Professional Documents
Culture Documents
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،وصلى هللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسلما .الصالة تنقسم أوال وبالجملة إلى فرض
وندب ،والقول المحيط بأصول هذه العبادة ينحصر بالجملة في أربعة أجناس :أعني أربع جمل :الجملة األولى :في
معرفة الوجوب وما يتعلق به .والجملة الثانية :في معرفة شروطها الثالثة :أعني شروط الوجوب وشروط الصحة
وشروط التمام والكمال .والجملة الثالثة :في معرفة ما تشتمل عليه من أفعال وأقوال ،وهي األركان .والجملة الرابعة :
في قضائها ومعرفة إصالح ما يقع فيها من الخلل وجبره ; ألنه قضاء إذا كان استدراكا لما فات .
الجملة األولى وهذه الجملة فيها أربع مسائل :هي في معنى أصول هذا الباب :المسألة األولى :في بيان وجوبها .الثانية
:في بيان عدد الواجبات منها .الثالثة :في بيان على من تجب .الرابعة :ما الواجب على من تركها متعمدا@ ؟ ( .المسألة
األولى ) :أما وجوبها ،فبين من الكتاب والسنة واإلجماع ،وشهرة ذلك تغني عن تكلف القول فيه ( .المسألة الثانية ) :
وأما عدد الواجب منها ففيه قوالن :أحدهما :قول مالك والشافعي واألكثر ،وهو أن الواجب هي الخمس صلوات فقط ال
غير .والثاني :قول أبي حنيفة وأصحابه ،وهو أن الوتر واجب مع الخمس ،واختالفهم هل يسمى ما ثبت بالسنة واجبا
أو فرضا ال معنى له .وسبب اختالفهم األحاديث المتعارضة .أما األحاديث التي مفهومها وجوب الخمس فقط بل هي
نص في ذلك فمشهورة وثابتة ،ومن أبينها في ذلك ما ورد في حديث اإلسراء المشهور أنه لما بلغ الفرض إلى خمس قال
له موسى :ارجع إلى ربك فإن أمتك ال تطيق ذلك ،قال :
فراجعته ،فقال تعالى :هي خمس ،وهي خمسون ال يبدل القول لدي ،وحديث األعرابي المشهور الذي سأل النبي عليه
الصالة والسالم عن اإلسالم فقال له « :خمس صلوات في اليوم والليلة ،قال :هل علي غيرهام قال :ال ،إال أن تطوع
» .وأما األحاديث التي مفهومها وجوب الوتر ،فمنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول هللا ﷺ قال :
« إن هللا قد زادكم صالة وهي الوثر فحافظوا عليها ،وحديث حارثة بن حذافة قال « :خرج علينا رسول هللا ﷺ فقال :
" إن هللا أمركم بصالة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر ،وجعلها لكم فيما بين صالة العشاء إلى طلوع الفجر ،
وحديث بريدة األسلمي أن رسول ہللا ﷺ قال « :الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا » .فمن رأى أن الزيادة هي نسخ ولم
تقو عنده هذه األحاديث قوة تبلغ بها أن تكون ناسخة لتلك األحاديث الثابتة المشهورة -رجح تلك األحاديث ،وأيضا فإنه
ثبت من قوله تعالى في حديث اإلسراء { ما يبدل القول لدي } [ ق " ] ٩٢ :وظاهره أنه ال تزاد فيها ،وال ينقص منها ،
وإن كان هو في النقصان أظهر ،والخير ليس يدخله النسخ .ومن بلغت عنده قوة هذه األخبار التي اقتضت الزيادة على
الخمس إلى رتبة توجب العمل أوجب المصير إلى هذه الزيادة ،ال سيما إن كان ممن يرى أن الزيادة ال توجب نسخا ،
لكن ليس هذا من رأي أبي حنيفة .
( المسألة الثالثة ) :وأما على من تجب فعلى المسلم البالغ وال خالف في ذلك .
