You are on page 1of 16

1

2
‫الفلسفة الحديثة‬
‫هي تلك الفترة حول القرن السابع عشر الميالدي والتي تميزت‬

‫بعدد من الفالسفة والمفكرين األوروبيين الذين أثروا في حركة‬

‫الفكر اإلنساني إلى قبل الفلسفة المعاصرة في القرن العشرين‪..‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ ))1‬رينيه ديكارت ‪René Descartes‬‬
‫‪1191 - 1951‬م‬
‫يرى البعض أنه (أبو الفلسفة الحديثة)‪ ،‬ولد ديكاارت عاا ‪ 1951‬فاي تاورين‪ ،‬شامال‬
‫غرب فرنسا‪ ،‬وعندما بلغ العاشرة من عمره أرسله أباوه إلاى مدرساة يساوعية ومكا‬
‫بها حتاى عاا ‪ ، 1112‬ودرس بهاا المنقاو والريااايات والفلسافة‪ .‬رغا أن ديكاارت‬
‫كان له انتقادات شديدة على التعلي التقليدي إال أناه يتحاد عان أسااتذته فاي المدرساة‬
‫بحب واحترا ‪ ،‬واعتبر ‪ -‬كما يقول فريادريك كوبلساتون ‪ -‬أن نظاا المدرساة التعليماي‬
‫متفوق إلى حد كبير عن المدارس األخرى)‪.( 1‬‬
‫في عا ‪ 1111‬اختار ديكارت الحياة العسكرية‪ ،‬فانتقال إلاى مديناة بريادا فاي هولنادا‪،‬‬
‫وقيد اسمه كاابق متدرب في جيش يعتبر أكاديمية عسكرية للشباب األثرياا بالقاارة‬
‫األوروبيااة‪ .‬وفااي مدينااة برياادا التقااى بقبيااب يكبااره بثماااني ساانوات ياادعى إسااحاق‬
‫بيكمان‪ ،‬وصارا صديقين‪.‬‬
‫كان بيكمان عالما في مجموعة من التخصصاات العلمياة‪ ،‬وكاان تاهثيره علاى ديكاارت‬
‫بالغ القوة‪ ،‬لدرجة أن ديكارت كتب له عا ‪ 1115‬خقابا ‪ -‬بعد أن غاادر هولنادا وبادأ‬
‫رحلته في دول أوروبية مختلفة لمدة تسع سنوات ‪ -‬جاا فياه "دعناي أقار بهناك الاذي‬
‫أخرجناي ماان خمااولي وجعلنااي أتااذكر أشايا ساابو أن تعلمتهااا وكاااد النساايان يقويهااا‪،‬‬
‫وعاادما شااقل عقلااي بعياادا عاان األمااور الجااادة (وغالبااا ديكااارت يقصااد هنااا بعااض‬
‫المسائل الرياا ية)‪ ،‬أعدتني أنت إلى جادة القريو")‪.( 2‬‬
‫وهااي مقولااة تشاابه مقولااة كااانق عاان هيااو الشااهيرة بااهن هيااو قااد أيقظااه ماان سااباته‬
‫االعتقادي‪.‬‬
‫بدأ ديكارت بحثه المكثف فاي الفلسافة والعلاو القبيعياة عاا ‪ ،1121‬عنادما كاان فاي‬
‫الثانية والثالثين من عمره‪ ،‬و نشر ديكارت كتابه "مقال عن المنهج" بالفرنساية بجاناب‬
‫مقاالته عن انكسار الاو والهندساة عاا ‪ ،1131‬ونشار كتااب "تاهمالت فاي الفلسافة‬
‫األولاى" عاا ‪ ،1141‬ونشار كتاباه الرئيساي "مباادف الفلسافة" عاا ‪ .1144‬وقاد كااان‬
‫ديكارت كاثولوكيا قيلة حياته)‪.( 3‬‬

‫(‪ )1‬فردريك كوبلستون‪ ،‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬المجلد الرابع (من ديكارت إلى ليبنتز)‪ ،‬المركز القاومي‬
‫للترجمة‪ ،‬ترجمة سعيد توفيو‪ ،‬محمود سيد أحمد ص‪.51‬‬
‫(‪ )2‬تو سورل‪ ،‬ديكارت مقدمة قصيرة جدا‪ ،‬مؤس سة هنداوي‪ ،‬ترجمة أحمد الروبي‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬لالستزادة‪ ،‬راجع ترجمته في الموسوعة الفلسفية لعبد الرحمن بدوي‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫إن الهدف األساسي لديكارت كان الوصاول للحقيقاة بالعقال‪ ،‬وذلاك بانشاا ماذهب مان‬
‫قاايا صادقة ال يُفترض فيه إال ماا كاان واااحا بذاتاه‪ .‬وبناى صارحه الفلسافي علاى‬
‫أسااااس يقيناااي‪ .‬والفلسااافة عناااد ديكاااارت تشااامل كااال الحقاااائو‪ ،‬ساااوا كانااات حقاااائو‬
‫ميتافيزيقية أو أخالقية أو تجريبياة‪ .‬وألن ديكاارت كاان ثورياا فاي قبعاه يمكان القاول‬
‫بالفعل أن ديكارت قد نجل في بنا فلسفة ثورية تخالف الكثيار مماا ورثاه‪ ،‬وإن كانات‬
‫ال تنفصال عاان الماورو انفصاااال تاماا‪ ،‬فثوريااو عصار النهاااة وعصار التن اوير قااد‬
‫درسوا بالفعل على يد مدرساي ين‪ ،‬وتعلماوا داخال إقاار ديناي‪ ،‬ونقاده فاي غالباه كاان‬
‫يُسل بالمفاهي الدينية الكبرى وينقلو منهاا‪ ،‬وهاي نققاة خاارض موااوعنا‪ ،‬وللتوساع‬
‫فيها يراجع الفصل الثاني من كتابي "نحو منهجاي وصافي للعلا " الاذي صادر ماؤخرا‬
‫عن مركز براهين‪.‬‬

