫إذا الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬علّق حكم الكفر باجلحود‪ ،‬ولكن مل ّ‬
‫قوما دون قوم‪ ،‬قال‪ :‬اليهود ك ّفرهم هللا ¸ هبذه اآلية ألهنم جحدوا حكم هللا الثابت‬
‫يف كتاهبم (التوراة)‪ ،‬مث بعد ذلا ما ألغى عموم اآلية‪ ،‬قال‪ :‬وكذلا القول يف كل من‬
‫مل حيكم ا أنزل هللا إن كان جاحدا‪ ،‬إذا املسلمون أيضا بناء على قول اإلمام‬
‫الطربي يدخلون يف اآلية إذا جحدوا حكما من أحكام هللا ¸‪ .‬هذا القول الثالث‬
‫يف اآلية‪.‬‬

‫الرابي ُع‪ :‬قالوا‪ :‬إن هذه اآلية ّ‬


‫خاصة‪ ،‬ولكنهم اختلفوا من املعين هبذه‬ ‫أَ َّما ال َق ْو ُل َّ‬
‫اآلية إىل أقوال‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬اإلمام الشعيب وطاووس ‪ -‬رحهما هللا‪ -‬كما ينقل الشنقيطي يف تفسريه‬
‫خاصة يف املسلمني‪.‬‬
‫[أضواء البيان] قال عن الشعيب وطاووس‪ :‬هذه اآلية ّ‬
‫أما ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ :-‬فقد نقل الشوكاو يف [فتح القدير] أنه قال‪ :‬أن‬
‫خاصة باليهود‪.‬‬
‫هذه اآلية ّ‬
‫الضحا ‪ ،‬قاال‪ :‬نزلت هذه اآليات‬
‫اإلمام البغوي ‪ -¬-‬نقل عن قتادة و ّ‬
‫الثالث يف اليهود دون من أساء من هذه األمة‪.‬‬

‫إذا هذا قول الضحا وقول قتادة وقول ابن عباس وقول الشعيب وقول طاووس‪.‬‬

‫النحاس أيضا قال‪ :‬هذه‬


‫النحاس أيضا كما ينقل عنه اإلمام القرطيب‪ّ ،‬‬ ‫وهو قول ّ‬
‫اآلية خاصة باليهود‪ ،‬وذكر ثالثة أدلة على أن اآلية خاصة باليهود‪:‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪673‬‬

‫النحاس ‪ :-¬-‬قال‪ :‬ألن اآلية قبل ﴿فَأُولَئِ َ‬


‫ا ُه ُم‬ ‫الدليل األول عند ّ‬
‫ال َكافُِرو َن﴾ قال‪ :‬اآلية اليت قبلها يف اليهود‪ ،‬واآلية اليت بعدها أيضا يف اليهود‪ ..‬هذين‬
‫دليلني‪ ،‬والدليل الثالث‪ :‬قال‪ :‬ألن اليهود هم الذين كانوا سبب نزول هذه اآلية‪.‬‬

‫النحاس ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬هذه اآلية خاصة‬


‫إذا هلذه األسباب الثالثة جعل ّ‬
‫باليهود‪.‬‬

‫إذًا أصبح ّ‬
‫لدي اآلن‪ :‬من العلماء من قالوا أهنا خاصة باملسلمني‪ ،‬من العلماء‬
‫من قال أن هذه اآلية خاصة باليهود‪ ،‬من العلماء من قال أن هذه اآلية خاصة بأهل‬
‫للضحا وقول عكرمة ‪ -‬رحهما هللا تعاىل رحة واسعة‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫الكتاب‪ ،‬وهذا قول آخر‬
‫كما نقل الطربي ‪ -¬-‬عنهما‪ ،‬قاال‪ :‬نزلت هذه اآليات يف أهل الكتاب‪ ،‬مث زاد‬
‫عكرمة‪ :‬قال‪ :‬لِ َما تركوا من كتاب هللا‪.‬‬

‫لدي اآلن خصوصية ثالثة أن هذه اآلية يف أهل الكتاب وهو‬ ‫إذا أصبح ّ‬
‫الضحا وقول عكرمة‪ ،‬وكذلا هو قول ابن عبدالرب ¬ يف كتابه [االستذكار] قال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫هذه اآلية خاصة بأهل الكتاب‪ .‬هذا ثالثا بالنسبة إىل اخلصوصية‪..‬‬

‫أَما القول الرابع من القائلني أن اآلية خاصة‪ :‬هو قول الرباء ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬كما‬
‫عند اإلمام مسلم‪ ،‬فقد قال الرباء‪ :‬أن هذه اآلية خاصة بالكفار‪.‬‬

‫وهو كذلا قول أيب صاحل‪ ،‬قال‪ :‬ليس يف أهل اإلسالم منها شيء‪ ،‬هي يف‬
‫الكفار‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪674‬‬

‫إ ًذا أُخلّص املسألة‪:‬‬

‫عامة وأن املسلمني يدخلون فيها‪ ،‬قول بعض العلماء‪.‬‬


‫‪-‬أهنا ّ‬
‫‪-‬أهنا يف بين إسرائيل لكنها تشمل املسلمني أيضا‪ ،‬قول ُحذيفة‪.‬‬

‫‪-‬أهنا فيمن ُيحد شيئا من أحكام هللا ¸‪ ،‬هذا قول الطربي واملسلمون‬
‫يدخلون أيضا بناء على قوله هذا‪.‬‬

‫املعين باخلصوص من هذه اآلية‪،‬‬


‫‪-‬القول الرابع‪ :‬أهنا خاصة‪ ،‬وهؤالء اختلفوا يف ّ‬
‫فمنهم من قال‪ :‬املسلمون هم املعنيّون‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬اليهود هم املعنيّون‪ ،‬ومنهم‬
‫من قال‪ :‬أهل الكتاب هم املعنيّون‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬الكفار هم املعنيّون‪.‬‬

‫إذا ما اتفق أهل هذا القول على قول واحد‪ ،‬بل األقوال متباينة فيما بينهم‪ ،‬بل‬
‫العامل الواحد منهم له قوالن؛ أحيانا يقول يف املسلمني كاإلمام الشعيب ‪ -¬-‬مث‬
‫يرجع ويقول هي يف أهل الكتاب‪.‬‬
‫ي‬
‫س ِف اآليَية‪ :‬أن اآلية األوىل ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ يف املسلمني‪،‬‬ ‫ال َق ْو ُل اخلَام ُ‬
‫ِ‬
‫ا ُه ُم الظال ُمو َن﴾ يف اليهود‪ ،‬اآلية الثالثة ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫اآلية الثانية ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫اس ُقو َن﴾ قالوا‪ :‬هذه يف النصارى‪.‬‬ ‫ال َف ِ‬

‫الذي قال هبذا القول‪ :‬اإلمام الشعيب ‪ ،-¬-‬قال كما ينقل عنه الطربي يف‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ..‬قال‪ :‬هذا يف املسلمني‪.‬‬ ‫تفسريه‪ :‬سألوه عن ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫﴿الظالِمو َن﴾؟‪ ،‬قال‪ :‬هذا يف اليهود‪ .‬و﴿ال َف ِ‬
‫اس ُقو َن﴾؟ قال‪ :‬هذا يف النصارى‪ ،‬إذا‬ ‫ُ‬
‫تقسيم اآلية إىل ثالث فئات‪ :‬آية يف املسلمني‪ ،‬آية يف اليهود‪ ،‬وآية يف النصارى‪ ،‬هذا‬
‫قول اإلمام الشعيب ‪ -¬-‬كما نقل عنه اإلمام الطربي‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪675‬‬

‫وكذلا قول ابن العريب من املفسرين ‪ -¬-‬أن اآلية األوىل قال‪:‬‬


‫﴿ال َكافُِرو َن﴾ للمشركني‪ ،‬هكذا يف كتابه يف [املكتبة الشاملة] ويقينا هذا خطأ‬
‫﴿ال َكافُِرو َن﴾ للمشركني خطأ‪ ،‬بدليل‪ :‬أن اإلمام القرطيب ‪ -¬-‬عندما نقل قول‬
‫ابن العريب قال‪﴿ :‬ال َكافُِرو َن﴾ للمسلمني‪ ،‬إذا هنا خطأ مطبعي عند ابن العريب‪،‬‬
‫أرجع وأقول‪ :‬قول ابن العريب ‪ -¬-‬يف اآلية‪ :‬أن األوىل ﴿ال َكافُِرو َن﴾ للمسلمني‪..‬‬
‫﴿الظالِمو َن﴾ لليهود‪﴿ ..‬ال َف ِ‬
‫اس ُقو َن﴾ قال‪ :‬للنصارى‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مث ذكر قول من قال هبذا التقسيم‪- ،‬طبعا‪ -‬قال‪ :‬وبه أقول‪ ،‬ألنه ظاهر اآلية‪..‬‬
‫مث قال‪ :‬وهو قول ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وجابر بن زيد وابن أيب زائدة وابن‬
‫شربمة‪ ،‬هؤالء العلماء كلهم قالوا‪ :‬اآلية األوىل يف املسلمني‪ ،‬واآلية الثانية يف اليهود‬
‫واآلية الثالثة يف النصارى‪ ،‬وقال هبذا القول من املـُعاصرين‪ :‬اإلمام الشنقيطي ‪¬-‬‬
‫رحة واسعة‪.-‬‬

‫إ ًذا اآلراء ليست ُمتّفقة يف من املعين هبذه اآلية الكرمية‪ ،‬لكن إذا أردت أن‬
‫فسرين حىت‬
‫تُصنّف‪ :‬جتمع أقوال الصحابة‪ ،‬مث جتمع أقوال العلماء‪ ،‬مث جتمع أقوال املُ ّ‬
‫خصص‪ ،‬فأقول‪ :‬نأيت إىل جمموعة الصحابة‪،‬‬ ‫عمم ومن الذي ّ‬ ‫يتبني لا من الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫وهم أربعة‪:‬‬

‫عبدهللا بن مسعود‪ُ ،‬حذيفة بن اليمان‪ ،‬والرباء بن عازب وعبدهللا بن عباس ‪-‬‬


‫‪ €‬مجيعا‪ -‬هؤالء األربعة من الصحابة تكلموا يف هذه اآلية‪ ،‬اثنان منهم متفقون‬
‫عامة‪ُ ،‬حذيفة قال‪:‬‬
‫على أن اآلية يف املسلمني أيضا‪ ،‬عبدهللا بن مسعود قال‪ :‬هي ّ‬
‫قول البن عباس‪ :‬أن اآلية يف‬‫هي يف بين إسرائيل لكن تشمل املسلمني أيضا‪ٌ ..‬‬
‫املسلمني أيضا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪676‬‬

‫إذا أصبح قوالن‪ :‬صحابيان قالوا هبذا القول وهو قول لصحايب ثالث‪.‬‬

‫أما الرباء بن عازب ‪ :¢‬فله قول واحد فقط‪ ،‬ما نُِقل عنه قول آخر‪ ،‬قال‪ :‬هذه‬
‫اآلية يف الكفار‪.‬‬

‫لدي‪ :‬صحابيان متفقان على قول‪ ،‬وصحايب ثالث موافق معهم يف أن‬ ‫إذا اآلن ّ‬
‫املسلمني يدخلون يف اآلية‪ ،‬أما الصحايب الوحيد الذي ال يرى الدخول‪ :‬فهو الرباء‬
‫بن عازب ‪ ¢-‬وأرضاه‪.-‬‬

‫إذا يج ْئ نَا إل العُلَ َم ياء بَ ْع َد َّ‬


‫الص َحابَية‪:‬‬

‫العلماء الذين قالوا أن املسلمني يدخلون يف اآلية‪ :‬احلسن البصري‪ ،‬إبراهيم‬


‫النخعي‪ ،‬طاووس‪ ،‬جابر بن زيد‪ ،‬ابن أيب زائدة‪ ،‬ابن شربمة‪ ،‬الشعيب يف ٍ‬
‫قول له‪ ،‬وابن‬
‫عامة‪.‬‬
‫حجر أيضا قال‪ :‬اآلية ّ‬
‫أَ َّما ال ُم َِ يس ُرو َن‪:‬‬

‫فقد قال ابن العريب ‪ ،-¬-‬وقال الطربي يف اجلاحد ‪-‬أي املسلمون يدخلون‬
‫أيضا‪ ،-‬والشوكاو والرازي والشنقيطي‪ ،‬هؤالء املفسرون أدخلوا املسلمني يف حكم‬
‫اآلية‪.‬‬

‫الضحا يف‬
‫أما من قال أن اآلية ال تشمل املسلمني‪ :‬فهو ابن جملس‪ ،‬وقتادة‪ ،‬و ّ‬
‫النحاس‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وأبو صاحل‪ ،‬وابن عبدالرب‪ ،‬واإلمام القرطيب ‪ †-‬تعاىل‬ ‫ٍ‬
‫قول له‪ ،‬و ّ‬
‫رحة واسعة‪.-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪677‬‬

‫يتبني‬
‫إذا من أراد أن يتح ّدث هبذه اآلية‪ ،‬بناء على هذه األقوال ما ينبغي له أن ّ‬
‫قوال لصحايب أو لعا ٍمل أو ملفسر‪ ،‬مث يعترب باقي األقوال كلها خاطئة‪ ،‬بل أساسا ال‬
‫يذكر أقوال اآلخرين‪ ..‬هذا ليس من العلم يف شيء‪ ،‬وإمنا العلم أن تذكر كل هذه‬
‫األقوال‪ ،‬مث إذا أعانا هللا ¸ ووجدت الدليل على الراجح من القول‪ ،‬أو وجدت‬
‫الدليل على خطأ بعض األقوال؛ فهذا هو املطلوب من املسلمني‪ ،‬ألن القاعدة عند‬
‫أهل السنة واجلماعة تقول‪ :‬أهل احلق يقولون ما هلم وما عليهم‪ ،‬أما أهل الباطل فال‬
‫يقولون إال ما هلم‪ ،‬فقط الذي له يذكره‪.‬‬

‫وهلذا وجدنا من جهميّة العصر ‪-‬سابقا كنت أُمسيهم ُمرجئة لكنين أع ّدل قو‬
‫اآلن وأقول‪ :‬هؤالء جهميّون‪ -‬جهمية العصر‪ ،‬أدعياء السلفيّة هؤالء تشبّثوا لقول‬
‫بعض العلماء‪ ،‬وألغوا أقوال اآلخرين‪ ،‬فعندما ُحتاججه هبذه اآلية‪ ،‬يقول‪ :‬لا اآلية يف‬
‫اليهود‪ ،‬واآلية يف أهل الكتاب‪ ،‬وقال فالن وقال فالن‪ ..‬مث يُسدل الستار على أقوال‬
‫الصحابة الذين قالوا أن اآلية تشمل املسلمني‪ ،‬ويُسدل الستار على ذلا العدد‬
‫الكبري من العلماء الذين قالوا أن املسلمني يدخلون يف حكم اآلية‪ ،‬مث يُلغي أقوال‬
‫املفسرين‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن هؤالء أصحاب أهواء‪ ،‬وأصحاب األهواء دائما ال يتبنّون من‬
‫اآلراء إال ما يوافق مذهبهم وما يوافق أهواءهم‪ ،‬وهذا ما ينبغي للمسلم أن يُدركه من‬
‫هذه اآلية‪ ،‬ونأيت اآلن إىل املسألة اخلامسة‪:‬‬
‫َْ‬ ‫ِلَ َاذا َه َذا َّ‬
‫الت َب ُاي ُن في األقو ِال؟‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لِ َما َذا َه َذا التبَايُ ُن يف األَقـ َو ِال؟‪ ،‬آية واحدة‪ ،‬ملاذا اختلف الصحابة واختلف‬
‫املعين هبذه اآلية؟‬
‫العلماء واختلف املفسرون يف حتديد ّ‬
‫ود إل ثَلثَة‪:‬‬ ‫سبب اال ْختي ي‬
‫لف يَعُ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪678‬‬

‫ب األَ َّو ُل‪ :‬أن العلماء ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪-‬اختلفوا يف فهم كلمة (من)‬ ‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ..‬كلمة (من) هنا‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫يف اآلية‪َ ..‬‬
‫اختلفوا يف فهمها‪ ،‬ألن (من) هنا تأيت شرطيّة جزائيّة‪- ،‬وسبق أن تكلمنا عن أدوات‬
‫الشرط‪ ،‬تأتيا أداة شرط‪ ،‬بعد األداة فعل الشرط‪ ،‬مث بعد ذلا اجلواب املرتتب على‬
‫فعل الشرط‪ -‬فمن العلماء من قالوا أن‪( :‬من) هنا شرطية جازمة‪ ،‬إال أن بعضهم‬
‫النحاس ¬‪ ،‬ووافقه القرطيب يف تفسريه‪ -‬قال‪( :‬من) هنا عىن‪:‬‬ ‫قالوا ‪-‬وهو اإلمام ّ‬
‫الذي‪ ،‬فأصبحت اآلية عندهم‪( :‬اليهود الذين ال حيكمون ا أنزل هللا أولئا هم‬
‫الكافرون)‪ ..‬بعد أن نقل اإلمام القرطيب هذا القول قال‪ :‬وهذا أحسن ما قيل يف هذه‬
‫اآلية‪.‬‬

‫إذا سبب االختالف من أين نشأ؟‪ ،‬نشأ من حتديد معىن (من) يف هذه اآلية‪،‬‬
‫سنتبني‬
‫هل هي شرطية‪ ،‬أم هي عىن (الذي)‪ ،‬عندما نأيت إىل تفاصيل هذه املسألة ّ‬
‫ما معىن (من) وما معىن (الذي)‪.‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬شيخ‪ ،‬بس أقوال الصحابة عبدهللا بن مسعود وعبدهللا بن عباس قالوا‪:‬‬
‫للمسلمني؟‬

‫وحذيفة بن اليمان‪ ،‬ورأي البن عباس‪.‬‬


‫*الشيخ‪ :‬ال‪ ،‬عبدهللا بن مسعود ُ‬
‫‪-‬األخ‪ :‬يعين ثالثة قالوا للمسلمني؟‬

‫*الشيخ‪ :‬اثنني قالوا للمسلمني‪ ،‬ورأي لعبدهللا بن عباس‪.‬‬

‫ف‪ :‬بسبب سبب نزول اآلية‪ ،‬فمن العلماء ‪ †-‬تعاىل‬ ‫السبب الثَّ ياين لل ْختيل ي‬
‫َّ َ ُ‬
‫رحة واسعة‪ -‬من اقتصر اآلية على سبب النزول‪ ،‬قال‪ :‬اآلية نزلت يف اليهود؛ إذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪679‬‬

‫اآلية خاصة هبم‪ ،‬بينما اآلخرون قالوا‪ :‬اآلية يف اليهود‪ ،‬ولكنها ع ّامة وتشمل‬
‫اآلخرين‪ ،‬إذا هذا أيضا كان سببا يف االختالف يف فهم هذه اآلية‪ ..‬وعندما نأيت إىل‬
‫نبني ما معىن سبب النزول‪.‬‬
‫التفاصيل ُس ّ‬
‫لف العُلَ َم ياء‪ :‬اختالفهم يف النظر إىل سياق اآلية‪ ،‬فمن‬‫ث ال ْختي ي‬
‫ب الثَّالي ُ‬
‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫نظر إىل اآلية مث قال‪ :‬اآلية اليت قبلها وبعدها يف اليهود‪ ،‬قال‪ :‬إذا اآلية يف اليهود‪.‬‬
‫ومن رأى أن اآلية اليت قبل ﴿‪ ...‬ال َكافُِرو َن﴾ يف املسلمني قال‪ :‬اآلية يف املسلمني‪،‬‬
‫إذا سبب االختالف الثالث أهنم نظروا إىل ما قبل اآلية وما بعدها‪ ،‬وبناء على ما‬
‫ظهر هلم قالوا قوهلم يف اآلية‪.‬‬

‫إذا أسباب االختالف يف اآلية ثالثة‪ :‬السبب األول يف (من) هل هذه شرطية أم‬
‫عىن (الذي)‪ .‬السبب الثاو‪ :‬هل حكم اآلية يقتصر على من نزلت فيهم (اليهود)‪،‬‬
‫أم أهنا يف اليهود ويف غريهم؟‪ ،‬هذا سبب ٍ‬
‫ثان لالختالف‪ ،‬السبب الثالث‪ :‬اختلفوا‬
‫بسبب نظرهتم إىل اآلية اليت قبلها واآلية اليت بعدها‪ ،‬فمن رأى أهنا يف اليهود قال‪:‬‬
‫خاصة يف اليهود‪ ،‬ومن رأى أن اآلية األوىل يف املسلمني واآلية الثانية يف اليهود‬
‫والثالثة يف النصارى‪ ،‬قال‪ :‬األوىل يف املسلمني‪ ،‬والثانية يف اليهود‪ ،‬والثالثة يف‬
‫النصارى‪ ..‬وهكذا‪ ..‬هذه هي أسباب اختالف العلماء يف فهم هذه اآلية‪.‬‬

‫اح َدةِ‪:‬‬
‫نأيت اآلن إىل مسألة أخرى‪ ،‬الصحاَبةُ إذا اختَـلَ ُفوا يف املسأَلَِة الو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬

‫اخ َت َل ُفوا في اِلَ ْس َأ َلة َ‬


‫الو ِاح َد ِة؟‬
‫ْ‬
‫إذا‬ ‫ة‬ ‫الص َح َ‬
‫اب‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫الع َل َم ِاء في َأ ْق َ‬
‫و‬ ‫َما َ ْرأ ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪680‬‬

‫هؤالء قالوا‪ :‬يف املسلمني‪ ،‬هؤالء قالوا‪ :‬يف اليهود‪ ،‬هؤالء قالوا‪ :‬يف أهل الكتاب‪،‬‬
‫وهؤالء قالوا‪ :‬متوزعة بني املسلمني‪ ...‬الصواب أين من هذه األقوال؟؛ ألنه ال ميكن‬
‫أن يكون الكل على صواب‪ ،‬وال ميكن أن يكون الكل على خطأ‪.‬‬

‫قوى‬‫التقصي حىت جند القرينة مع من؟‪ ،‬أي األقول هذه تُ ّ‬


‫هنا ال بد من البحث و ّ‬
‫بالقرائن واألدلة؟‪ ،‬فإذا وجدنا قوال ألحد هؤالء العلماء أو الصحابة ‪-‬رضوان هللا‬
‫تعاىل عليهم أمجعني‪ ،-‬ووجدنا قرينة تقوي قوله أو دليال يقوي قوله‪ ،‬إذا القول ما‬
‫قاله صاحب القول هذا‪ ،‬وهنا يُقال‪ :‬ومن َعلِ َم ُح ّجة على من مل يعلم‪.‬‬

‫اء‪ :‬نبدأ يف مسألة الصحابة‪ :‬الصحابة اآلن اختلفوا يف فهم هذه اآلية بني‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫عامة‪ ،‬وبني من قال‪ :‬هي يف الكفار‪ ،‬وبني من تعددت أقواله كابن‬ ‫من قال‪ :‬هي ّ‬
‫ال العُلَ َم ياء ِف َّ‬
‫الص َحابَية إذا ا ْختَ لَ ُِوا ِف ال َم ْسأَلَ ية‬ ‫عباس ‪ €-‬مجيعا‪َ ،-‬وأَقْ َو ُ‬
‫الو ي‬
‫اح َدةي‪:‬‬ ‫َ‬
‫أوًال‪ :‬هذا ما ذكره اإلمام الشوكاو ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [إرشاد الفحول]‬
‫َّ‬
‫قال‪ :‬إذا اختلف الصحابة يف مسألة اجتهاديّة واحدة‪ ،‬مجهور العلماء على أن أحد‬
‫الصحابة ال يكون ُح ّجة على اآلخر‪.‬‬

‫وحذيفة ‪ ƒ‬أن اآلية يف املسلمني‪ ،‬ويقول الرباء‬ ‫فعندما يقول عبدهللا بن مسعود ُ‬
‫‪ ¢‬أن اآلية يف الكفار؛ إذا ال يُل ِزُم الرباء ابن مسعود أو ُحذيفة بقوله‪ ،‬وهم أيضا ال‬
‫يلزمونه بقوهلم ألن العلماء قالوا‪ :‬إذا اختلف الصحابة فال يكون أحدهم ُح ّجة على‬
‫كل قال ا ظهر له من اآلية‪ .‬هذا بالنسبة للصحابة فيما بينهم‪.‬‬ ‫اآلخر‪ٌ ،‬‬
‫جيّد‪ ،‬هل ُميكن أن يكون القول املختلف بني الصحابة ُح ّجة على من بعدهم؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪681‬‬

‫هم اختلفوا يف املسألة‪ ،‬قالوا‪ :‬يف املسلمني‪ ،‬قالوا‪ :‬يف اليهود‪ ،‬قالوا‪ :‬يف الكفار‪..‬‬
‫ُمتلفني‪ ،‬بالنسبة هلذه اآلراء‪ ،‬هل تُعترب ُح ّجة للتابعني الذين جاؤوا بعدهم وتابعي‬
‫التابعني‪ ،‬إىل يومنا هذا؟‬

‫اإلمام الشوكاو ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪ :‬مجهور العلماء قالوا‪ :‬أن هذه األقوال‬
‫أحد من بعدهم [على التابعني ومن جاء من بعدهم] إذا اختلفوا يف‬ ‫ال تكون حجة على ٍ‬
‫ُّ‬
‫مسألة اجتهادية واحدة‪ ،‬مجهور علماء األصول يقولون أن هذه األقوال ال تُعترب ُح ّجة‬
‫على من جاء من بعدهم‪َ ،‬ه َذا ال َق ْو ُل األَ َّو ُل‪.‬‬

‫ال َق ْو ُل الثَّ ياين‪ :‬قالوا‪ :‬الصحابة إذا اختلفوا يف مسألة اجتهاديّة واحدة‪ ،‬فهي ُح ّجة‬
‫ُمق ّدمة على القياس‪ ،‬يعين مسألة نستطيع أن نُ ّبني حكم الشرع فيها بالقياس‪ ،‬ولنا‬
‫أقوال للصحابة‪ ..‬أقوال الصحابة مع القياس قالوا‪ :‬قول الصحايب يُق ّدم على القياس‪،‬‬
‫وهذا قول احلنفية وقول اإلمام مالا ورأي للشافعي يف القدمي‪.‬‬

‫إذا (ليس ُح ّجة) هذا قول اجلمور‪ ،‬لكن إذا ُوِج َد احلكم يف القياس ولدينا قول‬
‫صحايب؛ قول الصحايب يُق ّدم على القياس عند احلنفية وعند مالا ورأي لإلمام‬
‫الشافعي ‪.-†-‬‬

‫ال َق ْو ُل الثَّالي ُ‬
‫ث يف أقوال الصحابة إذا اختلفوا‪ :‬قال‪ :‬هو ُح ّجة إذا ّ‬
‫انضم إليه‬
‫القياس‪.‬‬

‫كيف أفهم هذا الكالم؟‬

‫وحذيفة هلما قول‪ ،‬عبدهللا بن عباس له ثالث أقوال‪ ،‬الرباء له‬


‫عبدهللا بن مسعود ُ‬
‫قول‪ ،‬أي األقوال هذه يُق ّدم؟‪ ،‬من وافق حكم القياس هذا الذي يُؤخذ به‪ ،‬وهذا قول‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪682‬‬

‫اإلمام الشافعي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬ذكره الشوكاو يف [إرشاد الفحول] نقال عن‬
‫[الرسالة] لإلمام الشافعي‪.‬‬

‫إذا أقوال الصحابة بعضهم على بعض ليست ُح ّجة‪ ،‬أقوال الصحابة املختلفة يف‬
‫املسألة الواحدة االجتهادية على من بعدهم قول اجلمهور‪ :‬أن هذه األقوال ليست‬
‫حبجة‪ ،‬لكن القول الثاو‪ :‬أنه يف حال وجود القياس قول الصحابة يُق ّدم على‬
‫القياس‪ ،‬وهذا قول األحناف ومالا والشافعي‪ ،‬القول الثالث‪ :‬قال إذا أُيِّ َد قول‬
‫الصحايب حبكم القياس فهذا الذي يُق ّدم‪.‬‬

‫إذا الفارق بني القول الثاو والثالث‪ :‬أن أصحاب القول الثاو ق ّدموا أقوال‬
‫الصحابة على القياس‪ .‬القول الثالث قالوا‪ :‬ال‪ ،‬نأخذ بقول الصحايب إذا كان هنا‬
‫دليل عن طريق القياس‪ ،‬وهذا القول لإلمام الشافعي‪ ،‬انتهينا من هذه املسألة‪ ..‬نأيت‬
‫اآلن‪:‬‬
‫﴿و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ب َما َأ َنز َل َّ ُ‬
‫اَّلل َف ُأ ْو َل ِئ َك ُهمُ‬ ‫َم ْن اِلَ ْعني ب َهذه َ‬
‫اآليات‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫َ َْ َ ُ ُ َْ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ُ ُ َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن‬
‫اسقو ﴾؟‬ ‫الكا ِف ُرون﴾‪...﴿ ،‬فأول ِئك هم الظ ِاِلو ﴾ و﴿‪...‬فأول ِئك هم الف ِ‬
‫ن‬
‫َ ْ َ َْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ َ ُ ََْ َ َ ُ َ َ‬
‫أي قو ِمن ه ِذ ِه األقو ِال نأخذ؟‬ ‫ل‬ ‫القياس؟ و ِب ِ‬ ‫أين الق ِرينة؟ وأين ِ‬
‫خاصة ال بيهود وال بأهل‬ ‫َّأوًال‪ :‬أن هذه اآليات ّ‬
‫عامة يف كل الناس‪ ،‬ليست ّ‬
‫عامة يف كل الناس‪.‬‬
‫كتاب وال سلمني وإمنا هي ّ‬
‫خاصة؟‬
‫عامة وليست ّ‬
‫ما هي األدلة وما هي القرائن اليت تُثبت أن هذه اآليات ّ‬
‫طبعا هنا القول اآلخر‪ :‬أن اآلية األوىل يف املسلمني‪ ،‬واآلية الثانية‪...‬إخل‪.‬‬
‫وسنأيت إىل هذا القول الحقا إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪683‬‬

‫﴿وَمن َمل َحي ُكم ِ َا‬ ‫الدلييل علَى عم ي‬


‫وم َه يذهي اآلي ي‬
‫َ‬ ‫(من)‬ ‫بصيغة‬ ‫جاءت‬ ‫أهنا‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫َّ ُ َ ُ ُ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ،‬و(من) ِمن ألفاظ العموم كما ذكر الشوكاو ‪-‬‬ ‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫أَ‬
‫¬‪ -‬يف [اإلرشاد] قال‪" :‬والعموم هو اللفظ املستغرق جلميع ما يصلح له‪- ".‬أنا‬
‫ُ‬
‫أحاول أن أتقيّد بأقوال العلماء ألنين أعلم كم سيُثار من حديث حول ما أقول‪..-‬‬
‫العموم هو اللفظ املستغرق جلميع ما يصلح له‪ ،‬وكلمة (من) من ألفاظ العموم‪..‬‬
‫ُ‬
‫يستغرق مجيع األفراد‪ ،‬فيدخل فيهم املسلم‪ ،‬ويدخل فيهم اليهودي‪ ،‬ويدخل فيهم‬
‫النصراو‪ ،‬ويدخل فيهم كل من ال حيكم ا أنزل هللا تعاىل‪.‬‬

‫(من) هنا عىن (الذي)‪ ..‬نأيت‪( :‬الذي) هنا هل من ألفاظ‬


‫النحاس‪ :‬أن َ‬
‫أما قول ّ‬
‫العموم أم من ألفاظ اخلصوص؟‬

‫عندما تبحث عن صيغ العموم عند األصوليني‪ ..‬أنا اقتصرت على النقل من‬
‫اإلمام الشوكاو يف هذه املسألة‪ ،‬عندما يذكر صيغ العموم يقول‪ :‬أمساء الشرط‪،‬‬
‫وأمساء االستفهام‪ ،‬واألمساء املوصولة‪.‬‬

‫وأقرأ نص كالم اإلمام الشوكاو‪ ،‬قال‪" :‬ذهب اجلمهور إىل أن العموم له صيغة‬
‫موضوعة له حقيقة‪ ،‬وهي‪ :‬أمساء الشرط‪ ،‬واالستفهام واملوصوالت‪".‬‬

‫(من) هنا‬‫عامة‪ ،‬ومن قال أن َ‬ ‫(من) الشرطية فاآلية ّ‬‫إ ًذا من قال أن اآلية عىن َ‬
‫عىن (الذي) فــ(الذي) أيضا من أمساء العموم‪ ،‬وال ميكن أن حنمل العموم على‬
‫صص بدليل‪ ،‬وال‬ ‫صص بقول أحد‪ ،‬وإمنا ُخي ّ‬ ‫العام ال ُخي ّ‬
‫اخلصوص إال بدليل؛ ألن ّ‬
‫يوجد دليل على التخصيص وإمنا ُج ّل الذي قالوه‪ :‬اليهود ذُكِروا قبل هذه اآلية‪ ،‬إذا‬
‫يل األَ َّو ُل على‬‫هي خاصة فيهم وهلذا قالوا‪ :‬أن (من) هنا عىن (الذي)‪ ،‬إذا ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عموم اآلية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪684‬‬

‫يل الثَّ ياين‪ :‬هل إذا ذُكِر بعض أفراد العموم‪ ،‬هذا الذكر يدل على‬‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫التخصيص؟‬
‫ِ‬
‫ا ُه ُم ال َكاف ُرو َن﴾ ذُكِ َرر اليهود‪ ،‬أو قبل ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫لنفرض أن قبل آية ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫صص عموم اآلية؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َكاف ُرو َن﴾ ذُكَر املسلمون‪ ،‬هل هذا الذكر ُخي ّ‬
‫العام املوافق له يف احلكم‪ ،‬ال‬
‫يقول اإلمام الشوكاو ‪" :-¬-‬ذكر بعض أفراد ّ‬
‫يقتضي التخصيص عند اجلمهور‪ ".‬يعين إذا جئت إىل لفظ عام‪ ،‬مث ذُكَِر من هذا‬
‫العام بعض األفراد‪ ،‬هل يُقال أن هذا العام أصبح خاصا هبؤالء الذين ذُكِروا؟ يقول‪:‬‬
‫مجهور العلماء يقولون أن ذكر بعض أفراد العام املوافق له يف احلكم ال يدل على‬
‫التخصيص‪ ،‬آيت لا بالدليل‪:‬‬
‫ذكر الشوكاو ‪ -¬-‬دليال‪ :‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‘‪( :‬أّميا إِ َه ٍ‬
‫اب ُدبِغ‪ ،‬فقد‬
‫طهر)‪ ،‬هذا لفظ عام‪ ،‬أي إهاب دبغ فقد طهر‪ ،‬مث رأى الرسول ‘ شاة ألمنا‬
‫ميمونة ميتة‪ ،‬قال‪ :‬أال انتفعتم من هذه الشاة؟‪ ،‬قالوا‪ :‬هي ميتة‪ ..‬قال‪ :‬ذ َكَرهم أن‬
‫ينتفعوا من جلدها‪ ،‬قال‪( :‬دباغها طهورها)‪.‬‬
‫إذا أصبح عندي اآلن يف احليوان حديثني‪ :‬احلديث األول‪( :‬أّميا إِ َه ٍ‬
‫اب ُدبِغ‪ ،‬فقد‬
‫طهر)‪ ،‬مث جاء خاصا بشاة معينة المرأة وهي أمنا ميمونة ‪ ~-‬وأرضاها‪ ..-‬هل‬
‫نقول أن هذه الشاة املذكورة يف هذا احلديث ُخيصص كل الشياة اليت ذكرت يف ذلا‬
‫احلديث؟‪ ،‬ال‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن ذكر بعض أفراد العام ال يدل على التخصيص‪ ،‬فال ميكن‬
‫أن نقول بناء على شاة أمنا ميمونة أن هذه اجللود كلها ال تطهر بالدباغ‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن‬
‫يل‪.‬‬‫ِ‬
‫احلديث كان خاصا بشاة ميمونة‪َ ،‬ه َذا َدل ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪685‬‬

‫اآلخ ُر‪ :‬هذا ليس عند الشوكاو‪ ،‬أذكره إن شاء هللا تعاىل‪ ..‬قول هللا‬ ‫يل َ‬ ‫أَ َّما َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫وس ٰى‬ ‫ِ ِ‬ ‫تبار وتعاىل‪﴿ :‬وإِذ أَخذنَا ِمن النبِيِني ِميثَاقَـهم وِم َ ِ‬
‫يم َوُم َ‬
‫نا َومن نُّو ٍ َوإبـَراه َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ‬
‫َخذنَا ِمنـ ُهم ِّميثَاقا َغلِيظا﴾ [األحزاب‪ ،]7:‬هنا يف هذه اآلية‬ ‫يسى اب ِن َمرَميَ ۚ َوأ َ‬
‫ِ‬
‫َوع َ‬
‫ني ِميثَاقَـ ُهم﴾ هذا لفظ عام‪ ،‬مث بعد‬ ‫ِ‬
‫﴿وإِذ أ َ‬
‫َخذنَا م َن النبِيِّ َ‬ ‫ذكر هللا ¸ لفظا عاما َ‬
‫يسى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ذلا ماذا ذكر؟‪ ،‬ذكر بعض أفراد العام‪﴿ :‬وِم َ ِ‬
‫وس ٰى َوع َ‬
‫يم َوُم َ‬‫نا َومن نُّو ٍ َوإبـَراه َ‬ ‫َ‬
‫اب ِن َمرَميَ﴾ فهل ميكن ألحد أن يقول أن كلمة (األنبياء) حمصورة يف هؤالء الذين‬
‫ذكرهم هللا ¸ هؤالء اخلمسة؟‬

‫يسى اب ِن‬ ‫نا وِمن نُّو ٍ وإِبـر ِاهيم وموسى و ِ‬


‫ع‬ ‫ِ‬ ‫﴿وإِذ أَخذنَا ِمن النبِيِ ِ‬
‫َ َ َ َُ َ ٰ َ َ‬ ‫ني ميثَاقَـ ُهم َوم َ َ‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ‬
‫َخذنَا ِمنـ ُهم ِّميثَاقا َغلِيظا﴾ إذا هؤالء الذين ذكروا ‪-‬الرسول ‘ ومن معه‪-‬‬ ‫َمرَميَ ۚ َوأ َ‬
‫هؤالء بعض أفراد العموم هذا‪ ،‬وليسوا كل أفراد العموم‪ ،‬إذا نرجع إىل القاعدة‬
‫ونقول‪ :‬ذكر بعض أفراد العموم ال يدل على التخصيص‪ ..‬يعين ال ميكن أن نقول‪:‬‬
‫أن (األنبياء) حمصورة فقط يف هؤالء الذين ذكروا‪ ،‬وإمنا هؤالء بعض ذلا العموم‪.‬‬

‫اآلن نأيت إىل اآلية‪:‬‬

‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ..‬إذا كون اليهود ذُكِروا قبل‬


‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫َ‬
‫اآلية ال يدل على التخصيص‪ ،‬وكون املسلمني ذُكِروا قبل اآلية ال يدل على ختصيص‬
‫اآلية؛ ألن القاعدة االصولية‪ِ :‬ذك ُر بعض أفراد العموم املوافق له يف احلكم ال يقتضي‬
‫التخصيص‪.‬‬

‫خاصة باملسلمني‪ ،‬هذا القول ال يصح‪،‬‬ ‫ِ‬


‫إذا قول من قال‪ :‬املسلمون ذُكروا؛ فهي ّ‬
‫خاصة باليهود‪ ،‬هذا القول أيضا ال‬ ‫ِ‬
‫وقول من قال‪ :‬أن اليهود ذُكروا قبل اآلية؛ فهي ّ‬
‫يصح‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪686‬‬

‫جيّد‪ ..‬إذا أصبح عندي‪:‬‬

‫عامة‪ ،‬وكذلا ِذكر من كان قبله ال يدل على التخصيص‪ ،‬فاآلية تبقى‬
‫اآلية ّ‬
‫على العموم‪.‬‬

‫خاصة باليهود ألهنا نزلت يف بين‬


‫أما إذا جئنا إىل السبب الثالث‪ :‬أهنم قالوا اآلية ّ‬
‫إسرائيل‪ ،‬أو نزلت يف اليهود‪ ،‬هذا التخصيص أيضا غري صحيح‪ ،‬ألن القاعدة‬
‫األصولية عند العلماء تقول‪" :‬العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب"؛ فإذا نزلت‬
‫آية يف سبب حمدد‪ ،‬فال ميكن أن نقتصر حكم اآلية على هذا السبب‪ ،‬ألننا إذا‬
‫تعاملنا هبذه الطريقة سنرت العمل بكثري من اآليات اليت هلا أسباب نزول‪ ،‬كآية‬
‫الظّهار عندما جاءت تلا املرأة تشتكي وقد ظهر منها‪ ،‬فأنزل هللا ¸ اآلية‪ ..‬فإذا‬
‫قلنا‪ :‬اآلية تنحصر بسبب النزول‪ :‬إذا حكم الظهار ال يشمل أحدا من املسلمني بعد‬
‫(من) تدل على العموم‪ ،‬من ذُكَِر قبل اآلية من املسلمني أو من‬
‫ذلا!‪ ،‬إذًا كلمة َ‬
‫اليهود‪ ،‬ال يدل على التخصيص‪ ،‬سبب النزول ال يدل على التخصيص؛ إذا اآلية‬
‫عامة‪.‬‬
‫تبقى ّ‬
‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪687‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪688‬‬
‫َّ ْ ُ َ ُ َ َّ َ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس الخ ِامس و‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪:‬‬ ‫تف ِسير‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الك ِافرون﴾‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نـَل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫لوجها خالِصا‪،‬‬‫َ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ِ‬
‫صاحلا‪ ،‬و‬ ‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َنزَل اَللُ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫تكلمنا يف لقاء سابق عن قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ،‬وذكرنا أن الكفر ينقسم إىل‪ :‬كف ٍر أكرب وإىل كف ٍر أصغر‪ ،‬مث‬
‫فَأُولَئِ َ‬
‫بعد ذلا ذكرنا سبب نزول اآلية كما عند اإلمام مسلم ‪ -¬-‬عن الرباء بن‬
‫عازب‪ ،‬كيف أن اليهود أرادوا أن يتحاكموا إىل رسول هللا ‘ وحتاكموا‪ ..‬مث بعد‬
‫حصلة‪ :‬أن من العلماء من قالوا أن‬ ‫ِ‬
‫ذلا ذكرنا من املعين هبذه اآليات‪ ،‬وخرجنا ُ ّ‬
‫عامة‪ ،‬أي أن اآلية تشمل املسلمني وغري املسلمني‪ .‬وممن قال هبذا القول‪ :‬ابن‬
‫اآلية ّ‬
‫وقول البن عباس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ ،-‬والعلماء ذكرناهم‬ ‫وحذيفة ‪ٌ -ƒ-‬‬ ‫مسعود ُ‬
‫أيضا كاحلسن البصري وإبراهيم النخعي وغريهم من العلماء‪ ،‬ومن املفسرين اإلمام‬
‫الشوكاو والرازي وغريهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪689‬‬

