You are on page 1of 410

‫ﺻﺪﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻬﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‬

‫ﻟﻠﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب‬ ‫القيــم الحامعيــة‪ :‬فلســفتها ومرجعيتهــا وتجلياتهــا‬
‫أﳼء ﻓﻬﻢ اﻻﺧﺘﻼف ﰲ ﻋﺎﳌﻨﺎ اﳌﻌﺎﴏ‪ ،‬وأﺻﺒﺢ ﻟﻼﺧﺘﻼف ﻣﻌﻨﻰ اﻟﴫاع واﻟﺼﺪام‪ ،‬ووﻗﻊ‬ ‫فتحي حسن ملكاوي‬
‫ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻐﺮﰊ وﻟﺪ ﻋﺎم ‪١٩٧٨‬م ﰲ ﻗﺮﻳﺔ‬
‫اﻟﺰرﻳﻘﺎت‪ ،‬ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮاﺷﻴﺪﻳﺔ‪ ،‬ﺟﻨﻮب اﳌﻤﻠﻜﺔ اﳌﻐﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬
‫وأن اﳌﺨﺎﻟﻒ ﰲ اﻟﺮأي واﳌﻌ ﹶﺘ ﹶﻘﺪ ﳚﺐ‬
‫ﴍ‪ ،‬ﱠ‬‫اﻻﺿﻄﺮاب ﰲ ﻓﻘﻪ اﻻﺧﺘﻼف وﺗﺪﺑﲑه‪ ،‬واﻋﺘﹸﻘﺪ أن اﻻﺧﺘﻼف ﻛ ﹼﻠﻪ ﱞ‬ ‫نظريــة النمــو المعرفــي فــي المنظــور النفســي ٕا�ســ�مي‬
‫ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﺷﻬﺎدة اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﻔﻜﺮ‬
‫وإﻗﺼﺎؤه‪ ،‬ﺑﻞ واﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻪ‪ ،‬وﻇﻬﺮ ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺑﺎﺣﺜﻮن وﻣﻨ ﱢﻈﺮون ﳍﺬا اﻻﲡﺎه ﻣﻦ اﳌﺴﻠﻤﲔ وﻣﻦ‬
‫ﹸ‬ ‫رﻓﻀﻪ‬ ‫ريم عبد الرزاق الزعبي‬

‫اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﰲ ﻓﺎس‬


‫ﹼ‬
‫وﻏﺬاه اﻹﻋﻼم‪ ،‬ﻓﺘﻌﺪدت اﳉﻬﺎت اﻟﺪاﻋﻴﺔ إﱃ اﻟﻔﺮﻗﺔ واﻟﴫاع ﺑﲔ اﻟﻄﻮاﺋﻒ‬ ‫ﻏﲑﻫﻢ‪ ،‬واﻧﺘﴩ ﻫﺬا اﻟﻔﻜﺮ‬ ‫مفهومهــا ووظائفُ هــا ومتطلبا ُتهــا‬
‫ُ‬ ‫الجامعــة الحضاريــة‪:‬‬
‫ﹺ‬
‫واﻟﻔﺮق اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬وﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﲔ اﳌﺨﺎﻟﻒ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﳊﻀﺎري‪.‬‬ ‫حسان عبد �� ��ه حسان‬
‫ﻋﺎم ‪٢٠١٦‬م‪ .‬ﻳﻌﻤﻞ ﺣﺎﻟﻴﺎ أﺳﺘﺎذ ﹰا ﳌﺎدة اﻟﱰﺑﻴﺔ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ إﻓﺮان‪ .‬ﺷﺎرك ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ‬ ‫وﰲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﳌﺸﺤﻮن ﺑﺎﻟﻨﱢﺰاﻋﺎت واﻟﴫاﻋﺎت‪ ،‬واﳊﺮوب اﳌﺪﻣﺮة ﻟﻠﺤﺮث واﻟﻨﺴﻞ‪ ،‬ﺟﺎء ﻫﺬا‬ ‫الجوانــب العاطفيــة فــي حيــاة ا ٔ�نبيــاء‪ :‬كشــف و ٔتامــ�ت نفســية‬
‫اﳌﺆﲤﺮات واﻟﻨﺪوات واﳌﻠﺘﻘﻴﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ داﺧﻞ اﳌﻐﺮب‬ ‫مالك بدري‬
‫اﻟﻜﺘﺎب ﳌﺤﺎوﻟﺔ ﺣﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﺷﻜﺎﻻت اﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﳌﻮﺿﻮع‪ ،‬واﻹﺟﺎﺑﺎت ﻋﻦ ﺗﺴﺎؤﻻﺗﻪ اﳌﻄﺮوﺣﺔ‬
‫وﺧﺎرﺟﻪ‪ .‬رﺋﻴﺲ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﺪﺑﲑ اﻻﺧﺘﻼف ﻟﻠﺪراﺳﺎت‬ ‫رؤيــة العالــم‪ :‬حضــور وممارســات فــي الفكــر والعلــم والتعليــم‬
‫واﻗﱰاح اﻵﻟﻴﺎت اﳌﻨﻬﺠﻴﺔ ﻟﻠﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﳌﺸﱰك اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻹﻧﺴﺎﲏ‪ ،‬ﻟﺘﺪﺑﲑ اﻻﺧﺘﻼف ﺑﺤﻜﻤﺔ‪ ،‬وﺗﻀﻴﻴﻖ‬
‫واﻷﺑﺤﺎث‪ .‬ﻋﻀﻮ ﻣﺆﺳﺲ ﳌﺮﻛﺰ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻔﻬﺮﻳﺔ‬ ‫فتحي حسن ملكاوي‬
‫داﺋﺮﺗﻪ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ‪ ،‬ﻣﻦ أﺟﻞ اﳌﺴﺎﳘﺔ ﰲ ﻣﴩوع‪" :‬اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺴﻮاء" و"اﻻﺧﺘﻼف ﰲ إﻃﺎر اﳉﻮاﻣﻊ"‪ ،‬وﻧﻘﺾ‬
‫ﻟﻸﺑﺤﺎث واﻟﺪراﺳﺎت وﻋﻀﻮ اﳌﺮﻛﺰ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﻠﻨﻈﺮ‬ ‫التربيــة الوالديــة‪ :‬رؤيــة منهجيــة تطبيقيــة فــي التربيــة ا ٔ�ســرية‬
‫ﻣﴩوع‪" :‬اﻟﻨﺰﻋﺔ اﳌﺮﻛﺰﻳﺔ اﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻴﺔ"‪.‬‬
‫اﳌﻘﺎﺻﺪي ﰲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﳌﻌﺎﴏة‪ .‬ﻟﻪ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺑﺤﺎث‬ ‫هشام الطالب‪ ،‬عبد الحميد ٔابو سليمان‪ ،‬عمر الطالب‬
‫اﳌﻨﺸﻮرة ﰲ اﳌﺠﻼت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﳌﺤﻜﹼﻤﺔ‪.‬‬ ‫ﻛﲈ ﺟﺎء ﳌﻌﺎﳉﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻷﻣﺔ‪ ،‬ﰲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺬات وﻣﻊ اﻵﺧﺮ‪ ،‬وﺑﺎﻷﺧﺺ ﰲ وﻗﺘﻨﺎ‬
‫المنهــج الفينومينولوجــي فــي دراســة الديــن وتطبيقاتــه‬
‫اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﲏ‪:‬‬ ‫اﳊﺎﴐ اﻟﺬي ﻇﻬﺮت ﻓﻴﻪ ﳎﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ردود اﻟﻔﻌﻞ‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﲡﺎوزت اﻟﻨﻘﺎش اﻟﻌﻠﻤﻲ‪ ،‬إﱃ اﻟﱰاﺷﻖ ﺑﺎﻟﺘﻬﻢ‪.‬‬ ‫عند ٕاسماعيل الفاروقي‬
‫‪sadikiamarimohamed@gmail.com‬‬ ‫واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻋﺪم اﻟﻮﻋﻲ ﺑﻔﻘﻪ اﻻﺧﺘﻼف‪ ،‬اﳌﺆﺳﺲ ﻋﲆ أﺻﻮل وﺿﻮاﺑﻂ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻗﺔ‬ ‫عامر شنيور‬
‫واﻟﻨﺰاع‪ ،‬وﻣﺴﺎﻋﺪة ﻋﲆ اﻟﻮﺣﺪة واﻻﺋﺘﻼف؛ إذ ﱠ‬
‫إن اﻹﺷﻜﺎل ﻟﻴﺲ ﰲ اﻻﺧﺘﻼف‪ ،‬اﻟﺬي ﻫﻮ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﻦ اﷲ‬
‫تفسير القرٓان بالقرٓان‬
‫ﺗﻌﺎﱃ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﰲ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺗﺪﺑﲑه وإدارﺗﻪ‪ ،‬وﺣﺴﻦ ﺗﺴﻴﲑه وﺗﻮﺟﻴﻬﻪ‪ ،‬ﺑﲈ ﳜﺪم اﻟﻮﻓﺎق واﻻﺋﺘﻼف‬ ‫طه جابر العلواني‬
‫اﻹﻧﺴﺎﲏ‪.‬‬
‫ا ٔ�وصــاف التجســيدية للخالــق فــي التــراث اليهــودي‬
‫وا�س�مي تمثيل ما � يمكن تمثيله‬ ‫والمسيحي ٕ‬
‫ذو الفقار علي شاه‬
‫صــورة ٕا�نســان بيــن المرجعيتيــن ٕا�ســ�مية والغربيــة‬
‫تحرير‪ :‬رائد عكاشة وعائشة الخضيري‬
‫اﳌﻌﻬﺪ اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫© املعهــد العالمــي للفكــراإلســامي ‪ -‬هرنــدن ‪ -‬فرجينيــا ‪ -‬الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬
‫‪2023‬مســامي ‪ -‬هرنــدن ‪ -‬فرجينيــا ‪ -‬الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬
‫للفكــراإل‬ ‫العالمــي‬
‫‪1445‬ﻫ‪/‬‬ ‫املعـةهــد‬
‫األولــى‬ ‫©‬
‫الطبعـ‬
‫‪2023‬مســامي ‪ -‬هرنــدن ‪ -‬فرجينيــا ‪ -‬الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬
‫للفكــراإل‬ ‫العالمــي‬
‫‪1445‬ﻫ‪/‬‬ ‫املعـةهــد‬
‫األولــى‬ ‫©‬
‫الطبعـ‬
‫الطبعــة األولــى ‪1445‬ﻫ‪2023 /‬م‬
‫أصــول تدبيــراالختــاف فــي القــرآن الكريم‬
‫ـارقيــرآن الكريم‬
‫العمـ ال‬
‫ـارقيــرآن الكريم‬
‫ـاف فـ ّـي‬
‫العمـ ال‬ ‫الصادقــي‬
‫ـاف فـ ّـي‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫االخ‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫لمح‬
‫تدبمـيــدـراالختـ‬
‫تدب‬
‫صــو‬
‫ـف‪:‬‬
‫ل‬‫ـو‬
‫ـ‬ ‫أأتأليـ‬
‫ص‬
‫تأليــف‪ :‬محمــد الصادقــي‬
‫تأليــف‪ :‬محمــد الصادقــي ّ‬
‫العمــاري‬
‫‪ -2‬الجــدل والحــوارفــي اإلســام‪.‬‬ ‫موض ـ ـ ـ ــوع الكت ـ ــاب‪ -1 :‬أدب الخــاف واالختــاف‪.‬‬
‫ائع‪.‬فــي اإلســام‪.‬‬
‫ـدلالوالشـحـرـوار‬‫‪ -2‬الجـ‬
‫أصول‬ ‫‪-4‬‬ ‫واالختــاف‪.‬‬
‫ـافقــاد‪.‬‬
‫الخخــاالعت‬
‫أدبـول‬ ‫موض ـ ـ ـ ــوع الكت ـ ــاب‪-1 :‬‬
‫‪ -3‬أصـ‬
‫ائع‪.‬فــي اإلســام‪.‬‬
‫ـدلالوالشـحـرـوار‬‫‪ -2‬الجـ‬
‫أصول‬ ‫‪-4‬‬ ‫واالختــاف‪.‬‬
‫ـافقــاد‪.‬‬
‫أدبـولال االعت‬ ‫موض ـ ـ ـ ــوع الكت ـ ــاب‪-1 :‬‬
‫‪ -3‬أصـ‬
‫آنية‪.‬‬
‫سـلـاتال قشـررائع‪.‬‬ ‫‪ -6‬درا‬
‫أصو‬ ‫‪-4‬‬ ‫ـاد‪.‬ـل مــع الخــاف‪.‬‬
‫التعامـ‬
‫منهجليــةاالعتقـ‬
‫‪ -5‬أصــو‬
‫‪-3‬‬
‫‪ -6‬دراســات قرآنية‪.‬‬ ‫‪ -5‬منهجيــة التعامــل مــع الخــاف‪.‬‬
‫‪ -6‬دراســات قرآنية‪.‬‬ ‫‪ -5‬منهجيــة التعامــل مــع الخــاف‪.‬‬
‫ردمــك (‪978-1-56564-821-0 :)ISBN‬‬
‫ردمــك (‪978-1-56564-821-0 :)ISBN‬‬
‫ردمــك (‪978-1-56564-821-0 :)ISBN‬‬
‫اململكــة األردنيــة الهاشــمية‬
‫ـميةـة الوطنيــة (‪)2019/5/2573‬‬
‫شــاملكتبـ‬ ‫الها‬
‫ـرة‬‫ـدىـةـةدائـ‬
‫األردنيـ‬
‫اإليــةـةـداع لـ‬
‫اململكـ‬
‫رقــم‬
‫ـميةـة الوطنيــة (‪)2019/5/2573‬‬
‫ـرةشاملكتبـ‬‫الها‬
‫ـدى دائـ‬‫األردنيـ‬
‫اإليــداع لـ‬ ‫اململكـ‬
‫رقــم‬
‫رقــم اإليــداع لــدى دائــرة املكتبــة الوطنيــة (‪)2019/5/2573‬‬
‫جميــع الحقــوق محفوظــة للمعهــد العالمــي للفكــر اإلســامي‪ ،‬وال يســمح بإعــادة إصــدار هــذا‬
‫ـذا‬
‫ـدارسـههـــواء‬
‫ـذا‬
‫املعلومـإصـ‬
‫ـات‪،‬‬
‫ـدار‬‫ـ‬ ‫ص‬ ‫إ‬
‫ـمحـلبإعــادة‬
‫ـادة‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫بإ‬ ‫ســنقـ‬
‫ـمح‬ ‫س‬
‫ـامي‪،‬سـوال ي‬
‫ـائط‬
‫ي‬ ‫وال‬ ‫ســمــن و‬
‫ـامي‪،‬‬ ‫س‬
‫سـاإل‬
‫ـطة‬
‫اإل‬
‫للفواكــر‬
‫ـر‬‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ـكلـيـي أو‬
‫للف‬
‫العالمـ‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫للمعـهههــبــدـدـأي شـ‬
‫العال‬ ‫ـه‪،‬ظظـــةـةأو نقلـ‬
‫للمع‬ ‫قـزء منـ‬
‫محفو‬
‫محفو‬ ‫ق‬ ‫أوـــوـوجـ‬
‫الحق‬
‫ق‬ ‫جمتـييـــعـعـاب‪،‬‬
‫الح‬ ‫الك‬
‫جم‬
‫ـواء‬
‫ـترجاع‪،‬‬ ‫ـ‬‫س‬ ‫ـات‪،‬‬ ‫ـ‬
‫واالسـ‬ ‫م‬‫املعلو‬ ‫ـل‬
‫التخزيــن‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ـائط‬ ‫ـ‬ ‫س‬‫و‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـطة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫أو‬ ‫ـكل‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـأي‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫نق‬ ‫أو‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ـزء‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫أو‬ ‫ـاب‪،‬‬
‫الكنـتــت‬‫ـ‬ ‫ت‬
‫ـواء‬
‫ـترجاع‪،‬‬ ‫ـات‪ ،‬سـ‬ ‫املعلومـ‬
‫واالسـ‬ ‫أونقــل‬
‫التخزيــن‬
‫سـســجيل‬
‫ـائطأو‬
‫ســجيل‬ ‫التـن و‬ ‫ســخ أو‬
‫ـطةأومـالت‬ ‫النسـ‬
‫ســخ‬ ‫ـكأو وا‬
‫الن‬
‫ـأيـا فـشـيـ ذلـ‬
‫ـكلـك‬
‫نقيـلــهـة‪،‬بـبمـ‬
‫ـد‪.‬ـا فــي ذلـ‬
‫ـة‪،‬هـبمـ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬
‫ميكانيك‬
‫أونــه‪ ،‬أو‬
‫ميكانيك‬ ‫أو‬‫إلكترونييـــزءـةـة م‬
‫ـاب‪ ،‬أو جـ‬
‫إلكترون‬ ‫الكنـنـت‬
‫أكا‬
‫أكا‬
‫ـد‪.‬ـا فــي ذلــك النســخ أو التســجيل أو التخزيــن واالســترجاع‪،‬‬ ‫ـة‪،‬هـبمـ‬ ‫املع‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـبق‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫إذن‬ ‫دو‬
‫ميكانيكيـاملع‬
‫أوــبق مــن‬ ‫إلكترونيــيـةمس‬‫دونـنـتإذن خطـ‬ ‫أكا‬
‫دون إذن خطــي مســبق مــن املعهــد‪.‬‬
‫املعهــد العالمــي للفكــراإلســامي‬
‫للفكـ‪of‬ـراإلســامي‬
‫‪The International Institute‬‬ ‫العالمــي‬
‫‪Islamic‬‬ ‫املعهــد‬
‫‪Thought‬‬
‫‪The‬‬ ‫‪International‬‬ ‫ـامي‬ ‫ـ‬ ‫س‬‫اإل‬ ‫ـر‬
‫‪Institute ofVA‬‬‫ـ‬ ‫ك‬ ‫للف‬ ‫ـي‬
‫‪Islamic‬‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫العال‬ ‫املعهــد‬
‫‪Thought‬‬
‫‪P. O.‬‬
‫‪The‬‬ ‫‪Box: 669, Herndon,‬‬
‫‪International‬‬ ‫‪Institute‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪20172‬‬
‫‪Islamic‬‬ ‫‪- USA‬‬
‫‪Thought‬‬
‫‪P. O.‬‬
‫‪Tel:‬‬ ‫‪Box: 471‬‬
‫(‪(1-703‬‬ ‫‪669,1133,‬‬
‫‪Herndon,‬‬ ‫‪VA 20172‬‬
‫(‪Fax: (1-703‬‬ ‫‪471-- 3922‬‬
‫‪USA‬‬
‫‪P. O.‬‬
‫‪Tel:‬‬ ‫‪Box: 471‬‬
‫(‪(1-703‬‬ ‫‪669,1133,‬‬
‫‪Herndon,‬‬
‫‪Fax:‬‬ ‫‪VA 20172‬‬
‫(‪(1-703‬‬ ‫‪471‬‬ ‫‪USA‬‬
‫‪3922‬‬
‫‪www.iiit.org/‬‬
‫‪Tel:‬‬ ‫(‪(1-703‬‬ ‫‪471‬‬‫‪iiit@iiit.org‬‬
‫‪1133,‬‬ ‫‪Fax:‬‬ ‫(‪(1-703‬‬ ‫‪471‬‬ ‫‪3922‬‬
‫‪www.iiit.org/ iiit@iiit.org‬‬
‫‪www.iiit.org/ iiit@iiit.org‬‬
‫مكتــب األردن ‪ -‬عمــان‬
‫البريــدي ‪11191‬‬ ‫األردن ‪-‬الرعمـمــزـان‬
‫ـب ‪9489‬‬ ‫ص‪.‬ب‬‫مكتـ‬
‫‪11191‬‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫‪-‬‬ ‫األردن‬ ‫ـب‬ ‫مكتـ‬
‫ـس‪+96264611420 :‬‬ ‫ـدي فاكـ‬
‫‪11191‬‬
‫ـف‪ 9489:‬الرمــزالبريـ‬
‫‪+96264611421‬‬
‫ـدي‬ ‫ـ‬ ‫ي‬‫البر‬ ‫ـز‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫الر‬ ‫‪9489‬‬
‫ص‪.‬ب‬
‫ص‪.‬ب‬ ‫هاتـ‬
‫‪ +96264611421‬فاكــس‪+96264611420 :‬‬ ‫‪www.iiitjordan.org‬‬ ‫ـف‪:‬‬ ‫هاتـ‬
‫‪ +96264611421‬فاكــس‪+96264611420 :‬‬ ‫‪www.iiitjordan.org‬‬ ‫هاتــف‪:‬‬
‫‪www.iiitjordan.org‬‬

‫ّ‬
‫ـﺪ�ﻻ��ﻌﺒ ــﺮ‬ ‫ﺍﻟﻜﺘـ ــﺐ�ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳ ــﺎﺕ�ﺍﻟﺘ ـ ــﻲ�ﻳﺼ ـ ــﺪﺭهﺎ�ﺍﻟـﻤﻌهـ ـ‬
‫ّ‬
‫ـﺪ�ﻻ��ﻌﺒ ــﺮ‬ ‫ﺍﻟﻜﺘـ ــﺐ�ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳ ــﺎﺕ�ﺍﻟﺘ ـ ــﻲ�ﻳﺼ ـ ــﺪﺭهﺎ�ﺍﻟـﻤﻌهـ ـ‬
‫ّ‬
‫ﻣﺆﻟﻔ��ﺎ�ﻭﺍﺟ��ﺎﺩﺍ��ﻢـﺮ‬
‫ﺼ ـ ـﺭﺍﺀـﺪﺭهﺎ�ﺍﻟـﻤﻌهـ ــﺪ�ﻻ��ﻌﺒ ـ‬
‫ﺃﻳﻪ�ﻭﺇﻧﻤﺎ�ﻋﻦ�ﺁ‬
‫ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ�ﻋﻦ�ﺭﺳ ــﺎﺕ�ﺍﻟﺘ ـ ــﻲ�ﻳ‬
‫ﺍﻟﻜﺘـ ــﺐ�ﻭﺍﻟﺪﺭﺍ‬
‫ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ�ﻋﻦ�ﺭﺃﻳﻪ�ﻭﺇﻧﻤﺎ�ﻋﻦ�ﺁﺭﺍﺀ ﻣﺆﻟﻔ��ﺎ�ﻭﺍﺟ��ﺎﺩﺍ��ﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ�ﻋﻦ�ﺭﺃﻳﻪ�ﻭﺇﻧﻤﺎ�ﻋﻦ�ﺁﺭﺍﺀ ﻣﺆﻟﻔ��ﺎ�ﻭﺍﺟ��ﺎﺩﺍ��ﻢ‬
 



               





             


            
                 
                


              


              
                 


           


           

‫اإلهداء‬

‫إىل مـن دعاهـم القـرآن الكريـم إىل االعتصـام بحبـل اهلل‪،‬‬


‫والوفـاق وعـدم االفـراق‪.‬‬

‫إىل مـن دعاهـم القـرآن الكريـم إىل كلمة سـواء؛ كلمـة جامعة‬
‫مؤ ِّلفة‪.‬‬

‫إىل مـن أمرنـا القـرآن الكريـم بدعوهتـم باحلكمـة‪ ،‬واملوعظـة‬


‫احلسـنة‪ ،‬وجمادلتهـم بالتـي هـي أحسـن‪.‬‬

‫ر‪ ،‬والقسـط‪ ،‬والتعـاون‪،‬‬


‫إىل مـن أمرنـا القـرآن الكريـم بالـ ّ‬
‫والتعـارف معهـم‪.‬‬

‫إىل أويل بقيـة مـن أهـل الـرأي‪ ،‬والعقـل‪ ،‬والفضـل‪ ،‬واخلري يف‬
‫املجتمع اإلنسـاين‪.‬‬
‫شكر وعرفان‬
‫عيل‬
‫وتفضل َّ‬
‫َّ‬ ‫أسجد هلل سبحانه وتعاىل شكر ًا عىل أن أعان عىل إمتام هذه الدراسة‪،‬‬
‫وجوده وكرمه‪ ،‬أمحده سبحانه‪ ،‬والتوفيق للحمد من نعمه‪ ،‬وأشكره‪،‬‬ ‫بإنعامه وإحسانه‪ُ ،‬‬
‫والشكر كفيل باملزيد من فضله وكرمه‪ ،‬وأستغفره وأتوب إليه من الذنوب التي توجب‬
‫زوال نِعمه وحلول نِقمه‪.‬‬
‫ثم يطيب يل تالي ًا أن أقف وقفة إجالل وحمبة لوالدي احلبيبني‪ ،‬اللذين مهام أوتيت من‬
‫فصاحة لسان‪ ،‬وبالغة بيان فلن أستطيع إيفاءمها حقهام‪ ،‬ملا بذاله من أجيل‪ ،‬وتكبداه لبلوغي‬
‫منزلة طلب العلم مع طول مسري وترحال‪.‬‬
‫ثم أتوجه بعظيم الشكر وأجزله إىل سندي بعد اهلل‪ ،‬التي شدت من أزري ودعمتني‬
‫وشجعتني‪ ،‬وسارت معي طوال مراحل إعداد هذه الدراسة بصر ورحابة صدر‪ ،‬زوجتي‬
‫األستاذة العثامين سعاد‪ ،‬بارك اهلل فيها وجزاها عني خري اجلزاء‪.‬‬
‫أما الذي طوقني بفضله وكرمه‪ ،‬وغمرين بحنانه وعطفه‪ ،‬وساهم يف تقديم هذه‬
‫الدراسة من خالل توجيهاته الرصينة وعطائه العلمي‪ ،‬بطيب نفس مع دماثة خلق‪ ،‬بل‬
‫كان له الفضل الكبري يف اكتشاف إشكال هذه الدراسة‪ ،‬من خالل متابعة كتبه‪ ،‬ودراساته‬
‫العلمية‪ ،‬وجلسات النقاش املطولة معه حفظه اهلل‪ ،‬حول موضوع االختالف وتدبريه‪،‬‬
‫أستاذي الفاضل املرشف عىل هذه الدراسة الدكتور حمامد بن حممد رفيع‪ ،‬فجزاه اهلل خري ما‬
‫جيزي معل ًام عن طالبه‪ ،‬وأسأله سبحانه أن يديم عطاءه وينفع بعلمه‪.‬‬
‫وتفضل بقبول مناقشة هذه الدراسة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وأتوجه بخالص االمتنان والعرفان ملن تكرم‬
‫وتقويمها وتصحيحها‪ ،‬ودعمها باملالحظات اهلادفة‪ ،‬والنقد البناء‪ ،‬السادة الدكاترة العلامء‬
‫أعضاء جلنة املناقشة األفاضل‪.‬‬
‫كام أتقدم بفائق احرامي وشكري ملن أثروا هذه الدراسة بفكرهم وعلمهم‬
‫وتوجيهاهتم‪ ،‬ممن استرشهتم يف املوضوع من أساتذة وعلامء‪ ،‬وأخص بالذكر الدكتور العالمة‬
‫شيخي أمحد البوشيخي حفظه اهلل‪ ،‬وأطال عمره‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وختام ًا شكري للقائمني عىل مكتبتي كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬وكلية الرشيعة‬
‫بفاس‪ ،‬كام ال يفوتني أن أقدم شكر ًا خاص ًا ملحافظ مكتبة كلية الرشيعة األستاذ الداعية‬
‫يس يل عملية البحث وإعارة الكتب داخل مكتبة الكلية‪،‬‬
‫املجاهد حممد اخلملييش‪ ،‬الذي َّ‬
‫فشكر ًا له وجزاه عن طلبة العلم خري اجلزاء‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫املحتويات‬
‫اإلهداء ‪7 .....................................................................................‬‬
‫الشكر والعرفان ‪9 ...................................................................................‬‬
‫املقدمة ‪13 ...........................................................................................‬‬

‫املدخل‬
‫تدبري االختالف‪ :‬دراسة يف املفهوم والسياق القرآين‬
‫أوالً‪ :‬االختالف وتدبريه‪ :‬دراسة يف املفهوم ‪31 .....................................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬االختالف يف السياق القرآين‪42 ...............................................................‬‬

‫الفصل األول‬
‫أصول تدبري االختالف االعتقادية‬
‫أوالً‪ :‬أصل اإليامن باهلل وتوحيده ‪84 ................................................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أصل اإليامن باألنبياء والرسل ‪94 ............................................................‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أصل اإليامن باملصري واملآل األخروي ‪118 ....................................................‬‬

‫الفصل الثاين‬
‫أصول تدبري االختالف الترشيعية‬
‫أوالً‪ :‬أصل إقامة السلم وترك احلرب ‪129 .........................................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أصل إقامة العدل والقسط ونفي الظلم ‪145 ...................................................‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أصل إقامة التعاون اإلنساين ‪163 ............................................................‬‬
‫رابع ًا‪ :‬أصل إقامة الصلح وترك اخلصام ‪184 .......................................................‬‬
‫خامس ًا‪ :‬أصل إقامة الشورى وترك االستبداد ‪198 .................................................‬‬
‫سادس ًا‪ :‬أصل االلتزام بالعهود واملواثيق ‪207 .....................................................‬‬
‫سابع ًا‪ :‬أصل األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪219 ...............................................‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫أصول تدبري االختالف املنهجية‬
‫أوالً‪ :‬أصول تدبري االختالف املنهجية الكلية ‪235 .................................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أصول تدبري االختالف املنهجية التفصيلية ‪284 ..............................................‬‬
‫اخلامتة ‪365 ..........................................................................................‬‬
‫املراجع ‪369 .......................................................................................‬‬
‫الكشاف ‪399 ......................................................................................‬‬

‫‪12‬‬
‫املقدمة‬
‫تفرد بالوحدانية‪ ،‬وجعل اخللق خمتلفني يف اآلراء واألفكار‪ ،‬واأللسنة‬
‫احلمد هلل الذي َّ‬
‫ّ‬
‫وصىل اهلل عىل سيدنا حممد النبي الكريم‪ ،‬الذي بعثه اهلل تعاىل برسالة الوحدة‬ ‫واأللوان‪،‬‬
‫واأللفة واالجتامع‪ ،‬وعىل آله وصحبه والتابعني‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬
‫القرآن الكريم هو احلاكم األول‪ ،‬والضابط للعالقة بني أهل القرآن واملخالفني هلم يف‬
‫الدين والفكر والثقافة واحلضارة‪ ،‬فهو أساس هذه العالقة‪ ،‬وهو القادر ‪-‬بوصفه خطاب ًا عام ًا‬
‫لإلنسانية‪ -‬عىل إعادة صياغة هذه العالقة وبنائها عىل أصوهلا وضوابطها الصحيحة‪ ،‬وإزالة‬
‫ما علق هبا من فهوم خاطئة‪ ،‬انعكست سلب ًا عىل العالقة باملوافق قبل املخالف‪.‬‬
‫والقرآن الكريم ُيشري يف آيات كثرية إىل أنه هو املرجع يف احلكم بني الناس‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﴾ [املائدة‪ ،]٤8 :‬وأنه كتاب بيان لالختالف‪﴿ :‬ﰀ‬
‫فيوجه اخلطاب للمخالف بقوله‪:‬‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﴾ [النحل‪ّ ،]٦٤ :‬‬
‫﴿ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ [النمل‪.]٧٦ :‬‬
‫والقرآن الكريم ُيشري إىل أن خطابه بريء من االختالف والتضاد‪ ،‬ليحصل فيه كامل‬
‫التدبر واالعتبار‪ ،‬قال سبحانه‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫(‪(1‬‬ ‫ﮈ﴾ [النساء‪َّ ]8٢ :‬‬
‫فدل معنى اآلية عىل أنه بريء من االختالف‪ ،‬بمعنى "التناقض"‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫بعضه بعض ًا‪ ،‬ويعضد بعضه بعض ًا‪ ،‬من جهة اللفظ‪ ،‬ومن جهة املعنى‪.‬‬
‫ُيصدِّ ق ُ‬
‫صح أن يكون َح َك ًام بني املختلفني‪ ،‬يقول الشاطبي يف‬
‫تنزه القرآن عن االختالف‪َّ ،‬‬‫وملا َّ‬
‫االعتصام‪" :‬وإذا ثبت هذا صح منه أن القرآن يف نفسه ال اختالف فيه‪ ،‬ثم َن ْبنِي عىل هذا معنى‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد سليامن األشقر‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬هـ‪199٧/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٧٤‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي‪ .‬االعتصام‪ ،‬ضبطه وصححه‪ :‬أمحد عبد‬
‫الشايف‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬ه‪1988/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٧9‬‬

‫‪1٣‬‬
‫آخر‪ ،‬وهو أنه ملا تبني َتن َُّز ُه ُه عن االختالف‪ ،‬صح أن يكون َح َك ًام بني املختلفني‪ (1(،"...‬ويقول يف‬
‫(‪(٢‬‬
‫املوافقات‪ ..." :‬قد ث َبت أن الرشيعة ال اختالف فيها‪ ،‬وإنام جاءت حاكم ًة بني املختلفني‪."...‬‬
‫والقرآن رشيعة فهم االختالف وتدبريه‪ (٣(،‬والبرشية اليوم مطالبة بسامع خطاب‬
‫القرآن‪ ،‬خطاب فهم االختالف وتدبريه؛ هذا اخلطاب الذي يؤمن باالختالف‪ ،‬ويؤسس‬
‫ملرشوعيته‪ ،‬وجيعله آلية من آليات اإلنتاج والعطاء الفكري والثقايف‪ ،‬ويدعو إىل تقنينه‬
‫وتدبريه‪ ،‬وفقه فلسفته‪.‬‬
‫ولذلك كانت رشيعة القرآن رشيع ًة لكل الناس‪ ،‬عىل اختالف معتقداهتم وألواهنم‬
‫وأعراقهم‪ ،‬لذلك ينبغي تطبيق هذه الرشيعة واإليامن هبا‪ ،‬ليعم الوفاق‪ ،‬وتسود األلفة‬
‫املجتمع اإلنساين‪ ،‬وينعم اجلميع يف ظلها باألمن والسلم والكرامة والعدل واحلرية‪.‬‬
‫وما دامت رشيعة القرآن حماربة وممنوعة من حقها يف إعطاء جواهبا اإلنساين واحلضاري‪،‬‬
‫فإن العامل لن جيد العالج(‪ (٤‬هلذه النزاعات واالختالفات واحلروب املدمرة لإلنسان والعمران؛‬
‫ألن القرآن الكريم هيدف إىل عامل تسوده األخوة اإلنسانية‪ ،‬بناء عىل نظام دويل يقوم عىل‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤81-٤80‬‬


‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي‪ .‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬رشحه َّ‬
‫وخرج‬
‫أحاديثه‪ :‬عبد اهلل دراز‪ ،‬وضع ترامجه‪ :‬حممد عبد اهلل دراز‪ ،‬خرج آياته وفهرس موضوعاته‪ :‬عبد السالم عبد الشايف‬
‫حممد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤11( ،1‬ه‪1991/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.9٣‬‬
‫خطاب لفهم االختالف وتدبريه‪ .‬فالوحي اإلهلي وحده هو القادر عىل هداية اإلنسان وإرشاده ملا‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )٣‬القرآن الكريم‬
‫جييل له حقيقة االختالف وكيفية تدبريه‪.‬‬
‫(‪ )٤‬وقد يعرض عىل هذا املوقف‪ ،‬بالقول إننا ندّ عي امتالك احلقيقة كاملة‪ ،‬ونقيص ونرفض املنجز اإلنساين‪ ،‬واجلواب‪:‬‬
‫أهنا ليست دعوى دون دليل‪ ،‬بل هي حقيقة تقوم عىل أن الرشائع قبل رشيعة القرآن كانت غايتها ومقصدها صالح‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتنظيم عالقته باهلل وبأخيه اإلنسان وبالكون‪ ،‬أما رشيعة القرآن الكريم فهذا ما سنرهن عليه من خالل هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬ويكفي هنا اإلشارة إىل أن رشيعة القرآن كانت أول من دعا إىل االئتالف بخطاهبا العاملي العام للمجتمع‬
‫اإلنساين‪ ،‬تأ ّمل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﴾ [الفرقان‪ ﴿ ،]1 :‬ﲀ ﲁ‬
‫ﲂ ﲃ ﲄ ﴾ [األنبياء‪ ﴿ ،]10٧ :‬ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﴾ [القلم‪ ،]٥٢ :‬ورشيعة القرآن جعلت االختالف‬
‫لقصد التعارف اإلنساين‪ ﴿ :‬ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﴾ [احلجرات‪ ،]1٣ :‬وقال ﷺ‪.." :‬‬
‫اص ًة َو ُب ِع ْث ُت إِ َىل الن ِ‬
‫َّاس عَا َّم ًة"‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫ِِ‬
‫َان النَّبِ ُّي ُي ْب َع ُث إِ َىل َق ْومه َخ َّ‬
‫َوك َ‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إسامعيل اجلعفي‪ .‬اجلامع املسند الصحيح املخترص من أمور رسول اهلل ﷺ‬
‫وسننه وأيامه‪( ،‬صحيح البخاري)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري بن نارص النارص‪ ،‬بريوت‪ :‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1٤٢٢‬هـ‪ ،‬بداية كتاب التيمم‪ ،‬ج‪ ،1‬رقم احلديث (‪ ،)٣٣٥‬ص‪.٧٤‬‬

‫‪1٤‬‬
‫أساس األلفة واملوافقة‪ .‬وإلثبات صحة هذا االدعاء‪ ،‬عىل أهل القرآن أن يقيموا رشيعته يف‬
‫نفوسهم‪ ،‬ويف حدود أقاليمهم‪ ،‬لننتقل من التنظري القرآين‪ ،‬إىل املامرسة العملية املؤثرة‪.‬‬

‫فقد ُأيسء فهم االختالف يف عاملنا املعارص‪ ،‬وأصبح لالختالف معنى الرصاع والصدام‪،‬‬
‫وظهر عىل الساحة باحثون ومن ّظرون هلذا االجتاه‪ ،‬سواء من املسلمني‪ ،‬أو من غريهم‪ ،‬وانترش‬
‫هذا الفكر وزكّاه اإلعالم‪ ،‬فتعددت اجلهات الداعية إىل الفرقة والنزاع‪ ،‬والرصاع بني‬
‫املذاهب والطوائف‪ ،‬والفرق اإلسالمية‪ ،‬وبينها وبني املخالف الديني واحلضاري‪.‬‬

‫لذلك جاء هذا الكتاب‪ ،‬يف ظل هذا الوضع املشحون بالنزاعات والرصاعات‪ ،‬معتمدة‬
‫عىل القرآن الكريم بالقصد األصيل‪ ،‬وعىل غريه من مصادر الترشيع بالقصد التبعي‪ ،‬لتصحيح‬
‫ٍ‬
‫منهجية تأصيلية تقعيدية‪ ،‬نرز من‬ ‫الرؤية إىل اخلالف واملخالف‪ ،‬وذلك من خالل طرح ٍ‬
‫رؤية‬
‫خالهلا نظرية القرآن لالختالف وتدبريه‪.‬‬

‫و تزداد أمهية أي دراسة بازدياد أمهية املوضوع الذي تبحث فيه‪ ،‬ويمكن ُّ‬
‫تلمس‬
‫أمهية هذه الدراسة من زاويتني‪:‬‬

‫أ‪ -‬األمهية العلمية‪:‬‬

‫‪ -‬تبني هذه الدراسة أن تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬مقصد قرآين عام‪ ،‬وهذه احلقيقة‬
‫العلمية واملعرفية قائمة عىل استقراء نصوص القرآن الكريم‪ ،‬الداعية إىل الوحدة‬
‫واالئتالف‪ ،‬واالجتامع عىل املشركات‪ ،‬واالعتصام بحبل اهلل‪.‬‬

‫‪ -‬تقدم هذه الدراسة إضافة معرفية يف موضوع تدبري االختالف؛ إذ َّ‬


‫إن العامل املعارص‬
‫يف حاجة إىل فهم عميق ملوضوع االختالف يف الرؤية القرآنية‪ ،‬ليتم جتاوز املعارف‬
‫والتصورات اخلاطئة جتاه رؤية اإلسالم لآلخر‪.‬‬

‫‪ -‬جتتهد هذه الدراسة يف تقديم تصحيح معريف لقضية االختالف؛ إذ ُينظر لالختالف‬
‫عىل أنه رش‪ ،‬وللمخالف يف الرأي عىل أنه عدو‪ ،‬من غري إدراك ّ‬
‫بأن االختالف سنّة‬

‫‪1٥‬‬
‫من سنن اهلل تعاىل يف خلقه‪ ،‬وآية من آياته‪ ،‬جتب االستفادة منه‪ ،‬وتقنينه وتضييق‬
‫دائرته ما أمكن‪.‬‬

‫تروم هذه الدراسة بيان إشكال معريف‪ ،‬مفاده أن اإلشكال ليس يف االختالف‬ ‫‪-‬‬
‫نفسه‪ ،‬بل يف تدبريه‪ ،‬وإدارته‪ ،‬وكيفية احتوائه‪ ،‬ومدى إتقان طرائق التعامل معه‪،‬‬
‫وتوجيهه بام خيدم مقاصده‪ ،‬ليكون االختالف إجيابي ًا ال سلبي ًا‪.‬‬

‫‪ -‬تُسهم هذه الدراسة يف إثراء املكتبة اإلسالمية‪ ،‬وإفادة مجيع اجلهات املختصة (األرسة‬
‫‪ -‬املدرسة ‪ -‬اجلامعة ‪ -‬املراكز العلمية املختصة ‪ -‬اجلمعيات ‪ -‬اإلعالم‪ )..‬ألمهية‬
‫املوضوع وحيويته يف عاملنا املعارص‪.‬‬

‫ب‪ -‬األمهية العملية‪:‬‬

‫تقدم الدراسة أصوالً وقواعد عملية كلية لتدبري االختالف‪ ،‬وتوجيهه الوجهة‬ ‫‪-‬‬
‫الصحيحة التي ختدم املجتمع اإلنساين‪ ،‬وتتجاوز اخلالفات اجلزئية‪ ،‬والنظر إىل‬
‫املشركات الكرى إسالمي ًا وإنساني ًا‪.‬‬

‫‪ -‬تطرح الدراسة أصوالً وقواعد منهجية للحوار واجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬لتحقيق‬
‫التواصل والتعارف والتبادل احلضاري‪.‬‬

‫‪ -‬تعالج الدراسة آفات ومزالق العقل والنفس‪ ،‬املؤثرة يف اختالف الرأي‪ ،‬املوسعة‬
‫لدائرة االختالف‪ ،‬احلاجبة للحقائق الصحيحة التي يدعمها الدليل والرهان‪.‬‬

‫‪ -‬الدراسة مقرح لتدبري االختالف وبناء االئتالف وفق الرؤية القرآنية‪ ،‬سواء من‬
‫ُ‬
‫القرآن الكريم‬ ‫حيث بناء الوفاق التام‪ ،‬القائم عىل أصول الدين الكلية التي أمر‬
‫بإقامتها‪ ،‬وعدم االختالف فيها‪ ،‬أو الوفاق القائم عىل املشرك‪ ،‬وإخضاعه‬
‫للعمل والتطبيق‪ ،‬أو الوفاق القائم عىل قواعد احلوار واجلدل بالتي هي أحسن‪،‬‬
‫وهي القواعد املنهجية املوصلة للحقائق اليقينية‪ ،‬التي يقرحها القرآن منهج ًا‬

‫‪1٦‬‬
‫للتواصل‪ ،‬وأسلوب ًا للدعوة‪ ،‬سلكه األنبيا ُء مجي ُعهم‪ ،‬والعلامء‪ ،‬واملفكرون‪،‬‬
‫والدعاة يف كل عرص‪.‬‬

‫ولعل من أهم األسباب التي دفعتني إىل خوض غامر هذا املوضوع‪:‬‬

‫املؤصلة بمنهج‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬ندرة وضعف الدراسات العلمية يف موضوع تدبري االختالف‪،‬‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وتأثر كثري من الباحثني يف دراساهتم‪ ،‬بالطرح الغريب القائم عىل فلسفة‬
‫الرصاع‪.‬‬

‫‪ -‬حاجة املجتمع اإلنساين إىل منهج قويم يف ضبط العالقات اإلنسانية‪ ،‬وإدارة‬
‫اختالفاهتا‪ ،‬ولن جتد أفضل وال أكمل من منهج القرآن الكريم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﱏ‬

‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ﴾ [اإلرساء‪.]9 :‬‬

‫‪ -‬مطالب احلوار والتعددية والديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬أصبحت يف العرص‬


‫احلديث تتصدر اخلطاب العام‪ ،‬غري أن هذه املطالب ال يمكن تفعيلها إال بفقه‬
‫االختالف وتدبريه‪ ،‬فهو املدخل األساس إلعادة تنظيم العالقات اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -‬الوحدة واالجتامع وتدبري االختالف مقصد ترشيعي عام‪ ،‬جاء التأكيدُ عليه يف‬
‫نصوص الوحي قرآن ًا وسنة‪ ،‬وهذا املقصد حيتاج إىل إعادة بيان وتوضيح‬
‫وتصحيح‪ ،‬إلزالة ما علق به من أخطاء عىل مستوى التصور والعمل‪.‬‬

‫‪ -‬ما تعانيه أمتنا اليوم من آالم يف عالقتها مع املخالف‪ ،‬سواء املخالف داخل دائرة‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو املخالف خارجها‪ ،‬ونحن نشاهد آثار ذلك يف واقع عاملنا اليوم‪.‬‬

‫‪ -‬ازدياد احلاجة يف عرص العامل الواحد‪ ،‬إعالمي ًا وثقافي ًا ومعلوماتي ًا‪ ،‬إىل فقه‬
‫االختالف وتدبريه‪ ،‬حيث تتداخل احلضارات والثقافات املختلفة واملتنوعة فيام‬
‫بينها‪ ،‬ويصعب‪ ،‬بل يستحيل احلد من غزو حضارة وثقافة ألخرى‪ ،‬األمر الذي‬
‫يتطلب إجرا ًء وقائي ًا وعالجي ًا وهو نرش ثقافة االختالف وتدبريه‪ ،‬ليقع التعارف‬
‫والتبادل احلضاري‪.‬‬

‫‪1٧‬‬
‫وتقوم هذه الدراسة عىل إشكال االضطراب القائم يف فقه االختالف‪ ،‬وتدبريه‪،‬‬
‫واالعتقاد أن االختالف كله رش‪ ،‬ورصاع وصدام‪ ،‬وأن املخالف يف الرأي واملعتقد جيب‬
‫رفضه وإقصاؤه‪ ،‬بل واستئصاله‪ ،‬فكيف يمكن تدبري االختالف وبناء االئتالف الداخيل بني‬
‫املسلمني‪ ،‬واخلارجي بني املسلمني وغريهم‪ ،‬وسط هذا االضطراب احلاصل يف فهم حقيقة‬
‫االختالف وتدبريه؟‬

‫ولذلك جاءت هذه الدراسة ملعاجلة قضية مهمة من قضايا األمة‪ ،‬يف عالقتها مع ذاهتا‪،‬‬
‫وعالقتها مع اآلخر‪ ،‬والسيام يف وقتنا احلارض‪ ،‬الذي ظهرت فيه جمموعة من ردود الفعل‪ ،‬التي‬
‫املؤسس‬
‫جتاوزت النقاش العلمي إىل الراشق بالتهم‪ ،‬والسبب يف ذلك عدم فقه االختالف‪َّ ،‬‬
‫عىل أصول وضوابط علمية‪ ،‬عاصمة من الفرقة والنزاع‪ ،‬مساعدة عىل الوحدة واالئتالف‪،‬‬
‫ألن اإلشكال ليس يف االختالف الذي هو سنة من سنن اهلل تعاىل يف خلقه‪ ،‬وآية من آياته‪،‬‬
‫بل اإلشكال يف تدبريه وإدارته‪ ،‬وحسن تسيريه‪ ،‬وتوجيهه‪ ،‬وكيفية احتوائه بام خيدم الوفاق‬
‫واالئتالف اإلنساين‪ ،‬ومدى إتقان طرائق التعامل معه‪ ،‬ليكون االختالف إجيابي ًا ال سلبي ًا‪.‬‬

‫ويمكن تفكيك هذا اإلشكال إىل تساؤالت مركزية يمكن إمجاهلا يف اآليت‪:‬‬

‫التساؤل األول‪ :‬النظر إىل االختالف ‪-‬من منظور علامئنا القدامى يف كتب التفسري‪،‬‬
‫والفقه وأصوله‪ ،‬واجلدل واملناظرة‪ ،‬وامللل والنحل‪ ،‬واملقاالت والسياسة الرشعية‪،‬‬
‫عندما كانت احلضارة اإلسالمية‬ ‫(‪(1‬‬
‫والعالقات الدولية‪ -‬نظرة من موقع إسالم منترص‪،‬‬
‫حينها متفوقة وقوية‪ ،‬فاجتهد علامؤنا يف ظل هذا الواقع‪ ،‬لكن هل ما أ ّثله مفكرو اإلسالم يف‬
‫تراثنا خيدم هذه املرحلة الزمنية يف عاملنا اإلسالمي؟ أم ينبغي الرجوع إىل مصادر اإلسالم‬
‫األصلية (الوحي)‪ ،‬وإعادة القراءة واالجتهاد عىل ضوئها؟ وإال فام احلل يف عاملنا املعارص‪،‬‬
‫والدول العربية واإلسالمية حتت هيمنة املخالف؟‬

‫(‪ )1‬وهذا ال يعني اإلطالق‪ ،‬واملقصود هو التنبيه عىل رضورة إعادة صياغة فقه االختالف ومراجعته‪ ،‬مع األخذ‬
‫باحلسبان الظرفية التارخيية التي ُأنتج فيها هذا الفقه‪ ،‬واملجتمع الذي عرف نشأته فيه‪ ،‬والتي تظل ‪ -‬يف الغالب‪-‬‬
‫مغيبة أو غائبة‪ ،‬عند أكثر الباحثني الذين يتصدرون للحديث والكتابة يف هذا املوضوع‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫التساؤل الثاين‪ :‬هل يمكننا يف عرصنا احلارض أن ندعو إىل ثقافة تدبري االختالف‪،‬‬
‫وبناء االئتالف؟‬

‫التساؤل الثالث‪ :‬هل يمكننا أن نجد يف القرآن الكريم سند ًا إلرساء ثقافة تدبري‬
‫االختالف مع اآلخر؛ املوافق أو املخالف؟‬

‫التساؤل الرابع‪ :‬هل يمكن أن نجد يف القرآن الكريم ما يصحح األخطاء التي وقع فيها‬
‫املسلمون ‪-‬عىل مستوى التنظري واملامرسة‪ -‬يف معاجلة اختالفاهتم الداخلية أو اخلارجية؟‬
‫وتظهر معامل هذا التساؤل يف كثرة األقوال واالدعاءات املتناقضة حول "حقيقة االختالف‬
‫اإلنساين"‪ ،‬ديني ًا وفكري ًا وثقافي ًا وحضاري ًا‪:‬‬

‫فمن الناس من قال‪ :‬إذا كان االختالف رمحة‪ ،‬فإن االتفاق واالئتالف سخط وعذاب‪،‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬إن االختالف كله سخط وعذاب‪ ،‬وفرقة وضياع للوحدة واالئتالف‪ ،‬ومنهم‬
‫من اهتم املخالف املسلم يف دينه‪ ،‬وجعل كل خمالف يف الرأي الفقهي أو الفكري خارج ًا عن‬
‫الدين‪ ،‬فلم يميز بني دائرة القطعيات‪ ،‬ودائرة الظنيات‪ ،‬وبني دائرة الكفر واإليامن‪ ،‬ودائرة‬
‫الصواب واخلطأ‪.‬‬

‫ومنهم من تطرف يف فهم حقيقة االختالف‪ ،‬وادعى أن سبب خت ّلف املسلمني‬


‫وانحطاطهم هو تعدُّ د املذاهب الفقهية‪ ،‬واملدارس الفكرية‪ ،‬واختالف االجتهادات داخلها‪،‬‬
‫ومنهم من قال بقتل املخالف واستئصاله‪ ،‬إذا كان خمالف ًا يف الدين واملعتقد‪ ،‬وأصحاب هذا‬
‫الرأي مل يميزوا بني املخالف املعتدي وغري املعتدي‪ ،‬رافضني لكليات القرآن املقاصدية‪،‬‬
‫الداعية إىل التعاون والتعارف والعدل والقسط مع املخالف‪ ،‬إذا مل يكن معتدي ًا‪ ،‬ملتزم ًا‬
‫بالعهود واملواثيق‪ ،‬ومعاملته باملثل‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﴾ [التوبة‪. ]٧ :‬‬

‫فهذه االدعاءات‪ ،‬وغريها‪ ،‬التي يصعب حرصها‪ ،‬مت ّثل إشكاالً حقيقي ًا يف فهم "حقيقة‬
‫ُّ‬
‫وتدل عىل سوء الفهم‪ ،‬واالستيعاب غري الصحيح للنظر الرشعي يف‬ ‫االختالف وتدبريه"‪،‬‬
‫التعامل مع االختالف‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫التساؤل اخلامس‪ :‬هل يف القرآن الكريم ما ُيفند الدعاوى واملزاعم القائلة بأن اإلسالم‬
‫ينفي اآلخر ويرفضه‪ ،‬وأنه ال يشتمل إال عىل الدعوة للقتال؟‬

‫التساؤل السادس‪ :‬هل يف هذا املصدر ما ِّ‬


‫يؤسس للسلم العاملي‪ ،‬ويدعو اإلنسانية إىل‬
‫"مذهب ابن آدم األول"؟‬

‫التساؤل السابع‪ :‬هل تستطيع كليات القرآن ومقاصده العليا استيعاب ما جدَّ يف عامل‬
‫الناس عىل مستوى تدبري العالقات اإلنسانية حملي ًا وعاملي ًا؟‬

‫والسؤال املركزي الذي تتمحور حوله هذه الدراسة هو‪ :‬إىل أي حدٍّ نستطيع أن نجد يف‬
‫نصوصنا التأسيسية ‪-‬الوحي‪ ،-‬ومقاصدها الكلية‪ ،‬سند ًا لدعوى أننا ندعو اليوم إىل إرساء‬
‫احلق يف االختالف ومرشوعيته‪ ،‬بوصفه ح ّق ًا من حقوق اإلنسان‪ ،‬والدعوة إىل املشرك بني‬
‫بني اإلسالم وبني اإلنسان‪ ،‬والدعوة إىل تدبري االختالف وإدارته بحكمة‪ ،‬حتقيق ًا ملصاحله‪،‬‬
‫ودفع ًا ملفاسده‪ ،‬وجتاوز ًا لعوائقه وآفاته‪ ،‬إليقاعه يف واقع الناس وفق قصد اهلل الترشيعي؟‪.‬‬

‫وبناء عىل هذه اإلشكاالت العلمية‪ ،‬فإن قصد هذه الدراسة هو وضع نظرية متكاملة‬
‫لقضية تدبري االختالف يف اخلطاب القرآين‪ .‬وتتوخى هذه الرؤية وضع أصول كلية عامة‪،‬‬
‫تشكِّل األرضية الوفاقية اجلامعة واملؤلفة‪ ،‬ومن خالل هاته الرؤية يكون قصد هذه الدراسة‬
‫اإلمجايل هو‪:‬‬

‫"فقه االختالف‪ ،‬وفهم حقيقته‪ ،‬وتدبريه‪ ،‬من أجل بناء االئتالف والوفاق يف املجتمع‬
‫اإلنساين‪ ،‬من خالل اخلطاب القرآين‪".‬‬

‫اطلعت‬
‫ُ‬ ‫أما عن األدبيات والدراسات السابقة املتعلقة هبا املوضوع فلم أجد ‪-‬فيام‬
‫عليه‪ -‬دراس ًة مبارشة يف املوضوع‪ ،‬تعالج إشكال تدبري االختالف يف القرآن الكريم‪ .‬وكل‬
‫ما وقفت عليه من دراسات جامعية أكاديمية‪ ،‬أو كتب ومؤلفات‪ ،‬أو دراسات ومقاالت يف‬
‫املوضوع‪ ،‬إما أهنا كتابات فكرية‪ ،‬مثل كتابات طه عبد الرمحن‪ ،‬التي اعتنت بنقد نظريات‬
‫اآلخر‪-‬الفلسفة الغربية‪ -‬بطريقة جدلية‪ ،‬وإثبات نجاعة املقرح اإلسالمي اإليامين‬
‫واألخالقي عىل مقرح الواقع الكوين‪ ،‬الذي نعته بـ"الوقاحة اإلنكارية"‪ ،‬كام اهتم بالتأسيس‬

‫‪٢0‬‬
‫للحوار القيمي واألخالقي مع اآلخر‪ ،‬واعتنى بإثبات احلق العريب واإلسالمي يف االختالف‬
‫(‪(1‬‬
‫الفكري والفلسفي‪.‬‬

‫تعرض فيها بالنقد والتصحيح للشبهات التي يثريها‬


‫أو كتابات حممد عامرة الذي َّ‬
‫اآلخر‪ ،‬ومقارناته بني منهج اإلسالم واملناهج األخرى‪ ،‬سواء املتعلقة بالرشائع الساموية أو‬
‫الوضعية يف االعراف باملخالف‪ ،‬وإدارة االختالف معه‪ ،‬وما يتعلق بموضوع األقليات يف‬
‫املجتمع اإلسالمي‪ (٢(،‬كام اعتنى بالوحدة واالختالف والتعددية يف إطار اجلوامع‪ (٣(،‬كام‬
‫وغريمها من الكتّاب‪ ،‬الذين كتبوا يف موضوع‬ ‫(‪(٤‬‬
‫تعرض بالنقد لنظرية الرصاع الغربية‪،‬‬
‫(‪(٥‬‬
‫"رشعية االختالف" يف الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫وإما أهنا عاجلت االختالف يف جانبه الفقهي واألصويل يف الراث اإلسالمي‪ ،‬مثل‬
‫الكتابات التي عنيت بتعريف االختالف وأنواعه‪ :‬املحمود واملذموم والسائغ‪ ،‬وناقشت‬
‫"حديث االفراق"‪ ،‬و"حديث االختالف رمحة"‪ ،‬وتعرضت لتاريخ اخلالف‪ :‬يف العهد النبوي‬

‫(‪ )1‬وكل كتابات الدكتور طه عبد الرمحن مرشوع واحد‪ ،‬وقد اعتمدنا يف هذه الدراسة عىل عدد من كتاباته‪ ،‬لكن نحيل‬
‫هنا عىل كتابني يذكر يف عنوانيهام لفظ االختالف‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪٢00٥ ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬احلق العريب يف االختالف الفلسفي‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪٢00٦ ،٢‬م‪.‬‬
‫(‪ )٢‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬اإلسالم واآلخر من يعرتف بمن؟ ومن ينكر من؟ القاهرة‪ :‬مكتبة الرشوق الدولية‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،٣‬ه‪/‬‬
‫‪٢00٢‬م)‪ .‬ونظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬هذا هو اإلسالم (‪ ،)3‬احرتام املقدسات‪ ،‬خريية األمة‪ :‬رشوط مكتسبة ال عنرصية موروثة‪،‬‬
‫عوامل تفوق اإلسالم‪ :‬شهادة غربية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الرشوق الدولية‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،1‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٣‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬اإلسالم والتعددية‪ :‬االختالف والتنوع يف إطار الوحدة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشاد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤18‬ه‪1998/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٤‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬احلضارات العاملية تدافع؟ أم رصاع؟ القاهرة‪ :‬دار هنضة مرص‪ ،‬ط‪ ،1‬يف التنوير اإلسالمي (‪1998 ،)٢٤‬م‪.‬‬
‫(‪ )٥‬اليوسف‪ ،‬أمحد عبد اهلل‪ .‬رشعية االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية منهجية للرأي اآلخر يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫اهلادي‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،٢‬ه‪٢00٤/‬م)‪ .‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬أومليل‪ ،‬عيل‪ .‬يف رشعية االختالف‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪199٣ ،٢‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصغري‪ ،‬عبد املجيد‪ .‬فقه ورشعية االختالف يف اإلسالم‪ ،‬مراجعات نقدية يف املفاهيم واملصطلحات الكالمية‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار رؤية‪ ،‬ط‪٢011 ،1‬م‪.‬‬

‫‪٢1‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫وعهد الصحابة‪ ،‬وخالف املذاهب الفقهية‪ ،‬وآدابه وحلول إشكاالته العلمية‪ (1(،‬وأسبابه‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫أو ضوابط اجلدل واملناظرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬اخلالف يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤08( ،٢‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عوامة‪ ،‬حممد‪ .‬أدب االختالف يف مسائل العلم والدين‪ ،‬بريوت‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤18‬ه‪199٧/‬م)‪ ،‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ .‬أدب االختالف يف اإلسالم‪ ،‬سلسلة قضايا الفكر اإلسالمي (‪ ،)٢‬هريندن‪ :‬املعهد العاملي‬
‫للفكر اإلسالمي‪1٤1٣( ،‬ه‪199٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البوشيخي‪ ،‬أمحد‪ .‬اخلالف الفقهي‪ :‬دراسة يف املفهوم واألسباب واآلداب‪ ،‬كتاب املحجة (‪ ،)٢‬فاس‪ :‬آنفو‪-‬‬
‫برانت‪1٤٢٤( ،‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬خالف األمة يف العبادات ومذهب أهل السنة واجلامعة‪ ،‬تقديم‬
‫وتعليق‪ :‬عثامن مجعة ضمريية‪ ،‬الطائف‪ :‬دار الفاروق‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٢‬انظر بتفصيل ما ذكره العلامء الذين اهتموا بأسباب االختالف‪ ،‬ومنهم عىل سبيل التمثيل ال احلرص‪:‬‬
‫‪ -‬البطليويس‪ ،‬عبد اهلل بن حممد بن السيد‪ .‬اإلنصاف يف التنبيه عىل املعاين واألسباب التي أوجبت االختالف بني‬
‫املسلمني يف آرائهم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رضوان الداية‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،٣‬هـ‪198٧/‬م)‪ ،‬وجعلها ثامنية‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬رفع املالم عن األئمة األعالم‪ ،‬الرياض‪ :‬الرئاسة العامة إلدارة‬
‫البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪1٤1٣( ،‬هـ)‪ ،‬حرصها يف عرشة‪ ،‬بعد‬
‫أن أرجع األعذار التي يعذر هبا األئمة إىل ثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬أبو عبد العزيز أمحد بن عبد الرحيم الفاروقي‪ ،‬امللقب شاه ويل اهلل‪ .‬اإلنصاف يف بيان أسباب‬
‫االختالف‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪1٤0٦( ،٣‬ه‪198٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اخلفيف‪ ،‬عيل‪ .‬أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،٢‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اخلن‪ ،‬مصطفى سعيد‪ .‬أثر االختالف يف القواعد األصولية يف اختالف الفقهاء‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ط‪1٤0٢( ،٣‬ه‪198٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الركي‪ ،‬عبد اهلل بن عبد املحسن‪ .‬أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٣1( ،٣‬ه‪٢010/‬م)‪،‬‬
‫‪ ...‬وغريها من املؤلفات التي أفردت يف هذا الفن‪ ،‬أو التي تعرضت له يف مقدمات الكتب‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد‪ .‬بداية املجتهد وهناية املقتصد‪ ،‬رشح وحتقيق وختريج‪ :‬عبد اهلل‬
‫العبادي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬جاء يف مقدمة الكتاب‪» :‬أما أسباب االختالف‬
‫باجلنس فستة»‪ .‬أو يف باب من أبواب كتبها ومنها‪ :‬بحث الشاطبي يف املوافقات يف كتاب االجتهاد »املسألة‬
‫احلادية عرشة‪ :‬يف بيان أسباب اخلالف الواقع بني محلة الرشيعة‪».‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٥٣‬‬
‫(‪ )٣‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ .‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪،٤‬‬
‫(‪1٤1٤‬ه‪199٣/‬م)‪ .‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬اجلدل واملناظرة‪ :‬أصول وضوابط‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٣0( ،1‬ه‪٢009/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني‪ .‬آداب البحث واملناظرة‪ ،‬حتقيق‪ :‬سعود العريفي‪ ،‬الرياض وجدة‪ :‬دار عامل الفوائد‬
‫وجممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤٢٦ ،1‬ه‪.‬‬

‫‪٢٢‬‬
‫وإما أهنا تناولت جزء ًا من املوضوع‪ ،‬ومل تتناول موضوع تدبري االختالف بالشكل‬
‫الذي تناوله به الباحث يف هذه الدراسة‪ ،‬مثل الكتابات التي عاجلت موضوعات احلوار‬
‫واجلدل‪ ،‬والسلم‪ ،‬واحلرب‪ ،‬والتسامح مع اآلخر يف القرآن الكريم‪ ،‬وغريها من الدراسات‬
‫التي عنيت بالدراسة املوضوعية‪.‬‬

‫وتُعدُّ كتابات حمامد رفيع‪ (1(،‬أقرب ما كتب يف املوضوع هلذه الدراسة‪ ،‬بل تعدّ كتابات‬
‫الدكتور حفظه اهلل يف املوضوع هي املرجعية الفكرية التي استقى منها الباحث إشكال هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬وهي التي فتحت للباحث آفاق البحث يف املوضوع‪ ،‬وعىل رأسها كتابه‪" :‬النظر‬
‫الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية"‪ ،‬وإن كانت هذه الدراسة‬
‫تتفق مع الكتاب آنف الذكر أو غريه من كتابات الدكتور‪ ،‬يف كوهنا دراسة تأصيلية حتليلية‪،‬‬
‫ويف توجهها العام نحو تدبري االختالف‪ ،‬والبحث عن املشرك‪ ،‬إال أهنام خيتلفان يف اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬هذه الدراسة تنطلق من القرآن الكريم‪ ،‬بالقصد األصيل‪ ،‬ومن كلياته املقاصدية‪،‬‬
‫أما الدراسة السابقة فتنطلق من النظر الرشعي عموم ًا‪.‬‬

‫‪ -‬الدراسة السابقة يؤطرها املؤلف برؤية النظر التكويني والنظر الترشيعي‪ ،‬عكس‬
‫هذه الدراسة التي تنطلق من الرؤية الترشيعية ابتداء‪.‬‬

‫‪ -‬الدراسة السابقة ركزت عىل النظر األصويل يف صياغة عناوينها‪ ،‬وموضوعاهتا‪،‬‬


‫ومباحثها‪ ،‬عكس هذه الدراسة التي اعتمدت الرؤية األصولية يف التحليل‬
‫والدراسة فقط‪.‬‬

‫(‪ )1‬وكتاباته يف املوضوع هي‪:‬‬


‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪،‬‬
‫ط‪1٤٣٣( ،1‬ه‪٢01٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬منهج القرآن يف بناء املشرك اإلنساين‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪٢001 ،)٦٦( :‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬ضوابط تدبري االختالف مع اآلخر يف أصول الراث اإلسالمي‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد‬
‫العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪٢008 ،)٥٢( :‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬اجلدل واملناظرة‪ :‬أصول وضوابط‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٣0( ،1‬ه‪٢009/‬م)‪.‬‬

‫‪٢٣‬‬
‫‪ -‬الدراسة السابقة اعتمدت املنهج اجلديل يف تدبري االختالف‪ ،‬يف سياق الدرس‬
‫األصويل‪ ،‬عكس هذه الدراسة التي عمدت إىل االجتهاد يف استنباط أصول‬
‫احلوار واجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬كام يعرضها القرآن الكريم‪ ،‬يف سياق‬
‫جمادلة املخالف عموم ًا‪.‬‬

‫وملا كان من الرضوري الوقوف عىل أنواع من املصادر التي ال بد منها يف سبيل‬
‫اعتمدت يف هذه الدراسة عىل املصدر األول من مصادر الترشيع‬
‫ُ‬ ‫اعتامد املادة العلمية هلا فقد‬
‫اإلسالمي‪ :‬القرآن الكريم؛ ألنه هو منطلق الدراسة‪ ،‬فكان منهج التعامل مع النص القرآين‬
‫عىل الشكل التايل‪:‬‬

‫‪ -‬مجع اآليات املتعلقة بموضوع االختالف وتدبريه عموم ًا‪.‬‬

‫‪ -‬تصنيف هذه اآليات تصنيف ًا موضوعي ًا بام يناسب مباحث الدراسة‪.‬‬

‫‪ -‬حتليل هذه اآليات ودراستها والربط بينها‪ ،‬واستنباط النتائج املتعلقة بمباحث‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫‪ -‬االقتصار يف االستشهاد واالستدالل عىل اآليات القرآنية ذات الداللة املبارشة‪،‬‬


‫واإلحالة عىل اآليات األخرى يف اهلامش‪.‬‬

‫احلرص عىل أن يكون منطلق الدراسة‪ ،‬وصياغة مباحثها وعنارصها‪ ،‬هو‬ ‫‪-‬‬
‫اآليات القرآنية‪.‬‬

‫‪ -‬اعتامد مسلك "االفتقار" يف األخذ من األدلة الرشعية‪ ،‬واالستشهاد هبا‪ ،‬ال مسلك‬
‫"االستظهار" وتقصيد الشارع‪ ،‬كام ذكر الشاطبي رمحه اهلل‪ (1(،‬وهذا مسلك علامء‬
‫األصول يف تعظيم حرمة النصوص‪ ،‬فال يثبت عندهم ليشء قرار حتى تنتصب‬
‫أدلته‪ ،‬وتصح براهينه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٥٧‬‬

‫‪٢٤‬‬
‫أما مصادر السنة واألحاديث النبوية‪ ،‬فكان االعتامد أكثر عىل كتب الصحاح‪ ،‬مع‬
‫الرجوع فيام سوى ذلك إىل املصادر األصلية من كتب السنة‪ ،‬كام عزوت كل حديث إىل‬
‫مصدره مع التخريج‪ ،‬وحذفت األسانيد طلب ًا لالختصار‪ ،‬واقترصت عىل متن احلديث‪ ،‬أو‬
‫مقطع منه فيام خيدم املعنى مبارشة‪ ،‬حفاظ ًا عىل متابعة التحليل‪ ،‬وسهولة عرض األفكار‪.‬‬

‫كام حرصت يف الدراسة عىل االستفادة من املصادر األصلية‪ ،‬التي اهتمت بالقرآن‬
‫الكريم يف خمتلف جوانبه‪ ،‬وعىل رأسها كتب التفسري‪ ،‬وكتب األصول واملقاصد‪ ،‬وكتب‬
‫اجلدل واملناظرة‪ .‬وقد اهتمت الدراسة بمختلف اجتاهات علامء التفسري‪ ،‬وال سيام منهم‬
‫علامء القرون العرشة األوىل‪ :‬تفسري عبد الرزاق (تويف‪٢11 :‬ه)‪ ،‬والطري (تويف‪٣10 :‬ه)‪،‬‬
‫والبغوي (تويف‪٥10 :‬ه)‪ ،‬والزخمرشي (تويف‪٥٣8 :‬ه)‪ ،‬وابن العريب (تويف‪٥٤٣ :‬ه)‪ ،‬وابن‬
‫اجلوزي (تويف‪٥9٧ :‬ه)‪ ،‬والقرطبي (تويف‪٦٧1 :‬ه)‪ ،‬وأيب حيان (تويف‪٧٤٥ :‬ه)‪ ،‬وابن كثري‬
‫(تويف‪٧٧٤ :‬ه)‪ ،‬والبقاعي (تويف‪88٥ :‬ه)‪ ،‬والسيوطي (تويف‪911 :‬ه(‪.‬‬

‫واستعنت كذلك ببعض كتب الشيعة‪ ،‬ومن علامئهم‪ :‬الطباطبائي (تويف‪1٤1٣ :‬ه)‪،‬‬
‫وحممد حسني فضل اهلل (تويف‪٢010 :‬م)‪ ،‬وبعض التفاسري املتأخرة واملعارصة‪ :‬تفسري‬
‫رشيد رضا (تويف‪1٣٥٤ :‬ه)‪ ،‬وسيد قطب (تويف‪1٣8٧ :‬ه)‪ ،‬والطاهر ابن عاشور (تويف‪:‬‬
‫‪1٣9٣‬ه)‪ ،‬وغريها من التفاسري املعارصة‪.‬‬

‫وركّزت هذه الدراسة كذلك عىل كتب األصول واملقاصد‪ ،‬وكتب اجلدل‪ ،‬ومن علامء‬
‫هذا الفن‪ :‬الباجي (تويف‪٤٧٤ :‬ه)‪ ،‬واجلويني (تويف‪٤٧8 :‬ه)‪ ،‬والغزايل (تويف‪٥0٥ :‬ه)‪ ،‬والعز‬
‫بن عبد السالم (تويف‪٦٦0 :‬ه)‪ ،‬وابن تيمية (تويف‪٧٢8 :‬ه)‪ ،‬وابن القيم (تويف‪٧٥1 :‬ه)‪،‬‬
‫والشاطبي (تويف‪٧90 :‬ه)‪ ،‬وابن عاشور (تويف‪1٣9٣ :‬ه)‪ ،‬وعالل الفايس (تويف‪1٣9٤ :‬ه(‪.‬‬

‫وإن كانت الدراسة ركزت أكثر عىل مؤلفات التفسري‪ ،‬ومؤلفات أصول الفقه‬
‫واملقاصد‪ ،‬ومؤلفات اجلدل واملناظرة‪ ،‬إال أن الباحث استفاد كذلك من مؤلفات الفكر‪،‬‬
‫والفلسفة‪ ،‬واملنطق وعلم الكالم‪ ،‬ومؤلفات امللل والنحل‪ ،...‬قديمها وحديثها؛ ألن طبيعة‬
‫املوضوع تفرض االنفتاح عىل كل العلوم واملعارف‪ ،‬حسب ما يسمح به سياق التحليل‬
‫والدراسة‪ ،‬زيادة عىل أن النص القرآين هو منطلق كل هذه العلوم واملعارف‪.‬‬

‫‪٢٥‬‬
‫ال شك َّ‬
‫أن طبيعة هذا املوضوع تقتيض سلوك أكثر من منهج‪ ،‬لذلك اعتمد الباحث يف‬
‫هذا الكتاب املناهج التالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬املنهج االستقرائي‪ :‬وهو"تتبع اجلزئيات كلها أو بعضها للوصول إىل حكم عام‬
‫يشملها مجيع ًا‪ .‬أو هو انتقال الفكر من احلكم عىل اجلزئي إىل احلكم عىل الكيل الذي يدخل‬
‫اجلزئي حتته‪ (1(".‬وهذا املنهج مكَّن الباحث من تتبع اآليات التفصيلية اجلزئية الواردة يف‬
‫املعر عنها يف الدراسة ب"أصول‬ ‫ٍ‬
‫أصل كيل عام‪ ،‬وهي الكليات َّ‬ ‫املوضوع‪ ،‬واالستدالل هبا عىل‬
‫تدبري االختالف"‪.‬‬

‫ب‪ -‬املنهج الوصفي‪ :‬ويقوم هذا املنهج عىل تقديم املادة العلمية كام هي‪ ،‬فهو يصف‬
‫املادة العلمية ك ًام أو كيف ًا أو مها مع ًا بطريقة منهجية‪ ،‬من غري تعليل وال تفسري‪ (٢(،‬وقد استفاد‬
‫الباحث من هذا املنهج يف تقديم املادة العلمية‪ ،‬كام هي يف واقع األمر‪.‬‬

‫ت‪ -‬املنهج التحلييل االستنباطي‪ :‬وهو املنهج الذي يعتمد عىل قراءة النصوص‪،‬‬
‫وتفكيك عنارصها ومكوناهتا وتفسريها‪ ،‬ثم استنباط أصل أو قاعدة كلية منها‪ (٣(.‬وساعد‬
‫هذا املنهج الباحث عىل االجتهاد يف استنباط أصول تدبري االختالف يف القرآن الكريم‪ ،‬بعد‬
‫حتليل النصوص القرآنية‪ ،‬وتفكيكها‪ ،‬وتركيب عنارصها‪ ،‬واالستنباط منها‪.‬‬

‫وسيكون املنهج يف هذا الكتاب قائ ًام عىل الركيز عىل املبادئ العامة التي حتكم قضايا‬
‫الدراسة‪ ،‬دون اخلوض يف التفاصيل واجلزئيات‪ ،‬إال بالقدر الذي يبني هذه املبادئ ويوضحها‬
‫ويؤصلها‪ ،‬معتمدين عىل الكتاب الكريم‪ ،‬والسنة النبوية الثابتة‪ ،‬وعىل اإلمجاع وغريها من‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.188‬‬
‫ومن طرائق الشاطبي يف االستدالل‪» :‬االستقراء املعنوي» وهو االستقراء األكثري أو األغلبي‪ .‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣9‬‬
‫(‪ )٢‬األنصاري‪ ،‬فريد‪ .‬أبجديات البحث يف العلوم الرشعية‪ ،‬سلسلة احلوار (‪ ،)٢٧‬اململكة املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪:‬‬
‫منشورات الفرقان‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪ ،‬ص‪.٦٦‬‬
‫(‪ )٣‬امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .1٣9‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬األنصاري‪ ،‬أبجديات البحث يف العلوم الرشعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9٦‬‬

‫‪٢٦‬‬
‫مصادر االستنباط‪ ،‬وما يناسب عرصنا من اجتهادات ذات سابقة نرية‪ ،‬مستخدمني يف هذا‬
‫البحث‪" :‬فقه امليزان القرآين"‪.‬‬

‫وحاولت أن ال أنساق وراء مزلق الفكر الدفاعي عند عرض عنارص الدراسة‪،‬‬
‫وأبحاثها‪ ،‬وحتليل مضامينها‪ .‬ومل أتبوأ موقف من يرد التهمة بعاطفة‪ ،‬أو يترصف لرد الفعل‪،‬‬
‫حتى ال يأرس الباحث حركة الدراسة‪ ،‬ويفسح هلا املجال لتصل إىل نتائج حقيقية ملفهوم تدبري‬
‫االختالف وأصوله يف القرآن الكريم‪ ،‬جاع ً‬
‫ال القرآن قاعدة لالجتهاد‪.‬‬

‫متهيدي‪ ،‬وثالثة فصول‪ ،‬وخامتة‪،‬‬


‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫ومدخل‬ ‫وقد اشتمل هذا الكتاب عىل مقدمة‪،‬‬
‫وتوصيات عىل النحو التايل‪:‬‬

‫املقدمة‪ :‬وتضمنت‪ :‬أمهية الدراسة ودواعيها‪ ،‬وبيان إشكاهلا‪ ،‬والدراسات السابقة يف‬
‫املوضوع‪ ،‬ومنهج الدراسة‪ ،‬وخطة الدراسة وتقسيامهتا املنهجية‪ ،‬وأخري ًا أهم الصعوبات‬
‫التي اعرضت الباحث‪.‬‬

‫املدخل العام للدراسة‪ :‬تدبري االختالف‪ :‬دراسة يف املفهوم والسياق القرآين‪ :‬وقسمته‬
‫إىل قضيتني‪ :‬القضية األوىل‪ :‬االختالف وتدبريه‪ :‬دراسة يف املفهوم‪ ،‬وتناولت فيها‪ :‬مفهوم‬
‫االختالف‪ ،‬ومفهوم التدبري‪ ،‬واملقصود بأصول تدبري االختالف يف الدراسة‪ .‬والقضية‬
‫الثانية‪ :‬تناولت فيها‪ :‬االختالف يف السياق القرآين‪ :‬سياق االختالف الطبيعي واإلنساين‪،‬‬
‫وسياق االختالف التكويني والترشيعي‪ ،‬وسياق االختالف املذموم واملحمود‪ ،‬وسياق‬
‫االختالف يف إطار اجلوامع‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬أصول تدبري االختالف االعتقادية‪ :‬عاجلت فيه األصول اإليامنية‪ ،‬أو‬
‫املشركات العقدية‪ ،‬التي أمر القرآن الكريم بإقامتها واالجتامع عليها‪ ،‬وهنى عن التفرق‬
‫فيها‪ ،‬وجاء هبا كل األنبياء والرسل‪ (1(،‬وهي‪ :‬أصل اإليامن باهلل وتوحيده‪ ،‬أصل اإليامن‬

‫(‪ )1‬ألف الشوكاين كتاب ًا يدل عىل أن هذه األصول متثل مشرك ًا ديني ًا متفق ًا عليه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن عيل‪ .‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬صححه وضبطه‪:‬‬
‫جمموعة من العلامء‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٤( ،1‬ه‪198٤/‬م)‪.‬‬

‫‪٢٧‬‬
‫باألنبياء والرسل‪ ،‬وأصل اإليامن باملصري واملآل األخروي‪ ،‬معتمد ًا عىل استقراء اآليات‬
‫القرآنية الدالة عىل معامل هذه األصول الكلية‪ ،‬وحتليلها ومناقشتها بام جييل دورها يف تدبري‬
‫االختالف الديني واإلنساين عموم ًا‪.‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬أصول تدبري االختالف الترشيعية‪ :‬اشتمل هذا الفصل عىل األصول‬
‫الترشيعية العملية‪ ،‬التي متثل القواعد القرآنية الكرى‪ ،‬واملقاصد الكلية لرشيعة القرآن‪،‬‬
‫التي أمر بتنزيلها وتطبيقها إلدارة االختالف ومعاجلته‪ ،‬والوقاية من سلبياته‪ ،‬وهي‬
‫أصول كام ختدم االختالف الداخيل بني املسلمني‪ ،‬ختدم االختالف اخلارجي بني املسلمني‬
‫وغريهم‪ ،‬وهذه األصول هي‪ :‬أصل إقامة السلم وترك احلرب‪ ،‬وأصل إقامة العدل ونفي‬
‫الظلم‪ ،‬وأصل إقامة التعاون اإلنساين‪ ،‬وأصل إقامة الصلح وترك اخلصام‪ ،‬وأصل إقامة‬
‫الشورى وترك االستبداد‪ ،‬وأصل االلتزام بالعهود واملواثيق‪ ،‬وأصل األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أصول تدبري االختالف املنهجية‪ :‬وإذا كان الفصل األول يعالج‬
‫األصول التصورية‪ ،‬والفصل الثاين قد تناول األصول العملية‪ ،‬فإن هذا الفصل جاء لدراسة‬
‫األصول املنهجية لتدبري االختالف‪ ،‬التي تعنى باحلوار واجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬وقسمها‬
‫الباحث إىل‪ :‬أصول تدبري االختالف املنهجية الكلية‪ ،‬وأصول تدبري االختالف املنهجية‬
‫التفصيلية‪ ،‬حاول الباحث من خالهلا استقراء األصول القرآنية ملنهج اجلدل بالتي هي‬
‫أحسن‪ ،‬ودراستها وحتليلها‪ ،‬مستفيد ًا يف ذلك من تراث علم األصول واجلدل واملناظرة‬
‫الذي أثله علامؤنا رمحهم اهلل‪.‬‬

‫اخلامتة‪ :‬ذكرت فيها أهم اخلالصات‪ ،‬والنتائج التي توصلت إليها‪.‬‬

‫وقد اعرضتني يف بحثي هذا بعض الصعوبات التي يمكن إمجاهلا يف اآليت‪:‬‬

‫عدم وجود دراسة مبارشة يف املوضوع –يف حدود اطالعي‪ ،-‬تعالج تدبري‬ ‫‪-‬‬
‫االختالف يف ضوء كليات القرآن ومقاصده‪.‬‬

‫‪ -‬كتب الراث اإلسالمي‪ ،‬وال سيام كتب التفسري واألصول‪ ،‬مل تسعف الباحث‬

‫‪٢8‬‬
‫يف التأصيل لقضايا البحث‪ ،‬باستثناء الكتب التي اعتنت بمقاصد القرآن‪،‬‬
‫وبمقاصد الترشيع عموم ًا‪.‬‬

‫‪ -‬صعوبة صياغة خطة حمكمة للدراسة؛ إذ تم تعديلها بعد إهناء الدراسة أكثر من‬
‫مرة‪ ،‬فقد كان عنوان الدراسة األول هو‪" :‬معامل تدبري االختالف يف اخلطاب‬
‫القرآين"‪ ،‬والثاين‪" :‬االختالف يف اخلطاب القرآين‪ :‬أصول التأسيس وضوابط‬
‫التدبري"‪ ،‬والثالث واألخري‪" :‬أصول تدبري االختالف يف القرآن الكريم‪ :‬دراسة‬
‫تأصيلية حتليلية"‪ ،‬وهذا األمر أرهقني‪ ،‬وأخذ مني جهد ًا كبري ًا‪ .‬وهذا اإلرصار‬
‫عىل التعديل يف اخلطة والصياغة‪ ،‬نابع من اإليامن بأن من مل حيسن التقسيم مل‬
‫حيسن التأليف‪.‬‬

‫وحرص الباحث –ما أمكن‪ -‬عىل التفرد واالستقالل يف صياغة موضوعات‬ ‫‪-‬‬
‫البحث ودراستها‪ ،‬بعيد ًا عن التبعية والتقليد‪.‬‬

‫‪٢9‬‬
‫املدخل‪:‬‬

‫تدبري االختالف؛ دراسة يف املفهوم والسياق القرآين‬


‫أوالً‪ :‬االختالف وتدبريه‪ :‬دراسة يف املفهوم‬
‫‪ -1‬مفهوم االختالف‬
‫أ‪ -‬االختالف يف اللغة‪:‬‬

‫جذر كلمة "االختالف" ‪-‬التي هي مصدر من فعل اختلف‪( -‬خ ل ف)‪ ،‬قال ابن‬
‫ٍ‬
‫يشء يقوم‬ ‫ف) اخلاء والالم والفاء أصول ثالثة‪ :‬أحدها أن جيي َء يش ٌء بعد‬ ‫"(خ َل َ‬
‫فارس‪َ :‬‬
‫مقام ُه‪ ،‬والثاين خالف قدا ٍم‪ ،‬والثالث الت ُّ ُ‬
‫َّغري‪".‬‬
‫(‪(1‬‬

‫الف فالن‪ ،‬أي‬ ‫قعدت ِخ َ‬ ‫ٍ‬


‫يشء يقوم مقام ُه‪ :‬يقال‪:‬‬ ‫ومن األول‪ :‬أن جيي َء يش ٌء بعد‬
‫ُ‬
‫خليفتَه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫فالن فالن ًا إذا كان ِ‬
‫ٌ‬ ‫وخ َل َ‬
‫ف‬ ‫بعدَ ُه‪َ ،‬‬
‫ﮧ ﮨ﴾ [األعراف‪ ]1٤٢ :‬طلب منه أن خيلفه ويقوم مقامه فيهم‪ ،‬وسميت اخلالف ُة خالف ًة؛‬
‫ألن الثاين جييء بعد األول قائ ًام مقامه‪ِ ،‬‬
‫واخل ْل َف ُة‪ :‬اختالف الليل والنهار‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫يذهب هذا‬ ‫ف من هذا‪َ ،‬‬ ‫﴿‪[ ﴾     ‬الفرقان‪]٦٢ :‬؛ َأي هذا َخ َل ٌ‬
‫(‪(٢‬‬
‫وجيي ُء هذا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬أبو احلسني أمحد بن فارس بن زكريا‪ .‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪1٣99( ،‬ه‪19٧9/‬م)‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢10‬‬
‫(‪ )٢‬الفراهيدي‪ ،‬اخلليل بن أمحد بن عمرو بن تيم الفراهيدي األزدي‪ .‬كتاب العني‪ ،‬حتقيق‪ :‬مهدي املخزومي وإبراهيم‬
‫السامرائي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ومكتبة اهلالل‪ ( ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬ج‪ ،٤‬ص‪ ،٢٦9‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢10‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن عيل الرويفعي‪ .‬لسان العرب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار صادر‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤1٤‬ه)‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.8٦-8٣‬‬
‫‪ -‬الفريوز آبادي‪ ،‬جمد الدين أبو طاهر حممد بن يعقوب بن حممد‪ .‬بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد عيل النجار‪ ،‬القاهرة‪ :‬وزارة األوقاف‪ ،‬املجلس األعىل للشؤون اإلسالمية‪ ،‬جلنة إحياء الراث‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،٣‬ه‪199٦/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥٦٢‬‬
‫‪ -‬اجلوهري‪ ،‬أبو نرص إسامعيل بن محاد‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد عبد الغفور عطار‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،٤‬ه‪198٧/‬م)‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٣٥٧‬‬

‫‪٣1‬‬
‫غري قدَّ ا ٍم‪ .‬يقال‪ :‬هذا خلفي‪ ،‬وهذا ُقدَّ امي‪،‬‬ ‫ومن الثاين‪ :‬خالف قدا ٍم‪َ :‬خ ْل ٌ‬
‫ف‪ ،‬وهو ُ‬
‫اختلفت الرجل أخذته من خلفه‪ ،‬واختلفه جعله خلفه‪ ،‬ويقال أيض ًا‪ :‬أخلف الرجل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فيقال‪:‬‬
‫جعله خلفه؛ أي رده إىل خلفه‪ ،‬أي وراءه أو وراء ظهره‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [التوبة‪]81 :‬؛ أي خمالفني؛ ومثله قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ﴾ [التوبة‪ ،]118 :‬واخللف ضد قدام‪ ،‬قال ابن ِسيدَ ْه‪َ :‬خ ْل ٌ‬
‫ف نقيض ُقدَّ ام قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯢ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﴾ [البقرة‪ ]٢٥٥ :‬واخللف‪ :‬الظهر‪.‬‬

‫ف‪ .‬وهو قوله صىل اهلل عليه‬ ‫ف ُفو ُه‪ ،‬إذا َت َغ َّ َري‪ ،‬و َأ ْخ َل َ‬‫َّغري‪ :‬قوهلم َخ َل َ‬ ‫ومن الثالث‪ :‬الت ُّ‬
‫يح ا ْملِ ْس ِك"(‪ (٢‬ومنه اخلالف يف الوعد‪،‬‬ ‫ب ِعنْدَ اهللَِّ ِم ْن ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫الصائ ِم َأ ْط َي ُ‬ ‫"خلُ ُل ُ‬
‫وف َف ِم َّ‬ ‫وآله وسلم‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫الرجل عن ُخ ُل ِق أبيه‪َّ :‬‬
‫تغري‪ ،‬بمعنى‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫وخ َل َ‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾ [التوبة‪َ .]٧٧ :‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫تغايرمها وعدم اتفاقهام يف اخللق‪.‬‬

‫ومن هذه املعاين اللغوية جلذر (خ ل ف) يف اللغة‪ ،‬تدل عىل أن االختالف يف أصل‬
‫اللغة‪ ،‬فيه عملية جتاوز وتنحي لوضع سابق‪ ،‬نحو وضع جديد يقوم مقام األول‪ ،‬يقول ابن‬
‫َ‬
‫تلفون؛ ألن كل واحد منهم ينحي قول‬ ‫ف الناس يف كذا‪ ،‬والناس ِخ ْل َف ٌة‪ ،‬أي ُخم‬
‫"اخ َت َل َ‬
‫فارس‪ْ :‬‬
‫نحاه"‪ (٤(،‬وتدل كذلك عىل التغاير يف الصفات‪ ،‬واهليئات‪،‬‬
‫نفس ُه ُمقا َم الذي َّ‬
‫قيم َ‬
‫صاحبه‪ ،‬و ُي ُ‬
‫واألخالق وعدم االتفاق فيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ ،٢1٢‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫الرازي‪ ،‬زين الدين حممد بن أيب بكر الرازي‪ .‬خمتار الصحاح‪ ،‬حتقيق‪ :‬يوسف حممد‪ ،‬بريوت وصيدا‪ :‬املكتبة‬ ‫‪-‬‬
‫العرصية والدار النموذجية‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،٥‬ه‪1999/‬م)‪ ،‬مادة‪( :‬خ ل ف)‪ ،‬ص‪.9٥‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.8٢‬‬ ‫‪-‬‬
‫الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد‪ .‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬صفوان عدنان الداودي‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫بريوت ودمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬والدار الشامية‪ ،‬ط‪1٤1٢ ،1‬ه‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ص‪.٢9٣‬‬
‫(‪ )٢‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الصوم‪ ،‬باب‪ :‬فضل الصوم‪ ،‬ج‪ ،٣‬حديث رقم (‪ ،)189٤‬ص‪.٢٤‬‬
‫(‪ )٣‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ ،٢1٢‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ص‪.٢9٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫اجلوهري‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٣٥٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٤‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢1٣‬‬

‫‪٣٢‬‬
‫ومما يؤكد هذا التوجه اللغوي‪ :‬ورد يف كتب اللغة كذلك "اختلف"‪ :‬ضدُّ اتفق‪ .‬وكل‬
‫ما مل يتساو فقد ختالف واختلف‪ ،‬وختالف األمران واختلفا‪ :‬مل يتفقا‪ِ .‬‬
‫واخل َال ُ‬
‫ف‪ :‬املخالفة‬
‫كثري اخلالف‪ ،‬والقو ُم ِخ ْل َف ٌة؛ أي‬
‫ف‪ُ ،‬‬ ‫وخالِ َف ٌة؛ َأي ُخيالِ ُ‬
‫ف َ‬‫ورجل َخالِ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫واخلالف ا ُملضا ّدةُ‪،‬‬
‫واحد إىل خالف ما ذهب إليه اآلخر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫خمتلفون‪ (1(،‬وختالف القوم واختلفوا‪ :‬ذهب ُّ‬
‫كل‬
‫(‪(٢‬‬
‫فاخلالف ِضدُّ الوفاق‪.‬‬
‫ُ‬

‫وباجلملة يتبني أن االختالف يف اللغة يأخذ معاين‪" :‬التعاقب"‪ ،‬و"التغاير"‪،‬‬


‫و"التباين"‪ ،‬و"التضاد"‪ ،‬و"عدم التساوي"‪ ،‬و"عدم االتفاق"‪ ،‬وذهاب كل من املختلفني إىل‬
‫(‪(٣‬‬
‫خالف ما ذهب إليه اآلخر‪ ،‬والتجاوز للوضع القائم وتنحيه إىل وضع آخر يقوم مقامه‪،‬‬
‫وكأن كل واحد من املختلفني –فرد ًا أو قوم ًا أو مجاعة‪ -‬ينحي قول صاحبه‪ ،‬ويقيم قو َله‬
‫مقام الذي نحاه‪.‬‬

‫ب‪ -‬االختالف يف االصطالح‪:‬‬


‫ٍ‬
‫واحد طريق ًا غري طريق‬ ‫يأخذ ُّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫"االختالف واملخالفة‪ :‬أن‬
‫ُ‬ ‫يقول الراغب األصفهاين‪:‬‬
‫كل ضدّ ين خمتلفان‪ ،‬وليس ّ‬
‫ألن ّ‬
‫الضدّ ؛ ّ‬ ‫ِ‬
‫كل خمتلفني‬ ‫اآلخر يف حاله أو قوله‪ ،‬واخل َالف ّ‬
‫أعم من ّ‬
‫ضدّ ين‪ ،‬و ّملا كان االختالف بني النّاس يف القول قد يقتيض التّنازع استعري ذلك للمنازعة‬
‫واملجادلة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [مريم‪ ﴿ ]٣٧ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ [هود‪]118 :‬‬

‫﴿ ﮤ ﮥ ﮦﮧ﴾ [الروم‪ ﴿ ]٢٢ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ ،91-8٢‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫الفريوز آبادي‪ ،‬جمد الدين أبو طاهر حممد بن يعقوب بن حممد‪ .‬القاموس املحيط‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب حتقيق الراث يف‬ ‫‪-‬‬
‫العرقسويس‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،8‬ه‪٢00٥/‬م)‪ ،‬ص‪.808‬‬
‫ُ‬ ‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬إرشاف‪ :‬حممد نعيم‬
‫الفراهيدي‪ ،‬كتاب العني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٦9‬‬ ‫‪-‬‬
‫اجلوهري‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٣٥٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬الفيومي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد بن عيل‪ .‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتبة العلمية‪( ،‬د‪.‬ت‪،).‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.1٧8‬‬
‫(‪ )٣‬سواء كان ذلك يف الرأي‪ ،‬أو احلال‪ ،‬أو الصور‪ ،‬أو األوضاع‪ ،‬أو اهليئات‪ ،‬وسواء تع َّلق األمر بالفرد أو اجلامعة‪.‬‬

‫‪٣٣‬‬
‫ﭛ ﴾ [النبأ‪ ﴿ ]٣ – 1 :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾ [الذاريات‪ ﴿ ]8 :‬ﮰ ﮱﯓ﴾ [النحل‪ ﴿ ]1٣ :‬ﮦ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﴾ [آل عمران‪".]10٥ :‬‬

‫و ُيفهم من تعريف الراغب أربعة معاين‪:‬‬

‫األول‪ :‬عدم التفريق بني اخلالف واالختالف‪ ،‬بل معنامها واحد(‪ (٢‬وهو‪" :‬أن يأخذ ّ‬
‫كل‬
‫واحد طريق ًا غري طريق اآلخر يف حاله أو قوله‪".‬‬

‫ألن ّ‬
‫الضدّ ؛ ّ‬ ‫ِ‬
‫كل‬ ‫الثاين‪ :‬االختالف واخلالف مع ًا أعم من الضد‪" ،‬واخل َالف ّ‬
‫أعم من ّ‬
‫ضدّ ين خمتلفان‪ ،‬وليس ّ‬
‫كل خمتلفني ضدّ ين‪".‬‬

‫(‪ )1‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خلف)‪ ،‬ص‪ .٢9٤‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫الفريوز آبادي‪ ،‬بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥٦٣-٥٦٢‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬عر القرآن الكريم ب "االختالف" يف سياقات متعددة ‪-‬كام سيأيت‪ -‬يف اختالف الظواهر الكونية‪ ،‬ويف اختالف‬
‫الناس عموم ًا‪ ،‬ومل يميز بينها وبني كلمة "خالف‪ "،‬حيث يعر القرآن بالكلمتني دون متييز يف املعنى‪ ،‬عىل خالف ما‬
‫ذهب إليه عطية حممد سامل‪ ،‬الذي جعل استعامل »خالف» يكون يف حالة العصيان الواقع عن قصد‪ ،‬كمن خيالف‬
‫األوامر‪ ،‬واستعامل "اختلف" يكون يف حالة املغايرة يف الفهم الواقع يف تفاوت وجهات النظر‪ ،‬مستند ًا يف ذلك إىل‬
‫بعض السياقات القرآنية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫سامل‪ ،‬عطية حممد‪ .‬موقف األمة من اختالف األئمة‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬دار اجلوهرة‪ ،‬ط‪1٤٢٦ ،1‬ه‪ ،‬ص‪.1٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫لكن ما ذهب إليه غري مطرد يف القرآن كله‪ ،‬ومما ينقض ما ذهب إليه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬
‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﴾ [البقرة‪ ]٢1٣ :‬فهذا استعامل للفظة "اختلف"‪ ،‬يف حالة العصيان الواقع‬
‫عن قصد‪ ،‬كمن خيالف األوامر‪ ،‬ومل يعر القرآن بلفظة "خالف"‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬فإن التفريق بني االختالف واخلالف وعدم التفريق بينهام‪ ،‬جمرد اصطالح‪ ،‬وال مشاحة يف‬
‫االصطالح‪ ،‬والذي عليه العلامء من األصوليني والفقهاء يف مؤلفاهتم‪ ،‬عدم التفريق بينهام‪ ،‬فإهنم يستعملون أحدمها‬
‫مكان اآلخر‪ ،‬بل تكاد جتد ذلك يف موضع واحد‪ ،‬ويف مسألة واحدة‪ ،‬بل يف سطر واحد‪ ،‬حيث يعر باللفظتني يف‬
‫سياق واحد بمعنى واحد‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشافعي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املطلبي‪ .‬الرسالة‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد شاكر‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫احللبي‪ ،‬ط‪1٣٥8( ،1‬ه‪19٤0/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ .٥٦0‬ويعر الشاطبي عن معنى "االختالف" ب"اخلالف" يقول‪:‬‬
‫"وإنام يعد يف اخلالف‪ :‬األقوال الصادرة عن أدلة معترة يف الرشيعة‪ ،‬كانت مما يقوى أو يضعف‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٢٤‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٣٤‬‬
‫الثالث‪ :‬االختالف ال حيمل معنى املنازعة(‪ (1‬واملشاقة‪ (٢(،‬املفضية إىل الصدام والرصاع‪،‬‬
‫حيول االختالف إىل منازعة‪ :‬واقع الناس‪ ،‬ونفوسهم التي ال حتتمل االختالف‪،‬‬
‫وإنام الذي ّ‬
‫وال تتسع لقبول املخالف‪" ،‬و ّملا كان االختالف بني النّاس يف القول قد يقتيض التّنازع استعري‬
‫ذلك للمنازعة واملجادلة" فجاء القرآن الكريم ‪-‬كام يقول حممد عوامة‪ -‬يف بعض آياته عىل‬
‫(‪(٣‬‬
‫هذا املعنى احلاصل الناتج‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أن االختالف واخلالف مغايرة‪ ،‬وتباين‪ ،‬وعدم اتفاق يف احلال أو القول "أن‬
‫يأخذ ّ‬
‫كل واحد طريق ًا غري طريق اآلخر يف حاله أو قوله‪".‬‬

‫(‪ (1‬يقول الفراهي يف (التنازع)‪" :‬قد تبدّ ل معناه‪ ،‬ويف الصحيح التنازع هو التداول والتجاذب عموم ًا‪ ،‬ويف القرآن‬
‫الكريم‪﴿ :‬ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﴾ [الطور‪ ﴿ ]٢٣ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﴾ [طه‪]٦٢ :‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ [الكهف‪ ."]٢1 :‬وعلق املحقق عىل عبارة‪" :‬تبدّ ل‬
‫معناه" بقوله‪ :‬يعني أن معنى "اخلالف" و"التخاصم" غلب عىل معنى "التداول" و"التجاذب‪ ".‬فزعم أبو حيان‪ :‬أن‬
‫"التنازع يقتيض االختالف"‪ .‬ثم دخلت الكلمة يف الفارسية واألردية‪ ،‬بعدما جتردت عن أصلها‪ ،‬فصارت حمصورة‬
‫يف معنى "اخلالف" و"اخلصام"‪ .‬فأخطأ بعض املفسين واملرمجني ملعاين القرآن الكريم‪ ،‬وجعلوا "التنازع" بمعنى‬
‫"التخاصم" يف املوضع الذي هو فيه بمعنى "التداول" ال غري‪ .‬ومن أسلوب القرآن الكريم أن "التنازع" إذا أريد به‬
‫"التجاذب" و"التداول"‪ ،‬تعدّ ى إىل مفعوله بنفسه‪ ،‬وكان مذكور ًا‪ ،‬كام يف اآليات التي استشهد هبا املؤلف‪ .‬أما إذا‬
‫اجلر (يف) كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬ ‫كان بمعنى "اخلصام" و"االختالف" فيتعدى إليه بحرف ّ‬
‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ﴾ [آل عمران‪﴿ ]1٥٢ :‬ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﴾ [النساء‪:‬‬
‫‪﴿ ]٥9‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ﴾ [األنفال‪﴿ ]٤٣ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﴾ [احلج‪ ]٦٧ :‬أو بحذف‬
‫املفعول به كام يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﴾ [األنفال‪ ]٤٦ :‬انظر‪:‬‬
‫الفراهي‪ ،‬عبد احلميد الفراهي اهلندي‪ .‬مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية‪ ،‬حتقيق ورشح‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫حممد أمجل أيوب اإلصالحي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪٢00٢ ،1‬م‪ ،‬ص‪.1٦0‬‬
‫(‪ )٢‬وتفسري (الشقاق) عىل أربعة وجوه‪ :‬األول‪ :‬الضالل‪ ..‬والثاين‪ :‬االختالف‪ ..‬والثالث‪ :‬العداوة‪ ..‬والرابع‪:‬‬
‫احلجاج‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن سالم‪ ،‬حييى بن سالم بن أيب ثعلبة‪ .‬التصاريف تفسري القرآن مما اشتبهت أسامؤه وترصفت معانيه‪ ،‬قدمت‬
‫له وحققته‪ :‬هند شلبي‪ ،‬عامن‪ :‬مؤسسة آل البيت امللكية للفكر اإلسالمي‪1٤٢9( ،‬ه‪٢008/‬م)‪ ،‬ص‪.٢1٧‬‬
‫وانظر‪ :‬اآليات التي وردت فيها لفظة "الشقاق" يف‪:‬‬
‫‪ -‬مرزوق‪ ،‬عبد الصبور‪ .‬معجم األعالم واملوضوعات يف القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٥‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬ص‪.٧99‬‬
‫(‪ )٣‬عوامة‪ ،‬حممد‪ .‬أدب االختالف يف مسائل العلم والدين‪ ،‬بريوت‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬ط‪1٤18( ،٢‬ه‪199٧/‬م)‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫‪٣٥‬‬
‫األصفهاين يف أن االختالف مغايرة ومباينة وعدم‬
‫َّ‬ ‫الراغب‬
‫َ‬ ‫ويوافق السمني احللبي‬
‫اتفاق بني املختلفني؛ إذ يتخذ كل واحد منهام طريق ًا غري طريق من خيالفه‪ ،‬يقول السمني‬
‫احللبي‪" :‬واملخالفة‪ :‬أن يأخذ كل واحد طريق ًا غري طريق اآلخر يف حاله أو فعله‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪(1‬‬
‫﴿ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﴾ [هود‪"...]88 :‬‬

‫يف أن "اخلالف واالختالف" هو عدم االتفاق‬ ‫(‪(٢‬‬


‫ويوافقهام كذلك الفريوز آبادى‪،‬‬
‫والتباين والتغاير يف احلال أو القول أو الفعل‪ ،‬وهو موافق كذلك للغة يف بعض استعامالت‬
‫جذر (خ ل ف)‪ ،‬كام تقدم‪.‬‬

‫(‪(٣‬‬
‫وقد استعملت كلمة "اختلف" يف القرآن الكريم يف معان متعددة ومتنوعة‪:‬‬

‫معنى التفرق وعدم االتفاق‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾‬


‫[األنفال‪ ]٤٢ :‬واختلف فيه‪ :‬مل يتفق بشأنه‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﴾‬
‫[فصلت‪ ]٤٥ :‬وخيتلفون‪ :‬يذهب كل منهم إىل خالف ما يذهب إليه اآلخر‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾ [النحل‪ ،]٣9 :‬وخمتلفون‪ :‬خيالف بعضهم بعض ًا‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭡﭠ ﴾ [هود‪.]119 – 118 :‬‬

‫(‪ )1‬السمني احللبي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن يوسف بن عبد الدايم‪ .‬عمدة احلفاظ يف تفسري أرشف األلفاظ‪ ،‬معجم لغوي‬
‫أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد باسل عيون السود‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٧( 1‬هـ‪199٦/‬م)‪،‬‬
‫مادة‪( :‬خ ل ف)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،٥٢٣‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الفريوز آبادي‪ ،‬بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥٦٣-٥٦٢‬‬
‫(‪ )٢‬الفريوز آبادي‪ ،‬بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥٦٢‬‬
‫(‪ )٣‬تتبع صيغ مادة‪( :‬خ ل ف) يف القرآن الكريم واستعامالهتا املختلفة يف‪:‬‬
‫‪ -‬عبد احلميد‪ ،‬أمحد خمتار‪ .‬املعجم املوسوعي أللفاظ القرآن الكريم وقراءاته‪ ،‬بمساعدة فريق عمل‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫مؤسسة سطور املعرفة‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،1‬ه‪٢00٢/‬م)‪( ،‬خ ل ف)‪ ،‬ص‪.1٧٢-1٧0‬‬
‫‪ -‬جممع اللغة العربية‪ .‬معجم ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية العامة للتأليف والنرش‪،‬‬
‫(‪1٤09‬ه‪1989/‬م)‪ ،‬مادة‪( :‬خ ل ف)‪ ،‬ص‪.٣٦٧‬‬
‫‪ -‬عبد الباقي‪ ،‬حممد فؤاد‪ .‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار احلديث ودار الكتب املرصية‪،‬‬
‫(‪1٣٦٤‬هـ)‪ ،‬مادة‪( :‬خ ل ف)‪ ،‬ص‪.٢٣8‬‬
‫مرزوق‪ ،‬معجم األعالم واملوضوعات يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥9٤‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٣٦‬‬
‫معنى التناقض‪ :‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ [النساء‪]8٢ :‬‬

‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [الذاريات‪ ]8 :‬متضارب مضطرب متناقض‪.‬‬

‫معنى التعاقب‪ :‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ﴾ [املؤمنون‪]80 :‬‬

‫وقال‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [آل عمران‪]190 :‬‬

‫أي تعاقبهام‪.‬‬

‫معنى التفاوت والتنوع‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬


‫ﮥ ﮦﮧ ﴾ [الروم‪ ،]٢٢ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [النحل‪]٦9 :‬‬

‫متنوع‪ ،‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ [النبأ‪.]٣ – 1 :‬‬

‫وعىل هذا يمكن القول بأن "االختالف" يراد به مطلق املغايرة يف القول أو الرأي‬
‫بمعنى االختالف العام‪ ،‬الذي يشمل األفكار واآلراء‬ ‫(‪(1‬‬
‫أو احلالة أو اهليئة أو املوقف‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫واملذاهب واملواقف‪.‬‬

‫(‪ )1‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ .‬أدب االختالف يف اإلسالم‪ ،‬سلسلة قضايا الفكر اإلسالمي (‪ ،)٢‬هريندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر‬
‫اإلسالمي‪1٤1٣( ،‬ه‪199٢/‬م)‪ ،‬ص‪.٢٢‬‬
‫حق‬
‫(‪ )٢‬وقد يأخذ اخلالف واالختالف معنى اجلدل‪ ،‬يقول اجلرجاين‪" :‬اخلالف‪ :‬منازعة جتري بني املتعارضني لتحقيق ّ‬
‫أو إلبطال باطل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬اجلرجاين‪ ،‬عيل بن حممد بن عيل‪ .‬كتاب التعريفات‪ ،‬حتقيق‪ :‬مجاعة من العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪198٣/‬م)‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫ويقول طه جابر العلواين‪" :‬إذا اشتد اعتداد أحد املخالفني أو كليهام بام هو عليه من قول أو رأي أو موقف‪،‬‬
‫وحاول الدفاع عنه‪ ،‬وإقناع اآلخرين به‪ ،‬أو محلهم عليه‪ ،‬سميت تلك املحاولة باجلدل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬أدب االختالف يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٢‬‬
‫ويعرف أمحد البوشيخي االختالف يف الفروع الفقهية بقوله‪" :‬تغاير أحكام الفقهاء واملجتهدين يف مسائل‬
‫ِّ‬
‫الفروع‪ ،‬سواء كان ذلك عىل وجه التقابل‪ ،‬كأن يقول بعضهم يف حكم مسألة ما باجلواز‪ ،‬ويقول البعض اآلخر فيها‬
‫باملنع‪ .‬أو كان عىل وجه دون ذلك‪ ،‬كأن يقول أحدهم‪ :‬حكم هذه املسألة الوجوب‪ ،‬ويقول غريه‪ :‬حكمها الندب‪،‬‬
‫أو اإلباحة‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬البوشيخي‪ ،‬أمحد‪ .‬اخلالف الفقهي‪ :‬دراسة يف املفهوم واألسباب واآلداب‪ ،‬كتاب املحجة (‪ ،)٢‬آنفو‪-‬برانت‪،‬‬
‫فاس‪1٤٢٤( ،‬ه‪٢00٣/‬م)‪ ،‬ص‪» .٦‬واالختالف عند بعض املتكلمني‪ :‬هو كون املوجودين غري متامثلني وغري‬
‫متضادين‪".‬‬
‫‪ -‬صليبا‪ ،‬مجيل‪ .‬املعجم الفلسفي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب اللبناين‪1٤0٢( ،‬ه‪198٢/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٧‬‬

‫‪٣٧‬‬
‫لكن ما هيمنا يف هذه الدراسة‪ ،‬من هذه املعاين وغريها لكلمة "اختلف"‪ ،‬هو "معنى‬
‫التفرق وعدم االتفاق‪ ،‬وأخذ كل واحد من املختلفني طريق ًا خمالف ًا لآلخر‪ "...‬و"معنى‬
‫التفاوت والتنوع والتباين"‪ ،‬وغريها من املعاين الدالة عىل االختالف اإلنساين يف اآلراء‬
‫واألفكار واملذاهب‪ ،‬نحاول التامسها يف اآليات القرآنية‪ ،‬سواء عر القرآن الكريم عنها بلفظ‬
‫"االختالف"‪ ،‬أو بغريه من األلفاظ واإلشارات‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم التدبري‪:‬‬
‫أ‪ -‬التدبري يف اللغة‪:‬‬
‫عاقبتِه ما مل‬
‫بته‪ ،‬واستدبره‪ :‬رأى يف ِ‬
‫ْ َ‬
‫عاق ِ‬
‫"التدبري" يف اللغة‪ :‬دبر األمر وتَدبره‪ :‬نظر يف ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ َ ْ‬
‫ير يف َصدْ ِر ِه‪ ،‬والتدبري يف األمر‪ :‬أن تنظر إىل ما تؤول إليه عاقبته‪ (1(،‬و"التَّدْ بِري هو َت ْق ِويم‬
‫صالح عاقبته‪ (٢(".‬ويأخذ معنى السياسة‪ (٣(،‬ويقال للتدبري املستمر‬ ‫ْاألَمر عىل َما يكون فيه َ‬
‫األمر‪ :‬فعله بعناية وعن فكر ورو ّية‪ ،‬واملد ِّبر‪ :‬املدير أو املخ ّطط‪ ،‬وا ُملد ِّبر‪:‬‬
‫َ‬ ‫سياسة‪ (٤(،‬و"د َّبر‬
‫ويرصفها عىل وفق مشيئته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اسم من أسامء اهلل احلسنى‪ ،‬ومعناه‪ :‬الذي ُجيري األمور بحكمته‬
‫(‪(٥‬‬
‫وعىل ما يوجب ُح ْس َن عواقبها‪".‬‬
‫ٍ‬
‫بفعل شاق‪ ،‬وقيل‪ :‬التدبري‪ :‬النظر يف‬ ‫ويقول اجلرجاين‪" :‬التدبري‪ :‬استعامل الرأي‬
‫العواقب بمعرفة اخلري‪ ،‬وقيل‪ :‬التدبري‪ :‬إجراء األمور عىل علم العواقب‪ ،‬وهي هلل تعاىل‬
‫ً (‪(٦‬‬
‫حقيق ًة‪ ،‬وللعبد جمازا‪".‬‬

‫(‪ (1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬دبر)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪ ،٢٧٣‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬حممد بن حممد املرتىض‪ .‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من املحققني‪ ،‬الكويت‪:‬‬
‫دار اهلداية للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،19٦٥ ،‬مادة‪( :‬دبر)‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.٢٦٥‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬د ب ر)‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬دبر)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣٢٤‬‬
‫(‪ )٢‬العسكري‪ ،‬أبو هالل احلسن بن عبد اهلل بن سهل بن سعيد بن حييى بن مهران‪ .‬الفروق اللغوية‪ ،‬حتقيق وتعليق‪:‬‬
‫حممد إبراهيم سليم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار العلم والثقافة‪.( ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬ص‪.191‬‬
‫(‪ )٣‬أبو حبيب‪ ،‬سعدي‪ ،‬القاموس الفقهي لغة واصطالح ًا‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤08( ،٢‬ه‪1988/‬م)‪ ،‬ص‪.1٢8‬‬
‫(‪ )٤‬العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧‬‬
‫(‪ )٥‬عبد احلميد‪ ،‬أمحد خمتار‪ .‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬بمساعدة فريق عمل‪ ،‬القاهرة‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪1٤٢9( ،1‬ه‬
‫‪٢008/‬م)‪ ،‬مادة‪( :‬د ب ر)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧٢1-٧٢0‬‬
‫(‪ (٦‬اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٤‬‬

‫‪٣8‬‬
‫وعىل هذا‪ ،‬فإن "التدبري" يف اللغة‪ ،‬يأخذ معنى النظر يف عاقبة اليشء‪ ،‬والتفكري والتعقل‬
‫فيه ٍّ‬
‫بتأن وروية‪ ،‬من غري استعجال‪ ،‬إلصالحه‪ ،‬وسياسته‪ ،‬وإدارته بحكمة‪.‬‬

‫ب‪ -‬التدبري يف االصطالح‪:‬‬

‫فس اب ُن عاشور "التدبري اإلهلي" يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬


‫َّ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ ﴾ [يونس‪ ]٣ :‬بقوله‪" :‬والتدبري‪ :‬النظر يف عواقب‬
‫ِ‬
‫العاقبة‪ .‬والغاية من التّدبِ ِري‬ ‫وعوائ ِقها لقصد إيقاعها تامة فيام تقصد له حممودة‬
‫ِ‬ ‫املقدَّ رات‬
‫ِ‬
‫اإلجيا ُد والعمل عىل َوفق ما ُد ّب َر"‪ (1(.‬فتدبري األمر‪ :‬التفكّر فيه‪ ،‬وتقليب النظر يف جهاته‪،‬‬
‫وتقدير عواقبه وعوائقه‪ ،‬بقصد إيقاعه تام ًا‪ ،‬فيكون حممود العاقبة‪.‬‬

‫وقال أبو حيان يف تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭹ ﭺ﴾ [الرعد‪" ]٢ :‬التَّدْ بِ ُري إنام هو‬
‫واقبها"‪ (٢(.‬ويقول الراغب يف تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ‬ ‫ار األُمور و َع َ‬ ‫النظر يف إِ ْد َب ِ‬
‫ﭽﱮ﴾ [النساء‪" ]8٢ :‬التدبري‪ :‬النظر يف ُد ُبر األمور وتأ ّملها‪ ،‬وقد يقال ذلك يف تأ ّمل اليشء‬
‫بعد حصوله‪ ،‬ومعرفة خريه من رشه‪ ،‬وصالحه من فساده‪ ،‬كقولك‪ :‬تدبرت ما فعل فالن‬
‫(‪(٣‬‬
‫فوجدته سديد ًا‪".‬‬

‫ومن تفسري ابن عاشور‪ ،‬وأيب حيان‪ ،‬والراغب لكلمة "التدبري"‪ ،‬يتبني لنا أن "التدبري"‬
‫يأخذ معنى النظر والتفكُّر والتقدير يف عواقب األمر املقدّ ر‪ ،‬ومآالته وعوائقه‪ ،‬من أجل‬
‫حتقيق مقاصده ومصاحله املحمودة‪ ،‬واجتناب مفاسده‪ ،‬وآفاته‪.‬‬

‫وهو املعنى نفسه الذي نستعمل فيه "تدبري االختالف" يف هذه الدراسة‪ ،‬بمعنى‬
‫العمل عىل توجيه االختالف‪ ،‬بالنظر يف عواقبه‪ ،‬بام حيقق مقاصده ومصاحله‪ ،‬واجتناب‬
‫مفاسده وآفاته‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر بن عاشور‪ .‬التحرير والتنوير‪ ،‬تونس‪ :‬الدار التونسية‪ ،‬ط‪198٤( ،1‬م)‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.8٧‬‬
‫(‪ )٢‬أبو حيان‪ ،‬حممد بن يوسف بن عىل بن يوسف ابن حيان الغرناطي األندليس‪ .‬تفسري البحر املحيط‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل‬
‫أمحد عبد املوجود وعيل حممد معوض‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٣٤٥‬‬
‫(‪ )٣‬الراغب‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد بن املفضل األصفهاين‪ .‬تفسري الراغب األصفهاين‪ ،‬حتقيق ودراسة‪ :‬عادل بن‬
‫الش ِدي‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الوطن‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٣٤8‬‬ ‫عيل ِّ‬

