Professional Documents
Culture Documents
َن ْ
َن ْش َو ُة املُدامِ يف العَ ْو ِد إىل مَ ِدينَ ِة السَّالم
2
ش َو ُة املُدامِ يف ال َع ْو ِد إىل مَ ِدينَ ِة السَّالم
َن ْ
3
4
الرّحلة هي متعةُ التّاريخ وتاريخُ المتعة ،والرحلة هي لذّةُ المشقّة،
الذي ال ينضب.
ويكأنّ اإلنسان مخلوقٌ رحّالة ،من عصرٍ إلى عصر ،ومن مرحلةٍ إلى
أخرى ،يعيش حياته متنقّالً عبْر الزّمان والمكان ،يرتادُ اآلفاق ،ويخترقُ
وال أظنّني مبالغًا فيما وصفت؛ فقد بدأتِ الرّحلة منذ برهةٍ وجيزة
ومنهاجًا.
5
فالرحلةُ تمنح الباحثَ في التّاريخ ،والجغرافيا ،والسّياسة ،واالقتصاد،
الجزئيات بعضًا إلى بعض ،فيرسم منها لوحة فُسيفساء ،وال يفعل العكس،
فيعمدُ إلى اختالق التّعميمات من األحداث الجزئية ،وال يعتمدُ على الغثّ
6
وعلى قدر ما تحملُ الرّحلة من أهمية ،ال تخلو أيضًا من زلّات ،قد
تكثر فتصبح مضلّالت ،إذ نرى بعضَ الرّحالة يأتي إلى قطرٍ غريب عن
متقلّبَ اآلراء واألحوال ،بل ترى البعض يكذب مدّعيًا أنّه رأى ما لم
7
ومن خالل هذا المشروع نفتح البابَ للتعاون مع الباحثين والمحقّقين
8
نقدم في هذا الكتاب إحدى الرحالت المميزة والفريدة من ثالثية
المعاني".
جاءت رحالته الثالث بأسلوب أدبي وبالغي رصين ،ال تكاد تخلو عباراته
من السجع وال من الصور البيانية ،ومعظمها في غير تكلف ،فقد كانت
اللغة وبالغتها طوع بنانه ،كما يتجلى الذوق األدبي فيما يورد أو يختار
من أشعار ،حتى عبارات المديح واإلطراء التي هي محل التكلف ،نجدها
ألصحابها.
9
هذه الرحلة "نَشْوَةُ المُدامِ في العَوْدِ إلى مَدِينَةِ السَّالم"
إسالمبول".
لألعالم والعلماء الذين لقيهم فيهما ،لذا فقد سماها" :غرائب االغتراب
01
فقد حرص المؤلف على إيراد بعض التفاصيل الجغرافية والبيئية
مناقشة األمور العلمية في مجال تخصصه ،بل عقد مجالس لمنح اإلجازات،
أضف إلى ذلك أسلوب الكتابة والسرد الذي لم يشوبه كثيرًا تقعر
العلماء وبرود أسلوبهم وملل سجعهم ،وإن كان ال يخل من بعض التعقيد
الروافد التراثية .وربما خفف من ذلك ،تلك الروح المرحة التي تمتع
00
وجهة الرحلة هذه المرة مختلفة تمامًا عن عهدنا بالرحالت ،فلم تكن
وال هي إلى الحرمين للحج والزيارة والمجاورة ،كما أنها ليست سياحة
والغرائب ،وال هي كذلك لمجرد المتعة الشخصية ،إنما كانت رحلة إلى
عاصمة الدولة لتوضيح موقفه وتحسين صورته التي شوهها الوشاة من
أعدائه لدى المسئولين حتى تم عزله عن وظائفه ،وربما كان هذا النوع
من الرحالت متعددًا في العهد العثماني ،لكن لم يقم أحد -فيما أعلم-
وكذلك في عمر العراق ،إذ كانت فترة انتقالية بعد إنهاء حكم داود
باشا آخر والة المماليك في العراق ،وبداية عهد جديد للدولة العثمانية
الساعية إلى التحكم المركزي في تعيين الوالة وعدم االعتماد على األسر
02
ورغم أن المؤلف كان من المقربين إلى داود باشا ،واتهمه الوشاة بأنه
لقي من الدولة تسامحًا شديدًا معه ،ربما تقديرًا لمكانته العلمية ،وربما
محاولة منها لفتح صفحة جديدة مع العهد الجديد ،تمثل هذا التسامح
وهي رؤية عالم متعدد المشارب العلمية والروافد الثقافية ،مطلع على
03
كما وجه اآللوسي الكثير من االنتقادات لبعض أحوال الدولة العثمانية
ورجالها ،بل ومواطنيها في بعض البلدان التي مر عليها ،كما أدلى برأيه
في التنظيمات وما رآه من بعض نتائجها ،هذا غير الكثير من التراجم
التي جاءت عن معاملة ومعايشة ربما ترسم جوانب مختلفة عما تورده
واستخدامه أسلوبا دبلوماسيا في توجيه االنتقادات لما يرى انه يجر عليه
وبعد ، ،فالكتاب مصدر ثري بالمعلومات والجوانب التي قلما نجدها في
04
أبو الثناء شهاب الدين ،السيد ،محمود أفندي األلوسي الحسيني ،صاحب
العراق( ).
( )1محسن عبد الحميد« :اآللوسي مفسرًا»،مطبعة المعارف ،بغداد1691 ،م( ،ص.)18 :
05
هو فريد عصره ،ونسيج وحده السيد محمود بن عبد اهلل بن محمود بن
ينتهي نسب اآللوسي وأسرته إلى اإلمام الحسين رضي اهلل عنه ،فهو
بالمد فيقولون آلوس ،وهو اسم رجل سميت به بلدة على ناحية الفرات
قرب عانات الحديثة ،وال صحة لرواية جرجي زيدان وغيره أن أجداده قد
( )1خير الدين الزركلي« :األعالم قاموس تراجم ألشهر الرجال والنساء من العرب
والمستعربين والمستشرقين» ،دار العلم للماليين ،بيروت ،الطبعة الخامسة1041 ،هـ/
1614م35/1 ،؛ عمر رضا كحالة :معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية ،مكتبة
المثنى ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت 1539 ،هـ1633/م133/18 ،؛ خليل مردم بك :أعيان
القرن الثالث فى الفكر والسياسة واالجتماع ،مؤسسة الرسالة ،بيروت1010 ،هـ( ،ص:
.)193محسن عبد الحميد» :اآللوسي مفسرًا«،
( )8البالذري« :فتوح البلدان» ،مكتبة الهالل ،بيروت1615 ،م809/1 ،؛ يوسف إليان سركيس:
معجم المطبوعات ،مكتبة مرعشى ،القاهرة1681 ،م.103/8 ،
06
ويروي أحد مؤرخي اآللوسي وهو محمد بهجت األثري أن لهذه
األسرة نشأتين ببغداد ،نشأة قديمة كانت في القرن الحادي عشر الهجري
حين ارتحل في أواخره من كان ساكنا ببغداد إلى الحديثة وآلوس ،وهي
من القرن الثاني عشر الهجري ،وذلك حين جاء محمود ابن درويش
الخطيب اآللوسي إلى بغداد فاتخذها وطنا ،وتوفي فيها في أوائل القرن
الثالث عشر(.)1
يكنى أبو الثناء ،أو أبو عبد اهلل األلوسي ،ويلقب شهاب الدين(.)2
( )1محمد بهجت األثري :أعالم العراق ،المطبعة السلفية ،القاهرة1503 ،ه ،ص 1؛ محمود
شكري اآللوسي :المسك األزفر ،مطبعة اآلداب ،بغداد ،1654 ،ص .86
( )8الزركلي :األعالم1/35 ،؛ معجم المؤلفين 113/54؛ محمود شهاب الدين اآللوسي :روح
المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،بوالق ،القاهرة1541 ،ه.5/1 ،
07
كان اإلمام األلوسي سلفي العقيدة ،يف غري تعصب ،وال ميول منحرفة ،وكان
أسالفه على مذهب اإلمام الشافعي يف الفقه ،وقد درس هو الفقه عنهم ،وأخذ منهم
وقد نزع هو مع شافعيته إىل مذهب اإلمام األعمم أبى ننيفة ،نتى اار من فقهائه،
وأكرب علمائه ،ونبغ فيه إىل أن اار إماماً للمذهب ،مفتياً للحنفية سنة (8221هـ/
8182م).
مع نبوغه في مذهب اإلمام أبى حنيفة الذي تولى اإلفتاء باسمه.
وقد أخذ الطريقة الصوفية النقشبندية على الشيخ أبى البهاء خالد
النقشبندي.
( )1محمد عبد العظيم الزرقاني :مناهل العرفان فى علوم القرآن ،تحقيق مكتب البحوث
والدراسات ،دار الفكر ،بيروت10/1 ،1669 ،؛ محمد حسين الذهبي :التفسير والمفسرون،
دار الكتب الحديثة ،القاهرة1669 ،م538/1 ،؛ الفضل بن عاشور :التفسير ورجاله ،مطبعة
االستقامة ،تونس 1599هـ. 193/8 ،
08
ولد اإلمام األلوسي في يوم الجمعة الرابع عشر من شعبان سنة ألف
نشأ الشهاب األلوسي في بيت علم وأدب ،وكان والده مدرس العلوم
ببغداد وفقيه الحنفية وإمام الشافعية ،فربى ولده على حفظ القرآن،
وفى هذا الجو نشأ طود األدب وعلم البالغة ،وأمير البيان اإلمام األلوسي،
فعندما وصل عمره ثالث عشرة سنة كان قد أجيز في تدريس العلم ،وبدأ
في الدعوة إلى اهلل ،ولما وصل العشرين ،كان والده قد توفي في سنة
( )1خليل مردم :أعيان القرن الثالث عشر ،ص 193؛ البالزري :فتوح البلدان.060/0 ،
( )8خليل مردم :أعيان القرن الثالث عشر 193؛ يوسف سركيس :معجم المطبوعات .5/1
09
وبعد ذلك رحل األلوسي وهجر داره وسكن جوار مسجد الشيخ عبد
اهلل العاقولى بالرصافة .وفى عام (1851هـ) تولى الوعظ في جامع الشيخ
عبد اهلل العاقولى ،فسمع وعظه مرة الوزير علي رضا ،فدعاه لزيارته،
وواله أوقاف المدرسة المرجانية ،وقد كانت مشروطة ألهل بغداد .ثم
انتشر اسمه وذاع صيته ،حتى أمه الناس وصار علما ً في الفقه الحنفي
وفى هذه الفترة بدأ في تفسير روح المعاني ،وألف كثيراً من الكتب،
وراسله األدباء وشرع في تدريس العلوم بداره ،حتى ذاعت شهرته وطبقت
وفى هذه األثناء عُزل رضا باشا عام (1831هـ) وخلفه محمد نجيب
باشا فعزل األلوسي بعد أن استمر في الفتوى والتدريس خمس عشرة سنة
(1893هـ)(.)8
21
تلقى العالمة األلوسي العلم يافعاً ،وحرص على االزدياد منه ،فجالس
حتى اجتمع له شيوخ أهل زمانه ،وأخذ عنه طالب عصره وأوانه.
-1والده السيد عبد اهلل بن محمود األلوسي ،وقد تلقى منه القرآن وأتقنه
على يديه ،وقد كان والده إمام زمانه حتى توفى سنة (1808هـ)
بعلي أفندي المتوفى (1853هـ) مؤرخ أديب ،ولد في بغداد وتوفي في
مسائل الدين(.)8
( )1سركيس :معجم المطبوعات ،5/1 ،خليل مردم :أعيان القرن الثالث عشر ،ص .193
( )8كحالة :معجم المؤلفين. 349/8 ،
20
-5عالء الدين علي األفندي الموصلي ت (1808هـ) محدث من آثاره
تصنيف أسانيد الكتب الستة .وقد الزمه األلوسي أربع عشرة سنة
جاء من جهات شهرزور ،وهاجر إلى بغداد وكان عالماً عامالً ،زاهداً،
تلقى على يده العلوم العقلية والنقلية وألف فيه األلوسي (الفيض
( )1كحالة :معجم المؤلفين309/8 ،؛ أنور الجندي :تراجم العلماء المعاصرين في العالم
اإلسالمي ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة1041 ،ه/ـ1611م ،ص .011
( )8الزركلي :األعالم5/550 ،؛ الفاضل ابن عاشور :التفسير ورجاله ،ص .151
( )5مردم :أعيان القرن الثالث عشر ،ص 110؛ كحالة :معجم المؤلفين .65/0
22
-9أحمد عارف حكمت بن إبراهيم الحنفى ،مفتى اإلسالم ،التقاه الشيخ
أو ابن غياث الدين ،قرأ عليه اإلمام األلوسي ،كتاب سيبويه ،فأجازه
فيه ،توفى سنة (1861هـ) قد تلقى عنه األلوسي النحو وعلوم العربية
وأجازه فيها(.)8
-1عبد الرحمن الكربزي شيخ األلوسي قاضي عالم بالحديث ،ولد في
23
-6المال حسين الجبوري :درس عليه القرآن الكريم ،وكان رجال تقيا
أخرى لها ،وهذه الرسالة هي في علم الوضع .وكذلك قرأ عليه آداب
وكان شيخه هذا عالمة فاضال مشهورا بعلم العربية حتى سمي
( )1محمود شهاب الدين اآللوسي :غرائب االغتراب ونزهة األلباب ،مطبعة الشابندر ،بغداد،
1583ه1646/م ،ص . 3
( )8حاج حمد تاج السر حاج حمد :التعريف باإلمام األلوسي وتفسيره ،مجلة الشريعة
والدراسات اإلسالمية ،العدد ( )13صفر 1051هـ فبراير 8414م .
24
-11السيد محمد أمين بن السيد علي الحلي(:ت 1809هـ1154/م) قرأ
قد تلقى العلم على يدي الشيخ عدد ال يحصى ،صار بعضهم أعالماً ال
-1عبد الفتاح بن الحاج شواف زاده ،البغدادي ،الحنفي ،وقد ترجم لشيخه
في كتاب سماه (حديقة الورود في ترجمة أبى الثناء شهاب الدين
25
-8ابنه سعد الدين بن محمود المعروف بعبد الباقي األلوسي ،من فضالء
العراق ورث الفضل عن أبيه ،ودرس عليه العلوم من حساب وفقه وفى
العلوم النقلية كافة ،ولد (1801هـ) وتوفى (1861هـ) ودفن إلى جانب
-5ابنه نعمان خير الدين الشهير بابن األلوسي ،عالم فاضل حنفي المذهب،
-0محمد أمين أفندي( ،ت1838هـ) تلميذ الشيخ ،وقد كتب تقريظاً على
26
-3عبد السالم الحاج سعيد البغدادي الحنفي ،مدرس المدرسة القادرية
تتلمذ على اإلمام ،وأخذ عنه عدد من علماء ذلك الزمان ،نالوا منه
منهم أبناؤه أجمعون ،وعمه عبد الحميد ،وكثير ممن جاء بعده(.)8
كانت العراق قد عرفت حكما ذاتيا للمماليك الكوله مند تحت مظلة
من الوالة الذين أثروا النهضة العلمية واألدبية في بغداد ،إذ قرب إليه
العلماء والشعراء –إلى جانب إصالحاته في عدة ميادين أخرى– وكان هو
27
حتى حاول االستقالل عن تبعيته للدولة العثمانية ،وما أعقب ذلك
من أحداث كان آخرها وقوع طاعون في بغداد جعله يستسلم للوالي
الحصار ،وكان من هؤالء شهاب الدين اآللوسي ،مما جعله غرضا لسهام
وقطعوا عنه سبل العيش والرزق ،فلم يجد بدا من الرحلة إلى العاصمة
المعاني)(.)1
( )1عبد العزيز سليمان نوار :داود باشا والي بغداد ،دار الكتاب العربي ،وزارة الثقافة ،القاهرة،
1691م ،ص 513-510؛ علي ظريف األعظمي :مختصر تاريخ بغداد ،مكتبة الفرات ،بغداد،
1689م ،ص . 859-888
28
سافر األلوسي إلى القسطنطينية ليعرض على السلطان كتابه روح
السلطان محمود خان العدلي ابن السلطان عبد الحميد [األول] وهو الذي
وجلس في رحلته هذه إلى الشيخ أحمد عارف حكمت الحنفي ،مفتى
البالد وشيخ اإلسالم ،فأجاز األلوسي على ما عنده من أسانيد ،وألف فيه
كتابه (شهي النغم في ترجمة شيخ اإلسالم وولى النعم أحمد عارف
حكمت) وبعد ذلك عاد إلى بغداد وألف كتابه (نشوة الشمول في السفر
إلى استانبول) وصف فيه رحلته منذ خروجه من بغداد حتى وصوله إلى
األستانة.
29
وألف كتابه اآلخر المسمى (نشوة المدام في العودة إلى دار السالم)
شرح فيه عودته إلى بغداد .وألف كتابه) غرائب االغتراب) جمع فيه
الرحلتين السابقتين ،ووصف فيه من لقيه من أهل العلم ،ومن أجازه من
ترك لنا العالمة اآللوسي الكثير من اآلثار العلمية واألدبية ،تم نشر
وكل هذه اآلثار المطبوعة والمخطوطة على السواء تحتاج إلى جهود
أخرى.
31
أوال :في األدب واللغة
()1
-1حاشية شرح القطر– البن هشام :شرح قطر الندى وبل الصدى البن
هشام ،وصل فيه إلى باب الحال وأتمها بعد وفاته ولده نعمان وسماها
البن المؤلف نعمان .وقد طبع في دمشق 1541ه ،ومنه نسخة محفوظة
-5كتاب حاشية عبد الملك ابن عصام في علم االستعارة :ألفها وهو
( )1علي عالء الدين األلوسي :الدر المنتثر في رجال القرن الثاني والثالث عشر ،ص 86وما
بعدها؛ الزركلي :األعالم139/3؛ نخبة من تالميذ اآللوسي :أريج الند والعود في ترجمة
أبي عبد اهلل محمود ،مطبوع في مقدمة تفسير روح المعاني ،الدار القومية العربية
للطباعة والنشر ،القاهرة1515 ،هـ1690/م ،ص 81؛ سركيس :معجم المطبوعات.0/1 ،
30
-0الفيض الوارد على رياض مرثية موالنا خالد :كتاب شرح مرثية
الشيخ خالد النقشبندي ،شرح بها القصيدة الدالية للسيد محمد الجواد
وهى القصيدة التي نظمها عبد الباقي الموصلي العمري في مدح أمير
المؤمنين على أبى طالب كرم اهلل وجهه ،وبعدها ينتقل إلى تفصيالت
32
ثانيا :في البحث والمناظرة واألجوبة
()1
األلوسي.
بهامش كتاب (خواتم الحكم) لعلي دده المولى مصر (1510هـ) في
مطبعة دار مكتبة الصنائع في األستانة (1513هـ) ومنه نسخة توجد في
-14سفر الزاد لسفرة الجهاد :حث فيها على الجهاد ورد الغزاة عندما ثارت
سنة 1834هـ ،طبعت بدار السالم بغداد سنة (1555هـ) ومنها نسخة بخط
( )1الزركلي :اإلعالم3/139 ،؛ أريج الند والعود ،ص ،81سركيس :معجم المطبوعات .0/1
33
-11البيان شرح البرهان في طاعة السلطان :مخطوط ،ولم يطبع منه
-18نهج السالمة إلى مباحث اإلمامة :اختصر فيه التحفة االثنى عشرية،
ولم يتمه وقد داهمه المرض ،وهو مخطوط في خزانة السيد هاشم،
()8
-10نشوة الشمول في السفر إلى استانبول .وبين فيه ابتداء رحالته إلى
-13نشوة المدام في العودة إلى دار السالم ،وشرح فيه عودته إلى بغداد
34
-19غرائب االغتراب ونزهة األلباب والذهاب واإلقامة واإلياب ووصف فيه
عنى بطبعة نجله السيد أحمد شاكر وفى صدره ترجمة للمؤلف
()1
-13أنباء األبناء ألطيب األنباء .وهو وصية ألبنائه ،توجد في خزينة السيد
هاشم مع المسودة.
( )1علي عالء الدين األلوسي :الدر المنتثر ،ص54؛ الطيب أحمد منهج :األلوسي في التفسير،
ص 81؛ سركيس :معجم المطبوعات 0/1وما بعدها؛ الزركلي :األعالم .139/3
35
()1
دقائق التفسير.
الحنفية.
الشجرة الفاطمية.
وقد تكون هذه المؤلفات حواشي أو أجزاء ،أو كتباً فقدت لم يقف
عليها الباحث.
( )1سركيس :معجم المطبوعات 5/1وما بعدها؛ أريج الند والعود ،ص .3
36
()1
مرض األلوسي بالحمى والتي عاودته بعد أن شفي منها ،حتى تمكنت
منه مرة أخرى ،وأبلت جسده ،فانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها في يوم
(1834هـ) بعد أن صلى الظهر إيماءً ،وغسله طالبه ،وشيعه أهل بغداد،
ودفن في جنازة مهيبة لم تعرفها بغداد من قبل ،ووري جثمانه الثرى في
( )1حاج حمد تاج السر :التعريف باإلمام األلوسي وتفسيره .
( )8معروف الكرخي ،أحد األعالم الزهاد المتصوفة ،ولد في كرخ بغداد وتوفى سنة 844هـ،
انظر :الزركلي :األعالم .113/1
( )5مردم :أعيان القرن الثالث عشر ،ص 31؛ سركيس :معجم المطبوعات .5/1
37
(:)1
()8
كان اإلمام األلوسي ورعاً تقياً ،له ملكة في الوعظ وقوة الشخصية
وبالغة وفصاحة فطرية ،وذاكرة حافظة ،وقريحة متوقدة حتى أنه قال
38
وقد أثنى عليه المفسرون من بعده ،وبينوا فضله واتساع علمه(.)1
قال الفاروقي:
وباتـت عليه أعيـن العلـم باكيـة *** يقولـون مــات الشهـاب أبــو الثنـاء
وروح معانيه إلى الحشر باقية *** فقلت لهم ما مات من زال شخصه
وقد أثنى عليه عبد الغفور أفندي قال( :هلل دره من مؤلف فاق جميع
وأثنى عليه جملة من العلماء منهم الشيخ محمد سعيد أفندي مفتى
بغداد ،حيث مدح كتاب روح المعاني فقال( :وجدته شامالً لما بيّن
مع القطع)(.)5
( )1نعمان األلوسي :جالء العين في محاكمة األحمدين ،دار المدني للطباعة ،القاهرة1611 ،م،
ص 00؛ أريج الند والعود ،ص 16؛ ابن عاشور :التفسير ورجاله ،ص .135
( )8مقدمة روح المعاني ،التقريظ ،ص11؛ الطيب أحمد عبد اهلل :منهج األلوسي في التفسير،
ص .50
( )5أريج الند والعود ،ص 9؛ الطيب أحمد عبد اهلل :منهج األلوسي ،ص .55
39
وقد مدح الشعراء األلوسي ،وأخذ عنه العلماء ،واعترف بفضله النبالء،
وقد عاصر اإلمام عدداً من الوالة الذين تعاقبوا على حكم بغداد،
أشهرهم(:)8
-8علي رضا باشا ،والي بغداد من قبل السلطان العثماني ،بعد سقوط
دولة المماليك وهو الذي تعاون معه األلوسي ،وكان مصدر ثقته،
وحتى (1831هـ).
( )1نعمان األلوسي :جالء العين ،ص ،00أريج الند والعود ،ص16؛ الفاضل ابن عاشور :التفسير
ورجاله ،ص 135؛ الطيب أحمد عبد اهلل :منهج األلوسي في التفسير ،ص 153وما بعدها؛
مردم :أعالم القرن الثالث عشر ،ص .31
( )8أحمد شلبي :موسوعة التاريخ اإلسالمي ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة1618 ،م،
41
-5نجيب باشا الذي تولى بغداد في الفترة (1831هـ ـ 1893م) وقد جاء
ذلك بعد عزل رضا باشا ،فعزل األلوسي وحرمه من األوقاف في سنة
كانت رحلته االولى إلى رحلة الذهاب من بغداد إلى العاصمة العثمانية
ثم بدأ رحلة العودة إلى بغداد /دار السالم ،وهي هذه الرحلة التي بين
أيدينا.
كان ملزما بذلك أدبيا ،فهي عادة جرى عليها من سبقوه من أهل العلم
( )1عبد العزيز سليمان نوار :تاريخ العرب الحديث ،ص 188؛ نخبة من علماء التاريخ بالعراق:
العراق في التاريخ ،د .ت ،.ص .951
40
" ....ولوال أن عادة أمثالي اإلسفار عما وقع لهم في أسفارهم ،وتحرير
42
ظلت عادة الكثير من المصنفين ،والكثير من كبار رجال الدولة
والنخب من رجال السيف والقلم والحكم والغدارة ،أن يكلفوا أهل العلم
والمعنوية ،أو يكون ذلك اإلهداء ردا للجميل واعترافا بالفضل أو محبة
خالصة .وقد تبين من سياق الرحلة مدى العالقة القوية التي تربط
المصنف الجليل بالوزير حمدي باشا ،وبالتالي فقد كتب هذا الكتاب
"رسم لخدمة حضرة سنيِّ األخالق ،ومن فاق بكل كمالٍ جميع
الوزراء على اإلطالق ،صادق الدين والدولة ،ومَن جعل جبرَ قلوبِ
المنكسرين شُغْلَه ،حضرة أفندينا وليّ النِّعَم ،وفيّ الذمم ،وافر الجود
والكرم ،محمد حمدي باشا ،زاده اهلل تعالى انتعاشا ،وأعطاه مرامه كما
شا ،وال زالت أنظاره شاملة جميع الداعين له ،مسبغا عليهم وإن أذنبوا
43
المؤلف رجل عاين أمور اإلدإرة ،وعانى أمور السياسة والحكم ،والقى
منها ما القى ،لذا نراه يبدأ صفحة جديدة بعيدة عن التعرض ألهل الحكم
لكنه أطلق لنفسه العنان في انتقاد صغار أهل العلم واإلدارة ،ممن ال يُخشى
انتقامهم وال سطوتهم ،لكن انتقاداته كانت في محلها ،وهو يومىء إلى
أنه سكت عن الكثير وألجم لسان قلمه عن الخوض في بعض الشئون ،ليس
" ....وقد عصبت شجة رأس القلم؛ لئال تمأل دماؤها الدأماء ،وجبذت
بعنان البنان ذلك األدهم؛ مخافة أن يغبر عليّ بعثير عدوه قلوب أهل
44
لكنه يؤكد أن انتقاداته ليست من حظ نفسه وهواه ،إنما هي حق رآه
" ....واهلل تعالى العاصم بعدها من اتخاذه الباطل مدادًا ،والحافظ من
يدعي المؤلف –تواضعا منه -أنه كتب رحلته وهو في حالة ال تسمح
بالكتابة ،فجاءت بال بالغة وال حسن ديباجة ،وأنه احيانا تجد فيها بعض
لمحات بالغية ،ليس رغبة منه في تزيين رحلته ،وإنما لترغيب القراء
" ..وربما نسج في بعض المقامات برودًا حريرية ،ليس الغرض منها-
45
"يوم الخميس خامس شهر ربيع األول سنة ألف ومائتين وتسع وستين
من الهجرة".
من رفقاء المرحلة األولى في طريق العودة ،وكانت عبر الوابور أو
السفينة:
وقد ركب فيها حضرة مشير عساكر أناطول سليم باشا الذي كان
والي شهرزور
وحضرة مصطفى ظريف باشا والي أرزن الروم ،وهو الذي كان واليًا
في حلب.
محمد أمين بك ابن المفتي عبد الرحمن باشا الوالي سابقًا في أرزن
الروم.
46
ولده (عبد الباقي)
واستضافوه أو زاروه.
ذكر المؤلف ثمانية وأربعين منزال نزلها أثناء رحلته ،أولها كانت
التي مر عليها ولم ينزل فيها ،أو لم يعدها ضمن المنازل ربما ألنه قضى
فيها سويعات قليلة للراحة والطعام ،وهذه المنازل بعد من نقطة االنطالق
المقدمة :
47
كتاب نشوة المدام في العودة إلى مدينة السالم ،رحلة عالمة عصره
وفهامة مصره ،خاتمة المفسرين المرحوم المبرور ،أبو الثناء شهاب الدين
السيد محمود باشا آلوسي زاده ،المفتي ببغداد ،ال زال رافالً في دار السعادة
تسافر بشبهها عين إنسان ،وقد حوت كل معنى مأهل غريب وأسلوب
عجيب ،ال برح واصلة إليه رحمة الملك القريب ،بالطلوع والمغيب ،آمين.
والثانية مطبوعة:
48
النسخة المحفوظة في مكتبة بلدية إستانبول -تركيا .وهي نسخة
المؤلف بخطه ،قام المؤلف نفسه بمراجعتها على مسودته ،كما نص
على ذلك في ختام المخطوطة ،وهي نسخة ممهورة بخاتم المؤلف في
ورقتها األخيرة.
Istanbul Belediyesi
Belediye Kutuphanesi
N. ,
49
تاريخ النسخ 83 :ربيع اآلخر 1834هـ.
[ بلغ مقابلة على مسودة مؤلفه ،وذلك على يد مؤلفه غريق إحسان
حضرة المشار إليه ،السيد محمود الحسيني الشهير بـ (آلوسي زاده) ،كان
ثم عاد به قرير العين برفده ،فيا له من عود ،ويا له مَن أَسرى ،اللهم
فصل وسلم على ذلك العبد والسيد الذي ما ساد مثله ،وال يسود من قبل
جميع الوزراء على اإلطالق ،صادق الدين والدولة ،ومَن جعل جبرَ قلوبِ
المنكسرين شُغْلَه ،حضرة أفندينا وليّ النِّعَم ،وفيّ الذمم ،وافر الجود
والكرم ،محمد حمدي باشا ،زاده اهلل تعالى انتعاشا ،وأعطاه مرامه كما
شا ،وال زالت أنظاره شاملة جميع الداعين له ،مسبغا عليهم وإن أذنبوا
51
وهي التي تمت طباعتها بمطبعة والية بغداد في 83جمادى اآلخرة سنة
المبرور ،أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود باشا آلوسي زاده ،المفتي
ببغداد ،ال زال رافالً في دار السعادة فائزًا بالحسنى والزيادة ،وهي رحلة
لم ير مثلها في سالف الزمان ،ولم تسافر بشبهها عين إنسان ،وقد حوت
كل معنى مأهل غريب وأسلوب عجيب ،ال برح واصلة إليه رحمة الملك
50
أغنتني نسخة المؤلف التي كتبها بخطه الجميل ،والتي هي في األصل
راجعها المؤلف نفسه على المسودة ،أغنتني هذه النسخة عن االعتماد على
الوالية ،فوجدت اختالفات يسيرة بينها وبين النسخة المطبوعة ،أشرت إلى
].
وبعد ذلك قمت بما يتعين علي في التعليق على النص ،وهو :
52
-ضبط اآليات القرآنية بالشكل ،وذكر رقمها والسورة التي وردت فيها.
53
ال أدعي أنني محقق محترف يسير بدقة وفق المنهج العلمي للتحقيق،
وإنما هي محاوالت مجتهد محب للتراث ،فما كان من صواب فهو توفيق
اهلل ،وما كان غير ذلك فنرجو غفرانه سبحانه ،ونسأله أن يجبر كسرنا
اللهم اجعل هذا العمل وأمثاله خالصًا لوجهك الكريم ،واجعله جهادنا
في الدنيا ،وفخرنا في اآلخرة ،واجر علينا به الحسنات بعد الممات إلى أن
نلقاك ،ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم ،واغفر لنا ولوالدينا وألساتذتنا،
54
سبحان ربك رب العزة عما يصفون،
55
56
57
58
سبحان الذي أسرى بعبده فأراه من آياته الكبرى ،ثم عاد به قرير العين
برفده ،فيا له من عود ،ويا له مَن أَسرى ،اللهم فصل وسلم على ذلك
العبد والسيد الذي ما ساد مثله ،وال يسود من قبل ومن بعد ،فهو درة تاج
سلطنة العبودية ،وقرة عين حوراء مرتبة المحبوبية ،وعلى آله وأصحابه
الذين أبعدوا الخطا في أسفار القلوب ،فعادوا بجر الحقائب من درر بحر
59
وبعد،
المحمية ،وقد عصبت شجة أثناء عَودي إلى منبت عُودي مدينة السالم
رأس القلم ؛ لئال تمأل دماؤها الدأماء ،وجبذت بعنان البنان ذلك األدهم؛
مخافة أن يغبر عليّ بعثير عدوه قلوب أهل الغبراء ،لما أن الحق مُرّ،
( )1القسطنطينية :المدينة المشهورة ،وكانت قرية من قرى روملي ،وكانت تسمى إذ ذاك
ليفوس ،وبعد أن نزل عندها قبائل اليونان سميت بوزنطيا ،ولما صارت تحت مملكة
الرومانيين سميت يني روما -أي روما الجديدة -ثم أبدلوا ذلك بالقسطنطينية ،وفروق
كما في القاموس ،وسميت بعد الفتح إسالمبول ،والعامة تقول اسطنبول ،وفي كتب
تاريخ لمسقو تسمى زرعرود أي المدينة الملكية ،والبلغار واألوالق يسمونها زرغوراد
وأهل جزير إسلندة والسكندنادية فكانوا في العاشر من تاريخ الميالد يسمونها مكال غرد
أي المدينة الكبيرة ،ولسان القلم عاجز عن أداء حق وصفها ،ال زالت دار الخالفة حتى
يرث اهلل تعالى األرض ومن عليها ]المؤلف[ .
( )8يعني بها مدينة بغداد .
61
وجدت أكثرهم سقط
()1
*** وإذا اختبرت بني الزمان
[/8أ] ولذا كان ما عطفت عليه من ذاك أقل من إنصاف الزمان ،وما
ثنيت عطفي عنه هناك ،أكثر من حسد في جسد هذا الكيان ،ولوال أن
والتخذت لكميت قلمي من السكون لجاما ،لكن أحب التشبه باألمثال القلم،
بعض المقامات برودًا حريرية ،ليس الغرض منها -وحرمة األدب -إال
تزيين خريدة الفكاهة بالمحاسن البديعية ،واهلل تعالى العاصم بعدها من
60
فأقول ،سائالً من اهلل -تعالى -الوصول إلى أحبة هم بمدينة السالم
نزول ،ركبت سفينة النار( ) ،وما هي إال مثال قلبي المشحون بحب الديار،
( )1وتسمى بالوابور ،ومعناه في اللغة الفرنساوية :البخار على ما حققته من بعض الكبار،
وقيل موقد النار ،وسمعت من بعض األجلة أن هذه السفينة كانت زمن معاوية رضي اهلل
عنه ،وأظن أنها التي كانت تسمى أسطوالً ،وبها أتى بالبطريق من القسطنطينية ليقتص
منه لمن صفعه من المسلمين ،الحكاية المشهورة ،وهجرت زمن المأمون العباسي لشكوى
التجار كساد تجارتهم بسببها ،ثم تقادم الزمان حتى نسي كيفية عملها ،ثم ظفرت بها
األكفار ..واهلل أعلم] .المؤلف[
( )8الشيار :بكسر الشين المعجمة بعدها ياء مثناة تحتية يوم السبت] .المؤلف[
62
وقد ركب فيها حضرة مشير عساكر( )1أناطول( )8سليم باشا الذي
كان
( )1مشير العساكر :في عام 1158م استحدثت الدولة رتبة المشير أعلى الرتب في الجيش،
وأصبح توالي الرتب العسكرية في الجيش من أسفل إلى األعلى على النحو التالي :الجندي
المستجد "نفر" ،ثم األونباشي ،ثم أمين البلوك " بلوك أميني " ،ثم الجاويش "جاوش"،
ثم الجاوش األول "باش جاوش" ،ثم المالزم ،ثم الميرلوا ،ثم الفريق ،فالمشير ،وفي عام
1150م أقامت كلية حربية"حربية مكتبي" لتنشئة الضباط الالزمين للجيش ،كما أوفدت
الطالب للدراسة في النمسا .أنشأت خالل ذلك العام وحدات احتياطية "رديف" في
الواليات المختلفة .وأصبحت العساكر المنصورة تعرف بعد ذلك باسم " العساكر
النظامية".
انظر :أكمل الدين أوغلو :الدولة العثمانية تاريخ وحضارة . 014/1
( )8أناضولي/األناضول :شبه جزيرة مستطيلة يحدها شماالً البحر األسود ،وغربًا بحر إيجة،
وجنوبًا البحر المتوسط ،وشرقًا جبال إرمينية ،يبلغ طولها من الغرب إلى الشرق 1444
كم تقريبًا ،وبين 034و 934كم من الشمال إلى الجنوب ،تقع بين خطي عرض ،05 ،59
فهي بهذا تقع على الخط نفسه مع األندلس وصقلية ،وهي مسطح مائل نحو الشمال
الغربي تحيط به السالسل الجبلية المرتفعة .وقد ظل الجغرافيون العرب واألتراك
أنفسهم يطلقون عليها بالد الروم حتى وقت متأخر من العهد العثماني.
أصل الكلمة يوناني بيزنطي ،وكان يدل على تقسيم إداري في اإلمبراطورية
البيزنطية ،حل مكانه مع امتداد الفتح العثماني داللة أكثر عمومية لالسم الذي أصبح
أناضولو Anadoloبلسان الترك .كان االسم يشمل بداية األناضول الغربية فقط ،ولدى
إعادة تقسيم الواليات في عهد التنظيمات -منتصف القرن -16صارت األناضول مجرد
تسمية جغرافية ال تطلق سوى على شبه الجزيرة نفسها (تقريبًا حتى خط طربزون -
أرزنجان -برجق -اإلسكندرونة) واليوم يعني األتراك بقولهم :األناضول القسم اآلسيوي
من تركية بما فيها المناطق التابعة جغرافيًا ألعالي ما بين النهرين (الجزيرة "ديار
بكر" ،أرمينية "قارص") عدا جزر بحر إيجه.
انظر :س .موستراس :المعجم الجغرافي. 13 ،
63
عام توجهت إلى إسالمبول( ) ،وقد أحسست منه أنه ()1
والي شهرزور
سليم القلب له محبة وافرة لحضرة (الباز األشهب)( ) -قدس سره ،وغمرنا
بره[ -وأكثر سكنة بالد الروم لم يتخذوا غير االنتساب لحضرات المشايخ
جنة ،واعتقدوا أنه هو الوسيلة إلى الحلول في أعلى غرف الجنة ]( ).
( )1لواء شهر الزور :هو في بلدة كركوك على مسافة 85ساعة ،ويحتوي على 88ألف
نسمة ،جسيم ،ومعمور ،ويجري في دجله نهر الخاصة ،ويلتقي بـ(نهر األدهم) الذي يأتي
من الجنوب .أرضه زراعية ومنبتة كافية .األقضية والنواحي التابعة له :قضاء كركوك
نفسه ،قضاء أربيل.
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص 838
( )8إسالمبول :من أسماء استانبول ،ويقال في أصل كلمة استانبول إنها كلمة يونانية تتألف
من كلمتين Istinو Polinبمعنى نحو المدينة ،وقيل إن البيزنطيين حينما تجاوزوا
أسوار القسطنطينية وخرجوا لمالقاة العثمانيين وجدوا أنه ال طاقة لهم بمالقاتهم فقالوا
Polin Istinأي نحو المدينة أي عودوا وادخلوا المدينة ،ومن أسمائها آستانة وبلدة
الطيبة ودار الملك ،ودار السلطنة والدار العليا وداركاه سالطين أي عقبة السالطين في
الفارسية وسدة السلطنة أي باب السلطنة ومحروسة قسطنطينية اسمها بالروسية بمعنى
مدينة القيصر.
وكان علماء الدين إلى وقت قريب يسموها إسالمبول ،وكانت تكتب استامبول على
العملة في زمن أحمد الثالث .ويقال إن محمد الفاتح سماها (إسالمبول) بمعنى مدينة
اإلسالم بعد فتحها.
حسين مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص 80
( )5هو الشيخ خالد النقشبندي.
( )0هذه الزيادة من النسخة المطبوعة.
64
وركب فيها أيضًا حضرة مصطفى ظريف باشا والي(................ )1
( )1لوالي/ميرميران/البكلربكي :وهو رأس الحكم في اإليالة ،وأطلقت عليه المصادر العثمانية
إلى جانب ذلك أسمي :ميرميران ،وأمير األمراء ،ثم أصبح اسمه الوالي مع مقدم القرن
الثامن عشر .وكان يستخدم في النظم العثمانية في البداية بمعنى القائد "قومندان"
صاحب الصالحيات العسكرية الواسعة ،ولما اتسعت الفتوحات وتشكلت اإلياالت أصبح
البكلربكي يتمتع بالصالحيات اإلدارية والعسكرية معًا .كما كانت تستخدم البكلربكية
في القرن الخامس عشر رتبة ودرجة تُمنح لكبار رجال الدولة ،والسيما بكلربكية
الروملي.
وتتوزع مهام البكلربكي على حالتين أساسيتين؛ األولى هي :حالة السلم ،واألخرى:
حالة الحرب .وكانت عملية توفير األمن في اإليالة واحدة من بين مهامه األساسية.
ونظرًا ألن البكلربكي كان رأس النظام العسكري في إيالته ،والقائد العام عليها ،فقد
تعددت صالحياته ،وازدادت مسئولياته .وكان يقضي ثلثي حياته الوظيفية تقريبًا وهو
يخوض الحرب بالفعل ،أو أن ينشغل باإلعداد لها .وكانت تختلف بكلربكية الروملي عن
باقي البكلربكيات من حيث أنها كانت األولى في الدولة ،ومن حيث منطقة الروملي
نفسها باعتبارها "دار الجهاد" ،كما كان يشارك بكلربكي الروملي في اجتماعات الديوان
الهمايوني.
وعلى الجانب اآلخر فإن البكلربكيين الذين تولوا على إياالت مهمة مثل :مصر،
وبودين ،والشام ،وبغداد ،والحبشة ،واألحساء ،واليمن كانوا يحوزون رتبة الوزراء.
والمعروف أن للبكلربكي مكانة مهمة في التشريفات "البروتوكول" .والحاصل منهم
على رتبة الوزراء كان يلقب بلقب "أمير األمراء الكرام"؛ بينما يلقب غير الحاصل عليها
بلقب "الدستور المكرم".
انظر :أكمل الدين إحسان أوغلي :الدولة العثمانية تاريخ وحضارة.161/1 ،
( )8أرزن الروم :بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي ،وبعدها نون ،وهي مضافة الروم
بلدة من الخامس من أرمينية وآخر حد بالد الروم من الشرق ،طولها على ما في األطوال
(سط) وعرضها (ماد) وفي الرسم الطول (سوة) والعرض (لط يه) وقال ابن سعيد الطول
(سده) والعرض (مبدل) وباإلضافة يحترز عن (أرزن) بال إضافة وهي (بلدة من الرابع
من أطراف أرمينية عن خالط ثالثة أيام طولها على ما في األطوال (سه) وعرضها (لج)
واليوم هي كخالط خراب؛ بل ال عين وال أثر ]المؤلف[ .
65
يوم ارتضع أهلها من ضرع حادثة ( )
وهو الذي كان واليًا في حلب
النصارى الدر المسموم ،وقد أحسست منه بلين الجانب ومراعاة حقوق
الصاحب.
الحري بالرجال.
( )1حلب :بلد عظيمة من الرابع من قواعد الشام ،ونشأ فيها علماء أعالم ،طولها على ما في
األطوال سب ى وعرضها لدل وفي القانون طولها سج وعرضها لدل وشاع أن إبراهيم
عليه السالم كان مقيمًا في أرضها ،وكانت له بقرة شهباء ،فإذا قام بحبلها يقال حلب
الشهباء ،فاتخذت مدينة هناك وسميت بذاك وهو كالم استمرى من ضرع الكذب ،فال
تسقه رضيع ذهنك ]المؤلف[ .
( )8التنظيمات الخيرية :حركة اإلصالح العثماني الذي أعلن في 89شعبان 1833هـ ( 5تشرين
الثاني 1156م) بقصر كلخانه في استانبول .وقد قرأ متنها الصدر األعظم مصطفى رشيد
باشا مع خط همايوني السلطان عبد المجيد .وهي حركة تجديدية إدارية وسياسية
كانت ترمي إلى التقريب بين المجتمع العثماني والمجتمعات الغربية .وقد عرفت بهذا
االسم ألنها تميزت بـ (تنظيم) شؤون الدولة وفق أسس جديدة في جميع المجاالت
اإلدارية والمالية والقضائية والتعليمية.
سهيل صابان :المعجم الموسوعي ،ص .39-33
66
فتبوأ من السفينة القمارة ،واتخذاها عن سائر الراكبين ستارة،
واستأجرت أنا جوارهما حجرة نفيسة ،وبما لها من كوة مطلة على البحر
ابن المفتي عبدالرحمن باشا الوالي سابقًا في [/8ب] محمد أمين بك
()1
أرزن الروم ،وقد شاهدت منه مزيد عفة وصالح ،واختبرته فالح لي فيه
عظيم فالح.
( )1بك : BEYولقب " بك " تركي األصل ،ومختصر أو تحوير من كلمة " بيوك " أي
الكبير ،وأصل الكلمة تكتب بالكاف التركية " بك " ،وهي من الكلمات الغزية التركمانية
القديمة التي جلبها العثمانيون من موطنهم األصلي ،ويالحظ أن لقب بك كأي لقب
يلحق باالسم ،ومنها جاءت كلمة " أتابك " ،وتعني األمير في اللغة التركمانية القديمة؛
حيث "أتا– أطا" تعني األب ،وبك وتعني األب ،ثم استعملت بمعنى الكبير أوالسيد ،وقد
جاء هذا اللقب في رحلة ابن بطوطة؛ حيث كان يطلق على أحد الملوك؛ حيث فسر ابن
بطوطة معنى "بك" بالملك ،وقد أطلق هذا اللقب على أمراء أذربيجان وديار بكر في
القرن 6هـ13-م ،كما أطلق على هذا اللقب على سالطين السالجقة خاصة في األناضول.
وعلى العهد العثماني ،كان لقب "بك" يطلق على مجموعة كبيرة من الرتب
والوظائف الرسمية وغير الرسمية؛ حيث كان يعني :الرئيس ،رئيسًا لعشيرة ،حاكم،
أمير ،والي ،آمر ،ضابط ،ضابط بحري "قبطان" ،أمير السنجق "سنجق بك" ،ويطلق
لقب بك في الجيش العثماني على رتبة القائم قام "العقيد" ،و العميد "مير آالي"
خصوصًا ،وأطلق على القناصل األجانب المعتمدين في الدولة العثمانية من قبيل التبجيل،
وأطلق على عدد كبير من الموظفين الملكيين في الدولة العثمانية ،وله استعماالت
كثيرة في الدولة العثمانية ،وأصبح اآلن من ألقاب االحترام فقط .
انظر :أحمد صدقي شقيرات :مؤسسة شيوخ اإلسالم. 194/1 ،
67
من ولد السيد ()1
وذكر لي أنه من السادات األكارم ،حسيني النسب
( )1السادات واألشراف هم نسل النبي صلى اهلل عليه وسلم من ابنته فاطمة رضي اهلل عنها،
وهما الحسن والحسين رضي اهلل عنهما .
( )8موسى الكاظم (115 -181هـ366-303/م) :موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ،أبو
الحسن :سابع األئمة اإلثنى عشر ،عند اإلمامية .كان من سادات بني هاشم ،ومن أعبد أهل
زمانه ،وأحد كبار العلماء األجواد .ولد في األبواء (قرب المدينة) وسكن المدينة ،فأقدمه
المهدي العباسي إلى بغداد ،ثم رده إلى المدينة .وبلغ الرشيد أن الناس يبايعون للكاظم
فيها ،فلما حج مر بها (سنة 136ه) فاحتمله معه إلى البصرة وحبسه عند واليها عيسى
ابن جعفر ،سنة واحدة ،ثم نقله إلى بغداد فتوفى فيها سجينا ،وقيل :قتل .وكان على زى
األعراب ،مائال إلى السواد .وفى فرق الشيعة فرقة تقول :إنه (القائم المهدي) وفرقة
أخرى تسمى (الواقفة) تقول :إن اهلل رفعه إليه وسوف يرده .وسميت بذلك ألنها وقفت
عنده ولم تأتم بإمام بعده.
له (مسند) سبع صفحات من تأليف موسى بن إبراهيم المروزى .
ابن خلكان :وفيات االعيان151/8 ،؛ ابن خلدون :العبر113/0 ،؛ ابن كثير :البداية
والنهاية115/14 ،؛ ابن الجوزي :صفة الصفوة ،145/1الزركلي :األعالم .581/ 3
68
وأن من أجداده نجوم الهدى موالنا (شمس تبريز)( ) ،قدس اهلل -تعالى
شأنه -سره العزيز ،وقد أخذ الطريقة على الشيخ عثمان األرزنرومي
( )1شمس الدين التبريزي :محمد بن أحمد بن حاجي موالنا شمس الدين التبريزي ثم
المقدسي الشافعي ويعرف بابن عذيبة لمالزمته العذبة .ولد قبيل سنة خمس وخمسين
وسبعمائة بتبريز واشتغل قديماً وارتحل إلى أقصى العجم والهند والروم واليمن
والحجاز للتجارة مع اشتغاله بالفقه والعربية والصرف والقراءات؛ ودخل مصر في زمن
األسنوي وحلب في زمن األذرعي والشام في زمن ابن كثير وابن رافع وحضر عندهم
وعند غيرهم وحصل كتباً جيدة ودخل القدس في سنة خمس وتسعين وعرف بالخواجا
وجاور سنين بمكة قبل الفتنة .ذكره ابن أبي عذيبة وقال إنه به عرف وأنه قرأ عليه
في العربية والتفسير والقراءات وجاور معه بمكة سنة أربع وثالثين ،وكان أحد رجال
الدهر كرماً وديانة وتصوفاً وتخشعاً ومحبة في أهل العلم والخير وفضالً ذا نعمة
طائلة وثروة مع سرقة كثيرة من ماله وغرفه .مات بمكة في المحرم سنة خمس
وثالثين بعد مرض طويل رحمه اهلل .وهو أستاذ جالل الدين الرومي صاحب الطريقة
المولوية ،وقد كان موالنا جالل الدين الرومي من معلمي العلوك الشرعية= ،وكان
لقاءه بالتبريزي هو الذي أحدث انقالبا في حياته ،وقيل في ذلك :إن سبب عدول الجالل
المذكور عن التصدي باالشتغال بالعلوم ،وإن توجهه إلى الحال التى تنقل عنه ،أنه كان
جالساً يوماً في بيته وحوله الكتب والطلبة ،فدخل عليه الشيخ شمس الدين التبريزي:
فسلّم وجلس فقال :ما هذا؟ وأشار إلى الكتب والحالة التي هو عليها ،فقال جالل الدين:
هذه ال تعرفها ،فما فرغ الجالل من هذه اللفظة إال والنار قد عملت في البيت ،فقال
الجالل للتبريزي :ما هذا؟ فقال له التبريزي :هذا ال تعرفه ،ثم قام وخرج من عنده:
فقام الشيخ جالل الدين وخرج وراءه ولم يجده ،ثم ترك كتبه واشتغاله وأوالده وخرج
منقطعا ،وهو الذي سماه شمس تبريز ،بل وكتب أشعارا جمعها في ديوان سماه كذلك
" شمس تبريز " .
السخاوي :الضوء الالمع63/9 ،؛ بدر الدين العيني :عقد الجمان. 104/1 ،
69
حضرة موالنا الشيخ خالد العثماني السليماني المجددي( ) ،وهو ممن
( )1الشيخ خالد النقشبندي ( 1808 - 1164هـ1183 - 1339/م) :خالد بن أحمد بن حسين ،أبو
البهاء ،ضياء الدين النقشبندي المجددي :صوفي فاضل .ولد في قصبة قره طاغ (من بالد
شهرزور) والمشهور أنه من ذرية عثمان بن عفان .وهاجر إلى بغداد في صباه ،ورحل
إلى الشام في أيام داود باشا (والي العراق) وتوفي في دمشق بالطاعون .من كتبه (شرح
مقامات الحريري) لم يتمه ،و(شرح العقائد العضدية) ورسالة في (إثبات مسألة اإلرادة
الجزئية) واسمها (العقد الجوهري في الفرق بين كسبي الماتريدي واألشعري) و(جالء
األكدار) ذكر فيه أسماء أهل بدر على حروف المعجم ،و(ديوان فارسي) وجمع أسعد
الصاحب رسائله في كتاب سمي (بغية الواجد في مكتوبات موالنا خالد) ولعثمان بن سند،
كتاب فيه ،سماه (أصفى الموارد من سلسال أحوال اإلمام خالد ط) ،كما أن للشيخ
محمود اآللوسي كتابا فيه سماه (الفيض الوارد على روض مرثية موالنا خالد) ،والبن
عابدين كتابا فيه اسمه (سل الحسام الهندي في نصرة موالنا خالد النقشبندي).
الزركلي :األعالم.860/ 8 ،
71
وفارقت الرفيق المومئ إليه من صمصوم( ،)1متوجهًا بحرًا على طريق
إلى أرزن الروم ،وذكر لي أنه يتوجه من هناك إلى تفليس ()8
طربزان
عنهم المظالم المسقوفية( ،)5حيث إن البلدة اليوم -واألمر هلل تعالى -تحت
أيديهم ،سلط اهلل تعالى بلطفه الشامل من ينتزعها منهم على رغم أنوفهم،
وينحيهم.
( )1صمصوم /صامسون (بريان) :قرية في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية آيدين ،لواء
صوغله ،تقع على سفح جبل ،في موقع يسيطر على السهول التي يجري فيها نهر بيوك
مندرس.
س .موستراس :المعجم الجغرافي لإلمبراطورية العثمانية ،ص .583
وقد اعتمدت كثيرًا في تعريف المدن والقرى الواردة في الرحلة على هذا الكتاب،
رغم قلة معلوماته في كثير من األحيان ،إال أن أهميته تعد إلى كون مؤلفه س.
موستراس ،كان قنصالً لروسيا في إزمير ،وقد وضع كتابه هذا في عام 1195م ،وهي
فترة قريبة جدًا من زمن الرحلة ،كما أنه أحد المراجع القليلة جدًا المترجمة للعربية
وتتناول جغرافيا العثمانية ،كما أن المترجم قد أضاف تعليقات قيمة زادت من أهمية
الكتاب .
( )8طربزان/طرابزون :بفتح الطاء والزاي المهملتين ،ثم باء موحدة ،ثم زاء معجمة ،ثم ألف
ونون ،وقد يقال لها طرابزون باأللف بعد الراء وواو بعد الزاي ،واسمها في القديم
طرابزند وهي فرضة مشهورة على بحر نيلش المسمى بالبحر األسود ،وهي من اإلقليم
الرابع وطولها عند ابن سعيد سدل وعرضها مون ،وفي القانون طولها (سح وعرضها مح)
]المؤلف[ .
( )5نسبة إلى موسكو حاضرة روسيا القيصرية .
70
وتسمى السفينة التي ركبناها بالطائف البحري ،ولوال كثرة
العاكفين فيها ألزرت في سرعة السير بالطائر البري ،وكان طولها على
ما حققته إحدى وسبعين ذرعًا ،وارتفاعها على ما يخمنه الناظر في جوفها
نحو أحد عشر باعًا ،وفيها من النفوس نحو األلف ،ومن الحمول ما ال
( )1قروش :Kurusاالسم الذي أطلق على المسكوكات األجنبية المستعملة أو المتداولة في
الدولة العثمانية بوجه عام .فإن كانت ذهبًا أطلق عليها القرش األحمر ،وإن كانت
الكلمة مجردة من اإلضافة قصدت بها السكة الفضية .ولها أنواع:
.1القرش األسود :ويطلق على العملة األلمانية واألسبانية.
.8القرش األسدي:عملة فلمنكية (هولندية) وتساوي ثلث الذهب العثماني.
.5قرش سوليا :وهي العملة الفضية للويس الحادي عشر .
.0قرش بوليا :وهي عملة إمارة بوليا الواقعة في جنوب إيطاليا التي استولى عليها
العثمانيون لفترة مؤقتة.
وباإلضافة إلى ذلك كان هناك القرش العثماني الذي استخدم في نهايات القرن
السادس عشر الميالدي ،وكان مساويًا لثمانين أقجة ،وقد ارتفع سعره في القرن الثامن
عشر إلى مائة وعشرين أقجة .وهي وحدة نقدية أخذها العثمانيون عن األوربيين ،وقد
بدأ ضربها في البالد العثمانية في عهد سليم الثالث (1885 –1845هـ) وكانت من الذهب
عيار ( )155وتزن ستة دراهم ،وقطرها أربعون مليمترًا ،وكان أول سكة لها في 1141هـ،
ثم بدأ ضربها من الفضة عام 1103هـ ،وكان وزنها تسعة دراهم من الفضة ،وأطلق عليها
(ريال قروش) ثم بدأت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني أقل من نصف درهم.
سهيل صابان :المعجم الموسوعي ،ص 131؛ محمد عبد اللطيف هريدي :شؤون
الحرمين الشريفين ،ص .139
72
]سيناب[( ):
وقد سارت بنا تخفق بجناحي نسر ،وتنفس الصعداء أن قصرت بها
يوم االثنين ،فأقمنا يومنا وهو منا بحيث يجاوزه فأتينا سيناب
سهم شعاع العين ،فركبنا زورقًا وعبرنا إليه ،فدخلنا جامعًا فيه ينسب
للسلطان عالء الدين السلجوقي -رحمة اهلل تعالى عليه ،-ونُقِلَ لنا أنه
كان قد تداعت أركانه ،وأذنت تدعو أهل الخير إلقامتها ،وقد آذنت
73
ولم يسرَّ واحد بطيب وعدٍ آذانها ،حتى وفق اهلل تعالى [/5أ] خادم
( )1لقب ( خادم الحرمين ) من االلقاب التي تطلق على الخلفاء ،وقد حرص السالطين
العثمانيون على التلقب به منذ بسط سيطرتهم على الحرمين الشريفين عقب فتح الشام،
وظل اللقب متداوال ليس فقط في المكاتبات الرسمية بل في العمالت العثمانية المسكوكة
في مختلف عهود السالطين ،ويزعم بعض الكتاب أن العثمانيين لم يحرصوا على التلقب
بـ (خليفة) أو (خادم الحرمين) إال في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1646-1139م)
في محاولة منه لرفع شعارات دينية تسهم في دعم موقف دولته المتداعية ،وهو ادعاء
منافٍ للواقع والحقيقة .
( )8السلطان عبد المجيد خان ابن السلطان محمود خان الثاني :ولد سن 1853هـ ،وجلس عام
1833بالغًا من العمر 11سنة وعقيب جلوسه أقام خسرو باشا صدرًا أعظم فلم يستطع
أن يستميل إليه كبار رجال الدولة ،وقد جاراهم في بعض األمور ،فوقع النفور بينه
وبينهم ،واستحكمت حلقاته حتى لم يعد في اإلمكان إصالح ذات البين ،وبالنظر لما وقع
من الشقاق تأخرت أحوال العمار البحرية التي أرسلتها الدولة إلى مصر ،وحينئذ أقال
السلطان من منصب الصدارة خسرو باشا ،وعين مكانه رشيد باشا الذي شمر عن ساعد
الجد ،وابتدأ في إجراء التنظيمات وسائر ما من شأنه أن يمهد أمام العباد سبل الراحة
واإلسعاد ،ثم اصدر منشورًا تضمن إجراء العدالة ورفع المظالم ،تاله في الكلخانة بحضرة
السلطان األعظم وشيخ اإلسالم والوزراء العظام ،وسائر العلماء الفخا ،وبعد ذلك سعى
في حسم مسألة مصر ،فأنهاها بما يوافق مصالح الدولة ،ومنع سف الدول الحربية من
الدخول في بوغاز البحر األسود والبحر األبيض ،وفي سنة 1893ساح السلطان في جهات
الروم إيلي الشرقية ،ثم عاد إلى القسطنطينية ،وشرع في إصالح األحوال الداخلية ،وفي
السنة ذاتها نقضت الروسية العهود وطلبت من الدولة وضع حمايتها على سائر المنسوبين
إليها ،المقيمين في الممالك المحروسة ،فأبت الدولة ذلك ،وامتنعت عن القبول بأمر
ليس فيه للحق وجه ،ولما اعتلمت الروسية بعدم إجابة طلبها اشتهرت الحرب على الدولة
عـام ، 1834فسـارت الجنـود الشاهانية إلى جهــة = األناضول والروم إيلي ،واقتتلت
مع عساكر الروس عند سواحل نهر الطونة فأهلكتهم ،وحينئذ جمعت الروسية كل قواها
وألفت جيشًا كثيفًا من تسعمائة ألف رجل ساقتهم إلى حقول المعركة ،فلما رأت الدول
ذلك فقهت وخامة العاقبة واتحدت إنجلترا وفرنسا وسردينيا مع الدولة العلية وأرسلن
74
فأعاده لوجه اهلل -عز وجل -إلى نحو ما كان.
ورأيت مقابله مدرسة تنسب أيضًا إلى عالء الدين -أسكنه اهلل تعالى
خموش ،وقد مزقت أسفًا على دروس سكانها ثوبها المنقوش ،فدخلتها
فرأيت على بعض مصاطبها شيخًا غدا عكازه وترًا لقوسه ،واستلب الهرم
مراكبهن تحمل المدافع والجنود ،فأخربت قلع سواستبول وسائر شطوط الروسية
البحري ،وأوقفوا الروس عند حدودهم.
وعقيب ذلك عقدت معاهدة باريس ،وتم بموجبها الصلح عام ،1835وتفرغ السلطان
لسن النظامات المتعلقة بالتجارة والصناعة والزراعة ،فشكل محاكم التجارة ،وأسس
المكاتب الرشيديدة ،واعتنى في نشر المعارف والعلوم وتعميم العدالة واألمن ،وفي عام
1833توفي إلى رحمة اهلل عن عمر أربعين سنة ،قضى منها على عرش الملك 88عامًا،
ودفن في جوار جامع السلطان سليم في تربته المخصوصة رحمه اهلل رحمة واسعة.
يوسف آصاف :تاريخ سالطين بني عثمان ،ص . 181 - 184
75
فسألت عنه فقيل هو مفتي( )1سيناب ،فكان لي ذلك عن أسئلة أضمرتها
أفصح جواب ،ووقفت على ما حرره وأماله؛ فرأيتهما أضعف بكثير من
قواه ،لكن حسنت الظن بشيبته ،واستظهرت بنورها حسن طويته ،فتبركت
بتقبيل يده ،وطلبت منه دعاء الوالد لولده ،وأفهمته ذلك باإلشارة ،لعسر
( )1المفتي /اإلفتاء :عرفت وظيفة المفتي في كافة الدول اإلسالمية القديمة والحديثة،
وفي عهد المماليك ،كانت وظيفية المفتي تتعلق بدار العدل ،أو كان يطلق عليه اسم
مفتي دار العدل؛ حيث كان يجلس السلطان لفصل الخصومات ،وإلى جانبه المفتي ،لإلفتاء
فيما لعله يطرأ من األحكام بدار العدل ،وكانت الدولة العثمانية أكثر الدول اإلسالمية
عناية بهذه الوظيفة ،وقامت بتأسيس دار الفتوى "فتوى خاله" في العاصمة ،ضمن
مؤسسة شيخ اإلسالم ،وقامت بتعيين المفتين في كافة مراكز الواليات العثمانية وفي
األلوية واألقضية والنواحي والمدن والقرى ،وكان جهاز الفتوى في الدولة العثمانية
جهازًا واسعًا وكبيرًا.
انظر :أكمل الدين أوغلو :الدولة العثمانية تاريخ وحضارة.548/1 ،
76
وفي الساعة الثانية من ليلة االثنين طاف بنا الطائف البحري ،ولم يزل
يلطم بجناحيه وجه البحر األسود وعلى رغم أنفه يجري ،حتى ضَمَّهما
ضحوة يوم الثالثاء إلي جنبيه ووكر تجاه صمصوم( )[ ،فطارت الزوارق
زرافات إليه ،فنقل أكثر الناس أمتعتهم عليها إلى صمصوم]( ،)8ولم يبق
ومن هذا القبيل في العرب أقل قليل ،ولعل ذلك من الضروريات فال
( )1كذا يقال اليوم ،وفي أوضح المسالك سامسون بالسين المهملة ،ثم ألف وميم وسين
ثانية ،وواو ثم نون ،وهي مدينة من السادس ،سميت بسام بن نوح عليهما السالم ،وطولها
(نطك) وعرضها (مولح) وأظن أن السامسوني صاحب التعليقات على حواشي السيد على
شرح مختصر المنتهى منسوب إليها ]المؤلف[ .
( )8هذه الزيادة من النسخة المطبوعة.
77
أوصى قبل عبوري أن أنزل في بيت ()1
وأُخبرت أن حضرة سليم باشا
مفتيها ،فدعوت نفسي فشردَت عليّ ولم أقدر على تالقيه؛ [لعلمها ما بين
رقاع مرقعته ،وبما كور من الحيل تحت براقع مسكنته ،فقد زارني من
قبل فأحسست منه بحال وراء طور العقل ،وأيد ذلك بعض النقلة ممن ال
أكاد أتهمه فيما نقله ،نسأل اهلل -تعالى -العليم القادر أن يصلح منا
(.)8
الظواهر والسرائر]
( )1باشا :كلمة باشا معناها في األصل قدم الملك أو الشاه ،ثم صار معناه "مستخدمًا "،
واستعملت بعد ذلك كلقب لحكام الواليات ،وأخيرًا أصبحت أعلى لقب تشريفي في
الدولة .وهو لقب عثماني أطلق على رتب متعددة عسكرية ومدنية ،وأطلق منذ النصف
الثاني من القرن التاسع عشر الميالدي على الذين يرقون إلى درجة وزير وأمير
األمراء"مير ميران" ،كما استخدم للعسكريين الحائزين على رتب أمير اللواء والفريق
والمشير ،يضاف إليه أنه منح إلى بعض شيوخ القبائل وإلى من كان ذا موقع مرموق.
= وقد ورد هذا المصطلح في كتاب "تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل"
على النحو التالي :الباشا كلمة تركية ما زال أصلها االشتقاقي مصدر خالف ،فقيل :إنها
من "باش أغا" أي رئيس األغوات ،أو كبير الخصيان ،وقيل إنها من الكلمات الفارسية
"بادشاه" ،وقيل إنها من "باش" بمعنى الرأس والرئيس .وهو لقب كان يطلق على رجال
الجيش إذا صاروا ألوية ،وعلى أعيان المدنيين ،ووكالء الوزارات ومحافظي األقاليم
وكبار التجار ومالك األراضي.
سهيل صابان :معجم ،ص 35-38
( )8هذه الزيادة من النسخة المطبوعة.
78
وجاءني إلى قرب الساحل رجل من المدرسين األفاضل ،ذو خلق سوي،
واإلقامة -إلى أن تسير الرفاق -في حجرته ،وكان ذلك بعد نقل المتاع
إلى ما استأجرته من البقاع ،فأجبته تطييبًا له ،وجلست عنده حتى شربت
القهوة ،ثم قمت معتذرًا شاكرًا فضله ،فشيعني إلى محلي ،ولم يقطع
( )1األفندي :كلمة رومية – بيزنطية انتقلت إلى اللغة التركية منذ عهد السالجقة ،وقد
بدئ استعمالها في العقد الثاني من القرن الخامس عشر الميالدي لدى العثمانيين للداللة
على اإلنسان المتعلم والمثقف ،حيث حلت محل كلمة جلبي المماثلة لها باللغة التركية،
وأصبحت لقبًا تخاطب به فئة معينة من العثمانيين هم العلماء ،ثم أصبحت اللقب الرسمي
لألمراء بعد أواسط القرن التاسع عشر الميالدي.
وقيل استخدمها العثمانيون في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري/الخامس عشر
الميالدي ،للداللة على اإلنسان المثقف ذي التربية القويمة ،ثم أطلق على العالم وعلى
بعض رجال الدولة ،ثم استخدمت لقبًا رسميًا لألمراء العثمانيين وكبار علماء الدين في
الدولة ،باإلضافة إلى استخدامها للضباط من رتبة المالزم حتى رتبة البكباشي ،كما كان
طالب المدارس العسكرية يخاطبون بها رسميًا ،ثم ألغيت الكلمة من دائرة األلقاب الرسمية
في تركيا بالقانون رقم 8364الصادر عام 1509هـ1680/م .وقد استخدمت كذلك لرئيس
الكتاب (ناظر الخارجية ) قبل عهد التنظيمات 1833هـ1156/م.
سهيل صابان :المعجم الموسوعي ،ص . 50
79
وبعد أن استقر بي المقام ،ذهبت [/5ب] إلزالة الدرن إلى الحمام
فرأيت دالكيه ظباء إال أنها أوانس ،وغواني غير أنها ال ترد يد المس ،لم
واتزروا بالظرافة ،فهوى أحدهم إليّ ،وأخذ بيده يمنى يدي ،فَسَرَت
جلدتي ،وأعظَمَت ذاك ديانتي وغيرتي ،وجعلت أسأل اهلل تعالى العصمة،
وأصعد النظر وأصوبه في تصحيح تحريم النظر إلى المرد كما حكى
عن بعض األئمة مع أنه-والحمد هلل تعالى -ال يزدهيني حسن أمرد ،وال
يستميلني بتمايله قوام أملد ،قد حبب لي نحو ما حبب لجدي رسول اهلل
( )1يذكر ويؤنث على ما ذهب إليه صاحب المكمل شرح المفصل وذكره الخفاجي في شرح
الدرة ،لكن قال النووي أنه مذكر باتفاق أهل اللغة ]المؤلف[ .
( )8يعني بها مدينة استانبول حاضرة الدولة العثمانية ،وربما عني بها أيضا بغداد حاضرة
العباسيين .
81
وجعلت قرة عيني في الصالة ،فلذا تراني كثيرًا ما أترحم على الشاعر
امرؤ إلى النسا ميلي ذوات الحجال *** مـن قـــال بالمــرد فإنــي
( )1صالح التميمي (1891 -1164ه1103 -1339/م) :صالح بن درويش بن علي بن محمد حسين
ابن زين العابدين الكاظمي ،النجفي ،الحلي ،البغدادي ،المعروف بالشيخ صالح التميمي
(أبو سعيد) .أديب ،ناثر ،ناظم .ولد في الكاظمية في حدود 1164ه ،ورحل إلى النجف،
وتوفي ببغداد لست عشرة خلون من شعبان .من آثاره :شرك العقول وغرايب المنقول،
وشاح الرود في نظم الوزير داود (والي بغداد) األخبار المستفادة من منادمة الشاه زاده،
الروضة التميمية ،وديوان شعر.
اآللوسي :المسك األذفر13–101 ،؛ علي الخاقاني :شعراء الحلة136 –108/5 ،؛ العاملي:
أعيان الشيعة853-843/59 ،؛ المغربي :مجلة المجمع العلمي العربي ،541 ،549/80 ،كحالة:
معجم المؤلفين.3/3 ،
( )8قال ابن حجة الحموي في خزانة األدب :فمن محاسن الشيخ صالح الدين الصفدي في باب
التورية رحمه اهلل قوله مع حسن التضمين:
مقلتـــه السـوداء أجفانهـــا ...ترشق في وسط فـؤادي نبـال
ويقطـع الطـرق علـى سلوتي ...حتى حسبنا في السويدا رجال
وألم الشيخ زين الدين بهذه النكتة ولكن سبكها في غير هذا القالب بقوله:
مـن قال بالمرد فإنـي امـرؤ ...ميلـي إلـى النسـوة ذات الجمـال
ما في سويدا القلب غير النسا ...ما حيلتي ما في السويـدا رجـال
ابن حجة الحموي :خزانة األدب. 133/ 8 ،
80
لكني شاهدت ما كاد يحيل الطبع ويحل -والعياذ باهلل تعالى -عصام
العصمة عما لم يُحِلَّهُ دليلُ العقل والسمع ،وقد رأيت الجائين إلى
الحمام كلهم يكرمون الخدم على كيسه ،وهو -قاتله اهلل تعالى -يخطف
ولعمري إنه يخيله وقد رشح عرقًا من حب ،شجرة من فضة نقية
حملها اللؤلؤ الرطب ،إلى محاسن بلغت في الحسن الثريا ،وشمائل تكاد
تنشق من حالوتها مرارة الحميا ،يصحبها غنج ألفاظ أخلب للقلوب من
غمزات ألحاظ ،وحركات أطراف أجلب للبالء من لين أعطاف [/0أ] ،فهو
من غير تطويل ممن يهدي إلى الضالل ويضل عن سواء السبيل.
عرقًا أسود أنتن مما تمجُّه أفواههم من البُصاق ،فما رؤية أولئك إال
82
ثم إن هذا الذي قلته إنما هو بالنسبة إلى اللذائذ النفسية والشهوات
الدالك أمرد يتمايل بذوائبه كالغصن إذا تأوَّد ،جسده ألين مَسَّاً من
الزبد ،ورضابه -ولم أذقه -ألذ مَصًا من الشهد ،مع أوصاف يثمل القلم
من خندريس حالوتها ،ويتلجلج لسانه فال يقدر إال أن ساعده الباري على
تالوتها ،وعبارات تلتقط بال أذن السمع حبات القلوب ،وإشارات تدخل على
نعم لم يحكم عقل وال نقل باالتفاق أنه ينبغي أن يكون الدالك كأكثر
إال أن يكون طبعه الشريف قد قُدَّ من حجر ،وكأن وجه اختيار بعض
الناس ذاك ،أن الكيس ربما ال يكون خشنًا فتقوم مقامه لخشونتها كف
الدالك ،أو ربما ال يحضر عند الدلك بالصابون الليف ،فيقوم مقامه ذقن
83
وبعد كل حساب ينبغي أن ال يختار المرء لتدليكه إال امرأته أو
جاريته ،فإنه اليوم ممن كان سوى ذلك يدنس من فاعله ديانته ،إذ ال
يخلو من تمكينه الدالك من النظر إلى عورته ،ومسه بال حائل ما يحرم
على األجنبي مسه من بشرته ،وتفصيل الكالم فيما يلزم داخل الحمام ،قد
ثم لما اختبت الغزالة وخبت منها سواطع األنوار ،وكَرَّ نجاشيُ الليل
نادى منادٍ بين قمل الخشب ،أن قم من منامك فهذا وقت الطلب،
فخرجت مستكناته من الزوايا تسعى ،وأقبلت كأن كالً منها -ال عفا اهلل
تعالى عنها -أفعى [/0ب] ،فجعلت تطرِّز بإبر أنيابها مني األديم ،وتظهر
فيه أنواع ألوانٍ فيها ألوان العذاب األليم ،فتراني الختالف ألواني :
84
مصبّغة والبعض أقصر من بعض
()1
*** كأذيال خودٍ أقبلت في غالئلٍ
ثم إنها نزحت دمي من أعماق عروقه ،وسلكت في علك لحمي غير
سبيل االقتصاد وطريقه ،وباتت ترعاه رعي منهوم ،وتقول :من يقول
لحم العلماء مسموم؟ وألقت العداوة بين األشفار ،فلم تتصافح إلى أن
( )1البيت في األصل ضمن أبيات قيلت في وصف قوس قزح ،قال األزدي:
ما قيل في تشبيه قوس قزح والثلج والبرق والغيم .ومن أحسن ما قيل في قوس قزح
قول سيف الدولة بن حمدان ،وينسب إلى ابن الرومي ،وهو الصحيح:
وسـاقٍ صبيـحٍ للصبـوحِ دعوتـه ...فقـامَ وفــي أجفانــهِ سنــةُ الغمــضِ
يطـوفُ بكاساتِ العقـارِ كأنجـمٍ ...فمـنْ بيـنِ منقــضٍّ علينــا ومنفـضِّ
وقد نشرت أيدي الجنوبِ مطارفا ...على الجودُ كناً والحواشي على األرض
يطرزها قوس الغمــام بأصفــرٍ ...علـى أحمـرٍ فـي أخضرٍ تحت مبيـضِّ
كأذيالِ خودٍ أقبلـتْ فـي غالئـلٍ ...مصبغـةٍ والبعــضُ أقصـرُ من بعــضِ
ابن ظافر األزدي :غرائب التنبيهات على عجائب التشبيهات. 11/1 ،
85
من الّرُقْش في أنيابها السّم ناقع
()1
فبت كأني ساورتني ضئيلة
فلم أجد من الحجرة مفرًا ولم أستطع فيها -هُدِمَت على رأس
بانيها -مقرًا ،وكنت إذا قتلت واحدة عصبت أنفي مخافة أن يجلب عليّ
نتن ريحها حتفي ،فيا لها من دويبة أنتن ريحة من فم أسد ،وأمتن شوكة
( )1والضئيل ضرب من الثعابين .البيت من قصيدة للنابغة الذبياني من اعتذارياته المشهورة
للنعمان بن المنذر ،منها:
وعيد أبي قابوس في غيـر كنهـه ...أتانـي ودوني راكـسٌ والضواجـع
فبــت كأنـي ساورتنـي ضئيلـةٌ ...مـن الرقـش في أنيابها السـم ناقع
يسهد من نــوم العشـاء سليمهـا ...لحلــي النسـاء فـي يديــه قعاقـع
تناذرها الراقون من سـوء سمهـا ...تطلقــه طـــوراً وطــوراً تراجـع
أتوعـد عبـداً لــم يخنك أمانـةً ...وتترك عبـداً ظالماً وهــو ضالـــع
حملــت علـي ذنبـــه وتركتـه ...كـذي العر يكوى غيره وهو راتـع
فإنك كالليل الذي هو مدركي ...وإن خلت أن المنتـأى عنك واسـع
= خطاطيف حجنٌ في حبال متينـةٍ ...تمد بهــا أيــد إليــك نــوازع
سليمان بن بنين الدقيقي النحوي :اتفاق المباني وافتراق المعاني110/1 ،؛ ابن
حمدون :التذكرة الحمدونية.130/1 ،
86
في عدوها إذا أحسَّت من عدوها بطلب ،ولم أر إذ هى كالشنفرى
مثلها في الدبيب من شُبٍّ إلى دُب ،ومن أمرها العجيب أنها حيوان
رعبوب تنشب بالهزبر أظفار الرعب ،أسأل اهلل تعالى أن يسلطها على من
جعلني نزيلها في ضيق قبره ،ويجعل خشب عظامه عقيلها بعد نشره
ومحشره.
حتى إذا بدأ الفجر كذنب السرحان ،وصبغ قاني الشفق ثوب األفق
( )1الشنفري (ت نحو 34ق هـ383/م) :عمرو بن مالك االزدي ،من قحطان ،شاعر جاهلي،
يماني ،من فحول الطبقة الثانية .كان من فتاك العرب وعدائيهم .وهو أحد الخلعاء الذين
تبرأت منهم عشائرهم .قتله بنو سالمان .وقيست قفزاته ليلة مقتله ،فكانت الواحدة منها
قريبا من عشرين خطوة .وفي األمثال" :أعدى من الشنفرى" وهو صاحب "المية العرب"
التي مطلعها" :أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم ألميل" شرحها
الزمخشري في " أعجب العجب " .
