You are on page 1of 61

‫كتاب‬

‫المختار من األنوار‬
‫في صحبة األخيار‬
‫لسيدي اإلمام‬
‫عبد الوهاب الشعراني رضي هللا عنه‬

‫باب اآلداب‬
‫آداب الزيارة‬
‫آدابهم على المائدة وتقديرهم للنعمة‬
‫حقوق الوالدين‬
‫توبتهم من الصغيرة وسوء الظن‬
‫من فضل الصحبة في اهلل‬
‫آثار السلف الصالح في المتحابين‬
‫باب حقوق الصحبة‬

‫باب اآلدا ب‬
‫من آداب القوم ان يفروا يف مجيع الشدائد إىل اهلل تعاىل قبل مجيع اخللق‬
‫لعلمهم ان بيده تبارك تعاىل ملكوت كل شيء خبالف غريهم فإهنم ال‬
‫يرجعون إىل اهلل إال بعد الوقوف على خلقه ‪ .‬ومن آداهبم مجع احل واس‬
‫والقلب حال العمل وقد ورد يف بعض الكتب اإلهلية يقول اهلل تعاىل‬
‫للمالئكة الكرام الكاتبني ( اكتب وا عمل عبدي فالن واكتب وا أين كان قلبه‬
‫حال العمل ليأخذ ث وابه ممن كان قلبه حاضرا عنده ) ‪ .‬ومن كالم سيدي‬
‫على اخل واص رضي اهلل عنه ( كل عمل مل حيضر العبد فيه مع ربه تعاىل‬
‫فهو كامليتة وهو بالنفاق أشبه وذلك انه يوهم الناس انه مع اهلل حال‬
‫مناجاته وهو مع اخللق وقد طالت الطريق على الناس لغفلتهم عن ذلك‬
‫فحجب وا باإلعمال عن املعمول له ولو أهنم الحظ وا املعمول له الشتغل وا‬
‫به ) ‪ .‬ومن آداهبم ال يطلبون بعبادهتم مقاما أو حاال أو تقريبا من احلضرة‬
‫اإلهلية فقد قال وا ‪ :‬من خدم اهلل تعاىل لطلب مقام فقد طلب قطيعة ومن‬
‫خدمه لطلب الث واب أو خوف من عقاب فقد أبدى طمعه وأظهر خسته ‪.‬‬
‫وقال وا ‪ :‬ابغض اخللق إىل اهلل من متلق إليه يف األسحار يطلب قربه تعاىل‬
‫بذلك ‪ .‬وقال وا افعل وا ما أمركم به الشرع ان استطعتم ولكن من حيث‬
‫مشروعيته والنص به ال من حيث علة أخرى واترك وا العلل كلها يف مج يع‬
‫أعمالكم وأح والكم وال تنظروا إىل ث واب فمن نظر إىل ث واب يف أعماله‬
‫عاجال أو آجال فقد خرج عن أوصاف العبودية الكاملة اليت ال ث واب هلا‬
‫إال وجه احلق عز وجل ‪ .‬ومن آداهبم تفتيش أعضائهم الظاهرة والباطنة‬
‫صباحا ومساء ‪ :‬هل حفظت حدود اهلل اليت حدها اهلل هلا أو تعدت ‪ ..‬؟‬
‫وهل قامت مبا أمرت به من غض البصر وحفظ اللسان واآلذان والقلب‬
‫وغري ذلك على وجه اإلخالص أو مل تقم؟ فان رأ وا جارحة من ج وارحهم‬
‫أطاعت شكروا اهلل تعاىل ومل يروا نفوسهم أهال لذلك وان رأوها تلطخت‬
‫بشيء من املعاصي أخذ وا يف االستغفار والندم مث يشكرون اهلل تعاىل إذ مل‬
‫يقدر عليهم أكثر من تلك املعصية ومل يبتل ج وارحهم اليت مرضت حال‬
‫عصياهنا فان كل عضو مستحق نزول البالء ‪.‬‬

‫ومن آداهبم ال يغفلون عن تفتيش باطنهم فان األخالق الردية كامنة يف‬
‫العبد ومعلوم أن الفق راء إذا ترق وا يف املقامات كان وقوعهم يف املعاصي‬
‫الظاهرة معدوما غالبا ف يقنع احدهم بذلك وينسى تفتيش باطنه وهو‬
‫قصور عن درجة أهل العرفان ومن ظن أن األخالق الردية زالت عنه فقد‬
‫وهم ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم املفلحون )‬
‫آية ‪ 9‬من سورة احلشر ‪.‬‬
‫فلم يقل ‪ :‬ومن يزل شح نفسه بل أبقى الشح فيها اال انه يوق العمل‬
‫بذلك بعبادته هلل تع اىل ‪.‬‬
‫ومن كالم الشيخ أفضل الدين ‪ :‬اهلل قد جعل يف طينة اآلدميني سائر‬
‫األضداد فجميع األخالق احلميدة والذميمة تشرق وتغرب يف د واهتم ولكن‬
‫ما دامت العناية الربانية حتف العبد فجميع األخالق الذميمة خامدة‬
‫متعطلة فإذا ختلفت عنه العناية حتركت لالستعمال ومخدت أخالقه‬
‫احل سنة ‪.‬‬
‫مث ال خيفى أن طينة األنبياء عليهم الصالة والسالم قد طهرها اهلل من‬
‫سائر الرذائل بسابق العناية فافهم وإياك والغلط ‪.‬‬
‫ومن آداهبم عدم م وافقتهم للوعد فال يعدون أحدا بوعد اال يف النادر‬
‫لعلمهم ان صدق الوعد ال يكون اال لألنبياء عليهم الصالة والسالم‬
‫لعصمتهم وأما غريهم ف رمبا وعد وأخلف فيصري فيه خصلة من النفاق ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا ذكر احد من أصحاهبم يف غيبته حبضرهتم ال يقولون ‪ :‬هو‬
‫من أصحابنا أو من اكرب أصحابنا اال ان كان دوهنم بدرجات فان كان‬
‫مساويا هلم أو فوقهم فيقولون ‪ :‬حنن من اتباعه أو خدامه ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يقولون ذهب األكابر والصادقون فإهنم ما ذهب وا حقيقة‬
‫وإمنا ككنز صاحب اجلدار ‪.‬‬
‫وقد يعطى اهلل من جاء يف آخر الزمان ما حجبه عن أهل العصر األول‬
‫فان اهلل قد أعطى نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم ما مل يعطه األنبياء مث‬
‫قدمه عليهم يف املدح ‪.‬‬
‫ومن كالم صاحب احلكم ‪ :‬بدال من ان تقول ‪ :‬أين األولياء أين‬
‫الصاحلون ‪ ..‬؟ قل ‪ :‬أين البصرية ‪ ..‬؟‬
‫ومثل هذا اللفظ ال يقع اال ممن مل يكن عنده اعتقاد يف أولياء عصره‬
‫وعلمائه وال خيفى ما يف ذلك ‪..‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يطلبون اال يكون هلم حاسد فان احلكم الوجودي اقتضى‬
‫مقابلة النعم باحلسد فمن طلب اال يكون له حاسد فقد طلب اال تكون‬
‫له نعمة ‪.‬‬
‫ومن آداهبم إذا ذكروا ذنوهبم ال يقولون ال حول وال قوة اال باهلل ملا يف‬
‫ذلك من رائحة احلجة على اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫بل يقولون ‪ ( :‬ربنا ظلمنا أنفسنا وإن مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من‬
‫اخلاسرين ) آية ‪ 32‬من سورة األعراف ‪ .‬ومع األف راد ‪ ( :‬رب إين ظلمت‬
‫نفسي فاغف ر ) ‪.‬‬

‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يقولون نأنس باهلل تعاىل فان اإلنسان ال يأنس اال جبنسه‬
‫واحلق تعاىل ليس بينه وبني عباده جمانسة بوجه من الوجوه ‪.‬‬
‫فإذا رأيت يف كالم احد من القوم انه يأنس باهلل تعاىل فاعلم انه غري حمقق‬
‫من اهلل تعاىل ال باهلل تعاىل النت فاء اجملانسة ‪.‬‬
‫ولو حقق لوجد انسه مبا َ‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يقولون نطلب اهلل إذ الطلب ال يكون اال ملفقود واهلل‬
‫تعاىل موجود وواجب الوجود وال يطلب دركه ألنه ال غاية له وإمنا يقولون‬
‫نطلب الطريق إىل معرفة اهلل ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬عدم زخرفتهم الكتب اليت يرسلوهنا إىل إخ واهنم خوفا من‬
‫الكذب ‪.‬‬
‫ومن وصية أىب نصر بشر احلايف ‪ ( :‬إذا كتب أحدكم كتابا إىل احد فال‬
‫يزخرفه حبسن األلفاظ فاين كتبت مرة كتابا فعرض يل كالم ان كتبته حسن‬
‫الكتاب وكان كذبا وان تركته مسج الكتاب وكان صدقا فعزمت على ذكر‬
‫الكالم السمج الصدق فنادى هاتف من جانب البيت ( يثبت اهلل الذين‬
‫آ من وا بالقول ا لثابت يف احلياة الدنيا وىف اآلخرة ) آية ‪ 32‬من سورة‬
‫إبراهيم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬كثرة االستغفار إذا اعتقد فيهم اخللق وهم يف السر خالف‬
‫ذلك وىف احلديث ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬طوبى لمن وجد‬
‫في صحيفته اس ت غفار كثير ) رواه بن ماجة عن عبد اهلل بن بسر وأبو نعيم‬
‫يف احللية عن عائشة رضي اهلل عنها ‪.‬‬
‫وقد حث وا على االعتناء باالستغفار ليال وهنا را س واء تذكر العبد ذنوبا أو‬
‫مل يتذكر ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا مدح وا أن يكثروا من الشكر واالستغفار وأن يقول وا ‪:‬‬
‫اللهم أنت اعلم بنا منهم اللهم اجعلنا خ ريا مما يظنون وال ت ؤاخذنا مبا‬
‫يقولون واغفر لنا ماال يعلمون ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يعتمدون على كسبهم فان االعتماد على الكسب شرك‬
‫باهلل عز وجل ‪.‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ما منكم من أحد ينجيه عمله‬
‫قالوا ‪ :‬وال أنت يا رسول اهلل؟ قال ‪ :‬وال أنا اال ان يتغمدني اهلل منه‬
‫برحمة وفضل ) رواه سفيان عن األعمش عن أ ىب صاحل عن أىب هريرة‬
‫رضي اهلل عنهم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬عدم نسبة شيء من األعمال الصاحلة إىل نفوسهم إال بقدر‬
‫نسبة التكليف فقط ‪.‬‬
‫قال القوم ‪ :‬كل عمل اتصل بالعبد شهوده فهو غري متقبل فمن شهد له‬
‫عمال فعمله عند نفسه ال عند ربه ‪.‬‬
‫ومن حقق النظر علم أنه ال أثر ملخلوق يف فعل شي ء من حيث التكوين‬
‫وإمنا له احلكم فقط وغالب الناس ال يفرق بني احلكم واألثر ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي على اخل واص ‪ :‬ما دام العبد ينسب األمور إىل نفسه ذوقا‬
‫وإ ىل اهلل علما فهو حمجوب فإذا رفع احلجاب رأى أفعاله كلها خلقا هلل‬
‫تعاىل وذوقا ‪.‬‬
‫وأما علمه أهنا خلق اهلل تعاىل فال يكفي ه إذ ليس العلم كالذوق ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأكثر املريدين مل يثبت هلم قدم يف نسبة أفعاهلم هلل تعاىل ولذلك‬
‫يطلبون اجلزاء من اهلل تعاىل على ما أجرى على أيديهم من األعمال‬
‫الصاحلة ‪.‬‬
‫وكذلك يطلبون اجل زاء من اخللق إن أجرى على أيديهم إحسانا هلم فلوال‬
‫نسبتهم ذلك إىل أنفسهم ما طلبوا اجل زاء من اهلل تعاىل وال من اخللق ‪.‬‬

‫ومن آداهبم التجرد عن العزة والغىن والتحقق بالذلة والفقر إذا توجه وا إىل‬
‫اهلل يف أمر دنيوي أو أ خروي لئال مينع وا اإلجابة ‪.‬‬
‫ومن كالمهم ‪:‬‬
‫إذا توجهت إىل اهلل فتوجه إليه وأنت فقري ذليل فإن غناك وعزتك وان كانا‬
‫باهلل مينعانك اإل جابة الن الغىن والعزة صفتان ال يصح لعبد الدخول هبما‬
‫على اهلل أبدا الن حضرة اهلل تعاىل هلا العزة فال تقبل عزيزا وال غنيا ‪.‬‬
‫قال اهلل تعاىل ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إىل اهلل واهلل هو الغىن احلميد )‬
‫اية ‪ 51‬من سورة فاطر‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يسألون اهلل شيئا من أمور الدنيا إال مع التفويض ورد‬
‫العلم إليه سبحانه عمال بقوله تعاىل ( وعسى أن تكره وا شيئا وهو خري‬
‫لكم وعسى أن حتب وا شيئا وهو شر لكم واهلل يعلم وأنتم ال تعلمون ) آية‬
‫‪ 352‬من سورة البقرة‬
‫فيقول احدهم يف س ؤاله اللهم أ عطين ( كذا ) ( وكذا ) ان كان فيه خ ريا يل‬
‫واصرف عىن ( كذا ) و ( كذا ) إن كان فيه شر يل ‪.‬‬
‫ومن وصية سيدي عبد القادر اجليلي ‪ :‬اح ذ ر أن تسأل اهلل شيئا إال مع‬
‫التفويض وأما إذا أعطاك اهلل تعاىل شيئا من غري س ؤال فذلك مبارك‬
‫وعاقبته محيدة وليس عليك فيه حساب إن شاء اهلل تعاىل لكونه جاء من‬
‫غري استشراف نفسي ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬عدم االشتغا ل بالنعم عن املنعم إذ قبيح بالعبد أن يألف‬
‫النعمة دون املنعم أو مييل إليها فان امليل إىل كل شيء دون اهلل مذموم إال‬
‫يف حقوق اهلل وم أ موراته ‪.‬‬
‫وىف وصية سيدي عبد القادر اجليلي ‪:‬‬
‫إياك أن تشتغل مبا أعطاك احلق سبحانه وتعاىل من املال فيحجبك بذلك‬
‫عنه دنيا وأخرى ورمبا سلبك ذلك املال عقوبة لك وإذا اشتغلت بطاعته‬
‫عن ذلك املال كان من املال احملمود ال املذموم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪:‬‬
‫لزوم الرمحة للمسلمني وىف احلديث ‪:‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك‬
‫وتعالى ) رواه اإلمام أمحد يف مسنده بزيادة ورواه أبو داود والرتم ذي‬
‫واحلاكم يف مستدركه عن ابن عمر ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي على اخل واص ‪ :‬عليك بالرمحة باملسلمني إن أردت أن‬
‫ترحم ومن الرمحة هلم أن حتمل مهومهم ‪.‬‬
‫قال واعلم ‪ :‬ان محلنا هلموم إخ واننا املسلمني ال يناىف التسليم كما تومهه‬
‫بعضهم فالعبد حيمل هم إخ وانه من كسبهم للذنوب اليت استحق وا هبا‬
‫البالء النازل ع ليهم ويسلم من حيث التقدير اإلهلي الذي سبق به العلم‬
‫إذ ال ميكن رد مثل ذلك فافهم فانه قد غلط يف ذلك مجاعة من مشايخ‬
‫اجلهل زاعمني أهنم مسلمون هلل تعاىل وخيرجون على من يرونه حيمل هم‬
‫إخ وانه ويقولون ‪ :‬ما لفالن ومعارضة األقدار ؟ ويتومهون م ا هم عليه أكمل‬
‫وهو جهل وقد كان اإلمام عمر ابن اخلطاب رضي اهلل عنه إذا نزل‬
‫باملسلمني بالء ال يضحك قط وكذلك عمر بن عبد الع زيز وسفيان الثوري‬
‫وعطاء السلمي حىت يرتفع البالء ‪.‬‬
‫قال وا ‪ :‬الرمحة خاصة والبالء عام وذلك من مجلة رمحة اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬عدم شك واهم إىل اخللق ما يصيبهم من بالء وحمن وغري‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ومن وصية سيدي عبد القادر اجليلي ‪ :‬احذر ان تشكو ربك وأنت معاىف‬
‫يف بدنك أو لك قدرة على حتمل هذا البالء بالقدرة اليت ق واك هبا فتقول ‪:‬‬
‫ليس عندي قوة وال قدرة أو تشكو إىل خلقه وعندك نعم مما انعم هبا‬
‫عليك وتقصد بتلك الشكوى ال زيادة من خلقه وأنت متعام عما له عندك‬
‫من العافية والنعم ‪.‬‬
‫فاحذر من الشكوى ملخلوق جهدك ولو تقطع حلمك فان أكثر ما ينزل‬
‫بابن أدم من البالء من جهة شك واه ‪.‬‬
‫وكيف يشكو العبد من هو أرحم به من والدته الشفيقة ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬كثرة شكرهم للنعم امتثاال لألمر ال طلبا لزيادة ‪.‬‬
‫ومن كالمهم ‪ :‬عليك بشكر النعم فان من مل يشكر النعم فقد تعرض‬
‫لزواهلا واحذر أن يكون شكرك ألجلها بل اجعل شكرك امتثاال ألمر ربك‬
‫بالشكر ‪.‬‬
‫وهلذا ‪:‬‬
‫قال تعاىل ‪ ( :‬أن اشكر يل ) آية ‪ 51‬من سورة لقمان ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪:‬‬
‫شدة سرتهم ملقامهم فقد قال وا ‪ :‬الكامل من يهضم نفسه حىت يزكيه ربه ‪.‬‬
‫وقال وا أحسن بذور احلرث ما بذره مث سرته بعد ما بذره حىت نبت يف بطن‬
‫األرض وأقبحه ما نبت فوقها ألنه ال ثبات له ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ترك التدبري وهو على قسمني ‪ :‬تدبري حممود وتدبري مذموم ‪.‬‬
‫فاحملمود ‪ :‬ما كان فيما يقربك إىل اهلل تعاىل كالتدبري يف ب راءة الذمم من‬
‫حقوق ال عباد إما وفاء وإما استحالال وىف تصحيح التوبة وفيما يؤدى إىل‬
‫قمع اهلوى والشيطان ‪.‬‬
‫والتدبري املذموم ‪ :‬تدبري الدنيا للدنيا وهو أن يدبر يف أسباب مجعها افتخا را‬
‫هبا واستكثا را وكلما ازداد منها شيئا ازداد منها غفلة واغ رتا را ‪.‬‬

