Professional Documents
Culture Documents
قضية أفعال العباد بين المعتزلة و الأشعري و السلف و الماتريدي.
قضية أفعال العباد بين المعتزلة و الأشعري و السلف و الماتريدي.
إستفاء دلادة:
علم الكالم
احملاضر:
قدمتو:
فاطمة الزىراء
ٓ
أفعال العباد بني ادلعتزلة والسلف واألشعري وادلاتريدي
ادلق ّدمة
يكشف ىذا البحث عن مسألة من صميم أصوؿ العقيدة اإلسالمية ،كىي مسألة
أفعاؿ العباد .فقد انقشتها الدايانت السابقة كالفلسفات القددية ،مث انتقلت دبا فيها من أفكار
منحرفة كمعتقدات ابطلة إذل ادلسلمُت ،فأخذ هبا البعض كعمل على تركجيها ،كيربز ىذا
البحػث ظاىرة اجلرب اليت أخذت تنتشر يف عصران ىذا حيث حياكؿ الكثَت من النػاس االحتجػاج
ابلقدر على اجلرائم كادلعاصي اليت ترتكب كالػسكوت علػى ظلػم الظػادلُت ،كإجػراـ ادلفسدين ،مث
ينقض البحث آراء اجلربية كادلعتزلة كيرد على تلك الشبهات من خالؿ األدلة الشرعية ،كتوضيح
فهم السلف دلسألة أفعاؿ العباد كالذم استمدكه من القرآف الكرًن كالسنة النبوية.
فإف مسألة أفعاؿ العباد كانت كال زالت مثار اىتماـ الباحثُت من أرابب الدايانت
السابقة كالفلسفات القددية ،كما كانت موضع خالؼ كبَت بُت مجيع الفرؽ اإلسالمية ،كخاصة
ادلعتزلة ،كأىل السنة كاجلماعة من السلف من اإلماـ أمحد بن حنبل كاإلماـ أمحد بن تيمية ،مث
أىل السنة كاجلماعة من اخللف من األشاعرة كادلاتريدية .بل كما زالت ىذه ادلسألة حيػة
كمعاصػرة ،تػشغل العقػل اإلنساين كتؤرقو ،فمنهم من ينكر على العبد حريتو كإرادتو ،فيجعلو
مسَتان ال شأف لو يف خلػق أفعالػو اليت حددت لو مسبقان كال سبيل إذل تعديلها أكربويرىا ،كمنهم
ٔ
من يرأب ابإلنساف أف يكػوف فػي منزلػة اجلماد فيثبت لو اإلرادة ،كجيعلو قادران على أفعالو ،كيرل
كلعل السبب يف ذلك أف القرآف الكرًن كردت فيو آايت كثَتة تشَت إذل أف خػالق كػل
كإذا ربدثنا عن أفعاؿ العباد لن يفرؽ بُت اجلربية كالقدرية .من ىنا ديكننا أف منيّز بُت
ّإذباىات ثالثة رئيسيّة يف ىذه ادلشكلة على كىي من ماؿ إذل القوؿ ابلقدر كاالختيار مثّ من
ٔ
كل فرقة من الفرؽ ادلتجادلة أتييد
ّ حاكلت كقد توسط بُت اجلربيّة كالقدريّة.
ّاذبو إذل اجلرب كمن ّ
كجهة نظرىا اترة ابألدلّة النقليّة كاترة أخرل ابألدلّة العقليّة.
كالتنظر فيما يلي إذل ما ديكن أف ربلّل الباحثة ذلذه ادلشكلة عند نظرّايت بعض الفرؽ
متهيد
يرتبط القضاء كالقدر دبسألة أفعاؿ العباد ارتباطان كثيقان ،فهذه األخَتة جػزء مػن تلػك
ادلسألة الشائكة .كقد كضح اإلماـ البيهقي -رمحو هللا -العالقة بُت القضاء كالقدر كبُت
ٔسعد عبد اهللا عاشور ،موقف الفرق اإلسالمية من أفعال العباد( ،غزة :جامعة إسالميّة غزة ،ٕٓٓٔ ،ص.
ٖٖٕ.
ٕ
أفعػاؿ العبػاد بقولو" :اإلدياف ابلقدر ىو اإلدياف بتقدـ علم هللا سبحانو دبا سيكوف من أكساب
ٕ
اخللق كغَتىػا ،من ادلخلوقات كصدكرىا مجيعها عن تقدير منو ،كخلق ذلا خَتىا كشرىا".
فالقضاء كالقدر يرتبط بعموـ مشيئة هللا كخلقو كقدرتو ،كلكن أفعاؿ العباد ىل ىي
سللوقة هللا تعاذل من غَت استطاعة من اإلنساف فيكوف رلربان ؟ أـ ىي ليست سللوقة هللا ،كإمنا
العباد ىم اخلالقوف ،كعليو يكوف الثواب كالعقاب بناء على ما قدمت أيديهم ،كىذه مسألة ذلا
متعلقاف.
إحدامها :ابخلالق تعاذل ،كىوما اتفق فيو أىل السنة كاألشاعرة على أف هللا تعاذل خالق
أفعاؿ العباد .كالثاين :ابلعبد ،كىل لو قدرة أكال ؟ كىل قدرتو مؤثرة أكغَت مؤثرة .ىذه كقع فيهػا
ٖ
اخلالؼ بُت الطوائف إذل حد كبَت.
كلعل السبب يف خالفهم أف القػرآف الكرًن كردت فيو آايت يدؿ بعضها على حرية
العػبد كاختياره كربمل مسئولية ما يفعلو ،كبعضها اآلخر يػدؿ على أف هللا تعاذل خالق كل
ٕ أبوبكر أمحد بن احلسُت البيهقي-ت :كماؿ يوسف احلوت ،-االعتقاد واذلداية إىل سبيل الرشاد( ،عادل
الكتب ،بَتكت ،لبناف ٕٔٗٓ ،ىػ ٜٕٔٛ-ـ) ،ص.ٖٛ :
ٖ انظر :موقف ابن تيمية من األشاعرة :د .عبد الرمحن بن صاحل احلمود(الرايض :مكتبة الرشد ،الطبعة األكذل
٘ٓٗٔ ىػ ٜٜٔ٘/ـ) ،ص.ٖٖٔٓ :
ٖ
(( فمن اآلايت اليت تدؿ على حرية العبد كاختياره :قولو تعاذل:
.٘، ٗ،))
ٙ
.
كقبل بياف آراء الفرؽ يف خلق أفعاؿ العباد ينبغي أف نعلم أف ادلدارس الكالمية كلها
ذىبت إذل تقسيم أفعاؿ العباد إذل قسمُتّ .أكذلا ىي أفعاؿ اضطرارية ال إرادية :كضرابت
القلب ،كحركة الدـ يف الشرايف ،كحركة ادلرتعش ...اخل .ىذه مردىا إذل اهللا تعاذل ال دخل
للعبد يف إجيادىا .كاثنيها أفعاؿ اختيارية إرادية :كىي األفعاؿ اليت يقصد العبد إليها بقدرتو ك
إرادتو .كقد كقع فيها اخلالؼ بُت ادلتكلمُت فانقسمت آرائهم إذل اذباىات متعددة اليت
ٚ
ستبحث الباحثة يف ما بعد.
