Professional Documents
Culture Documents
جامعة اليرموك
كلية التربية
قسم االدارة وأصول التربية
2
مقدمة:
تعتبر التربية أساس لبناء أي مجتمع سليم ،حيث أن األبناء هم صانعوا الغد والمستقبل ،لذا يركز المجتمع
اهتمامه على التربية السليمة ،والحفاظ على هذه الثروة النفيسة وتكريس كل وقته وطاقته لها ،ويكون ذلك
بتربيتهم على الدين واألخالق وإكسابهم العلوم والمعارف التي تلزمهم لبناء مستقبلهم والنهوض بمجتمعاتهم .
تعرف التربية بأنها سلوكيات وأنشطة أولياء األمور والمدرسين والمدارس،وهي الطريقة التي يتكيف بها
َ
األفراد مع بيئتهم والثقافة المحيطة بهم ،لتسهيل إدماجهم بمجتمعهم ،ومساعدتهم لتغيير أوضاعهم وتحسين
أفعالهم وإتقان مهارات الحياة .
جاء اإلهتمام بالعلوم اإلنسانية مرافقا للعلوم اإلسالمية ،واستحضار علماء اإلسالم لهذه العلوم تأصيال
وتطبيقا وتنظيرا وممارسة ،ألن العلوم اإلنسانية في مضمونها العام هي علوم تخاطب اإلنسان مباشرة،
وتراعي حاجاته واهتماماته.
فقد ذكر اإلمام الغزالي في كتابه أيها الولد حيث قال " ،بأنَ التربية هي الفارق و الفاصل بين اإلنسان
والحيوان ،وهي األساس والمنطلق والضرورة في صالح الفرد و في صالح المجتمع ،والسبيل إلى تحقيق
َ
فالفالح التمدن والسعادة لإلنسان واالرتقاء به من الحيوانية إلى اإلنسانية"،وشبه الغزالي المر َبي َ
بالفالح،
يخرج إلى الحقل يوميا لينزع الشوك الفاسد ويبقي على الصالح ،وكذلك المربي.
َ
تحدث ابن خلدون في مقدمته عن التربية وعالقتها بتنشئة األفراد ورقي المجتمعات ،وربط بين التعليم كما
والعمران البشري من جهة وبين التعليم والصناعة من جهة أخرى ،وذكر أنواع العلوم وتصنيفاتها وغيرها
من الجوانب ذات الصلة بالتعليم ،وتحدث عن بعض جوانب التربية المقارنة .
هو ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن خلدون ،ولد في العاصمة التونسيةعام 1332م ،انحدر
من عائلة تميزت بالعلم واألدب ،حفظ ابن خلدون في طفولته القرآن الكريم ،وتلقى تعليمه األول على يد والده،
وكان أجداده أصحاب مناصب في األندلس وتونس وكانوا أصحاب نفوذ وجاه ،وفي القرن السابع الهجري
3
هاجر إلى تونس وتعلم في جامعة الزيتونة ،فتعلم اللغة العربيةوالنحو والصرف والتالوة والفقه،وعندما احتل
السلطان أبو الحسن المريني تونس ،جلب معه عددأ من العلماء فتعلم ابن خلدون على يدهم الفلسفة والمنطق
وأتم تعليمه هناك ،وكان ذلك عام ،1356ثم تتلمذ على يد شيوخ
،ثم سافر ابن خلدون الحقا إلى مدينة فاس َ
تلمسان أمثال احمد المقري وابن البنا وكانت تلك مرحلة مهمة له ،ثم رحل الى المغرب األقصى وتونس
وقضى معظم حياته هناك وكتب الفصل األول من مقدمته،بعد ذلك انتقل إلى جامعة الزيتونة في تونس ليكون
مدرسا فيها ،وعمل مدرسا أيضا في جامعة القرويين في فاس وفي جامعة األزهر في القاهرة ،ثم تولى
القضاء المالكي في مصر وكان قاضيا متم َيزا ،مر ابن خلدون بتجارب صعبة في حياته بسبب وفاة والديه
وبعض مشايخه اعتزل فيها الناس ،ثم تفرغ للكتابة والتأليف وأكمل مقدمته المشهورة مؤسسا بذلك علم
اإلجتماع الذي بناه على اإلستنتاج والتحليل ،وتوفي ابن خلدون في عام 1406م في القاهرة عن عمر يناهز
74عاما.
-المقدمة
-العبر
يعد ابن خلدون من أشهر العلماءالمسلمين ومؤسس علم اإلجتماع ،وصاحب علم العمران ،ومؤلف مقدمته
الشهيرة،والتي أفرد فيها فصال كامال تحدث في مسائل التربية والتعليم ،لكن لم يسميها كما تسمى في
الوقت الحاضر ،فقد تحدث عن تعلم اللغة والصنائع ،وأعطى التربية الصبغة اإلجتماعية فتميزبذلك عن
كثير من العلماء ،كما تناول الحديث عن التعليم وأساليبه ،وخصائص المعلم والطالب ،و صنف أنواع العلوم
،وتطرق للحديث عن الجوانب المتعلقة بموضوعي التربية والتعليم الخصها فيما يأتي :
4
-قرن ابن خلدون التعليم باألخالق والفضائل ،وأن اإلنسان يمكن أن يكتسب المعرفة بالفكر أو المحاكاة أو
التلقين أو الممارسة المباشرة .