الزركلي :األعالم. 13/3 ،
( )8يقال" :أعييتني من شبّ إلى دبّ" أي أعييتني من لدن شببت إلى أن دببت على العصا،
يقال ذلك للمرأة والرجل .وروى الزمخشري :أَعْيَيْتِنِى مِنْ شُبَّ إلى دُبَّ :بضمهما
وفتحهما والتنوين أي من حين شببت إلى حين دببت يعني من الصبا إلى الهرم ويروى
من شب إلى دب بغير تنوين على طريق حكاية الفعل يضربان للبغيض قال مالك بن
أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري:
يا ضل سعيك ما صنعت بما ...جمعت من شب إلى دب
انظر :الزمخشري ،المستقصى في أمثال العرب833/1 ،؛ أبو علي القالي :األمالي69/1 ،؛
النيسابوري :مجمع األمثال. 13/8 ،
87
سألت عن حال السبيل ودعوت المكاري الرحيل ،فأخذ مني ما أراد من
الكِرى وهو على العالت دون أخذ قمل الخشب من عيني الكرى ،وهو
نصراني يدعى أوانيس ،وليته كان ليسا بعد أنيس ،فلكم آذاني بقلة مدارة
األحد سبحانه على أن خلصني من بالء هاتيك األرجاء ،وجاء لوداعي من
أهل البلدة ،القروي السالف ذكره ال زال في نعيم يسمو على النعائم
قدره .وسألته عن المفتي الذي كان قد جاء يوم مروري األول عندي،
88
فقال :إنه عزل منذ شهور ،وهو اليوم جليس بيته ال يزار وال يزور
فقلت :سبحان اهلل كنت أظن أن ذلك موجب لثباته وعلة تامة لبقائه
89
ثم قال لي :قد سمعت أن هذا المفتي قد عزم الليلة على عزيمتك،
فقلت :بلغه سالمي عليه ،ولوال أن رجلي بالركاب لسعيت راجالً إليه.
ثم تفقدنا متاعنا فإذا بشمسية جليلة الشان ،يستعملها السيد الشريف
ومن غدا قطبًا تدور عليه رحا األعيان ،قد أضاعها خادمنا المغفل صالح،
وسرنا ساعتين فنزلنا الساعة التاسعة بين جبلين ،وتبوأنا محالً يقال
له (أُزْغُر) .وجعلت لقلة مسافة السير أحمد اهلل تعالى وأشكر ،وسألت
عن ضبط ذلك االسم بعض األخالء ،فقال :هو بضم الهمزة والغين
المعجمة وبينهما زاي ساكنة وآخره راء .وبتنا هناك نعدّ ما رصَّع أديم
91
وعندما انهار جرف الليل وانثال ،وجرى نهر النهار وسال كوِّرنا
الحمول من غير خمول للمسير ،وعليها من طلِّ الليل بلل كثير ،وتفقدنا
المتاع لنرى أسُرِقَ منه شيء أم ضاع ،فوجدنا أن قد فقدت منه شمسية،
وغلب على الظن أنه أضاعها أيضًا القطب ولكن للقبايح ،الخادم داودية
بين سهول وحزون وأودية وأُكُمٍ وجبال ،وقد شاهدنا كثيرًا من
الجبال يعجن صباحًا خمير البخار في إجانة واديه ،فتأخذه خبازة الحرارة
وتمده بنشابة الريح أرغفة رقاقًا على تختة الجوِّ بإذن منشيه.
( )1يعني كانت درعه الواقي من لهيب الشمس ،والسابغات هي دروع المقاتلين ،وصفنها
الداودية نسبة إلى نبي اهلل داوود –عليه السالم– الذي اشتهر بصناعة هذه الدروع ،وفق
األمر القرآني (أن اعمل سابغات) .
90
ومن األكم ما رأيناه قد وضع على هامته [/3ب] قلنسوة من البخار
تحكي بلونها وهيأتها قلنسوة مؤنس األحبة الشيخ قادر أفندي الشواني
في اليوم الحار .ومنها ما يشبه كمرة سلس خشي أن يصيب البلل ثيابه،
فعمد إلى بعض عمائمه البيض فجعله لها لمزيد التعصب في الديان
عصابة .ومررنا على قوم يحصدون ،وكان ذلك في يوم الثالثين من
تموز ،إال أن برودة الوقت شابه بالنسبة إلى برودة العراق أيام العجوز.
( )1شهر تموز في التقويم السرياني ،هو شهر يوليو في التقويم الجريجوري ،الشهر السابع
في التقويم الجولياني .
92
( )
] جقال خان [
ولم نزل نسير حتى نزلنا (جقال خان) وكأننا ومخرج الثمار
ما تيسر وشكرنا اهلل تعالى على فيض فضله المدرار ،ثم أحسسنا
بورود ذلك المشير( )8فأزمعنا من غير ريث على المسير ،خشية أن
يضيق الخان عليّ وعلى بغلتي ،فتتسع إذ ذاك شُقَّة المشقة ،وتعظم
حيرتي.
93
): (
فركبنا الساعة السابعة متوجهين إلى ( قواق ) ،ولم يصحبنا إال أقل
( )1ربما يعني بها فواق التي قال عنها في رحلته األولى "نشوة الشمول" .. :فلم نزل نسير
حتى حللنا(فواق) وهي قرية تشتمل من البيوت على نحو خمسين ،ولم نر فيها والحمد
هلل تعالى غير المسلمين ،وفيها جامع ذو منارة خشبية ،وكان على ما قيل كنيسة ،فكنست
ظلمتها أنوار الملة المحمدية ،وفيها عدة خانات وعدة دكاكين وحمام ،وقد يضطر
لالستحمام به بعض المارين ،وحذائها نهر جار تحتقره األرجل واألبصار ،وفيها نائب
لطيف اسمه شريف ،ومفتي أواه اسمه عبد اهلل ،وأنزلنا القدر في خان نصراني اسمه
إسكندر ،وفي أوائل مسيرنا بل ثيابنا قطر الندا بين شجر منه فاكهي ومنه ال ،ولكن لم
يخلق سدى ،وعارضنا نهر " ال ديك " حيث ال دجاجة وال ديك ،فنزلنا عنده لنرفع
بعض نصب السرى ونجر من أعيننا ما منع فتحها من سنة الكرى ،ثم سرنا أيضًا بين
أشجار كان لها لعظم تطاولها عند السعد الرامح ثأر ،وقد تشابكت أصابع أغصانها،
واحتبكت السواعد منها بالسواعد ،وفرجت ساقاتها لراحة كل ماش في ظليل ظلها وقاعد،
فنزلنا للغداء في خان قد خانته قواه لمرور الزمان ،ثم سرنا بين ما يحكي هاتيك
األشجار ،وما أكثرها وأكبرها في تلك الديار ،وفي الطريق مياه كثيرة جدًا غالبها
عذب فرات ،لو أجرى على مقبرة لحيي بإذن الحي القيوم ما فيها من الرفات ،وفيه عدة
خانات وقرى يشاهد بعضها من بعض ويرى ،وبيوت جميعها من خشب منضود يتعاصى
لغلظه على النار ذات الوقود.".. ،
94
وكانـت هذه النزلـة فيـه النزلة اآلخرة ،
وزارنا بُعَيْدَ نزولنا النائب وهو من أذكياء طلبة العلوم ،يدعى شريف
أفندي ابن الحاج أمين أفندي من أهالي صمصوم ،فرحب بنا ترحيبًا،
ولما اصفرّ وجه الشمس خوف الفراق ،وكاد يمد الفلك الدوار على
فنزلوا من غير استشارة في الخان الذي نزل فيه الفقير ،فأكثروا الهياط
والمياط ،كأنه أصاب عقولهم أسوأ ضروب االختالط ،فضيقوا عليّ -
( )1الخانات منازل صغيرة ونوع من المؤسسات الخيرية التي تقدم خدماتها من الطعام
والمئوى للمسافرين والمحتاجين ،والنوع الكبير منها يسمى كروانسراي ،وكان يشيد
كالقالع في طرق المسافرين ليقدم لهم الطعام والمأوى ويحمي بضائعهم من اللصوص
وقطاع الطرق ،وكان من الناحية المعمارية قطعا فنية رائعة .
انظر :يلماز أوزتونا :تاريخ الدولة العثمانية. 860/8 ،
95
وصرت انقلب علي فراش من قمل الخشب والبرغوث والفَرَاشُ عليّ
خراطيمها على حقارة أجسامها أسنُّ من األسنة وأَحَدّ ،وأنه متى وجدت
أحدها على نحو ثوب وضعت عليه بنانك لتمسكه غاص ،فكأنه -ال أباله-
سمكة رملٍ [/9أ] أو فتى من أهل البحرين غواص ،وأعجب من هذا إذا
قُصّ ،أنه يسمع غناء البعوض فيتواجد طربًا ويرقص ،ثم يضرب رأسه
على صفوات عظامي فيكاد يهدّ أركاني ،فكأنه من يوم خلق انتظم في
سلك السالكين على يد الشيخ الطالباني ،فتطاول عليّ الليل ،وجعلت أنشد
96
بوادي الفضا ليلٌ عليّ يطولُ *** تطاول ليلي في قواق ولم يكن
وليس لبرغوث عليّ سبيل *** أال ليت شعري هل أبيتنَّ ليلـة
( )1البيت الثاني في األصل للصحابي الجليل بالل بن رباح ،أو ربما كان يتمثل بها ،وقد
أخذها المؤلف أيضا متمثال بها لكن بعد تحريفها لتناسب المقام .وقد جاء في السير أنه
بعد قدومهم المدينة بشهر ،وعك أصحاب رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) وعكا شديدا
فدخلت عائشة على أبى بكر وهو يقول:
كل امرئ مصبح في أهله ...والموت أقرب من شراك نعله
ثم دخلت على عامر بن فهيرة وهو يقول:
كل امرئ مدافع بطوقه ...الثور يحمى جلده بروقه
فدخلت على بالل وهو يقول:
أال ليت شعرى هل أبيتن ليلة ...بواد وحولـى إذخـر وجليـل
وهل أردن يوما ميـاه مجنـة ...وهل يبدون لي شامة وطفيل
أبو حاتم البستي :الثقات. 151/1 ،
97
وأنه إذا لسع أسرع في الهرب فال يظفر به بريد األبصار ،وأعجب من
هذا كله وقوعي في ذلك الفخ ،وخروجي من قرارة داري إلى هذه الديار
السبب لذلك يرعف أنوف القلوب دمًا ،فلنكف عن بيان عطر منشم
ذلك إلى أن يعطس صبح يوم وضع الموازين من انتشاق أمر رافع السما،
فهنالك ينتصف من الظالم للمظلوم ،فأقول :يا رب هذا الذي كان السبب
ره [ :
ََره د
ََ]وادي ق
ولما رعت غزالة الشمس نرجس الكواكب ،وولت األدبار من الليل
( )1بنت الوجيه العطارة بمكة ،وكانوا إذا أرادوا القتال وتطيبوا بطيبها كثرت القتلى ،فقالوا:
أشأم من عطر منشم ]المؤلف[ .
أَشْأَمُ مِنْ مِنْشَمٍ :ويروى مشأم ويروى من عطر منشم وهي امرأة عطارة غمسوا
أيديهم في عطرها وتحالفوا باالستماتة في الحرب وقيل كانت امرأة تبيع الحنوط
وسموه عطرا ألنه طيب الموتى وقيل هى امرأة افترعها زوجها صبيحة عرسها فأدماها
فقيل لها بئس ما عطرك زوجك وقيل المنشم شيء يكون في سنبل العطر يسمى قرون
السنبل وهو سم ساعة قالوا هو البيش وقيل المنشم الشر بعينه مأخوذ من شم فى الشر
إذا أخذ فيه قال زهير:
تداركتما عبسا وذبيان بعد ما ...تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
الزمخشري :المستقصى في أمثال العرب. 110/1 ،
98
وكنت أتمنى لو أعارني جناحيه طير ،فسرنا في الربع الرابع من
الساعة التاسعة بين جبال ضخمة وأودية كأودية فتن العراق ممتدة
اهلل تعالى أيام عامه ولياليه ظروف المسرة والحبور ،وكان أكثر مسيرنا
في وادٍ يقال له قره دره ،بَيّض اهلل تعالى صفحتي وجهه فقد سقانا ماءً
لو ذاقه الخضر لكان به إليه دون ماء الحياة شَرَه ،وفيه أشجار جسيمه
كنت يا أخي تريد في وصفها الحق ،فتلك تخطف العمائم وهذه -
99
ولم نزل [/9ب] من غير نزول في البين نسير ،حتى نزلنا في الربع
حسن بن السيد عبد الرحيم مازن زاده ،يشاهد من أمعن النظر في وجهه
( )1قضاء الديق ،على شمال لواء أماسية ،وعلى بعد مسافة 3ساعات في اماسيه ،فيه بركة
يصاد منها السمك .ولواء أماسيه هو في قسم شمال غرب والية سيواس ،على مسافة 59
ساعة من الوالية .ويحتوي على 16ألف نسمة من الذكور.
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص . 100
011
وأكثر سادات تلك األطراف ليسوا على ما يقال في الحقيقة من
إلى سماء االستيالء على هاتيك الممالك ،فإنه على عالته تيمورلنك
كان يظهر ألهل البيت حبًا عجبًا ،ويتحرج من اإلساءة إلى من انتسب
( )1تَيْمورلَنْك353 ( :؟141-هـ1559/؟ 1043 -م) قائد مغولي مسلم أقام إمبراطورية مترامية
لكنها كانت قصيرة األجل ،ويُشار إلى تيمورلنك أيضًا بتيمور األعرج .كان تيمورلنك
من التتار ،مغوليًا من ساللة جنكيزخان ،وهو غازٍ آخر .وُلد تيمورلنك في أسرة لزعيم
بالقرب من سمرقند في تركستان .وفي شبابه أصبح مشهورًا ببراعته الرياضية .وبعد
عام 394هـ1531 ،م اشترك في حروب كثيرة (قبل إسالمه) .واعتلى عرش سمرقند سنة
331هـ1596 ،م ،وحكم مملكة واسعة في آسيا الوسطى .وبعد عام 1596م انطلق جيشه غربًا
وجنوبًا إلى أفغانستان وبالد فارس والهند وآسيا الصغرى .فتح تيمورلنك الهند سنة
1561م ،واتجه إلى سوريا سنة 1041م .واستولى على بغداد ،وفي 1048م دمر الجيش التركي
الذي أُرسل لمقاومته ،بأكمله .استولى على دمشق وهزم الجيوش المصرية .وبذلك
أصبح حاكمًا إلمبراطورية شاسعة كان مركزها في تركستان .وتحرك بعد ذلك
ليغزو الصين .ولكنه قبل أن يحقق هدفه مات بالحمى في معسكره .وتفككت إمبراطوريته
بعد ذلك بزمن قصير.
انظر :الموسوعة العربية العالمية .
010
وأين هذا من طاغية آذى األموات منهم واألحياء ،واعتقد بفتيا إبليسية
أن ذلك سبب نجاته -ال نجى -في يوم القضاء ،فتبًا لشقي مغرور لم
()8
وقد صمتت جميع الخلق قل ال وقام رسول رب العرش يتلو
( )1يشير إلى ما اشتهر به تيمور لنك من محبته آلل البيت وتعظيمه للمنتسبين إليهم من
األشراف ولو ادعاءا ،وذلك عندما اجتاح المشرق اإلسالمي ،فكان البعض يدعي أنه من
األشراف أي من ساللة آلل البيت نجاة من بطشه.
( )8استشهد المؤلف بالبيتين في تفسيره عند تفسير آيات سورة الشورى ،وعزاهما إلى أحد
اقاربه المعاصرين وهو السيد عمر الهيتي .اآللوسي :روح المعاني. 55/6 ،
012
( )
ولما ابتلعت العين الحمئة عين الشمس ،وحلقت باليوم عنقاء مُغْرِب
فذهب كأن لم يغن باألمس خشينا أن يهجم علينا نحو ما هجم قبل من
أتباع المسير ،فيشق إذ ذاك أمر المقام المُرّ وأمر المسير ،فعزمنا على
السُّرَى لبعض القُرى ،فلم يرض المكاري إال بأن نزيده على الكرى الذي
جرى ،فلم يكن منا أحد يزيد وتركنا ما كنا نريد ،فبتنا -وهلل تعالى
الحمد -بعافيه وعيشه من قذاء األغبار صافيه ،بيد أنه لم وكر غراب
ظالم الليل على وكر البسيطة طار هجوعي ،وشرع أبو طامور يصلي
صالة التهجد وينقر نقر أبي اليقضان في محاريب ضلوعي ،فما أدري
( )1قال عنها األلوسي في تفسيره "روح المعاني" عند الكالم عن "أصحاب الرس" :العنقاء
وهي أعظم ما يكون من الطير وكان فيها من كل لون وسميت عنقاء لطول عنقها وكانت
تسكن جبلهم الذي يقال له فتح وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد والتيانها
بهذا األمر الغريب سميت مغرباً ،وقلي :ألنها اختطفت عروساً ،وقيل :لغروبها أي غيبتها،
وقيل :ألن وكرها كان عند مغرب الشمس ،ويقال فيها عنقاء مغرب بالتوصيف واإلضافة
مع ضم الميم وفتحها .
013
وكأنه لكثرة ركوعه وسجوده أصبح [/3أ] أحدب ،وأما البعوض فلم
يزل يصيح [في أذني]( :)1يا شيخ جىء بعقلك إلى رأسك ،فقد مص
فيكون لي كحجام ساباط ،حتى يلحقني -قاتله اهلل تعالى -بأبي وأمي ،فال
تكاد تخلص من الدسايس نصيحة خبيث أبدًا ،والبلد الطيب يخرج نباته
ال يقنعون بشيء غير شرب دمي فبت أشكو إلى موالي من فئة
المغيب شددنا حُزُمَ الحَزْم ،وأثرنا يعمالت السرى بعصى العزم ،فبقي
البرغوث ينقز ألما من فقداننا ،والبعوض يئن حزنًا على ما فاته من شرب
دمائنا.
014
حتى إذا تنفس محبوس الصباح ،وأوشك أن يرينا طلعة غانيته الرداح
ولعلبة األنفية لغلبة العجلة أضعنا ،وأغلب ما يخطر لعقلي أنها سقطت
مني ولم أشعر وأنا أصلي ،فبقيت في مصالي لمن شاء موالي ،وكانت
وكان مبدأ سرانا متوكلين على الملك المتعال ،الساعة الثامنة من
ليلة السبت الثامنة والعشرين من شوال ،وقد لبسنا لمزيد البرد مُضاعف
واإليراد ،وتألمنا جدًا من شدة البرودة وفرط قرصها ،حتى إنا تخيلنا أن
015
إلثارة الحرارة ،ويقصر عن شرح حالي وقت العدو طويل العبارة،
القِرْطَاس علي كُمَيت القلم ،ولعل ذلك األمثل بأمثالي ،واألوفق بمن
( )
ولم نزل نسير بين جبال منها ما شمخ أنفه ،ولكن يسرح في ذروته إذا
ولم تكن النفس األبية [/3ب] لما شاهدته من قاضي خانها الخائن
ناسية
016
فعارضنا في الطريق العام رجل من العامة ،فأقبل وقبّل يدي ببشاشة
كحيلته تامة ،فساررت القلب فيه فقال ال أعرفه وال أدريه ،وراجعت
إنسان العين فقال :أخيل أني رأيته في الزوراء مرة أو مرتين ،فقلت:
أحمد أغا ( )0ابن حسن ،خدمت المرحوم علي رضا باشا في بغداد جملة من
( )1آغا :Agaمصطلح من أصل فارسي ،ويعني "السيد" ،وقد استعمله األتراك لدالالت
كثيرة؛ منها أنها كانت تطلق على الضباط األميين مثل االنكشارية الذين ال يحتاج عملهم
إلى معرفة القراءة والكتابة .ومنها أيضًا صاحب المنصب الكبير ،وكان هذا اللقب مهمًا
للغاية في عهود القوة والنفوذ.
وفي الفترة األخيرة من العهد العثماني أصبح يطلق على اإلنسان الكريم صاحب
المكانة العالية ،وصاحب الفضيلة ،كما كان يدل في الوقت ذاته على التكبر والتفاخر،
ويذكر أن هذه الكلمة محرفة من كلمة "آقا" المغولية-وقيل الفارسية – المستخدمة
صفة للعلماء.
017
وإن لم أكن متحققًا صدقه من كذبه ،فسألته عن خان أنزل فيه غير
خان القاضي ،الذي علمت من ماضي حاله أن حكمه غير ماضي ،وأنه أشبه
القضاة بقاضي سدوم( ) ،له عدول تأتيه على ما يقال إذا تغورت النجوم،
فجاء بي إلى خان سواه ،لكني مرآه دون مرآه ،فنزلت منه بحجرة ،جاهالً
حلوه ومره ،فعندما وضعت قدمي رفع رأسه البرغوث وقمل الخشب ،ثم
ما عرجا حتى عرجا لتقبيل يدي وسائر جسدي كأنما يؤديا أمرًا وجب.
(()1سدوم) بفتح أوله :مدينة من مدائن لوط ،كان قاضيها يقال له سدوم ،ويضرب به المثل،
ويقال :أجور من قاضى سدوم ،وأجور من سدوم ،وسَدُومُ بفتح السين مدينة بحِمْص
ويقال لقاضيها قاضي سَدُومَ ،قال الشاعر:
كذلك قَومُ لوطٍ حين أَمْسَوْا ...كعَصْفٍ في سَدُومِهِمُ رَميمِ .
بينما جاء في مجمع األمثال :أَجْوَرُ مِنْ قَاضِي سَدُومَ ،إنما هو سذوم بالذال
المعجمة والدال خطأ ،قال الطبري :هو ملك من بَقَايا اليونانية غَشُوم كان بمدينة
سرمين من أرض قنسرين
ابن منظور :لسان العرب815/18 ،؛ العصامي :سمط النجوم العوالي90/1 ،؛ أبو عبيد
البكري :معجم ما استعجم. 386/5 ،
018
فقلت في نفسي سبحان اهلل تعالى ،كأن الطبيعة تنضج الدم نهارًا ؛
أجُعِل دمي وحدي لهم رزقًا ،وخُصَّ جلدي من بين الجلود لشرابه
زُقَّا ،وتحققت من فعلهم حسبما أدى إليه فهمي ،أنهم إذا هجع النوام
اقتسموا فيما بينهم دمي ولحمي ،ولم يبقوا سوى أقالم عظام ،قد براها
وبينما أنا في هذه الحال ،إذ الخان قد أُترِع بقرع النعال ،فنظرت
()1طوبراقلي سواريسي :وحد عسكرية من وحدات الجيش العثماني قبل إلغاء اإلنكشارية،
عناصرها من الخيالة المحلية لكل والية ،مهمتهم تحصيل العشر أثناء الحرب من أصحاب
اإلقطاعات الخاصة والزعامت والتيمار ،أطلق علي أفرادها لقب :األمناء ،ألنهم كانوا
يؤتمنون علي تحصيل أموال السلطان من تلك االقطاعات ويحصلون علي مرتباتهم من
األموال المجباة.
مصطفى الخطيب :معجم المصطلحات التاريخية ،ص . 3
019
ولم يبق لي إال التسليم لموالي -جل وعال -موئالً ،ولم أخبر بقدومي
الوالي عمر باشا كما أخبرته يوم مروري ،خشية أن يأمر كما أمر من
قبل نزولي عند ذلك القاضي فيقضي على سروري ،ولم أنزل ضيفًا عند
أهل البلد ترفعًا بنفسي أن تكون على أحد ثقيلة ،السيما أحد من أعيان
()1
وأوقات اإلقامة سويعات كالنجابة هناك قليلة ،وكان ولدي الذي ليس
له في الذكاء [/1أ] ثاني ،السيد محمد أفندي ابن الفاضل إسماعيل أفندي
بصحبته قدر خليله ومصاحبه ،قد كتب من إسالمبول ألخيه الحاوي من
الكمال ما عَزّ مَن يحويه ،جناب ولدي السيد أحمد أفندي أن يترصد
( )1أعيان :Ayanأشراف البلد ،ويطلق على فئة إقطاعية بدأت بممارسة النفوذ منذ القرن
الثامن عشر الميالدي في مختلف مناطق الدولة العثمانية ،وأصبحت ذات امتيازات
وصالحيات ،وقد قضى عليها السلطان محمود الثاني بعد صراع طويل معها.
= وهو االسم الذي أطلق أيضًا على الوسطاء الذين يقومون بتنظيم العالقات بين الدولة
والمجتمع العثماني في المدن والقرى .ويشمل بشكل عام القاضي والمفتي والمدرس
والسيد وشيخ الطريقة ،وكبار رجال الجيش ،وكبار التجار ،وأعيان البلد .سهيل صابان:
المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية ،ص. 55
001
واقترح هو أيضًا بنفسه عليّ لما جاء للوداع إليّ ،أن أنزل في بيته
المعمور ،حيث نصب لي فيه سرر السرور ،فبعد ما حللت في الخان ،وكان
من أمري فيه ما كان ،علم األخ المومئ إليه بالقدوم ،فأتى يهرول كأنما
أحيا اهلل تعالى والده المرحوم ،وقبيل مجيئه أخبرني أحمد أغا أنه هيأ
لنا الطعام ،واقترح أن ال أذهب إلى وليمة غيره من األنام ،فأجبته جزاء
ما شاهدت منه ظاهرًا من مكارم األخالق ،وحرصه على أداء ما يدعيه من
000
ووعدته بالمجيء بعد العَشَاء ،والوصول إلى بيته الجامع للمحاسن
قبل صالة العِشَاء ،فقبل قسرًا ،ولم يرهقني من أمري عسرًا ،وبعد
سويعة حضر الطعام ،فوجده الذوق طبق المرام ،وإذا بولدي أحمد أفندي
( )
قد حضر بجمع من طلبة العلم عندي ،فذهب بي وبولدي (عبد الباقي)
إلى بيته الشريف ،وأحلنا منه-ال زال محرمًا على الحوادث -بقصر منيف،
ورأينا هناك الشيخ حسين الكردي حاجب عين األولياء حضرة موالنا
الشيخ خالد النقشبندي ،وجاء من طلبة العلم من جاء ،واستأنسنا إلى أن
صلينا بالجماعة العشاء ،وأشربنا قهوة البن والشاي ،وأكرم بهما ذلك
الكريم كل جاي ،ثم أحضر فاكهة نفيسة ،واستدعاني للتفكه منها بألفاظ
أنيسة.
( )1عبد الباقي اآللوسي (1861-1834هـ1111-1150/م) :عبد الباقي بن محمود بن عبد اهلل
اآللوسي ،البغدادي ،الحنفي (سعد الدين) عالم مشارك في بعض العلوم .قرأ االصلين
والتفسير والحديث وغيرها من العلوم ،وولي اإلفتاء ببغداد ،وسافر إلى الحجاز ،وتقلد
= مناصب سامية ،منها :قضاء كركوك ،وتوفي ،ودفن بمقبرة الكرخي .من تآليفه:
أوضح منهج إلى معرفة مناسك الحج ،الفوائد اآللوسية على الرسالة االندلسية في
العروض ،البهجة البهية في إعراب اآلجرومية ،القول الماضي فيما يجب للمفتي والقاضي،
والفوائد السعدية في شرح العضدية.
كحالة :معجم المؤلفين33/3 ،؛ اآللوسي :المسك االذفر31–09/1 ،؛ األثري :أعالم
العراق33-35 ،؛ سركيس :معجم المطبوعات 9 –3؛ البغدادي :هدية العارفين . 063/1
002
ثم هيأ حسبما أهوى الفِرَاش ،حيث رأى طائر النوم على مصباح
سمات أجفاني أنه ولو كان سمًا تسربه وتشربه ،فقمت ونمت نومة
العروس ،ال أعرف سوى االستغراق بلذيذ النوم من بوس ،فلم أشعر [/1ب]
إال وضياء الصبح ينادي من كوى اآلماق ،اقعد يا كثير النوم فقد سار
سائر الرفاق
التوفيق ذهاب أمس ،وسألت عما يصنع األصحاب ،فقيل قد بكروا في السير
وال بكور الغراب ،فأرسلت ولدي عبد الباقي إلى الخان ،فحمل الحمول
وجاء بدابتي مع الغلمان .فسرنا صبيحة يوم األحد أول الساعة العاشرة،
003
وبالجملة؛ رأيت هذا الولد ذا أخالق جميلة قلما يجمعها من أفراد
الناس أحد ،وهو اليوم يقرأ شرح العضدية في الكالم ،وعمره بارك اهلل
تعالى فيه تسعة عشر عام .وشيعنا أحمد أغا ابن حسن ،ووصلناه عند
الفراق بشكر فعله الحسن ،فرأيت آجن العبوسة يمور في أسارير جبينه،
وحبلى بشرته قد جاءها المخاض لوضع ثقل جنينه ،فلم اكترث وسقت
نظره ،واحتفى بعلم هناك عن العلم بإظهار مضمره ،سار فسارَّ عبد
الباقي ،فجاء يعدو كأنه يريد سباقي ،فقال :يا أبتي إن الرجل ندم على
إكرامه وهو اآلن يطلب مِنَّا ثمن شرابه وطعامه .فقلت على الرأس
والعين خذ فأعطه بدل الواحد اثنين ،فالرجل على ما أتوسمه لئيم ،ودون
تحمل مِنَّتِهِ العذاب األليم ،فأخذ وأعطاه ،فرجع إلى مرصده ومثواه.
وليست هذه القصة أول ما حدث ،فقد وقع نحوها لإلمام الشافعي
والناس في مصر بها تتحدث ،ومع هذا هو خير من ذلك القاضي بألف
004
وقد سألت ولدي أحمد أفندي عن حال أماسيه فقال :هي وما أدراك
ما هيه ،بلدة يغلب فيه الرخاء ،وفاكهتها غير مقطوعة في الصيف
والشتاء ،ماؤها عذب إال أن هوائها كإست قاضيها السابق رطب ،وفيها من
منهم المفتي حافظ محمد [/6أ] أفندي جانِكلي زاده ،وهو من مشايخ
التدريس واإلفادة ،ونسبته إلى جانِك -بكسر النون -قرية قرب صمصوم،
005
ومنهم الحاج حليم أفندي بياسي زاده ،وهو من المدرسين األعضاء
األكياس ،وقد سمع بمجيئي ليالً فأرسل لي ولده يقول أهالً وسهالً،
وهو يظن إقامتي اليوم الثاني مع المشير فسهل له هذا الظن ،وال بأس ما
ومنهم فخر ذوي الفطن مصطفى أفندي ابن حسن ،وهو مشهور
بكَمَرباشي مصطفى أفندي زاده ،جعل اهلل تعالى له العلم والعمل قوته
وزاده،
006
ومعنى كَمَر باشي على ما سمعت رئيس المدرسين ،وهو معنى لم
أسمعه في كل مغنى إلى ذلك الحين ،وقد زارني هذا الفاضل مرارًا،
على السفر للقراءة عليّ ،وإناخة عيس الطلب ويعمالته لديّ ،لكن لم
تساعده األقدار ولم تساعفه على السير مطايا الليل والنهار ،واستجازني
فأجزته ،ولو أقراني الوقت سعة ألقرأته ،ووعدته أن أكتب اإلجازة له،
لما تحققت من محاوته فضله ،وأخبرني أنه يقرأ شرح مختصر المنتهى،
إليه من الطلبة أعطوه اإلجازة ،وعدوه ممن رقى فروع الفضل وحاز
007
ومنهم محيي ميت العلوم ،وناشر دائرة المعاني في هاتيك المغاني،
مبرأ أكمة الجهل رئيس المدرسين عيسى أفندي الشرواني ،وهو صهر
حضرة إسماعيل أفندي ال زال مشموالً برحمة المعيد المبدي ،وكان يوم
قدومي في طربزان( ) ،وأُخبِرت أنه ما ذهب إليها إال بعد أن آيس من
ورودي في هذا الزمان ،وسمعت من غير واحد أنه في العلم داهية ،وأنه
باإلجماع أعلم علماء أماسية ،وليس بينهم شافعي المذهب سواه ،أطال اهلل
غربي واآلخر شرقي ،فتخالها كأن األرض حنقت عليها ،فأرادت لحنقها
خنقها ،فطوقتها بفتريها ،أو أنها شغفت بها حبًا ،وخشيت عليها نهبًا،
فأحاطتها بعضديها،
008
أو خبتها عن عين الدهر الغدار بين جفنيها .وفي أعلى الجبلين غيران
تسامت العيّوق ال تكاد يصل إليه إال األنوق ،ونقل لي أن في بعضها اليوم
أن مثل ذلك ال يليق في هذا الزمان بالعارف السالك ،اللهم إال أن يكون
الغرض التأسي من غير رياء بما كان منه -عليه الصالة والسالم -من
009
بزنة خردلة على ما ضبطه ()1
ثم إنها هي التي كان يقال لها خرشنة
( )1خرشنة :مدينة في بالد الروم أظنها في الثغور الشامية ،فيها كان أسر أبو فراس الحارث
بن سعيد بن حمدان ،وهو ابن عم سيف الدولة ممدوح المتنبي ،قال أبو منصور الثعالبي:
لما أدركت أبا فراس حرفة األدب وأصابته عين في الكمال أسره الروم في =بعض
وقائعه وهو جريح ،وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخناً بخرشنة سنة ثم
بقسطنطينية ،وتطاولت مدته بها لتعذر المفاداة ،وقد قيل :على كل محج رقيب من
اآلفات .وهو القائل بخرشنة:
إن زرت خرشنة أسيراً ...فلقد أجلت بهـا مغيـرا
ولقد رأيت النـار تـن ...هب المنـازل والقصورا
ولقد رأيت السبي يـج ...لب نحونا حواً وحـورا
من كان مثلي لم يبت ...إال أميــراً أو أسيــرا
ليســت تحـل سراتنـا ...إال الصدور أو القبورا
الحِميري :الروض المعطار في خبر األقطار ،ص . 108
021
وقد غزاها سيف الدولة الحمداني( ) ،وفي ذلك يقول المتنبي دقيق
المعاني:
والصُّلبانُ والبِيـعُ
( )1سيف الدولة الحمداني (539-545هـ693-613/م) :علي بن عبد اهلل بن حمدان التغلبي الربعي،
أبو الحسن ،سيف الدولة :األمير ،صاحب المتنبي وممدوحه .يقال :لم يحتمع بباب أحد
من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من شيوخ العلم ونجوم الدهر ! ولد
في ميافارقين (بديار بكر) ونشأ شجاعا مهذبا عالي الهمة .وملك واسطا وما جاورها.
ومال إلى الشام فامتلك دمشق .وعاد إلى حلب فملكها سنة 555ه ،وتوفي فيها .ودفن في
ميافارقين .أخباره ووقائعه مع الروم كثيرة .وكان كثير العطايا ،مقربا ألهل األدب،
يقول الشعر الجيد الرقيق ،وقد ينسب إليه ما ليس له .وهو أول من ملك حلب من بني
حمدان .وله أخبار كثيرة مع الشعراء ،خصوصا المتنبي والسري الرفاء والببغاء والوأواء
وتلك الطبقة .ومما كتب في سيرته " سيف الدولة وعصر الحمدانيين " لسامي الكيالي.
الزركلي :األعالم. 545/0 ،
020
والنَّهْبِ ما جَمَعوا *** للَّسَّبْي ما نَكَحُوا والقَتْلِ ما وَلَدُوا
()1
والنَّارِ مَا زَرَعُوا
( )1من قصيدة ألبي الطيب ،يمدح بها سيف الدولة ،وقد مر في غزاة السنبوس بسمندو وعبر
آلس ،وهو نهر عظيم ونزل ،على صارخة وخرشنة ،فأحرق ربضهما وكنائسهما ،وقفل
غانماً ،فلما صار على آلس راجعاً وافاه الدمستق ،فصافه الحرب ،فهزمه ،وأسر من
بطارقته ،وقتل ،ثم سار فواقعه في موضع آخر ،فهزمه أيضا ،ثم واقعه على نهر آخر،
= وقد مل أصحابه السفر ،وكلوا من القتال ،واجتاز أبو الطيب ليال بقطعة من الجيش
نيام بين قتلى الروم ،فقال يذكر الحال وما جرى في الدرب من الخيانة وهي:
غيري بأكثرِ هذا الناس ينخدَع ...إن قاتلوا جَنُبوا أو حدّثوا شَجُعوا
أهلُ الحفيظــة إال أن تجربهـم ...وفي التجارب بعد الغي ما يـزع
يوسف البديعي :الصبح المنبي. 13/1 ،
022
وهي -على ما في التقويم -من بالد سادس إقليم ،وذكر في الرسم أن
( )1استخدم المؤلف "حساب الجمل" في تحديد المسافات ،وحسَابُ الجُمَّل طريقةٌ حسابية
تُوضَع فيها أحرف الهجاء العربية مقابل األرقام ،بمعنى أن يأخذ الحرف الهجائي القيمة
الحسابية للعدد الذي يقابله وفق جدول معلوم .يقوم حساب الجُمَّل ،الذي يسمّى أيضًا
حساب األبجدية ،على حروف أبْجَدْ أو الحروف األبجدية ،وهي :أبْجَدْ ،هوز ،حطِّي،
كَلَمُنْ ،سَعْفَص ،قَرَشَتْ ،ثَخَذْ ،ضَظَغٌ .ومجموعها ثمانية وعشرون حرفًا؛ تسعة
منها لآلحاد ،وتسعة للعشرات ،وتسعة للمئات ،وحرف لأللْف .وطريقة حساب الجمّل
كالتالي :إذا قرأت عن حدث وقع في سنة (جمر) مثالً ،فهذا يعني في حساب الجمّل أنّ
الحدث قد وقع سنة ()805؛ ألن الحرف (ج) يقابله الرقم ( ،)5والحرف (م) يقابله الرقم
( ،)04والحرف (ر) يقابله ( .)844فمجموع الحروف ج +م +ر = = 844 + 04 + 5
.805فإذا زاد العدد على األَلف (ويقابله الحرف غ) وُضع قبل الحرف (غ) حرف مناسب.
فالخمسة اآلالف يقابلها (هغ) وهي تساوي ( ،(1444 × 3وأربعون ألفًا يقابلها (مع)
وتساوي ( .)1444 ×04وهكذا يكون تركيب أيّ عدد تريده بالحروف التي تالئمه.
وقد استخدم العرب منذ الجاهلية إلى صدر العصر العباسي طريقتين للعدّ الحسابي،
فكانوا إذا أرادوا أن يسجلوا عددًا في البيع والشراء مثل 634( :دينارًا) دوّنوه كتابة
بالحروف هكذا :تسعمائة وخمسون دينارًا ،أو سجَّلوه بحساب الجمّل هكذا :ظن؛ ألن
قيمة الظاء ( )644وقيمة النون ( .)34ثمَّ انتشر استخدام هذه الطريقة في العصور
المتأخرة ،خاصة في العصر المملوكي في ما عرف بالتاريخ الشعري الذي ظل معروفًا
مستخدمًا إلى زمان قريب .والتاريخ الشعري يقوم على إيراد الحدث المؤرخ له ضمن
بيت من الشعر أو قِسْم منه ،ويكون غالبًا بعد كلمة أرِّخ أو أحد مشتقاتها ،ومثاله قول
أحدهم يذكر تاريخ طبع كتاب المخصَّص في اللّغة البن سِيْدَه في سنة 1581هـ:
أقول لمّا انتهى طَبْعًا أؤرِّخُهُ جاء المخصّص يروي أحسنَ الكَلِم.
وبجمع قِيَم حروف الشطر الثاني من البيت -وهو القِسْم الواقع بعد كلمة أؤرخه-
نحصل على التاريخ المطلوب ،فكلمة (جاء) قيمة حروفها ( ،)0والهمزة ال قيمة لها،
وكلمة (المخصص) قيمتها ())131وكلمة (يروي) قيمتها ( )889وكلمة (أحسن)
=قيمتها ( )116و(الكلم) قيمتها ( )181فيكون المجموع 1581 =116 + 889 + 131 + 0
وهو التاريخ الذي تمَّ فيه طبع الكتاب.
وتتميز هذه الطريقة باالختصار وجمع األعداد الكثيرة في كلمة واحدة أو كلمات،
وهذا ما جعل حساب الجمّل سهل االستخدام في نَظْم العلوم والمعارف وتاريخ األحداث .
023
( )
ثم إنا لم نزل نسير ،بتعب لِوَعْرٍ في الطريق كثير ،حتى نزلنا في
الساعة الخامسة من النهار ،عند خان يقال له (خان أزينه بازار) وينسبونه
كما يمكن أن يكون نوعًا من التَّعْمية أو التَّشْفير بتحليل األعداد المعطاة إلى مجموعة
حروف مكونة بذلك لُغْزًا أو شفرة.
الموسوعة العربية العالمية .
( )1أزينه بازاري :ربما عني بها آينة بازاري :Aine-Pazariوهي بلدة في تركية اآلسيوية
-األناضول -في والية ولواء آيدين ،على نهر بيوك مدرس جايي ،على مسافة ستة كيلو
مترات من آيدين كوزك حصار ،إلى الجنوب آثار مدينة مغنيسيا Magnisiaالتي على
نهر المياندر Maendrumالقديمة.
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 150
( )8مراد الرابع :تملك عام 1985م ،رفعه إلى عرش آل عثمان االنكشارية لحداثة سنه حتى
يصفو لهم الجو ويفرضون ما تملى عليه أهواءهم ،وداموا على هذا من حالهم طيلة
األعوام العشرة األولى من حكم هذا السلطان .وكانت فرصة مواتية لشاه إيران الذي
وسع رقعة ملكه ،فانتزع من أمالك الدولة العثمانية المتاخمة ألمالكه فخرج (حافظ
باشا) الصدر األعظم إلى بغداد ليستردها من اإليرانيين وحاصر بغداد ،ولكن االنكشارية
تمردوا واستكبروا ،حتى اضطر حافظ باشا إلى رفع الحصار والعودة إلى الموصل ،ومنها
إلى ديار بكر ،وفيها تمادى االنكشارية في عصيانهم وتمردهم فعزل الصدر األعظم ،وخرج
جيش العثماني ين ثانية إلى بغداد تحت إمرة (خليل باشا) الصدر األعظم واستولى على
بغداد ،وثارت فتنة االنكشارية فهدموا قصر السلطان وقتلوا حافظ باشا.
وشفي السلطان مراد الرابع غيظه من االنكشارية بقتل كل من ثبت أن له ضلعًا في
إثارة الفتنة ،وحاول من يدعى (رجب باشا) إثارة االنكشارية ،لكن سرعان ما أمر السلطان
بقتله وإلقاء جثته من نافذة القصر ليكون عبرة لمن يعتبر ،ومن تحدثه نفسه =بإثارة
الفتن ،فأمن الناس على النفس والمال بعدما كابدوا من ثورات االنكشارية ما كابدوا
من شدائد ومحن .وأرسل السلطان إلى والي دمشق يأمره بمحاربة (فخر الدين) أمير
الدروز بعد خروجه على الدولة ،ثم مضى مراد الرابع بنفسه على رأس جيشه إلى إيران
024
وقد ترجلت في بعض الطريق ،لَمّا تفرست إني لو لم أفعل لهلكت
وضاع يا ربعي حذائي ،أضاعه رفيقي المال موسى الكردي وكان يمشي
اتخذها -ال بارك اهلل تعالى له فيها -دون السفر أنيسًا ،ويوشك أن يغفل
-سلمه اهلل تعالى -عن لحيته ،فتقتسمها أمواس شظايا أشجار األودية ،أو
تنسفها عواصف ذرى الجبال فتودعها عند سعد بُلَع أو سعد األخبية.
ولما نزلنا ما رأينا في الخان أحدًا ،فنادينا فلم يتصدَ لرد الجواب
سوى الصدى/14[ ،أ] ثم ظهر علينا رجل من كوخ عنده مبقلة ،فأخلى
كوخه لنزولي وقد كان منزله ،وجعلنا األمتعة في حجرة ،ولم نسكنها
إذ كان فيها من البراغيث كثرة ،وقضيت نهاري أسرح طرف طرفي في
البقول ،وأفكر في رياض آالء ملك عظيم ال تحوم حول حمى ذاته أطيار
العقول.
ليسترد ما سبق للسلطان سليمان القانوني أن استولى عليه من البالد ،وفتح مدينة تبريز،
وتوفي عام 1904م ،ومع أنه قضى طفولته في القصر إال أنه كان ذا نزعة حربية عارمة،
ومع ذلك كان أديبًا ذواقة وشاعرًا مجيدًا.
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص .846
025
حتى إذا احتجبت عروس النهار ،وبدت غواني الليل لألبصار نمنا تحت
الخيمة الخضراء عند خضرة وماء ،على سطح كأسطحة دور الزوراء ،ال
يدور على سطحه طوالً وعرضًا سوى االستواء ،إال أنه ليس له حجار،
ففي النوم عليه لوال الضرورة ما جاء في اآلثار ،وحضلَّ كلٌ منا الحزام،
وقبل أن يفرخ طائر النوم في عش األجفان ،ونحن على ألذ حال أطاره
فسرينا قسرًا وأعين النجم سهرى ،حتى إذا كاد األفق يغرق بدم زنجي
الليل القتيل ،وأوشك أن يمأل الديك قنص الجو تحسرًا على بيض
026
نزلنا عن األكوار فجعلنا الصالة عنوان صحيفة النهار ،ثم سرنا.
]جنكل[( ):
حتى إذا قبّلت الشمس بشفاه أشعتها وجنات الجبال وأفواه الوديان تاقت
خان يشرب فيه القهوة غالب من أقبل ،فنزلنا فشربناها فيه ،وكانت
( )1جنكل :قال عنها المؤلف في رحلته الثالثة "غرائب االغتراب" :وصدرت أنا إلى بيت
(حمدي باشا) فوردت فيه من حياض الراحة ما زادني انتعاشاً .وكان ذلك البيت األجل
عند الساحل .في محل يسمى جنكل .وهو بمرأى من القسطنطينية ومسمع .ومقعد بين
شعبها األربع .فبقيت هناك مدة .قعيد مخدرة الوحدة.
فال صديق إليه مشتكى حزني ...وال أنيس إليه منتهى جذلي
وعطرت هناك أردان وحدتي .بنفحة رسالة ذكرت فيها إلى الريحانتين نسبتي .مع
ذكر نسبة آخرين .غدوا في البالد متفرقين .وبعد عدة أيام دخلت القسطنطينية.
( )8بوغاز :البوغاز هو المضيق ومدخل السفن إلى الميناء .
027
تهب الروح نفحة من حياةِ رب سوداء في الكؤوس تجلّت
وشربة صافـي الشَّهد ليس لها مثل يقول شراب البُنِّ فيه مـرارة
028
قـد اخترتُهُ فاختر لنفسك ما يحلو
()1
فقلت على ما عبتـه بمـرارة
( )
ثم سرنا خفافًا مع األثقال حتى وصلنا الساعة الثالثة إلى (طور خال)،
وذلك يوم اإلثنين أول أيام ذي القعدة الحرام ،فحللنا تكية الحاج
مصطفى [/14ب] النقشبندي خليفة الشيخ عثمان دفين دمشق الشام ،اختارها
لنا جناب الممثل بليث الوغى ،والمدير الحامل لمشاقِّ المأموريات هناك
( )1البيتان عزاهما ابن العماد في شذرات الذهب للشاعر برهان الدين إبراهيم بن المبلط
القاهري (ت 661هـ) .مع اختالف في بعض كلماتها حيث رواهما كالتالي:
يقول عذولي قهوة البـن مـرة ...وشربـة حلو المـاء ليس لهـا مثـل
فقلت على ما عبتها من مرارة ...قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو
ومن شعره في القهوة أيضا:
أرى قهوة البن في عصرنا ...على شربها الناس قد أجمعوا
وصــارت لشرابهـا عـادة ...وليسـت تضــر وال تنفـــع
وقال:
يا عائبـا لسـواد قوتنـا التـي ...فيها شفاء النفس من أمراضهـا
أو ما تراها وهي في فنجانها ...تحكي سواد العين وسط بياضها
ابن العماد الحنبلي :شذرات الذهب. 081/3 ،
( )8طورخال :Tourkhalمدينة في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية ولواء سيواس.
طورخال=كشان؛ تعرف اليوم باالسم األول ،ويكتب ،Turhal :تقع بين مدينتي أماسية
وتوكاد على خط العرض 04.80والطول .59.49
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص .538
029
وقد رأيته حاويًا لصفات تحكي النجوم السيارات ،ودلني عليه لما دخلت
الحجرة ،وأظهر لقدومي عليه غاية المسرة .وجاءني شيخ التكية( )1الشيخ
بكر ،وهو سبط الحاج مصطفى السالف الذكر ،وقدم لنا بطيخًا أخضرًا
يحكي بلذيذ حالوته سكرًا ،وفيه حداثة والمشيخة فيه وراثة ،والتكية
على شاطئ نهر صغير ،تئن عليه بضلوع تعد عِدّة نواعير ،وقد ذكرتني
( )1التكية :وهي كلمة فارسية األصل ،جاءت من أصل كلمة "تكين" وتعني وحيد -فريد،
وتعني أيضًا المنقطعين عن الدنيا ،بقصد العبادة أو االنقطاع للعبادة ،وتعني الزاهد
والناسك ،ثم أصبحت تطلق على المكان الذي يمارس فيه هؤالء الزاهدين عبادتهم؛
=لتعرف فيما بعد بالمكان الذي يلتقي فيه المتصوفة وأصحاب الطرق؛ ليمارسوا عبادتهم
ودروسهم وخلوتهم.
انظر :أحمد صدقي شقيرات :مؤسسة شيوخ اإلسالم.830/1 ،
031
علم العروض به امتزج يا أيها المولى الذي
()1
فيها بسيــط وهــزج بيــن لنــا دائــرة
ثم إني بعد أن اجتمعت حواسي ،وهدأت من الكد أنفاسي ،تشرفت بزيارة
وعنده مراقد أبنائه الكرام أسكنهم اهلل تعالى جميعًا غرف دار السالم،
وهم في حجرة بناها كسائر حجر التكية الشيخ المشار إليه ،جعل اهلل
تعالى عمله بأسره مقبوالً لديه ،وقد تنمق في بناها ،فرفع سمكها وسواها،
( )1من األلغاز الشعرية المشهورة التي ال يُعرف صاحبها .وكان ممن فسره علي بن أحمد
ابن محمد المعروف بابن بجع البعلي األصل الدمشقي الشافعي ،حيث قال :قال سألني عنه
بعض اإلخوان فأجبته بديهاً بأن المراد بالدائرة الدوالب وأراد بالبسيط فيه الماء وأراد
بالهزج صوت الدوالب فيكون المعنى بين لنا دائرة جمعت بين البسيط والهزج ال
المذكورين في علم العروض والمعروف أن بعض العلماء سئل عن هذين البيتين ففكر
ساعة ثم أجاب فقال له السائل أجبت الجواب الحق ولكن درت في الدوالب كثيراً.
المحبي :خالصة األثر.846/8 ،
030
فلقد سمعت الناس هناك يقول فيها صحابي يسمى (كيسِك باش)،
ولعمري إن ذلك بناء على غير أساس ،وجثة -ورأسك العزيز -بال رأس،
ومثل ذلك كثير في أكثر البلدان ،وهي في هذا األمر أبناء أعيان ،قد
اتخذ الناس فيها قبورًا هي عندهم من السِماك أسمى ،وشغفوا بها شغف
المجنون بليلى ،وإن هي إال أسما/11[ ،أ] وأظن أن الزائر يثاب على نيته،
صالة العشاء قال المكاري :هاؤم البغال ،ودونكم فحملوا األثقال ،فاألرض
ليالً تطوى ،والقوي على السير أقوى ،فقمنا لذلك بجد ،حيث رأينا هوى
حتى إذا كان المسير بين سَحْر السَحَرِ ونحره ،واستنشقت األنوف
نسيمًا آثاره خفق غراب الليل جناحه للطيران عن وكره ،وبدت الثريا
كعنقود مالحية حين نور ،وتلتها الجوزاء بمنطقها تزهو وتتبختر ،دبت
في مفاصل الحواس دبيب النمل حميا النعاس ،فخرجت حركات الرؤوس
032
بكـاء كـان يبكـي لـي نعاسًا وصرت بحيث لو كلفت جفنـي
مع أني -وهلل تعالى الحمد -ممن يُعرف منه قلة النعاس ،وتصفه بذلك
تخبط خبط عشواء ،وتتمنى لخالصها لو كانت عمياء ،فبينما تشكو إليّ
ما أشكو إليها ابتسم ثغر الصبح الوَضَّاح يضحك عليّ وعليها ،فشكرنا
المولى على جزيل ما أولى ،وقلنا قرب أن تسلمنا كف المسير إلى يد
033
املنزل الثامن :توقات( ):
ولما رأينا حمرة عين الشمس تحكي في وجه األفق حمرة العين
الرمداء نزلنا سراعًا فأدينا ما فرض علينا من صالة الصبح أحسن أداء،
ثم لم نزل نسير في وادٍ سهل كبير ،إلى أن وصلنا مع شدة التوق إلى
(توقات)( ) ،وذلك يوم الثالثاء ثاني الشهر ،وقد مضى منه ثالث ساعات،
وغالب سيرنا في ذلك الوادي ،وهو بين جبلين ال يسمع منهما لمزيد
تباعدهما التنادي ،وبحذاء أحدهما [/11ب] نهر صغير وماؤه عذب نمير،
( )1توقاد :توقاد :)Comana Pontica( Tokadمدينة في تركية اآلسيوية -األناضول -في
والية ولواء سيواس .تقع على دائرة عرض ،04.16وخط طول .59.50
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص .888
( )8توقات في أوضح المسالك بضم المثناة الفوقية ،وسكون الواو ،وفتح القاف ،ثم ألف وتاء
مثناة من فوق بلدة صغيرة في الروم ،من الخامس ،وهي في لحف جبل من تراب أحمر،
وطولها على ما في األطوال سال وعرضها ماي ]المؤلف[ .
034
وغيرها ،لكنه حالٍ عند كل أحد ،وينصب في بحر قِرم ،فيذهب فيه
وال ذهاب الغثاء بالسيل العرم ،ويخيل أن ذلك الوادي كان بالماء مفعمًا
فشربته أفواه الحوادث ،وكم شربت ولم تروا -ال در درها -من ماء،
األرجاء.
كثيرة الفاكهة جدًا قد جاوزت في الفخر بذلك على أكثر البالد حدًا،
وقد أرخى الرخاء فيها زمامه ،وأعطاها دون ما سواها دَمامه ،دخلتها في
سادس شهر آب( ) ،ولماء المزن في أرجائها انصباب ،واستمر بعد دخولي
ساعات ،وعاد في اليوم الثاني على نحو ما فات ،وله عندها إذ ذاك نفع
غزير ،لكن على ما شعرت في غير الحنطة والشعير ،وهو صيفًا في مدينة
السالم يُكثِران أنفق األسقام والهوام ،وقد شاهدت ذلك منذ سنين فقلت
لبعض األصحاب :هل أَرَّخْتَ ما وقع؟ فقال :نعم أرخت (عامًا شديد
العذاب).
035
وقد مدحها في أوضح المسالك بما يوضح امتيازها على كثير من
الممالك.
ُبدي-
ُعيد امل
َه امل
َّم
حبث :خان أفندي ابن نوح أفندي–سل
:
حضرة ذي الرياستين خان أفندي ،وهو رجل جليل الشأن أصله من (غازي
وكياسة ،قد ملئت شهرته بالده ،ودعى بين األحمر واألبيض بـ (سُرْخي
خان زاده) .ولما استولى على مملكته يرملوف المأمور من قبل دولة
إلى أرزن الروم ،حيث إنها بلد ال يطير غرابها وتطير عن ساكنها عقبان
الهموم،
036
ثم لما استولى عليها مسنكويج المأمور بدالً من ذاك ،هاجر إلى
سيواس ،فتوطنها تسع سنين بغاية رفاهية ونهاية استيناس ،حيث إن
المرحوم السلطان الغازي ( )1محمود خان -تَوَّجَه اهللُ تعالى على كرسي
شهريته ،وفي السنة الرابعة [/18أ] والخمسين سافر إلى توقات ،فتاقت
نفسه لإلقامة فيها ما دامت الحياة ،فهو اليوم فيها معزّز مُكرم ،معزر
محترم معظم ،ال يفارق منزله كبارها ،وال تختار مرجعًا سواه خيارها،
وقد رأيته مدينة علم حصينة ،ومن رأى مثلي خانا غدا مدينة ،قد غمس
يده في كل فن،
()1غازي :الغازي معناها في اللغة العربية :محارب أو مقاتل من كلمة الغزو ،ولكن في
اللغات اإلسالم ية كالتركية والفارسية واألوردية لها معنى خاص وهو المجاهد أو
المقاتل في سبيل اهلل .وهذا االستعمال ناشئ منذ زمن النبي فيما يعرف بغزوات رسول
اهلل ،وكان لقب الغازي أسمى األلقاب التي يلقب بها الفاتحون المسلمون .
سهيل صابان :معجم ،ص 133
037
وله خط كحظه حسن ،لم أشاهد -علم اهلل تعالى -بعد حضرة شيخ
األدبية ،وله اشتغال تام بكتب التفسير ،مع إطالع على البطون وفير ،وهو
شافعي المذهب ،يرى تقليد غير العجب األعجب ،وقد استأنست بمحاوراته
( )1عارف حكمت (1833 -1844هـ1131-1313/م) أحمد عارف حكمت بن إبراهيم بن عصمت بن
اسماعيل رائف باشا ،ينتهي نسبه إلى بيت النبوة ،من نسل الحسين :قاض ،تركي المنشأ،
مستعرب ،اشتهر بخزانة كتب عظيمة له في المدينة المنورة ،تعرف إلى اليوم بمكتبة
عارف حكمت .تقلد قضاء القدس ،ثم قضاء مصر ،فقضاء المدينة المنورة ،وانتهى به
الصعود إلى أن ولي مشيخة اإلسالم في اآلستانة سنة 1898ه ،فاستمر سبعة أعوام ونصف
عام ،وأقيل سنة 1834فانكب على العبادة والمطالعة إلى أن توفي باآلستانة .له نظم باللغات
العربية والفارسية والتركية ،وكتاب بالعربية سماه (االحكام المرعية في االراضي
االميرية) و(مجموعة تراجم) لعلماء القرن الثالث عشر ،لعلها بالعربية ،اقتبس منها
صاحب (هدية العارفين) .وله (ديوان شعر-ط) بالعربية والتركية والفارسية .ونظمه
العربي جيد .وللشهاب محمود االلوسي كتاب في ترجمته سماه (شهي النغم ،في ترجمة
عارف الحكم-خ) قلت :اشتهرت كتابة اسمه(عارف حكمت) بالتاء المبسوطة ،على الطريقة
التركية ،ثم رأيت (خاتمه) الذي كان يصدر به كتبه الموقوفة في المدينة ،واسمه فيه:
(أحمد عارف حكمة اهلل) .
الزركلي :األعالم 151/1؛ البغدادي :هدية العارفين111/1 ،؛ البغدادي :إيضاح المكنون
. 051/8 ،53/1
( )8كان معظم العرب يطلقون اسم الروم وبالد الروم على األتراك ومنطقة آسيا الصغرى
واألناضول ،حتى فترة متأخرة من عهد الدولة العثمانية .
038
لكان للطف رُوحًا لو مُثِّلَ اللُطفُ جسمًا
وشاهدت ابني عمه عنده ،قد تبعا خُلقه وشابَه مجدُهما مجدَه ،وهما :
داود بك ابن خالد بك ،وله مشاركات أدبية ،وحسن تَلضقٍّ للدقائق
العلمية .وحمزة بك ابن زكريا بك ،وهو حَيِيّ نجيب قليل الكالم،
039
وقد أمر بي بالنزول عند هذا الرفيع الشان ،الذي ما نقض الكرم عهده
041
وفجر نهار البهاء ،الذي لم تر عيني وزيرًا يدانيه ،وال نجيبًا حوى من
( )
النجابة عشر ما فيه ،أفندينا محمد حمدي باشا
( )1محمد حمدي باشا :قال المؤلف عند ترجمته في رحلته الثالثة (غرائب االغتراب):
(ومحمد حمدي باشا) هو رجل من رجال إسالمبول .ولد على أيدي قوابل االعتبار
والقبول .وارتضع لبان المجد .وامتهد حجور السعد .حتى ترعرع وبرع .وورد منهل
المجرة وشرع .وفاق األقران .وزاحم منكبه كيوان .فهو اليوم ال يجارى بكرم .وال
يبارى بمحاسن شيم .ذو وفاء وافي .وطبع من كل غش صافي .ورد بغداد في معية
حضرة فاتحة قرآن العرفاء .وخاتمة قرون الوزراء (علي رضا باشا) كان له رضى مواله
سبحانه غطاءاً وفراشاً .فنلت إذ ذاك تفضله .ورقيت إلى ما رقيت بإخالصي له .فأنا
ربيب نعمته .وغرس أيادي أياديه وهمته.
وبقي في بغداد مدة مديدة .وأعواماً على عامة أهل وداده سعيدة .وهو في جميع
تلك المدة بدر سماء وزارة ذلك الوزير .ونجمها الذي يهتدى به في ليل المشكالت
ذلك المشير .وكان عليه الرحمة وهو المهاب يهابه .ويهوله وهو البحر الخضم عبابه.
ثم رجع ألمرٍ ما إلى األستانة العلية .فخطبته حوراء الوزارة البهية .ولم تزل تراوده
حتى نكحها كرهاً وما كان في قلبه من قبل أن يمنحها وجهاً.
وقد تشرفت بواليته عدة أياالت .وما انفصل من أيالة إال واصل أهلها البكاء لما
أضحكهم من أياديه السالفات .وكان بينه وبين المرحوم (علي رضا باشا) قرابة سببية.
وكانت أقوى من كثير من القرابة النسبية .وذلك أنه كان متزوجاً بخالته .ولذا
اتحدت حالته بحالته .وكان هو متزوجاً ببنت درويش باشا الصدر األعظم .وبعد وفاته
خرجت عليه الصدور فصودر بما اهلل تعالى بمقداره أعلم .وكان أبوه رئيس وزراء
=العساكر البحرية .وكان داهية دهما مع ديانة وأياديه البيض أدهمية .وهو زاده اهلل
تعالى في اآلخرة انتعاشاً .مشهور في البر والبحر بسيدي (علي باشا) .وسبب ذلك أنه
كان والياً في الجزائر .وكان يجلب بمالطفته قلوب أهلها األكابر واألصاغر .فكانوا
يخاطبونه على وجه التعظيم بسيدي بالتخفيف .وكذا كانت عادتهم في خطاب كل
جليل شريف .فاشتهر بذاك .من بين وزراء األتراك .تغمده اهلل تعالى برحمته .وأسكنه
الغرف العلية من جنته .وبالجملة ،حضرة المترجم .حفظه اهلل من كل ألم .ال نظير له
في الوزراء حسباً ونسباً .وأنه لكريم الطرفين أماً وأباً .أسأل اهلل تعالى أن يعطيه سؤله.
ويبلغه عن قريب مأموله .ويوالي مواليه .ويعادي سبحانه معاديه .
040
أنعشه اهلل تعالى بحميا اللطافة إنعاشًا ،وذكر لي -أيده اهلل تعالى -أن
المومئ إليه يحب لرفعه شأنه نزولي لديه ،وأنه قد رجا ذلك من حضرته
حين مروره ذاهبًا إلى اآلستانة لزيارة والدته ،وذكر لي -حفظه اهلل
تعالى -من خبره ما صدقه خُبْرُه ،ومن ظاهر أمره ما وافقه سِرُّه ،وقد
أنشدته إذ شهدته:
()1
إذني بأطيب مما قد رأى بصري حتـى التقينا فال واهلل ما سمعت
( )1روي هذاتن البيتان باسمين مختلفين ،تارة (أحمد بن سعيد) وأخرى (جعفر بن فالح)
وقد جمع المؤلف هنا بين الروايتين واالسمين .وصاحب البيتين الذين أوردا اسم الممدوح
(أحمد بن سعيد) هو الشيخ أبو بكر عبد القادر محيي الدين البكري الصديقي الشافعي
الدمشقي ،أما صاحب البيتين الذين أوردا اسم الممدوح (جعفر بن فالح) فهو أبو القاسم
محمد بن هانئ األندلسي ،يمدح بهما جعفر بن فالح األمير .وقد جاء في ترجمته" :
والي دمشق من قبل المعز صاحب مصر .وهو أول أميرٍ وليها لبني عبيد ،وكان قد خرج
المذكور مع القائد جوهر وفتح معه مصر ثم سار فغلب على الرملة سنة ثمان وخمسين
وبعد أيام غلب على دمشق بعد أن قاتل أهلها أياماً ،وكان بها مريضاً ،على نهر يزيد
فسار لحربه الحسن بن أحمد القرمطي وقتله سنة ستين وثالثمائة وقتل من خواص
األمير جعفر جماعة وكان رئيساً جليل القدر ممدحاً " .
الصفدي :الوافي بالوفيات89/0 ،؛ المحبي :خالصة األثر. 39/1 ،
042
وبعد أن حللت منزله ،واستحليت تفضله ،اقترح علي أن أقيم اليوم
الثاني [/18ب] عنده لتنحل ما عقده على المسير من شدة الشدة ،فأجبته
بين أقرانه يد طولى في األدب ،وهو في معظم علماء الروم -على أدبهم
فعالً وقوالً -من العجب ،وهو ممن تخرج على فاروق فروق( ) ،والطائر
بجناحي النسر في مكارم األخالق إلى العَيُّوق ،ذي الفضل الجليل الجلي:
المرحوم الحاج عمر أفندي األقشهرلي .وقد دعي إلى اإلفتاء مرارًا،
( ) 1فروق (وتكتب أحيانا فاروق) اسم من أسماء العاصمة العثمانية ،استخدمه العرب في
وصفهم ورحالتهم إليها ،يقول الشيخ محمد بيرم الخامس في علة هذه التسمية:
القسطنطينية ،وتسمى فاروقاً لفرقها بين أرض آسيا وأوربا ،ولفرقها بين البحر األبيض
والبحر األسود ،فكان لها بهذا الموقع عظيم االعتبار.
انظر :محمد بيرم الخامس التونسي :صفوة االعتبار بمستودع االمصار واألقطار،
الجزء األول ،المطبعة االعالمية بمصر ،سنة 1548ه 1110/م ،ص.5
043
وهو فقير الحال مع كثرة عيال ،واعتذر لي عما كان معي في العام
السابق من برودة المفتي أحمد أفندي يوز زاده ،فندمت على ما نَدَّ مني
في معاملته لما أبى نزولي عنده وأكلي زاده ،حيث أفادني أنه رجل أبله،
ال يعلم أن عمدة في الدنيا يداني فضله فضله ،ويحسب أن الكبرياء من
اللوازم العقلية لفتاة اإلفتاء ،وأنه ممن يستطيب دخول النار وال خروج
أشين األشياء عنده إكرام الضيف ،وأشد البالء عليه نزوله في بيته
044
()1
وعِرضٌ مثل مِنْدِيل الخِوَان *** خوَانٌ ال يِلِمُّ به ضيوفٌ
فاإلنصاف أن ال يعتب على مثله ،ويترك على حمقه وجهله ]( ،)8وهو
أيضًا ممن تخرج على األقشهرلي ،لكن -سوَّد اهلل تعالى حظه -خرج عن
التخلق بخلقه العلي ،وأفادني وهو الصدوق عندي المولى األمين خان
أفندي ،أن له نوعًا من االطالع على بعض العلوم العقلية ،وأنه أجهل من
ابن يوم في العلوم النقلية السيما األدبية ،فهو من األدب أعرى من إبرة،
وليس فيه أرب بالمرة ،ومع ذا هو أعلم علماء توقات ،لكن بعد الفاضل
عبد الرحمن أفندي ذي التحقيقات ،إال أن حسده مأل جسده ،فكاد يقطر
سمه من أهابه ،ويوشك أن يهلك إذا رأى عالمًا من أليم ما به .وحكى
لي من آثار ذلك ما تقشعر منه جلود المؤمنين ،وتمجه أفواه أسماع
سائر السامعين ،نسأل اهلل تعالى العافية مما ابتاله ،إنه عز وجل ال يُخَيِّب
.
عبدًا دعاه [/15أ]
( )1البيت عزاه ابن أبي الدنيا في قرى الضيف ألبي الغنايم بن أبي المكارم الرملي ،وقال
عنه " :في الهجا بيتا نادرا كالمعجز في فنه " ،كما أورده الثعالبي في المنتحل
خِوانٌ ال يلمُّ بهِ صديقٌ ...وعِرضٌ مثلُ منديلِ الخوانِ كالتالي:
وعزاه لمحمد أبو العنبس الصيمري .الثعالبي :المنتحل 53/1؛ إبن أبي الدنيا :قرى
الضيف18/3 ،؛ الثعالبي :يتيمة الدهر. 833/8 ،
( )8هذه الزيادة من النسخة المطبوعة.
045
واشتهر عبد الرحمن أفندي بـ (الفِرَنْكَوي) بين الناس ،وهو نسبة
وزارني المقدس الفاضل السيد محمد أفندي التوقاتي ،وقد طابت به -
وكذا حضرة عبد السالم أفندي القاضي األفضل ،الذي أنزلني عنده
مع مزيد احترام في العام األول ،ولم يزل -وهو سيواسي األصل -منذ
سنوات ،قاضي الشرع ماضي الحكم في بلدة توقات ،حيث جُبِلَ على
الحياء ،وينحل من كفه حبا الحباء ،ذا عفة وديانة ،وأمانة ال تعرف جناية
الخيانة ،رأيته قد ثقلت على عين قلبه حركة المفتى ثقل الضمة على
المه ،فمتى شرع فى االعتذار عنها تعثر لسانه حياء بأذيال كالمه ،كثّر
046
وجاء أمين الفتوى مع جمع ،وما جاء–والسماء والطارق -إال الستراق
السمع ،وجلس بعد تقبيل يدي من المجلس في جانب ،ولم يعلم بعقله
أنه رشيد ،وهو من موالي بهرام باشا أحد المتصرفين في كردستان( ،)1إذ
وأما الزائرون من سائر الطلبة فكثيرون ،وكلهم تقبل اهلل -عز وجل-
منهم لي داعون.
( )1والية كردستان(مركزها مدينة ديار بكر) ،وهي ثالث ألوية :ماردين ،وإسعرد ،وديار
بكر.
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 80
047
وقد جرت ليالً ونهارًا أنهار أبحاث علمية ،وتبخترت في البين عشيًا
وأبكارًا أبكار غوان أدبية ،وكثرت األسئلة في التفسير ،بناء على ما يظنه
فمن ذلك ما جرى في قوله تعالىَ :ولََقدْ كَرَّْمنَا َبنِي آدَم/15[) (ب]
ال حجة فيه على تفضيل الملَك على البشر بالمعنى المتنازع فيه كيفما
فأتيت بتوفيق اهلل تعالى في أمر االستثناء بما يقر العين ويجلو الغين،
048
ومنه ما جرى في قوله تعالى :إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ألَهَبَ
اآلية ،وقد وقع السؤال عما يتعلق به الكالم في النهاية ،وهو أن لَكِ
( )
"ألهب" بالهمز ،وال همز عليهم في ذلك وال لمز ،وقرأ أبو عمرو
"ليهب" بالياء مخالفًا لما في جميع مصاحف األمصار ،وقد قالوا :كل
ما خالف سواد المصحف اإلمام ال يقتدى به وليس له اعتبار .فهذه القراءة
وقد استشكل ذلك صاحب البيت الخان ،وقال :أعياني حل هذا المشكل
فقلت :يا موالي إن ابن جرير وإن كان من كبار أهل التفسير ،قد
أخطأ في رد قراءة أبي عمرو ،وما تثبت -عفا اهلل تعالى عنه -في هذا
049
والمصحف اإلمام غير منقوط كما هو المحقق المضبوط ،ومن
من كلية تلك القضية ،ولعل المراد ما خالف مخالفة كلية ،ال ما يعمها
و(جبرائيل) ،وال أظن أحدًا يلتزم ذاك ،ولو التزمه لم يقبل الدميْ
()1
051
في رسم المصحف اإلمام ،من ثم انجرّ الكالم ،فيما قاله ابن خلدون
( )
أن كُتّاب الصحابة -رضي اهلل تعالى عنهم -لم يكونوا إذ ذاك محكمين
الكوفة عليهم ،وجهل الجليل الشان بالصناعة ال يحط قدره ،وال ينقص
فقلت :هذا الكالم ال يخلو ظاهره عن بشاعة ،وإن كانت الكتابة حديثة
( )1ابن خلدون( 141 - 358هـ1049 - 1558/م) :عبد الرحمن بن محمد بن محمد ،ابن خلدون
أبو زيد ،ولي الدين الحضرمي اإلشبيلي من ولد وائل بن حجر .الفيلسوف المؤرخ ،العالم
االجتماعي البحاثة ،أصله من إشبيلية ،ومولده ومنشأه بتونس ،رحل إلى فارس وغرناطة
وتلمسان واألندلس ،وتولى أعماالً ،واعترضته دسائس ووشايات ،وعاد إلى تونس ،ثم توجه
إلى مصر فأكرمه سلطانها الظاهر برقوق ،وولي فيها قضاء المالكية ،ولم يتزين بزي
القضاة محتفظاً بزي بالده ،وعزل ،وأعيد ،وتوفي فجأة في القاهرة .كان فصيحاً ،جميل
الصورة ،عاقالً ،صادق اللهجة ،عزوفاً عن الضيم ،طامحاً للمراتب العالية ،ولما رحل إلى
األندلس اهتز له سلطانها ،وأركب خاصته لتلقيه ،وأجلسه في مجلسه.
اشتهر بكتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر) مجلدات ،أولها (المقدمة) وهي تعد من
أصول علم االجتماع ،ترجمت هي وأجزاء منه إلى الفرنسية وغيرها ،وختم (العبر) بفصل
عنوانه (التعريف بابن خلدون) ذكر فيه نسبه وسيرته وما يتصل به من أحداث زمنه ،ثم
أفرد هذا الفصل ،فتبسط فيه ،وجعله ذيالً للعبر ،وسماه (التعريف بابن خلدون ،مؤلف
الكتاب ،ورحلته غرباً وشرقاً) وله شعر .ومن كتبه( :شرح البردة) ،وكتاب في (الحساب)،
ورسالة في (المنطق) ،و(شفاء السائل لتهذيب المسائل).
الزركلي :األعالم. 554/5 ،
050
ومنه غير ما ذكر مما يطول ،فاعفني عن ذكره فأنا على كور السفر
ولما بدت الغزالة ترعى نرجس الظلم وصاح المكاري الحمار :قد ظهر
من عرينه أسدُ حَرِّ الظهيرة وهجم .قمنا فرحّلنا البغال ،ورحلنا
ال زال محط رحال شيع السرور ،وذلك يوم الخميس رابع ذي القعدة،
فلم نزل نسير في وعر غير يسير ،وفي الطريق ماء فرات ،يكاد يحيا
به الرفات؛ حتى وصلنا الساعة السادسة عريشًا فيه جمع من الضبطية( )،
فنزلنا ذلك العريش ،وفي الدواب من مزيد السير رهيش ،وسرنا بعد
( ) 1قوة الشرطة التي يعهد إليها القيام بالخدمة ضمن مراكز األقضية لتبليغ المذكرات
اإلدارية والعدلية ولمساعدة مشايخ القرى في جباية األموال األميرية .
انظر :لطفي المعوش :موسوعة المصطلحات ،ص .848
052
( )
ولم نزل نذرع األرض بخطا البغال ،ونقرع صفوان الجبال بما لها من
النعال ،حتى أتينا الساعة الحادية عشرة إلى قرية (قارقين) ولنا كأنضائنا
من فرط األين أنين ،وقد صحبنا مَن له من النجابة غواشي ،ولدي القلبي
( )1ربما يعني بها قارخين التي قال عنها في رحلته األولى "نشوة الشمول" .. :فسرنا بين
أودية وتالل وجبال تضاءلت من صنع حوادث األيام والليال ،حتى أتينا -ولنا من األين
أنين -قرية يقال لها (قارخين) وهي قرية تشتمل من البيوت على نحو خمسين ولم نر
فيها والحمد هلل سوى المسلمين ،وفيها جامع لهم قدموا فيه للصالة بهم أجلهم ،وأمامها
فضاء عظيم ،يتنزه فيه عليل النسيم ،وأكلنا أثناء السير مشمشًا قيسيًا لو رآه قيس
غيالن لحسبه نجومًا ملئت حميا ،ونزلت للغداء وإراحة فرسي على شاطئ نهر جار قرب
مكان يسمى (أوزمش تكيه سي) وهنا قبر عليه قبة ثلجية قد زرناه ،فلم نحس منه
بروحانية ،ومررنا على جبل في الجملة طاغي يسمى فيما يقال يلدز داغي .
053
وكان نعم الرفيق ،وقائم مقام فريق ،حيث تخلف عنا المال موسى ،ولم
وكاد أن تكون الخاتمة قراءة الفاتحة لروحه وإن لم ندر محل قبره،
فاهتم األغا اهتمام ليث الوغا ،وصال وجال حتى أوقفنا على حقيقة الحال،
وأنه قالت له قوى بغلِهِ :يا موسى ادع لنا ربك ،ودَعنا قبل أن تضيع
حزبك ،وإن لم تفعل كلفناك بعد ساعة بحمل السمر ،على ما أنت فيه
( )1قال أبو هالل العسكري :وقعوا في حيص بيص إذا وقعوا في أمر ينشب بهم ،ولم نعرف
تفسير "حيص بيص" ،وقد حكى ياقوت تفسير ذلك في ترجمة ابن الصيفي التميمي،
قال :شهاب الدين أبو الفوارس ،المعروف بحيص بيص ،الفقيه األديب الشاعر ،كان من
أعلم الناس بأخبارالعرب ولغاتهم وأشعارهم ،أخذ عنه الحافظ أبو سعدٍ السمعاني وقرأ
عليه ديوان شعره وديوان رسائله ،وذكره في ذيل مدينة السالم وأثنى عليه ،وأخذ الناس
عنه علماً وأدباً كثيراً ،وكان ال يخاطب أحداً إال بكالم مغربٍ ،وإنما قيل له حيص
بيص ،ألنه رأى الناس يوماً في أمر شديدٍ ،فقال :ما للناس في حيص بيص ،فبقي عليه
هذا اللقب .وفي معناها أيضا قولهم :جعلوا األرض عليه حيص بيص ،وحيصا بيصا .أي
ضيقوا عليه ومنعوه من التصرف.