‫بعد ذلا ذكرنا رأيا آخر‪ :‬أن من العلماء من قالوا أن هذه اآلية خاصة باليهود‬
‫تعم من ُيحد‬‫عمم وقال‪ :‬واآلية ّ‬
‫ألهنم جحدوا حكم هللا يف كتاهبم فاآلية فيهم‪ ،‬مث ّ‬
‫حكم هللا ¸‪ .‬هذا قول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ .-‬وجدنا قوال رابعا‪ :‬أن‬
‫قول واحد‪ ،‬فمنهم‬ ‫اآلية خاصة‪ ،‬وهؤالء العلماء الذين قالوا أهنا خاصة مل يتفقوا على ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة باملسلمني‪ ،‬كقول للشعيب ‪ -¬-‬وقول لطاووس أيضا ‪-‬‬ ‫من قال‪ :‬أهنا ّ‬
‫خاصة باليهود‪ ،‬وهذا قول ابن عباس فيما نقل عنه‬ ‫¬‪ ،-‬ومنهم من قال‪ :‬أهنا ّ‬
‫اإلمام القرطيب‪ ،‬وكذلا آخرون أيضا قالوا هبذا القول‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬أهنا يف أهل‬
‫خاصة‬
‫الكتاب‪ ،‬كابن عبدالرب‪ ،‬وقول للشعيب كما ذكرنا‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬أهنا ّ‬
‫بالكفار‪ ،‬وقلنا هذا قول الرباء بن عازب ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬كما يف [صحيح مسلم]‪.‬‬

‫مث ذكرنا قوال خامسا‪ :‬أن اآلية األوىل‪ :‬يف املسلمني‪ ،‬والثانية‪ :‬يف اليهود‪ ،‬والثالثة‪:‬‬
‫يف النصارى‪ .‬وقلنا هذا قول للشعيب ‪ ،-¬-‬وبه قال اإلمام ابن العريب‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫وهو قول ابن عباس وجابر بن زيد وكذلا ابن أيب زائدة وابن شربمة‪ ،‬وقلنا أن هذا‬
‫أيضا هو قول اإلمام الشنقيطي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫خاصة‪ ،‬ذكرنا ثالثة‬


‫عامة أم ّ‬‫مث بينّا ملاذا اختلف العلماء يف حتديد هل اآلية ّ‬
‫(من) هل هي‬ ‫أسباب يف حينها‪ ،‬السبب األول قلنا‪ :‬اختالفهم يف فهم معىن كلمة َ‬
‫شرطية‪ ،‬أم عىن (الذي) فتكون خاصة بفئة معينة كما قال القرطيب‪ ،‬وكما نقل‬
‫اجلصاص أيضا قول من قال بذلا القول‪.‬‬

‫عامة حىت ولو كانت عىن (الذي)‪( ..‬الذي) أيضا من‬


‫مث قلنا أن هذه اللفظة ّ‬
‫أمساء العموم كما ذكر اإلمام الشوكاو ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف [إرشاد الفحول]‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪690‬‬

‫عندما ذكر ألفاظ العموم‪ ..‬من ضمن ألفاظ العموم قال‪ :‬أمساء الشرط‪ ،‬وأمساء‬
‫ب األَ َّو ُل‪.‬‬
‫السبَ ُ‬
‫اإلشارة‪ ،‬واألمساء املوصولة‪َ ،‬ه َذا َّ‬
‫ب الثَّ ياين‪ :‬العلماء اختفوا يف حتديد اآلية جاءت يف سياق من‪ ،‬هل الذين‬ ‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ اليهود الذين ذُكروا أم‬ ‫ذكروا قبل آية التكفري أو آية ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫غريهم؟‪ ،‬فمن ظهر له أن اليهود هم الذين ذُكِروا‪ :‬إذا قال اليهود هم املعنيّون هبذه‬
‫اآلية‪ ،‬وقلنا هذا الكالم أيضا ال يستقيم‪ ،‬للقاعدة املوجودة عند أهل األصول واليت‬
‫"ذكر بعض أفراد العموم املوافق له‬ ‫ذكرها اإلمام الشوكاو ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال‪ِ :‬‬
‫ِ‬
‫َخذنَا م َن النبِيِّ َ‬
‫ني‬ ‫﴿وإِذ أ َ‬
‫احلكم ال يقتضي التخصيص"‪ .‬وذكرنا اإلهاب‪ ،‬وذكرنا َ‬
‫َخذنَا ِمنـ ُهم ِّميثَاقا‬ ‫نا وِمن نُّو ٍ وإِبـر ِاهيم وموسى و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى اب ِن َمرَميَ ۚ َوأ َ‬ ‫ع‬
‫َ َ َ َُ َ ٰ َ َ‬ ‫ميثَاقَـ ُهم َوم َ َ‬
‫َغلِيظا﴾ [األحزاب‪ ،]7:‬إذا هذا أيضا السبب الثاو يف االختالف‪ ،‬وأنت ترى أنه ال‬
‫عامة‪.‬‬
‫يدعو إال االختالف وإمنا الصواب أن يُقال‪ :‬أن اآلية ّ‬
‫ب الثَّالي ُ‬
‫ث يف االختالف‪ :‬ألهنم اختلفوا يف حل احلكم على سبب النزول‪،‬‬ ‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫فمن العلماء ‪ †-‬تعاىل رحة واسعة‪ -‬من رأى أن سبب نزول اآلية هم اليهود‪،‬‬
‫خاصة هبم‪ ،‬وقلنا أمس أن هذا السبب أيضا غري صحيح ألن القاعدة‬
‫فقال إذا اآلية ّ‬
‫األصولية عند أهل السنة واجلماعة‪ :‬أن العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪.‬‬

‫عامة‪ ،‬تشمل املسلمني وتشمل غري املسلمني‪.‬‬ ‫ِ‬


‫حصلة‪ :‬أن اآلية ّ‬
‫إذا خرجنا ُ ّ‬
‫نُكمل حديثنا عن هذه اآلية‪ ،‬فأقول ُمستعينا باهلل تبار وتعاىل‪:‬‬

‫َ َ‬ ‫َ ْ َّ ُ َ َ ْ َ َ ْ ل َ‬
‫للا ت َبا َر َك َوت َعالى‪:‬‬
‫من ال ِذي ذ ِكر قبل قو ِ ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪691‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ َ‬
‫اَّلل فأ ْول ِئ َك ُه ُم الكا ِف ُرو َن﴾؟‬ ‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل‬

‫ليتبني‬
‫لإلجابة على هذا السؤال‪ :‬ال بد أن ترجع إىل اآليات اليت قبل هذه اآلية‪ّ ،‬‬
‫لا من املقصود ومن الذي ذُكَِر قبل هذه اآلية‪.‬‬

‫عند الرجوع إىل اآليات اليت قبلها‪ ،‬جتد آية يف تلا السورة املباركة‪ ،‬يقول هللا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يُ َسارعُو َن يف ال ُكف ِر م َن الذ َ‬
‫ين قَالُوا‬ ‫نا الذ َ‬ ‫تبار وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الر ُس ُ‬
‫ول َال َحي ُز َ‬
‫ب َمساعُو َن لَِقوٍم‬ ‫ادوا ۚ َمساعُو َن لِل َك ِذ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َآمنا بأَفـ َواههم َوَمل تُـؤمن قُـلُوبـُ ُهم ۚ َوم َن الذ َ‬
‫ين َه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ‬
‫ين َمل يَأتُو َ ۚ ُحيَِّرفُو َن ال َكل َم من بَـعد َم َواضعه ۚ يَـ ُقولُو َن إِن أُوتيتُم َٰه َذا فَ ُخ ُذوهُ‬
‫آخ ِر َ‬
‫َ‬
‫َوإِن مل تُـؤتَـوهُ فَاح َذ ُروا﴾ [املائدة‪.]41:‬‬

‫موطن الشاهد من اآلية‪﴿ :‬إِن أُوتِيتُم َٰه َذا فَ ُخ ُذوهُ َوإِن مل تُـؤتَـوهُ فَاح َذ ُروا﴾‪،‬‬
‫عندما ترجع إىل تفسري هذا اجلزء من اآلية‪ ،‬جتد التفسري عند الرباء بن عازب ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬عند اإلمام مسلم‪ ،‬عندما نقل قال‪" :‬أن اليهود قالوا‪ :‬ائتوا ُحم ّمدا‪ ،‬فإن‬
‫بالرجم فاحذوا‪".‬‬ ‫أمركم بالتحميم واجللد فخذوه‪ ،‬وإن أفتاكم ّ‬
‫إذا ﴿إِن أُوتِيتُم َٰه َذا فَ ُخ ُذوهُ َوإِن مل تُـؤتَـوهُ فَاح َذ ُروا﴾ معىن هذا اجلزء من اآلية‪:‬‬
‫أن اليهود اجتمعوا فيما بينهم‪ ،‬ألهنم الزاو اليهودي إذا زَّن كانوا ُيلدونه ويضعون‬
‫على وجهه احلمم؛ علما أن حكم هللا ¸ يف التوراة‪ :‬الرجم‪ ،‬فكأهنم اجتمعوا فيما‬
‫بينهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ائتوا ُحم ّمدا ‘‪ ،‬فإذا أمركم باجللد والتحميم فخذوا أمره‪ ،‬يقول ابن‬
‫كثري ‪ -¬-‬يف تفسريه ‪-‬أنقل كالمه باملعىن‪ :-‬أي أنكم جتعلون ُح ّجة بينكم وبني‬
‫هللا ¸‪ ،‬فإذا جلدمت وحمتم وجه هذا الزاو‪ ،‬مث ُسئلتم يوم القيامة‪ ،‬تقولون‪ :‬هذا نيب‬
‫بالرجم‪ :‬فاحذوا‪ ،‬أي‪ :‬ال‬
‫من أنبيائا أفىت لنا بذلا وحنن التزمنا بأمره‪ ،‬أما إذا أمركم ّ‬
‫تأخذوا بقوله‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪692‬‬

‫إذا املسألة بداية عن اليهود‪ ،‬هم الذين اجتمعوا‪ ،‬وهم الذبن ناقشوا األمر فيما‬
‫بينهم‪ ،‬هل نذهب إىل رسول هللا ونطر ونتحاكم إليه أم ال؟‪ ،‬إذا املسألة من هنا‬
‫بدأت‪.‬‬

‫اآلية اليت بعدها مباشرة‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَِإن َجاءُو َ ﴾ [املائدة‪،]42:‬‬
‫إذا هم اآلن ناقشوا األمر‪ ،‬نذهب ّوال ما نذهب‪ ،‬وإذا ذهبنا هل نقبل حبكمه أو ال‬
‫نقبل‪ ..‬بعدها مباشرة تنتقل اآلية إىل احلديث عن رسول هللا ‘‪ ،‬فيقول هللا تبار‬
‫وتعاىل‪﴿ :‬فَِإن َجاءُو َ فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم أَو أَع ِرض َعنـ ُهم ۚ َوإِن تُـع ِرض َعنـ ُهم فَـلَن‬
‫ضُّرو َ َشيئا﴾ إذا اآلية اآلن انتقلت باخلطاب إىل من؟‪ ،‬إىل رسول هللا ‘‪ ،‬ألنا‬ ‫يَ ُ‬
‫إذا قلت‪﴿ :‬فَِإن َجاءُو َ ﴾ اخلطاب موجه إىل من؟‪ ،‬يقينا ال خيتلف مسلمان أن‬
‫اخلطاب هنا موجه إىل رسول هللا ‘ جزما‪ ،‬ال خيتلف يف هذا األمر مسلمان‪.‬‬

‫إذا اليهود تشاوروا فيما بينهم‪ ،‬وأرادوا أن يُعرضوا األمر على رسول هللا‪ ،‬وهللا‬
‫تبار وتعاىل نقل لنا ما دار يف ذلا االجتماع‪ ،‬مث بعد ذلا قال لرسوله ‘‪ :‬إن‬
‫هؤالء سيأتونا‪ ،‬فإذا جاؤو هؤالء اليهود أنت باخليار من أمر ‪ ،‬فإن شئت أن‬
‫تنظر يف قضيّتهم وحتكم ا أنزل هللا‪ ،‬وإن شئت أن تُعرض عنهم‪ ،‬وإذا أعرضت‬
‫يضرو شيئا‪ ،‬إذا هذه اآلية تُثبت أن املتحاكمني هم اليهود‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عنهم فأيقن أهنم لن‬
‫ُ‬
‫أما الذي ُحتُوكم إليه فهو الرسول ‘‪.‬‬

‫املعين باآلية‪ :‬الرسول ‘‪ ،‬من الذي يأتيه؟‪ ،‬اليهود‪.‬‬ ‫ِ‬


‫إذا ﴿فَإن َجاءُو َ ﴾ ّ‬
‫ند ُه ُم التـوَراةُ فِ َيها ُحك ُم اَللِ ُمث يَـتَـ َولو َن‬
‫ا َو ِع َ‬
‫ف ُحيَ ِّك ُمونَ َ‬
‫﴿وَكي َ‬‫اآلية اليت بعدها‪َ :‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني﴾ [املائدة‪ ،]43:‬اآلن هذه اآلية تُثبت أن‬ ‫ا بِال ُمؤمن َ‬ ‫ا ۚ َوَما أُوٰلَئِ َ‬
‫ِمن بَـعد َٰذل َ‬
‫اليهود هم الذين جاؤوا إىل رسول هللا ‘ لكي يتحاكموا إليه‪ ،‬ألن هللا تبار وتعاىل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪693‬‬

‫استنكر عليهم حتاكمهم إىل رسول هللا ‘‪ ،‬وسبب هذا االستنكار أن احلكم الذي‬
‫ف ُحيَ ّكِ ُمونَ َ‬
‫ا‬ ‫﴿وَكي َ‬
‫تبحثون عنه عند رسول هللا ‘ موجود عندكم يف التوراة‪َ ..‬‬
‫ند ُه ُم التـوَراةُ فِ َيها ُحك ُم اَللِ﴾‪.‬‬
‫َو ِع َ‬
‫ف‬
‫﴿وَكي َ‬
‫إذا من خالل هذه اآلية تُثبت‪ :‬أن حكم الزنا كان ثابتا يف التوراة‪َ ..‬‬
‫ند ُه ُم التـوَراةُ فِ َيها ُحك ُم اَللِ﴾ أي حكم يبحثون عنه؟‪ ،‬مسألة هل‬
‫ا َو ِع َ‬
‫ُحيَ ِّك ُمونَ َ‬
‫نرجم أو ال نرجم‪ ،‬هذا احلكم الذي تريدونه من رسول هللا‪ ،‬يقول‪ :‬موجود يف‬
‫كتابكم‪ .‬إذا هذه اآلية تدل على أن حكم الزاو كان موجودا ومذكورا يف التوراة‪.‬‬

‫غريوا حكم هللا ¸‪ ،‬ألهنم لو حكموا‬ ‫الشيء اآلخر‪ :‬اآلية تُثبت أن هؤالء قد ّ‬
‫حبكم التوراة؛ ما كانوا ليحتاجوا إىل أن يأتوا إىل رسول هللا ‘‪ ،‬ولكن أرادوا حكما‬
‫غري احلكم املذكور يف التوراة‪ ،‬فجاؤوا إىل رسول هللا‪ ،‬إذا اآلية تُثبت أن هؤالء اليهود‬
‫غريوا حكم هللا الثابت يف التوراة‪.‬‬
‫قد ّ‬
‫واآلية تُثبت أيضا‪ :‬أن هؤالء قد ب ّدلوا حكم هللا ¸‪ ،‬عندما قالوا كما عند‬
‫اإلمام مسلم ‪" :-¬-‬فإن أمركم بالتحميم واجللد فخذوه‪ "..‬إذا أفهم من خالل‬
‫احلديث ومن خالل اآلية‪ :‬أن اليهود قد وضعوا حكما بديال عن حكم الرجم‪ .‬هذا‬
‫كله ثابت يف هذه اآلية‪.‬‬

‫إذا كان احلكم ثابتا يف التوراة‪ ،‬واليهود تركوا حكم التوراة‪ ،‬مث بعد ذلا جاؤوا‬
‫ِِ‬ ‫﴿وَما أُوٰلَئِ َ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ا بِال ُمؤمن َ‬ ‫حبك ٍم ٍ‬
‫بديل‪ ،‬هلؤالء يقول هللا ¸‪َ :‬‬
‫إذا أفهم من اآلية‪ :‬أن من تر حكم هللا ¸‪ ،‬وجاء بالبديل‪ ،‬وحكم بالبديل؛‬
‫نفى هللا ¸ عنه اإلميان كما يف هذه اآلية املتعلقة باليهود وبتوراة اليهود‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪694‬‬

‫إذا هذه اآلية أيضا تُثبت‪ :‬أن اليهود هم املتحاكمون‪ ،‬وأن الرسول ‘ هو‬
‫ُ‬
‫احلاكم وهو الـ ُمتحا َك ُم إليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ور ۚ‬ ‫مث بعد ذلا جاءت آية تُثين على التوراة‪﴿ :‬إِنا أ َ‬
‫َنزلنَا التـوَرا َة ف َيها ُهدى َونُ ٌ‬
‫ادوا َوالربانِيُّو َن َواألَحبَ ُار ِ َا استُح ِفظُوا ِمن‬
‫ين َه ُ‬
‫ِِ‬
‫ين أَسلَ ُموا للذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َحي ُك ُم هبَا النبيُّو َن الذ َ‬
‫اب اَللِ َوَكانُوا َعلَي ِه ُش َه َداءَ﴾ [املائدة‪ ،]42:‬هذه اآلية ثناء على كتاب التوراة كتاب‬ ‫كِتَ ِ‬
‫هللا تبار وتعاىل‪ ،‬ولكن التوراة اليت أثىن عليها هللا ¸ هي التوراة اليت مل ُحتّرف ومل‬
‫تُب ّدل‪ ،‬التوراة اليت كان حيكم هبا النبيون‪ ،‬يقول اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬
‫يف تفسريه‪" :‬واملقصود بالنبيني هنا‪ :‬حممد ‘‪ ،‬ولكن عرب عنه بلفظ اجلمع‪ ".‬ألن‬
‫افق ملا عندنا يف مسألة رجم الزاو‪ ،‬مث ذكر قوال آخر‪ :‬أن‬ ‫الرسول ‘ حكم حبك ٍم مو ٍ‬
‫األنبياء الذين كانوا بني نيب هللا موسى وبني نيب هللا عيسى هم الذين كانوا حيكمون‬
‫بالتوراة‪ ،‬وذكر أن عددهم كان ألفا‪ ،‬ويف رواية أخرى‪ :‬أربعة آالف نيب كلهم كانوا‬
‫حيكمون بالتوراة‪ ،‬وهم الذين بني نيب هللا موسى وبني نيب هللا عيسى‪.‬‬

‫مث قال‪ :‬صنف آخر من الناس حيكمون بالتوراة‪ :‬وهم الربّانيّون‪ .‬والربّانيّون كما‬
‫ذكر اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪" :‬هم‬
‫الذين يسوسون الناس بالعلم ويربوهنم بصغاره قبل كباره‪ ".‬هذا معىن الربّانيّون كما‬
‫فسره حرب األمة ‪ ¢-‬وأرضاه‪.-‬‬
‫ّ‬
‫املعين هبم‪ :‬هم الذين كانوا‬
‫أما األحبار‪ :‬فهؤالء هم علماء اليهود‪ ،‬ولكن ّ‬
‫حيكمون بالتوراة من غري حتريف وال تغيري وال تبديل‪ ،‬واحلرب‪ :‬هو الذي يُزيّن العلم‬
‫للناس‪ ،‬ألن التحبري من التزيني كما ذكر اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪695‬‬

‫تفهم من اآلية‪ :‬أن هؤالء الذين يف عصر رسول هللا ‘ يقينا ليسوا من النبيني‬
‫ألن ال نيب مع رسول هللا ‘‪ ،‬لكن يقينا أيضا ليسوا من الربّانيّني ألهنم ال حيكمون‬
‫ا يوجد يف التوراة‪ ،‬وليسوا من األحبار الذين يعنيهم هللا ¸ ألهنم ال حيكمون ا‬
‫ٍ‬
‫أحكام يف التوراة؛ إذا هذه إشارة على أن احلرب الذي كان يسمى حربا يف‬ ‫يوجد من‬
‫زمن رسول هللا ليس هو باحلرب‪ ،‬إمنا احلرب هو الذي حيكم بالتوراة كما أنزل هللا ¸‪.‬‬

‫اس‬
‫مث ذكر هللا ¸ أسباب عدم حكم الناس ا أنزل هللا‪ :‬قال‪﴿ :‬فَ َال َخت َش ُوا الن َ‬
‫ِ‬
‫َنزَل اَللُ فَأُوٰلَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواخ َشون َوَال تَشتَـ ُروا بِآيَ ِايت َمثَنا قَليال ۚ َوَمن مل َحي ُكم َا أ َ‬
‫ال َكافُِرو َن﴾ [املائدة‪.]44:‬‬

‫اس َواخ َشو ِن َوَال تَشتَـ ُروا بِآيَ ِايت َمثَنا قَلِيال﴾ بسبب‬
‫إذا هذه اآلية ﴿فَ َال َخت َش ُوا الن َ‬
‫من هذه األسباب أو باجتماعها بعض الناس ال حيكمون ا أنزل هللا ¸‪ ..‬السبب‬
‫األول‪ :‬اخلوف من الناس‪ ،‬خياف من الناس فال حيكم ا أنزل هللا‪.‬‬

‫أو أنه ال خياف هللا ¸ وهلذا حيكم بغري ما أنزل هللا تبار وتعاىل‪ ،‬هذا السبب‬
‫الثاو‪.‬‬
‫ِ‬
‫﴿وَال تَشتَـ ُروا بِآيَ ِايت َمثَنا قَليال﴾ أي ال ّ‬
‫تغري‬ ‫أما السبب الثالث‪ :‬فهي الرشوة َ‬
‫حكمي مقابل أموال تأخذها من املتحاكمني إليا‪ ،‬إذا هذه األسباب الثالثة هي‬
‫ُ‬
‫اليت حتمل الناس على أن ال حيكموا ا أنزل هللا‪.‬‬

‫فإذا جاء حاكم مث بسبب من هذه األسباب (إما خوف من الناس‪ ،‬أو عدم‬
‫خوف من هللا‪ ،‬أو بسبب الرشوة) حكم بغري ما أنزل هللا ¸‪ ،‬هلؤالء يقول هللا تبار‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪.‬‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫وتعاىل‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪696‬‬

‫اآلن آيت‪:‬‬

‫اآلية األوىل نقلت لنا ما دار بني اليهود يف اجتماعهم‪ ،‬اآلية الثانية نقلت أن‬
‫خ ّري يف احلكم بينهم وعدم احلكم بينهم‪[ ..‬وفاتين أن أذكر أن هذا‬ ‫الرسول ‘ قد ُ‬
‫اجلصاص ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬كما ينقل‬ ‫ِ‬
‫التخيري قد نُسخ]؛ ودليل النسخ ذكره اإلمام ّ‬
‫عن ابن عباس وعن جماهد وعن عكرمة ‪ ¢-‬وأرضاه ورحهم مجيعا‪ -‬قالوا‪ :‬هذه‬
‫َنزَل اَللُ﴾ [املائدة‪.]49:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية نسخها قول هللا تبار وتعاىل‪َ ﴿ :‬وأَن اح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬
‫تحاكم إليه‪ ،‬واليهود اهلم الـ ُمتحاكمون‪ ،‬فإذا ثبتت لا‬
‫إذا الرسول ‘ هو املُ َ‬
‫هذه احلقيقة‪:‬‬

‫للمتحاكِ ِم؟‬ ‫ِ‬


‫للحاك ِم أم ُ‬
‫وجه ملن؟‪َ ،‬‬
‫يأيت السؤال‪ :‬التحذير يُ ّ‬
‫احلاكم هو الرسول‪ ،‬ومن خالله أمته؛ ألن خطاب الرسول خطاب ألمته من‬
‫وجه‬
‫بعده‪ ،‬إذا التحذير من عدم احلكم ا أنزل هللا إلحدى تلا األسباب الثالثة ال يُ ّ‬
‫وجه إىل احلاكم؛ أي الرسول ‘ هو الذي قال له‪﴿ :‬فَ َال‬ ‫إىل املُتحاكمني‪ ،‬وإمنا يُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َواخ َشون َوَال تَشتَـ ُروا بِآيَ ِايت َمثَنا قَليال﴾‪ ..‬ملاذا؟؛ ألن هذا التحذير يُ ّ‬
‫وجه‬ ‫َخت َش ُوا الن َ‬
‫وجه إىل املتحاكم‪ ،‬اليهود هم املتحاكمون‪ .‬احلاكم‪ :‬رسول هللا ‘؛‬ ‫إىل احلاكم وال يُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إذا التحذير يكون للرسول‪ ،‬إذا هذا إثبات أن املـُخاطَب يف هذه اآلية الرسول ‘‬
‫وأمته من بعده‪ ،‬وليس اليهود؛ ألن اليهود ُمتحاكمون والرسول هو احلاكم‪ .‬وهذا‬
‫وجه إىل املتحاكم‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬
‫وجه إىل احلاكم وال يُ ّ‬
‫التحذير ‪-‬أُعيد وأُكرر‪ :-‬يُ ّ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪697‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬هذا الذي حيكم إذا خالف حكم هللا ¸‪ ،‬احلكم الربّاوّ عليه‪:‬‬
‫ِ‬
‫وجه إىل‬
‫وجه إىل احلاكم أم يُ ّ‬
‫ا ُه ُم ال َكاف ُرو َن﴾‪ ،‬هذا احلكم بالتكفري يُ ّ‬‫﴿فَأُولَئِ َ‬
‫املـُتحاكِ ِم؟‬

‫وجه إال إىل احلاكم‪،‬‬


‫يقينا ال خيتلف اثنان من العُقالء على أن هذا احلكم ال يُ ّ‬
‫أما املـُتحاكِ ِم فال شأن له باألمر‪ ،‬رجل مع زوجته ختاصما يف أم ٍر‪ ،‬مث حتاكما إىل‬
‫حاك ٍم‪ ،‬احلاكم حكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬أيُالم الرجل مع زوجته أم يُالم احلاكم؟‪ ،‬يقينا‬
‫احلاكم‪.‬‬

‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ كان‬


‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫إذا عندما قال هللا ¸‪َ :‬‬
‫يعين الذين حيكمون بني الناس‪ ،‬والذي حيكم بني اليهود يف هذه اآلية هو الرسول‬
‫عامة‪ ،‬لكن من الذي ذُكَِر قبل هذه اآلية؟ الرسول‬ ‫‘ وأمته من بعده‪ ،‬إذا اآلية ّ‬
‫‘‪ ،‬أما اليهود فهم ُمتحاكمون وليسوا ُح ّكاما‪ ،‬إذا هذا الدليل األول على أن‬
‫املسلمني هم املعنيون هبذه اآلية‪.‬‬

‫وأرجع أؤكد مرة أخرى‪ :‬كون املسلمني ذُكِروا قبل هذه اآلية‪ ،‬هذا الذكر ال يعين‬
‫خاصة هبم‪ ،‬بل تبقى اآلية على عمومها‪ ،‬ملاذا؟؛‬ ‫التخصيص؛ أي أن اآلية ليست ّ‬
‫َنزَل اَللُ﴾ اليهود‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫ألن املسلمني فرد من ضمن أفراد العموم َ‬
‫يدخلون فيهم‪ ،‬النصارى يدخلون فيهم‪ ،‬واملسلمون فرد من أفراد هذا العموم‪ ..‬إذا‬
‫"ذكر بعض أفراد العموم‬ ‫نرجع ونقول القاعدة اليت قاهلا اإلمام الشوكاو ‪ِ :-¬-‬‬
‫خاصة باملسلمني‪،‬‬
‫املوافق له يف احلكم ال يقتضي التخصيص"‪ ..‬إذا ال نقول أن اآلية ّ‬
‫صوا بالذكر‪ ..‬فرد من أفراد‬ ‫بل نقول‪ :‬املسلمون فرد من أفراد العموم‪ ،‬ولكن ُخ ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪698‬‬

‫يل األَ َّو ُل على أن الذين ذُكِروا قبل آية‬ ‫العموم‪ ،‬ولكن خصهم هللا بالذكر‪ ،‬ه َذا َّ ي‬
‫الدل ُ‬ ‫َ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ املسلمون‪.‬‬ ‫﴿فَأُولَئِ َ‬
‫﴿وَكتَبـنَا َعلَي ِهم فِ َيها أَن‬ ‫َّ ي‬
‫اآلخ ُر‪ :‬عندما ترجع وتقرأ اآليات اليت بعدها‪َ :‬‬ ‫يل َ‬ ‫الدل ُ‬
‫َنف واألُذُ َن بِاألُذُ ِن و ِ ِ ِ‬ ‫ني واأل َ ِ ِ‬ ‫س وال َع َ ِ ِ‬ ‫النـف ِ‬
‫الس ِّن َواجلُُرو َ‬‫السن ب ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫َنف باأل َ‬ ‫ني بال َع َ‬ ‫س بالنـف ِ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫َنزَل اَللُ فَأُوٰلَئِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صد َق بِه فَـ ُه َو َكف َارةٌ لهُ ۚ َوَمن مل َحي ُكم َا أ َ‬ ‫ص ۚ فَ َمن تَ َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫قَ‬
‫الظالِمو َن﴾ [املائدة‪ ،]45:‬اآلية اليت بعدها‪﴿ :‬وليح ُكم أَهل ِ ِ ِ‬
‫َنزَل اَللُ‬ ‫اإلجن ِيل َا أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ا هم ال َف ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اس ُقو َن﴾ [املائدة‪ ،]47:‬انتهت اآليات‬ ‫َنزَل اَللُ فَأُولَئ َ ُ ُ‬
‫فيه ۚ َوَمن مل َحي ُكم َا أ َ‬
‫اب بِاحلَ ِّق‬ ‫اآلن‪ ،‬اآلية اليت بعدها مباشرة يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬وأَنزلنَا إِلَي َ ِ‬
‫ا الكتَ َ‬ ‫ََ‬
‫َنزَل اَللُ ۚ َوَال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مص ِّدقا لِّما بـ َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ني يَ َديه م َن الكتَاب َوُم َهيمنا َعلَيه ۚ فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫تَـتبِع أَه َواءَ ُهم َعما َجاءَ َ ِم َن احلَ ِّق﴾ [املائدة‪.]48:‬‬

‫إذا اآلن نبحث‪ :‬ما بعد هذه اآليات من املخاطب باحلكم ومن املتحاكم؟‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اب بِاحلَ ِّق﴾‪ ..‬املعين‬ ‫يقول هللا تبار وتعاىل لرسوله ‘‪﴿ :‬وأَنزلنَا إِلَي َ ِ‬
‫ا الكتَ َ‬ ‫ََ‬
‫صح يف‬ ‫بالكتاب هنا‪ :‬القرآ الكرمي‪﴿ .‬مص ِّدقا لِّما بـ َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ني يَ َديه م َن الكتَاب﴾ أي ما ّ‬ ‫َُ َ َ‬
‫﴿وُم َهي ِمنا َعلَي ِه﴾ أي‬
‫صح يف اإلجنيل قبل أن يدخل فيهما التحريف‪َ ،‬‬ ‫التوراة وما ّ‬
‫َنزَل اَللُ ۚ َوَال تَـتبِع أَه َواءَ ُهم َعما َجاءَ َ ِم َن‬ ‫ِ‬
‫ُمسيطرا‪ ،‬مث قال‪﴿ :‬فَاح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬
‫احلَ ِّق لِ ُك ٍّل َج َعلنَا ِمن ُكم ِشر َعة َوِمنـ َهاجا﴾‪ ،‬إذا هذه اآلية اآلن أيضا تأمر الرسول ‘‬
‫أن حيكم بني اليهود فيما إذا حتاكموا إليه ا أنزل هللا ¸‪ ،‬وجاء التحذير مرة أخرى‪:‬‬
‫﴿وَال تَـتبِع أَه َواءَ ُهم﴾ هذا حتذير للرسول ‘ وألمته من بعده إذا حتاكم إليهم اليهود‬ ‫َ‬
‫ّأال يتبعوا أهواءهم بل يتبعوا احلق الذي يف دينهم ويف كتاب رهبم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪699‬‬

‫َنزَل اَللُ َوَال تَـتبِع أَه َواءَ ُهم َواح َذرُهم أَن‬ ‫ِ‬ ‫اآلية اليت بعدها‪ِ :‬‬
‫﴿وأَن اح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬ ‫َ‬
‫يد اَلل أَن ي ِ‬
‫صيبَـ ُهم‬ ‫ا ۚ فَإن تَـ َولوا فَاعلَم أَمنَا يُِر ُ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫َنزَل اَللُ إِلَي َ‬
‫ض َما أ َ‬‫يَـفتِنُو َ َعن بَـع ِ‬
‫اهلِي ِة يَـبـغُو َن ۚ َوَمن‬
‫اس ُقو َن ۝ أَفَحكم اجل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫اس لََف ِ‬‫ض ذُنُوهبِِم ۚ َوإِن َكثِريا ِّم َن الن ِ‬‫بِبَـع ِ‬
‫حكما لَِّقوٍم يُوقِنُو َن﴾ [املائدة‪.]50-49:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫أَح َس ُن م َن اَلل ُ‬
‫إذًا هذه اآلية بالنص باألمر هللا تبار وتعاىل يأمر الرسول ‘‪ ،‬واخلطاب ألمته‬
‫َنزَل اَللُ﴾ هؤالء اليهود وهؤالء النصارى إذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وأَن اح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬
‫من بعده‪َ :‬‬
‫حتاكموا إليا حتكم بينهم ا أنزل هللا ¸؛ إذا هذا الكالم وهذا الدليل يزيد األمر‬
‫َنزَل اَللُ﴾‪ ..‬املعنيون‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫وثوقا أن املعنيني بقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫عامة‪ ،‬وإمنا‬
‫هبذه اآلية‪ :‬املسلمون‪ ،‬ولكن قولنا هذا ال يلغي العموم يف اآلية‪ ،‬اآلية ّ‬
‫صوا بالذكر من هللا تبار وتعاىل يف هذه اآلية‪.‬‬‫املسلمون فرد من أفراد ذلا العموم ُخ ّ‬
‫لي َماذَا؟‬

‫ملاذا يأمرنا هللا ¸ أن حنكم بني أهل الكتاب ا أنزل هللا ¸؟‪ ،‬وملاذا هذا‬
‫التحذير وملاذا هذا احلكم؟‬

‫َّأوًال‪ :‬ألن الديانات األخرى منسوخة بديننا الكرمي‪ ،‬ديننا اإلسالمي احلنيف‬
‫اإلس َالِم ِدينا فَـلَن‬‫﴿وَمن يَـبتَ ِغ َغيـر ِ‬
‫َ‬ ‫نسخ األديان األخرى‪ ..‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪ ،]85:‬إذا هذا حكم هللا ¸؛ أن‬ ‫يـُقبَ َل منهُ َوُه َو يف اآلخَرة م َن اخلَاس ِر َ‬
‫يبق إال الدين‬ ‫أي دي ٍن غري دين اإلسالم ال يُعرتف به‪ ،‬بل هو دين ملغي‪ ،‬إذا مل َ‬
‫وجه إال‬‫اإلسالمي‪ ..‬فإذا أمر هللا ¸ عباده أن حيكموا ا أنزل هللا يقينا اخلطاب ال يُ ّ‬
‫وجه إال إىل املسلمني ألن تلا األديان منسوخة‬ ‫إىل املسلمني‪ ،‬ال ميكن‪ ،‬اخلطاب ال يُ ّ‬
‫﴿وأ َِن اح ُكم بَـيـنَـ ُهم ِ َا‬
‫وجه إليه خطاب‪َ :‬‬ ‫منسوخ أن يُ ّ‬
‫ٍ‬ ‫بأمر هللا ¸‪ ،‬فال ميكن لدي ٍن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪700‬‬

‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾!! إذا األمر‬


‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬ ‫َنزَل اَللُ﴾ أو‪َ :‬‬
‫أَ‬
‫وجه إلينا حنن املسلمون ألن ديننا هو‬ ‫ِ‬ ‫الرباو‪ِ :‬‬
‫َنزَل اَللُ﴾ ُم ّ‬
‫﴿وأَن اح ُكم بَـيـنَـ ُهم َا أ َ‬
‫َ‬
‫املرضي عند هللا ¸ وال يُعرتف بأي دي ٍن غري دين اإلسالم وذكرت لا الدليل‬ ‫ّ‬ ‫الدين‬
‫ب األَ َّو ُل‪.‬‬
‫السبَ ُ‬
‫على ذلا‪َ ،‬ه َذا َّ‬
‫بآية أخرى‪ ،‬يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬قَاتِلُوا‬ ‫السبب الثَّ ياين‪ :‬ألن اآلية مرتبطة ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َال يـُؤمنُو َن باَلل َوَال باليَـوم اآلخ ِر َوَال ُحيَِّرُمو َن َما َحرَم اَللُ َوَر ُسولُهُ َوَال يَدينُو َن د َ‬
‫ين‬ ‫الذ َ‬
‫اغ ُرو َن﴾ [التوبة‪]29:‬؛‬ ‫احل ِق ِمن ال ِذين أُوتُوا ال ِكتَاب حىت يـعطُوا اجلِزيةَ عن ي ٍد وهم ص ِ‬
‫َ َ َ َُ َ‬ ‫َ َٰ ُ‬ ‫َّ َ َ‬
‫إذا يف شرعنا احلنيف‪ ،‬حبكم ربّنا أن اليهود والنصارى ُيوز هلم أن يعيشوا ضمن دائرة‬
‫اإلسالم وضمن حدود دار اإلسالم‪ ،‬وسبق أن تكلمنا كيف يعيشون وكيف يكون‬
‫حاهلم وفق ضوابطنا الشرعيّة ووفق شروطنا‪ ،‬إذا طاملا أن الشرع احلنيف أجاز‬
‫لليهودي أن يبقى على يهوديّته ويعيش يف دار اإلسالم‪ ،‬وكذلا النصراو؛ إذا هؤالء‬
‫إذا حكمنا وحتاكموا إلينا حنن مأمورون بأمر هللا ¸ أن حنكم ا أنزل هللا تبار‬
‫وتعاىل‪.‬‬

‫همة أُشري إليها حىت تعلم أين حنن من اإلسالم‪:‬‬


‫وهنا ُمالحظة ُم ّ‬
‫السياق؟‪ ،‬ملاذا اليهود والنصارى ﴿فَِإن َجاءُو َ ‪،﴾...‬‬ ‫ملاذا هذه اآليات هبذا ّ‬
‫﴿‪...‬واح َذرُهم أَن يَـفتِنُو َ ‪ ﴾...‬ملاذا؟‬
‫َ‬ ‫﴿وأ َِن اح ُكم‪،﴾...‬‬
‫َ‬
‫ألن املسألة كأن احلكم بني املسلمني ا أنزل هللا مسألة مفروغ منها‪ ،‬كأن‬
‫املسألة مفروغ منها ال حتتاج إىل كالم‪ ،‬ال حتتاج إىل ٍ‬
‫أخذ ورد‪ ،‬أنتم املسلمون ال‬
‫ُحت َكمون إال ا أنزل هللا؛ لكن اإلشكالية يف اليهودي الذي يعيش معا‪ ،‬يف النصراو‬
‫الذي يعيش معا فيما إذا حتاكم إليا ما الطلوب منا؟‪ ،‬مطلوب منا أن حتكم‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪701‬‬

‫بينهم ا أنزل هللا‪ ،‬وأن حتذر أهواءهم‪ ،‬وأن حتذرهم أن يفتنو عن دينا‪ ،‬وأن ختشى‬
‫أحدا يف عدم احلكم فيهم ا أنزل هللا ¸‪ ،‬إذا اآلية تنص على أن هللا تبار وتعاىل‬
‫ما أشار إىل (هل املسلمون ُحيكمون ا أنزل هللا أم ال ُحيكمون ا أنزل هللا؟) هذه‬
‫مسألة مفروغ منها‪ ،‬لكن اإلشكاليّة يف اليهود والنصارى ماذا نفعل هبم‪..‬‬

‫فإذا كان مطلوب منّا أن حنكم بني اليهود والنصارى ا أنزل هللا‪ ،‬فما تقول يف‬
‫صوا بالذكر يف هذه اآلية فاآلية‬ ‫عامة‪ ،‬ولكن املسلمني ُخ ّ‬ ‫املسلمني إذا؟!‪ ،‬إذا اآلية ّ‬
‫تعنيهم قبل غريهم‪ ،‬ويبقى العموم يف اآلية‪ :‬اليهود يف زماهنم إذا مل حيكموا حبكم‬
‫التوراة فأولئا هم الكافرون‪ ،‬النصارى يف زماهنم إذا مل حيكموا ا أنزل هللا‪ :‬فأولئا‬
‫هم الكافرون الظاملون الفاسقون‪ ،‬املسلمون [ال أقول] إذا مل حيكموا فيما بينهم ا‬
‫أنزل هللا‪[ ،‬بل أقول]‪ :‬إذا مل حيكموا بني اليهود والنصارى ا أنزل هللا فأولئا هم‬
‫ٍ‬
‫طاغوت اآلن ال‬ ‫الكافرون‪ ،‬وأولئا هم الظاملون وأولئا هم الفاسقون‪ ،‬وكذلا كل‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪.‬‬
‫حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬اآلية تسري عليه ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫إذا علمت هذا األمر‪ ،‬فأدعياء السلفيّة الذين كنت أمسيهم سابقا باملرجئة‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُصحح تسمييت وأقول‪ :‬هم جهميّون‪ ،‬هم جهميّون‪ ،‬هؤالء األغبياء جهميّون‪ ،‬ملاذا‬ ‫وأ ّ‬
‫خاصة بالكفار؟!‪ ،‬ملاذا يتشبّثون بقول من‬
‫خاصة باليهود وأن اآلية ّ‬
‫يتشبّثون بأن اآلية ّ‬
‫قال من العلماء كالنحاس ‪ ،-¬-‬وكابن عباس ‪ -ƒ-‬قال اآلية خاصة‬
‫باليهود؟!‪ ،‬وكالرباء عندما قال أن اآلية بالكفار‪ ،‬وكالشعيب الذي قال اآلية يف أهل‬
‫الكتاب؟!‪ ،‬ملاذا يتشبّثون بأقوال هؤالء‪ ،‬مث يُنحون جانبا كل تلا األقوال وأقوال كل‬
‫عامة يف مجيع الناس يف املسلمني ويف غريهم؟!‪،‬‬‫أولئا العلماء الذين قالوا أن اآلية ّ‬
‫ملاذا هذا التكتم على أقوال أولئا وإبراز أقوال هؤالء؟!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪702‬‬

‫ذكر اإلمام الشوكاو ‪ -¬-‬يف [إرشاد الفحول] قال‪" :‬مجهور املرجئة ال يقولون‬
‫ُ‬
‫بصيغة العموم إال يف الوعد والوعيد"‪ .‬مجهور املرجئة سابقا ‪-‬ليسوا اجلهميّة وإمنا‬
‫ُ‬
‫املرجئة‪ -‬ال يقولون بصيغة العموم أي األلفاظ اليت هي عامة كأمساء الشرط واإلشارة‬
‫ُ‬
‫واملوصول وغريها من ألفاظ صيغ العموم‪ ،‬قالوا‪ :‬األلفاظ ال تدل على العموم إال يف‬
‫آيات الوعد والوعيد‪ ،‬هنا إذا جاء لفظ عام يقولون أن اللفظ هنا عام‪ ،‬أما خارج‬
‫عامة أو صيغة عموم‪ ،‬هذا رأي مجهورهم‪.‬‬ ‫الوعيد والوعيد فال يوجد شيء امسه ألفاظ ّ‬
‫أقرأ قول اإلمام الشوكاو‪- ،‬يقول ¬‪" :-‬القول بصيغ العموم يف الوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬والتوقف فيما عدا ذلا هو قول مجهور املرجئة‪ ".‬ولكن هنا مجاعة أخرى‬
‫ُ‬
‫من املـُرجئة أيضا هؤالء ال يقولون بصيغة العموم البتّة‪ ،‬يعين ال يوجد عندهم شيء‬
‫امسه صيغة عموم أو أن هذا اللفظ عام يشمل أكثر من فرد‪ ،‬ال يقولون هبذا القول‪،‬‬
‫وهؤالء مجاعة من امل ـُرجئة‪.‬‬