ٗ
القدرية واجلربية
أسس مذىب اجلربيّة على يدم ٛجهم بن صفواف ٜالذم اشتهر بقولو اجلرب .كقد
ّ
انقسمت اجلربية إذل قسمُت ،جربية خالصة اليت ال تثبت فعالن كال قدرة على الفعل أصال.
ٓٔ
فأىل اجلرب احملض كىم القسم األكؿ كجربية متوسطة كىي اليت تثبت للعبد قدرة غَت مؤثرة.
ابلغوا يف إثبات القدر .حىت ىبطوا ابإلنساف إذل مرتبة أقل كأدىن من مرتبة احليواف ،بل النبات
ٔٔ
أيضا.
اإلنساف عندىم رلبوركف يف أفعالو كأنّو ال قدرة لو كال قصد كال اختيار .كإ ّف حركات
الناس كخركات اجلمدات .مثلو كمثل الريشة ادلعلقة يف اذلواء ،إذا ىبت الريح ربرؾ ديينا كمشاال،
ٛ
أسس ىذا ادلذىب أيضا اجلعد بن درىاـ الساكن يف بيئة نصرانيّة بدمشق .كدلا نشر مذىبو ىناؾ طردأمَت بٍت
ّ
أميّة فهرب إذل كوفة كلقيو ىناؾ جهم بن صفواف .أنظر أمل فتح هللا زركشي ،درسة يف علم الكالم( ،فونورككو :جامعة
دار السالـ للطباعة كالنشر ،)ٕٓٔٔ ،ص٘ٗ-ٖ٘ .
ٜأبو زلرز الراسيب موالىم السمرقندم .الكاتب ادلتكلم أس الضاللة كرأس اجلهمية .كاف صاحب ذكاء
كجداؿ.كتب لألمَت حارث بن سريج التميمي .ككاف ينكر الصفات ،كينزه البارم عنها بزعمو ،كيقوؿ خبلق القرآف.
كيقوؿ:إف هللا يف األمكنة كلها .قاؿ ابن حزـ :كاف خيالف مقاتال يف التجسيم .ككاف يقوؿ :اإلدياف عقد ابلقلب ،كإف
تلفظ ابلكفر .قيل :إف سلم بن أحوز قتل اجلهم ،إلنكاره أف هللا كلم موسى .أنظر مشس الدين الذىيب ،سري أعالم
النبالء( ،قاىرة :بيت األفكار الدكليّة ،)ٕٜٓٓ ،صٕٚ .
ٓٔعلي سامي النشار ،نشأة الفكر الفلسفي يف اإلسالم( ،قاىرة :دار ادلعارؼ ،)ٜٔٚٚ ،صٖٖٗ .
ٔٔزلمود قاسػم ،مقدمة مناىج األدلة يف عقائد أىل ادللة البن رشد( ،قاىرة :مكتبػة األصللػو ادلػصرية،
ٗ ،)ٜٔٙصٔٓٙ .
٘
ٕٔ
فإ ّف هللا سبحانو كتعاذل إذا ،ىو الوحيد كإف دل هتب سكت ،تقلّبها الريح كيف تشاء.
كل أعماؿ .فإذف قد رأت اجلربيّة أف اإلنساف رلبوركف بفعلو من هللا تعاذل ،زلم كاف
تصدر منو ّ
يف الواقع ىو نفسو فاعال لفعلو .ىذا الفعل عندىم رلازّاي أل ّف الفاعل احلقيقي ىو هللا .كإذا
أت ّكدكا بذلك إذا ارتكب الناس جردية مثل السريقة كالزان فالفاعل ىو هللا؟ فاجلواب طبعا ال.
ٖٔ
استحل هللا على فعل ذلك.
إف اعتقاد اجلربية ىذا انبع من عدـ الفهم السليم آلايت القرآف الكرًن إذل جانب توجيو
النص كاالستدالؿ بو حسب مبادئهم كأفكارىم .حيث إف الشرع كالعقل كاحلس يدؿ على أف
ٗٔ
ت) ت ُك ُّل ن ْف ٍ العبد فاعل لفعلو ،كأنو يستحق عليو الذـ حيث قاؿ تعاذل ِ
س َما َك َسبَ ْ (كُكفّيَ ْ
َ
(ى ْل ُْذبَزْك َف إِاال َما ُكنتُ ْم ْتع َملُو َف ) ٔ٘.كالشك أف أقواؿ كمعتقدات اجلربية ظاىرة
كقاؿ تعاذل َ
البطالف دلخالفتها النصوص القرآنية الصرحية الواضحة ٔٙ.كديكن إمجاؿ الرد عليهم من الوجوه
ابلنص القرآين ،حيث أف اهللا سبحانو كتعاذل أثبت يف كثَت من اآلايت أبف لإلنساف عمالن كلو
فعل.
ٕٔعلي مصطفى الغرايب ،اتريخ الفرق اإلسالميّة( ،قاىرة :مكتبة كمطبعة دمحم علي صبح ،دكف التاريخ) ،ص.
ٕٚ
ٖٔأمل فتح هللا زركشي ،درسة يف علم الكالم ،...ص٘ٛ .
ٗٔالقرآن الكرمي ،سورة آ ؿ عمرافٕ٘ :
٘ٔالقرآن الكرمي ،سورة النملٜٓ :
ٔٙأنظر ىذه الردكد بتوسع يف حبث قدـ لنيل درجة الدكتوراة بعنواف " أفعال العباد بني اجلبـر واإلختيـار "
للباحػث دمحم حسن رابح خبيت .ص ٖٓٓ- ٕٜٜ
ٙ
أما بطالف قوؿ اجلربية من الناحية اللغوية فواضح ،حيث إف اجملرب يف اللغة ىو الذم
يقع الفعل خبالؼ اختياره كقصده .كأما من كقع فعلو ابختياره كقصده كإرادتو فال يسمى يف
اللغة رلربان ،كما أف اجملرب مكره على فعلو .كاإلكراه يتناىف مع الذة كالشهوة كالرضى .كأىل
ٔٚ
ادلعاصي يفعلوهنا متلذذين هبا مشتهُت ذلا مسركرين.
ٔٛ
قاؿ القدرية يف نفي اجلرب كقالوا :ال قدر كاألمر ضد اجلربيّة ىي القدريّة.
سباـ ّ
أُنف ٜٔ،أم أف اإلنساف ىو الذم يقدر أعماؿ نفسو كيتوجو إليها إبرادتو مث يوجهها بقدرتو.
ضده على ما شاء بال خوؼ ،أل ّف اإلدياف عندىم يكفي ابلتصديق
الشر أك ّ
أييت اخلَت كيًتؾ ّ
ٕٓ
بتدخل هللا فيو.
