You are on page 1of 8

‫مفهوم الذكاء الإقتصادي الترابي‬

‫بواسطة يوسف التونسي‬


‫باحث في القانون العام‪،‬‬

‫المصدر ‪https://hakamatourabia.site :‬‬

‫تفتقر أغلبية الجماعات الترابية إلى تصور شمولي ومندمج يأخذ بعين‬
‫الإعتبار أولويات المواطنين وحاجياتهم‪ ،‬في إطار تخطيط منهجي يرتكز‬
‫على مقاربة توفق بين توظيف المؤهلات المتاحة‪ ،‬و تزايد وتنوع‬
‫متطلبات الساكنة المحلية‪)1( .‬‬

‫بالتالي تغيب رؤية “إستراتيجية” واضحة لتدبير الجماعة وتلبية متطلبات‬


‫ساكنتها‪ ،‬فلا يمكن تصور تحقيق أي من الأهداف التنموية في غياب‬
‫خطط أو استراتيجيات لتحقيقها‪.‬‬

‫وهكذا فإن المقاربة الحديثة للتدبير الترابي من المفترض أن تتجاوز‬


‫الأسس “التقليدية” لتحقيق التنمية‪ ،‬كضرورة وجود موارد مالية وتقنية و‬
‫بشرية كافية لتفعيل المخططات التنموية للدولة و الجماعات الترابية‪،‬‬
‫تتجاوزها إلى حتمية ليس فقط تقديم الخدمة للمواطن بل استهداف‬
‫“الجودة” في ذلك وتحسين العلاقة بينه وبين المرفق العام‪)2( .‬‬

‫الأمر الذي يتطلب توجها “ذكيا”‪ ،‬يبدع في إيجاد الحلول لإشكاليات التنمية‬
‫المحلية في إطار منطق جديد للتعامل مع المجال الترابي باعتباره‬
‫“منتوج” يحتاج للتسويق لدى المستثمرين بإبراز مميزاته وخصائصه بما‬
‫يسهم في إنعاش الإستثمار الجهوي‪)3( .‬‬

‫وذلك عبر توظيف كل وسائل التواصل المتاحة والإستفادة من وسائط‬


‫الثورة الرقمية للترويج للمجال الترابي لتوطين المقاولات الخاصة وخلق‬
‫الثروة محليا‪ ،‬أو في تطوير أنماط التدبير للخدمات الأساسية التي تقدمها‬
‫الجماعات الترابية كرقمنة خدماتها الإدارية و آليات إعداد و تنفيذ وتقييم‬
‫مخططاتها التنموية‪.‬‬
‫إضافة إلى أساليب تحصيل إيراداتها المالية و تدبير الأملاك التابعة لها‬
‫بشكل مضبوط وأكثر دقة وشفافية‪ ،‬بما يسهم في نهاية المطاف في‬
‫تنمية مواردها الذاتية‪ .‬من جهة أخرى تعد الرقمنة مدخلا أساسيا لعصرنة‬
‫وسائل النقل داخلها ومخططات السير و الجولان و المرور‪ ،‬وباقي‬
‫الخدمات الأخرى المرتبطة بالتدبير الحضري اليومي‪.‬‬

‫خاصة مع التوسع العمراني الكبير و الذي يبقى في غالبيته غير متحكما‬


‫فيه‪ ،‬وتنامي وتنوع إحتياجات المواطنين من المرافق والخدمات‬
‫الأساسية‪ ،‬خاصة وأن الحديث اليوم تحديدا بالدول المتقدمة هو عن‬
‫أشكال جديدة من الحواضر أكثر تقدما ومفاهيم حديثة من قبيل “المدن‬
‫الذكية” تتميز بمستويات جودة عيش مرتفعة‪.‬‬

‫أولا‪ :‬أصول مفهوم الذكاء الإقتصادي‬

‫ساهمت العولمة وتحرير الأسواق في بروز أنماط إنتاجية حديثة تستثمر‬


‫في التقدم التكنولوجي لتقديم القيمة المضافة وتطوير مستوى‬
‫الخدمات‪ ،‬فعلى عكس الإقتصاد التقليدي حيث يكون النمو مدفوعا‬
‫بعوامل الإنتاج الأساسية كالعمل ورأس المال والتنظيم‪.‬‬

‫فإن الموارد البشرية المؤهلة وذات المهارات المتقدمة و رأس المال‬


‫المعرفي‪ ،‬هي أكثر الأصول قيمة في إقتصاد المعرفة أو الإقتصاد‬
‫الجديد‪ ،‬القائم على توظيف تقنيات الإتصالات المتطورة‪ ،‬الرقمنة‪،‬الإبتكار‪،‬‬
‫والإستثمار في البحث و التعليم و نماذج الإدارة الجيدة‪)4( .‬‬