-اعتبر التعليم صنعة ،وأن اكتساب العلم والمعرفة يكون سببا في إنارة العقل وتفرده وتم َيزه ،كما وضح أيضا
علم يمكن أن يفتح أبوابا لتعلم علوما أخرى،وضرب مثاال لذلك إختالف فكر البدوي عن فكر
بأن أنَ باب ٍ
صرت في فهم مافهمه الحضري ،وهذا خاطئ فبعض البدو أكثر
الحضري فيظن البدوي أن فطرته ق َ
عقالوفهما من بعض الحضر ،لكن الحضري أتيحت لهم فرصة تعلم الصنائع والتعليم فزادتهم علما وفكرا
وقوة ودراية .
-تجنب المختصرات بالتعليم أو ما يسمى الملخصات ،فوصفها بأنه تكون سببا لإلخالل بالتحصيل ،وتجعل
الفهم أصعب ،فتكون الملكة الحاصلة من التعليم قاصرة ،وذكر انَ الكثير من الطالب يسعون للنجاح فقط
فيلجأون لهذه الملخصات ،أما المتفوقون فيركزون على اخذ العلم من مصادره األصلية .
-عدم إرهاق المتعلمين في استيعاب كل ما يكتب في كل علم ،حيث يرى أن كثرة التأليف والمصطلحات
تضيع الفهم ويصعب التحصيل ،فيضيع عمر المتعلم دون إتقان العلم واإللمام به .
أ َما ابن خلدون فإنَه يتخذ موقفا وسطا من األمرين ،فال يفضل المختصرات واليفضل كثرة التأليف
واالصطالحات .
-ضرورة أن يمتلك المعلم مهارات وأساليب التدريس ،حتى يكون تأثيره بطالبه أكثر والفائدة أكبر
،وبررفكرته هذه بأن مشاهير المعلمين هم من كان لديهم ملكة التعليم أو صناعة التعليم ،ويرى ابن خلدون أنَ
ع في طرق التدريس بما يناسب المعلم والمتعلم والمادة الدراسية ،لكنه انتقد طريقة التلقين
على المعلم أن ينو َ
في تعليم الكبار؛حيث يكون الطالب فيها عديم المشاركة كثير الصمت في حين إن هذه الطريقة تناسب أكثر
الطالب في المرحلة اإلبتدائية .
-دعا ابن خلدون إلى عدم الشدة على المتعلمين وتجنب عقابهم ،ألن الشدة والعقاب ستكون مدعاة لكسلهم
وكذبهم وذهاب نشاطهم ،وقد أباح العقاب للضرورة القصوى وأن اليزيد ضربهم عن ثالثة أسواط ،وأن
آخر وسيلة يلجأ إليها المؤدب بعد الترغيب والترهيب والعزل واإلهمال ،من جهة أخرى نهى ابن خلدون عن
اإلفراط في المسامحة فبذلك يتعود الطالب على الفراغ والبطالة .
5
-ركز أن يكون المعلم قدوة حسنة لطالبه ،فهم يتأثرون بالتقليد أكثر من تأثرهم بالنصح واإلرشاد ،وذكر أيضا
في مقدمته بأنَ تقليد الطالب لمعلميهم يوفر عليهم الوقت وعناء التجربة ،حيث قال "وقد يسهل هللا على البشر
في أقرب من زمن التجربة إذا قلَد فيه اآلباء والمشيخة واألكابر ".
-أشار إلى ضرورة استخدام المعلم التجربة والوسائل الحسية ،لتسهيل الفهم وتوضيح الفكرحيث قال "ويكون
المتعلم عاجزا عن الفهم بالجملة في األقل وعلى سبيل التقريب واإلجمال واألمثلة الحسية"،فالحواس هي
الطريق التي يتصل بها الطالب بمحيطه ويكتسب العلم والمعرفة والخبرات فينمو عقليا وعاطفيا واجتماعيا.
-أكد على التدرج في التعليم وعدم تعليمه للطالب دفعة واحدة،أو الدخول في تفاصيل كثيرة ،وأن يراعي
في ذلك قدرات الطالب وقابليته للفهم.
-أشار إلى أهمية التكرار لتحصيل العلم والفهم ،وحدَد ذلك بثالثة تكرارات ،فالتكرار يجعل العلم مفيدا ونافعا
،وهو متطلبا لتعلم العلوم والصنائع.
-أكد على ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الطالب ،فلكل طالب قدراته ومستوى فهمه يختلف بها عن
اآلخرين ،لذا ينبغي على المعلم أن يستخدم اسلوب التدريس المناسب ويراعي التدرج في تقديم المعلومة
لتنسجم مع اختالف قدراتهم.