ّ ادلساس دكف مطلقة، أة
ر ادل ةي
ّرفخ كاإلقرار دكف العمل.
كيف نفس الوقت يعٌت أف هللا ال يقدر على أداء ىذه األعماؿ أزال ،كال يدخل إرادتو
ٕٔ
كهبذا ادلعٌت تكوف القدرية قد جعلت كقدرتو يف كجودىا ،فال يعلمها إال بعد كقوعها.
ٔٚابن حزـ الظاىرم ،الفصل يف ادللل واألىواء والنحل( ،بَتكت :دار اجليل ،د .ت) ،صٖ٘ .
ٔٛ
أسسو معبد اجلهمي كغيالف الدمشقي .مها مركاف موذل عثماف بن عفاف .ككاف آراءه الكالميّة
ىذا ادلذىب ّ
ىي القوؿ ابإلختيار كاإلدياف معرفة كقوؿ ال عمل كالقوؿ خبلق القرآف كنفي الصفات كاإلمامة تصلح لغَت القريش . .أنظر
أمل فتح هللا زركشي ،درسة يف علم الكالم ،...صٖٙ-ٙٔ .
ٜٔابن عساكر ،تبيني كذب ادلفرتي فيما نسب إىل اإلمام أيب احلسن األشعري( ،بَتكت :دار الكتاب العريب،
،)ٜٜٔٚصٔٔ .
ٕٓعلي مصطفى الغرايب ،اتريخ الفرق اإلسالميّة ،...صٖٕ .
ٕٔعلي سامي النشار ،نشأة الفكر الفلسفي يف اإلسالم ،...صٖٔ٘-ٖٔٗ .
ٚ
اإلنساف خال نقا ألفعالو .كقد سبادكا يف قوذلم بنفي القدر هلل حُت رأكا بعض ادلسلمُت يغالوف يف
اجلرب.
غالت القدرية يف نفي القدر كقالوا :ال قدر كاألمر أُنف ٕٕ،أم :أف اإلنساف ىو الػذم
يقدر أعماؿ نفسو كيتوجو إليها إبرادتو مث يوجهها بقدرتو ،كىذا يعٌت أف هللا ال يقدر ىذه
ٖٕ
األعماؿ أزالن ،كال دخل إلرادتو كقدرتو يف كجودىا فال يعلمها إال بعد كقوعها.
كهبذا ادلعٌت تكوف القدرية قد جعلت اإلنساف خالقان ألفعالو ،كقد سبادكا يف قػوذلم بنفػي
القدر حُت رأكا بعض ادلسلمُت يغالوف يف اجلرب ،فأحدث يف نفوسهم رد فعل قوم ككاف سببان
كقبل بياف رأم ادلعتزلة يف ىذه ادلسألة ،البد من اإلشارة إذل أهنم يقسموف أفعاؿ العباد
إذل أفعاؿ مباشرة ،كأفعاؿ تولد.
فأما األفعاؿ ادلباشرة :فباتفاؽ منهم على أهنا سللوقة للعباد ،كأما األفعاؿ التولد :فاختلفوا
فيها كدل يضيفوا إذل اإلنساف منها إال ما تولد من اخلي ،كما قالو بشر بن ادلعتمر ،كالقاضي
عبد اجلبار ،كمن قاؿ بقوذلما.
ٛ
.1أفعال العباد ادلباشرة
يقوؿ القاضي عبد اجلبار :كىو يتكلم عن خلق األفعاؿ " ...كالغرض بو الكالـ يف أف
أفعاؿ العباد غَت سللوقة فيهم ،كأهنم احملدثوف ذلا" ٕٗ.فأفعاؿ العباد ادلباشرة ابتفاؽ أىل العدؿ
سللوقة للعباد بقدرة من هللا ،ما عدا ضرار بن عمرك كحفص الفرد ،فقد كافق أىل السنة يف أهنا
من فعل هللا ،ككذلك معمر كاجلاحظ اللذين قاال :إهنا من فعل الطبيعة.
كىناؾ شبهات ادلعتزلة النقلية كالعقلية اليت يتمسكوف هبا يف قوذلم" :إف أفعاؿ العباد
ادلباشرة سللوقة ذلم" .أكال الشبهات النقلية منها ،يقوؿ القاضي عبد اجلبار "كشلا يستدؿ بو من
(
جهة السمع:
ٕ٘) قالو :إف هللا نفي التفاكت عن خلقو .فليس إال
أف ادلراد بو التفاكت من جهة احلكمة على ما قلناه ،ك إذا ثبت ىذا دل يصح يف أفعاؿ العباد أف
تكوف من جهة هللا تعاذل الشتماذلا على التفاكت كغَته ٕٙ.فإف استدالذلم ابآلية انتج عن سوء
فهم ،كذالك ألف ادلقصود ابلتفاكت يف اآلية التفاكت يف اخللقة .كإذا ثبت أف ادلقصود
ابلتفاكت يف اآلية ،التفاكت من جهة اخللقة ،بطل قولكم" .كال جيوز أف يكوف ادلراد بو التفاكت
من جهة اخللقة" كعليو قيبطل استداللكم ابآلية.
اثنيا ا لشبهات العقلية منها ،يقوؿ القاضي عبد اجلبار" :لو كاف تعاذل ىو اخلالق
لفعلهم ،لوجب أف ال يستحقوا الذـ على قبيحو ،كادلدح على حسنو ،ألف استحقاؽ الذـ
ٕٗ عواد بن عبد هللا ادلعتق ،ادلعتزلة وأصوذلم اخلمسة وموقف أىل السنة منها( ،الرايض :مكتبة الرشد ،ط:
ٕ ٖٔٔٙ ،ىػ) ،ص .ٜٔٙ .كانظر يف شرح أصول اخلمسة ،ص.ٖٕٖ .
ٕ٘القرآن الكرمي ،سورة ادللك.ٖ :
ٕٙعواد بن عبد هللا ادلعتق ،ادلعتزلة وأصوذلم اخلمسة ،....ص ،ٔٚٔ .انظر يف تفسَت القرطىب ،ج ،ٔٛص.
.ٕٜٓ ,ٕٓٛ
ٜ
كادلدح على فعل الغَت ال يصح ٕٚ.ك أيضا قالت ادلعتزلة :كجدان أفعالنا كاقعة على حسب
قصدان ،فوجب أف تكوف خلقا لنا ،كفعال لنا ،قالوا :كبياف ذلك ،أف الواحد منا إذا أراد أف
يقوـ قاـ ،كإذا أراد أف يقعد قعد كإذا أراد أف يتحرؾ ربرؾ ،كإذا أراد أف يسكن سكن ،كغَت
ذلك .فإذا حصلت أفعالو على حسب قصده كمقتضى إرادتو ،دؿ على أف أفعالو خلق لو
ٕٛ
كفعل لو.