‫‪٣9‬‬
‫وتستعمل الكلمة يف "الراث التفسريي" يف سياق انفراد احلق سبحانه بتدبري‬
‫الساموات واألرض وما بينهام‪ ،‬وتدبري الليل والنهار‪ ،‬بل تدبري العامل كله‪ (1(،‬تدبري ًا‬
‫حكي ًام‪ ،‬عىل وفق احلكمة والصواب‪ ،‬ال ينازعه وال يشاركه أحد يف ذلك‪ ،‬فهو سبحانه‬
‫حكيم يف تدبري خلقه‪.‬‬
‫وأغلب التفاسري تربط كلمة "حكيم" "حكي ًام" "احلكيم" الواردة يف القرآن الكريم‪،‬‬
‫ب"التدبري اإلهلي"؛(‪ (2‬أي جتعلهام متالزمني‪ ،‬وهذا فيه داللة عىل ارتباط كلمة "التدبري"‬
‫ب"احلكمة"‪ ،‬وهذا يعني أن تدبري األمر هو‪ :‬توجيهه وترصيفه بحكمة‪.‬‬
‫كام ورد استعامل الكلمة يف سياق تدبري احلرب‪ ،‬واحلكم‪ ،‬وامللك‪ ،‬واملال‪ ،‬ومصالح‬
‫املعاش يف احلياة الدنيا‪ ،‬وغريها من املجاالت‪ ،‬وإحسان سياسة ذلك كله‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الكلمة مستعملة عند املفسين يف‪ :‬سياسة األمر بام يصلحه بحكمة وتع ُّقل‪.‬‬
‫ويف املعنى نفسه استعملها األصوليون‪ ،‬غري أهنم ركزوا يف استعامالهتم للكلمة عىل‬
‫"تدبري املكلف"‪ ،‬عىل خالف املفسين الذين كان تركيزهم أكثر عىل "التدبري اإلهلي"؛ ألن‬
‫املفس هيتم بالكشف عن مراد اهلل تعاىل‪ ،‬واألصويل هيتم باألحكام العملية املرتبطة باملكلف‪.‬‬

‫‪ -3‬املقصود بأصول تدبري االختالف‪:‬‬


‫أصل اليشء‪ :‬قاعدته التي لو تومهت مرتفعة الرتفع بارتفاعه سائره قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [إبراهيم‪ .]٢٤ :‬واألصل‪ :‬ما يبتنى عليه غريه‪ ،‬واألصول‪ :‬مجع أصل‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬يقول الزخمرشي يف تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﴾ [يونس‪" :]٣1 :‬ومن ييل تدبري أمر العامل كله‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الزخمرشي‪ ،‬جاراهلل أبو القاسم حممود بن عمر‪ .‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬اعتنى به َّ‬
‫وخرج أحاديثه‬
‫وع ّلق عليه‪ :‬خليل مأمون شيحا‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬ط‪1٤٣0( ،٣‬ه‪٢009/‬م)‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪ .٤٦٣‬ويقول‬
‫العز بن عبد السالم يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﴾ [لقامن‪" ]٢٦ :‬له تدبري ذلك"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عبد السالم‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم السلمي الدمشقي‪ .‬تفسري القرآن (اختصار‬
‫النكت والعيون للاموردي)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن إبراهيم الوهبي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪1٤1٦( ،‬ه‪199٦ /‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.٢٤9‬‬
‫(‪ )٢‬يقول القرطبي يف تفسري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ﴾ [التغابن‪ ﴿" ]18 :‬ﲻ﴾ يف‬
‫األش ِ‬
‫ياء‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫املح ِك ُم ِخلَ ِ‬
‫لق ْ‬ ‫تدْ بِري خلقه‪ .‬وقال ا ْب ُن ْاأل ْن َب ِ‬
‫احلكيم هو ْ‬
‫ُ‬ ‫ار ِّي‪:‬‬
‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر القرطبي‪ .‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬هشام سمري البخاري‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الرياض‪ :‬دار عامل الكتب‪( ،‬د‪.‬ت‪1٤٢٣( ،).‬ه‪٢00٣ /‬م)‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.1٤٧‬‬

‫‪٤0‬‬
‫ُ‬
‫وأصل اليشء‪ :‬أساسه الذي يقوم عليه‪ ،‬وأصول‬ ‫(‪(1‬‬
‫عبارة عام يفتقر إليه‪ ،‬وال يفتقر هو إىل غريه‪.‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫العلوم‪ :‬قواعدها التي تبنى عليها األحكام‪.‬‬
‫األصل ما يقوم ويرتكز ويبنى عليه اليشء‪ ،‬فاملقصود باألصول هي‪ :‬القواعد الكلية التي‬
‫ويتأسس عليها التوافق اإلنساين‪ ،‬واالئتالف بينهم‪ ،‬وتدبري اختالفاهتم يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يبنى‬
‫إذا كان "االختالف" ‪-‬كام سبق‪ -‬يأخذ معنى املضادة والتفرق وعدم االتفاق‪،‬‬
‫ذهاب كل واحد‬
‫ُ‬ ‫والتناقض والتعاقب والتنوع‪ ،‬وكل ما مل يتساو فقد ختالف واختلف‪ ،‬وهو‬
‫إىل خالف ما ذهب إليه اآلخر‪ ،‬فإن املراد بـ"أصول تدبري االختالف" يف هذا الكتاب‪:‬‬
‫ويتأسس(‪ (٣‬عليها التوافق‪ ،‬واالئتالف‪ ،‬والوحدة‪ ،‬بني بني اإلسالم‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫األصول التي ينبني‬
‫بينهم وبني بني اإلنسان؛ أي وجود أصول كلية قرآنية يؤمن هبا اجلميع‪ ،‬وحيرمها‪ ،‬ويتم‬
‫فض النزاعات‪ ،‬واختالف اآلراء واألفكار واملعتقدات‪.‬‬
‫االحتكام إليها‪ ،‬يف حالة ّ‬
‫وبذلك يكون املقصود من تدبري االختالف هو‪ :‬الكشف عن مواطن االتفاق‪ ،‬وتقليل‬
‫مثارات االختالف‪ ،‬وتضييق دائرة النزاع والرصاع اإلنساين‪ ،‬وضبط عالقاهتم وتعامالهتم‪،‬‬
‫وفتح باب احلوار والتواصل األخالقي واملعريف‪.‬‬
‫وتدبري االختالف عموم ًا يوحي بالتوجيه احلكيم لالختالف‪ ،‬وحسن إدارته وتسيريه‪،‬‬
‫ليحقق مقاصده الترشيعية‪ ،‬وهي التعاون والتكامل والتعارف‪ ،‬والبعد به عن أن يكون‬
‫معوالً للهدم‪ ،‬وطريق ًا للنزاع واحلروب‪ ،‬من أجل حتقيق التفاهم والتقارب‪ ،‬والوصول إىل‬
‫نتائج علمية وعملية‪.‬‬

‫ومن ثم يكون تدبري االختالف اإلنساين هو‪ :‬إجياد مشركات وحمتكامت وتقاطعات‪،‬‬
‫تكون أرضية للتعاون اإلنساين‪ ،‬جتعل االختالف إجيابي ًا وبناء؛ ألن "االختالف بني الناس‬

‫(‪ )1‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬أصل)‪ ،‬ص‪ .٧9‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬
‫(‪ )٢‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم وآخرون‪ .‬املعجم الوسيط‪ ،‬القاهرة‪ :‬جممع اللغة العربية ومكتبة الرشوق الدولية‪ ،‬ط‪،٤‬‬
‫(‪1٤٢٥‬ه‪٢00٤/‬م)‪ ،‬مادة‪( :‬أصل)‪ ،‬ص‪.٢0‬‬
‫(‪ )٣‬أساس اليشء‪ :‬قاعدته التي يبتنى عليها‪ .‬انظر‪:‬‬
‫(أس)‪ ،‬ص ‪.٧٥‬‬
‫َ‬ ‫مادة‪:‬‬ ‫سابق‪،‬‬ ‫مرجع‬ ‫القرآن‪،‬‬ ‫‪ -‬الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب‬

‫‪٤1‬‬
‫يف أفكارهم وعقائدهم وانتامءاهتم يف النظر الرشعي ال يلغي االئتالف بينهم"‪ (1(،‬وال يعني‬
‫القضاء عىل االختالف وحسمه هنائي ًا‪ ،‬بل التخفيف من آثاره‪ ،‬وتضييق دائرته‪ ،‬للوصول إىل‬
‫التوافقات املمكنة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬االختالف يف السياق القرآين‬


‫الفعل األكثر تواتر ًا يف القرآن هو »فعل اختلف»‪ ،‬وبلغ عدد اآليات التي ورد فيها هذا‬
‫الفعل بصيغه املتعددة‪ ،‬ومشتقاته املتنوعة اثنتني ومخسني آية‪ (٢(،‬واملتأمل يف هذه اآليات مجيعها‬
‫جيد أن االختالف ورد يف سياقات(‪ (٣‬متنوعة‪ (1( :‬سياق االختالف الطبيعي واإلنساين‪ ،‬و(‪(٢‬‬
‫سياق االختالف التكويني والترشيعي سياق‪ ،‬و (‪ (٣‬سياق االختالف املذموم واملحمود‬
‫سياق‪ ،‬و (‪ (٤‬سياق االختالف يف إطار اجلوامع سياق‪.‬‬

‫وفيام ييل تفكيك ودراسة اآليات القرآنية الواردة يف هذه السياقات‪ ،‬لتجلية أن‬
‫االختالف "سنة كونية"‪ ،‬و"حقيقة رشعية"‪ ،‬و"رضورة برشية"‪ ،...‬وإذا كان األمر كذلك‪،‬‬
‫فإن أي حماولة إلهناء االختالف‪ ،‬أو القضاء عليه‪ ،‬هي حماولة فاشلة‪ ،‬وغري ممكنة‪ ،‬تسري ضد‬
‫إرادة اهلل تعاىل التكوينية‪ ،‬لذلك ينبغي االشتغال باملمكن‪ ،‬وهو تدبري االختالف وتنظيمه‬
‫والتقليل منه‪ ،‬وهو ما يوافق إرادة اهلل الترشيعية‪.‬‬

‫(‪ )1‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٣٣‬ه‪٢01٢/‬م)‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫(‪ )٢‬عبد الباقي‪ ،‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬خ ل ف)‪ ،‬ص‪ ،٢٣8‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫مرزوق‪ ،‬معجم األعالم واملوضوعات يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥9٤‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬والسياق يف اللسان يأيت بمعنى املتابعة‪ ،‬ومنه‪ :‬ساق اإلبل يسوقها سوق ًا وسياق ًا‪ ،‬وتساوقت اإلبل‪ ،‬أي تتابعت‪.‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬سوق)‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٦٦‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومن املجاز قوهلم‪ :‬فالن "يسوق احلديث أحسن سياق‪ ،‬وإليك ُيساق احلديث‪ ،‬وهذا الكالم مساقه إىل كذا‪"،‬‬
‫بمعنى النمط الذي يتخذه احلديث يف تتابعه‪ .‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫الزخمرشي‪ ،‬جار اهلل أبو القاسم‪ ،‬حممود بن عمر‪ .‬أساس البالغة‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد باسل عيون السود‪ ،‬بريوت‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤19( ،1‬ه‪1998/‬م)‪ ،‬مادة‪( :‬س و ق)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤8٤‬‬

‫‪٤٢‬‬
‫‪ -1‬سياق االختالف الطبيعي واإلنساين‪:‬‬
‫اآليات القرآنية الدالة عىل االختالف الطبيعي‪ ،‬وإن تعددت وتنوعت عباراهتا‪ ،‬تدل‬
‫عىل معنى مشرك‪ ،‬مفاده‪ :‬تنبيه املجتمع اإلنساين‪ ،‬وال سيام أولو األلباب‪ ،‬والعقول‪ ،‬والفطر‬
‫السليمة‪ ،‬إىل هذا االختالف احلاصل يف اآليات الكونية املختلفة‪ ،‬وإعالمهم هبذه الدالئل‬
‫واحلجج احلسية الظاهرة املختلفة‪ ،‬الدالة عىل وحدانية اهلل سبحانه‪ ،‬وعىل قدرته عىل اخللق‬
‫ٌ‬
‫مدخل مهم لفقه االختالف يف الرؤية القرآنية‪.‬‬ ‫واإلجياد من عدم‪ ،‬وفهم هذه احلقيقة‬
‫وما يميز اخلطاب(‪ (1‬القرآين الدال عىل هذه احلقيقة معلامن كبريان‪:‬‬

‫املعلم األول‪ :‬ورود اخلطاب يف سياق حجاجي برهاين‪ ،‬لذلك ع َّ‬


‫ر اخلطاب القرآين‬ ‫(‪(٢‬‬

‫(‪(٤‬‬
‫عن هذه الظواهر الكونية بـ"اآليات"‪ (٣(،‬أي "اآليات الكونية القدرية‪ ،‬بمعنى العالمة‪".‬‬

‫(‪" )1‬اخلطاب" لفظ قرآين‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [ص‪ ،]٢0 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [ص‪ ،..]٢٣ :‬لكن الذي شاع عند املفكرين اإلسالميني هو‪" :‬القول‪ "،‬استعمل ابن رشد‬
‫"القول اجلديل"‪ ،‬و"القول اخلطايب‪ "،‬و"القول الرهاين‪ "،‬وخطاب وخماطبة‪ ،‬يدل عىل املفاعلة‪ ،‬ويشري إىل معنى‬
‫املشاركة‪ .‬واملخاطبة واملحاورة واملجادلة‪ ،‬واملصارعة‪ ،‬واملسابقة‪ ،‬وهي صيغ تدل عىل االشراك‪ ،‬ووجود أكثر من‬
‫طرف‪ .‬وبعبارة جامعة يمكن القول بأنه‪ :‬جمموع املعاين التي يستنبطها متلقي اخلطاب‪ ،‬أو يفهمها‪ ،‬أو يعقلها‪ ،‬أو‬
‫يستنتجها‪ ،‬أو يستخلصها‪ ،‬ويتبينها من اخلطاب‪ .‬يقول الزخمرشي يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ﴾ [ص‪" ]٢0 :‬فمعنى فصل اخلطاب‪ :‬البني من الكالم امللخص الذي يتبينه من خياطب به ال يلتبس عليه‪ ،‬وجيوز‬
‫خمل وال إشباع ّ‬
‫ممل"‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫أن يراد اخلطاب القصد الذي ليس فيه اختصار ّ‬
‫‪ -‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬ص‪ .9٢1‬ويقول السيوطي‪:‬‬
‫ِ‬
‫"اخل َطاب‪ :‬الكالم الذي يفهم املستمع منه شيئ ًا"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد‪ .‬معجم مقاليد العلوم يف احلدود والرسوم‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مكتبة اآلداب‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪ ،‬ص‪.٦٢‬‬
‫(‪ )٢‬تأمل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [البقرة‪.]1٦٤ :‬‬

‫(‪ )٣‬وتفسري اآلية عىل وجهني‪ :‬األول‪ :‬العرة‪ ..‬والثاين‪ :‬العالمة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن سالم‪ ،‬التصاريف تفسري القرآن مما اشتبهت أسامؤه وترصفت معانيه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤19‬‬
‫‪ -‬الفراهي‪ ،‬مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٧1‬‬
‫(‪ )٤‬يقول الشنقيطي‪ :‬إن "لفظ "اآلية" يطلق يف اللغة عىل معنيني‪ :‬األول‪ :‬إطالق "اآلية" بمعنى العالمة‪ ،‬وهو املشهور‬
‫يف كالم العرب‪ .‬والثاين‪ :‬بمعنى اجلامعة‪ ،‬يقال‪ :‬جاء القوم بآيتهم أي‪ :‬بجامعتهم‪ .‬أما إطالقها يف القرآن الكريم عىل =‬

‫‪٤٣‬‬
‫املعلم الثاين‪ :‬داللة اخلطاب بالنص الرصيح عىل هذه احلقيقة‪ ،‬من غري اجتهاد وال‬
‫تكلف تأويل‪.‬‬
‫اقتضت مشيئة اهلل تعاىل أن تكون الظواهر الكونية قائمة عىل التنوع والتباين واالختالف‪،‬‬
‫خمتلفة يف أشكاهلا ووظائفها‪ ،‬اختالف ثراء ونامء‪ ،‬ويف هذا معنى قرآين توجيهي لالختالف‬
‫البرشي‪ ،‬نحو فهم حقيقة االختالف‪ ،‬وتوجهه بالرضورة نحو القضايا املثمرة للعلم والعمل‪.‬‬
‫من الدواب والطيور‬
‫قال تعاىل يف اختالف ألوان وأشكال اخللق يف األرض‬
‫(‪(1‬‬

‫والشجر اختالف ًا يف الطباع واهليئات واملناظر‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ‬


‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [النحل‪ ،(٢(]1٣ :‬ومثله قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﮭﮮ ﴾ [األنعام‪.]1٤1 :‬‬

‫وقد جعل القرآن الكريم اختالف هذه الظواهر يف أشكاهلا ووظائفها‪ ..‬أمر ًا رضوري ًا‪.‬‬
‫يقول ويل اهلل الدهلوي‪" :‬أما هيئات الكواكب‪ :‬فمن تأثريها ما يكون رضوري ًا كاختالف‬

‫=معنيني أيض ًا‪ :‬األول‪ :‬إطالق اآلية عىل الرشعية الدينية‪ ،‬كآيات القرآن العظيم‪ ،‬ومنه قوله هنا‪ ﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥﯦ﴾ [البقرة‪ .]٢٥٢ :‬وأما الثاين‪ :‬فهو إطالق اآلية عىل اآلية الكونية القدرية‪ ،‬كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ [آل عمران‪ .]190 :‬أما اآلية الكونية القدرية فهي بمعنى‬
‫اآلية اللغوية التي هي العالمة‪ ،‬ألن اآليات الكونية عالمات قاطعة‪ ،‬عىل أن خالقها هو الرب املعبود وحده‪ .‬وأما اآلية‬
‫الرشعية الدينية‪ ،‬فقال بعض العلامء‪ :‬إهنا أيض ًا من اآلية التي هي العالمة‪ ،‬ألن آيات هذا القرآن العظيم‪ ،‬عالمات عىل‬
‫صدق من جاء هبا‪ ،‬ملا تضمنته من برهان اإلعجاز‪ ،‬أو ألن فيها عالمات يعرف هبا مبدأ اآليات ومنتهاها‪ .‬وقال بعض‬
‫العلامء‪ :‬إهنا من اآلية بمعنى اجلامعة‪ ،‬لتضمنها مجلة ومجاعة من كلامت القرآن وحروفه‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬حممد أمني‪ .‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،٧‬ص‪( .188-18٧‬بترصف يسري)‪.‬‬
‫(‪ )1‬تأمل اآليات‪( :‬النحل‪( ،)1٣ :‬النحل‪( ،)٦9 :‬الروم‪( ،)٢٢ :‬فاطر‪( ،)٢8-٢٧ :‬الزمر‪.(٢1 :‬‬
‫(‪ )٢‬البيضاوي‪ ،‬نارص الدين‪ ،‬عبد اهلل بن عمر بن حممد بن عيل الشريازي‪ .‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬حققه وعلق‬
‫عليه وخرج أحاديثه وضبط نصه‪ :‬حممد صبحي بن حسن حالق‪ .‬وحممود أمحد األطرش‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار‬
‫الرشيد ومؤسسة اإليامن‪ ،‬ط‪1٤٢1( ،1‬ه‪٢000/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪ .٢٥٥‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن سليامن‪ ،‬أبو احلسن مقاتل بن سليامن البلخي‪ .‬تفسري مقاتل‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد فريد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢1٥‬‬
‫(‪ )٣‬مرزوق‪ ،‬معجم األعالم واملوضوعات يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥9٤‬‬

‫‪٤٤‬‬
‫الصيف والشتاء‪ ،‬وطول النهار وقرصه باختالف أحوال الشمس‪ ،‬وكاختالف اجلزر واملد‬
‫(‪(1‬‬
‫باختالف القمر‪"...‬‬
‫ظواهر كونية بثها احلق سبحانه يف اآلفاق ألهل العقول واأللباب‪ ،‬عالمات خمتلفة يف‬
‫ُعرف اإلنسان بخالقه‪ ،‬وترشده إىل فهم احلكمة من اختالفها وتعددها‪.‬‬
‫الشكل والوظيفة‪ ،‬ت ِّ‬
‫وربط القرآن الكريم بني اختالف الظواهر الطبيعية واالختالف اإلنساين يف آيات عديدة‪،‬‬
‫يف سياق واحد قال تعاىل‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ﴾ [فاطر‪]٢٧:‬‬
‫إيضاح ما سبقه من اختالف أحوال الناس يف قبول‬
‫ُ‬ ‫قال ابن عاشور‪ :‬هذه اآلية "استئناف فيه‬
‫أت خ ْلقة النفوس إليه‪ ،‬ليظهر به أن االختالف بني أفراد األصناف‬
‫اهلدى ورفضه بسبب ما هت َّي ْ‬
‫األريض‪ ،‬واملقصود من االعتبار هو‬
‫ِّ‬ ‫واألنواع ناموس جبيل فطر اهلل عليه خملوقات هذا العاملِ‬
‫اختالف ألوان األصناف من النوع الواحد‪ ،‬واختالف ألوان األفراد من الصنف الواحد تَار ٍ‬
‫ات‬ ‫َ‬
‫كاختالف ألوان التّمور والزيتون واألعناب والتفاح والرمان‪ ،‬و ُقدِّ َم االعتبار باختالف أحوال‬
‫(‪(٢‬‬
‫الثمرات؛ ألن يف اختالفها َس َع ًة تشبه َس َع َة اختالف الناس يف املنافع واملدارك والعقائد‪".‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾‬
‫يقول ابن عاشور‪" :‬واختالف ألوان الناس منه اختالف عام‪ ،‬وهو ألوان‬ ‫[فاطر‪]٢8 –٢٧ :‬‬

‫أصناف البرش‪ ،‬وهي األبيض واألسود واألصفر واألمحر حسب االصطالح اجلغرايف‪ ،‬جيء‬
‫يف مجلة ﴿ﮫ ﮬ ﮭ﴾ ﴿ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ باالسمية دون‬
‫الفعلية‪ ،‬كام يف اجلملة السابقة‪ ،‬ألن اختالف ألوان اجلبال واحليوان الدال عىل اختالف أحوال‬
‫اإلجياد اختالف ًا دائ ًام ال َّ‬
‫يتغري‪ ،‬وإنام حيصل مرة واحدة عند اخللق‪ ،‬وعند تولد النسل‪".‬‬
‫(‪(٣‬‬

‫ويقول العز بن عبد السالم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬


‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫(‪ )1‬الدهلوي‪ ،‬أبو عبد العزيز أمحد بن عبد الرحيم اهلندي‪ .‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬حققه وراجعه‪ :‬السيد سابق‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫اجليل‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،1‬ه‪٢00٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥1‬‬
‫(‪ (٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٢‬ص‪.٣01-٣00‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢٢‬ص‪.٣0٣‬‬

‫‪٤٥‬‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [الرعد‪ ]٤ :‬هذا مثل رضبه اهلل تعاىل‪" :‬لبني آدم أصلهم واحد‪ ،‬واختلفوا‬
‫(‪(1‬‬
‫يف اخلري والرش واإليامن والكفر كالثامر املسقية بامء واحد‪".‬‬
‫فإن اختالف الثامر وتغايرها يف الشكل والطعم‪ ،‬اختالف تكامل وتوازن‪ ،‬وليس‬
‫اختالف تضاد وتنافر‪ ،‬فكذلك ينبغي أن يكون االختالف اإلنساين‪ ،‬فالثامر رغم اختالفها‬
‫تُسقى بامء واحد‪ ،‬كاختالف بني اإلنسان‪ ،‬يف طباعهم وعقوهلم ومنازعهم‪ ،‬وأصلهم واحد‪.‬‬
‫ويقول تعاىل يف االختالف الطبيعي واإلنساين والعالقة بينهام‪" ،‬ووجه مقارنة خلق‬
‫الساموات األرض واختالف ألسنة البرش وألواهنم"‪﴿ (٢(:‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [الروم‪ ]٢٢ :‬يقول ابن عاشور‪" :‬وإ ْذ‬
‫قد كان أرشف ما عىل األرض نوع اإلنسان قرن ما يف بعض أحواله من اآليات بام يف خلق‬
‫األرض من اآليات‪ ،‬وخص من أحواله املتخالفة؛ ألهنا أشد عرة إذ كان فيها اختالف‬
‫بني أشياء متحدة يف املاهية‪ ،‬وألن هاته األحوال املختلفة هلذا النوع الواحد نجد أسباب‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة‬ ‫ٍ‬
‫بأوطان‬ ‫القرار‬ ‫اختالفها من آثار خلق الساموات واألرض‪ ،‬فاختالف األلسنة سببه‬
‫ُ‬
‫متباعدة‪ ،‬واختالف األلوان سببه اختالف اجلهات املسكونة من األرض‪ ،‬واختالف‬ ‫ٍ‬

‫ُم َسا َمت َِة أشعة الشمس هلا فهي من آثار خلق الساموات واألرض‪ .‬ولذلك‪ ،‬فالظاهر أن‬
‫املقصود هو آية اختالف اللغات واأللوان‪ ،‬وأن ما تقدمه من خلق الساموات واألرض‬
‫(‪(٣‬‬
‫متهيد له وإيامء إىل انطواء أسباب االختالف يف أرسار خلق الساموات واألرض‪".‬‬
‫يقول الطري‪﴿ " :‬ﮤ ﮥ﴾ يقول‪ :‬واختالف منطق ألسنتكم ولغاهتا‬
‫﴿ﮦﮧ﴾ يقول‪ :‬واختالف ألوان أجسامكم"‪ (٤(،‬فهذه اآلية تؤسس لالختالف الفكري‬

‫(‪ )1‬ابن عبد السالم‪ ،‬تفسري القرآن (اختصار النكت والعيون للاموردي)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ ،1٤٤‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٢80‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪.٧٣‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )٤‬الطري‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬حممد بن جرير‪ .‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد شاكر‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪ 1٤٢0( ،1‬ه‪٢000/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢0‬ص‪ .8٧‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫البغوي‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬احلسني بن مسعود بن حممد‪ .‬معامل التنزيل‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬حممد عبد اهلل النمر‬ ‫‪-‬‬
‫وعثامن مجعة ضمريية وسليامن مسلم احلرش‪ ،‬الرياض‪ :‬دار طيبة‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،٤‬هـ‪199٧/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٢٦٦‬‬

‫‪٤٦‬‬
‫بني البرش؛ ألن االختالف يف طبيعة اللغة(‪ (1‬واأللوان ال شك يثمر اختالف ًا فكري ًا‪.‬‬

‫خالف اهلل تعاىل بني أجناس النطق وأشكاله‪ ،‬حتى إنك ال جتد لسانني أو منطقني‬
‫متامثلني‪ ،‬كام خالف سبحانه بني ألوان اخللق‪ ،‬حتى إنك ال جتد صورتني متامثلتني‪ ،‬وهذا‬
‫ظاهر للعيان ثابت بالتجربة واملالحظة‪ ،‬وفيه داللة عىل اختالف القوميات واألجناس‪.‬‬

‫فهذا االختالف يف اللغات والصور أراده اهلل تعاىل‪ ،‬للتدافع بني البرش؛ ألن هذا التدافع ال‬
‫يمكن حتققه مع الشبيه املامثل غري املخالف‪ ،‬يقول السعدي‪" :‬ومن عنايته بعباده ورمحته هبم أن قدر‬
‫(‪(٢‬‬
‫ذلك االختالف‪ ،‬لئال يقع التشابه فيحصل االضطراب ويفوت كثري من املقاصد واملطالب‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف اختالف الناس إىل أمم وشعوب وقبائل‪     ﴿ :‬‬


‫يقول يف "عمدة احلفاظ" يف قوله‬ ‫[احلجرات‪]1٣ :‬‬ ‫‪﴾      ‬‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ﴾ "الشعوب يف العجم كالقبائل يف العرب‪ ،‬وكاألسباط يف بني‬
‫(‪(٣‬‬
‫إرسائيل‪ ،‬وهو مجع قبيل‪ ،‬والقبيلة‪ :‬اجلامعة املجتمعة التي يقبل بعضها عىل بعض"‪.‬‬

‫اختالف الظواهر الكونية الطبيعية‪ٌ ،‬‬


‫مثل رضبه اهلل تعاىل لبني اإلنسان لالهتداء‬
‫إىل حقيقة اختالف التنوع‪ ،‬اختالف التكامل والتوازن‪ ،‬فاحلق سبحانه خلق االختالف‬
‫وخلق جوامع هلذا االختالف‪ ،‬فرغم اختالفهم يف اخلري والرش‪ ،‬واإليامن والكفر‪ ،‬فأصلهم‬
‫واحد‪ ،‬فإذ تذكر اإلنسان هذه احلقيقة‪ ،‬اهتدى إىل "سنة اهلل"(‪ (٤‬يف اختالف اخللق‪.‬‬

‫(‪ )1‬يقول مصطفى البيحياوي‪ّ :‬‬


‫إن يف القرآن من لغات القوم تسع لغات‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬كريس ابن عطية‪( ،‬اليوتيوب) مادة التفسري‪ ،‬للشيخ مصطفى البيحياوي (الدرس‪.(٦ :‬‬
‫(‪ )٢‬السعدي‪ ،‬عبد الرمحن بن نارص‪ .‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن بن معال اللوحيق‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،1‬ه‪٢000/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٣9‬‬
‫(‪ )٣‬احللبي‪ ،‬عمدة احلفاظ يف تفسري أرشف األلفاظ معجم لغوي أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢٦8‬‬
‫(‪ )٤‬يقول عبد الكريم زيدان يف التعريف املختار »لسنة اهلل» بعد ذكر تعاريفها اللغوية واالصطالحية‪" :‬يالحظ أن هذه‬
‫الكلامت يدور معناها عىل معنى "الطريقة املتبعة‪ "،‬فيكون معنى »سنة اهلل» هي الطريقة املتبعة يف معاملة اهلل تعاىل للبرش‬
‫بناء عىل سلوكهم وأفعاهلم وموقفهم من رشع اهلل وأنبيائه وما يرتب عىل ذلك من نتائج يف الدنيا واآلخرة‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬السنن اإلهلية يف األمم واجلامعات واألفراد يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة‬ ‫‪-‬‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪ ،‬ص‪.1٣‬‬

‫‪٤٧‬‬
‫‪ -2‬سياق االختالف التكويني والترشيعي‪:‬‬
‫أ‪ -‬سياق االختالف التكويني‪:‬‬
‫يدل اخلطاب القرآين عىل أن االختالف واقع رضورة‪ ،‬ال اختيار فيه للعبد‪ ،‬واقع بإرادة‬
‫اهلل تعاىل التكوينية‪ ،‬فإن هذا االختالف راجعة أسبابه إىل احلاكم املسبب‪ ،‬ال دخل لكسب‬
‫[هود‪]118 :‬‬ ‫اإلنسان فيها‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾‬
‫(‪(1‬‬
‫يقول البيضاوي املفس واألصويل‪ ..." :‬وهو دليل ظاهر عىل أن األمر غري اإلرادة‪"...‬‬
‫فلو علم الناس أن ما هم عليه من االختالف سبق به القدر حلصل الوفاق‪ ،‬يقول‬
‫الشاطبي‪ ..." :‬فمن جهل شيئ ًا عاداه‪ ،‬فلو علموا حلصل الوفاق‪ ،‬ومل يسمع اخلالف‪ ،‬ولكن‬
‫سابق القدر حتم عىل اخللق ما هم عليه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ﴾‬
‫[هود‪ (٢(،"]119 – 118 :‬ويقول ابن عاشور‪" :‬وقد علمنا أن انقسام البرش وتشعبه‪ ،‬وتباعد أقطار‬
‫تعس أسباب‬ ‫ّ‬
‫وتعذر أو ّ‬ ‫إقامته‪ ،‬وصعوبة اختالط بعضهم ببعض‪ ،‬وضعف دواعي تواصلهم‪،‬‬
‫ذلك‪ ،‬وضعف القوى النفسية بسبب العداوة والبغضاء بينهم بتوهم كل فريق أو شخص أن‬
‫صالحه بإرضار غريه‪ ،‬وحياته هبالك غريه‪ ،‬مع ما يضاف إىل ذلك من إغراء الباغني من الزعامء‬
‫املضللني‪ ،‬كل ذلك قد فرق مجاعتهم وباعد بني أخالقهم وعوائدهم‪ ،‬وبث بينهم اللجاج‬
‫(‪(٣‬‬
‫والتهارج‪ ،‬فحال دون االلتئام واالحتاد والتامزج"‬
‫فال مر َّد وال خت ُّلف إلرادته التكوينية القائمة عىل قوله لليشء كن فيكون‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يس‪ ]8٢ :‬يقول ابن عاشور‪" :‬أنه تعاىل إذا‬
‫أراد شيئ ًا تع َّلقت قدرته بإجياده باألمر التكويني املعر عن تقريبه بـ(كن)‪ ،‬وهو أخرص كلمة‬
‫(‪(٤‬‬
‫تعر عن األمر بالكون؛ أي االتصاف بالوجود"‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.1٥٥‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .1٧-1٦‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد‬
‫شاكر‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اآلفاق اجلديدة‪ ،‬ط‪1980( ،1‬م)‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٦٧‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر ابن عاشور‪ .‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬تونس واجلزائر‪ :‬الرشكة التونسية‬
‫للتوزيع واملؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪198٥ ،٢‬م‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬ص‪.٧9‬‬

‫‪٤8‬‬
‫ويقول الغزايل يف سياق الرد عىل منكري القياس يف شبههم‪" :‬وأما قوهلم‪ :‬كيف يكون‬
‫االختالف مأمور ًا به؟‪ .‬قلنا‪ :‬بل يؤمر املجتهد بظنه‪ ،‬وإن خالفه غريه فليس رفعه داخل حتت‬
‫اختياره‪ ،‬فاالختالف واقع رضورة‪ ،‬ال أنه أمر به"‪ (1(،‬فهذا بيان من الغزايل بأن االختالف‬
‫واقع رضورةً‪ ،‬ال اختيار فيه‪ ،‬واقع بإرادة اهلل تعاىل التكوينية‪.‬‬
‫ٌ‬

‫أمر رضوري أزيل‪ ،‬وهو القانون العام الذي فطر اهلل عليه اخللق‪ ،‬أما الواحدية‬
‫فهو ٌ‬
‫واألحدية فهي فقط للذات اإلهلية‪ ،‬وما عداها قائم عىل االختالف والتغاير‪ ،‬يقول ابن القيم‪:‬‬
‫واألنظار‬
‫ُ‬ ‫"والفطر‬
‫ُ‬ ‫أمر رضوري ال بد منه"‪ (٢(.‬ويقول الشاطبي‪:‬‬
‫"وقوع االختالف بني الناس ٌ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ختتلف‪ ،‬فوقع االختالف من هنا ال من جهة أنه من مقصود الشارع"‪.‬‬
‫ُ‬

‫وجاء يف "القسطاس املستقيم" يف جدال الغزايل لإلسامعييل‪ (٤(،‬بخصوص إمكان‬


‫تعرف مجيع احلقائق واملعارف اإلهلية‬
‫رفع االختالف بني الناس‪" :‬فقال‪ :‬وهل يمكنك أن ّ‬
‫مجيع اخللق فرفع االختالفات الواقعة بينهم؟ قلت‪ :‬هيهات ال أقدر عليه‪ .‬وكأن إمامك‬
‫املعصوم إىل اآلن قد رفع االختالف بني اخللق وأزال اإلشكاالت عن القلوب‪ ،‬بل‬
‫األنبياء عليهم السالم متى رفعوا االختالف‪ ،‬ومتى قدروا عليه؟ بل اختالف اخللق ُحك ٌْم‬
‫[هود‪]119 – 118 :‬‬ ‫رضوري أزيل ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ﴾‬
‫أفأدعي أن أعارض قضاء اهلل الذي قىض به يف األزل؟ أو يقدر إمامك أن يدعي ذلك؟‬
‫فلم ادخره إىل اآلن‪ ،‬والدنيا طافح ٌة باالختالفات؟ وليت شعري رئيس‬
‫فإن كان يدعيه‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد سليامن األشقر‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬هـ‪199٧/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٧٤‬‬
‫(‪ )٢‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬الصواعق املرسلة يف الرد عىل اجلهمية واملعطلة‪ ،‬دراسة‬
‫وحتقيق‪ :‬عيل بن حممد الدخيل اهلل‪ ،‬الرياض‪ :‬دار العاصمة‪ ،‬ط‪1٤08 ،1‬ه‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥19‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.9٤‬‬
‫(‪ )٤‬ذهب القايض النعامن اإلسامعييل إىل أن سيدنا عيل يرفع االختالف‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬القايض النعامن‪ ،‬أبو حنيفة النعامن بن أيب عبد اهلل حممد بن منصور التميمي‪ .‬اختالف أصول املذاهب‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫مصطفى غالب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار األندلس‪ ،‬ط‪198٣ ،٣‬م‪ ،‬ص‪ .٣1‬انظر أيض ًا‪ :‬تعليق عيل أمليل عليه‪.‬‬
‫‪ -‬أومليل‪ ،‬عيل‪ .‬يف رشعية االختالف‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪199٣ ،٢‬م‪ ،‬ص‪.٦0‬‬

‫‪٤9‬‬
‫األمة عيل بن أيب طالب كان سبب رفع اخلالف بني اخللق‪ ،‬أو سبب تأسيس اختالفات ال‬
‫(‪(1‬‬
‫تنقطع أبد الدهر‪".‬‬
‫االختالف راجع ٌة أسبا ُبه إىل احلاكم املسبب‪ ،‬ال دخل لكسب اإلنسان فيها‪ ،‬وإذا مل تكن‬
‫ُ‬
‫مقدور عليه هو الالزم‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫داخل حتت كسبه‬ ‫يف مقدوره وال راجعة إليه‪ ،‬فمراعاته ملا هو‬
‫التامس وحتري إرادة اهلل الترشيعية يف تدبري االختالف‪ ،‬فاهلل تعاىل خلق العباد يف هذا العامل‬
‫"لتظهر تصاريفهم حتت حكم القضاء والقدر‪ ،‬ولتجري أعامهلم حتت حكم الرشع ليسعد هبا‬
‫(‪(٢‬‬
‫من سعد ويشقى من شقي‪ ،‬وليظهر مقتىض العلم السابق والقضاء املحتم الذي ال مر َّد له‪"...‬‬
‫وإذا ثبت كون االختالف إرادة تكوينية أقرها اخلطاب القرآين‪ ،‬فإن آية سورة هود‬
‫السابقة‪ ،‬دالة عىل أن اهلل تعاىل قادر عىل أن جيعل الناس أم ًة واحدة‪ ،‬عىل عقيدة واحدة‪ ،‬وطريق‬
‫واحد‪ ،‬ومنهج واحد‪ ،...‬إال أن إرادته التكوينية قضت بخلق اإلنسان‪ :‬جمهز ًا بالعقل‪ ،‬قادر ًا‬
‫عىل التفكري والنظر‪ ،‬جمبوالً عىل ميوالت نفسية هي من أصل خلقته‪ ،‬متمتع ًا بإرادة احلرية‬
‫واالختيار‪ ،‬ونتيجة هذه اإلرادة التكوينية يف خلقهم عىل هذه الصورة‪ ،‬هو االختالف يف‬
‫األفكار واآلراء واالختيارات‪ ،‬واملذاهب واألديان وامللل‪ ،‬فيقوم النزاع واالختالف بينهم‬
‫(‪(٣‬‬
‫الختالف ما سبق‪.‬‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬القسطاس املستقيم‪ ،‬قدَّ م له وذ َّيله وأعاد حتقيقه‪ :‬فيكتور شلحت‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫منشورات دار الرشوق‪ ،‬ط‪ ،198٣ ،٢‬ص‪ .8٣-8٢‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ،‬فخر الدين أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسن بن احلسني التيمي البكري‪ .‬مفاتيح الغيب (التفسري‬
‫الكبري)‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤01( ،1‬هـ‪1981/‬م)‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪ .80‬وقال الشيعة ب (العصمة) يف تدبري‬
‫اختالف األمة‪ .‬يقول الشاطبي‪" :‬وأقوى شبههم مسألة اختالف األمة‪ ،‬وأنه ال بد من واحد يرتفع به اخلالف‪،‬‬
‫أن اهلل يقول‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﱑ ﴾ [هود‪ ]119 – 118 :‬وال يكون كذلك إال إذا أعطي العصمة‬
‫كام أعطيها النبي ﷺ؛ ألنه وارث‪ ،‬وإال فكل حمق أو مبطل يدعي أنه املرحوم‪ ،‬وأنه الذي وصل إىل احلق‬
‫دون من سواه‪ ،‬فإذا طولبوا بالدليل عىل العصمة مل يأتوا بيشء‪ ،‬غري أن هلم مذهب ًا خيفونه وال يظهرونه إال‬
‫خلواصهم؛ ألنه كفر حمض‪ ،‬ودعوى بغري برهان‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .110‬انظر أيض ًا‪ :‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥0٦-٤8٧‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٤8‬‬
‫(‪ )٣‬ويقسم طه عبد الرمحن االختالف الفكري إىل ثالثة أقسام كرى‪ ،‬يقول عنها‪" :‬ينقسم االختالف الفكري بني األمم‬
‫بحسب املجاالت إىل ثالثة أقسام كرى‪ ،‬وهي‪ :‬االختالف يف املفاهيم‪ ،‬واالختالف يف األحكام‪ ،‬واالختالف يف‬
‫القيم‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٣٥‬‬

‫‪٥0‬‬
‫ب‪ -‬سياق االختالف الترشيعي‪:‬‬
‫اإلرادة الترشيعية جاءت عىل وفق اإلرادة التكوينية ومل ختالفها؛ إذ ّ‬
‫إن الرشع راعى هذا‬
‫االختالف التكويني يف خماطبة الناس املختلفني‪ ،‬ويتجىل ذلك يف اختالف الرشائع الساموية‪،‬‬
‫ونسخ املتأخر للمتقدم‪ ،‬ويف تنوع أساليب وطرق اإلقناع‪ ،‬ويف األمر باالجتهاد‪ ،‬واستعامل‬
‫العقل‪ ،‬وكل ذلك ملوافقة الرشع لطبيعة االختالف اإلنساين‪ .‬وباجلملة‪ ،‬فإن الترشيعي جاء‬
‫ليخدم التكويني‪.‬‬
‫‪ -‬اختالف الرشائع الساموية‪:‬‬
‫إن الفروع العملية من الشعائر واملناسك والعبادات خمتلفة عند مجيع األمم واألفراد‬
‫واجلامعات‪ ،‬بل لكل أمة من الناس ما يناسبها‪ ،‬ويناسب ظرفها الزمني والبيئي واالجتامعي‪،‬‬
‫لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [احلج‪ ،]٣٤ :‬فسنة اهلل تعاىل يف األقوام السابقة‬
‫أن يرسل هلم كلام طال عليهم األمد من يعالج أسقامهم وأمراضهم الفكرية والسلوكية‬
‫(‪(1‬‬
‫واالجتامعية‪ ،‬يقول الشعراوي إن‪" :‬الترشيعات الساموية تأيت عالج ًا آلفات اجتامعية‪".‬‬
‫وهذا االختالف يف التكاليف الترشيعية‪ ،‬إنام هو الختالف األزمنة واألمكنة‪،‬‬
‫واألشخاص‪ ،‬واملصالح‪ .‬يقول ويل اهلل الدهلوي‪" :‬وكثري ًا ما ختتلف النبوات الختالف امللل‬
‫النازلة تلك النبوة فيها"‪ (٢(،‬لكن اإلله واحد ﴿ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [احلج‪ ]٣٤ :‬يقول الغزايل‪:‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫"مجيع الرشائع وامللل من عند اهلل‪ ،‬وهي خمتلفة‪".‬‬
‫فإن الرشيعة واملنهاج املختلف فيهام يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾‬
‫[املائدة‪ ]٤8 :‬هي‪ :‬األوضاع اخلاصة لكل أمة‪ ،‬حسب زماهنا ومكاهنا ومصاحلها وارتفاقاهتا‪،‬‬
‫"وباجلملة‪ ،‬فاألوضاع اخلاصة التي مهدت وبنيت هبا أنواع الر واالرتفاقات هي الرشيعة‬
‫"‪ ...‬ألن الرشائع العملية وطرق التزكية األدبية‪ ،‬ختتلف باختالف أحوال‬ ‫(‪(٤‬‬
‫واملنهاج"‪،‬‬

‫(‪ )1‬الشعراوي‪ ،‬حممد متويل‪ .‬تفسري (اخلواطر)‪ ،‬راجع أصله َّ‬


‫وخرج أحاديثه‪ :‬أمحد عمر هاشم‪ ،‬القاهرة‪ :‬أخبار اليوم‪،‬‬
‫قطاع الثقافة والكتب واملكتبات‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬غري أن رقم اإليداع يوضح أنه نرش عام (‪1991‬م)‪ ،‬ص‪.981٥‬‬
‫(‪ )٢‬الدهلوي‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٦٦‬‬
‫(‪ )٣‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٧٤‬‬
‫(‪ )٤‬الدهلوي‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٦0‬‬

‫‪٥1‬‬
‫ويروي الصنعاين عن معمر عن قتادة‪ ..." :‬الدين واحد‪،‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫االجتامع واستعداد البرش"‪.‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫والرشيعة خمتلفة‪".‬‬

‫اختالف الرشائع منشؤه اختالف مصالح األمم واألقوام‪ ،‬حسب العصور واألزمان‪،‬‬
‫يقول ويل اهلل الدهلوي‪" :‬فمن عرف أصل الدين وأسباب اختالف املناهج مل يكن عنده تغيري‬
‫وال تبديل"‪ (٣(،‬فمن علم أسباب هذا االختالف يف الرشائع‪ ،‬فهم حقيقته‪ ،‬وهان عنده أمره‪،‬‬
‫ومل يستشكل عليه وقوعه‪.‬‬

‫فإن شعائر اهلل تعاىل روعي يف ترشيعها حال املكلفني وعاداهتم‪ ،‬لذلك أرسل كل رسول‬
‫لقومه خاصة‪ .‬يقول البوطي‪" :‬الترشيع إنام هو إقامة األحكام التي يتوخى منها تنظيم حياة‬
‫املجتمع والفرد‪ ،‬وبدهي؛ أن يكون للتطور الزمني واختالف األمم واألقوام أثر يف تطور‬
‫رشائعهم؛ إذ إن فكرة الترشيع من أساسها قائمة عىل ما تقتضيه مصالح العباد يف دنياهم‬
‫وآخرهتم‪ ،‬وهذه املصالح كثري ًا ما ختتلف باختالف األزمنة واألمكنة‪ (٤("،‬إىل أن ختم الدين‬
‫برشيعة حممد ﷺ‪ ،‬وجاء اإلسالم بالرسالة الشاملة لكل احتياجات البرشية بام تضمنته من‬
‫سامحة يف أحكامها‪ ،‬وسعة يف استيعاب كل اآلراء واألفكار واملعتقدات‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﲀ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﴾ [األنبياء‪.]10٧ :‬‬

‫فغاية األديان إصالح العامل بإصالح أفراده‪ ،‬يقول ابن عاشور‪" :‬هذه غاية األديان‬
‫وسلكت هلا مسالك كثرية‪ ،‬وهي مثل طرق السائرين‪ ،‬ختتلف بالطول والقرص‪ ،‬والسعة‬
‫والضيق‪ ،‬والوضوح واخلفاء‪ ،‬عىل حسب اختالف استعداد العصور واألمم‪ ،‬كي ال حيرج‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬حممد رشيد‪ .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪1990 ،‬م‪ ،‬ج‪،٦‬‬
‫ص‪.٣٤٢-٣٤1‬‬
‫(‪ )٢‬الصنعاين‪ ،‬عبد الرزاق بن اهلامم‪ .‬تفسري القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى مسلم حممد‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤10‬ه‪1989 /‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19٢‬‬
‫(‪ )٣‬الدهلوي‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٦٣‬‬
‫(‪ )٤‬البوطي‪ ،‬حممد سعيد رمضان‪ .‬كربى اليقينيات الكونية وجود اخلالق ووظيفة املخلوق‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار الفكر‬
‫املعارص‪ ،‬ط‪198٢ ،8‬م‪ ،‬ص‪.٧٢‬‬

‫‪٥٢‬‬
‫بتحمله‪ ،‬رمحة منه تعاىل؛ إذ علم أن يف طبع البرش البعد‬
‫ُّ‬ ‫اهلل الناس بتحميلهم ما ال ِق َبل هلم‬
‫(‪(1‬‬
‫عن إدراك ما مل تتهيأ نفسه إلدراكه‪"...‬‬

‫ويقول أيض ًا رمحه اهلل‪ ..." :‬كانت األديان والرشائع السالفة قبل اإلسالم جتيء خاصة‬
‫بعشائر‪ ،‬ثم بقبائل أو مدن‪ ،‬ثم بأمم‪ ،‬ألنك جتد الدين الذي يناسب حال أمة أو قبيلة ال‬
‫يناسب حال غريها‪ ،‬إال أن أصول ذلك كله ال ختتلف كام أنبأ بذلك قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [الشورى‪.]1٣ :‬‬
‫(‪(٢‬‬ ‫ُ‬
‫األديان السالفة كلها والرشائع السابقة بتخصيص دعوهتا بقوم معينني‪".‬‬ ‫رصحت‬
‫وقد َّ‬
‫‪ -‬تنوع طرق اإلقناع الترشيعية‪:‬‬

‫تبع ًا الختالفهم يف طرق اإلقناع‬ ‫(‪(٣‬‬


‫خيتلف الناس ويتفاوتون يف إدراك احلقائق‪،‬‬
‫والتصديق‪ ،‬حسب مستوياهتم وقدراهتم العقلية‪ ،‬وقد راعى القرآن الكريم هذا االختالف‬
‫يف خطابه للبرشية؛ إذ أمر احلق سبحانه النبي ﷺ بأن يدعو الطالبني للحقائق‪ ،‬باحلكمة‪،‬‬
‫واملوعظة‪ ،‬واجلدل بالتي هي أحسن‪.‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ﴾‬


‫[النحل‪ (٤(]1٢٥ :‬فيه داللة عىل أن رسول اهلل ﷺ كان عامده هذه الطرق الثالث يف الدعوة إىل‬
‫احلقائق التي بعث هبا‪ ،‬الختالف اخللق يف طرق التلقي للخطاب‪ ،‬واقتناعهم به‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪" )٣‬احلق‪ -1 :‬ما هو الواقع صدق ًا‪ -٢ .‬والواجب خلق ًا‪ -٣ .‬والبني ظهور ًا‪ .‬فالقيامة حق‪ ،‬واهلل تعاىل حق باملعنى األول‬
‫والثالث‪ ،‬والعدل حق باملعنى الثاين‪ ،‬واحلكمة حق باملعنى الثالث‪ .‬والشواهد عىل املعنى األول والثاين كثرية‪ ،‬وأما‬
‫املعنى الثالث فقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ﴾ [البقرة‪."]٧1 :‬‬
‫الفراهي‪ ،‬مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٧1‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٤‬يقول القرطبي يف سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬والقول بنسخها من عدمه‪" :‬هذه اآلية نزلت بمكة يف وقت األمر بمهادنة‬
‫قريش‪ ،‬وأمره أن يدعو إىل دين اهلل ورشعه بتلطف ولني دون خماشنة وتعنيف‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يوعظ املسلمون إىل‬
‫يوم القيامة‪ .‬فهي حمكمة يف جهة العصاة من املوحدين‪ ،‬ومنسوخة بالقتال يف حق الكافرين‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن من أمكنت‬
‫معه هذه األحوال من الكفار ورجي إيامنه هبا دون قتال فهي فيه حمكمة‪ .‬واهلل أعلم‪".‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٤٦‬‬

‫‪٥٣‬‬
‫فالناس متباينون وخمتلفون يف طرق إقناعهم‪ ،‬منهم من حيتاج إىل اليقني‪ ،‬ومنهم دون‬
‫ذلك؛ إذ يقترص عىل الظن‪ ،‬ومنهم املعاند املحتاج إىل اإلفحام‪ ،‬يقول الرازي‪" :‬إن إقناع الناس‬
‫ال بد له من حجة‪ ،‬واحلجج تنحرص يف ثالث‪ :‬أوهلا‪ :‬احلجة القطعية املفيدة للعقائد اليقينية‪،‬‬
‫وذلك هو املسمى باحلكمة‪ ،‬وهذه أرشف الدرجات وأعىل املقامات‪ ..‬وثانيها‪ :‬األمارات‬
‫الظنية والدالئل اإلقناعية‪ ،‬وهي املوعظة احلسنة‪ .‬وثالثها‪ :‬الدالئل التي يكون املقصود من‬
‫(‪(1‬‬
‫ذكرها إلزام اخلصوم وإفحامهم‪ ،‬وذلك هو اجلدل‪"...‬‬

‫ويقول الشوكاين‪" :‬باحلكمة؛ أي باملقالة املحكمة الصحيحة‪ ،‬قيل‪ :‬وهي احلجج القطعية‬
‫املفيدة لليقني‪ ،‬واملوعظة احلسنة‪ ،‬وهي املقالة املشتملة عىل املوعظة احلسنة التي يستحسنها‬
‫السامع‪ ،‬وتكون يف نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع هبا‪ .‬قيل‪ :‬وهي احلجج الظنية اإلقناعية‬
‫املوجبة للتصديق بمقدمات مقبولة‪ ،‬قيل‪ :‬وليس للدعوة إال هاتان الطريقتان‪ ،‬ولكن الداعي‬
‫قد حيتاج مع اخلصم األلد إىل استعامل املعارضة واملناقضة ونحو ذلك من اجلدل‪ ،‬وهلذا قال‬
‫سبحانه‪ ﴿ :‬ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ﴾ [النحل‪]1٢٥ :‬؛ أي بالطريق التي هي أحسن طرق‬
‫املجادلة‪ ،‬وإنام أمر سبحانه باملجادلة احلسنة لكون الداعي حمق ًا وغرضه صحيح ًا‪ ،‬وكان‬
‫(‪(٢‬‬
‫ال وغرضه فاسد ًا‪".‬‬
‫خصمه مبط ً‬

‫فهي طرق وأساليب متنوعة يف خماطبة املخالف‪ ،‬ودعوته إىل سبيل اهلل تعاىل‪ ،‬وهو‬
‫اإلسالم‪ ،‬ختتلف باختالف الطبيعة والبنية العقلية للمخاطب‪ ،‬وحسب طبيعته واستعداده‬
‫يف فهم اخلطاب واستيعابه‪ ،‬يقول البقاعي يف تفسري اآلية السابقة‪" :‬فهو بيان ألصناف‬
‫الدعوة بحسب عقول املدعوين؛ ألن األنبياء عليهم السالم مأمورون بأن خياطبوا الناس‬
‫(‪(٣‬‬
‫عىل قدر عقوهلم‪".‬‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب (التفسري الكبري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢0‬ص‪.1٤0‬‬
‫(‪ )٢‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن عيل‪ .‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار ابن كثري‬
‫ودار الكلم الطيب‪ ،‬ط‪1٤1٤ ،1‬ه‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ .٢٤٢‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٥88‬‬
‫(‪ )٣‬البقاعي‪ ،‬أبو احلسن برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن‪ .‬نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد الرزاق غالب املهدي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1٤1٥( ،‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٢٤‬‬

‫‪٥٤‬‬
‫إذ منهم صاحب العقل الثاقب‪ ،‬ومنهم من ال استعداد عنده‪ ،‬ومنهم املعاند اجلاحد‪،‬‬
‫فاحلكمة للعقالء أهل النظر الثاقب‪ ،‬واملوعظة للسذج‪ ،‬واجلدل للذين مل يرتقوا إىل‬
‫مرتبة احلكمة ومل يقتنعوا باملوعظة‪ (1(،‬فهو أمر بخطاب الناس بام تسعه عقوهلم من أجل‬
‫التصديق واإلقناع‪.‬‬

‫ويف هذا داللة عىل اختالف مستويات اخلطاب‪ ،‬الختالف مستويات التصديق‬
‫واإلقناع عند املخاطبني‪ ،‬يقول الغزايل‪" :‬واعلم أن املدعو إىل اهلل باحلكمة قوم‪ ،‬وباملوعظة‬
‫قوم‪ ،‬وباملجادلة قوم"‪ (٢(،‬وقال أيض ًا فيام نقله عنه ابن عرفة‪" :‬والرهان خياطب به األذكياء‪،‬‬
‫واخلطابة خياطب العوام؛ ألهنم ال يفهمون الرهان‪ ،‬وإنام يفهمون املواعظ‪ ،‬واجلدال ال‬
‫(‪(٣‬‬
‫خياطب به إال املعاندون يف االعتقاد؛ ألهنم ال يرجعون عن مذهبهم باملوعظة‪".‬‬

‫حاج خصمه ﴿ﭼ ﭽ‬
‫َّ‬ ‫وذكر الغزايل أن "إبراهيم اخلليل صلوات اهلل عليه ملا‬
‫ﭾ ﭿ﴾ [البقرة‪ ]٢٥8 :‬فلام رأى أن ذلك ال يناسبه وليس حسن ًا عنده قال‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃﮄ﴾ [البقرة‪ ]٢٥8 :‬وعدل إىل األوفق لطبعه واألقرب إىل فهمه‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﴾ [البقرة‪ ]٢٥8 :‬ومل يركب اخلليل‬
‫صلوات اهلل عليه ظهر اللجاج يف حتقيق عجزه عن إحياء املوتى؛ إذ علم أن ذلك يعس عليه‬
‫فهمه‪ :‬فإنه يظن أن القتل إماتة من جهته‪ .‬وحتقيق ذلك ال يالئم قرحيته‪ ،‬وال يناسب حده يف‬
‫(‪(٤‬‬
‫البصرية ودرجته‪"...‬‬

‫فتفاوت العقول اإلنسانية‪ ،‬يتطلب تنويع ًا يف اخلطاب‪ ،‬بام يوافق حال املخاطب املدعو‪،‬‬
‫ومن إعجاز القرآن‪ ،‬مراعاة هذا التفاوت واالختالف يف القدرات العقلية اإلنسانية‪ ،‬فجاء‬
‫اخلطاب إىل حممد بن عبد اهلل ﷺ يف هذه اآلية جامع ًا ألصول االستدالل التي يقع هبا‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢1٦‬‬
‫(‪ )٢‬الغزايل‪ ،‬القسطاس املستقيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤1‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عرفة‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد الورغمي‪ .‬تفسري ابن عرفة‪ ،‬حتقيق‪ :‬جالل السيوطي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪٢008( ،1‬م)‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٥٦‬‬
‫(‪ )٤‬الغزايل‪ ،‬القسطاس املستقيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.٤٢‬‬

‫‪٥٥‬‬
‫اإلقناع العقيل‪ (1(،‬يقول ابن عاشور‪" :‬ومن اإلعجاز العلمي يف القرآن أن هذه اآلية مجعت‬
‫احلق‪ ،‬وهي‪ :‬الرهان واخلطابة واجلدل املعر عنها يف علم املنطق‬
‫أصول االستدالل العقيل ّ‬
‫(‪(٢‬‬
‫بالصناعات‪ ،‬وهي املقبولة من الصناعات‪".‬‬
‫فالناس خيتلفون يف تصديقاهتم رغم وحدة احلقيقة(‪ ،(٣‬فطرق الوصول إليها ختتلف‬
‫وتتغاير‪ ،‬يقول ابن رشد‪" :‬وذلك أن عقول الناس متفاضلة يف التصديق‪ ،‬فمنهم من يصدق‬
‫بالرهان‪ ،‬ومنهم من يصدق باألقاويل اجلدلية تصديق صاحب الرهان بالرهان؛ إذ ليس‬
‫يف طباعه أكثر من ذلك‪ ،‬ومنهم من يصدق باألقاويل اخلطابية‪ ،‬كتصديق صاحب الرهان‬
‫(‪(٤‬‬
‫باألقاويل الرهانية‪".‬‬
‫والرشيعة اإلسالمية خصت بدعوة الناس مجيع ًا هبذه الطرق الثالث‪ ،‬مراعية بذلك‬
‫االختالف التكويني‪ ،‬فعم التصديق هبا كل الناس‪ ،‬لذلك كان رسول اهلل ﷺ خمصوص ًا دون‬
‫(‪(٥‬‬
‫غريه من األنبياء ببعثته إىل األمحر واألسود‪ ،‬لتضمني رشيعته كل طرق الدعوة إىل اهلل‪.‬‬
‫فهذا اعراف بتفاوت الناس يف مستويات تصديقهم وإقناعهم‪ ،‬لذلك رشع ما يوافق‬
‫هذه الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬ومراعاهتا يف اخلطاب الترشيعي‪ ،‬يقول ابن عرفة‪" :‬والختالف الناس‬
‫ُأمر ُّ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم أن يدعو بالثالثة قدر العمل والفهم‪ ،‬فدعا بعض‬
‫اخللق باحلكمة وهم اخلواص‪ ،‬ومن دوهنم دعاهم باجلدال‪ ،‬والعوام دعاهم باملوعظة؛ إذ لو‬
‫(‪(٦‬‬
‫دعوا باحلكمة مل يفهموها‪"..‬‬

‫(‪ )1‬محدان‪ ،‬خالد حسني‪" .‬اإلقناع أسسه وأهدافه يف ضوء أسلوب القرآن الكريم‪ :‬دراسة وصفية حتليلية»‪ ،‬مؤمتر الدعوة‬
‫اإلسالمية ومتغريات العرص‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية بغزة‪ ،‬كلية أصول الدين‪1٤٢٦( ،‬ه‪٢00٥/‬م)‪ ،‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬القييس‪ ،‬عبد احلميد‪" .‬الرهان واستدالالته يف القرآن‪ "،‬جملة كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬العدد‪،)1٦( :‬‬
‫(‪1٤٢8‬ه‪٢00٧/‬م)‪ ،‬ص‪.٢٦1‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٣٣1‬‬
‫(‪ )٣‬انظر ما ذكره ابن عاشور يف حتقيق معاين‪" :‬احلقائق" و"االعتبارات" و"األوهام‪ "،‬و"التخيالت‪ "،‬يف فصل‪" :‬اإلسالم‬
‫حقائق ال أوهام‪ ".‬يف‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢8‬‬
‫(‪ )٤‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد‪ .‬فصل املقال فيام بني احلكمة والرشيعة من االتصال‪ ،‬دراسة وحتقيق‪:‬‬
‫حممد عامرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪( ،٢‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.٣1‬‬
‫(‪ )٥‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )٦‬ابن عرفة‪ ،‬تفسري ابن عرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪( .٥٦‬بترصف يسري)‪.‬‬

‫‪٥٦‬‬
‫اخلطاب القرآين‬
‫ُ‬ ‫ونظر ًا هلذه االختالفات التكوينية‪ ،‬التي فطر اهلل عليها اخللق‪ ،‬جاء‬
‫مراعي ًا هذه الفطرة اإلنسانية‪ ،‬وهذا االختالف يف التل ّقي عن اهلل‪ ،‬يقول الغزايل‪" :‬إن القرآن‬
‫(‪(1‬‬
‫الكريم جاء فيه أمر وهني وإباحة‪ ،‬ووعد ووعيد‪ ،‬وأمثال ومواعظ‪ ،‬وهذه اختالفات"‪،‬‬
‫وهذا اختالف يف األحكام الختالف األحوال‪.‬‬
‫تنوع مستويات خطابه اإلقناعي‪ ،‬يؤسس لالختالف‬
‫وبذلك يكون اخلطاب القرآين يف ّ‬
‫اإلنساين‪ ،‬ويعرف بمستويات عقول البرش‪ ،‬واستعداداهتم‪ ،‬وميوالهتم يف التلقي واالمتثال‪،‬‬
‫لذلك ّقرر العلامء أنه إذا »قال الشارع حيل ركوب البحر ملن غلب عىل ظنه السالمة‪ ،‬وحيرم‬
‫عىل من غلب عىل ظنه اهلالك‪ ،‬فغلب عىل ظن اجلبان اهلالك‪ ،‬وعىل ظن اجلسور السالمة‪،‬‬
‫حرم عىل اجلبان‪ ،‬وحل للجسور‪ ،‬الختالف حاهلام"‪ (٢(،‬فاختالف حال املكلف يف اتباع ما‬
‫معرف به يف إناطة األحكام‪ .‬كام أن التكليف يرد "عليه‬
‫ٌ‬ ‫ر يف الرشع‪،‬‬
‫غلب عىل ظنه معت ٌ‬
‫معل ًام مؤدب ًا يف حالته التي هو عليها"(‪ (٣‬من االختالف فيام جبله اهلل عليه من الغرائز الفطرية‬
‫واملطالب اإلهلامية‪.‬‬
‫‪ -‬األمر باالجتهاد واستعامل العقل‪:‬‬
‫أشار القرآن الكريم إىل مرشوعية االجتهاد‪ ،‬وأنه طريق النظر يف علوم الرشيعة(‪،(٤‬‬
‫وهو منشأ االختالف يف الظنيات‪ (٥(،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٧٥‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤1٦‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٢9‬‬
‫(‪ )٤‬الدهلوي‪ ،‬أمحد بن عبد الرحيم اهلندي‪ ،‬امللقب (شاه ويل اهلل)‪ .‬عقد اجليد يف أحكام االجتهاد والتقليد‪ ،‬تقديم‪ :‬عبد‬
‫اهلل السبت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عيل احللبي األثري‪ ،‬الشارقة‪ :‬دار الفتح‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬ص‪ .٢٤‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1٧٤‬‬
‫(‪ )٥‬الدين قطعي وظني‪ ،‬القطعي ال اجتهاد وال اختالف فيه‪ ،‬سواء يف القضايا االعتقادية أو األصولية أو الفقهية‪ ،‬أما‬
‫الظني فهو حمل االجتهاد واالختالف من غري التمييز بني األصول والفروع‪ ،‬فإن كل جمتهد يرى صواب مذهبه ‪ -‬فيام‬
‫يقبل االجتهاد‪ -‬عىل جهة الظن‪ ،‬وخطأ خمالفه عىل جهة الظن أيض ًا‪ ،‬وال قطع إال ألصول الدين وقواعده الكرى‪،‬‬
‫التي ال تقبل االختالف‪ .‬انظر ما كتبه ابن عاشور يف فصل‪" :‬مقاصد الرشيعة مرتبتان‪ :‬قطعية وظنية" يف‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر ابن عاشور‪ .‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬حتقيق ودراسة‪ :‬حممد الطاهر امليساوي‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬عامن‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪1٤٢1( ،٢‬ه‪٢001/‬م)‪ ،‬ص‪.٢٣1‬‬

‫‪٥٧‬‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮛ﴾ [النساء‪]8٣ :‬؛ "أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة‬
‫(‪(1‬‬
‫وعلومهم الرشيدة"‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [الشورى‪" ]٣8 :‬والشورى تعني البحث عن الصواب‬
‫فيام يعرض من أمور وفق أدلة الرشع‪ ،‬منصوصة أو غري منصوصة‪ ،‬وهذا ال يكون إال من‬
‫(‪(٢‬‬
‫خالل االجتهاد من أهل الرأي عىل اختالف ختصصاهتم وتنوع خراهتم‪".‬‬
‫والناس خيتلفون يف مستويات فهمهم‪ ،‬وقدراهتم العقلية‪ ،‬والقدرة عىل التعمق‪،‬‬
‫والتحليل‪ ،‬والتدقيق يف احلقائق العلمية‪ ،‬وأشار اخلطاب القرآين إىل االختالف يف الفهم‬
‫واالستنباط لألحكام يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﴾ [األنبياء‪]٧9 – ٧8 :‬‬

‫ومضمون القصة‪ :‬أن نزاع ًا وقع حول غنم قوم رعت حرث ًا لقوم آخرين‪ ،‬فرجعوا إىل سيدنا‬
‫داود عليه السالم ليحكم بينهم‪ ،‬فاجتهد بتقدير ما تلف من احلرث ويعوض عنه أصحابه‬
‫بام يعادله من أغنام اآلخرين‪ ،‬وحكم سيدنا سليامن باجتهاد وفهم خمالف يف املسألة‪،‬‬
‫وهو‪ :‬أن تدفع الغنم ألصحاب احلرث يستفيدون من ألباهنا وأصوافها‪ ،‬ويدفع احلرث‬
‫ألصحاب الغنم يصلحونه ثم يسرد ٌّ‬
‫كل حقه إليه‪ ،‬فرجع الغنم إىل أصحاهبا‪ ،‬واحلرث‬
‫(‪(٣‬‬
‫إىل أصحابه‪.‬‬
‫أقر اهلل ك ً‬
‫ال منهام عىل اجتهاده بقوله‪:‬‬ ‫هذان اجتهادان خمتلفان يف فهم مسألة واحدة‪َّ ،‬‬
‫﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﴾ قال ابن تيمية‪" :‬فاختص سليامن بالفهم‪ ،‬وأثنى عليهام باحلكم‬
‫والعلم"(‪ ،(٤‬ويقول ابن عاشور‪" :‬يف قصة داود وسليامن تنبيه عىل أصل االجتهاد‪ ،‬وهذه اآلي ُة‬
‫(‪(٥‬‬
‫أصل يف اختالف االجتهاد‪".‬‬

‫(‪ )1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.190‬‬
‫(‪ )٢‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬االجتهاد يف الرشيعة اإلسالمية مع نظرات حتليلية يف االجتهاد املعارص‪ ،‬الكويت والقاهرة‪ :‬دار‬
‫القلم‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬هـ‪199٦/‬م)‪ ،‬ص‪.٧٧‬‬
‫(‪ )٣‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.٤٧9-٤٧٤‬‬
‫(‪ )٤‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬رفع املالم عن األئمة األعالم‪ ،‬الرياض‪ :‬الرئاسة العامة إلدارة البحوث‬
‫العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬يف اململكة العربية السعودية‪1٤1٣( ،‬ه)‪ ،‬ص‪.٣8‬‬
‫(‪ )٥‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٧‬ص‪.118‬‬

‫‪٥8‬‬
‫"أمر باالعتبار"(‪ (1‬والنظر‪ ،‬ويقول‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [احلرش‪ ]٢ :‬فهذا ٌ‬
‫تعاىل يف األمر بحجة العقل‪ ﴿ (٢( :‬ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﴾ [الذاريات‪.]٢1 :‬‬
‫ِ‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬إِ َذا حكَم ا ِ‬
‫اب َف َل ُه َأ ْج َران‪َ ،‬وإِ َذا َحك ََم َف ْ‬
‫اجت ََهدَ ُث َّم‬ ‫اجت ََهدَ ُث َّم َأ َص َ‬
‫حلاك ُم َف ْ‬
‫َ َ َ‬
‫رصيح‬
‫ٌ‬ ‫َأ ْخ َط َأ َف َل ُه َأ ْج ٌر"(‪ (٣‬يقول عبد الكريم زيدان‪" :‬ووجه الداللة هبذا احلديث الرشيف أنه‬
‫يف إمكان خطأ املجتهد‪ ،‬ومعنى ذلك إمكان وقوع االختالف بني املصيب واملخطئ‪ ،‬وقد‬
‫حتقق هذا اإلمكان بوقوع االختالف فعالً‪ ،‬وملا كان احلديث الرشيف يقرر حصول األجر‬
‫للمصيب وللمخطئ؛ أي للمختلفني من املجتهدين‪ ،‬فمعنى ذلك أن اختالفهم سائغ‬
‫(‪(٤‬‬
‫مقبول؛ ألن األجر ال يرتب عىل فعل يشء مذموم‪".‬‬

‫وتأسيس ًا عىل خطاب الوحي‪ ،‬قال األصوليون بوجوب االجتهاد عىل املجتهد‪ ،‬يقول‬
‫اجلويني‪" :‬فقد وضح وجوب االجتهاد باألدلة القاطعة‪ ،‬فال سبيل إىل ترك ما ثبت قطع ًا بام مل‬
‫يثبت"‪ (٥(،‬ويف هذا داللة قوية عىل إرادة االختالف يف الفروع‪ ،‬وأن االختالف بني املذاهب‬
‫الفقهية يف الفروع (الظنيات)‪ ،‬يغاير االختالف يف األصول (القطعيات)‪.‬‬

‫ويقول ابن رشد‪" :‬والسبب يف ورود الرشع فيه الظاهر والباطن هو اختالف نظر الناس‬
‫وتباين قرائحهم يف التصديق‪ ،‬والسبب يف ورود الظواهر املتعارضة فيه‪ ،‬هو تنبيه الراسخني‬
‫يف العلم عىل التأويل اجلامع بينهام‪ ،‬وإىل هذا املعنى وردت اإلشارة بقوله تعاىل‪﴿ :‬ﲇ ﲈ‬
‫(‪(٦‬‬
‫ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ﴾ إىل قوله‪﴿ :‬ﲩ ﲪ ﲫ﴾ [آل عمران‪".]٧ :‬‬

‫(‪ )1‬أبو يعىل‪ ،‬القايض أبو يعىل حممد بن احلسني احلنبيل ابن الفراء‪ .‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬وديع زيدان حداد‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار املرشق‪ ،‬ط‪198٦( ،1‬م)‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب‪ِ :‬‬
‫أجر احلاك ِم إذا اجتهد فأصاب‬
‫أو أخطأ‪ ،‬ج‪ ،9‬حديث رقم (‪ ،)٧٣٥٢‬ص‪.180‬‬
‫(‪ )٤‬زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬اخلالف يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤08( ،٢‬ه‪1988/‬م)‪ ،‬ص‪.٢0‬‬
‫(‪ )٥‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل إمام احلرمني عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬االجتهاد (من كتاب التلخيص إلمام‬
‫احلرمني)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد احلميد أبو زنيد‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار القلم ودارة العلوم الثقافية‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬ه)‪ ،‬ص‪.11٤‬‬
‫(‪ )٦‬ابن رشد‪ ،‬فصل املقال فيام بني احلكمة والرشيعة من االتصال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٤‬‬

‫‪٥9‬‬
‫ويقول القرضاوي يف بيان جمال االجتهاد‪" :‬ويظهر يل ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن جمال االجتهاد‬
‫هو‪ :‬كل مسألة رشعية ليس فيها دليل قطعي الثبوت‪ ،‬قطعي الداللة‪ ،‬سواء كانت من املسائل‬
‫(‪(1‬‬
‫األصلية االعتقادية‪ ،‬أم من املسائل الفرعية العملية‪".‬‬
‫فاالختالف الذي أراده اهلل تعاىل بإرادته الترشيعية‪ ،‬هو االختالف الذي ال رضر فيه‪.‬‬
‫يروي الطري عن احلسن يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭢ ﭣﭤ﴾ [هود‪" :]119 :‬أما أهل رمحة اهلل‬
‫يرضهم"‪" (٢(،‬يعني ألنه ‪-‬أي االختالف‪ -‬يف مسائل االجتهاد التي‬ ‫فإهنم ال خيتلفون اختالف ًا ّ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ال نص فيها بقطع العذر‪ ،‬بل هلم فيه أعظم العذر‪".‬‬
‫وجييب الشاطبي عن سؤال‪ :‬هل أهل الرمحة داخلون حتت قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ﴾ [هود‪ ]118 :‬أم ال؟ بقوله‪ ..." :‬واجلواب أنه ال يصح أن يدخل حتت مقتضاها أهل‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬االجتهاد يف الرشيعة اإلسالمية مع نظرات حتليلية يف االجتهاد املعارص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٥‬‬
‫وذكر املؤلف "أن جميء خطاب الرشع عىل هذه الصفة من الظنية دليل عىل اإلذن يف االجتهاد فيها‪ ،‬ولو‬
‫شاء سبحانه ألنزل فيها قواطع األدلة‪ ،‬ومنع االختالف فيها‪ ،‬لكنه أنزل كتابه‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ﴾ [آل عمران‪ ]٧ :‬وهذا ما جعل دين اهلل يتسع للمختلفني‪ ،‬أما تأثيم املجتهد يف املسائل العلمية واالعتيادية‪،‬‬
‫فهو مناف ملا قرره القرآن والسنة‪ ،..‬وكل من بذل وسعه يف طلب احلقيقة فقد أتى بام كلفه اهلل به من بذل اجلهد‪،‬‬
‫ومل يكلفه اهلل فوق طاقته‪ ،‬وهذا منقول عن ابن دقيق العيد وابن تيمية‪ .‬أما التفريق بني أصول يكفر بإنكارها‬
‫وفروع ال يكفر بإنكارها ال أصل له يف الصحابة والتابعني وال أئمة اإلسالم‪ ،‬وإنام هو منقول عن املعتزلة‪ ،‬أما‬
‫إخراج املسائل العلمية االعتقادية من جمال االجتهاد‪ ،‬فأدى إىل تكفري املخالفني هلم يف األصول‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬االجتهاد يف الرشيعة اإلسالمية مع نظرات حتليلية يف االجتهاد املعارص‪ ،‬مرجع سابق‪( ،‬بترصف‬
‫جعل الدين قسمني‪ :‬أصوالً‬ ‫يسري)‪ .‬يقول ابن تيمية‪" :‬ومل يفرق أحد من السلف واألئمة بني أصول وفروع‪ .‬بل ُ‬
‫وفروع ًا‪ ،‬مل يكن معروف ًا يف الصحابة والتابعني‪ ،‬ومل يقل أحدٌ من السلف والصحابة والتابعني‪ :‬إن املجتهد الذي‬
‫استفرغ وسعه يف طلب احلق يأثم ال يف األصول وال يف الفروع‪ ،‬ولكن هذا التفريق ظهر من جهة املعتزلة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫احل َس ِن ا ْل َعن َ ِْر ِّي أنه قال‪ :‬كل‬ ‫ِ‬
‫جمتهد‬ ‫وأدخله يف أصول الفقه من نقل ذلك عنهم‪ ،‬وحكوا عن ُع َب ْيد اهللَِّ ْب ِن ْ َ‬
‫األئمة كأيب حنيفة والشافعي وغريمها‪ .‬وهلذا يقبلون شهادة أهل‬ ‫ِ‬ ‫يأثم‪ .‬وهذا قول عامة‬
‫مصيب‪ ،‬ومراده‪ :‬أنه ال ُ‬
‫ٌ‬
‫األهواء‪ ،‬ويص ّلون خلفهم‪ ،‬ومن ردها ‪-‬كاملك وأمحد‪ -‬فليس ذلك مستلزم ًا إلثمهام؛ لكن املقصود إنكار‬
‫صل خلفه‪ ،‬ومل تقبل شهادته كان ذلك منع ًا له من إظهار البدعة‪،‬‬ ‫املنكر وهجر من أظهر البدعة‪ ،‬فإذا هجر ومل ُي ّ‬
‫وهلذا َّفرق أمحد وغريه بني الداعية للبدعة املظهر هلا وغريه‪ ،‬وكذلك قال اخلرقي‪ :‬ومن صىل خلف من جيهر‬
‫ببدعة أو منكر أعاد" انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬جمموع الفتاوى‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن القاسم‪ ،‬املدينة‬
‫املنورة‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف‪1٤1٦( ،‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.1٢٥‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.٥٣٦‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣9٤‬‬

‫‪٦0‬‬
‫هذا االختالف من أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬أن اآلية اقتضت أن أهل االختالف املذكورين مباينون‬
‫ألهل الرمحة‪ (1("...‬واختالف أهل الرمحة فيام بينهم ال يرض؛ ألن هلم أصالً يرجعون إليه‪ ،‬يقول‬
‫الشاطبي‪" :‬ومع أن الشارع ملا علم أن هذا النوع من االختالف واقع‪ ،‬أتى فيه بأصل يرجع‬
‫(‪(٢‬‬
‫إليه‪ ،‬وهو قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [النساء‪".]٥9 :‬‬

‫‪ -3‬سياق االختالف املذموم واملحمود‪:‬‬

‫ذكر القرآن الكريم أن من سبقنا من أهل الرشائع قد اختلفوا يف الدين‪ ،‬بعد ما جاءهتم‬
‫البينات‪ ،‬وجاءهم العلم‪ ،‬قال تعاىل يف افراق أهل الكتاب بعد جميء البينات‪ ﴿ :‬ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [البينة‪ ،]٤ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬
‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ﴾ [البقرة‪ ،]٢1٣ :‬وقال يف شأن بني إرسائيل كذلك‬
‫واختالفهم بعد البينات والعلم بغي ًا بينهم‪ ﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ﴾ [اجلاثية‪.]1٧ :‬‬

‫وقال تعاىل يف شأن النصارى واختالفهم يف أمر سيدنا عيسى بغي ًا بينهم‪ ،‬وتعمد ًا‬
‫لالختالف بعد ما جاءهم العلم(‪﴿ :(٣‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊﮋ﴾ [آل عمران‪ ،]19 :‬وقال سبحانه يف حق تفرق الكفار املرشكني واختالفهم‪،‬‬
‫بعدما جاءهم سيدنا نوح بالدين احلق‪ ،‬وهناهم عن عدم التفرق فيه(‪ ﴿ :(٤‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﴾ [الشورى‪ .]1٤ :‬وذم القرآن الذين تفرقوا واختلفوا يف الدين من أهل‬
‫ِّ‬
‫"تحذر من التفرق الذي ينتهي إىل تكوين الفرق‪ ،‬ومن تقطع األمر‬ ‫الكتاب يف آيات كثرية‪،‬‬
‫والتعصب‪ ،‬الذي يقود بدوره إىل الترشذم والتش ّيع‬
‫ّ‬ ‫التحزب‬
‫ّ‬ ‫زبر ًا‪ ،‬الذي ينتهي بدوره إىل‬
‫(‪(٥‬‬
‫ليصبح ﴿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [الروم‪".]٣٢ :‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ذكر عدة أوجه راجعها يف حملها‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣9٤‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣9٣‬‬
‫(‪ )٣‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٢٧٦‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪.٥1٤‬‬
‫(‪ )٥‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ .‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬قضايا إسالمية معارصة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اهلادي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٤‬ه‪٢00٣/‬م)‪ ،‬ص‪.18٧‬‬

‫‪٦1‬‬
‫ويقول تعاىل حمذر ًا املؤمنني من مثل فعل أهل الكتاب وهو‪ :‬إلقاء الشبهات يف‬
‫النصوص‪ ،‬واستخراج التأويالت الفاسدة والبعيدة‪ ،‬واملغرية لداللة هذه النصوص(‪،(1‬‬
‫واملفضية إىل االفراق وضياع الوحدة واالئتالف‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯﮰ ﴾ [آل عمران‪ (٢(]10٥ :‬فاآلية تضمنت ثالثة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬التحذير للمؤمنني من فعل أهل الكتاب‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬الذم لفعل أهل الكتاب‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن االختالف واالفراق كان بعد البينة الواضحة‪ ،‬فهو اختالف من غري‬
‫مسوغ موضوعي‪.‬‬
‫ونظريه يف التحذير قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [الروم‪ ]٣٢ – ٣1 :‬يقول ابن عاشور‪" :‬وهذه‬
‫حالة ذميمة من أحوال أهل الرشك يراد حتذير املسلمني من الوقوع يف مثلها‪ ،‬فإذا اختلفوا يف‬
‫أمور الدين االختالف الذي يقتضيه اختالف االجتهاد‪ ،‬أو اختلفوا يف اآلراء والسياسات‬
‫فليحذروا أن جيرهم ذلك االختالف إىل أن يكونوا شيع ًا متع ِ‬
‫ادين‬ ‫َ‬ ‫الختالف العوائد‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫(‪(٣‬‬
‫بعضهم بأس بعض‪".‬‬
‫ْ‬ ‫متفرقني؛ يلعن بعضهم بعض ًا‪ ،‬و ُي ِذيق‬
‫ِّ‬
‫جذري يف العقائد وما وراء املادة‬
‫ٌّ‬ ‫خالف‬
‫ٌ‬ ‫املنهي عنه‬
‫َّ‬ ‫ويرى حممد الغزايل ّ‬
‫أن‪" :‬التفريق‬
‫واملغيبات؛ ألن الكالم فيها ليس له سند عقيل عند الناس‪ ،‬ولكنه تطاحن عىل فهم بدا‬
‫لصاحبه‪ ،‬هذا كله كالم أرى اخلوض فيه ُيعدّ أوالً‪ :‬كالم ًا ال معنى له وال لزوم له‪ ،‬وثاني ًا‪:‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫ألن اخلوض فيه يؤدي إىل انقسام ديني خطري‪"...‬‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.18٤‬‬


‫(‪ )٢‬يقول اآللويس‪" :‬وهم اليهود والنصارى‪ .‬قاله احلسن والربيع‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬اآللويس‪ ،‬شهاب الدين حممود بن عبد اهلل‪ .‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل عبد‬
‫الباري عطية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٥ ،1‬ه‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪ .٢٣‬ويروي الشاطبي عن قتادة أهنم أهل‬
‫البدع‪ .‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٣‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪.9٦‬‬
‫(‪ )٤‬الغزايل‪ ،‬حممد‪ ،‬كيف نتعامل مع القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬هنضة مرص‪ ،‬ط‪٢00٥( ،٧‬م)‪ ،‬ص‪.109‬‬

‫‪٦٢‬‬
‫ويقول الشاطبي‪" :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﴾ [آل عمران‪ ]10٥ :‬فهذا وعيد‪ ،‬ثم قال تعاىل‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜ﴾ [آل عمران‪ ]10٦ :‬وتسويد الوجوه عالمة اخلزي ودخول النار‪ ،‬ثم قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯡ ﯢ‬
‫ﯤ ﯥ﴾ [آل عمران‪]10٦ :‬‬ ‫ﯣ ﴾ [آل عمران‪ ]10٦ :‬وهو تقريع وتوبيخ‪ ،‬ثم قال تعاىل‪﴿ :‬‬
‫(‪(1‬‬
‫وهو تأكيد آخر‪ .‬وكل هذا التقرير بناء عىل أن املراد باآليات أهل القبلة من أهل البدع‪".‬‬

‫وهذا التحذير للمؤمنني خمافة سلوك مسلك اآلخرين يف االختالف والتفرق‪ ،‬وقد‬
‫أخر النبي ﷺ بافراق األمة كافراق األمم السابقة‪ ،‬قال بعد ذكر افراق اليهود والنصارى‪:‬‬
‫ني فِ ْر َق ًة"‪ (٢(،‬يقول الشاطبي‪" :‬وهذا‪ ...‬عند كثري من‬ ‫ث َو َس ْب ِع َ‬
‫"‪ ...‬و َت ْف َ ِر ُق ُأمتِي َع َىل َث َال ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ر ًا‬ ‫َان َق ْب َلك ُْم‪ ،‬ش ْ‬
‫ر ًا ش ْ‬ ‫أهل العلم خاص بأهل األهواء"‪ (٣(،‬وقال ﷺ‪َ » :‬ل َت ْت َب ُع َّن َسنَ َن َم ْن ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم"(‪ (٤‬يقول الشاطبي‪" :‬وهذا‪ ...‬عام‬ ‫ب تَبِ ْعت ُُم ُ‬
‫َوذ َراع ًا بِذ َراعٍ‪َ ،‬حتَّى َل ْو َد َخ ُلوا ُج ْح َر َض ٍّ‬
‫يف املخالفات‪ (٥(".‬واآلية جاءت يف سياق أمرهم باالعتصام بحبل اهلل واالجتامع واأللفة‪،‬‬
‫وتذكريهم بفضل اهلل عليهم الذي ألف بني قلوهبم باإلسالم‪ ،‬بعد ما كان بينهم من عداوة‬
‫قبله‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ‪[ ﴾...‬آل عمران‪.]10٣ :‬‬

‫حرم اخلطاب القرآين االفراق يف الدين واالختالف يف أصوله وهنى عنه(‪ (٦‬يقول‬
‫وقد ّ‬
‫اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﴾ [األنعام‪ (٧( ]1٥9 :‬حكى الطري‪:‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٤0‬‬


‫(‪ )٢‬أبو داود‪ ،‬سليامن بن األشعث السجستاين‪ .‬سنن أيب داود‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وكامل قره بليل‪ ،‬بريوت‪ :‬مكتبة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٣0( ،1‬ه‪٢009/‬م) باب‪ :‬رشح السنة‪ ،‬ج‪ ،٧‬حديث رقم (‪ ،)٤٥9٦‬ص‪.٥‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٧‬‬
‫(‪ )٤‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب‪ :‬قول النبي ﷺ‪َ " :‬ل َت ْت َب ُع َّن َسنَ َن‬
‫َان َق ْب َلك ُْم"‪ ،‬ج‪ ،9‬حديث رقم (‪ ،)٧٣٢0‬ص‪.10٣‬‬
‫َم ْن ك َ‬
‫(‪ )٥‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٧‬‬
‫(‪ )٦‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٢9-٤٢8‬‬
‫(‪ )٧‬يقول الشاطبي‪" :‬فنسب إليهم التفرق (يعني أهل البدع) ولو كان التفرق من مقتىض الدليل مل ينسبه إليهم‪ ،‬وال أتى‬
‫به يف معرض الذم‪ ،‬وليس ذلك إال باتباع اهلوى‪ »:‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.٦01‬‬

‫‪٦٣‬‬
‫(إن ا َّل ِذي َن َف َار ُقو ْا ِدين َُه ْم) وهي منسوبة لسيدنا عيل ‪ ،‬وعىل‬
‫يف اآلية قراءتان‪ (1(:‬األوىل‪َّ :‬‬
‫هذه القراءة يكون املراد‪ :‬افراق أهل القبلة‪ ،‬وهي القراءة التي تعنينا هنا‪ .‬والقراءة الثانية‪:‬‬
‫تفرق اليهود والنصارى‬
‫﴿ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ وهي قراءة عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬فيكون املراد ّ‬
‫يف أصل الدين الواحد‪.‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ممن َّفرق‬ ‫نؤصل له‪ ،‬وهو براءة‬
‫وكلتا القراءتني ختدمان املعنى الذي ّ‬
‫الدين اجلامع املؤ َّلف‪ ،‬بالشبهات الباطلة‪ ،‬والتأويالت املخرجة للنصوص عن دالالهتا‪،‬‬
‫واتباع املتشابه من غري إرجاعه إىل املحكم‪ ،‬سواء كان حنيف ًا مسل ًام أو كان من أهل الكتاب‪،‬‬
‫يقول الشاطبي رواي ًة عن بعض العلامء بخصوص اآلية‪" :‬صاروا فرق ًا التباع أهوائهم‪،‬‬
‫وبمفارقة الدين تشتت أهواؤهم فافرقوا‪ ،‬وهم أصحاب البدع وأصحاب الضالالت‪،‬‬
‫والكالم يف ما مل يأذن اهلل فيه وال رسوله"‪ (٢(.‬واملقصود بالتفريق يف اآلية التفريق يف العقائد‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫وهو االختالف املذموم‪ ،‬وليس التفريق يف املذاهب االجتهادية‪ ،‬وهو االختالف املحمود‪.‬‬

‫وقال ابن كثري‪" :‬والظاهر أن اآلية عامة يف كل من فارق دين اهلل وكان خمالف ًا له‪ ،‬فإن‬
‫اهلل بعث رسو َله باهلدى ودين احلق ليظهره عىل الدين كله‪ ،‬ورشعه واحد ال اختالف فيه‬
‫وال افراق‪ ،‬فمن اختلف فيه ﴿ ﭽ ﭾ﴾؛ أي فرق ًا كأهل امللل والنحل ‪-‬وهي األهواء‬
‫والضالالت‪ -‬فاهلل قد َب َّرأ رسوله مما هم فيه‪ .‬وهذه اآلية كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫(‪(٤‬‬
‫ﮑﮒ ﴾ [الشورى‪".]1٣ :‬‬

‫والتنازع عقوبة من العقوبات القدرية التي‬


‫َ‬ ‫التفر َق‬
‫أن ُّ‬ ‫وقد أشار القرآن الكريم إىل ّ‬
‫تنزل باألمم‪ ،‬مثل إرسال الصواعق من فوقهم‪ ،‬أو َخ ْسف األرض من حتتهم يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.٢٦9-٢٦8‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٢8‬‬
‫(‪ )٣‬الغزايل‪ ،‬كيف نتعامل مع القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11٣‬‬
‫(‪ )٤‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء عامد الدين إسامعيل بن عمر بن كثري الدمشقي‪ .‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق‪ :‬سامي بن حممد‬
‫سالمة‪ ،‬بريوت والرياض‪ :‬دار طيبة للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،٢‬ه‪1999/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٣٧٧‬‬

‫‪٦٤‬‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝ ﴾ [األنعام‪ ،]٦٥ :‬عرض الطري األقوال يف من عني هبذه اآلية‪ ،‬هل هم أهل الرشك؟ أم‬
‫أن بعضها يف أهل الرشك وبعضها يف املسلمني؟ وبعد ما صوب القول بأهنا يف أهل الرشك‬
‫قال‪ ..." :‬فإنه قد عم وعيده بذلك كل من سلك سبيلهم من أهل اخلالف عىل اهلل وعىل‬
‫رسوله‪ ،‬والتكذيب بآيات اهلل من هذه وغريها"(‪" ،(1‬وقال جماهد وأبو العالية‪ :‬إن اآلية ألمة‬
‫رصيح يف أن اختالف األهواء مكروه غري‬
‫ٌ‬ ‫حممد ﷺ‪ ،(٢("...‬ويقول الشاطبي‪ ..." :‬وهذا كله‬
‫(‪(٣‬‬
‫حمبوب ومذموم غري حممود‪".‬‬

‫فإن التفرقة من أسباب العداوة وتسليط األعداء‪ ،‬يقول ابن تيمية‪" :‬وبالد الرشق‪ :‬من‬
‫(‪(٤‬‬
‫أسباب تسليط اهلل التر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم يف املذاهب وغريها‪"...‬‬

‫"ض ّالل الفرق املعدودة يف امللة اإلسالمية"(‪:(٥‬‬


‫وقال تعاىل يف النهي عن اتباع السبل وهم ُ‬
‫﴿ ‪...‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﱷ﴾ [األنعام‪.]1٥٣ :‬‬

‫وهذا االفراق واالختالف يف أصول الدين (القطعيات)‪ ،‬هو اختالف الذين يف قلوهبم‬
‫زيغ‪ (٦(،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬
‫ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ﴾‬
‫[آل عمران‪ ]٧ :‬يقول الشاطبي يف بيان هذا اخلطاب القرآين‪" :‬فأثبت هلم الزيغ أوالً‪ ،‬وهو امليل عن‬
‫الصواب‪ ،‬ثم اتباع املتشابه‪ ،‬وهو خالف املحكم الواضح املعنى‪ ،‬الذي هو ُأ ّم الكتاب ومعظمه‪،‬‬
‫ومتشاهبه عىل هذا قليل‪ ،‬فركوا اتباع املعظم إىل اتباع األقل املتشابه الذي ال ُيعطي مفهوم ًا واضح ًا‬
‫ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله‪ ،‬وطلب ًا ملعناه الذي ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬أو يعلمه اهلل والراسخون يف العلم‪،‬‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.٤٣1‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٧‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٧‬‬
‫(‪ )٤‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٢‬ص‪.٢٥٤‬‬
‫(‪ )٥‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10٣‬‬
‫(‪ )٦‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٢9-٤٢8‬‬

‫‪٦٥‬‬
‫وليس إال بر ّده إىل املحكم‪ ،‬ومل يفعل املبتدعة ذلك‪ ،‬فانظروا كيف اتبعوا أهواءهم أوالً يف مطالبة‬
‫الرشع‪ ،‬بشهادة اهلل"‪ (1(،‬وبر ِّد املتشابه إىل املحكم يكون لالجتهاد ضابط‪ ،‬ولالختالف جامع‪.‬‬
‫فاخلطاب القرآين يشتمل عىل حمكم ومتشابه‪ (٢(،‬واتباع املتشابه منشئ للفرقة يف الدين‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫يقول الرازي‪ :‬القرآن "مشتمل عىل حمكم وعىل متشابه‪ ،‬والتمسك باملتشاهبات غري جائز"‪،‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10٦-10٥‬‬


‫وقال الشاطبي يف موضع آخر من الكتاب نفسه ويف املوضوع عينه‪ .." :‬وذلك ألن هذه اآلية شملت قسمني مها أصل‬
‫امليش عىل طريق الصواب أو عىل طريق اخلطأ‪ ،‬أحدمها‪ :‬الراسخون يف العلم وهم الثابتو األقدام يف علم الرشيعة‪ ..‬القسم‬
‫الثاين‪ :‬من ليس براسخ يف العلم‪ ،‬وهو الزائغ فحصل له من اآلية وصفان‪ :‬أحدمها بالنص وهو الزيغ‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ﴾ والزيغ هو امليل عن الرصاط املستقيم وهو ذم هلم‪ ،‬والوصف الثاين باملعنى الذي أعطاه التقسيم‪ ،‬وهو‬
‫عدم الرسوخ يف العلم" نفسه‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ .1٦1-1٦0‬ويذكر الشاطبي يف املوافقات‪ ،‬يف سياق حديثه عن الفرق الزائغة‬
‫التي ذكرها حديث االفراق‪ ،‬أن األصل السر وعدم تعيينهم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٣٢‬‬
‫(‪ )٢‬انظر فصل "حكاية أقاويل الناس يف املحكم واملتشابه" يف‪:‬‬
‫‪ -‬األشعري‪ ،‬أبو احلسن عيل بن إسامعيل بن إسحاق‪ .‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين‬
‫عبد احلميد‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتبة العرصية‪1٤11( ،‬ه‪1990/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢9٣‬‬
‫‪ -‬البنا‪ ،‬حسن‪ .‬نظرات يف كتاب اهلل (تفسري الشهيد البنا)‪ ،‬مجعه وحققه وعلق عليه‪ :‬عصام تليمة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار التوزيع‬
‫والنرش اإلسالمية‪1٤٢٣( ،‬ه‪٢00٢/‬م)‪ ،‬ص‪.٥1٣‬‬
‫(‪ )٣‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.180‬‬
‫ويقول الرازي يف ضابط التمييز بني املحكم واملتشابه‪" :‬واعلم أن هذا موضع عظيم فنقول‪ :‬إن كل واحد من أصحاب املذاهب‬
‫يدعي أن اآليات املوافقة ملذهبه حمكمة‪ ،‬وأن اآليات املوافقة لقول خصمه متشاهبة‪ ،‬فاملعتزيل يقول قوله‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽ﴾ [الكهف‪ ]٢9 :‬حمكم‪ ،‬وقوله‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ [التكوير‪ ]٢9 :‬متشابه‪ ،‬والسني يقلب األمر يف‬
‫ال ملعنيني‪ ،‬وكان بالنسبة إىل أحدمها راجح ًا‪ ،‬وبالنسبة‬
‫ذلك‪ ،‬فال بد ههنا من قانون يرجع إليه يف هذا الباب‪ ،‬فنقول‪ :‬اللفظ إذا كان حمتم ً‬
‫إىل اآلخر مرجوح ًا‪ ،‬فإن محلناه عىل الراجح ومل نحمله عىل املرجوح‪ ،‬فهذا هو املحكم‪ ،‬وأما إن محلناه عىل املرجوح ومل نحمله عىل‬
‫الراجح‪ ،‬فهذا هو املتشابه‪ ،‬فنقول‪ :‬رصف اللفظ عن الراجح إىل املرجوح ال بد فيه من دليل منفصل‪ ،‬وذلك الدليل املنفصل إما أن‬
‫يكون لفظي ًا وإما أن يكون عقلي ًا‪ ".‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.18٢‬‬
‫وتك َّلم الشاطبي عن عالمات اخلالف والتفرق املذموم‪ ،‬لكن مناط هذه العالمات ال ينضبط‪ ،‬حيث نجد كل فرقة ترمي‬
‫غريها بإحدى هذه العالمات‪ ،‬فتدّ عي كل فرقة أهنا هي اجلامعة‪ ،‬وغريها هو املفارق للجامعة‪ ،‬وكل فرقة تدعي أهنا هي املتبعة‬
‫للمحكم‪ ،‬وغريها هو املتبع للمتشابه‪ ،‬وكل فرقة تتهم غريها باتباع اهلوى‪ ،‬وتنزه نفسها منه "فكيف يمكن مع اختالفهم يف املناط‬
‫الضبط بالعالمات‪ ".‬انظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10٦-10٥‬‬
‫وعدّ الشيعة العصمة هي السبيل حلسم مادة هذا االختالف‪ ،‬كام أعطيها رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وإال فكل حمق أو مبطل‬
‫يدعي احلق لنفسه دون من سواه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬

‫‪٦٦‬‬
‫كي ال يزيغ املجتهد فينشأ النزاع والشقاق‪ ،‬فيكون اخلالف نقم ًة‪ ،‬ال نعم ًة ورمح ًة؛ ألن الزيغ‬
‫ميل عن احلق واتباع للهوى‪ ،‬وهو طريق الضالل‪ ،‬يقول البنا‪" :‬حمكم تؤمن به وتعمل‬
‫تفوض يف‬
‫بمقتضاه‪ ،‬ومتشابه تؤمن به وتفوض علم حقيقته إىل اهلل‪ ،‬والرسوخ يف العلم‪ :‬أن ِّ‬
‫ذلك هو الظاهر من اآلية"‪ (1(،‬لكن ينبه حممد الغزايل عىل أنه "ال جيوز وصف اآلخرين بالزيغ‬
‫(‪(٢‬‬
‫أو الكفر‪ ،‬إال إذا كان هناك فع ً‬
‫ال من يريد أن يصف رب العاملني بغري ما ينبغي له‪".‬‬

‫وذكر الشاطبي أن أهل الزيغ يتبعون متشابه القرآن وهو‪ :‬ما أشكل معناه‪ ،‬ومل يبني مغزاه‪،‬‬
‫وقسمه إىل‪ :‬حقيقي وإضايف‪ ،‬واحلقيقي‪ :‬كاملجمل من األلفاظ‪ ،‬واإلضايف‪ :‬وهو ما حيتاج يف بيان‬
‫معناه احلقيقي إىل دليل خارجي‪ ،‬وإن كان يف نفسه ظاهر املعنى لبادي الرأي‪ ،‬ومثل هلذا القسم‬
‫الثاين من املتشابه‪ :‬بإبطال اخلوارج للتحكيم بقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﴾ [األنعام‪ ،...]٥٧ :‬فإن‬
‫ظاهر اآلية صحيح عىل اجلملة‪ ،‬وأما عىل التفصيل فمحتاج إىل البيان‪ ،‬وكذلك حمو االسم من‬
‫إمارة املؤمنني‪ ...،‬وكذلك قوهلم‪" :‬قاتل ومل يسب"‪ ...‬وع ّلق عىل هذا الوجه من الزيغ وغريه‬
‫من اتباع املتشابه بقوله‪" :‬فتأملوا وجه اتباع املتشاهبات‪ ،‬وكيف أدى إىل الضالل واخلروج عن‬
‫اجلامعة"‪ (٣(،‬فاالختالف الناشئ عن اتباع املتشاهبات‪ ،‬هيدم االجتامع واالئتالف‪.‬‬

‫فهذا النوع من االختالف حمرم يف اخلطاب القرآين‪ ،‬فهو اختالف يف الثوابت واجلوامع‬
‫املؤلفة‪ ،‬بل جعله القرآن كفر ًا –وإن كان كفر ًا دون كفر‪ ،-‬حينام حاول بعض اليهود إثارة‬
‫النعرة اجلاهلية بني األوس واخلزرج‪ ،‬فنزل قول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇﰈﰉ ﰊﰋﰌﰍ ﰎ ﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ‬
‫ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾ [آل عمران‪.]101 – 100 :‬‬
‫اختالف‬
‫ُ‬ ‫وعد الشافعي يف رسالته األصولية هذا النوع من االختالف حمرم ًا؛ ألنه‬
‫تفرق‪ ،‬واختالف بعد جميء البينات‪ (٤(،‬ويقول الغزايل‪ّ :‬‬
‫إن االختالف‪" :‬املنهي عنه االختالف‬ ‫ُّ‬

‫(‪ )1‬البنا‪ ،‬نظرات يف كتاب اهلل (تفسري الشهيد البنا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥1٤‬‬
‫(‪ )٢‬الغزايل‪ ،‬كيف نتعامل مع القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٣0‬‬
‫(‪ )٤‬الشافعي‪ ،‬الرسالة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .٥٦0‬يقول‪" :‬االختالف من وجهني أحدمها حمرم‪ ،‬وال أقول ذلك يف اآلخر‪".‬‬

‫‪٦٧‬‬
‫يف أصول الدين‪ ،‬وعىل الوالة واألئمة"‪ (1(،‬ويقول اجلويني‪ّ :‬‬
‫إن االختالف يف أصول الدين‬
‫القطعية حمرم؛ ألن املصيب فيها واحد‪" :‬املصيب فيها واحد‪ ،‬ومن عداه جاهل خمطئ‪ ،‬وهذا‬
‫ما صار إليه كافة األصوليني"‪ (٢(.‬وذكر الغزايل أن املخطئ يف القطعيات آثم‪ ،‬وقسمها إىل‪:‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫كالمية‪ ،‬وأصولية‪ ،‬وفقهية‪ (٣(،‬بل حيكم بكفره‪.‬‬
‫وهذا االختالف يف أصول الدين إرادة تكوينية‪ ،‬فهو داخل يف عموم قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [هود‪ ]118 :‬فاآلية تنتظم هذا النوع من االختالف‬
‫وهو "أن يقع االتفاق يف أصل الدين‪ ،‬ويقع االختالف يف بعض قواعده الكلية‪ ،‬وهو املؤدي إىل‬
‫ً (‪(٥‬‬
‫التفرق شيعا‪".‬‬
‫ويدل عليه كذلك قصة رغبة النبي ﷺ يف كتابة كتاب للصحابة‪ ،‬ال تضل األمة بعده‪،‬‬
‫وملا تنازع الصحابة‪ ،‬وكثر اللغط واالختالف‪ ،‬وغلبه ﷺ الوجع‪ ،‬رجع عن رأيه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" ُقو ُموا َعنِّي"‪ (٦(،‬وعلق الشاطبي عىل القصة بقوله‪ ..." :‬فكان ذلك –واهلل أعلم ‪ -‬وحي ًا‬
‫أوحى اهلل إليه أنه إن كتب هلم ذلك الكتاب مل يضلوا بعده البتة‪ ،‬فتخرج األمة عن مقتىض‬
‫قوله‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ بدخوهلا حتت قوله‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ﴾ [هود‪ ]119 :‬فأبى اهلل إال‬
‫ما سبق به علمه من اختالفهم‪ ،‬كام اختلف غريهم‪ ،‬رضينا بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬ونسأله أن يثبتنا‬
‫(‪(٧‬‬
‫عىل الكتاب والسنة‪ ،‬ويميتنا عىل ذلك بفضله‪".‬‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٢8‬‬


‫(‪ )٢‬اجلويني‪ ،‬االجتهاد (من كتاب التلخيص إلمام احلرمني)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥‬‬
‫(‪ )٣‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .٤00-٣99‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن الوزير‪ ،‬حممد بن ابراهيم‪ ،‬الربهان القاطع يف إثبات الصانع ومجيع ما جاءت به الرشائع‪ ،‬القاهرة‪ :‬املطبعة‬
‫السلفية‪1٣٤9 ،‬ه‪ ،‬ص‪.٥٢‬‬
‫(‪ )٤‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬االقتصاد يف االعتقاد‪ ،‬رشح وحتقيق وتعليق‪ :‬إنصاف رمضان‪ ،‬دمشق وبريوت‪:‬‬
‫دار قتيبة‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،1‬ه‪٢00٣ /‬م)‪ ،‬ص‪.1٧٧‬‬
‫(‪ )٥‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣9٦‬‬
‫الكتاب م َن‬
‫َ‬ ‫الرز ّي ِة ما حال بني رسول اهللّ ﷺ وبني ْ‬
‫أن يكتب هلم ذلك‬ ‫كل ّ‬ ‫الرز ّي َة ّ‬ ‫(‪ )٦‬فكان اب ُن ع ّباس يقول‪ّ :‬‬
‫"إن ّ‬
‫هم ولغ ِ‬
‫َطهم‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اختالف ْ‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب‪ :‬كراهية اخلالف‪ ،‬ج‪،9‬‬
‫حديث رقم (‪ ،)٧٣٦٦‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )٧‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣9٦‬‬

‫‪٦8‬‬
‫وذكر اخلطاب القرآين اآلثار السلبية هلذا النوع من االختالف عىل األمة اإلسالمية‪،‬‬
‫ومن أمهها اآلثار التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الضعف والعجز‪:‬‬
‫والنتيجة الطبيعية لذلك‪ ،‬ختلف النرص عن األمة وعجزها‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ [األنفال‪ ]٤٦ :‬يقول الطري‪:‬‬
‫فتفرقوا وختتلف قلوبكم فتفشلوا‪ ،‬يقول‪ :‬فتضعفوا‬
‫" ﴿ﭔ ﭕ ﭖ﴾ يقول‪ :‬وال ختتلفوا ّ‬
‫(‪(٢‬‬
‫وجتبنوا‪ ،‬وتذهب رحيكم"‪ (1(،‬يقول زيد بن عيل‪ ﴿ " :‬ﭗ ﭘﱉ﴾ معناه تنقطع دولتكم‪".‬‬
‫فهذا النوع من االختالف يوقع األمة يف العقوبات املعنوية‪ .‬روى البخاري عن‬
‫عبادة بن الصامت‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ خرج خير بليلة القدر‪َ ،‬ف َتال ََحى رجالن من املسلمني‬
‫رك ُْم بِ َل ْي َل ِة ال َقدْ ِر‪َ ،‬وإِ َّن ُه َتال ََحى ُفال ٌَن َو ُفال ٌَن‪َ ،‬ف ُرفِ َع ْت‪ (٣("...‬يقول‬ ‫ِ‬
‫فقال‪" :‬إِ ِّين َخ َر ْج ُت ألُ ْخ ِ َ‬
‫ابن حجر‪" :‬قوله َفت ََال َحى بفتح احلاء املهملة مشتق من الت ََّال ِحي بكسها‪ ،‬وهو التنازع‬
‫واملخاصمة‪ ...‬قال القايض عياض‪ :‬فيه دليل عىل أن املخاصمة مذمومة‪ ،‬وأهنا سبب يف‬
‫(‪(٤‬‬
‫العقوبة املعنوية؛ أي احلرمان‪"...‬‬
‫ب‪ -‬براءة الرسول ﷺ من املفرتقني‪:‬‬
‫قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﱳ﴾ [األنعام‪ ،]1٥9 :‬قال‬
‫اجلصاص‪ ﴿ " :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ املباعدة التامة من أن جيتمع معهم يف معنى من مذاهبهم‬
‫(‪(٥‬‬
‫الفاسدة‪ ،‬فليس منهم يف يشء؛ ألنه بريء من مجيعه‪".‬‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.٥٧٥‬‬


‫(‪ )٢‬ابن عيل‪ ،‬أبو احلسني زيد‪ .‬تفسري غريب القرآن املجيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد يوسف الدين‪ ،‬حيدر أباد‪ :‬مؤسسة تاج يوسف‪،‬‬
‫ط‪1٤٢٢( ،1‬ه‪٢001 /‬م)‪ ،‬ص ‪.10٥‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب اإليامن‪ ،‬باب‪ :‬خوف املؤمن من أن حيبط عمله وهو ال يشعر‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫حديث رقم (‪ ،)٤9‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )٤‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل شهاب الدين أمحد بن عيل بن حممد العسقالين‪ .‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬ر َّقم كتبه‬
‫وأبوابه وأحاديثه‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬قام بإخراجه وصححه وأرشف عىل طبعه‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬عليه‬
‫تعليقات‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪1٣٧9( ،‬ه)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11٣‬‬
‫(‪ )٥‬اجلصاص‪ ،‬أبو بكر أمحد بن عيل الرازي‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد صادق القمحاوي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الراث‬
‫العريب‪1٤0٥ ،‬ه‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.199‬‬

‫‪٦9‬‬
‫ت‪ -‬اسوداد وجوه طوائف من املفرتقني يوم القيامة‪:‬‬

‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬


‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾ [آل عمران‪]10٧ – 10٥ :‬‬ ‫ﯦﯧ‬
‫(‪(1‬‬
‫وتسو ُّد وجوه أهل البدعة‪".‬‬
‫َ‬ ‫يروي اب ُن كثري عن ابن عباس قوله‪" :‬تب َي ُّض وجوه أهل السنة‬
‫ٍ‬
‫حتقيق بديع للمذموم من االختالف واجلدل‪ ،‬واملحمود منهام يقول حمامد رفيع‪:‬‬ ‫ويف‬
‫"الناظر إىل نصوص الرشيعة كتاب ًا وسنة يف موضوع االختالف يلفيها تارة تذم االختالف‬
‫واجلدال‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ﴾ [آل عمران‪ ]19 :‬وقوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [آل عمران‪ ]10٥ :‬وقوله ﷺ‪" :‬إنام هلك من كان قبلكم باختالفهم يف‬
‫الكتاب" وقوله عليه السالم‪" :‬اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم‪ ،‬فإذا اختلفتم فقوموا عنه"‬
‫وأخرى تقره‪ .‬لكن بعد تأمل مورد الذم واإلقرار والرجوع إىل سياق النصوص املتعارضة‪،‬‬
‫جيلو أن الذامة منها للخالف واجلدال واردة يف شأن من ال علم له به وال حتقيق عنده فيام‬
‫يدعيه‪ ،‬يف حني أن النصوص األخرى املبيحة واردة يف شأن االختالف املتعلق بدائرة االجتهاد‬
‫الصادر من أهل النظر واالجتهاد‪ ،‬هبذا الفيصل بني نوعي االختالف يتشكل السياج الضامن‬
‫(‪(٢‬‬
‫لالختالف أن يسري يف اجتاه اإلثراء والبناء‪ ،‬وال ينزلق إىل االفراق واملراء‪".‬‬

‫وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫فإن االختالف املذموم يف القرآن الكريم هو االختالف يف الدين‪ ،‬ال‬
‫التفرق واالختالف بعد جميء‬
‫ُّ‬ ‫االختالف يف فهم الدين‪ ،‬لذلك جتد اآليات تنهى عن‬
‫البينات‪ ،‬والعلم الذي ال ريب فيه‪ ،‬وتنهى كذلك عن الزيغ‪ ،‬والبغي‪ ،‬والعدوان‪ ،‬واتباع‬
‫الظن‪ ،‬والتقليد‪ ،‬واجلهل‪ ،‬واتباع اهلوى‪ ،‬والتعصب‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٦٧‬‬
‫(‪ )٢‬رفيع‪ ،‬حمامد‪» .‬ضوابط تدبري االختالف مع اآلخر يف أصول الراث اإلسالمي‪ »،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪1٤٢9( ،٥٢ :‬ه‪٢008/‬م)‪ ،‬ص‪.9٧-9٦‬‬

‫‪٧0‬‬
‫وبذلك نستنتج أن كلمة "االختالف" غري مذمومة لذاهتا‪ ،‬بل الذم أو املدح يرتبط باملجال‬
‫الذي تستعمل فيه‪ ،‬فإذا كان االختالف يف الدين‪ ،‬اعتامد ًا عىل امليوالت النفسية‪ ،‬واالعوجاج‬
‫يف االستدالل‪ ،‬باتباع تقليد اآلباء والكراء‪ ،‬أو اتباع الظنون واألهواء‪ ،‬فهذا اختالف مذموم‪،‬‬
‫وإذا كان االختالف فيام تتفاوت فيه األفهام‪ ،‬وختتلف فيه املدارك العقلية‪ ،‬حسب اختالف‬
‫كام وكيف ًا‪ ،‬فهذا من االختالف املحمود‪ ،‬وهو‬
‫مصادر املعرفة‪ ،‬واختالف العلوم واملعارف ّ ً‬
‫اختالف أهل الرمحة؛ ألنه اختالف ال يرضهم‪ ،‬بل هو مرشوع برشعية االجتهاد‪.‬‬
‫‪ -4‬سياق االختالف يف إطار اجلوامع واملشرتكات‪:‬‬

‫وقد دعا القرآن الكريم إىل اجلامعة اإلسالمية اإلنسانية(‪ ،(1‬قال اهلل تعاىل يف سورة‬
‫األنبياء خماطب ًا أمة اإلسالم واإليامن ﴿ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ﴾‬
‫[األنبياء‪ ]9٢ :‬ثم بني ألمة اإلسالم يف سورة (املؤمنون) أنه خاطب مجيع النبيني هبذه الوحدة‬
‫لألمة فقال‪ ﴿ :‬ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ﴾ [املؤمنون‪.]٥٢ :‬‬

‫وقال تعاىل يف الدعوة إىل املشركات واجلوامع املوحدة للبرشية‪ ﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ‬


‫ﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿ‬
‫(‪(٢‬‬
‫ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [آل عمران‪.]٦٤ :‬‬

‫قال الزخمرشي‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ مستوية بيننا وبينكم‪ ،‬ال خيتلف فيها القرآن‬
‫والتوراة واإلنجيل ﴿ ﮄ ﮅ﴾ عن التوحيد ﴿ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾؛ أي لزمتكم‬
‫(‪(٣‬‬
‫احلجة‪ ،‬فوجب عليكم أن تعرفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم‪".‬‬

‫وش َّبه رسول اهلل ﷺ الرشائع التي جاء هبا األنبياء والرسل‪ ،‬بالبيت اجلامع املؤلف‬
‫لألنبياء وأتباعهم‪ ،‬عن أيب هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪" :‬إِ َّن م َث ِىل وم َث َل األَنْبِي ِ‬
‫اء ِم ْن َق ْب ِىل‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬حممد رشيد‪ .‬الوحي املحمدي‪ ،‬ثبوت النبوة بالقرآن ودعوة شعوب املدينة إىل اإلسالم دين األخوة اإلنسانية‬
‫والسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة عز الدين للطباعة والنرش‪ ،‬ط‪1٤0٦ ،٣‬ه‪ ،‬ص‪.٢٧٦-٢٧٥‬‬
‫(‪ ﴿ (٢‬ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ قيل‪ :‬هم أهل الكتابني‪ .‬وقيل‪ :‬وفد نجران‪ .‬وقيل‪ :‬هيود املدينة‪.‬‬
‫(‪ )٣‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ ،1٧٦-1٧٥‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥٦-٥٥‬‬

‫‪٧1‬‬
‫ون بِ ِه‬
‫َّاس َي ُطو ُف َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫مج َل ُه‪ ،‬إِالَّ َم ْوض َع َلبِنَة م ْن َز ِاو َية‪َ ،‬ف َج َع َل الن ُ‬ ‫ك ََم َث ِل َر ُج ٍل َبنَى َب ْيت ًا َف َأ ْح َسنَ ُه َو َأ ْ َ‬
‫(‪(1‬‬
‫ال ُو ِض َع ْت َه ِذ ِه ال َّلبِنَ ُّة‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأنَا ال َّلبِنَ ُة‪َ ،‬و َأنَا َخاتِ ُم النَّبِ ِّي َ‬
‫ني‪".‬‬ ‫ون‪َ :‬ه َّ‬ ‫ون َل ُه‪َ ،‬و َي ُقو ُل َ‬
‫َو َي ْع َج ُب َ‬

‫التفرق فيه‪ ،‬ودعا أهل الكتاب‪ ،‬وأهل‬


‫وشدَّ د القرآن الكريم عىل إقامة الدين‪ ،‬وعدم ّ‬
‫احلضارات‪ ،‬والطوائف‪ ،‬واملذاهب‪ ،‬والقوميات‪ ،‬إىل كلمة السواء؛ الكلمة الطيبة املوحدة‬
‫املؤلفة للمجتمع البرشي‪ ،‬وأمر بتزكية النفوس وهتذيبها إلبصار احلق املخت َلف فيه‪ ،‬ولتدبري‬
‫االختالف وبناء االئتالف‪ ،‬وهو ما جاءت به كل الرشائع‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﴾ [األعىل‪.]19 – 1٤ :‬‬

