Professional Documents
Culture Documents
تكامل آليات العدالة الانتقالية والعدالة الجنائية - لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون نموذجا
تكامل آليات العدالة الانتقالية والعدالة الجنائية - لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون نموذجا
قاســي فوزيــة
أستاذة مساعدة "ب"
مقدمـ ـ ـة:
يعترب مفهوم العدالة اينتقالية مفهوما حديث العهد ،ظهر م بروز الصراعا س
اجملتمعا اليت تعرف انتقاي حنو الدميقراطية ،ليتم ربطه بالقضايا املتعلقة باينتهاكا
والإعتداتا اخلطرية للقانون الدويل والقانون الإنساين الدويل وحلقوق الإنسان ،حيث
تسعى العدالة اينتقالية إ كشف احلقيقة وتعويض ضحايا العنف واألعمال
الوحشية املرتكبة ،س حماولة لرتميم اجلراح وضمان عدم العودة ملآسي املاضي ،والغرض
من ورات ذلك يتمثل س استعادة األمن والسلم املدين وإقامة دولة القانون والدميقراطيةق
ونظرا ألن موضوع هذ الدراسة يستدعي إدراج تعريف للعدالة اينتقالية ،غري أننا
ي جند تعريفا جامعا مانعا ذ األخرية ،واملتفق عليه ،كما أسلفنا ،أهنا ت يت بعد فرتة
الصراع والإنتهاك اخلطري واملنه ي والواس حلقوق الإنسان والقانون الإنساين الدويل،
وميكن تصنيف احلاي اليت اعتمد فيها العدالة اينتقالية كآلية لتكريس العدالة
إ طائفتني:
أما الطائفة األو فتهتم بالنزاعا املسلحة غري الدولية ،وتندرج حت هذ
الطائفة احلرب األهلية بسرياليون ،وقد تصنف اينتهاكا املرتكبة س هذا السياق س
204
خانة جرائم احلرب مثل الإبادة اجلماعية هبدف القضات على اآلخر؛ بالإضافة إ
احلاي الناجتة عن تصفية الإستعمار ،واليت تندرج كذلك ضمن هذ الفئةق س حني
جند تركيز الطائفة الثانية ينصب على حاي الإنتقال إ الدميقراطية التعددية بعد
سقوط أنظمة احلكم املستبدة والدكتاتورية ،وما يتلو من قضايا انتهاك حلقوق
الإنسانق بيد أن هذا التصنيف يظل نسبيا نظرا حلداثة التنظري س جمال العدالة
اينتقالية ،ناهيك عن أن بعض احلاي ميكن ا أن تندرج ضمن كال الطائفتني1ق
بعدما زاد أيمية العدالة اجلنائية الدولية ،خاصة م بدايا عمل احملكمة اجلنائية
عرب املدافعون واملمارسون س جمال العدالة اينتقالية عن قلقهم إزات استحواذ
الدوليةَّ ،
العدالة اجلنائية الدولية على كامل مساحة العدالة اينتقالية ،لتصب العدالة اجلنائية
الدولية فرضا على العدالة اينتقاليةق وتعال اينتقادا بش ن إجراتا احملكمة
اجلنائية الدولية ،حيث جادل الباحثون أن العدالة اجلنائية الدولية ي تعارض العدالة
اينتقالية وحسب ،بل إهنا تضر بالعمليا الشاملة لإعادة البنات ايجتماعيق ولقد
قام الإحتاد الإفريقي بتبين هذا النقد ،معتربا جهود العدالة اجلنائية الدولية شكال من
1حممد بوسلطان" ،العدالة الإنتقالية والقانون" ،جملة القانون ،اجملتم والسلطة ،العدد ( ،1اجلزائر :ديوان
املطبوعا اجلامعية ،)1023 ،صق 22ق ISSN 2253-0266
205
أشكال الإستعمار الغريب اجلديد ،ويت لى ذلك س الرتكيز احلصري للمحكمة اجلنائية
الدولية على القارة الإفريقيةق
من ناحية أخرى ،يعترب املمارسون س جمال العدالة اجلنائية الدولية ،أن العدالة
اينتقالية هتتم بالتعامل م جرائم املاضي أو انتهاكا حقوق الإنسان اليت ي تستلزم
حماكمة ،وعليه ،ميكن للعدالة اينتقالية أن تكون مقدمة للعدالة اجلنائية الدولية ،كما
هو احلال م جلان احلقيقة ،اليت ينبغي عليها اكتشاف احلقيقة ومج األدلة حملاكما
يحقة؛ أو ،س حالة الإختالف حول هذا املوضوع ،ميكن للعدالة اينتقالية أن تكون
امتدادا للعدالة اجلنائية الدولية ،س ملت الثغرا واستكمال الدور املركزي ذ
األخرية ،وقد تصب العدالة اجلنائية الدولية بديال عن العدالة اينتقالية ،من خالل
توسي نطاق اختصاصها ليشمل جماي مثل تعويض الضحايا وإنشات الس ل
التارخيي للمحكمةق
إن آليا العدالة اينتقالية ضرورية لتحديد مس وليا اجلناة وتعويض الضحايا
لتحقيق املصاحلة وإعادة متاسك اجملتم ،وقد حيتاج الوصول ذا ا دف إ عدالة
متعددة األبعاد :قضائية من جهة ،ترمي إ تطبيق القانون وحتقيق سيادته،
وتصحيحية من جهة أخرى ،تعاجل اينتهاكا اجلسيمة وترمم جراح املاضي ،2وس
هذا الصدد ،تعترب جلان احلقيقة واملصاحلة أحد أهم آليا العدالة اينتقالية اليت
تسعى إ إعادة استتباب الثقة واألمن وإعادة بنات م سسا الدولةق
206
وجلسا استماع عامة حول القضايا املوضوعية ،وحتقيقا وحتريا أخرى واليت
دام حوايل مثانية أشهر ،كما عرض التقرير سردا مفصال عن تاريخ البالد ،وركز
على احلرب األهلية الوحشية اليت دار رحاها س التسعينيا ،وحلل خمتلف األبعاد
للحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بغية فهم أسباب الصراع ،ليورد س األخري
سلسلة من النتائج والتوصيا ق
ولعل أهم ما مييز عدالة ما بعد الصراع س سرياليون ،وجود العدالة اجلنائية الدولية
كآلية موازية ،متمثلة س احملكمة اجلنائية الدولية اخلاصة لسرياليون ،فقد كان س
املاضي ،يٌنظر إ جلان احلقيقة واملصاحلة كبديل للعدالة اجلنائية ،واليت ينحصر دورها
س بعض األحيان ،وبشكل غري رمسي ،س جتنب أو ،على األقل ،ت جيل احملاكما ؛
غري أن كال من جلنة احلقيقة واملصاحلة والعدالة اجلنائية عملتا بشكل متزامن س
سرياليونق وحىت إن كشف هذ الت ربة ،غري املسبوقة ،عن وجود بعض التوترا
بني كال املقاربتني ،بيد إهنا قد أثبت أيضا جدوى العمل الثنائي واملتزامن حملكمة
جنائية دولية وجلنة حقيقة ومصاحلةق وعليه ،فإن جتربة سرياليون قد تساعدنا على فهم
أن العدالة س مرحلة ما بعد الصراع تتطلب مزجيا معقدا من املقاربا التكميلية،
وليس خيارا واحدا من مجلة مقاربا بديلة واليت قد تتعارض س جوهرهاق
إن هشاشة م سسا الدولة أو اهنارها س فرتة ما بعد الصراع ،يسيما ما يتعلق
مبدى استقاللية جهازها القضائي ،وقدرته على حتقيق العدالة وتطبيق القانون ،هو ما
ميكن أن حيدد العالقة التكاملية بني العدالة اينتقالية والعدالة اجلنائية ،وهي املفارقة
اليت جتسد من خالل الت ربة اليت خاضتها العدالة ما بعد الصراع س سرياليون ،اليت
سع إ استعادة كرامة الضحايا و اسرتجاع الثقة بني األطراف املتصارعة ،فضال
عن هدف آخر يقف على النقيض م مبادئ عمل العدالة اجلنائية ،أي وهو من
العفو الشامل ملرتكيب اينتهاكا والت اوزا ،فماهي نسبة جناح تفاعل آليتني
خمتلفتني س املهام والإختصاص بصفة تكاملية هبدف حتقيق هدف أمسى ،أي وهو
العدالة؟
207
توصل إليها حتقيقا الل نة ،مدرجني مجلة التوصيا اليت شكل م النتائج أهم
ما ورد س تقرير الل نة (ثانيا)؛ لنتناول بعدها العالقة اليت قام بني جلنة احلقيقة
واملصاحلة واحملكمة اخلاصة لسرياليون ،لإلسرتشاد حول ما إذا كان عالقة تكامل ما
بني املهام ،أم تناقض س الإختصاص (ثالثا)ق
المحــور األول :إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون والدور الذي كلفت به
وعلى الرغم من أن حتقيق العدالة ،بعد ارتكاب اينتهاكا حلقوق الإنسان ،أمر
