You are on page 1of 44

‫ضفاف‬

‫جمةل العلوم اإلنسانية‬


‫جملـــة 'ضفاف' لكية الآداب والعلوم اإلنسانية مبراكش‬
‫شــروط النشــر‬

‫▪ مجلة ضفاف مجلة علمية محكمة تعنى بنشر األبحاث واألعمال التي تدخل في مجال العلوم‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫▪ مجلة فصلية‪.‬‬
‫▪ تنشر املجلة مقاالت ودراسات وأبحاثا أصلية لم يسبق نشرها وال تقديمها للنشر‪.‬‬
‫▪ تخضع األعمال املقترحة للنشر لشروط البحث العلمي املتعارف عليها من حيث التوثيق وذكر‬
‫املصادر واملراجع املعتمدة‪.‬‬
‫▪ تعبر األبحاث املنشورة باملجلة عن آراء أصحابها‪.‬‬
‫▪ تقدم األبحاث في نسخة مطبوعة ونسخة إلكترونية‪.‬‬
‫▪ تلتزم املقاالت باملعايير التقنية للنشر باملجلة‪ ،‬فتكتب املقاالت العربية بخط ‪Sakkal majalla 14‬‬
‫واملقاالت بالحرف الالتيني بخط ‪.Times New Roman 11‬‬
‫▪ تكتب الهوامش أسفل الصفحة بخط ‪.Times New Roman 10‬‬
‫▪ ينبغي أال تزيد صفحات البحث عن ‪ 20‬صفحة‪.‬‬
‫▪ يذكر الباحث اسمه واسم بنية البحث والجامعة‪-‬املؤسسة التي ينتمي إليها في الصفحة األولى‪.‬‬
‫▪ يقدم الباحث ملخصا لبحثه مستقال عن املقال‪.‬‬
‫▪ يكتب ملخص للبحث بلغة غير اللغة التي كتب بها‪.‬‬
‫▪ تخضع املقاالت والبحوث املقدمة للمجلة للتحكيم‪ ،‬ويلتزم الباحث بإجراء التعديالت التي‬
‫يقترحها املحكمون في أجل أقصاه ‪ 15‬يوما بعد توصله بها‪.‬‬
‫▪ تحتفظ املجلة بحقها في عدم نشر أي بحث ال يستجيب لشروطها‪.‬‬
‫▪ ال ترد األبحاث إلى أصحابها نشرت أو لم تنشر‪.‬‬
‫▪ تحتفظ املجلة بحقوق التأليف وإعادة النشر الورقي أو اإللكتروني للمقاالت املنشورة بها‪.‬‬
‫▪ املقاالت املقدمة للنشر ال يجب أن تنتهك حقوق مؤلفين أو ملكية أطراف آخرين‪.‬‬
‫ضفاف‬
‫جمةل العلوم اإلنسانية‬
‫مجلة علمية محكمة‬

‫العدد الرابع ‪2020 -‬‬

‫إصدار لكية الآداب والعلوم اإلنسانية‬


‫جامعة القايض عياض – مراكش ‪ -‬املغرب‬
‫فهرس احملتويات‬
‫كلمة العدد ‪9.....................................................................................................‬‬
‫عميد كلية الداب والعلوم اإلنسانية‬
‫عبد الرحيم بنعلي‬
‫محاولة تركيبية أولية لجغ رافية جائحة "كوفيد‪ "19-‬بين العاملي واملحلي‪11 ................‬‬
‫هالل عبد املجيد‪ /‬محمد أنفلوس‬
‫بناء التمثالت املجالية في درس الجغ رافيا‪49 ...........................................................‬‬
‫محمد كالد‬
‫تقييم وم راقبة االجراءات الوقائية البيئية واالجتماعية ملشاريع التنوع الحيوي‬
‫الزراعي والتكيف مع التغيرات املناخية بمنطقة بني مطر محافظة صنعاء –‬
‫الجمهورية اليمنية ‪73 ...........................................................................................‬‬
‫عبد القادرمحمد الخراز‬
‫ابن عربي شارحا البن قس ي‪93 ................................................................................‬‬
‫محمد البوغالي‬
‫املنطق األرسطي وصلته باملجال التداولي اليوناني ‪117 ................................................‬‬
‫أحمد برشيل‬
‫محاكمة الفضول املعرفي وتاريخ إدانة الفلك‪133 .......................................................‬‬
‫حاتم أمزيل‬
‫دور املنطق في فلسفة ابن باجه ‪ :‬خطاطة أولية ‪159 ....................................................‬‬
‫راشق جمال‪ /‬الحسين أخدوش‬

‫‪7‬‬
‫كلمة العدد‬
‫يسعدنا أن نقدم لعموم القراء والباحثين األعزاء العدد الرابع من مجلة ضفاف التي‬
‫تصدر عن كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بمراكش‪.‬‬
‫ونغتنم فرصة صدور هذا العدد الحافل باملقاالت العلمية الغنية واملتميزة‪ ،‬لنعرب عن‬
‫تقديرنا البالغ للمجهودات التي تبذلها لجنة التحرير مشكورة‪ ،‬في مختلف مراحل إعداد‬
‫وإخراج هذا املشروع العلمي الطموح سواء تعلق األمر باختيار وانتقاء املادة العلمية‪ ،‬أو‬
‫عمليات طباعة ونشر كتيبه‪ ،‬مقدرين حرصها على األصالة العلمية‪ ،‬واحترام ضوابط النشر‪،‬‬
‫لتخرج املجلة في أحسن حلة‪.‬‬
‫إن النهج األكاديمي املتبع‪ ،‬والخط التحريري امللتزم به‪ ،‬ملن شأنهما أن يكسبا هذه‬
‫املجلة‪ ،‬ومن خاللها املؤسسة التي تنتمي إليها‪ ،‬حظوة كبيرة بين جمهرة الباحثين‪ ،‬وأن يرقيا بها‬
‫إلى مصاف اإلصدارات العلمية املتميزة ليس على الصعيد الوطني والعربي فحسب بل على‬
‫املستوى الدولي‪ ،‬إذا ما أخذنا بعين االعتبار املكانة التي تحظى بها جامعة القاض ي عياض‬
‫وطنيا وإفريقيا ودوليا‪ .‬ويعود الفضل في كل ذلك إلى تظافر جهود األساتذة واإلداريين‬
‫والتقنيين‪ ،‬فلهم منا جميعا جزيل الشكر والثناء‪.‬‬
‫ويطيب لي أن أوجه تقديري كذلك للسيدات والسادة األساتذة الباحثين الذين أغنوا‬
‫هذا العدد بمساهماتهم العلمية القيمة‪ ،‬سواء املنتمين إلى كليتنا أو العاملين بمؤسسات‬
‫جامعية أخرى‪ ،‬موجها الدعوة للجميع من أجل تجديد املشاركة وإغناء األعداد املقبلة‬
‫بدراساتهم وأبحاثهم‪ ،‬كما ال تفوتني الفرصة دون أن أوجه طلبتنا الباحثين الشباب في سلك‬
‫الدكتوراه من أجل االنخراط الجدي في اإلنتاج العلمي‪ ،‬وبلورة مشاريعهم البحثية في مقاالت‪،‬‬
‫تستجيب للمتطلبات العلمية والفنية التي يسعى هذا املنبر إلى نشرها‪.‬‬
‫لقد حرصنا أشد الحرص على أن يصدر هذا العدد كسابقيه‪ ،‬مستوفيا للشروط‬
‫والضوابط العلمية املتعارف عليها‪ ،‬ملما بمختلف الحقول املعرفية في العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية‪ .‬ومن جهة ثانية أن تكون محتويات هذا العدد وفقا للمسار الذي رسمناه جميعا‬
‫للمجلة باعتبارها منبرا للقراءات واملقاربات املنهجية والدراسات الجادة التي يقترحها مختلف‬
‫الباحثين‪ ،‬ومما زادنا سرورا وغبطة كون األبحاث التي يتضمنها هذا العدد‪ ،‬سواء املقدمة‬
‫باللغة العربية أو الفرنسية‪ ،‬تطرح مجموعة من القضايا املعرفية واملنهجية‪ ،‬إلى جانب بعض‬

‫‪9‬‬
‫املقاربات االبستمولوجية‪ ،‬إضافة إلى املقترحات العلمية والتطبيقية في ميادين متعددة تعنى‬
‫باإلنسان واملجال الطبيعي بكل أنماطه االقتصادية واالجتماعية والبيئية‪ .‬وهي مساهمات‬
‫علمية رصينة ملتخصصين بارزين وباحثين شباب في الجغرافيا والتاريخ وعلم االجتماع‬
‫واألنتروبولوجيا والفلسفة‪.‬‬
‫أملنا أن يجد القارئ الكريم ما يشبع نهمه العلمي ويغذي زاده املعرفي من خالل املواد‬
‫املنشورة‪ ،‬وسعينا كذلك أن نكون قد أسهمنا في مواصلة بلورة الهدف النبيل الذي تنشده‬
‫مجلتنا‪ ،‬حتى تكون منبرا علميا جديرا بالتقدير‪ ،‬يجد فيها الباحثون ضالتهم‪ ،‬ويتحقق من‬
‫خاللها اإلشعاع الكبير ملؤسستنا ولجامعتنا‪.‬‬

‫وهللا ولي التوفيق‬

‫عميد الكلية‬
‫ذ‪ .‬عبد الرحيم بنعلي‬

‫‪10‬‬
‫دور املنطق يف فلسفة ابن باجّه‬
‫خطاطة أولية‬

‫ الحسين أخدوش‬،‫جمال راشق‬


‫ مراكش‬،‫جامعة القاض ي عياض‬

‫ملخّص‬
‫ وقد ُر ْم َنا فيه استجالء طبيعة‬،‫باجه‬
ّ ‫يدور موضوع هذا املقال حول مكانة املنطق في فلسفة ابن‬
‫ السيما ّأنه أكثر في استخدامها في سياق بسط أقواله حول املوضوعات الفلسفية التي‬،‫استعماله لألداة املنطقية‬
ّ
‫ فقد الحظنا قلة تأليفه للكتب املنطقية مقارنة بالفارابي وابن سينا‬.‫ وعلى رأسها املوضوع الطبيعي‬،‫اشتغل بها‬
ّ ّ ّ
‫ إال ّأنه مع ذلك يوظف األداة املنطقية بكثرة في أقواله‬،‫ أو حتى الالحقين عليه كابن رشد وابن طملوس‬،‫قبله‬
‫خصصناه إلبراز حضور املنطق في كتاب‬ ّ ‫ األول‬:‫ حاولنا مقاربة هذا املوضوع من خالل ثالثة محاور‬.‫الفلسفية‬
‫خصصنا الثالث لنقد ابن باجه‬ ّ ‫ بينما‬،‫ والثاني تناولنا فيه حضور املنطق في كتاب النفس‬،‫شرح السماع الطبيعي‬
ّ
.‫ ثم خرجنا بخالصة للمقال ركزنا فيها على عرض النتائج‬.‫لآلخرين من جهة قصور معرفتهم بطرق املنطق‬
ّ ‫ ابن‬: ‫الكلمات املفاتيح‬
‫ الفلسفة في الغرب‬،‫ الطرق املنطقية‬،‫ العلم الطبيعي‬،‫ املنطق‬،‫باجه‬
.‫اإلسالمي‬
Résumé
Le sujet de cet article consiste à aborder l’importance de la logique chez Ibn
Bāğğa, notamment la façon d’utiliser la logique comme outil dans sa philosophie
théorique. Nous avons essayé d’approcher cette idée à travers trois axes: Le premier
met en évidence la présence de la logique dans sa paraphrase: Šarḥ al-samā‛ al-ṭabī‛ī;
le second traité la présence de la logique dans son livre: Kitāb al-Nafs. Le troisième axe
est à propos de son approche critique envers les autres vu leur méconnaissance en
matière de logique.
Mots clefs : Ibn Bāğğa, l’organon, Aristote, philosophie en occident
islamique.
Abstract
This article focuses on the place of logic in Ibn Ibn Bāğğa’s corpus. We tried to
approach this subject through three axes: the first axe, it is devoted to explore How Ibn
Bāğğa uses logic in his paraphrase: Šarḥ al-samā‛ al-ṭabī‛ī. In the second axe, we
approached the presence of logic in his book Kitāb al-Nafs. On the third axe, we focused on
Ibn Bāğğa’s critics of others about their insufficient knowledge of logic methods.
Keywords: Ibn Bāğğa, Philosophy, logic, Islamic philosophy.

159
‫مقدّمة‬
‫خاصة في سياق تعاليقه وشروحه‪ ،‬ولم يخرج في ذلك عن‬ ‫أولى ابن ّ‬
‫باجه املنطق عناية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التقليد الفلسفي املشائي العربي‪ ،‬إال ّأن خصوصيته ظلت مرتبطة بطبيعة حضور املنطق في‬
‫فلسفته‪ .‬فمن جهة‪ّ ،‬‬
‫نسجل قلة تواليفه في املنطق باملقارنة مع السابقين كالفارابي وابن سينا‪،‬‬
‫ّ‬
‫أو حتى الالحقين عليه كابن رشد وابن طملوس؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬نالحظ حضورا كثيفا لألداة‬
‫املنطقية في مجمل تواليفه‪ ،‬من الشروحات والتعاليق إلى الرسائل‪ .‬فما تفسير هذا األمر إذن؟‬
‫كرس جهده النظري إلعادة االعتبار للفلسفة‪ ،‬وهذا ما أفض ى لديه‬ ‫باجه ّ‬ ‫الواقع ّ‬
‫أن ابن ّ‬
‫إلى ترسيخ دور األداة املنطقية في التأسيس للعلوم النظرية التي أتقنها‪ 1.‬ونتيجة لهذا الوضع‬
‫املتقدم للمنطق‪ ،‬غدت الصناعة املنطقية منهجا للخوض في باقي الصناعات النظرية‪ :‬العلم‬ ‫ّ‬
‫الطبيعي وعلوم التعاليم والعلم املدني‪ .‬في مقابل ذلك‪ ،‬استبعد الصناعات البيانية‪ :‬كصناعة‬
‫النحو والبالغة والفقه‪ ،‬من دائرة املعقولية الفلسفية‪ 2.‬فلتسليط الضوء على مكانة املنطق‬
‫باجه‪ ،‬واستجالء أوجه حضوره في فلسفته‪ ،‬يجدر بنا فحص هذا املوضوع في سياق‬ ‫لدى ابن ّ‬
‫األقوال الفلسفية التي تكشف طبيعة حضور األداة املنطقية وقيمتها لديه‪ ،‬وذلك حتى ّ‬
‫يتسنى‬
‫باجه؟ كيف‬ ‫إبراز وضعية حضور املنطق في فلسفته‪ .‬فما هي وضعية املنطق في فلسفة ابن ّ‬
‫حضر املنطق في العلوم النظرية لديه؟ وكيف استعمله في العلم الطبيعي بصفة ّ‬
‫خاصة؟‬
‫‪ .1‬حضور املنطق يف كتاب شرح السماع الطبيعي‬
‫باجه للعلم حرصه على اتباع الطرق املنطقية‪ ،‬جاعال من‬ ‫رأينا في سياق تنظير ابن ّ‬
‫تبين في ضوء املحور السابق‪ ،‬مدى ترابط العلوم‬‫القياس البرهاني نموذجا لهذه الطرق‪ .‬وقد ّ‬
‫ّ‬
‫التصور‬ ‫تحقق املستويات الضرورية للمعرفة الصحيحة في الفلسفة‪ ،‬وهي‪ :‬مستوى‬‫النظرية ب ّ‬
‫ّ‬ ‫الصحيح‪ ،‬مستوى التصديق ّ‬
‫التام‪ّ ،‬‬
‫ثم مستوى اليقين الضروري الذي يوفيه القياس البرهاني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Christia, (J), Qu’est-ce que la philosophie islamique; éd Gallimard, Paris, 2011, p.‬‬
‫‪230.‬‬
‫‪ -2‬يقول ابن باجه‪« :‬فمن الواجب أن نأخذ معنى األلفاظ المستعملة في الصنائع على ما أعطاه أبو نصر في الفصل‬
‫الخامس على العموم‪ ،‬وال نتسامح بأن نقنع من تصور المعنى بأن يكون عندنا اسمه الدال عليه فقط‪ ،‬دون ما يدل‬
‫عليه حده‪ .‬فهذا أنقص ما يتصور به المعنى‪ ،‬وهذا كثير‪ ،‬والسيما األلفاظ‪ ،‬مثل ما يفعله من ال يعلم اللسان العربي‬
‫ويقرأ علومه‪ .‬فقصد هو بها أن تجري ألفاظ ذلك العلم على لسانه فقط‪ .‬ولذلك نراهم يجهدون أنفسهم في الدرس‪،‬‬
‫حتى ينطلق ذلك على ألسنتهم‪ .‬فقد رأينا منهم من يدرس من مسائل الفقه ويحفظه وليس عنده علم شيء منها‪ ،‬فهذا‬
‫يقنع من العلم أن يقول عنده ألفاظه فقط‪ .‬وإذا أخذ المتعلم للصناعة نفسه بما أعطاه أبو نصر في الفصل الخامس‬
‫من أخذ المعنى عن دالالت األلفاظ الثالثة‪ ،‬أمكنة تعلم صناعة بقول‪ ،».‬أنظر‪ :‬ابن باجه‪ ،‬تعاليق على الفصول‬
‫الخمسة للفارابي‪ ،‬ضمن تعاليق ابن باجه على منطق الفارابي‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار المشرق‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1994 ،‬ص‪.72 .‬‬

‫‪160‬‬
‫وتأخذ األداة املنطقية في هذا السياق داللة املنهج الذي يساعدنا على التفكير السليم في‬
‫الفلسفة باستخدام املنطق كأداة لتقويم العلوم بالبحث والكشف والتدليل‪ .‬السؤال املطروح‬
‫يسوغ ابن ّ‬
‫باجه صالحية استخدام املنطق في االشتغال الفلسفي؟‬ ‫هو كيف ّ‬

‫في دراسة له حول "التصور والتصديق عند ابن باجه‪ :‬العلم والنفس" كشف الباحث‬
‫ّ‬
‫التصورات والتصديقات كان يعمل على شرح وتوضيح‬ ‫أن ابن ّ‬
‫باجه في مبحثي‬ ‫‪ّ Miquel Forcada‬‬
‫التصور باستعمال نظرية الحد‪ 1.‬والواقع ّأن ابن‬
‫ّ‬ ‫ما سبق أن ذهب إليه الفارابي حول أهمية‬
‫ّ‬
‫باجه في تعليقه على "البرهان" للفارابي قد عزز فعال نظرية التعريف التي تتعامل بشكل خاص‬ ‫ّ‬
‫يؤسس لنموذجية البرهان في البحث واالستدالل‪،‬‬ ‫الحد والقياس البرهاني‪ 2،‬وذلك بما ّ‬ ‫مع ّ‬
‫جيدة بطرق الحمل املنطقية‪ّ ،‬‬
‫تصورا‬ ‫فالذي يتقن االستدالل والحكم‪ ،‬تحصل له معرفة ّ‬
‫وتصديقا‪ ،‬كما ّ‬
‫تقرر في الصناعة املنطقية‪3.‬‬