‫ومع أن ديكارت كان ثوريا إال أنه شخص يمكن وصفه بهنه كان ماؤثرا للساالمة‪ ،‬فقاد‬
‫كان ديكارت يتجنب الصراعات مع المدرسايين والكنسايين والمخاالفين بشاكل عاا إال‬
‫إذا ااقر لذلك‪ ،‬حتى أن ديكارت قاد كتاب كتاباا فاي الفتارة التاي حاوك فيهاا جااليليو‬
‫يقول فيه بمركزية الشمس فامتنع تماما عن إصدراه)‪.( 4‬‬

‫أهمية الفلسفة الديكارتية هو تهثيرها الشديد على الالحقين سوا كانوا تجاريبيين مثال‬
‫جون لوك أو عقالنيين كالديكارتيين‪ .‬بل يمكن القاول أن الفلسافة الحديثاة هاي محاولاة‬
‫نحااو الحقيقااة انقالقااا ماان البنااا الااديكارتي‪ .‬ذلااك البنااا الااذي انتقااد بعنااف المدرسااة‬
‫األرسقية التي كانت في حالة تدهور شديد‪.‬‬

‫قبيعااة فلساافة ديكااارت فلساافة ديكااارت كشاافية‪ ،‬تحاااول تنظااي القاااايا علااى أساااس‬
‫عقالني‪ .‬لذلك عز ديكارت علاى الشاك فاي كال ماا يمكان الشاك فياه‪ ،‬وإقاماة القااايا‬
‫تكون على حد وصفه "متوافقة مع مخقق عقالني"‪.‬‬ ‫الصادقة بحي‬

‫ول يدّع ديكارت أنه أتى بجديد‪ ،‬وإنما زع أنه قاد أنشاه منهجاا للبرهناة علاى الحقاائو‬
‫وفقا للنظا الذي تتقلبه مقتايات العقل ذاته‪ .‬كان ديكارت من دعااة "وحادة العلاو "‪،‬‬
‫فهناااك فااي نظااره مااانهج رصااين يقبااو فااي كافاااة الفااروع المعرفيااة‪ ،‬سااوا كانااات‬
‫ميتافيزيقيااة أو فيزيقيااة‪ ،‬باال وحتااى األخالقيااة‪ .‬وبااالقبع هااذه الاادعوى مجاارد فاارض‪،‬‬
‫ومحاولااة ديكااارت بنااا صااره منهجااي هااي فااي حقيقتهااا محاولااة إلثبااات صااحة هااذا‬

‫(‪ )4‬ومن شعاراته المهثورة "السعيد من أحسن االختفا "‪.‬‬


‫‪9‬‬
‫الفرض‪ ،‬وبشكل غير مباشر تفنيد للتمييز األرسقي والمدرسي باين العلاو واألخاالق‬
‫مثال‪.‬‬

‫قلنااا أن ماانهج ديكااارت كشاافي‪ ،‬لكاان هااذا ال يعنااي أن فلساافته مجاارد تكاارار لقاااايا‬
‫صادقة‪ ،‬وإنماا يعناي أن منهجاه – حساب قولاه ‪" -‬يعلمناا علاى أفاال نحاو أن نوجاه‬
‫عقولنا‪ ،‬كي نكتشف تلك الحقائو التي نكون جاهلين بها")‪.( 5‬‬

‫وزع ا ديكااارت أن باإلمكااان اشااتقاق ال قاااايا التجريبيااة ماان القاااايا الميتافيزيقيااة‪،‬‬


‫فالميتافيزيقا هى القاايا األع التي يبني ديكارت فلسفته عليها كما سيهتي‪.‬‬

‫ما هو المنهج الديكارتي؟ هاو مجموعاة قواعاد يقينياة بسايقة إلاى حاد أنهاا تجعال مان‬
‫يراعيها بدقة ال يرى أبدا شيئا كاذبا على أنه صادق‪ ،‬أي أنهاا ااامنة للحقيقاة‪ .‬بحيا‬
‫أن بمقدور من يتبعها أن يصل إلى فه صحيل لكال األشايا المتجااوزة قدرتاه بزياادة‬
‫معرفته تدريجيا‪.‬‬

‫فهذه القواعد توجه العقال وباساتخدامها يصال الفاعال إلاى القااايا الصاادقة‪ .‬المها أن‬
‫مسااتخد هااذه القواعااد متميااز عاان أي وصااول يخاار لصاادق قاااايا معينااة‪ ،‬حي ا أن‬
‫الوصاول وفقاا لقواعاد ديكاارت هاو الوصااول العقالناي المحاض‪ .‬بعيادا تماماا عاان أي‬
‫عاقفة أو تقليد أو تحيز‪.‬‬

‫يرى ديكارت أن العقال يتمتاع بقادرة علاى الحادس واالساتنباق‪ .‬والحادس نشااق عقلاي‬
‫خااالص ال نجااد معااه أي شااك فااي القاااية‪ .‬ويُمثاال ديكااارت للقاااايا الحدسااية بااهن‬
‫له ثالثة أاالع"‪ ،‬وبقاية "أنا موجود"‪.‬‬ ‫"المثل‬

‫أمااا االسااتنباق فهااو "كاال اسااتدالل اااروري ماان الوقااائع األخاارى اليقينيااة"‪ .‬وبااذل‬
‫ديكااارت جهااده فااي رد كاال اسااتنباق إلااى حاادس‪ ،‬أي جعلااه يقينيااا‪ .‬أمااا دور القواعااد‬
‫التوجيهية فهو حسن استخدا الحدس واالستنباق‪.‬‬

‫أما القواعد فتانص القاعادة األولاى علاى «أال أقبال شايئا ع علاى أناه حاو ماا لا أعارف‬
‫يقينا ع أنه كذلك‪ ،‬بمعنى أن أتجنب بعناياة التهاور‪ ،‬والسابو إلاى الحكا قبال النظار‪ ،‬وأال‬
‫أ ُدخل في أحكامي إال ما يتمثل أماا عقلاي فاي جاال وتمياز‪ ،‬بحيا ال يكاون لادي أي‬
‫مجال لواعه مواع الشك»‪.‬‬

‫(‪ )9‬في مقدمة كتابه "مبادف الفلسفة"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫وتسمى هذه القاعدة بقاعدة اليقين‪ ،‬ألنها تدخل إلاى يقاين باديهي بسايق ال يتقارق إلياه‬
‫شك‪.‬‬