( المسألة الرابعة ) :وأما ما الواجب على من تركها عمدا ،وأمر بها فأبى أن يصليها ال جحودا لفرضها ،فإن قوما قالوا
:يقتل ،وقوما قالوا :يعزر ويحبس ،والذين قالوا يقتل منهم من أوجب قتله كفرا ،وهو مذهب أحمد وإسحاق وابن
المبارك ،ومنهم من أوجبه حدا وهو مالك والشافعي وأبو حنيفة ،وأصحابه ،وأهل الظاهر ممن رأى حبسه وتعزيره
حتى يصلي .والسبب في هذا االختالف اختالف اآلثار ،وذلك أنه ثبت عنه عليه الصالة والسالم أنه قال « :ال يحل دم
امرئ مسلم إال بإحدى ثالث :كفر بعد إيمان ،أو زنا بعد إحصان ،أو قتل نفس بغير نفين) .وروي عنه عليه الصالة
والسالم من حديث بريدة قال « :العهد الذي بيننا وبينهم الصالة فمن تركها فقد كفر ،وحديث جابر عن النبي ﷺ أنه قال
« :ليس بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك إال ترك الصالة .فمن فهم من الكفر هاهنا الكفر الحقيقي جعل هذا الحديث
كأنه تفسير لقوله عليه الصالة والسالم « :كفر بعد إيمان ) ومن فهم هاهنا التغليظ والتوبيخ أي أن أفعاله أفعال كافر ،
وأنه في صورة كافر كما قال « :وال يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ،وال يسرق الشارف حين يسرق وهو مؤمن »
لم ير قتله كفرا .وأما من قال يقتل حدا فضعيف ،وال مستند@ له إال قياس شبه ضعيف إن أمكن ،وهو تشبيه الصالة
بالقتل في كون الصالة رأس المأمورات ،والقتل رأس المنهيات .وعلى الجملة فاسم الكفر إنما يطلق بالحقيقة على
التكذيب ،وتارك الصالة معلوم أنه ليس بمكذب إال أن يتركها معتقدا لتركها هكذا ،فنحن إذن بين أحد أمرين :إما أن
نفهم من الحديث الكفر الحقيقي فيجب علينا أن نتأول أنه أراد -عليه الصالة والسالم -من ترك الصالة معتقدا لتركها فقد
كفر .وإما أن يحمل على أن اسم الكفر على غير موضوعه األول ،وذلك على أحد معنيين :إما على أن حكمه حكم
الكافر أعني في القتل وسائر أحكام الكفار وإن .لم يكن مكذبا ،وإما على أن أفعاله أفعال كافر على جهة التغليظ والردع
له أي أن فاعل هذا يشبه الكافر في األفعال ،إذ كان الكافر ال يصلي كما قال عليه الصالة والسالم « :ال يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن » وحمله على أن حكمه حكم الكافر في أحكامه ال يجب المصير إليه إال بدليل ; ألنه حكم لم يثبت
بعد في الشرع من طريق يجب المصير إليه ،فقد يجب إذا لم يدل عندنا على الكفر الحقيقي الذي هو التكذيب أن يدل على
المعنى المجازي ال على معنى يوجب حكما لم يثبت بعد في الشرع بل يثبت ضده ،وهو أنه ال يحل دمه إذ هو خارج عن
الثالث الذين نص عليهم الشرع فتأمل هذا ،فإنه بين وهللا أعلم ( .أعني أنه يجب علينا أحد أمرين :إما أن نقدر في
الكالم محذوفا إن أردنا حمله على المعنى الشرعي المفهوم من اسم الكفر ،وإما أن نحمله على المعنى المستعار ،وأما
حمله على أن حكمه حكم الكافر في جميع أحكامه مع أنه مؤمن فشيء مفارق لألصول ،مع أن الحديث نص في حق من
يجب قتله كفرا أو حدا ،ولذلك صار هذا القول مضاهيا لقول من يكفر بالذنوب .
( الجملة الثانية في الشروط ) وهذه الجملة فيها ثمانية أبواب :الباب األول :في معرفة األوقات .الثاني :في معرفة
األذان واإلقامة .الثالث :في معرفة القبلة .الرابع :في ستر العورة واللباس في الصالة .الخامس :في اشتراط الطهارة
من النجس في الصالة .السادس :في تعيين المواضع التي يصلى فيها من المواضع التي ال يصلى فيها .السابع :في
معرفة الشروط التي هي شروط في صحة الصالة .الثامن :في معرفة النية ،وكيفية اشتراطها في الصالة .