علم إلى آخر إال بعد أن يتقن العلم األول ،فإنَ ذلك يجعل الطالب أكثر استعدادا وقبوال
-عدم اإلنتقال من ٍ
للعلم الجديد ،أما َ إذا جمع بأكثر من علم معا فلن يتقن أيا منهما ،وستختلط عليه األمور وييأس ويهجر العلم .
-معالجة النسيان بتكرار ما تم حفظه إلسترجاعه عند الحاجة ،فيرى ابن خلدون بأن العقل ليس وعاء للعلم
بل هي ملكة تنمو وتتطور بتعليم الطالب أساليب التفكير الصحيحة .
-استخدم ابن خلدون أكثر من منهج في دراسته للظواهر التربوية وقرن بينها فلم يستخدم منهجا لوحده ،ومن
أشهر المناهج التي استخدمها المالحظة الحسية والمنهج التاريخي واإلستقراء والمنهج المقارن .
-انتهج منهجاعقالنيا بخلفية دينية غير مغلقة حيث كان يفسر الظاهرات اإلجتماعية بناء على األسباب
الطبيعية ،ولم يكن متحررا من نزعته الدينية أو متنكرا لها ،حيث كان يستشهد بآيات من القرآن الكريم في
تفسير الظواهر التعليمية واإلجتماعية ،لكن آراء العلماء اختلفت تجاه منهجية ابن خلدون ،فالفريق األول
اعتبر أنَ رؤية ابن خلدون الدينية ال تتطابق كليا مع معنى اآليات التي يستشهد بها ،أ َما الفريق اآلخر فقد
6
وجد أنَ ابن خلدون كان متحررا من القيود الفكرية ولم يلجأ لالستشهاد إالَتملقا َ
للقراء أو خوفا من خطر
السلفية المتشددة .
-حث الباحثين على التزام الشك المنهجي والموضوعية ،فعلى الباحث أن يتحرى الدقة في تفسير الظواهر
وأن يرجعها إلى قوانينها الصحيحة ،ألن تحريف الحقائق هو مدعاة لغضب هللا تعالى كما وصفه ابن
خلدون.
-العقل التميزي :وهو أول مراحل اإلدراك لدى اإلنسان ،يكتفي فيها العقل في إدراك ماحوله باستخدام حواسه
وعقله ،ويكون بعقله فكرا قويا.
-العقل التجريبي :يصف هذا النوع طبيعة اإلنسان اإلجتماعية ،وأنه ال يستطيع العيش بمفرده ،بل يعيش في
جماعات ،حيث يكتسب اإلنسان خبراته ومعارفه من معاشرته لمن حوله وخوضه تجارب عديده ، ،فيتفق
معهم حينا ويختلف معهم حينا آخر،فمن خالل التجربة يثري خبرته ويزيد معرفته فيختصر على نفسه الوقت
والجهد .
-العقل النظري :وهذا النوع من العقل يعمل على تصور األشياء الغائبة أو المجهولة ،ويعمل على تفسيرها
وتوضيحها وهو أعلى مراتب العقل بعد أن يكون المتعلم قد أدرك الظواهر بحواسه ومارس التجربة
مجردة .
َ يكون بعدها مفاهيما نظرية
واكتسب الخبرة َ
-التجربة المباشرة :يستخلص المتعلم األحكام بعد إجراء التجربة ويكتسب المتعلم المعارف والعلوم من
الجانبين العملي والنظري ،فالتجربة تمر بمراحل تبدأ بالمالحظة ثم وضع الفروض واختبارها ثم تعميم
النتائج وهي نفس خطوات التفكير العلمي في العصر الحديث ،وعند تكرارالممارسة والتجربة يحصل الفهم
وتبنى المعارف .
-التقليد للمعلمين والمشايخ :وقد أعطى ابن خلدون هذه الطريقة أهمية كبيرة فهي توفر على المتعلم الوقت
والجهد.
7
تصنيف العلوم حسب مصدرها
أشار ابن خلدون في مقدمته إلى أنواع العلوم وصنَفها حسب مصدر ها إلى علوم نقلية أي مصدرها الكتاب
والسنه ،واليجوز االجتهاد فيها ،كعلم القرآن والسنه والتفسير والفقه والتوحيد ،وقد وصف هذه العلوم بأنها
خاصة بالمسلمين ،وأسقط عنها صفة الكونية فقد اكتملت والحاجة للتوسع والبحث فيها .
أما الصنف الثاني فهي العلوم العقلية أو ما تس َمى العلوم الطبيعية ،كالفلك والحساب والمنطق والمعامالت
والهندسة والطب ،فقد أعطاها ابن خلدون صفة الكونية وبذلك فقد حفظها من تد َخل أهل العلم النقلي
وتفسيراتهم حتى تنمو وتتطور.
