Professional Documents
Culture Documents
المونتاج
المونتاج
المونتاج :لفظ مأخوذ من الفرنسية Montageو معناىا بالعربية ( التركيب – التوليف ) و يعتبر من أكثر العناصر
السينمائية خصوصية .و ىو فن اختيار و ترتيب المشاىد و طوليا الزمني عمى شاشة السينما أو التمفزيون ( وفق شروط
معينة لمتتابع و لمزمن ) ،بحيث تتحول إلى خطاب محدد يتضمن مجموعة من األطروحات األيديولوجية و السياسية...و
يعتمد المركب في عممو عمى خبرتو و حسو الفني و ثقافتو العامة و قدرتو عمى إعادة إنتاج مشاىد تبدو مألوفة بعدما دفنيا
المخرج بانتياء التصوير ،و بالقص و المصق و إعادة الترتيب لألحداث و توقيتيا الزمني تتحول إلى دراما ذات رسالة (
خطاب ) موجية لجميور السينما .جعمت تقنية المونتاج كعنصر تعبيري 1المونتير يتوازى دوره مع دور المخرج و
السيناريست .و مما ال شك فيو أن قيمة أي فيمم تعتمد إلى حد كبير عمى عممية المونتاج.
Auguste et Louis Lumiere المتتبع لتاريخ السينما يالحظ أنيا بدأت بداية تسسجيمية ( توثيقية ) مع اإلخوة لوميار
سنة 1895نتيجة لمجمع بين 3مخترعات سابقة ىي المعبة البصرية ( الفيناكسيسكوب ) لبالتي سنة 1832و
Thaumatropeلمعالم الفرنسي " باريس " سنة 1825و الفانوس السحري لعكس "خاصية استمرار الرؤية" و التصوير
الفوتوغرافي.
- دور المونتاج كوسيلة و قيمة تعبيرية بخلق أو تغيير أو تعميق المعنى الدرامي و إمكانية عكس هذه القيمة على الجمهور و التأثر بها
1
حاالته
. في مختلف
1
الفيناكسيسكوب
Thaumatrope
قام " جورج ميميس" بتغيير شكل السينما من تصوير األحداث الواقعية إلى إطار آخر و ىو سرد القصة باكتشاف أول
أساليب المونتاج و ىو القطع ( القطع القافز) 2عن طريق الصدفة ،حيث صار ىذا العنصر " المونتاج " من أىم عناصر
السينما حتى وصفو البعض من رواد صناعة األفالم " أن الفيمم يبدأ بالمونتاج " و قد لعب دو ار كبي ار في تقدم الفن
السينمائي .و نظ ار الحتالل المونتاج مكانة كبرى في السينما الروسية قال عنو " بودفكين " " :إن الفن السينمائي ال يبدأ
إال في غرفة المونتاج "
إدوين اس بورتر:
-كان يصور في أحد شوارع لندن ثم توقفت الكاميرا عن التصوير بسبب انتهاء الشريط و أثناء استبداله تغيرت أماكن الحافالت و الناس و هذا ما
2
الحظه ميليس عند ربط الشريطين فقرر استخدام هذه التقنية كخدعة في أفالمه إلخفاء و إظهار األشياء و الناس.
2
اشتغل مصو ار في شركة أديسون و كان يتبع خطوات ميميس و يطورىا و قام بإخراج أول أفالمو سنة " 1920حياة رجل
مطافئ أمريكي " يتكون من 20لقطة في 6د .يتضح أن الفيمم يتكون من لقطات عثر عمييا بورتر في أرشيف أفالم
أديسون و أضاف مشاىد جديدة الستكمال خط سير القصة .جرى ترتيب المقطات بنفس الطريقة التي انتيجيا ميميس في
أفالمو عدا فارقا أساسيا ،فبينما كانت أفالم " ميميو" تقوم عمى تسمسل المناظر التي تبدو كل منيا كموحة متكاممة ،فإن
مناظر فيمم " بورتر " بدت و كل منيا يؤدي إلى الذي يميو.