بالغ األيمية ،بيد أن ذلك قد ي يكون ممكنا على الواق العملي ،على أساس أن
احملاكم الدولية مهمة ،ولكنها ليس احلل النهائي والشاملق إذ تعترب احملاكما
الدولية مكلفة بشكل كبري ،وي حتاكم سوى جمموعة حمددة من اجلناة ،أولئك الذين
يق عليهم القسط األكرب من املس ولية؛ ومن املفارقا ،أنه س أغلب احلاي ،ي
تتم حماكمة أكرب املس ولني ،بل أكثر املتاحني س البالد ،ما جيعل العدالة إنتقائية
للغاية ،وتبدو وك هنا سبيل ملن العفو العام ،حبكم الواق ،للمس ولني وأولئك الذين
فروا من البالدق من هنا تربز احلاجة إ جلان احلقيقة ،ليس كحل سحري جلمي
املدمرة
َّ حتديا التحول ،أو كبديل لذلك ،ولكن كوسيلة مكملة ،ميكن للم تمعا
استخدامها من أجل جلب مناف العدالة للضحايا ،وهو ما سوف نناقشه من خالل
تناولنا لت ربة العدالة اينتقالية س سرياليونق
208
الفاسدة واملتسلطة ،و"م متر كل الشعب" ) ،All People’s Congress (APCالذي
حكم سرياليون منذ أواخر الستينيا ق وبالرغم من أن أحداث ذلك اليوم مل تت اوز
جمرد مناوشا ،غري أهنا مثل بداية عشرية من العنف الذي دمر البالدق
أمام حالة اخلراب اليت شهدهتا العاصمة ،سع احلكومة من أجل التوصل إ
السالم ،ومتثل البداية الرمسية لنهاية الصراع س اتفاق لومي للسالم Lomé Peace
Agreementبني حكومة سرياليون واجلبهة الثورية املتحدة RUFوذلك س 07جويلية
من عام 2555ق ولقد نص الإتفاق عن عفو مثري لل دل ،مت الإشارة إليه كذلك
209
بـ"الغفران" pardonأو "الإرجات" ،reprieveلصاحل مرتكيب الفضائ واألعمال
5
الوحشية س حق مجي أطراف النزاعق
Francis ولقد أبدى املمثل اخلاص لألمني العام لألمم املتحدة "فرانسيس أوكيلو"
Okeloحتفظا على هذا العفو ،مصرا على أنه ي ميكن تنفيذ على اجلرائم املرتكبة
ضد الإنسانية ،وجرائم احلرب ،والإبادة اجلماعية ،وغريها من اينتهاكا اخلطرية
6
األخرى للقانون الدويلق
Truth and ولقد التزم اتفاق لومي للسالم ب ن يتم إنشات جلنة للحقيقة واملصاحلة
) Reconciliation Commission (TRCس غضون تسعني ( )50يوماق وعلى الرغم
من اجلهود اليت سرعان ما بذل س سبيل إجناز هذ املهمة ،غري أن برملان سرياليون
ق7
مل يعتمد القانون املشرع ذا الغرض حىت يوم 11فرباير من عام 1000
Act 2000 ووفقا للمادة )2( 6من القانون الداخلي لل نة احلقيقة واملصاحلة
) (TRC Actفإنه قد مت ت سيس هذ اللل نة هبدف إنشات س ل تارخيي حمايد
لإنتهاكا وجتاوزا حلقوق الإنسان والقانون الإنساين الدويل اليت ارتكب جرات
الصراع املسل س سرياليون ،وذلك منذ بداية هذا األخري س عام 2552إ غاية توقي
إتفاق لومي للسالم؛ كما مت ت سيسها هبدف التصدي لظاهرة الإفال من العقاب،
والإست ابة يحتياجا الضحايا ،ومن أجل تعزيز املصاحلة والتئام اجلروح ،واحليلولة
دون تكرار دوامة العنف واينتهاكا اليت تعرضوا اق
قام برملان سرياليون بت سيس جلنة احلقيقة واملصاحلة وفقا للتعهد الذي أوجدته
املادة السادسة والعشرون ( )16من اتفاق لومي للسالم؛ وبالرغم من كوهنا م سسة
5 Daniel Macaluso, “Absolute and Free Pardon: The Effect of the
Amnesty Provision in the Lome Peace Agreement on the Jurisdiction of
the Special Court for Sierra Leone”, (2001) Brooklyn Journal of
International Law 27, p. 347.
6 UN Doc. S/1999/836.
7 Richard Bennett, “The Evolution of the Sierra Leone Truth and
210
وطنية ،فقد كان ذ الل نة بعدا دوليا ،إذ شارك س عملية إنشائها كل من املمثل
اخلاص لألمني العام لألمم املتحدة س سرياليون Special Representative of the
، Secretary-General for Sierra Leoneواملفوض السامي حلقوق الإنسان the
،High Commissioner for Human Rightsومتثل مهمتهما س التوصية بتعيني
8
ثالثة أعضات من الل نة ،على أي يكونوا مواطنني بسرياليونق
هذا ولقد ورد التمويل الفعلي للل نة من ماحنني دوليني ،حيث حتمل مكتب
املفوضية السامية حلقوق الإنسان مس ولية مج األموال ،اليت مت حتديد سقفها مبدئيا
بـ 20ماليني دوير أمريكي ،9بيد أن قلة املاحنني أد س هناية املطاف إ تلقي الل نة
ما يقارب 2ماليني دوير فقط ،نتي ة خميبة لآلمال ،دل على عدم الإكرتاث
باملهمة املناطة بالل نة ،بالرغم من التصرحيا الرباقة اليت رافق ت سيسهاق
211
على الرغم من أن املادة 6من قانون جلنة احلقيقة واملصاحلة تقرتح احلد من
الإختصاص الزمين للل نة ،من سنة ،2552تاريخ بداية احلرب األهلية ،إ غاية اتفاق
لومي للسالم املنعقد س 07جويلية من عام ،2555غري أنه من ناحية املمارسة
العملية ،مل تكن حتقيقا الل نة مقيدة مبدة زمنية حمصورةق كما طالب قانون الل نة
The TRC Actأيضا ،بالتحقيق وتقدمي تقرير عن سوابق الصراع ،ما يعين النظر س
حيثيا ما قبل سنة 2552ق 11عالوة على ذلكُ ،كلف جلنة احلقيقة واملصاحلة كذلك
مبعاجلة ظاهرة الإفال من العقاب ،والإست ابة يحتياجا الضحايا ،وتعزيز
املصاحلة وتضميد اجلراح ،ومن تكرار اينتهاكا والت اوزا اليت حلق هب يت
الضحايا؛ ومل يكن هذا اجلانب من التكليف حمددا بإطار زمين ،ولقد نُسب لل نة
كسلطة للنظر س أحداث ما بعد اتفاق لومي للسالمق
قام التقرير النهائي للل نة مبناقشة تاريخ سرياليون بقدر كبري من التفصيل ،يسيما
تاريخ الفرتة الإستعماريةق كما تناول التقرير الإنقسام الذي طال أمد بني املنطقة
احمليطة بالعاصمة ،Freetownواملعروفة باسم "مستعمرة سرياليون" ،واملناطق النائية
ا ائلة ،املوصوفة بـ"احملمية" the Protectorateق حاول التقرير أيضا حتليل أنظمة ما
بعد الإستعمار ،اليت اتسم بالإستبداد والفساد ،ودورها س بروز هذا الصراعق
ولقد أشار قانون جلنة احلقيقة واملصاحلة عدة مرا إ "الضحايا واجلناة" ،مركزا
اهتمامه على فئة األطفال ،مبا س ذلك األطفال اجلناة ،وكذلك ضحايا الإعتدات
اجلنسيق 12كما مت من الل نة كذلك دور س حتديد املس وليا ،وكذا التعرف على
األسباب 13واألطراف املس ولة 14عن الصراع ،س إشارة إ أي حكومة ،أو مجاعة ،أو
فردق 15مس وليا قد متتد ،على سبيل املثال ،إ الشركا عرب الوطنية
،transnational corporationsأو املنظما األمنية اخلاصةprivate security 16
16 L. Sanders, “Rich and Rare are the Gems they War: Holding De Beers
212
فيها أمسات أولئك الل نة قائمة أورد organisationsق وس هذا الإطار ،قدم
الذين يتحملون املس ولية س هذا الصراعق
ويوحي السياق الذي استخدم فيه هذا املصطل بشكل خاص إ األفعال اليت
يرتكبها األفراد ضد أفراد آخرين ،بدي من األفعال اليت قد ترتكبها الدولق 19ولقد مت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
International Law Journal 24, p. 1402; William A. Schabas, “Enforcing
)International Humanitarian Law: Catching the Accomplices”, (2001
International Review of the Red Cross 83, p. 439.