‫والقرآن الكريم الكتاب املعجز‪ ،‬املصدق للرسائل السابقة‪ ،‬والدليل عىل صدق الرسل‬
‫وما جاؤوا به‪ ،‬دعا البرشية مجعاء‪ ،‬السيام أتباع الرساالت الساموية إىل تدبري االختالف‪،‬‬
‫باالحتكام إىل األصول اجلامعة‪ ،‬باعتبارها جوامع تؤ ِّلف‪ ،‬وال ِّ‬
‫تفرق بني أتباع كل األنبياء‬
‫(‪(٢‬‬
‫سامهم اهلل تعاىل يف كتابه‪.‬‬
‫والرسل‪ ،‬الذين ّ‬

‫يقول رشيد رضا يف سياق تفسري‪ ،‬قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫ﭲ ﭳ﴾ [الفاحتة‪ ]٧ :‬يف جوابه عن إشكال دعوة القرآن التباع رصاط من قبلنا‪ ،‬ورشيعتنا‬
‫يرصح بأن دين اهلل يف مجيع األمم واحد‪،‬‬
‫أكمل وأصلح‪" :‬والقرآن ُي ِّبني لنا اجلواب‪ ،‬وهو أنه ِّ‬
‫وإنام ختتلف األحكام بالفروع التي ختتلف باختالف الزمان‪ ،‬وأما األصول فال خالف فيها‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ [آل عمران‪ ]٦٤ :‬اآلية‪ .‬وقال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﱌ﴾ [النساء‪ .]1٦٣ :‬فاإليامن باهلل وبرسله‬
‫(‪(٣‬‬ ‫ٍ‬
‫مستو يف اجلميع‪".‬‬ ‫وباليوم اآلخر‪ ،‬وترك الرش وعمل الر‪ ،‬والتخ ُّلق باألخالق الفاضلة‪،‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬املناقب‪ ،‬باب‪ :‬خاتم النبيني ﷺ‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪،)٣٥٣٥‬‬
‫ص‪.18٦‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٥‬ص‪.٥٣‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٦‬‬

‫‪٧٢‬‬
‫َ‬
‫أصول الدين التي بعث هبا األنبياء ‪-‬والتي مهمتها االرتقاء‬ ‫ويقول رشيد رضا أن‬
‫باإلنسان‪ -‬ال خالف فيها‪" :‬وأما تلك األصول‪ ،‬وهي اإليامن الصحيح وعبادة اهلل تعاىل‬
‫(‪(1‬‬
‫وحده‪ ،‬وحسن املعاملة مع الناس فهي التي ال خالف فيها‪".‬‬

‫وحد وأ َّلف القلوب‬


‫فاإلسالم دين مؤ ِّلف وجامع‪ ،‬ومن معجزات دين اإلسالم‪ ،‬أنه َّ‬
‫بعد العداوة والرصاع والنزاع‪ ،‬الذي كان بني العرب قبل دعوة اإلسالم‪ ،‬بل إن األلفة‬
‫خاصية مميزة لرسالة اإلسالم‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾ [األنفال‪.]٦٣ :‬‬

‫ودعوة القرآن الكريم دعوة جامعة ومؤلفة؛ ألهنا رسالة عاملية‪ (٢(،‬رسالة مجع وتأليف‬
‫(‪(٣‬‬
‫تعصب وال رفض وال إكراه‪ ،‬وال انغالق‪ .‬وبني الشافعي يف الرسالة‬
‫واستيعاب‪ ،‬ال ّ‬
‫كيف تدرجت رسالة اإلسالم يف خطاهبا من دعوة عشرية رسول اهلل ﷺ‪ (٤(،‬إىل نداء بطون‬
‫قريش‪ ،‬إىل إنذار أم القرى ومن حوهلا‪ ،‬ثم دعوة قومه مجيع ًا وهم العرب‪ ،‬إىل أن َّ‬
‫عم‬ ‫(‪(٧‬‬ ‫(‪(٦‬‬ ‫(‪(٥‬‬

‫(‪(8‬‬
‫اخللق كلهم بالبشارة والنذارة هبذه الرسالة اخلالدة‪ ،‬فأصبحت رسالة عاملية للبرشية كلها‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٦‬‬


‫(‪ )٢‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬هذا هو اإلسالم (‪ ،)3‬احرتام املقدسات‪ ،‬خريية األمة‪ :‬رشوط مكتسبة ال عنرصية موروثة‪ ،‬عوامل‬
‫تفوق اإلسالم‪ :‬شهادة غربية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الرشوق الدولية‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،1‬ه‪٢00٥/‬م)‪ ،‬ص‪ .91‬وانظر‪:‬‬
‫برغوث‪ ،‬الطيب‪ .‬منهج النبي ﷺ يف محاية الدعوة واملحافظة عىل منجزاهتا خالل الفرتة املكية‪ ،‬سلسلة قضايا‬ ‫‪-‬‬
‫الفكر اإلسالمي (‪ ،)1٧‬هريندن‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،1‬ه‪199٦/‬م)‪ ،‬ص‪.1٥0-1٤0‬‬
‫(‪ )٣‬الشافعي‪ ،‬الرسالة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1٥-1٣‬‬
‫(‪ ﴿ (٤‬ﱯ ﱰ ﱱ﴾ [الشعراء‪.]٢1٤ :‬‬
‫(‪ )٥‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الوصايا‪ ،‬باب‪ :‬هل يدخل النساء والولد يف األقارب؟ ج‪،٤‬‬
‫حديث رقم (‪ ،)٢٧٥٣‬ص‪.٦‬‬
‫(‪ ﴿ (٦‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [الشورى‪.]٧ :‬‬
‫(‪ ﴿ (٧‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ﴾ [الزخرف‪.]٤٣ :‬‬
‫(‪ )8‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ﴾ [سبأ‪ ،]٢8 :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾ [األنبياء‪ ..]10٧ :‬انظر يف احلديث عن عاملية اإلسالم باعتبارها خاصية من‬
‫خصائصه الكرى يف‪:‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.118‬‬

‫‪٧٣‬‬
‫ويف سياق حرص القرآن الكريم عىل أن يبقى االختالف يف إطار اجلوامع‪ ،‬حتى ال يكون‬
‫هادم ًا لالئتالف‪ ،‬يقول تعاىل يف ذم التفرق واالختالف فيام جاءت به البينات‪ (1(،‬وهي بمثابة‬
‫املرجعية اجلامعة‪﴿ :‬ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ﴾ [البينة‪.]٤ :‬‬

‫فاالختالف يف اخلطاب القرآين خيدم االئتالف واالجتامع‪ ،‬وال هيدمه وال يقوض‬
‫والتحاب والراحم والتعاطف‪ ،‬فكل‬
‫ّ‬ ‫أركانه‪ ،‬يقول الشاطبي‪" :‬اإلسالم يدعو إىل األلفة‬
‫رأي أ ّدى إىل خالف ذلك فخارج عن الدين‪ .‬وهذه اخلاصية قد َّ‬
‫دل عليها احلديث املتكلم‬
‫عليه (حديث االفراق) وهي موجودة يف كل فرقة من الفرق املتضمنة يف احلديث ‪ ...‬إال َّ‬
‫أن‬
‫الفرقة ال تعتر عىل أي وجه كانت؛ ألهنا ختتلف بالقوة والضعف"(‪.(٢‬‬

‫يقول ابن تيمية‪" :‬وأمرنا اهلل تعاىل باالجتامع واالئتالف‪ ،‬وهنانا عن التفرق‬
‫واالختالف"‪ (٣(،‬وهذا ما نطق به القرآن الكريم يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶﭷ ﴾ [آل عمران‪.]10٣ :‬‬

‫الك َُام ُحم ْ ِس ٌن‪َ ،‬والَ‬ ‫وقوله ﷺ البن مسعود ‪ ‬يف شأن االختالف يف القراءة القرآنية‪ِ :‬‬
‫"ك َ‬
‫اخ َت َل ُفوا َف َه َلكُوا"(‪ (٤‬ويقول ابن حجر‪" :‬إن يف هذا احلديث ّ‬
‫احلض‬ ‫ختت َِل ُفوا‪َ ،‬فإِ َّن َم ْن ك َ‬
‫َان َق ْب َلك ُُم ْ‬ ‫َْ‬
‫(‪(٥‬‬
‫عىل اجلامعة واأللفة والتحذير من الفرقة واالختالف‪".‬‬

‫ويقول سيد قطب‪ّ :‬‬


‫إن اإلنسانية يف التصور اإلسالمي‪" :‬وحدة تفرق أجزاؤها‬
‫لتجتمع‪ ،‬وختتلف لتتسق‪ ،‬وتذهب شتى املذاهب لتتعاون يف النهاية بعضها مع بعض‪ ،‬كي‬
‫(‪(٦‬‬
‫تصبح صاحلة لتتعاون مع الوجود املوحد‪".‬‬

‫(‪ )1‬الشافعي‪ ،‬الرسالة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ ،٥٦1-٥٦0‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣0‬ص‪.٢00‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٢9‬‬
‫(‪ )٣‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.11٦‬‬
‫(‪ )٤‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬أحاديث األنبياء‪ ،‬باب‪ :‬حديث الغار‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم‬
‫(‪ ،)٣٤٧٦‬ص‪.1٧٥‬‬
‫(‪ )٥‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.10٢0‬‬
‫(‪ )٦‬قطب‪ ،‬سيد‪ .‬العدالة االجتامعية يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،1٣‬ه‪199٣/‬م)‪ ،‬ص‪.٢٣‬‬

‫‪٧٤‬‬
‫ويقول طه جابر العلواين‪" :‬فالبرشية يف إطار املنهج اإلسالمي وحدة واحدة‪ ،‬وكل‬
‫موحد ال يتجزأ‪ ،‬فالوحدة اإلنسانية يف هذا املنهج هي حقيقة احلياة واألحياء عىل تنوع‬
‫األجناس واألنواع‪ ،‬والوحدة اإلنسانية هي حقيقة اإلنسان واالجتامع البرشي عىل تنوع‬
‫الشعوب والقبائل‪ ،‬واختالف الديار‪ ،‬ووحدة الدين سمة من سامت هذا املنهج‪ ،‬ووحدة‬
‫الرسل والرساالت جزء من العقيدة التي جاء هبا‪ ،‬فالبرش كلهم قد خلقهم اهلل من نفس‬
‫واحدة‪ ،‬وخلق منها زوجها‪ ،‬وبث منهام رجاالً كثري ًا ونساء‪ ،‬ليصبح الناس شعوب ًا وقبائل‬
‫(‪(1‬‬
‫تسعى لبناء عالقات التآلف بينها بعد التعارف‪ ،‬ثم الدخول يف السلم كافة‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف اجلامع الضابط لالختالف‪ ،‬يف الدائرة الصغرى لالختالف بني أهل‬
‫امللة الواحدة‪ ،‬ملة اإلسالم‪ ،‬ومحاية وحدة اجلامعة‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ‬
‫ﰑ ﰒ ﴾(‪[ (٢‬النساء‪ (٣(]٥9 :‬يف هذه اآلية حث لألمة اإلسالمية عىل التمسك باملرجعية‬

‫(‪ )1‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11٦-11٥‬‬


‫(‪ ﴿ (٢‬ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ﴾‬
‫[النساء‪ ﴿ ]٦٥ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ﴾ [النساء‪ ﴿ ]8٣ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [األحزاب‪.]٣٦ :‬‬
‫(‪ )٣‬يقول الشاطبي‪» :‬ومنها أن قوله‪ ﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ نكرة يف سياق الرشط‪ ،‬تعم كل ما تنازع فيه املؤمنون من‬
‫مسائل الدين د ّقه وج ّله‪ ،‬جل ّيه وخف ّيه‪ ،‬ولو مل يكن يف كتاب اهلل ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ومل يكن كافي ًا‪ ،‬مل‬
‫يأمر بالرد إليه؛ إذ من املمتنع أن يأمر تعاىل بالرد عند النزاع إىل من ال يوجد عنده فصل النزاع‪ .‬ومنها أن الناس أمجعوا‬
‫أن الرد إىل اهلل سبحانه هو الرد إىل كتابه‪ ،‬والرد إىل الرسول ﷺ هو الرد (إىل نفسه) يف حياته‪ ،‬وإىل سنته بعد وفاته‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه جعل هذا الرد من موجبات اإليامن ولوازمه‪ ،‬فإذا انتفى هذا الرد انتفى اإليامن‪ ،‬رضورة انتفاء امللزوم‬
‫النتفاء الزمه‪ ،‬وال سيام التالزم بني هذين األمرين‪ ،‬فإنه من الطرفني‪ ،‬وكل منهام ينتفي بانتفاء اآلخر‪ ،‬ثم أخرهم أن‬
‫هذا الرد خري هلم‪ ،‬وأن عاقبته أحسن عاقبة‪ ...‬ثم أخر سبحانه أن من حتاكم أو حاكم إىل غري ما جاء به الرسول‪،‬‬
‫فقد حكم الطاغوت وحتاكم إليه‪ ،‬والطاغوت‪ :‬كل ما جتاوز به العبد حده‪ ،‬من معبود أو متبوع أو مطاع‪ ،‬فطاغوت‬
‫كل قوم من يتحاكمون إليه غري اهلل ورسوله ‪ ...‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ختري بعد‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﱑ﴾ [األحزاب‪ ]٣٦ :‬فأخر سبحانه‪ :‬أنه ليس ملؤمن أن خيتار بعد قضائه وقضاء رسوله‪ ،‬ومن َّ‬
‫ذلك فقد ضل ضالالً مبين ًا‪ ».‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ 9٢‬وما يليها‪.‬‬

‫‪٧٥‬‬
‫العاصمة من االختالف‪ ،‬املوحدة للفكر واملنهج‪ ،‬املوجهة لالختالف نحو اجلامع املؤلف‪،‬‬
‫يقول الشاطبي‪ :‬إن الشارع "‪ ...‬ملا علم أن هذا النوع من االختالف واقع‪ ،‬أتى فيه بأصل‬
‫(‪(1‬‬
‫يرجع إليه‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [النساء‪".]٥9 :‬‬

‫ويقول الشاطبي يف املرجعية الضابطة لتأويل املتشابه‪ ،‬وذلك يف سياق تفسري قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬

‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ(‪ (٢‬ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ‬

‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ﴾ [آل عمران‪ (٣(]٧ :‬يقول‪ :‬إن‬


‫(‪(٤‬‬
‫العاصم من التأويالت الباطلة للمتشابه هو‪ ..." :‬رده إىل املحكم ومل يفعل املبتدعة ذلك‪".‬‬

‫وبر ِّد املتشابه إىل املحكم يكون لالجتهاد ضابط‪ ،‬ولالختالف جامع؛ َّ‬
‫ألن القرآن كام‬
‫يقول الرازي‪" :‬مشتمل عىل حمكم وعىل متشابه‪ ،‬والتمسك باملتشاهبات غري جائز"‪ (٥(،‬كي‬
‫ال يزيغ املجتهد فينشأ النزاع والشقاق‪ ،‬فيكون اخلالف نقمة ال نعمة ورمحة‪ ،‬ويقول الكيا‬
‫(‪(٦‬‬
‫اهلرايس‪" :‬وسمى املحكامت أم الكتاب‪ ،‬وذلك يقتيض رد املتشاهبات إليها‪"...‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣9٣‬‬


‫(‪ )٢‬يقول الشاطبي‪" :‬ومعنى املتشابه‪ :‬ما أشكل معناه ومل يتبني مغزاه‪ ،‬سواء كان من املتشابه احلقيقي‪ ،‬كاملجمل من‬
‫األلفاظ منه التشبيه‪ ،‬أو من املتشابه اإلضايف وهو ما حيتاج يف بيان معناه احلقيقي إىل دليل خارجي‪ ،‬وإذا كان يف نفسه‬
‫ظاهر املعنى بادي الرأي‪ ،‬كاستشهاد اخلوارج عىل أبطال التحكيم بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﴾ [األنعام‪،] ٥٧ :‬‬
‫وكذلك يف حمو االسم من إمارة املؤمنني‪ ،‬وكذلك قوهلم "قاتل ومل يسب"‪ ...‬فتأملوا وجه اتباع املتشاهبات وكيف‬
‫أدى إىل الضالل واخلروج من اجلامعة‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬اإلعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص ‪.٢٣٤‬‬
‫(‪ )٣‬ذكر الشاطبي أن هذه اآلية نزلت يف نصارى نجران حني جاءوا إىل النبي ﷺ ملناظرته يف شأن سيدنا عيسى ‪.‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬اإلعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٣٢‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10٦-10٥‬‬
‫(‪ )٥‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.180‬‬
‫(‪ )٦‬الكيا اهلرايس‪ ،‬عامد الدين عيل بن حممد‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬ضبطه وصححه‪ :‬مجاعة من العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪198٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٧٧‬‬

‫‪٧٦‬‬
‫ويقول ابن القيم يف رس اختالف الصحابة من غري هدم االئتالف‪" :‬فإن األصل الذي‬
‫بنوا عليه واحد‪ ،‬وهو كتاب اهلل وسنة رسوله‪ ،‬والقصد واحد‪ ،‬وهو طاعة اهلل ورسوله‪،‬‬
‫والطريق واحد‪ ،‬وهو النظر يف أدلة القرآن والسنة‪ ،‬وتقديمها عىل كل قول ورأي وقياس‬
‫(‪(1‬‬
‫وذوق وسياسة‪".‬‬

‫ال جد ًا‪ ،‬وهو وإن كان‬


‫ويقول ابن تيمية‪" :‬كان النزاع بني الصحابة يف تفسري القرآن قلي ً‬
‫يف التابعني أكثر منه يف الصحابة‪ ،‬فهو قليل بالنسبة إىل ما بعدهم‪ ،‬وكلام كان العرص أرشف‬
‫(‪(٢‬‬
‫كان االجتامع واالئتالف والعلم والبيان فيه أكثر‪".‬‬

‫وهذا السياق القرآين لالختالف يف إطار اجلوامع‪ ،‬فقهه مفكرو اإلسالم‪ ،‬وترمجوه يف‬
‫أقواهلم وممارساهتم احلوارية مع املخالف‪ ،‬واعتروا االختالف يف دائرة الدين ‪-‬كام أشار إىل‬
‫(‪(٣‬‬
‫ذلك الشاطبي وابن القيم سابق ًا‪ -‬اختالف ًا مرشوع ًا‪ ،‬ال هيدم كيان اجلامعة ووحدهتا وألفتها‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬الصواعق املرسلة يف الرد عىل اجلهمية واملعطلة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥19‬‬
‫(‪ )٢‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬مقدمة يف أصول التفسري‪ ،‬بريوت‪ :‬دار مكتبة احلياة‪1٤90( ،‬ه‪1980/‬م)‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )٣‬وقد وضع علامء األصول الذين فهموا هذا السياق القرآين يف التوجه نحو االجتامع واالئتالف‪ ،‬املنهج لضبط هذا‬
‫االختالف‪ ،‬وضع معامله الكرى اإلمام الشافعي يف كتابه "الرسالة‪ "،‬ومن القضايا التي اهتم هبا أهل هذه الصناعة‬
‫فيام يتعلق بتدبري االختالف وقصد االئتالف قضية "اإلمجاع"‪ ،‬هذا األصل الذي هيدف إىل مجع كلمة املجتهدين‪ ،‬أو‬
‫أغلبهم يف القضية املختلف فيها‪.‬‬
‫يقول األستاذ عالل الفايس‪" :‬وعند الفقهاء أن العدالة ليست ثابتة لكل فرد من األمة‪ ،‬بل ملجموع األمة‪،‬‬
‫وحجتهم يف ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [البقرة‪﴿ ]1٤٣ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ﴾ [آل عمران‪ ]110 :‬وأن هذه الفضيلة جتعل لإلمجاع وأحكامه حجة عىل االفراض وسلطان ًا؛ ألهنا صادرة من‬
‫العدالة‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عالل الفايس‪( ،‬عالل) بن عبد الواحد بن عبد السالم الفايس الفهري‪ .‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية ومكارمها‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1991( ،٥‬م) ص‪.٤8‬‬
‫فكانت األمة وسط ًا وشاهدة بمقتىض اجلعل اإلهلي‪ ،‬وكانت خمرجة للناس خلرييتها‪ ،‬وثبتت هلا صفة العدالة‪،‬‬
‫وكل ذلك ثابت هلا حني اجتامعها ال حني تفرقها ومتزقها‪.‬‬
‫وأشار القرآن الكريم إىل "التحكيم" يف اإلصالح بني الزوجني ﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾ [النساء‪ ،]٣٥ :‬واملراد به حتكيم طرف خارج‬
‫طريف النزاع أو أطراف النزاع‪ ،‬ورجوع األطراف إليه‪ ،‬وااللتزام بام حيكم به‪ ،‬وحماولة تقريب اهلوة بني املختلفني‪.‬‬
‫لفض نزاع سيايس‪ -‬بعد أن تم‬ ‫وحكّم الرسول ﷺ سعد ًا بن معاذ يف قصة حصاره لبني قريظة‪- ،‬وهو حتكيم ّ‬
‫=‬ ‫االتفاق عليه بني الطرفني‪ ،‬ونزل الطرفان عند حكمه‪ .‬انظر‪:‬‬

‫‪٧٧‬‬
‫َّ‬
‫ألن ذلك يسري مع سنة اهلل يف اخللق‪ ،‬التي اقتضت التباين والتغاير الطبيعي والفكري‪.‬‬

‫وخاطب القرآن َ‬
‫أهل الثقافات احلديثة بخطاب االئتالف واالجتامع‪ ،‬يقول النوريس‪:‬‬
‫"إن هذا العرص الذي اغر بنفسه وأصم أذنيه عن سامع القرآن الذي خياطبهم بـ"أهل‬
‫موجه إىل هذا العرص بالذات؛ إذ إن لفظ‬
‫الكتاب‪ ...‬يا أهل الكتاب" حتى كأن ذلك اخلطاب ّ‬
‫"أهل الكتاب" يتضمن معنى‪ :‬أهل الثقافة احلديثة أيض ًا‪ .‬فالقرآن يطلق نداءه يدوي يف أجواء‬
‫اآلفاق ويمأل األرض والسبع الطباق بكل شدة وقوة‪ ،‬وبكل نضارة وشباب‪ ،‬فيقول‪ ﴿ :‬ﭪ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ [آل عمران‪".]٦٤ :‬‬

‫وأكدت السنة هذا السياق القرآين لتدبري االختالف‪ ،‬والبحث عن اجلوامع‬


‫واملشركات‪ ،‬وذلك عند التأسيس للدولة اإلسالمية األوىل‪ ،‬مع اختالف الرشائع‪ ،‬وذلك‬
‫يف دستورها األول‪ ،‬الذي نص عىل وحدة املرجعية اإلسالمية للرعية الواحدة‪ ،‬التي جيمعها‬
‫وطن وإقليم واحد‪ ،‬وجاء يف أحد بنودها‪" :‬وأنكم مهام اختلفتم فيه من يشء فإن مر َّده إىل اهلل‬
‫عز وجل وإىل حممد ﷺ ‪ ...‬وأنه ما كان بني أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار خياف‬
‫(‪(٢‬‬
‫فساده‪ ،‬فإن مر َّده إىل اهلل عز وجل وإىل حممد رسول اهلل ﷺ‪".‬‬

‫يقول حممد عامرة يف تعليقه عىل بعض بنود الوثيقة‪" :‬ففي إطار جامعة األمة الواحدة‪،‬‬
‫والدولة الواحدة‪ ،‬ذات املرجعية الترشيعية الواحدة تعددت االنتامءات القبلية والدينية‪،‬‬

‫= ‪ -‬ابن هشام‪ ،‬عبد امللك بن هشام بن أيوب احلمريي املعافري‪ .‬السرية النبوية‪ ،‬ختريج وحتقيق‪ :‬وليد بن حممد‬
‫سالمة وخالد بن حممد بن عثامن‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الصفا‪ ،‬ط‪1٤٢٢( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢٤8‬‬
‫‪ -‬أبو يوسف‪ ،‬يعقوب بن إبراهيم بن حبيب األنصاري الكويف البغدادي‪ .‬اخلراج‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه عبد الرؤوف‬
‫سعد وسعد حسن حممد‪ ،‬القاهرة‪ :‬املكتبة األزهرية للراث‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٢0٤-٢0٢‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪ .1٧٦‬وطبق سيدنا عيل قاعدة التحكيم مع سيدنا‬
‫معاوية‪ ،‬ورفض اخلوارج التحكيم‪.‬‬
‫(‪ )1‬النوريس‪ ،‬بديع الزمان‪ ،‬سعيد‪ .‬كليات رسائل النور (‪ )1‬الكلامت‪ ،‬ترمجة‪ :‬إحسان قاسم صاحلي‪ ،‬القاهرة‪ :‬رشكة‬
‫سوزلر للنرش‪ ،‬ط‪٢00٤ ،٤‬م‪ ،‬ص‪.٤٧1‬‬
‫(‪ )٢‬احليدر آبادي‪ ،‬حممد محيد اهلل‪ .‬جمموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي واخلالفة الراشدة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪،٦‬‬
‫(‪1٤0٧‬ه‪198٧/‬م)‪ ،‬ص‪.٦٢-٦1‬‬

‫‪٧8‬‬
‫(‪(1‬‬
‫ونظم الدستور عالقات فرقاء هذا االنتامء اجلامع النتامءاهتم الفرعية املتعددة‪".‬‬

‫نصت عىل أن املسلمني املهاجرين واألنصار أمة واحدة "أمة العقيدة"‪،‬‬


‫فصحيفة املدينة َّ‬
‫واجلامعات اليهودية وصفت بأهنا أمة واحدة "أمة العقيدة"‪ ،‬ووصف مجيعهم عىل أهنم أمة‬
‫واحدة "أمة السياسة" أو "أمة املواطنة"‪.‬‬

‫يقول القرضاوي بخصوص دعوة الغرب إىل التعاون والتعارف‪ ،‬يف إطار الدفاع عن‬
‫اإلنسان‪ ،‬ومحاية حقوقه‪ ،‬وكرامته وحرماته‪" :‬نريد أن نتعامل مع الغرب من منطق إنساين‬
‫وأخالقي وإيامين‪ ،‬وننادي أحرار الغرب بام نادى به اإلسالم أهل الكتاب من قبل‪ ﴿ :‬ﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮃﮂ ﴾ [آل عمران‪ ،]٦٤ :‬نريد أن نتعامل مع الغرب‪ ،‬وأن يتعامل معنا‬
‫َّ‬
‫يتخىل عن عقده املوروثة من عهد احلروب الصليبية القديم‪،‬‬ ‫الغرب معاملة الند للند‪ ،‬وأن‬
‫وعهد االستعامر احلديث‪ ،‬فنحن أبناء اليوم ال بقايا األمس‪ ،‬نريد أن نقف مع ًا مدافعني عن‬
‫اإلنسان يف كل مكان‪ :‬عن كرامته وحقوقه وحرماته‪ ،‬ونقول لكل من جار عىل حق أخيه ما‬
‫(‪(٢‬‬
‫قاله ابن اخلطاب‪ :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدهتم أمهاهتم أحرار ًا؟"‬

‫ومقصد التعاون واالئتالف ووحدة الصف اإلنساين‪ ،‬ال يعني التساهل أو التفريط يف‬
‫يشء من الدين؛ ألننا مطالبون بتبليغ رسالتنا للناس كافة‪ ،‬يف إطار التعاون والتعارف معهم‪،‬‬

‫(‪ )1‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬اإلسالم والتعددية‪ :‬االختالف والتنوع يف إطار الوحدة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشاد‪ ،‬ط‪1٤18( ،1‬ه‪1998/‬م)‪،‬‬
‫ص‪.11‬‬
‫(‪ (٢‬كلمة القرضاوي يف افتتاح جملة األمة الوسط‪ ،‬تصدر عن االحتاد العاملي لعلامء املسلمني‪ ،‬ملف العدد‪ :‬الوسطية‬
‫والتحديات املعارصة‪ ،‬العدد‪( ،1 :‬السنة‪ :‬األوىل)‪٢009( ،‬م)‪ ،‬ص‪ .1٥‬ويقول القرضاوي يف حديثه عن التعاون‬
‫بني املسيحية واإلسالم »أوالً‪ :‬جمال اإليامن باهلل والدار اآلخرة يف مواجهة املادية العاتية‪ ،‬التي تنكر الغيب وكل ما‬
‫وراء احلس‪ ،‬وتشيع اإلحلاد يف العامل‪ ،‬وترى أن قصة احلياة كلها‪ :‬أرحام تدفع‪ ،‬وأرض تبلع‪ ،‬وال يشء بعد ذلك‬
‫﴿ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﴾ [اجلاثية‪ .]٢٤ :‬وثاني ًا‪ :‬جمال القيم واألخالق يف مقابلة موجة اإلباحية والتحليل‪،‬‬
‫التي تكاد تدمر الفضائل اإلنسانية الرفيعة‪ ،‬التي توارثتها البرشية من مواريث النبوة اهلادية‪ :‬من احلياء والعفاف‬
‫واإلحصان واإليثار واألخوة‪ .‬وثالث ًا‪ :‬جمال العدل والكرامة واحلرية‪ ،‬وكل ما يتع ّلق بحقوق اإلنسان وسيادة‬
‫الشعوب‪ ،‬وحقها يف اسرداد حقوقها‪ ،‬وحريتها يف أرضها‪".‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1٥‬‬

‫‪٧9‬‬
‫من غري التنازل أو التفريط يف معامل هويتنا‪ ،‬هذه املعامل املميزة لنا‪ ،‬املعرة عن خصوصيتنا‪ ،‬أمة‬
‫هلا كياهنا ووجودها يف العامل‪ ،‬وباعتبارها أمة الشهادة عىل العامل‪.‬‬

‫يقول سيد قطب يف سياق تفسريه لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉ﴾‬
‫[املائدة‪ ،]٤8 :‬ويف معرض كالمه عن التحذير من التفريط أو التساهل بيشء من الدين يف‬
‫سبيل توحيد الصفوف مع املخالفني وإرضاء مجيع الفرقاء‪" :‬إن رشيعة اهلل أبقى وأغىل من‬
‫(‪(1‬‬
‫أن يضحى بجزء منها يف مقابل يشء قدر اهلل أال يكون‪"...‬‬

‫وباجلملة‪ ،‬فإن االختالف هو عدم االتفاق يف الرأي‪ ،‬وسلوك كل طرف سواء كان فرد ًا‬
‫أو أمة‪ ،‬أو مذهب ًا مغاير ًا ومباين ًا ملذهب اآلخر يف الفكر أو السلوك‪ ،‬وتدبري االختالف هو‪:‬‬
‫إدارته‪ ،‬وتوجيهه‪ ،‬وتسيريه بروية وحكمة‪ ،‬والنظر يف عواقبه بام حيقق مقاصده ومصاحله‪،‬‬
‫وقد ورد يف القرآن الكريم يف سياقات ومواضيع متنوعة ومتعددة منها‪:‬‬

‫سياق االختالف الطبيعي واإلنساين‪ :‬تبني ‪-‬مما سبق‪ -‬أن اهلل تعاىل ذكر االختالفني يف‬
‫سياق واحد‪ ،‬تنبيه ًا لإلنسان وإرشاد ًا له إىل احلكمة من هذا االختالف‪ ،‬وهي إثبات قدرة اهلل‬
‫تعاىل ووحدانيته من جهة‪ ،‬وإثبات أن اختالف الظواهر الطبيعية‪ ،‬مقصده التكامل والتوازن‬
‫بني عنارصها من جهة أخرى‪.‬‬

‫واقع بمشيئة اهلل‪ ،‬وأنه‬


‫ٌ‬ ‫وسياق االختالف التكويني والترشيعي‪ :‬ظهر أن االختالف‬
‫األمر الترشيعي راعى هذا االختالف يف اختالف الرشائع‪،‬‬
‫َ‬ ‫من أصل خلقة اإلنسان‪ ،‬وأن‬
‫وأساليب خطاب الناس بالرشع‪ ،‬وإقناعهم به‪ ،‬ويف ترشيع األحكام هلم‪ ،‬بأن جعل هلم يف‬
‫الرشع مساحة لالجتهاد واستعامل العقل‪.‬‬

‫وسياق االختالف املذموم واملحمود‪ :‬وتبني أن القرآن الكريم يذ ّم االختالف الذي ال‬
‫ينضبط بضابط (االختالف يف الدين)؛ االختالف بعد جميء البينات (العلم)‪ ،‬واالختالف‬
‫القائم عىل امليوالت النفسية‪ :‬اهلوى‪ ،‬والتعصب‪ ،‬والزيغ‪ ،‬وإنكار احلق بعد وضوحه‬

‫(‪ (1‬قطب‪ ،‬سيد‪ .‬يف ظالل القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،٣٢‬ه‪٢00٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص ‪.90٣‬‬

‫‪80‬‬
‫ويقر االختالف يف الفهم (االختالف يف فهم الدين)‪ ،‬القائم عىل اختالف املدارك‬
‫وجالئه‪ّ ،‬‬
‫يف إدراك احلقائق‪.‬‬

‫وسياق االختالف يف إطار اجلوامع(‪ :(1‬ثبت من خالله َّ‬


‫أن القرآن الكريم يوجه البرشية‬
‫أقر االختالف‬ ‫مجعاء‪ ،‬إىل البحث عن اجلوامع واملشركات لتدبري االختالف؛ َّ‬
‫ألن القرآن وإن َّ‬
‫الطبيعي واإلنساين‪ ،‬إال أنه يوجه اخللق إىل تنظيم هذا االختالف‪ ،‬وتضييق مساحته‪ ،‬والتقليل‬
‫من مثاراته‪ ،‬وذلك بأن جعل لكل دائرة إنسانية جوامع تستوعب أهل هذه الدائرة‪ ،‬حيث دعا‬
‫أهل األديان‪ ،‬ومن خالهلم دعا كل الثقافات واحلضارات‪ ،‬بل اإلنسانية مجيع ًا إىل "الكلمة‬
‫السواء"‪ ،‬إىل أصول الدين العقدية واألخالقية‪ ،‬ودعا أهل اإلسالم إىل "وحدة املرجعية"‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫فإن دين اإلسالم "هيأ أفراد الناس لالحتاد واملعارشة‪".‬‬

‫(‪ )1‬فهم االختالف يف سياق تدبريه وإدارته بحكمة‪ ،‬يقتيض التمييز بن ثالث دوائر كرى‪ :‬األوىل‪ :‬دائرة االختالف‬
‫اإلنساين العام‪ ،‬وهلذا النوع من االختالف مشركاته اإلنسانية من قبيل‪ :‬األصل اإلنساين الواحد (األخوة‬
‫اإلنسانية)‪ ،‬الكرامة اإلنسانية‪ ،‬طهارة الفطرة‪ ،‬حترير العقل‪ ،‬التعاون‪ ،‬والتعارف‪ ،..‬وغريها من املشركات‪ .‬الثانية‪:‬‬
‫دائرة االختالف الديني‪ :‬وهذا النوع من االختالف مرتبط باختالف األديان الساموية‪ ،‬وله مشركاته التي يتم تدبري‬
‫عر عنها القرآن الكريم‬
‫االختالف عىل أساسها‪ ،‬زيادة عىل املشركات السابقة املرتبطة بالدائرة األوىل‪ ،‬وهي التي ّ‬
‫ب"إقامة الدين"‪ ،‬وهي األصول االعتقادية‪ ،‬واألصول األخالقية‪ ،‬وهذه املشركات كذلك تعم الدائرة األوىل‪ ،‬بحكم‬
‫أن القرآن الكريم خاطب هبا العقول والفطر اإلنسانية‪ .‬الثالثة‪ :‬وهي دائرة االختالف اإلسالمي‪ ،‬اختالف أصحاب‬
‫رشيعة القرآن‪ ،‬فقد وضع هلا القرآن الكريم قواعد ومشركات إلدارة االختالف‪ ،‬زيادة عىل مشركات الدائرتني‬
‫السابقتني مثل‪ :‬وحدة املرجعية (القرآن والسنة)‪ ،‬ور ّد املتشابه إىل املحكم‪ ،‬واالنضباط إىل القطعيات‪ :‬الكالمية‬
‫واألصولية والفقهية‪ ،‬التي تشكل معامل وحدة األمة‪.‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1٣‬‬

‫‪81‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫أصول تدبري االختالف االعتقادية‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫تدبري االختالف الديني‪ ،‬بني أهل الرشائع الساموية‪ ،‬ينبني عىل أصول اعتقادية‪،‬‬
‫جاء هبا األنبياء مجيعهم‪ .‬وتُعدُّ هذه األصول بمثابة األرضية املشركة‪ ،‬يقرحها اخلطاب‬
‫القرآين عىل املجتمع البرشي‪ (1(،‬وتأيت هذه األصول يف مقدمة مداخل تدبري االختالف‬
‫الديني واإلنساين‪.‬‬
‫وإذا كانت الدراسات السابقة –أصولية وكالمية وفلسفية‪ -‬تناولت املوضوع من جهة‬
‫االستنباط واالستدالل والتأصيل واحلجاج‪ ،‬وغالبها كان يف سياق اجلدل مع املخالف‪،‬‬
‫وإقامة احلجة عليه‪ ،‬وحاول بذلك مفكرو اإلسالم إثبات بطالن عقائد املخالف باحلجة‬
‫والرهان‪ ،‬وإن كنا يف هذا الفصل ال نخرج كثري ًا عن هذا املنحى‪ ،‬إال أن ما نقرحه هو‪:‬‬
‫الوقوف عىل هذه األصول اإليامنية الكلية يف القرآن الكريم‪ ،‬وإبراز دورها وأمهيتها يف‬
‫تدبري االختالف الديني واإلنساين عموم ًا‪ ،‬فإن إقامة هذه املشركات العقدية‪ ،‬والتعاون‬
‫عىل االلتزام هبا‪ ،‬بوصفها قواعد عامة‪ ،‬وأصوالً ناظمة ملساحة املتفق عليه‪ ،‬كفيلة باحلد من‬
‫االختالف املذموم‪ ،‬أو عىل األقل التقليل من االختالف اإلنساين‪.‬‬

‫(‪ )1‬يقول ابن عاشور‪ :‬إنه مل حيصل "احتاد يف التفكري وال اشتهار اتفاق فريق عىل فكرة واحدة يف غري أهل امللل الذين يتبع‬
‫كل فريق منهم دين ًا يتفقون يف عقائده وآثارها‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10٦‬‬
‫ويقول الشوكاين عن هذه األصول املشركة إهنا أهم ما جيب عىل الناس اإليامن به‪" :‬ألن الكتب قد نطقت هبا‪،‬‬
‫والرسل قد اتفقت عليها‪ ،‬اتفاق ًا يقطع كل ريب‪ ،‬وينفي كل شبهة‪ ،‬ويذهب كل شك‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن عيل‪ .‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬صححه وضبطه‪:‬‬
‫جمموعة من العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٤( ،1‬ه‪198٤/‬م)‪ ،‬ص‪ .٤‬وعنوان‬
‫كتاب الشوكاين هذا فيه داللة قوية عىل اتفاق الرشائع عىل هذه األصول االعتقادية التي هي موضوع الدراسة‬
‫يف هذا الفصل‪ .‬وانظر فصل‪" :‬آرصة العقيدة هي أساس االرتباط بني الناس‪".‬‬
‫‪ -‬العمري‪ ،‬أكرم ضياء‪ .‬املجتمع املدين يف عهد النبوة‪ ،‬خصائصه وتنظيامته األوىل‪ ،‬حماولة لتطبيق قواعد املحدثني‬
‫يف نقد الروايات التارخيية‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬املكتبة العربية السعودية‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬املجلس العلمي‪ ،‬إحياء‬
‫الراث اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪198٣/‬م)‪ ،‬ص‪.81‬‬

‫‪8٣‬‬
‫واالستقراء ّ‬
‫يدل عىل أن هذه األصول ثالثة‪ :‬األول‪ :‬اإليامن باهلل وتوحيده‪ .‬والثاين‪:‬‬
‫اإليامن بالرسل واألنبياء‪ .‬والثالث‪ :‬اإليامن باملصري واملآل األخروي‪ .‬وهذه القضايا اإليامنية‬
‫قد شغلت حيز ًا كبري ًا‪ ،‬ومساحة واسعة يف اخلطاب القرآين‪ ،‬وقد َّ‬
‫وجه القرآن الكريم اخلطاب‬
‫(‪(1‬‬
‫فيها للعقل اإلنساين‪ ،‬للنظر والتفكر من أجل اإلقناع‪.‬‬

‫وفيام يأيت نتناول بالدراسة والتحليل هذه األصول يف موضوعات ثالثة‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أصل اإليامن باهلل وتوحيده‬


‫متهيد‪:‬‬

‫أكّد اخلطاب القرآين قض ّية اإليامن باهلل وتوحيده‪ ،‬مفهوم ًا عقدي ًا مركزي ًا‪ ،‬يف تصوره لوحدة‬
‫املجتمع اإلنساين وتدبريه الختالفاته‪ ،‬فرسالة القرآن هبذه العقيدة هي‪" :‬دين الوحدة اإلنسانية‬
‫ألن هذا التوحيد‪ ،‬واخلضوع اإلرادي هلل تعاىل كفيل بحامية تكامل البرشية‪،‬‬ ‫(‪(٢‬‬
‫اجلامعة"؛‬
‫وتعاوهنا يف خمتلف األبعاد واملجاالت‪ ،‬من بناء اإلنسان إىل بناء العمران‪ ،‬عىل خالف العلامنية‬
‫الشاملة التي جتعل مرجعية اإلنسان ذاته‪ ،‬فهي تتمركز حول اإلنسان‪ ،‬وجتعله مركز الكون‪،‬‬
‫ومرجعيته النهائية‪ ،‬دون حاجة إىل وحي إهلي‪ .‬ومن دون مرجعية عليا‪ ،‬تتجاوز ذاته الفردية‪،‬‬
‫فإن اإلنسان ينغلق عىل ذاته‪ ،‬فيصبح إنسان ًا فردي ًا‪ ،‬ال يفكِّر إال يف ذاته‪ ،‬ويف مصلحته‪ ،‬وال هتمه‬
‫الذات اإلنسانية‪ ،‬حينئذ تتحول هذه الذات الفردية‪ ،‬املتمركزة حول نفسها ال "اإلنسانية مجعاء"‪،‬‬
‫وال تتسع رؤية اإلنسان الفرد لتضم اآلخرين‪ ،‬فالفكر العلامين بصورته املطلقة والشاملة‪ ،‬جعل‬
‫(‪(٣‬‬
‫حتوله إىل حالة عداء رصيح لآلخر‪ ،‬وإىل اإلنسان ككل‪.‬‬
‫مرجعية اإلنسان ذاته‪ّ ،‬‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬رشيد‪ .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٥٦‬ويقول الرازي‪ :‬فكام أن اخلطاب‬
‫القرآين "هدى للمتقني وداللة هلم‪ ..‬فهو أيض ًا داللة للكافرين‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص ‪ .٢٤‬يف سياق تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭘﭙ ﭚ ﭛ﴾ [البقرة‪.]٢ :‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬املجتمع اإلنساين يف ظل اإلسالم‪ ،‬جدة‪ :‬الدار السعودية‪ ،‬ط‪1٤01( ،٢‬ه‪1981/‬م)‪ ،‬ص‪.٤٥‬‬
‫(‪ )٣‬املسريي‪ ،‬عبد الوهاب‪ .‬العلامنية اجلزئية والعلامنية الشاملة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،1‬ه‪٢00٢/‬م)‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.٢٦٧-٢٦٥‬‬

‫‪8٤‬‬
‫ومقصودنا من املرجعية هنا هو توحيد اهلل وحده‪ ،‬ال رشيك له‪ ،‬يف كل ما أوجب إفراده‬
‫به‪ ،‬وهو أصل األصول يف اخلطاب القرآين‪ ،‬واملقصد الكيل لكل مقاصده‪ (1(،‬وهو مقتىض ال‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾ [حممد‪ ]19 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ﴾ [هود‪" ]1٤ :‬وهذا يقتيض األمر هبا"‪ (٢(.‬وتوحيد اهلل تعاىل "أهم قواعد‬
‫التزكية اإلهلية لإلنسان‪ ،‬وهي قاعدة تساعد يف الوقت ذاته عىل استعالء اإلنسان بخالقه عىل‬
‫ما سواه‪ ،‬والتوحيد اخلالص النقي‪ ،‬توحيد اهلل تعاىل يف ألوهيته وربوبيته وصفاته‪ ،‬فالتوحيد‬
‫(‪(٣‬‬
‫اخلالص أهم قواعد إجياد إنسان التغيري ﴿ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾ [لقامن‪".]1٣ :‬‬

‫ولدراسة هذا األصل‪ ،‬والوقوف عىل مضامينه‪ ،‬ومعامله يف القرآن الكريم‪ ،‬وقوته يف‬
‫تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬نفكك املوضوع عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫مثمر لألعامل الصاحلة‪:‬‬


‫‪ -1‬اإليامن باهلل وتوحيده ّ‬
‫اإليامن باهلل وتوحيده أول ما جيب عىل اخللق‪ ،‬سواء كانوا أهل كتاب أو غريهم‪،‬‬
‫قال ﷺ ملعاذ بن جبل ملا بعثه إىل اليمن وكان فيها هيود ونصارى‪" ..‬إِن َ‬
‫َّك َت ْقدَ ُم َع َىل َق ْو ٍم‬
‫(‪(٤‬‬
‫وه ْم إِ َل ْي ِه ِع َبا َد َة ا َّ‬
‫هللِ‪"...‬‬ ‫ُن َأ َّو ُل َما تَدْ ُع ُ‬ ‫َأ ْه ِل ِكت ٍ‬
‫َاب َف ْل َيك ْ‬
‫فتوحيد اهلل تعاىل يشكل نقطة البداية يف توجيه السلوك اإلنساين نحو تدبري االختالف‬
‫مثمر لكل األعامل الصاحلة‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﯲ‬
‫‪-‬وهذا ما سنرهن عليه‪ -‬ألن اإليامن باهلل تعاىل ّ‬
‫ﯳﯴ ﯵﯶﯷﯸ ﯹ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒ‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬جواهر القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رشيد رضا القباين‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء العلوم‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤11‬ه‪1990 /‬م)‪ ،‬ص‪.٢٣‬‬
‫(‪ )٢‬احلنبيل‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢9‬‬
‫(‪ )٣‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )٤‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الزكاة‪ ،‬باب‪ :‬ال تؤخذ كرائم أموال الناس يف الصدقة‪ ،‬ج‪،٢‬‬
‫حديث رقم (‪ ،)1٤٥8‬ص‪ .119‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري‪ .‬املسند الصحيح املخترص بنقل العدل عن العدل‬
‫إىل رسول اهلل ﷺ (صحيح مسلم)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الراث العريب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(د‪.‬ت‪ ،).‬كتاب‪ :‬اإليامن‪ ،‬باب‪ :‬الدعاء إىل الشهادتني ورشائع اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)19‬ص‪.٥1‬‬

‫‪8٥‬‬
‫ﭓﭔ ﭕ ﭖﭗ ﴾ [إبراهيم‪ ]٢٥-٢٤ :‬يقول ابن القيم حكاية عن مجهور املفسين‪" :‬الكلمة‬
‫الطيبة هي شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬فإهنا تثمر مجيع األعامل الصاحلة الظاهرة والباطنة"(‪.(1‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫لذلك عر العلامء بقوهلم‪" :‬ال إله إال اهلل منهاج حياة‪".‬‬
‫ِ‬
‫املصلحة للفرد‪ ،‬واملوحدة واملؤلفة‬ ‫(‪(٣‬‬
‫وهذه الكلمة الطيبة‪ ،‬أو الكلمة السواء‪،‬‬
‫يشع نورها عىل الكون كله‪ ،‬فريتقي هبا اإلنسان من‬
‫للجامعات والطوائف والدول واألفكار‪ُّ ،‬‬
‫مرتبة البهيمية إىل مرتبة اإلنسانية‪ ،‬فيقوم بوظيفته االستخالفية‪ .‬يقول النوريس‪" :‬إن اإليامن‬
‫جيعل اإلنسان إنسان ًا حق ًا‪ ،‬بل جيعله سلطان ًا‪ ،‬لذا كانت وظيفته األساس اإليامن باهلل تعاىل‬
‫والدعاء إليه‪ ،‬بينام الكفر جيعل اإلنسان حيوان ًا مفرس ًا يف غاية العجز"‪ (٤(،‬فرغم حيوانيته‬
‫املفرسة‪ ،‬فهو عاجز عن العمل الصالح املفيد؛ ألنه يفتقد مكون ًا أساسي ًا من مكونات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬التي تسمو بالروح‪ ،‬وهتذب السلوك‪.‬‬

‫واإليامن باهلل يزكّي النفس‪ ،‬وحيمي الفطرة‪ ،‬ويعصم العقل من اخلطأ‪ ،‬والزلل‪ ،‬واتباع‬
‫الكتشاف احلقائق؛ ألن اإليامن باهلل تعاىل يفسح‬ ‫(‪(٥‬‬
‫اهلوى‪ ،‬مما يفسح املجال أمام الفكر‬
‫املجال واسع ًا أمام العقل لالكتشاف واإلبداع‪ ،‬فتكون بذلك املعرفة اإلنسانية املكتشفة غري‬
‫مقطوعة عن السامء‪ ،‬يقول الطيب برغوث‪" :‬فالتوحيد بالنسبة للوجود اإلنساين –كام هو‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬األمثال يف القرآن‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬نارص بن سعد‬
‫الرشيد‪ ،‬مكة املكرمة‪ :‬مطابع الصفا‪ ،‬ط‪1٤0٢( ،٢‬ه‪198٢/‬م)‪ ،‬ص‪ ،٣٤‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪.٥8٣-٥٦٧‬‬
‫(‪ )٢‬قطب‪ ،‬سيد‪ .‬معامل يف الطريق‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬السعودية‪ .‬وزارة املعارف‪ ،‬املكتبات املدرسية‪ ،‬ط‪،٦‬‬
‫(‪1٣99‬ه‪19٧9/‬م)‪ ،‬ص‪.8٣‬‬
‫(‪ )٣‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [آل عمران‪.]٦٤ :‬‬
‫(‪ )٤‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )2‬املكتوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٥٤‬‬
‫(‪ )٥‬يقول الفراهي‪" :‬الفكر" هو النظر فيام وراء اليشء‪ ،‬وربام يسمى "اعتبار ًا"‪ .‬فهو ُس َّل ٌم إىل فوق‪ .‬فإذا انتهى إىل ما هو املنتهى‬
‫القهقرى‪ ،‬أو وقف‪ .‬ولكن التوقف ليس من شأن الفكر‪ ،‬فال بدّ من رجعة بعد املنتهى‪ .‬ولذلك منع عن الفكر يف‬ ‫َ‬ ‫رجع‬
‫ذات اهلل إىل الفكر يف آالئه‪ .‬وهذا يشبه انعكاس كل قوة إىل نفسها إذا صادفت ما ال تستطيع أن جتاوزه‪ ﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﴾ [امللك‪.]٤ :‬‬ ‫ﮀ ﮁﮂ ﮃ‬
‫الفراهي‪ ،‬مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣0٢‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪8٦‬‬
‫بالنسبة للوجود الكوين كله‪ -‬هو الضابط األساس يف ضامن أداء الوظيفة االستخالفية التي‬
‫(‪(1‬‬
‫تعدّ املدار الطبيعي حلركة الوجود اإلنساين‪".‬‬

‫‪ -2‬وحدة اإلله وتعدد املخلوقات‪:‬‬


‫تفرد اهلل سبحانه وتعاىل بالوحدانية دون سائر املخلوقات‪ ،‬يقول ابن حزم‪" :‬فانفرد اهلل‬
‫ّ‬
‫والتوجه بالعبادة‬
‫ّ‬ ‫تعاىل بالوحدانية وحده‪ ،‬وجعل األشياء كلها زوجني بعده"‪ ،‬فوحدانيته‬
‫(‪(٢‬‬

‫احلق سبحانه‪ ،‬اخلالق واملدبر‬


‫له وحده‪ ،‬يوحد البرشية وجيمعها عىل واحد‪ ،‬فإن التوجه إىل ّ‬
‫للكون كله‪ ،‬اختيار ًا أو اضطرار ًا‪ ،‬يعصم اخللق من حالة االختالف دون جامع‪ ،‬وحيكم‬
‫اختالفاهتم ويضبطها من أجل األلفة ودرء الفرقة‪.‬‬
‫اإليامن بوحدانية اهلل توحد املجتمع البرشي‪ ،‬وتؤلف بني عنارصه وأطيافه‪ ،‬وتزيل‬
‫العداوة والشنآن والرصاعات والنزاعات‪ ،‬فيصبحوا باإليامن باهلل وإسالم النفس له إخوان ًا‬
‫متآلفني؛(‪ (٣‬ألن وجهتهم واحدة‪ ،‬ووالءهم واحد‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﱏ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﱤ ﴾ [األنفال‪.]٦٣ :‬‬
‫يقول الرازي‪" :‬اخلصومة كانت بينهم شديدة‪ ،‬واملحاربة دائمة‪ ،‬ثم زالت الضغائن‪ ،‬وحصلت‬
‫األلفة واملحبة‪ ،‬فإزالة تلك العداوة الشديدة وتبديلها باملحبة القوية واخلالصة التامة مما ال‬
‫(‪(٤‬‬
‫يقدر عليها إال اهلل تعاىل‪".‬‬
‫فلام توجهوا إىل واحد‪ ،‬توحدت قلوهبم‪ ،‬بالرغم من اختالف أفكارهم ومشاعرهم‬
‫ونزعاهتم‪ ،‬فاإليامن باهلل وتوحيده‪ ،‬قادر عىل تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬لو اختار املجتمع‬
‫اإلنساين طريق التوحيد‪ .‬يقول العقاد‪" :‬إن العامل اإلنساين كلمة غري مفهومة عند من يدين‬
‫(‪(٥‬‬
‫برب غري رب العاملني‪".‬‬

‫(‪ )1‬برغوث‪ ،‬منهج النبي ﷺ يف محاية الدعوة واملحافظة عىل منجزاهتا خالل الفرتة املكية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٣0‬‬
‫(‪ )٢‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬رسائل ابن حزم‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫املؤسسة العربية للدراسات والنرش‪ ،‬ط‪198٣( ،1‬م)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣9٧‬‬
‫(‪ (٣‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾ [آل عمران‪.]10٣ :‬‬

‫(‪ )٤‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.19٥‬‬


‫(‪ )٥‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ .‬اإلنسان يف القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬هنضة مرص‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٤9‬‬

‫‪8٧‬‬
‫ٌ‬
‫أصل يف تدبري االختالف الديني واإلنساين عموم ًا‪ ،‬وهذا ما أشار إليه‬ ‫فالتوحيد‬
‫اخلطاب القرآين يف دعوته الناس مجيع ًا‪ ،‬دعوة عامة للخضوع إليه وحده وعبادته‪ (1(،‬فاحلق‬
‫سبحانه مل يرك هذا االختالف دون جامع ومؤلف‪ ،‬لدرء االختالف الضار‪ ،‬وأقام هذا‬
‫األصل (املحتكم) عىل قواعد‪ ،‬جتعل العاقل املنصف ينزع نحوه ويؤمن به‪.‬‬

‫‪ -3‬توحيد اهلل واإليامن به عهد وميثاق‪:‬‬


‫خاطب اهلل عز وجل ذرية بني آدم‪ ،‬بعد أن استخرجهم من ظهورهم‪ ،‬وأشهدهم عىل‬
‫أنفسهم‪ ،‬وأقروا بوحدانية اهلل وآمنوا به‪ (٢(،‬فأقرت ذرية آدم بوحدانية اهلل تعاىل‪ ،‬وشهدت‬
‫بذلك ملا أشهدهم عىل أنفسهم ﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾ [األعراف‪ ]1٧٢ :‬وسأهلم احلق سبحانه‬
‫﴿ ﭲ ﭴﭳ ﴾ [األعراف‪ ]1٧٢ :‬يقول الزخمرشي‪" :‬وقال هلم‪ :‬ألست بربكم؟ وكأهنم قالوا‪:‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫بىل أنت ربنا‪ ،‬شهدنا عىل أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك‪".‬‬
‫يقول الغزايل‪" :‬فاملراد به إقرار أنفسهم ال إقرار األلسنة"‪ (٤(،‬واحلق سبحانه يذكر اخللق‬

‫(‪ (1‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ [البقرة‪ ،]٢1 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ‬


‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﴾ [النساء‪ ،]1٧0 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ﴾ [النساء‪ ،]1٧٤ :‬وقال‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [األعراف‪ ،]1٥8 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﴾ [يونس‪.]٥٧ :‬‬

‫(‪ (٢‬يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭴﭳ ﭵ ﭷﭶ ﭹﭸ ﭺ ﭻ ﭼ‬


‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮏﮎ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾‬
‫[األعراف‪.]1٧٣-1٧٢ :‬‬
‫(‪ )٣‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪،٣9٥‬‬
‫وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٥00‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٢‬‬
‫(‪ (٤‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ومعه املغني عن محل األسفار يف األسفار يف ختريج ما يف اإلحياء‬
‫من األخبار‪ ،‬للعراقي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،1‬ه‪٢00٥/‬م)‪ ،‬ص‪.10٢‬‬
‫قال تعاىل يف سورة احلديد‪ ﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾‬
‫[احلديد‪ ،]8 :‬روى الطري والبغوي‪ ،‬والقرطبي عن جماهد يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ﴾‪" :‬هو امليثاق األول الذي‬
‫كان وهم يف ظهر آدم بأن اهلل ربكم ال إله لكم سواه‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬ص‪1٧٢‬‬
‫‪ -‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٣٣‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٧‬ص‪.٢٣8‬‬

‫‪88‬‬
‫هبذا امليثاق يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝﮞ ﴾ [املائدة‪ ،]٧ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [الروم‪ ]٣0 :‬واملراد‬
‫بالفطرة هنا جمموع رشيعة اإلسالم(‪ (1‬وقال ابن عاشور‪﴿" :‬ﯔ ﯕ ﯖ﴾ هو دين‬
‫(‪(٢‬‬
‫اإلسالم بمجموعه يف اعتقاده وترشيعاته وأن هذا الدين هو الفطرة‪"...‬‬
‫فهذا إقرار وميثاق قطعه اهلل تعاىل عىل اإلنسان يف األزل‪ ،‬وشهد بذلك اإلنسان عىل‬
‫ٌ‬
‫وأصل لتدبري االختالف‪ ،‬أقره اإلنسان وألزم به نفسه‪ ،‬فإن أنكر‬ ‫نفسه‪ ،‬فهو مشرك إنساين‪،‬‬
‫وجحد فال حجة له عند اهلل‪ ،‬يقول حممد الغزايل‪" :‬اآليات تقول للمرشكني عن رب العزة‪:‬‬
‫ال يفكر‬‫ال وجاهة لكم عندي‪ ،‬ليس لكم عذر قائم وال حجة ناهضة‪ ،‬إنني منحتكم عق ً‬
‫وفطرة تبعث عىل التوحيد واالستقامة‪ ،‬وأنزلت ما يمنعكم من تقليد اآلباء اجلهلة‪ ،‬فلامذا‬
‫جتاهلتم هذه املعامل كلها‪ ،‬ومهتم عىل وجوهكم يف طرق الرش والغواية‪ ،‬أفبعد هذا التفصيل‬
‫(‪(٣‬‬
‫والتوضيح تبعدون عني وال ترجعون إيل؟"‬
‫‪ -4‬التوحيد ٌ‬
‫أصل واالختالف فيه طارئ‪:‬‬
‫كان آدم وبنوه عىل دين واحد‪ ،‬وهو االستسالم‪ ،‬واخلضوع‪ ،‬والتوحيد هلل عز وجل‪،‬‬
‫ثم اختلفوا يف دينهم يقول تعاىل مشري ًا إىل هذه احلقيقة‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ﴾ [يونس‪ ]19 :‬يقول الطري‪" :‬وما كان الناس إال أهل دين واحد وملة واحدة‪،‬‬
‫فاختلفوا يف دينهم‪ ،‬فافرقت هبم السبل يف ذلك"‪ (٤(،‬ويقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ﴾‬
‫[البقرة‪ (٥(]٢1٣ :‬يقول ابن عاشور‪" :‬وكلتا اآليتني تشريان إىل أن االحتاد هو املبدأ األول‪ ،‬وأن‬

‫(‪ (1‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦‬‬
‫(‪ (٢‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ .1٧‬انظر‪ :‬كالم املؤلف يف توضيح معنى الفطرة يف نفس املوضع‪.‬‬
‫(‪ (٣‬الغزايل‪ ،‬حممد‪ ،‬املحاور اخلمسة للقرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار هنضة مرص‪ ،‬ط‪( ،1‬د‪.‬ت‪ ،).‬ص‪.٢8‬‬
‫(‪ )٤‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪ ،٤٧‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤9٥‬‬
‫(‪ )٥‬بعث اهلل تعاىل األنبياء والرسل بترشيعات وقوانني‪ ،‬اشتملت عىل أصول وحمتكامت تضبط االختالف اإلنساين‪ ،‬من‬
‫أجل االئتالف وإحكام االختالف‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫عارض أنجز إىل الناس من الكثرة والتفرق‪ (1(،"...‬فكانت البرشية عىل توحيد اهلل‬
‫ٌ‬ ‫االختالف‬
‫متفقة‪ ،‬إىل أن طرأ االختالف عليهم‪ ،‬فكان بذلك االتفاق واالئتالف أصالً‪ ،‬وكان االختالف‬
‫طارئ ًا عىل البرشية بعد قتل قابيل هلابيل‪ ،‬أو بعد طوفان نوح عىل اختالف املفسين يف‬
‫ذلك‪ (٢(،‬فهذا إرشاد إهلي للبرشية لرك االختالف الطارئ‪ ،‬والرجوع إىل االتفاق الذي كان‬
‫عليه آباؤهم وأجدادهم‪ ،‬وأشهدوا عليه أنفسهم يف األزل‪.‬‬
‫فاالختالف يف الدين دخيل‪ ،‬وحادث يف اخللق بعدما كانوا عىل دين اإلسالم من آدم‬
‫إىل سيدنا نوح‪ .‬يروي ابن كثري عن ابن عباس‪" :‬كان بني آدم ونوح عرشة قرون‪ ،‬كلهم‬
‫عىل اإلسالم‪ ،‬ثم وقع االختالف بني الناس‪ ،‬و ُعبِدت األصنام واألنداد واألوثان‪ ،‬فبعث اهلل‬
‫الرسل بآياته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة ﴿ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [األنفال‪".]٤٢ :‬‬
‫فجاء الرسل يدعون الناس إىل تدبري االختالف‪ ،‬بناء عىل وحدة اإليامن باهلل وتوحيده‪،‬‬
‫والرجوع إىل األصل الذي كانوا عليه من االتفاق‪ ،‬عىل الكلمة الطيبة‪ ،‬عىل الكلمة السواء‪،‬‬
‫الداعية إىل اخلضوع واالستسالم هلل‪ ،‬ودرء االختالف‪ ،‬وإقامة الدين املوحد واملؤلف‪ ،‬يقول‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬
‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬
‫ﲡ﴾ [البقرة‪.]٢1٣ :‬‬
‫وهذه احلقيقة التارخيية التي أثبتها القرآن منذ مخسة عرش قرن ًا‪َّ ،‬‬
‫دل عليها تاريخ البرشية‬
‫وواقعها‪ ،‬كان الناس عىل دين واحد‪ ،‬فدخل عليهم الرشك‪ ،‬وعبادة األوثان بفعل فاعل‪.‬‬
‫يقول الباحث األملاين ميلر‪" :‬إن الناس كانوا يف أقدم عهودهم عىل التوحيد اخلالص‪ ،‬وإن‬
‫(‪(٤‬‬
‫الوثنية عرضت عليهم بفعل رؤسائهم الدينيني‪".‬‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫(‪ )٢‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪،11‬‬
‫ص‪.٤٦0-٤٥9‬‬
‫(‪ )٣‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٥٧‬‬
‫(‪ )٤‬البوم‪ ،‬جول‪ .‬تفصيل آيات القرآن احلكيم‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة عيسى البايب احللبي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٣٤٢‬ه‪19٢٤ /‬م)‪ ،‬مقدمة حممد فريد وجدي‪ ،‬ص‪.٦‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ -5‬اتفاق الرشائع عىل اإليامن باهلل وتوحيده‪:‬‬

‫اخلضوع واالستسالم هلل وتوحيده وعبادته‪ ،‬هو الدين الذي أرسل اهلل به َّ‬
‫كل الرسل‪،‬‬
‫من آدم إىل سيدنا حممد ﷺ‪ ،‬ليخرج الناس من حالة االختالف إىل واقع االئتالف‪ ،‬يقول‬
‫تعاىل تأكيد ًا وتقرير ًا وترصحي ًا‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ﴾ [األنبياء‪ ،]٢٥ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾﭿ ﴾ [النحل‪ ،]٣٦ :‬يقول ابن كثري‪" :‬مجيع الرسل يدعون إىل عبادة اهلل وحده‬
‫(‪(1‬‬
‫ال رشيك له‪".‬‬

‫وأول األنبياء بعد آدم‪ ،‬يدعو قومه إىل هذا األصل العظيم‪ ،‬واملنهج القويم‪ ،‬سيدنا‬
‫نوح‪ ،‬وتاله إخوانه األنبياء والرسل‪ :‬هود وصالح وإبراهيم ووىص هبا إبراهيم بنيه‪ ،‬وحافظ‬
‫وىص ذريته بدعوة التوحيد‪ ،‬وأقر هبا بنوه من‬
‫نبي اهلل يعقوب عىل وصية جده إبراهيم؛ إذ ّ‬
‫بعده ﴿ ﲶ ﲷ ﲸ﴾‪ (٢(،‬اإلله "املتفق عىل وجوده وألوهيته ووجوب عبادته"‪ (٣(،‬ودعا‬
‫(‪(٤‬‬
‫نبي اهلل شعيب مدين‪.‬‬

‫وحفاظ ًا عىل الوصية اإلبراهيمية جاء عىل لسان سيدنا يوسف‪ ﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ﴾ [يوسف‪ ،]101 :‬ودعا سيدنا موسى قومه إىل وصية إبراهيم التوحيدية‪ (٥(،‬وقال‬
‫اهلل تعاىل يف حوار سيدنا عيسى للحواريني‪ ﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [آل عمران‪ ،]٥٢ :‬وهذا‬
‫إخبار من القرآن الكريم أن نبي اهلل عيسى وهو آخر أنبياء بني إرسائيل‪ ،‬بقي عىل عهد‬
‫األنبياء من قبله يف تبليغ دعوة التوحيد‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ ،٤٤0‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٧‬ص‪.٤9‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.99-98‬‬
‫(‪ )٣‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤0٧‬‬
‫(‪ (٤‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﴾ [هود‪.]8٤ :‬‬
‫(‪ (٥‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [يونس‪.]8٤ :‬‬

‫‪91‬‬
‫»أن الرشائع كلها اتفقت عىل إثبات التوحيد عىل كثرة عدد الرسل‬‫يذكر لنا الشوكاين‪ّ :‬‬
‫واملرسلني‪ ،‬وكثرة كتب اهلل عز وجل املنزلة عىل أنبيائه"‪ (1(،‬وأن يف التوراة نصوص ًا تدعو‬
‫وحتث عىل التوحيد‪ ،‬وحتكي قصص ًا خلصومة أهل األصنام‪ ،‬ال سيام بعد وفاة موسى وقيام‬
‫أنبياء بني إرسائيل‪ ،‬وكانوا يوجبون عليهم مقاتلة عبدة األصنام‪ ،‬وحيكي لنا الشوكاين األمر‬
‫نفسه عن الزبور بعد بعثة سيدنا املسيح عليه السالم‪ ،‬وكذلك اإلنجيل "وباجلملة فكتب اهلل‬
‫عز وجل بأرسها‪ ،‬ورسله مجيع ًا‪ ،‬متفقون عىل التوحيد والدعاء إليه‪ ،‬ونفي الرشك بجميع‬
‫(‪(٢‬‬
‫أقسامه‪".‬‬
‫ويذهب أ‪.‬س‪ .‬ميغوليفسكي بعد مناقشة تصور كل من الديانات الغربية والرشقية‬
‫لإلله‪ ،‬إىل نتيجة مفادها أن‪ ..." :‬ك ً‬
‫ال من التصورين الرشقي والغريب يقر بوجود إله واحد‬
‫أحد للكون كله‪ ،‬أما تفاصيل نشاطاته وتنظيمها‪ ،‬فهي أمر ليس له أمهية‪ ،‬وليس اإلنسان‬
‫مؤه ً‬
‫ال للحكم فيها"‪ (٣(،‬فإن اهلل تعاىل يف الديانات الساموية‪" :‬اليهودية واملسيحية واإلسالم‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫العلة األوىل لكل يشء‪".‬‬
‫فكان توحيد اهلل عز وجل‪ ،‬وعبادته‪ ،‬وعدم اإلرشاك به هو الدين الذي رشع ألول‬
‫الرسل بعد آدم وهو نوح عليه السالم‪ ،‬وآخرهم‪ ،‬وهو حممد ﷺ‪ ،‬وما بينهام وهم أولو العزم‪:‬‬
‫إبراهيم وموسى وعيسى(‪ (٥‬يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ﴾ [الشورى‪ ]1٣ :‬فكان الرسل‬
‫مجيعهم متفقني ومتحدين عىل إقامة دين التوحيد‪.‬‬
‫فإن اإليامن باهلل‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬وعبادته‪ ،‬وعدم اإلرشاك به‪ ،‬مشرك إيامين بني األنبياء‬
‫من لدن آدم إىل سيدنا حممد ﷺ‪ ،‬وال سيام أرباب الرشائع‪ :‬نوح وإبراهيم وموسى وعيسى‬

‫(‪ )1‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.8 - ٦‬‬
‫(‪ )٣‬ميغوليفسكي‪ ،‬أ‪.‬س‪ .‬أرسار اآلهلة والديانات‪ ،‬ترمجة‪ :‬حسان خمائيل إسحاق‪ ،‬دمشق‪ :‬دار عالء الدين‪ ،‬ط‪،٤‬‬
‫‪٢009‬م‪ ،‬ص‪.٢٥٤‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢٥٣‬‬
‫(‪ )٥‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.19٥-19٤‬‬

‫‪9٢‬‬
‫وحمتكام لتدبري االختالف بني أهل القرآن وأهل الكتاب‪،‬‬
‫ً‬ ‫وحممد ﷺ‪ (1(،‬وبذلك كان ً‬
‫أصال‬
‫بني بني اإلسالم وبني اإلنسان‪.‬‬
‫وباجلملة‪ّ ،‬‬
‫فإن القرآن الكريم يربط اإلنسانية بخالقها اجلليل‪ ،‬لتكون وجهتها واحدة‪،‬‬
‫فيسهل مجعها واتفاقها؛ ألن بتوحيد اهلل‪ ،‬واإليامن به تكتسب قيمة وجودية‪ ،‬وتنقذ من العدم‬
‫والعبث يف الدنيا‪ ،‬واخلسان يف اآلخرة‪ ،‬لذلك فإن تفويض أمر اخللق لصانع واحد يسهل‬
‫أمر اجتامعها ووحدهتا‪ ،‬يقول النوريس‪" :‬عندما يسند إجياد املوجودات مجيعها إىل الصانع‬
‫الواحد‪ ،‬يسهل األمر كسهولة إجياد خملوق واحد‪ ،‬بينام إذا أسند للكثرة يصعب ‪-‬عىل هذه‬
‫(‪(٢‬‬
‫الكثرة‪ -‬أمر إجياد خملوق واحد بقدر صعوبة إجياد مجيع املوجودات‪"...‬‬
‫ّ‬
‫فجل االختالفات والنزاعات اإلنسانية‪ ،‬إن مل نقل كلها‪ ،‬راجعة إىل عدم إسالم النفس‬
‫(‪(٣‬‬
‫والقلب والعقل لواحد‪ ،‬فإذا كان الكون بام فيه خاضع جلالل اهلل وعظمته يسبح بحمده‪،‬‬
‫فعىل البرشية أن ال ختالف سنن اهلل يف خلقه‪ ،‬وأن توحد اهلل يف ألوهيته وربوبيته؛ ألن ذلك‬
‫حيد من النزاعات ويقلل من االختالفات‪ ،‬فاملطلوب من املجتمع البرشي أن يتفق مع إسالم‬
‫الكون وخضوعه ملواله‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [آل عمران‪.]8٣ :‬‬

‫ظلم للنفس‪،‬‬ ‫[لقمان‪]1٣ :‬‬ ‫أما الكفر والرشك فهو ظلم ﴿ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾‬
‫وظلم للمخلوقات‪" ،‬يفسد قوى اإلنسان واستعداداته إىل درجة يسلب منه القدرة عىل تق ّبل‬
‫اخلري والصالح‪ (٤("،‬بل "إن الكفر املطلق يبيد احلياة األبدية‪ ،‬وحيول احلياة الدنيوية إىل ُس ٍّم‬
‫(‪(٥‬‬
‫زعاف ويمحي لذهتا ومتعها‪"...‬‬

‫(‪ )1‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ﴾‬


‫[األنبياء‪.]٢٤ :‬‬
‫(‪ )٢‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )4‬الشعاعات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٢‬‬
‫(‪ )٣‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ﴾ [النور‪.]٤٢-٤1 :‬‬
‫(‪ )٤‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور‪ )1( ،‬الكلامت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫(‪ )٥‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور‪ )٤( ،‬الشعاعات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤1٣‬‬

‫‪9٣‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أصل اإليامن باألنبياء والرسل‬

‫متهيد‪:‬‬

‫األنبياء والرسل قادة املجتمع البرشي إىل األلفة وترك الفرقة‪ ،‬فهم رمز الوحدة‬
‫واالجتامع؛ ألن إضافتهم إىل احلق سبحانه واحدة‪ ،‬والتنزيل إليهم واحد‪ ،‬ووظيفتهم يف‬
‫التبليغ واإلرشاد واحدة‪ ،‬ودينهم واحد يف أصوله ومقاصده‪ ،‬فهم عليهم السالم يدعون‬
‫للوحدة؛ ألهنم منهج واحد‪ ،‬ويدل عىل ذلك وحدة التلقي عن اهلل بوساطة الوحي‪ (1(.‬ومن‬
‫املعاين اجلامعة للرسول والنبي حسب اإلجيي‪ (٢( :‬االصطفاء‪ ،‬واإلرسال‪ ،‬والتبليغ‪ ،‬والبعث‪،‬‬
‫واإلنباء‪ ،‬فالرسول والنبي واسطة بني اخللق وخالقهم‪.‬‬
‫من أجل الوقوف عىل هذا األصل اإليامين يف السياق القرآين‪ ،‬والرهنة عىل دوره يف‬
‫تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬نقوم بدراسته‪ ،‬وحتليل مضامينه‪ ،‬والوقوف عىل معامله‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫‪ -1‬األنبياء والرسل قادة البرشية للوحدة واالئتالف‪:‬‬

‫األنبياء والرسل قادة املجتمع البرشي إىل األلفة وترك الفرقة‪ ،‬والتفريق بني األنبياء‪،‬‬
‫أو اإليامن ببعضهم والكفر ببعضهم اآلخر‪ ،‬دعوى باطلة‪ ،‬لذلك شدّ د اخلطاب القرآين عىل‬
‫الذين يفرقون بينهم‪ ،‬وحكم عليهم بالكفر‪ ،‬غافلني عن حقيقة الصلة بينهم‪ ،‬وأهنم منهج‬

‫(‪ (1‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬


‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ [النساء‪ ﴿ ،]1٦٤-1٦٣ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾‬
‫[النساء‪ ﴿ ،]٦٤ :‬ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ﴾ [الزخرف‪.]٤٥ :‬‬
‫(‪ )٢‬اإلجيي‪ ،‬عضد الدين أبو الفضل عبد الرمحن بن أمحد بن عبد الغفار‪ .‬كتاب املواقف‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن عمرية‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار اجليل‪ ،‬ط‪199٧( 1‬م) ج‪ ،٣‬ص‪ .٣٣٢‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .٧89‬وانظر كذلك يف »معنى النبوءة»‪:‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف‪ .‬كتاب اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول االعتقاد‪ ،‬حققه‬
‫وعلق عليه وقدم له وفهرسه‪ :‬حممد يوسف موسى وعيل عبد املنعم عبد احلميد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اخلانجي‪،‬‬
‫(‪1٣٦9‬ه‪19٥0/‬م)‪ ،‬ص‪ .٣٣8‬وانظر حول "حتقيق معنى النبوة والرسالة وتعريف كل منهام" يف‪:‬‬
‫‪ -‬البوطي‪ ،‬كربى اليقينيات الكونية وجود اخلالق ووظيفة املخلوق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19٥-18٣‬‬
‫‪ -‬حقي‪ ،‬أمحد معاذ علوان‪ .‬الفرق بني النبي والرسول‪ :‬دراسة حتليلية‪ »،‬جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية‪،‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ديب‪ ،‬العدد‪٢01٤ ،)٢8( :‬م‪ ،‬ص‪.٥٧‬‬

‫‪9٤‬‬
‫واحد‪ ،‬فال يصح اإليامن باهلل إال من طريقهم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ [النساء‪.]1٥1-1٥0 :‬‬
‫فاخلطاب القرآين هبذه اآلية وغريها مما يف معناها‪ (1(،‬جعل اإليامن بالنبوة سبيل االتفاق‬
‫واالحتاد؛ ألن باإليامن هبم مجيع ًا‪ ،‬وعدم التفريق بينهم‪ ،‬يقع التقريب بني أهل الرشائع‪ .‬أما‬
‫التفريق بينهم‪ ،‬واإليامن ببعضهم‪ ،‬والكفر ببعضهم اآلخر‪ ،‬يوسع اخلالف وال يرك لالتفاق‬
‫(‪(٢‬‬
‫طريق ًا‪ ،‬وبذلك كانت النبوات مقصد ًا عظي ًام من مقاصد القرآن‪.‬‬
‫فهم صلوات اهلل وسالمه عليهم قادة البرشية للوحدة واأللفة واالتفاق‪ ،‬فاإليامن هبم‪،‬‬
‫وعدم التفريق بينهم‪ ،‬واتباعهم يف هدهيم‪ ،‬أصل يرشد البرشية إىل الوحدة تأسي ًا بوحدهتم‪،‬‬
‫يقول حممد رشيد رضا‪" :‬مثل األنبياء كمثل والة األقطار يف مملكة واحدة‪ ،‬أو مثل قواد‬
‫اجليش يف املعسكرات املتفرقة لدولة حمدودة‪ ،‬ومثل خامتهم صاحب الرسالة العامة‪ ،‬كمثل‬
‫(‪(3‬‬
‫القائد والوايل العام‪ ،‬عند إرادة توحيد السياسة والقيادة‪"...‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫ويف السياق نفسه بعد النهي عن التفريق بينهم‪ ،‬هني اهلل عز وجل عن تكذيبهم؛‬
‫ألهنم منهج واحد‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫(‪)1‬‬


‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ﴾ [البقرة‪ ،]1٣٦ :‬وقال‪ ﴿ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬
‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ﴾ [البقرة‪ ،]1٧٧ :‬وقال‪﴿ :‬ﱁ ﱂ‬
‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬
‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ﴾ [آل عمران‪ ،]8٤ :‬وقال‪﴿ :‬ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ﴾ [البقرة‪.]٢8٥ :‬‬
‫(‪ )٢‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )1‬الكلامت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.٥٣٣‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٢٧‬‬
‫قال تعاىل يف شأن إغراق قوم نوح ملا كذبوه‪ ﴿ :‬ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ‬ ‫(‪)٤‬‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ﴾ [الفرقان‪ ،]٣٧ :‬وقال تعاىل عنهم أيض ًا‪ ﴿ :‬ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ﴾ [الشعراء‪ ،]1٢0-11٧ :‬وعن هالك‬
‫قوم عاد بسبب تكذيب سيدنا هود عليه السالم يقول اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﱋ ﱌﱍ﴾ [الشعراء‪ ،]1٣9 :‬ويقول تعاىل عن‬
‫تكذيب قوم لوط‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ﴾ [الشعراء‪،]1٦٢-1٦0 :‬‬
‫﴿ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ﴾ [الشعراء‪]1٧٢-1٧0 :‬‬ ‫فكانت النتيجة قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫وهكذا كان مصري سائر األمم واألقوام الذين ّ‬
‫كذبوا بأنبياء اهلل ورسله‪.‬‬

‫‪9٥‬‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [الفرقان‪ ]٣٧ :‬اهلل عز وجل ذكر يف هذه اآلية أن قوم نوح كذبوا‬
‫تكذيب لكل الرسل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الرسل‪ ،‬مع أهنم مل يكذبوا إال نوح ًا؛ ألن تكذيب رسول واحد هو‬
‫منهج واحدٌ ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وألهنم‬

‫وتكذيبهم معصية هلل‪ ،‬وتصديقهم قرب ٌة منه سبحانه‪ ،‬يقول ابن تيمية‪" :‬فإنه قد‬
‫تواتر عند كل أحد حال األنبياء‪ ،‬ومصدقهم ومكذهبم‪ ،‬وعاينوا من آثارهم ما َّ‬
‫دل عىل أنه‬
‫سبحانه عاقب مكذهبم وانتقم منهم‪ ،‬وأهنم كانوا عىل احلق الذي حيبه ويرضاه‪ ،‬وأن من‬
‫هلل عىل أهله‪ ،‬وأن طاعة الرسل طاعة هللّ‪ ،‬ومعصيتهم‬
‫كذهبم كان عىل الباطل الذي يغضب ا ّ‬
‫(‪(1‬‬
‫معصية هللّ‪".‬‬

‫وهنى اهلل عن تكذيب الرسل؛ ألهنم أمة واحدة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﴾ [املؤمنون‪ ،]٥٢ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾‬
‫[األنبياء‪ ]9٢ :‬يقول طه جابر العلواين‪" :‬فاألنبياء أمة واحدة يف طبيعة رساالهتم ومصدريتها وأسس‬
‫(‪(٢‬‬
‫دعوهتا إىل إقامة القيم العليا‪ ،‬وتزكية النفس اإلنسانية إلقامة أركان العمران يف األرض‪"...‬‬

‫فاألنبياء صادقون فيام جاءوا به‪ ،‬ومتفقون عىل تصديق بعضهم بعض ًا‪ ،‬يف كل ما جاءوا‬
‫به‪ ،‬من حمتكامت‪ ،‬وقواعد الدين اجلامع وقد بلغ عددهم‪" :‬إىل مائة ألف وأربعة وعرشين‬
‫ألف ًا‪ ،‬وال خالف بني أهل النظر أن اتفاق مثل هذا العدد يفيد العلم الرضوري بصدق ما‬
‫(‪(٣‬‬
‫اتفقوا عليه‪".‬‬
‫والتوراة نفسها "اشتملت عىل حكاية حال األنبياء من لدن آدم إىل بعثة موسى‪،‬‬
‫وفيها الترصيح بتصديق بعضهم بعض ًا‪ ،‬ومل يقع من أحد منهم اإلنكار لنبوة أحد ممن‬
‫تقدمه‪ ،‬وهكذا اإلنجيل"(‪" ،(٤‬فلم يقع اختالف بينهم قط يف الدعاء إىل توحيد اهلل‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢1٤‬‬


‫(‪ )٢‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪" .‬مفاهيم القرآن وحتديد مهام األنبياء"‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪1٤٢٤( ،)٣٤-٣٣( :‬ه‪٢00٣ /‬م)‪ ،‬ص‪.٢0‬‬
‫(‪ )٣‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٦-٢٥‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬

‫‪9٦‬‬
‫وإثبات املعاد وصحة نبوة كل واحد منهم‪ ،‬وصدقه فيام جاء به من الرشع‪ ،‬وفيام حكاه‬
‫(‪(1‬‬
‫عن اهلل سبحانه‪".‬‬
‫مبرشين ومنذرين‪ ،‬ليحكموا بني اخللق فيام اختلفوا فيه‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫وقد بعث اهلل األنبياء ّ‬
‫﴿ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾‬
‫[البقرة‪ (٢(]٢1٣ :‬فجاءت النبوة بالكتاب لتدبري اختالفاهتم‪ ،‬وضبط عالقاهتم احلياتية واملجتمعية‪،‬‬
‫وإرجاع املجتمع اإلنساين إىل حالة الوحدة الفطرية األوىل‪ ،‬فتح ّققت هلم بالنص وظيفتان‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬وظيفة التبشري واإلنذار‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬وظيفة احلكم بني الناس فيام اختلفوا فيه‪ ،‬بام معهم من كتاب‪.‬‬
‫يقول الزخمرشي‪﴿ " :‬ﮇ ﮈ ﮉ﴾ يريد اجلنس‪ ،‬أو مع كل واحد منهم كتابه‬
‫﴿ﮋ﴾ اهللَّ‪ ،‬أو الكتاب‪ ،‬أو النبي املنزل عليه ﴿ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ يف احلق ودين اإلسالم‬
‫الذي اختلفوا فيه بعد االتفاق ﴿ﮒ ﮓ ﮔ﴾ يف احلق ﴿ﮕ ﮖ ﮗ﴾ إال الذين أوتوا‬
‫(‪(٣‬‬
‫الكتاب املنزل إلزالة االختالف‪".‬‬

‫األنبياء والرسل قادة اخللق لالئتالف‪ ،‬فقد بعثهم احلق سبحانه إلقامة الدين‪ ،‬وتدبري‬
‫االختالف بني البرشية‪ ،‬والسعي نحو األلفة واجلامعة وترك الفرقة واملخالفة‪ ،‬لذلك جاءهم‬
‫النهي عن التفرق يف الدين(‪ (٤‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [الشورى‪ ]1٣ :‬فكانت مهمة الرسل‬
‫االئتالف اإلنساين‪ ،‬وعدم الفرقة واالختالف يف الدين‪.‬‬

‫هم ملجأ اخللق يف بيان ما اختلفت عليه عقوهلم وشهواهتم ورغباهتم‪ ،‬يقودوهنم‬
‫لالجتامع واأللفة‪ .‬يقول حممد عبده يف تقرير هذا املعنى‪" :‬يبينون للناس ما اختلفت عليه‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬


‫ومتام اآلية قوله تعاىل‪﴿ :‬ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬ ‫(‪(٢‬‬
‫ﲠ ﲡ﴾ [البقرة‪.]٢1٣ :‬‬ ‫ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬

‫(‪ )٣‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٢٥‬‬
‫(‪ )٤‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪ ،٥1٢‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.18٧‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.19٥-19٤‬‬

‫‪9٧‬‬
‫عقوهلم وشهواهتم وتنازعته مصاحلهم ولذاهتم‪ ،‬فيفصلون يف تلك املخاصامت بأمر اهلل‬
‫الصادع‪ ،‬يعودون بالناس إىل األلفة‪ ،‬ويكشفون هلم رس املحبة‪ ،‬ويستلفتوهنم إىل أن فيها‬
‫(‪(1‬‬
‫انتظام شمل اجلامعة‪"...‬‬

‫فبعثة الرسل واألنبياء متهيد لتصحيح اختالفات البرشية‪ ،‬وبناء وحدهتا‪ ،‬وتقوية‬
‫ألفتها‪ ،‬والتقليل من نزاعاهتا‪ ،‬يقول رشيد رضا‪ :‬فببعثة الرسل تم متهيد "السبيل لأللفة‬
‫(‪(٢‬‬
‫واألخوة اإلنسانية العامة‪"...‬‬

‫إن منهج الرسل واحد‪ ،‬ورسالتهم واحدة‪ ،‬ودعوهتم واحدة‪" ،‬فأما احلقيقتان اللتان‬
‫تظلالن جو السورة (يقصد سورة إبراهيم) وتتسقان مع ظل إبراهيم أيب األنبياء‪ ،‬الشكور األواه‬
‫املنيب‪ ،‬ومها حقيقة وحدة الرسالة والرسل‪ ،‬ووحدة دعوهتم‪ ،‬ووقفتهم أمة واحدة يف مواجهة‬
‫(‪(٣‬‬
‫اجلاهلية املكذبة‪ ،‬وحقيقة نعمة اهلل عىل البرش كافة وعىل املختارين منهم بصفة خاصة‪"...‬‬

‫ويقول الشوكاين‪" :‬اعلم أن األنبياء عليهم السالم عىل كثرة عددهم واختالف‬
‫أعصارهم وتباين أنساهبم‪ ،‬وتباعد مساكنهم‪ ،‬قد اتفقوا مجيع ًا عىل الدعاء إىل اهلل عز وجل‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫وصار اآلخر منهم يقر بنبوة من تقدمه‪ ،‬وبصحة ما جاء به‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف مهمة سيدنا عيسى وهي‪ :‬بيان بعض ما اختلف فيه اخللق‪ ﴿ :‬ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾‬
‫[الزخرف‪ ،]٦٣ :‬وقال تعاىل يف شأن مهمة إخراج الناس من الظلامت إىل النور‪ ،‬التي أرسل من‬
‫أجلها سيدنا موسى‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﴾ [إبراهيم‪.]٥ :‬‬

‫(‪ )1‬عبده‪ ،‬حممد‪ .‬رسالة التوحيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عامرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،1‬ه‪199٤/‬م)‪ ،‬ص‪.111-110‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٢٦‬‬
‫(‪ )٣‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.٢0٧9‬‬
‫(‪ )٤‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥‬‬

‫‪98‬‬
‫(‪(1‬‬
‫‪ -2‬النبوة طريق للهداية وحتقيق اخلري والصالح‪:‬‬
‫مل يرك اهللُ تعاىل اخللق دون ٍ‬
‫هاد وال مرشد‪ ،‬لتنزهه سبحانه عن العبث‪ ،‬فاقتضت إرادته أن‬
‫يبعث للخلق الرسل واألنبياء‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [فاطر‪ ،]٢٤ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [يونس‪ ،]٤٧ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [النحل‪.]٣٦ :‬‬

‫وأشار القرآن الكريم إىل رضورة االنقياد للنبوة‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ﴾ [النساء‪ ،]٦٤ :‬وهذا أمر رشعي للبرشية بطاعة الرسل‪ .‬يقول‬
‫الرازي‪" :‬املراد من الكالم ليس اإلرادة‪ ،‬بل األمر‪ ،‬والتقدير‪ :‬وما أرسلنا من رسول إال ليأمر‬
‫(‪(٢‬‬
‫الناس بطاعته‪".‬‬

‫ومع أن احلق سبحانه أقام الدالئل والراهني القاطعة‪ ،‬عىل أنه املعبود وحده ال رشيك‬
‫له يف ملكه ‪-‬كخلق الساموات واألرض‪ ،‬وإحياء األرض واإلنسان بعد املوت‪ ،‬وما ُجبل عليه‬
‫اخللق من فطرة التوحيد‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ﴾ [الروم‪ ،]٣0 :‬وأخرج مجيع‬
‫[األعراف‪]1٧٢ :‬‬ ‫ذرية آدم من ظهور اآلباء وأشهدهم عىل أنفسهم يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳﭴ﴾‬
‫وشهدوا بذلك‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶﭷ ﴾‪ -‬فقد أرسل إليهم الرسل زيادة يف إقامة احلجة‪ ،‬وتذكري ًا هلم هبذه‬
‫الشهادة‪ .‬ويشري إىل ذلك قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [اإلرساء‪ ،]1٥ :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [النساء‪ .]1٦٥ :‬يقول الشنقيطي‪:‬‬
‫إن اهلل أقام احلجة عىل اخللق بالرسل‪" :‬فرصح بأن الذي تقوم به احلجة عىل الناس‪ ،‬وينقطع به‬
‫(‪(٣‬‬
‫عذرهم‪ :‬هو إنذار الرسل ال نصب األدلة واخللق عىل الفطرة‪".‬‬

‫(‪ )1‬ألف الندوي كتاب ًا يدل عىل هذا املعنى‪:‬‬


‫‪ -‬الندوي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن عبد احلي‪ .‬النبوة هي الوسيلة الوحيدة للمعرفة الصحيحة واهلداية الكاملة وبعض‬
‫موافقات واتفاقات‪ ،‬اهلند لكهنؤ‪ :‬املجمع اإلسالمي العاملي‪1٤08( ،‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٢‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ .1٦٥‬وانظر كذلك‪ :‬فصل‪" :‬النبوة ومنهجها يف إصالح الناس‪ "،‬يف‪:‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬شاه ويل اهلل‪ .‬الفوز الكبري يف أصول التفسري‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الغوثاين للدراسات القرآنية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008/‬م)‪ ،‬ص‪.٣٤‬‬
‫(‪ )٣‬الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٣‬‬

‫‪99‬‬
‫فاإليامن هبم وتصديقهم بام جاؤوا به‪ ،‬دليل الفالح والصالح يف الدنيا‪ ،‬والفوز برضا‬
‫اهلل يف اآلخرة‪ .‬ويرى رشيد رضا أن‪" :‬وظيفة مجيع الرسل تعليم الناس ما به يصلح حاهلم‪،‬‬
‫ويستعدون ملآهلم‪ ،‬بطريق التبشري ملن آمن وأصلح عم ً‬
‫ال بحسن الثواب‪ ،‬وإنذار من كفر‬
‫فكان اإليامن بالرسل أصالً مشرك ًا بني البرشية‪ ،‬يقودوهنم‬ ‫(‪(1‬‬
‫وأفسد عم ً‬
‫ال بالعقاب"‪،‬‬
‫إلصالح حاهلم يف الدنيا‪ ،‬وأمنهم من سخط اهلل يف اآلخرة‪.‬‬

‫يقول عالل الفايس عن دور الرسل وفضلهم يف السمو باإلنسان عن درجة احليوانية‪،‬‬
‫بام جاؤوا به من خلق ودين‪" :‬واحلقيقة أن اإلنسان حيوان قبل كل يشء‪ ،‬وال يسمو به عن‬
‫درجة احليوانية إال ما أخذ به نفسه من خلق ودين‪ ،‬وهو ما ُركّب يف فطرته كإنسان مك َّلف‪،‬‬
‫وما مل يكن ليدركه لوال الرسل عىل مذهب األشاعرة‪ ،‬أو كان يمكنه أن يصل إىل أخذ نفسه‬
‫وألن هدى‬ ‫(‪(٢‬‬
‫به‪ ،‬ليخرج عن طور احليوانية ومقتضيات الطبيعة عىل ما يراه املعتزلة‪".‬‬
‫الرسل‪ ،‬يرفع اإلنسان يف مدارج الكامالت‪ .‬يقول النوريس عن رشيعة القرآن‪« :‬تضع اهلدى‬
‫(‪(٣‬‬
‫بدالً من اهلوى‪ ،‬واهلدى من شأنه‪ :‬رفع اإلنسان روحي ًا إىل مراقي الكامالت‪".‬‬

‫فاألنبياء والرسل قادة للبرشية‪ ،‬وعنوان للخري والصالح‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﴾ [األنبياء‪ ،]٧٣ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﴾‬
‫[آل عمران‪ ]1٦٤ :‬يقول شارح العقيدة الطحاوية‪" :‬وإرسال الرسل من أعظم نعم اهلل عىل‬
‫َان َح ّق ًا َع َل ْي ِه‬
‫ُن نَبِ ٌّي َق ْب ِيل إِالَّ ك َ‬
‫خلقه‪ ،‬وخصوص ًا حممد ﷺ‪ (٤(".‬ويف هذا يقول ﷺ‪" :‬إِ َّن ُه ْمل َ َيك ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْن َيدُ َّل ُأ َّم َت ُه َع َىل َخ ْري َما َي ْع َل ُم ُه َهل ُ ْم‪َ ،‬و ُينْذ َر ُه ْم َ َّ‬
‫رش َما َي ْع َل ُم ُه َهل ُ ْم‪".‬‬
‫(‪(٥‬‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٤‬‬


‫(‪ )٢‬الفايس‪ ،‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣‬‬
‫(‪ )٣‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )2‬املكتوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦0٧‬‬
‫(‪ )٤‬ابن أيب العز احلنفي‪ ،‬عيل بن عيل بن حممد بن أيب العز احلنفي الدمشقي‪ .‬رشح العقيدة الطحاوية‪ ،‬حتقيق‪ :‬مجاعة من‬
‫العلامء‪ ،‬ختريج‪ :‬نارص الدين األلباين‪ ،‬بريوت‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،1‬ه‪٢00٥/‬م)‪ ،‬ص‪.1٥8‬‬
‫(‪ )٥‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلمارة‪ ،‬باب‪ :‬األمر بالوفاء ببيعة اخللفاء‪ ،‬األول فاألول‪ ،‬ج‪ ،٣‬حديث‬
‫رقم (‪ ،)18٤٤‬ص‪.1٤٧٢‬‬

‫‪100‬‬
‫فاألنبياء جعلهم اهلل للهداية‪ ،‬وفعل اخلريات‪ ،‬واألمر بالعبادة التي هي عنوان‬
‫االستقامة‪ ،‬فهم مصابيح اهلدى‪ ،‬التي تنري للخلق طريق السعادة‪ ،‬من جلب املصالح ودرء‬
‫املفاسد الدنيوية واألخروية‪ ،‬فاإليامن بالنبوة يرشد للهدى والسعادة‪" :‬واإليامن بالنبوة أصل‬
‫النجاة والسعادة‪ .‬فمن مل حيقق هذا الباب اضطرب عليه باب اهلدى والضالل‪ ،‬واإليامن‬
‫والكفر‪ ،‬ومل يم ّيز بني اخلطأ والصواب"(‪ ،(1‬ويقول رشيد رضا ّ‬
‫إن‪" :‬موضوع الرسالة‪ :‬تعليم‬
‫وإرشاد إهلي يملك الوجدان‪ ،‬وتذعن له النفس باإليامن‪ ،‬فيكون هداية تزع صاحبها عن‬
‫(‪(٢‬‬
‫الباطل والرش‪ ،‬وتوجهه إىل احلق واخلري"‪.‬‬

‫ولذلك أمر احلق سبحانه البرشية باالقتداء هبم واتباعهم؛ ألن يف ذلك سعادهتم‬
‫وصالحهم(‪ ،(٣‬وألهنم أكمل اخللق‪ ،‬وأعلمهم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ [األحزاب‪ ،]٢1 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﴾ [األنعام‪.]90 :‬‬

‫ووصف اخلطاب القرآين الرسائل الساموية بأهنا نور وهدى للبرشية‪ ،‬والنبوة هي طريق‬
‫تبليغ هذا اهلدى الرباين للخلق‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬

‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬

‫ﮀﮁﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎ‬

‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﴾ [املائدة‪ ،]1٦-1٥ :‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬كتاب النبوات‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد العزيز الطويان‪ ،‬الرياض‪ :‬أضواء السلف‪،‬‬
‫ط‪1٤٢0( ،1‬ه‪٢000/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥0٧‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.18٦-18٥‬‬
‫(‪ )٣‬قال تعاىل يف وصف سيدنا حممد ﷺ‪ ﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ﴾ [األحزاب‪ ،]٤٦-٤٥ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [البقرة‪ ،]1٥1 :‬وقال تعاىل واصف ًا أنبياءه عموم ًا بالبشارة والنذارة‪:‬‬
‫﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [البقرة‪ ،]٢1٣ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ﴾‬
‫[النساء‪ ،]1٦٥ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾‬
‫[األنعام‪ ،]٤8 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [الكهف‪.]٥٦ :‬‬

‫‪101‬‬
‫﴿ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷ﴾ [املائدة‪ ،]٤٤ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‬

‫فوصف اهلدى والنور‪ ،‬دليل إرشاد النبوة للخلق إىل اخلري والسعادة‬ ‫ﱒ﴾ [املائدة‪]٤٦ :‬‬

‫والصالح‪.‬‬

‫فالنبوة دليل صالح اإلنسان يف املعاش‪ ،‬وفوزه يف املعاد‪ ،‬فهي تنظم العالقة اإلنسانية‪،‬‬
‫ّ‬
‫وال جتعلها خاضعة ألهواء الناس وميوالهتم النفسية‪ .‬فاخلطاب القرآين يرشد البرشية إىل‬
‫أن اإليامن بالنبوة والتصديق هبا‪ ،‬أصل مهم لتدبري االختالف؛ ألن النبوة وسيلة تبليغ اخللق‬
‫"يبني القرآن الكريم أن األنبياء عليهم السالم قد ُبعثوا إىل‬
‫ما يصلحهم‪ ،‬يقول النوريس‪ّ :‬‬
‫جمتمعات إنسانية ليكونوا هلم أئمة اهلدى ُيقتدى هبم‪ ،‬يف رقيهم املعنوي ونصبهم رواد ًا‬
‫(‪(1‬‬
‫للبرشية وأساتذة هلا يف تقدمها املادي أيض ًا‪".‬‬

‫ومن قواعد النبوة يف احلياة اإلنسانية‪ :‬الدعوة إىل التخ ُّلق بأخالق اهلل‪ ،‬واألنبياء هم‬
‫القدوة يف ذلك‪ ،‬فال بد للبرشية من نامذج يقتدون هبا وهم يصلحون األفراد واملجتمعات‪،‬‬
‫فهم يف حاجة إىل الرسل(‪ ،(٢‬وقد عرف كل قوم نبيهم‪ ،‬وأنه يف أعىل درجات اخللق القويم‪،‬‬
‫ويستحيل يف العقل أن يكون النبي‪ ،‬أي نبي‪ ،‬قد ُج ِّرب عليه كذب أو خيانة‪ ،‬أو أي يشء ولو‬
‫من خوارم املروءة(‪.(٣‬‬

‫ّ‬
‫إن قصور اإلنسان يف إدراك مصاحله ومنافعه‪ ،‬يفرض رضورة احتياجه إىل مرشد‬
‫يرشده إىل كامل نقصه‪ ،‬وهذه هي وظيفة النبوة‪ ،‬وقد بني اهلل عز وجل حقيقة النفس اإلنسانية‪،‬‬
‫وقصورها يف إدراك منافعها(‪.(٤‬‬

‫(‪ )1‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )1‬الكلامت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٧9‬‬
‫(‪ )٢‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ .‬العقيدة اإلسالمية وأسسها‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪1٣99( ،٢‬ه‪/‬‬
‫‪19٧9‬م)‪ ،‬ص‪.٣0٢‬‬
‫(‪ )٣‬ابن تيمية‪ ،‬كتاب النبوات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥-٢٤‬‬
‫(‪ )٤‬انظر‪ :‬فصل "حقيقة النبوة واضطرار كافة اخللق إليها" يف‪:‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬املنقذ من الضالل‪ ،‬حققه وقدم له‪ :‬حممود بيجو‪ ،‬راجعه‪ :‬حممد سعيد رمضان‬
‫البوطي وعبد القادر األرناؤوط‪( ،‬د‪ .‬م)‪( :‬د‪ .‬ن)‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٧٢‬‬

‫‪10٢‬‬
‫ال قيام ملدنية يف األرض‪ ،‬إال عىل أساس الدين الذي طريقه النبوة‪ ،‬يقول رشيد رضا‪:‬‬
‫"‪ ...‬وقد ع َّلمنا التاريخ أنه مل تقم مدني ٌة يف األرض من املدنيات التي وعاها وعرفها إال‬
‫عىل أساس الدين‪ ،‬حتى مدنيات األمم الوثنية كقدماء املرصيني‪ ،‬والكلدانيني‪ ،‬واليونانيني‪،‬‬
‫وع َّلمنا القرآن أنه ما من أمة إال وقد خال فيها نذير مرسل من اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬هلدايتها‪،‬‬
‫فنحن هبذا نرى أن تلك الديانات الوثنية كان هلا أصل إهلي‪ ،‬ثم رست الوثنية إىل أهلها حتى‬
‫(‪(1‬‬
‫غلبت عىل أصلها‪ ،‬كام رست إىل من بعدهم من أهل الديانات‪".‬‬

‫فالنبوة رضورة لإلنسان‪ ،‬أكثر من رضورة اإلنسان املريض إىل الطب‪ .‬ويقول ابن تيمية‬
‫يف تقرير هذا املعنى‪" :‬وحاجة العبد إىل الرسالة أعظم بكثري من حاجة املريض إىل الطب‪،‬‬
‫فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت األبدان‪ ،‬وأما إذا مل حيصل للعبد نور الرسالة وحياهتا‬
‫مات قلبه موت ًا ال ترجى احلياة معه أبد ًا‪ ،‬أو شقي شقاوة ال سعادة معها أبد ًا‪ ،‬فال فالح إال‬
‫باتباع الرسول‪ (٢("،‬ويقول‪" :‬والرسالة رضورية للعباد ال بد هلم منها‪ ،‬وحاجتهم إليها فوق‬
‫(‪(٣‬‬
‫حاجتهم إىل كل يشء‪"...‬‬

‫فالنبوة رضورة عق ً‬
‫ال للبرشية كرضورة اجتامعهم؛ ألنه إذا كان اجتامعهم رضورة‬
‫فطرية‪ ،‬وحاجة اجتامعية‪ ،‬فإن هذا يرتب عليه رضورة تنظيم هذا االجتامع بأصل حيكم‬
‫العالقات اإلنسانية‪ ،‬وهذا األصل احلاكم إما أن يكون بالوضع اإلنساين‪ ،‬أو بالوضع‬
‫الرشعي عن طريق النبوة‪ ،‬وبطل أن يكون هذا األصل بالوضع اإلنساين؛ ألنه ال حيقق إال‬
‫ثم فإن هذا األصل لالجتامع اإلنساين ال يكون إال بالنبوة التي‬
‫السعادة الدنيوية فقط‪ ،‬ومن ّ‬
‫حتقق السعادتني‪ :‬الدنيوية واألخروية‪.‬‬

‫واألنبياء برش صاحلون‪ُ ،‬ك ِّلفوا هبداية البرشية وقيادهتا إىل اخلري والصالح‪ ،‬وإقامة الدين‬
‫التفرق‪ ،‬وهبذا يقول عالل الفايس بعد إطالة النظر يف جمموعة من اآليات القرآنية يف هذا‬
‫وعدم ُّ‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٥1‬‬
‫(‪ )٢‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.9٧-9٦‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪ .9٣‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬بريوت والكويت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة ومكتبة املنار اإلسالمية‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،٢٧‬ه‪199٤/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦8‬‬

‫‪10٣‬‬
‫السياق‪" :‬فمجموع هذه اآليات القرآنية يبني بوضوح أن الغاية من إرسال األنبياء والرسل وإنزال‬
‫(‪(1‬‬
‫الرشائع‪ ،‬هو إرشاد اخللق؛ ملا به صالحهم وأداؤهم لواجب التكليف املفروض عليهم‪".‬‬

‫ومن خالل ما تقدم يتبني أن اخلطاب القرآين يقدم أصل النبوة حاك ًام للخلق‪ ،‬ومقصد ًا‬
‫إلصالح الكون واإلنسان‪ ،‬فهي رضورة رشعية وحاجة حياتية‪ ،‬لبناء اإلنسان والعمران‪،‬‬
‫حترض دون هاد ومرشد ومنهج‪ ،‬وهذا ال يتأتى دون خطاب اهلل تعاىل عن‬
‫فال متدُّ ن وال ُّ‬
‫طريق النبوة‪ ،‬فالنبوة أصل مهم يف تنظيم العالقات اإلنسانية‪ ،‬وتدبري اختالفاهتا ونزاعاهتا؛‬
‫ألن العقل والعلم غري كافيني يف ذلك‪" ،‬وال جيوز أن يرك الناس وآراءهم يف ذلك‪،‬‬
‫فيختلفون‪ ،(٢("...‬والدليل ما تعيشه اإلنسانية اليوم‪ ،‬مع وجود التقدم العلمي والتطور‬
‫التكنولوجي‪ ،‬الذي مل يصاحبه تقدم أخالقي ومصدره النبوة‪.‬‬

‫‪ -3‬ختم النبوة بكامل الدين اجلامع‪:‬‬

‫ختمت النبوة بكامل الدين الساموي وهو اإلسالم‪ ،‬وهو آخر أدوار الرسالة اإلهلية‪ ،‬فهو‬
‫الدين اجلامع املؤلف‪ ،‬ولذلك قال تعاىل يف آخر آية نزلت من القرآن الكريم‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [املائدة‪ (٣(،]٣ :‬فاإلسالم ختم النبوة‪،‬‬
‫ومجع اخللق عىل رسالة واحدة‪ ،‬ودين كامل واحد‪ ،‬يقول ابن رشد ّ‬
‫إن رشيعة اإلسالم‪" :‬إذا‬
‫قويست بسائر الرشائع‪ ،‬وجد أهنا الرشيعة الكاملة بإطالق‪ ،‬ولذلك كانت خامتة الرشائع"(‪،(٤‬‬
‫ويقول ابن عاشور يف قوله تعاىل‪﴿" :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ﴾ [آل عمران‪ ]19 :‬والعندية يف‬
‫(‪(٥‬‬
‫قوله ﴿ﭺ ﭻ﴾ عندية اعتزاز وكامل‪".‬‬

‫(‪ )1‬الفايس‪ ،‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٧‬‬


‫(‪ )٢‬القاسمي‪ ،‬حممد مجال الدين‪ .‬دالئل التوحيد‪ ،‬صححه وضبطه‪ :‬جمموعة من العلامء إرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،1‬ه‪198٤/‬م)‪ ،‬ص‪.1٤0‬‬
‫(‪ )٣‬انظر تعليق القاسمي عىل هذه اآلية‪:‬‬
‫‪ -‬القاسمي‪ ،‬دالئل التوحيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18٧‬‬
‫(‪ )٤‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد‪ .‬الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬ص‪.٢01‬‬
‫(‪ )٥‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٤‬‬

‫‪10٤‬‬
‫اخللق مجيعهم للقيام‬
‫َ‬ ‫اإلسالم تم وكمل برسالة حممد ﷺ‪ ،‬فهو املنهج الذي تع َّبد اهللُ به‬
‫بوظيفة االستخالف‪" :‬فاإلسالم هو املنهج العميل املختار من اهلل‪ ،‬واملرقي لإلنسان‪ ،‬لكي‬
‫ينجز به مهمته االستخالفية يف عامل الشهادة‪ ،‬فهو وحده الترشيع اإلهلي احلكيم الذي يستطيع‬
‫به اإلنسان حتقيق مضمون اخلالفة وهو عبادة اهلل وحده"‪ (1(.‬واإلسالم يمتاز بأوصاف ثالثة‬
‫(‪(٢‬‬
‫مل تتصف هبا الرساالت من قبله وهي‪ :‬العموم‪ ،‬والدوام‪ ،‬والفطرة‪.‬‬

‫وحممد بن عبد اهلل ﷺ خاتم األنبياء‪ ﴿ :‬ﯱ ﯲﯳ﴾ [األحزاب‪ ]٤0 :‬يقول أبو يعىل‬
‫(‪(٣‬‬
‫احلنبيل‪" :‬ونبينا ﷺ خاتم األنبياء‪ ،‬وال يبعث اهلل نبي ًا بعد نبينا‪".‬‬

‫وختم الرسالة وكامل الدين يقتيض‪ :‬أوالً‪ :‬اإليامن بنبوة حممد ﷺ‪ ،‬وثاني ًا‪ :‬االعراف‬
‫بعاملية رسالته‪ ،‬وثالث ًا‪ :‬اإلقرار بنسخ الرسائل الساموية قبله‪ ،‬ورابع ًا‪ :‬اإلقرار بتصديق رسالته‬
‫لألصول اجلامعة التي جاءت هبا األديان قبله‪ ،‬فهذه أربع قضايا تثبت كامل الدين اخلاتم‪،‬‬
‫وانقطاع النبوة بعد حممد ﷺ‪ ،‬وأن رسالته هي الدين اخلاتم الذي ارتضاه اهلل للناس‪ ،‬وأنه‬
‫الدين اجلامع املؤلف الشتامله عىل كل عنارص الوحدة واأللفة‪:‬‬

‫أ‪ -‬اإليامن بنبوة حممد ﷺ‪:‬‬

‫ويدخل يف اإليامن بالنبوة عموم ًا‪ ،‬اإليامن بمحمد ﷺ‪ (٤(،‬وبالكتاب الذي أنزل إليه‪:‬‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وعدم الكفر به‪ ،‬وال سيام وقد برشت به كل الكتب التي أنزلت عىل إخوانه‬

‫(‪ )1‬برغوث‪ ،‬منهج النبي ﷺ يف محاية الدعوة واملحافظة عىل منجزاهتا خالل الفرتة املكية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢0‬‬
‫(‪ )٣‬احلنبيل‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦٧‬‬
‫(‪ )٤‬والذين ينكرون نبوة حممد ﷺ نوعان‪ :‬النوع األول‪ :‬هم منكرو النبوات عموم ًا‪ ،‬والنوع الثاين‪ :‬هم مثبتو النبوات‪،‬‬
‫وهم عىل أصناف‪ :‬صنف قالوا‪ :‬بإنكار النسخ‪ ،‬واختلفوا يف املانع من النسخ‪ ،‬بني قائل بالعقل‪ ،‬وقائل بالرشع‪.‬‬
‫وصنف قال‪ :‬هو مبعوث إىل قومه من العرب‪ ،‬وليس نبي ًا لعموم الناس‪ .‬وصنف قال‪ :‬هو نبي ملن مل يتمسك برشع‬
‫يأت بمعجزة قاهرة‪ .‬انظر تفصيل ذلك يف‪:‬‬ ‫من عبدة األوثان‪ ،‬وصنف قال‪ :‬إنه ليس بنبي‪ ،‬ألنه مل ِ‬
‫‪ -‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد‪ .‬أعالم النبوة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٦( ،1‬ه‪198٦/‬م)‪ ،‬ص‪.٥0‬‬
‫اإلجيي‪ ،‬كتاب املواقف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ .٣٧٦‬وانظر يف إثبات نبوة سيدنا حممد ﷺ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫اجلويني‪ ،‬كتاب اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول االعتقاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٣8‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪10٥‬‬
‫األنبياء‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾ [املائدة‪.]19 :‬‬

‫فهذه دعوة أهل الكتاب إىل التوحيد واجتناب الرشك‪ ،‬واإليامن بمحمد ﷺ النبي‬
‫َّك‬ ‫اخلاتم الذي يعرفونه يقين ًا كام يعرفون أبناءهم‪ (٢(،‬وقال ﷺ ملا أرسل معاذ ًا إىل اليمن‪" :‬إِن َ‬
‫َاب‪َ ،‬فإِ َذا ِج ْئت َُه ْم َفا ْد ُع ُه ْم إِ َىل َأ ْن َي ْش َهدُ وا َأ ْن الَ إِ َل َه إِ َّال اهللَُّ‪َ ،‬و َأ َّن‬ ‫ست َْأ ِيت َقوم ًا ِمن َأه ِل ِ‬
‫الكت ِ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪(٣‬‬ ‫ُحم َ َّمد ًا َر ُس ُ‬
‫ول اهللَِّ‪".‬‬

‫فظهور حممد بن عبد اهلل ﷺ‪ ،‬تصديق لنبوة األنبياء والرسل من قبله‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [الصافات‪ ،]٣٧ :‬واألنبياء برشوا وأخروا بمجيئه‪ ،‬فمجيئه تصديق‬


‫خلرهم‪ ،‬وتصديق ملا جاؤوا به‪ ،‬جاء عىل لسان سيدنا املسيح‪ ،‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [الصف‪.]٦ :‬‬

‫فلو مل تظهر نبوة حممد بن عبد اهلل‪ ،‬لبطلت النبوات قبله‪ .‬يقول ابن القيم‪" :‬فعادة اهلل يف‬
‫رسله أن السابق يبرش بالالحق‪ ،‬والالحق يصدِّ ق السابق‪ ،‬فلو مل يظهر حممد بن عبد اهلل ومل‬
‫(‪(٤‬‬
‫يبعث لبطلت نبوة األنبياء قبله‪ ،‬واهلل سبحانه ال خيلف وعده‪ ،‬وال يكذب خره‪".‬‬

‫(‪ )1‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬


‫ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [املائدة‪ ،]1٥ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ [النساء‪. ]1٥1-1٥0 :‬‬
‫(‪ )٢‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ [البقرة‪،]1٤٦ :‬‬
‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [النساء‪ ،]٤٧ :‬و [البقرة‪ ،]101 :‬و[آل عمران‪ ،]8٣ :‬و [الصف‪...]٦ :‬‬

‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الزكاة‪ ،‬باب‪ :‬بعث أيب موسى ومعاذ إىل اليمن قبل حجة الوداع‪،‬‬
‫ج‪ ،٥‬حديث رقم (‪ ،)٤٣٤٧‬ص‪.1٦٢‬‬
‫(‪ )٤‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬هداية احليارى يف أجوبة اليهود والنصارى‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن‬
‫زيدون‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1990/‬م)‪ ،‬ص‪.٢٢9‬‬

‫‪10٦‬‬
‫فمحمد ﷺ‪ ،‬والقرآن الكريم‪ (1(،‬احلجة الوحيدة عىل صدق األنبياء‪ ،‬وهو الشاهد عىل‬
‫النبوات قبله‪ ،‬فإنكار نبوته‪ ،‬ورسالته إنكار لكل الرسل قبله؛ ألن ذلك ثابت بالراهني‪،‬‬
‫واألدلة العقلية والواقعية املشاهدة جي ً‬
‫ال عن جيل‪ ،‬عكس الكتب السابقة‪ ،‬ويف هذا يقول‬
‫رشيد رضا‪" :‬فإن الكتب التي نقلتها ال يمكن إثبات عزوها إىل من ُعزيت إليهم؛ إذ ال‬
‫يوجد نسخ منها منقولة عنهم باللغات التي كتبوها هبا ال تواتر ًا وال آحاد ًا‪ ،‬وال يمكن‬
‫إثبات عصمتهم من اخلطأ فيام كتبوه عىل اختالفه‪ ،‬وتناقضه وتعارضه‪ ،‬وال إثبات صحة‬
‫الراجم التي نقلت هبا‪ ..‬إن الكتاب اإلهلي الوحيد الذي نقل بنصه احلريف تواتر ًا عمن جاء‬
‫به بطريقتي احلفظ والكتابة مع ًا هو القرآن‪ ،‬وإن النبي الوحيد الذي نقل تارخيه بالروايات‬
‫املتصلة األسانيد حفظ ًا وكتابة هو حممد ﷺ‪ ،‬فالدين الوحيد الذي يمكن أن يعقله العلامء‬
‫(‪(٢‬‬
‫املستقلون يف الفهم والرأي‪ ،‬ويبنوا عليه حكمهم هو اإلسالم‪".‬‬

‫ملا اختلف اليهود والنصارى يف دينهم‪ ،‬واختلفوا عىل أنبيائهم‪ ،‬ودخل فيهم الرشك‪،‬‬
‫وفسدت عباداهتم‪" :‬بعث خاتم النبيني الذي برش به موسى وعيسى عليه وعليهم الصالة‬
‫وبني للفريقني –اليهود والنصارى– ما اختلفوا فيه من أمر الدين‪ (٣(."...‬فـ"حممد‬
‫والسالم‪َّ ،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬خالف ًا لليهود والنصارى واملجوس وغريهم من‬ ‫ُ‬ ‫ابن عبد اهلل بن عبد املطلب‪،‬‬
‫املرشكني يف قوهلم‪ :‬مل يكن نبي ًا وال صادق ًا يف دعواه للرسالة‪ ،‬والداللة عىل صدقه قيام املعجز‬
‫من جهته اخلارق للعادة‪ ،‬وذلك من وجهني‪ :‬أحدمها القرآن‪ ،‬والثاين‪ :‬اآليات الظاهرة‪،‬‬
‫أما القرآن فمن الوجوه الثالثة‪ :‬أحدمها نظمه وبراعته‪ ،‬وثانيهام‪ :‬ما انطوى عليه من علم‬
‫(‪(٤‬‬
‫الغيوب‪ ،‬والثالث‪ :‬ما تضمنه من اإلخبار عن قصص من تقدمه من األنبياء‪"...‬‬