الباب األول -في معرفة أوقات الصالة
وهذا الباب ينقسم أوال إلى فصلين :األول :في معرفة األوقات المأموربها.الثاني :في معرفة األوقات المنهي عنها
الفصل األول -في معرفة األوقات المأمور بها
وهذا الفصل ينقسم إلى قسمين أيضا :القسم األول :في األوقات الموسعة والمختارة .والثاني :في أوقات أهل
الضرورة .
القسم األول من الفصل األول من الباب األول من الجملة الثانية
واألصل في هذا الباب قوله تعالى { :إن الصالة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } [ النساء ] ۳۰۱ :اتفق المسلمون
على أن للصلوات الخمس أوقاتا خمسا هي شرط في صحة الصالة ،وأن منها أوقات فضيلة وأوقات توسعة ،واختلفوا
في حدود أوقات التوسعة والفضيلة ،وفيه خمس مسائل:
( المسألة األولى ) :اتفقوا على أن أول وقت الظهر الذي ال تجوز قبله هو الزوال ،إال خالفا شاذا روي عن ابن عباس ،
وإال ما روي من الخالف في صالة الجمعة على ما سيأتي واختلفوا منها في موضعين في آخر وقتها الموسع وفي وقتها
المرغب فيه .فأما آخر وقتها الموسع ،فقال مالك والشافعي وأبو ثور وداود هو أن يكون ظل كل شيء مثله وقال أبو
حنيفة :آخر الوقت أن يكون ظل كل شيء مثليه في إحدى الروايتين عنه ،وهو عنده .أول وقت العصر .وقد روي عنه
أن آخر وقت الظهر هو المثل ،وأول وقت العصر المثالن ،وأن ما بين المثل والمثلين ليس يصلح لصالة الظهر ،وبه
قال صاحباه أبو يوسف ومحمد .وسبب الخالف في ذلك اختالف األحاديث ،وذلك أنه ورد في إمامة جبريل « أنه صلى
بالنبي ﷺ الظهر في اليوم األول حين زالت الشمس ،وفي اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثله ،ثم قال " :الوقت
ما بين هذين ،وروي عنه قال « :إ ّنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من األمم كما بين صالة العصر إلى غروب الشمس ،
أوتي أهل التوراة ال ّت وراة فعملوا حتى انتصف النهار ،ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ،ثم أوتي أهل اإلنجيل اإلنجيل
فعملوا إلى صالة العصر ،ثم عجزوا ،فأعطوا قيراطا قيراطا ،ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأغطينا
قيراطين قيراطين ،فقال أهل الكتاب أي ربنا أعطيت هؤالء قيراطين قيراطين وأعطيتنا فيراطا فيراطا ،ونحن كنا أكثر
عمالم قال هللا تعالى :هل ظلمتكم من أجركم من شيء ؟ قالوا :ال ،قال :فهو فضلي أوتيه من أشاء » ؟ » فذهب مالك
والشافعي إلى حديث إمامة جبريل ،وذهب أبو حنيفة إلى مفهوم ظاهر هذا وهو أنه إذا كان من العصر إلى الغروب
أقصر من أول الظهر إلى العصر على مفهوم هذا الحديث ،فواجب أن يكون أول العصر أكثر من قامة ،وأن يكون هذا
هو آخر وقت الظهر .قال أبو محمد بن حزم :وليس كما ظنوا وقد امتحنت األمر فوجدت القامة تنتهي من النهار إلى
تسع ساعات وكسر .قال القاضي :أنا الشاك في الكسر ،وأظنه قال :وثلث ،حجة من قال باتصال يدخل وقت أخرى »
،الوقتين ( ،أعني اتصاال ال بفصل -غير منقسم ) قوله عليه الصالة والسالم « :ال يخرج وقت صالة حتى ا ،وهو
حديث ثابت .وأما وقتها المرغب فيه والمختار ،فذهب مالك إلى أنه للمنفرد أول الوقت ويستحب تأخيرها عن أول
الوقت قليال في مساجد الجماعات ،وقال الشافعي :أول الوقت أفضل إال في شدة الحر .وروي مثل ذلك عن مالك ،
وقالت طائفة :أول الوقت أفضل بإطالق للمنفرد والجماعة وفي الحر والبرد وإنما اختلفوا في ذلك الختالف األحاديث ،
وذلك أن في ذلك حديثين ثابتين :أحدهما :قوله عليه الصالة والسالم « :إذا اشتد الحر ،فأبردوا عن الصالة ،فإن شدة
الحر من فيح جهنم » والثاني « :أن النبي عليه الصالة والسالم كان يصلي الظهر بالهاجرة » وفي حديث خباب « أنهم
شكوا إليه حر الرمضاء ،فلم يشكهم » خرجه مسلم .قال زهير راوي الحديث :قلت ألبي إسحاق شيخه أفي الظهر ؟
قال :نعم ،قلت :أفي تعجيلها ؟ قال :نعم ،فرجح قوم حديث اإلبراد إذ هو نص ،وتأولوا هذه األحاديث إذ ليست
بنص .وقوم رجحوا هذه األحاديث لعموم ما روي من قوله -عليه الصالة والسالم « -وقد سئل :أي األعمال أفضل ؟
قال :الصالة ألول ميقاتها » ،والحديث متفق عليه ،وهذه الزيادة فيه ( ،أعني « :ألول ميقاتها » مختلف فيها .