17 Priscilla B. Hayner, Unspeakable Truths, Facing the Challenge of Truth
19نفس التعبري ظهر قبل ذلك س الإعالن عن القضات عن العنف ضد املرأة the Declaration on
the Elimination of Violence against Womenوذلك س GA Res. 48/104,
) Art. 2(aوكذلك س إعالن فيينا Declaration the Viennaوبرنامج العمل لسنة 2553ق
213
ت كيد هذا البنات الإصطالحي يستخدام مفردة "إعتداتا " س قانون جلنة احلقيقة
واملصاحلة س سرياليون ،الذي يوعز الل نة بالنظر س أعمال أي "حكومة أو مجاعة أو
فرد"ق وسوات أكان واضعوا قانون الل نة على علم بالنقاش الدائر س القانون الدويل
حلقوق الإنسان حول مس ولية اجلها الفاعلة من غري الدول أم ي ،فإن رأيهم يبدو
واضحا من أن احلكوما ليس الوحيدة اليت ميكن أن تنتهك احلقوق األساسية
لإلنسانق
إن الإستخدام الواس لـ"حقوق الإنسان والقانون الإنساين الدويل" كان له نتي ة
أخرى ،إذ مل يقتصر عمل الل نة على اينتهاكا الكالسيكية املتعلقة بالسالمة
اجلسدية ،كالقتل والإغتصاب وغريها من جرائم العنف ،وجرائم تدمري املمتلكا أو
النهب؛ بل خلص الل نة إ أنه ينبغي األخذ بعني الإعتبار حلقوق الإنسان
الشاملة املوجودة س صكوك مثل الإعالن العاملي حلقوق الإنسان the Universal
Declaration of Human Rightsوامليثاق الإفريقي حلقوق الإنسان والشعوب the
African Charter of Human and Peoples’ Rights؛ ما يعين أن الل نة قرر
األخذ ليس باحلقوق املدنية والسياسية وحسب ،ولكن أيضا باحلقوق الإقتصادية
والإجتماعية والثقافية ،وهي التعليما اليت مت توجيهها ألعضات الل نة الذين مت
جتنيدهم لإجرات املقابال م الضحاياق
اتضح قيمة هذ املقاربة اليت ت كد على عدم جتزئة حقوق الإنسان لدى تعامل
الل نة م الضحايا ،فبالرغم من اينتهاكا اليت تعرضوا إليها من عنف جسدي
وتدمري للممتلكا ،غري أهنم مل يطالبوا ب ي تعويض مرتبط هبذ األضرار احملددة،
وإمنا طالبوا بتوفري التعليم من أجل أطفا م ،وبالرعاية الطبية ،وبسكن يئق ي ويهمق
ما يعين أن املستقبل لدى ه يت الضحايا ،يكمن س حتقيق حقوقهم الإقتصادية
والإجتماعية ،بدي من املفهوم القانوين الكالسيكي لـ"الإعادة إ الوض الذي كان
قائماً من قبل" restitutio in integrumق
ولقد جادل املدعي العام آنذاك "سليمان برييوا" Solomon Berewaأن للل نة
أبعاد عالجية نفسية ،فضال عن دوها س تقصي احلقائق ،فهي مبثابة منتدى ذو
مصداقية ،لتمكني الضحايا من استعادة قيمتهم الإنسانية ،كما أهنا قناة ملرتكيب
الفضائ واألعمال الوحشية للتكفري عن ذنوهبم ،وتطهري ضمائرهم ،وقد مت تشبيه
214
هذ العملية بالتطهري الوطين للعواطف ،الذي ينطوي على قول احلقيقة والإستماع إ
هذ األخرية ،وقبل كل شيت ،تعويض الضحايا س احلاي اليت تستحقق 20وس هذا
الصدد ،أشار "مذكرة األشيات واألسباب" اليت مت إحلاقها بقانون الل نة ،TRC Act
إ أن اتفاق السالم أراد لعمل الل نة أن يكون مبثابة متنفس بنَّات بشكل متبادل بني
الضحايا ومرتكيب اينتهاكا والإعتداتا على حقوق الإنسانق
مت تقسيم عمل الل نة إ مرحلتني أساسيتني؛ مسي املرحلة األو مبرحلة مج
التصرحيا ،وبدأ س شهر ديسمرب من عام ،1001حيث مت جتنيد حوايل سبعني
عضوا جلم التصرحيا س مجي أحنات البالد ،والذين مت جتنيدهم من خمتلف قطاعا
اجملتم املدين ،مثل املنظما غري احلكومية وامل سسا الدينية ،م ضمان أن تكون
نسبة كبرية من ه يت اجملندين من النسات ،وكان الطالقة س تكلم اللغا احمللية
أحد املعايري الرئيسة س توظيف ه يت اجملندينق وتواصل هذ املرحلة إ غاية شهر
مارس من عام ،1003ولقد مت مج ما يقارب 7000تصري ،معضمها أُخذ من
الضحاياق ومت حتليلها من أجل حتديد "احلاي النافذة" ،أي حتليل التصرحيا اليت
تعمل على توضي جوانب هامة من الصراع ،كما مت ترميز مجي التصرحيا وإدخا ا
س احلاسوب س شكل قاعدة بيانية إلكرتونية بغرض التحليل الإحصائيق
أما املرحلة الثانية ،واليت عرف مبرحلة جلسا الإستماع ،فقد انطلق س شهر
أبريل من عام ،1003واستمر إ غاية أواخر شهر أو ،1003مت من خالل العديد
من هذ اجللسا جلب كل من الضحايا واجلناة معا ،وقد جنم عن ذلك س غالب
األحيان تبادي م ثرة للغاية ،ومصاحلة عامة بني احلني واآلخرق وقد عقد هذ
اجللسا س مجي أحنات البالد ،وغالبا ما كان تتم س مدن معزولة ي ميكن الوصول
إليها إي بواسطة طائرا ا ليكوبرتق س حني ركز جلسا أخرى على املسائل
املوضوعية ،مثل وسائل الإعالم واحلكم والفسادق
The Truth and Reconciliation Commission and the Special Court”, in
Truth and Reconciliation in Sierra Leone, note 6 above, p. 59.
215
عن رفض وم ذلك ،فقد خلص جلسا الإستماع بنتي ة غري مرضية نت
الرئيس "تي ان كبه" Tejan Kabbahعن الإعرتاف ب ي مس ولية له والإعتذار
للشعب السرياليوين عن دور س الصراع ،على عكس غري من قادة الفصائل املختلفة
س هذا األخريق األمر الذي اعترب هناية م سفة لل هود املبذولة ،ونذير ش م ملتابعة
الل نة لعملهاق
متثل املرحلة األخرية من عمل الل نة س صياغة التقرير ،الذي استغرق مدة سنة
كاملة ،حيث تطلب هذ املرحلة وقتا أطول بكثري من الوق الذي استغرقته الل نة
س الوصول إ النتائج اليت مت تدوينها س هذا التقرير ،ويرج سبب هذا الت خري
جزئيا إ نقص املوظفني ،فضال عن الرؤية الطموحة اليت مت توقعها من خالل هذا
التقريرق ولقد تقرر أن تتم كتابة هذا األخري س عدة جملدا ،رمبا اقتداتً بتقرير جلنة
21تصري "أمحد تي ان كبه" Ahmed Tejan Kabbahرئيس سرياليون ،يوم اخلامس ( )05أو سنة
2003ق(بتصرف) أنظر:
216
جنوب إفريقيا ،وقد كان من املمكن أن يكون التقرير أقصر وأكثر إجيازا لإتاحته
بشكل أفضل لسكان سرياليونق
يبد من الإشارة ،بادئ ذي بدت ،أن أسباب الصراع مل تكن واضحة متاما ،فقد
كان هناك العديد من الروايا املتناقضة ،وس هذا الصدد ختتلف جلنة سرياليون
اختالفا جوهريا عن جتربة نظريهتا س جنوب إفريقيا ،أين كان جذور الصراع واضحة
–نظام األبارتيد -وقد متثل أسس عمل الل نة س إدانة هذا النظام العنصري
والتحضري لإلنتقال السياسيق س املقابل ،كان اتفاق لومي للسالم ،الذي وض حدا
للحرب األهلية س سرياليون ،ورات الدعوة لإنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة ،ووقف
إطالق النار بني الفصائل املتحاربة ،ومل يكن مبثابة نصر حاسم من جانب واحد على
اآلخر ،أو انتصارا ألية أيديولوجية معينةق وميكن القول أن أحد املسايما املهمة،
واملثرية لل دل س نفس الوق ،اليت قدمتها جلنة سرياليون ،هو حتليلها خللفية الصراع
وحماولتها حتديد أسبابهق
ولقد ألق العديد من الروايا باللوم على العوامل اخلارجية ،حيث اهتم ،على
سبيل املثال ،الزعيم اللييب "معمر القذاس" على إثارة الصراع ،والزعيم الليبريي "تشارلز
تايلور" Charles Taylorعلى زيادة ت جي ه؛ وس الوق الذي مل تستبعد فيه الل نة
هذ العوامل ،22ركز من جعة أخرى على العوامل الداخلية ،مثل سوت الإدارة
22راج اجمللد الثالث من تقرير الل نة ،س احملور الثاين املتعلق باألطراف اخلارجية س الصراع:
217
والفساد ،واخليانة اليت تعرض إليها سرياليون من قبل قادهتا س اجملال السياسي،
واملايل وحىت الفكري ،حسبما ورد س التقرير:
...ترج احلرب األهلية س سرياليون ،حلد كبري ،إ الإختالل الوظيفي الذي يعاين
منه احلكم ومجي العمليا امل سسية س البالد ،وقد فشل األطراف السياسية الفاعلة
س احلفاظ على قدرة الدولة على مواجهة هذ التحديا احلامسة ،املتمثلة س توفري
األمن ،وحتسني سبل العيش ،وإشراك األغلبية الساحقة من سكان سرياليون س صن
القرار .وتتفق الل نة س القول أن فشل احلكم كان سببا س توفري بيئة مواتية يستفحال
23
مظاهر الفقر والتهميش واجلش واملظامل ،اليت تسبب س احلرب األهلية.
