You are on page 1of 33

‫تكامل آليات العدالة االنتقالية والعدالة الجنائية‪:‬‬

‫لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون نموذجا‬

‫قاســي فوزيــة‬
‫أستاذة مساعدة "ب"‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية ‪ -‬جامعة وهران‪2‬‬

‫مقدمـ ـ ـة‪:‬‬

‫يعترب مفهوم العدالة اينتقالية مفهوما حديث العهد‪ ،‬ظهر م بروز الصراعا س‬
‫اجملتمعا اليت تعرف انتقاي حنو الدميقراطية‪ ،‬ليتم ربطه بالقضايا املتعلقة باينتهاكا‬
‫والإعتداتا اخلطرية للقانون الدويل والقانون الإنساين الدويل وحلقوق الإنسان‪ ،‬حيث‬
‫تسعى العدالة اينتقالية إ كشف احلقيقة وتعويض ضحايا العنف واألعمال‬
‫الوحشية املرتكبة‪ ،‬س حماولة لرتميم اجلراح وضمان عدم العودة ملآسي املاضي‪ ،‬والغرض‬
‫من ورات ذلك يتمثل س استعادة األمن والسلم املدين وإقامة دولة القانون والدميقراطيةق‬

‫ونظرا ألن موضوع هذ الدراسة يستدعي إدراج تعريف للعدالة اينتقالية‪ ،‬غري أننا‬
‫ي جند تعريفا جامعا مانعا ذ األخرية‪ ،‬واملتفق عليه‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬أهنا ت يت بعد فرتة‬
‫الصراع والإنتهاك اخلطري واملنه ي والواس حلقوق الإنسان والقانون الإنساين الدويل‪،‬‬
‫وميكن تصنيف احلاي اليت اعتمد فيها العدالة اينتقالية كآلية لتكريس العدالة‬
‫إ طائفتني‪:‬‬

‫أما الطائفة األو فتهتم بالنزاعا املسلحة غري الدولية‪ ،‬وتندرج حت هذ‬
‫الطائفة احلرب األهلية بسرياليون‪ ،‬وقد تصنف اينتهاكا املرتكبة س هذا السياق س‬

‫‪204‬‬
‫خانة جرائم احلرب مثل الإبادة اجلماعية هبدف القضات على اآلخر؛ بالإضافة إ‬
‫احلاي الناجتة عن تصفية الإستعمار‪ ،‬واليت تندرج كذلك ضمن هذ الفئةق س حني‬
‫جند تركيز الطائفة الثانية ينصب على حاي الإنتقال إ الدميقراطية التعددية بعد‬
‫سقوط أنظمة احلكم املستبدة والدكتاتورية‪ ،‬وما يتلو من قضايا انتهاك حلقوق‬
‫الإنسانق بيد أن هذا التصنيف يظل نسبيا نظرا حلداثة التنظري س جمال العدالة‬
‫اينتقالية‪ ،‬ناهيك عن أن بعض احلاي ميكن ا أن تندرج ضمن كال الطائفتني‪1‬ق‬

‫شهد مفهوم العدالة اينتقالية س فرتة الثمانينيا والتسعينيا بالنسبة للممارسني‬


‫س هذا اجملال‪ ،‬تصورا عن العدالة اينتقالية يستند أوي على األيمية القصوى‬
‫للمحاكما وذلك ملكافحة ظاهرة الإفال من العقاب‪ ،‬وإعادة ت سيس حكم‬
‫القانون‪ ،‬وإرضات الضحايا‪ ،‬أي أن احملاكما كان شرطا ي غىن عنه أو عنصرا‬
‫أساسيا من عناصر العدالة اينتقاليةق وبعدما أصبح القيمة املستقلة للتدابري‬
‫األخرى‪ ،‬مثل جلان احلقيقة وجرب الضرر‪ ،‬واضحة‪ ،‬مت اعتبار العدالة اجلنائية الدولية‬
‫على أهنا تدبري فرعي عن العدالة اينتقالية‪ ،‬ووفقا لذلك‪ ،‬فإن العدالة اينتقالية تنطوي‬
‫على مجلة من الطرق للتعامل م الفضائ املرتكبة س املاضي‪ ،‬وليس احملاكما‬
‫سوى واحدة من هذ الطرق؛ ومن هنا تربز ضرورة التماسك والتنسيق والتكامل‬
‫واحلاجة إ التخطيط املشرتك بني اآلليا املختلفة‪ ،‬ذلك أن احملاكما هي شرط‬
‫ضروري ولكن ليس كافيا لتحقيق الإنتقالق‬

‫بعدما زاد أيمية العدالة اجلنائية الدولية‪ ،‬خاصة م بدايا عمل احملكمة اجلنائية‬
‫عرب املدافعون واملمارسون س جمال العدالة اينتقالية عن قلقهم إزات استحواذ‬
‫الدولية‪َّ ،‬‬
‫العدالة اجلنائية الدولية على كامل مساحة العدالة اينتقالية‪ ،‬لتصب العدالة اجلنائية‬
‫الدولية فرضا على العدالة اينتقاليةق وتعال اينتقادا بش ن إجراتا احملكمة‬
‫اجلنائية الدولية‪ ،‬حيث جادل الباحثون أن العدالة اجلنائية الدولية ي تعارض العدالة‬
‫اينتقالية وحسب‪ ،‬بل إهنا تضر بالعمليا الشاملة لإعادة البنات ايجتماعيق ولقد‬
‫قام الإحتاد الإفريقي بتبين هذا النقد‪ ،‬معتربا جهود العدالة اجلنائية الدولية شكال من‬

‫‪ 1‬حممد بوسلطان‪" ،‬العدالة الإنتقالية والقانون"‪ ،‬جملة القانون‪ ،‬اجملتم والسلطة‪ ،‬العدد ‪( ،1‬اجلزائر‪ :‬ديوان‬
‫املطبوعا اجلامعية‪ ،)1023 ،‬صق ‪22‬ق ‪ISSN 2253-0266‬‬

‫‪205‬‬
‫أشكال الإستعمار الغريب اجلديد‪ ،‬ويت لى ذلك س الرتكيز احلصري للمحكمة اجلنائية‬
‫الدولية على القارة الإفريقيةق‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬يعترب املمارسون س جمال العدالة اجلنائية الدولية‪ ،‬أن العدالة‬
‫اينتقالية هتتم بالتعامل م جرائم املاضي أو انتهاكا حقوق الإنسان اليت ي تستلزم‬
‫حماكمة‪ ،‬وعليه‪ ،‬ميكن للعدالة اينتقالية أن تكون مقدمة للعدالة اجلنائية الدولية‪ ،‬كما‬
‫هو احلال م جلان احلقيقة‪ ،‬اليت ينبغي عليها اكتشاف احلقيقة ومج األدلة حملاكما‬
‫يحقة؛ أو‪ ،‬س حالة الإختالف حول هذا املوضوع‪ ،‬ميكن للعدالة اينتقالية أن تكون‬
‫امتدادا للعدالة اجلنائية الدولية‪ ،‬س ملت الثغرا واستكمال الدور املركزي ذ‬
‫األخرية‪ ،‬وقد تصب العدالة اجلنائية الدولية بديال عن العدالة اينتقالية‪ ،‬من خالل‬
‫توسي نطاق اختصاصها ليشمل جماي مثل تعويض الضحايا وإنشات الس ل‬
‫التارخيي للمحكمةق‬

‫إن آليا العدالة اينتقالية ضرورية لتحديد مس وليا اجلناة وتعويض الضحايا‬
‫لتحقيق املصاحلة وإعادة متاسك اجملتم ‪ ،‬وقد حيتاج الوصول ذا ا دف إ عدالة‬
‫متعددة األبعاد‪ :‬قضائية من جهة‪ ،‬ترمي إ تطبيق القانون وحتقيق سيادته‪،‬‬
‫وتصحيحية من جهة أخرى‪ ،‬تعاجل اينتهاكا اجلسيمة وترمم جراح املاضي‪ ،2‬وس‬
‫هذا الصدد‪ ،‬تعترب جلان احلقيقة واملصاحلة أحد أهم آليا العدالة اينتقالية اليت‬
‫تسعى إ إعادة استتباب الثقة واألمن وإعادة بنات م سسا الدولةق‬

‫أصبح جلان احلقيقة واملصاحلة أحد اخليارا األساس لت سيد العدالة‬


‫اينتقالية‪ ،‬إذ ميكن اعتبار هذ الل ان كمقاربا وسيطة غرضها املساتلة عن اجلرائم‬
‫املرتكبة س املاضي واينتهاكا اجلسيمة حلقوق الإنسان‪ ،‬بيد أن هذ الل ان ي‬
‫تشمل املقاضاة الصارمة كتلك اليت تتضمنها آليا العدالة اجلنائية‪ ،‬وس هذا الإطار‪،‬‬
‫يعترب منوذج سرياليون ‪ Sierra Leone‬للعدالة اينتقالية األكثر شيوعا س القارة‬
‫الإفريقية‪ ،‬إذ ت سس جلنة احلقيقة واملصاحلة س سرياليون س شهر جويلية من عام‬
‫‪ ،1001‬وقدم تقريرها النهائي لرئيس سرياليون س ‪ 02‬أكتوبر من عام ‪1002‬؛ حيث‬
‫قام الل نة جبملة من العمليا ‪ ،‬مشل لقاتا خاصة وعامة م الضحايا واجلناة‪،‬‬

‫‪ 2‬نفس املرج ‪ ،‬صق ‪5‬ق‬

‫‪206‬‬
‫وجلسا استماع عامة حول القضايا املوضوعية‪ ،‬وحتقيقا وحتريا أخرى واليت‬
‫دام حوايل مثانية أشهر‪ ،‬كما عرض التقرير سردا مفصال عن تاريخ البالد‪ ،‬وركز‬
‫على احلرب األهلية الوحشية اليت دار رحاها س التسعينيا ‪ ،‬وحلل خمتلف األبعاد‬
‫للحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بغية فهم أسباب الصراع‪ ،‬ليورد س األخري‬
‫سلسلة من النتائج والتوصيا ق‬

‫ولعل أهم ما مييز عدالة ما بعد الصراع س سرياليون‪ ،‬وجود العدالة اجلنائية الدولية‬
‫كآلية موازية‪ ،‬متمثلة س احملكمة اجلنائية الدولية اخلاصة لسرياليون‪ ،‬فقد كان س‬
‫املاضي‪ ،‬يٌنظر إ جلان احلقيقة واملصاحلة كبديل للعدالة اجلنائية‪ ،‬واليت ينحصر دورها‬
‫س بعض األحيان‪ ،‬وبشكل غري رمسي‪ ،‬س جتنب أو‪ ،‬على األقل‪ ،‬ت جيل احملاكما ؛‬
‫غري أن كال من جلنة احلقيقة واملصاحلة والعدالة اجلنائية عملتا بشكل متزامن س‬
‫سرياليونق وحىت إن كشف هذ الت ربة‪ ،‬غري املسبوقة‪ ،‬عن وجود بعض التوترا‬
‫بني كال املقاربتني‪ ،‬بيد إهنا قد أثبت أيضا جدوى العمل الثنائي واملتزامن حملكمة‬
‫جنائية دولية وجلنة حقيقة ومصاحلةق وعليه‪ ،‬فإن جتربة سرياليون قد تساعدنا على فهم‬
‫أن العدالة س مرحلة ما بعد الصراع تتطلب مزجيا معقدا من املقاربا التكميلية‪،‬‬
‫وليس خيارا واحدا من مجلة مقاربا بديلة واليت قد تتعارض س جوهرهاق‬

‫إن هشاشة م سسا الدولة أو اهنارها س فرتة ما بعد الصراع‪ ،‬يسيما ما يتعلق‬
‫مبدى استقاللية جهازها القضائي‪ ،‬وقدرته على حتقيق العدالة وتطبيق القانون‪ ،‬هو ما‬
‫ميكن أن حيدد العالقة التكاملية بني العدالة اينتقالية والعدالة اجلنائية‪ ،‬وهي املفارقة‬
‫اليت جتسد من خالل الت ربة اليت خاضتها العدالة ما بعد الصراع س سرياليون‪ ،‬اليت‬
‫سع إ استعادة كرامة الضحايا و اسرتجاع الثقة بني األطراف املتصارعة‪ ،‬فضال‬
‫عن هدف آخر يقف على النقيض م مبادئ عمل العدالة اجلنائية‪ ،‬أي وهو من‬
‫العفو الشامل ملرتكيب اينتهاكا والت اوزا ‪ ،‬فماهي نسبة جناح تفاعل آليتني‬
‫خمتلفتني س املهام والإختصاص بصفة تكاملية هبدف حتقيق هدف أمسى‪ ،‬أي وهو‬
‫العدالة؟‬

‫على ضوت ما تقدم‪ ،‬سنتناول من خالل هذ الدراسة ظروف نش ة جلنة احلقيقة‬


‫واملصاحلة س سرياليون‪ ،‬والدور الذي ُكلِّف به من قبل كل من حكومة سرياليون‬
‫واألمم املتحدة (أوي)؛ وي يفوتنا س نفس السياق أن نتعرض للحقائق والنتائج اليت‬

‫‪207‬‬
‫توصل إليها حتقيقا الل نة‪ ،‬مدرجني مجلة التوصيا اليت شكل م النتائج أهم‬
‫ما ورد س تقرير الل نة (ثانيا)؛ لنتناول بعدها العالقة اليت قام بني جلنة احلقيقة‬
‫واملصاحلة واحملكمة اخلاصة لسرياليون‪ ،‬لإلسرتشاد حول ما إذا كان عالقة تكامل ما‬
‫بني املهام‪ ،‬أم تناقض س الإختصاص (ثالثا)ق‬

‫المحــور األول‪ :‬إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون والدور الذي كلفت به‬