ياقوت الحموي :معجم األدباء33/6 ،؛ أبو هالل العسكري :جمهرة األمثال. 550/8 ،
054
وليس في بغلِه حركة بسوي عينيه ،وهو بلسان حالة يشتكيه ،اشتكاء
االبن جور أبيه ،فما وصل إلينا إال وقد غربت الشمس ،ولوال فضل اهلل
وكان نزولنا عند العبد الصالح بال فرية ،السيد محمد أفندي خطيب
تلك القرية ،وهو رجل إلى الغاية فقير ،وما كنت ألنزل عنده لوال
تعالى أن أقول شعرة من إسته أطهر من لحية قاضي أماسية[ ،فأسأل اهلل
055
]هنر قزل أورماق[( ):
فجعلت تسير والحرب بينها وبين الحصا سجال ،وذلك يوم الجمعة
خامس ذي القعدة ،حل اهلل تعالى من درر الطاقة عِقده ،وقد ضممنا من
البرد إلى ثيابنا بعض الثياب ،مع أنا إذ ذاك في ثامن شهر آب.
( )1قزل إرماق ( Kizil Irmakهاليس )Halysنهر في تركية اآلسيوية -األناضول -ينبع
في الطرف الجنوبي لجبل كمن بلي داغ ،Guemin- beli- Daghفي قبدوقية ،ويصب
في البحر األسود بين مدينتي سينوب وصامسون .قزل إرماق أي":النهر األحمر" ،طوله
1044كم ،أطول أنهار تركيا ،قديمًا :هاليس ،Halysنهر كبير في آسيا الصغرى.
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص. 561
056
ولم نزل نسير ،والطريق -وهلل تعالى الحمد -يسير ،حتى نزلنا بعد
نحو ثالث ساعات في عريش ضبطية ،لنستريح هنيئة ونتهنى فيه برشف
القهوة البنية ،وكان على نهر سائل إلى نهر لسيواس مسمى بقزل
أورماق ،وماؤه غير كثير إال أنه عذب نمير صافٍ برّاق ،وينصب بعد
االمتزاج عند قرية (فَرَه) في البحر األزرق ،فيذهب فيه كصاحبه شذر
مذر كأن لم يُخلق ،ومبدؤه من جبل يسامت النجم بأنف طاغي ،وكأنه
لذلك يسمى فيما بين الروم()1بـ(يلدز طاغي( ))8وقد رأيت بعض العيون
( )1الروم :اللقب الذي استخدمه العرب والفرس للعثمانيين ،نسبة ألراضي الروم التي كانت
تابعة للدولة البيزنطية ،والتي سميت بروما الشرقية ،وقد أطلقت على والية سيواس في
بدايات عهد الدولة العثمانية والية روم ،كما أطلقت التسمية على المنسوبين للعرق
األلني ( اليوناني ).
سهيل صابان :معجم ،ص 186-181
( )8من جبال والية سيواس :قسمها الجنوب الشرقي إلى الفرات ونهر سيحان إلى هذه األنهار
المشهورة ،وقسمها الباقي على جبال البحر األسود ،بعدما يمتد شعبات جبال =طوروس
المشهورة إلى أرضروم يمدون أيضًا إلى شمال شرقي وجنوب غربي والية سيواس .ومن
المشهور منها جبال كمى بل ،وقره بل ،وقورد قوالت ،وجبل ترحيل ،هذه الجبال تفرق
بين نهر سيواس ونهر قزيل ايرماق .وأيضًا من جبال والية سيواس جبل كوسه ،جبل
يلدز ،وجبل جاملي بل .وهذه المذكورات يفرقون بين نهر قزيل ايرماق يعني النهر
األحمر ،وتوابع النهر األخضر ،ويوجد في شمال غرب الوالية جبال طاوشان ،وقارجاق،
وبجال قرق دلم ،وأيضًا هؤالء يفرقون بين النهر األحمر ،وما بين النهر األخضر.
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص .104
057
املنزل العاشر :سيواس( ):
ثم سرنا حتى دخلنا الساعة الثامنة (سيواس) ،ونسيم الصّبا تهب فيها
حاملة أنفاسُها ريّا اإليناس ،وقبل أن أصل هوى بي لوجهه البغل ،وأراد
أن يكسر رقبتي ذلك النغل ،وإال فال سبب لما فعل ،لكن تلقتني أكف
( )1سيواس :والية سيواس واقعة داخل آسيا الصغرى ،ويحدّها شمالًا طربزون ،وشرقًا
أرضروم إلى معمورة العزيز ،وجنوبها الشرقي حلب ،وجنوبًا آطنه ،وغربًا أنقره
وقسطموني .ولواء سيواس الذي هو مركز الوالية /04و56ه عرض شمال /05و50ه طول
الشرق ،فتحت في عهد السلطان بايزيد خان في سنة 161هـ .ودخلت في عداد الممالك
العثمانية .يوجد في نفس البلد ( )3آالف خانه ،وألف وخمسمائة دكانًا ،و 00جامعًا،
وعدد كبير من المساجد المتعددة ،والمدارس ،وفيها دار المعلمين ،و 85حمامًا وخانًا،
ومكتب رشدية عسكرية ،ومكاتب ،وسائره ،وتحتوي على 53ألف نسمة .ويمرّ من هذا
البلد على بعد نصف ساعة من جهة جنوب الشرقي قزيل ايرماق ،ونهر طاوره الذي ينبع
من مضيق طاوره ،ويُشغل هذا النهر مصانع دقيق وطاحونة ،وينقسم إلى قسمين ،وقسم
يأتي إلى المساجد والجوامع والكنائس ،وبعدما يروي أراضي البلد ينصبّ الزائد في النهر
األحمر (قزل أرمق ) .وفي وسط أناطول الصغرى ،وهي مقرّ القول اردوي العسكري
الرابع ،وهي على مسافة 30ساعة على ميناء صامسون ،وعلى مسافة 84ساعة عن معمورة
العزيز ،وتستعمل فيما بينهما عربات الخيل ،فيسهل النقل بذلك ،وهي من أجل عدم حكم
الفصول األربعة من البالد الباردة .ومن األقضية والنواحي التابعة لهذا المركز :قضاء
سيواس نفسه ،النواحي التابعة لهذا القضاء جنوب شرقًا من سيواس ناحية (دليكلي طاش،
وقنغال ،االجه خان) وشرقًا (كونش ،وكول ،وكاهكك) ،وجنوب غربًا (خانلي،
وبدرله).
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص .108-104
058
فأقعدتني على األرض متربعًا ،ثم نهضتني ال متثاقالً وال وجعًا،
وكان ذلك عند نهر (طُوْره) الخارج من مرعى كُون ،وبينه وبين
سيواس نحو ساعة وربع على ما أخبرني به المفتي عبد اهلل أفندي
جاشغون(.)1
ويكنس لهم المراحيض ،فتتغير منه األوصاف ،وتأبى استعماله نفوس غير
[/13أ] الدباغين وتعاف ،ولها نهر آخر يجري فيها ،وقد قسم بالعدل بين
من عشرة عيون ،وهي قريبة من البلد ،شاهدها من أهلها كل أحد ،وماؤها
( )1جاشغون أفندي :قال المؤلف عند ترجمته في رحلته الثالثة (غرائب االغتراب) :فيها
علماء أفضلهم (جاشغون أفندي) المفتي وهو على كبر سنه أشد حياءً من ذوات الحجال.
وعلى قلة ذات يده أكرم من ابن مامة وابن سعدي بين األمثال .وفيها وجوه أوجههم من
زمرة العلماء.
059
وكنت قبل أن أدخلها أحكمت عَقدي ،على حلو الحلول عند حر
فقال :قد نزل عنده من دائرة المشير من ال أرى نزولك معه يليق،
والرأي الصالح عندي أن تسلك الطريق إلى بيت حضرة المفتي السابق
(أوليا) أفندي( ،)1ووجوه سيواس إن أردت الحق ،جمع ليس بينهم في وحدة
إليه على هذه الرابطة معوالً على ما حصل لي بالكشف والشهود قبل من
نفسي حتى تخيلت أني قد حللت بحبوحة داري ،ورأيته قد فرح بي أكثر
من خاصة أهلي وصحبي ،وذلك لما منح من حسن األخالق وعراقة الكرم
وكرم األعراق.
( )1أوليا أفندي :قال المؤلف عند ترجمته في رحلته الثالثة (غرائب االغتراب) :رجل يقال
له (أوليا أفندي) كان مفتياً فترك باختياره اإلفتاء .حيث رأى االبتالء بذلك من مر
القضاء .فهو اليوم في ذلك البلد .محترم مكرم عند كل أحد .ذو خلق ألطف من النسيم.
وفكاهة ألذ من التسنيم .ولباس كلباس الشيوخ .غير أنه ليس له مثلهم فخوخ .فكأنه
أحد األولياء .في هاتيك األرجاء.
061
وكان هذا الرجل من قبل مفتيًا ،فترك اإلفتاء اختيارا لسلوك طريق
األولياء ،فتراه اليوم ذا جناحين ،وبيته بال جناح وكر الطائفتين ،ويرى
لمن وفقه اهلل تعالى لنحو ما وُفِّق له ،وأَهَلَّه جل شأنه لمثل ما أَهَّله.
إلىّ يعدو عَدو السّلَيك( ،)1فقال :قد فرقت خدمي في مجامع الطرق
يفتشون عليك ،فما سبب إعراضك عنا ،وما الداعي إلى نفرتك منا؟ فإن
كان قصور في خدمتنا األولى ،فالعفو ممن كان من أهل بيت النبوة
وأنا عنكم وعما كان منكم راضٍ ،ثم راضٍ ،ثم راض.
060
ثم نقلت له ما كان في وجه اختياري هذا المكان ،فقال الفرق بين
فاستقر حيث طاب لك القرار ،وكل نجد للعامرية دار( ،)1ولم يزل يتردد
إليّ في قضاء مصالحي السفرية ،ويعتني بها غاية االعتناء كأنها من
ضرورياته البيتية.
( )1مر المجنون على منازل ليلى بنجد فأخذ يقبل األحجار ،ويضع جبهته على اآلثار فالموه
على ذلك ،فحلف أنه ال يقبل في ذلك إال وجهها وال ينظر إال جمالها ،ثم رؤي بعد ذلك
وهو في غير نجد يقبل اآلثار ويستلم األحجار فليم على ذلك ،وقيل له :إنها ليست من
منازلها .فأنشد:
ال تقل دارها بشرقي نجـد ...كل نجد للعامرية دار
فلها منزل على كل أرض ...وعلى كل دمنـة آثـار
البهاء العاملي :الكشكول. 805/1 ،
062
ودعاني في اليوم الثاني المفتي عبد اهلل وجيه أفندي الشهير بجاشغون،
وهو عالم وجيه له دعابة الزمن الزرجون( ،)1إال أن الدهر قد ناء عليه
بكلكله،
( )1الزَرَجونُ :الخمر ،ويقال الكَرْمُ .قال األصمعي :وهي فارسيّة معربة ،أي لون الذهب.
وقال الجرميُّ :هو صِبْغٌ أحمر.
وتفصيل ذلك ما أورده ابن منظور في لسان العرب :الزَّرَجُون الماء الصافي
يَسْتَنقِع في الجبل عربي صحيح والزَّرَجُون بالتحريك الكرْم قال دُكَين بن رجاءٍ
وقيل هي لمنظور بن حَبَّة كأَنَّ باليُرَنَّإِ المَعْلولِ ماءَ دَوالي زَرَجُونٍ ميلِ قال
األَصمعي هي فارسية معرّبة أَي لون الذهب وقيل هو صبغ أَحمر قاله الجَرْميُّ وقيل
الزَّرَجون قُضْبان الكرم بلغة أَهل الطائف وأَهل الغَوْر قال الشاعر:
بُدِّلوا من مَنابِتِ الشِّيحِ واإلِذْ ...خرِ تِيناً ويانِعاً زَرَجُوناً
قوله« :بدلوا من منابت إلخ» قال الصاغاني يعني أنهم هاجروا إلى ريف الشام.
وقال أَبو حنيفة الزَّرَجُون القضيب يغرس من قضبان الكرم وأَنشد إليك أَميرَ
المؤمنينَ بَعَثْتُها من الرَّمل تَنْوي مَنبتَ الزَّرَجونِ يعني بمنبت الزَّرَجون الشأْم
ألَنها أَكثر البالد عنباً كل ذلك عن أَبي حنيفة والزَّرَجون الخمر قال السيرافي هو
فارسي معرّب شبه لونها بلون الذهب ألَن زَرْ بالفارسية الذهب وجُون اللَّون وهم ما
يعكسون المضاف والمضاف إليه عن وضع العرب قال ابن سيده وقول الشاعر هل تَعْرِفُ
الدارَ ألُمِّ الخَزْرَجِ منها فَظَلْتَ اليومَ كالمُزَرَّجِ فإِنه أَراد الذي شَرِب
الزَّرَجون وهي الخمر فاشتق من الزَرجون فعالً وكان قياسه على هذا أَن يقول
كالمُزَرْجَنِ من حيث كانت النون في زَرَجُون قياسها أَن تكون أَصالً ألَنها بإِزاء
السين من قرَبوس ولكن العرب إذا اشتقت من األَعجمي خلطت فيه وذكر األَزهري في
ترجمة زرج قال الزَّرَجُون الخمر ويقال شجرتها ابن شميل الزَّرَجُون شجر العنب
كل شجرة زَرَجونة قال شمر أُراها فارسية معرّبة ذردقون قال وليست بمعروفة في
أَسماء الخمر غيره زَرَكون
ابن منظور :لسان العرب169/15 ،؛ الجوهري :الصحاح في اللغة813/1 ،؛ ابن سيده:
المخصص . 160/3
063
والضُّعف قد سطا على قواه بخيله ورجله .ولد في رجب السنة
الحادية والتسعين من المائة الثانية عشرة من هجرة واحد العالم الذي ال
ثاني له في الشرف في الملك والجن والبشر ،صلى اهلل تعالى وسلم عليه،
وطلبتها يؤملون -لحسن ظنهم -من أدعيتي وأنفاسي مزيد بركتها ،ولم
يدروا أن دعائى ال يُرفع إلى راسى ،وأن أنفاسى تقصر عن إصالح نارٍ
064
لكن ماذا أقول لمن حَسَّن ظنَّه ،وحسب الجحيم جَنة والهشيم جُنة،
واستسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم( ،)1سوى أني أسأل اهلل تعالى أن ال
يحرمهم بركة حسن الظن ،وأن يمنحهم مزيد المنح ويحميهم من جميع
ولم أذكر فيما بينهم بحثًا علميًا ،سوى البحث عن معنى قوله -عليه
وحكاية اعترضت ،وذكرت كالم المجد الفيروز آبادي ،وإن كان البعد
على ساحل قاموسه ينادي ،ثم قلت لعل األقرب إلى األذهان ،حمل العربي
( )1أستسمن ذا ورم :تقول :استسمنت الشيء إذا عددته سمينا؛ والورم نتوء وانتفاخ في الجسد
يقال ،ورم الجسد بالكسر ورما ،تورم واستسمن ذي ورم هو إنَّ يرى الحجم الناتئ من
علة فيحسب ذلك سمنا وشحما .والمثل مشهور عند المتأخرين يضربونه عند خطأ الرأي
في أستجادة القبيح واستحسان الخبيث واستصواب الخطأ ألمارة وهمية كاذبة :قال أبو
الطيب:
أعيذها نظرات منـك صادقـة ...أنَّ تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ...إذا استـوت عنـده األنوار والظلــم
وفي المقامات الحريرية :قد استسمنت ذا ورم ونفخت في غير ضرم.
اليوسي :زهر األكم في األمثال والحكم.555/1 ،
( )8أقول هذا البحث مبسوط في جامع الرحلتين التي سماها نزهة األلباب في العود واإلقامة
والذهاب ،فإن أردته فارجع إليها ترى العجب العجاب [نعمان ،نجل المؤلف].
065
وزارني وأطال القعود عندي القاضي مصطفى نجيب بك أفندي
سنانك مفتيسي زاده ،أناله اهلل تعالى في الدارين مراده ،وأودعني إذ
ودعني تبليغ الدعاء لحضرة فخر وزراء الزوراء [/19أ] محمد نامق
األخالق التي قلما يوجد مثلها في أماثل العراق .وثانيهما علمهم بأن ذلك
يسر حضرة الوالي المتبوء بصفاته العلية قُنّة قُبّة المعالي ،فخر وزراء
الغبراء ،وفجر صبح البهاء ،أفندينا محمد حمدي باشا ،ال زال خد حمد
( )1نامق باشا (محمد) :مشير من المشيرين المتأخرين في الدولة العثمانية ،أرسل في بعثة
إلى أوربا من أجل التعرف على النظم العسكرية الحديثة ،واالقتباس منها وتطبيقها في
العسكرية في تركيا .ولما عاد من أوربا أدى مهامه على ما ينبغي .وقد نال رتبة المشير
في عهد السلطان عبد الحميد الثاني .وكان قائدًا عامًا للجيش في عهد السلطان عبد
العزيز ،كما تولى وزارة البحرية مرتين ،تولى عدة مناصب رئاسية ،وتوفي عام 1514
للهجرة.
حسين مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص 103
066
ولما أماطت يد قدرة الواحد األحد -جل شأنه -عن وجه اإلثنين اللثام،
وبدت غادة النهار تجر فاضل برد ضياها على هام الربى واآلكام سرنا
متوكلين على اهلل عز وجل ،متضرعين إليه سبحانه أن يقينا بلطفه كل
وجل .وذلك ثامن هذا الشهر المبارك ،حملتنا فيه إلى األوطان أيدي
وركبت أنا حصاني األزرق ،الذي يساوي ملء أهابه من الذهب األحمر،
وركب ولدي (عبد الباقي) بغلته الشهباء ،التي كان قد ركبها يوم خرج
من الزوراء ،وهي في حسنها وجمالها أشبه شيء بأخوالها ،وكنا تركناها
وديعة في إصطبل خيل أفندينا المشار إليه ،فكانا من أصحاب الرتب الثانية
في الفوز بعناية مدير اإلصطبل الموكل عليه ،وخرجنا صبحةً صُحبة
067
لما تحقق من األخبار المرفوعة أن طرق الواردات منقطعة لتسلسل منكر
الفساد ،حتى أنه لم يبق قيد ميل من بيداء العراق وعرًا وسهالً ،إال وقد
استحال ترابه من توقد نار الفتنة ألعين المفسدين كحالً ،وكم عذلوا
بشفاه األشفار وألسنة الصعاد ،فعموا وصموا ونادوا :هيهات هيهات فنحن
ولم يتفق نحو هذا اإلرسال فيما عهدنا ،فقد كان العراق يَسقِي
ويُغنِي [/19ب]
( )1أشار إلي من أثار هذه الفتنة وادي بك شيخ قبيلة زبيدة وهي مشهورة ]المؤلف[ .
068
فصار يُسقَي ويُغنَي :
): (
ولم نزل نسير على مثل الراحة ،وقد خفض الحر لنا -رحمة بنا-
جناحه ،حتى نزلنا في آخر الساعة السابعة (قرية أُالش) وهي بضم
على نحو ثمانين ،وفيها كنيسة يقيم فيها سكنتها األيين ،ولها نهر ينصب
( )1البيت مقتبس من مقطوعة مشهورة تنسب لإلمام علي –كرم اهلل وجهه -يقول فيها:
وكـم هلل مـن لطـفٍ خفـيٍّ ...يَـدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِـيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ ...فَفَرَّجَ كُرْبَةَ القَلْـبِ الشَّجِـيِّ
وكم أمرٍ تساءُ بـه صباحـاً ...وَتَأْتِيْـكَ المَسَـرَّة ُ بالعَشـِيِّ
إذا ضاقت بك األحوال يوماً ...فَثِقْ بالواحِـدِ الفَـرْدِ العَلِـيِّ
تَوَسَّـلْ بالنَّبِـيِّ فَكُـلّ خَطْـبٍ ...يَهُــ،ونُ إِذا تُوُسِّــلَ بالنَّبـِيِّ
وَالَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْـبٌ ...فكــم هللِ مـن لُطـفٍ خفـي
( )8ربما يعني بها أالجه :Aldjaمدينة في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية ولواء
بوزاووق .تقع على خط العرض 51.13والطول . 04.43
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 11
069
وهذا في الحقيقة اسم لجبل هنا جرى منه ماؤه وانهمر ،وحللت منها
في بيت رجل يسمى إسحاق ،له في الجملة خدمة حسنة ،وحسن أخالق.
برؤية طالعه األسعد قمنا خفافًا إلى األثقال ،فنقلناها وثقلنا بها ظهور
البغال ،وركب بغلته الشهباء ولدي ،وركبت أنا جوادي النجدي ،فغرنا
أشواقنا أول من آخر ،وجئنا إلى مكان يعرف بـ (دلكلي داش) بعد نحو
ست ساعات ،وأظن أنه كان جبالً فشقته كعادتها أيدي الحادثات ،فشربنا
من ماء عند فمه ،وشكرنا اهلل تعالى على مسلسل نعمه.
071
وسرنا مرمى سهم ،فوصلنا قرية تسمى بهذا االسم ،وتشتمل من البيوت
على نحو ستين ،وليس فيها -والحمد هلل تعالى -غير المسلمين ،وفيها
مسجد خطيبه الدَّرَندلي المُال عثمان ،وهو هناك أيضًا معلم للصبيان،
(: )1
ثم سرنا حتى نزلنا آخر الساعة السابعة على أرفه بال ،قرية حولها
مبقلة ،ومياه مطلقة مسلسلة تسمى (قُنْقال) ،وهي بضم القاف األولى
وسكون النون قرية تشتمل على نحو سبعين بيتًا منهم مسلمون
وأرمنيّون ،ولكلٍ معبد ،وفرق بَيِّنٌ بَيْنَ مَن ثلَّث ومَن وحَّد ،وقد
يقال( :قُنْقَل) بال ألف ،مع فتح القاف الثاني وضم األول.
( )1قنغال :Kanghalبلدة في تركية اآلسيوية /األناضول ،مركز ناحية في والية ولواء
سيواس .قنغال وقانقال :تقع جنوب شرق مدينة سيواس ،على خط العرض 56.13والطول
. 53.80
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 040
070
وقبل أن أستقر في منزلي ،جاءني الخطيب حسن أفندي الدرندلي ،وقد
أسرع إليّ عدوًا كجلمود صخر حطه السيل من علِ( ) ،فرأيته أرق طبعًا
احترامه مِني العين ،وذلك يوم الثالثاء تاسع ذي القعدة الحرام ،جعل
تقي ،ذكروا أنها قُبيل هذا الزمان مصيف قبيلتين من األكراد :أوشار
الواحد منهما لسلب درهم مالك بن دينار( ،)8واليوم صار لهم السيف
مصيفًا ،وتابوا عما كانوا عليه بعد أن ذاقوا منه حتوفًا : المجيدي
()5
072
خُلِقَ السيفُ للئيم نذيرًا كل قومٍ لهم نذيرٌ ولكن
وصادفت عند نزولي ذلك المكان ،أقرب النصارى مودة للذين آمنوا
والعراق والي مدينة السالم المحمية ،ومأل حقائبي أمانات السالم لوجوه
دلكلي طاش وقنقال كم طاش من شدة الشتاء عقل ،وكم هلك رجال!
وأحمد اهلل تعالى أن مررت بذلك المكان ،وأرضه أجف من أيدي أغلب
كذَنَبِ السرحان فأذن خوفًا وصاح تأهبنا لصالة الصبح واهتممنا ألمرها
اهتمامًا ،إال أنا لم نصلِّها حتى أوشكت أن تكون الشمس لنا إمامًا ،وبعد
األداء قام األتباع لقضاء أشغالهم ،وهبوا سراعًا إلى البغال لتحميل
أثقالهم.
073
ثم سرنا على بركة اهلل تعالى في جوف بيداء أنقى من الراحة ،تحسبها
فيها مياه عذبة وأزهار ألمراض األحزان أدوية ،فاقترح علي النزول
المقترحون [/13ب] ،فنزلت إجابة لهم عند بعض العيون ،وأشرت لفتاي
نصيف بحاجبي ،فأتى بالغداء فلم أزل آكل معهم حتى كَلَّ صاحبي.
): (
ثم سرنا في أودية فيها من األزهار ألوان ،حتى نزلنا آخر الساعة
الرابعة (أالجه خان) ،وهي قرية سميت بخان فيها عجيب ،قد بني من
أحجار عظام منها بيض ومنها سود غرابيب ،وال يُعلم متى رفعت منه
القواعد واألركان ،ويُتَوهم أنه كأهرام مصر بُنِيَ فيما قيل والنسر
الطائر في السرطان ،بيد أنه أخبرني معمر هناك أنه رممه السلطان مراد،
يوم جر العساكر لفتح مدينة السالم بغداد .وقال :يقال بناه بعض الملوك
( )1أالجه :Aldjaمدينة في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية ولواء بوزاووق .تقع
على خط العرض 51.13والطول . 04.43
س .موستراس :لمعجم الجغرافي ،ص . 11
074
وفيه قبر يُتربك به ،واألمر في تحقيق دفينه مشتبه .وتشتمل القرية
من البيوت على نحو ستين ،وكل أهلها على ما يقال من المسلمين ،وفيها
يلدرم( )،
( )1بايَزيد األول ( 143-301هـ1048-1503/م) :رابع السالطين العثمانيين واسمه بايزيد األول
ابن مراد األول بن أورخان ،ولُقّب بالصاعقة (يلدريم) لشجاعته وسرعة تحركه
لالنقضاض على أعدائه .خلف والده السلطان مرادًا األول في الحكم عام (361هـ1511 ،م)،
وجرى على سياسته في الغزو والتوسع اإلقليمي في الجبهتين األناضولية والبلقانية في
آن واحد .ورأى-لتحقيق هذا الهدف -أن يقيم عالقات ودية مع ماتبقى من دولة الصرب،
لتكون الصرب حاجزًا بينه وبين دولة المجر ،وليؤمّن ظهره حين التوسع في آسيا
الصغرى .فوافق على أن يحكم الصرب ابنا الزار ،ويقدما له جزية سنوية وعددًا معينًا
=من الجنود ،وتزوج أختهما .وأطلت دولته على بحر إيجه وعلى البحر األبيض واألسْود.
ووافق السلطان العباسي في مصر على اعتماده سلطانًا .وسقطت في يده مدينة تيرنوفو
البلغارية .وأعدم ملك بلغاريا عام (369هـ1565 ،م) ،وبذلك أنهى استقالل بلغاريا ،وأسلم
سيشمان ابن الملك البلغاري ،فعينه بايزيد في منصب إداري كبير في إحدى مدن
األناضول.
أحدث سقوط بلغاريا دويًا هائالً في أوروبا؛ فدعا سيجسموند ملك المجر والبابا
بونفيس التاسع (143 - 368هـ1040-1516 ،م) ،إلى أكبر حلف أوروبي يواجهه العثمانيون
في القرن الثامن الهجري ـ الرابع عشر الميالدي ،والتقى بجيش بايزيد في معركة
نيكوبوليس عام 361هـ1569 ،م ،وهُزم الحلف .وفرض حصارًا على القسطنطينية ،ثم رفعه
عندما علم بتقدم المغول تجاه آسيا الصغرى بقيادة تيمور لنك ،والتقى بالمغول في
معركة أنقرة عام (143هـ1048 ،م) ،فهزموه وأسروه ،ومات في األَسْر.
انظر :الموسوعة العربية العالمية .
075
وأظنها إلى اليوم الموعود ممرغة جبهتها بالتراب ،تدعو برغم أنف
المجترم ،وأهلها يقيمون الجمعة واألعياد هناك ،وليس فيها وال عجب
جامع إال ذاك ،وبينهم عالم يزعم جاهلهم أنه ذو فضل جلي ،يعدونه الحاج
خارج البلد مشغول فيها ،وله ابن اسمه الحاج عثمان ،يخطب القوم ويعلم
صبيانهم القرآن .وكان يوم دخولي أسير مرض أوهن قواه ،أطلقه اهلل
ونزلت في بيت رجل يدعى السيد علي ،وقد اعتنى بي وأكرم منزلي،
076
وزارني المأمور بمحافظة هاتيك المغاني ،الشهم الكريم هاشم بك
الداغستاني ،وأخبرني أثناء المحاورة بما شرح صدري ،من أنه -والناس
()8
تنبيكم عن أصله المتناهي إن فاتكم أصل امرئ ففعاله
( )1الحسن البصري (114 - 81هـ381 - 908/م) :الحسن بن يسار البصري ،أبو سعيد :تابعي،
كان إمام أهل البصرة ،وحبر االمة في زمنه .وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان
النساك .ولد بالمدينة ،وشب في كنف علي بن أبي طالب ،واستكتبه الربيع وعظمت هيبته
في القلوب فكان يدخل على الوالة فيأمرهم وينهاهم ،ال يخاف في الحق =لومة .وكان
أبوه من أهل ميسان ،مولى لبعض االنصار .قال الغزالي :كان الحسن البصري أشبه الناس
كالما بكالم األنبياء ،وأقربهم هديا من الصحابة .وكان غاية في الفصاحة ،تتصبب
الحكمة من فيه .وله مع الحجاج ابن يوسف مواقف ،وقد سلم من أذاه .ولما ولي عمر
بن عبد العزيز الخالفة كتب إليه :إني قد ابتليت بهذا األمر فانظر لي أعوانا يعينونني
عليه .فأجابه الحسن :أما أبناء الدنيا فال تريدهم ،وأما أبناء اآلخرة فال يريدونك،
فاستعن باهلل .أخباره كثيرة ،وله كلمات سائرة وكتاب في (فضائل مكة) باألزهرية.
توفي بالبصرة .والحسان عباس كتاب(الحسن البصري).
الزركلي :األعالم889/8 ،
( )8البيت من مقطوعة شعرية مشهورة ،من شعر صفي الدين الحلي ،يقول فيها:
قالَ النّبيُّ مقالَ صِـدقٍ لم يَـزَلْ ...يجري على األسماعِ واألفواهِ
مـن غـابَ عنكـم أصلـهُ ،ففعالُـه ...تنبيكمُ عـن أصلـهِ المتناهـي
وسفَرتَ عن أفعالِ سوءٍ أصبحـتْ ...بيـنَ األنـام قليلـة َ األشبـاهِ
وتقولُ :إنكَ من ساللة ِ حيـدرٍ ...أفأنتَ أصدَقُ أم رَسُولُ اللَّهِ؟
077
فوحرمة الحسين لقد أقر بإكرامه مني العين ،ورأيت له ميالً عظيمًا
وكذا زارني وأظهر خالص الحب لي ،نائب قنقال :السيد أحمد أفندي
الكمش كجيكلي ،وقد جاء هذه القرية لمصلحة العسكر الرديف( )،
078
حسين أغا الذكي ()1
ومشترك معه في الزيارة والمصلحة يوزباشي
الظريف ،ومر على القرية متوجهًا للقاء الحضرة المشيرية ،جناب ولي
لكن لم يمر بفكري أنه في هذه األوقات أسمع منتهاه ،فكنت في شأنه على
أعراف الرد والقبول ،السيما وقد شككني في صحته بعض ذوي العقول،
وبعد العصر عاد إلى هاشم بك الذي قدمت ذكره ،مأل اهلل تعالى
جفنة قلبه من موائد لطفه وسره ،فلم يبرح حتى أخذني معه لطعام أعده
لي وصنعه ،فأظهر سجايا هاشمية ،وأبرز أيادي حاتمية .فوحرمة الكرم
079
وجرى في أنهار المسامرة حديث (الفقر فخري)( ،)1ولم يزل على
ألسنة العوام وأكثر الخواص يجري ،فأخبرته بوضعه نثرًا ،ثم أنشدته
شعرًا :
وكان فتى من جند إبليس فارتقى * به الحال حتى صار إبليس من جنده
( )1علق األلوسي في تفسيره روح المعاني على هذا الخبر عند تفسير قوله تعالى " :إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ
وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ".
وقال ،... :وبما رواه الترمذي عن أنس .وابن ماجه .والحاكم عن أبي سعيد قاال:
"قال رسول اهلل اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين
"مع ما رواه أبو داود عن أبي بكرة أنه عليه الصالة والسالم كان يدعو بقوله" :اللهم
إني أعوذ بك من الكفر والفقر " وخبر «الفقر فخري» كذب ال أصل له .
081
فقلت :نعم ،وإن نَجَّسَ تصوره وذكره لسان العنه وذهنه ،ويكفي في
جواز لعنه ما رواه مسلم أحد شيخي المحدثين المتقنين (من أخاف أهل
المدينة أخافه اهلل تعالى وكانت عليه لعنة اهلل تعالى والمالئكة والناس
أجمعين)(.)1
وال ريب عند من وقف على تواتر األنباء في أنه انتهب المدينة ،وافتض
جنده فيها بال اعتذار ألف عذراء [/11ب] ،هذا مع ما انضم إليه من الطامة
الكبرى ،والمصيبة التي لم تزل عين الدين المحمدي منها عبرى ،وهي ما
فعله بريحانة الرسول ،وقرة عين فاطمة البتول .ولعن من فعل دون هذا
بأهل بيت النبوة جائز فيما أراه ،فال أتوقف في لعنه ،لعنه اهلل ،ثم لعنه
اهلل ،ثم لعنه اهلل ،وأنا ممن يرى أن الفرق معدوم بين اللعن بالخصوص
قَالَ :مَنْ ( )1عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ،عَنِ السَّائِبِ بْنِ خَالَّدٍ ،أَنَّ رَسُولَ اهللِ
أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ،أَخَافَهُ اهللُ ،عَزَّ وَجَلَّ ،وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اهللِ ،وَالْمَالَئِكَةِ،
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ،الَ يَقْبَلُ اهللُ مِنْهُ ،يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،صَرْفًا وَالَ عَدْالً.
080
والصور في نشر الخالق يُنفخ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه
( )1البيتان عزاهما ابن كثير إلى يوسف بن األمير حسام الدين قز أوغلى بن عبد اهلل عتيق
الوزير عون الدين ي حيى بن هبيرة الحنبلي رحمه اهلل تعالى الشيخ شمس الدين أبو
المظفر الحنفي البغدادي ثم الدمشقي سبط ابن الجوزي ..وقد سئل في يوم عاشوراء
=زمن الملك الناصر صاحب حلب أن يذكر للناس شيئا من مقتل الحسين فصعد المنبر
وجلس طويال ال يتكلم ثم وضع المنديل على وجهه وبكى شديدا ثم أنشا يقول وهو
يبكي:
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه ...والصور في نشر الخالئق ينفخ
ال بد أن تردا لقيامة فاطم ...وقميصهـا بدم الحسيـن ملطـخ
ثم نزل عن المنبر وهو يبكي وصعد إلى الصالحية وهو كذلك رحمه اهلل .
ابن كثير :البداية والنهاية. 883/15 ،
082
ثم ذكرت ما للعلماء األعالم من الكالم في هذا المقام ،وفي تفسيرنا روح
( )1ذكر اآللوسي في مقدمته أنه منذ عهد الصغر ،لم يزل متطلبا الستكشاف سر كتاب اهلل
المكتوم ،مترقباً الرتشاف رحيقه المختوم ،وأنه طالما فرق نومه لجمع شوارده ،وفارق
قومه لوصال فرائده ،ال يَرْفَلَ في مطارف اللهو كما يرفل أقرانه ،وال يهب نفائس
األوقات لخسائس الشهوات كما يفعل إلخوانه ،وبذلك وفقه اهلل للوقوف على كثير من
حقائقه ،وحل وفير من دقائقه ،وذكر أنه قبل أن يكمل سنه العشرين ،شرع يدفع كثير
من اإلشكاالت التي ترد على ظاهر النظم الكريم ،ويتجاهر بما لم يُظفر به في كتاب
من دقائق التفسير… ثم ذكر أنه كثيراً ما خطر له أن يُحرر كتاباً يجمع فيه ما
عنده من ذلك ،وأنه كان يتردد في ذلك ،إلى أن رأى في بعض ليالي الجمعة من شهر
رجب سنة 1838هجرياً أن اهلل جل شأنه أمره بطي السماوات واألرض ،ورتق فتقها على
الطول والعرض ،فرفع يداً إلى السماء وخفض األخرى إلى مستقر الماء ثم أنتبه من
نومه وهو مستعظم لرؤيته ،فجعل يفتش لها عن تعبير ،فرأى في بعض الكتب أنها إشارة
إلى تأليف تفسير ،فشرع فيه في الليلة السادسة عشرة من شهر شعبان من السنة
المذكورة ،وكان عمره إذ ذاك أربعة وثالثين سنة ،وذلك في عهد محمود خان ابن
السلطان عبد الحميد خان .وذكر في خاتمته أنه انتهى منه ليلة الثالثاء ألربع خلون من
شهر ربيع اآلخر سنة 1893هجرياً.
ولما انتهى منه جعل يفكر ما اسمه؟ وبماذا يدعوه؟ فلم يظهر له اسم تهتش له
الضمائر ،وتبتش فسماه" :روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني".
مكانة روح المعاني من التفاسير التي تقدمته :الحق يقال إن تفسير روح المعانيٍ قد
أفرغ فيه اإلمام اآللوسي وسعه ،وبذل مجهوده حتى أخرجه للناس كتاباً جامعاً آلراء
السلف رواية ودراية ،مشتمالً على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية ،فهو جامع لخالصة
ما سبقه من التفاسير ،فتراه ينقل لك عن تفسير ابن عطية ،وتفسير أبي حيان ،وتفسير
الكشاف ،وتفسير أبي السعود ،وتفسير البيضاوي ،وتفسير الفخر الرازي وغيرها من
كتب التفاسير المعتبرة .
083
وأنها تبصر مصالح أهلها بعشرة عيون ،فهم في استخدام ما سواها
متفكهون ،وأن هواءها مع أنه عليل أمين سليم ،فلذا قلما يرى فيها على
ممر السنين سقيم ،ال يشكو ساكنها حركة ألم في غالب األوقات ،وال
يكاد يطرحه على الفراش مرض سوى مرض الممات ،وحُمّى الغِبّ ال
تجد لها فيما بين القوم ذكرًا ،وال يعرفون لبومة حُمّى الربع في
ربوعهم وكرًا ،ولم تمر بهم ريح علة القيّ ،مع أنها كم لها من ميت
قرب ذلك الحي ،وال بدع فلله تعالى خواص في الكائنات ،وفي األرض
قطع متجاورات ،لكن من غريب ما اتفق ،أنه أسهرني فيها رقص البراغيث
()1
أنشق لوال الصبح ينشق فكدت من حزني وأفراحها
( )1البيتان عزاهما ابن معصوم في سالفة العصر للسيد علوي بن إسماعيل البحراني .
ابن معصوم الحسني :سالفة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر. 543/1 ،
084
وقبل إن تمدّ جيدها إلى رياض األرض الغزالة ،وقد أغرق نهر الصبح
نجم الليل حتى أوشك أن يُغرِق -وإن كان كالزورق -هالله وثب كُلُ
فسرنا في أودية ضعيفة األنهار وبيداء بلقع ،ومررنا على جبال محرومة
من عظيم [/16أ] األشجار كأن رأس أبيها أقرع ،ونزلنا على فم عين أثناء
الطريق ،وروّقنا هناك بما معنا من الطعام الريق ،ثم سرنا وعلى اهلل
مطول.
فرأيت عند مبقلة سيدًا من ذرية أبي القاسم -عليه الصالة والسالم -أطفى
بما استسقيته لهبي وأواري ،فسرت قدر عُشر ميل ،فنزلت عند رجل يدعى
السيد إسماعيل ،ويزعم أنه من ذرية إبراهيم بن اإلمام موسى الكاظم ،ال
زال جواد الرضى يسرح في روضة قبره ما سجد سجاد وصدق صادق
085
وكما يقال لهذه القرية حسن جلبي يقال لها قرية حسن حلبي ،لكن
األول أكثر ،وكانت قديمًا تسمى بـ (أسكي كوي) ،فهُجر هذا االسم
وبيوتها قيل ثمانون ،وأهلها الذين اجتمعت بهم علويون ،وهم من غالة
زمن السلطان مراد أجل أعيانهم ،وسموا القرية باسمه ألنه إذ ذاك محور
وهي واقعة بين جبال كأنما خنقت منها بحبال ،وفيها مسجد خراب،
ال يصلي في إال األحجار والتراب ،وذكروا أن بردها شديد ،وارتفاع الثلج
فيها شتاءً نحو ذراعين أو يزيد ،ولذا ليس شيء من الثمرات فيها ،وإنما
( )1جلبي :األنيق ،المتربي ،المثقف ،وقد أطلق هذا اللقب على آل عثمان حتى عهد السلطان
محمد جلبي ،كما أطلق على المنحدرين من نسل جالل الدين الرومي ،وقد استعمل أيضًا
لذوي النبل والفضل ،واستخدم بمعنى سيد وخواجة .
سهيل صابان :معجم ،ص 19
086
وبينهما نحو ست عشرة ساعة ،وقد اتخذ جلب الثمار تجار الطرفين
بضاعة ،نعم فيها خضراوات قليلة وهي مع ذا غير جليلة ،وتحقق لديّ
عند الرحيل كذب ما ادعاه ذلك الرجل إسماعيل ،فورب البيت إنه ليس
ولما مدت الشمس أيدي أشعتها تلطم جباه الجبال ،وشرقت أفواه
األودية إذ أشرقت عليها بما جرى منها وسال تبوأنا ظهور الدواب ،وظهر
لنا بعض ما نعهده في العراق من شهر آب ،وكان قد مضى نصفه وشأنه
معنا اإلنصاف ،حتى إنا ظننا أنه [/16ب] من التنظيمات الخيرية الجارية
في هاتيك األطراف خاف ،وسرنا في وادٍ أويد ،وهو يروغ روغان الثعلب،
فبينما تراه اتهم أنجد ،أو تحسبه شَرّق غَرّب ،كأنه سمع وتعقل قول
الشاعر األول:
087
يحظ باإلسعـاف والتمكيـن من يستقم يُحْرَم مناه ومن يرغ
()1
نقط وفاز به اعوجاج النون فتـرى األلــف استقـام ففاتـه
أو أنه لضرورة ما ارتكب األسِنّة ،واتخذ الروغان على خالف طبعه
( )1البيتان من الشعر السائر وال يُعلم قائله ،وقد عزاهما بعض جامعي الحكم واألمثال إلى
ابن الخازن الكاتب ،وقد أوردهما المحبي ضمن قصة وقال :فقال :وقفت على هذه الرسالة،
التي سارت بسيرتها الرُّكبان ،وتناقلها أكابر الفضالء في هذا الزمان .فوجدتها غريبة
المثال ،معربةً عن قائلها بأن لسان الحال أفصح من لسان المقال .قد تضمَّنت ما انطوى
عليه هذا الغمر من القبائح ،وما انتشر منه في هذا العمر القصير من الفضائح .فإنه قد
مشى على غير االستقامة ،حسًّا ومعنًى ،وأنشد قول القائل في ذلك المعنى:
من يستقمْ يُحرمْ مناهُ ومن يزغْ ...يختصُّ باإلسعافِ والتَّمكينِ
انظـرْ إلى األلفِ استقـامَ ففاتـهُ ...عجمٌ وفازَ به اعوجاج النُّونِ
تصدَّر للفتيا مع أنه أجهل من توما الحكيم ،وأنصفه حمار ابن حجيج فركبه في
الليل البهيم.
المحبي :نفحة الريحانة ورشحة طالء الحانة.64/1 ،
088
وقد سلكنا في ذلك الوادي على حرف منه أملس من لهاة ،وأضيق من
مفحص قطاة ،تتحير الدواب فيه كيف تضع حوافرها ،وتتمنى لحيرتها
لو نشبت بها المنية أظافرها ،والشمس تضحك إلينا من شقوق ذرى
الجبال ،وتلعب معنا لعبة االختباء التي كنا نلعبها إذ نحن أطفال ،والنسيم
حبس نَفَسَه فلم يتحرك خشية أن يضيع بين الشعاب ،وليس لخرير
ولم أزل أسير فيه حتى لفظني فُوه (بخان الحكيم) ،وأنا من العي
كجوادي عوفيت سقيم ،وليتك رأيت بغلة عبد الباقي ماذا عراها من زبد
089
وكانت مدة السير نحو أربع ساعات ،لم نسترح فيها حذر تراكم
جيوش الحر إال آنات ،وهذا الخان قديم البناء ،لم توقفنا على بانيه رواة
( )1الدولة السلجوقية :الدولة السلجوقية دولة أقامتها أسرة تركية إسالمية حكمت إيران
والعراق وسوريا وآسيا الصغرى خالل القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميالد .تُنسب
إلى سلجوق زعيم عشائر الغُزّ التركمانية ،التي هاجرت واستقرت في بخارى .استولى
أحد أحفاد سلجوق وهو طُغْرل بك على إقليم خراسان سنة 086هـ1453 ،م .ولما ضعف
البويهيون في بغداد وكان قد اشتد ظلمهم للخلفاء استدعى الخليفة العباسي ببغداد،
القائم بأمر اهلل طُغْرل بك إلنقاذه من البويهيين .فزحف طغرل بك على بغداد وقضى
على البويهيين ،ونصبه الخليفة ملكًا وسلمه السلطة الزمنية على البالد عام 003هـ1433/م.
وسّع ألب أرسالن خليفة طغرل بك نفوذه على حساب الدولة الفاطمية ،فانتزع منها
حلب ثم مكة والمدينة ،وتقدم إلى بالد الروم وانتصر عليهم في معركة مالذكرد .وضم
إليه شطرًا من بالدهم في آسيا الصغرى ،ونصب ابن عمه سليمان قَطْلَمِش حاكمًا على
تلك البالد الجديدة .وجعل ملكشاه السلجوقي خليفة ألب أرسالن بغداد عاصمة له سنة
010هـ1461،م.
= توفي مَلِكْشاه سنة 013هـ1468 ،م ،ونتج عن هذا التنازع بين أبناء األسرة السلجوقية؛
فاستقل سليمان بن قطلمش بآسيا الصغرى ،وأسس فيها سلطنة السالجقة الروم ،والتي
شهدت مولد قوة األتراك العثمانيين ،واستطاع األتابكة القائمون على أمر تربية أبناء
السالجقة انتزاع مقاليد األمور من السالجقة وأسسوا دويالت عرفت باسم الدويالت
األتابكية ،ومن أشدها دولة األتابك عماد الدين زنكي في الموصل ،وهي التي اشتهرت
بالجهاد اإلسالمي ضد الصليبيين.
كان من مآثر السالجقة تمسكهم الشديد باإلسالم ،وميلهم القوي إلى أهل السنة
والجماعة .ووصل المسلمون في عهدهم إلى درجة عظيمة من التقدم في كثير من علوم
الحضارة ،وازدهرت في عهدهم الفنون بجميع أنواعها.
الموسوعة العربية العالمية .
091
وينسبون إليها آثارًا كثيرة في الديار الرومية ،وشاع تسيمة نفس
القرية بهذا االسم ،إال أنهم يبدلون حاء (الحكيم) هاءً من غير علم .وعدة
090
ونساء إن أردت حصرهم يحصرهم الخان ،وفيها جامع ذو منارة ينسب
لمحمد باشا كوبرلي زاده( ،)1جعل اهلل تعالى عمله قنطرته إلى الجنان
وزاده .والخطيب فيه رجل يقال له المال بكر ،يُعرف من خطابه وخُطبته
( )1محمد باشا كوبريللى :صدر أعظم ،ألباني األصل -قوي الشكيمة ورجل دولة من الطراز
األول .اختارته السيدة خديجة تاريخان ،والدة السلطان محمد الرابع ،ألنه لم يكن قد بلغ
السن القانونية التي تمكنه من تولي عرش السلطنة .فتولت أمه نيابة السلطنة ووجدت
ضالتها في محمد باشا كوبريللي .استمرت صدارة محمد باشا كوبريللي خمس سنوات
نجحت الدولة خاللها في استرداد عافيتها داخليًّا وخارجيًّا .داخليًّا :قام بتأديب
اإلنكشارية وأجبرهم على احترام النظام والتفرغ للدفاع عن الدولة وحمايتها؛ فهزم
البنادقة وأخذ منهم جزيرة "لمنوس" وغيرها .ثم حارب النمسا واحتل قلعة نوهزل وقام
بفتح جزيرة كريت.
ولعل من أعظم مآثرة الباقية حتى اآلن في استانبول هي (مكتبة كوبريلي) ،وهي
من المكتبات العثمانية ،وهي تابعة اآلن لمكتبة السليمانية ،تأسست مكتبة كوبريلي عام
1934م ،وتحتوي على 8365مجلد من المخطوطات .وقد أسس المكتبة الصدر األعظم
كوبرولي فاضل أحمد باشا ،وأودع فيها 1934مجلد من المخطوطات القيمة .ثم قام
كوبرولي حاجي أحمد باشا في القرن الثامن عشر بإضافة مجموعة من المخطوطات
إلى المكتبة ،وقام م.عاصم بك من األسرة نفسها بإضافة مجموعة أخرى في القرن
التاسع عشر .ولكن المخطوطات التي تحتويها هاتان المجموعتان أقل قيمة من
المخطوطات الخاصة بالصدر األعظم فاضل أحمد باشا .وقد طُبع فهرس مختصر لهذه
=المكتبة في أواخر العصر العثماني عام 1545هـ .وكذلك أعدّت البطاقات الخاصة
بمخطوطات هذه المكتبة بحيث يستفيد منها القراء .ثم قمنا بإعداد فهرس شامل
لمخطوطات هذه المكتبة ضمن نشاطات وأعمال مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة
اإلسالمية (أرسيكا) في الفترة 1619-1615م .وقد نشرت هذه األعمال في ثالثة مجلدات
عام 1619م .وتتضمن مقدمة هذا الفهرس معلومات مفصلة عن المكتبة.
انظر :رمضان ششن :مجموعات المخطوطات في تركيا؛ لطفي معوش :معجم
المصطلحات العثمانية.
092
وكذا أكثر من رأيت من الخطباء في أرجائنا وهاتيك األرجاء ،ومدار
حسن الخطيب عند الناس [/84أ] اليوم حسن الصوت مع أداء نغمات تطرب
القوم ،فإذا أرادوا مدح خطيب بما ليس وراءه مطمع لمن يزيد ،قالوا فيه
وفيها نائب يسمى يوسف أفندي ،هو في غيابة جُب جهل ال يُعيد وال
يُبدي ،فهو كأكثر نواب القرى أجهل من قاضي جبل ،وأخشى أن تكذبني
وفيها عالم -يزعم الجهلة -يسمى أيضًا بهذا االسم ،وأظنه ال يعلم
النسبة بين الجهل والعلم ،وقد زارني فرأيته على طبق ما ظننته ،غير أن
له طلب علم في الجملة ،ويرجى أن يكون ذا علم إذا جعله شغله ،سهل اهلل
وفيها قلعة بناؤها أيضًا قديم ،وهي اآلن على عظم أحجارها تحكي
العظم الرميم.
093
ونزلت في صُفَّةِ قهوة عند عين ماء وشجرة صفصاف ،حيث إن
094
والحكيم يعالجهم فيه ،فلما لم ()1
وكأن خان الحكيم كان بيمارستان
( )1البيمارستان :المستشفيات كان يطلق عليها البيمارستانات ،وكانت أحد المظاهر المهمة
لتقدم الرعاية الطبية لدى المسلمين .وقد عرف العالم اإلسالمي هذه المستشفيات منذ
عهد الرسول وبالتحديد إبان غزوة الخندق (3هـ983/م)؛ عندما أمر بضرب خيمة متنقلة
للصحابية رفيدة بنت سعد األسلمية ،وكانت أول مستشفى حربيًا متنقالً لتطبيب
الجرحى .وعرف المسلمون نوعين من البيمارستانات المتنقلة والثابتة .وكانت المتنقلة
منها أسبق ،وكانت تنقل من مكان إلى آخر في ضوء الحاجة إليها كانتشار األوبئة أو
بسبب الحروب كما حدث في غزوة الخندق .وكانت هذه البيمارستانات تجهز بمعظم
مستلزمات المستشفى الثابت من حيث األدوات والعقاقير والطعام والشراب واألطباء،
وكانت تنقل من منطقة إلى أخرى حيث ال توجد بيمارستانات ثابتة .وبتطور شكل
الدولة صارت تصحب الملوك واألمراء في رحالتهم للقنص والحج وخالفهما .وبلغت
ضخامة بعض هذه البيمارستانات أن كانت تحملها قافلة من اإلبل مكونة من 04جمالً.
وكان السلطان الظاهر برقوق (ت141هـ1561-م) يصطحب مستشفى محموالً كبيرًا جدًا.
وظهرت فكرة المستشفيات المتنقلة بشكلها المنتظم في العهد العباسي؛ أما المستشفيات
الثابتة بشكلها المكتمل فقد عرفت ألول مرة في عهد الوليد بن عبدالملك (11هـ349/م)
وجعل فيها األطباء وأجرى لهم األرزاق ،وأمر ببناء مستشفى لمعالجة المجذومين
وحبسهم حتى ال يمدوا أيديهم بالسؤال ،وخصص لكل ضرير دليالً ولكل مُقعد خادمًا.
وباتساع رقعة الدولة اإلسالمية كثرت البيمارستانات الثابتة ال سيما في المدن الكبرى
مثل بيمارستان هارون الرشيد في بغداد ،وكان يرأسه ماسويه الخوزي ،من أطباء
بيمارستان جنديسابور .وكان بها أيضًا بيمارستان البرامكة ،وكان يقوم بالطبابة فيه
ابن دهني ،وبيمارستان ابن طولون ،وهو أول مستشفى من نوعه في مصر ،وكان ممنوعًا
فيه عالج الجنود والمماليك ،وكان أحمد بن طولون يشرف بنفسه عليه ويزوره كل
يوم جمعة .ومن أهم البيمارستانات التي أنشئت في مصر :زقاق القناديل ،العتيق ،القشايش،
السقطيين ،الناصري ،اإلسكندرية ،الكبير المنصوري ،والمؤيدي .ومن أهمها في الشام
البيمارستان النوري الكبير ،والقيمري ،وآراغون ،وأنطاكية ،وحماة ،والقدس ،وعكا.
وازداد عدد هذه البيمارستانات في عهد األيوبيين والمماليك خاصة في الشام والعراق.
ويعود ذلك إلى الظروف التي طرأت بسبب الحروب الصليبية ،ولم تخل بلدة آنذاك من
مستشفى متنقل أو ثابت.
انظر :الموسوعة العربية العالمية .
095
فهم-وحرمة األعراف -كاألنعام ،وأُجِلُّ اللئام من أن أقول فيهم لئام،
ولهم مدير حامل لتمتمات الخسة بل أراه لها متمًا ،وأظنه جَوْزَهِرَاً
قد مُلئ -قاتله اهلل تعالى -من فرقه إلى قدمه سُمَّا ،واسمه -مُحي رسمه-
راغب ،أي في القبايح والمعائب ،وهو الذي أنزلني -حط اهلل تعالى قدره-
في تلك الصُّفَّة ،وماذا يؤمل سوى مثل ذلك من عديم ديانة ونجابة
وعفة.
عليهما ذلك ،فلم أشعر إال والنجيب أدهم أفندي عندي ،فالتمس مني
النُقلة غاية االلتماس ،ولم يبرح حتى نقلني إلى السراي بلطف وإيناس،
096
وأخبرني يوسف الثاني وال أظن فيه الفرية أنه قد سلك مسلك
بالحشيشة جوهرة عقله ،ويحسب من مزيد جهله أنه يحسن صنعًا بقبح
فعله ،ويسمي تلك الحشيشة أسرارًا ،ويصرّ [/84ب] على القول بحل
شربها إصراراً.
القرآن العظيم قرين الخمر ؟ فقلت :ال ،ويوشك أن يكون اعتقاد ذلك
فقال :أستغفر اهلل ،فقد كنت أعتقد ذاك ،واآلن هديتني إلى الحق ،تولى
097
وزارني أكثر من فيها من غرباء طلبة العلم الشريف ،فرأيت فيهم
ولما قصر حواري الفجر إزار األفق في هاتيك األرجاء ،ومحا بما
أساله طرز النجوم من بردة الليل السوداء هَبّ كلٌ إلى صالته فتخفف
بأدائها بعض أثقاله ،ثم قام غير نكل فثقل بأثقاله ظهور بغاله ،وسرنا
بين جبلين قبل أن ترانا من العين العين ،وكان معظم سيرنا في أرض
كثرت عدة جبالها وأوديتها ،وكأنها رقعة شطرنج تفرقت أحجارها في
أفنيتها ،وأظن أنها كانت جبالً واحدًا فتطاردت عليه خيول األهوية
والسيول ،فأثرت فيه حوافرها أودية وشعابًا تضل فيها قطاة العقول،
وعجبت كل العجب !! كيف أتخذ هذا الطريق جادة ،وزوايا جباله قوائم
قلما ترى قمتها وإن كنت ذا بصر حديد منفرجة أو حادة ،وكيف تقوى
098
ولم تزل تلقينا أصالب الجبال الراسيات ،إلى أرحام بطون أودية
غائرات ،حتى ولدتنا بمخاض مردى ،ووضعتنا على بساط قرية يقال لها
(طاهر كندي).
ورأينا في الطريق مياهًا يقولون :هي إلى نهر الفرات جارية ،وكذا
مياه خان الحكيم على ذلك النهر على ما يقولون سارية ،وتشتمل القرية
الست والستين ،ال من البيوت على نحو خمسين ،وهي من قرى أرغوان
تقام فيها جمعة وال جماعة ،وفي ذلك ما ال يحق من الشناعة والبشاعة،
وفيها نائب يسمى السيد عمر أفندي المالطية لي ،جاء إليّ وأظهر مزيد
المحبة لي ،وال تسأل يا أخي عن علمه وليته رزق العدل والمعرفة
( )1أرغوان :Argavanبلدة في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية خربوت لواء معادن.
أو أرغفان ،تقع شمال مدينة مالطية.
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 03
099
وال برح خلقه كفعله مرضيًا ،وأنزلني في بيت رجل يدعى السيد
موسى ابن السيد محمد ،وهو عَلَوِيّ ،لكن يزعم أنه عن بغض الصحابة
وافقت منه المرام ،حيث زعم أنه سلك طريق الحلة ،فنهب قوم (وادي
بك) ماله كله ،وتركوه يفت اليَرْمَع ،فشكى ولكن من يقرأ ومن يسمع،
وقلت في نفسي سبحان الملك القيوم ،قوم وادي ينهبون بالعراق وأنا
أؤدي عنهم في ديار الروم ،هذا مع أنهم نهبوا معظم أرض نهري
الشهوانية ،ولم يكن بيني وبينهم مدة عمري شيء من النفسانية؛ بل كم
لواديهم في وادي قلبي إخالص ،وأنهار حبّ حفت بها أشجار االختصاص،
فكأنهم أجروا معي طبيعة العقرب أم الخزز ،أو دخلوا ذلك النهر صدرًا
وبزًا في عموم قولهم :مَن عَزَّ بَزّ ،وأظن أن شيخهم المومأ إليه
القرى.
211
ونزلنا أثناء الطريق عند فم مضيق وحوله مبقلة وماء ،ويتردد فيه
بأكل الغذاء واالستراحة ،وأخبرت هناك بورود صبي من بغداد ،وأنه خرج
منها يمشي على وجهه بال راحلة وال زاد ،فطلبته فجأوا به فسألته عن
أمه وأبه ،فقال ،واهلل تعالى أعلم باألسرار :أنا درويش ابن داود البحار،
وبيتنا فى محلة حضرة الغوث الرباني علم الشرق والغرب الباز األشهب
( )
الشيخ عبد القادر الكيالني
( )1عبد القادر الجيالني ( 391-031هـ1199-1431/م) :عبد القادر بن موسى بن عبد اهلل بن
جنكي دوست الحسني ،أبو محمد ،محيي الدين الجيالني ،أو الكيالني ،أو الجيلي :مؤسس
الطريقة القادرية .من كبار الزهاد والمتصوفين .ولد في جيالن (وراء طبرستان) وانتقل
إلى بغداد شابا ،سنة 011ه ،فاتصل بشيوخ العلم والتصوف ،وبرع في أساليب الوعظ،
وتفقه ،وسمع الحديث ،وقرأ االدب ،واشتهر.
وكان يأكل من عمل يده .وتصدر للتدريس واالفتاء في بغداد سنة 381ه .وتوفي
بها .له كتب ،منها "الغنية لطالب طريق الحق" و"الفتح الرباني" و"فتوح الغيب"
و"بالفيوضات الربانية" وللمسشرق مرجليوث االنجليزي رسالة في ترجمته نشرها
ملحقة بالمجلة اآلسيوية االنجليزية .ولموسى بن محمد اليونيني كتاب " مناقب الشيخ
عبد القادر الجيالني "ولعلي بن يوسف الشطنوفي "بهجة األسرار" في مناقبه ،ولمحمد
بن يحيى التاذفي "قالئد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر" وترجم عبد القادر بن
محيي الدين االربلي عن الفارسية "تفريج الخاطر في مناقب الشيخ عبد القادر".
الزركلي :األعالم03/0 ،؛ ابن تغري بردي :النجوم الزاهرة531/3 ،؛ ابن شاكر الكتبي:
فوات الوفيات 8/8؛ ابن العماد الحنبلي :شذرات الذهب .161/0
210
قدس سره وغمرنا برًا وبحرًا بره ،وقد خرجت أسير لزيارة جدتي
زمزم في بلدة إزمير ،فلم أعلم أباه ،ولم يكن معي من يعلم ،ولم أعرف
في ذلك المقام سوى جدته زمزم؛ حيث إنها كانت كيوانية في بيت
( )1الكمركي/الكمركجي ،وتعني مسئول الجمرك/الكمرك ،بعد إضافة (جي) وهي الحقة
اسم العمل أو الصنعة في اللغة التركية .الكمرك لفظة تركية تعادلها في العربية
المكس ،تطلق في االصطالح على ديوان الضرائب الداخلة أو العابرة.
انظر :حسان حالق وعباس صباغ :المعجم الجامع في المصطلحات ،دار العلم للماليين،
ص .81
( )8عبد القادر باشا زياده زاده :قال المؤلف عند ترجمته في رحلته الثالثة (غرائب االغتراب):
ومنهم ذو الحظ الذي هو لفسطاط دنياه عماد .حضرة عبد القادر باشا الذي كان
كمركجي بغداد .وزيادة شهرته .تغني عن ترجمته .وقد جذبني بسالسل حب =شيخ
اإلسالم إياه وأزمة أوهامي إليه .فكنت إلشارة المشار إليه ال زال اللطف منهالً عليه في
معظم األيام والليالي ثاوياً بين يديه .وكان يؤنسني بطيب كالمه ومزيد تواضعه .وقد
نلت بتوسطه عند شيخ اإلسالم معظم ما حصل لي من منافعه .ورأيت له قبوالً عظيماً
عند الرجال .وكانوا يحلونه أعلى محل ويجلونه غاية اإلجالل .وكان بصدد أن يتسور
وزارة بغداد .وقد أرادها له معظم الوكالء إال أن اهلل تعالى ما أراد.
حضرة من ال يجارى في جده .وال يبارى في قوة سعده .المنضد أمتعة حسن المعاملة
في حجرة وجوده .والمشتري بضائع األثنية الفاضلة بجواهر لسانه ونقوده .من لم يزل
في ازدياد سعده( .عبد القادر باشا)الشهير بزياده زاده .وعظيم شهرته .ويغني عن
ترجمته.
212
وسافرت في خدمته -إذ غُمِرَتْ بنعمته -إلى جميع ما سافر إليه من
البالد ،فثارت بي غيرة بلدي ،فأمرته بالعود إلى وطنه صحبة ولدي،
وشتاء القرية شديد ،والثلج فيه ذراعان أو يزيد ،وحللت بمحل منها
أرى منه بساتين (مالطية) ،ولكنها بمقدار مسيرة عشر ساعات عنا نائية،
وليتني حللت بهاتيك البلد نحر جزور ،لما أن طيبها بين الناس ذايع
مشهور ،وهي على ما تَقَرر مدينة جليلة الشأن بناها اإلسكندر ،وجامعها
على ما في المراصد( )1من بناء الصحابة ،إلى كالم كثير في مدحها ال
( )1كتاب مراصد االطالع في أسماء األمكنة والبقاع :مصنفه البغدادي ،صفي الدين عبد
المؤمن بن عبد الحق ابن عبد اهلل بن علي بن مسعود البغدادي الحنبلي ولد سنة 911
وتوفي سنة .356له تصانيف كثيرة منها .مراصد االطالع في أسماء األمكنة والبقاع .في
مختصر معجم البلدان مطبوع .المطالب العوال لتقرير منهاج االستقامة واالعتدال .أدراك
العناية في اختصار الهداية .تسهيل الفصول في علم األصول .قواعد األصول ومعاقد
الفصول .الالمع المغيث في علم المواريث .مختصر تاريخ الطبري .تحرير المقرر في
تقرير المحرر .تحقيق األمل في األصول والجدل .العدة شرح العمدة.
الباباني :هدية العارفين.841/8 ،
213
بفتح األول والثاني وكسر الطاء وشد الياء .ونقل في أوضح
الياء وكذا ذكر غير واحد ،وزاد في القاموس التصريح بكون التشديد
وبت ليلة األحد بليلة أنقد ،أرعى –وحياتك -السهى والفرقد ،وقد كادت
الرياح تدفنني بما تذروه من التراب إذ رأتني نمت في البيداء ،ولم أستطع
النوم -وحرمة الذاريات -وراء حجاب حيث شمر النقرس عن أذاه فجعل
جلدتي جرباء.
ولما أعارت الشمس على يد الفجر من حليها حجالً للدُّجُنّة ،قمنا فأدينا
-قبل أن تبدي تلك الغادة سوارها -الفرض والسنة .وإثر ذلك تبعنا أثر
من سار ،وعما قليل تمنطقنا بأشعة ذلك السوار ،ولم نزل نسير بين
الجبال ترابية ،على هامها فصوص كفصوص رأس األقرع إال أنها حجرية،
وقد تجردت من أشجار وأعشاب ،سوى بقايا حشيش كأنه شعر أقشر
214
فنزلنا عن ظهور الدواب لكسر جيش الصفراء بأكل لقيمات ،ثم سرنا في
أرض هي بالنسبة إلى ضلوع جبال ما قبلها راحة ،إال أن سبوحي من فرط
الحر غدا له في منهمر العرق سياحة [/88أ] ،ولم نزل نسير حتى اعترضنا
قبيل المعدن جبال ،فجعلنا نمشي منها على مناطق تحكي بعرضها
يهمهم ،فنزلت أقوده وقد احمرَّ من الخجل وجهي األبيض وطفقت أنادي:
وريثما قطعنا بسيف التوفيق هاتيك العقبات ،ووصلنا وهلل تعالى الحمد
إلى خان على سِيْف نهر الفرات ،ومذ شاهدت ذلك النهر ،اِنْهَلَّ سائل
دمعي على عيش خال لي في العراق ومَرّ ،ثم حملته السالم على واد ،وأن
يقول له :هل رأيت من ركب الفساد فساد ،وأوصيته أن يُسِرَّ إليه إذا
اعتذر ،بما أنا أدرى به وأخبَر ،أبشر بقُرب الفرج ،حيث سَدَّت الشِّدَّةُ
جميع الفُرَج ،ولم يبق إال فرجة باب رحمة الملك المتعال ،وإنها وجالله
215
والجَمَّال ،ورجوت منه رجاء األخ من األخ ،أن يُقَبِّل عني بفم
صقالويَّته أرجاء الكرخ ،وإن رأى قد خيم عندها ،طيب الخيم السيد أحمد
أفندي يعالج سَدَّها ،فليقل له أن العراقي أبا الثناء ،يقريك يا أبا رشيد
(: )1
الثالث ،ووفق اهلل تعالى إلعانتي في قطع ذلك الطّمطام ،الصارم الهندي
معدن) ،فرأيته معدن رصاص ال يصلح لمن خلص إبريز عقله أن يتخذه
( )1قضاء كمش معدن ،على غرب لواء اماسيه ،على مسافة 18ساعة في (كمش حاجي كوي).
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص .104
216
ويشتمل من البيوت على نحو ثمانماية ،وكثير منها قد جاوز في
الخراب الغاية ،ومسلموه ونصاراه متقاربون في العدد ،وال تكاد تميز بين
كثير من مسلميه واآلخرين إال يوم األحد ،وفيه مسجدان جامعان ،أضاءه
بهما ضياء يوسف باشا ،بوأه اهلل تعالى جنة فيها عينان نضاختان ،وزاده
سبحانه هناك انتعاشًا ،ويقال ألحدهما (الجامع الكبير) صليت فيه المغرب
بقليل جماعة ،فآنَسَنِى منه رَوح كثير ،وأَمَّنَا كهلٌ اسمه محمد
أفندي ابن علي أفندي ،وهو أقرأ إمام سمعته في بالد الروم عندي ،ورأيته
وعرض نفسه للخدمة ،فلم أكلفه إال الدعاء ،لي إلى باسط األرض ورافع
أظن يروج فيها شيء مثل المعائب ،وظهر لي أن نساء البلد مسترات ،ال
217
وهناك والٍ لم يكن إذ ذاك فلم أظفر برؤيته ،وقد جعل وكيالً عنه
مصطفى بك ابن شقيقته ،ووقفت على حال هذا الوكيل ،فما أدري
أكذاك حال الخال األصيل ؟ نعم ،الولد الحالل كله كما قيل للخال.
من الناس ،ولم نقدر فيها على عَشاء مع الجهد األكبر ،ولم نجد إلى
وأرسل إليّ ولدي أبيض األخالق (أدهم أفندي) إناءاً مفعمًا من نفيس
طعامه ،فما أحببت أن أكدر خاطره برد إكرامه ،لما أنه في غاية النجابة،
دعا على حداثة سنه الكمال فأجابه ،فقلت للقهوجي :يا هذا أين أنام ؟
فقال :يا موالنا على سكة في الطريق العام .فأرسلت فراشي إليها ،ونمت
مع الدائرة عليها ،ولم أنم داخل القهوة ؛ ألني وجدت الحر يغلي فيها
بقوة.
218
ولما ارتفع عمود الفجر تحت الخيمة الخضراء ،وانتشرت أطناب
الضياء فوق سطوح الغبراء .قمنا على العادة إلى أداء ما كلفنا به من
العبادة.
حتى إذا جدولت الشمس بذهبها حواشي الجبال ،وكادت تجدول سطور
األودية وتحلّي نقط الروابي والتالل .سرنا على منطقة جبل رُصِّعَت
على ما أدمى الحوافر والمشافر من الصفوان ،إال أنه ال يلجأ للشر إال
األشرّ ،وال يحوج لتجرع المُر إال األمرّ ،وكل أذى يلقاه الكامل الكريم
219
وخز األسنة والخضوع لناقصٍ *** أمران عند ذوي النهى مُرَّان [/85أ]
ولحا اهلل تعالى دهرًا أحوجني لذلك ،واضطرني -ال در دره -لسلوك
( )1قال العماد األصفهاني :أنشدني أبو بكر محمد بن علي بن ياسر بمسرقند ،أنشدني أبو
إسحق الغزي لنفسه بهراة:
وَخْزُ األَسنَّة والخُضوعُ لناقصٍ ...أَمران ،في ذوق النُهى ،مُرّان
والحَزْمُ أضن تختار فيما دونه ...المـران وخز أَسِنّة المُـرّان
العماد األصبهاني :خريدة القصر وجريدة العصر534/1 ،
201
فقد قوَّمَتْ أسِنَّة لساني اإلقامة سنة في دار الخالفة إسالمبول( )،
( )1في سعي السالطين العثمانيين نحو استعادة قوة الدولة وهيبتها ومكانتها الدولية ،بدأت
في تقوية صالتها بمسلمي العالم من خالل إحياء اعتبار منصب الخالفة اإلسالمية كرمز
ديني وروحاني يجتمع حوله المسلمون ،ولم يهدفوا إلى جمعهم في كيان سياسي واحد
بل في رباط من نوع آخر ،وكان أقوى وأنجح من عمل في سياسة (الجامعة اإلسالمية)
هو السلطان عبد الحميد الثاني ،حتى نسي بعض المؤرخين أن هذه السياسة كانت قائمة
في عهد والده السلطان عبد المجيد ،وبلغت مبلغا متميزا ،حتى أن بريطانيا العظمى
استغاثت بعبد المجيد في تهدأة الثوار المسلمين ضد حكمها في الهند!
وثمة خبر آخر يورده األلوسي في رحلته "نشوة الشمول" نادر الذكر في بقية
المصادر والمراجع ،ومثير لالستغراب أيضا ،وهو:
" ..من أهل "جاوه" رجال رئيسهم يدعى بمحمد غوث ،وله غاية صالح وكمال ،وقد
ذكر لي أنه جاء رسوالً من قبل ابن عمه ناصر الدين السلطان في هاتيك البلدان،
=لطلب االنتظام في سلك أتباع الدولة العلية ،واتباع أمر حضرة خادم الحرمين السلطان
عبد المجيد خان ،مدعيًا أن ليس ذلك عن استكانة ،وإنما هو لمجرد قوة الديانة" ..
في وقت كانت الدولة تحاول عبر إعالن التنظيمات اتباع المنهج الغربي في التحديث
والتطوير وإيقاف عجلة التراجع ،وفي الجهة األخرى تؤتي سياسة إحياء الخالفة بعض
ثمارها في طلب بعض الكيانات السياسية االنضواء تحت لواء العثمانيين ،تماما كما كان
يحدث في العصر الذهبي إبان حكم سليمان القانوني .ويوضح السلطان عبد الحميد الثاني
في مذكراته السياسية بعض مالمح إستراتيجيته في هذا المضمار:
(يجب علينا أَن نقوي صَلَاتنَا بالبلدان اإلسالمية ،وَأَن يكون التقارب أحسن مِمَّا
هُوَ عَلَيْهِ الْآن ،وَلَا أمل لنا بالمستقبل إال بالوحدة؛ فان بَقَاء الْوحدَة اإلسالمية
يَعْنِي بَقَاء انكلترا وفرنسا وروسيا وهولندا تَحت نفوذنا ،حَيْثُ أَن كلمة وَاحِدَة
من الْخَلِيفَة تَكْفِي إلعالن الْجِهَاد فِي الْبلدَانِ اإلسالمية الْوَاقِعَة تَحت سيطرة
هَذِه الدول ...وَلَا بُد أَن يَأْتِي يَوْم يقوم فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ قومة رجل وَاحِد
ويحطمون أغاللهم .هُنَاكَ 13مليونا من الْمُسلمين يحكمهم االنكليز و 54مليونا
يحكمهم الهولنديون و14ماليين يحكمهم الروس ،ومسلمون فِي مناطق أُخْرَى من آسيا
200
،وأنَّة غريب الديار مقهور ،فقد صَنَعت بي الجبال ما لم يخطر لي
ببال ،ولم يخطو إلى حجرة خيال ،وكاد يطرحني في أودية خبال.
ولم نزل نروغ مع الطريق روغان الثعلب ،في مضيق يكاد ينسى فيه
الولد -لسعة خطره -األم واألب ،حتى نزلنا في شاطئ نهرٍ جارٍ أيضًا إلى
من الغداء ،وشكرنا وهاب النعم واآلالء ،ثم ركبنا وسرنا في طريق سهل
في الجملة ،إال أن الفؤاد من شدة ما رأى عاف السير وأهله ،وكل جبل
مررنا به في ناحية المعدن أقرع ال شجر عليه ،كأنه اتخذ قرعة لمصلحة
فضته ،وأهديت مع أنبيق الطبيعة إليه ،أو أنه لما اهتم بتعمير السرائر،
وأفريقيا حَيْثُ يبلغ الْمَجْمُوع الْعَام 834مليونا ،يرجون من اهلل النَّصْر ويوجهون
أنظارهم وآمالهم صوب خَليفَة الْمُسلمين).
انظر :عبد الحميد الثاني :مذكراتي السياسية ،ص .133
202
من نفسِه لم يَنتفع بصقال
()1
والسيف ما لم يُلْفَ فيه صَيقل
نعم رأيت هناك واديا في بطنه بقايا أشجار ال يحصل منها إال أوراق،
ووصلنا -والحمد هلل تعالى الحي الذي ال يموت -في آخر الساعة
السابعة إلى قرية تسمى (أَرْبَوُوْت) وهي بفتح الهمزة وسكون الراء،
وفتح الباء العجمية ،وضم الواو األولى وسكون الثانية ،وآخره تاء مثناة
فوقية ،وتشتمل من بيوت النصارى على نيف وثالثين ،وليس فيها غير
بي [/85ب] عيسى -على نبينا وعليه الصالة والسالم -ورأيت أهل القرية
يذرون حنطتهم
203
وشعيرهم ،وال يذرون همالً بال شغل كبيرهم وصغيرهم ،ولهم ماء
بال نفع لهم جريه ،ومنصة الشتاء إذا وطئ أرضهم من الثلج ارتفاع ذراع،
وعلى هذا القياس مناصه إذا دخل على ما حولها من القرى والبقاع ،وقد
وعلى كل حال بينها وبين المعدن في اللطف جبال ،فبتنا على حالٍ
حال وهلل تعالى الحمد فيها ،وامتألت بلذيذ النوم من العين مآقيها.
وعندما أبان القمر أبيض خيطه ،ورفع يده ليثير جمل الليل األسود
عن عطنه بسوطه قمنا على العادة فأدينا ما وجب من العبادة ،وعلى األثر
سرنا الهوينا ،ولو كان األعمش فينا لقال :سرينا .وأديت على ظهر
204
وسرنا على أرض كأرض الزوراء مستوية ،ولوال ما ذقته من شدة
البرد فيها لقلت هي هيه ،فلقد عرتني هناك هزة من مزيد القر ،كما
انتفض العصفور بلله القطر( ،)1وما قدرت –ورأسك -أن أضم أناملي
): (
205
ولم يبق إال أن يدخلها فأحجم قلبي عن دخولها وتعلل ،فسقته بسياط
(مزرى) وقال لي :مالك والنزول عند رجال تحصنوا عن نزول الضيوف
بِقُلل الجبال ،ويحك أما تجد رسمًا دارسًا تنزله ،أما تملك خبزاً يابسًا
تأكله ،فرجعت منحدرًا إلى قهوة في مزرى ،فنزلتها غير مقدم رجالً
هنالك على ظاهر خطاها ،وهيهات أنَّى يجدي ذلك ومَن كُتِبَت عليه
خطى خطاها ،وكان ذلك في دُبار ،وقد أينعت ضحوة النهار ،وسألت عن
(1
حال مزرى ،فقيل استحدثت معسكرًا كـ (سر من رى)
( )1سامرا :Samaraمدينة في تركية اآلسيوية /األناضول ،مركز اللواء الذي يحمل االسم
نفسه ،في والية بغداد وشهرزور على نهر دجلة ،وتبعد فرسخين عن موقع أفامية مسنس
.Apemea Mesenesهي مدينة سُرّ من رأى ،ذكر لها ياقوت عدة لغات :سامرّاء،
وسامرا ،وسُرّ من رَأ ،وسُرّ من را .اتخذها الخليفة العباسي المعتصم عاصمة لملكه
حتى عهد الخليفة المعتضد باهلل الذي عاد إلى بغداد ،تقع شمال بغداد ،على خط العرض
50.18والطول . 05.38
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 868
206
بذبالة ( )
فقلت هيهات أين البعوضة من الفيل ،وهل تقاس الحباحب )
القنديل ،وكيف تصلح العنازية للعدّ ،إذا ما عُدَّ سُغد سمرقند ،أو تذكر
سباطة الحمام ،إذا ما ذكرت غوطة دمشق الشام ،وأين وادي حقالن ،من
()8
لست منها وال قالمة ظفر قل لمن يدعي انتسابًا لسلمى
للمرضى ،والظاهر أنها كانت مزرعة ألهل خربوت ،ثم بنوا على جعلها
قرية فبنيت فيها بيوت ،وأظن أن لفظ مزري غلط عن مزرعة أو مزرع،
207
وأما (خربوت) فغلط عن (خِرْتَ بِرْت) ساكني الراء المهملة
الباء ويقال لها (حصن زياد) لكن لم أسمع من نطق بهذا االسم من العباد،
يزعمون أنها غلط من (خير البيوت) ،وقد غلطوا فهي لعمري من الخير
أقفر من سُبروت(.)1
وفي (مزرى) سراي الوالي ،وحاله كسائر بيوتها غير حالي ،ويقيم
208
وأمر قضاء الحاجة في أحيائها عجيب ،وأنه من غير استحياء يجهد
الحيي الغريب ،واختياري إياها كان من باب اختيار أهون الشّرَّين ،فأنا
أعلم بما قاسيت بهما مما يشق البطن ويوجب الحَيْن ،وقد شاهدت فيها
ما يزري ،مما ضاق -وحسبي اهلل تعالى -له صدري ،وكأنها لمثل ذلك
ومن غربة في الروم أوهنت العظما إلى اهلل أشكو ما أالقي من العنا
فقال مع السامي الذُّرى كلها عظمى سألت فؤادي مـا عظيم فعالهـا
على الجان ،فقلت :يا ولدي ذاك حضرة سليمان ،ولو كنته ما قعدت في
قهوة أو خان.