ومن األمثلة على العلوم التي ذكرها ابن خلدون العلوم اإلنسانية وعلوم المالئكة واألنبياء والتصوف ،وأشير
هنا إلى أن ابن خلدون ميز بين العلوم المقصودة لذاتها أو كما سماها العلوم اآللية كالعلوم الشرعية مثل
الحديث والفقه والعلوم الطبيعية أو العلوم التي هي بمثابة وسيلة لتلك العلوم كاللغة والحساب والفلسفة
والمنطق،من جهة أخرى فقد أعرض ابن خلدون عن تعلَم العلوم التي الفائدة منها ،كالسحر والشعوذة
والطالسم وغيرها
وظائف العلم:
-الوظيفة الحضارية :لم يعط ابن خلدون العلم صفة دينية كما فعل علماء عصره فلم يربطه باألحاديث النبوية
الشريفة ،ولم يقسمه إلى فرض عين وفرض كفاية ،كما لم يتبنَ منهج الفالسفة باعتبار العقل األساس في تقسيم
العلوم وتصنيفها ،بل كان له منهجيته الفريدة باعتبار العلم ظاهرة طبيعية لها وظائفها وآثارها على األفراد
وسببا في تحقيق التقدم الحضاري والعمران البشري .
-صناعة العلم :اعتبر ابن خلدون العلم صنعة كغيره من الصناعات ،فإذا أجاد المتعلم علمه أكسبه عقال
ض َح
فريدا وفكراناضجا ،نتيجة لإللمام واإلتقان والتفنن ،ويصبح التعليم ملكةيصعب التحول لغيرها ،كما و َ
بأن َبعض العلوم التكسب صاحبها العقل الفريد ،فالعلوم التي أسماها ( اآلالت لغيرها) تخرج المتعلم عن
المقصود من العلم ،فينشغل حينئ ٍذ بالوسيلة عن العلم نفسه .
8
-الوظيفة العمرانية واإلجتماعية :ربط ابن خلدون العالقة بين الصناعات والعمران البشري ،فالصناعات
البسيطة التي تصلح في المجتمع البدوي ،هي غير صالحة لمتطلبات المجتمع الحضري ،فاإلنتقال من
المجتمع البدوي إلى المجتمع الحضري يستلزم تطورا كمياونوعيا بالصناعات التي تنشأ بفعل التطور العلمي
،فيتحول المجتمع من اإلهتمام بالضروريات إلى اإلهتمام بالكماليات ،حيث يسعى أصحاب هذه الصناعات
إلى تطويرها باستمرار حتى تلبي حاجات المجتمعات المتطورة ،فبذلك يكون ابن خلدون قد ربط بين الصناعة
والعمران من جهة وبين العلم والصناعة من جهة أخرى .
-الوظيفة الدينية للعلم :اختار ابن خلدون موقفا وسطا بين الفالسفة الذين أعطوا العقل البشري القيمة األهم
واعتبروه المصدر األول للمعرفة وبين الفقهاء الذين أعطوا الشرع القيمة األهم ،فهم يرون أن العقل قاصر
على أن يأتي بالعلم الشرعي كما جاء به الشرع ،فاعترف بدور العقل في حدود طبيعته المادية في تحصيل
بعض العلوم كالطبيعيات والرياضيات واإليمان والتسليم للعلوم الشرعية .
لم يبالغ ابن خلدون في توظيف مقدرة اإلنسان الفكرية والجسدية والروحية ،فصنف العلوم إلى نقلي حكمي
يهتدي إليها اإلنسان بفكره وعقله ،ونقلي يستمدها من الشرع ،فاإلنسان يهتدي بفكره لكسب رزقه وتدبير
شؤون حياته الدنيوية وال ينشغل بذلك عن التفكير بالحياة اآلخره فيهتدي بالعلوم النقلية التي جاءت مع الرسل
عليهم السالم.
ربط ابن خلدون العلم بالعمران البشري ،وأن العقل هو المصدر الذي يستقى منه كل المعارف والعلوم ،كما
أشار إليها في مقولته الشهيرة "بأن اإلنسان تميز عن الحيوانات بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه ،فقد
تميز عنه بالتعاون مع بناء جنسه واالجتماع المهيأ لذلك ،وقبول ما جاء به األنبياء عن هللا تعالى والعمل به
واتباع صالح أخراه ،فهو مفكر في ذلك دائما ،ال يفتر عن الفكر فيه طرفه عين ،وانَ بالعلم والعرفة تقوم
أسرع من لمح البصر وعن هذا الفكر تنسأ العلوم والصنائع ،ويعلو البنيان وتزدهر األمم والحضارات "
كما ربط ابن خلدون العلم بالناحية اإلجتماعية ،فالحظ أن األجيال الحديثة تقبل على التعليم وتعلم الصنائع
سر ذلك بالواقع اإلجتماعي لكل جيل ،وأن العلوم تتقدم وتتاخر بتغير ظروف كل
أكثر من األجيال السابقة وف َ
مجتمع وقد أشار إلى ذلك في قوله "إن الصنائع تكمل بكمال العمران الحضري وكثرته ".
وضرب مثاال على ذلك تونس والمغرب حيث تناقص العلم فيها وقل اإلقبال عليه واإلهتمام فيه بسبب تناقص
العمران المرتبط بهذه العلوم .
