Professional Documents
Culture Documents
التحكيم التجاري الدولي في عقد النقل البحري للبضائع
التحكيم التجاري الدولي في عقد النقل البحري للبضائع
International commercial arbitration of the contract for the carriage of goods by sea
1 طالب محمد كريم.د
:ملخص
يعتبر التحكيم البحري نظام قانوني لحل املنازعات البحرية وهو نظام معروف مند القدم ساعدت على ازدهاره
وانتشاره العديد من االعتبارات منها تجنب طول وبطء التقاض ي أمام املحاكم خاصة وأن عامل السرعة يعتبر من
العوامل الهامة في تنفيذ املعامالت التجارية إضافة إلى سرية جلسات التحكيم وكذا إلى الخبرة التي يتميز بها
املحكمون على أساس أن أطراف التحكيم يراعون في اختيارهم املحكمين مدى تخصصهم في موضوع النزاع
وعلمهم بمقتضيات التجارة البحرية والنقل البحري وهذا ما جعل اللجوء إلى التحكيم أمرا منتشرا في مجال
العالقات التجارية الدولية بصفة عامة وفي مجال العالقات البحرية بصفة خاصة
Abstract: Maritime arbitration is a legal system for resolving maritime disputes, and it is a well-
known system since ancient times; Many considerations helped in its prosperity and spread,
including avoiding the long and slow litigation before the courts ; in particular. And since the speed
factor is one of the important factors in the implementation of commercial transactions in addition
to the confidentiality of the arbitration sessions; As well as to the experience that is distinguished
by the arbitrators on the grounds that they are the parties to the arbitration. In selecting the
arbitrators, they take into account the extent of their specialization in the subject matter of the
dispute and their knowledge of the requirements of maritime trade and maritime transport and this
is what made resorting to arbitration a widespread issue in the field of international trade relations
in general and in the field of maritime relations in particular.
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
مقدمة:
يعتبر التحكيم البحري نظام قانوني لحل املنازعات البحرية (ترك ،3002 ،صفحة )32وهو نظام معروف مند
القدم ساعدت على ازدهاره وانتشاره العديد من االعتبارات منها تجنب طول وبطء التقاض ي أمام املحاكم خاصة،
وإن عامل السرعة يعتبر من العوامل الهامة في تنفيذ املعامالت التجارية إضافة إلى سرية جلسات التحكيم وكذا إلى
الخبرة التي يتميز بها املحكمون على أساس أن أطراف التحكيم يراعون في اختيارهم املحكمين مدى تخصصهم في
موضوع النزاع(عبد القادر ،3002 ،صفحة )22وعلمهم بمقتضيات التجارة البحرية والنقل البحري وهذا ما جعل
اللجوء إلى التحكيم أمرا منتشرا في مجال العالقات التجارية الدولية بصفة عامة وفي مجال العالقات البحرية بصفة
خاصة .
وفي الجزائر يعتبر املرسوم التشريعي رقم 03-32املؤرخ في 0332-00-32املعدل واملتمم لقانون اإلجراءات
املدنية ،أول قانون يكرس التحكيم التجاري الدولي صراحة وبوضوح بعد سنوات عديدة من رفض اللجوء إليه في
تسوية املنازعات (عليوش قربوع ،3000 ،صفحة )32حيث أصبح من الجائز لألفراد وكذا لألشخاص املعنوية
العامة فيما يتعلق بعالقاتها التجارية الدولية اللجوء إلى التحكيم ،ثم جاء قانون 03-00املؤرخ في 32فبراير 3000
املتضمن قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ليعيد تنظيم أحام التحكيم التجاري الدولي.
ويتم اللجوء إ لى التحكيم بموجب اتفاق يتعهد بمقتضاه أطراف العالقة البحرية على أن يحيلوا إلى التحكيم
جميع أو بعض املنازعات املحددة التي نشأت أو ستنشأ مستقبال عن هذه العالقة .