‫يعرف العلم الطبيعي‪ ،‬الذي‬ ‫باجه املشتغل بالفلسفة الطبيعية‪ ،‬سوف ّ‬ ‫إن ابن ّ‬
‫موضوعه الجسم الطبيعي‪ ،‬بأنه نظري‪ ،‬فيقول إن معظم موضوعه معروف بالحواس‪ .‬لكن‪،‬‬
‫تأسيس معرفة حقيقية بموضوع هذا العلم‪ ،‬هو ما ّ‬
‫يحتم جعل الفيزياء النظرية تقوم على‬
‫أساس املبادئ العقلية التي تضبط الطرق املنطقية املعروفة عند أرسطو والفارابي‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فالعلم الطبيعي‪ ،‬كعلم ّ‬
‫يفسر الطبيعة‪ ،‬يتولى بحث األسباب الحقيقية للموجودات الطبيعية‪،‬‬
‫انطالقا من تلك املبادئ النظرية؛ وهنا ينبغي التنبيه إلى أهمية املناقشة الطويلة حول جوهر‬
‫وموقع العلم الطبيعي بالنسبة لباقي فروعه‪ ،‬كما جاء في مقدمة ابن ّ‬
‫باجه لكتاب الحيوان‪4.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪. Miquel Forcada, IbnBajja on Tasawwur and Tasdiq: science and psychology, in Arabic‬‬
‫‪Sciences and Philosophy, vol. 24, Cambridge University Press, 2014, 109-110.‬‬
‫‪ . 2‬الفارابي‪ ،‬كتاب الحروف‪ ،‬تحقيق وتقديم محسن مهدي‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1970 ،‬ص ص‪.67 – 66 .‬‬
‫‪ .3‬يورد ابن باجه قوال داالًّ يبرز هذه المسألة‪ ،‬حيث يقول‪« :‬وإنما يوجد العلم بالمحمول الذاتي الكلي بوجود العقل‪.‬‬
‫فإنا ال نجد منه إال أشخاصا يسيرة‪ ،‬وربما لم نحس بشخص ذلك الكلي أصال‪ ،‬وذلك عندما نستنبط أمرا لم نشاهده‬
‫وال سمعنا به أصال‪ .‬وبه نقدر أن نحكم فنصيب على كل ما كان وما يكون‪ ،‬حتى كأنا شاهدناه‪ .‬وكل ذلك بين عند‬
‫من زاول أمثال هذه األمور‪ .‬فإذا عقلنا ما هذه القوة التي نحكم بها على أشياء غير متناهية لما نشاهد منها إال‬
‫أشخاصا أو أشخاصا قليلة أو لم نشاهد منها شخصا أصال‪ .‬فبين أن ذلك ليس يكون بالوهم‪ ،‬وال بالتخيل‪ ،‬فإن أكثر‬
‫ذلك كاذب‪ .‬وإنما نعقلها بأن نتصور ما هي‪ .‬فإنا إلى اآلن نتصورها بهذا األثر الذي لها من هذه المعقوالت‪ .‬وإنما‬
‫صارت معقوالت بها‪ .‬فهو بين عند من زاول صناعة المنطق‪».‬؛ ابن باجه‪ ،‬رسالة الوداع‪ ،‬ضمن رسائل ابن‬
‫باجه اإللهية؛ تحقيق ماجد فخري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.138 .‬‬
‫‪ -4‬يقول ابن باجه‪« :‬وهذه الحكمة [يقصد الحكمة الطبيعية] مما وقع فيها االختالف بين أهلها‪ .‬والناظر في كل علم‬
‫كيف كان‪ ،‬فله حاالن‪ ،‬كما يقوله أرسطو‪ :‬حال بها يناظر ويخاطب كل من قال في ذلك العلم شيئا‪ .‬وهذه الحال‬
‫(تسمى ادبا) وهي أ ن ننظر فيما قاله القائل‪ ،‬فإن كان بعيدا من الصواب لم (يكترث به) كما يفعله الخطابيون‪ ،‬بل‬
‫يكتفي بأن يقف الناظر على موضع الخلط في ذلك القول فقط‪ ،‬ويخلص الصواب إن كان في ذلك القول‪ ،‬وإن كان‬
‫يسيرا‪ ،‬ويغض على غير ذلك‪ .‬والحال األخرى أن ننظر في األمر‪ ،‬ونعطيه حقه من التحديد والتلخيص‪ ،‬بقدر ما‬
‫ظهر له من طبيعة ذلك األمر‪ ،‬بعد أن يعرف قدر ما ظهر له‪ ،‬وما فاته‪ ،‬كما نجد أرسطو يصنعه في كثير من هذا‬
‫العلم‪ ،‬كما نجده قد صرح في توالد النحل»‪ .‬كتاب الحيوان‪ ،‬تحقيق جواد العمارتي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬نشرة المركز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2002 ،‬ص‪.71 .‬‬

‫‪161‬‬
‫كما ّأن رسالته إلى صديقه ابن حسداي حاسمة في إبراز اهتمامه بالعلم الطبيعي‪ 1.‬لقد كشف‬
‫ّ‬
‫خاصة نظرية‬ ‫في سياق هذه الرسالة عن ضرورة تعميق بعض مسائل الفارابي في املنطق‪،‬‬
‫أهمية بالغة لتأسيس اليقين في العلم الطبيعي الذي رأى فيه مصدر‬ ‫البرهان التي تكتس ي ّ‬
‫املبادئ النظرية األساسية لفهم ظاهرة الحركة بالخصوص‪2.‬‬

‫أن العلم الطبيعي هو علم نظري يتطلب‬ ‫باجه في مقدمة كتاب الحيوان ّ‬
‫أوضح ابن ّ‬
‫علما مثل الهندسة الذي تكون أغراضه‬ ‫إتقان علوم أخرى يأتي على رأسها املنطق‪ّ .‬إنه ليس ً‬
‫ّ‬
‫متقدمة‪ ،‬سواء في املعرفة أو في الواقع‪ ،‬بل إن أغراض العلم الطبيعي متأخرة في املعرفة نظرا‬
‫لطبيعة موضوعه‪ ،‬وبعضها ال يرتبط بالحواس دائما‪ .‬لذا‪ ،‬فكما يمكن تنظيم قواعد‬
‫الهندسة‪ ،‬أو البصريات وامليكانيكا‪ ،‬عن طريق القياس املنطقي‪ ،‬فكذلك األمر بالنسبة ّ‬
‫لكل‬
‫فروع العلم الطبيعي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومثلما الحظ ذلك الباحث ‪ ،Miquel Forcada‬فإنه وفقا لهذه العالقة مع املنطق‪،‬‬
‫تنقسم العلوم إلى تلك التي بنيت على القياس املنطقي‪ ،‬وإلى تلك التي تنظم دون هذا القياس‪.‬‬
‫فالعلم الطبيعي تجمعه عالقة وطيدة باملوضوع املنطقي بحسب ما ّ‬
‫يقدمه ابن ّ‬
‫باجه‪ .‬ويتمظهر‬
‫ذلك عبر الربط املنهجي الذي يقيمه هذا األخير بين النفس‪ ،‬عبر القوة الناطقة‪ ،‬وتجريد الصور‬
‫وإدراك املعاني ّ‬
‫املجردة من الهيولى‪ ،‬وهي املسألة التي تتم عبر فعل تركيب بعض هذه املعاني مع‬
‫ُ‬
‫فتصور ش يء ما‪ ،‬أو‬ ‫بعض من جهة‪ ،‬وفعل حكم بعضها على البعض اآلخر من جهة ثانية‪3.‬‬

‫يحدده انطالقا من مجموع خصائصه‬ ‫موجود معين‪ ،‬هو تجريد معنى ّكلي له (مفهوم) ّ‬
‫التعريفية؛ بينما التصديق بهذا الش يء فيقصد به الجانب املاصدقي الذي يشمل مجموعة‬
‫ُ‬
‫األفراد التي يصدق عليها املعنى الكلي املتصور‪.‬‬
‫فاليقين في العلم‪ ،‬من حيث يتم بتصور صحيح وتصديق حكم تام‪ ،‬يتكامل فيه‬
‫الفعالن‪ :‬فعل التفسير من حيث التصور وفعل التفسير من حيث التصديق‪ .‬لذا‪ ،‬فقد جعل‬
‫ّ‬
‫ابن با ّجه التصديق بالنسبة للتصور ال يتم إال إذا كانت املعاني املفردة املوجودة في النفس‬

‫‪ .1‬ابن باجه‪ ،‬رسائل فلسفية‪ ،‬ضمن نصوص فلسفية غير منشورة‪ ،‬تحقيق جمال الدين العلوي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬
‫الثقافة ودار النشر المغربية‪ ،1983 ،‬ص‪.78 .‬‬
‫‪ .2‬يقول ابن باجه عن دراسة أرسطو للحركة‪« :‬فنعم ما وفى أرسطو حد الحركة حين قال‪" :‬إنها كمال ما بالقوة‪،‬‬
‫من جهة ما هو بالقوة كذلك"‪ .‬فهذا حدها المطابق لها‪ ،‬على ما تحد به أمثال هذه األمور‪ .‬وأيضا‪ ،‬فبطريق‬
‫المنطق‪ ،‬فإنه ال ينبني ما ليس من شأنه أن ينبني‪ ،‬وال يتسخن ما ليس من شأنه يتسخن‪ ،‬وعندما يكون شأنه أن‬
‫يكون‪ ،‬فليس هو على الكمال ذلك الشيء‪ ،»...‬ابن باجه‪ ،‬شرح السماع الطبيعي ألرسطوطاليس؛ تحقيق ماجد‬
‫فخري‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1973 ،‬ص‪.34 .‬‬
‫‪ -3‬ابن باجه‪ ،‬القول في القوة الناطقة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.223 - 222 .‬‬

‫‪162‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متصورة بالذهن بشكل صحيح‪ ،‬وذلك ليتم تركيب املعنى املعقول منها ليدل على املعنى الكلي‪،‬‬
‫تتقدم أفعال التصديق بالطبع‪ 1.‬تعطى األولوية املعرفية‪ ،‬بحسب هذا‬ ‫التصور ّ‬
‫ّ‬ ‫حيث أفعال‬
‫املنظور‪ ،‬للقوة النظرية التي تساعد على تحصيل املعاني التي سيتم التركيب بينها وتأليفها لتصبح‪،‬‬
‫تتقدم على تلك الفردية بالطبع‪ 2.‬ليس يخفى مدى‬ ‫في مرحلة متقدمة من إنتاج العلم‪ ،‬معاني ّكلية ّ‬
‫قررت أسسها لدى أرسطو‪3،‬‬ ‫التصور والتصديق في تشكيل صور األفكار كما ت ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهمية ّ‬
‫كل من‬
‫فالعلم باملعلومات ضمن هذا السياق ال يخرج عن نطاق ما يسمح به املنطق الذي يعطي مبادئ‬
‫مجردة من موادها‪ .‬لهذا‪ ،‬تقال لفظة العلم لدى ابن‬ ‫كيف تعرف املوضوعات وتكتسب املعقوالت ّ‬
‫باجه "باشتراك على النسبة‪ ،‬وعلى موضوع النسبة‪ ،‬وهو املعقول الذي ّ‬
‫يسمى أيضا علما‪4".‬‬

‫تيقن من كون األشياء التي خارج النفس متطابقة ملا‬ ‫يتيح فعل التصديق للذهن ال ّ‬
‫نتصوره على ّأنه مطابق ملا ّ‬
‫تصورناه عليه‬ ‫ّ‬ ‫يتصوره الفكر‪ ،‬أي االعتقاد في ّأن أمرا ما خارج ذهننا‬
‫ّ‬
‫إن التصديق بهذا املعنى مطابقة ما في األعيان ملا في األذهان‪ ،‬وهو الذي ال يخفى على‬ ‫في فكرنا‪ّ .‬‬
‫فكرنا صدقه ويقينه‪ .‬ففي حين يستهدف هذا الفعل تحصيل اليقين في العلم النظري‪ ،‬يبقى‬
‫ّ‬
‫العمل به مفيدا في العلم الطبيعي‪ 5.‬لذلك‪ ،‬فلمعرفة األشياء الطبيعية معرفة صحيحة‪ ،‬فإنه‬
‫تصورها بشكل صحيح على ّأنها موجودات وموضوعات في متناول فكرنا‪ ،‬بحيث‬‫من الضروري ّ‬
‫ّ‬
‫التصور املنطقي كما ُرسمت في صناعة املنطق‪6.‬‬ ‫ال يخطئها ما دمنا نتبع شروط‬

‫‪ .1‬يقول ابن باجه‪« :‬فبالضرورة يوجد في اإلنسان فعالن‪ :‬أحدهما‪ ،‬وجود المعاني المفردة‪ ،‬والثاني‪ ،‬تأليف هذين‬
‫المعنيين‪ .‬فالقوة التي بها يكون التأليف هي القوة المفكرة‪ ،‬وفعلها أنواع تأليف المعاني المفردة‪ ،‬وقد أحصيت في‬
‫كتب المنطق‪ .‬والثاني‪ ،‬القوة التي بها تحصل المعاني المفردة‪ .‬وهذه أحصيت في كتب المنطق‪ .‬والثاني‪ ،‬القوة‪،‬‬
‫التي بها تحصل المعاني المفردة‪ .‬وهذه كالهيولى لتلك‪ ،‬فإنه ما لم توجد المعاني المفردة‪ ،‬لم يمكن أن يكون‬
‫تركيب‪ .‬فهذه متقدمة لتلك بالطبع»‪ ،‬القول في القوة الناطقة‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.223 .‬‬
‫‪ .2‬يقول ابن باجه‪« :‬مما يجب أن نلخصه قبل‪ ،‬ونتأمله‪ ،‬هو أنا بالقوة الناطقة نتيقن ونظن‪ .‬واليقين أبدا‪ ،‬ل َِّم لَ ْم تحد‬
‫الظنون الصادقة عن اليقين‪ ،‬والعقل إنما يحصل بالفعل إذا كان اليقين‪ .‬فأما إذا لم يكن يقينا‪ ،‬فليس ذلك عقال‬
‫بالفعل‪ .‬وأيضا‪ ،‬فإنا بالقوة الناطقة نفكر ونروي‪ .‬فما هذا الشيء الذي تلزمه بالذات هذه األشياء كلها»‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫القول في القوة الناطقة‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.229 .‬‬
‫‪ -3‬يورد بهذا الخصوص لوكاوسفيتش قوال لألب كوبلسون (‪ )Copleston‬يقول فيه‪« :‬إننا عادة ما نطلق على‬
‫منطق أرسطو توصيف "المنطق الصوري"‪ ،‬وذلك ألنه يمثل تحليال لصور التفكير‪ ،‬وهذا هو التوصيف الذي‬
‫يناسبه فعال»‪ ،‬أنظر بهذا الخصوص‪:‬‬
‫‪-Lukasiewicz (J),La syllogistique d’Aristote; tr Françoise Caujolle-Zaslawsky, Librerie‬‬
‫‪Armand Colin, Paris, 1972, pp. 31, 32.‬‬
‫‪ -4‬ابن باجه‪ ،‬تعاليق على كتاب المقوالت‪ ،‬ضمن تعاليق ابن باجه على منطق الفارابي‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.92 .‬‬
‫‪ -5‬ابن باجه‪ ،‬التعاليق المنطقية‪ ،‬تحقيق محمد ألوزاد‪ ،‬نشرة الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪ ،1997 ،‬ص‪.127 .‬‬
‫‪ .6‬ينطبق هذا األمر على تعريف الفارابي للعلم اليقيني‪ ،‬عندما يقول‪" :‬العلم بالحقيقة ما كان صادقا ويقينيا في‬
‫الزمان كله ال في بعض دون بعض‪ ،‬وما كان موجودا في وقت وأمكن أن يصير غير موجود فيما بعد‪ .‬فإننا إذا‬
‫عرفنا موجودا اآلن‪ ،‬فإنه إذا مضى عليه زمان ما أمكن أن يكون قد بطل فال ندري هل هو موجود أم ال‪ ،‬فيعود‬
‫يقينيا شكا وكاذبا‪ ،‬وما أمكن أن يكذب فليس بعلم وال يقين‪ ،".‬فصول منتزعة‪ ،‬تحقيق فوزي متري نجار‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ،2‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1993 ،‬ص‪.52 .‬‬

‫‪163‬‬
‫ّ‬
‫لئن كانت وظيفة التصديق املنطقي الحكم في كل قضية من القضايا املنطقية‪ ،‬فإنه‬
‫ّ‬ ‫يلزم من ذلك االنتباه إلى ّ‬
‫أن في القضايا الطبيعية ما يكون مركبا مؤتلفا من شخصين‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬
‫قليلة االستخدام‪ ،‬مثل قولنا‪" :‬زيد هذا املتكلم"‪ ،‬ومنها ما يكون مؤتلفا من شخص كلي‪ ،‬مثل‬
‫قولنا‪" :‬زيد إنسان"‪ ،‬كما يوجد فيها ما يأتلف من ُكليتين‪ ،‬وهي التي ّ‬
‫تعم جميع الصنائع النظرية‬
‫"كل نبات حي"‪،‬‬‫"كل إنسان فان"‪ّ ،‬‬
‫وتسمى علوما على اإلطالق وعلى التقديم‪ ،‬وهي مثل قولنا" ّ‬ ‫ّ‬
‫"كل حيوان حساس"‪ 1.‬أما عندما تستوفي هذه القضايا ّ‬
‫الكلية شروط البناء املنطقي الصارم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فإنها عندئذ تصبح مفيدة للعلم الطبيعي‪ ،‬بحيث يكون النظر فيه وفقا لشرائط القياس‬ ‫ّ‬
‫البرهاني املوصل إلى صدق قضايا هذا العلم‪ .‬غير ّ‬
‫أن هذا القصد اإلبستيمولوجي ال يتأتى في‬
‫ّ‬
‫إال ّ‬
‫بتوسل قواعد االستدالل الصحيح‪،‬‬ ‫أدبيات البحث واالشتغال الفلسفي لدى فيلسوفنا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة القياس املنطقي الذي ال تبنى فيه النتائج على التخمين والظن‪ ،‬وإنما على الدقة‬
‫والصرامة املنطقيين‪.‬‬
‫وكما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ ،‬تؤسس الصناعة القياسية لكيفية البحث في الفلسفة‬
‫الطبيعية وفق مستويات النظر املنطقي اآلتية‪ :‬مستوى التصور‪ ،‬مستوى التصديق‪ ،‬ثم‬
‫مستوى اليقين الضروري الذي يعطيه البرهان في صناعة املنطق‪ّ .‬‬
‫إن تعيين إنتاج اليقين في‬
‫تحقق الحمل‬‫فعل النظر العقلي‪ ،‬وتعيين العلم اليقيني في العلم البرهاني‪ ،‬وهذا األخير في ّ‬
‫كل ذلك جعل املعرفة النظرية علما بالطرق املمكنة ّ‬
‫لتحقق التعالق بين‬ ‫املنطقي وتعليله معا‪ّ ،‬‬
‫املحمول واملوضوع وسبب حمل املوضوع على املحمول‪ .‬وهذه الخاصية هي التي يسمح بها‬
‫تحقق برهان الوجود‬‫الحقة قائمة على ّ‬
‫البرهان املطلق الذي يجعل املعرفة العلمية النظرية ّ‬
‫ّ‬
‫(علة الحمل املنطقي) في آن واحد‪2.‬‬ ‫(الحمل املنطقي الصحيح) وبرهان السبب‬
‫يقض ي هذا الشكل من االستدالل بضرورة اعتماد البرهان املطلق في العلم الطبيعي‬
‫كأداة منطقية مالئمة‪ 3،‬نظرا للوجوه التي ّ‬
‫يتحقق بها التعالق بين املوضوع واملحمول من جهة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وكيفية الحمل وعلة وسبب حمل املوضوع ملحموله من جهة أخرى‪ .‬نجد هذا األمر حاضرا‬
‫لديه في طريقة تعريف املوضوع الطبيعي (الجسم الطبيعي)‪ 4،‬وكذلك في البرهنة على بعض‬

