Professional Documents
Culture Documents
فقه النفس
فقه النفس
ال شك أن علم النفس -بمفهومه المعاصر -يعتبر من منتجات المنهج العلماني؛ فهو قد ولد
كنتيجة مباشرة لجهود مفكرين وأطباء غربيين انتزعوه انتزاعا من جسد الفلسفلة المتهالك؛
وق ّدموه للعالم كنظام معرفي متماسك؛ له قاموسه الخاص ومنهجه المتميز؛ بدءا من محاوالت
(سيجموند فرويد) الذي اتخذ من الملذات والنوازع معيارا وحيدا لفهم النفس البشرية إلى (مارتن
سيلجمان) الذي تعاطى مع أمر الفهم هذا بشيء من اإليجابية وق ّدم فيه معايير جديدة ر ّكزت على
الفضائل والمكارم.
ونظرا للنجاح الكبير الذي حقّقه علم النفس بعد الحرب العالمية الثانية؛ خصوصا في مجال
الرعاية النفسية؛ فقد َج َرت كثير من المحاوالت لتأصيل هذا العلم الجديد وربطه باإلسالم على
غرار كل العلوم األخرى ،فما إن نشر (محمد عثمان نجاتي) ُكتُبَه األولى عما أسماه هو (علم
النفس اإلسالمي) في خمسينيات القرن العشرين ،حتى انطلقت جهود تأصيل علم النفس إسالمياً؛
وقد استمرت هذه الجهود بطريقة أقل ما يقال عنها أنها فوضوية؛ حيث أنتجت لنا كتلة ضخمة
من األدبيات ال يكاد كتاب فيها يشبه اآلخر ،ال في المنهج وال في المحتوى وال حتى في
المصطلحات.
وقد دافع الباحثون في هذا المجال عن أطروحاتهم المختلفة بنصوص وردت في كتابات لفالسفة
وعلماء مسلمين متقدمين على غرار البلخي والكندي وابن سينا وابن رشد والرازي والغزالي،
مع استحضار اشتهائي لبعض اآليات واألحاديث التي تحتوي على مفردات قريبة من تلك
الموجودة في القاموس السيكولوجي ،من قبيل (النفس) eو(الروح) و(القلب)؛ كما ر ّكزوا على
تلك الجوانب العالجية التي تَعتمد على مفهوم الرقية واألذكار؛ وفي بعض األحيان حتى على
تلك العالجات العضوية كالحجامة والفصد.
لعل أهم مصطلح تم التجني عليه من طرف أصحاب أطروحات علم النفس اإلسالمي هو
مصطلح (النفس) حيث اعتبروا أن النفس التي ورد ذكرها في النص القرآني هي ذاتها النفس
التي تُشكل موضوع علم النفسلعل أهم مصطلح تم التجني عليه من طرف أصحاب أطروحات
علم النفس اإلسالمي هو مصطلح (النفس) حيث اعتبروا أن النفس التي ورد ذكرها في النص
القرآني هي ذاتها النفس التي تُشكل موضوع علم النفس
وليس سرا أن جزءا كبيرا من رواد هذه الحركة التأصيلية قد تقدم لهذه المهمة تحت ضغط
دوافع ُدغمائية ترى أن أي حل يأتي من خارج المنظومة اإلسالمية لن يكون صالحا لعالج
مشكالت النفس (اإلسالمية) وقد يوصف جزء من هذا التصور بأنه سليم –إذا عزلناه عن بعده
العاطفي -وذلك بالنظر إلى أن معظم نظريات علم النفس قد نشأت كاستجابة لخصوصية
المجتمعات التي ظهرت فيها
ول ّما كانت (النفس) في هذه المجتمعات كيانا غير موضوعي وال مستقل عن ظروف المجتمع
الذي تعيش فيه ،فإن قوانين هذه النظريات اعتبرت غير قابلة للتعميم على مستوى النفس
اإلنسانية بما في ذلك النفس (اإلسالمية) ألنها ال تعدو أن تكون قوانين خاصة بـ(النفس) eفي
مجتمع ذو طبيعة إثنيّة وثقافية خاصة تعيشها مكوناته ضمن فترة زمنية وبيئة معينة؛ وقد يصل
األمر إلى استحالة تعميم القوانين حتى على المجتمع ذاته باختالف حدوده الزمانية؛ فمجتمع
القرن الواحد والعشرين مثال ليس هو مجتمع القرن الثامن عشر.