وقد يأخذ هذا االتفاق إما صورة إتفاق التحكيم ،ويكون ذلك في حالة اتفاق األطراف في عقد مستقل على
عرض املنازعات التي نشأت بالفعل وسابقة على التحكيم وإما في صورة شرط التحكيم أين يتفق األطراف بناءا على
شرط صريح في العقد املبرم بينهما على عرض املنازعات التي قد تنشأ مستقبال عن هذه العالقة على التحكيم وهي
الصورة الغالبة في مجال النقل البحري إذا نجد أن هذا النوع من الشروط عادة ما يتم إدماجه في سندات الشحن
املحررة بمناسبة عقود النقل املبرمة بين الشاحن والناقل .
فما هو تأثير التحكيم التجاري الدولي على استقرار املراكز القانونية في عقد النقل البحري؟
في الحقيقة أن التطرق ملوضوع التحكيم البحري في هذا البحث هدفه تحديد تأثير االتفاق التحكيمي على
االختصاص القضائي للمحاكم وبصفة أدق على اختصاص القاض ي البحري وكذا تحديد الشروط الواجب توافرها
في هذا االتفاق حتى ينتج أثره وهذا ما سنحاول التطرق له .
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
أين نبدأ بتحديد شروط صحة االتفاق التحكيمي ونركز في هذا الصدد على شروط صحة شرط التحكيم
الوارد في سند الشحن باعتباره الصورة الغالبة للجوء األطراف إلى التحكم في املنازعات البحرية وكذا األشخاص
الذين يحتج في مواجهتهم بوجود هذا الشرط ثم في مرحلة ثانية ندرس اآلثار الناجمة عن وجود هذا االتفاق التي تأثر
في االختصاص القضائي للمحاكم وما هي السلطات التي يبقى القاض ي متمتعا بها بالرغم من وجود هذا النوع من
االتفاقات.
إن صحة اتفاق التحكيم بصورتيه سوءا مشارطة تحكيم أو شرط تحكيمي متوقفة على توفر مجموعة من
الشروط منها املوضوعية ومنها الشكلية .
بالرجوع إلى نص املادة 0000فقرة 2من قانون اإلجراءات املدنية،نجد أنها اعتبرت اتفاق التحكيم صحيحا
من حيث املوضوع إذا استجابت للشروط التي يضعها إما:
وما يهمنا في هذا املجال هو تحديد شروط صحة االتفاق التحكيمي في القانون الجزائري .
بالرجوع للمواد املنظمة للتحكيم التجاري الدولي نجد أنها تنص على شروط موضوعية خاصة باالتفاق
التحكيم في املجال التجاري الدولي عكس قانون اإلجراءات املدنية امللغي الذي كان ينص عليها إال في القاعد العامة
للتحكيم ،لكن هذا ال يعني الرجوع إلى األحكام العامة (عليوش قربوع ،3000 ،صفحة .)32
وفي هذا املجال نجد أن املادة 0002من ق إ م قد تولت تحديد مجموعة من الشروط املوضوعية الالزمة
لصحة االتفاق التحكيمي ،حيث يجوز لكل شخص اللجوء إلى التحكيم إال في حقوق له مطلق التصرف فيها وال يجوز
التحكيم في املسائل املتعلقة بالنظام العام وحالة األشخاص وأهليتهم .
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
وال يجوز لألشخاص املعنوية العامة أن تطلب التحكيم ،ما عدا في عالقاتها االقتصادية الدولية أوفي إطار
الصفقات العمومية.
ويظهر من خالل نص املادة 0002السالفة الذكر أن هناك شرطين موضوعيين لصحة االتفاق التحكيمي.
