Professional Documents
Culture Documents
ikhleforan31@yahoo.fr
د .يخلف حاج عبد القادر ،أستاذ محاضر "أ" في التاريخ الوسيط.
9
بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل1954أبعاد بيان أول نوفمبر
وفق رؤية، وما ستعرفه البالد مستقبال بعد استرجاع السيادة،الزمني لتدوينها
ّ ّ استشرافية تحترم املاض ي
وتتخذ منه سلما تصل به حاضرها وتبني عليه ما ينسجم
بتثبيت الثوابت والعمل على تجسيد مبادئ،ويتالءم مع ما تراه مناسبا ملستقبلها
.الديمقراطية واإلسالم وترقية املبدأ االجتماعي لجزائر الغد
املستقبل- املاض ي- الدولة الجزائرية-1954 نوفمبر1 - بيان:الكلمات املفتاحية
.Abstract:
The statement of the first of November 1954 is a crossroads
between the colonial past, whose end began with the birth of the
liberation revolution (1954-1962) to liquidate its colonial presence in
Algeria, and what the situation of Algerians will lead to in the future,
after restoring the sovereignty of the Algerian state, which was robbed
by this colonialism during its occupation of Algeria on July 5 1830. The
statement focused intelligently on the ABCs of the national movement,
by combining the revolutionary and organizational ideas of the Algerian
People's Party, and the references of the Algerian personality with its
various affiliations, which were advocated by the Association of
Algerian Muslim Scholars. The statement laid the solid ground around
which all Algerians meet, present and future, through the flexibility of
the rules and foundations of the Algerian state that do not disappear
with the demise of men, as it took into account in its various dimensions
the temporal circumstance for its codification, and what the country will
know in the future after the restoration of sovereignty, according to a
forward-looking vision that respects the past and lives its present It
builds on it what is commensurate with its future, by establishing the
constants and working to embody the principles of democracy and Islam
and to promote the social principle of the Algeria of tomorrow.
Keywords)5( : Statement - November 1, 1954 - the Algerian state
- the past - the future.
:مقدمة
ّ
التي أكدت ألحزاب الحركة،1945 تعود جذور الثورة التحريرية إلى مجازر ماي
ّ الوطنية الجزائرية التي آمنت بلعبة الديمقراطية للجزائريين
أن فرنسا الكولونيالية لن
ّ تعترف
فأصبحت املمارسة السياسية أسلوب،بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره
10
يخلف حاج عبد القادر
-1عامر رخيلة ،بيان أول نوفمبر حقق التفاف الشعب الجزائري حول قضية االستقالل .وكالة األنباء الجزائرية 1 ،أكتوبر
.2014
11
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
-2 .1محتوى البيان :يعتبر البيان وثيقة مهمة جدا في مسار الثورة التحريرية ،وتكمن
ّ ّ
أهميته في كونه الوثيقة األساس للثورة ،ذلك أنه نتاج مسار تاريخي جمع بين املقاومة
ّ ّ
املسلحة للشعب الجزائري والنضال السياس ي للحركة الوطنية الذي سبق اندالع
-2محمد لحسن زغيدي" ،منتدى الذاكرة" بمنتدى املجاهد ،نشر في جريدة املساء بتاريخ .2009/10/31
- 3محمد لحسن زغيدي ،نشر في يومية الفجر الجزائرية بتاريخ .2010/11/09
- 4أحمد سعيد ،يومية الفجر الجزائرية ،األربعاء 13يناير .2016
- 5أحمد حمدي ،الثورة الجزائرية واإلعالم ،ص.37
ّ
-6محمد لحسن زغيدي ،بيان أول نوفمبر 1954وأبعاده ،في مجلة الدراسات التاريخية ،ص /.279زغيدي ،وكالة األنباء
الجزائرية ،يوم .2010/11/09
- 7محمد لحسن زغيدي ،بيان أول نوفمبر ،ص.283
12
يخلف حاج عبد القادر
13
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
صائغوه سواء على املدى القريب أو املدى البعيد ،ومن جملة هذه األبعاد ما يلي:
14
يخلف حاج عبد القادر
وما أحوجنا اليوم وغدا إلى االلتفاف حول هذين العنصرين أي الوحدة
ّ
تخطيه ،وإفشاء الوعي الذي ّ ّ
ينمي الشعور بمسؤولية الوطنية كخط أحمر ال ينبغي
ّ ّ
للتصدي ّ
لكل املخططات التي تهدف إلى ضرب أمن الجزائر واستقرارها ،فمهما الجميع
فإن الخروج من ّ
النفق املظلم ،وتجاوز املأزق يبدأ كان حجم األزمة التي تعاني منه البالدّ ،
ّأوال بتحويل الصراع من صراع هامش ي بين العصابات واألشخاص من أجل النفوذ
والزعامة ،إلى صراع في قلب املعركة الحقيقية .فباألمس كانت املعركة الحقيقية تتمثل في
الثورة على االستدمار لتحرير الجزائر من العبودية فيما يمكن تسميته بالجهاد األصغر،
تتجسد في الواقع التنموي والصراع معّ ّأما اليوم ّ
فإن املعركة الحقيقية يجب أن
ّ
التحديات في مختلف املجاالت ،لكسب رهان املستقبل باإلنسان الجزائري الواعي ،الذي
يسعى في جهاده األكبر لخدمة نفسه ووطنه ودينه على درب الجيل النوفمبري ،ونقل
الرسالة واملشعل من جيل آلخر هكذا دواليك.