‫الحظ ماذا يقول اإلمام الشوكاو ‪ -¬-‬يف [اإلرشاد]‪ ،‬قال‪" :‬وقال مجاعة من‬
‫املرجئة‪ :‬إن شيئا من الصيغ ال يقتضي العموم بذاته‪ ،‬وال مع القرائن‪ ،‬بل إمنا يكون‬
‫ب هذا إىل أيب احلسن األشعري‪[ ،‬مث قال الشوكاو‬ ‫ِ‬
‫العموم عند إرادة املُتكلّم‪ ،‬ونُس َ‬
‫¬] وال ُخيفا أن هذا املذهب مدفوع ثل ما ُدفِ َع به الذي قبله [كيف ُدفِع؟‪،‬‬
‫قال] ُجمّرد دعوى ليس عليها دليل‪ ،‬واحلُ ّجة قائمة عليهم لغة وشرعا وعُرفا‪ ،‬وكل من‬
‫يفهم لغة العرب واستعماالت الشرع ال خيفى عليه هذا"‪.‬‬

‫إذا اآلن هلؤالء سلف‪ ،‬هؤالء اجلهميّون سلفهم الـ ُمرجئة‪ ،‬يف هذه املسألة هل‬
‫يأخذون بقول مجهور املرجئة ويقولون أن ألفاظ العموم تدل على العموم يف الوعد‬
‫ُ‬
‫والوعيد؟‪ ،‬أم يأخذون بقول اجلماعة اليت تقول أنه ال يوجد شيء امسه ألفاظ العموم‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪703‬‬

‫وإمنا املسألة ترجع إىل قلب املتكلم‪ ،‬فإذا تكلم بلفظ بصيغة العموم وهو يريد العموم‬
‫إذا هذا اللفظ يدل على العموم‪ ،‬وإذا تكلم ٍ‬
‫بلفظ بصيغة العموم ولكن هو ال يريد‬
‫العموم إذا هذا اللفظ ال يدل على العموم؟‪ ،‬وهذا الذي ذكره الشوكاو ‪-¬-‬‬
‫موافق ألصل اجلهميّة اآلن؛ ألهنم ربطوا األمور كلها بالقلب‪.‬‬

‫يقول األلباو يف وريقاته [فتنة التكفري] ‪-‬أنقل كالمه باملعىن وليس بالنص‪ :-‬أن‬
‫استحل ذلا الكفر‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان إذا وقع يف ٍ‬
‫ناقض ال ُيوز ألحد أن يكفره‪ ،‬إال إذا‬
‫بقلبه‪ ،‬مث قال‪ :‬وال سبيل لنا للوصول إىل قلوب الناس حىت نعلم أن هذا الكفر الذي‬
‫ارتكبه يستحلّه يف قلبه أم ال‪ ،‬قال ال سبيل لنا إال أن يقر بلسانه (يا ناس‪ ،‬أنا‬
‫أستحل هذا الناقض) فإذا مسعنا منه استحالله عند ذلا‬ ‫ّ‬ ‫ارتكبت هذا الناقض‪ ،‬وأنا‬
‫نعلم أنه وقع يف ٍ‬
‫ناقض واستحل هذا الناقض يف قلبه‪ ،‬إذا هنا قد ارت ّد هذا الرجل!‬

‫فال تستغرب عندما نقول هلم جذور يف التارخ ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬هكذا كانوا‬
‫يتعاملون‪ ،‬وهؤالء اجلهميّة يريدون أن ُحييوا جهما من جديد‪ ،‬وأن يُعيدوا عقيدته إىل‬
‫ساحة املسلمني من جديد‪ ،‬وقد متكنوا من أن يسروا يف ذلا أشواطا‪ ،‬وسرتون بإذن‬
‫هللا تعاىل هذا األلباو ماذا فعل باملسلمني ومن كان معه ماذا يفعلون باملسلمني‪.‬‬

‫قد يأيت رجل من هؤالء ويقول‪ :‬طيّب‪ ،‬حكمتم علينا باإلرجاء وباجلهميّة ألننا‬
‫النحاس؟‪ ،‬فما تقول يف اإلمام القرطيب‪،‬‬‫قلنا اليهود هم املعنيّون باآلية‪ ،‬فما تقول يف ّ‬
‫فما تقول يف ابن عباس؟‪ ،‬هؤالء أيضا يقولون يف اليهود‪ ،‬هؤالء أيضا ُمرجئة؟!‬

‫نقول‪ :‬هذا من التلبيس الذي اعتدمت عليه‪ ،‬وهذا من اخلداع الذي ُمتارسونه دائما‬
‫مع املسلمني؛ هنا فارق‪ ..‬نرجع إىل أصول العامل فإذا كان أصله ُمرجئيا‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قوله هذا قول إرجاء‪ ،‬أما إذا كانت أصوله أصول أهل السنة مث وافق فرقة ضالّة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪704‬‬

‫يف رأي من اآلراء؛ هذا ال يعين بأنه أصبح ُمرجئيا أو أصبح خارجيا‪ ،‬ال يقول أحد‬
‫ثل هذا القول البتة‪.‬‬

‫فكون هؤالء األئمة قالوا أن اليهود هم املعنيّون باآلية ال يعين أهنم ُمرجئة‪،‬‬
‫لي َماذَا؟‬

‫اء‪ :‬هم يقولون بألفاظ العموم‪ ،‬ليسوا مثلكم أنتم‪.‬‬ ‫ي‬


‫ابْت َد ً‬

‫ب الثَّ ياين‪ :‬الفارق بني هؤالء وبني علماء أهل السنة ابن عباس و ّ‬
‫النحاس‬ ‫السبَ ُ‬
‫َّ‬
‫والشعيب والقرطيب ‪ :-†-‬أن هؤالء يعتربون العمل ُركنا يف اإلميان‪ ،‬العمل من‬
‫عرف اإلميان عند أهل السنة واجلماعة عند هؤالء‬ ‫مسمى اإلميان‪ ،‬إذا أردت أن تُ ّ‬
‫العلماء‪ ،‬يقولون‪ :‬اعتقاد‪ ،‬وقول‪ ،‬وعمل‪ ،‬يزيد وينقص‪ ،‬إذا هم مل ُخيرجوا جنس العمل‬
‫من مسمى اإلميان‪ ،‬فيُك ّفرون بعض الناس باألعمال وال يُك ّفرون ببعض األعمال‪.‬‬

‫ص ير‪ :‬هؤالء كشيخهم جهم بن صفوان‪ ،‬أخرجوا جنس العمل من‬ ‫أَ َّما َج ْه يميَّةُ َ‬
‫الع ْ‬
‫مسمى اإلميان‪ ،‬وحىت خيدعوا املسلمني قالوا بقوهلم‪ ..‬إيش قالوا؟‪ ،‬إذا رجعت إىل‬
‫عرفون لا اإلميان يقول‪ :‬اإلميان اعتقاد وقول وعمل‪ ،‬ويزيد وينقص‪ ..‬جيّد‬ ‫كتبهم يُ ّ‬
‫أين الفارق بيننا وبينكم إذا؟ يُقال‪ :‬ال‪ ،‬أنت يف العمل جعلته شرط كمال‪ ،‬األعمال‬
‫ط فقد خرج من‬ ‫كلها جعلتموها شرط كمال‪ ،‬وأنت تعلم أن العمل إذا قيل عنه شر ٌ‬
‫مسمى اإلميان؛ ألن الشرط ال يكون يف ماهية الشيء وإمنا الشرط يكون خارج‬
‫الشيء‪ ..‬إذا سألتين عن أركان الصالة‪ ،‬أقول لا‪ :‬تكبرية اإلحرام والوقوف والقراءة‬
‫والسجود والركوع و‪ ...‬أُع ّدد لا‪ ،‬لكن ال ميكن أن أقول لا‪ :‬الوضوء‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن‬
‫الوضوء شرط‪ ،‬والشرط دائما يكون خارج ذات الشيء‪ ،‬فهؤالء اجلهميون عندما‬
‫أصلوا على عقيدة جه ٍم فأخرجوا‬ ‫جاؤوا إىل العمل قالوا بقول أهل السنة‪ ،‬ولكن ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪705‬‬

‫العمل من مسمى اإلميان وجعلوه شرط كمال؛ فهؤالء احلُ ّكام‪ ،‬اجلهميّون ال‬
‫يُك ّفروهنم ملاذا؟؛ ألن احلكم بغري ما أنزل هللا عمل‪ ،‬والعمل ال يُك ّفر به عندهم‪ ،‬وإمنا‬
‫إذا حكم ا أنزل هللا إميانه يزيد‪ ،‬حكم بالدستور وبالياسق وبالقانون األمريكي‬
‫وبالوضعي‪ ،‬قال‪ :‬هذا مؤمن ناقص اإلميان!‬

‫إ ًذا أتكون أنت كابن عباس الذي قال‪ :‬املعين باآلية اليهود؟! أتكون أنت‬
‫كالنحاس الذي قال‪ :‬أن املعنيني باآلية اليهود؟! أنت يف و ٍاد‪ ،‬وهم يف التِّ ِ‬
‫الل!‬ ‫ّ‬
‫إذا من هنا كان قول هؤالء اخلُبثاء أن هذا كفر دون كفر‪ ،‬وسنأيت إىل هذه‬
‫التفاصيل يف ٍ‬
‫لقاء ٍ‬
‫قادم إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪706‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ َّ َ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس الس ِادس و‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪:‬‬ ‫تف ِسير‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الك ِافرون﴾‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫أعنا على‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫الباطل ب ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫اتِّ ِ‬
‫يوم نَـل َقا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬‫َ َ‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫رب اشر صدري‪ِ ،‬‬ ‫وال جتعله حجة علينا يا أرحم الر ِِ‬
‫احني‪ِ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ‬
‫لوجها خالِصا‬
‫َ‬
‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ِ‬
‫صاحلا‪ ،‬و‬ ‫واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َنزَل اَللُ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫حتدثنا يف لقاء سابق عن قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ [املائدة‪ ،]44:‬ومكننا هللا تبار وتعاىل من إثبات بعض‬ ‫فَأُولَئِ َ‬
‫احلقائق املتعلقة هبذه اآلية الكرمية‪.‬‬

‫عامة يف كل من ال حيكم ا أنزل هللا‬ ‫احلقيقة األوىل اليت أثبتناها‪ :‬أن هذه اآلية ّ‬
‫¸‪ ،‬من أي ملّة من امللل كانوا سواء من األمم الغابرة أم احلالية أم الالحقة‪ ،‬هذا‬
‫األمر األول وأثبتنا ذلا ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬بالدليل الشرعي‪.‬‬

‫أثبتنا شيئا آخر‪ :‬عندما وجدنا أقوال العلماء ابتداء من الصحابة ‪-‬رضوان هللا‬
‫تعاىل عليهم أمجعني‪ -‬ومرورا بالعلماء واملفسرين‪ ،‬وجدناهم قد اختلفوا يف تعيني من‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪707‬‬

‫املقصود باآلية الكرمية‪ ..‬قلنا على العموم‪ ،‬لكن كان هنا منهم من قال ع ّامة‪،‬‬
‫ومنهم من قال يف اليهود‪ ،‬ومنهم من قال يف أهل الكتاب‪ ،‬من خالل األدلة ومن‬
‫﴿وَمن َمل‬
‫خالل الرجوع إىل آيات هللا تبار وتعاىل أثبتنا أن املُخاطبني هبذه اآلية‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ أن املخاطبني هبذه اآلية هم املسلمون‪،‬‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫َحي ُكم َا أ َ‬
‫وقلنا يف حينها أيضا أن ذكر بعض أفراد العام ال يقتضي التخصيص؛ فاهلل تبار‬
‫خاصة‬
‫وتعاىل عندما ذكر املسلمني قبل هذه اآلية وبعدها ال يعين أن هذه اآلية ّ‬
‫باملسلمني‪ ،‬بل هي على عمومها‪ ،‬إذا اآلية تشمل املسلمني واآلية تشمل غري‬
‫املسلمني أيضا‪ ،‬نأيت إىل اجلزء اآلخر من املوضوع وهو‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ََ ُ ُ‬
‫مسألة‪ :‬الكف ِر في ه ِذ ِه اآلي ِة‪.‬‬
‫ما أقوال علماء أهل السنة واجلماعة يف هذا الكفر الذي ذكره هللا تبار وتعاىل‬
‫يف هذه اآلية؟‬

‫فأقول ُمستعينا باهلل ¸‪ :‬إن الذي ال يرجع إىل أقوال العلماء وإىل كتب التفاسري‬
‫وكتب األحاديث يظن للوهلة األوىل أن اآلية ال تتجاوز أحد قولني‪ :‬إما أنه كفر‬
‫أكرب‪ ،‬وإما أنه كفر دون كفر‪ ،‬هذا هو الـ ُمنطبع يف األذهان ويف العقول‪ ،‬أن اآلية ال‬
‫وجه العقول واألبصار إىل هذين النوعني من‬‫تفسري هلا غري هذين التفسريين‪ ،‬والذي ّ‬
‫التفسري هم جهميّة العصر (أدعياء السلفيّة‪ ،‬أحباب الطواغيت)؛ ألن اإلعالم‬
‫سخر هلؤالء‪ ،‬فيتكلم كيفما يشاء دون أن ُيد هنا مانع مينعه من قول‬ ‫الطاغويتّ ُم ّ‬
‫ما يشاء‪ ،‬فمن خالل هذا اإلعالم متكنوا من أن يُقنعوا الناس أن معىن الكفر يف هذه‬
‫اآلية‪( :‬الكفر غري املخرج من امللّة) وأقنعوا املسلمني أن هذا هو قول أهل السنة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪708‬‬

‫واجلماعة‪ ،‬إزاء هذا القول من خالل اإلعالم الطاغويتّ أقنعوا املسلمني أيضا أن من‬
‫قال‪( :‬الكفر هنا كفر ُمرج من امللة) قالوا‪ :‬هؤالء خوارج‪.‬‬

‫قسموا الناس بناء على هذين‬ ‫فلم يكتفوا حبصر التفسري يف تفسريين‪ ،‬بل ّ‬
‫التفسريين؛ فمن قال‪( :‬كفر دون كفر) هذا من أهل السنة واجلماعة كما يزعم‬
‫جهميّة العصر‪ ،‬ومن قال‪( :‬كفر ُمرج من امللّة)‪ ،‬قالوا‪ :‬هؤالء خوارج‪ ،‬وهؤالء تنزل‬
‫فيهم األحاديث اليت قاهلا الرسول ‘‪ ،‬فيا تُرى هل الكفر يف اآلية حمصور هبذين‬
‫التفسريين؟‪ ،‬أم للعلماء أقوال يف تفسري الكفر يف هذه اآلية؟‬

‫ال َق ْو ُل األَ َّو ُل‪:‬‬

‫الرازي(‪ -¬- )99‬يف تفسريه‪ ،‬فذكر أن إحدى تفسريات هذه اآلية‪:‬‬ ‫ذكره ّ‬
‫تفسري اخلوارج‪ ،‬فقالوا‪ :‬أن الذي يُك ّفر احلُ ّكام الذين حيكمون بغري ما أنزل هللا‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫هذا قول اخلوارج‪.‬‬

‫فرت عليهم عندما قيل أهنم يُك ّفرون احلكام وجب هذه اآلية‪ ،‬هذه‬
‫واخلوارج مل يُ َ‬
‫حقيقة‪ ،‬ولكن هل اآلية ُمنحصرة بتفسري اخلوارج فقط؟‬

‫األمر ليس كذلا؛ بدليل أن اخلوارج ك ّفروا خلفاء املسلمني‪ ،‬بدؤوا بعلي ‪¢-‬‬
‫وأرضاه‪ -‬ومعاوية‪ ،‬وكذلا خلفاء بين أمية‪ ،‬وخلفاء بين العباس هؤالء كلهم كانوا‬
‫يُك ّفروهنم وأعين‪ :‬أنه من يرتكب كبرية من الكبائر‪ ،‬يف دين اخلوارج يُعترب اخلليفة هذا‬
‫قد ارت ّد عن دين هللا تبار وتعاىل واخلروج عليه واجب‪ ،‬ومن هنا كانوا خيرجون على‬

‫(‪ )99‬وأنت تعلم أن الرازي كان ُمعتزليا‪ ،‬ولكنه تاب يف هناية أمره‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪709‬‬

‫الكرة وبدؤوا‬
‫اخللفاء عرب التاريخ‪ ،‬كانوا يُفتتون وما يلبثون برهة إال واجتمعوا وعادوا ّ‬
‫يُقاتلون اخلليفة‪ ،‬هذا تفسري اخلوارج لآلية‪.‬‬

‫ولكن هذا التفسري تفسري فاسد وباطل؛ ألن أهل السنة واجلماعة يُك ّفرون من‬
‫ال حيكم ا أنزل هللا تبار وتعاىل‪ ،‬من مل حيكم ا أنزل هللا يقولون هذا‪ :‬كفر‪ ..‬أما‬
‫احلكام املسلمون الذين حيكمون ا أنزل هللا ¸‪ ،‬فأهل السنة منضبطون بضوابط‬
‫الشرع؛ فال يقولون يف خليفة حيكم ا أنزل هللا إذا ارتكب معصية أو ذنبا أو فَ َس َق أو‬
‫قرونه على خالفته‬ ‫بنوع من هذه األعمال‪ ،‬ال حيكمون عليه بالكفر‪ ،‬بل يُ ّ‬ ‫أتى ٍ‬
‫ويسمعون له ويطيعون‪ ،‬ألن من دينهم أهنم ال خيرجون على اخلليفة إال إذا رأوا كفرا‬
‫بواحا عندهم فيه من هللا برهان‪.‬‬

‫والسبب الثاو‪ :‬ألن علماء أهل السنة واجلماعة ‪-‬وأهل السنة واجلماعة على‬
‫رأي علمائهم‪ -‬يعلمون أهنم إذا خرجوا على اخلليفة بسبب الظلم أو بسبب الفسق‪،‬‬
‫فإن املفسدة اليت تنجم من اخلروج أضعاف أضعاف املفسدة اليت هو فيها‪ ،‬فأن يبقى‬
‫فاسدا أفضل من أن خنرج عليه ألن اخلروج عليه سيؤدي إىل سفا دماء املسلمني‪،‬‬
‫وحنافظ على دماء املسلمني وعلى وحدهتم أفضل من أن خنرج‬ ‫فأن يبقى عاصيا ُ‬
‫عليهم‪ ،‬وهلذا خلفاء بين العباس وخلفاء بين أُميّة كان فيهم من يرتكب املنكرات‪،‬‬
‫حرضوا‬
‫ومن يأيت بالفسق ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬لكن كبار علماء أهل السنة واجلماعة ما ّ‬
‫أحدا على اخلروج عليهم وال هم خرجوا على خليفة من أولئا اخللفاء‪.‬‬

‫إذًا القول األول أن هذه اآلية تُ ّ‬


‫فسر وفق فهم اخلوارج‪ ،‬هذا تفسري باطل ال‬
‫نقول به وأهل السنة أيضا ال يقولون به‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪710‬‬

‫إذا أمامنا حاكمان‪ :‬هنا حاكم ال حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬وهنا حاكم حيكم ا‬
‫أنزل هللا‪ ،‬تكفري األول هذا دين أهل السنة واجلماعة‪ ،‬تكفري الثاو هذا دين اخلوارج‪،‬‬
‫تكفري األول الذي ال حيكم ا أنزل هللا هذا دين أهل السنة واجلماعة‪ ،‬أما تكفري‬
‫فسر وفق‬
‫الثاو ‪-‬أي الذي حيكم ا أنزل هللا‪ -‬هذا دين اخلوارج‪ ..‬إذا اآلية ال تُ ّ‬
‫أصول اخلوارج ووفق رؤية اخلوارج‪ ،‬هذا التفسري األول لآلية‪.‬‬

‫التَّ ِْ يسريُ الثَّ ياين ليآيَية‪:‬‬

‫من العلماء من قال أن الكفر املقصود يف اآلية‪ :‬كفر النعمة‪ .‬وهو قول عطاء ‪-‬‬
‫¬ رحة واسعة‪ -‬كما ينقل عنه الرازي أيضا‪.‬‬

‫عطاء ‪ -¬-‬هو من تالميذ ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬ويقول بقول ابن‬


‫َنزَل اَللُ‪ ﴾...‬كفر دون كفر‪..‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫عباس "كفر دون كفر"‪ ..‬فقال‪َ :‬‬
‫مث نقل كالما لطاووس ‪ ¬-‬تالعى رحة واسعة‪ -‬قال‪ :‬ليس بالكفر املنقل من امللة‬
‫ُ‬
‫كالكفر باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬ولكن كفر دون كفر‪ .‬مث قال ‪-‬عطاءٌ يعين ع ّقب على‬
‫هذا الكالم‪ -‬قال‪ :‬فكأهنم حلوا اآلية على كفر النعمة ال على كفر الدين‪ ،‬إذا هذا‬
‫فهم عطاء لقول ابن عباس ولقول طاووس ‪.-¬-‬‬

‫إذا عند البحث والتقصي تعترب هذا تفسريا هلذه اآلية وال ُيوز لا أن تتجاوزه‬
‫وعليا أن تقف عنده أيضا‪.‬‬

‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ يعترب كفر نعمة كما قال عطاء ‪-‬‬


‫فهل الكفر هنا يف ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫يل‪:‬‬ ‫صي‬‫¬‪-‬؟‪ ،‬نَأْيِت إل التَّ ِْ ي‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪711‬‬

‫ي‬
‫فسره علي اخلضري ‪-‬نسأل هللا تبار وتعاىل أن‬ ‫اء‪ :‬معىن كفر النعمة كما ّ‬
‫ابْت َد ً‬
‫ييسر له أمره‪ -‬قال‪ :‬كفر النعمة يُقصد به النكران للجميل واإلحسان‪ ،‬وقال أبو‬
‫عبدهللا اخلطيب يف كتابه [التكفري أخطاره وضوابطه] قال‪ :‬ومن الكفر‪ :‬كفر النعمة‪،‬‬
‫فيكون نقيض الشكر‪ ،‬و عىن جحود نعمة املـُنعم؛ أي برت أداء شكره على نعمه‪.‬‬

‫أي أن هللا تبار وتعاىل ‪-‬نربط املسألة باهلل تبار وتعاىل‪ -‬إذا أنعم على عبده‬
‫نعمة أو على أمة من األمم نعمة‪ ،‬يُطلب من هؤالء األفراد ومن هذه األمة أن‬
‫يشكروا هللا تبار وتعاىل على هذه النعمة اليت أنعم هبا عليهم‪ ،‬فإذا تركوا شكر هللا‬
‫تبار وتعاىل على هذه النعمة عملهم هذا يسمى كفرا‪ ،‬ولكن مقيد بإيش؟‪ ،‬بكفر‬
‫ب اَللُ َمثَال قَـريَة َكانَت ِآمنَة ُّمط َمئِنة‬ ‫ضَر َ‬‫﴿و َ‬
‫النعمة‪ ..‬دليل ذلا من كتاب هللا ¸‪َ :‬‬
‫وع واخلو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف﴾‬ ‫اس اجلُ ِ َ َ‬ ‫يَأت َيها رزقُـ َها َر َغدا ّمن ُك ِّل َم َكان فَ َك َفَرت بأَنـعُم اَلل فَأَ َذاقَـ َها اَللُ لبَ َ‬
‫[النحل‪.]112:‬‬

‫فسره هللا تبار وتعاىل؟‪ ،‬بكفر النعمة‪ ،‬املقصود بالقرية‬


‫هذا النوع من الكفر اذا ّ‬
‫كل‬
‫هنا‪ :‬مكة‪ ،‬بسبب احلج وبسبب موسم احلج الناس يتوافدون إىل بيت هللا احلرام و ٌ‬
‫ُيلب من بقعته ومن بقاعه ما يتواجد عنده‪ ،‬فتجد األرزاق ُجتلب إىل تلا الديار‬
‫علما أهنا بو ٍاد غري ذي زرع‪ ،‬هللا تبار وتعاىل فتح هلم أبواب الرزق والرزق يُساق‬
‫إليهم من كل جانب‪ ،‬لكن أهل مكة ما آمنوا برسول هللا ‘‪ ،‬وكفروا بنعمة هللا‬
‫وحدوه‪ ،‬بل كانوا يعبدون األصنام مقابل هذا الذي‬ ‫تبار وتعاىل وما آمنوا باهلل وال ّ‬
‫كان يأتيهم إىل ديارهم دون أن يسعوا هم إىل ذلا‪ ،‬إذا الذي كان ُيلب إليهم‬
‫الرزق هو وجود بيت هللا تبار وتعاىل‪ ،‬والبيت هلل؛ إذا هللا ¸ هو صاحب الفضل‬
‫على أهل مكة فكان عليهم أن يشكروا هللا تبار وتعاىل ال أن يصرفوا الشكر‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪712‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعبادة إىل األصنام؛ من هنا قال هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَ َك َفَرت بأَنـعُ ِم اَلل فَأَ َذاقَـ َها اَللُ‬
‫ف﴾‪.‬‬ ‫وع واخلو ِ‬ ‫ِ‬
‫اس اجلُ ِ َ َ‬
‫لبَ َ‬
‫كذلا احلديث الذي رواه اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عن عبدهللا بن‬
‫عباس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ -‬أن الرسول ‘ قال‪( :‬أُ ِر ُ‬
‫يت النار فإذا أكثر أهلها النساء‬
‫يكفرن‪ ،‬قيل‪ :‬أيكفرن باهلل؟‪ ،‬قال‪( :‬يكفرن العشري ويكفرن اإلحسان)‪.‬‬

‫هذا النوع أيضا يسمى كفر النعمة‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن املرأة هكذا مهما أحسنت إليها‬
‫إن قصرت كأنا مل تعمل هلا حسنا يف يوم من األيام‪ ،‬هذا التصرف يسميه الرسول‬
‫‘‪ :‬بالكفر‪ ،‬لكن يقينا كما سأل الصحابة‪ :‬أيكفرن باهلل؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ..‬إذا أي نوع‬
‫من الكفر هذا؟‪ ،‬كفر النعمة‪ ..‬إذا هنا إحسان وهنا فضل وهنا نعمة‪ ،‬هذا‬
‫اإلحسان وهذا الفضل مل يُقابل بالشكر‪ ،‬إذا هذا يسمى كفر النعمة‪.‬‬

‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ هل‬


‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫إذا جئنا إىل هذه اآلية‪َ :‬‬
‫الكفر هنا كفر النعمة؟‬

‫يقينا ليس الكفر هنا كفر النعمة‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن هللا تبار وتعاىل عندما أنزل علينا‬
‫هذه التشريعات‪ ،‬ما طلب منّا ُمقابل هذه األحكام أن نشكره‪ ،‬ما طلب منّا أن‬
‫نشكره؛ ألن األحكام إذا كانت تنتهي بالشكر‪ ،‬مث بعد ذلا ما عملنا بأي حكم‬
‫من أحكام هللا ¸ وشكرناه على هذه األحكام اليت أنزهلا إذا قمنا ا هو مطلوب‬
‫ونتنعم بنعيم هللا تبار وتعاىل! إمنا هذه األحكام نزلت حىت‬‫منا وحنن لسنا بكفار ّ‬
‫نعمل بأوامرها ونقف عند نواهيها‪ ،‬فاهلل تبار وتعاىل ما طلب منّا أن نشكره على‬
‫هذه األحكام اليت أنزهلا‪ ،‬بل طلب منّا أن نلتزم بأوامره وأن نقف عند نواهيه‪ ،‬فإذا‬
‫فعلنا ذلا نكون عبادا هلل تبار وتعاىل‪ ،‬فنتعبّد هللا ¸ باحلكم هبذه األحكام اليت‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪713‬‬

‫أنزهلا‪ ،‬ونتعبّد هللا تبار وتعاىل بالتحاكم إىل هذه األحكام اليت أنزهلا‪ .‬إذا املسألة ال‬
‫عالقة هلا بكفر النعمة‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬أن العرب ‪-‬والقرآن نزل بلغتهم‪ -‬ال يستخدمون كفر النعمة يف‬
‫األوامر والنواهي؛ أي أن عربيا إذا قال ألحد‪ :‬افعل أو ال تفعل‪ ،‬إذا مل يلت ِزم هبذا‬
‫األمر‪ ،‬العريب ال يصف هذا غري امللتزم بأنه كفر كفر نعمة‪ ،‬بل يسميه عصيانا‪ ،‬بل‬
‫يسميه كفرا بل يسميه أمساء أخرى‪ ،‬أما كفر النعمة العرب ال يستخدمون كفر النعمة‬
‫يف هذا املوطن‪.‬‬

‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫إذا قد يأيت قائل ويقول‪َ :‬‬
‫والكفر هنا كفر نعمة‪ ،‬فكيف تُك ّفرون هؤالء الطواغيت؟‪ ،‬نقول‪ :‬هذا قول عطاء‪،‬‬
‫وهذا القول ال يصح عند التحقيق كما ذكرت لا‪ ،‬ونسأل هللا تبار وتعاىل أن‬
‫نكون قد أصبنا فيما ذهبنا إليه‪.‬‬

‫ك ُه ُم الْ َكافي ُرو َن﴾‬ ‫اك تَ ِْ يسريٌ ثَالي ٌ‬


‫ث يهلَ يذهي اآليَية‪﴿ :‬فَأ ُْولَئي َ‬ ‫ُهنَ َ‬

‫عبدهللا بن مسعود ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬واحلسن البصري قالوا‪ :‬كفر اعتقاد‬


‫واستحالل‪ ،‬أي أن يعتقد الكفر وأن يستحلّه‪.‬‬

‫سنتوسع فيه عندما نتحدث‬


‫ّ‬ ‫أجتاوز احلديث عن هذا النوع من الكفر اآلن‪ ،‬ألننا‬
‫عن الكفر األكرب مىت يُشرتط االستحالل ومىت ال يُشرتط االستحالل‪.‬‬

‫إذا عليا أن تعلم أن التفسري الثالث هلذه اآلية‪ :‬أن من حكم بغري ما أنزل هللا‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪..‬‬
‫استحل احلكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬يُنزل عليه حكم‪﴿ :‬فَأُولَئِ َ‬
‫و ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪714‬‬

‫وأجتاوز اآلن التفصيل يف هذا النوع من الكفر ألننا يف املستقبل حنتاج إىل احلديث‬
‫يف هذا النوع من التفسري‪.‬‬

‫الرابي ُع يهلَ يذهي اآليَية‪:‬‬


‫التَّ ِْ يسريٌ َّ‬
‫وهو قول الس ّدي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬واحلسن البصري وعبدالرحن بن زيد ابن‬
‫ِ‬
‫َنزَل اَللُ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫أسلم‪ ..‬هؤالء عندما جاؤوا إىل قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ قالوا‪ :‬هذا املقصود به أن يأيت حبك ٍم‪ ،‬يكتب احلكم بيده‪ ،‬مث‬
‫فَأُولَئِ َ‬
‫ينسب هذا احلكم الذي كتبه بيده إىل هللا ¸‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬أن يأيت إنسان ويرت شرع هللا تبار وتعاىل ويضع هو تشريعا‪ ،‬مث هذا‬
‫التشريع الذي وضعه ينسبه إىل هللا ¸‪ ..‬قالوا‪ :‬إذا الذي حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬هذا‬
‫احلكم إذا مل ينسبه إىل هللا ¸‪ ،‬هذا ال يسمى كفرا!‪ ،‬وأنت تعلم كم من علماء‬
‫الفضائيات يقولون هبذا القول ومن علماء السالطني أيضا‪ ،‬يقول‪ :‬طاملا أنه جاء‬
‫حبكم بديل لكن مل ينسب هذا احلكم إىل هللا‪ ،‬إذا اآلية ال تشمله‪.‬‬

‫ما التحقيق يف هذا القول؟ وما التحقيق فيما ذكره العلماء حول هذا القول؟‬

‫الحظ ماذا قال الس ّدي واحلسن البصري وعبدالرحن بن زيد بن أسلم †‪:‬‬

‫قال احلسن والس ّدي‪" :‬إن حكم ا عنده على أنه من عند هللا‪ ،‬فهو تبديل له‬
‫يوجب الكفر"‪ .‬هذا قول الس ّدي واحلسن البصري ذكره اإلمام ابن العريب ¬ يف‬
‫تفسريه‪ ،‬وذكره القرطيب أيضا يف تفسريه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪715‬‬

‫أما قول عبدالرحن بن زيد بن أسلم ¬‪ :‬فقد ذكره الطربي ¬ ونص قوله‪:‬‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫"يقول عبدالرحن بن زيد بن أسلم يف قوله‪َ :‬‬
‫ال َكافُِرو َن﴾‪ ،‬قال‪ :‬من حكم بكتابه الذي كتبه بيده وتر كتاب هللا‪ ،‬وزعم أن كتابه‬
‫هذا من عند هللا‪ ،‬فقد كفر"‪.‬‬

‫من كتب كتابا بيده وتر كتاب هللا ¸‪ ..‬الحظ الشروط اليت وضعوها والقيود‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أنه هو وضع تشريعا‪.‬‬

‫الشرط الثاو‪ :‬تر شرع هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬نسب هذا الذي كتبه هو إىل هللا ¸ على أن هذا حكم هللا‬
‫تبار وتعاىل‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬ال يُك ّفر إال من كان كذلا‪ ،‬أي أن يأيت أُناس يضعون تشريعات‪،‬‬
‫وحيكمون هبذه التشريعات البديلة‪ ،‬ويرتكون شرع هللا ¸‪ ،‬وينسبون هذا الذي كتبوه‬
‫إىل هللا تبار وتعاىل‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا تفسري اآلية‪.‬‬
‫ي‬
‫حبث هذه املسألة‪،‬‬‫يسر هللا تبار وتعاىل‬ ‫فَاتَيين أَ ْن أُش َ‬
‫ري إل أَ ْمر‪ :‬عندما ّ‬
‫قرأت الكثري من أقوال العلماء ‪-‬بتيسري هللا تبار وتعاىل‪ ،-‬لكن بعد ذلا خرجت‬
‫حصلة‪ :‬قلت ال أخرج من هذه الدوامة إال إذا رجعت إىل األصل‪ ،‬فجعلت نصب‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم‬
‫عيين سبب نزول اآلية‪ ،‬مث جعلت نصب عيين قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ،‬مث جعلت نصب عيين احلكم الوارد يف هذه‬‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫َا أ َ‬
‫ِ‬
‫اآلية‪ ،‬مث بدأت أنظر إىل األقوال من خالل سبب النزول ومن خالل اآلية ومن‬
‫األجالء (احلسن البصري‪،‬‬‫ّ‬ ‫خالل احلكم الوارد يف اآلية‪ ..‬فعندما جئنا إىل هؤالء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪716‬‬

‫والس ّدي وابن زيد) قالوا‪ :‬أنه يُشرتط أن يكتب‪ ،‬وأن ينسب هذا الذي كتبه إىل هللا‬
‫ص ُّح َه َذا ال َق ْو ُل أَ ْم ال؟‬
‫تبار وتعاىل‪ ،‬فَ َه ْل يَ ُ‬
‫اء‪ :‬هذا القول ُُمالف لسبب نزول اآلية‪ ،‬فسبب نزول اآلية‪ :‬أن اليهود‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫عندما ب ّدلوا شرع هللا ¸ يف الزاو‪ ،‬احلكم يف التوراة الرجم كما عند البخاري‬
‫غريوا هذا احلكم من الرجم إىل التحميمم واجللد‬
‫ومسلم‪ ،‬أما علماء اليهود فقد ّ‬
‫والتجبيه‪ ..‬هؤالء عندما جاؤوا بالبديل مل ينسبوه إىل هللا ¸‪ ،‬ما قالوا هذا الذي‬
‫جئنا به هذا من عند هللا تبار وتعاىل‪.‬‬

‫كيف تُثبت أن هذا الذي ب ّدلوه مل ينسبوه إىل هللا ¸؟‬

‫يف رواية عند البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬اليهود عندما جاؤوا يتحاكمون إىل‬
‫رسول هللا ‘ يف شأن الزاو والزانية اليهوديني‪ ،‬فقال الرسول ‘‪( :‬ما جتدون يف‬
‫الوج ِه‬
‫يم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتابكم؟) هؤالء اليهود قالوا ‪-‬أذكر بالنص‪" :-‬إن أَحبَ َارنَا أَح َدثُوا َحتم َ‬
‫َوالتجبِيهَ"‪ .‬إذا اليهود كانوا يعلمون أن هذا احلكم املـُب ّدل كان بعمل من علمائهم‬
‫وليس من هللا ¸‪ ،‬إذا هنا فارق‪ ،‬وهذا الذي قاله اليهود أثبته هللا تبار وتعاىل يف‬
‫ون اَللِ﴾ [التوبة‪ ،]31:‬إذا‬ ‫القرآن عندما قال‪﴿ :‬اختَ ُذوا أَحبارهم ورهبانـَهم أَربابا ِمن د ِ‬
‫َ َُ َُ َ ُ َ ّ ُ‬
‫غري من خالل اآلية القرآنية ومن خالل ما جاء على لسان‬ ‫نفهم أن احلرب هو الذي ّ‬
‫الوج ِه َوالتجبِيهَ"‪.‬‬
‫يم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اليهود يف [صحيح البخاري] قال‪" :‬إن أَحبَ َارنَا أَح َدثُوا َحتم َ‬
‫إذًا اليهود مل ينسبوا الشرع البديل إىل هللا ¸‪ ،‬فطاملا فُِق َد هذا الشرط يف سبب‬
‫النزول إذا من أراد أن حيكم يف اآلية ُيب أن يتقيّد بسبب النزول‪ ،‬فاهلل تبار وتعاىل‬
‫ال ذكر وال العلماء ذكروا وال اليهود ذكروا أهنم نسبوا هذا البديل إىل هللا تبار‬
‫وتعاىل‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪717‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬أن هذا الصنف إذا ُوِجد ‪-‬وهو موجود‪ -‬أهنم يكتبون التشريعات‬
‫بأيديهم‪ ،‬مث ينسبون هذا التشريع إىل هللا‪ ،‬هذا الصنف يُعتربون من املـُفرتين على هللا‬
‫اب بِأَي ِدي ِهم ُمث يَـ ُقولُو َن َٰه َذا‬ ‫ِ‬
‫ين يَكتُبُو َن الكتَ َ‬
‫ِِ‬
‫¸؛ يقول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَـ َوي ٌل لّلذ َ‬
‫ند اَللِ لِيَشتَـ ُروا بِِه َمثَنا قَلِيال ۚ فَـ َوي ٌل هلُم ِّمما َكتَبَت أَي ِدي ِهم َوَوي ٌل هلُم ِّمما‬ ‫ِمن ِع ِ‬
‫يَك ِسبُو َن﴾ [البقرة‪ ،]79:‬إذا هذا الصنف يفرتون على هللا تبار وتعاىل إذا نسبوا إليه‬
‫شيئا هو مل يُن ِزله أو مل ينسبه إىل ذاته العليّة‪.‬‬

‫﴿وَمن أَظلَ ُم ِمم ِن افـتَـَر ٰى َعلَى‬ ‫وهؤالء حاهلم يوم القيامة‪ :‬يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ول األَشهاد ٰهؤَال ِء ال ِ‬ ‫ضو َن َعلَ ٰى َرّهبِِم َويَـ ُق ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َك َذبُوا َعلَ ٰى‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫ا يـُعَر ُ‬‫اَلل َكذبا ۚ أُوٰلَئِ َ‬
‫ني﴾ [هود‪ ،]18:‬إذا هذا الصنف إذا كتبوا شيئا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َرّهبم ۚ أََال لَعنَةُ اَلل َعلَى الظالم َ‬
‫ونسبوه إىل هللا تبار وتعاىل‪ ،‬هذا صنف املفرتين‪.‬‬

‫نَأْيِت اآل َن‪ :‬إذا وضعوا تشريعا ‪-‬بناء على قول الس ّدي واحلسن وابن زيد‪ -‬مث‬
‫نسبوه إىل هللا ¸‪ ،‬هؤالء أسوأ حاال بكث ٍري من اليهود؛ ألنين ذكرت لا أن اليهود‬
‫عندما ب ّدلوا‪ ،‬ما نسبوا شيئا إىل هللا ¸‪ ،‬إذا دخوهلم يف اآلية من باب أوىل‪ ،‬دخوهلم‬
‫يف كفر اآلية من باب أوىل‪ ،‬أما إذا كتبوا‪ ،‬ومل ينسبوا شيئا إىل هللا ¸‪ ،‬وحكموا‬
‫بالبديل‪ :‬فقد دخلوا يف صورة سبب النزول‪ ،‬سبب النزول‪ :‬أن اليهود ب ّدلوا‪ ،‬لكن ما‬
‫نسبوا إىل هللا ¸‪ ،‬هؤالء أيضا إذا ب ّدلوا ومل ينسبوا إىل هللا تبار وتعاىل إذا حاهلم‬
‫حال اليهود املـُب ّدلني‪ ،‬أما إذا نسبوا إىل هللا ¸‪ :‬فهذه زيادة شر فيهم ‪-‬والعياذ باهلل‪-‬‬
‫ومفرتين أيضا على هللا تبار وتعاىل‪.‬‬ ‫ألهنم يُعتربون ُمب ّدلني وكافرين ُ‬
‫هنا ال بد من اإلشارة إىل مسألة‪ :‬يف هذه اآلية‪ ،‬بسبب الفروقات بني هؤالء‬
‫األجالء وسبب نزول اآلية؛ إذا ال يُشرتط يف احلكم بغري ما أنزل هللا أن ينسبوه إىل‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪718‬‬

‫هللا تبار وتعاىل‪ ،‬هذا الشرط ال يشرتطه أحد‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن هذا الشرط ال يوجد يف‬
‫اليهود الذين كانوا حيكموا بالتشريع البديل وال ينسبونه إىل هللا ¸‪ ،‬ومع ذلا قال‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪ ،‬إذا ال يُع ّد هذا الشرط ُمعتربا عند‬
‫هللا تبار وتعاىل عنهم‪﴿ :‬فَأُولَئِ َ‬
‫احلديث عن هؤالء الطواغيت‪.‬‬

‫يف عصرنا احلا ‪ :‬هل هنا أُناس (طواغيت) كتبوا أشياء بأيديهم‪ ،‬ونسبوها إىل‬
‫هللا ¸؟‬

‫نعم‪ ،‬من بني هؤالء‪( :‬ابن مرسي) ذا الطاغوت الذي يرز يف السجن‪ ،‬هذا‬
‫عندما ُسئِل عن حتكيم شرع هللا ¸‪ ،‬قال ‪-‬يف كالم ما معناه‪ :-‬الذي حيكم‬
‫تنص على أن‬
‫بالدستور املصري هذا حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬ألن املادة الثانية من الدستور ّ‬
‫الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع! ‪-‬شبيه بكالمه إن مل ي ُكن بالنص‪..-‬‬
‫إذا هذا الرجل نسب هذا الدستور إىل هللا ¸‪ ،‬قال‪ :‬الذي حيكم هبذا الدستور‬
‫حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬هل هذا هو ما أنزله هللا تبار وتعاىل؟!‪ ،‬أم كتبته جلنة كتابة‬
‫ٍ‬
‫بقانون كتبته جلنة‬ ‫الدستور؟!‪ ،‬يقينا اللجنة هم الذين كتبوا‪ ،‬فكيف تنسب حكما‬
‫تنسب هذا القانون إىل هللا تبار وتعاىل؟!‪ ،‬إذا هذا الصنف موجود‪.‬‬

‫الِّيءُ اآل َخ ُر‪ :‬أن كل من قال "الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر‬ ‫َّ‬
‫التشريع"‪ ،‬مث حكم هبذا التشريع‪ ،‬فقد نسب هذا التشريع إىل هللا ¸‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن‬
‫قوهلم "الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع" أي أن يف الدساتري والقوانني‬
‫اليت وضعوها شيء من أحكام هللا ¸ بعد التحريف والتبديل واإلضافة‪ ،‬كاألحوال‬
‫الشخصية (مسألة الزواج والطالق واملرياث) بعد التغيري وبعد التبديل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪719‬‬