209
وبعضهم حسبني طبيبا من العجم ،فسألني عن طب داء في يده أَلَمّ،
فقلت يا ولدي ذاك السيد عبد الباقي الحكيم ،وقد توفى منذ زمان واآلن
عظم رميم ،فخشيت أن يكثر الظانون والسائلون ،فتحولت إلى مكان في
وقبل أن أصل إلى خربوت كنت أفتي ،بوجوب نزولي عند رفيع القدر
الحاج عمر أفندي المفتي( ،)1لما أنه عالمة هاتيك الديار ،وفي األخبار
أنه خيار من خيار ،وهو صاحب (عصيدة الشهدة في شرح قصيدة البردة)،
وهو شرح لم يأت بمثله مَن قبله ،وأظن مثل ذلك بمن بعده ،وله نظم
عربي يسلي الثكلى ،ويذهب ثِقل الحبلى ،وبيني وبينه محبة بالغيب،
ومودة هي جُنة عن رؤية العيب ،وكم جرت بيننا مكاتبات والء ،يخفق
على كاهله من اإلخالص لواء ،إال أن الجبل حال وغير مني الخيال ،وقد
قال اإلمام الشافعي وهو مَن تَعْلم :عرفت اهلل تعالى بنقض العزائم
وفسخ الهمم.
( )1نعيمي الخربوتي :عمر بن أحمد بن محمد سعيد الخربوتي المتخلص بنعيمي المدرس،
هو من بيت العلم ببلده ،كان عالماً فاضالً أديباً ،ولد سنة ،1819وتوفي في جمادى
األولى من سنة 1866تسع وتسعين ومائتين وألف .له :شرح اإلظهار ،شرح الفريدة لعصام
الدين ،عصيدة الشهدة في شرح قصيدة البردة ،وغير ذلك من الحواشي والرسائل.
الباباني :هدية العارفين. 080/1 ،
221
وصنع لي يوم نزولي ،طعامًا أتى به مع الحمالين إلى محط حمولي،
وبُعيد المغرب طلع علينا رسول دفتر المفاخر ،ومن تُحَلُّ ببنان
دفتردار أفندي محمد شاكر ،شكر اهلل سعيه وجعله حميد األواخر ،فبلغني
عن المشار إليه السالم ،وقال اآلن سمع بقدومك وهو ينتظرك للطعام،
فاعتذرت إليه ،وقلت أبلغه عني الدعاء له والسالم عليه ،وغدًا إن شاء اهلل
تعالى أروى بزالل رؤيته [/83أ] ،وأتمتع كما أهوى من جمال طلعته.
وجاء إليّ شانَّاً الغارة من أهله ،تحسب لمزيد عدوه أنه يريد أن
220
وهو فيما أظن واهلل عز وجل عالم الغيوب ،بريء من ذلك الذئب
وبعد العشاء ذهبت قَبل أن يسمع بي ،قِبَلَ النجيب ولدى القلبي،
وبدري الذري له في فلك المكارم سير بدى ،جناب الكاتب األول في
به هالة الحياء وكاد يطير بأجنحة النسور ،ويأخذ بيد فرحه عنان
السماء.
وصباحًا ،هَيَّأ حمام دار الشفاء لي ،رئيس الطباخين السابق (الكوبه
لي) ،فذهبت إلى حمام فِراشه أبيض الرخام ،فأزلت الدرن ،وأرحت من
نصب الطريق البدن ،ولم أقل كما قيل ،وإن غواني ما كساني الهم
( )1نظامية :تعبير يطلق على تشكيل عسكري في عهد السلطان عبد العزيز ،يقوم فيه الجند
بالخدمة العسكرية أربعة أعوام ،ثم يصبحون جندًا احتياطيين لمدة عامين.
مجيب مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص . 106
222
وكيف ونار الشوق بين جوانحي لم أدخل الحمام ألجل تلذذي
ثم ذهبت إلى منزل الدفتردار بُعَيد طلوع الشمس ،إنجازاً للوعد الذي
صدر مني لرسوله باألمس ،فلما رأيته أكبرته وصغر في سمعي كبير
ما سمعت في شأنه إذ خبرته ،حيث وجدته ذا عقل يشق الشعر ،وفكر
يَنْشَقُ ريح الغيب من مسيرة شهر ،مع تواضع ال عن ذلة ،وخفض جناح
ال عن عله.
( )1البيتان ينسبان لظهير الدين المرغيناني صاحب الهداية تلميذ مفتي الثقلين نجم الدين
عمر النسفي ،مع اختالفات عما أوردهما اآللوسي:
وَلَمْ أَدْخُلْ الْحَمَّامَ مِنْ أَجْلِ لَذَّةٍ ...وَكَيْفَ وَنَارُ الشَّوْقِ بَيْنَ
جَوَانِحِي
وَلَكِنَّنِي لَمْ يَكْفِنِي فَيْضُ عَبْرَتِي ...دَخَلْتُ لِأَبْكِيَ مِنْ جَمِيعِ
جَوَارِحِـي
الخادمي :البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية. 161/0 ،
223
ثم جاءني (شمسي) كما جئته عشية أمسي ،فأخذني إلى جناب ذي
الذهن الثاقب ،والرامي عن [/83ب] قوس الرأي بسهم صائب ،صاحب الخلق
بي ،ورَجَّبَ باإلكرام عنقود قلبي ،أمر بتقديم الطعام ،وكان شرابنا
( )1ابن سينا (081-531هـ1459-611/م) :أبو علي الحسين بن عبداهلل بن سينا الحكيم المشهور،
فيلسوف وطبيب إسالمي ،كان أبوه من عمال بَلَخْ ،انتقل منها إلى بخارى ،وكان من
العمال األكفاء ،وتولى العمل بقرية من ضياع بخارى يقال لها خرميثنا من أمهات قراها،
وولد الرئيس أبو علي وكذلك أخوه بها .ثم انتقلوا إلى بخارى وتنقل الرئيس بعد
ذلك في البالد ،واشتغل بالعلوم وحصل الفنون .ولما بلغ العشرين من عمره أتقن حفظ
القرآن الكريم وعلومه ،ثم درس األدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة
والجبر والمقابلة.
لقب بالشيخ الرئيس ألنه جمع بين العلم والوزارة .كتبه كثيرة متنوعة وتمتاز
بالوضوح واإليجاز ،وله كتاب )الشفاء) الذي يشتمل على المنطق والطبيعيات والرياضيات
واإللهيات ،وله )القانون في الطب) ،وهو موسوعة طبية تحتوي على ماذكره األطباء
اليونان األقدمون ،باإلضافة إلى ماساهم به العرب في هذا المجال .وترجم هذا الكتاب إلى
اللغة الالتينية في القرن الثالث عشر الميالدي ،وأعيد طبعه في القرن الخامس عشر
الميالدي ،وطبع مرات كثيرة في القرن السادس عشر الميالدي ،وله أيضًا :المعاد؛ رسالة
في الحكمة؛ أسرار الحكمة الحرفية؛ النبات والحيوان؛ أسباب الرعد؛ أقسام العلوم؛
الدستور الطبي.
انظر :الموسوعة العربية العالمية .
224
()1
كل قلب لذكرها يرتاح هي حُزْوى ونشرها الفيَّاح
وزيرًا إال وهو بها مغرم مستهام ،وما أدري ما هذا السر المودع فيها،
وأظنه تطأطأ رؤوس وجوه أهاليها لواليها ،مع ما بينهم جميعًا من
اإلنصاف ،ومن لم يتصف منهم بذاك فيما أعلم ،أقل من أوحد وأعزّ من
الغراب األعصم.
وبعد ساعة مستوية رجعت إلى منزلي ،وقد استوى ما هيأه رئيس
225
ووجدت على ثيابي غير قليل من قمل الخشب ،فسلَّم على عقلي
تسليم وداع وذهب ،وكان-ال كان -في الصغر كأمثال الذر ،لكنه يحكي
فإن سألت عنه فهو كثرةً وكبرًا كذباب بغداد ،إال أنه يورم جسد الفيل،
وال يستطيع ذَبَّه بذبات خرطومه الطويل ،ويا ألهلى لما قاسيت هناك،
226
()1
فكأني عندما أدعو أبحّ ولكم أدعو وما لي سامع
إلى حجرة خيالي ،وقد قيل لي إن عليه من حجب الوزارة غواشي ،فرأيته
من بُعْدٍ عند باب سرايه مع قواسيه وهو ماشي ،وأخبرت أنه من قوم
وزارني في اليوم الثاني ،معتذرًا أنه لم يصله إال فيه خبر ورودي
هذه المغاني ،ذو الخلق العطر الندي ،صاحب العصيدة (مفتي) أفندي،
فقال :يا موالنا قد صيرتنا في غاية الخجل ،إذ حللت في هذا المحل ،فكأنّا
( )1البيت عزاه ابن معصوم في سالفة العصر للشيخ فتح اهلل بن النحاس ،نزيل المدينة
المنورة ،من قصيدته المشهورة التي مطلعها:
= بات ساجي الطرف والشوق يلح ...ولدجى أن يمض جنح يات جنح
فكـأنّ الشــرق بــاب للدجــى ...مالـه خوف هجـوم الصبح فتح
وقال عنها ابن معصوم" :ولو لم تكن له إال حائيته التي سارت بها الركبان .وطارت
شهرتها بخوافي النسور وقوادم العقبان .لكفته داللة على إنافة قدره .واشرقا شمسه في
سماء البالغة وبدره " .وقصيدته المشار إليها هي قوله مادحاً األمير محمد بن فروخ،
أمير حاج الشام.
ابن معصوم :سالفة العصر. 190/1 ،
227
()1
لم ينزلوهم ودلّوهم إلى الخان *** قوم إذا نزل األضياف حَيَّهم
فقلت :معاذ اهلل تعالى أنتم أجلّ ،من أن يصدق عليكم هذا المثل ،وأين
من يدل على الخان ،أو يرشد إلى مكان أي مكان كان ،فعرقت منه األسرة،
ثم قلت :يا سيدي داعيكم ضالع ومحلكم رفيع ،وهيهات أن يدرك
ثم استنوق الجمل( ،)8وتركنا العَناق والحَمَل ،وشرعت ألوك ثريد المدح
لعصيدته ،وأرقع خَلَق العذر عن تَرِكي شرح قصيدته ،فقد كان أرسل
228
فلم أجد فيها للشرح قابلية ،ثم عرض عليّ فتوى نُوزِع فيها،
أبيه بالمعلى والرقيب ،فسألته عن درسه ،وما يتعاطاه بين أبناء جنسه،
فقال :أقرأ شرح الهداية للقاضي مير حسين( ،)1فقلت :أنت في عيني عين
فحام حوت ذهني في بحر سؤال هذا الحبر ،فوجده -إذ لم يجد من تعرض
له -سؤاالً عجبًا ،وأتى بما ال أرتضيه ،وسكت عنه السائل حياءاً أو جهالً
بما فيه ،ثم ظهر لي بعدُ أجوبة أخرى ،أظنها أولى من ذلك وأحرى.
( )1هو كتاب شرح الهداية الحكمية للقاضي مير حسن ،والبعض يكتبه مير حسين .واألصل
هو كتاب "هداية الحكمة" للشيخ أثير الدين مفضل بن عمر األبهري ،المتوفى في حدود
سنة ستين وستمائة تقريبا ،قال حاجي خليفة :وهي متن متين مرتب على ثالثة أقسام:
األول :في المنطق ،الثاني :في الطبيعي ،الثالث :في اإللهي .أوله( :الحمد هلل حق حمده.
..الخ) ،وشرحها القاضي :مير حسين بن معين الدين الميبدي الحسيني
حاجي خليفة :كشف الظنون. 8486/8 ،
229
منها :أن يحتمل ذلك ألن يكون للحوت فيما كان من األحوال،
إشارة إلى ما يكون من الخضر معه -عليهما السالم -في االستقبال ،وربما
يرمز [/89ب] اتخاذ السرب للحاذق ،إلى أن ما يقع من أيّ نوع الخوارق،
ويلتزم القول بأن إحالة الماء حجراً كما وقع في الصحيح كاإلماتة؛
ليكون رمز إلى ما فعله الخضر --بالغالم الذي أماته ،وفهم موسى -
–ال ينافي االعتراض ،فقد ألقى األلواح لما غضب هلل تعالى واغتاض،
بأن ما كان منها وإن كان كالتوليد بواسطة ،وأن اإلرادة كافية لترجيح
أحد المتساويين ،على أنه يجوز أن يكون المرجح اتفاق ما به الداللة في
231
ومنها :أنه يحتمل أن يكون اإلشارة إلى رتبة التكميل بعد اإلشارة
إلى رتبة الكمال ،وفي ذلك إرشاد إلى حسن اجتماع الفضل واألفضال،
ومنها :أنه يحتمل أن يكون االهتمام في شأن دفع االعتراض على ما
سيقع من الخرق ،حيث كان أعظم الثالثة لما فيه ظاهرًا من تسبب
ومنها :يحتمل أن يكون إشارةً أودليالً إلى مضمون :وَمَا أُوَِلَُم مَْ
ال َقلِلاً .) (حيث لم يترتب على حياة الحوت إال أثر قليل ،بالنسبة
ال ِعلْم إ َّ
إلى ما ترتبه عليها غير مستحيل ،وفي هذا من تكميل الكليم وعتابه على
ترك رد العلم إليه تعالى ما فيه ،وفيما قال الخضر عند الفراق إشارة إلى
ذلك وتنبيه.
230
إلى غير ذلك من االحتماالت ،واهلل تعالى أعلم بأسرار اآليات.
قصدوا أن تكون نار قراهم على يَفاع ،ليقصدوا دون أهل قراهم من أبعد
()1
أال يزيدهم حبًا إلى هم وما أصاحب من قوم فاذكرهم
العيون الشتغال القلوب على طرف الثمام ،فلما أسحرنا أخبرنا أن المكاري
فر إلى أهله مع الكِرى ،كما قد فر من وكر األجفان طائر الكَرى ،فلم
( )1البيت للمرار العدوي ،و هو المرار بن منقذ .من صدى بن مالك بن منقذ .من صدى بن
مالك بن حنظلة .وأم صدى من جل بن عدي.فيقال له ولولده بنو العدوية .وقال لهم
عوف بن القعقاع يا بني العدوية ،أنتم أوسع بني مالك أجوافاً ،وأقلهم أشراقاً!
والمرارهو القائل:
يا حَبَّذَا حِين تُمْسِي الرِّيحُ بارِدَةً ...وادِي أُشَـيٍّ وفتْيـانٌ بِهِ هُضُمُ
مُخَدَّمُونَ كِـرَامٌ في مَجَالِسِهِـم ...وفي الرِّحَالِ إِذا القَيْتَهُمْ
خَدَمُ
وما أُصاحِـبُ مِنْ قَوْمٍ فأَذْكُرُهُمْ ...إِال يَزِيدُهُــمُ حُبّـاً إِليَّ
هُــمُ
ابن قتيبة الدينوري :الشعر والشعراء. 106/1 ،
232
فلما أصبحت ذهبت إلى سيفي بك مأمور الخزنة ،فوجدته سيفًا ذا
سالِيوس( )1عصره صالح باشا لواء الطائفة الطوبجية( ،)8فمنذ سمع بذلك
ثار بارود همته ،ووجه مدافع رسله لتفتح من هذا األمر قالع عسرته،
وساق المأمور بغال خزينته وسار ،ولم يتقيد لي -رفع اهلل تعالى عنه قيد
الحياة -بقيد االنتظار ،سوى أنه قال :أقيل لك أو أقيم في كنكه -قرية
قريبة من خربوت -وال أقوم منها حتى تأتي حمولك ولو أنني هناك
صيرني اللواء المشار إليه ،ناشرًا بين كل فريق لواء الثناء عليه.
( )1اسم حكيم وهو أول من استعمل البارود في تحريك األثقال [المؤلف]
( )8طوب :Topاالسم العام الذي أطلق على األسلحة النارية كافة ،التي تطلق قذائف حديدية
أو حجرية؛ قيل إن اختراع المدفع في الدولة العثمانية يرجع إلى ما قبل معركة
كوسوفا األولى عام 1516م ،حيث استخدم فيها المدفع ،ثم تطور في عهد السلطان محمد
الفاتح ،ووصل المدفع التركي إلى أوجه في عهد السلطان سليمان القانوني في القرن
السادس عشر الميالدي ،ثم فاقته المدافع األوربية في أواخر القرن السادس عشر
الميالدي ..وكانت له أنواع عديدة مثل :شايقة ،زربازن ،شقلوز ،وغيرها.
سهيل صابان :المعجم الموسوعي ،ص . 101
233
فلما أظهرنا ظهرنا ،وسيرنا الحمول وسرنا ،فأتينا ما عينه المأمور
من القرية ،فوجدنا كالمه فرية بغير مرية ،وذكر لنا بعض القاطنين،
أنه سار قَصَّر اهلل تعالى خطاه إلى قرية (كزين) فسرنا إليها وقد بعدت
عنا الحمول ،ومن مزيد الدهشة غفلنا عن تعسر الوصول ،فاعترَضَنَا -
وقد غربت الشمس -جبل ،يسمونه بما ترجمته بالعربية (حلقوم الجمل)،
وهو من التشبيه البليغ ،لكنه غير بالغ ذروة وصفه ،بل لم يحل الحضيض
في شق أديم اإلبهام وشرح أدنى غدة في حزفه ،وهيهات أن يمنطق بمناطق
العبارات ويحاط ،وال يكاد يوقف على شاوي شأنه :حَََّى يَلِجَ اجلَََّلُ فِي سَمم
اخلِلَاطِ ،)1(فسلكناه وقد أعتم الليل ،واعتمَّ بعمائم غمائم الويل ،ورأينا
في وسطه ضبطية هم فيها على الدوام نزول ،فأرسلنا واحدًا منهم لكشف
حال ما تخلف [/83ب] من الحمول ،ولما قطعناه وقد قطع آباط البغال،
ووصل موبقات الكالل بأبدان الرجال ،أشرفنا على ماء عظيم ،وجهه بأكف
234
فقيل :هو بحيرة دائرتها نحو عشر ساعات ،وينصب فيها مياه عذبة
ومع ذا ماؤها كريق الشجي غير فرات ،وفي وسطها قرية نصارى
تركوها ونزولوا الساحل ،وقد خربت سوى كنيسة اتخذوا لها السفن
رواحل ،وفيها سمك أكبر ما يصطادون منه نحو منا ،وحيوانات أخر هم
عنها على خالف عادة الروم في غنى ،فإني وجدت من يأكل منهم كلما
وبعد مضي ساعتين وصلنا إلى (كزين) ولي من مزيد األَين -
عوفيت -أنين ،فأرسلنا آخر إلى الحمول ،حيث أن القلب بها مشغول ،فبقيت
235
فلما أثيرت دجاجة الليلة السوداء ،وكدت ال أظنها تثار عن بيضتها
الصفراء جاءنا بشير السالمة ،بوصول الحمول إلى محل اإلقامة ،فشكرنا
األمن مما نخاف ،وقد أعانني اهلل تعالى شأنه بولدي ،ذي السجايا البيض
أدهم أفندي ،فلعمري لقد جال في ميدان الغيرة ،ولم أجد جواداً جاد بنقد
الهمة غيره ،وأما سيفي فقد بقي مغمدًا في قرابه ،وأغنى اهلل تعالى عن
قطعتين ،وتشتمل من البيوت على نحو ثمانين ،ولم تجمع والحمد هلل
تعالى غير شمل المسلمين ،وفيها جامع تقام فيه الجمعة ،وطالب علم
أرضها [/81أ] ،لكنه في العراق مختلف المقدار ،وهو نصف الخارج في
تلك الديار،
236
ولما سمعت بذاك هناك ،عجبت غاية العجب من بعض أجلة األتراك،
مشروعيته فيها بالكلية ،وأمر ذلك أجلى من الشمس وأظهر ،فغفرا لمن
الكرامة ،سرنا مع الخزنة على المعتاد ،ولم نزل بين تغوير وأنجاد ،حتى
الشعاب ،فلما علوت ذراه ،تخيلت أنه يؤمل كسر قرن الشمس غاية األمل،
فخشيت عليها من أذاه ،فطفقت أنادي :يا سارية الجبل الجبل .وخلته
يقول :إن ربي سبحانه أكرمني بما لم يكرم به من الجبال أحدًا ،حيث
237
وبالجملة ،أمر هذا المحراب عجيب ،وإن كانت كل الجبال من الباب
إلى المحراب عندي محاريب ،والمصيبة التي تشق ثوب العافية إلى الذيل،
وتخيط للقلوب ما يحيط بها من جالبيب العناء والويل ،المرور عليه إذا
أحس بالشتاء ،فلبس كرك وشق ،فهناك إن وطئ أحد كركه جزّ بأيدي
النسيم فروة رأسه ونتف ذقنه وشق ،والحمد هلل تعالى أن مررنا به وهو
كجوه عريان ،ونسيمه قد اعتل حتى مات -ال حشر -يوم حشر األبدان.
ولم نزل نسير حتى دخلنا (باقر معدن) والناس يسعون لصالة الجمعة
إال أن المؤذن بعد ما أذن ،ونزلنا في دار أشبه شيء بالخان ،تنسب لرجل
238
ويشتمل البلد المذكور من البيوت على نحو أربعمائة للمسلمين،
وعلى نحو ستمائة بيت للنصارى األرمنيين ،وفيه أربعة حمامات ،ومثلها
األكينلي ،أرسل ريثما دخلت كتخدائه(/81[ )1ب] الحاج أحمد أغا بالسالم
لي ،وفيه مفتي اسمه علي ونائب اسمه عثمان ،وآسف أن وُضِعَ لهما هذا
اإلسمان.
أنه حديث عهد ببغداد ،فلهونا بحديثها عن حديث سُعدى وسعاد ،وجعلت
( )1كتخدا :كلمة من (كدخدا) في الفارسية وتطلق في التركية على الوكيل والنائب.
وهي تطورت في التركية إلى كلمة (كخية) .وهذا االسم عند العثمانيين يطلق على
عدة مهام ووظائف .فكان كبار رجال الدولة العثمانية ممن لهم المناصب العالية في
القصر والجيش لهم من ينوب عنهم في أعمالهم ويعاونهم ويطلق عليهم (كتخدا).
ويطلق في مدلوله الواسع على كل من يكون في معية أحد من كبار رجال الدولة
وإدارتها مثل دفتر دار كتخداسي ،خزينة كتخداسي.
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص . 118
239
هو المسك ما كررته يتضوع أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره
وأودعني السالم والدعاء ،لحضرة نقي النقيبة قطب دائرة النقباء ،فرخ
حضرة الباز األشهب ،ومن نسيم ذكره يهب شرخ شرح الفؤاد إذا هب ،ذو
أفندي ،وكذا الجناب فخر النواب وزينة دواوين الملوك ،حبيبنا عبد الغني
أفندي النائب السابق بـ كركوك( ،)8وعاد إليّ بعد بعد المغرب بكثير
السالم ،الحاج أحمد أغا كتخدا قائمقام ،واعتذر إليّ من ترك الزيارة
( )1نقيب األشراف :الشخص المعين من قبل الدولة والمتفق على منصبه في اإلشراف على
األمور المتعلقة بالسادة واألشراف المنتسبين للساللة النبوية الشريفة من ذرية سيدنا
الحسين والحسن رضي اهلل عنهما .وكان يقيم في العاصمة وله وكيل ناحية يمسمى
قائمقام ،كما كان يحافظ على السجالت الخاصة بأنسابهم وحقوقهم واالمتيازات
الممنوحة للسادة من لدن الدولة .انظر :محمد عبد اللطيف هريدي :شئون الحرمين
الشريفين في العهد العثماني في ضوء الوثائق ،،ص .31
سهيل صابان :المعجم الموسوعي ،ص .880
( )8كركوك :Kerkoukمدينة في تركيا اآلسيوية -األناضول -مركز اللواء الذي يحمل
االسم نفسه ،في والية بغداد وشهرزور .تقع على دائر العرض ،53.81وخط الطول .53.81
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 084
241
على وفاء الكيل أو بَخسه
()1
وكِلت للخلِّ كما كال لي
وعلى العالت يظهر لمن امتحن المعدنين ببوارق اإلدراك ،أن صفر هذا
وبتنا بنية السرى ،وقد خيم بين العين والجفن جيش الكرى ،فقمنا
وظالم الليل قد محا صور األبدان ،فما كنا نتعارف من شدته إال باآلذان،
فما أظلمها من ليلة ،أضاع فيها الحمار نصيف بنت عمه البغلة ،فخرجت
( )1البيت من قصيدة أوردها الحريري في مقاماته ،في المقامة الدمياطية ،حيث جاء فيها:
ال واهللِ بلْ نتَوازَنُ في المَقالِ .وزْنَ المِثْقالِ .ونَتحاذَى في الفِعالِ .حذْوَ النّعالِ.
حتى نأَنَ التّغابُنَ .ونُكْفى التّضاغُنَ .وإال فلِمَ أعُلّكَ وتُعلّني .وأُقلّكَ
وتستَقلّني .وأجتَرِحُ لكَ وتجرَحُني .وأسْرَحُ إليْكَ وتُسرّحُني؟ وكيف
يُجْتَلَبُ إنْصافٌ بضَيْمٍ .وأنّى تُشرِقُ شمْسٌ معَ غيْمٍ؟ ومتى أُصْحِبَ وُدٌ بعَسْفٍ.
وأيّ حُرّ رضيَ بخُطّةِ خسْفٍ؟ وهللِ أبوكَ حيثُ يقول:
جزَيْـتُ مَـنْ أعلَـقَ بـي وُدَّهُ ...جَـزاءَ مَـنْ يبْنـي على أُسّهِ
وكِلْتُ للخِلّ كما كالَ لي ...على وَفاء الكَيْـلِ أو بخْسـِهِ
ولمْ أُخَسِّــرْهُ وشَـرُّ الـوَرى ...مَنْ يوْمُهُ أخْسَرُ منْ أمْسِـهِ
الحريري :المقامات ،ص . 16
240
فلم أجد من يخبرني بحقيقة الحال عنها ،ففارقنا الرفيق ،وضل عنا
الطريق ،فاستأجرنا دليالً ،لننال به إلى الكروان وصوالً ،فلما انتعل كل
شيء ظله ،جاء اللعين نصيف ومعه البغلة ،فطويت كشحًا عن ضربه
المحل الذي توفي فيه كاتب الفارسية محمد أفندي ،وكان تاريخ وفاته.
( )1لواء ارغني :هو على غرب شمال والية ديار بكر وأحد ألويتها ،مقره في بلدة ارغني
معدني اللواء في وسطها؛ يحتوي على 1834خانة ،وعلى ألفي دكان ،وعلى 5344نسمة
ذكور ،وفي عموم اللواء المذكور 35ألف ذكور ،منها 39ألف مسلم ،و 13ألف غير
مسلم ،واإلناث الالتي بقين خارج الحساب أكثر من الذكور.
هواء هذا اللواء المذكور وخيم ،وفي جباله معادن فضة كثيرة ،األهالي الموجودون
في هذا اللواء يتكلمون اللغة التركية ،والذين في القرى يتحدثون اللغة الكردية والزازه.
تخرج الدجلة قرية كيدان ،والتي تبعد 14ساعات عن معدن ،وتمرّ من أمام المعدن،
وعليه عدة جسور من األخشاب ،وواحد في الكركي ،وأرضه معتدلة للزراعة ،يحصل فيه
كما يحصل في غيرها من الحبوبات والفواكه والخضروات.
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص . 880
242
وحططنا الرحال في الساعة الثامنة عند غاب األسد الوغا ،أمير
فيه مع بعض قومه ،وقد أرسل إليّ وأنا في نصف الطريق رسوالً ،ولما
قربت من مخيمه استقبلني وسار بعد تقبيل يدي أمامي دليالً ،ولم يقصر
عقب النزول في إكرامي ،ولم يشمر في احترام أحد مثل ما شمر في
قوس هذا النجيب ،وأن ما فعله معي مما أحب كان عن أمر أكيد صدر
( )1الطريقة البكتاشية أكثر الطرق شيوعًا في تركيا .والبكتاشية يفترقون عن معظم
أصحاب الطرق في تركيا بصراحة نزعاتهم الشيعية ،ومدار عقيدتهم على اهلل ومحمد
وعلي .ويذهبون إلى أن سر األلوهية قد انتقل من محمد صلى اهلل عليه وسلم .وهم في
مذهبهم يمزجون المبادئ الصوفية بالعناصر المسيحية والغنوضية ،وتأليه علي وال
يأخذون بإقامة الشعائر ،ويتناولون وجبة من الخبز والجبن والنبيذ .وقد حلت جماعتهم
في تركيا عام 1189م ،ولكنها استعادت كيانها إلى أن ألغيت نهائيًا عام 1683م.
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص .50
243
فإذا األمر كما حدست ،فللَّه تعالى دره كيف وسع أهابه هذه
النجابة ،وكيف رمى من بين أقرانه غرض الكمال فأصابه ،فأعجب بحاذق،
لقبه بفائق.
] آمــد [
حتى إذا صبغ النهار إزار األفق بدم رعافه ،سرنا قبل أن يغير كافور
ضياء الشمس شيئًا من أوصافه .ولم أزل أسير بدشت كبير ،وأفراس
السرور تغلب النعامة بفر وكر ،وتكاد تسبق النعامي شوقًا -يا آل وائل-
لديار بكر ،ولم أسر مقدار جريب ،إال ورسول يرحب بي من ذلك الحبيب،
وحققت أنه لما سمع بحلولي في تلك المعاهد ،وتحققت قرب وصولي
244
ومن ابتهجت بوزارته [العادلة سابقًا]( )1الزوراء ،ذي الحسب الزاهر،
والنسب الباهي الباهر ،الذي لم يقل السلطان لغيره عبدي ،وأن يكن قال
فهو نادر ،السيد عبد الكريم نادر باشا ،الشهير بعبدي باشا( ) [/86ب] ،ال
245
،فلما تشرف الخبر بلثم سمعه الشريف ،وسما لما وصل إلى مقام
من سابقه وأحرى ،حتى إذا صرت عن آمد قدر ميل ،أو أكثر منه فيما
أظن بقليل ،أقبل -الزال حظه مقبالً -بوجوه البلد ،ولم يتخلف من ذي
المناصب سلفهم وخلفهم أحد ،وأخرج جواد حضرة المشير المشار إليه،
ليُركبني عند دخولي البلد عليه ،وكذا أخرج لجاللة مركزه جميع
فدخلت البلد بكبكبة يسر بها الصديق ،ويغص منها العدو بالريق ،فواجهت
حضرة المشير المشار إليه ،فوجدته فرحًا بي فرحه بوالديه ،وزاد في
246
ثم إنه استمكثني عنده ليبل باألنس معي وجده ،فلم أر بدًا من االمتثال،
دائرته ،لئال يشق علي ليالً أمر مسامرته ،فطلبت الرخصة منه للذهاب
إلى عزيمة المفتي السابق درويش أفندي ،حيث اقترح ذلك عليّ وقال:
يا موالي البد أن تنزل كما نزلت في السابق عندي [ .فأجبته حياءً من
شيبته ،وإن سارني جوادي بذهاب شبابه في رحبته ]( ،)1فرخص لي أيده
اهلل تعالى في الذهاب ،فذهبت أسحل أذيال االكتئاب ،ولقد استبشر بي أهل
البلد طرًا ،كأني هالل أباح لهم -وقد أجهدهم الصيام– فطرًا ،ولعمري
247
وال من يسدي مع الغريب مثل أياديهم يدًا ،ولقد بيضت سجاياهم
البيض وجه آمد السوداء( ) ،ورفعت شيمهم الشم قدر أرضها الغبراء إلى
الخضراء.
تجلي [/54أ] الغين عن العين ،مظهر الفضل الجليل الجلي ،حصن اإلسالم
أبو الفتوح وجيه الدين السيد أحمد أفندي القلعلي ،وهو من أحباب والدي
تغمده اهلل تعالى برحمته ،وأسكنه الغرف العلية من جنته ،فقد جاء زمن
( )1آمد السوداء :ديار بكر أميدا :مدينة في تركيا اآلسيوية -األناضول ،مركز اللواء الذي
يحل االسم نفسه ،في والية كردستان ،على الضفة اليمنى لدجلة ،مقر أسقفية تتبع
بطريركية القسطنطينية .تقع على دائر العرض ،53.33وخط الطول .04.10س.
موستراس ،ص.838 :
ويطلق عليها األتراك اسم "قرة آمد" أي آمد السوداء لسواد حجارتها ،كما ذكر ابن
كثير في البداية والنهاية ،وقد ذكر ذلك أيضًا الحميري في "الروض المعطار ،فقال:
آمد :مدينة من كور الجزيرة من أعمال الموصل والجزيرة ما بين دجلة =والموصل،
وآمد بمقربة من ميافارقين فتحها عياض بن غنم ،ومدينة آمد كبيرة حصينة على جبل
في غربي دجلة وهي كثيرة الشجر والجبل عليها مطل نحو مائة قامة وعليها سور
بحجارة األرحى السود ،ولها داخل سورها مياه جارية ومطاحن على عيون تطرد وأشجار
وبساتين ،وبينها وبين ميافارقين مرحلتان ،ومن آمد إلى ميافارقين خمسة فراسخ .كما
ذكرها أيضًا بهذا االسم الشاعر العباسي عرفلة الكلبي فقال:
إالّ حَكَوْا سمرَ الرّماح قدوداً ** في آمد السوداء بيضٌ ما انثنوا
ومن النهارِ مباسماً وخدودا ** تخذوا من الليل البهيمِ قالنساً
248
فحصل ما حصل بينهما من أكيد المحبة والوداد ،وكان رسوله إليّ،
()1
أعز األحبة لدي ،مَن فكاهته غذاء األرواح ،ومزاحه مزاج خندريس
األفراح ،ذي األخالق العطرة الندية ،الحافظ الحاج عبد اهلل أفندي إمام
الشافعية ،فذكرني جمعيات في مدينة السالم ،حلت ومرت فكأنها -ال در
تعالى محله ،في خيمة بدت أطنابها على شاطئ نهر دجلة ،قرب رياض
أريضة ،وأمام بيداء طويلة عريضة ،فكدت لما شاهدت ذلك أقول باالتحاد،
( )1الخَنْدَريسُ في القاموس المحيط :الخَمْرُ مُشْتَقٌّ من الخَدْرَسَةِ ولم تُفَسَّرْ أو
رُومِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ .وحِنْطَةٌ خَنْدَريسٌ :قَديمَةٌ .وجاء في معجم مقاييس اللغة:
وأمَّا (الخَنْدَريس) وهي الخمر ،فيقال إنّها بالرومية ،ولذلك لم نَعْرِض الشتقاقها.
ويقولون هي القديمة؛ ومنه حنطةٌ خندريسٌ :قديمة.
ابن فارس :معجم مقاييس اللغة838/8 ،؛ الفيروزآبادي :القاموس المحيط . 969/1
249
من بقايا أجساده األرواح مر بحزوي فثم عالم لطف
وممن أَنِستُ غاية األنس به ،وآنست نور النجابة يسطع من مشكاة
أدبه ،المولي الذي لو قسم فضله بين الموالي لكان كل منهم فاضالً ،ولو
حاز القمر بعض كماله لبدا من أول ليلته كالشمس كامالً ،قاضي
أفندي عرياني زاده ،وإني ألقسم بمعاليه ،وصفات كمال سجلت فيه ،أني
لم أر في سفري قاضيًا أسدَّ منه طبعًا ،وال أشد للباطل روعًا ،ال زال
الحرباء في قبوله األذهان ،وهو عزل الوزير الذي لحضرة السلطان حسن
ظن به ،والمشير الذي ال يستشير عند غضبه أحدًا سوى عضبه ،ذي المهابة
مفسدي العشائر ،عن تخريب المنابر والمناير ،عالي الهمة محمد نامق
251
ونصب الوزير الذي ندر مثله فيمن استوزر ،والمشير الذي فخر عقله
بما انطبع فيه على مرآة اإلسكندر ،حضرة ذي العزم الجلي رشيد باشا
الشهير بـ (الكوزلكلي) ،فلم يطمئن قلبي بهذا الخبر ،وحسبت راويه جاء
محل ،وقد اطلعت على اتفاق معظم الوكالء على السعي في عزله ،لما
اطلعوا على اضمحالل العراق واختالل أحوال أهله ،وأن بغداد بعد أن
وأنه ال يستطيع الطير أن يطير ،وال األسد الوثاب أن يسير ،ما بين
باب حلتها وبصرتها ،بل ما بين باب كرخها ومقبرتها ،وتعذر على الساعي
( )1البيت عزاه ابن خلكان إلى البحراني الشاعر ،أبو عبد اهلل محمد بن يوسف بن محمد بن
قائد ،الملقب موفق الدين اإلربلي ،ومن قصيدة يمدح بها زين الدين أبا المظفر يوسف
بن زين الدين صاحب إربل ،ومطلعها:
رب دار بالغضا طال بالها ...عكف الركب عليها فبكاها
درســت إال بقايـا أسطـر ...سمح الدهر بها ثم محاها
كان لي فيها زمان وانقضى ...فسقى اهلل زماني وسقاها =
ابن خلكان :وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان.115/0 ،
250
حيث كثر القتل والنهب في جهاتها األربع ،فغدا كل من اشتمل عليه
سورها يفتت مما عراه اليرمع ،فلم يلق حضرة السلطان لهم سمعًا ،وعملوا
منه أنه يحب المشير المشار إليه طبعًا ،فتركوا لما يئسوا العراق على
ما فيه ،ولم يعبأوا بانقطاع ما كان يسيل من الذهب والفضة من واديه.
حتى إذا وصلتُ إلى آمد ،رأيت الخبر أظهر من أن يجحده جاحد،
فقلت :سبحانه مقلب القلوب ،الشاهدة أفعاله بأنه الرب المتصرف وما
سواه مربوب.
252
ومأل التعجب من قلبي أركانه ،وإن كنت قد حققت أنه -رفع اهلل
وكان هذا النقض واإلبرام ،في أول ذي القعدة الحرام ،نسأل اهلل تعالى
شأنه أن يوفق كالً فيما نصب له ،ويزيل عن العراق ما أسال عَرَق
وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من هذا الشهر ،سار إلى بغداد ولدي
عبد الباقي وقاه الواقي من كل ضير وضر ،ولم أمنعه إذ رأيته مشغوفًا
( )1طوبخانه أو طوب خانه :وهي كلمة مركبة من مقطعين؛ األول "طوب" كلمة تركية
تعني "المدفع" ،والمعنى أخذ من صوت االنفجار "طوب" ،الثاني "خانه" وهي كلمة
فارسية تعني الدار ،أو بيت ،وتعني طوبخانه "دار المدفع " " ،مصنع المدافع" ،وفي أحيان
أخرى كان هذا المصطلح يطلق على " قيادة قوات المدفعية بالمصطلحات الحديثة ".
وبعد فتح استانبول أقيمت في جهة غلطة على أيام السلطان الفاتح ،والسلطان بايزيد
في دار لصناعة المدافع عرفت باسم " الطوبخانه العامرة " ،والذي أطلق على الحي كله
فيما بعد ،وفي عهد السلطان القانوني لم تعد تلج الدار قادرة على تلبية الجيش العثماني،
فهدمت وأقيمت مكانها دارًا أخرى لصناعة المدافع ،على ساحل البحر -مضيق البوسفور
،-وتبدو تلك الدار –الطب خانه– مثل قلعة أحيطت بها ،وقد تعرض الدار لحريق أتى
عليها ،فأعيد بناؤها من جديد في القره 18هـ11-م ،ثم جرى تطويرها لتلبية االحتياجات
العسكرية ،وأضيف إليها عدد جديد من ورش صناعة المدافع ،وفي =القرن 15هـ16 -م
دعموها بالمنشآت التي تتفق والتقنيات الحديثة ،وال يزال الحي الذي توجد فيه يحمل
اسمها حتى اليوم "حي الطوب خانه ".
انظر :أحمد شقيرات :مؤسسة شيوخ اإلسالم.913/1 ،
253
وقد جعله -صانه اهلل تعالى من الغموم والهموم -غاية همه ،أسأل اهلل تعالى
أن يسهل عليه الطريق ،ويجعل له التوفيق خير رفيق ،وقد شَقَّت عليّ
بعده غربتي ،وأخذتْ بحلقوم أنسي وحدتي ،فقد كان حفظه اهلل تعالى
()1
فأترك ما أريد لما يريد أريد وصاله ويريد هجري
وقد أعظم عليّ أمر مُرّ الفراق ،نعي شقيقه ولدي عبد الرزاق ،وتلك
مصيبة سوداء تبيض منها العيون ،وداهية دهماء تتقاطر منها بال شعور
جوامد األكباد دمًا من شعور الجفون ،وماذا عسى أقول سوى ما يقوله
( )1البيت عزاه ابن شاكر الكتبي إلى ابن المنجم الواعظ ،عبد الرحمن بن مروان بن سالم
بن المبارك ،أبو محمد التنوخي المعري ابن المنجم الواعظ ،وهما بيتان مشهوران له
يقول:
حبيب لست أنظـره بعينـي ...وفي قلبي له حب شديد
أريد وصاله ويريد هجري ...فأترك ما أريد لما يريد
ابن شاكر الكتبي :الوافي بالوفيات. 143/9 ،
( )8سورة البقرة ،اآلية .139
254
وأول من جاءني من أقصى المدينة يسعى إلى حبيبي الذي هو عندي
كـروحي التي بين جنبيّ ،اللوذعي الحاذق ،الحاج إسماعيل أمين الفتوى
السابق ،ففرحت برؤيته فرح الخليل برؤية فداء ولده إسماعيل ،وقد أقام
هذا الفاضل ببغداد مدة ،وقرأ فيها من مختصرات كتب العلوم ومطوالتها
وفيها أورى زند فضله وبلغ مما رامه من العلوم األُمنية ،فهو اليوم يبيض
وجه اإلفادة بقراءة السواد ،وله امتياز على كثير من أساتذة تلك البالد.
وقد دعاني مع جماعة من إخواني ،عماد بيت الشرف ،وخير خلف لخير
سلف ،األفضل األوحدي ،السيد صبغة اهلل أفندي ،وهو من بيت علم وكرم،
وفضل تقى وحكم ،بهم شرفت آمد ،وأقامت حجج فضلها على كل جاحد
:
255
زهر الكواكب منها النور يقتبسُ ** قوم لهم في سماء المجد منزلة
[/51ب] كأنها في دياجي ظلمة قبسُ ** من كل أزهر بادي البشر غرته
فضالء مصره ،ذي الفضل البدي ،الحاج مسعود أفندي ،سليل الفاضل الذي
لم يحرم من موائد فضله المجتدى ،الحاج صبغة اهلل أفندي ،شبل ذي
بكر أفندي؛
()1
عَمُودَا
وقد نشأ هذا الفاضل في رياض العلم والتقوى ،حتى إذا بلغ أشده
أُجبِر على القيام بأعباء الفتوى ،فهو اليوم مفتي آمد ،وعين هاتيك
المعاهد.
( )1البيت ألبي تمام ،موجود في ديوانه ،وهو من األبيات التي سارت بها الركبان وضَمَّنَها
الشعراء كثيرا في قصائدهم ،واستشهد بها الكُتَّاب حتى ال يكاد يُعرف أصله .
256
ولقد سألت عن دينار حاله وفلسه ،إمام الشافعية حيث وجدته يقول
الحق ولو على نفسه ،فقال :ال عيب فيه ،وقد استوى ظاهره وخافيه ،بيد
أنه أرخص نصوص أئمة المذهب ،وكان سلفه يأخذ على النص الواحد
أحيانًا مائة ذهب ،وهو فيما أعلم يتحاشى عن أخذ دانق فضالً عن درهم.
وقد أخبرني بذاك وحلف ،بمرأى ومسمع من السلف ،ولم يبال مع أنه من
أخص صحبه ،فأنشدت إذ قال ذلك لي قول أبي ذؤيب الهذلي :
257
()1
وتلك شَكاة ظاهر عنكِ عارها *** وعيرها الواشون إني أحبها
ولما سمع المشير باجتماعنا شرَّف ونحن على الطعام ،فأبت مكارم
أخالقه أن نغير شيئًا من أحوالنا إلى الختام ،وبعد أن رُفع الخوان من
الدِّنان.
حتى إذا ذاب في أكف القوم نصف شمامة عنبر الليل ،واستشعر الوزير
قام عائدًا إلى مقامه األسمى ،وطويت بعده أحاديث سلمى وأسما ،فنام
( )1البيت من قصيدة ألبي ذؤيب الهذلي اوردها ابن حمدون ،قال:
وقال أبو ذؤيب الهذلي:
أبى القلبُ إال أمَّ عمروٍ فأصبحتْ ...تُحَـرَّقُ نـاري بالشَّكـاةِ ونارُهَـا
وعَيَّرَهـا الواشـونَ أنـي أُحِبُّهـا ...وتلـك شكاةٌ ظاهرٌ عنكِ عارها
فـإن أعتـذرْ منهـا فإنـي مُكَذـَّبٌ ...وإن تعتـذرْ يُرَدَدْ عليها اعتذارُها
فال يهنأُ الواشين أن قد هجرتهـا ...وأظلــم دونـي ليلهـا ونهارُهـا
فمـا أمّ خِشْـفٍ بالعاليـةِ مُشْـدِنٍ ...تنوشُ البير حيث نـال اهتصارُهَا
بأحسنَ منها يومَ قامتْ فأَعْرَضَتْ ...تواري الدموعَ حيث جدَّ انحدارُها
ابن حمدون :التذكرة الحمدونية843/8 ،
258
من هنا ومن هنا ،وغدوت أنا أصطاد بشبكة األحالم ،ما أطارته
وممن كان معنا ذو القدر العلي ،وجيه الدين السيد أحمد أفندي
القلعلي ،وهو رجل ظريف قلما تجد مثله أنيسًا ،لو رآه أهل الكوفة لقالوا
إن هذا أبو موسى( .)5وقد وجدناه أكثر علماء آمد ()8
وحرمة أبي تراب
حفظًا ،وأصحهم ضبطًا وأفصحهم لفظًا ،معظمًا فيما بينهم ،كأنه بعد
آدم ونوح أب لهم ،وله محبة عظيمة لنا؛ حتى أنه ال يكاد يجد عَنَّا غنى،
وقد بات إيناسًا لي ،عدة ليال في منزلي ،مع أنه قد خنق الثمانين ،وشَقَّ
( )1البيت معزو لعبد الغفار األخرس ،من قصيدته التي مطلعها:
كُفّ المالمَ فما يُفيدُ مالمي … الداءُ دائى والسقام سقامي
جسدٌ تعوَّدهَ الضنى وحشاشة … مُلِئَت بالعج صبوة وغرام
مع اختالف يسير ،حيث جاء في ديوانه:
وأكادُ أَقطعُ حَسرة ً وتلهُّفاً ...منّي على أيّامها إبهامي
( )8كنية لإلمام علي بن أبي طالب – كرم اهلل وجهه.
( )5المعني هنا هو الصحابي الجليل أبو موسى األشعري.
259
وفيه من األعذار ما يصعب معه البيتوتة في غير منزله ،وال يستصوب
فيه مداراة من سوى أهله ،فأنست بما آنست منه غاية االستيناس ،ونسيت
من لطائف أشعاره لطائف أبي نواس( ،)1وما فعل ما فعل ،وتفضل بما
تفضل ،إال وفاءً للحقوق ،مع أن الوفاء اليوم أعزّ من بيض األَنُوق،
واقترح عليّ تشطير البيت الشهير ،أعني قوله :أسرب القطا هل من يعير.
( )1أبو نواس(161-109هـ110-395/م) :الحسن بن هانئ بن عبد االول بن صباح الحكمى بالوالء،
أبو نواس :شاعر العراق في عصره .ولد في االهواز (من بالد خوزستان) ونشأ بالبصرة،
ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بني العباس ،ومدح بعضهم ،وخرج إلى دمشق،
ومنها إلى مصر ،فمدح أميرها الخصيب ،وعاد إلى بغداد فأقام إلى أن توفي فيها.
كان جده مولى للجراح بن عبد اهلل الحكمي ،أمير خراسان ،فنسب إليه .وفي تاريخ
ابن عساكر أن أباه من أهل دمشق ،من الجند من رجال مروان بن محمد ،انتقل إلى
االهواز فتزوج امرأة من أهلها اسمها جلبان فولدت له ولدين أحدهما أبو نواس .قال
الجاحظ :ما رأيت رجال أعلم باللغة وال أفصح لهجة من أبي نواس .وقال أبو عبيدة:
كان أبو نواس للمحدثين كامرئ القيس للمتقدمين .وأنشد له النظام شعرا ثم قال:
هذا الذي جمع له الكالم فاختار أحسنه .وقال كلثوم العتابي :لو أدرك أبو نواس الجاهلية
ما فضل عليه أحد .وقال االمام الشافعي :لوال مجون أبي نواس الخذت عنه العلم .وحكى
أبو نواس عن نفسه قال :ما قلت الشعر حتى رويت لستين
امرأة من العرب .فما ظنك بالرجال ؟ وهو أول من نهج للشعر طريقته الحضرية
وأخرجه من اللهجة البدوية .وقد نظم في جميع أنواع الشعر ،وأجود شعره خمرياته.
له (ديوان شعر) وديوان آخر سمي (الفكاهة واالئتناس في مجون أبي نواس) والبن
منظور كتاب سماه (أخبار أبي نواس) في جزأين صغيرين ،ولعبد الرحمن صدقي (ألحان
الحان في حياة أبي نواس) ولعباس مصطفى عمار (أبو نواس) ومثله لعمر فروخ.
ولزكي المحاسني (النواسي) والبن هفان عبد اهلل المهزمي (أخبار أبي نواس) .وفي
تاريخي والدته ووفاته خالف .الزركلي :األعالم. 19/3 ،
261
لِذِي وَلَـهٍ منـه الجناح الكسير (أسرب القطا هل من يعير جناحه)
()1
أطير)
فأعجبه ،واستكتبه.
والخُبْر ،متحد العالنية والسر ،جناب الخدن األشفق ،بهاء الدين أفندي
( )1البيت األصلي الذي شطره األلوسي ألبي العباس أحمد بن يحيى ،قال:
بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بى ...وقل ومثلى بالبكـاء جديـر
أسـرب القطا هل من يعير جناحه ...لعلى إلى من قد هويت أطير
أبو علي القالي :األمالي99/1 ،
260
ورأينا من فضله وفصله أمرًا عجيبًا ،وهو ابن الفاضل األوحدي،
اإللهي الحاج السيد خليل أفندي ،وقد جاء هذا السيد إلى بغداد ،زمن واليها
كان اهلل تعالى لنا وله يوم التناد ،راجيًا منه أن يرجو من ()1
داود باشا
الدولة نفي النفي عن أخيه الصارم الهندي ،الفاضل المتقدم ذكره الحاج
( )1داود باشا (1893-1111هـ1131 -1330/م) :والي بغداد .كرجي االصل ،مستعرب .جلبه بعض
النخاسين إلى بغداد وعمره 11سنة فاشتراه أحد الوالة (سليمان باشا) وعلمه ،فقرأ االدب
العربي والفقه والتفسير ،ونثر ونظم باللغات العربية والتركية والفارسية .وأجازه
علماء العراق .وتقدم في الخدم السلطانية إلى أن جعله سعيد باشا (ابن سليمان باشا)
قائدا لجيش العراق (كتخدا) سنة 1886ه .وكانت الفوضى عامة ،فقمعها .وقوي شأنه،
وخافه سعيد باشا فعمل على التخلص منه ولو بالقتل .وشعر داود ،فترك بغداد وقصد
كركوك ( )1851وكتب إلى اآلستانة ،فجاءه (الفرمان) بوالية بغداد وعزل سعيد ،فعاد
إليها ( )1858ونظم أمورها بعد أن قتل سعيدا وآخرين.
وطمح إلى االستقالل عن الدولة العثمانية ،فجلب الصناع من أوربة ،وأمر بعمل
المدافع والبندقيات في العراق ،وبلغ جيشة أكثر من مئة ألف .واستولى على االحساء
أيام كان ابراهيم (باشا) ابن محمد علي يتوغل في نجد .وطمع باالستيالء على بالد
فارس ولم يتهيأ له ما تهيأ لمحمد علي بمصر من االستقالل ،فانه لما استفحل أمره وجه
إليه السلطان محمود جيشا في نحو 84ألفا وانتشر الطاعون في داخل بغداد ،فكان يموت
كل يوم ألوف ،وقيل :مات به من أوالد داود لصلبه عشرة أوالد يركبون الخيل .فانكسرت
نفسه ،وصالح قائد الجيش على أن يسلمه بغداد ويرحل إلى اآلستانة .ورحل (سنة 1803هـ)
فأكرمه السلطان محمود ثم ابنه السلطان عبد المجيد ،ولقب بشيخ الوزراء .وأرسله عبد
المجيد شيخا للحرم النبوي سنة 1894فظل في المدينة ،مشتغال بالعلوم والتدريس إلى
أن توفي ،ودفن في البقيع .ومن آثاره فيها البستان المعروف بالداودية .وعلى اسمه ألف
عثمان بن سند البصري كتابه (مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود).
البيطار :حلية البشر 943 – 363/1؛ الزركلي :األعالم . 5518/8
262
فكان بينه وبين ولدي المرحوم ألفة أكيدة ،ومحبة في اهلل عز وجل
شديدة.
ّ:
حبث علمي
263
والفوز ببعض دعواته الصالحة المنيفة ،فسألني عن قول أبي السعود
()1
–
()1الشيخ أبو السعود أفندي ( 618-169هـ1330-1061/م) :شيخ اإلسالم رقم ( )13أحد أعمدة
دولة سليمان القانوني .يعتبر الشيخ أبو السعود من أشهر شيوخ اإلسالم على اإلطالق،
ومن أشهر علماء الدولة العثمانية ،امتدت شهرته داخل الدولة وخارجها ،وقد برع على
جميع علماء عصره ،وتصفه المصادر بأنه "سلطان المفسرين ،مقدمة جيش المتأخرين"
وقد صار "ابتهاجا في وجه الدولة العثمانية وابتساما في ثغر السلطنة السليمانية"
وكانت الدولة " تباهي به الملوك ".
هو المولى محمد أبو السعود بن محمد بن محيي الدين (ياوصي) بن مصطفى بن
عبد النبي بن أبي السعود العمادي اآلمدي االسكليبي .ولد في إحدى قرى اسكليب ،وكان
والده الشيخ محيي الدين أفندي من كبار المتصوفة وممن قربهم السلطان بايزيد خان
حتى اشتهر بين الناس بـ "شيخ السلطان" .وقد نشأ أبو السعود في كنف والده طالبا
لمراتب العلوم الشرعية السامية وحاز منها الكثير ،واشتغل بفنون األدب ،وكذلك أخذ
عن علماء عصره ومنهم المولى قادري جلبي شيخ اإلسالم ،وصار مالزما للمولى سعدي
جلبي شيخ اإلسالم أيضا ،وتنقل في عمله بين المدارس العثمانية حتى عين في إحدى
المدارس الثمان في استانبول ثم انتقل للعمل في القضاء وتنقل في مناصبه حتى عين في
منصب قاضي عسكر الروميلي ،وبعد عزل الشيخ محيي الدين فناري زاده تم تعيين أبو
السعود أفندي شيخا لإلسالم في 1303م .
قال عنه صاحب العقد المنظوم" :اضطرب أمر الفتوى ،وانتقل من يد إلى يد ،ولم
يثبت سقف بيته على عمد ،إلى أن سلم زمامه إليه ،وألقيت مقاليده لديه ،فنظم مصالحه
نظم الآلل ،واشتغل بتشييد مبانيه أحسن االشتغال ،وسيقت إليه الركائب ،من كل قطر
وجانب ،وازدحم على بابه الوفود ،من أصحاب المجد والجود ،وشملت فضائله العامة،
الخاصة والعامة ".
= وعن مقدار علمه يقول أيضا " :وكتب الجواب مرارًا في يوم واحد ،على ألف
رقعة مع حسن المقاطع والمقاصد ،وقد سارت أجوبته في جميع العلوم ،في اآلفاق مسير
النجوم" .وحكى هو عن نفسه فقال :جلست يوما بعد صالة الصبح أكتب على األسئلة
المجتمعة ،فكتبت إلى صالة العصر على ألف وأربعمائة واثنتي عشرة فتيا " .وقال عنه
السلطان سليمان القانوني :مساعدي في الظروف الصعبة ،رفيق العمر ،رفيق دربي في
فعل الصواب .حتى انه أوصى أن توضع فتاوى أبي السعود في صندوق وتدفن مع السلطان
في قبره.وفي عهده أنيطت بمشيخة اإلسالم الكثير من المهام القضائية واإلدارية التي
264
أسعد اهلل حاله في عقباه -عند تفسير قوله تعالى :وَإَْ أَ َحدٌ مَْ
علماء الروم الجم الغفير ،وكنت وقفت على ما علق فضالء الروم عليها،
كانت منوطة بقاضي العسكر والصدر األعظم ،كما شارك أبو السعود أفندي في وضع
مجموعة كبيرة من القوانين والتشريعات التي صدرت في عهد سليمان القانوني.
حارب أهل البدع ومدعي التصوف المضللين وحكم بزندقتهم وإعدامهم مثل الشيخ
محيي الدين الكرماني والشيخ غضنفر .وهو صاحب الفتوى المثيرة للجدل حول وقف
النقود .وهو أيضا صاحب فتوى إلغاء المعاهدة والحرب ضد البندقية وفتح جزيرة
قبرص .استمر في منصبه حتى وفاته ،وكانت أطول مدة يقضيها شيخ اإلسالم في منصبه
حيث استمرت حوالي تسعة وعشرين عاما .ترك مجموعة قيمة من المؤلفات أهمها
وأشهرها تفسير أبو السعود المسمى (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم)
ومجموعة الفتاوى .والكثير من األشعار باللغات العربية والفارسية والتركية .ومن
آثاره المعمارية جامعا في اسكليب وحماما في استانبول.
انظر :أحمد صدقي شقيرات :تاريخ مؤسسة شيوخ اإلسالم في الدولة العثمانية؛ منق
علي :العقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم.
( )1سورة التوبة ،اآلية .9
265
فقبل أن أطلق عنان لساني في ميدان التقرير ،أقبل شيخي عالء الدين
( )1عالء الدين أفندي الموصلي :ترجم له المؤلف في " غرائب االغتراب " ترجمة مطولة
قال فيها " :واحد العلماء ،وأوحد الفضالء ،الضارب في كل فن بسهم ،والقارع صفاة كل
قريحة وفهم ،فارس ميدان المباحث والحبر الذي عزز العالمتان منه بثالث ،ذي القدم
الراسخة في جميع العلوم والرتبة الشامخة التي دون رفعتها النجوم ،ذي القدر األعلى
(عالء الدين أفندي الموصلي) ،ولم أزل أقرأ عنده ،وأستنشق ريحه ورنده ،إلى من
تخرجت به وتأدبت بأدبه ،وكان عليه الرحمة ذا ذهن يحل كل عويصة ضامن ،ووقار
كان ثبيراً فيه كامن ،وأدب زرت على أعناق اإلعجاز جيوبه ،وهبت بغوالي غواني اإلبداع
صباه وجنوبه ... ،بيد أنه لضيق ذات يده ضاق صدره ،ولمزيد كلف في نجم سعده كلف
بدره ولذلك ساءت أخالقه ،وشائت فراقه رفاقه.
وعلى العالت أن حظه حطه ،وأوفر من الحرمان قطه ،وأعانه على ذلك الزمان
المشوم ،والدهر الجائر الغشوم ،ومن العجيب أن داود باشا على فضله لم يعرف فضله،
وأحله في غير محله وما أجله ،وذلك ألنه ما صانعه وال داراً ،ولم يكن في دفتره لما
كان دفتر داراً ،واتفق أن أمر له إذ ذاك ببرده ،فأبى أن يقبل كرمه في المجلس ورده،
فأضمر ذلك في نفسه حتى استوزر ،فأظهر من سوء معاملته إياه ما أظهر ،وكان يتتبع
عثاره ويزيد بعثير الغارة عليه غباره ،حتى أنه أمر بنفيه إلى الحدباء ،فحدب عليه ورجا
إثباته بعض أجالء الزوراء ،فأثبت ولكن في هم ال يحد ،وبقي منكسر القلب إلى أن ضمه
اللحد ،وقد ضم في شهر ضم أباه ،وكان تاريخ ذلك قولي (عنهما رضى اإلله) ودرج
على األثر في الطاعون جميع أهله وبنيه وبقي بيته خالياً ليس سوى الصدا والحزن فيه.
ولم يتخرج عليه إال جمع هم أقل من أنصاف الزمان ،بل المتخرج إذا تتبعت واحد أو
اثنان ،وذلك لقلة تحمل الطلبة كثرة دله ،وعدم وقوفهم على وافر فضله وال ينقص
العالم قلة طلبته ،كما ال ينقص النبي عدم أمته ،وأنا وهلل تعالى الحمد صبرت على مره،
وصيرت شغلي السعي في صفاء سره ،وتأدبت معه غاية األدب ،وانتهى أداء رسم خدمتي
إياه إلى حد العجب ،وإني ألرجو أن أنال ببركة ذلك مزيد اآلالء ،فبركة بركة خدمة
الشيخ بحر ال تنزحه الدالء ...وقد دفن عليه الرحمة في قبة حذاء قبة الشيخ عبد اهلل
العيدروسي ،في محلة حضرة الباز األشهب أظلنا اهلل تعالى بظالل جناحه القدوسي ".
266
فعرضت عليه السؤال ،فقال بعد أن الطفني في المقال :أراد أن اآلية
من باب التنازع ،وإذا عمل أول العاملين يضمر لثانيهما كل ما يحتاجه
فقيل حتاه يتحقق ذلك اللزوم؛ فشكر السيد فضله ،ودعا بالخير له.
وبعد أن عاد الشيخ إلى مدرسته كتب معترضًا عليه ،فأرسلني موكالً
لي بالجواب إليه ،فأجبته بما أقنعه ،وحسم أصل االعتراض وقطعه ،ولم
يخطر لي اآلن تفصيل ما كان؛ بيد أنه ركد هواه ،وتكدر صافي الود في
قليب سويداه.
هو أرق من دمعة الصب ،وألطف من وابل قطرٍ غِب الجدب ،المجتنب في
ذهابي إلى اآلستانة دفتردار سيواس ،فسمعت الثناء عليه هناك من أغلب
من رأيت من الناس ،وكم زارني مع مزيد اشتغاله ،وضيق وقته عن تحية
267
ودعاني حبيبي إمام الشافعية ،الذي فكاهته أحلى لدي من وصال
المالكية ،في يوم فاختي اللون يحمل كل راءٍ مشنَّتَه على الرأس والعين،
في دار له قوراء ،يحكي [/55أ] نسيمها نسيم األسحار في الزوراء ،بين
ومعي أحبة تزري أخالقهم بزهر الربى ،وتزدري نفحاتها بنشر الكَبا،
فطابت هناك بدقائق لطائفهم ساعات نهاري ،وطارت -وهلل تعالى الحمد
الحبيب ،فرخ الباز األشهب األخ النقي النقيب ،فهزت قطاة قلبي خوافي
السيد أحمد أفندي القلعلي مفارقتي ،وأبا كل اإلباء ذلك األبي إال
مرافقتي ،فسار بنية التفضل بالبيتوتة معي إلى المنزل ،وأمر خادمه أن
268
وجاء إلينا من هو في الحرمة أبي وفي المحبة ولدي ،خاتم النجباء
أبو المكارم سليمان فائق بك أفندي ،وكان -سلمه اهلل تعالى -في أكثر
الليالي يجعل ليلي بشمس طلعته نهارًا ،ويحيي ميت أنسي بلطائف
تلبيس ،وأن سطح داري الذي كنا نتسامر عليه أتي به كعرش بلقيس،
داوى علل غربتي ،وقام في ديار بكر مقام زيد وعمرو من أسرتي ،ولواله
لضاقت عليّ هاتيك الرحاب ،ولسدت في وجهي المسرة أيدي الغموم كل
باب ،فقد شممت من نجد نشر الشيح والخزام ،وشممت من مطالع العراق
269
()1
إذا دنت الخيام من الخيام *** وأبرح ما يكون الوجد يومًا
وبعد أن انتصف الليل ،جادت أودية السحب بأفعم سيل ،وكنا في
الليلة التاسعة من أيلول ،وذلك مما تقشعر منه جلود أراضي العراق
السيل بالسالم على أهل مدينة السالم رسوالً ،وتمنيت أني لو اتخذت مع
( )1البيت من األبيات المشهورة المتداولة حتى ال يُعرف صاحبها ،وقد ضمنها الشعراء كثيرا
في قصائدهم ،ومن أفضل من ضمنها وبين معناها ببالغة ،السيد أبو عبد اهلل محمد بن
عبد اهلل الحسيني بن إبراهيم بن شبابه البحراني ،حيث قال:
ولما أن تــراءت مــن بعيـد ...خيامكــم لعيــن المستهــام
تأجج وجــده ونمــا جــواه ...وذاب القلب من وجد الغــرام
وأعظم ما يكون الشـوق يوماً ...إذا دنت الخيام مــن الخيــام
ابن معصوم :سالفة العصر. 863/1 ،
271
رسوالً بإبـالغ السـالم خليـال *** ولم تزل العشاق تتخذ الهـوى
إذا ما جرى عني السالم جزيال *** وإني اتخذت الماء يبلغ جيرتي
ولما كان عصر يوم الخميس تاسع ذي الحجة ،أمسى عيد األضحى
بسواطع المدافع واضح المحجة ،ولم تدخل ليلة العروبة إال وقد زُيِّنت
270
فلم أشعر مما عراني من تذكر أوطاني إال وأنا بيت القصيد في ذلك
الديوان ،حيث إن الوجوه -بيض اهلل تعالى وجوههم -جعلوني لهم راسا،
واألعيان -أدام اهلل تعالى أعيانهم -اتخذوني فيما بينهم نبراسا ،فأجرينا
الرسم على الحد المعهود ،وعاد عيد كل من الوجوه على الوجه المحمود.
ثم عدت إلى محل اإلقامة ،فخيل لي من كثرة الناس فيه أن قد قامت
القيامة ،ولم يزالوا يهرعون إليّ ،ويتهافتون تهافت الفَرَاش عليّ ،حتى
كادوا ينتهبون وقت منامي ،ويحلون بيني وبين شرابي وطعامي ،وما
أحسن أخالق خالئق ديار بكر ،وما ألطف معاملتهم الغريب في سِرٍّ
وجهر ،فلعمري لقد غدوا من الزمان ربيعه ،ومن الوابل التهتان مريعه،
ومن الصُدغ تجعيده ،ومن الخَدَّ توريده/50[ ،أ] ومن القوام اعتداله،
272
وكمال بين األنام تفرق *** جمعوا يا لدرهم كل حسن
ولما كان اليوم الثالث من العيد ،أعاد اهلل تعالى أمثاله بالمسرة على
العبد بعيش حميد ،دعانا روض الكمال وغوث الصريخ وغيث األفضال،
السيد صبغة اهلل أفندي المفتي حاالً ،صبغه اهلل تعالى بلطفه حاالً
رؤوس أهل واليته ،تحلو رؤيتهم للعين ،وتجلو منادمتهم عن القلب الغين،
فجئنا إلى خيام يتردد فيها النسيم ،فما يدري أيرتحل عنها أم يقيم ،فيها
273
وقد نصبت في فضاء وادٍ يسع زبيدًا بواديها ،ويزري للطافة هواه
وطيب ثراه بأرض الهندية وبواديها ،وبطرف منه يجري طرف نهر دجلة،
ويحث السير شوقًا أن يرى بطرفه العراق وأهله ،وهو بلونه وامتداده
يحكي المجرة ،وعلى شاطئه خضر يحكي بطيخها النجوم صفة وكثرة
إني لم أر في العراق فورب السَََّّاءِ ذَاِِ الرَّجَْ * وَاَأَرِْ ذَاِِ الصَّدْع
()1
نعم؛ إن الخيام إذا حققت تشبه الخيام ،فبقينا هناك ليلتين ،تخالهما من
مزيد السرور ساعتين ،ورأيت من المفتي مجدًا كاد أن يكون قاضيًا على
عقلي ،ولقد أقام وأبيه على طيب خيمه وسالمة أديمه البرهان الجلي،
274
وتفرزنت فيها البيادق *** خلت الرقاع من الرخاخ
وإلى اهلل تعالى المشتكى من زمن زمين ،أقام الفضالء -ال در دره -في
عطن عطين ،وما رأى لهم حرمه ،وال راقب فيه إالًّ وال ذِمة/50[ ،ب] ولم
يزل ينظر إليهم شزرًا ،ويمنحهم لمزيد المحن عيشًا مرًا ،ويقعدهم
إهانة ذي فضل وإكرام عاطل *** أال قاتل اهلل الزمان فدأبـه
ويَهْوَى على علم له كُلَّ جاهل *** تراه لحاه اهلل يبغض عالمًا
()1البيتان عزاهما ياقوت والصفدي لمحمد بن أبي سعيد محمد ،المعروف بابن شرف ،الجذامي
القيرواني األديب الكاتب الشاعر أبو عبد اهلل .مع اختالف يسير ،حيث رواه ياقوت هكذا:
قالـوا تسابقـت الحميـر ...فقلت من عدم السوابـق
خلت الدسوت من الرخاخ ...ففرزنت فيهـا البيـادق
وزاد عليهما ابن عربشاه دون أن يعزوهما ألحد:
خلت الرقاع من الرخـاخ ...وفرزنـت فيها البيـادق
وتسابقت عـرج الحميـر ...فقلت من عدم السوابـق
وسطا الغراب على العقاب ...وصاد فرخ البوم باشـق
سكتـت بالبلــة الزمــان ...وأصبـح الخفاش ناطق
ياقوت الحموي :معجم األدباء053/8 ،؛ ابن عربشاه :فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء،
115/1؛ الصفدي :الوافي بالوفيات. 556/80 ،
275
وممن سررت برؤيته ،وشاهدت أسرار النجابة تلوح من أسارير
جبهته ،ذو األدب الجليل الجلي( ،سليمان) أفندي المالطيه لي ،وكان قد
أُرسل بمنصب النيابة إلى لواء كركوك ،فورد إليها بأهله جاهالً أن
إنفاق أخلف جراف ،فقصر وارده عن صادره ،وضاق ذرعا عن التوسع في
عيشه إلى آخره ،فغدا -على ما يزعم -يستدين ،خشية أن يعيش عيشة
مسكين ،ولما خشي أن يغرقه زاب ما ذاب عليه من الدين ،اتخذ االستعفاء
من حيث ال يشعر في مهاوي المعاطب ،ومن لم يشمر للسيل ،أدركه على
رغم أنفه الويل ،ومن لم يمد رجليه على قدر فراشه ،لم يؤمن عليه من
أذى دبيب الثرى وانتهاشه ،ثم أنه أتاه رقيم نيابة طرسوس ،فنام فكره في
276
يدق خفاه عن فهم الذكي وكم هلل من لطفٍ خفـيّ
()1
فتأتيك المسرَّةُ في العَشيّ وكم أمر تساء به صباحًا
وقد تزاورنا ثاني يوم قدومه من شهر زور ،والقادم كما قيل من
في تقويم أَوَدِهِ واعوجاجه ،وينعم باألمن واديه ،ويرغم أنف الخوف في
بواديه ،فالح لي أن الرجل يصلح أن يكون واليًا ،كما يصلح أن يكون في
المحاكم قاضيًا ،ووجدته غير واجد على واحد من أهل كركوك ،ويثني
على علمائهم ومشايخهم بما ال يثني به على الملوك ،السيما على فجر
المكارم [/53أ]،
( )1األبيات على األرجح لإلمام علي بن أبي طالب –كرم اهلل وجهه ورضي عنه– وقد سبقت
اإلشارة إليهما .
277
وفخر ذوي الرياسة من بني هاشم ،الشهم الذي هو من عيب التدليس
نجي ،أخي السيد محمد أمين أفندي البرزنجي ،وعلى مركز دائرة
األفراح ،ومهب صبا راحة األرواح ،رأس عُشاق العراق ،ومن شاع بين
العجم والعرب إنه إبراهيمي األخالق ،جونة العطار وسعدي الثاني ،الشيخ
من مشاق اإلفتاء والنظارة نحو أبي قبيس أو قاف ،المجتنب كل فعل
نعم؛ وجدته واجدًا على النائب السابق عبد الغني أفندي ،لكنه لمزيد
فضله لم يفتح باب فصله إال عندي ،فقال إن دعواه التقوى كاذبة ،وأنه
وإن كان نائبًا فهو في الحقيق نائبة ،ولو رأيته كما يزعم في نفسه
أستعطف قلبه ،حتى انقلب نحوه فأحبه ،فإنه وإن لم يكن فيما قاله فيه
عن الحق بمعزل ،لكنه على العالت بينه وبين نواب الروم ألف ألف منزل.
( )1ناظر :بمعنى الوزير ،وفي القديم كانت تطلق على من يتولى تدبير شئون الوقف .ولكن
اعتبارًا من عهد السلطان محمود الثاني أطلق هذا االسم على من يتولى الوزارة.
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص .103
278
وفي السابع عشر من هذا الشهر عاد إليّ العيد بحالٍ حالٍ وطالع سعيد؛
حيث ورد من قرة عيني ،وجالء ديني وغيني ،بل قلبي الذي ظهر لي ولدًا،
وروحي التي اكتسب من عناصره جسدًا ،جنة خلدي ،بهاء الدين السيد
أفندي ،حفظه اهلل تعالى مما يكره ،ووقاه في مرقاه -جل شأنه- عبد اهلل
()1
مكره ،وعندما رأيته لثمته بشفاه الجفون ،وكحلت بسواد حروفه العيون،
ونثرت دموع المسرة ،لما شاهدت كنثري نثره ،وكدت -وال جُناح-
بجناح األفراح أطير ،لما رأيت النحرير يشبه النحرير ،فلله تعالى دره
من ولد ما ظلم ،والحمد هلل -عز وجل -أن أراني ما تفرست فيه قبل أن
يعرف ما القلم .وقد أحببت أن أزيد نشوتي بعناق غواني كالمه ،وأدير
على قلمي مترعات كاسات مدامه ،وهذا ما حرر ،حرَّره اهلل تعالى من
كل ضرر:
( )1عبد اهلل اآللوسي (1861-1801هـ1130-1158/م) :عبد اهلل (بهاء الدين) بن محمود (شهاب
الدين) بن عبد اهلل اآللوسي :فقيه بغدادي من قضاة الشافعية .تخرج بأبية ،وترفع عن
مناصب الدولة وعكف على التدريس .ومرض وتصوف وباع كتبه وعقاره وقصد
استنبول ،فاعترضه قطاع الطرق فعاد إلى بلده صفر اليدين .واضطر إلى العمل الحكومي،
فولي قضاء البصرة مدة سنتين وأكلت الحمى جسمه فرجع إلى بغداد ،ففارق الحياة.
ألف عند سنوح الفرص كتبا ،منها" :المتنان في علمي المنطق والبيان" = و"الواضح
في النحو" و"التعطف على التعرف في األصلين والتصوف" بخط ابنه محمود شكري
الآللوسي ،في مكتبة األوقاف العامة ببغداد قسم الخزانة النعمانية اآللوسية ،و"ترسالته"
في جزء لطيف مما جمعه ابنه محمود شكري.
الزركلي :األعالم 159/0؛ الباباني :هدية العارفين. 064/1 ،
279
الحمد هلل تعالى وله سبحانه الشكر ،قد تشرف هذا الخادم بمشرف من
[/53ب] حضرة الوالد يدفع كل ضرر ،ويخبر عنه تشريفه إلى ديار بكر،
شَرَّفَ هذه األطراف وأنا ماشٍ بركابه ،متشرف بغبار تراب أعتابه،
مطالعة تلك الطلعة غاية القصد والمرام ،وأطأ الثريا عزًا وفخرًا
األخ األنجب -حفظه اهلل تعالى -صحبة الخزينة إلى بغداد المحمية ،فأنعِم
به من بريد خير ،يزيل قدومه عنا كل ضرٍّ ضَير ،وقريبًا -إن شاء اهلل
تعالى -يرد إلى هذا الطرف ،وننال بحسن مالقاته غاية المجد والشرف،
281
ونقدم لديه ما القيناه من لواعج نيران الفراق ،فيا ما أُحَيلَى هذا
القدوم وما أهناه ،فإنه – واهلل -حسنة اعتذر بها الدهر عما جناه ،متعنا
اهلل تعالى ببقاء ذلك الوجود ،المعجون بماء الفضل والجود ،والكل قد
استصوبوا بقاء تلك الحضرة لدى الحضرة المشيرية ،لما يترتب عليه -
إن شاء اهلل تعالى -من المواد الخيرية ،وقد حرر لي بهذه الدفعة سليمان
بيك أفندي عن صورة دخولكم ديار بكر ،في ذلك االمتياز وعلو القدر،
على قلبي المضني ألذّ من الشهد كتاب بهـاء الديـن دام بهـاؤه
280
وفي ثامن ذي الحجة ورد من اآلستانة تاتار( )1بتأخير الخزنة المرسلة
إلى بغداد في أي دار كانت من الديار ،وبقائها إلى أن يأتي الوالي الجديد،
فحينئذ تسلم إليه فاعالً بها ما يريد ،فهيأ المشير بريدًا وأرسله إلى
والي [/59أ] الحدباء؛ ليؤخرها عنده حتى يقدم والي الزوراء ،فذكرت له
شأن توجه ولدي عبد الباقي( ) ،وقاه اهلل تعالى من كل سوء ورقاه أعلى
األحبة ،وبعد أيام معدودات جاء الجواب طبق ما أَمَّله القلب وأَحبِّه.
