You are on page 1of 8

‫لسان وأذنان‬

‫الشيخ محمد صالح المنجد‬

‫ٗ‪ٖٔٗٓ/ٔٔ/‬ىـ‬

‫عناصر الموضوع‪:‬‬

‫ٔ‪ .‬فضيلة الصمت وضبط اللسان‪.‬‬


‫ٕ‪ .‬آثار وأقوال في حفظ اللسان‪.‬‬
‫ٖ‪ .‬فضائل اللسان‪.‬‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينو ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل لو ومن يضلل فال ىادي لو‪ ،‬وأشهد أن ال إلو إال اهلل وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمداً عبده ورسولو‪ ،‬أما بعد ‪..‬‬

‫فضيلة الصمت وضبط اللسان‬

‫فإن اهلل سبحانو وتعالى قد خلق لنا السمع واألبصار واألفئدة واأللسن كي نذكره ونشكره وحده ال‬
‫شريك لو‪ ،‬وأن نستعمل ما وىبنا من األعضاء في طاعتو تعالى‪ ،‬ومنها ىذا اللسان‪ ،‬الذي ىو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسرع األعضاء حركةً‪ ،‬وقد قال اهلل سبحانو وتعالى ‪{ :‬ال َخ ْيـ َر في َكثِي ٍر م ْن نَ ْج َو ُ‬
‫اى ْم إَِال َم ْن أ ََم َر‬
‫ٍ‬ ‫بِ ٍ‬
‫الح بَـ ْي َن الن ِ‬
‫َاس} (النساء‪. )ٔٔٗ:‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫ص َدقَة أ َْو َم ْع ُروف أ َْو إِ ْ‬
‫َ‬

‫ت نَ َجا)) أخرجو أحمد والترمذي ‪ ،‬وصححو األلباني‪.‬‬


‫ص َم َ‬
‫وقال عليو الصالة والسالم ‪َ (( :‬م ْن َ‬

‫َجاةُ ؟‬
‫وقال عقبة بن عامر رضي اهلل عنو ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول اهلل َما الن َ‬

‫سانَك)) أخرجو الترمذي وصححو األلباني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‪(( :‬أ َْم ِس ْ‬


‫ك َعلَْيك ل َ‬ ‫قَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ َِ‬
‫وقــال واع ـاً أمتــو عليــو الصــالة والســالم ‪َ (( :‬مـ ْـن َكــا َن يُـ ْـام ُن باَللــو َوالْيَ ـ ْـوم ْاقخ ـ ِر فَـ ْليَـ ُقـ ْ‬
‫ـل َخ ْي ـ ًـرا أ َْو‬
‫ص ُمت))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ليَ ْ‬
‫ِ‬ ‫صلَى اللَوُ َعلَْي ِو َو َسلَ َم ‪ :‬أَنـُ َا َ‬
‫اخ ُذ بِ َمـا نَـ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ـال ‪(( :‬ثَكلَْتـك أُكمـك َو َى ْ‬
‫ـل‬ ‫ـول قَ َ‬ ‫ال ُم َعاذٌ َرض َي اللَوُ َع ْنوُ لَوُ َ‬
‫َوقَ َ‬
‫ْسنَتِ ِه ْم)) أخرجو الترمذي وصححو وابن ماجو‪ ،‬والحديث صـححو األلبـاني‬ ‫اخ ِرِىم َإال حصائِ َد أَل ِ‬ ‫ِ‬
‫َاس َعلَى َمنَ ْ َ َ‬ ‫ب الن ُ‬ ‫يَ ُك ك‬
‫لغيره‪.‬وىذا وغيره من األحاديث التي تدل على أىمية ضبط اللسان‪.‬‬