‫ختتلف السبل اليت قد يل إليها بلد ما للتحول أو الإنتقال من الدكتاتورية إ‬


‫الدميقراطية‪ ،‬أو من احلرب إ السالم‪ ،‬وتشمل هذ السبل احملاكما ‪ ،‬سوات حمكمة‬
‫دولية أو وطنية‪ ،‬أو من خالل الإلت ات إ جلان احلقيقةق بالتايل‪ ،‬تتعدد اسرتاتي يا‬
‫الدول س تعاملها م مآسي املاضي‪ ،‬وميكن تصنيف هذ الإسرتاتي يا س العدالة‬
‫اجلنائية ‪( criminal justice‬املالحقا القضائية‪ ،‬احملاكما )‪ ،‬والعدالة اينتقالية‬
‫‪( transitional Justice‬جلان احلقيقة واملصاحلة)ق‬

‫وعلى الرغم من أن حتقيق العدالة‪ ،‬بعد ارتكاب اينتهاكا حلقوق الإنسان‪ ،‬أمر‬
‫بالغ األيمية‪ ،‬بيد أن ذلك قد ي يكون ممكنا على الواق العملي‪ ،‬على أساس أن‬
‫احملاكم الدولية مهمة‪ ،‬ولكنها ليس احلل النهائي والشاملق إذ تعترب احملاكما‬
‫الدولية مكلفة بشكل كبري‪ ،‬وي حتاكم سوى جمموعة حمددة من اجلناة‪ ،‬أولئك الذين‬
‫يق عليهم القسط األكرب من املس ولية؛ ومن املفارقا ‪ ،‬أنه س أغلب احلاي ‪ ،‬ي‬
‫تتم حماكمة أكرب املس ولني‪ ،‬بل أكثر املتاحني س البالد‪ ،‬ما جيعل العدالة إنتقائية‬
‫للغاية‪ ،‬وتبدو وك هنا سبيل ملن العفو العام‪ ،‬حبكم الواق ‪ ،‬للمس ولني وأولئك الذين‬
‫فروا من البالدق من هنا تربز احلاجة إ جلان احلقيقة‪ ،‬ليس كحل سحري جلمي‬
‫املدمرة‬
‫َّ‬ ‫حتديا التحول‪ ،‬أو كبديل لذلك‪ ،‬ولكن كوسيلة مكملة‪ ،‬ميكن للم تمعا‬
‫استخدامها من أجل جلب مناف العدالة للضحايا‪ ،‬وهو ما سوف نناقشه من خالل‬
‫تناولنا لت ربة العدالة اينتقالية س سرياليونق‬

‫اندلع احلرب األهلية س سرياليون س يوم ‪ 13‬مارس من عام ‪ ،2552‬حينما قام‬


‫القوا امللقبة بـ"اجلبهة الثورية املتحدة" )‪Revolutionary United Front (RUF‬‬
‫مبهامجة بلدة قرب احلدود م ليبرييا ‪ ،Liberia‬ولقد متثل ا دف املعلن من قبل اجلبهة‬
‫‪ RUF‬س إسقاط حكومة "جوزيف سايدو مومو" ‪Joseph Saidu Momoh‬‬

‫‪208‬‬
‫الفاسدة واملتسلطة‪ ،‬و"م متر كل الشعب" )‪ ،All People’s Congress (APC‬الذي‬
‫حكم سرياليون منذ أواخر الستينيا ق وبالرغم من أن أحداث ذلك اليوم مل تت اوز‬
‫جمرد مناوشا ‪ ،‬غري أهنا مثل بداية عشرية من العنف الذي دمر البالدق‬

‫ولقد يق أهداف اجلبهة ‪ RUF‬دعما واسعا من قبل الكثري من السرياليونيني‪،‬‬


‫املصابني خبيبة األمل جرات سنوا من الدكتاتورية‪ ،‬ودوامة الفقر والتخلف اليت ميز‬
‫البالد منذ استقال ا عن الإستعمار الربيطاين س عام ‪ ،2562‬بيد أنه سرعان ما خسر‬
‫أطراف هذ احلرب تطلعاهتم املشروعة‪ ،‬سوات تعلق األمر باجلبهة أو حلفائها‬
‫‪3‬‬
‫ومعارضيها‪ ،‬الذين انغمسوا س حبر من البطش واألعمال الوحشيةق‬

‫وعلى شاكلة كل احلروب‪ ،‬مر احلرب األهلية س سرياليون جبملة من املراحل‪،‬‬


‫مشل سلسلة من التغيريا النظامية س احلكومة املركزية‪ ،‬وحتوي س وضعيا‬
‫اجلماعا املتمردة‪ ،‬وحماوي فاشلة س التسوية والتفاوض من أجل السالم‪ ،‬فسرعان‬
‫ما اهنار أول حماولة واعدة حلل النزاع‪ ،‬واليت مت التوصل إليها س أبي ان ‪Abidjan‬‬
‫بساحل العاج س أواخر عام ‪ ،2556‬بوساطة من خمتلف اجلها الدولية الفاعلة‪ ،‬مبا‬
‫س ذلك األمم املتحدة‪ ،4‬وكان نتي ة ذلك ه وم مدمر على عاصمة سرياليون‬
‫املسماة بـ"املدينة احلرة" (‪ )Freetown‬س شهر يناير من عام ‪ ،2555‬حت شعار‬
‫"عملية ي شيت حي" ‪Operation No Living Thing‬ق‬

‫أمام حالة اخلراب اليت شهدهتا العاصمة‪ ،‬سع احلكومة من أجل التوصل إ‬
‫السالم‪ ،‬ومتثل البداية الرمسية لنهاية الصراع س اتفاق لومي للسالم ‪Lomé Peace‬‬
‫‪ Agreement‬بني حكومة سرياليون واجلبهة الثورية املتحدة ‪ RUF‬وذلك س ‪ 07‬جويلية‬
‫من عام ‪2555‬ق ولقد نص الإتفاق عن عفو مثري لل دل‪ ،‬مت الإشارة إليه كذلك‬

‫‪ 3‬ملزيد من التفصيل أنظر‪:‬‬


‫‪Paul Richards, Fighting for the Rain Forest: War, Youth and Resources in‬‬
‫‪Sierra Leone (Portsmouth, NH: Heinemann, 1996; Oxford: James Currey,‬‬
‫‪1998).‬‬
‫‪ 4‬إتفاق السالم بني حكومة مجهورية سرياليون واجلبهة الثورية املوحدة لسرياليون )‪ (RUF‬املنعقد س ‪ 30‬من‬
‫شهر نوفمرب سنة ‪2556‬ق‬

‫‪209‬‬
‫بـ"الغفران" ‪ pardon‬أو "الإرجات" ‪ ،reprieve‬لصاحل مرتكيب الفضائ واألعمال‬
‫‪5‬‬
‫الوحشية س حق مجي أطراف النزاعق‬

‫‪Francis‬‬ ‫ولقد أبدى املمثل اخلاص لألمني العام لألمم املتحدة "فرانسيس أوكيلو"‬
‫‪ Okelo‬حتفظا على هذا العفو‪ ،‬مصرا على أنه ي ميكن تنفيذ على اجلرائم املرتكبة‬
‫ضد الإنسانية‪ ،‬وجرائم احلرب‪ ،‬والإبادة اجلماعية‪ ،‬وغريها من اينتهاكا اخلطرية‬
‫‪6‬‬
‫األخرى للقانون الدويلق‬

‫‪Truth and‬‬ ‫ولقد التزم اتفاق لومي للسالم ب ن يتم إنشات جلنة للحقيقة واملصاحلة‬
‫)‪ Reconciliation Commission (TRC‬س غضون تسعني (‪ )50‬يوماق وعلى الرغم‬
‫من اجلهود اليت سرعان ما بذل س سبيل إجناز هذ املهمة‪ ،‬غري أن برملان سرياليون‬
‫ق‪7‬‬
‫مل يعتمد القانون املشرع ذا الغرض حىت يوم ‪ 11‬فرباير من عام ‪1000‬‬

‫‪Act 2000‬‬ ‫ووفقا للمادة ‪ )2( 6‬من القانون الداخلي لل نة احلقيقة واملصاحلة‬
‫)‪ (TRC Act‬فإنه قد مت ت سيس هذ اللل نة هبدف إنشات س ل تارخيي حمايد‬
‫لإنتهاكا وجتاوزا حلقوق الإنسان والقانون الإنساين الدويل اليت ارتكب جرات‬
‫الصراع املسل س سرياليون‪ ،‬وذلك منذ بداية هذا األخري س عام ‪ 2552‬إ غاية توقي‬
‫إتفاق لومي للسالم؛ كما مت ت سيسها هبدف التصدي لظاهرة الإفال من العقاب‪،‬‬
‫والإست ابة يحتياجا الضحايا‪ ،‬ومن أجل تعزيز املصاحلة والتئام اجلروح‪ ،‬واحليلولة‬
‫دون تكرار دوامة العنف واينتهاكا اليت تعرضوا اق‬

‫قام برملان سرياليون بت سيس جلنة احلقيقة واملصاحلة وفقا للتعهد الذي أوجدته‬
‫املادة السادسة والعشرون (‪ )16‬من اتفاق لومي للسالم؛ وبالرغم من كوهنا م سسة‬

‫‪5‬‬ ‫‪Daniel Macaluso, “Absolute and Free Pardon: The Effect of the‬‬
‫‪Amnesty Provision in the Lome Peace Agreement on the Jurisdiction of‬‬
‫‪the Special Court for Sierra Leone”, (2001) Brooklyn Journal of‬‬
‫‪International Law 27, p. 347.‬‬
‫‪6 UN Doc. S/1999/836.‬‬

‫‪7 Richard Bennett, “The Evolution of the Sierra Leone Truth and‬‬

‫‪Reconciliation Commission”, in Truth and Reconciliation in Sierra Leone‬‬


‫‪(Freetown: UNAMSIL, 2001), pp. 37–51.‬‬

‫‪210‬‬
‫وطنية‪ ،‬فقد كان ذ الل نة بعدا دوليا‪ ،‬إذ شارك س عملية إنشائها كل من املمثل‬
‫اخلاص لألمني العام لألمم املتحدة س سرياليون ‪Special Representative of the‬‬
‫‪ ، Secretary-General for Sierra Leone‬واملفوض السامي حلقوق الإنسان ‪the‬‬
‫‪ ،High Commissioner for Human Rights‬ومتثل مهمتهما س التوصية بتعيني‬
‫‪8‬‬
‫ثالثة أعضات من الل نة‪ ،‬على أي يكونوا مواطنني بسرياليونق‬

‫هذا ولقد ورد التمويل الفعلي للل نة من ماحنني دوليني‪ ،‬حيث حتمل مكتب‬
‫املفوضية السامية حلقوق الإنسان مس ولية مج األموال‪ ،‬اليت مت حتديد سقفها مبدئيا‬
‫بـ‪ 20‬ماليني دوير أمريكي‪ ،9‬بيد أن قلة املاحنني أد س هناية املطاف إ تلقي الل نة‬
‫ما يقارب ‪ 2‬ماليني دوير فقط‪ ،‬نتي ة خميبة لآلمال‪ ،‬دل على عدم الإكرتاث‬
‫باملهمة املناطة بالل نة‪ ،‬بالرغم من التصرحيا الرباقة اليت رافق ت سيسهاق‬

‫س املقابل‪ ،‬متكن احملكمة اجلنائية اخلاصة بسرياليون من مج ميزانية أكرب من‬


‫ذلك بكثري‪ ،‬واليت مت متويلها أيضا من خالل تربعا املاحنني الدوليني‪ ،‬ولو أن األموال‬
‫اليت مجعتها مل تصل سقف امليزانية احملددة مبدئيا بـ‪ 200‬مليون دوير‪ ،‬ليصل املبلغ إ‬
‫‪ 56‬مليون دوير على مدى ثالث سنوا ق علما أن مكتب املفوضية السامية حلقوق‬
‫الإنسان قام باستقطاع ‪ 23‬س املائة من هذ األموال‪ ،‬باعتبارها رسوما على النفقا‬
‫‪10‬‬
‫العامة أو الإداريةق‬

‫‪ 8‬أنظر ما جات س‪Truth and Reconciliation Commission Act 2000, s. 3. :‬‬


‫وزيـر الرتبيـة والتعلـيم السـابق لغامبيـا‪Satang Jow ،‬متثـل أعضـات الل نـة الـدوليني س كـل مـن "سـاتانغ جـو"‬
‫حمــامي حقــوق الإنســان س جنــوب إفريقيــا وعضــو س جلنــة احلقيقــة ‪Yasmin Sooka‬و"يــامسني ســوكا"‬
‫‪ Joseph‬واملصــاحلة ــذا البلــد‪ ،‬س حــني متثــل أعضــات الل نــة الــوطنيني س كــل مــن األســقف "جوزيــف هــامرب"‬
‫وهـي قاضـية سـابقة‪ ،‬والربوفسـور ‪ ، Laura Marcus-Jones‬الرئيسـة "لـورا مـاركوس جـونز"‪Humper‬‬
‫أستاذ الإدارة العامةق‪"Sylvanus Torto‬جون كمارا" مدير ثانوية وطبيب بيطري‪ ،‬و"سيلفانوس تورتو"‬
‫‪ 9‬أنظ ـ ــر س التقري ـ ــر ‪ 22‬لألم ـ ــني الع ـ ــام لألم ـ ــم املتح ـ ــدة ح ـ ــول مهم ـ ــة األم ـ ــم املتح ـ ــدة س سـ ـ ـرياليون‪:‬‬
‫‪S/2002/679, para. 27.‬‬
‫‪ 10‬اجمللد األول من تقرير جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬من الصفحة ‪ 230‬إ الصفحة ‪ ،266‬يعرض القضايا‬
‫املالية بالتفصيل؛ وهناك أيضا حساب تفصيلي لتمويل الل نة‪ ،‬مبا س ذلك املسائل املتعلقة باجلها املاحنةق‬