( )1تاتار :هو الساعي سريع الحركة الذي ينقل األخبار .وكان مشهور في ذلك الوقت
بسرعة الحركة .وتم تخصيص هذا المعنى ألفراد التتار .
( )8المشار إليه أكبر أنجال المصنف المبرور ،وقد سافر إلى دار الخالفة العظمى مرارًا،
وفي سنة التحرير أحسن عليه بمولوية المخرج الموصلة إلى البالد الخمسة ،ونيشان
جلي شمسه ال زال فائقًا يومه عن أمسه.
282
وقد كتب ولدي عبد الباقي أفندي في ذيل أحد الكتابين سطورًا،
بالسالمة ،في بيت الشرف والكرامة ،بيت عمه نور فرق العصابة الفاروقية،
283
إذ غدا مرآة للمثل األفالطونية( ،)1الفاضل السري ،محمود أفندي
العمري ،أعاده اهلل تعالى بالخير إلى الوطن ،ومنح به من وااله خير المنح
ومَحَنَ من عاداه بشر المِحَن ،وكان إذ ذاك قد أقام خارج البلد ،لكيد
العمريّ ال يخلو من حاسد ،وال يكاد يُسَلِّم أنه يَسْلَم من كيد كائد:
( )1المثل األفالطونية :نظرية المُثُل .كان أفالطون شديد االهتمام بكيفية استخدامنا لكلمة
أو فكرة واحدة تغطي وتشمل عدة أشياء مختلفة .فمثال كيف يمكن استخدام كلمة
مائدة لكل األشياء المفردة التي هي موائد؟ وقد أجاب على هذا السؤال بأن األشياء العديدة
يمكن تسميتها بنفس االسم ألنها تتضمن شيئًا مشتركًا أُطلق عليه اسم المثال أو الفكرة.
وتبعًا لرأي أفالطون فإن الصفة الحقيقية ألي شيء مفرد تعتمد على الصورة التي
يشارك بها ذلك الشيء .فمثالً يكون الشيء مثلثًا ألنه يشارك في المثال الخاص
بالمثلثية ،وتكون مائدة (ما) مائدة ألنها تشارك في المثال الخاص بالمائدية.
وقد شدد أفالطون بقوله :إن المُثل تختلف اختالفاً كبيرًا عن األشياء العادية التي
نراها من حولنا ،إذ أن األشياء العادية تتغير لكن مُثلها ال تتغير .إضافة إلى ذلك فإن
األشياء المفردة تقارب مُثلها بشكل غير كامل ،وتظل هذه المُثل نماذج للكمال ال يمكن
الوصول إليها .واألشياء الدائرية أو الجميلة ليست كاملة االستدارة أو كاملة الجمال
أبدًا .والشيء الوحيد الكامل االستدارة هو المثال الخاص باالستدارية ذاتها والشيء الوحيد
الكامل الجمال هو المثال الخاص بالجمال .وقد خلص أفالطون إلى القول بأن هذه المُثل
الكاملة التي ال تتغير ال يمكن أن تكون جزءًا من العالم المألوف الذي هو متغير وناقص.
فالمُثُل ال توجد في المكان أو الزمان ،ويمكن معرفتها بالذهن فقط ال بالحواس .ونظرًا
لثباتها وكمالها فإن للمُثُل حقيقة أعظم من األشياء العادية التي ندركها بالحواس.
وهكذا فإن المعرفة الحقة هي معرفة المُثل ...وتسمى آراء أفالطون األساسية هذه
بنظرية المُثُل أو نظرية األفكار.
انظر :الموسوعة العربية العالمية .
284
كَانَتْ كأعْدادِ وإذا الفَتَى بَلَغَ السِّمَاكَ بِفَضْلِه ِ
***
النُّجومِ عِداهُ
عُـالهُ
وكانت تلك اإلقامة لنفي من غير إثبات صحيح لداعي ،بل لمجرد
وثبات عدو على هذا العَدَوي بالفساد الصِرف ساعي ،وكأني بهذا المقيم
قد قام ألخذ الثار ،وأقبل لالنتقام فجعل لِحَى قومٍ لَحُّوا عليه في
األدبار.
شرافات التقى على أسرار الحِكَم اإللهية إشراف ،ذي الفضل البدي ،السيد
على أفندي ،خادم سجادة جده حضرة الباز األشهب ،ومن حلق بجناح
التوفيق حتى وكر على وكر الغيب األغيب ،مالذي وعياذي في العابر
285
قدس سره ،وغمرنا والمسلمين بره ،كتاب يستفسر به عن حالي،
[/59ب] رسائلي إلى ناديه ،وهو لطيف المعاني واأللفاظ ،فيه إشارات تفعل
باأللباب الصحيحة وال فعل مراض األلحاظ ،إال أنه حاك في فكري أنه
رداء حيك لغيري ،ثم سلبه الكاتب فأثبته لي حُلَّه ،حيث لم يجد لنسج
(لمصنفه)( ):
تمر إذا سارت علــى ساكنـي الـزورا ** وأسهر أرعى في الدياجي كواكبًا
أداوي بهـــا يـا مــي مهجتي الحـرا ** وانـدق ريـح الشـرق عند هبوبهـا
يرينــي مــن سكانــه غـررًا غـــرًا ** وأســأل ربــي بالنبـــي وآلـــه
وتضحى رياضي بعد أن صوحت خضرا ** هنالك تصفـو يا أميـم مشاربــي
286
وفي ليلة العشرين ،بينما أنا في مجلس الوزير الرزين ،مُلِّئَتْ كأسُ
()1
سمعي نغمة عراقية ،ولوال ما يقال لقلت نغمة إلهية ،ما نغمة معبد
بالنسبة إليها إال صرير باب ،وما لحن الجرادتين بالقياس عليها إال طنين
ذباب ،ولو سمعهما بأذني إسحق( ،)8لصبا -وال صبوة العشاق -إلى العراق،
287
وقد مازجها بلطيف حكمة طيب رنات قانون ،فلو أحس بها ابن سينا
لجعلها لها (فارابي) من الهم والغم خير معجون ،ثم زاد في الطنبور
نغمة ،أن قام قلبي يجلو بنور طلعته غياهب الغمة ،فجعل يتأود ،ويتثنى
بين الجمع بحسنه المفرد ،ذو خصر يهتز كأنه جان ،وردف يترجرج
فترتج األذهان ،ال تستقر له على األرض قدم ،كأنما تحت رجليه ضرم:
288
فسمت له حدق األنام *** وقف الجمال بوجهه
فكأنما وسمه الجمال بنهايته ،ولحظه الفلك بعنايته ،فصاغه [/53أ] من
ليله ونهاره ،وحاله بنجومه وأقماره ،قد اتخذت أصداغه شكل العقارب،
( )1أنشد الصولي ألبي حاتم السجستاني في المبرد ،وكان يلزم حَلْقَته ،وكان من المِالَح
وهو غالم:
خَنِــثِ مُتَمجِّـنٍ *** مــاذا لقيـتُ اليـومَ من
الكـالمْ *** الجمـالُ وقــفَ
فسمَـتْ له حـدَقُ األنَامْ *** بوَجْهِـه
ثَمـرُ بهـا يُجْنَى *** حَركَاتـــهُ
األثـامْ *** فــإذا وسُكُونـــهُ
على فيه وعَزَمْتُ *** بمثلـهِ خَلَــوْتُ
اعترامْ *** أخـالقَ أَغــدُ لم
أَوْكـدُ وذاك فِ *** العَفَـا
للغَرَامْ نَفْسِي فِدَاؤكَ يا أبا
عباس جَلَّ بك اعتصـامْ الـ
بادِي الكَرَى نَزْرُ أخـــاكَ فارْحَـمْ
السقام فإنــهُ
مِ فليس يَرْغَبُ في دُونَ مــا وأنِلْـهُ
الحرام الحـرا
الحصري :زهر األداب وثمر األلباب146/8 ،؛ المرزباني :نور القبس. 184/1 ،
289
()1
ونون الصدغ معجمة بخال *** غاللة خده صبغت بورد
وظرفه .إلى أوصاف يتلجلج اللسان بتقريرها ،ويخشى البنان الفتنة من
تحريرها ،فكنت أسمع وال أستمع ،وأحبس طرف طرفي كما يفعل
الوَرِع،
291
وطفقت تنازعني نفسي ،في اتباع الشيخ النابلسي ،وتأخذ بعناني ،نحو
رأي العاشق الطالباني ،وتقصر من ألم النأي بالي ،ألن أكون من المولوية
وإن كنت من الموالي( ،)8فبينما أنا معها في خصام ،حجزت بيننا نوبة ()1
النظام ،فكان ما كان مما ال تحيط به األفكار ،ويهَوِّن أمر الحظر فيها
( )1الطريقة المولوية :وهي الطريقة الصوفية المنسوبة إلى جالل الدين الرومي ،والمعروف
باسم "موالنا" ،وليس لها فروع .وهي الطريقة المنسوبة إلى جالل الدين الرومي،
والمدفون في مدينة قونية ،والمعروف باسم "موالنا" لذلك سميت بالطريقة المولوية،
وسلسلة نسب هذه الطريقة هي جالل الدين الرومي عن شمس الدين التبريزي ،عن ركن
الدين السنجاني ،عن قطب الدين األبهري ،عن أبي النجيب السهرودي ،وتنتهي هذه السلسلة
بالجنيد البغدادي.
انظر :أحمد شقيرات :مؤسسة شيوخ اإلسالم .019/1
( )8المولى :يطلق لفظ "مال" ،أو "مولى" ،أو "منال" على العلماء ممن يحصلون على رتبة
"المولوية" ،ثم أطلق أيضًا على ذوي المكانة العلمية واالجتماعية البارزة ،وعلى القضاة
من الدرجة األولى ،والمعنى اللغوية لكلمة "مال" ،هو "العالم" ،أو الفاضل ،أو الفقيه.
انظر :ماجدة مخلوف :تحوالت الفكر والسياسة ،ص .33
( )5الحصكفي :محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن حسن الحصكفي األصل
المعروف بالعالء الحصكفي الحنفي المفتي بدمشق ولد سنة 1481وتوفي سنة 1411ثمان
وثمانين وألف .له من التصانيف :الدر المختار في شرح تنوير األبصار ،إفاضة األنوار
على أصول المنار للنسفي ،تعليقة على أنوار التنزيل للبيضاوي .تعليقة على صحيح
البخاري .الجمع بين فتاوى ابن نجم والتمرتاشي .خزائن األسرار وبدائع األفكار في
شرح تنوير األبصار .شرح القطر في النحو .،الدر المتقي في شرح الملتقى.
الباباني :هدية العارفين.581/5 ،
290
وإن كانت في هذه األعصار ملىء المالهي ،وقد جاء في األثر :ما أصرّ
مَن استغفر .هذا مع أني في حضور مجلس ذلك الوزير األجل ،مُكره
أخاك ال بطل .وقد قيل :ليس على المُكره سبيل .وحضوري كان قبل أن
إخواني عبد اهلل أفندي اإلمام ،فذهبنا إلى بيته المعمور ،ال زال طائفًا به
في بابها ،قد غدا الحسن ملء جلدها وأهابها ،فجعلت أتصفح صفحاتها،
وأسرح سرح النظر في سوح روضاتها؛ فأعجبني منها أبيات أَبِيَّات على
292
وعالمة الفضل في عصره ،المولى الذي لو اقتدح بالنبع ألورى نارا،
ولو مازج خلقُهُ الريح لما وجدت فيها في شيء من األعصار إعصارًا ذي
الفضل الجليل الجلي ،تقي الدين صالح سعدي أفندي الموصلي [/53ب]،
بين مدن الغبراء ،غمر اهلل تعالى شِلْوَه بصيِّب الرحمة ،وصب على قاتله
ورؤية األغيار:
جموحًا هل أمنت مـن العثار *** وقالوا :ويك كيف ركبت مهرًا
( )1ديوان همايون مسجللري :مسجالت الديوان الهمايوني وتتضمن كل ما يصدر عنه من
قرارات مع تلخيصها وتأريخها .وبعد عام 1906م كانت القرارات الخاصة المتعلقة بالدولة
تسجل في سجالت خاصة أمام الشكاوى الخاصة باألفراد ،فأفردت لها سجالت على حده.
وبعد عام 1308م ،سميت سجالت الشكاوى ،دفاتر األحكام.
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص . 98
( )8مهردار :أمين الختم ،ختَّام.
انظر :أمين خوري :قاموس رفيق العثماني .
293
ومنها قوله في غالم رآه في هاتيك المغاني ،وقد تعلق قلبه بكتابة
الخط الديواني ،فنسخ بقلم قده الممشوق في صحيفة قلبه حُبَّه ،وكتب
وغدا بياقوت اللمى كالعاني *** حار ابن مقلة في هالل جبينه
لم ال أهيم بخطـه الديوانـي *** في خده نُسَخُ المعانـي دُوِّنَـت
ونحو هذا قول شيخنا األوحدي ،عالء الدين موالي علي أفندي:
ثلث المالحة منه في الولـدان *** فلما دعاني مشق قامة كاتـب
نسخي هواه وليس ذاك بشاني *** يرجو رقاعيّ المـالم لعـارض
به انفصمـت ما بين وعد وإبعـاد *** بُليــتُ بعقـاد عقـــود تصبّـري
فيا من يرجّي الحل من كف عقاد *** وكم رمت منه حل عقدة هجره
294
ومنها قوله ،أكرمه اهلل تعالى بما هو أهله :
في الصقل إذا بدى مثال الناظر *** ومهفهف حاكى السَّجنجل جسمه
وأودى به منها تباريح أسقام [/51أ] *** تالفَ مُحبًا أتلفته يـد القِلـى
غدا باكيًا لما جفاه ابن بسام *** ترى ابن رشيق زاويا وابن مقلة
وكل ذلك من مزيد لطافته ال لخلل -معاذ اهلل تعالى -في ديانته،
غنيت بمدامتها عن مدامة منادمة الجليس ،شيء كثير من هذا الباب ،مما
تستظرفه الظرفاء من أولي األلباب ،إال أني لم يخطر ببالي لبعد العهد
أن ما حررته هنا فيها ،ولم تكن معي إذا لم أصحبها في سفري مخافة
سوء يعتريها ،ولذا كتبت ما كتبت من األشعار ،على أني أحببت أن أحمله
295
وسبحان من أخلى ديار بكر ممن يرعى زهر األدب وربيعه ،وجعلها
بالقع ال تجد فيها من يتخذ لفهم كالم العرب ذريعة ،وكم كان فيها
من أديب حال نظمه ونثره ،وأريب رمى عن قسي اإلصابة -ال شل -عشرة؛
من كنانتها نثر السهام ،ونظمهم على الرغم منهم فَنَثَرَهُم المنون
()1
في ديوان القبور تحت أطباق الرغام ،سقى اهلل تعالى ثَراهم ،ما يرجب
وأعجبني أيضًا قول بعضهم ملغزاً في جبل ،وإن كان فيه نوع مسامحة
يعرفها من عقل:
296
ورأيت فيها معمى في اسم إبراهيم ،فقرأته وسألني عن حله صديق
حميم ،فأمعنت النظر فيه ،فوقفت -وهلل تعالى الحمد -على خافيه ،وهو
إذا أَلِـفٌ بـه أَلِفَــان حَفّـا *** وصار الباء ممزوجًا بجيم
له فافهم أخا الفهم السليم *** فذاك اسم الذي قلبي مقام
يخفى على راء ،أن المحققين على عدم رسم ألف في إبراهيم بعد الراء،
والقَسم والنعمَن ،وتمام تحرير الكالم ،لجواد القلم عنه إحجام ،فارجع
297
ورأيت فيها أشياء أخرى ،وفرائد فوائد غرر جمعناها في ورقات،
لتكون أقواتًا للنفس في بعض األوقات ،والحمد هلل تعالى أن كان لي إلى
وقد أثار النظر فيها نار طبيعتي ،وأفار من غير اختيار مني ماء
قريحتي ،وتذكرت حالي ،وما جرى لي ،فأنشدت أقول ،وشرح حقيقة
األمر يطول:
غداة رأوا جسمي تقاسمـه الضنا *** لقد المني األحبـاب جهـالً وعنفـوا
بِكُـلٍ تداوينا فلم يُشْـفَ ما بنـا *** فقلت وغير اللطف لم يبق من دوى
298
وفي الليلة الثالثة والعشرين ،دعاني الوزير مع جماعة من المحبين،
وكان في حضرته بطيخة خضراء ،تكاد تظل القاعد حولها عند اشتداد
حر الرمضاء ،وأظن أنها لو قُوِّرَت بعد أن تشق نصفين ،يكون كل نصف
منها حوضًا يسع قلتين ،فاستغربت ذلك جدًا ،وجاوزت في التعجب حدًا،
فقلت لقبّاني هناك :زِنها ،ألكون على علم كامل في الحديث عنها.
فوزنها في الحال بال مشقة ،فقال هي على التحقيق ثمانية وعشرون حقة.
فقال المفتي :وزنت أنا واحدة ،فكانت باثنتي عشرة حقة على هذه زائدة،
وكذا وزنت بطيخة صفراء ،فكان وزنها ثالثين حقة بال مراء.
وقال السيد أحمد أفندي :رأيت منذ عشر سنين ،بطيخة خضراء تنوء
حمالً بالجمل الهجين ،وذكر سائر الحاضرين أن بطيخ آمد على اإلطالق
[/56أ] يضرب بطيب طعمه وعظم جسمه المثل في اآلفاق .وقد وقفت
على ما يصدق كالمهم ،ويحقق بال شبهة مرامهم ،فأكلت من كُلٍّ بما
يزري بالسكر ،وال يمل -وحياتك -إذا تكرر ،وقد جمع األصفر منه جميع
299
وفي اإلنسان منقصة وذلّـة *** ثالث هن في البطيخ زَين
ومع هذا أجمعوا أنه في هذه السنة تَفِهْ ،قد تغير بالنسبة إلى ما
كان قبل طيبُ مَرْشَفِه ،وأن منه نوعًا يسمى بطيخ الجيب ،هو حال
جدًا وخال في األغلب عن العيب ،ولم يروا منه في هذه السنة قشرًا،
وعَدّوًا فقده عليهم أمرًا أمرًا ،فزاد من هذا الكالم تعجبي ،ولوال اإلجماع
ومزارع ذلك كخطين على ساحلي نهر دجلة ،وقد جدولت صحيفة
ذلك النهر وأظهرت فضله ،وانتفاع األهالي به في غير ذلك قليل ،ولذا
تراه حقيرًا عندهم وهو لعمري في نفسه جليل ،إذ ورد في بعض األخبار،
عن الثقة كعب األحبار ،عده من أنهار الجنان ،كالفرات والنيل وجيحان
وسيحان ،لكن -واهلل تعالى أعلم -ليس لخبر كعب في الصحة رسوخ قدم.
( )1األبيات رواها النويري في نهاية األرب ولم يعزهم ألحد .
النويري :نهاية األرب في فنون األدب89/11 ،
311
وماؤهم سواه كثير ،وكله -بارك اهلل تعالى فيه -عذب نمير ،فمن
من ()1
ذلك ما يسمى الحمراوات ،أجراه في البلد حضرة السلطان سليمان
نحو مسيرة ثالث ساعات ،وهو مقسم بالعدل على الدور ،وفيها منه حياض
تَدَفَّقُ قلوب ساكنيها بالسرور ،وماء آخر يسمى بلسان العامة بياص،
وللجامع الكبير به نوع اختصاص ،وفي رحيب رحبته حوض منه يسر
القلب ويؤنس ،ولوال الغلو لقلت إنه بحيرة زِرَةَ أو تونس ،وهو من
الصدقات الجارية قبل الدولة العثمانية ،وأغلب الظن أنها من آثار الدولة
السلجوقية .ويأتي من نحو ساعة أو أقل ،في طريق [/56ب] ليس بحزن
وال سهل.
وفي بطن البلد أيضًا عيون جوار ،تبصر بها مصلحة األهالي لو
انقطعت رأسًا مياه األنهار ،وما ذُكِرَ بعض محاسن البلدة ،ولها غير
ذلك محاسن عدة ،منها اشتمالها على أخيار تستصغر عند رؤيتهم كبار
األخبار،
310
إال أن بين أعيانها نحو ما بين أعيان الزوراء من التباغض والتحاسد
أن شأنهم إيقاع بعضهم بعضًا في مهاوي المهالك ،وما أقبح ذلك الشان،
السيما إذا كان بين األعيان ،وإنه لعظيم المتاعب ووخيم العواقب ،نسأل
الصفا ،وما أغرب حجارة منبره وأصفى .ولها سور قد أُحْكِمَ من أحجار
سود ،ولوال أن الحوادث لطمت فاه لفاه بدعوى الخلود ،وقد رأيته اليوم
آخذاً رُمَيح أبي سعد ،مترقبا لما يفعل به الملوان في غد ،وله ستة أبواب،
منها الجديد ومنها ما مَرّت عليه أحقاب ،ويحيط بأرض كـثلثي الكرخ
وال أقول تعدله كله ،وإن قيل إنها مشتملة على ست وخمسين محله،
لصغر المحال ،كما يقال .وذكور نفوسها على ما يذكر ،نحو اثني عشر
312
وصحراؤها مملوءة كألً وأزهارا ،ولذا أتخذها آل بكر بن وائل من
بين الديار ديارًا ،وطيرها كثير جدًا ،ال تكاد تستطيع له عدا ،فما من
زهر تنتشقه عرانين سمعك إال وهو مزهر في رياضها ،وما من طير يقع
نعم؛ إن هواء البلد ،ال يهواه جسد أحد ،أسرق للصحة من شظاظ،
أهلها حتى األحداث ،صفر الوجوه كأنما خرجوا من األجداث ،ولم أرَ
منهم من ترد من ماء شبيبته ظمأ العين ،اللهم إال أن يكون ذلك واحدًا
أو اثنين ،وربما يتفق فيها من غلط الزمان ،واحدة من النساء عليها مسبحة
جمال كنساء سائر البلدان ،فقبل أن يبدو نهدها ،يبتدي باالنحناء قَدُّها،
( )1أُمُّ مِلْدَم :الحُمَّى ،يقال :أنا أُمُّ مِلْدَم آكُلُ اللحمَ وأمَصُّ الدَّمَ .انظر :الخليا
ابن احمد :العين.
313
وتطمثها على فراش األمراض اآلالم ،وقد رأيت من أكثر من صادفت
منهن مزيد تحذّر ،يدل على أنهن من ذوات تحجب وتخدّر ،فلم أدر أن
وسبب تغير الهواء بزعم ساكنيها ،مزيد تعفن في أرجائها مما فيها،
مما جرى على رأسها من القاذورات ،وفي طرقاتها أيضًا ما يجري على
نحو هذا الطريق ،ويسري برفيق من الجيف أمامه ألف فريق ،وكذا
يزعمون أن ارتفاع السور ،أحد أسباب تلك األمور ،وهو في بادئ النظر
كالم منحط عن القبول ،وآسن ال تشربه أفواه العقول ،وال يبعد أن
رأيت البصرة .بيد أن سككها تحكي اليوم حومة الجندل ،بل لعل المشي
هناك أيسر بكثير وأسهل ،فكم قد كبا فيها جوادي ،وكاد يسلم بيد
المنون قيادي.
314
وقد تنقّى طرقاتها ومنافعها ،فتذهب من الريح بوائقها وتبقى منافعها،
إال أن ذلك غير ملتزم ،لقوة العجز وضعف الهمم ،وعلى العالت وجميع
حملت من األرجاء مسكًا أذفرا [/04ب] *** أرض إذا مرت بها ريـح الصبـا
يروي فكل الصيد في جوف الفرا *** ال تسمعن حديـث أرض بعدهـا
لمـا رأيــت بهـا الزمـان تنكـرا *** لكنهــا ضاعـت علـيّ برحبهـا
نحـوي بغير أدائهـا لـن أُعـذرا *** واضطرنـي فيها حقوق للعُلـى
والحمـد للمولى علـى مـا يسّرا *** فرحلـت أطلـب مخرجًا ألدائها
315
وهذه غير قطربل بغداد( ،)1التي جاءت في حديث ضعيف اإلسناد ،وكان
لكل خمرة تنسب إليه ،وتنقل إلى ما حواليه ،فتقادم الزمان وتغير ()8
حانًا
ما كان ،واستولى الحين على الحان ،ويبس الكرم وتكسرت الدنان ،فلم
يُبقِ محتسب الليالي واأليام إال حديثًا تدور به في حانات الكتب سقات
أحاديث تجلوه على السمع أفواه *** زمان بما فيه انقضى فهو ما ترى
( )1قطربل :قال ياقوت :قطربل بالضم ثم السكون ثم فتح الراء وباء موحدة مشددة مضمومة
والم وقد روي بفتح أوله وطائه وأما الباء فمشددة مضمومة في الروايتين وهي كلمة
أعجمية اسم قرية بين بغداد وعكبرا ينسب إليها الخمر وما زالت متنزها للبطالين وحانة
للخمارين وقد أكثر الشعراء من ذكرها وقيل هو اسم لطسوج من طساسيج بغداد أي
كورة فما كان من شرقي الصراة فهو باد وريا وما كان من غربيها فهو قطربل ،وقال
الحِميري في الروض المعطار في خبر األقطار :قطربل ،طسوج من طساسيج سواد
العراق ،فيه خمر جيدة ولهذا يقع ذكره في شعر أبي نواس.
وفي بعض أخبار يوم القادسية أن سعداً لما توجه بالعسكر وضعوا على دجلة العسكر
واألثقال وطلبوا المخاضة ،فلم يهتدوا إليها حتى أتى سعداً علج من أهل المدائن فقال:
أدلَكم على طريق تدركونهم قبل أن تمنعوا ،فخرج بهم على مخاضة بقطربل ،فكان أول
من خاضها هاشم بن عتبة واتبعه خيله ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيله ،ثم تتابع الناس
فخاضوا حتى أجازوا ،فزعموا أنهم لم يهتدوا لتلك المخاضة بعد.
ياقوت الحموي :معجم البلدان010/5 ،؛ الحميري :الروض المعطار. 093/1 ،
( )8هذه الزيادة من النسخة المطبوعة.
316
وتركتهم ال يميزون بين الجمر والخمر ،وجرى عليهم من حديثة
المصائب ما جرى ،حتى غدت عاناتهم -وحرمة أعينهم -عورة بين القرى.
سمرت معه حتى الساعة السابعة ،وقد استرقني بحر إكرامه ،وأجلّه من
أن أقول :سرقني من نفسي بحلو كالمه ،وهكذا حاله مع سائر مخلصيه،
قَدَمِه ،فيكاد أحدهم بلسان طبعه المأنوس ،يقول للضيف :عبدك بغير
وفي اليوم السابع والعشرين دعاني اإلمام الشافعي ،إلى حمام يقول
داخله :إذا لم يتّقِ هذا الشافي العي ،فخلعت ثوب درن ،ألبسنيه إهمالي
تعهد البدن ،الشتغالي عن نفسي [/01أ] بحب الوطن ،واشتعالي بنيران الهم
والحزن ،وبينا أنا في المختلع جالس لالستراحة مما بي ،منتظر انقطاع
رشح العرق أللبس ثيابي ،هجم علينا طائفة من النساء ،لكن عليهن براقع
الحياء ،فدخلن المختلع الوسط ،ولم تدخل عليهن سوى عجوز تخدمهن
317
فقيل :إن الحمامات هنا تخلى من الظهر إلى العصر ،ولم يستثنِ منها
إال حمام واحد ،وهو غير مرغوب فيه ألنه على وسخه بارد ،فلم أعترض
على أحد ،حيث فهمت أن تلك عادة البلد ،وقلت لمن معي :قِ فاك ،وإال
يُقرع قفاك .وعجلت بلبس ثيابي ،والعرق يرشح من أهابي ،ولم أتخلص
من جناب حبيبي اإلمام ،حتى أخذني إلى جنة بيته ألطفئ وهج نار الحمام.
منهم تفضل على ذي فضل فضله ،هذا مع قلة سعته وضيق وقته لكثرة
عيلته ،فلله تعالى دره من حبيب نجيب ،أوتي وحرمة الرقيب من قداح
الحياء من مزيد حبا االحترام ،أسبغ اهلل تعالى نعمه عليه ،وجعل أفئدة
ثم اإلنصاف أن حُسن حمامات آمد بالنسبة إلى حمامات بغداد طويل
وكم هلل تعالى من خواص ،في األزمنة واألمكنة واألشخاص .وسبب ردائة
318
فليس ألهلها بالحمام اعتناء ،على أن لمعظم كبارها في دورهم
الوداع ،وأنه يلم بها إلمام ضيف ،ويمر عليها كسحابة صيف ،وعلى كل
على إني أعود فأقول :إن فقد الحمام اللطيف ،ال ينقص شرف البلد
كفقد جُملة حَمَلَة العلم الشريف ،فبغداد وإن لم يكن فيها ذلك الحمام،
فكم فيها والحمد هلل تعالى إمام هُمام ،وطالب هَمّام ،قد تزين بفرائد
319
وإن يكن سابقًا في كل ما وصفا ** ال يدرك الواصف المطري خصائصهم
وديار بكر ووا أسفى عليها اليوم ،قد خَلَت وإن حَلَت عن مثل
أولئك القوم؛ بل ليس فيها من الطلبة -واألمر هلل تعالى -كامل ،أو من
يقرأ العبارة عارفًا أن هذا مفعول وذاك فاعل ،وأكبرهم فضالً من يقرأ
301
فذاك الذي خرج بغناه عن سلك الجاهل الفقير ،فالمدارس فيها
كأن لَمْ يَكُنْ بينَ الْحَجُونِ إلى الصَّفَا * أنيسٌ ولم يَسْتَمِرْ
()1
بِمَكَّةَ سَامِرُ
( )1قال الزركلي في ترجمة الحارث بن مضاض :الحارث بن مضاض بن عبد المسيح
الجرهمي ،من ملوك الجاهلية ،من قحطان .ونسب إليه ابن جبير والمسعودي البيتين:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ...أنيس ولـم يسمـر بمكـة سامـر
بلـى ،نحـن كنـا أهلهــا ،وأبادنـا ...صروف الليالي والجدود العواثر
والبيتان هما ابتداء قصيدة ،نسبها إليه ابن الحائك الهمداني أيضا ،في (اإلكليل)
وأورد 18بيتا منها ،لعل بعضها مصنوع.
وجاء تفسير األبيات في كتاب السيرة الحلبية كما يلي .." :ثم إن جرهماً بغوا
بمكة ،وظلموا من يدخلها من غير أهلها ،وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ،حتى إن
الرجل منهم كان إذا أراد أ ن يزني ولم يجد مكاناً دخل البيت فزنى فيه ،فأجمعت ـ أي
عزمت ـ خزاعة لحربهم وإخراجهم من مكة ،ففعلوا ذلك بعد أن سلط اهلل تعالى على
جرهم دواب تشبه النغف بالغين المعجمة والفاء :وهو دود يكون في أنوف اإلبل والغنم،
فهلك منهم ثمانون كهالً في ليلة واحدة سوى الشباب .وقيل سلط اهلل عليهم الرعاف
فأفنى غالبهم :أي وجاز أن يكون ذلك الدم ناشئاً عن ذلك الدود فال مخالفة ،وذهب
من بقي إلى اليمن مع عمرو بن الحرث الجرهمي آخر من ملك أمر مكة من جرهم،
وحزنت جرهم على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزناً شديداً وقال عمرو أبياتاً منها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ...أنيـس ولـم يسمـر بمكـة سامر
وكنــا والة البيـت مـن بعـد نابـت ...نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
بلــى نحــن كنــا أهلهـا فأبادنــا ...صروف الليالي والدهور البواتـر
ومن غريب االتفاق ما حكاه بعضهم قال :كنت أكتب بين يدي الوزير يحيى بن خالد
البرمكي أيام الرشيد فأخذه النوم ،فنام برهة ثم انتبه مذعوراً فقال :األمر كما كان،
واهلل ذهب ملكنا ،وذل عزنا ،وانقضت أيام دولتنا .قلت :وما ذاك أصلح اهلل الوزير؟ قال:
سمعت منشداً أنشدني :كأن لم يكن بين الحجون البيت ،وأجبته من غير روية :بلى نحن
كنا أهلها البيت ،فلما كان اليوم الثالث وأنا بين يديه على عادتي إذ =جاءه إنسان وأكب
300
وقد كانت من قبل رياض علوم ،وحياض منطوق ومفهوم ،فغيرها
تحقيق ما قيل في أمر النحل مما عليه المعول ،فأحضر أيده اهلل تعالى
عشرة آالف إلى أربعين ألفًا ،وهم على قلب رجل واحد ال تكاد تجد بينهم
وكبيرهم ،وتبيض في بضع عشر يومًا اثنتي عشرة بيضة إلى ستة عشر
ألفًا،
عليه ،وأخبره أن الرشيد قتل جعفراً الساعة قال :أو قد فعل؟ قال نعم ،فما زاد أن رمى
القلم من يده وقال :هكذا تقوم الساعة بغتة ".
وتجد تتمة القصيدة في أخبار مكة لألزرقي وسمط النجوم العوالي .
علي بن برهان الدين الحلبي :السيرة الحلبية11/9 ،؛ العصامي :سمط النجوم العوالي،
13/1؛ األزرقي :أخبار مكة ،ص 34؛ الزركلي :األعالم133/8 ،؛
302
ولو باضت نحو ذلك نعامة لرأيت عليها من الضُّعف ضِعفًا،
وحجرتها بيضية الشكل ،وفيها سعةً ما بخالف حجر سائر النحل ،وتتعدد
من اثنتين إلى أربعين ،وقلما تبلغ هذا العدد سرايات السالطين.
وفي اليوم الخامس تنفجر البيضة [/08أ] عن نحلة ،قد أتم مَلَكُ
التصوير شكلها كله ،وإذا مضى عليها بضع عشر يومًا تطير ،ويكون
حكمها حكم الكبير ،وفي أثناء هذه المدة تخرج من غشاء عليها دقيق،
وذلك بعد مضي سبعة أيام على التحقيق ،ويكون في هذه العصابة أمير
أو أميران ،وال يجتمع في الكوارة من األمراء اثنان ،بل لكل أمير ملكة
خاصة ،ومملكة بجنده غاصة .وفي األربعين ألفًا ألف وخمسمائة ذكر،
وكأنهم رجال الملك المنفذون أمره إذا أمر ،وعمل البيوت على باقي
النحل ،وهم يضعونها لسر أٌلهموه مُسَدّسة الشكل ،ومادتها نحو غبار
يكون في بطون األزهار ،يجمعونه بأالرجل ويحملونه بها إلى ما لهم من
األوكار ،ثم يأكلونه فيرشح عرقًا من أبدانهم ،وهو شمع العسل الذي
يكون في أوطانهم.
303
ومادة العسل نفسه لطيف الزهر الذي يرعونه في الرياض ،قد أهضم
وفي كتاب آخر من الكتب الجديدة ،ما يفهم منه أن مادة العسل
والشمع غير عديدة ،بل هي األزهار التي يتناولونها ،وفي سياحتهم في
يرشح -بإذن اهلل تعالى -عرقًا فيكون شمعًا ،وما يقاء من المعدة األولى
ليس من النحل في شيء إال عند ذي نظر ركيك ،ثم إنه في الخريف
304
وال يكون ذا العسل من أولئك الذكور ،ومثلهم في ذلك األمير
عمّار الكوارة إلى ثالثين ،وهذا كبقاء الورد مثالً شهرين [/08ب] مع أن
الوردة المعنية ال تبقى يومين .وللجميع شعر دقيق ،ال يشعر به إال ذو
إمعان وتدقيق .وفي كتاب آخر الشعر للعسالة ،فإثباته لغيرها جهالة،
األشجار .ثم إنه قد يتفق موت األمير ،بقضاء الملك القدير ،فيبايعون
من فيه سر اإلمارة من خَلَفه الكرام ،إال أن يكون عمره دون ثالثة أيام،
فإن لم توجد عادت جمعيتهم شذر مذر ،وتفرقت تفرق أيادي سبا بأيدي
الغِيَر.
اهلل الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى وهو جل شأنه اللطيف الخبير،
وإنما دندن به زنبور القلم؛ ألنه ال يخلو عن بعض الحكم ،وينبغي للنبيل
305
وكل ناطقة في الكون تطربني
()1
*** من كل معنى لطيف أجتلي قدحًا
كما أن حاكي الكفر ليس بكافر *** فليس اعتقاد المرء ما خَطَّ كفُّه
وفي كتب اإلسالم ،مخالفة لبعض ما في هذا الكالم ،ولست أنا ممن
يَرُدّ حقًا لحقارة قائله ،فالورد وَردٌ وإن شاكت شجرتُه يد حاملِه.
في حضرته ،فتسامرنا حتى كدنا نحيي ميت الليل برمته ،ثم بِتُّ هناك
بعد أن بُتَّ الكالم ،ولحائمات النوم على حياض العيون ازدحام ،فلما
( )1قال ابن حجة الحموي في ثمرات األوراق :أنشد ابن الجوزي في بعض مجالس وعظه:
أصبحت ألطف من مر النسيم على ...زهر الرياض يكادُ الوهم يؤلمني
من كل معنىً لطيفٍ أجتلي قدحاً ...وكل ناطقةٍ في الكون تطربنـي
ابن حجة الحموي :ثمرات األوراق18/1 ،
وقد نسب المقري التلمساني هذين البيتين إلى أبي الحسن الحرالي ،قال :قال لي محمد
بن عبد الواحد الرباطي قال لي محمد بن عبد السيد الطرابلسي دخلت على أبي الحسن
الحرالي فقلت له كيف أصبحت فأنشد:
أصبحت ألطف من مر النسيم سرى ...على الرياض يكاد الوهم يؤلمني
من كل معنى لطيف أحتسي قدحا ...وكل ناطقـة في الكون تطربني
المقري التلمساني :نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب.513/3 ،
306
ولم يدعني أقوم حتى تضلعت من طيب غذائه وفاكهته ،ثم أخذ بيدي،
سليمان بك أفندي ،فقيدني بقيود مؤانسته ،وحجر عني إال اإلقامة في
الخطير ،الذي يكاد يقف بقوة بصيرته على خفي السرّ ،بَحثٌ فيما اشتهر
من قوله عليه الصالة والسالم ( :إن اهلل تعالى وتر يحب الوتر)/05[ .أ]
بالوتر إلى من أوتر قوس همته ،فأصاب نحر هواه ،وخلّى نفسه واقي
متخليا عنها حمى مواله ،جل جالله وعاله ،أو من فني عن مشاهدة األغيار،
فلم يكن بنظره في دار الوجود غيره دَيَّار ،وفسّر هو أيده رب البرية،
الوترية بالحرية ،ولعل مرجع هذا التفسير ،في اآلخرة إلى ما ذكرنا من
التقرير :
307
وكلٌّ إلى ذاك الجمال يشير
()1
*** عباراتنا شتى وحسنك واحد
ثم انجر الكالم إلى معنى قول إمامنا األمجد ،أن اهلل تعالى واحد ال من
طريق العدد ،فقلت :يحتمل أن يكون مراده بالواحد ما ال تركيب فيه ،ال
ما يقع في العَدّ من مقابل االثنين إلى آخر ما يليه ،فإن الحق أن اهلل
سبحانه عَلَم شخصي وكل عَلَم كذلك واحد بهذا المعنى ،ومن الذي
يشك في وحدة زيد وعمرو وسعدي ولبنى ،فاإلخبار بالواحد عنه لغو
من الكالم ،كما ال يخفى على ذوي البصائر واألفهام ،ومن راجع تعريف
العَلَم ،ظهر له ذلك ظهور نار القرى ليالً على علم ،فيكون ما ذكر
إشارة إلى بساطته تعالى الخارجية ،أو ما هو أعم منها ومن الذهنية ،بناءً
على ما يعرفه ذوو الفضل ،من استحالة تركب ماهيته سبحانه من الجنس
منتزعين متخالفين.
308
ويحتمل أنه أراد نفي ما يقع في العد الظاهر في وحدته المقابلة
ألوهيته ،أال ترى أن أكثر اآليات الكريمات ،ناطقة بوصف اإلله بالوحدة
دون وصف اسم الذات ،وليس ذلك إال ألنه سبحانه ليس مختصًا به
ولعلك بعد التأمل فيما حررنا تستغني عنها ،وال تحتاج في فهم المراد
إلى اقتباس شيء منها/05[ .ب] ولما آذنت غانية الشمس بإقبال زنجي
الليل مما عراها من االصفرار ،ودنت من حجال األفق تجر إليها فاضل
309
سرنا في معية المشير ،والبدر السامي المنير ،لدعوة باشر مهامّها،
اللطيف الرقيق ،والهمة التي يبتهج بها من األحباء الفريق ،ويغص بسببها
من األعداء ألف ريق ،صاحب المكارم التي خفق لواؤها على كل نفر
أمير اللواء (حافظ باشا) ،ال زال محفوظًا في نظام من العيش حسبما شا.
321
وسبب تلك الدعوة ختان من لم يختتن من شبان العساكر المحمدية(،)1
( )1جيش العساكر المنصورة المحمدية :وهو اسم التشكيل العسكري الجديد " عساكر
منصورهء محمديه " الذي أنشأه السلطان محمود الثاني عقب قيامه بالقضاء على أوجاق
االنكشارية الرافض لإلصالح ،ومع إلغاء األوجاق ألغيت أيضًا كافة النياشين واأللقاب
واإلشارات الخاصة باالنكشارية ،وقد تشكل ذلك الجيش ضمن نظام معين ،فكان يستقبل
الشبان في سن تتراوح بين 54 – 13سنة ،أما األصغر سنًا فقد أقامت لهم الدولة مكانًا
للتعليم والتدريب هو ثكنة أوجاق العجمية القائمة في حي شهزاده باشي .ولم يلبث جيش
العساكر المنصورة أن كبر حجمه ،وتطور خالل مدة قصيرة ،وأقيمت له ثكنات جديدة
إضافة إلى الثكنات القائمة في أوسكودار ولَوَلْد .وأصبح جيش العساكر المنصورة الذي
كان يبلغ في البداية 18444جندي ينقسم إلى ثمانية بلوكات .ولم تكن مهمة العساكر
المنصورة المحمدية مقصورة على الحرب فقط؛ بل كانوا مثل أوجاق االنكشارية
يضطلعون وقت السلم أيضًا بمهمة األمن داخل المدينة ،وإطفاء الحرائق وغير ذلك.
وكان المسئول األول بعد القائد العام "سَرْ عسكر" هو ناظر العساكر المنصورة،
وقد استدعت الدولة الخبراء من أوربا لتدريب العساكر المنصورة وخصصت للجيش
خزانة عُرفت باسم "خزانة المنصورة" (منصوره خزينه سي) للصرف عليهم ،فقد كانوا
يتقاضون جميعهم رواتب شهرية ،ويرتدون زيًا خاصًا .وكان الجندي الذي يقضي فترة
جندية فعلية معينة يحصل على حق التقاعد ،ويتقاضى راتبًا كافيًا .وفي عام 1150م
أقامت الدولة كلية حربية "حربيه مكتبي" لتنشئة الضباط الالزمين للجيش ،كما
أوفدت الطالب للدراسة في النمسا .أنشأت خالل ذلك العام وحدات احتياطية "رديف"
في الواليات المختلفة .وأصبحت العساكر المنصورة تعرف بعد ذلك باسم " العساكر
النظامية".
أكمل الدين أوغلي :الدولة العثمانية تاريخ وحضارة. 046/1 ،
320
وقد نصبت التخوت على أرجائها ،وزينت بالقناديل سماء فنائها،
الدوران في ميدانها.
وطارت بهاتيك الحركات عنقاء مُغْرِب ،ابتدأنا بتناول الطعام ،ولم تزل
ألوانه ترتفع وتنحط إلى أن بدا من القعود القيام ،وبعد أن غسلنا األيدي،
وكل منا يسر من السرور فوق ما يبدي ،عدنا إلى رفيعات المناص،
زبانية غالظ شداد ،ال يحسبون شُعَل النار أال توقد وجنة حوراء أو تورد
خد ذي هيف ميّاد ،فشرعوا يرمون شهبًا تحكى ذوات األذناب ،كأنهم
عنهم ويدعوهم ،ويا هلل تعالى درهم كيف أخرجوها عُمُدًا على خط
االستقامة ،وجعلوها تنثر نقطًا نارية على سطح القشلة نثر احترام
322
لو رأها القطب لحسب أن الزهرة استحالت أنوارها شمسية ،فجعلت
تقطر أنوارًا ،وتلقي لمن حولها دينارًا فدينار ،حتى إذا حان أفولها ،ولم
يبق منها إال قليلها ،انشق أديمها عن شعل تأخذ يمينًا وشماالً ،وتطير ال
أبالها جنوبًا وشماال ،كأنها تطلب ماردا ،أو تتبع ثعلبًا شاردًا.
البارود ،وأخذوا يديرونها كالفلك الدوار فتخرج منها حبّات نار ذات
323
فَظُنً خيراً وال تسأل عَنِ الخَبَرِ
()1
*** فكانَ مَا كَان مما لستُ أذكُرُهُ
حتى إذا مضى من الليل الثلث األول ،أمضى المشير الحكم بأن نذهب
ومن األفعال ما هو أجلب للقلوب وأخلب ،فذهبنا وكلٌّ منا لقربها ماشي،
ولم يُمَكَّن من الدخول فيها إال الخواص والحواشي ،فكان هناك من
أعمال البارود العجب العجاب ،وظهرت شموس ليس لها إال فاضل ضيائها
لتقنع ،والعترف بأن نقاب ،وطلعت نجوم لو رآها بدر ابن المُقَنَّع
()8
( )1البيت من شعر ابن المعتز ،أبو العباس عبد اهلل بن محمد المعتز باهلل ابن المتوكل بن
المعتصم بن هارون الرشيد ،من قصيدته التي مطلعها:
سقَى المَطيرَة َ ذاتَ الظّلّ والشَجَرِ ...وديــر عبـدونَ هطـالٌ مـنَ المطـرِ
فطالَمَــا نبّهَتنــي للصَّبــوحِ بهـا ...في غُرّة ِ الفَجرِ ،والعصفورُ لم يَطِرِ
ابن خلكان :وفيات األعيان833/5 ،؛ صديق بن حسن القنوجي :أبجد العلوم. 11/5 ،
( )8المقنع الخراساني (195ه314/م) :عطاء ،المعروف بالمقنع الخراساني :مشعوذ مشهور.
كان قصارا من أهل مرو ،وتعلق بالشعوذة ،فادعى الربوبية (من طريق التناسخ) زاعما
أنها انتقلت إليه من أبي مسلم الخراساني ،فتبعه قوم ،وقاتلوا في سبيله .وكان مشوه
الخلق ،فاتخذ وجها من ذهب تقنع به .وأظهر ألشياعه صوره قمر يطلع ويراه الناس من
مسيرة شهرين ثم يغيب عنهم .قال المعري" :أفق ،إنما البدر المقنع رأسه ضالل وغي،
مثل بدر المقنع" واشتهر أمره سنة 191ه ،فثار الناس وأرادوا قتله ،فاعتصم بقلعة،
فحصروه ،فلما أيقن بالهالك جمع نساءه وسقاهن سما فمتن ،ثم تناول بقية السم ،فمات،
ودخل المسلمون القلعة فقتلوا من بقي فيها من أشياعه وكانت قلعته في "سبام" بما
وراء النهر.
الزركلي :األعالم.859/0 ،
324
وأرينا هناك خياليّاً يظهر من األشكال ما وراء الخيال ،ويبدي من
األعمال ما يخشى على رائيها داء الخبال ،وقد سمعت له عبارات طريفة،
الفاضل المحقق ،فإن رأى هذا الخيالي عبدُ الحكيم ،لكان له مواقف عن
حتى إذا خاف أن يكشف سره ويهتك ستره ظهور حواشي الصباح ،جمع
ما نثره ولف ما نشره وطفى بفم حيليه المصباح ،فخطر في ذهني ،ما
ثم انتشرنا إلى مضاجعنا ،نابذين بأيدي االستغفار ما علق بنا ،على أني
واهللِ كنتُ في شغل شاغل عما كان بين القوم ،وكان عندي أَلَذّ مما
هم فيه تعانق العين والنوم ،وما سمعت من هذه العبارات العبقرية ،إنما
325
ولما وكرتُ على فراشي أطارت النومَ عن وكره الهموم؛ فبت أنكح
وأقبـل رايـات الصبـاح مـن الشـرق ** إلى أن رأيت النجم وهم معرّب
وصار سواد الليل والصبح طالعٌ ** يحاكي بقايا الكحل في األعين الزرق
()1
فقمت ألداء فرضي ،ثم تمددت على فراش العناء بطولي وعرضي .وفي
اليوم الثالث جاء محمد باشا أمير اللواء ،في العساكر النظامية في
( )1من شعر األمير تميم بن معد بن إسماعيل بن محمد بن عبيد اهلل أبو علي ،شاعر أهل بيت
العبيديين ،يقول:
كأنَ السحابَ الغُرَّ أصْبحن أَكْؤساً ...لنا ،وكـأنَ الـراحَ فيهـا سَنَا البَـرْقِ
إلى أَنْ رأيتُ النجـمَ وهْـو معـرِّب ...وأَقبـل رايـاتُ الصبـاحِ مـن الشـرق
كأن سوادَ الليـلِ والصبـحُ طالـعٌ ...بقايا مجال الكُحْلِ في األعْيُنِ الزرْقِ
ابن األبار :الحلة السيراء31/1 ،؛ الحصري :زهر األداب وثمر األلباب. 139/8 ،
326
كردستان ،فعندما ولي العراق الكوزلكلي ميراالي في عساكر إيالة
()1
أحَلّ عليه أنظاره اإلكسيرية ،وصوب فيه نظره فصعّده إلى هذه الرتبة
خيار العسكرية ،له سجايا حسنة مرضية ،وهو من أهالي قواقاق ،نال ما
وفي اليوم التاسع من المحرم ،دخل ديار بكر وإليها راغب باشا الدستور
المكرم ،وكان يوم مررت على خربوت واليًا فيها ،ولم أواجهه هناك إذا
لم أر رفيقًا وجيهًا من وجوه أهاليها/05[ ،أ] فأخبرني درويش أفندي أنه
عند مالقاته سأله عني ،وقال :ما بال فالن أتى خربوت ،فلم يمر بي ولم
يواجهني .فاعتذر المولي المومأ إليه بنصب السفر ،وأنه كم عاق خُطى
()1أيالة :Eyaletأكبر التقسيمات اإلدارية في الدولة العثمانية ،فقد كانت الدولة مقسمة
إدارية إلى إياالت ،واألياالت إلى سناجق ،والسناجق إلى أقضية ،واألقضية إلى نواح،
والنواحي إلى قرى ،ولقد أشرف على األياالت في الدولة العثمانية أمير األمراء ،ثم
الوزراء بعد القرن السادس عشر الميالدي؛ حيث كانوا يمثلون السلطان ،ويجمعون بين
الحكم اإلداري والعسكري لأليالة ،ولهم النفوذ المطلق –ما عدا الحاالت القضائية– عليها.
327
ثم سأل عن التفسير ،سؤال عالم نحرير ،فقال :إن كل مفسر يكثر
فقال له :إنه قد تشابهت فنونه ،وتعانقت غصونه ،وغدت غواني أبكار
مَباحثه أترابا ،وعادت عواني أفكار مُباحثه تجعل على رؤوسها ترابا.
328
فلمّا شرب سمعي هذا الخبر من مبتغاه ،وحققت علو شأن ذلك الوزير
دام عاله ،لم أرَ بدًا عن السعي إليه ،واالعتذار مشافهة بين يديه ،فذهبت
في اليوم الثالث بعد قراءة الفرمان( ) ،صحبة المشير نادر وزراء دولة آل
عثمان ،فاعتذرت بنَصَب الطريق ،وفقد رفيق رفيق ،فقبل العذر وتلطف،
يديه أفواه الغبراء ،أنزع بطين ،ذو وقار وتمكين ،قد بلغ من العمر اثنين
( )1فرمان :في الفارسية بمعنى األمر ،وما يصدر عن السلطان من أوامر رسمية ،وهو مكتوب،
ويسمى كذلك برات ،مثال ،منشور ،بيتي ،حكم ،توقيع ،نيشان .يسرلغ .وفي رأس صحيفة
الفرمان تكتب كلمة (هو) اختصاراً لكلمة (اهلل) وتحتها طغرا السلطان .ثم يذكر إن
كان هذا المكتوب فرمان أو برات أو غير ذلك .ثم يذكر اسم ولقب المرسل إليه ،وما
يأمر به السلطان ،ويرغب فيه ،في إفادة غاية في الوضوح ،ثم الدعاء بالتوفيق في تنفيذ
األمر ،وفي النهاية يذكر تاريخ الفرمان والموضوع الذي أصدر منه ،وتدون هذه
الفرمانات في إدارة خاصة بالديوان السلطاني .كما يقيد مضمونه وفحواه في سجل
خاص ،ثم يوقع النيشانجي بالطغرا ،ويرسل الفرمان أو يسلم لصاحبه يدًا بيد .وفور
وصول الفرمان إلى المرسل إليه ينظر فيه القاضي ،وبعد التحقيق من أنه ليس مزورًا
يدون في المحكمة الشرعية ،ثم ينفذ ما جاء فيه من حكم ،وكانت الفرمانات تكتب بخط
جميل ،وبعضها يذهب ،وفي بعض األحايين كان السلطان يكتب بيده مختصر األمر بجانب
الطغرا .وبعد التنظيمات كانت الفرمانات منحصرة في مسائل خاصة معينة .وقد حل
محلها ما يعرف بـ (إرادة) ولها حيثية الخط الهمايوني .
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص . 144
329
ولحيته كالثُغام ،محافظ على رسوم الوزارة ،عليه من مخايل معرفة
حدود اإلمارة أوضح أمارة ،شهريّ تغذي دَرّ األدب في حجور حُجَر
وزيرًا كبيرًا ،وله معرفة ببعض األلسنة اإلفرنجية ،وقد ترجم بعض
كتبهم باللغة التركية ،مع تنزهه عن التخلق بما يسيء الظن به ،ويوجب
( )1همايون :Humayumكلمة تعظيم خاصة لسالطين الدولة العثمانية .فـ " هما " باللغة
الفارسية ،و" أما " باللغة التركية تعني طائرًا أسطوريًا ذا حظ وقدرة ،وقد اتخذها
سال طين الغز األتراك رمزًا لهم ،وانتقل منهم إلى السالطين العثمانيين .كان يستخدم
مضافًا للمتعلقات الخاصة بالسالطين فيقال :الذات الهمايوني ،الطغراء الهمايوني ،الجيش
الهمايوني ،وهكذا.
سهيل صابان :المعجم الموسوعي ،ص . 889
331
وقد جلست عنده نحو نحر جزور ،وقمت معتذرًا ببعض األمور ،خيفة
أن يكون بين الوزيرين مذاكرة في أمور خوافي؛ فأكون بينهما على
الدفتردار ،مع فكاهة هي ألذ من رشف العُقار ،حتى إذا قام المنتَظَر،
( )1ثالثة األثافى قطعة من الجبل يضم إليها حجران فتكون أثافي القدر .وهي مثل في الشدة،
يقال :رماه بثالثة األثافي .قال علقمة بن عبدة:
وكل قوم وأن عزوا وأن كرموا ...عريفهم بأثافي الشر مرجوم
وكان يقال لجرير والفرزدق واألخطل لتهاجيهم أربعين سنة أثافي الشر وللبديع:
ولي جسد كواحدة المثاني ...له كبد كثالثة األثافي
وقال األصمعيُّ :من أمثالهم في رمي الرَّجل صاحبه بالمعضالت :رماه بثالثة
األثَافيِّ ،ثالثةُ األثافيِّ :القطعة من الجبل يجعل إلى جنبها اثنتان فتكون القطعة
متَّصلة بالجبل ،قال خفاف بن ندبة :وإنَّ قَصيْدَةً شَنعاءَ منِّي ...إذا حَضَرَتْ
كَثالِثةِ األثافي
وقال أبو سعيد الضَّرير :معناه أنه رماه بالشَّرِّ كلِّه فجعله أُثْفيَّةٍ؛ حتى إذا
رماه بالثَّالثة لم يترك منها غاية ،قال علقمة بن عبدة وخفَّف ياء األثافيِّ،
بَلْ كُلُّ قَوْمٍ وإنْ عَزُّوا وإن كَثُروا ...عَرِيْفُهُم بأثافي الشَّرِّ مَرْجُوْمُ
أال تراه قد جمعها له .وقال األزْهريُّ :ما كان من حَديْد سموه منصباً ولم يسموه
أُثفيَّة .واآلثف :التاع ،وقد أثفه يأثفه -مثال كسره :-إذا تبعه .وقال أبو عمرو :أثفة
يأُثُفُه ويأُثفُه :إذا طلبه.
الزمخشري :ربيع األبرار54/1 ،؛ الصاغاني :العباب الزاخر593/1 ،؛ الفيروزآبادي:
القاموس المحيط.1488/1 ،
330
وسهرت معه إلى أن كاد سحاب الدّجنة بنسيم الصبح يتقشع ،فتبوأت
غرفة في ذلك المقام ،وأخذت بناصية منصة المضجع حتى هدأ صبي
ال زالت سحائب عوارفه هامرة على العالمين ،وعَيَالِم معارفه غامرة
للعالمين.
( )1روم إيلي قاضي عسكر :كان منصب قاضي العسكر منصبًا واحدًا على السلطان محمد
الفاتح ،وكان القاضي عسكر هو المرجع في كل أحكام الشرع الحنيف واعتبارًا من عام
1011م ،انقسم هذا المنصب قسمين ،فكان لألناضول قاضي عسكر ،وآخر للروم إيلي ،وكان
قاضي استانبول إذا رقي أصبح قاضي عسكر األناضول .أما قاضي عسكر األناضول فيرقى
إلى منصب شيخ اإلسالم ،وقاضي عسكر الروم إيلي يتولى تعيين وعزل جميع القضاة في
الروم إيلي ،كما كان عضوًا في الديوان الهمايوني.
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص . 93
332
وكان لي هذا الصِّدِّيق ،في اآلستانة العلية أصدق صديق ،يحرص
على إدخال السرور عليّ ،أشد من حرص أبويّ ،ويسعى في أنسي ،أكثر
مما أسعى فيه لنفسي ،ويذب عني بصارم هممه ،أعظم من ذَبِّ الغيور
عن حرمه.
وكان ممن قرأ عليّ عقد الجوهر الثمين ،للفاضل العجلوني الشيخ
إسماعين( ،)1فحليت بعقد اإلجازة جيده ،وقلدته عقود إجازات بكتبٍ عديدة،
( )1أبو الفداء العجلوني (1198-1413هـ1301-1939/م) :أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن
عبدالهادي بن عبد الغني الجراحي ،العجلوني ،الدمشقي ،الشافعي .محدّث الشام وعالمها
الزاهد ،مؤرِّخ ،محدِّث مفسِّر ،نحوي .ولد بعجلون (في األردن حاليًا) ونشأ بدمشق،
وأخذ عن أبي المواهب الحنبلي ونجم الدين الرملي وإلياس الكردي وغيرهم ،وأجازه
النابلسي وغيره .أخذ عنه أحمد بن عبيد العطّار ومحمد بن سعيد السويدي وزاهد
=الرومي وغيرهم .له عدة مصنفات منها :كشف الخفاء ومزيل اإللباس عما اشتهر من
األحاديث على ألسنة الناس؛ األربعون العجلونية وهما مطبوعان .ومنها شرح له على
صحيح البخاري ،قال عنه تلميذه العطار :شرحه شرحاً يرحل إليه ،جعله خالصة الشروح
السابقة ،وأطال فيه من الفوائد والنِّكات واألحكام سماه الفيض الجاري ،وصل فيه إلى
كتاب التفسير وأخذته المنية قبل إكماله .وله أيضاً تفسير سماه :إسعاف الطالبين
بتفسير كتاب اهلل المبين؛ وله الكواكب المنيرة المجتمعة في تراجم األئمة المجتهدين
األربعة؛ الفوائد المحررة في شرح مسوغات االبتداء بالنكرة في النحو وغير ذلك كثير.
توفي بدمشق.
انظر :الموسوعة العربية العالمية.
333
ولكن يراها من أجَلّ ذُنوبي
()1
ولوال اتقائي عَتْبَه قلتُ :سيّدي
ولما جرى زالل بحث المومأ إليه ،ال زال رواق السعد ممدودًا عليه،
أَحَبّ موالنا القاضي ،ال برحت سيوف أحكامه مواضي ،أن أحرر كتاباً
لشريف حضرته ،يتضمن الداللة بالمطابقة على التزامنا نشر اثنيته ،فكان
ذلك عين حبي ،فكأنه علم بالكشف ما في سويداء قلبي؛ إذ طالما يحوك
أياديه التي أسداها ،ودقق النظر في انتقاء لحمتها وسداها ،السيما [/09أ]
وقد التمس منّي تعهدي إياه بالمآلك ،فتعهدت له –وال مَنَّ– بإجراء
334
وهذا ما حررت ،على الوجه الذي ذكرت :ينهى العبد ،الداعي من قبل
ومن بعد ،لدى حضرة مولى تبوأ من سنيّ الصدق سنامًا ،وموئالً نال من
سميّ الحَذق أعالمًا عظامًا ،وفتى امتطى نجائب النجابة ،ورمى بقوة
ساعدٍ عن قسيّ اإلصابة ،وحاز أنواع الكمال أجمع ،وحاز يفاع األفضال
من هو عندي بمنزلة ولدي ،حضرة صديق بك أفندي ،ال زالت المراتب
العلية آخذة بيده إلى أعالها ،وال فتئت الفنون العلمية جابذة بضبعيه إلى
إني منذ حجبت طلعتكم البهية عن بصري ،وبقيت أشاهد هيئتها السنية
في مرآة سري وفكري ،لم أزل ألطم وجه الصحصحان بخفاف أيدي
الرواحل ،حتى حللت عقد الحِل واالرتحال في ديار بكر بن وائل ،فصادف
هناك المولى المكتسي من أردية الفضل حلالً مستجادة ،موالنا أحمد أسعد
335
فرأيته من خلص مواليكم ،وأخصّ شاكر لعموم أياديكم ،فلم نزل في
هاتيك الديار ،نقضي بحلو حديثكم القديم ساعات الليل والنهار ،ما حللنا
معه روضة أزهار ،إال كان وردُ ذكركم وردها ،وال تخللنا وإياه جمعية
سقاها الحيا ما كان أطيبها عندي *** فللـه أيــام سلفــن بقربكــم
ولكن بها أزداد وجداً على وجدي *** أداوى بذكراها سقامي وعلّتي
به من اإلنعام ،أو أنسى شكر جبركم كسر قلبي بمومياء االحترام
[/09ب]:
336
()1
فلتشكرنّك أعظُمٌ في قبرها *** فألشكّرنك ما حييت وإن أمُت
ضيرًا .وأقبِّل أيادي حضرة موالي الصدر األعلى( ،)8ومن طأطأ لجالله
وأفضاله رأس كل مولي ،الزال للمَوالي مالذًا ،وال فتىء للمُوالي عياذًا.
337
داماد دئماء العوارف ،الزال أمينًا من المعاطب والمخاوف .وأبث
أفندي الشيرواني.
وأختم كالمي ،بوافر سالمي على دَرَّاك دقائق المعاني ،عبد اهلل
لزيارة سلفه في الوالية على ديار بكر ،والمستقل بين عساكرها في النهي
واألمر ،ونحن محلَّقون على سفرة الطعام ،بين نُقْل خندريس أنس
( )1الداغستاني (توفي بعد 1540هـ/بعد 1119م) :حيدر بن عبد اهلل ،ضياء الدين الداغستاني:
أديب بغدادي .له (غاية المرام ) في شرح البردة ،أنجزه سنة .1540
الزركلي :األعالم864/8 ،
338
وكلنا جزافًا ألبي ضوطري مما بين أيدينا من المآكل ،حتى إذا
فرغنا رغنا فغسلنا األيدي ،ولم يغسل يده بحضور الوزيرين سوى
أحمد أفندي ،حيث كان من أصحاب األعذار ،وممن استوى في ()1
الخواجة
نظره الليل والنهار ،وإثر ذلك قعدنا للسمر وعقدنا الحُبا في حل أخبار
( )1خواجه –خواجا– خوجه – خوجا :لفظ أو كلمة فارسية معناها :الثري ،التاجر ،الكبير،
وقد دخل إلى اللغة العربية في نهاية العصر العباسي ،كلقب يطلق على كبار التجار ،ثم
كلمة فارسية األصل انتقلت إلى اللغة التركية العثمانية ،إال أنها أصبحت تعني :معلم،
أستاذ ،سيد ،تاجر ،أما خواجة فتعني باإلضافة إلى المعاني السابقة :مولى ،أكثر من معلم
أو أستاذ .وفي قاموس شمس الدين سامي ،خواجا تعني :أفندي ،آغا ،جلبي ،سيد ،صاحب،
معلم ،مدرس ،أستاذ ،ويقال :مكتب خواجه سي؛ أي :أستاذ المدرسة ،وتعني " :المولى أو
المنال "؛ مثل "خواجة أفندي" ،تمامًا كما يطلق على المولى سيد الدين شيخ اإلسالم.
أما كلمة أو مصطلح "خوجة" ،فهي منحوتة من اللفظ الفارسي "خواجا" ،ومعناها:
سيد ،إنما استعملها األتراك العثمانيون بلفظ "خوجه" ،وجعلوها لقبًا من ألقاب التشريف،
اختص به الشيوخ ورؤساء العلماء ،ثم انحصر إطالقها في العصر العثماني المتأخر بمشايخ
الكتاتيب الذين كانوا يعلمون الصبية قراءة القرآن الكريم ،وال يزال األمر كذلك حتى
اآلن في بعض الدول العربية .وفي تركيا ما زال لفظ "خوجه" يستخدم حتى اآلن في
اللغة التركية الحديثة ،ويعني األستاذ والمتعلم والمثقف.
انظر :أحمد صدقي شقيرات :مؤسسة شيوخ اإلسالم001/1 ،
339
فمن ذلك السؤال عن وجود الجنة اليوم مع قوله تعالى :كُلُّ
شَيْءٍ هَالِكٌ إالَّ وَجْهَهُ ،)1(فجمع الخواجة المومأ إليه حواسه الخمس وتوجه
نحو الوالي ليوضح أمره ويوجهه ،فقبل أن يشرع في التقرير ،قال ذلك
الوزير :هذا ،وقد جاء في أحاديث صحاح أو حسان ،أن الجنة سقفها عرش
نسخه في بعض كتبه أبو حامد حجة اإلسالم ،وتشير إليه كلمة لبيد،
341
فاستطرد السؤال عن السادة الصوفية -أفاض اهلل تعالى علينا من
فيوضاتهم القدسية – فقلت :أما مَن كان منهم كأبي القاسم الجنيد (،)1
موالي سيد الطائفة سعيد بن عبيد ،عليه الرحمة والرضوان ،فذاك الذي
ال ينتطح في علو شأنه كبشان ،وأما من كان كالشيخ األكبر -قدس
سره ،-فذاك الذي أشكل على األكثر أمره ،وقد كثر مادحوه ،كما قد
كثر قادحوه ،والذي أنا أميل إليه ،وأعول في سري وعلني عليه،
()1الجنيد البغدادي (863 - 444ه614 - 444/م) الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز،
أبو القاسم :صوفي ،من العلماء بالدين .مولده ومنشأه ووفاته ببغداد .أصل أبيه من
نهاوند ،وكان يعرف بالقواريري نسبة لعمل القوارير .وعرف الجنيد بالخزاز النه كان
يعمل الخز .قال أحد معاصريه :ما رأت عيناي مثله ،الكتبة يحضرون مجلسه أللفاظه
والشعراء لفصاحته والمتكلمون لمعانيه .وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد .وقال
ابن األثير في وصفه :إمام الدنيا في زمانه .وعده العلماء شيخ مذهب التصوف ،لضبط
مذهبه بقواعد الكتاب
والسنة ،ولكونه مصونا من العقائد الذميمة ،محمي األساس من شبه الغالة ،سالما من
كل ما يوجب اعتراض الشرع .من كالمه :طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة ،من لم
يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه ال يقتدى به .له (رسائل -ط) منها ما كتبه
إلى بعض إخوانه ،ومنها ما
هو في التوحيد وااللوهية ،والغناء ،ومسائل أخرى .وله (دواء األرواح -خ) رسالة
صغيرة .الزركلي :األعالم. 594/0 ،
340
أنه ظاهر كثير مما قاله هذا الصنف باطل ،ال يقول به ناقص جاهل،
فضالً عن فاضل كامل ،بل ال يكاد يخفى بطالنه على ابن يوم ،فكيف
يخفى طول العمر على أولئك القوم ،فهم أجلّ من أن يقولوا بذاك،
ويعقدوا عقد عقائدهم على ما هناك ،فالبد أن كون له معنى صحيح هم
به قائلون ،وله في نفس األمر معتقدون ،وفي كهفه قائلون ،إال أن ذلك
المعنى صعب المنال ،ال يرقى إليه بساللم المقال ،وإنما يُرحل إليه على
صافيهم.
نعم المتكلم بمثل ذلك الكالم ،مما ال يخلو عن كدر ،اللهم إال أن تصح
على صحة ما قيل :ال ينبغي أن يترك الخير الكثير للشر القليل.
342
لكن قيل إن إثبات صحة تلك الدعوى ،أصعب عند كل أحد من رفع
المشتمل على ذلك مثل بعض آي القرآن ،فهو وإن لم يحط بجاللة قدره
وصف الواصفين ،يضل اهلل تعالى به كثيرًا ،ويهدي به كثيرًا ،وما يضل
فقيل ليس للقوم أن يضلوا أحدًا ،فهم في ربقة التكليف [/03ب] لن
يخرجوا منها أبدًا .فقال هم مظاهر لجميع األسماء اإللهية ،فما عليهم أن
فقيل له :هذا كعك من ذلك العجين ،وال يكاد يلوكه ذو دَرَدٍ من
ضعفاء المؤمنين.
343
وأبـدى بعضٌ غيـر مـا ذكـر لما قالـوه عذرًا ،فقال :إنما قالـوا
إما قالوه سكرًا ،ولعمري أنه أبرد من هواء جبل المحراب في كانون ،
وال يكاد يروج إطالقه إال على صبي أو مجنون ،ويرده أنهم كم أملوا
344
وأدهى من ذلك وأمرّ ،ما قيل في االعتذار عن حضرة الشيخ
( )1الشيخ األكبر محيي الدين ابن عربي (951-934هـ1804-1190/م) :أبوبكر محي الدين محمد
بن علي ابن عربي الطائي ،مفكر وأديب وشاعر ووشاح صوفي .أندلسي المولد .أثرى
القاموس الصوفي بما أضافه من ثروة لغوية .فهو يرى أن لكل لفظ وتعبير واصطالح
معنييْن؛ أحدهما ظاهر واآلخر باطن.
ولد بمرسيه ثم انتقل إلى أشبيليا والتقى في شبابه بابن رشد إال أنه لم يسايره في
تفكيره ،واختار مسارًا صوفيًا متأثرًا بالفكر الهرمسي وبآراء الحالج والسهروردي .
وعندما قارب الثالثين من عمره غادر األندلس -كما يقول -ألسباب سياسية ودينية،
واستجابة لرؤيا كشفت له أن الحرية الفكرية التي يرومها هي في مكة .ولما نزل مكة
عام 361هـ 1841/م اجتمع بعلمائها وأخذ عنهم ،خصوصًا الشيخ زاهر األصبهاني والشيخة
فخر النساء .وتعلق في مكة بحب النظام ابنة شيخه ،وملهمة قصائد ديوانه ترجمان
األشواق التي يشير بها كما يقول إلى معارف ربانية وأسرار روحانية ،وجعل العبارة
بلسان الغزل .غادر مكة إلى بغداد والموصل سنة 941هـ1840 ،م ثم إلى القاهرة سنة 945هـ،
وبها ألف مُصَنَّفَيه مشاهد األسرار ورسالة األنوار .ثم رجع إلى بغداد سنة 941هـ1811 ،م،
والتقى بشهاب الدين السّهروردي ،ثم توجَّه مرَّة أخرى إلى مكة سنة 914هـ1815 ،م
حيث صنف شرحًا على ديوانه ترجمان األشواق أطلق عليه ذخائر األعالق.
وغادر مكة إلى دمشق عام 984هـ1885 ،م ،حيث استقر بها وألَّف كتبًا كثيرة حمَّلها
رؤيته الصوفية القائلة بوحدة الوجود ،وأن هذا الوجود المادي صورة ومرآة ينعكس عليها
وجه الحقيقة ،وأن الخلق سلسلة من التجليات اإللهية ،كل حلقة فيها ابتداء ظهور صورة
من صور الوجود واختفاء صورة أخرى .وقد عبر عن ذلك بمصطلحيْ الفناء والبقاء،
وهو مصطلح يجمع فكرة الفناء التي قال بها الحالج وفكرة البقاء التي أضافها إلى
المعادلة الصوفية ،مؤكدًا ضرورة الشريعة للسالكين .فصَّل رؤيته الصوفية في كتابيه
فصوص الحِكَم والفتوحات المكية ،إال أن قراءتهما تتطلب جهدًا ذهنيًا لما =يُغلف
عباراتهما من غموض ربما يرجع إلى رغبته في إخفاء مقاصده أو إلى إغراقه في استخدام
الرموز الصوفية .وبعد وفاته في دمشق مقتوالً.
انظر :الموسوعة العربية العالمية.
( )8فصوص الحكم :أحد أشهر كتب التصوف في التاريخ اإلسالمي ،لقي من العناية والشرح
من لدن العلماء ما ال يحصى ،كما لقي أيضا من انتقاداتهم وتكفيرهم لصاحبه وألفكاره
345
مما يخالف الظواهر والنصوص ،مما دسه بعض اليهود؛ ليحل به من
ضعفاء المؤمنين العقود ،وال يكاد يقبل هذا إال فتىً النقصانُ أبوه وأمه،
والبالهة -عافانا اهلل تعالى وإياكم -خاله وعمه ،نعم قد دُسَّ من بُغضٍ
على بعض العلماء ،وأُدْخِل من دَخَل في الدين شيء من االفتراء ،ثم ظهر
األمر للمنصف ،بالرجوع إلى نسخة المصنف ،أو بنحو ذلك مما تتضح به
المسالك ،إال أن ذاك عن هذا بمعزل ،وبعيد عنه بألف ألف منزل.
ما هو مستمر حتى اآلن .وكان تدريس كتابيّ (فصوص الحكم) و(الفتوحات المكية)
لـ(ابن عربي) وغيرها من كتب المتصوفة التي تطفح بعقيدتي وحدة الوجود والحلول
هو شعار كبار العلماء من المتصوفة وغيرهم ،وهو المنزلة العلمية التي ال يتبوؤها إال
الخاصة منهم ،والمستوى العلمي الذي ال يرقى إليه إال فحول العلماء.
346
إذ منه ما هو حري بالقبول ،يشهد له المعقول والمنقول ،ولم يعترض
له برد ،ولم يتعرض عليه أحد .ومنه ما هو من األمور الكشفية ،وال تعلق
له أصالً باألمور الدينية ،كالذي يذكر في شأن أرض السمسمة مما
أكثروا فيه الهياط والمياط( ،)1وال يكاد يلج في خريطة ذهن جغرافي
حتى يلج الجمل في ثَمِّ الخياط ،فاعتقاد مثل هذا وإنكاره بحسب الظاهر
في الديانة سيّان ،واألولى جعله من عالم المثال وتسليمه ألهل ذلك
الشان :
( )1قال األموي :يقال :ما كان ذلك إال بعد األين والصلعاء ،وإال بعد الهياط والمياط ،أي
لم يكن إال بعد حين؛ 44بَعْدَ الْهِيَاطِ وَالْمِيَاطِ :ويروى الهيط والميط يراد المنازعة
والمجاذبة وقولهم بعد الهياط والمياط ،قالوا يقال ذلك في األمر يكون بعد ما يكاد
صاحبه يهلك.
أبو الهالل العسكري :جمهرة األمثال885/1؛ أبو حيان التوحيدي :البصائر والذخائر،
139/1؛ الزمخشري :المستقصى في أمثال العرب.08/8 ،
347
ألناس رأوه باألبصار وإذا لم تر الهالل فسلّم
ومنه ما قيل عن اجتهاد ورأي ،لكنه خالف ظواهر األخبار واآلي ،فال
من ذلك القول بنجاة فرعون ،فقد قاله الشيخ األكبر اجتهادًا ،وعزّ
ناصر له فيه وفرّ عَوْن ،وقد تناقض كالمه بذلك في كتابين ،فختم
في الفصوص وحتّم على القول بنجاته ،وفتح في الفتوحات عليه باب
الحين ،بل تناقض في الفتوحات نفسها ،كما ال يخفى على من أحاط خبرًا
بدرسها ،وقد غلطه بذلك معظم المعتقدين والمنتقدين ،لكن قال المنصف
348
ومن الشافعية من أكفر القائل بنجاة ذلك اللعين ،لمخالفته ما ثبت
بإجماع أهل الصدر األول من صدور المسلمين ،مع مخالفته لما نطقت به
ظواهر اآلي واألخبار النبوية ،كالحديث الذي ذكره العالمة ابن حجر
عدم اإلكفار في هذا الباب ،وللجالل الدواني(- )8وهو شافعي -رسالة في
إيمانه ،لكنه أنكر نسبتها إليه الشهاب ،والعجب أن التشنيع على الشيخ
األكبر في هذه المسألة شايع بين كل غادٍ ورايح ،مع أنه اضطرب فيها
ولم يضطرب فيما هو أعظم منها من نجاة المهلكين غير قومي لوط
وصالح ،واآليات الدالة على عدم نجاة أولئك المهلكين ،أظهر في المراد
( )1ابن حجر الهيثمي (635-641هـ1393-1345/م) :أبو العباس شهاب الدين أحمد بن حجر
الهيثمي السعدي األنصاري ،فقيه عصره .ولد بمصر وتعلم فيها ،كتب في أكثر علوم
عصره ،تعلم باألزهر ،ثم انتقل إلى مكة .من كتبه تحفة المحتاج شرح المنهاج؛ واإليعاب
شرح العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعية واألصحاب؛ والصواعق المحرقة في الرد
على أهل البدع والزندقة.
انظر :الموسوعة العربية العالمية .