‫وتنص القاعدة الثانية على «أن أ ُقس كل واحدة مان المعااالت التاي ساهختبرها إلاى‬
‫أجزا على قدر المستقاع‪ ،‬على قدر ما تدعو الحاجة إلى حلها على ذلك»‪.‬‬

‫وتسمى هذه القاعدة بقاعدة التحليل‪.‬‬

‫سير أفكاري بنظا ‪ ،‬بادئا ع بهبسق األماور وأساهلها معرفاة‪،‬‬ ‫وتقول القاعدة الثالثة «أن أ ُ ِّ ّ‬
‫كي أتدرض قليالع قليالع حتى أصل إلى معرفاة أكثار ترتيبااع‪ ،‬بال وأن أفارض ترتيباا ع باين‬
‫األمور التي ال يسبو بعاها اآلخر بالقبع»‪.‬‬

‫وتسمى هذه القاعدة الثالثة بقاعدة التركيب‪.‬‬

‫أماااا القاعااادة الرابعاااة واألخيااارة فهاااي تااانص علاااى «أن أ ُجاااري فاااي كااال األحاااوال‬
‫اإلحصا ات والمراجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة من أننى ل أغفل شيئا ع»)‪.( 6‬‬

‫وتسمى هذه القاعدة باالستقرا التا ‪.‬‬

‫ومن الواال هنا بساقة تلك القواعد‪ ،‬كما يقول عباد الارحمن بادوي "ومان الوااال‬
‫أن هذه القواعد األربع ال تستحو كل تلك األهمية التي أوالها إياها بعاض الماؤرخين‪،‬‬
‫فلاايس فيهااا جديااد يُااذكر إال جمعهااا معااا‪ ،‬ألننااا نجاادها تفاااريو عنااد كثياار ماان الفالساافة‬
‫السابقين عند أفالقون وأرساقو وبعاض الشاكاك اليوناانيين‪ ،‬وأوغساقين والازالاي‪،‬‬
‫إلخ")‪.( 7‬‬

‫باال سااخر منهااا بعااض الفالساافة الكبااار مثاال اليبنتااز‪ ،‬حي ا قااال عنهااا "إنهااا تشاابه‬
‫تعليمااات كيميااائي صاانعوي خااذ مااا تحتاااض إليااه‪ ،‬وافعاال مااا عليااك أن تفعلااه‪ ،‬هناااك‬
‫تحصاال علااى مااا تريااد"‪ .‬لكاان يجااب االنتباااه إلااى أن ديكااارت يحاااول تقبيااو الماانهج‬
‫الريااااي فااي الفلساافة‪ ،‬ألنااه أراد الوصااول فااي الفلساافة إلااى نفااس درجااة الواااوه‬
‫واليقين الذي وصلت إليه الرياايات والهندسة‪ .‬وهو أه ما في تلاك القواعاد‪ ،‬وكانات‬
‫لحظة حاسام ة فاي التحاول األوروباي وبداياة الثاورة العلمياة‪ ،‬هاو االساتقاللية عان أي‬
‫سلقة‪ ،‬وبنا أساس عقالني للعل ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ولي رايت‪ ،‬تاريخ الفلسفة الحديثة‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬ترجمة محمود سيد أحمد‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫(‪ )1‬في ترجمة ديكارت‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الشك المنهجي‬

‫يوصااينا ديكااارت بالشااك الشااامل ماان أجاال الوصااول إلااى الحقيقااة‪ ،‬وهااذا لاايس معناااه‬
‫رفض كل القاايا الصادقة الموروثة‪ ،‬وإنما تنسيقها داخل بنية عقالنية لرؤية العال ‪.‬‬

‫وقد ابتدأ ديكارت شكه فيما تعلمه من خالل الحواس‪ ،‬ألن الحاواس يمكان أن تخادعنا‪،‬‬
‫فمن الممكن أن يرى المر سرابا‪ ،‬ويمكن أن ينخدع فاي أماور حساية كثيارة‪ .‬ثا يمتاد‬
‫شااك ديكااارت إلااى القاااايا الريااااية‪ ،‬مثاال ‪ ،2=1+1‬فهناااك إمكانيااة أو احتماليااة أن‬
‫تكااون القاااية الريااااية قائمااة جزئيااا علااى التجربااة‪ ،‬باال ويمكاان افتااراض أن هناااك‬
‫شيقانا خبيثا يستخد كل قدراته لخداعنا‪ .‬بشكل يخر‪ ،‬يمكان أن نكاون مار ّكبين بحيا‬
‫نرى العال بشاكل معاين‪ ،‬ونتعامال بشاكل رياااي معاين ماع األشايا وعالقاتهاا رغا‬
‫بقالن أو عد دقة هذا التعامل‪.‬‬
‫نفارق هناا باين‬
‫وأساس هذا االفتراض المتقرف أن كل قاية يمكن الشاك فيهاا‪ .‬لكان ّ‬
‫الشك المنهجي الذي يدعو إليه ديكارت والشك ألجال الشاك أو السفساقة‪ ،‬فاديكارت ال‬
‫يدعو أبدا إلى الشك من أجل الشك‪ ،‬وإنما لبنا يقين عقالني‪.‬‬
‫يقول جيمس كولينز في كتاباه "اللاه فاي الفلسافة الحديثاة" وهاو متارج "فهاؤال [أي‬
‫الشُااكاك الالمنهجيااين يهااادفون إلااى إقامااة ناااوع ماان االتاازان المحاياااد بااين القااااايا‬
‫المتناقاة‪ ،‬ومثله األعلى في المسائل النظرية هو موقف عد االلتازا ‪ .‬أماا ديكاارت‬
‫فيتخذ مان تاوازن القاوى وسايلة مبدئياة لتحريار العقال مان سايقرة الحاواس وتخاديره‬
‫اد مجرد االحتماالت‪ ،‬وهمه الرئيسي ينصب على اختبار القااايا‪ ،‬وهاو يهمال أماال‬
‫إيجابيا في العثاور علاى قااية تصامد للشاك‪ ،‬وتارغ العقال علاى التسالي بهاا‪ .‬فالشاك‬
‫الااديكارتي تشاايع فيااه روه التههااب للتساالي بالبينااة التااي ال ساابيل إلااى الشااك فيهااا إذا‬
‫وجااادت‪ ،‬وروه االساااتعداد بقباااول حقيقاااة أي شاااي يصااامد ألعناااف اختباااار يجرياااه‬
‫التشكك‪ .‬فالشُكاك ماذنبون لتعصابه السالبي فاي رفاض التسالي ‪ ،‬حتاى فاي وجاه البيّناة‬
‫غير االحتمالية التي تجتاز االختبار")‪.( 8‬‬
‫كما أن ديكارت ينهانا عن الشاك عملياا‪ ،‬أي فاي حياتناا اليومياة‪ ،‬فقااايا مثال وجودناا‬
‫ووجود اآلخرين وقبيعة األشيا مان حولناا ال ينصاحنا ديكاارت أبادا بالشاك فيهاا فاي‬
‫حياتنا عمليا‪ ،‬وإنما الشك المنهجي هو مجرد شك صوري‪.‬‬