‫آثار وأقوال في حفظ اللسان‬

‫علـيهم غ ـاء‪ ،‬والعـين عليهـا غ ـاء‬ ‫وهلل حكمة في خلـق أعضـاء اسنسـان‪ ،‬ولهـذا فـإن األذنـين لـي‬
‫البصــر‪ ،‬واللســان جعــل اهلل لــو باب ـاً مــن ع ــمٍ وباب ـاً مــن لحـ ٍـم‪ ،‬حتــى ال‬ ‫مــن أجــل رد البصــر وغ ـ‬
‫يتساىل اسنسان في الكـالم‪ ،‬فعلـى اللسـان بابـان‪ ،‬وكـذلك علـى البصـر ‪ ،‬وأمـا األذن فـال غ ـاء لهـا‬
‫وال باب‪ ،‬فيدرك اسنسان بسمعو من العلم والوحي والموع ـة والييـر والعلـم النـافع يـدرك أع ـم مـا‬
‫ينفعو‪ ،‬وكذلك ما يراه من اليير يتعلم منو‪ ،‬وأمـا اللسـان فـإن لـو ضـب اً ع يمـاً واسـتعماالً فـي الييـر‬
‫إليك لكنت تتحرز منـو‪ ،‬فكالمـك يعـرل علـى اهلل‪،‬‬ ‫وذكراً هلل عز وجل‪ ،‬ولو أن صاحب خي ٍر جل‬
‫اسنســان بحضــرة ع ـ ٍ‬
‫ـيم مــن الع مــاء وكبي ـ ٍر مــن الكب ـراء‪ ،‬وأمي ـ ٍر مــن‬ ‫أفــال تتحــرز منــو‪ ،‬ولــو جل ـ‬
‫يحاسـب نفسـو كثيـراً ويضـبط لسـانو ويتحـرز ويتـوقى فكيـم بملـك الملـوك سـبحانو‬ ‫األمراء‪ ،‬لجلـ‬
‫وتعــالى‪ ،‬وكــان الســلم رحمهــم اهلل يحرصــون غايــة الحــر أال يكــون كالمهــم إال فيمــا يرضــي اهلل‪،‬‬
‫ويزينون ألفاظهم بميزان العدل والدقة قبل خروج الكالم‪ ،‬وىذا كان شأنهم مع أىليهم‪ ،‬قالـت بنـت‬
‫ـب ؟ قــال ‪ :‬يــا بنيتــي ‪،‬‬
‫ـب ألعـ ُ‬
‫الربيــع بــن خثــيم الصــغيرة ألبيهــا مــن العبــاد العلمــاء ‪ :‬يــا أبتــاه ‪ ،‬أذىـ ُ‬
‫اذىبي قولي خيرا !!‬

‫وســأل المعــافي بــن عمـران ‪ :‬مــا تــر فــي الرجــل يُقــرل الشــعر ويقولــو –فهــذا عملـو ‪ -‬؟ قــال ‪ :‬ىــو‬
‫عمرك فأفنو بما شئت !! يعني موع ةً لو ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬ما من شيء يتكلم بـو ابـن آدم إال ويكتـب عليـو حتـى أنينـو‪،‬‬
‫فمــن ذلــك كــانوا يتواصــون ويتعاىــدون أنفســهم حتــى لــو مــرل الواحــد مــنهم أال ييــرج منــو إال مــا‬
‫يرضي ربو ‪.‬‬

‫‪-‬وكان إبراىيم النيعي – رحمو اهلل ‪ -‬إذا ضرب عليو أحـد البـاب يريـده وإبـراىيم ال يريـد اليـروج‬
‫ىاىنـا كـيال يكـون‬ ‫إليو ويكره لقاءه‪ ،‬قال لجاريتـو ‪ :‬قـولي لـو اطلبـو فـي المسـجد وال تقـولي لـو لـي‬
‫كذباً ‪.‬‬