يشترط في طرفي التحكيم أهلية كل منهما للتصرف في الحق موضوع التحكيم وعليه فإن األهلية املشترطة هنا
هي أهلية التصرف فال يكفي أن تكون للشخص أهلية التعاقد فحسب وهذا ما يتضح من عبارة "حقوق له مطلق
التصرف فيها " الواردة في نص املادة 0002فإذا كان التحكيم في وظيفته قضاء فيجب دائما تمتع من يريد إبرام
اتفاق تحكيم باألهلية املدنية الكاملة ،ذلك ألن االتفاق على التحكيم يعني التنازل عن رفع النزاع إلى القضاء وهو ما
قد يعرض الحق املتنازع فيه للخطر.
هذا ونشير إلى أنه يجوز للقاصر الذي تم ترشيده ملزاولة األعمال التجارية طبقا ملقتضيات املادة 05من القانون
التجاري أن يكون طرفا في اتفاق التحكيم .
بالنسبة لألشخاص املعنوية الخاضعة للقانون العام نجد أن أهليتها في إبرام اتفاق تحكيمي تنحصر في املجال
التجاري الدولي على أساس أن املادة 0002قد قصرت إمكانية لجوئها إلى التحكيم في عالقاتها التجارية الدولية فقط
(عليوش قربوع ،3000 ،الصفحات . )32-32
محل اتفاق التحكيم هو موضوع النزاع الذي ال يجب أن يكون ناشئا عن أحدى املسائل التي ال يجوز عرضها على
التحكيم والواردة في نص املادة 0002ق إ م واملتمثلة في املسائل املتعلقة بالنظام العام أو حالة األشخاص وأهليتهم
وهي في الحقيقة حقوق ال يملك األشخاص حرية التصرف فيها( .عليوش قربوع ،3000 ،صفحة .)30
وما يستدعي التوضيح في هذه املادة هو تحديد املسائل املتعلقة بالنظام العام والتي ال يجوز اللجوء فيها إلى
التحكيم.
أن املسائل التي ال يجوز التحكيم فيها لتعلقها بالنظام العام هي إما مسائل تنظمها قواعد قانونية من النظام
العام ال يجوز االتفاق على مخالفتها كاملسائل املتعلقة بالضرائب أو بإجراءات جمركة البضائع وإما مسائل مخالفة
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
بطبيعتها للنظام العام مثل االتفاق على التحكيم بشأن منازعة قامت أوقد تقوم حول حمولة مخدرات أو سالح تم
شحنها (VINCENT & GUINCHARD, 1981, p. 132).
وأجد في الحقيقة أن فكرة املسائل املتعلقة بالنظام العام التي أوردتها املادة تشمل كل املواضيع األخرى فمسائل
الحالة واألهلية هي أيضا من النظام العام على أساس أنها تحدد املركز القانوني للفرد بالنسبة لدولته ومجتمعه.
أن تبرم اتفاقية التحكيم بموجب عقد كتابي" يظهر أن املشرع الجزائري قد اشترط صراحة حسب نص
املادة 0000فقرة 3الذي جاء فيه ":يجب من حيث الشكل وتحت طائلة البطالن أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة ،أو
بأي وسيلة اتصال أخرى تجيز اإلثبات بالكتابة.
إذ تعتبر الكتابة في هذه الحالة ركنا أساسيا يجب توفره للقول بوجود االتفاق على التحكيم (عبد القادر،3002 ،
صفحة .)320
ويقصد بالكتابة إفراغ االتفاق في محرر موقع عليه من األطراف وهنا نالحظ أن املشرع لم يشترط نوعا معين
من الكتابة ،فقد تكون هذه الكتابة عرفية أو رسمية أو حتى الكترونية وهذا أكيد لتسهيل التعامل في املجال
التجاري ،كما أن شرط توقيع االتفاق من قبل األطراف الزم وان لم يكن ظاهرا من خالل نص املادة 0000ق إ م
وأساس ذلك هو نص املادة 3/3من اتفاقية نيويورك لسنة 0320الخاصة باإلعتراف بالقرارات التحكيمية األجنبية
وتنفيذها والتي صادقت عليها الجزائر بموجب املرسوم رقم 322 – 00املؤرخ في 0300 – 00 – 02التي اشترطت
التوقيع (عبد القادر ،3002 ،صفحة . )322
والحقيقة أن الهدف من اشتراط الكتابة هو التحقق من أن إرادة الطرفين قد تالقت على قبول التحكيم
كأسلوب لحل منازعاتهم الناشئة أو التي قد تنشأ ولهذا يشترط أن تتضمن هذه الكتابة عبارات صريحة وال تثير أي
لبس أوشك في اتجاه إرادة األطراف نحو التحكيم .