‫(‪ )1‬جاايمس كااولينز‪ ،‬اللااه فااي الفلساافة الحديثااة‪ ،‬دار قبااا للقباعااة والنشاار‪ ،‬ترجمااة فااؤاد كاماال‪،‬‬
‫ص‪.54‬‬
‫‪1‬‬
‫بعاد هاذا الشاك الشاامل يصال ديكاارت أخيارا إلاى حقيقاة ال تقبال الشاك‪ ،‬وهاو وجاوده‬
‫نفسه‪ ،‬معبرا عن ذلك بالصياة المشهورة "أناا أفكار إذن أناا موجاود"‪ .‬ألنناي ماا دمات‬
‫أشك فانني يجب أن أكون موجودا‪ ،‬ألن في فعل الشك ذاته يتجلى وجاودي‪ .‬وقاد أشاك‬
‫في كل شي إال أن هذا الشك ال يمكان أن يمتاد إلاى وجاودي نفساه‪ .‬لكان أي ناوع مان‬
‫الوجود؟ الوجود المصاحب للفكار‪ ،‬ويقصاد ديكاارت باالفكر هناا الفكار الاواعي‪ .‬لكان‬
‫هنا وقفة هل قاية "كل مفكر موجود" قاية حدسية أ اساتنباقية؟ موقاف ديكاارت‬
‫هو أنهاا قااية حدساية‪ .‬صاحيل أن هاذه القااية تفتارض مقدماة عاماة‪ ،‬ولكان هاذا ال‬
‫يعني أن اإلنسان يفكر أوال في قاية عامة ث يساتنتج قااية جزئياة‪ ،‬باالعكس‪ ،‬هنااك‬
‫ارتبااق ااروري ومواااوعي باين تفكيااري ووجاودي‪ .‬وبااين المقدماة والحاادس‪ .‬إذن‬
‫حي أن هذه القاية يقينياة يبناي ديكاارت فلسافته عليهاا‪ ،‬أي يجعال هاذه القااية هاي‬
‫القاية األولية للمعرفة العقالنية‪.‬‬

‫لنسل لديكارت بذلك‪ ،‬فما هو نوع الوجود هنا؟ ديكارت حتى هذه النققة ال يقاول باهن‬
‫هناك شي ما يفكر ويادرك‪ ،‬ساوا كاان جساما أو جاوهرا‪ ،‬كماا سايقول فاي التاهمالت‬
‫الالحقااة بجوهريااة الاانفس‪ .‬لكنااه يقااول هنااا ااامنا بمقدمااة حدسااية أخاارى‪ .‬وهااي كاال‬
‫تفكيار ال بااد لاه ماان مفكاار‪ .‬وهاي النققااة التاي انتقاادها فالساافة كثار‪ ،‬يخااره الفالساافة‬
‫اللاويون‪ ،‬وأشهر نقد هو نقد جلبرت رايل في كتابه المه "مفهو العقل"‪.‬‬

‫يهمل ديكارت بفحص القاية األولية "أنا أفكار إذن أناا موجاود" أن يصال إلاى معياار‬
‫عااا لليقااين ‪ .‬وينتهااي إلااى نتيجااة مفادهااا أن القاااية اليقينيااة هااي التااي تجعلنااا ناارى‬
‫بوااوه تااا ماا تثبتااه‪ .‬وبالتااالي فكال قاااية تجعلناا ناارى محتواهااا بوااوه تااا هااي‬
‫قاية يقينية‪ .‬فما هو اإلدراك الواال؟ يقول ديكارت في "مبادف الفلسافة" أن الشاي‬
‫الواال هو الحاار والمتجلاي للاذهن المنتباه‪ .‬مثلماا يتجلاى أي شاي وااال للعاين‪.‬‬
‫فهااذه المواااوعات تااؤثر فااي العااين ب قااوة كافيااة‪ .‬والشااي الواااال مميااز عاان باااقي‬
‫األشيا األخرى‪.‬‬

‫وردا علااى نساابية الواااوه وإمكااان القعاان فيااه ميتافيزيقيااا‪ ،‬أي ماان خااالل فاارض‬
‫الشيقان الخبي ‪ ،‬يلجاه ديكاارت إلاى الفارض المحاوري التاي تقاو فلسافته كلهاا علياه‬
‫وهو أن الله يحمينا من هذا الفرض‪ ،‬أي أن فراه هو أن اإلله ال يخدع‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫قاية وجود الله‬

‫حتاى هااذه اللحظااة ال يمكاان لااديكارت أن يثباات وجااود اللااه ماان خااالل دلياال العنايااة أو‬
‫التصاامي مااثال‪ ،‬ألنااه ل ا يثباات بعااد وجااود العااال الخااارجي‪ .‬لااذلك اسااتعان ديكااارت‬
‫بالباقن أو الداخل أو الشي المفكر‪ .‬ينظر ديكارت إلاى أفكاار اإلنساان فيجاد أنهاا إماا‬
‫تمثيال لمواوعات خارجية‪ ،‬ساوا كانات أفكارناا عان كيفياات عارااة مثال األلاوان‬
‫أو ثوابت مثل االمتداد‪ ،‬ث يصعد ديكاارت ليقاول أن فكارة اللاه كجاوهر النهاائي علاي‬
‫قادر خلو المفكر‪ ،‬هي فكرة وااحة ومتميزة‪ ،‬وال يمكن أن تكون مان إنشاا المفكار‪،‬‬
‫ألنهاا فكارة عان كمااال مقلاو‪ ،‬فاال باد لهااا مان علاة مقلقاة‪ ،‬وهااي فكارة مقماورة فااي‬
‫عقول ناا‪ ،‬وهااي بالنساابة لااديكارت ااارورية وفقرياة‪ ،‬باال هااي فااي حقيقااة األماار ‪ -‬أي‬
‫وجود إله كامل ‪ -‬كما قلنا أساس فلسفته كلها‪.‬‬

