You are on page 1of 17

1

‫جامعة اليرموك‬

‫كلية التربية‬
‫قسم االدارة وأصول التربية‬

‫استكماالً لمتطلبات مساق التربية المقارنة‬


‫ورقة بحثيه بعنوان‬
‫منهج ابن خلدون في التربية المقارنة‬

‫مقدمة لألستاذ الدكتور ‪:‬عارف العطاري‬


‫عمل الطالبة ‪:‬إيمان السميرات‬
‫الرقم الجامعي ‪2021210019:‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫تعتبر التربية أساس لبناء أي مجتمع سليم‪ ،‬حيث أن األبناء هم صانعوا الغد والمستقبل‪ ،‬لذا يركز المجتمع‬
‫اهتمامه على التربية السليمة‪ ،‬والحفاظ على هذه الثروة النفيسة وتكريس كل وقته وطاقته لها ‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫بتربيتهم على الدين واألخالق وإكسابهم العلوم والمعارف التي تلزمهم لبناء مستقبلهم والنهوض بمجتمعاتهم ‪.‬‬

‫تعرف التربية بأنها سلوكيات وأنشطة أولياء األمور والمدرسين والمدارس‪،‬وهي الطريقة التي يتكيف بها‬
‫َ‬
‫األفراد مع بيئتهم والثقافة المحيطة بهم ‪ ،‬لتسهيل إدماجهم بمجتمعهم ‪،‬ومساعدتهم لتغيير أوضاعهم وتحسين‬
‫أفعالهم وإتقان مهارات الحياة ‪.‬‬

‫جاء اإلهتمام بالعلوم اإلنسانية مرافقا للعلوم اإلسالمية‪ ،‬واستحضار علماء اإلسالم لهذه العلوم تأصيال‬
‫وتطبيقا وتنظيرا وممارسة‪ ،‬ألن العلوم اإلنسانية في مضمونها العام هي علوم تخاطب اإلنسان مباشرة‪،‬‬
‫وتراعي حاجاته واهتماماته‪.‬‬

‫فقد ذكر اإلمام الغزالي في كتابه أيها الولد حيث قال ‪" ،‬بأنَ التربية هي الفارق و الفاصل بين اإلنسان‬
‫والحيوان‪ ،‬وهي األساس والمنطلق والضرورة في صالح الفرد و في صالح المجتمع‪ ،‬والسبيل إلى تحقيق‬
‫َ‬
‫فالفالح‬ ‫التمدن والسعادة لإلنسان واالرتقاء به من الحيوانية إلى اإلنسانية"‪،‬وشبه الغزالي المر َبي َ‬
‫بالفالح‪،‬‬
‫يخرج إلى الحقل يوميا لينزع الشوك الفاسد ويبقي على الصالح‪ ،‬وكذلك المربي‪.‬‬

‫َ‬
‫تحدث ابن خلدون في مقدمته عن التربية وعالقتها بتنشئة األفراد ورقي المجتمعات ‪ ،‬وربط بين التعليم‬ ‫كما‬
‫والعمران البشري من جهة وبين التعليم والصناعة من جهة أخرى‪ ،‬وذكر أنواع العلوم وتصنيفاتها وغيرها‬
‫من الجوانب ذات الصلة بالتعليم‪ ،‬وتحدث عن بعض جوانب التربية المقارنة ‪.‬‬

‫نبذة تعريفية عن ابن خلدون‬

‫هو ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن خلدون‪ ،‬ولد في العاصمة التونسيةعام ‪1332‬م‪ ،‬انحدر‬
‫من عائلة تميزت بالعلم واألدب‪ ،‬حفظ ابن خلدون في طفولته القرآن الكريم‪ ،‬وتلقى تعليمه األول على يد والده‪،‬‬
‫وكان أجداده أصحاب مناصب في األندلس وتونس وكانوا أصحاب نفوذ وجاه‪ ،‬وفي القرن السابع الهجري‬

‫‪3‬‬
‫هاجر إلى تونس وتعلم في جامعة الزيتونة‪ ،‬فتعلم اللغة العربيةوالنحو والصرف والتالوة والفقه‪،‬وعندما احتل‬
‫السلطان أبو الحسن المريني تونس ‪،‬جلب معه عددأ من العلماء فتعلم ابن خلدون على يدهم الفلسفة والمنطق‬

‫وأتم تعليمه هناك ‪ ،‬وكان ذلك عام ‪،1356‬ثم تتلمذ على يد شيوخ‬
‫‪ ،‬ثم سافر ابن خلدون الحقا إلى مدينة فاس َ‬
‫تلمسان أمثال احمد المقري وابن البنا وكانت تلك مرحلة مهمة له ‪،‬ثم رحل الى المغرب األقصى وتونس‬
‫وقضى معظم حياته هناك وكتب الفصل األول من مقدمته‪،‬بعد ذلك انتقل إلى جامعة الزيتونة في تونس ليكون‬
‫مدرسا فيها ‪،‬وعمل مدرسا أيضا في جامعة القرويين في فاس وفي جامعة األزهر في القاهرة ‪،‬ثم تولى‬
‫القضاء المالكي في مصر وكان قاضيا متم َيزا ‪،‬مر ابن خلدون بتجارب صعبة في حياته بسبب وفاة والديه‬
‫وبعض مشايخه اعتزل فيها الناس ‪ ،‬ثم تفرغ للكتابة والتأليف وأكمل مقدمته المشهورة مؤسسا بذلك علم‬
‫اإلجتماع الذي بناه على اإلستنتاج والتحليل ‪ ،‬وتوفي ابن خلدون في عام ‪ 1406‬م في القاهرة عن عمر يناهز‬
‫‪ 74‬عاما‪.‬‬