9
ض َح أيضا أن الناس تقبل على تعلم العلوم بعد تحقيق حاجاتهم األساسية من الطعام والملبس والمسكن
وو َ
،فإذا حققت ذلك فرغت للكماليات ،فبذلك يكون ابن خلدون قد سبق ماسلو في الحديث عن هرم الحاجات
األساسية .
-الفكر اإلنساني يميَز اإلنسان عن الحيوانات ،فهذا الفكر مصدر العلوم والمعرفة يستخدمها اإلنسان للتفكير
في أمور حياته وآخرته ،واستخالص القوانين والحقائق عن الظواهر الكونية .
-العلم والتعليم طابع إنساني ،وهو سمة تميز البشر عن باقي الكائنات الحية ،فإذا خرج عن طبيعته وعن
الخاصية اإلنسانية فقد تلك الخاصية .
-ارتباط العلوم واإلدراكات بالمحسوسات :أي أن العلم ينطلق من الواقع ويتم إدراكه بالحواس ،كما أن العلم
يعمل على تنظيم المعلومات وال يكتفي بتعدادها والربط بينها وإيجاد عالقات حتى تصبح علما ،أي انَ العالم
المادي هو أصل العلم والمعرفة وبعد إدراك المفاهيم الحسية ينتقل المتعلم إلدراك المفاهيم المجردة .
-التعليم عند ابن خلدون اليمكن تحصيله اإلبالممارسة والتكرار واستخدام المنهج النظري والتطبيقي.
-التركيز على أن يكون التعليم باللغة العربية ،وأن المتعلم يكتسب لغته من تعلَم اللغة القرآن الكريم والحديث
وكالم السلف ،لمل للغة العربية من دور في تنمية فكر اإلنسان وتطويره.
أ َكد ابن خلدون على أهمية الرحلة العلمية فبها يحصل المتعلم على كمال العلم ،فحين يسافر الطالب في طلب
العلم تتاح له الفرصة لقاء مشايخ العلم وعلماؤه ،فيتعلم منهم عن قرب فيكون العلم أنفع والفائدة أكبر ،حيث
يقول في هذا المجال "إن البشر يأخذون معارفهم وأخالقهم وما يتحلون به من المذاهب والفضائل تارة عمال
وتعليما وإلقاء وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ،إال أن حصول الملكات عن طريق المباشرة والتلقين أشد
استحكاما وأقوى رسوخا".
ذكر ابن خلدون مجموعة من الشروط التي يجب توافرها عند طالب العلم منها:
10
-تلقي العلم مباشرة من أهله من المشايخ والعلماء .
-عدم الغوص بعيدا أو اإلمعان في التجريد والتعميم ،حيث يوصي المتعلم أيضا على التركيز على المواد
س خ حكمه عليها ،واستثنى من ذلك العلوم الشرعية .
المحسوسة والتأكد منها قبل أن ير َ
-شد الرحال :أي الرحلة في طلب العلم ليسمع من مشايخ وعلماء خارج بالده .
كما اشترط أيضا توافر شروط للمعلم حتى يكون يكون قادرا على التعليم منها :
-قيام الجدل والحوار بين المعلم والمتعلم :يرى ابن خلدون أن من شروط الحصول على العلم أن يحاور المعلم
طالبه ،فالحوار يوسع مدارك الظن ويفتح آفاق جديدة للمتعلم .
-اختيار المعلم المادة العلمية المناسبة التي يقدمها لطالبه في علم من العلوم ،حيث يرى أن ما يكون سببا في
قصور التعليم هو كثرة المؤلفات ومطالبة المعلم لطالبه بحفظها واستحضارها جميعا فيكون ذلك مضيعة
لوقت الطالب ،بل على المعلم أن يركز على األساسيات دون الدخول في التناقضات من المعارف ،ورأى
بأنَ التربية أعمق من التعليم ،وقصد بذلك ترسيخ ملكة التعلم في نفس المتعلم وليس حمله على حفظ فروع
العلم وحقائقه التفصيلية.
-تقريب األهداف وتوضيحها :من شروط المعلم الناجح أن يكون قادرا على توضيح أهداف مادته الدراسيه
وال يلجأ لإلختصار المخل بالمعنى ،فإنَ ذلك يفسد التعليم ويخلط األمور على المتعلم .
-مراعاة قدرات الطالب ومساعدته على الفهم :فالمعلم الماهر يساعد طالبه على الفهم ويراعي الفروقات
الفردية بينهم.
-مرحلة ما قبل الرشد (تعليم القرآن الكريم ):حرص المسلمون على تعليم أبنائهم القرآن الكريم في مرحلة
مبكرة وجعلوه الركيزة األساسية في تعليم أبنائهم لغرس اإليمان في سن مبكرة ،فأجمعوا على فكرة تعليم
القرآن واختلفوا في مناهجهم في ذلك ،ففي المغرب العربي اقتصروا على تعليم القرآن الكريم دون إلحاق أي
علم آخر وشملوا بذلك الصغاروالكبار،أما في األندلس فقد أضافوا لتعليم القرآن الشعر واللغة العربية وغيرها
من العلوم مع جعل تعليم القرآن الكريم محورا اساسيا ،لكن ابن خلدون فضل منهج أهل األندلس فهم يركزون
11
على القرآن والعلوم األخرى ،فإذا أصبح الطالب شابااستطاع أن يكمل َتعليمه في أي علم من العلوم ،أما منهج
أهل المغرب فرأى فيه أن التعليم قاصرا فقد وجد قصور في ملكة اللسان عند المتعلمين وجمودا في العقل
وضعفا في البالغة.