‫إذا من قال أن "الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع" أثبت أن هذا‬


‫القانون فيه شيء منسوب إىل هللا ¸‪ ،‬ولكن نسبة هذا املوجود إىل هللا ¸ كفر‪،‬‬
‫ملاذا؟؛ ألن هذا اجلزء الذي أدخلوه يف الدستور ال عالقة له باهلل تبار وتعاىل وال‬
‫حيكمون بامسه وال ينقادون حلكمه وال يستسلمون له‪ ،‬وإمنا حيكمون هبذا الذي‬
‫ارتضوه من الدين بأهوائهم‪ ،‬بقوانينهم ودساتريهم‪.‬‬

‫إذا ال نشرتط نسبة شيء إىل هللا ¸‪ ،‬لكن هؤالء الذين يقولون هبذا القول قد‬
‫حتقق فيهم قول الس ّدي وقول احلسن البصري وقول ابن زيد ‪ †-‬تعاىل رحة‬
‫واسعة‪.-‬‬

‫إذا ال يُشرتط يف احلكم على هؤالء الطواغيت الذين حيكمون بغري ما أنزل هللا‬
‫أن يُقال‪ُ" :‬يب أن يأتوا بتشري ٍع وينسبوا التشريع إىل هللا"‪ ..‬هذا ال يتفق مع سبب‬
‫النزول‪ ،‬وهللا تبار وتعاىل علم من حال اليهود ما هم على هذه احلالة اليت هم عليها‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾؛ إذا اشرتاط الكتابة ونسبة‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫هذه الكتابة إىل هللا ¸‪ ،‬هذا شيء زائد عن اآلية وشيء زائد أيضا عن سبب نزول‬
‫اآلية‪.‬‬

‫ي‬
‫اك قَ ْو ٌل َخام ٌ‬
‫س‪:‬‬ ‫ُهنَ َ‬

‫وهذا القول منسوب إىل عبدالعزيز بن حيىي الكناو‪ ..‬ذكر قول عبدالعزيز هذا‬
‫اإلمام القرطيب والبغوي ‪ -‬رحهما هللا‪ -‬وكذلا النيسابوري وكذلا الرازي يف‬
‫تفسريهم ذكروا قول الكناو هذا‪ ،‬ماذا يقول؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪720‬‬

‫فسر‬
‫"قيل ‪-‬أي عن اآلية‪ -‬أي ومن مل حيكم جبميع ما أنزل هللا‪ ،‬فهو كافر"‪ .‬يُ ّ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ كيف فسرها الكناو هذا؟‪،‬‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫اآلية َ‬
‫قال‪" :‬أي‪ :‬ومن مل حيكم جبميع ما أنزل هللا‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬فأما من حكم بالتوحيد ومل‬
‫حيكم ببعض الشرائع‪ ،‬فال يدخل يف هذه اآلية"‪.‬‬

‫إيش معىن كالم هذا الرجل الكناو ‪-¬-‬؟ اشرتط ابتداء حىت حتكم على من‬
‫حيكم بغري ما أنزل هللا بالكفر‪ ،‬ماذا اشرتط؟‪ ،‬قال‪ُ :‬يب ّأال حيكموا بكل شرع هللا‬
‫¸‪ ،‬أي أن يرتكوا كل شرع هللا تبار وتعاىل‪ ،‬أما إذا حققوا شيئا من الشرع‪ ،‬وتركوا‬
‫أشياء‪ ،‬قال‪ :‬هذا ال يسمى كفرا‪ ،‬ومن مل حيكم جبميع ما أنزل هللا فهو كافر‪ ..‬إذا‬
‫قوله ماذا؟‪ ،‬أن احلاكم الذي ال حيكم جبميع ما أنزل هللا فهو كافر‪ ،‬أما إذا ح ّكم‬
‫بعض الشرع ومل ُحي ّكم البعض‪ ،‬قال‪ :‬هذا ال يسمى كافرا‪.‬‬

‫رد على الكناو هذا‪ ،‬قال‪ :‬هذا القول ال يصح‪ ،‬كيف؟؛ ألن‬
‫الرازي يف تفسريه ّ‬
‫اليهود ‪-‬سبب النزول‪ -‬عندما تركوا فقط حكم الرجم ومل يرتكوا كل احلكم‪ ،‬ومع هذا‬
‫كفرهم هللا ¸‪.‬‬

‫إذا هذا سبب النزول ُمالف لقول الكناو يف هذا اجملال‪ ..‬أي "ومن مل حيكم‬
‫جبميع ما أنزل هللا فهو كافر"‪ .‬بينما اليهود ما تركوا كل حكم هللا‪ ،‬وإمنا تركوا حكم‬
‫الزاو فقط‪ ،‬مع هذا حكم هللا ¸ عليهم بالكفر‪ ،‬إذا هذا القول مردود‪ ،‬وهذا القول‬
‫ال يُؤبه به‪.‬‬

‫ويقول الرازي أيضا‪ :‬وقد أمجع املفسرون على أن سبب نزول اآلية ألن اليهود‬
‫تركوا حكم الرجم فقط‪ ،‬إذا ال يُشرتط أن يرت مجيع األحكام حىت يُقال عنه أنه‬
‫كافر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪721‬‬

‫س‪:‬‬ ‫التَّ ِْ يسري َّ ي‬


‫الساد ُ‬ ‫ُ‬
‫وهو تفسري الس ّدي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬طبعا الس ّدي اشرتط‪ ..‬قال‪ :‬أن يرت‬
‫احلاكم شيئا من أحكام هللا ¸ عمدا وبعلم‪.‬‬

‫أي عن علم‪ ..‬يأيت إىل شيء من أحكام هللا‪ ،‬ويرت هذا العلم متعمدا جادا عن‬
‫عل ٍم‪- ..‬طبعا هذا الكالم نقله ابن كثري ‪ -¬-‬يف تفسريه ونقله الطربي أيضا يف‬
‫تفسريه ونقله ابن أيب حامت أيضا يف تفسريه † تعاىل مجيعا‪.-‬‬

‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫قال الس ّدي ‪َ " :-¬-‬‬
‫وجادا‪ ،‬وهو يعلم؛ فهو من الكافرين"‪.‬‬ ‫يقول‪ :‬ومن مل حيكم ا أنزلت فرتكه عمدا‪ًّ ،‬‬

‫ترجع إىل اآلية وترجع إىل سبب النزول‪ :‬يف اآلية‪ :‬ال جتد هذين القيدين‪ :‬العمد‪،‬‬
‫َنزَل اَللُ﴾‪ ..‬ما اشرتط‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫وعن علم‪ .‬هللا تبار وتعاىل قال يف اآلية‪َ :‬‬
‫عمدا وال اشرتط علما‪ ،‬إذا من ناحية اآلية ال داللة لقول الس ّدي ‪ ¬-‬رحة‬
‫واسعة‪ -‬ولكن إذا جئت إىل سبب النزول‪ :‬جتد أن لكالمه شيء‪.‬‬

‫تعمدين؛ بدليل أن عاملهم‬‫الشيء األول‪ :‬أن اليهود ما تركوا رجم الزاو إال ُم ّ‬
‫عندما سأله الرسول ‘‪ ،‬قال‪ :‬كثر يف أشرافنا‪ ،‬فكنا إذا زَّن الشريف تركناه‪ ،‬وإذا‬
‫زَّن الضعيف أقمنا عليه احلد‪ ،‬فاجتمعنا‪ ،‬فقلنا لنجتمع على أم ٍر يسري على الوضيع‬
‫تعمدين يف الرت ‪ ،‬وتركوا هذا احلكم عن عل ٍم؛ إذا يف‬
‫وعلى الشريف‪ ،‬إذا هم كانوا ُم ّ‬
‫سبب النزول‪ :‬الشرطان اللذان ذكرُها الس ّدي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬موجودان يف‬
‫سبب النزول‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪722‬‬

‫تعم ٍد أو جاهل ال‬


‫هل يُفهم من هذا الشرط أن من تر احلكم وهو غري ُم ّ‬
‫يدخل يف نطاق اآلية؟‬

‫يقينا من تر احلكم ناسيا‪ ،‬خاطئا‪ ،‬ساهيا‪ ،‬جاهال‪ ،‬كل هذه األمور تدل على‬
‫عدم العمد‪ ،‬ومن كان كذلا فال يُك ّفر‪ ،‬رجل إذا أخطأ يف حكم أو رجل سهى عن‬
‫حكم وحكم بغريه‪ ،‬أو رجل نسي حكما وحكم بغريه‪ ،‬هذه كلها أعذار ال تُبيح‬
‫إطالق الكفر على من ارتكب شيئا من مناقضة حكم هللا تبار وتعاىل‪َ ،‬ولَ يك َّن‬
‫ال َِا ير َق أَيْن؟‬

‫يتعمد الرت عن عل ٍم‪ ،‬أمامنا‬


‫إذا قلنا‪ :‬أن الذي حيكم بغري ما أنزل هللا ُيب أن ّ‬
‫حاكمان‪:‬‬

‫‪-‬حاكم حيكم ا أنزل هللا ¸‪ ،‬مث تر حكما من األحكام عمدا وعن علم ‪-‬‬
‫كما قال الس ّدي‪ -‬إال أنه مل ُيعل هذا احلكم الذي حكم به تشريعا ُمتّبعا بعد‬
‫ذلا‪ .‬إذا شابه اليهود من وجه وخالفهم من وجه‪ ،‬وجه املشاهبة أين؟‪ ،‬أن اليهود‬
‫تركوا عن عمد وعن علم‪ ..‬حاكم حيكم ا أنزل هللا ¸‪ ،‬تر حكما هلل تعاىل‬
‫تعمدا وعن علم‪ ،‬ولكن اليهود جعلوا البديل الذي جاؤوا به تشريعا كانوا حيكمون‬ ‫ُم ّ‬
‫تعمد الرت وعن عل ٍم‪ ،‬ولكن مل‬
‫اليهود وفق هذا التشريع البديل‪ ،‬أما هذا احلاكم إذا ّ‬
‫ُيعل التشريع البديل تشريعا ُمتّبعا‪ ،‬هنا خيتلف عن اليهود‪.‬‬

‫تعمدا‪ ،‬وعن عل ٍم‪ ،‬وتر حكما من أحكام هللا ¸‪ ،‬وجاء‬


‫تعمد‪ :‬جاء ُم ّ‬
‫‪-‬أما الـ ُم ّ‬
‫بالبديل‪ ،‬وجعل البديل تشريعا بعد ذلا‪ ،‬هذا صورة سبب النزول‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪723‬‬

‫إذا نأخذ بقول الس ّدي من وجه‪ ،‬ولكن نقول تتفق مع اليهود يف هذا الوجه‬
‫وختتلف معهم يف هذا الوجه‪.‬‬

‫بالردة أو بالطاغوتيّة‪،‬‬
‫فال يُشرتط العمد أن هؤالء حىت حنكم عليهم بالكفر أو ّ‬
‫أن يتعمدوا الرت وعن عل ٍم‪ ،‬لو تركوا من غري ٍ‬
‫عمد ومن غري عل ٍم أيضا حيكم هؤالء‬ ‫ّ‬
‫‹‹عليهم بالكفر››‪ ..‬لي َماذَا؟‬
‫ألن واقعهم يثبت أهنم تركوا عن ٍ‬
‫عمد وعن عل ٍم‪ ،‬الواقع يُثبت أن هؤالء‬ ‫ُ‬
‫عمد‪ ،‬كيف؟؛ عندما يأيت ويكتب‪" :‬الشريعة‬ ‫الطواغيت تركوا عن عل ٍم وعن ٍ‬
‫اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع" هذا الكالم ماذا يعين؟‪ ،‬يعين أنه اطّلع على‬
‫وتعمد تر هذه‬ ‫شريعة هللا تبار وتعاىل‪ ،‬مث انتقى منها أشياء وتر أشياء عن عل ٍم ّ‬
‫﴿والسا ِر ُق َوالسا ِرقَةُ فَاقطَعُوا أَي ِديَـ ُه َما﴾‬
‫األشياء‪ ،‬هل خفي على هؤالء‪َ :‬‬
‫عمد وعن عل ٍم‪ ،‬وجاؤوا بالبديل‬ ‫[املائدة‪]38:‬؟‪ ،‬يقينا ظهر هلم هذا احلكم‪ ،‬وتركوه عن ٍ‬
‫قالوا‪( :‬السارق والسارقة فاسجنوُها) إذا هؤالء الطواغيت عندما جاؤوا بالبدائل جاؤوا‬
‫عمد وجاؤوا عن عل ٍم‪ ،‬وهذا صورة سبب النزول؛ اليهود أيضا عن عل ٍم وعن‬ ‫عن ٍ‬
‫غريوا‪ ،‬ولكن جعلوا تشريعا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عمد ّ‬
‫وسنتوسع إن شاء هللا تعاىل من حيكم عن ٍ‬
‫عمد وعن عل ٍم بغري ما أنزل هللا‪،‬‬
‫ولكن ال ُيعله تشريعا ُمتّبعا هذا كيف يكون حكمه‪ ،‬هذا سنتحدث عنه الحقا إن‬
‫شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫اك قَ ْو ٌل َسابي ٌع‪:‬‬


‫ُهنَ َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪724‬‬

‫ِ‬
‫َنزَل اَللُ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫وهذا القول البن األنباري ‪ ..-¬-‬يف تفسري َ‬
‫ِ‬
‫ورد عليه‪ ..‬قال‪ُ" :‬يوز أن‬ ‫فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم ال َكاف ُرو َن﴾ ذكر قوله الرازي أيضا يف تفسريه ّ‬
‫يكون املعىن‪ :‬ومن مل حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬فقد فعل فعال يُضاهي أفعال الكفار‪ ،‬ويشبه‬
‫من أجل ذلا الكافرين"‪.‬‬

‫لو علم اجلهميّة بقول األنباري لفرحوا كثريا‪ ،‬ولقالوا جئت لنا بدليل على ما حنن‬
‫عليه مع شيخهم جهم بن صفوان‪.‬‬

‫﴿وَمن َمل‬
‫قال ابن األنباري‪ُ :‬يوز أن يكون املعىن‪ ،‬أي قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫َنزَل اَللُ‪ ﴾...‬قال‪ :‬ومن مل حيكم ا أنزل هللا فقد فعل فعال يُضاهي أفعال‬ ‫ِ‬
‫َحي ُكم َا أ َ‬
‫الكفار‪ ،‬ويشبه من أجل ذلا الكافرين‪ ..‬فعله فعل الكفار وهو يشبه الكفار‪.‬‬

‫ول‪ :‬هذا التفسري يستقيم إذا أنزل عليه حكم الكفار أيضا‪ ،‬طاملا فعله فعل‬
‫نَ ُق ُ‬
‫الكفار وهو يشبه الكفار‪ ،‬فإذا قال ابن األنباري‪( :‬فأولئا هم الكافرون)‪ ..‬هذا‬
‫كالم صحيح؛ ألن األحكام اإلسالمية تدور مع عللها‪ ،‬رجل ُمنتسب إىل اإلسالم‪،‬‬
‫فعل فعل الكفار إذا عليا أن تنزل عليه أيضا حكم الكفار‪ ،‬فإذا كان املقصود هذا‬
‫الذي ذكرته فالقول سليم‪.‬‬

‫أما إذا كانت املسألة فيها تفريق بني الفعل والفاعل‪ ،‬والقول والقائل‪ ..‬فهذا قول‬
‫جهميّة العصر‪ ،‬جهميّة العصر ّفرقوا بني الفعل والفاعل والقول والقائل‪ ،‬وهذا قول‬
‫شيخهم األلباو يف حماضرة [الكفر كفران] إذا رجعت إىل هذه احملاضرة ستجد ما‬
‫أقوله‪ ..‬إيش قال؟‪ ،‬قال‪ :‬إذا فعل املسلم فعل الكافر‪ ،‬ال حنكم عليه بالكفر‪ ،‬ملاذا؟؛‬
‫وجه وخالفهم من ٍ‬
‫وجه‪.‬‬ ‫ألنه شابه الكفار من ٍ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪725‬‬

‫وجه املشاهبة بني هذا املسلم وبني هذا الكافر أين؟‪ ،‬أن هذا الكافر أتى ٍ‬
‫بفعل‬
‫ُمك ّف ٍر أو بفعل كفر‪ ،‬وهذا املسلم أيضا أتى نفس الفعل الـ ُمك ّفر‪ ،‬إذا هم ُمتشاهبون‬
‫من حيث إتيان الفعل‪ ،‬ولكن الفارق أين يقول األلباو؟‪- ،‬أنا أنقل كالمه باملعىن‬
‫وليس بالنص‪ -‬قال‪ :‬الفارق أن هذا الكافر عندما أتى بالفعل كان يعتقد أيضا كفر‬
‫هذا الفعل‪ ،‬يعين أتى هذا الكفر عن عقيدة ألنه كافر أساسا‪ ،‬املسلم عندما أتى هبذا‬
‫الفعل املـُك ّفر ُيب أن نرجع إىل قلبه‪ ،‬فإذا كان يعتقد الكفر يف قلبه إذا شابهَ الكافر‪،‬‬
‫وهنا يكون كفره اعتقادي ال عملي‪.‬‬

‫سمى اإلميان؟!‪ ،‬وهللا جهم بن صفوان ما مت ّكن‬


‫عرفت كيف ُخيرج العمل من ُم ّ‬
‫أسس هذه اجلماعة وهللا ما‬
‫من أن يفعل ما يفعله هذا!‪ ،‬جهم بن صفوان الذي ّ‬
‫مت ّكن من أن يقول يف مثل هذه املسائل مثلما قال هذا الرجل!!‬

‫إذا هنا تفريق بني الفعل والفاعل‪ ،‬ملاذا التفريق؟؛ ألهنم يقولون أن الكفر‬
‫واإلميان موطنهما القلب‪ ..‬صحيح هم يقولون يف كتبهم‪ :‬اإلميان اعتقاد وقول وعمل‬
‫ويزيد وينقص‪ ..‬لكن عند التطبيق العملي‪ :‬جتده جهمي صرف‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن املسلم‬
‫أو املنتسب إىل اإلسالم إذا ارتكب ناقضا من النواقض يقول‪ :‬فعله كفر‪ ،‬لكن هو‬
‫ُ‬
‫نتوقّف فيه حىت نعلم هل يستحل ويعتقد هذا الكفر يف قلبه أم ال‪ ،‬فإذا اعتقد هذا‬
‫الكفر عند ذلا نُك ّفره‪ ،‬هذه هي عقيدة اجلهم بن صفوان الذي جعل اإلميان‬
‫الرب‪،‬‬
‫الرب فقط‪ ،‬اجلهم بن صفوان عقيدته قائمة على معرفة ّ‬‫التصديق القليب ومعرفة ّ‬
‫الرب‪ ،‬إذا عرفت ربا أنت مؤمن‪ ،‬إذا جهلت بربا أنت‬ ‫تعريف اإلميان عنده‪ :‬معرفة ّ‬
‫كافر!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪726‬‬

‫وهلذا من الطرائف‪ :‬أن علماء أهل السنة واجلماعة حكموا عليه من خالل‬
‫تعريفه‪ ،‬قالوا‪ :‬أنت أجهل الناس بربا‪ ..‬صفوان أنت أجهل الناس‪ ،‬تعريفه يقول‪:‬‬
‫بالرب‪ .‬قالوا‪ :‬أنت من أجهل الناس بربا؛ ألنه‬ ‫رب‪ ،‬الكفر‪ :‬اجلهل ّ‬ ‫اإلميان‪ :‬معرفة ال ّ‬
‫قر هلل تبار وتعاىل ال باس ٍم وال‬
‫ما أبقى ال امسا وال صفة هلل تبار وتعاىل‪ ،‬والذي ال يُ ّ‬
‫بصفة هذا يعرف ربّه؟!‬

‫إذا من خالل التعريف حكم علماء أهل السنة عليه بتعريفه‪ ،‬اآلن هؤالء أحيوا‬
‫عقيدة جهم‪ ،‬ولكن مت ّكنوا من أن يأتوا بالتأصيالت لعقيدته ما مل ِ‬
‫يستطع أن يفعله‬
‫جهم بن صفوان يف حينه‪.‬‬

‫إذا قول األنباري هذا إن كان موافقا لقول اجلهميّة ‪-‬ونسأل هللا ¸ إن كان غري‬
‫ذلا ّأال نُسيء إىل هذا الرجل بكلمة‪ -‬فإن كان األمر كذلا‪ ،‬فهذه عقيدة‬
‫فرقون بني القول والقائل‪.‬‬
‫فرقون بني الفعل والفاعل ويُ ّ‬
‫اجلهميّة‪ ،‬يُ ّ‬
‫جلسة مع جمموعة‪ ،‬كان حوار حول الفعل والفاعل والقول‬ ‫ٍ‬ ‫قبل سنوات كنا يف‬
‫والقائل‪ ،‬أحد اجلالسني ‪-‬ال أدري هو حي اآلن أو ميت‪ -‬قال كلمة طيّبة‪ ،‬قال‬
‫فرق بني الفعل والفاعل والقول والقائل‪ ،‬جيّد‪ ..‬طاملا ما‬‫للجهمي هذا‪ :‬أنت تقول نُ ّ‬
‫ّ‬
‫يدي هللا ¸ يوم‬
‫اعتقد بقلبه إذا هو مؤمن لكن فعله كفر‪ ،‬لو وقف هذا الرجل بني ّ‬
‫القيامة‪ ..‬أتى ٍ‬
‫بفعل ُمك ّفر ال يعتقده يف قلبه‪ ،‬كيف ُحياسبه هللا ¸؟!‬

‫يقول لفعله‪ :‬إىل جهنم‪ ،‬مث يا فالن‪ :‬أنت إىل اجلنة؟!‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪727‬‬

‫جزاه هللا خريا على هذه الكلمة الطيبة اليت قاهلا يف حينه‪ ،‬وأنت تعلم دائما الرد‬
‫يسر األدلة‪ ،‬فتجدهم ينتهون‬‫يسر األقوال ويُ ّ‬
‫على هؤالء الضالني يسري جدا‪ ،‬هللا ¸ يُ ّ‬
‫بكالم من هنا وكالم من هنا‪.‬‬

‫إذا هذا القول السابع يف هذه املسألة‪ ،‬نكتفي اليوم هبذا القدر‪ ،‬ألن ما بقي‬
‫عندنا ما يكفي‪ ،‬وصلنا إىل الكفر الثاو‪ :‬كفر اجلحود إن شاء هللا تعاىل يوم السبت‪،‬‬
‫جزاكم هللا خري اجلزاء‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪728‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪729‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ َّ َ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس الس ِابع و‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪:‬‬ ‫تف ِسير‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الك ِافرون﴾‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة]‬
‫السالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا‬‫الصالة و ّ‬
‫بسم هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬و ّ‬
‫باطال وأعنا على اجتنابِِه‪ ،‬اللهم علّمنا ما ينفعنا‪،‬‬‫الباطل ِ‬
‫َ‬
‫باع ِه‪ ،‬وأ ِرنَا ِ‬
‫أعنا على اتِّ ِ‬
‫وِ‬
‫يوم‬ ‫ِ‬ ‫وانفعنا ا علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من الع ِام ِ ِ ِ‬
‫لمنَا ُح ّجة لنا َ‬ ‫لني بعلمنَا‪ ،‬اللهم اجعل ع َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ويسر‬
‫صدري‪ّ ،‬‬ ‫أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫رب اشر‬ ‫نَـل َقا َ ‪ ،‬وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا َ‬
‫لوجها‬ ‫صاحلا‪ ،‬و‬‫ساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ِ‬ ‫أمري‪ ،‬واحلُل عُقدة من لِ ِ‬
‫َ‬
‫خالِصا وال جتعل فيه نصيبا ٍ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫لقاء سابق ‪-‬وهلل الفضل واملِنّة‪ -‬عن نوع الكفر يف قول هللا تبار‬ ‫تكلمنا يف ٍ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ [املائدة‪ ،]44:‬وذكرنا‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫وتعاىل‪َ :‬‬
‫أنواع الكفر عند العلماء يف تفسري هذه اآلية‪ ،‬وقلنا أن التفسري ليس ُمنحصرا بني‬
‫قو ‪ :‬كفر دون كفر‪ ،‬وكفر ُمرج من امللة‪ ،‬بل ذكرنا من التفاسري أقواال سبعة هلذه‬
‫اآلية‪ ،‬نتناول اليوم‪:‬‬

‫ري الثَّ يام ُن يهلَ يذهي اآليَية‪:‬‬ ‫ي‬


‫التَّ ِْس َ‬
‫وهو قول ابن عباس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ :-‬أنه اعترب احلكم بغري ما أنزل هللا كفرا إذا‬
‫ٍ‬
‫جحود‪.‬‬ ‫كان عن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪730‬‬

‫إذا من ضمن تفسريات هذه اآلية‪ :‬أن من حكم بغري ما أنزل هللا ¸‪ ،‬وهو‬
‫جاحد حلكم هللا تبار وتعاىل فهذا الذي يكفر‪ ،‬وقول ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪-‬‬
‫نقله ابن أيب حامت ‪ -¬-‬يف تفسريه‪.‬‬

‫والقول باجلحود هو قول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬فأقرأ ما جاء يف‬
‫تفسري اإلمام الطربي وقول ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ :-‬عن ابن عباس ‪ ¢‬قال‪:‬‬
‫َنزَل اَللُ‪ ﴾...‬يقول‪" :‬من جحد احلكم ا أنزل هللا فقد كفر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫َ‬
‫أقر به ومل حيكم به فهو ظامل فاسق‪ ".‬الرواية عند ابن أيب حامت ‪ ¬-‬رحة‬ ‫ومن ّ‬
‫واسعة‪.-‬‬

‫أما نص كالم الطربي ‪ -¬-‬قال‪" :‬وأوىل هذه األقوال عندي بالصواب‪ :‬قول‬
‫من قال‪ :‬نزلت هذه اآلية يف كفار أهل الكتاب‪ ،‬ألن ما قبلها وما بعدها من اآليات‬
‫ففيهم نزلت وهم املعنيّون هبا‪[ ،‬مث قال] فإن قال قائل‪ :‬فإن هللا تبار وتعاىل ذكره قد‬
‫خاصا؟‪ ،‬قيل‪ :‬إن‬
‫عم باخلرب بذلا عن مجيع من مل حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬فكيف جعلته ًّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫عم باخلرب بذلا عن قوم كانوا حبكم هللا الذي حكم به يف كتابه‬ ‫هللا تبار وتعاىل ّ‬
‫جاحدين‪ ،‬فأخرب عنهم أهنم برتكهم احلكم على سبيل ما تركون كافرون‪ ،‬وكذلا‬
‫القول يف كل من مل حيكم ا أنزل هللا جاحدا به هو باهلل كافر‪ ".‬إذا هو قول ابن‬
‫عباس وقول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬وحىت نفهم هذا التفسري‪:‬‬

‫اء‪ُ :‬يب أن نعرف ما معىن "جحد"؛ ألن أكثر اإلشكاالت تأيت من عدم‬ ‫ي‬
‫ابْت َد ً‬
‫معرفة اإلنسان عاو األمساء‪.‬‬

‫هنا كالم البن تيمية ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف معرفة حدود األمساء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"معرفة حدود األمساء واجبة‪ ،‬ال سيما حدود ما أنزل هللا على رسوله"‪ .‬إذا معرفة‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪731‬‬

‫يتعني االعتناء به‪:‬‬


‫حدود األمساء واجبة‪ .‬كذلا كالم لعبدهللا أبا بطني‪ ،‬قال‪" :‬ومما ّ‬
‫ذم من ال يعرف حدود ما‬ ‫معرفة حدود ما أنزل هللا على رسوله‪[ ،‬مث قال] فإن هللا ´ ّ‬
‫ِ‬
‫َنزَل‬ ‫َش ُّد ُكفرا َون َفاقا َوأَج َد ُر أَال يَـعلَ ُموا ُح ُد َ‬
‫ود َما أ َ‬ ‫اب أ َ‬
‫أنزل هللا على رسوله‪﴿ .‬األَعَر ُ‬
‫هللاُ َعلَى َر ُسولِِه﴾ [التوبة‪."]97:‬‬

‫إ ًذا ابتداء يف املسائل‪ :‬أول ما تبدأ عليا أن تعرف معاو األمساء اليت‬
‫تستخدمها‪ ،‬فعندما نأيت إىل كلمة "جحد" ما معىن هذه الكلمة عند العرب؟ ‪-‬وأنت‬
‫تعلم أن القرآن قد نزل بلغتهم‪-‬‬

‫عندما ترجع إىل أهل اللغة‪ :‬ك ـ[الصحا يف اللغة] للجوهري ‪ -¬-‬قال‪:‬‬
‫"اجلحد هو اإلنكار مع العلم"‪.‬‬

‫إذا اجلحد يقوم على شرطني‪ :‬أن يكون هنا إنكار‪ ،‬واإلنكار يكون مبنيا على‬
‫عل ٍم‪ ،‬هذا يسمى عند العرب باجلحد‪.‬‬

‫اإلقرار‪،‬‬ ‫أما عند اخلليل بن أحد الفراهيدي أيضا ‪ -¬-‬قال‪" :‬اجلحد ض ّد‬
‫اإلقرار‪.‬‬ ‫كاإلنكار واملعرفة‪ ".‬أي كما أن اإلنكار ض ّد املعرفة‪ ،‬كذلا اإلنكار ض ّد‬
‫هذا قول أهل اللغة‪ ،‬فإذا علمت هذا‪ ،‬ترجع إىل سبب النزول وتبحث‪:‬‬

‫هل اليهود جحدوا حكم الزاو يف دينهم؟‬

‫‪-‬أي أنكروا احلكم مع العلم‪ -‬فإذا كانوا عاملني هبذا احلكم وأنكروا هذا احلكم‪،‬‬
‫فإهنم يُقال عنهم أهنم جحدوا حكم هللا ¸‪.‬‬

‫فالبداية تبدأ من أين؟‪ ،‬ابتداء‪ُ :‬يب أن تعلم هل اليهود كانوا عاملني حبكم‬
‫الرجم أم ال؟‪ ،‬ألن اجلحد قائم على أساسني‪ :‬اإلنكار مع العلم‪ ،‬فبداية نبحث‪ :‬هل‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪732‬‬

‫اليهود كانوا عاملني حبكم الرجم يف دينهم يف زمن رسول هللا ‘ أم ال؟‪ ،‬فإذا‬
‫جتاوزنا‪ ..‬عند ذلا نأيت‪ :‬هل بعد العلم أنكروا أم مل يُنكروا؟‬

‫إلثبات علم اليهود حبكم هللا ¸ أو عدم علمهم‪:‬‬

‫رجعنا إىل الروايات اليت جاءت عند اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬وعند‬
‫فتبني لنا‪:‬‬
‫اإلمام مسلم ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ّ ،-‬‬
‫َّأوًال‪ :‬أن علماء اليهود يف ذلا الوقت كانوا يعلمون حبكم الزنا‪ ،‬أن حكم الزنا‬
‫ٍ‬
‫حديث عند‬ ‫الرجم عند اليهود‪ ،‬علماؤهم كانوا يعلمون بذلا‪ ،‬ودليل ذلا‪ :‬يف‬
‫مر بالرسول ‘ يهودي حمموم جملود وقد‬ ‫البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬عندما ّ‬
‫ب على دابّة‪ ،‬فسأل من وجده من اليهود‪( :‬أهكذا جتدون ح ّد الزنا يف كتابكم؟)‬ ‫ِ‬
‫أُرك َ‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬مث دعا أحد علمائهم‪ ،‬قال‪( :‬أنشد باهلل الذي أنزل التوراة على موسى‪،‬‬
‫أهكذا جتدون ح ّد الزاو يف كتابكم؟) قال العامل اليهودي الذي ُسئِل‪ :‬ال‪ ،‬ولوال أنا‬
‫(‪)100‬‬
‫الرجم‪.‬‬
‫نشدتين هبذا مل أُخرب ‪ ،‬جنده ّ‬
‫إذا هذا دليل عند اإلمام البخاري أن هذا العامل هذا احلرب من أحبار اليهود كان‬
‫يعلم أن حكم الرجم موجود يف توراة اليهود‪.‬‬

‫يل اآل َخ ُر‪ :‬عبدهللا بن سالم ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وهو من أحبار اليهود وقد‬‫َّ ي‬
‫الدل ُ‬
‫اعتنق اإلسالم قدم رسول هللا ‘ وهو عال من علمائهم‪ ،‬مما جاء يف [صحيح‬

‫(‪‹‹ )100‬الرواية عند اإلمام مسلم ¬››‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪733‬‬

‫البخاري] ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬قال هلم عبدهللا بن سالم‪" :‬كذبتم إنه الرجم‪ ".‬هذه‬
‫يف رواية‪ .‬يف رواية أخرى‪ :‬قال‪" :‬كذبتم‪ ،‬فائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقني‪ ".‬إذا‬
‫عبدهللا بن سالم ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وهو عامل بالديانة اليهودية ‪-‬حرب كان من‬
‫الرجم‪.‬‬
‫أحبارهم‪ -‬كان يعلم أن حكم الزنا يف التوراة ّ‬
‫العامل الثالث من علمائهم وهو الذي جاء يف بعض الروايات وامسه (ابن صوريا)‬
‫درسون فيه التوراة‪-‬‬
‫عندما ذهب الرسول ‘ إىل بيت املدراس ‪-‬أي املكان الذي يُ ّ‬
‫وجاؤوا بالتوراة وبدأ ابن صوريا يقرأ من التوراة‪ ،‬فوضع ك ّفه على آية الرجم‪ ،‬فقرأ ما‬
‫قبل آية الرجم وما بعدها‪ ،‬فقال عبدهللا بن سالم‪ُ :‬مره يا رسول هللا فلريفع يده‪ ،‬فرفع‬
‫يده‪ ،‬فإذا حتتها آية الرجم‪.‬‬

‫إذا علماء اليهود كانوا يعلمون أن حكم الزاو يف التوراة وعند اليهود الرجم‪ .‬هذا‬
‫بالنسبة إىل العلماء‪.‬‬

‫جتد شيئا آخر‪ :‬أن هذه احلادثة حصلت وحول رسول هللا ‘ حشد من اليهود‬
‫تستشف أن هذا احلوار‬
‫ّ‬ ‫‪-‬هللا تبار وتعاىل أعلم بعددهم‪ -‬ما ذُكَِر العدد‪ ،‬لكن كيف‬
‫بني رسول هللا ‘ وبني اليهود كان يدور بني ٍ‬
‫فرد ومجاعة؟‪ ،‬عندما ُمتعن النظر يف‬
‫روايات البخاري ‪ -¬-‬ويف رواية اإلمام مسلم‪ ،‬يظهر لا أن الرسول ‘ عندما‬
‫كان ُخياطب اليهود كان ُخياطبهم بصيغة اجلمع‪( ،‬فقال هلم الرسول ‘‪ :‬ما جتدون‬
‫يف التوراة يف شأن الرجم؟) تقف عند كلمة‪" :‬فقال هلم"‪ ..‬أنت تعلم "هلم" هذه‬
‫صيغة مجع‪ ،‬ألنه لو كان رجال واحدا جلاءت العبارة‪" :‬فقال له"‪ ..‬لو كانوا اثنني‬
‫لقال‪" :‬هلما"‪ ..‬لكن العبارة اليت جاءت عند البخاري‪" :‬فقال هلم الرسول ‘"‪ ،‬مث‬
‫بعبارة أخرى‪" :‬ما جتدون يف التوراة يف شأن الرجم؟‪ ".‬قال‪" :‬ما جتدون" هذه أيضا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪734‬‬

‫اطب املفرد بصيغة اجلمع إال من باب‬ ‫صيغة مجع‪ ،‬وأنت تعلم أن اإلنسان ال ُخي ِ‬
‫التعظيم‪ ،‬ويُ ّثين عندما ُخياطب اثنني‪ ،‬وُيمع باأللفاظ عندما ُخياطب مجاعة‪َ ،‬ه َذا أَمٌر‬
‫أَوٌل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬أن عبدهللا بن سالم ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬عندما اعرتض على اليهود‬
‫عندما أنكروا وجود الرجم يف التوراة‪ ،‬قال هلم‪" :‬كذبتم"‪ .‬وأنت تعلم أن هذه صيغة‬
‫مجع‪ ،‬ألنه لو كان رجال واحدا لقال له‪" :‬كذبت"‪ ..‬ولو كانوا اثنان لقال‪:‬‬
‫"كذبتما"‪ ..‬أما العبارة اليت جاءت قال‪" :‬كذبتم" وهذه صيغة مجع‪.‬‬

‫إذا يف حمضر رسول هللا ‘ اليهود كانوا مجاعة‪ ،‬هؤالء اليهود جاء يف رواية‬
‫البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عندما سأهلم الرسول ‘ عن حكم الزنا يف التوراة‪،‬‬
‫قالوا‪" :‬إن أحبارنا أحدثوا التحميم"‪ ..‬إذا هذا اجلمع الذي سأهلم الرسول ‘‪،‬‬
‫أجابوا بأن هذا احلكم الذي نلتزم به هذا مما اتفق عليه أحبارنا؛ إذا بالضرورة تفهم‬
‫أن ما موجود يف التوراة غري هذا الذي يعملون له‪ ،‬إذا من حضر من اليهود أيضا‬
‫كانوا يعلمون أن التحميم واجللد هذا من عمل األحبار وليس حكم هللا يف التوراة‪.‬‬

‫إذا هذه أدلة تدل على أن اليهود كانوا يعلمون حبكم الرجم يف ديانتهم‪ ،‬وبآية‬
‫الرجم يف توراهتم‪ ،‬إذا ماذا حتقق اآلن من تعريف اجلحد؟‪ ،‬اإلنكار مع العلم؛ إذا‬
‫اآلن أقول‪ :‬اليهود كانوا يعلمون‪ ،‬نأيت اآلن بعد أن أثبتنا علمهم حبكم هللا ¸‪:‬‬

‫هل أنكروا هذا احلكم؟ هل كانوا جاحدين هلذا احلكم؟‬

‫عندما قرأت الروايات اليت جاءت عند البخاري ‪ -¬-‬وعند اإلمام مسلم‪،‬‬
‫كتم‪ ..‬هذا كتم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫يعلم هللا ¸ أن ما وقر يف نفسي أن هذا ليس جبحد‪ ،‬وإمنا هذا ٌ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪735‬‬

‫فيسر هللا ¸ فوجدت لفظا عند البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬ذلا العامل‬ ‫ّ‬
‫اليهودي الذي كان يقرأ بالتوراة ووضع يده على آية الرجم‪ ،‬عندما علموا بآية الرجم‬
‫قال‪" :‬يا حممد‪ ،‬إن عليهما الرجم‪ ،‬ولكنّا نتكامته بيننا"؛ إذا هذا العامل حضر اليهود‬
‫وأمام رسول هللا ‘ ما أنكر‪ ..‬هم يعلمون بالوجود‪ ،‬لكن على ماذا نص؟ قال‪ :‬هذا‬
‫األمر كنا نعلم به‪ ،‬ولكن كنا نتكتم عليه فيما بيننا‪ ،‬فال يُظهره أحد وال يقول به‬
‫أحد‪.‬‬

‫إذا الثابت من رواية البخاري باعرتاف ذلا العامل اليهودي وأمام جمموعة من‬
‫اليهود و حضر رسول هللا ‘؛ أهنم كانوا يتكتمون على الرجم ‪-‬وسنأيت إىل عالقة‬
‫التكتم باجلحد‪َ -‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫األَ ْم ُر الثَّ ي‬
‫ين يَكتُ ُمو َن َما‬ ‫اين‪ :‬عندما ترجع إىل قول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬إن الذ َ‬
‫ا يَـل َعنُـ ُه ُم اَللُ‬‫اب ۚ أُوٰلَئِ َ‬ ‫ات َواهلَُد ٰى ِمن بَـع ِد َما بَـيـناهُ لِلن ِ‬
‫اس ِيف ال ِكتَ ِ‬ ‫أَنزلنَا ِمن البـيِنَ ِ‬
‫َ َ َّ‬
‫َويَـل َعنُـ ُه ُم الال ِعنُو َن﴾ [البقرة‪ ،]159 :‬عندما ترجع إىل سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬جتد أن‬
‫"سأ ََل ُم َعاذُ ب ُن َجبَ ٍل‬ ‫عبدهللا بن عباس ‪ ¢-‬وعن أبيه‪ -‬كما عند أيب حامت‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َخو‬‫َخو بَِين َعبد األَش َه ِل‪َ ،‬و َخا ِر َجةُ ب ُن َزيد أ ُ‬ ‫َخو بَِين َسلَ َمةَ‪َ ،‬و َسع ُد ب ُن ُم َعاذ أ ُ‬ ‫أُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهم إيّاهُ‬ ‫ض َما ِيف التّـوَراة‪ ،‬فَ َكتَ ُم ُ‬ ‫ود َعن بَـع ِ‬‫بَـل َحا ِرث ب ِن اخلَزَرِج‪ ،‬نـَ َفرا من أَحبَا ِر يَـ ُه َ‬
‫وهم َعنهُ"‪.‬‬‫َوأَبَـوا أَن ُخيِربُ ُ‬
‫إذا سبب نزول هذه اآلية كما يذكر ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬أن اليهود كتموا‬
‫عامة ُجمملة‪ ،‬ما الذي كتموه؟‪،‬‬
‫بعض ما جاء يف التوراة ومل خيربوهم هبم‪ ،‬هذه عبارة ّ‬
‫ال تستطيع أن ُحت ّدد ذلا‪ ،‬لكن جتد عند اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬عندما‬
‫جاء إىل هذه اآلية قال‪" :‬واختلفوا يف املراد بذلا" أي من املقصود هبذه اآلية ﴿إِن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪736‬‬

‫ال ِذين يكتُمو َن ما أَنزلنَا ِمن البـيِنَ ِ‬


‫ات‪ ،﴾...‬يقول اإلمام القرطيب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪-‬‬ ‫َ َ ُ َ َ َ َّ‬
‫‪ :‬القول األول ‪-‬بصيغة التمريض‪ ،-‬قال‪" :‬قيل‪ :‬أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين‬
‫كتموا أمر حممد ‘‪[ ،‬مث قال] وقد كتم اليهود أمر الرجم" هذا جزم فيه‪ ،‬القول‬
‫عامة يف كل من يكتم ما أنزله هللا ¸ من الكتاب‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قالوا أن هذه اآلية ّ‬
‫خصص أن‬‫عامة‪ ،‬عند القرطيب ماذا وجدنا؟‪ ،‬وجدنا أنه ّ‬
‫إذا رواية ابن أيب حامت ّ‬
‫اليهود هم الذين كتموا أمر الرجم‪ ،‬لكن عند الواحدي يف [أسباب النزول] ذكر بالنص‬
‫أن هذه اآلية نزلت يف علماء أهل الكتاب وكتماهنم آية الرجم‪.‬‬

‫إذا جبمع هذه األقوال الثالثة عند ابن أيب حامت وعند القرطيب وعند الواحدي‬
‫َنزلنَا ِم َن‬ ‫ِ ِ‬
‫ين يَكتُ ُمو َن َما أ َ‬
‫خترج حصلة‪ :‬أن هذه اآلية نزلت يف اليهود ﴿إن الذ َ‬
‫ِ‬
‫يتبني لا أهنم كتموا حكم الرجم؛ إذا هذا‬ ‫البَـيِّنَات َواهلَُد ٰى﴾ بتقصي هذه الروايات ّ‬
‫دليل آخر على أن اليهود تكتموا على حكم الرجم‪.‬‬

‫إذا علمت هذا (أن اليهود هبذه اآلدلة) ثبت لنا أهنم تكتموا وأخفوا حكم‬
‫الرجم يف دينهم وجاؤوا بالبديل‪ ،‬فهل الكتم يعين اجلحد؟‪ ،‬وما عالقة الكتم‬
‫باجلحد؟‪ ،‬وهل بينهما فروقات؟‬