يقوؿ األسكايف" ٕٜأفعاؿ التولد ىي كل فعل يتهيأ كقوعو على اخلطأ دكف القصد إليو
أك اإلرادة لو ،فهو متولد ،ككل فعل ال يتهيأ كقوعو إال بقصد ،كحيتاج كل جزء منو إذل ذبدد
ٖٓ
عزـ كإرادة لو ،فهو خارج من حد التولد داخل يف حد ادلباشر".
كاألمثلة على ذلك كثَتة ،منها :األدل احلادث عند الضرب ،كاأللواف احلادثة عند
الضربة ،كمثل اضلدار احلجر احلادث عن طرحو ،كاإلدراؾ احلادث عن فتح البصرٖٔ ،كما
أشبهها من ادلسببات غَت ادلقصودة.
لقد اختلف ادلعتزلة يف أفعاؿ التولد على أقواؿ ،أمهها ىي :أكال إف ادلتولدات أفعاؿ ال
زلدث ذلا ،اثنيا قولو "أما ادلتولدات ففيها نوع من االختالؼ ...ففي الناس من علقها ابلطبع
على ما قالو أبو عثماف اجلاحظٕٖ يف أفعاؿ اجلوارح كادلعرفة ،كدل جيعل الواقع عند االختيار
ٕٚنفس ادلرجع ،ص ،ٔٚ٘ .كانظر يف ادلغٍت يف أبواب العدؿ كالتوحيد ،ج ،ٛ .ص.ٜٖٔ .
ٕٛنفس ادلرجع ،ص ،ٔٚٛ .كانظر يف شرح األصوؿ اخلمسة ،ص ،ٖٖٚ ،ٖٖٙ .كاالنصاؼ ،ص.ٖٔ٘ .
ٕٜنفس ادلرجع ،ص ،ٔٚٛ .كانظر فرقة األسكافية ص ٙٛ .من الرسالة.
ٖٓنفس ادلرجع ،ص ،ٔٛٗ .كانظر يف ادلقاالت ،ج ،ٕ .ص.ٛ٘-ٛٗ .
ٖٔعواد بن عبد هللا ادلعتق ،ادلعتزلة وأصوذلم اخلمسة ،....ص ،ٔٛٗ .كانظر يف ادلقاالت ،ج ،ٕ .ص-ٚٛ .
.ٜٚ
ٕٖ
انظر فرقة اجلاحظية ،ص ٚٓ .من الرسالة.
ٓٔ
سول اإلرادة دكف احلركات كما شاكلها .اثلثا ،قوؿ أكثر ادلعتزلة أبهنم قد قسموا أفعاؿ التولد
إذل قسمُت :األكؿ ما تولد من غَت احلي ،كحرؽ النار ،كما تولد من اإلنساف أك احلي كىو فعل
اإلنساف.
أما أىل السنة ينتقض رأم ادلعتزلة ،أبهنم يركف أهنا خلق هللٖٖ ،فإذا كاف كذلك فأفعاؿ
التولد من ابب أكذل خلق هلل ،ألهنا متولدة من األفعاؿ االختيارية ،مث أهنا غَت مقصودة من
اإلنساف.
كيرل أكثر أىل االعتزاؿ أف أفعاؿ العباد ليست سللوقة هللا ،كإمنا العبػاد ىم اخلػالقوف
ذلا ،كذلم إرادة كقدرة مستقلة عن إرادة هللا كقدرتو ،فأفعاذلم ال فاعل ذلا كزلدث سواىم ،كمن
قاؿ :إف هللا خالقها كزلدثها فقد عظم خطؤه ٖٗ،كما يقوؿ القاضي عبد اجلبار اذلمذاين .كمع
ذلك فلم تنكر ادلعتزلة علم هللا األزرل ،يقوؿ اخلياط :إف ادلعتزلة دل ينكركا العلػم األزرل ،فاهلل
عندىم دل يزؿ عادلان بكل ما يكوف من أفعاؿ خلقو ،ال زبفى عليو خافية ،كدل يزؿ عادلان من يؤمن
كمن يكفر أكيعصي ٖ٘.كىذا القوؿ دييزىم كخيػرجهم عػن دائػرة القدريػة اخلالصة.كذلك دل تنكر
ٖٙ
ادلعتزلة أف القدرة اليت يعمل هبا اإلنساف من هللا تعاذل.
ٖٖعواد بن عبد هللا ادلعتق ،ادلعتزلة وأصوذلم اخلمسة ،....ص .ٜٔٔ .أنظر مناىج السنة ،ج ،ٔ .ص.
ٕٖٔ.
ٖٗ
القاضي عبد اجلبار ،ادلغينٖ /ٛ ،
ٖ٘ انظر :االنتصار كالرد على ابن الراكندم ادللحد ما قصد بو من الكذب على ادلسلمُت كالطعػن علػيهم :
أبػواحلسُت أمحد بن دمحم بن عثماف اخلياط ادلعتزرل – ت :نيربج – مطبعػة دار الكتػب ادلػصرية – القػاىرة – ٖٗٗٔىػ -
ٕ٘ ٜٔـ -ص ٔٔٛ :
ٖٙانظر :ادلغٍت -عبد اجلبار ، ٖ/ٛ :كادللل كالنحل -الشهر ستاين ٘ٔ/ٔ :ت :كيالين.
ٔٔ
كيبدك رل أف الذم دفع ادلعتزلة ذلذا االعتقاد األسباب اآلتية:
ٔ -البعد عن احلق لكوهنم ينكركف خلق هللا تعاذل ألفعاؿ العباد كىذا سلالف لدليل النقل
ٕ -أف الذم دفعهم إذل إضافة اخللق إذل العبد حرصهم على تنزيو هللا تعاذل عػن خلػق الظلػم
كالقبائح دكف التمييز بُت اخللق كبُت الفعل ،فاهلل تعاذل خالق يتصرؼ يف ملكو كما يشاء.
ٖ -اعتمدكا يف أتكيل اآلايت على قياس الغائب على الشاىد أم قياس أفعاؿ هللا تعاذل على
ٖٚ
أفعاؿ اإلنساف كىذا الذم أكقعهم يف الضالؿ.
ال شك أنو جيب االعتقاد أبف هللا تعاذل خالق كل شيء ،كأنو ال يشاركو يف خلق
األشياء كتدبَت الكوف أحد من خلقو ،كأنو ال ينازع إرادتو ادلنشئة ادلكونػة أحد ،كأنو ال يقع يف
الكوف ما ال يريد ،فإنو سبحانو كتعاذل فعاؿ دلا يريد ،كأف العبد كقدرتو كاسػتطاعتو كاختيػاره كلػو
ٖٛ
" " سللوؽ هللا سبحانو كتعاذل كما قاؿ سبحانو
القرآنية الصرحية الواضحة ،فاحلق أف هللا تعاذل خالق جلميع أفعاؿ العباد اختيارىا كاضطرارىا.
كىذا يثبت من كجوه منها :إنو ال ديكن أف يكوف اإلنساف خالقان لفعلو ،ألنو ديتنع اجتماع
ٖٚانظر " :أفعل العباد بُت اجلرب كاإلختيار " للباحث دمحم حسن رابح خبيت – ص ٖٖٔ.