( )8رسالة في إيمان فرعون ،لجالل الدين محمد بن أسعد الصديقي الدواني .أولها( :الحمد
هلل قابل توبة عبده إذا تاب..الخ) وشرحها المولى علي القاري في كراستين.
انظر :حاجي خليفة :كشف الظنون. 134/1 ،
349
وما أحسن قول مالكٍ اإلمام الحبر ،كل أحد يؤخذ من قوله ويرد
إال صاحب هذا القبر ،وأشار ذلك اإلمام إلى قبر المصطفى-عليه الصالة
والسالم -فاقنع بذلك وإياك والتكفير ،فإنه لعمري أمر مُرٌ خطير ،وال
الكامل.
ثم إني على العالت أقول ،غير مكترث باعتراض مكثار جهول ،ال
عن العروج إلى الحضائر القدسية ،أن يدخل في مضايق كتب القوم،
فيوجب على نفسه مزيد العتب واللوم ،وقد اشتهر عن بعضهم وتحقق،
351
وقال الشيخ الربّاني ،عبد الوهاب الشعراني( :)1إن بعض الخواص ،قال
لشيخنا عليّ الخواص :مالي ال أفهم كالم أخي فالن؟ فقال :كيف تفهم
وكم رأيت أنا مَن ترك الصالة والقيام ،بل أخرج عنقه عن ربقة
جميع شعائر اإلسالم ،ولما أنكر عليه من أنكر ،قرأ له قول الشيخ األكبر:
( )1عبد الوهاب الشعراني (635 -161ه1393 - 1065/م) :عبد الوهاب بن احمد بن علي بن احمد
ابن محمد بن موسى الشعراني ،االنصاري ،الشافعي ،الشاذلي ،المصري (أبو المواهبة،
أبو عبد الرحمن ) فقيه ،اصولي ،محدث ،صوفي ،مشارك في انواع من العلوم .ولد في
=قلقشنده بمصر في 83رمضان ،ونشأ بساقية ابي شعرة من قرى المنوفية ،وتوفي
بالقاهرة .من تصانيفه :الكثيرة :الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من
االسرار والعلوم الدرر المنثورة في زبد العلوم المشهورة ،لواقح االنوار في طبقات
االخيار ،المقدمة النحوية في علم العربية ،وشرح جمع الجوامع للسبكي في اصول الفقه.
كحالة :معجم المؤلفين.811/9 ،
350
وجعل يواري بالقطن المندوف لهب االعتراض الوهاج ،وينسج لعورته
( )1الحالج (ت 546هـ688/م) :الحسين بن منصور الحالج ،أبو مغيث :فيلسوف ،يعد تارة في
كبار المتعبدين والزهاد ،وتارة في زمرة الملحدين .أصله من بيضاء فارس ،ونشأ بواسط
العراق (أو بتستر) وانتقل إلى البصرة ،وحج ،ودخل بغداد وعاد إلى تستر .وظهر أمره
سنة 866ه فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد واإليمان .ثم كان يتنقل في البلدان
وينشر طريقته سرا ،وقالوا :أنه كان يأكل يسيرا ويصلي كثيرا ويصوم الدهر ،وإنه
كان يظهر مذهب الشيعة للملوك (العباسيين) ومذهب الصوفية للعامة ،وهو في تضاعيف
ذلك يدعي حلول اإللهية فيه.
وكثرت الوشايات به إلى المقتدر العباسي فأمر بالقبض عليه ،فسجن وعذب وضرب
وهو صابر ال يتأوه وال يستغيث .قال ابن خلكان :وقطعت أطرافه األربعة ثم حز رأسه
وأحرقت جثته ولما صارت رمادا ألقيت في دجلة ونصب الرأس على جسر بغداد .وادعى
أصحابه أنه لم يقتل وإنما ألقي شبهه على عدو له .وقال ابن النديم في وصفه :كان
محتاال يتعاطى مذاهب الصوفية ويدعي كل علم ،جسورا على السالطين ،مرتكبا للعظائم،
يروم إقالب الدول ويقول بالحلول .وأورد أسماء ستة وأربعين كتابا له ،غريبة األسماء
واألوضاع ،منها (طاسين األزل والجوهر األكبر والشجرة النورية) و(الظل الممدود
والماء المسكوب والحياة الباقية)و(قرآن القرآن والفرقان) و(السياسة والخلفاء
واألمراء) و(علم البقاء والفناء) و(مدح النبي والمثل األعلى) و(القيامة =والقيامات)
و(هو هو) و(كيف كان وكيف يكون) و(الكبريت األحمر) و(الوجود األول) و (الوجود
الثاني) و(اليقين) و(التوحيد).
ووضع المستشرق غولدزيهر Goldziherرسالة في الحالج وأخباره وتعاليمه،
وكذلك صنف المستشرق لويس مسينيون L.Massignonكتابا في الحالج وطريقته
ومذهبه .وأقوال الباحثين فيه كثيرة .
الشعراني :طبقات الصوفية 543؛ ابن كثير :البداية والنهاية 158/11؛ ابن حجر :لسان
الميزان .510/8األعالم :الزركلي. 894/ 8 ،
352
وعقلي فيك منهوسُ جحودي لك تقديس
إلى غير ذلك مما هو مبني على القول بوحدة الوجود( ،)1التي أبى
()1وحدة الوجود :لغة :الوحدة مصدر الفعل "وحد" أي بنفسه .فهي ضد الكثرة .ويقال :كل
شيء انفرد على حدة :أي متميز عن غيره .والخالصة أن مادة "وحد" تشير إلى االنفراد
والتميز ،كما أنها تدل على التقدم في علم أو بأس.
واصطالحا :تعنى أن الكائن الممكن يستلزم كائنا آخر واجبه الوجود بذاته ،ليمنحه
الوجود ،ويفيض عليه بالخير واإلبداع .وذلك الكائن الواجب الوجود هو اهلل جل شأنه،
ألنه موجود أوال بنفسه ،ودون حاجة إلى أي موجد آخر؛ كيال تمتد السلسلة إلى ما
النهاية .وأن الكائنات األخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته ،ومنه تستمد الحياة والوجود؛
ولهذا كان وجودها عرضا وبالتبع.
وبناء على هذا ،فليس ثمة إال كائن واحد موجود حقيقة وضرورة ،بل هو الوجود
كله ،وال تسمى الكائنات األخرى موجودات ،إال بضرب من التوسع والمجاز .هذه هي
النظرية التي تدعى "وحدة الوجود" .وقد اعتنقها جماعة من الصوفية بعد أن أخذت
الدراسات الفلسفية في اإلسالم تضمحل وتتوارى.
وقد تكونت هذه الفكرة في أوائل القرن الثاني عشر الميالدي .وشاع أمرها في بالد
األندلس والمشرق ،بعد أن اختلط فيها وجود التصوف بالفلسفة اختالطا كبيرا .وكان
من أكبر أنصارها ابن عربي (ت )951وجالل الدين الرومي.
ولم تكن فكرة وحدة الوجود من ابتكار غالة فالسفة الصوفية كابن عربي والحالج
والرومي ،بل كان لها جذورها لدى فالسفة اليونان القدماء ،من أمثال طاليس
وهيراقليطس والرواقيين ،ثم أصحاب مذهب الفيض في األفالطونية المحدثة.
=ولقد سرت عدوى وحدة الوجود ،إلى بعض فالسفة الغرب ،مثل بعض الفالسفة
الفرنسيين الماديين ومنهم"ديدرو"(1315م1310-م) وإلى الفيلسوف الهولندي "سبينوزا"
فى القرن الثامن عشر .كما تأثر بها بعض أدباء أوروبا الغربية ،والسيما أصحاب النزعة
الرومانتيكية ،الذين اتخذوا الطبيعة موضوعا للتأمل في أدبهم.
353
وهي -على تقدير صحتها في نفس األمر -ليس فيها صريح نقل ،وإنها
لطور ما وراء طور العقل ،فال تصطاد بعنكبوت الفكر وإن دقق ،وإنما
والخالصة أن وحدة الوجود فكرة خاطئة ،ال يقرها عقل سليم وال دين منزل .وأخطر
ما فيها :أنها تنافى التوحيد الصحيح ،وتؤدى إلى القول بوحدة األديان ،وإسقاط التكاليف،
وإلغاء المسئولية وااللتزام األخالقي.
انظر :المجلس األعلى للشئون اإلسالمية :موسوعة المفاهيم اإلسالمية العامة ،مادة
(وحدة الوجود).
354
.................................... ()1
وقول الشيخ عبد الغني النابلسي
()8
عن ابن كمال
( )1عبد الغني النابلسي (1105 -1434هـ1351-1901/م) :عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني
النابلسي :شاعر ،عالم بالدين واالدب ،مكثر من التصنيف ،متصوف .ولد ونشأ في دمشق.
ورحل إلى بغداد ،وعاد إلى سورية ،فتنقل في فلسطين ولبنان ،وسافر إلى مصر والحجاز،
واستقر في دمشق ،عبد الغني بن إسماعيل النابلسي عن المخطوطة " 63حديث ،تيمور"
في دار الكتب المصرية .وتوفي بها.
له مصنفات كثيرة جدا ،منها" :الحضرة االنسية في الرحلة القدسية" و"وتعطير
االنام في تعبير المنام" و"ذخائر المواريث في الداللة على مواضع االحاديث "فهرس
لكتب الحديث الستة ،و"علم الفالحة" و"نفحات االزهار على نسمات االسحار" و"إيضاح
الدالالت في سماع اآلالت" و"ذيل نفحة الريحانة" و"حلة الذهب االبريز ،في الرحلة إلى
بعلبك وبقاع العزيز" و"الحقيقة والمجاز ،في رحلة الشام ومصر والحجاز" و"قالئد
المرجان في عقائد أهل االيمان" رسالة ،و"جواهر النصوص" جزآن ،في شرح فصوص
الحكم .البن عربي ،و"شرح أنوار التنزيل للبيضاوي" و"كفاية المستفيد في علم
التجويد" و"االقتصاد في النطق بالضاد" تجويد ،و"مناجاة الحكيم ومناغاة القديم"
تصوف ،و"خمرة الحان" شرح رسالة الشيخ أرسالن ،و"خمرة بابل وغناء البالبل" من
شعره ،في الظاهرية ،و"ديوان الحقائق" من شعره ،و"الرحلة الحجازية والرياض
االنسية" و"كنز الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين" و"الصلح بين االخوان في حكم
إباحة الدخان" و"شرح المقدمة السنوسية" و"رشحات االقالم في شرح كفاية =الغالم"
في فقه الحنفيه ،و"ديوان الدواوين" مجموع شعره ،و"كشف الستر عن فرضية الوتر"
رسالة ،و"لمعات(أو لمعان؟) االنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار"
رسالة ،و"خمس مجموعات" فيها 58رسالة ،ذكر الزيات أسماءها في "خزائن الكتب".
قال عنه الزركلي :وأخبرني السيد أحمد خيري أنه أحصى له 885مصنفا.
المرادي :سلك الدرر8/035 ،54/5؛ الجبرتي :عجائب اآلثار 130/1؛ الزركلي :األعالم
.55/0
( )8ابن كمال باشا (ت604هـ1350/م) :أحمد بن سليمان بن كمال باشا ،شمس الدين :قاض
من العلماء بالحديث ورجاله .تركي االصل ،مستعرب .قال التاجي :قلما يوجد فن من
الفنون وليس البن كمال باشا مصنف فيه .تعلم في أدرنه ،وولي قضاءها ثم االفتاء
باآلستانة إلى أن مات .له تصانيف كثيرة ،منها (طبقات الفقهاء) و(طبقات المجتهدين)
و(مجموعة رسائل) تشتمل على 59رسالة ،ورسالة في (الكلمات العربية) نشرت في
355
،أنه يجب على السلطان جبر الناس على القول بها على كل حال ،مما ال
أرى له صحة أصالً ،وإن كان قد قاله فال مرحبا به وال أهال؛ فهذا رسول
اهلل -صلى اهلل تعالى عليه وسلم -لم يجبر على ذلك أحدًا.
وقول الشيخ إبراهيم الكوراني أن كلمة التوحيد تدل على ذلك -
واإلمام الرباني مجدد األلف الثاني( )1يقول :قد يعرض للسالك ،القول
بذلك ،لكنه ال يبقى ،وال يستقر عليه إذا ترقى؛ بل يعلم بال مين ،أن هناك
وذكر قدس سره أنه اعتراه ذلك في أثناء سيره ،ثم ترقى عنه بفضل
المجلد السابع من مجلة المقتبس ،و(رسالة في الجبر والقدر) و(إيضاح االصالح) في
فقه الحنفية ،و(رجوع الشيخ إلى صباه) مجون ،سيأتي ذكره في ترجمة التيفاشي،
و(تاريخ آل عثمان) و(تغيير التنقيح) في أصول الفقه.
طاشكبري زاده :الشقائق النعمانية ،ص 084؛ الزركلي :األعالم .155/1
( )1مجدد األلف الثاني ،يعني به :أحمد السهرندي (1450 - 631هـ1983 -1395/م) :أحمد بن
عبداالحد السهرندي(نسبة إلى سهرند بين دهلي والهور) الفاروقي النقشبندي .صوفي.
من مصنفاته :آداب المريدين ،اثبات النبوة ،اثبات الواجب ،المبدأ والمعاد ،والمعارف
الدينية.
كحالة :معجم المؤلفين 836/1؛ عبد الحي الكتاني :فهرس الفهارس واألثبات .394/8
356
وأنت تعلم أن كثيرًا من الفالسفة قالوا بذلك ،وكالمهم ظاهر
الصغير والكبير ،وما كان اهلل تعالى بمقتضى فضله وعدله ،ليكلف العبد
بما وراء طور عقله ،ثم يرسل إليه رسوالً ال يفصح له بسلوك ذلك
المنهاج ،بل يكل أمره إلى أن يفصح له بعد برهة من الزمان الحالج.
ونهاية الكالم ،تفويض أمر القائلين بذلك إلى الملك العالم ،مع
357
ثم سأل عن صحة ما شاع بين الجهالء والعلماء ،من أن صخرة بيت
فقلت :ومالك رِقِّي ،لم أعلم من ذكر ذلك إال البَرْقِي ،
358
وهو في جـو سمــاء الصـدق برق خلب ،وسكوت الناقلين له :كعلي
وحققت.
( )1علي القاري :الشيخ المال علي القاري بن سلطان بن محمد الهروي الحنفي الجامع للعلوم
العقلية والنقلية ،والمتضلع من السنة النبوية ،أحد جماهير األعالم ،ومشاهير أولي
الحفظ واألفهام .ولد بهراة ورحل إلى مكة وتديرها .أخذ عن خاتمة المحققين العالمة
ابن حجر الهيثمي ،قيل :كان يكتب في كل عام مصحفا وعليه طرر من القراآت
والتفسير فيبعيه فيكفيه قوته من العام إلى العام .وشرح المشكاة والشمائل الوترية
والجزرية ،وصنف كتبا كثيرة ،منها "تفسير القرآن" ثالثة مجلدات ،و"االثمار الجنية
في أسماء الحنفية" و"الفصول المهمة" فقه ،و"بداية السالك" مناسك ،و"شرح مشكاة
المصابيح" و"شرح مشكالت الموطأ" و"شرح الشفاء" و"شرح =الحصن الحصين" في
الحديث ،و"شرح الشمائل" و"تعليق على بعض آداب المريدين ،لعبد القاهر السهرودي"
في خزانة الرباط (8345ك) و"سيرة الشيخ عبد القادر الجيالني" رسالة ،ولخص مواد
من القاموس سماها " الناموسن " وله " شرح االربعين النووية" و"تذكرة الموضوعات"
و"كتاب الجمالين ،حاشية على الجاللين" جزء منه ،في التفسير ،و"أربعون حديثا
قدسية" رسالة ،و"ضوء المعالي" شرح قصيدة بدء االمالي ،في التوحيد ،و"منح الروض
االزهر في شرح الفقه االكبر" ورسالة في "الرد على ابن العربي في كتابه الفصوص
وعلى القائلين بالحلول واالتحاد" و"شرح كتاب عين العلم المختصر من االحياء" و"فتح
االسماع" فيما يتعلق بالسماع ،من الكتاب والسنة ونقول االئمة ،و"توضيح المباني" شرح
مختصر المنار ،في االصول ،و"الزبدة في شرح البردة" في مكتبة عبيد ،.لكنه امتحن
باالعتراض على األئمة السيما الشافعي وأصحابه ،واعترض على اإلمام مالك في إرسال
يديه ،ولهذا تجد مؤلفاته ليس عليها نور العلم ،ومن ثم نهى عن مطالعتها كثير من
العلماء واألولياء.
المحبي :خالصة األثر113/5 ،؛ الشوكاني :البدر الطالع003/1 ،؛ الزركلي :األعالم
. 18/3
( )8يعني كتاب :شرح المواهب اللدنية للقسطالني ،وصاحبه الزرقاني :محمد بن عبد الباقي
بن يوسف بن أحمد بن علوان األزهري أبو عبد اهلل المصري المالكي الشهير بالزرقاني
المتوفى سنة 1188اثنتين وعشرين ومائة وألف .من تصانيفه أجوبة أسئلة إليه نظما
ونثرا .شرح موطأ مالك في الحديث .شرح المواهب اللدنية للقسطالني في إحدى شعر
مجلدا مطبوع بمصر .مختصر المقاصد الحسنة للسخاوي وغير ذلك.
الباباني ،هدية العارفين.114/8 ،
359
ثم قلت :وقريب من ذلك ما ذكره معظم الفضالء ،من أنها أقرب
أجزاء الغبراء إلى الخضراء ،ولو فرض في ذلك صحيح خبر ،ينبغي فيما
أحمد أفندي ذكر من شأن تلك الصخرة ،أنها تنقسم من تحتها مياه
األرض الحلوة والمُرة ،فقيل له :هذا من ذلك القبيل ،ليس لمن رشف
من بحر التحقيق عليه تعويل .وقلت أنا -واهلل تعالى يعلم -أني لست
بكاذب ،قد ذكر هذا البرقي أيضًا في غريب الموطأ ونقله الزرقاني عنه
ثم قال :ما تقول في أمر المهدي؟ فقلت :ال خفاء في ظهوره بعد
حين عندي.
361
فقلت :هو عند بعض األجلة أجهل في علم الحديث من وَالدة( )1عشيقة
ابن زيدون( ،)8وعلى صحة ما قاله -على سبيل الفرض -هي كثيرة جدًا
فيقوي بعضها ببعض ،وقد قالوا :إن الضعيف إذا عضد بمثله صار حسنًا،
( )1والدة بنت المستكفي(ت010هـ1461/م) :والدة بنت المستكفي باهلل محمد بن عبد الرحمن
االموي :شاعرة أندلسية ،من بيت الخالفة .كانت تخالط الشعراء وتساجلهم .اشتهرت
بأخبارها مع الوزيرين ابن زيدون وابن عبدوس ،وكانا يهويانها ،وهي تود االول وتكره
الثاني ،حتى وقع بينهما ما وقع وكتب ابن زيدون رسالته التهكمية المعروفة ،إلى ابن
عبدوس .وفي شعر والدة رقة وعذوبة إال ما كانت تهجو به .توفيت بقرطبة.
الزركلي :األعالم.111/1 ،
( )8ابن زيدون (095 - 560هـ1431-1440/م) :أحمد بن عبد اهلل بن أحمد بن غالب ابن زيدون،
المخزومي األندلسي ،أبو الوليد :وزير كاتب شاعر ،من أهل قرطبة ،انقطع إلى ابن
جهور (من ملوك الطوائف باألندلس) فكان السفير بينه وبين األندلس ،فأعجبوا به.
واتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد ،فحبسه ،فاستعطفه ابن زيدون برسائل
عجيبة فلم يعطف ،فهرب .واتصل بالمعتضد صاحب إشبيلية فواله وزارته ،وفوض إليه
أمر مملكته فأقام مبجال مقربا إلى أن توفي باشبيلية في أيام المعتمد على اهلل ابن
المعتضد.
وفي الكتاب من يلقب ابن زيدون بـ(بحتري المغرب) .وأما طبقته في النثر فرفيعة
أيضا ،وهو صاحب (رسالة ابن زيدون) التهكمية ،بعث بها عن لسان والدة إلى ابن عبدوس
وكان يزاحمه على حب والدة بنت المستكفي .وله رسالة وجهها إلى ابن جهور طبعت
مع سيرة حياته في كوبنهاجن .وطبع في مصر من شروحها (الدر المخزون وإظهار
السر المكنون) وله (ديوان شعر) ولعلي عبد العظيم( :ابن زيدون ،عصره وحياته وأدبه)
ولالستاذ وليم الخازن (ابن زيدون وأثر والدة في حياته وأدبه) ويرى المستشرق كور
Cour .Aأن سبب حبسه اتهامه بمؤامرة إلرجاع االمويين.
ابن خلكان :وفيات االعيان05/1 ،؛ دائرة المعارف اإلسالمية119/1 ،؛ ابن تغري بردي:
النجوم الزاهرة813/3 ،؛ الزركلي :األعالم.131/1 ،
360
على أنه إذا نظر بعين اإلنصاف ،ظهر أن القدر المشترك بين أحاديثه
إلى كُفر مَن أنكر ،ظهور ذلك اإلمام المنتظر ،وإن كان فيما قاله
نظر.
ثم قلت :يا موالي إن دولة آل عثمان ،تبقى على حالها بعد انقراض
دولة صاحب الزمان ،وقد ذكر هذا الطحطاوي( )1محشّي الدر المختار،
في جميع األقطار، في رسالة ألفها في ذلك رأيتها عند شيخ اإلسالم
()8
362
وقد أطال في ذلك الكالم ،والمعول عليه عندي في هذا المقام ،كشف
غير واحد من األولياء الكرام ،ومن فروع ذلك الكشف الباهي األبهر،
أغصان شجرة حضرة موالنا الشيخ األكبر ،قدس سره األنور ،وكم قد
شرحها فاضل ،ولعمري إن جناها لممتنع إال على كامل ،وإني ألرى ذلك
ببركة خدمتها للنبي صلى اهلل تعالى عليه وسلم ،وشرذف وعظّم وكرّم،
[وإنما قلت ذاك اعتمادًا على فضل ملك األمالك لما أن هذه الدولة
العلية ،لم تال جهدًا في تأييد الملة المحمدية ،وكم قد صدر منها حث
على المعروف وحض ،وأما ما ينفع الناس فيمكث في األرض ،وقد ذكر
غير واحد من أهل الكشف بدوامها إلى خروج المنتظر ،وال يبعد من فضل
وإنّا نسأل المليك الذي بيده سبحانه إدامة اهلل تعالى أن تدوم أكثر]
()1
فقلت :اهلل تعالى أعلم وأخبر ،وأمره عندي كأمر القيامة ،فمن يوقِّت
قيامها يوقت قيامه ،بيد أني أقول :يظهر على رأس مائة من السنين ،وال
363
ثم قال :أتبقى الدنيا أكثر من سبعة آالف ؟
قلت :في ذلك بين العلماء خالف ،واألصح بل الصحيح عندي :نعم،
ولسوف تأتي أمم بعدها أمم ،والحديث في ذلك مضطرب المتن واإلسناد،
فال يعول عليه عند أئمة الحديث النقاد .نعم ،ما بقي من عمر الدنيا أقل
ثم استطرد مسألة الرجعة( )1التي يقول بها الشيعة ،فقال :لعمري تلك
مقالة شنيعة ،فقلت :لشناعتها عند ذوي الكمال ،أنكر بعض منهم تحققها
( )1الرجعة :اإلمامية اإلثنا عشرية طائفة من الشيعة تعتقد أن هناك اثني عشر إمامًا
معصومين ،وتتوفر فيهم شروط خاصة لتولي اإلمامة وهم أحق بالوالية من غيرهمْ
ويقدمون لذلك أحاديث وقرائن وأدلة على مقتضى مذهبهم .تلتقي الشيعة جميعًا حول
قضية اإلمامة ولكنهم يختلفون بعد ذلك في عدد األئمة .ومن معتقداتهم الرجعة .تقول
اإلثنا عشرية برجعة األئمة ،ويريد أتباع هذا المذهب بذلك عودة اإلمام إلى =الظهور
بعد الغيبة ،أو إلى الحياة بعد الموت .وذهب بعضهم إلى القول برجعة األئمة وأنصارهم
وأعدائهم ليقتص من هؤالء ألولئك بينما يذهب آخرون إلى تفسير الرجعة بمعنى ظهور
الدولة الشيعية وحاكمها اإلمام .وقد ربط الشيعة بعض إقامة الدين وأحكامه وشرائعه
برجعة اإلمام .ولكن في العصور المتأخرة يغلب الرأي الذي يدعو إلى والية الفقيه التي
تنص على أن الفقهاء يتولون أمر الحكم نيابة عن اإلمام في غيبته ،وينفذون األحكام إلى
حين ظهوره .واإلثنا عشرية جميعًا يقولون بعودة اإلمام المنتظر أو اإلمام الغائب المهدي
الذي يقيم دولة اإلسالم كما يقولون.
انظر :الموسوعة العربية العالمية .
364
والذي اضطره إلى هذا االستثناء ،كثرة ما عندهم فيها من األنباء ،وأما
ثم استنوق الجمل ،وطويت هاتيك الجُمَل ،حتى إذا كانت الساعة
الثالثة قام ،وودع سلفه المشير بسالم ،وكان الداعي لزيارته ،وسرعة
عوده إلى محل إقامته ،أن أخاه المشير ،قد عزم على المسير ،واالجتماع
بأخيه والي بغداد [/34أ] بخربوت ،ال جعلها اهلل تعالى مسكنا إال للبوم
ومصالح أتباعه ،ثم إنّا جميعًا ودَّعنا المشير المشار إليه ،وعدنا إلى
وفي الساعة الثامنة من تلك الليلة توجه لقصده ،نسأل اهلل تعالى لنا
تبلغ الوالي الجديد أدعية عريضة وفيرة ،فأجبته في الحال ،خشية من
سوء ظن ذلك الوالِ ،وهذا ما قاله لسان القلم ،وأنا في زوايا الهموم ال
أعلم:
365
معروض عبد داعي ،وراعٍ مراع في سرح آماله بمواله أزكى
المراعي ،لدى حضرة وزير أخذ به الرشد إلى أقصاه ،وجبذه السعد حتى
صرف بهمته كل نحس وأقصاه ،من غدت دائرة قطر العراق مترعة فرحًا
بواليته ،وبدت كرة الوفاق دائرة مرحًا على محور تدبيره عدالته ،حضرة
أفندينا ولي النعم ،ومولى أنواع الكرم ،جعل اهلل تعالى قناة الزوراء مثقفة
إن الداعي لما حلّ ديار بكر ،وحل إزرار كل نصب وضر ،سمعت من
حضرة مشيرها أخيكم األمين المأمون ،إن دار الخالفة بغداد قرت منها
بوالية حضرة الرشيد العيون ،فزال بالكلية تَرَحي ،وكدت أطير من
مزيد فرحي ،وتمنيت أن أكون البشير ألهلها ،فأدخل السرور على شيخها
وطفلها ،إال أن حبي ألن أكون من بينهم أول رامق قمر معاليكم ،وأسبق
عبدي باشا ،وأقامني لرفع أكف الدعاء لكم وله بما يزيدكم انتعاشًا،
366
وجعلت صحيفة االختصاص إمامي ،ورجوت من عبدكم المخلص
بحضرتكم فيما يسر ويبدي ،كاتب ديوان اإلنشاء سليمان فائق بك أفندي،
أن يتخذ عند بلقيس سبا وجودي بحمل الكتاب يدا ،وما كنت لوال
اهلل تعالى ليالً ونهارًا ،ويبتهلون إليه -عز وجل -سرًا وجهارًا ،أن يعجل
وذكورًا ،ينادون بأعلى صوت :جعل اهلل تعالى هذا الرشيد منصورًا .و
قلبي ولساني من هنا يقوالن آمين ،يا من يجيب الداعين وال يخيب
السائلين .إلى أدعية ملئت بها ديار بكر ،ولم يدعها قبلي زيد وال عمر،
367
وفي اليوم الرابع عشر ،من أيام هذا الشهر ،جاء لزيارتي أحمد بك
أحد رؤساء النظام ،فأفهمني أنه من قيصر وأنه قائمقام ،وذكر لي أنه
فشرعنا نسرد مزايا المومأ إليه ،ونترجم سيرة والده ونترحم عليه ،فأنعم
بهذا الولد وذاك الوالد ،وأكرِم ثم أكرِم بماجد نجل ماجد ،ورأيت
الرجل حييًا جدًا ،وأديبًا لم أجد ألدبه حدًا ،وأفادني أن آبائه علماء أعالم،
وفضل اهلل تعالى المجاهدين على القاعدين ،ثم تغدينا جميعًا ،وبعد الغداء
السيد المكرم ،أعني به ذا القدر العلي ،السيد أحمد أفندي القلعلي ،فوجدته
قد دخل الحرم ،إليناس مَن فيه من الحرم ،فجعلت أطالع كتابًا رأيته
في حجرته،
368
وأنتظر هناك بزوغ بدر طلعته ،فبينما تسرح حواسي في حواشي
رياضه ،وتسبح غرانيق خيالي في سلسال حياضه ،إذ رأيت رجالً دخل عليّ
النظر ،حيث كان في ثياب السفر ،فإذا هو النائب المنيب ،والمحب الحبيب
الحاج بكتاش زاده ،فضممته إلى صدري ،ودمع السرور يجري على خدي
ونحري ،فلم أزل أداوي بلثم خديه أسى وغرامًا ،حتى عادت بفضل اهلل -
تعالى -نار نمرود الفراق بردًا وسالمًا ،فأين إبراهيمي المذكور ،مما
369
قلما استقر به المقام ،وزال بطيب الكَلَام الكِالم ،جاء السيد المومأ
إليه ،ال زال الخير وافدًا عليه ،فابتدأه بالترحيب والتكريم ،وقال :سالم
على إبراهيم ،فطاب لنا هناك جانبًا اليوم ،وبقينا إلى أن طالبنا صبي
ثم جاءني في اليوم الثاني ،فسألته عما أطاره عن بيضه ،وراعه حتى
فَرّ من روضه؟
فقال :عُذْوى العِدى ،وعَذوى ذوي االعتدا ،فقد رموني بَعد بُعدك
عن قوس واحدة ،وعزموا غِبّ غيبتك على إحراقي بنيران قلوب واجدة،
سائمة ،ومأل خبيثهم الغُوَيرَ أبؤسا ،وغدا خنيثهم عُثَيثَةً تقرم جلدا
أملسا ،فتجنبت عنهم لمّا هبتهم ،وفررت منهم لمّا خفتهم ،وودعت مدينة
371
ولوال المزعجات من الليالي ...لما ترك القطا طيب المنام
الجبال هباءً ،وبرزت خبايا ،ما ضمتها زوايا ،وبدت الدِعاث ،واستنسرت
البُغَاث.
فقلت :يا بني –وأبيك -لم تزدني علمًا ،ولم تكشف لي بوصفك عَمّا
غَمّا ،وإني ألعلم من خبر األقوام فوق ما تقول ،ومن خيّر العوام [/31ب]
ما وراء طور العقول ،وكم للزوراء إزورار عن أجلة أهلها ،وكم لها
370
(. )1
فقال :هان علي األملس ما القى الدَبِر
فقلت :ألم يكن ثَمَ الثِّمال واألشمّ الذي تهابه شُم الجبال ،والدي
وسيدي ،عبد الغني أفندي؟ وأين كان ليث الوغى ،جناب سليمان أغا؟
فقال :أنعمت وأكرمت ،وهما فوق ما أشرت ،ولم يقصرا -أطال اهلل
تعالى عمرهما -في نصري ،وبجناحي شفقيتهما طار واقع نسري ،ومع ذا
رأيت األوفق الفراق ،وقطع عرق الغرام بطلول العراق ،فألقمت الخصم
الحجر ،وامتطيت مشمعالت السفر ،فأنا اليوم وهلل تعالى الحمد في عِزٍ
( ) 1هان على األملس ما القى الدبر :مثل يضرب لمن ال يهتم بأمر صاحبه .كما قال
الثعالبي ،وقال الشيخ بهاء الدين العاملي :هذا مثل يضربونه في الرجل القليل االهتمام
بشأن صاحبه .واألملس :هو صحيح الظهر ،والدبر :الذي قد دبر في ظهره .يعني أن
صحيح الظهر يهون عليه ما يلقاه دبر الظهر من ألم ومشقة ،ألنه ال يحس باأللم مثله.
الثعالبي :التمثيل والمحاضرة31/1 ،؛ العاملي :الكشكول. 544/8 ،
372
وكل مكان ينبت العز طيب *** وكل امرئ يولي الجميل محبب
فقلت :أوشك أن يتحد مذهبك ومذهبي ،إال أنه تأبى ذاك بنات
ألببي(:)1
غويتُ ،وأن ترشد غَزشيّة أرشد *** وما أنا إال من عزية إن غَوَت
وهيهات أن أسلو بغداد ،أو أميز عليها -على عالتها -ما رأيت من البالد
[لمؤلفه](:)8
( ) 1تأْبَى لَهُ ذَلِكَ بَنَاتُ أَلْبُبِي :قالوا :أصل هذا أن رجال تزوج امرأة وله أُمّ كبيرة
فقالت المرأة للزوج :ال أنا وال أنت حتى تُخْرِجَ هذه العجوز عنا فلما أكثَرَتْ عليه
احتملها على عُنقه ليال ثم أتى بها وادياً كثير السباع فرمى بها فيه .ثم تنكر لها فمرَّ
بها وهي تبكي فقال :ما يبكيك با عجوز ؟ قالت :طَرَحَنِي ابني ههنا وذهب وأنا أخاف
أن يفترسه األسد فقال لها :تبكين له وقد فعل بك ما فعل ؟ هال تدعين عليه قالت :تأبى
له ذلك بَنَاتُ أُلْبُبي
قالوا :بناتُ ألْبُب عُرُوقٌ في القلب تكون منها الرِّقَّة قال الكُمَيْت:
إليكم ذَوِى آلِ النَّبِيِّ تطَلَّعْت ...نَوَازُع من قلبي ظماءٌ وألْبُب
والقياس ألُبٌّ فأظهر التضعيف ضرورة .يضرب في الرقة لذوي الرحم
أبو الفضل النيسابوري :مجمع األمثال155/1 ،
( )8هذه الزيادة من النسخة المطبوعة.
373
وأوّل أرضٍ مــسّ جلــدي ترابُهــا * ديــارٌ بهــا حَــلّ الشبــاب تمائمــي
فـــإني ألرجـــو أن يعـــود شـــبابُها * فــإن عجّــزت يومًــا لســوء زمانهــا
لمثلي وإنّي فـي سـماها (شـهابُها) * هي الــدار حاشاها تصــرّ علــى قِلــىً
ففــاخر ســُغداً ســوحُها وهِضــابُها * وكــم جَلّلتَهــا مــن عِهــادي ديمــة
بصمصــامة عَبلــى الرقــاب قِرابُهــا * وكــم ذُدتُ عنها من يروم هجاءهــا
لهــا لِمَمــاً ال ينصــلنَّ خِضــَابُها * وكـم خضَّبـت بيــن األنــام مدائحــي
ولســت أبــالي أن عــوتني كالبُهــا * ومــا أنكــرتْ فضلــي أُسُودُ عرينهــا
فعمّــــا قليــــلٍ عنــــه يُجلــــى * ومن كان كالشمس المضيئة في الضحى
إهابُهـا
374
وفي اليوم التاسع عشر من الشهر المذكور ،أنعم اهلل تعالى شأنه
صحاف أيامه ولياليه بموائد السرور ،سالت بأعناق مطايا والي الزوراء
بطاح( )1آمد ،ولم يزل يأتي منهم إلى ديار بكر الواحد بعد الواحد.
على ضروب األكابر واألصاغر ،وقابل من رجاه باإلحسان حتى حصل له
مدى الزمان في كفة ميزان العقل معادله ،المغنى بجداول رقيم حافظته
عن الرقم الهندي ،رئيس محاسبي العسكر الحجازي والعراقي (ويسي بك
375
لما أن إخبار األخبار شوّقَني إليه ،فرأيته -سلمه اهلل تعالى -العجب
بكتاب أثار وجدي ،حيث كان من آثار المولى األمين خان أفندي ،والذي
قدّمنا ذكره ،وشرحنا من قبل أمره ،ففضضت ختمه ،وتحققت رقمه ،فإذا
ومزيد أواره ،أحبب أن أداوي ما بي بإثبات شيء من سنيّ آثاره ،ولم أبال
بأنه لم يتقشف ،فتلك لعمري عادة السلف ،وإنها عندي ألحلى من
376
من عبد اهلل ،المهاجر في سبيل اهلل إلى حضرة السيد الكريم ،والمولى
والدين المبين ،ومجدد شريعة سيد المرسلين ،عالم علوم القرآن العظيم،
وكاشف معاني كالم اهلل القديم ،سيدي وموالي مفتي دار السالم بغداد،
صانه اهلل تعالى من شر أهل العداوة والفساد ،بالنبي وآله البررة األمجاد،
أمّا بعد ،فقد مضت األيام والشهور ،بعد مفارقتكم لنا يا أهل العلم
والنور ،وبلغت األشواق إلى النصاب ،وقربت نيران الفراق في قلبي إلى
حد االلتهاب ،فكتبت هذه العريضة إلى جنابكم المستطاب ،فوالذي نفسي
بيده ما أنا بعد الترحال ،وفراقكم عنا [يا مالذنا]( )1إال كمن قال:
377
ودمعي خمرة والجفن ساقي *** تَرَحّل بعضُنا والبعضُ باقي
()1
مريراً من أباريـق الفراقِ *** سقتني نائباتُ الدهرِ كأسًا
أعوامـــه وأردد بهــا أيامـًا *** يا عيشنا المفقود خُذ من عمرنا
فيا سيدي ومرادي ،وحِبّي وحَبّة فؤادي ،لوال بُعد المسافة وضُعف
ألزور مجلسكم الشريف كل يوم ،ولو كان لي جناح لطرت إلى حضرتكم
الباهرة ،ألستفيد من بحار علومكم الزاخرة ،لكن كيف الطيران بال جناح،
378
فوربِّ البيت ليس في قلبي المُعَنَّى أمل إال التالقي والوصال،
ومرور األوقات على دوام االتصال ،لكن الزمان يضِنّ ويبخل ،بما يهوى
تَجري الرِّياحُ بِما ال تشتهي *** ما كُلّ ما يتمنىَّ المرء يُدرِكهُ
السُّفنُ
()1
( )1قائله المتنبي ،من قصيدة يمدح بها كافوراً األخشيدي صاحب مصر ولم ينشدها له،
وكان اتصل به أقواماً نعوه في مجلس سيف الدولة ،وأولها:
بِمَ التعّللُ ال أهـلٌ وال وطـنُ ...وال نديمٌ وال كأسٌ وال سكنُ
أريدُ من زَمني ذا أن يبلغَني ...ما ليسَ يبلغُهُ في نفسه الزمنُ
العباسي :معاهد التنصيص31/1 ،؛ الواحدي :شرح ديوان المتنبي. 558/1 ،
379
واهلل تعالى أعلم أني ال أنسى محبتكم ما دمت حيًا ،أو صرت بعد الموت
تحت أطباق الثرى نسيًا منسيًا ،وأما المسئول األسنى ،والمقصود األقصى،
من كمال فضيلتكم ،وصفاء مراحمكم ومحبتكم ،أن تتفضلوا على أسير
واألمثال ،بلغكم اهلل تعالى في الدارين إلى مناكم ،وعمّر -جل وعال -
بفضله آخرتكم ودنياكم [/35أ] بالنبي وآله الطاهرين .والحمد هلل رب
العالمين.
توقاد.
ثم كتب في ذلك الكتاب هذين البيتين ،الذين طافت بهما الركبان
381
لها لهب وفي جفني سحاب *** كتبت وفي فؤادي نار شوق
ولوال الدمع الحترق الكتاب *** فلوال النار بلّ الدمعُ خطّـى
ثم كتب سالم الفاضل عبد الرحمن أفندي عليّ ،حيث يعلم أنه من
ولما كان الجواب الزمًا عرفًا وشرعًا ،وقد عدوه وصالً يقوى به
حبل المودة قطعًا؛ سارعت األقالم ،إلى إرساله على بريد األرقام،
أن صاب السعي خير من عسل الكَسَل ،وهذا أثر سعيها ،مع فرط عِيّها
وعَيّها.
380
سالم سلم -بال مراء -من كل عيب ،ودعاء رفعته -بال ادعاء -أكُفّ
اإلخالص إلى عالم الغيب ،وثناء تثنى بين كل جمع ،وثنى ركبته على
منصة الصدق بدليل العقل والسمع ،يُهدى من عبدٍ عائذٍ بمواله ،عائد
إليه بالتوبة مما أقصاه ،إلى مولى أؤتمن على كرائم األخالق وما خان،
ووفق لمراضي الملك الخالق وما حان ،فترى المحاسن ملء إهابه،
واإلحسان عنوان كتابه ،ولم يترك منقبة إال حازتها نقيبته ،ولم يدع
قربة إال تحلت بها صحيفته ،قد زهت بثمار زواهر طاعاته أشجار علومه،
وأترعت بكبار جواهر تحقيقاته بحار فهومه ،حضرة المهاجر الذي غدت
وسندي األكمل األوحدي ،أبو الفوز الحاج محمد خان أفندي ،أواله اهلل
تعالى مزيد فضله ووااله ،وعمّر -عز شأنه -بالصالحات أخراه وأواله ..
[/35ب]
382
وبعد..
فقد وَرَدَ عليّ كتابكم ،ورَدّ إليّ شارد سروري خطابكم ،وقد صادف
ذلك إقامتي في ديار بكر ،ولهجي بذكركم بين جماعتي لهج النحوي
بزيد وعمرو ،فجعلت أداوي بطيبه وجدي ،وأتغنى به إذا خلوت وحدي،
الهموم فيُنْجِد ،فلله تعالى دَرّه من كتاب أبهى دُرّه ،ومن خطاب ما
أشهى لرضيع القلب دَرّه ،وقد أفدتم فيه العبد ،أنكم بَعد بُعده في مزيد
وجد ،فيا أيها المولى الجليل ،ما أنا وأنتم إال من قبيل ما قيل :
مقيمون عندي في الفؤاد وفي الحشا *** لئن غبـتُ عنكــم بالعبـاد فأنتـم
وذلـك فضـل اهلل يؤتيـه من يشــا *** وأرجو من الرحمن طيب وصالكم
ويشهد اهلل تعالى أني شاكر ألياديكم ،ناشر حيثما كنت صفات مجد
جمعت فيكم ،لم أزل أنشد في المحافل ،قول الشاعر الفاضل :
فيض دمع يجريه وجدٌ مقيمُ *** إن ترحلت أو أقمت فعندي
383
وحاشاني أنسى هاتيك األيادي ،أو أنسئ شكر ما شاهدته منكم في
ذلك النادي ،ال أخلى اهلل تعالى سماء تلك الديار من بدركم السامي،
وال أقفر عراصها القفار من وابل إحسانكم الهامي ،وال زلتم أنتم ومن
هذا وأرجو إبالغ سالمي ومزيد وجدي ،جناب أخي وحبيبي عبد
الرحمن أفندي ،وجناب ذي الخلق العطر الندي ،أخي النجيب عبد السالم
أفندي ،وجميع أبناء العم ،وقيتم وإياهم من الهم والغم .والسالم عليكم
مراعي ،محمود الشهير بآلوسي زاده ،غمرنا بأنواع الخير والسعادة. .
انتهى.
384
وكتبت ما جاء عفوًا إلي بناني ،ولم أكلف أدهمي عدوًا على شوارد
ذلك األصل والجواب ،على أن الذهن أشغل من ذات النحيسين ،وأذهل في
بمعظم أرض الروم قد كسد السجعُ *** وإني مللت السجـع مـن أجـل أنـه
تلوت بأرجائهـا فمـا ساغهــا سمـعُ *** وكم فقرة قـد أحكمتـها قريحتي
عروبــة عُـرب والعـراق لهـا *** وما كان من عيب بهـا غيـر أنهـا
رَبـع
بلـى حيلتي أن ال يُرى مِني الصـدع *** فما حيلتي يا سعد والعيب ما تـرى
وقد كنت قلت أيضًا قبل ذلك ،لِما أن شاهدت ما شاهدت من فضالء
كرهـت لذاك ساجعـة الطيور *** أال إني كرهت السجع حتى
385
ولعمري لقد ندمت على ما أسلفت من السجع ،وإن كنت أعلم أن ليس
للندم على ما نَدَّ نفع ،ولقد كنت أفعل وأنا الهزبر فعل الذباب حيث
فقدت هناك أجناسي ،فأحك راحتي ندمًا على ما تلوت من ذاك ثم ألطم
بهما وعينيك رأسي ،ولوال أن عزيمتي التوجه إلى أحباب ،هم ورب
الشِعرى رياض اآلداب ،لسكت إلي أن تنطق الجلود ،وألرحت خَلدي إلى
يوم الخُلُود.
والهواء أهون األيام ،ظهر خير خبر ،وأبرّ أثر ،وهو خبر عزم والي
الزوراء وعلي الوزراء ،على دخول مدينة آمد السوداء ،وتنوير أرجائها
بأنوار طلعته الغراء ،فذهبتُ مع وجوه البلد ،وهم كأصابع الكف في
العدد ،إلى حضرة واليها ،ومن إليه مرجع أهاليها ،فجلسنا عنده على أحسن
حال ،ثم قمنا جميعًا لالستقبال ،فقعدنا برهة من الزمان ،في خيمة نصبت
عند كشك السيران ،حتى إذا الح خميس ذلك الوالي ،وأقبل نحو نار
386
فإذا هو والٍ رشيد ومشير مأمون ،له احتفال برعيته حتى كأنه ينظر
إليهم بأربعة عيون ،وقد صحبه سليل األجلة األمجاد ،موالنا محمد عبد
الرؤف أفندي البرلبه وي قاضي بغداد ،فرأيناه سجل المفاخر ،قد ورث
الفضل كابرًا عن كابر ،وكذا جناب ذو الخلق النفيس ،عبد اهلل أفندي
نائب بدليس ،وكان منتسبًا إليه منذ كان ،مشيرًا في إيالة كردستان،
فيقال إنه جلبه إلى خربوت وتوسط له بالنيابة ،فمأل من عباب رسومها
على الوجه المرسوم أهابه ،وقد أمره برفاقته ،إلى محل إقامته ،وهو
وقد جمعنا العَشاء مع المومأ إليه في بيت المفتي ،فرأيت منه ما
يقضي بمزيد نجابته ويفتي ،ولم نزل نجتمع كل ليلة عند الوزير معه،
فنكاد نحيي بحلو السمر الليل أجمعه ،وقد علمت من أمر الوالي ،في
هاتيك الليالي ،أنه ال نظير له بين الوزراء ،وال نظرت مثله عين الزوراء.
387
ولما كانت ليلة الخميس سادسة صفر ،صنع المفتي وليمة لم يبق
فيها ولم يذر ،فبعد أن رفعت ألوان الطعام ،ونصبت في البين موائد الكالم،
أخبر بخير خبر ،فقال :غدًا -إن شاء اهلل تعالى -نمد سفرة السفر ،فامتألت
): (
حتى إذا أفرغ من السرور قلب المشكوة المحرور ،وفرغ لسان الصباح
من تالوة آية النور .قمنا ألخذ األهبة للمسير ،فسرت الساعة الرابعة
متوكالً على اهلل تعالى مع الرشيد المشير ،ولم أنزل في البين إال لصالة
الظهر ركعتين ،ولم أزل أسير رفيق أخٍ ما قلت منه منذ عرفته أخ ،حتى
أتينا الساعة العاشرة قرية أكرادٍ تسمى (الكرخ) فذكرني ذلك كرخ
بغداد ،ودعا الداعي بها فكاد يفر من قفصي طائر الفؤاد .دعا باسم ليلى
( )1الكرخ :جعلها المقدسي في أحسن التقاسيم إحدى مدن سامراء ،وقال اإلدريسي :ومن سر
من رأى إلى الكرخ ستة أميال والكرخ مدينة صغيرة عامرة بشرقي دجلة .
اإلدريسي :نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق. 818/1 ،
388
أطار بليلى طائرا كان في الصدر[/33أ] *** دعا باسم ليلى غيرها فكأنما
وهيهات ما بين الكرخين وإن اتحدا في المقال ،فما هما لعمري إال
فنزلت في بيت رجل كردي ،أنا وذلك األخ سليمان بك أفندي ،فجعل
يرطن معنا بلسان كأنه عزيمة جان ،ومن العجب أنه أعيى أمره -وحرمة
من علم منطق الطير -سليمان ،فوسطنا لمصالحنا اإلشارة في البين ،فقال
ببنانه :على الرأس والعين .وربما أبدل باللسان البنان ،فقال بوجه
فلما أعلن المؤذن بصالة العِشاء ،جاء رسول المشير يدعوني للعَشاء،
حتى إذا قاربت الثريا تفرغ من ذرع قبة الفلك بشبرها ،عدنا إلى حجرة
389
وبقيت أعاني دمّل الليل حتى ظفرت بفجره ،وهناك خطر ببالي
قِرَابِ
ما بيـن ثدييهـا إلـى *** أو غـادةٍ شقَّـتْ صِــداراً أزرقـاً
األتراب
فاضل ذيلها في بطون البطاح صليت الصبح بسنته ،ثم اشتغلنا بمصالح
الرحيل وأهبته ،وفي أثناء المسير ،نزلنا للغداء مع المشير ،وبعد مضي
ساعتين ،انفردت فجمعت مقلدًا اإلمام الشافعي الصالتين ،وما على من قلد
غير مذهبه من بأس ،وإن لم يكن هناك أمر ماس ،ما لم يحصل بذلك
( )1أبو الفضل الميكالي (ت 059هـ1403/م) :عبيداهلل بن أحمد بن علي الميكالي ،أبو الفضل:
أمير ،من الكتاب الشعراء .من أهل خراسان .صنف الثعالبي " ثمار القلوب " لخزانته.
وأورد في "يتيمة الدهر" محاسن من نثره ونظمه ،ومختارات من كتابه "المخزون"
المستخرج من رسائله .وسماه صاحب فوات الوفيات "عبد الرحمن بن أحمد" وأورد من
شعره ما يوافق بعضه ما في اليتيمة ،مما يؤكد أنهما شخص واحد ،وذكر له من
المؤلفات "مخزون البالغة" و"المنتحل" سبق أن طبع منسوبا إلى الثعالبي ،و"ملح
الخواطر ومنح الجواهر" و"ديوان رسائله" و"ديوان شعره" وفي كشف الظنون أسماء
بعض هذه الكتب وتسمية مؤلفها "عبيداهلل بن أحمد" كما في ثمار القلوب واليتيمة.
الزركلي :األعالم. 161/0 ،
391
وبعد قليل من الزمان حططنا الرحال في قرية تسمى (تِزْيان) ،وهي
بكسر التاء المثناة الفوقية بعدها زاي ساكنة وياء مثناة تحتية ،قرية
إلى كثير من جوامع القرى سعة ،ويبلغ الثلج أحيانًا في شتاها ذراعًا،
وقد يبلغ فيما حواليها بال مبالغة باعًا .وكان أكثر سيرنا بين جنادل
ولما جنّ علي الليل ،حلّ بجبتي من مجانين البراغيث الويل ،ولم
تزل إلى الصباح في رياض جسمي سارحة ،فيا هلل تعالى العجب ما أشبه
الليلة بالبارحة ،وباتت على أهنئ قِرى عندي ،ولم تقرب فراش سليم بك
أفندي ،فما أدري أحست بملوحة في مليح جسمه ؟ أم أهابته حين سمعت
بشريف اسمه ؟
الوصيف الكثيف ،فعاد يفتش عنها فوجدها بين الصخور ،وذلك -وحرمة
390
ولما غرب القمر ،وهب نسيم السحر ،وقارب أن يرى غراب الدجا بين
مخلبي بازي الصباح ،فيندبه الديك ويمأل أسفًا عليه قفص الجو
بالصياح .أخذنا األهبة لصالة الفجر ،وثرنا من الفرش غير مبالين بمزيد
القر ،وأثر ما دلع الفجر لسانه ،وهز على شريد الدجا سنانه ،أدينا الصالة
جفونه ،فترى أناسي األحداق كأنها غرقى في لجة الكرى ،تتشبث بحشيش
( )
طائعين ،إلى مدينة (ماردين) ولم نزل نسير بين جنادل وجبال ،هي حتى
عند خفيف العقل أثقل من منن الرجال ،حتى دخلنا في الساعة السابعة
البلد ،وهي على وتد ال يكاد يرتقي إال بسبب التوفيق اإللهي أو سلم المدد،
392
فحططنا الرحال في بيت فخر السادة ،جناب المفتي عمر شوقي أفندي
أغا زاده ،فرأيته قد جمع العدل والمعرفة ،وحاز من صفات الفضل ما ال
أقدر أن أصفه ،وهو حسيني النسب ،من جهتي األم واألب ،ولد في سنة
[/39أ] خمس بعد المايتين واأللف ،من هجرة واحد اآلحاد النبي الصفي
فسرّ إفتاؤه اإلسالم والمسلمين ،ولما انحلت عرى قواه ،وعرى بصره
ضعف قوي عجز به عن تحرير فتواه ،قلد أمر الفتوى ولده ذا الخلق
الرندي ،عزيز مصر الحُسن يوسف أفندي ،وكان مولده في السنة الثانية
والثالثين ،وقد جمع من الفضل على صغر سنه ما تفرق في كبار ماردين،
وللمفتي المومأ إليه– ال زالت ألسنة األقالم مثنية عليه -نظم باأللسنة
الثالثة نفيس ،وقد عرض عليّ منه عدة قصائد تحكي ريش الطواويس،
قد أشبه الروض في وشى ألوانه ،وتثنّى تثني أفنانه ،وإشراق أنواره،
393
وفريده بشذره ،يتحاشاه االُبُن ،ويتحاماه الهُجُن ،يهدي إلى األسماع
تحرير شيء منه ولم يتيسر ،وهذا بالنسبة إلى ما سمعته هناك من الشعر
وأمر من الحنضل ،لم يميز قائله بين خبيث القول وطيّبه ،ولم يفرق
بين بكره وثيّبه ،وإال فبينه وبين شعر شعراء العراق ،كما بين األرض
السابعة والسبع الطباق ،فذاك الذي يبلغ في اإلبداع الغاية ،وال يوقف
394
فـي حُسْـن صنعتـه وفـي تأليفـهِ *** يتحيّر الشعراء إن سمعوا به
ترصيفه[/39ب]
مقطوفـِه
()1
ولو أن شعرًا أذيب به صخر ،أو أطفئ به جمر ،أو عوفي به مريض،
أو جبر به مهيض؛ لكان هو ذلك الشعر الذي يقود ،سامعيه إلى السجود،
( )1األبيات ألبي العباس الناشي من قصيدة يصف فيها الشعر :وقال أبو العباس الناشئ يصف
شعرهُ ،ويقول فيها:
فـإذا قرنت أبيّـه بمُطِيعِــهِ ...وقرنتــــهُ بغَرِيبـــه وطريفــه
ألفيـت معناه يطابق لَفْظَـه ...والنظــم منــه جليّــهُ بلطِيفــهِ
فأتاه متّسِقـاً علـى إحسانـه ...قــد نِيـط منـه رَزينـه بخفيفـه
هذبتُـه فجعلتُه لـك باقيـاً ...ومنعت صرفَ الدهر عن تَصْرِيفه
وقال الناشئ في فَصْل من كتابه في الشعر :الشعرُ قَيْد الكالم ،وعقل اآلداب ،وسُورُ
البالغة ،ومعدن البَراعة ،ومجال الجنان ،ومسرحُ البيانِ ،وذريعة المتوسّل ،ووسيلةُ
المتوصل ،وذِمام الغريب ،وحُرْمَة األديب ،وعِصْمة الهارب ،وعَدَّة الراهب ،ورحلة
الدَاني ،ودَوْحَة المتمثل ،وروحة المتحمل ،وحاكم اإلعراب ،وشاهِدُ الصواب.
انظر :الحُصري ،زهر اآلداب وثمر األلباب. 891/1 ،
395
،ويحكم له باإلعجاز والتبريز ،ويحل أن يشبه صفاء سبكه بالذهب
اإلبريز ،أوصلنا اهلل تعالى إلى رياضه ،وروّى عطاش أسماعنا من زالل
حياضه.
وزرت –تبركًا -األخ الزاهد ،المولى الشاكر الشيخ حامد ،وهو في
396
أبي ()1
وذوي الصفاء المرشدين ،أخذ عن تذكرة الجنيد والسري
الفيض الشيخ خالد الجزري ،خليفة ثالث الشمس والقمر ،ومجدد القرن
الثالث عشر ،الهيكل النوراني ،أبي البهاء ضياء الدين حضرة موالنا الشيخ
واستجازني هو وولده الشيخ إبراهيم ،وما ذاك إال لحسن ظنهما بهذا
( )1السري السقطي (835 -...ه193-.../م) سري بن المغلس السقطي ،أبو الحسن .من كبار
المتصوفة .بغدادي المولد والوفاة .وهو أول من تكلم في بغداد بلسان التوحيد وأحوال
الصوفية ،وكان إمام البغداديين وشيخهم في وقته .وهو خال الجنيد ،وأستاذه .قال
الجنيد :ما رأيت أعبد من السري ،أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤي مضطجعا إال في
علة الموت .من كالمه( :من عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره) .
الزركلي :األعالم. 849/9 ،
397
وزارني بعد سويعة ذو الرأي السديد ،النائب األسبق عثمان أفندي ومعه
ابنه محمد سعيد ،فرأيت ما لو رأته الحور العين لحاضت لفورها ،أو
ظن اإلخوان لقد رأيت ملكًا في صورة إنسان ،بيد أنه سقى ماء الحسن
شاربه ،فاخضرّ ،وأحس نهار خده بهجوم ليل صدغه فاستشاط عليه
فاحمرّ ،حفظه اهلل تعالى ألبيه ،وحفظ سبحانه منه قلوب محبيه.
مستطيلة على جبل متطاول ،وعلى ذروته قلعة تقصر عنها يد المتناول،
( )1الخنساء (ت80هـ903/م) :تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد ،الرياحية السلمية ،من
بني سليم ،من قيس عيالن ،من مضر :أشهر شواعر العرب ،وأشهرهن على االطالق .من
أهل نجد ،عاشت أكثر عمرها في العهد الجاهلي ،وأدركت اإلسالم فأسلمت .ووفدت على
مع قومها بني سليم ،فكان رسول اهلل يستنشدها ويعجبه =شعرها فكانت رسول اهلل
تنشد وهو يقول :هيه يا خنساء! أكثر شعرها وأجوده رثاؤها ألخويها (صخر ومعاوية)
وكانا قد قتال في الجاهلية .لها (ديوان شعر) فيه ما بقي محفوظا من شعرها .وكان
لها أربعة بنين شهدوا حرب القادسية (سنة 19هـ) فجعلت تحرضهم على الثبات حتى
قتلوا جميعا فقالت :الحمد هلل الذي شرفني بقتلهم.
الزركلي :األعالم. 813/0 ،
398
فهي حمى ال يراع ،ومعقل ال يستطاع ،وتشتمل من البيوت [/33أ] على
نحو ألفين وخمسماية ،وفيها عدة جوامع ومدارس بلغت سكنتها من القلة
وارتفاع ثلجها شتاء نحو ذراع ،وقد يبلغ في بعض السنين مقدار باع،
وهي مراتع غزالن ،ومرابع حور وولدان ،والفرق في ذلك بينها وبين
ديار بكر ،كالفرق بين الرياض األريضة والقفر .وفي توجيه تسميتها
وبتنا في بيت المفتي بأطيب ليلة ،وقد وَفّى لنا من اإلكرام وزنه
399
ولم تفتح أعيننا إال عندما غمض عينه الخفاش ،ثم تفقدنا الرفاق فإذا
الساعة التاسعة قرية تسمى (عموده) وهو حقيقة اسم لربوة في مجازها
موجودة ،وتشتمل من البيوت على نحو سبعين ،وكل أهلها على ما أخبرت
من المسلمين ،وفيها جامع تقام الجمعة والجماعة فيه ،ومصلوها وإن
وأنزلت في بيت رجل يدعى مال سليمان ،وهو شافعي المذهب قد قرأ
قليالً من فقهه منذ زمان ،ففرح بإنزالي عنده ،وأفادني أنه سمع يا سليمان
بإسمي منذ سنين عدة ،وكان يتمنى أن يراني عيانًا ،فاألذن تعشق قبل
العين أحيانًا.
411
وهذه القرية قرب قرية دارا ،التي أدار اإلسكندر عليه في فنائها من
كؤوس الفناء ما أدارا ،ومياهها من اآلبار ،وهي تحكي عذوبة مياه األنهار،
وثلجها قليل وكذا ما حولها من األرض ،على أنه إنما يكون في بعض
األعوام دون بعض [/33ب] ولم نجد فيها أذى من البراغيث ،وكنا نظن
أنا منها إلى أن يصيح ديك الصبح نستغيث ،وما نزلت منزالً ،وال غدوت
مرتحالً ،إال أخبرت بسؤال الوالي عن حالي ،وتفقده إياي –ال فقد -في
حلّي وارتحالي ،وذلك من صفات الكرام ،الحري بها أحرار وزراء مدينة
السالم.
(: )1
وقبل أن يرمي صبي الفجر كرته الذهبية بصولجانه قام كل منا ألداء
نسكه وإصالح شانه ،وبال ريث نفرنا متوجهين ،مع نفر من العسكر يحكي
الجن إلى (نصيبين) ،وبعد مضي أربع ساعات من النهار ،طاب لنا في قرارة
( )1قضاء نصيبين :يقع على جنوب شرق ماردين على مسافة 18ساعة ،في هذا القضاء 0
أحجار منصوبة بطول ستة أذرع ،ويجري فيها نهر جاغجاغ ،وعليه أبنية وآثار عتيقة،
وفي قرية دالين نبعان ،نبع األبيض ،ونبع األسود ،بعدما يسقيان بعض األراضي ينصبّان
في نهر الخابور ،ومنه إلى نهر الفرات .وهو يتبع لواء ماردين ،التابع لوالية ديار بكر.
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص 858
410
وهي قرية تشتمل من البيوت على نحو ثلثمائة وخمسين ،وحولها قشلة
حفيظة بناها حافظ باشا منذ عدة سنين ،وليس فيها اليوم من العسكر
نفر ،وكأنك بها وليس لها بالكلية أثر ،وقرب بابها جامع ذو منارة ،قد
ويجري إلى القرية نهران أسود وأبيض ،وعلى األول تزرع الطبيعة في
مزارع األبدان حنضل المرض ،ثم إنهما يتحدان ،وبعد ذلك يتشعبان،
قنطرة نحو مائة ذراع ،وغاية ارتفاعها عن وجه الماء نحو قامة وباع،
والماء يجري من تحتها بشدة جري مأمور ،ثم ينصب ما يبقى منه بعد
سقي المزارع في الخابور ،ويختلط آخر األمر بماء الفرات ،فيتغير منه
-لحسن العشير -بعض قبيح الصفات ،ولرداءة مائها وفساد هواءها ،أقامت-
والعياذ باهلل تعالى -في حِماها حُمّاها ،وأخبرني غير واحد أن حُمّاها
412
وكم شوهدت عصافيرها تتساقط ميتة من أعالي األشجار! ولوال ذلك
لغدت من أوسع بالد اإلسالم ،ولعُدَّت منتزها أبهى من غوطة دمشق الشام،
لِما أن ترابها ينبت ما ال يكاد ينبت بمكان ،ويوشك لو خلّى وطبعه أن
ينبت اللؤلؤ والمرجان ،واشتهر أنها كانت قبل بلدة واسعة ،فضيقتها
كأمثالها جيوش بالء متتابعة [/31أ] ،وفيها ثالث قباب ،كانت في إبان
وتنسب إحداها لسيد التابعين موالنا (علي زين العابدين) .والثانية لمن
لم ينقص كماله عسى وليت ،المولى المطرز برد فضله بطراز (سلمان
منّا أهل البيت) .والثالثة لرجل يزعمون أنه كان يحمل اللواء بين يديه،
ومن المعلوم واألمور المقررة أن مرقد األول :في بقيع الغرقد مدفن
المدينة المنورة .ومرقد الثاني :في المداين عند إيوان كسرى ،وعليه
413
ولم أقف ألحد من فريق المؤرخين العلماء على ذكر من كان يحمل
بين يديه اللواء ،ولم نسمع من األسالف أنه -رضي اهلل تعالى عنه -غزا
هاتيك األطراف ،فما يزعمه أهل القرية فرية وزور ،وإن كان الزائر
وكان سيرنا في يوم فاختي اللون ،لم يشكُ فيه حر الشمس البيضاء
جوادي الجون ،على أرض أقوم من أرض الزوراء ،ال يعثر فيها بحجر وال
ولم نشك نحن غير البعوض من المؤذيات ،وهو لعمري هنا أكثر من
الذباب بمئات ،والحمد هلل -عز وجل -أن حفظنا من عقاربها التي يضرب
ونصيبين هذه غير نصيبين التي منها نفر الجن المستمعون للقرآن،
فإن تلك في اليمن على ما ذكره ذوو التحقيق والعرفان ،فاحفظ هديت
414
وعندما ضحك وجه النهار في قفا الليل الشارد ،وأدرك عريف األبصار
سرنا براحة ،على أرض تحكي الراحة ،وبعد خمس ساعات حللنا قرية
وتشتمل من البيوت على نحو ماية ،وقد بلغ كل منها في الضيق الغاية،
وهي على هام تل عال كبير ،وبينها وبين نصيبين [/31ب] تل الذهب وتل
الشعير ،وعندها ساقية ماء يحصل بها مع مياه اآلبار اكتفاء ،وأهلها
حتى إذا استغنى الدُّجا عن سراج ،وبدل اإلصباحُ سبح األفق بعاج أمرنا
( )1جزيرة آل عمر :جزيرة عمرية :Djezirei - O,meriyeمدينة في تركيا اآلسيوية -
األناضول ،-في والية كردستان ،لواء ماردين ،على جزيرة في نهر دجلة .وهي جزيرة
ابن عمر ،تقع اآلن على الحدود التركية السورية الشمالية الشرقية ،على دائر العرض
،53.84وخط الطول .08.18
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 855
415
اختيارا ألسهل طريق موصل إلى الموصل وأقصر ،ويقال إن ما سلكنا
هو الجادة القديمة إلى بغداد ،إال أنه قلّ سالكوه لما كثر من األعراب
الفساد ،ولم نزل نسير في بيداء يضيق الطرف عن ذرعها ذرعًا ،وال يجد
وفي الساعة السابعة جئنا (جلّغا) ،فحط بها الرحال المأغى واألغا،
وهي بجيم األعجام وتشديد الالم ،قرية تشتمل من البيوت على نحو
تسعين ،ومعظم أهلها -والحمد هلل تعالى -من المسلمين ،ولها ماء نمير
والي العراق مشيره ،فجعلت أزمزم له بأحاديث هند وسعاد ،فسمعت حبة
فؤاده تنادي ،أال فاسقني معتقة من أحاديث العراق وبغداد ،فأخذت أغرّه
416
فلما وضعت الشمس خدها األرفع على األرض ،واقترن بها بعد عامل
الرفع عامل الخفض قام مع خاصته ،إلى محل إقامته ،ولما ألبس اآلفاق
جناح الدجا ثوب دَعَج ،وبدت الثريا وقد حفها الظالم كأنه فصوص من
الماس أحاط بها سَبَج فر نومي ،فبقيت أفكر فيما سيراه في الزوراء
قومي ،حيث غدا زمانهم كما شاء الحسود ،وساء -والعياذ باهلل تعالى-
الودود.
حتى إذا انهزم من عسكر النور جند الظالم ،واختفى سرب النجوم عن
حدق األنام.
417
نزلنا فصلينا ،والبغال أمامنا تمشي الهوينا ،ثم سرنا وغرنا ،ولم نزل
يظهرنا نجد ،ويسرنا في بطنه وهد ،في أرض يضل فيها القطا ،وتقتصر
عن مسح ساحاتها فسيحات الخُطا ،تغوص في ثراها أيدي الدواب إلى
الركب ،وتبلغ مياه عناها من غير مبالغة إلى عَقد الكَرَب ،حتى وصلنا
418
وقد خانه الدهر ،فلم يبق له غير أثر ،وذلك قرب أرض تسمى
البيض سود الليالي ،وحططنا الرحال عند وادٍ فيه ماء جار ،وقد نبت
عنده قصب يكاد يسره عما حاز قصب السبق من األبصار ،ونُصِبَت هناك
سبع خيام ،تبوأنا إحداها لما أرخى الليل سجاف الظالم ،وبات معظم
( )1السويدية :جعلها المقدسي في أحسن التقاسيم إحدى مدن حلب ،قال :ولحلب :أنطاكية،
بالس ،سميساط ،المعرتين ،منبج ،بياس ،التينات ،قنسرين ،السويدية .وقال اإلدريسي في
نزهة المشتاق :والسويدية على البحر وهي فرضة أنطاكية وبين أنطاكية والبحر اثنا
عشر ميالً وبالسويدية يقع نهر أنطاكية المسمى بالعاصي .وقال ياقوت الحموي :وبين
أنطاكية والبحر نحو فرسخين ولها مرسى في بليد يقال له السويدية ترسو فيها
مراكب األفرنج يرفعون منه أمتعتهم على الدواب إلى أنطاكية وكان الرشيد العباسي
قد دخل أنطاكية في بعض غزواته فاستطابها جدا وعزم على المقام بها فقال له شيخ
من أهلها ليست هذه من بلدانك يا أمير المؤمنين قال وكيف قال ألن الطيب الفاخر
فيها يتغير حتى ال ينتفع به والسالح يصدأ فيها ولو كان من قلعي الهند فصدقه في
ذلك فتركها ودفع عنها.
وفي المعجم الجغرافي :سويدية ( :Sueidiyeسلوقية بيرية) بلدة في سورية في
والية حلب ،لواء أنطاكية ،على البحر المتوسط ،قريبًا من مصبات نهر العاصي .أنشأ
سلوقية بيريا الملك سلوقس نيكاتور ،فكانت إحدى حواضر المملكة السلوقية األربعة،
=جعل منها بومبيوس مدينة حرة .وهي اليوم مدينة صمّان داغ Samanadagتقع ضمن
الحدود التركية ،على خط العرض 59.43والطول 53.39وإلى الشمال منها بقليل تقع
آثار مدينة سلوقية بيريه القديمة ،قديمًا :سلوقية بيريه ،مدينة ساحلية في سلوقية،
بالقرب من أنطاكية.
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 511
419
وعليهم من ندى تلك األندية أوفى غطاء ،وتصاهلت الخيل ،مما عراها
في الليل من الويل ،وجعلت تنادي في الحريم ،نحن تحت خيمتك يا
كريم ،وجاء إلى خيمتنا المشير ،ولم يجلس إال اليسير ،فقام وذهب ،إلى
خيمة يقضى منها العجب ،وكان في طرفي الطريق نهران ،وقد وقع في
401
حتى إذا رفعت يد الفجر ذيل سجاف الليل ،واستشعرت زهر النجوم
ما سيجري على رأسها من الويل .استيقظت منا الهمم ،فأيقظنا النائم من
بين أغوار وأنجاد ،وروابي ووهاد ،وكم مررنا على أبطح ،مُفعَمٍ بكالء
قد صَوَّح ،وخالله كالء جديد يانع ،ومنه ما ذوي من الجليد فهو أصفر
فاقع ،وبالجملة تفاوت األسنان أوجب تفاوت ألوان النبات ،وهكذا تتفاوت
االستراحة هناك شَعَث البوس ،وصلينا الظهر حول نهر عنده ،وشربنا
( )1البيت البن دريد (أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد) ،من قصيدته المشهورة بـ
(المقصورة) التي يمدح بها الشاه ابن ميكال وولده وهما عبد اهلل بن محمد بن ميكال
وولده العباس إسماعيل بن عبد اهلل ويقال إنه أحاط فيها بأكثر المقصور وأولها:
إمَّا تَرَيْ رأسِيَ حاكى لونُهُ ...طُرَّةَ صبح تحت أذيال الدُّجى
ابن كثير :البداية والنهاية01/8 ،؛ ابن خلكان :وفيات األعيان. 580/0 ،
400
): (
ولم نزل نحث السير كما فعلنا باألمس ،فوصلنا (الموصل القديمة)
وقد ابتلعت العينُ الحمئةُ عينَ الشمس ،فكان مسيرنا من مطلع الفلق،
إلى مجمع الغسق ،وعبرنا في السير نهرًا يجري كاللجين من عين تدعى
عين مارية ،وعليه قنطرة أنفع للضعفاء من اإلكسير وهي صدقة جارية،
ولم يتفق عبورنا عليها ،وإنما صوبنا وصعدنا النظر من بعيد إليها ،وبتنا
على شاطئ دجلة ،والسماء المطلة لجميع العسكر مظلة ،فلم أزل ،من
402
دنانيـر لكـن السمـاء زبرجـدُ *** أردد طرفي في النجوم كأنهـا
قناديل والخضراء صرح مُمَرَّدُ *** رأيت بها والصبح ما حان ورده
()1
وقبل أن يطفح نهر الفجر على رياض الخضراء ،وتبسط على مناص
حتى إذا بدل نور الصبح الوهاج ،أبنوس األفق الشرقي بعاج .وطئنا
ظهر المروضة ،ألداء الصالة المفروضة ،ثم ركبنا وسرنا ،ولو أعارتنا
القطا أجنحتها لطرنا ،ولم نزل نسير بمرأى من دجلة ومسمع ،ولعطاش
األعين من سلسبيل مائها مكرع ،ومررنا على قُرَىً جعلها الدهر قِرَى
403
أخْنى عليها الذي أخْنى على *** أمسَت يباباً وأمسى أهلُها احْتَملوا
()1
لُبَدِ
نحو ثالث ساعات ،جاء األحبة للتالقي ،وأولهم مجيئًا أبناء األفندي عبد
الباقي ،وعلى األثر أقبل أشبال الهزبر الوردي ،ملقم كالب العدا حجرًا
وصحت لما صحوت :يا رباه لك في الدارين شكري ،فساروا بنا حسب
مأمولهم إلى بيتهم المعمور ،وغاروا على ظهور خيولهم ومياه السرور
وقد كادت تصغر درة تاج الفلك الدوار ،فضاقت بي أرجاء رحبتها وإن
404
وإن رَجَّبَت ،حيث لم يكن في مقامها المحمود محمود المقام ،وكان
في بعض كور البلد لما كوَّره عليه من االفتراء من بُغض بعض اللئام،
حتى إذا هدأت منا الزفرات ،وهدتنا األمارات إلى أنه قريباً آت ،نشرنا
بفتح العين ،والمَال الذي ظهر بصورة الملّا بال مين ،شيخي الفاضل
السري ،معروف اآلفاق المُال عبد اهلل أفندي العمري( ،)1ثم جاءت العلماء
تترى ،ولم يتخلف إال خلف عادوا رب البيت سِرًا وجهرًا ،والحمد هلل
( )1عبد اهلل أفندي العمري :قال المؤلف عند ترجمته في رحلته الثالثة (غرائب االغتراب):
الفاضل السري (عبد اهلل أفندي العمري) وهو نور الشجرة العمرية ونور فرق العصابة
الفاروقية إليه انتهت رياسة العلماء وعليه حدبت طلبة العلم في الحدباء فعنه يروون
ومن زالل فضله يرتوون جاء منذ ثالثين سنة إلى بغداد وقرا فيها ألمرِ ما عند غرباء
العلماء األمجاد فأصلد القدر له زنداً ونادته غواني االستفادة مكانك أن حراسنا أسداً
وفي أثناء هاتيك األوقات قرأت عليه بعض القراءات فهو أحد مشايخي في القرآن وأنا
=أفتخر به على سائر األقران وقد تخرج على عالمة عصره وعالمة الفضل في مصره
حليف التدريس واإلفادة علي أفندي محضر باشي زادة (وبالجملة) قد عدا فغدا لألمثال
سباقاً وراق ففاق علماء بلده علماً وأخالقاً عبد اهلل أفندي العمري رئيس من فيها من
العلماء.
405
فأنا ال أحب أن أرى لصفاء حبي مكدر األحبة ،واعتذر المفتي الكالك
على ما سمعت بأنه ظرف مرض ،وبعض يقول انه جرى في ترك المجيء
على ماء من بغض من أرباب العرض ،والصحيح أنه غير مريض ،فلعله إن
صح ما سمعت تخلص بالتعريض ،وأنت تعلم أن من كان على ظهر الجواد
متوجهًا إلى األوطان ،ال يبالي بعدم مجيء الكالك إليه كيفما كان :
406
()1
ومن تولى فإلي *** فمن أتى فمرحبًا
ورأيت هناك قصيدة قدوميه ألبي سليمان عبد الباقي أفندي ،نور فَرق
جبين العصابة الفاروقية ،أرسلها لي ولدي ،المستولي حبه على حبة فؤادي
وكبدي ،بهاء الدين السيد عبد اهلل أفندي ،كان اهلل[/94ب] تعالى له فيما
أيام ساعاتها ألطف من دقائق خصور الغواني ،وثواني دقائقها أشرف من
أعطافهن الثواني ،وقد افتتح ذلك ببيتين ،هما لخد البالغة كسالفين،
407
وأتتـك قبل أوانها تطفيـال *** سبقت إليك من المحب قصيدة
()1
فمها إليك كطالبٍ تقبيال *** تعطو كما يعطوا الغزال ممدة
( )1لمجير الدين محمد بن تميم ،كتبها على وردة وأرسلها إلى معشوقته:
سبقَتْ إلَيْكَ مِـنَ الحدائـق وَرْدةٌ … وأتَتكَ قَبْل أوانها تَطْفِيال
طَمِعتْ بلَثْمِكَ إِذْ رأَتْك فجمَّعتْ … فَمهَا إِلَيْكَ كَطَالِب تَقبيالَ
العباسي :معاهد التنصيص 80/1؛ البهاء العاملي :الكشكول39/1 ،؛ ابن حجة الحموي:
خزانة األدب. 511/1 ،
408
409
وجاءني أسرع من الهواء العاصف ،وأفرح من آمِلٍ نال المقاصد بعد
طول المواقف ،األديب الزكي ،واألريب الذكي ،سليل السادة األنجاب ،نجم
الهدى السيد شهاب ،فأنشدني ،ما أطربني ،فمنه قوله في أمري ،مضمنًا
ومنه قوله ،عال فضله ،مؤرخًا قدومي إلى الموصل أثناء ذهابي إلى
( )1األزري (1811-1105ه1369 -1354/م) كاظم بن محمد بن مهدي بن مراد الوائلي البغدادي
الشهير باالزري :شاعر فحل ،من أهل بغداد ،يقال له شاعر أهل البيت .أشهر شعره قصيدة
مطلعها" :لمن الشمس في قباب قباها" تزيد على ألف بيت .وله "ديوان -ط" مرتب على
الحروف أكثره مدائح في أهل البيت ،و "قصيدة" من المدائح النبوية خمسها جابر بن
عبد الحسين الربعي الكاظمي ،وسماها " قران الشعر االكبر -ط".