‫ومن مؤلفاته ‪:‬‬

‫‪-‬المقدمة‬

‫‪-‬العبر‬

‫‪-‬ديوان المبتدأ والخبر‬

‫‪-‬رحلة ابن خلدون في المغرب والمشرق‬

‫‪-‬واقعات العمر ‪.‬‬

‫الفكر التربوي إلبن خلدون‬

‫يعد ابن خلدون من أشهر العلماءالمسلمين ومؤسس علم اإلجتماع ‪،‬وصاحب علم العمران ‪،‬ومؤلف مقدمته‬
‫الشهيرة‪،‬والتي أفرد فيها فصال كامال تحدث في مسائل التربية والتعليم ‪ ،‬لكن لم يسميها كما تسمى في‬
‫الوقت الحاضر ‪،‬فقد تحدث عن تعلم اللغة والصنائع ‪ ،‬وأعطى التربية الصبغة اإلجتماعية فتميزبذلك عن‬
‫كثير من العلماء‪ ،‬كما تناول الحديث عن التعليم وأساليبه ‪،‬وخصائص المعلم والطالب ‪،‬و صنف أنواع العلوم‬
‫‪،‬وتطرق للحديث عن الجوانب المتعلقة بموضوعي التربية والتعليم الخصها فيما يأتي ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬قرن ابن خلدون التعليم باألخالق والفضائل ‪،‬وأن اإلنسان يمكن أن يكتسب المعرفة بالفكر أو المحاكاة أو‬
‫التلقين أو الممارسة المباشرة ‪.‬‬

‫‪-‬اعتبر التعليم صنعة ‪،‬وأن اكتساب العلم والمعرفة يكون سببا في إنارة العقل وتفرده وتم َيزه ‪،‬كما وضح أيضا‬
‫علم يمكن أن يفتح أبوابا لتعلم علوما أخرى‪،‬وضرب مثاال لذلك إختالف فكر البدوي عن فكر‬
‫بأن أنَ باب ٍ‬
‫صرت في فهم مافهمه الحضري‪ ،‬وهذا خاطئ فبعض البدو أكثر‬
‫الحضري فيظن البدوي أن فطرته ق َ‬
‫عقالوفهما من بعض الحضر ‪،‬لكن الحضري أتيحت لهم فرصة تعلم الصنائع والتعليم فزادتهم علما وفكرا‬
‫وقوة ودراية ‪.‬‬

‫‪-‬تجنب المختصرات بالتعليم أو ما يسمى الملخصات ‪،‬فوصفها بأنه تكون سببا لإلخالل بالتحصيل ‪،‬وتجعل‬
‫الفهم أصعب ‪،‬فتكون الملكة الحاصلة من التعليم قاصرة ‪،‬وذكر انَ الكثير من الطالب يسعون للنجاح فقط‬
‫فيلجأون لهذه الملخصات ‪،‬أما المتفوقون فيركزون على اخذ العلم من مصادره األصلية ‪.‬‬

‫‪-‬عدم إرهاق المتعلمين في استيعاب كل ما يكتب في كل علم ‪،‬حيث يرى أن كثرة التأليف والمصطلحات‬
‫تضيع الفهم ويصعب التحصيل ‪،‬فيضيع عمر المتعلم دون إتقان العلم واإللمام به ‪.‬‬

‫أ َما ابن خلدون فإنَه يتخذ موقفا وسطا من األمرين ‪،‬فال يفضل المختصرات واليفضل كثرة التأليف‬
‫واالصطالحات ‪.‬‬

‫‪-‬ضرورة أن يمتلك المعلم مهارات وأساليب التدريس ‪،‬حتى يكون تأثيره بطالبه أكثر والفائدة أكبر‬
‫‪،‬وبررفكرته هذه بأن مشاهير المعلمين هم من كان لديهم ملكة التعليم أو صناعة التعليم ‪،‬ويرى ابن خلدون أنَ‬
‫ع في طرق التدريس بما يناسب المعلم والمتعلم والمادة الدراسية ‪ ،‬لكنه انتقد طريقة التلقين‬
‫على المعلم أن ينو َ‬
‫في تعليم الكبار؛حيث يكون الطالب فيها عديم المشاركة كثير الصمت في حين إن هذه الطريقة تناسب أكثر‬
‫الطالب في المرحلة اإلبتدائية ‪.‬‬

‫‪-‬دعا ابن خلدون إلى عدم الشدة على المتعلمين وتجنب عقابهم ‪،‬ألن الشدة والعقاب ستكون مدعاة لكسلهم‬
‫وكذبهم وذهاب نشاطهم ‪،‬وقد أباح العقاب للضرورة القصوى وأن اليزيد ضربهم عن ثالثة أسواط ‪،‬وأن‬
‫آخر وسيلة يلجأ إليها المؤدب بعد الترغيب والترهيب والعزل واإلهمال ‪،‬من جهة أخرى نهى ابن خلدون عن‬
‫اإلفراط في المسامحة فبذلك يتعود الطالب على الفراغ والبطالة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪-‬ركز أن يكون المعلم قدوة حسنة لطالبه ‪،‬فهم يتأثرون بالتقليد أكثر من تأثرهم بالنصح واإلرشاد ‪،‬وذكر أيضا‬
‫في مقدمته بأنَ تقليد الطالب لمعلميهم يوفر عليهم الوقت وعناء التجربة ‪،‬حيث قال "وقد يسهل هللا على البشر‬
‫في أقرب من زمن التجربة إذا قلَد فيه اآلباء والمشيخة واألكابر "‪.‬‬

‫‪-‬أشار إلى ضرورة استخدام المعلم التجربة والوسائل الحسية ‪،‬لتسهيل الفهم وتوضيح الفكرحيث قال "ويكون‬
‫المتعلم عاجزا عن الفهم بالجملة في األقل وعلى سبيل التقريب واإلجمال واألمثلة الحسية"‪،‬فالحواس هي‬
‫الطريق التي يتصل بها الطالب بمحيطه ويكتسب العلم والمعرفة والخبرات فينمو عقليا وعاطفيا واجتماعيا‪.‬‬

‫‪-‬أكد على التدرج في التعليم وعدم تعليمه للطالب دفعة واحدة‪،‬أو الدخول في تفاصيل كثيرة ‪،‬وأن يراعي‬
‫في ذلك قدرات الطالب وقابليته للفهم‪.‬‬

‫‪-‬أشار إلى أهمية التكرار لتحصيل العلم والفهم ‪،‬وحدَد ذلك بثالثة تكرارات ‪،‬فالتكرار يجعل العلم مفيدا ونافعا‬
‫‪،‬وهو متطلبا لتعلم العلوم والصنائع‪.‬‬

‫‪-‬أكد على ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الطالب ‪ ،‬فلكل طالب قدراته ومستوى فهمه يختلف بها عن‬
‫اآلخرين ‪،‬لذا ينبغي على المعلم أن يستخدم اسلوب التدريس المناسب ويراعي التدرج في تقديم المعلومة‬
‫لتنسجم مع اختالف قدراتهم‪.‬‬