‫(‪ )1‬احلنبيل‪ ،‬وجوه إعجاز القرآن الكريم يف‪ :‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .1٥8‬وانظر كذلك يف حتقيق‬
‫قضايا القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪ -‬الباقالين‪ ،‬أبو بكر حممد بن الطيب بن حممد بن جعفر‪ .‬االنتصار للقرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عصام القضاة‪ ،‬عامن‬
‫وبريوت‪ :‬دار الفتح ودار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٢٢( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11٦-11٥‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢٢٤‬‬
‫(‪ )٤‬انظر تفصيل املؤلف يف هذه الوجوه يف‪:‬‬
‫‪ -‬احلنبيل ‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٥٧‬‬

‫‪10٧‬‬
‫واملسلمون يؤمنون بكل الرسل واألنبياء‪ (1(،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [البقرة‪ ،]٢8٥ :‬من غري تفريق بينهم‪ ،‬أو الكفر ببعضهم‪،‬‬
‫يقول رشيد رضا‪" :‬وأما املسلمون فيؤمنون بأن رب العاملني أرسل يف كل األمم رس ً‬
‫ال هادين‬
‫(‪(٢‬‬
‫مهديني‪ ،‬فهم يؤمنون هبم إمجاالً‪ ،‬وبام قصه القرآن عن بعضهم تفصيالً‪".‬‬

‫ويؤمن املسلمون بصدقهم‪ ،‬يقول الغزايل‪" :‬ملا ثبت برهان العقل صدق األنبياء‪،‬‬
‫وتصديق اهلل تعاىل إياهم باملعجزات"‪ (3(،‬ويقول أبو زهرة‪" :‬واإلسالم؛ ألنه جامع للرساالت‬
‫(‪(4‬‬
‫كلها‪ ،‬مشتمل عىل غايتها ولبها‪ ،‬كان اإليامن بالرسل السابقني جزء ًا من العقيدة اإلسالمية"‪.‬‬
‫(‪(5‬‬
‫و"قطع ًا عىل أن من جحد نبوة نبينا كان كافر ًا‪ ..‬والداللة عليه إمجاع األمة‪"...‬‬

‫فالقرآن الكريم يأمر أهل الكتاب بإقامة ما أمروا به يف التوراة واإلنجيل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫[املائدة‪:‬‬ ‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾‬
‫ومما جيب عليهم‪،‬‬ ‫(‪(٦‬‬
‫‪ ]٦8‬يقول البغوي‪" :‬أي‪ :‬تقيموا أحكامهام وما جيب عليكم فيهام"‪،‬‬
‫اإليامن برسول اهلل ﷺ وما أنزل عليه من الفرقان‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾‬
‫(‪(٧‬‬
‫يقول ابن كثري‪" :‬يعني‪ :‬القرآن العظيم‪".‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾‬ ‫(‪)1‬‬


‫[البقرة‪ ،]1٧٧ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﴾ [البقرة‪.]1٣٦ :‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٢٦‬‬
‫(‪ )٣‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ ،٢1٧‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫‪ -‬ابن الوزير‪ ،‬الربهان القاطع يف إثبات الصانع ومجيع ما جاءت به الرشائع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫(‪ (٤‬أبو زهرة‪ ،‬املجتمع اإلنساين يف ظل اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤1‬‬
‫(‪ )٥‬احلنبيل‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦٦‬‬
‫(‪ )٦‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ ،81‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٣9‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٥٥‬‬
‫(‪ )٧‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٥٥‬‬

‫‪108‬‬
‫برشت‬
‫اإليامن بمحمد ﷺ‪ ،‬من مقتضيات اإليامن بالرسل؛ ألن الرسائل الساموية كلها َّ‬
‫ٍ‬
‫ببعض والكفر ببعضهم اآلخر‪ ،‬وألن الكفر بأحدهم كفر باجلميع ‪.‬يقول‬ ‫به‪ ،‬فال جمال لإليامن‬
‫الطري يف سياق تفسري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [املائدة‪ .." ]٦8 :‬وتقروا بأن كل‬
‫ذلك من عند اهلل؛ أي الرسائل الساموية وما وجاء فيها من التبشري بمحمد ﷺ‪ ،‬فال تكذبوا‬
‫بيشء منه‪ ،‬وال تفرقوا بني رسل اهلل فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض‪ ،‬فإن الكفر بواحد من ذلك‬
‫(‪(1‬‬
‫كفر بجميعه؛ ألن كتب اهلل يصدق بعضها بعض ًا‪ ،‬فمن كذب ببعضها فقد كذب بجميعها‪".‬‬
‫ٌ‬

‫فالدعوة إىل وحدة اإليامن بالرسل‪ ،‬وعدم التفريق بينهم لوحدة منهجهم‪ ،‬أصل عقدي‬
‫يدبر االختالف‪ ،‬ويقلل من النزاعات املفضية إىل احلروب الطائفية باسم الدين‪.‬‬

‫وقد أمر احلق سبحانه املؤمنني بالتصديق واإليامن باهلل وبرسله وما أنزل إليهم‪ ،‬ومن‬
‫ذلك اإليامن بمحمد ﷺ‪ ،‬وما أنزل إليه من الفرقان‪ ،‬وما أنزل إىل إبراهيم وإسامعيل وإسحاق‬
‫املنزل عىل عيسى قال تعاىل‪:‬‬
‫ويعقوب واألسباط‪ (٢(،‬والتوراة املنزلة عىل موسى‪ ،‬واإلنجيل ّ‬
‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [البقرة‪ .]1٣٦ :‬فهذه اآلية‬
‫دعوة ألهل القرآن بتدبري االختالف مع أهل الكتاب وغريهم‪ ،‬وذلك باإليامن بالرسل‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫وتصديقهم يف ما جاؤوا به من الدين‪ ،‬وعدم التفريق بينهم كام فعل اليهود والنصارى‪،‬‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ ،٤٧٣‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٢٤٥‬‬
‫(‪ )٢‬يقول البغوي يف األسباط‪" :‬يعني أوالد يعقوب‪ ،‬وهم اثنا عرش سبط ًا‪ ،‬واحدهم سبط‪ ،‬سموا بذلك؛ ألنه ولد‬
‫لكل واحد منهم مجاعة‪ ،‬وسبط الرجل حافده‪ ،‬ومنه قيل للحسن واحلسني ريض اهلل عنهام سبطا رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫واألسباط من بني إرسائيل كالقبائل من العرب من بني إسامعيل‪ ،‬والشعوب من العجم‪ ،‬وكان يف األسباط أنبياء‪،‬‬
‫ولذلك قال‪ :‬وما أنزل إليهم‪ ،‬وقيل هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٥٦‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )٣‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ ،111-109‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٥٦‬‬

‫‪109‬‬
‫يروي الطري عن قتادة‪" :‬أنزلت هذه اآلية‪ ،‬أمر ًا من اهلل تعاىل ذكره للمؤمنني بتصديق‬
‫(‪(1‬‬
‫رسله كلهم‪".‬‬

‫وهذه دعوة من القرآن الكريم إىل تدبري االختالف الديني‪ ،‬عىل أصل اإليامن بالرسل‪،‬‬
‫وهو مشرك ديني بني الرسائل الساموية‪ ،‬وهي دعوة كذلك إىل التسامح والتعايش مع‬
‫املخالف رغم االختالف‪.‬‬

‫احلق سبحانه َ‬
‫أهل القرآن باإليامن برسوهلم وكتاهبم‪ ،‬واإليامن بالرسل‬ ‫فبعد أن أمر ُّ‬
‫مجيعهم‪ ،‬وبام أنزل عليهم‪ ،‬من أجل االئتالف وترك الفرقة والنزاع‪ ،‬برأ ساحة املؤمنني‪،‬‬
‫أهنم ليسوا سبب الفرقة واالختالف والنزاع‪ ،‬إن مل يؤمن اآلخرون بام آمن به املؤمنون‪،‬‬
‫واهتدوا إىل املشرك العقدي قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ﴾ [البقرة‪ ]1٣٧ :‬يقول الزخمرشي‪" :‬وإن تولوا‬
‫عام تقولون هلم ومل ينصفوا فام هم إال يف شقاق؛ أي يف مناوأة ومعاندة ال غري‪ ،‬وليسوا من‬
‫(‪(٢‬‬
‫طلب احلق يف يشء‪".‬‬

‫إن املسلمني حيرمون أتباع الرسل وكتبهم املقدسة‪ ،‬فال يتعرضون هلا بالسوء أو اإلذاية‪،‬‬
‫بخالف ما نعيشه اليوم يف العرص احلديث‪ ،‬من متزيق القرآن وتدنيسه‪ ،‬والتطاول عىل مقام‬
‫النبوة باألفالم واألقالم‪ ،‬والرسوم املشوهة للحقائق‪ ،‬بدعوى حرية التعبري واإلبداع‪ (٣(،‬فأي‬
‫املس باملعتقد‪ ،‬ال سيام إذا كان هذا املعتقد من الركائز القوية‪ ،‬واملعامل‬
‫تدبري لالختالف يف ظل ّ‬
‫الكرى التي يرجى بناء االئتالف عليها؟‪ ،‬يقول النوريس ّ‬
‫إن تدبري االختالف يقتيض‪" :‬أن‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.111-109‬‬
‫(‪ )٢‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.99‬‬
‫وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٥٧-1٥٦‬‬
‫(‪ )٣‬فإن اإلسالم ليس ضد حرية التعبري واإلبداع‪ ،‬لكن عىل املنطلقني من مسألة حرية التعبري واإلبداع أن يتعرفوا‬
‫خصوصيات الشعوب ومقدساهتم‪ ،‬حتى ال يسيئوا لآلخرين‪ ،‬فانتهاك حرمة الرسل واألنبياء بام ييسء لقدرهم‪،‬‬
‫يفوق يف نظر اإلسالم واملسلمني االعتداء عىل األوطان أو غريها من القضايا‪ ،‬ألهنم قدوة البرشية إىل اخلري‬
‫والصالح‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫يسعى كل واحد لرويج مسلكه وإظهار صحة وجهته وصواب نظرته‪ ،‬دون أن حياول هدم‬
‫مسالك اآلخرين‪ ،‬أو الطعن يف وجهة نظرهم وإبطال مسلكهم‪ ،‬بل يكون سعيه إلكامل‬
‫(‪(1‬‬
‫النقص ورأب الصدع واإلصالح ما استطاع إليه سبيالً‪".‬‬
‫فالقرآن الكريم يرسم الطريق لتدبري االختالف باإليامن بالرسل‪ ،‬وما أنزل عليهم من غري‬
‫تفريق بينهم‪ ،‬وال تكذيب ألحد منهم‪ ،‬فكان بذلك أهل القرآن أسبق للدعوة إىل تدبري االختالف‪،‬‬
‫وأقرب إىل املخالف‪ ،‬بإيامهنم هبذا األصل‪ ،‬املنقذ للبرشية من النزاع واخلالف والعداوة‪ ،‬يقول‬
‫رشيد رضا‪ .." :‬كان لكل نبي أمة من الناس هم قومه‪ ،‬وأما خاتم النبيني أمته مجيع الناس‪ ،‬وقد‬
‫فرض اهلل عليهم اإليامن بجميع رسله وعدم التفرقة بينهم‪ ،‬فاإليامن بخامتهم كاإليامن بأوهلم‬
‫وبمن بينهام‪ ،‬فمثلهم كمثل امللوك أو الوالة يف الدولة الواحدة‪ ،‬ومثل اختالف رشائعهم بنسخ‬
‫(‪(٢‬‬
‫املتأخر منها ملا قبله‪ ،‬كمثل تعديل القوانني يف الدولة الواحدة إىل أن كمل الدين‪".‬‬

‫ب‪ -‬االعرتاف بعاملية رسالته ﷺ‪:‬‬

‫بخالف ما عليه األمر يف الرشائع‬ ‫(‪(٣‬‬


‫رسالة حممد ﷺ عامة وعاملية للبرشية مجعاء‪،‬‬
‫السابقة‪ ،‬يقول تعاىل خماطب ًا رسوله ﷺ‪ ﴿ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ﴾ [سبأ‪ ﴿ ،]٢8 :‬ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [األنبياء‪ ،]10٧ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ﴾‬

‫(‪ )1‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )2‬املكتوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٤٧‬‬


‫ويقول كذلك‪" :‬إن صاحب كل مسلك حق يستطيع القول‪" :‬إن مسلكي حق‪ ،‬وهو أفضل وأمجل» من دون أن يتدخل‬
‫يف أمر مسالك اآلخرين‪ ،‬ولكن ال جيوز له أن يقول‪" :‬احلق هو مسلكي فحسب" أو "إن احلسن واجلامل يف مسلكي وحده"‬
‫الذي يقيض عىل بطالن املسالك األخرى وفسادها‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ ،)3‬اللمعات‪ ،‬ص‪.٢٢9‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧٦-٢٧٥‬‬
‫(‪ )٣‬انظر أدلة عموم رسالته ﷺ يف‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل بن حسن بن نارص‬
‫عبد العزيز بن إبراهيم العسكر و محدان بن حممد احلمدان‪ ،‬الرياض‪ :‬دار العاصمة‪ ،‬ط‪1٤19( ،٢‬ه‪1999/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.٢٤٧‬‬
‫ويقول طه جابر العلواين‪" :‬خصائص العاملية ظاهرة يف الكتاب الكريم‪ ،‬ويف صريورة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وإن‬
‫كانت مل تتحول إىل منهج بعد‪ ،‬وهي خصائص يشد بعضها بعض ًا‪ ،‬وتدل كل خاصية عىل األخرى‪ ،‬وذلك إذا رتبت‬
‫ذهني ًا ومعرفي ًا عىل النحو التايل‪ ".. :‬انظر تفصيل ذلك يف‪:‬‬
‫العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٥‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪111‬‬
‫(‪(1‬‬
‫[األنعام‪ ]19 :‬فهو مبعوث إىل الناس مجيعهم‪ ،‬خالف ًا ملن ادعى أنه رسول إىل قومه من العرب‪.‬‬

‫ويأمره احلق سبحانه بإعالن هذه احلقيقة للخلق‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [األعراف‪ ]1٥8 :‬فهو صىل اهلل عليه وسلم رسول الناس كافة‪،‬‬
‫ولكن أكثر الناس ال يعلمون هذه احلقيقة‪ .‬ويتأكد هذا بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﴾ [سبأ‪.]٢8 :‬‬

‫جاء برسالة عامة وشاملة‪ ،‬عكس األنبياء الذين أرسلهم اهلل عز وجل ألقوامهم‬
‫خاصة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [األعراف‪ ]1٥8 :‬ويقول‬
‫الطري‪" :‬يقول تعاىل ذكره لنبيه حممد ﷺ‪﴿ :‬ﮢ﴾ يا حممد للناس كلهم ﴿ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫الرسل‪ (٢("..‬ولرشفه‪،‬‬
‫ﮨ ﮩ﴾‪ ،‬ال إىل بعضكم دون بعض‪ ،‬كام كان من قبيل من ُّ‬
‫(‪(٣‬‬
‫وعظمته‪ ،‬وكريم منزلته عند اهلل أرسل للناس كافة‪.‬‬

‫وقيد يف موضع آخر عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن(‪ (٤‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ‬
‫ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﴾ [األنعام‪ ]19 :‬يقول الغزايل‪" :‬ينذر كل‬
‫(‪(٥‬‬
‫قوم‪ ،‬بل كل شخص بحكمه‪ ،‬فيكون رشعه عام ًا‪".‬‬

‫ورصح القرآن الكريم بشمول رسالته ﷺ ألهل الكتاب مع العرب(‪ (٦‬بقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [آل عمران‪]٢0 :‬‬

‫يقول ابن كثري‪" :‬وهو معلوم من دين اإلسالم رضورة أنه صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬رسول اهلل‬
‫إىل الناس كلهم"‪ (٧(،‬وأن الناس مجيعهم مطالبون باإلسالم‪.‬‬

‫(‪ )1‬احلنبيل‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٥8‬‬


‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.1٧0‬‬
‫(‪ (٣‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾‪ ،‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾‬
‫[الفرقان‪ ،]1 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [هود‪.]1٧ :‬‬
‫(‪ )٤‬الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤1‬‬
‫(‪ )٥‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٤٦‬‬
‫(‪ )٦‬الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤1‬‬
‫(‪ )٧‬ابن كثري تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٤89‬‬

‫‪11٢‬‬
‫ورصح بذلك ﷺ بقوله‪َ " :‬ل َقدْ ِج ْئ ُتك ُْم ِ َهبا َب ْي َضا َء ن َِق َّي ًة‪َ ..،‬وا َّل ِذي َن ْف ِيس بِ َي ِد ِه َل ْو َأ َّن‬
‫َان َح ّي ًا‪َ ،‬ما َو ِس َع ُه إِ َّال َأ ْن َيتَّبِ َعنِي"‪ (1(،‬ومما يدل عىل عاملية رسالته‪ :‬إمامته ﷺ يف البيت‬ ‫وسى ك َ‬
‫ُم َ‬
‫تبع له‪ ،‬وأنه وجهة البرشية‬
‫املقدس‪ ،‬وصالته باألنبياء هبا‪ ،‬وهذا فيه داللة عىل أن مجيعهم ٌ‬
‫مجيع ًا لوحدهتا وألفتها‪ ،‬ومنقذها من ضالل الدنيا‪ ،‬وعقاب اآلخرة‪.‬‬

‫ت‪ -‬اإلقرار بنسخ الرشائع الساموية‪:‬‬

‫رسالة حممد ﷺ خامتة الرسائل وناسخة هلا‪ (٢(،‬يقول تعاىل تقرير ًا هلذه احلقيقة‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ‬
‫[األحزاب‪]٤0 :‬‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﴾‬
‫فرسول اهلل ﷺ هو خاتم األنبياء‪ ،‬ال نبي وال رسول بعد حممد ﷺ‪.‬‬

‫ومع أن األنبياء من قبله عليهم السالم برشوا بمجيئه(‪ (٣‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ﴾ [الصف‪]٦ :‬‬ ‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛ‬
‫فقد أمره اهلل عز وجل بأن يبرش بنفسه وعىل لسانه‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ﴾ [األعراف‪.] 1٥8 :‬‬

‫(‪ )1‬ابن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل‪ .‬مسند أمحد‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وآخرون‪ ،‬إرشاف‪ :‬عبد اهلل‬
‫بن عبد املحسن الركي‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢1( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪ .‬ج‪ ،٢٣‬حديث رقم (‪،)1٥1٥٦‬‬
‫ص‪.٣٤9‬‬
‫(‪ )٢‬انظر الكالم عن هذه املسألة ومناقشتها يف‪:‬‬
‫‪ -‬القايض عبد اجلبار‪ ،‬عبد اجلبار بن أمحد بن عبد اجلبار‪ .‬رشح األصول اخلمسة‪ ،‬تعليق‪ :‬أمحد بن احلسني بن أيب‬
‫هاشم‪ ،‬حققه وقدم له‪ :‬عبد الكريم عثامن‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،٣‬ه‪199٦/‬م)‪ ،‬ص‪.٥٧٦‬‬
‫الشهرستاين‪ ،‬أبو الفتح حممد بن عبد الكريم‪ .‬امللل والنحل‪ ،‬صححه وع ّلق عليه أمحد فهمي حممد‪ ،‬بريوت‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،٢‬ه‪199٢/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٣٧‬‬
‫الباقالين‪ ،‬القايض أبو بكر حممد بن الطيب بن حممد بن جعفر‪ .‬كتاب التمهيد يف الرد عىل امللحدة واملعطلة‬ ‫‪-‬‬
‫واخلوارج واملعتزلة‪ ،‬عُني بتصحيحه ونرشه‪ :‬األب رترشد يوسف مكارثي الياسوعي‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتبة‬
‫الرشقية‪19٥٧ ،‬م‪ ،‬ص‪.18٤-1٧9‬‬
‫الغزايل‪ ،‬االقتصاد يف االعتقاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٥1‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬انظر‪ :‬فصل‪" :‬تبشري التوراة واإلنجيل بمحمد ﷺ" وبعده فصل‪" :‬إشارة القرآن والسنة إىل بشارة الكتب السابقة‬
‫بمحمد ﷺ" يف‪:‬‬
‫الشوكاين‪ ،‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪11٣‬‬
‫وجاء عن عرباض بن سارية‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪ِ ّ :‬‬
‫ُوب‬‫"إين عنْدَ اهللِ َم ْكت ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫خلَاتِ ُم النَّبِ ِّي َ‬
‫يم‪َ ،‬وبِ َش َار ُة‬ ‫رك ُْم بِ َأ َّول َذل َك‪َ :‬د ْع َو ُة َأيب إ ْب َراه َ‬ ‫وس ُأخ ُ‬ ‫إن آ َد َم َُملن َْجد ٌل ِيف طينَته‪َ ،‬‬
‫ني‪َ ،‬و َّ‬
‫ني َو َض َعتْنِي َأ َّن ُه‬
‫ني‪َ ،‬ي َر ْي َن َأ َّهنَا َر ْأ ْت ِح َ‬
‫ات النَّبِ ِّي َ‬ ‫رأت ُأ ِّمي‪َ ،‬وك َِذ َ‬
‫لك ُأ َّم َه ُ‬ ‫الر ْؤ َيا التي ْ‬ ‫يسى ِيب‪َ ،‬و ُّ‬ ‫ع َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُور َأ َضا َء ْت منْ ُه ُق ُص ُ‬
‫َخ َر َج من َْها ن ٌ‬
‫ِ (‪(1‬‬
‫الشام‪".‬‬‫ور َّ‬

‫األنبياء عىل كثرهتم مقرون‪ ،‬وإن خالف املتأخر املتقدم‪ ،‬عىل أن ك ً‬


‫ال من عند اهلل‪ ،‬وأن‬
‫ال ورشع ًا‪ ،‬يقول الشوكاين‪" :‬والكل من عند‬
‫النسخ واملخالفة يف الرشائع بني األنبياء جائز عق ً‬
‫ال ورشع ًا يف ملة واحدة فض ً‬
‫ال عن امللل املختلفة"‪ (٢(،‬ويقول‬ ‫اهلل عز وجل‪ ،‬وذلك جائز عق ً‬
‫بأن ما روي يف بعض كتب األصول بأن اليهود ينكرون النسخ‪ ،‬فهو أمر غري صحيح "فإن‬
‫التوراة مرصحة بنسخ كثري من األحكام التي تع َّبدهم اهلل هبا‪ ،‬تارة ختفيف ًا‪ ،‬وتارة تغليظ ًا‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫وتارة إجياب ًا‪ ،‬وتارة حتري ًام‪".‬‬

‫وش ّبه رشيد رضا النسخ احلاصل بني الرشائع بتعديل القوانني‪" :‬ومثل اختالف رشائعهم‬
‫(‪(٤‬‬
‫بنسخ املتأخر منها ملا قبله‪ ،‬كمثل تعديل القوانني يف الدولة الواحدة إىل أن كمل الدين‪".‬‬

‫ث‪ -‬تصديق رسالته ﷺ ألصول الدين اجلامعة‪:‬‬

‫فإذا كانت رسالة حممد ﷺ ناسخة للرشائع السابقة عليه‪ ،‬فإهنا يف الوقت نفسه جاءت مصدقة‬
‫لألصول الكلية التي ال نسخ فيها‪ ،‬والتي جاءت هبا كل الكتب السابقة من توراة وإنجيل‪.(٥(...‬‬

‫وجاء ﷺ داعي ًا إىل الوحدة‪ ،‬ونبذ الفرقة‪ ،‬عىل أساس هذه األصول التي ال نسخ فيها‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴾     ﴿ :‬فكانت دعوته ﷺ جامعة‪ ،‬ومؤلفة تق ّعد لتدبري‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬ص‪.٣٥9‬‬
‫(‪ )٢‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧٦-٢٧٥‬‬
‫(‪ )٥‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.٣0٢‬‬
‫وللتأمل يف مفهوم التصديق واهليمنة يف القرآن‪ ،‬انظر مقال إلكروين بعنوان‪ :‬من مكونات املنهج النقدي يف‬
‫القرآن الكريم‪ :‬التصديق واهليمنة‪ ،‬أمحد عبادي‪ ،‬األمني العام للرابطة املحمدية للعلامء‪ ،‬عىل موقع مركز الدراسات‬
‫‪http: //www.alquran.ma/Article.aspx?C=5562‬‬ ‫القرآنية‪ ،‬التابع للرابطة املحمدية للعلامء‪ ،‬عىل الرابط‪:‬‬

‫‪11٤‬‬
‫االختالف‪ ،‬عىل أساس وحدة اإلله‪ ،‬ووحدة الرسل وما أنزل إليهم من رهبم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [املائدة‪.]٦8 :‬‬

‫وجاء القرآن الكريم ليبني للناس ما اختلفوا فيه‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ﴾ [النحل‪ ،]٦٤ :‬وقال تعاىل يف سياق‬
‫الرد عىل شبه املرشكني‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾‬
‫[النحل‪ ،]٣9 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [البقرة‪ ]٢1٣ :‬عىل اعتبار أن تفسري ﴿ ﮇ ﮈ ﮉ﴾‬


‫حتتمل أن اهلل تعاىل أنزل مع كل نبي كتاب ًا‪ ،‬ليحكم فيام اختلف فيه الناس من احلق‪ ،‬الذي هو‬
‫(‪(1‬‬
‫دين اإلسالم‪ ،‬بعدما كانوا متفقني عليه‪.‬‬

‫وبذلك تكون رسالة القرآن الكريم التي جاء هبا خاتم األنبياء‪ ،‬مرجعية لتدبري ما‬
‫اختلف فيه الناس‪ ،‬سواء أكانوا أتباع رساالت ساموية‪ ،‬أو مذاهب أرضية؛ ألهنا جامعة‬
‫ملا به تقع وحدهتم وألفتهم‪ ،‬وهي اليقينيات االعتقادية واإليامنية التي أقرهتا كل الرساالت‬
‫الساموية قبله‪.‬‬

‫جاء بأصول الدين التي جاءت يف‬ ‫(‪(٢‬‬


‫فوحدة الدين تقتيض اتباع رسول واحد‪،‬‬
‫الرساالت السابقة‪ ،‬وكمل اهلل تعاىل ترشيعه بام يوافق مجيع الناس‪ ،‬وشاهد ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [األعراف‪ ]1٥8 :‬يقول ابن عاشور‪" :‬جاء بعموم‬
‫(‪(٣‬‬
‫الدعوة لسائر البرش‪ ،‬وهذا يشء مل يسبق يف دين قبله قط‪".‬‬

‫لذلك ليس هناك دين أحق باجلمع والتوحيد إال اإلسالم؛(‪ (٤‬ألن رسالة حممد ﷺ‬
‫(‪(٥‬‬
‫دائمة‪ ،‬ومل يدَّ ِع أحد من الرسل أن رسالته دائمة‪ ،‬بل كل رسول يبرش برسول يأيت من بعده‪.‬‬

‫(‪ )1‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٢٥‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧٦‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.19٥‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٥٧‬‬
‫(‪ )٥‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.19٥‬‬

‫‪11٥‬‬
‫برش األنبياء بمحمد ﷺ‪ ،‬وأخذ امليثاق عليهم بوجوب اإليامن به‬
‫وهلذه اخلصائص ّ‬
‫ونرصه واتباعه‪ (1(،‬وهو خطاب للبرشية مجعاء‪ ،‬يقول طبارة‪ ..." :‬فالناقد البصري يرى أن‬
‫مذهب اإلسالم يف توحيد األديان حول رسالة حممد هو خري املذاهب؛ ألنه بعد أن قرر‬
‫أن األديان كلها وحي إهلي عاد فقرر أن طول الزمن أدى إىل انحراف الناس عن حقيقة‬
‫تلك األديان‪ ،‬وبعد هذا أخذ اإلسالم يدعو الناس كافة إىل العمل بالقرآن الذي جيمع مجيع‬
‫(‪(٢‬‬
‫فضائل الكتب اإلهلية السابقة‪ ،‬ويزيد عليها ما اقتضاه تطور األمم وحاجاهتا‪".‬‬
‫وعىل هذا فقد انتهت إىل اإلسالم أحكام الرشائع الساموية السابقة كلها‪ ،‬ظاهرها‬
‫وباطنها‪ ،‬يقول الشهرستاين‪ ..." :‬ففي التوراة أحكام السياسة العامة الظاهرة‪ ،‬ويف‬
‫ً (‪(٣‬‬
‫اإلنجيل أحكام السياسة الباطنة اخلاصة‪ ،‬ويف القرآن أحكام السياستني مجيعا‪".‬‬

‫فالقرآن يقر أنه كام أوحي إىل األنبياء السابقني‪ ،‬أوحي إىل حممد ﷺ‪ (٤(،‬ثم أمر القرآن‬
‫أهل الكتاب بأن يؤمنوا بكل الرسل‪ ،‬وما أنزل إليهم‪ ،‬وأن ال يفرقوا بينهم‪ ،‬فيؤمنوا ببعض‬
‫ويكفروا ببعض‪ (٥(.‬وقال تعاىل خماطب ًا عقول أهل الكتاب‪ ،‬مبين ًا هلم التناقض الذي وقعوا‬
‫فيه‪ ،‬عندما مل يؤمنوا بمحمد ﷺ‪ ،‬وقد جاء مصدق ًا ملا نزل عىل أنبيائهم‪ ﴿ ،‬ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫(‪ )1‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬


‫ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶ﴾ [آل عمران‪ ،]8٣-81 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ﴾ [األحزاب‪.]٧ :‬‬
‫(‪ )٢‬طبارة‪ ،‬عفيف عبد الفتاح‪ .‬روح الدين اإلسالمي عرض وحتليل ألصول اإلسالم وآدابه وأحكامه حتت ضوء العلم‬
‫والفلسفة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪199٣ ،٢8‬م‪ ،‬ص‪.1٥0-1٤9‬‬
‫وانظر كذلك يف إلزام اليهود والنصارى بدين اإلسالم‪ ،‬يف‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح‪ ،‬مرج ع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.81‬‬
‫(‪ )٣‬الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٥٤-٢٥٣‬‬
‫(‪ ﴿ (٤‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [النساء‪.]1٦٤-1٦٣ :‬‬
‫(‪ )٥‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [البقرة‪.]1٣٦ :‬‬

‫‪11٦‬‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [البقرة‪ ]91 :‬فهم يقولون ّ‬
‫أن ما عندهم هو‬
‫ثم فرسالة حممد ﷺ حق‪ ،‬فام يؤكد‬ ‫احلق‪ ،‬وحممد ﷺ جاء بام يؤكد ويصدق هذا احلق‪ ،‬ومن ّ‬
‫ويصدق احلق حق‪ ،‬لكنهم تناقضوا بمقتىض هذا الرهان؛ ألن النتيجة السليمة هي إيامهنم‬
‫برسالة حممد ﷺ‪ ،‬لكنهم مل يفعلوا‪ ،‬فوقعوا يف التناقض‪.‬‬

‫ويقرر هلم القرآن حقيقة ما أوحاه ألنبيائه ورسله مجيع ًا‪ ،‬وهي أن دينهم واحد يف‬
‫أصوله الكلية‪ ،‬فال جمال لالختالف والنزاع حول قضايا الرشائع ألهنا خمتلفة‪ ،‬واملتأخر منها‬
‫(‪(1‬‬
‫ناسخ للمتقدم‪.‬‬

‫ويستخلص مما سبق أن القرآن الكريم يدعو اخللق لالئتالف وتدبري االختالف‪ ،‬من‬
‫خالل أصل اإليامن بالنبوة‪ ،‬املوحدة واملؤلفة‪ ،‬وذلك للحقائق اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬األنبياء قادة البرشية للوحدة واأللفة؛ ألن منهجهم واحد‪ ،‬يمنع اإليامن ببعضهم‬
‫والكفر ببعضهم اآلخر‪ ،‬فالتفريق بينهم موجب لالختالف‪ ،‬لكن االجتامع عليهم‬
‫واإليامن هبم حقيقة واحدة‪ ،‬موجب لالجتامع واالتفاق‪.‬‬

‫ب‪ -‬األنبياء والرسل أئمة اهلدى والصالح‪ ،‬واإلرشاد للخري والفالح‪ ،‬فاإليامن هبم‪،‬‬
‫واعتقاد نبوهتم‪ ،‬واتباعهم فيام جاؤوا به‪ ،‬مصلح ألحوال اخللق‪ ،‬ومنظم لعالقاهتم‪،‬‬
‫فال يمكن إصالح العالقات اإلنسانية‪ ،‬إال باعتقاد النبوة؛ ألهنا التي جاءت‬
‫بام يؤلف وجيمع‪ ،‬أما األفكار الوضعية فإن فرضنا صالحيتها‪ ،‬فال تؤدي الدور‬
‫اإلصالحي نفسه‪.‬‬

‫ت‪ -‬االعتقاد بختم النبوة؛ ألن االعتقاد بخالف هذا يعني بقاء االختالف يف الرشائع‬
‫ودوامه‪ ،‬أما االعتقاد بختم النبوة باإلسالم‪ ،‬الرسالة اخلامتة التي أكمل هبا دين‬
‫األنبياء‪ ،‬موجب لالتفاق‪ ،‬ألهنا اشتملت عىل األصول الكلية‪ ،‬التي جاءت هبا‬
‫الرساالت الساموية كلها‪ ،‬والتي تبني االئتالف بني أهل الرشائع‪.‬‬

‫(‪ )1‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬


‫ﮐ ﮑﮒ ﴾ [الشورى‪.]1٣ :‬‬

‫‪11٧‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أصل اإليامن باملصري واملآل األخروي‬

‫متهيد‪:‬‬

‫املقصود باإليامن باملصري واملآل األخروي‪ (1( :‬التصديق بحقائق الغيب بعد املوت‪،‬‬
‫كام جاء اإلخبار هبا يف القرآن الكريم‪ ،‬ومن هذه احلقائق‪ :‬البعث واملعاد‪ ،‬وما يتبع ذلك من‬
‫الثواب والعقاب بعد املوت‪ .‬واملتأمل يف آيات القرآن الكريم املتعلقة هبذا األصل االعتقادي‪،‬‬
‫جيد أن سياقاته متنوعة وخمتلفة‪ ،‬منها‪ :‬آيات إثبات املصري األخروي باحلجج والراهني‪ ،‬وأن‬
‫ذلك حق ال ريب فيه‪ ،‬ومنها‪ :‬بيان فضل العمل لآلخرة‪ ،‬والثواب والسعادة التي تنتظر‬
‫اإلنسان فيها‪ ،‬ويقارن بني ذلك ومتاع الدنيا‪ ،‬ومنها‪ :‬حتفيز اخللق عىل طلب اآلخرة والعمل‬
‫هلا بذكر قصص األنبياء والصديقني والصاحلني‪.‬‬

‫لكننا نقترص يف هذه الدراسة عىل ما خيدم القصد منها وهو‪ :‬دور اإليامن باملصري‬
‫األخروي يف تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬ومن أجل ذلك يتطلب األمر الرهنة عىل‪:‬‬

‫‪ -1‬إثبات املصري واملآل األخروي‪:‬‬

‫يشري اخلطاب القرآين إىل وحدة املصري واملآل اإلنساين‪ ،‬واحلساب اإلهلي‪ ،‬فاهلل تعاىل‬
‫جامع الناس ليوم ال ريب فيه‪ ،‬حماسبهم عىل أقواهلم وأفعاهلم‪ ،‬وأن ذلك شامل جلميع اخللق‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [األنعام‪ (٢(،]٦٢ :‬وجاء‬
‫يف السنة عن عدي بن حاتم قال رسول اهلل ﷺ‪َ " :‬ما ِمنْك ُْم ِم ْن َأ َح ٍد إِ َّال َس ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُه‪َ ،‬ل ْي َس‬
‫ِ‬
‫حي ُج ُب ُه"(‪ (٣‬ويقول شارح احلديث بدر الدين العيني‪" :‬قوله‪:‬‬ ‫ان‪َ ،‬والَ ح َج ٌ‬
‫اب َ ْ‬ ‫مج ٌ‬
‫َب ْينَ ُه َو َب ْينَ ُه ت ُْر ُ َ‬

‫(‪ )1‬وتفسري اآلخرة عىل مخسة وجوه‪ :‬األول‪ :‬يعني القيامة‪ ،‬والثاين‪ :‬يعني اجلنة خاصة‪ ،‬والثالث‪ :‬يعني جهنم خاصة‪،‬‬
‫والرابع‪ :‬يعني القر‪ ،‬واخلامس‪ :‬يعني األخري‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن سالم‪ ،‬التصاريف تفسري القرآن مما اشتبهت أسامؤه وترصفت معانيه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٢٥‬‬
‫(‪ (٢‬واآليات الدالة عىل وحدة املصري اإلنساين واحلساب واجلزاء كثرية‪ ،‬نذكر منها‪ :‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [آل عمران‪ ،]9 :‬وقال‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [آل عمران‪،]٢٥ :‬‬
‫وقال‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﴾ [النساء‪ ،]8٧ :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ [األنعام‪،]٢٢ :‬‬
‫وقال‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [البقرة‪ ،]٢8٥ :‬وقال‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [آل عمران‪﴿ ،]٢8 :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ [املائدة‪.]18 :‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬التوحيد‪ ،‬باب‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾‬
‫[القيامة‪ ،]٢٣-٢٢ :‬ج‪ ،9‬حديث رقم (‪ ،)٧٤٤٣‬ص‪.1٣٢‬‬

‫‪118‬‬
‫" َما ِمنْك ُْم" اخلطاب للمؤمنني‪ ،‬وقيل‪ :‬بعمومه"‪ (1(،‬فخطاب الوحي بوحدة املصري واملآل‪ ،‬وما‬
‫يتبع ذلك من حساب وجزاء‪ ،‬عام يشمل البرشية مجيع ًا‪ ،‬املسلم والكتايب وغريمها‪ .‬ويقول‬
‫(‪(٢‬‬
‫حممد قطب‪» :‬والناس كلهم صائرون إىل اهلل‪ ،‬إخوة يف املصري‪".‬‬

‫ومصري اإلنسان ومآله بعد املوت‪ ،‬هي احلياة املأمولة واحلقيقية‪ (٣(،‬و"التي تتميز بالبقاء‬
‫والدوام‪ ،‬والتي كتب لإلنسان فيها اخللود املطلق"‪ (٤(،‬حيث إعادة بعثه من جديد للحساب‬
‫واجلزاء‪ ،‬وهذه احلياة التي يسعد فيها اإلنسان أو يشقى‪ ،‬تقوم عىل مدى التزام اإلنسان‬
‫العقدي والترشيعي واألخالقي يف احلياة الدنيا‪ .‬فهذا املفهوم العقدي اإليامين للمعاد‬
‫واملصري‪ ،‬يربط الدنيا باآلخرة‪ ،‬وجيعل اإلنسان مسؤوالً أمام سلوكاته وممارساته‪.‬‬

‫جعل اهلل تعاىل االختالف دلي ً‬


‫ال عىل صحة البعث‪ ،‬يقول البطليويس‪ :‬إن القرآن "نبهنا‬
‫ألطف تنبيه عىل ما يف هذا اخلالف املوجود يف البرش‪ ،‬املركوز يف الفطر من احلكمة البالغة‪،‬‬
‫(‪(٥‬‬
‫وأنه جعله إحدى الدالئل عىل صحة البعث الذي أنكره من أحلد يف أسامئه‪"...‬‬

‫وآيات إثبات املصري واملآل األخروي ‪-‬املعاد واليوم اآلخر‪ -‬يف القرآن الكريم‪ ،‬تستند‬
‫يف تقرير هذا األصل عىل مقصدين‪:‬‬

‫األول‪ :‬تنزيه اهلل تعاىل عن العبث‪ ،‬وتنزهيه عن الظلم‪ ،‬بمعنى أنه سبحانه حكيم غري‬
‫عابث‪ ،‬وعادل غري ظامل‪.‬‬

‫(‪ )1‬العيني‪ ،‬بدر الدين أبو حممد حممود بن أمحد بن موسى بن أمحد‪ ،‬العيني احلنفي‪ .‬عمدة القاري يف رشح صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الراث العريب‪( ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬ج‪ ،٢٥‬ص‪.1٣٣‬‬
‫(‪ )٢‬قطب‪ ،‬حممد‪ .‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،1٤‬ه‪199٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧0‬‬
‫(‪ )٣‬تأمل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾ [العنكبوت‪،]٦٤ :‬‬
‫وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [احلديد‪،]٢0 :‬‬
‫وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﴾ [الكهف‪.]٤٦-٤٥ :‬‬
‫(‪ )٤‬خليل‪ ،‬عامد الدين‪ .‬العقل املسلم والرؤية احلضارية‪ ،‬الدوحة‪ :‬دار احلرمني‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪ ،)198٣/‬ص‪.٣٥‬‬
‫(‪ )٥‬البطليويس‪ ،‬اإلنصاف يف التنبيه عىل املعاين واألسباب التي أوجبت االختالف بني املسلمني يف آرائهم‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬

‫‪119‬‬
‫والثاين‪ :‬إثبات القدرة اإلهلية عىل اخللق من جديد‪ ،‬بمعنى أن من أنكر البعث كان‬
‫منطلقه إنكار القدرة اإلهلية‪.‬‬

‫ويف سياق هذه النظرة املقاصدية للمعاد والبعث بعد املوت يعرض القرآن الكريم‬
‫لشبه املخالفني منكري البعث‪ ،‬ويرد عليها بالدليل العقيل واحليس بأسلوب جديل برهاين‪،‬‬
‫من أجل إقناع املخالف‪ ،‬وإزالة أغالل الفكر املانعة من الفهم(‪.(1‬‬

‫ومن شبهات منكري البعث يف القرآن الكريم‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬

‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ﴾ [املؤمنون‪ ،] 8٢ :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬

‫ﳀ ﳁ ﳂﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﴾ [السجدة‪ ،]10 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﲬ ﲭ ﲮ‬

‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ﴾ [الرعد‪(٢(.]٥ :‬فهذا العجب راجع إىل عدم‬


‫تصورهم إعادة البعث مرة أخرى‪ ،‬فهم يستبعدون هذا األمر‪ ،‬وال يقبلونه‪ ،‬لعدم إيامهنم‬
‫بتنزيه أفعال اهلل عن العبث والظلم‪ ،‬ولعدم إيامهنم بقدرة اهلل عىل فعل ما يشاء سبحانه‪.‬‬

‫والقرآن الكريم يوجه عقوهلم إىل ما يقنعهم عن طريق االستدالل باملعقول والشواهد‬
‫احلسية والظاهرة‪ ،‬وهي كثرية‪ ،‬يقول ابن تيمية‪" :‬إن اهلل تعاىل يف كتابه ذكر من دالئل املعاد‬
‫وبراهينه ما ال يقدر أحد عىل أن يأيت بقريب منه"‪ (٣(،‬فالقرآن الكريم كتاب دليل وبرهان‪،‬‬
‫فهو يكثر األدلة والراهني بصيغ خمتلفة‪ ،‬الختالف العقول واألفهام‪.‬‬

‫(‪ (1‬انظر‪ :‬طريقة القرآن يف بيان إمكان املعاد يف‪:‬‬


‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‪ .‬صون املنطق والكالم عن فني املنطق والكالم‪ ،‬حتقيق‪ :‬عىل‬ ‫‪-‬‬
‫سامي النشار وسعاد عيل عبد الرزاق‪ ،‬القاهرة‪ :‬سلسلة إحياء الراث اإلسالمي‪ ،‬جممع البحوث اإلسالمية‪،‬‬
‫(د‪.‬ت‪ ،).‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٤٢‬‬
‫(‪( )٢‬النمل‪( ،)٦٧ :‬اإلرساء‪( ،)98 :‬اجلاثية‪( ،)٣٢ -٢٤ :‬ق‪( ،)٣-٢ :‬الواقعة‪( ،)٤8 -٤٧ :‬املطففني‪( ،)٤ :‬التغابن‪،)٧ :‬‬
‫(امللك‪.(٢٥ :‬‬
‫(‪ (٣‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رشاد سامل‪ ،‬الرياض‪ :‬جامعة‬
‫حممد بن سعود‪ ،‬ط‪1٤11( ،1‬ه‪ ،)1991 /‬ج‪ ،٧‬ص ‪.٣٧٤‬‬

‫‪1٢0‬‬
‫االستدالل‬ ‫(‪(٢‬‬
‫االستدالل بالنشأة األوىل عىل الثانية‪،‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫ومن هذه االستدالالت‪:‬‬
‫بإحياء األرض امليتة‪ (٣(،‬االستدالل بخروج اليشء من ضده‪ (٤(،‬االستدالل باألصعب عىل‬
‫(‪(٧‬‬
‫األيس‪ (٥(،‬توجيه النظر إىل قدرة اهلل وعلمه‪ (٦(،‬االستدالل بحصول اليقظة بعد النوم‪،‬‬
‫(‪(8‬‬
‫االستدالل عىل البعث بأن حكمة اهلل وعدله يقتضيان وجوبه‪.‬‬

‫ومن هذه االستدالالت‪ ،‬نقف عىل أن القرآن الكريم يوجه اخللق إىل اإلقرار واإليامن‬
‫بأن اهلل تعاىل حكيم منزه عن العبث‪ ،‬عادل غري ظامل‪ ،‬قادر عىل فعل ما يشاء‪ ،‬منزه عن العجز‪.‬‬

‫فإذا ثبتت هذه املقدمة‪ ،‬ثبت كون البعث واملعاد حق‪ .‬يقول ابن تيمية‪" :‬فلو مل يكن‬
‫املعاد حق ًا لزم‪ :‬إما جحد كون الرسول أخر به‪ ،‬وإما جحد صدقه فيام أخر‪ ،‬وكالمها‬
‫ممتنع‪ ،‬وإال فمن علم أن الرسول أخر به‪ ،‬وعلم أنه ال خير إال بحق‪ ،‬علم بالرضورة أن‬
‫(‪(9‬‬
‫املعاد حق‪".‬‬

‫(‪ )1‬األشعري‪ ،‬أبو احلسن عيل بن إسامعيل بن إسحاق‪ .‬كتاب اللمع يف الرد عىل أهل الزيغ والبدع‪ ،‬صححه وقدم له‬
‫وع ّلق عليه‪ :‬محودة غرابة‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة مرص‪19٥٥ ،‬م‪ ،‬ص‪ ،٢1‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن رشد‪ ،‬الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢0٢‬‬
‫وخرج‬
‫َّ‬ ‫عليه‬ ‫وعلق‬ ‫نصه‬ ‫ضبط‬ ‫الكريم‪،‬‬ ‫‪ -‬ابن احلنبيل‪ ،‬أبو الفرج ناصح الدين‪ .‬كتاب استخراج اجلدل من القرآن‬
‫أحاديثه‪ :‬حممد صبحي حسن حالق‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الريان‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،1‬ه‪199٢/‬م)‪ ،‬ص‪.٥0‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.18٣‬‬
‫‪ -‬إسامعيل‪ ،‬فاطمة إسامعيل حممد‪ .‬القرآن والنظر العقيل‪ ،‬هريندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٣‬ه‪199٣/‬م)‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫‪ -‬طبارة‪ ،‬روح الدين اإلسالمي عرض وحتليل ألصول اإلسالم وآدابه وأحكامه حتت ضوء العلم والفلسفة‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢1‬‬
‫(‪( (٢‬اإلرساء‪( ،)٥1 :‬األنبياء‪( ،)10٤ :‬احلج‪( ،)٥ :‬العنكبوت‪( ،)٢0 :‬يس‪( ،)٧9-٧8 :‬مريم‪( ،)٦٧ :‬الواقعة‪.(٦٢ :‬‬
‫(‪( )٣‬فصلت‪( ،)٣9 :‬فاطر‪( ،)9 :‬األعراف‪( ،)٥٧ :‬ق‪( ،)11-٦ :‬يس‪( ،)٣٣ :‬احلج‪( ،)٦٣ :‬احلديد‪( ،)1٧ :‬الزخرف‪.(11 :‬‬
‫(‪( (٤‬األنعام‪( ،)9٥ :‬يس‪( ،)80 :‬البقرة‪( ،)٢8 :‬احلج‪.(٦٦ :‬‬
‫(‪( (٥‬اإلرساء‪( ،)99-98 :‬األحقاف‪( ،)٣٣ :‬غافر‪.(٥٧ :‬‬
‫(‪( (٦‬لقامن‪( ،)٢8 :‬السجدة‪( ،)10 :‬ق‪( ،)٤ :‬يونس‪.(٦1 :‬‬
‫(‪( (٧‬األنعام‪( ،)٦0 :‬األنعام‪( ،)٦٢-٦1 :‬الزمر‪.(٤٢ :‬‬
‫(‪( )8‬ص‪( ،)٢8‬القيامة‪( ،)٣٦ :‬سبأ‪.(٥-٣ :‬‬
‫(‪ )9‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٣01‬‬

‫‪1٢1‬‬
‫‪ -2‬اتفاق الرشائع عىل اإليامن باملصري واملآل األخروي‪:‬‬

‫يذكر الشوكاين أن يف التوراة ترصحي ًا باسم اجلنة والنار باللفظ‪ ،‬واألمر نفسه يف‬
‫اإلنجيل املسيحي‪ (1(،‬وبعد ذكر حلقائق تؤكد اتفاق أهل الرشائع عىل هذا األصل املشرك‬
‫يقول‪" :‬واحلاصل أن هذا أمر اتفقت عليه الرشائع‪ ،‬ونطقت به كتب اهلل عز وجل سابقها‬
‫(‪(٢‬‬
‫والحقها‪ ،‬وتطابقت عليه الرسل‪".‬‬

‫وهذا الذي حكاه الشوكاين عن أهل الكتاب‪ ،‬من إيامهنم باملصري واملآل األخروي‪،‬‬
‫من البعث واجلزاء واجلنة والنار‪ ،‬حكاه القرآن الكريم عنهم‪ ،‬حيث وردت آيات عديدة‬
‫حتكي كالم اليهود والنصارى عن اجلنة والنار ويوم القيامة واآلخرة‪ ،‬إىل غريها من القضايا‬
‫املرتبطة باملعاد وأحواله‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﴾ [البقرة‪ ،]111 :‬وقال‬


‫تعاىل‪﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [البقرة‪ ،]80 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮕ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [آل عمران‪ ]٥٧-٥٥ :‬واآليات كثرية يف هذا املعنى‪.‬‬

‫فمن خالل ما سبق يتضح أن الرشائع متفقة عىل أصل املعاد واملصري واملآل‪ ،‬واجلنة‬
‫والنار واحلساب والعقاب‪ ،‬والنعيم والثواب‪ .‬يقول ابن رشد‪" :‬واملعاد مما اتفقت عىل وجوده‬
‫الرشائع‪ ،‬وقامت عليه الراهني عند العلامء"‪ (٤(،‬ويقول العقاد‪" :‬األديان الكتابية عىل اتفاق‬

‫(‪ )1‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢-10‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ .1٤‬تابع مناقشة الشوكاين ملوسى بن ميمون اليهودي يف املعاد‪ ،‬يف‪:‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪ ،‬ص‪.1٢-10‬‬
‫(‪ )٣‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ﴾ [املائدة‪ ،]٧٢ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾‬
‫[غافر‪.]٣٢ :‬‬
‫(‪ )٤‬ابن رشد‪ ،‬الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.199‬‬

‫‪1٢٢‬‬
‫يف اإليامن باحلياة بعد املوت‪ ،‬وإن اختلفت بينها بعض االختالف يف متثيل تلك احلياة‪ .‬وقد‬
‫(‪(1‬‬
‫آمن الفالسفة باحلياة األخرى قبل األديان الكتابية مجيع ًا وبعدها‪".‬‬
‫ويقول السبحاين‪" :‬االعتقاد باملعاد عنرص أسايس يف كل رشيعة هلا صلة بالسامء‪ ،‬وحيتل‬
‫يف األصالة والتأثري حمل العمود الفقري يف بدن اإلنسان‪ ،‬وبدونه تصبح الرشائع مسالك‬
‫برشية مادية‪ ،‬ال متت إىل اهلل تعاىل بصلة‪ ،‬فقوام الرشيعة باملبدأ واملعاد‪ ،‬وألجل ذلك ال ترى‬
‫رشيعة تتسم بأهنا رشيعة إهلية ولو بعد حتريفها‪ ،‬خالية من الدعوة إىل احلياة األخروية‪ ،‬وحرش‬
‫(‪(٢‬‬
‫اإلنسان بعد املوت‪ ،‬وإقامة احلساب واجلزاء والثواب والعقاب‪".‬‬
‫فإذا كان املعاد ثابت ًا بالنقل عن طريق الرشائع‪ ،‬وبالرهان عن طريق العقل‪ ،‬وثبت‬
‫اتفاق الرشائع عليه‪ ،‬ثبتت قطعيته وقدرته للتحكيم يف تدبري االختالف‪.‬‬

‫مقوم إجياد جمتمع الوحدة اإلنسانية‪:‬‬


‫‪ -3‬اإليامن باملصري ّ‬
‫ندرك رضورة هذا املعلم من معامل أصل اإليامن باملصري يف تدبري االختالف‪،‬‬
‫وإجياد جمتمع الوحدة اإلنسانية‪ ،‬إذا أخذنا باحلسبان ما تعيشه اإلنسانية اليوم من نزاعات‬
‫واختالفات‪ ،‬تصل ‪-‬يف أغلب األحيان‪ -‬إىل حروب مدمرة‪ ،‬ونعتقد أن من األسباب‬
‫اجلوهرية لذلك عدم اإليامن باملصري واملعاد عند من ال يؤمن برشيعة ساموية‪ ،‬كالدهرية مث ً‬
‫ال‬
‫‪-‬والدهريون ُك ْث ٌر يف زماننا‪ -‬وحيكي عنهم القرآن قوهلم‪ ﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﴾ [اجلاثية‪.]٢٤ :‬‬
‫فهذا التصور جيعل احلياة عقيمة مادية‪ ،‬ال يسمو باإلنسان‪ ،‬بل حيطه إىل درجة البهيمة‬
‫التي ال غاية هلا من الوجود إال إشباع غرائزها‪ ،‬واتباع أهوائها‪ .‬وال خيفى ما يف هذا التصور‬
‫من إثارة لالختالف‪ ،‬واتساع رقعته‪ ،‬يقول أبو زهرة‪" :‬وإن اإليامن بالبعث والنشور واحلساب‬
‫والعقاب والثواب من شأنه أن يعلو باإلنسان عن مرتبة احليوان‪ ،‬وال جيعل حياته عقيمة ال‬
‫(‪(٣‬‬
‫تُنتج‪ ،‬ويدفع عنه القلق النفيس‪ ،‬وإن مل يسعد يف احلارضة رجاء السعادة يف القابل‪"...‬‬

‫(‪ )1‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ .‬الفلسفة القرآنية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار هنضة مرص‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.1٥٥‬‬
‫(‪ )٢‬السبحاين‪ ،‬جعفر‪ .‬اإلهليات عىل هدى الكتاب والسنة والعقل‪ ،‬حترير‪ :‬حسن حممد العاميل‪ ،‬بريوت‪ :‬الدار اإلسالمية‬
‫للطباعة والنرش‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1990 /‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٦٥٦‬‬
‫(‪ )٣‬أبو زهرة‪ ،‬املجتمع اإلنساين يف ظل اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٦‬‬

‫‪1٢٣‬‬
‫فإذا علم اإلنسان أن مصريه ومآله إىل اهلل‪ ،‬وأنه حماسب عىل قوله وعمله بالثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬كان لذلك أثره عىل عالقاته اإلنسانية‪ ،‬من حيث احلدّ من الطغيان اآلدمي‪ ،‬الذي‬
‫هو أحد أكر أسباب االختالف اإلنساين‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ﴾ [آل عمران‪ ]18٥ :‬فاإليامن باملصري واملآل بعد املوت‪ ،‬جيعل املؤمن يربط كل أفعاله‬
‫وأعامله يف الدنيا باآلخرة؛ ألن غايته النجاة يف اآلخرة‪ ،‬فتكون أعامله وممارساته يف الدنيا‬
‫قائمة عىل تقوى اهلل‪ ،‬والر بالناس‪ ،‬مما حيد من االختالفات والنزاعات اإلنسانية‪.‬‬

‫فاإليامن باملصري واملآل األخروي‪ ،‬من األصول اإليامنية اجلامعة واملؤلفة للخلق‪،‬‬
‫املرشدة للفكر والسلوك‪ ،‬فاإليامن باليوم اآلخر والتصديق بحقائقه‪ ،‬كام جاءت يف القرآن‬
‫مقوم من مقومات بناء الضمري‬
‫الكريم‪ ،‬وما يتبع ذلك من الثواب والعقاب بعد املوت‪ّ ،‬‬
‫اإلنساين‪ ،‬وحتفيزه عىل العمل الصالح‪ ،‬وبناء الوازع الداخيل يف اإلنسان‪ ،‬ليحاكم نفسه‬
‫بنفسه من غري حاجة إىل مراقبة خارجية؛ ألن ضعف اإليامن بالبعث واجلزاء األخروي أو‬
‫إنكاره‪ ،‬يفيض إىل االعتداء عىل املخالف‪ ،‬وضياع حقوقه‪ ،‬من قبل املتحكمني‪ ،‬أو القادرين‬
‫عىل التفلت من العقاب‪ ،‬أو التالعب بالقوانني‪ ،‬فقد عجزت القوانني البرشية عن كبح مجاح‬
‫اإلنسان؛ ألهنا ال قدرة هلا عىل القلوب‪ ،‬مما يثري النزاعات واحلروب والرصاعات بني بني‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتكثر معه املحاكم‪ ،‬والقوانني‪ ،‬واهليئات املطالبة بحقوق اإلنسان‪ .‬لذلك كان‬
‫اإليامن بالبعث واجلزاء يف اآلخرة أصل مهم لتدبري االختالفات اإلنسانية؛ ألنه حيد من‬
‫النزاعات ويقلل من االختالفات‪ ،‬ويقيم املحاسبة الذاتية ‪-‬الوازع الداخيل‪ -‬مقام املحاسبة‬
‫اخلارجية ‪-‬القانون‪ ،-‬فتعم األلفة واالتفاق عىل حساب االختالف واالفراق‪.‬‬

‫فإن اختالف غايات الناس ورغباهتم‪ ،‬من أسباب االفراق والنزاع يف احلياة الدنيا‪،‬‬
‫فمنهم من غايته إشباع شهواته‪ ،‬والتمتع بالدنيا ونعيمها‪ ،‬واالسرسال يف إرضاء غرائزه‪،‬‬
‫ولو أدى األمر إىل أخذ ما عند اآلخرين‪ ،‬واالستيالء عىل ممتلكاهتم وحقوقهم‪ ،‬مما يذكي‬
‫النزاع والرصاع واالختالف‪.‬‬

‫ومنهم من رغبته التحكم يف رقاب الناس‪ ،‬والتسلط عليهم‪ ،‬مما ينتج رصاع ًا عىل‬
‫السلطة والثروة‪ ،‬التي تسرخص يف سبيلهام األنفس واألعراض‪ ،‬وتضيع معهام القيم‬

‫‪1٢٤‬‬
‫اإلنسانية والدينية‪ ،‬ويف هذا ما يذكي االختالف والنزاع اإلنساين‪ ،‬مما ال خيفى عىل ذي عقل‪.‬‬
‫يقول النوريس عن املدنية احلارضة يف سياق مقارنتها باملدنية التي يقرها القرآن الكريم‪:‬‬
‫(‪(1‬‬
‫"هدفها وقصدها‪ :‬املنفعة‪ ،‬وهذه من شأهنا‪ :‬التزاحم‪".‬‬

‫فإذا كانت هذه النوازع مركوزة يف خلق اإلنسان ال ينفك عنها‪ ،‬كان البد من املعاد‬
‫للوقوف عىل حقائق هذا النزاع واالختالف‪ ،‬يقول البطليويس‪" :‬فلام ثبت أن ههنا حقيقة‬
‫موجودة ال حمالة‪ ،‬وكان ال سبيل لنا يف حياتنا هذه إىل الوقوف عليها‪ ،‬وقوف ًا يوجب لنا‬
‫االئتالف ويرفع عنا االختالف؛ إذ كان االختالف مركوز ًا ِيف فطرنا‪ ،‬مطبوع ًا يف خلقنا‪،‬‬
‫وكان ال يمكن ارتفاعه وزواله إال بارتفاع هذه اخللقة‪ ،‬ونقلنا إىل جبلة غري هذه اجلبلة‪ ،‬صح‬
‫(‪(٢‬‬
‫رضورة أن لنا حياة أخرى غري هذه احلياة‪ ،‬فيها يرتفع اخلالف والعناد‪".‬‬

‫واالختالف رضورة من رضورات الوجود اإلنساين‪ ،‬يالزمه ما دام اإلنسان إنسان ًا‪،‬‬
‫فال يمكن إزالة االختالف من الوجود اإلنساين‪ ،‬بل يمكن تقليله وتدبريه‪ ،‬وتضييق دائرته‪،‬‬
‫وتوسيع دائرة املشرك املتفق عليه‪ ،‬ما تستطيعه اإلنسانية‪ ،‬وما هو داخل حتت قدرهتا‪ ،‬وما هي‬
‫مأمورة به رشع ًا‪ ،‬هو حماولة إزالة االختالفات املذمومة ما أمكن‪ ،‬يف ظروف معينة‪ ،‬ويف ميادين‬
‫معينة‪ ،‬ويف جمتمع معني؛ ألن االختالف سبب لالرتباك والتخبط والضعف‪ ،‬وعدم االطمئنان‬
‫النفيس واملجتمعي‪ ،‬وادعاء زوال االختالف من الوجود‪ ،‬دعوى ساذجة وحاملة‪ ،‬ألن ذلك‬
‫يتناىف مع إرادة اهلل التكوينية‪ ،‬وألن االختالف سبب احلركة والتقدم‪ ،‬والوصول إىل مزيد من‬
‫التنوع والثراء الفكري‪ ،‬وهو سنة إهلية لتحقيق التدافع والتنافس اإلنساين يف فعل اخلريات‪.‬‬

‫وقد اقتضت حكمته سبحانه عدم التسوية بني املصلح واملفسد‪ ،‬واملؤمن والكافر‪،‬‬
‫واملتقني والفجار‪ (٣(،..‬بل ال بد من احلساب واجلزاء عىل العمل‪ ،‬فإن اهلل تعاىل مل خيلق الكون‬

‫(‪ )1‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )2‬املكتوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦0٧‬‬


‫(‪ )٢‬البطليويس‪ ،‬اإلنصاف يف التنبيه عىل املعاين واألسباب التي أوجبت االختالف بني املسلمني يف آرائهم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.٢8-٢٦‬‬
‫(‪ )٣‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ ،٤٣9‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،1‬ه‪199٦/‬م)‪ ،‬ص‪.٢٧8‬‬

‫‪1٢٥‬‬
‫عبث ًا وال لعب ًا‪ (1(،‬ولكن أكثر اخللق ال يعلم هذه احلقيقة‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﴾ [الدخان‪،]٣9-٣8 :‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﴾ [ص‪،]٢8-٢٧ :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [املؤمنون‪.]11٦-11٥ :‬‬

‫واعتناء اخلطاب القرآين باملصري واملآل بعد املوت‪ ،‬إنام ملا له من أثر عىل إصالح اخللق‬
‫يف الدنيا وصالحهم‪ ،‬وإجياد جمتمع الوحدة اإلنسانية‪ ،‬ولو أن اخللق استقروا عىل هذا املعتقد‪،‬‬
‫وأقره‪ ،‬الستقامت‬
‫الذي اتفقت عليه كل الرشائع الساموية السابقة‪ ،‬وأكده القرآن الكريم ّ‬
‫عالقاهتم اإلنسانية‪ ،‬وكثر فيهم اخلري وقل فيهم الرش‪ .‬ويرى طبارة أن القرآن الكريم اعتنى‬
‫بعقيدة املعاد والبعث‪" :‬ألهنا أصل عظيم من أصول الصالح واإلصالح يف العامل‪ ،‬فلو أن‬
‫الناس مجيع ًا استقرت فيهم هذه العقيدة‪ ،‬وآمنوا هبا إيامن ًا ال خيارمه شك الستقامت أمورهم‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫وقل بينهم الرش والفساد‪".‬‬ ‫وكثر فيهم اخلري واإلحسان‪َّ ،‬‬

‫خامتة‪:‬‬
‫يبني القرآن الكريم العالقة مع املخالف عموم ًا‪ ،‬ومع أهل الرشائع الساموية خاصة‪،‬‬
‫عىل هذه األصول اإليامنية الثالثة‪ ،‬ويدعوهم إىل االجتامع عليها‪ ،‬وإىل حتكيمها لتنظيم‬
‫العالقة اإلنسانية‪ ،‬وتقليل موارد اختالفها ونزاعها‪ ،‬ومظنة هذه األصول حتقق املساواة‪،‬‬
‫وعدم التفاضل بني اجلنس البرشي‪ ،‬إال بقدر متسكهم هبذه املحتكامت‪ ،‬دون متيز وال أفضلية‪.‬‬

‫وهذه األصول اإليامنية‪ ،‬هي معنى اإلسالم يف اخلطاب القرآين‪ ،‬فاإلسالم يف القرآن‬
‫ليس اس ًام لدين خاص‪ ،‬بل هو اسم للدين املشرك‪ ،‬الذي هتف به كل األنبياء‪ ،‬وانتسب إليه‬
‫كل أتباع األنبياء‪ (٣(،‬ثم أصبح مقترص ًا بعد بعثة حممد ﷺ عىل رسالته اخلامتة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ومن مقاصد هذا األصل‪ :‬أوالً‪ :‬بناء الوازع الداخيل‪ ،‬ثاني ًا‪ :‬العمل الصالح‪ ،‬ثالث ًا‪ :‬تقليل االختالف‪.‬‬
‫(‪ )٢‬طبارة‪ ،‬روح الدين اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢1‬‬
‫(‪ )٣‬دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ ،‬الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ األديان‪ ،‬الكويت وبريوت‪ :‬دار القلم والرشكة املتحدة‬
‫للتوزيع والنرش‪ ،‬ط‪19٧٣ ،1‬م‪ ،‬ص‪.1٧٥‬‬

‫‪1٢٦‬‬
‫ال قوي ًا للحد من النزاعات والرصاعات‪،‬‬
‫وهبذا تكون هذه األصول اإليامنية مدخ ً‬
‫التي تقوم عىل أساس الدين أو املعتقد‪ ،‬وتساهم كذلك يف احلدِّ من النزاعات األخرى‪،‬‬
‫التي أساسها اللون أو العرق أو الطائفة‪ .‬إن إعراض أبناء آدم عن هذه املحتكامت اإليامنية‪،‬‬
‫هيدد حضارهتم‪ ،‬وارتقاءهم العلمي‪ ،‬وتقدمهم املدين‪ ،‬ويدمر أخالقهم‪ ،‬وجيعلهم عرضة‬
‫للفرقة واالختالف‪.‬‬

‫وهبذا التصور الكامل‪ ،‬واملنهج اإليامين الشامل للخطاب القرآين القائم عىل هذه‬
‫األصول الثالثة‪ (1(،‬حتفظ وحدة املجتمع اإلنساين‪ ،‬وحيد من خالفاته ونزاعاته‪ .‬وألمهية هذا‬
‫املدخل اإليامين وعظمته‪ ،‬أرسل اهلل عز وجل كل الرسل بالدعوة إليه‪ .‬لذلك عىل العقالء‬
‫من بني البرش‪ ،‬املسارعة واملسابقة للتمسك هبذه األصول العقدية‪ ،‬لتنقية القلوب والعقول‬
‫مما يذكي اخلالفات والنزاعات‪ ،‬فهو أعظم وأفضل وأنفع ما جتتمع عليه القلوب والعقول‬
‫البرشية؛ لتدبري اختالفاهتا‪.‬‬

‫وقد ركز القرآن الكريم عىل هذه األصول واملحتكامت اإليامنية‪ ،‬التي حتكم تصور‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتوجه فكره وسلوكه‪ ،‬وأكدها يف كل سياقاته املختلفة‪ ،‬حتى رفعها إىل مرتبة املقاصد‬
‫الكلية‪ ،‬حاث ًا اإلنسانية عىل التمسك هبا‪ ،‬واختاذها أرضية مشركة‪ ،‬لتدبري االختالف‪ ،‬فتوحيد‬
‫اهلل عز وجل نراس ييضء الطريق‪ ،‬واألنبياء طريق اهلداية للبرش‪ ،‬واملصري واملآل األخروي هو‬
‫(‪(٢‬‬
‫املحفز المتثال اهلدى النبوي‪ ،‬من أجل عمران األرض وإصالحها بالعلم والعمل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يقول أبو حامد الغزايل يف ثبوت هذه األصول الثالثة‪ ،‬وأهنا رسخت يف نفسه ال بدليل واحد‪ ،‬بل بدالئل وقرائن‬
‫ال يمكن حرصها‪" :‬وكان قد حصل معي من العلوم التي مارستها واملسالك التي سلكتها يف التفتيش عن صنفي‬
‫العلوم الرشعية والعقلية إيامن ًا يقيني ًا باهلل تعاىل وبالنبوة واليوم اآلخر‪ ،‬فهذه األصول الثالثة من اإليامن كانت قد‬
‫رسخت يف نفيس ال بدليل معني جمرد‪ ،‬بل بأسباب وقرائن وجتارب ال تدخل حتت احلرص تفاصيلها‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬املنقذ من الضالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٦-٦٥‬‬
‫(‪ )٢‬يقول رشيد رضا‪" :‬فهذا اإليامن باألركان الثالثة من الغيب هو الذي أوصل البرش إىل علوم وأعامل كان يعدها غري‬
‫املؤمنني بالغيب من حماالت العقول‪ ،‬كالغيب الذي أنكروه‪ ،‬حتى مل يعد يشء من أخبار الغيب بعيد ًا عن العقل بعد‬
‫ثبوهتا‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥٣‬‬

‫‪1٢٧‬‬
‫وهذه األصول الثالثة متفق عليها بني الرشائع الساموية‪ ،‬لذلك لزم أتباع هذه الرشائع‪،‬‬
‫ومن أراد النجاة من غريهم‪ ،‬أن يوحد اهلل عز وجل‪ ،‬ويؤمن بالنبوة‪ ،‬وباملصري واملآل‬
‫األخروي‪ ،‬والتخلص مما دخل من فساد يف االعتقاد هبذه األصول‪ ،‬بفعل التحريف والبدع‪،‬‬
‫فقد جاء حممد ﷺ وأصلح كل هذه املعتقدات‪ ،‬فأزال ما علق هبا من الرشك واخلرافات‪،‬‬
‫فأرشد البرشية إىل الدين الكامل‪ ،‬اجلامع املؤلف‪ ،‬وحث البرشية عىل ترمجة هذا اإليامن‬
‫الصحيح ببناء العمران‪ ،‬والقيام بوظيفة االستخالف يف األرض‪.‬‬

‫وال يكفي أن نقرر هذه احلقيقة علمي ًا ‪-‬نظري ًا‪ ،-‬بل نحتاج إىل القوة ‪-‬ليس العنف‪-‬‬
‫ليسمع العامل منا هذا املرشوع اإليامين لتدبري االختالف‪ ،‬حتى إذا حدثناهم عن هذه األصول‬
‫(‪(1‬‬
‫املؤلفة للمجتمع اإلنساين‪ ،‬ال يقولون هذه غيبيات العامل الثالث‪.‬‬

‫(‪ )1‬يقول حممد الغزايل‪» :‬ملاذا ال نعرف الكون مثلام يعرفون أو أفضل‪ ،‬ثم ينظر القوم إلينا فال جيرؤ أحد عىل انتقاصنا‪،‬‬
‫أو االستهانة بنا‪ ،‬فإذا حدثناهم عن اهلل الواحد أعطونا آذاهنم مقدرين متأملني ‪ ..‬وإذا رأونا نضبط غرائزنا‪ ،‬ونحكم‬
‫هوانا‪ ،‬ونذكر ربنا بالغدو واآلصال مل يقل أحدهم‪ :‬هذه غيبيات العامل الثالث التي أزرت به وعرقلت سريه ‪،..‬‬
‫اإلسالم فوق أرضه املهزومة‪ ،‬دين مثخن باجلراح‪ »..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬املحاور اخلمسة للقرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧‬‬

‫‪1٢8‬‬
‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫أصول تدبري االختالف الترشيعية‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إذا كان الفصل األول عالج مدخل تدبري االختالف العقدي؛ أي األصول الكلية الدينية‬
‫التي يقرحها القرآن الكريم عىل أتباع الديانات الساموية أوالً‪ ،‬بوصفهم أهل كتاب‪ ،‬وعىل‬
‫اإلنسانية عموم ًا بكوهنا صاحبة عقول وفطر سليمة‪ ،‬فخاطبها القرآن الكريم وحاججها بالدليل‬
‫والرهان‪ ،‬وخاطب فيها العقل والفطرة؛ ألهنام مشركان عامان لإلنسان بغض النظر عن فكره‬
‫أو معتقده‪ ،‬فإن هذا الفصل يعالج املدخل الترشيعي العميل لتدبري االختالف اإلنساين‪- ،‬وتطلق‬
‫لفظة "الرشيعة" ويراد هبا عند األصوليني األحكام العملية يف مقابل األحكام العقدية؛ أي بيان‬
‫دور األصول الترشيعية العملية‪ ،‬واملقاصد الكلية العامة للقرآن الكريم‪ ،‬يف تدبري االختالف‪،‬‬
‫وتوجيه‪ ،‬وإدارته بحكمة‪ ،‬وهي مشركات عامة‪ ،‬وقائية وعالجية لالختالف اإلنساين‪ ،‬متثل‬
‫معامل كرى لتوظيف مقاصد القرآن الترشيعية يف تدبري االختالف مع اآلخر‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬أصل إقامة السلم وترك احلرب‬


‫متهيد‪:‬‬
‫بلغت البرشية اليوم مستوى من الرشد‪ ،‬مكنها من إدراك أمهية السلم الذي جاء به‬
‫القرآن‪ (1(،‬واضطرها لذلك ما تعيشه اليوم من حروب مدمرة‪ ،‬بعد تطور األسلحة الفتاكة‪،‬‬

‫(‪ )1‬اختلف العلامء يف األصل يف العالقات الدولية يف اإلسالم‪ ،‬هل هي عالقة حرب دائمة‪ ،‬أم هي عالقة سلم دائمة‪،‬‬
‫انظر تفاصيل ذلك يف‪:‬‬
‫‪ -‬اخلملييش‪ ،‬عبد اهلادي‪ .‬السلم يف القرآن والسنة مرتكزاهتا ووسائل محايتها‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008 /‬م)‪ ،‬ص‪.٤٢٢-٣8٥‬‬
‫ومن العلامء الذين قالوا األصل يف العالقة بني املسلمني وغريهم هي السلم‪ :‬أبو زهرة يف‪:‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٥٤٤‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬نظرية احلرب يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬املجلس األعىل للشؤون اإلسالمية‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008/‬م)‪ ،‬ص‪.٣٧‬‬
‫‪ -‬البوطي‪ ،‬حممد سعيد رمضان‪ .‬اجلهاد يف اإلسالم كيف نفهمه؟ وكيف نامرسه؟ بريوت ودمشق‪ :‬دار الفكر‬
‫املعارص و دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪ ،‬ص‪.٣00-٢٢9‬‬

‫‪1٢9‬‬
‫"فبدأ يظهر للبرش أن احلرب ليست الوسيلة التي ال بد منها للحياة البرشية‪ ،‬بل إهنا ال تليق‬
‫(‪(1‬‬
‫باحلياة البرشية‪".‬‬

‫ويمكن استجالء أصل إقامة السلم وترك احلرب يف اخلطاب القرآين‪ (٢(،‬والوقوف عىل‬
‫معامله‪ ،‬من خالل‪:‬‬

‫‪ -1‬األمر باجلنوح إىل السلم‪:‬‬

‫أمر اهلل تعاىل بالدخول يف السلم وترك نقيضها وهو احلرب‪ ﴿ (٣( :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫[البقرة‪]٢08 :‬‬ ‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾‬

‫(‪ )1‬سعيد‪ ،‬جودت‪ .‬مذهب ابن آدم األول مشكلة العنف يف العمل اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر املعارص‪ ،‬ط‪،٥‬‬
‫(‪1٤1٤‬هـ‪199٣ /‬م)‪ ،‬ص‪.٦1‬‬
‫(‪ )٢‬يقول رشيد رضا‪» :‬القتال رشع يف اإلسالم ملصلحتني أو ثالث‪ :‬األوىل‪ :‬الدفاع عن املسلمني وأوطاهنم‪ ،‬فإن‬
‫املرشكني أخرجوا النبي ﷺ ومن كان آمن معه من أهل مكة‪ ،‬ثم بدأوهم بالقتال وساعدهم عليهم أهل الكتاب‪،‬‬
‫وما زالوا يبدأوهنم ويقاتلوهنم حتى عجزوا‪ ،‬وذلك قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [البقرة‪ ،]190 :‬الثانية‪ :‬تأمني حر ّية الدين ومنع االضطهاد فيه‪ ،‬وهو قوله‪ ﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [البقرة‪ ]19٣ :‬هذا ما نزل يف هذه السورة‪ .‬الثالثة‪ :‬ما يف سورة‬
‫التوبة من تأمني سلطان اإلسالم وسيادته بدفع املخالفني له للجزية"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.98‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬من أسامء اهلل تعاىل "السالم"‪ ،‬ورسالة اإلسالم وحتيته للعامل "السالم عليكم"‪ ،‬واجلنة دار السالم‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭽ‬

‫ﭾ ﭿﮀ﴾ [يونس‪[ ،]10 :‬إبراهيم‪ ،]٢٣ :‬وقال ﷺ لقريش ملا دخل مكة‪ ،‬وبعد طوافه بالبيت‪َ " :‬يا َم ْع َ َ‬
‫رش ُق َر ْي ٍ‬
‫ش‪َ ،‬ما ت َُر ْو َن‬
‫يم‪َ ،‬وا ْب ُن َأخٍ ك َِري ٍم‪ ،‬قال‪" :‬ا ْذ َه ُبوا َف َأ ْنت ُْم ال ُّط َل َقا ُء"‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َأ ِّين َفاع ٌل فيك ُْم؟" قالوا‪َ :‬خ ْري ًا‪َ ،‬أ ٌخ ك َِر ٌ‬
‫ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولو مل يكن يف حياة سيدنا حممد ﷺ‪ ،‬إال هذا الفعل‪ ،‬وهذا السلوك احلضاري‪ ،‬لكفى به دلي ً‬
‫ال عىل أنه رسول‬
‫سالم‪ ،‬ورسالته رسالة سالم‪ .‬وكان ﷺ حيب األسامء التي فيها داللة عىل احلياة والسلم والسالم‪ ،..‬ال احلرب‬
‫حي ُل ُب َها"‪ ،‬فقال رجل‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪َ » :‬ما‬ ‫يش ا ْل ِغ َف ِ‬
‫ار ِّي قال‪ :‬دعا رسول اهلل ﷺ بناقة يوم ًا فقال‪َ " :‬م ْن َ ْ‬ ‫والتشاؤم‪ ،..‬عن َي ِع َ‬
‫اس ُم َك؟‪ "،‬قال ُم َّرةُ‪ :‬قال‪" :‬ا ْق ُعدْ ‪ "،‬ثم قام آخر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫اس ُم َك؟‪ "،‬قال ُم َّرةُ‪ ،‬قال‪" :‬ا ْق ُعدْ ‪ "،‬ثم قام آخر‪ ،‬فقال‪َ " :‬ما ْ‬
‫ْ‬
‫"اح ُل ْب َها‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يش‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫قال‪:‬‬ ‫؟"‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫اس‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫"‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫‪"،‬‬ ‫ُ‬
‫يش‬ ‫"ما اسم َك؟‪ "،‬قال‪َ :‬مجْرةُ‪ ،‬قال‪" :‬ا ْقعدْ ‪ُ ،‬ثم َقام ي ِ‬
‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫‪ -‬الطراين‪ ،‬أبو القاسم سليامن بن أمحد بن أيوب‪ .‬املعجم الكبري‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي بن عبد املجيد السلفي‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مكتبة ابن تيمية‪ ،‬ط‪( ،٢‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ج‪ ،٢٢‬حديث رقم (‪ ،)٧10‬ص‪.٢٧٧‬‬

‫‪1٣0‬‬
‫ويقول ابن عاشور يف حقيقة السلم املأمور به يف اآلية‪" :‬الصلح وترك احلرب‪ (1(،"..‬ويقول أبو‬
‫زهرة‪" :‬األصل يف عالقات الدول بعضها مع بعض أو بعبارة أدق العالقة بني املسلمني وغريهم‬
‫(‪(٢‬‬
‫السلم ال احلرب‪ ،‬فاملسلم ينظر إىل من خيالفه نظرة الود الراحم‪ ،‬ال العداوة القاطعة‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف امليل إىل السلم وترك القتال إذا طلبه املخالف‪ ﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [األنفال‪ (٣(]٦1 :‬يقول زيد بن عيل‪" :‬معناه‪ :‬مالوا‪،‬‬
‫والسلم الصلح"‪ (٤(،‬ويقول أبو زهرة‪" :‬وإذا قامت احلرب بني املسلمني املؤمنني بالقرآن‪،‬‬
‫فإن اإلسالم يتشوف للسلم يبتغيه‪ ،‬وال يريد االستمرار يف مذبحة برشية‪ ،‬فإن مالوا للسلم‬
‫أجاهبم املسلمون‪ ،‬ولو كانوا يتوقعون اخلديعة‪ ،‬ما دامت مل تظهر أماراهتا‪ (٥(،"...‬ويقول‬
‫القنوجي البخاري‪" :‬واآلية حمكمة عند أهل العلم املحققني‪ ،‬والقول بالنسخ مرجوح‬
‫(‪(٦‬‬
‫ومؤول باجلمع بني اآليات‪"...‬‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٧٥‬‬


‫(‪ )٢‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ .٥٣٣‬وانظر‪:‬‬
‫عطية‪ ،‬مجال الدين‪ .‬نحو تفعيل مقاصد الرشيعة‪ ،‬هرندن ودمشق‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ودار الفكر‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪1٤٢٤‬ه‪٢00٣/‬م)‪ ،‬ص ‪.1٦9-1٦8‬‬
‫يقول الزخمرشي‪" :‬وعن ابن عباس ‪ ‬أن اآلية منسوخة بقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [التوبة‪]٢9 :‬‬ ‫(‪)٣‬‬
‫والصحيح أن األمر موقوف عىل ما يرى فيه صالح‬ ‫﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [التوبة‪]٥ :‬‬ ‫وعن جماهد‪..‬‬
‫اإلسالم وأهله من حرب أو سلم‪ ،‬وليس بحتم أن يقاتلوا أبد ًا‪ ،‬أو جيابوا إىل اهلدنة أبد ًا‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ .٤18‬وهذا‬ ‫‪-‬‬
‫الرأي جيعل األمر اجتهادي ًا يف إطار السياسة الرشعية للحاكم‪.‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عيل‪ ،‬تفسري غريب القرآن املجيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10٦‬‬
‫(‪ )٥‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٥٣٣‬‬
‫(‪ )٦‬القنوجي‪ ،‬صديق بن حسن بن عيل احلسيني البخاري‪ .‬العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة‪ ،‬حتقيق‪ :‬ابن بسيوين‬
‫زغلول‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤08( ،٢‬هـ‪1988/‬م)‪ ،‬ص‪.٧٧‬‬

‫‪1٣1‬‬
‫يأمر اهلل تعاىل يف هذه اآلية نبيه ﷺ بالتوكل عىل اهلل‪ ،‬واجلنوح نحو السلم‪ ،‬وعدم‬
‫اخلوف من إبطاهنم للمكر واخلديعة يف جنوحهم إىل السلم‪ (1(،‬وبذلك يقطع القرآن الكريم‬
‫عىل املسلمني كل عذر يف عدم امليل إىل السلم واملساملة‪.‬‬

‫وال جيوز قتال املخالف إذا جنح إىل السلم‪ ،‬وثبت عىل الصلح الذي بينه وبني املسلمني‪،‬‬
‫[النساء‪:‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾‬
‫‪ .]90‬يقول السمرقندي‪" :‬فإِن ﴿ﲩ﴾ يف القتال ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾؛ أي‬
‫الصلح‪ ،‬معناه أهنم لو ثبتوا عىل صلحهم فال تقاتلوهم‪ ،‬فذلك قوله‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫(‪(٢‬‬
‫ﯥ﴾‪ ،‬أي حجة وسلطان ًا يف قتاهلم‪".‬‬

‫ويرى أبو زهرة أن املخالف يف نظر اخلطاب القرآين ثالثة أقسام‪" :‬األول‪ :‬املحاربون‬
‫للمسلمني‪ ،‬وهؤالء جيب قتاهلم لرد اعتدائهم‪ .‬والقسم الثاين‪ :‬أهل امليثاق الذين بينهم‬
‫وبني املؤمنني ميثاق عدم االعتداء‪ ،‬وهؤالء حيرم ميثاقهم‪ ،‬بل يمتد احرام امليثاق إىل الذين‬
‫هلم به صلة‪ ،‬بحيث يكون سلمهم واحدة وحرهبم واحدة‪ .‬والقسم الثالث‪ :‬املحايدون‬
‫الذين ال يكونون مع املؤمنني وال مع أعدائهم‪ ،‬فقال ال سبيل عليهم‪ ،‬فكان احلياد ثابت ًا‬
‫(‪(٣‬‬
‫بنص القرآن الكريم‪".‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٧٧‬‬


‫(‪ )٢‬السمرقندي‪ ،‬أبو الليث نرص بن حممد بن أمحد بن إبراهيم‪ .‬بحر العلوم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود مطرجي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫( د‪.‬ت‪ ،)199٧ .‬ج‪ ،1‬ص‪.٣٥1‬‬
‫﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ‬ ‫(‪ (٣‬يف سياق تفسري قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾‬
‫[النساء‪.]91-89 :‬‬
‫أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣8-٥٣٦‬‬

‫‪1٣٢‬‬
‫وهبذا‪ ،‬فإن اإلسالم حيث عىل امليل إىل السلم وترك احلرب ما أمكن‪ ،‬مستعم ً‬
‫ال يف ذلك‬
‫كل األساليب والوسائل الوقائية؛ ألن حالة السلم هي األصل يف منهج اإلسالم‪ ،‬أما احلرب‬
‫فهي استثناء‪ ،‬ووضع طارئ‪.‬‬

‫‪ -2‬معاملة املخالف باملثل (رد االعتداء)‪:‬‬

‫يقوم أصل السلم يف تدبري االختالف مع املخالف‪ ،‬عىل معاملة املخالف باملثل من‬
‫غري ظلم وال اعتداء‪ (1(،‬والشاهد عىل ذلك آيات ترشيع القتال لرد العدوان؛ يقول تعاىل يف‬
‫رد اعتداء الكفار ومعاملتهم باملثل‪ ﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ﴾ [البقرة‪ (٢(]19٤ :‬يقول زيد بن عيل عليهام السالم‪" :‬االعتداء‬
‫(‪(٣‬‬
‫األول‪ .. :‬ظلم‪ ،‬والثاين‪ .. :‬جزا ٌء وليس بظل ٍم‪ ،‬وقد اتفق اللفظان‪".‬‬

‫(‪ )1‬أباح القرآن الكريم رد االعتداء باملثل من غري ظلم وال بغي‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ﴾ [احلج‪ ]٦0 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬

‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ﴾ [الشورى‪...]٤٢-٣9 :‬‬
‫وغريها من اآليات الدالة عىل املعاملة باملثل‪ ،‬وإن كان له أن يعفو ويصفح‪ .‬انظر‪:‬‬
‫أبو عرة‪ ،‬نبيه أمحد حسن‪" .‬املعاملة باملثل يف القرآن الكريم"‪( ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية كلية‬ ‫‪-‬‬
‫الدراسات العليا‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطني‪٢01٢ ،‬م)‪.‬‬
‫ومن اعتدائهم قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [البقرة‪]٢1٧ :‬‬

‫ومن اعتدائهم قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [املمتحنة‪.]٢ :‬‬


‫والعدوان الذي هني عنه املسلمون يف القرآن يأخذ ثالث صور‪ :‬األوىل‪ :‬بداءة القتال يف األشهر احلرم‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬بداءة القتال عىل من كف عن املسلمني‪ ،‬والثالثة‪ :‬فعل ما هنينا عنه يف القتال‪ :‬من قتل النساء واألطفال‬
‫وقطع األشجار‪..‬‬

‫(‪ )٢‬والقرآن الكريم كام يف هذه اآلية يؤكد عىل املعاملة باملثل عموم ًا‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬

‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [الشورى‪ ]٤0 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬

‫ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [النحل‪.]1٢٦ :‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عيل‪ ،‬تفسري غريب القرآن املجيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥8-٥٧‬‬

‫‪1٣٣‬‬
‫وهذا رصيح يف أن القتال لرد االعتداء ودفعه‪ (1(،‬وهذه اآلية هي "القاعدة العامة للقانون‬
‫الدويل يف اإلسالم يف السلم واحلرب مع ًا"؛ ألن ّ‬
‫النبي ﷺ ملا صده املرشكون عن أداء املناسك‪،‬‬ ‫(‪(٢‬‬

‫وقاتلوه عام احلديبية يف ذي القعدة الشهر احلرام‪ ،‬مل يقاتلهم الرسول ﷺ‪ ،‬وإنام مال إىل السلم‬
‫ٍ‬
‫عامئذ باملثل‬ ‫رغبة منه يف حقن الدماء وكراهة للقتال‪ ،‬يقول رشيد رضا‪" :‬ولو قابلهم املسلمون‬
‫(‪(٣‬‬
‫يرض النبي بالصلح الحتدم القتال‪ ،‬وملا خرجوا يف العام اآلخر لعمرة القضاء‪"...‬‬
‫ومل َ‬

‫قبل ﷺ بتلك الرشوط الثقيلة منع ًا للفتنة يف الدين‪ ،‬وإشاعة لروح احلرية والسلم‬
‫مع املخالف‪ ،‬وجنوح ًا منه للحكمة‪ ،‬واجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬يف دعوة املخالف‬
‫واالختالط معه‪ ،‬حتى خيتار اإلسالم عن قناعة واختيار‪ ،‬لذلك كثر عدد الداخلني‬
‫واملعتنقني لإلسالم بعدها‪.‬‬

‫وذكر رشيد رضا أن اآلية نبهت عىل مراعاة املامثلة يف رد اعتداء املعتدي‪ ،‬ومنع الظلم‬
‫والعدوان واالضطهاد‪ ،‬وتقرير األمن والعدل واإلحسان‪ (٤(،...‬والتذكري بالتقوى يف اآلية‪،‬‬
‫إشارة إىل تذكري املقاتلني املسلمني بالقصد من القتال‪ ،‬وهو رد االعتداء ومعاملة املخالف‬
‫باملثل‪ ،‬واحلذر من انتهاك حدود اهلل‪ ،‬برعاية حق اإلنسانية والكرامة البرشية‪ ،‬ألن معية اهلل‬
‫هلم مرشوطة بتقواه ﴿ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾[البقرة‪.]19٤ :‬‬

‫فرشيعة املسلمني السلم‪ ،‬وليس القتال‪ ،‬فهم ال يقاتلون إال من بدأهم بالقتال‪ ،‬واعتدى‬
‫يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬ ‫(‪(٥‬‬
‫عليهم‪،‬‬

‫(‪ )1‬أبو زهرة‪ ،‬نظرية احلرب يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٤‬‬


‫(‪ )٢‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬زهرة التفاسري‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٥9٢‬‬
‫ويقول يف موضع آخر‪" :‬القتال باجلهاد لدفع الرش وتعميم اخلري‪ ،‬ألن اإلسالم يدعو إىل اخلري‪ ،‬وإىل الفضيلة‪،‬‬
‫وفضيلة اإلسالم إجيابية وليست سلبية‪ ،‬فهي تدافع الرذيلة وال تستسلم‪".‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.٥٣٤‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٧1‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ .‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٧1‬‬
‫(‪ )٥‬ابن عرفة‪ ،‬تفسري ابن عرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٢٣1‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٦٦‬‬

‫‪1٣٤‬‬
‫ﯼ﴾ [البقرة‪ ]190 :‬فهذا أمر بقتال املعتدي املقاتل ال املسامل "‪﴿ ...‬ﯵ ﯶﯷ﴾؛‬
‫أي‪ :‬ال تبدؤوهم بالقتال"‪ (1(،‬ويروي ابن اجلوزي عن سعيد بن جبري‪ ،‬وأيب العالية‪ ،‬وابن‬
‫زيد أن املراد باالعتداء‪" :‬ال تقاتلوا من مل يقاتلكم"‪ (٢(،‬وال تقاتلوا من مل يقاتلكم حال القتال‬
‫(‪(٣‬‬
‫كالشيوخ والنساء‪...‬‬

‫والقتال يف اإلسالم استثناء من قاعدة السلم‪ ،‬والباعث عليه هو رد العدوان‪ ،‬يقول‬


‫أبو زهرة‪" :‬وقد اتفق اجلمهور منهم (يقصد علامء القرن الثاين اهلجري) عىل أن الباعث عىل‬
‫القتال هو رد االعتداء‪ ،‬وقرر اجلمهور عىل أن مناط القتال هو االعتداء‪ ،‬كام تدل عىل ذلك‬
‫النصوص املحكمة‪ ،‬فال يقتل شخص ملخالفته لإلسالم‪ ،‬أو بعبارة أخرى ال يقتل شخص‬
‫(‪(٤‬‬
‫لكفره‪ ،‬وإنام يقتل العتدائه عىل اإلسالم‪"...‬‬

‫والقرآن الكريم؛ إذ يقرر هذا املعلم من معامل السلم العاملي‪ ،‬فإنه يقصد إىل تدبري‬
‫االختالف اإلنساين‪ ،‬واحلد من الرصاعات والنزاعات واحلروب املدمرة للحرث والنسل‪.‬‬
‫فهذه إشارة مهمة يف قصد القرآن إىل الوحدة واالئتالف‪ ،‬وترك النزاع والرصاع القائم عىل‬
‫االعتداء‪ ،‬والنزوع نحو السلم واألمن االجتامعيني‪.‬‬

‫وقصد الوحدة واأللفة حارض يف املنهج اإلهلي‪ ،‬والرشيعة الربانية‪ ،‬حتى يف قضية‬
‫احلرب‪ ،‬فمن مقاصد عدم ترشيع القتال يف املرحلة املكية‪ ،‬وطلب القرآن من املسلمني‬
‫اإلعراض والكف عن املخالف‪ ،‬مع إذايته وعدوانه هلم؛ إذ قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [النساء‪ ]٧٧ :‬احلفاظ عىل وحدة األرس وألفتها وعدم تفريقها؛ ألن كل‬

‫(‪ )1‬السمعاين‪ ،‬أبو املظفر منصور بن حممد بن عبد اجلبار ابن أمحد املروزى‪ .‬تفسري القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو بالل غنيم بن‬
‫عباس بن غنيم‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الوطن‪ ،‬ط‪1٤18( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19٢‬‬
‫(‪ )٢‬ابن اجلوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن عيل بن حممد القريش البغدادي‪ .‬زاد املسري يف علم التفسري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري‬
‫الشاويش وشعيب األرناؤوط وعبد القادر األرناؤوط‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤0٤( ،٢‬ه‪198٤/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.19٧‬‬
‫(‪ )٣‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٥٤٢‬‬
‫(‪ )٤‬أبو زهرة‪ ،‬نظرية احلرب يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٢-٣1‬‬

‫‪1٣٥‬‬
‫واحد من املسلمني ينحدر من أرسة‪ ،‬ولو رشع القتال حينها‪ ،‬لنشب الرصاع بني أفراد‬
‫األرسة الواحدة‪ ،‬ولبدا لغري املسلمني أن دعوة اإلسالم مفرقة ومشتتة لشمل األرس‪ .‬لكن‬
‫بعد اهلجرة أصبح املسلمون وحدة مستقلة عن أرسهم ويشكلون مجاعة متحدة‪ ،‬لذلك رشع‬
‫(‪(1‬‬
‫القتال‪ ،‬للحفاظ عىل هذه اجلامعة‪ ،‬ومحاية وجودها‪ ،‬وحتصني كياهنا‪.‬‬

‫وقصد التأليف واجلمع كانت سياسة النبي ﷺ‪ ،‬فهي حرب رحيمة‪ ،‬تبغي األلفة‬
‫وترفض الفرقة‪ ،‬يقول أبو زهرة‪" :‬كان الرسول ﷺ يسري عىل سياسة التأليف بني الناس‬
‫ما أمكن التأليف‪ ،‬وكان ذلك حتى يف القتال‪ ،‬وأمر جنوده وهو يف القتال أن حيرصوا عىل‬
‫(‪(٢‬‬
‫التأليف والتأين بدل التقتيل والفتك‪"...‬‬
‫أما ما يظهر من تعارض بني األحاديث النبوية الصحيحة‪ ،‬وظواهر اآليات الداعية إىل‬
‫َّاس َحتَّى َي ْش َهدُ وا َأ ْن الَ إِ َل َه إِ َّال اهللَُّ‪َ ،‬و َأ َّن ُحم َ َّمد ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلم‪ ،‬مثل قول النبي ﷺ‪ُ " :‬أم ْر ُت َأ ْن ُأ َقات َل الن َ‬
‫الزكَاةَ‪َ ،‬فإِ َذا َف َع ُلوا َذلِ َك َع َص ُموا ِمنِّي ِد َما َء ُه ْم َو َأ ْم َو َاهل ُ ْم‬ ‫الةَ‪َ ،‬و ُي ْؤتُوا َّ‬‫الص َ‬‫يموا َّ‬
‫ول ا َّ ِ‬
‫هللِ‪َ ،‬و ُيق ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫اهب ْم َع َىل اهللَِّ"‪ّ (٣(،‬‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّال بِ َح ِّق ِ‬
‫فإن اإلجابة عن هذا اإلشكال تبدو يف قول دروزة‪:‬‬ ‫ال ِم‪َ ،‬وح َس ُ ُ‬
‫اإل ْس َ‬
‫"إن النبي ﷺ أجل من أن يناقض التقريرات القرآنية املحكمة‪ ،‬وأن املأثور املتواتر من سريته‬
‫وسرية خلفائه الذين ساروا عىل هداه‪ ،‬أهنم مل يقاتلوا إال األعداء املعتدين عىل اإلسالم‬
‫واملسلمني بدء ًا أو نكث ًا بعد عهد‪ ..‬فهذا هو املتساوق مع نصوص اآليات املحكمة التي ال‬
‫(‪(٤‬‬
‫يمكن أن ينقضها رسول اهلل‪ .‬وهذا هو املؤيد باملأثور املتواتر من السرية النبوية‪"...‬‬

‫وهذا عىل فرض القول بالتعارض‪ ،‬وإال فإن النبي ﷺ مل يقل‪" :‬أمرت أن أقتل الناس"‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بل قال‪ُ " :‬أم ْر ُت َأ ْن ُأ َقات َل الن َ‬
‫َّاس"‪ ،‬وهذا يدل عىل املفاعلة‪" ،‬فإن املقاتلة مفاعلة تقتيض‬
‫(‪(٥‬‬
‫احلصول من اجلانبني‪".‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.18٦‬‬


‫(‪ )٢‬أبو زهرة‪ ،‬نظرية احلرب يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٧‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اإليامن‪ ،‬باب‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ﴾‬
‫[التوبة‪ ،]٥ :‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)٢٥‬ص‪.1٤‬‬
‫(‪ )٤‬دروزة‪ ،‬حممد عزت‪ .‬التفسري احلديث‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬ط‪1٣8٣( ،1‬ه‪19٦٤/‬م)‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٣٥٧‬‬
‫(‪ )٥‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.٢0٣‬‬

‫‪1٣٦‬‬
‫‪ -3‬محاية حرية الفكر واالعتقاد (عدم الفتنة يف الدين)‪:‬‬

‫ومن معامل السلم القرآين أن القتال رشع ليكون الدين كله هلل‪ ،‬وال يفتن أحد عن‬
‫فالقتال إلزالة الفتنة عن الدين قال‬ ‫(‪(1‬‬
‫دينه‪ ،‬فيامرس اجلميع حريتهم من غري إكراه‪،...‬‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [البقرة‪ ،]19٣ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [األنفال‪ (٢(]٣9 :‬يقول رشيد رضا؛ أي قاتلوهم‪:‬‬
‫"‪ ...‬حتى يكون الدين كله هلل‪ ،‬ال يستطيع أحد أن يفتن أحد ًا عن دينه‪ ،‬ليكرهه عىل تركه إىل‬
‫دين املكره له فيتقلده تقية ونفاق ًا‪ .‬ونقول‪ :‬إن املعنى بتعبري هذا العرص‪ :‬ويكون الدين حر ًا؛‬
‫أي يكون الناس أحرار ًا يف الدين ال يكره أحد عىل تركه إكراه ًا‪ ،‬وال يؤذى ويعذب ألجله‬
‫(‪(٣‬‬
‫تعذيب ًا‪ ،‬ويدل عىل العموم قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [البقرة‪"]٢٥٦ :‬‬
‫ويقول أبو زهرة‪" :‬فام كان السبب ليستبيح دماء املخالفني ألجل املخالفة‪ ،‬بل يستبيحها ألهنم‬
‫استباحوا دم أهله‪ ،‬وألهنم أرادوا محل املومنني عىل تغيري دينهم‪ ،‬وفتنوهم يف ذلك‪ ،‬والفتنة كام‬
‫(‪(٤‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ﴾‪".‬‬

‫(‪ )1‬األبارة‪ ،‬سمري مثنى عيل‪" .‬منهج القرآن يف تقرير محاية األفكار‪( "،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬وزارة التعليم العايل والبحث‬
‫العلمي‪ ،‬جامعة أم درمان اإلسالمية‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬مجهورية السودان‪1٤٣٤ ،‬ه‪٢01٣/‬م)‪ .‬الرسالة كلها‬
‫نافعة وتسري يف السياق نفسه الذي هو قصد هذه الدراسة‪ ،‬لكن نحيل إىل الفصل الرابع منها املتعلق بمنهج القرآن‬
‫يف محاية األفكار‪ .‬انظر‪:‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢٥0‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬ولفظ "الفتنة" يقول ابن العريب‪" :‬حيتمل أن يريد به‪ ،‬وقاتلوهم حتى ال يكون كفر‪ .‬وحيتمل أن يكون‪ :‬وقاتلوهم حتى‬
‫ال يفتن أحد عن دينه‪ .‬وكالمها جيوز أن يكون مراد ًا‪".‬‬
‫ابن العريب‪ ،‬أبو بكر حممد بن عبد اهلل بن حممد املعافري االشبييل املالكي‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬راجع أصوله وخرج أحاديثه‬ ‫‪-‬‬
‫وعلق عليه‪ :‬حممد عبد القادر عطا‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،٣‬ه‪٢00٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤00‬‬
‫وقال اآللويس‪﴿ " :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﴾؛ أي ال يوجد منهم رشك‪ ،‬كام روي عن ابن عباس‪ .‬واحلسن‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫املراد حتى ال يفتتن مؤمن عن دينه‪"..‬‬
‫اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.19٤‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٥٥٣‬‬
‫(‪ )٤‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٥٣٥‬‬

‫‪1٣٧‬‬
‫فرشيعة القتال يف اإلسالم حلامية حرية االعتقاد‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [احلج‪ (1(،]٤0 :‬فالتدافع إرادة إهلية تكوينية ليعم السلم‪ ،‬ويامرس‬
‫الناس معتقداهتم بحرية‪ ،‬فقد شاءت إرادة اهلل تعاىل أن خيتلف الناس ليقع التدافع بينهم؛‬
‫التدافع بني احلق والباطل‪ ،‬ليتحقق من ذلك إصالح األرض ومحايتها من اإلفساد‪ ،‬ومحاية‬
‫دور العبادة من اهلدم‪ ،‬والعبث بمقدسات الناس‪ ،‬فيتحقق بذلك السلم املجتمعي‪ ،‬واحلرية‬
‫يف ممارسة الشعائر الدينية‪.‬‬

‫ويقول تعاىل تعزيز ًا ألصل السلم‪ ،‬ومحاية احلرية يف الفكر واملعتقد بأوضح صيغة‪:‬‬
‫﴿ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [البقرة‪ ]٢٥٦ :‬ويرى ابن عاشور يف موضوع نسخ‬
‫هذه اآلية أو إحكامها وعالقتها بام نزل قبلها أو بعدها من آيات القتال‪" :‬أن اآليات النازلة‬
‫قبلها أو بعدها أنواع ثالثة‪ :‬أحدها‪ :‬آيات أمرت بقتال الدفاع كقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [التوبة‪ ،]٣٦ :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ﴾ [البقرة‪،]19٤ :‬‬
‫وهذا قتال ليس لإلكراه عىل اإلسالم‪ ،‬بل هو لدفع غائلة املرشكني‪ .‬النوع الثاين‪ :‬آيات أمرت‬
‫تغي بغاية‪ ،‬فيجوز أن يكون إطالقها مق ّيد ًا بغاية آية ﴿ ﮓ ﮔ‬
‫بقتال املرشكني والكفار ومل َّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فال تعارضه آيتنا هذه ﴿ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾‪ .‬النوع الثالث‪َ :‬ما ُغ ِّي َي‬ ‫ﮕ﴾ [التوبة‪]٢9 :‬‬

‫بغاية كقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [البقرة‪ ،]19٣ :‬فيتعني أن يكون‬


‫"أمرت أن أقاتل‬ ‫ُ‬ ‫وآية ﴿ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [التوبة‪ ]٢9 :‬كام نسخ حديث‬ ‫منسوخ ًا هبذه اآلية‪ِ ،‬‬

‫الناس"(‪ (٢‬هذا ما يظهر لنا يف معنى اآلية‪ ،‬واهلل أعلم"‪ (٣(.‬ويف هذا داللة واضحة عىل أن اآلية‬
‫حمكمة وغري منسوخة‪ ،‬وأنه ال تعارض بينها وبني آيات القتال‪ ،‬سواء ما نزل قبلها أو بعدها‪.‬‬

‫(‪ )1‬االختالف يؤدي إىل التدافع‪ ،‬والتدافع حيقق مقصدين‪ :‬األول‪ :‬إصالح األرض وعدم اإلفساد فيها‪ ،‬والثاين‪ :‬محاية‬
‫دور العبادة‪.‬‬
‫﴿ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾‬ ‫(‪ )٢‬البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اإليامن‪ ،‬باب‪:‬‬
‫[التوبة‪ ،]٥ :‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)٢٥‬ص‪.1٤‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢٧-٢٦‬‬

‫‪1٣8‬‬
‫ويقول تعاىل تعلي ًام لنبيه‪ ،‬وتنبيه ًا ألمته‪ ،‬وللمجتمع اإلنساين بعده‪ ،‬أن طريق الدعوة إىل‬
‫اإلسالم ال تعدو ثالث طرق‪ ،‬وهي‪ :‬احلكمة واملوعظة واجلدال باحلسنى‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﴾ [النحل‪ ،]1٢٥ :‬قال الرازي‪" :‬واعلم أنه تعاىل أمر رسوله أن يدعو الناس بأحد هذه‬
‫الطرق الثالث‪ ،‬وهي احلكمة واملوعظة احلسنة واملجادلة بالطريق األحسن"‪ (1(،‬فإذا كانت‬
‫دعوة الرسول ﷺ حمددة يف هذه الطرق الثالث‪ ،‬فال حمل لطريق اإلكراه عىل اإلسالم بالقتال‪.‬‬

‫يقول جودت سعيد‪" :‬إن رسول اهلل مل يصل إىل احلكم بالقوة املسلحة وإنام بقوة الفكرة‪،‬‬
‫انتزع السيادة والسلطة يف أقسى بيئة‪ ،‬من غري استخدام القوة‪ ،‬ولكن بعد ذلك استخدمت‬
‫القوة حلامية حرية االختيار ﴿ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [البقرة‪ ]19٣ :‬والفتنة هي اإلكراه‬
‫يف الدين‪ .‬يقول اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [الروج‪ ]10 :‬يف قصة أصحاب‬
‫(‪(٢‬‬
‫األخدود‪ .‬إن الفتنة هي تعذيب اإلنسان حتى يرك دينه‪ ،‬أو قتله إن مل يرك دينه‪".‬‬

‫‪ -4‬الدفاع عن املستضعفني‪:‬‬

‫يف األرض‪،‬‬ ‫ومن معامل السلم يف اخلطاب القرآين‪ ،‬رفع الظلم عن املستضعفني‬
‫(‪(٣‬‬

‫فإن اإلسالم ال ُي ِق ُّر الظلم واالعتداء عىل الناس‪ ،‬يقول تعاىل يف نرصة املستضعفني ورفع‬
‫الظلم عنهم‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [النساء‪]٧٥ :‬‬ ‫ﭟﭠﭡﭢﭣ‬
‫يقول مقاتل بن سليامن‪﴿ " :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾‪ ،‬وتقاتلون عن ﴿ﭘ﴾‪ ،‬يعني‬
‫املقهورين ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ املقهورين بمكة حتى يتسع األمر‪ ،‬ويأيت إىل اإلسالم‬
‫(‪(٤‬‬
‫من أراد منهم‪".‬‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢0‬ص‪.1٤0‬‬


‫(‪ )٢‬سعيد‪ ،‬مذهب ابن آدم األول مشكلة العنف يف العمل اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٣-٤٢‬‬
‫(‪ )٣‬وتفسري املستضعفني عىل ثالثة وجوه‪ :‬األول‪ :‬املقهورون‪ ..‬والثاين‪ :‬الضعفاء‪ ،‬االتباع للقادة يف الكفر‪ ..‬والثالث‪:‬‬
‫العجزة الذين ال قوة هلم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن سالم‪ ،‬التصاريف تفسري القرآن مما اشتبهت أسامؤه وترصفت معانيه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤0٢‬‬
‫(‪ )٤‬ابن سليامن‪ ،‬تفسري مقاتل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٤1‬‬

‫‪1٣9‬‬
‫ال جير أحد عىل اإلسالم بالقتال‪ ،‬فإن النبي ﷺ كان يأيت بالقرآن الكريم ويقرؤه عىل‬
‫الناس‪ ،‬ليعلمهم موقف اإلسالم من احلرب والنزاع والشقاق يقول أ‪.‬س‪ .‬ميغوليفسكي‪:‬‬
‫(‪(1‬‬
‫"لقد أعلن حممد ﷺ غري مرة موقفه املناهض للحرب‪ ،‬والنزاعات والشقاق‪".‬‬

‫فمهمة املسلمني حترير املستضعفني‪ ،‬ومتكينهم من حرية االختيار‪ ،‬ومتتيعهم بكامل‬


‫اإلرادة‪ ،‬ورد العدوان عنهم ونرصهتم‪ ،‬ليستتب احلق والعدل‪ ،‬وتضييق اخلالفات والنزاعات‪،‬‬
‫التي من أسباهبا الظلم واالعتداء‪ ،‬فالقتال لتخليص املستضعفني من العدوان علة وجوب‬
‫اجلهاد(‪ (٢‬يقول الرازي‪﴿ " :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ يدل عىل أن اجلهاد (القتال) واجب‪ ،‬ومعناه أنه‬
‫ال عذر لكم يف ترك املقاتلة‪ .‬وقد بلغ حال املستضعفني من الرجال والنساء والولدان من‬
‫املسلمني إىل ما بلغ يف الضعف‪ ،‬فهذا حث شديد عىل القتال‪ ،‬وبيان العلة التي هلا صار القتال‬
‫واجب ًا‪ ،‬وهو ما يف القتال من ختليص هؤالء املؤمنني من أيدي الكفرة‪ ،‬ألن هذا اجلمع إىل‬
‫اجلهاد جيري جمرى فكاك األسري‪ (٣(".‬ويقول سيد قطب‪" :‬يلتفت هذه االلتفاتة ليوحي إليهم‬
‫بسمو املقصد‪ ،‬ورشف الغاية‪ ،‬ونبل اهلدف‪ ،‬يف هذا القتال‪ ،‬الذي يدعوهم أن ينفروا إليه‪ ،‬غري‬
‫(‪(٤‬‬
‫متثاقلني وال مبطئني‪ .‬وذلك يف أسلوب حتضييض‪ ،‬يستنكر البطء والقعود‪".‬‬

‫فنرصة املستضعفني‪ ،‬وختليصهم من الظلم واالستبداد‪ ،‬الذي حيول دوهنم والتفكري‬


‫احلر واالختيار السليم للمعتقدات‪ ،‬من معامل السلم القرآين‪ ،‬فعىل صاحب الدعوة إذا كان‬
‫بيده السلطة والقوة أن يزيل احلواجز التي حتول بينه وبني إيصال دعوته إىل املستضعفني‪،‬‬
‫فـ"حق صاحب الدعوة إذا كان يف يده قوة أن يزيل تلك احلجز التي حتول بينه وبني دعوته‬

‫(‪ )1‬ميغوليفسكي‪ ،‬أرسار اآلهلة والديانات‪ ،‬مرجع سابع‪ ،‬ص‪.٥٢9‬‬


‫(‪ )٢‬وتفسري اجلهاد عىل ثالثة وجوه‪ :‬األول‪ :‬اجلهاد بالقول‪ ..‬والثاين‪ :‬القتال بالسالح‪ ..‬والثالث‪ :‬العمل‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سالم‪ ،‬التصاريف تفسري القرآن مما اشتبهت أسامؤه وترصفت معانيه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤01‬‬
‫‪ -‬شعث‪ ،‬هتاين جر‪» .‬ألفاظ اجلهاد يف القرآن‪ :‬دراسة داللية‪( »،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة األزهر‪ ،‬غزة‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب والعلوم اإلنسانية (‪1٤٣٢‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٣‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ .18٧‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٢٢‬‬
‫(‪ )٤‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٧08‬‬

‫‪1٤0‬‬
‫ليصل إىل أولئك املستضعفني‪ ،‬وختلو وجوههم إلدراك احلقائق اجلديدة‪ ،‬وإعالن اعتناقها‬
‫(‪(1‬‬
‫إن رأوا ذلك وآمنوا به‪".‬‬

‫‪ -5‬أخالق احلرب الرتبوية‪:‬‬

‫ومن معامل السلم يف اخلطاب القرآين‪ ،‬أخالق احلرب‪ (٢(،‬فقد هنى اخلطاب القرآين عن‬
‫االعتداء والظلم وجتاوز احلد‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾‬
‫[البقرة‪ ،]190 :‬وأمر برك من مل يؤذ املسلمني ومل يعتد عليهم(‪ (٣‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [النساء‪.]90 :‬‬

‫ومن االعتداء الذي هنى عنه القرآن‪ ،‬االعتداء بعدم االلتزام باألخالق الربوية يف‬
‫القتال‪ ،‬من عدم قتل الصبيان‪ ،‬والنساء‪ ،‬والشيوخ‪ ،‬والرهبان املتعبدين يف صوامعهم‪ .‬قال‬

‫(‪ )1‬أبو زهرة‪ ،‬نظرية احلرب يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬


‫(‪ (٢‬ومن أبلغ ما يدل عىل أخالقية القتال يف اإلسالم‪ ،‬كتاب عمر بن اخلطاب لسعد بن أيب وقاص‪ ،‬ويقول فيه‪" :‬أما‬
‫العدو وأقوى املكيدة يف احلرب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعد فإين آمرك ومن معك بتقوى اهلل عىل ّ‬
‫كل حال‪ ،‬فإن تقوى اهلل أفضل العدّ ة عىل‬
‫عدوكم؛ فإن ذنوب اجليش أخوف عليهم من‬ ‫وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احراس ًا من املعايص منكم من ّ‬
‫قوة هبم؛ ألن عددنا ليس كعددهم‪ ،‬وال‬ ‫عدوهم هلل‪ ،‬ولوال ذلك مل تكن لنا ّ‬
‫عدوهم‪ ،‬وإنام ينرص املسلمون بمعصية ّ‬ ‫ّ‬
‫بقوتنا‪.‬‬ ‫القوة‪ّ .‬‬
‫وإال نُنرص عليهم بفضلنا مل نغلبهم ّ‬ ‫عدّ تنا كعدّ هتم‪ .‬فإن استوينا يف املعصية كان هلم الفضل علينا يف ّ‬
‫واعلموا أن عليكم يف مسريكم حفظة من اهلل يعلمون ما تفعلون‪ ،‬فاستحيوا منهم‪ .‬وال تعملوا بمعاىص اهلل وأنتم يف‬
‫رش منهم كام س ّلط عىل‬
‫رش منا فلن يس ّلط علينا وإن أسأنا؛ فرب قوم قد س ّلط عليهم ّ‬
‫عدونا ّ‬
‫سبيل اهلل‪ .‬وال تقولوا إن ّ‬
‫بنى إرسائيل ّملا عملوا بمساخط اهلل كفرة املجوس ﱥﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱤ‪ .‬واسألوا اهلل العون عىل‬
‫عدوكم‪ .‬أسأل اهلل ذلك لنا ولكم‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫أنفسكم كام تسألونه النرص عىل ّ‬
‫‪ -‬النويري‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن عبد الوهاب‪ .‬هناية األرب يف فنون األدب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب والوثائق‬
‫القومية‪ ،‬ط‪1٤٢٣ ،1‬هـ‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.1٦9-1٦8‬‬
‫إن الناظر يف آيات القرآن الكريم املتعلقة بالقتال يتبني له إنسانية اجلهاد اإلسالمي وأخالقيته‪ ،‬فقد كان البديل‬
‫عن القتال اجلاهيل العدواين‪ ،‬فهو تسا ٍم وإعالء من ناحيتني‪ :‬من ناحية الوسيلة والطريقة‪ :‬فاملسلم عليه أن يكون‬
‫إنسان ًا‪ ،‬متسلح ًا بروح اإلسالم األخالقية يف التعامل مع أعدائه أثناء القتال وبعده‪ .‬من ناحية اهلدفية‪ :‬فلم يعد القتال‬
‫يف سبيل السلب والنهب‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬قميحة‪ ،‬جابر‪ .‬املدخل إىل القيم اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب املرصي‪ ،‬ط‪1٤0٤( ،1‬ه‪198٤/‬م)‪،‬‬
‫ص‪.٣٧-٣٦‬‬
‫(‪ )٣‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٧٣٣‬‬

‫‪1٤1‬‬
‫القرطبي يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮬ ﮭ﴾‪" :‬عام يف كل مرشك‪ ،‬لكن السنة خصت منه ما‬
‫(‪(1‬‬
‫تقدم بيانه يف سورة "البقرة" من امرأة وراهب وصبي وغريهم‪".‬‬

‫كام شدد القرآن عىل اإلحسان إىل األرسى‪ ،‬وعدم إساءة التعامل معهم‪ ،‬أو االنتقام‬
‫منهم‪ ،‬أو التمثيل هبم‪ ،‬بل إلمام املسلمني أن يترصف فيهم بالعفو أو الفداء‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ [حممد‪ ]٤ :‬ولو كانت‬
‫علة القتال الكفر ما فدى النبي ﷺ األرسى أو عفا عنهم‪ ،‬بل كان مصريهم القتل؛ ألهنم كفار‪.‬‬