ّ
يتولى ّ
مهمة -2 .2البعد السياس ي :أشار البيان إلى ميالد جبهة التحرير كجناح سياس ي،
العمل الدبلوماس ي باملوازاة مع العمل العسكري ،للتعريف بقضية الجزائر العادلة كسبا
ل ّلرأي العام العالمي والفرنس ي ،والضغط على الدولة الفرنسية لقبول مبدأ التفاوض مع
ّ
الجبهة -كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري -التي ستؤسس الحكومة املؤقتة
ّ
والتحدث باسم الشعب للجمهورية الجزائرية كحكومة منفى لكسب الشرعية القانونية،
الجزائري في املحافل الدولية من أجل استرجاع السيادة وإعادة بناء الدولة 15الجزائرية
حدد صائغو البيان األطر السياسية التي قوض االحتالل الفرنس ي أركانها .وقد ّ
التي ّ
ّ
تجسد الدولة التي كانوا يحلمون بها ويؤمنون بإقامتها مستقبال باملبادئ التالية:
ّ
املتمعن في قراءة بيان أول نوفمبر 1954يالحظ عدم ورود نوع أ -دولة ديمقراطيةّ :
إن
-15يذكر بعض أساتذة السياسة ّأن ّثمة ما يقارب مائة وخمسين تعريفا للدولة .ينظر :ماجد بن علي بن إبراهيم ّ
الزميع،
الدولة املدنية بين االتجاه العقلي اإلسالمي املعاصر واالتجاه العلماني دراسة عقدية ،ص.33
15
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
نظام الحكم الذي اختاره واضعو البيان لدولة الجزائر ما بعد االستقالل ،وقد يقول
قائل ما سبب غياب مصطلح "الجمهورية" أو ّ
حتى "امللكية" ،الذي كان يفترض أن
يسبق مصطلح "الديمقراطية" ،وبحكم ّأن أولئك الذين صاغوا البيان كانوا ينتمون في
تصور ّ جدا أن يكون لهم نفس ّ ّ
فإنه من الطبيعي ّ
السيد إيديولوجيتهم إلى حزب الشعب،
أحمد ّ
مزغنة وهو أحد رواد هذه الحركة ،الذي ّ
صرح في مؤتمرها الثاني سنة 1953قائال:
ى"16. إن دولة االستقالل تكون دولة جمهورية ّ
ألن عهد امللكية مض ى وانقض " ّ
فقد يعزى سبب عدم إدراجهم للفظ "الجمهورية" ،إلى ّ
تخوفهم من وقوع ّ
الرأي
العام الجزائري وكذا الفرنس ي في لبس عبارة "جمهورية جزائرية" ،التي يمكن أن تفهم
أسس االتحاد الديمقراطي للبيان عباس عندما ّ أن فرحات ّ فهما خاطئا ،باعتبار ّ
متحدة فيدراليا مع فرنسا ،وهو ما جعلهمالجزائري دعا إلى إقامة "جمهورية جزائرية" ّ
ّ ّ ّ
يؤكدون بوضوح ودقة على إضافة عبارة "ذات السيادة" ،17التي رفعت اللبس وأزالت
ّ
الشك في مسألة نظام حكم الدولة الجزائرية التي ستحكم الجزائريين بعد االستقالل.
ّ ّ
وأما ما يتعلق بالديمقراطية كأداة للحكم فقد اكتفى البيان باإلشارة إليها دون
تفصيل في نوعها ،بحيث لم يشر أصحاب البيان ما إذا كانت هذه الديمقراطية مباشرة
أو شبه مباشرة .وقد يبدو مبدئيا للقارئ ّأنهم كانوا يريدون من وراء عدم تحديدهم إلى
معين من هذه األنواع السالفة الذكر عدم االستئثار بموضوع بهذه ّ
األهمية وترك نوع ّ
الجدال السياس ي لوقته ،إذ ال يمكن الفصل في ذلك من لدن ّثلة من ّ
الرجال مهما كان
إن الفعل الديمقراطي يقتض ي إشراك الطبقة السياسية ّ
بكل مستواهم الفكري ،بل ّ
ّ
والحريات ويضمن النوع األنسب الذي ّيتفقون عليه ،بما يكفل الحقوق
أطيافها الختيار ّ
يضم الجميع بدون إقصاء وال تهميش .وباعتبار ّ
أن صائغي البيان آداء الواجبات في وطن ّ
16
يخلف حاج عبد القادر
األرض ،السلطة للشعب ،األرض للفالح ،تصفية االقتصاد االستعماري ،وبناء اقتصاد
مستقل ،وتحطيم البقايا اإلقطاعية للقرون الوسطى .20وعندما الحت تباشير االستقالل
في األفق اجتمع قادة الثورة الجزائرية في طرابلس لصياغة امليثاق الذي ّ
سمي بـ"ميثاق
17
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
ونحن نعتقد ّ
أن صائغي بيان أول نوفمبر تركوا في بداية األمر باب االجتهاد -
ّ
للمختصين في مسألة بشأن "الدولة الديمقراطية" لجزائر ما بعد االستقالل -مفتوحا
الجمهورية املراد تطبيقها ،وهو ما يوحي ببعد نظرهم وتركهم الفصل في ذلك ألوانه ،على
ّ
أن تقوم الطبقة السياسية ورجال القانون في املستقبل باالتفاق واختيار ما يناسبها من
ّ
األنظمة والديمقراطيات ،وهذا ما يؤكد ويبقي على مرونة نوع الدولة الديمقراطية التي
يرتضيها الجزائريون ألنفسهم -بعد التحاور والتشاور -حاضرا ومستقبال.
ّ
وفكر ّ ب -املبدأ االجتماعي :عانى الشعب الجزائري ّ
محررو برمته من ظلم االحتالل،
البيان بإشراكه في تحرير البالد ،وكعربون لهذا العناء الطويل والجهد املبذول من قبله،
كان ال ّبد من إحداث عدالة اجتماعية تكفل العيش الكريم لإلنسان الجزائري قاطبة،
ّ
الهشة واملحرومة اجتماعيا من ّ
كل معاناة ،لتمحو بذلك فترة زمن الشقاء وتحمي فئاته
والتعاسة إلى غير رجعة .وبالعودة إلى املؤتمر الثاني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية
سنة 1953نجده يستعمل عبارة "جمهورية ديمقراطية واجتماعية" ،22يراعى فيها
بالرخاء على معيشة الجزائريين من خالل التوزيعإحداث ازدهار اقتصادي ينعكس ّ
العادل للدخل الوطني ،الذي ّ
يحقق هدف العدالة االجتماعية23.
ّ
ويؤكد هذا الطرح ما قاله الشهيد العربي بن مهيدي في جريدة املجاهد ب ّ
أن" :
ّ
املحتل اإلمبريالي ،والحصول على شكل الشعب الجزائري يحمل السالح ّ
مرة أخرى لطرد
ّ
يتضمن بشكل للحكم هو الجمهورية الديمقراطية االجتماعية ،ومن أجل نظام اشتراكي
18
يخلف حاج عبد القادر
خاص إصالحات زراعية عميقة وثورية في سبيل حياة معنوية ومادية الئقة" ،24وأل ّن
تم تكييفها إلقناع معارض ي هذا الطرح، االشتراكية لم تكن تلقى قبوال لدى ّ
النخبة ،فقد ّ
بعد صبغها بالصبغة اإلسالمية من قبل ّ
مؤيديها ،الذين حملوا شعار "االشتراكية
اإلسالمية" ،لالستدالل على ّأنها تختلف عن النماذج ّ
املطبقة في أوربا الشرقية ،الصين
والفيتنام وكوبا ،مستندين على الحديث الذي رواه الخالل والحكم عن ّ
النبي صلى هللا
يدل على ّ
أن ومما ّعليه وسلم في قوله ":الناس شركاء في ثالث في الكأل واملاء والنار"ّ 25.
