You are on page 1of 4

‫سياسة إعداد التراب الوطني‬

‫بين إشكالية التقائية التدخلات العمومية ومتطلبات التنمية المجالية‬

‫هشام لفقيه‬
‫إطار بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي‬
‫والبحث العلمي باحث في القانون العام والعلوم السياسية‪.‬‬

‫هسبريس‬

‫تسعى الدولة في ميدان التهيئة الترابية إلى تحسين جودة ظروف عيش‬
‫الساكنة‪ ،‬وتطوير الخدمات العمومية‪ ،‬وتسهيل الولوجية للمرافق‬
‫والتجهيزات الأساسية كالتعليم والصحة‪ ،‬وتوفير الماء الصالح للشرب‬
‫والكهرباء في جميع مناطق المغرب‪ ،‬سواء تعلق الأمر بالمجالات الجبلية‬
‫أو السا حلية أو الصحراوية‪ ،‬وكذا ضمان المساواة في المعاملة بين‬
‫المواطنين‪ ،‬من حيث الحقوق والواجبات‪ .‬وتشكل كل هذه الانشغالات‬
‫مصدر اهتمام جل الدراسات والأبحاث الميدانية التي تبرز المجالات الأقل‬
‫تجهيزا واندماجاً‪.‬‬
‫إن سياسة إعداد التراب الوطني هي عملية يمكن عن طريقها تنسيق‬
‫وتوحيد أداءات الأفراد والفاعلين بمختلف مستوياتهم وتموقعاتهم‪ ،‬في‬
‫إطار جهود الهيئات الحكومية‪ ،‬لتحقيق أهداف التنمية المستديمة الشاملة‬
‫والمتوازنة‪.‬‬
‫ولضمان استجابة حماسية وفعالية لهذه السياسة‪ ،‬وضمان انسجامها‪ ،‬تم‬
‫تأطيرها بوسائل منهجية وبمؤسسات تسهر على إدارتها وتدبيرها وكذلك‬
‫تمويلها‪.‬‬
‫فبالنسبة للأدوات أو الوسائل المنهجية فهي تتمثل أساسا في عقود‬
‫البرامج وعقود المخططات وهي كالآتي‪:‬‬
‫‪-‬الميثاق الوطني حول إعداد التراب (‪ )CNAT‬الذي عمل على توفير‬
‫القاعدة القانونية المؤسسة لمجموع آليات تحضير وتنفيذ سياسة إعداد‬
‫التراب‪.‬‬
‫‪-‬المخطط الوطني لإعداد التراب (‪ )PNAT‬الذي يحدد التوجهات العامة‬
‫الأساسية في ميدان إعداد التراب الوطني‪.‬‬
‫‪-‬المخططات الجهوية لإعداد التراب (‪ )PRAT‬التي تهدف إلى التخطيط‬
‫لبرامج تجهيزية وعمليات تنموية وإعداد التراب الجهوي على الأمدين‬
‫القريب والمتوسط والبعيد‪.‬‬
‫‪-‬التصميم التوجيهي للتهيئة الحضرية (‪ )SDAU‬وهي وثيقة تعميرية ذات‬
‫طابع توجيهي‪ ،‬تطبق على رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل‬
‫دراسة إجمالية نظرا لحجم الترابط القائم بين مكوناتها في المجالات‬
‫الاقتصادية والاجتماعية‪.‬‬
‫‪-‬تصميم التهيئة (‪ )PA‬وهي وثيقة تعميرية وتنظيمية تستهدف تخطيط‬
‫المجال الحضري بشكل خاص والتحكم في التوسع العمراني للجماعات‬
‫الحضرية والقروية‪.‬‬
‫‪-‬تصميم التنمية (‪ )PA‬وهي وثيقة تعميرية تنظم تطور المناطق القروية‪.‬‬
‫‪-‬تصميم التنطيق (‪ )PZ‬وهي وثيقة تعمير تنظيمية يتم اللجوء إليها قصد‬
‫التنطيق أثناء المرحلة الانتقالية الواقعة بين تاريخ المصادقة على الوثيقة‬
‫التقديرية للتخطيط التوجيهي وتاريخ الانتهاء من إعداد الوثيقة التنظيمية‬
‫"تصميم التهيئة"‪.‬‬
‫بيد أن تحضير وتبني هذه المخططات وإعداد برامج الأداء يظل وحده‬
‫غير كاف‪ ،‬بل يجب العمل على وضع هياكل قادرة على تأمين مشاركة‬
‫وانخراط الفاعلين المعنيين‪ ،‬وإحداث مؤسسات بإمكانها توفير الاعتمادات‬
‫المالية الكافية للقدرة على الخروج ما يتم تبنيه من تصورات واختيارات‬
‫إلى الواقع‪.‬‬
‫هذه المؤسسات والهياكل نجدها منصوص عليها في الميثاق الوطني‬
‫لإعداد التراب وهي‪:‬‬
‫‪-‬المجلس الأعلى لإعداد التراب كهيئة عليا تشكل قوة اقتراحية في مجال‬
‫تحضير السياسة الوطنية لإعداد التراب ومتابعة تنفيذها‪.‬‬
‫‪-‬التنصيص على ضرورة إحداث لجنة وطنية دائمة لإعداد التراب والتنمية‬
‫المستديمة‪ ،‬يرأسها رئيس الحكومة‪ ،‬وتقوم بمتابعة تنفيذ الاختيارات‬
‫المتعلق بالسياسة الوطنية والجهوية والقطاعية لإعداد التراب‪ ،‬كما‬