‫وهكذا فإن العنصر المحوري في هذا التحول نحو إقتصاد المعرفة أو‬
‫الإقتصاد الرقمي هو التوجه “الليبرالي” للتجارة الدولية و التنافسية‬
‫الكبيرة حول ولوج الأسواق‪ ،‬ليسن فقط بين الدول بل بين الشركات‬
‫والمقاولات الكبرى أيضا‪.‬‬
‫ما جعل سرعة تحصيل المعلومة و الإستفادة منها و حمايتها‪ ،‬والقدرة‬
‫على الابتكار والتجديد المستمر و توظيف أساليب الذكاء الإقتصادي هي‬
‫من يضمن التفوق على المنافسين‪.‬‬

‫تاريخيا‪ ،‬كان أول إستعمال لمصطلح “الذكاء الإقتصادي” عبر الكاتب‬


‫الأمريكي "هارولد ويلنسكي" سنة ‪ 1967‬في كتابه‬

‫» ‪ « Intelligence Organisationnelle‬حيث عرفه على أنه " نشاط إنتاج‬

‫المعارف التي تهدف إلى تحقيق المصالح الإقتصادية والإستراتيجية‬


‫لمنظمة معينة "(‪)5‬‬

‫سنة ‪ 1994‬سيصدر تقرير رسمي عن المندوبية العامة للتخطيط بفرنسا‬


‫بعنوان “الذكاء الإقتصادي و إستراتيجية المقاولات”‪ ،‬سيقيم تجربة الذكاء‬
‫الإقتصادي بفرنسا مقارنة بتجارب دولية أخرى كاليابان والولايات المتحدة‬
‫الأمريكية و ألمانيا‪ ،‬و سيخرج بمجموعة من التوصيات والمقترحات‬
‫لإعداد سياسات عمومية في هذا الشأن‪ ،‬لضمان تنافسية الإقتصاد‬
‫والمقاولة الفرنسية في عالم متحول بشكل متسارع‪.‬‬

‫وعرف التقرير الذكاء الإقتصادي بأنه "مجموع الأعمال و الإجراءات التي‬


‫تهم البحث عن المعلومات النوعية والمفيدة ومعالجتها و توزيعها على‬
‫مختلف الفاعلين الإقتصاديين لإستغلالها‪ ،‬مع ضمان حماية هذه‬
‫المعلومات و المعطيات في أقصى ظروف الجودة والوقت والتكلفة"‪.‬‬
‫(‪)6‬‬

‫أما بالنسبة " للجمعية الفرنسية ‪ ، " L’AFDIE‬فتحدده على أنه " مجموع‬
‫الأدوات المنظمة في إطار تدبير المعارف المنتجة لمعلومات مفيدة‬
‫لإتخاذ القرارات بشكل توقعي و فعال‪ ،‬وتقديم قيمة مضافة لمختلف‬
‫المعنيين‪" .‬‬

‫في حين تعرفه " الجمعية الفرنسية للفاعلين في مجال المعلومات‬


‫والتوثيق " على أنه " مجموعة من المنهجيات و التطبيقات التي تمكن‬
‫من ربط مختلف المعارف والمعلومات بشكل متقن بما يحقق الدينامية‬
‫الإقتصادية " وذلك من خلال ‪:‬‬

‫* تأهيل وتطوير العنصر البشري‪.‬‬

‫* معالجة وتحليل المعطيات والمعارف الموجهة لتحقيق أهداف وظيفية‪.‬‬

‫* ضمان التدفق الفعال للمعلومات داخل المنظمات المعنية‪)7( .‬‬

‫إنطلاقا من ذلك‪ ،‬يمكن تعريف الذكاء الإقتصادي الترابي على‬


‫أنه “تطبيق مبادئ الذكاء الإقتصادي في إطار فعل عمومي يستهدف‬
‫تحقيق التنمية الإقتصادية و الصناعية للمجال الترابي‪ ،‬و هو أداة‬
‫للمساعدة في إتخاذ القرارات من الجماعات الترابية بما يحقق جاذبية‬
‫مجالاتها و ضمان تنافسيتها‪ ”.‬هذا إلى جانب مقاصد أخرى يمكن‬
‫تلخيصها كالتالي‪)8( :‬‬

‫* تطوير قدرة الجماعات الترابية على التشخيص ومعرفة أفضل بمجالاتها‬


‫للتحكم أكثر في مواردها‪.‬‬

‫* تحسين تدبير بنيتها التحتية سواء تعلق الأمر بالطرق و المواصلات أو‬
‫الإتصالات‪.‬‬

