‫اِإل نْ َسا ُن وقابلية التعلم‬

‫إن أبرز صفات اإلنسان العاقل من حيث إنه نوع من الرئيسات‪ ،‬هي قابليته للتعلم إىل مدى بعيد جداً‪ .‬وليس ألي نوع‬
‫لبون آخر استعداد للتعلم كاستعداده أو اعتماد واسع كاعتماده على التعلم يف حماوالته للتمشي مع بيئته‪ .‬وإذا ما استعملنا تعبري‬
‫الشخصيات البشرية بأوسع مايف هذا التعبري معان‪ ،‬فباستطاعتنا القول بأن الشخصيات البشرية ميكن أن تصاغ إىل درجة فائقة عن‬
‫طريق الثقافات اليت يتعرض هلا األفراد إبان فرتة تكوينهم‪ .‬والتعبري عن كل نزعة فطرية يكاد ميكن يف كل حالة كبته أو تعديله‬
‫بطريقة جتد فيها النزعة أسلوبا آخر للتعبري عنها بطريقة غري مباشرة تكون مقبولة اجتماعيا ومثل هذا التدريب على كبت النزعات‬
‫وتغيري وجهتها هو يف الواقع جزء حيوي يف هتيئة األفراد للحياة بوصفهم أعضاء يف أي جمتمع‪ .‬وعلى كل حال فإن التدريب الذي‬
‫يكبح مجاح نزعات كهذه أو يغري أن اجتاهاهتا ال يستأصلها كليا فهي تبقى عوامل جيب حيسب ِح َساهبا إذ أهنا تعقد مجيع األوضاع‬
‫االجتماعية وتؤثر يف تطور مجيع النماذج االجتماعية‪ .‬ويف الوقت الذي ال ميكن هلا فيه أبداً أن تدل على خط سري مبفرده وكأنه‬
‫اخلط احملتمل الوحيد يف تطور أنظمة اجتماعية‪ ،‬نراها جتعل خطوط سري معينة يف التطور أكثر سهولة من خطوط‪ .‬سري أخرى‪،‬‬
‫وتفرض أقص ى احلدود الواسعة على األشكال اليت قد تتخ ذها اجملتمع ات لنفسها‪ .‬األنظمة االجتماعي ة اليت تتطور بواس طة اآللي ة‬
‫العادية للسلوك هذه املتغري وتكامله يف النهاية ضمن جمموعة من النماذج املثالية‪ ،‬مجيع األنظمة تأخذ هذه النزعات بعني االعتبار‪،‬‬
‫تطور مبفرده أية فرصة ليصبح قائماً عملياً إن عجز عن االعرتاف بوجود هذه النزعات الفطرية‪ .‬وميكن توضيح‬
‫وليس لنظام نظري ّ‬
‫أثر هذه الصفات الفطرية على تاسيس النماذج االجتماعية بصورة أقرب إىل فهمنا إذا حنن استعملنا التشبيه التايل البسيط‪ :‬إن الذي‬
‫يسري يف احلقول على غري هدى كثرياً ما يصادف يف جتوله سياجاً من األسالك الشائكة‪ .‬هناك عدة طرق ممكنة الجتياز السياج إىل‬
‫الناحية األخرى‪ ،‬إذ قد يسري املرء مبحاذاته إىل أن يصل بوابة أو يتدحرج من حتته معرض اً نفسه بذلك للتمرغ يف الرتاب وللنيل من‬
‫مقامه أو قد يبدو له أن خيطو من فوق احلاجز إذا كانت األسالك تسمح بذلك‪ ،‬ولكن مهما كانت الطريقة اليت خيتارها لالجتياز‬
‫فمن الث ابت أن وج ود احلاجز يع دل بعض الش يء من س لوكه عن د النقط ة ال يت اع رتض احلاجز جتوال ه فيه ا‪ .‬وميكن ك ذلك توجي ه‬
‫الصفات الفطرية للكائنات البشرية أو جتنب أثرها املباشر بطرق عديدة خمتلفة‪ ،‬غري أن وجودها ذو تأثري على تكوين مجيع األنظمة‬
‫االجتماعية‪ .‬حىت عندما يكون الفرد قد تدرب تدرباً ناجح اً على كبت بعض هذه الصفات الفطرية فإن كبتها ال يكون ساراً له‪،‬‬
‫كما أن فرض ذلك من ناحية اجتماعية يتسبب يف نشوء الثواب والعقاب يف الثقافة بغية تعزيز أثر التدريب‪ .‬لذا ال ميكن جملتمع أن‬
‫يكتفي بتعليم أعضائه جتنب السرقة وإمنا عليه أيض اً أن يدعم هذا التعليم بعقوبات رادعة للسرقة حىت ولو اقتصرت العقوبة على‬
‫الس خرية‪ .‬أم ا إذا رأى اجملتم ع أن يتخ ذ مزي داً من اإلج راءات اجلزائي ة املعين ة‪ ،‬فعلي ه أن ميض ي يف تط وير وس ائل الكتش اف اللص‬
‫والتثبت من ذنبه وتطبيق العقوبة عليه‪.‬‬