‫علم إلى آخر إال بعد أن يتقن العلم األول ‪،‬فإنَ ذلك يجعل الطالب أكثر استعدادا وقبوال‬
‫‪-‬عدم اإلنتقال من ٍ‬
‫للعلم الجديد ‪،‬أما َ إذا جمع بأكثر من علم معا فلن يتقن أيا منهما ‪،‬وستختلط عليه األمور وييأس ويهجر العلم ‪.‬‬

‫‪-‬معالجة النسيان بتكرار ما تم حفظه إلسترجاعه عند الحاجة‪ ،‬فيرى ابن خلدون بأن العقل ليس وعاء للعلم‬

‫بل هي ملكة تنمو وتتطور بتعليم الطالب أساليب التفكير الصحيحة ‪.‬‬

‫‪-‬استخدم ابن خلدون أكثر من منهج في دراسته للظواهر التربوية وقرن بينها فلم يستخدم منهجا لوحده ‪،‬ومن‬
‫أشهر المناهج التي استخدمها المالحظة الحسية والمنهج التاريخي واإلستقراء والمنهج المقارن ‪.‬‬

‫‪-‬انتهج منهجاعقالنيا بخلفية دينية غير مغلقة حيث كان يفسر الظاهرات اإلجتماعية بناء على األسباب‬
‫الطبيعية ‪ ،‬ولم يكن متحررا من نزعته الدينية أو متنكرا لها ‪،‬حيث كان يستشهد بآيات من القرآن الكريم في‬
‫تفسير الظواهر التعليمية واإلجتماعية ‪ ،‬لكن آراء العلماء اختلفت تجاه منهجية ابن خلدون ‪،‬فالفريق األول‬
‫اعتبر أنَ رؤية ابن خلدون الدينية ال تتطابق كليا مع معنى اآليات التي يستشهد بها ‪،‬أ َما الفريق اآلخر فقد‬

‫‪6‬‬
‫وجد أنَ ابن خلدون كان متحررا من القيود الفكرية ولم يلجأ لالستشهاد إالَتملقا َ‬
‫للقراء أو خوفا من خطر‬
‫السلفية المتشددة ‪.‬‬

‫‪-‬حث الباحثين على التزام الشك المنهجي والموضوعية ‪،‬فعلى الباحث أن يتحرى الدقة في تفسير الظواهر‬
‫وأن يرجعها إلى قوانينها الصحيحة ‪،‬ألن تحريف الحقائق هو مدعاة لغضب هللا تعالى كما وصفه ابن‬
‫خلدون‪.‬‬

‫أنواع العقول حسب تصنيف ابن خلدون‬

‫‪-‬العقل التميزي ‪:‬وهو أول مراحل اإلدراك لدى اإلنسان ‪،‬يكتفي فيها العقل في إدراك ماحوله باستخدام حواسه‬
‫وعقله ‪،‬ويكون بعقله فكرا قويا‪.‬‬

‫‪-‬العقل التجريبي ‪:‬يصف هذا النوع طبيعة اإلنسان اإلجتماعية ‪،‬وأنه ال يستطيع العيش بمفرده‪ ،‬بل يعيش في‬
‫جماعات ‪،‬حيث يكتسب اإلنسان خبراته ومعارفه من معاشرته لمن حوله وخوضه تجارب عديده ‪، ،‬فيتفق‬
‫معهم حينا ويختلف معهم حينا آخر‪،‬فمن خالل التجربة يثري خبرته ويزيد معرفته فيختصر على نفسه الوقت‬
‫والجهد ‪.‬‬

‫‪-‬العقل النظري ‪:‬وهذا النوع من العقل يعمل على تصور األشياء الغائبة أو المجهولة ‪،‬ويعمل على تفسيرها‬
‫وتوضيحها وهو أعلى مراتب العقل بعد أن يكون المتعلم قد أدرك الظواهر بحواسه ومارس التجربة‬
‫مجردة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫يكون بعدها مفاهيما نظرية‬
‫واكتسب الخبرة َ‬

‫مصادر بناء فكر المتعلم ‪:‬‬

‫‪-‬التجربة المباشرة ‪ :‬يستخلص المتعلم األحكام بعد إجراء التجربة ويكتسب المتعلم المعارف والعلوم من‬
‫الجانبين العملي والنظري ‪،‬فالتجربة تمر بمراحل تبدأ بالمالحظة ثم وضع الفروض واختبارها ثم تعميم‬
‫النتائج وهي نفس خطوات التفكير العلمي في العصر الحديث ‪،‬وعند تكرارالممارسة والتجربة يحصل الفهم‬
‫وتبنى المعارف ‪.‬‬

‫‪-‬التقليد للمعلمين والمشايخ ‪:‬وقد أعطى ابن خلدون هذه الطريقة أهمية كبيرة فهي توفر على المتعلم الوقت‬
‫والجهد‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫تصنيف العلوم حسب مصدرها‬

‫أشار ابن خلدون في مقدمته إلى أنواع العلوم وصنَفها حسب مصدر ها إلى علوم نقلية أي مصدرها الكتاب‬
‫والسنه ‪،‬واليجوز االجتهاد فيها ‪،‬كعلم القرآن والسنه والتفسير والفقه والتوحيد ‪،‬وقد وصف هذه العلوم بأنها‬
‫خاصة بالمسلمين ‪،‬وأسقط عنها صفة الكونية فقد اكتملت والحاجة للتوسع والبحث فيها ‪.‬‬

‫أما الصنف الثاني فهي العلوم العقلية أو ما تس َمى العلوم الطبيعية ‪ ،‬كالفلك والحساب والمنطق والمعامالت‬
‫والهندسة والطب ‪،‬فقد أعطاها ابن خلدون صفة الكونية وبذلك فقد حفظها من تد َخل أهل العلم النقلي‬
‫وتفسيراتهم حتى تنمو وتتطور‪.‬‬

‫ومن األمثلة على العلوم التي ذكرها ابن خلدون العلوم اإلنسانية وعلوم المالئكة واألنبياء والتصوف ‪ ،‬وأشير‬
‫هنا إلى أن ابن خلدون ميز بين العلوم المقصودة لذاتها أو كما سماها العلوم اآللية كالعلوم الشرعية مثل‬
‫الحديث والفقه والعلوم الطبيعية أو العلوم التي هي بمثابة وسيلة لتلك العلوم كاللغة والحساب والفلسفة‬
‫والمنطق‪،‬من جهة أخرى فقد أعرض ابن خلدون عن تعلَم العلوم التي الفائدة منها ‪،‬كالسحر والشعوذة‬
‫والطالسم وغيرها‬