‫‪211‬‬
‫على الرغم من أن املادة ‪ 6‬من قانون جلنة احلقيقة واملصاحلة تقرتح احلد من‬
‫الإختصاص الزمين للل نة‪ ،‬من سنة ‪ ،2552‬تاريخ بداية احلرب األهلية‪ ،‬إ غاية اتفاق‬
‫لومي للسالم املنعقد س ‪ 07‬جويلية من عام ‪ ،2555‬غري أنه من ناحية املمارسة‬
‫العملية‪ ،‬مل تكن حتقيقا الل نة مقيدة مبدة زمنية حمصورةق كما طالب قانون الل نة‬
‫‪ The TRC Act‬أيضا‪ ،‬بالتحقيق وتقدمي تقرير عن سوابق الصراع‪ ،‬ما يعين النظر س‬
‫حيثيا ما قبل سنة ‪2552‬ق‪ 11‬عالوة على ذلك‪ُ ،‬كلف جلنة احلقيقة واملصاحلة كذلك‬
‫مبعاجلة ظاهرة الإفال من العقاب‪ ،‬والإست ابة يحتياجا الضحايا‪ ،‬وتعزيز‬
‫املصاحلة وتضميد اجلراح‪ ،‬ومن تكرار اينتهاكا والت اوزا اليت حلق هب يت‬
‫الضحايا؛ ومل يكن هذا اجلانب من التكليف حمددا بإطار زمين‪ ،‬ولقد نُسب لل نة‬
‫كسلطة للنظر س أحداث ما بعد اتفاق لومي للسالمق‬

‫قام التقرير النهائي للل نة مبناقشة تاريخ سرياليون بقدر كبري من التفصيل‪ ،‬يسيما‬
‫تاريخ الفرتة الإستعماريةق كما تناول التقرير الإنقسام الذي طال أمد بني املنطقة‬
‫احمليطة بالعاصمة ‪ ،Freetown‬واملعروفة باسم "مستعمرة سرياليون"‪ ،‬واملناطق النائية‬
‫ا ائلة‪ ،‬املوصوفة بـ"احملمية" ‪ the Protectorate‬ق حاول التقرير أيضا حتليل أنظمة ما‬
‫بعد الإستعمار‪ ،‬اليت اتسم بالإستبداد والفساد‪ ،‬ودورها س بروز هذا الصراعق‬

‫ولقد أشار قانون جلنة احلقيقة واملصاحلة عدة مرا إ "الضحايا واجلناة"‪ ،‬مركزا‬
‫اهتمامه على فئة األطفال‪ ،‬مبا س ذلك األطفال اجلناة‪ ،‬وكذلك ضحايا الإعتدات‬
‫اجلنسيق‪ 12‬كما مت من الل نة كذلك دور س حتديد املس وليا ‪ ،‬وكذا التعرف على‬
‫األسباب‪ 13‬واألطراف املس ولة‪ 14‬عن الصراع‪ ،‬س إشارة إ أي حكومة‪ ،‬أو مجاعة‪ ،‬أو‬
‫فردق‪ 15‬مس وليا قد متتد‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬إ الشركا عرب الوطنية‬
‫‪ ،transnational corporations‬أو املنظما األمنية اخلاصة‪private security 16‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪Truth and Reconciliation Commission Act 2000, s. 6(2)(a).‬‬


‫‪12 Truth and Reconciliation Commission Act 2000, s . 7(4).‬‬

‫‪13 Ibid., s. 6(2)(a).‬‬

‫‪14 Ibid., s. 7(1)(a).‬‬

‫‪15 Ibid., s. 6.‬‬

‫‪16 L. Sanders, “Rich and Rare are the Gems they War: Holding De Beers‬‬

‫‪Accountable for Trading Conflict Diamonds”, (2001) Fordham‬‬

‫‪212‬‬
‫فيها أمسات أولئك‬ ‫الل نة قائمة أورد‬ ‫‪ organisations‬ق وس هذا الإطار‪ ،‬قدم‬
‫الذين يتحملون املس ولية س هذا الصراعق‬

‫كلف القسم السادس من قانون الل نة هذ األخرية بتقدمي تقرير عن‬


‫"اينتهاكا والإعتداتا حلقوق الإنسان والقانون الإنساين الدويل" ‪violations‬‬
‫‪ ، and abuses of human rights and humanitarian law‬وهو مفهوم واس جدا‬
‫إذا ما قارنا مبا ورد س تقرير جلنة احلقيقة واملصاحلة س جنوب إفريقيا‪ ،‬الذي حددها‬
‫مبصطل "اينتهاكا اجلسيمة" ‪gross violations‬ق ولقد انتُقد جلنة جنوب‬
‫إفريقيا نظرا ملنظورها الضيق الذي قد يقدم "حقيقة مشبوهة" ‪compromised truth‬‬
‫تستبعد عددا كبريا من الضحايا عن نطاق عمل الل نةق‪ 17‬حيث يستخدم مصطل‬
‫"اينتهاكا " ‪ violations‬على نطاق واس ضمن كل من قانون حقوق الإنسان‬
‫والقانون الإنساين الدويل‪ ،‬بيد أن مصطل "الإعتداتا " ‪ abuses‬هو أقل شيوعا نوعا‬
‫ماق وميكن توضي اجلانب الإجيايب من ايستخدام املتكرر ملصطل "الإعتدات" س‬
‫جمال القانون الدويل حلقوق الإنسان‪ ،‬من خالل الربوتوكول امللحق بامليثاق الإفريقي‬
‫حلقوق الإنسان والشعوب بش ن حقوق املرأة س إفريقيا ‪the Protocol to the‬‬
‫‪African Charter on Human and Peoples’ Rights on the Rights of‬‬
‫‪ Women in Africa‬املعتمد س شهر جويلية من عام ‪ ،1003‬أين مت استخدام‬
‫‪18‬‬
‫مصطل "الإعتدات" س عدة موادق‬

‫ويوحي السياق الذي استخدم فيه هذا املصطل بشكل خاص إ األفعال اليت‬
‫يرتكبها األفراد ضد أفراد آخرين‪ ،‬بدي من األفعال اليت قد ترتكبها الدولق‪ 19‬ولقد مت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪International Law Journal 24, p. 1402; William A. Schabas, “Enforcing‬‬
‫)‪International Humanitarian Law: Catching the Accomplices”, (2001‬‬
‫‪International Review of the Red Cross 83, p. 439.‬‬
‫‪17 Priscilla B. Hayner, Unspeakable Truths, Facing the Challenge of Truth‬‬

‫‪Commissions (New York/London: Routledge, 2002) pp. 74–75.‬‬


‫‪18 Articles 5(d), 12(1)(c), 12(1)(d), 13(m), 22(b), 23(b).‬‬

‫‪ 19‬نفس التعبري ظهر قبل ذلك س الإعالن عن القضات عن العنف ضد املرأة ‪the Declaration on‬‬
‫‪ the Elimination of Violence against Women‬وذلك س ‪GA Res. 48/104,‬‬
‫)‪ Art. 2(a‬وكذلك س إعالن فيينا ‪ Declaration the Vienna‬وبرنامج العمل لسنة ‪2553‬ق‬

‫‪213‬‬
‫ت كيد هذا البنات الإصطالحي يستخدام مفردة "إعتداتا " س قانون جلنة احلقيقة‬
‫واملصاحلة س سرياليون‪ ،‬الذي يوعز الل نة بالنظر س أعمال أي "حكومة أو مجاعة أو‬
‫فرد"ق وسوات أكان واضعوا قانون الل نة على علم بالنقاش الدائر س القانون الدويل‬
‫حلقوق الإنسان حول مس ولية اجلها الفاعلة من غري الدول أم ي‪ ،‬فإن رأيهم يبدو‬
‫واضحا من أن احلكوما ليس الوحيدة اليت ميكن أن تنتهك احلقوق األساسية‬
‫لإلنسانق‬

‫إن الإستخدام الواس لـ"حقوق الإنسان والقانون الإنساين الدويل" كان له نتي ة‬
‫أخرى‪ ،‬إذ مل يقتصر عمل الل نة على اينتهاكا الكالسيكية املتعلقة بالسالمة‬
‫اجلسدية‪ ،‬كالقتل والإغتصاب وغريها من جرائم العنف‪ ،‬وجرائم تدمري املمتلكا أو‬
‫النهب؛ بل خلص الل نة إ أنه ينبغي األخذ بعني الإعتبار حلقوق الإنسان‬
‫الشاملة املوجودة س صكوك مثل الإعالن العاملي حلقوق الإنسان ‪the Universal‬‬
‫‪ Declaration of Human Rights‬وامليثاق الإفريقي حلقوق الإنسان والشعوب ‪the‬‬
‫‪African Charter of Human and Peoples’ Rights‬؛ ما يعين أن الل نة قرر‬
‫األخذ ليس باحلقوق املدنية والسياسية وحسب‪ ،‬ولكن أيضا باحلقوق الإقتصادية‬
‫والإجتماعية والثقافية‪ ،‬وهي التعليما اليت مت توجيهها ألعضات الل نة الذين مت‬
‫جتنيدهم لإجرات املقابال م الضحاياق‬

‫اتضح قيمة هذ املقاربة اليت ت كد على عدم جتزئة حقوق الإنسان لدى تعامل‬
‫الل نة م الضحايا‪ ،‬فبالرغم من اينتهاكا اليت تعرضوا إليها من عنف جسدي‬
‫وتدمري للممتلكا ‪ ،‬غري أهنم مل يطالبوا ب ي تعويض مرتبط هبذ األضرار احملددة‪،‬‬
‫وإمنا طالبوا بتوفري التعليم من أجل أطفا م‪ ،‬وبالرعاية الطبية‪ ،‬وبسكن يئق ي ويهمق‬
‫ما يعين أن املستقبل لدى ه يت الضحايا‪ ،‬يكمن س حتقيق حقوقهم الإقتصادية‬
‫والإجتماعية‪ ،‬بدي من املفهوم القانوين الكالسيكي لـ"الإعادة إ الوض الذي كان‬
‫قائماً من قبل" ‪ restitutio in integrum‬ق‬

‫ولقد جادل املدعي العام آنذاك "سليمان برييوا" ‪ Solomon Berewa‬أن للل نة‬
‫أبعاد عالجية نفسية‪ ،‬فضال عن دوها س تقصي احلقائق‪ ،‬فهي مبثابة منتدى ذو‬
‫مصداقية‪ ،‬لتمكني الضحايا من استعادة قيمتهم الإنسانية‪ ،‬كما أهنا قناة ملرتكيب‬
‫الفضائ واألعمال الوحشية للتكفري عن ذنوهبم‪ ،‬وتطهري ضمائرهم‪ ،‬وقد مت تشبيه‬

‫‪214‬‬
‫هذ العملية بالتطهري الوطين للعواطف‪ ،‬الذي ينطوي على قول احلقيقة والإستماع إ‬
‫هذ األخرية‪ ،‬وقبل كل شيت‪ ،‬تعويض الضحايا س احلاي اليت تستحقق‪ 20‬وس هذا‬
‫الصدد‪ ،‬أشار "مذكرة األشيات واألسباب" اليت مت إحلاقها بقانون الل نة ‪،TRC Act‬‬
‫إ أن اتفاق السالم أراد لعمل الل نة أن يكون مبثابة متنفس بنَّات بشكل متبادل بني‬
‫الضحايا ومرتكيب اينتهاكا والإعتداتا على حقوق الإنسانق‬

‫مت تقسيم عمل الل نة إ مرحلتني أساسيتني؛ مسي املرحلة األو مبرحلة مج‬
‫التصرحيا ‪ ،‬وبدأ س شهر ديسمرب من عام ‪ ،1001‬حيث مت جتنيد حوايل سبعني‬
‫عضوا جلم التصرحيا س مجي أحنات البالد‪ ،‬والذين مت جتنيدهم من خمتلف قطاعا‬
‫اجملتم املدين‪ ،‬مثل املنظما غري احلكومية وامل سسا الدينية‪ ،‬م ضمان أن تكون‬
‫نسبة كبرية من ه يت اجملندين من النسات‪ ،‬وكان الطالقة س تكلم اللغا احمللية‬
‫أحد املعايري الرئيسة س توظيف ه يت اجملندينق وتواصل هذ املرحلة إ غاية شهر‬
‫مارس من عام ‪ ،1003‬ولقد مت مج ما يقارب ‪ 7000‬تصري ‪ ،‬معضمها أُخذ من‬
‫الضحاياق ومت حتليلها من أجل حتديد "احلاي النافذة"‪ ،‬أي حتليل التصرحيا اليت‬
‫تعمل على توضي جوانب هامة من الصراع‪ ،‬كما مت ترميز مجي التصرحيا وإدخا ا‬
‫س احلاسوب س شكل قاعدة بيانية إلكرتونية بغرض التحليل الإحصائيق‬

‫أما املرحلة الثانية‪ ،‬واليت عرف مبرحلة جلسا الإستماع‪ ،‬فقد انطلق س شهر‬
‫أبريل من عام ‪ ،1003‬واستمر إ غاية أواخر شهر أو ‪ ،1003‬مت من خالل العديد‬
‫من هذ اجللسا جلب كل من الضحايا واجلناة معا‪ ،‬وقد جنم عن ذلك س غالب‬
‫األحيان تبادي م ثرة للغاية‪ ،‬ومصاحلة عامة بني احلني واآلخرق وقد عقد هذ‬
‫اجللسا س مجي أحنات البالد‪ ،‬وغالبا ما كان تتم س مدن معزولة ي ميكن الوصول‬
‫إليها إي بواسطة طائرا ا ليكوبرتق س حني ركز جلسا أخرى على املسائل‬
‫املوضوعية‪ ،‬مثل وسائل الإعالم واحلكم والفسادق‬

‫‪Solomon Berewa, “Addressing Impunity using Divergent Approaches:‬‬


‫‪20‬‬

‫‪The Truth and Reconciliation Commission and the Special Court”, in‬‬
‫‪Truth and Reconciliation in Sierra Leone, note 6 above, p. 59.‬‬

‫‪215‬‬
‫عن رفض‬ ‫وم ذلك‪ ،‬فقد خلص جلسا الإستماع بنتي ة غري مرضية نت‬
‫الرئيس "تي ان كبه" ‪ Tejan Kabbah‬عن الإعرتاف ب ي مس ولية له والإعتذار‬
‫للشعب السرياليوين عن دور س الصراع‪ ،‬على عكس غري من قادة الفصائل املختلفة‬
‫س هذا األخريق األمر الذي اعترب هناية م سفة لل هود املبذولة‪ ،‬ونذير ش م ملتابعة‬
‫الل نة لعملهاق‬