وبما أننا بصدد التحدث عن التحكيم في املجال البحري فإن أكثر صورة للجوء إلى التحكيم في هذا املجال هي
الشرط التحكيمي الوارد في سند الشحن وهنا نقول أن توقيع سند شحن يتضمن شرط تحكيم مدرج ضمنه كاف
للقول بوجود اتفاق على التحكيم ملزم للطرفين دون اشتراط توقيع خاص على هذا الشرط وسبب ذلك أن اتفاق
التحكيم الوارد ضمن الشروط العامة لعقد أبرمه األطراف يعبر عن انصراف نيتهم يقينا إلى اختيار التحكيم وسيلة
لحل ما قد ينشأ عن تعاقدهم من منازعات).(lami transport 2, 1999, p. 392
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
وبناء على ما سبق نقول أن اتفاق التحكيم -مشارطة كان أو شرطا تحكيميا -الذي جاء مستوفيا لشروط
صحته الشكلية منها واملوضوعية يكون صحيحا منتجا لكل أثاره .
وإذا كانت صحة مشارطة التحكيم الشك في أنها تؤدي إلى ترتيب هذه األخيرة ألثرها ،فهل تبقى صحة شرط
التحكيم املدرج في العقد األصلي قائمة حتى إذا ثبت بطالن هذا العقد؟ أم أن بطالن العقد يشمل كل الشروط
الواردة فيه بما فيها شرط التحكيم؟.
لقد حسم املشرع األمر في املادة 0000فقرة أخيرة التي جاء فيها "ال يمكن االحتجاج بعدم صحة اتفاقية
التحكيم بسبب عدم صحة العقد األصلي ".
وعليه فإن مصير العقد األصلي ليس له أثر على شرط التحكيم املتعلق به ،فهذا الشرط يبقى صحيحا منتجا
آلثاره بصرف النظر عن زوال العقد األصلي ما لم يكن باطال لسبب خاص به وعليه فإن بطالن العقد األصلي أو
فسخه أو إنهائه ال يمنع من ترتيب شرط التحكيم ألثره ،بحيث يكون الفصل في النزاع على صحة العقد األصلي أو
بطالنه من اختصاص هيئة التحكيم وحدها (الجمال و عبد العال ،0330 ،صفحة .)202
مهما يكن من أمر فإن توفر الشروط املوضوعية والشكلية املطلوبة لصحة اتفاق التحكيم تجعل هذا األخير
قادرا على ترتيب آثاره لكن السؤال الذي تفرضه طبيعة عقد النقل البحري للبضائع هو هل أن هذه اآلثار تترتب فيما
بين املتعاقدين فقط وهما الشاحن والناقل أم أنها تنصرف أيضا للمرسل إليه ليصبح هذا األخير ملزما به؟
إذا كان من املسلم به أن سند الشحن في ذاته ينتج أثره في حق املرسل إليه فإن السؤال الذي يطرح في هذا
الصدد هو هل يمكن االحتجاج بالشرط التحكيمي املدرج في سند الشحن في مواجهته ؟.