‫تعمل على تأمين التمفصل اللازم بين مختلف المخططات الاقتصادية‬
‫والاجتماعية وسياسة إعداد التراب‪.‬‬
‫‪ -‬اللجنة الجهوية لإعداد التراب والتنمية المستدامة وتختص بالتحضير‬
‫الجهوي لإعداد التراب وضمان التمفصل فيما بين المخطط الوطني‬
‫وتوجهات التصميم الجهوي لإعداد التراب‪.‬‬
‫كل ما ذكر آنفا هي أهداف وضوابط تستهدف ضمان مجال ترابي منظم‬
‫ومندمج‪ ،‬لاسيما بعد المصادقة على الميثاق والتصميم الوطنيين لإعداد‬
‫التراب‪ ،‬اللذين يضعان المبادئ التي تشكل المرجعية الأساسية لتصور‬
‫السياسات العامة في هذا المجال‪ ،‬وإطارا لتوجيه تدخلات الدولة‬
‫والهيئات العامة والجماعات الترابية‪ .‬لكن يبقى التساؤل المطروح حول‬
‫الوضعية الحالية لإعداد التراب الوطني‪:‬‬
‫‪ -‬بخصوص مبدأ تعزيز الوحدة الوطنية‪ :‬على الرغم من اشتراط الميثاق‬
‫والتصميم الوطنيين ضرورة تحقيق التوازن والإنصاف واندماجية المجال‬
‫ال وطني‪ ،‬فإن الهدف المغيب والمتعين القيام به هو دمج المجالات‬
‫الترابية التي تعاني من العزلة وغير المرتبطة بالبنيات التحتية الكبرى‪.‬‬
‫‪ -‬فيما يتعلق بمبدأ التنمية المرتكزة على الإنسان‪ :‬تم اعتماد برامج كبرى‬
‫مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬وتعميم برنامج عمل الجماعة‬
‫كأدوات للتنمية المحلية المرتكزة على انسجام المجال والإنسان؛ لكن ما‬
‫يزال الكثير للقيام به في هذا المجال‪ ،‬كتعبئة الموارد لتنفيذ هذه‬
‫الإستراتيجيات واستيعابها من قبل الفاعلين المحليين‪.‬‬
‫‪ -‬بخصوص مبدأ النجاعة الاقتصادية والتماسك الاجتماعي‪ :‬يربط الميثاق‬
‫والتص ميم الوطنيين لإعداد التراب بين تسارع ديناميات النمو وتحسين‬
‫أداء الاقتصاد الوطني وإعادة توزيع ثمار النمو‪ ،‬إلا أن ما يلاحظ أن معظم‬
‫المشاريع المهيكلة للاقتصاد وتلك المنشئة للثروة ما زالت تستوطن‬
‫بالخصوص سواحل المحيط الأطلسي وغرب البحر الأبيض المتوسط‪،‬‬
‫بينما تمثل فاس ومراكش حالتي استثناء‪.‬‬
‫‪ -‬بخصوص مبدأ التجانس بين الإنسان ومجاله‪ :‬فان الانتقال من المقاربة‬
‫القطاعية التي أظهرت محدوديتها في السنوات الماضية إلى المقاربة‬
‫الشاملة للتنمية المستدامة كضرورة ملحة في الوقت الراهن‪ .‬وفي هدا‬
‫الصدد‪ ،‬يشكل الميثاق الوطني والإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة‬
‫خطوة مهمة في هذا المجال‪ ،‬والواجب تدعيمها ومساءلة جميع الفاعلين‬
‫من خلالها‪.‬‬
‫‪ -‬أما بالنسبة لمبدأ الديمقراطية والتشارك كمبادئ دستورية جديدة ‪:‬‬
‫فأبعاد هذه المبادئ‪ ،‬تهم مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرار‬
‫على المستوى المحلي والمركزي؛ لكن تفعيل هاته المبادئ ما زالت‬
‫تفتقد إلى آليات منهجية للمشاركة التي تعتمد أساسا على قنوات الإعلام‬
‫والتكنولوجيات الجديدة ودمج الشفافية كمبدأ أساسي في التعامل مع‬
‫المواطنين‪.‬‬
‫إذا كانت مختلف هذه السياسات والإستراتيجيات التي تم الحديث عنها‬
‫قد ساهمت بشكل أو بأخر في تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد‬
‫الوطني‪ ،‬كما يمكن اعتبارها تصورات جديدة للسياسات العمومية ذات‬
‫البعد الترابي‪ ،‬فان توجهات إعداد التراب الوطني الداعية إلى الاندماجية‬
‫لم يتم الأخذ بها في صياغة هذه السياسات‪ .‬وعليه‪ ،‬فنحن أمام قوة‬
‫فردانية القطاعات في تدبير القرار الوطني‪ ،‬لتطرح وضعية إعداد التراب‬
‫ودوره في ضمان التنسيق بين السياسات العمومية أكثر من تساؤل‪،‬‬
‫ففي غياب اندماجية السياسات القطاعية العمومية والتماسك الترابي‪،‬‬
‫يواجه المجال الوطني خطر ازدياد حجم فجوة التنمية بين مكونات التراب‬
‫الوطني‪.‬‬

You might also like