‫‪ .1‬ابن باجه‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬تحقيق جمال راشق‪ ،‬ضمن دفاتر مجموعة البحث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪،2‬‬
‫منشورات مركز الدراسات الرشدية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬فاس‪ .1999 ،‬ص‪.149 .‬‬
‫‪ . 2‬أرسطو‪ ،‬كتاب التحليالت الثانية‪ ،‬ضمن منطق أرسطو‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬وكالة المطبوعات (الكويت)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،1980 ،‬ص ص‪.477 – 476 .‬‬
‫‪ .3‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.82 .‬‬
‫‪ .4‬يقول ابن باجه‪« :‬والعلم الطبيعي صناعة نظرية‪ ،‬فيجب أن يكون لها ذلك‪ ،‬فموضوعها هو الجسم الطبيعي وهو‬
‫الذي ينسب إليه وإلى أنواع كل ما في هذه الصناعة‪ ،‬ويعطي أسبابه ومبادئه‪ .‬ومعظم ما في فلسفة الطبيعة فمعلوم‬
‫بالحس‪ ،‬وإنما نطلب علم أسبابها أو أسباب أسبابها باإلطالق فيما كان موجودا باإلطالق‪ ،‬كالبياض مثال‪ ،‬فإنا ال‬
‫نعلم وجوده بالحس‪ ،‬غير أنا ال نعلم أسبابه‪ ،‬وذلك أنا ال نتصوره بما يدل عليه حده»‪ .‬شرح السماع الطبيعي‪،‬‬
‫تحقيق ماجد فخري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.12 .‬‬

‫‪164‬‬
‫القضايا املرتبطة بدراسة هذا املوضوع‪ ،‬مستعمال نموذج القياس البرهاني لتأسيس يقين‬
‫العلم بهذا املوضوع الطبيعي‪ ،‬كما في براهينه على الحركة‪ 1.‬فحرصا منه على تحصيل "الحدود‬
‫باجه نظرية التعريف مستخدما طريقة ّ‬
‫الحد التي‬ ‫التامة" باملوضوعات الطبيعية‪ ،‬استثمر ابن ّ‬ ‫ّ‬
‫قدم كعادته أمثلة‬ ‫تفيد تصور الحدود واملعاني بما يقتضيه الفحص املنطقي السليم‪ .‬وي ّ‬
‫مختلفة على هذه املسألة في كتابه "شرح السماع الطبيعي"‪ 2،‬وحرص في املقاالت األولى والثانية‬
‫والثالثة والرابعة على ضرورة أن انضباط املعرفة باملوضوعات الطبيعية للطرق املنطقية حتى‬
‫تصورها وتعريفها بما يقتضيه الفحص املنطقي‪ .‬يقول في ذلك‪« :‬العلم‬ ‫يتم خاللها انتزاع ّ‬
‫الطبيعي صناعة نظرية (‪ )...‬موضوعها هو الجسم الطبيعي (‪ )...‬ومعظم ما في فلسفته‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫الطبيعية‪ ،‬فمعلوم بالحس‪ ،‬وإنما يطلب ِعلم أسبابها وأسباب أسبابها باإلطالق‪ ،‬فيما كان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫موجودا باإلطالق‪ ،‬كالبياض مثال‪ ،‬فإنا نعلم وجوده بالحس‪ ،‬غير أنا ال نعلم أسبابه‪ ،‬وذلك أنا‬
‫حده»‪3.‬‬‫نتصوره بما يدل عليه ّ‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ّ‬
‫معنى ذلك‪ ،‬أن املعرفة الصحيحة باملوضوع الطبيعي يلزمها أن تنتهي بانتزاع ّ‬
‫تصوره‬
‫بالحد‪ .‬وهذه الطريقة املنطقية في التحديد ال تعدم طرقا أخرى للتعريف‬ ‫ّ‬ ‫عبر آلية التعريف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالرسم والقسمة‪ ،‬إلخ؛ إال أن تعريف األشياء الطبيعية بحدها يوصل إلى إدراك طبيعتها‬
‫(ماهيتها) وكيفياتها (أعراضها)‪ ،‬وهذا هو السبيل األمثل للفحص والنظر في األمور الطبيعية‬
‫(الطبيعة‪ ،‬الجسم الطبيعي‪ ،‬األسطقس‪ ،‬العظم‪ ،‬الحيوان‪ ،‬النبات‪ ،‬الحركة‪ّ ،‬‬
‫املحرك‪ ،‬إلخ)‪4.‬‬
‫ّ‬
‫يتطلب إدراك هذه املوضوعات «علم أسبابها وأسباب أسبابها باإلطالق»‪ ،‬وبذلك تكون معرفة‬
‫وجوده وسبب وجوده معا أمرا ضروريا‪ ،‬وهذا هو البرهان املطلق الذي يقف على ّ‬
‫تصور املاهية‬

‫‪ - 1‬يقول ابن باجه‪« :‬وأقول‪ :‬إنه ال تمكن حركة غير متناهية في طول غير متناه‪ ،‬على أن يكون كلها في كله‪ ،‬ال أن‬
‫يكون جزؤها في كله‪ ،‬كحركة المستدير زمانا‪ .‬والبرهان على ذلك شبيه بما ذكرناه آنفا من انقسام الحركة‪ .‬وال‬
‫تكون حركة متناهية في طول غير متناه‪ ،‬والبرهان متشابه‪ ،‬ليس يعسر على من تأمله‪ .‬وكذلك ال تكون حركة‬
‫متناهية في زمن غير متناه‪ ،‬وال حركة غير متناهية في زمان متناه‪ ،‬فإن في وضعه يكون أكثر منها‪ ،‬سواء كانت‬
‫مختلفة أو متساوية‪ ،‬فيكون ما ال نهاية له أكثر مما ال نهاية له‪ .‬وكذلك ال يقطع متحرك طوال متناهيا في زمان‬
‫غير متناه‪ ،‬ويتبين ذلك باألسرع واالبطأ‪ ،‬وبان الحركة غير المتناهية‪ ،‬غير ذات األجزاء المتشابهة‪ ،‬وإنما تكون‬
‫على طول غير متناه‪ .‬والطول المتناهي الحركة الواحدة عليه متناهية في زمن متناه‪ ،‬والبعد طول ما‪ .‬وبين أن‬
‫البعد هو من المضاف‪ ،‬والخط من جهة ما هو خط‪ ،‬أو من جهة أنه بعد؟ وبين أن الحركة عليه من جهة أنه بعد‪،‬‬
‫ألن من جهة أنه بعد‪ ،‬فهو ضرورة بين شيئين‪ .‬والخط من جهة ما هو خط‪ ،‬فليس بين شيئين‪ ،‬ألن يقبل الزيادة من‬
‫جهة أنه خط إلى ما ال نهاية‪ ،‬ويوضع بالقول إلى ما ال نهاية‪ ،‬فال يلزم عنه نقيض ما وضع‪ ،‬ألنه بذاته غير متناه‪،‬‬
‫كما قلنا قبل‪ ،‬وإنما يتناهى من أجل شيء آخر‪ ،‬على ما بين في موضع آخر‪ ،»..‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬مصدر‬
‫نفسه‪ ،‬ص ص‪.81 – 80 .‬‬
‫‪ -2‬ابن باجه‪ ،‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص‪49 - 45 .‬‬
‫‪ .3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.15 .‬‬
‫‪ .4‬يشير ابن باجه أيضا في كتاب الحيوان إلى هذه المسألة معتبرا أن «به قوام الشيء‪ ،‬والجملة فأسباب الشيء قد تدرك بالحس‬
‫وقد تدرك بالقول‪ ،‬وكذلك إما بالتقسيم أو بالتركيب أو بالبرهان أو بالدليل‪ .‬فتكون الحدود مؤلفة من هذه‪ ...‬فقد يلزم ذلك‬
‫صاحب العلم الطبيعي»‪ ،‬كتاب الحيوان‪ ،‬تحقيق جواد العمارتي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.77 - 76 .‬‬

‫‪165‬‬
‫ّ‬
‫بالحد التام‪ 1.‬ومتى أردنا تصور ش يء ما على أكمل وجه ممكن‪،‬‬ ‫الحقيقية للش يء ّ‬
‫تصورا تاما أي‬
‫ثم ّ‬
‫تعرف جوهره بشكل أفضل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فإنه يلزمنا األخذ بعين االعتبار الخصائص التي ّ‬
‫نميزها عن‬
‫تفسر فقط السمات العرضية غير الجوهرية فيه‪ .‬بهذه الطريقة يحصل التصور‬ ‫تلك التي ّ‬
‫بحد جوهره وتمييزه عن أعراضه وكيفياته‪ .‬وتماشيا مع هذا املنهج‪،‬‬ ‫التام للش يء الطبيعي ّ‬
‫سيكون لزاما على الفحص العلمي النظر في األمور الطبيعية اتباع الطرق املنطقية الستبيان‬
‫ّ‬
‫اليقين املترتب عن أحكام الذهن‪ .‬وهذا ما يلزم عنه االنضباط لشروط القياس الصحيح الذي‬
‫املصدق بها‪ ،‬كما يلزمها أن تكون سليمة التصور من حيث‬ ‫ّ‬ ‫يستوفي جودة ترتيب ّ‬
‫املقدمات‬
‫كيف تقال على ما يعتقد ببصيرة نفس‪2.‬‬

‫املحرك األول في شرح السماع الطبيعي‪ ،‬ف ّ‬


‫قدم‬ ‫ّ‬ ‫باجه عرض برهان إثبات‬ ‫حاول ابن ّ‬
‫صيغته على القضية اآلتية‪:‬‬
‫متحرك ّ‬
‫محرك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫‪ّ -‬‬
‫إن ّ‬
‫موردا إلثباتها مجموعة من ّ‬
‫املقدمات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫متحرك بالذات فهو منقسم إلى أجزاء؛‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫‪ّ -‬‬
‫متحرك بالذات َي ْس ُكن ضرورة عندما يسكن ّ‬
‫أي جزء منه؛‬ ‫ّ‬ ‫كل‬‫‪ّ -‬‬

‫متحرك بالذات عندما يسكن بسكون جزء منه‪ ،‬تكون حركته عن غيره ضرورة‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫كل‬
‫ّ‬
‫املتحرك؛‬ ‫ّ‬
‫واملحرك فيه غير‬
‫ثم بعد فحصها‪ ،‬يخلص إلى جملة من املسائل املترتبة عنها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أن ما ال ينقسم ال ّ‬
‫يتحرك؛‬ ‫‪ -‬يترتب عن املقدمة األولى‪ّ :‬‬

‫ّ‬
‫ومتحرك؛‬ ‫مكون من أمرين‪ّ ،‬‬
‫محرك‬ ‫املقدمة الثانية‪ّ :‬‬
‫أن الجسم الطبيعي ّ‬ ‫‪ -‬يترتب عن ّ‬

‫‪ .1‬المصدر سابق‪ ،‬ص‪.24 .‬‬


‫‪ .2‬يقول ابن باجه بهذا الخصوص‪" :‬ولفظة العلم تقال باشتراك على التصديق والتصور‪ ،‬فاستعمله هنا على‬
‫التصديق ولم يعرض للتصور في هذا الفصل بتة‪ ،‬ألنه إنما قصد أن يتكلم في المقدمات المصدق بها أنفسها‪ ،‬وأنه‬
‫إليها ينحل ما أفاد التصديق في كل مصدق به‪ .‬والمتصورات‪ ،‬من سوأ حيث هي متصورات‪ ،‬فليس لها مقدمات‬
‫وال هي مصدق‪ /‬بها‪ ،‬إال أن تكون مثال أن الشيء هو أو شبهه‪ .‬ثم لفظة العلم تقال أيضا على االعتقاد جملة‪ ،‬كما‬
‫يعتقد بخبر ما دون التصديق على اإلطالق‪ .‬وعلى هذا المعني استعملها في أول هذا الفصل‪ .‬وتقال على ما يعتقد‬
‫ببصيرة نفس‪ ،"...‬تعاليق على كتاب ايساغوجي‪ ،‬ضمن تعاليق ابن باجه على منطق الفارابي‪ ،‬تحقيق ماجد‬
‫فخري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.34 .‬‬

‫‪166‬‬
‫املتحرك األول عندما يسكن بسكون جزء من أجزائه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬يترتب عن املقدمة الثالثة‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإنه يلزم منه أن نعلم ّ‬
‫متحركا‬ ‫املتحرك الذي سكن بسكون جزء منه‪ ،‬لم يكن‬ ‫أن الجسم‬
‫حرك بحركة ذاتية ال يسكن بسكون‬ ‫حركة ذاتية‪ ،‬وإنما حركته عن غيره؛ إذ الجسم الذي يت ّ‬
‫مكون من جزئين‬‫املتحرك ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن مبدأ حركته مازال فيه‪ .‬وهذا النوع من‬ ‫جزء من أجزائه ّ‬
‫إن القضية‬‫ثم‪ ،‬يصل في النهاية إلى نتيجة برهانه‪ ،‬وهي‪ّ :‬‬ ‫متحرك‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫محرك وجزء‬‫مختلفين‪ ،‬جزء ّ‬
‫أن هذه السلسلة ال‬‫محرك» صحيحة ال يمكن تكذيبها منطقيا‪ 1.‬لكن‪ ،‬بما ّ‬ ‫متحرك فله ّ‬
‫ّ‬ ‫كل‬‫« ّ‬
‫ّ‬
‫متحرك له‬ ‫باجه نتيجة البرهان السابق ّ‬
‫«كل‬ ‫يمكن أن تمتد إلى ما النهاية‪ ،‬فقد استعمل ابن ّ‬
‫محرك ال ّ‬
‫يتحرك »‪ 2.‬وبذلك‬ ‫متحرك فسينتهي ضرورة إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫مقدمة للتدليل على ّ‬
‫أن « ّ‬ ‫محرك» ّ‬‫ّ‬
‫ألنه كذلك فله ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املحرك سيكون‬‫ّ‬ ‫متحرك له ّ‬
‫ّ‬ ‫يصبح ّ‬
‫محرك؛‬ ‫متحركا بدوره‪ ،‬و‬ ‫محرك‪ ،‬وهذا‬ ‫كل‬
‫املحرك األول الذي ال ّ‬
‫محرك له‪.‬‬ ‫وهكذا حتى نصل إلى ّ‬

‫لقد شملت مناقشته لهذه البرهنة املقالة السابعة والثامنة من شرح السماع‬
‫ّ‬
‫علق‪ ،‬في سياق مناقشته لها‪ ،‬على أقوال أرسطو‪ّ ،‬‬
‫مبينا عناصر برهانه وأحيانا‬ ‫الطبيعي‪ ،3‬حيث‬
‫ّ‬ ‫مالحظاته هو عليه‪ .‬وباإلجمال‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫بأن كتاب شرح السماع الطبيعي شكل مناسبة‬
‫لتوظيف األداة املنطقية بكثرة ملحوظة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫يبينه الجدول أسفله‪:‬‬

‫‪ .1‬معن زيادة‪ ،‬الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬سنة ‪ ،2014‬ص ‪.265 – 264‬‬
‫‪ .2‬يقول ابن باجه‪" :‬كل متحرك فسينتهي ضرورة إلى محرك ال يتحرك تلك الحركة بعينها‪ ،‬فإن تحرك فبغيرها‪ ،‬فيكون‬
‫محركا ال يحرك بأن يتحرك‪ ،‬بل يتحرك بالعرض‪ .‬فلذلك ينتهي إلى محرك ال يتحرك بالذات‪ .‬وتحرك المحرك‬
‫بالذات هو أن ال يحرك‪ ،‬إال وهو يتحرك؛ فإن أرسطو لم يبين أن كل متحرك‪ ،‬فله محرك‪ ،‬وهو يقصد هذا الوضع‬
‫بذاته بما يقصده ها هنا‪ ،‬بل إنما قصد به ليضعه حد مقدمة‪ ،‬فقدمه في تبين هذه الثانية‪ ،‬وهي أن كل متحرك فمحركه‬
‫األول ال يتحرك بالذات‪ .‬ابن باجه‪ ،‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬المقالة الثامنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.137 .‬‬
‫‪ . 3‬يشير الباحث محمد مساعد إلى أهمية المقالة السابعة والثامنة من مقاالت «السماع الطبيعي»‪ ،‬حيث يتعرض‬
‫أرسطو لهذه البرهنة على المحرك األول‪ ،‬فينبه إلى االختالف بين الباحثين حول أصالة المقالة السابعة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫«‪ ..‬سوف يتفرق دارسو أرسطو‪ ،‬قدامى ومعاصرين‪ ،‬شيعا ومذاهب في منزلة مختلف مقاالت كتاب الطبيعة‬
‫الثمانية المعروفة من الكتاب‪ ،‬مع ما يتخلل ذلك من شك في أصالة بعضها‪ ،‬مثلما هي الحال بالنسبة للمقالة‬
‫السابعة‪ ،‬حيث يذهبون إلى أن ما ورد في المقاالت األر بع‪ ،‬أو الخمس‪ ،‬األولى ليس سوى توطئة لما ورد في‬
‫المقاالت األربع‪ ،‬أو الثالث‪ ،‬األخيرة»‪ ،‬محمد مساعد‪ ،‬العالم بين التناهي والالتناهي لدى ابن رشد‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2013 ،‬ص‪.79 .‬‬

‫‪167‬‬
‫‪20‬‬ ‫الثانية‬ ‫الجنس‬ ‫الفصول‬
‫‪20‬‬ ‫الثانية‬ ‫فهي عرض‬ ‫الخمسة‬
‫‪25‬‬ ‫الثانية‬ ‫سمى الجنس باسم النوع‬
‫‪40‬‬ ‫الثالثة‬ ‫كالجنس للطول‬
‫‪48‬‬ ‫الرابعة‬ ‫مقدرة بالعرض‬ ‫ّ‬
‫‪64‬‬ ‫الخامسة‬ ‫الحركة متى تكون واحدة بالجنس وواحدة بالنوع‬
‫‪66‬‬ ‫الخامسة‬ ‫الحركة من "أ" إلى "ب" فصلها ّ‬
‫املقوم لها هو "ب"‬
‫‪104‬‬ ‫السابعة‬ ‫فصول األجسام الطبيعية‪ ،‬أجناس الكيف‪ ،‬أنواع األصوات‪ ،‬أنواع امللموسات‬
‫‪110‬‬ ‫السابعة‬ ‫تنفصل بفصول املوضوع‬
‫‪131‬‬ ‫الثامنة‬ ‫النبح فصل الكلب‬
‫‪131‬‬ ‫الثامنة‬ ‫ّ‬
‫املتحرك‬ ‫قدمه أرسطو في ّأول هذا البحث من فصول‬ ‫ما ّ‬
‫‪132‬‬ ‫الثامنة‬ ‫كما يعرض لفصول املوجود‬
‫‪35‬‬ ‫الثالثة‬ ‫سائر املقوالت‬ ‫املقوالت‬
‫‪35‬‬ ‫الثالثة‬ ‫مقولة اإلضافة‬
‫‪47‬‬ ‫الرابعة‬ ‫نسب املقوالت‪ ،‬سوى اإلضافة‪ ،‬تحت مقولة أخرى‪،‬‬
‫‪55‬‬ ‫الخامسة‬ ‫محدود في قاطاغورياس‪،‬‬
‫‪56‬‬ ‫الخامسة‬ ‫الحركة في الوضع‪ ،‬في الكيف‪ ،‬في الفعل واالنفعال‪،‬‬
‫‪59‬‬ ‫الخامسة‬ ‫يناسب السكون العدم املرسوم في متقابالت قاطاغورياس‬
‫‪59‬‬ ‫الخامسة‬ ‫املتناقضات تلحق جميع املقوالت‬
‫‪62‬‬ ‫الخامسة‬ ‫عددت في قاطاغورياس‬ ‫تقال على األنحاء التي ّ‬
‫‪66‬‬ ‫الخامسة‬ ‫كل نوع من أنواع املقوالت العشر‪ ،‬فإما أن يقترن به ضرورة‪،..‬‬ ‫ّ‬
‫‪108‬‬ ‫السابعة‬ ‫بلقبه أرسطو باإلضافة‬ ‫ّ‬
‫‪110‬‬ ‫السابعة‬ ‫فإنما ذلك باإلضافة‬
‫‪111‬‬ ‫السابعة‬ ‫كالكيف املقول على الصورة وعلى االنفعال‬
‫‪17‬‬ ‫األولى‬ ‫الحد قول شارح‬ ‫ّ‬ ‫ا ّ‬
‫لحد‬
‫‪19‬‬ ‫األولى‬ ‫ح ّد املمكن‪ /‬اإلمكان‬
‫‪24‬‬ ‫الثانية‬ ‫حد األشياء الطبيعية‪ /‬أجزاء الحدّ‬ ‫ّ‬
‫‪25‬‬ ‫الثانية‬ ‫حد الطبيعة‬ ‫ّ‬
‫‪34‬ـ ‪35‬‬ ‫الثالثة‬ ‫حد الحركة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪61‬‬ ‫الخامسة‬ ‫والحد في الخط املستقيم هو املمتد في استقبال النقط‬
‫‪73‬‬ ‫السادسة‬ ‫حد الحركة‬ ‫املتصل يؤخذ في ّ‬
‫‪73‬‬ ‫السادسة‬ ‫ّ‬
‫وذو الوضع مأخوذ في حد ما ال وضع له‬
‫‪96‬‬ ‫السابعة‬ ‫ألنه ّبين الوجود‬‫حد‪ّ ،‬‬ ‫األول ّ‬‫فظاهر ّأن القول ّ‬
‫‪111‬‬ ‫السابعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن القابل األول يؤخذ في حد املقبول‪ ،‬فإذا كان اثنان‪ ،‬لم يكن الحد واحدا بعينه‬ ‫ّ‬
‫‪111‬‬ ‫السابعة‬ ‫ّ‬
‫وإما أن تشترك في أكثر أجزاء الحد‪ ،‬وتختلف بجزء منه‪ ،‬أي جزء كان‪..‬‬ ‫ّ‬
‫‪17‬‬ ‫األولى‬ ‫رسوم قريبة األخذ‬ ‫الرسم‬
‫‪37‬‬ ‫الثالثة‬ ‫الرسم‪ ،‬رسمه‪ ،‬ورسمه آخرون‪ ،‬ليس في هذه الرسوم كفاية‪،‬‬