‫ويقول ديكارت في ذلك "لن يكون اإلنساان بمعازل عان خقار الوقاوع فاي الخقاه إن‬
‫ل يسل أوال بوجود الله"‪.‬‬

‫ويقول تو سورل أنه وفقا لديكارت "ال يمكن للملحد أن يمتلك معرفة تامة أبدا")‪.( 9‬‬

‫ومعنى كون فكرة الله فقرية فينا هي أنها منقوشة في قبيعتنا‪ ،‬ولاذلك يقاول ديكاارت‬
‫في (تهمالته الفلسفية) "عندما أتهمل ذاتي إني أعرف ذاتي فااني ال أعارف فقاق أنناي‬
‫كائن ناقص متعلو بايري يسعى دائما إلى ما هو أفال ويقمل إلياه‪ ،‬بال أعارف فاي‬
‫الوقت نفسه أن الكائن الذي يتعلو وجاودي باه لاه جمياع الكمااالت التاي أقمال إليهاا‪..‬‬
‫وهو ينع بها بالفعل‪ ،‬وبمقدار غير متناه‪ ،‬فهو الله"‪.‬‬

‫والل ه عند ديكارت هو الواااع للحقاائو الرياااية‪ ،‬وهاو الواااع للقاوانين القبيعياة‪،‬‬
‫كالملك الذي ياع القوانين فاي مملكتاه‪ ،‬علاى حاد تعبياره‪ .‬وقاد انتقاد ديكاارت جااليليو‬
‫في خقاب يرجع تاريخه إلى عا ‪ 1131‬فقال "لقاد بناى باال أسااس‪ ،‬ودون أن يااع‬
‫بعااين االعتبااار العلااة الرئيسااية للقبيعااة‪ ،‬لاا يساا إع إال ورا أسااباب بعااض الظااواهر‬
‫بعينها")‪.( 10‬‬

‫‪)5( Tom Sorell, 'Descartes', in A Companion to the Philosophy of Science,‬‬


‫‪ed. William Newton-Smith, Blackwell Companions to Philosophy‬‬
‫‪(Malden: Black-well, 0222), p. 20.‬‬
‫(‪ )11‬تو سورل‪ ،‬ديكارت مقدمة قصيرة جدا‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪11‬‬
‫فاإلله عند ديكارت هو العلاة الرئيساية كماا هاو وااال‪ ،‬فاي مقابال الفلسافة التجريبياة‬
‫التي قد بدأت في الظهور كمنهج علمي على يد جاليليو‪.‬‬

‫يقاول جايمس كاولينز " يعااد ديكاارت أول مان افتاتل ثالثااة اتجاهاات نمقياة فاي بدايااة‬
‫المنهج العقلاي إلثباات وجاود اللاه الحاق مان قيماة العاال الحساي بوصافه نققاة بداياة‬
‫انقباق التدليل البرهاني للحدس‪ ،‬واندراض االساتدالل ال إبعادي تحات االساتدالل القبلاي‪،‬‬
‫فاألشاايا المحسوسااة فااي الكااون الفيزيااائي ال تسااتقيع إماادادنا بمعقيااات نقااي عليهااا‬
‫البرهان‪ .‬ألن تهكدنا المهلوف من وجودها أصبل مواع الشاك‪ ،‬وال يمكان إعادتاه إلاى‬
‫مرتباة المعرفاة إال بعاد إثباات وجاود اللااه ااامن للحقيقاة‪ .‬ولماا كانات الاذات المفكاارة‬
‫الالمتجسدة هي الحقيقة الوحيدة التي نسل بوجودها مناذ البداياة‪ ،‬فاان أي برهاان علاى‬
‫وجود الله ينباي أن يبادأ مان العاال البااقني الالماادي‪ ،‬عاال الفكار الخاالص‪ .‬وليسات‬
‫المسااهلة عنااد ديكااارت مسااهلة ماازاض دينااي‪ ،‬أو مياال اسااتنباقي للعقاال‪ ،‬باال هااي مقلااب‬
‫ارو ري في مذهبه ومنهج الكتساب الحقائو"‪.‬‬

‫يهمنا هنا االنتباه إلاى أن ديكاارت يارى أن فكارة الاوعي باذواتنا ونقصاها ال يمكان أن‬
‫تهتي إال بالوعي بفكرة الكامل المتناهي‪ ،‬فعالقة (الذات ‪ /‬اإلله) هي عالقاة أسابو عناد‬
‫ديكارت وجوديا من عالقة (الذات ‪ /‬العا إل ) الخارجي‪ .‬وإذا كان اإللاه بقبيعتاه الكماال‬
‫المقلو فال بد إذن من أنه ال يخدع‪.‬‬

‫وصاالنا اآلن إلااى أن هناااك قااايتان يقينيتااان‪ ،‬وجااود المفكاار ووجااود اللااه‪ .‬وماان هنااا‬
‫ينظر ديكارت إلى العال الخارجي‪ .‬فحي أن الله ال يخدع (وهاي قااية ميتافيزيقياة)‬
‫يساتدل ديكااارت علاى أن أفكارنااا عان العااال هاي تمثاايالت صاحيحة بالااامان اإللهااي‬
‫لمواوعات جسمانية خارجية عن ذواتنا (وهي قاية تجريبية أو محسوسة)‪.‬‬

