Professional Documents
Culture Documents
2
الفلسفة الحديثة
هي تلك الفترة حول القرن السابع عشر الميالدي والتي تميزت
3
))1رينيه ديكارت René Descartes
1191 - 1951م
يرى البعض أنه (أبو الفلسفة الحديثة) ،ولد ديكاارت عاا 1951فاي تاورين ،شامال
غرب فرنسا ،وعندما بلغ العاشرة من عمره أرسله أباوه إلاى مدرساة يساوعية ومكا
بها حتاى عاا ، 1112ودرس بهاا المنقاو والريااايات والفلسافة .رغا أن ديكاارت
كان له انتقادات شديدة على التعلي التقليدي إال أناه يتحاد عان أسااتذته فاي المدرساة
بحب واحترا ،واعتبر -كما يقول فريادريك كوبلساتون -أن نظاا المدرساة التعليماي
متفوق إلى حد كبير عن المدارس األخرى).( 1
في عا 1111اختار ديكارت الحياة العسكرية ،فانتقال إلاى مديناة بريادا فاي هولنادا،
وقيد اسمه كاابق متدرب في جيش يعتبر أكاديمية عسكرية للشباب األثرياا بالقاارة
األوروبيااة .وفااي مدينااة برياادا التقااى بقبيااب يكبااره بثماااني ساانوات ياادعى إسااحاق
بيكمان ،وصارا صديقين.
كان بيكمان عالما في مجموعة من التخصصاات العلمياة ،وكاان تاهثيره علاى ديكاارت
بالغ القوة ،لدرجة أن ديكارت كتب له عا 1115خقابا -بعد أن غاادر هولنادا وبادأ
رحلته في دول أوروبية مختلفة لمدة تسع سنوات -جاا فياه "دعناي أقار بهناك الاذي
أخرجناي ماان خمااولي وجعلنااي أتااذكر أشايا ساابو أن تعلمتهااا وكاااد النساايان يقويهااا،
وعاادما شااقل عقلااي بعياادا عاان األمااور الجااادة (وغالبااا ديكااارت يقصااد هنااا بعااض
المسائل الرياا ية) ،أعدتني أنت إلى جادة القريو").( 2
وهااي مقولااة تشاابه مقولااة كااانق عاان هيااو الشااهيرة بااهن هيااو قااد أيقظااه ماان سااباته
االعتقادي.
بدأ ديكارت بحثه المكثف فاي الفلسافة والعلاو القبيعياة عاا ،1121عنادما كاان فاي
الثانية والثالثين من عمره ،و نشر ديكارت كتابه "مقال عن المنهج" بالفرنساية بجاناب
مقاالته عن انكسار الاو والهندساة عاا ،1131ونشار كتااب "تاهمالت فاي الفلسافة
األولاى" عاا ،1141ونشار كتاباه الرئيساي "مباادف الفلسافة" عاا .1144وقاد كااان
ديكارت كاثولوكيا قيلة حياته).( 3
( )1فردريك كوبلستون ،تاريخ الفلسفة ،المجلد الرابع (من ديكارت إلى ليبنتز) ،المركز القاومي
للترجمة ،ترجمة سعيد توفيو ،محمود سيد أحمد ص.51
( )2تو سورل ،ديكارت مقدمة قصيرة جدا ،مؤس سة هنداوي ،ترجمة أحمد الروبي ،ص.11
( )3لالستزادة ،راجع ترجمته في الموسوعة الفلسفية لعبد الرحمن بدوي.
4
إن الهدف األساسي لديكارت كان الوصاول للحقيقاة بالعقال ،وذلاك بانشاا ماذهب مان
قاايا صادقة ال يُفترض فيه إال ماا كاان واااحا بذاتاه .وبناى صارحه الفلسافي علاى
أسااااس يقيناااي .والفلسااافة عناااد ديكاااارت تشااامل كااال الحقاااائو ،ساااوا كانااات حقاااائو
ميتافيزيقية أو أخالقية أو تجريبياة .وألن ديكاارت كاان ثورياا فاي قبعاه يمكان القاول
بالفعل أن ديكارت قد نجل في بنا فلسفة ثورية تخالف الكثيار مماا ورثاه ،وإن كانات
ال تنفصال عاان الماورو انفصاااال تاماا ،فثوريااو عصار النهاااة وعصار التن اوير قااد
درسوا بالفعل على يد مدرساي ين ،وتعلماوا داخال إقاار ديناي ،ونقاده فاي غالباه كاان
يُسل بالمفاهي الدينية الكبرى وينقلو منهاا ،وهاي نققاة خاارض موااوعنا ،وللتوساع
فيها يراجع الفصل الثاني من كتابي "نحو منهجاي وصافي للعلا " الاذي صادر ماؤخرا
عن مركز براهين.