‫ث‪:‬‬
‫نَـب َح ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪737‬‬

‫َّأوًال يمن نَ ي‬
‫احيَ ية اللُّغَ ية‪ :‬الكتم يف اللغة غري اجلحد يف اللغة‪ ،‬أما الكتم يف اللغة‪:‬‬ ‫ْ‬
‫هو اإلخفاء والسرت‪ .‬ويقول الفراهيدي ‪" :-¬-‬نقيض اإلعالن‪ ".‬إذا الكتم هو‬
‫السرت‪.‬‬

‫ومن األدلة على أن الكتمان هو السر واإلخفاء‪ :‬ما عرف عن حذيفة بن اليمان‬
‫سر رسول هللا ‘؛ فال ميكن أن أقول هنا أنه‬‫‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬أنه كان يُعرف بكامت ّ‬
‫سر‬
‫كان جاحدا لسر رسول هللا ‘‪ ،‬بل ُيب أن أقول أنه كان ساترا ُمتكتما ُُمفيا ّ‬
‫يل األَو ُل‪.‬‬‫ِ‬
‫رسول هللا ‘‪َ ،‬ه َذا الدل ُ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬جاء يف كتاب [اإلبانة] رواية عن جابر ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬قال‬ ‫ِ‬
‫يل َ‬ ‫الدل ُ‬
‫آخ ُر َه ِذهِ األُم ِة أَوَهلَا‪ ،‬فَ َمن َكا َن ِعن َدهُ ِعل ٌم فَـليُظ ِهرهُ‪ ،‬فَإِن‬
‫رسول هللا ‘‪( :‬إِ َذا لَعن ِ‬
‫ََ‬
‫امت َما أَنـَزَل اَللُ َعلَى ُحمَم ٍد ‘)‪.‬‬‫َك ِامتَ العِل ِم يَـوَمئِ ٍذ َك َك ِِ‬

‫إذا من كان عنده علم فليظهره‪ ،‬مقابل هذا ماذا جاء بالنقيض؟‪ ،‬قال‪ :‬فإن كامت‬
‫العلم يومئذ ككامت ما أنزل هللا على حممد؛ إذا من هنا أفهم أن الكتم نقيض‬
‫اإلظهار‪- .‬حقيقة ال أعلم مبلغ صحة هذه الرواية‪ ،‬ولكن الرواية وجدهتا أثناء‬
‫البحث‪ -‬هذا الفارق األول بني الكتم وبني اجلحد من حيث اللغة‪.‬‬
‫ث الب ي‬
‫اع ي‬
‫ث‪ :‬ما الذي حيمل اإلنسان على الكتم؟‪ ،‬وما‬ ‫اك فَا ير ٌق َ ي‬
‫آخ ٌر م ْن َح ْي ُ َ‬ ‫ُهنَ َ‬
‫الذي حيمل اإلنسان على اجلحد؟‬

‫أما بالنسبة إىل الكتم يف مسألتنا عند سبب النزول عند اليهود‪ :‬فإن سبب‬
‫الكتم كان املـُحاباة‪ ،‬أهنم تكتموا على هذا األمر ُحماباة‪ ..‬إيش الدليل على‬
‫الـ ُمحاباة؟‪ ،‬يف [صحيح ‹‹مسلم››] ¬ رحة واسعة‪ ،‬عندما قال الرسول ‘ لذلا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪738‬‬

‫موسى‪ ،‬أهكذا جتدون حد‬ ‫َنزل التوراةَ على َ‬ ‫َنش ُد َ باهللِ الذي أ َ‬
‫العامل اليهودي‪( :‬أ ُ‬
‫ِ‬ ‫الزاو يف كتابِكم؟) ذكر كالمه‪ ،‬مث قال‪ِ :‬‬
‫"ولَكنهُ َكثُـَر ِيف أَشَرافنَا‪ ،‬فَ ُكنا إِذَا أ َ‬
‫َخذنَا‬ ‫َ‬
‫يف أَقَمنَا َعلَي ِه احلَد"‪.‬‬‫ِ‬
‫يف تَـَركنَاهُ‪َ ،‬وإِ َذا أ َ‬
‫َخذنَا الضع َ‬ ‫الش ِر َ‬
‫إذا الباعث على على كتماهنم حلكم هللا ¸‪ُ :‬حماباة األشراف‪ ..‬وهم أهل‬
‫الشأن وهم الذين بيّنوا ملاذا تكتمنا على هذا األمر‪ ،‬إذا الكتم يكون باعثه يف هذه‬
‫املسألة املـُحاباة‪.‬‬

‫ود أَو اجلَح ُد‪ :‬فبواعث اجلحد كثرية؛ قد يكون اإلباء‪ ،‬قد يكون‬
‫أَما اجلُ ُح ُ‬
‫االستكبار‪ ،‬قد يكون اإلعراض‪ ،‬وقد يكون اجلهل‪.‬‬

‫إذا للجحد بواعث‪ ،‬ولكن للكتم بواعث أخرى‪ ..‬إذا ُها ُمتلفان من حيث‬
‫الباعث على الكتم ومن حيث الباعث على اجلحد‪.‬‬

‫الكتم يؤدي إىل تر العمل عالنية‪ ،‬فإذا تكتموا على أمر ال يُقدمون على إتيان‬
‫هذا األمر عالنية؛ ألهنم إذا فعلوا عالنية فقد خرج من حيّز الكتمان ودخل يف حيّز‬
‫الظهور‪ ،‬إذا كيف حنكم على الكتمان؟‪ ،‬أن يتكتموا و ّأال يأتوا هبذا الفعل عالنية‪،‬‬
‫هذا يف الكتم‪ ،‬أما يف اجلَح ِد‪ :‬فاجلاحد يُنكر على من يأيت بالفعل‪.‬‬

‫فإذا ثبتت لا هذه الفروقات بني الكتم وبني اجلحد؛ إذا ال ميكن أن نقول عن‬
‫اليهود أهنم كانوا جاحدين‪ ،‬بل نقول أهنم كامتني على حكم هللا ¸ يف مسألة الرجم‬
‫بالنسبة للزاو‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪739‬‬

‫﴿وَمن َمل‬ ‫إذا هذا السبب األول الذي مينع من حل قول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪َ :-‬‬
‫ا‬‫َنزَل اَللُ‪ ﴾...‬هذا السبب مينع أن نقول‪ :‬من جحد حكم هللا‪﴿ ،‬فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫َحي ُكم َا أ َ‬
‫ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪.‬‬

‫السبب الثاو الذي مينع من حل اآلية على اجلحد‪ :‬أن هللا تبار وتعاىل قال يف‬
‫َنزَل اَللُ‪ ﴾...‬العلّة هنا هي الرت ‪ ..‬ماذا تفهم؟‪،‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫تلا اآلية‪َ :‬‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم﴾؟‪ ،‬أي تر احلكم‪،‬‬
‫العريب ماذا يفهم عندما يقول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم﴾ أي من تر‬‫يقينا ال يُفهم من كالم هللا ¸ غري هذا الفهم‪َ ..‬‬
‫احلكم ا أنزل هللا ¸‪.‬‬

‫ولكن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬واإلمام الطربي ‪ ¬-‬تبار وتعاىل‪ -‬قال‪:‬‬


‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪.‬‬
‫من جحد ما أنزل هللا ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫إذا قول هللا تبار وتعاىل‪( :‬تر )‪ ،‬أما قول ابن عباس واإلمام الطربي‪( :‬جحد)‪،‬‬
‫فما الفرق بني الرت وبني اجلحد؟‪ ،‬وهل الرت هو اجلحد‪ ،‬واجلحد هو الرت ؟‪ ،‬نأيت‬
‫إىل التفاصيل‪:‬‬

‫الفروقات بني الرت وبني اجلحد‪:‬‬

‫َّأوًال‪ :‬من ناحية التالزم‪ :‬أقول‪ :‬أن الرت ال يلزم منه اجلحد‪ ،‬واجلحد يلزم منه‬
‫الرت ‪ ،‬إيش معىن هذه العبارة؟‬

‫قد يرت اإلنسان بعض األعمال‪ ،‬ولكنه غري منك ٍر هلذا العمل‪ ،‬هذا ماذا‬
‫تتقرب‬
‫يسمى؟‪ ،‬تار ‪ ،‬إذا ليس من لوازم الرت اجلحود‪ .‬على سبيل املثال ‪-‬حىت ّ‬
‫الصورة‪ :-‬لو أن الكفار دخلوا بالد املسلمني ‪-‬والعياذ باهلل‪ ..-‬كافر صائل دخل‪ ،‬أو‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪740‬‬

‫يريدون الدخول‪ ،‬حكم الشرع يف هذا البلد أن اجلهاد يكون فرض عني على أهل‬
‫هذا البلد‪ ،‬فإذا رأيت رجال قاعدا عن اجلهاد ما يُقاتل‪ ،‬هل يلزم من قعوده أن يكون‬
‫جاحدا حلكم اجلهاد؟‪ ،‬ال يلزم‪ ،‬يعين ليس كل من تر كان جاحدا حلكم اجلهاد‪،‬‬
‫ال‪ ،‬جمرد َتر ؛ إذا ال يلزم من الرت اجلحود‪ ،‬فمن تر العمل ال يعين بالضرورة أنه‬
‫ُيب أن يكون جاحدا هلذا احلكم‪ ،‬كذلا الزكاة‪ :‬رجل ال خيرج زكاة ماله‪ ،‬هل‬
‫تستطيع أن جتزم أنه جاحد حلكم الزكاة يف اإلسالم؟‪ ،‬األمر ال يقتضي ذلا‪ ،‬قد‬
‫يكون الرجل ال خيرج زكاة ماله خبال‪ ..‬إذا الرت ال يلزم منه اجلحد‪ ،‬ولكن اجلحد يلزم‬
‫منه الرت ؛ فمن جحد شيئا من الفرائض أو األحكام ُيب أن يكون تاركا هلذا الذي‬
‫جحده‪ ،‬إذا هذا فرق بني الرت وبني اجلحد‪.‬‬

‫ال َِا ير ُق الثَّ ياين‪ :‬من ناحية احلكم بني الرت وبني اجلحد‪ :‬إذا تر مسلم فرضا أو‬
‫ٍ‬
‫جاحد هلذا الفرض أو هلذا الواجب؛‬ ‫واجبا من الفرائض أو من الواجبات‪ ،‬وهو غري‬
‫حكمه أنه مسلم مرتكب كبرية‪.‬‬

‫أرجع إىل نفس املثل الذي ذكرته‪ :‬الكافر الصائل دخل أو يريد أن يدخل‪ ،‬قلنا‬
‫ٍ‬
‫جباحد حلكم اجلهاد؛ نقول حكم‬ ‫اجلهاد فرض عني‪ ،‬مسلم تر اجلهاد‪ ،‬لكنه ليس‬
‫هذا املسلم أنه مسلم مرتكب لكبرية‪ .‬إذا الرت يرتتب عليه كبرية‪ ،‬أنه مرتكب‬
‫معصية‪.‬‬

‫أما اجلاحد‪ :‬رجل قال‪" :‬ال يوجد هنا شيء امسه جهاد" هذا يرتد عن دين هللا‬
‫كما هائال من اآليات اآلمرة‬
‫¸‪ ،‬سواء جاهد أو مل ُياهد‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه ك ّذب ًّ‬
‫باجلهاد يف القرآن‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪741‬‬

‫إذا رجل تر اجلهاد دون جحد هذا مسلم مرتكب كبرية‪ ،‬ورجل جحد احلكم‬
‫من أصله هذا مرتد عن دين هللا ¸‪.‬‬

‫كذلا مثل آخر‪ :‬رجل ما أخرج زكاة ماله من غري جحود هذا مرتكب كبرية‪،‬‬
‫ورجل أنكر الزكاة وهو ليس لديه ماال وقال ال يوجد شيء امسه زكاة‪ ،‬ال يوجد شيء‬
‫امسه فرض زكاة‪ ،‬هذا يرتد عن دين هللا ¸‪.‬‬

‫إذا من حيث احلكم‪ :‬احلكم املرتتب على الرت خيتلف عن احلكم املرتتب على‬
‫اجلحد‪.‬‬

‫ث بني الرت وبني اجلحد‪ :‬يف الرت ال يُشرتط التصريح‬ ‫نَأْيِت إل ال َِا ير يق الثَّالي ي‬
‫اللساو‪ ،‬بينما يف اجلحد ال يثبت اجلحد إال بالتصريح إما نُطقا وإما كتابة‪ ،‬على‬
‫سبيل املثال‪ :‬رجل تر واجبا من الواجبات أو فرضا من الفروض‪ُ ،‬حياسب على جمرد‬
‫الرت ؛ كتار الصالة وتار الزكاة وما إىل ذلا‪ ،‬لكن إذا جحد‪ ،‬ال نستطيع أن نثبت‬
‫ُقر أساسا‬
‫صر بلسانه (قال‪ :‬أنا تركت إخراج زكاة ما ‪ ،‬ألو ال أ ّ‬
‫عليه اجلحد إال إذا ّ‬
‫بأن هنا شيء امسه زكاة)‪ ..‬هذا تر ‪ ،‬ولكن عن جحود‪ ..‬هذا اجلحد ال نستطيع‬
‫أن نثبته على اإلنسان إال إذا قال بلسانه أنين تركت جحودا‪ ،‬أو قلت هبذا القول أو‬
‫تركت هذا الفعل جحودا‪ ،‬فهذا فقط الذي يثبت عليه اجلحود‪.‬‬

‫أرجع وأقول‪ :‬الرت ال يستلزم التصريح اللساو‪ ،‬فمن تر شيئا من الواجبات‬


‫ُحياسب على الرت ‪ ،‬لكن إذا قلنا فالن ُيحد‪ ،‬ال نستطيع أن نُثبت عليه اجلحد إال‬
‫إذا علمنا من لسانه أو بكتابة يده أنه يُنكر هذا الفرض أو يُنكر هذا الواجب من‬
‫الدين؛ عند ذلا نقول هذا جحد‪ ،‬وهذا جمرد تر ‪ ،‬إذا الفارق بينهما يف اإلثبات‬
‫أيضا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪742‬‬

‫الرابي ُع‪ :‬أن من تر فعال‪ ،‬ال ميكن أن يأيت به‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن الرت والفعل‬
‫ال َِا ير ُق َّ‬
‫نقيضان ال ُيتمعان وال يرتفعان‪ ،‬يعين ال ميكن أن يكون اإلنسان تاركا للفعل وآتيا‬
‫هلذا الفعل يف نفس الوقت‪ ،‬يعين ما ميكن أن أقول أنه تار للجهاد وجماهد يف سبيل‬
‫هللا؛ ألن الرت مع العمل ال ُيتمعان أبدا‪ ،‬فإذا ثبت الرت فقد ارتفع العمل‪ ،‬وإذا‬
‫ثبت العمل فقد ارتفع الرت ألهنما من النقائض اليت ال جتتمعان وال ترتفعان ‪-‬وسبق‬
‫أن ذكرنا بعض التفاصيل عن هذه القاعدة‪.-‬‬

‫أما يف اجلحد‪ :‬فقد يكون اإلنسان جاحدا للفرض أو للواجب ولكن يأيت هبذا‬
‫الفرض وهبذا الواجب؛ كما يف حال املنافقني ‪-‬والعياذ باهلل‪﴿ -‬إِذَا قَاموا إِ َىل الص َالةِ‬
‫ُ‬
‫اس َوَال يَذ ُك ُرو َن اَللَ إِال قَلِيال﴾ [النساء‪ ،]142 :‬إذا هو أساسا‬
‫اىل يـَُراءُو َن الن َ‬
‫قَ ُاموا ُك َس َ ٰ‬
‫غري مؤمن بداخله‪ ،‬ولكن هذا الذي ُيحده يف داخله يأيت به يف الظاهر‪ ،‬كذلا‬
‫ُقر بفرضيّة الزكاة‪.‬‬ ‫رجل أخرج زكاة ماله‪ ،‬قال‪ :‬أنا أدفع لكم هذه الزكاة وإن كنت ال أ ّ‬
‫إذا اجلاحد قد يأيت بالعمل‪ ،‬أما التار فال ميكن أن يأيت بالعمل‪ .‬هذا فارق بني‬
‫الرت وبني اجلحد‪.‬‬

‫س‪ :‬أن التار للفرض أو للواجب إذا عاد والتزم ا تر ‪ ..‬كان‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ال َِار ُق اخلَام ُ‬
‫تاركا‪ ،‬اآلن رجع والتزم بشرع هللا تبار وتعاىل؛ ننظر إىل حاله‪ ،‬فإن كانت عودته عن‬
‫كف ٍر عودته تسمى توبة‪ ،‬أما إن كانت عودته عن معصية أو عن إمث فإن املعصية‬
‫واإلمث يرتفعان عنه بعودته‪ ،‬هذا يف التار ‪.‬‬

‫الردة ال ترتفع عنه‪ ..‬اجلاحد‬


‫أما اجلاحد‪ :‬وإن عاد وأتى بالفعل وهو ُيحد‪ ،‬فإن ّ‬
‫الردة ال يرتفع عنه‪.‬‬
‫إن أتى بالفعل وهو جاحد للفعل حكم ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪743‬‬

‫مثال‪- :‬كما ذكرت لا سابقا‪ -‬رجل أخرج زكاة ماله‪ ،‬قال‪" :‬ال إشكال خذوا‪،‬‬
‫طاملا أنتم جباة جئتم هذه زكاة ما ‪ ،‬بس ترى لعلمكم أنا ال أؤمن بوجود الزكاة"‪..‬‬
‫الردة ال يرتف عن هذا الرجل علما أنه أعطى زكاة ماله‪ .‬هذا فارق بني‬
‫إذا حكم ّ‬
‫الرت وبني اجلحد‪.‬‬

‫فإذا ثبتت لا هذه الفروقات بني الرت وبني اجلحد؛ إذا ال ميكن أن جنمع بني‬
‫َنزَل اَللُ﴾ عىن (تر )‪ ،‬مع قول ابن عباس ‪¢-‬‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫قول هللا ¸‪َ :‬‬
‫وأضاه‪ -‬عىن (جحد)‪ ..‬ألن هذا شيء وهذا شيء آخر‪.‬‬

‫َنزَل‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫هذا السبب الثالث لعدم تفسري قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ عىن جاحدون‪.‬‬
‫اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫ث يم ْن َه َذا التَّ ِْ يس يري‪ :‬هنا أسباب للكفر‪ ،‬وهنا بواعث وأنواع‬
‫املَاني ُع الثَّالي ُ‬
‫الردة‬
‫للكفر‪ ..‬أسباب‪ ،‬وبواعث‪ ..‬األسباب تتحد‪ ،‬ولكن البواعث على الكفر و ّ‬
‫تتنوع‪.‬‬
‫ّ‬
‫وجدت بعض األمثلة يف كتاب [النكت اللوامع يف ملحوظات اجلامع] ذكر املؤلف‬
‫أقروا بالشهادتني‪،‬‬
‫أهل مكة وذكر اليهود وذكر هرقل‪ ،‬قال‪ :‬سبب كفر هؤالء أهنم ّ‬
‫أقر؛ إذا سبب الكفر عند هذه‬ ‫أقروا‪ ،‬وهرقل أيضا ما ّ‬
‫أقروا‪ ،‬واليهود ما ّ‬
‫أهل مكة ما ّ‬
‫اجملاميع الثالثة متحد‪ ،‬إيش هو السبب؟‪ ،‬عدم اإلقرار بالشهادتني‪.‬‬

‫وتتنوع‪..‬‬
‫لكن عندما تأيت إىل الباعث على عدم اإلقرار‪ :‬جتد أن البواعث ختتلف ّ‬
‫ني‬ ‫ِِ‬ ‫بالنسبة ألهل مكة‪ :‬قال هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬فَِإنـهم َال ي َك ِّذبونَ َ ٰ ِ‬
‫ا َولَكن الظالم َ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪744‬‬

‫ات اَللِ َُي َح ُدو َن﴾ [األنعام‪ ،]33:‬إذا ما أتوا بالشهادتني هذا السبب‪ ،‬أما الباعث‬
‫بِآي ِ‬
‫َ‬
‫على عدم اإلتيان إيش؟‪ ،‬اجلحود‪.‬‬
‫ٰ‬ ‫ِ ِ‬
‫يل َهلُم َال إِلَهَ إِال اَللُ‬ ‫ِ‬
‫كذلا يف قول هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪﴿ :-‬إنـ ُهم َكانُوا إ َذا ق َ‬
‫يَستَكِربُو َن﴾ [الصافات‪ ،]35:‬إذا الباعث على عدم اإلتيان بالشهادتني إيش هنا؟‪،‬‬
‫االستكبار؛ إذا الباعث عند أهل مكة على عدم اإلميان‪ :‬اجلحود واالستكبار‪ ،‬ما‬
‫لدي سبب‬ ‫أقروا بالشهادتني‪ ،‬إذا ّ‬ ‫السبب يف عدم احلكم هلم باإلميان؟‪ ،‬ألهنم ما ّ‬
‫لدي باعث على السبب‪.‬‬
‫و ّ‬
‫ول ِ َا َال تَـه َو ٰى أَن ُف ُس ُك ُم استَكبَـرُمت‬
‫كذلا اليهود‪ :‬الباعث‪﴿ :‬أَفَ ُكل َما َجاءَ ُكم َر ُس ٌ‬
‫فَـ َف ِريقا َكذبـتُم َوفَ ِريقا تَـقتُـلُو َن﴾ [البقرة‪ ،]87:‬إذا نوع الكفر هنا‪ :‬استكبار‪ .‬جيّد‪﴿ ،‬أَم‬
‫اه ُم اَللُ ِمن فَضلِ ِه﴾ [النساء‪ ،]54:‬إذا الباعث على عدم‬ ‫اس َعلَ ٰى َما آتَ ُ‬
‫َحي ُس ُدو َن الن َ‬
‫اإلتيان بالشهادتني‪ :‬احلسد‪ ،‬إذا السبب واحد‪ ،‬ولكن األنواع والبواعث تعددت‪.‬‬

‫كذلا هرقل‪ :‬ما أتى بالشهادتني‪ ،‬الباعث لديه‪ :‬احلرص على املـُلا كما ذكر‬
‫الزهري ‪ -¬-‬عند اإلمام البخاري ‪ ¬-‬رحة واسعة‪.-‬‬

‫إذا السبب موحد‪ ،‬لكن البواعث ختتلف‪.‬‬

‫َنزَل اَللُ‪ ﴾...‬ما السبب يف‬ ‫ِ‬


‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫نأيت إىل قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫جحود‪ ،‬قد‬ ‫احلكم على هؤالء بالكفر؟‪ ،‬السبب الرت ‪ ،‬لكن هذا الرت قد يكون عن‬
‫اض‪ ،‬قد يكون عن ٍ‬
‫إباء‪ ،‬قد يكون عن‬ ‫يكون عن ُحماباةٍ‪ ،‬قد يكون عن إعر ٍ‬
‫استكبا ٍر‪ ...‬تبحث عن الباعث هلذا احلكم‪ ،‬إذا السبب هو‪ :‬الرت ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪745‬‬

‫إذا علمت هذا‪ ،‬فاعلم أن عند أهل السنة واجلماعة قاعدة تقول‪" :‬األحكام‬
‫اإلسالميّة تدور مع ِعلَلِها‪ ،‬أينما ُوِج َدت العلّة ُوِج َد احلكم"‪ ،‬إذا معىن العلّة‪ :‬السبب‪.‬‬

‫األحكام ترتتب على األسباب وليس على األنواع‪ ،‬عندما قلنا عن أهل مكة‬
‫كفار‪ ،‬ملاذا قلنا عنهم كفار؟ ألهنم مل يأتوا بالشهادتني‪ ،‬ما قلنا عنهم استكربوا أو‬
‫جحدوا‪ ،‬ال‪ ..‬ألهنم ما أتوا بالشهادتني‪ ..‬أما الدافع لعدم اإلتيان‪ :‬كان االستكبار‬
‫وكذلا اجلحود‪ ،‬وكذلا اليهود وهرقل‪.‬‬

‫ما يُثبت هذا الذي قلته‪ :‬عندما تنظر إىل كالم اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة‬
‫وبني النوع‪ ،‬لكنه‬
‫واسعة‪ ..-‬الحظ ماذا قال اإلمام الطربي‪ ،‬كيف أنه أثبت السبب ّ‬
‫نب احلكم على السبب‪.‬‬‫بىن احلكم على النوع ومل ي ِ‬

‫اإلمام الطربي يف تفسريه ذكر سبب كفر من مل حيكم ا أنزل هللا‪ ،‬قال‪ :‬الرت ‪.‬‬
‫نب احلكم على‬ ‫لكن ذكر نوع الرت (اجلحود)‪ ،‬فبىن احلكم على اجلحود ومل ي ِ‬
‫السبب‪ ..‬الحظ قول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪:-‬‬

‫َنزَل‬ ‫ِ‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم َا أ َ‬
‫يقول اإلمام الطربي ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬يف تفسري َ‬
‫عم باخلرب بذلا عن قوم كانوا [يقصد اليهود] حبكم هللا‬
‫اَللُ﴾‪" :‬إن هللا تبار وتعاىل ّ‬
‫الذي حكم به يف كتابه جاحدين‪ ".‬إذا عند اإلمام الطربي أن اليهود كانوا‬
‫جاحدين‪ ..‬مث قال‪" :‬فأخرب عنهم أهنم برتكهم احلكم على سبيل ما تركوه‪ ،‬كافرون"‪.‬‬

‫ُفسر قول اإلمام‬


‫[الباء] هنا سببيّة "برتكهم" الباء هنا سببيّة‪ ،‬إذا أردت أن أ ّ‬
‫الطربي أقول‪ :‬بسبب تركهم احلكم على سبيل ما تركوه يعين جاحدين‪ ،‬بسبب‬
‫تركهم‪ ،‬حكم هللا على سبيل ما تركوه‪ ..‬إيش السبيل لديه؟‪ ،‬قال‪ :‬جاحدين‪ ..‬إذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪746‬‬

‫ذكر السبب‪ ،‬وذكر الباعث على هذا السبب‪ ،‬ولكن ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬بىن‬
‫استقر عليه رأي‬ ‫ِِ‬
‫الكفر على اجلحود‪ ،‬ومل يبنه على السبب؛ وهذا القول ُخيالف ما ّ‬
‫علماء أهل السنة واجلماعة القائلني أن "األحكام اإلسالمية تدور مع عللها‪ ،‬فأينما‬
‫وجدت العلة وجد احلكم" ما قالوا‪ :‬تدور مع أنواعها أو بواعثها‪ ،‬قالوا‪" :‬مع عللها"‬
‫فاإلمام الطربي بىن احلكم (الكافرين) يف اآلية على النوع وليس على السبب‪.‬‬

‫فإذا ثبت لا ذلا‪ ،‬فاعلم أن قول ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬وقول اإلمام‬
‫الطربي ُخيالف ظاهر قول هللا تبار وتعاىل‪ ،‬وال منلا إال أن نقول كما قال‬
‫عبدالقادر بن عبدالعزيز ‪-‬نسأل هللا تبار وتعاىل أن يهديه‪ -‬قال يف كتاب [اجلامع]‪:‬‬
‫"وهذا الكالم [أي تفسري اآلية باجلحود] ُُمالف لنص الكتاب والسنة‪ ،‬فاهلل ´ علّق‬
‫﴿وَمن َمل َحي ُكم‪ ،﴾...‬وابن عباس علّقه على‬ ‫الكفر على تر احلكم ا أنزل هللا َ‬
‫جحد ما أنزل هللا‪ ،‬فأثبت مناطا للحكم [أي سببا للحكم] غري املناط الوارد يف اآلية"‪.‬‬

‫إذا علمت هذا (لدينا اآلن ظاهر للقرآن‪ ،‬ولقول لصحايب جليل ُخيالف ظاهر‬
‫القرآن) يف مثل هذه األحوال ماذا يقول علماء األصول؟‬

‫أقرأ لا نص كالم اإلمام الشوكاو ‪ -¬-‬يف [إرشاد الفحول]‪ ،‬قال‪" :‬أن‬


‫يكون اخلرب ظاهرا يف شيء‪ ،‬فيحمله الراوي من الصحابة على غري ظاهره(‪ ،)101‬إما‬
‫بصرف اللفظ عن حقيقته إىل جمازه‪ ،‬أو بأن يصرفه عن الوجوب إىل الندب‪ ،‬أو عن‬

‫(‪)101‬احلكم ظاهر‪ ،‬لكن الصحايب حيمله على غري ظاهره‪ ،‬كحالنا اآلن‪ ..‬الظاهر هو الرت ‪،‬‬
‫لكن ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬حله على اجلحد‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪747‬‬

‫يأت ا يفيد صرفه عن الظاهر(‪ ،)102‬فذهب اجلمهور من‬ ‫التحرمي إىل الكراهية؛ ومل ِ‬
‫أهل األصول إىل أنه يُعمل بالظاهر وال يُصار إىل خالفه جملرد قول الصحايب أو فعله؛‬
‫وهذا هو احلق ألننا ُمتعبّدون [أي نعبد هللا ¸] بروايته ال برأيه"‪.‬‬

‫زين‪ ،‬كيف أُثبت لا أن رأي ابن عباس خيتلف عن روايته؟‬

‫"سأ ََل‬
‫يف الرواية اليت ذكرناها عن ابن أيب حامت ‪ ،-¬-‬عن ابن عباس قال‪َ :‬‬
‫َخو بَِين َعب ِد األَش َه ِل‪َ ،‬و َخا ِر َجةُ ب ُن‬ ‫ٍ‬
‫َخو بَِين َسلَ َمةَ‪َ ،‬و َسع ُد ب ُن ُم َعاذ أ ُ‬
‫ُم َعاذُ ب ُن َجبَ ٍل أ ُ‬
‫ض َما ِيف التّـوَراةِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ود َعن بَـع ِ‬ ‫َخو بَـل َحا ِرث ب ِن اخلَزَرِج‪ ،‬نَـ َفرا من أَحبَا ِر يـَ ُه َ‬ ‫َزيد أ ُ‬
‫وهم‪ "...‬هذه رواية ابن عباس‪ ،‬أما رأيه‪ :‬جحوده‪.‬‬ ‫فَ َكتَ ُم ُ‬
‫ولكم‪ ،‬وجزاكم هللا خري اجلزاء وبار فيكم‪.‬‬ ‫أقول قو هذا‪ ،‬وأستغفر هللا‬

‫(‪ )102‬ألنه إذا صرفه عن الظاهر إىل املعىن املؤول ولديه دليل‪ ،‬هذا يُقال به‪ ،‬أما إذا صرفه من‬
‫غري دليل فال يؤخذ هبذا التأويل الذي جاء به‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪748‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪749‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪750‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ َّ َ ُ‬
‫الثالثون‬ ‫الدرس الث ِامن و‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪:‬‬ ‫تف ِسير‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الك ِافرون﴾‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا وأعنّا على‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫علمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫اتّباعه‪ ،‬وأ ِرنَا الباط َل باطال وأعنّا على اجتنابه‪ ،‬اللهم ّ‬
‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من العاملني بعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪،‬‬
‫ويسر أمري‪،‬‬ ‫رب اشر صدري‪ّ ،‬‬ ‫وال جتعلهُ ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ِّ ،‬‬
‫لوجها خالصا‪،‬‬ ‫واحلُل عقدة من لساو‪ ،‬يفقهوا قو ‪ .‬اللهم اجعل عملي ص ِ‬
‫احلا و‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫صيبا ٍ‬ ‫وال جتعل فيه نَ ِ‬

‫ِ‬
‫َنزَل اَللُ‬
‫﴿وَمن مل َحي ُكم َا أ َ‬
‫ما زلنا نواصل احلديث يف قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫فر املقصود‬ ‫فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم ال َكاف ُرو َن﴾‪ ،‬والوقفة األخرية كانت يف تفسري من قال أ ّن ال ُك َ‬
‫يف اآلية‪ :‬كفر اجلحود‪.‬‬

‫تناولنا التفسري الثامن‪ ،‬نتناول اليوم قوال آخر مما قيل يف هذه اآلية الكرمية‪،‬‬
‫نَـتَـنَ َاو ُل اليـوَم‪:‬‬
‫التَّ ِْ يسري التَّ ي‬
‫اس َع‪:‬‬ ‫َ‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾ هو كفر اعتقادي‬ ‫ّأما الكفر املقصود يف هذه اآلية ﴿فَأُولَئِ َ‬
‫ف من املعاصرين وهو (األلباو)‪،‬‬ ‫قال‪ :‬هذا كفر اعتقادي‪ .‬صاحب هذا القول من ُع ِر َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪751‬‬

‫فر‬
‫حيمل ال ُك َ‬
‫والذي امسه الكامل (حممد ناصر الدين األلباو)‪ ،‬يف تفسري هذه اآلية‪ُ :‬‬
‫على الكف ِر االعتقادي‪ ،‬ولكن وقبل الدخول يف تفاصيل هذا املوضوع‪ ،‬ال بد أن‬
‫أشري إىل جمموعة من املسائل‪:‬‬
‫األَ ْمر األَ َّو ُل‪ :‬أ ّن هذا حبث علمي يف ٍ‬
‫قول قاله رجل يف آية من كتاب ربِّنَا‪ ،‬بناء‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫على عقيدته املخالفة لعقيدة أهل السنة يف تعريف اإلميان‪ ،‬هذه النقطة األوىل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ي‬
‫التجرد عن العاطفة يف السماع‪ ،‬ستسمع‬ ‫النُ ْقطَةُ الثَّانيةُ‪ :‬أ ّن هذا البحث يقتضي ّ‬
‫مين أشياء‪ ،‬وهنا عاطفة تربطا باأللباو؛ فحىت نصل إىل احلقيقة اليت فيها مرضاة‬ ‫ّ‬
‫يتجرد من العاطفة يف مثل هذه املواطن‪ ،‬فإ ّن‬‫هللا تبار وتعاىل‪ ،‬على اإلنسان أن ّ‬
‫التعاطف مع من خيطئ ال يزيل الغشاوة عن العني‪ ،‬وال يزيد األمر إال سوءا‪ ،‬هذا‬
‫األمر الثاو‪.‬‬

‫ت جهدا يف الدعاء أن يُ ّبني‬ ‫ِ‬


‫ث‪ :‬يعلم هللا تبار وتعاىل‪ ،‬أنين ما آلَو ُ‬‫األَم ُر الثال ُ‬
‫حقيقة عقيدة األلباو كيفما كانت‪ ،‬وبذلت من اجلهد واحلرص ما أحسبين أُعذر به‬
‫مرت حاولت أن أقف على دقائق‬ ‫عند هللا تبار وتعاىل‪ ،‬من خالل هذه األيّام اليت ّ‬
‫األمور يف قول هذا الرجل‪ ،‬هذه املسألة الثالثة‪.‬‬

‫الرابي َعةُ‪ :‬وأنا أتناول هذا املوضوع أعلم أ ّن األلباو عند الكثريين يُعترب ّ‬
‫عالمة‬ ‫َّ‬
‫العصر‪ ،‬بل من الناس من يعتربونه ُجم ّدد العصر‪ ،‬هذا أمر ليس ٍ‬
‫خباف علي‪.‬‬

‫س‪ :‬أعلم أيضا أن عمله كان يف أشرف عل ٍم بعد كتاب هللا ¸‪،‬‬ ‫األَمر اخلَ ي‬
‫ام‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫كان جمال عمله يف حديث رسول هللا ‘‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪752‬‬

‫س‪ :‬الذي أعلمه أنه قضى حياته يف هذا اجملال من العلم إال أنه‬ ‫األَمر َّ ي‬
‫الساد ُ‬ ‫ُْ‬
‫كانت لديه اهتمامات جانبيّة أخرى؛ لو أنه اقتصر على التصحيح والتضعيف‪ ،‬ألرا‬
‫واسرتا ‪.‬‬

‫السابي ُع‪ :‬أ ّن الكثري من املسلمني قد تأثروا به وهم على مذهبه؛ وأقصد‬ ‫األَ ْم ُر َّ‬
‫على مذهبه املعارض يف املسائل اليت تُس َفا هبا الدماء الزكيّة يف عصرنا‪ ،‬وأعين هبذه‬
‫طريف‬
‫املسألة‪ :‬مسألة الطواغيت‪ ،‬فَـ ُهم ‪-‬األلباو ومن على مذهبه وعقيدته‪ -‬على ّ‬
‫ٍ‬
‫نقيض مع اجملاهدين‪ ،‬فاجملاهدون يَـَرون أن هؤالء احلُ ّكام الذين حيكمون بغري ما أنزل‬
‫هللا هم ُمرت ّدون عن دين هللا ¸‪ ،‬األلباو متكن من أن يُقنع الناس أن هؤالء‬
‫الطواغيت ُمسلمون‪ ،‬ولكنهم ُُمطئون ‪-‬وسأذكر لا التفاصيل كيف حكم على‬
‫ُناس تُراق دماؤهم‬
‫هؤالء الطواغيت بأهنم ُمسلمون‪ ،-‬إذا يف هذه املسألة ُهنا أ ٌ‬
‫ألجل إزالة هؤالء‪ ،‬ولتحكيم شرع هللا تبار وتعاىل‪ّ ،‬أما األلباو ومن خلّف من‬
‫ينصون على أن هؤالء الطواغيت مسلمون وطاعتهم أيضا واجبة‪،‬‬ ‫تالميذه ف ُكلّهم ّ‬
‫هذا أمر أيضا أحببت أن أُشري إليه‪.‬‬
‫الثَّ يامن‪ :‬إ ّن إثبات اخلطأ ‪-‬يعين أن تُثبِت على ٍ‬
‫إنسان اخلطأ‪ -‬إ ّن إثبات اخلطأ إن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كل يؤخذ من‬‫مل يكن يف العدالة‪ ،‬أو يف العقيدة‪ ،‬أو يف الدين‪ ،‬فال ضري يف ذلا‪ٌ ،‬‬
‫قوله ويـَُرّد إال صاحب هذا القرب؛ أما إذا كان اخلطأ يف العدالة ِويف العقيدة ِويف‬
‫الدين‪ ،‬هنا ُيب على من َعلِم البيان‪ ،‬ألن اخلشية تكون هنا من الكتمان‪.‬‬

‫وسأذكر بعض التفاصيل املتعلقة هبذه املسألة من ناحية العدالة‪ ،‬ومن ناحية‬
‫األمانة‪ ،‬ومن ناحية العقيدة إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪753‬‬

‫األَمر ي‬
‫عرض على أقوال أهل‬ ‫العاش ُر‪ :‬إن أقوال وكتابات العلماء الـ ُمعاصرين تُ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ٍ‬
‫بألفاظ دقيقة‪،‬‬ ‫السنة واجلماعة؛ ألن أولئا قد صاغوا العبارات اليت هي ألهل السنة‬
‫كل يستخدم مفردة يف التعبري عن‬ ‫ِ‬
‫ألن يف مسألة اإلميان والكفر‪ ،‬الفَرق كثرت‪ ،‬و ٌ‬
‫عرف‬‫كراميًّا يُ ّ‬
‫عرف اإلميان‪ ،‬جتد ّ‬
‫جهمي يُ ّ‬
‫ّ‬ ‫عقيدته يف اإلميان ِويف الكفر‪ ،‬فتجد هنا‬
‫يف ألهل‬ ‫عرف اإلميان‪ ...‬وهنا تعر ٌ‬ ‫عرف اإلميان‪ ،‬جتد أشعريًّا يُ ّ‬
‫اإلميان‪ ،‬جتد ماتريديًّا يُ ّ‬
‫السنة أيضا؛ إذا يف التعريف ُيب أن يكون العامل املعاصر دقيقا يف اختيار األلفاظ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫قول من أقوال تلا الفَرق اليت ذكرهتا‪ ،‬فينبغي أن‬ ‫يف تعريف اإلميان‪ ،‬حىت ال يزيغ إىل ٍ‬
‫نعرض أقوال املعاصرين على أقوال أهل السنة واجلماعة لنرى أين التقى بأهل السنة‬
‫واجلماعة يف تعريف اإلميان وأين خالفهم وأين ش ّذ عنهم‪ ،‬وهذا أيضا سنشري إليه إن‬
‫شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال ي‬
‫ِّ ْر‪ :‬إن الفَرق اليت ضلّت َ‬
‫عرب التاريخ ‪ُ -‬كلّها بدون استثناء‪ -‬كانت‬ ‫ادي َع َ‬ ‫َ‬
‫آيات وتستند إىل أحاديث‪ ،‬ولكن على خالف فهم أهل السنة اجلماعة؛‬ ‫تستند إىل ٍ‬
‫ٍ‬
‫مسألة كمسألة تعريف اإلميان‬ ‫إذا اآلن أيضا إذا خرجت فرقة‪ ،‬وبدأت تستدل يف‬
‫باآليات واألحاديث‪ ،‬إذا نقول هل فهم هذا املعاصر موافق لفهم أهل السنة‬
‫واجلماعة أم ال؟ فإن كان موافقا نع ّده من علماء أهل السنة املعاصرين‪ ،‬أما إذا خالف‬
‫فننظر إىل أي ٍ‬
‫فرقة احناز فننسبه إىل الفرقة اليت قال بقوهلا‪ ،‬هذه أيضا مسألة مهمة‬ ‫ّ‬
‫قبل احلديث عن األلباو وعقيدته يف مسألة اإلميان والكفر‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين َع َ‬


‫ِّ ْر‪ :‬إو ‪-‬بإذن هللا تعاىل‪ -‬سأقول يف األلباو قوال‪ ،‬وأحاول أن‬
‫أبتعد عن سفاسف الكالم ما استطعت بإذن هللا؛ ألن ذلا ليس من ديين‪ ،‬لكن إذا‬
‫ظهر منه ما يستوجب أن أمسيه بِاِس ٍم فسأمسيه‪ ،‬فال تستغربوا عندما أقول عنه‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪754‬‬

‫افرتى‪ ،‬وعندما أقول عنه كذب؛ طاملا وجدت من احلق ما يعينين على استخدام هذه‬
‫الكلمة يف حق األلباو‪ ،‬هذا أيضا بإذن هللا تعاىل ال أتردد فيه‪.‬‬

‫األَ ْم ُر َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬غالب العاملني يف احلقل أو يف جمال العلم الشرعي‪ ،‬يعلمون أ ّن‬
‫األلباو خلّف من التالميذ ما ال يُرفع بأحدهم رأس‪ ،‬ففيهم االفرتاء‪ ،‬وفيهم الكذب‪،‬‬
‫وفيهم التزييف‪ ...‬ح ّدث وال حرج‪ ،‬كأمثال (علي احلليب) ومن شاهبه ومن ناظره‪،‬‬
‫وهؤالء كما تعلم يأخذون من أقوال العلماء ما يوافق هواهم‪ ،‬ويزيدون على أقوال‬
‫العلماء‪ ،‬وحيذفون من أقوال العلماء‪ ..‬هؤالء من ضمن ُملفات األلباو‪ ،‬فقد تسمع‬
‫من هؤالء كالما فيما سأقوله‪ ،‬فعليا أن تدقق يف كالمهم ألهنم يكذبون ويفرتون‪.‬‬

‫األَمر الرابع عِّر‪ :‬أثناء حديثي عن األلباو ال أترحم عليه‪ ،‬وهذا ال يعين أنين‬
‫أُك ِّف ُره؛ ولكن لو علمت مثلما أعلم ماذا فعل بديننا وماذا فعل باملسلمني‪ ،‬وكيف‬
‫دافع هذا الدفاع املـُستميت عن هؤالء الطواغيت بأدلة ال عالقة هلا بالشرع أو بفهم‬
‫أهل السنة واجلماعة‪ ،‬عند ذلا ستقول بقو بإذن هللا تعاىل‪ ،‬حىت ال يأيت أحد‬
‫يستغرب "ساعة تكلم وما قال ¬!"‪.‬‬