‫‪168‬‬
‫‪38‬‬ ‫الثالثة‬ ‫ألزم القياس واحدا‬ ‫القياس‬
‫مخال بالقياس‪ ،‬ويكون القياس سوفسطائيا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫‪129‬‬ ‫الثامنة‬ ‫فإن القضية‬ ‫فيكون ترك هذا‬
‫الشرطية املنفصلة هي جزء قياس‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫السابعة‬ ‫وأرسطو ّبين ذلك باالستقراء‬ ‫استقراء‬
‫‪103‬‬ ‫السابعة‬ ‫وبين ّأن أجناس التحريك الجسماني هي هذه باالستقراء‬
‫‪67‬‬ ‫الخامسة‬ ‫وتكافآ في اللزوم بالذات‬ ‫اللزوم‬
‫‪74‬‬ ‫السادسة‬ ‫للزم ضرورة أن يكون لها أواخر‪ ،‬وقد يلزم في هذا الوضع‬
‫‪76‬‬ ‫السادسة‬ ‫فيلزم ضرورة أن يكون جزء من املستقبل‬
‫‪79‬‬ ‫السادسة‬ ‫ولم يلزم من القول ضرورة‬
‫‪81‬‬ ‫السادسة‬ ‫ال يلزم عنه نقيض‬
‫‪15‬‬ ‫األولى‬ ‫برهان السبب‪،‬‬ ‫البرهان‬
‫‪16‬‬ ‫األولى‬ ‫برهانا مطلقا‪،‬‬
‫‪18‬‬ ‫األولى‬ ‫قصد البرهان‪،‬‬
‫‪49‬‬ ‫الرابعة‬ ‫ظن عليه ّأنه أخذه برهانا‪،‬‬‫وكيف ّ‬
‫‪55‬‬ ‫الخامسة‬ ‫وبرهان ذلك‪ :‬ليكن األول "أ" والثاني "ب"‪ ،‬فعدم "أ" مقترن بـ"ب" ضرورة‪..‬‬
‫‪79‬‬ ‫السادسة‬ ‫فيكون برهانا مطلقا‪..‬‬
‫‪79‬‬ ‫السادسة‬ ‫برهان ذلك‬
‫‪82‬‬ ‫السادسة‬ ‫وهذا برهان مطلق يعطي السبب والوجود معا‪ ،‬وهو مؤتلف في الضرب السادس‬
‫ّ‬
‫من الصنف األول من ضروب املرتبة في برهان أبي نصر‪.‬‬
‫‪83 ،82‬‬ ‫السادسة‬ ‫برهانه ّأنها إن كانت متصلة سرمدا‪ ،‬فذلك بين ‪،...‬‬
‫ّ‬
‫‪86‬‬ ‫السادسة‬ ‫يتغير فقد ّ‬
‫تغير‪ ،‬برهان ذلك‪ :‬ليكن ‪....‬‬ ‫كل ما ّ‬ ‫ّ‬
‫‪88‬‬ ‫السادسة‬ ‫وهو موضع برهاني مطلق‬
‫‪92‬‬ ‫السادسة‬ ‫‪..‬وأتى عليه ببرهان يلزم عنه الحكم جزئيا‪ ،‬فيكون ذلك غلطا أو مغالطة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ّأما املعنى الثالث‪ ،‬فليس ّ‬
‫‪96‬‬ ‫السابعة‬ ‫يتبين وجوده إال ببرهان‪..‬‬
‫‪96‬‬ ‫السابعة‬ ‫وأما هل البرهان املوضوع ها هنا منطقي أو برهان وجود‪ ،‬فنحن ننظر فيه‪..‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كمل البرهان على وجود ّ‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬
‫‪101‬‬ ‫السابعة‬ ‫املحرك األول‪ ،‬بأن لخص الجهة التي يلزم بها‬
‫‪102‬‬ ‫السابعة‬ ‫يبرهنه ببرهان صحيح‪..‬‬
‫‪103‬‬ ‫السابعة‬ ‫فمن البرهان املكتوب في شرح كتابه‪..‬‬
‫‪109‬‬ ‫السابعة‬ ‫يكاد أن يكون معظم البراهين التي في كتاب أرشميدس ينتج هذا النحو‪..‬‬
‫‪124‬‬ ‫الثامنة‬ ‫وهذا برهان ليس ّ‬
‫متكررا‪ ،‬بل برهان يلزم عنه نوع من وجود الحركة‪..‬‬
‫‪128‬‬ ‫الثامنة‬ ‫مما يحتاج إلى برهان ‪..‬‬ ‫فذلك ّ‬
‫‪130‬‬ ‫الثامنة‬ ‫لخص أبو نصر في كتابه البرهان القول في تلقي نوعي هذه املغالطة‬ ‫ّ‬ ‫وقد‬
‫‪131‬‬ ‫الثامنة‬ ‫كما يوجبه التعليم البرهاني‪..‬‬
‫‪132‬‬ ‫الثامنة‬ ‫فيحتاج إلى برهان‪..‬‬
‫‪132‬‬ ‫الثامنة‬ ‫والتماس البرهان على ذلك‪..‬‬
‫‪137‬‬ ‫الثامنة‬ ‫سيبين هذا املطلب في هذه الثامنة بالبراهين التي ّ‬
‫تخصه‪...‬‬ ‫ّ‬

‫لم نشأ إيراد كل العبارات املنطقية املستخدمة في سياق هذا الكتاب‪ ،‬ذلك ّأن الغاية‬
‫ّ‬
‫وإال ّ‬
‫فإن هذا يحتاج إلى دراسة مستقلة‬ ‫هنا إنما هي التركيز فقط على األكثر حضورا منها‪،‬‬
‫بذاتها‪ .‬غير ّأن املالحظ ها هنا هو حضور عبارات البرهان باإلضافة ملختلف األسباب املنطقية‬
‫باجه وولعه بتحديد الكيفيات (كيفيات املوضوعات‬ ‫تفسر اهتمام ابن ّ‬‫التعريفية التي ّ‬

‫‪169‬‬
‫الطبيعية)‪ ،‬وميله إلى استعمال البرهنة والتفكير في املوضوع الطبيعي تفكيرا مقوليا كما هو‬
‫نسجل خفوتا ّبينا للطرق الجدلية التي تحضر بقوة في النص‬‫الحال عند أرسطو‪ .‬لكن‪ ،‬أيضا ّ‬
‫باجه بسلك األسباب التعريفية عبر املقوالت والفصول الخمس‬ ‫األرسطي‪ 1،‬إذ يكتفي ابن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مستهل كتاب الحيوان قائال‪« :‬فيجب‬ ‫بالحد واالستدالل بالبرهان‪ .‬يعلق على ذلك في‬ ‫والتعريف‬
‫ّ‬
‫أن يكون الناظر معهم في مثل هذه الحال‪ ،‬ثم يكون في هذه الحكمة بالحال الثانية‪ ،‬وألننا‬
‫سلكنا في هذا النظر من غير الجهة التي سلكها أرسطو‪ ،‬لذلك يكون ا ّ‬
‫ملتقدم في الرتبة في‬
‫أقاويله غير ّ‬
‫متقدم في الرتبة في أقاويلنا»‪ 2.‬هكذا‪ ،‬تكون منزلة الجدل الحقة على البرهان وفقا‬
‫لهذا االعتبار‪.‬‬
‫يفسر سيادة هذا النمط من التفكير املنطقي في املوضوع الطبيعي‪ ،‬اعتبار‬ ‫إن ما ّ‬ ‫ّ‬
‫الطرق املنطقية ّ‬
‫املقررة في األورغانون األرسطي (نظرية القياس البرهاني)‪ 3‬منهجا للكشف‬
‫وبحث املسائل الشائكة للعلم الطبيعي‪ .‬فلذلك‪ ،‬ساد نموذج البرهان هذا البحث‪ّ ،‬‬
‫ألن ابن‬
‫ّ‬
‫باجه في هذه املسألة‪ ،‬مثله مثل الفارابي‪ ،‬كان يهتم بمواد القضايا املنطقية أكثر من صيغها‬
‫الصورية‪ 4.‬لم يخرج اهتمام ابن ّ‬
‫باجه باملنطق عن الغايات املضمونية التي ّ‬
‫فسر بها اهتمامه‬
‫بالعلم الطبيعي‪ ،‬فارتأى أن يقصد فيه "قصد البرهان" دون غريه يف حبث املسائل الطبيعية‪5.‬‬

‫‪ .1‬توجد في المقالة األولى من كتاب السماع الطبيعي ألرسطو العديد من النقاشات والحوارات مع آراء الطبيعيين‬
‫الذين خاضوا في الموضوع الطبيعي‪ ،‬وقد جادل أرسطو آرائهم تلك‪ ،‬بحيث يورد في بداية قول أحد الفالسفة‬
‫(بارميندس‪ ،‬أنكساغورس‪ ،‬هيراقليطس‪ ،‬طاليس‪ ،‬زينون‪ ،‬إلخ) ثم يشرع في مناقشته‪ ،‬فيبين محدودية قوله‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬إلى أن ينتهي بتقرير المبادئ التي تخصه هو في العلم الطبيعي‪ .‬أنظر بهذا الخصوص‪ :‬أرسطوطاليس‪،‬‬
‫السماع الطبيعي‪ ،‬ترجمة إسحاق بن حنين‪ ،‬تحقيق عبد الرحمان بدوي‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،1984 ،‬ص‪ 1 .‬إلى ص‪.62 .‬‬
‫‪ -2‬ابن باجه‪ ،‬كتاب الحيوان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.72 .‬‬
‫‪ - 3‬أرسطو‪ ،‬كتاب التحليالت األولى‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ضمن منطق أرسطو‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪.141 -140 ،‬‬
‫‪ .4‬يقول حمو النقاري في ذلك‪" :‬إن ربط المنطق بالعلم‪ ،‬العلم الذي تهم فيه المضامين والمحتويات ال الصور‬
‫والبنيات فقط‪ ،‬يقتضي استعمال األضرب البرهانية ال األضرب القياسية‪ ،‬واالعتداد باألضرب البرهانية‪ ،‬كما‬
‫نجدها عند الفارابي‪ ،‬اعتداد بنوع من المضامين والمحتويات المتمثل في كون صفة الموصوف حدا له أو جزءا‬
‫من حده‪".‬؛ أنظر‪ :‬حمو النقاري‪ ،‬نظرية العلم عند أبي نصر الفارابي‪ ،‬دار رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪.102 .‬‬
‫‪ .5‬يصرح ابن باجه بما معناه أنه ليس مضطرا إلى مجادلة آراء الذين تعوزهم الطرق المنطقية في كيفية بحث‬
‫الموضوعات الطبيعية كما فعل أرسطو في المقالة الثانية من السماع الطبيعي‪ ،‬بل سيمر في طرقه للموضوع‬
‫الطبيعي إلى طريق البرهان مباشرة‪ ،‬يقول‪« :‬ولما كان غرض أرسطو إعطاء هذا السبب [يقصد سبب الموضوع‬
‫الطبيعي]‪ ،‬ووجد فيه أقاويل مشككة‪ ،‬بعضها سوفسطائية‪ ،‬وهي أقوال برمانيدس وماليسس‪ ،‬وبعضها جدلية‬
‫وإقناعية‪ ،‬وهي أقاويل سائر الطبيعيين‪ ،‬وكان أيضا أهل زمانه قد اشتهرت عندهم تلك اآلراء‪ ،‬وكان غرضه‬
‫األدنى تعليم من في زمانه ثم من يأتي بعدهم‪ ،‬ولذلك اضطره األمر إلى نقض كل قول وجده‪ .‬ولما كانت تلك‬
‫اآلراء قد سقطت في زماننا‪ ،‬حتى ال تذكر إال من جهة أنها في كتابه‪ ،‬وكان ما يوجد منها اليوم من آراء المتكلمين‬
‫من أهل هذا الزمان‪ ،‬فليس يعتد بها‪ ،‬ألن هؤالء القوم لم يقصدوا النظر في الطباع حتى أن منهم من يبطل =‬

‫‪170‬‬
‫ّأما أرسطو‪ ،‬فقد كان أكثر انفتاحا على الجدل في الخوض في مسائل العلوم بما فيها العلم‬
‫الطبيعي‪ ،‬اعتقادا منه ّ‬
‫أن الجدل يضعنا على الطريق ّ‬
‫املؤدي إلى املبادئ األولى‪1.‬‬

‫ليس صدفة‪ ،‬إذن‪ ،‬أن تكون عبارة "برهان" أكثر األدوات املنطقية ورودا في كتاب شرح‬
‫السماع الطبيعي (أول كتاب في املنظومة الطبيعية)‪ ،‬مقارنة بباقي األدوات املنطقية األخرى‬
‫التي أوردناها في جدول سابق‪ .‬لذا‪ ،‬يمكن القول ّإن العلم الطبيعي قد وسمه ابن ّ‬
‫باجه بطابع‬
‫ّ‬
‫برهاني خاص‪ ،‬وهذا املؤشر يدل على نزعته البرهانية النقدية في منحاه‪ ،‬ليس فقط للذين‬
‫ّ‬
‫نتسرع في استنتاج أمورا‬ ‫سبق وأن انتقدهم أرسطو‪ ،‬بل ولهذا األخير نفسه‪ .‬لكن‪ ،‬حتى ال‬
‫نطل أيضا على عالقة املنطق بالنفس من‬ ‫باجه؛ ّ‬
‫نود أن ّ‬ ‫أخرى عدا هذه امليزة التي انفرد بها ابن ّ‬
‫خالل كتاب النفس (آخر كتاب في املنظومة الطبيعية)‪.‬فما وجه حضور األداة املنطقية في‬
‫كتاب النفس لدى ابن ّ‬
‫باجه؟‬
‫‪ .2‬حضور املنطق يف كتاب النفس‬
‫باجه في كتاب النفس ملسألة تعريفها‪ ،‬مستعمال بعض الطرق املنطقية‪:‬‬‫يعرض ابن ّ‬
‫ّ‬
‫والحد‪ ،‬والقسمة‪ ،‬والتركيب‪ ،‬والبرهان‪ .‬ويعطينا هذا الكتاب فكرة واضحة عن‬ ‫كالتعريف‪،‬‬
‫أهمية استعمال طريقة التعريف‪ ،‬وذلك ما نجده عندما يبحث في الطرق املنطقية عن ّ‬
‫أي منها‬
‫عدة يمكن أن تصلح ِللوقوف على النفس‪ .‬وقبل‬ ‫يالئم تعريف النفس‪ ،‬حيث خاض في طرق ّ‬
‫جرب ابن باجه بعض تلك‬‫الوصول إلى طريقة التركيب التي وجدها األنسب ملثل هذا املوضوع‪ّ ،‬‬
‫حد‪ ،‬فبحث كيف يفيد علم ما الش يء من حيث «ينسب إليه من‬ ‫الطرق‪ ،‬مبتدأ بطريقة ال ّ‬

‫= وجودها‪ ،‬بل إنما عرض لهم في معارضة خصومهم أن تكلموا في شيء يسير منها‪ ،‬كقول من يقول بالجزء‬
‫الذي ال يتجزأ‪ ،‬غير أن نظرهم في ذلك ال ألجل أن يعطوا أسباب هذه األمور الطبيعية‪ ،‬بل من أجل ما عثروا‬
‫عليه في مناقضة بعضهم بعضا‪ ،‬رأين ا أن نطرح هذا الجزء من النظر [يقصد الجدل] ونقصد قصد البرهان‪ .‬ولم‬
‫يخف على أرسطو أن ذلك غير ضروري في هذه الحكمة الطبيعية‪ ،‬بل صنع تلك المقالة [يقصد المقالة األولى‬
‫من السماع الطبيعي حيث جادل أرسطو آراء القدامة] لمن كان بالحال التي كان عليها أهل زمانه‪ ،‬وعارفا أنه إن‬
‫أتى أهل زمان معارف أهله كمعارف أهل زماننا هذا‪ ،‬اطرح ذلك ولم يلتفت إليه‪ ،‬اللهم إال على جهة الرياضة‪،‬‬
‫كما قال هو إن في هذا النظر فلسفة ما‪ .‬فلنقل نحن في ذلك [ثم شرع في دراسة كيفيات األجسام الطبيعية‬
‫والحركة‪ ،‬إلخ]»‪ ،‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬المقالة األولى‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.18-17 .‬‬
‫‪ -1‬يحدد أرسطو فائدة الجدل بقوله‪« :‬ويتبع ما وصفناه أن نذكر األشياء التي ينتفع فيها بهذا الكتاب‪ :‬كم هي؟ وما‬
‫هي؟ فنقول إنه ينتفع به في ثالثة أشياء‪ :‬في الرياضة‪ ،‬وفي المناظرة‪ ،‬وفي علوم الفلسفة‪ .‬واألمر في أن هذا‬
‫الكتاب نافع في الرياضة ظاهر بين من هذا‪ ،‬وذلك أنه إذا كان لنا طريق نسلكه أمكننا بأسهل مأخذ أن نحتج فيما‬
‫نقصد للحجة فيه‪ .‬فأما منفعته في المناظرة فمن قبل أنا إذا أحصينا آراء الجمهور كانت مخاطبتنا إياهم من اآلراء‬
‫التي تخصهم‪ ،‬ال من األشياء الغريبة‪ ،‬لننقلهم عما نراهم ال يصيبون القول فيه‪ .‬فأما منفعته في علوم الفلسفة فألنا‬
‫إذا قدرنا أن نتشكك في األمرين جميعا‪ ،‬سهل علينا في كل واحد من األمور أن ندرك الحق والباطل»‪ ،‬كتاب‬
‫الطوبيقا‪ ،‬ضمن منطق أرسطو‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.492 .‬‬