ٖٛالقرآن الكرمي ،سورة الصافات.ٜٙ :
ٕٔ
قدرتُت مؤثرتُت مستقلتُت على مقػدكر كاحد .كإف العبد لوكاف موجدان ألفعالو لكاف عادلان
بتفاصيلها ،كىذا غَت صحيح ،ألنو أحياانن يػأيت ابلزيػادة كالنقصاف ،كأحياانن يصدر منو أفعاؿ
كىوانئم ال شعور لو بتفاصيل كمياهتا أك كيفيتها .كإف العبد لوكاف موجدان لفعلو بقدرتو كاختياره
استقالالن ،لكاف متمكنان من فعلو كتركو ،كيلػزـ علػى ىذا ترجيح فعلو على تركو ،زلتاجان إذل
مرجح.
كعن الفعل اإلنساين االختيارم .القدرة عند اإلماـ أمحد بن حنبل ىي كجوب اإلدياف أبف كل
شيء بقضاء هللا كقدره يستوم يف ذلك فعل اخلَت كفعل الشر ٖٜ.كذلك كما كفقو ابن اجلوز
ٓٗ
مناقبو أبنو أم اإلدياف ابلقدر خَته كشره من السنة اليت توىف عنها رسوؿ هللا.
ٖٔ
كتسليم بعموـ قدرة هللا على اخلَت كالشر ليس دبعٌت االستسالـ كالركوف إذل الكسل
كعدـ العمل كإمنا ىو تفويض ال ينايف األخذ ابألسباب كالتوكل على هللا ٗٔ.كيف ىذا رد أمحد
ىنب حنبل القدرية الذين حيتاجوف ابلقدر اإلنساف فحسب بدكف النظر إذل القوانُت كاألسباب
أما الفعل اإلنساين فَتل اإلماـ أف هللا تعاذل ىو الذم أقدر على العبد يف إخراج
الفعل ،كىو السبب احلقيقي لو .فاهلل ديثل ركح مذىب أىل السنة كاجلماعة من السلف .حيث
كصف ابن تيمية يف ىذا ادلقاـ أف للعبد قدرة كإرادة كفعل كىبها هللا لتكوف افعاؿ الناس حقيقة
ٕٗ
ال رلازا بل مع اعتقادىم أبف هللا خالق كل شيء.
نقض اإلماـ ىذه ادلعادلة العقليّة حيث أ ّف الوجيب ىو مقابلة الثواب كالعقاب للعمل
ٖٗ
كشره .فكل ما
كيرجى التفويض يف مسألة اجلزاء .قد جاءت األمر بوجوب اإلدياف خَته ّ
ٗٗ
كتب يف القرآف كالسنّة ،بطل نفيو.
ٔٗدمحم أبو زىره ،أمحد بن حنبل( ،قاىرة :دار الفكرم العريب ،)ٜٔٚٚ ،صٕٔٛ .
ٕٗإبن تيمبة ،العقيدة الوسطيّة( ،قاىرة :ادلطبعة السلفيّة ،)ٖٜٖٔ ،صٕٕ .
ٖٗ
ذـ ابن حنبل القدريّة ىذه النحلة ،حيث سأؿ ابنو عن الصالة خلف القديّة قاؿ" :إنّو يقوؿ أف هللا الكلذا ّ
تصل خلفو" .أنظر ،ابن اجلوزم ،مناقب اإلمام أمحد بن حنبل ،...ص.ٜٔ٘ .
يعلم ما يعمل العباد حىت يعملوا ،فال ّ
ٗٗمشس الدين الذىيب ،ترمجة اإلمام أمحد من اتريخ اإلسالم( ،حلب :دار الوعي ،)ٕٜٓٓ ،ص.ٚٔ .
ٗٔ
أفعال العباد عند اإلمام أمحد بن تيمية
غَت اإلماـ أمحد بن حنبل ،ىناؾ ابن تيمية٘ٗ الذم قاـ يف منصب السلف أيضا .إذا
كلذلك يقوؿ ابن تيمية " :إف القدر نؤمن بو كال ضلتج بو ،فمن احتج ابلقدر حجتو
داحضة .كمن اعتذر ابلقدر فعذره غَت مقبوؿ ،كلو كاف االحتجاج مقبوالن لقبلو من إبليس
كغَته من العصاة ،كلو كاف حجة للعباد دل يعذب أحد من اخللق ،ال يف الدنيا كال يف اآلخرة،
كلو كاف القدر حجة دل تقطع يد سارؽ كال قتل قاتل كال أقيم حد ٗٚ.كىكذا يتبُت بطالف
٘ٗ
األكؿ سنة إحدل كستُّت كتسعماءئة ق .أف أسرتو أسرة العلم
حبراف يف العاشر من ربيع ّ كلد ابن تيمية ّ
كالدين .كمعٌت ذلك أ ّف الفىت قد نشأ زلبّا للعلوـ كمقبال عليو .حفظ القرآف الكرًن ك احلديث النبوم كأخرب يف الفقو
التصوؼ .أنظر ،ابن عبد اذلادم ،العقود الدرية( ،قاىرة :مطبعة ادلدين ،)ٜٖٔٛ ،ص،ٗ .
كالنحو كالفلسفة كالكالـ ك ّ
كزلمد أبو زىرة ،ابن تيمية حياتو وعصره وآراؤه وفقهو( ،بَتكت :دار الفكر العريب ،)ٜٔٚٚ ،ص ،ٔٛ-ٔٚ .كابن
ّ
الكثَت ،البداية والنهاية( ،قاىرة :مطبعة السعادة ،)ٜٖٕٔ ،ج ،ٖٔ .ص ،ٖٖٓ .كابن رجب ،طبقات احلنابلة،
(بَتكت :دار ادلعرفة ،دكف اتريخ) ،ج ،ٕ .صٖٛٛ .
ٗٙابن تيمية ،العقيدة احلموية( ،دكف مكاف :مكتبة نور ،دكف اتريخ) ،ج ،ٔ .ص.ٗٛ .
ٗٚابن تيمية ،رلموع الفتاوى( ،رايض :كزارة الشؤكف اإلسالمية كالدعوة كاإلرشاد السعودية -رلمع ادللك فهد
لطباعة ادلصحف الشريف )ٕٓٓٗ ،ج ،ٛ .ص.ٔٓٚ .
٘ٔ
القوؿ ابجلرب ،الذم جعل اإلنساف كالريشة يف مهب الريح ال إرادة لو كال اختيار ،فهو سلالف
فخالق أفعاؿ العباد خَتىا كشرىا ىو هللا سبحانو ال شريك لو ،كىي خاضعة لقضاء
هللا كقدره كسائر سللوقاتو .كىذا ال نزاع فيو بُت ادلاتريدية .كقوؿ ادلاتريدية إف هللا سبحانو خالق
أفعاؿ العباد ىو القوؿ احلق الذم دؿ عليو السمع كالعقل ،كىو قوؿ أىل السنة كاجلماعة
كسلف األمة .فأفعاؿ العباد ىي من هللا من حيث اخللق كاإلجياد ،كىي مكسوبة للعباد من
ٗٛ
حيث إضافتها إليهم .كدليل إضافتها إذل هللا خلقو ،كإذل العبد كسب.