‫وقــد دلــت آثــار الســلم علــى التحــرز مــن ىــذا اللســان وعــدم إطالقــو إال فيمــا ينفــع اسنســان‪ ،‬حتــى‬
‫ُجعل الصمت رأس الحكمة‪ ،‬والرباط مراب ة ىذا اللسان على الثغر‪ ،‬وعدم ان القـو إال فيمـا يرضـي‬
‫ـوك ْاأل َْربَـ َعـ ِـة ُكلق ِهـ ْـم َعلَــى‬ ‫ـت ِمــن اتقـ َفـ ِ‬
‫ـاق الْملُـ ِ‬ ‫اهلل‪ ،‬ورو الْ َيـ َـال ُل َعــن َع ْبـ ِـد اللَـ ِـو بْـ ِن الْمبــار ِك قَـ َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ـال‪َ :‬عج ْبـ ُ ْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬
‫َكلِ َم ٍة ‪:‬‬

‫ْت نَ ِد ْم ُ‬
‫ت َوإِذَا لَ ْم أَقُ ْل لَ ْم أَنْ َد ْم ‪.‬‬ ‫ال كِ ْس َر ‪ :‬إذَا قُـل ُ‬
‫قَ َ‬

‫ص ُر‪ :‬أَنَا َعلَى َر قد َما لَ ْم أَقُ ْل أَقْ َد ُر ِمنقي َعلَى َر قد َما قُـل ُ‬
‫ْت ‪.‬‬ ‫ال قَـ ْي َ‬
‫َوقَ َ‬

‫ضـ َرتْوُ ‪َ ،‬وإِ ْن ِى َـي لَ ْـم تُـ ْرفَ ْـع‬


‫ـك الْ َكلِ َمـةُ َ‬ ‫ت لِ َم ْن تَ َكلَ َم بِ َكلِ َم ٍـة إ ْن ِى َـي ُرفِ َع ْ‬
‫ـت تِْل َ‬ ‫ال َملِ ُ‬
‫ك الْ ِه ْن ِد ‪َ :‬ع ِج ْب ُ‬ ‫َوقَ َ‬
‫لَ ْم تَـ ْنـ َف ْعوُ ‪.‬‬

‫ت بِ َكلِ َم ٍة َملَ َك ْتنِي َوإِ ْن لَ ْم أَتَ َكلَ ْم بِ َها َملَ ْكتُـ َها ‪.‬‬
‫صي ِن ‪ :‬إ ْن تَ َكلَ ْم ُ‬ ‫ال َملِ ُ‬
‫ك ال ق‬ ‫َوقَ َ‬

‫ولهذا ‪:‬‬

‫ِ‬
‫وأيق ـ ـ ـ ـ ْـن بحم ـ ـ ـ ــق الم ـ ـ ـ ــرء إن ك ـ ـ ـ ــان مكث ـ ـ ـ ــارا‬ ‫إذا ت ـ ـ ـ ـ ـ ــم عق ـ ـ ـ ـ ـ ــل الم ـ ـ ـ ـ ـ ــرء ق ـ ـ ـ ـ ـ ــل كالم ـ ـ ـ ـ ـ ــو‬
‫‪.)ٖٔٙ‬‬ ‫القدير ‪( -‬ج ٗ ‪/‬‬ ‫في‬ ‫‪.‬‬

‫وإذا تـم العقـل نقـل الكــالم‪ ،‬ولـم يكـن مـن الســيادة مثـل ضـبط اللسـان‪ ،‬وىــا أنـت تـر يـا عبــد اهلل‬
‫اء ومجادلة‪ ،‬وسـباً ولعنـا‪ ،‬وفحشـاً وبـذاءة‪ ،‬واسـتهزاءاً وسـيرية‪،‬‬
‫خوضاً في الباطل وغيبة ونميمة‪ ،‬ومر ً‬
‫وطعن ـاً فــي األنســاب وقــدحاً فــي األحســاب‪ ،‬واســتيفافاً بــاليلق وتحــدثاً بكــل مــا يســمع والشــماتة‬
‫بالمسلم‪ ،‬والسيرية واالحتقار‪ ،‬وشهادة الزور ‪ ،‬وانتهار الضعفاء‪.‬‬