-بعد سن الرشد :ذكر ابن خلدون هذه المرحلة دون ذكر تفاصيلها .
تعتبر التربية من أهم العمليات وأكثرها حساسية ،وقد اهتم به المصلحون والقياديون ،واتخذوها
وسيلة لنهضة وطنهم وأمتهم ،فال بد من التعرف على أهداف التربية لنتمكن من توظيفها بالشكل الصحيح
ويمكن تلخيصها بما يلي:
-مراعاة االحتياجات األساسية لإلنسان وطبيعته ،و القدرة على تعريفهم بإمكانياته اإلبداعية ونقاط قوته
وضعفه .
-الحفاظ على التقاليد والتراث المتعلق بالمجتمع ،واالهتمام بسلوك الفرد وأخالقه وترقيته وتنميته.
-تعزيز القوة العقلية واإلدراكيةوالقدرة على التفكير وتعلم المفاهيم والمعرفة الجديدة.
-التأكيد على القوة االجتماعية الالزمة لتنمية الطفل حتى يصبح شخصا اجتماعيا يتفاعل مع األشخاص
من حوله.
ظهر الفكر التربوي الحديث كخالصة لما أبدعته عقول العلماء قديما كإبن خلدون والغزالي وابن سينا
،لكن اختالف أفكار هذا العصر ومتطلباته وحاجاته استوجب ظهور ايدلوجيات جديدة تناسب التغيير
الذي أصابه ،واستحداث نظريات جديدة ارتبطت بهذه اإليدلوجيات .
اهتم علماء التربية بدراسة الفكر الت ربوي وتطوره لما لذلك من أثر في إكساب المعلم القدرة على تتبع
الفكر التربوي وربط الماضي بالحاضر ليتمكن من فهم القضايا التربوية الحديثة ،وربط التربية
بالجوانب اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية للمجتمع ،فيكتسب المعلم فكرا متكامال عن العملية التعليمية
12
وعن الطالب ،ويكسبه قدرة على النقد والمقارنة بين النظريات التربوية واإلنتقاء األنسب بما يناسب
متطلبات عملية التعلم التي يقوم بها.
امتدت العصور الحديثة من القرن الرابع عشر وضمت عصر النهضة وعصر اإلصالح وامتدت حتى
القرن العشرين ،وفيما يلي أهم مالمح كل عصر من هذه العصور :
تأث َرت التربية بالتغيرات التي حدثت في عصر النهضة ،وأحدثت تطورات كثيرة في الفكر
التربوي،فالحروب الصليبية أتاحت الفرصة إلحتكاك الدول األوربية بدول الشرق اإلسالمي ،وزادت
فرصة إتصالها بها ،كما أن تغير األحوال اإلقتصادية وظهور النظام اإلقطاعي واختراع الطباعة ،أدى
ذلك إلى انتشار المعرفة وظهور تيارات فكرية جديدة تؤمن بإنسانيته وعقله وعواطفه .
شهد القرن العشرين الكثير من التطورات نتيجة لإلنجازات الحضارية التي حدثت في القرن التاسع عشر
كالثورة الصناعية والتطور الكبير في وسائل اإلتصال ونمومفاهيم جديدة كمفهوم الديموقراطية ،وظهور
مناهج علمية جديدة كالمنهج التجريبي في التربية ،هذه التطورات أنتجت ايديولجيات جديدة وعلماء
ومفكرين جدد تبنوا هذه االديولوجيات من أشهر رواد هذا العصر جون ديوي .
كو ن ديوي مجموعة اتجاهات في التربية شكلت فلسفة تربوية أطلق عليها الفلسفة البراغماتية وأهم مالمح
هذه النظرية :
13
-إكساب الفرد مهارات وإتجاهات تناسب المجتمع الذي يعيش فيه ومساعدته في النمو والتكيف مع بيئته .
-وصف ديوي عملية التربية بأنَ ها عملية نفسية واجتماعية ،نفسية أي تهتم بنفسية الطفل واجتماعية تعده
ألن يكون جزءا فاعال من المجتمع .
-ر َكز ديوي على أهمية المدرسة كمؤسسة إجتماعية ،فالمدرسة تعد األفراد لإلنخراط في مجتمعهم
وتزودهم بالخبرات الالزمة لذلك ،فهي وسيلة لتغييرالمجتمع .