( المسألة الثانية ) :اختلفوا من صالة العصر في موضعين :أحدهما :في اشتراك أول وقتها مع آخر وقت صالة
الظهر .والثاني :في آخر وقتها ،فأما اختالفهم في االشتراك فإنه اتفق مالك والشافعي وداود ،وجماعة على أن أول
وقت العصر هو بعينه@ آخر وقت الظهر ،وذلك إذا صار ظل كل شيء مثله ،إال أن مالكا يرى أن آخر وقت الظهر وأول
وقت العصر هو وقت مشترك للصالتين معا ( :أعني :بقدر ما يصلي فيه أربع ركعات ) وأما الشافعي ،وأبو ثور ،
وداود فآخر وقت الظهر عندهم هو اآلن الذي هو أول وقت العصر هو زمان غير منقسم .وقال أبو حنيفة كما قلنا أول
وقت العصر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ،وقد تقدم سبب اختالف أبي حنيفة معهم في ذلك .وأما سبب اختالف
مالك ،مع الشافعي ،ومن قال بقوله في هذه ،فمعارضة حديث جبريل في هذا المعنى لحديث عبد هللا بن عمر ،وذلك
أنه جاء في إمامة جبريل أنه صلى بالنبي عليه الصالة والسالم الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر
في اليوم األول .وفي حديث ابن عمر أنه قال -عليه الصالة والسالم « : -وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر ،
خرجه مسلم .فمن رجح حديث جبريل جعل الوقت مشتركا ،ومن رجح حديث عبد هللا لم يجعل بينهما اشتراكا ،وحديث
جبريل أمكن أن يصرف إلى حديث عبد هللا ،من حديث عبد هللا إلى حديث جبريل ; ألنه يحتمل أن يكون الراوي تجوز
في ذلك لقرب ما بين الوقتين ،وحديث إمامة جبريل صححه الترمذي ،وحديث ابن عمر خرجه مسلم .وأما اختالفهم في
آخر وقت العصر :فعن مالك في ذلك روايتان :إحداهما :أن آخر وقتها أن يصير ظل كل شيء مثليه ،وبه قال الشافعي
والثانية أن آخر وقتها ما لم تصفر الشمس ،وهذا قول أحمد بن حنبل ،وقال أهل الظاهر :آخر وقتها قبل غروب الشمس
بركعة .والسبب في اختالفهم أن في ذلك ثالثة أحاديث متعارضة الظاهر أحدها :حديث عبد هللا بن عمر خرجه مسلم
وفيه « :فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى ان تصفر الش وفي بعض رواياته « :وقت العصر ما لم تصفر الشمس » .
والثاني :حديث ابن عباس في إمامة جبريل ،وفيه « أنه صلى به العصر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثليه )
،والثالث :حديث أبي هريرة المشهور من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ،فقد أدرك العصر ،ومن
أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح » فمن صار إلى ترجيح حديث إمامة جبريل جعل آخر
وقتها المختار المثلين ،ومن صار إلى ترجيح حديث ابن عمر جعل آخر وقتها المختار اصفرار الشمس ) .ومن صار
إلى ترجيح حديث أبي هريرة قال :وقت العصر إلى أن يبقى منها ركعة قبل غروب الشمس ،وهم أهل الظاهر كما قلنا ،
وأما الجمهور فسلكوا في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر مع حديث ابن عباس إذ كان معارضا لهما كل التعارض ،
مسلك الجمع ألن حديثي ابن عباس وابن عمر تتقارب الحدود المذكورة فيهما ،ولذلك قال مالك مرة بهذا ومرة بذلك ،
وأما الذي في حديث أبي هريرة ،فبعيد@ منهما ومتفاوت فقالوا :حديث أبي هريرة إنما خرج مخرج أهل األعذار .