في الحقيقة إن الفقه قد اختلف في هذا املجال فقد ذهب فريق إلى اعتبار أن مبدأ استقالل شرط التحكيم
عن العقد األصلي – على النحو الذي سبقت اإلشارة إليه – يقف حائال دون امتداد شرط التحكيم املدرج في سند
الشحن إلى املرسل إليه خاصة وأن شرط التحكيم يعبر عن رغبة شخصية في عدم اللجوء إلى القضاء مما يستدعي
قصر االلتزام به على من عبر بالفعل عن هذه الرغبة ،بينما ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى اعتبار أن شرط التحكيم
املضاف إلى سند الشحن ينتج أثره في حق املرسل إليه وأن مبدأ االستقاللية يتعلق باستقالل وجود الشرط وصحته
عن العقد األصلي املدرج فيه دون أن ينفي االرتباط املوجود بينهما على أساس أن محل شرط التحكيم هو املنازعات
الناشئة عن العقد األصلي وهذا االرتباط كاف للقول بأن االعتبارات التي أدت إلى التسليم بامتداد آثار سند الشحن
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
إلى املرسل إليه تكفي لتبرير امتداد أثار شرط التحكيم امللحق به إلى املرسل إليه أيضا (الجمال و عبد العال،0330 ،
صفحة .)202
وقد أخذت محكمة النقض الفرنسية بما قال به االتجاه األول من الفقه وهذا ما يتضح من األحكام الصادرة
عنها السيما الحكمين الصدرين بتاريخ 0330/00/33 ،0333/02/32عن الغرفة التجارية أين اعتبرت أن شرط
التحكيم املدرج في سند الشحن ال يلزم املرسل إليه إال إذا علم به ثم قبله بتسلمه البضاعة املرسلة إليه واعتبرت أن
مجرد حيازة سند الشحن ال تعني قبوله لها).(lami transport 2, 1999, p. 392
أما محكمة النقض املصرية فقد أخذت باالتجاه الثاني إذ قضت بأن قانون التجارة البحرية يجعل من املرسل
إليه طرفا ذا شأن في سند الشحن يتكافأ مركزه حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل ومركز الشاحن بحيث يرتبط بسند
الشحن كما يرتبط به الشاحن ومقتض ى ذلك أن يلتزم املرسل إليه بشرط التحكيم الوارد في سند الشحن (الجمال و
عبد العال ،0330 ،صفحة .)200
وأعتقد أن رأي محكمة النقض املصرية أولى باإلتباع في هذا املجال خاصة أمام عدم وجود اجتهاد قضائي
جزائري بخصوص نفاذ شرط التحكيم املدمج في سند الشحن في مواجهة املرسل إليه ،وذلك على أساس أن توجه
املشرع الجزائري نحو إرساء قواعد التحكيم التجاري الدولي – كمحاولة لتقديم ضمانات أكثر للمستثمر األجنبي –
يفرض على القاض ي عدم محاولة استبعاد التحكيم والحد من آثاره (الجمال و عبد العال ،0330 ،صفحة .)200
0-0تعيين املحكمين:
نصت املادة " :0000يمكن لألطراف ،مباشرة أو بالرجوع إلى نظام التحكيم ،تعيين املحكم أو املحكمين أو
تحديد شروط تعيينهم وشروط عزلهم أو استبدلهم.
وفي غياب التعيين ،وفي حالة صعوبة تعيين املحكمين أو عزلهم أو استبدلهم ،يجوز لكل طرف يهمه التعجيل
القيام بما يلي:
.0رفع األمر إلى رئيس املحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها التحكيم ،إذا كان التحكيم يجري في الجزائر،
.3رفع األمر إلى رئيس محكمة الجزائر ،إذا كان التحكيم يجري في الخارج واختار األطراف تطبيق اإلجراءات
املعمول بها في الجزائر.