وباستنفاد حجج من دافعوا عن فكرة (علم النفس اإلسالمي) فإن أطروحاتهم التي تقدموا بها
لتمثيل هذا العلم توصف بأنها مجرّد ر ّدات فعل مستعجلة أكثر منها بدائل حقيقية؛ وإذا كان من
تماسك فيها فهو كتماسك ألواح الشكوالطة سرعان من يذوب مع أول حمام إبيستيمولوجي
تخضع له ،حيث إنها ورغم كثرتها لم تستطع تقديم تعريف علمي عابر-لألطروحات (Trans-
)thesesلهذا التخصص الجديد؛ كما لم تفلح هذه الجهود في بناء أي نموذج أو إطار مفاهيمي
صبِغت معظم الدراسات التي نُشرت حول يمكن أن يَل َّم شتات هذا العلم ويُنظم شظاياه؛ فقد ُ
مفاهيم علم النفس اإلسالمي بصبغة فلسفية إيديولوجية غير مؤهلة لمواجهة متطلبات الممارسة
النفسية الواقعية؛ بسبب ضبابية وهالمية المصطلحات المستخدمة في هذا المجال.
إلى أن يجد علم النفس اإلسالمي إجابات حقيقية عن هذه التساؤالت اإلبيستيمولوجية؛ سيظل
مجرد حلم جميل لم يجد بعد طريقه إلى حقول المعرفة العلمية؛ وسيظل أي جهد تأصيلي فيه
فاشالإلى أن يجد علم النفس اإلسالمي إجابات حقيقية عن هذه التساؤالت اإلبيستيمولوجية؛
سيظل مجرد حلم جميل لم يجد بعد طريقه إلى حقول المعرفة العلمية؛ وسيظل أي جهد تأصيلي
فيه فاشال
ولعل أهم مصطلح تم التجني عليه من طرف أصحاب أطروحات علم النفس اإلسالمي هو
المصطلح الذي يفترض أنه يصف موضوع هذا العلم في حد ذاته؛ أال وهو (النفس) حيث
اعتبروا –بشكل ال ُمبَ ّرر -أن النفس التي ورد ذكرها في النص القرآني هي ذاتها النفس التي
تُشكل موضوع علم النفس؛ وشيّدوا على هذا االعتبار الخاطئ صروح تفسيراتهم السيكولوجية
لآليات والنصوص التي تضمنت هذا المصطلح؛ eمع أن معظم مفسري القرآن أشاروا إلى أن
تعبير النفس في القرآن أكثر تمنّعًا وتجاوزا لمفهومه السلوكي؛ حتى إنه وفي كثير من المواضع
يُعبر عن الروح ال على ما دونها؛ كما في قوله تعالى (يَا َأيَّتُهَا النَّ ْفسُ ْال ُم ْ
ط َمِئنَّةُ ارْ ِج ِعي إلى َربِّ ِ
ك
ضيَّةً فَا ْد ُخلِي فِي ِعبَا ِدي َوا ْد ُخلِي َجنَّتِي).
اضيَةً َمرْ ِ
َر ِ
هذا وقد امتدت هذه ال ُغ ّمة الكبيرة التي اكتنفت ما يسمى بـ(علم النفس اإلسالمي) إلى درجة
جرى فيها تعميم مفهوم الصحة النفسية بمنظورها اإلسالمي على هذا العلم الجديد الذي من
المفترض أنه أوسع من أن يُحصر في مفاهيم السالم والصحة النفسية؛ وبهذا تقف هذه
س إسالميالمحاوالت التأصيلية عاجزة عن اإلجابة على عدة أسئلة من قبيل؛ عن أي علم نف ٍ
نتكلم؛ هل عن العيادي ،أم المدرسي ،أم الصناعي؟ وباستحضار إشكاليات الطوائف والمذاهب؛
فهل سيكون للشيعة علمهم النفسي اإلسالمي الخاص وللسنة علمهم النفسي الخاص؟ وماذا عن
هواجس التأويل؟ هل ستنعكس على قواعد هذا العلم الجديد؟
وإلى أن يجد علم النفس اإلسالمي إجابات حقيقية عن هذه التساؤالت اإلبيستيمولوجية؛ سيظل
مجرد حلم جميل لم يجد بعد طريقه إلى حقول المعرفة العلمية؛ وسيظل أي جهد تأصيلي فيه
صلوا الرسوخ في اإلسالم وعلم النفس معا ،وق ّدموا فيه مطالب
فاشال ما لم يتص ّد له علماء َح ّ
العقل على نوازع العاطفة؛ ذلك أن جزءا من العاملين في الحقل التأصيلي ينظرون ألمر علم
النفس الغربي على أنه أمر ُك ْفر في مواجهة أمر إسالم ،ويتقدمون إلى أقالمهم بدافع العاطفة؛ ال
يعنيهم في ذلك منهج علمي واضح وال ضرورة حقيقية؛ بحيث ينساق بعضهم خلف فرضيات
خاطئة فيفسرون بها النصوص الشرعية ،أو يرفضون حقيقة علمية ظنا ً منهم أنها تتعارض مع
الشريعة.