الزركلي :األعالم. 866/11 ،
421
وبـه يقذف المعــادي رجومــا ** بسناء الشهاب يهدي الموالــي
فضل تستغرق البحار علومــا ** ذاك حبـر أقالمــه بمــداد الـ
وازن األرض والجبال حلومــا ** خف روحًا علــى القلوب ولكن
"شرف الموصل الشهاب قدوما" ** شرّف المدح فـي عــاله وأرّخ
(سنة )1893
ومنه قوله ،غمره من اللطف وَبْلُه ،مؤرخًا قدومي وعودي إلى البلد،
420
422
423
وعرض عليّ فخرُ السادة الفخرية ،ونور فجر التنزالت الموصلية ،ذو
الفكرة المحكمة المستجادة ،حسن أفندي ابن إسماعيل أفندي قاضي زاده،
أفندي العمري( ،)0التي مدح بها حضرة موالي الشيخ األكبر ،والموقد
( )0عبد الباقي أفندي العمري1836 -1840( :هـ1198 -1364/م) :عبد الباقي بن سليمان بن أحمد
العمري الفاروقي الموصلي .شاعر ،مؤرخ .ولد بالموصل ،وولي فيها ثم ببغداد =أعماالً
حكومية ،وتوفي ببغداد .وفيه :أنه كان يلقب بالفوري ،إلنشاده الشعر على الفور.
والروض األزهر وفيه :أنه أرخ عام وفاته بنفسه وكتبه بخطه ،فقال( :بلسان يوحد اهلل
أرخ ذاق كأس المنون عبد الباقي).
له (الترياق الفاروقي) وهو ديوان شعر ،و(نزهة الدهر في تراجم فضالء العصر)،
و(نزهة الدنيا) ترجم فيه بعض رجال الموصل من معاصريه ،و(الباقيات الصالحات)
قصائد في مدح أهل البيت ،و(أهلة األفكار في مغاني االبتكار) من شعره.
وقال المؤلف عنه (غرائب االغتراب)( :عبد الباقي أفندي العمري) ذي النظم الدري
والنثر العبقري سلطان بني اآلداب عبد الباقي أفندي العمري ،وقال أيضا :ذو الهمة التي
ال تجارى ،والغيرة العمرية التي ال تبارى ،من جرى وادي فضله فطم على القرى ،حضرة
موالي(عبد الباقي أفندي العمري) ،وكان لي سلمه اهلل تعالى في كل أموري مساعداً،
وقال :حضرة مبتكر المعاني .من أيام منادمته ربيع عمري .عبد الباقي أفندي الموصلي
العمري .وهلل تعالى منه سمسار ابتكار مأل بيواقيت المعاني مصانع حوانيت األلفاظ.
فروج قس براعته على أورق ورق دقائقه مجامع سوق عكاظ .شقة أذهبت عني المشقة.
وملكت رقبة فؤادي وره .وذكره بكثير من العبارات على هذا المنوال ،ثم ذكر على
طول الكتاب الكثير من أشعاره .
424
وكذا عرض طرفًا من حواشيه على الحواشي الداودية ،الكاشفة سجف
أشجار مغانيهما ،فلله تعالى درّه من شابٍ أشاب بسطوات أقالمه لِمَمَ
يوم الثالثاء الساعة الرابعة ،وقد أقمنا لعذر المطر فيها غير يومي
العين .وصنع لنا وليمة غريبة مغرب اليوم الثاني ،جناب عصمة أفندي
تفضل ومجاملة.
425
وكحلنا أجفان العيون ،بثرى حضرة رسول اهلل تعالى ذي النون ،على
نبينا وعليه أفضل الصالة وأكمل السالم ،ما التقم حوت الدواة يونس
األقالم .ورأينا على مرقده الشريف من الجاللة والبهاء ،ما يروي كل
صادٍ وال ينكره عين كل راءِ ،وبقينا في حضرته ننشق ريّا تربته ،ولوابل
حتى إذا عال رونق الضحى ،وشعرنا بان الشمس قد همت أن تشوي كبد
السما .سرنا وأناسيّ العيون غرقى بدموعها ،وحبات القلوب غرقى بنيران
ولوعها ،ولم نزل والثياب من وابل المطر مبتلّة ،حتى اتينا الساعة الثامنة
فيها غير بيت من المسلمين ،فبتنا هناك ،ولسرح النوم على موارد اآلماق
اعتراك.
426
فقبل ان ينتصف الليل المعتم ،وتستشعر زهر النجوم من نهر الفجر
بالليل المفعم أرسلنا الحمول على الزاب ،رجاء ان تعبره قبل حمول
االصحاب [/98ب].
()1
وعندما صبغت الشمس لثام االفق بعندم وجنتها ،وارتاحت النفس باداء
فرض صالة الصبح وسنتها حثثنا المسير ،حتى اتينا الساعة السابعة الزاب
الكبير ،فأوترنا لعبوره قوس العزم ،وهو يجري-ال أبا له -جري السهم،
وقد اتقم من العسكر خمس نفوس ،وأراع الباقين بوجهه العبوس ،فعبرنا
متوكلين على من فرق البحر لموسى ،فلم نجد -وهلل تعالى الحمد -من
فرعونه بوسا.
واجتمعنا هناك بمن ورث المآثر ،كابرا عن كابر ،األخ الصفي السري،
عبد الحكيم أفندي الصفوي الحيدري ،وكان وارداً لمالقاة الوالي المشير،
( )1نهر الزاب األعلى يفصل ما بين قضاء أربيل ووالية الموصل.
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص .831
427
فسلكنا جميعا مع من سلك ،حتى غدت ظرف إقامتنا قرية كلك.
وأهلها قوم يزيديّة ،عليهم كيزيدهم لعنة أبدية ،وفيها ثالثة بيوت من
()1
:
السماء ،فجعلنا نسير باضطراب كثير بين طين وماء ،حتى وصلنا إِرْبِل
بعد خمس ساعات ،فانقطع عنا من جيوش مظفر الوابل الغارات ،ونزلنا
في بيت فتىً ارتفع بين الخالئق قدرا ،وهام في مكارم األخالق فاتخذ هام
الفتوة وكرا ،انفلق عنه صدف العناية فبدا دُرّاً نقيّاً ،وانكشف له سجف
الهداية فغدا هادياً مهدياً ،بل هو -لعمري -بضعة الهداية ،واآلخذة بضبعيه
يد العناية ،حيث نقش بنده بطراز الطاعات فبرز نقشبنديا ،وطهّر عن
( )1قضاء أربيل :يقع على شمال اللواء المذكور ،على مسافة 11ساعة من طريق التون
كوبري ،أكثر أهالي القضاء أكراد 0 ،آالف منهم من الذكور تقريبًا.
في قضاء أربيل مدفون النبي عزير ،وعبد اهلل بن عمر بن الخطاب –رضي اهلل عنهما.
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي :جغرافية الممالك العثمانية ،ص 838
428
فظهر خالديا ،حشبّي الذي له حُبّي وبه وجدي ،الشيخ هداية اهلل زاده
محمد سعيد أفندي ،وقد بالغ في اإلكرام ،وانامنا على فراش األفضال
في الكبر يحكي رمان شهربان ،وفي لونه االصفر الفاقع يحكي الزعفران،
وأتى بمائدة ،مثل عروس مائدة ،تباعد بين [/95أ] أنفاس الجالس ،وتزيل
الجوع ،وتوجب قسرا على الحاضرين ان يكون منها الشروع ،ومما أعجبني
الفضائل المال داود ،وكنا وعدناه بالحلول عنده والنزول ،يوم واجهناه
429
ولما جعلت فتاة الشمس تغازلنا من وراء شباك السحاب ،وتارة تُري
سرنا على أرض فيها قليل طين ،ولها مزارع ممتدة ذات الشمال وذات
اليمين ،وفي أثناء الفال زجرنا الصافنات ،فأتت بنا قرية تسمى (كردمَال)
في أقل من أربع ساعات ،وكِرْدِ بكسر الكاف العجمية وسكون الراء
وكسر الدال المهملتين ،معناه التل باللغة الفارسية والكردية على ما
رجال القرن الحادي عشر) للحموي الشيخ مصطفى ،تجاوز اهلل تعالى عنه
وعفى ،أن أصله األول ،من ال يجهل ،ثم خفف بحذف الصلة وأُدغمت النون
في الالم ،وذلك وجه تشديده عند أكثر الخواص والعوام ،ويظهر منه
وجه كتابة بعضهم إياه بنون متصلة ،فما أجهل من أنكر عليه ذلك
وجهله ،نعم التعريف بأل على هذا منكر ،مع أنه بها كثرًا ما يذكر،
وقيل أصله مالء ،صيغة مبالغة من اإلمالء ،ولعله أقرب من األول ،وعلى
431
وأما كون أصله كما قيل مولى ،فأراه -يا موالنا -بعيدًا فضالً عن
كونه أولى ،وال عبرة بميل األتراك ،إلى ذاك ،فاحفظ ،وبالفتح تلفظ.
ثم إنه يحتمل أن يكون مجموع اللفظين ركبا تركيبًا مزج كبعلبك
مصلّون.
وكانت ليلتنا حندسية ،قد لبست من أسود الغمام حلة عباسية ،وخيل
لي من سواد لباسها أنها ثكلى ،قد أصيبت بعزيزها النهار فشق عليها فقده
وإن كانت الليلة حبلى ،فهي عندي ،كالليل الذي قال فيه ابن محكان
السعدي :
430
سواء صحيحات العيون وعورها *** وليل يقول الناس في ظلماته
()1
كأن لنا منـه بيـوت حصينـة *** مسوح أهاليها وساج كسورها
(: )8
وقبل أن يشتد غضب النهار على الليل فيريه عينه الحمرا ،شددنا
السرج على الخيل وتهيأنا للمسرى .ثم جعلنا نشق بأيدي السير أديم
الضباب ،وننشق بمشام المسام نسيمًا أبرد من نسيم المحراب ،وقبل أن
يرتفع النهار ،سالت من منهمر الوابل أنهار ،فأقبل السيل ينحدر انحدارًا،
أسبح أنا وسبوحي بمائين جار ومنهمر ،وطفقت أسبح اهلل سبحانه أنا
وإياه بلسانين بارز ومستتر ،ولقد نفذ البرد إلى كبدي نفوذ السهم،
( )1األبيات البن محكان السعدي في وصف الليل .الحُصري :زهر اآلداب. 515/1 ،
( )8ألتون كوبري :Alton Keupruمدينة في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية بغداد
وشهرزور ،لواء كركوك ،على نهر الزاب الصغير ،أحد روافد دجلة .تقع حاليًا في
العراق ،على خط العرض 53.03والطول ،00.46هذا وقد كان يطلق على نهر الزاب
الصغير اسم :ألتون كوبري صويي.
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 65
432
ولم تزل السماء ترسل األمطار أمواجًا ،والرياح تسير األمواج أفواجًا
لخوف الوقوع في وخيم تلك األوحال ،وبقي ذلك البالء العظيم ،مالزما
لنا مالزمة الغريم ،ولم يبرح يرينا العطب ،ويوري نيران العجب ،حتى
وصلنا إلى قرية (قنطرة الذهب) فحمدنا اهلل تعالى على سالمة األبدان،
وإن فقدنا بياض األذيال واألردان ،وشكرناه سبحانه على نجاة األنفس
واألرواح ،شكر التاجر على بقاء رأس المال إذا فُجِع باألرباح ،ودخلناها
[/90أ] أيضًا بمطر كأفواه القرب ،ووحل والعياذ باهلل تعالى إلى الركب،
433
ولم نزل إلى أن هدأت من العيون مآقيها حول نار قراه محلقين ،فلم
يقصر جزاه اهلل تعالى خيرًا معنا ،وأطفى بناره ما أذاقنا الماء من مُرّ
العنا ،فيبس مبتل الثياب ،وضحك أثر ما عبس مبتلى االكتئاب ،بيد أن
السماء لم تزل تكِف وال تكُف ،والهواطل لم تبرح تجِف وال تجُف ،فبتنا
بليلة من غصص الصدر ،ونقم الدهر ،قد قصر جناحها ،وضل عنا صباحها،
( )1ترجم له ابن كثير في وفيات سنة ثالث وتسعين ومائتين ،قال :أبو العباس الناشي الشاعر
واسمه عبد اهلل بن محمد أبو العباس المعتزلي ،أصله من االنبار وأقام بغداد مدة ثم انتقل
إلى مصر فمات بها ،وكان جيد الذهن يعاكس الشعراء ويرد على المنطقيين
وا لفروضيين ،وكان شاعرا مطيقا إال أنه كان فيه هوس وله قصيدة حسنة في نسب
رسول اهلل قد ذكرناها في السيرة .قال ابن خلكان :كان عالما في عدة علوم من
جملتها علم المنطق ،وله قصيدة في فنون من العلم على روي واحد تبلغ أربعة آالف
بيت ،وله عدة تصانيف وأشعار كثيرة.
وقال عنه السيوطي :أبو العباس الناشي الشاعر المتكلم المعتزلي عبد اهلل بن محمد.
أصله من األنبار وأقام ببغداد مدة ،ثم انتقل إلى مصر ،فمات بها سنة ثالث وتسعين
ومائتين .وكان شاعراً مطيقاً مفنناً في علوم منها المنطق ،ذكياً فطناً ،وله قصيدة
في فنون من العلم على روىٍ واحد تبلغ أربعة آالف بيت ،وله عدة تصانيف وأشعار
كبيرة.
ابن كثير :البداية والنهاية110/11 ،؛ السيوطي :حسن المحاضرة. 580/1 ،
434
خليلـي هـل للمـزن أجفـان عاشــق *** أم النار في أحشائها وهي ال تدري
كما اللؤلؤ المنثور أدمعها تجري *** أم أدكرت ما كان في الطف فانبرت
فعاجـت له نحو الرياض على قبر *** سحـاب حكـى ثكلـى أصيبـت بواحـد
مطارفها طرزا من البرق كالتبر *** تسربـل وشيًا مـن خـزوز تطــرزت
()1
ودمع بال عين وضحك بال ثغر *** فوشـى بــال رقــم ورقـم بـال يـد
وما بال ضوء الصبح ال يتوضـح *** خليلي ما بـال الدجـى ال يزحــزح
أم الدهر ليلً كلـه ليـس يبـرح *** أضــل النهــار المستنيـر طريقـه
ولكـن أطـال الليـل هـم مبـرح *** كأن الدجى زادت وما زادت الدجى
( )1األبيات عزاها الحصري ألبي العباس الناشيء ،مع اختالف في بعضها ،فقد أوردها الحصري
في زهر اآلداب كالتالي:
خليليَّ ،هـل للمُـزن مُقْلـةُ عاشـق ...أم النار في أحشائها وهي ال تَدْرِي؟
أشارت إلى أرض العـراق فأصبحتْ ...وكاللؤلـؤ المنثورِ أدْمُعها تجْـري
سحاب حكَتْ ثَكْلَـى أُصيبَـتْ بواحد ...فعاجَتْ لـه نحـوَ الريـاض على قَبْرِ
تَسّربَل وَشْياً مـن حُـزون تطـرزتْ ...مَطارفُها طرزاً من البَـرْق كالتبـرِ
فوشْـي بـال رقـمٍ ،ورقـم بـال يـدِ ...ودمْـع بال عَيْـن ،وضِحْـكٌ بال ثَغْـرِ
= بينما عزاها الثعالبي ألبي العباس أحمد بن محمد النامي ،وهو شاعر من فحولة شعراء
العصر ،وخواص شعراء سيف الدولة ،وكان عنده تلو المتنبي في المنزلة والرتبة .وعزاها
آخرون إلى ابن رشيق القيرواني األزدي .
الحُصري :زهر اآلداب وثمر األلباب14/1 ،؛ الثعالبي :يتيمة الدهر.38/1 ،
435
وقنطرة الذهب زادت هي المشهورة (بألتون كوبري) ،وليست قنطرة
نفيس ،وليس فيها مدرسة وال تدريس ،ومعظم أهاليها أنذال ،ما ذاقوا
وزارنا الشاب الذي بهر عقله الشيوخ ،ودرّه البحر العباب الذي حير
والغيث الهامي على الصعلوك ،عليّ الهمة (علي باشا) والي إيالة
كركوك ،وكان قد جاء لمالقاة حضرة والي بغداد ،الذي أخذ الجد بجِدّ
وقد أدار على سمعي بجام كلماته الشافية ،أنه يقرأ شرح موالنا الجامي
-قدس سره -للكافية ،فدعوت له ،بما أرجو قبوله ،وأبلغني سالم أبيه ،دامت
ديم أيديه.
436
وزارنا معه ذو الفكرة الوقادة ،عمر بك نفطجي زاده ،وقال :البد من
القادر أفندي ،وقد رأى رسوله ،وعرف من عَرف كتابه مأموله ،فقبل
وقبل أن يسل سيف الصبح من غمد الظالم ،صرف لصرف فضل اهلل
تعالى بوالي الصحو عامل الغمام ،فرأينا صواب الرأي أن نوسع اإلقامة بها
وقبل أن يجيء لحراب الليل شقيق النهار ،عارضًا رمحه ،وقد عزم أن
خرجنا بال كلفة وحرج ،فإذا سواد الليل مع نجومه يحكي زنجيًا تبسم
عن فلج ،فعبرنا القنطرة للمسير ،ثم غرنا على خيول يخيل أنها تطير.
437
( )
في بطن أبطح الصبح وسنته ،ثم ركبنا على مثل أجنحة البرق ،ولم نبالِ
بنبال قر قد رق ،ومررنا على عيون النفط تفور ،وللنازفين منها وجوه
كقلوب ذوي الكبائر والفجور ،وعندها أرض فيها قليل وعر ،تتأجج نارًا
بأدنى حفر ،وهناك أدركنا حضرة الوالي الرشيد ،ومن غور نظره في
لجي بحر المشكالت بعيد ،ومعه حضرة الوزير الغيور (علي باشا) والي
كركوك وشهرزور ،وأثر التحية والسالم ،سرنا معهما بسالم ،وفي نحو
سبع ساعات من القنطرة وردنا (جاي كركوك) ،فإذا فيه وشل ماء ال
يعرض للخائض فيه شيء من األوهام والشكوك ،فعبرناه إلى بيت الحبيب
الصادق ،عبد القادر أفندي النائب السابق [/93أ] وكان جاء للقانا ،ففتش
عنا بين الرفاق ولقانا ،وقد زاد في هذا السفر ما بيننا من العطف تأكيدًا،
( )1كركوك :Kerkoukمدينة في تركيا اآلسيوية -األناضول -مركز اللواء الذي يحمل
االسم نفسه ،في والية بغداد وشهرزور .تقع على دائر العرض ،53.81وخط الطول .53.81
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 084
438
وإن كان نعته حميدًا ،وأرسل خلفه عبد الغني أفندي خلفي رسوالً،
راجيًا أن أتخذ إلى بيته مع الرسول سبيالً ،فقلت ذاك بيتي بال شك،
عنده في اإلياب ،ومع ذا عذرني لما يعرف من قوة الرابطة بيني وبين
المومأ إليه وأن ذلك سبب توجهي للحلول في بيته وحل عرى الرواحل
لديه.
وكثر الزوار ،في الليل والنهار ،وذاك لمزيد نجابة أهل كركوك،
بالقيام ،فذهبنا إلى حمام أضيق من عين مستحدث النعمة بين الورى،
وأشق على النفس من نفس أبخر تتصاعد أنفاسه من حياض الخرى ،يكاد
يفقد المرء فيه إدراكه وحسه ،فهو أخس من حمامات الكرخ وهي النهاية
في الخسة.
439
ولما كشفت الشمس قناعها ،ونشرت شعاعها ،وارتفع سرادقها ،وأضاءت
الفكاهة نحو ساعتين ،ثم ذهبنا لدعوة الخليل سليمان أفندي المفتي
لألضياف ،ولقد جاء بحمل ذهبي الدثار ،فضي الشعار ،مع بدايع مأكوالت
وغرائب طيبات .وقد كان دعانا قبل بيوم ،حين جاء لزيارتنا مع القوم.
( )1قال األزهري :العنقاء المغرب هكذا عن العرب بغير هاء ،وهي التي أغربت في البالد ،فنأت
ولم تر ،وحذفت تاء التأنيث منها كما قيل حية ناصل وامرأة عاشق ،وقال أبو بكر النقاش
المفسر كان باألرض التي فيها أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهي بئر دون
اليمامة ،وعلى قول ابن عباس جبل عالٍ ،وكانت العنقاء تأخذ الصبيان ،وهي كأعظم ما
يكون من الطيور ،وفيها من كل لون ،ثم أهلكها اهلل تعالى بدعاء نبي من األنبياء.
[المؤلف]
441
ذهبنا إلى وليمة الوزير الخطير ،والسحاب الهامي المطير ،الحائز من
مكارم األخالق ،ما لو تجسم لثمن السبع الطباق ،ذي الفضل الجليل الجلي،
والي البلد [/93ب] (علي باشا الكوتاهيه لي) ،فإذا فيها كل شيء يروق ،ال
فرق بينها وبين والئم الصدور العظام في فروق ،بيد أن فيها بعض أطعمة
:
( )1البيت البن الرومي في وصف اللوزينج ،وهو نوع من الحلوى المعروفة حينها ،ومطلع
قصيدته:
ال يُخطِئَنّي مِنـك لوزِينـج ...إذا بدا أعجَـبَ أو عجًبا
لو شاء أن يَذهَبَ في صَخرَة ...لسهَّـل الطِّيبُ له مَذهَبا
الحُصري :زهر اآلداب 116/1؛ المسعودي :مروج الذهب 195/8؛ ابن أبي عون :التشبيهات،
. 91/1
440
وبعد أن رفع الطعام ،نصبت موائد الكالم ،فرأيته أحد الوزراء الذين
يشار إليهم باألنامل ،وتعقد عند ذكرهم الخناصر وتحل بهم عقد
المعاضل ،ذا تواضع مع نفس أبيّه ،وفكاهة مع هيبة عمرية ،يحب العلماء
وألطف من وابل غب الجدب ،والظاهر أنه غير منحل العقيدة ،وال منتحل
حديث لوندرة أو باريس ،ويكفي أهل البلد اليوم رحمة ،أن واليها سالم
( )1يعني المص نف هنا الفكر الغربي الذي وفد من أوربا من خالل الطالب المبتعثين إلى
هناك ،والكُتَّاب الداعين إلى تغريب الدولة واالخذ بالنمط الغربي في كل شيء ،وهو
ما صار أمرا واقعا رسميا بإعالن التنظيمات .
442
وقلما تنال هذه الرحمة في هذا الزمن من الذميم وَمَا يُلَقَّاهَا إالَّ الَّذِيَْ
443
وفضله ،فوحق الواحد األحد ،المنزه عن الوالد والولد ،إني لم أرَ من
أبناء الملوك من جميع مكارمه ،وال رقى ذروة الكمال بنحو ساللمه ،ولقد
أخجلني لطيف معاملته ،وجميل مجاملته ،أسأل اهلل تعالى أن يحفظه مما
وقد لبثنا يومًا واحدًا في البلد ،وكم وردنا غير األنس ممن جاءنا من
بغداد ،وورد ،ومن أولئك الكرام الجائين عندي ،ابن أخي العمري أحمد
عزت أفندي ،وقد غبت عن شعوري بمُدام حضوره ،وكاد يشرق قلبي من
الوجد فكري ،سألته عما أطاره من عشه ،وجعله يساور من السفر ضئيلة
رقشه ،فذكر لي ما أثار كربي ،وكاد يأخذ بحلقوم قلبي ،ثم أبرز لي
الرشيدية ،ثم ناولني هذه األبيات ،وقد أفصح فيها عما هو بسببه آت:
نسأل اهلل تعالى أن يديم وجوده العالي ،وأن يبقيه في فلك السلطنة العظمى بدرًا
متاللي ،وأن يجعل له ولحضرة والده التوفيق خير قرين ما دعى اهلل داع من المسلمين
..آمين .
[السيد نعمان خير الدين ،نجل المؤلف] .
444
وأنختهــا في هذه األعتــاب **** لعال جنابك قد حثثت ركابــي
زان الورى من علمـه بشهــاب **** تبغي القرى من جاه موالنا الــذي
في كف بعد في سهام مصـاب **** فلقد رماها الدهر عن قوس النوى
أيديـه بــرد الفضــل واآلداب **** يا أيها المولى الذي قد جــددت
فاألمر موقوف على األسبــاب **** كن عنـده سببًا ألمــر معيشتــي
قد بات من حلل الهنا بثيــاب **** كم مترب مثلــي بخدمــة بابــه
فالمرء مجبور على التطالب **** ال بدع أن طالبت دهري بالغنــى
منه الدخول بفضل هذا البـاب **** أبغي مساعدتــي فإنــي أرتجــي
من هذه األسفار محض إيابـي **** حاشاك ترضى أن تكـون غنيمتــي
نكصت رويته علــى األعقــاب **** وأعذر حليف هوى عقيب بعادكـم
445
فحرت في أمري ،ولم أقدر أن أفصح له بسري ،حيث إن الزمان اليوم
قد طلق الكرم ثالثًا لم ينطق فيها باستثناء ،وأعتق المجد بتاتًا لم
يستوجب عليه والء ،سائله محروم ،وراجيه ملوم ،ليس عنده إال مواعيد
الحرمان على ذنوب المقادير ،ولو أنه ظهر بصورة ألزرت بكل إِدّ،
ولرأيته حمارًا مبطنًا بثور موكفًا بتيس مطرزًا بقرد ،قد عادى ذوي
األدب ،السيما من كان منهم من العرب [/99ب] فهم لديه أقل من تبنه
في لبنه ،ومن قالمة في قمامة ،إلى غير ذلك من مخاز ما خفي عليك
منها أعظم ،وكم كلفت القلم التكلم بها فقال :كسر سني أهون عليّ
من أن أتكلم.
ثم إني عرضت األمر لدى حضرة ولي األمر ،فلم ينطق إذ ذاك بخير
أو شر ،بيد أنّا فهمنا من هيئته ،وتصويب وتصعيد حدقته ،أنه يقول
( )1عُرْقُوبُ :رجلٌ من أهل يَثْرب أكْذَبُ أهل زَمانِه موعداً ،فذَهَبَتْ مَثالً ،قال كَعْبُ
بنُ زُهَير :كانَتْ مَواعيدُ عُرْقوبٍ لها مَثَالً ...وما مَواعيدُها إالّ األباطيلُ
انظر :الخليل بن أحمد :العين .
446
فرجعت إلى بدر الكمال الظاهر بخفي حنين ،وخفي أسف ومزيد أين،
على خمولـك أن ترقى إلى الفلـك *** ال تيأسن إذا ما كنـت ذا أدب
في الترب إذ صار إكليالً على الملك *** فبينما الذهب اإلبريز مطرح
حيث إني دققت فيه الفكر ،فرأيته مصداق هذا الشعر :
وكل قضاء اهلل فضل مقسم *** له سيرة لم يعطها اهلل غيره
( )1عويف القوافي (- 444نحو 144هـ -444/نحو 311م) عوف (ويقال له عويف) بن معاوية ابن
عقبة ،من بني حذيفة بن بدر ،من فزارة :شاعر .كان من أشراف قومه في الكوفة .اشتهر
في الدولة األموية بالشام ،ومدح الوليد وسليمان ابني عبد الملك .وعمر بن عبد العزيز.
وسمي " عويف القوافي " ببيت قاله.
الزركلي :األعالم. 599/14 ،
447
ويُدعى ابـن عـوفٍ للنـدى *** يُصَمُ رِجالٌ حين يُدعَـون للنـدى
فيجيـبُ
إلى المجد يحْوي المجدَ وَهوَ *** وذاك امرؤ من أي عِطفَيه يَلتفِتْ
قَرِيبُ
()1
فإني سمعت عنهم أنهم في العزلة أعوان كما انفرج المشط ،وفي الغلظة
إخوان كما انتظم السمط ،حتى إذا لحظهم الجد لحظة حمقاء ،ووطد
لهم ظهر الحدباء ،عاد عامر مودتهم خرابًا ،وانقلب شراب عهدهم سرابًا،
فما اتسعت دورهم ،إال ضاقت صدورهم ،وال غلت قدورهم ،إال خبت
بدورهم ،وال هملجت عتاقهم ،إال قطفت أخالقهم ،وال صلحت أحوالهم ،إال
فسدت أفعالهم ،وال كثر مالهم ،إال قل جمالهم؛ حتى أنهم ليصيرون على
صديق.
( )1البيتان من شعر عُوَيْفِ القوافي في طلحة بن عبد اهلل الزهري .
الحُصري :زهر اآلداب. 800/1 ،
448
وذكرته تألبهم على والده؛ حتى أنهم أخرجوه عن طريفه وتالده،
وسألت اهلل تعالى أن يدر له أخالف الرزق ،ويمهد له أكناف العيش .هذا
وقبل أن يطفئ مصابيح الدجا نفس الصباح ،وقد صدقنا الفجر الكاذب
أتباع المشير لم يخرج منهم أحد ،فحققنا أنه قد تخلف لالجتماع بسلفه،
فقد شاع في مبتدأ الليل خبر قدومه بكتاب جاء من طرفه ،وكان قد عزم
يبلغنا خبر عدوله على التحقيق ،فسبحان مقلب القلوب ،وكم له دام
فضله عدول ،من نحو هذا العدول ،وما ذاك إال ألن فكره الوهاج ،له على
449
()1
ولما عزلت نوافج الليل بجامات الكافور ،وانهزم جند الظالم من عسكر
النور ،ونشرت غانية الشمس على يد الصبح منديالً بهيًا ،فجعل يخفق به
نزلنا فصلينا بجماعة ،وأدينا الصالة على أتم وجه في نحو ربع ساعة،
وبعد ثالث ساعات أتينا (تازه خرماتي) فبتنا هناك على حال حالٍ ،ننتظر
من هو آتي ،وكان في دقيق وعك ،فلم أسلك إلى (داقوق) مع من سلك،
ولم يزل يتزايد بي ذاك ،حتى تناقض مني اإلدراك ،وشرعت أرتعد
في هذه الحال ،أتقلب على فراش البلبال ،حضرة والي بغداد سابقًا ،ال زال
لكتائب ذوي الفساد بسنانه نامقًا ،فأحس أني في هاتيك المواقف ،فأرسل
لي سالمًا ومر كالبرق الخاطف ،وكنت أود الفوز برؤيته ،واالرتواء من
( )1تازه خورماتي :Taza Khormatiبلدة في تركية اآلسيوية/األناضول ،في والية بغداد
وشهرزور ،لواء كركوك .تقع جنوب كركوك ،وتكتب أيضًا :طوزخورماتو ،وهو
اسمها اليوم ،على على خط العرض 50.35والطول . 00.51
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 811
451
وتشتمل القرية من البيوت على نحو سبعين ،وأهلها جميعًا من جهلة
المتشيعين ،وتسمى عند األعراب بـ (أم تل) ،لتل هو منها بأقرب محل.
ولما كان [/93ب] صباح اليوم الثاني ،تحققنا بقاء الوالي الالحق
وعندما انتصف النهار ،شرع بشري وشعري باقشعرار ،ولم تزل ترد
عليّ جيوش االهتزاز ،وأسناني -متعني اهلل تعالى بها -تدق لها على رغم
أنفي طبل باز .ولما كانت الساعة الثامنة حمي الوطيس ،وغدا لنيران
حتى إذا تلفعت من البرد حوراء النهار بملفع الغروب ،وجال فارس
مني عصام الزفرات ،وانهل على ذقني غمام العبرات ،وتوجهت إلى موالي
450
وطفقت كلما ازددت عرقًا ازدادت صحوتي ،ولم يزل يسيل ذاك إلى
أن سال نهر النهار ،وانهال جرف الليل عليّ من هناك وانهار ،فخمدت
بأنفاس العناية اإللهية نيران أم ملدم ،فحمدت اهلل جلت أياديه العلية علي
جزيل ما أنعم.
وأظن أن ذلك العرق الذي يغرق في تياره سبوح العجب ،هو ما تقاطر
من لجين المطر في بوادق أعضائي يوم سيري لقنطرة الذهب ،وقد صعده
ما أودعه حبيبي الحسين في كورة قلبي من نيران كربال ،فقد رجوت
منه الصلح مع ابن عمه أحمد عزت أفندي فأبى على نجابته إال القلى ،وإال
فمن أين لي من الماء هذا المقدار ،وهل في جسدي سحاب ينهل بالوابل
المدرار؟
452
وقد مِنَّ اهلل تعالى عليّ وقت الحمى باألخ الحميم ،ذي الدين القوي
المتين ،والخلق الرزين القويم ،سليمان بك أفندي ،كان اهلل تعالى له
فيما يسر ويبدي ،فقد كان ينسى لما بي نفسه ،ويفقد لما رأى من مزيد
كربي حسه ،وسهر معظم ليله لسهري ،وحذر عليّ أعظم من حذري،
وجعل يئن لكربي أنين السليم ،ويحنو عليّ -على شيبي -حنو المرضعات
على الفطيم ،وضم إلى دثاري دثاره وشعاره ،ولو اسطاع فتح جفنه
لجرَّني إليه وأسبَلَ عليّ شفاره ،وكم ارتوى ثديي بمص در الشفقة
من أنامل يده ،وانتثر من عيني دُر المسرة مما حوى من جليل مجده
[/91أ] فأسأل اهلل تعالى أن يمن عليه بواقية كوافية الوليد ،ويقمصه ثوبًا
الحجازية والعراقية محمد باشا ،فأنعِم به من نجيب ،قد اتخذ الوفاء أحب
حبيب.
453
()1
مسيره ،وقد انقطع عني ما ألَمَّا ،دققت بحوافر أدهمي هام السير إلى
(داقوق) ،وبعد أربع ساعات وصلت إليها وجبيني يتقاطر عرقًا كأنه
راقوق.
ولما أربدت وجنات الضو ،وتوردت حدائق الجو لم يمض إال قليل،
فابتل جناح الهوى ،واغرورقت مقلة السما ،وزأرت أُسُد الرعد ،ولمعت
سيوف البرق كثنايا دعد ،فسحت ديمة روت أديم الثرى ،ونبهت عيون
الروض من الكرى ،ومَنَّ اهلل تعالى معها على البيوت بالثبوت ،وعلى
السقوف بالوقوف ،ثم أرعدت وأبرقت ،وأظلمت بعدما أشرقت ،ثم جادت
بمطر كأفواه القرب فأجادت ،وحكت أنامل األجواد وأعين العشاق بل
( )1ربما يعني بها طاوق :Taoukبلدة في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية بغداد
وشهرزور ،لواء كركوك .تقع جنوب مدينة كركوك ،في العراق ،على خط العرض
53.41والطول .00.83
س .موستراس ،المعجم الجغرافي ،ص . 505
454
فَمِـنْ الئِــذٍ بِفِنـــاءِ الجِـــدَار ...وآوٍ إلــــى نَفَــق
مُهْمَــل
مُعْــوِلِ
يهمـل
( )1األبيات لألمير أَبو الفَضْلِ عُبَيْدُ اهلل في وصف يوم ماطرٍ ،ومنها:
دَهتنا السَّماءُ غَداة َالنّجابِ ...بغيمٍ على أُفقِه مُسبَلِ
فجاءَ برعدٍ له رَنّة ٌ ...كَرنّة ِ ثَكلى ولمْ تُثكلِ
وثنّى بوبلٍ عَدَا طَورَهُ ...فعادَ وباالً على المُمحلِ
وأشرفَ أصْحَابُنا من أذاهُ ...على خَطَرٍ هائلٍ مُعضلِ
فمنْ البدٍ بفنَاءِ الجِدارِ ...وآوٍ إلى نَفَقٍ مُهمَلِ
ومن مُستجيرٍ يُنادي الغريقَ ...هناكَ ومن صائحٍ مُعولِ
وجادتْ علينا سَمَاءُ السُّقوفِ ...بدمعٍ من الوَجدِ لم يُهملِ
وهو أبو الفضل الميكالي ،كان واحد خراسان في عصره أدبا وفضال ونسباً .وله
ديوان رسائل ،وديوان شعر ،وتصانيف أخرى كثيرة ،توفى سنة 059هـ.
الحُصري :زهر اآلداب. 36/1 ،
455
وعلى ذلك الحال جاءت الحمى للتسليم عليّ في تلك البقاع ،فكان
والحمد هلل تعالى تسليمها على الوداع ،والظاهر أنها كانت مخبوءة بين
وبتنا في أضيق حجرة بين الحمول والخيول ،وبال تطويل تحيرنا -
وداقوق كانت في زمن العباسيين أكبر بلد ،واليوم أخنى عليها الذي
أخنى على لبد ،فلم يبقَ فيها من البيوت إال نحو ماية ،وأهلها رفضة
456
()1
ولما بدا طيلسان الدجا ينجاب وتبسم الصبح تحت لثام السحاب .قمنا
األداء سرنا ،وبأجنحة الصافنات الجياد طرنا ،فبلينا برياح زمهريرية ترش
على وجوهنا الرذاذ ،ولم يكن لنا من أذاها سوى كهف العناية اإللهية
عياذ ،فأتينا (طوز خرماتي) بعد خمس ساعات ،ورأينا هناك من البغاددة
جماعات ،ونزلنا عند نجل عبدي ،النجيب سعد اهلل بك أفندي ،فأكرم
مثوانا ،وعجل قرانا ،ولم يقصر في اإلكرام بوجه من الوجوه ،وأبدى من
( )1طوز خورماتي :Touz Khourmatiمدينة في تركية اآلسيوية –األناضول -في والية
بغداد وشهرزور ،لواء زانكاباد على نهر آق صو ،أحد روافد نهر العظيم .طوز خورماتي
وطوزخوراتو ،تقع في العراق ،جنوب مدينة كركوك،على خط العرض 50.35والطول
.00،51
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 535
457
حتى إذا طمست عين النهار ،وحجب غين الظلمة األبصار عن اإلبصار:
على األُفُقِ األعْلى قالئدُ من *** وقد أَزْهَرَت بِيضُ النجومِ كَأنّها
()1
دُرِّ
عادت إليّ محروقة الشيب أم ملدم ،فجعلت -ال أبالها -تعركني عرك
األديم ولم ترحم ،ولما شابت ذوائب الليل جرى العرق من قربتي جري
السيل؛ حتى إذا سالت بضغث الظلمة األنوار ،واتضحت لكل ذي عينين
أعيان اآلثار.
انقطع عرقي الهطال ،فقمت والحمد هلل تعالى كأنما نشطت من عقال.
أقوالهم وأفعالهم ،أنهم في أودية الجهل هيام ،ال يميزون بين ليل الكفر
458
ولرجع عما هو عليه من الضالل أكفرُهم ،لكنهم عدموا الداعي ،فبقوا
أنعامًا بال راعي ،ومتى وجب نصب عالم في كل مسافة قصرٍ للذّبِ،
فنصبه في كل مسافةِ لبيان أمر اهلل تعالى شأنه أوجب ،لكن هذا أمر قد
مات ومرت عليه الدهور ،فإن أحيي في زمن نزول عيسى فذاك وإال فتسلَّ
وعندما أحسسنا من خد األرض أنه لطمته ذات سوار ،ولم يبق من
طراز بردة السماء شيء من اآلثار .حثثنا [/96أ] ركاب المسير ،وكم
خضنا إلى قرب الركاب في ماء نمير ،وبعد سبع ساعات تقريبًا قال
جوادي :هذه (كفري) وهي بكسر الكاف ،وقد يسبق ضمها على اللسان
ويجري ،فرأيتها قرية تسلسل ماؤها ،وطاب هواؤها ،واتسع فناؤها ،ولها
سور يشعر أن قضيتها لم تكن من قبل مهملة ،إال أنه تداعى بعضه لما
أعرض عنه التعهد وأهمله ،ونزلنا في بيت الحسيب النسيب السيد عمر،
459
وأرسل إلى أهله من يخبرهم الخبر ،فدلتنا مكارمه أنه حقا من أبناء
األكارم ،وذكرتنا أواني طعامه جفنة جده هاشم ،وقد رأينا هناك قدورًا
تهدر كالفنيق ،وتفوح عرفًا كالمسك الفتيق ،كأنها قدور سليمان ،
وبها كل آونة يطبخ للضيفان الطعام ،وكان حلولنا في بيت ذلك السيد
األجل ،ليلة األحد مستهل شهر ربيع األول ،جعل اهلل تعالى أيامه ولياليه
ربيعًا ،وسقى سبحانه رياض آمالنا فيه من منهل البشرى غيثًا مريعًا.
وقد نفضنا هناك غبار المسير ،وفضضنا ختام جامات السرور بأيدي
ما حصل من التيسير ،وفي القرب منا نهر طامية أرجاؤه ،يبوح بأسراره
صفاؤه ،وتلوح في قراره حصباؤه ،وبتنا في قبة حصينة ،قد هيأت لنا فيها
الفرش الثمينة.
()1
فإنّا وصلنا إلى المنزلِ *** فَقُلْ للسماء ارعُدي وابْرُقي
( )1األبيات لألمير أَبو الفَضْلِ عُبَيْدُ اهلل في وصف يوم ماطرٍ ،والتي اورد االلوسي بعض
أبياتها منذ قليل ،ومطلعها:
فَجَاء برَعْدٍ له رَنة ...كَرنةِ ثَكلى ولم تثكل
الحُصري :زهر اآلداب. 36/1 ،
461
ولما انجلى عن وجه البسيطة الغيهب ،وأبدت الغزالة أشعتها كأذني
أرنب .سرنا إلى (قره تيّه) عجاالً ،وحثثنا الرواحل وإن كانت هزالى،
فلما قربنا منها بعد ست ساعات ،شم القلب بخياشيم حدسه من األحبة
460
فبينما أنا في تلك الحال ،قد شغلني شاغل الخيال ،إذا بالبشير
ينادي :أيها الشيق الولهان ،أبشر فقد جاء ولداك عبد اهلل(.)1ونعمان(.)8
فطار شعوري ،بأجنحة سروري ،ولم أشعر إال وأنا بين األزقة حليف
( )1عبد اهلل اآللوسي (1861-1801ه1130-1158/م) :عبد اهلل (بهاء الدين) بن محمود (شهاب
الدين) بن عبد اهلل اآللوسي :فقيه بغدادي من قضاة الشافعية .تخرج بأبية ،وترفع عن
مناصب الدولة وعكف على التدريس .ومرض وتصوف وباع كتبه وعقاره وقصد
استنبول ،فاعترضه قطاع الطرق فعاد إلى بلده صفر اليدين .واضطر إلى العمل الحكومي،
فولي قضاء البصرة مدة سنتين وأكلت الحمى جسمه فرجع إلى بغداد ،ففارق الحياة.
ألف عند سنوح الفرص كتبا ،منها" :المتنان في علمي المنطق والبيان" و"الواضح في
النحو" ،و"التعطف على التعرف في األصلين والتصوف" بخط ابنه محمود شكري
الآللوسي ،في مكتبة األوقاف العامة ببغداد قسم الخزانة النعمانية اآللوسية ،و" ترسالنة
" في جزء لطيف مما جمعه ابنه محمود شكري.
الزركلي :األعالم 159/0؛ الباباني :هدية العارفين . 064/1
( )8نعمان اآللوسي (1513 -1838هـ1166-1159/م) :نعمان بن محمود بن عبد اهلل ،أبو البركات
خير الدين ،اآللوسي :واعظ فقيه ،باحث ،من أعالم االسرة اآللوسية في العراق .ولد ونشأ
ببغداد .وولي القضاء في بالد متعددة ،منها الحلة .وترك المناصب .وزار مصر في طريقه
وعاد يحمل لقب "رئيس المدرسين" فعكف على التدريس والتصنيف إلى أن توفي ببغداد.
قال االثري في وصفه :كان عقله أكبر من علمه ،وعلمه أبلغ من إنشائه ،وإنشاؤه أمتن
من نظمه .وكان جوادا وفيا ،زاهدا ،حلو المفاكهة ،سمح الخلق .من كتبه "جالء العينين
في محاكمة االحمدين" ابن تيمية وابن حجر ،و"الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح"،
و"غالية المواعظ" ،و"صادق الفجرين" في علي ومعاوية ،و"شقائق النعمان" في الرد
على بعض معاصريه.
األثري :أعالم العراق ،ص 91 - 33؛ محمود شكري االلوسي :المسك األذفر ،ص 31؛
الزركلي :األعالم.08/1 ،
462
وكادت تفارقني من شدة الفرح بهما نفسي ،ونهاية ما شعرت به
تارة ينظر إليهما وأخرى إلى السماء ،وطورًا ينظر الواقفين نظر
مبهوت ،ومرة يغمض عينيه كأنه يريد أن يموت ،وقد هدلت شفتي،
الحال لخلت محتضرًا أخذ بضبعيه اثنان فسارا به ورجاله تخط األرض.
وبعد برهة عاد طائر الحس إلى وكره ،ورجع غائب الفؤاد إلى صدره،
فحمدت اهلل تعالى بالعجز عن الحمد ،على نعمه التي تجل عن العد والحد.
وقد القيت هناك نيري سماء المكارم ،وذوآبتي ناصية فخر بني هاشم،
من حازا من المجد طارفه وتالده ،وناال من الكمال أوانسه وأوابده ،الليث
األطراف ،السيد علي أفندي ،فعاد لي بمالقاتهما شباب زماني ،ورأيت بمرآة
مرآهما جميع أحبتي وإخواني ،وقد أجريا رسم وجوه البلد ،فجاءا
الستقبال الوالي إلى هذا الحد ،وبيضا بما صنعا وجوه سائر الوجوه ،ورأى
463
وقد رأيت أنا من حضرة النقيب مجدًا فوق ما تركته عليه ،وال بدع
في ذلك من شريف أحاط الشرف األثيل بطرفيه ،فأين وجوه البالد ،من
وجوه بغداد ،فكم رأيت فيمن سواهم ،ممن يزعم أنه جاراهم ،من جعل
يمينه ،ودنانيره سميره ،وصندوقه صديقه ،فهو يجمع لحادث حياته ،أو
وارث وفاته ،قصاراه من المجد أن ينصب تحته تخته ،وأن يوطئ إسته
ويحشوها لومًا ،ولو اتفق في بلدنا من يتحلى بحليته ،فلعنة اهلل تعالى
على لحيته.
464
ولما أسفر وجه مسافر النهار ،وظهر ما كتمه الليل من األسرار.
سرنا جميعًا على مطايا االستيناس ،وبعد سبع ساعات عقلت الرواحل بلوغ
المنزل فتبسمت فرحًا عند خان (دلي عباس) ،وكان مسيرنا في أرض
رخوة ،ال يكاد يخرج الجواد منها حقوه ،ولوال ما كنت أتلوه من األسماء،
وبِتنا في خيمة عماد بيت آل عبد مناف ،جناب السيد علي أفندي نقيب
األشراف ،فكنا فيها بحال سعيد ،حتى خُيّل لنا أنا بتنا في ظل العرش
المجيد.
(: )1
ولما تقشع ظالم الليل وانجاب ،ومدت من خيمة األنوار على اآلكام
والتالع األطناب.
( )1جديدة :Djudeidaبلدة في تركية اآلسيوية /األناضول ،في والية بغداد وشهرزور ،لواء
الديوانية ،على نهر الفرات .تقع على خط العرض 53.41والطول . 08.81
س .موستراس :المعجم الجغرافي ،ص . 858
465
سرنا إلى ثماني ساعات ،فنزل األمير والمأمور في (جديدة األغوات)،
( )1يكيجري/االنكشارية :قبل عهد السلطان مراد األول المتوفي عام 1536م لم يكن للعثمانيين
جيش نظام ذو كيان ودوام ،وكان إذا ما قامت الحرب استدعى لخوض غمارها كل قادر
على حمل السالح والقتال ،غير أن هؤالء وإن اتخذوا ألنفسهم صفة المحاربين الغزاة ،إال
أنهم لم يقيموا هيئة وال نظاما على حدة ،فكانوا يسمون (يايا) بمنى المشاة (ومسلم)
ولهم رواتبهم.
إال أن هؤالء الجنود ضعفت طاقاتهم عن خوض الحروب على مر الزمان ،وهذا ما
أفضى إلى التفكير في تشكيل جيش نظامي دائم ،فشكلت فرقة االنكشارية ،وهي من كلمة
(يكي جري) بمعنى الفوج الجديد ،أخذًا مما كان للسالجقة من تشكيالت عسكرية .غير
أن تشكيل هذا الجيش العثماني النظامي ال يعرف له تاريخ بالقطع ،ولكن المقطوع به أنه
شكل في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميالدي بعد فتح مدينة (أدرنة) .وقد
أضيف إلى هذا الجيش أسرى المسيحيين ،واعتنق هؤالء اإلسالم وتقاضوا رواتب ،وصدر
القانون بنقلهم إلى فرقة (غاليبولي) .وكان لجاندرالي قرة خليل باشا دور من األهمية
بمكان عظيم في تشكيل الجيش العثماني .ولكن بعد فتح استانبول ،تلقى الجيش مددًا من
األسرى ،ومن الدوشرمة ،وهي جمع الصبيان المسيحيين فكثر عدده .وكان الصبيان من
العجم يلحقون بالخدمة في فرقة االنكشارية بعد أن ينخرطوا في الجيش ،ويؤدوا الخدمة
العسكرية مدة ال تقل عن ست أو سبع سنوات .كما أن الصبيان الذين يجمعون طبقًا
للنظام المعروف بـ(الدوشرمة) يلحقون بالخدمة خارج القصر السلطاني ،ثم ينخرطون
في سلك االنكشارية كما كان غيرهم يلحقون بالخدمة العسكرية دون أن يكون إلحاقهم
طبق نظام الدوشرمة .ويمكن تقسيم جنود االنكشارية إلى ثالث فرق :هي (جماعت أورطه
لرى) ،والثانية (سكبانلر) ،والثالثة (أغابلوكارى).
واعتبارًا من القرن الخامس عشر انتسبت االنكشارية إلى الفرقة البكتاشية التي أسسها
حاجي بكتاش ،وإن قيل إنه ال عالقة في الواقع بين االنكشارية ،وبين الطريقة =البكتاشية.
ولكن ظل المعتقد عامة أنهم منتسبون إلى الطريقة البكتاشية ،وكان هذا المعتقد سائدًا
على الدوام .وفي مقرهم وكالء عن حاجي بكتاش ،وكل وكيل له مقر في ثكنة طائفة
منهم .وطوائفهم أربع وتسعون طائفة ،وحقيق بالذكر أن االنكشارية كان لهم الفضل
في تحقيق الظفر للعثمانيين في فتوحاتهم التي وسعت األرض طوالً وعرضًا ،إال أن
الغرور دخلهم ،وأصبحوا طائفة تسعى في األرض فسادًا ،وتستعلي حتى على السالطين.
وكان للجندي االنكشاري امتياز ينفرد به دون غيره ،فإذا اقترف ذنبًا أو عمل سوءًا لم
466
وبعد أن خبت نارهم أُلحقت باألراضي األميرية ،وهي اليوم تمليك
البني الشيخ النوراني ،أبى أكثر علماء العراق عبد الرحمن أفندي
قصرها عليهما .وقد بتنا فيها بشرّ ليلة ،وقد وفّى المطر بصواع السحاب
يقبض عليه ولم يجرم؛ بل يسلم إلى فرقته لتتولى أخذه بما يستحق من عقوبة .حتى
لو اقترف ذنبًا يستحق عليه القتل ،فما كان يقتل علنًا أسوة بغيره ممن يستحقون هذه
العقوبة ،ويقتلون علنًا ،ولكن قتل من يستحق منهم القتل بكيفية على حده ،فيسقط اسمه
من السجل الخاص بفرقته ،ثم يخنق في مخزن الرصاص أو في القلعة المسماة(روميلي
حصار) ليالً ،ثم يربط جثته في حجر ويلقى بها في البحر.
وفي عهد السلطان محمود الثاني حلت فرقة االنكشارية بعد أن استشرى شرها،
فتخلص منهم وكف عاديتهم عن بالده ،ففي السادس عشر من شهر يونية عام 1189م رفع
االنكشارية راية العصيان ،وهو محنقون ،مغضبون معلنين على الحكومة أشد سخطهم،
ألن مدربًا أوربيًا ضرب أحدهم ،ولكن حقيقة الحال أنهم كانوا حاقدين في شدة على
السلطان محمود الثاني الذي أراد إصالح جيشه ،فرأى من الخير أن يدمج فرقتهم في
الجيش العثماني ،فساءهم أال يكون لهم وجودهم المستقل على أنهم كتبوا بدمائهم
صحائف مجد بالدهم .فرأى السلطان أن يقضي عليهم قضاءً مبرمًا ،فأمر بتقتيلهم،
وهلك منهم أكثر من أربعين ألفًا ،بعد أن حصدوا حصدًا بنيران المدافع ،وهذا مؤرخ
عثماني يقول في هذا( :إن الوصف المفصل لشرور تلك الفئة الطاغية الباغية ليذهل
أولي األلباب ولي قلم يعاف القبيح ،ومن جبروتهم وتسلطهم سيكون حديث حفدتنا من
بعدنا ،ولسوف يشكرون اهلل على نعمة الخالص منهم ،ولقد أردت أن أحيط المسلمين
علمًا بفضل سلطانهم الذي أرسى أساسًا لسعادتهم ،وذلك بقطع دابر االنكشارية ،ونزع
دوحتهم من أصلها.
مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،ص . 191
467
ولما أحس الليل من خصمه النهار بطلب ،فلملم خوفًا منه أذيال ثوبه
األسود وهرب؛ سرنا نحو أربع ساعات مستوية ،بين سواقي أنهار معوجة
ملتوية فأنزلنا سليمان بك أفندي فيما عمره لفالحي بستانه ،قرب ما
األصالب واألرحام التي تنقلت فيها ،الحال مني محل روحي من جسدي،
ابن جوزي وقته السيد عبد الرحمن أفندي ،ال زال مجلي همي وغمي،
468
[ مدينـــة الســـالم ]
ولما خفقت راية الصبح البيضاء ،وأسفرت فرحًا بأوب غائبة غانية
الشمس وجوه أرجاء الغبراء؛ سرنا سراعًا إلى مدينة السالم ،وطارت
بالقوم إلى األوطان نعامى الوجد والغرام ،فعما قليل انتشقنا نفحات
روضة شقائق النعمان ،وعطرنا الشفاه بلثم ثرى ضريح ذلك اإلمام
برهة عاودني ذهني ،فجعلت أمسح قتام الشك عني ،وطفقت أقول يا قوم،
أنشدكم اهلل تعالى هذه رؤية يقظة أم رؤيا نوم ،وبعد أن مَنُّوا بالفُتيا،
وأَنَّى وهيهات يقوم الشكر بهذه األيادي ،ولو بقيت أصدح به وأصدع إلى
469
قَلُوصَيْكُمَا ثُمَّ ابْكِيَا *** خَليلِيَّ هذا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِالَ
()1
حَيْثُ حَلَّت
ودخلت ربعي وقد مالت الشمس إلى ربع الغروب ،فناديت :الحمد هلل
وذلك يوم الخميس خامس شهر ربيع األول سنة ألف ومائتين وتسع
وستين من هجرة النبي األكمل صلى اهلل تعالى عليه وسلم ،ما عاد مسافر
471
وقد كان من فرح األحبة بي ما لم يخطر ببال ،ولم يخط إلى عتبة
تخيله فارس خيال ،وأسرعت سحرة شعراء بابل بأسرهم ،إلى تقديم حبال
فمن ذلك [/31أ] قول األبي ابن أبي ،ومن تربى في حجري وتأدب
بأدبي ،فهو اليوم كابني عندي ،السيد عبد الحميد أفندي :
470
472
473
ومن ذلك قول شاب األدب الذي أعجز الشيوخ ،ومن استولى على
أوابد المعاني ففرى منها اليافوخ ،ذي اإلعجاز الجلي ،أحمد عزت أفندي
أودعه في بغداد نزال لي ،يقدم إليّ إذا حللت منزلي: ()1
العمري الموصلي
( )1أحمد عزت العمري (1514-1800هـ1168 - 1181/م) :أحمد عزت باشا بن محمود الفاروقي
العمري .شاعر ،باحث ،من أهل الموصل ،رحل إلى األستانة وولي بعض األعمال ،ثم عين
(متصرفاً) في شهرزور فمتصرفاً في األحساء -وكانت قاعدة نجد -فمتصرفاً في تعز
(باليمن) وعاد إلى األستانة فعكف على التأليف فجمع شعره في (ديوان -خ) كبير (في
الخزانة التيمورية) وجمع شعر عبد الغفار األخرس .توفي باألستانة.
له( :العقود الجوهرية -ط) وفيه تراجم بعض شعراء عصره ممن مدحوا أبا الهدى
الصيادي ،و(رحلة إلى نجد) ،ورسالة في (التصوير الشمسي -خ) وترجم عن التركية
(احكام األراضي -ط) ،وله (سفينة -خ) جمع فيها بعض شعره ورسائله.
474
475
476
477
ومن ذلك قول الشاب الذي تحير في دقة فهمه شيخ فهمي ،ورقي في
ساللم الفكر إلى عرش األدب فلم يدر إلى أين وصل جبريل علمي ،محمد
فهمي أفندي عمري زاده ،حفته -وهو بها حفي -أنواع السعادة :
478
479
481
480
ومن ذلك قول الشاعر المجيد ،ومن جمع من بضايع الفضل كل
مجيد ،األطرقجي المال عبد الحميد ،مؤرخًا للقدوم ،بما يزري بقالئد
النجوم:
ونوره فاق نــور الشمــس والقمــر * أهالً بمــن أصلــه من سيــد البشــر
بشرحــه سائــر اآليــات والســور * أهالً بمن فسر القــرآن وانشرحــت
لواله أضحــت بــال عيــن وال أثــر * أهــالً بمــن فــازت العليــا برؤيتــه
بحر تفيض علــى العافيــن بالــدرر * أهــالً بمــن ريحــه عطــر وراحتــه
أحاط فيه سوى الخافي مــن القــدر * أهــالً بمـن حفظ العلم الشريف وقــد
لكي تضمك بين السمــع والبصــر * تمنــت التــرك يومًا أن تــراك بــه
وتستضــيء بأنــوار مــن الفكــر * فسرت تفري بطون الصحصحان دجى
شمس المعارف فاستغنوا عــن الخبـر * لمــا حلــلت بهم الحــت ألعينهــم
سهمًا مـن العيــش مأمونًا من الخطر * ورحت ترمي سهامًا كــي تنــال بهــا
تصمي البعيد بال قــوس وال وتــر * فيا لهــا مــن سهــام فــي كنانتهــا
بالعز والنصر واإلقبــال والظفــر * وقــد رجعت إلى أرض العراق ضحــى
كأنها روضــة تزهو علــى نهــر * زهت بزورتــك الــزوراء وابتهجــت
بالجد مفتــي العلى وافـى من السفـر * والصبـــح أسفـر عـن سعـد فأرخــه
482
ومن ذلك قول نابغة الزمان ،ورب الفصاحة التي سحبت ذيل الفخر
على سحبان ،الفاضل الذي أخرس شعراء عصره ،وعصر من كرم قريحته
الكريمة حميا األدب فأسكر األفهام بعصره ،ذي الشعر الريق األنفس ،السيد
483
484
485
486
ومن ذلك قول الفجر األدب الصادق ،وفخر كل صديق غير ماذق،
الشيخ صادق األعسمي ،ال أعسمت عين حظه وال برح شارد الفضل به
إمام شهاب الدين هالة سعــده * لقد أشرقت بغداد نورًا بمقدم الـــ
وجوه الورى زهرًا بإشراق جـده * وعادت رياض الفضل تزهو كما غدت
ونفسي كما هنيت شرعـة جـده * أهنيكم فيه ذوي الفضــل والحجــى
487
ومن ذلك قول الرضي المرتضى ،ومن إذا نثرت دراري نظمه في الليل
نجل ()1
الداجي أضا/39[ ،ب] الخدن الوفي ،الشيخ راضي الحسيني النجفي
األخ النازل مني منزلة عيوني ،الشيخ صالح الشهير بالقزويني ،مخمسًا
ما تقدم من قصيدة شاعر الدنيا وفاضلها ،ومأوى يتيمة األدب وكافلها،
عبد الباقي أفندي عمري زاده ،ال زالت عوائد أفضاله على الداعي فوق
العادة:
( )1راضي القزويني (1813 - 1853هـ1191 - 1116/م) :راضي بن صالح بن مهدي الحسيني
القزويني .ولد في مدينة النجف (العراق) وتوفي في مدينة تبريز (إيران) ودفن في
النجف .درس على أبيه مبادئ العلوم وأصول األدب ،وحين انتقلت عائلته من النجف إلى
بغداد (1105م) انتقل معها ،وذاعت شهرته شاعرًا .سافر إلى إيران غير مرة ،واتصل بالشاه
ناصر الدين القاجاري ،فنال مكانة سامية عنده .تعرف في بغداد إلى أعالمها وسراتها
ومدح الكثيرين ،كما كانت له صالته مع الشعراء البارزين في زمنه .أثبت له كتاب
«شعراء الغري» عددًا غير قليل من القصائد ،ويذكر أنه كان له ديوان فقد ،فندب
أخوه نف سه إلى جمع ما يعثر عليه من شعر المترجم له ،وهو محفوظ (مخطوط) في
مكتبته ،ويقع في 180صفحة .وصف الشاعر في بعض المصادر بأنه كان هجّاء يحسن
التشطير والتخميس ،وهذا وصف ال يفي بالمطلوب .شعره يسير في ثالث شعب :في مدح
آل البيت ،وفي مدح علماء عصره ،وفي الغزل الرمزي ،ومع هذا فله قطع وقصائد في
أغراض اجتماعية كالمراسالت وقصائد في الوصف ،ومع اقتداره على اإلطالة فإنه أكثر
ميالً إلى تنويع القوافي بمايقارب شكل الموشحة.
علي الخاقاني :شعراء الغري (النجفيات)04-5/0 ،؛ محمد مهدي البصير :نهضة العراق
األدبية في القرن التاسع عشر ،ص . 815
488
ومــا رمت من نيل األماني حبانيهــا *** عقار الهنا كف الزمان سقانيها
أعيدت إلـى الـزوراء روح معانيهـا *** غـــداة بمحمـود المآثـر بانيهـا
وقد غم نشر الطيب منها الفيافيـا *** زها ربعها من بعد ما كـان عافيًا
وردت إليها الشمس مشرقة الضيـا *** ودرت عليها السحب مغدقـة الحيا
يردد في الزوراء باللحــن والغنـا *** وأقبل يسعى طائر اليُمن معلنــا
وأغصانها ماست ســرورًا وأينعــت *** تتابع وكف السحب فيها فأربعت
ولألرض من جدواه نور وزهــرة *** وعاد فعادت فيــه للعيــن قــرة
وقد شملت أرض العـراق مســرة *** وعم الورى منه ابتهـاج ونضــرة
489
وطالت مبانيها عال بعدما هــوت *** زهت دارة الزوراء بشراً بما حوت
وحيى رباها عارض متراكم *** وهبت كنشر الطيب فيها نسائم
وفي الروضة الغناء غنت حمائم *** أيطير بنا ظبي بوجــرة باغــم
بأوب شهاب الدين محمود سيـرة *** فرحت أهنــي مسرعًا خير جيــرة
بمعرفة فصل الخطاب بها انفصـل *** فتى فسر الذكر الحكيم بما نــزل
بتشريف موالنا األجل أبي الثنا آل *** فال غرو أن سرت بنوا العلم والعمل
ترى الدهر منقــادًا مطيعًا ألمــره *** همــام لعليــاه وشامــخ قــدره
كسا حمرة النور يد وجنة عصـره *** وفي يمن يمنــاه وفاضــل بــره
وأزرت بسحبــان لديــه فصاحــة *** شأت حاتم الطائي منــه سماحــة
وكم من يد فيها لروحــي راحــة *** فكم قلدتني أنعمــا منــه راحــة
491
عشية أنــوار الشهــاب تجلــت *** رعى اهلل ساعات بها نلـت منيتــي
لي اهلل مــن أيـام غيبتـه التــي *** وكم قلت ساعات النوى والتشتت
ورامت بأن تدنوا إليه فما دنــت *** عيون المعاني كم لعلياه قد رنت
فكاهته منها العقول كم اجتنتـت *** وسل من بنات الفكر لما به انثنت
سموت بها هام الثريــا وفرقــدا *** ليال بلقياه وفَّى الدهــر موعــدًا
وكم ليلة سارت منه أخا جــدى *** فال عجب مني إذا قلــت منشــدًا
بيــض مواضيها وزرق نصالهــا *** أقمت مباني المجد بعــد انثاللهــا
فتى فاق بالفتيا على ابن كمالها *** كما نال في العليا بعيــد منالهــا
فساغ إلى الوراد منهل عذبه[/33ب] *** فتى طبق األقطار منهــل سحبــه
فتى غيــر وانٍ العال نهضــت به *** فتى لسوى داعي الندى لــم يلبــه
490
يضيق على رحب الفال واسـع الفال *** بما قد حوى من وافر الفضل والعال
بروح المعانـي فضله مــأل *** فيا لــك مولــى منعمًا متفضــالً
المــال
بنـوار أخالقـي وأثــوار غـرة *** تهلل يطوي البيد من فوق جسرة
وفازت بالد الروم منه بحضرة *** فحازت به الزوراء أوفى مســرة
وقوّمهـا مـن بعـد غمـز قناتهـا *** حمى شرعة اإلسالم بعد شتاتهــا
وأوفى الـورى فضالً وأوفر ذمة *** أخو همم أعلـى مـن الدهـر همـة
وفي دست ديوان الصدارة حرمة *** شأى في العلى أهل العزائم عزمـة
وهلّ كمنهلِّ الحيا من سحابه *** تجلى كبدر قد تحلى الدجا بــه
وعاد وال عود الهزبر لغابه *** وآب كمشحــوذ الشــا لقرابــه
492
ونــال من العلياء غاية قصــده *** فتى ملك المجد األثيــل بجــده
وال انفك مرتاحًا برحبة مجــده *** فال زال باألسراق كوكب سعــده
وأحرز ما أبقى له الفضل دائمًا *** سما في الورى فضالً وفاق مكارمًا
بأواله مع عقباه ال زال عالمــًا *** تراه وكــم للعلــم شــاد معالمًا
لم يشنها خفاء ،ذو الخلق العطر الندي ،الشيخ صالح بن مهدي ،وذلك
كتاب يكبت الحاسد ،ويكتب بسواد العيون على بيض خدود النواهد،
وقصيدة يزري نظمها بالثريا ،ويطلب فوقها مكانًا عليًا ،وقد هنأ بذلك
خاصة أحبتي ،ومن أعظم اهلل تعالى بهم نعمتي ،حفظهم اهلل تعالى بحرمة
كل ولي.
493
ليس لقيا حبيب أباح وصاله بعد الصدود ،خليًا من الريب ،وال رشف
رضاب المباسم المترقرق في ثغور ربات النهود ،ما بين بارق والعذيب
حدائق الخلوص والوالء ،إلى حضرة كعبة العلم التي ضرب الستالم
أركانها آباط اإلبل ،وبدر الفضل الذي طبع كل قلب على حبه وجُبِل،
باكورة حديقة المجد والكرم ،وعرار نجد طريقة الفخار األقدم ،كريم
حضرة مالذنا السيد محمود أفندي المحترم ،ال زال علم علمه على رؤوس
494
أما بعد ؛
فالموجب لتنميق ألوكة الدعاء ،وذريعة التحية والثناء ،هو أنه بينما
نتطلع إلى بزوغ شمس الهداية من مشارق األنوار ،ونتوقع سفور بدر
الدراية على هذه الديار ،من بروج السعد واالفتخار ،وإذا بأسعد طالع قد
بالتهاني ،ونادى المنادي ببلوغ اآلمال واألماني ،فقمت إذ ذاك ناهضًا على
ساق الشكر والثناء ،إلله األرض والسماء ،مهنياً عموم أهل القطر العراقي
وخصوص أهل الزوراء ،ال سيما حضرتي [/31ب] عبدي الغني والباقي،
يالحظ تهنيتي هذه بعين القبول ،ويرنوا إليها بطرف الصفح عن معايبها
كما هو المأمول ،وأدام اهلل تعالى بقاءكم على الدوام ،والسالم خير
ختام.
495
للفقير إلى اهلل تعالى الغني ،صالح بن مهدي الحسيني الشهير
بالقزويني( )1مادحًا حضرة عالمة الوجود ونعمة اهلل سبحانه السابغة على
كل موجود أبا الثناء شهاب الدين محمود ،ال زالت أيامه ولياليه ،وأعالمه
ومعاليه ،في بهاء وسعود ،وارتقاء وصعود ،إلى يوم البعث والخلود ،ومهنيًا
( )1صالح القزويني ( 1540 - 1833هـ1119 - 1101/م) :صالح بن مهدي بن حسن الحسيني،
الشهير بالقزويني الحلي .ولد في مدينة الحلة ،وتوفي في مدينة النجف ،وعاش حياته
في العراق .تعهده أبوه بالرعاية ،وتلقى علوم العربية عن بعض علماء الحلة ،ثم هاجر
إلى النجف فدرس على مرتضى األنصاري األصول والفقه ،كما درس على مهدي كاشف
الغطاء ،فمنح إجازة االجتهاد ،وبذل عناية إلتمام ما كان ناقصًا من مصنفات والده .رثاه
عدد من أعالم الشعراء في عصره .له أشعار في كتب التراجم ..ويرى الباحث الشاعر
هالل ناجي أن خلطًا حدث في نسبة بعض القصائد إلى المترجم له وهي =لشاعر آخر
هو :صالح القزويني النجفي البغدادي .وهذه القصائد عددها ست .و له رسالة في
العبادات(-مخطوطة) ورسالة في فضل اإلمام علي(-مخطوطة) يمضي المأثور القليل من
شعره في موضوعات تقليدية :الشكوى والمراسلة والتقريظ والرثاء ،ويحتفظ بتقاليد
القصيدة القديمة من مخاطبة الصاحب ،وضرب األمثال ،ووضوح المعنى.
انظر :علي الخاقاني :شعراء الحلة810/5 ،؛ محمد مهدي البصير :نهضة العراق األدبية
في القرن التاسع عشر ،ص . 185
496
وذلك في السنة التاسعة والستين بعد المائتين واأللف من هجرة
497
498
499
511
ومن ذلك قول فخر أبناء الملوك ،ومن له في النجابة على السِماك
ميرزا فتحعلي شاه زاده ،أناله اهلل تعالى من الوالية والفتوح مراده.
أحمد مرسل زخاك مكة جون هجرت كزيد * مدتي نخطه بود انشكت بردندان كزان
باريكربازاز تشريف ميمون مقده ش * زنده شدجون درسحر كاهان كل ازباد وزان
خواندم اين ايت كه تحيي األرض بعد موتها * نوبها رأمدز بعد برك ريزي رزان
زا نصراف مفتي إسالم در دار السالم * روضة رضوان شده بغداد در فصل خزان
ومن ذلك قول الحسيب النسيب ،واألديب األريب ،فائق أقرانه ذكاء
وفهمًا ،ونثرًا ونظمًا ،ليث الوغا ،علي أغا ،ابن المرحوم حبيب أغا :
510
بوحالته دوب شوب مرغان خوش الحان غوغاية[/14ب]
512
موافق غير ممكن غيـر ينـك اسمـي مسمايـه
513
اميدم وار قصو رى غفوايده اول آسمـان سايـه
514
نسيم لطفى جان ويرمكـده دم ويـردي مسبحايـه
إلى غير ذلك مما ينحط عما ذكر قدرًا ،وال يحب لسان القلم أن
يجري له ذكرًا:
وال كُلُّ كحلٍ *** فَما كُلُّ روْضٍ يُنْبِتُ الزَهْر طَيِّبٌ
()1
للنَّواظِر إثمدُ
515
وبالجملة؛ قد جل تهتان التهاني ،وحل ما حل من وابل السرور في
ديوان ،وما ذاك إال من طيب أعراق أحبتي في العراق ،وسالمة أديمهم
سلمهم اهلل تعالى من ذميم األخالق ،وإال فأنا ممن ليس له عليهم دَين،
وال هو ذو استحقاق ألن يمدح بكلمتين ،فجزاهم اهلل تعالى عني خيرًا،
وبعد أن انتهى التحرير إلى هذا الحد ،وأحب طفل القلم أن يهدأ في
المهد ،أحس بنقرات فقرات ،تهدى إلى معالم السرور في مهامهٍ حزن
قفرات ،وما هي إال نقرات فقرات تقاريض ،ألذ استماعًا من رنات المثاني
في روض أريض .فقال ألبيه البنان :يا أبت هذه فقرات عظيمة ،فوحرمة
الباري ال أهدأ في مهدي حتى تجعلها لي تميمة .فقال له :على العين
والرأس يا طفيل .إال أنه لما أتم التميمة له عقلها رغمًا على أنفه بالذيل،
وهنا نادت حياض األوراق وابل الفكر قٌدْنى ،مهالً رويدًا قد ملئت بطني،
وجعلت تقول :إذا رأتها عين كل راءٍ من القاف إلى القاف ،قد كفاني
516
هذا؛ وكانت مدة غيبتي عن أوطاني ،وفرقتي لخلتي وإخواني ،أحداً
وعشرون شهرًا وخمسة أيام ،إال أن ثواني ساعاتها لديّ بمنزلة دهور
وأعوام ،والحمد هلل تعالى أن طارت بها عنقاء مُغرِب ،وسكنت بالبل الفراق
والصالة والسالم على من سافر إلى مظهر السلطنة العظمى ،ورأى ما
رأى من آيات ربه الكبرى ،حتى إذا كان قاب قوسين عاد بالسهم األوفى
األوفر ،فيا له من سَفَرٍ قَرَّت به العين ،وعُودٌ أينع منه عود اإلسالم
وأزهر/11[ .ب]
وعلى آله وأصحابه الذين سافروا على يعمالت القلوب ،وهم في
األوطان ،وعادوا وقد وفقوا على كثير من خفايا الغيوب مما يكون أو
كان ،صالة وسالمًا دائمين ما لزم مقيم رخله ،وما أتم بفضل اهلل تعالى
محمود الشهير بآلوسي زاده ،أكرمهما اهلل تعالى بالحسنى وزيادة ،وذلك
517
ثم اعلم أنى وعالم الغيوب ،وكاشف غياهب الكرب عن المكروب ،لقد
نثرت أكثر ما سمعت من كنانة فكري وأنا على ظهر الجواد ،وهو يسير
بي في بطون أغوار وعلى ظهور أنجاد؛ فليعذرني الناظر إذا وقف على
518
لمن ارتدى بسابغات البسالة ،وأَوَّبَتْ معه جبال الجزالة ،ذي النثر
النفيس ،والنظم المزري بريش الطواويس ،السيد داود أفندي ابن السيد
ال يدانيها شيء وال يقال هي خير من غيرها ،ألم تر أن السيف تحت طي
( )1أحمد الشيخ داود( 1591-1810هـ1601-1193/م) :أحمد الشيخ داود بن سليمان بن جرجيس
العاني البغدادي .ولد في بغداد ،وبها توفي ،وقضى حياته في العراق .نشأ نشأة دينية
فتلقى علومه على علماء عصره ،حتى أُذن له بالوعظ واإلرشاد .اشتغل مدرساً ،وواعظاً،
وقائمقاماً ،واختير عضواً لمجلس الوالية ،فعضواً للجنة الوالية حتى صار وزيراً
لألوقاف عام .1681عرف بوطنيته ،ومقاومـته االحتـالل اإلنجليزي ،وقد عانى النـفي
بسبب ذلك .ليس له ديوان ،وقد تعددت موضوعات قصائده ،وشُهر بتشطيراته لبردة
البوصيري ،والمية العجم ،والمية ابن الوردي .وله رسائل علمية في مسائل عقدية
وشرعية.
انظر :علي الخاقاني :شعراء بغداد. 39/1 ،
519
فهي وحياة صاحبها لطالب كل فن عدة ،كل سجعة منها أطرب من
ساجعة غنت على فنن ،وكل فقرة يفتقر لها أغنى األدباء ويرقص لها،
وإذا لم يرقص األديب من نشوة المدام فمن ،فلله تعالى در منشيها ،أخرج
من بحره العذب درًا ،وأبرز من ضميره المستتر من نفثات فمه سحرًا،
طرز برد طرسه [/18أ] من وشي فصاحته بما لم يسبق إلى طرزه ،وأظهر
فهو -ال فض اهلل تعالى فاهُ فاهَ -بغرائب التحف ،وفّاه اهلل تعالى بما وعد
ووفاه ،وال زالت ألطافه سبحانه به تحف ،فياهلل تعالى ما أبهر شمس ذهنه
شهب المعاني ولتلك المنازل في القلوب منازل ،فال أقسم بمواقع نجوم
هذا الشهاب ،لقد أعجزت آيات بيانه فردت بالغتها دعوى معارضها من
قبس االقتباس بشهاب ،لقد أنشأ هذه النشوة واعتصرها إمام العصر ،فعلت
مع جدتها بما فعلت على كل معتقة سبقتها في العصر ،وأسكرت كُمَّل
اإلنس ،وصارت لهم كَمَلَ األُنس ،فصارت بدايتها شرك العقول ،وأزالت
501
إذا انتشى األديب ريح راحها ولو كان مقعد مشى ،أو ذاق ميت من
أبصرها ذلك البصري لزاد ارتجاجه ،ولضاقت عليه على سعة مسالكه
فجاجه ،أو شام البديع بديع إنشائها لقال هذا المنهل العذب الصافي ،وما
سواه آجنة وأجاجه ،ولو قيس بها عصر سالفة العصر لفاقت عصر
ولعمري لم أر ولم أسمع بمثلها ،والحق يقال ،إذ منشيها ممن يستظل
بوارف ظل أفادته ويقال ،لم يزل يتنقل في منازل البالغة تنقل القمر في
منازله فلم يبلغ أحد بالغه ،وتفنن في كل عبارة أوردها فانبجست منها
اثنتا عشرة عيناً ،فقررنا بها عينا ،ولكل معنى منها بال حاجب وعينًا،
فكأنها لون الحرباء يتلون بألوان بهائه أو لطافة الماء؛ إذ يتكيف بكيفية
إنائه ،كيف ال ،وهو رب روح المعاني الملتذة به روح أهل الكمال كلذة
صغيرة وال كبيرة إال أحصاها ،وال ترك بادرة نادرة من الفرائد [/18ب]
500
إال حواها ،فهو بنور شهابه لشمس الكشاف كساف ،وبعذوبة مالحة
تعبيره أظهر ملوحة بحر أبي حيان فلم يكن منه ارتشاف ،بل لو أنصف
ما عز من أثمان ،إذ ال عوض للروح ولو بذل فيها من العيون اإلنسان ،بل
وسائر ما يشاهد من األعيان ،هذا ولو أراد المنصف أن يثني على ما له
من مصنف النشقّ له القلم كالالً وتنصف ،أو لو ذكره المطري بما فيه
عليه من ماء الصحو قبل أن يسكره من نشوة المدام دنانه ،ولنشفع ما
502
أنف فكري أعظم بمن أنشاهــا * هذه "نشـوة المـدام" نشاهــا
إلمــام فــي عصرهــا صفاهــا * تهت سكرًا بها لذا فهت شكــرًا
ثاقــب حاز في سمــاه انتهاهــا * يا لـه فاضــالً شهــاب عــاله
شمس فضل وبدره قد تالهــا * لم يزل في منازل السعد يبدو
ـناس طــرا وللشكــوك جالهــا * فسر السبعة المثاني فسر الـــ
درر كــــم غمــــة جالهــا * لم يزل ناثرًا ألهــل ابتــداع
مـن بديــع البيــان حقًا وفاهــا * قد وفى للعال بما هو أبــدى
[/15أ] من وجوه البالد فازداد جاها * منه شاهت وجوه أهـل شقــاق
503
لبديع البيان والمعاني ،الفاضل المرضي ،الموصلي عبد اهلل أفندي
لما سرحت طرفي في مرأى جمال هذه المنازل ،وارتسمت لها في
سويداء القلب مني منازل ،صادفت أزهار إشاراتها في أسفار بشاراتها بين
بساتين معارفها ،وطبقت أجوب من بديع أثمار أفانين لطائفها ،فما هي
روح معانيها إلى روض المنى ،فأصبحت تغلو بسبك نثرها على عقد
الآللي،
( )1عبد اهلل فيضي (كان حياً عام 1898هـ1109/م) :عبداهلل فيضي الموصلي .كان حياً عام
1898هـ1109/م .شاعر من العراق .نشرت له قصائد في جريدة «الجوائب» .له أرجوزة
من المزدوج ،وقصيدة ،وكلتاهما في مدح صحيفة «الجوائب» وصاحبها الشدياق .وفي
األرجوزة خاصة نجد وصف ما تعنيه الصحافة بالنسبة لقارئها ذلك العصر ،وفي القصيدة
تنديد بحواسد الشدياق وعجزهم عن مجاراته.