ختم الل نة تقريرها بنتي ة حمبطة لآلمال ،إذ يحظ أنه مل يطرأ أي تغيري
على األسباب اجلذرية اليت أد للصراع س سرياليون ،ناهيك عن الإلتزام الضعيف أو
املعدوم من طرف حكام البالد ملعاجلة هذ العوامل جبديةق وم ذلك فإن خامتة
التقرير جات مفعمة باألمل ،إذ وفر للسرياليونيني إطارا ميكنهم من خالله تغيري
مصريهم والتحكم فيه ،فلو ركز تقرير الل نة على العوامل اخلارجية وحسب ،لقام
ذلك بتربئة السرياليونيني من أية مس ولية ،ولرتكهم ذلك عاجزين عن تغيري األمورق
218
the pro- تكن الفضائ اليت ارتكبتها قوا الدفاع املدين املوالية للحكومة
) government Civil Defense Forces (CDFيسيما تلك املعروفة باسم
"كاماجورز ،the kamajorsب قل وحشية من أعمال اجلبهةق
هذا ولقد أول الل نة ،من جانب آخر اهتماما كبريا لدور املوارد املعدنية س
الصراع ،وخصوصا املاس الذي يتوفر بكثرة س سرياليونق 24ويحظ الل نة أن
املتمردين مل يسعوا للسيطرة على املناطق اليت يرتكز هبا هذا املعدن الثمني ،على األقل
س السنوا األو من الصراع ،25ما يعين أنه ي ميكن اعتبار هتريب املاس كسبب
رئيس س إثارة هذا األخريق ولقد ألق هذ احلقيقة مرة أخرى بالكرة إ ملعب
النخبة احلاكمة س سرياليون ،فقد بدا جشعها التارخيي ويمبايهتا للناس العاديني ،هو
السبب األساس س الصراع ،وهذا كان ،بالت كيد ،مصدر الإستيات الذي أدى إ
غارا املتمردين ،وولَّد مشاعر التعاطف والدعم لل بهة ،غري أن رؤية هذ األخرية
ملستقبل البالد مل تكن أكرب من سعيها لإلطاحة بالنظامق
كان الل نة تدرك جيدا أن العفو الشامل الذي تضمنته ثنايا اتفاق لومي
للسالم ،هو أمر غري مقبول من وجهة نظر القانون الدويل ،26ولقد أعلن احلكم
الصادر عن احملكمة اخلاصة لسراليون س شهر مارس من سنة ،1002أن العفو يشكل
خرقا للقانون الدويلق غري أن الل نة رأ أنه ي ميكن انتقاد املفاوضني س لومي،
الذي اعتربوا أن العفو والصف هي الطريقة املثلى والوحيدة لوض هناية للقتالق ولقد
مت حتديد هذ النتائج اليت توصل إليها الل نة س ثالث فقرا من التقرير:27
الصراع وما بعد الصراع" UN Doc. S/2004/614, para. 64(c). جمتمعا
27 Witness to Truth, Vol. 3B, Chapter VI, paras. 10–12.
219
إنه ليس من الواض ملاذا مت قبول العفو غري املشروط من قبل األمم املتحدة س
نوفمرب من عام ،2556لتتم إدانته باعتبار غري مقبول س جويلية من عام .2555إن هذا
التناقض س ممارسا األمم املتحدة يزيد من تعقيد املشاكل املطروحة .جلنة احلقيقة
واملصاحلة غري قادرة على إدانة الل وت إ العفو من قبل أولئك الذين تفاوضوا على
اتفاق لومي للسالم ،ولقد كان التفسريا اليت قدمها املفاوضون من طرف احلكومة،
مبا س ذلك شهاداهتم أمام جلنة احلقيقة واملصاحلة ،مقنعة س هذا الصدد ،وبكل حسن
نية ،آمنوا أن اجلبهة لن توافق على إهنات األعمال العدائية ،إذا ما مل يرفق الإتفاق
بشكل من أشكال الصف أو العفو.
وفقا لذلك ،على أولئك الذين يزعمون أنه ي ميكن مقايضة السالم مقابل العدالة
حت أي ظرف من الظروف ،أن يكونوا على استعداد لتربير التمديد احملتمل للنزاع
املسل .قد يكون العفو غري مرغوب فيه وس كثري من احلاي ،وهناك س الواق أمثلة
عن العفو التعسفي املعلن من قبل الطغاة س األيام األخرية ألنظمتهم املستبدة ،وتدرك
الل نة أيضا ،أنه من املستحسن األخذ مببدأ مقاضاة مرتكيب اينتهاكا اخلطرية
حلقوق الإنسان ،يسيما ملا تصل خطورهتا حد اجلرائم ضد الإنسانية؛ لكن ي ينبغي
استبعاد العفو متاما من اآلليا املتاحة ألولئك الذين حياولون التفاوض س سبيل وقف
األعمال العدائية بعد فرتا الصراع املسل الوحشي .إن عدم قبول العفو س هذ
احلالة هو مبثابة تنكر لواق الصراع العنيف واحلاجة امللحة لوض حد له وهناية للمعاناة.
إن الل نة غري قادرة على اعتبار العفو مثنا باهضا يسرتجاع السالم س سرياليون ،س
ظل الظروف اليت كان سائدة س جويلية من عام .2555صحي أن اتفاق لومي مل
يوفر عودة فورية للسالم إ البالد ،غري أنه شكل إطارا لعودة ا دوت بني أطراف النزاع،
وبعد مرور مخس سنوا من هناية هذا األخري ،عاد السرياليونيون للعيش دون اخلوف
من العنف اليومي واألعمال الوحشية اليت كان ترتكب.
ميكن آلرات الل نة س هذا املوضوع أن تساهم س النقاش الدائر حول املوقف
املناسب الذي ينبغي أن تتخذ العدالة اينتقالية جتا قضية العفوق كما أعرب التقرير
عن قلقه إزات قرار الرئيس "كبه" Kabbahالقاضي بسحب العفو ،على األقل جزئيا،
عندما دعا إ مالحقة اجلناة قضائيا من قبل حمكمة دولية برعاية األمم املتحدة،
وكان ذلك مبثابة تراج عن الإتفاق الذي توصل إليه م "اجلبهة الثورية املوحدة" س
220
لومي ،وكان نتي ة ذلك كله هي إزالة العفو من طاولة مفاوضا السالم س
املستقبل ،إذ كيف سيكون ممكنا إقناع املقاتلني من تسليم أسلحتهم مقابل العفو من
جديد ،إذا ما مت نكث هذا الإتفاق م مرور الوق ؟ ولعل هذا التطور كان موض
ترحيب بالنسبة ألولئك الذين أدانوا مس لة العفو الشاملق إذ رغم ت كيد الل نة أنه،
وس ظروف معينة ،يشكل العفو حال مناسبا لوض هناية للصراع ،وم ذلك فإن
الل نة مل حتاول س تقريرها فك العالقة بني العفو والعدالة واملصاحلة ،وبعبارة أخرى،
فإن الل نة مل تتخذ موقفا بش ن كيفية مسايمة العفو س حتقيق املصاحلة ،وعما إذا
كان بديل ذلك ،واملتمثل س الإصرار على احملاكمة اجلنائية ،أمرا يعيق عملية إلتئام
اجلروح واستتباب السلمق
مل حتمل أغلبية توصيا جلنة احلقيقة واملصاحلة أية آثار ذا طبيعة نقدية ،فإذا
كان احلكومة صادقة س التزامها بتنفيذ توصيا الل نة ،وفقا لقانون هذ األخرية،
فإنه ي ميكن للحكومة جتنب مقرتحاهتا ،وكمثال عن ذلك ،فإنه قد ورد س تقرير
الل نة أن عقوبة الإعدام كان تستخدم أساسا ،من قبل خمتلف أنظمة ما بعد
الإستعمار،ك داة سياسية من أجل قم وإرهاب اخلصوم ،28لذلك دع الل نة إ
الإلغات الفوري لعقوبة الإعدام ،كما دع الرئيس إ ختفيف مجي أحكام الإعدام
القائمة ،ي سيما وأنه إجرات ي يتطلب موافقة من السلطة التشريعية ،وميكن حتقيقه
فورا مبوجب مرسوم رئاسيق وس نفس السياق ،دع الل نة إ إطالق سراح مجي
األشخاص احملت زين بشكل غري قانوين ،ودون ت خري ،من بينهم عدد من املتعاطفني
م اجلبهة –حوايل عشرون أو أكثر -الذين كانوا يقبعون س س ن "بادميبا رود"
بعاصمة سرياليون منذ سنة ،1000ممن مت منعهم من التواصل م أسرهم أو الإستعانة
مبستشار قانوينق كما طالب الل نة بإلغات التشريعا احملرضة على الفتنة والقوانني
املتبقية من الفرتة الإستعمارية القمعية ،واليت ي مكان ا س اجملتم الدميقراطي
املعاصرق
28سلسلة من عمليا الإعدام اليت قام هبا حكومة "كبه" Kabbahس عام ،2551مت الإعالن عنها
م خرا من قبل جلنة حقوق الإنسان التابعة لألمم املتحدة ،على أهنا انتهاك للمادة ( )6من العهد الدويل
اخلاص باحلقوق املدنية والسياسيةق UN Doc. CCPR/C/64/D/839, 840 and 841/1998.