صرح به لخضر بن طوبال أثناء برنامج الفصل في هذه املسألة كان سابقا ألوانه ،ما ّ
طرابلس ،عندما سئل عن مستقبل االشتراكية كنظام في الجزائر ،فكان ّرده ":ال نقول ّ
إن
الجزائر ستكون اشتراكية ،لكن ستكون اجتماعيةّ ،
وأن مستقبل البالد ال يمكن أن
ّ ّ
يتحدد إال بواسطة مجلس منتخب.
لقد غلب على القيادة الثورية التي صاغت البيان السير على نهج الديمقراطيات
ّ
التحررية في الشعبية للدول االشتراكية التي تأثرت بها بسبب وقوفها إلى جانب الثورات
ّ
ستتبنى املبدأ ورد ّ
أن الجمهورية الجزائرية االشتراكية العالم ،فكشفوا بعد أخذ ّ
االجتماعي الذي ال يختلف حوله اثنان وإن اختلف في شأن نظام الدولة االشتراكية .وهو
ّ
املبدأ الذي لم تتخل عنه الجزائر إلى يومنا هذا وال أعتقد ّأنها ستفكر في إخراجه من
حساباتها مستقبال ّ
ألن ذلك يتنافى مع ما ورد في البيان ،الذي أصبح مرجعا لسياسة
الدولة الجزائرية باختالف مشاربها.
ج -املبادئ اإلسالمية :أشار بن خدة إلى الجدل الذي أثير في املؤتمر الثاني لحركة
انتصار الحريات الديمقراطية عام ،1953حول فكرة جمهورية إسالمية التي طرحها
ّ
تستغل لكن البعض اعترض على ذلك ّ
بحجة أن ال بمعية عبد الرحمن بن العقونّ ،
ّ
19
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
فرنسا ذلك سالحا فتستعمله ضد الجزائر ،بإثارة الغرب املسيحي وتحويل حربها على
ّ
الجزائريين إلى حرب صليبية؛ وانتهى األمر باالتفاق على "إقامة الدولة الجزائرية
الديمقراطية واالجتماعية ذات السيادة في إطار املبادئ اإلسالمية" .26وسيطرح النقاش
مجددا حول ذلك أثناء تدوين البيان ،فالشهيد مصطفى بن بولعيد أقنع بوضياف ّ
بإقامة دولة جزائرية ضمن أطر إسالمية ،بعد رفضه الطرح القاض ي بإقامة دولة
إسالميةّ ،
تجنبا لغضب دول غربية صديقة ،كانت الجزائر في حاجة ماسة ملساعدتها
ودعمها" 27.ومهما يكن ّ
فإن صائغي البيان ّ
عبروا على احترام الحريات األساسية دون
تمييز عرقي أو ديني؛ ويبدو ّأنهم تعاملوا مع هذه املسألة بحكمة تجذب شعوب وحكومات
الغرب املسيحي ملساعدة ودعم الثورة الجزائرية،
ّ ّ
إن القول بإقامة دولة جزائرية ...في إطار املبادئ اإلسالمية ،يؤكد مدى مستوى
الوعي الذي تعامل به أصحاب البيان مع هذا املبدأ ،من منطلق ّ
تقبل الفكرة خارجيا
وداخليا ،فاملجتمع الجزائري حينئذ كان مجتمعا ريفيا بامتياز ،حيث كانت الجزائر سنة
1954تعد 8460000نسمة من بينهم 5450000نسمة أي %73يعيشون في الريف،28
ّ
محررو البيان ّأن الثورة يجب أن تكون عن طريق الفالحين29؛ فما لم
ثم أدرك ّ ومن ّ
ثم ّإنه باإلضافة إلى كون
يحتضن هؤالء الثورة ال يمكن لها أن تصل إلى طور النضجّ ،
ّ الريفي األكثر ّ املجتمع ّ
تضررا بتسلط الكولون على أجود األراض ي ،وهو ما جعل دخل
املعمر سنة 1954يصل إلى 800000فرنكا ،مقابل دخل الفالح الجزائري الذي بلغّ
17691فرنكا 30.وفضال عن ما سبق ذكره كان املجتمع ّ
الريفي أكثر محافظة على دينه،
20
يخلف حاج عبد القادر
21
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
إطارها الطبيعي العربي واإلسالمي" ،وإذا عدنا إلى الفقرة الثالثة من البيان وجدنا
السباقين إلى وحدة األقطار الثالثة ،والتعبير باألقطار ّ
يتحدثون ب ّأنهم كانوا ّ أصحابه
ّ مستقلة يومئذ ،بل القصد من ذلك ّ ّ الثالثة ال يقص ي ليبيا ّ
العدو كان أن ألنها كانت
ّ
واحدا (االحتالل الفرنس ي) وهو ما يشكل قاسما مشتركا بين تونس-املغرب والجزائر،
فالشمال اإلفريقي في بعده الجغرافي والتاريخي والحضاري جزء ال ّ
يتجزأ من العالم العربي
واإلسالمي ،فهو امتداد له في التضاريس وفي اللغة والعقيدة ،التي ربطت بين البربر
الرابطةّ ،
فرد عليه الشيخ والعرب في هذه األقطار .وقد حاول االستدمار ّ
النيل من هذه ّ
عبد الحميد بن باديس الصنهاجي في مقال له تحت عنوان" :ما جمعته يد هللا ال ّ
تفرقه يد
ّ
الشيطان" ،فقالّ :
"إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم اإلسالم منذ بضعة عشر
ّ ّ
الشدة ّ قرناّ ،
والرخاء ،وتؤلف بينهم في العسر ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في
كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا والضراءّ ،
حتى ّ ّ ّ
السراء ّ
وتوحدهم في واليسر،
مسلما جزائريا ّأمه الجزائر وأبوه اإلسالم ،وقد كتب أبناء يعرب وأبناء مازيغ آيات
ّ ّ
اتحادهم على صفحات هذه القرون ،بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف إلعالء كلمة
قوة بعد هذا يقول أي ّ هللا ،وما أسالوا من محابرهم في مجالس ّ
الدرس لخدمة العلم ،ف ّ
عاقل تستطيع أن ّ
تفرقهم؟ لو ال الظنون الكواذب واألماني الخوادع ،يا عجبا! لم يفترقوا
ّي ّ
كال وهللا بل ال تزيدهم ّ
كل محاولة للتفريق وهم األقوياء ،فكيف يفترقون وغيرهم القو ؟
شدة في ّاتحادهم ّ
وقوة لرابطتهمّ ، ّ
إال ّ
ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم ،واإلسالم له بينهم
حارس وهللا عليه وكيل32."...