‫كان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف لق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءه الش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجعان‬ ‫ك ـ ـ ـ ــم ف ـ ـ ـ ــي المقـ ـ ـ ـ ــابر م ـ ـ ـ ــن قتي ـ ـ ـ ــل لسـ ـ ـ ـ ــانو‬
‫ال يلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدغنك إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ثعبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫احف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــظ لس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانك أيه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اسنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫يب َعتِي ٌد} ( ّق‪. )ٔ1:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقد قال اهلل تعالى في كتابو ‪{ :‬ما يـل ِْف ُ ِ‬
‫ظ م ْن قَـ ْو ٍل إَِال لَ َديْو َرق ٌ‬ ‫َ َ‬

‫فإذا أراد المسلم أن يتكلم فال بد أن يتفكر‪ ،‬ىل المصلحة أن يتكلم أو أن يصمت ؟‬

‫الم ْسلِ ُمو َن ِم ْن لِسانِِو َويَ ِدهِ))‪.‬‬ ‫ِ‬


‫(( َم ْن َسل َم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫المغْ ِر ِ‬
‫ب))‪.‬‬ ‫الع ْب َد يَـتَ َكلَ ُم بالْ َكل َمة َما يَـتَبَـيَ ُن فيها يَ ِزل ب َها إِلَى النَا ِر أبْـ َعد م َما بَـ ْي َن َ‬
‫الم ْش ِرق َو َ‬ ‫((إِ َن َ‬

‫ومعنى ال يتبين ‪ :‬أي ال يتدبر وال يفكر في عاقبتها ومعانيها ومدلوالتها وآثارىا‪.‬‬

‫ون ـ ـ ـ ـ ــق أخ ـ ـ ـ ـ ــي العق ـ ـ ـ ـ ــل الرص ـ ـ ـ ـ ــين قلي ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫يـ ـ ـ ــدل علـ ـ ـ ــى جهـ ـ ـ ــل الفتـ ـ ـ ــى فضـ ـ ـ ــل ن قـ ـ ـ ــو‬

‫ان اللَ ِو تَعالى مـا يـُل ِْقـي لَ َهـا بـاالً‬ ‫ضو ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َ‬
‫الع ْب َد لَيَتَ َكل ُم بال َكل َمة م ْن ِر ْ َ‬ ‫وقد قال عليو الصالة والسالم ‪(( :‬إ َن َ‬
‫الع ْبـ َد لَيَــتَ َكلَ ُم بال َكلِ َمـ ِـة ِمـ ْـن َسـ ْي ِط اللَـ ِـو تَعــالى ال يـُل ِْقــي لَهــا بــاالً‬ ‫ٍ‬
‫يَـ ْرفَـ ُـع اللَـوُ تَعــالى بهــا َد َرجــات‪َ ،‬وإ َن َ‬
‫ِ‬
‫َم)) أخرجو البياري ومسلم‪.‬‬ ‫يَـ ْه ِوي بها في َج َهن َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫آدم فـإ َن األ ْع َ‬
‫ـول‪:‬‬ ‫ـاء ُكلهـا تُ َك قف ُـر الل َ‬
‫سـا َن فَـتَـ ُق ُ‬ ‫ض َ‬ ‫أصـبَ َح ابْ ُـن َ‬
‫وقـد قـال عليـو الصـالة والسـالم ‪(( :‬إ َذا ْ‬
‫جنــا)) أخرجــو الترمــذي‬
‫ـت ا ْع َو َج ْ‬ ‫ت اسـتَـ َقمنا‪ ،‬و ِ‬
‫إن ا ْع َو َج ْجـ َ‬ ‫اسـتَـ َق ْم َ ْ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ـك‪ ،‬فــإن ْ‬ ‫اتـ ِـق اللَــوَ فِينــا فإنمــا نَ ْحـ ُـن ِم ْنـ َ‬
‫وحسنو األلباني‪.‬‬