‫‪171‬‬
‫ّ‬
‫الخاصة بها‪ ،‬علم لواحقه الذاتية‬ ‫النسب أوال وآخرا‪ ،‬ما هي‪ .‬واألحرى‪ ،‬علم لواحقه الذاتية‬
‫وأما علم ما يلحقه فيقال له علم على سبيل االستعارة»‪ّ 1.‬‬
‫ثم بعد ذلك‪ ،‬انتقل إلى‬ ‫العامة؛ ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫طريق البرهان‪ ،‬ومنه إلى طريقة التقسيم والتركيب‪ ،‬فكان يلح على « ّأن الطريقة‪ ،‬إنما‬
‫يستعمل فيها‪ ،‬لسبق العلم بوجوده‪ .‬والنفس من األمور الظاهرة الوجود وطلب تبيين وجودها‪،‬‬
‫شبيه بطلب وجود الطبيعة»‪2.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والواقع أنه بهذا التفصيل إنما أراد إبراز األساس ي من الثانوي في بحث موضوع النفس‬
‫باجه ّ‬
‫الحد‬ ‫عرف ابن ّ‬ ‫أي الطرق املنطقية ممكنة والتي على رأسها طريقة ّ‬
‫الحد‪ .‬وقد ّ‬ ‫باستعمال ّ‬
‫املعرف بماهية الش يء على الكمال»‪ 3،‬وقصد بذلك اللفظ الدال على ماهية‬ ‫بكونه «القول ّ‬
‫أن هذا ّ‬
‫الحد ينقسم إلى تام‬ ‫الش يء‪ ،‬وهو «أبدا ّإنما هو بحسب اللفظ املساوي للمعنى»‪ 4.‬غير ّ‬
‫كتعريف اإلنسان بالحيوان الناطق؛ ويشترط‬
‫ِ‬ ‫وناقص‪ :‬التام يتركب من جنس وفصل قريبين‪،‬‬
‫مانعا يجمع الحدود ويمنع غيره من الدخول فيه؛ وعكسه الحدّ‬‫جامعا ً‬
‫ً‬ ‫الح ّد التام أن يكون‬
‫في َ‬
‫الناقص الذي يكون بالفصل القريب‪ 5‬وحده أو به وبالجسم البعيد‪ ،‬كتعريف اإلنسان‬
‫الحد والتعريف‪ ،‬فهو أنه في ّ‬
‫الحد يتم تعريف الش يء بذاته‬ ‫بـ"الجسم الناطق"‪ّ 6.‬أما الفرق بين ّ‬
‫ّ‬ ‫كتعريف اإلنسان بأنه حيوان ناطق‪ ،‬لكن طريق التعريف ال ُي َ‬
‫قصد به إال تحصيل صورة‬
‫كل تعريف ًّ‬
‫حدا ًّ‬
‫تاما‬ ‫حد هو تعريف‪ ،‬لكن ليس ُّ‬ ‫الش يء في الذهن أو توضيحها‪ .‬ولذلك‪ ،‬فكل ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ناقصا‪7.‬‬ ‫وإنما قد يكون أيضا‬
‫تعرض للتعريف من زاوية منطقية صريحة‪ ،‬في حين نجد‬ ‫باجه ّأنه ّ‬
‫ما يالحظ على ابن ّ‬
‫أرسطو يبحث تعريفها بمنهجية استقصائية آلراء القدامى واملعاصرين له حتى ينتهي بتخطيئها‬
‫(بقايا املنهج السقراطي األفالطوني)‪ ،‬بعد تبيين قصورها املنهجي في التعريف‪ّ .‬ربما يرغب‬

‫‪ .1‬ابن باجه‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.94 .‬‬


‫‪ .2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.100 .‬‬
‫‪ .3‬ابن باجه‪ ،‬تعاليق على كتاب ايساغوجي‪ ،‬ضمن تعاليق ابن باجه على منطق الفارابي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.39 .‬‬
‫‪ .4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.53 .‬‬
‫‪ .5‬المعروف عند فرفوريوس الصوري أن الفصل «ال يقبل الزيادة والنقصان‪ ،‬واألعراض تقبل الزيادة والنقصان»‪،‬‬
‫إيساغوجي لفرفريوس الصوري‪ ،‬تقديم أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬نشرة دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪،1952 ،‬‬
‫ص‪.92 .‬‬
‫‪ .6‬ابن باجه‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.94 .‬‬
‫‪ .7‬يقول ابن باجه‪« :‬والحد أبدا إنما هو بحسب اللفظ المساوي للمعنى‪ .‬والمعنى الذي نأخذ محموال أو موضوعا إنما‬
‫نـخذه أبدا بحسب اللفظ المساوي له ال بحسب لفظ أعم منه أو أخص منه‪ .‬فإنه متى أخذ المعنى أو الحد بحسب لفظ‬
‫أعم أو أخص من المعنى‪ ،‬وقع الغلط في فهم ذلك المعنى متى عبر عنه ووقع الحد على غير ما وقع عليه االسم‬
‫الخاص بذلك المعنى»‪ ،‬تعاليق على كتاب إيساغوجي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.53 .‬‬

‫‪172‬‬
‫أرسطو بهذه املنهجية تجاوز اآلراء ما قبل السقراطية حول موضوع النفس‪ ،‬وهو في ذلك‬
‫ّ‬
‫حريص على جردها‪ ،‬كما عارض ثنائية أستاذه أفالطون‪ :‬الجسد ≠ النفس‪ 1.‬الواقع أنه اعترف‬
‫لكنه انتقدهم‬‫املادية للنفس‪ّ ،‬‬‫لبعض هؤالء الذين سبقوا سقراط بالفضل في تحديد العلل ّ‬
‫ّ‬
‫لعجزهم عن إدراك العلة الصورية التي يستثمرها في تعريفه للنفس‪ 2.‬كذلك‪ ،‬أشاد بأستاذه‬
‫ّ‬ ‫العلة الصورية للنفس‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫املادية في ّادعائه بإمكانية‬
‫للعلة ّ‬ ‫لكنه رفض إهماله‬ ‫أفالطون إلدراكه‬
‫وجود نفس دون الجسد‪ .‬لقد رفض أرسطو فصل النفس عن البدن‪ ،‬واعتبرها وثيقة الصلة في‬
‫بأنها «كمال ّأول لجسم طبيعي ذي‬ ‫فعرفها ّ‬ ‫ّ‬
‫كل أحوالها بالجسد وبأحواله الحسية والعاطفية‪ّ ،‬‬
‫خاصة‪ ،‬لذلك ال يمكن أن توجد‬ ‫بالقوة»‪ 3.‬فالنفس‪ ،‬إذن‪ ،‬هي كمال جسم ذي طبيعة ّ‬ ‫حياة ّ‬
‫ّ‬
‫بغير جسم‪ ،‬وهي ليست بجسم‪ ،‬بل ش يء متعلق بالجسم‪ .‬لهذا كانت النفس في جسم من‬
‫طبيعة مع ّينة؛ ّإنها ضرب من الكمال‪ ،‬أي استكمال ّأول لجسم طبيعي ّ‬
‫مزود بأعضاء حيوية‪4.‬‬

‫يصرح باستعمال األداة املنطقية في بحثه عن تعريف النفس‪،‬‬ ‫واملالحظ ّأن أرسطو ال ّ‬
‫ضمرة‪ .‬لذا‪ ،‬ليس من املفاجئ أن نجد أرسطو‬ ‫ّ‬ ‫باجه‪ ،‬بل يجعلها ضمنية‬‫كما يفعل ذلك ابن ّ‬
‫الحد عبر طريقة التركيب‪ ،‬معتبرا القول الدال على ّ‬
‫الحد ينبغي أن ال‬ ‫يع ّرف النفس مستعمال ّ‬
‫ّ‬
‫يصف ما هو قائم فقط‪ ،‬مثلما هو الحال في أغلب التحديدات‪ ،‬بل يلزم أيضا أن يشمل العلة‪،‬‬
‫أن الحدود ّ‬ ‫ّ‬
‫فيسلط عليها الضوء‪ .‬الواقع ّ‬
‫يعبر عنها عادة في صورة نتائج بسيطة‪ ،‬وهذا ما جعل‬
‫ّ‬
‫يضطر‬ ‫الحد‪ّ ،‬‬
‫لكنه ال‬ ‫عما ترسمه نظرية ّ‬ ‫أرسطو يعتبر مسألة تعريف النفس ال ينبغي أن تخرج ّ‬
‫إلى إيراد تفصيالت منطقية للمسألة‪5 .‬‬

‫باجه في بحث تعريف النفس بالتركيز على األداة املنطقية املناسبة لهذا‬ ‫انفرد ابن ّ‬
‫مرة إلى أهمية هذا املسلك‪ .‬فقد شرع منذ البداية في تقديم ما يجب أن‬ ‫الغرض‪ ،‬مشيرا ّ‬
‫كل ّ‬
‫يطلب في تعريف النفس‪ ،‬متسائال «هل نبدأ من النظر في األجسام التي هي فيها‪ ،‬أو من‬
‫اللواحق التي تنسب إلى الجسد التي هي فيه‪ ،‬كالصحة واملرض‪ ،‬أو من األفعال التي تنسب إليها‬
‫فإنه إن لم يكن مفارقا أصال‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فكل األفعال املنسوبة إليها‪ ،‬مشتركة لها‬ ‫كالغضب والرض ى‪.‬‬

‫‪ - 1‬أرسطو‪ ،‬في النفس‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬وكالة المطبوعات (الكويت)‪ ،‬نشرة دار‬
‫القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1980 ،‬ص ص‪.16-15 .‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.29 .‬‬
‫‪ - 3‬أرسطو‪ ،‬في النفس‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.31 .‬‬
‫‪ - 4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.34 .‬‬
‫‪ .5‬أرسطو‪ ،‬في النفس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.33 -32 .‬‬

‫‪173‬‬
‫ّ‬
‫إال ّ‬
‫أن بعضها من أجلها وبها‪ ،‬وبعضها لها من أجل الجسد وبه»‪ 1.‬لم يشأ بعد هذا‬ ‫وللجسد‪،‬‬
‫االستفهام إيراد مواقف األقدمين كما فعل أرسطو في املقالة األولى من كتاب النفس‪ ،‬بل عززّ‬
‫أية طريقة منطقية أنسب لتعريف النفس‪2.‬‬ ‫توجهه املنطقي باحتراز شديد حين البحث عن ّ‬ ‫ّ‬

‫باجه هذا النوع من العلم بالش يء يتم عبر أنواع من النسب‪ ،‬أو بعلم ما هو‬ ‫اعتبر ابن ّ‬
‫ّ‬
‫والخاصة به‬ ‫الش يء بالبحث في ماهيته وكنهه؛ حيث يكون العلم في لواحق الش يء الذاتية أوال‪،‬‬
‫العامة ثالثا‪ .‬غير ّأن التعريف يفض ي إلى طرق منطقية أخرى تستعمل‬ ‫ثم علم لواحقه ّ‬ ‫ثانيا‪ّ ،‬‬
‫ّإما لتصور املعاني أو لالستنباط والتصديق‪ ،‬منها طريقة الرسم والقسمة والتركيب‪ ،‬والدليل‪،‬‬
‫تبين في أنالوطيقا‬ ‫باجه‪« :‬وملّا كانت الطرق املسلوكة في استخراج ّ‬
‫الحد‪ ،‬على ما ّ‬ ‫الخ‪ .‬يقول ابن ّ‬
‫الثانية‪ ،‬ثالثة‪ :‬طريق التقسيم‪ ،‬وطريق التركيب‪ ،‬والطريق املستعمل فيها البرهان‪ّ ،‬‬
‫فأي الطرق‬
‫ّ‬ ‫يجب أن نسلك في وجود ّ‬
‫حد النفس؛ وطريق التقسيم ال يمكن فيها‪ ،‬إذ الجنس الذي رتب فيه‪،‬‬
‫فإنه لو كان ظاهرا بنفسه‪ ،‬ملا وقع التنازع فيها‪ ،‬هل هي جسم أم ال‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫وأما الطريق‬ ‫ليس بمعروف‪،‬‬
‫تصور بها‪ ،‬ليست‬ ‫التصورات التي ّ‬‫ّ‬ ‫املستعمل فيها البرهان‪ ،‬فذلك أيضا غير ممكن فيها‪ّ .‬‬
‫فإن‬
‫ّ‬
‫واحدة‪ ،‬وبعضها مركب‪ ،‬ليس بعضها لبعض بالذات‪ ،‬وال هي الزمة عن مقاييس‪ ،‬فيمكن أن‬
‫ننظر أوثقها فنستعمله‪ .‬وبالجملة‪ ،‬فليس فيها لدينا سبيل‪ ،‬نقدر بها على تقديم بعضها على‬
‫التصورات‪ ،‬التي ّ‬
‫ّ‬ ‫فإننا متى ّ‬ ‫ّ‬
‫قسمتها آراء القدماء من املتفلسفين‪ ،‬لم‬ ‫تأملنا تلك‬ ‫بعض‪ .‬وأيضا‪،‬‬
‫مما يقال باشتراك‪ .‬فإن‬ ‫ّ‬
‫تأملها‪ ،‬أن النفس‪ّ ،‬‬ ‫نجدها مناقضة وال متالزمة‪ .‬لكن‪ ،‬يظهر منها ملن ّ‬
‫حدا من حدود ما‬ ‫تصور منها‪ ،‬أن يفصل ويطلب البرهان عليه‪ ،‬أن يكون‪ّ ،‬إنما وجدنا‪ّ ،‬‬ ‫أمكن في ّ‬
‫فإن النفس‪ ،‬إن قيلت باشتراك‪ّ ،‬‬
‫فإنها‬ ‫تقال عليه النفس؛ ولم نجد املعاني التي تقال عليها‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫إال طريق التركيب»‪3.‬‬ ‫ّ‬
‫تقال بالنوع املشكك منه‪ .‬فلم يبق‬

‫‪ .1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪.98-97 .‬‬


‫‪ .2‬يظهر ذلك في قوله‪« :‬ولما كان الحد‪ ،‬على ما تبين في أنالوطيقا الثانية‪ ،‬ال يمكن أن يأتلف من جنس الشيء‪ ،‬كان‬
‫أجزاؤه‪ ،‬مدلوال عليها باألسماء المشتقة‪ .‬إذ‪ ،‬ال يمكن أن يحمل أمر‪ ،‬على وجود شيء ما مدلوال عليه بالمثال‬
‫األول‪ ،‬غير الجنس؛ فكان هذا الحد‪ ،‬ينبئ عن وجود أمر في الموضوع لم يصرح به‪ ،‬فكان منبئا بنقصه‪ .‬فلذلك‪،‬‬
‫يجب أن نفحص أوال‪ ،‬عن الجنس الذي يجب أن يحمل عليها‪ ،‬وتوصف به؛ ليوجد به السبيل إلى التحديد‪ .‬فإن‬
‫الجنس‪ ،‬والفصل‪ ،‬كل واحد منهما‪ ،‬هو الحد بالقوة‪ ،‬غير أن كل واحد منهما‪ ،‬بوجه غير الوجه الذي به اآلخر‪،‬‬
‫ألن الجنس‪ ،‬هو الفصل بالقوة على أنه يتصور به‪ .‬فهو بالقوة‪ ،‬بنحو شبيه بالقوة التي تقال على المادة‪ ،‬فهو بالقوة‬
‫شيء خارج به (‪ )...‬ولما كانت‪ ،‬الطرق المسلوكة في استخراج الحد‪ ،‬على ما تبين في أنالوطيقا الثانية‪ ،‬ثالثة‪.‬‬
‫طريق التقسيم‪ ،‬وطريق التركيب‪ ،‬والطريق المستعمل فيها البرهان‪ ،‬فأي الطرق‪ ،‬يجب أن نسلك في وجود حد‬
‫النفس؛ وطريق التقسيم ال يمكن فيها‪ ،‬إذ الجنس الذي رتب فيه‪ ،‬ليس بمعروف‪ ،‬فإنه لو كان ظاهرا بنفسه‪ ،‬لما‬
‫وقع التنازع فيها‪ ،‬هل هي جسم أم ال‪ .‬أما الطريق المستعمل فيها البرهان‪ ،‬فذلك أيضا غير ممكن فيها‪ ،»..‬ابن‬
‫باجه‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.99 .‬‬
‫‪ .3‬ابن باجه‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص‪.100 -99 .‬‬

‫‪174‬‬
‫هكذا‪ ،‬كان إبراز تمايز هذه الطرق املنطقية بالنسبة لتعريف النفس أمرا حاسما لدى‬
‫تصور حقيقي بما‬ ‫ابن باجه الذي ينتقد الذين ال يدركون أهمية الطرق املنطقية في تأسيس ّ‬
‫ّ‬ ‫ُيبحث عنه فلسفيا‪ 1.‬لقد َقل َب النظر في ّ‬
‫كل الطرق التي يحتمل أن توصل إلى بناء تعريف كلي‬
‫لحد النفس‪ 2.‬وفي خضم ذلك‪ ،‬أبرز أهمية حصول برهان هذا‬ ‫يستوفي املعايير املنطقية ّ‬
‫ّ‬
‫التعريف‪ ،‬مدركا أنه إما أن تأتي الحدود نتيجة برهان أو مبدأ برهان أو تكون برهانا متغيرا‬
‫الحد بالعرض فقط ال بالذات‪ّ 3.‬‬
‫لكنه حسم األمر‪ ،‬في‬ ‫أن الحدود باألدلة تفيد ّ‬ ‫بالوضع‪ ،‬في حين ّ‬
‫ّ‬ ‫مؤكدا على ّ‬ ‫ّ‬
‫أن حدود النفس ليست حدودا معطاة‪ ،‬وإنما هي مستنبطة‪.‬‬ ‫نهاية املطاف‪،‬‬
‫حد النفس‪4،‬‬ ‫لذلك فال طريق التقسيم وال الطريق املستعمل فيه البرهان ينفعان في ّ‬
‫أن طريق التقسيم غير متأت في النفس‬ ‫والسبب في ذلك يعود‪ ،‬بعد فحصه لهذا املوضوع‪ ،‬إلى ّ‬
‫حدها ألنه ال يفض ي إلى الوقوف‬‫مادام جنسها غير معروف‪ ،‬وكذلك طريق البرهان ال يفيد في ّ‬
‫ّ‬ ‫على املعاني التي يقال لها نفس‪ .‬وهكذا‪ ،‬يبقى طريق التركيب هو األفيد في ّ‬
‫حد النفس ألنه‬
‫الطريق الذي « يستعمل فيها‪ ،‬لسبق العلم بوجوده‪ .‬والنفس من األمور الظاهرة الوجود وطلب‬
‫تبيين وجودها‪ ،‬شبيه بطلب وجود الطبيعة »‪ 5،‬والنظر فيها يكون في أنفس كل حيوان وأما‬
‫النبات ففيه موضع فحص‪6.‬‬

‫باجه في تحديده للنفس طريق التركيب‪ ،‬كما استعمل طريقة التقسيم في‬ ‫استعمل ابن ّ‬
‫بحث الطبيعة في شرحه للسماع الطبيعي‪ 7،‬وذلك ّبين عندما جعل القسمة املنطقية سبيال له‬
‫ّ‬
‫في تحديد كيفيات الحركة‪ ،‬وجوانب أخرى متعلقة بكيفيات األجسام الطبيعية‪ .‬والواقع ّأن‬
‫ّ‬
‫اتباع هذه الطرق املنطقية في بحث املوضوعات الطبيعية (الحركة‪ ،‬تعريف النفس‪ ،‬إلخ) شكل‬
‫لديه استعماال منهجيا للمنطق كأداة للكشف والفحص بغاية الوصول إلى اليقين في العلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫التصور املجمل‬ ‫ّ‬
‫والحد‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التصور‪ ،‬يلزم املرء التمييز بين اللفظ واملعنى‪ ،‬االسم‬ ‫وفقا لهذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتصور املفصل‪ ،‬إلخ؛ وذلك بغرض التحقق والفهم الصحيح للش يء املدروس‪.‬‬