‫وجعل القرآن الكريم إطعام األسري من صفات املؤمنني‪ ﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [اإلنسان‪ ]8 :‬ويروي القرطبي عن ابن عباس أن املراد باألسري يف اآلية‬
‫"‪ ...‬هو األسري من أهل الرشك يكون يف أيدهيم"‪" (٢(،‬قال ابن عباس‪ :‬كان أرساهم يومئذ‬
‫مرشكني‪ .‬ويشهد هلذا أن رسول اهلل ﷺ أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا األسارى‪ ،‬فكانوا‬
‫يقدموهنم عىل أنفسهم عند الغداء"‪ (٣(،‬ويروي الطري عن قتادة‪" :‬لقد أمر اهلل باألرسى أن‬
‫حيسن إليهم‪ ،‬وإن أرساهم يومئذ ألهل رشك"‪ (٤(،‬وبذلك كانت معاملة األسري ال تقترص عىل‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬بل تتعداه إىل املرشكني‪ ،‬فهذا دليل االعراف بكرامته وإنسانيته‪ ،‬ودليل أن‬
‫العلة يف القتال هي االعتداء وليس الكفر‪ ،‬فإن جمرد أرسه أو كفره ال يسوغ قتله‪ ،‬أو التنكيل‬
‫به‪ ،‬أو االعتداء عليه‪.‬‬

‫ومن اإلحسان إىل األسري‪ ،‬أن يعامل معاملة إنسانية‪ ،‬من غري اعتداء وال ظلم‪ ،‬واألمثلة‬
‫عىل ذلك يف تاريخ املسلمني‪ ،‬منذ العرص النبوي‪ ،‬مرور ًا باخلالفة اإلسالمية كثرية‪ ،‬نذكر منها‬
‫أن النبي ﷺ عامل أرسى بدر بام قرره القرآن من منهج امليل إىل السلم وترك االعتداء‪ ،‬حيث‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٧٢‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.1٢9‬‬
‫(‪ )٣‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٢88‬‬
‫(‪ )٤‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٤‬ص‪.9٧‬‬

‫‪1٤٢‬‬
‫(‪(1‬‬
‫استشار أصحابه يف شأهنم‪ ،‬فأشري عليه بقتلهم‪ ،‬وأشري عليه بفدائهم‪ ،‬فوافق عىل الفداء‪...‬‬

‫ولو كان قصد اإلسالم بر الكفر‪ ،‬وإقصاء املخالف‪ ،‬وحموه من الوجود‪ ،‬ما ترك‬
‫الرهبان وهم أصل الكفر؛ ألن بقتل الرهبان تنتهي دعوهتم‪ ،‬ويكون حينها اإلسالم قد‬
‫اخترص الطريق‪ ،‬عوض قتال األتباع‪ ،‬لكن قصد الرشع من القتال هو الدفاع عن النفس‪،‬‬
‫وعن املستضعفني يف األرض‪ ،‬ومنع الفتنة يف الدين‪ ،‬ليامرس الناس معتقداهتم بحرية‪،‬‬
‫ويسود بذلك السلم والسالم يف العامل‪.‬‬

‫فاحلرب يف التصور القرآين‪ ،‬تنبني عىل منهج الرمحة والفضيلة‪ ،‬ال الرغبة يف االنتقام‪،‬‬
‫واالستعامر لألرض‪ ،‬واستعباد الناس‪ ،‬واستغالل خرياهتم‪ ،‬لذلك يقع االستغراب كيف‬
‫يمكن اجلمع بني احلرب والفضيلة والعدل والرمحة "ولذلك كان ال بد من ٍ‬
‫هاد يف هذا األمر‪،‬‬
‫لتكون احلرب والفضيلة مع ًا يف امليدان‪ ،‬وذلك العادي ال بد أن يستمد هدايته من السامء‪ ،‬ال من‬
‫الطبائع األرضية املتناحرة‪ ،‬التي ختتفي العدالة عند سيطرهتا‪ ،‬وال يظهر إال البغي‪ (٢(،"...‬ويقول‬
‫النوريس عن املدنية التي يقرها القرآن‪" :‬هدفها الفضيلة بدالً من املنفعة‪ ،‬والفضيلة من شأهنا‪:‬‬
‫املودة والتجاذب‪ (٣(".‬ويقول أبو زهرة‪" :‬جيب علينا عند املعاملة باملثل أن نستمسك بالفضيلة‪،‬‬
‫فإن الفضيلة هي القانون العام يف كل معاملة إنسانية‪ ،‬فإذا كان العدو يقتل الذرية ال نقتلها‪ ،‬وإن‬
‫(‪(٤‬‬
‫كان ينتهك األعراض ال ننتهكها‪ ،‬وإن كان خيرب ديار اآلمنني ال نخرهبا‪ ،‬ما وسعنا ذلك‪".‬‬

‫ويقول العقاد بعد ذكر اهلمجية التي تعاملت هبا دول احلرب العاملية الثانية مع عرشات‬
‫األلوف من األرسى‪" :‬فالقرآن قد أباح استخدام األرسى؛ ألن األرس حالة ال بد من دخوهلا‬
‫يف احلساب ما دامت يف الدنيا حروب‪ ،‬وما دام فيها غالب ومغلوب‪ ،‬ولكنه حث املسلمني‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غزوة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اإلم ِ‬
‫وإباحة الغنَائ ِم‪،‬‬ ‫بدر‬ ‫باملالئكة يف‬ ‫داد‬ ‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلهاد والسري‪ ،‬باب‪ْ ِ :‬‬
‫ج‪ ،٣‬حديث رقم (‪ ،)1٧٦٣‬ص‪.1٣8٣‬‬
‫(‪ )٢‬أبو زهرة‪ ،‬نظرية احلرب يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٧‬‬
‫(‪ )٣‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )2‬املكتوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٦0٧‬‬
‫(‪ )٤‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٥٤٥‬‬

‫‪1٤٣‬‬
‫عىل فك األرسى كرم ًا ومنّ ًا‪ ،‬أو قبول الفدية من أوليائهم أو منهم‪ ،‬ومعاونتهم عىل تيسريها‬
‫(‪(1‬‬
‫كلام استطيع التيسري‪"...‬‬

‫ويقول حممد قطب عن أخالق املسلمني اجتاه مهجية احلروب الصليبية‪" :‬وذلك كان‬
‫شعور املسلمني وسلوكهم يف كل حرب دخلوا فيها‪ ،‬حتى يف احلروب الصليبية حني أمكنهم اهلل‬
‫من عدوهم الذي فسق وفجر ونقض كل عهود األمان‪ ،‬ودخل عىل املسلمني يف بيت املقدس‬
‫وحول املسجد إىل بركة بشعة من الدماء‪ ...‬حتى حينئذ تذكر املسلمون‬
‫فأعمل فيهم السيف ّ‬
‫(‪(٢‬‬
‫إحياء دينهم‪ ،‬وارتفعوا عىل أنفسهم وعىل البرشية كلها فلم ينتقموا باملثل من املجرمني‪".‬‬

‫فأصل السلم وترك احلرب أصل ترشيعي لتدبري االختالف اإلنساين؛ ألن احلرب يف‬
‫﴿ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [البقرة‪]190 :‬‬ ‫القرآن الكريم زيادة عىل املعامل السابقة هي يف سبيل اهلل‬
‫بيان أن القتال يف اإلسالم هو يف سبيل اهلل‪ ،‬وليس يف سبيل املال‪ ،‬وال الرياسة‪ ،‬وال احلمية‬
‫والعصبية والعنرصية‪ ،‬فهو قتال يف سبيل اجلامع املشرك بني البرشية مجعاء‪ ،‬فزيادة عىل أنه‬
‫دفاع عن احلق‪ ،‬ودفاع عن احلرية واالختيار‪ ،‬فهو دعوة للجامع املؤلف للبرشية‪ ،‬فهو تعبري‬
‫مغاير ملا كان سائد ًا يف اجلاهلية‪ ،‬من القتال العدواين‪" ،‬فهو يمكن أن يكون مرادف ًا لتعبري‬
‫آخر هو الرسالة اإلنسانية‪" ،‬وسبيل اهلل" من التعبريات التي ألح عليها القرآن‪ ،‬وكررها أكثر‬
‫(‪(٣‬‬
‫من مائة مرة‪".‬‬

‫وهذا فرق كبري بني القتال يف رشعة البرش‪ ،‬والذي هو قتال من أجل االستعالء يف‬
‫األرض‪ ،‬واستغالل خرياهتا‪ ،‬أو حرب ليسود جنس عىل حساب جنس آخر‪ ،‬أو حرب‬
‫للتوسع اجلغرايف واالقتصادي‪ .‬فال شك أن هذه احلرب تشتت وال جتمع‪ ،‬تفرق وال تؤلف‪،‬‬
‫حرب من أجل النزاع‪ ،‬من أجل االختالف‪ ،‬ال من أجل تدبري االختالف‪.‬‬

‫(‪ )1‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ .‬الفلسفة القرآنية؛ كتاب عن مباحث الفلسفة الروحية واالجتامعية التي وردت موضوعاهتا يف‬
‫الكتاب الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار هنضة مرص‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٧٤‬‬
‫(‪ )٢‬قطب‪ ،‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧1‬‬
‫(‪ )٣‬قميحة‪ ،‬املدخل إىل القيم اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٧‬‬

‫‪1٤٤‬‬
‫يقول حمامد رفيع‪" :‬وهكذا يظهر جلي ًا أن القرآن الكريم يريس قواعد بناء السلم العاملي‬
‫ويؤسس نظام التعايش عىل األرض بني خلق اهلل أمجعني؛ ألنه رشط أساس يف حتقيق مقصد‬
‫التعارف والتعاون والتبادل بني خمتلف الثقافات واحلضارات واملجتمعات‪ ،‬وهو اآلن‬
‫مطلب مشرك عزيز لشعوب العامل‪ ،‬ينبغي أن يسعى اجلميع إلهناء حاالت التوتر واحلروب‬
‫(‪(1‬‬
‫التي جتري اآلن من خمتلف مناطق العامل‪".‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أصل إقامة العدل والقسط ونفي الظلم‬


‫متهيد‪:‬‬
‫جاءت يف اخلطاب القرآين إشارات كثرية للعدل والقسط‪ (٢(،‬يف سياقات خمتلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫العدل مع اهلل‪ ،‬والعدل مع النفس والعدل مع الناس؛ ألن اخلطاب القرآين بخالف القوانني‬
‫الوضعية‪ ،‬مل يلحظ يف موضوع العدل جمرد عالقة اإلنسان باإلنسان فقط‪ ،‬بل الحظ ذلك‬
‫وغريه‪ ،‬مما جيعل النظر القرآين ألصل العدل أوسع وأشمل‪ ،‬يغطي كل جوانب حياة اإلنسان‪.‬‬
‫وما هيمنا يف هذه الدراسة هو العدل يف العالقات اإلنسانية‪ ،‬وظلم بعضهم لبعض‪ ،‬ألنه هو‬
‫السياق املرتبط ارتباط ًا مبارش ًا باالختالف اإلنساين‪ ،‬والنزاعات والرصاعات الناشئة بني‬
‫األفراد واجلامعات واألمم‪.‬‬

‫فالعدل أصل قرآين لتدبري االختالف اإلنساين يف املجاالت كلها‪ ،‬وليس خاص ًا بمجال‬
‫القضاء فحسب‪ ،‬بل هو شامل لكل مناحي احلياة العامة واخلاصة‪ ،‬فاستعامله يشمل اإلنسان‬
‫يف خاصة نفسه‪ ،‬وكذلك عالقاته العامة مع املخالف‪ ،‬وهو أصل لتدبري االختالف‪" ،‬يدعو‬
‫إىل األلفة‪ ...‬وقال بعض احلكامء‪ :‬بالعدل واإلنصاف تكون مدة االئتالف"‪ (٣(،‬وهو يعيد‬

‫(‪ )1‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬منهج القرآن يف بناء املشرك اإلنساين"‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪٢011 ،)٦٦( :‬م‪ ،‬ص‪.1٤0‬‬
‫(‪ )٢‬والقسط‪ :‬العدل‪ ،‬ويدل عىل ذلك القرآن الكريم‪ ،‬حيث يعر عىل املعنى الواحد باللفظني ويف سياق واحد‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ﴾ [احلجرات‪ ،]9 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [املائدة‪.]8 :‬‬
‫(‪ )٣‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد‪ .‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد كريم راجح‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إقرأ‪ ،‬ط‪،٤‬‬
‫(‪1٤0٥‬ه‪198٥/‬م)‪ ،‬ص‪.1٥٣-1٤8‬‬

‫‪1٤٥‬‬
‫التوازن واالستقرار للعالقات اإلنسانية‪ ،‬فهو أصل توزن به األعامل الشخصية‪ ،‬والعقود‬
‫واملعامالت املالية‪ ،‬واألحكام القضائية‪ ،‬واألحكام السلطانية‪ ،‬والعالقات الدولية‪.‬‬
‫ولتجلية معامل هذا األصل الترشيعي يف اخلطاب القرآين‪ ،‬نتناوله بالدراسة والتحليل‬
‫يف املواضيع اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬العدل مقصد مشرتك للرشائع‪:‬‬


‫أنزل اهلل تعاىل الرشائع إىل اخللق لتنظيم العالقات اإلنسانية‪ ،‬وبعث الرسل واألنبياء‬
‫لتدبري اختالفاهتا‪ ،‬فكان العدل والقسط من املقاصد املشركة بني هذه الرشائع‪" ،‬فإن اهلل‬
‫أرسل رسله‪ ،‬وأنزل كتبه‪ ،‬ليقوم الناس بالقسط‪ ،‬وهو العدل الذي قامت به السموات‬
‫(‪(1‬‬
‫واألرض‪"...‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [الشورى‪ ،]1٧ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯷ‬


‫(‪(٢‬‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [ص‪،]٢٦ :‬‬
‫وقال بأوضح صيغة‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ﴾ [احلديد‪ ]٢٥ :‬يقول ابن عطية‪" :‬وامليزان‪ :‬العدل‪ ..‬وقال ابن زيد وغريه من‬
‫املتأولني‪ :‬أراد املوازين املرصفة بني الناس‪ ..‬وقوله‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ﴾ يقوي القول‬
‫األول(‪ (٤(،"(٣‬ويقول الريسوين‪" :‬لقد قررت اآلية أن إرسال الرسل مجيع ًا‪ ،‬والبينات التي‬
‫أوتوها‪ ،‬والكتب التي بعثوا هبا‪ ،‬وامليزان التي فيها ومعها‪ ،‬كل هذا ألجل مقصد واحد‪ ،‬هو‬
‫(‪(٥‬‬
‫أن يقوم الناس بالقسط‪"...‬‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬طه‬
‫عبد الرؤوف سعد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الكليات األزهرية‪1٣88( ،‬ه‪19٦8/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢8٤‬‬
‫(‪ )٢‬يقول أبو زهرة‪" :‬فإذا هنى اهلل تعاىل نبيه داود عن اتباع اهلوى وهو خليفة حاكم‪ ،‬فإنام هناه عام يؤدي إىل فساد احلكم‪،‬‬
‫وهبذا يتبني أن حكم اهلوى كان مصدر فساد احلكم يف املايض‪ ،‬كام هو مصدر الفساد يف كل األزمان‪ ."..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن نزوله؛ كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٢1٢‬‬
‫(‪ )٣‬بمعنى تفسري امليزان بالعدل‪.‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢٦9‬‬
‫(‪ )٥‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬الكليات األساسية للرشيعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكلمة‪ ،‬ط‪1٤٣٤( ،1‬ه‪٢01٣/‬م)‪ ،‬ص‪.8٥-8٤‬‬

‫‪1٤٦‬‬
‫فالعدل مشرك ديني بني كل الرشائع الساموية‪ ،‬يقول النوريس‪ :‬فأسس العدالة‬
‫والفضيلة شيدها األنبياء عليهم السالم؛ أي َّ‬
‫إن األنبياء هم الذين أرسوا تلك القواعد‬
‫واألسس"‪ (1(،‬فدلت اآلية (احلديد‪ )٢٥ :‬عىل أن غاية إرسال الرسل والكتب هو القيام‬
‫بالقسط‪ ،‬فكل الرسل وكل الرساالت التي أرسل هبا األنبياء‪ ،‬وكل املوازين التي جاؤوا‬
‫هبا‪ ،‬هي من أجل إقامة العدل‪ ،‬وهو مطلوب من الناس مجيعهم‪ ،‬فهو الذي حيفظ لكل ذي‬
‫حق حقه‪ ،‬بغض النظر عن معتقده أو فكره أو جنسه أو لونه‪ ،‬وحيمل اإلنسان عىل اعتدال‬
‫أخالقه‪ (٢(،‬كام هو رصيح القرآن‪.‬‬

‫فإن عدالة الرشائع الساموية‪ ،‬أعظم القوانني‪ ،‬وأقواها يف حتقيق العدالة اإلنسانية‪،‬‬
‫وأعالها الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬ملناسبتها للخلق‪ ،‬يقول ابن عاشور‪" :‬أعىل القوانني يف حتقيق‬
‫العدالة‪ ،‬الرشائع اإلهلية ملناسبتها حلال من رشعت ألجلهم‪ ،‬وأعظمها رشيعة اإلسالم‪،‬‬
‫البتنائها عىل أساس املصالح اخلالصة أو الراجحة‪ ،‬وإعراضها عن أهواء األمم والعوائد‬
‫الضالة‪ ...‬بل تبنى عىل مصالح النوع البرشي وتقويمه وهديه إىل سواء السبيل"‪ (٣(،‬فالعدالة‬
‫اإلهلية املوحدة واملؤلفة‪ ،‬عاصمة من األهواء والعوائد الضالة املسببة يف النزاع واالختالف‪،‬‬
‫فمصدر العدالة هو اهلدى الذي جاء به األنبياء‪ .‬يقول عالل الفايس‪ ..." :‬فإن العدالة من‬
‫(‪(٤‬‬
‫صميم مقاصد الرشيعة‪ ،‬وجتلت احلاجة إىل استنباطها من املقاصد منذ بداية الترشيع‪"...‬‬

‫ويأمر اهلل عز وجل نبيه حممد ﷺ بإقامة العدل‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬


‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [املائدة‪ ،]٤٢ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ﴾ [الشورى‪ ]1٥ :‬ألن رشيعة اإلسالم رشيعة عدل‪ ،‬فإذا كان قصد الرشائع إقامة‬

‫(‪ )1‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )10‬صيقل اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٣9‬‬
‫أخالقه‪ ،‬وتوس ِ‬
‫طه فيها بني طريف اإلفراط والتفريط‪ .‬فيحمله عىل خلق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتدال‬ ‫(‪ )٢‬يقول ابن القيم‪" :‬والعدل‪ :‬حيمل ُه عىل‬
‫َ ُّ‬
‫جلبن والتهور‪ .‬وعىل‬ ‫ا‬ ‫بني‬ ‫ٌ‬
‫توسط‬ ‫هو‬ ‫الذي‬ ‫الشجاعة‪،‬‬ ‫خلق‬ ‫وعىل‬ ‫‪.‬‬‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ل‬‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫الذ‬ ‫توس ٌط بنيَ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫والسخاء الذي هو ّ‬
‫اجلود ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫خلق احللم‪ ،‬الذي هو توسط بني الغضب وامل َهانَة وسقوط النَّفس‪".‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد املعتصم باهلل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،٣‬ه‪199٦/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢9٤‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.9٥‬‬
‫(‪ )٤‬الفايس‪ ،‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣‬‬

‫‪1٤٧‬‬
‫العدل والقسط بني الناس‪ ،‬فإن رشيعة اإلسالم وهي الرسالة اخلامتة‪ ،‬يقول ابن القيم‪..." :‬‬
‫عدل كلها‪ ..‬وكل مسألة خرجت من العدل إىل اجلور‪ ...‬فليست من الرشيعة وإن أدخلت‬
‫فيها بالتأويل‪ ...‬فالرشيعة عدل اهلل بني عباده‪ (1(،"...‬ويقول شيخه ابن تيمية‪" :‬فالرشع هو‬
‫العدل‪ ،‬والعدل من الرشع‪ ،‬ومن حكم بالعدل فقد حكم بالرشع‪ ...‬فإن هذا الرشع املنزل‬
‫(‪(٢‬‬
‫كله عدل‪ ،‬ليس فيه ظلم وال جهل‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف أمر أمة حممد ﷺ بالعدل‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬


‫ﮯ﴾ [املائدة‪ ]8 :‬ووصف اخلطاب اإلهلي األمة اإلسالمية بأهنا رسالة عدل‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [األنعام‪ ]11٥ :‬ويمدح اخلطاب القرآين األمة التي جتعل قصد‬
‫رسالتها العدل وتعمل عىل حتقيقه‪ ،‬فقال تعاىل يف أمة من قوم موسى‪ ﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [األعراف‪ ]1٥9 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﴾ [األعراف‪.]181 :‬‬
‫فالعدل والقسط الذي أمر اهلل به اخللق مجيع ًا‪ ،‬وأنزل البينات والرسل من أجله‪ ،‬هو‬
‫عدل يف احلكم للفصل يف اخلصومات والنزاعات بني الناس‪ ،‬وعدل يف القسمة لتسوية‬
‫الفساد الطبقي‪ ،‬واألخذ عىل يد املرفني‪ ،‬وكفالة العجزة والفقراء واملساكني‪ ،‬وتوفري الشغل‬
‫للقادرين عليه‪ ،‬فهي عدالة شاملة‪ ،‬مراعية لكل جوانب احلياة اإلنسانية‪ ،‬منظمة لعالقاهتم‪.‬‬
‫فالعدل مقصود الرشائع‪ ،‬يقول ابن القيم‪" :‬بل َّبني بام رشعه من الطرق أن مقصوده‬
‫إقامة احلق والعدل وقيام الناس بالقسط‪ (٣(،"...‬لكن كانت مهمة الرسل شاقة وعسرية‪ ،‬يف‬
‫الدعوة إىل هذا املقصد الترشيعي املشرك‪ ،‬وإىل غريه من القيم واملقاصد العليا‪ ،‬كام هي مهمة‬
‫املصلحني واملرشدين يف كل زمان ومكان‪ ،‬حيث ُوجهوا بالرفض واالعتداء والقتال‪ ،‬من‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )٢‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣٥‬ص‪.٣٦٦‬‬
‫(‪ )٣‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢8٤‬‬
‫ويقول يف مؤلف آخر‪" :‬فإن اهلل سبحانه أرسل رسله‪ ،‬وأنزل كتبه‪ ،‬ليقوم الناس بالقسط‪ ،‬وهو العدل الذي‬
‫قامت به األرض والسموات‪ .‬إذا ظهرت أمارات العدل‪ ،‬وأسفر وجهه بأي طريق كان‪ ،‬فثم رشع اهلل ودينه‪".‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬الطرق احلكمية يف السياسة الرشعية‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد‬
‫مجيل غازي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة املدين‪( ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬ص‪.٣1‬‬

‫‪1٤8‬‬
‫أصحاب النفوذ واملصالح التي تريد استغالل البالد والعباد‪ ،‬تريد الظلم ال العدل والقسط‪،‬‬
‫يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [آل عمران‪.]٢1 :‬‬

‫‪ -2‬العدل أساس العالقة بني الناس‪:‬‬

‫جعل القرآن الكريم أساس العالقة بني الناس العدل والقسط‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [النساء‪» ،]٥8 :‬هكذا هبذا التعميم‪ ،‬إذا حكمتم بني الناس‬
‫ال بني املسلمني فحسب»‪ (1(،‬وجاء بأقوى صيغة للتكليف واإللزام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [النحل‪ .]90 :‬يقول العز بن عبد السالم بعد ما عدّ هذه اآلية أمجع‬
‫آية يف القرآن للحث عىل املصالح والزجر عن املفاسد‪" :‬األلف والالم يف العدل للعموم‬
‫واالستغراق‪ ،‬فال يبقى من دق العدل وج ّله يشء إال اندرج يف قوله‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾‬
‫والعدل هو التسوية واإلنصاف‪ (٢(،"..‬ويقول أبو زهرة يف سياق االستدالل هبذه اآلية‪:‬‬
‫"كل النظم اإلسالمية قامت عىل العدالة‪ ،‬إذا كانت الشعارات تدعو إىل التسامح ولو‬
‫مع الظامل ويقول قائلها‪ :‬استغفروا ألعدائكم‪ ،‬فاإلسالم يقول اعدلوا مع كل إنسان ولو‬
‫كان عدو ًا مبين ًا‪ .‬ومكان التسامح يف األمور الشخصية‪ ،‬ال يف األمور التي تتعلق بتنظيم‬
‫(‪(٣‬‬
‫العالقات اإلنسانية‪".‬‬

‫يقول ابن عاشور‪" :‬والعدل إعطاء احلق‬ ‫(‪(٤‬‬


‫هذه اآلية جامعة ألصول الترشيع‪،‬‬
‫إىل صاحبه‪ ،‬وهو األصل اجلامع للحقوق الراجعة إىل الرضوري واحلاجي من احلقوق‬
‫الذاتية وحقوق املعامالت‪ ،‬ومن هذا تفرعت شعب نظام املعامالت االجتامعية‪ ،‬من‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬كيف نتعامل مع القرآن العظيم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤٢1( ،٣‬ه‪٢000/‬م) ص‪.119‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عبد السالم‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم‪ .‬قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬راجعه وعلق‬
‫عليه‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الكليات األزهرية‪1٤1٤( ،‬ه‪1991/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.190-189‬‬
‫(‪ )٣‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٤٥٦‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٢٥٥‬‬

‫‪1٤9‬‬
‫آداب‪ ،‬وحقوق‪ ،‬وأقضية‪ ،‬وشهادات‪ ،‬ومعاملة مع األمم‪ (1(،"...‬فالعدل أصل أسايس يف‬
‫تدبري اختالف الناس؛ ألنه حسب ابن عاشور األصل اجلامع لكل احلقوق الراجعة إىل‬
‫الرضوريات واحلاجيات‪.‬‬

‫واخلطاب القرآين ميلء باآليات الدالة عىل وجوب العدل بني الناس‪ ،‬وحتريم الظلم‬
‫والبغي بينهم‪ ،‬فقضية العدل مركزية يف القرآن الكريم‪ ،‬تذوب معها كل مظاهر االختالف‬
‫اإلنساين‪ ،‬فهي تقر العدل والقسط املطلق مع مجيع اخللق‪ (٢(،‬يف ٍ‬
‫تعال تام عن اللغة أو اللون‬
‫(‪(٣‬‬
‫أو الفكر والعقيدة‪ ،‬فالعدالة القرآنية "رضورة اجتامعية إلقامة املجتمع املثايل‪".‬‬

‫وفيام ييل نحاول الوقوف عىل هذه احلقيقة من خالل اآليات املركزية يف املوضوع‪:‬‬

‫يقول تعاىل يف اإلشارة إىل أن أساس العالقة مع النفس واألقارب‪ ،‬والفقري والغني‬
‫والقريب والبعيد هو العدل والقسط‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ [النساء‪ ،]1٣٥ :‬وقال تعاىل يف العدل مع‬
‫القرابة‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [األنعام‪ ،]1٥٢ :‬وقال تعاىل يف العدل األرسي‪:‬‬
‫﴿ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﴾ [النساء‪ ،]٣ :‬وقال تعاىل يف العدل مع املوافق ممن نحب‪﴿ :‬ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [النساء‪.]1٣٥ :‬‬

‫ال قوي ًا‪ ،‬ينبغي أن ُيلتزم به حتى بني األقارب‪،‬‬


‫فإذا كان القرآن الكريم يقيم العدل أص ً‬
‫وبني الولد وأبيه‪ ،...‬مع ما يكنه هلم من حب وعطف‪" ،‬عىل حني حيرم قانون نابليون عىل‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٢٥٥‬‬


‫(‪ )٢‬عاشور‪ ،‬عبد الفتاح‪ .‬منهج القرآن يف تربية املجتمع‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اخلانجي‪ ،‬ط‪1٣99( ،1‬ه‪19٧9/‬م)‪ ،‬ص‪.٤9٥‬‬
‫(‪ )٣‬التونجي‪ ،‬عبد السالم‪ .‬مؤسسة العدالة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪ :‬منشورات كلية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬سلسلة‬
‫الفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤0٢( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪ ،‬ص‪.1٤‬‬

‫‪1٥0‬‬
‫(‪(1‬‬
‫االبن أن يشهد ضد أبيه وأمه يف قضية مدنية أو جنائية‪".‬‬

‫يقول أبو زهرة يف آية النساء السابقة إهنا تدل عىل أمور ثالثة‪ ،‬هي‪ ..." :‬األمر الثالث‪:‬‬
‫الذي تدل عليه داللة رصحية أنه ال طبقية يف اإلسالم بالغنى والفقر‪ ،‬فال يكرم الغني لغناه‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫وال يذل الفقري لفقره‪ ،‬بل اجلميع أمام العدالة عىل سواء‪"...‬‬

‫واخلطاب القرآين ال يفرق يف قانون العدالة بني اخللق حسب لوهنم‪ ،‬أو جنسهم‪ ،‬أو‬
‫عرقهم‪ ...‬يقول أبو زهرة‪" :‬وال تفرقة بني العنارص يف حتقيق العدالة‪ ،‬فاهلل تعاىل خلق اخللق‬
‫عىل ألوان خمتلفة‪ ،‬ولكنهم مجيع ًا خلق اهلل تعاىل‪ ،‬وإن اختالف األلوان واأللسنة من آيات‬
‫اهلل تعاىل الكرى‪ ،‬فهو يقول سبحانه يف كتابه العزيز اخلالد بلفظه وحقائقه ومعانيه‪ ﴿ :‬ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ واجلميع‬
‫(‪(٣‬‬
‫عباد اهلل تعاىل‪ ،‬فال يصح أن يظلم زنجي للونه‪ ،‬وال حيابى أبيض لشقرته‪"...‬‬

‫ويقول تعاىل يف النزاع واخلالف الواقع بني طوائف األمة اإلسالمية‪ ،‬وأن أساس‬
‫اإلصالح بينهم هو العدل‪ ﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫فبعد االنتهاء من القتال جيب اإلصالح بالعدل والقسط؛ ألن‬ ‫[احلجرات‪]9 :‬‬ ‫ﯚ﴾‬
‫العدل هو األصل الذي ينبغي ألطراف اخلالف الوقوف عنده‪.‬‬

‫(‪ )1‬دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ .‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬تعريب وحتقيق وتعليق‪ :‬عبد الصبور شاهني‪ ،‬مراجعة‪ :‬حممد السيد‬
‫بدوي‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤18( ،10‬ه‪1998/‬م)‪ ،‬ص‪.1٤٤‬‬
‫وانظر كذلك ما ذكره املؤلف يف "قاعدة العدالة الشاملة" في‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٥٣‬‬
‫(‪ )٢‬أما األمران األول والثاين‪ ،‬اللذان استفادمها من النص فهام‪» :‬إن هذه اآلية تدل عىل أمور ثالثة‪ :‬أوهلا‪ :‬أن العدالة يف‬
‫ذاهتا مطلوبة‪ ،‬ألهنا أقرب القربات إىل اهلل تعاىل‪ ،‬والعدالة يف كل يشء ويف كل عمل‪ ،‬ولذلك قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ﴾ يف كل أعاملكم سواء كنتم حكام ًا أم كنتم حمكومني‪ ،‬وأن تكونوا شهداء هلل ال ألنفسكم‪ ،‬وال ألوليائكم‬
‫واألقربني منكم‪ .‬األمر الثاين الذي تدل عليه اآلية‪ ،‬أن اإلعراض عن احلكم ظلم‪ ،‬أو متكني للظاملني‪ ،‬فالسكوت عن‬
‫رد الباطل ظلم‪ ،‬واملؤمن جيب عليه أن يقوم باحلق‪ ،‬وأن ينرص احلق‪ ،‬وأن يؤيد احلق حيثام كان‪ »...‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٥٧‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٤٥٧‬‬

‫‪1٥1‬‬
‫يقول اهلل تعاىل يف أن العدل أساس العالقة بني املسلمني وأهل الكتاب‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾‬
‫[النساء‪ ]10٧-10٥ :‬يذكر املفسون أن هذه اآليات نزلت يف حكم رسول اهلل ﷺ يف اخلالف‬
‫بني أحد األنصار وهيودي‪ ،‬فكاد رسول اهلل ﷺ يميل ويقتنع بحجة األنصاري‪ ،‬ثم تغلب‬
‫عىل عاطفته فاهتدى إىل احلق وأبرأ اليهودي‪ ،‬ومع ذلك عاتبه اهلل تعاىل ملجرد أنه كاد يدين‬
‫(‪(1‬‬
‫اليهودي بالسقة ظل ًام‪ ،‬ودعاه لطلب املغفرة‪.‬‬

‫وال شك أن هذه القصة تبني قيمة العدل أساس ًا للحكم بني الناس‪ ،‬وتدبري اختالفاهتم‪،‬‬
‫من غري اعتبار ملعتقد املخالف؛ ألن املعيار هو املساواة يف اإلنسانية‪ ،‬وأن حفظ مال املسلم‬
‫"فبني أن مال الكافر حمفوظ عليه كامل املسلم‪ ،‬إال يف‬
‫كحفظ مال الكافر‪ ،‬قال القرطبي‪ّ :‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫املوضع الذي أباحه اهلل تعاىل‪".‬‬

‫فإن القرآن الكريم بالرغم من تكذيب أهل الكتاب له‪ ،‬وكراهيتهم ملا جاء به من‬
‫اليقني واحلق‪ ،‬وعدم اإليامن برسول الرمحة‪ ،‬فإنه يأمر الرسول باإليامن بكل الرسل وكل‬
‫الكتب‪ ،‬متهيد ًا لأللفة ونبذ الفرقة‪ ،‬ووضع أرضية لتدبري االختالف‪ ،‬بل يأمر نبيه بالعدل‬
‫بني اجلميع‪ ،‬لتدبري االختالفات والرصاعات‪ ،‬مع بقاء كل طرف عىل معتقده‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ﴾ [الشورى‪.]1٥ :‬‬

‫وقال تعاىل يف أن العدل والقسط أساس العالقة بني املسلمني واملرشكني‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [التوبة‪ .]٦ :‬يقول القرطبي‪ ﴿ :‬ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ﴾؛ أي من الذين أمرتك بقتاهلم‪ ﴿ ،‬ﯪ﴾؛ أي سأل جوارك؛ أي أمانك‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ ،1٧٦‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤0٥‬‬
‫(‪ )٢‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٣٧٧‬‬

‫‪1٥٢‬‬
‫وذمامك‪ ،‬فأعطه إياه ليسمع القرآن‪ ،‬أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه‪ .‬فإن قبل أمر ًا فحسن‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫وإن أبى فر ّده إىل مأمنه‪ .‬وهذا ما ال خالف فيه‪ .‬واهلل أعلم‪".‬‬

‫اخلطاب القرآين عدله مطلق يشمل اخللق مجيعهم‪ ،‬فكام يشري إىل العدل مع أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬يأمر كذلك بالعدل مع املرشكني الذين ال كتاب هلم‪.‬‬

‫واخلطاب القرآين يأمر بالعدل وينهى عن الظلم للمخالف الذي بينه وبني املسلمني‬
‫كراهية وشنآن‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ﴾ [املائدة‪ (٢(،]٢ :‬يقول الكيا اهلرايس‪" :‬أي ال يكسبنكم شنآن قوم؛ أي البغض‪ ،‬أن‬
‫تتعدوا احلق إىل الباطل‪ ،‬والعدل إىل الظلم‪ (٣(،"...‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫يقول القرطبي؛ "أي‪ :‬ال حيملنكم‬ ‫[املائدة‪]8 :‬‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ﴾‬
‫بغض قوم عىل ترك العدل فيهم‪ ،‬بل استعملوا العدل يف كل أحد‪ ،‬صديق ًا كان أو عدو ًا‪،‬‬
‫وهلذا قال‪﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾؛ أي‪ :‬عدلكم أقرب إىل التقوى من تركه"‪ (٤(،‬ويقول‬
‫أبو زهرة‪" :‬والعدل ليس مواالة األولياء‪ ،‬ومعاداة األعداء إنام العدالة للجميع عىل سواء‪،‬‬
‫(‪(٥‬‬
‫فالعدالة مع األعداء املبغوضني كحاله مع األولياء املحبوبني أقرب للتقوى‪".‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٧٦-٧٥‬‬


‫(‪ )٢‬وقيل يف سبب نزول هذه اآلية‪" :‬وهذه اآلية نزلت عام الفتح حني أراد املؤمنون أن يستطيلوا عىل قريش وألفافها‬
‫من القبائل املتظاهرين عىل صد رسول اهلل ﷺ وأصحابه عام احلديبية وذلك سنة ست من اهلجرة‪ ،‬فحصلت بذلك‬
‫بغضة يف قلوب املؤمنني وحسيكة للكفار‪ ،‬فقيل للمؤمنني عام الفتح وهو سنة ثامن‪ :‬ال حيملنكم ذلك البغض أو‬
‫أولئك البغضاء من أجل أن صدوكم عىل أن تعتدوا عليهم‪ ،‬إذ هلل فيهم إرادة خري‪ ،‬ويف علمه أن منهم من يؤمن‪،‬‬
‫كالذي كان‪ .‬وحكى املهدوي عن قوم أهنا نزلت عام احلديبية‪ ،‬ألنه ملا ُصدَّ املسلمون عن البيت مر هبم قوم من أهل‬
‫نجد يريدون البيت فقالوا‪ :‬نصد هؤالء كام ُص ِددنا فنزلت اآلية‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٥0-1٤9‬‬
‫(‪ )٣‬الكيا اهلرايس‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٧‬‬
‫(‪ )٤‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٦٢‬‬
‫(‪ )٥‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٤٥٦‬‬

‫‪1٥٣‬‬
‫فهذه اآليات نزلت بسبب بغض املسلمني للكفار‪ ،‬وهو بغض مأمور به‪ ،‬إال أن‬
‫اخلطاب القرآين هنى عن الظلم والبغي والتجاوز بسبب البغض‪ (1(،‬فهم مأمورون بالعدل؛‬
‫ألنه أساس احلكم يف العالقة بني الناس‪ ،‬فاخلطاب القرآين ينهى عن االعتداء‪ ،‬وجماوزة‬
‫العدل مع املخالف يف حالة البغض والكراهية‪ ،‬الناشئة عن التدافع البرشي‪.‬‬

‫إن العدالة القرآنية املنصفة للمخالف حتذر املسلمني من الظلم واالعتداء‪ ،‬وفرضت‬
‫عليهم املودة مع املخالف غري املعتدي‪ ،‬إذا كانت جتمعهم معه مشركات وجوامع‪ ،‬من أجل‬
‫البناء احلضاري‪ ،‬واإلنساين‪ ،‬وهذا ما يدل عليه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [املمتحنة‪]9-8 :‬‬

‫فاخلطاب القرآين جعل أساس العالقة الر(‪ (٢‬والقسط‪ ،‬وذهب الطري إىل أن هذه اآلية‬
‫حمكمة غري منسوخة‪ ،‬وهي عامة يف كل من مل يقاتل املسلمني‪ ،‬من كل أصناف امللل واألديان‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫من غري ختصيص لبعض دون بعض‪.‬‬

‫فاآلية عامة وحمكمة يف حق كل من مل يقاتل املسلمني‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬


‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ فقوله‪﴿ :‬ﮆ ﮇ﴾ يف موضع خفض عىل البدل من الذين؛ بمعنى ال‬
‫ينهاكم اهلل من أن تروا الذين مل يقاتلوكم‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬ﮈ ﮉﮊ﴾؛ أي تعطوهم قسط ًا من‬
‫أموالكم عىل وجه الصلة‪ ،‬وال يريد به العدل؛ ألن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن مل يقاتل‪.‬‬
‫﴿ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾؛ أي ّ‬
‫أن اهلل حيب املنصفني الذين ينصفون الناس ويعطوهنم احلق‬
‫والعدل من أنفسهم فيرون من برهم‪ ،‬وحيسنون إىل من أحسن إليهم(‪.(٤‬‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬منهاج السنة النبوية‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد رشاد سامل‪ ،‬الرياض‪ :‬جامعة‬
‫حممد بن سعود‪ ،‬ط‪1٤0٦( ،1‬ه‪198٦/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٢٧‬‬
‫وخاص وهو اإليفاء باحلقوق والواجبات‪ ،‬وأمجع وجوهه‬
‫ٌّ‬ ‫(‪ )٢‬يقول الفراهي‪" :‬للر وجهان‪ :‬عا ٌّم يشمل مجيع اخلريات‪،‬‬
‫معناه اإليفاء بحق الكبري واإلحسان إىل الصغري‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الفراهي‪ ،‬مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٧1‬‬
‫(‪ )٣‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬ص‪.٣٢٣‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬ص‪ .٣٢٣-٣٢٢‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.٦0-٥9‬‬
‫‪ -‬ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٢8‬‬

‫‪1٥٤‬‬
‫وكشف ملعامل العالقة بني املسلمني‬
‫ٌ‬ ‫وهذا ٌ‬
‫بيان قرآين بحقوق األقليات الدينية‪،‬‬
‫وغريهم‪ ،‬اشتملت عىل قاعدتني مهمتني‪ ،‬مها‪" :‬الر" و"القسط" ملن مل يقاتل املسلمني‪،‬‬
‫أو خيرجهم من ديارهم‪ ،‬فهو حرص قرآين عىل صلة املخالف‪ ،‬يقول ابن اجلوزي‪:‬‬
‫"قال املفسون‪ :‬وهذه اآلية رخصة يف صلة الذين مل ينصبوا احلرب للمسلمني‪ ،‬وجواز‬
‫برهم‪ ،‬وإن كانت املواالة منقطعة منهم"‪ (1(،‬ويقول القرضاوي‪" :‬فالر والقسط مطلوبان‬
‫من املسلم للناس مجيع ًا‪ ،‬ولو كانوا كفار ًا بدينه‪ ،‬ما مل يقفوا يف وجهه وحياربوا دعاته‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫ويضطهدوا أهله‪".‬‬

‫واخلطاب القرآين يضع املنهج الواضح يف العالقة مع املخالف‪ ،‬ويميز بني املخالف‬
‫املقاتل املعتدي‪ ،‬واملخرج من الديار‪ ،‬وهذا الوصف ينطبق عىل املعتدين املغتصبني للحق يف‬
‫الوجود‪ ،‬واملخالفني الذين مل يقاتلوا املسلمني ومل يعتدوا عليهم‪ ،‬وهذا الوصف ينطبق عىل‬
‫الدول امللتزمة باملعاهدات والقوانني الدولية‪ ،‬مع ما يف هذه املعاهدات والقوانني من ّ‬
‫عالت‪،‬‬
‫ختدم منطق القوي مادي ًا وعسكري ًا‪ ،‬فالقرآن الكريم يأمرنا بالر والعدل والقسط يف معاملة‬
‫غري املعتدي‪ ،‬ومعاملة املعتدي باملثل دون جماوزة للحد‪.‬‬

‫فال تأثري للتباين‪ ،‬والتغاير‪ ،‬واالختالف الطبيعي أو الفكري يف العدالة القرآنية‪،‬‬


‫فالعدالة القرآنية مطلقة تشمل اجلنس البرشي‪ ،‬بغض النظر عن معتقده‪ ،‬أو فكره‪ ،‬أو لونه‪،‬‬
‫أو طائفته‪ ،‬فأساسها قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [فاطر‪.]18 :‬‬

‫فمن قتل نفس ًا بإطالق‪ ،‬كأنام قتل الناس‪ ،‬فلفظ "النفس" يف اآلية مطلق يشمل املوافق‬
‫وعر اخلطاب القرآين يف السياق نفسه‬
‫واملخالف‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [املائدة‪ّ ،]٣٢ :‬‬
‫بلفظ "الناس" وهو مطلق يشمل كل الناس مؤمنهم وكافرهم ﴿ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ﴾ [املائدة‪ ،]٣٢ :‬فهي مساواة يف العدالة اإلهلية املطلقة املوحدة للبرشية‪.‬‬

‫يذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إىل واليه عىل البرصة عدي بن أرطأة يوصيه‪..." :‬‬
‫ثم انظر من قبلك من أهل الذمة قد كرت سنه‪ ،‬وضعفت قوته‪ ،‬وولت عنه املكاسب‪ ،‬فأجر‬

‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪ ،‬زاد املسري يف علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٢٣٧‬‬
‫(‪ )٢‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬غري املسلمني يف املجتمع اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،٣‬ه‪199٢/‬م)‪ ،‬ص ‪.٦‬‬

‫‪1٥٥‬‬
‫عليه من بيت مال املسلمني ما يصلحه‪ ...‬وذلك أنه بلغني أن أمري املومنني عمر ‪ ‬مر بشيخ‬
‫من أهل الذمة يسأل عىل أبواب الناس‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنصفناك‪ ،‬أن كنا أخذنا منك اجلزية يف‬
‫(‪(1‬‬
‫شبيبتك‪ ،‬ثم ضيعناك يف كرك‪ ،‬قال‪ :‬ثم أجرى عليه من بيت املال ما يصلحه‪".‬‬

‫وأمر عمر بن عبد العزيز ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يوم ًا منادي ًا ينادي‪" :‬أال من كانت له مظلمة‬
‫فلريفعها‪ .‬فقام إليه رجل ذمي من أهل محص فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أسألك كتاب اهلل‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما ذاك؟ العباس بن الوليد بن عبد امللك اغتصبني أريض –والعباس جالس‪ .-‬فقال‬
‫له عمر‪ :‬يا عباس ما تقول؟ قال‪ :‬نعم! أقطعنيها أمري املؤمنني الوليد وكتب يل هبا سجالً‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬ما تقول يا ذمي؟ قال‪ :‬يا أمري املؤمنني أسألك كتاب اهلل تعاىل‪ .‬فقال عمر‪ :‬نعم‬
‫كتاب اهلل أحق أن يتبع من كتاب الوليد‪ ،‬قم فاردد عليه ضيعته‪ ،‬فردها عليه‪ .‬ثم تتابع الناس‬
‫يف رفع املظامل إليه"(‪ (٢‬وتاريخ اإلسالم واملسلمني ميلء بصور العدل ورفع املظامل وال سيام‬
‫مع املخالف غري املسلم‪.‬‬

‫أقام اهلل ميزان العدل يف الكون‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬


‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﴾ [الرمحن‪ ]1٢-٧ :‬وهذا امليزان العادل‬
‫يف الكون‪ ،‬القائم عىل االنتظام واالنسجام بني كل عنارصه دون استثناء‪ ،‬يدعو اإلنسانية‬
‫إىل إقامة العدل من أجل االنسجام والوحدة واأللفة‪ .‬يقول النوريس‪" :‬وأن العدالة العامة‬
‫اجلارية يف الكون‪ ،‬النابعة من التجيل األعظم السم "العدل" إنام تدير موازنة عموم األشياء‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫وتأمر البرشية بإقامة العدل‪".‬‬

‫األمر بالعدل من أجل االئتالف وتدبري االختالف‪ ،‬مل يقترص عىل األمر الترشيعي‬
‫بالوجوب‪ ،‬بل تعداه إىل اإلرادة التكوينية؛ أي قانون ميزان العدل الذي أقام اهلل عليه‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،٢‬ه‪٢00٢/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٥‬‬
‫(‪ )٢‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء عامد الدين إسامعيل بن عمر بن كثري الدمشقي‪ .‬البداية والنهاية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل شريي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫إحياء الراث العريب‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬ه‪1988/‬م)‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٢٣9‬‬
‫(‪ )٣‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور(‪ )1‬الكلامت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٢٦‬‬

‫‪1٥٦‬‬
‫الكون‪ ،‬من تكامل وانسجام‪ ،‬وانتظام بني كل ظواهره بجاملية تامة وكاملة‪ ،‬يقول حمامد رفيع‪:‬‬
‫"فالعدالة التكوينية يف اجلملة ذلكم التدبري العادل األمثل املطرد للكون بجميع مكوناته وفق‬
‫(‪(1‬‬
‫إرادة اهلل التكوينية‪".‬‬

‫فهذا تدبري الختالف الظواهر الكونية يف اتساق تام‪ ،‬ومجالية دقيقة‪ ،‬تدعو اإلنسانية‬
‫إىل تأمل هذا امليزان العادل يف الطبيعة‪ ،‬ليستفيدوا منه يف عالقتهم باملخالف‪ ،‬أما إعراضهم‬
‫وعدوهلم عن هذا املشرك املقاصدي‪ ،‬فظلم للنفس وللمخالف يف رؤية القرآن لقانون بناء‬
‫االئتالف وتدبري االختالف‪.‬‬

‫فالعدل مأمور به بني الناس كل الناس‪ ،‬سواء كانت عالقة قرابة يف النسب‪ ،‬أو‬
‫الدين‪ ،‬أو عالقة املسلمني بغريهم من أهل الرشائع‪ ،‬أو األديان الوضعية‪ ،‬بام جيعل العدل‬
‫أساس تنظيم العالقات اإلنسانية وتدبري اختالفاهتا‪ ،‬ألن أصل العدل حمتكم إنساين‬
‫ال حيايب أحد ًا‪ ،‬ويأمر القرآن الكريم بتطبيق العدل مع املوافق واملخالف‪ ،‬ومع القريب‬
‫والبعيد‪ ،‬ومع العدو والصديق‪.‬‬

‫وملا كان العدل اإلهلي أساس احلكم يف العالقات اإلنسانية‪ ،‬وهو األصل احلاكم عىل‬
‫اجلميع‪ ،‬فقد أكده اهلل تعاىل يف اخلطاب املكي واملدين‪ ،‬يقول رشيد رضا‪" :‬ملا كان العدل‬
‫أساس األحكام وميزان الترشيع وقسطاسه املستقيم أكد اهلل تعاىل األمر به واملساواة فيه‬
‫جسد هذا‬
‫بني الناس يف السور املكية واملدنية‪ "...‬ويقول حممد عامرة‪" :‬فإن القرآن الكريم َّ‬
‫(‪(٢‬‬

‫األصل واملقصد الرشعي يف خمتلف اجلوانب اإلنسانية‪ ،‬من أجل االئتالف واجلمع‪ ،‬فكانت‬
‫جتليات العدل القرآين من سامت تفوق حضارتنا وقدرهتا عىل االستيعاب واجلمع ملختلف‬
‫(‪(٣‬‬
‫األصناف واألجناس البرشية‪ ،‬واحلد من النزاعات واالضطرابات‪"...‬‬

‫(‪ )1‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬جدلية الربط بني السلب واإلجياب يف مفهوم العدالة من خالل كليات رسائل النور‪ "،‬كتاب‪:‬‬
‫العدالة ألجل عامل أفضل لإلنسانية‪ ،‬املؤمتر العاملي للنوريس‪ ،‬استانبول‪ :‬مؤسسة استانبول للثقافة والعلوم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢8‬ه‪٢00٧/‬م)‪ ،‬ص‪.٤٧٣‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢9٥‬‬
‫(‪ )٣‬عامرة‪ ،‬اإلسالم والتعددية‪ :‬االختالف والتنوع يف إطار الوحدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٢1‬‬

‫‪1٥٧‬‬
‫إذا كان القرآن الكريم يقرر العدل املطلق‪ ،‬وهو العدل اإلجيايب حسب النوريس؛ أي‬
‫إعطاء كل ذي حق حقه‪ (1(،‬ويصف شمولية هذا القسم من العدالة بقوله‪" :‬فهذا القسم من‬
‫العدالة حميط وشامل لكل ما يف هذه الدنيا لدرجة البداهة"‪ (٢(،‬فإنه يضع النظام العقايب من‬
‫حدود وتعازير‪ ،‬وهو ما يسميه النوريس بالعدل السلبي‪ ،‬ويقول عن هذا القسم من العدالة‪:‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫"وأما القسم السلبي فهو تأديب غري املحقني؛ أي إحقاق احلق بإنزال اجلزاء والعذاب عليهم‪".‬‬

‫فقيمة العدل تشمل الكون واإلنسان إجياب ًا وسلب ًا‪ :‬فاإلجياب بإعطاء كل ذي حق حقه‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫وسلب ًا النظام العقايب الذي وضعه احلق سبحانه حلفظ دوام احلياة الدنيا من جانب العدم‪،‬‬
‫فإن نظام العقوبات القرآين منع حدود ًا وتعازير من صميم العدل حلامية احلقوق‪ ،‬ومنع‬
‫جتاوزات الظامل واملعتدي؛(‪ (٥‬ألنه كلام ساد العدل والقسط‪ ،‬وقع االعتدال يف السلوكات‬
‫(‪(٦‬‬
‫واملواقف واألفكار اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -3‬العدل سبب نرص األمم‪ ،‬والظلم سبب هالكها‪:‬‬

‫الظلم منذر بفساد العمران وهالك األمم‪ (٧(،‬لذلك أشار القرآن الكريم إىل حتريم‬
‫الظلم(‪ (8‬وعاقبته عىل األمم واجلامعات‪" ،‬فقد ذكر الظلم يف مئات من آيات القرآن أسوأ‬

‫(‪ )1‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )1‬الكلامت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )٤‬رفيع‪ ،‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٥‬‬
‫(‪ )٥‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬األساس املقاصدي للنظام اجلنائي اإلسالمي وأثره يف حفظ العدالة اإلنسانية‪ "،‬جملة كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬ظهر مهراز‪ ،‬فاس املغرب‪ ،‬العدد‪٢009 ،)1٦( :‬م‪ ،‬ص‪ .٢99‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬النظر املقاصدي رؤية تنزيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪ )٦‬طه‪ ،‬عبد املجيد‪" .‬وسطية اإلسالم‪ :‬تتميم وتكميل‪ ،‬ال إقصاء وال هتديم‪ "،‬جملة األمة الوسط‪ ،‬العدد‪٢009 ،)1( :‬م‪،‬‬
‫ص‪.1٦٤-1٦٣‬‬
‫(‪ )٧‬ابن حسن‪ ،‬نورة‪" .‬الظلم يف ضوء القرآن الكريم‪ :‬حقيقته‪ ،‬أنواعه‪ ،‬أسبابه‪ ،‬آثاره‪ ،‬الوقاية منه‪( "،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫العلوم االجتامعية والعلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة احلاج خلرض‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬باتنة‪1٤٣0 ،‬ه‪٢009/‬م)‪.‬‬
‫السافِ َلة‪ ،‬وبناؤها عىل أربعة أركان‪:‬‬ ‫ُ‬
‫"ومنشأ مجيع األخالق َّ‬ ‫(‪ )8‬يعدّ ابن القيم الظلم من أركان األخالق السافلة فيقول‪:‬‬
‫اجلهل‪ .‬والظلم‪ .‬والشهوة‪ .‬والغضب‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢9٥‬‬

‫‪1٥8‬‬
‫الذكر‪ ،‬وقرن يف بعضها بأسوأ العواقب يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وبأن اجلزاء عليه فيهام أثر الزم‬
‫له لزوم املعلول للعلة‪ ،‬واملسبب للسبب‪ ،...‬ومن أثره وعاقبته يف الدنيا أنه مهلك األمم‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫وخمرب العمران‪".‬‬

‫وحذر اخلطاب القرآين من الظلم؛ ألنه سبب للهالك‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [الشعراء‪ ،]٢٢٧ :‬وحذر من التجر والطغيان‪ ،‬واتباع الظلمة فقال تعاىل عن‬
‫أمر فرعون‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﴾ [هود‪ ،]9٧ :‬وقال تعاىل بخصوص فعل‬
‫الطغاة بالناس‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [الزخرف‪ ،]٥٤ :‬وحكم بالفسق عىل طاعتهم له‬
‫فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [الزخرف‪.]٥٤ :‬‬

‫أمر القرآن برفض الظلم بكل أشكاله‪ (٢(،‬سواء كان ظلامً اجتامعي ًا أو سياسي ًا‪ ،‬وأن تتوىل‬
‫األمة أفراد ًا ومجاعات مسؤولية رفضه ودفعه؛ ألن "البلوى االجتامعية إذا عمت طالت من‬
‫(‪(٣‬‬
‫ال يد له فيها‪ ،‬ولذلك دعانا اهلل إىل اتقاء الفتنة التي ال تصيب الذين ظلموا دون سواهم"‬
‫﴿ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ﴾ [األنفال‪ ]٢٥ :‬ألن نتائجها من هالك وغريه‪،‬‬
‫ال تصيب الظلمة وحدهم‪ ،‬بل تتعداهم إىل غريهم‪ ،‬يقول رشيد رضا‪ ..." :‬وهذا العقاب‬
‫(‪(٤‬‬
‫عىل األمة بأرسها‪ ،‬ال عىل مقريف الظلم وحدهم منها‪"...‬‬

‫وقال ﷺ‪ّ :‬‬


‫"إن الناس إذا رأوا الظامل َ فلم يأخذوا عىل يدَ يه أوشك أن ي ُع َّمهم اهلل‬
‫بعقاب"‪ (٥(.‬وهذا تأكيد منه ﷺ عىل أن العدل أصل كل فضيلة‪ ،‬واحلامي احلارس للسلم‬
‫واألمن املجتمعي‪.‬‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢9٥‬‬


‫(‪ )٢‬التونجي‪ ،‬مؤسسة العدالة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬
‫(‪ )٣‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬معامل املنهج اإلسالمي‪ ،‬سلسلة املنهجية اإلسالمية (‪ ،)٣‬القاهرة وهريندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر‬
‫اإلسالمي ودار الرشوق‪ ،)٣( ،‬ط‪1٤11( ،1‬ه‪1991/‬م)‪ ،‬ص‪.1٦0‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٢1‬‬
‫(‪ )٥‬أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬املالحم‪ ،‬باب‪ :‬األمر والنهي‪ ،‬ج‪ ،٦‬حديث رقم (‪،)٤٣٣8‬‬
‫ص‪.٣9٤-٣9٣‬‬

‫‪1٥9‬‬
‫وهالك األمم لعلة الظلم‪ ،‬من سنن اهلل تعاىل يف اخللق‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﴾ [هود‪" :]11٧ :‬أي ما كان من شأنه وال من سنته يف نظام‬
‫االجتامع أن هيلك األمم بظلم منه هلم وهم مصلحون يف سريهتم وأعامهلم‪ ،‬وإنام هيلكهم بظلمهم‬
‫(‪(٢‬‬
‫وإفسادهم"‪ (1(،‬ويقول ابن خلدون‪" :‬الظلم مؤذن بخراب العمران املفيض لفساد النّوع"‪.‬‬
‫ويقول خري الدين التونيس وهو أحد رواد الفكر اإلصالحي العريب اإلسالمي املعارص يف أول‬
‫(‪(٣‬‬
‫مجلة يفتتح هبا القول بعد البسملة‪" :‬سبحان من جعل من نتائج العدل العمران"‪.‬‬

‫وما هلكت األمم‪ ،‬ودمرت احلضارات‪ ،‬إال بانتفاء العدل وحلول الظلم حمله؛ ألن‬
‫الظلم مؤذن هبالك األمم‪ ،‬يقول تعاىل يف إهالك القرية الظاملة‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [احلج‪ ،]٤٥ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾ [القصص‪ ،]٥9 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ﴾ [األنعام‪ ،]٤٧ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ﴾ [الكهف‪ ،]٥9 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫(‪(٤‬‬
‫ﮙ﴾ [هود‪ ،]10٢ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [األحقاف‪.]٣٥ :‬‬

‫فهذه اآليات بمجموعها تفيد اليقني والقطع بأن الظلم مهلك للظلمة‪ ،‬سواء كانوا‬
‫أفراد ًا أو مجاعات أو أمم ًا‪ ،‬فقد "‪ ...‬ثبت باالستقراء من كون الظلم يف األمم يقتيض عقاهبا يف‬
‫(‪(٥‬‬
‫الدنيا بالضعف واالختالل‪ ،‬الذي قد يفيض إىل الزوال‪ ،‬أو فقد االستقالل‪"...‬‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢9٦-٢9٥‬‬


‫(‪ )٢‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد بن حممد‪ .‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬حقق نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه‪ :‬عبد اهلل‬
‫حممد الدرويش‪ ،‬دمشق‪ :‬دار يعرب‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٢9‬‬
‫(‪ )٣‬التونيس‪ ،‬خري الدين باشا‪ .‬أقوم املسالك يف معرفة أحوال املاملك‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد احلداد‪ ،‬القاهرة وبريوت‪ :‬دار الكتاب‬
‫املرصي ودار الكتاب اللبناين‪ ،‬ط‪1٤٣٣( ،1‬هـ‪٢01٢/‬م)‪ ،‬ص‪.٣‬‬
‫(‪ )٤‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [احلج‪ ،]٤8 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﴾ (األنبياء‪ ،(11 :‬وقال‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ﴾ [النمل‪ ،]٥٢ :‬وقال‪﴿ :‬ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [الشعراء‪.]٢٢٧ :‬‬

‫(‪ )٥‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٢٢-1٢1‬‬

‫‪1٦0‬‬
‫فاحلق سبحانه رتب العقاب والدمار عىل الظلم‪ ،‬يقول اهلل تعاىل عن قوم فرعون ومن‬
‫سبقهم‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [األنفال‪ ،]٥٤ :‬واختالل العدل يؤدي إىل اختالل احلكم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [الرمحن‪ ]٧ :‬ويقول ابن تيمية‪" :‬وأمور الناس تستقيم يف الدنيا‬
‫مع العدل‪ ،‬الذي فيه االشراك يف أنواع اإلثم‪ ،‬أكثر مما تستقيم مع الظلم يف احلقوق وإن‬
‫مل تشرك يف إثم‪ ،‬وهلذا قيل‪ :‬إن اهلل يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة‪ ،‬وال يقيم الظاملة‬
‫(‪(1‬‬
‫وإن كانت مسلمة"‪.‬‬

‫ويقول رمحه اهلل‪" :‬ويقال‪ :‬الدنيا تدوم مع العدل والكفر‪ ،‬وال تدوم مع الظلم واإلسالم‪...‬‬
‫العدل نظام كل يشء‪ ،‬فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن مل يكن لصاحبها يف اآلخرة من‬
‫(‪(٢‬‬
‫خالق‪ ،‬ومتى مل تقم بعدل مل تقم وإن كان لصاحبها من اإليامن ما جيزى به يف اآلخرة‪".‬‬

‫إن إقامة العدل والقسط بني الناس فيه خري هلم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [اإلرساء‪ ،]٣٥ :‬وفيه حب اهلل تعاىل ﴿ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [املائدة‪،]٤٢ :‬‬
‫أما الظلم فيرتب عليه العقاب الدنيوي واألخروي‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ [الكهف‪ ،]8٧ :‬ويرتب عليه هالك األمم وتدمريها‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [األنبياء‪ ،]11 :‬ويف اآلخرة رتب‬
‫عليه القرآن التعذيب بنار جهنم‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ‬

‫ﮐ ﮑ ﴾ [النساء‪.]10 :‬‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢8‬ص‪.1٤٦‬‬


‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬الرياض‪ :‬وزارة الشئون‬
‫اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪ ،‬ط‪1٤18 ،1‬ه‪ ،‬ص‪.٢9‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬احلسبة يف اإلسالم‪» .‬وظيفة احلكومة اإلسالمية‪ »،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.1٧8‬‬
‫(‪ )٢‬ابن تيمية‪ ،‬احلسبة يف اإلسالم‪» .‬وظيفة احلكومة اإلسالمية‪ »،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢9‬‬
‫(‪( )٣‬احلجرات‪ )9 :‬و(املمتحنة‪.(8 :‬‬

‫‪1٦1‬‬
‫ففي الظلم فساد العمران‪ ،‬وخراب األرض‪ ،‬أما العدل فهو أساس العمران األخوي‪،‬‬
‫ويقيم األلفة بني الناس‪ ،‬فالعدل أصل ترشيعي لتدبري االختالف‪ ،‬وحا ٍم للعمران من اخلراب‬
‫والفساد؛ ألن العدل رشيعة القرآن‪ .‬يقول النوريس عن رشيعة القرآن‪" :‬فإن نقطة استنادها‪:‬‬
‫(‪(1‬‬
‫احلق بدالً من القوة‪ ،‬واحلق من شأنه‪ :‬العدالة والتوازن‪".‬‬
‫ويقول طه عبد الرمحن‪ّ :‬‬
‫إن "الواقع الكوين" يزن األفضلية بميزان القوة ال احلق‪" :‬ما‬
‫دام (الواقع الكوين) يزن أفضلية القيم‪ ،‬ال بميزان احلق‪ ،‬وإنام بميزان القوة‪ ،‬فلام كان أقوى‬
‫من هذه األمة‪ ،‬كانت قيمه أفضل من قيمها‪ ،‬بل كانت أفضل القيم عىل اإلطالق‪ ،‬لظهور‬
‫(‪(٢‬‬
‫تفوق قوته عىل أية قوة أخرى‪".‬‬

‫وباجلملة‪ ،‬فإن املجتمع اإلنساين املعارص‪ ،‬يفتقد إىل اهلدى القرآين‪ ،‬إلعادة بناء وحدته‬
‫وألفته‪ ،‬للخروج من حالة الرصاع والنزاع‪ ،‬والتفكك‪ ،‬والظلم واالستبداد‪ ،‬واألنانية وحب‬
‫األثرة باملال واجلاه والسلطة‪ ،‬دون اآلخرين‪ ،‬لذلك أمر القرآن الكريم بإقامة العدل والقسط‬
‫يف األرض‪ ،‬وهنى عن الظلم بكل أشكاله وألوانه‪ ،‬تعالي ًا عن كل مظاهر االختالف اإلنساين‪،‬‬
‫من أجل بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ ،‬والتعاون والتساند والتبادل احلضاري‪.‬‬

‫ورقي العالقة اإلنسانية وحترضها‪ ،‬قائم عىل مدى تفاعلها مع منهج اخلطاب اإلهلي‪ ،‬الباين‬
‫لالئتالف‪ ،‬واملضيق ملساحة االختالف‪" ،‬فقوام صالح العامل باإليامن بالكتاب الذي حيرم الظلم‬
‫(‪(٣‬‬
‫وسائر املفاسد‪ ...‬ويأمر بالعدل يف األحكام‪ ،‬الذي يردع الناس عن الظلم بعقاب السلطان‪".‬‬

‫وقد أدارت البرشية اليوم ظهرها لعدالة السامء‪ ،‬لذلك ضاعت احلقوق‪ ،‬سواء‬
‫الشخصية أو الدولية‪ ،‬وكثرت التجاوزات واالعتداءات‪ ،‬واتسعت دائرة االختالفات‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫وأصبح احلق من جهة القوي‪ ،‬وضاعت حقوق الضعفاء‪.‬‬

‫(‪ )1‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )2‬املكتوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦0٧‬‬


‫(‪ )٢‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢9٥‬‬
‫(‪ )٤‬املطعني‪ ،‬عبد العظيم‪ .‬مبادئ التعايش السلمي يف اإلسالم‪ :‬منهج ًا‪ ..‬وسرية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفتح لإلعالم العريب‪،‬‬
‫(‪1٤1٧‬ه‪199٦ /‬م)‪ ،‬ص‪.8٤‬‬

‫‪1٦٢‬‬
‫فالعدل يقتيض إعادة هيكلة االقتصاد العاملي‪ ،‬ملواجهة الفقر الذي ينخر الدول‬
‫املستضعفة‪ ،‬واستغالل املوارد الطبيعية‪ ،‬واستهالكها بشكل عادل يوفر الرخاء‬
‫االقتصادي واالجتامعي العاملي‪ ،‬عوض النهب واإلفراط يف االستهالك عىل حساب‬
‫دول العامل الثالث‪.‬‬

‫ومن الظلم‪ ،‬ظلم األقوياء للضعفاء‪ ،‬ومن أعظم الظلم‪ ،‬ظلم دول االستكبار العاملي‬
‫لدول العامل الثالث‪ ،‬حيث يتمتعون بثروة العامل‪ ،‬ويركون الدول الضعيفة متوت جوع ًا‪،‬‬
‫وحيولون هذه الدول إىل سوق استهالكية‪ ،‬وما يقدمونه هلا من مساعدات تقدم عىل أساس‬
‫(‪(1‬‬
‫اإلحسان‪ ،‬أو عىل أساس رشوط "صندوق النقد الدويل‪".‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫فالعدل االجتامعي‪ ،‬القائم عىل العدل يف احلكم‪ ،‬والعدل يف قسمة األرزاق‪،‬‬
‫يؤسس لعالقة إنسانية داخل املجتمع الصغري (الوطن)‪ ،‬أو املجتمع الكبري (العامل)‪ ،‬قوامها‬
‫اإلنصاف والقسط‪ ،‬فبإقامة أصل العدل القرآين‪ ،‬وحتكيمه يف تدبري االختالفات والنزاعات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فال يكون هناك ظلم‪ ،‬وال استبداد‪ ،‬وال استعالء بني األفراد‪ ،‬وال اجلامعات‪،‬‬
‫وال الطبقات االجتامعية‪ ،‬وال بينهم وبني حكامهم‪ ،‬وال بني الدول الغنية‪ ،‬والدول الفقرية‬
‫املستضعفة‪ ،‬فهو تنظيم متوازن للكون بام فيه اإلنسان‪ ،‬مساواة مطلقة عىل أساس العدل‬
‫اإلهلي املطلق يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أصل إقامة التعاون اإلنساين‬

‫متهيد‪:‬‬
‫االختالف يقتيض التعاون؛ ألنه ال تعاون مع املتامثلني‪ ،‬فاالختالف يف القدرات‬
‫والطاقات واخلصائص اإلنسانية‪ ،‬جيعل اإلنسان يف حاجة إىل أخيه اإلنسان لقضاء حوائجه‪،‬‬

‫(‪ )1‬صندوق النقد الدويل هو‪ :‬وكالة متخصصة من منظومة بريتون وودز تابعة لألمم املتحدة‪ ،‬أنشئ بموجب معاهدة‬
‫دولية يف عام ‪19٤٥‬م‪ ،‬للعمل عىل تعزيز سالمة االقتصاد العاملي‪ .‬انظر للتفصيل أكثر‪:‬‬
‫رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬النظر املقاصدي رؤية تنزيلية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٣1( ،1‬ه‪٢010/‬م)‪ ،‬ص‪.89‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬ويف كتاب عمر بن اخلطاب ‪-‬حول القضاء‪ -‬إىل أيب موسى األشعري يقول‪" :‬وبحسب املسلم الضعيف من العدل‪،‬‬
‫أن ينصف يف احلكم ويف القسم‪".‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الطربي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الراث‪ ،‬ط‪1٣8٧ ،٢‬ه‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢0٣‬‬

‫‪1٦٣‬‬
‫وإكامل نقصه‪ ،‬وتغطية اجلوانب األخرى من حياته التي ال يقدر عىل تغطيتها‪ ،‬وحيتاج فيها‬
‫إىل اآلخرين‪ .‬يقول ابن خلدون‪ ..." :‬فال بدّ يف ذلك ك ّله من التّعاون عليه بأبناء جنسه وما‬
‫تتم حياته ملا ركّبه اهلل تعاىل عليه من‬
‫مل يكن هذا التّعاون فال حيصل له قوت وال غذاء‪ ،‬وال ّ‬
‫(‪(1‬‬
‫احلاجة إىل الغذاء يف حياته‪ ،‬وال حيصل له أيض ًا دفاع عن نفسه‪"...‬‬

‫والقرآن الكريم راعى هذه الغريزة‪ ،‬واجلبلة اإلنسانية‪ ،‬التي ركبها اهلل تعاىل يف اإلنسان‪،‬‬
‫من احلاجة إىل غريه من املخالفني له‪ ،‬وذلك بترشيع أصل التعاون اإلنساين فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [املائدة‪.]٢ :‬‬

‫نحاول من خالل هذا األصل الترشيعي‪ ،‬إثبات رضورة التعاون اإلنساين يف تدبري‬
‫االختالف‪ ،‬وذلك يف املواضيع اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬األمر الترشيعي للبرشية بالتعاون‪:‬‬


‫(‪(٢‬‬
‫دعا اخلطاب القرآين إىل التعاون عىل كل بر وتقوى‪ ،‬والنهي عن كل إثم وعدوان‬
‫فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﴾ [املائدة‪ (٣(]٢ :‬واخلطاب‬
‫هنا موجه إىل املجتمع اإلنساين بكل أفراده‪ ،‬ودوله‪ ،‬ومنظامته‪ ،‬ومجعياته‪" ،‬وهو أمر جلميع‬
‫اخللق بالتعاون عىل الر والتقوى"‪ (٤(،‬ويقول ابن حزم‪ ..." :‬التعاون عىل الر والتقوى‬
‫فمتوجه إِىل كل اثنني فصاعد ًا‪ (٥(،"...‬أمر اهلل تعاىل املجتمع اإلنساين بالتعاون عىل الر‬
‫(‪(٦‬‬
‫والتقوى‪ ،‬دون إثم وال عدوان‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٣8‬‬
‫(‪ )٢‬عاشور‪ ،‬منهج القرآن يف تربية املجتمع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٧٤‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .1٥0-1٤9‬فاألمر موجه إىل النبي ﷺ‬
‫واملسلمني عموم ًا‪ ،‬بالتعاون مع املرشكني‪ ،‬عىل قيم الر والتقوى‪ ،‬وإيقاف احلرب‪ ،‬وعدم سفك الدماء يف احلرم‪.‬‬
‫(‪ )٤‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٤٦‬‬
‫(‪ )٥‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد إبراهيم‬
‫نرص‪ ،‬عبد الرمحن عمرية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اجليل‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٣0-1٢9‬‬
‫(‪ )٦‬التونيس‪ ،‬أقوم املسالك يف معرفة أحوال املاملك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣‬‬

‫‪1٦٤‬‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ يشمل األعامل اخلريية‪ ،‬واملشاريع االجتامعية‬
‫يف التعليم والصحة االقتصاد واإلسكان‪" .‬قال ابن خويزمنداد يف أحكامه‪ :‬والتعاون عىل‬
‫الر والتقوى يكون بوجوه‪ ،‬فواجب عىل العامل أن يعني الناس بعلمه فيعلمهم‪ ،‬ويعينهم‬
‫الغني بامله‪ ،‬والشجاع بشجاعته‪ (1(،"...‬وال شك أن هذا متثيل ال حرص‪ ،‬فكل ما ينطبق عليه‬
‫مسمى الر والتقوى فيجب فيه التعاون‪" ،‬وكل عمل ُيصلح االرتفاقات التي بني عليها نظام‬
‫اإلنسان"‪ (٢(،‬فهو من الر الذي جيب التعاون عليه‪.‬‬

‫فكل األعامل الصاحلة والنافعة‪ ،‬الظاهرة والباطنة‪ ،‬الضامنة حلقوق اهلل‪ ،‬وحقوق‬
‫حماب اهلل تعاىل‪ ،‬واجتناب مكارهه‪ ،‬فهو تعاون عىل الر والتقوى‪" (٣(،‬قال‬
‫ّ‬ ‫الناس‪ ،‬وفعل‬
‫املاوردي‪ :‬ندب اهلل سبحانه إىل التعاون بالر وقرنه بالتقوى له؛ ألن يف التقوى رضا اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬ويف الر رضا الناس‪ ،‬ومن مجع بني رضا اهلل تعاىل ورضا الناس فقد متت سعادته‬
‫(‪(٤‬‬
‫وعمت نعمته‪"...‬‬

‫القرآن خطاب هداية الناس إىل ما يصلح عالقاهتم مع خالقهم‪ ،‬من غري أن يغفل‬
‫الواجب االجتامعي واإلنساين‪ ،‬املتعلق بعالقات الناس فيام بينهم‪ ،‬وإدارة اختالفاهتم‪ ،‬فيعود‬
‫(‪(٥‬‬
‫معنى الر والتقوى إىل‪" :‬الصالح والتقوى االجتامعيان‪".‬‬

‫ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ هني عن التعاون عن اإلثم والعدوان‪،‬‬


‫ويكون بمحاسبة املفسدين‪ ،‬ورد املعتدين‪ ،‬واملغتصبني‪ ،‬وتفعيل القوانني الدولية‪ ،‬بخصوص‬
‫املخالفات التي تقوم هبا بعض دول االستكبار العاملي‪ ،‬أو املنظامت التابعة هلا‪ ،‬وتفعيل القوانني‬
‫الوطنية واملحلية يف حق خمالفات األفراد‪ ،‬واجلمعيات‪ ،‬واملنظامت‪ ،‬واألحزاب الوطنية‪.‬‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٤٦‬‬


‫(‪ )٢‬الدهلوي‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11٤‬‬
‫(‪ )٣‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢18‬‬
‫(‪ )٤‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٤٧-٤٦‬‬
‫(‪ )٥‬الطباطبائي‪ ،‬حممد حسني‪ .‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬صححه وأرشف عىل طباعته‪ :‬حسني األعلمي‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫منشورات مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.1٦٦‬‬

‫‪1٦٥‬‬
‫و"هو‬ ‫(‪(1‬‬
‫والواجب ترك التعاون عىل اإلثم وهو "كل عمل يفسد االرتفاقات"‪،‬‬
‫اليسء املستتبع للتأخر يف أمور احلياة السعيدة"‪ (٢(،‬وترك التعاون عىل العدوان‪،‬‬
‫العمل َّ ّ‬
‫يقول السعدي‪ ﴿ " :‬ﯶ﴾ وهو التعدي عىل اخللق يف دمائهم وأمواهلم وأعراضهم‪،‬‬
‫فكل معصية وظلم جيب عىل العبد كف نفسه عنه‪ ،‬ثم إعانة غريه عىل تركه‪ (٣("...‬ويقول‬
‫الطباطبائي‪ ..." :‬العدوان وهو التعدي عىل حقوق الناس احلقة بسلب األمن من نفوسهم‬
‫أو أعراضهم أو أمواهلم‪ ...‬ثم أكد سبحانه هنيه عن االجتامع عىل اإلثم والعدوان بقوله‪:‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫﴿ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ وهو يف احلقيقة تأكيد عىل تأكيد‪".‬‬

‫واآلية تبني معنى آخر‪ ،‬هو "أن الشنآن ال يمنع من التعاون عىل أمور الر والتقوى‪،‬‬
‫والنهي عن اإلثم والعدوان"‪ ،‬فاألمر بالتعاون جاء يف سياق النهي عن االعتداء‪ ،‬بسبب‬
‫البغضاء والشنآن‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫فاآلية تنهى عن االعتداء‪ ،‬وجماوزة العدل مع املخالف يف حالة البغض‬ ‫ﯫ﴾ [املائدة‪]٢ :‬‬

‫والكراهية‪ ،‬الناشئة عن التدافع البرشي‪ ،‬الذي هو إرادة إهلية‪ ،‬ويوجه القرآن الكريم املسلمني‬
‫إىل املنهج الصحيح السليم‪ ،‬وهو التعاون‪.‬‬

‫فهذا سمو يف املنهج‪ ،‬وقمة يف السامحة‪ ،‬وضبط النفس وسالمة القلب؛ إذ يطلب‬
‫القرآن من املسلمني التجاوز عىل ما يقع عىل أشخاصهم‪ ،‬وذواهتم من أجل تقديم نموذج‬
‫من السلوك الذي يقرحه اإلسالم عىل البرشية‪ ،‬من أجل التقرب للناس‪ ،‬والتواصل‬
‫ودوام الصلة معهم‪.‬‬

‫الغضب الذي يفيض إىل العدوان‪،‬‬


‫َ‬ ‫قر‬
‫يوضح األحقية يف الغضب‪ ،‬لكنه ال ُي ُّ‬
‫والقرآن ّ‬
‫فيع ّلم األمة املسلمة كيف تكبح غضبها‪ ،‬وحتسن توجيهه يف التعاون عىل الر والتقوى‪ ،‬ودفع‬

‫(‪ )1‬الدهلوي‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11٤‬‬


‫(‪ )٢‬الطباطبائي‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.1٦٦‬‬
‫(‪ )٣‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢18‬‬
‫(‪ )٤‬الطباطبائي‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.1٦٦‬‬

‫‪1٦٦‬‬
‫اإلثم والعدوان‪ ،‬وجاء هذا املنهج الربوي الرباين يف ظل جمتمع يؤمن بمبدأ "انرص أخاك ظامل ًا‬
‫(‪(1‬‬
‫أو مظلوم ًا"‪ ،‬وبذلك كانت املسافة شاسعة بني ضنك اجلاهلية‪ ،‬وسمو اإلسالم‪.‬‬

‫إن اإلنسانية يف التصور اإلسالمي‪" :‬وحدة تفرق أجزاؤها لتجتمع‪ ،‬وختتلف لتتسق‪،‬‬
‫وتذهب شتى املذاهب لتتعاون يف النهاية بعضها مع بعض‪ ،‬كي تصبح صاحلة لتتعاون مع‬
‫الوجود املوحد‪ (٢(".‬فالتعاون اإلنساين رضورة اقتضتها املواطنة ووحدة الدار‪ ،‬فال يمكن‬
‫بناء األوطان وتنميتها يف ظل اإلقصاء‪ ،‬أو النزاع الطائفي والديني أو احلزيب‪ ،‬فبناء دولة‬
‫املؤسسات اليوم‪ ،‬يقتيض التعاون‪ ،‬وفتح قنوات التواصل والتعارف‪ ،‬من أجل العيش‬
‫املشرك‪" :‬فالتعارف أساس دعا إليه القرآن‪ ،‬ورضورة أملتها ظروف املشاركة يف الدار أو‬
‫الوطن بالتعبري العرصي‪ ،‬وإعامل لروح األخوة اإلنسانية بدالً من إمهاهلا‪ ،‬فقد نص القرآن‬
‫الكريم بإطالق‪ ،‬ومن غري تقييد وال ختصيص‪ (٣(،‬أن من مقاصد التنوع بني البرش التعارف‬
‫والتعاون‪ (٤(."...‬ويقول ابن خلدون‪" :‬البرش ال يمكن حياهتم ووجودهم إالّ باجتامعهم‬
‫(‪(٥‬‬
‫وتعاوهنم عىل حتصيل قوهتم ورضور ّياهتم‪".‬‬

‫‪ -2‬معامل إقرار التعاون مع املخالف‪:‬‬

‫أ‪ -‬فعل اخلريات مهمة األنبياء‪:‬‬

‫ومن معامل التعاون اإلنساين يف القرآن الكريم‪ ،‬أن مهمة األنبياء هي فعل اخلريات‪،‬‬
‫تعلي ًام ألتباعهم‪ ،‬وإرشاد ًا لإلنسانية إىل التعاون عىل جلب املصالح‪ ،‬ودفع املفاسد‪ ،‬فقال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [األنبياء‪ ،]٧٣ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﴾ [األنبياء‪.]90 :‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.8٣9‬‬


‫(‪ )٢‬قطب‪ ،‬العدالة االجتامعية يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٣‬‬
‫(‪ )٣‬يقصد‪ :‬آية (احلجرات‪.(1٣ :‬‬
‫(‪ )٤‬رفيع‪ ،‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٧‬‬
‫(‪ )٥‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣٦0‬‬

‫‪1٦٧‬‬
‫وحكى القرآن الكريم أن من صفات أهل الكتاب األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫وفعل اخلريات‪ ،‬وحكم عليهم بأهنم من الصاحلني فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥ ﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [آل عمران‪.]11٥-11٣ :‬‬

‫وقال تعاىل خماطب ًا الذين آمنوا‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬


‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [احلج‪ ،]٧٧ :‬وفعل اخلري‪ ،‬ليس خاص ًا بأمة اإلسالم‪،‬‬
‫بل هي سمة ملة سيدنا إبراهيم ‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾ [احلج‪.]٧8 :‬‬

‫وقال تعاىل يف خطابه لرسله‪ ﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬


‫ﮬ﴾ [املؤمنون‪ ،]٥1 :‬وقال تعاىل عىل لسان شعيب عليه السالم‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ﴾ [هود‪ ،]88 :‬وجاء اجلمع بني اإلصالح واإلعراض عن املفسدين يف قول سيدنا‬
‫موسى ألخيه هارون عليهام السالم‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ﴾ [األعراف‪ ]1٤٢ :‬يقول ابن تيمية رمحه اهلل‪" :‬فإن اهلل أمر بالصالح وهنى عن‬
‫(‪(1‬‬
‫الفساد‪ ،‬وبعث رسله بتحصيل املصالح وتكميلها‪ ،‬وتعطيل املفاسد وتقليلها‪".‬‬

‫وقال سبحانه خطاب ًا للبرشية مجعاء‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬


‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ [النحل‪ ،]9٧ :‬ووردت آيات‬
‫كثرية تدعو لإلصالح‪ ،‬وفعل اخلريات‪ ،‬وعدم الفساد واإلفساد يف األرض‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [ الشعراء‪ ،]1٥٢-1٥1 :‬وقال‬
‫(‪(٢‬‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [األعراف‪.]٥٦ :‬‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣1‬ص‪.٢٦٦‬‬


‫(‪ )٢‬تدبر اآليات‪( :‬األعراف‪( ،)8٥ ،٧٤ :‬البقرة‪( ،)٦0 :‬هود‪( ،)8٤ :‬العنكبوت‪( ،)٣٦ :‬الشعراء‪.(18٣ :‬‬

‫‪1٦8‬‬
‫ب‪ -‬حرمة دم املخالف وعرضه وماله‪:‬‬

‫حرمة دم املخالف وماله وعرضه‪ ،‬من معامل إقرار القرآن الكريم ألصل التعاون‬
‫اإلنساين‪ ،‬من أجل تدبري االختالف‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [البقرة‪ .]1٧8 :‬يقول القرطبي‬
‫يف هذه اآلية‪" :‬فإن الذمي حمقون الدم عىل التأبيد‪ ،‬واملسلم كذلك‪ ،‬وكالمها قد صار من أهل‬
‫دار اإلسالم‪ ،‬والذي حيقق ذلك أن املسلم يقطع بسقة مال الذمي‪ ،‬وهذا يدل عىل أن مال‬
‫(‪(1‬‬
‫الذمي قد ساوى مال املسلم‪ ،‬فدل عىل مساواته لدمه؛ إذ املال إنام حيرم بحرمة مالكه"‪،‬‬
‫ويقول ابن العريب‪" :‬وأهم قواعد الرشائع محاية الدماء عن االعتداء ِ‬
‫وحيا َط ُت ُه بالقصاص ك ّف ًا‬
‫وردع ًا للظاملني واجلائرين‪ ،‬وهذا من القواعد التي ال ختلو عنها الرشائع واألصول التي ال‬
‫(‪(٢‬‬ ‫ختتلف فيها ُ‬
‫امللل‪".‬‬ ‫ُ‬

‫فحفظ الدين والنفس والعقل والعرض واملال‪ ،‬من مقاصد الرشيعة الرضورية املراعاة‬
‫يف كل ملة‪ (٣(،‬و"املسددة للفعل اإلنساين عموم ًا"‪ (٤(،‬ومن حقوق اإلنسان املتشوف إليها‬
‫إنساني ًا‪ ،‬التي جيب احلفاظ عليها ومحايتها‪ ،‬ويستوي يف كل ذلك املسلم وغري املسلم‪ ،‬سواء‬
‫كان مواطن ًا يف البالد اإلسالمية‪ ،‬أم وافد ًا عليها‪ ،‬وهذا ما قرره اخلطاب القرآين‪ ،‬يف آية‬
‫الوصايا التي اتفقت عليها الرشائع الساموية فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾ [األنعام‪ ]1٥1 :‬يقول الشوكاين‪" :‬أي ال تقتلوه يف حال من‬
‫(‪(٥‬‬
‫األحوال إال يف حال احلق‪ ،‬أو ال تقتلوها بسبب من األسباب إال بسبب احلق‪"...‬‬

‫(‪ (1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٤٦‬‬


‫(‪ (٢‬ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.88‬‬
‫(‪ (٣‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.19‬‬
‫(‪ (٤‬رفيع‪ ،‬النظر املقاصدي رؤية تنزيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٥‬‬
‫(‪ )٥‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢0٢‬‬

‫‪1٦9‬‬
‫وجلب املصالح ودرء املفاسد‪ ،‬أمر مشرك بني الرشائع؛ ف "املصالح ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها واجب التحصيل‪ ،‬فإن عظمة املصلحة وجبت يف كل رشيعة‪ ...،‬واملفاسد ثالثة‬
‫أقسام‪ :‬أحدها ما جيب درؤه‪ ،‬فإن عظمت مفسدته وجب درؤه يف كل رشيعة‪ ،‬وذلك‬
‫(‪(1‬‬
‫كالكفر‪ ،‬والقتل‪ ،‬والزنا‪ ،‬والغصب وإفساد العقول‪"...‬‬

‫وبني اخلطاب القرآين خطورة إزهاق نفس واحدة دون حق فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫ﭷ ﭸ ﭹ﴾ (املائدة‪ (٣٢ :‬يقول ابن كثري‪" :‬من قتل نفس ًا بغري سبب من قصاص‪ ،‬أو‬
‫فساد يف األرض‪ ،‬واستحل قتلها بال سبب وال جناية‪ ،‬فكأنام قتل الناس مجيع ًا‪ ،‬ألنه ال فرق‬
‫عنده بني نفس ونفس ﴿ﭦ ﭧ﴾؛ أي حرم قتلها واعتقد ذلك‪ ،‬فقد سلم الناس كلهم‬
‫(‪(٢‬‬
‫منه هبذا االعتبار‪ ،‬وهلذا قال‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾‪".‬‬

‫وجاء النهي والزجر من النبي ﷺ يف قتل املعاهد‪ .‬روى البخاري عن عبد اهلل بن‬
‫جلن َِّة‪َ ،‬وإِ َّن‬ ‫ِ‬
‫اهد ًا َمل ْ َي ِر ْح َرائ َح َة ا َ‬
‫عمرو ريض اهلل عنهام عن النبي ﷺ مرفوع ًا‪َ » :‬م ْن َقت ََل ُم َع َ‬
‫ني َعام ًا"‪ (٣(،‬وعن أيب هريرة عن النبي ﷺ‪َ " :‬أ َال َم ْن َقت ََل َن ْفس ًا‬ ‫ُوجدُ ِم ْن َم ِس َري ِة َأ ْر َب ِع َ‬ ‫ِر َ‬
‫حي َها ت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهد ًا َل ُه ِذ َّم ُة اهللِ َو ِذ َّم ُة َر ُسولِ ِه‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْخ َف َر بِ ِذ َّم ِة اهللِ‪َ ،‬ف َ‬
‫مع ِ‬
‫حي َها‬‫ال ُي َر ْح َرائ َح َة اجلَنَّة‪َ ،‬وإِ َّن ِر َ‬ ‫َُ‬
‫ني َخ ِريفا‪".‬‬
‫ً (‪(٤‬‬
‫وجدُ ِم ْن َم ِس َري ِة َس ْب ِع َ‬
‫َل ُي َ‬

‫(‪ )1‬ابن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٢‬‬
‫(‪ )٢‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.9٢‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلزية واملوادعة‪ ،‬باب‪ :‬إثم من قتل معاهد ًا بغري جرم‪ ،‬ج‪،٤‬‬
‫حديث رقم (‪ ،)٣1٦٦‬ص‪.99‬‬
‫(‪ )٤‬الرمذي‪ ،‬أبو عيسى‪ ،‬حممد بن عيسى بن سورة‪ .‬سنن الرتمذي (اجلامع الكبري)‪ ،‬حتقيق‪ :‬بشار عواد معروف‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1998( ،1‬م) باب‪ :‬ما جاء فيمن يقتل نفس ًا معاهدة‪ ،‬ج‪ ،٣‬حديث رقم (‪،)1٤0٣‬‬
‫ص‪ ،٧٢‬وقال عن احلديث‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫‪1٧0‬‬
‫ِ ِ‬
‫وقال الفقهاء بحامية مال املخالف ودمه‪ ،‬يقول ا َمل ْرغ ْين ُّ‬
‫َاين‪" (1( :‬وإذا دخل املسلم دار‬
‫احلرب تاجر ًا فال حيل له أن يتعرض ليشء من أمواهلم وال من ِ‬
‫دمائهم‪ (٢(،"...‬وقال الشافعي‪:‬‬ ‫َّ‬
‫"لو أن حربي ًا دخل إلينا بأمان وكان معه مال لنفسه ومال لغريه من أهل احلرب‪ ،‬مل نعرض له‬
‫يف ماله ملا تقدم له من األمان‪ ،‬وال يف املال الذي معه لغريه‪ ،‬فهكذا ملا كان للذمي أمان متقدم‬
‫(‪(٣‬‬
‫مل يتعرض له يف ماله وال يف املال الذي معه لغريه مثل هذا سواء‪".‬‬
‫ويف هذا داللة ترشيعية عىل عدم االعتداء عىل املخالف غري املسلم‪ ،‬إذا مل يكن حمارب ًا‪،‬‬
‫فحامية النفس واملال والعرض‪ ،‬مشرك حممي بني البرش‪ ،‬بغض النظر عن العقيدة أو الدين‪،‬‬
‫فهي مقاصد كلية مشركة هتدف إىل إعامر الكون‪ ،‬وحفظ النظام العام‪ ،‬وضبط عالقات الناس‬
‫وترصفاهتم‪ ،‬بام يعصمهم من النزاع والتفاسد‪ ،‬ف "‪ ...‬مقصد الرشيعة من الترشيع حفظ نظام‬
‫العامل‪ ،‬وضبط ترصف الناس فيه عىل وجه يعصم الناس من التفاسد والتهالك‪ ،‬وذلك إنام‬
‫(‪(٤‬‬
‫يكون بتحصيل املصالح واجتناب املفاسد عىل حسب ما يتحقق به معنى املصلحة واملفسدة"‪،‬‬
‫ويقول رشيد رضا إن من األصول التي اختصت هبا رشيعة القرآن عن غريها من الرشائع‪:‬‬
‫(‪(٥‬‬
‫"بناء األحكام األدبية والعملية عىل قواعد املصالح واملنافع ودفع املضار واملفاسد‪".‬‬
‫فكل ما يعود عىل هذه الرضوريات اخلمس‪ :‬الدين والنفس والعرض والعقل واملال‬
‫باحلفظ فهو مصلحة‪ ،‬وكل ما يعود عليها باإلفساد والتفويت فهو مفسدة‪ ،‬كام قال الغزايل‪:‬‬
‫"فكل ما يتضمن حفظ هذه األصول اخلمسة فهو مصلحة‪ ،‬وكل ما يفوت هذه األصول فهو‬
‫(‪(٦‬‬
‫مفسدة‪ ،‬ودفعه مصلحة‪".‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َاين‪ :‬عامل ما وراء النهر‪ ،‬برهان الدين‪ ،‬أبو احلسن عيل بن أيب بكر بن عبد اجلليل ا َمل ْرغ ْين ُّ‬
‫َاين‪ ،‬حنفي املذهب‪ ،‬له‬ ‫(‪ )1‬ا َمل ْرغ ْين ُّ‬
‫كتاب (اهلدَ ا َية)‪ ،‬يف املذهب احلنفي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الذهبي‪ ،‬أبو عبد اهلل شمس الدين حممد بن أمحد بن عثامن بن قايامز‪ .‬سري أعالم النبالء‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من‬
‫املحققني بإرشاف شعيب األرناؤوط‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،٣‬ه‪198٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪.٢٣٢‬‬
‫(‪ )٢‬املرغيناين‪ ،‬أبو احلسن برهان الدين عيل بن أيب بكر بن عبد اجلليل‪ .‬متن بداية املبتدي يف فقه أيب حنيفة‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫ومطبعة حممد عيل صبح‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ج‪ ،1‬ص‪.118‬‬
‫(‪ )٣‬الشافعي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إدريس‪ .‬األم‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪1٤10( ،‬ه‪1990 /‬م)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٦1‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢99‬‬
‫(‪ )٥‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٦‬‬
‫(‪ )٦‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤1٧‬‬

‫‪1٧1‬‬
‫وضابط هذه املقاصد الرضورية هو فقدان النظام عند اختالهلا "فاملصالح الرضورية‬
‫هي التي تكون األمة بمجموعها وآحادها يف رضورة إىل حتصيلها بحيث ال يستقيم النظام‬
‫(‪(1‬‬
‫باختالهلا‪ ،‬فإذا انخرمت تؤول حالة األمة إىل فساد وتالش‪".‬‬

‫وقد محى القرآن الكريم هذه املقاصد العليا للرشيعة اإلسالمية‪ ،‬ورتب عقوبات‬
‫زاجرة عىل كل اجلرائم املرتكبة بخصوصها‪ ،‬من أجل محايتها من جانب احلفظ ومن جانب‬
‫الوجود‪ ،‬وذلك بوساطة احلدود والتعازير‪ ،‬وهدف القرآن الكريم من هذه العقوبات‬
‫اجلنائية‪ ،‬هو معاجلة التجاوزات الواقعة عىل األفراد واملجتمعات‪ ،‬وزجر املجرمني‪ ،‬ومحاية‬
‫املجتمع من هذه اجلرائم املرضة بالدين والنفس(‪ (٢‬والعقل والعرض واملال؛ ألن اإلجرام‬
‫فساد لألرض والعباد‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾‬
‫[املائدة‪ ]٣٢ :‬لذلك كان القانون اجلنائي اإلسالمي أص ً‬
‫ال من أصول تدبري االختالف حلامية عامل‬
‫الناس‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن »إقامة احلدود والقصاص مرشوع ملصلحة الزجر عن الفساد»‪ (٣(،‬فمكافحة‬
‫اجلرائم ٌ‬
‫أصل قرآين ينظم العالقات اإلنسانية‪ ،‬دولية كانت أو إقليمية‪.‬‬

‫ت‪ -‬املعاملة احلسنة مع املخالف‪:‬‬

‫املعاملة احلسنة من معامل التعاون يف اخلطاب القرآين‪ (٤(،‬بني املسلمني وغريهم من‬
‫املخالفني‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣00‬‬


‫(‪ )٢‬ومن املبالغة يف حفظ النفوس ما ذهب إليه "اجلمهور األعظم من الصحابة واألئمة وفقهاء املذاهب إىل أن الذين‬
‫يشركون متعمدين يف قتل شخص واحد يقتلون به مجيع ًا‪ ،‬وهذا هو املعر عنه بقتل اجلامعة بالواحد‪ ،‬وعمدة هذا‬
‫القول هو املقصد الرشعي الكيل يف حفظ النفوس وحقن الدماء وردع العدوان عليها‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الريسوين‪ ،‬مقاصد املقاصد‪ :‬الغايات العلمية والعملية ملقاصد الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٦‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٧٤‬‬
‫(‪ )٤‬يقول طه عبد الرمحن‪" :‬ينبغي لكل أمة من األمم يف الواقع الكوين أن تبذل أقىص اجلهد يف اإلتيان بأفضل األعامل‬
‫والترصفات يف التعامل مع األمم األخرى‪ ،‬كام يبذله األشخاص فيها يف تعامل بعضهم مع بعض‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٧٤‬‬

‫‪1٧٢‬‬
‫ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [املمتحنة‪" ]8 :‬ومعنى اآلية‪ :‬أن اهلل سبحانه ال ينهى عن بر‬
‫ِ‬
‫يظاهروا الكفار‬ ‫أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا املؤمنني عىل ترك القتال‪ ،‬وعىل أن ال‬
‫(‪(1‬‬
‫عليهم‪ ،‬وال ينهى عن معاملتهم بالعدل‪"...‬‬

‫وعن أسامء بنت أيب بكر ريض اهلل عنهام قالت‪ :‬قدمت عىل أمي وهي مرشكة يف عهد‬
‫رسول اهلل ﷺ فاستفتيت رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قلت‪ :‬إن أمي قدمت وهي راغبة‪ ،‬أفأصل أمي؟‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫قال ﷺ‪َ " :‬ن َع ْم ِص ِيل ُأ َّم ِك‪".‬‬

‫والناظر يف سرية سيدنا حممد ﷺ‪ ،‬جيدها مليئة بالصور املرشقة للمعاملة احلسنة مع‬
‫املخالف غري املسلم‪ ،‬كام هو ثابت يف قصة الغالم اليهودي الذي مرض فعاده النبي ﷺ‪.‬‬
‫جاء يف صحيح البخاري أن النبي ﷺ عاد الغالم اليهودي الذي كان خيدمه وعرض عليه‬
‫اإلسالم‪ ،‬فأسلم‪ ،‬وخرج مسور ًا وهو يقول‪" :‬احلَ ْمدُ هلل ا َّل ِذي َأ ْن َق َذ ُه ِم َن النَّار‪".‬‬
‫ِ (‪(٣‬‬

‫وكان يتعامل معهم‪ ،‬ويقبل اهلدية منهم‪ ،‬حتى إن امرأة هيودية وضعت له السم يف ذراع‬
‫شاة أهدته إياها‪ ،‬جاء يف صحيح البخاري عن أنس بن مالك ‪ ،‬أن هيودية أتت النبي ﷺ‬
‫(‪(٤‬‬
‫بشاة مسمومة‪ ،‬فأكل منها‪ ،‬فجيء هبا فقيل‪َ :‬أالَ َن ْق ُت ُل َها‪ ،‬قال‪" :‬ال"‪...‬‬

‫وكان يقابل إساءهتم باإلحسان‪ ،‬ففي صحيح البخاري‪" :‬عن عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪:-‬‬
‫السا ُم عليكم‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬عليكم‪ ،‬ولعنكم اهلل‪ ،‬وغضب اهلل‬ ‫أن هيود ًا َأت َُوا النبي ﷺ فقالوا‪َّ :‬‬
‫ْف َوال ُف ْح َش" قالت‪ :‬أومل تسمع ما‬ ‫ال يا َع ِائ َش ُة‪َ ،‬ع َلي ِك بِالر ْف ِق‪ ،‬وإِي ِ‬
‫اك َوال ُعن َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫عليكم‪ .‬قال‪َ " :‬م ْه ً َ‬
‫اب َهل ُ ْم ِ َّيف‪".‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪(٥‬‬
‫اب ِيل ف ِيه ْم‪َ ،‬والَ ُي ْست ََج ُ‬‫قالوا؟ قال‪َ " :‬أ َو َمل ْ ت َْس َمعي َما ُق ْل ُت؟ َر َد ْد ُت َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬ف ُي ْست ََج ُ‬

‫(‪ (1‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢٥٤‬‬
‫(‪ )٢‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اهلبة وفضلها والتحريض عليها‪ ،‬باب‪ :‬اهلدية للمرشكني‪ ،‬وقول‬
‫اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‪[ ﴾...‬املمتحنة‪ ،]8 :‬ج‪ ،٣‬حديث رقم (‪ ،)٢٦٢0‬ص‪.1٦٤‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلنائز‪ ،‬باب‪ :‬إذا أسلم الصبي فامت‪ ،‬هل يصىل عليه‪ ،‬وهل‬
‫يعرض عىل الصبي اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،٢‬حديث رقم (‪ ،)1٣٥٦‬ص‪.9٤‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اهلبة وفضلها والتحريض عليها‪ ،‬باب‪ :‬قبول اهلدية من املرشكني‪ ،‬ج‪ ،٣‬حديث رقم‬
‫(‪ ،)٢٦1٧‬ص‪.1٦٣‬‬
‫(‪ )٥‬املرجع السابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬باب‪" :‬مل يكن النبي ﷺ فاحش ًا وال متفحش ًا"‪ ،‬ج‪ ،8‬حديث رقم (‪ ،)٦0٣0‬ص‪.1٢‬‬

‫‪1٧٣‬‬
‫وجاء يف صلة األقارب واملعارف من الكفار‪" :‬عن ابن عمر‪ ،‬أن عمر بن اخلطاب‪،‬‬
‫رأى ُح َّل ًة ِس َ َريا َء عند باب املسجد‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬لو اشريت هذه فلبستها للناس‬
‫يوم اجلمعة ولِ ْل َو ْف ِد إذا قدموا عليك‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪" :‬إِن ََّام َي ْل َب ُس َه ِذ ِه َم ْن َال َخ َال َق‬
‫جاءت رسول اهلل ﷺ منها ُح َل ٌل‪ ،‬فأعطى ُع َم َر منها ُح َّل ًة‪ ،‬فقال ُع َم ُر‪ :‬يا‬‫ْ‬ ‫َل ُه ِيف ْاآل ِخ َر ِة"‪ ،‬ثم‬
‫ار ٍد ما َ‬
‫قلت‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪" :‬إِ ِّين َمل ْ َأك ُْسك ََها‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬ك ََس ْوتَنِ َيها‪ ،‬وقد قلت يف ُح َّل ِة ُع َط ِ‬
‫رشك ًا بِ َم َّك َة"‪ (1(،‬قال النووي يف رشح احلديث‪" :‬وفيه صلة‬ ‫اها ُع َم ُر َأخ ًا َل ُه ُم ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َت ْل َب َس َها»‪َ ،‬فك ََس َ‬
‫(‪(٢‬‬
‫األقارب واملعارف وإن كانوا كفار ًا‪"...‬‬

‫ومما يدل عىل حسن معاملة النبي ﷺ للمخالف غري املسلم‪" ،‬الصحيفة" التي كتبها بني‬
‫املهاجرين واألنصار‪ ،‬وموادعة اليهود؛ إذ حتدثت الصحيفة عن عالقة املسلمني فيام بينهم‪،‬‬
‫ثم عالقتهم مع بطون اليهود املقيمني آنذاك يف املدينة املنورة(‪ ،(٣‬مما يعطي درس ًا يف كيفية‬
‫التعايش السلمي‪ ،‬والتعاون بني املواطنني‪.‬‬

‫وهبذه الصحيفة استطاع النبي ﷺ أن حيمي املجتمع من التصدع ومن االختالف‪،‬‬


‫والصحيفة وإن كانت خاصة باليهود‪ ،‬فإن أهل الكتاب ملة واحدة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [البقرة‪ ،]1٢0 :‬واألمر ينطبق عىل كل خمالف من غري‬
‫(‪(٤‬‬
‫املسلمني؛ ألن "الكفر ملة واحدة‪".‬‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب‪ :‬حتريم استعامل إناء الذهب والفضة‪ ،..‬ج‪ ،٣‬حديث‬
‫رقم (‪ ،)٢0٦8‬ص‪ .1٦٣8‬وانظر‪:‬‬
‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬باب‪ :‬صلة األخ املرشك‪ ،‬ج‪ ،8‬حديث رقم (‪ ،)٥981‬ص‪.٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن رشف بن مري النووي‪ .‬املنهاج يف رشح صحيح مسلم بن احلجاج‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء‬
‫الراث العريب‪ ،‬ط‪1٣9٢ ،٢‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٣8‬‬
‫(‪ )٣‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.9٦-9٤‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .1٧٣‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬القرايف‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن‪ .‬الفروق »أنوار الربوق يف أنواء الفروق‪»،‬‬
‫دراسة وحتقيق‪ :‬مركز الدراسات الفقهية واالقتصادية حممد أمحد رساج وعيل مجعة حممد‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪،‬‬
‫ط‪1٤٢1( ،1‬هـ‪٢001/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٢٣1‬‬
‫‪ -‬الزركيش‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬بدر الدين حممد بن هبادر بن عبد اهلل الزركيش‪ .‬املنثور يف القواعد الفقهية‪ ،‬الكويت‪= :‬‬

‫‪1٧٤‬‬
‫وصار الصحابة ‪-‬ريض اهلل عنهم‪ -‬عىل أثر النبي ﷺ يف حسن معاملة املخالفني من‬
‫غري املسلمني‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو أنه ذبحت له شاة يف أهله‪ ،‬فلام جاء قال‪ :‬أهديتم‬
‫سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪َ " :‬ما َز َال ِج ْ ِر ُيل‬
‫ُ‬ ‫جلارنا اليهودي‪ ،‬أهديتم جلارنا اليهودي؟‬
‫وصينِي بِاجلَ ِ‬
‫ار َحتَّى َظنَن ُْت َأ َّن ُه َس ُي َو ِّر ُث ُه"‪ (1(،‬وتاريخ املسلمني ميلء بصور حسن التعامل مع‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫املخالف غري املسلم‪ ..." (٢(،‬فقد استطاع املسلمون أن يتجاوزوا ثنائية الرشق والغرب‪ ،‬كام‬
‫استطاعوا استيعاب التعدديات الدينية والثقافية واحلضارية كلها يف إطار (عاملية اخلطاب‬
‫اإلسالمي)‪ ..." (٣(،"..‬فكان الكيان اإلسالمي أول كيان يتآلف فيه مجيع الذين يصدرون‬
‫(‪(٤‬‬
‫عن األديان اإلبراهيمية وغريهم وال ُيكره أحد عىل تغيري دينه‪".‬‬

‫ث‪ -‬إباحة تناول أطعمة املخالف‪:‬‬

‫أحل اهلل تعاىل طعام أهل الكتاب (املخالف)(‪ (٥‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫=وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،٢‬هـ‪198٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.9٥‬‬


‫احلموي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد مكي‪ .‬غمز عيون البصائر يف رشح األشباه والنظائر‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬ ‫‪-‬‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،1‬هـ‪198٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.19٢‬‬
‫الغزي‪ ،‬حممد أبو احلارث‪ .‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٣/‬م)‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ج‪ ،8‬ص‪.٢9٤‬‬
‫(‪ )1‬الرمذي‪ ،‬سنن الرتمذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب الر والصلة‪ :‬ما جاء يف حق اجلوار‪ ،‬ج‪ ،٣‬حديث رقم (‪،)19٤٣‬‬
‫ص‪ .٣9٧‬قال الرمذي‪" :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‪ ،‬وقد روي هذا احلديث عن جماهد‪ ،‬عن عائشة‪،‬‬
‫وأيب هريرة‪ ،‬عن النبي ﷺ أيض ًا‪".‬‬
‫(‪ )٢‬بروال‪ ،‬أمحد‪ .‬وبوزيدي‪ ،‬سهام‪" .‬التعامل مع اآلخر يف الفكر اإلسالمي املعارص‪ "،‬جملة البحوث والدراسات‪،‬‬
‫جامعة الوادي‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد‪٢01٢ ،)1٣( :‬م‪ ،‬ص‪.٢٣٧‬‬
‫(‪ )٣‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1٢8-1٢٧‬‬
‫(‪ )٥‬يقول القرطبي يف حكاية اخلالف يف املسألة‪" :‬وقالت طائفة‪ :‬إذا سمعت الكتايب يسمي غري اسم اهلل عز وجل فال‬
‫تأكل‪ ،‬وقال هبذا من الصحابة عيل وعائشة وابن عمر‪ ،‬وهو قول طاوس واحلسن متمسكني بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [األنعام‪ .]1٢1 :‬وقال مالك‪ :‬أكره ذلك‪ ،‬ومل حيرمه‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٧٦‬‬
‫لكن الواقع هو أن أهل الكتاب ال يذكرون اهلل عىل ذبائحهم فهم يذكرون املسيح‪ ،..‬كام أن التسمية ليست‬
‫رشط ًا كام قال ذلك اب ُن العريب عن الشافعية‪ ،‬ألن النرصاين وإن ذكر اهلل فإنه ال يذكره عىل حقيقة العبادة‪ ،‬ويذكر =‬

‫‪1٧٥‬‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [املائدة‪ .]٥ :‬وال خيفى ما فيه من فتح أبواب التواصل االجتامعي من‬
‫أجل التعاون والتعارف والتعايش احلضاري‪.‬‬

‫وهذا من معجزات القرآن الكريم‪ ،‬ألننا اليوم يف أوطاننا العربية واإلسالمية التي‬
‫تعيش داخلها أقليات دينية‪ ،‬تفرض عىل املسلم يف إطار عالقاته مع جريانه‪ ،‬أو زمالئه يف‬
‫العمل‪ ،‬التزاور والتضايف‪ ،‬الذي يكون من مستلزماته األساسية األكل والرشب‪ ،‬فال‬
‫حيصل تعاون حقيقي‪ ،‬إذا كانت هناك قطيعة اجتامعية‪.‬‬

‫ج‪ -‬إباحة املصاهرة مع املخالف‪:‬‬

‫وزيادة يف السامحة وتعميق روابط التعاون‪ ،‬ينتقل القرآن إىل األرسة التي حرص‬
‫الرشع عىل محايتها وحفظها‪ ،‬واحلرص عىل متاسكها وانسجام أعضائها‪ ،‬ويؤكد ذلك ما‬
‫قرره القرآن من مقاصد األرسة‪ ،‬لكن مع ذلك سمح برابطة املصاهرة بني أهل الرشائع‬
‫الساموية‪ (1(،‬فأحل للمسلم الزواج من نسائهم‪ ،‬املحصنات العفيفات احلرائر‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [املائدة‪ ]٥ :‬فدلت اآلية عىل‬
‫حل نكاح الكتابيات‪ ،‬ويدخل يف ذلك الذميات واحلربيات‪ ،‬يقول البيضاوي‪" :‬وإن كن‬

‫=مالك أن هذه اآلية نسخت قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [األنعام‪ ]1٢1 :‬وهي معتمد‬
‫هذا الرأي‪ ،‬ويرى مالك أكل ذبائح أهل الكتاب إال ما ذبحوا يوم عيدهم وألنصاهبم‪ ،‬وآية حل طعام أهل الكتاب‬
‫عامة وختصيصها حيتاج إىل دليل‪ ،‬ولعل دليل مالك‪ :‬قصد ونية القربة بالذبيحة‪ ،‬وهذا ينطبق عىل من ذكر اسم غري‬
‫اهلل عىل الذبيحة كعيسى مثالً‪ ،‬فينبغي أن يكون احلكم سواء واهلل أعلم‪ .‬انظر توثيق قول الشافعية‪ ،‬والقول بالنسخ‪،‬‬
‫وقول مالك يف‪:‬‬
‫ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٣-٤1‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )1‬يقول القرطبي يف خالفهم يف املسألة‪" :‬وروي عن ابن عباس يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ هو عىل‬
‫العهد دون دار احلرب فيكون خاص ًا‪ .‬وقال غريه‪ :‬جيوز نكاح الذمية واحلربية لعموم اآلية‪ .‬وروي عن ابن عباس‬
‫أنه قال‪﴿ :‬ﯬ﴾ العفيفات العاقالت‪ .‬وقال الشعبي‪ :‬هو أن حتصن فرجها فال تزين‪ ،‬وتغتسل من اجلنابة‪ .‬وقرأ‬
‫الشعبي ﴿ﯬ﴾ بكس الصاد‪ ،‬وبه قرأ الكسائي‪ .‬وقال جماهد‪ ﴿ :‬ﯬ﴾ احلرائر‪ ،‬قال أبو عبيد‪ :‬يذهب إىل أنه‬
‫ال حيل نكاح إماء أهل الكتاب‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ وهذا القول الذي عليه‬
‫جلة العلامء"‪.‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٧9‬‬

‫‪1٧٦‬‬
‫حربيات"‪ (1(،‬و"مجهور السلف واخللف جييزون نكاح الكتابيات‪ (٢("...‬بدليل هذه اآلية‪.‬‬

‫وهبذا املنهج يقول حمامد رفيع‪" :‬يمدد القرآن مبدأ االندماج االجتامعي مع املخالف‬
‫الديني إىل أخص اخلصائص‪ ،‬وهي احلياة الزوجية‪ ،‬واللبنة األساس للمجتمع‪ ،‬وهو ما‬
‫جيعل املخالف يف املجتمع اإلسالمي يعيش كامل مواطنته بإجيابية عالية‪ ،‬كام كان األمر عىل‬
‫األقل زمن النبوة واخلالفة الراشدة"(‪ (٣‬مع ما يف هذا الزواج من احتامالت التأثري عىل متاسك‬
‫األرسة الديني والعقدي‪ ،‬وانعكاسات ذلك عىل األبناء‪" (٤(.‬وهكذا يبدو أن اإلسالم هو‬
‫املنهج الوحيد الذي يسمح بقيام جمتمع عاملي‪ ،‬ال عزلة فيه بني املسلمني وأصحاب الديانات‬
‫الكتابية‪ ،‬وال حواجز بني أصحاب العقائد املختلفة‪ ،‬التي تظلها راية املجتمع اإلسالمي‪ ،‬فيام‬
‫(‪(٥‬‬
‫خيتص بالعرشة والسلوك‪"...‬‬

‫جسد الفعل احلضاري اإلسالمي هذه النظرة القرآنية عىل مستوى التعارف‬
‫وكام ّ‬
‫جسد هذا الفعل علامء‬
‫والتعاون االجتامعي‪ ،‬بتناول أطعمة املخالف واملصاهرة معه‪ ،‬فقد ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬عىل مستوى التعارف والتعاون والتكامل املعريف يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬وذلك برمجة‬
‫كتب اليونان لالطالع عىل أفكار املخالف‪ ،‬ومنتجه احلضاري‪ ،‬وذلك إيامن ًا منهم بتفاعل‬
‫احلضارات‪ ،‬والثقافات‪ ،‬وتالقيها يف إطار احلضارة اإلنسانية‪ ،‬ألنه تصور عقدي لدى‬
‫املسلم‪ ،‬استمده من التوجيهات القرآنية‪ ،‬بالراص واالحتاد والتعاون يف القضايا املصريية‬

‫(‪ )1‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٤٢0‬‬
‫(‪ )٢‬ابن تيمية‪ ،‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ .11٥‬وانظر‪:‬‬
‫ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.1٣0‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬رفيع‪ ،‬منهج القرآن يف بناء املشرتك اإلنساين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٣٦‬‬
‫(‪ )٤‬يقول أمحد الريسوين يف تعليقه عىل فتوى منع زواج املسلمني يف الدول الغربية من نساء غري مسلامت‪ ،‬يف سياق تقريره‬
‫ملعنى‪ :‬اعتبار املآل والعواقب يف األحكام‪" :‬هذا الزواج حمفوف بمخاطر ماثلة للعيان‪ ،‬ولذلك فالنظر إىل مآالت‬
‫الزواج يف مثل هذه الظروف‪ ،‬يقتيض القول بمنعه وعدم جوازه يف هذه احلاالت‪ ،‬وهذا يف احلقيقة ليس حتري ًام لعني‬
‫الزواج‪ ،‬بل هو حتريم للتسبب إىل مآالته املذكورة‪".‬‬
‫‪ -‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬مقاصد املقاصد‪ :‬الغايات العلمية والعملية ملقاصد الرشيعة‪ ،‬بريوت‪ :‬الشبكة العربية‬
‫لألبحاث والنرش ومركز املقاصد للدراسات والبحوث‪ ،‬ط‪٢01٣ ،1‬م‪ ،‬ص‪.٥9‬‬
‫(‪ )٥‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.8٤8‬‬

‫‪1٧٧‬‬
‫لألرسة اإلنسانية‪ ،‬بل سمى سورة من سور القرآن "بالصف" وفيها‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [الصف‪ ]٤ :‬فالراص والتعاون والتصاف‪،‬‬
‫حماب اهلل تعاىل‪.‬‬
‫كالبنيان املرصوص من ّ‬

‫فإذا كان أصل التعاون اإلنساين مس ّلمة فكرية‪َّ ،‬‬


‫أصل هلا القرآن الكريم بالشواهد‬
‫واألدلة‪ ،‬وترمجها ﷺ يف ممارساته العملية‪ ،‬وامتثل علامء ومفكرو اإلسالم هذا املنهج يف‬
‫حقب خمتلفة من تاريخ اإلسالم‪ ،‬فام هو مستند من يرفض التعاون مع املخالف؟‬

‫‪ -3‬نقض شبهة إنكار التعاون مع املخالف‪:‬‬

‫التعاون عىل عمل من أعامل الر العام‪ ،‬ال يعني بالرضورة والء وال قربى مع املخالف‪،‬‬
‫وأن التقاء املصالح يف حلظة من اللحظات‪ ،‬مع فريق من غري املسلمني‪ ،‬والسعي املشرك من‬
‫أجل حتقيقها‪ ،‬إنام هي تدابري مرحلية متليها املصالح واحلاجات أو الرضورات‪ ،‬وال يعني‬
‫بحال من األحوال اختاذ الكافرين أولياء من دون املؤمنني‪ ،‬أو أن أولياء الشيطان قد صاروا‬
‫أولياء للرمحن‪ (1(،‬بل يواىل الصالح بقدر ما فيه من خري ويعادى بقدر ما فيه من رش‪.‬‬