‫إن الصفات الفطرية يف الكائنات البشرية وثيقة االرتباط بنا وحنن نعتربها أمراً مسلماً به‪ ،‬حبيث غالب اً ما يكون متييزها صعباً علينا‪.‬‬
‫فمثالً من العس ري علينا أن ندرك أن اإلنس ان من الرئيسات اليت تأكل النبات واحليوان‪ ،‬وأن هذه احلقيقة هلا أثر هائل على تطور‬
‫الثقافة‪ .‬وتقبل اإلنسان جلميع أنواع الغذاء مكنه من استغالل بيئته يف هذه الناحية استغالال يكاد يكون تاما‪ ،‬وأثار فيه اهتماماً فعاالً‬
‫بالنب ات واحلي وان مع اً‪ ،‬مما أدى م ع ال زمن إىل تط ور الزراع ة وت دجني احليوان ات مع ا وه ذان النش اطان جمتمع ان ض روریان للحي اة‬
‫املستقرة يف معظم أرجاء العامل‪ .‬ولو وجدنا كائنات تشبه بذكائها النوع البشري وكانت من النوع الذي يعيش على أكل النبات‬
‫فقط لكان بإمكاهنا أن تطور الزراعة ‪ ،‬ولكان من العسري عليها تدجني احليوانات‪ ،‬أضف إىل ذلك أن عدم وجود أمسدة حيوانية‬
‫من شأنه أن يستنزف الرتبة الزراعية ويضطر القرى إىل االنتقال يف فرتات وجيزة‪ .‬ولنذكر عدداً آخر من تأثريات خصائص اإلنسان‬
‫الفيزيولوجية على تطور الثقافة‪ .‬فكون اإلنسان مبشي منتصباً على ساقني جعله يستعمل الدرج‪ ،‬بينما األنواع ذوات األربع جتد‬
‫املنحدرات أكثر مناسبة هلا‪ .‬وقلة الشعر على جسمه جعلته منفردا بني أنواع الرئيسات يف سرعة تأثره بالربد والطقس الرديء‪ ،‬وقد‬
‫نشأ عن ذلك حاجته إىل امللبس واملسكن‪ .‬ولو زود اإلنسان العاقل بالفرو‪ ،‬ملا كان من احملتمل أن تنشأ لديه مناذج سلوك تتعلق‬
‫باالحتشام أو حىت باالستحمام‪ ،‬ولكان من املستبعد أيضاً أن يشيد البارثينون‪.‬‬

‫‪ -1‬بنّي األفكار الرئيسة يف النص ‪ ،‬مث اشرحها‪.‬‬

‫قدمته‪.‬‬
‫‪ -2‬أعد صياغة النص‪ ،‬مستعيناً بالشرح الذي ّ‬
‫‪ -3‬من وجهة نظرك‪ ،‬ما هي ااالفكار االكثر تتطابقاً مع واقعنا احلايل؟ علل اجابتك‪ 7 (.‬أسطر)‬

‫‪ ‬‬