‫ِّ ْر‪ :‬أنت تعلم أن ظهور اخلفايا دائما يكون فيه صدمة ملن كان‬ ‫س َع َ‬ ‫ي‬
‫اخلَام ُ‬
‫األمر مستورا بالنسبة له‪ ،‬فستظهر بعض األمور اليت أنا ما علمتها إال بعد أن تتبّعت‬
‫هذا األمر‪ ،‬وسيظهر لغريي أيضا ما ظهر ‪ ،‬فالناس الذين سيسمعون ما سأقوله‬
‫أقسام‪ ،‬قسم سيغضب‪ ،‬ويقول‪ ،‬ويلعن‪ ..‬هذا قسم‪ ،‬ويقينا الذي‬ ‫سينقسمون إىل ٍ‬
‫يغضب من السماع هذا يعين بأنه فتح على نفسه باب الشيطان‪ ،‬ألن الغضب كما‬
‫تعلم من الشيطان‪ ،‬سيكف عن مساعي فال يسمع‪ ،‬وقد يكون الذي أقوله حقا‪ ،‬هذا‬
‫صنف من الناس سيكون عند مساع كالمي‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪755‬‬

‫القسم اآلخر‪ :‬يسمع وقد حكم ُمسبقا أن ما يُقال غري صحيح‪ ،‬هو يسمع ما‬
‫عنده إشكال‪ ،‬لكن هو ُمسبقا أسدل الستار على ما سأقوله (ألن الذي أقوله ليس‬
‫بصواب)‪ ،‬هذا أيضا صنف سيكون‪ ،‬ودافع مثل هذا الصنف قد يقول‪ :‬من أبو فالن‬
‫هذا اجملهول الذي يقد يف العالمة األلباو ُحميي السنة وقامع البدعة وما إىل ذلا‪،‬‬
‫فهذا باب من أبواب الشيطان يصد عن مساع كالمي ملثل هؤالء‪.‬‬

‫هنا قسم ثالث‪ :‬يسمع ويرجع إىل املصادر اليت نقلت عنها كالم األلباو‪،‬‬
‫وهؤالء الذين يسمعون ويريدون أن يدققوا يف صحة ما نقلت وكوو صادقا يف النقل‬
‫أم ال‪ ،‬أيضا ينقسمون إىل أقسام‪ :‬القسم األول يرجع فقط للتأكد هل افرتيت على‬
‫األلباو أم ال‪ ،‬إذا هو يرجع ليس لكي يتأكد‪ ،‬وإمنا حىت ُيد هل أخطأت أم ال‪،‬‬
‫هذا صنف من الناس سيبحثون عن كالمي يف املصادر اليت أشرت إليها‪ .‬وهنا قسم‬
‫آخر يرجع ويتأكد من صدق ما قلت ويبحث عن ُمرج لأللباو‪َ ،‬علِم أن الذي قلته‬
‫صواب ولكن حياول أن ُيد ُمرجا لأللباو حىت يُثبت أن الذي قلته ليس بصواب‬
‫وإمنا الذي قاله األلباو هو الصواب‪ ،‬هذا أيضا صنف سيكون إزاء هذا الكالم الذي‬
‫سأقوله بإذن هللا تعاىل‪.‬‬

‫هنا صنف ثالث‪ :‬يرجع إىل املصادر ويتأكد أن الذي قلته حق‪ ،‬وأنين كنت‬
‫صادقا فيما نسبته إليه ومل أف ِرت عليه‪ ،‬لكنه ُمكابرة ال يستسلم للحق‪ .‬هذا صنف‬
‫ثالث‪.‬‬

‫هنا صنف رابع‪ :‬يسمع ويرجع إىل املصادر اليت نقلت منها‪ ،‬ويظهر له احلق‪،‬‬
‫ويقول احلق أحق أن يُتبع‪ ،‬هذه األصناف ستكون بني من يسمع هذا الكالم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪756‬‬

‫ِّر‪ :‬هذه املعلومات والنقوالت اليت نقلتها عن األلباو‪ ،‬نقلتها‬


‫س َع َ‬ ‫األَمر َّ ي‬
‫الساد ُ‬ ‫ُْ‬
‫من املكتبة الشاملة‪ ،‬اإلصدار اخلامس؛ فمن أراد أن يتأكد حصرا يرجع إىل املكتبة‬
‫الشاملة وحصرا إىل اإلصدار اخلامس‪ ،‬وهنا أشري إىل أمر مهم جدا‪ ،‬أنا قد ترجع‬
‫تنس أن للمؤلف الواحد قد‬
‫إىل املكتبة الشاملة وترجع إىل اإلصدار اخلامس‪ ،‬لكن ال َ‬
‫يكون عدة ُكتب موجودة يف داخل املكتبة‪ ،‬فال ترجع إال اىل الكتاب الذي أنا‬
‫دت جزأه وصفحته‪ ،‬يعين قد ترجع إىل [فتنة التكفري] لكنه ليست النسخة اليت أنا‬
‫ح ّد ُ‬
‫أخذت منها‪ ،‬فتجد أن املعلومات غري موجودة يف الصفحة اليت استخرجت‪ ،‬أو ما‬
‫وجدهتا يف املكان الذي حددت‪ ،‬هذا أيضا ينبغي التنويه إليه حىت إذا رجعت إليه‬
‫تعلم أين ترجع‪.‬‬

‫َواألَ ْم ُر األَ يخريُ‪ :‬أن هذا الذي أقوله هو ما أدين هللا ¸ به‪ ،‬فمن استطاع أن‬
‫يُثبت خالف ما قلته يف األلباو بإذن هللا تعاىل سأتراجع عن قو ‪ ،‬لكن بشرط؛‬
‫أنا سأذكر قول األلباو بالنص‪ ،‬يأتيين بنص من كالم األلباو ُمالفا لقو ‪ ،‬ال يأتيين‬
‫بالشروحات وبالتأويالت وبالتفسريات‪ ،‬أنا أقول اإلميان عند األلباو‪ :‬قول باللسان‬
‫يأت ويقول األلباو معىن كالمه هنا التصديق ومعىن كالمه هنا‬ ‫ومعرفة القلب‪ ،‬ال ِ‬
‫اإلذعان‪ ،‬ومعىن كالمه هنا العمل‪ ...‬ال أقبل هبذا الشيء‪ ،‬وإمنا تأتيين بقول له‪ ،‬ال‬
‫تأتِين بتأويالت وال بتفسريات وال بشرو ‪ ،‬هذا أمر أيضا ينبغي أن أشري إليه‪.‬‬

‫﴿وَمن مل َحي ُكم‬


‫بعد أن انتهيت من هذه املـُقدمة‪ :‬نرجع إىل قوله تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪.‬‬
‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫َا أ َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪757‬‬

‫اينّ يهلَ يذهي اآليَية‪ :‬أ ّن احلاكم الذي حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬ال يكون‬ ‫تَ ِْ يسريُ األَلْبَ يي‬
‫كافرا إال إذا اعتقد هذا الكفر يف قلبه‪ ،‬فإذا اعتقد هذا الكفر يف قلبه عند ذلا‬
‫ا ُه ُم ال َكافُِرو َن﴾‪.‬‬
‫يصدق عليه قول هللا تبار وتعاىل‪﴿ :‬فَأُولَئِ َ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫االع ِتق ِاد ِي ِع ْن َد األل َبا ِن ِي؟‬ ‫َما َم ْع َنى الك ْف ِر‬
‫ابتداء‪ُ :‬يب أن حتدد موطن الكفر االعتقادي‪ ،‬يف القلب‪ .‬هنا كفر عمل‪،‬‬
‫وهنا كفر اعتقاد‪ ،‬موطن ال ُكفر االعتقادي‪ :‬يف القلب‪ ،‬أنقل لا كالم األلباو هبذا‬
‫اخلصوص‪.‬‬

‫يقول األلباو يف [فتنة التكفري] له رسالة من وريقات يُسميها [فتنة التكفري]‪ ،‬يقول‬
‫ِر االعتقادي ليس له علقة أساسية ِبجرد العمل‪،‬‬ ‫يف هذه الرسالة بالنص‪ ،‬قال‪" :‬ال ُك َ‬
‫إُنا علقته الكربى بالقلب"‪ .‬إذا ال ُك َ‬
‫فر االعتقادي موطنه القلب‪ ،‬هذا قوله يف [فتنة‬
‫التكفري]‪.‬‬

‫له قول آخر يف حماضرة عنواهنا‪[ :‬ال ُك َفر ُكفَران]‪ ،‬قبل قراءة نص كالم األلباو‪ ،‬أُنبِّهُ‬
‫إىل أم ٍر‪:‬‬

‫أن هذه احملاضرة هي ُمسجلة‪ ،‬لكنها ُمفرغة كتابة [ال ُك َفر كفران]‪ ،‬أخذت أقوال‬
‫كتاب لــ(أيب بصري الطرطوسي)‪ ،‬ولنا على هذا الرجل‬ ‫األلباو يف هذه احملاضرة من ٍ‬
‫مؤاخذات كما تعلم‪ ،‬اسم كتاب الطرطوسي‪[ :‬االنتصار ألهل التوحيد والرد على من‬
‫رد يف هذا الكتاب على هذه الـ ُمحاضرة‪.‬‬
‫جادل عن الطواغيت] ّ‬
‫استخراج كلمات األلباو كان صعبا علي أن أرجع إليها‪ ،‬ألنه كان يأيت بقول‪،‬‬
‫مث يأيت خبمسة أو عشرين صفحة يشر هذا القول‪ ،‬فأنا استنسخت احملاضرة يف ٍ‬
‫جزء‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪758‬‬

‫مستقل‪ ،‬فبدأت أرجع إىل كالمه ُمباشرة‪ ،‬فعندما أنقل عن ال ُكفر‪ ،‬عن حماضرة [ال ُكفر‬
‫كفران] ال أرجع إىل كتاب الطرطوسي‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنين استنسخت أقواله يف نسخة‬
‫أنوه إىل هذا األمر‪.‬‬
‫وبدأت أرجع إىل قول األلباو يف هذه احملاضرة‪ ،‬أحببت أن ّ‬
‫يف حماضرته [الكفر كفران] قال‪" :‬إذًا اآلن مناط الكم والبحث والتِريِ بني كِر‬
‫فر‬
‫علمت أن موطن ال ُك َ‬
‫ُ‬ ‫وكِر‪ ،‬هو أن ننظر إل القلب‪ ".‬إذا هذه اخلطوة األوىل‪،‬‬
‫االعتقادي يف القلب‪ ،‬جيّد‪ ،‬ماذا يعين الكفر االعتقادي عند األلباو؟‬

‫قال ‪-‬طبعا هذه أيضا يف حماضرة [ال ُكفر كفران]‪ -‬قال‪" :‬لكننا نُ َِ ّير ُق بني الكِر‬
‫وفعل"‪ .‬إذا أفهم اآلن أن‬ ‫املقصود قلبًا‪ ،‬وبني الكِر الذي ل يُقصد قلبًا‪ ،‬وإُنا قالبًا ً‬
‫فر يف قلبه‪ ،‬فإذا‬
‫الكفر االعتقادي يكون يف القلب‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن يقصد اإلنسان ال ُك َ‬
‫يسمى كفرا اعتقادي‪.‬‬
‫فر يف قلبه هذا كفره ّ‬
‫قصد ال ُك َ‬
‫طبعا أشري إىل أمر‪ :‬قد يُقال من قال هبذا األمر غري األلباو؟‬

‫يسر هللا ¸‬‫يف حدود ما اطّلعت عليه يف أقول املفسرين‪ ،‬يف جمال حبثي ّ‬
‫الرجوع إىل الكثري من الغابرين ومن املعاصرين‪ ،‬فما وجدت أحدا قال هبذا القول غريه‬
‫‪-‬قد يكون هنا غريه أنا ال أعلمه‪ ،-‬لكن الذي وجدته هو السابق يف هذا النوع‬
‫من التفسري هلذه اآلية‪.‬‬

‫نَيق ُ يع ْن َد َه َذا ال َق ْويل َوقْ َِةً ُم يه َّمةً‪ :‬قال‪" :‬لكننا نـُ َفِّر ُق بني الكفر املقصود قلبا‪،‬‬
‫وبني الكفر الذي مل يُقصد قلبا"‪ .‬كيف أفهم عقيدة األلباو من خالل هذا القول؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪759‬‬

‫الحظ أخي‪ :‬هنا فعل‪ ،‬وهنا حكم هلذا الفعل‪ ،‬على سبيل املثال‪ :‬السجود‬
‫سمى فعال ُكفريًّا‪ ،‬يُصطلح على هذا‬
‫للصنم فعل‪ ،‬حكمه‪ :‬كفر‪ ،‬إذا السجود للصنم يُ ّ‬
‫فعل كفري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفعل‪ ،‬يقال ٌ‬
‫وهلذا عندما تسمع يقولون "هذا الفعل فعل كفري وهذا القول قول كفري"‪ ،‬ماذا‬
‫يعين؟‪ ،‬يعين أن الفعل ُكفر‪ ،‬أو أن الفعل (السجود) حكمه‪ :‬كفر‪ ،‬فجمعنا بني الفعل‬
‫وبني احلكم‪ ،‬فقلنا السجود للصنم فعل كفري‪ .‬إذا هنا ال ُكفر الفعلي‪ ،‬وهنا كفر‬
‫اعتقادي‪.‬‬

‫عقيدة األلباو يف هذه املسألة من خالل قوله‪ :‬أنه يقصد الكفر يف قلبه‪ ،‬فيكون‬
‫يف قلبه ال يف قالبه‪ ،‬أما الرجل إذا سجد لصنم‪ ،‬هذا فعل‪ ،‬وهذا الفعل كفر‪ ،‬حكمه‬
‫كفر‪ ،‬األلباو هل حيكم على هذا الساجد للصنم بأنه ارتد عن دين هللا ¸؟ ال‪،‬‬
‫ملاذا؟؛ ألنه ال حيكم على الفعل‪ ،‬بل حيكم على احلكم‪ ،‬يقول هو فعله كفر‪ ،‬لكن‬
‫فر أم ال؟‪ ،‬هل قصد هذا الكفر يف قلبه أم ال؟‪ ،‬فإذا كان قصد يف قلبه‬
‫هل قصد ال ُك َ‬
‫فر يف قلبه‪ ،‬هذا يكفر‪ ،‬هذا معىن قول‬ ‫أن هذه السجدة سجدها وهو يقصد ال ُك َ‬
‫األلباو‪.‬‬

‫فر العملي تابعا للكفر االعتقادي؛‬‫إذا ّفرق بني الفعل وبني الفاعل‪ ،‬وجعل ال ُك َ‬
‫فاأللباو ال يوجد عنده كفر عملي‪ ،‬كله اعتقادي‪ ،‬وهلذا دائما يُلحق األعمال‬
‫فر بقلبه‪.‬‬
‫الكفريّة باالعتقاد‪ ،‬هذا قول األلباو‪ ،‬أن يقصد ال ُك َ‬
‫ابن تيمية ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ -‬ماذا يقول يف إتيان الفعل؟‪ ،‬هل نقتصر على‬
‫إتيان الفعل أم ُيب أن نقصد حكم الفعل أيضا كما يقول األلباو؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪760‬‬

‫الحظ ابن تيمية ‪ -¬-‬ماذا يقول يف [الصارم املسلول]‪ ،‬قال‪" :‬وباجلملة‪ ،‬من‬
‫ِر‬
‫كافرا‪ ،‬إذ ال يقصد ال ُك َ‬
‫قال أو فعل ما هو ُك ِْ ٌر‪َ ،‬ك َِ َر بذلك وإن ل يقصد أن يكون ً‬
‫أحد إال ما شاء للا"‪.‬‬

‫اآلن أريد أن آيت بأمثلة‪ ،‬حىت ترى أين قول ابن تيمية وأين قول األلباو‪ ،‬ذكرت‬
‫ف عليه بإذن هللا تعاىل حىت تكون الصورة‬
‫لا السجود للصنم‪ ،‬أذكر مثاال ال ُخيتَـلَ ُ‬
‫واضحة‪:‬‬

‫تذكرون عندما دخل األمريكان إىل بالدنا‪ ،‬ما خنتلف يف أن هؤالء كفار‪،‬‬
‫نصارى كفار‪ ،‬وال خنتلف أهنم دخلوا بالد املسلمني هذا ال ُخيتلف عليه‪ ،‬هذا األمر‬
‫يُصطلح عليه يف شرعنا بأنه كافر صائل دخل بالد املسلمني‪ ،‬يف مثل هذه األحوال‬
‫املسلمون باإلمجاع يَـَرون أن اجلهاد يكون فرض عني على أهل تلا البلدة‪ ،‬هذا ما‬
‫ال ُخيتلف عليه‪.‬‬

‫الذي حصل‪ ،‬أن األمريكان كفار صائلون دخلوا بالد املسلمني‪ ،‬هذا الكافر‬
‫الصائل أوعز بإنشاء وزارة الدفاع يف فرتة حكم (برمير) األمريكي الذي كان احلاكم‬
‫ا‬
‫ُنشئَت وزارة الدفاع‪ ،‬وبدأ املنتسبون إىل أهل السنة ‪َ -‬دع َ‬‫األمريكي على العراق‪ ،‬أ ِ‬
‫من الرافضة‪ ،‬هؤالء ال يدخلون يف حديثي ألهنم ليسوا مسلمني‪ ،-‬املنتسبون إىل أهل‬
‫السنة بدؤوا ينضمون إىل وزارة الدفاع‪ ،‬هذه احلقيقة الثانية‪.‬‬

‫احلقيقة الثالثة‪ :‬أن اجلنود يف وزارة الدفاع بدؤوا يقاتلون مع اجليش األمريكي يف‬
‫ُمدن العراق‪ ،‬يقاتلون املسلمني يف مدن العراق‪ ،‬هذا ال خيتلف عليه أحد‪ ،‬هذا‬
‫التصرف ممن انتسب إىل وزارة الدفاع هذا يعترب ناقضا من نواقض اإلسالم‪ ،‬وهو‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪761‬‬

‫الناقض الثامن الذي ذكره الشيخ حممد بن عبدالوهاب ‪ ¬-‬رحة واسعة‪ ،-‬قال‪:‬‬
‫"الناقض الثامن‪ :‬مظاهرة املشركني ومعاونتهم على املسلمني"‪.‬‬

‫هذا أمر َح َسن‪ ،‬أن الـ ُمنتسب إىل وزارة الدفاع بدأ يُعني ذلا الكافر الصائل‬
‫على املسلمني‪ ،‬هذا عند حممد بن عبدالوهاب ناقض‪.‬‬

‫إذا أردت أن أنظر إىل وزارة الدفاع من خالل قول األلباو ومن خالل قول ابن‬
‫تيمية‪ ،‬ما الذي يظهر ؟‬
‫يم ْن يخ ي‬
‫لل قَ ْويل ابْ ين تَ ْي يميَّةَ‪ :‬أنه جرد دخوله يف هذا املكان ( جرد انتسابه إىل‬
‫وزارة الدفاع)‪ ،‬هذا الفعل ُمك ّفر بذاته‪ ،‬سواء قصد أن يكون كافرا أو قصد شيئا‬
‫آخر‪ .‬هذا قول ابن تيمية‪" :‬وباجلملة‪ :‬من قال أو فعل ما هو ُكفر‪َ ،‬ك َفَر بذلا وإن‬
‫مل يقصد أن يكون كافرا"‪ .‬هو ما قصد أن يكون كافرا‪ ،‬لكن ابن تيمية ‪-¬-‬‬
‫يقول جرد دخوله يكفر‪ ،‬هذا عند ابن تيمية‪.‬‬

‫اينّ‪ :‬بناء على قوله نفِّرق بني القلب والقالب‪ ،‬قال هذا الفعل‬ ‫أَ َّما يع ْن َد األَلْبَ يي‬
‫(إعانة املشركني على املسلمني) هذا كفر‪ ،‬فعل كفري‪ ،‬ولكنه ال يُك ّفر الداخلني يف‬
‫فر االعتقادي‪ ،‬يشرتط يف‬ ‫ِ‬
‫وزارة الدفاع‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن يشرتط يف ال ُكفر العملي ال ُك َ‬
‫الكفر العملي حىت يكون ُمك ّفرا‪ُ ،‬يب أن يكون هنا كفر اعتقادي هلذا الفعل‪،‬‬
‫فقال ‪-‬الحظ ما الذي فعلوه باملسلمني‪ ،‬وما الذي فعلوه بديننا‪ ،‬عندما دخل الناس‬
‫يف وزارة الدفاع وبدؤوا يقاتلون املسلمني إىل جانب اجليش األمريكي الصائل الكافر‪-‬‬
‫قالوا هذا فعل كفري‪ ،‬لكن ال نستطيع أن نكفرهم‪ ،‬ملاذا؟؛ قال ألننا ال نعلم هل‬
‫فر يف قلوهبم عندما دخلوا يف هذا املوطن؟‪ ،‬وجدوا اإلجابة‪ ،‬قالوا‪:‬‬‫يقصدون ال ُك َ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪762‬‬

‫هؤالء ما قصدوا أن يكونوا كافرين‪ ،‬وإمنا كانوا يقصدون الراتب! إذا ُكفرهُ أصبح اآلن‬
‫قالبا وليس قلبا ‪-‬كما يقول األلباو‪.-‬‬

‫أعيد قراءة قوله حىت تربط ما قلته بقوله‪ ،‬قال‪" :‬لكننا نـُ َفِّر ُق بني الكفر املقصود‬
‫قلبا‪ ،‬وبني الكفر الذي مل يُقصد قلبا‪ ،‬وإمنا قالبا وفعال"‪ .‬من ُهنَا مل يُك ّفروا من دخل‬
‫يف وزارة الدفاع‪ ،‬بل ع ّدوهم من اجملاهدين وع ّدوهم من املرابطني وع ّدوا من يُقتَل‬
‫منهم من الشهداء‪ ،‬ومقابل هذا‪ ،‬الذي كان ُياهد يف سبيل هللا‪ ،‬األلباو يُسميه‬
‫خارجيًّا‪ ،‬وسنأيت إىل هذه التفاصيل بإذن هللا تعاىل‪.‬‬

‫حىت ال تفهم أن هذا الذي قلته من خالل شرحي‪ ،‬يعين تقول هذا شرحا‪،‬‬
‫بكالم لأللباو وبدأت تشر كالمه‪ ،‬حىت أس ّد عليا هذا الباب‪ ،‬أقرأ‬ ‫أنت جئت ٍ‬
‫لا قوله بالنص‪ ،‬حىت تفهم ماذا يعين ال ُكفر العملي والكفر االعتقادي عند األلباو‪،‬‬
‫الحظ‪:‬‬

‫قال يف حماضرة [الكفر كفران] ‪-‬الكالم طويل أقرأه بالنص‪ -‬قال‪" :‬الِرق بني‬
‫ليتبني لك مثرة هذا االختلف بني الكِر االعتقادي‬
‫الكِر االعتقادي والكِر العملي ّ‬
‫والكِر العملي"‪.‬‬

‫فر االعتقادي والكفر العملي‪ ،‬ويريد أن يُ ّبني لنا هذا‬


‫إذا هنا مثرة بني ال ُك َ‬
‫الفارق‪ ،‬أكمل كالمه‪ ،‬قال‪" :‬ال ُكفر العملي‪ :‬عمل يصدر من املسلم‪ ،‬هو عمل‬
‫الكفار"‪.‬‬

‫كفري؟!‪،‬‬
‫ُسجل مالحظة هنا على كلمة (الكفار)‪ :‬ملاذا مل ي ُقل هو عمل ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫كيف نسب الفعل إىل الكفار وَمل يُنسب الفعل إىل احلُكم؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪763‬‬

‫ألنه يتجنّب استخدام كلمة (عمل كفري) وهذه من املـُغالطات‪ ،‬ألنه ليس كل‬
‫عمل الكفار كفر‪ ،‬وإمنا فقط الكفري منه‪ ..‬كافر شرب ماء‪ ،‬أقول هذا كفر؟!‪ ،‬إذا‬
‫كفري)‪ ،‬قال‪" :‬ال ُكفر‬
‫ّ‬ ‫الحظ املغالطة‪ ،‬فقط حىت يتجنب استخدام كلمة (فعل‬
‫العملي عمل يصدر من املسلم‪ ،‬هو عمل الكفار"‪ .‬وكان الصواب أن يقول‪ :‬هو‬
‫كفري)‪ ،‬حىت يكون أمينا ودقيقا يف التعبري‪.‬‬
‫(عمل ّ‬
‫أكمل كالمه‪ ،‬قال‪" :‬لكن هذا العمل الذي يصدر من املسلم هو ُمِّابة لذلك‬
‫من جهة‬ ‫العمل الذي يصدر من الكافر من جهة‪ ،‬أي من حيث العمل‪ ،‬لكنه خيتل‬
‫أخرى عن ذلك العمل الذي يصدر من الكافر مقرون بالكِر االعتقادي‪ّ ،‬أما هذا‬
‫املسلم هنا يظهر الِرق والثمرة بني الكِرين‪ ،‬هذا املسلم إن صدر منه كِر عملي‪،‬‬
‫ضا مقرتن معه كِر اعتقادي‪ ،‬ككِر الكافر هو كِر ردة ال إشكال فيه‪ ،‬أما إذا ل‬
‫وأي ً‬
‫كِرا‬
‫خيرج منه ما يدل على أنه اقرتن بالكِر العملي كِر اعتقادي؛ حينئذ ال يكون ً‬
‫ِر العملي من حيث أنه كِر قلب‪ ،‬أما‬
‫ِر االعتقادي خيتل عن ال ُك َ‬
‫اعتقاديًّا‪ ،‬ألن ال ُك َ‬
‫كِرا قلبيًّا وإُنا كِر عملي"‪ .‬انتهى نص كالمه‪.‬‬
‫الكِر العملي ليس ً‬
‫ما الذي قاله يف هذا الكالم؟‪ ،‬كافر أتى بعمل‪ ،‬ومسلم أتى بنفس هذا العمل‪،‬‬
‫أقرب لا الصورة‪:‬‬

‫كافر أصلي حيكم بالقوانني الوضعية‪ ،‬استنسخنا نسخة من ذلا القانون نسخة‬
‫طبق األصل‪ ،‬وسلمناها ألحد هؤالء الطواغيت‪ ،‬وقلنا ‪-‬ومعاذ هللا أن نقول هذا‬
‫األمر‪ ،‬لكن من باب احلكاية نقوهلا‪ ،-‬أن عليا أن حتكم هبذه النسخة املستنسخة‬
‫من حكم ذلا الكافر األصلي‪ ،‬بدأ هذا الطاغوت حيكم بنفس القانون الذي كان‬
‫حيكم به الكافر األصلي‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪764‬‬

‫لدي اآلن؟‪ ،‬كافر أصلي حيكم بقانون‪ ،‬ومنتسب إىل‬


‫ماذا أصبحت الصورة ّ‬
‫اإلسالم حيكم بنفس القانون نسخة عن ذلا القانون‪.‬‬

‫جيّد‪ ..‬األلباو يقول‪ُ :‬يب أن نـُ َفِّرق بني هذا املسلم‪ ،‬وبني ذلا الكافر‪،‬‬
‫كيف؟؛ قال‪ :‬ألنه شابه الكافر يف ٍ‬
‫وجه ومل يُشاهبه يف وجه آخر‪.‬‬

‫أين وجه الشبه؟‪ ،‬قال‪ :‬فعله شابه فعل هذا الكافر‪ ،‬هذا حيكم بدستور وهذا‬
‫أيضا حيكم بدستور؛ إذا وجه الشبه بينهما يف الفعل‪ ،‬ولكن االختالف أين؟‪ ،‬أن‬
‫هذا الكافر يعتقد هذا الكفر يف قلبه أيضا‪ ،‬حيكم بالقانون‪ ،‬ويعتقد يف قلبه ويقصد‬
‫يف قلبه احلكم هبذا القانون‪ .‬إذا قصد الفعل وقصد حكم الفعل‪ ..‬جيّد‪.‬‬

‫أما هذا املنتسب إىل اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬إذا كان حيكم بالقوانني‪ ،‬لكنه ما ظهر لنا‬
‫ت لنا أنه ُييز لنفسه أيضا‬‫تفوه بكلمة حىت يُثبِ َ‬
‫منه شيء‪ ،‬معىن ما ظهر‪ :‬أي ما ّ‬
‫فر أم ال‪ ،‬قال‪ :‬هنا االختالف‬‫كفري‪ ،‬لكن هل يقصد ال ُك َ‬
‫يقصد احلكم أم ال‪ ،‬الفعل ّ‬
‫وهنا تظهر لا الثمرة‪.‬‬

‫فإذا كان حيكم بنفس القانون‪ ،‬لكنه مؤمن يف قلبه؛ هذا ال يُكفر‪ .‬الحظ قوله‪:‬‬
‫"من أتى بكفر عملي وهو مؤمن بقلبه"‪ .‬يريد أن يفرق بني ال ُكفر العملي والكفر‬
‫االعتقادي‪ ،‬ماذا قال؟‬

‫هذا كالم منقول عن حماضرة [ال ُكفر كفران] قال ‪-‬وهو يتكلم عن ال ُكفر‬
‫العملي‪ -‬قال‪" :‬ال بد أن يكون مربوطًا بالكِر االعتقادي‪ ،‬أما كِر عملي‪ ،‬وهو‬
‫حكمه كالكِر االعتقادي؛ أي‪ :‬مرتد عن امللة‪ ،‬وهو مؤمن بقلبه‪ ..‬هذا ال وجود له ِف‬
‫السلم"‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪765‬‬

‫هذا ال وجود له يف اإلسالم‪ ،‬كيف؟‪ ،‬قلنا هذا املنتسب إىل اإلسالم كان حيكم‬
‫بنسخة من قانون ذلا الكافر األصلي‪ ،‬لكن هذا مل يكفر يف قلبه ‪-‬أي مل يقصد‬
‫ال ُكفر يف قلبه‪ ،-‬هذا يكون مؤمنا‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬يقول األلباو يف تكفري أمثال هؤالء قال‪:‬‬
‫هذا ال وجود له يف اإلسالم‪.‬‬

‫أي‪ :‬ال ميكن أن نقول عن هذا الذي فِعله كفر‪ ،‬ومل يعتقد ال ُكفر‪ ،‬ال ميكن أن‬
‫نقول عنه كافر‪ ،‬بل نقول عنه مؤمن‪َ ،‬ه َذا قَ ْولُهُ األَ َّو ُل‪.‬‬

‫ال َق ْو ُل الثَّ ياين لَ يد ييه‪ :‬أيضا يف حماضرة [ال ُكفر كفران]‪- ،‬وهذا أوضح‪ -‬قال‪" :‬فإن‬
‫ستقر ِف القلب على الكم‬
‫كان القلب مؤمنًا والعمل ُك ِْ ًرا‪ ،‬فهنا يتغلّب الكم املُ ّ‬
‫ستقر ِف العمل"‪.‬‬ ‫املُ ّ‬
‫أوضح‬
‫هنا يتغلب احلكم املستقر يف القلب على احلكم املستقر يف العمل‪ّ ..‬‬
‫مرة أخرى‪:‬‬
‫الصورة ّ‬
‫قلنا هذا املنتسب إىل اإلسالم حكم بقانون مستنسخ عن ذلا احلاكم الكافر‬
‫األصلي‪ ،‬لكنه مل يقصد ال ُكفر يف قلبه‪ ،‬هو أتى بفعل ال ُكفر (احلكم بغري ما أنزل هللا‬
‫ُكفر) لكن ما قصد ال ُكفر يف قلبه‪ ،‬وإمنا قصد الفعل فقط (احلكم بالقانون)‪ ،‬جيّد‪..‬‬
‫أمثال هؤالء اذا حنكم عليهم؟‪ ،‬أصبح لدي قلب مؤمن وفعل كافر‪ ،‬األلباو يقول‬
‫هنا يتغلب احلكم املستقر يف القلب على احلكم املستقر يف العمل‪.‬‬

‫حكم قلبه ماذا؟‪ ،‬مؤمن‪ ،‬حكم عمله ماذا؟‪ ،‬كافر‪ ،‬أيهما يُغلب؟‪ ،‬اإلميان‪ ،‬إذا‬
‫هذا مؤمن‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪766‬‬

‫علمت أين قوله كفر دون كفر؟‪ ،‬هذا كان غطاء يتغطى به بابن العباس فقط‪،‬‬
‫متشبث بكفر وكفران‪ ،‬هذا ليس أصل‪ ،‬هذا هو األصل!‪ ،‬وهذا على العموم‪ ،‬كل‬
‫هذا احلديث عن ال ُكفر على العموم‪.‬‬
‫الح ْكم ب َغير َما َأ ْن َز َل للا‪ُ:‬‬
‫وص في َم ْس َأ َلة ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الخصُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫نأ ِتي اآلن إلى‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫علمت اآلن ما عقيدة األلباو يف ال ُكفر على العموم‪ ،‬أنه ال يُك ّفر أحدا أتى‬
‫كفري‪ ،‬إال إذا اعتقد ذلا ال ُكفر يف قلبه‪.‬‬
‫بفعل ّ‬
‫الحظ يف خصوص اآلية‪ :‬األلباو يرى استحالة كفر من حكم بغري ما أنزل هللا‬
‫وهو مؤمن بقلبه‪ ،‬يستحيل هذا يقول‪ ،‬الحظ نص كالمه‪ ،‬هذا الكالم أيضا يف‬
‫[حماضرة ال ُكفر كفران]‪ ،‬أنا أقرأ كما هو مكتوب‪ ،‬قال‪" :‬يستحيل أن يكون ال ُك ِْر‬
‫عمل"‪ .‬أتى‬ ‫العملي خروج عن امللة‪ ،‬إيَّال إذا كان ال ُكِر قد انعقد ِف قلب الكافر ً‬
‫بعمل‪ ،‬لكن هذا ال ُكفر انعقد أيضا يف قلبه‪ ،‬مث أكمل الحظ ماذا يقول‪" :‬جيب‬
‫ِّريعة أب ًدا نص‬
‫التِريِ بني ال ُكِر العملي والكِر االعتقادي‪ ،‬ال يوجد عندنا ِف ال ّ‬
‫صرح وي ّدل داللةً واضحة على أ ّن من آمن ِبا أنزل للا‪ ،‬لكنه ل يِعل بِّيء ِما‬‫يُ ّ‬
‫أنزل للا‪ ،‬فهذا هو كافر" يستحيل هذا العذر‪ ،‬انتهى كالمه‪.‬‬

‫فهمت ما املوضوع؟‪ ،‬له كالم أوضح من هذا‪..‬‬

‫إذا رجل آمن بقلبه‪ ،‬ولكن مل حيكم بشيء مما أنزل هللا ¸‪ ،‬قال هذا يستحيل‬
‫أن يكون كافرا‪ ،‬ملاذا؟؛ قال ألن ليس لدينا دليل صريح يدل داللة واضحة على أن‬
‫كفري يُكفر‪ ،‬ال يوجد‪ ،‬إذا ال ُكفر متعلق بالقلب‪.‬‬
‫املؤمن بقلبه إذا أتى بفعل ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪767‬‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َّالذي َي ْح ُك ُم ب َغير َما َأ ْن َز َل ُ‬
‫للا َم َتى َيك ُف ُر ِع ْن َد األل َبا ِن ِي؟‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الحظ‪ ..‬قال يف خترُيه لكتاب [العقيدة الطحاوية] [ختريج العقيدة الطحاوية‪ ،‬يف‬

‫املكتبة الشاملة‪ ]28/1 ،‬قال‪" :‬الكم بغري ما أنزل للا قد يكون ً‬


‫كِرا ينقل عن امللة‪،‬‬
‫كِرا أصغر على القولني‬
‫كِرا إما جمازيًّا وإما ً‬
‫وقد يكون معصية كبرية أو صغرية‪ ،‬ويكون ً‬
‫املذكورين‪ ،‬وذلك بسب حال الاكم؛ فإنه إن اعتقد أ ّن الكم ِبا أنزل للا غري‬
‫واجب وأنه ُم ّري فيه‪ ،‬أو استهان به مع تيقنه أنه حكم للا‪ ،‬فهذا كِر أكرب"‪.‬‬

‫ذكر ثالثة أشياء لتكفري احلاكم بغري ما أنزل هللا ‪-‬لكن بشرط أن يعتقد ذلا يف‬
‫قلبه‪:-‬‬

‫َّأوًال‪ :‬إذا رأى أن احلكم ا أنزل هللا ليس بواجب‪ ،‬إذا اعتقد هذا بقلبه‪ ،‬وهو‬
‫حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬عند ذلا يُكفر‪ ،‬إذا أيضا رجعنا إىل القلب‪.‬‬

‫ثَانييًا‪ :‬أو اعتقد يف قلبه أنه ُُم ّري بني احلكم ا أنزل هللا وبني احلكم بغري ما أنزل‬
‫هللا‪ ،‬إذا اعتقد التخيري يف قلبه‪ ،‬وهو حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬هذا أيضا يُكفر‪.‬‬

‫بشيء من أحكام هللا‪ ،‬وهو يعلم أن هذا حكم هللا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثَاليثًا‪ :‬كذلا إذا استهان‬
‫هذا أيضا يُكفر‪ ،‬إذا يف هذه املواطن الثالثة أيضا رجع األمر إىل االعتقاد القليب‪.‬‬

‫إذا املسألة أوال وآخرا مرتبطة بالقلب‪ ،‬جيّد‪ ..‬ما سبيل الوصول إىل قلوب هؤالء‬
‫أنت ألغيت ال ُكفر العملي‪ ،‬ال يوجد‬
‫الذين يأتون باألعمال املـُك ّفرة عند األلباو؟‪َ ،‬‬
‫كفر عملي‪ ،‬كله ُيب أن يكون اعتقاديًّا‪ ،‬جيّد‪ ،‬ما وسيلتا‪ ،‬سبيلا للوصول إىل‬
‫قلوب هؤالء؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪768‬‬

‫الحظ‪ ..‬قال يف [فتنة التكفري]‪" :‬وحنن ال نستطيع أن نعلم ما ِف قلب الِاسِ‪،‬‬


‫عما ِف قلبه بلسانه‪،‬‬ ‫والِاجر‪ ،‬والسارق والزاين‪ ،‬واملُرايب‪ ...‬ومن شابهم‪ ،‬إيَّال إذا ّ‬
‫عرب ّ‬
‫نبئ أنه خال الِّرع مالِةً عملية‪ ،‬فنحن نقول‪ :‬إنك خالِت‪ ،‬وإنك‬
‫أما عمله فَ يُ ُ‬
‫فسقت‪ ،‬وإنك فجرت‪ ،‬لكن ال نقول إنك كِرت وارتددت عن دينك‪ ،‬حىت يظهر‬
‫منه شيء يكون لنا عذر عند للا ¸ ِف الكم ب يردَّته"‪.‬‬

‫زين‪ ..‬كيف يظهر منه؟‪ ،‬أي‪ :‬أن يُصر بلسانه‪.‬‬

‫أقرأ له كالم آخر يف [ال ُكفر كفران]‪ ،‬أيضا مسألة متعلقة باللسان‪ ،‬الحظ ماذا‬
‫قال‪:‬‬

‫ستقر ِف‬ ‫قال‪" :‬فإن كان القلب مؤمنًا‪ ،‬والعمل ً‬


‫كافرا؛ فَ َه ُهنا يتغلّب الكم املُ ّ‬
‫القلب على الكم املستقر ِف العمل‪ّ ،‬أما إذا كان ما ِف القلب مطابِ للعمل‪ ،‬أو‬
‫تعبريا كما يُقال بلسان حاله‪ ..‬يعين التعبري قد يكون بلسان القال أو بلسان الال‪،‬‬
‫ً‬
‫إذا كان تعبريه عن كِره القلب بلسان القال انتهى املوضوع‪ ،‬أما اذا كان بلسان‬
‫الال‪ ،‬هنا لسان ي‬
‫الال قد يقبل اجلدال"‪ .‬انتهى كالمه‪.‬‬ ‫ي‬
‫الحاكم َين ب َغير َما َأ ْن َز َل للا؟ُ‬ ‫َ‬
‫األ ْل َباني في َ‬ ‫الم‬
‫َ َ ََْ ُ ْ َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ماذا أفهم ِمن ك ِ‬
‫فعله كفر‪ ،‬لكن ُيب أن أتأكد من قلبه‪ ،‬هل يقصد ال ُكفر أم ال؟‪ ،‬قد حيكم‬
‫بغري ما أنزل هللا‪ ،‬لكن ما قصد أن يكون كافرا‪ ،‬قصد شيئا آخر‪ ،‬هذا كيف أعلم‬
‫ماذا يوجد يف قلبه؟‪ ،‬حىت أعلم هل هو كافر أم ال‪.‬‬

‫احلكام بناء على قول األلباو ينقسمون إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪769‬‬

‫ي‬
‫الق ْس ُم األَ َّو ُل‪ :‬حكم بغري ما أنزل هللا‪ّ ،‬‬
‫وصر بلسانه أنه ال يعتقد احلكم بغري‬
‫ما أنزل هللا‪ ،‬هذا ماذا يكون حكمه؟‪ ،‬مؤمن‪.‬‬

‫الحظ نص كالمه‪ ،‬قال‪" :‬فإذا كان القلب مؤمنًا‪ ،‬والعمل ً‬


‫كافرا؛ فَ َه ُهنا يتغلب‬
‫الكم املستقر ِف القلب على الكم املستقر ِف العمل" إذا مؤمن‪ ،‬هذا الصنف‬
‫األول‪.‬‬

‫يّ‬
‫الص ْن ُ الثَّ ياين‪ :‬حكم بغري ما أنزل هللا‪ .‬الرجل َس ُك ٌ‬
‫وت ما يُ ّبني شيء‪ ،‬ال قال يا‬
‫ناس أنا أؤمن أو غري مؤمن‪ ،‬ساكت‪ ..‬جيد‪ ،‬كيف أعلم؟‪ ،‬أنا أريد أن أعلم حكم‬
‫الشرع يف مثل هؤالء‪ ،‬والرجل ال يتكلم‪ ،‬ال يقول أنا أعتقد هذا ال ُكفر وال يقول أنا‬
‫ال أعتقد هذا ال ُكفر‪ ،‬أمثال هؤالء األلباو كيف يتعامل معهم؟‬

‫فجرت‪ ،‬لكن ال نقول ارتددت ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫فسقت‪،‬‬


‫َ‬ ‫خالفت‪،‬‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬أمثال هؤالء نقول له‪:‬‬
‫أقرأ النص كالمه‪ ..-‬قال‪ :‬حكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬مث قال ‪-‬هذا اآلن أقرأ قوله‪" :-‬إيَّال‬
‫عما يف قلبه ساكت] أما عمله يُنبئ [ عىن ُخيربُ] أنه‬ ‫عما ِف قلبه بلسانه [مل يُ ّ‬
‫عرب ّ‬ ‫عرب ّ‬
‫إذا ّ‬
‫فجرت‪ ،‬ولكن‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫فسقت‪ ،‬إينَّ َ‬
‫َ‬ ‫خالِت‪ ،‬إنك‬
‫َ‬ ‫خال الِّرع ُمالِةً عمليةً‪ ،‬نقول‪ :‬إنك‬
‫تددت"‪.‬‬
‫ال نقول كِرت أو ار َ‬
‫صر لنا ماذا يوجد يف قلبه‪ ،‬أمثال‬
‫إذا احلاكم الذي حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬وما ّ‬
‫هؤالء األلباو حيكم عليه بأن هذا خالف الشرع‪ ،‬وفيه فسق‪ ،‬وفيه فجور‪ ،‬لكن ال‬
‫نستطيع أن نقول أنه ارتد‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه ما عذرنا بني يدي هللا ¸ إذا قلنا أنه كافر‪،‬‬
‫والرجل ما قال أنا يعتقد ال ُكفر يف قليب؟!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪770‬‬