‫* القدرة على الإستجابة الفورية و الإيجابية للأزمات‪.‬‬

‫* التوظيف الأمثل لجميع المؤهلات بهدف التسويق الترابي للمجال‬


‫الجهوي‪.‬‬

‫بالتالي فالهدف الأساسي لتطبيق تقنيات الذكاء الإقتصادي المعتمدة من‬


‫الشركات في المجال الترابي‪ ،‬هي التحول نحو مفهوم “الجماعة المقاولة”‬
‫التي توظف أساليب التدبير المعهودة بالقطاع الخاص‪.‬‬

‫لضمان جودة أكثر في تسيير المرافق العمومية التابعة للجماعات‬


‫وتقديم خدمات أكثر جودة‪ ،‬والأهم إعتماد تقنيات مستحدثة للتعامل مع‬
‫إشكاليات التنمية المحلية‪.‬هذا بالإضافة إلى تحقيق النجاعة الطاقية‬
‫وحماية البيئة و تحقيق التنمية المستدامة وإرساء إندماج إجتماعي داخل‬
‫المجالات الحضرية‪)9( .‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تحديات وركائز الذكاء الإقتصادي الترابي في التجربة المغربية‬

‫العنصر الأساسي في الذكاء الإقتصادي هو القدرة على جمع المعلومات‬


‫وتحليلها و بناء تصور مستقبلي شمولي لإعداد مخططات وبرامج‬
‫تنموية أكثر فعالية‪ ،‬الأمر الذي يعد نقطة الضعف الأساسية لدى‬
‫الجماعات الترابية‪.‬‬

‫فالملاحظ أن الجماعات تعاني من ضعف كبير على مستوى التشخيص‪،‬‬


‫بالنظر إلى إفتقار الجماعات لبنوك معلومات أو مراصد لجمع وتحليل‬
‫ومعالجة مختلف المعطيات الضرورية المتصلة بمختلف مناحي التدبير‬
‫اليومي للجماعات‪.‬‬

‫مما يعني غياب معطيات دقيقة و”موثوقة” يمكن الإنطلاق منها‬


‫لتشخيص الوضعية وتحديد الحاجيات بدقة‪ ،‬كما لا توجد أجهزة أو مكاتب‬
‫للتقييم للوقوف على مستوى نجاعة التدخلات التنموية وتتبعها بشكل‬
‫دوري لتحديد السلبيات للعمل على تجاوزها أو الإيجابيات للبناء عليها‪.‬‬
‫(‪)10‬‬

‫هذا بالإضافة‪ ،‬إلى عدم شمولية بعض المخططات المنجزة لمختلف‬


‫ميادين تدخل الجماعات وتغييبها الرؤية الإستراتيجية بعيدة المدى‪ ،‬وعدم‬
‫تحيينها من خلال وضع تصور واضح للأهداف المزمع تحقيقها من طرق‬
‫الجماعة‪ ،‬مع الأخذ بعين الإعتبار المعطيات الجديدة المرتبطة بوضعية‬
‫الجماعة خاصة على المستوى المالي‪)11( .‬‬

‫كلها إكراهات تحتم على الجماعات الترابية تبني مقاربة تدبيرية أكثر‬
‫تقدما تقطع مع التسيير الكلاسيكي للمجال‪،‬وتنمية وظائف التفكير‬
‫الإستراتيجي القائم على الإستشراف والبرمجة طويلة الامد‪)12(،‬‬
‫والإنخراط في منطق الذكاء والتسويق الترابي خاصة مع تنصيص‬
‫القانون التنظيمي للجهات(‪ )13‬في المادة ‪ 80‬منه‪ ،‬على أن من مهام‬
‫الجهة " العمل على تحسين جاذبية مجالها الترابي وتقوية تنافسيته‬
‫الإقتصادية "‪.‬‬

‫وهو ما يمكن تحقيقه من خلال المرتكزات التالية (‪: )14‬‬

‫* عقد شراكة بين الدولة والجهات التي تتوفر فيها بعض المؤهلات‬
‫الإقتصادية والصناعية‪،‬حيث تقوم الدولة بدور ريادي في النهوض بثقافة‬
‫الذكاء الإقتصادي الجهوي من خلال تعبئة الكفاءات الجهوية و تطوير‬
‫إستراتيجية تنمية أقطاب للتنافسية على المستوى الجهوي‪.‬‬