‫َسـلَ َم‬
‫عباد اهلل‪ ،‬إن مالك األمر كما قال عليو الصالة والسالم ىذا اللسان‪ ،‬كم عليـك ىـذا ‪َ .‬ع ْـن أ ْ‬
‫ـال أَبـُو‬ ‫ـال عُ َم ُـر ‪َ :‬مـ ْو غَ َف َـر اللَـوُ لَ َ‬
‫ـك ‪ ،‬فَـ َق َ‬ ‫سـانَوُ فَـ َق َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَ َن عُ َم َر َد َخ َل َعلَى أَبِـي بَ ْكـ ٍر ال ق‬
‫صـد ِ‬
‫قيق َو ُى َـو يَ ْجبـ ُذ ل َ‬
‫بَ ْك ٍر ‪ :‬إ َن َى َذا أ َْوَر َدنِي ال َْم َوا ِر َد ‪ .‬وصححو األلباني‪.‬‬
‫وعن عبد اللّو بن مسعود رضي اللّو عنو قال‪ ( :‬ما من شيء أح َق بالسجن من اللسان )‪.‬‬

‫وإذا كان في اسنسان عيوب كثيـرة فـإن حفـظ اللسـان يسـترىا‪ ،‬ومـن عـد كالمـو مـن عملـو قـل كالمـو‬
‫فيما ال يعنيو‪ ،‬يعني‪ :‬ال فائدة لـو منـو فـي الـدنيا واقخـرة‪ ،‬ولكـل مكل ٍ‬
‫ـم أن يحفـظ لسـانو عـن جميـع‬
‫الكالم‪ ،‬إال كالمـاً ت هـر المصـلحة فيـو‪ ،‬ومتـى اسـتو الكـالم وتركـو فـي المصـلحة فالسـنة اسمسـاك‬
‫عنو‪ ،‬ألنو قد ينجر الكالم المبـاح إلـى مح ٍ‬
‫ـرم أو مكـروه‪ ،‬والسـالمة ال يعـدلها شـيء‪ ،‬وقـال شـيخ مـن‬
‫العلماء ‪ : :‬إنك ت يل الصمت!‬ ‫قريش‪ :‬قيل لبع‬

‫فقال‪ :‬إني رأيت لساني سبعاً عقوراً أخاف أن أخلي عنو فيعقرني‪.‬‬

‫وقال الليث بن سعد ‪ :‬كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إلي بالعلم كلو ‪ ،‬فكتب إليو‪:‬‬

‫(إن العلم كثير‪ ،‬ولكن إن است عت أن تلقى اهلل خفيم ال هر من دماء النـاس ‪ ،‬خمـيل الـب ن مـن‬
‫أموالهم ‪ ،‬كاف اللسان عن أعراضهم ‪ ،‬الزماً ألمر جماعتهم فافعل) ‪.‬‬

‫قال الحسن ‪:‬ابن آدم ‪ ،‬وكل بك ملكان كريمان ‪ ،‬ريقك مدادىما‪ ،‬ولسانك قلمهما‪.‬‬

‫يكتبان عليك األعمال‪.‬‬

‫وقال سفيان الثوري ‪( :‬ألن أرمي رجالً بسهم أحب إلي من أن أرميو بلساني )‪.‬‬

‫قال سفيان ألصحابو مره وىم جلوس ‪:‬‬

‫لو كان معكم من يرفع حديثكم إلى السل ان أكنتم تتكلمون بشـيء؟ قلنـا‪ :‬ال ‪ ،‬قـال‪ :‬فـإن معكـم‬
‫المالئكة ترفع الحديث إلى اهلل سبحانو وتعالى‪.‬‬

‫وقال أبو علي رحمو اهلل ‪ :‬لو كنتم تشترون الورق للحف ة لسكتم عن كالم كثير ‪.‬‬

‫يعنــي لــو كــان اهلل كلفكــم أن تشــتروا الورقــة للك ـرام الكــاتبين ليســجلوا أعمــالكم عليهــا لســكتم ع ـن‬
‫كثي ٍر من الكالم تالفياً لإلنفاق واليسـارة‪ ،‬والييـر كلـو فـي السـكوت والكـالم والن ـر‪ ،‬ف ـوبى لمـن‬
‫كان سكوتو فكرة‪ ،‬وكالمو حكمة‪ ،‬ون ره عبرة‪ ،‬وكثرة الكالم في الضـعفاء وعلـى المسـلم أن ينصـح‬
‫نسائو في ىذا فإنهن منهم ‪.‬‬