فقد دلت الداللة على أف هللا تعاذل خالق كل شيء حادث كال جيوز أف خيلق ما ال
يريده .كقد قاؿ هللا تعاذل "فعاؿ دلا يريد" .ك أيضا فإنو ال جيوز أف يكوف يف سلطاف هللا تعاذل
ما ال يريده .ألنو لو كاف يف سلطاف هللا تعاذل ما ال يريده لوجب أحد أمرين :إما إثبات سهو
كغفلة ،أك إثبات ضعف كعجز ككىن كتقصَت عن بلوغ ما يريده .فلما دل جيز ذلك على هللا
تعاذل ستحاؿ أف يكوف يف سلطانو ما ال يريده.
كإذا كاف يف كوف ما ال يريده من أفعاؿ اليت اجتمعنا على أهنا أفعالو كجوب السهو
كالغفلة كالوىن كالتقصَت عن بلوغ ما يريده ،فكذلك يلزـ يف كوف ما ال يريده من غَته ما يلزـ
ٗٛأبو منصور ادلاتريدم ،التوحيد( ،اإلسكندرية :دار اجلامعات ادلصرية ،)ٕٓٔٓ ،ص.ٕٕٚ .
ٔٙ
يف كوف ما ال يريده شلا اتفقنا على أنو من أفعالو .أال ترل أنو إذا لزـ من زعم أنو يكوف من
أفعاؿ هللا ما ال يعلم أف يصفو ابجلهل أك بضد من أضداد العلوـ لزـ مثل ذلك من زعم أنو
يكوف من غَته ما ال يعلمو ،ككذلك إذا لزـ من زعم أف هللا خيربه أنو يكوف من فعلو ما ال
يكوف التكذيب هلل ،لزـ من زعم أف هللا تعاذل خيرب أنو يكوف من غَته ما ال يكوف التكذيب ،ال
فرؽ يف ذلك بُت ما اتفقنا على أنو فعلو كبُت ما يكوف من غَته.
ّأما مذىب أىل السنّة من اخللف مها من مذىب األشعرم كادلاتريدم .اىتم األشاعرة
مسألة أفعاؿ العباد اىتماما ظاىرا .فهم يركف أف أفعاؿ العباد سللوقة هلل مقدكرة لو .كليس
لإلنساف فيها غَت اكتساهبا ،أم أف الفاعل احلقيقي ىو هللا .كما اإلنساف إال مكتسب للفعل
ٜٗ
الذم أحدثو هللا على يد ىذا اإلنساف.
فاحلق يف نظرىم أف أفعاؿ العباد تتم ابدلشاركة بُت هللا تعاذل ك عباده ،فال يستقل أم
الطرفُت هبا كحده .كدلا كاف هللا ال حيتاج إذل معُت يف أفعالو اخلاصة ،فيبقى أف العبد ىو احملتاج
ٓ٘
إذل عوف هللا يف أفعالو .كمن مث فإف الفعل ينسب إذل فاعلُت مها ،هللا كالعبد.
كهبذا الرأم يكوف األشاعرة قد رفضوا قوؿ ادلعتزلة القائل أبف العبد ىو الذم خيلق
أفعاؿ نفسو بقوة أكدعها هللا إايه .كقوؿ اجلربية أبف اإلنساف ال يستطيع إحداث شيء ك ال
ٜٗالقاضي أيب الطيب الباقالين ،اإلنصاف فيما جيب اعتقاده وال جيوز اجلهل بو( ،قاىرة :مؤسسة اخلاصلي،
ٖ ،)ٜٔٙص.ٔٗٗ :
ٓ٘أبو ادلظفر اإلسفراييٍت ،التبصري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق اذلالكني( ،قاىرة :مطبعة األنوار،
ٓٗ ،)ٜٔص.ٔٔٙ .
ٔٚ
فمسألة أفعاؿ العباد من ادلسائل الرئيسة يف مذىبهم ،فهم يركف أف أفعاؿ العباد سللوقة
هللا مقدكرة لو ،كليس لإلنساف فيها غَت اكتساهبا ،أم أف الفاعل احلقيقي ىو هللا ،كما اإلنساف
ٔ٘
إال مكتسب للفعل الذم أحدثو هللا على يد ىذا اإلنساف.
كهبذا الرأم يكوف األشاعرة قد رفضوا قوؿ ادلعتزلة القائل :إف العبد ىو الذم خيلق
أفعاؿ نفسو بقوة أكدعها هللا إايه ،كقوؿ اجلربية :إف اإلنساف ال يستطيع إحداث شيء كال
كسب شيء ،بل ىو كالريشة يف مهب الريح ،فقالوا :إف اإلنساف ال يستطيع إحداث شيء
كقد اعترب بعض العلماء موقفهم ىذا توسطان بُت الطرفُت -ادلعتزلة كاجلربية -كلكػن
يبدك أف مذىب األشاعرة يف الكسب يرتد يف النهاية إذل مذىب القائلُت ابجلرب ال سيما عند
عرض مذىبهم من قضية خلق أفعاؿ العباد كابلتحديد مدل تعلق أفعاؿ العباد هبم ،كىل ىم
فاعلوف حقيقة ؟ أـ ليس ذلم إال الكسب ؟ كابلرغم من أف األشاعرة اتفقوا مع السلف على أف
أفعاؿ العباد سللوقة هللا تعاذل ،كاتبعة دلشيئتو إال أهنم قد خالفوا السلف يف أىم عنصر يف ىذه
ٔ٘ انظر :هناية اإلقداـ يف علم الكالـ – عبد الكرًن الشهرستاين – حرره كصححو :ألفرد جيوـ – طبعة
مػصورة عن طبعة ليدف -ص ، ٜٙ ، ٙٛ ، ٙٚ :كاتريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالـ -دمحم أبورايف -ص .ٕٓٙ :
ٔٛ
يقوؿ األشعرم يف إابنة قوؿ أىل احلق كالسنة ":كأنو ال خالق إال هللا ،كأف أعماؿ العباد
ٕ٘
كأف العباد ال يقدركف أف خيلقوا سللوقة هللا مقدكرة كما قاؿ تعاذل:
كمن ىذا يظهر أف األشاعرة دل جيعلوا لقدرة العبد أم أتثَت يف فعلو سول ما مسوه
كسبان ،كقد عرؼ أبواحلسن األشعرم ىذا الكسب بقولو " :ىو كقوع الفعل ادلكتسب للفرد
منا بقػدرة زلدثة" ٖ٘.فدكر القدرة احلادثة ىو اكتساب كإيقاع فقط ،كينفي أبواحلسن األشعرم
كيبدك من ىذا أف األشاعرة بقوذلم بقدرة للعبد ال أتثَت ذلا يف الفعل ىو الذم دفع
بكثيػر من العلماء إذل أف ينسبوىم إذل اجلربيػػة ،كاعتبػار " الكسػب " لغػزان تنػػدركا بػػو ككضعػوه
كالواقع أف ىناؾ فرؽ كبَت بُت األشاعرة الذين يرفضوف اجلرب مجلةن كتفصيالن ،كبُت من
يتبٌت مبادئ اجلرب كجيعل من اإلنساف مجادان ال إرادة لو كال اختيار بل ىو كالريشة فػي مهػب
ٜٔ
أفعال العباد عند ادلاتريدية
قالت ادلاتريدية دبا قالت بو األشاعرة ك مجيع أىل السنة من أف أفعاؿ العباد سللوقو هلل
تعاذل كىي كسب من العباد ٘ٗ.قاؿ ادلاتريدم" :اختلف منتحلوا اإلسالـ يف أفعاؿ اخللق.