ومع أن ديكارت كان ثوريا إال أنه شخص يمكن وصفه بهنه كان ماؤثرا للساالمة ،فقاد
كان ديكارت يتجنب الصراعات مع المدرسايين والكنسايين والمخاالفين بشاكل عاا إال
إذا ااقر لذلك ،حتى أن ديكارت قاد كتاب كتاباا فاي الفتارة التاي حاوك فيهاا جااليليو
يقول فيه بمركزية الشمس فامتنع تماما عن إصدراه).( 4
أهمية الفلسفة الديكارتية هو تهثيرها الشديد على الالحقين سوا كانوا تجاريبيين مثال
جون لوك أو عقالنيين كالديكارتيين .بل يمكن القاول أن الفلسافة الحديثاة هاي محاولاة
نحااو الحقيقااة انقالقااا ماان البنااا الااديكارتي .ذلااك البنااا الااذي انتقااد بعنااف المدرسااة
األرسقية التي كانت في حالة تدهور شديد.
قبيعااة فلساافة ديكااارت فلساافة ديكااارت كشاافية ،تحاااول تنظااي القاااايا علااى أساااس
عقالني .لذلك عز ديكارت علاى الشاك فاي كال ماا يمكان الشاك فياه ،وإقاماة القااايا
تكون على حد وصفه "متوافقة مع مخقق عقالني". الصادقة بحي
ول يدّع ديكارت أنه أتى بجديد ،وإنما زع أنه قاد أنشاه منهجاا للبرهناة علاى الحقاائو
وفقا للنظا الذي تتقلبه مقتايات العقل ذاته .كان ديكارت من دعااة "وحادة العلاو "،
فهناااك فااي نظااره مااانهج رصااين يقبااو فااي كافاااة الفااروع المعرفيااة ،سااوا كانااات
ميتافيزيقيااة أو فيزيقيااة ،باال وحتااى األخالقيااة .وبااالقبع هااذه الاادعوى مجاارد فاارض،
ومحاولااة ديكااارت بنااا صااره منهجااي هااي فااي حقيقتهااا محاولااة إلثبااات صااحة هااذا
قلنااا أن ماانهج ديكااارت كشاافي ،لكاان هااذا ال يعنااي أن فلساافته مجاارد تكاارار لقاااايا
صادقة ،وإنماا يعناي أن منهجاه – حساب قولاه " -يعلمناا علاى أفاال نحاو أن نوجاه
عقولنا ،كي نكتشف تلك الحقائو التي نكون جاهلين بها").( 5
ما هو المنهج الديكارتي؟ هاو مجموعاة قواعاد يقينياة بسايقة إلاى حاد أنهاا تجعال مان
يراعيها بدقة ال يرى أبدا شيئا كاذبا على أنه صادق ،أي أنهاا ااامنة للحقيقاة .بحيا
أن بمقدور من يتبعها أن يصل إلى فه صحيل لكال األشايا المتجااوزة قدرتاه بزياادة
معرفته تدريجيا.
فهذه القواعد توجه العقال وباساتخدامها يصال الفاعال إلاى القااايا الصاادقة .المها أن
مسااتخد هااذه القواعااد متميااز عاان أي وصااول يخاار لصاادق قاااايا معينااة ،حي ا أن
الوصاول وفقاا لقواعاد ديكاارت هاو الوصااول العقالناي المحاض .بعيادا تماماا عاان أي
عاقفة أو تقليد أو تحيز.
يرى ديكارت أن العقال يتمتاع بقادرة علاى الحادس واالساتنباق .والحادس نشااق عقلاي
خااالص ال نجااد معااه أي شااك فااي القاااية .ويُمثاال ديكااارت للقاااايا الحدسااية بااهن
له ثالثة أاالع" ،وبقاية "أنا موجود". "المثل
أمااا االسااتنباق فهااو "كاال اسااتدالل اااروري ماان الوقااائع األخاارى اليقينيااة" .وبااذل
ديكااارت جهااده فااي رد كاال اسااتنباق إلااى حاادس ،أي جعلااه يقينيااا .أمااا دور القواعااد
التوجيهية فهو حسن استخدا الحدس واالستنباق.
أما القواعد فتانص القاعادة األولاى علاى «أال أقبال شايئا ع علاى أناه حاو ماا لا أعارف
يقينا ع أنه كذلك ،بمعنى أن أتجنب بعناياة التهاور ،والسابو إلاى الحكا قبال النظار ،وأال
أ ُدخل في أحكامي إال ما يتمثل أماا عقلاي فاي جاال وتمياز ،بحيا ال يكاون لادي أي
مجال لواعه مواع الشك».