‫وظائف العلم‪:‬‬

‫‪-‬الوظيفة الحضارية ‪:‬لم يعط ابن خلدون العلم صفة دينية كما فعل علماء عصره فلم يربطه باألحاديث النبوية‬
‫الشريفة ‪،‬ولم يقسمه إلى فرض عين وفرض كفاية ‪،‬كما لم يتبنَ منهج الفالسفة باعتبار العقل األساس في تقسيم‬
‫العلوم وتصنيفها ‪،‬بل كان له منهجيته الفريدة باعتبار العلم ظاهرة طبيعية لها وظائفها وآثارها على األفراد‬
‫وسببا في تحقيق التقدم الحضاري والعمران البشري ‪.‬‬

‫‪ -‬صناعة العلم ‪:‬اعتبر ابن خلدون العلم صنعة كغيره من الصناعات ‪،‬فإذا أجاد المتعلم علمه أكسبه عقال‬
‫ض َح‬
‫فريدا وفكراناضجا ‪ ،‬نتيجة لإللمام واإلتقان والتفنن ‪،‬ويصبح التعليم ملكةيصعب التحول لغيرها ‪ ،‬كما و َ‬
‫بأن َبعض العلوم التكسب صاحبها العقل الفريد ‪،‬فالعلوم التي أسماها ( اآلالت لغيرها) تخرج المتعلم عن‬
‫المقصود من العلم ‪،‬فينشغل حينئ ٍذ بالوسيلة عن العلم نفسه ‪.‬‬

‫ويكون فكره‪،‬لذا وجب عليه إتقان هذا‬


‫َ‬ ‫‪-‬الدور البنائي والتكويني للتعليم ‪:‬ويقصد به أن التعليم يبني عقل المتعلم‬
‫العلم باإلهتمام بالجانب النظري والعملي ‪،‬وتكرار ممارسة هذه الصناعة وإتقان مهاراتها ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪-‬الوظيفة العمرانية واإلجتماعية ‪:‬ربط ابن خلدون العالقة بين الصناعات والعمران البشري ‪،‬فالصناعات‬
‫البسيطة التي تصلح في المجتمع البدوي ‪،‬هي غير صالحة لمتطلبات المجتمع الحضري ‪،‬فاإلنتقال من‬
‫المجتمع البدوي إلى المجتمع الحضري يستلزم تطورا كمياونوعيا بالصناعات التي تنشأ بفعل التطور العلمي‬
‫‪،‬فيتحول المجتمع من اإلهتمام بالضروريات إلى اإلهتمام بالكماليات ‪،‬حيث يسعى أصحاب هذه الصناعات‬
‫إلى تطويرها باستمرار حتى تلبي حاجات المجتمعات المتطورة ‪،‬فبذلك يكون ابن خلدون قد ربط بين الصناعة‬
‫والعمران من جهة وبين العلم والصناعة من جهة أخرى ‪.‬‬

‫‪-‬الوظيفة الدينية للعلم ‪:‬اختار ابن خلدون موقفا وسطا بين الفالسفة الذين أعطوا العقل البشري القيمة األهم‬
‫واعتبروه المصدر األول للمعرفة وبين الفقهاء الذين أعطوا الشرع القيمة األهم ‪ ،‬فهم يرون أن العقل قاصر‬
‫على أن يأتي بالعلم الشرعي كما جاء به الشرع ‪،‬فاعترف بدور العقل في حدود طبيعته المادية في تحصيل‬
‫بعض العلوم كالطبيعيات والرياضيات واإليمان والتسليم للعلوم الشرعية ‪.‬‬

‫لم يبالغ ابن خلدون في توظيف مقدرة اإلنسان الفكرية والجسدية والروحية ‪،‬فصنف العلوم إلى نقلي حكمي‬
‫يهتدي إليها اإلنسان بفكره وعقله ‪،‬ونقلي يستمدها من الشرع ‪،‬فاإلنسان يهتدي بفكره لكسب رزقه وتدبير‬
‫شؤون حياته الدنيوية وال ينشغل بذلك عن التفكير بالحياة اآلخره فيهتدي بالعلوم النقلية التي جاءت مع الرسل‬
‫عليهم السالم‪.‬‬

‫العلم والعمران البشري ‪:‬‬

‫ربط ابن خلدون العلم بالعمران البشري ‪،‬وأن العقل هو المصدر الذي يستقى منه كل المعارف والعلوم ‪ ،‬كما‬
‫أشار إليها في مقولته الشهيرة "بأن اإلنسان تميز عن الحيوانات بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه ‪،‬فقد‬
‫تميز عنه بالتعاون مع بناء جنسه واالجتماع المهيأ لذلك‪ ،‬وقبول ما جاء به األنبياء عن هللا تعالى والعمل به‬
‫واتباع صالح أخراه‪ ،‬فهو مفكر في ذلك دائما ‪،‬ال يفتر عن الفكر فيه طرفه عين ‪،‬وانَ بالعلم والعرفة تقوم‬
‫أسرع من لمح البصر وعن هذا الفكر تنسأ العلوم والصنائع‪ ،‬ويعلو البنيان وتزدهر األمم والحضارات "‬

‫كما ربط ابن خلدون العلم بالناحية اإلجتماعية ‪،‬فالحظ أن األجيال الحديثة تقبل على التعليم وتعلم الصنائع‬
‫سر ذلك بالواقع اإلجتماعي لكل جيل ‪،‬وأن العلوم تتقدم وتتاخر بتغير ظروف كل‬
‫أكثر من األجيال السابقة وف َ‬
‫مجتمع وقد أشار إلى ذلك في قوله "إن الصنائع تكمل بكمال العمران الحضري وكثرته "‪.‬‬

‫وضرب مثاال على ذلك تونس والمغرب حيث تناقص العلم فيها وقل اإلقبال عليه واإلهتمام فيه بسبب تناقص‬
‫العمران المرتبط بهذه العلوم ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ض َح أيضا أن الناس تقبل على تعلم العلوم بعد تحقيق حاجاتهم األساسية من الطعام والملبس والمسكن‬
‫وو َ‬
‫‪،‬فإذا حققت ذلك فرغت للكماليات ‪،‬فبذلك يكون ابن خلدون قد سبق ماسلو في الحديث عن هرم الحاجات‬
‫األساسية ‪.‬‬