‫ـوت ال َْم ـ ـ ـ ْـرءُ ِم ـ ـ ـ ْـن َعثْـ ـ ـ ـ َـرةِ ال قر ْجـ ـ ـ ـ ِـل‬ ‫َولَ ـ ـ ـ ْـي َ يَ ُم ـ ـ ـ ُ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِِو‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ـوت الْ َفتَـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـن َعثْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـرة بل َ‬
‫يَ ُمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫َو َعثْـ َرتُـ ـ ـ ـ ـ ــوُ بِال قر ْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل تَـ ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـر َعلَـ ـ ـ ـ ـ ــى َم ْهـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل‬ ‫فَـ َعثْـ َرتُـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوُ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـن فِيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـو تَـ ْرِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بَِرأْ ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـو‬

‫ـك َمـ َـع‬ ‫ضــاةِ عُ َمـ َـر بْـ ِن َع ْبـ ِـد ال َْع ِزي ـ ِز ‪َ ،‬وقَـ ْد َع َزلَــوُ ‪ :‬لِـ َـم َع َزلْتَنِــي ؟ فَـ َقـ َ‬
‫ـال ‪ :‬بَـلَغَنِــي أَ َن َك َال َمـ َ‬ ‫ـال بَـ ْع ـ ُ قُ َ‬
‫قَـ َ‬
‫ِ‬
‫ص َم ْي ِن !!‬ ‫ص َم ْي ِن أَ ْكثَـ ُر م ْن َك َالِم الْ َي ْ‬‫الْ َي ْ‬

‫فضائل اللسان‬

‫ين}‬‫واللس ــان ل ــو فضـ ـائل‪ ،‬فمنه ــا الص ــدق ‪{ :‬ي ــا أَيـكه ــا الَـ ِـذين آمنُــوا اتَـ ُق ــوا اللَــوَ وُكونُــوا م ــع ال َ ِ ِ‬
‫ص ــادق َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫(التوبة‪. )ٔٔ1:‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫س ُن}(االسراء‪ :‬من اقيةٖ٘)‪.‬‬ ‫ومنها القول الحسن ‪َ { :‬وقُ ْل لعبَادي يَـ ُقولُوا الَتِي ى َي أ ْ‬
‫َح َ‬

‫شـى} (طــو‪َ { . )ٗٗ:‬وإِذَا‬


‫وىذا القول الحسن يترك آثاراً حسنة‪{ ،‬فَـ ُقوال لَوُ قَـ ْوالً لَيقناً لَ َعلَوُ يَـتَـ َذ َك ُر أ َْو يَ ْي َ‬
‫َخاطَبـهم الْج ِ‬
‫اىلُو َن قَالُوا َسالماً}(الفرقان‪ :‬من اقيةٖ‪.)ٙ‬‬ ‫َُ ُ َ‬

‫ص ْوتِ َ‬
‫ك}(لقمان‪ :‬من اقية‪.)ٔ1‬‬ ‫الصوت من األدب لقول اهلل تعالى ‪{ :‬وا ْغ ُ ِ‬
‫ض ْ م ْن َ‬ ‫َ‬ ‫وخف‬

‫رضـي اهلل عنـو موقوفـاً أنـو كـان فـي عهـد داؤود‬ ‫وىذه من وصايا لقمان الحكيم ‪ .‬وقد ثبت عن أن‬
‫عليو السالم ‪.‬‬