وتنص القاعدة الثانية على «أن أ ُقس كل واحدة مان المعااالت التاي ساهختبرها إلاى
أجزا على قدر المستقاع ،على قدر ما تدعو الحاجة إلى حلها على ذلك».
سير أفكاري بنظا ،بادئا ع بهبسق األماور وأساهلها معرفاة، وتقول القاعدة الثالثة «أن أ ُ ِّ ّ
كي أتدرض قليالع قليالع حتى أصل إلى معرفاة أكثار ترتيبااع ،بال وأن أفارض ترتيباا ع باين
األمور التي ال يسبو بعاها اآلخر بالقبع».
أماااا القاعااادة الرابعاااة واألخيااارة فهاااي تااانص علاااى «أن أ ُجاااري فاااي كااال األحاااوال
اإلحصا ات والمراجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة من أننى ل أغفل شيئا ع»).( 6
ومن الواال هنا بساقة تلك القواعد ،كما يقول عباد الارحمن بادوي "ومان الوااال
أن هذه القواعد األربع ال تستحو كل تلك األهمية التي أوالها إياها بعاض الماؤرخين،
فلاايس فيهااا جديااد يُااذكر إال جمعهااا معااا ،ألننااا نجاادها تفاااريو عنااد كثياار ماان الفالساافة
السابقين عند أفالقون وأرساقو وبعاض الشاكاك اليوناانيين ،وأوغساقين والازالاي،
إلخ").( 7
باال سااخر منهااا بعااض الفالساافة الكبااار مثاال اليبنتااز ،حي ا قااال عنهااا "إنهااا تشاابه
تعليمااات كيميااائي صاانعوي خااذ مااا تحتاااض إليااه ،وافعاال مااا عليااك أن تفعلااه ،هناااك
تحصاال علااى مااا تريااد" .لكاان يجااب االنتباااه إلااى أن ديكااارت يحاااول تقبيااو الماانهج
الريااااي فااي الفلساافة ،ألنااه أراد الوصااول فااي الفلساافة إلااى نفااس درجااة الواااوه
واليقين الذي وصلت إليه الرياايات والهندسة .وهو أه ما في تلاك القواعاد ،وكانات
لحظة حاسام ة فاي التحاول األوروباي وبداياة الثاورة العلمياة ،هاو االساتقاللية عان أي
سلقة ،وبنا أساس عقالني للعل .
( )1ولي رايت ،تاريخ الفلسفة الحديثة ،دار التنوير ،ترجمة محمود سيد أحمد ،ص.59
( )1في ترجمة ديكارت ،الموسوعة الفلسفية.
1
الشك المنهجي
يوصااينا ديكااارت بالشااك الشااامل ماان أجاال الوصااول إلااى الحقيقااة ،وهااذا لاايس معناااه
رفض كل القاايا الصادقة الموروثة ،وإنما تنسيقها داخل بنية عقالنية لرؤية العال .
وقد ابتدأ ديكارت شكه فيما تعلمه من خالل الحواس ،ألن الحاواس يمكان أن تخادعنا،
فمن الممكن أن يرى المر سرابا ،ويمكن أن ينخدع فاي أماور حساية كثيارة .ثا يمتاد
شااك ديكااارت إلااى القاااايا الريااااية ،مثاال ،2=1+1فهناااك إمكانيااة أو احتماليااة أن
تكااون القاااية الريااااية قائمااة جزئيااا علااى التجربااة ،باال ويمكاان افتااراض أن هناااك
شيقانا خبيثا يستخد كل قدراته لخداعنا .بشكل يخر ،يمكان أن نكاون مار ّكبين بحيا
نرى العال بشاكل معاين ،ونتعامال بشاكل رياااي معاين ماع األشايا وعالقاتهاا رغا
بقالن أو عد دقة هذا التعامل.
نفارق هناا باين
وأساس هذا االفتراض المتقرف أن كل قاية يمكن الشاك فيهاا .لكان ّ
الشك المنهجي الذي يدعو إليه ديكارت والشك ألجال الشاك أو السفساقة ،فاديكارت ال
يدعو أبدا إلى الشك من أجل الشك ،وإنما لبنا يقين عقالني.