11
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
يترتب على اتفاق التحكيم سواء تعلق األمر بشرط تحكيمي أو اتفاق التحكيم أثران األول سلبي والثاني ايجابي
يتمثل األول في التزام الطرفين باالمتناع عن اللجوء إلى القضاء للفصل في موضوع النزاع محل التحكيم ،ويتمثل
الثاني في إباحة لجوء طرفين عقد النقل البحري إلى هيئة التحكيم املتفق عليها وما يهمنا في دراستنا هو األثر األول
فاتفاق التحكيم ينشأ التزاما سلبيا متبادال على عاتق كل من طرفيه باالمتناع عن اللجوء إلى القضاء للفصل في
النزاع املحكم فيه وهو التزام إرادي يقيمه الطرفان بإرادتهما املشتركة فإذا ما أخل أحد الطرفين بالتزامه ورفع دعواه
إلى القضاء كان للطرف األخر وهو املدعى عليه أن يدفع بوجود اتفاق على التحكيم ،ويترتب عن إبداء هذا الدفع
عدم قبول الدعوى املرفوعة أمام القضاء إذ أن املحكمة ستكف يدها عن نظر هذا النزاع بعد إبدائه .
وحتى ينتج هذا الدفع أثره يجب أن تتم إثارته قبل إبداء أي طلب أو دفاع في املوضوع إذ يجب أن يقدم هذا
الدفع في أول جلسة وإال سقط الحق في إبدائه على اعتبار أن السكوت عن إثارة هذا الدفع قبل التطرق للموضوع
يعتبر نزوال ضمنيا عن التمسك به خاصة إذا علمنا أن االلتزام بعدم االلتجاء إلى القضاء هو التزام ال يتعلق بالنظام
العام ألن أساسه هو اتفاق الطرفين على التحكيم ،والتنازل عن حقهما في الفصل في النزاع عن طريق اللجوء إلى
القضاء وهذا يشكل استثناء من األصل العام في الحرية االلتجاء إلى القضاء فيكون لكل من طرفي االتفاق النزول عن
حقه بإرادته وحدها (عبد القادر ،3002 ،صفحة .)302
ومن آثار عدم اعتبار الدفع بوجود اتفاق تحكيمي من النظام العام ،عدم إمكانية إثارة القاض ي له من تلقاء
نفسه فال يحق للقاض ي إحالة األطراف على التحكيم إال إذا تمسك أحد هؤالء األطراف بذلك ،وهذا ما يفهم من نص
املادة 2/3من اتفاقية نيويورك املتعلقة باالعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن مؤتمر األمم املتحدة في
/00جوان 0320/والتي انضمت إليها الجزائر بموجب املرسوم 322-00املؤرخ في 0300/00/02والتي جاء فيها ما يلي :
"على محكمة الدول املتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من األطراف باملعنى الوارد في هذه
املادة أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا االتفاق باطل وال أثر
له أوغير قابل للتطبيق " (أبو زيد ،0332 ،صفحة .)22
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
إن اختيار التحكيم كوسيلة لفض النزاعات بصفة عامة واملنازعات بصفة لبحرية الناتجة عن عقد نقل
بحري للبضائع بصفة خاصة ال يعني بأي حال من األحوال سلب القضاء إمكانية الرقابة الالحقة للقرار التحكيمي
الذي سيصدر لحل النزاع.
لقد تطرق املشرع الجزائري ملسألة االعتراف بالقرار التحكيمي وتنفيذه في املواد من 0020إلى 0020موضحا
شروط االعتراف والتنفيذ وكذا مبينا الجهة القضائية املختصة لهذه العملية .
لتحديد كيفية إثبات وجود قرار تحكيمي نرجع إلى أحكام املادة 0023من ق إ م التي تنص ":يثبت حكم
التحكمي بتقديم األصل مرفق باتفاقية التحكيم أو بنسخ عنهما ،تستوفي شروط صحتها " .