‫المبادئ األساسية األساسية في التربية عند ابن خلدون ‪:‬‬

‫‪-‬الفكر اإلنساني يميَز اإلنسان عن الحيوانات ‪،‬فهذا الفكر مصدر العلوم والمعرفة يستخدمها اإلنسان للتفكير‬
‫في أمور حياته وآخرته ‪،‬واستخالص القوانين والحقائق عن الظواهر الكونية ‪.‬‬

‫‪-‬العلم والتعليم طابع إنساني ‪،‬وهو سمة تميز البشر عن باقي الكائنات الحية ‪،‬فإذا خرج عن طبيعته وعن‬
‫الخاصية اإلنسانية فقد تلك الخاصية ‪.‬‬

‫‪-‬ارتباط العلوم واإلدراكات بالمحسوسات ‪:‬أي أن العلم ينطلق من الواقع ويتم إدراكه بالحواس ‪،‬كما أن العلم‬
‫يعمل على تنظيم المعلومات وال يكتفي بتعدادها والربط بينها وإيجاد عالقات حتى تصبح علما ‪،‬أي انَ العالم‬
‫المادي هو أصل العلم والمعرفة وبعد إدراك المفاهيم الحسية ينتقل المتعلم إلدراك المفاهيم المجردة ‪.‬‬

‫‪-‬التعليم عند ابن خلدون اليمكن تحصيله اإلبالممارسة والتكرار واستخدام المنهج النظري والتطبيقي‪.‬‬

‫‪-‬التركيز على أن يكون التعليم باللغة العربية ‪،‬وأن المتعلم يكتسب لغته من تعلَم اللغة القرآن الكريم والحديث‬
‫وكالم السلف ‪،‬لمل للغة العربية من دور في تنمية فكر اإلنسان وتطويره‪.‬‬

‫أهمية الرحلة في طلب العلم‬

‫أ َكد ابن خلدون على أهمية الرحلة العلمية فبها يحصل المتعلم على كمال العلم ‪،‬فحين يسافر الطالب في طلب‬
‫العلم تتاح له الفرصة لقاء مشايخ العلم وعلماؤه ‪،‬فيتعلم منهم عن قرب فيكون العلم أنفع والفائدة أكبر ‪ ،‬حيث‬
‫يقول في هذا المجال "إن البشر يأخذون معارفهم وأخالقهم وما يتحلون به من المذاهب والفضائل تارة عمال‬
‫وتعليما وإلقاء وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ‪ ،‬إال أن حصول الملكات عن طريق المباشرة والتلقين أشد‬
‫استحكاما وأقوى رسوخا"‪.‬‬

‫الشروط الواجب توفرها في طالب العلم ‪:‬‬

‫ذكر ابن خلدون مجموعة من الشروط التي يجب توافرها عند طالب العلم منها‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫‪-‬تلقي العلم مباشرة من أهله من المشايخ والعلماء ‪.‬‬

‫‪-‬عدم الغوص بعيدا أو اإلمعان في التجريد والتعميم ‪،‬حيث يوصي المتعلم أيضا على التركيز على المواد‬
‫س خ حكمه عليها ‪،‬واستثنى من ذلك العلوم الشرعية ‪.‬‬
‫المحسوسة والتأكد منها قبل أن ير َ‬

‫‪-‬شد الرحال ‪:‬أي الرحلة في طلب العلم ليسمع من مشايخ وعلماء خارج بالده ‪.‬‬

‫الشروط الواجب توافرها في المعلم ‪:‬‬

‫كما اشترط أيضا توافر شروط للمعلم حتى يكون يكون قادرا على التعليم منها ‪:‬‬

‫‪-‬قيام الجدل والحوار بين المعلم والمتعلم ‪:‬يرى ابن خلدون أن من شروط الحصول على العلم أن يحاور المعلم‬
‫طالبه ‪،‬فالحوار يوسع مدارك الظن ويفتح آفاق جديدة للمتعلم ‪.‬‬

‫‪-‬اختيار المعلم المادة العلمية المناسبة التي يقدمها لطالبه في علم من العلوم ‪،‬حيث يرى أن ما يكون سببا في‬
‫قصور التعليم هو كثرة المؤلفات ومطالبة المعلم لطالبه بحفظها واستحضارها جميعا فيكون ذلك مضيعة‬
‫لوقت الطالب ‪ ،‬بل على المعلم أن يركز على األساسيات دون الدخول في التناقضات من المعارف ‪،‬ورأى‬
‫بأنَ التربية أعمق من التعليم‪ ،‬وقصد بذلك ترسيخ ملكة التعلم في نفس المتعلم وليس حمله على حفظ فروع‬
‫العلم وحقائقه التفصيلية‪.‬‬

‫‪-‬تقريب األهداف وتوضيحها ‪:‬من شروط المعلم الناجح أن يكون قادرا على توضيح أهداف مادته الدراسيه‬
‫وال يلجأ لإلختصار المخل بالمعنى ‪،‬فإنَ ذلك يفسد التعليم ويخلط األمور على المتعلم ‪.‬‬

‫‪-‬مراعاة قدرات الطالب ومساعدته على الفهم ‪:‬فالمعلم الماهر يساعد طالبه على الفهم ويراعي الفروقات‬
‫الفردية بينهم‪.‬‬

‫مراحل التعليم في زمن ابن خلدون ‪:‬‬

‫‪-‬مرحلة ما قبل الرشد (تعليم القرآن الكريم )‪:‬حرص المسلمون على تعليم أبنائهم القرآن الكريم في مرحلة‬
‫مبكرة وجعلوه الركيزة األساسية في تعليم أبنائهم لغرس اإليمان في سن مبكرة ‪،‬فأجمعوا على فكرة تعليم‬
‫القرآن واختلفوا في مناهجهم في ذلك ‪،‬ففي المغرب العربي اقتصروا على تعليم القرآن الكريم دون إلحاق أي‬
‫علم آخر وشملوا بذلك الصغاروالكبار‪،‬أما في األندلس فقد أضافوا لتعليم القرآن الشعر واللغة العربية وغيرها‬
‫من العلوم مع جعل تعليم القرآن الكريم محورا اساسيا ‪،‬لكن ابن خلدون فضل منهج أهل األندلس فهم يركزون‬