‫قد أيسء فهم اآليات الكثرية الواردة يف القرآن هبذا اخلصوص؛ أي التي تنهى عن‬
‫مواالة غري املسلمني‪ ،‬فاختذها بعضهم دلي ً‬
‫ال عىل منع التعاون مع املخالفني يف الدين كاليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬أو غريهم ممن تربطنا هبم مصالح مشركة يف تدبري العمران‪ ،‬واآليات كثرية‬
‫نأخذ منها ما كان أكثر عموم ًا ووضوح ًا‪:‬‬

‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬


‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [آل عمران‪ ،]٢8 :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫(‪ )1‬انظر تفصيل أكثر يف موضوع والية اليهود والنصارى بمعنى التحالف والتنارص‪ ،‬وما قرره سيد قطب من املنع‪،‬‬
‫استناد ًا إىل اآليات القرآنية‪ ،‬واألحاديث النبوية‪ ،‬ومعطيات التاريخ‪ ،‬التي أكدت حسب سيد قطب استحالة‬
‫التحالف والتنارص بني املسلمني وأهل الكتاب‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.909‬‬

‫‪1٧8‬‬
‫ﮯ﴾ [النساء‪ ،]1٤٤ :‬وقال كذلك‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﴾ [النساء‪.]1٣9-1٣8 :‬‬

‫واإلشكال هو أن الرافضني للتعاون مع املخالف‪ ،‬فهموا املسألة عىل غري صورهتا‬


‫الصحيحة؛ إذ التويل املنهي عنه‪ ،‬ليس هو التعاون عىل حتقيق مصالح املسلمني‪ ،‬أو مصالح‬
‫املجتمع البرشي عموم ًا‪ ،‬بل هو التعاون ضد اإلسالم واملسلمني؛ ألن مواالة الكفار كبرية‬
‫من الكبائر‪ ،‬بل ناقض من نواقض اإلسالم‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [املائدة‪.]٥1 :‬‬
‫يقول القرطبي‪" :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ﴾ أي يعضدهم عىل املسلمني ﴿ ﭢ ﭣ﴾ َّبني‬
‫تعاىل أن حكمه كحكمهم"‪ (٢(،‬فالتويل املحرم هو التعاضد عىل اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وهو غري‬
‫وارد يف التعاون مع املخالف من أجل مصالح املسلمني‪ ،‬أو مصالح املجتمع البرشي عموم ًا‪.‬‬
‫ويف تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [آل عمران‪ ]٢8 :‬يقول‬
‫رشيد رضا‪" :‬وإذا جازت مواالهتم التقاء الرضر‪ ،‬فجوازها ألجل منفعة املسلمني يكون‬
‫أوىل‪ ،‬وعىل هذا جيوز حلكام املسلمني أن حيالفوا الدول غري املسلمة‪ ،‬ألجل فائدة املؤمنني‬
‫(‪(٣‬‬
‫الرض أو جلب املنفعة‪".‬‬
‫بدفع ُّ ِّ‬
‫فالتعاون مع املخالف جللب املصلحة‪ ،‬أو دفع املفسدة والرضر‪ ،‬ليس من املواالة‬
‫املحرمة؛ ألن التعاون مع املخالف يف املصالح احلياتية املرتبطة بحقوق اإلنسان وحريته‬

‫(‪ (1‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬


‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﴾ [املائدة‪ ،]٥٢-٥1 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ﴾ [التوبة‪ ،]٢٣ :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ﴾ [األنفال‪ ،]٧٣ :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [املجادلة‪ ،]٢٢ :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﴾ [املمتحنة‪ .]1 :‬وانظر‪:‬‬
‫[املمتحنة‪[ ،]9 :‬آل عمران‪[ ،]٢8 :‬النساء‪[ ،]11٥ :‬النساء‪.]1٣9-1٣8 :‬‬
‫(‪ )٢‬القرطبي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٢1٧‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢٣0‬‬

‫‪1٧9‬‬
‫وكرامته‪ ،‬وكل ما حيقق مقصد العمران‪ ،‬ويعني عىل القيام بمهمة االستخالف يف األرض‪،‬‬
‫فإن هذه املشركات ال عالقة هلا بتقوية أو تضعيف أو نرش معتقدات اآلخرين‪ ،‬أو الرضا‬
‫هبا‪ ،‬فالذين يتعاونون معنا ال يرتضون ديننا‪ ،‬كام ال نرتيض دينهم؛ ألننا نتعاون يف دائرة‬
‫املشرك (حتقيق املصالح)‪ ،‬ونرك املختلف عليه (املعتقد) للتدافع املعريف‪ ،‬للجدل بالتي هي‬
‫أحسن‪ ،‬نتعاون لتحقيق مصالح حياتية مشركة للمجتمع اإلنساين‪ ،‬بعيد ًا عن املختلف فيه‬
‫الذي حكمه إىل اهلل‪.‬‬

‫وقد قام القرضاوي بدراسة اآليات التي تنهى عن مواالة غري املسلمني‪ ،‬وانتهى إىل أن‬
‫الناظر يف أسباب نزول هذه اآليات وغريها‪ ،‬واملتعلق بوالية املؤمنني للكافرين‪ ،‬واملتأمل يف‬
‫سياقاهتا‪ ،‬ودراستها جمتمعة‪ ،‬من غري االستدالل بآية واحدة منها‪ ،‬منفصلة عن بقية اآليات‬
‫يف املوضوع خيلص إىل أن "النهي عن اختاذ الكافرين أولياء"‪ ،‬املقصود به أن يكون ذلك‬
‫عىل حساب الوالء لألمة اإلسالمية‪ ،‬وهذا ما يعر عنه باخليانة‪ ،‬وأن "املوادة التي هنت عنها‬
‫اآليات" هي موادة من آذى املسلمني‪ ،‬وأخرجهم من ديارهم‪ ،‬وحا َّد اهلل ورسوله‪ ،‬عكس‬
‫من مل يقاتل املسلمني‪ ،‬وخيرجهم من ديارهم‪ ،‬وأن اإلسالم أباح للمسلم الزواج من نساء‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬والزواج يقوم عىل املودة والرمحة‪ ،‬وهذا يدل عىل أن موادة املسلم لغري املسلم‬
‫جائزة‪ ،‬واإلسالم يؤكد عىل آرصة العقيدة‪ ،‬والرابطة الدينية‪ ،‬وأهنا أوثق وأقوى من أية رابطة‬
‫أخرى‪ ،‬ولو كانت أرسية‪ ،‬أو إقليمية‪ ،‬أم عنرصية‪ ،‬وهذا ليس يف اإلسالم وحده‪ ،‬بل هو‬
‫(‪(1‬‬
‫متعارف عليه يف كل دين أو فكر أو عقيدة‪.‬‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬غري املسلمني يف املجتمع اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ٧٢‬وما بعدها (بترصف)‪ ،‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الطريقي‪ ،‬عبد اهلل بن إبراهيم‪ .‬التعامل مع غري املسلمني‪ :‬أصول معاملتهم واستعامهلم‪ ،‬دراسة فقهية‪ ،‬سلسلة‬
‫الرسائل اجلامعية (‪ ،)٤٧‬القاهرة والرياض‪ :‬دار اهلدي النبوي و دار الفضيلة‪ ،‬ط‪1٤٢8( ،1‬ه‪٢00٧/‬م)‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫وأقوال السلف يف الوالء والراء كثرية ومعلومة‪ ،‬وقد ُأ ّلفت فيها رسائل علمية منها‪:‬‬
‫‪ -‬القحطاين‪ ،‬حممد بن سعيد‪ .‬من مفاهيم عقيدة السلف الصالح‪ :‬الوالء والرباء يف اإلسالم‪ ،‬مكة املكرمة‬
‫والرياض‪ :‬دار طيبة‪ ،‬ط‪1٤1٣ ،٦‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬بن جلعود‪ ،‬حمامس بن عبد اهلل بن حممد‪ .‬املواالة واملعاداة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪ :‬دار اليقني للنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،1‬ه‪198٧ /‬م)‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫واملتأمل لسياق هذه النصوص القرآنية‪ ،‬ما ورد قبلها وما ورد بعدها‪ ،‬جيد أن هذه‬
‫اآليات واردة يف املعتدين عىل اإلسالم‪ ،‬واملحاربني له‪ ،‬ألن اختاذ احلذر من اخلصوم‪،‬‬
‫واملحاربني لألمة واجب يتجدد يف كل عرص‪ ،‬وهذا يدل عىل أن هذه اآليات وغريها يف‬
‫املوضوع نفسه‪ ،‬ال صلة هلا بالتعامل العادي بني املسلمني‪ ،‬واملخالفني هلم يف االعتقاد‪ ،‬بل‬
‫املسلمون مأمورون بالر والقسط مع املخالف غري املعتدي‪ (1(.‬لكن هناك من الفقهاء من‬
‫ذهب إىل منع كل مواالة للمخالف (الكفار) بإطالق‪ ،‬من غري تقييد‪ ،‬وذهب اجلمهور إىل‬
‫تقييد املواالة املمنوعة بالقيدين املذكورين يف النصوص الرشعية‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون الكفار يف حالة حرب مع املسلمني‪.‬‬


‫(‪(٢‬‬
‫‪ -‬أن تكون مواالة الكفار موجهة ضد املسلمني‪.‬‬
‫ونضيف إىل ما سبق‪ ،‬من نقض دعوى التعاون مع املخالف‪ ،‬مسألتني عمليتني‪ :‬األوىل‪:‬‬
‫حلف الفضول‪ :‬وهو دليل من السنة‪ ،‬عىل التعاون عىل املشرك مع "أويل بقية" من عقالء‬
‫املجتمع اإلنساين‪ .‬والثاين‪ :‬جواز التعامل بالتجارة مع املخالف‪ ،‬يف أقوال الفقهاء‪ :‬وهو دليل‬
‫من الفكر اإلسالمي‪ ،‬يرز موقف مفكري اإلسالم من املخالف والتعاون معه‪.‬‬

‫أ‪ -‬حلف الفضول‪:‬‬

‫ومن األدلة الناقضة لدعوى عدم التعاون مع املخالف‪" ،‬حلف الفضول"(‪ ،(٣‬وفيه‬
‫داللة قوية عىل التعاون اإلنساين عىل القيم الفاضلة‪ ،‬واملقاصد النبيلة‪ ،‬وقد شهده النبي ﷺ‬
‫يف شبابه‪ ،‬فقد اتفق املوقعون عليه عىل رد املظامل وإعانة املظلوم‪ ،‬وغريها من القيم اإلنسانية‬
‫املشركة‪.‬‬

‫(‪ )1‬هويدي‪ ،‬فهمي‪ .‬مواطنون ال ذميون‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،٣‬ه‪1999/‬م)‪ ،‬ص‪.1٥٦‬‬
‫(‪ )٢‬قام فيصل مولوي بدراسة القضية حتت عنوان‪" :‬مفهوم الوالء والراء وأثره عىل مرشوعية العيش املشرك‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬مولوي‪ ،‬فيصل‪ .‬املسلم مواطن ًا يف أوروبا‪ ،‬سلسلة قضايا األمة (‪ ،)٢‬لندن‪ :‬االحتاد العاملي لعلامء املسلمني‪ ،‬جلنة‬
‫التأليف والرمجة‪1٤٢9( ،‬ه‪٢008/‬م)‪ ،‬ص‪.٢٣‬‬
‫(‪ )٣‬النووي‪ ،‬املنهاج يف رشح صحيح مسلم بن احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪ .8٢‬حيث يقول عن أحالف اجلاهلية‪:‬‬
‫"وا ُْمل َحا َل َف ُة عىل طاعة اهلل تعاىل والتنارص يف الدين والتعاون عىل الر والتقوى وإقامة احلق‪ ،‬فهذا باق مل ينسخ‪".‬‬

‫‪181‬‬
‫وهذا احللف دليل عىل إقرار أصل التعاون اإلنساين‪ ،‬وال يضعف االستشهاد به كونه‬
‫وقع قبل اإلسالم‪ ،‬فإن النبي أقره بعد البعثة وأكد التزامه به‪ .‬قال ابن كثري فيام ينقله عن‬
‫أصحاب السري‪" :‬حتالفوا أن ترد الفضول عىل أهلها وأال يغزو ظامل مظلوم ًا"‪ (1(.‬وذهب‬
‫الطحاوي إىل أن التعاون يف احللف كان عىل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وعىل نرصة‬
‫ُهم عىل األمر باملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ ،‬وأن ال يدعوا ألحد عند‬
‫املظلوم‪" :‬وكان حمالفت ْ‬
‫(‪(٢‬‬
‫أحد فض ً‬
‫ال إال أخذوه‪ ،‬وبذلك سمي حلف الفضول‪".‬‬

‫وذكر ابن حجر أن احللف كان عا ّم ًا يف كل خالل اخلري‪" :‬وكان مجع من قريش اجتمعوا‪،‬‬
‫فتعاقدوا عىل أن ينرصوا املظلوم وينصفوا بني الناس‪ ،‬ونحو ذلك من خالل اخلري"‪ (٣(،‬وقال‬
‫أيض ًا‪" :‬وكان حلفهم أن ال يعني ظامل مظلوم ًا بمكة‪ ،‬وذكروا يف سبب ذلك أشياء خمتلفة‬
‫حمصلها أن القادم من أهل البالد كان يقدم مكة‪ ،‬فربام ظلمه بعض أهلها فيشكوه إىل من هبا‬
‫من القبائل‪ ،‬فال يفيد‪ ،‬فاجتمع بعض من كان يكره الظلم ويستقبحه‪ ،‬إىل أن عقدوا احللف‪،‬‬
‫وظهر اإلسالم وهم عىل ذلك‪ (٤(".‬يقول القرطبي‪" :‬فسمت قريش ذلك احللف حلف‬
‫ان ِح ْلف ًا َما‬
‫الفضول‪ ،‬وهو الذي قال فيه الرسول ﷺ‪َ " :‬ل َقدْ َش ِهدْ ُت ِيف َد ِار َع ْب ِد اهللِ ْب ِن ُجدْ َع َ‬
‫اإل ْس َال ِم َألَ َج ْب ُت"‪ (٥(.‬وهذا احللف هو املعنى املراد‬ ‫مح َر النَّ َع ِم‪َ ،‬و َل ْو ُأ ْد َعى بِ ِه ِيف ْ ِ‬
‫ب َأ َّن ِ َيل بِ ِه ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ُأح ُّ‬
‫اإل ْس َال ُم إِ َّال ِشدَّ ةً"؛(‪ (٦‬ألنه موافق‬ ‫اه ِل َّي ِة َمل َي ِز ْد ُه ْ ِ‬
‫ْ‬
‫اجل ِ‬
‫َان ِيف ْ َ‬‫فك َ‬ ‫يف قوله عليه السالم‪" :‬و َأيام ِح ْل ٍ‬
‫َ ُّ َ‬

‫(‪ )1‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣٥٦‬‬


‫(‪ )٢‬الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬أمحد بن حممد بن سالمة األزدي‪ .‬رشح مشكل اآلثار‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫"ش ِهدْ ُت َم َع‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،1‬ه‪1٤9٤/‬م)‪ ،‬باب‪ :‬بيان مشكل ما ُروي عن رسول اهلل ﷺ من قوله‪َ :‬‬
‫ع ُُمو َمتِي ِح ْل َ‬
‫ف ا ُْمل َط َّيبِنيَ ‪ "،‬ج‪ ،1٥‬حديث رقم (‪ ،)٥9٧1‬ص‪.٢٢1‬‬
‫(‪ )٣‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.٥0٢‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٤٧٣‬‬
‫إعطاء ا ْل َفي ِء ع ََىل الدِّ يو ِ‬
‫ان‪ ،‬ومن ي َقع بِهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫(‪ )٥‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪َ :‬ق ْس ِم ا ْل َف ْيء َوا ْلغَن َ‬
‫يمة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫ا ْلبِدَ ا َي ُة‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٥9٦‬‬
‫اخ ِاة النبي ﷺ بني‬ ‫(‪ )٦‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬فضائل الصحابة ريض اهلل تعاىل عنهم‪ ،‬باب‪ُ :‬مؤَ َ‬
‫أصحابه ريض اهلل تعاىل عنهم‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪ ،)٢٥٣0‬ص‪.19٦1‬‬

‫‪18٢‬‬
‫للرشع؛ إذ أمر باالنتصاف من الظامل‪ .‬فأما ما كان من عهودهم الفاسدة وعقودهم الباطلة‬
‫(‪(1‬‬
‫عىل الظلم والغارات فقد هدمه اإلسالم واحلمد هلل‪".‬‬

‫فهذا دليل عميل عىل أصل التعاون اإلنساين‪ ،‬فهو حلف أخالقي مشرك بني عقالء‬
‫الناس‪ ،‬حدث قبل اإلسالم‪ ،‬وأقره اإلسالم؛ ألنه جيسد النموذج التعاوين الذي يقرحه‬
‫اإلسالم عىل البرشية‪ ،‬لتنظيم عالقاهتم‪ ،‬وتقليل اختالفاهتم‪.‬‬

‫ب‪ -‬جواز التعاون التجاري مع املخالف‪:‬‬

‫ومن األدلة كذلك جواز التعاون مع املخالف يف التجارة‪ ،‬ويدل عىل ذلك اجتهادات‬
‫الفقهاء(‪ ،(٢‬قال الفقهاء بجواز التعامل بني املسلمني وغريهم يف التجارة "قال ابن القاسم‪ :‬ولقد‬
‫سألت مالك ًا عن الروم ينزلون بساحل املسلمني معهم التجارات بأمان فيبيعون ويشرون‪ ،‬ثم‬
‫يركبون البحر راجعني إىل بالدهم‪ ،‬فإذا َأ ْم َعنُوا يف البحر رمتهم الريح إىل بعض بلدان املسلمني‬
‫ان؟ قال‪ :‬قال مالك‪ :‬هلم األمان َأ َبد ًا ما داموا يف َ ْجت ِر ِه ْم‬
‫غري البالد التي كانوا أخذوا فيها األَ َم َ‬
‫حتى يرجعوا إىل بالدهم وال أرى هلم أن هياجروا‪ (٣(".‬وقال السخيس‪" :‬وإذا دخل املسلم أو‬
‫الذمي دار احلرب تاجر ًا بأمان فأصاب هناك ماالً ودور ًا‪ ،‬ثم ظهر املسلمون عىل ذلك كله‪ ،‬فهو‬
‫(‪(٥‬‬
‫له كله‪ (٤("..‬وكالم العلامء يف هذا كثري‪ ،‬مما يدل عىل جواز التعاون مع املخالف يف التجارة‪.‬‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٣٣‬‬


‫(‪ )٢‬وهي اجتهادات قائمة عىل نصوص الوحي‪ ،‬ثبت رشاء النبي ﷺ من هيودي‪ ،‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬أن النبي ﷺ‬
‫ود ٍّي َط َعام ًا إِ َىل َأ َج ٍل‪َ ،‬و َر َهنَ ُه ِد ْر َع ُه‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫"اش َرى ِمن هي ِ‬
‫ْ َُ‬ ‫ْ َ‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الرهن‪ ،‬باب‪ :‬من رهن درعه‪ ،‬ج‪ ،٣‬حديث رقم (‪ ،)٢٥09‬ص‪.1٤٢‬‬
‫(‪ )٣‬األصبحي‪ ،‬اإلمام مالك بن أنس‪ .‬املدونة الكربى‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،1‬ه‪199٤/‬م)‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.٥0٢‬‬
‫(‪ )٤‬السخيس‪ ،‬أبو بكر شمس األئمة حممد بن أمحد بن سهل‪ .‬املبسوط‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪1٤1٤( ،‬ه‪199٣/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،10‬ص‪.٦٧‬‬
‫(‪ (٥‬الشريازي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن عيل بن يوسف‪ .‬املهذب يف فقه الشافعي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪( ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ج‪،٣‬‬
‫ص‪ .٣19‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬اقتضاء الرصاط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم‪ ،‬حتقيق‪ :‬نارص‬
‫عبد الكريم العقل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار عامل الكتب‪ ،‬ط‪1٤19( ،٧‬ه‪1999/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٥‬‬
‫‪ -‬أبو يوسف‪ ،‬اخلراج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤9‬‬

‫‪18٣‬‬
‫فإذا كان هناك اختالف أسس له اخلطاب القرآين‪ ،‬باإلرادة التكوينية والترشيعية‪ ،‬فإنه‬
‫ال يعني أن نختلف يف تسيري أمور حياتنا ومعاشنا‪ ،‬التي تقوم عىل املصالح املشركة‪ ،‬فإن‬
‫اخلطاب القرآين أرشد البرشية إىل أصل التعاون لتدبري هذا االختالف‪.‬‬

‫والبرشية وهي تسلك طريق التعاون‪ ،‬ينبغي التمييز بني التعاون عىل نرصة املظلوم‬
‫واإلنكار عىل الظامل‪ ،‬وبني التعرض لديانته أو طائفته أو عرقه أو دولته؛ ألن إنكار املنكر ال‬
‫ينبغي ربطه مبارشة بتوجهات أصحاب املنكر‪ ،‬ما مل يقم دليل قاطع عىل إثبات ذلك‪.‬‬

‫فالقرآن الكريم يف دعوته املجتمع البرشي للتعاون‪ ،‬ينري الطريق للبرشية الستثامر ُسنَّة‬
‫االختالف‪ ،‬وتدبري االختالف بالتعاون عىل املصالح املشركة يف احلياة‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫االختالف بكل مظاهره‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬أصل إقامة الصلح وترك اخلصام‬


‫متهيد‪:‬‬
‫الصلح أصل ترشيعي عميل لتدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬أشار إليه القرآن الكريم‪ ،‬يف‬
‫سياقات خمتلفة‪ ،‬وحث عليه طريف النزاع‪ ،‬لتدبري اختالفاهتم‪ ،‬واحلد من تطور نزاعاهتم‪،‬‬
‫ومحاية اجلامعة اإلنسانية‪ ،‬سواء كان بني عموم الناس‪ ،‬مسلمني كانوا أو غري مسلمني‪ ،‬أو‬
‫كان داخل دائرة اإلسالم بني الطوائف اإلسالمية‪ ،‬أو كان بني األفراد واألرس‪ ،‬أو العالقات‬
‫االجتامعية عموم ًا‪ ،‬فهو أصل حلامية املجتمع اإلنساين من التفرق والنزاع واخلصام‪.‬‬

‫فاالجتاه نحو الصلح حلامية األمن والسلم أسلوب حضاري‪ ،‬يقرحه القرآن الكريم‬
‫عىل بني اإلنسان‪ ،‬وجعل فيه اخلريية املطلقة‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭡ ﭢ﴾ [النساء‪ ،]1٢8 :‬للحد‬
‫من اخلصومات املفضية إىل القتال وسفك الدماء‪ ،‬وحتصني املجتمع البرشي من تداعيات‬
‫االختالف التي ال ضابط هلا‪.‬‬

‫ونحاول يف هذا املبحث حتليل ودراسة أصل الصلح‪ ،‬لتجلية دوره يف تدبري االختالف‬
‫اإلنساين‪ ،‬من خالل‪:‬‬

‫‪18٤‬‬
‫‪ -1‬الصلح العام بني الناس‪:‬‬

‫الص ْل ُح(‪ (1‬يف (اللغة) إهناء اخلصومة بني الناس‪ ،‬وإهناء احلروب بينهم‪ ،‬ويدل عىل‬
‫ُّ‬
‫(‪(٣‬‬
‫خيتص بإزالة النّفار بني الناس"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"والص ْل ُح‬
‫ُّ‬ ‫خالف الفساد‪ (٢(.‬وقال الراغب األصفهاين‪:‬‬
‫واإلصالح بني املختلفني املتباينني‪ :‬إرجاعهام إىل األلفة واجتامع الكلمة باملودة إذا فسدت‬
‫(‪(٥‬‬
‫العالقة بينهم‪ (٤(،‬واصطلح الناس أو القوم‪ :...‬زال ما بينهم من خالف‪.‬‬

‫(‪ )1‬ذكر ابن حجر أقسام ًا للصلح فقال‪" :‬والصلح أقسام‪ :‬صلح املسلم مع الكافر‪ ،‬والصلح بني الزوجني‪ ،‬والصلح‬
‫ال‪ ،‬والصلح‬‫ني كالزوجني‪ ،‬والصلح يف اجلراح كالعفو عىل م ٍ‬ ‫بني الفئة الباغية والعادلة‪ ،‬والصلح بني ا ُْمل َتغ ِ‬
‫َاض َب ْ ِ‬
‫َ‬
‫َالش َو ِارعِ‪ ،‬وهذا األخري هو الذي يتكلم فيه‬ ‫امح ُة؛ إِما يف ْاألَم َال ِك‪ ،‬أو يف ا ُْمل ْش َرك ِ‬
‫َات‪ ،‬ك َّ‬ ‫لقطع اخلصومة إذا وقعت ا ُْملزَ َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أصحاب الفروع‪ "،‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢98‬‬
‫وذكر ابن قدامة أنواع ًا للصلح وهي‪ :‬الصلح بني املسلمني وأهل احلرب‪ ،‬والصلح بني أهل العدل وأهل‬
‫البغي‪ ،‬والصلح بني الزوجني‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٥٧‬‬
‫(‪ (٢‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬صلح)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .٥1٧‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫(‪ (٣‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬صلح)‪ ،‬ص‪.٤89‬‬
‫(‪ )٤‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ .٢0٢-٢01‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٣9‬‬
‫(‪ )٥‬أبو حبيب‪ ،‬القاموس الفقهي لغة واصطالح ًا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢1٤‬‬
‫والصلح يف اصطالح الفقهاء‪ :‬عرفه احلنفية بأنه "عقد يرفع النزاع" ويقطع اخلصومة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬النسفي‪ ،‬أبو الركات وعبد اهلل بن أمحد بن حممود‪ .‬كنز الدقائق‪ ،‬حتقيق‪ :‬سائد بكداش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار البشائر‬
‫اإلسالمية ودار الساج‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،1‬ه‪٢011/‬م)‪ ،‬ص‪.٥1٦‬‬
‫ض لرفع نزاع‪ ،‬أو خوف وقوعه‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫وعرفه املالكية‪" :‬الصلح‪ :‬انْتِقال عن َح ٍّق أو َدع َْوى بِ ِع َو ٍ‬
‫‪ -‬احلطاب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن الرعيني‪ .‬مواهب اجلليل يف رشح خمترص خليل‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤1٢( ،٣‬ه‪199٢/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٧9‬‬
‫وهو عند الشافعية‪" :‬عقدٌ حيصل به قطع النزاع"(بترصف)‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الرشبيني‪ ،‬شمس الدين حممد بن أمحد اخلطيب الرشبيني‪ .‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،1‬هـ‪199٤/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٦1‬‬
‫ِ‬
‫املختل َف ْني‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫اإلصالح بني‬ ‫وعند احلنابلة‪" :‬الصلح ُم َعا َقدَ ٌة يتوصل هبا إىل ِ‬
‫‪ -‬ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٥٧‬‬
‫وجاء يف املوسوعة الفقهية‪ :‬الصلح "معاقدة يرتفع هبا النزاع بني اخلصوم‪ ،‬ويتوصل هبا إىل املوافقة بني‬
‫=‬ ‫املختلفني‪ ".‬انظر‪:‬‬

‫‪18٥‬‬
‫فالصلح واإلصالح هو‪ :‬إهناء أو إزالة اخلصومات والنزاعات واخلالفات بني الناس‪،‬‬
‫من أجل بناء االئتالف اإلنساين‪ ،‬فهو أصل مهم يف تدبري االختالف‪.‬‬

‫قال تعاىل يف الدعوة إىل اإلصالح بني عموم الناس‪ (1(،‬يف سياق النهي عن النجوى‪:‬‬
‫﴿ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [النساء‪ ]11٤ :‬يروي البغوي عن جماهد قوله‪:‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫"اآلية عام ٌة يف حق مجيع الناس"‪.‬‬

‫وهو عام كذلك يف كل ما خيتلف ويتنازع فيه الناس‪ ،‬يقول القرطبي‪﴿ " :‬ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ﴾ عام يف الدماء واألموال واألعراض‪ ،‬ويف كل يشء يقع التداعي واالختالف‬
‫فيه‪ (٣(،"...‬ويقول القايض أبو الوليد بن رشد‪" :‬وهذا عام يف الدماء واألموال واألعراض‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫ويف كل يشء يقع التداعي واالختالف فيه بني املسلمني"‪.‬‬

‫فالصلح أصل ترشيعي عام لتدبري االختالف بني الناس‪ ،‬والتوفيق بينهم‪ ،‬يف كل ما‬
‫يقع بينهم من نزاعات وخصومات‪ ،‬يف األموال أو الدماء أو األعراض‪ ،‬وال يقترص عىل‬
‫الصلح بني الطوائف اإلسالمية‪ ،‬أو بني العالقات األرسية واالجتامعية الفردية واجلامعية؛‬

‫=‪ -‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية‪ .‬املوسوعة الفقهية‪ ،‬الكويت والقاهرة‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية ومطابع دار الصفوة‪ ،‬ط‪( ،1‬من‪1٤٢٧-1٤0٤ :‬ه)‪ ،‬ج‪ ،٢٧‬ص‪ .٣٢٣‬ويتبني من التعريف‬
‫اللغوي‪ ،‬وتعريفات الفقهاء‪ ،‬أن الصلح‪ :‬إهناء النزاع واخلصومة بني املختلفني‪.‬‬
‫(‪ )1‬احلواس‪ ،‬حممد‪» .‬اإلصالح بني الناس يف القرآن الكريم‪ »،‬جملة تبيان للدراسات القرآنية‪ ،‬اجلمعية العلمية السعودية‬
‫للقرآن الكريم وعلومه‪ ،‬العدد‪1٤٣٥ ،)1٥( :‬ه‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )٢‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢8٦‬‬
‫(‪ )٣‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪ .٣8٤‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥9٤‬‬
‫وقال الشنقيطي‪" :‬مل يبني هنا هل املراد بالناس املسلمون دون الكفار أو ال‪ .‬ولكنه أشار يف مواضع آخر أن املراد‬
‫بالناس املرغب يف اإلصالح بينهم هنا املسلمون خاصة‪ ".‬انظر تفصيل هذا الرأي يف‪:‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣0٧-٣0٦‬‬
‫(‪ )٤‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد‪ .‬املقدمات املمهدات‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬هـ‪/‬‬
‫‪1988‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥1٥‬‬

‫‪18٦‬‬
‫فجميع أنواعه حسن‪ ،‬يقول الزيلعي‪" :‬قالوا معناه جنس‬ ‫(‪(1‬‬
‫ألن املراد جنس الصلح‪،‬‬
‫الصلح خري وال يعود إىل الصلح املذكور؛ ألنه خرج خمرج التعليل‪ ،‬والعلة ال َت َت َق َّيدُ بمحل‬
‫ِ‬
‫املنازعات‬ ‫ورفع‬ ‫احلكم فيعلم هبذا أن مجيع أنواعه َح َس ٌن؛ ألن فيه إطفا َء الن َِّائ َر ِة بني الناس‬
‫َ‬
‫(‪(٢‬‬
‫عنهم‪".‬‬ ‫ا ُْملوبِ َق ِ‬
‫ات‬
‫ْ‬
‫﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﴾ [احلجرات‪]9 :‬‬ ‫واحلكم يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ال يقترص عىل اجلامعات‪ ،‬بل يتعداه إىل األفراد كذلك‪ ،‬يقول ابن عطية‪" :‬فهذه اآلية احلكم‬
‫فيها يف األفراد ويف اجلامعات واحد"‪ (٣(،‬وقد ذكر ابن تيمية أن حكم اآلية ال خيتص بسببها‬
‫بل يشمله ويعم ما يشبهه‪ (٤(،‬مما يؤكد أن الصلح أصل لتدبري االختالف عموم ًا‪ ،‬وال خيتص‬
‫باألنواع التي ورد النص عليها؛ ألن الصلح خرج خمرج التعليل‪ ،‬فال يتقيد بمحل احلكم كام‬
‫ذكر الزيلعي‪.‬‬

‫وجعل اخلطاب القرآين اخلريية يف اإلصالح مطلقة‪ ،‬يف كل نزاع بني الناس مجيعهم‪ ،‬يف‬
‫سياق األمر باإلصالح بني الناس‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭡ ﭢ﴾ [النساء‪ ]1٢8 :‬يقول ابن عطية‪:‬‬
‫" ﴿ﭡ ﭢ﴾ لفظ عام مطلق بمقتىض أن الصلح احلقيقي الذي تسكن إليه النفوس‬
‫ويزول به اخلالف خري عىل اإلطالق"‪ (٥(،‬ويقول الزركيش‪" :‬فإهنم استدلوا هبا عىل استحباب‬
‫ِ ِ ِ ِ (‪(٦‬‬
‫كل صلح‪ ،‬فاألول‪ :‬الصلح بني الزوجني داخل يف الثاين‪ :‬الصلح العام وليس بجنْسه‪".‬‬

‫(‪ )1‬يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﴾ [احلجرات‪ ،]9 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﴾ [النساء‪.]1٢8 :‬‬

‫(‪ )٢‬الزيلعي‪ ،‬فخر الدين عثامن بن عيل الزيلعي‪ .‬تبيني احلقائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬القاهرة‪ :‬املطبعة الكرى األمريية‪،‬‬
‫بوالق‪ ،‬ط‪1٣1٣( ،1‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٣0‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٤8‬‬
‫(‪ )٤‬ابن تيمية‪ ،‬مقدمة يف أصول التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦-1٥‬‬
‫(‪ )٥‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرج سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٢0‬‬
‫(‪ )٦‬الزركيش‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬بدر الدين حممد بن هبادر بن عبد اهلل‪ .‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪،‬‬
‫بريوت والقاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العربية ومطبعة عيسى البايب احللبي ورشكائه‪ ،‬ط‪1٣٧٦( ،1‬ه‪19٥٧/‬م)‪ ،‬ج‪،٤‬‬
‫ص‪.100‬‬

‫‪18٧‬‬
‫وحرص ًا عىل الصلح أجاز النبي ﷺ الكذب‪ (1(،‬قال فيام روته عنه أم كلثوم بنت عقبة‪:‬‬
‫َّاس َف َق َال َخ ْري ًا َأ ْو ن ََمى َخ ْري ًا"‪ (٢(.‬وجاء يف التمهيد‪..." :‬‬ ‫" َل ْي َس بِا ْلك ََّذ ِ‬
‫اب َم ْن َأ ْص َل َح َب ْ َ‬
‫ني الن ِ‬
‫أليس من قال ما مل يكن فقد كذب؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إنام الكاذب ْاآلثِ ُم‪ ،‬فأما املأجور فال‪ ،‬أمل تسمع‬
‫إىل قول إبراهيم عليه السالم‪ ﴿ :‬ﮓ ﮔ﴾‪ ،‬و ﴿ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‪ ،‬وقال يوسف‬
‫إلخوته‪﴿ :‬ﭞ ﭟ﴾ وما رسقوا‪ ،‬وما أثم يوسف؛ ألنه مل يرد إال خري ًا‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪:‬‬
‫﴿ ﮠ ﮡ ﮢﮣ﴾‪ ،‬وقال امللكان لداود عليه السالم‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ ومل‬
‫يكونا خصمني‪ ،‬وإنام أرادا اخلري‪ ،‬واملعنى احلسن‪ ،‬ويف حديث هجرة النبي ﷺ مع أيب بكر إىل‬
‫املدينة‪ ،‬أهنام لقيا رساقة بن مالك بن ُج ْع ُش ٍم‪ ،‬وكان النبي ﷺ قد أراد من أيب بكر أن يكون‬
‫الر ُج ُل؟‬
‫املقدم عىل دا َّبته‪ ،‬ويكون النبي عليه السالم خلفه‪ ،‬فلام لقيا رساقة قال أليب بكر‪ :‬من َّ‬
‫قال‪ :‬باغٍ‪ ،‬قال‪ :‬فمن الذي خلفك؟ قال‪ :‬ه ٍ‬
‫اد‪ ،‬قال‪َ :‬أ ْح َس ْس َت ُحم َ َّمد ًا؟ قال‪ :‬هو ورائي‪".‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ويظهر بجالء حرص اإلسالم عىل الصلح يف التطبيق العميل للسنة النبوية(‪ ،(٤‬وذلك‬
‫يف قصة صلح احلديبية‪ (٥(،‬مع ما اكتنف الوثيقة من بنود جمحفة يف حق املسلمني‪ ،‬وما ورد‬

‫(‪ )1‬انظر‪" :‬بيان ما رخص فيه من الكذب" يف‪:‬‬


‫‪ -‬حوى‪ ،‬سعيد‪ .‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،10‬ه‪٢00٤/‬م)‪ ،‬ص‪.٤10‬‬
‫(‪ )٢‬ابن حنبل‪ ،‬مسند أمحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤٥‬حديث رقم (‪ ،)٢٧٢٧8‬ص‪.٢٤9‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عبد الر‪ ،‬أبو عمر‪ ،‬يوسف بن عبد اهلل بن حممد‪ .‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى بن أمحد‬
‫العلوي وحممد عبد الكبري البكري‪ ،‬الرباط‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬ط‪1٣8٧( ،1‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪.٢٥1‬‬
‫(‪ )٤‬ومما يدل عىل أمهية أصل الصلح يف تدبري االختالف بني الناس‪ ،‬إصالح رسول اهلل ﷺ بني الناس‪ ،‬حتى َّبوب‬
‫البخاري يف صحيحه‪ :‬باب‪ :‬ما جاء يف اإلصالح بني الناس إِذا َت َف َ‬
‫اسدُ وا‪ ،‬وقول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾‬
‫[النساء‪ ]٤11 :‬وخروج اإلمام إىل املواضع ليصلح بني الناس بأصحابه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب الصلح‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.18٣-18٢‬‬ ‫‪-‬‬
‫عازب ريض اهلل عنهام‪ ،‬قال‪" :‬صالح النبي ﷺ املرشكني يوم احلديبية عىل ثالثة أشياء‪ :‬عىل أن من‬ ‫(‪ )٥‬عن الراء بن ِ‬
‫أتاه من املرشكني ر ّده إليهم‪ ،‬ومن أتاهم من املسلمني مل يردوه‪ ،‬وعىل أن يدخلها من قابل‪ ،‬ويقيم هبا ثالثة أيام‪ ،‬وال‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حي ُج ُل يف قيوده‪ ،‬فرده إليهم‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫والقوس ونحوه‪ ،‬فجاء أ ُبو َجنْدَ ل َ ْ‬ ‫السيف‬ ‫يدخلها إال بِ ُج ُل َّبان ِّ‬
‫السال َِح‬ ‫ُ‬
‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الصلح‪ ،‬باب‪ :‬الصلح مع املرشكني‪ ،‬ج‪ ،٣‬حديث رقم‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ ،)٢٧00‬ص‪ .18٥‬وقد سبقت اإلشارة إىل بعض الوثائق النبوية مثل‪ :‬وثيقة صحيفة املدينة‪ ،‬ووثيقة صلح‬
‫احلديبية‪ ،..‬يف غري موضع من هذه الدراسة حسب سياق تناوهلا‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫فيها من تنازالت من جهة الرسول ﷺ‪ ،‬عن كتابة (بسم اهلل الرمحن الرحيم) وكتابة (حممد‬
‫رسول اهلل)‪ ،‬حتى استاء الصحابة‪ ،‬وأحسوا بإجحاف الوثيقة‪ ،‬وإهانة املسلمني‪.‬‬

‫إال أنّه ﷺ الفقيه خلطاب اهلل تعاىل‪ ،‬املتمثل ملقاصده وقيمه الكلية العامة‪ ،‬كان حريص ًا‬
‫عىل املقصد األسمى من الوثيقة‪ ،‬تعلي ًام للمسلمني‪ ،‬وللمخالف‪ ،‬وللبرشية مجعاء‪ ،‬بأن‬
‫الصلح كيل‪ ،‬ومقصد عظيم لتدبري االختالف‪ ،‬جيب التمسك به‪ .‬وقصده يف كل األقوال‬
‫واألعامل‪ ،‬من أجل تدبري االختالف‪ ،‬ولو بالتنازل عىل أمور شكلية جزئية تفصيلية؛ ألن‬
‫"اخلالف يكمن أكثر يف التفاصيل‪ ،‬والوفاق يتحقق أكثر مع الكليات العامة الناظمة ملا ال‬
‫(‪(1‬‬
‫حرص له من اجلزئيات‪".‬‬

‫‪ -2‬الصلح بني الطوائف اإلسالمية‪:‬‬

‫فإذا كان القرآن الكريم يدعو إىل الصلح العام بني عموم الناس‪ ،‬فإنه أمر املؤمنني‬
‫بإصالح ذات بينهم‪ ،‬من أجل احلفاظ عىل األخوة واأللفة‪ ،‬وترك النزاع واخلصومة‬
‫فيام بينهم‪ ،‬حتى تبقى األمة اإلسالمية موحدة‪ ،‬بعيدة عن كل ما يثري النزاع أو االفراق‬
‫بينها‪ ،‬فقال تعاىل يف إصالح ذات البني‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [األنفال‪]1 :‬؛‬
‫"أي‪ :‬أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر‪ ،‬بالتوادد والتحاب والتواصل‪،‬‬
‫فبذلك جتتمع كلمتكم‪ ،‬ويزول ما حيصل ‪-‬بسبب التقاطع‪ -‬من التخاصم‪ ،‬والتشاجر‬
‫والتنازع"‪ (٢(.‬وقال البغوي‪" :‬أي اتقوا اهلل بطاعته‪ ،‬وأصلحوا احلال بينكم برك املنازعة‬
‫(‪(٣‬‬
‫واملخالفة‪".‬‬

‫واألمر باإلصالح هنا‪ ،‬جاء يف سياق االختالف والتنازع حول موضوع الغنائم‪" (٤(،‬وإذا‬
‫(‪(٥‬‬
‫كان ذلك معناه‪ ،‬جاز أن يكون نزوهلا من أجل اختالف أصحاب رسول اهلل ﷺ فيها‪".‬‬

‫(‪ )1‬الريسوين‪ ،‬مقاصد املقاصد‪ :‬الغايات العلمية والعملية ملقاصد الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪( .٦٣‬بترصف)‬
‫(‪ )٢‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣1٥‬‬
‫(‪ )٣‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٣٢٦‬‬
‫(‪ )٤‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣٢٦‬‬
‫(‪ )٥‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.٣٧9‬‬

‫‪189‬‬
‫رك ُْم بِ َأ ْف َض َل ِم ْن‬
‫ورغب ﷺ يف إصالح ذات البني‪ ،‬وحذر من فسادها بقوله‪َ " :‬أ َال ُأ ْخ ِ ُ‬
‫ات‬‫ني‪َ .‬ق َال‪ :‬و َفساد َذ ِ‬ ‫درج ِة الص َال ِة‪ ،‬والصيا ِم‪ ،‬والصدَ َق ِة؟" قالوا‪ :‬بىل‪ .‬قال‪" :‬إِص َالح َذ ِ‬
‫ات ا ْل َب ْ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ِّ َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ََ َ‬
‫ْ ِ َ ُ (‪(1‬‬ ‫ا ْلب ِ ِ‬
‫احلالقة‪".‬‬
‫ني ه َي َ‬ ‫َْ‬
‫وقال تعاىل يف األمر بالصلح بني الطائفتني املختصمتني داخل الدائرة اإلسالمية‬
‫وهو"صلح بني أهل العدل وأهل البغي"‪ ﴿ (٢( :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [احلجرات‪.]10-9 :‬‬

‫واختُلف يف سبب نزول هذه اآلية عىل أربعة أقوال‪ (٣(،‬لكن كل ما ُذكر يدخل حتت‬
‫عموم اآلية‪ ،‬وهو طلب اإلصالح بني املتنازعني املختلفني‪ ،‬واإلصالح األول يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﮞ ﮟ﴾ إصالح »بإزالة االقتتال نفسه‪ ،‬وذلك يكون بالنصيحة أو التهديد والزجر‬
‫واإلصالح الثاين يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ إصالح‬ ‫(‪(٤‬‬
‫والتعذيب»‪،‬‬
‫"بإزالة آثار القتل بعد اندفاعه من ضامن املتلفات"‪ (٥(،‬وقال السعدي‪" :‬هذا أمر بالصلح‪،‬‬
‫(‪(٦‬‬
‫وبالعدل يف الصلح‪".‬‬

‫(‪ )1‬ابن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤٥‬حديث رقم (‪ ،)٢٧٥08‬ص‪.٥00‬‬
‫(‪ )٢‬ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٥٧‬‬
‫(‪ )٣‬ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪ .1٤8‬ومما ورد يف سبب نزوهلا ما جاء عن أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫فانطلق املسلمون يمشون مع ُه وهي‬
‫َ‬ ‫يب‪" ،‬فانْطلق إليه النبي ﷺ وركب محار ًا‪،‬‬ ‫قيل للنبي ﷺ‪ :‬لو أتيت عبد اهلل ْب َن ُأ َ ٍّ‬
‫منهم‪ :‬واهلل‬
‫رجل من األنصار ْ‬‫أرض َسبِ َخ ٌة‪ "،‬فلام أتاه النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬إليك عني‪ ،‬واهلل لقدْ آ َذاين َن ْت ُن محارك‪ ،‬فقال ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رجل من قومه‪ ،‬فشتم ُه‪ ،‬فغضب لكل واحد منهام أصحا ُب ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫منك‪ ،‬فغضب لع ْبد اهلل ٌ‬ ‫أطيب رحي ًا َ‬ ‫حلامر رسول اهلل ﷺ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فكان بينهام رضب باجلريد واأليدي والنعال‪ ،‬فبلغنا أهنا أنزلت‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[احلجرات‪ ".]9 :‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الصلح‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف اإلصالح بني الناس إذا تفاسدوا‪،..‬‬
‫ج‪ ،٣‬حديث رقم (‪ ،)٢٦91‬ص‪.18٣‬‬
‫(‪ )٤‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢8‬ص‪.1٢9-1٢8‬‬
‫(‪ )٥‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢8‬ص‪.1٢9-1٢8‬‬
‫(‪ )٦‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.800‬‬

‫‪190‬‬
‫ورشع اهلل تعاىل وجوب قتال الفئة الباغية الرافضة للصلح‪ ﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫يكون بني ِ‬
‫الفريقني‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫اختالف‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ ألنه "لو كان الواجب يف كل‬
‫جور سبي ً‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫النفاق وال ُف ِ‬ ‫باطل‪ ،‬ولوجدَ ُ‬
‫أهل‬ ‫طل ٌ‬ ‫أقيم حدٌّ وال ُأ ْب َ‬ ‫ِ‬
‫ولزو ُم املنازل ملا َ‬‫اهل َ َر ُب منه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إىل استحالل كل ما حر َم اهلل عليهم من أموال املسلمني َو َس ْب ِي نسائهم وسفك دمائ ْ‬
‫هم‪ ،‬بأن‬
‫ْهم"‪ (1(،‬فكان املقصد من قتال الفئة الباغية‪،‬‬‫ُف املسلمون أيدهيم عن ْ‬ ‫ِ‬
‫عليه ْم‪ ،‬و َيك َّ‬ ‫يتحزبوا‬
‫َّ‬
‫احلفاظ عىل األلفة واالجتامع‪ ،‬وترك الفرقة بني املسلمني‪.‬‬

‫وقال الرازي‪" :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾‬


‫ّ‬
‫لظان أن يظن أو ملتوهم‬ ‫تتمي ًام لإلرشاد‪ ،‬ألنه ملا قال‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾ كان‬
‫أن يتوهم أن ذلك عند اختالف قوم‪ ،‬فأما إذا كان االقتتال بني اثنني فال تعم املفسدة فال يؤمر‬
‫باإلصالح‪ ،‬وكذلك األمر باإلصالح هناك عند االقتتال‪ ،‬وأما إذا كان دون االقتتال كالتشاتم‬
‫والتسافه فال جيب اإلصالح فقال‪﴿ :‬ﯠ ﯡﯢ﴾ وإن مل تكن الفتنة عامة وإن مل يكن األمر‬
‫(‪(٢‬‬
‫عظي ًام كالقتال‪ ،‬بل لو كان بني رجلني من املسلمني أدنى اختالف فاسعوا يف اإلصالح‪".‬‬
‫ويف األخري أمرهم اهلل تعاىل بالتقوى؛ ألهنا تعينهم عىل االئتالف‪ ،‬واجتناب النزاع‬
‫(‪(٣‬‬
‫واخلصومة‪﴿ " :‬ﯣ ﯤ﴾ فإنكم إن فعلتم مل حتملكم التقوى إال عىل التواصل واالئتالف"‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫وقال الرازي‪" :‬وقوله‪﴿ :‬ﯣ ﯤ﴾ إشارة إىل ما يصوهنم عن التشاجر‪".‬‬

‫والصلح املأمور به لتدبري االختالف بني املتخاصمني املتنازعني‪ ،‬يكون "بالنصح وإزالة‬
‫الشبهة إن كانت‪ ،‬والدعاء إىل حكم اهلل عز وجل"‪ (٥(،‬وبكل وسيلة وطريقة ما دام يتحقق هبا‬
‫اإلصالح بني املتنازعني‪ ،‬وحتقن هبا الدماء‪ ،‬وجتتنب هبا الفتن‪ ،‬يقول حممد حسني فضل اهلل‪" :‬‬
‫﴿ﮱ ﯓ﴾ بالوسائل التي متلكون حتريكها يف مجع الشمل ومل الشعث وتأليف القلوب‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪ .٣1٧‬وهذا الكالم يرويه القرطبي عن الطري‪ ،‬لكني‬
‫بحثت عنه يف تفسري الطري فلم أجده‪ ،‬لعله منقول من كتاب آخر للطري‪.‬‬
‫(‪ )٢‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.1٢9‬‬
‫(‪ )٣‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٦‬ص‪.10٣8‬‬
‫(‪ )٤‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.1٣0‬‬
‫(‪ )٥‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.٣01‬‬

‫‪191‬‬
‫وتقريب املواقف أو توحيدها‪ ،‬وقد وضع اإلسالم اإلصالح بني املؤمنني يف مرتبة عليا تتقدم‬
‫عىل املستحب من الصالة والصيام‪ ،‬وقد بلغ االهتامم به حد ًا كبري ًا‪ ،‬بحيث أجاز للمصلحني‬
‫(‪(1‬‬
‫الكذب إذا توقف اإلصالح عليه‪".‬‬

‫وال يعدل عن الصلح إال يف حالة البغي‪ (٢(،‬والعلو بغري وجه حق‪ ،‬قال ابن العريب يف‬
‫(‪(٣‬‬
‫تقرير هذا املعنى‪" :‬إن اهلل سبحانه أمر بالصلح قبل القتال‪ ،‬وحني القتال عند البغي‪"،..‬‬
‫وقد طبق هذه القاعدة سيدنا عيل ‪‬؛ إذ قاتل من رفض الصلح‪ ،‬وطبقها سيدنا احلسن ‪،‬‬
‫"إن ا ْبنِي َه َذا َس ِّيدٌ ‪َ ،‬و َل َع َّل اهللََّ َأ ْن‬
‫حيث صالح سيدنا معاوية ‪ ،‬فنفذ بذلك وعد رسول اهلل َّ‬
‫ُْ ِ ِ (‪(٥( (٤‬‬ ‫يمت ْ ِ‬ ‫ني فِ َئت ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني ‪".‬‬
‫َني من امل ْسلم َ‬ ‫ُي ْصل َح بِه َب ْ َ ْ‬
‫َني َعظ َ‬
‫يقول ابن حجر‪" :‬ويف هذه القصة من الفوائد َع َل ٌم من َأ ْع َال ِم النُّ ُب َّو ِة َو َمنْ َق َب ٌة للحسن بن‬
‫ِ‬
‫حقن دماء‬ ‫عيل‪ ،‬فإنه ترك امللك ال لِ ِق َّل ٍة وال لِ ِذ َّل ٍة وال لِ ِع َّل ٍة‪ ،‬بل لرغبته فيام عند اهلل ملا رآ ُه من‬
‫ٍّ‬
‫األمة‪ ،‬وفيه فضيلة اإلصالح بني الناس‪ ،‬وال سيام يف‬ ‫ِ‬ ‫املسلمني‪ ،‬فرا َعى أمر الدين ومصلحة‬
‫(‪(٦‬‬
‫حقن دماء املسلمني‪".‬‬

‫(‪ )1‬فضل اهلل‪ ،‬حممد حسني‪ .‬تفسري من وحي القرآن‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املالك‪ ،‬ط‪1٤19( ،٢‬ه‪1998/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪.1٤٥‬‬
‫(‪ )٢‬وكلمة البغي يف اللغة تدل عىل معاين متعددة منها‪ :‬التجاوز‪ ،‬والتعدي‪ ،‬والظلم‪ ،‬والعدول عن احلق‪ ،‬وجماوزة‬
‫احلد‪ ،..‬والفئة الباغية هي الفئة الظاملة اخلارجة عن العادل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬بغا)‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٧8‬‬
‫‪ -‬الزخمرشي‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬ب غ ي)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧0‬‬
‫وذكر األصفهاين أن البغي منه املحمود واملذموم‪ ،‬وورد يف أكثر املواضع مذموم ًا‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬ع ل م)‪ ،‬ص‪.1٣٦‬‬
‫وذكر ابن اجلوزي أن الكلمة وردت يف القرآن عىل ثالثة أوجه‪ :‬الظلم واملعصية واحلسد‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن اجلوزي‪ ،‬نزهة األعني النواظر يف علم الوجوه والنظائر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫(‪ )٣‬ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٥1‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )٤‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب‪ :‬الصلح‪ ،‬باب‪ :‬قول النبي ﷺ للحسن بن عيل ريض اهلل عنهام‪" :‬ا ْبني َه َذا َس ِّيدٌ ‪،‬‬
‫َني" َو َق ْولِ ِه َج َّل ِذك ُْر ُه‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ﴾ [احلجرات‪ ،]9 :‬ج‪ ،٣‬حديث رقم‬ ‫يمت ْ ِ‬ ‫ني فِ َئت ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َل َع َّل اهللََّ َأ ْن ُي ْصل َح بِه َب ْ َ ْ‬
‫َني عَظ َ‬
‫(‪ ،)٢٧0٤‬ص‪.18٦‬‬
‫(‪ )٥‬ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٥٢‬‬
‫(‪ )٦‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.٦٦‬‬

‫‪19٢‬‬
‫كام أن سيدنا علي ًا صالح سيدنا معاوية‪" (1( :‬عىل أساس استقالل عيل بحكم العراق‬
‫وبعض البالد واستقالل معاوية بحكم الشام وبعض البالد»‪ (٢(،‬وأكد عىل الصلح ‪ ‬يف كتابه‬
‫الذي أرسله لألشر النخعي ملا واله عىل مرص وأعامهلا‪" :‬وال تدفعن صلح ًا دعاك إليه عدوك‬
‫وهلل فيه رىض‪ ،‬فإن يف الصلح دعة جلنودك وراحة هلمومك‪ ،‬وأمن ًا لبالدك‪ ،‬ولكن احلذر احلذر‬
‫(‪(٣‬‬
‫من عدوك بعد صلحه‪ ،‬فإن العدو ربام قارب ليتغفل‪ ،‬فخذ باحلزم واهتم يف ذلك حسن الظن‪".‬‬

‫وجاء عن النبي ﷺ يف جواز الصلح بني املسلمني عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫ني ا ُْملس ِل ِم َ ِ‬
‫املسلمني‪".‬‬ ‫جائز بني‬
‫لح ٌ‬ ‫"الص ُ‬
‫ني َجائ ٌز"‪ (٤(،‬وقال ﷺ‪ُّ :‬‬ ‫"الص ْل ُح َب ْ َ ْ‬
‫اهلل ﷺ‪ُّ :‬‬
‫(‪(٥‬‬
‫َ‬
‫َف َأ ْم ُر اهلل تعاىل بالصلح؛ ألن به جتتمع الكلمة‪ ،‬وحيسم النزاع واخلالف‪ ،‬وحيمى نظام‬
‫ويقول‬ ‫(‪(٦‬‬
‫احلكم‪ .‬يقول الفخر الرازي‪" :‬وعند العود إىل الصلح تتفق كلمة كل طائفة"‪،‬‬
‫السعدي يف تفسري آيتي احلجرات‪" :‬هذا متضمن لنهي املؤمنني عن أن يبغي بعضهم عىل‬
‫بعض‪ ،‬ويقاتل بعضهم بعض ًا‪ ،‬وأنه إذا اقتتلت طائفتان من املؤمنني‪ ،‬فإن عىل غريهم من‬
‫املؤمنني أن يتالفوا هذا الرش الكبري باإلصالح بينهم‪ ،‬والتوسط بذلك عىل أكمل وجه يقع به‬
‫الصلح‪ ،‬ويسلكوا الطريق املوصلة إىل ذلك‪ ،‬فإن صلحتا فبها ونعمت‪ ،‬وإن ﴿ ﮢ ﮣ‬

‫(‪ )1‬يقول ابن خلدون يف اخلالف الذي وقع بني سيدنا عيل وسيدنا معاوية‪" :‬و ّملا وقعت الفتنة بني ّ‬
‫عيل ومعاوية‪،‬‬
‫دنيوي أو إليثار باطل‬
‫ّ‬ ‫احلق واالجتهاد‪ ،‬ومل يكونوا يف حماربتهم لغرض‬ ‫وهي مقتىض العصب ّية كان طريقهم فيها ّ‬
‫كل واحد نظر‬ ‫احلق وس ّفه ُّ‬
‫متوهم‪ ،‬وينزع إليه ملحد‪ ،‬وإنّام اختلف اجتهادهم يف ّ‬ ‫يتومهه ّ‬‫أو الستشعار حقد كام قد ّ‬
‫احلق‪ ،‬فاقتتلوا عليه‪ ،‬وإن كان املصيب عل ّي ًا‪ ،‬فلم يكن معاوية قائ ًام فيها بقصد الباطل‪ ،‬إنّام قصد‬
‫صاحبه باجتهاده يف ّ‬
‫والكل كانوا يف مقاصدهم عىل حق‪".‬‬ ‫ُّ‬ ‫احلق وأخطأ‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣8٦‬‬
‫(‪ )٢‬دروزة‪ ،‬التفسري احلديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٥0٧‬‬
‫(‪ )٣‬ابن أيب طالب‪ ،‬عيل ‪ ،‬هنج البالغة‪ ،‬مجعه ونسق أبوابه‪ :‬الرشيف الريض‪ ،‬رشحه وضبط نصوصه‪ :‬حممد عبده‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬مؤسسة املعارف‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1990/‬م)‪ ،‬ص‪.٦٤٤‬‬
‫(‪ )٤‬احلاكم‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل بن محدويه الضبي النيسابوري‪ .‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد‬
‫القادر عطا‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤11( ،1‬ه‪1990/‬م)‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬ج‪ ،٢‬حديث رقم (‪،)٢٣1٣‬‬
‫ص‪.٥8‬‬
‫(‪ )٥‬أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األقضية‪ ،‬باب‪ :‬يف الصلح‪ ،‬ج‪ ،٥‬حديث رقم (‪ ،)٣٥9٤‬ص‪.٤٤٦‬‬
‫(‪ )٦‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢8‬ص‪.1٢٧‬‬

‫‪19٣‬‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾؛ أي ترجع إىل ما حد اهلل ورسوله‪ ،‬من فعل اخلري‬
‫(‪(1‬‬
‫وترك الرش‪ ،‬الذي من أعظمه االقتتال‪".‬‬

‫وكام يكون الصلح بعد االختالف واخلصام‪ ،‬فقد يكون قبل ذلك‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾ [البقرة‪" ]18٢ :‬فمن خاف‬
‫فخوف اجلنف واإلثم من املويص‪ ،‬إنام هو كائن قبل وقوع‬
‫ُ‬ ‫جينَف أو َيأثم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫موص أن َ ْ‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫حدوث االختالف‬ ‫اإلصالح بني الفريقني‪ ،‬فيام كان خموف ًا‬
‫ُ‬ ‫اجلنف واإلثم‪ ...‬فمن اإلصالح‬
‫بينهم فيه‪ ،‬بام يؤمن معه ُحدوث االختالف‪ .‬ألن "اإلصالح"‪ ،‬إنام هو الفعل الذي يكون معه‬
‫إصالح ذات البني‪ ،‬فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصالح ذات البني‪َ ،‬‬
‫قبل وقوع‬ ‫ُ‬
‫(‪(٢‬‬
‫االختالف أو بعد وقوعه‪".‬‬

‫فكان اإلصالح قبل النزاع‪ ،‬من األصول التي قررها القرآن للتقليل من االختالف‬
‫والنزاع؛ ألن حماربة النزاع قبل الوقوع‪ ،‬ال شك أسهل وأيس من حماربته بعده‪.‬‬

‫واملتأمل يف اآليات السابقة‪ ،‬جيدها أكدت عىل أصل الصلح إلدارة االختالف وتدبريه‪،‬‬
‫وحسم مادة النزاع واالفراق داخل أمة اإلسالم‪ ،‬ومحاية اجلامعة اإلسالمية‪.‬‬

‫ونستنتج مما سبق القواعد اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬األمر بإصالح ذات البني بني املسلمني‪.‬‬


‫‪ -‬الصلح بني الطائفتني داخل الدائرة اإلسالمية‪ ،‬يكون بالطرق السلمية‪.‬‬
‫‪ -‬القتال يكون للطائفة الباغية الرافضة للصلح‪.‬‬
‫‪ -‬يف حالة رجوع الفئة الباغية‪ ،‬يقع اإلصالح بينهام بالعدل‪.‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم مل خيرج الطائفتني املتقاتلتني من دائرة اإليامن‪ ،‬واألخوة اإلسالمية‪.‬‬
‫وذلك حرص ًا من القرآن الكريم عىل الوحدة اإلسالمية‪ ،‬وإشعار ًا للمختلفني بأمهية التوجه‬
‫نحو االئتالف وترك االختالف‪ ،‬وتنبيه ًا هلم عىل خطورة التفرق وضياع الوحدة واألخوة‪.‬‬

‫(‪ )1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.800‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٤0٤‬‬

‫‪19٤‬‬
‫‪ -3‬الصلح األرسي واالجتامعي‪:‬‬

‫شهد عاملنا املعارص بفعل اخلالفات الزوجية واألرسية مآيس كثرية‪ ،‬نتج عنها‪ :‬كثرة‬
‫الطالق‪ ،‬والنزاعات الزوجية‪ ،‬وتفكك األرس‪ ،‬وضياع األبناء؛ األمر الذي انعكس سلب ًا‬
‫عىل املجتمع عموم ًا‪ ،‬وكثرت القضايا أمام املحاكم‪ ،‬وواكب ذلك عجز القضاء تدبري هذه‬
‫االختالفات‪ ،‬لكثرهتا وتنوعها وتشعبها‪ ،‬بتشعب قضايا عاملنا املعارص‪ ،‬وهذا ناتج عن قصور‬
‫هذه املحاكم عىل اختالف ختصصاهتا‪ ،‬عن تفعيل أصل الصلح الودي بني الزوجني أو بني‬
‫أفراد األرسة عموم ًا‪ ،‬عىل وفق اهلدى القرآين‪.‬‬

‫فقد حث القرآن الكريم الزوجني عىل الصلح عند االختالف والنزاع‪ ،‬املتعلق بنشوز‬
‫الزوج أو اإلعراض عن زوجته‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣ ﴾ [النساء‪ .]1٢8 :‬و "معنى اآلية إباحة الصلح‬
‫بني الزوجني‪ ،‬إذا خافت النشوز أو اإلعراض‪ ،‬وكام جيوز الصلح مع اخلوف كذلك جيوز بعد‬
‫وقوع النشوز أو اإلعراض"‪ (1(،‬ويقول الرازي‪" :‬قوله‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ﴾ املراد بالنشوز‬
‫إظهار اخلشونة يف القول أو الفعل أو فيهام‪ ،‬واملراد من اإلعراض السكوت عن اخلري والرش‬
‫(‪(٢‬‬
‫واملداعاة واإليذاء؛ ألن هذا اإلعراض يدل داللة قوية عىل النفرة والكراهة‪".‬‬

‫فهذا توجيه للزوجني بسلوك كل الطرق املؤدية إىل الصلح‪ ،‬من أجل األلفة واالستقرار‬
‫األرسي واالجتامعي‪" :‬وأنواع الصلح كلها مباحة يف هذه النازلة‪ ،‬أن يعطي الزوج عىل أن‬
‫تصر هي‪ ،‬أو تعطي هي عىل أن ال يؤثر الزوج‪ ،‬أو عىل أن يؤثر ويتمسك بالعصمة‪ ،‬أو يقع‬
‫(‪(٣‬‬
‫الصلح عىل الصر عىل األثرة‪ ،‬فهذا كله مباح‪".‬‬

‫يقول الرازي يف توجيه القراءات الواردة يف اآلية‪ ،‬أن من قرأ ﴿ ﱍ﴾ وهي قراءة‬
‫عاصم ومحزة والكسائي‪ ،‬فوجهه أن اإلصالح عند التنازع والتشاجر مستعمل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪ )1‬ابن جزي الكلبي‪ ،‬أبو القاسم حممد بن أمحد بن حممد بن عبد اهلل‪ .‬التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،‬عناية‪ :‬أبو بكر بن عبد اهلل‬
‫سعداوي‪ ،‬الشارقة‪ :‬املنتدى اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤٣٣( ،1‬هـ‪٢01٢/‬م)‪ ،‬ص‪.٢001‬‬
‫(‪ )٢‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.٦٦‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.119‬‬

‫‪19٥‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ (البقرة‪ ،(18٢ :‬وقال‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾‬
‫[النساء‪ ،]11٤ :‬ومن قرأ يصاحلَا بفتح الياء والصاد‪ ،‬واأللف بني الصاد والالم‪ ،‬وتشديد الصاد‬
‫من التصالح‪ ،‬وهي قراءة الباقني‪ ،‬وهو االختيار عند األكثرين‪ ،‬قال‪ :‬أن يصاحلا معناه‪:‬‬
‫يتوافقا‪ ،‬وهو أليق هبذا املوضع‪ ،‬ويف حرف عبد اهلل ﴿فال جناح عليهام إن صاحلا﴾‪ .(1(...‬هذه‬
‫القراءة وردت يف مصحف ورش أرجو االنتباه‪.‬‬

‫لكن الصلح بني الزوجني حيتاج إىل اإلرادة الصادقة‪ ،‬والنية الصاحلة‪ ،‬سواء بني‬
‫احلكمني املصلحني أو من الزوجني الواقع بينهام الشقاق والنزاع‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﴾ [النساء‪ .]٣٥ :‬يقول البيضاوي‪ ﴿" :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ خالف ًا بني املرأة‬
‫وزوجها ﴿ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ الضمري األول للحكمني والثاين للزوجني؛ أي‬
‫إن قصدا اإلصالح أوقع اهلل بحسن سعيهام املوافقة بني الزوجني‪ .‬وقيل‪ :‬كالمها للحكمني؛‬
‫أي إن قصدا اإلصالح يوفق اهلل بينهام لتتفق كلمتهام وحيصل مقصودمها‪ .‬وقيل‪ :‬للزوجني؛‬
‫أي إن أرادا اإلصالح وزوال الشقاق أوقع اهلل بينهام األلفة والوفاق‪ ،‬وفيه تنبيه عىل أن من‬
‫أصلح نيته فيام يتحراه أصلح اهلل مبتغاه‪ ﴿ .‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾ بالظواهر والبواطن‪،‬‬
‫فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق"(‪ ،(٢‬نسأله سبحانه وتعاىل التوفيق للوفاق‪،‬‬
‫واجتناب الشقاق‪.‬‬

‫فالصلح أصل لتدبري االختالف بني املتخاصمني‪ ،‬والتوافق بني الناس‪ ،‬ورفع النزاع‬
‫والرصاع بينهم‪ ،‬ووقف القتال‪ ،‬وقطع اخلصومات الواقعة أو املتوقعة‪ .‬فهو طريق واضح‬
‫لبناء االئتالف‪ ،‬واحلد من النزاعات‪ ،‬واالختالفات املفضية إىل احلروب‪ ،‬سواء بني املسلمني‪،‬‬
‫أو بينهم وبني غريهم من املخالفني هلم يف الدين أو املعتقد‪ ،‬حماربني أو غري حماربني‪ ،‬وسواء‬
‫تعلق األمر باالختالفات األرسية أو االجتامعية‪ ،‬فردية أو مجاعية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.٦٧-٦٦‬‬


‫(‪ )٢‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٣٥٥‬‬

‫‪19٦‬‬
‫كل ذلك أقره اخلطاب القرآين‪ ،‬والسنة العملية‪ ،‬واجتهادات الفقهاء‪ ،‬يقول ابن‬
‫قدامة‪" :‬وأمجعت األمة عىل جواز الصلح يف هذه األنواع التي ذكرناها"‪ (1(،‬فإن اختيار طريق‬
‫الصلح‪ ،‬حيمي املجتمع اإلنساين من االضطرابات الدولية‪ ،‬واملجتمعية‪ ،‬واألرسية‪ ،‬والفردية‬
‫واجلامعية‪ ،‬وحيافظ عىل مقصد الوحدة واأللفة بني بني البرش‪.‬‬

‫والصلح حيقق مقاصد عظيمة للمجتمع اإلسالمي واإلنساين‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -‬إهناء احلروب والنزاعات اإلنسانية‪ ،‬ورد احلقوق‪ ،‬وتأليف القلوب‪ ،‬واجتامع‬


‫الكلمة‪ ،‬وحقن الدماء بني املسلمني‪ ،‬وبينهم وبني املخالفني‪.‬‬

‫‪ -‬التعايش بني الناس‪ ،‬والتعاون بينهم عىل ما حيقق املصالح املشركة‪.‬‬

‫‪ -‬هتيئة األجواء املناسبة لتبليغ رسالة اإلسالم للناس‪ ،‬وهي رسالة سلم وأمان‬
‫لإلنسانية يف هذا الكون‪ ،‬تعرفه بخالق الكون‪ ،‬ووظيفته فيه‪ ،‬ومآله ومصريه‪.‬‬

‫‪ -‬املحافظة عىل روابط األخوة‪ ،‬واحلب‪ ،‬والود بني الناس عموم ًا‪ ،‬وبني املسلمني ّ‬
‫خاصة‪.‬‬

‫‪ -‬محاية األرسة واملجتمع‪ ،‬واملحافظة عىل تقوية صالت األرحام‪ ،‬والتقليل من‬
‫االختالفات اهلادمة لألرس‪ ،‬املفسدة للمجتمعات‪.‬‬

‫وعليه؛ فإن الصلح رضورة حتمية للبرشية‪ ،‬تدعو احلاجة املاسة إليه؛ ملا نراه يف عاملنا‬
‫املعارص من كثرة االختالفات والنزاعات‪ ،‬والعداوات‪ ،‬واألحقاد‪ ،‬بني األفراد والطوائف‬
‫واألمم‪ .‬فإن البرشية اليوم جنحت نحو القضاء‪ ،‬وتفعيل القوانني‪ ،‬للفصل يف اخلصومات‬
‫واالختالفات‪ ،‬عىل حساب الصلح‪.‬‬

‫فإن الصلح فيه ألفة للقلوب‪ ،‬وتربية لإلنسان عىل تدبري االختالف من غري فرض وال‬
‫سلطة‪ ،‬أما القضاء فإنه يسبب الضغائن؛ ألن تدبريه لالختالف أقل نجاعة من الصلح‪ ،‬قال‬

‫(‪ )1‬ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٥٧‬‬


‫ويقصد‪ :‬الصلح بني املسلمني وأهل احلرب‪ ،‬والصلح بني أهل العدل وأهل البغي‪ ،‬والصلح بني الزوجني‪.‬‬
‫وانظر حكاية إمجاع الفقهاء عىل مرشوعية الصلح كذلك يف‪:‬‬
‫‪ -‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٧‬ص‪.٣٢٥‬‬

‫‪19٧‬‬
‫الض َغ ِائ َن‬ ‫اخلصوم حتَّى يص َط ِلحوا‪َ ،‬فإِ َّن َفص َل ا ْل َقض ِ‬
‫اء ُي ِ‬
‫ث َّ‬‫ور ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫"ر ُّدوا ْ ُ ُ َ َ َ ْ‬
‫سيدنا عمر بن اخلطاب‪ُ :‬‬
‫ِ (‪(1‬‬
‫ني النَّاس‪".‬‬
‫َب ْ َ‬

‫وإذا حصل الصلح عىل وفق اهلدى القرآين‪ ،‬كان شفاء لكل مثارات االختالف والنزاع‬
‫اإلنساين‪ ،‬لذلك عىل اإلنسانية اليوم‪ ،‬التفكري اجلاد يف الرجوع إىل االستمداد من اخلطاب‬
‫القرآين‪ ،‬فهو الدواء لكل أدوائها‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬أصل إقامة الشورى وترك االستبداد‬


‫متهيد‪:‬‬

‫فهي تتضمن مبادئ‪ :‬التداول السلمي‬ ‫(‪(٢‬‬


‫الشورى من مميزات النظام اإلسالمي‪،‬‬
‫لألفكار‪ ،‬والتعاون عىل االختيار من اآلراء أحسنها للتطبيق واإلعامل‪ ،‬ألن هبا يستخرج‬
‫احلق والصواب‪ ،‬وهبا يقع التحاور والتواصل اإلنساين‪ ،‬فال تتصور شورى من دون اختالف‬
‫يف اآلراء واألفكار والتصورات‪.‬‬

‫وهي نقيض االستبداد‪ (٣(،‬الذي ال يعرف باملخالف‪ (٤(،‬بل يستأثر بالسلطة وبالرأي‬

‫(‪ )1‬الصنعاين‪ ،‬أبو بكر عبد الرزاق بن مهام بن نافع احلمريي‪ .‬مصنف عبد الرزاق‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرمحن األعظمي‪،‬‬
‫سيمالك داهبيل (اهلند)‪ :‬املجلس العلمي‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،٢‬هـ)‪ ،‬كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬باب‪ :‬هل يرد القايض اخلصوم حتى‬
‫يص َط ِل ُحوا؟ ج‪ ،8‬حديث رقم (‪ ،)1٥٣0٤‬ص‪.٣0٣‬‬ ‫ْ‬
‫(‪ )٢‬والشورى آلية من آليات اإلمجاع‪ ،‬للوصول إىل رأي بني أهل العلم والذكر‪.‬‬
‫(‪ )٣‬فإذا كانت السياسة هي إدارة شؤون الناس بام يصلح أحواهلم‪ ،‬ويدفع عنهم الرضر والفساد بمقتىض احلكمة‪،‬‬
‫فإن أول مباحث السياسة "االستبداد‪ "،‬الذي هو الترصف يف شؤون الناس املشركة بمقتىض اهلوى‪ ،‬ويراد به عند‬
‫اإلطالق استبداد احلكومة خاصة‪ ،‬أو هو ترصف فرد أو مجاعة يف حقوق قوم باملشيئة وبال خوف تبعة‪ ،‬وقد تستعمل‬
‫كلامت‪" :‬االستعباد‪ "،‬و"االعتساف‪ "،‬و"التسلط‪ "،‬و"التحكم‪ "،‬مقام كلمة "االستبداد‪ "،‬ويف مقابلها كلامت‪:‬‬
‫"املساواة‪ "،‬و"احلس املشرك‪ "،‬و"التكافؤ‪ "،‬و"السلطة العامة‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الكواكبي‪ ،‬عبد الرمحن‪ .‬طبائع االستبداد ومصارع االستعباد‪ ،‬تقديم‪ :‬أسعد السحمراين‪ ،‬بريوت‪ :‬دار النفائس‪،‬‬
‫ط‪1٤٢٧( ،٣‬هـ‪٢00٦/‬م)‪ ،‬ص‪ .٣٧-٣٤‬وتعريف الكواكبي لالستبداد أشهر التعريفات‪ ،‬وأكثرها استعامالً‬
‫من طرف الباحثني‪ ،‬باعتبار الرجل أحد أشهر العارفني بطبائع االستبداد‪.‬‬
‫(‪ )٤‬القبول باالختالف واحلق فيه أمر ذهني وعقيل‪ ،‬ال بد من حترير العقل من االستعداد لقبول االستبداد‪" ،‬ليتهيأ‬
‫للتشبع باملبادئ التي يتأسس عليها النظام الديمقراطي‪ :‬مبادئ التعاقد‪ ،‬واملصلحة العامة‪ ،‬وفصل السلطات =‬

‫‪198‬‬
‫دون اآلخرين‪ ،‬ونقيض الفوىض التي ال تعرف بحقوق وال واجبات‪ ،‬وال التزامات متبادلة‬
‫بني احلكام واملحكومني‪ ،‬وهذا ما يثري النزاعات‪ ،‬والرصاعات‪ ،‬واملعارضات املخربة‪ ،‬بل‬
‫املعارضة املسلحة‪ ،‬التي تتغيا إسقاط االستبداد‪.‬‬

‫ونحاول من خالل هذا املبحث‪ ،‬دراسة أصل الشورى يف تدبري االختالف‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل‪:‬‬

‫‪ -1‬األمر بالشورى عام يف مصالح األمة‪:‬‬

‫ولفظ الشورى يف اللغة‪ ،‬من املشاورة‪ ،‬واملشورة مصدر للفعل شاور‪ ،‬وهو عرض‬
‫اليشء وإظهاره‪ ،‬وشار العسل استخرجه واجتناه من موضعه‪ (1(،‬وشاوره يف األمر مشاورة‪:‬‬
‫طلب رأيه فيه‪ ،‬وشار اليشء عرفه ليبدي ما فيه من حماسن‪ (٢(،‬فالشورى يف اللغة تدور حول‬
‫االستخراج واإلظهار لليشء أو الرأي‪.‬‬
‫وقال ابن عاشور الشورى‪" :‬هي أن قاصد عمل يطلب ممن َي ُظ ُّن فيه صواب الرأي‬
‫(‪(٣‬‬
‫والتدبري أن يشري عليه بام يراه يف حصول الفائدة املرجوة من عمله‪".‬‬
‫وعرض اهلل تعاىل عىل املالئكة أمر استخالف اإلنسان يف األرض‪ (٤(،‬وهو الغني عن‬
‫السنة‪ ،‬كانت من طبيعة البرش ومقرنة‬
‫اخللق‪ ،‬لتكون الشورى ُسنَّة يف البرش‪ ،‬وبمقتىض هذه ُّ‬
‫بأصل تكوينهم‪ ،‬واستشار فرعون يف شأن موسى عليه السالم‪ (٥(،‬واستشارت بلقيس يف شأن‬

‫=وتداوهلا‪ ،‬وسيادة القانون‪ ،‬وكذلك القيم الضابطة هلذا النظام‪ ،‬مثل‪ :‬احلرية والتسامح‪ ،‬والكرامة اإلنسانية‪ "،‬وهذا‬
‫ما قام به جمموعة من املفكرين من أمثال‪ :‬جون لوك‪ ،‬وديفيد هيوم‪ ،‬وذلك بنقد النظام االستبدادي بمراجعة مفهوم‪:‬‬
‫"السيادة" و "املرشوعية" و "مصدر السلطة" و"القانون‪ ».‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬أومليل‪ ،‬يف رشعية االختالف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10٤‬‬
‫(‪ )1‬الفريوز آبادي‪ ،‬القاموس املحيط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،٤٢0‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٤٣٥-٤٣٤‬‬
‫(‪ )٢‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٤٣٧‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٥‬ص‪.11٢‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [البقرة‪.]٣0 :‬‬ ‫(‪)٤‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮏ ﮐ﴾ [األعراف‪.]110 :‬‬ ‫(‪)٥‬‬

‫‪199‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫سيدنا سليامن‪ (1(،‬وعلق ابن عاشور بقوله‪" :‬وإنام يلهي الناس عنها حب االستبداد‪،"...‬‬
‫وقال حممد عامرة‪ :‬الشورى‪" :‬فضيلة من فضائل الدول واملجتمعات‪- ،‬برصف النظر عن‬
‫(‪(٣‬‬
‫عقائدها‪ -‬عر التاريخ‪".‬‬

‫واألمر بالشورى عام‪ ،‬سواء كانت بني األفراد العاديني أو يف األرسة أو املجتمع أو‬
‫املؤسسات‪ ،‬أو يف جمال السياسة بني احلكام واملحكومني‪ ،‬فهي تدير كل االختالفات التي‬
‫منشؤها االجتهاد‪ ،‬وكل ما سكت عنه الوحي‪ ،‬أو ورد فيه النص‪ ،‬لكنه ظني الداللة أو‬
‫الثبوت‪ ،‬أو مها مع ًا‪ ،‬فحيث يكون االختالف تقع رضورة الشورى لتدبريه وإدارته‪.‬‬

‫جاء األمر بالشورى رصحي ًا يف قوله تعاىل لنبيه‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬


‫ﭯ﴾ [آل عمران‪ ]1٥9 :‬و"ظاهر األمر للوجوب فقوله‪ ﴿ :‬ﭭ﴾ يقتيض الوجوب‪"،‬‬
‫(‪(٤‬‬

‫ث‪ ،‬وإضاف ُة اسم‬ ‫وقال ابن عاشور"األمر‪ :‬اسم من أسامء اجلنس العامة مثل‪َ :‬يش ٍء وح ِ‬
‫اد ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫(‪(٥‬‬ ‫اجلن ِ‬
‫ْس قد تفيد العموم بمعونة املقام؛ أي مجيع أمورهم متشاور فيها بينهم‪".‬‬

‫هييء املستشارين ملهمة الشورى بالعفو ملا بينه وبينهم‪،‬‬


‫وقد أمر اهلل تعاىل نبيه أن ّ‬
‫وباالستغفار هلم فيام هلل عليهم‪ ،‬فإذا حتقق هذان الرشطان هتيأت أجواء الشورى‪ ،‬وأصبح‬
‫(‪(٦‬‬
‫املستشارون أه ً‬
‫ال هلا‪.‬‬

‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﴾ [النمل‪.]٣٢ :‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٥0‬‬
‫(‪ )٣‬عامرة‪ ،‬معامل املنهج اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٤٧‬‬
‫ويقول كذلك‪" :‬لقد بلغت مكانة الشورى يف املنهج اإلسالمي مكانة القانون احلاكم النتظام احلياة الفردية‬
‫واالجتامعية‪ ،‬وفق نظام اإلسالم‪ ،‬ولقد حدثنا القرآن الكريم عن أن اقران االنفراد باألمر واالستبداد بالرأي‬
‫واالستغناء عن مشاورة ومشاركة اآلخرين‪ ،‬اقران ذلك بالطغيان إنام يبلغ يف التالزم مبلغ السنة والقانون ﴿ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [العلق‪ ]٧-٦ :‬فاالنفراد واالستغناء ‪ -‬بالرأي أو بالقرار أو بالسلطان أو باملال‪ -‬هو املقدمة‬
‫والسبيل والقرين للطغيان‪ ".‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1٥0‬‬
‫(‪ )٤‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٦9‬‬
‫(‪ )٥‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٥‬ص‪.11٢‬‬
‫(‪ )٦‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٤9‬‬

‫‪٢00‬‬
‫وجاء األمر بالشورى عام ًا للمسلمني يف كل شؤوهنم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﴾‬
‫[الشورى‪ ]٣8 :‬ف "هذه اآلية نزلت يف املسلمني قبل أن يكون هلم خليفة وال دولة أصالً‪ ،‬فهي‬
‫تتحدث عن مجاعة املومنني مبارشة وأصالة‪ .‬فلفظ اآلية‪ ،‬والواقع الذي تتحدث عنه يتعلقان‬
‫بعموم املسلمني‪ ،‬وليس بدولتهم وال برئيسهم‪ ،‬وال هبيئة حاكمة فيهم‪ .‬وجاء األمر بالشورى‬
‫(يقصد‪ :‬آل عمران‪ )1٥9 :‬مسبوق ًا بعبارات وأوامر أخرى ال يشك أحد يف أهنا متعلقة‬
‫بالعموم ال باخلصوص"‪ (1(،‬ويقول رشيد رضا‪" :‬فاملراد باألمر‪ :‬أمر األمة الدنيوي الذي فيه‬
‫(‪(٢‬‬
‫جمال للرأي‪ ،‬ال أمر الدين املحض الذي مداره عىل الوحي دون الرأي‪".‬‬

‫اجتاه الرعية‪ ،‬فال جيوز االنفراد بالسلطة‪،‬‬ ‫(‪(٣‬‬


‫والشورى واجبة عىل األمراء والوالة‬
‫واختاذ القرارات يف قضايا الشأن العام دون استشارة الشعوب وأخذ رأهيا؛ ألن الشورى‬
‫[آل‬ ‫مشاركة ومعاونة‪ ،‬وتفاعل إجيايب بني احلكام واملحكومني‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭭ﴾‬
‫عمران‪ (٤(]1٥9 :‬يروي القرطبي عن ابن خو يز منداد من املالكية قوله‪" :‬واجب عىل الوالة‬
‫مشاورة العلامء فيام ال يعلمون‪ ،‬وفيام أشكل عليهم من أمور الدين‪ ،‬ووجوه اجليش فيام يتعلق‬
‫باحلرب‪ ،‬ووجوه الناس فيام يتعلق باملصالح‪ ،‬ووجوه الكتاب والوزراء والعامل فيام يتعلق‬
‫(‪(٥‬‬
‫بمصالح البالد وعامرهتا‪".‬‬

‫(‪ )1‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬األمة هي األصل مقاربة تأصيلية لقضايا الديمقراطية‪ ،‬حرية التعبري‪ ،‬الفن‪ ،‬بريوت‪ :‬الشبكة العربية‬
‫لألبحاث والنرش‪ ،‬ط‪٢01٢ ،1‬م‪ ،‬ص‪.٢٥-٢٤‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪( .1٦٤‬ترصف يسري)‪.‬‬
‫(‪ )٣‬يقول ابن عاشور‪" :‬واختلف العلامء يف مدلول قوله‪ ﴿ :‬ﭭ﴾ هل هو للوجوب أو للندب‪ "، ..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٤8‬‬
‫وذكر أن مذهب املالكية الوجوب‪ ،‬واالستحباب عند الشافعي‪ ،‬واملختار عند النووي من علامء الشافعية الوجوب‪،‬‬
‫وكذلك الفخر الرازي كام سبق ذكره‪ ،‬أما احلنفية فقال ابن عاشور أنه مل ينسب هلم كالم يف املسألة‪ ،‬إال أن جمموع قول‬
‫اجلصاص أحد علامئهم يدل عىل الوجوب‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٤9-1٤8‬‬
‫(‪ )٤‬واملأمور بمشاورهتم ﷺ يف اآلية هم املنهزمون يف أحد‪ ،‬واآلية ليست خاصة هبم‪ ،‬بل "العرة بعموم اللفظ ال‬
‫بخصوص السبب‪".‬‬
‫(‪ )٥‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٥0‬‬

‫‪٢01‬‬
‫وقال صاحب املنار يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭭ﴾ "العام الذي هو سياسة األمة يف‬
‫احلرب والسلم‪ ،‬واخلوف واألمن‪ ،‬وغري ذلك من مصاحلهم الدنيوية؛ أي ُد ْم عىل املشاورة‬
‫(‪(1‬‬
‫وواظب عليها‪ ،‬كام فعلت قبل احلرب يف هذه الواقعة (غزوة أحد)‪".‬‬

‫وأمر اهلل عز وجل نبيه بالشورى يف "أي أمر كان مما يشاور يف مثله"‪ (٢(،‬وإن كان ﷺ‬
‫غني عن الرأي‪ ،‬لرجاحة عقله وكامله‪ ،‬ولكن لتحقيق التوافق واالجتامع عىل أصلح وأحسن‬
‫ٌّ‬
‫اآلراء‪ ،‬بعد اجتهاد كل أفراد املشاورة يف استخراج أفضل ما جادت به عقوهلم‪ ،‬وهي تكليف‬
‫رش َع َل ْي ِه‪ (٣(".‬فمن بني الفوائد املستفادة يف‬
‫ِ‬
‫نبوي‪ ،‬قال ﷺ‪" :‬إِ َذا ْ‬
‫است ََش َار َأ َحدُ ك ُْم َأ َخا ُه َف ْل ُي ْ‬
‫األمر اإلهلي بالشورى لنبيه‪" :‬وشاورهم يف األمر ال ألنك حمتاج إليهم‪ ،‬ولكن ألجل أنك‬
‫إذا شاورهتم يف األمر اجتهد كل واحد منهم يف استخراج الوجه األصلح يف تلك الواقعة‪،‬‬
‫فتصري األرواح متطابقة متوافقة عىل حتصيل أصلح الوجوه فيها‪ ،‬وتطابق األرواح الطاهرة‬
‫(‪(٤‬‬
‫عىل اليشء الواحد مما يعني عىل حصوله‪"...‬‬

‫والشورى »كام هي فريضة إهلية يف سياسة الدولة وشؤون االجتامع اإلنساين لألمة‪،‬‬
‫هي كذلك يف نطاق األرسة‪ ،‬كلبنة يف رصح االجتامع اإلنساين‪ ،‬إهنا السبيل إىل الرايض الذي‬
‫حيقق لألرسة السعادة والوفاق»‪ (٥(،‬قال تعاىل يف الشورى العائلية‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [البقرة‪.]٢٣٣ :‬‬

‫فالشورى عامة تشمل كل املجاالت من العائلة إىل القبيلة إىل األمة‪ ،‬يقول ابن عاشور‪ :‬إهنا‬
‫(‪(٦‬‬
‫"يف مراتب املصالح كلها‪ :‬وهي مصالح العائلة ومصالح القبيلة أو البلد‪ ،‬ومصالح األ َّمة‪".‬‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٦٣‬‬
‫(‪ )٢‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٥1‬‬
‫(‪ )٣‬ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد الربعي القزويني‪ .‬سنن ابن ماجه‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪ ،‬فيصل عيسى البايب احللبي‪( ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬كتاب‪ :‬األَ َد ِ‬
‫ب‪ ،‬باب‪ :‬ا ُمل ْست ََش ُار ُمؤْ َمت َ ٌن‪ ،‬ج‪ ،٢‬حديث رقم‬
‫(‪ ،)٣٧٤٧‬ص‪.1٢٣٣‬‬
‫(‪ )٤‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ .٦8‬ذكر الرازي ثامنية أوجه مستفادة من أمر اهلل تعاىل بالشورى لنبيه‪.‬‬
‫(‪ )٥‬عامرة‪ ،‬معامل املنهج اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٤٦‬‬
‫(‪ )٦‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٤8‬‬

‫‪٢0٢‬‬
‫‪ -2‬الشورى وعزمة اإلمام حلسم االختالف‪:‬‬
‫أمهية الشورى‪ ،‬وثمرهتا‪ ،‬والقصد منها‪ ،‬هو النتيجة العملية‪ ،‬والقرار التنفيذي الذي‬
‫خيلص إليه جملس الشورى‪ ،‬إما باإلمجاع أو اتباع األغلبية‪ ،‬ولكي ال تتحول الشورى إىل جلاج‬
‫وجدال مذموم‪ ،‬تتسع معه دائرة االختالف والتفرق‪ ،‬يرشدنا القرآن إىل طريقة اختاذ القرار‬
‫يف الشورى‪ ،‬فإما إمجاع أو اتباع األغلبية‪ ،‬أو عزمة اإلمام وطاعته حلسم مادة االختالف‪،‬‬
‫يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ [آل عمران‪.]1٥9 :‬‬
‫يقول الشوكاين‪" :‬أي إذا عزمت عقب املشاورة عىل يشء‪ ،‬واطمأنت به نفسك‪ ،‬فتوكل‬
‫وفوض إليه"(‪ ،(1‬وروي عن جابر بن زيد أنه قرأ ﴿ ﭱ‬
‫عىل اهلل يف فعل ذلك؛ أي اعتمد عليه‪ّ ،‬‬
‫ﭲ﴾ بضم التاء‪ ،‬واملعنى أن اهلل تعاىل قال للرسول‪ :‬إذا عزمت أنا فتوكل‪ ،‬وض ّعف الرازي‬
‫هذه القراءة‪ (٢(.‬فاآلية رصحية يف عزمة اإلمام املستكملة لرشوطها يف األمور العامة‪ (٣(،‬إن‬
‫مل يكن إمجاع أو أغلبية‪ ،‬فاآلية ﴿ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ ترد الطاعة واالتباع إىل‬
‫صاحبها‪ ،‬فتحسم مادة االختالف للخروج بنتيجة عملية‪ ،‬كام أن عزمة اإلمام فيها رصامة‬
‫وقوة‪ ،‬جيب أن تتوفر يف اإلمام‪ ،‬يقول صاحب املنار‪" :‬وذلك أن نقض العزيمة ضعف يف‬
‫(‪(٤‬‬
‫النفس‪ ،‬وزلزال يف األخالق ال يوثق بمن اعتاده يف قول وال عمل‪".‬‬
‫وبعد العزمة تكون الرعية ملزمة بقرار الشورى‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [النساء‪ ،]٥9 :‬فهذا منهج قرآين واضح يف تدبري اختالف جملس‬
‫الشورى‪ ،‬فاإلمام يستشري امتثاالً ألمر اهلل تعاىل‪ ،‬وتأسي ًا برسوله ﷺ‪ ،‬ثم يتبع اإلمجاع أو‬
‫أغلبية واضحة(‪ ،(٥‬وإن خيش النزاع واللجاج‪ ،‬تبقى له العزمة احلاسمة للنزاع واالختالف‬
‫برصيح القرآن‪ ،‬من أجل اجتامع الكلمة‪ ،‬واحلصول عىل النتيجة العملية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٥1‬‬
‫(‪ )٢‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٧0‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٦9-1٦8‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٦9-1٦8‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورة َما َخا َل ْف ُتك َُام"‪.‬‬ ‫(‪ )٥‬قال ﷺ أليب بكر وعمر نزوالً عند رأي األغلبية فيام هو شورى برشية‪َ " :‬لو ْ‬
‫اجت ََم ْعت َُام يف َم ُش َ‬
‫‪ -‬أمحد‪ ،‬مسند أمحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬حديث عبد الرمحن بن َغنْ ٍم ْاألَ ْش َع ِر ِّي‪ ،‬ج‪ ،٢9‬حديث رقم (‪،)1٧99٤‬‬
‫ص‪.٥18‬‬

‫‪٢0٣‬‬
‫ومما حيد من االختالفات والنزاعات‪ ،‬لزوم نتائج الشورى للحاكم‪ ،‬وذلك باتباع‬
‫اإلمجاع أو األغلبية‪ ،‬وال سيام يف زماننا الذي ق ّلت فيه الديانات‪ ،‬وضعف فيه الوازع اإليامين‬
‫واألخالقي‪ ،‬وكثرت فيه مظاهر ظلم احلكام واستبدادهم عىل الشعوب‪" ،‬إننا نتبنى القول‬
‫وحسب أمتنا‬
‫ُ‬ ‫بوجوب الشورى‪ ،‬وبأن نتائجها ملزمة‪ ،‬ما دامت صادرة من أهلها يف حملها‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫ما القت من الطغاة واملستبدين‪".‬‬

‫فالشورى من مفاخر اإلسالم‪ ،‬ومن األدوات واآلليات التي قررها القرآن الكريم‪،‬‬
‫لتدبري االختالف السيايس‪ ،‬وتنظيم العالقة بني احلكام والشعوب‪ ،‬فهي "فريضة إهلية‪،‬‬
‫وقد أثبتت كفاءهتا ونجاعتها يف نظام احلكم‬ ‫(‪(٢‬‬
‫وليست جمرد حق من حقوق اإلنسان"‪،‬‬
‫يف عرص اخلالفة الراشدة‪ ،‬التي متثل املرحلة التطبيقية ألحكام القرآن يف احلكم وسياسة‬
‫األمة‪ (٣(،‬وهذا بشهادة املخالف قبل املوافق‪ ،‬يقول رشيد رضا‪" :‬قال أحد كبار علامء األملان‬
‫يف األستانة‪ ،‬لبعض املسلمني فيهم أحد رشفاء مكة‪ ،‬أنه ينبغي لنا أن نقيم متثاالً من الذهب‬
‫ملعاوية ابن أيب سفيان يف ميدان كذا من عاصمتنا (برلني) قيل له‪ :‬ملاذا؟ قال‪ :‬ألنه هو الذي‬
‫حول نظام احلكم اإلسالمي عن قاعدته الديمقراطية إىل عصبية الغلب‪ ،‬ولوال ذلك لعم‬
‫(‪(٤‬‬
‫اإلسالم العامل كله‪ ،‬ول ُكنّا نحن األملان وسائر شعوب أوروبا عرب ًا مسلمني‪".‬‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬الصحوة اإلسالمية ومهوم الوطن العريب واإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤1٧‬ه‪199٧/‬م)‪ ،‬ص‪ ،٧٣‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬االجتهاد يف الرشيعة اإلسالمية مع نظرات حتليلية يف االجتهاد املعارص‪ ،‬الكويت والقاهرة‪:‬‬
‫دار القلم للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٦/‬م)‪ ،‬ص‪.1٢٢‬‬
‫يقول عبد الكريم زيدان بخصوص سؤال‪ :‬هل الشورى ملزمة أم معلمة؟ قال‪" :‬واجلواب يتوقف عىل نظام‬
‫اجلامعة‪ ،‬فام يقرره نظامها من كون الشورى يف اجلامعة‪ ،‬ملزمة ألمريها أو معلمة فقط‪ ،‬يكون هو اجلواب التنفيدي يف‬
‫حق األمري ويف حق اجلامعة كلها‪ ..‬وكل ما نقوله هنا أن املسألة اجتهادية‪ "...‬انظر‪:‬‬
‫زيدان‪ ،‬السنن اإلهلية يف األمم واجلامعات واألفراد يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦0‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬عامرة‪ ،‬معامل املنهج اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٤٥‬‬
‫(‪ )٣‬الرفاعي‪ ،‬عاطف إبراهيم املتويل‪" .‬احلكم وسياسة األمة يف القرآن الكريم‪ :‬دراسة يف التفسري املوضوع"‪( ،‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ ،‬جامعة املدينة العاملية‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬ماليزيا‪1٤٣٦ ،‬ه‪٢01٥/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢8٢‬‬

‫‪٢0٤‬‬
‫أدرك الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬بفطرهتم‪ ،‬وبام فهموه من مقاصد الوحي‪ ،‬أمهية‬
‫اجتامع الكلمة‪ ،‬والوحدة واأللفة‪ ،‬واتقاء الفتنة واالفراق‪ ،‬وذلك حني توجهوا بعد وفاة‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل القيادة السياسية؛ ألهنا ضامن أسايس لتدبري االختالف‪ ،‬وبناء العمران‪،‬‬
‫وكانت الشورى هي معتمدهم يف اختيار اخلليفة بعد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬من غري غصب للحكم‪،‬‬
‫وال توريثه‪ ،‬وال استيالء عليه بالسيف كام وقع بعد اخلالفة الراشدة‪ ،‬ويقع يف زماننا‪ ،‬مع‬
‫وجود ما توصل إليه اإلنسان املعارص من آليات ديمقراطية يف إدارة نظام احلكم‪.‬‬

‫فالشورى أسلوب للتعاون‪ ،‬واالختبار لآلراء‪ ،‬وتنقيحها‪ ،‬وتصحيحها‪ ،‬واختيار‬


‫أصوهبا وأقرهبا للصواب‪ ،‬من أجل اإلعامل‪ ،‬وليست ترف ًا فكري ًا‪ ،‬أو مكاملة ومناقشة من‬
‫أجل املراء واملزايدات‪ ،‬كام حيصل اليوم يف الرملانات وجمالس الشعب‪ ،‬التي تقوم عىل أساس‬
‫املعارضة للحكومة‪ ،‬سواء كانت هذه املعارضة مرشوعة أو غري مرشوعة‪.‬‬

‫والشورى تربية عىل فقه االختالف‪ ،‬وتدبريه وإدارته‪ ،‬واحرام اآلراء املخالفة‬
‫واملعارضة‪ ،‬الحتامل صحتها من بعض الوجوه‪ ،‬والبعد عن التعصب لآلراء‪ ،‬وهي ممارسة‬
‫تط ّيب النفوس؛ ألن النفس اإلنسانية جمبولة عىل تق ُّبل األمور التي تستشار فيها‪ ،‬وتقوم عىل‬
‫تنفيذها‪ ،‬وتكون أكره ملا يفرض عليها‪ ،‬وألن املشاركة يف اختاذ القرار حمفز عىل العمل والنجاح‪،‬‬
‫وهو ما بات يعرف اليوم ب "التشاركية" التي تنهجها الرشكات واملعامل واملؤسسات عندما‬
‫تتجه ألخذ آراء املوظفني والعامل‪ ،‬فيام خيص سري املؤسسة أو الرشكة أو املعمل‪.‬‬

‫واإلنسانية املعارصة حتتاج أصل الشورى‪ ،‬إلدارة اختالفاهتا‪ .‬فاالستبداد بالرأي‪،‬‬


‫واالنفراد بالقرار السيايس‪ ،‬يف أي نظام من أنظمة احلكم يف العامل؛ ‪-‬ملكية‪ ،‬أو رئاسية‪،‬‬
‫أو مجهورية أو برملانية‪ -‬هو ضياع للجامع السيايس‪ ،‬املؤ ِّلف بني أفراد الوطن الواحد عىل‬
‫اختالف أطيافهم الفكرية‪ ،‬ومعتقداهتم اإليديولوجية‪ ،‬وقناعاهتم وعاداهتم‪ .‬فالشورى‬
‫اعراف باملخالف‪ ،‬وإعطاؤه احلق يف االعراض واملناقشة وعرض أفكاره لالختبار والتداول‪.‬‬
‫ٌ‬

‫والشورى أصل قرآين‪ ،‬هيدف إىل االئتالف واالجتامع‪ ،‬واجتناب الفتنة والشقاق‪،‬‬
‫فهي أسلوب للمامرسة الفردية واجلامعية واألرسية‪ ،‬ومن مقاصدها احلث عىل التفكري‪،‬‬

‫‪٢0٥‬‬
‫واحلرية يف ممارسة الرأي‪ ،‬واختبار اآلراء واستخراج أصلحها وأحسنها للعمل واملامرسة‪،‬‬
‫ومنع االستبداد والطغيان‪ ،‬وإقامة العدل بني الناس‪ ،‬ومحاية احلقوق‪ ،‬وضامن أداء‬
‫الواجبات‪ .‬وهبذه املقاصد العليا تستطيع الشورى تدبري االختالفات اإلنسانية‪ ،‬وتوجيهها‬
‫نحو األلفة والوحدة‪ ،‬ومواكبة ما يستجدّ يف عامل الناس من مناهج وآليات‪ ،‬من غري اخلروج‬
‫عن حمكامت الرشع‪.‬‬

‫وقد انفرط عقد الشورى يف تاريخ املسلمني من زمن مبكر‪ ،‬فطغى االستبداد والظلم‪،‬‬
‫وكثر االختالف والنزاع‪ ،‬وبعدت اهلوة بني احلكام والشعوب من جهة‪ ،‬والقرآن والسلطان‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يقول رشيد رضا‪" :‬فمبايعة اخللفاء الراشدين كانت من األمة برضاها‪،‬‬
‫وكانوا يستشريون أهل العلم والرأي يف كل يشء‪ ،‬إال أن بني أمية قد أحاطوا بعثامن وغلبوا‬
‫األمة عىل رأهيا عنده‪ ،‬فكان من عاقبة ذلك ما كان من الفتن‪ ،‬حتى استقر األمر فيهم بقوة‬
‫العصبية والدهاء‪ ،‬ال باستشارة الدمهاء‪ ،‬فهم الذين هدموا قاعدة احلكم بالشورى يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬بدالً من إقامتها‪ ،‬ووضع القوانني التي حتفظها‪ ،‬وجتعل استفادة األمة منها تابعة‬
‫(‪(1‬‬
‫لتقدم العلوم واملعارف وأعامل العمران فيها‪".‬‬

‫ويؤكد حمامد رفيع هذه القضية‪ ،‬مشري ًا إىل أمهية الشورى يف تدبري االختالف بقوله‪:‬‬
‫"وتظهر أمهية مبدأ الشورى يف تدبري االختالف حني خيتفي وحيل حمله االستبداد بالرأي‪،‬‬
‫كام حدث بعد زمن اخلالفة الراشدة‪ ،‬حيث يصبح الرأي املخالف يف اختاذ القرار مرفوض ًا‬
‫(‪(٢‬‬
‫ومذموم ًا‪ ،‬بل ومقبور ًا‪".‬‬

‫أما الديمقراطية فهي ابتكار برشي‪ ،‬وإنجاز إنساين‪ ،‬ملنع الظلم واالستبداد السيايس‪،‬‬
‫وتدبري االختالف بني األقلية واألغلبية داخل الوطن الواحد‪ ،‬وإخضاع السلطة لرقابة الشعب‪،‬‬
‫واحلد من سلطات احلكام‪ ،‬وبناء دولة املؤسسات‪ ،‬ومحاية حقوق املواطنني وحرياهتم‪.‬‬
‫والديمقراطية ليست كفر ًا وال فسق ًا‪ ،‬فكل ما يف األمر‪ ،‬هو أن اغتيال الشورى يف وقت‬
‫مبكر‪ ،‬وعدم قيام املسلمني بواجب الشهود احلضاري‪ ،‬وإعطاء البدائل التي يقرحها الوحي‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٦٧‬‬
‫(‪ )٢‬رفيع‪ ،‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦٧-1٦٦‬‬

‫‪٢0٦‬‬
‫عىل اخللق‪ ،‬وممارستها عىل أرض الواقع‪ ،‬ظهرت الديمقراطية بآلياهتا و"يمكن أن يقبل‬
‫املسلمون آليات الديمقراطية‪ ،‬وأن خيضعوها لسقفنا اإلسالمي‪ ،‬وهو التزام حكم اهلل فيام‬
‫(‪(1‬‬
‫هو من القطعيات والثوابت‪"...‬‬
‫والديمقراطية يف النظر الغريب قائمة عىل ضبط الرصاع االجتامعي؛ ألن "الرصاع يف‬
‫النظر الغريب هو األصل يف العالقات البرشية‪ ،‬وليس األخوة يف املنشأ‪ ،‬واألصل‪ ،‬واملآل‪،‬‬
‫والوظيفة االستخالفية العمرانية املشركة التي جيب التعاون عىل إنجازها‪ ،‬ليصبح الكون‬
‫(‪(٢‬‬
‫بيت ًا عامر ًا آمن ًا للبرشية كام هو احلال يف الرؤية اإلسالمية‪".‬‬

‫سادس ًا‪ :‬أصل االلتزام بالعهود واملواثيق‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ُّ‬
‫وحيث ويشدّ د‬ ‫يشري اخلطاب القرآين يف آيات عديدة إىل مرشوعية العهود واملواثيق‪،‬‬
‫عىل الوفاء هبا‪ ،‬والوقوف عند حدودها‪ ،‬وااللتزام بمضامينها‪ ،‬والتحذير من اخليانة والغدر‬
‫ونقض العهود‪ ،‬ملا حتققه من مقاصد حفظ السلم واألمن والتعايش اإلنساين‪ ،‬واجتناب‬
‫النزاعات واحلروب التي تدمر العمران‪ ،‬وتعيق التنمية والتطور‪ ،‬حتى قيل يف تعريف العهد‪:‬‬
‫"احلفاظ ورعاية احلق واحلرمة والعهد‪ :‬األمان"‪ (٣(،‬وبذلك يكون االلتزام والوفاء بالعهود‬
‫واملواثيق والعقود املرمة مع املخالف ‪-‬األفراد أو األمم واجلامعات‪ -‬من أصول تدبري‬
‫(‪(٤‬‬
‫االختالف يف اخلطاب القرآين‪.‬‬

‫(‪ (1‬مولوي‪ ،‬املسلم مواطن ًا يف أوروبا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8٢‬‬


‫(‪ (٢‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ .‬التعددية أصول ومراجعات بني االستتباع واإلبداع‪ ، ،‬سلسلة أبحاث علمية (‪ ،)11‬القاهرة‪:‬‬
‫املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٦/‬م)‪ ،‬ص‪ .1٧‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8٢-81‬‬
‫(‪ )٣‬ابن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم بن سالم اهلروي األزدي‪ .‬األجناس من كالم العرب وما اشتبه يف اللفظ واختلف يف‬
‫املعنى‪ ،‬تصحيح‪ :‬امتياز عيل عريش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الرائد العريب‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬هـ‪198٣/‬م)‪ ،‬ص‪.٣٢‬‬
‫(‪ (٤‬تأمل قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [اإلرساء‪ ،]٣٤ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [األنعام‪،]1٥٢ :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [املؤمنون‪ ،]8 :‬وقال‪﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [النحل‪ ،]91 :‬وقال‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ﴾ [البقرة‪ ،]1٧٧ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [النساء‪ ،]90 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮧ ﮨ =‬

‫‪٢0٧‬‬
‫ونحاول دراسة هذا األصل وحتليله‪ ،‬وتفكيك مضامينه‪ ،‬عىل وفق سياقاته القرآنية‪ ،‬يف‬
‫املواضيع اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬األمر بااللتزام باملواثيق املربمة مع املخالف‪:‬‬


‫جاء األمر الرشعي يف اخلطاب القرآين عىل االلتزام باملعاهدات واملواثيق‪ ،‬وجعل هذا‬
‫األصل تكليف ًا رشعي ًا‪ ،‬ألمهيته يف تدبري العالقة بني الناس وخالقهم(‪ (1‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭰ‬
‫ﭱ ﭲﭳ ﴾ [األنعام‪ ،]1٥٢ :‬وتدبري العالقة بني الناس فيام بينهم(‪- (٢‬وهي املقصودة يف الدراسة‪-‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [اإلرساء‪.]٣٤ :‬‬
‫فأصل الوفاء بالعهود واملواثيق‪ ،‬يشمل كل العهود التي تعقد بني الناس‪ (٣(،‬أو بينهم وبني‬
‫خالقهم‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﴾ [البقرة‪ ،]1٧٧ :‬ويقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [الرعد‪ ]٢0 :‬يقول سيد قطب‪" :‬وعهد اهلل مطلق يشمل كل عهد‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫وميثاق اهلل مطلق يشمل كل ميثاق‪".‬‬
‫فاخلطاب القرآين حيث املسلم عىل االلتزام والوفاء بالعقود التي ترم مع املخالف‪،‬‬
‫من معاهدات واتفاقات دولية أو حملية أو غري ذلك‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ﴾ [املائدة‪ ]1 :‬فهذا أمر بالوفاء بالعقود املرمة بني طرفني أو أكثر‪ ،‬كيفام كان نوعها أو‬
‫(‪(٥‬‬ ‫شكلها‪" ،‬من أمان ِ‬
‫وذ َّمة‪ ،‬أو نرصة‪ ،‬أو نكاح‪ ،‬أو بيع‪ ،‬أو رشكة‪ ،‬أو غري ذلك من العقود"؛‬

‫= ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [الرعد‪ ،]٢٥ :‬وقال‬


‫تعاىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [املائدة‪ ،]1 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [التوبة‪..]٤ :‬‬

‫(‪ (1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.٢٢٦-٢٢٥‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1٧‬ص‪٤٤٤‬‬
‫(‪ )٣‬فإن هذه األلفاظ‪" :‬العهد" و"امليثاق" و"العقد" تأخذ يف هذا الفصل نفس املعنى‪ ،‬لذلك فإن الباحث يستعمل األلفاظ‬
‫الثالثة بنفس املعنى‪ ،‬ويعر بجميعها‪ .‬ومعتمد الباحث يف ذلك هو تعريف الطري لـ "لعقد" حيث عرفه ب"امليثاق"‬
‫وب"العهد‪ "،‬يقول الطري‪" :‬و"العقود" مجع" َع ْق ٍد‪ "،‬وأصل "العقد‪ "،‬عقد اليشء بغريه‪ ،‬وهو وصله به‪ ،‬كام يعقد احلبل‬
‫ِ‬
‫باحلبل‪ ،‬إذا وصل به شدّ ًا‪ .‬يقال منه‪" :‬عقد فالن بينه وبني فالن عقد ًا‪ ،‬فهو يعقده‪ ..‬وذلك إذا َواثقه عىل أمر وعاهده عليه‬
‫ِ‬
‫عهد ًا بالوفاء له بام عاقده عليه‪ ،‬من أمان وذ َّمة‪ ،‬أو نرصة‪ ،‬أو نكاح‪ ،‬أو بيع‪ ،‬أو رشكة‪ ،‬أو غري ذلك من العقود‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٤٥٢-٤٥1‬‬
‫(‪ (٤‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.٢0٥٧‬‬
‫(‪ (٥‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٤٥٢-٤٥1‬‬

‫‪٢08‬‬
‫أي سواء تعلق األمر بالنظام السيايس‪ ،‬أو النظام األرسي‪ ،‬أو النظام االقتصادي بالبيع‬
‫والرشاء‪ ،‬أو غري ذلك من املعامالت اإلنسانية‪.‬‬

‫ويوجه القرآن الكريم اخلطاب ملن ينقض العهد بصيغة النهي‪ ﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ [النحل‪ ]9٢ :‬فالقرآن الكريم‬
‫يشبه ناقض العهد باملرأة التي تنقض غزهلا من بعد إحكامه وإمتام إبرامه‪ ،‬فهو هني يف معرض‬
‫التقبيح‪ ،‬كام يدل عىل ذلك سياق اآلية‪.‬‬

‫كام أشار هذا النص القرآين إىل أنه ال جيوز أن تكون القوة العسكرية أو غريها سبب ًا‬
‫يف نقض العهود املرمة مع املخالف ف "ال يصح أن تكون سعة األرض‪ ،‬أو زيادة السلطان‬
‫سبب ًا يف الغدر‪ ،‬ولذلك قال سبحانه يف بواعث الغدر‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾؛ أي‬
‫أوسع أرض ًا‪ ،‬وأكثر عدد ًا‪ ،‬وأقوى سالح ًا‪ ،‬فال يصح أن يكون التوسع باعث ًا للغدر؛ ألنه‬
‫(‪(1‬‬
‫يؤدي ال حمالة إىل الضعف‪".‬‬

‫ويقول تعاىل يف لعن الذين ينقضون امليثاق‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬


‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [الرعد‪ ،]٢٥ :‬ويف‬
‫املقابل يمدح املوفني بالعهد وامليثاق‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾‬
‫[الرعد‪ ﴿ ]٢0 :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﴾ [الرعد‪.]٢٣-٢٢ :‬‬

‫ويشدد عىل االلتزام باملعاهدات‪ ،‬ولو مع أشد الناس عداوة للمؤمنني‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [التوبة‪ ]٤ :‬فاالستثناء يف اآلية يتعلق باملعاهدين‪" ،‬ويف االستثناء‬
‫(‪(٢‬‬
‫حكم مستمر املدى كام هو املتبادر‪".‬‬

‫(‪ )1‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٥٤٦‬‬
‫(‪ )٢‬دروزة‪ ،‬التفسري احلديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٣٥0‬‬

‫‪٢09‬‬
‫‪ -2‬االلتزام بالعهود واملواثيق حيقن دم املخالف‪:‬‬
‫مع حرص القرآن الكريم عىل املعاهدات وااللتزام هبا‪ ،‬لتدبري االختالف اإلنساين‬
‫بعيد ًا عن احلروب‪ ،‬مل جيعل االلتزام بالعقود عىل إطالقه‪ ،‬بل قيده بالتزام الطرف اآلخر‪،‬‬
‫لذلك أجاز القرآن الكريم قتال املخالف إذا مل يلتزم باملتفق عليه‪ ،‬ونقض العهد‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [التوبة‪ ]1٢ :‬واألمر حسب ابن عاشور للوجوب‪ ،‬وفيه اإلذن بالقتال‬
‫كام يف (آية التوبة‪ (1(،)٥ :‬ويقول القنوجي البخاري‪" :‬فيه وجوب قتاهلم إذا نكثوا األيامن‬
‫ونقضوا العهد‪ ،‬وأعلمنا سبحانه أهنم إذا طعنوا يف ديننا‪ ،‬كطعنهم يف القرآن العظيم وسبهم‬
‫(‪(٢‬‬
‫النبي ﷺ انتقض عهدهم‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف الراءة ممن نقض العهد بعد توكيدها‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬


‫ﭘ ﭙ﴾ [التوبة‪ ]1 :‬و "هذه اآليات براءة من اهلل ورسوله إىل الذين عاهدتم من املرشكني‪،‬‬
‫يقال‪ :‬برئت من اليشء أبرأ براءة‪ ،‬فأنا منه بريء‪ :‬إذا أزلته عن نفسك‪ ،‬وقطعت سبب ما بينه‬
‫وبينك"‪ (٣(،‬وقال القنوجي البخاري‪" :‬وفيه اإلخبار للمسلمني بأن اهلل ورسوله قد برءا من‬
‫تلك املعاهدة‪ ،‬بسبب ما وقع من الكفار من نقض العهد‪ ،‬فصار النبذ إليهم بعهدهم واجب ًا‬
‫(‪(٤‬‬
‫عىل املعاهدين من املسلمني‪".‬‬

‫وقال تعاىل حض ًا للمؤمنني عىل قتال من نقض العهد‪ ،‬وسعى يف إخرج الرسول ﷺ من‬
‫وطنه‪ ،‬وابتدأ املؤمنني بالقتال يوم بدر‪﴿ (٥( :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٢9‬‬


‫(‪ )٢‬لبخاري‪ ،‬القنوجي‪ .‬العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(‪ )٣‬ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .٤٤٦‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫‪ -‬الثعالبي‪ ،‬أبو زيد‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد بن خملوف املالكي‪ .‬اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن‪ ،‬حقق أصوله عىل‬
‫أربع نسخ خطية‪ ،‬وع ّلق عليه وخرج أحاديثه‪ :‬عيل حممد معوض وعادل أمحد عبد املوجود‪ ،‬وشارك يف حتقيقه‪:‬‬
‫عبد الفتاح أبو سنة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الراث العريب ومؤسسة التاريخ العريب‪ ،‬ط‪1٤18( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،٣‬ص‪.1٦1‬‬
‫(‪ )٤‬لبخاري‪ ،‬القنوجي‪ .‬العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧9‬‬
‫(‪ )٥‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.1٥8‬‬

‫‪٢10‬‬
‫فنقض العهد واالبتداء بالقتال موجب‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [التوبة‪]1٣ :‬‬

‫لقتاهلم دفع ًا للعدوان‪ ،‬وإرغامهم عىل احرام العهود‪ ،‬وحس ًام ملادة النزاع واالختالف‪،‬‬
‫ليسود السلم والسالم املجتمع اإلنساين‪.‬‬

‫وقال تعاىل يف إشارة إىل أنه ال سبيل للمؤمنني عىل من مل يقاتل‪ ،‬وأراد السلم بدخوله‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [النساء‪:‬‬ ‫يف عداد من بينه وبني املسلمني ميثاق‪ ﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫‪ ]90‬يقول ابن الفرس‪" :‬خذوا الكافرين واقتلوهم حيث وجدمتوهم إال من دخل منهم يف‬
‫عداد من بينكم وبينهم ميثاق‪ (1(،"...‬ويقول الزخمرشي‪" :‬كأنه قيل‪ :‬إال الذين يصلون إىل‬
‫(‪(٢‬‬
‫قوم معاهدين‪"...‬‬

‫ويقول تعاىل ّ‬
‫إن السلم واالستقامة عىل العهد ملن استقام عىل العهد‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [التوبة‪]٧ :‬؛ "أي ليس العهد إال هلؤالء الذين مل ينكثوا‪ ﴿ ،‬ﭠ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﭡ ﭢ﴾ عىل العهد ﴿ﭣ ﭤﭥ﴾ عليه‪".‬‬