أن البعد التاريخي والحضاري لشمال إفريقيا –وإن كان تقدم ّيتضح لنا ّ
ومما ّ
ّ
يتحدث عن القطر الجزائري -هو ّ
الهوية األمازيغية التي تجمع بين هذه األقطار النص ّ
ّ
ّ
التي زادت لحمة باعتناقهم لإلسالم ،الذي أصبح يمثل رأس مثلث أبعاد الهوية املغاربية،
22
يخلف حاج عبد القادر
-4 .2البعد اإلعالمي :لقد كان اإلعالم بالحدث يقتض ي إخراج الثورة من الكتمان
شك ّأن الكثير من األسئلة طرحتها القيادة الثورية
والسرية إلى الجهر والعلنية ،وما من ّ
ّ
على طاولة النقاش متسائلة فيها عن طريقة تفجير الثورة وكيفية إبالغ الشعب الجزائري
بذلك ،وما هي وسائل طبع البيان وكيفية تبليغه وتوزيعه في الداخل والخارج؟ وما هي
اإلجراءات التي ينبغي اتخاذها بعد التفجير والتوزيع؟ وكانت وثيقة بيان أول نوفمبر أول
عمل إعالمي ،سيفتح الباب الحقا لخدمة وتطوير اإلعالم الثوري " كأسلوب من أساليب
ّ
املسلح" ،33وقد ّ
وجه البيان في بعده اإلعالمي إلى الشعب الكفاح مثله مثل الكفاح
عامة ّ
خاصة والدولة الفرنسية والرأي العام بفرنسا والرأي العام العالمي ّ الجزائري
لإلعالم بميالد جبهة التحرير وجيش التحرير الوطنيين ،وتحديد األهداف الداخلية
والخارجية للثورة الجزائرية ووسائل كفاحها.
- 33عبد املجيد شيخي ،مفهوم الثورة لإلعالم من خالل املواثيق والبيانات ،ص.179
23
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
اإلعالن أن ّ
نوضح لكم األسباب العميقة التي دفعتنا إلى العمل ،وذلك بأن نعرض عليكم
مشروعنا والهدف من عملنا ،وصواب وجهة نظرنا التي يبقى هدفها دائما هو االستقالل
الوطني في إطار الشمال اإلفريقي .ورغبتنا أيضا أن ّ
نجنبكم االلتباس الذي قد تلجأ إليه
اإلمبريالية وعمالؤها اإلداريون ،وبعض محترفي السياسة االنتهازية".34
ّ
وقد دلت الفقرة على املبادئ اإلعالمية التي سارت عليها الجبهة في املرحلة األولى
ضد محاولة محددة :الجمهور املخاطب (ملن) ،التحصين ّ من الثورة (ّ ،)1954-1956
التزييف ،وااللتزام بمبادئ الثورة والعمل على توضيحها (املحتوى) ،إلى جانب كشف
والصدق في األخبار (إعالم وإعالم مضاد) .35كما ّ
يتميز بيان أول الحقيقة أمام الجماهير ّ
ّ
التوجه نوفمبر بمبدأ النقد الذاتي املوضوعي ،في ّ
تعرضه للحركة الوطنية ومساهمتها في
ّ ّ
متحدثا عن العوامل التي جعلت هذه الحركة تنكمش شيئا فشيئا نحو الثورة املسلحة،
ظن ّأنه انتصر على القوى التي ّ
تتقدم الكفاح الجزائري 36.وقد أمام االستعمار الذي ّ
خاطب صائغو البيان الخارج لكسب تأييد ّ
الرأي العام العالمي بعد أن تعمل الثورة على
ّ
القضية تغيير الصورة التي رسمتها لها فرنسا ،وفي هذا اإلطار ّ
نص البيان على تدويل
الجزائرية وإخراجها من إطار السياسة الفرنسية الداخلية ،التي كانت تزعم ّ
بأن الجزائر
يدوي في آذان ّوكأني بصوت الشيخ ابن باديس ّ ّ جزء ال ّ
محرري يتجزأ من التراب الفرنس ي،
البيانّ ":إن الجزائر ليست فرنسا ولن تكون فرنسا ولو أرادت" وهذا بالفعل ما كان على
يتجسد عبر مساندة حلفائها ّ
ّ ّ ّ
التارخيين القضية الجزائرية إنما الثورة أن تفعله .37وتدويل
وكل القوى ّ
املحبة للعدل والسالم .وهكذا يبقى بيان أول نوفمبر أول عمل وهم العرب ّ
إعالمي ّ
يوزع على نطاق واسع ،يعرب عن ميالد الثورة الجزائرية ،ويستطيع اختراق إعالم
- 34الفقرة 1من البيان ،محمد العربي الزبيري ،حزب جبهة التحرير ،...املرجع السابق ،ص.289
- 35أحمد حمدي ،املرجع السابق ،ص.41
- 36املجاهد ،العدد ،4الصادر في شهر أكتوبر ( 1956عدد خاص) ،ص.5
- 37عبد الحميد شيخي ،املرجع السابق ،ص.182-181
24
يخلف حاج عبد القادر
ّ
والتحرر، ّ
ويتوجه إلى الجماهير الجزائرية ليخاطبها بلغة الثورة االستعمار بنجاح تام،
وهي لغة وجدت صداها الكبير في ّ
تقبل الجماهير وتعبئتها38.