جريدة (الجوائب) ،اآلستانة 1190/1/8م.
504
وتعلو بسمك قدرها على فرق جبين المعالي ،إن شمت صدور
أسجاعها أغصان القدود ،ومتثنية تهتز طربًا لطيب ألحانها أثمار النهود،
وال بدع وال عجب في لمحة ملحة هذا األدب ،أن تكتب باللجين بل بماء
الذهب ،إذ ما نسج على منوالها خير حبر نساج ،وال أحس ذو حس لمنهاجها
من هاج ،فلو صادفها صفي الدين الصطفاها ،ولو رآها الحريري لكان
حريًا أن يقبل فاها ،ولو سمع ابن ساعدة هذه األلفاظ ،لقام بها خطيبًا
في سوق عكاظ ،ولو خاض في تيار بيان معانيهما البديع ،العترف بالعجز
قائالً :ال يبلغ الظالع شأو الضليع .وحين أدارت سالفتها الرواة ،على أدباء
ال يتمايل من "نشوة المدام" ،وال بدع ،فقد حبّرها العالم األشهر ،الذي
انطوى فيه العالم األكبر ،من سعد به الدين ،وصعد إلى الثريا فخره
المبين:
505
وعشرين حرفًا في عاله قصير *** ولو أن ثوبًا حيك من نسج تسعة
نواصيها ،وحاز قصب السبق في مضمار البالغة ،وفاز من رتب األدب بما
ال يبلغ أحد بالغه ،وقد قلد أعناق الفصاحة بصنوف قالئد العقيان ،وقرط
آذان البراعة بشنوف بديع المعاني والبيان ،فكان جديرًا بأن تشد لتقبيل
أنامله الرواحل ،وحريًا بأن تطأطأ لفضل فضائله رؤوس األفاضل أعني
به عالمة اآلفاق ،ومفتي العراق ،وحجة اإلسالم والمسلمين ،أبا الثناء شهاب
الدين ،مَن أيقظ بهمة مدده جدي ووجدي ،سيدي وسندي السيد محمود
القضا ،بحرمة جدهم خاتم النبيين ،صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين..
وكتب أفقر الورى إلى المولى العليّ ،عبد اهلل فيضي الموصلي ،غُفر
له.
506
للكامل الذي رتق بكماله فتق نقص الزمان ،والفاضل الذي سحب فاضل
ذيل فضله على سحبان ،األمين السرى ،محمد أمين أفندي العمري ،وهو
هذا:
507
وعاين في ألوان مراياها صورًا وهياكل لم تطبع في مرآة الزمان،
وليس الخبر كالعيان ،وجال نظره الكيل بما انطبع فيها من غرائب
األشكال الجالية لكل ناظر ،ورجع[/10أ] قرير العين ال بخفي حنين كما
قرَّ عيناً باإلياب المسافر ،وظهر له من سيره فيها بالطول والعرض ،سر
ورأى كل رحلة طالت قبلها بال قوله تعالى :أَوَ لَمْ َيسِريُا فِي اَأَرِْ
()1
طائل ،بل دونها في الظرافة واللطافة بمراحل ،وعاد من سفره نشوان من
نشوة المدام ،وال عود الشهاب أبي الثناء إلى مدينة السالم ،ال زال نشوان
غُفر له.
508
لرحلة ذوي اآلداب ،واآلخذ بزمام فصل الخطاب ،من بني الخطاب،
مُدامي وراووقي ،حضرة عبد الباقي أفندي الفاروقي ،وهو قوله :
طوت مفـاوز أعيت كل خريت * هلل رحلــة موالنــا الشـــهــاب فكم
أنّى وقد أسكنت مثلي ابن سكيت * وأفحمت كل منطبق شــقاشــقها
أوائل النار في أطراف كبريتي * فلو رآها ابن كبريت لقال سرت
لعين أعيان العراق ،ومن وقع على غيرته وشهامته االتفاق ،واحد
اآلحاد ،وفخر العلماء األمجاد ،جامع المآثر ،والكاسر بهمته ناب الليث
الكاشر ،ابن الجميل وأبوه ،والجابر بمرهم فضله كسر قلب من يرجوه،
رفيع العماد ،عبد الغني أفندي المفتي األسبق ببغداد ،وهو قوله ،دام إفضاله
وفضله :
509
521
رسم لخدمة حضرة سنيِّ األخالق ،ومن فاق بكل كمالٍ جميع
الوزراء على اإلطالق ،صادق الدين والدولة ،ومَن جعل جبرَ قلوبِ
المنكسرين شُغْلَه ،حضرة أفندينا وليّ النِّعَم ،وفيّ الذمم ،وافر الجود
والكرم ،محمد حمدي باشا ،زاده اهلل تعالى انتعاشا ،وأعطاه مرامه كما
شا ،وال زالت أنظاره شاملة جميع الداعين له ،مسبغا عليهم وإن أذنبوا
بلغ مقابلة على مسودة مؤلفه ،وذلك على يد مؤلفه غريق إحسان
حضرة المشار إليه ،السيد محمود الحسيني الشهير بـ (آلوسي زاده) ،كان
520
الملحـــــــــق
522
...فأقول :خرج خالص لبن وجودي من بين فرث العدم ودم اإلمكان،
بيد حالب القدر إلى قعب عالم العيان ،قبيل ظهر الجمعة رابع عشر شعبان،
وذلك سنة سبع عشرة بعد المايتين واأللف ،من هجرة من ال يحيط
بكماله نطاق وصف -صلى اهلل تعالى عليه وسلم -ما ولد مولود ،وما وجد
في عالم الكيان موجود ،وقد أرخ عام والدتي بكل من شطور بيتين ،تراهما
1
) جاء في حاشية نسخة األزهرية [ ثم توفي عليه الرحمة سنة السبعين بعد المائتين (
واأللف في ذا سنة 1834هـ ،ودفن قرب الشيخ معروف الكرخي عليهما الرحمة ].
وزاد في حاشية نسخة الهند [ وتفصيل وفاته ومراثيه في كتاب حديقة الورود
وغيرها لمحرره].
523
لقد أشرق البدر السماوي من بدا ...سنا نوره عن مشرق الح بالجود
وبعيد ما حل عني بند قماط الطفولية ،عقد علي لواء حفظ المقدمة
وهو رجل قد كتب على أسارير جبهته الصالح ،ووفق للتقوى فالح على
صفحات وجهه أنوار الفالح [/5ب] ،وكان مقيماً في مسجد قرب سوق
حمادة ،وقد أقام فيه -رحمة اهلل تعالى عليه -سوق العبادة ،وقبل أن أبلغ
من تسدية ما بين الدفتين األمنية ،طويت على نول قلبي رداء حفظ
األجرومية،
( ) 1في نسخة األزهرية (أكمل) وما أثبتناه هنا مصححا من نسختي استانبول والهند .
( ) 8مقدمة اآلجرومية في النحو ألبي عبد اهلل محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف
بابن آجروم ،ومعناه بلغة البربر :الفقير الصوفي ،وكانت والدته :سنة ،918اثنتين
وثمانين وستمائة ،وتوفي :سنة ،385ثالث وعشرين وسبعمائة ،وهي :مقدمة نافعة
للمبتدئين ألفها بمكة المكرمة ،كذا قال الشارح :أبو عبد اهلل الراعي ،ولها شروح كثيرة
.
انظر :حاجي خليفة :كشف الظنون .
( ) 5في نسختي األزهرية والهند ( إياي ) وما أثبتناه هنا مصححا من نسخة استانبول .
524
وفي أثناء ذلك حفظت ألفية ابن مالك ،وقرأت غاية االختصار في
كل ذلك عند والدي أسكنه اهلل تعالى أعلى عليين ،وكان قبل أن أبلغ
ثم أني لم أزل أقرأ عنده ،وأحسو دره وشهده ،حتى استوفيت الغرض
وكان عليه الرحمة يزقني العلم ليالً ونهاراً ،ويزقني إن ونيت سراً
وجهاراً .ولما بلغت من العمر عشراً ،أذن لي بالقراءة عند غيره ولم
يرهقني عسراً.
525
فقرأت على ابن عمي األمجد السيد علي ابن السيد أحمد شرح القوشجي
عليه الرحمة غواشيها ،وهو رجل في بيتنا ربا ،ولم يعرف غير أبي أباً،
قراءاته المعقول عند من تقصر عن طويل شرح حاله عبارتي ،صبغة اهلل
أفندي ابن المال مصطفى العلي الزيارتي ،ثم اضطره ضعف الحال ،فسلك
طرق االكتساب لدفع ضرورة العيال ،حتى أشكل عليه البديهي األولي،
وقرأت شرح آداب البحث المسمى بالحنفية على رجل يدعى مال درويش
بن عرب خضر( )1في المدرسة األحمدية( )8وهو ممن أخذ العلم( )5من العالم
الرباني ،الشيخ عبد الرحمن أفندي المدرس الروزبهاني ،خريج صبغة اهلل
526
وذلك بعد أن قرأت منه درساً واحداً عند محمد أفندي ابن أحمد
أفندي مدرس السليمانية(/0[ )1أ] ،فلم أفهم منه ما قال كما لم يفهم مني
في الفرائض للسيد الشريف ،وأبعاض كتب عديدة ورسائل مفيدة ،على
ذي األخالق المستجادة ،عبد العزيز أفندي شواف زاده ،وهو أيضاً ممن
وكان علم العلم ومناره ،ومقتبس الفضل ومستناره ،شمائله معبرة عن
لطف النسيم ،ومحاوراته محدثة عن لذة التسنيم ،ذا مزح أطيب من نفس
وكان عليه الرحمة مشهوراً بعلم العربية بين القاصي والداني ،حتى
527
وقد قرأ ذلك على والده جليل األوصاف ،الفقيه الشهير المال محمد
الشواف ،وكان غواص تأمله يستخرج الدرر ،وقلما يجيب جواباً بأول
النظر ،وال يأنف من قول ال أدري ،ويجري مع الحق حيث يجري ،وما
528
وكان أبعد العلماء من حمى المأثم ،غير أنه للطفه يصحب الجنيد
()1
ولي اهلل تعالى بال نزاع شيخ والدي المال عبد الفتاح.
529
وفي حجرته التي كان يدرس فيها دفن ،فيا لها من مدفن بكل خير
قمن.
وسبب ذلك تعذر الوصول إلى المقابر ،لكثرة الماء وقلة الناصر ،فقد
طغى الماء ودخل البلد أيام الطاعون ،وجرت من عيون السور على
المطعونين عيون ،وال تكاد تجد [/0ب] لكثرة الموتى في الكرخ ،غير
ومن الموتى من كان قبره جوف كلب أو بطن حوت ،وكان ذلك من
شهر شوال إلى غرة ذي الحجة الحرام ،سنة ست وأربعين بعد المايتين
الختام ،على ذي الفضل الجليل الجلي ،السيد محمد أمين ابن السيد علي
الحلي ،وكان رب فصاحة وبيان ،يخيل منه إذا نطق أن كالً من أعضائه
لسان:
531
إذا ارتج الخطاب بدا خليج ...بفيـه كأنـه بحـر الكالم
إال أنه كان مولعاً بنقل الغريب ،وال يبالي إذا تكلم أيخطئ أم يصيب،
وقد كثر لغطه ،فكثر غلطه ،ولم ينق ما في سفطه ،فسقط كالمه عن
القبول لوافر سقطه ،مع أنه أذكى من إياس( ،)1وذهنه أضوأ من نبراس،
وكان أكثر قراءته على المال عبد العزيز [أفندي]( )8المذكور ،قرأ عليه
علوم العربية لما أنه في إتقانها مشهور ،وقرأ على ذي المقام العلي ،عالء
الدين موالنا علي أفندي الموصلي ،ولم يتحمل لسع نحل أخالقه ،ولم
( ) 1من أمثال العرب .انظر :اليوسي :زهر األكم في األمثال والحكم831/1 ،؛ الْيَازِجِيّ
الْحِمْصِيّ :نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد. 68/1 ،
( ) 8هذه الزيادة من نسختي االزهرية والهند .
( ) 5في الحلة الفيحاء [ منه ] .
530
ولما انقضت ثالث عشرة سنة من عمري ،وأنا مهتم في التحصيل
شرح عصام للرسالة الوضعية ،عند واحد العلماء ،وأوحد الفضالء ،الضارب
المباحث ،والبحر( )1الذي عزز العالمتان منه بثالث ،ذي القدم الراسخة في
جميع العلوم ،والرتبة الشامخة التي دون رفعتها النجوم ،ذي القدر العلي
()8
عالء الدين علي أفندي الموصلي ،ولم أزل أقرأ عنده ،وأستنشق ريحه
ورنده ،إلى أن تخرجت به وتأدبت بأدبه ،وكان عليه الرحمة ذا ذهن بحل
كل عويصة ضامن ،ووقار كأن ثبيراً فيه كامن ،وأدب زرت على أعناق
اإلعجاز جيوبه ،وهبت بغوالي غواني اإلبداع صباه وجنوبه ،إلى عبارات
عذبة شريفة ،وإشارات ظريفة لطيفة ،وألفاظ رائقة ،ومعان فائقة ،والحق
أنه كان في كل علم آية اهلل تعالى الكبرى ،وجنته التي ال يجوع فيها
532
هو الشمس علماً والجميع كواكب..إذا ظهرت لم يبق منهن كوكب
()1
بيد أنه لضيق ذات يده ضاق صدره ،ولمزيد كلف في نجم سعده؛ كلف
ومن العجيب أن داود باشا-على فضله -لم يعرف فضله ،وأحله في غير
محله وما أجله ،وذلك ألنه ما صانعه وال دارا ،ولم يكن في دفتره لما
كان دفترداراً ،واتفق أن أمر له إذ ذاك ببرده ،فأبى أن يقبل كرمه في
533
وكان يتتبع عثاره ،ويزيد بعثير الغارة عليه غباره ،حتى أنه أمر بنفيه
إلى الحدباء ،فحدب [/3ب] عليه ورجا إثباته بعض أجالء الزوراء ،فأثبت
ولكن في هم ال يحد ،وبقي منكسر القلب إلى أن ضمه اللحد ،وقد ضم
في شهر ضمه أباه ،وكان تاريخ ذلك قولي( :عنهما رضى اإلله) ،ودرج
على األثر في الطاعون جميع أهله وبنيه ،وبقي بيته خالياً ليس سوى
534
أتى على القوم أمر ال مـرد لـه ...حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
ولم يتخرج عليه إال جمع هم أقل من أنصاف الزمان ،بل المتخرج
إذا تتبعت واحد أو اثنان ،وذلك لقلة تحمل الطلبة كثرة دله ،وعدم
وقوفهم على وافر فضله ،وال ينقص العالم قلة طلبته ،كما ال ينقص
النبي عدم أمته ،وأنا -وهلل تعالى الحمد -صبرت على مره ،وصيرت شغلي
السعي في صفاء سره ،وتأدبت معه غاية األدب ،وانتهى أداء رسم خدمتي
إياه إلى حد العجب ،وإني ألرجو أن أنال ببركة ذلك مزيد اآلالء ،فبركة
( ) 1البيتان ألبي البقاء الرندي (هو صالح بن أبي الحسن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي
القاسم ابن علي بن شريف يكنى بأبي الطيب وأبي البقاء؛ كان فقيهاً حافظاً متفنناً في
النثر والنظم؛ وله مقامات ومختصر في الفرائض وكتاب اسمه الوافي (أو الكافي) في
نظم القوافي ،انظر ترجمته في ،ابن عبد الملك :الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة،
153/0؛ العمري :مسالك األبصار في ممالك األمصار ،014/11 ،والبيتان من قصيدة عنوانها
( رثاء األندلس ) التي مطلعها:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ ...فال يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ =
وقد بدَّل المؤلف في البيت الثاني لمناسبة المعنى الذي هو بصدده ،وأصله:
وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك ...كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
انظر :المقري التلمساني :نفح الطيّب من غصن األندلس الرّطيب. 013/ 0 ،
535
وكان له شعر تحكيه غمزات الجفون الوطف ،وتماثله إشارات البنان
الذي يكاد ينعقد من اللطف ،ويضاهيه السحر ،إال أنه خال عن تعقيد
()1
فمن فرائده المنظومة ،ونوافح مسكه المختومة ،التي تغار
فلي من عيون الفضل شاهد رؤية * لئن لم تشاهدني أخافش أعيـن
()8
وأيـن زالل مــن سـراب بقيعـة فأيان شمس االستــواء مـن السهـا
*
وقوله:
( ) 1في نسخة األزهرية (يغار) وما أثبتناه هنا مصححا من نسخة استانبول .
( ) 2جاء في حاشية نسخة الهند [عيون أخافش] .
536
مليح التثنـي ساحـر اللحـظ أغيـد * وبي أهيف حلو الدالل مهفهـف
به عـاذل يرمـي وال لـي مفنــد كتمت هواه عن سواه فليس لي
*
وقوله:
537
وال سوى نجـب تحـذي لهـا النجــب * ما غير ندب على األيام ينتـدب
وال بكــل مـــالذ تكشــف الكــرب * وليس كل فتى يدعـى لحادثـة
مؤمــل قـــط إال السـرج والقتـب * وليس يدفع من ضيم وينفع من
وال بمغـن غنــاء األثمــد التــرب * ال أكذبنك ما صبح كغاشية
أن ال يـرى عنــده حـاج وال أرب * هذا الزمان لحـاه اهلل همتـه
خلق الذي أنـا وهـو الـرأس والذنـب * وفي ضمير الليالي أن تكلفنـي
يشين عرض عاله الجاه والنسـب * ال أسعد اهلل جدي إن أكن رجالً
زند اللئـام فـال جافتنـي النـوب * وزند فضلي يوماً أن قدحت بـه ال
أأبتغـي عــز نفســي فــي مذلتهـا * العجب[/9ب] وأيمـن اهلل هـذا المطمع
( ) 1في نسخة األزهرية (أرتقي) وما أثبتناه هنا مصححا من نسخة استانبول .
538
غنــى مـــال بمـاء الوجـــه يكتســب * فداء صان بوجه الماء مكسبـه
ال عيــب عنــدي إال العلـم واألدب * ما ينقم الدهر مني حيث أهملني
لنحـو ضيـم ينـادي الويـل والحــرب * ولي فـؤاد إذا حركـت جانبـه
تقـول لـي فـي سـوى اإلذالل تصطحـب * لعال حدثتهـا إذا حـر ونفس
فذيـل فضلي علـى سحبـان منسحـب * إن قمت يوماً على أعواد منبرها
فضل لدي مجلس العليا فال عجب * إذا رأيت تسـاوي ناقـص وأخـو
بعـــد سـواء ولكــن بينهــا رتــــب * هذي الكواكب تبـدو للعيــون علـى
أحشـاء عيشـي في كف العنا نهب * حتى متى أنا في بـؤس أكابـده
واألدب الحــزم فرثــاه بقـدره * هل رحمة لفتى أودت شهامتـه
وصـالً ويهوى سنا العليا فتحتجب * فيمنحهـا لقيـاه النوائب تهوى
عقـد المـواالة أم ما بيننـا نسب * كأن بيني وبين الحادثات جـرى
539
وقصّـــت قوادمـــي وجناحــي * وزمــان عــدت علـي لياليـه
فضــل لـم تلقـه قـريـن نجـاح ال لذنــب أتيتـه غيــر أن الـ
*
ثلث المالحة منـه في الولدان()8 *** قلماً دعاني مشق قامة كاتب
نسخي هواه وليس ذاك بشاني [/3أ] *** يرجو رقاعـي المـالم لعـارض
حسنـاً وهمـت بخطـه الريحانـي *** علقت قلوب الناس فـي تعليقـه
( ) 1في نسخة األزهرية (ففساد) وما أثبتناه هنا مصححا من نسخة استانبول .
( ) 8في نسخة استانبول (ألوان) .
541
540
وقوله:
لـه قمنـا على قـدم ونامـوا لقد لهجت بذم الفضل قوم
*
542
وقوله:
طرز الشعر منـه حلـة خده * قل لم همت في هوى ذي عذار
شـاق مـا لـه الزمان بفقده والجمال الذي بـه فتـن العـ
*
وقوله:
إذا أوالً عــد صــف النعــال *** فقلت يرى الصدر صفا أخيراً
وقوله:
وما صح جسم إذا اعتـل قلب *** لجسمك قلبي جسم غـدا
543
وقوله:
أملـي قضيت وللفنون ديون *** أسفي على فضلي قضيت ولم أكن
أبصـرت عارف حقـه فيبيـن *** أسفي على فضلي قضيت ولم أكن
من يحفظن حقوقهـا ويصـون *** وأخذت فـي كفني علوماً لـم أجد
إلى غير ذلك من شعره ،وما ذُكر زهرة من زهره ،ومعظمه مما
أنشده في مدينة السالم ،وفيه أشعار بما أضر به من رخص أسعار فضله
عند اللئام ،والتشطير المذكور آخر شعر أحكم نظامه والحمام قد نصب
( ) 1في نسخة األزهرية جاء على حاشية الصفحة تشطير آخر بتوقيع (فاروقي) هكذا:
أسفي على عمري قضيت ولم أكن ...فرضي قضيت ولإللــه ديــون
وأخذت في كفني زنوبـا لم أجـد ...لي مخلصا هي في الدفين دفين
إال إذا لطــف اإللـــــه برحمــة ...فإذا قضى أمــرا فسوف يكـون
وشفاعـة الهـادي النبــي محمــد ...خير البريـة كنزنا المخـزون
544
وقد دفن -عليه الرحمة -في قبة حذاء قبة الشيخ عبد اهلل العيدروسي،
في محلة حضرة الباز األشهب أظلنا اهلل تعالى بظالل جناحه القدوسي.
العسقالني ،عند الفاضل األوحدي الشيخ علي أفندي السويدي وكان ذا
جاه كبير عند والي بغداد سليمان باشا الصغير ،فكان ال يصدر إال عن
رأيه ،وهو يسعى في نصحه غاية سعيه ،وامتحن بعد قتله بسبب ذلك،
545
ومن الغريب أنه على كمال عقله وتنزه نفسه ،ارتكب ما ال يكاد [/1ب]
يرتكبه أحد من أبناء جنسه ،حيث ذهب إلى البصرة محاسباً لواليها،
شديدة ،وأنه دعا إليها سليمان باشا ،ومأل من علل الخروج على الدولة
أهابه فخرج عليها ،ولم يرسل شيئاً من خراج العراق إليها ،فأثارت عشائر
( ) 1الكمرك لفظة تركية تعادلها في العربية المكس ،تطلق في االصطالح على ديوان
الضرائب الداخلة أو العابرة.
انظر :حسان حالق وعباس صباغ ،المعجم الجامع في المصطلحات. 81 ،
( ) 8الوهابية ليست مذهبا مغايرا وال عقيدة مختلفة ،إنما هي دعوة إصالحية دعت إلى تنقية
عقيدة المسلمين من البدع والشركيات التي ألحقت بها على يد المبتدعين والجهلة
والعوام من الناس ،وبالطبع فقد لقيت الكثير من المعارضة لما تنهى عنه مما اعتاده
الناس والعوام من السلوكيات والعادات ،وكان التصوف هو سيد الموقف في ذلك الوقت
السيما في العراق حيث انتشار مقامات األولياء والطرق الصوفية ومشايخها ،الذين
عارضوا الدعوة الوهابية معارضة شديدة .
546
وقابلهم بجنود تغبر غيظاً من كثرتهم وجوه نجوم الخضراء ،حتى
إذا التقى الجيشان ،واعتدل الصفان ،خانه رؤساء العسكر ،فبقي مع مثل
عدة األصابع ففر ،ومر فاراً على قبيلة الدفافعة( ،)1فقطعوا عنه ماء الحياة
إلى اليمين -أن ذلك ظاهر من درر كتابه العقد الثمين ،وأن خروج ذلك
( ) 1ذكرهم عباس العزاوي ببعض التفصيل في كتابه عشائر العراق وقال :الدفافعة:
رئيسهم سعود المحمد العلي .نخوتهم (عروس) يدعون أنهم من عبادة .وبعضهم يقول
أنهم من عبودة من (العجرش) .وهم أوالد محمد العروس جد الدفافعة .ونجاد جد
النجادات ،و(حميد) جد الحميدات .وان قاتل سليمان باشا الصغير .من المماليك علي
الشعي ب منهم وهو الجد األعلى لعلي بن شخناب بن إبراهيم بن حمد بن علي الشعيب.
وال يزال له عقب .وأفخاذهم:
- 1بحارنة .رئيسهم جبارة البلبول.
- 8جبيرات .رئيسهم علوان الكونة.
- 5سوالمة .رئيسهم سرهيد الفهد.
- 0مهيات .رئيسهم كاظم الشهاب.
- 3حميدات .نخوتهم (حمدة) .ومنهم :بيت دفرة ،وآل حالوة ،والحمود.
= - 9نجادات .رئيسهم كريدي الكضكاض نخوتهم (رشدة) .ومنهم :بيت دهيّم وبيت سليمة
وبيت هليّل والمسالمة.
- 3سعيدات.
- 1فضيالت .رئيسهم محمد السلمان.
انظر :عباس العزاوي :عشائر العراق. 11/0 ، - 6جواملة .رئيسهم علي الحسين.
547
وبالجملة؛ كان ذلك الشيخ من كبار المتبعين ،وحاشاه ثم حاشاه أن
سلطاناً ،ما رأيت أكثر منه حفظاً ،وال أعذب منه لفظاً ،وال أحسن منه
وعظاً ،وال أفصح منه لساناً ،وال أوضح منه بياناً ،وال أكمل منه وقاراً،
وال آمن منه جاراً ،وال أكثر منه حلماً ،وال أكبر منه بمعرفة الرجال
علماً ،وال أغزر منه عقالً ،وال أوفر منه في فنه فضالً ،وال ألين منه
ولوال ونيم ذباب الذهاب إلى كمرك البصرة على ثيابه لقلت هو في
الشام من المأل األعلى فريقاً ،وهو يقرأ قوله تعالى :فَأُ ْوَلئِكَ مَََ الَّذِيَْ أَنْ َعمَ
وجاء [/6أ] تاريخ وفاته ،أسكنه اهلل تعالى أعلى جناته( :إن المدارس
548
وقد أوقفني على جميع إجازاته ،وأجازني كأوالده بجميع مروياته.
وقرأت مسألة الصفات من الخيالي ،على حضرة مولى ال يصل إلى حقيقة
بهر بجبل صفاته أطوار العقول ،ونال منه تالمذته غاية الوصول ،امتد
حريصاً على سلوك طريق أهل السنة والجماعة ،ال يصرف من أوقاته
ساعة في غير حل دقيقة علمٍ أو طاعة ،حسن السمت والسيرة ،نير القلب
والسريرة ،إن توجه إلى قلب مريد مأله نوراً ،أو ربط على إكرام معدم
549
غيثها المرتجـى نـدى إحسانه *** اإلمام الجليـل غــوث البرايـا
وابل القطـر مـن نـدى هتانـه *** ذو سجايا مثل الرياض سقاهـا
فـي يديـه تدفقـت مـن بنانـه *** بحـر جـود له جـداول عشـر
كـاد يجلـو ستر القضا بعيانه *** فائـض العلـم عن روية فكـر
أنه هو أيضاً ما رأى مثله ،وإنكار بعض األجلة عليه ،وتوجيههم سهام
الطعن -وحاشاه -إليه ،كان بعضه محض نفسانية ،وبعضه اآلخر كان عن
غير روية ،ومن المنكرين من كان كالبائل في بئر زمزم ،أراد أن يشهر
551
وله–قدس سره– في ذلك سلف أجله ،ابتلوا باإلنكار عليهم مثله،
ج َد ِلسُنَّةِ
معاديهم صبراً جميالً ،تلك :سَُّنةَ اللَّهِ فِي الَّذِيَْ ََلَوْا مِْ قَبْلُ َولَْ َ ِ
()1
اللَّ ِه َبْدِياً
على أن ذلك إنما نقص قدر من آذاهم ،ولم ينقص قدر ذرة من شامخ
عالهم:
550
فليس يرفعه شيء وال يضعه *** من كان فوق محل الشمس رتبته
وقد كان له-قدس سره -عليّ شفقة شفيقة وقد أمرني باالشتغال
بالعلم وضمن لي أن ال أحرم من بركة الطريقة ،وها أنا إلى هذا الزمن
الزمِن منتظر تحقق ما ضمن ،وكأني في بركة تلك البركة ،أسبح إن
شاء اهلل تعالى وال سبح السمكة ،وقد طارت روحه إلى حضيرة القدس في
()8
وقيل في تاريخ ذلك ،غير ما قيل هنالك ،ومنه قول السياه بوش
من قصيدة مرثية ،شرحتها شرحاً نفيساً سميته الفيض الوارد في شرح
552
هوى للقاء الحق في القدس خالـد *** ولما هويت الحق قلـت مؤرخـاً
بكـى فقـدك الدرس اإللهي خالـد *** وحين بكت أهل الطريقة أرخـوا
دنى بازاء القدس في القرب خالد *** وحين نحوت القدس قلت مؤرخاً
مقامك صدق عند مـوالي خالـد *** نبغت بصدق عن لسانـي أرخــوا
وأجازني بما تجوز له روايته ،وصحت لديه درايته ،جامع العلوم البعيدة
( ) 1ممن خدموا اآلداب بين العراقيين غير المذكورين بعض أهل الفضل ممن لم نعلم من
أحوالهم إال النزر القليل ،فمنهم (الشيخ يحيي المروزي العمادي) أصله من العمادية من
قرى األكراد قرب الموصل برز في التدريس وصار عليه المعول في مذهب األمام إدريس
وكان أحد مشايخ الشهاب اآللوسي الذي أثنى على زهده وعلو في نفسه .توفي الشيخ
العمادي سنة 1834هـ1150/م .
انظر :لويس شيخو :تاريخ اآلداب العربية. 113/1 ،
553
وهو إمام عالمة أشهر من أن ينبه عليه ،وأجل من أن يعرف باإلشارة
إليه ،ال يجاذب رداء فضله ،وال تدور العين في أصحابه على مثله ،حامل
أعباء التدريس ،والمعول عليه في مذهب اإلمام ابن إدريس( ،)1بل لعمري
أنه كان واسطة قالدة علماء عصره ،يعجز البليغ عن وصف فضله ولو
بلغ النثرة بنثره ،والشعرى بشعره ،كان عليه [/14أ] الرحمة للعلماء
جماالً ،لكن إذا رأيته حسبته لعدم اعتنائه بنفسه حماالً ،ولسان اإلنصاف
يقول على لسانه لو تعي ،نحو ما قاله في [ شأن ]( )8نفسه اإلمام الشافعي:
554
بفلس لكان الفلس منهن أكثرا *** عليَّ ثياب لو يباع جميعهـا
المرسلين ،صلوات اهلل تعالى وسالمه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين،
ودفن في مقبرة باب األزج ،ال زال لثرى قبره من غالية الرحمة أرج.
وأجازني أيضاً علماء أعالم ،كل منهم في حلبة الفضل إمام ،كالفاضل
السري ،محدث دمشق الشيخ عبد الرحمن الكزبري ،والسارح بقلبه في
()8
رياض الملكوت [ الشيخ ]
( ) 1عن قصة هذين البيتين يقول ياقوت الحموي :عن أبي بكر بن بنت الشافعي قال :قال
الشافعي بمكة حين أراد الخروج إلى مصر:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ...ومن دونها قطع المهامة والقفر
فـواهلل ما أدري أللفــوز والغنــى ...أساق إليهـا أم أساق إلى القبر؟
قال :فخرج فقطع عليه الطريق فدخل بعض المساجد ،وليس عليه إال خرقة فدخل
الناس وخرجوا فلم يلتفت إليه أحد فقال: :
علــى ثيــاب لو يبــاع جميعهـا ...بفلـس لكان الفلـس منهن أكثرا
وفيهـن نفس لو يقـاس ببعضهـا ...نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
وما ضر نصل السيف إخالق غمده ...إذا كان عضباً أيـن وجهته فرى؟
انظر :ياقوت الحموي :معجم األدباء. 831/8 ،
( ) 8هذه الزيادة من نسخة استانبول والهند .
555
عبد اللطيف ابن الشيخ علي مفتي بيروت ،وقد كتبا لي بذلك من
دمشق الشام ،وصرحا فيما كتبا بعدة اثبات لعلماء فخام ،ونظم في أثناء
العراق ،قد انتظموا في سلك فضل قالدة ،وكلهم وسطي فناهيك من
عِقد ،ولعلي أترجم الكل في كتاب ،يكون إن شاء اهلل تعالى ثانياً لنزهة
األلباب.
556
ولما بلغت من العمر نحو إحدى وعشرين ،جمع لشهود إجازتي علماء
بلدتي شيخي عالء الدين ،فكان يوم الجمع يوماً مشهوداً مشهوراً ،أفاض
في مدرسة الباجة جي الحاج نعمان ،وهي جوار بيت قصر التماثيل متصلة
بجدار البستان ،في المحلة المشهورة اليوم بسبع بِكار ،وكانت من قبل
ثم عَمَّر الحاج أمين شقيق النعمان في محلة رأس القرية مدرسة
أفنانها بمرأى من العدو الشاني ومسمع ،إال أني عددت الخطابة نقمة ،حيث
أني أجهل خطباء العراق بأصول النغمة ،والناس اليوم ال يسمعون خطيباً،
557
ما لم يكن خطيبه مَعْبداً ،ومعظم أهل العراق يكرهون الخطبا ،إذا
وترك األوزان العجمية في الدين وهناً ،وكذا ثقل عليّ أن أعظ ،لعلمي
الباكين ،وربما أبقى في تفسير اآلية الواحدة شهراً ،وأنا كل يوم أتلو
عليهم -والحمد هلل تعالى -من أسرارها ذكراً ،وشرعت في الوعظ وأنا
558
وتعلمت ضم الحرف إلى الحرف ،وعمري نحو أصابع الكف ،كل
ثم بركة دعاء والدي ،حتى إذا جاء ذلك من فضل اهلل تعالى [عليّ]
وتوفي إذ ذاك -واألمر هلل سبحانه -والدي ،ومن هو بعد اهلل تعالى
مساعدي ،وفي تناول ما يصلح حالي زندي وساعدي ،سيدي وسندي السيد
559
وأسكنه غرف كرامته في أعالي جنته ،وكان عليه الرحمة ترشح
بالصالح جلدته ،وتشرح الصدور رؤيته ،ما رأته عيون األسحار إال قائماً،
وما أبصرته مواسم األبرار إال صائماً ،وما ابتسم ثغر فجر تحت أذيال
دجاه ،إال وجده يبكي خشية بين يدي مواله جل عاله ،وقد درَّس نحو
( ) 1ربما يعني بها مسجد اإلمام األعظم أبي حنيفة النعمان ،وهو يدعى مسجد األعظمية،
قائم اآلن في حي األعظمية ببغداد ،وهو قطعة فنية معمارية رائعة .
561
وكان يذهب إليها ماشياً إعظاماً لما ضمته من عظام محيي السنة
وسوقاً وبنى فيها لقهوة البن حانة ، داود باشا خاناً
( ) 1الخانات منازل صغيرة ونوع من المؤسسات الخيرية التي تقدم خدماتها من الطعام
والمئوى للمسافرين والمحتاجين ،والنوع الكبير منها يسمى كروانسراي ،وكان يشيد
كالقالع في طرق المسافرين ليقدم لهم الطعام والمأوى ويحمي بضائعهم من اللصوص
وقطاع الطرق ،وكان من الناحية المعمارية قطعا فنية رائعة .
انظر :يلماز أوزتونا :تاريخ الدولة العثمانية. 860/8 ،
( ) 8كانت قضية شرب البن في الحانات واحدة من القضايا االجتماعية السياسية التي أثارت
جدال عنيفا في الدولة العثمانية إذ انتشر شرب القهوة أوال في المناطق الشرقية /الجنوبية
للدولة وانتشرت حوانيت القهوة (القهوة خانه) في دمشق الشام منذ عام 603هـ1304/م،
ثم انتقلت تلك الظاهرة إلى العاصمة استانبول ،ووصل األمر أخيرا إلى شيخ اإلسالم أبو
السعود أفندي ثم إلى السلطان سليمان القانوني .وتذكر بعض المصادر أن مجيء القهوة
للمرة األولى من الشرق األقصى إلى عاصمة الخالفة كان في هذه السنوات مما دفع
علماء الدين
على معارضة هذا النوع من الكيف ،بل إن الشيخ محمد الحسيني قاضي الشام طالب
بإبطال شرب القهوة البنية عام 635هـ1309/م وعرض األمر على السلطان فوافق بناءا على
فتوى شيخ اإلسالم أبي السعود الذي رأى في شربها تشبه بالفجار من اجتماع الفسقة
على المالهي والغيبة والنميمة ،رغم ما عرف عن أبي السعود من التسامح إال أنه كان
في تلك المسألة متشددا ألن األمر يتعلق بظاهرة أخالقية اجتماعية تمس الدولة كلها.
حتى أن مسألة تحليل وتحريم القهوة ظل مثارا بين العلماء مدة طويلة بعده .وقد تناولت
هذه المسألة الطريفة والمهمة الكثير من األبحاث.
560
ونقل التدريس إلى بعض منها يسمى اليوم باآلصفية ،ونصب فيها
الشهيد علي باشا التي أعدت لرئيس المدرسين ،وهو عليه الرحمة ثالث
مدرس درَّس بها ،وكنت في أيامه محافظ كتبها ،ووعظ وخِلّ الشباب
وكانت الطلبة تتبرك بالقراءة عليه ،وتعد من أسباب الفتوح عليها تقبيل
يديه ،وقد حج قبل أن يتزوج ثالث مرات ،وذهب إلى مصر لزيارة شقيقه
السيد حسن فوجده يوم دخل قد مات ،وينتهي نسبه الذكي الزكي إلى
الريحانتين ،فمن جهة أمه إلى الحسن ومن جهة أبيه إلى الحسين ،ويحلق
نسب أمه إلى ذلك بجناح الباز األشهب ،ومن نصب له وكر العناية
( ) 1جاء في حاشية نسخة استانبول والهند (األول محمد أمير أفندي مفتي الحلة ،والثاني
عبد اهلل أفندي الحيدري مفتي الشافعية) [ منه ] .
( ) 8وهو األخ الصغير السيد سلطان علي ،فليحفظ [ منه ] .
562
واألمر مفصل في (حديقة الورود) ،فقد زهت فيها نظماً ونثراً أسماء
البتول ،ولعمري أنه نسب يصلح أن يجعل تميمة فطيم ،ويتخذ لبركة
0
نوراً ومن فلق الصباح عموداً *** نسب كأن عليه من شمس الضحى
شرف الجدين ،فال بدع أن نال بيد مجده الثريا ،أو تفيأ في الشرف مكاناً
عليا.
563
حتى بلغن إلى النبي محمد *** ما عذر من ضربت به أعراقه
وينال غايات العلى والسؤدد *** أن ال يمد إلى المكـارم باعـه
()1
أبد الزمان غمائماً للفرقد *** مرتقياً حتى تكــون ذيولــه
األخالق ،وافي الوفاء ،ال يخل بحقوق األخالء ،قد طهر اهلل تعالى
سره ،وأعلى لديه بطاعته قدره ،فلو أقسم على اهلل سبحانه ألبره.
هذا أبي جامع ما قد سمعت به ...هيهات ما للورى يا دهر مثل أبي
564
ولما توفي عليه الرحمة في الطاعون ،وسارت معه من أهل البيت
وجعل يكر عليّ ويفر ،وجرت أمور الظعون ،لبس لي الزمان جلد النمر
()2
تكسرت النبـال على النبال *** وصرت إذا أصابتنـي نبـال
( ) 1من أمثال العرب ،ومن المجاز ،وأورده ابن سالم في باب إظهار العداوة وكشفها ،يقال
لبس فالن لفالن جلد النمر كشف له عداوته ،وقال أبو هالل العسكري في جمهرة
األمثال :معناه :أظهرت له العداوة الشديدة ،وجعلوا النمر مثالً في ذلك ،ألنه من أجرأ
سبع وأشده ،وأقله احتماالً للضيم .
انظر :ابن سالم :األمثال السائرة99/1 ،؛ المعجم الوسيط؛ 156/1؛ الزمخشري :أساس
البالغة 064/1 ،أبو الفضل النيسابوري :مجمع األمثال. 136/1 ،
( ) 8األبيات للمتنبي من قصيدة مطلعها:
نعـد المشرفيـة والعوالي ...وتقتلنا المنـون بـال قتـال =
ونرتبط السوابق مقربات ...وما ينجين من خبب الليالي
وثمة اختالف في البيت الثاني الذي أورده المؤلف ،وأصله:
فصرت إذا أصابتني سهامٌ ...تكسرت النصال على النصال
وقد صححها المؤلف أو الناسخ على حاشية نسخة األزهرية هكذا (النصال على النصال).
انظر :عبد الرحمن البرقوقي :ديوان المتنبي مع شرحه169/1 ،؛ البديعى :الصبح المنبي عن
حيثية المتنبي33/ 1 ،؛ ابن حجة الحموي :خزانة األدب وغاية األرب.160/1 ،
565
واضطررت إلى أن تركت سكنى داري ،وارتكبت -واألمر هلل تعالى-
عليه ما يبهر العقول من النور الشعشعاني الذي يحجب وال يحجب ،قدس
حتى إذا كان رمضان سنة الخمسين ،وهي مبدأ انحالل ما عقده
فاتفق أن ساق حسن القضا الستماع وعظي الوزير الخطير علي رضا
فسمعه فصالً فصالً ،وفهم أسراره بالً بالً ،فدهش واستغرب ،وعجب غاية
أمر بأن أذهب إليه في العيد ،والنقيب السابق ملقي السمع وهو شهيد،
فضاق لذلك فسيح صدره ،وندم على ما مر من أمره ،فلما جاءه العيد،
566
وشاهدت من اإلكرام ما لم أكن شاهدته ،وأعاد إليَّ ما كان من
الوظائف علي ،وكان أخذها مني ودفعها عني ،فكنت أكحل برؤيته العين،
وأذهب إليه في األسبوع مرة أو مرتين ،وفي عيد األضحية نصبني خطيب
( ) 1أعيان :Ayanأشراف البلد ويطلق على فئة إقطاعية بدأت بممارسة النفوذ منذ القرن
الثامن عشر الميالدي في مختلف مناطق الدولة العثمانية ،وأصبحت ذات امتيازات
وصالحيات ،وقد قضى عليها السلطان محمود الثاني بعد صراع طويل معها.
وهو االسم الذي أطلق أيضًا على الوسطاء الذين يقومون بتنظيم العالقات بين الدولة
والمجتمع العثماني في المدن والقرى .ويشمل بشكل عام القاضي والمفتي والمدرس
والسيد وشيخ الطريقة ،وكبار رجال الجيش ،وكبار التجار ،وأعيان البلد .سهيل صابان،
المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية ،ص . 55
567
كل جمعة للديوان ،فأكون في األغلب المخاطب له وحدي ،كأن لم
يكن في الديوان غيري أفندي ،وفي كل ليلة أجتمع معه ،وأكاد أحيي
في مسامرته ليلي أجمعه ،وفي هاتيك األثناء شرحت (البرهان في إطاعة
( ) 1األفندي :كلمة رومية – بيزنطية انتقلت إلى اللغة التركية منذ عهد السالجقة ،وقد
بدئ استعمالها في العقد الثاني من القرن الخامس عشر الميالدي لدى العثمانيين للداللة
على اإلنسان المتعلم والمثقف ،حيث حلت محل كلمة جلبي المماثلة لها باللغة التركية،
وأصبحت لقبًا تخاطب به فئة معينة من العثمانيين هم العلماء ،ثم أصبحت اللقب الرسمي
لألمراء بعد أواسط القرن التاسع عشر الميالدي.
وقيل استخدمها العثمانيون في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري/الخامس عشر
الميالدي ،للداللة على اإلنسان المثقف ذي التربية القويمة ،ثم أطلق على العالم وعلى
بعض رجال الدولة ،ثم استخدمت لقبًا رسميًا لألمراء العثمانيين وكبار علماء الدين
في الدولة ،باإلضافة إلى استخدامها للضباط من رتبة المالزم حتى رتبة البكباشي ،كما
كان طالب المدارس العسكرية يخاطبون بها رسميًا ،ثم ألغيت الكلمة من دائرة األلقاب
الرسمية في تركيا بالقانون رقم 8364الصادر عام 1509هـ1680/م .وقد استخدمت كذلك
لرئيس الكتاب (ناظر الخارجية) قبل عهد التنظيمات 1833هـ1156 /م .سهيل صابان:
المعجم الموسوعي ،ص . 50
568
من فأجاز لؤلؤه بوقف مرجان ،وبجلب رتبة تدريس األستانة
حضرة السلطان ،ثم نصبني مفتي الحنفية ،وكان قد وعدني بذلك يوم
نعم سعى غاية السعي في إنجاز ذلك الوعد ،وأصر على عدم تأخيره
التي ال من يوم إلى غد ،ذو الهمة التي ال تجارى ،والغيرة [العمرية]
تبارى ،من جرى وادي فضله فطم على القرى ،حضرة موالي عبد الباقي
ومتى عطلت يدي عن مصالحي كان لي يداً وساعداً ،أدام اهلل تعالى حيا
حياته على رغم كل مبغض ،وال زال فاتحا عين قلبي بميل ميله لي حتى
( ) 1كان رجال الهيئة العلمية يتخذون طريقهم إلى العمل في القضاء أو التدريس ،وقد
تشابهت الرتب والدرجات في المجالين ،وبالطبع كانت العاصمة هي قمة التدرج الوظيفي
للقاضي أو المدرس ،وبعدها يدخل في مصاف كبار رجال الدولة ليصبح قاضيا للعسكر
أو شيخا لإلسالم .ورتية تدريس األستانة تعادل التدريس الجامعي في عصرنا الحاضر
وال ينالها إال عالم كبير قضى مدة في التدريس.
( ) 8هذه الزيادة غير موجودة في نسخة األزهرية .
569
ولم يزل ذلك الوزير يعلي لي الشان ،حتى قلدني من أيادي السلطان
بنيشان ،ولم يسبق ذلك ألحد من علماء البلد وذلك بعد أن وردت عدة
وكل ذلك مفصل في ترجمتي (حديقة الورود في مدائح أبي الثناء شهاب
الدين محمود).
حتى إذا أراد اهلل تعالى فيه إظهار سابق علمه ،وأوصله بلطفه
( ) 1نيشان أو وسام مجيدي من الدرجة األولى (برنجي مجيدي نيشان) :وهو الوسام الذي
أحدثه السلطان عبد المجيد في عام 189هـ1138-م ،ويحمل اسمه ،وكان هذا الوسام في
البداية ذات رتبة واحدة فقط ،ويسمى الوسام المجيدي فقط ،وفي عهد السلطان عبد
العزيز ،تم إحداث تطوير في استخدام هذا الوسام ،وأصبح ذات رتب ودرجات ،ويشمل 9
درجات ،أو رتب بحيث أصبح هناك وسام مجيدي مرجع الدرجة األولى ،الثانية ،الرابعة،
الخامسة ،وكان ذات قسمين "مجيدي عسكري"" ،مجيدي ملكي أو رسمي" ،وكان يمنح
لعدد كبير من موظفي الدولة العثمانية بمختلف وظائفهم ورتبهم ،كما كان يمنح
ألعضاء مجلس المبعوثان العثماني ،وأعيان المدن ،وجهاء القرى واألرياف ،وشيوخ
العشائر البدوية ،والموظفين العاديين.
انظر :أحمد صدقي شقيرات :تاريخ مؤسسة شيوخ اإلسالم في العهد العثماني.883/8 ،
571
مدينة السالم إلى محمد نجيب الجزيل إلى آخر أيام حكمه ،وجهت إيالة
( ) 1إيالة :Eyaletأكبر التقسيمات اإلدارية في الدولة العثمانية ،فقد كانت الدولة مقسمة
إدارية إلى إياالت ،واألياالت إلى سناجق ،والسناجق إلى أقضية ،واألقضية إلى نواح،
والنواحي إلى قرى ،ولقد أشرف على األياالت في الدولة العثمانية أمير األمراء ،ثم
الوزراء بعد القرن السادس عشر الميالدي؛ حيث كانوا يمثلون السلطان ،ويجمعون بين
الحكم اإلداري والعسكري لأليالة ،ولهم النفوذ المطلق –ما عدا الحاالت القضائية–عليها.
( ) 8الوالي/ميرميران/البكلربكي :وهو رأس الحكم في اإليالة ،وأطلقت عليه المصادر
العثمانية إلى جانب ذلك أسمي :ميرميران ،وأمير األمراء ،ثم أصبح اسمه الوالي مع
مقدم القرن الثامن عشر .وكان يستخدم في النظم العثمانية في البداية بمعنى القائد
"قومندان" صاحب الصالحيات العسكرية الواسعة ،ولما اتسعت الفتوحات وتشكلت اإلياالت
أصبح البكلربكي يتمتع بالصالحيات اإلدارية والعسكرية ،ولما اتسعت الفتوحات وتشكلت
اإلياالت أصبح البكلربكي يتمتع بالصالحيات اإلدارية والعسكرية معًا .كما كانت تستخدم
البكلربكية في القرن الخامس عشر رتبة ودرجة تُمنح لكبار رجال الدولة ،وال سيما
بكلربكية الروملي.
وتتوزع مهام البكلربكي على حالتين أساسيتين؛ األولى هي :حالة السلم ،واألخرى:
حالة الحرب .وكانت عملية توفير األمن في اإليالة واحدة من بين مهامه األساسية.
ونظرًا ألن البكلربكي كان رأس النظام العسكري في إيالته ،والقائد العام عليها ،فقد
تعددت صالحياته ،وازدادت مسئولياته .وكان يقضي ثلثي حياته الوظيفية تقريبًا وهو
يخوض الحرب بالفعل ،أو أن ينشغل باإلعداد لها .وكانت تختلف بكلربكية الروملي عن
باقي البكلربكيات من حيث أنها كانت األولى في الدولة ،ومن حيث منطقة الروملي
نفسها باعتبارها "دار الجهاد" ،كما كان يشارك بكلربكي الروملي في اجتماعات الديوان
الهمايوني.
وعلى الجانب اآلخر فإن البكلربكيين الذين تولوا على إياالت مهمة مثل :مصر،
وبودين ،والشام ،وبغداد ،والحبشة ،واألحساء ،واليمن كانوا يحوزون رتبة الوزراء.
والمعروف أن للبكلربكي مكانة مهمة في التشريفات "البروتوكول" .والحاصل منهم
على رتبة الوزراء كان يلقب بلقب " أمير األمراء الكرام "؛ بينما يلقب غير الحاصل
عليها بلقب " الدستور المكرم ".
انظر :أكمل الدين إحسان أوغلي (إشراف وتقديم) :الدولة العثمانية تاريخ وحضارة،
مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية ،استانبول ،الطبعة الثانية1058 ،هـ/
8411م.161/1 ،
570
،فلم يسعه إال االمتثال وإن شق ،فلما جاء النجيب جعل حاله يتلون
تلون الحرباء ،فطوراً وصال وطوراً -والعياذ باهلل تعالى– جفاء، [معي]
خاصة أهله ،وكم صمم على عزلي وما عزل ،حيث دفع بصدره عدم انتهاء
األجل ،فقد قدر جل شأنه وعال ،لكل شيء حتى المناصب أجال.
فلما انتهى ما قدره ،وقضى به في األزل وقرره ،أطاع الالحي فعزلني عن
منصبي ،ففرحت بذلك كأنه غاية مطلبي ،حيث كنت مشغوالً بإتمام
نعم رفع عني وقف مرجان ،فأسبل عليّ بذلك سجف األحزان ،وقطع
مني بشفرة إعراضه نياط قلبي ،فصرت عثيثة أثاثي ،وفويرة كتبي ،حتى
كدت آكل الحصير ،وأشرب عليه مداد التفسير ،وأرتقي هضبة عزلي،
572
وذلك أني دعيت من قبل الدولة العلية أيدها وأبدها رب البرية،
سرور ،وضرب عليه من الكآبة سور ،فأفهمني إشارة أني إن خرجت من
البلد ،أتردى بخنائق الكمد ،ثم أشار علي باالعتذار ،وعرض تعذر السفر
لبعد الدار ،مع االشتغال بالتفسير ،والقيام بمصالح الوزير ،فكتبت حسبما
أشار ،وكتب هو أيضاً إال أنه أولج الليل في النهار ،ومع ذا أوصل كتابي
وولي النعم ،اآلخذ من مطايا الحق بمذود ال إلى حضرة شيخ اإلسالم
( ) 1همايون :Humayumكلمة تعظيم خاصة لسالطين الدولة العثمانية .فـ "هما" باللغة
الفارسية ،و"أما" باللغة التركية تعني طائرًا أسطوريًا ذا حظ وقدرة ،وقد اتخذها
سالطين الغز األتراك رمزًا لهم ،وانتقل منهم إلى السالطين العثمانيين .كان يستخدم
مضافًا للمتعلقات الخاصة بالسالطين فيقال :الذات الهمايوني ،الطغراء الهمايوني ،الجيش
الهمايوني ،وهكذا.
سهيل صابان :المعجم الموسوعي ،ص . 889
( ) 8شيخ اإلسالم :أعلى منصب ديني في الدولة العثمانية ،كان مسئوالً عن تعيين القضاة
وعزلهم واإلشراف على التدريس والمدارس وإصدار الفتاوى الشرعية ،وقد استخدم هذا
اللقب في نهايات القرن السابع عشر الميالدي بعد أن كان يسمى مفتيًا ،بدأت ترشيح
شيخ اإلسالم لمجلس الوكالء منذ أواسط القرن التاسع عشر الميالدي ،واستمر إلى نهاية
الدولة العثمانية .انظر :المعجم الموسوعي.108 ،
( ) 5السفير أو القنصل أو الممثل السياسي لبالده ،وفي نسخة الهند ( اإلفرنساوي ).
573
فهرس اآليات
فهرس األحاديث
فهرس البلدان
فهرس األعالم
574
أوال :فهرس اآليات القرآنية الكريمة
هَداًّ
س ََََّ
سَجَارَكَ َفَأجِرْهُ َحََّى يَ ْ
وَإَْ َأحَدٌ مَْ املُشْركِنيَ ا ْ
كَامَ اللَّهِ
575
وَاللَّلْل وَمَا وَ َسقَ أُقْسِمُ بِالشََّْق
وَمَا يُلَقَّاهَا إالَّ الَّذِيَْ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إ َّال ذُو حَظٍ ٍّ عَِِلمٍ
576
ثانيا :األحاديث النبوية واألخبار
الحديث
(الفقر فخري)
(من أخاف أهل المدينة أخافه اهلل تعالى وكانت عليه لعنة اهلل
577
ثالثا :فهرس األشعار العربية
الشاعر عدد األبيات مطلع القصيدة أو المقطع
فاسألوني
بعض
578
النابغة الذبياني 1 فبت كأني ساورتني ضئيلة
السّم ناقع
يطولُ
شرب دمي
579
غير معروف 8 رب سوداء في الكؤوس تجلّت
حياةِ
لها مثل
العروض به امتزج
نعاسًا
581
أبو بكر عبد القادر 8 كانت مسائلة الركبان
منه لطالبه
الخِوَان
بعلّة أَسفارِ
580
غير معروف 1 كل قومٍ لهم نذيرٌ ولكن
نذيرًا
إبليس من جنده
أوغلى
582
علوي بن إسماعيل 8 وليلة باتت براغيثها ***
والتمكين
النهى مُرَّان
يَنتفع بصقال
583
غير معروف 8 إلى اهلل أشكو ما أالقي من
أوهنت العظما
جوانحي
الخان
584
المؤلف 1 أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره
يتضوع
النور يقتبسُ
585
أبو تمام 1 نسبٌ كأنَّ عليهِ من شمس
عنكِ عارها
خليـال
586
غير معروف 8 جمعوا يا لدرهم كل حسن
الشهد
بِفَضْلِهِ ** كَانَتْ
587
غير معروف 9 أهيم بآثار العـراق وذكره**
عبـرى
الولدان
588
عالء الدين علي 8 بُليتُ بعقاد عقود تصبّري
وإبعاد
مثال الناظر
أسقام
بالفكر يضطربُ
589
غير معروف 1 وصرير يراعاتي لرسم
من النغمات
تقاسمه الضنا
وذلّـة
أذفرا
السمع أفواه
591
أبو فراس 1 من كان فوق محل الشمس
وال يضعه
سابقًا في كل ما وصفا
سَامِرُ
590
غير معروف 1 عباراتنا شتى وحسنك واحد
يشير
راقي
الصباح من الشرق
أجَلّ ذُنوبي
592
غير معروف 1 فلو أن ثوبًا حِيك من نسج
عاله قصير
عندي
في قبرها
593
غير معروف 8 مَرَّ وما سلّم من عُجبه **
العز طيب
أرشد
ترابُها
594
حسن بن زين 8 تَرَحّل بعضُنا والبعضُ باقي
ساقي
أحالمًا
وفي الحشا
595
غير معروف 8 إن ترحلت أو أقمت فعندي **
كسد السجعُ
الطيور
في الصدر
596
األمير أبي الفضل 8 أهالً بفَجْرٍ قد نَضى ثوبَ
تأليفهِ
األَكثرينَ ذَليلُ
جَزْل الْغَضَى
597
النابغة الذبياني 1 أمسَت يباباً وأمسى أهلُها
فإلي
تطفيال
تفوه مغانيها
598
السيد شهاب 89 الح شهاب الدين مفتي األنام
التمام
يتفطّرُ
وعورها
ال تدري
الصبح ال يتوضح
599
ابن الرومي 1 قرّة عَينٍ وفَمٍ حُسِّنَت **
إلى الفلك
للندى فيجيبُ
611
األمير تميم بن 1 وقد أَزْهَرَت بِيضُ النجومِ
اهلل المنزلِ
610
محمد فهمي 98 هذي الديار وذا حمى بغدادِ**
والقمر
محكم الذكرِ
سعده
612
صالح بن مهدي 34 قمر المجد في سعود التالقي
الفراق
عاله قصير
613
رابعا :فهرس األشعار الفارسية
عدد
الشاعر مطلع القصيدة أو المقطع
األبيات
بردنـدان كـزان
هب تماشايه
614
خامسا :فهرس األمثال واألوقوال املثووةة
المثل /القول
استنوق الجمل
ثالثة األثافي
عطر منشم
قاضي سدوم
المثل األفالطونية
615
مواعيد عرقوب
نغمة معبد
الهياط والمياط
616
سادسا :فهرس المواضع والبلدان
البلد /الموضع
آدنة
إربل
أرزن الروم
أرغني
أرغوان
أزغر
إزمير
االستانة (العليا)
أسكي خان
اسكي كوي
إسالمبول
أالجه خان
أالش
أم الربيعين
أم تل
617
أماسية (خرشنة)
أناطول
باب الكاظم
باريس
باقر معدن
البحر األزرق(األسود)
البحر األسود
بحر قرم
برطلة
البصرة
بغداد
بغدان
بالد الروم
بياس
تازه خرماتي
618
تجر
تزيان
تفليس
تل موس
توقات (توقات)
جانك
جقال خان
جلغا
جنكل
جيحان (سيحان)
حسن جلبي
حصن زياد
حلب
619
حلقوم الجمل (جبل)
الحميدات
حومة الجندل
خان الحكيم
الخان الصغير
خربوت
خرماتي
دار السالم
داغستان
داقوق
دجلة
دكر
601
دلكلي طاش (دلكلي داش)
دلي عباس
دمشق الشام
دولة المسقوف
الديار الرومية
ديار بكر
الرصافة
الزاب الكبير
الزوراء
سر من رى
سوق عكاظ
السويدية
سيناب
سيواس
شهرزور
600
صمصوم
طاهر كندي
طربزان
طرسوس
طورخال
طوره (نهر)
طوز خرماتي
العراق
عموده
غازي قمق
الفرات
الفرات
فرنكة
فره
قارقين
602
قره تيه
قره دره
قرية كلك
قزل اورماق(نهر)
القسطنطينية
القطر العراقي
قطر بل
كوبرى)
قنقال (قنقل)
قواق
الكرخ
كرخها
كردستان
كردمال
603
كركوك
كزين
كفري
كمش معدن
كوردستان
الكوفة
الديق
لوندرة
ماردين
المدينة
مدينة السالم
مزرى
مصر
مالطية (ملطية)
الموصل
الموصل (الحدباء)
604
الموصل القديمة
نصيبين (بندنيج)
نهر دجلة
النيل
هيت (تكريت)
وادي بك
واسط
يسري
يلدز طاغي
اليمن
605
سابعا :فهرس األعالم
العَلَم
إبراهام
إبراهيم الكوراني
إبراهيم المرتضى
ابن األزري
ابن الجوزي
ابن خلدون
ابن سينا
ابن كبريت
ابن مقلة
زاده
606
أبو السعود أفندي (شيخ اإلسالم)
أبو نواس
أحمد أغا
أحمد أفندي
607
أحمد افندي الكمش كجيكلي
أحمد بك
أدهم أفندي
أرسطاليس
اإلسكندر
إسماعيل (السيد)
إسماعيل أفندي
608
األطرقجي المال عبد الحميد
األعمش
اإلمام الشافعي
اإلمام مالك
أوليا أفندي
بدر بن المقنع
بكتاش أغا
بلقيس
بهرام باشا
تيمورلنك
جعفر بن سعيد
الجالل الدواني
609
الحاج أحمد أغا
الحاج عثمان
الحريري
زاده)
الحسن البصري
حسين
الحسين الحالج
حسين الكردي
الحصكفي
621
حليم أفندي بياسي زاده
حميد أفندي
الخضر–عليه السالم-
راغب باشا
راغب بك أفندي
620
الزرقاني
السري (السقطي)
سعيد بن عبيد
سليم باشا
سليم بك أفندي
سليمان أغا
سليمان أفندي
سليمان بك
سليمان بك أفندي
622
السيد أحمد أفندي
السيد عمر
سيفي بك
شعبان بك أفندي
شمس تبريز
شمسي أفندي
الشنفرى
الشيخ إبراهيم
الشيخ األكبر
623
الشيخ بكر
الشيخ حامد
صادق األعسمي
صالح التميمي
صالح باشا
صديق بك أفندي
الطالباني
الطحطاوي
طلحة الزهري
624
عارف حكمت
عاكف بك أفندي
العامرية (ليلى)
625
عبد السالم أفندي
626
عبد اهلل بهاء الدين (نجل المصنف)
عبدي أفندي
عثمان النقشبندي
علي (السيد)
627
علي القاري
علي القواس
عمر باشا
عويف (القوافي)
628
فاطمة البتول –عليها السالم-
الفيروز آبادي
قسطنطين
كسرى
كيسك باش
ليلى (العامرية)
مالك بن دينار
629
المتنبي
محمد أفندي
الشرواني
(عمريزاده)
631
محمد باشا كوبرلي زاده
محمد سعيد
محمود الموصلي
مسعود أفندي
630
المسيح الدجال
مصطفى الحموي
مصطفى النقشبندي
مفتي أفندي
المال بكر
المال دواد
مال سليمان
المال موسى
موسى الكاظم
موسى الكردي
632
موسى –عليه السالم-
النابلسي
نيقو بك (الترجمان)
هاشم بك الداغستاني
يزيد (اللعين)
يلدرم (السلطان)
يوسف أفندي
633
األبشيهي(شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح األبشيهي) :المستطرف في
كل فن مستظرف ،تحقيق :مفيد محمد قميحة ،دار الكتب العلمية ،بيروت،
ابن أبي الدنيا (عبداهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس) :قرى الضيف،
ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي ابن محمد بن الجوزي ت363هـ) :صفة
ابن العماد الحنبلي (عبد الحي بن أحمد بن محمد الحنبلي ،ت1416هـ) :شذرات
ابن تغري بردي ،جمال الدين أبي المحاسن يوسف (ت 130هـ1096/م) :النجوم
الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ،علق عليه محمد حسين ،بيروت ،دار الكتب
634
ابن حجة الحموي (تقي الدين أبو بكر بن علي ت 153هـ) :ثمرات األوراق في
ابن حجة الحموي ( تقي الدين أبي بكر علي بن عبد اهلل الحموي األزراري ):
خزانة األدب وغاية األرب ،تحقيق :عصام شعيتو ،دار ومكتبة الهالل ،بيروت،
1041هـ1613 /م
ابن خلكان ( أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر ،ت911هـ/
1818م) :وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد
ابن سيده (أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي األندلسي) :المخصص
في اللغة ،تحقيق :خليل إبراهيم جفال ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت،
1013هـ1669/م
635
ابن عبد الملك (محمد بن محمد بن عبد الملك ت345هـ) :الذيل والتكملة
بوالق 1839هـ.
ابن قتيبة(أبو محمد عبد اهلل بن مسلم ابن قتيبة النحوي الدينوري ت 839هـ):
عيون األخبار ،مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث ،جامعة أم القرى
1045هـ.
ابن قتيبة الدينوري :الشعر والشعراء ،تحقيق :أحمد محمد شاكر ،دار
ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي
636
ابن معصوم(علي بن أحمد بن محمد معصوم الحسني الحسيني ،المعروف بعلي
خان بن ميرزا أحمد ،الشهير بابن مَعْصُوم ت 1116هـ) :سالفة العصر في
محاسن أعيان العصر ،شركة دار القبلة ،مؤسسة علوم القرآن ،الطبعة األولى
1015هـ.
ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين محمد بن بكر ،ت 311هـ1511/م) :لسان
العرب ،تحقيق :عبد اهلل علي الكبير ،ومحمد أحمد حسب اهلل ،دار المعارف،
القاهرة1636 ،م.
أبو الحسن البصري (صدر الدين علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري ،ت
القاهرة1666 ،م.
أبو الفضل النيسابوري :مجمع األمثال مجمع ،دار المعرفة ،د.ت ،.بيروت
637
أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد اهلل الصولي (المتوفى553 :هـ( :أخبار أبي
أبو عبيد القاسم ابن سالم (ت 880هـ) :األمثال السائرة ،المكتب اإلسالمي،
أبو علي القالي (إسماعيل بن القاسم بن عبدون بن هرون ابن عيسى بن محمد
بن سليمان القالى ت 539هـ) :األمالي ،دار العلوم للطباعة والنشر ،الرياض،
1048هـ1618 ،م.
أبو هالل العسكري (أبو هالل الحسن بن عبد اهلل بن سهل بن سعيد بن يحيى
بن مهران العسكري ت نحو 563هـ) :ديوان المعاني ،دار الجيل ،بيروت1699 ،
أبو هالل العسكري (الحسن بن عبد اهلل بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران
1618م
أحمد صدقي شقيرات :تاريخ مؤسسة شيوخ اإلسالم في العهد العثماني ،اربد،
األردن1085 ،هـ8448/م
638
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي ،محمد عبد العاطي ،ياسر أحمد :جغرافية
األزرقي(أبو الوليد محمد بن عبد اهلل بن أحمد األزرقي) :أخبار مكة وما جاء
إسماعيل باشا البغدادي :هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ،طبع
1631م
إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم :إيضاح المكنون في الذيل على كشف
الظنون عن أسامي الكتب والفنون ،تحقيق :محمد شرف الدين بالتقايا ،دار
األصفهاني (أبو نعيم أحمد بن عبد اهلل األصفهاني) :حلية األولياء وطبقات
شرح علي مهنا ،وسمير جابر ،بيروت ،دار إحياء الكتب العربية1606 ،م.
639
أكمل الدين إحسان أوغلي (إشراف وتقديم) :الدولة العثمانية تاريخ
األلوسي (شهاب الدين محمود بن عبد اهلل الحسيني األلوسي ت 1834هـ) :روح
المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،تحقيق :علي عبد الباري
أمين خوري :رفيق العثماني (قاموس كلمات تركية وفارسية مترجمة إلى
641
البغدادي ،أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ابن الخطيب(ت 095هـ1434/م) :تاريخ
بغداد ،طبعة مكتبة الخانجي ،القاهرة ،بدون تاريخ .وطبعة بيروت ،دار الكتب
العلمية1613 ،م
البكري ،أبو عبيد اهلل بن عبد العزيز (ت013هـ1460/م) :معجم ما استعجم من
أسماء البالد والمواقع ،تحقيق مصطفى السقا ،طبعة بيروت ،عالم الكتب،
البهاء العاملي (الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين العاملي) :الكشكول ،دار
الثعالبي (أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي ،ت 086هـ):
يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر ،دار الكتب العلمية ،بيروت1636 ،م.
640
الثعالبي (أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل ،ت 086هـ1453 /م):
لباب اآلداب ،تحقيق جليل العطية ،طبعة بيروت ،الطبعة األولى1664 ،م
الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ) :البيان والتبيين ،شرح وتحقيق:
الجوهري :الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ،تحقيق :أحمد عطا ،دار العلم
حاج حمد تاج السر حاج حمد :التعريف باإلمام األلوسي وتفسيره ،مجلة
حاجي خليفة :كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ،مكتبة المثنى ،بغداد،
د.ت.
642
الحريري (القاسم بن علي بن محمد بن عثمان أبو محمد الحريري) :مقامات
الحسن اليوسي :زهر األكم في األمثال والحكم ،تحقيق :محمد حجي ومحمد
حسين مجيب المصري :معجم الدولة العثمانية ،الدار الثقافية للنشر ،القاهرة،
8440م.
اآلداب وثمر األلباب ،تحقيق :زكي مبارك ،دار الجيل ،بيروت ،ط1638 ،0م
643
الحنفي (محيي الدين أبي محمد عبد القادر بن محمد بن محمد نصر اهلل
الحلو ،مطبعة عيسى البابي الحلبي ،مصر ،الطبعة األولى1566 ،هـ1636 ،م
ببركلي ،المتوفى 611هـ ،تحقيق :أحمد فتحي حجازي ،دار الكتب العلمية،
بيروت ،د.ت.
ريحانة األَلِبَّا وزهرة الحياة الدنيا ،تحقيق :عبد الفتاح محمد الحلو ،مطبعة
644
الخليل بن أحمد (أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدى) :العين ،تحقيق
خليل مردم بك :أعيان القرن الثالث فى الفكر والسياسة واالجتماع ،مؤسسة
خير الدين الزركلي :األعالم قاموس تراجم ألشهر الرجال والنساء من العرب
1041هـ1614/م .
داود األنطاكي :تزيين األسواق في أخبار العشاق ،دار ومكتبة الهالل ،بيروت،
1619م
دائرة المعارف اإلسالمية ،نقلها للعربية محمد ثابت القناوي ،أحمد الشناوي،
645
الزمخشري (أبو القاسم جار اهلل محمود بن عمر الزمخشري) :أساس البالغة،
األبرار وفصوص األخبار ،تحقيق ودراسة :عبد المجيد دياب ،دار الكتب
والوثائق القومية ،مركز تحقيق التراث ،القاهرة ،ط 1055 ،8هـ8418 /م
السبكي (تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي) :طبقات الشافعية الكبرى،
تحقيق محمود محمد الطناحي ،عبد الفتاح محمد الحلو ،مكتبة عيسى البابي
القاهري الشّافعي) :الضوء الالمع ألهل القرن التاسع ،مكتبة القدس ،القاهرة،
1533/1535هـ.
646
سركيس :معجم المطبوعات العربية والمعربة ،جمعة ورتبه يوسف إليان
الشوكاني (محمد بن علي) :البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ،دار
الشيخ كاظم بن الحاج محمد التميمي البغدادي :ديوان األزري الكبير ،حققه
وقدم له وأعد تكملته :شاكر هادي شكر ،دار التوجيه اإلسالمية بيروت
الكويت،1614 ،
647
الطرطوشي :سراج الملوك ،طبع بمصر 1816هـ.
الطيب أحمد عبد اهلل :منهج اإلمام األلوسي في التفسير ،رسالة ماجستير،
العراقي1514 ،هـ1694/م.
شواهد التلخيص ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد ،بيروت ،عالم الكتب،
1593هـ1603/م
د .ت
عبد الرحمن البرقوقي :ديوان المتنبي مع شرحه ،دار الكتاب العربي ،بيروت،
648
عبد العزيز سليمان نوار :داود باشا والي بغداد ،دار الكتاب العربي ،وزارة
عبد المنعم الحفني :الموسوعة الصوفية ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،طـ 8449 ،3م.
1564 ،8هـ1631/م.
العصامي ( عبد الملك المالكي) :سمط النجوم العوالي ،تحقيق :عادل عبد
علي ظريف األعظمي :مختصر تاريخ بغداد ،مكتبة الفرات ،بغداد1689 ،م
649
علي عالء الدين األلوسي :الدر المنتثر في رجال القرن الثاني والثالث عشر،
1549هـ.
عماد الدين األصبهاني (محمد بن محمد صفي الدين بن نفيس الدين حامد بن
أله أبو عبد اهلل عماد الدين األصبهاني ت 363هـ) :خريدة القصر وجريدة
عمر رضا كحالة :معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية ،مكتبة
العمري (أحمد بن يحيى بن فضل اهلل القرشي العدوي العمري ،شهاب الدين
651
الفيروزآبادي (مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ،ت113هـ):
أحوال العلوم ،تحقيق :عبد الجبار زكار ،دار الكتب العلمية ،بيروت.1631 ،
الكتاني عبد الحي بن عبد الكبير :فهرس الفهارس واألثبات ،باعتناء إحسان
650
اللّكنوي (أبو الحسنات محمد بن عبد الحي اللّكنوي الهندي) :الفوائد البهية
في تراجم الحنفية ، ،تصحيح وتعليق محمد بدر الدين أبي فراس النعساني،
تاريخ اآلداب العربية في القرن التاسع عشر والربع األول من القرن العشرين،
جودت باشا في تقريره إلى السلطان عبد الحميد الثاني ،دار اآلفاق العربية،
القاهرة8446 ،م.
محمد األمين المحبي :خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر ،دار صادر،
652
محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي :الثقات ،تحقيق :السيد
محمد بهجة البيطار :حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ،مطبوعات
محمد حسين الذهبي :التفسير والمفسرون ،دار الكتب الحديثة ،القاهرة1669 ،م
محمد عبد العظيم الزرقاني :مناهل العرفان فى علوم القرآن ،تحقيق مكتب
محمد عبد اللطيف هريدي :شؤون الحرمين الشريفين في العهد العثماني ،دار
653
محمد مهدي البصير :نهضة العراق األدبية في القرن التاسع عشر ،مطبعة
محمود شكري األلوسي (أبو المعالي) :المسك األذفر في نشر مزايا القرن
الثاني عشر والثالث عشر ،تحقيق عبداهلل الجبوري ،دار العلوم للطباعة والنشر،
محمود شهاب الدين اآللوسي :روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع
654
المرادي :سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ،المطبعة الحنفية بدمشق،
1541هـ.
نور القبس (نور المقتبس) ،مكتبة السنة ،القاهرة ،الطبعة األولى1011 ،هـ.
المسعودي :مروج الذهب ومعادن الجوهر ،تحقيق شارل بال ،منشورات الجامعة
والوظائف منذ الفتح العثماني لمصر حتى إلغاء الخالفة العثمانية من خالل
غصن األندلس الرّطيب ،تحقيق إحسان عباس ،دار صادر ،بيروت1511 ،هـ،
1691م.
منق علي (علي بن أوزون بالي بن محمد ،ت 668هـ1310/م) :العقد المنظوم
في ذكر أفاضل الروم ،تحقيق :أحمد عبد الوهاب الشرقاوي ،مركز جمعة
655
الموسوعة العربية العالمية ،المملكة العربية السعودية ،النسخة االلكترونية،
1018هـ1668/م.
القاهرة 1088هـ8441/م.
الميداني :مجمع األمثال ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،طبعة عيسى
نخبة من تالميذ اآللوسي :أريج الند والعود في ترجمة أبي عبد اهلل محمود،
القاهرة1611 ،م
النويري ( شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب ،ت 358هـ1551/م) :نهاية األرب
في فنون األدب ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،وأحمد كمال زكي ،الهيئة
656
النيسابوري (أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري) :مجمع األمثال،
ياقوت الحموي ،شهاب الدين أبو عبد اهلل ياقوت بن عبد اهلل الرومي الحموي
يوسف بك آصاف :تاريخ سالطين بني عثمان ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،الطبعة
األولى.1633 ،
الزفراف وآخرين ،مطبعة عيسى البابي الحلبي ،دار إحياء التراث العربي،
1530هـ1630 /م
657
إهـــــــداء 4 ......................................................................................................
المقدمـــة 9 ......................................................................................................
الفهـــــــارس174 ..............................................................................................
658
مؤسسة بحثية مستقلة ،تتبع جمعية خريجي معهد الدراسات والبحوث اآلسيوية،
تخضع لقانون الجمعيات األهلية المصري ،مشهرة في وزارة التضامن االجتماعي برقم
1581لسنة 8448م.
659
إلى عمل البحوث والدراسات المتعلقة بقارة آسيا يهدف
الحضارية.
المتخصصة والتي تخدم الدراسات اآلسيوية خاصة ،والثقافة اإلنسانية بشكل عام.
ونشرها.
harpgeneration@yahoo.com
661