‫موقف د يكارت من حرية اإلرادة واألخالق وفلسفته اآللية‬

‫ال يوجد قره مميز لدى ديكارت في األخالق‪ ،‬بالرغ من أناه تساتحو أن تاهتي علاى‬
‫قبااة فلساافته‪ ،‬وأن تكااون كالثمااار لشااجرته‪ ،‬وهااذا راجااع إلااى أن العقاال المجاارد الااذي‬
‫تصاوره ديكااارت ال يمكنااه تصااحيل األخااالق علااى اإلقااالق‪ .‬أمااا حريااة اإلرادة فهااي‬
‫قاية حدسية يقينية عند ديكارت‪ ،‬إذ أن فعل الشك نفسه يحتاض إلى اختيار وحرية‪.‬‬

‫وماان أه ا يثااار ديكااارت الفلساافية أياااا هااو النظاارة الثنائيااة لانسااان‪ ،‬والقااول ب ليااة‬
‫الحيوان‪ .‬فديكارت نتيجة قوله بالجوهرية المستقلة للعقل حق مان شاهن الجساد‪ ،‬ونظار‬
‫‪11‬‬
‫له نظرة يلياة مهادت للنظرياة التقورياة فيماا بعاد ماع ظهاور ثاورة اكتشااف الحماض‬
‫اساااتبدلت النظريااة التقورياااة مفهاااو الجااوهر الميتاااافيزيقي بمفهاااو‬ ‫النااووي‪ .‬حيااا‬
‫الجينات‪.‬‬

‫وتلاك الفجاوة الكبيارة بااين جاوهر الماادي وجساد مااادي حااول ديكاارت سادها بااال أي‬
‫نجاااه يُااذكر‪ ،‬فاعتقااد أن الااادة الصاانوبرية هااي المسااؤولة عاان االرتباااق بااين الاانفس‬
‫والجسااد‪ ،‬وبااالقبع اإلشااكاالت المتعلقااة بتلااك العالقااة بااين الجااوهر والجسااد فااي غايااة‬
‫الصعوبة‪ ،‬وتعد من المشاكل األولى في الفلسفة الديكارتية‪.‬‬

‫نقد ديكارت‬

‫‪ ))1‬معلو أن الحو ال يحتاض إلى نقد كل باقل‪ ،‬واليقين ال يحتاض إلى نقد كل شك‬

‫ذكرناا أن ديكاارت ادعاى أن الوصاول العقالنااي الوحياد للقااية الصاادقة مثال قاااية‬
‫"الله موجود" ال بد أن يبدأ بالشك‪ ،‬ث يحاول نقاد التشاكيكات واحادا تلاو اآلخار ليصال‬
‫للقاااية الصااادقة‪ ،‬فكهنااك لتثباات التوحيااد عليااك بنقااد كاال صااور الشاارك الموجااودة‬
‫والمتصورة‪ ،‬وهذا أمر مستحيل‪ ،‬وغير عملي على األقل‪ ،‬يقول ابان تيمياة "فاان قاال‬
‫قائااال هاااذه األماااور المعلوماااة ال تثبااات إال باااالجواب عماااا يعارااااها مااان الحجاااج‬
‫السوفسااقائية‪ ،‬ل ا يثب ات ألحااد عل ا بشااي ماان األشاايا ‪ ،‬إذ ال نهايااة لمااا يقااو بنفااوس‬
‫بعض الناس من الحجج السوفسقائية "‪ .‬لكن هال قبولناا هناا للقااية عقالناي؟ نجاد أن‬
‫اإلشكال في تعريف العقل نفسه كما سيهتي في النققة الرابعة‪.‬‬

‫البشري المتواتر عبر القرون والبد من الذات‬ ‫‪ ))2‬ال يمكن رفض المورو‬

‫إن ماان الاااروري فااي فلساافة ديكااارت كمااا ذكرنااا أن تكااون عالقااة (الااذات ‪ /‬اإللااه)‬
‫عالقااة أساابو وجوديااا ماان عالقااة (الااذات ‪ /‬العااا إل ) الخااارجي‪ ،‬فااديكارت ل ا يباادأ ماان‬
‫الذات مفردة كما تمنى‪ ،‬بل عالقتها بالله أساس في تصورنا لها‪ ،‬لكان الاذي أخقاه فياه‬
‫ديكااارت هااو تهجياال العااال الخااارجي خقااوة‪ ،‬لك ان فااي الواقااع كمااا نعاارف جميعااا أن‬
‫العالقة ثالثية‪ ،‬فهنااك اإلنساان واإللاه والعاال الخاارجي‪ ،‬كماا أكاد عادد مان الفالسافة‪،‬‬
‫على رأسه الفيلسوف مارتن هايادجر‪ ،‬ففاي وصافه للوجاود اإلنسااني قاال بهناه بحكا‬
‫التعرياف وبحك ا الواقااع وجااود خااارجي‪ ،‬فماهيااة اإلنسااان فااي وجودهااا خااارض ذاتهااا‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫فاإلن ساان حاااار فااي العاال ‪ ،‬وماارتبق بااالمجتمع (وبهفكااره الموروثااة قبعااا) ارتباقااا‬
‫شديدا ال يمكن فصله‪ ،‬بل يتقاسا اإلنساان ماع مجتمعاه حياتاه‪ ،‬لاذلك يارى هايادجر أن‬
‫الوجود اإلنسااني بقبيعتاه انفتااحي‪ ،‬حتاى الشاخص المنعازل الاذي يتجناب اآلخار هاو‬
‫يُثبت اآلخر باعتباره الذي يتجنبه‪ .‬فالواقع أن اإلنسان يعيش فاي مجتماع ياؤمن بهفكاار‬
‫معينة‪ ،‬ويتهثر بها على تفاوت‪ ،‬وليس جوهرا عليما منعزال)‪.( 11‬‬

‫‪ ))3‬ما تقاو علياه الفلسافة الديكارتياة إلاه رمازي لتهسايس الفيزياا ولايس اإللاه الاذي‬
‫يؤمن به البشر‬