‫وأمارة ذلك أن تشغله عن امل وافقة وتؤديه إ ىل املخالفة ‪.‬‬


‫أما تدبري الدنيا لآلخرة فال بأ س به كمن يدبر املتاجر ليأكل حالال وينعم‬
‫منها على ذوى الفاقة اتصاال ويصون هبا وجهه عن الس ؤال إمجاال وأمارة‬
‫ذلك عدم االستكثار واالدخار واألسعار منها واإليثار ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ترك االختيار مع اهلل تعاىل ‪ :‬فقد ذكروا أن بىن إسرائيل ملا‬
‫جعلوا هلم مع اهلل اختيارا ضربت عليهم الذلة واملسكنة ‪.‬‬
‫وقال وا ‪ :‬إياك والفرار من حالة أقامك اهلل فيها فإن من اخلري ما اختاره اهلل‬
‫لك ‪.‬‬
‫وتأمل عيسى علي نبينا وعليه الصالة والسالم ‪ .‬ملا فر من بىن إسرائيل‬
‫حني عظموه كيف عبد من دون اهلل تعاىل ‪ ..‬؟ فوقع يف ح ال أشد مما فر‬
‫منه ‪.‬‬
‫وقال وا ‪ :‬أصل اختيار العبد إمنا هو ظن العبد ‪ :‬انه خملوق لنفسه واحلق تعاىل‬
‫ما خلق العبد إال له سبحانه ‪:‬‬
‫قال تعاىل ‪ ( :‬وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون ) االية ‪ 12‬من سورة‬
‫الذا ريات ‪.‬‬

‫وقال وا ‪:‬‬
‫ال تركن إىل شيء وال تأمن مكر شيء وال لغري شيء وال خترت شيئا فانك‬
‫ال تدرى أتصل إىل ما اخرتته أم ال ‪.‬‬
‫مث ان وصلت إليه فال تدرى ألك فيه خري أم ال ‪ ..‬؟‬
‫وال تق ف مع شيء وال حتزن على شيء خرج منك فإنه لو كان لك ما‬
‫خرج منك ‪.‬‬
‫وال تفرح مبا حيصل لك من أمور الدا رين سوى اهلل تعاىل فان ما سوى اهلل‬
‫تعاىل عدم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬أن يرضوا بالدون يف كل شيء حتبه النفس من شه وات الدنيا‬
‫وأن يثبت وا إذا ضيق اهلل عليهم يف املعيشة ‪.‬‬
‫مث ال خيفى أن من رضي بالدون من كل شيء حتبه النفس من شه وات‬
‫الدنيا مل يقع بينه وبني احد منازعة وال خصومة واس رتاح قلبه وبدنه من‬
‫التعب يف حتصيل ال زائد عن احلاجة ‪.‬‬
‫فان رزق كس رة من الشعري قنع هبا وشكر اهلل عليها وان رزق حبة قنع هبا‬
‫وشكر اهلل عليها ‪.‬‬
‫مث بعد ذلك إن جاءه أمر زائد أكثر من الشكر عليه باللسان والبدن ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يقولون ملن قصدهم يف حاجة ‪ :‬ارجع وتعال ألينا يف وقت‬
‫أخر ‪.‬‬
‫وال مينعون سائال إال حلكمة ال شحا وخبال ‪.‬‬
‫ومن آداهب م ‪ :‬كل موضع عظمهم الناس فيه خاف وا منه الفتنة ال يألفونه ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬قلة التحدث على األكل ألهنم جالسون حقيقة على مائدة‬
‫اهلل تعاىل واهلل ناظر إليهم واىل آداهبم وأثارهم وشكرهم له عز وجل‬
‫وكذلك من آداهبم ال يأكلون من وسط اإلناء عمال باحلديث ‪:‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( إن البركة لتنزل في وسط اإلناء‬
‫فكلوا من حافاته وال تأكلوا من وسطه ) عن عبداهلل بن بسر ‪.‬‬
‫ومن آداهبم إجابة أخيهم التقى إذا دعاهم إىل طعامه ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي على اخل واص ‪ :‬إذا دعاك أخوك املؤمن التقى إىل طعامه‬
‫فأجبه تسره ‪.‬‬
‫وال جت ب ظاملا وال فاجرا وال م ن يعامل بالربا وال من خيص األغنياء بدعوته‬
‫دون الفقراء ‪.‬‬
‫وإذا أكلت فال تتحرك حىت ت رتفع املائدة فإن ذلك من سنة السلف‬
‫الصاحل ‪.‬‬
‫وإذا غسلت يدك فادع بالربكة واستأذن يف اخلروج )‬
‫ومن وصية سيدي على اخل واص ‪ :‬ال تأكل وحدك وال يف ظلمة وال تضي ع‬
‫من الطعام شيئا فأن ما تقدم إليك لتأكله ال لرتميه يف األرض ‪) .‬‬
‫وليس من آداهبم ‪ :‬صرف وجوههم عن احلاضرين عند الشرب فال الشيخ‬
‫جنم الدين البكري ‪ ( :‬إذا شرب أحدكم فليشرب ووجهه إىل القوم وال‬
‫يصرف وجهه عنهم كما يفعله الع وام بقصد االح رتام ) ‪.‬‬
‫وإذا فرغ أحدكم من غسل يده فليدع ملن يصب بنحو ( طهرك اهلل من‬
‫الذنوب ) ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا استربؤوا جيعلون يدهم من داخل الثوب وخيافون من وقوع‬
‫يدهم اليمىن على فرجهم إك راما للقرآن العظيم وكتب العلم واملسبحة اليت‬
‫يسبحون عليها ‪.‬‬
‫ومن كالم الشيخ أفضل الدين ( إ ين الستحى أن ادخل اخلالء ) بثوب‬
‫وقعت فيه الصالة أو قرىء القران ‪.‬‬
‫ورمب ا أترك القراءة إذا تكلمت كلمة قبيحة زمانا طويال حىت أنسى تلك‬
‫الكلمة ‪.‬‬
‫وكذلك أستحي أن أمسك فرجي بيدي اليمىن وقد بلغنا عن بعض‬
‫الصحابة أنه مل ميس فرجه بيده اليمىن مذ بايع النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬تقصري ثياهبم ‪ .‬قال احلسن البصري يف قوله تعاىل ‪ ( :‬وثياب ك‬
‫فطهر ) آية ‪ 1‬من سورة املدثر ‪ .‬أي فقصر ‪.‬‬
‫وكذلك من آداهبم إذا لبس وا ثوبا جديدا ال يغفلون عن قول ( احلمد هلل‬
‫الذي كساين هذا ورزقنيه من غري حول مىن وال قوة ) ملا روى أبو داود عن‬
‫معاذ بن أنس قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( .‬من أكل طعاما‬
‫فقال ‪ :‬الحمد هلل الذي أ طعمني هذا ورزقنيه من غير حول منى وال قوة‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه ‪ ,‬ومن لبس ثوبا جديدا فقال ‪ :‬الحمد هلل الذي‬
‫كساني هذا ورزقنيه من غير حول منى وال قوة غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه وما تأخر ) رواه أبو داود واحلاكم ومل يقل ‪ :‬وما تأخر وقال ‪ :‬صحيح‬
‫اإلسناد ' وروى الرتمذي وابن ماجة شطره األول وقال الرتمذي حديث‬
‫حسن غريب ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إكرام أهل احلرف املشروعة وتعظيمهم بطريق الشرع ألهنم‬
‫متخلقون باألدب مع اهلل تعاىل ومع الكون وان كان وا ال يشعرون بذلك ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬تعظيم العلماء ومحلة القرآن الكرمي حمبة يف رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ألهنم محلة شريعته املطهرة ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال ميرون راكبني على من علمهم من علمهم شيئا من القرآن‬
‫العظيم ‪ .‬ولو صاروا من مشايخ العصر وال ميشون أمامه وال ينسون ه من‬
‫اهلدية والشكر والدعاء وال يتزوجون له مطلقة أو امرأة مات عنها وال‬
‫يتولون له وظيفة عزل عنها ولو سئل وا ف يها ألنه أبو الروح ‪.‬‬
‫وقد كان الشيخ مشس الدين الديروطى صاحب ( الربج ) بدمياط إذا مر على‬
‫فقيه ينزل عن دابته ويسوقها أمامه ويقبل يده مث ال يركب حىت يبعد عنه‬
‫جدا ويت وارى عنه جبدار أو حنوه مع أنه بلغ من العلم الغاية وشرح‬
‫( املنهاج ) وغريه ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يزهدون يف ال دنيا إال لكوهنا مبغوضة هلل تعاىل ‪ :‬قال‬
‫تعاىل ( إمنا مثل احلياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات‬
‫األرض مما يأكل الناس واألنعام ) آية ‪ 31‬من سورة يونس ‪.‬‬
‫ال لعلة أخرى من راحة البدن أو ختفيف حساب وكذلك ال يزهدون فيما‬
‫بأيدي الناس إال امتثاال لألمر وليحبهم الناس فيشفع وا فيهم عند رهبم إذا‬
‫وقعت امل ؤاخذة على الذنوب ال لعلة أخرى من إقامة جاه أو انتشار‬
‫صيت عندهم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم التباعد عن كل من يرونه من العلماء ال يعمل بعلمه مع‬
‫إحسان الظن به ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي على وفا ‪ ( :‬علماء السوء أضر على الناس من إبليس الن‬
‫إبليس إذا وسوس للمؤمن عرف انه مضل مبني فان أطاع وساوسه عرف‬
‫أنه قد عصى فيأخذ يف التوبة من ذنبه واالستغفار لربه ‪ .‬وعلماء السوء‬
‫يلبسون احلق بالباطل ويردون األحكام على وفق غرضهم وأهويتهم فمن‬
‫أطاعهم ضل سعيه وهو حيسب انه حيسن صنعا فاجتنبهم وكن مع‬
‫الصادقني فانك ال تستفيد منهم إال دعوى العلم والتكرب به على‬
‫املسلمني ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬كثرة انقباضهم يف نفوسهم إذا رأ وا أمرا خمالفا للشرع إيثا را‬
‫للجانب االهلى وشفقة على الفاعل ‪.‬‬
‫وليس من أدهبم أن يقول وا ‪ :‬هذا فعل اهلل فال ينقبض منه ألنه جهل فقد‬
‫كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات اهلل عز‬
‫وجل ‪.‬‬
‫قال الفضيل بن عياض حدثنا منصور بن املعتمر عن ابن شهاب الزهري‬
‫عن عروة عن عائشة رضي اهلل عنها قالت ( ما رأيت رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما مل تنتهك حمارم اهلل فإذا‬
‫انتهك حمارم اهلل بشيء كان أشدهم يف ذلك غضبا ‪ .‬وما خري بني أم رين‬
‫إال اختار أيسرمها ما مل يكن مأمثا )‬
‫وقد قال وا ‪ :‬ينبغي للمؤمن أن يكون له عينان ‪:‬‬
‫عني ينظر هبا إىل الفعل اإل هل ي من احلكم البالغة ليسلم من الوقوع يف‬
‫االع رتاض على أفعال حكيم عليم ‪.‬‬
‫وعني ينظر هبا إىل خمالفة العبيد أل وامر رهبم فيغار هلل تعاىل ‪ .‬فعلم أن إنكار‬
‫املنكر ال يقدح يف مقام التسليم الن كال منهم مأمور به شرعا فافهم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم غض البصر عن فضول النظر واإلسراع يف املشي مع السكينة‬
‫وإصالح ذات البني والتعامي عن عيوب الناس وسرتها ونشر حماسنهم إال‬
‫املبتدعة فان يف عدم سرت مساويهم والتحذير منهم رمحة هلم ول لمسلمني‬
‫فال يزيد املبتدع باتباع الناس له يف بدعته وال يأمث احد بسببه ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬عدم سب الوالة وإن جاروا ألهنم مسلطون غالبا على الرعية‬
‫حبسب أعماهلم ونياهتم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬عدم االنتصار لنفوسهم فإن االنتصار للنفس من األمور اليت‬
‫كلها تعب ومن سلم األمر ملواله ن صره من غري عشرية وال أهل ‪.‬‬
‫ومن كالمهم ‪ :‬إذا انتصر الصويف لنفسه وأجاب عنها فهو وال رتاب س واء ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يدخلون املساجد بنية النوم واالس رتاحة وال يتحدثون فيها‬
‫بشيء من أمر الدنيا وال ميدون فيها أرجلهم وال يرفعون فيها أص واهتم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪:‬‬
‫ال يقولون ‪ :‬ليد الن يب صلى اهلل عليه وسلم يسا را وإمنا يقولون ‪ :‬اليمن األول‬
‫واليمن الثاين أو ميني وجهه أو ميني خلفه ‪.‬‬
‫وال يذكرون امسه الشريف إال مع مصاحبة لفظ السيادة يف مجيع امل واطن ‪.‬‬
‫ومعلوم أن تعظيم النيب صلى اهلل عليه وسلم مفروض على األمة ‪ .‬وذكر‬
‫امسه الشريف بغري لفظ السيادة منا ف للتعظيم وفيه من إساءة األدب ما‬
‫ال خيف ى على كل ذي نور ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬حمبة إخ واهنم املسلمني حمبة إخ وان وإميان ال حمبة طمع‬
‫وإحسان ‪.‬‬
‫ومن وصية سيدي عبد القادر اجليلي ( إذا وجدت يف قلبك بغض شخص‬
‫أو حبه فاعرض أعماله على الكتاب والسنة فان كانت مكروهة فيهما‬
‫فاكره وإن ك انت حمبوبة فيهما فأحببه كيال حتبه هب واك قال تعاىل ( وال تتبع‬
‫اهلوى فيضلك عن سبيل اهلل ) آية ‪ 32‬من سورة ص ‪.‬‬
‫فحقيقة احلب يف اهلل إال يزيد بالرب وال ينقص باجلفا ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬حفظ الود ملن أكل وا عنده خبزا أو ذاق وا عنده ملحا ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬هجر السوق واخلائن وإخراجهما من بينهم والفرق بني‬
‫السارق واخلائن ‪ :‬أن اخلائن هو من يسرق ما أ ؤمتن عليه والسارق هو من‬
‫يسرق ما مل يؤمتن عليه ‪.‬‬
‫وقد قال وا ‪ :‬إن اخليانة تذهب الربكة من مال اإلنسان وعمره وكذلك القول‬
‫يف السرقة فما وجدنا قط سارقا إال والربكة ممحوقة من ماله وعمره ‪.‬‬
‫وكذلك من آداهبم ‪ :‬ه جر الكذاب قالت أم املؤمنني عائشة رضي اهلل‬
‫عنها ‪ :‬ل " م يكن شيء أبغض إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من‬
‫الكذب ‪ .‬كان يهجر الرجل على الكلمة من الكذب " ‪ .‬ومن آداهبم تقدمي‬
‫من مروءته من حيث إميانه على مروءته من حيث نفسه ‪.‬‬
‫وميزان ذلك ‪ :‬النظر يف أمر العبد ‪ :‬فمن كان إقدامه ع لى األه وال يف دين‬
‫اهلل وىف غري دين اهلل على حد س واء فذلك من املروءة النفسانية ‪.‬‬
‫ومن كان إقدامه على األه وال يف دين اهلل فقط فذلك من املروءة اإلميانية ‪.‬‬
‫وكذلك من آداهبم ‪ :‬تقدمي الفقيه الصرف على الفقيه املتفعل يف الطريق‬
‫الن الفقيه الصرف سامل من النفاق الذي يقع ف يه املتفعل مع زيادته عليه‬
‫بالعلوم الشرعية ‪.‬‬
‫بل العامي الذي يعبد اهلل تعاىل ويسأل العلماء عما يشكل عليه يف دينه‬
‫أحسن حاال من املتفعل يف طريق القوم ‪.‬‬