يقول جيمس كولينز في كتاباه "اللاه فاي الفلسافة الحديثاة" وهاو متارج "فهاؤال [أي
الشُااكاك الالمنهجيااين يهااادفون إلااى إقامااة ناااوع ماان االتاازان المحاياااد بااين القااااايا
المتناقاة ،ومثله األعلى في المسائل النظرية هو موقف عد االلتازا .أماا ديكاارت
فيتخذ مان تاوازن القاوى وسايلة مبدئياة لتحريار العقال مان سايقرة الحاواس وتخاديره
اد مجرد االحتماالت ،وهمه الرئيسي ينصب على اختبار القااايا ،وهاو يهمال أماال
إيجابيا في العثاور علاى قااية تصامد للشاك ،وتارغ العقال علاى التسالي بهاا .فالشاك
الااديكارتي تشاايع فيااه روه التههااب للتساالي بالبينااة التااي ال ساابيل إلااى الشااك فيهااا إذا
وجااادت ،وروه االساااتعداد بقباااول حقيقاااة أي شاااي يصااامد ألعناااف اختباااار يجرياااه
التشكك .فالشُكاك ماذنبون لتعصابه السالبي فاي رفاض التسالي ،حتاى فاي وجاه البيّناة
غير االحتمالية التي تجتاز االختبار").( 8
كما أن ديكارت ينهانا عن الشاك عملياا ،أي فاي حياتناا اليومياة ،فقااايا مثال وجودناا
ووجود اآلخرين وقبيعة األشيا مان حولناا ال ينصاحنا ديكاارت أبادا بالشاك فيهاا فاي
حياتنا عمليا ،وإنما الشك المنهجي هو مجرد شك صوري.
( )1جاايمس كااولينز ،اللااه فااي الفلساافة الحديثااة ،دار قبااا للقباعااة والنشاار ،ترجمااة فااؤاد كاماال،
ص.54
1
بعاد هاذا الشاك الشاامل يصال ديكاارت أخيارا إلاى حقيقاة ال تقبال الشاك ،وهاو وجاوده
نفسه ،معبرا عن ذلك بالصياة المشهورة "أناا أفكار إذن أناا موجاود" .ألنناي ماا دمات
أشك فانني يجب أن أكون موجودا ،ألن في فعل الشك ذاته يتجلى وجاودي .وقاد أشاك
في كل شي إال أن هذا الشك ال يمكان أن يمتاد إلاى وجاودي نفساه .لكان أي ناوع مان
الوجود؟ الوجود المصاحب للفكار ،ويقصاد ديكاارت باالفكر هناا الفكار الاواعي .لكان
هنا وقفة هل قاية "كل مفكر موجود" قاية حدسية أ اساتنباقية؟ موقاف ديكاارت
هو أنهاا قااية حدساية .صاحيل أن هاذه القااية تفتارض مقدماة عاماة ،ولكان هاذا ال
يعني أن اإلنسان يفكر أوال في قاية عامة ث يساتنتج قااية جزئياة ،باالعكس ،هنااك
ارتبااق ااروري ومواااوعي باين تفكيااري ووجاودي .وبااين المقدماة والحاادس .إذن
حي أن هذه القاية يقينياة يبناي ديكاارت فلسافته عليهاا ،أي يجعال هاذه القااية هاي
القاية األولية للمعرفة العقالنية.
لنسل لديكارت بذلك ،فما هو نوع الوجود هنا؟ ديكارت حتى هذه النققة ال يقاول باهن
هناك شي ما يفكر ويادرك ،ساوا كاان جساما أو جاوهرا ،كماا سايقول فاي التاهمالت
الالحقااة بجوهريااة الاانفس .لكنااه يقااول هنااا ااامنا بمقدمااة حدسااية أخاارى .وهااي كاال
تفكيار ال بااد لاه ماان مفكاار .وهاي النققااة التاي انتقاادها فالساافة كثار ،يخااره الفالساافة
اللاويون ،وأشهر نقد هو نقد جلبرت رايل في كتابه المه "مفهو العقل".
يهمل ديكارت بفحص القاية األولية "أنا أفكار إذن أناا موجاود" أن يصال إلاى معياار
عااا لليقااين .وينتهااي إلااى نتيجااة مفادهااا أن القاااية اليقينيااة هااي التااي تجعلنااا ناارى
بوااوه تااا ماا تثبتااه .وبالتااالي فكال قاااية تجعلناا ناارى محتواهااا بوااوه تااا هااي
قاية يقينية .فما هو اإلدراك الواال؟ يقول ديكارت في "مبادف الفلسافة" أن الشاي
الواال هو الحاار والمتجلاي للاذهن المنتباه .مثلماا يتجلاى أي شاي وااال للعاين.
فهااذه المواااوعات تااؤثر فااي العااين ب قااوة كافيااة .والشااي الواااال مميااز عاان باااقي
األشيا األخرى.