‫"‪..‬أعتقد أن ما تس لين القيام به هو الإعتذار للناس‪...‬ما فائدة ذلك؟ ولقد ذكر‬


‫هذا مرة س هذا الس ل‪ ،‬لس أعلم‪ ،‬رمبا هو طويل‪ ،‬لذلك مل تقم مبطالعة كل شيت‬
‫فيه‪ ،‬لكن ما قلته هو أنين قم جبولة س هذا البلد‪ ،‬وقل للناس من فضلكم أتوسل‬
‫إليكم‪ ،‬فلنتقبل األخطات اليت مت القيام هبا بطريقة أو ب خرى‪ ،‬ولننسى املاضي متاما‪،‬‬
‫دعونا نعيش معا‪ ،‬دعونا نعمل معا‪ ،‬ونعيد بنات بلدنا‪...‬اآلن‪ ،‬أنا ي أفهم ما هو املتوق‬
‫‪21‬‬
‫مين القيام به أكثر من ذلك؟"‬

‫باملوازاة م هذ األنشطة ذا الطاب العام‪ ،‬اهتم الل نة بربامج حبث‬


‫وحتقيقا أكثر سرية‪ ،‬بيد أهنا واجه عائقا أساس س هذا الإطار متثل س قلة‬
‫املوارد‪ ،‬ما جعلها تضي فرصا كثرية‪ ،‬على الرغم من أن املوظفني الذين مت جتنيدهم س‬
‫الل نة قاموا ب دات مشرف وحققوا نتائج جيدة س العمومق‬

‫متثل املرحلة األخرية من عمل الل نة س صياغة التقرير‪ ،‬الذي استغرق مدة سنة‬
‫كاملة‪ ،‬حيث تطلب هذ املرحلة وقتا أطول بكثري من الوق الذي استغرقته الل نة‬
‫س الوصول إ النتائج اليت مت تدوينها س هذا التقرير‪ ،‬ويرج سبب هذا الت خري‬
‫جزئيا إ نقص املوظفني‪ ،‬فضال عن الرؤية الطموحة اليت مت توقعها من خالل هذا‬
‫التقريرق ولقد تقرر أن تتم كتابة هذا األخري س عدة جملدا ‪ ،‬رمبا اقتداتً بتقرير جلنة‬

‫‪ 21‬تصري "أمحد تي ان كبه" ‪ Ahmed Tejan Kabbah‬رئيس سرياليون‪ ،‬يوم اخلامس (‪ )05‬أو سنة‬
‫‪2003‬ق(بتصرف) أنظر‪:‬‬

‫‪William A. Schabas, « The Sierra Leone Truth and Reconciliation‬‬


‫‪Commission », In. Naomi Roht-Arriaza and Javier Mariezcurrena (Eds),‬‬
‫‪Transitional Justice in the Twenty-First Century: Beyond Truth versus‬‬
‫‪Justice, (New York: Cambridge University Press, 2006): pp. 21- 42; p.26.‬‬

‫‪216‬‬
‫جنوب إفريقيا‪ ،‬وقد كان من املمكن أن يكون التقرير أقصر وأكثر إجيازا لإتاحته‬
‫بشكل أفضل لسكان سرياليونق‬

‫المحور الثاني‪:‬النتائج والتوصيات الواردة في تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة في‬


‫سيراليون‬

‫وفقا للقانون الداخلي لل نة احلقيقة واملصاحلة س سرياليون‪ ،‬فإن مهمة هذ‬


‫األخرية تتمثل س التوصل إ نتائج ملموسة فضال عن تقدمي جمموعة من التوصيا ‪،‬‬
‫وس هذا الإطار ورد س املادة ‪ 27‬من قانون الل نة أنه "ينبغي على احلكومة أن تنفذ‬
‫ب مانة توصيا التقرير املوجهة إ أجهزة الدولة‪ ،‬كما ينبغي عليها تش ي وتسهيل‬
‫تنفيذ التوصيا األخرى املوجهة إ اآلخرين"ق ولقد شكل النتائج والتوصيا‬
‫اجلزت األكرب من التقرير‪ ،‬وتنفيذها مثل أهم اختبار لفعالية الل نةق‬

‫يبد من الإشارة‪ ،‬بادئ ذي بدت‪ ،‬أن أسباب الصراع مل تكن واضحة متاما‪ ،‬فقد‬
‫كان هناك العديد من الروايا املتناقضة‪ ،‬وس هذا الصدد ختتلف جلنة سرياليون‬
‫اختالفا جوهريا عن جتربة نظريهتا س جنوب إفريقيا‪ ،‬أين كان جذور الصراع واضحة‬
‫–نظام األبارتيد‪ -‬وقد متثل أسس عمل الل نة س إدانة هذا النظام العنصري‬
‫والتحضري لإلنتقال السياسيق س املقابل‪ ،‬كان اتفاق لومي للسالم‪ ،‬الذي وض حدا‬
‫للحرب األهلية س سرياليون‪ ،‬ورات الدعوة لإنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬ووقف‬
‫إطالق النار بني الفصائل املتحاربة‪ ،‬ومل يكن مبثابة نصر حاسم من جانب واحد على‬
‫اآلخر‪ ،‬أو انتصارا ألية أيديولوجية معينةق وميكن القول أن أحد املسايما املهمة‪،‬‬
‫واملثرية لل دل س نفس الوق ‪ ،‬اليت قدمتها جلنة سرياليون‪ ،‬هو حتليلها خللفية الصراع‬
‫وحماولتها حتديد أسبابهق‬

‫ولقد ألق العديد من الروايا باللوم على العوامل اخلارجية‪ ،‬حيث اهتم ‪ ،‬على‬
‫سبيل املثال‪ ،‬الزعيم اللييب "معمر القذاس" على إثارة الصراع‪ ،‬والزعيم الليبريي "تشارلز‬
‫تايلور" ‪ Charles Taylor‬على زيادة ت جي ه؛ وس الوق الذي مل تستبعد فيه الل نة‬
‫هذ العوامل‪ ،22‬ركز من جعة أخرى على العوامل الداخلية‪ ،‬مثل سوت الإدارة‬

‫‪ 22‬راج اجمللد الثالث من تقرير الل نة‪ ،‬س احملور الثاين املتعلق باألطراف اخلارجية س الصراع‪:‬‬

‫‪217‬‬
‫والفساد‪ ،‬واخليانة اليت تعرض إليها سرياليون من قبل قادهتا س اجملال السياسي‪،‬‬
‫واملايل وحىت الفكري‪ ،‬حسبما ورد س التقرير‪:‬‬

‫‪...‬ترج احلرب األهلية س سرياليون‪ ،‬حلد كبري‪ ،‬إ الإختالل الوظيفي الذي يعاين‬
‫منه احلكم ومجي العمليا امل سسية س البالد‪ ،‬وقد فشل األطراف السياسية الفاعلة‬
‫س احلفاظ على قدرة الدولة على مواجهة هذ التحديا احلامسة‪ ،‬املتمثلة س توفري‬
‫األمن‪ ،‬وحتسني سبل العيش‪ ،‬وإشراك األغلبية الساحقة من سكان سرياليون س صن‬
‫القرار‪ .‬وتتفق الل نة س القول أن فشل احلكم كان سببا س توفري بيئة مواتية يستفحال‬
‫‪23‬‬
‫مظاهر الفقر والتهميش واجلش واملظامل‪ ،‬اليت تسبب س احلرب األهلية‪.‬‬

‫ختم الل نة تقريرها بنتي ة حمبطة لآلمال‪ ،‬إذ يحظ أنه مل يطرأ أي تغيري‬
‫على األسباب اجلذرية اليت أد للصراع س سرياليون‪ ،‬ناهيك عن الإلتزام الضعيف أو‬
‫املعدوم من طرف حكام البالد ملعاجلة هذ العوامل جبديةق وم ذلك فإن خامتة‬
‫التقرير جات مفعمة باألمل‪ ،‬إذ وفر للسرياليونيني إطارا ميكنهم من خالله تغيري‬
‫مصريهم والتحكم فيه‪ ،‬فلو ركز تقرير الل نة على العوامل اخلارجية وحسب‪ ،‬لقام‬
‫ذلك بتربئة السرياليونيني من أية مس ولية‪ ،‬ولرتكهم ذلك عاجزين عن تغيري األمورق‬

‫كان الفضائ اليت ارتكبتها "اجلبهة الثورية املوحدة" ‪ RUF‬خارج سرياليون‬


‫معروفة‪ ،‬على النقيض من تلك اليت ارتكبتها امليليشيا املوالية للحكومة والقوا‬
‫املماثلة الطرف س الصراع‪ ،‬ولقد انعكس ذلك س اجتا البعض س سرياليون‪ ،‬بالتغاضي‬
‫عن اجلرائم اليت ارتكبتها القوا املناهضة لل بهة‪ ،‬الذين كانوا يقاتلون‪ ،‬حسب رأي‬
‫هذا الإجتا ‪ ،‬س سبيل "قضية عادلة"؛ بيد أن الل نة رفض انتهاج مقاربة "احلرب‬
‫العادلة" س عملها‪ ،‬بالرغم من إمكانية حتديد املخطئ من املصيب س هذا الصراع‪،‬‬
‫غري أن الل نة مل ت خذ هذ النقطة بعني الإعتبار‪ ،‬ومتحور مهمتها س معاجلة‬
‫اينتهاكا والإعتداتا ‪ ،‬مهما كان هوية اجلاينق ولقد مت الت كيد من خالل حتليل‬
‫قاعدة بيانا الل نة‪ ،‬أن اجلبهة كان مس ولة عن معظم اينتهاكا املرتكبة‪ ،‬ومل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪Witness to Truth: Report of the Sierra Leone Truth and Reconciliation‬‬
‫‪Commission, Vol. 3B (Freetown, 2004), Chapter II “External Actors in‬‬
‫‪the Conflict”. .‬‬
‫‪23 Witness to Truth, Vol. 2, p. 6.‬‬

‫‪218‬‬
‫‪the pro-‬‬ ‫تكن الفضائ اليت ارتكبتها قوا الدفاع املدين املوالية للحكومة‬
‫)‪ government Civil Defense Forces (CDF‬يسيما تلك املعروفة باسم‬
‫"كاماجورز ‪ ،the kamajors‬ب قل وحشية من أعمال اجلبهةق‬

‫هذا ولقد أول الل نة‪ ،‬من جانب آخر اهتماما كبريا لدور املوارد املعدنية س‬
‫الصراع‪ ،‬وخصوصا املاس الذي يتوفر بكثرة س سرياليونق‪ 24‬ويحظ الل نة أن‬
‫املتمردين مل يسعوا للسيطرة على املناطق اليت يرتكز هبا هذا املعدن الثمني‪ ،‬على األقل‬
‫س السنوا األو من الصراع‪ ،25‬ما يعين أنه ي ميكن اعتبار هتريب املاس كسبب‬
‫رئيس س إثارة هذا األخريق ولقد ألق هذ احلقيقة مرة أخرى بالكرة إ ملعب‬
‫النخبة احلاكمة س سرياليون‪ ،‬فقد بدا جشعها التارخيي ويمبايهتا للناس العاديني‪ ،‬هو‬
‫السبب األساس س الصراع‪ ،‬وهذا كان‪ ،‬بالت كيد‪ ،‬مصدر الإستيات الذي أدى إ‬
‫غارا املتمردين‪ ،‬وولَّد مشاعر التعاطف والدعم لل بهة‪ ،‬غري أن رؤية هذ األخرية‬
‫ملستقبل البالد مل تكن أكرب من سعيها لإلطاحة بالنظامق‬

‫كان الل نة تدرك جيدا أن العفو الشامل الذي تضمنته ثنايا اتفاق لومي‬
‫للسالم‪ ،‬هو أمر غري مقبول من وجهة نظر القانون الدويل‪ ،26‬ولقد أعلن احلكم‬
‫الصادر عن احملكمة اخلاصة لسراليون س شهر مارس من سنة ‪ ،1002‬أن العفو يشكل‬
‫خرقا للقانون الدويلق غري أن الل نة رأ أنه ي ميكن انتقاد املفاوضني س لومي‪،‬‬
‫الذي اعتربوا أن العفو والصف هي الطريقة املثلى والوحيدة لوض هناية للقتالق ولقد‬
‫مت حتديد هذ النتائج اليت توصل إليها الل نة س ثالث فقرا من التقرير‪:27‬‬

‫‪ 24‬ملزيد من التفصيل أنظر‪:‬‬


‫‪Ian Smillie, Lansana Gberie and Ralph Hazelton, The Heart of the‬‬
‫‪Matter: Sierra Leone, Diamonds and Human Security (Toronto:‬‬
‫‪Partnership Africa/Canada, 2000).‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪Witness to Truth, Vol. 3B, Chapter I.‬‬
‫راج ‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬تقرير األمني العام لألمم املتحدة حول "حكم القانون والعدالة الإنتقالية س‬ ‫‪26‬‬

‫الصراع وما بعد الصراع" ‪UN Doc. S/2004/614, para. 64(c).‬‬ ‫جمتمعا‬
‫‪27‬‬ ‫‪Witness to Truth, Vol. 3B, Chapter VI, paras. 10–12.‬‬

‫‪219‬‬
‫إنه ليس من الواض ملاذا مت قبول العفو غري املشروط من قبل األمم املتحدة س‬
‫نوفمرب من عام ‪ ،2556‬لتتم إدانته باعتبار غري مقبول س جويلية من عام ‪ .2555‬إن هذا‬
‫التناقض س ممارسا األمم املتحدة يزيد من تعقيد املشاكل املطروحة‪ .‬جلنة احلقيقة‬
‫واملصاحلة غري قادرة على إدانة الل وت إ العفو من قبل أولئك الذين تفاوضوا على‬
‫اتفاق لومي للسالم‪ ،‬ولقد كان التفسريا اليت قدمها املفاوضون من طرف احلكومة‪،‬‬
‫مبا س ذلك شهاداهتم أمام جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬مقنعة س هذا الصدد‪ ،‬وبكل حسن‬
‫نية‪ ،‬آمنوا أن اجلبهة لن توافق على إهنات األعمال العدائية‪ ،‬إذا ما مل يرفق الإتفاق‬
‫بشكل من أشكال الصف أو العفو‪.‬‬