‫آداب الزيارة‬

‫ومن آداهبم ‪ :‬ال خيرجون لزيارة أحد حىت يتخلق وا بآداب الزيارة وهى‬
‫الشوق للمزور واجلزم بفضله وطها رت ه من املعاصي املعنوية واحلسية‬
‫والتماس بركة دعائه وحت رير النية بان يكون الباعث على الزيارة امتثال‬
‫األمر ال غري ذلك وحفظ اللسان من الوقوع يف إعراض الناس وترك ذكر‬
‫احملاسن وهذان يشرتك فيهما الزائر واملزار ‪ .‬فإن خلت ال زيارة عن هذه‬
‫اآلداب فال نفع فيها وال ث واب بل هي تكلف ونفاق ‪ .‬مث ال خيفى أنه جيب‬
‫على الزائر إذا ذكر املزور شيئا من حماسنه أن يعتقد أنه ما ذكر ذلك اال‬
‫لغرض شرعي ‪.‬‬
‫آدابهم على المائدة وتقديرهم للنعمة‬

‫ومن آداهبم ‪ :‬إعطاء اخلبز حقه من اإلك رام والتعظيم ومن كالم سيدي على‬
‫اخل واص ‪ :‬إياكم أن تضع وا اخلبز على األرض من غري حائل فان فيه احتقار‬
‫لنعمة اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪ :‬دخل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫مرة فرأى كسرة يابسة يف جدار وقد عالها الغبار فأخذها رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وقبلها ووضعها على عينيه مث قال ‪ ( :‬يا عائشة أحسىن جماورة‬
‫نعم اهلل ف ان النعمة قلما نفرت من أهل البيت فكادت ترجع إليهم )‬
‫رواه أبو يعلى يف مسنده والبيهقى يف شعب اإلميان‬
‫ومن كالم سيدي امحد الرفاعى ‪ :‬قلة إكرام اخلبز كفر بنعمة املنعم‬
‫فاجتهد وا يف إكرامه ما استطعتم فإن تعظيم نعمة اهلل من تعظيم اهلل وما‬
‫ابتلى قوم بالغال حىت أهان وا احلب لرخصه ‪.‬‬
‫ويكفينا يف تعظيم اخلبز أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جعله عديال‬
‫لرؤية اهلل يف حديث ( للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء‬
‫ربه ) ‪ .‬يف رواية مسلم ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا أ كلوا شيئا إهداء من حضر معهم ذلك املأكول ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي على اخل واص ‪ :‬إذا أكل طعاما فاطعم منه من حضر إن‬
‫أردت د وام النعم عليك ومن أكل وعني تنظر إليه ومل يطعمها منه ابتاله‬
‫اهلل بداء يسمى النفس ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا فرغ وا من أكل ما قدم هلم يقولون ‪ :‬احلمد هلل رب العاملني‬
‫على كل حال احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات وتنزل الربكات‬
‫ويقرؤون سورة قريش وسورة اإلخالص ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا أكل وا عند أحد مل خيرج وا من عنده حىت يشرب وا وقد‬
‫قال وا ‪ :‬من خبل الصويف أن يأكل وال يشرب ‪.‬‬

‫حقوق الوالدين‬

‫ومن آداهبم ‪ :‬تعظيم حقوق ال والدين خوفا من الوقوع يف إساءة األدب‬


‫معهما أو يف العقوق هلما وليس للعقوق ضابط يف الشرع إمنا هو عام يف‬
‫سائر ما خيالف غرض ال والدين من مجيع املباحات ‪.‬‬
‫وليس بعد حق اهلل تعاىل وحق رسوله صلى اهلل عليه وسلم من حق‬
‫ال والدين ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي على اخل واص ‪ :‬من حق والديك عليك أن تسمع‬
‫كالمهما وتقوم لقيامهما ومتتثل أمرمها وال متشى أمامهما وال ترف ع صوتك‬
‫فوق صوهتما وخت فض جناحك هلم وال متن عليهما بالرب هلما والقيام بارمها‬
‫وال تنظر إليهما شزرا وال تغض ب يف وجوههما وال تستبقهما إىل أطايب‬
‫الطعام إذا أكلت معهما بل آثرمها على نفسك واحصل على حتصيل‬
‫مرضاهتما ‪.‬‬
‫وحق ال والدة ضعف حق ال والد ومن حقهما اال تدعومها بامسيهما فمن دعا‬
‫أحدا من والديه بامسه صار عاقا له ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬حمبتهم لعياهلم حمبة شرعية ال حمبة الزوجات الطبيعية فان‬
‫احملبة الطبيعية شهوة نفس ما دام العبد فيها فهو حجاب عن اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وأعلم ان اهلل تعاىل حبب إلينا النساء حبكم الطبع مث أمرنا مبجاهدة النفس‬
‫حىت خنرج من حمبتها الط بيعية إىل احملبة الشرعية وقل من يصرب على جماهدة‬
‫نفسه حىت خترج من ذلك ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي أفضل الدين ‪ :‬من أكثر من جمالسة النساء فسد عقله‬
‫وفاتته الفضائل وامتنع احلق تعاىل منة دخول قلبه وباض الشيطان فيه‬
‫وفرخ ‪.‬‬

‫توبتهم من الصغيرة وسوء الظن‬

‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يصرون على ذنب فان اإلصرار من املهلكات وتصري‬
‫الصغري به كبرية ‪.‬‬
‫وقد حد بعض األشياخ اإلص رار ‪ :‬بأن يؤخر التوبة حىت يدخل عليه وقت‬
‫صالة أخرى من اخلمس ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا وقع وا يف س وء الظن بأحد أو غيبة ومل يعلم هبما‬
‫صاحبهما ان يقرء وا أم القران وسورة اإلخالص واملعوذتني ويهدون ثواب‬
‫ذلك يف صحائف من اس ا ؤوا به الظن أو اغتابوه ‪.‬‬
‫وكيفية اإلهداء أن يقول ‪ :‬اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك سيدنا‬
‫حممد وعلى اله وأثبين على ما ق رأته واجعله يف صحائف عبدك ( فالن ) ‪.‬‬
‫ومن آداهبم يشهدون الكمال يف صاحبهم والنقص يف أنفسهم ومن شهد‬
‫ذلك كره العزلة عن الناس اال لغرض شرعي أخر كأن خيشى ان حيصل هلم‬
‫منه شيء يتضررون به ‪.‬‬
‫ومن آداهبم يشهدون على الد وام أن اهلل تعاىل أرحم هبم منهم ولذلك ال‬
‫يقع منهم قنوط من رمحة اهلل تعاىل يف وقت من األوقات ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يتحفظون من حمبتهم ألحد من الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫أو ألوالدهم الن الواجب على كل احد أن حيب أصحاب رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم تبعا حلب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وحيب أوالدهم‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫وذكر الشيخ عبد الغفار القوصى ‪ :‬انه كان له صاحب من أكابر العلماء‬
‫فمات فرآه بعد موته فسأله عن دين اإلسالم فتلجلج يف اجل واب قال ‪:‬‬
‫فقلت له ‪ :‬أما هو ح ق ‪ . ..‬؟ فقال ‪ :‬نعم هو حق ‪.‬‬
‫فنظرت إىل وجهه فإذا هو اسود وكان رجال ابيض فقلت له ‪ :‬ان كان دين‬
‫إالم حقا فما سود وجهك ‪ . ..‬؟ فقال ‪ :‬خبفض صوت كنت أقدم بعض‬
‫الصحابة على بعض بالعصبية ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬يعتنون ب إ ف ا دة كل جليس معهم وان مل يكن معتنيا بالفائدة ‪.‬‬
‫وكان بعضهم ال جيلس اح د معه إال ذكر هو وإياه جملس ذكر مث يصرفه‬
‫بعد ذلك ويقول ‪ :‬من مل يصلح الستفادة العلوم يصلح لذكر اهلل ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ال يزورون أحدا ويأكلون من طعامه اال ان علم وا انه كثري‬
‫التوقف عما ب أ يد ي أهل زمانه من املكاسبني والظلمة واألع وان ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬املداومة على صالة الضح ى خلرب ‪ :‬ما من عبد يصلى الضحى‬
‫ومل يرتكها اال عرجت إىل اهلل تعاىل وقالت ‪ :‬يا رب ان فالنا مل يضيعين فال‬
‫تضيعه ‪.‬‬
‫وىف احلديث ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ركعتان الضحى‬
‫يعدالن عند اهلل تعاىل حجة وعمرة مقبولتني ) رواه أبو الشيخ يف الث واب‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬يتهمون نفوسهم يف امل واظبة على اخلري وجمالس الذكر فقل‬
‫من ي واظب على خري وحيمد الناس عليه ويسلم من اآلفات ‪.‬‬
‫ومن شان النفس إذا ألفت التعظيم ألجل عبادهتا يشق عليها تركه ا ألجل‬
‫ذلك ال ألجل جمالسة احلق تعاىل ‪.‬‬
‫فليمتحن السالك نفسه فان رأى عندها استحياء إذا ترك إظهار تلك‬
‫العبادة فليعلم أهنا كلها رياء وجيب عليه التوب واالستغفار وإن رآها ليس‬
‫عندها استحياء فليشكر اهلل تعاىل الذي جناه مث ال يأمن ‪.‬‬
‫وقد وقع لبعض السلف انه صلى الصل وات اخلمس يف الصف األول مدة‬
‫فتخلف يوما فوجد يف نفسه خجال فأعاد تلك الصل وات كلها وقال ‪ :‬إمنا‬
‫كانت م واظبيت مسعة ورياء ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يستل ذ احدهم مبا حيصل له من صورة اخلشوع والدعوة‬
‫وضم األكتاف وإط راق الرأس إىل األرض وال يسام ح نفسه يف ذلك اال ان‬
‫كان مغلوبا وقد رأى اإلمام عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه رجال يصلى‬
‫وقد ضم كتفيه فض ربه وقال له ‪ :‬ليس اخلشوع هكذا إمنا اخلشوع يف‬
‫القلب ‪.‬‬
‫ففر ي ا أ خ ي من الوقوع يف مثل ذلك فان رأيت أحدا فعل ذلك فامحله‬
‫على انه مغلوب ‪.‬‬