‫ويقول الشوكاين يف قوله تعاىل‪ ﴿ " :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ﴾؛ أي لكن‬


‫الذين عاهدتم عند املسجد احلرام‪ ،‬ومل ينقضوا ومل ينكثوا فال تقاتلوهم‪ ،‬فام داموا مستقيمني‬
‫لكم عىل العهد الذي بينكم وبينهم ﴿ﭣ ﭤ﴾"‪ (٤(،‬يقول الطباطبائي يف اآلية‪ ﴿ " :‬ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ﴾ وذلك أن االستقامة ملن استقام والسلم ملن يسامل من لوازم‬
‫التقوى الديني‪ ،‬ولذلك علل قوله ذلك بقوله‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾‪ (٥(،"...‬ونظريه قوله‬

‫(‪ )1‬ابن الفرس‪ ،‬أبو حممد عبد املنعم بن عبد الرحيم اخلزرجي‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬منجية بنت اهلادي النفري‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٢٧( ،1‬هـ‪٢00٦/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٢٧-٢٢٦‬‬
‫(‪ )٢‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢٥٢‬‬
‫(‪ )٣‬ابن أيب زمنني‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل بن عيسى املري‪ .‬تفسري القرآن العزيز‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن حسني عكاشة‪،‬‬
‫وحممد بن مصطفى الكنز‪ ،‬القاهرة‪ :‬الفاروق احلديثة‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،1‬ه‪٢00٢/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.19٥‬‬
‫(‪ )٤‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣8٧‬‬
‫(‪ )٥‬الطباطبائي‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٦1‬‬

‫‪٢11‬‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ [التوبة‪.]٤ :‬‬

‫وأبقى القرآن للمخالف حق إعالمه بقطع العالقة معه يف حالة نقض عهده مع املسلمني‪،‬‬
‫ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [األنفال‪] ٥8 :‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫"واملراد باخليانة هنا الغش ونقض العهد‪ ،‬واملعنى أنه خيرهم إخبار ًا ظاهر ًا مكشوف ًا بالنقض‪،‬‬
‫وال يناجزهم باحلرب بغتة‪ ،‬والظاهر أن هذه اآلية عامة يف كل معاهد خياف من وقوع النقض‬
‫منه"‪ (1(،‬فالقاعدة األساسية هي‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [التوبة‪.]٧ :‬‬

‫فإذا كان غري املتدين حمكوم ًا برشيعة القانون الدنيوية‪ ،‬فإن املؤمن حمكوم برشيعة اهلل يف‬
‫الدنيا‪ ،‬ومستحرض لعقيدة البعث واجلزاء يف اآلخرة‪ ،‬لذلك كان االلتزام بالعقود واحرامها‬
‫عقيدة عند املسلمني‪ ،‬ألن اهلل تعاىل مسائلهم عنها يوم احلساب ﴿ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬
‫[اإلرساء‪ .]٣٤ :‬يقول الطري‪ ..." :‬إن اهلل جل ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫فال تنقضوا العهود اجلائزة بينكم‪ ،‬وبني من عاهدمتوه أهيا الناس فتخفروه‪ ،‬وتغدروا بمن‬
‫(‪(٢‬‬
‫أعطيتموه ذلك‪".‬‬

‫من خالل اآليات السابقة يتبني مدى تأكيد القرآن الكريم عىل احرام العقود واملواثيق‪،‬‬
‫حلقن الدماء‪ ،‬وإدامة السلم يف املجتمع اإلنساين‪.‬‬

‫‪ -3‬تطبيقات عملية ألمهية املواثيق يف تدبري االختالف‪:‬‬

‫وتتجىل أمهية املعاهدات واملواثيق يف إدارة االختالف وتدبريه‪ ،‬يف التطبيق العميل‬
‫للقرآن الكريم عىل يد رسول الرمحة حممد ﷺ‪ (٣(،‬مع اليهود يف املدينة املنورة بعد اهلجرة‪ ،‬يف‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٥‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٧‬ص‪.٤٤٤‬‬
‫ِ‬ ‫َقص ُه أو ك َّل َف ُه َ‬
‫فوق طا َقته أو َ‬ ‫ِ‬
‫أخذ‬ ‫(‪ )٣‬فقد شدد رسول اهلل ﷺ عىل محاية املخالف املعاهد بقوله‪" :‬أال َمن َظلم ُمعاهد ًا أو انت َ‬
‫ِ‬ ‫غري طِ ِ‬
‫القيامة‪".‬‬ ‫َفس؛ فأنا َح ِج ُ‬
‫يج ُه يوم‬ ‫يب ن ِ‬ ‫من ُه شيئ ًا بِ ِ‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب اخلراج والفيء واإلمارة‪ ،‬باب‪َ :‬ت ْع ِشري ِ‬
‫أهل الذمة إذا اختلفوا‬
‫بالتجارات‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪ ،)٣0٥٢‬ص‪.٦٥٣‬‬

‫‪٢1٢‬‬
‫إطار التأسيس ألول دولة إسالمية "فخانوا وغدروا"(‪ (1‬ومعاهدة صلح احلديبية مع مرشكي‬
‫مكة‪" (٢(،‬فنقضوا عهدهم"‪ (٣(،‬والعهد النبوي لنصارى نجران بتاريخ الثالث من حمرم‪ ،‬يف‬
‫(‪(٤‬‬
‫السنة الثانية للهجرة‪.‬‬

‫أ‪ -‬معاهدة صحيفة املدينة‪:‬‬


‫(‪(٥‬‬
‫ومن أول املعاهدات التي أبرمها النبي ﷺ‪ ،‬بعد اهلجرة مع املخالف‪ ،‬عهد املدينة‬
‫عند التأسيس ألول دولة إسالمية‪ ،‬فقد "عاهد ﷺ أهل الكتاب من هيود املدينة وما حوهلا‬
‫عىل السلم والتعاون‪ (٦(،"...‬وجاء يف سرية ابن هشام‪" :‬قال ابن إسحاق‪ :‬وكتب رسول‬
‫اهلل ﷺ كتاب ًا بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬وادع فيه هيود وعاهدهم‪ ،‬وأقرهم عىل دينهم‬
‫وأمواهلم‪ ،‬ورشط هلم‪ ،‬واشرط عليهم‪ ..‬وإنه من تبعنا من هيود‪ ،‬فإن له النرص واألسوة‪ ،‬غري‬
‫مظلومني وال متنارصين عليهم‪ ...،‬وإن اليهود ينفقون مع املؤمنني ما داموا حماربني‪ ،‬وإن‬
‫هيود بني عوف أمة مع املؤمنني‪ ،‬لليهود دينهم وللمسلمني دينهم‪ ،‬مواليهم وأنفسهم‪ ،‬إال‬
‫من ظلم وأثم‪ ،‬فإنه ال يوتغ(‪ (٧‬إال نفسه‪ ،‬وأهل بيته‪ ،‬وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني‬
‫عوف‪ ،‬وإن ليهود بني احلارث مثل ما ليهود بني عوف‪ ...،‬إال من ظلم وأثم‪ ،‬فإنه ال يوتغ‬
‫إال نفسه وأهل بيته‪ ...،‬وإن عىل اليهود نفقتهم وعىل املسلمني نفقتهم‪ ،‬وإن بينهم النرص عىل‬
‫من حارب أهل هذه الصحيفة‪ ،‬وإن بينهم النصح والنصيحة‪ ،‬والر دون اإلثم‪ ،‬وإنه مل يأثم‬
‫امرؤ بحليفه‪ ،‬وإن النرص للمظلوم‪ ،‬وإن اليهود ينفقون مع املؤمنني ما داموا حماربني‪ ،‬وإن‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٣٤‬‬
‫(‪ )٢‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢0٥-٢0٤‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٣٤‬‬
‫(‪ )٤‬احليدر آبادي‪ ،‬جمموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي واخلالفة الراشدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ٥٦1‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )٥‬انظر حتليل الوثيقة يف‪:‬‬
‫‪ -‬العمري‪ ،‬أكرم ضياء‪ .‬املجتمع املدين يف عهد النبوة‪ ،‬خصائصه وتنظيامته األوىل‪ ،‬حماولة لتطبيق قواعد املحدثني‬
‫يف نقد الروايات التارخيية‪ ،‬املكتبة العربية السعودية‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬املجلس العلمي‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬إحياء‬
‫الراث اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪198٣/‬م)‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(‪ )٦‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٣٤‬‬
‫(‪ )٧‬يوتغ‪ :‬هيلك‪.‬‬

‫‪٢1٣‬‬
‫يثرب حرام جوفها ألهل هذه الصحيفة‪ ..،‬وإنه ما كان بني أهل هذه الصحيفة من حدث أو‬
‫اشتجار خياف فساده‪ ،‬فإن مرده إىل اهلل عز وجل‪ ،‬وإىل حممد رسول اهلل ﷺ‪ ...،‬وإنه ال جتار‬
‫قريش وال من نرصها‪ ،‬وإن بينهم النرص عىل من دهم يثرب‪ ...،‬وإنه ال حيول هذا الكتاب‬
‫(‪(1‬‬
‫دون ظامل وآثم‪ ،‬وأنه من خرج آمن‪ ،‬ومن قعد آمن باملدينة‪ ،‬إال من ظلم أو أثم‪".‬‬

‫هذا نموذج لوثيقة دستورية‪ ،‬أقر فيها النبي ﷺ احلق يف االختالف‪ ،‬وعمل عىل تدبريه‬
‫هبذه الوثيقة؛ إذ أقر اليهود عىل دينهم‪ ،‬وأعطاهم احلق يف ممارسة شعائرهم‪ ،‬كاملسلمني؛‬
‫ألهنم مواطنون مثلهم مثل املسلمني‪ ،‬وجعلت املعاهدة أهل املدينة مجيعهم أمة واحدة –‬
‫األمة السياسية ال األمة الدينية‪ -‬متساوين يف احلقوق والواجبات‪ ،‬من نرص للمظلوم‪،‬‬
‫والتعاون عىل احلرب ونفقاهتا يف حالة االعتداء عليهم‪ ،‬وجعل املرجعية العليا يف النزاعات‬
‫املتعلقة بالنظام العام للدولة هي الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬وقبل اليهود ذلك‪ ،‬ويف هذا رد عىل من‬
‫يرفض تطبيق أحكام الرشيعة‪ ،‬يف ما يتعلق بالنظام العام للدولة‪ ،‬يف بلد إسالمي فيه أقليات‬
‫غري مسلمة‪ ،‬فهؤالء هيود يثرب قبلوا املرجعية اإلسالمية‪ ،‬فليس أقليات البلدان اإلسالمية‬
‫بأفضل من هؤالء زمن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬إال إذا كان أولئك يفهمون اإلسالم‪ ،‬وحقيقته يف‬
‫التعامل مع املخالف‪ ،‬وهؤالء ال يفهمون هذه احلقيقة أو يتجاهلوهنا‪.‬‬

‫وتضمنت هذه الوثيقة قواعد تنظيم العالقة مع املخالف ومنها‪:‬‬

‫‪ -‬إقرار اليهود عىل دينهم‪:‬‬

‫أقرت الصحيفة بقاء اليهود عىل دينهم‪ :‬جاء يف الوثيقة‪" :‬وأن هيود بني عوف أمة مع‬
‫فالوثيقة هبذه القاعدة تعرف باختالف‬ ‫(‪(٢‬‬
‫املؤمنني‪ ،‬لليهود دينهم‪ ،‬وللمسلمني دينهم"‪،‬‬
‫الرشائع‪ ،‬من غري إقراره أو تسويغه‪ ،‬لكنها مع ذلك ال تعدّ هذا النوع من االختالف مانع ًا‬
‫دون إمتام التعاون‪ ،‬لتحقيق مصالح املجتمع اإلنساين‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.9٦-9٤‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.9٦-9٤‬‬

‫‪٢1٤‬‬
‫‪ -‬التعاون عىل حتقيق مصالح املجتمع‪:‬‬

‫أشارت الوثيقة إىل قاعدة التعاون عىل حتقيق مصالح جمتمع املدينة‪ ،‬جاء يف الوثيقة‪:‬‬
‫"وإنه من تبعنا من هيود‪ ،‬فإن له النرص واألسوة‪ ،‬غري مظلومني وال متنارصين عليهم‪ ...‬وإن‬
‫بينهم النرص عىل من حارب أهل هذه الصحيفة‪ ،‬وإن بينهم النصح والنصيحة والر دون‬
‫اإلثم‪ ...‬وإن النرص للمظلوم‪ ،‬وإن اليهود ينفقون مع املؤمنني ما داموا حماربني‪ ..‬وإن بينهم‬
‫(‪(1‬‬
‫النرص عىل من دهم يثرب‪".‬‬

‫وإذا كانت الوثيقة يف هذه القاعدة تشري إىل التعاون عىل محاية املدينة من االعتداء‬
‫اخلارجي‪ ،‬فإن هذا يفتح الباب واسع ًا أمام املسلمني للتعاون مع املخالف يف كل املجاالت‬
‫التي حتقق النفع العام‪.‬‬

‫فهذا العهد من حسن سياسته ﷺ‪ ،‬وكامل حكمته‪ ،‬ألف بني املسلمني واليهود ومجع‬
‫بينهم‪ ،‬هبذه املعاهدة‪ ،‬فصاروا أمة ومجاعة واحدة‪ ،‬يتمتعون باحلقوق الكاملة ال فرق بينهم‪،‬‬
‫ويتعاونون يف دفع االعتداء عنهم‪ .‬فهذا تدبري لالختالف العقدي والفكري والسيايس بني‬
‫سكان الوطن الواحد‪ ،‬ممتث ً‬
‫ال يف ذلك املنهج القرآين الذي خاطب األنبياء والرسل مجيعهم‬
‫بأهنم "أمة واحدة" ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [املؤمنون‪.]٥٢ :‬‬

‫ب‪ -‬معاهدة صلح احلديبية‪:‬‬

‫وكانت هذه املعاهدة شاقة عىل املسلمني؛ ألهنم اعتقدوا أن فيها ذالً للمسلمني‪،‬‬
‫وإعطاء للدنية‪ ،‬وهم عىل احلق‪ ،‬وال سيام سيدنا عمر؛ إذ قال‪» :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ألست برسول‬
‫اهلل؟ قال‪" :‬بىل" قال‪ :‬أو لسنا باملسلمني؟ قال‪" :‬بىل" قال‪ :‬أو ليسوا باملرشكني؟ قال‪" :‬بىل"‬
‫قال‪ :‬فعالم نعطي الدنية يف ديننا؟ قال‪" :‬أنا عبد اهلل ورسوله‪ ،‬لن أخالف أمره‪ ،‬ولن يضيعني"‬
‫قال‪ :‬فكان عمر يقول‪ :‬ما زلت أتصدق وأصوم وأصيل وأعتق‪ ،‬من الذي صنعت يومئذ‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫خمافة كالمي الذي تكلمت به‪ ،‬حتى رجوت أن يكون خري ًا‪".‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ .‬ج‪ ،٢‬ص‪.9٦-9٤‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢0٥-٢0٤‬‬

‫‪٢1٥‬‬
‫ونص املعاهدة‪" :‬قال‪ :‬ثم دعا رسول اهلل عيل بن أيب طالب رضوان اهلل عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"اكتب‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم"‪ ،‬قال‪ :‬فقال سهيل‪ :‬ال أعرف هذا‪ ،‬ولكن اكتب‪ :‬باسمك‬
‫اللهم‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪" :‬اكتب بسمك اللهم" فكتبها‪ ،‬ثم قال‪" :‬اكتب‪ :‬هذا ما صالح‬
‫عليه حممد بن عبد اهلل‪ ،‬سهيل بن عمرو‪ ،‬اصطلحا عىل وضع احلرب عن الناس عرش سنني‬
‫يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض‪ ،‬عىل أنه من أتى حممد ًا من قريش بغري إذن وليه‬
‫رده عليهم‪ ،‬ومن جاء قريش ًا ممن مع حممد مل يردوه عليه‪ ،‬وإن بيننا عيبة مكفوفة‪ ،‬وأنه ال‬
‫إسالل وال إغالل‪ ،‬وأنه من أحب أن يدخل يف عقد حممد وعهده‪ ،‬دخل فيه‪ ،‬ومن أحب أن‬
‫(‪(1‬‬
‫يدخل يف عقد قريش وعهدهم‪ ،‬دخل فيه‪".‬‬

‫يتبني للقارئ املتمعن يف هذه املعاهدة معاين جليلة‪ ،‬وتوجيهات عظيمة‪ ،‬يف التعامل‬
‫مع املخالف املعارض‪ ،‬ابتدأت املعاهدة باحرام املخالف يف اعتقاده‪ ،‬واإلذعان إىل اختياره‪،‬‬
‫رغبة من الرسول ﷺ يف تدبري االختالف‪ ،‬مع أن رشوط املعاهدة يف الظاهر ال ختدم الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لكن رسول اهلل ﷺ واثق من وعد اهلل له‪ ،‬وحريص عىل الصلح وترك احلرب‪.‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن هذه القصة اشتملت عىل نوعني من االختالف؛ األول‪:‬‬
‫"اختالف خارجي مع املرشكني"‪ ،‬جاءت هذه الوثيقة إلدارته وتدبريه‪ ،‬وم ّثلهم يف عقدها‬
‫سهيل بن عمرو‪ ،‬والثاين‪" :‬اختالف داخيل بني املسلمني"‪ ،‬ويتعلق باالختالف حول مضمون‬
‫هذه الوثيقة‪ ،‬ويمثل هذا النوع من االختالف‪ ،‬سيدنا عمر وعموم املسلمني‪ ،‬والنبي ﷺ‪.‬‬
‫والدليل هو ما ورد يف احلديث السابق‪ ،‬من تردد سيدنا عمر واستفساره‪ ،‬وشعوره بالدونية‬
‫إزاء هذه الوثيقة‪ ،‬وكان هذا االختالف عىل شكل معارضة مجاعية‪ ،‬إال ما كان من موقف‬
‫سيدنا أيب بكر املؤيد ملوقف رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫ت‪ -‬العهد النبوي لنصارى نجران‪:‬‬

‫كان العهد النبوي لنصارى نجران بتاريخ الثالث من حمرم يف السنة الثانية للهجرة‪،‬‬
‫وجاء فيه‪" :‬وإن احتمى راهب أو سائح يف جبل أو ٍ‬
‫واد أو مغارة أو عمران أو سهل أو رمل‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢0٥‬‬

‫‪٢1٦‬‬
‫أو ردنة أو بيعة‪ ،‬فأنا أكون من ورائهم ذا ّب ًا عنهم‪ ،‬من كل عدة‪ ،‬هلم بنفيس وأعواين وأهل‬
‫ملتي وأتباعي‪ ،‬كأهنم رعيتي وأهل ذمتي‪ ،‬وأنا أعزل عنهم األذى‪ ...‬وال يغري أسقف من‬
‫أسقفيته‪ ،‬وال راهب من رهبانيته‪ ،‬وال حبيس من صومعته‪ ،‬وال سائح من سيحته‪ ،‬وال هيدم‬
‫بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم‪ ،‬وال يدخل يشء من مال كنائسهم يف بناء مسجد وال يف‬
‫منازل املسلمني‪ ،‬فمن فعل شيئ ًا من ذلك فقد نكث عهد اهلل وخالف رسوله‪ ،‬وال ُحيمل عىل‬
‫الرهبان واألساقفة‪ ،‬وال من يتعبد جزية وال غرامة‪ ،‬وأنا أحفظ ذمتهم أينام كانوا من بر أو‬
‫بحر‪ ،‬يف املرشق واملغرب والشامل واجلنوب‪ ،‬وهم يف ذمتي وميثاقي وأماين من كل مكروه‪،‬‬
‫وكذلك من ينفرد بالعبادة يف اجلبال واملواضيع املباركة‪ ،‬ال يلزمهم ما يزرعوه‪ ،‬ال خراج وال‬
‫(‪(1‬‬
‫عرش‪ ...‬ومن خالف عهد اهلل واعتمد بالضد من ذلك فقد عىص ميثاقه ورسوله‪".‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫ظهر من خالل هذه الوثيقة مدى إيامن اإلسالم باالختالف‪ ،‬والتعددية(‪(٢‬الدينية‪،‬‬
‫ومحايته للمخالف املغاير يف الفكر والعقيدة‪ ،‬وعدم إكراهه عىل تغيري دينه ومعتقده‪ ،‬بل‬
‫شملت احلامية بيوت عباداهتم‪ ،‬ورجال دينهم املحبوسني للعبادة يف صوامعهم‪ ،‬وعدم‬
‫فرض اجلزية عليهم‪ (٤(،‬فهذا عهد أمان لنصارى نجران‪ ،‬يقرهم عىل رشيعتهم‪ ،‬و ُيؤ ّمنهم من‬
‫كل مكروه أو اعتداء‪ ،‬سواء من طرف املسلمني أو غريهم‪ ،‬ويدير العالقة معهم‪ ،‬وينظمها‬

‫(‪ )1‬احليدر آبادي‪ ،‬جمموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي واخلالفة الراشدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ٥٦1‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )٢‬التعددية مصدر صناعي‪ ،‬يستعمل للداللة عىل اخلاصية املأخوذة من لفظ "التعدد‪ "،‬بمعنى أن التعددية هي خاصية‬
‫كون اليشء متعدد ًا‪ ،‬مثل‪" :‬التعددية الثقافية" و"تعددية األطراف" و»تعددية األحزاب‪ ».‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد احلميد‪ ،‬أمحد خمتار‪ .‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪1٤٢9( ،1‬هـ‪٢008 /‬م)‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٤٦٤‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬تعدد القيم‪ :‬ما مداها؟ وما حدودها؟‪ ،‬مراكش‪ :‬املطبعة الورقية الوطنية‪ ،‬ط‪٢001 ،1‬م‪،‬‬
‫ص‪.1٢‬‬
‫(‪ )٣‬انظر‪ :‬حمارضة »التعددية الدينية» سعيد فودة‪ ،‬يناقش مذهب القائلني بالتعددية الدينية‪ ،‬وذكر أدلتهم وحماولة‬
‫نقدها‪ ،..‬وخالصة هذا املذهب الفلسفي حسب املحارض‪ :‬أن مجيع األديان الكرى طرق صحيحة‪ ،‬توصل إىل اهلل‪،‬‬
‫أو إىل احلقيقة العليا‪ ،‬أو األسمى‪.‬‬
‫‪https: //www.youtube.com/watch?v=KwetodXI0Cc‬‬
‫(‪ )٤‬انظر الكالم عىل اجلزية‪ ،‬واالجتهاد يف النص‪.‬‬
‫‪ -‬عامرة‪ ،‬معامل املنهج اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11٣-11٢‬‬

‫‪٢1٧‬‬
‫ويضبطها حتى ال تتحول إىل اختالف تنازع وصدام أو معارضة هدامة‪ ،‬تشتت وال جتمع‪،‬‬
‫وهتدم وال تبني‪.‬‬

‫وبناء عىل هذا التأصيل القرآين‪ ،‬والتطبيق العميل لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فإن ما ذكره الفقهاء‬
‫فيام يتعلق بالعالقات الداخلية بني املواطنني‪ ،‬أو ما يتعلق بالعالقات اخلارجية بني الدول‪،‬‬
‫وال سيام ما يتعلق باملعاهدات واملواثيق‪ ،‬حيتاج إلعادة قراءة عىل ضوء املستجدات التي‬
‫يشهدها العامل اليوم‪ ،‬ألن تلك االجتهادات صيغت يف ظل قوة اإلسالم‪ ،‬بخالف ما عليه‬
‫األمر اليوم‪ ،‬حيث يعيش املسلمون حالة من االستضعاف‪ ،‬ساهم فيها تفرقهم وتشتتهم إىل‬
‫دويالت نووية‪ ،‬وهذا ما يتطلب اجتهاد ًا فقهي ًا يالئم املرحلة‪.‬‬

‫وما ينبغي مراعاته يف مراجعة هذه املعاهدات واملواثيق‪ ،‬هو مقاصدها وغاياهتا‪ ،‬لذلك‬
‫قرر علامء األصول قواعد ضابطة وحاكمة من قبيل‪" :‬االعتبار باملعاين واملقاصد يف األقوال‬
‫(‪(٢‬‬
‫واألفعال"‪ (1(،‬و"العرة يف العقود للمقاصد واملعاين‪ ،‬ال لأللفاظ واملباين‪".‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫وهذا ما قرره جملس جممع الفقه اإلسالمي الدويل املنبثق عن منظمة املؤمتر اإلسالمي‪:‬‬
‫"ليس هناك مانع رشعي من إبرام االتفاقيات الدولية التي ال تتعارض مع مبادئ اإلسالم‬
‫وأحكامه‪ ،‬وال تؤدي إىل هيمنة أي قوة دولية عىل الدول املتعاقدة أو عىل الدول األخرى‬
‫وذلك يف مجيع املجاالت التي حتقق مصلحة املسلمني‪".‬‬

‫أما ما يتعلق باختالف العلامء يف مسألة‪ :‬هل جيوز إبرام عقود الصلح دائمة مع‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٣٤‬‬
‫(‪ )٢‬الزرقا‪ ،‬أمحد‪ .‬رشح القواعد الفقهية‪ ،‬صححه وعلق عليه‪ :‬مصطفى أمحد الزرقا‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤09‬هـ‪1989/‬م)‪ ،‬ص‪ .٥٥‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الزحييل‪ ،‬حممد مصطفى‪ .‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف املذاهب األربعة‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪ 1٤٢٧( ،1‬ه‪٢00٦/‬م)‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤0٣‬‬
‫‪ -‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬نظرية املقاصد عند الشاطبي‪ ،‬بريوت‪ :‬الدار العاملية للكتاب اإلسالمي‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤1٢‬ه‪199٢/‬م)‪ ،‬ص‪.٧9‬‬
‫(‪ )٣‬انعقدت دورته السابعة عرشة بعامن يف (اململكة األردنية اهلاشمية) من ‪ ٢8‬مجادى األوىل إىل ‪ ٢‬مجادى اآلخرة‬
‫‪1٤٢٧‬هـ‪ ،‬املوافق ‪ ٢8 – ٢٤‬حزيران (يونيو) ‪٢00٦‬م‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪http: //www.fiqhacademy.org.sa/qrarat/17-9.htm‬‬

‫‪٢18‬‬
‫املخالف؟ أم ينبغي توقيته بأجل معني؟ يقول البوطي‪" :‬فإننا ال نرى ما يمنع من الذهاب إىل‬
‫جواز إبرام صلح دائم‪ ،‬بناء عىل أن السلم يف العالقات القائمة بني املسلمني وغريهم‪ ،‬بل‬
‫بني الناس مجيع ًا عىل اختالف نحلهم وفئاهتم هو األصل‪ ،‬برشط أن ينهض هذا الصلح عىل‬
‫أساس متكني املسلمني بواجبهم الذي كلفهم اهلل به‪ ،‬أال وهو واجب الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وتبصري‬
‫(‪(1‬‬
‫الناس بحقائق اإلسالم دون أي إحراج أو تضييق‪".‬‬
‫ّ‬
‫إن أصل االلتزام بالعهود واملواثيق يف القرآن الكريم‪ ،‬حيقق احلفاظ عىل اجلامع‬
‫اإلنساين بتدبري االختالف‪ ،‬واحلد من النزاع الواقع أو املتوقع‪ ،‬وحيقن الدم اإلنساين برصف‬
‫النظر عن جنسه أو معتقده‪ ،‬ويمنع فساد األرض باحلروب‪ ،‬ويساهم يف االستقرار واألمن‬
‫إلعامر األرض وتنميتها‪ ،‬والتعاون عىل املشرك وجتاوز املختلف فيه‪ ،‬وقد ترمجت السنة‬
‫املطهرة ذلك عىل أرض والواقع‪ ،‬وزاده الفقهاء حتقيق ًا وتنقيح ًا‪.‬‬

‫فالوفاء بكل العهود واملواثيق‪ ،‬سواء بني األفراد أو اجلامعات أو األمم‪ ،‬أصل قرآين‬
‫لتدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬فالناس مضطرون إىل التعاون‪ ،‬وال يتم تعاوهنم إال بمراعاة‬
‫العهد والوفاء به‪ ،‬وال يتم تدبري اختالفاهتم‪ ،‬ومد جسور احلوار والتعارف‪ ،‬إال بالعقود التي‬
‫يعقدوهنا بينهم‪ ،‬داخل الوطن الواحد‪ ،‬واملوسومة بالدساتري‪ ،‬والقوانني التنظيمية‪ ،‬التي‬
‫حتكم العالقة بني احلاكم واملحكومني‪ ،‬وحتكم العالقة بني املواطنني‪ ،‬واألمر نفسه ينطبق عىل‬
‫املعاهدات واملواثيق الدولية‪ ،‬التي حتافظ عىل السلم واألمن العامليني‪ ،‬وغريها من املواثيق‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬أصل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ممارسة واجب األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬كفيل بحامية األلفة واالجتامع‬
‫اإلنساين‪ ،‬وممارسة النقد البناء‪ ،‬فإنه يقوم بتطهري املجتمع من املنكر وبناء رصح املعروف‪،‬‬
‫وتنظيم العالقات اإلنسانية‪ ،‬ليقل املنكر ويشيع املعروف يف املجتمع اإلنساين(‪ ،(٢‬وشواهد‬

‫(‪ )1‬البوطي‪ ،‬اجلهاد يف اإلسالم كيف نفهمه؟ وكيف نامرسه؟‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣00-٢٢9‬‬
‫(‪ )٢‬وقد كان يف تاريخ اإلسالم يطلق عىل القائمني بمهمة "األمر باملعروف والنهي عن املنكر" "املحتسبني" ومهمتهم‬
‫مالحقة االنحرافات الدينية واالجتامعية والسياسية يف واقع الناس‪.‬‬

‫‪٢19‬‬
‫هذا األصل يف اخلطاب القرآين كثرية ومتنوعة يف سياقاهتا‪ ،‬نتعرض بالتحليل والدراسة ملا‬
‫كان منها واضح الداللة‪:‬‬

‫‪ -1‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر الفردي‪:‬‬

‫املعروف‪ :‬اسم جامع لكل ما عرف من طاعة اهلل والتقرب إليه‪ ،‬وقيل‪ :‬ما عرف حسنه‬
‫ال ورشع ًا‪ ،‬قال‬
‫ال ورشع ًا‪ .‬وضده املنكر‪ ،‬وهو‪ :‬ما أنكره الرشع وهنى عنه‪ ،‬وعرف قبحه عق ً‬
‫عق ً‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [آل عمران‪ ،]10٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﴾ [لقامن‪ ،]1٧ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [األحزاب‪ (1(،"]٣٢ :‬ف«األمر باملعروف‪:‬‬
‫اإلرشاد إىل املراشد املنجية‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ :‬الزجر عام ال يالئم يف الرشيعة‪ (٢(،"...‬ويقول‬
‫رشيد رضا‪" :‬املعروف عند إطالقه يراد به ما عرفته العقول والطباع السليمة واملنكر ضده‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫وهو ما أنكرته العقول والطباع السليمة‪".‬‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪( :‬عرف)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ .٢٣9‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬عرف)‪ ،‬ص‪.٥٦1‬‬
‫‪ -‬ابن اجلوزي‪ ،‬نزهة األعني النواظر يف علم الوجوه والنظائر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٧٤‬‬
‫وذكر ابن اجلوزي أن »املعروف» عند أهل التفسري عىل ثامنية أوجه‪ :‬الت َّْو ِحيد‪ ،‬ا ِّت َباع النبي ﷺ‪ ،‬ا ْل َق ْرض‪ ،‬تَزْ يني املرأة‬
‫ِ‬
‫نفسها‪ ،‬التعريض باخلطبة يف العدة‪ ،‬القول اجلميل‪ ،‬ما يتيس لإلنسان يف العادة‪ ،‬العادة احلسنة‪ .‬وتفسري املعروف عىل‬
‫مخسة وجوه‪ :‬األول‪ :‬القرض ‪ ...‬والثاين‪ :‬الزينة ‪ ...‬والثالث‪ :‬العدة احلسنة ‪ ...‬والرابع‪ :‬الدعاء باخلري ‪ ...‬واخلامس‪:‬‬
‫ما تيس عىل اإلنسان ‪ ...‬وتفسري األمر باملعروف والنهي عن املنكر عىل وجهني‪ :‬األول‪ :‬األمر باملعروف بالتوحيد‪،‬‬
‫والنهي عن املنكر عن الرشك ‪ ...‬والثاين‪ :‬األمر باملعروف اتباع النبي ﷺ والتصديق به‪ ،‬واملنكر التكذيب به‪.‬‬
‫ال مستحسن ًا‪ ،‬غري مستقبح يف أهل اإليامن‬‫ويقول الطري‪" :‬وأصل "املعروف" كل ما كان معروف ًا فعله‪ ،‬مجي ً‬
‫باهلل‪ ،‬وإنام سميت طاعة اهلل "معروف ًا"‪ ،‬ألنه مما يعرفه أهل اإليامن وال يستنكرون فعله‪ .‬وأصل "املنكر"‪ ،‬ما أنكره اهلل‪،‬‬
‫ورأوه قبيح ًا فعله‪ ،‬ولذلك سميت معصية اهلل "منكر ًا"‪ ،‬ألن أهل اإليامن باهلل يستنكرون فعلها‪ ،‬ويستعظمون ُركوهبا"‪.‬‬
‫الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪ .10٥‬يف سياق تفسريه لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ‬ ‫‪-‬‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [آل عمران‪.]110 :‬‬
‫هني عام متيل إليه النفس‬
‫أمر بام يوافق الكتاب والسنة‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ٌ :‬‬ ‫(‪ )1‬ومتام كالمه‪" :‬وقيل‪ :‬األمر باملعروف‪ٌ :‬‬
‫والشهوة‪ ،‬وقيل‪ :‬األمر باملعروف إشارة إىل ما ُيريض اهلل تعاىل من أفعال العبد وأقواله‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ :‬تقبيح ما‬
‫تنفر عنه الرشيعة والعفة‪ ،‬وهو ما ال جيوز يف دين اهلل تعاىل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٧-٣٦‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪ .٢٣‬يف سياق تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [آل عمران‪ ،]10٤ :‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٤٢‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٢٢0‬‬
‫وعىل هذا‪ ،‬فإن املقصود بأصل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ :‬االحتكام إىل كل ما‬
‫يستحسنه العقل والرشع من أعامل اخلري والنفع اإلنساين‪ ،‬ملا يف ذلك من تدبري لالختالف‪،‬‬
‫وتقليل أسبابه‪ ،‬واتساع مساحة املعروف‪ ،‬وتضييق مساحة املنكر‪.‬‬

‫وألمهية األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬يف تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬جعله اخلطاب‬
‫القرآين واجب ًا عىل كل فرد قادر عليه‪ ،‬يقول ابن تيمية يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ [التوبة‪" ]٧1 :‬مناط الوجوب هو القدرة‪،‬‬
‫فيجب عىل كل إنسان بحسب قدرته‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن‪ (1(".]1٦ :‬وذهب‬
‫(‪(٢‬‬
‫املفسون إىل أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر "واجب عىل كل فرد من األمة بحسبه‪".‬‬
‫وبذلك يكتسب مرشوعيته يف أعىل مراتب التكليف الرشعي‪ ،‬فيكون طلبه طلب ًا جازم ًا‪ ،‬يلحق‬
‫العقاب من تركه‪ ،‬ويؤجر فاعله‪ ،‬وهو واجب عىل الفرد واجلامعة‪ :‬هيئة أو نقابة أو منظمة أو‬
‫دولة‪ ،‬وبذلك يكون إبداء الرأي باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬قربة يتقرب هبا اإلنسان إىل ربه‪،‬‬
‫ويسأل عنها يوم القيامة‪.‬‬

‫وقد اقترصت اآليات القرآنية يف أصل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬عىل جمرد‬
‫األمر والنهي‪ ،‬بينام احلديث الرشيف رتب األمر باملعروف والنهي عن املنكر عر مستويات‬
‫ثالثة‪ :‬اليد واللسان والقلب‪ (٣(،‬قال ﷺ‪َ " :‬م ْن َر َأى ِمنْك ُْم ُمنْكَر ًا َف ْل ُي َغ ْ ِّري ُه بِ َي ِد ِه‪َ ،‬فإِ ْن ْمل َ َي ْستَطِ ْع‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪ ،‬احلسبة يف اإلسالم‪ ،‬أو وظيفة احلكومة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .11‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .9‬ويقول العز بن عبد السالم أن فروض‬
‫الكفايات تتفاوت فيام جتلبه من مصلحة‪ ،‬أو تدرؤه من مفسدة‪» :‬وكذلك تتفاوت رتب األمر باملعروف والنهي‬
‫عن املنكر بتفاوت رتب املأمور به يف املصالح واملنهي عنه يف املفاسد»‪.‬‬
‫‪ -‬ابن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام يف إصالح األنام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧٧‬‬
‫(‪ )٢‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .91‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .1٤٢‬يف سياق تفسري قوله تعاىل‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [آل عمران‪.]10٤ :‬‬

‫(‪ )٣‬انظر قراءة جديدة للحديث يف‪:‬‬


‫‪ -‬األنصاري‪ ،‬فريد‪ ،‬الفجور السيايس واحلركة اإلسالمية يف املغرب دراسة يف التدافع االجتامعي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫السالم‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،٢‬ه‪٢011/‬م)‪ ،‬ص‪.٥9‬‬

‫‪٢٢1‬‬
‫اإل َيام ِن"‪ (1(،‬يقول فريد األنصاري‪" :‬أمره ﷺ‬
‫ف ِْ‬‫َفبِ ِل َسانِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن َمل ْ َي ْستَطِ ْع َفبِ َق ْلبِ ِه‪َ ،‬و َذلِ َك َأ ْض َع ُ‬
‫بتغيري املنكر عام شامل لكل مكلف يف نفسه‪ ،‬شهد منكر ًا أو سمع به‪ ..،‬وهو بتحقيق مناطه‬
‫اليوم يكون واجب ًا عيني ًا‪ ،‬متعلق ًا بذمة كل مكلف يف ذاته جتاه نفسه واآلخرين‪ ،‬وجوب ًا ال‬
‫(‪(٢‬‬
‫تسقطه رخصة إسقاط ًا تام ًا‪ ،‬وإنام تتباين مراتبه حسب مؤهالت الفرد وإمكاناته‪".‬‬

‫لكن بالنظر إىل اآليات القرآنية التي حتدد مهمة رسول اهلل ﷺ يف جمرد التبليغ‪ ،‬دون‬
‫هداية الناس؛ ألهنا من عند اهلل‪ ،‬تكون هذه اآليات هي املوجه واملرشد لألمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬بأن يكون دور الفرد مقترص ًا عىل التبليغ باللسان بالتي هي أحسن‪،‬‬
‫واإلنكار بالقلب‪ ،‬أما اليد فهي من اختصاص اجلهة التي تفوضها الدولة‪ ،‬يقول الزخمرشي‬
‫يف تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ﴾ [آل عمران‪" :]10٤ :‬وأما اإلنكار الذي بالقتال‪ ،‬فاإلمام وخلفاؤه أوىل؛ ألهنم‬
‫(‪(٣‬‬
‫أعلم بالسياسة ومعهم عدهتا‪".‬‬

‫ويقول ابن تيمية يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ‬


‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [التوبة‪ ]٧1 :‬بعد تقرير وجوب األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر‪ ،‬واشراط القدرة يف ذلك "والقدرة هي السلطان والوالية‪ ،‬فذوو السلطان أقدر من‬
‫(‪(٤‬‬
‫غريهم‪ ،‬وعليهم من الوجوب ما ليس عىل غريهم‪".‬‬

‫فاألمر باملعروف والنهي عن املنكر باللسان والقلب‪ ،‬أو باليد من طرف اجلهة املكلفة‬
‫يف الدولة‪ ،‬ضامنة لتدبري االختالف؛ ألنه يعطي احلق للمخالف يف التعبري عن رأيه‪ ،‬واحلق‬
‫يف اعتناق اآلراء واألفكار واملعتقدات‪ ،‬ألن القرآن حيدد مهمة النبوة يف التبليغ‪ ،‬واإلرشاد‪،‬‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اإليامن‪ ،‬باب‪ :‬بيان كون النهي عن املنكر من اإليامن‪ ،‬وأن اإليامن يزيد‬
‫وينقص‪ ،‬وأن األمر باملعروف والنهي عن املنكر واجبان‪ ،‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)٤9‬ص‪.٦9‬‬
‫(‪ )٢‬األنصاري‪ ،‬الفجور السيايس واحلركة اإلسالمية يف املغرب دراسة يف التدافع االجتامعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥9‬‬
‫(‪ )٣‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.188‬‬
‫(‪ )٤‬ابن تيمية‪ ،‬احلسبة يف اإلسالم‪ ،‬أو وظيفة احلكومة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .11‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬

‫‪٢٢٢‬‬
‫واجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬من غري إكراه وال فرض‪ ،‬مع اعرافه باالختالف‪ ،‬وألنه لو مل‬
‫يكن اختالف يف اآلراء –معروف ومنكر‪ -‬ما كان قصد وال غاية من ترشيع األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر‪.‬‬

‫وأصل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬جيعل اإلنسان متحم ً‬


‫ال مسؤوليته جتاه‬
‫جمتمعه‪ ،‬فمن مل يقم هبذا الواجب‪ ،‬استحق اللعنة‪ ،‬والطرد من رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬ف »اإلنسان‬
‫مدين بفطرته‪ ،‬ومن ثم طبع عىل االجتامع والتآلف والتحاب والشوق إىل اآلخرين‪ ،‬ومن‬
‫هذا املنطلق يتحمل مسؤوليته إزاء املجتمع قدر جهده وطاقته‪ :‬إن تلك املسؤولية تسمى‬
‫بلسان الرشع‪ :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وهي سمة بارزة من سامت املجتمع‬
‫املؤمن‪ ..،‬هذا هو املجتمع اإلنساين يف قمته اإلنسانية الكريمة‪ ،‬ولكن عىل النقيض من ذلك‬
‫ترى املجتمع املادي يموج باملنكرات‪ ،‬ويعج باملوبقات‪ ،‬بل يأمر أفراده بعضهم بعض ًا باملنكر‬
‫(‪(1‬‬
‫ويزينونه إليهم‪".‬‬

‫‪ -2‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر اجلامعي‪:‬‬

‫وقال تعاىل يأمر املسلمني أن ينتدبوا من بينهم من يقوم بواجب الدعوة إىل اخلري‪،‬‬
‫واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ(‪ (٢‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ [آل عمران‪" (٣(]10٤ :‬واملقصود من هذه اآلية أن تكون ْفر َقة‬

‫(‪ )1‬الشاعر‪ ،‬أمحد عبد احلميد‪ .‬القرآن الكريم يف مواجهة املاديني امللحدين‪ ،‬الكويت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪1٤0٢( ،٢‬ه‪198٢/‬م)‪،‬‬
‫ص‪.٥٤‬‬
‫(‪ )٢‬يقول ابن عاشور‪" :‬وأصل األمة يف كالم العرب الطائفة من الناس التي تؤم قصد ًا واحد ًا‪ :‬من نسب‪ ،‬أو موطن‪ ،‬أو‬
‫دين‪ ،‬أو جمموع ذلك‪ ،‬ويتعني ما جيمعها باإلضافة أو الوصف كقوهلم‪ :‬أمة العرب‪ ،‬أمة غسان‪ ،‬وأمة النصارى‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤٧‬ص ‪.٣٧‬‬
‫(‪ )٣‬العامري‪ ،‬أبو املكارم نجم الدين حممد بن حممد بن حممد الغزي العامري القريش الدمشقي‪ .‬رسالة يف الكالم عىل‬
‫آية األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬حققها وضبطها وعلق عليها‪ :‬نشأت بن كامل املرصي‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتبة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،1‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫اعتمد املؤلف يف هذا الكتاب عىل ما ذكره الزخمرشي يف الكشاف عند تفسريه هلذه اآلية‪ ،‬وكان عمل املؤلف يف‬
‫هذا الكتاب هو‪ :‬الرشح‪ ،‬واالستدراك‪ ،‬والزيادة عىل ما ذكره الزخمرشي يف الكشاف‪ ،‬وهي رسالة نافعة يف مسائل‬
‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬

‫‪٢٢٣‬‬
‫من األ َّمة متصدية هلذا الشأن‪ (1(،"...‬ويقول ابن عطية فيام يرويه عن الضحاك والطري‬
‫(‪(٢‬‬

‫وغريمها‪ُ " :‬أ ِم َر املؤمنون أن تكون منهم مجاعة هبذه الصفة‪ (٣("...‬صفة اخلري‪ ،‬واألمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬يف كل جوانب احلياة؛ ألنه يتعذر القيام هبذه املهمة من كل‬
‫األمة‪ ،‬وال سيام يف زماننا‪" ،‬وصيغة‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ﴾ صيغة وجوب ألهنا أرصح يف‬
‫(‪(٤‬‬
‫األمر من صيغة افعلوا ألهنا أصلها‪".‬‬

‫ويؤكد رشيد رضا هذا املعنى‪ ،‬عندما يرى أن األمة ليس املقصود هبا اجلامعة‪" :‬كام قيل‬
‫وإال ملا اختري هذا اللفظ‪ ،‬والصواب أن األمة أخص من اجلامعة‪ ،‬فهي اجلامعة املؤلفة من‬
‫أفراد‪ ،‬هلم رابطة تضمهم‪ ،‬ووحدة يكونون هبا كاألعضاء يف بنية الشخص"‪ (٥(،‬وهذا الذي‬
‫ذكره رشيد رضا ينطبق عىل التنظيامت املعارصة‪ ،‬من نقابات ومجعيات وأحزاب‪ ،‬فإن هلم‬
‫برناجم ًا يربطهم‪ ،‬وهم يتألفون وجيتمعون كالشخص الواحد‪.‬‬

‫وجه اهلل تعاىل أمره بتكوين األمة اآلمرة باملعروف‪ ،‬والناهية عن املنكر‪ ،‬بني أمرين‬
‫يتصل كل منهام بوحدة األمة‪ ،‬واجتامع كلمتها‪ ،‬عىل مستوى النظر والعمل‪ ،‬فإذا كان سبحانه‬
‫وتعاىل يأمرنا يف هذه اآلية بتكوين األمة‪ ،‬فإنه قد سبق هذه اآلية قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ﴾ [آل عمران‪ ،]10٣ :‬ثم أعقبها سبحانه بقوله‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫(‪(٦‬‬
‫ﮮ ﮯﮰ ﴾ [آل عمران‪.]10٥ :‬‬

‫وذهب جل املفسين إىل أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر واجب كفائي‪» ،‬العلامء‬
‫اتفقوا عىل أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر من فروض الكفايات ومل خيالف يف ذلك إال‬

‫(‪ )1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ ،91‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٤٢‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.90‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤8٥‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٧‬‬
‫(‪ )٥‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣0‬‬
‫(‪ )٦‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18٦‬‬

‫‪٢٢٤‬‬
‫النزر»؛(‪ (1‬أي إذا قام به بعضهم سقط عن اآلخرين؛ أي إذا قامت به مجاعة أو فئة‪ ،‬أو قامت‬
‫به الدولة من خالل املؤسسات املختصة‪ ،‬سقط الوجوب عن األفراد‪.‬‬

‫واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬أحد وظائف الدولة املسلمة‪ ،‬قال تعاىل يف حق‬
‫من إن مكنهم يف األرض تقربوا إىل اهلل بالعبادات‪ ،‬ومنها األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬
‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ﴾ [احلج‪" ،]٤1 :‬واملراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول عىل اخللق‪ (٢(".‬فإذا‬
‫حتقق التمكني يف األرض‪ ،‬كانت وظيفة الدولة هي القيام هبذه الوظائف األربع‪ ،‬ومنها األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬كام فعل اخللفاء الراشدون ‪-‬ريض اهلل عنهم‪ ،-‬يقول رشيد رضا‬
‫رد ًا عىل من خصص اآلية يف اخللفاء الراشدين‪ ..." :‬يتجه األمر يف مجيع الناس‪ ،‬وإنام اآلية آخذة‬
‫(‪(٣‬‬
‫عهد ًا عىل كل من مكّنه اهلل‪ ،‬كل عىل قدر ما ُم ِّك ْن‪"...‬‬

‫واألمر باملعروف والنهي عن املنكر يتخذ صيغ ًا خمتلفة‪ ،‬ختتلف باختالف العصور‬
‫واألزمان‪ ،‬فالنقابات‪ ،‬واألحزاب‪ ،‬واهليئات‪ ،‬واجلمعيات‪ ،‬والتنظيامت‪ ،‬كلها تقوم عىل‬
‫أساس األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وكلها تنظيامت جيمعها برنامج فكري واحد‪،‬‬
‫تدافع عنه وتعدّ ه معروف ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ ،٢٣8‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.18٧‬‬ ‫‪-‬‬
‫اجلصاص‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣1٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬احلسبة يف اإلسالم‪ ،‬أو وظيفة احلكومة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪-‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪-‬‬
‫التلمساين‪ ،‬أبو عبد اهلل بن قاسم العقباين‪ .‬كتاب حتفة الناظر وغنية الذاكر يف حفظ الشعائر وتغيري املناكر‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫حتقيق‪ :‬عيل الشنويف‪ ،‬دمشق‪ :‬املعهد الثقايف الفرنيس‪19٦٧ ،‬م‪ ،‬ص‪.٤‬‬
‫ويقول األشعري‪" :‬وأمجعت املعتزلة إال "األصم" عىل وجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر مع اإلمكان‬
‫والقدرة‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬األشعري‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣٣٧‬‬
‫(‪ )٢‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬ص‪.٤٢‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٦1‬‬

‫‪٢٢٥‬‬
‫‪ -3‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر حافظ جلامعة األمة وألفتها‪:‬‬

‫وقد اختلف املفسون يف األمر الوارد يف اآلية ﴿ﮖ ﮗ ﮘ﴾‪ ،‬هل هو للتبعيض‬


‫أو للبيان؛ أي هل األمر لألمة كلها‪ ،‬أم لطائفة ومجاعة‪ ،‬وحكى هذا االختالف غري واحد من‬
‫املفسين(‪ ،(1‬سواء كان األمر لألمة كلها‪ ،‬عىل القول بأن "من" للبيان‪ ،‬أم كان األمر جلامعة‬
‫أو طائفة من األمة‪ ،‬عىل التفسري القائل بالتبعيض‪ ،‬فكال التفسريين‪ ،‬جيعل األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر أص ً‬
‫ال لتدبري االختالف‪ ،‬وضامنة حلفظ جامعة األمة وألفتها‪ .‬ألن التفسري‬
‫األول‪ ،‬يوجه األمة كلها وجهة واحدة‪ ،‬وجيعل هلا جامع ًا جتتمع وتتألف عليه‪ ،‬وهو األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ .‬والتفسري الثاين‪ ،‬جيعل طائفة أو مجاعة‪ ،‬أو فئة من األمة تتحد‬
‫وتتآلف‪ ،‬وجتتمع فيام بينها عىل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬فهو أصل كيل يؤلف األمة‬
‫ويوحدها‪ ،‬وينفي عنها االفراق والنزاع‪.‬‬
‫ّ‬

‫وسواء قامت األمة بمجموعها بذلك‪ ،‬أو قامت به مجاعة أو طائفة‪ ،‬أو قام به فرد‬
‫واحد‪ ،‬كان املقصود هو االجتامع واالئتالف‪ ،‬والتعاون عىل إقامة واجب األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬وهذا ما يؤكده سياق اآلية؛ إذ أمر اهلل تعاىل يف اآلية التي قبلها باالعتصام‬
‫بحبل اهلل واأللفة وهنى عن االفراق‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [آل عمران‪.]10٣ :‬‬
‫"فاألمر باملعروف والنهي عن املنكر حفاظ اجلامعة وسياج الوحدة‪ ...‬وأما كون هذا حفاظ ًا‬
‫للوحدة ومانع ًا من الفرقة‪ ،‬فهو أن األمة إذا اجتمعت عىل هذا املقصد العايل الرشيف‪ ،‬وهو‬
‫أن تكون مسيطرة عىل األمم كلها‪ ،‬ومربية هلا ومهذبة لنفوسها فال شك أن مجيع األهواء‬
‫الشخصية تتالشى من بينهم‪ ،‬فإذا عرض احلسد والبغي ألحد من أفرادهم تذكروا وظيفتهم‬
‫العالية الرشيفة التي ال تتم إال بالتعاون واالجتامع‪ ،‬فأزالت الذكرى ما عرض‪ ،‬وشفت‬
‫(‪(٢‬‬
‫النفوس قبل متكُّن املرض‪".‬‬

‫(‪ )1‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤8٥‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٤-٢٣‬‬

‫‪٢٢٦‬‬
‫‪ -4‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر مشرتك إنساين‪:‬‬

‫ولتأكيد هذا املشرك اإلنساين يف تدبري االختالف‪ ،‬جعل اهلل تعاىل األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬من أوصاف نبي الرمحة حممد ﷺ‪ ،‬ومن أوصاف أمته‪ ،‬كام ن ّبه عىل أنه‬
‫ليس خاص ًا بأمة اإلسالم وحدها‪ ،‬ولعن وأنكر عىل من تركه من األمم السابقة‪ ،‬وطلب‬
‫إجياد أويل بقية ينهون عن الفساد يف األرض‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺﭻﭼ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮃﮄ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]1٥٧ :‬يروي القرطبي عن عطاء‪﴿" :‬ﮀ ﮁ﴾ بخلع األنداد‪ ،‬ومكارم‬
‫(‪(1‬‬
‫األخالق‪ ،‬وصلة األرحام‪ ﴿ .‬ﮂ ﮃ ﮄ ﴾ عبادة األصنام‪ ،‬وقطع األرحام‪".‬‬

‫واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬من أوصاف أمة اإلسالم‪ ،‬ومن أسباب خرييتها‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪ﴾ [آل عمران‪ ،]110 :‬فخريية األمة ليست حماباة‪ ،‬وال مصادفة‪ ،‬وال نفي ًا لآلخر‪ ،‬كام كان‬
‫أهل الكتاب يقولون‪﴿ :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [املائدة‪ ،]18 :‬بل هي خريية العمل اإلجيايب‪،‬‬
‫الذي حيمي احلياة البرشية وحيفظها من املنكر‪ ،‬وينرش املعروف‪ ،‬باالستناد إىل املرجعية‬
‫(‪(٢‬‬
‫اإليامنية املحددة للمنكر واملعروف‪.‬‬

‫وجلاللة قدر هذا األصل‪ ،‬قرنه اهلل تعاىل باإليامن باهلل‪ ،‬الذي هو سبب النجاة وأصل‬
‫السعادة والسالمة‪ ،‬فجمعت هذه األمة الصفتني مع ًا‪ ،‬وبسبب ذلك كانت خري أمة أخرجت‬
‫(‪(٣‬‬
‫للناس‪ ،‬واستحقت املدح عىل ذلك‪.‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫كام قرنه احلق سبحانه بالصالة والزكاة‪ ،‬وهي عبادات من أركان اإلسالم الكرى‪،‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ [احلج‪ .]٤1 :‬ف "النهوض بتكاليف األمة اخلرية‪ ،‬بكل ما وراء‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.٢99‬‬


‫(‪ )٢‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٤٤٧‬‬
‫(‪ )٣‬التلمساين‪ ،‬حتفة الناظر وغنية الذاكر يف حفظ الشعائر وتغيري املناكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٣‬‬

‫‪٢٢٧‬‬
‫هذه التكاليف من متاعب‪ ،‬وبكل ما يف طريقها من أشواك‪ ...‬إنه التعرض للرش والتحريض‬
‫عىل اخلري وصيانة املجتمع من عوامل الفساد‪ ...‬وكل هذا متعب شاق‪ ،‬ولكنه كذلك‬
‫رضوري إلقامة املجتمع الصالح وصيانته‪ ،‬ولتحقيق الصورة التي حيب اهلل أن تكون عليها‬
‫(‪(1‬‬
‫احلياة‪".‬‬

‫وقال تعاىل منكر ًا عىل املنافقني‪ ،‬الذين هم عىل خالف صفات املؤمنني‪ ،‬الذين‬
‫يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر‪﴿ (٢( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [التوبة‪ .]٦٧ :‬و"ملا ذكر اهلل تعاىل صفات املنافقني الذميمة‪،‬‬
‫﴿ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ‬ ‫(‪(٣‬‬
‫عطف بذكر صفات املؤمنني املحمودة"‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [التوبة‪.]٧1 :‬‬

‫فاألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ليس خاص ًا بأمة اإلسالم‪ ،‬بل هو أصل مشرك مع‬
‫أهل الكتاب‪ .‬يقول تعاىل يف حق أمة من أهل الكتاب‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﴾ [آل عمران‪ ]11٤ :‬وعىل‬
‫هذا يكون "املراد أهنم يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر «فيام بينهم وإن مل يكن هلم صوت‬
‫لغلبة ِ‬
‫الف ِ‬
‫سق والفساد عل ْيها‪ (٤(".‬فاألمر باملعروف والنهي عن املنكر املراد هنا‬ ‫ِ‬ ‫يف مجهور أمتِ ِهم‬
‫يف هذه اآلية مطلق‪ ،‬كام هو األمر والنهي الوارد بخصوص املسلمني‪ ،‬فال جيوز ختصيصه بغري‬
‫دليل‪ (٥(،‬كام أن هذا املشرك جاء يف سياق ذكر مشركات أخرى‪ :‬اإليامن باهلل‪ ،‬واإليامن باليوم‬
‫اآلخر‪ ،‬واملسارعة يف فعل اخلريات‪.‬‬

‫وقال تعاىل يف وصايا العبد الصالح لقامن احلكيم لولده‪ ﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬


‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [لقامن‪ ،]1٧ :‬قال املفسون‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٤٤٧‬‬


‫(‪ )٢‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٧٢‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٧٤‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٦1‬‬
‫(‪ )٥‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٢08‬‬

‫‪٢٢8‬‬
‫وصاه باألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬والصر عىل ما يصيبه من أذى فيهام‪ ،‬فإن "ذلك‬
‫إنه ّ‬
‫(‪(1‬‬
‫من مكارم األخالق وعزائم أهل احلزم السالكني طريق النجاة‪".‬‬

‫وتأكيد ًا هلذا املشرك اإلنساين‪ ،‬لعن اهلل تعاىل من ترك هذا الواجب من بني إرسائيل‪:‬‬
‫﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [املائدة‪]٧9-٧8 :‬‬
‫ٍ‬
‫منكر ف َعلو ُه؛ أي أهنم كانوا‬ ‫يتناهون عن‬
‫ْ‬ ‫فقد "ذم اهلل تعاىل هذه الفرقة امللعونة بأهنم كانوا ال‬
‫ناه فعن غري جد‪ ،‬بل كانوا ال يمتنع املمسك منهم عن‬ ‫يتجاهرون باملعايص‪ ،‬وإن هنى منهم ٍ‬

‫مواصلة العايص ومؤاكلته وخلطته‪ (٢(".‬عن عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال‪ :‬ﷺ‪ََّ " :‬ملا َو َق َع ْت‬
‫وه ْم ِيف َجمَالِ ِس ِه ْم ‪َ -‬ق َال َي ِزيدُ ‪َ :‬أ ْح ِس ُب ُه‬ ‫ِ‬ ‫بنُو إِ ِ‬
‫رسائ َيل ِيف ا َْمل َعايص‪َ ،‬هنَت ُْه ْم ُع َل َام ُؤ ُه ْم‪َ ،‬ف َل ْم َينْت َُهوا‪َ ،‬ف َجا َل ُس ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ض‪ ،‬و َلعنَهم َع َىل لِسانِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وب َب ْعض ِه ْم بِ َب ْع ٍ َ َ ُ ْ‬ ‫رض َب اهللُ ُق ُل َ‬ ‫وه ْم‪َ ،‬ف َ َ‬ ‫وه ْم َو َش َار ُب ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬و َأ ْس َواق ِه ْم‪َ -‬و َوا َك ُل ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ ُمت َِّكئ ًا‪َ ،‬ف َج َل َس‪،‬‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ون"‪َ ،‬وك َ‬ ‫يسى ا ْب ِن َم ْر َي َم‪َ ،‬ذلِ َك بِ َام َع َص ْوا َوكَانُوا َي ْعتَدُ َ‬ ‫ِ‬
‫َد ُاو َد‪َ ،‬وع َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ً (‪(٣‬‬
‫احل ِّق أطرا‪".‬‬‫وه ْم َع َىل ْ َ‬ ‫َف َق َال‪"َ :‬ال‪َ ،‬وا َّلذي َن ْفيس بِ َيده‪َ ،‬حتَّى ت َْأ ُط ُر ُ‬
‫وأنكر القرآن الكريم عىل قوم لوط بعد إعراضهم عن املعروف‪ ،‬ومتادهيم يف املنكر‪،‬‬
‫ومل يعبأوا بخطاب لوط‪ ،‬وحذرهم من أن إتيان املنكر وشيوعه سبب يف اهلالك‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫[العنكبوت‪.]٢9 :‬‬ ‫﴿ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬

‫وقال تعاىل يف طلب إجياد أويل بقية ينهون عن الفساد يف األرض‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [هود‪" ]11٦ :‬يقول تعاىل ذكره‪ :‬فهال‬
‫كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم يف هذه السورة‪ ،‬الذين أهلكتهم بمعصيتهم‬
‫إياي‪ ،‬وكفرهم برسيل من قبلكم‪﴿ .‬ﯩ ﯪ﴾‪ ،‬يقول‪ :‬ذو بقية من الفهم والعقل‪ ،‬يعترون‬
‫َ‬
‫مواعظ اهلل ويتدبرون حججه‪ ،‬فيعرفون ما هلم يف اإليامن باهلل‪ ،‬وعليهم يف الكفر به ﴿ ﯫ‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪ .٦9‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٣٣8‬‬
‫‪ -‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٢89‬‬
‫‪ -‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٤8‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٢٤‬‬
‫(‪ )٣‬ابن حنبل‪ ،‬مسند أمحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬حديث رقم (‪ ،)٣٧1٣‬ص‪.٢٥0‬‬

‫‪٢٢9‬‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾‪ ،‬يقول‪ :‬ينهون أهل املعايص عن معاصيهم‪ ،‬وأهل الكفر باهلل عن‬
‫(‪(1‬‬
‫كفرهم به يف أرضه‪".‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬يتبني مما سبق أن أصل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬أصل عالجي‬
‫لالختالف اإلنساين‪ ،‬ألنه لو ترك النزاع اإلنساين القائم حتى يسترشي‪ ،‬واخلصام حتى‬
‫يستفحل‪ ،‬فإنه سيؤدي حت ًام إىل ضياع اجلوامع‪ ،‬واملشركات اإلنسانية‪ .‬وحرص ًا من اخلطاب‬
‫القرآين عىل األلفة‪ ،‬وبناء روابط التعاون‪ ،‬والتواصل اإلنساين‪ ،‬أمر اخللق بإقامة األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬لتدبري االختالف وبناء االئتالف‪.‬‬
‫وأكد القرآن الكريم هذا األصل لتدبري االختالف اإلنساين يف سياقات خمتلفة –‬
‫كام سبق بيانه‪-‬؛ إذ أعطى احلق يف إبداء الرأي املعارض‪ ،‬والوقوف مع احلق واملعروف‪،‬‬
‫والرفض لكل منكر يف حرية تامة‪ ،‬وأمر اهلل تعاىل به "لرفع احلق وإمخاد الباطل"‪ (٢(،‬فهو أصل‬
‫لسري نظام احلكم يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬وضابط للعالقات األخرى‪ ،‬سواء كانت فردية أو‬
‫أرسية أو اجتامعية‪.‬‬
‫فهذا األصل حيمي املجتمع اإلنساين من الظلم واالستبداد والفساد‪ ،‬واالنفراد بالرأي‪،‬‬
‫واختاذ القرار من جهة واحدة حيمي احلقوق‪ ،‬ويساعد عىل أداء الواجبات‪ ،‬يرد املظامل إىل‬
‫أهلها‪ ،‬ويوجه اخلالف اإلنساين‪ ،‬ويضبطه بطلب احلق‪ ،‬وقصد الصواب‪" ،‬فإذا توهم متوهم‬
‫فيام هو حق‪ ،‬أنه باطل وتصوره بخالف صورته‪ ،‬فأخذ يذب عنه‪ ،‬فالواجب يف األمر باملعروف‬
‫(‪(٣‬‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬أن يدفع عن ذلك‪ ،‬ويبني له وجه خطئه لريجع عنه ويتبرص‪".‬‬
‫ّ‬
‫إن تعطيل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وختاذل الناس يف ممارسته‪ ،‬مدخل لفساد‬
‫احلكم‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وضياع احلقوق‪ ،‬والتامطل يف أداء الواجبات‪ ،‬إىل غري‬
‫ذلك من مظاهر الفساد؛ مما ينتج عنه خراب العمران‪ ،‬وال خيفى ما ينتج عن هذا كله من‬
‫نزاعات واختالفات ال يعلم كنهها إال اهلل‪ .‬يقول الغزايل‪" :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.٥٢٧-٥٢٦‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٧٥‬‬
‫(‪ )٣‬ابن فورك‪ ،‬أبو بكر حممد بن احلسن‪ .‬جمرد مقاالت أيب احلسن األشعري‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد عبد الرحيم السايح‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬ط‪1٤٢٧( ،٢‬هـ‪٢00٦/‬م)‪ ،‬ص‪.٣09‬‬

‫‪٢٣0‬‬
‫هو القطب األعظم يف الدين‪ ،‬وهو املهم الذي ابتعث اهلل له النبيني أمجعني‪ ،‬ولو طوى بساطه‬
‫وأمهل علمه وعمله لتعطلت النبوة‪ ،‬واضمحلت الديانة‪ ،‬وعمت الفرة‪ ،‬وفشت الضاللة‪،‬‬
‫وشاعت اجلهالة‪ ،‬واسترشى الفساد واتسع اخلرق‪ ،‬وخربت البالد‪ ،‬وهلك العباد ومل يشعروا‬
‫(‪(1‬‬
‫باهلالك‪ ،‬إال يوم التناد"‪.‬‬

‫نستخلص مما سبق أن هذا األصل‪:‬‬

‫‪ -‬تكليف رباين‪ ،‬جعله اهلل تعاىل يف أعىل مراتب التكليف الرشعي‪.‬‬

‫‪ -‬سبيل األنبياء والصاحلني‪ ،‬من األمم السابقة‪ ،‬وعالمة حممد ﷺ عند أهل الكتاب‪،‬‬
‫وسبب خريية األمة اإلسالمية‪ ،‬وقوام نظام دولتها‪.‬‬

‫‪ -‬حيقق اخلري لإلنسانية‪ ،‬بتوسيع دائرة املعروف واإلصالح‪ ،‬وتضييق دائرة املنكر‬
‫والفساد‪ ،‬وتطهري املجتمع اإلنساين من األمراض التي تثري االختالفات والنزاعات‪،‬‬
‫فينحرص الفساد يف دوائر ضيقة‪ ،‬يستطيع املجتمع السيطرة عليها‪.‬‬

‫‪ -‬يؤثر يف الفرد واملجتمع‪ ،‬وذلك بالقضاء عىل أسباب االنحراف ومظاهره‪ ،‬ويقطع‬
‫كل الطرق املؤدية إىل اجلريمة‪ ،‬وذلك بتقوية الوازع الذايت لألفراد‪ ،‬ونرش ثقافة‬
‫قانون األخالق يف املجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬مشرك إنساين‪ ،‬لذلك طلب اخلطاب القرآين إجياد أويل بقية‪ ،‬ينهون عن الفساد يف األرض‪.‬‬

‫‪ -‬أسلوب سلمي يف معاجلة االختالف وتدبريه؛ إذ أكد القرآن الكريم الدعوة واجلدل‬
‫بالتي هي أحسن‪.‬‬

‫‪ -‬حيمي املجتمع اإلسالمي واإلنساين‪ ،‬من مثارات االختالف والنزاع‪ ،‬وحيافظ عىل‬
‫الوحدة واالئتالف‪.‬‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧81‬‬

‫‪٢٣1‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫من خالل ما تقدم يتبني أن هذه األصول الترشيعية متثل مشرك ًا إنساني ًا‪ ،‬وآليات قوية‬
‫لتدبري االختالف الداخيل واخلارجي‪ ،‬والديني واإلنساين‪ ،‬فهي متثل املستوى الثاين لتدبري‬
‫االختالف‪ ،‬بعد املستوى العقدي‪ ،‬فهي املدخل واألرضية األوسع‪ ،‬ومتثل اجلواب القرآين‬
‫الترشيعي العميل ألسئلة الوفاق اإلنساين‪ ،‬يف واقعنا املعارص‪.‬‬

‫‪٢٣٢‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫أصول تدبري االختالف املنهجية‬


‫املقدمة‪:‬‬
‫يطلق املنهج واملنهاج يف اللغة ويراد به‪ :‬الطريق الواضح‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ﴾ [املائدة‪ (1(،]٤8 :‬واملنهج ً‬
‫إمجاال‪" :‬طريق البحث عن احلقيقة يف أي‬
‫علم من العلوم‪ ،‬أو يف أي نطاق من نطاقات املعرفة اإلنسانية"‪ (٢(،‬أو هو‪" :‬النظام واخلطة‬
‫املرسومة لليشء"‪ (٣(،‬أو بمعنى آخر هو‪ :‬العلم الباحث يف الطرق املستخدمة يف العلوم‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫للوصول إىل احلقيقة‪.‬‬

‫املنهج والطريق الواضح الذي‬ ‫(‪(٥‬‬


‫وتعدّ أصول اجلدل واملناظرة يف القرآن الكريم‪،‬‬

‫(‪ )1‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬هنج)‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪ ،٢٥1‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الفريوز آبادي‪ ،‬بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٢8‬‬
‫(‪ )٢‬النشار‪ ،‬عيل سامي‪ .‬نشأة الفكر الفلسفي يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪19٧٧ ،9‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٣٦‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬البوطي‪ ،‬حممد سعيد رمضان‪ .‬السلفية مرحلة زمنية مباركة ال مذهب إسالمي‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،1٤‬‬
‫(‪1٤٣1‬ه‪٢010/‬م)‪ ،‬ص‪.٦0‬‬
‫(‪ )٣‬البيانوين‪ ،‬حممد أبو الفتح‪ .‬املدخل إىل علم الدعوة دراسة منهجية شاملة لتاريخ الدعوة وأصوهلا ومناهجها وأساليبها‬
‫ووسائلها ومشكالهتا يف ضوء النقل والعقل‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،٣‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬ص‪.٤٥‬‬
‫(‪ )٤‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬مناهج البحث العلمي‪ ،‬الكويت‪ :‬وكالة املطبوعات‪ ،‬ط‪19٧٧ ،٣‬م‪ ،‬ص‪.٧‬‬
‫(‪ )٥‬ونريد قبل الدراسة والتحليل هلذا املبحث اإلشارة يف عجالة إىل اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬كثر يف اخلطاب القرآين جمادلة أهل الكتاب خاصة‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ﴾ [آل عمران‪ ،]٦٥ :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﴾ [آل عمران‪[ ،]٧0 :‬النساء‪[ ،]1٧1 :‬املائدة‪[ ،]٥9 :‬املائدة‪[ ،]٦8 :‬املائدة‪ ،..]٧٧ :‬وقال‬
‫تعاىل مرشد ًا املسلمني إىل األسلوب األحسن يف املنهج اجلديل مع أهل الكتاب‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [العنكبوت‪ ،]٤٦ :‬وقال تعاىل يف أساس هذا املنهج‪ ،‬وهو االعتامد عىل الدليل والرهان‪﴿ :‬ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [األنعام‪.]1٤8 :‬‬
‫واخلطاب القرآين حافل بعدد من املواقف اجلدلية‪ ،‬سواء مع أهل الكتاب أو غريهم من املخالفني عموم ًا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫مما يدل عىل أن اخلطاب القرآين اعتمد املنهج اجلديل يف تدبري االختالف مع املخالف‪ ،‬وهذا ما سنقوم بإثباته‬
‫يف هذا املبحث‪ .‬يقول ويل اهلل الدهلوي‪» :‬قد وقعت املخاصمة يف القرآن العظيم مع الفرق األربع الضالة‪= :‬‬

‫‪٢٣٣‬‬
‫رسمته اآليات القرآنية للبحث عن احلقيقة‪ (1(،‬وهو املقصود يف هذه الدراسة‪ ،‬فاملراد باملنهج‪:‬‬
‫"أصول اجلدل واملناظرة التي أشار إليها اخلطاب القرآين للبحث عن احلقيقة‪ ،‬وهي تنقسم إىل‬
‫أصول كلية‪ ،‬وأصول تفصيلية‪ ،‬وهذه األخرية تنقسم إىل‪ :‬أصول أخالقية‪ ،‬وأصول معرفية‪".‬‬

‫فإذا كان الفصل األول عالج األصول التصورية العقدية‪ ،‬والفصل الثاين تناول‬
‫األصول الترشيعية العملية‪ ،‬فإن هذا الفصل جاء لدراسة األصول املنهجية لتدبري االختالف‪،‬‬
‫والتي تعنى باحلوار واجلدل بالتي هي أحسن؛ أي تدبري االختالف العلمي واملعريف بقواعد‬
‫حيادية‪ ،‬حتمي العقل والفكر من االعوجاج يف االستدالل واملحاججة‪.‬‬

‫=املرشكني واليهود والنصارى واملنافقني‪ ،‬وهذه املخاصمة عىل طريقني‪ :‬األول‪ :‬أن يذكر سبحانه وتعاىل‬
‫العقيدة الباطلة‪ ،‬مع التنصيص عىل شناعتها‪ ،‬ويذكر استنكارها فحسب‪ .‬الثاين‪ :‬أن يبني شبهاهتم الواهية‪،‬‬
‫ويذكر حلها باألدلة الرهانية أو اخلطابية‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬الفوز الكبري يف أصول التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢0‬‬
‫أما شبهة من قال بمنع احلوار مع املخالف فإهنا باطلة‪ ،‬ألن اهلل تعاىل قال –زيادة عىل ما سبق‪﴿ :-‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾[النحل‪،]1٢٥ :‬‬
‫رش ِكنيَ بِ َأ ْم َوالِك ُْم َو َأ ْن ُف ِسك ُْم َو َأ ْل ِسنَتِك ُْم‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫وقال ﷺ‪" :‬ج ِ‬
‫اهدُ وا ا ُْمل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬احلاكم‪ ،‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلهاد‪ ،‬ج‪ ،٢‬حديث رقم (‪ ،)٢٤٢٧‬ص‪.91‬‬
‫ويقول ابن حزم‪" :‬وهذا حديث يف غاية الصحة وفيه األمر باملناظرة وإجياهبا كإجياب اجلهاد والنفقة يف سبيل‬
‫اهلل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن حزم‪ ،‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٦‬‬
‫وانظر كذلك رد ابن تيمية عىل شبهة‪ :‬منع اجلدل مع الكفار بناء عىل ظهور دالئل النبوة يف‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٤٣‬‬
‫ورده كذلك عىل شبهة‪ :‬منع اجلدل مع الكفار‪ ،‬بناء عىل نسخ آيات اجلدال معهم بآيات السيف‪ ،‬وفرضية‬
‫اجلهاد‪ ،‬وجاء رده عىل هذه الشبهة يف تسعة وجوه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.٢٤٦-٢19‬‬
‫ولالستزادة انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الزين‪ ،‬حممود أمحد‪ .‬حوار القرآن مع املخالفني‪ :‬أصوله وأساليبه‪ ،‬التدقيق اللغوي‪ :‬رشوق حممد سلامن‪،‬‬
‫إخراج‪ :‬حميي الدين حسني يوسف‪ ،‬ديب‪ :‬دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخلريي‪ ،‬إدارة البحوث‪ .‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٣٢‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )1‬الباجي‪ ،‬أبو الوليد سليامن بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي‪ .‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد املجيد تركي‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪198٧ ،٢‬م‪ ،‬ص‪ .8‬وانظر أهم الكتب التي ألفت يف فن اجلدل يف‪:‬‬
‫‪ -‬املراكيش‪ ،‬ابن البناء‪ .‬رسالة يف اجلدل بمقتىض قواعد األصول‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمامد رفيع‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٣1‬هـ‪٢010/‬م)‪ ،‬ص‪.٣٢‬‬

‫‪٢٣٤‬‬
‫ونحاول يف هذه الدراسة استقراء آيات اخلطاب القرآين‪ ،‬واستنباط هذه األصول‬
‫املنهجية لتدبري االختالف املعريف‪ ،‬العتقادنا أن سلوك طريق اجلدل هبذه األصول املنهجية‪،‬‬
‫سبيل نافع لتدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬ولتقويم اخلالفات‪ ،‬والنزاعات الفكرية واملعرفية‪،‬‬
‫واالختيارات املنهجية القديمة واحلديثة؛ ألن مسالك احلجاج(‪ (1‬كام يقول طه عبد الرمحن‬
‫(‪(٢‬‬
‫"حتصل اإلقناع‪".‬‬

‫أوالً‪ :‬أصول تدبري االختالف املنهجية الكلية‬


‫متهيد‪:‬‬
‫تعالج األصول الكلية القضايا الكرى لالختالف ومثاراته‪ .‬فإذا كانت امليوالت‬
‫النفسية والغرائز الفطرية يف اإلنسان‪ ،‬من أسباب االختالف اخلَ ْلقية‪ ،‬التي ركبها اهلل تعاىل‬
‫فيه‪ ،‬فإن أصل تزكية النفس يضبط هذه املنازع النفسية وحيكمها‪.‬‬
‫وإذا كان اختالف مدارك اخللق يف إدراك احلقائق العقلية‪ ،‬أمر ًا تكويني ًا خلقي ًا كذلك‪ ،‬فإن‬
‫أصل السالمة العقلية‪ ،‬يساعد عىل تكوين العقلية العلمية‪ (٣(،‬القادرة عىل النظر‪ ،‬وجتلية احلقائق‪.‬‬
‫جتمع‬
‫وإذا كان اختالف مصادر املعرفة‪ ،‬وعدم تكاملها‪ ،‬من أسباب االختالف؛ إذ ّ‬
‫لدى اإلنسان معارف ناقصة‪ ،‬وغري كاملة‪ ،‬فإن املنهج العلمي األسلم‪ ،‬هو االعتامد عىل‬
‫التكامل املعريف يف بناء األفكار‪ ،‬والبحث عن احلقائق‪.‬‬
‫وإذا كان االستعباد واإلكراه عىل احلقائق‪ ،‬من غري رضا وال اقتناع‪ ،‬من مثارات‬
‫االختالف‪ ،‬فقد جاء القرآن الكريم بأصل منهجي كيل لتدبري االختالف‪ ،‬وهو احلرية يف‬
‫االعتقاد لألفكار‪ ،‬ويف التعبري عنها‪ ،‬ويف الدفاع عنها ونقد أفكار اآلخرين واالعراض عليها‪.‬‬

‫حيق له االعراض‬
‫موجه إىل الغري إلفهامه دعوى خمصوصة ّ‬ ‫"احلجاج" هو‪ّ :‬‬ ‫(‪ )1‬يقول طه عبد الرمحن‪ِ :‬‬
‫"كل منطوق به ّ‬
‫عليها‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬اللسان وامليزان أو التكوثر العقيل‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪،‬‬
‫ص‪.٢٢٦‬‬
‫(‪ )٢‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬يف أصول احلوار وجتديد علم الكالم‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪٢000 ،٢‬م‪ ،‬ص‪.٦٦‬‬
‫(‪ )٣‬يقول القرضاوي‪" :‬فالعقلية العلمية هي التي تنحي األهواء واالنفعاالت والعواطف جانب ًا‪ ،‬وتنظر إىل األمر نظرة‬
‫موضوعية حمايدة‪ ".‬يف‪:‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥٣‬‬

‫‪٢٣٥‬‬
‫‪ -1‬أصل تزكية النفس‪:‬‬
‫القرآن الكريم بربيته العظيمة‪ ،‬زكّى وعالج كل خصائص وصفات ومستويات النفس‬
‫أصال منهجي ًا من األصول الكلية لتدبري‬
‫اإلنسانية‪ (1(،‬األمر الذي جيعل تزكية النفس اإلنسانية(‪ً (٢‬‬
‫االختالف اإلنساين‪ ،‬فهو أصل مثمر للعلم‪ ،‬وللتحاب والتوافق والتآلف‪ ،‬جيعل االختالف‬
‫إجيابي ًا ال سلبي ًا‪ (٣(،‬فتدبري االختالف ال يمكن أن يتحقق إال بعد التخلص من ميوالت النفوس‬
‫ونوازعها‪ ،‬وضبطها بتوجيهات الرشع‪ ،‬وبغري تزكية النفس خيرج اجلدل العلمي واملعريف من‬
‫دائرة العلم والتعاون عىل كشف احلقائق‪ ،‬إىل دائرة االنتصار للنفس وحب الغلبة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان منها‪ :‬النامء والطهارة واإلصالح‪ (٤(،‬فهي تعني تطهري‬ ‫والتزكية يف اللغة تطلق عىل‬
‫النفس(‪ (٥‬من الرشك واملعايص‪ ،‬وتنميتها وإصالحها بالطاعات واألعامل الصاحلة‪ ،‬ف "قوله‪:‬‬

‫(‪ )1‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،٥‬هـ‪1999/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.٢٢٧‬‬
‫(‪ )٢‬يقول طه عبد الرمحن‪ :‬إن عمل التزكية "هو العمل اجلذري الذي إذا دخل فيه اإلنسان‪ ،‬أخذ يقطعه عن سابق أحواله‪،‬‬
‫وعىل قدر تغلغله فيه‪ ،‬يكون انقطاع هذه األحوال عنه‪ ،‬حتى خيرج إىل أضدادها؛ إذ يتوىل حتريره من سلطان النفس‬
‫عليه‪ ،‬حتى إذا ترقى يف هذا التحرر‪ ،‬اسرجع ذاكرته األصلية التي فطر عليها‪ ،‬وجتددت صلته بالعامل الغيبي‪ ،‬وحينها‬
‫يقطع البقية الباقية من حب السيادة عىل غريه‪ ،‬منقلب ًا بالكلية إىل عبادة ربه‪ ،‬شاهد ًا بحاله فض ً‬
‫ال عن مقاله"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬روح الدين‪ :‬من ضيق العلامنية إىل سعة االئتامنية‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫‪٢01٢‬م‪ ،‬ص‪.٢٦-٢٥‬‬
‫وذكر ماجد عرسان الكيالين أن حمتوى منهاج التزكية يف الربية اإلسالمية يشمل‪ :‬تزكية النفس‪ ،‬وتزكية‬
‫البيئة العامة‪ .‬وأنواع تزكية النفس‪ :‬تزكية القدرات العقلية‪ ،‬وتزكية القدرات اإلرادية‪ ،‬وتزكية القدرات السمعية‬
‫والبرصية‪ ،‬وتزكية اجلسم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ .‬مناهج الرتبية اإلسالمية واملربون العاملون فيها‪ ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٦‬ه‪199٥ /‬م)‪ ،‬ص‪.٢01-1٣0‬‬
‫(‪ )٣‬تدبري االختالف بتزكية النفس اإلنسانية جيعل االختالف إجيابي ًا وبنا ًء‪ ،‬ويقابله عند النوريس‪" :‬اخلالف السلبي عندما‬
‫حياول كل خمالف إبطال مذهب خمالفه‪ ،‬والتفرد باحلق والصواب‪ ،‬ومبعثه احلقد والعداوة والضغينة‪ ،‬وهذا النوع‬
‫مردود غري معتر‪ ،‬ألن البحث عن احلقيقة فيه ألجل أغراض شخصية‪ ،‬وللتسلط واالستعالء‪ ،‬وإشباع شهوات‬
‫نفوس فرعونية‪ ،‬ونيل الشهرة وحب الظهور‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )2‬املكتوبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٤٧‬‬
‫(‪ )٤‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬زكا)‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٣٥8‬‬
‫(‪ )٥‬والنفس يف اخلطاب القرآين أطلقت "عىل يشء هو يف داخل كيان اإلنسان‪ ،‬يشتمل عىل كل الصفات واخلصائص‬
‫التي تكونت منها ماهيته دون النظر إىل اهليكل اجلسدي الذي هو وعاء هلا‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬امليداين‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٢٧‬‬

‫‪٢٣٦‬‬
‫﴿ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [الشمس‪ .]9 :‬يقول‪ :‬قد أفلح من زكَّى اهلل نفسه‪ ،‬فك َّثر تطهريها من الكفر‬
‫(‪(1‬‬
‫واملعايص‪ ،‬وأصلحها بالصاحلات من األعامل‪".‬‬
‫ونشري بالدراسة والتحليل إىل معامل هذا األصل املنهجي القرآين يف املسائل اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬التزكية من مقاصد رسالة اإلسالم‪:‬‬

‫تزكية النفس اإلنسانية من املقاصد العامة لرسالة سيدنا حممد ﷺ‪ (٢(،‬قال تعاىل يف‬
‫دعوة إبراهيم وإسامعيل لألمة املسلمة املوعودة‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [البقرة‪ ]1٢9 :‬يقول القرطبي‪:‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫"يعني حممد ًا ﷺ‪".‬‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬


‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﴾ [البقرة‪ ،]1٥1 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [آل عمران‪ ،]1٦٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮ ﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﴾ [اجلمعة‪.]٢ :‬‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٤‬ص‪.٤٥٦‬‬
‫ويف التزكية يقول العلامء املعارصون‪" :‬فعندما نقول‪ :‬تزكية النفس‪ ،‬فاملراد‪ :‬ختليص النفس من نجاساهتا‪ ،‬ومن‬
‫شهوانيتها اخلاطئة‪ ،‬وحيوانيتها اهلابطة‪ ،‬ومن منازعتها الربوبية‪ ،‬وختليصها من كل أنواع الظلامت‪ ،‬وإنام بعث الرسل‬
‫عليهم الصالة والسالم ملثل هذا‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬حوى‪ ،‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .٢8‬وقال يف ص‪ .." :1٥٥‬فمام يدخل يف تزكية النفس‬
‫تطهريها من شهواهتا املحرمة‪ ،‬أو تطهريها من السلوك املحرم لقضاء الشهوات‪".‬‬
‫ويقول ماجد عرسان الكيالين‪" :‬التزكية عملية تطهري وتنمية شاملني‪ ،‬هدفها استبعاد العنارص املوهنة إلنسانية‬
‫اإلنسان‪ ،‬وما ينتج عن هذا الوهن من فساد وخت ُّلف وخسان‪ ،‬وتنمية كاملة للعنارص املحققة إلنسانية اإلنسان‪ ،‬وما‬
‫ينتج عن هذه التنمية من صالح وتقدم وفالح يف حياة األفراد واجلامعات‪ .‬فالتزكية حسب هذا التعريف نوعان‪:‬‬
‫تزكية معنوية ميداهنا العقيدة والقيم والثقافة‪ .‬وتزكية مادية مادهتا النظم والتطبيقات‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الكيالين‪ ،‬مناهج الرتبية اإلسالمية واملربون العاملون فيها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢٧‬‬
‫(‪ )٢‬الريسوين‪ ،‬مقاصد املقاصد‪ :‬الغايات العلمية والعملية ملقاصد الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٤‬‬
‫(‪ )٣‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٣1‬‬

‫‪٢٣٧‬‬
‫واملتأمل يف اآليات الثالث األخرية‪ ،‬جيد أن القرآن الكريم قدم "التزكية" عىل "تعليم‬
‫الكتاب واحلكمة"‪ ،‬وفيه إشارة عظيمة إىل أمهية التزكية قبل التعليم؛ ألن العلم من دون‬
‫تزكية نفسية‪ ،‬وتربية خلقية‪ ،‬يؤدي إىل التعايل عىل اخللق والتكر عليهم؛ مما يعود عىل‬
‫املجتمع البرشي بالضياع واخلسان‪ ،‬فال بد من ختليق العلم بتزكية النفس‪ ،‬للحد من‬
‫مثارات االختالف والنزاع اإلنساين‪ ،‬والواقع اإلنساين املعارص‪ ،‬دليل االنفصام النكد بني‬
‫العلم والتزكية؛ إذ تطور العلم يف كل املجاالت اإلنسانية‪ ،‬ومل يواكبه تطور أخالقي بربية‬
‫النفس وتزكيتها »فمقتىض النظر املقاصدي يف هذا اإلشكال العميق التأسيس لعقد القران‬
‫(‪(1‬‬
‫بني ثنائيتي التحصيل اإليامين والتحصيل املعريف‪"...‬‬

‫وكان ﷺ يدعو ربه‪ ،‬ويطلب تزكية نفسه‪ ،‬فعن زيد بن أرقم ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ كان‬
‫اب‪ ،‬ا ْل َق ْ ِر‬ ‫ِ‬
‫"الله َّم إِ ِّين َأ ُعو ُذ بِ َك م َن ا ْل َع ْج ِز‪َ ،‬وا ْلك ََس ِل‪َ ،‬و ْ ُ‬
‫اجل ْب ِن‪َ ،‬وا ْل ُب ْخ ِل‪َ ،‬و ْاهل َ َر ِم‪َ ،‬و َع َذ ِ‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪:‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫ْت َولِ ُّي َها َو َم ْو َال َها‪"...‬‬ ‫َّاها‪َ ،‬أن َ‬
‫ْت َخ ْ ُري َم ْن َزك َ‬‫آت َن ْف ِيس َت ْق َو َاها‪َ ،‬و َزك َِّها َأن َ‬
‫اللهم ِ‬
‫ُ َّ‬
‫فإن تزكية النفس اإلنسانية وتطهريها‪ ،‬وحتليها باألوصاف املحمودة اخلرية‪ ،‬واجتناهبا‬
‫األوصاف املذمومة‪ ،‬أصل قوي لتدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬وذلك بسمو اإلنسان عىل نزعاته‬
‫وميوالته النفسية‪ ،‬حتى يصل اإلنسان إىل مرتبة اإلحسان‪ ،‬الذي عرفه النبي ﷺ يف احلديث‬
‫الصحيح الذي رواه عمر بن اخلطاب عن النبي ﷺ قال‪َ " :‬أ ْن َت ْع ُبدَ اهللََّ ك ََأن ََّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َمل ْ َت ُك ْن‬
‫ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َراك‪".‬‬
‫َ (‪(٣‬‬

‫وبذلك يتأهل اإلنسان بحق للخالفة عن اهلل تعاىل يف األرض‪ ،‬واإلسهام الفعال يف‬
‫عامرهتا وتنميتها‪ ،‬وحتقيق الغاية الكرى من وجوده لعبادة اهلل الواحد األحد ﴿ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [الذاريات‪ ]٥٦ :‬ويرى العلواين أن من شأن التزكية "أن تقوم بتحصني‬
‫اإلنسان من داخله ضد سائر استعدادات الرش واالنحراف فيه‪ ،‬وسائر املؤثرات اخلارجية‬

‫(‪ )1‬رفيع‪ ،‬النظر املقاصدي رؤية تنزيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٤‬‬


‫(‪ )٢‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الذكر والدعاء والتوبة‪ ،‬باب‪ :‬التعوذ من رش ما عمل‪ ،‬ومن رش ما مل‬
‫يعمل‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪ ،)٢٧٢٢‬ص ‪.٢088‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اإليامن‪ ،‬باب‪ :‬سؤال جريل النبي ﷺ عن اإليامن‪ ،‬واإلسالم‪،‬‬
‫واإلحسان‪ ،‬وعلم الساعة‪ ،‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)٥0‬ص‪.19‬‬

‫‪٢٣8‬‬
‫عليه‪ ،‬وحتجيم نوازعه الداخلية‪ ،‬وتوجيه طاقاته باجتاه البناء والعمران يف إطار من الضوابط‬
‫العقلية والتزكية السلوكية واألخالقية‪ ،‬ليصبح اإلنسان عمراني ًا بنّاء نافع ًا لنفسه‪ ،‬مفيد ًا لبني‬
‫(‪(1‬‬
‫جنسه مدرك ًا النتامئه اإلنساين ودوره العمراين‪"...‬‬

‫ب‪ -‬الفالح رهني بتزكية النفس‪:‬‬

‫يشري اخلطاب القرآين إىل أن فالح اإلنسان رهني بتزكية نفسه فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ‬
‫[الشمس‪]10-٧ :‬‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾‬
‫فقد أعطى اهلل تعاىل القدرة لإلنسان يف االختيار‪ ،‬وفق ًا حلكمة اهلل يف اخللق‪ (٢(،‬وخلقه وهداه‬
‫يقول الفراء‪" :‬النجدان‪ :‬سبيل اخلري‪،‬‬ ‫[البلد‪]10 :‬‬ ‫النجدين‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ﴾‬
‫(‪(٣‬‬
‫وسبيل الرش‪".‬‬

‫واملراد من هذه اهلداية‪" :‬الداللة‪ ،‬وهي بمنزلة إيقاف اإلنسان عىل رأس الطريقني‪:‬‬
‫املهلك واملنجي‪ ،‬مع بيان ما يؤدي إليه كل منهام‪ ،‬وهي مما تفضل اهلل به عىل مجيع أفراد‬
‫البرش"‪ (٤(،‬لالختيار والسعي واالجتهاد واإلبداع؛ ألن لكل إنسان حظه من اخلري والرش‬
‫مصيبه ال حمالة‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [يس‪ ]19 :‬يقول أبو عبيدة‪" :‬أي حظكم‬
‫(‪(٥‬‬
‫من اخلري والرش‪".‬‬

‫وعىل اإلنسان بإرادته وعقله أن خيتار طريق تزكية النفس من أجل الفالح‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾ [األعىل‪ ،]1٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [الشمس‪" ]9 :‬أي طهرها ورفعها‬

‫(‪ )1‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .18‬انظر القواعد األساسية للتزكية عند املؤلف‪.‬‬
‫(‪ )٢‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣0‬ص‪.٣911‬‬
‫(‪ )٣‬الفراء‪ ،‬حييى بن زياد بن عبد اهلل بن منظور الديلمي‪ .‬معاين القرآن‪ ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،٣‬ه‪198٣/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،٣‬ص‪.٢٦٤‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٥٣‬يف سياق تفسري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ﴾ [الفاحتة‪.]٦ :‬‬
‫(‪ )٥‬أبو عبيد‪ ،‬معمر بن املثنى التيمي‪ .‬جماز القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد سزكني‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اخلانجي‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ج‪،٢‬‬
‫ص‪.1٥9‬‬

‫‪٢٣9‬‬
‫[الشمس‪]10 :‬‬ ‫عن مواطن الرجس"‪ (1(،‬واخلسان والضياع‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾‬
‫(‪(٢‬‬
‫"أي غمسها بأرجاس الكفر والفسوق والعصيان‪".‬‬
‫وهنا تأيت الربية(‪ (٣‬القرآنية لتزكية النفس‪ ،‬لتهز كيان اإلنسان‪ ،‬وتربطه بخالقه مصدر‬
‫اهلداية والنجاة‪ ،‬للقضاء عىل نوازع الرش يف النفس‪ ،‬والتحيل بكل األخالق الفاضلة‪ ،‬التي‬
‫تساهم يف التقليل من النزاعات والرصاعات البرشية‪.‬‬
‫ويشري القرآن الكريم إىل أن أساس التغيري هو تغيري ما بالنفوس‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ‬
‫[األنفال‪]٥٣ :‬‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾‬
‫﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ﴾ ([الرعد‪.]11 :‬‬
‫فتزكية النفس سبب للفالح والفوز باجلنة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [النازعات‪ ]٤1-٤0 :‬فاخلشية من اهلل تعاىل‪ ،‬وهني النفس عن‬
‫ميوالهتا الفاسدة‪ ،‬سبب للفالح والفوز بجنة النعيم‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ عن‬
‫امليل إليه بحكم اجلبلة البرشية ومل يعتد بمتاع احلياة الدنيا وزهرهتا ومل يغر بزخارفها وزينتها‬
‫(‪(٤‬‬
‫عل ًام منه بوخامة عاقبتها ﴿ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ له ال غريها‪".‬‬

‫ت‪ -‬العبادة مدخل لتزكية النفس‪:‬‬

‫ال أساسي ًا‪ ،‬ال‬


‫وإذا كان اخلطاب القرآين دعا إىل تزكية النفس‪ ،‬فإنه جعل لذلك مدخ ً‬

‫(‪ )1‬امليداين‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٥٣‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٥٣‬‬
‫(‪ )٣‬والربية إنشاء اليشء حاالً فحاالً إىل حدّ التامم‪ ،‬ورباه إذا قام بتدبريه‪ ،‬ومنه ّ‬
‫سميت احلاضنة َرا َّبة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬رب) ص‪.٣٣٦‬‬
‫‪ -‬الفيومي‪ ،‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢1٤‬‬
‫ويف اعتقادي فإن الربية مفهوم أعم من التزكية‪ ،‬فالربية يف القرآن الكريم‪ ،‬تشمل التزكية والتعليم مجيعها‬
‫لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [اجلمعة‪ .]٢ :‬فالربية‬
‫يف هذه اآلية‪ :‬تزكية وتعليم‪.‬‬
‫(‪ )٤‬أبو السعود‪ ،‬حممد بن حممد بن مصطفى العامدي‪ .‬إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد القادر‬
‫أمحد عطا‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرياض احلديثة‪( ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬ج‪ ،٥‬ص‪.٤٧٤‬‬

‫‪٢٤0‬‬
‫تتحقق تزكية النفس بغريه‪ ،‬وهو ما رشعه من عبادات‪ (1(،‬وأحكام ترشيعية‪ ،‬من أجل بناء‬
‫جمتمع متحرض(‪ (٢‬يقول ابن عاشور‪" :‬تزكية النفس أهم ما دعا إليه اإلسالم‪ ،‬وذلك هو قسم‬
‫العبادات‪ ،‬فالعبادات هلا خصوصية تزكية النفس بام يقارهنا من مراقبة اخلالق ومن التفكري‬
‫يف رفع الدرجات‪ ،‬فتحصل من تكرارها آثار يف النفس تزكيها وتطهرها حتى يصري اخلري هلا‬
‫سجية‪ (٣(،"..‬ويقول عامد الدين خليل إن مفهوم العبادة جتعل اإلنسان‪" :‬يتجاوز السفوح‬
‫(‪(٤‬‬
‫الدنيا للنشاط البرشي إىل القمم التي تليق بمكانة اإلنسان يف العامل‪".‬‬

‫وبني القرآن الكريم أثر العبادات يف تزكية النفس اإلنسانية‪ ،‬فقال تعاىل يف أثر الصالة‪:‬‬
‫‪ ،]٤٥‬فإن‬ ‫[العنكبوت‪:‬‬ ‫﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾‬
‫الصالة تنهى عن كل املعايص التي تشتهيها النفوس‪ ،‬وتستنكرها العقول والفطر‪ ،‬وبذلك‬
‫يتطهر القلب‪ ،‬وتقوى الرغبة يف فعل اخلريات‪ ،‬فالنهي عن الفحشاء واملنكر مقصد عظيم‬
‫من مقاصد الصالة‪ (٥(.‬ويقول حممد قطب يف تأثري الصالة يف اإلنسان‪" :‬الصالة التي تربط‬
‫اإلنسان بخالقه‪ ،‬فإذا هو كائن عجيب ال يشبهه يشء من خلق اهلل كله‪ ،‬كائن يقف بجسمه‬
‫عىل األرض‪ ،‬وروحه تسبح يف السامء‪ ،‬كائن قادر ‪-‬يف عجزه وطاقته املحدودة الفانية‪ -‬أن‬

‫(‪ )1‬منهج القرآن يف تزكية النفس‪ ،‬له مداخل كثرية غري العبادات‪ ،‬فكل األحكام العقائدية والترشيعية واألخالقية هتدف‬
‫إىل تزكية النفس اإلنسانية‪ ،‬فالقرآن الكريم منهج متكامل يف تزكية النفس اإلنسانية؛ ألهنا املدخل األول واألساس‬
‫يف أي إصالح أو تغيري‪ ،‬والقرآن كله دعوة إىل تزكية النفس حتى إنه "قيل لعامل مسلم‪ :‬هل قرأت أدب النفس‬
‫ألرسطو؟ فقال‪ :‬بل قرأت أدب النفس ملحمد بن عبد اهلل ﷺ‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫الغزايل‪ ،‬حممد‪ .‬خلق املسلم‪ ،‬القاهرة‪ :‬هنضة مرص‪ ،‬ط‪٢00٥ ،10‬م‪ ،‬ص‪.٤‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬البهي‪ ،‬حممد‪ .‬منهج القرآن يف تطوير املجتمع‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،٢‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬ص‪،٣٤-9‬‬
‫وبني من خالهلا كيف بنى القرآن الكريم املجتمع‬
‫قام الكاتب بدراسة آيات الصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والزكاة‪ ،‬واحلج‪ّ ،‬‬
‫املتحرض بتدرج‪.‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫(‪ )٤‬خليل‪ ،‬العقل املسلم والرؤية احلضارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )٥‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،٦٣٢‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣19‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٣٦‬‬

‫‪٢٤1‬‬
‫يقوم باملعجزة‪ (1("...‬ويقول عبد الفتاح عاشور‪" :‬والفحشاء واملنكر أسوأ ما يتصف هبام فرد‬
‫أو جمتمع‪ ،‬ومهام ادعى أصحاب الدراسات األخالقية واملذاهب االجتامعية من أن دراستهم‬
‫ومذهبهم يمكن أن تقيض عىل أسباب الفواحش واملنكرات‪ ،‬وتعيد لألخالق الكريمة هباءها‬
‫ورونقها مهام حاولوا فلن يستطيعوا إال إذا أعلنوا انضاممهم للواء املنهج اإلهلي‪ ..‬وهذه هي‬
‫(‪(٢‬‬
‫الصالة منهج متناسق لربية الفرد واملجتمع يصل هبام إىل قمة السمو األخالقي‪"...‬‬

‫فالصالة تريب اإلنسان عىل االجتامع واالئتالف‪ ،‬لذلك رشع اهلل تعاىل الصالة يف‬
‫اجلامعة‪ ،‬وجعل صالة اجلامعة أفضل من صالة الفرد بسبع وعرشين درجة‪ ،‬ورشع صالة‬
‫اجلمعة فال تصح إال يف اجلامعة‪ ،‬فهي تربية عىل االجتامع والوفاق‪.‬‬

‫والصالة مصدر مهم من مصادر التزكية النفسية‪ ،‬فبها يتحقق االتصال الدائم باحلق‬
‫سبحانه‪ ،‬اهلادي واملرشد لكل خري‪ ،‬وحتقق لإلنسان الطهارة اجلسمية واالطمئنان النفيس‪،‬‬
‫وتعوده عىل النظام وحسن استغالل الوقت‪ ،‬وغري ذلك من مقاصد وقيم‪.‬‬
‫واهلدوء الروحي‪ّ ،‬‬
‫وقال تعاىل يف أثر الزكاة‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [التوبة‪ .]10٣ :‬يقول‬
‫البيضاوي‪﴿" :‬ﮞ﴾ من الذنوب أو حب املال املؤدي هبم إىل مثله‪ .‬وقرئ ﴿ ﮞ﴾‬
‫من أطهره بمعنى طهره و﴿ﮞ﴾ باجلزم جواب ًا لألمر‪ ﴿ .‬ﮟ ﮠ﴾ وتنمي هبا حسناهتم‬
‫وترفعهم إىل منازل املخلصني"‪ (٣(،‬فإخراج الزكاة تطهري للنفس‪ ،‬وتزكية هلا؛ ألن "النفس حتب أن‬
‫تتملك‪ ،‬والتملك أمر غريزي يف النفس‪" (٤(".‬والزكاة تطهري من شح النفس‪ ،‬وإطالق للروح‬
‫من األثرة البغيضة التي حتس بوجودها وحدها‪ ،‬وال حتس باآلخرين‪ ،‬إهنا إحساس باألخوة‬
‫النبيلة التي جتمع األرسة البرشية الواحدة‪ ،‬فإذا كلها قريب من قريب‪ ،‬وكل فرد فيها ذو‬
‫رحم مع اآلخرين‪ ،‬األخوة التي خترج باإلنسان عن الشعور بامللك فيام يمتلك‪ ،‬فليس هناك‬
‫(‪(٥‬‬
‫ملك خالص يف األرسة الواحدة‪ ،‬وإنام الناس رشكاء يف اخلري‪ ،‬أصالء يف رزق اهلل العميم‪".‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٥‬‬


‫(‪ )٢‬عاشور‪ ،‬منهج القرآن يف تربية املجتمع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19٤‬‬
‫(‪ )٣‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.٧٧‬‬
‫(‪ )٤‬الشعراوي‪ ،‬تفسري (اخلواطر)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٤٦٧‬‬
‫(‪ )٥‬قطب‪ ،‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٦-٦٥‬‬

‫‪٢٤٢‬‬
‫وتعود‬
‫ّ‬ ‫والشح واجلشع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتطهرها من رذائل‪ :‬البخل‬ ‫ّ‬ ‫وهبذا فالزكاة تزكي النفس‬
‫اإلنسان عىل األخالق احلميدة‪ :‬الكرم واجلود واإليثار‪ ،‬ومتكِّن من التضامن والتكافل‬
‫االجتامعي‪ ،‬وتوفر االستطاعة للمحتاجني‪ ،‬وتساهم يف إقامة املصالح اإلنسانية املشركة‬
‫ذات النفع العام‪ ،‬وحتد من تكديس األموال يف يد األغنياء عىل حساب الفقراء‪ ،‬فهي رمز‬
‫(‪(1‬‬
‫لألخوة املتضامنة‪.‬‬

‫وقال تعاىل يف أن االلتزام بأحكام الرشع وما جاء به من عبادات يزكِّي النفس البرشية‪:‬‬
‫[النور‪:‬‬ ‫﴿ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾‬
‫‪ ،]٣0‬وقال تعاىل يف آداب االستئذان‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ﴾ [النور‪ ،]٢8 :‬وقال تعاىل يف أثر االلتزام باألحكام الرشعية يف التزكية‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [البقرة‪.]٢٣٢ :‬‬

‫يقول القرضاوي‪" :‬إن الذي ال ريب فيه‪ :‬أن صالح األمم واملجتمعات إنام هو‬
‫بصالح أفرادها‪ ،‬وصالح األفراد إنام هو بصالح أنفسهم التي بني جنوهبم‪ ،‬وبعبارة أخرى‪:‬‬
‫بتزكية هذه األنفس حتى تنتقل من (النفس األمارة بالسوء) إىل (النفس اللوامة) ثم (النفس‬
‫"(‪(٢‬‬
‫املطمئنة)‪.‬‬

‫والعبادات يف اإلسالم ال تؤدي دورها يف تزكية النفس وتطهريها إال إذا روعي يف‬
‫وإىل هذا أشار اخلطاب القرآين‬ ‫(‪(٣‬‬
‫أدائها املعاين الباطنة‪ ،‬ومرافقة العمل الظاهر للباطن‪،‬‬

‫(‪ )1‬يقول طه عبد الرمحن‪" :‬إن العمل التزكوي بمقدوره أن يثبت يف قلب الفرد حب التعبد‪ ..‬جمتث ًا منه حب التسيد‪" ..‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬روح الدين‪ :‬من ضيق العلامنية إىل سعة االئتامنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧0‬‬
‫(‪ )٢‬القرضاوي‪ ،‬كيف نتعامل مع القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9٤‬‬
‫(‪ )٣‬يقول طه عبد الرمحن‪" :‬الغرض من الشعرية هو ما يركه آداؤها من آثار خمصوصة يف القائم هبا تنقله من احلال التي‬
‫هو عليها إىل حال أخرى تفضلها‪ ،‬وهذه اآلثار التي منها اجليل ومنها اخلفي هي التي ينبغي من جهتها أن نطلب‬
‫معقولية هذه الشعائر‪ ،‬بحيث تكون الشعائر معقولة‪ ،‬ال بظواهرها‪ ،‬وإنام بآثارها‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬سؤال األخالق مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف‬
‫العريب‪ ،‬ط‪٢000 ،1‬م‪ ،‬ص‪.٥٢‬‬

‫‪٢٤٣‬‬
‫يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [البقرة‪ ]1٧٧ :‬فاخلطاب القرآين ينبه‬
‫إىل أن الر الذي هو اسم جامع لكل اخلصال احلميدة‪ (1(،‬ليس مظاهر فقط‪ ،‬بتولية الوجه قبل‬
‫املرشق واملغرب‪ ،‬بل هو تكامل بني الظاهر والباطن‪ (٢(،‬فقد "‪ ...‬جعلت األعامل الظاهرة يف‬
‫دليال عىل ما يف الباطن‪ ،‬فإن كان الظاهر منحرف ًا‪ ،‬حكم عىل الباطن بذلك‪ ،‬أو مستقي ًام‪،‬‬
‫الرشع ً‬
‫حكم عىل الباطن بذلك أيض ًا‪ ،‬وهو أصل عام يف الفقه‪ (٣("...‬ويقول سعيد حوى‪" :‬العبادات‬
‫الرئيسية يف اإلسالم منورة ومطهرة بقدر ما تالحظ معانيها الباطنة‪ ،‬فهي تؤثر التأثري الكامل‬
‫(‪(٤‬‬
‫إذا كانت كاملة بحيث يرافق عمل الظاهر فيها عمل الباطن‪"...‬‬

‫وهناك فرق بني عبادة اهلل تعاىل‪ ،‬وعبادة الشهوات والغرائز‪ ،‬ف "هناك فرق بني أن يكون‬
‫اهلدف من احلياة هو عبادة اهلل‪ ،‬وبني أن يكون اهلدف هو عبادة الغرائز والشهوات‪ .‬فقد أثبت‬
‫تاريخ اإلنسان عىل األرض‪ ،‬أن اإلنسان يرتقي ويتسامى‪ ،‬ويتقدم علمي ًا واجتامعي ًا حني يعبد‬
‫اهلل‪ .‬ولكنه حني يعبد شهواته يقع ضحية الفرقة والرصاع والعزلة والوحدة واالغراب‪،‬‬
‫(‪(٥‬‬
‫وكلها تنتهي بتحطيم اإلنسان‪ ،‬أفراد ًا ومجاعات‪".‬‬

‫والعبادات تريب الضمري اإلنساين عىل التآلف والتعاون‪ ،‬و"تريب الضمري اجلامعي‪،‬‬
‫والوجدان اإلنساين‪ ،‬وروح التعاون بني الناس بعضهم مع بعض‪ .‬والعبادات هي قوام‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪ .٤0‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.8٣‬‬
‫(‪ )٢‬بذلك نتخلص من النفاق االجتامعي والسيايس الذي نعاين منه يف زماننا املعارص‪.‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،1٧1‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.٥8٢‬‬
‫(‪ )٤‬حوى‪ ،‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣1‬‬
‫(‪ )٥‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ .‬فلسفة الرتبية اإلسالمية‪ :‬دراسة مقارنة بني فلسفة الرتبية اإلسالمية والفلسفات الرتبوية‬
‫املعارصة‪ ،‬مكة املكرمة وجدة‪ :‬مكتبة املنارة ودار املنارة‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،1‬ه‪198٧/‬م)‪ ،‬ص‪.80‬‬

‫‪٢٤٤‬‬
‫اجلامعات؛ ألن تكوين اجلامعات ال يكون إال بأمر معنوي يؤلف بينهم‪ ،‬ويزيل النفرة‪ ،‬وذلك‬
‫(‪(1‬‬
‫بأن يكون املؤمن رباني ًا يتجه إىل رب اخللق‪ ،‬ويصر عىل ميزان احلق‪".‬‬

‫ت‪ -‬تزكية النفس من أجل سالمة الفطرة‪:‬‬

‫املقصود من تزكية النفس هو‪ :‬احلفاظ عىل سالمة الفطرة اإلنسانية من اكتساب التعاليم‬
‫الباطلة والسيئة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن "من قضايا الفطرة ما هو بدهيي أو واضح للمتأمل‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫خفي عن املدركات‪ ،‬ومنها ما تضاءل يف النفوس ملا غشيها من سلطان األهواء النفسية‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫والعادات الذميمة واألخالق النظرية‪"...‬‬

‫وتقول عائشة عبد الرمحن‪" :‬ولو أن هذا اإلنسان قد رجع إىل فطرته‪ ،‬وثاب إىل رشده‬
‫وحسه وبصريته‪ ،‬الهتدى إىل معامل اخلري والرش واضحة أمامه شاخصة‪ (٣(،"...‬ويقول طه‬
‫عبد الرمحن إن الناس‪" :‬كلام زاد نفوذهم إىل أرسار هذه الفطرة‪ ،‬زادت قدرهتم عىل متييز‬
‫املعروف من املنكر‪ ،‬بل زادت رغبتهم يف اجتالب األول واجتناب الثاين‪ (٤(،"..‬فكلام نفذ‬
‫اإلنسان إىل أرسار فطرته‪ ،‬تكونت لديه القدرة عىل متييز املعروف من املنكر‪ ،‬بل مال إىل‬
‫املعروف وترك املنكر‪ ،‬وبذلك يقع تضييق دائرة االختالف وحتقيق االئتالف‪.‬‬

‫وقد جعل اهلل تعاىل دين اإلسالم دين الفطرة فهو عام جلميع اخللق‪ ،‬وهذه الفطرة‬
‫املتقررة واملركوزة يف نفوسهم مشرك جامع للبرشية عىل اختالفهم‪ ،‬فهي قدر مشرك بينهم‬
‫(‪(٥‬‬
‫ال يتخلف وال خيتلف‪.‬‬

‫(‪ )1‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٤٦٢‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢1-٢0‬‬
‫(‪ )٣‬بنت الشاطئ‪ ،‬عائشة عبد الرمحن‪ .‬التفسري البياين للقرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪( ،٧‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.18٦‬‬
‫(‪ )٤‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٢‬‬
‫(‪ )٥‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢1-٢0‬‬

‫‪٢٤٥‬‬
‫وا ْلف ْط َرة يف اللغة‪" :‬اخللقة التي يكون عليها كل َم ْو ُجود أول خلقه‪ ،‬والطبيعة السليمة مل‬
‫(‪(1‬‬
‫العزيز ﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [الروم‪".]٣0 :‬‬ ‫تشب ب َع ْيب‪ ،‬ويف التنْزيل ِ‬

‫فالفطرة هي الطبيعة األوىل التي خلق عليها اإلنسان‪ ،‬قبل أن يتعرض للمؤثرات‬
‫(‪(٢‬‬
‫اخلارجية‪ ،‬وهي اجلبلة والطبيعة واخلليقة‪ ،‬وأكثر ما يستعمل ذلك فيام ال يمكن تغيريه‪.‬‬
‫الف ْط َر ِة‪َ ،‬ف َأ َب َوا ُه ُ َهي ِّو َدانِ ِه َأ ْو‬
‫ود إِ َّال يو َلدُ َع َىل ِ‬
‫ُ‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪" :‬ما ِمن مو ُل ٍ‬
‫َ ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ين ِ ِ‬
‫يها م ْن َجدْ َعا َء"‪ ،‬ثم يقول‬ ‫مج َعا َء‪َ ،‬ه ْل ُحت ُّس َ‬
‫ون ف َ‬ ‫يم ًة َ ْ‬ ‫َرصانه‪َ ،‬أ ْو ُي َم ِّج َسانه‪ ،‬ك ََام ُتنْت َُج ال َب ِه َ‬
‫يم ُة َهبِ َ‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫(‪(٣‬‬
‫أبو هريرة ‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [الروم‪ ]٣0 :‬اآل َي َة‪.‬‬

‫فإن احلرص عىل سالمتها‪ ،‬وطهارهتا‪ ،‬من شأنه التقليل من االختالف اإلنساين‪ ،‬لذلك‬
‫يكتسب أصل تزكية النفس اإلنسانية‪ ،‬قوته وأولويته يف تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬يقول‬
‫امليداين‪" :‬وأساس الفطرة اإلنسانية أكثر مي ً‬
‫ال إىل احلق واخلري والفضيلة"‪ (٤(،‬ويقول زيدان‪:‬‬
‫"فإذا بقيت الفطرة سليمة أدرك البرش احلق‪ ،‬وزالت عنهم أسباب االختالف املقيت‪ ،‬ألن اهلل‬
‫تعاىل فطرهم عىل معرفته‪ ،‬وعىل إدراك احلق‪ ،‬ولكن هذه الفطرة يمكن أن تلوث وتنحرف‪،‬‬
‫(‪(٥‬‬
‫فال ترى احلق فيقع أصحاهبا يف االختالف املقيت‪".‬‬

‫(‪" )1‬والفطرة السليمة يف اصطالح الفالسفة‪ :‬استعداد إلصابة احلكم والتمييز بني احلق والباطل‪ ،‬والفطرية‪ :‬القول بأن‬
‫األفكار واملبادئ جبلية وموجودة يف النفس قبل التجربة والتلقني‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬النجار‪ ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦9٤‬‬
‫(‪ )٢‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪( :‬فطر)‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪ .٥8-٥٦‬وانظر االختالف يف معنى الفطرة واملراد هبا يف‪:‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر الدمشقي‪ .‬شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر واحلكمة والتعليل‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد بدر الدين احللبي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪1٣98( ،‬هـ‪19٧8/‬م)‪ ،‬ص‪.٢8٣‬‬
‫العقل يف االعتقادِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بكر‪" :‬األخذ بام يرشدُ إليه‬ ‫والقايض أيب ٍ‬‫ِ‬ ‫وأصل الفطرة كام يروي رشيد رضا عن أيب مسل ٍم‬
‫ِ‬
‫ض يف اآليات الدالة عىل وجود الصانع ووجوب شكره‪ ،‬ثم كانوا‬ ‫املح ِ‬ ‫هيتدون بعقوهلم والن ِ‬
‫َّظر ْ‬ ‫َ‬ ‫والعمل‪ ،‬فكان الناس‬
‫واملضار‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الصحيح بالنظر يف املناف ِع‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫القبيح‪ ،‬والباطل من‬ ‫َ‬
‫يميزون احلس َن من‬
‫‪ -‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٢٢‬‬
‫صىل ِ‬
‫عليه‪ْ ،‬‬ ‫هل ُي َّ‬‫امت‪ْ ،‬‬
‫الصبي َف َ‬
‫وهل‬ ‫ُّ‬ ‫لم‬
‫أس َ‬ ‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلنائز‪ ،‬باب‪ :‬إذا ْ‬
‫عرض عىل الصبِ ِّي اإلسال ُم‪ ،‬ج‪ ،٢‬حديث رقم (‪ ،)1٣٥8‬ص‪.9٤‬‬ ‫ُي ُ‬
‫(‪ )٤‬امليداين‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٥٤‬‬
‫(‪ )٥‬زيدان‪ ،‬اخلالف يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢‬‬

‫‪٢٤٦‬‬
‫وهذه الفطرة الطاهرة النقية التي فطر اهلل عليها اإلنسان‪ ،‬هتيئه ملعرفة احلقائق‪ ،‬إذا خلت‬
‫من العوارض "والذي يعتمد عليه يف تفسري هذه اللفظة أهنا اخللقة واهليئة يف نفس الطفل‬
‫التي هي معدة مهيأة ألن يميز هبا مصنوعات اهلل تعاىل ويستدل هبا عىل ربه ويعرف رشائعه‬
‫ويؤمن به‪ ،‬فكأنه قال‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ﴾ الذي هو احلنيف وهو ﴿ﯙ ﯚ﴾ الذي عىل‬
‫اإلعداد له فطر البرش لكن تعرضهم العوارض‪ (1("...‬ويقول الغزايل‪" :‬أي كل آدمي فطر عىل‬
‫اإليامن باهلل عز وجل بل عىل معرفة األشياء عىل ما هي عليه‪ ،‬أعني أهنا كاملضمنة فيها لقرب‬
‫(‪(٢‬‬
‫استعدادها لإلدراك‪"...‬‬