‫قال‪ :‬حىت يكون لنا عذر عند هللا ¸ إذا حكمنا عليه بالكفر‪ ،‬والرجل ساكت‬
‫ما ّبني‪ ،‬إذا طاملا سكت حنكم على فعله بأنه فسق وفجور وُمالفة شرعية‪ ،‬وغالب‬
‫حال احلكام من هذا النمط‪.‬‬

‫صر بلسانه أنه يقصد احلكم هبذه‬ ‫الص ْن ُ الثَّالي ُ‬


‫ث‪ :‬حاكم بغري ما أنزل هللا‪ّ ،‬‬ ‫يّ‬
‫األحكام‪ ،‬يقصد احلكم‪ ..‬أتى بالفعل‪ ،‬وقصد العمل يف قلبه أيضا ‪-‬أي حكم‬
‫ُمري بني احلكم‬
‫العمل‪ ،-‬أو قال‪ :‬ال أرى وجوب احلكم ا أنزل هللا‪ ،‬أو قال أنا ّ‬
‫بالقوانني وبني شرع هللا ¸‪ ،‬هذا فقط يُكفر‪ ،‬هذا بالنسبة إىل الذي حيكم بغري ما‬
‫أنزل هللا‪.‬‬

‫اآلن حقيقة كان سؤال ُحي ّريو‪ ،‬كنت أقول لنفسي‪ :‬أال يرى هذا الرجل الفارق‬
‫علي‬
‫علي ومعاوية‪ ،‬وبني هؤالء احلكام؟‪ ،‬ابن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال عن ّ‬ ‫بني ّ‬
‫وعن ومعاوية عندما ك ّفرهم اخلوارج‪ ،‬قال‪ :‬كفر دون كفر‪ ،‬كيف هذا الرجل هبذه‬
‫املنزلة يُنزل قول ابن العباس على هؤالء الطواغيت؟!‬

‫هذا أمر كان ُحي ّريو‪ ،‬لكن عندما علمت عقيدته يف اإلميان والكفر‪ ،‬علمت أن‬
‫تشبثه بقول ابن العباس غطاء فقط على هذه العقيدة الفاسدة‪ ،‬فهو مل يُك ِّفر هؤالء‬
‫صر بلسانه أنه‬ ‫كفري‪ ،‬فإن ّ‬
‫احلكام ألنه كفر دون كفر‪ ،‬ال؛ ألن هؤالء أتوا بعمل ّ‬
‫مؤمن بقلبه‪ ،‬هذا مسلم طاعته واجبة‪ ..‬حكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬سكت‪ ..‬أقصى‬
‫شيء نقوله فيه‪ :‬أنا خالفت‪ ،‬وفسقت‪ ،‬وأنت فاجر!‬

‫الو ِح َ‬
‫يدةُ اليت نقول فيها أنا ارتددت عن دين هللا‪ :‬إذا حكم بغري ما‬ ‫أَما احلَالَةُ َ‬
‫أنزل هللا‪ ،‬وخرج يف الفضائيات قال‪" :‬يا مسلمني أنا أعتقد يف قليب حكم هذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪771‬‬

‫العمل" عند ذلا نقول أو يقول األلباو هذا احلاكم ارتد عن دين هللا ¸‪ ،‬هذا يف‬
‫احلكم بغري ما أنزل هللا‪.‬‬

‫‪-‬سائل‪ :‬شيخنا‪ ،‬مسعت تسجيال يسألون عن البيعة‪ ،‬يقول ال توجد بيعة اآلن‪،‬‬
‫ألن احلكم ‪-‬الصوت والصورة يعين هو يتكلم‪ ..-‬يقول ال بيعة هلؤالء احلكام‪ ،‬ألهنم‬
‫حيكمون بغري ما أنزل هللا‪ ..‬هذا مسعته صوت لشيخ وصوت البن عثيمني‪ ،‬يقول من‬
‫حكم بغري ما أنزل هللا فهو كافر وإن صلى وإن صام وإن زّكى‪.‬‬

‫*الشيخ‪ :‬شيخ‪ ،‬عندما يقول ال بيعة ألنه يندرج حتت هذه الثالثة‪ّ :‬إما أنه حيكم‬
‫وصر أنه ال يقصد ال ُكفر‪ ..‬هذا مؤمن‪ ،‬لكن يرجع إىل أنه باقي‬ ‫بغري ما أنزل هللا‪ّ ،‬‬
‫الشروط متوفرة فيه أم ال؟‬

‫حاكم آخر حكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬لكن سكت‪ ،‬نقول فاسق فاجر‪ ،‬واآلخر‬
‫صر ‪ ..‬هذا يُكفر‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّأما قضية البيعة هل نبايع أم ال‪ ،‬هذه مسألة أخرى‪ ،‬موضوعنا اآلن كيف هي‬
‫نظرة األلباو إىل هؤالء احلكام وملاذا مل يكفرهم؟‪ ،‬وملاذا اعتربهم والة طاعتهم‬
‫واجبة؟‪ ،‬هذا يف احلكم بغري ما أنزل هللا‪.‬‬

‫أما يف الكفريّات األخرى‪ :‬رجل إذا سجد لصنم‪ ،‬الفعل‪ :‬فعل كفر‪ ،‬املرجئ ال‬
‫كفري‪ ،‬لكن إذا كان يف قلبه‬
‫يستطيع أن يُكفر هذا الرجل ملاذا؟‪ ،‬قال ألنه أتى بفعل ّ‬
‫مؤمنا باهلل ¸‪ ..‬هذا مؤمن‪ ،‬فعله كفر لكن هو مؤمن‪ ..‬من هنا فَـرقُوا بني الفعل‬
‫وبني الفاعل‪ ،‬وبني القول وبني القائل‪ ،‬ما يستطيع أن حيكم عليه بالكفر خشية أن‬
‫يكون مؤمنا يف قلبه‪ ..‬أما إذا سجد للصنم‪ ،‬وسكت‪ ،‬ما ّبني ما فيه قلبه‪ ..‬قال هذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪772‬‬

‫نقول أن فعله كفر‪ ،‬لكن ال نستطيع أن نكفره هو‪ ،‬أما إذا سجد للصنم‪ ،‬وقال "يا‬
‫ناس أنا أعتقد هذا السجود للصنم" عند ذلا يُقال ارتد هذا الرجل‪.‬‬

‫﴿وَمن مل َحي ُكم‬


‫هذا قول األلباو يف ال ُكفر االعتقادي يف قول هللا تبار وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫أخرناكم‪.‬‬ ‫َنزَل اَللُ فَأُولَئِ َ‬
‫ا ُه ُم ال َكاف ُرو َن﴾‪ ،‬وللحديث بقية‪ ،‬ونعتذر أنّا ّ‬ ‫َا أ َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪773‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ َّ َ ُ َ َ‬
‫اسع والثالثون واأل ِخير‬ ‫الدرس الت ِ‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪:‬‬ ‫تف ِسير‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الك ِافرون﴾‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة]‬
‫بسم للا الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬اللهم أ ِرنَا احلق حقًّا و ِ‬
‫أعنّا على‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫علمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا ا‬ ‫اتّبَاعه‪ ،‬وأ ِرنَا الباط َل باطال وأعنّا على اجتنابه‪ ،‬اللهم ّ‬
‫العاملني بِعلمنا‪ ،‬اللهم اجعل علمنا ُح ّجة لنا يوم نلقا ‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫علّمتنا‪ ،‬اللهم اجعلنا من‬
‫ويسر أمري‪ ،‬واحلُل‬ ‫جتعلهُ ُح ّجة علينا يا أرحم الراحني‪ ،‬رب اشر صدري‪ّ ،‬‬
‫لوجها خالصا‪ ،‬وال جتعل‬ ‫عقدة من لساو يفقهوا قو ‪ ،‬اللهم اجعل عملي ص ِ‬
‫احلا و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ألحد من خلقا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫صيبا ٍ‬ ‫فيه نَ ِ‬

‫ما زال احلديث عن حممد ناصر الدين األلباو‪ ،‬ووصلنا يف حديثنا يف ٍ‬


‫لقاء سابق‬
‫إىل أننا سنتحدث إن شاء هللا تعاىل عن تعريف اإلميان عند األلباو وذكرنا بعض‬
‫املسائل‪ ،‬أمور ألزمنا أنفسنا هبا‪ ،‬وذكرنا شروط التعريف أيضا‪ ،‬وتناولنا بعض املسائل‪.‬‬

‫أنوه إىل أم ٍر‪ :‬وهذا أعتربه‬


‫قبل الدخول يف تعريف اإلميان عند األلباو أحب أن ّ‬
‫من تارخيي‪ ،‬عمل هذا الرجل يف مناطقنا‪ ،‬عندما بدأت أستعيد يف ذاكريت أتباعه يف‬
‫مروا هبا‪ ،‬فكأنين تذكرت أن دخول اسم األلباو إىل‬‫تلا املناطق‪ ،‬ما هي املراحل اليت ّ‬
‫مناطقنا كانت يف التسعينات من القرن املاضي ‪ 1990‬م فما بعد‪ ،‬األمر األول أو‬
‫املرحلة األوىل من دعوة أتباعه يف مناطقنا‪ :‬أهنم أحيوا مسألة األمساء والصفات وبدأنا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪774‬‬

‫نسمع باألشعرية‪ ،‬ونسمع بالتأويل‪ ،‬ونسمع باملعطلة‪ ،‬وباملشبهة‪ ...‬وما إىل ذلا‪،‬‬
‫هذا العلم عندما طُر يف ذلا الوقت كان شيئا جديدا‪ ،‬وعملهم األول بدأ من هذه‬
‫املرحلة‪ ،‬هذه كانت املسألة األوىل‪.‬‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬وجدنا أهنم كانوا ميتازون ببعض األشياء‪ ،‬من بني هذه األشياء‬
‫اليت امتازوا هبا يف تلا الفرتة‪ :‬هيئات الصالة‪ ،‬فَ ُكنّا نراهم ميتازون عن كل املوجودين‬
‫يف املساجد بوضع اليد على النحر أثناء الصالة أو فوق الصدر‪ ،‬وأهل مناطقنا كانوا‬
‫على مذهب أيب حنيفة ‪ ¬-‬عليه رحة واسعة‪ ،-‬غالبهم كانوا يضعون أيديهم‬
‫السرة‪ ،‬فأصبحوا يف ذلا الوقت متميزين يف‬ ‫السرة أو على ّ‬
‫السرة وبعضهم فوق ّ‬ ‫حتت ّ‬
‫علمت أن ذلا‬
‫ُ‬ ‫الصالة يف داخل املساجد‪ ،‬بعد ذلا عندما بدأت استعيد بذاكريت‬
‫األثر الذي ظهر منهم إمنا كان مرتبطا بكتاب [صالة النيب ‘] يقينا هذا األثر‪ ،‬صفة‬
‫صالة النيب كان دراسة هذا الكتاب‪.‬‬

‫بعمل ضخ ٍم جدا يف التحذير من‬‫مروا هبا‪ :‬وجدناهم قد قاموا ٍ‬‫املرحلة الثالثة اليت ّ‬
‫الصالة يف املساجد اليت فيها القبور‪ ،‬وكانت دعوة قوية منهم يف ذلا الوقت‪ ،‬وهم‬
‫معروفون بأشخاصهم‪ ،‬يف هذه املرحلة دخلوا يف صر ٍاع مع أتباع احلزب العراقي ‪-‬وهم‬
‫ذنب من أذناب إخوان مصر كما تعلم‪ ،-‬هؤالء دينهم أن يُبقوا الباطل على ما هو‬
‫عليه حىت ال خيسروا اآلخرين؛ بناء على القاعدة اليت وضعها هلم (حسن البنا) عندما‬
‫قال‪" :‬نتعاون فيما اتفقنا عليه‪ ،‬ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"‪ ،‬فالناس كانوا‬
‫يعملون على هذه القاعدة‪ ،‬ال يهمهم هل تصح الصالة يف املسجد أم ال‪ ،‬املهم أن‬
‫ال خيتلفوا مع الصوفية‪ ،‬وأن ال خيتلفوا مع من يدفنون موتاهم يف داخل املساجد‪،‬‬
‫فأصبح هؤالء بارزين بسبب اصطدامهم مع أتباع احلزب العراقي يف ذلا الوقت‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪775‬‬

‫كانت من نتائج دعوهتم يف هذه املسألة‪ :‬أن بعض الناس ُِ‬


‫حلُوا على نبش القبور‬
‫وإخراج موتاهم من داخل املسجد‪ ،‬ودفنهم يف خارج املسجد‪ ،‬هذه مرحلة أيضا‬
‫مروا هبا‪.‬‬
‫أتذكر أهنم ّ‬
‫بعد ذلا وجدناهم بدؤوا يتحدثون عن األحاديث يف جلساهتم‪ ،‬ويقرؤون كتب‬
‫األحاديث أيضا‪ ،‬فأصبحت تسمع هذا حديث صحيح‪ ،‬وهذا حديث ضعيف‪ ،‬ويف‬
‫سند فالن فالن فالن الفالو‪ ...‬هذا العلم أيضا بدأ يف مرحلة من مراحل عمل أتباع‬
‫األلباو يف مناطقنا‪.‬‬

‫مث كانت املرحلة األخرية‪ :‬وهي كانت احلامسة واليت كشفتهم وفضحتهم‪ ،‬طبعا‬
‫طوال هذه الفرتة كانوا ميتازون بااللتزام باهليأة الظاهرة‪ ،‬فتجده ُملتحيا‪ ،‬وجتده صاحب‬
‫ثوب قصري‪ ،‬والسوا معه‪ ،‬والعطر معه‪ ،‬هذه األمور من اهليئات‪- ...‬ال أعيب على‬ ‫ٍ‬
‫هذه املسألة ألن هذا من ديين‪ ،-‬ولكن أُح ّدث عن ٍ‬
‫قوم أريد أن أصفهم‪ ،‬وصل هبم‬
‫األمر بعد أن تأثّر هبم الناس‪ ،‬هبيأهتم‪ ،‬وبدعوهتم‪ ،‬وبعلم احلديث وما إىل ذلا‪ ،‬هنا‬
‫دخلوا يف عنق الزجاجة‪ ،‬عندما بدأ الناس يسألوهنم‪ :‬ما حال هؤالء احلكام؟‬

‫قالوا‪ :‬هؤالء أمراء وطاعتهم واجبة‪ ،‬هنا بدأ الناس ينبذوهنم‪ ،‬ليس عن عل ٍم؛ وإمنا‬
‫ألحد أن يقبل بأن يُقال عن صدام حسني أنه أمري للمؤمنني‬ ‫عن فطرة‪ ،‬ألن ال ميكن ٍ‬
‫وطاعته واجبة‪ ،‬أو عن ذلا الذي كان يتوىل احملافظة أو يف قضاء من األقضية‪ ،‬جتده‬
‫وبعثي‪ ،‬ويقولون هذا أمري وطاعته‬ ‫ّ‬ ‫تار صالةٍ‪ ،‬وشارب للخمر‪ ،‬وما إىل ذلا‪،‬‬
‫واجبة! هنا جعل هللا ¸ مقتلهم يف دعوهتم‪ ،‬بل وصل هبم األمر عندما دخلوا يف‬
‫هذا احملا‪ ،‬بدأ الناس يسألوهنم‪ :‬ماذا تقولون يف الرافضة؟‪ ،‬ما يستطيع أن يُك ّفرهم!‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪776‬‬

‫وهلذا كان يف منطقيت رجل رافضي‪ ،‬هداه هللا ¸ على يد احلزب العراقي‪ ،‬والذي‬
‫يهتدي على يد هؤالء يُبتلى‪ ،‬الرجل كان ضابطا يف اجليش‪ ،‬مث َعلِ َم أن وجوده يف‬
‫بصحيح‪ّ ،‬فر من اجليش مثّ سلّم نفسه‪ ،‬والنظام يف ذلا الوقت أن‬ ‫ٍ‬ ‫اجليش ليس‬
‫سر من اجليش ويُطرد‪ ،‬فطُِرد الرجل من اجليش‪،‬‬ ‫سجن ستة أشهر مثّ بعد ذلا يُ ّ‬ ‫يُ َ‬
‫بعد أن خرج بدأ يلتقي بأتباع األلباو هؤالء‪ ،‬وتأثّر هبم وختلّى عن احلزب العراقي‪،‬‬
‫قدر هللا ¸ أنين التقيت به بعد فرتة وكان يرتدد وأحيانا نلتقي‪ ،‬قلت أين أنت يا‬
‫فالن؟‪ ،‬قال‪" :‬وهللا كنت مع اجملموعة الفالنية‪ ،‬بس ظهروا هذوال َهم ما خوش‬
‫ناس"(‪- )103‬هكذا بالنص‪ -‬قلت كيف؟‪ ،‬قال‪ :‬وهللا أنا سألتهم عن الرافضة هل هم‬
‫ُمسلمون‪ ،‬أم ليسوا سلمني‪ ،‬قال‪ :‬توقفوا فيهم!‪ ،‬قلت‪ :‬طاملا أنتم متوقفون‪ ،‬إذا هذه‬
‫اجلمعة نذهب ونصلي يف مسجدهم‪ ،‬فإما أهنم مسلمون جتوز الصالة خلفهم‪ ،‬أو‬
‫ليسوا سلمني‪ ،‬ال ُيوز لنا أن نصلي خلفهم‪ ،‬أما أن تقولوا هم مسلمون مث ال‬
‫ُجتيزون الصالة ألنفسكم‪ ،‬هذا أراه التناقض يف الدين‪ ،‬فالرجل كان قد أصابته بعض‬
‫احلرية من أمر هؤالء‪.‬‬

‫إذا هذه هي املراحل اليت ملستها يف منطقيت‪ ،‬ويقينا من يستعيد بذاكرته قد يتذكر‬
‫بعض الذي قلته‪ ،‬هذا تاريخ أحببت أن أُشري إليه‪.‬‬

‫صحح األحاديث‪ ،‬وله أتباع‪،‬‬


‫بعد ذلا األلباو عندما ألّف هذه ال ُكتب‪ ،‬وبدأ يُ ّ‬
‫والناس يقرؤون كتابه‪ ،‬واآلثار تظهر على أتباعه‪ ...‬كأن الرجل ظن أنه قد وصل إىل‬
‫درجة من الثقة ‪-‬هكذا أقوهلا أنا‪ -‬حبيث أنه ال يُتابَع فيما يقول وال فيما يَنقل عن‬
‫جرأه على أن َخيُون ابن القيّم‪ ،‬فينقل عنه كالما مث حيذف‬ ‫العلماء‪ِّ ،‬‬
‫ظين أنه هذا الذي ّ‬

‫(‪« )103‬أي‪ :‬ظهر أهنم هم أيضا ليسوا أُناسا جيدين«‪.‬‬


‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪777‬‬

‫من ذلا الكالم دون أن تتحر فيه شعرة أو دون أن تتحر فيه شيء من اخلشية أو‬
‫من احلياء على أنه قد يُكشف يف املستقبل‪ ،‬لظنّه أن هؤالء بلغ هبم مبلغا أنه ال يُتابع‬
‫على ما يقول وال يُتابع على ما ينقل‪ ،‬هذا كالمي كأنين بنيته على املقدمة اليت‬
‫ذكرهتا‪.‬‬

‫نأيت إىل تعريف األلباو‪ ،‬وبناء على ما قلناه يف احملاضرة السابقة‪ ،‬أن تعريفه‬
‫نعرضه على شروط التعريف‪ ،‬وبعد ذلا أُل ِزم نفسي ما ألزمتها به‪ ..‬فأقول مستعينا‬
‫باهلل ¸‪:‬‬

‫اإل َيم ِان‪:‬‬ ‫يف‬


‫ر‬ ‫في َم ْعر َفة َت ْ‬
‫ع‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫عليا أن ترجع إىل األلفاظ والعبارات اليت استخدمها األلباو‪ ،‬فالعبارة األوىل‬
‫لدي ‪-‬طبعا هذا يف حماضرته‪[ :‬التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم‪ ،‬ص‪ 16 :‬يف املكتبة‬ ‫ّ‬
‫الشاملة]‪ ،‬يقول األلباو‪" :‬إن الميان تسبقه املعرفة‪ ،‬وال تكِي وحدها‪ ،‬بل ال بد أن‬
‫يقرتن مع املعرفة الميان والذعان‪ ".‬اإلميان تسبقه املعرفة‪ ،‬لكن املعرفة لوحدها ال‬
‫تكفي‪ُ ،‬يب أن تقرتن املعرفة مع اإلميان واإلذعان‪ ،‬هنا جاءت كلماته ُجمملة دون‬
‫تفصيل‪ ،‬وتذكرون الشيء الذي ألزمت نفسي به؛ أنين أحبث عن ُمفرداته اجململة حىت‬
‫فسر هذه الكلمة يف موطن آخر‪.‬‬ ‫أعلم كيف ّ‬
‫لكن أشري إىل املفردات اليت استخدمها يف تعريف اإلميان يف هذا القول‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"املعرفة"‪ ،‬مث قال‪" :‬اإلميان"‪ ،‬مث قال‪" :‬اإلذعان" هذه مفردات ثالثة‪ ،‬إذا عرضنا هذا‬
‫التعريف على شروط التعريف ستجد هنا خلال يف التعريف‪ ،‬ملاذا؟؛ ألن الشرط‬
‫األول الذي ذكرناه من شروط التعريف‪ّ :‬أال تُعِّرف الشيء بنفسه‪ ،‬يعين ما تقول‬
‫عرف اإلميان بنفسه‪ ،‬قال‪ :‬اإلميان معرفة‪ ..‬إميان‪،‬‬
‫الصالة هي الصالة‪ ،‬فهنا قد ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪778‬‬

‫إذعان‪ ،‬إذا كأن اإلميان قد فُ ّسر باإلميان‪ ،‬وهذا ال يصح يف التعريف‪ ،‬هذه فقط‬
‫مالحظة أحببت أن أسجلها‪.‬‬

‫آيت اآلن‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ َْ ُ َ‬
‫األ ْل َباني ع ْن َد َما َي ُقو ُل اإل َيم ُ‬
‫ان ُه َو اِل ْع ِرفة؟‪َ ،‬ماذا َي ْق ِص ُد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ماذا يق ِصد‬
‫َ‬
‫ِب َه ِذ ِه الك ِل َم ِة؟‬
‫فسر املعرفة‬ ‫ِ‬
‫عند البحث يف كتبه عن معىن هذه الكلمة ويف حماضراته‪ ،‬جتد أنه يُ ّ‬
‫ا يأيت‪:‬‬

‫يقول األلباو يف حماضرته‪[ :‬التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم‪ ]17 /16 ،‬قال‪" :‬فإذا‬
‫قال املسلم‪ :‬ال إله إال للا بلسانه؛ فعليه أن يضم إل ذلك معرفة هذه الكلمة بإجياز‪،‬‬
‫مث بالتِصيل‪ ،‬فإذا عرف‪ ،‬وص ّدق‪ ،‬وآمن؛ فهو الذي يصدق عليه تلك األحاديث‬
‫يوما من دهره)‬
‫اليت ذكرت بعضها آن ًِا‪ ،‬ومنها قوله ‘‪( :‬من قال ال إله إال للا نِعته ً‬
‫أي كانت هذه الكلمة الطيّبة بعد معرفة معناها ُمنجية له من اخللود ِف النار‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬
‫رسخ ِف األذهان"‪ .‬انتهى نص كالم األلباو‪.‬‬ ‫َك ّير ْرهُ لكي يُ ّ‬
‫عرف اإلميان باملعرفة‪ ،‬جيّد‪ ،‬ما هذه املعرفة؟‪ ،‬قال‪ :‬معرفة‬
‫ما معىن هذا الكالم؟‪ ،‬قلنا ّ‬
‫معىن ال إله إال هللا‪ ،‬لكن ذكر للمعرفة مرحلتني‪ :‬مرحلة إُياز‪ ،‬ومرحلة تفصيل‪ .‬أي‪ :‬أن‬
‫يعرف معىن ال إله إال هللا على اإلُياز يف البداية ‪-‬أي يف بداية دخوله‪ ،-‬مث يعرف معىن ال‬
‫إله إال هللا على التفصيل بعد ذلا‪.‬‬

‫إذا اآلن املعرفة من تعريف اإلميان عند األلباو‪ ،‬معىن املعرفة‪ :‬أي أن تعرف معىن‬
‫ال إله إال هللا على اإلُياز‪ ،‬مث على التفصيل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪779‬‬

‫ما املقصود عنده ب ـ "اإلُياز‪ ،‬مث التفصيل"؟‬

‫عندما تبحث عن معىن هذه الكلمة جتد األلباو يقول ‪-‬هذا أيضا الكالم يف‬
‫حماضرته‪[ :‬التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم‪ .‬ص‪ 19 :‬يف املكتبة الشاملة‪ ،‬اإلصدار اخلامس]‪،‬‬
‫يقول األلباو‪" :‬أريد أن أسرتعي النظر إل هذا البيان‪ ،‬ال يعين أن يِهم املسلم فقط‬
‫أن معن "ال إله إال للا"‪ :‬هو ال معبود بِ ِف الوجود إال للا فقط! بل هذه يستلزم‬
‫ضا أن يِهم العبادات اليت ينبغي أن يُعبد ربنا ¸ با‪ ،‬وال يُ ّ‬
‫وجه شيئًا منها لعبد من‬ ‫أي ً‬
‫ضا بذلك املعن املوجز‬ ‫يعبَاد للا تبارك وتعال‪ ،‬فهذا التِصيل ال بد أن يقرتن بيانه أي ً‬
‫للكلمة الطيبة"‪.‬‬

‫فسر معىن أن يـُؤِمن على اإلُياز مث على التفصيل‪ ،‬ماذا قال؟‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫إذا هنا ّ‬
‫معىن املعرفة على اإلُياز أن يعلم ّأال معبود حبق إِال هللا‪ ،‬هذا على اإلُياز‪ ،‬التفصيل‬
‫ماذا؟‪ ،‬جعل التفصيل مبنيا على أساسني‪ ،‬األساس األول‪ :‬قال‪ :‬أن يفهم العبادات‪،‬‬
‫وجه شيئا من هذه العبادات إىل غري هللا ¸‪.‬‬ ‫األساس الثاو‪ :‬أن ال يُ ّ‬
‫إذا اآلن فهمت املعرفة على اإلُياز عند األلباو؛ أن املعبود ٍ‬
‫حبق هو هللا تبار‬
‫وتعاىل‪ ،‬أما على التفصيل‪ :‬أن يفهم العبادات‪ ،‬مث بعد ذلا أن ال يصرف شيئا من‬
‫هذه العبادات إىل غري هللا تبار وتعاىل‪ ،‬هذا هو التفصيل الذي يريده األلباو من‬
‫معىن معرفة ال إله إال هللا‪.‬‬

‫مث يف نفس املالحظة أراد أن يُ ّبني ما معىن معرفة فهم العبادات‪ ،‬وما معىن عدم‬
‫وحدين الذين ال يصرفون‬‫صرف العبادات إىل غري هللا؛ فجاء ٍثل‪ ،‬قال‪ :‬يوجد عند املُ ّ‬
‫علو هللا تبار وتعاىل‪ ،‬مث‬
‫شيئا من العبادات إىل غري هللا‪ ،‬املثل الذي ذكره‪ :‬مسألة ّ‬
‫ذكر مسألة أخرى‪ :‬مسألة اجلارية عندما سأهلا الرسول ‘ أين هللا؟‪ ،‬قالت يف‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪780‬‬

‫السماء‪ ،‬مث بدأ األلباو يُشنِّع على األزهر وعلى غري األزهر وعلى العلماء قاطبة‪ ،‬أن‬
‫هؤالء إذا سألتهم‪ ،‬ال يعرفون أين هللا كما عرفت تلا اجلارية‪ ،‬مث قال ألهنا كانت‬
‫تعيش ‪-‬كما نقول يف وقتنا احلا ‪ -‬يف ٍ‬
‫بيئة سلفية‪.‬‬

‫إذا تعريف اإلميان عند األلباو املعرفة‪ ،‬ما املقصود باملعرفة؟‪ ،‬معرفة معىن ال إله‬
‫إال هللا على اإلُياز‪ ،‬مث على التفصيل‪ .‬هذا التفصيل الذي ذكره األلباو‪ ،‬كأنين‬
‫اقتنعت أنه يشبه من فسر املاء بعد اجلهد باملاء‪ ،‬يعين ما جاء بشيء جديد‪ّ ..‬أال‬
‫يُعبد إِال هللا ¸‪ ،‬قال يف التفصيل‪ّ :‬أال يُصرف شيء من العبادات إىل غري هللا‪ .‬إذا‬
‫كأنه ما جاء بشيء جديد‪.‬‬

‫َو ُهنَا ال بُ َّد أَ ْن تَ ْلتَ يِ َ‬


‫ت إل َم ْسأَلَة ُم يه َّمة يج ًدا‪ :‬ملاذا جعل األلباو تفصيل معىن‬
‫ال إله إال هللا يف فهم العبادات وعدم صرفها إىل غري هللا؟‪ ،‬ملاذا مل ُِحيل األمر إىل‬
‫علمت ّأال‬
‫َ‬ ‫شروط ال إله إال هللا؟‪ ،‬أليس هذا هو التفصيل يف معىن ال إله إال هللا؟‪،‬‬
‫معبود حبق إال هللا‪ ،‬إذا أردت أن تفهم معىن ال إله إال هللا‪ ،‬عليا أن ترجع إىل شروط‬
‫ال إله إِال هللا‪ ،‬بالرجوع إىل هذه الشروط تفهم معىن ال إله إال هللا على التفصيل!‬

‫وقد حاولت أن أ َِجد يف كتب األلباو‪ ،‬هل ذكر شروط ال إله إِال هللا؟‪ ،‬يعلم هللا‬
‫مرة‪ ،‬ما وجدت هذه الكلمة يف أي كتاب من كتبه؛ علما أنين‬ ‫أنين حاولت أكثر من ّ‬
‫لدي يف املكتبة الشاملة‬‫كنت أكتب فقط شروط‪ ،‬أو شرط‪ ،‬لكن ما ظهر يف اجلهاز ّ‬
‫أن األلباو يف كل الكتب اليت ألّفها أنه حتدث عن شروط ال إله إِال هللا‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه‬
‫إذا أحال إىل الشروط سيهدم ما بىن‪ ،‬خيربون بيوهتم بأيديهم وأيدي املؤمنني؛ فال‬
‫يستطيع أن ُحييل معرفة معىن ال إال هللا على التفصيل إىل شروط ال إله إال هللا‪ ،‬ألن‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪781‬‬

‫هذه الشروط ال يوافق عليها األلباو؛ ألن من ضمن هذه الشروط أن تكفر‬
‫بالطاغوت‪.‬‬

‫فسر على اإلُياز والتفصيل مث ذكر‬‫أقرأ املثل الذي ذكره األلباو‪ ،‬ما قلنا أنه ّ‬
‫مثل؟‪ ،‬حىت ال يأيت أحد هؤالء املفرتين يقول ّقول األلباو ما مل يقل‪ ،‬أنا نقلت كالمه‬
‫باملعىن‪ ،‬أنقله اآلن بالنص‪.‬‬

‫فسر معىن‪ّ :‬أال تصرف شيئا من العبودية إىل غري هللا‪:‬‬


‫الحظ كيف ّ‬
‫قال األلباو بالنص يف حماضرته‪[ :‬التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم‪ ،‬ص‪ 20 :‬يف املكتبة‬
‫وجهون عبادةً من‬ ‫الشاملة]‪ ،‬قال‪" :‬إن ً‬
‫كثريا من املسلمني املوحدين ح ًقا‪ ،‬والذين ال يُ ّ‬
‫العبادات إيل غري للا ¸‪ ،‬ذهنهم خال من كثري من األفكار والعقائد الصحيحة اليت‬
‫ميرون على كثري من اآليات‬
‫جاء ذكرها ِف الكتاب والسنة‪ ،‬فكثري من هؤالء املوحدين ّ‬
‫وبعض األحاديث اليت تتضمن عقيدةً‪ ،‬وهم غري منتبهني إل ما تضمنته‪ ،‬مع أَّنا من‬
‫بعلو للا ¸"‪.‬‬ ‫متام الميان بالل ¸‪ ،‬خذوا ً‬
‫مثل‪ :‬عقيدة الميان ّ‬
‫مث دخل يف التفاصيل‪ ،‬معىن (يف) إيش (يف األرض ويف السماء)‪ ،‬ومعىن (يف)‬
‫هنا‪ :‬عىن (عال)‪ ،‬وليس على الظرفية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫و ُهنَا أ ي‬
‫الظن باأللباو‪ ،‬أمل يَـ ُقل يف تفسري معىن‬
‫نن ّ‬ ‫لحظَةً أُ ْخ َرى‪ :‬ال ُحتس ّ‬
‫ُس ّج ُل ُم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وجه شيء من العبادات إىل غري هللا؟‪ ،‬هذا نص‬ ‫(ال إله إال هللا) على التفصيل‪ّ :‬أال يُ ّ‬
‫كالمه‪ ..‬جيّد‪ ،‬رجل قال ال إله إال هللا‪َ ،‬و َعبَد صنما‪ ،‬ما حكم هذا الرجل عند‬
‫األلباو؟‪ ،‬امسع ما يقوله األلباو يف أمثال هؤالء‪ ،‬حىت تعلم ماذا يعين توجيه العبادة‬
‫إىل هللا‪ ،‬وتوجيه بعض العبادات إىل غري هللا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪782‬‬

‫يقول األلباو يف كتابه‪[ :‬التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم‪ ،‬ص‪ 13:‬يف املكتبة الشاملة]‪،‬‬
‫قال‪" :‬فإذا قال املسلم ال إله إال للا‪َ ،‬و َعبَد مع للا غريه؛ فهو واملِّركون سواء‬
‫عقيدةً‪ ،‬وإن كان ظاهره السلم‪ ،‬ألنه يقول لِظة ال إله إال للا‪ ،‬فهو بذا االعتبار‬
‫هرا"‪.‬‬
‫مسلم لِظًا وظا ً‬
‫فهو هبذا االعتبار مسلم لفظا وظاهرا‪ ،‬إذا أين تفسري معىن ال إله إال هللا عنده؟‬
‫أمل يقل على التفصيل‪ّ :‬أال توجه شيئا من العبادات إىل غري هللا؟‪ ،‬حسنا‪ ..‬هنا رجل‬
‫وجه عبادة إىل غري هللا‪ ،‬اذا حتكم عليه؟‪ ،‬قال‪ :‬هذا هو واملشركون سواء يف العقيدة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّأما ظاهره طاملا يقول ال إله إال هللا‪ ،‬هو مسلم ظاهرا وظاهرا‪.‬‬

‫أمسعت هبذا اخلبط؟‪ ،‬كل هذا يف حماضرة واحدة‪ ،‬كل هذا اخلبط واخللط‬
‫والتلبيس وال ّدجل‪ ،‬كله يف حماضرة واحدة!‪ ،‬أتعلم هبذا القول أين انتهى الرجل هذا؟‪،‬‬
‫عندما قال‪ :‬رجل قال ال إله إال هللا‪ ،‬وأشر مع هللا يف العبادة قال‪ :‬ظاهره اإلسالم‪،‬‬
‫الكرامية‪ ،‬أتباع‬
‫وحيكم له باإلسالم لفظا وظاهرا‪ ..‬أتعلم قول من هذا؟‪ ،‬هذا قول ّ‬
‫حممد بن كرام السجستاو‪ ،‬تذكرون عندما ذكرنا تعريف اإلميان عند الكرامية؟‪ ،‬قلنا‬
‫تعريف اإلميان عندهم‪ :‬هو قول اللسان فقط‪ .‬فإذا قال اإلنسان ال إله إال هللا‪ ،‬هذا‬
‫مؤمن‪ ،‬وإن ك ّذب ذلا يف قلبه‪ ،‬وإن تر كل الطاعات‪ ،‬وإن أتى بكل املك ّفرات‪،‬‬
‫ُ‬
‫الكرامية ُمسلم‪ ،‬لقد انتهى القول باأللباو أن يقول بقول‬
‫وبكل املعاصي‪ ،‬فهو عند ّ‬
‫هؤالء‪.‬‬

‫نص كالمه‪" :‬إذا قال املسلم ال إله إال هللا"‪ ،‬جيّد‪ ..‬مثّ صرف شيئا من العبادة‬
‫كرام السجستاو‪ ،‬قلت له بلسان‬ ‫وجهت هذا السؤال حملمد بن ّ‬ ‫إىل غري هللا‪ ..‬إذا ّ‬
‫احلال‪ :‬يا فالن‪ ،‬رجل قال ال إله إال هللا‪ ،‬وصرف العبادة إىل غري هللا‪ ،‬ما حكم هذا‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪783‬‬

‫وجه نفس السؤال إىل األلباو‪ ،‬واستنطقه وهو يف قربه‪،‬‬


‫الرجل عند ؟‪ ،‬يقول مؤمن‪ّ ..‬‬
‫وستجد النطق يف كتابه‪ ،‬يقول‪ :‬هذا طاملا قال ال إله إال هللا‪ ،‬وأشر مع هللا‪ ،‬فهو‬
‫كرام‬
‫ا‪ ،‬أين الفرق بني حممد بن ّ‬ ‫مسلم لفظا وظاهرا فهو مسلم‪ ،‬فقل بَِربِّ َ‬
‫السجستاو‪ ،‬وبني حممد ناصر الدين األلباو؟!‪ ،‬ال فرق‪.‬‬

‫الكرامية يف األحكام الدنيوية‪ ،‬يوافق الكرامية يف األحكام‬


‫إذا األلباو يوافق ّ‬
‫الدنيوية‪ّ ،‬أما يف اآلخرة ال‪ ،‬الرجل حاله خيتلف عند األلباو‪ ،‬يف اآلخرة قول ال إله إال‬
‫هللا ال ينفعه‪.‬‬

‫‪ -‬سائل‪ :‬شيخ بس سؤال‪ ،‬ماذا يقصد بــ"لفظا وظاهرا"؟‬

‫* الشيخ‪ :‬يعين ظاهره مسلم‪.‬‬

‫‪ -‬السائل‪ :‬والباطن طيّب؟‬

‫* الشيخ‪ :‬ال‪ ،‬ال ظاهره‪ ..‬هو باطنه يشرتط القلب‪ ،‬اآلن يقول‪ :‬هذا الذي أتى‬
‫هبذه العبادات صرفها لغري هللا‪ ،‬وقال ال إله إال هللا‪ ،‬هذا ظاهره مسلم‪ ،‬فيسمى‬
‫مسلما لفظا ويسمى ظاهرا أيضا مسلما؛ أي أنا تتعامل معه يف األحكام الدنيوية‬
‫على أنه مسلم‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه يقول بالنص‪ :‬ألنه يقول لفظة (ال إله إال هللا) فهو هبذه‬
‫العبارة مسلم لفظا ظاهرا‪.‬‬

‫وحىت تفهم هذه املسألة‪ ،‬عليا أن تتذكر ما قلناه عن التكفري االعتقادي عند‬
‫األلباو‪ ،‬هذا عمل‪ ،‬صرف العبادة إىل غري هللا عمل‪ ،‬وهو ال يُك ِّفر باألعمال‪ ،‬إال أن‬
‫صر‬
‫يعتقد ذلا ال ُكفر يف قلبه‪ ،‬وال تستطيع أن تعلم ما يوجد يف قلبه إال إذا ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪784‬‬

‫بلسانه‪ ،‬فإذا سكت الرجل‪َ ،‬عبَ َد مع هللا إهلا آخر‪ ،‬صرف العبادات إىل غري هللا ¸‪،‬‬
‫سمى ُمسلما عند األلباو‪.‬‬
‫وسكت‪ ،‬فهذا ظاهره اإلسالم‪ ،‬ولفظا أيضا يُ ّ‬

‫طبعا هذا القول سنستشهد به يف موط ٍن آخر عندما نتكلم عن عالقة ّ‬


‫الكرامية‬
‫باأللباو‪.‬‬
‫ِ‬
‫حتصل لدينا حل ّد اآلن؟‪ ،‬قال يف قوله‪ :‬من‬
‫نأيت اآلن إىل تعريف األلباو‪ ،‬ما الذي ّ‬
‫قال ال إله إال هللا‪ ،‬إذا قول اللسان من ضمن تعريف اإلميان عند األلباو‪ ،‬قال ال إله‬
‫إال هللا‪ ..‬مث يشرتط معرفة معىن هذا اللفظ يف قلبه؛ إذا يكون تعريف اإلميان عند‬
‫األلباو‪ :‬أن يقول ال إله إال هللا بلسانه‪ ،‬وأن يعرف معىن ال إله إال هللا يف قلبه على‬
‫فسرت لا ذلا‪.‬‬‫اإلُياز مث على التفصيل‪ ،‬كما ّ‬
‫مرة أخرى من باب التأكيد‪" :‬فإذا‬
‫الحظ ماذا قال يف مسألة املعرفة‪ ،‬أعيد كالمه ّ‬
‫قال املسلم ال إله إال هللا بلسانه‪ ،‬فعليه أن يضم إىل ذلا معرفة هذه الكلمة"‪.‬‬

‫القول اآلخر أيضا يف [التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم]‪" :‬وهذه الكلمة الطيبة بعد‬
‫معرفة معناها‪ُ ،‬منجية له من اخللود ِف النار‪[ ،‬و اذا يوصي من يسمعه؟ قال‪" ]:‬وهذا َك ّير ْرهُ‬
‫رسخ ِف األذهان"‪.‬‬
‫[أي كرر مسألة معىن ال إله إال هللا] لكي يُ ّ‬
‫كرر شرط أو قيد املعرفة يف تعريف اإلميان‪ ،‬حىت ترتسخ هذه الكلمة يف أذهان‬
‫الناس‪ ،‬فيعلموا أن تعريف اإلميان‪ :‬بعد قول اللسان‪ ،‬هو معرفة معىن قول ال إله إال‬
‫هللا‪.‬‬

‫أنا أضطر أن أرجع إىل األوراق‪ ،‬ألن املسألة ال أريد ‪-‬وأستعني باهلل ¸‪ -‬أن ال‬
‫أؤاخذ على كلمة أقوهلا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪785‬‬

‫إ ًذا أصبح لدينا اآلن يف تعريف األلباو لإلميان‪ :‬ركنان‪ .‬قول اللسان‪ ،‬ومعرفة‬
‫معىن ال إله إال هللا على اإلمجال مث التفصيل‪.‬‬

‫ذكر األلباو قيدا ثالثا‪ :‬قال‪" :‬وص ّدق" بقلبه‪.‬‬

‫بقلبه أنا أضفتها‪ ،‬هو ما قال بقلبه‪ ،‬أنا أضفت بقلبه؛ ألن املقام يقتضي ذلا‪..‬‬
‫نص قوله‪:‬‬
‫الحظ ّ‬

‫قال‪ " :‬فعليه أن ّ‬


‫يضم إل ذلك معرفة هذه الكلمة بإجياز‪ ،‬مث بالتِصيل‪ ،‬فإذا‬
‫عرف‪ ،‬وص ّدق‪ ،‬وآمن؛ فهذا الذي يصدق عليه تلك األحاديث" إذا ماذا أصبح‬
‫الركن الثالث؟‪ ،‬ص ّدق‪ ،‬قال‪َ :‬عَرف‪ ،‬ص ّدق‪.‬‬

‫والتصديق كما تعلم هو اإلقرار‪ ،‬واإلقرار والتصديق هو قول القلب‪ .‬اآلية‬


‫ني﴾ [يوسف‪ ،]17:‬فاإلميان والتصدق هنا‬ ‫الكرمية‪﴿ :‬وما أَنت ِ ؤِم ٍن لنا ولَو ُكنا ِ ِ‬
‫صادق َ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ُ َ َ‬
‫عىن‪ :‬القلب‪ ،‬ألن التصديق‪ :‬اإلقرار يف القلب‪ ،‬إذا هذا القيد سنأيت عليه بعد ذلا‬
‫إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫القيد الرابع يف تعريف األلباو لإلميان قال‪" :‬وآمن" فإذا عرف‪ ،‬وص ّدق‪ ،‬وآمن‪..‬‬
‫سأفصل هذا األمر الحقا إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أنا ال أقف عند التصديق اآلن ألنين‬