وردا علااى نساابية الواااوه وإمكااان القعاان فيااه ميتافيزيقيااا ،أي ماان خااالل فاارض
الشيقان الخبي ،يلجاه ديكاارت إلاى الفارض المحاوري التاي تقاو فلسافته كلهاا علياه
وهو أن الله يحمينا من هذا الفرض ،أي أن فراه هو أن اإلله ال يخدع.
5
قاية وجود الله
حتاى هااذه اللحظااة ال يمكاان لااديكارت أن يثباات وجااود اللااه ماان خااالل دلياال العنايااة أو
التصاامي مااثال ،ألنااه ل ا يثباات بعااد وجااود العااال الخااارجي .لااذلك اسااتعان ديكااارت
بالباقن أو الداخل أو الشي المفكر .ينظر ديكارت إلاى أفكاار اإلنساان فيجاد أنهاا إماا
تمثيال لمواوعات خارجية ،ساوا كانات أفكارناا عان كيفياات عارااة مثال األلاوان
أو ثوابت مثل االمتداد ،ث يصعد ديكاارت ليقاول أن فكارة اللاه كجاوهر النهاائي علاي
قادر خلو المفكر ،هي فكرة وااحة ومتميزة ،وال يمكن أن تكون مان إنشاا المفكار،
ألنهاا فكارة عان كمااال مقلاو ،فاال باد لهااا مان علاة مقلقاة ،وهااي فكارة مقماورة فااي
عقول ناا ،وهااي بالنساابة لااديكارت ااارورية وفقرياة ،باال هااي فااي حقيقااة األماار -أي
وجود إله كامل -كما قلنا أساس فلسفته كلها.
ويقول ديكارت في ذلك "لن يكون اإلنساان بمعازل عان خقار الوقاوع فاي الخقاه إن
ل يسل أوال بوجود الله".
ويقول تو سورل أنه وفقا لديكارت "ال يمكن للملحد أن يمتلك معرفة تامة أبدا").( 9
ومعنى كون فكرة الله فقرية فينا هي أنها منقوشة في قبيعتنا ،ولاذلك يقاول ديكاارت
في (تهمالته الفلسفية) "عندما أتهمل ذاتي إني أعرف ذاتي فااني ال أعارف فقاق أنناي
كائن ناقص متعلو بايري يسعى دائما إلى ما هو أفال ويقمل إلياه ،بال أعارف فاي
الوقت نفسه أن الكائن الذي يتعلو وجاودي باه لاه جمياع الكمااالت التاي أقمال إليهاا..
وهو ينع بها بالفعل ،وبمقدار غير متناه ،فهو الله".
والل ه عند ديكارت هو الواااع للحقاائو الرياااية ،وهاو الواااع للقاوانين القبيعياة،
كالملك الذي ياع القوانين فاي مملكتاه ،علاى حاد تعبياره .وقاد انتقاد ديكاارت جااليليو
في خقاب يرجع تاريخه إلى عا 1131فقال "لقاد بناى باال أسااس ،ودون أن يااع
بعااين االعتبااار العلااة الرئيسااية للقبيعااة ،لاا يساا إع إال ورا أسااباب بعااض الظااواهر
بعينها").( 10
يقاول جايمس كاولينز " يعااد ديكاارت أول مان افتاتل ثالثااة اتجاهاات نمقياة فاي بدايااة
المنهج العقلاي إلثباات وجاود اللاه الحاق مان قيماة العاال الحساي بوصافه نققاة بداياة
انقباق التدليل البرهاني للحدس ،واندراض االساتدالل ال إبعادي تحات االساتدالل القبلاي،
فاألشاايا المحسوسااة فااي الكااون الفيزيااائي ال تسااتقيع إماادادنا بمعقيااات نقااي عليهااا
البرهان .ألن تهكدنا المهلوف من وجودها أصبل مواع الشاك ،وال يمكان إعادتاه إلاى
مرتباة المعرفاة إال بعاد إثباات وجاود اللااه ااامن للحقيقاة .ولماا كانات الاذات المفكاارة
الالمتجسدة هي الحقيقة الوحيدة التي نسل بوجودها مناذ البداياة ،فاان أي برهاان علاى
وجود الله ينباي أن يبادأ مان العاال البااقني الالماادي ،عاال الفكار الخاالص .وليسات
المسااهلة عنااد ديكااارت مسااهلة ماازاض دينااي ،أو مياال اسااتنباقي للعقاال ،باال هااي مقلااب
ارو ري في مذهبه ومنهج الكتساب الحقائو".