221
وعلى الرغم من أنه مل يكن لدى جلنة احلقيقة واملصاحلة موارد خاصة هبا لتوزيعها
على الضحايا ،غري أنه ُمس ا تقدمي توصيا بش ن الصندوق اخلاص بضحايا
احلرب ،الذي نص عليه املادة 12من اتفاق لومي للسالم ،كما مت متكني الل نة من
تقدمي توصيا فيما يتعلق باحتياجا الضحايا ،ودع الل نة إ حتضري برنامج
قوي لتعويض ه يت الضحايا ،على الرغم من عالما الإستفهام اليت ي تزال قائمة
حول التمويل ذا الغرضق ولقد ركز توصيا الل نة على اخلدما من قبيل
الرعاية الصحية والتعليم وقابلية احلصول على القروض الصغريةق
هذا ،ولقد أصدر الل نة توصيا ختص فئة النسات واألطفال ،فغالبا ما يقال
أنه مت تكليف جلنة احلقيقة واملصاحلة لتويل اهتماما خاصا بالقضايا املتعلقة باملرأة
بسرياليون ،على الرغم من عدم وجود أي شيت س قانون الل نة يشري ذا الغرضق إذ
جند فقط املادة 27من قانون الل نة اليت تطلب من هذ األخرية أن تويل "اهتماما
خاصا ملوضوع الإعتداتا اجلنسية"ق ولقد أول جلنة احلقيقة واملصاحلة ،س الواق ،
اهتماما كبريا للقضايا املتعلقة بالنسات س خضم الصراع وداخل اجملتم السرياليوين
بشكل عامق
وقد قدم العديد من النسات تصرحياهتن وشهاداهتن أمام الل نة خالل جلسا
الإستماع ،إذ خصص الل نة يوما من كل أسبوع لإلستماع لشهادة النسات من
ضحايا الإعتدات اجلنسي ،وقد مت أخذ أقوا ن س جلسا مغلقة ،بيد أنه ،وس كثري
من األحيان ،أصر بعضهن على الإديت بشهادهتن علنا؛ وغالبا ما كان يتخلل
هذ الشهادا حلظا م ثرة من الدموع والبكات؛ وقد عرب هذ اجللسا العلنية
عن ش اعة املرأة الإفريقية اليت شاع أهنا تت نب احلديث عن الإعتداتا اجلنسية
اليت قد تتعرض ا ،وأن التحدث عن مثل هذ املمارسا يرتجم ضرورة إدانتها
العلينق
222
أيضا ،من مالم الثقافة السرياليونية اليت تعكس خضوع املرأة ،هي ممارسة واسعة
الإنتشار واملتمثلة س تشويه األعضات التناسلية لإلناث؛ أي يعترب ذلك انتهاكا حلقوق
الإنسان باملعىن الدقيق للكلمة؟ وإذا ما حبث الل نة س الفساد وسوت إدارة احلكم
ك سباب للصراع ،أمل يكن مبقدورها معاجلة مس لة تشويه األعضات التناسلية لإليناث
س نفس الإطار؟ كان هذ النقطة مثرية لل دل ،حىت بني أعضات الل نة أنفسهم،
لكن الل نة مل تصدر أيه نتائج أو توصيا س هذا الصدد ،باستثنات أهنا استع ل
حكومة سرياليون للتصديق على الربوتوكول الذي اعتمد س امليثاق الإفريقي حلقوق
الإنسان والشعوب بش ن حقوق املرأة س إفريقيا ،األمر الذي يستلزم حظر مجي
أشكال تشويه األعضات التناسلية لإلناث من خالل اختاذ تدابري تشريعية مدعومة
29
بعقوبا قصريةق
وكان األطفال س قلب الإهتماما اليت ٌكلِّف هبا الل نة ،إذ جسد هذ الفئة
تناقضا عصف بالبالد كلها ،فقد جند نفس الطفل أنه الضحية واجلاين س آن
واحد؛ ففي إحدى التصرحيا ،ذكر شاب س سن املراهقة كيف مت إجبار على
حضور مشهد ذب والديه ،ومن مث جتنيد قسرا س "اجلبهة الثورية املوحدة" أين أصب
قاتال ،وبعد الإديت بشهادته أمام الل نة ،عاد للعيش م أقاربه وملتابعة الدراسة س
مدرسته ،غري أن هناك الكثري من األطفال اآلخرين األقل حظا ،ممن ي يزالون
يعيشون س أزقة "فريتاون" ،أو احملكوم عليهم حبياة اخلمول س خميما مبتوري
األطرافق
ولقد عمل الل نة س هذا السياق عن قرب م خمتلف املنظما الدولية واحمللية
اخلاصة حبماية الطفل ،وقد مت توفري مستشارين خاصني لإلستماع لشهادا
األطفال ،الذين مل يُسم ملن هم دون سن الثامنة عشرة منهم بالإديت بشهاداهتم س
جلسا علنية ،على غرار النسات ،فقد مت الإستماع لألطفال س جلسا مغلقة،
30
وكان العديد منهم ،بطبيعة احلال ،أيضا ضحايا اجلرائم اجلنسيةق
223
أعد الل نة نسخة مبسطة من التقرير مت وصفها بـ"املالئمة لألطفال" ،وس حني
أن النوايا كان شريفة ،غري أنه من الصعب حتديد مدى فعالية مثل هذا الإجرات،
ذلك أن إدراك األطفال خيتلف باختالف العمر وغريها من العوامل اليت ت ثر على
مستويا نض هم ،واملطلوب هنا هو إصدار العديد من النسخ "املالئمة لألطفال"
بدي من نسخة موحدةق ولقد أصدر الل نة جمموعة من التوصيا عاجل من
خال ا املخاوف بش ن فئة األطفال ،وس اقرتاح ا عكس أولوية اتفاقية حقوق
الطفل ،دع الل نة حلظر العقاب اجلسديق
إن األطفال مثلوا العمود الفقري للقوا املقاتلة ،فعدم نض هم جعلهم عرضة
لإلستغالل من قبل قادة خمتلف الفصائل ،ورمبا يكون استخدامهم للمخدرا قد
ساهم س عملية الت نيد ،رغم أن دور ذلك س الصراع يظل أمرا مبالغا فيهق ولقد
أشار األدلة املعروضة على الل نة أن القادة العسكريني أنفسهم ،س كل من اجلبهة
وامليليشيا املوالية للحكومة ،بدؤوا حياهتم املهنية س سن املراهقة املبكرة ،ك طفال
جمندين س القوا الإستعمارية الربيطانية س اخلمسينيا ؛ غري أن ذلك مل يكن تربيرا
من الل نة لسلوك ه يت القادة العسكريني ،يسيما وأن جتنيد األطفال با جرمية
حرب ،بيد أن ذلك ورد س إطار الت كيد على أصول هذ املمارسةق
المحور الثالث:العالقة بين لجنة الحقيقة والمصالحة والمحكة الخاصة :تكامل أم
تناقض؟
لعل اجلانب األكثر متيزا من برنامج العدالة اينتقالية س سرياليون ،كان الوجود
املوازي لكل من جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اجلنائية الدولية؛ ونتج ذلك عن
ظروف يحقة عن إقرار إنشات جلنة احلقيقة واملصاحلةق فقد أوقف جتدد القتال س
شهر ماي من سنة 1000عملية إنشات الل نة ،لكن ذلك قام أيضا بإحيات النقاش
حول شرعية العفو ،حيث أعاد حكومة سرياليون تقييم موقفها 31فيما يتعلق هبذا
األخري (العفو) ،وطالب من األمم املتحدة إنشات حمكمة خاصةق س 22من شهر
أو عام ،1000أيد جملس األمن إنشات حمكمة حملاكمة "األشخاص الذين يتحملون
القسط األكرب من املس ولية" عن اينتهاكا اجلسيمة للقانون الإنساين الدويل
224
وقوانني سرياليون ،ومت تكليف األمني العام لألمم املتحدة بالتفاوض م حكومة
سرياليون س هذا الش ن32ق وعلى شاكلة إنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة ،فإن أمر إنشات
هذ احملكمة أيضا اختذ وقتا ليتحقق ،إذ توصل األمم املتحدة وحكومة سرياليون إ
اتفاق رمسي بش ن هذا املشروع إ غاية شهر يناير من سنة 1001ق وس أبريل 1001مت
اعتماد اتفاقية احملكمة اخلاصة Act 2002الذي مكن احملكمة من ممارسة عملها
بفعالية والعمل على تنفيذ التزاما سرياليون مبوجب الإتفاق م األمم املتحدةق
ولقد ورد عن "كوس عنان" س رسالة جمللس األمن عام ،1000حينما كان الإطار
القانوين للمحكمة ي يزال على طاولة املفاوضا ،أنه "ينبغي احلرص على أن