‫إذا القيد الرابع اآلن‪ :‬قال ال إله إال هللا‪ ،‬عرف معىن ال إله إال هللا بقلبه‪ ،‬مثّ‬
‫ص ّدق ذلا املعىن يف قلبه‪ ،‬مث آمن‪ .‬كلمة (آمن) أيضا ذكرها األلباو يف تعريف‬
‫اإلميان‪.‬‬

‫ابتداء‪ُ :‬يب أن تعرف ما معىن آمن عند األلباو عندما يقول عرف‪ ،‬وص ّدق‪،‬‬
‫وآمن‪ ،‬ماذا يقصد بآمن؟‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪786‬‬

‫عند البحث يف ثنايا حديثه يف تلا املحاضرة‪ ،‬يقول األلباو‪ّ :‬‬


‫"أما من قاهلا‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫بلسانه ول يِقه معناها [فقه عىن فهم] أو فقه معناها‪ ،‬ولكن ل يُ ْؤمن بذا املعن" هذا‬
‫الكالم يف حماضرته‪[ :‬التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،]17:‬إذا ماذا يقصد بآمن؟‬
‫آمن أي‪ :‬آمن عىن ال إله إال هللا‪.‬‬

‫جيّد‪ ،‬هذا القيد "آمن" هل يوافق شروط التعريف؟ ألنه اآلن بدأ يُعرف اإلميان‬
‫بنفسه؛ فكأن تعريف اإلميان أصبح عنده اآلن‪ :‬من قال ال إله إال هللا‪ ..‬اإلميان‬
‫هكذا‪ ..‬اإلميان‪ :‬قول ال إله إال هللا‪ ،‬معرفة معىن ال إله إال هللا‪ ،‬تصديق معىن ال إله‬
‫إال هللا‪ ،‬اإلميان عىن ال إله إال هللا‪ ،‬إذا كلمة "اإلميان" اآلن ُيب أن ُحتذف من‬
‫عرف الشيء بنفسه‪ ،‬وهذا عند العلماء غري جائ ٍز أن تُعِّرف‬ ‫تعريف األلباو‪ ،‬ألنه ّ‬
‫االسم بنفسه‪ ،‬إذا كلمة آمن هنا ُحتذف من تعريف األلباو لإلميان‪.‬‬

‫ال أدري املسألة واضحة ‪-‬إن شاء هللا‪-‬؟‬

‫عرف اإلميان بنفسه‪ .‬جيّد‪ ،‬هل‬‫إذا خيرج هذا القيد من تعريف األلباو‪ ،‬ألنه ّ‬
‫ميكن أن يكون قصد عىن آمن أي‪ :‬ص ّدق؟ ‪-‬ألن معىن اإلميان هو التصديق كما‬
‫ذكرنا يف اللغة‪ -‬فهل يكون األلباو قد قصد معىن آمن عىن ص ّدق؟‬

‫فإذا قصد معىن التصديق‪ ،‬هذا يعين أنه استخدم كلمتني مرتادفتني يف تعريف‬
‫اإلميان؛ ألن ال فارق بني التصديق‪ ،‬واإلميان إذا مل يرتبط بالعمل‪ .‬إذا وشرط التعريف‬
‫لدينا ماذا كان؟‪ّ ،‬أال تُ ِّ‬
‫عرفه بنفسه‪ ،‬وال رادفه وال بأجزائه‪.‬‬

‫عرف‬
‫إذا أصبح اآلن السبب الثاو إلخراج هذا القيد من تعريف األلباو‪ :‬ألنه ّ‬
‫يستقر التعريف اآلن‪:‬‬
‫اإلميان فردتني بنفس املعىن‪- ،‬ص ّدق وآمن نفس املعىن‪-‬؛ إذا ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪787‬‬

‫قول باللسان‪ ،‬معرفة بالقلب‪ ،‬تصديق بالقلب‪ .‬هذا القيد الرابع يف تعريف األلباو‬
‫لإلميان‪.‬‬

‫مرة واحدة‪ :‬كلمة "اإلذعان"‪ .‬معرفة‪ ،‬إميان‪،‬‬


‫ّأما القيد اخلامس‪ :‬فقد ذكر األلباو ّ‬
‫إذعان‪ ،‬العبارة األوىل اليت قرأهتا يف بداية احلديث‪" :‬اإلميان ُيب أن تسبقه املعرفة‪،‬‬
‫وهذا ال يكفي إال أن تقرتن املعرفة باإلميان واإلذعان"‪.‬‬

‫فسر هذه الكلمة يف‬ ‫حبثت يف كتبه‪ ..‬ماذا يقصد األلباو باإلذعان‪ ،‬فما وجدته ّ‬
‫إحدى ُكتبه ضمن املكتبة الشاملة‪ ،‬وتذكرون عندما ألزمنا أنفسنا‪ ،‬قلنا أنين سأحبث‬
‫عن مفرداته وماذا يقصد باملفردة‪ ،‬حلد اآلن وجدت معاو كل املفردات اليت‬
‫فسر هذه الكلمة البتّة‪ ،‬هذا بعد حبث َوتَـ َق ٍّ‬
‫ص‪.‬‬ ‫استخدمها‪ّ ،‬أما معىن اإلذعان ما ّ‬
‫إذا قلنا الطريقة يف التعامل يف مثل هذه احلالة ماذا نفعل؟‪ ،‬نرجع إىل أهل اللغة‪،‬‬
‫اللغة العربية‪ ،‬حىت نفهم ماذا يقصد العرب بكلمة اإلذعان‪ ،‬مث بعد فهم معىن هذه‬
‫رج ُع هذه الكلمة إىل أصل األلباو؛ فعندما رجعت إىل ُكتب اللغة‪ ،‬يف [ُمتار‬‫الكلمة نُ ِ‬
‫وذل‪ .‬هذا يف [ُمتار‬
‫الصحا ] على سبيل املثال قال‪ :‬أذعن‪َ ،‬ذ َع َن له‪ :‬عىن خضع ّ‬
‫الصحا ]‪ ،‬أما عند الفراهيدي ‪ -¬-‬قال يف كتاب [العني]‪ :‬أذعن أي‪ :‬انقاد‬
‫س‪ِ ...‬ويف القرآن ُمذعنني أي ُمطيعني‪ .‬انتهى كالم الفراهيدي يف كتاب [العني]‪.‬‬ ‫َو َسلَ َ‬
‫إذا ما معىن اإلذعان عند العرب؟‪ ،‬عىن اخلضوع‪ ،‬و عىن الطاعة‪ ،‬و عىن‬
‫االنقياد‪ .‬هذه معاو كلمة اإلذعان‪ .‬إذا عندما تعرف هذه املعاو هلذه الكلمة‪ ،‬جتزم‬
‫يقينا أن املقصود باإلذعان‪ :‬العمل‪ ،‬وليس القول‪ ،‬يعين عندما يقول العرب‪ :‬أذعن‬
‫فالن ٍ‬
‫لفالن‪ ،‬أي أنه انقاد له وأطاعه وذُ ّل له‪ ،‬هذا ال يكون إال بالعمل‪ ،‬إذا اإلذعان‬
‫عمل وليس بقول‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪788‬‬

‫خرج العمل من مسمى اإلميان ‪-‬يعين‬ ‫فطاملا أن اإلذعان عمل‪ ،‬واأللباو قد ّ‬


‫العمل ليس من أركان اإلميان عند األلباو‪-‬؛ إذا بالضرورة نقول‪ :‬أن كلمة اإلذعان‬
‫هنا ال فائدة يف ذكرها‪ ،‬ألننا إذا ألزمنا األلباو بكلمة اإلذعان ماذا يرتتب على هذا‬
‫األمر؟‪ ،‬يُقال أنه قد جعل العمل ركنا يف اإلميان‪ ،‬وهذا ال ُيوز؛ ألنه يعترب العمل‬
‫سمي األعمال قاطبة شرط كمال‪ ،‬إذا ُيب أن خنرج هذه‬ ‫خارج مسمى اإلميان ويُ ّ‬
‫الكلمة عن تعريف األلباو‪ ،‬ألن هذه الكلمة ختالف أصوله يف التكفري‪.‬‬

‫واضحة املسألة ‪-‬إن شاء هللا‪-‬؟‬

‫جيّد‪ ..‬إذا قلنا ُيب أن ال جنعل اإلذعان من أركان التعريف عند األلباو‬
‫لسببني‪ :‬السبب األول ذكرته‪ ،‬ألننا إذا جعلنا اإلذعان من مسمى اإلميان‪ ،‬هذا يعين‬
‫بأنه قد أدخل العمل يف مسمى اإلميان‪ ،‬وهو ال يُدخل العمل يف مسمى اإلميان‪،‬‬
‫العمل خارج مسمى اإلميان‪ ،‬شرط كمال‪َ ،‬ه َذا األَ ْم ُر األَ َّو ُل‪.‬‬

‫األَ ْم ُر الثَّ ياين‪ :‬أ ّن اإلذعان‪ :‬عىن العمل‪ ،‬و عىن‪ ...‬إذا أدخلناه يف التعريف‪،‬‬
‫أدخلناه بفهمنا لكلمة أذعن‪ ،‬أدخلنا هذه الكلمة بفهمنا ملعىن هذه الكلمة‪ .‬عندما‬
‫تبحث عن النص عند األلباو هل العمل يدخل يف اإلميان أم ال‪ ،‬ستجد أنه يقول‪:‬‬
‫والعمل شرط كمال‪.‬‬

‫لدي نص قاله األلباو‪،‬‬


‫لدي فهمي لكلمة قاهلا األلباو و ّ‬
‫إذا ماذا لدي اآلن؟‪ّ ،‬‬
‫النص لديه‪ :‬العمل شرط كماله‪ .‬فهمي للكلمة‪ :‬أن اإلذعان عمل يف اإلميان؛ وأنت‬
‫تعلم أن الفهم ال يُقدم على النص بأي حال من األحوال‪ ،‬أي فهمي لكلمته ال‬
‫يُقدم على نص كالمه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪789‬‬

‫ُقرب لا الصورة‪ :‬اآلن إذا كنّا نتحدث عن الثغور ‪-‬نسأل هللا تبار‬ ‫حىت أ ّ‬
‫وتعاىل أن يُبار هبم وأن يُثبتهم وأن حيفظهم‪ ،-‬مث أحد املشايخ قال اذهبوا‪ ،‬وما‬
‫أكمل اذهبوا إىل أين‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬يقينا الشيخ قال اذهبوا إىل الثغور‪ ،‬هذا ماذا؟‪،‬‬
‫فهمنا لكلمته‪ ،‬جاء أحد املشايخ قال‪ :‬ال‪ ،‬أنا مسعته قال اذهبوا إىل البيت‪ ،‬إذا هذا‬
‫نص كالمه وهذا فهمنا‪ ..‬هل ميكن أن نُق ِّدم فهمنا على نص كالمه؟‪ ،‬ال ميكن‪،‬‬
‫صر أنين أذهب إىل البيت‪ ،‬فال ميكن بعد ذلا أقول أن الشيخ‬ ‫ملاذا؟؛ ألن الرجل ّ‬
‫أراد الذهاب إىل الثغور‪ ..‬هذا فهمي‪ ،‬وذا نصه‪.‬‬

‫كذلا األلباو‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬أذعن يدخل يف اإلميان‪ ..‬هذا فهمنا‪ّ ،‬أما نص كالمه‬
‫هو‪ :‬قال‪ :‬ال‪ ،‬العمل شرط كمال وليس من ضمن أركان اإلميان‪.‬‬

‫إذا خرج اإلذعان‪ ،‬وخرجت كلمة آمن‪ ،‬فيبقى تعريف اإلميان عند األلباو‪ :‬قول‬
‫باللسان ال إله إال هللا‪ ،‬معرفة معىن ال إله إال هللا يف القلب‪ ،‬تصديق ذلا املعىن يف‬
‫القلب‪ .‬هذه هي أركان اإلميان عند األلباو‪ .‬أركان اإلميان عند األلباو هذه الثالثة‪:‬‬
‫قول باللسان‪ ،‬معرفة بالقلب‪ ،‬تصديق بالقلب‪.‬‬

‫اإل َيم ِان‬ ‫في‬ ‫الثة َأ ْر َك ٌ‬


‫ان‬
‫َّ َ‬
‫الث‬ ‫ه‬ ‫ذ‬‫ه‬‫األ ْل َباني َأ َّن َ‬
‫َ‬
‫الم‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫الل‬ ‫خ‬ ‫ن‬
‫َْ ُ‬
‫ف ُت ْثب ُت م ْ‬ ‫كي‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ِع ْن َد ُه؟‬
‫الحظ‪:‬‬
‫َّ ي‬
‫يل األَ َّو ُل‪ :‬ألن هذا مو ٌ‬
‫افق لشرط تعريف اإلميان‪ ،‬أ ّن يف التعريف ال تذكر إال‬ ‫الدل ُ‬
‫ما هو من ماهيّة الشيء ومن حقيقته‪ ..‬عندما تسألين عن اسم من األمساء أذكر لا‬
‫مين تعريفه‪ ،‬فاأللباو عندما قال‪" :‬قول‪ ،‬ومعرفة‪،‬‬
‫حقيقة هذا االسم الذي طلبت ّ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪790‬‬

‫وتصديق"؛ إذا أراد أن يُ ّبني ماهيّة اإلميان عنده‪ ،‬ويكشف لنا حقيقة اإلميان عنده‪.‬‬
‫إذا هذا القول دليلنا على أن هذا من شروط التعريف عند العلماء‪.‬‬

‫يل الثَّايين‪ :‬أ ّن من تر ركن من األركان يف عبادة من العبادات‪ ،‬هذا العمل‬‫َّ ي‬


‫الدل ُ‬
‫يبطل برت الركن‪.‬‬
‫ُ‬
‫صلى‪ ،‬ما ركع‪ ،‬صالته باطلة‪ ..‬رجل توضأ‪ ،‬ما غسل وجهه‪ ،‬وضوؤه باطل‪،‬‬‫رجل َ‬
‫ملاذا؟؛ ألنه تر ركنا يف العمل‪.‬‬

‫األلباو عندما حتدث عن املعرفة والتصديق‪َ ،‬من تر التصديق واملعرفة قال عنه‪:‬‬
‫أوضح ُمراده إن شاء هللا‬
‫أن هذا ال تنفعه ال إله إال هللا يوم القيامة‪ .‬أقرأ كالمه و ّ‬
‫تعاىل‪ ،‬الحظ‪ ..‬يقول يف هذه احملاضرة املصيبة‪[ :‬التوحيد أوال يا دعاة اإلسالم‪،‬‬
‫ُ‬
‫ص‪ّ :]17:‬‬
‫"أما من قال [ال إله إال للا] بلسانه‪ ،‬ول يِقه معناها‪ ،‬أو فقه معناها ولكن‬
‫ل يُ ْؤيمن بذا املعن؛ فهذا ال ينِعه قوله ال إله إال للا إال ِف العاجلة‪ ،‬إذا كان يعيش‬
‫ِف ظل الكم السلمي‪ ،‬وليس ِف اآلجلة"‪.‬‬

‫"وليس يف اآلجلة"‪ ..‬ما معىن هذا الكالم؟‪ ،‬أريد أن أُثبت أن القول‪ ،‬واملعرفة‪،‬‬
‫والتصديق‪ ،‬ركن عند األلباو‪ ..‬رجل قال بلسانه‪ :‬ال إله إِال هللا‪ ،‬ولكن مل يعرف معىن‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬ومل يُص ّدق معىن ال إله إال هللا يف قلبه‪ ..‬قال‪ :‬هذا هذه الكلمة تنفعه‬
‫يف الدنيا فقط‪ ،‬إذا كان يعيش يف حك ٍم إسالمي‪ ،‬لكن ال تنفعه هذه الكلمة يف‬
‫اآلخرة؛ إذا بطل إميان هذا الرجل يف اآلخرة‪ ،‬جيّد‪ ،‬ما الذي أبطله؟؛ ألنه تر ركنني‬
‫األول‪ :‬املعرفة‪ ،‬الركن الثاو‪ :‬التصديق‪ ،‬إذا ِمن‬
‫من أركان اإلميان عند األلباو‪ ،‬الركن ّ‬
‫قوله اآلن تستنتج وتفهم أن املعرفة والتصديق ركنان يف تعريف اإلميان عند األلباو‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪791‬‬

‫واضح ‪-‬إن شاء هللا‪-‬؟‬

‫‪ -‬اإلخوة‪ :‬إن شاء هللا‪.‬‬

‫* الشيخ‪ :‬احلمد هلل‪.‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬الذين يقولون أن اإلميان قول‬


‫الكرامية ّ‬
‫وهذا يدعونا إىل احلديث عن ّ‬
‫باللسان فقط‪ ،‬الحظ‪ ..‬الكالم الذي قلته آنفا أعيده اآلن‪:‬‬

‫الكرامية قالوا‪ :‬اإلميان قول باللسان‪ .‬األلباو هنا ماذا قال؟‪ ،‬فقط إذا قال بلسانه‬
‫ّ‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬ومل يعرف املعىن‪ ،‬ومل يُص ِّدق‪ ،‬هذه الكلمة تنفع صاحبها يف الدنيا إذا‬
‫كرام‬
‫أي فرق اآلن بني األلباو وبني حممد بن ّ‬ ‫كان يعيش يف حك ٍم إسالمي؛ إذا ّ‬
‫السجستاو يف قول ال إله إال هللا يف األحكام الدنيوية؟!‬

‫الكرامية يف األحكام الدنيوية‪ ،‬قال بقوهلم أن من قال ال إله إال هللا ومل‬
‫إذا وافق ّ‬
‫ينته عن أي معصية‪ ..‬هذا‬ ‫أت بأي طاعة‪ ،‬ومل ِ‬ ‫يص ِّدق بقلبه‪ ،‬ومل يعرف املعىن‪ ،‬ومل ي ِ‬
‫ُ‬
‫كرام وعند األلباو‪ -‬هذا يُعترب ُمسلما يف الظاهر‪،‬‬‫الرجل عند كليهما ‪-‬عند حممد بن ّ‬
‫ولفظا‪ ،‬وتنفعه يف الدنيا‪ ،‬ال فرق بني قوليهما‪.‬‬

‫كرام يقول‪ :‬من قال بلسانه ينجو يوم‬


‫اختلف عنه يف احلكم األخروي‪ ،‬حممد بن ّ‬
‫القيامة أيضا‪ .‬األلباو قال‪ :‬ال‪ ،‬أختلف معا يف اآلخرة‪ ،‬أتفق معا يف الدنيا لكن‬
‫اختلف معا يف اآلخرة ‪-‬أنا عندما أتكلم بأسلوب اخلطاب املباشر‪ ،‬أعين‪ :‬بلسان‬
‫احلال‪ ،‬وليس بلسان املقال‪.-‬‬

‫كرام السجستاو‪ ،‬وحممد ناصر الدين األلباو يف احلكم‬ ‫إذا ال فرق بني حممد بن ّ‬
‫على من قال ال إله إال هللا‪ ،‬ومل يعرف بقلبه‪ ،‬ومل يُص ِّدق؛ كالمهما حيكمان عليه على‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪792‬‬

‫يأت ٍ‬
‫بعمل من أعمال الطاعات البتة‪ ،‬وكالُها‬ ‫أنه مسلم‪ ،‬وكالُها اتفقا على أنه مل ِ‬
‫اتفقا على أنه إذا أتى كل املعاصي وكل املنكرات يبقى هو مؤمن يف ظاهره إذا كان‬
‫يعيش يف حكم اإلسالم‪.‬‬

‫كراميًّا‪ ،‬وستجده أحيانا جهميًّا‪ ،‬وستجده أحيانا مريسيًّا!‪ ،‬وهللا يا‬


‫ستجده أحيانا ّ‬
‫شباب‪ ،‬معرفة هذه احلقائق عن هذا الرجل عندما تنظر إىل حال املسلمني‪ ،‬تُدر‬
‫ماذا فعل هذا الرجل باملسلمني!‪ ،‬كم من الناس على هذا القول اآلن؟‪ ،‬وكم من‬
‫اس يُ ّزوجون بناهتم ألمثال‬ ‫ُناس يتعاملون مع مرتدين على أهنم مسلمون‪ ،‬كم من أُن ٍ‬ ‫أ ٍ‬
‫ذبائح هلؤالء على أهنم مسلمون‪،‬‬ ‫هؤالء على أهنم مسلمون‪ ،‬كم من أ ٍ‬
‫ُناس يأكلون َ‬
‫ُناس يُشيّعوهنم ويُك ّفنوهنم‪،‬‬‫ُناس يعودوهنم على أهنم مسلمون‪ ،‬كم من أ ٍ‬ ‫كم من أ ٍ‬
‫ويصلّون عليهم‪ ،‬ويدفنوهنم يف مقابر املسلمني بدعوة هذا الضال املـ ِ‬
‫ض ّل!‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قوله هذا‪ ،‬القول الذي قرأته‪ :‬قال ال إله إال هللا‪ ،‬ومل يعرف‪ ،‬ومل يُص ِّدق‪ ..‬تنفعه‬
‫ٍ‬
‫بصنف أسوأ بكثري من املـُنافقني؟!‪،‬‬ ‫يف الدنيا‪ ،‬ال تنفعه يف اآلجلة‪ ،‬هل تعلم أنه جاء‬
‫هذا الصنف الذي أراد األلباو أن يكون يف املسلمني‪ ،‬هذا الصنف أسوأ بكثري من‬
‫املنافقني املعروفني يف اإلسالم‪ ،‬كيف؟‬

‫املنافق يقول ال إله إال هللا‪ ،‬وهذا الذي عند األلباو يقول ال إله إال هللا‪ ،‬هذا‬
‫املنافق جتده يصلي‪ ،‬وجتده أمام املسلمني يصوم‪ ،‬وجتده يرت املنكرات أمام املسلمني‪،‬‬
‫إذا الرجل قال‪ ،‬والتزم بالطاعات‪ ،‬وجتنب املعاصي‪ ،‬هذا املنافق‪ّ ..‬أما هذا الذي أراد‬
‫األلباو أن يُظهره يف وسط املسلمني‪ :‬أن تقول ال إله إال هللا‪ ،‬وال تأيت بأي طاعة‪،‬‬
‫وال تنتهي عن أي منكر من املنكرات‪ ،‬وال عن أي معصية من املعاصي‪ ،‬فأنت مسلم‬
‫لفظا وظاهرا!‪ ،‬أليس هذا النموذج ال يوجد يف ديننا؟‪ ،‬حنن نعلم أن هنا ُمنافقون‪،‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪793‬‬

‫هذا املنافق يُظهر اإلسالم ويُبطن ال ُكفر‪ ،‬لكن يبقى امسه منافق‪ ،‬ملاذا؟؛ ألنه يأيت‬
‫بالطاعات ويبتعد عن املنكرات‪ّ ،‬أما النموذج الذي أراد األلباو أن يُوجده يف أوساط‬
‫املسلمني‪ ،‬فهو أسوأ بكثري من املنافقني‪ ،‬ألنه يكفي أن يقول ال إله إال هللا‪ ،‬مث ال‬
‫يلتزم بأي طاعة من الطاعات‪ ،‬وال ينتهي عن أي منكر من املنكرات‪ ،‬وال عن أي‬
‫مكفر من املكفرات‪ ،‬ويبقى هو مسلم!‪ ،‬إذا املنافق أحسن حاال من هذا الذي أراد‬
‫األلباو‪.‬‬

‫ِويف هناية األمر سنثبت ملاذا هذه املصائب‪ ،‬من أين جاء هذا الرجل؟‪ ،‬وماذا أراد‬
‫أن يفعل باملسلمني؟‬

‫نكتفي هبذا القدر يف املـُحاضرة الثانية ‪-‬إن شاء هللا‪ ،-‬جزاكم هللا خري اجلزاء‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪794‬‬

‫غ من تفريغ هذه الدروس املباركة ‪-‬حبمد هللا وفضله‪ -‬يف مساء يوم الثالثاء األول‬
‫فُ ِر َ‬
‫من شهر شوال لعام ‪ 1440‬ه ـ‬

‫نسأل هللا ‪-‬تبار وتعاىل‪ -‬أن ُيعل أعمالنا خالصة لوجهه الكرمي‪ ،‬وأن يتقبّل منّا‬
‫ويغفر لنا خطأنا وتقصرينا‪ ،‬وُيزي كل من شار يف التفريغ ومن يساهم يف النشر‬
‫خري اجلزاء‪ ،‬وينفعنا وينفع به كل من يقرؤه‪ ،‬ونسأله ُسبحانه أن يتقبّل الشيخ اجملاهد‬
‫عما ق ّدم خري اجلزاء‪.‬‬
‫أبا علي األنباري ويرضى عنه ويُرضيه ويرفع درجته وُيزيه ّ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪795‬‬

‫فُهُ ُرسُالُحُتُ ُويُات‪:‬‬


‫َ َ َُ‬
‫ِِلاذا نقا ِت ُل؟ ‪3........................... ................................ ................................‬‬
‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الثا ِني ‪22 ....................... ................................ ................................‬‬‫الدر‬
‫ْ ُ َ ْ ُ َّ‬
‫الط َ‬
‫اع ِة ‪22 .............. ................................ ................................‬‬ ‫الشرك و ِشرك‬
‫ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ‬
‫الدرس الث ِالث ‪41 ...................... ................................ ................................‬‬

‫ور ‪41 ......................................... ................................‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ َُ َُْ َ َ‬


‫ح ِقيقة لجنة ِكتاب ِة الدست ِ‬
‫الرا ِب ُع ‪59 ....................... ................................ ................................‬‬
‫س َّ‬ ‫َّ‬
‫الد ْر ُ‬

‫ور ‪59 .............. ................................ ................................‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ ُ َ َ‬


‫ح ِقيقة ِكتاب ِة الدست ِ‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة] ‪59 ............................ ................................ ................................‬‬
‫اللج َنة َوهي‪ْ :‬أن ُه ْم َأرَب ٌ ْ‬ ‫َ َ ُ َّ ُ‬
‫ية ل َهذه ْ‬
‫اب ِمن دو ِن ِ‬
‫للا ‪59 ................. ................................‬‬ ‫ِ‬ ‫الح ِقيقة الثا ِن ِ ِ ِ‬
‫ُ َ ُ َ َْ‬ ‫َّ َ‬
‫للا ¸‪70 ....................................... ................................ .‬‬ ‫ؤالء مع ِقبون ِألحك ِام ِ‬ ‫أن ه ِ‬
‫َّ ُ َ‬
‫لل ¸‪71 ..................... ................................ ................................ .‬‬ ‫أن ُه ْم ش َرك ُاء ِ‬
‫ُ َّ َ‬ ‫َّ‬
‫للشيط ِان‪72 ................... ................................ ................................ .‬‬ ‫أن ُه ْم ِ‬
‫أولياء‬
‫الخ ِام ُ‬ ‫َّ ْ ُ َ‬
‫س ‪75 .................... ................................ ................................‬‬ ‫الدرس‬

‫الش ِرع ِف ِيه ‪75 .................................. ................................‬‬ ‫َحق َيق ُة الد ْس ُتور‪َ ،‬و ُح ْك ُم َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ْ‬ ‫ص َد ٌر م ْن َم َ‬
‫ص ِاد ِر التش ِر ِيع" ‪93 .........................................‬‬ ‫الم َم ْ‬ ‫ين َقالوا ْ‬
‫"اإلس ُ‬ ‫الثالث َّالذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫الصن ِف ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س ‪97 .................... ................................ ................................‬‬ ‫س َّ‬
‫الس ِاد ُ‬ ‫الد ْر ُ‬ ‫َّ‬
‫َْ َ‬ ‫َحق َيق ُة الد ْس ُتور‪َ ،‬و ُح ْك ُم َّ‬
‫الش ْر ِع ِف ِيه [تك ِملة] ‪97 .......................... ................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ِاب ُع ‪119 .................... ................................ ................................‬‬ ‫س َّ‬ ‫الد ْر ُ‬ ‫َّ‬
‫َْ َ‬ ‫َحق َيق ُة الد ْس ُتور‪َ ،‬و ُح ْك ُم َّ‬
‫الش ْر ِع ِف ِيه [تك ِملة] ‪119 ........................ ................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور‪136 ............................. ................................ :‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ُ َ ْ ُ ْ َُ َ‬
‫هناك أقوال ِللعلم ِاء في حك ِم هذا الدست ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الث ِام ُن ‪140 .................... ................................ ................................‬‬ ‫الدر‬
‫ُم َنف ُذو الد ْس ُتور‪َ ..‬ما َحق َيق ُت ُه ْم َو َما ُح ْك ُم َّ‬
‫الش ْر ِع ِف ِيه ْم؟ ‪140 ................ ................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪796‬‬

‫اس ُع ‪158 .................... ................................ ................................‬‬ ‫الد ْر ُ َّ‬


‫َّ‬
‫س الت ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يت؟ ‪158 ........................ ................................‬‬
‫واغ ِ‬ ‫ما الذي ي ِج ُب علينا ِتجاه ه ِ‬
‫ؤالء الط ِ‬
‫اش ُر ‪176 ....................... ................................ ................................‬‬ ‫َّ‬
‫الد ْر ُ َ‬
‫س الع ِ‬
‫ْ َ ُ َّ‬
‫الط َواغيت بالسالح ما َحق َيق ُت ُه ْم؟‪َ ،‬و َما ُح ْك ُم َّ‬
‫الش ْر ِع ِف ِيه ْم؟ ‪176 .........................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫أنصار‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الح ِادي َعشر ‪194 .............. ................................ ................................‬‬
‫س َ‬ ‫الد ْر ُ‬

‫الم ‪194 ..................................... ................................‬‬ ‫ْ‬ ‫الد ُيم ْقر ُ َ َ ُ‬


‫اطية و ِعالقتها ِباإلس ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الثاني َعش ْر ‪210 ............... ................................ ................................‬‬‫الدر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اطي ِة‪ ،‬الرك ُن األو ُل‪210 ................................... ................................ :‬‬ ‫ْأرك ِان ِ‬
‫الد ُيمق َر ِ‬
‫العق َ‬
‫يد ِة ‪210 .................... ................................ ................................‬‬ ‫ُ ُ َ‬
‫حرية ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫س الث ِالث َعش ْر ‪231 ............... ................................ ................................‬‬‫الدر‬
‫الر ْك ُن َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫األو ُل‪231 ................................... ................................ :‬‬ ‫ْأرك ِان الد ُيمقر ِ‬
‫اطي ِة‪ُ ،‬‬
‫ُ ُ َ َ َْ َ‬
‫يد ِة [تك ِملة]‪231 ............ ................................ ................................ :‬‬‫حرية الع ِق‬

‫ص َارى على ِد ِين ِه ْم؟ ‪234 ........................... ................................‬‬ ‫ود َو َّ‬


‫الن َ‬ ‫الم ا َلي ُه َ‬ ‫َه ْل ُيقر ْ‬
‫اإلس ُ‬
‫ِ‬
‫اإلسالم ألدلة ُأ ْخ َرى ُت َقي ُد َه َذا ُ‬
‫الع ُم ْ‬
‫وم؟ ‪238 ............... ................................‬‬ ‫َم ْن الذي ُي ْك َر ُه على ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫األو ُل‪ :‬من ارت ّد عن دين هللا ¸ هذا يُكره على اإلسالم‪ ،‬حلديث عبدهللا بن عباس ‪ ¢-‬وأرضاه‪ -‬قال‪ :‬قال‬ ‫ي‬
‫الصنْ ُ َّ‬
‫رسول هللا ‘‪( :‬من ب ّدل دينه فاقتلوه)()‪238 ................................. ................................ .‬‬

‫الم‪248 .................................. ................................ :‬‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫الف ْر ُق َبي َن ُ ْ‬


‫َ‬
‫الديمقراطي ِة وبين اإلس ِ‬
‫ِ‬
‫َُ َ ُ‬
‫اك ش ْب َه َتـ ِـان‪249 ....................... ................................ ................................ :‬‬ ‫هن‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الر ِاب ُع َعش ْر ‪251 ................ ................................ ................................‬‬ ‫س َّ‬ ‫الد ْر ُ‬
‫َّ ْ ُ َ ُ َ‬
‫س َعشر ‪272 ............. ................................ ................................‬‬ ‫الدرس الخ ِام‬
‫ْ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫اط ِي ِة‪ ،‬الرك ُن الثا ِني‪272 .................................. ................................ :‬‬
‫الد ُيمق َر ِ‬ ‫أ ْرك ِان ِ‬
‫َّ ْ‬
‫الرأي ‪272 ....................... ................................ ................................‬‬ ‫ُحرية‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫س َعشر ‪294 ............ ................................ ................................‬‬ ‫الدرس الس ِاد‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫اط َّي ِة‪294 ............... ................................ ................................ :‬‬ ‫أ ْرك ِان ِ‬
‫الد ُيمق َر ِ‬
‫ُ ُ‬
‫َم ْب َدأ اِل َس َاو ِاة ‪294 ..................... ................................ ................................‬‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪797‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الس ِاب ُع َعشر ‪316 .............. ................................ ................................‬‬ ‫س َّ‬ ‫الد ْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الق ُة َب ْي َن الد ُيم ْق َر َّ َ‬‫َ‬
‫اإل ْسال ِم ‪316 ...................... ................................‬‬ ‫اطي ِة والشورى ِفي ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِع‬
‫َ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الث ِام ُن َعشر ‪339 ............... ................................ ................................‬‬ ‫الدر‬
‫َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫الق ُة َب ْي َن الد ُيم ْق َر َّ َ‬
‫َ‬
‫اإل ْسال ِم [تك ِملة] ‪339 .............. ................................‬‬
‫اطي ِة والشورى ِفي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِع‬
‫َ‬ ‫الد ْر ُ َّ‬
‫َّ‬
‫اس ُع َعشر ‪362 .............. ................................ ................................‬‬ ‫س الت ِ‬
‫َ ََ‬
‫الب ْرِل ِان ‪362 ..................................... ................................‬‬ ‫الر َّد ِة ِفي ُد ُخو ِل‬ ‫َم ُ‬
‫واطن ِ‬‫ِ‬
‫َّ ْ ُ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪387 ................. ................................ ................................‬‬ ‫الدرس‬
‫َ ََ َ ْ َ‬
‫الب ْرِل ِان [تك ِملة] ‪387 ............................. ................................‬‬ ‫الر َّد ِة ِفي ُد ُخو ِل‬ ‫َم ُ‬
‫واطن ِ‬
‫ِ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َّ‬
‫الد ْر ُ‬
‫اعش ُرون ‪406 ......................................... ................................‬‬ ‫الح ِادي و‬
‫ْ َ‬ ‫َ ََ‬
‫الب ْرِل ِان [تـك ِملة]‪406 ............................. ................................ :‬‬ ‫الر َّد ِة ِفي ُد ُخو ِل‬ ‫َم ُ‬
‫واطن ِ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫س ‪413 ............. ................................ ................................‬‬ ‫نأ ِتي إلى الـمو ِط ِن الخ ِام ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪424 .......................................... ................................‬‬ ‫الدرس الثا ِني و‬
‫َ ََ َ ْ َ‬
‫الب ْرِل ِان [تك ِملة] ‪424 ............................. ................................‬‬ ‫الر َّد ِة ِفي ُد ُخو ِل‬
‫واطن ِ‬
‫َم ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الك األ ْس ِل َح ِة امل َح َّر َم ِة ُد َوِليا‪437 ....................................... .‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ َّ ُ ْ َ ُ َ ْ‬
‫ريم ام ِت ِ‬ ‫أما اِلو ِطن الث ِامن‪ :‬االل ِتزام ِبتح ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬
‫الت َداو ِل َ(م ْب َدأ ت َداو ِل السلط ِة)‪442 ................................. .‬‬ ‫اإليمان ب َم ْب َدأ َّ‬
‫اس ُع‪ :‬ف ُهو َم ْو ِط ِن َ ِ ِ ِ‬ ‫اِلو ِطن الت ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪445 ......................................... ................................‬‬ ‫الدرس الث ِالث و‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ َ َْ َ‬
‫للا ‪445 .................................. ................................‬‬ ‫اب ِ‬ ‫حكم أعض ِاء البرِل ِان ِفي ِكت ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪462 .......................................... ................................‬‬ ‫الدرس الر ِابع و‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ َ َْ َ‬
‫للا [تك ِملة] ‪462 ........................... ................................‬‬ ‫اب ِ‬ ‫حكم أعض ِاء البرِل ِان ِفي ِكت ِ‬
‫َّ ْ ُ َ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪486 ........................................ ................................‬‬ ‫الدرس الخ ِامس و‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ ْ َّ ُ ُ َ‬
‫الم) اِل ْفت َرى َعل ْي ِه ‪486 ................................. ................................‬‬ ‫يوسف (علي ِه الس‬
‫َ َّ ُ ُ ْ َ ُ‬
‫ف ‪َ -’-‬م َع ف ْر َع ْون م ْ‬
‫ص َر ‪487 ................................ ................................‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ق ِضية يوس‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪507 ....................................... ................................‬‬‫الدرس الس ِادس و‬
‫َ َْ َُ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ ْ َّ ُ ُ َ‬
‫الم) اِل ْفت َرى َعل ْي ِه [تك ِملة] ‪507 ......................... ................................‬‬ ‫يوسف (علي ِه الس‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪524 ......................................... ................................‬‬‫الدرس الس ِابع و‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪798‬‬
‫َّ َ َ َّ َ َ‬ ‫ُش ُب َه ُ‬
‫ات ‪524 ........................... ................................‬‬ ‫األ ْع َم ُ‬
‫ال ِبال ِني ِ‬ ‫ات َع ِام الرماد ِة‪ ،‬إنما‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َ َ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫َْ‬
‫ؤالء الق ْو ِم‪539 ....................... ................................ :‬‬
‫نأ ِتي إلى ش ْب َهة أخ َرى ِمن شب ِه ه ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪543 .......................................... ................................‬‬ ‫الدرس الث ِامن و‬
‫الح َد ْيب َّية‪َ ،‬وح ْلف ُ‬
‫الف ُ‬
‫ضو ِل ‪543 ................... ................................‬‬ ‫ص ْلح ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ْ َ ُ َّ َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫شبهة النج ِاش ِي‪ ،‬و ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الن َج ِاش ِي ‪َ ¬-‬ر ْح َمة َو ِاس َعة‪544 .................................. ................................ -‬‬ ‫َم ْس َأ َل ُة َّ‬

‫الحديبية ‪553 ............................ ................................‬‬ ‫صلح ُ‬ ‫َل ُه ْم ُش ْب َه ٌة ُأ ْخ َرى‪َ :‬وهي َم ْس َأ َل ُة‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫الف ُ‬ ‫َ‬
‫األخ َير ُة‪َ :‬م ْسأ َل ُة ح ْلف ُ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ضو ِل‪563 ................................. ................................ :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫الش ْب َهة ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َ ُ ْ‬
‫العش ُرون ‪567 ......................................... ................................‬‬ ‫اسع و‬ ‫الدرس الت ِ‬
‫َم َس ِاج ُد ِض َرار ‪567 .................... ................................ ................................‬‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ‬
‫س الثالثون ‪586 .................. ................................ ................................‬‬ ‫الدر‬
‫َْ َ‬
‫َم َس ِاج ُد ِض َرار [تك ِملة] ‪586 ............ ................................ ................................‬‬
‫َّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫َّ‬
‫الح ِادي َوالثالثون ‪607 .......................................... ................................‬‬ ‫الد ْر ُ‬

‫ور ‪607 .............. ................................ ................................‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫َْ َُ َ‬


‫مو ِقفنا ِمن الدست ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الثا ِني َوالثالثون ‪629 ........... ................................ ................................‬‬ ‫الدر‬

‫الق َت ِال ‪629 ............................. ................................‬‬ ‫االست َع َانة ب َأ ْهل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬


‫اب ِفي ِ‬ ‫الكت ِ‬‫حك ُم ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َّ َ ُ‬
‫س الث ِالث َوالثالثون ‪650 ........... ................................ ................................‬‬ ‫الدر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ ُ ْ َ‬
‫اري ِة ‪650 ........................... ................................‬‬ ‫األ ُمور َ‬
‫اإلد ِ‬‫ِ ِ‬ ‫االس ِت َعان ِة ِبالك َّف ِار ِفي‬ ‫حكم‬
‫َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫الر ِاب ُع َوالثالثون ‪664 ............ ................................ ................................‬‬ ‫س َّ‬ ‫الد ْر ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ َّ ٌ َ‬
‫اصة أ ْم َع َّامة ‪664 ...........‬‬ ‫قوله سبحانه‪﴿ :‬ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الكا ِفرون﴾ هل اآلية خ‬
‫َّ ْ ُ َ ُ َّ َ ُ‬
‫س َوالثالثون ‪688 ......................................... ................................‬‬ ‫الدرس الخ ِام‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪688 .............. ................................ ................................ :‬‬ ‫تف ِسير‬
‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ُ َ َ ْ َ‬
‫ون﴾ [تك ِملة] ‪688 .........................................‬‬ ‫﴿ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الكا ِفر‬
‫َّ ْ ُ َّ ُ َّ َ ُ‬
‫س َوالثالثون ‪706 ......................................... ................................‬‬ ‫الدرس الس ِاد‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪706 .............. ................................ ................................ :‬‬ ‫تف ِسير‬

‫ون﴾ ‪706 ................. ................................‬‬ ‫﴿و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ب َما َأ َنز َل َّ ُ‬


‫اَّلل َف ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َكاف ُر َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫الط َ‬
‫اعة‬ ‫ْال َب َر َ‬
‫اعة ِفي ِت ْب َي ِان ِش ْر ِك‬
‫‪a‬‬
‫‪799‬‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة] ‪706 .......................... ................................ ................................‬‬
‫َّ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫الس ِاب ُع َوالثالثون ‪729 .......................................... ................................‬‬ ‫س َّ‬ ‫الد ْر ُ‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪729 .............. ................................ ................................ :‬‬ ‫تف ِسير‬

‫ون﴾ ‪729 ................. ................................‬‬ ‫﴿و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ب َما َأ َنز َل َّ ُ‬


‫اَّلل َف ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َكاف ُر َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ ُ‬ ‫َّ ْ ُ َّ‬
‫س الث ِام ُن َوالثالثون ‪750 ........... ................................ ................................‬‬ ‫الدر‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪750 .............. ................................ ................................ :‬‬ ‫تف ِسير‬

‫ون﴾ ‪750 ................. ................................‬‬ ‫﴿و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ب َما َأ َنز َل َّ ُ‬


‫اَّلل َف ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َكاف ُر َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة] ‪750 .......................... ................................ ................................‬‬
‫َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫الد ْ ُ َّ‬
‫اس ُع َوالثالثون َواأل ِخير ‪773 ................................... ................................‬‬ ‫س الت ِ‬ ‫َّ ر‬
‫َْ ُ َ َ‬
‫اآلي ِة الك ِر َيم ِة‪773 .............. ................................ ................................ :‬‬ ‫تف ِسير‬
‫ُ‬
‫اَّلل َفأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َكاف ُر َ‬ ‫َ‬
‫﴿و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ب َما أ َنز َل َّ ُ‬
‫َ‬
‫ون﴾ ‪773 ................. ................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ َ‬
‫[تك ِملة] ‪773 .......................... ................................ ................................‬‬
‫َّ َ ْ‬ ‫ََ َ ُ ْ‬
‫‪800‬‬ ‫اعة‬ ‫يان ِش ْر ِك الط‬
‫البراعة في ِتب ِ‬

You might also like