وعليه فإلثبات وجود حكم التحكيمي يجب أن يقدم أصل هذا القرار مرفوقا باتفاق التحكيم الذي أبرمه
األطراف والذي إما أن يكون اتفاقا منفصال عن العقد األصلي أو أن يكون شرطا مدمجا في العقد ذاته وفي هذه
الحالة يقدم هذا األخير إلثبات االتفاق وهنا تظهر أهمية اشتراط الكتابة لصحة اتفاق التحكيم على أساس أن
القاض ي يراقب توفر هذا الشرط عند االعتراف بالحكم وتنفيذه فيصدر قراره باملوافقة في حالة توفر شرط الكتابة
أو بالرفض في حالة غيابه كما يمكن أن يستعان عن األصل بالنسبة لهذه الوثائق بالنسخ إذا توفرت فيها الشروط
املطلوبة إلثبات صحتها .وتظهر أهمية هذه الحالة خاصة بالنسبة للقرارات التحكيمية املحررة بلغة أجنبية فتقدم
17
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
معها ترجمتها التي أنجزها مترجم رسمي وتمت املصادقة عليها من طرف السلطات القنصلية (عليوش قربوع،3000 ،
صفحة .)22
في الحقيقة أن فكرة النظام العام الدولي فكرة واسعة تصعب السيطرة عليها من طرف القاض ي الوطني
فاشتراط عدم مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام الدولي يوسع مجال بحث القاض ي في مدى توفر شروط
االعتراف بشكل يرهق كاهله .
وفي هذا الصدد كان على مشرعنا أن يسهل األمر على القاض ي مثلما فعل املشرع املصري حيث اشترط عدم
تضمن القرار التحكيمي ما يخالف النظام العام لجمهورية مصر العربية وذلك في املادة 20من قانون التحكيم لسنة
. 0330
فإذا كان القاض ي الوطني عاملا بمقتضيات النظام العام في الجزائر فإن تحديد مفهوم النظام العام الدولي
الذي يشترط ع دم مخالفته عند تنفيذ األحكام التحكيمية أو االعتراف بها يعتبر أمرا صعبا بالنسبة له خاصة مع كل
ما يميز املجتمع الدولي من عدم وجود هيئة عليا كفيلة بتحديد القواعد التي تعتبر من النظام العام والتي ال تجوز
مخالفتها .
وفي هذا الصدد يعتبر األستاذ قربوع عليوش كمال أن ما على القاض ي عند مراقبته لعدم مخالفة االعتراف أو
التنفيذ للنظام العام الدولي إال أن يأخذ بعين االعتبار األحكام اآلمرة دوليا والتي لها عالقة وثيقة بالنزاع مع إعطاء
األولوية لألحكام الجزائية على أن تأخذ بعين االعتبار قواعد التجارة الدولية (عليوش قربوع ،3000 ،صفحة .)22
حددت املادة 0023اإلجراءات الواجب إتباعها من أجل االعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيذها ،من خالل
هاته املادة يتبين أن أول إجراء يتم في هذا الصدد هو إيداع حكم التحكيم واتفاقية التحكيم أو نسخ منها بأمانة
ضبط الجهة القضائية املختصة من طرف املعني بالتعجيل.
ويقصد بالجهة القضائية هنا املحاكم االبتدائية على اعتبار أن قرار التنفيذ يكون صادرا من رئيس املحكمة
الذي يصدر أمر على ذيل أصل الحكم أو بهامشه يتضمن اإلذن لكاتب الضبط بتسليم نسخة رسمية منه ممهورة
بالصيغة التنفيذية .
78
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
ويكون كل من القرار الذي يسمح باالعتراف أو التنفيذ وكذا القرار الذي يرفضهما قابلين لالستئناف حسب نص
املادة 0022أمام املجلس القضائي التابعة له املحكمة التي أصدرت قرار االعتراف والتنفيذ أو رفضت إصداره وذلك
في مهلة شهر من تاريخ تبليغ قرار القاض ي حسب املادة 0022وفي هذا الصدد نالحظ أن االستئناف في هذه الحالة
يختلف حسب طبيعة القرار الذي أصدره القاض ي .