‫‪11‬‬
‫على القرآن والعلوم األخرى ‪،‬فإذا أصبح الطالب شابااستطاع أن يكمل َتعليمه في أي علم من العلوم ‪،‬أما منهج‬
‫أهل المغرب فرأى فيه أن التعليم قاصرا فقد وجد قصور في ملكة اللسان عند المتعلمين وجمودا في العقل‬
‫وضعفا في البالغة‪.‬‬

‫‪-‬بعد سن الرشد ‪:‬ذكر ابن خلدون هذه المرحلة دون ذكر تفاصيلها ‪.‬‬

‫التربية المقارنة في العصر الحديث‬

‫تعتبر التربية من أهم العمليات وأكثرها حساسية‪ ،‬وقد اهتم به المصلحون والقياديون ‪ ،‬واتخذوها‬
‫وسيلة لنهضة وطنهم وأمتهم ‪ ،‬فال بد من التعرف على أهداف التربية لنتمكن من توظيفها بالشكل الصحيح‬
‫ويمكن تلخيصها بما يلي‪:‬‬
‫‪-‬مراعاة االحتياجات األساسية لإلنسان وطبيعته‪ ،‬و القدرة على تعريفهم بإمكانياته اإلبداعية ونقاط قوته‬
‫وضعفه ‪.‬‬

‫‪-‬مساعدة البشر على تحديد شكل العالقة مع المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬الحفاظ على التقاليد والتراث المتعلق بالمجتمع‪ ،‬واالهتمام بسلوك الفرد وأخالقه وترقيته وتنميته‪.‬‬

‫‪-‬تعزيز القوة العقلية واإلدراكيةوالقدرة على التفكير وتعلم المفاهيم والمعرفة الجديدة‪.‬‬

‫‪-‬التأكيد على القوة االجتماعية الالزمة لتنمية الطفل حتى يصبح شخصا اجتماعيا يتفاعل مع األشخاص‬
‫من حوله‪.‬‬

‫أهم مالمح التربية في العصور الحديثة ‪:‬‬

‫ظهر الفكر التربوي الحديث كخالصة لما أبدعته عقول العلماء قديما كإبن خلدون والغزالي وابن سينا‬
‫‪،‬لكن اختالف أفكار هذا العصر ومتطلباته وحاجاته استوجب ظهور ايدلوجيات جديدة تناسب التغيير‬
‫الذي أصابه ‪،‬واستحداث نظريات جديدة ارتبطت بهذه اإليدلوجيات ‪.‬‬

‫اهتم علماء التربية بدراسة الفكر الت ربوي وتطوره لما لذلك من أثر في إكساب المعلم القدرة على تتبع‬
‫الفكر التربوي وربط الماضي بالحاضر ليتمكن من فهم القضايا التربوية الحديثة ‪ ،‬وربط التربية‬
‫بالجوانب اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية للمجتمع ‪،‬فيكتسب المعلم فكرا متكامال عن العملية التعليمية‬

‫‪12‬‬
‫وعن الطالب ‪،‬ويكسبه قدرة على النقد والمقارنة بين النظريات التربوية واإلنتقاء األنسب بما يناسب‬
‫متطلبات عملية التعلم التي يقوم بها‪.‬‬

‫امتدت العصور الحديثة من القرن الرابع عشر وضمت عصر النهضة وعصر اإلصالح وامتدت حتى‬
‫القرن العشرين ‪،‬وفيما يلي أهم مالمح كل عصر من هذه العصور ‪:‬‬

‫عصر النهضة ‪:‬‬

‫تأث َرت التربية بالتغيرات التي حدثت في عصر النهضة ‪،‬وأحدثت تطورات كثيرة في الفكر‬
‫التربوي‪،‬فالحروب الصليبية أتاحت الفرصة إلحتكاك الدول األوربية بدول الشرق اإلسالمي ‪،‬وزادت‬
‫فرصة إتصالها بها ‪،‬كما أن تغير األحوال اإلقتصادية وظهور النظام اإلقطاعي واختراع الطباعة ‪،‬أدى‬
‫ذلك إلى انتشار المعرفة وظهور تيارات فكرية جديدة تؤمن بإنسانيته وعقله وعواطفه ‪.‬‬

‫عصر اإلصالح ‪:‬‬

‫أثرت في العملية التعليمية ‪،‬منها ما كان سلبيا ومنها ما‬


‫تم َيز عصر اإلصالح بالكثير من التغييرات التي َ‬
‫هو إيجابي ‪،‬فالحروب في ألمانيا بين الكاثوليك والبرونستانت ‪،‬والحروب األهلية بين بريطانيا وفرنسا‬
‫أشغلت هذه الدول عن األهتمام بأمور التربية ‪،‬أما عن التغييرات اإليجابية فكان إنشاء المؤسسات العلمية‬
‫مثل الجمعية الملكية في لندن التي تأسست عام‪ ،1662‬وأكاديمية العلوم في باريس‪1966‬دورا كبيرافي‬
‫تطور المعرفة ونشرها وإحداث تغييرات كبيرة في العملية التربوية والتعليمية ‪.‬‬

‫الفكر التربوي في القرن العشرين‬

‫شهد القرن العشرين الكثير من التطورات نتيجة لإلنجازات الحضارية التي حدثت في القرن التاسع عشر‬
‫كالثورة الصناعية والتطور الكبير في وسائل اإلتصال ونمومفاهيم جديدة كمفهوم الديموقراطية ‪،‬وظهور‬
‫مناهج علمية جديدة كالمنهج التجريبي في التربية ‪،‬هذه التطورات أنتجت ايديولجيات جديدة وعلماء‬
‫ومفكرين جدد تبنوا هذه االديولوجيات من أشهر رواد هذا العصر جون ديوي ‪.‬‬

‫الفكر التربوي عند جون ديوي ‪:‬‬

‫كو ن ديوي مجموعة اتجاهات في التربية شكلت فلسفة تربوية أطلق عليها الفلسفة البراغماتية وأهم مالمح‬
‫هذه النظرية ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬إكساب الفرد مهارات وإتجاهات تناسب المجتمع الذي يعيش فيه ومساعدته في النمو والتكيف مع بيئته ‪.‬‬