( المسألة الثالثة ) :اختلفوا في المغرب هل لها وقت موسع كسائر الصلوات أم ال ؟ فذهب قوم إلى أن وقتها واحد غير
موسع ،وهذا هو أشهر الروايات عن مالك وعن الشافعي .وذهب قوم إلى أن وقتها موسع ،وهو ما بين غروب الشمس
إلى غروب الشفق ،وبه قال أبو حنيفة ،وأحمد ،وأبو ثور ،وداود ،وقد روي هذا القول عن مالك والشافعي .وسبب
اختالفهم في ذلك معارضة حديث إمامة جبريل في ذلك لحديث عبد هللا بن عمر وذلك أن في حديث إمامة جبريل أنه
صلى المغرب في اليومين في وقت واحد ،وفي حديث عبد هللا « ووقت صالة المغرب ما لم يغب الشفق » فمن رجح
حديث إمامة جبريل جعل لها وقتا واحدا .ومن رجح حديث عبد هللا جعل لها وقتا موسعا ،وحديث عبد هللا خرجه مسلم
ولم يخرج الشيخان حديث إمامة جبريل ( :أعني حديث ابن عباس ) الذي فيه أنه صلى بالنبي -عليه الصالة والسالم -
عشر صلوات مفسرة األوقات ،ثم قال له :الوقت ما بين هذين ،والذي في حديث عبد ا هللا من موجود أيضا في حديث
بريدة األسلمي ،خرجه مسلم ،وهو أصل في هذا الباب .قالوا :وحديث بريدة أولى ألنه كان بالمدينة@ عند سؤال السائل
له عن أوقات الصلوات ،وحديث جبريل كان في أول الفرض بمكة .
( المسألة الرابعة ) :اختلفوا من وقت العشاء اآلخرة في موضعين :أحدهما في أوله ،والثاني :في آخره .أما أوله
فذهب مالك ،والشافعي ،وجماعة إلى أنه مغيب الحمرة ،وذهب أبو حنيفة إلى أنه مغيب البياض الذي يكون بعد الحمرة
.وسبب اختالفهم في هذه المسألة اشتراك اسم لسان العرب فإنه كما أن الفجر في لسانهم فجران كذلك الشفق شفقان :
أحمر األول حين غاب الشفق ،وقد وأبيض ،ومغيب الشفق األبيض يلزم أن يكون بعده من أول الليل إما بعد الفجر
المستدق من آخر الليل ( :أعني الفجر الكاذب ) وإما بعد الفجر األبيض المستطير ،وتكون الحمرة نظير الحمرة ،
فالطوالع إذن أربعة :الفجر الكاذب ،والفجر الصادق ،واألحمر والشمس ،وكذلك يجب أن تكون الغوارب ،ولذلك ما
ذكر عن الخليل من أنه رصد الشفق األبيض ،فوجده يبقى إلى الليل -كذب بالقياس والتجربة ) ،وذلك أنه ال خالف ب
أنه قد ثبت في حديث بريدة ،وحديث إمامة جبريل أنه صلى العشاء في اليوم الجمهور مذهبهم بما ثبت " أن رسول ہللا
ﷺ « كان يصلي العشاء عند مغيب القمر في الليلة الثالثة ،ورجح أبو حنيفة مذهبه@ بما ورد في تأخير العشاء واستحباب
تأخيره وقوله « :لوال أن أشق على أمتي ألخرت هذه الصالة إلى نصف الليل ،وأما آخر وقتها فاختلفوا فيه على ثالثة
أقوال :قول :إنه ثلث الليل .وقول :إنه نصف الليل .وقول :إنه إلى طلوع الفجر ،وباألول ( أعني ثلث الليل ) قال
الشافعي وأبو حنيفة ،وهو المشهور من مذهب مالك ،وروي عن مالك القول الثاني :أعني نصف الليل ،وأما الثالث
فقول داود .وسبب الخالف في ذلك تعارض اآلثار ،ففي حديث إمامة جبريل أنه صالها بالنبي -عليه الصالة والسالم -
في اليوم الثاني ثلث الليل .وفي حديث أنس أنه قال « :أخر النبي ﷺ صالة العشاء إلى نصف الليل » خرجه