اآلنية للثورة بنجاح في مشروع إعادة بناء الدولة الجزائرية العصرية ،واألهداف
املستقبلية وعلى رأسها الحفاظ على رسالة نوفمبر الخالدة .ومن ّ
تم وجب على الجزائريين
نخبة وشعبا مواصلة الرسالة اإلعالمية للبيان في الجزائر ّ
الراهنة لكسب رهان املعركة
ّ
اإلعالمية على الدوام ،لحفظ البالد من االنزالقات املخطط لها من وراء البحر إلحداث
ّ
ما يعرف بالفوض ى الخالقة ،عبر تسويق األخبار الكاذبة ودعوات التفرقة التي ال ولن
ّ ّ ّ
والتصدي لها وتفويت الفرصة على مخططات اإلعالم تتوقف ،ما لم نعمل على إيقافها
ومسميات أخرى.ّ املسموم ،الذي يستهدف استقرار الجزائر ووحدتها باسم املوضوعية
- .2البعد القانونيّ :
يعد بيان أول نوفمبر وثيقة قانونية مكتوبة استندت على أحقية 5
ّ
الشعب الجزائري في استرجاع حقه املسلوب ،باستعادة الدولة التي ّ
غيبها االحتالل
ّ ّ
بالحق املشروع الفرنس ي منذ احتالله للبالد ،وقد ركز صائغو البيان على املطالبة
للجزائريين بالعيش أحرارا كما كانوا قبل االعتداء على وطنهم؛ الذي مض ى على احتالله
ّ
الحق ال يسقط بالتقادم ،كما أ ّن الشعب الجزائري لم يتوقف
إن هذا ّ 125سنة ،ذلك ّ
ّ عن محاربة االستدمار الفرنس ي ّ
بكل أنواع املقاومات املسلحة والسياسية من أجل
ثم ّ
فإن البيان دعوة لفرنسا باالحتكام إلى العقل الحق ّ
الضائع ،ومن ّ الحصول على هذا ّ
منا ّ
بالقوة. القوة السترجاع ما أخذ ّ
والقانون ،قبل اللجوء إلى ّ
يتقدمهم القاض ي محمد بجاويّ -
قضية وقد صنع الحقوقيون الجزائريون ّ -
إعالمية ناجحة ،بجمعه ّمللف مليئ بالوثائق ّ
يدل بوضوح على ّأن الدولة الجزائرية كانت
موجودة قبل الغزو الفرنس ي الوحش ي على الجزائر سنة ،1830واندهش الحضور في
25
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
ضماناتها التي تكفل احترام جميع الحريات األساسية ،دون تمييز عرقي أو ديني في دولة
ّ الجزائر التي سيعاد بناؤها بجميع ّ
مكوناتها البشرية بما في ذلك األقليات األوروبية ،وهو
ّ
يؤكد النزعة السلمية لجبهة التحرير الوطني كحركة ّ
تحررية تهدف إلى تصفية النظام ما
االستعماري ،من أجل حمل فرنسا على االعتراف بهذا املبدأ اإلنساني الدولي.
-39األمين بشيش ي،نماذج من اإلعالم واإلعالم املضاد ،ضمن :اإلعالم ومهامه أثناء الثورة ... ،ص.279-278
26
يخلف حاج عبد القادر
وفي أول تصريح لها أشادت الحكومة املؤقتة للجمهورية الجزائرية باعتراف
ومما ورد بهذا ّ
بالقضية الجزائريةّ ، ّ
املحبة للسالم وأحرار العالم وتعاطف الشعوب
كل روح سيطرة ،يدينون الشأنّ " :
إن غارس ي األفكار الجديدة وبناة إنسانية خالية من ّ
تحفظ كامل النظام االستعماري ،وهؤالء الرجال الذين ينتمون إلى ّ
كل العقائد بدون ّ
جلهم أصدقاؤنا وحلفاؤنا ...للشعب الجزائري مساندات ّ ّ
قوية ومتينة وهو ال واألصول
عدوا للشعب الفرنس ي ّ
ولكنه عدو لالستعمار يقوم بالحرب من أجل الحرب ،وهو ليس ّ
ّ
إال في إطار احترام وسيادة ّ
كل تم ّإن الصداقة بين الشعوب ال يمكن أن تفهم فحسبّ ،
حق الشعب الجزائري ،الذي عانى من ضد اإلجحاف في ّ واحد منها" 40.فالثورة ّإنما قامت ّ
ّ مختلف أنواع التمييز ،التي ألغت ّ
كل مساواة بما فيها الطبيعية بين أفراد البشر ،وشكلت
ضد وضع أرادت السلطات االستدمارية تثبيته وصبغه بصبغة الديمومة ،خدمة انقالبا ّ
ّ
ملصالح األقلية األوروبية لتزداد ثراء وهيمنة ،مقابل إذالل جماعي لـ 10ماليين من البشر
ّ ّ
إال لكونهم جزائريين41. جردوا من أبسط الحقوق ال لسبب
ّ ومن املالحظ ّ
أن فرنسا منذ غزوها للجزائر وهي ّ
تميز بين األقلية األوروبية من
مجرد ّ
رعية ال املستوطنين وباقي الشعب الجزائري الذي كانت تصفه باألهلي وتعتبره ّ
يملك صفة املواطنة ،أو تنعته بـ "املسلم" ّ
لتمسكه بعقيدته ووقوفه في وجه إغراءات
التبشير ومحاوالت التنصير التي استهدفت القضاء على معتقده اإلسالمي وإضعاف
ّ
الحمية الدينية عند الجزائري .42كما يالحظ من يقرأ البيان إشارته إلى الدولة الجزائرية
التي يراد إقامتهاّ ،
بأنها دولة ذات سيادة ضمن إطار املبادئ اإلسالمية ،ويشير هذا
التحديد إلعادة االعتبار إلى الدين اإلسالمي الذي كانت تحاصره السلطات اإلدارية
ّ
وتتحكم في ّ ّ
كل نشاطاتهم الدينية ،بل تتالعب بمشاعر وتضيق على أهله الفرنسية،
27
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
املسلمين بضرب املدافعين عن حمى اإلسالم الصحيح ببعض االنتهازيين املنتسبين إلى
(املر ْابطين) -الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل- هذا ّ
السلك من بعض الطرقيين َ
فسروا ظاهرة االستعمار ب ّأنها قضاء وقدر محتوم!
لدرجة ّأنهم ّ
- 43محمد بغاية ،بيان أول نوفمبر " ،1954دعوى إلى الحرب ،رسالة للسالم" ،قراءة في البيان ،ص.33
ّ -44جمال ّ
قنان ،تشكيل الحكومة املؤقتة نقلة نوعية في دبلوماسية جبهة التحرير الوطني ،مجلة الذاكرة ،ص.21
28
يخلف حاج عبد القادر
الضمانات التي تمنحونها للفرنسيين بعد االستقالل؟ فأجابه قائال " :لقد ّ
حددنا موقفنا
إن لألوروبيين االختيار بين اكتساب الجنسيةمن هذا املوضوع مرا ا وتكرا ا ،وقلنا ّ
ر ر
الجزائرية ،وبين البقاء على جنسياتهم ،وفي الحالة األولى تكون لهم نفس الحقوق ،وعليهم
نفس الواجبات التي للجزائريين ،وفي الحالة الثانية ّ
فإن ذلك ال يمنعهم من العيش في
أن البيان ونصوص الثورة برهنت على ّ
تفتح الجزائر ومن احترام حقوقهم" 45.ونشير إلى ّ
ّ ّ ّ
كبير للذهن واحترام عميق لآلخر وللطائفة اليهودية( ،ولقد ناضل قلة قليلة من اليهود مع
عالق ( )Henri Allegاملدير ّ ي ّ
السابق لجريدة " Alger الجبهة ومن بينهم هنر
،"Républicainوكان السفير األول للجزائر بكوبا من أصل يهودي) ،وعلى تسامحها
تجاه األقدام السوداء ،ولم يكن هدف الثورة طرد أوروبيي الجزائر منها ،ولكن تحطيم
ّ
النير االستعماري الال إنساني ،وعليه ال يمكن اعتبار الثورة الجزائرية حربا أهلية وال
حربا دينية46.