‫‪ .1‬ابن باجه‪ ،‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.18 .‬‬


‫‪ .2‬ابن باجه‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.98 .‬‬
‫‪ .3‬ابن باجه‪ ،‬تعاليق على كتاب البرهان للفارابي‪ ،‬ضمن المنطق عند الفارابي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2012 ،‬ص‪.128 .‬‬
‫‪ .4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.99 .‬‬
‫‪ .5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.100 .‬‬
‫‪ .6‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪ .7‬يقول ابن باجه‪« :‬األشياء الطبيعية وجودها أوال بالطبيعة‪ ،‬فيجب أوال أن نعرف ما الطبيعة‪ ،‬فلما حدها أرسطو‪،‬‬
‫وجدها مبدأ حركة وسكون في الشيء‪ ،»..‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬مصدر سابق ص‪.24 .‬‬

‫‪175‬‬
‫باجه كان حريصا في أقواله حول قوى النفس على تطبيق‬ ‫مما سبق ّأن ابن ّ‬ ‫يظهر ّ‬
‫الجيدة باملنطق‪ .‬وقد انعكس ذلك على فحصه للموضوع السيكولوجي‪ ،‬حيث أورد‪،‬‬ ‫معرفته ّ‬
‫كعادته‪ ،‬في ّ‬
‫عدة مواضع األداة املنطقية التي من شأنها تقديم التسويغ املنهجي والعلمي الدقيق‬
‫ّ‬
‫لتصوراته للنفس‪ .‬وهكذا‪ ،‬يمكن تقريب هذه املسألة عبر الجدول اآلتي‪1:‬‬

‫التعريف‬ ‫الحد‬ ‫دل ّ‬


‫حده‪..‬‬ ‫‪ -‬وعلم ما الش يء إما غير تام‪ ..‬وإما تام‪ ،‬وذلك أن يعلم بما ّ‬
‫(ص ‪)94‬‬
‫التعريف‬ ‫ّ‬
‫الحد‬ ‫الحد يقال له بتقديم وتأخير‪( ..‬ص ‪)95‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعريف‬ ‫الحد‬ ‫والحد الذي يقال بتقديم‪ ..‬منها ما يولف من االسباب البعيدة‪ ،‬ومنها‬ ‫‪-‬‬
‫ما يؤلف من القريبة‪ ،‬وهو أخلق بأن يكون حدا‪( .‬ص ‪)95‬‬
‫التعريف‬ ‫ّ‬
‫الحد‪ ،‬الجنس‬ ‫‪ -‬وملّا كان ّ‬
‫الحد على ما قيل في أنالوطيقا الثانية ال يمكن أن يأتلف حتى‬
‫فإنه‪ ،‬متى وضعنا ّ‬
‫حدا لم يأتلف من‬ ‫يوجد الجنس الذي يوصف به‪ّ ،‬‬
‫جنس الش يء‪ ،‬كان أجزاؤه‪ ،‬مدلوال عليها باألسماء املشاقة‪( .‬ص‪)98‬‬
‫التعريف‬ ‫ّ‬
‫الحد‬ ‫الحد ينبئ عن وجود أمر في املوضوع لم يصرح به‪( ..‬ص‬ ‫‪ -‬فكان هذا ّ‬
‫‪)98‬‬
‫التعريف‬ ‫الفصل‪،‬‬ ‫الجنس‪،‬‬ ‫بالقوة‪ ،‬غير ّأن كلّ‬
‫الحد ّ‬‫كل واحد منهما‪ ،‬هو ّ‬ ‫فإن الجنس والفصل‪ّ ،‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ّ‬
‫الحد‬ ‫واحد منهما‪ ،‬بوجه غير الوجه الذي به اآلخر‪( ..‬ص ‪)98‬‬
‫التعريف‬ ‫ّ‬
‫الحد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحد على ما تبين في‬ ‫‪ -‬وملا كانت الطرق املسلوكة في استخراج‬
‫التقسيم‪،‬‬ ‫أنالوطيقا الثانية‪ ،‬ثالثة‪ :‬طريق التقسيم‪ ،‬وطريق التركيب‪ ،‬والطريق‬
‫التركيب‪،‬‬ ‫املستعمل فيها البرهان‪( ...‬ص‪)99‬‬
‫البرهان‬
‫تعريف النفس‬ ‫ّ‬
‫الحد‬ ‫فأي الطرق يجب أن نسلك في وجود ّ‬
‫حد النفس‪( ..‬ص‪)99‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫تعريف النفس‬ ‫ّ‬
‫الحد ‪ /‬البرهان‬ ‫ّ‬
‫بالحد جميع ما يقال عليه النفس‪ ،‬بنحو واحد‪..‬‬ ‫‪ -‬ال يمكن ألن يطابق‬
‫ولذلك ال يمكن أن تستعمل فيها الطريقة البرهانية (ص‪)103‬‬
‫تعريف النفس‬ ‫البرهان‬ ‫فأما إذا أخذا من حيث الجنس نتيجة برهان‪ ،‬فالفصل مبدأ برهان‪،‬‬‫‪ّ -‬‬
‫أو يجريان مجراهما‪( .‬ص ‪)99‬‬
‫تعريف النفس‬ ‫التقسيم‪ ،‬الجنس‬ ‫‪ -‬وطريق التقسيم ال يمكن فيها إذ الجنس الذي رتب فيها غير معروف‪..‬‬
‫(ص ‪)99‬‬
‫تعريف النفس‬ ‫البرهان ‪ /‬التركيب‬ ‫‪ّ -‬‬
‫وأما الطريق املستعمل فيها البرهان فذلك أيضا غير ممكن فيها‪- ..‬‬
‫ّ‬
‫فلم يبقى إال طريق التركيب‪( ..‬ص‪)100-99‬‬
‫تعريف النفس‬ ‫املقوالت‬ ‫‪ -‬والفعل ينقسم إلى املقوالت العشر‪( ..‬ص‪)106‬‬
‫كيفيات االحساس‬ ‫املقوالت‬ ‫‪ -‬بعد ذلك أنواع الكيف‪ ،‬واألين‪ ،‬إلى سائر ما للجسم من املقوالت‬

‫‪ .1‬ابن باجه‪ ،‬كتاب النفسه‪ ،‬مصدر سابق‪ .‬ثم القول في القوة الناطقة‪ ،‬تحقيق جماعي‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫العشر (ص‪)140‬‬
‫كيفيات حاسة البصر‬ ‫مقولة اإلضافة‬ ‫‪ -‬واإلضافة‪ ،‬من طريق ما هي إضافة‪ ،‬فال تنقسم بانقسام الجسم‪..‬‬
‫(ص‪)171‬‬

‫ّ‬
‫االستدالل‬ ‫البرهنة‬ ‫‪ -‬وقد تلخص ذلك في الثانية من كتاب الحس‪ .‬وبرهن السبب فيه‪..‬‬
‫(ص‪)200‬‬
‫فحص آراء القدامى‬ ‫الجدل‬ ‫‪ -‬وذلك نحو من أنحاء الرياضة الجدلية (ص‪ 222‬من القوة الناطقة)‬
‫ّ‬ ‫تلخص في باري أرمينياس ما القول الجازم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫العالقة الحملية في‬ ‫القول الجازم‬ ‫وأنه مركب من‬ ‫‪ -‬وقد‬
‫القضية املنطقية‬ ‫محمول وموضوع (ص‪)223‬‬
‫كيف تتألف منطقيا‬ ‫القضايا املنطقية‬ ‫‪ -‬القضايا املؤلفة‪ ،‬هي ضرورة‪ّ ،‬إما جزئية أو كلية‪ .‬واملهملة فليس ذلك‬
‫وأنواعها‬ ‫لها بحسب الوجود (ص‪)224‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫شكل تأليفها‬ ‫القضايا الوجودية‬ ‫فأما القضايا املؤلفة من كليين تأليفا وجوديا‪ ،‬فتلك فيها أحد األزمنة‬
‫ّ‬
‫الثالثة‪ .‬وهي مؤلفة من املحموالت املمكنة في موادها‪( .‬ص ‪)226‬‬
‫ّ‬
‫الحد في العلوم‬ ‫أهمية‬ ‫ّ‬
‫الحد‬ ‫تأملت العلوم النظرية ّكلها‪ ،‬وجدتها ّإنما تفحص ألجل ّ‬
‫الحد‪.‬‬ ‫‪-‬وإذا ّ‬
‫النظرية‬ ‫(ص‪)226‬‬

‫أهمية هذه القضايا‬ ‫الكلية‬ ‫القضايا‬ ‫‪ -‬وهذا ّكله ّبين ملن زاول صناعة املنطق‪ .‬ومن هنا‪ّ ،‬‬
‫نتبين السبب لم كان‬
‫الكلية‬ ‫الضرورية‬ ‫الضرورية املوجبة‬ ‫العلم النظري ّإنما يستعمل أوال‪ ،‬وبالذات‪ ،‬القضايا الكلية الضرورية‬
‫املوجية للعلم النظري‬ ‫املوجبة‪ ،‬ويستعمل ثانيا‪ ،‬أو بالعرض‪ ،‬السوالب والجزئيات وممكنات‬
‫األكثر‪( .‬ص ‪)227‬‬
‫محموالت‬ ‫تصبح‬ ‫الكليات‬ ‫فإنا نقول في الكليات إذا كانت موضوعة‪ّ ،‬أنها املحموالت‪ ،‬لكن‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ّ‬
‫بتوسط عندما تكون‬ ‫توسط املشار إليه‪( .‬ص‪)230‬‬ ‫ب ّ‬
‫موضوعات‬
‫الرهان يتم بالتصديق‬ ‫البرهان‬ ‫األول‪ّ ،‬إنما‬ ‫‪ -‬وأيضا‪ّ ،‬‬
‫فإن اليقين البرهاني‪ ،‬وبالجملة التصديق غير ّ‬
‫عن قياس‪ ،‬وأكملها‬ ‫األول‪..‬‬ ‫يكون بقياس‪ .‬وأكمل املقاييس‪ ،‬فهو الضرب ّ‬
‫األول من الشكل ّ‬
‫الضرب األول من الشكل‬ ‫(ص ‪)232‬‬
‫األول‪ ،‬وهو الذي يفيد‬
‫العلم‬
‫ّ‬
‫التوجه الذي‬ ‫ّ‬
‫املتضمنة في كتاب النفس‪ ،‬سيادة نفس‬ ‫ت ُُظهر هذه األقوال املنطقية‬
‫ّ‬
‫كشفنا عنه في سياق الحديث عن كتاب شرح السماع الطبيعي‪ .‬يتعلق األمر بطغيان ب ّين‬
‫لألسباب التعريفية‪ ،‬كما ّ‬
‫توضح ذلك في تقليبه للنظر في طرق التعريف املمكنة للنفس‪ ،‬مهتديا‬
‫حد النفس‪ .‬واملالحظ أيضا‪ّ ،‬‬
‫أن التصريح باألداة املنطقية كان كثيفا في‬ ‫إلى طريقة التركيب في ّ‬
‫بداية كناب النفس‪ ،‬وذلك قبل أن يشرع في الخوض في قوى النفس (القوة الغاذية‪ ،‬القوة‬
‫خف َت ذلك لصالح االكتفاء باملقوالت التي‬ ‫التخيل)‪ ،‬حيث َ‬
‫ّ‬ ‫الحساسة‪ ،‬الحس املشترك‪،‬‬
‫استعملها في عرض كيفيات وخصائص تلك امللكات‪ .‬لكن‪ ،‬عند وصوله إلى القول في القوةّ‬

‫‪177‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الناطقة‪ ،‬عادت ّ‬
‫خاصة ما يتعلق منها بتركيب‬ ‫حدة استعمال األداة املنطقية من جديد‪،‬‬
‫وتأليف القضايا وطرق الحمل املنطقية‪ .‬فما داللة ذلك؟‬
‫أن ابن ّ‬ ‫يتلخص مضمون هذا األمر في ّ‬‫ّ‬
‫باجه‪ ،‬وهو يبحث املوضوع الطبيعي (سواء في‬
‫ّ‬
‫السماع الطبيعي‪ ،‬أو في كتاب النفس)‪ ،‬إنما يورد أدواته املنطقية التي يستوضح بها طريقة في‬
‫بحثه للعلم الطبيعي‪ ،‬دون أن يغفل ابراز قيمة وحدود هذه األدوات‪ .‬لذلك‪ ،‬نجده ال يتوانى‬
‫عن تقرير أقواله الطبيعية وفقا لكيفية استعمال هذه األدوات املنطقية‪ ،‬مع الحرص على‬
‫التزام حدودها‪ ،‬فيضيف الستدالالته املضمرة عبارات منطقية صريحة كما هو ّ‬
‫مبين في‬
‫ظل محكوما‬ ‫أن منهج ابن ّ‬
‫باجه في البحث الطبيعي ّ‬ ‫والبين من هذه املسألة ّ‬
‫الجدول السابق‪ّ .‬‬
‫بهاجس منطقي ّبين‪ ،‬حيث اعتمد األسباب التعريفية التي تتيحها نظرية التعريف من خالل‬
‫الحد والبرهان‪ ،‬وكذا باقي الطرق املنطقية األخرى التي يقتضيها التحديد املنطقي‪ .‬في‬‫أداتي ّ‬
‫مقابل هذه املنهجية املنطقية‪ ،‬انتقد ابن ّ‬
‫باجه اآلراء التي تزعم الخوض في العلم الطبيعي دون‬
‫معرفة كافية بالطرق املنطقية الضرورية للبحث واالكتشاف النظري‪ .‬فما هي أهم مؤاخذاته‬
‫ّ‬
‫وانتقاداته للذين قلت معرفتهم باملنطق؟‬
‫‪ .3‬نقد ابن باجه لآلخرين من جهة قصور معرفتهم بطرق املنطق‬
‫ال يتوانى ابن ّ‬
‫باجه عن نقد اآلراء املختلفة التي ال تحتكم ملعايير املنطق املعروفة‪ ،‬فكان‬
‫حازما في رفض األقاويل التي ال تعطي اليقين في املعرفة‪ .‬لقد اعتقد ّ‬
‫بأن فساد رأي‪ ،‬أو قول ما‪،‬‬
‫ألن الناس لهم ذلك بالطبيعة‪ ،‬ولكن يكمن في‬ ‫ال يأتي فقط من انعدام القدرة على التفكير ّ‬
‫جهلهم بالطرق املنطقية التي شأنها أن تساعدهم على التفكير السليم‪ .‬لذا‪ ،‬من ليس له إدراك‬
‫ّ‬
‫التصورات‪،‬‬ ‫منطقي سديد بكيفية استعمال هذه الطرق‪ ،‬يكون غير قادر على التمييز بين‬
‫التصور املجمل هم من أقاموا ألفاظ ّ‬
‫الحد مقام االسم»‪1.‬‬ ‫ّ‬ ‫وذلك ّ‬
‫ألن « أكثر الناس قدرة على‬
‫أن الذين ال يعرفون املسالك املنطقية‬ ‫باجه ينبه على ّ‬
‫إن هذا الخلط هو ما جعل ابن ّ‬ ‫ّ‬
‫الصحيحة في التصور والتحديد‪ ،‬هم أكثر الناس وقوعا في الغلط‪.‬‬
‫فإن الباحث في الفلسفة يحتاج في معرفة املوجودات إلى جودة‬ ‫وفقا لهذا املنظور‪ّ ،‬‬
‫التمييز كي يدرك املعاني الكلية‪ ،‬والتصديق بها وفقا ملبادئ القياس اليقيني‪ .‬واملعاني الكلية‬

‫‪ .1‬ابن باجه ‪ ،‬تعاليق على البرهان‪ ،‬ضمن المنطق عند الفارابي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬طبعة ‪ ،4‬دار‬
‫المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.134 .‬‬

‫‪178‬‬
‫املقصودة لدى ابن باجه‪ ،‬هي تلك التي تفيد إدراك ماهيات األشياء‪ ،‬ومعرفتها معرفة منطقية‬
‫ّ‬
‫املجردة من الهيولى‬ ‫يقينية‪ .‬فالقوة القياسية بما هي عملية تجريد ذهني‪ ،‬تدرك هذه املعاني‬
‫ّ‬
‫وتركب بعضها في بعض‪ ،‬فتحكم ببعضها على البعض اآلخر‪ .‬لذلك‪ ،‬تحتل الصناعة القياسية‬
‫مكانة مركزية في إنتاج القضايا السليمة منطقيا‪ 1.‬فاملوجودات واملعقوالت الطبيعية‬
‫والتعاليمية ك ّلها معنية بحسن استعمال هذه الطرق‪ّ ،‬‬
‫ألن اآللة املنطقية تعطي القوانين‬
‫توصل إلى إدراك اليقين في « هذه املوجودات والصنائع التي تشتمل عليها‬ ‫املسنونة التي ّ‬
‫الفلسفة تسمى بالبرهان «‪2.‬‬

‫تجد الطرق املنطقية مبادئ استعمالها في هذه القوانين املنطقية باعتبارها أدوات‬
‫ترده نحو اليقين لتبصر به األشياء على‬ ‫قوم الجزء النطقي من النفس‪ 3،‬ف ّ‬ ‫استداللية تعريفية ُت ّ‬
‫النحو الصائب‪ّ 4.‬إننا نصل باالستدالالت السليمة إلى استنتاج واستكشاف أسباب األمور‬
‫واألشياء عن طريق الربط بين العلل واملعلوالت‪ ،‬واستكشاف مختلف العالقات القائمة بينها‪.‬‬
‫ّ‬
‫من هنا‪ ،‬كان ضروريا التأكيد على أنه ال تكفي معرفة املعاني اللغوية التي في األلفاظ‪ ،‬عبر‬
‫معين من االستعمال النحوي أو املجازي البالغي‪ ،‬كما عند‬ ‫تواطؤ أفراد الجماعة في شكل ّ‬
‫ّ‬
‫علماء اللغة وأهل الصنائع البيانية؛ وإنما يلزم‪ ،‬مقابل ذلك‪ ،‬للذي يريد أن يعرف حقيقة‬
‫األمور أن يستوفي علمه بها بالطرق املنطقية التي ّ‬
‫تقررت مبادئها في الصناعة املنطقية‪.‬‬
‫أن مسائل وموضوعات العلم‬ ‫باجه ّ‬‫في سياق حديثه عن العلم النظري‪ ،‬أ ّكد ابن ّ‬
‫الطبيعي‪ ،‬مثال‪ ،‬ال يمكن أن تقارب بغير ما توجبه الصناعة املنطقية‪ 5.‬ونجد ذلك في تصريحه‬
‫مقدمة كتاب الحيوان‪ ،‬حيث قال‪« :‬وهذه الحكمة [يقصد الحكمة الطبيعية] ّ‬
‫مما وقع فيها‬ ‫في ّ‬
‫كل علم كيف كان‪ ،‬فله حاالن‪ ،‬كما يقول أرسطو ‪ :‬حال بها‬ ‫االختالف بين أهلها‪ .‬والناظر في ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪. Lukasiewicz (J), La syllogistique d’Aristote, op, cit, p. 92.‬‬
‫‪ .2‬ابن باجه‪ ،‬تعاليق على كتاب ايساغوجي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.28 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪. Ibn Bājja, Fĩ al-ghāyat al-insāyyat, réalisation par Joaquin Lomba Fuentes, in la‬‬
‫‪philosophie Andalouse: Auteurs et œuvres, sous la direction de Dominique Urvoy,‬‬
‫‪Fondation du Roi Qbdul-Aziz Al Saoud, Casablanca, 2006, 62 -63.‬‬
‫‪ . 4‬يشير جورج زيناتي إلى هذه المسألة لدى ابن باجه‪ ،‬معتبرا حديثه عن الشوق الطبيعي الذي يحصل يوميا مع‬
‫اإلنسان ذا بعد منطقي‪ ،‬حيث عندما يحصل الشوق الذي ليس بعده شوق آخر‪ ،‬فإن سلسلة الرغبات تتوقف‪،‬‬
‫زيناتي‪ ،‬فلسفة ابن باجه وأثرها‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات بقطر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،2019‬ص‪.51 .‬‬
‫التوطِّ ئات‪ .‬فكيف يجب أن يكون أمر مبادئه‬
‫‪ .5‬يقول ابن باجه‪« :‬هذا العلم يجب أن يكون معدودا في الغايات ال في ْ‬
‫ومسائله؟ وفي هذا فحص كثير وعويص شديد‪ .‬إال أنه يتبين بآخره أن هذا العلم يجب ضرورة أن يستخدم جميع‬
‫القوى المستفادة قبل بأنحاء التعاليم وبالمنطق‪ ،‬وإنما يستخدمها فيما يجانسها‪ .‬فلذلك يجب أن تكون فيه أمور ال‬
‫يحكم الحس عليها أصال»‪ ،‬كتاب الحيوان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.69 .‬‬