فمنهم من جعلها ذلم رلازان ،كحقيقتها هلل … ك عندان الزـ اتلفعل ذلم … ك ليس يف اإلضافة
إذل هللا تعاذل نفي ذلك ،بل ىي هلل أبف خلقها على ما ىي عليو ،ك أكجدىا بعد أف دل تكن
٘٘
،كللخلق على ما كسبوىا كفعلوىا …".
كيقوؿ أبو ادلعُت النسفي" :٘ٙكقاؿ أىل احلق :للخلق أفعاؿ هبا صاركا عصاة كمطيعُت
٘ٚ
كىي سللوقة هلل تعاذل ،فيتعلق الثواب كالعقاب بفعلهم دكف زبليق هللا تعاذل".
فخالق أفعاؿ العباد خَتىا كشرىا ىو هللا سبحانو ال شريك لو ،كىي خاضعة لقضاء
هللا كقدره كسائر سللوقاتو .كىذا ال نزاع فيو بُت ادلاتريدية .كقوؿ ادلاتريدية إف هللا سبحانو خالق
أفعاؿ العباد ىو القوؿ احلق الذم دؿ عليو السمع كالعقل ،كىو قوؿ أىل السنة كاجلماعة
ٗ٘مال علي القارم ،شرح الفقو األكرب( ،بَتكت :دار الكتب العلمية ٗ ،)ٜٔٛص.ٚ .
٘٘أبو منصور ادلاتريدم ،التوحيد( ،اإلسكندرية :دار اجلامعات ادلصرية ،)ٕٓٔٓ ،ص.ٕٕٙ-ٕٕٓ .
٘ٙميموف بن دمحم بن دمحم بن مكحوؿ النسفي ( أبو ادلعُت ) متكلم ،فقيو ،أصورل ،كاف بسمرقند كسكن
خبارل .من تصانيفو :التمهيد لقواعد التوحيد ،حبر الكالـ ،تبصره األدلة ،ك غَتىا .انظر زين الدين أبو العدؿ قاسم بن
قطلو بغا احلنفي ،اتج الرتاجم فيمن صنف من احلنفية( ،دمشق :دار ادلأموف للًتاث ،)ٜٖٔٛ ،ص.ٕٖٚ .
٘ٚأبو الثناء زلمود بن زيد الالمشي احلنفي ،التمهيد لقواعد التوحيد ( ،بَتكت :دار الغرب اإلسالمي،
٘ ،)ٜٜٔص.ٕٚٛ .
ٕٓ
كسلف األمة .فأفعاؿ العباد ىي من هللا من حيث اخللق كاإلجياد ،كىي مكسوبة للعباد من
٘ٛ
حيث إضافتها إليهم .كدليل إضافتها إذل هللا خلقو ،كإذل العبد كسب.
قاؿ ادلاتريدم " :اختلف منتحلوا اإلسالـ يف أفعاؿ اخللق ،فمنهم من جعلها ذلم رلػازان،
كحقيقتها هللا ...كعندان الزـ اتلفعل ذلم ...كليس يف اإلضافة إذل هللا تعاذل نفي ذلك ،بل ىي
هللا أبف خلقها على ما ىي عليو ،كأكجدىػا بعد أف لػم تكن ،كللخػػلق علػى مػا كػسبوىا
ٜ٘
كفعلوىػا...".
كقوؿ ادلاتريدية إف هللا سبحانو خالق أفعاؿ العباد ىو القوؿ احلق الذم دؿ عليػو
الػسمع كالعقل ،كىو قوؿ أىل السنة كاجلماعة كسلف األمة ،فأفعاؿ العباد ىي من هللا من
حيث اخللق كاإلجياد ،كىي مكسوبة للعباد من حيث إضػافتها إليهم .كدليل إضافتػها إلػى هللا
خلػػقو ،كإذل العبد كسبو .دل ترض ادلاتريدية إبفراط ادلعتزلة الذين زعموا أف العباد خالقوف
ألكساهبم كال بتفػريط اجلربية الذين قالوا أف العباد مضطركف إذل األفعاؿ ادلنسوبة إليهم ،لذلك
صلد ىم يربىنوف على أف هللا خالق العباد كأفعاذلم كأف اإلنساف إمنا ديتاز بقدرة كاسبة.
ٕٔ
االستنتاج
كخالصة القوؿ :فإف اجلرب ال يكوف -كما يقوؿ ابن رشدٓ- ٙزلضان ،كأف االختيار ال
جيوز أف يكوف مطلقان ،بل احلق التوسط بُت الرأيُت ،كذلك أبف نقرر أف أفعاؿ اإلنساف ليست
اختيارية سبامان ،كال اضطرارية سبامان ،كىذا ال ديكن ربقيقو إال بفهم احلقائق اآلتية:
ٔ .أنو ال خالق غَت هللا ،فأفعاؿ العباد اليت صاركا هبا مطيعُت كعصاة ،خيلقهػا هللا تعػاذل،
ٕ .أفعاؿ الناس كلها ال تقع بغَت مشيئة هللا كقدرتو ،فاألدلة كلها تدؿ علػى عمػوـ قػدرة هللا
ٖ .كاإلنساف مع ذلك غَت رلبور على أفعالو كأقوالو ،كأهنا ليػست ال إراديػة ،كأف أفعػاؿ
اإلنساف كإف كاف هللا ىو الذم خلقها ،إال أف اإلنساف ىو الذم فعلها حقيقة ،كأنػو
اختارىػا كأرادىا حقيقة ،كأف نسبة أفعالو إليو نسبة حق ال رلاز كلذا دبا أف البشر
فػاعلوف ألفعػاذلم حقيقة ،فإهنم يستوجبوف عليها ادلدح أك الذـ .كابختصار فإف أفعاؿ
العباد ال خيلقها العباد ،بل ىي خلق هللا تعاذل ،كفعل العبد ككسبو.