احملكمة اخلاصة لسرياليون وجلنة احلقيقة واملصاحلة سوف تعمالن بشكل مكمل
وداعم لبعضهما البعض ،س ظل الإحرتام الكامل للوظائف املختلفة وذا الصلة س
225
آن لكل منهما"34ق ومب رد أن أصب واضحا أن كال امل سستني ستعمالن بشكل
مواز ،ثار العديد من التكهنا حول كيفية التفاعل الذي ميكن أن ينش بينهماق
فمن جهة ،رأى أولئك الذين يعارضون جلان احلقيقة وجينحون إ املالحقة اجلنائية،
فرصة لتهميش جلنة احلقيقة واملصاحلة وإخضاعها للمحكمة اخلاصة كهيئة حمققة أو
هيئة خملفني؛ على سبيل املثال ،كتب منظمة العفو الدولية أن مسايمة جلنة احلقيقة
واملصاحلة س وض حد لظاهرة الإفال من العقاب ضعيفة جدا أو منعدمة،
وأوص ،عالوة على ذلك ،أنه على كل من حكومة سرياليون واجملتم الدويل أن
يعرتفا أنه س حني قد تكون جلنة احلقيقة واملصاحلة قادرة على تقدمي مسايمة هامة
لإثبا احلقيقة حول انتهاكا حقوق الإنسان وفهم طبيعة الصراع س سرياليون،
فإهنا ي ينبغي أن تكون بديال حملاكمة املس ولني عن جرائم خطرية مبوجب القانون
35
الدويلق
وبناتً على ذلك ،نص املادة ( )20من النظام األساسي للمحكمة اخلاصة
لسرياليون ،على أن العفو عن اجلرائم اليت تق ضمن اختصاص احملكمة "ي ينبغي أن
34حرر الرسالة بتاريخ 21يناير سنة 1002من طرف األمني العام لألمم املتحدة إ رئيس جملس األمنق
UN Doc. S/2001/40, para. 9.
“Sierra Leone: Renewed Commitment to End Impunity,” AI index:
35
226
يشكل عائقا أمام احملاكمة" ،ولقد صرح دائرة الإستئناف س احملكمة اخلاصة
لسرياليون أن اتفاق لومي للسالم ي ميكنه أن جيردها من اختصاصها36ق
وعليه ،ميكن القول أن هناك افرتاضا قويا ،ظهر س اآلونة األخرية ،ي يد عدم
شرعية العفو س القانون الدويل ،وم ذلك ،فإن حالة القانون الدويل كما هو عليه
اليوم ،ي ميكنه أن يدف إ الإلتزام العام للدول س أن متتن عن سن قوانني العفو فيما
يتعلق باجلرائم الدوليةق
س املقابل ،أصر أولئك الذي حيبذون مقاربا العدالة التصاحلية على أيمية وجود
جلنة حقيقة ومصاحلة قوية وديناميكية كعنصر مكمل للمحاكمة؛ وت سيسا على هذا
املتحدة للسالم the United States املنطلق ،عقد خربات من معهد الوييا
، Institute of Peaceوجموعة القانون الدويل حلقوق الإنسان the International
،Human Rights Law Groupواملركز الدويل للعدالة اينتقالية the International
،Center for Transitional Justiceمائدة مستديرة س بداية شهر أكتوبر سنة
،1002ملناقشة الكيفية اليت ميكن أن تتفاعل هبا كال ا يئتني م بعضق 37وك زت من
أنشطتها لإنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة ،عقد كل من مفوضية األمم املتحدة
السامية حلقوق الإنسان the Office of the UN’s High Commissioner for
) Human Rights (OHCHRومكتب األمم املتحدة للش ون القانونية the UN’s
،Office of Legal Affairsإجتماعا للخربات س مدينة نيويورك ،وقد وصف هذا
الإجتماع على النحو التايل س تقرير املفوض السامي:
مت تنظيم اجتماع اخلربات حول موضوع العالقة بني جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة
اخلاصة من قبل مفوضية األمم املتحدة السامية حلقوق الإنسان ) (OHCHRومكتب
األمم املتحدة للش ون القانونية ( )OLAس نيويورك يومي 10و 12ديسمرب .1002
ناقش املشاركون من خالله قضية هامة تتمثل س العالقة الودية بني امل سستني اليت من
36 Special Court for Sierra Leone, Prosecutor against Morris Kalon, Brima
Bazzy Kamara, Case No. SCSL-04-15-PT- 060, Decision on Challenge to
Jurisdiction: Lomé Accord Amnesty (Appeals Chamber), 13March 2004,
para. 88.
37 Richard Bennett, note 6 above, at p. 43.
227
ش هنا أن تعكس دور كل منهما ،بالإضافة إ املس لة الصعبة املتمثلة فيما إذا ينبغي
أن يتم تبادل املعلوما الواردة لدى كال امل سستني فيما بينهما .وقد مت فحص
إجيابيا وسلبيا جمموعة واسعة من احتماي التعاون بني الل نة واحملكمة ،وبناتً
على تلك املناقشا ،اتفق املشاركون على عدد من املبادئ األساسية اليت ميكن أن
توجه جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة س حتديد سبل التعاون .وتشمل هذ
املبادئ ما يلي:
أُنشئ جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة س أوقا متفاوتة ،وس ظل قواعد
قانونية متباينة وم تفويض خمتلف ،وم ذلك فإهنما أديا أدورا متكاملة س ضمان
املساتلة ،والردع ،ومج تصرحيا الضحايا واجلناة واملصاحلة الوطنية وجرب الضرر
وحتقيق العدالة التصاحلية لشعب سرياليون.
228
حول كيفية تعاون ا يئتني ،غري أن الرتكيز نزع على ما مسي بتبادل املعلوما ،وهو
ما اتفق خربات اجتماع ديسمرب على تسميته بـ"املس لة الصعبة"ق
حاول املقرتحا األساسية املختلفة تنظيم سبل "تبادل املعلوما " بني جلنة
احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة ،غري أنه عند املمارسة على الواق ،كان من
الواض أن ذلك سيكون طريقا ذو اجتا واحد ،إذ متثل خماوف الل نة س أن وصول
احملكمة ملعلوماهتا سيكون له ت ثري سليب على اجلناة الذي مت إغراؤهم للتعاون م
الل نة مبنحهم العفو ،حيث أشار األمني العام س هذا الصدد ،إ أن اجلبهة كان
متقبلة لل نة احلقيقة واملصاحلة ،لكنها أعرب عن قلقها إزات استقاللية الل نة،
والعالقة بني هذ األخرية واحملكمة اخلاصة40ق ووفقا ملنظمة Human Rights Watch
فإن الشكوك حول قدرة جلنة احلقيقة واملصاحلة س الإحتفاظ باملعلوما بكل ثقة
وسرية ،قد يضعف استعداد األشخاص للحضور أمام الل نة والإديت بشهاداهتم41ق
س هناية املطاف ،مل يكن هناك أي اتفاق رمسي بني ا يئتني ،وعليه ،مل يكن هناك
أي تبادل للمعلوما ،ومل تُظهر أي من امل سستني أي مصلحة س التعاون ،وكاليما
حافظ على عالقا اجلوار وي شيت أكثر من ذلكق ولقد أعلن املدعي العام
للمحكمة اخلاصة" ،ديفيد كرين" ، David Craneأنه غري مهتم س احلصول على
معلوما من جلنة احلقيقة واملصاحلة ،وهي خطوة طم ن بعض اجلناة الذين كانوا
قلقني من أن تقدم الل نة معلوما للمحكمة اخلاصة ،فتقوم هذ األخرية
باستخدامها ضدهمق
بعدما خلص جلنة احلقيقة واملصاحلة من جلسا استماعها العامة س شهر أو
من سنة ،1003طالب بعض معتقلي احملكمة اخلاصة بالإديت بشهاداهتم أمام الل نة
س جلسا استماع عامة ،بيد أنه من املثري للدهشة ،معارضة املدعي العام للمحكمة
ملثل هذ املبادرة اليت اختذهتا الل نة لتسهيل هذ اجللسا العامةق ولقد مس رئيس
40راج التقرير 22لألمني العام حول مهمة األمم املتحدة س سرياليون S/2001/857, para. 44.