‫‪179‬‬
‫يناظر ويخاطب ّ‬
‫كل من قال في ذلك العلم شيئا ‪ ...‬كما يفعل الخطابيون ‪ ...‬والحال األخرى أن‬
‫حقه من التحديد والتخليص‪ ،‬بقدر ما في طباع ذلك األمر‪ ،‬أو قدر ما في‬‫ننظر في األمر ونعطيه ّ‬
‫طبيعة الناظر في ذلك األمر أو يعطي قدر ما ظهر له من طبيعة ذلك األمر‪ ،‬بعد أن يعرف قدر‬
‫ما ظهر له‪ ،‬وما فاته‪ ،‬كما نجد أرسطو يصنعه في كثير من هذا العلم ‪ ...‬فعند ذلك يكون في‬
‫إما على أفضل أحواله على اإلطالق‪ ،‬أو على أفضل أحواله بحسب الطاقة »‪1.‬‬ ‫ذلك العلم ّ‬
‫أن الجهل بالطرق املنطقية يجعل النظر في موضوعات العلم‬ ‫ُيظهر هذا القول ّ‬
‫ّ‬
‫التخبط‪ .‬وهذا ما انعكس سلبا على آراء الذين تفلسفوا في أمور الطبيعة‪،‬‬ ‫الطبيعي ضربا من‬
‫باجه بعضا منهم نتيجة جهلهم بالطرق املنطقية الضرورية في النظر الطبيعي‪2.‬‬ ‫فانتقد ابن ّ‬
‫ّ‬
‫شكلت قلة خبرة هؤالء النظار بالطرق املنطقية مناسبة لهجومه على من يريد الخوض في‬
‫مسائل الفلسفة دون أن يعلم كيف يسلك فيها نظره وفقا لهذه الطرق‪ّ ،‬‬
‫مشنعا عليهم ذلك ملا‬
‫يحصل عنه من خلط ناجم عن جهل بالصناعة املنطقية‪ 3.‬ولقد جعل ابن ّ‬
‫باجه املعرفة‬
‫قوم في ضوئها طرائق النظر في العلم النظري‪،‬‬ ‫بقواعد املنطق معيارا للبحث الفلسفي‪ ،‬ف ّ‬
‫جاعال األدوات املنطقية التي على رأسها التحديد والتعريف والتقسيم والقياس طرقا صناعية‬
‫ال غنى عنها للبحث والكشف في العديد من قضايا العلوم النظرية‪ .‬وش ّدد على حسن‬
‫استعمالها بما من شأنه أن ّ‬
‫يميز القول البرهاني عن األقاويل الخطابية والتخيلية املتاحة‪.‬‬
‫تبين جهلهم باملنطق‪ ،‬بل هاجمهم في طرقهم‬ ‫باجه عن آراء الذين ّ‬
‫وبسبب ذلك‪ ،‬انفصل ابن ّ‬
‫الفاسدة املفضية إلى االضطراب‪4.‬‬

‫‪ .1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.71 .‬‬


‫‪ .2‬يقول في ذلك‪« :‬كان األقدمون ممن تفلسف في الطبيعة قد اختلفت بهم مسالكهم‪ ،‬حتى قالوا بآراء مخالفة لما يشاهد‪،‬‬
‫وذلك لقلة خبرهم بالطرق المنطقية»‪ ،‬ابن باجه‪ ،‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.17 .‬‬
‫‪ .3‬يشير ابن باجه إلى هذا األمر أيضا في قوله‪« :‬ولما كان السبب من جهة المادة هو الذي أعطى أبدا الطبيعيون‪،‬‬
‫وكانت لهم في المادة آراء غير صادقة‪ ،‬شرع [أرسطو] في المقالة األولى [من السماع الطبيعي] فبحث عن أمر‬
‫المادة‪ ،‬وناقض تلك األقاويل التي كان الطبيعيون قبلنا يتعاطونها‪ ،‬ثم ذكر في آخر المقالة الطريقة البرهانية التي‬
‫بها تبين وجود المادة‪ ،»..‬ابن باجه‪ ،‬شرح السماع الطبيعي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.24 .‬‬
‫‪ .4‬يقول ابن باجه في ذلك‪« :‬ولما كانت تلك اآلراء [يقصد آراء الطبيعيين القدامى] قد سقطت في زماننا‪ ،‬حتى ال‬
‫تذكر إال من جهة أنها في كتابه [يقصد كتاب أرسطو في الطبيعة]‪ ،‬وكان ما يوجد منها اليوم من آراء المتكلمين‬
‫من أهل هذا الزمان‪ ،‬فليس يعتد بها‪ ،‬ألن هؤالء القوم لم يقصدوا النظر في الطباع حتى أن منهم من يبطل‬
‫وجودها‪ ،‬بل إنما عرض لهم في معارضة خصومهم أن تكلموا في شيء يسير منها‪ ،‬كقول من يقول بالجزء الذي‬
‫ال يتجزأ‪ ،‬غير أن نظرهم في ذلك ال ألجل أن يعطوا أسباب هذه األمور الطبيعية‪ ،‬بل من أجل ما عثروا عليه في‬
‫مناقضة بعضهم بعضا‪ ،‬رأينا أن نطرح هذا الجزء من النظر ونقصد قصد البرهان»‪ ،‬شرح لسماع الطبيعي‪ ،‬م‪.‬‬
‫س‪ ،‬ص‪18 .‬‬

‫‪180‬‬
‫َ‬
‫ت ْب ُر ُز في ضوء هذا النقد أهمية اتباع الطرق املنطقية في التحديد والتعريف‬
‫باملوضوعات الفلسفية‪ ،‬سواء في موضوعة النفس أو في دراسة الحركة واألجسام الطبيعية‪،‬‬
‫إلخ‪ .‬األمر ذاته ينطبق على دراسة األشياء اإلرادية التي في العلم املدني‪ ،‬حيث يقع الغلط في‬
‫تقدير الفضيلة في األمور اإلرادية نتيجة عدم اتباع الطرق املنطقية في تقدير الصدق والكذب‬
‫ُ َّ‬ ‫مما ينجم عنه جهل الناس بالسعادة ّ‬ ‫فيها‪ّ ،‬‬
‫«مغ ِلطة ال يعتقدون في ش يء‬ ‫الحقة باتباعهم علوما‬
‫منها أو في أكثرها ما فيها أحد املتناقضين‪ ،‬فيقع إنسان بالطبع أو بتعلمه من غيره على صادق‬
‫جيدة بالصناعة‬ ‫أن إدراك الصواب في اآلراء املدنية يتم عبر معرفة ّ‬ ‫املتناقضين »‪ 1.‬والحال ّ‬
‫املنطقية‪ ،‬حيث الطرق املنطقية مسنودة بقواعدها وأصول استعمالها ّ‬
‫الحق‪ .‬ويبقى اإلنسان‬
‫يحقق هذا الشرط النظري في املدن الجاهلة دون غيره؛ لهذا السبب‬ ‫النابت هو الوحيد الذي ّ‬
‫أن من وقع على رأي صادق ال يوجد في تلك املدينة‪ ،‬فهو من النوابت‪2،‬‬ ‫باجه ّ‬ ‫اعتبر ابن ّ‬
‫والغايات التي له هي التي تلخصت في العلم املدني‪ .‬كان هذا هو الفيلسوف الذي يجد نفسه في‬
‫باجه‪ّ :‬‬
‫«فإن من أفعاله فيها ما‬ ‫املدينة الجاهلة بآرائه الصائبة متوحدا بعلمه‪ ،‬وفيه يقول ابن ّ‬
‫يليق باملتوحد فيكون إحدى هذه‪ .‬وأما أن يكون في املدينة الفاضلة‪ ،‬فقد تلخص أمر املدينة‬
‫جملة في العلم املدني‪ .‬والروية والبحث واالستدالل‪ ،‬وبالجملة فالفكرة‪ ،‬تستعمل في نيل كل‬
‫واحد منها »‪3.‬‬

‫ّ‬ ‫يعني هذا القول ّ‬


‫أن تعزيز اآلراء في االجتماع املدني ال يتحقق إال بجودة التمييز في العلم‬
‫باجه الفرصة‬ ‫املدني‪ ،‬ومعرفة حقيقية بطرق االستدالل والبحث املنطقية‪ .‬هكذا‪ ،‬لم يترك ابن ّ‬
‫ّ‬
‫ألصحاب األقاويل الجدلية والخطابية وذوي الحس املشترك في منظومته الفلسفي‪ ،‬ألنه جعل‬
‫تقررت في األورغانون‪ 4.‬ويكشف حديث‬ ‫معايير النظر ّكلها مرتبطة بمعرفة الطرق املنطقية التي ّ‬
‫يخص الدور املنهجي االستداللي البنائي‬‫ّ‬ ‫هامان‪ ،‬هما‪ّ :‬‬
‫األول‬ ‫باجه عن الطرق املنطقية أمران ّ‬ ‫ابن ّ‬
‫الذي تلعبه األداة املنطقية في بناء التصورات وتحديد التعاريف وتمييز الصواب من الخطأ؛‬
‫يتعلق ببعدها النقدي‪ ،‬حيث يهاجم ال ّ‬ ‫ّ‬
‫تصورات املناقضة التي ال تحترم مقتضيات‬ ‫والثاني‬

‫‪ .1‬ابن باجه‪ ،‬تدبير المتوحد‪ ،‬ضمن رسائل إلهية ألبن باجه‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬دار النهار النشر‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬سنة ‪ ،1968‬ص‪.42 .‬‬
‫‪ .2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.42 .‬‬
‫‪ .3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.75 .‬‬
‫‪ .4‬ابن باجه‪ ،‬تعاليق على كتاب ايساغوجي‪ ،‬ضمن تعاليق ابن باجه على منطق الفارابي‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 28‬و ص ‪.29‬‬

‫‪181‬‬
‫الفحص املنطقي الضروري في البحث الفلسفي‪ .‬في هذا اإلطار‪ّ ،‬‬
‫يقدم كتاب‪ 1‬السماع الطبيعي‬
‫األقوال التي يهاجم من خاللها ابن ّ‬
‫باجه املخالفين للنهج األرسطي في العلم الطبيعي‪ ،‬نحص ي‬
‫بعضا منها في هذا الجدول‪:‬‬
‫شرح السماع‬ ‫"طعن جالينوس فيها بين به أرسطو أن الحركة داخلة في ماهية الزمان‪ .‬وذلك أنه قال إنا‬
‫الطبيعي‪ ،‬ماجد‬ ‫إن لم نتوهم حركة‪ ،‬لم يكن زمان‪ .‬وظن جالينوس انه إنما يسيره بالتوهم‪ ،‬على مثال ما‬
‫فخري؛ ص‪49.‬‬
‫إذا توهمت زيدا‪....‬فغلط جالينوس في ما ظنه على أرسطو‪ ،‬أنه جعل الوجود تابعا‬
‫للتوهم‪ ،‬وهذا من املواضيع التي غايتها اإلقناع‪ ،‬وكيف ظن عليه أنه أخذه برهانا؟"‬
‫بول لتينك‪ ،‬السماع‬ ‫"فأما االقاويل التي في بعضها استعمال قوة علمية فكأنها قد قال بها من تقدم ارسطو‬
‫الطبيعي؛ ص‪8.‬‬ ‫‪ ....‬فلم نجد ملن كان بعد ارسطو قوال يختص نقضه بنظر صناعي الن جالينوس‬
‫يعتصب املطلوب نفسه ويضعه وقد ناقضه اسكندر وثامسطيوس بأكثر من الكفاية‬
‫واذا تأملنا اقاويله لم نجد فيها قوال مقنعا ايسر اقناع فضال عما سواه من مراتب‬
‫التصديق‪".‬‬
‫السماع الطبيعي‪،‬‬ ‫"كان األقدمون ممن تفلسف في الطبيعة قد اختلفت بهم مسالكهم‪ ،‬حتى قالوا بآراء‬
‫ُ‬
‫تحقيق جمال راشق‪،‬‬ ‫مخالفة ملا يشاهد‪ ،‬وذلك لقلة خ َبرهم بالطرق املنطقية‪"..‬‬
‫محمد أبو حفص‪،‬‬
‫ص ‪111‬‬
‫املصدر نفسه‪ ،‬ص‬ ‫"وبالجملة‪ ،‬فالظاهر من أمر يوحنى العسقالني (أنه) يجيز انطباق ثالثة أبعاد وهي‬
‫‪167‬‬ ‫األجسام التعاليمية (ألنه) لم يفهم كيف يكون االنطباق‪ ،‬وأنه ال ينطبق إال ما ال ينقسم‬
‫من جهة ما ال ينقسم‪".‬‬
‫"فأما يوحنى صاحبي‪ ،‬فإنه ال يقول بوجود الخالء‪ ،‬و(الظاهرة) من أمر يوحنى أنه لم نفسه ‪ ،‬ص ‪– 168‬‬
‫يكن من املرتاضين بالعلوم البرهانية أصال‪ ،‬فإنه يضع شنيعا ما هو حق في نفسه والزم ‪169‬‬

‫ضرورة‪".‬‬
‫" وإذا تأمل ما قاله يوحنى العسقالني وجدت محاالت وأشياء شنيعة تلزمه‪ ...‬وهذا هو نفسه ‪ ،‬ص ‪172-171‬‬
‫الذي قاد يوحنى إلى تشنيع ما شنع‪ ،‬ألن املقدمة التي استعملها شعرية‪ ،‬فذلك كان في‬
‫نفسه يقين يشعر به وظن ال يشعر به فيما كان عنده من اليقين قوى في‪/‬املناقضة‪"..،‬‬
‫فقد استعمل فائق الرأي عوض املقدمة اليقينية‪( .‬ولك) رأي أن قد ناقص برأي نفسه‪ .‬نفسه ‪ ،‬ص ‪-171‬‬
‫فأما سائر ما طول به القول في املكان‪ ،‬فالوقوف على غلطه ال يبعد على من كان له أدنى ‪172‬‬

‫بصر بصناعة املنطق‪".‬‬

‫‪ .1‬ابن باجه‪ ،‬السماع الطبيعي‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ :‬جمال راشق ومحمد أبو حفص‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المطبعة والوراقة‬
‫الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬المغرب‪ ،‬سنة‪ ،2019 ،‬ص ص‪.72-15 .‬‬

‫‪182‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‬ ‫وأما أقاويل يوحنى فأدفعها رتبة ما شارك فيه جالينوس‪ ،‬إما أن تكون بأعيانها أو تكون‬
‫‪175‬‬ ‫هي تلك بالقوة‪ ،‬وسائر ما يقول به بين السقوط بنفسه عند من شد أشياء من صناعة‬
‫املنطق‪ ،‬على أن يوحنى ال يرى الخالء‪ ،‬وأما جالينوس فقد نجده يضطرب في ذلك‬
‫اضطرابا بينا‪ ،‬فتارة يبطله وتارة يلزمه‪".‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‬ ‫"وبين الشعور بالزمان وبين (تصور) الزمان وتوهمه فرق عظيم‪ ،‬لكن هذا على ما قلناه‬
‫‪183‬‬ ‫هو حال جالينوس مع أرسطو فيما يناقضه به‪ .‬فإنه لم يفرق في هذا القول بين األقاويل‬
‫املرشدة إلى الش يء‪ ،‬وهي التي أتى بها أرسطو ليوطئ الذهن لقبول األمر‪ ،‬وبين األقاويل‬
‫التي أتى بها ليلزم إن األمر كذلك‪.‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‬ ‫"وهذا القول قد يشكك فيه عادة املتقدمون‪ ،‬حتى أن اسكندر يفصح فيه أنه مكان‬
‫‪284‬‬ ‫محير‪ .‬وراموا نصرة هذا القول بأقاويل‪ ،‬ملا نصروه بها‪ ،‬رأوا أنهم مستلزمون القول‪ .‬والذي‬
‫صرفوا إليه تشككهم هو أنه حكم بإطالق على املتغير‪ ،‬واملتغير قد يكون قليال قليال وقد‬
‫يكون دفعة‪ .‬وقد سلم ذلك هو في األولى‪".‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‬ ‫"وال نحتاج إلى نصرة هذا القول فيمتن على أرسطو بالنصرة له‪ ،‬كما فعله ثامسطيوس‪،‬‬
‫‪294 - 293‬‬ ‫وال هو موضع حيرة كمال يقول ذلك اسكندر‪ .‬والعجب منه إذ كان أحسن القوم كلهم‬
‫نظرا‪ ،‬بل قد تبين أن أرسطو لم يذهب عليه األمر وال تركه لبيانه‪ ،‬فيكون قد حكم‬
‫حكما كليا وأتى عليه ببرهان يلزم عنه الحكم جزئيا‪ ،‬فيكون ذلك غلطا أو مغالطة‪".‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‬ ‫"وثامسطيوس حذف منها كل ما في أولها‪ ،‬ألنه رأى أن تلك املعاني قد تبينت في املقالة‬
‫‪305‬‬ ‫الثامنة بالبراهين الخاصة بها‪ ،‬حتى بلغ اختالف اآلراء فيها إلى أن ألف جالينوس مقالته‬
‫املشهورة في قلب أقاويل أرسطو املكتوبة فيها‪".‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‬ ‫"وملا كان السبب من جهة املادة هو الذي أعطى أبدا الطبيعيون‪ ،‬وكانت لهم في املادة آراء‬
‫‪522-521‬‬ ‫غير صادقة‪ .‬شرع في املقالة األولى فبحث في أمر املادة وناقض تلك األقاويل التي كان‬
‫الطبيعيون قبله يتعاطونها‪ ،‬ثم ذكر في آخر املقالة الطريقة البرهانية التي بها يتبين‬
‫وجود املادة‪".‬‬