‫وفقا لذلك‪ ،‬على أولئك الذين يزعمون أنه ي ميكن مقايضة السالم مقابل العدالة‬
‫حت أي ظرف من الظروف‪ ،‬أن يكونوا على استعداد لتربير التمديد احملتمل للنزاع‬
‫املسل ‪ .‬قد يكون العفو غري مرغوب فيه وس كثري من احلاي ‪ ،‬وهناك س الواق أمثلة‬
‫عن العفو التعسفي املعلن من قبل الطغاة س األيام األخرية ألنظمتهم املستبدة‪ ،‬وتدرك‬
‫الل نة أيضا‪ ،‬أنه من املستحسن األخذ مببدأ مقاضاة مرتكيب اينتهاكا اخلطرية‬
‫حلقوق الإنسان‪ ،‬يسيما ملا تصل خطورهتا حد اجلرائم ضد الإنسانية؛ لكن ي ينبغي‬
‫استبعاد العفو متاما من اآلليا املتاحة ألولئك الذين حياولون التفاوض س سبيل وقف‬
‫األعمال العدائية بعد فرتا الصراع املسل الوحشي‪ .‬إن عدم قبول العفو س هذ‬
‫احلالة هو مبثابة تنكر لواق الصراع العنيف واحلاجة امللحة لوض حد له وهناية للمعاناة‪.‬‬

‫إن الل نة غري قادرة على اعتبار العفو مثنا باهضا يسرتجاع السالم س سرياليون‪ ،‬س‬
‫ظل الظروف اليت كان سائدة س جويلية من عام ‪ .2555‬صحي أن اتفاق لومي مل‬
‫يوفر عودة فورية للسالم إ البالد‪ ،‬غري أنه شكل إطارا لعودة ا دوت بني أطراف النزاع‪،‬‬
‫وبعد مرور مخس سنوا من هناية هذا األخري‪ ،‬عاد السرياليونيون للعيش دون اخلوف‬
‫من العنف اليومي واألعمال الوحشية اليت كان ترتكب‪.‬‬

‫ميكن آلرات الل نة س هذا املوضوع أن تساهم س النقاش الدائر حول املوقف‬
‫املناسب الذي ينبغي أن تتخذ العدالة اينتقالية جتا قضية العفوق كما أعرب التقرير‬
‫عن قلقه إزات قرار الرئيس "كبه" ‪ Kabbah‬القاضي بسحب العفو‪ ،‬على األقل جزئيا‪،‬‬
‫عندما دعا إ مالحقة اجلناة قضائيا من قبل حمكمة دولية برعاية األمم املتحدة‪،‬‬
‫وكان ذلك مبثابة تراج عن الإتفاق الذي توصل إليه م "اجلبهة الثورية املوحدة" س‬

‫‪220‬‬
‫لومي‪ ،‬وكان نتي ة ذلك كله هي إزالة العفو من طاولة مفاوضا السالم س‬
‫املستقبل‪ ،‬إذ كيف سيكون ممكنا إقناع املقاتلني من تسليم أسلحتهم مقابل العفو من‬
‫جديد‪ ،‬إذا ما مت نكث هذا الإتفاق م مرور الوق ؟ ولعل هذا التطور كان موض‬
‫ترحيب بالنسبة ألولئك الذين أدانوا مس لة العفو الشاملق إذ رغم ت كيد الل نة أنه‪،‬‬
‫وس ظروف معينة‪ ،‬يشكل العفو حال مناسبا لوض هناية للصراع‪ ،‬وم ذلك فإن‬
‫الل نة مل حتاول س تقريرها فك العالقة بني العفو والعدالة واملصاحلة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪،‬‬
‫فإن الل نة مل تتخذ موقفا بش ن كيفية مسايمة العفو س حتقيق املصاحلة‪ ،‬وعما إذا‬
‫كان بديل ذلك‪ ،‬واملتمثل س الإصرار على احملاكمة اجلنائية‪ ،‬أمرا يعيق عملية إلتئام‬
‫اجلروح واستتباب السلمق‬

‫مل حتمل أغلبية توصيا جلنة احلقيقة واملصاحلة أية آثار ذا طبيعة نقدية‪ ،‬فإذا‬
‫كان احلكومة صادقة س التزامها بتنفيذ توصيا الل نة‪ ،‬وفقا لقانون هذ األخرية‪،‬‬
‫فإنه ي ميكن للحكومة جتنب مقرتحاهتا‪ ،‬وكمثال عن ذلك‪ ،‬فإنه قد ورد س تقرير‬
‫الل نة أن عقوبة الإعدام كان تستخدم أساسا ‪ ،‬من قبل خمتلف أنظمة ما بعد‬
‫الإستعمار‪،‬ك داة سياسية من أجل قم وإرهاب اخلصوم‪ ،28‬لذلك دع الل نة إ‬
‫الإلغات الفوري لعقوبة الإعدام‪ ،‬كما دع الرئيس إ ختفيف مجي أحكام الإعدام‬
‫القائمة‪ ،‬ي سيما وأنه إجرات ي يتطلب موافقة من السلطة التشريعية‪ ،‬وميكن حتقيقه‬
‫فورا مبوجب مرسوم رئاسيق وس نفس السياق‪ ،‬دع الل نة إ إطالق سراح مجي‬
‫األشخاص احملت زين بشكل غري قانوين‪ ،‬ودون ت خري‪ ،‬من بينهم عدد من املتعاطفني‬
‫م اجلبهة –حوايل عشرون أو أكثر‪ -‬الذين كانوا يقبعون س س ن "بادميبا رود"‬
‫بعاصمة سرياليون منذ سنة ‪ ،1000‬ممن مت منعهم من التواصل م أسرهم أو الإستعانة‬
‫مبستشار قانوينق كما طالب الل نة بإلغات التشريعا احملرضة على الفتنة والقوانني‬
‫املتبقية من الفرتة الإستعمارية القمعية‪ ،‬واليت ي مكان ا س اجملتم الدميقراطي‬
‫املعاصرق‬

‫‪ 28‬سلسلة من عمليا الإعدام اليت قام هبا حكومة "كبه" ‪ Kabbah‬س عام ‪ ،2551‬مت الإعالن عنها‬
‫م خرا من قبل جلنة حقوق الإنسان التابعة لألمم املتحدة‪ ،‬على أهنا انتهاك للمادة (‪ )6‬من العهد الدويل‬
‫اخلاص باحلقوق املدنية والسياسيةق ‪UN Doc. CCPR/C/64/D/839, 840 and 841/1998.‬‬

‫‪221‬‬
‫وعلى الرغم من أنه مل يكن لدى جلنة احلقيقة واملصاحلة موارد خاصة هبا لتوزيعها‬
‫على الضحايا‪ ،‬غري أنه ُمس ا تقدمي توصيا بش ن الصندوق اخلاص بضحايا‬
‫احلرب‪ ،‬الذي نص عليه املادة ‪ 12‬من اتفاق لومي للسالم‪ ،‬كما مت متكني الل نة من‬
‫تقدمي توصيا فيما يتعلق باحتياجا الضحايا‪ ،‬ودع الل نة إ حتضري برنامج‬
‫قوي لتعويض ه يت الضحايا‪ ،‬على الرغم من عالما الإستفهام اليت ي تزال قائمة‬
‫حول التمويل ذا الغرضق ولقد ركز توصيا الل نة على اخلدما من قبيل‬
‫الرعاية الصحية والتعليم وقابلية احلصول على القروض الصغريةق‬

‫هذا‪ ،‬ولقد أصدر الل نة توصيا ختص فئة النسات واألطفال‪ ،‬فغالبا ما يقال‬
‫أنه مت تكليف جلنة احلقيقة واملصاحلة لتويل اهتماما خاصا بالقضايا املتعلقة باملرأة‬
‫بسرياليون‪ ،‬على الرغم من عدم وجود أي شيت س قانون الل نة يشري ذا الغرضق إذ‬
‫جند فقط املادة ‪ 27‬من قانون الل نة اليت تطلب من هذ األخرية أن تويل "اهتماما‬
‫خاصا ملوضوع الإعتداتا اجلنسية"ق ولقد أول جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬س الواق ‪،‬‬
‫اهتماما كبريا للقضايا املتعلقة بالنسات س خضم الصراع وداخل اجملتم السرياليوين‬
‫بشكل عامق‬

‫وقد قدم العديد من النسات تصرحياهتن وشهاداهتن أمام الل نة خالل جلسا‬
‫الإستماع‪ ،‬إذ خصص الل نة يوما من كل أسبوع لإلستماع لشهادة النسات من‬
‫ضحايا الإعتدات اجلنسي‪ ،‬وقد مت أخذ أقوا ن س جلسا مغلقة‪ ،‬بيد أنه‪ ،‬وس كثري‬
‫من األحيان‪ ،‬أصر بعضهن على الإديت بشهادهتن علنا؛ وغالبا ما كان يتخلل‬
‫هذ الشهادا حلظا م ثرة من الدموع والبكات؛ وقد عرب هذ اجللسا العلنية‬
‫عن ش اعة املرأة الإفريقية اليت شاع أهنا تت نب احلديث عن الإعتداتا اجلنسية‬
‫اليت قد تتعرض ا‪ ،‬وأن التحدث عن مثل هذ املمارسا يرتجم ضرورة إدانتها‬
‫العلينق‬

‫لدى اهتمامها بالقضايا املتعلقة باملرأة‪ ،‬تواجه الل نة ي حمالة م املمارسا‬


‫التقليدية اليت تشكل متييزا ضد املرأة س سرياليون‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬كان أسر‬
‫واستعباد النسات أحد مالم الصراع‪ ،‬واللوايت كان يتم استغال ن جنسيا‪ ،‬وقد‬
‫رفض الل نة أي اقرتاحا تفيد أن ها النسات قد شفني ونسني ظروف‬
‫اختطافهن‪ ،‬بعدما أمضني فرتة من الوق م خاطفيهنق‬

‫‪222‬‬
‫أيضا‪ ،‬من مالم الثقافة السرياليونية اليت تعكس خضوع املرأة‪ ،‬هي ممارسة واسعة‬
‫الإنتشار واملتمثلة س تشويه األعضات التناسلية لإلناث؛ أي يعترب ذلك انتهاكا حلقوق‬
‫الإنسان باملعىن الدقيق للكلمة؟ وإذا ما حبث الل نة س الفساد وسوت إدارة احلكم‬
‫ك سباب للصراع‪ ،‬أمل يكن مبقدورها معاجلة مس لة تشويه األعضات التناسلية لإليناث‬
‫س نفس الإطار؟ كان هذ النقطة مثرية لل دل‪ ،‬حىت بني أعضات الل نة أنفسهم‪،‬‬
‫لكن الل نة مل تصدر أيه نتائج أو توصيا س هذا الصدد‪ ،‬باستثنات أهنا استع ل‬
‫حكومة سرياليون للتصديق على الربوتوكول الذي اعتمد س امليثاق الإفريقي حلقوق‬
‫الإنسان والشعوب بش ن حقوق املرأة س إفريقيا‪ ،‬األمر الذي يستلزم حظر مجي‬
‫أشكال تشويه األعضات التناسلية لإلناث من خالل اختاذ تدابري تشريعية مدعومة‬
‫‪29‬‬
‫بعقوبا قصريةق‬

‫وكان األطفال س قلب الإهتماما اليت ٌكلِّف هبا الل نة‪ ،‬إذ جسد هذ الفئة‬
‫تناقضا عصف بالبالد كلها‪ ،‬فقد جند نفس الطفل أنه الضحية واجلاين س آن‬
‫واحد؛ ففي إحدى التصرحيا ‪ ،‬ذكر شاب س سن املراهقة كيف مت إجبار على‬
‫حضور مشهد ذب والديه‪ ،‬ومن مث جتنيد قسرا س "اجلبهة الثورية املوحدة" أين أصب‬
‫قاتال‪ ،‬وبعد الإديت بشهادته أمام الل نة‪ ،‬عاد للعيش م أقاربه وملتابعة الدراسة س‬
‫مدرسته‪ ،‬غري أن هناك الكثري من األطفال اآلخرين األقل حظا‪ ،‬ممن ي يزالون‬
‫يعيشون س أزقة "فريتاون"‪ ،‬أو احملكوم عليهم حبياة اخلمول س خميما مبتوري‬
‫األطرافق‬

‫ولقد عمل الل نة س هذا السياق عن قرب م خمتلف املنظما الدولية واحمللية‬
‫اخلاصة حبماية الطفل‪ ،‬وقد مت توفري مستشارين خاصني لإلستماع لشهادا‬
‫األطفال‪ ،‬الذين مل يُسم ملن هم دون سن الثامنة عشرة منهم بالإديت بشهاداهتم س‬
‫جلسا علنية‪ ،‬على غرار النسات‪ ،‬فقد مت الإستماع لألطفال س جلسا مغلقة‪،‬‬
‫‪30‬‬
‫وكان العديد منهم‪ ،‬بطبيعة احلال‪ ،‬أيضا ضحايا اجلرائم اجلنسيةق‬

‫‪29‬‬ ‫‪Art. 5(b).‬‬


‫‪30‬‬ ‫‪Witness to Truth, Vol. 3B, Chapter IV.‬‬

‫‪223‬‬
‫أعد الل نة نسخة مبسطة من التقرير مت وصفها بـ"املالئمة لألطفال"‪ ،‬وس حني‬
‫أن النوايا كان شريفة‪ ،‬غري أنه من الصعب حتديد مدى فعالية مثل هذا الإجرات‪،‬‬
‫ذلك أن إدراك األطفال خيتلف باختالف العمر وغريها من العوامل اليت ت ثر على‬
‫مستويا نض هم‪ ،‬واملطلوب هنا هو إصدار العديد من النسخ "املالئمة لألطفال"‬
‫بدي من نسخة موحدةق ولقد أصدر الل نة جمموعة من التوصيا عاجل من‬
‫خال ا املخاوف بش ن فئة األطفال‪ ،‬وس اقرتاح ا عكس أولوية اتفاقية حقوق‬
‫الطفل‪ ،‬دع الل نة حلظر العقاب اجلسديق‬