‫ومن آداهبم ‪ :‬يغضبون باطنا على كل من ا د عى عندهم دعاوى كاذبة‬


‫ويباسطونه ظاهرا مث يعلمونه س را بكذبه ان رأ وا نفسه حتمل ذلك وىف هذا‬
‫ا أل دب مجع بني الغرية هلل والنصح للعبد وقل من جيمع بني هذين الشيئني ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬طلبهم كل ما حيتاجون إليه من باب اهلل تعاىل دون باب‬
‫احد من عبيده ‪.‬‬
‫وال ينظرون إىل باب غريه اال من حيث كون اخللق كالقناة اليت جيرى فيها‬
‫املاء ال غري فالفضل ملن أجرى املاء يف القناة ال القناة ‪.‬‬
‫وىف كالم سيد ي عبد القادر اجليلي ‪ :‬تعام يا أ خي عن اجلهات حال‬
‫طلبك حاجة من ربك يفتح لك باب فضله ألنه غيور ومن مل يصل إىل‬
‫ذلك فمن الزمه االعتماد على األسباب والوقوف معها وإياك ان حتذف‬
‫واسطة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف كل حاجة طلبتها فان ذلك‬
‫سوء أدب معه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا كان وا يقرءون يف الق ران الكرمي أو احلديث الشريف وأ راد وا‬
‫أن يكلم وا أحدا يف حاجة فال يكلمونه حىت يستأذن وا اهلل تعاىل ورسوله‬
‫بقلبهم ولساهنم أن يكلم وا ذلك اإلنسان مث إن غفل وا عن االستئذان‬
‫وكلم وا أحدا استغفروا اهلل تعاىل حىت يلقى اهلل يف قل وهبم انه قبل‬
‫استغفارهم ‪.‬‬
‫وقد وقع للشيخ أفضل الدين انه كلم إنسانا وهو يق راْ الق ران الكرمي قبل‬
‫ان يستأذن فاستغفر اهلل ألف مرة ‪.‬‬
‫ووقع له أيضا انه كلم إنه كلم إنسانا وهو يقرأ احلديث قبل أن يستأذن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم فاستغفر اهلل تعاىل سبعني مرة ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬ال يشتغلون حال األذان بشيء أدبا مع اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫ومن أدهبم ‪ :‬ال ميدون أرجلهم حىت يستأذن وا اهلل تعاىل وكذلك احلكم يف‬
‫مدها حنو املدينة املشرفة أو حنو وىل من األولياء ال ميدوهنا حىت يستأذن وا‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم أو ذلك الويل وكل ذلك لشهودهم أهنم بني‬
‫يدي اهلل وبني يدي رسوله صلى اهلل عليه وسلم على الد وام شعروا بذلك‬
‫أم مل يشعروا ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬م واظبتهم على االستغفار ثالثا وعلى قراءة أم القرآن وآية‬
‫الكرسي وأخر سورة الكهف وقل يأيها الكافرون واإلخالص واملعوذتني‬
‫عند النوم ‪.‬‬
‫وكذلك من آداهبم عند النوم ‪ :‬ي واظبون على التسب يح ثالثا وثالثني‬
‫والتحميد ثالثا وثالثني والتكبري أ ربعا وثالثني خلرب أىب داود الرتمذي ‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( خصلتان ال حيصيهما عبد إال دخل اجلنة‬
‫ومها يسري ومن يعمل هبما قليل ‪ :‬يسبح أحدكم دبر كل صالة عشرا‬
‫وحيمده عشرا ويكربه عشرا فتلك مائة ومخسون ب اللسان وألف ومخسمائة‬
‫يف املي زان وإذا أوى إىل ف راشه يسبح ثالثا وثالثني وحيمد ثالثا وثالثني‬
‫ويكرب أربعا وثالثني فتلك مائة باللسان وألف يف امليزان ‪.‬‬
‫قيل يا رسول اهلل وكيف ال حيصيهما فقال ‪ :‬يأت أحدكم الشيطان وهو يف‬
‫صالته فيقول اذكر كذا أو يأتيه عند منامه فينومه ‪ .‬رواه أبو داود والرتمذي‬
‫والط رباىن يف الكبري عن أىب مالك األ شعري ‪.‬‬
‫ومن آداهبم شدة ك راهتهم النوم على حدث أكرب أو اصغر ‪.‬‬

‫ومن كالم سيدي عل ي اخل واص رمحه اهلل ‪ :‬إياك ان تنام على حدث ظاهر‬
‫أو باطن من حمبة الدنيا أو شه واهتا ف رمبا اخذ اهلل تعاىل بروحك تلك الليلة‬
‫فتلقى اهلل وهو عليك غضبان حبسب قبح ذلك الذنب الذي منت عليه ‪.‬‬
‫فمن نام على حمبة الدنيا ومات يف تلك النوم حشر مع مبغوض ي اهلل تعاىل‬
‫مل ينظر إليه منذ خلقه وهذا األمر قل من ينتبه له يف هذا الزمان حىت‬
‫يتوب منه بل غالب الناس ال يعد حمبة الدنيا ذنبا ‪.‬‬
‫وقد كان مالك بن دينار جيمع أصحابه ويقول هلم ‪ :‬استغفروا اهلل من‬
‫الذنب الذي غفله الناس وهو حب الدنيا ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬العمل على تصفية صدورهم من الغش ليصلح وا لدخول‬
‫احلضرة اإلهلية فإن دخوهلا حمرم على من يف قلبه غش ألحد من اخللق ‪.‬‬
‫وىف احلديث عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال ‪ :‬فال يل رسول ا هلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ( يا بين إن قدرت أن تصبح ومتسى وليس يف قلبك‬
‫غش ألحد فافعل مث قال يل ‪ :‬يا بين وذلك من سنيت ومن أحيا سنيت فقد‬
‫أحياين ومن أحياين كان معي يف اجلنة ) ‪ .‬رواه الرتمذي وقال ‪ :‬حديث حسن‬
‫غريب ‪.‬‬
‫وقال الشيوخ ‪ :‬مقاساة اجلوع والصرب سهل ومعاجلة األخالق والت نق ي من‬
‫سفسافها صعب شديد ‪.‬‬
‫وامل راد بالغش ‪ :‬الغل واحلقد والبغض واحلسد وسوء الظن ‪.‬‬
‫وال يقد ر على تصفية صدره من هذه املذمومات اال من زهد يف الدنيا‬
‫وىف الرياسة فإن منبع ذلك من حب الدنيا ومن حب الرياسة ‪.‬‬
‫ومن هنا ظهر فضل الصوفية وكمل شرفهم على غريهم لزهدهم يف الدنيا‬
‫وىف حمبة الرفعة على أهلها والستمساكهم من التقوى بأوثق العرى ‪.‬‬
‫فعلم أن من زهد يف الدنيا واستمسك بالتقوى صارت نفسه مأمونة الغاية‬
‫من الغل واحلقد والبغض واحلسد وسائر املذمومات فهذا حال الصويف ‪.‬‬
‫وفال بعضهم ‪ :‬جممل حال الصوفية أمران مها وصف الصوفية واليهما‬
‫اإلشارة بق وله تعاىل ( جيتىب إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) آية ‪52‬‬
‫من سورة الشورى ‪.‬‬
‫فقوم من الصوفية خص وا باالجتباء احملض غري معلل بكسب العبد وهذا‬
‫حال احملبوب املراد يبادئه احلق سبحانه وتعاىل مبنحه وم واهبه من غري‬
‫سابقة كسب منه يسبق كشفه اجتهاده ‪.‬‬
‫وأما أهل اهلداية الذين شرط احلق تعاىل هلم اإلنابة فقال تعاىل ( ويهدى‬
‫إليه من ينيب ) فقد طولب وا باالجتهاد قال تعاىل ( والذين جاهد وا فينا‬
‫لنهدينهم سبلنا ) آية ‪ 29‬من سورة العنكبوت ‪.‬‬
‫يدرجهم اهلل يف مدارج الكشف بأن واع الرياضات واجملاهدات وسهر‬
‫الدياجر وظم أ اهل واجر يتقلبون يف رمضاء اإل رادة وخيرجون عن كل مألوف‬
‫وعادة وهى اإلنابة اليت شرطها احلق سبحانه هلم وجعل اهلداية معروفة هبا ‪.‬‬
‫وهذه اهلداية أيضا هداية خاصة ألهنا هداية إليه سبحانه تعاىل غري اهلداية‬
‫العامة اليت هي التهد ي إىل أمره وهنيه مبقتضى املعرفة األولية ‪.‬‬
‫وهذا حال احملب السالك ( املريد ) سبق اجتهاده كشفه وهذا أمثر وأكمل‬
‫من األول ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬يفتتحون قيام الليل بركعتني خفيفتني يقرؤون يف األوىل بعد‬
‫الفاحتة قوله تعاىل ( ولو أهنم إذ ظلم وا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اهلل‬
‫واستغفر هلم الرسول لوجد وا اهلل ت وابا رحيما ) لية ‪ 21‬من سورة النساء‬
‫وىف الثانية قوله تعاىل ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه مث يستغفر اهلل جيد‬
‫اهلل غفورا رحيما ) آية ‪ 551‬من سورة النساء ‪.‬‬
‫وقد حبب يل ان أقول بقليب ولساين بعد السالم ‪ :‬يا سيدي يا رسول اهلل‬
‫استغفر يل ربك ثالث مرات أو أكثر اللهم عملت سوء وظلمت نفسي‬
‫فاغفر يل صدقة من صدقاتك علي يا أرحم ال رامحني ثالث م رات أو أكثر ‪.‬‬
‫وأعلم ان الفقراء يكرهون النوم يف الثلث األخري من الليل أشد من‬
‫كراهتهم للمعاصي الظاهرة ‪.‬‬
‫وقد مكث ابن املؤذن بناحية منية أىب عبد اهلل أ ربعني سنة ال يضع جنبه‬
‫على األرض بالليل فكان سيدي حممد السروي يقول ‪ :‬هنيئا البن املؤذن مل‬
‫يع مددا ين زل من السماء يف الليل اال وله فيه نصيب ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬كثرة ثنائهم على اهلل تعاىل إذا نزل هبم ما يسوءهم عادة‬
‫لعلمهم بأن تقديراته تعاىل على عباده عني احلكمة ال باحلكمة ألهنا لو‬
‫كانت باحلكمة لكانت أفعاله تعاىل معلولة حتت حكم احلكمة ‪.‬‬
‫ومن هنا ال جيوز السخط على شي ء من أفعاله أبدا ومن سخط فهو‬
‫جاهل ‪.‬‬
‫ولو كسف للعبد عما أعده اهلل له يف نظري صربه على البالء يف اجلسد أو‬
‫املال أو الولد لكان هو يسأل اهلل تعاىل يف نزول ذلك به ‪.‬‬
‫وأيضا فإن كل واقع يف الوجود بإ رادة إهلية وسبق علم ال يصح تغيريه‬
‫فالرضا به واجب قال تعاىل ( وما يعقله ا اال العاملون ) آية ‪ 12‬من سورة‬
‫العنكبوت ‪.‬‬
‫ونظري ذلك حمبتهم للعفو من قبل احلق تعاىل ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬شدة كراهتهم ملناجاة احلق تعاىل إذا تلطخ ثوهبم أو بدهنم‬
‫بنجاسة ولو من حصول مرض تعظيما حلضرة مناجاة احلق تعاىل فمن‬
‫ناجى اهلل تعاىل يف حال تقذر بدنه أو ثوبه فهو خارج عن آداب األكابر ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬رد كل ما يأتيهم من مال الوالة ألنه خملوط باحلرام‬
‫والشبهات ‪.‬‬
‫ومن آداهبم أهنم يتمرون عند أكلهم عند ما يأكلون من طعام الغري ومن‬
‫كالم سيدي إب راهيم املتبويل ‪ :‬ال ينبغ ي لفقري ان يأكل من طعام احد اال‬
‫ان كان حبيث لو أخربه جبميع زالته ا لسابقة اليت عملها بينه وبني اهلل تعاىل‬
‫مل يتغري اعتقاده عليه وإال حرم عليه األكل ‪.‬‬
‫ومن آداهبم ‪ :‬إذا أكل وا عند احد أو شرب وا أن يقول وا ‪ :‬اللهم ان كان ما‬
‫أكلناه عند عبدك أو شربناه حالال فوسع عليه وأجزه خ ريا وإن كان حراما‬
‫أو شبهة فاغفر له ولنا وارض عن أصحاب التبع ات يوم القيامة واجعلها‬
‫صدقة من صدقاتك علينا يا أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫ومن آداهبم إذا أ راد وا الدخول يف عمل من األعمال الصاحلة يقولون‬
‫بقلبهم ولساهنم ‪ :‬نعمل ذلك أو نقول ذلك امتثاال أل مرك يا موالنا وموىل‬
‫كل موجود وأنت خالقه وهلذ ه الكلمة تأثري عظيم ‪.‬‬
‫فإذا فرغ وا منه محد وا اهلل إذ أهلهم لذلك واستغفروا اهلل من تقصريهم فيه‬
‫ثالث م رات ‪.‬‬
‫وقد حبب يل ان أقول ‪ :‬استغفر اهلل العظيم من تقصريي يف كل عبادة عدد‬
‫أنفاسي ‪.‬‬
‫وآداب القوم كثرية كما تقدم وىف هذا القدر كفاية واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫من فضل الصحبة في اهلل‬