‫قلناااا أن ديكاااارت قاااد زعااا أن باإلمكاااان اشاااتقاق القااااايا التجريبياااة مااان القااااايا‬
‫الميتافيزيقيااة‪ ،‬فالميتافيزيقااا هااى القاااايا األعاا التااي يبنااي ديكااارت فلساافته عليهااا‪.‬‬
‫والحقيقة هناك تهويالن لقصاد ديكاارت‪ ،‬هال هاو أقارب للماتكل ؟ يحااول تهسايس العلا‬
‫الجديد على أساس ديني‪ ،‬ويجعل من وجود الله المبرر الوحيد السالي للنتاائج العلمياة‪،‬‬
‫أ هااو الفيلسااوف األول الااذي دع اا باسااتقاللية عاان كاال ساالقة ‪ -‬سااوا كاناات دينيااة أو‬
‫فكرية سابقة ‪ -‬إلى علمناة الادين‪ ،‬أي أناه يتعامال ماع الادين بشاكل نفعاي أو براجمااتي‬
‫لتهساايس الفيزيااا ‪ ،‬وبصاارف النظاار عاان قصااد ديكااارت‪ ،‬فالثاباات أن فلساافته اختزلاات‬
‫دور اإلله في تبرير العل ‪ ،‬وليس الله الذي يوجد في حياة الناس‪.‬‬

‫عرض للجسد وليس جوهرا مستقال‬


‫‪ ))4‬العقل إ‬
‫تصاار الفساالفة الديكارتيااة علااى تصااورين مالااوقين للعقاال‪ ،‬األول أن العقاال جااوهر‬
‫مستقل بائن عن الجسد‪ ،‬أي له كينونة أنقولوجية منفصلة‪ ،‬والثااني أناه فاي ماهمن مان‬
‫الذاتية والعواقف‪ ،‬ولذلك تدعونا الفلسفة الديكارتية إلى بنا عقالني للعاال فاي مقابال‬
‫البنا الذاتي أو المورو ‪ ،‬فكال ابان يد يعارف أناه موجاود‪ ،‬لكان وفقاا لاديكارت هاذه‬
‫المعرفااة ليساات عقالنيااة محاااة‪ .‬وخقااورة هااذا التصااور تظهاار عناادما يااته الملحااد‬
‫المؤمن بهن إيمانه تقليدي أو عاقفي‪ ،‬خالفا لالحاد الذي يتمتع أو يقاو علاى عقالنياة‬
‫صرفة‪ ،‬ال تشوبها العواقف‪.‬‬

‫و عند الحدي عن هذا المواوع ال بد من ذكر البح الفذ الذي قدمه الشايخ عباد اللاه‬
‫الشاااهري فاااي كتاباااه "ثاااال رساااائل"‪" ،‬رساااالة العقااال"‪ ،‬حيااا انتقاااد هاااذه المثالياااة‬

‫(‪ )11‬راا زيدان‪ ،‬هل نظرية هايدجر في المعرفة مثالية أ واقعية؟‪ ،‬مقال على موقع أثارة‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫والرومانسية الزائفة للعقل‪ ،‬وكهن اإلنسان صاحب نظرة فوقية خالية مان كال عاقفاة‪.‬‬
‫وفي نقد الشيخ لهذا التصور نقل عن شيخ اإلسال قوله الموجز‬

‫" والمقصاود هنااا أن اسا العقاال فاي اصااقاله جمياع المساالمين بال وجميااع أهال الملاال‬
‫وعامة بني يد يراد به ما هو قائ بايره سوا كان علما أو قوة أو عمال بعلا أو نحاو‬
‫ذلك‪ ،‬ال يراد به ما هو جوهر قائ بنفسه إال في اصقاله هؤال الفالسفة"‪.‬‬

‫عقاال‪ ،‬ياراد باه القاوة التاي بهاا‬


‫عقال إيعقال إ‬
‫وقوله "والعقال فاي لااة المسالمين مصادر إ‬
‫إي عقل وعلو وأعماال تحصال باذلك ال ياراد بهاا قاق فاي لااة جاوهر قاائ بنفساه‪ ،‬فاال‬
‫يمكان أن يااراد هاذا المعنااى بلفااظ العقال‪ .‬مااع أناا قااد بينااا فاي موااااع أخارى فساااد مااا‬
‫ذكروه من جهة العقل الصريل"‪.‬‬

‫فالعقل عند عامة بني يد فاعلية وليس جوهرا‪ ،‬ولذلك كانت أصادق األساما الحاار‬
‫وهما كما قال النبي صلى اللاه علياه وسال ‪ .‬يقاول الشايخ الشاهري "فالعقال إذن لايس‬
‫فقق عملية إنشا وإصدار تصورات وأحكا منققية على النمق األرسقي‪ ،‬وإنماا هاو‬
‫يالحظ النافع والاار‪ ،‬ويُقدر المصالل‪ ،‬ويعتبر األخالق وال ُحسان والقابل‪ ،‬وكال‬
‫نشاق ِّ‬
‫هذا من لواز كونه قائما باإلنسان‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بال إن صالة العقال بالجساد ككال‬
‫صلة وقيدة‪ ،‬فاان العقال ‪ -‬فاي حادود قاقتاه ‪ -‬يلاتمس حاجاات اإلنساان كلهاا بيولوجياة‬
‫وفساايولوجية ونفسااية‪ ،‬ويتصاال بهااا ويتفاعاال معهااا بااال انققاااع‪ .‬فصاالة العقاال بسااائر‬
‫الجسااد غياار متصااورة مااع تصااور العقاال علااى أنااه جااوهر بااائن مسااتقل بذاتااه‪ ،‬وإنمااا‬
‫تُتصور مع تصور العقل على أنه امتداد للنفس وجز منها وفرع عنها"‪.‬‬

‫ويقول "أراد ديكارت أن يعقي للعقل مكاناة ال يهتيهاا الباقال مان باين ياديها وال مان‬
‫جرب الشك‪ ،‬عرف أنه ل يكن ليشك إال بفاال العقال‪ ،‬ثا اساتنتج أناه‬
‫خلفها‪ ،‬فانه لما ّ‬
‫ل يكن ليوجد إال بفال الشك‪ ،‬فعاد الفال كله بالنسابة لاديكارت للعقال")‪ .( 12‬ويح ُ‬
‫سان‬
‫جدا قرا ة كتاب الشيخ الشهري كامال‪ ،‬لتصور أوسع لمواوع العقل والعل ‪.‬‬