قام بورتر بتجميع فيممو عمى أساس المبدأ القائل بأن الحركة القصصية يمكن أن " :تشاىد عن طريق تجزئتيا و ربط
الصور المتعددة التي تمثل مراحميا المختمفة لتوحي بحدث واحد مستمر و ىكذا ربط بورتر المراحل ببعضيا البعض بدال
من تقسيم الموقف إلى لقطات مستقمة تفصل بينيا عناوين مكتوبة مثمما فعمو "ميميس "
ظيرت مرحمة جديدة في تطور المونتاج عمى يد بورتر الذي استخدم المزج و أسموب القطع بالتناوب " التوازي " ليعطي
استم اررية لسرد القصة و الذي استخدمو في فيمم " سرقة القطار الكبرى " 1903و ىكذا ظير ألول مرة أسموب مونتاج
التوازي مميدا الطريق أمام أحد أبرز صناع األفالم " ديفيد وورك جريفيت " الذي تبنى ىذا األسموب و طوره.
يحسب لبورتر في تاريخ السينما استخدامو ألول مرة المقطة المتوسطة في الفيمم المذكور آنفا ،حيث بدأ من بعدىا تنوع
أشكال المقطات و توظيفيا لتعزيز طريقة رواية الحكاية السينمائية بغية توجيو المتفرجين لمفكرة المراد توصيميا.
يعتبر جريفيت عراب السينما عند النقاد و رائد صناعة األفالم حيث أخرج المئات منيا ،اىتم بالعناصر األولية لصناعة
السينما و قام بتطويرىا منيا اإلضاءة و المونتاج و التمثيل إلعطاء قوة تأثيرية ألفالمو ،و قد ظيرت بصمتو الناشئة من
مونتاج التتابع لبناء التوتر ،و المراقبة الجادة لمتفاصيل لزيادة الواقعية مستخدما الكامي ار كوسيمة لشرح وجيات نظره
لممجتمع .لو فيمم " مولد أمة " 1915عكس فيو كل مياراتو السينمائية لتصوير واقع الحرب األىمية األمريكية باقتباس عن
رواية " ابن العشيرة " لمقس توماس ديكسون" حقق الفيمم نجاحا كبي ار فنيا و تجاريا .أصبح جريفيت بعد إخراج ىذا الفيمم سيد
المينة بال منازع.و يرجع لو الفضل في ابتكار كثير من الفنيات في الصناعة السينماتوغرافية منيا:
-مونتاج التتابع :و من أمثمتو في فيمم " الطيب و الشرس و القبيح " لممخرج " سرجي ليون" 1966تحديدا في
مشيد اجتماع الشخصيات الثالثة الرئيسية في حمبة القتال استعدادا إلطالق النار عمى بعضيم ،فيتم القطع
بالتتابع بين الشخصيات لزيادة التوتر عمى المشيد.
أحد أساليب المونتاج التي بدأىا " إدوين ورتر " و طورىا جريفيث بشكل أعمق و أكثر تعقيدا عن طريق
القطع المتناوب بين مشيدين أو أكثر يحدثان في نفس التوقيت ...لخمق التشويق .ال يكاد يخمو أي فيمم من استخدام
المونتاج المتوازي و قد استخدمو كبار المخرجين أمثال " فرانسيس فورد كوبوال – مارتن سكورسيزي – ستانمي كوبريك-
3
ستيفن سبيمبرغ – ألفريد ىتشكوك و كريستوفر نوالن "...مثال عن ىذا األسموب نجده في فيمم التعصب لديفيد جريفيث "
1916و في فيمم الخيال العممي الذي أخرجو " كريستوفر نوالن " تحت عنوان " استيالل " Inceptionسنة .2010و
ىو فيمم يحتوي عمى أحالم داخل أحالم في مشيد مطاردة الحافمة مثال.و لكن يبدو أن استخدام جريفيث ليذا األسموب
المونتاجي دفعو إلى مستويات غير مسبوقة من العمق و التعقيد مقارنة مع فيمم " استيالل " ل نوالن " ما فعمو جريفيث في
فيمم التعصب ىو انتقالو بالقطع بين أربعة قرون مختمفة ىي بابل القديمة و حياة المسيح و القرن 16في فرنسا و الحياة
المعاصرة في مدينة نيويورك .لم يكن جريفيث يسعى لخمق التشويق و اإلثارة بتنقمو بين الحقب المذكورة بل كان المخرج
يريد استعراض موضوع التعصب و آثاره الكارثية عمى مدار التاريخ .بل قد طور السينما السردية أيضا.