الحل العسكري بالدعوة للسلم من أجل ّ وقد واجهت جبهة التحرير خيار
ّ
املتكررة إلى املفاوضات إسكات صوت السالح وتغليب منطق الحوار ،عن طريق دعواتها
عبر بيان أول نوفمبر ثم وثيقة الصومام ،األمر الذي ّ
يدل على جنوح الجبهة للسلم
وامتثالها للقوانين واألعراف الدولية؛ وما اعتمادها للعمل الدبلوماس ي كأسلوب أساس ي
ّ ّ
لحل النزاع بين الطرفين بالطرق الحضارية التي تنادي بها األمم املتحدة ،إال برهان آخر
أن األمور كانتومما يؤسف له ّ
على النوايا الحسنة لتجاوز األزمة بعيدا عن إراقة الدماءّ ،
تسير عند الطرف اآلخر عكس ذلك ،حيث استطاع غالة ّ
املعمرين التأثير على القرار
صرح بعجرفة وزير ّ
الحل العسكري منذ بداية الثورة ،أين ّ السياس ي باملراهنة على
الداخلية الفرنس ي فرانسوا متيران ( )François Mitterrandفي 7نوفمبر ّ ،1954ردا
ّ
- 45مجلة الذاكرة ،العدد ،4مرجع سابق ،ص.282
- 46فاروق بن عطية ،األعمال اإلنسانية أثناء حرب التحرير " ،"1962-1954ص.155
29
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
ورغم استعمال ّ
كل األساليب الوحشية إلفشال حرب العصابات التي اعتمدها
جيش التحرير ،فقد غلب إصرار الشعب الجزائري على التضحية ومواصلة الكفاح ّ
ضد
خيار الحسم العسكري ،الذي ّاتضح للعالم زيفه ،حيث ّ
عبر ّ
الرئيس الغاني "كوام
نكرومة" ( )Kwame Nkrumahفي خطابه أمام الدورة 15للجمعية العامة في أكتوبر
1960قائالّ ":
إن فرنسا ال تستطيع أن تنتصر عسكريا ،والطريق الوحيد للخروج بفرنسا
الرغم من امتالك جبهة التحرير قدرة من هذا املأزق هو طريق التفاوض" 48.وعلى ّ
وإمكانية ّ
الرد على التقتيل والتعذيب واإلعدامات واملمارسات الال إنسانية التي كانت
ّ ترتكبها السلطات االستعمارية الفرنسية في الجزائرّ ،
فإن الجبهة غالبا ما كانت تترفع عن
صرحت الجبهة في 8فبراير ّ 1958أنها ّ
الرد واملعاملة باملثل احتراما لحقوق اإلنسان؛ وقد ّ
كل مبادرة لتحسين ظروف ومصير أسرى الحرب ،وإلى دراسة ّ
جدية ّ
مستعدة لتشجيع ّ
الحتمال إقامة معسكر لألسرى الفرنسيين في بلد محايد ،وكانت الجبهة تهدف إلى حمل
ّ
يخص معاملة األسرى التي فرنسا على احترام اتفاقية جونيف ( 12أوت )1949فيما
كانت تعتبرهم ّ
متمردين49.
ّ
- 47مذكرة جبهة التحرير لوطني إلى هيئة األمم املتحدة ،نيويورك 16نوفمبر ،1956مجلة الذاكرة ،العدد ،4مرجع سابق.
-48دبش إسماعيل ،السياسة العربية واملواقف الدولية تجاه الثورة الجزائرية ،1962-1954ص.32
- 49فاروق بن عطية ،املرجع السابق ،ص.98
30
يخلف حاج عبد القادر
وللبرهنة على نواياها الحسنة أطلقت الحكومة املؤقتة بدون شرط يوم 20
أكتوبر 1958سراح 4أسرى في تونس ،و 7آخرين في وجدة يوم 3ديسمبر ،1958كما
حررت بعدها في وجدة دائما 6جنود فرنسيين يوم 20فبراير ،1960وجرى تسليمهم ّ
ّ
بحضور الهالل األحمر املغربي برئاسة سمو األميرة اللة عائشة ،وبحضور مندوب الهالل
األحمر الجزائري في املغرب األستاذ بن يخلفّ ،
وتم تسليمهم إلى مندوب اللجنة الدولية
للصليب األحمر السيد قايارد ( ،)M.Gaillardكما قام جيش التحرير الوطني داخل
التراب الوطني بتحرير جنود ومدنيين في 15و 18ماي ،1959معظمهم في الوالية الثالثة
حررت جنديا حررت 9جنود و 4آخرين في شهر ماي ّ ،1960أما الوالية ّ
الرابعة فقد ّ التي ّ
واحدا ،في حين أطلقت الوالية الثانية في جوان 1959سراح امرأتين أوروبيتين .وسيجري
تحرير 20جنديا و 26مدنيا في املجموع من قبل جبش التحرير الوطني50.
اللفيف األجنبي الذين التحقوا بصفوف جيش التحرير إلرجاعهم إلى أوطانهم أثناء كفاح
التحرير بـ 3500جندي ،وكانوا يساقون إلى جنوب الجزائر عند الحدود في أماكن ّ
محددة،
ّ ثم ّّ
يوجهون نحو مالجئ السترجاع طمأنينتهم ،وكان الهالل األحمر الجزائري يسلمهم في
الرباط أو في طنجة بواسطة السلطات املغربية إلى اللجنة الغالب إلى قنصلياتهم في ّ
الدولية للصليب األحمر52.
31
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
الخاتمة:
ّ
وتطلعاتهّ ، ّ
موضحا -أكد بيان 1نوفمبر على وحدة الشعب الجزائري ووحدة طموحاته
أهداف الثورة ومسألة القيادة ،و ّ
محددا اإلستراتيجية والوسائل الواجب اعتمادها
السترجاع السيادة الوطنية ،ونوع الدولة التي يراد بناؤها بعد االستقالل في الجزائر.
أهم بعد من أبعاد بيان أول نوفمبر ،باعتبار ّ يمثل ّ ي ّ
أن -كان العمل النضالي العسكر
يعد القاسم املشترك الذي اجتمع ويجتمع حوله الشعب الجزائري في املاض ي الجهاد ّ
والحاضر واملستقبل.