‫‪-‬وصف ديوي عملية التربية بأنَ ها عملية نفسية واجتماعية ‪،‬نفسية أي تهتم بنفسية الطفل واجتماعية تعده‬
‫ألن يكون جزءا فاعال من المجتمع ‪.‬‬

‫‪-‬ر َكز ديوي على أهمية المدرسة كمؤسسة إجتماعية ‪ ،‬فالمدرسة تعد األفراد لإلنخراط في مجتمعهم‬
‫وتزودهم بالخبرات الالزمة لذلك ‪،‬فهي وسيلة لتغييرالمجتمع ‪.‬‬

‫‪-‬انتقد ديوي الطرق التقليدية ‪،‬التي يكون دور الفرد سلبيا دون أن يقوم بأي نشاط ‪،‬واستحدث فكرة التعلَم‬
‫بالمشاريع ‪،‬فهو ي شجع على استخدام النشاط الجسمي والتعلم الذاتي ‪،‬فالتعلم بالمشاريع يمر بمراحل عديدة‬
‫هي الشعور بالمشكلة وتحديد المشكلة ووضع الفروض واقتراح الحلول ‪،‬وما ثبت صحته أصبح قانونا‬
‫وقاعدة ‪.‬‬

‫‪-‬جعل الطالب هو محورالعملية التعليمية وهو الغاية لها وأن تس َخر المناهج والوسائل التعليمية ألجله ‪,‬وأن‬
‫تعمل على تربيته في جميع جوانبه النفسية واإلجتماعية والجسمية والعقلية ‪.‬‬
‫‪-‬ذكر ديوي أن المعلم يجب أن ال يتقيد بطريقة من الطرق بل يختار الطريقة المناسبة التي تالئم‬
‫الدرس ‪ ،‬ومستوى التالميذ وظروفهم النفسية‪.‬‬
‫‪-‬أكد ديوي على أهمية الديموقراطية كإطار للعملية الترب وية ‪،‬فحين ينشأ الطالب في بيئة ديموقراطية ينشأ‬
‫لديه حرية وفرصة خوض التجربة ‪.‬‬

‫‪-‬ر َكز ايضا على أن يكون المنهج مرنا‪،‬يعطي الطالب عددا أكثر من البدائل والحلول عندما تعترضه‬
‫المشكالت‪.‬‬

‫التربية المقارنة في فكر ابن خلدون والفكر الحديث‬

‫من خالل دراسة مقدمة ابن خلدون يتضح تناوله الكثير من األحداث تشبه ما يقوم به علماء التربية المقارنة‬
‫في العصر الحديث ‪،‬حيث وصف الحالة التعليمية في مختلف البلدان اإلسالمية ‪،‬فنجده يقارن بين صناعة العلم‬
‫والتعليم في المغرب العربي مع المشرق العربي ‪،‬وأحيانا كان يقارن بين األقاليم مع بعضهم بعضا ‪.‬‬

‫ذكرابن خلدون طرق التعليم وعرضها بأسلوب مقارن ‪،‬حين ذكرأنَ الصبيان في المغرب لم يتعلموا اللغة‬
‫والبالغة بل اقتصروا على تعلم القرآن في مراحله األولية ‪ ،‬أما الصبيان في األندلس فقد ركزَ وا على‬
‫تعليمهم القرآن باإلضافة للكتابة والشعر ‪،‬وأضاف أيضا أن التكرار سبيل إلتقان التعليم وسبق بذلك العالم‬

‫‪14‬‬
‫ثورانديك الذي وضع قانون اإلستعمال الذي تحدث فيه عن التعَلم الناتج عن التجربة والخطأ وتكرار الظاهرة‬
‫التي تكون نتائجها إيجابية ‪.‬‬

‫وأضاف أيضاعن اآلثارالتربوية الناتجة عن طرق تعليم القرآن الكريم ‪ ،‬فطريقة أهل المغرب أدت إلى‬
‫قصور ملكة اللسان العربي ألنهم لم يدرسوا اللغة إلى جانب القرآن ‪،‬بينما طريقة أهل األندلس فالصبيان‬
‫كانوا أفضل حاال ألنهم تعلموا البالغة واللغة إلى جانب القرآن الكريم ‪،‬أما طريقة أهل افريقيا فكانت أفضل‬
‫من طريقة أهل المغرب حيث كان الصبيان أحسن حاأل في اللسان العربي لكن ينقصهم البالغة ‪.‬‬

‫لم يقتصر ابن خلدون على دراسة األمصار اإلسالمية بل تحدث عن األمصار غير اإلسالمية أيضا ‪ ،‬فقد‬
‫وصف مقدار تقدم العلوم عند الفرس في مقدمته حين قال "أما َ الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم‬
‫عظيما‪،‬لما كانت عليه دولهم من الضخامة واتساع الملك "‪.‬‬

‫والدارس لمقدمة ابن خلدون يجد أنه لم يكتف بمجرد الوصف وإظهار الشبه واإلختالف ‪،‬بل ذهب إلى أبعد‬
‫من ذلك جاهدا لربط هذه الوقائع بالقوى والعوامل التي سببتها ‪،‬ففسر سبب ازدهار العلم والتعليم في القاهرة‬
‫إلى درجة التحضر ‪،‬وفي المغرب العربي نجده يفسر سبب انقطاع العلم والتعليم وانحساره بسبب تناقص‬
‫العمران ‪.‬‬

‫والمتتبع لمقدمة ابن خلدون يجد أنه سبق علماء التربية المقارنة في العصر الحديث أمثال جون برايدي‬
‫‪،‬ومولمان وهولمز ‪ ،‬حيث عرض ما س َماه (واقعات العمران البشري ) أي أن الظواهر اإلجتماعية التحدث‬
‫بمحض الصدفة بل هناك عوارض أو طبيعة كما ذكرها تتسبب في وجودها ‪،‬وهو ما أكدته الدراسات الحديثة‬
‫وتبناه رواد التربية في العصر الحديث بما يعرف حاليا (بالظاهرات أو الظواهر اإلجتماعية) ‪،‬وأنَ هذه‬
‫الظواهر تحكمها قوانين تكون سببا في وجودها ‪،‬ومن الجدير بالذكر أنَ ابن خلدون هو أول من تناول الحديث‬
‫عن هذا الموضوع ولم يسبقه لذلك أحد‪.‬‬