229
احملكمة ،القاضي "جيفري روبرتسون" Geoffrey Robertsonللمتهمني باملثول أمام
الل نة ،دون السماح م بتقدمي شهاداهتم س جلسا علنية ،42وفسر القاضي
روبرتسون ذلك بقوله:
إن ما هو مقرتح س الواق ميكن وصفه بطرق خمتلفة :قد يبدو وك نه مشهد رجل
ينتظر حماكمته على اهتاما خطرية جدا ،حيث سيتم عقد تلك احملاكمة قريبا س
احملكمة ذاهتا ،لكن أمام األسقف بدي من القاضي رئيس احملكمة ،م السماح بالبث
املباشر ذ احملاكمة لألمة ملدة يوم أو أكثر دون انقطاع .بعد ذلك وس اييام التالية،
سيتم است وابه من قبل األسقف ومخسة أو ستة من املفوضني اآلخرين ،وسيكون هناك
س اجلوار كل من الصحافة ،واملدعني العامني ،والضحايا .سيكون مستشار حاضرا
دون أن تكون هناك أي إجراتا أو قواعد ثابتة .هذا املشهد يشبه احملاكما امل لوفة
س القرون املاضية ،وليس من الضروري التكهن بعواقب مثل هذا املشهد :فقد ي يكون
هناك أي عواقب.
قد يكون هناك خماوف إزات احملاكمة اليت ميكن أن ت دي إ ترهيب الشهود ،قد
يكون هناك أولئك الذين سيتبعون بال شك نصيحة حماميهم س عدم الإديت
بشهاداهتم ،وذلك له ت ثري سليب على املفاهيم العامة للرباتة وقد يرتتب عنه عدم
الإستماع لشهود الدفاع احملتملني ،وأخشى أنه من احملتمل أن سيكون هناك نتي ة
أخرى ،وهي القلق الشديد بني املتهمني اآلخرين ،خاصة ممن ينتمون للفصائل
املتناحرة ،خماوف بش ن ما إذا كان ينبغي عليهم الإديت بشهاداهتم أمام جلنة احلقيقة
واملصاحلة ،أو إنكارها ونفيها ،إن مشهد جلنة احلقيقة واملصاحلة س عملها م احملكمة،
سيثري التوق حول أهنا من سيوق اجلزات على املتهمني ،وعليه ،فإن إعالن الذنب أو
الرباتة ،هو من اختصاص احملكمة اخلاصة وحسب.
230
ي أستطي أن أصدق أن حمكمة نورمبورغ كان لتسم لس نائها باملشاركة س
مثل هذا املشهد ،هل كان هناك جلنة حقيقة ومصاحلة س أملانيا بعد احلرب ،أو هل
مسح احملاكم اجلنائية الدولية ليوغوسالفيا سابقا أو روواندا ببث حماكما املتهمني
هبذ الطريقة لشعب صربيا أو روواندا .إذا كان من املمكن أن تعمل جلان احلقيقة
واملصاحلة واحملاكم الدولية م بعض س بذل اجلهود الرامية إ الوصول للعدالة بعد
انتهات الصراع س أماكن أخرى مستقبال ،ف نا ي أعتقد أن الإستماع للشهادا س
جلسا علنية سيكون سابقة مفيدة.43
كان نتي ة حرمان املتهمني من املنرب الذي كانوا يسعون إليه ،أن رفضوا التعاون
م جلنة احلقيقة واملصاحلة ،ولألسف ،ترك هذ التوترا الناجتة طعما مرا س
العالقا بني جلنة احلقيقة واملصاحلة واحملكمة اخلاصة ،وهو ما يدل على أهنا مل تكن
عالقة هادئة س واق األمرق
عوجل قضية شهادة معتقلي احملكمة اخلاصة من خالل تقسيم العمل بني
امل سستني؛ إذ مت اقرتاح أن هتتم جلنة احلقيقة واملصاحلة مبا مسي بـ"األمساك الصغرية"،
س حني ركز احملكمة على "الكبرية" منها؛ وهو ما مت الت كيد عليه سلفا س أن
اختصاص احملكمة يقتصر على أولئك الذين يتحملون القسط األكرب من املس ولية،
وهو ما ورد صراحة س املادة األو من النظام األساسي للمحكمةق ولقد شدد جملس
األمن ،أثنات فرتة إنشات احملكمة اخلاصة ،أنه من األفضل ترك جلنة احلقيقة واملصاحلة
تتعامل م اجلناة ال ُقصر ،مما يشري إ أن اجمللس قد فهم العالقة بني ا يئتني على أهنا
تنطوي على نوع من حتديد جماي اختصاص كل منهما44ق
بيد أن جلنة احلقيقة واملصاحلة أثبت أنه ينبغي عليها الإهتمام أيضا بـ"األمساك
الكبرية" س إشارة لل ناة احملت زين س عهدة احملكمة اخلاصة ،وس الواق فإن ذلك
معقول جدا ،بالنظر إ أنه مت تكليف الل نة بإعداد الس ل التارخيي للصراع ،وهو
األمر الذي ينطوي بالضرورة النظر س دور املشاركني الرئيسينيق
43 Ibid.
44رسالة حمررة بتاريخ 11ديسمرب سنة 1000من طرف رئيس جملس األمن إ األمني العام لألمم املتحدةق
UN Doc. S/2000/1234, p. 1
231
أوفد تقارير املراقبني س اجملال ،أن الناس س سرياليون خيلطون وي يفرقون ما بني
ا يئتني ،وهو ما مت تقدميه كمشكلة ،متثل احلل املقرتح ا س القيام حبمال ملزيد من
التوعية ،م العلم أن اخللط والإلتباس حول أمر تفويض ومهام هاتني ا يئتني ،هو أمر
طبيعي ومفهوم للغاية ،فمعظم طلبة القانون األورويب ،على سبيل املثال ،جيدون
صعوبة س شرح الفوارق ما بني احملكمة األوروبية حلقوق الإنسان ،وحمكمة العدل
األوروبية؛ املواطن العادي س الوييا املتحدة قد يواجه حتد للتمييز بني كبري قضاة
احملكمة العليا والنائب العام؛ فكيف ميكن أن نتوق من فالحني وأميني س ريف
سرياليون أن يستوعبوا بشكل أفضل؟ ورمبا كان الإلتباس حول مهام ا يئتني دليال
على جناحهما وليس فشلهما ،فشعب سرياليون فهم أن كال ا يئتني موجودة على
أرض الواق ،وأن لديهما بعض األهداف املشرتكة ،مثل املساتلة عن انتهاكا
حقوق الإنسان ،وهو ما يعين أن الرسالة قد ُسلِّم والتوعية قد حتقق ق
أهن جلنة احلقيقة واملصاحلة وييتها على الرغم من أهنا عان بشدة من ضعف
التمويل والتسيري ،غري أهنا س العموم ،كان قادرة على دف العديد من اجلناة إ
التعاون معها ،ممن أدلوا بشهاداهتم عن أفعا م س جلسا عامة أو مغلقة ،علما أن
إقناع أولئك الذين ارتكبوا الفضائ بالإعرتاف جبرائمهم ليس باألمر ا ني ،يسيما
وأن جلنة احلقيقة واملصاحلة لسرياليون مل تكن لديها ورقة العفو كنظريهتا س جنوب
إفريقيا ،بغرض استخدامها كمحفز لرتغيب اجلاين س الإعرتافق
إن رغبة اجلناة من عدمها س ايعرتاف واملثول سوات أمام جلان احلقيقة أو احملاكم،
ي عالقة ا بوعود العفو أو التهديد باملالحقة القضائية كما قد يتصور البعض،
فحسب ما ورد عن أغلب اجملرمني ،فإنه على الرغم من التحذيرا بش ن احلق س
التزام الصم من قبل حماميهم ،فإن بعض مرتكيب اينتهاكا اخلطرية حلقوق
الإنسان قد يشعرون باحلاجة إ حترير أنفسهم من عبت ت نيب الضمري؛ س املقابل
هناك من هم غري قادرين على الإعرتاف مبا قاموا به ،حىت إن مت منحهم وعدا بعدم
مالحقتهم قضائيا ،وهو ما يشري إ أن التوصل إ قول احلقيقة أمر نسيب ،بغض
النظر عن هتديد احملاكمة اجلنائيةق
232
الخاتم ـ ـة:
تشمل العدالة اينتقالية عددا من اآلليا اليت تتي جملتمعا ما بعد الصراع
بالتعامل م مآسي املاضي ،سعيا لتحقيق تغيري جذري ،غري أنه إذا ما مت مج هذ
اآلليا على صعيد واحد بآليا العدالة اجلنائية ،فإن الإصطدام جبدار العفو
سيحصل ي حمالةق يوض منوذج سرياليون التحدي الذي تواجهه العديد من
اجملتمعا اخلارجة من فرتة من الإضراب الشديد ،وكيفية تعاملها م ما خلفه الصراع
من تركة من اجلرائم اخلطرية ،ومتثل هذ املعضلة جزتا من األسس املفاهيمية للعدالة
اينتقاليةق