-ح ّدد البيان شكل الدولة التي يراد تأسيسها ّ
بأنها ذات طابع جمهوري ،يسودها النظام
كل ذلك ضمن إطارالديمقراطي ،وترتكز على مبدأ العدالة االجتماعية ،على أن يكون ّ
املبادئ اإلسالمية التي ّ
تربى وعاش عليها الشعب الجزائري.
-استند صائغو البيان على البعد التاريخي والحضاري للجزائر لتحقيق وحدة شمال
إفريقيا في إطارها الطبيعي العربي واإلسالمي.
يعد أول عمل إعالمي ّ
يوزع على نطاق واسع في الداخل والخارج من ّ -إن بيان أول نوفمبر ّ
ّ
القضية الجزائرية. أجل تدويل
ّ
-أكد البيان على احترام جميع الحريات األساسية دون تمييز عرقي أو ديني ،في الدولة
ّ الجزائرية التي سيعاد بناؤها بجميع ّ
مكوناتها بما في ذلك األقليات األوروبية ،وواجهت
الحل العسكري الفرنس ي بالدعوة للسلم عن طريق التفاوض عبرّ جبهة التحرير خيار
بيان أول نوفمبر ثم وثيقة الصومام ،وتعاملت مع ملف أسرى الحرب ّ
بكل إنسانية.
ّ -
إن بيان أول نوفمبر وثيقة قانونية استندت على شرعية وجود الدولة الجزائرية وسيادة
سلطتها على إقليمها وشعبها ،قبل أن تغتصب منها هذه السيادة على يد االحتالل
ّ
متشبتة برأيها السترجاع الفرنس ي ،وقد رافعت الدبلوماسية الجزائرية في األمم املتحدة
الحق ّ
الضائع إلى أصحابه. ّ
32
يخلف حاج عبد القادر
* ويمكن تلخيص نتائج الرؤى االستشرافية املستقبلية لبيان 1نوفمبر 1954فيما يلي:
ّ ّ
للتصدي -الوحدة الوطنية خط أحمر ،والجزائريون مطالبون جميعا بروح املسؤولية
ّ ّ
لكل املخططات التي تستهدف أمن واستقرار ووحدة الجزائر.
ّ
التحديات والعقبات -تحويل صراع األمس لتحرير الجزائر من العبودية ،إلى مواجهة ّ
كل
لكسب رهانات املستقبل باإلنسان الجزائري لتجسيد االستقالل االقتصادي ،على خطى
الجيل النوفمبري ،ونقل الرسالة واملشعل من جيل آلخر هكذا دواليك.
ّ
-عدم الفصل في نوعية "الدولة الديمقراطية" لجزائر ما بعد االستقالل يؤكد بعد نظر
محرري البيان ،إيمانا منهم ّأن املستقبل كفيل باختيار الجزائريين ما يناسبهم من
ّ
األنظمة والديمقراطيات.
تبنى البيان النهج االشتراكي للدولة الجزائرية ،كما ّ
تتبنى املبدأ االجتماعي الذي تعود ّ -
ّ
جذوره إلى نظام الوقف الديني لجزائر ما قبل االحتالل الفرنس ي ،الذي كان يشكل حجر
الزاوية للتكافل االجتماعي الذي تستفيد منه الشرائح املحرومة في املجتمع.
إن عبارة "في إطار املبادئ اإلسالمية" التي أضافها صائغو بيان أول نوفمبر للدولة ّ -
الجزائرية الديمقراطية االجتماعية ذات السيادة ،ال يتنافى مع التجارب املستوردة في
ّ
املستجدات من املعامالت التي ال تعارض فيها مع مقاصد الشريعة.
-أشار البيان إلى ّ
أن الثورة التحريرية هي حرب على التمييز ،السترجاع كرامة اإلنسان
ّ
الجزائري ،وإعادة االعتبار للدين اإلسالمي في الجزائر املستقلة ،وليس في ذلك تهميش
لغير املسلمين.
ّ -إن البعد التاريخي والحضاري لشمال إفريقيا يكمن في أبعاد ّ
الهوية الثالث :اإلسالم،
ّ
التشبت أي وقت مض ى إلىالعروبة ،األمازيغية ،والجزائريون مدعوون اليوم أكثر من ّ
بهذه األبعاد في إطار الدولة الوطنية التي يعيشون داخل حدودها السياسية.
مستمر ،وسيبقى كذلك ّ
ألن أعداء ّ ّ -إن البعد اإلعالمي لبيان أول نوفمبر كميالد إعالمي
ّ
الجزائر لن يتوقفوا عن محاوالتهم من أجل تفعيل القنابل املوقوتة التي تركها ساسة
33
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
االستدمار الفرنس ي خلفهم ،لضرب وحدة الشعب الجزائري ووحدة ترابه .ومن ّ
تم وجب
مواصلة الرسالة اإلعالمية بتنمية الوعي الجماهيري ،الكتساب املناعة واالعتزاز بقناعة
باالنتماء لهذا الوطن.
إن البيان يرقى إلى مستوى الوثيقة الدستورية ،فهو عبارة عن خطوط عريضة ّ -
ّ
املشرع الجزائري سائر عامة يمكن أن يستلهم منها للسياسة الجزائرية ،وقواعد قانونية ّ
قوانين الدولة الجزائرية ّ
الراهنة واملستقبلية.
وستظل تحترم حقوق اإلنسان من منطلق مرجعيتها الدينية ّ ّ -
إن الجزائر كانت وال زالت
ّ
وتطبيقا للمواثيق الدولية ،وهي إذ تحترم هذه الحقوق تؤكد على البعد اإلنساني لبيان
السامية التي ال تبلى وإن بلي ّ
الدهر. نوفمبر الذي ولد ليبقى خالدا نظرا ملبادئه ّ
قائمة املراجع:
-1أحمد حمدي ،الثورة الجزائرية واإلعالم ،دراسة في اإلعالم الثوري ،ط ،2منشورات املتحف
الوطني للمجاهد ،املؤسسة الوطنية لالتصال والنشر واإلشهار ،الرويبة.1995 ،
-2محمد العربي الزبيري ،حزب جبهة التحرير الوطني من الشرف إلى العلف -تشريح األزمة ،-دار
ّ
األمة للطباعة والنشر والتوزيع -الجزائر ،ط.2014 ،1
عياد وصالح املثلوني، -3محمد حربي ،الثورة الجزائرية سنوات املخاض ،ترجمة نجيب ّ
املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية ،وحدة الرغاية -الجزائر.1994 ،
قنان ،قضايا ودراسات في تاريخ الجزائر الحديث واملعاصر ،منشورات املتحف الوطني -4جمال ّ
لالتصال والنشر واإلشهار ،وحدة الطباعة بالرويبة ،الجزائر، للمجاهد ،املؤسسة الوطنية ّ
.1994
ّ
-5ماجد بن علي بن إبراهيم الزميع ،الدولة املدنية بين االتجاه العقلي اإلسالمي املعاصر
قدم له د .عبد الرحمن بن صالح املحمود ،دار الهدي واالتجاه العلماني دراسة عقدية ،طّ ،1
النبوي -مصر ،دار الفضيلة1434 ،ه2013/م.