-انتقد ديوي الطرق التقليدية ،التي يكون دور الفرد سلبيا دون أن يقوم بأي نشاط ،واستحدث فكرة التعلَم
بالمشاريع ،فهو ي شجع على استخدام النشاط الجسمي والتعلم الذاتي ،فالتعلم بالمشاريع يمر بمراحل عديدة
هي الشعور بالمشكلة وتحديد المشكلة ووضع الفروض واقتراح الحلول ،وما ثبت صحته أصبح قانونا
وقاعدة .
-جعل الطالب هو محورالعملية التعليمية وهو الغاية لها وأن تس َخر المناهج والوسائل التعليمية ألجله ,وأن
تعمل على تربيته في جميع جوانبه النفسية واإلجتماعية والجسمية والعقلية .
-ذكر ديوي أن المعلم يجب أن ال يتقيد بطريقة من الطرق بل يختار الطريقة المناسبة التي تالئم
الدرس ،ومستوى التالميذ وظروفهم النفسية.
-أكد ديوي على أهمية الديموقراطية كإطار للعملية الترب وية ،فحين ينشأ الطالب في بيئة ديموقراطية ينشأ
لديه حرية وفرصة خوض التجربة .
-ر َكز ايضا على أن يكون المنهج مرنا،يعطي الطالب عددا أكثر من البدائل والحلول عندما تعترضه
المشكالت.
من خالل دراسة مقدمة ابن خلدون يتضح تناوله الكثير من األحداث تشبه ما يقوم به علماء التربية المقارنة
في العصر الحديث ،حيث وصف الحالة التعليمية في مختلف البلدان اإلسالمية ،فنجده يقارن بين صناعة العلم
والتعليم في المغرب العربي مع المشرق العربي ،وأحيانا كان يقارن بين األقاليم مع بعضهم بعضا .
ذكرابن خلدون طرق التعليم وعرضها بأسلوب مقارن ،حين ذكرأنَ الصبيان في المغرب لم يتعلموا اللغة
والبالغة بل اقتصروا على تعلم القرآن في مراحله األولية ،أما الصبيان في األندلس فقد ركزَ وا على
تعليمهم القرآن باإلضافة للكتابة والشعر ،وأضاف أيضا أن التكرار سبيل إلتقان التعليم وسبق بذلك العالم
14
ثورانديك الذي وضع قانون اإلستعمال الذي تحدث فيه عن التعَلم الناتج عن التجربة والخطأ وتكرار الظاهرة
التي تكون نتائجها إيجابية .
وأضاف أيضاعن اآلثارالتربوية الناتجة عن طرق تعليم القرآن الكريم ،فطريقة أهل المغرب أدت إلى
قصور ملكة اللسان العربي ألنهم لم يدرسوا اللغة إلى جانب القرآن ،بينما طريقة أهل األندلس فالصبيان
كانوا أفضل حاال ألنهم تعلموا البالغة واللغة إلى جانب القرآن الكريم ،أما طريقة أهل افريقيا فكانت أفضل
من طريقة أهل المغرب حيث كان الصبيان أحسن حاأل في اللسان العربي لكن ينقصهم البالغة .
لم يقتصر ابن خلدون على دراسة األمصار اإلسالمية بل تحدث عن األمصار غير اإلسالمية أيضا ،فقد
وصف مقدار تقدم العلوم عند الفرس في مقدمته حين قال "أما َ الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم
عظيما،لما كانت عليه دولهم من الضخامة واتساع الملك ".
والدارس لمقدمة ابن خلدون يجد أنه لم يكتف بمجرد الوصف وإظهار الشبه واإلختالف ،بل ذهب إلى أبعد
من ذلك جاهدا لربط هذه الوقائع بالقوى والعوامل التي سببتها ،ففسر سبب ازدهار العلم والتعليم في القاهرة
إلى درجة التحضر ،وفي المغرب العربي نجده يفسر سبب انقطاع العلم والتعليم وانحساره بسبب تناقص
العمران .
والمتتبع لمقدمة ابن خلدون يجد أنه سبق علماء التربية المقارنة في العصر الحديث أمثال جون برايدي
،ومولمان وهولمز ،حيث عرض ما س َماه (واقعات العمران البشري ) أي أن الظواهر اإلجتماعية التحدث
بمحض الصدفة بل هناك عوارض أو طبيعة كما ذكرها تتسبب في وجودها ،وهو ما أكدته الدراسات الحديثة
وتبناه رواد التربية في العصر الحديث بما يعرف حاليا (بالظاهرات أو الظواهر اإلجتماعية) ،وأنَ هذه
الظواهر تحكمها قوانين تكون سببا في وجودها ،ومن الجدير بالذكر أنَ ابن خلدون هو أول من تناول الحديث
عن هذا الموضوع ولم يسبقه لذلك أحد.
وأشار إلى الهدف من دراسته لظاهرات العمران البشري هوالكشف عن طبيعة هذه الظواهر لتصحيح
األحداث التاريخية على حد قوله ،وهو يشبه الهدف من دراسة التربية المقارنة في وقتنا الحاضر حيث تسعى
هذه الدراسات لإلفادة من خبرات األمم السابقة وتحسين النظام التعليمي وتطويره ،ومما يؤكد تشابه الهدفين
هو أَن ابن خلدون بعد أن انتهى من كتابة مقدمته ،رفعها إلى الخليفة أبو العباس ويغلب الظن أنه قصد بذلك
أن يستفيد الخليفة منها في إصالح دولته وتحسينها .