‫اعلم – وفقين اهلل وإياك إيل ما جيب ‪ -:‬أن الصحبة يف اهلل تعايل من أوثق‬
‫عري اإلسالم ومن أكرب أب واب اخلري ‪ ،‬وقد رغب العلماء فيها سلفا وخلفا ‪.‬‬
‫أما من حذر منها وقال ‪ :‬أن العزلة أقرب إيل السالمة من اآلفات ‪ ،‬وأبعد‬
‫من حتمل احلقوق يف املخالطات وأجزأ لالشتغال بالطاعات ‪ ،‬فإن ذلك يف‬
‫حق املريد ما دام قاصرا ‪ ،‬فإذا انتهي سلوكه وكمل حاله كان األفضل يف‬
‫حقه ( اخللطة ) بل‪ ( -‬اخللطة ) يف حق مثل هذا واجبة كما قال بعضهم ‪.‬‬
‫فعلم أنه ال يقال ‪ :‬العزلة مطلقا ‪.‬‬
‫مث ال خيفي أن صحبة األ دىن لأل عل ى ليست بصحبة يف احلقيقة ‪ ،‬وإمنا هي‬
‫تعليم وخدمة ‪ ،‬إذا صاحب اإلنسان من هو يشرب من حبره وحييط مبقامه ‪.‬‬
‫فإطالق الصحبة بني املريد والشيخ والصحايب والرسول عليه السالم ‪،‬‬
‫إطالق جمازي ال حقيقي‬
‫إذا علمت ذلك ‪ ،‬فنورد عليك شيئا من األخبار ال واردة يف فضل املتحابني‬
‫يف‬
‫اهلل تعايل آلن القلب يقوي باالطالع علي الدليل ‪:‬‬
‫روي الشيخان يف صحيحهما ‪ ( :‬سبعة يظلهم اهلل يف ظله ‪ ،‬يوم ال ظل إال‬
‫ظله ‪ :‬اإلمام العادل وشاب نشأ يف عبادة اله ‪ ،‬ورجل قلبه معلق يف‬
‫املساجد ‪ .‬ورجالن حتابا يف اهلل اجتمعا عليه وتفرقا عليه ‪ .‬ورجل دعته امرأة‬
‫ذات منصب ومجال فقال ‪ :‬إين أخاف اهلل ‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها‬
‫حىت ال تعلم مشاله ما تنفق ميينه ورجل ذكر اهلل خاليا ففاضت عيناه ) ‪.‬‬
‫وروي مسلم ‪ ( :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لن تدخل وا اجلنة حىت تؤمن وا ولن تؤمن وا‬
‫حىت حتاب وا ‪ .‬أوال أدلكم علي شيء إذا فعلتموه حتاببتم أفش وا السالم‬
‫بينكم ) ‪.‬‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬أن رجال زار أخا يف قرية أخري ‪ ،‬فأرصد اهلل ع لي مدرجته‬
‫ملكا ‪ ،‬فلما أيت عليه قال ‪ :‬أين تريد ‪ . ..‬؟‬
‫قال ‪ :‬أ ريد أخا يل يف هذه القرية ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هل لك عليه من نعمة ترهبا قال ‪ :‬ال ‪ ،‬غري أين أحبه يف اهلل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإين رسول اهلل إليك ‪ ،‬إن اهلل قد أحبك كما أحببته فيه‬
‫وروي ابن عساكر وغريه ‪ ( :‬سبعة يف ظل العرض ‪ ،‬يوم ال ظل إال ظله ورجل‬
‫ذكر اهلل ففاضت عيناه ‪ .‬ورجل حيب عبدا ال حيبه إال هلل ‪ .‬ورجل قلبه معلق‬
‫باملساجد من شدة حبه إياه ‪ ،‬ورجل يعطي الصدقة بيمينه فيكاد خيفيها‬
‫عن مشاله ‪ ،‬وإمام مقسط يف رعيته ورجل عرضت عليه امرأة نفسها فرتكها‬
‫جلالل اهلل ‪ ،‬ورجل كان يف سرية مع قوم فلق وا العدو ‪ ،‬فان كشف وا ‪ ،‬فحمي‬
‫أثارهم حىت جن وا وجنا أو استشهد ) ‪.‬‬
‫وروي البيهقي يف األمساء ‪ ( :‬سبعة يظلهم اهلل حتت ظل عرشه يوم ال ظل‬
‫إال ظله ‪ :‬رجل قلبه معلق باملساجد ‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات منصب ومجال‬
‫فقال ‪ :‬أين أخاف اهلل ‪ .‬ورجالن حتابا يف اهلل ‪ :‬ورجل غض عينيه عن حمارم‬
‫اهلل ‪ ،‬وعني حرست يف سبيل اهلل ‪ ،‬وعني بكت من خشية اهلل ) ‪.‬‬
‫وروي أيضا يف شعب اإلميان ‪ ( :‬رأس العقل بعد اإلميان باهلل التودد إيل‬
‫الناس وأهل التودد يف الدنيا هلم درجة يف اجلنة ‪ .‬ومن كانت له درجة فهو‬
‫يف اجلنة )‬
‫وروي أيضا ‪ :‬رأس العقل بعد اإلميان التحبب إيل الناس ‪ ،‬واصطناع اخلري‬
‫إيل اخلري إ يل وكل بر وفاجر‬
‫وروي الدار قطين ‪ ( :‬املؤمن يألف ويؤلف ‪ ،‬وال خري فيمن ال يألف وال‬
‫يؤلف ) ‪.‬‬
‫( وخري الناس أنفعهم للناس ) ‪.‬‬
‫وروي أبو داود ‪ ( :‬من أحب هلل ‪ ،‬وأبغض هلل ‪ ،‬وأعطي هلل ‪ ،‬ومنع هلل ‪ ،‬فقد‬
‫استكمل اإلميان ‪.‬‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬أفضل اإلميان أن حتب هلل وتبغض هلل ‪ .‬وتستعمل لسانك يف‬
‫ذكر اهلل ‪ .‬وأن حتب للناس ما حتب لنفسك ‪ ،‬وتكره هلم ما تكره لنفسك ‪.‬‬
‫وأن تقول خ ريا أو تصمت )‬
‫وروي اإلمام أمحد ‪ ( :‬أن اهلل يقول يوم القيامة ‪ :‬أين – املتحابون جلاليل‬
‫اليوم ‪ ..‬أظلهم يف ظلي )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬املؤمن الذي خيالط الناس ‪ ،‬ويصري علي أذاهم أفضل من‬
‫املؤمن الذي ال خي الط الناس وال يصرب علي أذاهم )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬إن أوثق عري اإلسالم أن حتب يف اهلل وتبغض يف اهلل )‬
‫وروي أيضا بسند صحيح ( إن املتحابني يف اهلل لرتي غرفهم يف اجلنة‬
‫كالكوكب الطالع الشرقي أو الغريب ‪.‬‬
‫فيقال ‪ :‬من هؤالء ‪ . ..‬فيقال ‪ :‬هؤالء املتحابون يف اهلل‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬أحب األعمال إيل اهلل احلب يف اهلل ‪ ،‬والبغض يف اهلل )‪:‬‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬من سره أن جيد حالوة اإلميان فليحب املرء ال حيبه إال هلل )‬
‫وروي الط رباين ‪ ( :‬رأس العقل بعد اإلميان باهلل ‪ ،‬التحبب إيل الناس )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬إن املتحابني يف اهلل يف ظل العرش )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬املتحابون يف ا هلل يف ظل العرش يوم ال ظل إال ظله )‬
‫وروي أيضا قول اهلل تعايل يف احلديث القدسي ‪ ( :‬وجبت حمبيت للمتحابني‬
‫يف ‪ ،‬واملتجالسني يف ‪ ،‬واملتباذلني يف واملتزاورين يف )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬لو أن عبدين حتابا يف اهلل ‪ ،‬واحد يف املشرق وآخر يف‬
‫املغرب ‪ ،‬جلمع اهلل بينهما يوم القيامة ‪ ،‬يقول ‪ :‬هذا الذي كنت حتبه يف )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬ما حتابا رجالن يف اهلل ‪ ،‬إال جيلسهم يوم القيامة علي منابر‬
‫من نور ‪ ،‬يغشي وجوههم النور ‪ ،‬حىت يفرغ من حساب اخلالئق )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬من أحب قوما حشر يف زمرهتم )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬املتحابون يف اهلل يف ظل اهلل ‪ ،‬يوم ال ظل إال ظله ‪ ،‬علي من ابر‬
‫من نور ‪ ،‬يفزع الناس وال يفزعون )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬إن اهلل عبادا ‪ ،‬ليس وا بأنبياء وال شهداء ‪ ،‬يغبطهم النبيون‬
‫والشهداء علي منازهلم وقرهبم من اهلل ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬من هم يا رسول اهلل ؟‬
‫قال ‪ :‬ناس من بلدان شيت ‪ ،‬مل تصل بينهم أرحام متقا ربة حتاب وا يف اهلل‬
‫وتصافح وا ‪ ،‬يضع اهلل هلم يوم القيامة منابر من نور ‪ ،‬فيجلسهم عليها ‪،‬‬
‫يفزع الناس وال يفزعون )‬
‫وروي أيضا ( ليبعثن اهلل أق واما يوم القيامة يف وجوههم النور ‪ ،‬علي منابر‬
‫اللؤلؤ ‪ ،‬يغبطهم الناس ‪ ،‬ليس وا بأنبياء ‪ ،‬وال شهداء ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬من هم ؟‬
‫قال ‪ :‬املتحابون يف اهلل من قبائل شيت وبالد شيت جيتمعون علي ذكر ا هلل‬
‫يذكرونه ) ‪.‬‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬إن يف اجلنة غرفا ‪ ،‬يري ظ واهرها من ب واطنها وب واطنها من‬
‫ظ واهرها ‪ ،‬أعدها اهلل للمتحابني فيه ‪ ،‬واملتزاورين فيه ‪ ،‬واملتاذلني فيه )‬
‫وروي ‪ ( :‬إن يف اجلنة لعمدا من ياقوت ‪ ،‬عليها غرف من زبرجد ‪ ،‬له أب واب‬
‫مفتحه ‪ ،‬تضيء كما يضيء الكوكب الدري ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول اهلل من يسكنها ‪ . ..‬؟‬
‫قال ‪ :‬املتحابون يف اهلل واملتباذلون يف اهلل واملتالقون يف اهلل )‬
‫وروي الرتمذي – وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪ ( : -‬قال اهلل تعايل‬
‫املتحابون يف جاليل هلم منابر من نور ‪ ،‬يغبطهم النبيون والشهداء ) ‪.‬‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬ثالث من كن فيه وجد حالوة اإلميان ‪ .‬من كان اهلل ورسوله‬
‫أحب إليه مما س وامها ‪.‬‬
‫ومن أحب عبدا ال حيبه إال هلل ‪.‬‬
‫ومن يكره أن يعود يف الكفر ‪ ،‬بعد أن أنقذه اهلل منه ‪ ،‬كما يكره أن يقذف‬
‫يف النار ) ‪.‬‬
‫وروي أيضا ( املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )‬
‫وروى ابن النجار ‪ ( 1‬استكثروا من اإلخ وان فأن لكل مؤمن شفاعة يوم‬
‫القيامة )‬
‫وروى احلكيم ‪ ( :‬نظر الرجل ألخيه على شوق خري من اعتكاف يف‬
‫مسجدي هذا )‬
‫وروى ابن الدنيا ‪ ( :‬حقت حمبيت للمتحابني يف ‪ ،‬وأظلهم يف ظل العرش يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬يوم ال ظل إال ظلي )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬ما أحدث رجل أخا يف اهلل إال أحدث اهلل له درجة يف‬
‫اجلنة )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬أصب بطعامك من حتبه يف اهلل ) ‪.‬‬
‫وروي احلاكم وغريه ( قال اهلل تعايل ‪ :‬املتحابون يف علي منابر ‪ ،‬يغبطهم‬
‫مبكاهنم النبيون والصديقون والشهداء )‬
‫وروي البيهقي ‪ ( :‬من أحب أن جيد طعم اإلميان فليحب املرء ال حيبه إال‬
‫هلل )‬
‫وروي أيضا ‪ ( :‬إن اله تعايل يقول ‪ :‬أين ألهم بأهل األرض عذ ابا ‪ ،‬فإذا‬
‫نظرت إيل عمار بيويت ‪ ،‬واملتحابني يف ‪ ،‬واملستغفرين باألسحار صرفت‬
‫عذايب عنهم ) ‪.‬‬
‫واألخبار يف فضل املتحابني كثرية ونقتصر منها علي هذا القدر ‪.‬‬

‫آثار السلف الصالح في المتحابين‬


‫ونذكر لك شيئا منها ‪:‬‬
‫فعن ( احلسن البصري ) رمحه اهلل – قال ‪ ( :‬كل من اتبع طريقة طاع ة احلق‬
‫– تعايل – لزمتك مودته ‪ ،‬ومن أحب رجال صاحلا فكأمنا أحب اهلل عز‬
‫وجل ‪) .‬‬
‫وال األمام ( الشافعي ) – رمحه اهلل ‪ ( -:‬لوال صحبة األخيار ‪ ،‬ومناجاة احلق‬
‫– تعايل – باألسحار ‪ ،‬ما أحببت البقاء يف هذه الدار )‬
‫وقال أيضا ‪ ( :‬لقاء اإلخ وان ليس يعدله عندي شيء )‬
‫وقال ( مطرف بن الش خري ) أوثق أعمايل حب الرجل الصاحل ‪) .‬‬
‫وقال أبو نصر ( بشر احلايف ) رمحه اهلل ‪ ( : -‬عليك بصحبة األخيار إن‬
‫أردت الراحة يف تلك الدار ‪ ،‬وتنفك من رق األغيار ) ‪.‬‬
‫وقال سيدي ( امحد بن الرفاعي ) رمحة اهلل ‪ ( : -‬مصاحبة أهل التقوى نعمة‬
‫عظيمة من نعم اهلل علي العبد ) ‪.‬‬
‫وقال ( أبو السعود بن أيب العشائر ) رمحة اهلل ‪ : -‬من أ راد أي يعطي الدرجة‬
‫القصوى يوم القيامة فليصاحب يف اهلل ) ‪.‬‬
‫وقال شيخ الوفائية رمحة اهلل ‪ ( :‬ال تبع ذرة من احلب هلل أو يف اهلل بقناطري‬
‫من األعمال )‬
‫قال رسول اهلل صلِّ اهلل عليه وسلم ( املرء مع من أحب ) رواه البخاري‬
‫ومسلم‬
‫وقال سيد ي ( علي وفا )‪ ( :‬إذا أحببت أخا يف اهلل فاحفظ ه ‪ ،‬تزدد يه من‬
‫أحببته من أجله )‬
‫وقال الشيخ ( أبو امل واهب الشاذيل ) رمحة اهلل ( عليك بتكثري س واد القوم ‪،‬‬
‫فإن من كثر س واد قوم فهو منهم )‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ ( :‬أذا رأيت نفسك معرضة عن أهل اهلل فاعلم أنك مطرود عن‬
‫باب اهلل ) ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ ( :‬عليك بصحبة الفقراء فإنه لو مل يكن إال أخذهم بيدك يوم‬
‫القيامة مع ما محلون عن أصحايب يف الدنيا من املصائب لكان يفي ذلك‬
‫كفاية ‪ ،‬وكم استغين بصحبتهم فقري ‪ ،‬وجرب كسري ‪ ،‬وارتفع وضيع ‪ ،‬وسرت‬
‫شنيع ‪ ،‬وهلك ظامل ‪ ،‬وارتفعت مظامل ‪ ،‬وفيهم ورد احلديث ( هبم ترزقون‬
‫ومتطرون وترمحون ) ‪.‬‬
‫وقال الشيخ ( سليمان اخلضريي ) رمحة اهلل ( من أ راد أن يعطي اخلري الكثري‬
‫فليصاحب أهل املراقبة ) ‪.‬‬
‫وقال سيدي ( علي اخل واص ) رمحة اهلل ( من أ راد أن يكمل أميانه وإن حيسن‬
‫ظنه فليصاحب األخيار ) ‪.‬‬
‫وقال سيدي أفضل الدين – رمحة اهلل ‪ -:‬عليك بالود يف اهلل ‪ ،‬فقد ورد أن‬
‫اهلل يقول لعبده ‪ :‬هل واليت يل وليا أو عاديت يل عد وا ) أبو نعيم يف‬
‫احللية ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ _ :‬من أ راد أن يكون من أكابر أهل املقابر فليصاحب يف اهلل )‬
‫قلت ‪ :‬يؤيده ما حكاه اليافعي يف كتابه ( روض الرياحني ) عن بعض‬
‫األولياء قال ‪ ( :‬سألت اهلل تعايل أن يريين مقامات أهل املقابر ‪ ،‬فرأيت يف‬
‫ليلة من الليايل كأن القيامة قد قامت والقبور قد انشقت ‪ ،‬وإذا منهم‬
‫النائم علي السندس ‪ ،‬ومنهم النائم علي احلرير والديباج ‪ ،‬ومنهم النائم‬
‫علي الرحيان ‪ ،‬ومنهم النائم علي السرر ‪ ،‬ومنهم الضاحك ‪ ،‬ومنهم الباكي ) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رب ‪ ،‬لو شئت ساويت بينهم يف الكرامة ؟‬
‫فنادي من اد من أهل القبور ‪ :‬يا فالن ‪ ،‬هذه منازل األعمال ‪ ،‬أما أصحاب‬
‫السندس فهم أهل اخللق احلسن ‪ ،‬وأما أصحاب احلرير والديباج فهم‬
‫الشهداء وأما أصحاب الرحيان فهم الصائمون ‪ ،‬وأما أصحاب الضحك‬
‫فهم التائبون ‪ ،‬وأما أصحاب البكاء فهم املذنبون ‪ ،‬وأما أصحاب املراتب‬
‫فهم املتحابون يف ا هلل تعايل )‪.‬‬
‫قال اليافعي ‪ ( :‬هكذا ذكر يف األصل الذي نقلت منه ‪ :‬أعين فسر أصحاب‬
‫املراتب ‪ ،‬ومل يتقدم للمراتب ذكر ‪ ،‬وتقدم ذكر السرر ومل يفسر أصحاهبا‬
‫فلعله أ راد بامل راتب السرر املتقدم ذكرها ‪ ،‬آلن حقيقة املراتب هي املناصب‬
‫الشريفة ‪ ،‬واملقامات العالية املنيفة ‪.‬‬
‫( وال شك أن أصحاب السرر اشرف مرتبه وأعلي منزلة ممن علي األرض‬
‫وإن كان أهل املراتب جيلسون علي ا حلرير وغريه مع السرر املذكورة املعدة‬
‫للكرام اليت ال ختلو من الفرش الغزيرة غالبا وإن مل تذكر معها ‪ ،‬كما قال‬
‫تعايل ( إخ وانا علي سرر متقابلني ) آية ‪ 12‬من سورة احلجر ‪.‬‬
‫فلم يذكر سبحا نه الفرش يف هذه اآلية ومعلوم أن السرر املذكورة عليها‬
‫الفرش املذكورة يف آيات أخري ‪.‬‬
‫وإذا قال قائل ‪ ( :‬جلس امللك علي سريره وجلسنا عنده ) علم من ذلك‬
‫شيئان ‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬أن السرير مفروض ‪ .‬الثاين ‪ :‬أن امللك إمنا جلس علي السرير لريتفع‬
‫علي من عنده برفعه اجمللس مع رفعة اململ كة ‪ ،‬وال يرضي أن جيلس معه‬
‫علي السرير غريه ‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬فعلي هذا يكون املتحابون يف اهلل أفضل من سائر املذكورين يف هذه‬
‫احلكاية ‪.‬‬
‫( وقد ورد حديث الرتمذي الصحيح ‪ :‬قال اهلل تعايل ‪ ( :‬املتحابون يف جاليل‬
‫هلم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ) ‪.‬‬
‫وقد ظهر من هذا احلديث ما يؤي د املنام املذكور ‪ :‬أهنم أصحاب املراتب‬
‫وناهيك هبا من مراتب وأكرم هبا من مناصب احتوت علي شرف جل‬
‫قدره ‪ ،‬وعظم فخره ‪ .‬مع ما هلم من السلسبيل األ هنا واجلمال األ سىن‬
‫والنعيم املقيم يف ج وار املويل الكرمي ‪.‬‬
‫( وأما ذكر السرر يف املنام املذكور ‪ ،‬وذكر منابر النور يف احلديث امل شهور‬
‫فليس بينهما تناقض وال قادح مذكور ‪ ،‬فاملنابر تكون يف القيامة والسرر‬
‫تكون يف القبور كما روي يف املنام املذكور انتهي كالم اليافعي – رمحة اهلل‬
‫تعايل ‪..‬‬
‫واآلثار يف فضل املتحابني يف اهلل كثرية ويف هذا القدر كفاية واحلمد اهلل‬
‫رب العاملني ‪.‬‬