‫وأشار إلى الهدف من دراسته لظاهرات العمران البشري هوالكشف عن طبيعة هذه الظواهر لتصحيح‬
‫األحداث التاريخية على حد قوله ‪،‬وهو يشبه الهدف من دراسة التربية المقارنة في وقتنا الحاضر حيث تسعى‬
‫هذه الدراسات لإلفادة من خبرات األمم السابقة وتحسين النظام التعليمي وتطويره ‪،‬ومما يؤكد تشابه الهدفين‬
‫هو أَن ابن خلدون بعد أن انتهى من كتابة مقدمته ‪،‬رفعها إلى الخليفة أبو العباس ويغلب الظن أنه قصد بذلك‬
‫أن يستفيد الخليفة منها في إصالح دولته وتحسينها ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫رواد العلم الحديث أمثال سادلر وشنايدر وليفازيز بدراسة العوامل المؤثرة في النظم التعليمية‪،‬حيث‬
‫قام َ‬
‫وصف سادلر بأنَ العوامل خارج المدرسة تؤثر أكثر من العوامل التي تقع داخلها ‪،‬فهو بوصفه هذا يوضح‬
‫العوامل المؤثرة في عملية التعليم ‪،‬والدارس لمقدمة ابن خلدون يجد تشابها لكالم سادلر وصف الظواهر‬
‫لواقعات العمران واإلجتماع البشري واألسباب والعوامل التي تحكمها حيث يقول "يحتاج صاحب هذا الفن‬
‫إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختالف األمم‪.".‬‬

‫لم يفرد ابن خلدون فصال في الحديث عن منهجه لكن الدارس لمقدمته يجد ذلك واضحا‪ ،‬في دراسته للظواهر‬
‫البشرية بأنه يجريها على مرحلتين ‪:‬األولى حسية تتمثل بجمع المالحظات الحسية لظواهر اإلجتماع‬
‫‪،‬والمرحلة األخرى عمليات عقلية يجريها في الكشف عن ما يحكم هذه الظواهر من قوانين ‪،‬وعند مقارنة‬
‫منهج ابن خلدون مع منهج اوجست كومت (مؤسس علم اإلجتماع الحديث ) نجده متشابها حيث أنَ منهج‬
‫كومت قائم على اإلستقراء والمالحظة ‪.‬‬

‫استخدم ابن خلدون منهج المقارنه في دراسته للظواهر التربوية ‪،‬ويكون بالبحث في أوجه الشبه واإلختالف‬
‫وبيان السبب في ذلك وهو تعريف للمقارنة العلمية ‪،‬وقد استخدم ابن خلدون وحدات متنوعة خالل مقارنته‬
‫‪،‬فأحيانا كان يقارن على مستوى األمم والشعوب وأحيانا على مستوى األمصار أو المذاهب الدينية أو على‬
‫مستوى الطرق التدريسية ‪ ،‬وأحيانا كان يقارن على المستوى األفقي وهوالمستوى الجغرافي‪.‬‬

‫كما كان يعقد مقارنة على المستوى الشاقولي وهي المقارنة التاريخية ‪ ،‬وأحيانا كان يجمع بين المستويين‬
‫‪،‬وقد سبق بذلك العالمين كاندل وروسلوالذين أكدَا أهمية الجمع بين المستويين الجغرافي والتاريخي ‘حيث‬
‫سر سبب تطور هذا العلم في المشرق عنه في المغرب هو انَ أهل‬
‫قارن بين التعليم في الشرق والغرب ‪،‬وف َ‬
‫المشرق تميزوا بكمال عقولهم واختالف درجة التحضر والعمران عندهم‪.‬‬

‫وفي فصل آخر من فصول مقدمته قارن بين المذاهب الفقهية فقد ذكر مكان وسبب انتشار كل من المذاهب‬
‫الفقهية األربعة ‪:‬المالكي والشافعي والحنبلي والحنفي ‪،‬بينما انحسرت مذاهب أخرى كمذهب داوود‬
‫األصبهاني ‪.‬‬

‫‪ -‬ويتفق ابن خلدون مع نظرية التعلم اإلجتماعي لباندورا والتي نصت بأن األفراد يستطيعوا تعلم العادات‬
‫والقيم والمهارات عن طريق المجتمع المحيط بهم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪،‬وخص بالذكر حاسة السمع ‪،‬وحث المتعلمين على اإلستماع‬
‫َ‬ ‫‪-‬ر َكز ابن خلدون على الحواس كأداة للتعلَم‬
‫إلى شيوخهم واألخذ عنهم ‪،‬فقد ميَز العلم المسموع والمنطوق على العلم المكتوب والمقروء وقد سبق بذلك‬
‫العالم ستالوزي ‪.‬‬

‫بعد عرض جوانب من التربية المقارنة عند ابن خلدون أالحظ تشابها بين منهجه والمنهج الحديث ‘فقد‬
‫تحدَث عن الظواهر اإلحتماعية والظواهر التعليمية باألمصار اإلسالمية وغير اإلسالمية ‪،‬وقارن التعليم‬
‫بين الشرق والغرب ‪،‬وتحدَث عن طرق التعليم والعلوم التي درست هناك واآلثار الناتجة على األفراد‬
‫والمجتمعات نتيجة إختال ف طرق التدريس‪،‬كما ربط بين الظواهر الجغرافية والعوامل المسببة لها ‪،‬ولم‬
‫يكتف بوصف الظاهرة فقط ‪ ،‬و ربط العمران البشري والتحضر بالتعليم وسبق بذلك علماء التربية الحديثة‬
‫كجون برايدن ومولمان وهولمز وسادلر ‪،‬واستخدم مناهج عديدة في دراسته كالمالحظة واإلستقراء‬
‫والمنهج التاريخي وغيرها ‪ ،‬لم يستطع ابن خلدون تناول جميع جوانب التربيةالمقارنة وعذره بذلك أن‬
‫جوانب التربية المقارنةمتشعبة ومتعددة فال يمكن اإللمام بها كاملة ‪،‬وتبقى مسؤولية العصر الحديث‬
‫استكمال ما بدأ به ابن خلدون واستكمال الجوانب التي لم يتطرق لها ‪ ،‬وبذلك يكون ابن خلدون مؤسس‬
‫علم التربية المقارنة ‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪17‬‬

You might also like