‫إن األطفال مثلوا العمود الفقري للقوا املقاتلة‪ ،‬فعدم نض هم جعلهم عرضة‬
‫لإلستغالل من قبل قادة خمتلف الفصائل‪ ،‬ورمبا يكون استخدامهم للمخدرا قد‬
‫ساهم س عملية الت نيد‪ ،‬رغم أن دور ذلك س الصراع يظل أمرا مبالغا فيهق ولقد‬
‫أشار األدلة املعروضة على الل نة أن القادة العسكريني أنفسهم‪ ،‬س كل من اجلبهة‬
‫وامليليشيا املوالية للحكومة‪ ،‬بدؤوا حياهتم املهنية س سن املراهقة املبكرة‪ ،‬ك طفال‬
‫جمندين س القوا الإستعمارية الربيطانية س اخلمسينيا ؛ غري أن ذلك مل يكن تربيرا‬
‫من الل نة لسلوك ه يت القادة العسكريني‪ ،‬يسيما وأن جتنيد األطفال با جرمية‬
‫حرب‪ ،‬بيد أن ذلك ورد س إطار الت كيد على أصول هذ املمارسةق‬

‫المحور الثالث‪:‬العالقة بين لجنة الحقيقة والمصالحة والمحكة الخاصة‪ :‬تكامل أم‬
‫تناقض؟‬

‫لعل اجلانب األكثر متيزا من برنامج العدالة اينتقالية س سرياليون‪ ،‬كان الوجود‬
‫املوازي لكل من جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اجلنائية الدولية؛ ونتج ذلك عن‬
‫ظروف يحقة عن إقرار إنشات جلنة احلقيقة واملصاحلةق فقد أوقف جتدد القتال س‬
‫شهر ماي من سنة ‪ 1000‬عملية إنشات الل نة‪ ،‬لكن ذلك قام أيضا بإحيات النقاش‬
‫حول شرعية العفو‪ ،‬حيث أعاد حكومة سرياليون تقييم موقفها‪ 31‬فيما يتعلق هبذا‬
‫األخري (العفو)‪ ،‬وطالب من األمم املتحدة إنشات حمكمة خاصةق س ‪ 22‬من شهر‬
‫أو عام ‪ ،1000‬أيد جملس األمن إنشات حمكمة حملاكمة "األشخاص الذين يتحملون‬
‫القسط األكرب من املس ولية" عن اينتهاكا اجلسيمة للقانون الإنساين الدويل‬

‫‪31‬‬ ‫‪Solomon Berewa, note 23 above, pp. 55–60, at p. 56.‬‬

‫‪224‬‬
‫وقوانني سرياليون‪ ،‬ومت تكليف األمني العام لألمم املتحدة بالتفاوض م حكومة‬
‫سرياليون س هذا الش ن‪32‬ق وعلى شاكلة إنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬فإن أمر إنشات‬
‫هذ احملكمة أيضا اختذ وقتا ليتحقق‪ ،‬إذ توصل األمم املتحدة وحكومة سرياليون إ‬
‫اتفاق رمسي بش ن هذا املشروع إ غاية شهر يناير من سنة ‪1001‬ق وس أبريل ‪ 1001‬مت‬
‫اعتماد اتفاقية احملكمة اخلاصة ‪ Act 2002‬الذي مكن احملكمة من ممارسة عملها‬
‫بفعالية والعمل على تنفيذ التزاما سرياليون مبوجب الإتفاق م األمم املتحدةق‬

‫س مارس ‪ ،1003‬أصدر احملكمة اخلاصة مثانية لوائ اهتام ضد عدد من املشتبه‬


‫هبم املعروفني‪ ،‬وبدأ أو احملاكما س جوان سنة ‪ ،1002‬وهو نفس الوق تقريبا‬
‫الذي باشر فيه جلنة احلقيقة واملصاحلة عملهاق ومت الإتفاق على أن الإختصاص‬
‫الزمين للمحكمة اخلاصة يبدأ من ‪ 30‬نوفمرب ‪ ،2556‬بالتزامن م توقي اتفاق سالم‬
‫أبي ان ‪ the Abidjan Peace Agreement‬الذي مت التوصل إليه بني حكومة‬
‫سرياليون ومتمردي "اجلبهة الثورية املوحدة" ‪ 33 RUF‬وهو األمر الذي أوصى به األمني‬
‫العام لألمم املتحدة حىت ي يكون العبت ثقيال على احملكمة‪ ،‬على الرغم من أن‬
‫الصراع قد بدأ س عام ‪ 2552‬حسب ما هو متفق عليهق‬

‫ولقد طالب حكومة سرياليون من األمم املتحدة بتمديد الإختصاص الزمين‬


‫للمحكمة لبداية الصراع س عام ‪ ،2552‬لكن دون جدوى‪ ،‬ومل يكن التربير الذي‬
‫قدمته األمم املتحدة مقنعا‪ ،‬ولعلها مل تكن مرتاحة باملشاركة لعدم اعرتاضها على‬
‫أحكام العفو العام س ذلك الوق ‪ ،‬على النقيض من املوقف الذي اختذته بعد ذلك‬
‫س لوميق‬

‫ولقد ورد عن "كوس عنان" س رسالة جمللس األمن عام ‪ ،1000‬حينما كان الإطار‬
‫القانوين للمحكمة ي يزال على طاولة املفاوضا ‪ ،‬أنه "ينبغي احلرص على أن‬
‫احملكمة اخلاصة لسرياليون وجلنة احلقيقة واملصاحلة سوف تعمالن بشكل مكمل‬
‫وداعم لبعضهما البعض‪ ،‬س ظل الإحرتام الكامل للوظائف املختلفة وذا الصلة س‬

‫‪32‬‬ ‫‪UN Doc. S/RES/2000/1315.‬‬


‫‪ 33‬إتفاق السالم بني حكومة مجهورية سرياليون واجلبهة املوحدة لسرياليون‪ ،‬أبي ان‪ 30 ،‬نوفمرب ‪2556‬ق‬

‫‪225‬‬
‫آن لكل منهما"‪34‬ق ومب رد أن أصب واضحا أن كال امل سستني ستعمالن بشكل‬
‫مواز‪ ،‬ثار العديد من التكهنا حول كيفية التفاعل الذي ميكن أن ينش بينهماق‬
‫فمن جهة‪ ،‬رأى أولئك الذين يعارضون جلان احلقيقة وجينحون إ املالحقة اجلنائية‪،‬‬
‫فرصة لتهميش جلنة احلقيقة واملصاحلة وإخضاعها للمحكمة اخلاصة كهيئة حمققة أو‬
‫هيئة خملفني؛ على سبيل املثال‪ ،‬كتب منظمة العفو الدولية أن مسايمة جلنة احلقيقة‬
‫واملصاحلة س وض حد لظاهرة الإفال من العقاب ضعيفة جدا أو منعدمة‪،‬‬
‫وأوص ‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬أنه على كل من حكومة سرياليون واجملتم الدويل أن‬
‫يعرتفا أنه س حني قد تكون جلنة احلقيقة واملصاحلة قادرة على تقدمي مسايمة هامة‬
‫لإثبا احلقيقة حول انتهاكا حقوق الإنسان وفهم طبيعة الصراع س سرياليون‪،‬‬
‫فإهنا ي ينبغي أن تكون بديال حملاكمة املس ولني عن جرائم خطرية مبوجب القانون‬
‫‪35‬‬
‫الدويلق‬

‫‪International‬‬ ‫س نفس السياق‪ ،‬أشار الل نة الدولية للصليب األمحر‬


‫)‪ committee of Red Cross (ICRC‬أن العفو ليس مستبعدا مبوجب القانون الدويل‬
‫الإنساين طاملا ي يتم إفراغ مبدأ حماكمة مرتكيب اينتهاكا اجلسيمة من مضمونه‪،‬‬
‫ولقد أكد التطورا س سرياليون هذا املوقف‪ ،‬وهي تطورا تشري‪ ،‬بشكل عام‪،‬‬
‫إ تغري موقف القانون الدويل بش ن مس لة العفو‪ ،‬فبعد إدراج حكم العفو س اتفاق‬
‫السالم املربم بني حكومة سرياليون والفصيل املتمرد املتمثل س "اجلبهة الثورية‬
‫املوحدة"‪ ،‬أحلق املمثل اخلاص لألمم املتحدة بالإتفاق نفيا خبط اليد‪ ،‬ينص فيه على‬
‫أن األمم املتحدة تفسر حكم العفو على أنه ي ينطبق على اجلرائم الدولية املتمثلة س‬
‫الإبادة اجلماعية‪ ،‬واجلرائم ضد الإنسانية وجرائم احلرب واينتهاكا اخلطرية األخرى‬
‫للقانون الدويل الإنساينق‬

‫وبناتً على ذلك‪ ،‬نص املادة (‪ )20‬من النظام األساسي للمحكمة اخلاصة‬
‫لسرياليون‪ ،‬على أن العفو عن اجلرائم اليت تق ضمن اختصاص احملكمة "ي ينبغي أن‬

‫‪ 34‬حرر الرسالة بتاريخ ‪ 21‬يناير سنة ‪ 1002‬من طرف األمني العام لألمم املتحدة إ رئيس جملس األمنق‬
‫‪UN Doc. S/2001/40, para. 9.‬‬
‫‪“Sierra Leone: Renewed Commitment to End Impunity,” AI index:‬‬
‫‪35‬‬

‫‪AFR 51/007/2001, September 24, 2001.‬‬

‫‪226‬‬
‫يشكل عائقا أمام احملاكمة"‪ ،‬ولقد صرح دائرة الإستئناف س احملكمة اخلاصة‬
‫لسرياليون أن اتفاق لومي للسالم ي ميكنه أن جيردها من اختصاصها‪36‬ق‬

‫وعليه‪ ،‬ميكن القول أن هناك افرتاضا قويا‪ ،‬ظهر س اآلونة األخرية‪ ،‬ي يد عدم‬
‫شرعية العفو س القانون الدويل‪ ،‬وم ذلك‪ ،‬فإن حالة القانون الدويل كما هو عليه‬
‫اليوم‪ ،‬ي ميكنه أن يدف إ الإلتزام العام للدول س أن متتن عن سن قوانني العفو فيما‬
‫يتعلق باجلرائم الدوليةق‬

‫س املقابل‪ ،‬أصر أولئك الذي حيبذون مقاربا العدالة التصاحلية على أيمية وجود‬
‫جلنة حقيقة ومصاحلة قوية وديناميكية كعنصر مكمل للمحاكمة؛ وت سيسا على هذا‬
‫املتحدة للسالم ‪the United States‬‬ ‫املنطلق‪ ،‬عقد خربات من معهد الوييا‬
‫‪ ، Institute of Peace‬وجموعة القانون الدويل حلقوق الإنسان ‪the International‬‬
‫‪ ،Human Rights Law Group‬واملركز الدويل للعدالة اينتقالية ‪the International‬‬
‫‪ ،Center for Transitional Justice‬مائدة مستديرة س بداية شهر أكتوبر سنة‬
‫‪ ،1002‬ملناقشة الكيفية اليت ميكن أن تتفاعل هبا كال ا يئتني م بعضق‪ 37‬وك زت من‬
‫أنشطتها لإنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬عقد كل من مفوضية األمم املتحدة‬
‫السامية حلقوق الإنسان ‪the Office of the UN’s High Commissioner for‬‬
‫)‪ Human Rights (OHCHR‬ومكتب األمم املتحدة للش ون القانونية ‪the UN’s‬‬
‫‪ ،Office of Legal Affairs‬إجتماعا للخربات س مدينة نيويورك‪ ،‬وقد وصف هذا‬
‫الإجتماع على النحو التايل س تقرير املفوض السامي‪:‬‬

‫مت تنظيم اجتماع اخلربات حول موضوع العالقة بني جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة‬
‫اخلاصة من قبل مفوضية األمم املتحدة السامية حلقوق الإنسان )‪ (OHCHR‬ومكتب‬
‫األمم املتحدة للش ون القانونية (‪ )OLA‬س نيويورك يومي ‪ 10‬و‪ 12‬ديسمرب ‪.1002‬‬
‫ناقش املشاركون من خالله قضية هامة تتمثل س العالقة الودية بني امل سستني اليت من‬

‫‪36‬‬ ‫‪Special Court for Sierra Leone, Prosecutor against Morris Kalon, Brima‬‬
‫‪Bazzy Kamara, Case No. SCSL-04-15-PT- 060, Decision on Challenge to‬‬
‫‪Jurisdiction: Lomé Accord Amnesty (Appeals Chamber), 13March 2004,‬‬
‫‪para. 88.‬‬
‫‪37 Richard Bennett, note 6 above, at p. 43.‬‬

‫‪227‬‬
‫ش هنا أن تعكس دور كل منهما‪ ،‬بالإضافة إ املس لة الصعبة املتمثلة فيما إذا ينبغي‬
‫أن يتم تبادل املعلوما الواردة لدى كال امل سستني فيما بينهما‪ .‬وقد مت فحص‬
‫إجيابيا وسلبيا جمموعة واسعة من احتماي التعاون بني الل نة واحملكمة‪ ،‬وبناتً‬
‫على تلك املناقشا ‪ ،‬اتفق املشاركون على عدد من املبادئ األساسية اليت ميكن أن‬
‫توجه جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة س حتديد سبل التعاون‪ .‬وتشمل هذ‬
‫املبادئ ما يلي‪:‬‬

‫أُنشئ جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة س أوقا متفاوتة‪ ،‬وس ظل قواعد‬
‫قانونية متباينة وم تفويض خمتلف‪ ،‬وم ذلك فإهنما أديا أدورا متكاملة س ضمان‬
‫املساتلة‪ ،‬والردع‪ ،‬ومج تصرحيا الضحايا واجلناة واملصاحلة الوطنية وجرب الضرر‬
‫وحتقيق العدالة التصاحلية لشعب سرياليون‪.‬‬