البخاري .وروي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري ،وأبي هريرة عن النبي -عليه الصالة والسالم -أنه قال « :لوال
أن أشق على أمتي ألخرت العشاء إلى نصف الليل » وفي حديث أبي قتادة « ليس التفريط في النوم إنما التفريط أن تؤخر
الصالة حتى يدخل وقت األخرى .فمن ذهب مذهب الترجيح لحديث إمامة جبريل قال ثلث الليل ،ومن ذهب مذهب
الترجيح لحديث أنس قال :شطر الليل .وأما أهل الظاهر فاعتمدوا حديث أبي قتادة ،وقالوا :هو عام وهو متأخر عن
حديث إمامة جبريل ،فهو ناسخ ولو لم يكن ناسخا لكان تعارض اآلثار يسقط حكمها ،فيجب أن يصار إلى استصحاب
حال اإلجماع ،وقد اتفقوا على أن الوقت يخرج لما بعد@ طلوع الفجر ،واختلفوا فيما قبل ،فإنا روينا عن ابن عباس أن
الوقت عنده إلى طلوع الفجر ،فوجب أن يستصحب حكم الوقت ،إال حيث وقع االتفاق على خروجه ،وأحسب أن به قال
أبو حنيفة .
( المسألة الخامسة ) :واتفقوا على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق وآخره طلوع الشمس ،إال ما روي عن ابن
القاسم ،وعن بعض أصحاب الشافعي من أن آخر وقتها اإلسفار .واختلفوا في وقتها المختار ،فذهب الكوفيون ،وأبو
حنيفة ،وأصحابه ،والثوري ،وأكثر العراقيين إلى أن اإلسفار بها أفضل ،وذهب مالك ،والشافعي ،وأصحابه ،وأحمد
بن حنبل ،وأبو ثور ،وداود إلى أن التغليس بها أفضل .وسبب اختالفهم :اختالفهم في طريقة جمع األحاديث المختلفة
الظواهر في -ع ذلك ،وذلك أنه ورد عنه -عليه الصالة والسالم -من طريق رافع بن خديج أنه قال « :أسفروا
بالصبح ،فكلما أسفرتم ،فهو أعظم لألجر » ،وروي عنه -عليه الصالة والسالم -أنه قال وقد سئل :أي األعمال
أفضل ؟ قال « :الصالة ألول ميقاتها » وثبت عنه -عليه الصالة والسالم « -أنه كان يصلي الصبح فتنصرف النساء
متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس » .وظاهر الحديث أنه عمله في األغلب ،فمن قال :إن حديث رافع خاص
وقوله « الصالة ألول ميقاتها » عام ،والمشهور أن الخاص يقضي على العام إذا هو استثنى من هذا العموم صالة
الصبح ،وجعل حديث عائشة محموال على الجواز ،وأنه إنما تضمن اإلخبار بوقوع ذلك منه ال بأنه كان ذلك غالب
أحواله ﷺ قال « :اإلسفار أفضل من التغليس » .ومن رجح حديث العموم لموافقة حديث عائشة له ،وألنه نص في
ذلك أو ظاهر ،وحديث رافع بن خديج محتمل ; ألنه يمكن أن يريد بذلك تبين الفجر ،وتحققه ،فال يكون بينه وبين
حديث عائشة ،وال العموم الوارد في ذلك تعارض -قال :أفضل الوقت أوله .وأما من ذهب إلى أن آخر وقتها اإلسفار
فإنه تأول الحديث في ذلك أنه ألهل الضرورات ( أعني قوله -عليه الصالة والسالم « : -من أذرك ركعة من الصبح
قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح » وهذا شبيه بما فعله الجمهور في العصر ،والعجب أنهم عدلوا عن ذلك في هذا
ووافقوا أهل الظاهر ،ولذلك ألهل الظاهر أن يطالبوهم بالفرق بين ذلك .