‫وإذا قــال قائــل ‪ :‬إن األدلــة فــي الكلمــة ال يبــة كثيــرة‪ ،‬وانهــا صــدقة‪ ،‬ويحصــل بــالكالم مــن األمــر‬
‫بــالمعروف والنهــي عــن المنكــر‪ ،‬وتبليــا العلــم وذكــر هلل مــا يكــون‪ ،‬فهــل األفضــل الكــالم بهــذا أمــا‬
‫الصــمت‪ ،‬فــال شــك أن اســتعمال اللســان فيمــا يرضــي اهلل عــز وجــل أفضــل وأحســن‪ ،‬فبــالكالم يبــين‬
‫الـدين وبـو يـأمر بــالمعروف وينهـى عـن المنكــر‪ ،‬وبـو يع ـم ربــو ويسـبحو‪ ،‬وبـو يبــين للنـاس مـا نــزل اهلل‬
‫سـا َن * َعلَ َمـوُ الْبَـيَـا َن}‬ ‫ِ‬
‫(الـرحمن‪-ٖ:‬‬ ‫على عباده‪ ،‬ويستعمل البيان وىو نعمة في خدمة دينو‪َ { ،‬خلَ َـق ْاألنْ َ‬
‫ٗ )‪.‬‬
‫وبــو ت ـاد العلــوم وقــد قــال عليــو الصــالة والســالم ‪(( :‬اتقــوا النــار ولــو بشــق تمــرة ‪ ،‬فمــن لــم يجــد‬
‫فبكلمة طيبة))‪.‬‬

‫فأما إذا لم تترجح مصـلحة الكـالم ولـم ت هـر ال اعـة والييـر فـي الن ـق‪ ،‬فـال شـك أن الصـمت ىـو‬
‫ستر للجاىل وزينة للعالم ‪ ،‬وقلة الكالم مكرمة في اسسالم‪ ،‬واللسان سبع من أرسلو أكلو‪ ،‬ومـا مـن‬
‫شيء ثني إال قصر إال الكـالم‪ ،‬فإنـو كـل مـا ثنـي طـال‪ ،‬والكـالم فـي الييـر كلـو أفضـل مـن الصـمت‪،‬‬
‫والصمت في الشر كلو أفضل من الكالم‪ ،‬وأىـل الصـراط المسـتقيم‪ ،‬صـراط اهلل عـز وجـل‪ ،‬ين ـرون‬
‫في مرضاة الرب‪ ،‬فإن كان في الكالم تكلموا‪ ،‬وإن كان في السكوت سكتوا ‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحمو اهلل ‪:‬‬

‫(وأما اللف ات فحف ها بأن ال ييرج لف ة ضـائعة‪ ،‬بـأن ال يـتكلم إال فيمـا يرجـو فيـو الـربح والزيـادة‬
‫فـي دينـو ‪ ،‬فــإذا أراد أن يـتكلم بالكلمــة ن ـر ‪ :‬ىـل فيهــا ربـح وفائــدة أم ال ؟ فـإن لـم يكــن فيهـا ربــح‬
‫أمسك عنها‪ ،‬وإن كان فيها ربح ن ر‪ :‬ىل تفوت بها كلمة ىي أربح منها ؟ فال يضـيعها بهـذه ‪ ،‬وإذا‬
‫أردت أن تســتدل علــى مــا فــي القلــب ‪ ،‬فاســتدل عليــو بحركــة اللســان ا فإنــو ي لعــك علــى مــا فــي‬
‫القلب ‪ ،‬شاء صاحبو أم أبي )‪ .‬الجواب الكافي‪.‬‬

‫صـمات يـوم إلـى‬


‫ولم يكـن فـي عباداتـو ديننـا الصـمت الم لـق‪ ،‬لقولـو عليـو الصـالة والسـالم ‪(( :‬وال ُ‬
‫الليل)) رواه أبو داود ‪ ،‬وصححو األلباني‪.‬‬