يزيل العفو اآلثار القانونية املرتتبة عن جرائم معينة ،وقد استخدم هذ الورقة س
العديد من حاي ما بعد الصراع بغرض تعزيز املصاحلة الوطنية ،وقد ختتلف طبيعة
هذا العفو ،فقد يتم الإلت ات إليه خلدمة مصاحل ذاتية س حال سقوط أنظمة على
سبيل املثال (الشيلي) ،وقد جيسد حماوي صادقة للتعامل م إرث ما بعد الصراع
(جنوب إفريقيا) ،ورغم أن العفو ي يعترب جزتا أساسيا س العدالة اينتقالية ،غري أنه
قد يتداخل بالت كيد م آلياهتاق
233
العام للمحكمة سوات من طرف الدولة ،أو جملس األمن الدويل ،أو املدعي العام
نفسه ،إذا ما يحظ حالة عدوان وقرر فت حتقيق فيهاق
س املقابل ،ختتلف وظائف جلان احلقيقة عن وظائف احملكمة اجلنائية ،ورغم أن
كل جلنة حقيقة تتميز بطاب فريد يعكس جتارب معينة س بلد ما ،بيد أنه من املمكن
حتديد بعض السما املشرتكة بينها :أوي؛ تركز جلان احلقيقة على املاضي ،ثانيا؛ ي
تركز جلان احلقيقة على حدث معني ،بل حتاول رسم صورة عامة عن بعض
الإعتداتا حلقوق الإنسان ،واينتهاكا للقانون الإنساين الدويل ،على مدى فرتة
من الزمن ،ثالثا؛ عادة ما توجد جلان احلقيقة لفرتة م قتة من الوق ،حمددة مسبقا،
وينتهي تفويضها بعدما تقدم تقريرا يضم مجلة النتائج اليت توصل إليها ،وأخريا؛ تُناط
جلان احلقيقة دائما بنوع من السلطة ،اليت تتي ا إمكانية أكرب للوصول إ
املعلوما ،وقدرا أكرب من األمن واحلماية للتحقيق س القضايا احلساسة ،وبالتايل
ليكون لتقريرها ت ثري أكربق
يتم إنشات معظم جلان احلقيقة س فرتا الإنتقال أو التحول السياسي س بلد ما،
وتستخدم لت كيد القطيعة م ماض حافل باينتهاكا حلقوق الإنسان ،ولتعزيز
املصاحلة الوطنية ،و/أو للحفاظ على اشرعية السياسيةق ويبد من الإشارة ،بادئ ذي
بدت ،أن حماكما احملكمة اجلنائية الدولية من جهة وجلان احلقيقة من جهة أخرى،
ليس متعادية س جوهرها كما أهنا ليس متنافية ،فقد ترتبط اسرتاتي يا العدالة
اينتقالية م احملاكما اجلنائية ،استنادا إ األدلة اليت مجعتها جلان احلقيقة (البريو
منوذجا) ،وم ذلك ،تكون هناك مجلة من العوائق العملية ،واللوجستية ،والسياسية،
س أعقاب الصراعا ،واليت قد حتول دون إجرات حماكما جنائية ،مثل حاي
دمار الإطار امل سسي للدولةق وس الوق نفسه قد يكون العفو احلافز الوحيد ملرتكيب
اجلرائم للمضي قدما والإديت بشهاداهتم أمام جلان احلقيقة ،وقد يتم من العفو بطرق
خمتلفة :من قبل جلنة احلقيقة نفسها (جنوب إفريقيا منوذجا) ،أو من طرف الدولة بعد
إنتهات عمل جلنة احلقيقة (السلفادور منوذجا) ،أو قد يتم منحه من خالل املفاوضا
السياسية وذلك قبل إنشات جلنة احلقيقة ،وهي حالة دراستنا هذ ،سرياليونق
وي يتضمن نظام روما األساسي حكما حمددا بش ن العفو ،سوات مت منحه
بالإشرتاك م جلان احلقيقة أم ي ،ومن احملتمل أن ذلك راج إ اآلرات املتباينة
234
وبشكل واس بني الوفود املتفاوضة س م متر روما ،حيث خلص "تشارز فيال
فسينسيو" Charles Villa-Vicencioإ القول أن "إنشات احملكمة اجلنائية الدولية
قد يكون خميفا بعض الشيت ،ألنه ميكن أن يتم تفسري ،ولو بشكل غري صحي ،
بغلق الباب أمام الل وت إ إستخدام جلان احلقيقة كآلية تش الإبتعاد عن املواقف
السياسية والإيديولوجية الثابتة اليت قد ت دي إ ارتكاب جرائم الإبادة اجلماعية،
وتسعى بدي من ذلك إ حتقيق التعايش السلمي واملصاحلة الوطنية"45ق
سايم جتربة العدالة ما بعد الصراع س سرياليون س تطوير جمال العدالة اينتقالية،
من خالل جتسيدها ملخرب لدراسة كيفية عمل وتفاعل كل من جلان احلقيقة واملصاحلة
واحملاكم اجلنائية الدولية ،م بعضهم البعض ،ولقد أظهر هذ الت ربة أن التكهنا
حول العالقا واملشاكل احملتملة بني ا يئتني كان مبالغا فيها بعض الشيت ،وعليه،
ي ميكن التقليل من ش ن هذ الت ربة واستغال ا على حاي أخرى لعدالة ما بعد
الصراع ،فرغم أن اآلرات حول عمل كال ا يئتني م بعض انقسم بني فريق معارض
وآخر مداف ،فقد أثبت سرياليون أنه عكس ما يعتقد الكثريون ،فإن التعاون بني
اآلليتني ممكن ،ولعل املمارسة س سرياليون ستقن املدعي العام للمحكمة اجلنائية
الدولية املقبلة جبدوى اتباع مقاربا متكاملة ،أين تقرتن فيها إجراتا املالحقة
القضائية م آليا بديلة للمساتلةق
إن فكرة إنشات جلنة احلقيقة واملصاحلة س سرياليون مت تش يعها من قبل اجملتم
الدويل ،على الرغم من أنه ثار بعض النقاشا داخل سرياليون حول أيمية الل نة
قبل إنشائها ،بيد أنه لوي إصرار األمم املتحدة ما كان ذا املشروع أن يشهد النور،
ذلك أن سرياليون بلد فقري جدا ،وما كان ليتحمل التمويل الكبري الذي حتتاجه جلنة
احلقيقة واملصاحلةق
بعدما قدم تقريرها ،إختف الل نة رمسيا من الوجود ،ولقد وفر قانون جلنة
احلقيقة واملصاحلة Act 2000آليا املتابعة لضمان تنفيذ التوصيا ق ويبدو أن جلنة
235
حقوق الإنسان كان اخللف اجلديد احلقيقي للل نة ،كم سسة دائمة ،وي يكمن
املشكل س جدوى بقات م سسا العدالة اينتقالية ،ولكن س الطاب احملدود لإلنتقال
والتحول الشامل داخل سرياليونق
وميكن س هذا الصدد ،إجرات مقارنة مفيدة م جتربة جنوب إفريقيا ،أين كان
م سسا العدالة اينتقالية جزتا من حتول اجتماعي أوس من ذلك س سرياليون
بكثري ،بقيادة جمتم مدين ديناميكي للغاية ،لتظل جتربة سرياليون بعيدة كل البعد عن
جتربة جنوب إفريقيا س هذا اجلانب ،وهو الإستنتاج امل سف الذي حيد من إمكانية
ت ثري جلنة احلقيقة واملصاحلة على مستقبل هذا البلد املضطربق
س اخلتام ،نشري إ أنه س سبيل بنات جسر بني العدالة اجلنائية والعدالة اينتقالية،
اجملسدة من خالل هذ الدراسة س احملكمة اجلنائية الدولية وجلنة احلقيقة واملصاحلة س
سرياليون ،ينبغي البدت أوي بت نب النظر لل ان احلقيقة كبديل للمحاكما ،فذلك
ما ي دي إ التناقضا ق ومنه ،علينا أن حناول النظر إ جلان احلقيقة باعتبارها
مكملة للمحاكما ،سوات أكان وطنية أو دولية ،وليس بديال اق
عالوة على ذلك ،ولتعزيز العالقة ما بني العدالة اجلنائية (احملكمة اجلنائية الدولية)
والعدالة اينتقالية (جلنة احلقيقة واملصاحلة) ،قد يكون من املفيد البحث س جدوى
إجرات احملاكما بعد عمل جلان احلقيقة ،كوسيلة لكشف املزيد من احلقيقة ،حىت ي
يكون الغرض من جلان احلقيقة محاية بعض اجلناة ممن ارتكبوا انتهاكا جسيمة،
وهي الفرضية اليت تشكل انتهاكا للقانون الدويل ،واليت لن تكون ابدا س مصلحة
العدالة أو اجملتم ككل ،و يظل التحدي قائما ،وتظل هناك دائما توترا بني
متطلبا نظام العدالة اجلنائية ،وبني األساليب غري العقابية لالنتهاكا اجلسيمة
واملنه ية حلقوق الإنسانق
236