يهمنا هنا االنتباه إلاى أن ديكاارت يارى أن فكارة الاوعي باذواتنا ونقصاها ال يمكان أن
تهتي إال بالوعي بفكرة الكامل المتناهي ،فعالقة (الذات /اإلله) هي عالقاة أسابو عناد
ديكارت وجوديا من عالقة (الذات /العا إل ) الخارجي .وإذا كان اإللاه بقبيعتاه الكماال
المقلو فال بد إذن من أنه ال يخدع.
وصاالنا اآلن إلااى أن هناااك قااايتان يقينيتااان ،وجااود المفكاار ووجااود اللااه .وماان هنااا
ينظر ديكارت إلى العال الخارجي .فحي أن الله ال يخدع (وهاي قااية ميتافيزيقياة)
يساتدل ديكااارت علاى أن أفكارنااا عان العااال هاي تمثاايالت صاحيحة بالااامان اإللهااي
لمواوعات جسمانية خارجية عن ذواتنا (وهي قاية تجريبية أو محسوسة).
ال يوجد قره مميز لدى ديكارت في األخالق ،بالرغ من أناه تساتحو أن تاهتي علاى
قبااة فلساافته ،وأن تكااون كالثمااار لشااجرته ،وهااذا راجااع إلااى أن العقاال المجاارد الااذي
تصاوره ديكااارت ال يمكنااه تصااحيل األخااالق علااى اإلقااالق .أمااا حريااة اإلرادة فهااي
قاية حدسية يقينية عند ديكارت ،إذ أن فعل الشك نفسه يحتاض إلى اختيار وحرية.
وماان أه ا يثااار ديكااارت الفلساافية أياااا هااو النظاارة الثنائيااة لانسااان ،والقااول ب ليااة
الحيوان .فديكارت نتيجة قوله بالجوهرية المستقلة للعقل حق مان شاهن الجساد ،ونظار
11
له نظرة يلياة مهادت للنظرياة التقورياة فيماا بعاد ماع ظهاور ثاورة اكتشااف الحماض
اساااتبدلت النظريااة التقورياااة مفهاااو الجااوهر الميتاااافيزيقي بمفهاااو النااووي .حيااا
الجينات.
وتلاك الفجاوة الكبيارة بااين جاوهر الماادي وجساد مااادي حااول ديكاارت سادها بااال أي
نجاااه يُااذكر ،فاعتقااد أن الااادة الصاانوبرية هااي المسااؤولة عاان االرتباااق بااين الاانفس
والجسااد ،وبااالقبع اإلشااكاالت المتعلقااة بتلااك العالقااة بااين الجااوهر والجسااد فااي غايااة
الصعوبة ،وتعد من المشاكل األولى في الفلسفة الديكارتية.
نقد ديكارت
))1معلو أن الحو ال يحتاض إلى نقد كل باقل ،واليقين ال يحتاض إلى نقد كل شك
ذكرناا أن ديكاارت ادعاى أن الوصاول العقالنااي الوحياد للقااية الصاادقة مثال قاااية
"الله موجود" ال بد أن يبدأ بالشك ،ث يحاول نقاد التشاكيكات واحادا تلاو اآلخار ليصال
للقاااية الصااادقة ،فكهنااك لتثباات التوحيااد عليااك بنقااد كاال صااور الشاارك الموجااودة
والمتصورة ،وهذا أمر مستحيل ،وغير عملي على األقل ،يقول ابان تيمياة "فاان قاال
قائااال هاااذه األماااور المعلوماااة ال تثبااات إال باااالجواب عماااا يعارااااها مااان الحجاااج
السوفسااقائية ،ل ا يثب ات ألحااد عل ا بشااي ماان األشاايا ،إذ ال نهايااة لمااا يقااو بنفااوس
بعض الناس من الحجج السوفسقائية " .لكن هال قبولناا هناا للقااية عقالناي؟ نجاد أن
اإلشكال في تعريف العقل نفسه كما سيهتي في النققة الرابعة.