‫‪ .I‬س حني أن للمحكمة اخلاصة األسبقية على احملاكم الوطنية س سرياليون‪،‬‬


‫وعدم عمل جلنة احلقيقة واملصاحلة س نفس هذا السياق‪ ،‬غري أنه ي ينبغي‬
‫مناقشة العالقة بني ا يئتني على أساس وجود األسبقية أو عدمها؛ ا دف‬
‫األمسى لكل من جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة ينبغي أن يتم اسرتشاد من‬
‫مطلب جملس األمن واألمني العام لألمم املتحدة س أن تعمل كال امل سستني‬
‫بطريقة متكاملة ومتعاضدة بشكل متبادل‪ ،‬حمرتمة وظائف كل منهما املتباينة‬
‫‪38‬‬
‫وذا الصلة س آن‪.‬‬
‫‪.II‬ينبغي م سسة سبل التعاون من خالل عقد اتفاق بني جلنة احلقيقة واملصاحلة‬
‫واحملكمة اخلاصة‪..‬جيب الإحرتام التام يستقالل كال امل سستني وتفويض كل‬
‫‪39‬‬
‫منهما‪.‬‬

‫وبالإضافة إ ايجتماعا اليت ترعاها األمم املتحدة‪ ،‬وضع بعض املنظما‬


‫الدولية غري احلكومية بعض املقرتحا حول نوعية أحكام الإتفاق الذي ميكن أن‬
‫جيسد العالقة اليت حتكم امل سستنيق ورغم أن إمكانية تقاسم اجلهود حلماية الشهود‪،‬‬
‫وكذلك الرتمجة‪ ،‬ونشر الوعي العام‪ ،‬قد أُخذ بعني الإعتبار ضمن النقاشا الدائرة‬

‫‪38‬‬ ‫‪S/2001/40, paragraph 9; see also S/2000/1234.‬‬


‫‪39‬‬ ‫‪UN Doc. E/CN.4/2002/3, para. 70.‬‬

‫‪228‬‬
‫حول كيفية تعاون ا يئتني‪ ،‬غري أن الرتكيز نزع على ما مسي بتبادل املعلوما ‪ ،‬وهو‬
‫ما اتفق خربات اجتماع ديسمرب على تسميته بـ"املس لة الصعبة"ق‬

‫حاول املقرتحا األساسية املختلفة تنظيم سبل "تبادل املعلوما " بني جلنة‬
‫احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة‪ ،‬غري أنه عند املمارسة على الواق ‪ ،‬كان من‬
‫الواض أن ذلك سيكون طريقا ذو اجتا واحد‪ ،‬إذ متثل خماوف الل نة س أن وصول‬
‫احملكمة ملعلوماهتا سيكون له ت ثري سليب على اجلناة الذي مت إغراؤهم للتعاون م‬
‫الل نة مبنحهم العفو‪ ،‬حيث أشار األمني العام س هذا الصدد‪ ،‬إ أن اجلبهة كان‬
‫متقبلة لل نة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬لكنها أعرب عن قلقها إزات استقاللية الل نة‪،‬‬
‫والعالقة بني هذ األخرية واحملكمة اخلاصة‪40‬ق ووفقا ملنظمة ‪Human Rights Watch‬‬
‫فإن الشكوك حول قدرة جلنة احلقيقة واملصاحلة س الإحتفاظ باملعلوما بكل ثقة‬
‫وسرية‪ ،‬قد يضعف استعداد األشخاص للحضور أمام الل نة والإديت بشهاداهتم‪41‬ق‬

‫س هناية املطاف‪ ،‬مل يكن هناك أي اتفاق رمسي بني ا يئتني‪ ،‬وعليه‪ ،‬مل يكن هناك‬
‫أي تبادل للمعلوما ‪ ،‬ومل تُظهر أي من امل سستني أي مصلحة س التعاون‪ ،‬وكاليما‬
‫حافظ على عالقا اجلوار وي شيت أكثر من ذلكق ولقد أعلن املدعي العام‬
‫للمحكمة اخلاصة‪" ،‬ديفيد كرين" ‪ ، David Crane‬أنه غري مهتم س احلصول على‬
‫معلوما من جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬وهي خطوة طم ن بعض اجلناة الذين كانوا‬
‫قلقني من أن تقدم الل نة معلوما للمحكمة اخلاصة‪ ،‬فتقوم هذ األخرية‬
‫باستخدامها ضدهمق‬

‫بعدما خلص جلنة احلقيقة واملصاحلة من جلسا استماعها العامة س شهر أو‬
‫من سنة ‪ ،1003‬طالب بعض معتقلي احملكمة اخلاصة بالإديت بشهاداهتم أمام الل نة‬
‫س جلسا استماع عامة‪ ،‬بيد أنه من املثري للدهشة‪ ،‬معارضة املدعي العام للمحكمة‬
‫ملثل هذ املبادرة اليت اختذهتا الل نة لتسهيل هذ اجللسا العامةق ولقد مس رئيس‬

‫‪ 40‬راج التقرير ‪ 22‬لألمني العام حول مهمة األمم املتحدة س سرياليون ‪S/2001/857, para. 44.‬‬

‫‪41‬‬‫‪cited in International Centre for Transitional Justice paper: “Exploring‬‬


‫‪the Relationship Between the Special Court and the Truth and‬‬
‫‪Reconciliation Commission of Sierra Leone”, June 24, 2002, p. 8.‬‬

‫‪229‬‬
‫احملكمة‪ ،‬القاضي "جيفري روبرتسون" ‪ Geoffrey Robertson‬للمتهمني باملثول أمام‬
‫الل نة‪ ،‬دون السماح م بتقدمي شهاداهتم س جلسا علنية‪ ،42‬وفسر القاضي‬
‫روبرتسون ذلك بقوله‪:‬‬

‫إن ما هو مقرتح س الواق ميكن وصفه بطرق خمتلفة‪ :‬قد يبدو وك نه مشهد رجل‬
‫ينتظر حماكمته على اهتاما خطرية جدا‪ ،‬حيث سيتم عقد تلك احملاكمة قريبا س‬
‫احملكمة ذاهتا‪ ،‬لكن أمام األسقف بدي من القاضي رئيس احملكمة‪ ،‬م السماح بالبث‬
‫املباشر ذ احملاكمة لألمة ملدة يوم أو أكثر دون انقطاع‪ .‬بعد ذلك وس اييام التالية‪،‬‬
‫سيتم است وابه من قبل األسقف ومخسة أو ستة من املفوضني اآلخرين‪ ،‬وسيكون هناك‬
‫س اجلوار كل من الصحافة‪ ،‬واملدعني العامني‪ ،‬والضحايا‪ .‬سيكون مستشار حاضرا‬
‫دون أن تكون هناك أي إجراتا أو قواعد ثابتة‪ .‬هذا املشهد يشبه احملاكما امل لوفة‬
‫س القرون املاضية‪ ،‬وليس من الضروري التكهن بعواقب مثل هذا املشهد‪ :‬فقد ي يكون‬
‫هناك أي عواقب‪.‬‬

‫قد يكون هناك خماوف إزات احملاكمة اليت ميكن أن ت دي إ ترهيب الشهود‪ ،‬قد‬
‫يكون هناك أولئك الذين سيتبعون بال شك نصيحة حماميهم س عدم الإديت‬
‫بشهاداهتم‪ ،‬وذلك له ت ثري سليب على املفاهيم العامة للرباتة وقد يرتتب عنه عدم‬
‫الإستماع لشهود الدفاع احملتملني‪ ،‬وأخشى أنه من احملتمل أن سيكون هناك نتي ة‬
‫أخرى ‪ ،‬وهي القلق الشديد بني املتهمني اآلخرين‪ ،‬خاصة ممن ينتمون للفصائل‬
‫املتناحرة‪ ،‬خماوف بش ن ما إذا كان ينبغي عليهم الإديت بشهاداهتم أمام جلنة احلقيقة‬
‫واملصاحلة‪ ،‬أو إنكارها ونفيها‪ ،‬إن مشهد جلنة احلقيقة واملصاحلة س عملها م احملكمة‪،‬‬
‫سيثري التوق حول أهنا من سيوق اجلزات على املتهمني‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن إعالن الذنب أو‬
‫الرباتة‪ ،‬هو من اختصاص احملكمة اخلاصة وحسب‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪Prosecutor v. Norman (Case No. SCSL–2003–08–PT), Decision on‬‬


‫‪Appeal by the Truth and Reconciliation Commission for Sierra Leone‬‬
‫‪and Chief Samuel Hinga Norman JP Against the Decision of His‬‬
‫‪Lordship, Mr Justice Bankole Thompson Delivered on 30 October 2003‬‬
‫‪to Deny the TRC’s Request to Hold a Public Hearing With Chief Samuel‬‬
‫‪Hinga Norman JP, 28 November 2003.‬‬

‫‪230‬‬
‫ي أستطي أن أصدق أن حمكمة نورمبورغ كان لتسم لس نائها باملشاركة س‬
‫مثل هذا املشهد‪ ،‬هل كان هناك جلنة حقيقة ومصاحلة س أملانيا بعد احلرب‪ ،‬أو هل‬
‫مسح احملاكم اجلنائية الدولية ليوغوسالفيا سابقا أو روواندا ببث حماكما املتهمني‬
‫هبذ الطريقة لشعب صربيا أو روواندا‪ .‬إذا كان من املمكن أن تعمل جلان احلقيقة‬
‫واملصاحلة واحملاكم الدولية م بعض س بذل اجلهود الرامية إ الوصول للعدالة بعد‬
‫انتهات الصراع س أماكن أخرى مستقبال‪ ،‬ف نا ي أعتقد أن الإستماع للشهادا س‬
‫جلسا علنية سيكون سابقة مفيدة‪.43‬‬

‫كان نتي ة حرمان املتهمني من املنرب الذي كانوا يسعون إليه‪ ،‬أن رفضوا التعاون‬
‫م جلنة احلقيقة واملصاحلة‪ ،‬ولألسف‪ ،‬ترك هذ التوترا الناجتة طعما مرا س‬
‫العالقا بني جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة‪ ،‬وهو ما يدل على أهنا مل تكن‬
‫عالقة هادئة س واق األمرق‬

‫عوجل قضية شهادة معتقلي احملكمة اخلاصة من خالل تقسيم العمل بني‬
‫امل سستني؛ إذ مت اقرتاح أن هتتم جلنة احلقيقة واملصاحلة مبا مسي بـ"األمساك الصغرية"‪،‬‬
‫س حني ركز احملكمة على "الكبرية" منها؛ وهو ما مت الت كيد عليه سلفا س أن‬
‫اختصاص احملكمة يقتصر على أولئك الذين يتحملون القسط األكرب من املس ولية‪،‬‬
‫وهو ما ورد صراحة س املادة األو من النظام األساسي للمحكمةق ولقد شدد جملس‬
‫األمن‪ ،‬أثنات فرتة إنشات احملكمة اخلاصة‪ ،‬أنه من األفضل ترك جلنة احلقيقة واملصاحلة‬
‫تتعامل م اجلناة ال ُقصر‪ ،‬مما يشري إ أن اجمللس قد فهم العالقة بني ا يئتني على أهنا‬
‫تنطوي على نوع من حتديد جماي اختصاص كل منهما‪44‬ق‬

‫بيد أن جلنة احلقيقة واملصاحلة أثبت أنه ينبغي عليها الإهتمام أيضا بـ"األمساك‬
‫الكبرية" س إشارة لل ناة احملت زين س عهدة احملكمة اخلاصة‪ ،‬وس الواق فإن ذلك‬
‫معقول جدا‪ ،‬بالنظر إ أنه مت تكليف الل نة بإعداد الس ل التارخيي للصراع‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي ينطوي بالضرورة النظر س دور املشاركني الرئيسينيق‬
‫‪43‬‬ ‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 44‬رسالة حمررة بتاريخ ‪ 11‬ديسمرب سنة ‪ 1000‬من طرف رئيس جملس األمن إ األمني العام لألمم املتحدةق‬
‫‪UN Doc. S/2000/1234, p. 1‬‬

‫‪231‬‬
‫أوفد تقارير املراقبني س اجملال‪ ،‬أن الناس س سرياليون خيلطون وي يفرقون ما بني‬
‫ا يئتني‪ ،‬وهو ما مت تقدميه كمشكلة‪ ،‬متثل احلل املقرتح ا س القيام حبمال ملزيد من‬
‫التوعية‪ ،‬م العلم أن اخللط والإلتباس حول أمر تفويض ومهام هاتني ا يئتني‪ ،‬هو أمر‬
‫طبيعي ومفهوم للغاية‪ ،‬فمعظم طلبة القانون األورويب‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬جيدون‬
‫صعوبة س شرح الفوارق ما بني احملكمة األوروبية حلقوق الإنسان‪ ،‬وحمكمة العدل‬
‫األوروبية؛ املواطن العادي س الوييا املتحدة قد يواجه حتد للتمييز بني كبري قضاة‬
‫احملكمة العليا والنائب العام؛ فكيف ميكن أن نتوق من فالحني وأميني س ريف‬
‫سرياليون أن يستوعبوا بشكل أفضل؟ ورمبا كان الإلتباس حول مهام ا يئتني دليال‬
‫على جناحهما وليس فشلهما‪ ،‬فشعب سرياليون فهم أن كال ا يئتني موجودة على‬
‫أرض الواق ‪ ،‬وأن لديهما بعض األهداف املشرتكة‪ ،‬مثل املساتلة عن انتهاكا‬
‫حقوق الإنسان‪ ،‬وهو ما يعين أن الرسالة قد ُسلِّم والتوعية قد حتقق ق‬

‫أهن جلنة احلقيقة واملصاحلة وييتها على الرغم من أهنا عان بشدة من ضعف‬
‫التمويل والتسيري‪ ،‬غري أهنا س العموم‪ ،‬كان قادرة على دف العديد من اجلناة إ‬
‫التعاون معها‪ ،‬ممن أدلوا بشهاداهتم عن أفعا م س جلسا عامة أو مغلقة‪ ،‬علما أن‬
‫إقناع أولئك الذين ارتكبوا الفضائ بالإعرتاف جبرائمهم ليس باألمر ا ني‪ ،‬يسيما‬
‫وأن جلنة احلقيقة واملصاحلة لسرياليون مل تكن لديها ورقة العفو كنظريهتا س جنوب‬
‫إفريقيا‪ ،‬بغرض استخدامها كمحفز لرتغيب اجلاين س الإعرتافق‬