‫باب حقوق الصحبة‬

‫اعلم – وفقين اهلل وإياك ملا حيب ‪ : -‬أن حقوق الصحبة كثرية ‪ ،‬ولكن‬
‫نذكر لك مجلة من احلقوق اليت ال بد منها يف طريق العشرة واملخالطة ‪.‬‬
‫وأعلم أيضا أن املشايخ قد حث وا على االعتناء يف حقوق اإلخ وان ‪ ،‬وقال وا ‪:‬‬
‫( من ضيع حقوق إخ وانه ‪ ،‬وابتاله اهلل تعايل بتضييع حقوقه ‪ ،‬وإذا اب تلي‬
‫عبدا بذلك مقته وإذا مقت اهلل عبدا طرحة يف النار ) ‪.‬‬
‫إذا علمت ذلك فأقول – وباهلل التوفيق ‪:‬‬
‫( من حقوق األخ علي األخ أن يتعامي عن عيوبه ‪ ،‬فقد قال املشايخ ‪ ( :‬من‬
‫نظر إيل عيوب الناس قل نفعه وخرب قلبه ‪.‬‬
‫وقال وا ‪ ( :‬إذا رأيتم الرجل موكال بعيوب الناس ‪ ،‬خب ريا هبا ‪ ،‬علم وا أ نه قد‬
‫مكر به ) ‪.‬‬
‫وقال وا ( من عالمات االستد راج للعبد نظره يف عيوب الناس وعماه عن‬
‫عيوب نفسه ‪.‬‬
‫وقال وا ‪ ( :‬ما رأينا شيئا أحبط لألعمال ‪ ،‬وال أفسد للقلوب ‪ ،‬وال أسرع هلالك‬
‫العبد ‪ ،‬وال أقرب من املقت ‪ ،‬وال ألزم مبحبه الرياء ‪ ،‬والعجب ‪ ،‬والرياسة من‬
‫قلة معرفة العبد عيوب نفسه ‪ ،‬ونظرة يف عيوب الناس ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ أن حيمل ما يراه منه علي وجه من التأويل ‪،‬‬
‫مجيل ما أمكن فإن مل جيد تأويال رجع علي نفسه باللوم ‪.‬‬
‫ويف وصية سيدي ( إبراهيم الدسوقي ) رضي اهلل عنه ( ال تنكروا علي‬
‫أخيكم حاله ‪ ،‬وال لباسه ‪ ،‬وال طعامه ‪ ،‬وال شرابه فإن اإلنكار يورث‬
‫الوح شة واالنقطاع عن اهلل تعايل ) ‪.‬‬
‫ومن كالم سعيد بن املسيب ‪ ( :‬ما من شريف وال ذي فضل إال وفيه نقص ‪،‬‬
‫ولكن من كان فضله أكثر من نقصه ‪ ،‬وهب نفسه لفضله ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أن يرجو له من اخل ريات ‪ ،‬واملساحمة ‪ ،‬وقبول‬
‫التوبة ولو فعل من املعاصي ما فعل كما يرجو ذلك لنفسه ‪.‬‬
‫وم ن حق األخ علي األخ ‪ :‬أال ينظر إيل زلة سبقت ‪ ،‬وال يكشف عورة‬
‫سرتت ‪.‬‬
‫ويف احلديث ‪ ( /‬من رأي عورة فسرتها ‪ ،‬كان كمن أحيا موؤودة من قربها )‬
‫رواه البخاري يف األدب واحلاكم يف املستدرك ‪.‬‬
‫وقال املشايخ ‪ ( :‬كل من مل يسرت علي إخ وانه ما يراه منهم من اهلف وات‬
‫فقد فتح علي نفسه باب ك شف عورته ‪ ،‬بقدر ما أظهر من هف واهتم ) ‪.‬‬
‫وقال وا ‪ ( :‬إذا رأيتم أحدا من إخ وانكم علي معصية مل يتجاهر هبا فاسرتوه ‪،‬‬
‫فإن جتاهر هبا فوخبوه بينكم ‪ ،‬فإن مل ي ت ج اه ر فوخبوه بني الناس ‪ ،‬مصلحة‬
‫له ‪ ،‬ال تشفيا فيه ‪ ،‬فلعله برعوي وينزجر ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أال يعريه بذنب وال غريه ‪ ،‬فإن املعايرة تقطع‬
‫الود أو تكدر صفاءه ‪.‬‬
‫ومن كالم احلسن البصري – رضي اله عنه – ( أذا بلغكم عن أحد زلة ‪،‬‬
‫ومل تثبت عند حاكم فال تعريوه هبا ‪ ،‬وكذب وا إشاعتها عنه – ال سيما إن‬
‫كان هو ينكر ذلك ‪ ،‬آلن األصل براءة الساحة ‪ ،‬حىت تقام البينة العادلة‬
‫عند احلاكم ‪.‬‬
‫مث بعد ثبوت ذل ك عنده فإياكم أن تعريوه أيضا ف رمبا عافاه اهلل وابتالكم )‬
‫وىف احلديث ‪ ( :‬من عري أخاه بذنب مل مييت حىت يعمل ذلك الذنب ) رواه‬
‫الرتمذي عن معاذ بن جبل وذكر السيوطي يف اجلامع الصحيح انه‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي ( على وفا )‪ ( :‬ال تعب أخاك مبا أصابه من مصائب‬
‫دنياك فأنه يف ذل ك ‪ :‬إما مظلوم سينصره اهلل ‪ ،‬أو مذنب عوقب فطهره اهلل‬
‫ومن الرعونة أن تفتخر مبا ال تأمن سلبه وتعري أحدا مبا ال يستحيل يف‬
‫حقك وأنه تعلم أن ما جاز على مثلك جاز عليك )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أال ينظر له بعن االحتقار ‪ ،‬فقد قال املشايخ ‪:‬‬
‫( من نظر إىل أخيه بعني احتقار عوقب بالذل )‬
‫وىف احلديث ‪ ( :‬من نظر إىل أخيه نظرة ود غفر اهلل له ) رواه احلكيم عن‬
‫ابن عمر رضي اهلل عنه وقال اإلمام السيوطي ‪ :‬ضعيف‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إذا اطلع على عيب فيه ‪ ،‬أن يتهم نفسه يف‬
‫ذلك ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إمنا ذلك العيب يف ألن املسلم مرآة املسلم ‪ ،‬وال يرى اإلنسان‬
‫يف املرأة إال صورة نفسه ‪.‬‬
‫وقد صحب رجل ( أبا إسحاق إبراهيم بن أدهم ) ‪ ،‬فلما أ راد أن يفارقه قال‬
‫له ‪:‬‬
‫( لو نبهتين على ما يف من العيب ‪ .‬فقال له ‪ ( :‬يا أخي مل أرى لك عيبا ‪،‬‬
‫ألين حلظتك بعني الوالء ‪ ،‬فاستحسن ت منك ما رأيت ‪ ،‬فاسأل غريي عن‬
‫عيبك )‬
‫وىف هذا املعىن أنشد وا ‪:‬‬
‫وعني الرضا عن كل عيب كليلة ‪ .‬كما أن عني السخط تبدى املساويا ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يرى نفسه دونه على الد وام ‪ ،‬وذلك على‬
‫سبيل الظن والتخمني ‪ ،‬فقد قال وا ‪ ( :‬من مل ير نفسه دون أخيه مل ينتفع‬
‫بصحبته ) ‪.‬‬
‫ومن كالم الشيخ أبو امل واهب الشاذيل ‪ ( :‬ملا علم أهل اهلل تعاىل ‪ :‬أن كل‬
‫نبات ال ينبت وال يثمر إال جبعل ه حتت األرض ‪ ،‬تعلوه األرجل ‪ ،‬جعل وا‬
‫نفوسهم أرض اَ للكل )‬
‫ومن كالم سيدي ( على وفا ) ‪ ( :‬إمنا جعل اهلل لكم األرض بساط اَ ليعلمكم‬
‫الت واضع فت واضع وا تنبسطوا ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يؤثره على نفسه يف كل شيء ‪ ،‬فقد قال وا ‪:‬‬
‫( ال يسودَ أحد على أقرانه إال إن آثرهم على نفسه ‪ ،‬فاحتمل أذاهم ‪ ،‬ومل‬
‫يشاركهم يف شيء مما است ش رفت إليه نفوسهم ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن خيدمه إِذا مرض ‪ ،‬فقد ذكروا ‪ ( :‬أن الفتوة يف‬
‫خدمة اإلخ وان ) ‪.‬‬
‫ومن كالم األستاذ ( اجلنيد ) رمحه اهلل ‪ ( :‬ينبغي للنسان أن خيدم إخ وانه مث‬
‫إنه يعتذر إليهم بأنه ما قام إليه م ب واجبهم ‪ ،‬ويقرهم باخليانة على نفسه ‪،‬‬
‫ولو علم أنه بريء الساحة ‪ ،‬ما مل يرتتب على ذلك حد أو تع زير ‪ ،‬وإال‬
‫دخ ل فيمن ظلم نفسه وذلك ح رام ) ‪.‬‬
‫ومن كالم الشيخ ( أبو امل واهب الشاذيل )‪ ( :‬من تعزز على خدمه إخ وانه‬
‫أورثه اهلل ذال ال انفكاك له منه أبدا ‪ ،‬ومن خدم إخ وانه أعطى من خا لص‬
‫أعماهم )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬ان حيرتمه ويوقره ‪ ،‬ال سيما إذا استحق ذلك ‪،‬‬
‫كأن كان من العلماء ‪ ،‬أو من محلة الق راَن الكرمي ‪ ،‬أو من عرتة رسول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‬
‫وىف وصية اإلمام ( النووي ) رمحة اهلل ‪ ( :‬ال تستصغر أحدا فإن العاقبة‬
‫منطوية ‪ ،‬والعبد ال يدرى ‪ ،‬مب خيتم ل ه ‪ .‬فإذا رأيت عاصيا فال تر نفسك‬
‫عليه ‪ ،‬ف رمبا كان يف علم اهلل أعلى منك مقاما وأنت من الفاسقني ‪ ،‬ويصري‬
‫يشفع فيك يوم القيامة ‪ .‬وإذا رأيت صغ ريا فاحكم بأنه خري منك ‪ ،‬باعتبار‬
‫أنه أحقر منك ذنوبا ‪ .‬وإذا رأيت من هو أكرب منك سنا فاحكم بأنه خري‬
‫منك باعتبار أنه أقدم منك ه جرة يف اإلسالم ‪ .‬وإذا رأيت كاف را فال تقطع‬
‫له بالنار الحتمال أنه يسلم وميوت مسلما ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يثىن عليه يف غيبة وىف حضوره بطريق‬
‫ِ‬
‫صفاء املودة ‪.‬‬ ‫الشرع ‪ ،‬فأن ذلك مما يزيد يف‬
‫ألن املؤمن الكامل إذا مدح شكر اهلل على سرت نقائصه وإظهار حماسنه‬
‫ِ‬
‫صفاء املودة‬ ‫فيزيد إمي انه بذلك ‪ ،‬مث ال خيفى أن ذلك إمنا يكون قبل‬
‫وصحت فأن الثناء حينئذ‬
‫وأنشدوا ‪:‬‬
‫إذا صفت املودة بني قوم *** وصح والؤهم مسج الثناء‬

‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يكرمه إذا ورد عليه ‪ ،‬بأن يتلقاه بالرتحيب‬
‫وطالقة الوجه ‪ ،‬ويأخذه بالعناق إن كان رجال ويفرش له شي ئا يقيه من‬
‫ال رتاب ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يوسع له يف اجمللس إذا رآه ‪ ،‬فإن ذلك مما‬
‫يزيده يف تقوية املودة ‪.‬‬
‫الرج ل من جملسه مث جيلس فيه ‪ ،‬ولكن‬
‫وىف احلديث ‪ ( :‬ال يقيم الرجل َ‬
‫أفسح وا يفسح اهلل لكم ) رواه اإلمام امحد عن أىب هريرة ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أال يدعوه بامس ه فقط ‪ ،‬ومن وصية بعضهم ‪:‬‬
‫( إذا ناديت أخاك فعظمه تثبت مودته ) ‪.‬‬
‫ومن اجلفاء لألخ ‪ :‬نداؤه اخلايل عن الكنية واللقب ‪ ،‬ولفظ السيادة ‪،‬‬
‫وكذلك أوالده وأحفاده ‪ ،‬غيبة وحضورا ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬ان يعرتف له بالفضل ‪ ،‬وان يظهر عدم‬
‫مكافأته ‪ ،‬السيما إن كان قد بدأه هبدية ‪ ،‬ألنه ال يقدر على بدايته ‪ ،‬كما‬
‫قال الشيخ حم يي الدين ابن العريب ‪.‬‬
‫وىف احلديث ‪ ( :‬هتاد وا ‪ ،‬إن اهلدية تذهب وحر الصدر ‪ ،‬وال حتقرن جارة‬
‫جلارهتا ولو شق فرس شاة ) رواه اإلمام امحد يف مسنده ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يزوره كل قليل من األيام ‪.‬‬
‫ففي احلديث ‪ ( :‬ال زائر أخاه يف بيته ‪ ،‬األك ل من طعامه أرفع درجة من‬
‫املطعم ) رواه اخلطيب يف التاريخ عن أنس رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وفيه أيضا ‪ ( :‬إذا زار أحدكم أخاه فألقى له شيئا يقيه من األرض وقاه اهلل‬
‫عذاب النار ) رواه الط رباين يف الكبري عن سلمان رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي ( إبراهيم املتبويل )‪ :‬اسع إىل إخ وانك وإياك أن تنقطع‬
‫عليهم ‪ ،‬حبيث يستوحشون فيأتون إىل زيا رتك فإن مجيع ما مع الفقري من‬
‫العناية يف هذا الزمان ال جييء حق طريق واحد ميشى إليه )‪.‬‬
‫وقد كان اإلمام ( الشافعي ) رضي اهلل عنه يزور تلميذه اإلمام ( أمحد ابن‬
‫حنبل ) كث ريا ويزوره اآلخر ‪ ،‬فقيل للشافعي يف ذلك ‪ ،‬فأنشد رضي اهلل تعاىل‬
‫عنه ‪:‬‬
‫قالوا يزورك أمحد فتزوره *** قلت الفضائل ال تفارق منزله‬
‫إن زارين فبفضله أو زرته *** فلفضله والفضل يف احلالني له‬