تجيز املادة 0022من ق إ م االستئناف في القرارات التحكيمية الصادرة بالجزائر في مجال التحكيم الدولي
وهذا في حاالت محددة وهي :
.0إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناءا على اتفاقية باطلة أو انقضت مدتها .
.3إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعين املحكم الوحيد مخالفين للقانون .
.2إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف املهمة املسندة إليها.
.0إذا لم يراع مبدأ الوجاهية .
.2إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها ،أو إذا وجد تناقض في األسباب .
.2إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي .
وهي نفس الحاالت التي يجب أن يؤسس عليها طلب الطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي حسب املادة 0020
الذي هو طعن مباشر يرمي إلى بطالن القرار التحكيمي نفسه والذي يرفع أمام املجلس القضائي الذي صدر الحكم
التحكيمي في دائرة اختصاصه حسب املادة .0023وفي حالة قبول الطعن بالبطالن من طرف املجلس القضائي فإن
قرار إبطال القرار التحكيمي يكون قابال للطعن بالنقض أمام املحكمة العليا حسب املادة .0020
من خالل هاتين املرحلتين -سواء مرحلة االعتراف والتنفيذ أو مرحلة إبطال القرار التحكيمي -يمكن للقاض ي
بسط رقابته على أهم ما ينتج عن التحكيم وهو الحكم التحكيمي فرغم أن االتفاق التحكيمي يكف يد القاض ي عن
نظر النزاع إال أن الرقابة الالحقة لهذا االتفاق تؤكد احتفاظ القاض ي بجزء من سلطاته يمارسها في شكل رقابة
الحقة على أهم ما ينتج عن التحكيم وهو الحكم التحكيمي الفاصل في النزاع .
77
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
الخاتمة:
إن التحكيم من أهم الوسائل التي أصبح يأخذ بها كل متعاملي التجارة البحرية وذلك للسرعة التي تتميز بها
وكذلك للحرية املمنوحة لألطراف لتعيين املحكمين مختصين في هذا املجال أكثر من القاض ي.
وأبرزت الدراسة أن للقاض ي الوطني دور فعال في انعقاد الخصومة التحكيمية في عقد النقل البحري من
خالل رده للدعوى لعدم االختصاص وذلك بامتناعه عن النظر في النزاع وإحالة األطراف على التحكيم ثم من خالل
مده يد املساعدة في تعيين املحكمين في حالة صعوبة تعيينهم ،كما يتدخل خالل سير الخصومة السيما في اتخاذ
اإلجراءات الوقتية والتحفظية وفي حالة الحصول على األدلة واملسائل األولية وكذا مسائل أخرى.
ومن خالل أحكام الفصل السادس من قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية تحت عنوان " في أحكام الخاصة
بالتحكيم التجاري الدولي" من املادة 0023إلى املادة ،0020فإن نظرة املشرع الجزائري إلى التحكيم التجاري الدولي
تتلخص في تكريس حرية هيئة التحكيم واألطراف في سير اإلجراءات وتأكيد التدخل االستثنائي للقاض ي الوطني عند
الضرورة ليس إال ،كما كرس من جهة أخرى عدم التوسع في سلطة القضاء الرقابية .كل ذلك يعبر عن النظرة
الليبرالية للمشرع الجزائري تجاه التحكيم التجاري الدولي.
قائمة املصادرواملراجع
القوانين:
قانون رقم 03-00املتضمن قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،املؤرخ في 00صفر عام 0033املوافق لـ 32فبراير
سنة ،3000عدد الجريدة الرسمية 30املؤرخة في 02ربيع الثاني عام 0033املوافق لـ 32أبريلسنة .3000
77
جملة اسرتاتيجيات ضمان اجلودة ]التحكيم التجاري الدويل يف عقد النقل البحري للبضائع]
ناريمان عبد القادر .)3002( .اتفاق التحكيم وفقا لقانون التحكيم في املواد املدنية والتجارية .مصر :دار
النهضة للننشر والتوزيع.
77