15
رواد العلم الحديث أمثال سادلر وشنايدر وليفازيز بدراسة العوامل المؤثرة في النظم التعليمية،حيث
قام َ
وصف سادلر بأنَ العوامل خارج المدرسة تؤثر أكثر من العوامل التي تقع داخلها ،فهو بوصفه هذا يوضح
العوامل المؤثرة في عملية التعليم ،والدارس لمقدمة ابن خلدون يجد تشابها لكالم سادلر وصف الظواهر
لواقعات العمران واإلجتماع البشري واألسباب والعوامل التي تحكمها حيث يقول "يحتاج صاحب هذا الفن
إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختالف األمم.".
لم يفرد ابن خلدون فصال في الحديث عن منهجه لكن الدارس لمقدمته يجد ذلك واضحا ،في دراسته للظواهر
البشرية بأنه يجريها على مرحلتين :األولى حسية تتمثل بجمع المالحظات الحسية لظواهر اإلجتماع
،والمرحلة األخرى عمليات عقلية يجريها في الكشف عن ما يحكم هذه الظواهر من قوانين ،وعند مقارنة
منهج ابن خلدون مع منهج اوجست كومت (مؤسس علم اإلجتماع الحديث ) نجده متشابها حيث أنَ منهج
كومت قائم على اإلستقراء والمالحظة .
استخدم ابن خلدون منهج المقارنه في دراسته للظواهر التربوية ،ويكون بالبحث في أوجه الشبه واإلختالف
وبيان السبب في ذلك وهو تعريف للمقارنة العلمية ،وقد استخدم ابن خلدون وحدات متنوعة خالل مقارنته
،فأحيانا كان يقارن على مستوى األمم والشعوب وأحيانا على مستوى األمصار أو المذاهب الدينية أو على
مستوى الطرق التدريسية ،وأحيانا كان يقارن على المستوى األفقي وهوالمستوى الجغرافي.
كما كان يعقد مقارنة على المستوى الشاقولي وهي المقارنة التاريخية ،وأحيانا كان يجمع بين المستويين
،وقد سبق بذلك العالمين كاندل وروسلوالذين أكدَا أهمية الجمع بين المستويين الجغرافي والتاريخي ‘حيث
سر سبب تطور هذا العلم في المشرق عنه في المغرب هو انَ أهل
قارن بين التعليم في الشرق والغرب ،وف َ
المشرق تميزوا بكمال عقولهم واختالف درجة التحضر والعمران عندهم.
وفي فصل آخر من فصول مقدمته قارن بين المذاهب الفقهية فقد ذكر مكان وسبب انتشار كل من المذاهب
الفقهية األربعة :المالكي والشافعي والحنبلي والحنفي ،بينما انحسرت مذاهب أخرى كمذهب داوود
األصبهاني .
-ويتفق ابن خلدون مع نظرية التعلم اإلجتماعي لباندورا والتي نصت بأن األفراد يستطيعوا تعلم العادات
والقيم والمهارات عن طريق المجتمع المحيط بهم.
16
،وخص بالذكر حاسة السمع ،وحث المتعلمين على اإلستماع
َ -ر َكز ابن خلدون على الحواس كأداة للتعلَم
إلى شيوخهم واألخذ عنهم ،فقد ميَز العلم المسموع والمنطوق على العلم المكتوب والمقروء وقد سبق بذلك
العالم ستالوزي .
بعد عرض جوانب من التربية المقارنة عند ابن خلدون أالحظ تشابها بين منهجه والمنهج الحديث ‘فقد
تحدَث عن الظواهر اإلحتماعية والظواهر التعليمية باألمصار اإلسالمية وغير اإلسالمية ،وقارن التعليم
بين الشرق والغرب ،وتحدَث عن طرق التعليم والعلوم التي درست هناك واآلثار الناتجة على األفراد
والمجتمعات نتيجة إختال ف طرق التدريس،كما ربط بين الظواهر الجغرافية والعوامل المسببة لها ،ولم
يكتف بوصف الظاهرة فقط ،و ربط العمران البشري والتحضر بالتعليم وسبق بذلك علماء التربية الحديثة
كجون برايدن ومولمان وهولمز وسادلر ،واستخدم مناهج عديدة في دراسته كالمالحظة واإلستقراء
والمنهج التاريخي وغيرها ،لم يستطع ابن خلدون تناول جميع جوانب التربيةالمقارنة وعذره بذلك أن
جوانب التربية المقارنةمتشعبة ومتعددة فال يمكن اإللمام بها كاملة ،وتبقى مسؤولية العصر الحديث
استكمال ما بدأ به ابن خلدون واستكمال الجوانب التي لم يتطرق لها ،وبذلك يكون ابن خلدون مؤسس
علم التربية المقارنة .
.
.
17