‫فأجابه اإلمام ( أمحد رضي اهلل تعاىل عنه )‬


‫إن زرتنا فبفضل فيك متنحنا *** أو حنن زرنا فللفضل الذي فيك‬
‫فال عدمنا كال احلالني منك وال ***نال الذي يتمىن فيك شانيك‬

‫ومن كالم سيدي ( على اخل واص ) رمحه اهلل ‪ ( :‬الزيارة للخ وان تزيد يف‬
‫الدين ‪ ،‬وتركها ينقصه )‬
‫وقد قال القوم ‪ ( :‬إذا قل رأس مالك فزر إخ وانك )‬
‫قلت ‪ :‬زيارة اإلخ وان ال تزيد يف الدين إال مع أدب لزوم الزيارة واهلل أعلم ‪،‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يصافحه كلما لقيه بنية ال تربك وامتثال‬
‫األمر ‪ ،‬وقد روى الط رباين ‪ ( :‬إذا تصافح املسلمان ‪ ،‬مل تفرتق أكفهما حىت‬
‫يغفر هلما )‬
‫وروى أبو الشيخ ‪ ( :‬إذا التقى املسلمان ‪ :‬وسلم أحدهم على صاحبه ‪ ،‬كان‬
‫أحبهما إىل اهلل أحسنهم بش را لصاحبه ‪ ،‬فإذا تصافحا أنزل اهلل عليهم مائة‬
‫رمحة )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إذا القاه وصافحه أن يصلى ويسلم على النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ويذكره بذلك ‪.‬‬
‫وقد روى أبو يعلى ‪ ( :‬ما من عبدين متحابني يستقبل أحدهم صاحبه ‪،‬‬
‫ويصليان على النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يتفرقا حىت يغفر هلما ذنوهبما‬
‫ما تقدم منها وما تأخر ) رواه اإلمام امحد بن حنبل يف مسنده والضياء‬
‫عن عامر بن ربيعة ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يهاديه كل قليل من األيام ‪ ،‬ال سيما إذا‬
‫بلغه عنه وقفه ‪ ،‬وىف احلديث ‪ ( ،‬هتاد وا حتاب وا وتصافحوا يذهب الغل عنكم )‬
‫رواه أبو يعلى يف مسنده ورواه ابن عساكر عن أىب هريرة ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يرشده إىل ترك البغي على من بغى عليه‬
‫وأن ينتصر باهلل تعاىل ‪ ،‬إذا أن إرشاد األخ املظلوم إىل االنتصار باهلل تعاىل ‪،‬‬
‫والتسليم إليه سبحانه وتعاىل من أكرب نصرة األخ ‪.‬‬
‫وىف ( زبور ) السيد ( داود ) عليه السالم ‪ ( :‬يا داود ‪ ،‬ال تبغ على من بغى‬
‫عليك فمن بغى على من بغى ختلفت عنه نصريت ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ عل ى األخ ‪ :‬مساعدته له يف التزويج ‪ ،‬وقد ذكروا ‪ ( :‬أن‬
‫اإل عانة يف ذلك أفضل من الغ زاة واملكاتبني ‪ ،‬إذا هو أفضل ن وافل اخل ريات ‪،‬‬
‫واألجر يعظم السبب ‪ ،‬فلوال النكاح ما وجد جماهد ‪ ،‬وال عابد هلل تعاىل ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أال يغف ل عن عيادته إذا مرض وال عن خدمته‬
‫ال سيما يف ال ليل ‪.‬‬
‫وينبغي للعايد أال يأكل عند امل ريض ‪ ،‬ويف احلديث ‪ ( :‬إذا عاد أحدكم‬
‫م ريضا فال يأكل عنده شيئا ) رواه الديلمي يف مسنده الفردوس عن أىب‬
‫أمامة رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أن يرشده إيل الوصية إذا حض رته الوفاة ‪ ،‬وال‬
‫يتبع احلياء الطبعي ‪ ،‬والفائدة يف ذلك معلومة ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬ان يسهر إيل الصباح إذا كان يف حالة تفضي‬
‫إيل املوت ‪ ،‬ف رمبا يكون اآلجل يف ذلك الوقت فيفارقه عل ى وفائ ه حبقه ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أن يصدقه إذا انتسب إيل أحد من األكابر من‬
‫أولياء أو علماء أو أم راء ‪.‬‬
‫ومن وصية الشيخ حميي الدين بن عريب ( أذا انتسب أخوك إيل أحد من‬
‫األكابر فاحذر أن تطعن يف نسبه ‪ ،‬ولو يف نفسك فتدخل بني ذلك‬
‫الشخص وبني اهلل تعايل ‪ ،‬فتقع يف إمث كبري ‪ ،‬بل ورد أن الطعن يف اإلنسان‬
‫كفر )‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أال يكفره بذنب ‪ ،‬ولو الث الناس به ‪ ،‬إذ ال‬
‫خيفي قلة ورع الناس يف الكالم وعسر معرفة مجيع األلفاظ اليت يكفر هبا‬
‫اإلنسان ‪.‬‬
‫والتكفري كما قال شيخ اإلسالم السبكي أمر هائل ‪ ،‬أقل ما فيه أنه أخرب‬
‫عن إنسان أنه خالد يف النار ال جتري عليه أحكام اإل سالم يف حياته بعد‬
‫مماته ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أال يبغض ذاته إذا وقع فيما ال ينبغي ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي علي اخل واص – رمحة اهلل ( عداوتنا ألفعال من أم رنا احلق‬
‫تعايل بعداوته عداوة شرعية وعداوتنا لذاته عداوة طبيعية والسعادة يف‬
‫الشرعية ال يف الطبيعية ‪.‬‬
‫والغالب يف الناس بغضهم لذات من مسع وا عنه أنه وقع يف حمرم وأما إن‬
‫مسع وا عنه أنه تكلم فيهم بشيء يكرهونه فإهنم يكرهون أوالد ه فضال عن‬
‫ذاته وحيتقرونه زيادة علي ذلك ورمبا يزعم بعضهم أنه مصيب يف احتقاره‬
‫له وغاب عنهم أن من اجلهل احملض احتقار عبد اعتين به احلق تعايل‬
‫وأخرجه من العدم إيل الوجود ‪.‬‬
‫( فأحذر يا أخي من ذلك فإن احلق تعايل ما أمرك أن حتتقر أحدا من‬
‫خلقه وإمنا أمرك أن تنكر علي أ فعاله املخالفة لشرعة ال غري فتأمر العاصي‬
‫وتنهاه وأنت غري حمتقر له ) ‪.‬‬
‫وتأمل قوله ‪ :‬يف شجرة الثوم ( إهنا شجرة أكره رحيها ) رواه البخاري ومسلم‬
‫يف صحيحهما ‪.‬‬
‫فما كره ذاهتا وإمنا كره رحيها الذي هو بعض صفاهتا فعلم أن عداوتنا‬
‫للكفار عداوة صفات بدليل أهنم إذا أسلم وا وحس ن إسالمهم حرم علينا‬
‫عداوهتم ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬إذا حصل بينه وبني أخيه وقفه أن يزيد يف بث‬
‫حماسنه أكثر مما كان قبل الوقفة مراعاة للود وقد كان السلف الصاحل‬
‫ميدحون عدوهم كلما ذكر حبضرهتم حبيث يظن الظان أنه من أعظم‬
‫املعجبني هلم ‪.‬‬
‫فاقتد يا أخي هبم وال تتوقف يف ذكر أخيك باملعروف أيام غيظك عليه ‪،‬‬
‫واحذر من الوقوع يف عرضه ف رمبا وقع الصلح فيصري ذلك يكدر صفاء‬
‫املودة وتذكر ما أكلت عنده من اخلبز وما سبق من املعروف وقل من‬
‫يفعل ذلك ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬ان يقدم ح وائجه الضرورية علي عباداته‬
‫املسنونة ومعلوم أن اخلري يتعدي نفعه أفضل من القاصر علي فاعله ومن‬
‫حق األخ علي األخ ‪ :‬إذا وقع يف حقه شيء وبلغه ان يباد ر إىل االستغفار‬
‫وإ ىل كشف الرأس واإل ط را ق إىل األرض وإ ظهار الندم علي ما وقع منه يف‬
‫حق أخيه ويدمي ذلك إىل أن يرمحه أخوه مث إن مل يرمحه رجع عل ى نفسه‬
‫باللوم واعرتف بأنه ظامل وقل من يفعل ذلك ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أن يقبل اعتذاره ولو كان مبطال فقد روي‬
‫الرتمذي وغريه ( من أتاه أخوه متنصال من ذنب فليقبل اعتذاره حمقا كان‬
‫أو مبطال فإن مل يفعل مل يرد علي احلوض ) ‪.‬‬
‫ويف معين ذلك أنشد ‪:‬‬

‫اقبل معاذير من يأتيك معتذرا *** إن بر عندك فيما قال أو فجرا‬


‫فقد أطاعك من يرضيك ظاهره *** وقد أجلك من يعصيك مسترتا‬

‫وأنشد كذلك ‪:‬‬


‫قيل يل قد أساء إليك فالن *** ومقام الفيت على الذل عار‬
‫قلت قد أتى وأحدث عذرا *** دية الذنب عندنا االعتذار‬
‫إذا اعتذر الصديق إليك يوما *** جتاوز عن مساوية الكثرية‬
‫فإن الشافعي روي حديثا *** بإسناد صحيح عن مغرية‬
‫عن املختار أن اهلل ميحو *** بعذر واحد ألفي كبرية‬

‫وروي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ( من اعتذر إليه أخوه مبعذرة فلم‬
‫يقبلها منه كا ن عليه من اخلطيئة مصل صاحب مكس ) رواه أبو داود يف‬
‫املراسيل ‪.‬‬
‫ومن كالم سيدي ( علي اخل واص ) رمحه اهلل‬
‫( أذا جاءكم أخوكم معتذ را فاقبلوه السيما أن طال به الوقوف فإن مل جيد‬
‫أحدكم يف قلبه رقة ألخيه فلريجع علي نفسه باللوم وليقل هلا ‪ :‬يأتيك‬
‫أخوك معتذ را فال تقبليه ؟ فكم وقعت أنت يف حقه فلم تلتفيت إليه فأنت‬
‫إذا أسوأ حاال منه ) ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ( األخ الذي يلجيء أخاه أن يعتذر إليه ليس بأخ صادق ‪،‬‬
‫وال من أهل الطريق ‪ ،‬فإن أهل الطريق يقيمون للخلق املعاذير قبل أن‬
‫يعتذروا إليهم ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬كثرة فرحه له إذا كثرت طاعاته وانقلب ال ناس‬
‫إليه باالعتقاد ومن مل يكن كذلك قام به داء احلسد ويف احلديث ( احلسد‬
‫يأكل احلسنات كما تأكل النار احلطب ) رواه ابن ماجة عن أنس رضي اهلل‬
‫عنه ‪.‬‬
‫ومن وصية سيدي ( علي وفا ) إياك أن حتسد من اصطفاه اهلل عليك‬
‫فيمسخك اهلل كما مس خ إبليس من الصورة امللكية إيل الصورة الشيط انية‬
‫ملا حسد السيد آدم على نبينا وعليه أفضل الصالة والسالم ‪.‬‬
‫ويف مناقب سيدي ( أمحد البدوي ) نفعنا اهلل بربكاته ‪ :‬أن صاحب الدي وان‬
‫( بطنطا ) املسمي بوجه القمر كان وليا عظيما فثار عنده حسد حني جاء‬
‫سيدي ( امحد البدوي ) إيل طنطا وانقلب الناس إليه باالعتقاد فسلب حاله‬
‫وا نطفأ امسه وذكره ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أذا أ راد سف را أال خيرج حىت يودعه بالعناق إن‬
‫كان رجال وباإلشارة إن كان صغ ريا ‪.‬‬
‫ففي احلديث ‪ ( :‬إذا خرج أحدكم إيل سفر فليودع إخ وانه ‪ ،‬فإن اهلل جاعل‬
‫له يف دعائهم الربكة ) رواه ابن عساكر ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أذا رجع من سفر أن يذهب إليه يف منزله‬
‫فيسلم عليه ويهنئه بالسالمة وكذلك ولده وسائر أعزته إذا رجع وا من سفر‬
‫أو شف وا من مرض ‪ ،‬فمن حقه أن يذهب إليه أخوه ويهنئه بالسالمة ‪.‬‬
‫ومن حق األخ علي األخ ‪ :‬أن يشاوره يف كل أمر مهم ‪ ،‬فقد ذكروا أن‬
‫املشاورة تزيد يف صفاء املودة ‪.‬‬
‫ويف احلديث ‪ ( :‬من أ راد أمرا فشاور فيه امرءا مسلما وفقه اهلل ألرشد أموره )‬
‫رواه الط رباين يف األوسط ‪.‬‬
‫وكان سيدي ( علي اخل واص ) يقول ( عليكم مبشاورة إخ وانكم يف كل أمر‬
‫مهم ‪ ،‬فإن يف احلديث ( ما خاب من استخار ‪ ،‬وال ندم من استشار ) رواه‬
‫الط رباين يف األوسط ‪.‬‬

‫وأنشد وا ‪:‬‬
‫شاور أخاك يف اخلفي املشكل *** واقبل نصيحة فاضل متفضل‬

‫كما أنشد وا ‪:‬‬


‫شاور أخاك إذا نابتك نائبة *** يوما وأن كنت من أهل املشورات‬
‫فالعني تلقى كفاحا ما دىن ونأى *** وال ترى نفسها إال مبرآة‬

‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يتفقد عياله وأ والده إذا غاب عنهم ‪ ،‬ومن‬
‫كالمهم ‪ ( :‬من مل يتفقد عيال أخيه يف غيبته ‪ ،‬فقد خان الصحبة )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يشاطره يف ماله وغريه ‪ ،‬وقال الشيخ ( أبو‬
‫امل واهب الشاذيل )‪ ( :‬جيب على الفقري إذا أخي يف اهلل أن يشاطره أخوه يف‬
‫ماله ‪ ،‬كما فعلت األنصار مع املهاجري ن حني قدم وا عليهم املدينة وهم‬
‫فق راء ‪ ،‬فكل من أدعى األخوة يف اهلل تعاىل فامتحنه هبذه امليزان ‪.‬‬
‫وقال سيدي ( أبو مدين التلمساين ) ‪ ( :‬ال تكمل صحبتك إال بانشراح‬
‫صدرك ل كل ما أخده أخوك من مالك ‪ ،‬وثيابك ‪ ،‬وطعامك ‪ ،‬ومىت ما‬
‫وجدت يف قلبك انقباضا من ذلك فأنت منافق يف صحبتك ) ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ ( :‬ما تصح الصحبة بني اثنني حىت يقول أحدهم لآل خر يا‬
‫أنا ‪ ،‬وليس بأخ من يقول ‪ :‬قصعيت أو ثويب )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أال يتذكر منه إذا قال له ‪ :‬أنا أبغض ك ‪ ،‬ويفتش‬
‫على الصفات اليت أبغضه ألجلها فيزيلها فأن زال بغضه وإال كرر التفتيش‬
‫ثانيا وثالثا ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يكتم سره ‪ ،‬إذ السر كالعورة ‪ ،‬وقد حرم اهلل‬
‫كشفها إليها ‪ ،‬والتحدث هبا ‪.‬‬
‫وىف احلديث ‪ ( :‬من سرت عورة أخيه ‪ ،‬ومن كشف عورة أخيه كشف اهلل‬
‫عورته ) رواه ابن م اجه عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫وىف وصية الشيخ ( أىب امل واهب الشاذيل ) ‪ ( :‬احذر أن تفشى سر أخيك إىل‬
‫غريه ‪ ،‬فأن اهلل رمبا مقتك بذلك فخسرت الدنيا واآلخرة )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أال يصدق من من له فيه ‪.‬‬
‫وقد ذكر حجة اإلسالم ( الغ زايل ) ‪ ( :‬أنه جيب على كل من محلة إليه من يمة‬
‫ستة أمور ‪. :‬‬
‫األول ‪ :‬أال يصدقه ‪ -‬أي النمام ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬أن ينهاه عن ذلك ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يبغضه يف اهلل ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أال يظن باملنقول عنه السوءَ‪.‬‬
‫اخلامس ‪ :‬أال يتجسس على حتقق ذلك ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬أال حيكى ما من له به ‪.‬‬
‫ومن كالم الشيخ ( أىب امل واهب الشاذيل ) إذا نقل إليك احد كالما عن‬
‫صاحب لك فقل ‪ :‬يا هذا أنا من حمبة أخي ووده على يقني ومن قولك‬
‫على ظن وال يرتك يقني بظن ‪.‬‬
‫ومن كالم الشيخ ( أفضل الدين ) ‪ :‬إذا نقل إليكم أحد كالما يف عرضكم‬
‫عن أحد فازجروه ‪ ،‬ولو كان أعز إخ وانكم ‪ ،‬وقول وا له ( إن كنت تعتقد فينا‬
‫هذا األمر فأن ت ومن نقلت عنه س واء بل أنت أسوأ حاال منه ألنه مل‬
‫يسمعنا ذلك وأنت أمسعته لنا وإ ن كنت تعتقد أن هذا األمر باطل يف‬
‫حقنا ‪ ،‬وبعيد منا أن نقع يف مثله ‪ ،‬فما فائدة نقله إلينا ) ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا يف غري هذا الرسالة ‪ ( :‬أن من أ راد أن يدوم له ود أصحابه فلريد‬
‫كالم النمام بباد يء الرأي ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يذب عن عرضه لكن مع النية الصاحلة ‪،‬‬
‫والسياسة احلسنة ‪.‬‬
‫وىف احلديث ‪ ( :‬من رد عن عرض أخيه رد اهلل عن وجهه النار يوم ا لق يامة )‬
‫رواه البيهقي عن أىب الدرداء ‪.‬‬
‫ومن كالم اإلمام ( الشافعي ) رضي اهلل عنه ‪ ( :‬من عالمات الصادق يف‬
‫أخوة أخيه أن يقبل علله ‪ ،‬ويسد خلله ويغفر زل ـل ه ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يوقظه قبل الوقت ليدخل الوقت وهو على‬
‫أهبة ‪ ،‬فال تفوته السنة ال راتبة قبل الفريضة ‪ ،‬وال تكبري اإلحرام ‪.‬‬
‫وكذلك من حقه أن يوقظه يف السحر ‪ ،‬إذ الشفقة يف أمر الدين أوىل‬
‫وأفضل من الشفقة يف أمر الدنيا ‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون ذلك بلطف فإن النفس رمبا حتركت مع اإليقاظ بغلظ ة ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن ال يداهنه ‪ ،‬ففي احلديث ‪ ( :‬الدين النصيحة )‬
‫رواه البخاري يف األدب عن ثوبان ورواه البزار عن ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهم ‪.‬‬
‫وقال القوم ‪ ( :‬اإلخ وان خبري ما تنافس وا ‪ ،‬فأن اصطلح وا هلك وا )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يتهم نفسه بالك رب والنفاق ‪ ،‬إذا وجد عنده‬
‫ثقال منه ‪ ،‬ويسعى يف إ زالة ذلك من باطنه ‪.‬‬
‫وقد صحب شخص ( أبا بكر الكتاين ) وكان على قلبه ثقيال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فوهبت له شيئا ‪ ،‬بنية أن يزول ثقله عىن فلم يزل ‪ ،‬فخلوت به يوما‬
‫وقلت له ( ضع رجلك على خدي ) ‪ ،‬فأىب ‪ ،‬فقلت له ‪ ( :‬ال بد من ذلك )‬
‫ففعل ‪ ،‬فزال ما كن ت أجده يف بطين ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يقبل نصيحة ‪ ،‬فقد قال وا ‪ ( :‬من أرشدك إىل‬
‫ما به ختلص من غضب اهلل تعاىل فقد شفع فيك ‪ ،‬فأن أطعته وقبلت‬
‫نصحه فقد قبلت فيك شفاعة ‪ ،‬وإال فنعود باهلل من قوم ال تنفعهم شفاعة‬
‫الشافعني ‪ ،‬حيث كان وا عن التذكر معرضني ) ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يرشده إىل تعظيم حرمات اهلل ‪ ،‬والتباعد عن‬
‫تعدى حدوده ‪ ،‬حبيث يصري إذا وقع يف أصغر الذنوب ‪ ،‬يرى ذلك الصغري‬
‫من الكبائر جبامع املخالفة ‪.‬‬
‫فال يزال كذلك حىت يرى الغفلة عن اهلل خطيئة أشد من ال زنا ‪ ،‬وقتل‬
‫النفس ‪.‬‬
‫مث إذا كمل السالك رجع إىل أكمل من ذلك وهو تعدى حدود اهلل على‬
‫حسب ما ورد يف الشرع ‪ ،‬فأن العبد تابع ما هو مشروع ‪ ،‬فيعظم الكبري‬
‫على الصغرية على املكروه ‪ ،‬واملكروه على خالف األوىل ‪.‬‬
‫وما بني الشارع صلى اهلل عليه وسلم مراتب احلدود إال ليعلمنا بتفاوهتا‬
‫فنعظمها حبسب مراتبها وكذلك القول يف قسم املأمورات فنعظم ال واجب‬
‫أ كثر من املندوب واملندوب أكثر من املستحب وتندم على كل واحد‬
‫حبسب تأكيد الشارع عليه ‪.‬‬
‫فرجع السالك يف حال هنايته إىل صورة بدايته والقصد خمتلف من حيث‬
‫تفاوت املأمورات واملنهيات يف الدرجة ‪.‬‬
‫وكانت مسا واة األ وامر والن واهي يف البداية للسالك من شدة تعظيمه اهلل‬
‫تعاىل فا ستعظم مأموراته ومنهياته وسدا لباب املخالفة بقطع النظر عن‬
‫مشاهدة حكمة تفاوهتا كما ورد يف الشرع فثم مقام رفيع ومقام أرفع ‪.‬‬
‫وعلى ما تقرر حيمل قول اجلنيد ( ليس عندي ذنب أعظم من الغفلة عن‬
‫اهلل تعاىل ) ألنه رأى أن سبب وقوع العبد يف الذنوب الغفلة عن اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يأمره بسرت املقام إذا تلمح منه امليل إىل‬
‫الظهور ومن أحب احلق فهو عبد اخلفاء ‪.‬‬
‫وكل من خرج إىل اخللق قبل وجود اإلذن اخلاص به فهو مفتون ومسخرة‬
‫للناس ‪.‬‬
‫وما خرج األولياء للخلق إال بعد أن هدد وا بالسلب إن مل يفعل وا فالعاقل‬
‫من سرت مقامه حىت يتوىل اهلل إظهاره بغري م راد منه ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يتظاهر بعداوة من عاداه بغري حق أما‬
‫معاداته بالباطن ال جتوز ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يقوم له إذا ورد عليه ولو كره هو ذلك‬
‫السيما يف احملافل فقد قال وا ‪ :‬إياك أن ترتك القيام ألخيك يف احملافل ف رمبا‬
‫تولد من ذ لك احلقد والضغائن فتعجز بعد ذلك عن إ زالته ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على أخيه إال حيدثه حبديث كذب الن فيه استهانة به وىف‬
‫احلديث ( كربت خيانة أن حتدث أخاك حبديث هو لك مصدق وأنت له‬
‫كاذب ) رواه البخاري يف األدب ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على أخيه ‪ :‬إال ينساه من الدعاء واملغفرة والرمحة كلما وجد‬
‫وقته صافيا مع ربه س واء كان ذلك يف ليل أو هنار أو سجود أو غريه ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على أخيه ‪ :‬إال حيقد عليه ‪.‬‬
‫وىف احلديث ‪ ( :‬ثالث من كن فيه فإن اهلل يغفر له ما سوى ذلك ‪ :‬من مات‬
‫ال يشرك باهلل شيئا ومل يكن ساحرا يتبع السحرة ومل حيقد على أخيه ) رواه‬
‫اإلمام البخاري يف األ دب ‪.‬‬
‫وقال القوم ‪ :‬كل من كان عنده حقد أو مكر أو خديعة أو غش ألحد‬
‫فهو كذاب يف طريق القوم وال جيوز ان يكون داعيا إىل اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على أخيه ‪ :‬إذا حتدث ان يشخص ببصره إليه حىت يفرغ‬
‫من حديثه فإن ذلك يزيد يف صفاء املودة ‪.‬‬
‫كما ان التالهي عن حديث األخ أو قطع كالمه قبل متامه يورث اجلفاء ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إال ميتحنه فان االمتحان من جنس كشف‬
‫العورة وقد قال وا ‪ :‬إياكم أن متتحن وا إخ وانكم فإن اهلل ال ميتحن عباده اال‬
‫ان علم وفائهم كيال خيجلهم بإظهار ما كان كامنا عندهم ‪.‬‬
‫وقيل لكسرى ‪ :‬اال متتحن أصحابك فقال ‪ :‬إذن خنرج ك لنا عيوبا ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن يتهي أ للقائه باحلرمة والتعظيم كلما فارقه ‪.‬‬
‫قال الشيخ حمي الدين ‪ ( :‬ولو كان زمن املفارقة يس ريا إحسانا للظن بأن اهلل‬
‫نفحه نفحة أو نظر إليه نظرة من نظراته اليت يرسلها يف اليوم والليلة إىل‬
‫عباده فصار هبا أعلى مقاما منه ‪.‬‬
‫مث ان ك ان األمر صحيحا فقد وفاه حقه وان مل يكن صحيحا فقد تأدب‬
‫مع اهلل تعاىل حيث عامله مبا تقتضيه م رتبة األلوهية من إك رام كل وارد‬
‫على حضرهتا ) ‪.‬‬
‫قال وهذا األمر قل من يتفقد نفسه فيه الستحكام الغفلة على القلوب ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إذا رآه فيما ال ينبغ ي أن يعتقد انه ت اب من‬
‫وقته وندم يف سريرته وقد كان بعض السلف يقول ‪ :‬إ ين الستحى من اهلل‬
‫أن اقطع التوبة عن شخص عصى ربه مث ت وارى عىن جبدار ‪.‬‬
‫وقال وا ‪ :‬من قطع التوبة عن احد من العصاة رأى نفسه خ ريا منه ضرورة‬
‫وكل من ظن انه خري من احد من املسلمني فهو جاهل خمدوع ولو أعطي‬
‫من الكرامات م ا أ عط ي ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن حيفظ وده وان خانه هو أو زاغ مراعاة‬
‫للود ‪.‬‬
‫قال ابن اخلطاب رضي اهلل عنه ( رأيت رب العزة يف النوم فقلت ‪ :‬يا رب‬
‫علمين شيئا آخذه عنك بال واسطة فقال ‪ :‬يا ا بن اخلطاب من أحسن إىل‬
‫من أساء إليه فقد أخلص هلل شكرا ومن أساء إىل من أحسن إليه فقد‬
‫بدل نعمة اهلل كف را فقلت يا رب حسيب فقال ‪ :‬حسبك )‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أن ال مين عليه مبا فعله من املعروف إذ هو‬
‫خاصمه ونسى ذلك املعروف ‪.‬‬
‫فان ذكر املعروف يف املخاصمة عن وان على عدم اإلخالص فيه ودليل على‬
‫خسة األصل فإن طيب األصل ال مين أبدا مبا فعله مع أخيه من املعروف‬
‫بل يرى الفضل لذلك األخ الذي أكل عنده مثال أو قبل منه هدية وىف‬
‫احلديث ( ثالثة ال ينظر اهلل إليهم يوم القيامة وال يزكيه م وهلم عذاب اليم‬
‫املسبل واملنان واملنفق سلعته باحللف الكاذب ) رواه الط رباين ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬املن باملعروف يف املخاصمة دمل ال يندمل ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إال خياصمه فان املخاصمة تقطع الود وقد‬
‫قال وا ‪ :‬ما وجد أذهب للدين وال أشغل للقلب من املخاصمة يتولد الغضب‬
‫واحلقد واخلديعة حىت انه يكون يف الصالة وخاطره معلق باحملاججة وال‬
‫خيفى ما يف ذلك ‪.‬‬
‫وانشد وا ‪:‬‬
‫جتنب قرين السوء واصرم حباله *** فإن مل جتد عنه حميصا فداره‬
‫وأحبب قرين الصدق واترك مراءه *** تنل منه صفو الود ما مل متاره‬

‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إال يبادر إىل هجره فان املبادرة إىل مثل ذلك‬
‫ليست مبحمودة وخطؤها أكثر من ص واهبا ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬أ ال ي ؤاخذه إذا قصر يف حقه مراعاة لألدب‬
‫ومن وصية سيدي ( على اخل واص )‪ :‬اترك حقك ألخيك ما استطعت وأقل‬
‫عثرة املروءات من إخ وانك وإياك أن تعتدي على من اعتدى عليك فان‬
‫احلق تعاىل ما أباح االعتداء إال بشرط املثلية واملثلية متعذرة جدا ف رمبا‬
‫زادت ورمبا أثرت تلك السيئة يف اخلصم أكثر مما أثرت فيك واجملا زاة‬
‫رخصة للضعفاء ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬د وام الشفقة على أوالده والقيام هبم بعد موته‬
‫قال القوم ‪ :‬من مل يشفق على أوالد أخيه يف غيبته ومل يقم هبم بعد موته‬
‫فليس بصادق يف إخوته ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إال يقره على بدعة وان مل يرجع عنها تركه‬
‫خوفا على نفسه أن يلحقه شؤمها ولو بعد حني ‪.‬‬
‫ومن حق األخ على األخ ‪ :‬إال يتزوج له زوجة طلقها أو مات عنها ولو‬
‫أوصاه بذلك وقال أنت أحق من الغري ‪.‬‬
‫فاعرض يا أخ ي ما يف هذا الفصل على نفسك ف ان رايتها متخلقة به‬
‫فاشكر اهلل وإال فعليك باالستغفار من التقصري يف حقوق إخ وانك ليال‬
‫وهنا را واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫انتهى كتاب المختار من األنوار في صحبة األخيار‬

You might also like