‫إن رغبة اجلناة من عدمها س ايعرتاف واملثول سوات أمام جلان احلقيقة أو احملاكم‪،‬‬
‫ي عالقة ا بوعود العفو أو التهديد باملالحقة القضائية كما قد يتصور البعض‪،‬‬
‫فحسب ما ورد عن أغلب اجملرمني‪ ،‬فإنه على الرغم من التحذيرا بش ن احلق س‬
‫التزام الصم من قبل حماميهم‪ ،‬فإن بعض مرتكيب اينتهاكا اخلطرية حلقوق‬
‫الإنسان قد يشعرون باحلاجة إ حترير أنفسهم من عبت ت نيب الضمري؛ س املقابل‬
‫هناك من هم غري قادرين على الإعرتاف مبا قاموا به‪ ،‬حىت إن مت منحهم وعدا بعدم‬
‫مالحقتهم قضائيا‪ ،‬وهو ما يشري إ أن التوصل إ قول احلقيقة أمر نسيب‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن هتديد احملاكمة اجلنائيةق‬

‫‪232‬‬
‫الخاتم ـ ـة‪:‬‬
‫تشمل العدالة اينتقالية عددا من اآلليا اليت تتي جملتمعا ما بعد الصراع‬
‫بالتعامل م مآسي املاضي‪ ،‬سعيا لتحقيق تغيري جذري‪ ،‬غري أنه إذا ما مت مج هذ‬
‫اآلليا على صعيد واحد بآليا العدالة اجلنائية‪ ،‬فإن الإصطدام جبدار العفو‬
‫سيحصل ي حمالةق يوض منوذج سرياليون التحدي الذي تواجهه العديد من‬
‫اجملتمعا اخلارجة من فرتة من الإضراب الشديد‪ ،‬وكيفية تعاملها م ما خلفه الصراع‬
‫من تركة من اجلرائم اخلطرية‪ ،‬ومتثل هذ املعضلة جزتا من األسس املفاهيمية للعدالة‬
‫اينتقاليةق‬

‫يزيل العفو اآلثار القانونية املرتتبة عن جرائم معينة‪ ،‬وقد استخدم هذ الورقة س‬
‫العديد من حاي ما بعد الصراع بغرض تعزيز املصاحلة الوطنية‪ ،‬وقد ختتلف طبيعة‬
‫هذا العفو‪ ،‬فقد يتم الإلت ات إليه خلدمة مصاحل ذاتية س حال سقوط أنظمة على‬
‫سبيل املثال (الشيلي)‪ ،‬وقد جيسد حماوي صادقة للتعامل م إرث ما بعد الصراع‬
‫(جنوب إفريقيا)‪ ،‬ورغم أن العفو ي يعترب جزتا أساسيا س العدالة اينتقالية‪ ،‬غري أنه‬
‫قد يتداخل بالت كيد م آلياهتاق‬

‫تواجه مقاربة العدالة اينتقالية للتعامل م مآسي املاضي‪ ،‬عددا من األولويا‬


‫املتضاربة‪ ،‬أحدها خيص موضوع هذ الدراسة‪ ،‬أي وهو العالقة الرتابطية بني‬
‫احملاكما اجلنائية الدولية أمام احملكمة اجلنائية الدولية والبحث عن احلقيقة من قبل‬
‫جلان احلقيقةق إن نظام روما األساسي املنشئ للمحكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬والذي دخل‬
‫حيز النفاذ س الفات من شهر جويلية سنة ‪ ،1001‬يهدف إ القضات على ظاهرة‬
‫الإفال من العقاب‪ ،‬وذلك على أشد اجلرائم خطورة موض اهتمام اجملتم الدويل‬
‫ككل‪ ،‬إذ يق الإختصاص القضائي للمحكمة اجلنائية الدولية على جرائم الإبادة‬
‫اجلماعية‪ ،‬واجلرائم ضد الإنسانية‪ ،‬وجرائم احلرب‪ ،‬ويتم إحالة القضايا إ املدعي‬

‫‪233‬‬
‫العام للمحكمة سوات من طرف الدولة‪ ،‬أو جملس األمن الدويل‪ ،‬أو املدعي العام‬
‫نفسه‪ ،‬إذا ما يحظ حالة عدوان وقرر فت حتقيق فيهاق‬

‫س املقابل‪ ،‬ختتلف وظائف جلان احلقيقة عن وظائف احملكمة اجلنائية‪ ،‬ورغم أن‬
‫كل جلنة حقيقة تتميز بطاب فريد يعكس جتارب معينة س بلد ما‪ ،‬بيد أنه من املمكن‬
‫حتديد بعض السما املشرتكة بينها‪ :‬أوي؛ تركز جلان احلقيقة على املاضي‪ ،‬ثانيا؛ ي‬
‫تركز جلان احلقيقة على حدث معني‪ ،‬بل حتاول رسم صورة عامة عن بعض‬
‫الإعتداتا حلقوق الإنسان‪ ،‬واينتهاكا للقانون الإنساين الدويل‪ ،‬على مدى فرتة‬
‫من الزمن‪ ،‬ثالثا؛ عادة ما توجد جلان احلقيقة لفرتة م قتة من الوق ‪ ،‬حمددة مسبقا‪،‬‬
‫وينتهي تفويضها بعدما تقدم تقريرا يضم مجلة النتائج اليت توصل إليها‪ ،‬وأخريا؛ تُناط‬
‫جلان احلقيقة دائما بنوع من السلطة‪ ،‬اليت تتي ا إمكانية أكرب للوصول إ‬
‫املعلوما ‪ ،‬وقدرا أكرب من األمن واحلماية للتحقيق س القضايا احلساسة‪ ،‬وبالتايل‬
‫ليكون لتقريرها ت ثري أكربق‬

‫يتم إنشات معظم جلان احلقيقة س فرتا الإنتقال أو التحول السياسي س بلد ما‪،‬‬
‫وتستخدم لت كيد القطيعة م ماض حافل باينتهاكا حلقوق الإنسان‪ ،‬ولتعزيز‬
‫املصاحلة الوطنية‪ ،‬و‪/‬أو للحفاظ على اشرعية السياسيةق ويبد من الإشارة‪ ،‬بادئ ذي‬
‫بدت‪ ،‬أن حماكما احملكمة اجلنائية الدولية من جهة وجلان احلقيقة من جهة أخرى‪،‬‬
‫ليس متعادية س جوهرها كما أهنا ليس متنافية‪ ،‬فقد ترتبط اسرتاتي يا العدالة‬
‫اينتقالية م احملاكما اجلنائية‪ ،‬استنادا إ األدلة اليت مجعتها جلان احلقيقة (البريو‬
‫منوذجا)‪ ،‬وم ذلك‪ ،‬تكون هناك مجلة من العوائق العملية‪ ،‬واللوجستية‪ ،‬والسياسية‪،‬‬
‫س أعقاب الصراعا ‪ ،‬واليت قد حتول دون إجرات حماكما جنائية‪ ،‬مثل حاي‬
‫دمار الإطار امل سسي للدولةق وس الوق نفسه قد يكون العفو احلافز الوحيد ملرتكيب‬
‫اجلرائم للمضي قدما والإديت بشهاداهتم أمام جلان احلقيقة‪ ،‬وقد يتم من العفو بطرق‬
‫خمتلفة‪ :‬من قبل جلنة احلقيقة نفسها (جنوب إفريقيا منوذجا)‪ ،‬أو من طرف الدولة بعد‬
‫إنتهات عمل جلنة احلقيقة (السلفادور منوذجا)‪ ،‬أو قد يتم منحه من خالل املفاوضا‬
‫السياسية وذلك قبل إنشات جلنة احلقيقة‪ ،‬وهي حالة دراستنا هذ ‪ ،‬سرياليونق‬

‫وي يتضمن نظام روما األساسي حكما حمددا بش ن العفو‪ ،‬سوات مت منحه‬
‫بالإشرتاك م جلان احلقيقة أم ي‪ ،‬ومن احملتمل أن ذلك راج إ اآلرات املتباينة‬

‫‪234‬‬
‫وبشكل واس بني الوفود املتفاوضة س م متر روما‪ ،‬حيث خلص "تشارز فيال‬
‫فسينسيو" ‪ Charles Villa-Vicencio‬إ القول أن "إنشات احملكمة اجلنائية الدولية‬
‫قد يكون خميفا بعض الشيت‪ ،‬ألنه ميكن أن يتم تفسري ‪ ،‬ولو بشكل غري صحي ‪،‬‬
‫بغلق الباب أمام الل وت إ إستخدام جلان احلقيقة كآلية تش الإبتعاد عن املواقف‬
‫السياسية والإيديولوجية الثابتة اليت قد ت دي إ ارتكاب جرائم الإبادة اجلماعية‪،‬‬
‫وتسعى بدي من ذلك إ حتقيق التعايش السلمي واملصاحلة الوطنية"‪45‬ق‬

‫سايم جتربة العدالة ما بعد الصراع س سرياليون س تطوير جمال العدالة اينتقالية‪،‬‬
‫من خالل جتسيدها ملخرب لدراسة كيفية عمل وتفاعل كل من جلان احلقيقة واملصاحلة‬
‫واحملاكم اجلنائية الدولية‪ ،‬م بعضهم البعض‪ ،‬ولقد أظهر هذ الت ربة أن التكهنا‬
‫حول العالقا واملشاكل احملتملة بني ا يئتني كان مبالغا فيها بعض الشيت‪ ،‬وعليه‪،‬‬
‫ي ميكن التقليل من ش ن هذ الت ربة واستغال ا على حاي أخرى لعدالة ما بعد‬
‫الصراع‪ ،‬فرغم أن اآلرات حول عمل كال ا يئتني م بعض انقسم بني فريق معارض‬
‫وآخر مداف ‪ ،‬فقد أثبت سرياليون أنه عكس ما يعتقد الكثريون‪ ،‬فإن التعاون بني‬
‫اآلليتني ممكن‪ ،‬ولعل املمارسة س سرياليون ستقن املدعي العام للمحكمة اجلنائية‬
‫الدولية املقبلة جبدوى اتباع مقاربا متكاملة‪ ،‬أين تقرتن فيها إجراتا املالحقة‬
‫القضائية م آليا بديلة للمساتلةق‬

‫إن فكرة إنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة س سرياليون مت تش يعها من قبل اجملتم‬
‫الدويل‪ ،‬على الرغم من أنه ثار بعض النقاشا داخل سرياليون حول أيمية الل نة‬
‫قبل إنشائها‪ ،‬بيد أنه لوي إصرار األمم املتحدة ما كان ذا املشروع أن يشهد النور‪،‬‬
‫ذلك أن سرياليون بلد فقري جدا‪ ،‬وما كان ليتحمل التمويل الكبري الذي حتتاجه جلنة‬
‫احلقيقة واملصاحلةق‬

‫بعدما قدم تقريرها‪ ،‬إختف الل نة رمسيا من الوجود‪ ،‬ولقد وفر قانون جلنة‬
‫احلقيقة واملصاحلة ‪ Act 2000‬آليا املتابعة لضمان تنفيذ التوصيا ق ويبدو أن جلنة‬

‫‪45‬‬‫‪Charles Villa-Vicencio, ‘‘Why perpetrators should not always be‬‬


‫‪prosecuted: where the InternationalCriminal Court and truth commissions‬‬
‫‪meet’’, Emory Law Journal, Vol. 49 (2000), p. 205.‬‬

‫‪235‬‬
‫حقوق الإنسان كان اخللف اجلديد احلقيقي للل نة‪ ،‬كم سسة دائمة‪ ،‬وي يكمن‬
‫املشكل س جدوى بقات م سسا العدالة اينتقالية‪ ،‬ولكن س الطاب احملدود لإلنتقال‬
‫والتحول الشامل داخل سرياليونق‬

‫وميكن س هذا الصدد‪ ،‬إجرات مقارنة مفيدة م جتربة جنوب إفريقيا‪ ،‬أين كان‬
‫م سسا العدالة اينتقالية جزتا من حتول اجتماعي أوس من ذلك س سرياليون‬
‫بكثري‪ ،‬بقيادة جمتم مدين ديناميكي للغاية‪ ،‬لتظل جتربة سرياليون بعيدة كل البعد عن‬
‫جتربة جنوب إفريقيا س هذا اجلانب‪ ،‬وهو الإستنتاج امل سف الذي حيد من إمكانية‬
‫ت ثري جلنة احلقيقة واملصاحلة على مستقبل هذا البلد املضطربق‬

‫س اخلتام‪ ،‬نشري إ أنه س سبيل بنات جسر بني العدالة اجلنائية والعدالة اينتقالية‪،‬‬
‫اجملسدة من خالل هذ الدراسة س احملكمة اجلنائية الدولية وجلنة احلقيقة واملصاحلة س‬
‫سرياليون‪ ،‬ينبغي البدت أوي بت نب النظر لل ان احلقيقة كبديل للمحاكما ‪ ،‬فذلك‬
‫ما ي دي إ التناقضا ق ومنه‪ ،‬علينا أن حناول النظر إ جلان احلقيقة باعتبارها‬
‫مكملة للمحاكما ‪ ،‬سوات أكان وطنية أو دولية‪ ،‬وليس بديال اق‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬ولتعزيز العالقة ما بني العدالة اجلنائية (احملكمة اجلنائية الدولية)‬
‫والعدالة اينتقالية (جلنة احلقيقة واملصاحلة)‪ ،‬قد يكون من املفيد البحث س جدوى‬
‫إجرات احملاكما بعد عمل جلان احلقيقة‪ ،‬كوسيلة لكشف املزيد من احلقيقة‪ ،‬حىت ي‬
‫يكون الغرض من جلان احلقيقة محاية بعض اجلناة ممن ارتكبوا انتهاكا جسيمة‪،‬‬
‫وهي الفرضية اليت تشكل انتهاكا للقانون الدويل‪ ،‬واليت لن تكون ابدا س مصلحة‬
‫العدالة أو اجملتم ككل‪ ،‬و يظل التحدي قائما‪ ،‬وتظل هناك دائما توترا بني‬
‫متطلبا نظام العدالة اجلنائية‪ ،‬وبني األساليب غري العقابية لالنتهاكا اجلسيمة‬
‫واملنه ية حلقوق الإنسانق‬

‫‪236‬‬

You might also like