ٗ .ال منافاة بُت كوف العبد زلداثن لفعلو ،ككوف ىذا اإلحداث ضمن مشيئة هللا كإرادتو.
ٓ ٙمناىج األدلة يف عقائد ادللة -ابن رشد -ص .ٖٔٗ :
ٕٕ
٘ .أف كوف هللا سبحانو كتعاذل خالقان ألفعاؿ العباد ،ال يعٍت أف فعل العبد ىو نفػس فعػل
هللا ففعل العبد خيلقو هللا ،كيفعلو العبد ،كيكسب آاثره العبد ،سػواء كانػػت ىػذه اآلثػػار
االختتام
يعتقد السلف أف أفعاؿ العباد خلق هللا تعاذل ،ككسب من العباد دبنػزلة األسباب
للمسببات ،فالعباد ذلم قدرة كمشيئة كإرادة ،لكنها داخلة ربت قدرة هللا تعاذل كمشيئتو كإرادتو،
ٔٙ
فادلضاؼ إذل هللا ىو كمػا قاؿ تعاذل
خلقها ،كادلضاؼ إذل العباد الذم عليو احلمد كالذـ ىو كسبها .فادلقصود أف فعل العبد فعلو
حقيقة ،كىو سللوؽ هللا كمفعوؿ لو سبحانو ،كليس ىو نفس فعل هللا ،ففرؽ بُت الفعل
كادلفعوؿ ،كاخللق كادلخلوؽ ٕٙ.كما ذىب إليو علماء السلف يف أفعاؿ العباد أهنا سللوقة هللا
ٖٕ
ىذا ىو رأم أىل السنة يف أفعاؿ العباد االختيارية ،كىو ادلذىب الوسط الػذم ا
دؿ
علػى الكتاب كالسنة .فالسلف يركف أف التأثَت يف األشياء يكوف دبباشرة األشياء كالقياـ بفعلها،
أما ادلاتريػدم فَتل أف التأثَت يف كسب الفعل ،أم ابختياره سواء كاف خَتان أكشران.
كمن ىذا نرل أف رؤية السلف أسلم كأعمق ،فالتأثَت عندىم أبلغ حيث يكػوف دبباشػرة
الفعل يف حُت ىو عند ادلاتريدم ابختيار الفعل ،كىو يف النهاية ال خيرج عن كونو خالؼ
مصادر البحث
القرآن الكرمي
اإلسفراييٍت ،أبو ادلظفر ،ٜٔٗٓ ،التبصري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق اذلالكني،
األشعرم ،اإلماـ أيب احلسن ،ٜٔ٘٘ ،اللمع يف الرد على أىل الزيغ والبدع (دكف ادلكاف:
الباقالين ،القاضي أيب الطيب ،ٜٖٔٙ ،اإلنصاف فيما جيب اعتقاده وال جيوز اجلهل بو،
ٕٗ
البخارم ،دمحم امساعل ،ٕٔٗ٘ ،خلق أفعال العباد والرد على اجلهمية وأصحاب التعطيل،
خبيت ،دمحم حسن رابح ،ٜٜٔٙ ،أفعل العباد بني اجلرب واإلختيار( ،أـ درماف :جامعة القرآف
البغدادم ،اإلماـ أيب منصور ،ٜٔٛٛ ،الفرق بني الفرق( ،قاىرة :مكتبة ابن سينا للنشر
كالتوزيع كالتصدير)
البيهقي ،أبو بكر أمحد بن احلسُت ٕٔٗٓ .ق .االعتقاد واذلداية إىل سبيل الرشاد( ،بَتكت:
عادل الكتب)
تيمية ،ابن ،ٕٓٓٗ ،رلموع الفتاوى( ،رايض :كزارة الشؤكف اإلسالمية كالدعوة كاإلرشاد
تيمية ،شيخ اإلسالـ ابن .ٜٜٔٚ .رلموع الفتاوى( ،ادلنصورة :دار الوفاء للطباعة كالنشر
كالتوزيع)
ٕ٘
اجلوزم ،ابن ،ٜٔٚٚ ،مناقب اإلمام أمحد بن حنبل( ،بَتكت :دار اآلفاؽ اجلديدة)
احلمود ،عبد الرمحن بن صاحل ٔٗٓ٘ .ق .موقف ابن تيمية من األشاعرة( ،الرايض :مكتبة
الرشد)
احلنفي ،أبو الثناء زلمود بن زيد الالمشي ،ٜٜٔ٘ ،التمهيد لقواعد التوحيد ( ،بَتكت :دار
الغرب اإلسالمي)
الذىيب ،مشس الدين ،ٕٜٓٓ ،ترمجة اإلمام أمحد من اتريخ اإلسالم( ،حلب :دار الوعي)
زركشي ،أمل فتح هللا .ٕٓٔٔ .دراسة يف علم الكالم( ،فونورككو :جامعة دار السالـ للطباعة
كالنشر)
زىره ،دمحم أبو ،ٜٔٚٚ ،أمحد بن حنبل( ،قاىرة :دار الفكرم العريب)
الشهرستاين ،عبد الكرًن ،هناية اإلقدام يف علم الكالم( ،ألفرد جيوـ :طبعة مػصورة عن طبعة
ليدف)
ٕٙ
عساكر ،ابن ،ٜٜٔٚ ،تبيني كذب ادلفرتي فيما نسب إىل اإلمام أيب احلسن األشعري،
عاشور ،سعد عبد اهللا ،أفعال العباد عند الفرق اإلسالميّة( ،غزة :جامعة إسالميّة غزة)
عاشور ،سعد عبد اهللا ،ٕٓٓٔ،موقف الفرق اإلسالمية من أفعال العباد( ،غزة :جامعة
إسالميّة غزة)
الغرايب ،علي مصطفى ،اتريخ الفرق اإلسالميّة( ،قاىرة :مكتبة كمطبعة دمحم علي صبح)
قاسػم ،زلمود ،ٜٔٙٗ ،مقدمة مناىج األدلة يف عقائد أىل ادللة البن رشد( ،قاىرة :مكتبػة
األصللػو ادلػصرية)
القارم ،مال علي ،ٜٔٛٗ ،شرح الفقو األكرب( ،بَتكت :دار الكتب العلمية)
ادلعتزرل ،أبػواحلسُت أمحد بن دمحم بن عثماف اخلياط ٖٔٗٗ .ق .االنتصار والرد على ابن
ادلعتزلة ،زىدم جار هللا ٜٔٚٗ .ـ .األىلية للنشر والتوزيع( ،لبناف :بَتكت)
ٕٚ
ادلعتق ،عواد بن عبد هللا ،ٖٔٔٙ ،ادلعتزلة وأصوذلم اخلمسة وموقف أىل السنة منها،
النشار ،علي سامي ،ٜٔٚٚ ،نشأة الفكر الفلسفي يف اإلسالم( ،قاىرة :دار ادلعارؼ)
النعماف ،أيب حنيفة ،ٕٜٓٓ ،شرح الفقو األكرب( ،بَتكت :دار النفائس)
ٕٛ