‫تكشف هذه األقاويل املوجودة في كتاب شرح السماع الطبيعي عن النقد الصريح‬
‫الذي َيتخذ في بعض األحيان طابعا هجوميا على الذين يخوضون في مسائل العلم الطبيعي‬
‫ّ‬
‫دون دراية منطقية بطرق البحث فيه‪ .‬كما تؤكد هذه األقوال أهمية الفحص املنطقي الذي‬
‫نتوصل باستخدامه إلى استكشاف أسباب األشياء التي نبحثها‪ .‬لذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن الجهل بالطرق‬
‫املنطقية هو ما يفض ي لدى الكثيرين إلى الوقوع في األخطاء سواء في العلم أو الفلسفة‪ ،‬وهذا‬
‫ما وقع فيه النظار القدامى حين خاضوا في مسائل العلم الطبيعي‪ ،‬فأتوا األغالط فيه‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫إن اآلراء في العلوم النظرية ال تكتس ي قيمة معرفية حقيقية ما لم تكن ّ‬
‫مقررة وفقا‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫للطرق املنطقية املعتبرة التي ّ‬
‫تسدد الفكر وتقوده إلى الصواب‪ ،‬ومن هنا تعود أخطاء نظار‬
‫الحكمة الطبيعية قبل أرسطو إلى جهلهم بهذه الطرق املنطقية‪ .‬لذلك‪ ،‬كان املنطق أساس‬
‫ً‬
‫النقد املنهجي الذي وجهه ابن باجه للمخالفين‪ .‬واعتبارا لهذا‪ ،‬عاب عليهم جهلهم بطرق‬
‫التخليص والتحديد املنطقية‪ .‬إذن‪ ،‬فالصالحية اإلبيستيمولوجية لآلراء في العلوم النظرية‬
‫والفلسفة معيارها منطقي صرف‪.‬‬
‫كل هذه االعتبارات ّأن األداة املنطقية تعطي مبادئ التفكير الصحيح في‬ ‫يظهر من ّ‬
‫قوم بها الجزء الناطق من النفس‪ ،‬ويحصل بها اليقين التام من‬‫العلوم النظرية‪ ،‬وهي التي ُي َت ّ‬
‫ّ‬
‫أنحاء التعليم والتعلم‪ ،‬وتبصر بها األشياء على نحو صائب وسليم‪ .‬وتأسيسا على ذلك‪ ،‬نقول‬
‫باجه‪ ،‬هو أداة منهجية للفحص عن موضوعات العلوم النظرية‬ ‫إن املنطق‪ ،‬وفقا البن ّ‬ ‫ّ‬
‫والتدليل عليها‪ ،‬واستكشاف أسباب األمور واألشياء عن طريق الربط بين العلل واملعلوالت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وبين ال ّ‬
‫تصورات واستدالالتها‪ .‬من هنا‪ ،‬كان ضروريا تأكيد أنه ال تكفي معرفة املعاني اللغوية‬
‫التي في األلفاظ‪ 1،‬عبر تواطؤ أفراد الجماعة اللسانية في شكل ّ‬
‫معين من االستعمال النحوي أو‬
‫املجازي البالغي‪ ،‬بل يلزم استيفاء املعرفة بكيفية استخدام األدوات املنطقية كما ّ‬
‫تقررت‬
‫مبادئهما في الصناعة اليقينية‪ .‬يريد ابن باجه استعمال الطرق املنطقية كي ينفصل النظر‬
‫العلمي الفلسفي عن اآلراء املتداولة‪ ،‬التي تعتمد في التمثيل والخطابة والشعر‪ .‬لذلك وجدناه‬
‫يؤكد أهمية املنطق في النظر الفلسفي‪ ،‬فيهاجم ّ‬ ‫ّ‬
‫كل رأي ال يحترم قواعد التفكير السليم التي‬
‫ّ‬
‫تقررت في كتب املنطق‪.‬‬
‫خامتة‬
‫باجه للمنطق كيف حرص على أن تكون اآلراء في العلم النظري‬ ‫رأينا في استعمال ابن ّ‬
‫ّ‬ ‫موافقة لطرق الفحص واالستدالل املنطقي‪ .‬وتثبتنا من ّ‬
‫أن هذه املسألة تؤكدها نصوصه في‬
‫أن خوضه في العلم‬ ‫خاصة‪ ،‬حيث تكشف أقواله في «شرح السماع الطبيعي» ّ‬ ‫العلم الطبيعي ّ‬

‫‪ .1‬يقول ابن باجه بهذا الخصوص‪« :‬وأيضا إذا أخذت المعاني من جهة دالالت األلفاظ‪ ،‬صارت المعاني أكمل‬
‫اشتراكا للصنايع‪ ،‬فيأخذها البرهان وصناعة الشعر وما بينهما من الصنايع بالجهة التي تليق‪ .‬وبذلك‪ ،‬صار‬
‫غرضه عاما للصنايع الخمس‪ :‬فيأخذ اللفظ صاحب علم البرهان بحسب المعنى على التحقيق وما يعطيه الحد‪،‬‬
‫فيجعل اللفظ بحسب الحد‪ ،»..‬تعاليق ابن باجه على كتاب العبارة للفارابي‪ ،‬تحقيق جماعي بإشراف من أحمد‬
‫العلمي حمدان‪ ،‬دفاتر مجموعة البحث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬منشورات مركز الدراسات الرشدية‪،‬‬
‫بكلية اآلداب والعل وم اإلنسانية‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2015 – 2014‬ص‪.22 .‬‬

‫‪184‬‬
‫كل مقاالت هذا الكتاب‪.‬‬‫تم بخلفية منطقية صريحة‪ ،‬بتوظيف األداة املنطقية في ّ‬ ‫الطبيعي قد ّ‬
‫سجلنا‪ ،‬في سياق إحصاء هذه األقوال‪ ،‬سيادة نزعة برهانية‪ ،‬شملت بالخصوص دراسة‬ ‫وقد ّ‬
‫ّ‬ ‫أن الطرق املنطقية ّ‬‫تبين‪ ،‬أيضا‪ّ ،‬‬ ‫ومما ّ‬
‫كيفيات الحركة‪ّ .‬‬
‫املقررة في األورغانون شكلت أدوات‬
‫منهجية لبحث وتعريف املوضوعات الطبيعية (الجسم الطبيعي‪ ،‬املادة‪ ،‬الحركة‪ ،‬النفس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة عند‬ ‫إلخ)‪ .‬وقد شكل كتاب النفس مناسبة إلظهار كيفية استعمال هذه الطرق‪،‬‬
‫خوضه في مسألة تعريف النفس‪.‬‬
‫باجه بالفلسفة لم يكن مفصوال عن ّ‬
‫الهم املنطقي‪ ،‬وهذا ما‬ ‫فإن اشتغال ابن ّ‬ ‫وهكذا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عكسه استثماره املكثف لألداة املنطقية حين خوضه في مسائل العلم الطبيعي‪ .‬على أنه قد‬
‫أن هاجس استخدام الطرق املنطقية كان سائدا في التنظير والتأسيس آلرائه‬ ‫اتضح لنا ّ‬
‫حد ذاته‪ .‬ومن‬ ‫الفلسفية في الطبيعيات‪ ،‬بيد ّأنه لم يشغل نفسه ّ‬
‫البتة بالتنظير للمنطق في ّ‬
‫ّ‬
‫هذه الزاوية‪ ،‬رأينا كيف وظف األداة املنطقية معيارا للنقد والتقويم والهجوم على املخالفين‪،‬‬
‫حيث انتقد اآلراء التي ال تنضبط في مسالكها للقواعد املنطقية ّ‬
‫املقررة في األورغانون‪ .‬واتضح‬
‫باجه ال يستعمل في مناقشته لتلك اآلراء طريقة الجدل‪ ،‬كما يفعل‬ ‫أن ابن ّ‬ ‫لنا في سياق ذلك‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أرسطو‪ ،‬وإنما يوجز نقده لها‪ ،‬ويحكم عليها بكون أصحابها يجهلون طرق الفحص املنطقي‪.‬‬
‫أن استعمال املنطق لعب دورا نقديا لدى هذا الفيلسوف‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ويبدو من هذا ّكله ّ‬
‫وظيفته البنائية االستكشافية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إن تميز ابن ّ‬‫إذن‪ ،‬نستطيع القول ّ‬
‫باجه بمنهجية منطقية صارمة‪ ،‬إنما كان نتيجة وعيه‬
‫ّ‬
‫املعل ْ‬ ‫التام ّ‬
‫مين السابقين‪ :‬أرسطو‬ ‫بأن املنطق بوصفه أداة للنظر والفحص قد اكتمل مع‬
‫ثم استعمالها‬ ‫والفارابي‪ .‬لذا لم يبق‪ ،‬بالنسبة إليه‪ ،‬غير الترييض باألداة املنطقية‪ ،‬ومن ّ‬
‫منهجيا‪ ،‬للفحص‪ ،‬والتحليل‪ ،‬واالستكشاف‪ ،‬سواء في العلم أو الفلسفة‪ .‬ومن هذا املنطلق‪،‬‬
‫ً‬
‫يكون فيلسوفنا قد أدرك تحقيقا أ ّن االشتغال بالتأليف في املنطقيات قد ال ُيضيف جديدا أو‬
‫ً‬
‫أصال في األورغانون؛ ّ‬
‫وربما لهذا السبب ذاته‪ ،‬اكتفى بالتعاليق‬ ‫شيئا ذا أهمية إلى ما هو موجود‬
‫على بعض أجزاء املنطق كما شرحها الفارابي‪ ،‬دونما حاجة لتأليف كتب منطقية خالصة على‬
‫شاكلة السابقين‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫البيبليوغ رافيا‬
‫باجه‪ ،‬إرتياض في كتاب التحليل‪ ،‬تحقيق محمد الوزاد‪ ،‬عبد العزيز لعمول‪ ،‬جمال راشق‪ ،‬محمد‬ ‫‪ .1‬ابن ّ‬
‫مساعد‪ ،‬دفاتر مجموعة البحث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،4‬الطبعة األولى‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫الرشدية‪ ،‬منشورات كلية اآلداب ظهر املهراز بفاس‪.2006 ،‬‬
‫‪ .2‬ابن ّ‬
‫باجه‪ ،‬التعاليق املنطقية؛ مراجعة وتحقيق محمد ألوزاد‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪1997 ،‬‬
‫ّ‬
‫املتحرك‪ ،‬تحقيق وترجمة يسار عيدنلي‪ ،‬بورسا‪ ،‬تركيا‪.2000 ،‬‬ ‫‪ .3‬ابن ّ‬
‫باجه‪ ،‬الرسالة في‬
‫‪ .4‬ابن ّ‬
‫باجه‪ ،‬السماع الطبيعي‪ ،‬تحقيق ودراسة جمال راشق ومحمد أبو حفص‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر‬
‫آفاق‪ ،‬مراكش‪ ،‬املغرب‪.2020 ،‬‬
‫باجه‪ ،‬القول في القوة الناطقة‪ ،‬تحقيق جماعي إشراف محمد الوزاد ومارون عواد‪ ،‬ضمن دفاتر‬ ‫‪ .5‬ابن ّ‬
‫مجموعة البحث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬منشورات كلية اآلداب ظهر املهراز‪ ،‬نشرة مركز الدراسات‬
‫الرشدية‪ ،‬العدد ‪ ،2‬مطبعة أنفو برانت‪.1999 ،‬‬
‫ّ‬
‫املتوحد‪ ،‬تحقيق معن زيادة‪ ،‬دار الفكر اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1978 ،‬‬ ‫‪ .6‬ابن باجه‪ ،‬تدبير‬
‫‪ .7‬ابن باجه‪ ،‬تدبير املتوحد‪ ،‬ضمن رسائل ابن باجه اإللهية‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهار‬
‫النشر‪ ،‬بيروت – لبنان‪.1968 ،‬‬
‫‪ .8‬ابن باجه‪ ،‬تعاليق ابن ّ‬
‫باجه على منطق الفارابي؛ تحقيق ماجد فخري‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‬
‫– لبنان‪.1994 ،‬‬
‫باجه‪ ،‬تعاليق على كتاب العبارة للفارابي‪ ،‬تحقيق عبد العزيز لعمول ومحمد قشيقش‪ ،‬دفاتر‬ ‫‪ .9‬ابن ّ‬
‫مجموعة البحث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،7‬مركز الدراسات الرشدية‪ ،‬جامعة محمد بن عبد هللا‪،‬‬
‫فاس‪.2015 ،‬‬
‫‪ .10‬ابن باجه‪ ،‬تعليق على كتاب املقوالت ألبي نصر الفارابي؛ تحقيق محمد ألوزاد‪ ،‬نشرة مركز الدراسات‬
‫الرشدية بفاس‪ ،‬دفاتر مجموعة البحث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬العدد‪ ،3‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة االفاق‪،‬‬
‫فاس – املغرب‪.2002 ،‬‬
‫باجه‪ ،‬رسائل ابن ّ‬
‫باجه االلهية؛ تحقيق وتقديم ماجد فخري‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1968 ،‬‬ ‫‪ .11‬ابن ّ‬

‫‪ .12‬ابن باجه‪ ،‬رسائل فلسفية ألبي بكر ابن باجه‪ ،‬تحقيق جمال الدين العلوي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الثقافة‬
‫ودار النشر املغربية‪،1983 ،‬‬
‫‪ .13‬ابن باجه‪ ،‬شرح السماع الطبيعي ألرسطوطاليس‪ ،‬تحقيق ماجد فخري‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1973 ،‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ .14‬ابن ّ‬
‫باجه‪ ،‬كتاب الحيوان‪ ،‬تقديم وتحقيق جواد العمارتي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫باجه‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬تحقيق جمال راشق‪ ،‬ضمن دفاتر مجموعة البحث في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬العدد‬ ‫‪ .15‬ابن ّ‬
‫‪ ،2‬منشورات مركز الدراسات الرشدية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة محمد بن عبد هللا‪ ،‬فاس‪.1999 ،‬‬
‫‪ .16‬أرسطو‪ ،‬في النفس‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬وكالة املطبوعات (الكويت)‪،‬‬
‫نشرة دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1980 ،‬‬
‫‪ .17‬أرسطو‪ ،‬كتاب التحليالت األولى‪ ،‬ضمن منطق أرسطو‪ ،‬الجزء ّ‬
‫األول‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬وكالة املطبوعات (الكويت)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت لبنان‪.1980 ،‬‬
‫‪ .18‬أرسطو‪ ،‬كتاب التحليالت الثانية‪ ،‬ضمن منطق أرسطو‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬وكالة املطبوعات (الكويت)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت لبنان‪.1980 ،‬‬
‫‪ .19‬أرسطو‪ ،‬كتاب الطوبيقا‪ ،‬ضمن منطق أرسطو‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬وكالة املطبوعات (الكويت)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت لبنان‪.1980 ،‬‬
‫باجه‪ ،‬ضمن سلسلة أبحاث وندوات‬ ‫‪ .20‬ألوزاد (محمد إبراهيم)‪ ،‬الديناميكا في شروح السماع الطبيعي البن ّ‬
‫(‪ )1‬لجامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية باملحمدية‪ ،‬وهي ضمن أعمال الندوة الدولية‬
‫حول حضارة األندلس في الزمان واملكان‪.22 - 15 ،1992 ،‬‬
‫‪ .21‬ألوزاد (محمد إبراهيم)‪ ،‬القول اإلنس ي البن ّ‬
‫باجه‪ ،‬سلسلة الفلسفة في املغرب (‪ ،)1‬نشرة مطبعة‬
‫األندلس‪ ،‬الدار البيضاء – املغرب‪1998 ،‬‬
‫‪ .22‬بالك (ديبورا)‪ ،‬العلم واليقين في نظرية املعرفة عند الفارابي‪ ،‬ترجمة محمد الناجي‪ ،‬ضمن سلسلة دراسات‬
‫تاريخية في الفلسفة والعلوم في الحضارة العربية اإلسالمية (‪ )2‬تحت عنوان‪ :‬دراسات في فلسفة أبي نصر‬
‫الفارابي‪ ،‬إشراف رشدي راشد‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬يناير ‪.2016‬‬
‫‪ .23‬راشد (رشدي)‪ ،‬دراسات في فلسفة أبي نصر الفارابي‪ ،‬كتاب جماعي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬يناير ‪،2016‬‬
‫‪ .24‬راشق (جمال)‪ ،‬ابن ّ‬
‫باجه‪ :‬فيلسوف سرقسطة وفاس سيرة وأعمال‪ ،‬نشرة فضاء آدم للنشر‪2016 ،‬‬
‫‪ .25‬زيناتي (جورج)‪ ،‬فلسفة ابن ّ‬
‫باجه وأثرها‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات بقطر‪،‬‬
‫بيروت‪.2019 ،‬‬
‫ّ‬
‫‪ .26‬العلوي (جمال الدين)‪ ،‬مؤلفات ابن ّ‬
‫باجه‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬نشرة دار الثقافة ببيروت ودار النشر املغربية‬
‫بالدار البيضاء‪1983 ،‬‬

‫‪187‬‬
،‫ تحقيق ولهام كوتش اليسوعي وستانلي مارو اليسوعي‬،‫ شرح كتاب العبارة ألرسطوطاليس‬،‫ الفارابي‬.27
.1960 ،‫ لبنان‬،‫ بيروت‬،‫املطبعة الكاثوليكية‬
.1993 ،‫ لبنان‬،‫ بيروت‬،‫ دار املشرق‬،‫ الطبعة الثانية‬،‫ تحقيق فوزي متري نجار‬،‫ فصول منتزعة‬،‫ الفارابي‬.28
.1962 ،‫ طبعة الثانية‬،‫ دار املشرق‬،‫ بيروت‬،‫ تحقيق محسن مهدي‬،‫ كتاب األلفاظ املستعملة في املنطق‬،‫ الفارابي‬.29
‫ دار‬،‫ املكتبة الفلسفية‬،‫ تحقيق وتعليق ماجد فخري‬،‫ كتاب البرهان وكتاب شرائط اليقين‬،‫ الفارابي‬.30
.1950 ،‫ القاهرة‬،‫ بيروت‬،‫املشرق‬
.1970 ،‫ لبنان‬،‫ بيروت‬،‫ دار املشرق‬،‫ تحقيق وتقديم محسن مهدي‬،‫ كتاب الحروف‬،‫ الفارابي‬.31
‫ دار إحياء الكتب‬،‫ تقديم أحمد فؤاد األهواني‬،‫ نقل أبي عثمان الدمشقي‬،‫ إيساغوجي‬،‫ فرفريوس الصوري‬.32
.1952 ،‫ القاهرة‬،‫العربية‬
.2013 ،‫ لبنان‬،‫ بيروت‬،‫ دار الفارابي‬،‫ الطبعة األولى‬،‫ العالم بين التناهي والالتناهي لدى ابن رشد‬،)‫ مساعد (محمد‬.33
،‫ دار الر رؤية للنشر والتوزيع‬،‫ الطبعة األولى‬،‫ نظرية العلم عند أبي نصر الفارابي‬،)‫ النقاري (حمو‬.34
.2011 ،‫القاهرة‬

1. Christia (J), Qu’est-ce que la philosophie islamique; éd Gallimard, Paris, 2011.


2. Forcada (M), Ibn Bajja on Tasawwur and Tasdiq: science and psychology, in
Arabic Sciences and Philosophy, 24/2014, Cambridge University Press, 103–126.
3. Genequand (Ch), Loi morale, loi politique: al-Fârâbî et Ibn Bāğğa, in Mélanges de
l’Université Saint-Joseph, 61/ 2008, 491-513.
4. Ibn Bājja, Fĩ al-ghāyat al-insāyyat; édition Joaquin Lomba Fuentes, in la
Philosophie Andalouse: Auteurs et œuvres, sous la direction de Dominique Urvoy,
Fondation du Roi Qbdul-Aziz Al Saoud, Casablanca, 2006, 62 – 63.
5. Lettinck (P), Aristotele’s meterology and its reception in the Arab world, Brill
Leiden-Boston-Koln, 1999.
6. Lukasiewicz (J), La syllogistique d’Aristote, traduction Françoise Caujolle-
Zaslawsky, Librairie Armand Colin, Paris, 1972.
7. Puig (J.M), Ibn Bâjja [Avempace], in Stanford Encyclopedia of Philosophy,
published 2018.

188

You might also like