البشري المتواتر عبر القرون والبد من الذات ))2ال يمكن رفض المورو
إن ماان الاااروري فااي فلساافة ديكااارت كمااا ذكرنااا أن تكااون عالقااة (الااذات /اإللااه)
عالقااة أساابو وجوديااا ماان عالقااة (الااذات /العااا إل ) الخااارجي ،فااديكارت ل ا يباادأ ماان
الذات مفردة كما تمنى ،بل عالقتها بالله أساس في تصورنا لها ،لكان الاذي أخقاه فياه
ديكااارت هااو تهجياال العااال الخااارجي خقااوة ،لك ان فااي الواقااع كمااا نعاارف جميعااا أن
العالقة ثالثية ،فهنااك اإلنساان واإللاه والعاال الخاارجي ،كماا أكاد عادد مان الفالسافة،
على رأسه الفيلسوف مارتن هايادجر ،ففاي وصافه للوجاود اإلنسااني قاال بهناه بحكا
التعرياف وبحك ا الواقااع وجااود خااارجي ،فماهيااة اإلنسااان فااي وجودهااا خااارض ذاتهااا،
12
فاإلن ساان حاااار فااي العاال ،وماارتبق بااالمجتمع (وبهفكااره الموروثااة قبعااا) ارتباقااا
شديدا ال يمكن فصله ،بل يتقاسا اإلنساان ماع مجتمعاه حياتاه ،لاذلك يارى هايادجر أن
الوجود اإلنسااني بقبيعتاه انفتااحي ،حتاى الشاخص المنعازل الاذي يتجناب اآلخار هاو
يُثبت اآلخر باعتباره الذي يتجنبه .فالواقع أن اإلنسان يعيش فاي مجتماع ياؤمن بهفكاار
معينة ،ويتهثر بها على تفاوت ،وليس جوهرا عليما منعزال).( 11
))3ما تقاو علياه الفلسافة الديكارتياة إلاه رمازي لتهسايس الفيزياا ولايس اإللاه الاذي
يؤمن به البشر
قلناااا أن ديكاااارت قاااد زعااا أن باإلمكاااان اشاااتقاق القااااايا التجريبياااة مااان القااااايا
الميتافيزيقيااة ،فالميتافيزيقااا هااى القاااايا األعاا التااي يبنااي ديكااارت فلساافته عليهااا.
والحقيقة هناك تهويالن لقصاد ديكاارت ،هال هاو أقارب للماتكل ؟ يحااول تهسايس العلا
الجديد على أساس ديني ،ويجعل من وجود الله المبرر الوحيد السالي للنتاائج العلمياة،
أ هااو الفيلسااوف األول الااذي دع اا باسااتقاللية عاان كاال ساالقة -سااوا كاناات دينيااة أو
فكرية سابقة -إلى علمناة الادين ،أي أناه يتعامال ماع الادين بشاكل نفعاي أو براجمااتي
لتهساايس الفيزيااا ،وبصاارف النظاار عاان قصااد ديكااارت ،فالثاباات أن فلساافته اختزلاات
دور اإلله في تبرير العل ،وليس الله الذي يوجد في حياة الناس.
و عند الحدي عن هذا المواوع ال بد من ذكر البح الفذ الذي قدمه الشايخ عباد اللاه
الشاااهري فاااي كتاباااه "ثاااال رساااائل"" ،رساااالة العقااال" ،حيااا انتقاااد هاااذه المثالياااة
( )11راا زيدان ،هل نظرية هايدجر في المعرفة مثالية أ واقعية؟ ،مقال على موقع أثارة.
13
والرومانسية الزائفة للعقل ،وكهن اإلنسان صاحب نظرة فوقية خالية مان كال عاقفاة.
وفي نقد الشيخ لهذا التصور نقل عن شيخ اإلسال قوله الموجز
" والمقصاود هنااا أن اسا العقاال فاي اصااقاله جمياع المساالمين بال وجميااع أهال الملاال
وعامة بني يد يراد به ما هو قائ بايره سوا كان علما أو قوة أو عمال بعلا أو نحاو
ذلك ،ال يراد به ما هو جوهر قائ بنفسه إال في اصقاله هؤال الفالسفة".
فالعقل عند عامة بني يد فاعلية وليس جوهرا ،ولذلك كانت أصادق األساما الحاار
وهما كما قال النبي صلى اللاه علياه وسال .يقاول الشايخ الشاهري "فالعقال إذن لايس
فقق عملية إنشا وإصدار تصورات وأحكا منققية على النمق األرسقي ،وإنماا هاو
يالحظ النافع والاار ،ويُقدر المصالل ،ويعتبر األخالق وال ُحسان والقابل ،وكال
نشاق ِّ
هذا من لواز كونه قائما باإلنسان .ليس هذا فحسب ،بال إن صالة العقال بالجساد ككال
صلة وقيدة ،فاان العقال -فاي حادود قاقتاه -يلاتمس حاجاات اإلنساان كلهاا بيولوجياة
وفساايولوجية ونفسااية ،ويتصاال بهااا ويتفاعاال معهااا بااال انققاااع .فصاالة العقاال بسااائر
الجسااد غياار متصااورة مااع تصااور العقاال علااى أنااه جااوهر بااائن مسااتقل بذاتااه ،وإنمااا
تُتصور مع تصور العقل على أنه امتداد للنفس وجز منها وفرع عنها".