‫المه ا أن النتيجااة القبيعيااة للفلساافة الديكارتيااة هااي القااول بااهن الجسااد مجاارد فااالة‬
‫زائادة‪ ،‬لايس لهاا دور فاي تشاي يد معاال ذواتناا‪ ،‬أو بالمصاقلل التقاوري "نتااض ثااانوي‬
‫للااذات"‪ .‬وبقبيعااة الحااال هااذا أماار مخااالف للاااة والواقااع‪ ،‬ففااي اللاااة مساامى اإلنسااان‬

‫(‪ )12‬ثااال رسااائل فااي اإللحاااد والعقاال واإليمااان‪ ،‬عب اد اللااه الشااهري‪ ،‬مركااز نمااا ‪ ،‬ص‪،113‬‬
‫ولالستزادة ف ي المواوع راجع كتاب "سؤال العمل"‪ ،‬لقه عبد الرحمن‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫يشمل الجسد والروه معا‪ ،‬وليس الروه وحدها أو الجساد وحاده‪ ،‬وفاي الواقاع كال مناا‬
‫يعل ذلك‪ .‬يقول أبو حامد الازالي في تهافت الفالسافة "اإلنساان ماا دا يشاعر بنفساه‪،‬‬
‫وال يافاال عنهااا‪ ،‬فانااه يشااعر بجسااده وجساامه‪ ،‬نع ا ال يتعااين لااه اس ا القلااب وصااورته‬
‫وشكله‪ ،‬ولكنه يثبت نفسه جسما")‪.( 13‬‬

‫إن التصااور التجرياادي للعقاال يجعاال اإليمااان عاااقفي والالأدريااة ترياا وعقالنيااة‪،‬‬
‫ويجعاال اليقااين عسااير ومتهااور‪ ،‬والشااك هااو الحكمااة واألصاال‪ ،‬أمااا التصااور الفقااري‬
‫للعقال فاي اللااات اإلنسااانية فهاو نشااق بشاري ُمح ّماال بالااعف البشاري مان رغبااات‬
‫وأهوا ‪ ،‬ومتاير‪ ،‬ألن الخبرات البشرية تتاير وبعاها تراكمي‪.‬‬

‫والعقل معنااه أوساع مان مجارد االساتدالل‪ ،‬جاا فاي المساودة آلل تيمياة ‪ -‬نقلاه الشايخ‬
‫الشهري أياا في رسالة العقل ‪" -‬الصاحيل أن العقال ال يمكان إحاقتاه برسا واحاد‪،‬‬
‫لكن المختار أن العقل يقاع االساتعمال علاى أربعاة معاان‪ ،‬إماا باالشاتراك أو علاى أقال‬
‫االشتراك‪ ،‬ث بعاها يُقلو على ما تت به األربعاة باالتواقؤ أو علاى بعااها مجاازا‪.‬‬
‫األول اروري وهو الذي عنى به الجمهور من أصاحابنا وغياره أناه بعاض العلاو‬
‫الاارورية لكانه لا يجمعاوا العقال بال ذكااروا بعااه‪ .‬الثاان أناه غريازة ت ُقاذف فااي‬
‫القلااب‪ ،‬وهااو معنااى يسااتعد بااه اإلنسااان لقبااول العلااو النظريااة وتاادبر األمااور الخفيااة‪،‬‬
‫وهااذا المعنااى هااو محاال الفكاار وأصااله‪ ،‬وهااو فااي القلااب كااالنور واااوؤه مشاارق إلااى‬
‫الدماغ‪ ،‬ويكون اعيفا في مبتدأ العمر‪ ،‬فاال يازال يرباى حتاى تات األربعاون‪...‬الثالا‬
‫مااا بااه ينظاار صاااحبه فااي العواقااب وبااه تقااع الشااهوات الداعيااة إلااى اللااذات العاجلااة‬
‫المتعقبة للندامة‪ ،‬وهذا هو النهاية في العقل وهو المراد بقوله إذا تقارب النااس باهبواب‬
‫البر فتقرب أنت بعقلك‪ .‬الرابع شي يستفاد من التجارب يسمى عقال"‪.‬‬

‫وعلاى ذلاك فقااية "ال لاه موجاود" ليسات مجارد قااية نبنيهاا باالساتدالل‪ ،‬وإنماا هاي‬
‫قاية موروثاة عبار كافاة المجتمعاات‪ ،‬وصاححها اساتمراريتها وتوافاو البشار حولهاا‬
‫واسااتجابات اللااه لاادعا عاادد ال يحصااى ماان الناااس فااي الااارا والساارا ‪ ،‬وصااحة‬
‫القاية ‪ -‬أي قاية وجود الله ‪ -‬اارورية فاي الحيااة النفساية واالجتماعياة لانساان‪،‬‬
‫ومن تهكيدات الرسل أنها يُاذ ّك رون بتلاك القااية‪ ،‬حتاى االساتدالل العقلاي فاي حقيقتاه‬
‫تذكير بتلك القاية‪.‬‬

‫(‪ )13‬تهافت الفالسفة‪ ،‬تحقيو سليمان دنيا‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪19‬‬
‫فاتااال إذن أن إيمااان ال ُم قلااد صااحيل‪ ،‬فماان ناحيااة القاارار المقاباال وهااو اإللحاااد قاارار‬
‫عاقفي وفيه تقلياد وتاهثر أيااا بشخصايات إلحادياة‪ ،‬فلايس هاو ذلاك القارار العقالناي‬
‫المحااض ‪ .‬وماان ناحيااة أخاارى فكاارة العقالنيااة المحاااة مجاارد رومانسااية‪ ،‬فالحاجااة‬
‫والرغبااة والااارورة النفسااية واالجتماعيااة داخلااة فااي تكويننااا العقالنااي‪ ،‬سااوا كااان‬
‫القاارار إيمانيااا أو إلحاديااا‪ ،‬لكاان اإليمااان (والتوحيااد) أساابو وأكثاار أصااالة ماان اإللحاااد‬
‫(والشاارك)‪ ،‬وياادلل علااى ذلااك التاااريخ البشااري‪ ،‬ماان حي ا حاااور الاادين فااي أقااد‬
‫الحاارات المدونة‪ ،‬ويُراجع في ذلك كتابي "اإلجماع اإلنساني"‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like