برغم أن فن السينما قد شيد عمى مدى 25سنة األولى من مولده ,خطوات خالقة متعددة من طرف السينمائيين عبر
الدول إال أن السينما الروسية لم تكن قد أسيمت بعد بأية خطوة فعالة فى ىذا المضمار .فمقد ظمت السينما فى روسيا
متخمفة عن الركب العالمى ,إلى أن قامت ثورة أكتوبر االشتراكية ( )1917وأبدت اىتماماَ بالفنون كى تعبر عن
مضمونيا االشتراكى الجديد .وحظيت السينما بنصيب متميز من ىذا االىتمام ,تمثمت أولى خطواتو فى تأميم صناعة
السينما عام . 1919ولمتعبير عن ىذا المضمون االشتراكى الجديد ,بحثت السينما ,ووجدت أشكاالَ جديدة ترجع جذورىا
إلى الثقافة القومية والى إبداع شعوب االتحاد السوفيتى ,وغدا من الواضح أن األشكال القديمة لم تعد صالحة لمتعبير عن
األفكار الجديدة والواقع الثورى الجديد.
فعندما بدأ المخرجون الروس الشبان العمل فى السينما ,وجدوا أنفسيم ينتمون لصناعة تخمو كمية من أى تقاليد قومية .فقد
كانت األفالم الروسية قبل الثورة عبارة عن أفالم تجارية تنتج بسرعة وال تتميز بشىء .وكانت السطحية والتزييف فى ىذه
األفالم تخالف رغبة المخرجين الثوريين الشباب الذين اعتبروا أنفسيم مدرسين وناشرى دعوة أكثر مما ينتمون إلى الترفيو
العادى التقميدى .وعمى ىذا كانت ليم ميمتان * :استعمال الفيمم كوسيمة لتوجيو الجماىير وتثقيفيا فيما يختص بتاريخ
ونظريات الحركة السياسية * ,وتدريب جيل جديد من السينمائيين لتحقيق ىذه الميمة .وبرغم تخمف األجيزة السينمائية
وندرة الفيمم الخام وقتذاك بسبب سنوات الحرب األىمية والثورة المضادة ,إال أن حماسة السينمائيين السوفييت قد جعمت من
ىذه النقيصة ميزة ,فقد انطمق ىؤالء يدرسون ويجربون حتى استطاعوا فى النياية أن يشدوا انتباه العالم بنتائج دراساتيم
وتجاربيم.
وقد أسفرت ىذه الظروف عن نتيجتين:
النتيجة األولى :أخذ المخرجون الشباب يبحثون عن أساليب جديدة فى السينما لمتعبير عن األفكار فى خدمة أىدافيم
السياسية.
والنتيجة الثانية :تطوير نظرية جديدة فى صناعة السينما لم يطرقيا جريفث من قبل ,فبينما كان المونتاج يعتبر مجرد
عنصر قوى يساعد عمى اإلبراز الحى لمقصص الدرامية نجد أن الروس اعتبروا المونتاج األساس الجوىرى لعممية الخمق
فى األفالم.