ويقول "أراد ديكارت أن يعقي للعقل مكاناة ال يهتيهاا الباقال مان باين ياديها وال مان
جرب الشك ،عرف أنه ل يكن ليشك إال بفاال العقال ،ثا اساتنتج أناه
خلفها ،فانه لما ّ
ل يكن ليوجد إال بفال الشك ،فعاد الفال كله بالنسابة لاديكارت للعقال") .( 12ويح ُ
سان
جدا قرا ة كتاب الشيخ الشهري كامال ،لتصور أوسع لمواوع العقل والعل .
المه ا أن النتيجااة القبيعيااة للفلساافة الديكارتيااة هااي القااول بااهن الجسااد مجاارد فااالة
زائادة ،لايس لهاا دور فاي تشاي يد معاال ذواتناا ،أو بالمصاقلل التقاوري "نتااض ثااانوي
للااذات" .وبقبيعااة الحااال هااذا أماار مخااالف للاااة والواقااع ،ففااي اللاااة مساامى اإلنسااان
( )12ثااال رسااائل فااي اإللحاااد والعقاال واإليمااان ،عب اد اللااه الشااهري ،مركااز نمااا ،ص،113
ولالستزادة ف ي المواوع راجع كتاب "سؤال العمل" ،لقه عبد الرحمن.
14
يشمل الجسد والروه معا ،وليس الروه وحدها أو الجساد وحاده ،وفاي الواقاع كال مناا
يعل ذلك .يقول أبو حامد الازالي في تهافت الفالسافة "اإلنساان ماا دا يشاعر بنفساه،
وال يافاال عنهااا ،فانااه يشااعر بجسااده وجساامه ،نع ا ال يتعااين لااه اس ا القلااب وصااورته
وشكله ،ولكنه يثبت نفسه جسما").( 13
إن التصااور التجرياادي للعقاال يجعاال اإليمااان عاااقفي والالأدريااة ترياا وعقالنيااة،
ويجعاال اليقااين عسااير ومتهااور ،والشااك هااو الحكمااة واألصاال ،أمااا التصااور الفقااري
للعقال فاي اللااات اإلنسااانية فهاو نشااق بشاري ُمح ّماال بالااعف البشاري مان رغبااات
وأهوا ،ومتاير ،ألن الخبرات البشرية تتاير وبعاها تراكمي.
والعقل معنااه أوساع مان مجارد االساتدالل ،جاا فاي المساودة آلل تيمياة -نقلاه الشايخ
الشهري أياا في رسالة العقل " -الصاحيل أن العقال ال يمكان إحاقتاه برسا واحاد،
لكن المختار أن العقل يقاع االساتعمال علاى أربعاة معاان ،إماا باالشاتراك أو علاى أقال
االشتراك ،ث بعاها يُقلو على ما تت به األربعاة باالتواقؤ أو علاى بعااها مجاازا.
األول اروري وهو الذي عنى به الجمهور من أصاحابنا وغياره أناه بعاض العلاو
الاارورية لكانه لا يجمعاوا العقال بال ذكااروا بعااه .الثاان أناه غريازة ت ُقاذف فااي
القلااب ،وهااو معنااى يسااتعد بااه اإلنسااان لقبااول العلااو النظريااة وتاادبر األمااور الخفيااة،
وهااذا المعنااى هااو محاال الفكاار وأصااله ،وهااو فااي القلااب كااالنور واااوؤه مشاارق إلااى
الدماغ ،ويكون اعيفا في مبتدأ العمر ،فاال يازال يرباى حتاى تات األربعاون...الثالا
مااا بااه ينظاار صاااحبه فااي العواقااب وبااه تقااع الشااهوات الداعيااة إلااى اللااذات العاجلااة
المتعقبة للندامة ،وهذا هو النهاية في العقل وهو المراد بقوله إذا تقارب النااس باهبواب
البر فتقرب أنت بعقلك .الرابع شي يستفاد من التجارب يسمى عقال".
وعلاى ذلاك فقااية "ال لاه موجاود" ليسات مجارد قااية نبنيهاا باالساتدالل ،وإنماا هاي
قاية موروثاة عبار كافاة المجتمعاات ،وصاححها اساتمراريتها وتوافاو البشار حولهاا
واسااتجابات اللااه لاادعا عاادد ال يحصااى ماان الناااس فااي الااارا والساارا ،وصااحة
القاية -أي قاية وجود الله -اارورية فاي الحيااة النفساية واالجتماعياة لانساان،
ومن تهكيدات الرسل أنها يُاذ ّك رون بتلاك القااية ،حتاى االساتدالل العقلاي فاي حقيقتاه
تذكير بتلك القاية.
11