‫* وضع منظومة جهوية للإعلام الإحصائي دقيقة وموثوقة و مفتوحة في‬


‫وجه كل المستعملين‪ ،‬كشرط أساسي للإحاطة بإشكاليات التنمية و أداة‬
‫ثمينة للمساعدة على اتخاذ القرار‪ ،‬سواء بالنسبة للمسؤولين الجهوين أو‬
‫السلطة المركزية‪ .‬ذلك أن المعرفة العميقة بالمعطيات الإقتصادية و‬
‫الإجتماعية في تفاصيلها العميقة تمكن من تصحيح إختلالات المعدلات‬
‫التنموية الجهوية و الوطنية‪ .‬وملاءمة الحلول مع الإشكاليات كما تعيشها‬
‫الساكنة‪ .‬وفي نفس الوقت تكشف عن مؤهلات غير متوقعة تزخر بها‬
‫بعض المناطق التي لا يلتفت إليها كثيرا في المجال الترابي‪.‬‬

‫* الإستمرار في عملية إصلاح المراكز الجهوية للإستثمار‪ ،‬بما يطور من‬


‫أدائها و يجعل منها أقطابا حقيقية “لليقضة الإقتصادية” ورافعة للنهوض‬
‫بجاذبية مناخ الأعمال في الجهات‪.‬‬

‫المراجع المعتمدة ‪:‬‬

‫أحمد بوعشيق‪ ،‬الحكامة المحلية على ضوء الميثاق الجماعي الجديد‪[1] ،‬‬
‫مجلة رسالة الجماعات المحلية‪ ،‬ص ‪ ،12‬عدد ‪،13‬‬
‫‪2005‬‬
‫‪[2] Fatima Chahid, Terrorialisation des politiques publiques,‬‬
‫‪REMALD‬‬
‫‪,Collection Manuels et Travaux, N 69, P 182.‬‬

‫آمال بلشقر‪ ،‬التسويق الترابي دعامة أساسية للتنمية الجهوية ]‪[3‬‬


‫المندمجة‪ ،‬مجلة دراسات و وقائع دستورية وسياسية‪ ،‬لعدد ‪ ،2013، 9‬ص‬
‫‪72.‬‬
‫إقتصاد المعرفة‪ ،‬دراسات إقتصادية‪ ،‬منشورات صندوق النقد ]‪[4‬‬
‫‪.‬العربي‪ ،‬العدد ‪ ،2019 -51‬ص ‪8‬‬

‫‪[5] Assemblée parlementaire de la francophonie, Dakar, 6-7‬‬


‫‪Juillet 2010,‬‬
‫‪Rapport sur L’intelligence économique, Jean pierre Dufau, P 2.‬‬

‫‪[6] Intelligence économique et Stratégie des Entreprises,‬‬


‫‪Commissariat Général du Plan, Février 1994, P 11.‬‬

‫‪[7] https://www.actulligence.com/ressources/definitions-de-‬‬
‫‪lintelligence-economique/‬‬

‫‪[8] https://portail-ie.fr/resource/glossary/74/intelligence-‬‬
‫‪territoriale‬‬

‫مسعودي رشيدة‪ -‬فرشان دليلة‪ ،‬تنمية الرأسمال الاجتماعي‪ :‬مستقبل ]‪[9‬‬


‫استدامة المدن الذكية‪ ،‬منشورات المركز الديمقراطي العربي للدراسات‬
‫‪.‬الاستراتيجية و السياسية والاقتصادية‪ -‬المانيا‪ ،2019 -‬ص ‪273‬‬
‫خلاصات اليوم الدراسي حول تقييم وتثمين آليات مواكبة ]‪[10‬‬
‫المخططات الجماعية‪ ،‬المديرية العامة للجماعات المحلية‪ ،‬الرباط‪2013،‬‬
‫تقرير المجلس الجهوي للحسابات بمراكش ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪[11] 101‬‬
‫حنان القادري‪ ،‬المقاربة الجديدة لتقييم التدبير الترابي على ضوء ]‪[12‬‬
‫تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية‪ ،‬مجلة المنارة للدراسات القانونية‬
‫والادارية‪ ،‬العدد ‪ ،2011 ،1‬ص‪195‬‬
‫القانون التنظيمي رقم ‪ 111.14‬المتعلق بالجهات الصادر بتنفيذه ]‪[13‬‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.83‬بتاريخ ‪ 7‬يوليو ‪ ،2015‬جريدة رسمية عدد‬
‫‪ 6585.‬بتاريخ ‪ 23‬يوليو ‪2015‬‬

‫متطلبات الجهوية و تحديات إندماج السياسات القطاعية‪ ،‬المجلس ]‪[14‬‬


‫الاقتصادي والاجتماعي والبيئي‪ ،‬مارس ‪ ،2016‬ص ‪102‬‬

You might also like