4
تابعت السينما السوفياتية أعمال جريفيث بداية من عرض فيممو التعصب في موسكو سنة 1921و قد تأثرت بو عمى
مدار العشر سنوات الموالية ليذا العرض ،بحيث أُخرجت أفالم تمك الفترة عمى منوال فيمم " التعصب "
بعد ثورة 1917عين " ليف كوليشوف " عمى ورشة سينمائية و اتخذ " بودوفكين " تمميذا لو كما كان " إيزنشتاين " أحد
تالمذتو لكن لفترة قصيرة .في أحد اإلختبارات قام كوليشوف بربط عدد من المقطات المصورة في أزمنة و أمكنة مختمفة و
كانت النتيجة مشيدا بدا كما لو كان موحدا تم تصويره في مكان و زمان واحد أطمق عميو " الجغرافيا الخالقة " و كذلك
لقطة الممثل موسوخكين التي أوصمت بمقطة لطبق شوربة و امرأة في تابوت و ثالثة لطفمة...إلظيار انفعاالت مختمفة
(الجوع و الحزن و العاطفة ) .و لو تجربة أخرى عن طريق ترتيب ثالث لقطات ( وجو مبتسم و خائف و مسدس موجو
قام كل من بودوفكين و سيرجي إيزنشتاين بتطوير ما وصل إليو معمميم كوليشوف و اتضح أن المونتاج ليس فقط لتسمسل
و ترابط حدث ما ،إنما ترتيب المقطات حتى ولو كانت غير متصمة ببعضيا ممكن أن تنشأ فكرة جديدة و معنى جديد .و
اعتمد بودفكين عمى فكرة اإلييام بالواقع و يقول :أن المونتاج ليس فقط طريقة لوصل المشاىد المنفصمة و أجزائيا و إنما
ىي طريقة تتحكم بالتوجيو النفسي لممشاىد "
يرى بودفكين أن المعاني تتولد من مجاورة المقطات مع بعضيا البعض بينما يرى إيزنشتاين أن المعاني تكمن في تصادم
المقطات و قد عارض اإلستم اررية الميكانيكية لمربط عند بودفكين واصفا إياىا باألسموب البدائي لمتركيب السينمائي.
يرى سيرجي أن المشيد يجب أن يبنى من مجموعة من الصدمات و أن كل قطع يجب أن يثير خالفا بين لقطتين و أن
يتيح قفزة جدلية تولد في الوقت نفسو رد فعل عنيف في ذىن المتفرج .إذ أن لقطاتو كانت مؤسسة عمى ثنائيات متعددة "
لقطات قصيرة و أخرى طويمة ،لقطات تتوازى مع تخطيطات موجية باتجاىات مختمفة ،لقطات معتمة تتعاقب مع لقطات
مضيئة و أخي ار صراعات بين الشيء و أبعاده ،و صراعات بين الحدث و ديمومتو الزمنية ".
و اإلنطباعية عند سيرجي لم تكن إعادة ترتيب األحداث صوريا بل ربط ىذه األحداث بما ليا من قيمة فكرية عميقة و ينتج
عن ذلك أسموب التركيب الفني ،لذا فإنو لم يكتف باتباع نمط مونتاجي واحد بل أدخل عمى أفالمو مجموعة من النماذج
المختمفة التي نسبت لو ( األنواع الخمسة من المونتاج ).
*بعض المراجع:
-من مناىج السيناريو و اإلخراج و المونتاج .منى الصبان ،دار مجدالوي لمنشر و التوزيع عمان.2010 ،
5
-رايس كاريل ،فن المونتاج السينمائي ،تر أحمد الحضري ،الدار المصرية لمتأليف و الترجمة ،القاىرة.1964 ،
-سالم أحمد ،في التعبير السينمائي ،دار الحرية لمطباعة ،بغداد .1986
-ليزلي ج ىويتمز ،أسس صناعة السينما ،تر جمعة السيد ،مكتبة األنجمو المصرية ،القاىرة.1985،
6