-6يحي بوعزيز ،إيديولوجية الحركة الوطنية من خالل ثالث وثائق ،ديوان املطبوعات
الجامعية -الجزائر.1985 ،
34
يخلف حاج عبد القادر
-7ابن حجر العسقالني ،بلوغ املرام من أدلة األحكام ،تحقيق وتخريج وتعليق :سمير بن أمين
الزهري ،ط ،7دار الفلق -الرياض 1424هـ.
-48محمد بغاية ،بيان أول نوفمبر " ،1954دعوى إلى الحرب ،رسالة للسالم" ،قراءة في البيان،
دار هومة ،الجزائر.1999 ،
ّ
-8بن يوسف بن خذة ،جذور أول نوفمبر ،1954تر :مسعود حاج مسعود ،ط ،2مؤسسة بن
يوسف بن خذة ،الجزائر ،دار الشاطبية للنشر والتوزيع ،املحمدية الجزائر1433 ،ه2012 /م.
ّ ّ
الصالبي ،الدولة الحديثة املسلمة دعائمها ووظائفها ،ط ،1دار ابن كثير، -9علي محمد محمد
بيروت1434 ،ه2013/م.
ّ
-10فاروق بن عطية ،األعمال اإلنسانية أثناء حرب التحرير " ،"1962-1954تقديم السيد
سعد دحلب والدكتور مصطفى مكاس ي ،ترجمة األستاذ كابوية عبد الرحمان واألستاذ سالم
محمد ،منشورات دحلب.2010 ،
-11دبش إسماعيل ،السياسة العربية واملواقف الدولية تجاه الثورة الجزائرية ،1962-1954
دار هومة ،الجزائر.1999 ،
-12النصوص األساسية لجبهة التحرير الوطني ،1962-1954وزارة اإلعالم والثقافة ،الجزائر،
.1977
13 -C.Collot et J.R Henry, Le Mouvement National Algérien- Textes
1912-1954, Ed,OPU, Alger, 1978.
14 - El-Moudjahid, n° 43 du 08/06/1959 et n° 68 du 05/08/1960.
15 -Mohammed Harbi, Archives de la Révolution Algérienne, Ed,
Jeune Afrique, Paris, 1985.
16 -Benyoucef Benkhedda, Les Origines du 1er Novembre 1954, Ed
Dahleb, Alger, 1989.
ّ
-17محمد لحسن زغيدي ،بيان أول نوفمبر 1954وأبعاده ،في مجلة الدراسات التاريخية،
ّ ّ
مجلة دورية محكمة ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،قسم التاريخ ،جامعة الجزائر،2
العدد ،14سنة 1433هـ2012/م.
-18رابح لونيس ي ،بيان أول نوفمبر وأسس الدولة الوطنية – الجذور الفكرية واملضمون ،-في
ّ
مجلة املصادر ،املركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر ،1954
العدد ،7رمضان 1423ه/نوفمبر 2002م.
ّ
-19عامر رخيلة ،البعد اإلنساني في الثورة الجزائرية ،مجلة املصادر ،العدد ،7رمضان
1423ه/نوفمبر 2002م.
35
أبعاد بيان أول نوفمبر 1954بين مرجعيات إعادة تأسيس الدولة الجزائرية واستراتيجيات املستقبل
قنان ،تشكيل الحكومة املؤقتة نقلة نوعية في دبلوماسية جبهة التحرير الوطني، -20جمال ّ
ّ
مجلة الذاكرة ،إصدار املتحف الوطني للمجاهد ،عدد .1996 ،4
-21عامر رخيلة ،بيان أول نوفمبر حقق التفاف الشعب الجزائري حول قضية االستقالل،
وكالة األنباء الجزائرية 1 ،أكتوبر .2014
-22محمد لحسن زغيدي ،وكالة األنباء الجزائرية ،يوم .2010/11/09
-23محمد القورصو ،وكالة األنباء الجزائرية 1 ،أكتوبر .2014
-24عبد املجيد شيخي ،مفهوم الثورة لإلعالم من خالل املواثيق والبيانات ،في سلسلة
امللتقيات :دراسات وبحوث امللتقى الوطني األول حول اإلعالم واإلعالم املضاد ،املركز الوطني
للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر ،1954األبيار -الجزائر.1996 ،
-25ناصر الدين سعيدوني ،نظرة في البعد التاريخي للثورة الجزائرية أي املشروع الحضاري
للثورة الجزائرية ،في معالم بارزة في ثورة نوفمبر 1954م في امللتقى األول بباتنة سنة 1989م،
إنتاج جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في األوراس"باتنة" ،مطبعة ّ
عمار قرفي-
باتنة.1992 ،
-26األمين بشيش ي،نماذج من اإلعالم واإلعالم املضاد ،ضمن :اإلعالم ومهامه أثناء الثورة،
دراسات وبحوث امللتقى الوطني األول حول اإلعالم واإلعالم املضاد يومي 24و،1996/09/25
منشورات املركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة ّأول نوفمبر ،1954
منشورات القصبة -الجزائر.1996 ،
-27زغيدي" ،منتدى الذاكرة" بمنتدى املجاهد ،نشر في املساء بتاريخ .2009/10/31
-28زغيدي ،يومية الفجر.2010/11/09 ،
-29أحمد سعيد ،يومية الفجر ،األربعاء 13يناير .2016
-30زغيدي ،يومية ّ
األمة العربية ،بتاريخ .2009/11/01
-31البرملان الجزائري ،العدد الصادر بتاريخ .1939/06/27
-32جريدة املجاهد ،العدد ،12الصادرة بتاريخ .1957/11/15
-33محمد زغيدي ،يومية الفجر ،الجمعة 22يناير .2016
شوال 1354ه 17/جانفي 1936م. -34البصائر ،السنة األولى ،العدد ،3الجمعة ّ 22
-35جريدة املجاهد ،العدد ،121أبريل .1958
36- El Moudjahid, n°4(numéro spécial), octobre 1956.
36