‫وقد كان فـي عبـادات بنـي إسـرائيل مـن قبلنـا نـذر صـمت ي ٍ‬
‫ـوم كامـل‪{ ،‬إِنقـي نَـ َذر ُ ِ‬
‫ت للـ َر ْح َم ِن َ‬
‫ص ْـوماً ‪-‬‬ ‫ْ‬
‫ت بِ ِـو قَـوم َهـا تَ ْح ِملُـوُ قَـالُوا يـا مـريم لََقـ ْد ِج ْئ ِ‬
‫ـت َشـ ْيئًا فَ ِريًّـا *‬ ‫يعني صمتاً ‪ -‬فَـلَ ْن أُ َكلق َم الْيَـ ْو َم إِنْ ِسيّاً* فَأَتَ ْ‬
‫َ َ َْ ُ‬ ‫َْ‬
‫ت إِلَْي ِو }(مريم‪ :‬من اقية‪.)ٕ1-ٕٙ :‬‬ ‫ك بَِغيًّا * فَأَ َش َار ْ‬ ‫ت أُكم ِ‬‫وك ْام َرأَ َس ْوٍء َوَما َكانَ ْ‬ ‫ت ىارو َن ما َكا َن أَب ِ‬
‫ُ‬ ‫يَا أُ ْخ َ َ ُ َ‬

‫وأما في ىذا الدين فأنو ال يشرع التعبد بالصمت في اليوم كلو‪ ،‬وأن يتكلم اسنسان فيسـتعمل لغـة‬
‫ـل أَبُـو‬ ‫اسشارة ولو لسان‪ ،‬ولكن من الدين واسسالم قلة الكالم‪ ،‬وعن قَـ ْي ِ بْ ِن أَبِـي َحـا ِزٍم قَ َ‬
‫ـال ‪َ :‬د َخ َ‬
‫ال‪َ :‬ما لَ َها َال تَ َكلَ ُم ؟‬
‫آىا َال تَ َكلَ ُم‪ .‬فَـ َق َ‬ ‫ٍِ‬
‫ب فَـ َر َ‬
‫ال لَ َها ‪َ :‬زيْـنَ ُ‬ ‫بَ ْك ٍر َعلَى ْام َرأَة م ْن أ ْ‬
‫َح َم َ يـُ َق ُ‬

‫ص ِمتَةً ! –يعني نذرت أن تحج صامتة‪-‬‬


‫ت ُم ْ‬
‫قَالُوا‪َ :‬ح َج ْ‬
‫ال لَها‪ :‬تَ َكلَ ِمي ‪ ،‬فَِإ َن ى َذا َال ي ِح كل ‪ ،‬ى َذا ِمن َعم ِل الْج ِ‬
‫اىلِيَ ِة‪ .‬أخرجو البياري‪.‬‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف َق َ َ‬

‫ومــن الصــمت مــا يكــون واجبـاً‪ ،‬كالصــمت للي بتــين‪ ،‬كمــا قــال عليــو الصــالة والســالم ‪(( :‬إِذَا قُـ ْلـ َ‬
‫ـت‬
‫ك يـوم الْجمع ِة أَنْ ِ‬ ‫لِ ِ‬
‫ت))‪.‬‬ ‫ب فَـ َق ْد لَغَ ْو َ‬
‫ام يَ ْي ُ ُ‬ ‫ت َو ِْ‬
‫اس َم ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫صاحبِ َ َ ْ َ ُ ُ َ‬
‫َ‬

‫ولذلك يجب الصمت لهما‪.‬‬

‫عبــاد اهلل‪ ،‬مــن عــرف الفقــو فــي الــدين عــرف بمــاذا يــتكلم‪ ،‬ومتــى يــتكلم‪ ،‬وكيــم يــتكلم‪ ،‬نســأل اهلل‬
‫ســبحانو وتعــالى أن يرزقنــا الفقــو فــي الــدين‪ ،‬واتبــاع ســنة ســيد المرســلين‪ ،‬اللهــم إنــا نســألك حفــظ‬
‫ألسنتنا مما ال يرضيك‪ ،‬وقول الييـر يـا رب العـالمين‪ ،‬اللهـم طهـر ألسـنتنا مـن الكـذب‪ ،‬وقلوبنـا مـن‬
‫الرياء والنفاق‪ ،‬اللهم إنا نسألك فعل الييـرات وتـرك المنكـرات وحـب المسـاكين‪ ،‬أقـول قـولي ىـذا‬
‫واستغفر اهلل لي ولكم فاستغفروه إنو ىو الغفور الرحيم ‪.‬‬

You might also like