‫فسالمة الفطرة بتزكية النفوس‪ ،‬تساعد عىل إصابة احلق‪ ،‬يقول ابن عاشور‪" :‬الفطرة‬
‫اإلنسانية؛ أي االنفعاالت احلاصلة لنفوس البرش يف حالة سالمة النفوس من اكتساب التعاليم‬
‫الباطلة والعوائد السيئة‪ ،‬وهي أساس النظم التي أقيمت عليها احلضارة األوىل يف البرش من‬
‫توخي الصالح ودرء الفساد وإصابة احلق‪ ،‬سواء كان حصوهلا باإلهلام املودع يف اخللقة املشار‬
‫إليه يف القرآن يف قصة ابني آدم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [املائدة‪﴿ ]٣1 :‬ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [املائدة‪ ]٣1 :‬أم كان حصوهلا بواسطة تلقني‬
‫(‪(٣‬‬
‫الوحي اإلهلي‪".‬‬

‫إن نوازع النفس وميوالهتا الفاسدة من "باطن اإلثم" الذي أمرنا باتقائه يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [األنعام‪ ،]1٢0 :‬فـ"النفس تغشاها ظلامت فال ترى احلقائق كام‬
‫هي"‪ (٤(،‬إن أمراض النفس جتعل العامل يغر بعلمه‪ ،‬يتوهم أنه عىل حق‪ ،‬وخمالفه عىل باطل‪،‬‬
‫"وإذا ما كان ثمة غرور وأنانية يف النفس يتوهم املرء نفسه حمق ًا وخمالفيه عىل باطل‪ ،‬فيقع‬
‫االختالف واملنافسة بدل االتفاق واملحبة"‪ (٥(،‬وهذه هي حقيقة النفس البرشية‪ ،‬تنزع نحو‬

‫(‪ )1‬ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٣٦‬‬
‫(‪ )٢‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10٣‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19-18‬‬
‫(‪ )٤‬حوى‪ ،‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢8‬‬
‫(‪ )٥‬النوريس‪ ،‬كليات رسائل النور (‪ )3‬اللمعات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٢8‬‬

‫‪٢٤٧‬‬
‫الغضب والعداوة والبغضاء والرش واحلرص؛ هلذا أمر القرآن الكريم بتزكيتها وتطهريها‪ ،‬فإن‬
‫اإلنسانية حتتاج إىل أصل تزكية النفس‪ ،‬لتتقي اآلفات التي تتلبس بالنفس‪ ،‬وتؤثر عىل العقل‪.‬‬

‫والواقع الكوين يقدم مقتىض الصنعة اإلنسانية عىل مقتىض الفطرة اآلدمية؛ "إذ اإلنسان‬
‫بغري فطرة كاجلسم بغري روح‪ ،‬فتكون اآللة أسلم منه؛ ألن الرضر ال يأيت من فعلها‪ ،‬وإنام من‬
‫(‪(1‬‬
‫فعل اإلنسان هبا؛ إذ هو باق عىل إرادته ولو عدم فطرته‪ ،‬واآللة أص ً‬
‫ال ال إرادة هلا‪".‬‬

‫وتزكية النفس حتمي الفطرة من االنحراف عن احلق والصواب؛ ألن انحراف الفطرة‬
‫يؤدي إىل تعطيل احلواس عن مهمتها‪ ،‬وهي تزويد العقل بالعلوم واملعارف‪ ،‬وقد قال تعاىل‬
‫حكاية عن حال الذين انحرفت فطرهم فلم تغن عنهم حواسهم‪ ﴿ (٢( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [األحقاف‪ ،]٢٦ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [األعراف‪.]1٧9 :‬‬

‫ج‪ -‬التوبة باب متجدد لتزكية النفس‪:‬‬


‫لعلمه سبحانه بضعف الوازع النفيس يف اخللق‪ ،‬وكثرة النزوع نحو الفساد واإلفساد يف‬
‫األرض‪ ،‬والنزاع واهلرج واحلروب ‪-‬فيكثر بذلك اختالفهم لضعف الوازع النفيس فيهم‪،-‬‬
‫جعل اهلل تعاىل للخلق باب ًا فتحه يف وجه أمة اإلسالم‪ ،‬مل يكن لغريهم من األمم السابقة‪ ،‬ودعا‬
‫املجتمع البرشي إىل دخوله‪ ،‬وهو باب التوبة‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [الزمر‪ ]٥٣ :‬وعن معاوية ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ‪" :‬ال تنقطع اهلجر ُة حتى‬
‫(‪(٣‬‬ ‫الشمس من َم ِ‬
‫غرهبا‪".‬‬ ‫ُ‬ ‫تطلع‬
‫َ‬ ‫تنقطع التوب ُة حتى‬
‫ُ‬ ‫تنقطع التوب ُة‪ ،‬وال‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٧‬‬
‫(‪ )٢‬قال ابن تيمية يف شأن الفالسفة الكبار‪" :‬أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء‪ ،‬وأعطوا فهوم ًا وما أعطوا علوم ًا‪ ،‬وأعطوا سمع ًا‬
‫وأبصار ًا وأفئدة ﴿ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ﴾ [األحقاف‪ ".]٢٦ :‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.119‬‬
‫انقطعت؟‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪،)٢٤٧9‬‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫اهلجرة هل‬ ‫(‪ )٣‬أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلهاد‪ ،‬باب‪ :‬يف‬
‫ص‪.1٣٦‬‬

‫‪٢٤8‬‬
‫فالتوبة باب لتزكية النفس‪ ،‬متجدد بتجدد األخطاء واآلثام‪ ،‬فهو باب يضيق االختالف‪،‬‬
‫ويقلل منه بقدر عدد التائبني املنيبني إىل اهلل تعاىل ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾‬
‫[التحريم‪ ،]8 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾ [النور‪،]٣1 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ﴾ [احلجرات‪ (1(]11 :‬يقول ابن القيم‪" :‬قسم العباد إىل‬
‫تائب وظامل‪ ،‬وما ثم قسم ثالث ألبتة‪ ،‬وأوقع اسم الظامل عىل من مل يتب‪ ،‬وال أظلم من ُه‪ ،‬جلهله‬
‫(‪(٢‬‬ ‫ِ‬
‫أعامله‪"...‬‬ ‫بربه وبحقه‪ ،‬وبعيب نفسه وآفات‬

‫يقول سعيد حوى‪" :‬ومن وسائل التزكية التوبة؛ ألهنا هي التي تصحح مسار النفس‬
‫كلام انحرفت‪ ،‬وهي التي ترد النفس إىل نقاط االنطالق الصحيحة‪ ،‬وهي التي حتول بني‬
‫النفس واستمرارها يف اخلطأ‪ ،‬لذلك يتكرم اهلل عىل أصحاهبا‪ ،‬بأن جيعل سيئاهتم حسنات‪:‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫﴿ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ﴾ [الفرقان‪".]٧0 :‬‬

‫ويوضح ابن القيم أمهية التوبة بكوهنا وسيلة عملية يف تزكية النفس اإلنسانية بقوله‪:‬‬
‫»منزل التوبة أول املنازل‪ ،‬وأوسطها‪ ،‬وآخرها‪ ،‬فال يفارقه العبد السالك‪ ،‬وال يزال فيه إىل‬
‫ِ‬
‫املامت‪ ...،‬فالتوبة هي بداية العبد وهنايته‪ ،‬وحاجته إليها يف النهاية رضورية‪ ،‬كام أن حاجته‬
‫(‪(٤‬‬
‫إليها يف البداية كذلك‪".‬‬

‫فتزكية النفس وتطهريها‪ ،‬والسمو هبا عىل وفق ما رشعه اهلل تعاىل من عبادات‪ ،‬يطهر‬
‫الفطرة اإلنسانية‪ ،‬وجيعلها أقرب إىل احلق والصواب‪ ،‬وأبعد عن االختالف والنزاع‪ ،‬إذا‬
‫مل تتدخل العوارض املدنسة احلاجبة هلا عن حقائق األشياء‪ ،‬املثرية للنزاعات والرصاعات‬
‫اإلنسانية‪ .‬وهذا املنهج القرآين يف تزكية النفس –والذي بسطنا بعض جوانبه‪ -‬مل يأت به‬
‫قانون‪ ،‬ومل تفرضه سلطة عىل مر التاريخ اإلنساين‪ ،‬لكن أتى به اخلطاب القرآين فأثر يف‬

‫(‪ )1‬زين‪ ،‬سفري حممد‪" .‬آيات التوبة يف القرآن الكريم‪ :‬دراسة موضوعية‪( "،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة املدينة العاملية‪ ،‬كلية‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬ماليزيا‪1٤٣٣ ،‬ه‪٢01٢/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٢‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19٦‬‬
‫(‪ )٣‬حوى‪ ،‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣1‬‬
‫(‪ )٤‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19٦‬‬

‫‪٢٤9‬‬
‫وغري مسار التاريخ‪ ،‬ونظم العالقات اإلنسانية‪ ،‬بتطهري النفس وتزكيتها‪ ،‬فق ّلت‬
‫النفوس‪ّ ،‬‬
‫النزاعات واالختالفات يف املجتمع اإلنساين‪.‬‬

‫وقد كان للترشيع القرآين أثر كبري عىل النفوس اإلنسانية‪ ،‬فالنفوس التي استجابت‬
‫لنداء القرآن الكريم تغريت لدهيا املفاهيم والقيم‪ ،‬حول اإلله واإلنسان والكون‪ ،‬فانتقلت‬
‫من عبادة األشياء إىل عبادة رب األشياء‪ ،‬ومن الغزو والسلب واحلرب إىل السلم والصلح‪،‬‬
‫ومن سيطرة العصبية للقبيلة وللعائلة إىل سيادة القانون والعدل‪ ،‬ومن نظام الطبقات‬
‫واحتقار وتعايل بعضها عىل بعض إىل نظام املساواة‪ .‬واإلنسان الذي كان حيتكم إىل نزواته‬
‫وشهواته وميوالته النفسية‪ ،‬أصبح حيتكم إىل الرشع‪ ،‬بالصر عىل اخللق‪ ،‬واالحتساب‪،‬‬
‫وابتغاء األجر والثواب‪ ،‬وكان قبل اإلسالم يسارع إىل محل السالح‪ ،‬اعت ُِد َي عليه أم مل ُي ْعتَدَ‬
‫عليه‪ ،‬أصبح بعد اإلسالم الذي زكّى نفسه‪ ،‬وطهرها من كل األحقاد والضغائن‪ ،‬يصر عىل‬
‫اعتداء املخالف حتى يأتيه اإلذن بالقتال‪ ،‬وكان قبل اإلسالم يسارع إىل الثأر لنفسه أو لعائلته‬
‫أو لقبيلته فأصبح بعد اإلسالم يلتزم بأحكام الرشع يف احلدود والقصاص‪.‬‬

‫فهذه الصفات الكريمة واألخالق احلميدة‪ ،‬ال يتصف هبا إال من سمت نفسه‪ ،‬وال‬
‫يرقى إليها إال من بلغ درجة من الكامل يف تزكية النفس‪ ،‬وبذلك كانت رشيعة القرآن رشيعة‬
‫الكامل األخالقي اإلنساين ف "الرشيعة كلها إنام هي ختلق بمكارم األخالق‪ ،‬وهلذا قال عليه‬
‫السالم‪ " :‬إنما ُب ِع ْث ُت ِألُ َمت ِّ َم َمك ِ‬
‫َار َم ْاألَ ْخ َال ِق"‪ (1("،‬ويقول جوستاف لوبون‪" :‬اإلسالم من‬
‫أكثر الديانات مالءمة الكتشافات العلم‪ ،‬ومن أعظمها هتذيب ًا للنفوس‪ ،‬ومح ً‬
‫ال عىل العدل‬
‫فقد اعتنى اخلطاب القرآين بتزكية النفس اإلنسانية من كل‬ ‫(‪(٢‬‬
‫واإلحسان والتسامح‪،"...‬‬
‫جوانبها‪ ،‬من أجل تنظيم العالقة باملخالف‪ ،‬فام "اشتمل عليه القرآن من أحكام تتعلق بتنظيم‬
‫املجتمع‪ ،‬وإقامة العالقات بني آحاده عىل دعائم من املودة والرمحة والعدالة‪ ،‬مل يسبق به‬
‫يف رشيعة من الرشائع األرضية‪ ،‬وإذا وازنّا ما جاء يف القرآن بام جاءت به قوانني اليونان‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥9‬‬


‫(‪ )٢‬لوبون‪ ،‬جوستاف‪ .‬حضارة العرب‪ ،‬ترمجة‪ :‬عادل زعير‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪٢01٣ ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.1٣٢‬‬

‫‪٢٥0‬‬
‫والرومان‪ ،‬وما قام به اإلصالحيون للقوانني والنظم‪ ،‬بام جاء يف القرآن‪ ،‬وجدنا أن املوازنة‬
‫(‪(1‬‬
‫فيها خروج عن التقدير املنطقي لألمور‪"...‬‬
‫فقد اعتنى اخلطاب القرآين بتزكية النفس‪ ،‬وتطهريها من كل الرشور واآلثام‪ ،‬للحفاظ‬
‫(‪(٢‬‬
‫عىل طهارة الفطرة ونقائها‪ ،‬وإذا تزكت النفس‪ ،‬كانت صاحلة لتقبل كل القيم السامية‪،‬‬
‫والتنزه عن كل القيم اهلابطة‪ ،‬فيستقيم بذلك السلوك اإلنساين‪ ،‬وتتهيأ األجواء املناسبة‬
‫لوضوح احلقائق‪ ،‬التي تؤثر يف ضمورها األهواء والشهوات واألوهام‪ ،‬وبذلك يتحقق‬
‫التقارب اإلنساين باالجتامع واالئتالف‪ ،‬ألن تزكية النفس تقي من مزالق العقل وآفاته‪ ،‬التي‬
‫تؤثر يف إدراك احلقائق السليمة‪.‬‬
‫وأصل تزكية النفس اإلنسانية حيقق مقاصد كرى للمجتمع اإلنساين‪ ،‬تساهم بشكل‬
‫كبري يف تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬تطهري اإلنسان وإصالحه‪ ،‬وذلك باجتناب كل املدنسات‪ ،‬واالمتثال لكل الطاعات‬
‫واألعامل الصاحلة‪.‬‬

‫‪ -‬احلفاظ عىل طهارة الفطرة التي خلق اهلل تعاىل عليها البرشية‪ ،‬وهي مشرك إنساين‪،‬‬
‫ألن تدنيسها حيجب احلقائق‪ ،‬ويثري االختالف‪.‬‬

‫‪ -‬فتح باب األخوة اإلنسانية‪ ،‬وذلك بمعاجلة أمراض العصبية والعنرصية لألفكار‬
‫واملدارس والقوميات واألجناس‪ ،‬التي ابتليت هبا البرشية يف العرص احلارض‪.‬‬

‫(‪ )1‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٤٥٥‬‬
‫(‪ )٢‬هذه القيم التي جيب أن يتطلع إليها اإلنسان‪ ،‬ويكون مشدود ًا إليها‪ ،‬وال خيضع إىل أحكام الواقع وحدها‪ ،‬يقول طه‬
‫عبد الرمحن‪" :‬إن اإلنسان ال يركن إىل ما هو كائن وما هو واقع‪ ،‬بل يسعى دوم ًا إىل أن يكون موجه ًا بقيم معينة متيل‬
‫معان تعلو هبمته للخروج من حالة احلارض وابتغاء أحوال‬ ‫ٍ‬ ‫عليه ما جيب أن يكون‪ ،‬وما جيب أن يقع‪ ،‬ومشدود ًا إىل‬
‫أخرى غريها‪ ،‬والشاهد عىل ذلك كونه ال يفتأ يطلب الكامل يف كل أفعاله‪ ،‬فال يصل إىل رتبة حتى يطلب مرتبة‬
‫فوقها‪ ،‬وال يزال آخذ ًا يف هذا التدرج من كامل إىل أكمل منه‪ ،‬فاألكمل‪ ،‬ولوال هذا التعلق بام ينبغي أن يكون‪ ،‬وما‬
‫ينبغي أن يقع‪ ،‬ملا خرج اإلنسان إىل طلب هذا الكامل واستفراغ اجلهد يف حتصيله‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬سؤال األخالق مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٢‬‬

‫‪٢٥1‬‬
‫‪ -‬إشاعة معاين الصفح‪ ،‬والعفو‪ ،‬والتسامح‪ ،‬وعدم رد اإلساءة بمثلها‪ ،‬واإليثار‪،‬‬
‫وإمساك اللسان عن األعراض‪.‬‬

‫وغريها من املعاين واملبادئ األخالقية‪ ،‬التي تسود املجتمع اإلنساين‪ ،‬وحتد من‬
‫اختالفاته‪ ،‬إذا حتقق أصل تزكية النفس‪.‬‬

‫‪ -2‬أصل السالمة العقلية‪:‬‬

‫حترير العقل وسالمته مما يعوق تفكريه‪ (1(،‬من أصول تدبري االختالف اإلنساين املنهجية؛‬
‫ألن العقل املكبل بمامرسات اجتامعية خاطئة‪ ،‬تنبني عىل اخلرافة والشعوذة‪ ،‬والعقل الذي‬
‫يسلك طريق االعوجاج يف االستدالل عىل احلقائق‪ ،‬والعقل الذي ال ينظر ويفكر يف الظواهر‬
‫الكونية التي حوله‪ ،‬والوقائع املحسوسة (الكتاب املنظور)‪ ،‬وال يتدبر ويتفكر يف الوحي‬
‫املنزل من السامء (الكتاب املسطور)‪ ،‬والعقل الذي ال يتمتع باحلرية يف االعتقاد والتعبري‬
‫(‪(٢‬‬
‫والنقد واالعراض‪ ،‬ال تنفع معه جمادلة‪ ،‬وال ينفع معه حوار‪ ،‬وال دليل‪ ،‬وال برهان‪.‬‬

‫(‪ )1‬يرى حممد قطب أن اإلسالم يضع خطوات منهجية »للربية العقلية» وهي‪ :‬حتديد جمال النظر العقيل‪ ،‬ثم تدريب‬
‫تعرف احلقيقة‪ ،‬ويتخذ يف ذلك وسيلتني‪ :‬األوىل‪ :‬وضع املنهج الصحيح‬
‫الطاقة العقلية عىل طريقة االستدالل يف ّ‬
‫للنظر العقيل‪ ،‬الثانية‪ :‬تدبر نواميس الكون‪ .‬انظر‪:‬‬
‫قطب‪ ،‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٧‬‬ ‫‪-‬‬
‫قلجة‪ ،‬ميساء كامل‪" .‬البناء العقيل يف ضوء القرآن الكريم‪ :‬دراسة موضوعية‪( "،‬رسالة ماجستري‪ ،‬اجلامعة‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬غزة‪1٤٣0 ،‬هـ‪٢009/‬م)‪ .‬وانظر ما كتبه القرضاوي يف "الفصل اخلامس‪:‬‬
‫تكوين العقلية العلمية يف القرآن‪ ".‬يف‪:‬‬
‫القرضاوي‪ ،‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢8٢-٢٤٧‬‬ ‫‪-‬‬
‫وانظر دراسة‪:‬‬
‫احلدري‪ ،‬خليل بن عبد اهلل بن عبد الرمحن‪» .‬منهجية التفكري العلمي يف القرآن الكريم‪ ،‬وتطبيقاهتا الربوية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫يف املؤسسات اجلامعية املعارصة‪ ،‬تصور مقرح‪( »،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية الربية‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫مكة املكرمة‪1٤٣٢ ،‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )٢‬يرى البريوين أن "العوارض املردية ألكثر اخللق‪ ،‬واألسباب املعمية لصاحبها عن احلق وهي‪ -1 :‬العادة املألوفة‪،‬‬
‫‪ -٢‬التعصب والتظافر‪ -٣ ،‬اتباع اهلوى‪ -٤ ،‬التغالب والرئاسة‪ ،‬وأشباه ذلك‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬البريوين‪ ،‬أبو الرحيان حممد بن أمحد‪ .‬اآلثار الباقية عن القرون اخلالية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢8‬ه‪٢008/‬م)‪ ،‬ص ‪.٥-٤‬‬

‫‪٢٥٢‬‬
‫لذلك جاء القرآن الكريم بثالثة معامل كرى ألصل السالمة العقلية‪ ،‬وتكوين العقلية‬
‫العلمية‪ ،‬القادرة عىل احلوار واجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬وفهم احلجة والرهان‪:‬‬
‫أ‪ -‬إبطال املامرسات االجتامعية اجلاهلية‪:‬‬
‫ولكي يفسح القرآن الكريم الباب واسع ًا أمام العقل‪ ،‬وحتريره من كل ما يعوق‬
‫تفكريه‪ ،‬ارتفع القرآن الكريم بالعقل اإلنساين عن كل ما يعطل قدراته‪ ،‬تشجيع ًا له عىل‬
‫التفكري واإلنتاج واإلبداع لألفكار‪ ،‬فأبطل كثري ًا من املامرسات االجتامعية التي كانت سائدة‬
‫يف اجلاهلية‪ ،‬وكانت تكبل عقل اإلنسان‪ ،‬وتعطل وظيفته يف االفراض‪ ،‬والتفكري‪ ،‬والتحليل‪،‬‬
‫واالستنتاج‪ ،‬ذلك أن "العقيدة اإلسالمية عقيدة الوضوح واالستقامة والنصاعة‪ .‬فال يقوم‬
‫(‪(1‬‬
‫يشء فيها عىل الظن أو الوهم أو الشبهة‪"...‬‬
‫إن هذه املامرسات هتدف إىل فرض سلطة واحدة عىل املجتمع اإلنساين‪ ،‬أساسها‬
‫تعطيل العقل‪ ،‬ورفض االجتهاد والتجديد‪ ،‬والنتيجة رفض االختالف‪ ،‬الذي هو عامل ثراء‬
‫ونامء للمجتمعات‪ ،‬وانتشار واتساع دائرة النزاع والرصاع اإلنساين‪.‬‬
‫فألجل حترير العقل اإلنساين‪ ،‬وإفساح املجال له لالجتهاد العقيل السليم‪ ،‬املفيض‬
‫رضورة للحقائق اليقينية‪ ،‬أبطل اخلطاب القرآين ممارسات وأفعاالً خاطئة‪ ،‬تكبل العقل‬
‫اإلنساين‪ ،‬وحتجب عنه احلقيقة‪ ،‬نذكر منها‪ :‬إبطال اختاذ األنداد والطواغيت اعتامد ًا عىل‬
‫اخلرافة واألوهام‪ ،‬وإبطال السحر املعتمد عىل التخيالت الباطلة املجانبة للحقيقة‪ ،‬وإبطال‬
‫الطرية والكهنة‪ ،‬وحتريم اخلمر‪ ،‬وغريه من املسكرات واملخدرات‪ ،‬واملحرمات املرضة بكيل‬
‫العقل‪ ،‬وقد شدد اخلطاب القرآين يف رفض هذه العوائق واآلفات العقلية‪:‬‬

‫‪ -‬إبطال اختاذ األنداد والطواغيت‪:‬‬

‫يقول اهلل تعاىل يف إبطال عبادة الطواغيت‪ ،‬واختاذ األنداد(‪ (٢‬من دون اهلل‪ ،‬اعتامد ًا عىل‬
‫األوهام والتخيالت الباطلة من غري تعقل وال تفكر‪ ﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.٢٢٢٧‬‬


‫العدْ ُل واملِثل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫(‪" )٢‬قال أبو جعفر‪ :‬واألنداد مجع نِدّ ‪ ،‬والنِّدّ ‪ِ :‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٣٦8‬يف سياق تفسري اآلية ‪ ٢٢‬من سورة البقرة‪.‬‬

‫‪٢٥٣‬‬
‫[البقرة‪ (1(]٢٢ :‬ويقول صاحب "إرشاد العقل السليم"‪" :‬فتهكم هبم وشنع عليهم‪ ،‬أن جعلوا‬
‫أنداد ًا ملن يستحيل أن يكون له ند واحد"‪ (٢(،‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯟ ﯠ﴾ فيه "دليل عىل‬
‫(‪(٣‬‬
‫األمر باستعامل حجج العقول‪"...‬‬

‫ويذكر اخلطاب القرآين بعض أسامء آهلتهم التي كانوا يعبدوهنا من دون اهلل من غري‬
‫تعقل‪ ،‬فيقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [النجم‪ ،]٢0-19 :‬ويقول‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [نوح‪ ،]٢٣ :‬فهذه هي‬
‫املسميات التي كانوا يعبدوهنا‪ ،‬ويعتقدون فيها ما خيالف حقيقتها‪ ،‬لسيطرة اخلرافة والتقليد‬
‫واألهواء عىل عقوهلم‪ ،‬فأبطل اخلطاب القرآين عبادة كل هذه الطواغيت واألنداد‪ ،‬وهناهم‬
‫عن كل الطقوس والشعائر واخلرافات التي كانوا يعتقدوهنا فيهم‪ ،‬ودعاهم إىل استعامل‬
‫عقوهلم وحتريرها مما حيجب عنها نور احلق واليقني‪.‬‬

‫‪ -‬إبطال السحر‪:‬‬

‫يقول تعاىل يف إبطال السحر املعتمد عىل التمويه واخلداع وجمانبة احلقيقة واليقني‪:‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [البقرة‪.]10٢ :‬‬

‫واآلية تصف اليهود الذين يتبعون ما تتلوه السحرة من كتب السحر يف عهد سليامن‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن حكمه كان يقوم عىل السحر‪ ،‬ففند احلق سبحانه دعواهم‪ ،‬وبرأ ساحة سيدنا‬
‫سليامن‪ ،‬وكفر السحرة الذين يعلمون الناس السحر‪ ،‬والسحر يف عرف الرشع‪ :‬هو كل ما‬

‫(‪ )1‬ويقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [البقرة‪ ،]1٦٥ :‬وقال‬


‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [إبراهيم‪ ،]٣0 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [الزمر‪.]8 :‬‬

‫(‪ )٢‬أبو السعود‪ ،‬إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.109‬‬
‫(‪ )٣‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٣1‬‬

‫‪٢٥٤‬‬
‫خفي سببه‪ ،‬وختيل عىل غري حقيقته‪ ،‬ويعتمد عىل التمويه واخلداع‪ ،‬ومتى أطلق يف القرآن من‬
‫(‪(1‬‬
‫غري تقييد أفاد ذم فاعله‪.‬‬

‫وذكر احلق سبحانه أن السحر من أسباب التفريق بني الزوجني؛ ملا فيه من متويه‬
‫وحيل‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ ‪ ،‬كام أن يف تعليمه‬
‫رضر ًا هلم‪ ،‬وال نفع وال مصلحة فيه‪ ،‬ألن قصد تعليمه هو‪ :‬إيقاع الرش بالناس‪﴿ ،‬ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ﴾‪.(٢(...‬‬

‫وخلطورة السحر عىل السالمة العقلية‪ ،‬ذم اخلطاب القرآين فعل اليهود فقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾‪ .‬يقول أبو السعود‪ ﴿" :‬ﮠ ﮡ‬
‫ﲒ﴾؛ أي يعملون بعلمهم‪ُ ،‬ج ِعلوا غري عاملني لعدم عملهم بموجب علمهم‪ ،‬أو لو‬
‫(‪(٣‬‬
‫كانوا يتفكرون فيه‪ ،‬أو يعلمون قبحه عىل اليقني‪ ،‬أو حقيقة ما يتبعه من العذاب‪"...‬‬

‫‪ -‬إبطال الطرية‪:‬‬

‫وقال تعاىل يف إبطال الطرية‪         ﴿ :‬‬


‫‪[ ﴾  ‬يس‪ ]18 :‬فهذا قول املكذبني الضالني لرسل اهلل تعاىل‪ ،‬قالو‪ :‬إنا تشاءمنا‬
‫منكم‪ ،‬ونتوقع الرش من دعوتكم هذه‪ ،‬مع أن دعوة الرسل جمرد تبليغ من غري فرض وال‬
‫إكراه‪ ،‬لذلك رد عليهم الرسل بأن القول بالتشاؤم خرافة من خرافات اجلاهلية‪ ،‬وأن حظ‬
‫اإلنسان ونصيبه من اخلري أو الرش هو معه‪ ،‬ال يأتيه من خارج نفسه‪ ،‬فهو حيمل طائره‬
‫معه ﴿ﮑ ﮒ ﮓﮔ﴾[يس‪ ]19 :‬فهذه هي احلقيقة التي جيب أن تتجه نحوها العقول‬
‫السليمة‪ ،‬أما التشاؤم بالوجوه أو التشاؤم باألمكنة‪ ،‬أو بغريها‪ ،‬فهو خرافة ال تناسب العقل‬
‫(‪(٤‬‬
‫السليم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢٢٢-٢19‬‬


‫(‪ )٢‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.90-89‬‬
‫(‪ (٣‬أبو السعود‪ ،‬إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٣0‬‬
‫(‪ )٤‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢9٦٢‬‬

‫‪٢٥٥‬‬
‫‪ -‬إبطال الكهنة‪:‬‬

‫وقال تعاىل يف إبطال الكهنة(‪ ﴿ :(1‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾‬


‫الس َل ِم ِّي‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل أمور ًا كنا‬ ‫ِ‬
‫احلكم ُّ‬ ‫َ‬
‫معاوية بن‬ ‫[الطور‪ ]٢9 :‬وعن‬
‫ان"‪ (٢(،‬يقول عياض عن‬ ‫الكهان‪ ،‬قال‪َ " :‬ف َال ت َْأتُوا ا ْلك َُّه َ‬
‫َّ‬ ‫نصنعها يف اجلاهلية‪ ،‬كنا نأيت‬
‫الكهانة‪" :‬كانت اجلاهلية تعتقدها‪ ،‬وتدين هبا‪ ،‬وجيدون تأثريها مما يقع يف أوهامهم‬
‫وتصادف قدر اهلل وما أمر الكهان"‪ (٣(،‬وقال ﷺ يف العراف وهو نوع من أنواع‬
‫الكهان‪" :‬من َأتَى عراف ًا َفس َأ َله عن َ ٍ‬
‫َ َ ً (‪(٤‬‬
‫يشء‪َ ،‬مل ْ ت ُْق َب ْل َل ُه َص َال ٌة َأ ْر َب ِع َ‬
‫ني ل ْيلة‪".‬‬ ‫َ ُ َ ْ ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫‪ -‬حتريم رشب اخلمر‪:‬‬

‫حرم رشب اخلمر‪ ،‬وكل‬


‫ويف سياق حرص القرآن الكريم عىل السالمة العقلية ّ‬
‫املسكرات التي تغطي العقل‪ ،‬وتشل قدرته عىل التفكري السليم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [املائدة‪ ]90 :‬يقول ابن‬
‫(‪(٥‬‬
‫العريب يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ﴾‪" :‬وهو النّجس‪ ،‬فاحلكم بنجاستها يوجب التحريم‪".‬‬

‫وقد عدّ علامء املقاصد حفظ العقل ‪-‬بناء عىل االستقراء‪ ،-‬أحد الكليات اخلمس‪ ،‬التي‬
‫دعا الرشع إىل حفظها من جانبي الوجود والعدم‪ ،‬حرص ًا عىل سالمته "واحلفظ هلا يكون‬
‫بأمرين‪ :‬أحدمها‪ :‬ما يقيم أركاهنا ويثبت قواعدها‪ ،‬وذلك عبارة عن مراعاهتا من جانب‬

‫(‪ )1‬انظر‪" :‬الفصل الثامن والعرشون يف علوم السحر والطلسامت"‪ .‬فيه الكالم عىل السحر‪ ،..‬والكهنة‪ ..‬والفرق بينها‬
‫وبني النبوة‪.‬‬
‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٧٣‬‬
‫ِ‬ ‫الس َالمِ‪ ،‬باب‪ :‬حتريم‬
‫الكهان‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم‬ ‫َّ‬ ‫الكهانة وإتيان‬
‫َ‬ ‫(‪ )٢‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪َّ :‬‬
‫(‪ ،)٢٢٣0‬ص‪.1٧٥1‬‬
‫ِ‬
‫بفوائد مسلم‪ ،‬حتقيق‪:‬‬ ‫(‪ )٣‬القايض عياض‪ ،‬أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي‪ .‬إكامل املعلم‬
‫حييى إسامعيل‪ ،‬املنصورة‪ :‬دار الوفاء للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤19( ،1‬ه‪1998 /‬م)‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.1٥٢‬‬
‫(‪ )٤‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬السالم‪ ،‬باب‪ :‬حتريم الكهانة وإتيان الكهان‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم‬
‫(‪ ،)٢٢٢8‬ص ‪.1٧٤8‬‬
‫(‪ )٥‬ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٦٥-1٦٤‬‬

‫‪٢٥٦‬‬
‫الوجود‪ .‬والثاين‪ :‬ما يدرأ عنها االختالل الواقع أو املتوقع فيها‪ ،‬وذلك عبارة عن مراعاهتا‬
‫(‪(1‬‬
‫من جانب العدم‪".‬‬

‫فاخلطاب القرآين وجه اإلنسان إىل ترك كل ما يعطل العقل‪ ،‬وحيول دون استعامله‬
‫االستعامل الصحيح السليم؛ ألن تعطيل هذه امللكة يفيض بالناس إىل عدم اإلبداع‪ ،‬وإنتاج‬
‫احلقائق الصحيحة والسليمة‪ ،‬فحرم اخلطاب القرآين كل هذه املامرسات اجلاهلية؛ ألهنا‬
‫آفات حتد من قدرات العقل‪ ،‬وسالمته‪ ،‬وحريته يف النظر والتفكر‪ ،‬من أجل التوصل إىل‬
‫احلقائق اليقينية‪.‬‬

‫ب‪ -‬نقد االعوجاج يف االستدالل‪:‬‬

‫‪ -‬ميل النفس إىل األهواء يف حمل العلم‪:‬‬

‫اهلوى هو‪ :‬ميل النفس إىل شهواهتا‪ ،‬خمالفة بذلك داعي الرشع‪ (٢(،‬و "اهلوى ميل الطبع‬
‫إىل ما يالئمه‪ ،‬وهذا امليل خلق يف اإلنسان لرضورة بقائه‪ (٣(."...‬ويقول زيدان‪" :‬خمالطة‬
‫اهلوى للقلب تورث اتباع ما هتواه النفس من باطل‪ ،‬وترك احلق ومعاداة أهله‪ ،‬فيقع صاحب‬
‫(‪(٤‬‬
‫اهلوى يف االختالف املذموم مع أهل احلق‪"...‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٧‬‬


‫(‪ )٢‬اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥٧‬‬
‫ويقول طه عبد الرمحن‪" :‬وهل اهلوى إال ميل النفس إىل الشهوة‪".‬‬
‫عبد الرمحن‪ ،‬سؤال األخالق مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .٢0‬انظر‪" :‬باب‬ ‫‪-‬‬
‫فضل العقل وذم اهلوى‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫املاوردي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬ابن اجلوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن عيل بن حممد‪ .‬ذم اهلوى‪ ،‬حتقيق‪ :‬خالد عبد اللطيف السبع العلمي‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪1٤18( ،1‬ه‪1998 /‬م)‪ ،‬ص‪.٣٥‬‬
‫(‪ )٤‬زيدان‪ ،‬اخلالف يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .٣0‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫العلواين‪ ،‬أدب االختالف يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .٢٦‬وانظر دراسة‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫العقال‪ ،‬عيل بن فراج بن عيل‪" .‬اخلالف وتأصيل آدابه يف الربية اإلسالمية‪( "،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة أم‬ ‫‪-‬‬
‫القرى‪ ،‬كلية الربية‪ ،‬الربية اإلسالمية واملقارنة‪ ،‬مكة املكرمة‪1٤1٥( ،‬ه‪1٤1٦/‬ه)‪ ،‬ص ‪.٣9‬‬

‫‪٢٥٧‬‬
‫وذم اهلل تعاىل يف كتابه امليل النفيس إىل اهلوى‪ (1(،‬وكذلك "عظم اهلل تعاىل ذم اتباع‬
‫اهلوى"‪ (٢(،‬فقال تعاىل يف النهي عن اتباع األهواء وميل النفس إليها‪ ﴿ (٣( :‬ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﴾ [ص‪ ،]٢٦ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ [النساء‪ ،]1٣٥ :‬وقال‬
‫تعاىل ينفي اتباع اهلوى عن رسوله‪ ﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [النجم‪ ،]٣ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫(‪(٤‬‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﴾ [النازعات‪.]٤1-٤0 :‬‬

‫ويقول ابن اجلوزي يف تأثري اهلوى عىل العقل‪" :‬وال ينبغي أن يدال اهلوى عليه فإنه‬
‫عدوه‪ ،‬فيحطه عن رتبته‪ ،‬ويستنزله عن درجته"‪ (٥(،‬ويقول يف تقرير معنى اجتناب اهلوى‬
‫يف حمل العلم(‪ (٦‬ألنه ضده‪" :‬وقد يكون اهلوى يف العلم فيخرج بصاحبه إىل ضد ما يأمر‬
‫به العلم"‪ (٧(،‬لذلك كان من مقاصد الرشيعة العامة‪" :‬إخراج املكلفني من سلطان اهلوى‬
‫(‪(8‬‬
‫والشهوة إىل سلطان الرشع والعقل‪".‬‬

‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪ ،‬ذم اهلوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣9‬‬


‫(‪ )٢‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬اهلوى)‪ ،‬ص‪.8٤9‬‬
‫(‪" )٣‬أكثر السور التي عرضت موضوع اهلوى كانت سور ًا مكية‪ ،‬خاطبت اهلوى املتمكن من قلوب املرشكني‪ ،‬وجاء‬
‫بعده يف درجة ثانية هوى أهل الكتاب‪".‬‬
‫‪ -‬اخلالدي‪ ،‬حمسن‪" .‬هوى النفس‪ :‬دراسة قرآنية موضوعية‪ "،‬جملة جامعة النجاح لألبحاث‪ ،‬املجلد‪،)٤( ٢٤ :‬‬
‫‪٢010‬م‪ ،‬ص‪.11٧٧‬‬
‫(‪( )٤‬األنعام‪( ،)1٥0 ،119 ،٥٦ :‬األعراف‪( ،)1٧٦ :‬هود‪( ،)8٧ :‬الرعد‪( ،)٣٧ :‬مريم‪( ،)٥9 :‬طه‪،)1٦ :‬‬
‫(املؤمنون‪.(٧1 :‬‬
‫(‪ )٥‬ابن اجلوزي‪ ،‬ذم اهلوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٤‬‬
‫(‪ )٦‬وكان معتمد الرسل يف حماججة أقوامهم هو العلم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ﴾ [األعراف‪﴿ .]٦٢ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [هود‪[ ،]٢8 :‬هود‪[ ،]٦٣ :‬هود‪ ﴿ ،]88 :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [مريم‪﴿ ،]٤٣ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾‬
‫[األعراف‪ ﴿ ،]٦٢ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [يوسف‪ ﴿ ،]8٦ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [يوسف‪.]9٦ :‬‬

‫(‪ )٧‬ابن اجلوزي‪ ،‬ذم اهلوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣8‬‬


‫(‪ )8‬الريسوين‪ ،‬مقاصد املقاصد‪ :‬الغايات العلمية والعملية ملقاصد الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٤‬‬

‫‪٢٥8‬‬
‫واتباع اهلوى من أكر األسباب يف رد احلق والتكر عليه‪ ،‬واإلقامة عىل الباطل‬
‫والتشبث به‪ ،‬كام قال سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [اجلاثية‪،]٢٣ :‬‬
‫فالواجب عىل اإلنسان اجتناب اهلوى والشبهات يف حمل العلم‪ ،‬فاحلقائق العلمية ال تقبل‬
‫العواطف واألهواء والشهوات‪" ،‬فالعقلية العلمية هي التي تنحي األهواء واالنفعاالت‬
‫(‪(1‬‬
‫والعواطف جانب ًا‪ ،‬وتنظر إىل األمر نظرة موضوعية حمايدة‪".‬‬

‫وأهواء الناس خمتلفة‪ ،‬وليست عىل نمط واحد‪ ،‬لذلك قال احلق سبحانه‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [املؤمنون‪ ،]٧1 :‬فاألهواء خمتلفة‪ ،‬واتباع األهواء‬
‫املختلفة يؤدي إىل اختالف العقول اإلنسانية يف احلقائق العلمية‪ ،‬فتكثر اخلالفات والنزاعات‬
‫هوى‬
‫ً‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬يقول الراغب األصفهاين‪" :‬فإنام قاله بلفظ اجلمع تنبيه ًا عىل أن لكل واحد‬
‫(‪(٢‬‬
‫غري هوى اآلخر‪ ،‬ثم هوى كل واحد ال يتناهى‪ ،‬فإذ ًا اتباع أهوائهم هناية الضالل واحلرية‪".‬‬

‫وامليل إىل اهلوى يؤدي إىل االقتتال بني املختلفني مع وضوح احلق وجالئه؛ ألن اهلوى‬
‫جيعل صاحبه أبعد عن العلم الصحيح‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [البقرة‪" ]٢٥٣ :‬فليس اقتتاهلم عن جهالة‪ ،‬بل هو بعد أن تبني احلق‬
‫(‪(٣‬‬
‫ووضحت معامله‪ ،‬وذلك ألن اهلوى يعمي‪ ،‬واألعمى ال يبرص ولو كانت الشمس مرشقة"‪،‬‬
‫فمجيء البينات يقتيض الوفاق ال االختالف‪ ،‬لكن آفة اهلوى مزلق مؤثر يف إثارة االختالف‬
‫والبلوغ به إىل االقتتال‪ .‬و "منازعة اهلوى للعقل"‪ (٤(،‬وسيطرة األهواء‪ ،‬وحظوظ النفس‬
‫عليه‪ ،‬واسرقاقه‪ ،‬مما يفيض إىل عدوان الناس بعضهم عىل بعض‪ ،‬فيقع النزاع‪ ،‬واالختالف‪،‬‬
‫والرصاع املفيض إىل الفناء‪ ..." ،‬وهذه احلظوظ واألهواء ليس هلا حد يقف اإلنسان عنده‪،‬‬
‫وما هو بعائش وحده‪ ،‬وكثري ًا ما تتطاول به إىل ما يف يد غريه‪ ،‬فهي هلذا تقتيض أن يعدو بعض‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥٣‬‬


‫(‪ )٢‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬علم)‪ ،‬ص‪.8٤9‬‬
‫(‪ )٣‬أبو زهرة‪ ،‬زهرة التفاسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9٢٥-9٢٤‬‬
‫(‪ )٤‬عنون الراغب األصفهاين هبذه العبارة لفصل من فصول كتابه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫الراغب‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد بن املفضل األصفهاين‪ .‬كتاب الذريعة إىل مكارم الرشيعة‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو‬ ‫‪-‬‬
‫اليزيد أبو زيد العجمي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٢8( ،1‬ه‪٢00٧ /‬م)‪ ،‬ص‪.89‬‬

‫‪٢٥9‬‬
‫أفراده عىل بعض‪ ،‬فيتنازعون ويتدافعون‪ ،‬ويتجادلون ويتجالدون‪ ،‬ويتواثبون ويتناهبون‬
‫(‪(1‬‬
‫حتى يفني بعضهم بعض ًا‪".‬‬

‫إن التعامل العلمي مع األدلة‪ ،‬يتطلب التخلص من امليول إىل األهواء‪ ،‬لتمكني العقل‬
‫من إدراك احلقائق‪ ،‬ف "إذا دخل اهلوى أدى إىل اتباع املتشابه حرص ًا عىل الغلبة والظهور بإقامة‬
‫العذر يف اخلالف‪ ،‬وأدى إىل الفرقة والتقاطع والعداوة والبغضاء‪ ،‬الختالف األهواء وعدم‬
‫اتفاقها‪ ،‬وإنام جاء الرشع بحسم مادة اهلوى بإطالق‪ ،‬وإذا صار اهلوى بعض مقدمات الدليل‬
‫(‪(٢‬‬
‫مل ينتج إال ما فيه اتباع اهلوى‪"...‬‬

‫وروى الشاطبي يف "االعتصام" عن أيب العالية‪ ..." :‬وإياكم وهذه األهواء التي تلقي‬
‫"واإلسالم مل يقطع الشهوات واألهواء‪ ،‬ولكن أرادها‬ ‫(‪(٣‬‬
‫بني الناس العداوة والبغضاء"‪،‬‬
‫قائمة عىل أن تكون خاضعة للعقل‪ ،‬وما يوجبه ضبط النفس"‪ (٤(،‬ومن هنا حذر النبي ﷺ من‬
‫ِ ِ (‪(٥‬‬ ‫"ال ُي ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ك ُْم َحتَّى َيك َ‬
‫ُون َه َوا ُه َت َبع ًا ََّملا ِج ْئ ُت به‪".‬‬ ‫اتباع اهلوى‪ ،‬فقال‪َ :‬‬

‫(‪ )1‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٢‬‬
‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٦1‬‬
‫وقد حذر الشارع من اهلوى ومن نتائجه التي تؤول إىل االختالف والنزاع‪ ،‬لذلك أمر باالحتكام إىل الرشع وضبط‬
‫األهواء بضوابط الرشع‪ ،‬يقول الشاطبي‪" :‬املقصد الرشعي من وضع الرشيعة إخراج املكلف عن داعية هواه‪ ،‬حتى‬
‫يكون عبد ًا هلل اختيار ًا‪ ،‬كام هو عبد هلل اضطرار ًا‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .1٢8‬ويقول‪" :‬قصد الشارع من وضع الرشائع إخراج النفوس عن أهوائها وعوائدها‪".‬‬ ‫‪-‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٢٥1‬ويقول‪" :‬وضع الرشيعة عىل أن تكون أهواء النفوس تابعة ملقصود الشارع فيها‪".‬‬ ‫‪-‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٥٢‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٤‬‬
‫(‪ )٤‬أبو زهرة‪ ،‬املجتمع اإلنساين يف ظل اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫الشهوات‪" :‬ليس املراد إبطاهلا بالك ّل ّية؛ ّ‬
‫فإن من بطلت شهوته كان نقص ًا يف ح ّقه‪ .‬وإنّام‬ ‫ويقول ابن خلدون ذ ّم ّ‬
‫مترصف ًا طوع األوامر اإلهل ّية‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫املراد ترصيفها فيام أبيح له باشتامله عىل املصالح‪ ،‬ليكون اإلنسان عبد ًا‬
‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.٣8٣‬‬
‫(‪ )٥‬أورده اإلمام النووي يف كتاب‪" :‬األربعني النووية" وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وقال ابن رجب‪" :‬وتصحيح هذا‬
‫احلديث بعيد جد ًا من وجوه‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن رجب‪ ،‬أبو الفرج زين الدين‪ ،‬عبد الرمحن بن أمحد‪ .‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬إرشاف‪ :‬حممد بنيس‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار املعرفة‪1٤٢1( ،‬ه‪٢000/‬م)‪ ،‬ص‪.٣9٦‬‬

‫‪٢٦0‬‬
‫وهنى اخلطاب القرآين عن اتباع األهواء؛ ألن ذلك يؤدي إىل الفساد يف األرض‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [املؤمنون‪.]٧1 :‬‬
‫فاألهواء والشهوات قد تتمكن يف النفس‪ ،‬وتسيطر عىل العقل وتوجهه نحو إصدار‬
‫األحكام املخالفة للواقع‪" ،‬فإذا عرض عليهم يشء من الكالم يف النبوات واألديان وهم‬
‫من أنفسهم هام باإلصغاء دافعوه بام أوتوا من االختيار يف النظر‪ ،‬وانرصفوا عنه وجعلوا‬
‫أصابعهم يف آذاهنم حذر أن خيالط الدليل أذهاهنم‪ ،‬فيلزمهم العقيدة وتتبعها الرشيعة‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫فيحرموا لذة ما ذاقوا وما حيبون أن يتذوقوا‪ ،‬وهو مرض يف األنفس والقلوب‪".‬‬
‫ويشري القرآن الكريم إىل أسباب ميل النفس إىل األهواء والشهوات يف آيات عديدة‪،‬‬
‫ونذكر من هذه األسباب‪:‬‬
‫‪ -‬ضعف معرفة اهلل تعاىل‪:‬‬
‫فمعرفة اهلل تعاىل عاصمة من األهواء‪ ،‬وضعف املعرفة به سبحانه موقعة يف األهواء‪،‬‬
‫قال تعاىل‪[ ﴾             ﴿ :‬حممد‪ ]1٤ :‬فمن‬
‫كان يعبد اهلل تعاىل ويوحده عىل بينة وبرهان ومعرفة حقيقية‪ ،‬فهو عىل بصرية من ربه‪ ،‬له رب‬
‫حسن له الشيطان قبيح أعامله وسيئها‪ ،‬باتباع هواه‪ ،‬فهو مقيم عليها‬
‫جيازيه عىل عمله‪ ،‬ومن َّ‬
‫(‪(٢‬‬
‫بعيد عن احلق والصواب‪.‬‬
‫ويقول القرطبي‪﴿" :‬ﮃ ﮄ﴾؛ أي ما اشتهوا‪ ،‬وهذا التزيني من جهة اهلل خلق ًا‪،‬‬
‫وجيوز أن يكون من الشيطان دعاء ووسوسة‪ ،‬وجيوز أن يكون من الكافر؛ أي زين لنفسه‬
‫(‪(٣‬‬
‫وأرص عىل الكفر‪"...‬‬
‫َّ‬ ‫سوء عمله‬
‫‪ -‬اتباع وساوس الشيطان‪:‬‬
‫خلق اهلل تعاىل اإلنسان وركّب فيه امليل إىل األهواء والشهوات‪ ،‬وخلق الشيطان‬
‫وجعل مهمته يف األرض الوسوسة لبني اإلنسان إىل يوم الدين‪ ،‬وقد حذرنا اخلطاب القرآين‬
‫منه‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [فاطر‪.]٦ :‬‬

‫(‪ )1‬عبده‪ ،‬رسالة التوحيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10٣‬‬


‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٢‬ص‪.1٦٦-1٦٥‬‬
‫(‪ )٣‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪.٢٣٦‬‬

‫‪٢٦1‬‬
‫وأشار القرآن الكريم رصاحة إىل أنه هو الداعي إىل اهلوى‪ ،‬ومزينه يف النفوس‬
‫اإلنسانية‪ ﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [االنعام‪ ]٧1 :‬يقول القرطبي‪ ﴿" :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﮥ﴾ أي استغوته وزينت له هواه ودعته إليه‪".‬‬

‫هلل أن التفرق واالختالف ما هو إال حبيلة من حبائل الشيطان‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬


‫وأوضح لنا ا ُ‬
‫﴿ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ‬
‫ون‪َ ،‬و َل ِك ْن ِيف‬
‫ان َقدْ َي ِئ َس َأ ْن َي ْع ُبدَ ُه ا ُْمل َص ُّل َ‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [املائدة‪ ،]91 :‬وقال ﷺ‪" :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫(‪(٢‬‬ ‫الت َّْح ِر ِ‬
‫يش َب ْين َُه ْم‪".‬‬

‫فوساوس الشيطان سبب لالختالف اإلنساين‪ ،‬فهو يؤثر عىل العقل اإلنساين وسالمة‬
‫ثم حتكيم‬
‫تفكريه‪ ،‬فمنهم من يستطيع التغلب عىل غواية الشيطان‪ ،‬والتحكم يف نزغاته‪ ،‬ومن ّ‬
‫عقله‪ ،‬واالنضباط له‪ ،‬ومنهم من ال يستطيع ذلك‪ ،‬فيسري يف ركاب الغواية‪ ،‬واالستسالم‬
‫لوساوس الشيطان‪ ،‬فينشأ النزاع واالختالف بني الناس‪ ،‬بقدر استسالمهم أو تغلبهم عىل‬
‫نزغات الشياطني‪.‬‬

‫‪ -‬ميل النفس إىل الظن يف حمل اليقني‪:‬‬

‫اخلطاب القرآين يرفض ميل النفس إىل االعتقاد القائم عىل الظن؛(‪ (٣‬أي "عىل العلم‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.18‬‬


‫(‪ )٢‬ابن حنبل‪ ،‬مسند أمحد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٣‬حديث رقم (‪ ،)1٤81٦‬ص‪.119‬‬
‫(‪ )٣‬والظن يف القرآن الكريم ورد كذلك بمعنى اليقني‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [البقرة‪،]٤٦ :‬‬
‫يقول املرد النحوي‪" :‬فهذا يقني‪ ،‬ألهنم لو مل يكونوا مستيقنني لكانوا ضالالً وشكاك ًا يف توحيد اهلل تعاىل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرد‪ ،‬أبو العباس حممد بن يزيد‪ .‬ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن املجيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد سليامن أبو‬
‫رعد‪ ،‬الكويت‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬سلسلة الرسائل الراثية‪ ،)1( ،‬ط‪1٤09( ،1‬ه‪1989/‬م)‪،‬‬
‫ص‪.٥٣‬‬
‫كام يطلق عىل‪" :‬العلم املستند إىل دليل راجح مع احتامل اخلطأ احتامالً ضعيف ًا‪ ،‬وهذا الظن هو مناط التكليف‬
‫=‬ ‫بفروع الرشيعة‪ ".‬انظر‪:‬‬

‫‪٢٦٢‬‬
‫املخطىء أو اجلهل املركب والتخيالت الباطلة"‪ (1(،‬يف احلقائق املطلوب فيها اليقني(‪ (٢‬ال‬
‫الشك‪ ،‬وهي احلقائق العقلية‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‬
‫[يونس‪ ]٣٦ :‬يقول ابن عاشور‪" :‬إن العلم املشوب بشك ال يغني شيئ ًا يف إثبات احلق املطلوب‪،‬‬
‫وذلك ما يطلب فيه اجلزم واليقني من العلوم احلاصلة بالدليل العقيل؛ ألن اجلزم فيها ممكن‬
‫(‪(٣‬‬
‫ملن أعمل رأيه إعامالً صائب ًا؛ إذ األدلة العقلية حيصل منها اليقني‪".‬‬

‫ويقول تعاىل منبه ًا نَب َّيه إىل أن هذا امليل النفيس باتباع الظن‪ ،‬أدى إىل ضالل أكثر اخللق‬
‫من الكفار واجلهال وأتباع األهواء‪ ﴿ (٤( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [األنعام‪ ]11٦ :‬فاحلق سبحانه ينفي القطعية عن املخالف‬
‫يف نزاعه‪ ،‬وينسب إليه االعوجاج يف االستدالل باتباع الظن واخلرص الذي ال يوصل إىل‬
‫ثم تتسع مساحة االختالف بني املتنازعني‪ ،‬فاملتنازعون "‪ ...‬غري‬
‫نتائج علمية صحيحة‪ ،‬ومن ّ‬
‫(‪(٥‬‬
‫قاطعني بصحة مذاهبهم‪ ،‬بل ال يتبعون إال الظن وهم خراصون كذابون يف ادعاء القطع‪".‬‬

‫= ‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.1٦٦‬‬


‫ويقول حممد سيد طنطاوي‪" :‬فالقرآن الكريم مل يأمر املؤمنني باالبتعاد عن مجيع ألوان الظنون‪ ،‬وإنام أمرهم‬
‫باجتناب الظن اليسء بأهل اخلري والفالح دون دليل أو برهان‪ ،‬فأنت ترى أن القرآن قد حدد الظن املنهي عنه حتديد ًا‬
‫دقيق ًا‪ ،‬ومل يعمم القول بأن يقول‪- :‬مثالً‪ -‬اجتنبوا مجيع الظنون‪ ،‬وذلك ألن الظن منه ما يكون واجب ًا‪ ،‬كالظن الذي‬
‫يقصد من ورائه الوصول إىل احلقيقة‪ ،‬ومنه ما يكون مباح ًا كأن تتوقع رش ًا فتحذره‪ .‬أما الظن الذي عر عنه القرآن‬
‫بقوله‪ ﴿ :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ فهو الظن اليسء بالناس دون بينة أو دليل‪ ،‬وهو الذي عناه احلديث النبوي الصحيح‪:‬‬
‫"إياكم والظن‪ ،‬فإن الظن أكذب احلديث"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬طنطاوي‪ ،‬حممد‪ ،‬أدب احلوار يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬هنضة مرص‪199٧ ،‬م‪ ،‬ص‪.٣٦‬‬
‫‪ -‬بنحمزة‪ ،‬مصطفى‪ .‬كريس القرايف مادة أصول الفقه‪ ،‬الدرس‪https://www.youtube.com/watch?v=0KKieDsRjOM ،٣٦ :‬‬

‫(‪ (1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.1٦٦‬‬


‫(‪ (٢‬يقول السيوطي‪" :‬اليقني‪ :‬علم حيصل بعد استدالل وروية"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬معجم مقاليد العلوم يف احلدود والرسوم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٤‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٤9‬‬
‫(‪ (٣‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢٤9‬‬
‫(‪ )٤‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٥1٤‬‬
‫(‪ )٥‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪ .1٧1‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.٦٥‬‬

‫‪٢٦٣‬‬
‫وقد أشار القرآن الكريم يف آيات عديدة إىل بيان هذا املعنى‪ (1(،‬واملتأمل يف اخلطاب‬
‫القرآين جيده حيث العقول عىل اجتناب الظن يف القضايا العقلية التي تتطلب اليقني ال الظن‪،‬‬
‫وأكثر استعامالت الظن يف القرآن الكريم واردة يف هذا املعنى‪ (٢(،‬وأن هذا املسلك اعوجاج‬
‫يف االستدالل‪ ،‬مؤ ٍّد إىل االختالف‪.‬‬

‫وهيدف اخلطاب القرآين هبذا الرفض الشديد للميول النفسية إىل الظن يف حمل اليقني‪،‬‬
‫ويعوده‬
‫ّ‬ ‫إىل تنقية العقل من األحكام املبنية عىل الظنون والتخمينات‪ ،‬فذلك يرض بالعقل‬
‫أن يأخذ بام يباعد بينه وبني احلق واحلقيقة‪ ،‬بل حيول بينه وبني العلم‪ ،‬فتكثر االختالفات‬
‫والنزاعات‪ .‬فكلام احتكم اإلنسان إىل العقل يف جمال العلم وابتعد عن العواطف وامليوالت‬
‫النفسية كان أقرب إىل احلقيقة والصواب‪.‬‬

‫‪ -‬ميل النفس إىل التقليد من غري تع ُّقل‪:‬‬

‫التقليد‪ (٣( :‬اتباع اإلنسان لغريه من غري تعقل وال نظر يف الدليل‪ ،‬فهو اتباع للغري بال‬
‫حجة وال برهان‪ (٤(،‬وقد ذ ّم القرآن الكريم هذا النوع من امليول النفسية يف االستدالل عىل‬

‫(‪ )1‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾[النجم‪ ،]٢8 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ‬


‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [األنعام‪ ،]1٤8 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾‬
‫[يونس‪ ،]٦٦ :‬وقال تعاىل‪ ﴿:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [ص‪،]٢٧ :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [النساء‪ ،]1٥8-1٥٧ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ﴾ [اجلاثية‪.]٣٢ :‬‬

‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.1٦٦‬‬


‫(‪ )٣‬وذكر طه عبد الرمحن ثالثة أنواع آلفة التقليد‪ :‬التقليد االتفاقي‪ ،‬والتقليد النظري‪ ،‬والتقليد العادي‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬العمل الديني وجتديد العقل‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪199٧( ،٢‬م) ص‪ ،8٣‬وانظر‬
‫أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬إبراهيم‪ ،‬مجال سعد‪" .‬ظاهرة التقليد والتبعية يف القرآن الكريم‪( "،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪،‬‬
‫نابلس‪ ،‬فلسطني‪٢010 ،‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٤‬اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٤‬‬

‫‪٢٦٤‬‬
‫احلقائق‪ ،‬بمعنى أن جيعل اإلنسان امليول إىل التقليد هبذه الصورة‪ ،‬دلي ً‬
‫ال يعتمده يف االستدالل‬
‫عىل احلقائق العلمية التي يعتقدها‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [البقرة‪ ]1٧0 :‬ويقول‬
‫الشوكاين يف تفسري هذه اآلية‪" :‬ويف هذه اآلية من الذم للمقلدين والنداء بجهلهم الفاحش‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫واعتقادهم الفاسد ما ال يقادر قدره‪".‬‬

‫اخلطاب القرآين يف آيات عديدة‪ ،‬منها قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬


‫ُ‬ ‫ودل عىل هذا‪،‬‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [املائدة‪" ]10٤ :‬ويف ذلك دليل عىل قبح التقليد‪ ،‬واملنع منه‪ (٢(".‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [األعراف‪.]٢8 :‬‬

‫وقد انعكس أثر امليول إىل التقليد عىل ثقافة االختالف؛ ألن الناس تأثروا يف ممارساهتم‬
‫احلياتية والعملية بأفكار ورثوها واكتسبوها من أسالفهم‪ ،‬وأحاطوها بالقداسة بغض النظر‬
‫عن موافقتها للحق والصواب‪ ،‬وجادل الناس من أجلها وانترصوا هلا‪ ،‬مما أفرز لنا خالفات‬
‫ومناقشات يسيطر عليها الغل والشحناء والتعصب‪ ،‬فكان "العكوف عىل تقليد الغري دون‬
‫دليل أو برهان"(‪ (٤‬من مثارات االختالف‪ ،‬ولو جتنبوا التقليد والقيود واألغالل وفسحوا‬
‫املجال لالستدالل العقيل السليم "لالح هلم وضح احلق البني‪ ،‬وأشد ما يكون االختالف‬
‫(‪(٥‬‬
‫بسبب التقليد يف املسائل االجتامعية‪".‬‬

‫(‪ )1‬الشوكاين‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19٣‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.19٣‬‬
‫(‪ )٣‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [يونس‪ ،]٧8 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [األنبياء‪[ ،]٥٣-٥٢ :‬الشعراء‪[ ،]٧٤ :‬لقامن‪[ ،]٢1 :‬الزخرف‪[ ،]٢٢ :‬الزخرف‪،]٢٣ :‬‬
‫[املائدة‪[ ،]10٤ :‬األعراف‪[ ،]٢8 :‬يونس‪.]٧8 :‬‬

‫(‪ )٤‬طنطاوي‪ ،‬أدب احلوار يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫(‪ )٥‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬تاريخ اجلدل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر العريب‪ ،‬ط‪1980 ،٢‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪٢٦٥‬‬
‫َ‬
‫اإلنسان إىل عدم االعتامد عىل هذا النوع من االعتقاد‪،‬‬ ‫القرآين‬
‫ُّ‬ ‫وهبذا وجه اخلطاب‬
‫القائم عىل امليول النفسية‪ ،‬من غري تعقل ونظر؛ ألن التقليد مجود ال حركية فيه‪ ،‬ف "التقليد‬
‫إبطال منفعة العقل‪ ،‬فالعقل إنام خلق للتأمل والتدبر‪ ،‬وقبيح بمن أعطي شمعة يستيضء ِهبا‬
‫أن يطفئها ويميش يف الظلمة"‪ (1(،‬فالتقليد تنميط لألفكار والقيم‪ ،‬من غري إنتاج وال إبداع‪،‬‬
‫وال عطاء علمي ومعريف‪ ،‬بل فيه نزوع نحو النزاع والتعصب والرصاع الفكري‪.‬‬

‫والتقليد ينتج أنامط ًا متشاهبة واحدة ووحيدة‪ ،‬ويف ذلك مجود وقتل لإلبداع‪ ،‬وإقصاء‬
‫ثم مصادرة احلق يف االختالف‪ ،‬وقد ركز‬
‫لآلراء اجلديدة وهذا ما ال يريده القرآن‪ ،‬ومن ّ‬
‫القرآن الكريم عىل نمط تقليد اآلباء؛ ألنه نموذج العتناق األفكار واحلقائق العلمية بطريق‬
‫استداليل غري صحيح‪ ،‬بعيد عن التعقل والتحقيق العلمي‪.‬‬

‫وهيدف اخلطاب القرآين إىل املباعدة بني العقل والتبعية‪ ،‬وتعويده رفض التقليد‪،‬‬
‫وذلك أن كل إنسان يستعمل عقله يف التفكري فيام حييط به من أمور‪ ،‬وال يتبع يف ذلك أحد ًا‪،‬‬
‫وأن ال يميل إىل تقليد سواه دون تعقل وتدبر‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [البقرة‪.]1٧0 :‬‬
‫"فالقرآن جاء هيدي كل متبعي امللل واألديان السابقة إىل استعامل عقوهلم مع ضامئرهم‬
‫للوصول إىل العلم واهلدى يف الدين‪ ،‬وأال يكتفوا بام كان عليه آباؤهم وأجدادهم من ذلك‪،‬‬
‫فإن هذا جناية عىل الفطرة البرشية والعقل والفكر والقلب التي امتاز هبا البرش‪ ،‬وهبذا‬
‫ً (‪(٢‬‬
‫العلم واهلدى امتاز اإلسالم‪ ،‬ودخل فيه العقالء من مجيع األمم أفواجا‪".‬‬
‫ويقول تعاىل يف هني أهل الكتاب عن امليل إىل التبعية بدافع الشهوة‪ ﴿ (٣( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬

‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن عيل بن حممد‪ .‬تلبيس إبليس‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬أمحد بن عثامن املزيد‪ ،‬الرياض‪:‬‬
‫دار الوطن‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،1‬ه‪٢00٢/‬م)‪ ،‬ص‪.٤8٢‬‬
‫(‪ )٢‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧1‬‬
‫(‪ )٣‬يعتر ابن القيم الشهوة من أركان األخالق السافلة‪" :‬ومنشأ مجيع األخالق السافلة‪ ،‬وبناؤها عىل أربعة أركان‪:‬‬
‫اجلهل‪ ،‬والظلم‪ ،‬والشهوة‪ ،‬والغضب‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢9٥‬‬

‫‪٢٦٦‬‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [املائدة‪ ]٧٧ :‬فهذا هني هلم عن تقليد أسالفهم الذين قد‬
‫ضلوا من قبلهم‪ ،‬باتباعهم األهواء الباطلة املوافقة مليوالهتم النفسية‪ ،‬فمذاهبهم باطلة مل‬
‫(‪(1‬‬
‫تقم عليها حجة وال برهان‪.‬‬
‫ويقول طنطاوي‪" :‬واخلالصة أن التقليد لآلباء والرؤساء وغريهم‪ ،‬من أشد أسباب‬
‫(‪(٢‬‬
‫االختالف بني الناس‪ ،‬ال سيام إذا كان عن عناد‪ ،‬وجحود للحق‪ ،‬وانقياد للهوى والشهوات‪"...‬‬

‫ت‪ -‬حث العقل عىل النظر‪:‬‬


‫لتحقيق أصل السالمة العقلية‪ ،‬وحترير العقل من اآلفات واملزالق املشوهة للحقائق‪،‬‬
‫املعيقة للعقل عن اإلدراك السليم‪ ،‬املفضية إىل اخلالف والنزاع‪ ،‬حيث اخلطاب القرآين‬
‫ويوجه خطابه للبرشية بالنظر‬ ‫(‪(٣‬‬
‫اإلنسان الطالب للحقائق عىل النظر والتفكر والتدبر‪،‬‬
‫والتفكر واالعتبار يف ما بثه سبحانه من آيات عىل وجوده ووحدانيته وتسيريه وتدبريه‬
‫(‪(٤‬‬
‫للكون‪ ،‬ف "القرآن كله إنام هو دعاء إىل النظر واالعتبار‪ ،‬وتنبيه عىل طرق النظر‪".‬‬

‫ويقول الشوكاين‪» :‬والنظر‪ :‬هو الفكر املطلوب به علم أو ظن»‪ (٥(،‬ويروي ابن اجلوزي‬
‫عن شيخه عيل بن عبيد اهلل معاين للنظر منها‪ .." :‬الفكرة يف حقائق األشياء الستخراج احلكم‬
‫(‪(٦‬‬
‫باالعتبار‪ ،‬ليصل بذلك إىل العلم باملعلومات"‪.‬‬

‫(‪ )1‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٣٧٥-٣٧٤‬‬
‫(‪ )٢‬طنطاوي‪ ،‬أدب احلوار يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )٣‬سواء يف فهم احلقائق‪ ،‬أو يف فهم احلوادث‪ ،‬أو يف فهم النصوص‪.‬‬
‫وألف عباس العقاد "التفكري فريضة إسالمية"‪ ،‬األمر الذي يدل عىل أمهية التفكري يف اإلسالم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ .‬موسوعة العقاد اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪1٣91( ،‬ه‪19٧1/‬م)‪ ،‬ج‪،٥‬‬
‫ص‪ .8٢٧‬وانظر كذلك دراسة‪:‬‬
‫‪ -‬املجايل‪ ،‬حممد خازر‪» ،‬مصطلح »التفكر» كام جاء يف القرآن الكريم‪ ،‬دراسة موضوعية‪ »،‬جملة الرشيعة والقانون‪،‬‬
‫العدد‪1٤٢٦( ،)٢٣( :‬ه‪٢00٥/‬م)‪ ،‬ص‪.٢1‬‬
‫‪ -‬حنايشة‪ ،‬عبد الوهاب حممود إبراهيم‪» .‬التفكري وتنميته يف ضوء القرآن الكريم‪( »،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة‬
‫النجاح الوطنية‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطني‪٢009 ،‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٤‬ابن رشد‪ ،‬الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11٧‬‬
‫(‪ )٥‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٥‬‬
‫(‪ )٦‬ابن اجلوزي‪ ،‬نزهة األعني النواظر يف علم الوجوه والنظائر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥88‬‬

‫‪٢٦٧‬‬
‫وجاء النظر يف القرآن عىل أوجه‪ ،‬منها‪ :‬التفكر واالعتبار‪ (1(،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ﴾ [األنعام‪ ،]99 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾‬
‫[يونس‪ (٢(.]101 :‬واملقصود هو‪ :‬تلك العمليات التي يقوم هبا العقل من تفكري وحتليل ونظر‬
‫وتدبر واعتبار ومتييز ومقارنة‪...‬‬
‫والفكر(‪ (٣‬والنظر هو الوقوف عىل احلكم واملقاصد‪ ،‬التي يرتقي هبا العقل اإلنساين إىل‬
‫إدراك احلقائق العلمية‪ ،‬واملعرفية اليقينية الضابطة لالختالف‪ ،‬احلاسمة ألرضاره‪ ،‬ف "احلث‬
‫عىل النظر يف األكوان‪ ،‬للعلم واملعرفة بام فيها من احلكم واألرسار‪ ،‬التي يرتقي هبا العقل‬
‫وتتسع هبا أبواب املنافع لإلنسان"‪ (٤(،‬ويقول حممد قطب‪" :‬تدبر نواميس الكون‪ ،‬تطبع العقل‬
‫(‪(٥‬‬
‫بطابع من الدقة والتنظيم‪ ...‬وتعود العقل عىل دقة النظر وانضباط األحكام‪".‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٥89‬‬


‫(‪ )٢‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [عبس‪ ،]٢٤ :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [الغاشية‪،]1٧ :‬‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الطارق‪.]٥ :‬‬
‫(‪ )٣‬يقول اجلرجاين‪" :‬الفكر‪ :‬ترتيب أمور معلومة للتأدي إىل جمهول"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦8‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويقول طه جابر العلواين‪" :‬يف كتاب اهلل مل ترد كلمة فكر (ف ك ر) بصيغة االسم‪ ،‬أي ال نجد مث ً‬
‫ال يف القرآن‬
‫الكريم (فِكْر) كاسم أو مصدر‪ ،‬وال نجدها معرفة بالم وال منكرة‪ ،‬فقد وردت يف القرآن الكريم يف عرشين موضع ًا‬
‫بصيغة املايض –فعل ماض‪ -‬وبصيغة املضارع ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ﴾ [املدثر‪ ﴿ ]18 :‬ﯩ ﯪ﴾ [األعراف‪،]1٧٦ :‬‬
‫[النحل‪[ ،]٤٤ :‬احلرش‪﴿ ]٢1 :‬ﯜ ﯝ﴾ [األنعام‪ ]٥0 :‬يف صيغة املخاطب ويف صيغة الغائب‪ ،‬والفعل يف لغتنا العربية‬
‫تعريفه بأنه ما دل عىل حدث وذات‪ ،‬فحينام نقول فكر أو يفكر أو تفكر فهي كلمة تدل عىل حدث هو الفكر‪ ،‬وتدل‬
‫عىل الذات الفاعلة هلذا احلدث والتي نسميها باملفكر‪ ،‬فحينام تستخدم يف القرآن الكريم هبذه الطريقة؛ فكأن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يريد أن ينبهنا إىل أن هذا العمل الذهني الذي يسمى بالفكر إنام هو عمل مرتبط بذات‪ ،‬فال يمكن‬
‫أن يتجرد الفكر عن املفكر‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٧‬‬ ‫‪-‬‬
‫وبعد النظر يف خمتلف التعريفات للفكر يف تراثنا اإلسالمي يقول‪" :‬الفكر اسم لعملية تردد القوى العاقلة‬
‫املفكرة يف اإلنسان‪ ،‬سواء أكان قلب ًا‪ ،‬أو روح ًا‪ ،‬أو ذهن ًا‪ ،‬بالنظر والتدبر‪ ،‬لطلب املعاين املجهولة من األمور املعلومة‪،‬‬
‫أو الوصول إىل األحكام أو النسب بني األشياء‪."..‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٦8‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٦‬‬
‫(‪ (٥‬قطب‪ ،‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧9-٧8‬‬

‫‪٢٦8‬‬
‫وقد أمر القرآن الكريم اإلنسان بالنظر يف آيات اهلل التي بثها وأودعها يف الكون‪ ،‬وفتح‬
‫قنوات اإلحساس اإلنساين عىل بديع صنع اهلل تعاىل يف الوجود‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [األنعام‪ ﴿ ،]99 :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ﴾ [ق‪ ،]٦ :‬وهو نظر االستدالل عىل وجود اخلالق سبحانه‪ ،‬وتعطيل النظر يف آيات اهلل‬
‫(‪(1‬‬
‫الدالة عىل بديع صنعه‪ ،‬هو تعطيل للدليل عىل وجود الصانع املبدع‪.‬‬

‫وعر‬
‫ويف سياق حث القرآن الكريم للعقل عىل النظر‪ ،‬أشار إىل الوظائف العقلية‪ّ ،‬‬
‫عن ذلك بصيغ خمتلفة ومتنوعة‪ ،‬تدل عىل االجتهاد العقيل‪ ،‬كام حث عىل التعقل يف قضايا‬
‫العقيدة‪ ،‬وقضايا الترشيع عىل السواء‪.‬‬

‫‪ -‬ذكر القرآن الكريم للوظائف العقلية‪:‬‬

‫ويالحظ القارئ لكتاب اهلل تعاىل‪ ،‬كثرة ورود الوظائف العقلية‪ ،‬ومنها‪ :‬التدبر والتفكر‬
‫والنظر والتعقل‪ ،‬وأهل هذه العمليات العقلية هم‪ :‬أولو النهى‪ ،‬وأولو األلباب‪ .‬واحلث عىل‬
‫النظر يف خلق الساموات واألرض‪ ،‬وما فيهن من آيات اهلل الدالة عىل حكمته وقدرته‪ ،‬وأن‬
‫تعطيل هذه الوظائف وإمهاهلا سبب عذاب اآلخرة‪ ،‬يقول تعاىل عىل لسان هؤالء‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ‬
‫=‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ [امللك‪.]10 :‬‬

‫ّ‬
‫وحيث اخلطاب القرآين عىل التفكري‪ ،‬واستعامل العقل‪ ،‬ويضع بني يدي اإلنسان‬
‫ملكوت الساموات واألرض‪ ،‬وملكوت الساموات‪ :‬الشمس والقمر والنجوم‪ ،‬وملكوت‬
‫األرض‪ :‬اجلبال والبحار واألشجار‪ ،‬ليتأمل ويتدبر ويتفكر يف صنع اهلل تعاىل‪ ،‬ليهتدي بعقله‬

‫(‪ )1‬وهنى القرآن الكريم عن تعطيل النظر والتدبر‪ ..‬يف آيات عديدة‪ ،‬وجاء هذا عىل صورتني‪:‬‬
‫‪ -‬تعطيل أدوات النظر واإلحساس عن القيام بوظيفتها (هذه الصورة هي التي تم الركيز عليها يف البحث)‪.‬‬
‫‪ -‬النظر إىل اآليات الكونية جمردة عن القيم املودعة فيها‪ :‬فاملخالفون ينظرون إىل الظواهر الكونية نظرة مادية‪،‬‬
‫جمردة عن القيم التي أودعها اهلل فيها‪ ،‬فوصفهم احلق سبحانه بقوله‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ﴾ [األعراف‪ ،]1٧9 :‬ومثله قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [احلج‪.]٤٦ :‬‬

‫‪٢٦9‬‬
‫‪-‬الذي وهبه اهلل تعاىل‪ -‬إىل حقائق هذا الكون‪ ،‬ألن "من اهلداية التكوينية يف اإلنسان العقل‬
‫املوهوب له‪ ،‬واملرشد له إىل معامل اخلري والصالح‪ ،‬وما ورد يف الذكر احلكيم من اآليات احلاثة‬
‫عىل التعقل والتفكر والتدبر خري دليل عىل وجود هذه اهلداية العامة يف أفراد اإلنسان‪ ،‬وإن‬
‫(‪(1‬‬
‫كان قسم منه ال يستيضء بنور العقل وال هيتدي بالتفكر والتدبر‪".‬‬

‫فالقرآن الكريم جمّد العقل‪ ،‬وحكّمه يف الوصول إىل احلقائق العلمية واملعرفية‪ ،‬من خالل‬
‫التفكري‪ ،‬والتأمل يف الظواهر الكونية‪ .‬يقول حممد عبده إن آيات الدعوة إىل النظر والتعقل‬
‫(‪(٢‬‬
‫والتفكر كثرية‪" ،‬فلو أردت رسد مجيعها ألتيت بأكثر من ثلث القرآن‪ ،‬بل من نصفه‪"...‬‬

‫وقد جاءت بصيغ خمتلفة‪ :‬منها آيات حتدثت عن العقل والتعقل‪ ،‬وآيات تتحدث عن‬
‫القلب واللب والنهى‪ (٣(،‬وآيات تتحدث عن التفكر‪ ،‬والتذكر‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬والفقه‪ ،‬والتفقه‪،‬‬
‫والتدبر واالعتبار والتبرص‪ (٤(،...‬وهناك آيات أخرى بلفظ (كيف) املشعر باستفزاز األذهان‬

‫(‪ )1‬السبحاين‪ ،‬اإلهليات عىل هدى الكتاب والسنة والعقل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧٣٤-٧٣٣‬‬
‫(‪ )٢‬عبده‪ ،‬حممد‪ .‬األعامل الكاملة‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عامرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،1‬هـ‪199٣/‬م)‪ ،‬ج‪،٣‬‬
‫ص‪.٢9٧‬‬
‫﴿ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [طه‪ ﴿ ،]٥٤ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [طه‪.]1٢8 :‬‬ ‫(‪(٣‬‬
‫(‪ )٤‬وقد أحىص الباحثون اآليات التي وردت فيها األلفاظ احلاثة عىل االجتهاد العقيل عموم ًا‪ ،‬يقول عبد اهلل أمحد اليوسف‪:‬‬
‫"‪ ..‬ويكفي أن نعلم أن عدد اآليات التي وردت يف القرآن الدالة عىل التفكري واالجتهاد وما يتعلق هبام من ألفاظ‬
‫كالتعقل والتفقه والتدبر والتأمل والتذكر‪ ،‬ما يقارب الثالثامئة آية‪ ،‬فآيات القرآن التي حتدثت عن فعل العقل والتعقل‬
‫هي تسع وأربعون آية‪ ،‬وآياته التي حتدثت عن القلب‪ ،‬ومن وظائفه التفكري والتعقل‪ ،‬مائة واثنتان وثالثني آية‪ ،‬ولقد‬
‫ورد احلديث يف القرآن عن (اللب) بمعنى العقل‪ ،‬ألنه جوهر اإلنسان وحقيقته‪ ،‬يف ستة عرش موضع ًا‪ ،‬وجاء احلديث‬
‫فيه عن (الفقه) يف عرشين موضع ًا‪ ،‬وجاء حديثه عن (التدبر) يف أربع آيات‪ ،‬وعن (االعتبار) يف سبع آيات‪ ،‬وعن‬
‫(احلكمة) يف تسع عرشة آية‪ ..‬األمر الذي جيعل رصيد (التفكري) و(االجتهاد) يف القرآن ضخ ًام جد ًا‪ "..‬انظر‪.‬‬
‫‪ -‬اليوسف‪ ،‬عبد اهلل أمحد‪ .‬رشعية االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية منهجية للرأي اآلخر يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار اهلادي‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،٢‬ه‪٢00٤/‬م)‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫ويقول جابر قميحة‪» :‬ويف عرشات من اآليات القرآنية‪ ،‬بل مئات منها تتكرر كلمة (العقل) وما يرتبط هبا من‬
‫ألفاظ (الفقه) و(العلم) و(التفكري) عىل النحو اآليت‪( :‬عقل) ومشتقاهتا (عقلوه – تعقلون – تعقل)‪ ...‬إلخ‪ ،‬ذكرت‪:‬‬
‫‪ ٤8‬مرة‪( .‬علم) ومشتقاهتا (علم – يعلم – يعلمون ‪ ...‬إلخ)‪ ،‬ذكرت‪ 8٦٦ :‬مرة‪( .‬فقه) ومشتقاهتا (تفقهون – تفقه‬
‫– يفقهوا – يفقهوه ‪ ...‬إلخ)‪ ،‬ذكرت‪ ٢0 :‬مرة‪( .‬فكر) ومشتقاهتا (فكر – تتفكروا – يتفكرون ‪ ...‬إلخ‪ ،‬ذكرت‪8٧ :‬‬
‫مرة)‪( .‬وعى) ومشتقاهتا (تعيها – أوعى – واعية ‪ ...‬إلخ)‪ ،‬ذكرت ‪ ٤‬مرات‪ .‬وجمموع هذه املواد التي ذكرهتا ‪= 10٤٣‬‬

‫‪٢٧0‬‬
‫وح ّثها عىل التساؤل‪ ،‬والبحث عن اجلواب من خالل التفكري واستعامل العقل‪.‬‬
‫(‪(1‬‬
‫ومن اآليات التي ورد فيها لفظ (التعقل) قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮔ ﮕ﴾ [البقرة‪،]٢٤٢ ،٧٣ :‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﰍ ﰎ﴾ [البقرة‪.]٧٦،٤٤ :‬‬
‫ومن اآليات التي ورد فيها لفظ (التفكر) قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [سبأ‪ ،]٤٦ :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ﴾ [األعراف‪،]18٤ :‬‬
‫وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫(‪(٤‬‬
‫‪،]1٧٦‬‬ ‫[األعراف‪:‬‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯩ ﯪ﴾‬
‫(‪(٥‬‬
‫ﮝ﴾ [الروم‪.]٢1 :‬‬
‫ومن اآليات التي ورد فيها لفظ (التدبر والتذكر واللب) قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ص‪ ،]٢9 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾‬
‫[البقرة‪ (٦(،]٢٦9 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [الرعد‪ (٧(،]19 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ﴾ [إبراهيم‪.]٥٢ :‬‬
‫ومن اآليات التي وردت بلفظ (احلكمة) قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [البقرة‪ ،]٢٦9 :‬وقال تعاىل‬
‫يف طلب التبرص‪ ﴿ :‬ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ﴾ [الذاريات‪" ]٢1 :‬إشارة إىل ما فيها من آثار الصنعة‪،‬‬
‫(‪(8‬‬
‫ولطيف احلكمة‪ ،‬الدالني عىل وجود الصانع احلكيم‪ ،‬وأنه واحد قادر عامل مريد‪"...‬‬

‫=(ثالث وأربعون وألف) لفظة‪ ،‬كلها تدور عىل تقدير القرآن للعقل والنظر والتفكري‪ ،‬وهذه املواد التي عرضنا هلا‬
‫هي املواد املبارشة‪ ،‬وهناك مئات من األلفاظ تدور حول العقل والتفكري بطريقة غري مبارشة مل نعرض هلا‪ ».‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬قميحة‪ ،‬جابر‪ .‬املعارضة يف اإلسالم بني النظرية والتطبيق‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار اجلالء‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪ ،‬ص‪.٢8‬‬
‫(‪[ (1‬يوسف‪[ ،]٢ :‬غافر‪[ ،]٦٧ :‬الزخرف‪[ ،]٣ :‬احلديد‪.]1٧ :‬‬
‫(‪[ (٢‬آل عمران‪[ ،]٦٥ :‬األنعام‪.]٣٢ :‬‬
‫(‪[ )٣‬الروم‪.]8 :‬‬
‫(‪[ )٤‬النحل‪[ ،]٤٤ :‬احلرش‪.]٢1 :‬‬
‫(‪[ )٥‬الزمر‪[ ،]٤٢ :‬اجلاثية‪.]1٣ :‬‬
‫(‪[ )٦‬آل عمران‪.]٧ :‬‬
‫(‪[ )٧‬الزمر‪.]9 :‬‬
‫(‪ )8‬ابن رشد‪ ،‬الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦0-٥9‬‬

‫‪٢٧1‬‬
‫‪ -‬طلب القرآن الكريم التعقل يف العقيدة والترشيع‪:‬‬

‫واآليات الدّ الة عىل هذا األمر جاءت إما عقب قضايا دينية متعلقة بترشيع األحكام‪ ،‬أو‬
‫عقب آيات إثبات القضايا اإليامنية‪ ،‬ويطلب اهلل تعاىل يف كال القضيتني استعامل العقل والتفكر‪،‬‬
‫مع أن األصل عند علامء اإلسالم التوقف يف العبادات‪ .‬أما العقائد فاألصل فيها النظر‪ ،‬ألهنم‬
‫حرموا فيها التقليد‪ (1(.‬أما املعامالت فإهنا املجال األوسع لالجتهاد واستعامل العقل‪ ،‬وهذا‬
‫املجال خاص ب "أويل األمر" العلامء املجتهدين الذين تكونت لدهيم ملكة االستنباط‪.‬‬

‫‪ -‬طلب التعقل يف األحكام الترشيعية‪:‬‬

‫يقول اهلل تعاىل عقب ذكر العديد من القضايا الدينية‪ ،‬وحث العقل اإلنساين عىل‬
‫التفكري‪ ،‬واستعامل العقل فيها من أجل الوصول إىل حقائقها‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈﮉ ﮊﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘﮙ ﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [النور‪.]٦1 :‬‬

‫‪ -‬طلب التعقل يف قضايا العقيدة‪:‬‬

‫ذكر اهلل عز وجل احتجاجه عىل أهل الرشك‪ ،‬وأقام األدلة والراهني لعباده عىل‬
‫وحدانيته وتفرده باأللوهية دون ما سواه من األشياء‪ ﴿ (٢( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻ﴾ [البقرة‪.]1٦٤ :‬‬

‫(‪ )1‬انظر تفصيل ذلك يف‪:‬‬


‫‪ -‬ابن حزم‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٦٦‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪ ٢٦٧‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪٢٧٢‬‬
‫وقد جاء اخلطاب القرآين عنيف ًا مقرون ًا يف بعض األحيان بالتهديد والوعيد ملن ال‬
‫يفكر‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [سبأ‪.]9 :‬‬
‫ويف املقابل يأيت احلض عىل التفكري يف صورة الثناء الودود عىل أويل األلباب‪ ﴿ :‬ﮉ‬
‫ﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩ﴾ [آل عمران‪.]191-190 :‬‬

‫وترتكز قضية اإليامن يف القرآن عىل العقل والرسل (العقل والنقل)‪ ،‬واحلجة تقوم عىل‬
‫اإلنسان إذا كان عاق ً‬
‫ال ووصلته رساالت الرسل‪ ،‬فإذا ختلف أحدمها أو كالمها فال تكليف‪،‬‬
‫وبذلك يكون النظر العقيل‪ ،‬أو استعامل العقل أحد املعلمني الكبريين املحددين للعملية‬
‫التكليفية يف اإلسالم‪" ،‬وقد أراد اإلسالم لإلنسان أن يغني ثقافته العلمية يف أرسار الكون‬
‫وسننه التي أودعها اهلل فيه‪ ،‬واعتر التفكري فريضة إسالمية‪ ،‬كام فضل تفكري ساعة عىل عبادة‬
‫سنة‪ ،‬ورأى أن العلم هو القيمة التي يرتكز عليها التفاضل‪﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ﴾ [الزمر‪ ]9 :‬وأكد أن اإليامن يمر بطريق العلم‪ ،‬وأن مشكلة الكفر هي مشكلة اجلهل‪،‬‬
‫وحتدث بمنطق القيمة اإلجيابية‪ ،‬عن الذين يتفكرون يف آفاق الساموات واألرض بالدرجة‬
‫التي يعرفون فيها أرسارها بطريقة علمية ﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [فصلت‪"...]٥٣ :‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعاىل قد خص اإلنسان عن سائر خملوقاته‪ ،‬بعقله الذي هو‬


‫مركز التفكري‪ ،‬وسخر املخلوقات كافة له‪ ،‬بسبب قدرته عىل التفكري‪ ،‬وصدق اهلل‬
‫العظيم حيث يقول‪ ﴿ :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔ﴾ [اجلاثية‪ ،]1٣ :‬وهذا التسخري لإلنسان الذي يفكر ويتدبر ويتأمل‪ ،‬فإذا كان‬
‫ال يفكر‪ ،‬ما استحق هذا التسخري‪ ،‬ويرى عبد الكريم زيدان أن هذا التسخري اإلهلي‬
‫للكون لنفع الناس‪" :‬إنام يكون بأن يعرف الناس كيف يستمدون منافعهم من هذه‬

‫(‪ )1‬فضل اهلل‪ ،‬االجتهاد بني أرس املايض وآفاق املستقبل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧‬‬

‫‪٢٧٣‬‬
‫املسخرات‪ ،‬وذلك بأن يعرفوا ما ختضع له هذه املوجودات من قواعد ثابتة؛ أي من‬
‫(‪(1‬‬
‫قانون عام يف وجودها وطرق االنتفاع هبا بموجب هذا القانون العام‪".‬‬
‫فاخلطاب القرآين يف تقريره هلذا األصل العقيل‪ ،‬عىل مستوى النظر والتفكر والتدبر يف‬
‫آيات الوحي وآيات الكون‪ ،‬مل حيرصه يف فئة أو جهة معينة‪ ،‬بل أعطى احلق يف ذلك للجميع‪،‬‬
‫فتكريم اهلل تعاىل لإلنسان بالعقل دليل أحقيته للنظر العقيل‪ ،‬املفيض إىل إدراك احلقائق‬
‫السليمة بسالمة اآللة املدركة‪.‬‬
‫النظر العقيل مناط التكليف اإلنساين‪ ،‬لذلك كان الكفار خماطبني بالرشع‬
‫َ‬ ‫الرشع‬
‫ُ‬ ‫وجعل‬
‫بام أعطاهم من العقول‪ ،‬وأقام هلم من األدلة والعالمات‪ ،‬وأرسل هلم من الرسل الذين نبهوا‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ﴾‬ ‫(‪(٢‬‬
‫العقول وحركوا دواعي النظر والتفكري عندهم‬
‫(احلرش‪ (٢ :‬فهذا حث عىل النظر يف آيات اهلل وأحكامه‪ ،‬و"نص عىل وجوب استعامل القياس‬
‫العقيل‪ ،‬أو العقيل والرشعي مع ًا‪ (٣("،‬وقد رد الغزايل عىل منكري القياس‪ ،‬وهم الشيعة وبعض‬
‫(‪(٤‬‬
‫املعتزلة القائلني باستحالة التعبد بالقياس عقالً‪.‬‬
‫كام قرر علامء اإلسالم‪ ،‬أن أول واجب يلزم املكلف هو النظر والتفكري‪ (٥(،...‬يقول‬
‫إمام احلرمني اجلويني حاكي ًا رأي املحققني من علامء العقيدة‪" :‬وذهب املحققون إىل أن أول‬
‫فجعلوا النظر‬ ‫(‪(٦‬‬
‫واجب عليه [املكلف] النظر واالستدالل املؤديان إىل معرفة الصانع"‪،‬‬
‫(‪(٧‬‬
‫املوصل إىل العلوم واملعارف أول الواجبات عىل املكلف‪ ،‬ودليل وجوبه الرشع‪.‬‬

‫(‪ )1‬زيدان‪ ،‬السنن اإلهلية يف األمم واجلامعات واألفراد يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )٢‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤0٢‬‬
‫(‪ )٣‬ابن رشد‪ ،‬فصل املقال فيام بني احلكمة والرشيعة من االتصال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٢‬‬
‫(‪ )٤‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢٤٢‬‬
‫(‪ )٥‬وذكر ابن رشد أن هذه القضية خمتلف فيها‪ ،‬ويقول بعد نقاش املعتزلة واألشاعرة يف قضية التأويل‪ .." :‬اختلفوا‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬أول الواجبات النظر‪ ،‬وقال قوم اإليامن ‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن رشد‪ ،‬فصل املقال فيام بني احلكمة والرشيعة من االتصال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٤‬‬
‫(‪ )٦‬اجلويني‪ ،‬إمام احلرمني أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف‪ .‬الشامل يف أصول الدين‪ ،‬ح ّققه وقدم له‪ :‬عيل سامي‬
‫النشار وفيصل بدير عيون وسهري حممد خمتار‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬مطبعة املعارف‪19٦9 ،‬م‪ ،‬ص‪ .1٢0‬وانظر كذلك‪:‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬كتاب اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول االعتقاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣‬‬
‫(‪ )٧‬اجلويني‪ ،‬كتاب اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول االعتقاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪٢٧٤‬‬
‫يتبني مما سبق تأكيد القرآن الكريم عىل أصل السالمة العقلية‪ ،‬بإبطال املامرسات‬
‫االجتامعية التي كانت سائدة يف اجلاهلية‪ ،‬ونقد االعوجاج يف االستدالل عىل احلقائق‪،‬‬
‫واحلث الشديد عىل النظر والتفكر العقليني‪ ،‬الستعامل العقل السليم يف التوصل إىل احلقائق‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫فاخلطاب القرآين "حيرم الطاقة العقلية ويشجعها‪ ،‬ويربيها لتتجه يف طريق اخلري‪".‬‬

‫العقل مشرك إنساين‪ ،‬جعله اهلل تعاىل يف أصل خلقة اإلنسان وتكوينه‪ ،‬فإذا حتققت‬
‫السالمة العقلية‪ ،‬توصل العقل إىل االقتناع‪ (٢(،‬وهذا يقود البرشية إىل طريق الوفاق‪ ،‬واخلروج‬
‫من دائرة االختالف الضار‪ ،‬فإذا حتققت السالمة العقلية‪ ،‬يقول الشافعي لتالميذه‪ ..." :‬فإن‬
‫(‪(٣‬‬
‫العقل مضطر إىل قبول احلق‪".‬‬

‫ونجد اخلطاب القرآين يعطي احلق يف النظر والتفكري لكل صاحب عقل‪ ،‬بخالف‬
‫األمة ذات الوقاحة اإلنكارية‪ ،‬التي تعتقد أن التفكري من حقها وحدها‪ ،‬وتعدّ نفسها هي‬
‫الوحيدة التي تفكر‪ ،‬وغريها يتعني عليه تقليدها‪ ،‬فهي تلغي حق األمم األخرى يف التفكري‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫هذا إذا مل متح احلق يف االختالف من الواقع اإلنساين‪.‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٧٧‬‬


‫(‪ )٢‬يقول حممد حسني فضل اهلل‪" :‬فاإلسالم يريد لإلنسان أن حيصل عىل القناعة الذاتية املرتكزة عىل احلجة والرهان‪ ،‬يف‬
‫إطار احلوار اهلادئ العميق‪ ،‬سواء يف ذلك قضايا العقيدة‪ ،‬وقضايا احلساب واملسؤولية‪ ،‬فلكل سؤال جواب‪ ،‬ولكل‬
‫عالمة استفهام‪ ،‬تواجه اإلنسان يف الطريق‪ ،‬عالمات يف كل منعطف تشري إىل سواء السبيل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫فضل اهلل‪ ،‬حممد حسني‪ .‬احلوار يف القرآن‪ :‬قواعده‪ ،‬أساليبه‪ ،‬معطياته‪ ،‬بريوت‪ :‬دار التعارف للمطبوعات‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ط‪1٤0٧( ،٥‬هـ‪198٧ /‬م)‪ ،‬ص‪.٣٢‬‬
‫(‪ )٣‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن حسني بن عيل‪ .‬مناقب الشافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد صقر‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة دار الراث‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٣90‬هـ‪19٧0/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.18٦‬‬
‫(‪ )٤‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦٤‬‬
‫ويذكر املؤلف مخسة أوصاف لألمة ذات الوقاحة اإلنكارية‪ -1 ،‬إلغاء حق االختالف‪ -٢ .‬الوقاحة اإلنكارية‪.‬‬
‫‪ -٣‬طلب املرشوعية لإلنكار واملعقولية للوقاحة‪ -٤ .‬التعاون عىل املنكر‪ -٥ .‬شدة الغضب للمعاملة باملثل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1٦٤-1٦٣‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٢٧٥‬‬
‫‪ -3‬أصل تكامل مصادر املعرفة‪:‬‬

‫يشري القرآن الكريم إىل االرتباط والتكامل بني مصادر املعرفة‪ (1(،‬تنبيه ًا للمخالف‪،‬‬
‫عىل سبب من أسباب االختالف عظيم‪ ،‬تضيع بسببه احلقائق‪ ،‬وتكثر بسببه االختالفات‬
‫والنزاعات العقلية‪ ،‬وهو عدم التكامل بني مصادر املعرفة‪ ،‬فالتكامل جيعل احلقائق يف‬
‫الذهن يقينية‪ ،‬فالغرض من استعامل مصادر املعرفة بطريقة متكاملة هو الوصول إىل‬
‫املعرفة احلقة‪.‬‬

‫وقد ذكر علامء اإلسالم ثالث دوائر ملصادر املعرفة "والعلم يدرك من وجوه ثالثة‪:‬‬
‫ويقول امليداين يف ارتباط مصادر املعرفة وتعاضدها‪" :‬عملية‬ ‫(‪(٢‬‬
‫احلس‪ ،‬والنظر‪ ،‬واخلر"‪،‬‬
‫البحث عن املعرفة عملية تتعاون فيها وسائل احلس الظاهرة والباطنة واآلالت واألدوات‬
‫التي تستخدمها احلواس‪ ،‬وموازين العقل الفطرية‪ ،‬واملكتسبة‪ ،‬ومعارفه السابقة التي اكتسبها‬
‫بنفسه‪ ،‬والتي تلقاها عن غريه‪ ،‬مما اكتسبه اآلخرون من معارف‪ ،‬يضاف إىل ذلك ما يوحي به‬
‫اهلل ألنبيائه من معارف تكون لدهيم علوم ًا يقينية‪ ،‬شبيهة بالعلوم اليقينية التي يكتسبها الناس‬
‫(‪(٣‬‬
‫العاديون بحواسهم‪".‬‬

‫(‪ )1‬يقول فتحي ملكاوي يف حتديد الداللة املبارشة ملفهوم "التكامل املعريف"‪" :‬تعددت دالالت هذا املفهوم كام تعددت‬
‫سياقات استعامله‪ ،‬وأكثر هذه الدالالت استعامالً هو املوسوعية‪ ،‬واإلملام بعلوم متعددة‪ ،‬يف مقابل االقتصار عىل‬
‫التخصص الدقيق‪ ،‬وربام ييل هذه الداللة يف الشيوع حاجة العلوم إىل بعضها بعض ًا يف نمو العلم وتقدمه من جهة‪،‬‬
‫أو يف تطبيقه وتوظيف مبادئه عملي ًا من جهة ثانية‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن‪ .‬منهجية التكامل املعريف مقدمات يف املنهجية اإلسالمية‪ ،‬هرندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،1‬هـ‪٢011/‬م)‪ ،‬ص‪.٢91‬‬
‫(‪ )٢‬أبو يعىل‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪٢٧8‬؛ وانظر كذلك‪:‬‬
‫القرضاوي‪ ،‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٤9‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢٧-1٢٦‬‬
‫انظر كالم ًا جيد ًا لطه جابر العلواين عن مصادر املعرفة ومفهوم املعرفة يف‪:‬‬
‫العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٣-٦9‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٢٧٦‬‬
‫(‪(1‬‬
‫والعقل وسيلة وآلة لإلدراك‪ ،‬فهي غريزة أو صفة أو قوة مهيئة إلدراك احلقائق‪،‬‬
‫يقول األصفهاين‪" :‬وكل موضع رفع فيه القرآن التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إىل‬
‫هذه اآللة"‪ (٢(،‬وهو واسطة بني الوحي واحلس‪ ،‬فهو يقرأ الوحي‪ ،‬ويأخذ عنه احلقائق التي‬
‫تفوق قدراته وطاقته التي خلقه اهلل عليها‪ ،‬ويتلقى العلوم واملعارف كذلك من احلواس‪،‬‬
‫وحيوهلا إىل مدركات عقلية قابلة لالحتجاج واالستدالل‪.‬‬
‫فالعقل يرتبط بالوحي(‪ (٣‬من جهة‪ (٤(،‬وباحلس من جهة أخرى‪ ،‬فعملية التكامل بني‬
‫مصادر العلوم واملعارف‪ ،‬تقتيض االرتباط بني الوحي والعقل من جهة‪ ،‬والعقل واحلس من‬

‫(‪ )1‬وكل هذه األلفاظ تعبريات للعلامء ‪-‬وخصوص ًا األصوليني منهم‪ -‬عىل هذه القوة املدركة يف اإلنسان‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪( ،‬مادة‪ :‬عقل)‪ ،‬ص‪.٥٧8-٥٧٧‬‬
‫‪ -‬املحاسبي‪ ،‬أبو عبد اهلل احلارث بن أسد‪ .‬العقل وفهم القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسني القوتيل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٣91‬ه‪19٧1/‬م)‪ ،‬ص‪.٢01‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٤‬‬
‫‪ -‬آل تيمية‪ ،‬املسودة يف أصول الفقه‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد بن إبراهيم عباس الذروي‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الفضيلة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٢‬ه‪٢001/‬م)‪ ،‬ص‪.981‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعاىل عبد امللك بن عبد اهلل‪ .‬الربهان يف أصول الفقه‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد العظيم الديب‪ ،‬الدوحة‪:‬‬
‫جامعة قطر‪ ،‬ط‪1٣99 ،1‬ه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11٣-11٢‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬املنخول من تعليقات األصول‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حسن هيتو‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪1٤00( ،٢‬ه‪1980 /‬م)‪ ،‬ص‪.٤٥‬‬
‫(‪ )٢‬الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪( ،‬مادة‪ :‬عقل)‪ ،‬ص‪.٥٧8-٥٧٧‬‬
‫(‪ )٣‬هدي الوحي اإلهلي هو القرآن والسنة الصحيحة‪ ،‬وكالمها وحي‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ﴾ [لنجم‪ ،]٤-٣ :‬ويعر عنهام الشافعي بالنص‪ ،‬وقد أطلق عىل الوحي يف الفكر اإلسالمي أسامء أخرى متعددة‬
‫ٍ‬
‫معان منها‪:‬‬ ‫منها‪ :‬السمع‪ ،‬والنقل‪ ،‬والرشيعة‪ ،‬والنص‪ ،‬قال التهانوي‪ :‬إن النص يف عرف األصوليني يطلق عىل‬
‫"الكتاب والسنة‪ ...‬ما يقابل اإلمجاع والقياس‪ ."..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬التهانوي‪ ،‬حممد بن عيل بن القايض حامد بن حممد بن صابر احلنفي‪ ،‬موسوعة كشاف اصطالحات الفنون‬
‫والعلوم‪ ،‬تقديم وإرشاف ومراجعة‪ :‬رفيق العجمي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل دحروج‪ ،‬نقل النص الفاريس إىل العربية‪:‬‬
‫عبد اهلل اخلالدي‪ ،‬الرمجة األجنبية‪ :‬جورج زيناين‪ ،‬بريوت‪ :‬مكتبة لبنان نارشون‪ ،‬ط‪199٦ ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٦9٧‬‬
‫لكن مقصودنا هنا هو‪" :‬ما أوحاه اهلل تعاىل إىل خاتم األنبياء حممد ﷺ‪ ،‬سواء كان قرآن ًا أو سنة صحيحة‪".‬‬
‫(‪ )٤‬انظر ما ذكره الغزايل يف تكامل العقل والوحي وارتباطهام حتت عنوان‪" :‬بيان تظاهر العقل والرشع وافتقار أحدمها‬
‫إىل اآلخر" يف‪:‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬معارج القدس يف مدارج معرفة النفس‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤0٦‬ه‪1988/‬م)‪ ،‬ص‪.٧٣‬‬

‫‪٢٧٧‬‬
‫جهة أخرى‪ ،‬لذلك يقوم تكامل مصادر املعرفة العقلية عىل قضيتني‪ :‬األوىل‪ :‬ارتباط الوحي‬
‫(‪(1‬‬
‫والعقل‪ .‬والثانية‪ :‬ارتباط العقل واحلس‪.‬‬
‫أ‪ -‬ارتباط الوحي والعقل‪:‬‬
‫ربط اخلطاب القرآين بني العقل والوحي‪ (٢(،‬وذلك بدعوة العقل إىل التدبر يف الوحي‪،‬‬
‫يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [النساء‪،]8٢ :‬‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [حممد‪ ]٢٤ :‬واملتأمل يف اخلطاب القرآين‬
‫جيد العقل والنقل يسريان مع ًا‪ ،‬جنب ًا إىل جنب وهو ما يفهم من قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ [امللك‪.]10 :‬‬
‫يقول األصفهاين يف قوله تعاىل‪ ﴿" :‬ﯮ ﯯ ﯰﯱ﴾ [النور‪]٣٥ :‬؛ أي نور الرشع ونور العقل‪،‬‬
‫ثم قال‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [النور‪ ]٣٥ :‬فجعلهام نور ًا واحد ًا‪ ،‬فالرشع إذا فقد العقل عجز‬
‫عن أكثر األمور عجز العني عند فقد الشعاع"‪ (٤(،‬فالتكامل بني العقل والوحي طريق للمعرفة‬
‫اليقينية؛ ألن الوحي خير باحلقائق‪ ،‬وحيث العقل عىل النظر واالستدالل والرهنة عليها‪ .‬ويف‬
‫هذا يقول طه جابر العلواين عن زمن النبوة وزمن الصحابة ريض اهلل عنهم‪" :‬كان العقل والنص‬
‫يسريان مع ًا جنب ًا إىل جنب‪ ،‬خاضعني حلاكمية اهلل املطلقة‪ ،‬النص يرشد العقل ويوجهه‪ ،‬والعقل‬
‫(‪(٥‬‬
‫يتفهم النص ويستوعبه وحيسن تطبيقه وفهمه وربطه بالواقع دون أية عملية رصاع‪".‬‬

‫(‪ )1‬يقول طه جابر العلواين بالنسبة للمسلم له مصدران للمعرفة‪" :‬املصدر األول هو الوحي‪ ،‬والوحي يعني الكتاب‬
‫عيل أن أحددها‪ ،‬هي التي أنطلق بالتفكري فيها من منطلق الكتاب والسنة‪ ،‬وهناك قضايا أخر‬
‫والسنة‪ ،‬فهناك قضايا ّ‬
‫أنطلق فيها من منطلق الوجود‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧0‬‬
‫(‪ )٢‬والعقل حيتاج إىل حترير من اخلرافات واألوهام‪ ،‬ومن كل ما ال دليل عليه‪ ،‬وحيتاج إىل تنوير فيام ال يدركه بنفسه‪،‬‬
‫ولذلك كان "فيه خر ما قبلكم‪ ،‬وخر ما بعدكم‪ ،‬وفصل ما بينكم" لذلك احتاج اإلنسان إىل من ينوره يف كل ذلك‪،‬‬
‫فجاء اخلطاب القرآين متوجه ًا للعقل بالتحرير والتنوير‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬حممد احلسن ولد الددو‪» ،‬املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية‪ »،‬يف املوقع‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪https: //www.youtube.com/watch?v=ZvfQ_Vx6k3o#t= 29‬‬
‫(‪ )٣‬دراز‪ ،‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٥-٣٤‬‬
‫(‪ )٤‬الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد بن الفضل‪ .‬تفصيل النشأتني وحتصيل السعادتني‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫مكتبة احلياة‪198٣ ،‬م‪ ،‬ص‪.٧٤‬‬
‫(‪ )٥‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٣‬‬

‫‪٢٧8‬‬
‫واإلدراك العقيل ال يغني عن هداية الوحي وإرشاده‪ ،‬فالعلوم واملعارف نسبية‪ ،‬وال‬
‫سلطان هلا عىل وجدان البرشية‪ ،‬وبذلك يقع اخلالف والنزاع بشأهنا بني العلامء واحلكامء‪،‬‬
‫بخالف هداية الوحي؛ ألن مصدرها املطلق ال النسبي‪ ،‬وطريقها األنبياء‪ ،‬يقول الغزايل‪:‬‬
‫"واخللق كلهم يتعلمون من الرسل ما هلم طريق يف املعرفة سواه"‪ (1(،‬ويقول يف "املستصفى"‪:‬‬
‫"العقل يدل عىل صدق النبي‪ ،‬ثم يعزل نفسه ويعرف بأنه يتلقى من النبي بالقبول ما يقوله‬
‫(‪(٢‬‬
‫يف اهلل واليوم اآلخر‪ ،‬مما ال يستقل العقل بدركه‪ ،‬وال يقيض أيض ًا باستحالته‪"...‬‬

‫فلو كانت العلوم واملعارف العقلية وحدها قادرة عىل توحيد البرشية‪ ،‬واجتناب اخلالف‬
‫والفرقة والنزاع‪ ،‬ملا كان ما نشاهده يف عامل الناس اليوم من الفوىض‪ ،‬والنزاعات‪ ،‬واحلروب‪،‬‬
‫والدمار للحرث والنسل‪ ،‬ومل ينفعهم علامؤهم وال حكامؤهم‪ ،‬مع وجود تطور العلوم يف‬
‫مجيع املجاالت يف العرص احلايل‪ ،‬يقول إلياس بلكا‪" :‬والواقع أن أسباب قصور العقل كثرية‬
‫ال يمكن حرصها‪ ،‬فقسم كبري من أسباب حمدودية العقل يعود إىل ما أصبح يطلق عليه اليوم‪:‬‬
‫تعدد العقالنيات‪ ،‬بمعنى أننا مل نعد نتصور العقل بوصفه طاقة ثابتة جامدة تسري عىل قوانني‬
‫(‪(٣‬‬
‫حمددة خالدة‪ ،‬وبذلك وىل زمن العقل املطلق‪ ،‬وحل مكانه العقل النسبي‪".‬‬

‫فاالهتداء للحق والصواب ال يمكن أن يكون بالعقل وحده دون اهلدى اإلهلي‪،‬‬
‫ألن احلقائق العقلية نسبية‪ ،‬والعقل قارص عن إدراك احلقائق كلها‪ ،‬أو اإلحاطة هبا من كل‬
‫جوانبها‪ ،‬بل املنهج هو التكامل بني العقل والرشع‪" ،‬وكيف هيتدي للصواب من اقتفى حمض‬
‫العقل واقترص‪ ،‬وما استضاء بنور الرشع وال استبرص؟ فليت شعري كيف يفزع إىل العقل من‬
‫حيث يعريه العي واحلرص؟ أوال يعلم أن العقل قارص‪ ،‬وأن جماله ضيق منحرص؟ هيهات قد‬
‫خاب عىل القطع والبتات‪ ،‬وتعثر بأذيال الضالالت من مل جيمع بتأليف الرشع والعقل هذا‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬القسطاس املستقيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٣‬‬


‫(‪ )٢‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣٧‬‬
‫(‪ )٣‬بلكا‪ ،‬إلياس‪ .‬الغيب والعقل دراسة يف حدود املعرفة البرشية‪ ،‬هرندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008/‬م)‪ ،‬ص‪ .19٥‬انظر أيض ًا‪ :‬الكالم يف "حمدودية العقل" يف‪:‬‬
‫‪ -‬امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢9‬‬

‫‪٢٧9‬‬
‫معرف‪" (٢(،"...‬ال مبيح‪ ،‬فإنه‬
‫الشتات»‪ ،‬ويقول يف "املستصفى"‪ ..." :‬النبي خمر‪ ،‬والعقل ّ‬
‫(‪(1‬‬

‫(‪(٣‬‬
‫معرف للرجحان واالستواء‪".‬‬
‫مسو‪ ،‬لكنه ِّ‬
‫بمرجح وال ٍّ‬
‫ِّ‬ ‫ليس‬

‫وهداية الوحي اإلهلي أقوى من هداية الوحي العقيل يف تدبري اختالفات الناس‪،‬‬
‫فالنفس اإلنسانية تذعن هلا بالوازع النفيس التعبدي "فمن أعظم مزايا هداية الوحي الدينية‬
‫عىل العلمية الكسبية‪ ،‬هو أن مجيع طبقات املؤمنني يذعنون هلا بالوازع النفيس التعبدي‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫فبذلك تكون عامة ثابتة ال جمال للخالف والتفرق فيها‪"...‬‬

‫وبالنظر يف اخلطاب القرآين يتجىل هدي الوحي للعقل يف القضايا األربع اآلتية(‪:(٥‬‬

‫القضايا العقدية‪ ،‬والقضايا الترشيعية‪ ،‬والقضايا األخالقية‪ ،‬وقضايا السنن الكونية‪،‬‬


‫وباجلملة يتحدد دور العقل وعالقته بالعلوم واملعارف من خالل أنواعها الثالثة يف اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬العلوم الرضورية‪ :‬ليس للعقل دور كبري فيها؛ ألهنا تلزم كل العقالء‪ ،‬وال تنفك‬
‫عنهم؛ إذ ال يمكنه التشكيك فيها‪ ،‬كعلم اإلنسان بوجوده‪ ،‬وأن االثنني أكر من‬
‫واحد‪ ،‬إىل غري ذلك مما يسمى قوانني العقل الرضورية‪.‬‬

‫‪ -‬العلوم النظرية‪ :‬وهي املكتسبة بالنظر واالستدالل‪ ،‬وال بد يف حتصيل هذا العلم‬
‫من علم رضوري يستند إليه‪ ،‬ويدخل يف هذا القسم‪ :‬الطبيعيات‪ ،‬والطب‪،‬‬
‫والصناعات‪ ،‬وكثري من العلوم‪ ،‬وللعقل فيها جمال رحب‪ ،‬يف معرفتها وإدراكها‬
‫والتوسع فيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬االقتصاد يف االعتقاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫(‪ )٢‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٢٣‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٢٤‬‬
‫(‪ )٤‬رضا‪ ،‬الوحي املحمدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )٥‬يقول طه جابر العلواين‪ :‬إن الوحي عالج القضايا التي يقرص العقل عن إدراكها‪ .." :‬هذه األمور كلها يمكن أن‬
‫تضطرب‪ ،‬فعاجلها الوحي وأعطانا فيها احللول السليمة‪ ،‬قضايا العبادات‪ ،‬سنن الكون العامة‪ ،‬القواعد األساسية يف‬
‫السلوك‪ ،‬يف األخالق‪ ،‬كل هذه األمور قد تناوهلا الوحي‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧0‬‬

‫‪٢80‬‬
‫‪ -‬العلوم الغيبية‪ :‬وهي ال تعلم بالعقل املجرد وحده‪ ،‬بل ال بد للعقل إذا أراد أن‬
‫يعلمها أن يكون له طريق آخر للعلم هبا‪ ،‬كعلمه بام يكون يف البلد القايص عنه‪،‬‬
‫وعلمه بام يف اليوم اآلخر من بعث وجزاء وحساب‪ ،‬وهذا ال يعلم إال عن طريق‬
‫اخلر‪ ،‬ويدخل يف هذا القسم كثريا من مسائل االعتقاد‪ ،‬ال سيام التفصيلية منها‪،‬‬
‫فهذه ال يستقل العقل بمعرفتها‪ ،‬بل ال بد من اعتامده عىل الوحي‪" (1(،‬فالتفسري‬
‫الديني للكون ‪-‬بعيد ًا عن أن يوصف بالكسل الذهني‪ -‬يتخطى اإلدراك العلمي‬
‫ويسمو عليه؛ ألنه يوافق الفكرة العلمية وحيتوهيا‪ ،‬بل ويتجاوزها إىل ما ال هناية‬
‫(‪(٢‬‬
‫فاملتناهي حيتل ركن ًا صغري ًا من الالمتناهي‪"...‬‬

‫ب‪ -‬ارتباط العقل واحلس‪:‬‬

‫يرتبط اإلدراك العقيل باإلدراك احليس‪ ،‬فال يكون احلس وحده مصدر ًا للمعرفة حسب‬
‫الرؤية القرآنية‪ ،‬فإن احلواس تتلقى املعلومات من عامل الشهادة وتنقلها إىل العقل لتحويلها‬
‫إىل معقوالت‪.‬‬

‫و"اإلحساس‪ :‬إدراك اليشء بإحدى احلواس‪ ،‬فإن كان اإلحساس للحس الظاهر فهو‬
‫(املشاهدات)‪ ،‬وإن كان للحس الباطن فهو (الوجدانيات)"(‪ ،(٣‬واحلواس عطاء إهلي أنعم‬
‫اهلل تعاىل هبا عىل اإلنسان إىل جانب العقل‪.‬‬

‫واحلواس اخلمس‪ :‬السمع والبرص واللمس والذوق والشم‪ ،‬وهي عطاء إهلي لإلنسان‬
‫لالهتداء إىل طريق الفهم والعلم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ﴾ [البلد‪.]10-8 :‬‬

‫وربط اخلطاب القرآين بني العقل واحلواس يف إدراك املعارف واحلقائق‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤8٧-٤8٦‬‬


‫(‪ )٢‬دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ .‬مدخل إىل القرآن الكريم عرض تارخيي وحتليل مقارن‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد عبد العظيم عيل‪ ،‬مراجعة‪:‬‬
‫السيد حممد بدوي‪ ،‬الكويت‪ :‬دار القلم‪1٤0٤( ،‬ه‪198٤/‬م)‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫(‪ )٣‬اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢‬‬

‫‪٢81‬‬
‫ﯲ ﯳ﴾ [النحل‪" ]٧8 :‬واملعنى جعل لكم هذه األشياء آالت حتصلون هبا العلم‬
‫واملعرفة بأن حتسوا بمشاعركم جزئيات األشياء وتدركوها بأفئدتكم‪ ،‬وتنتبهوا ملا بينها‬
‫من املشاركات واملباينات بتكرير اإلحساس‪ ،‬فيحصل لكم علوم بدهيية تتمكنون بالنظر‬
‫وقال الزخمرشي‪" :‬وقوله‪﴿ :‬ﯬ ﯭ﴾ معناه‪:‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫فيها من حتصيل العلوم الكسبية"‪،‬‬
‫وما ركب فيكم هذه األشياء إال آالت إلزالة اجلهل الذي ولدتم عليه‪ ،‬واجتالب العلم‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ﴾؛ "أي التي تعلمون هبا‬ ‫(‪(٢‬‬
‫والعمل به"‪،‬‬
‫وتدركون"‪" (٣(.‬وهذه الوسائل الثالث قوى وعي تساعد اإلنسان عىل اكتشاف عنارص‬
‫احلق وامليزان‪ ،‬ليندفع بعد ذلك بإرادة وعزيمة وتصميم عىل إقامة احلق ووضع امليزان‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫واالنتصار للحق يف تناقضه مع الباطل‪".‬‬

‫وبني اخلطاب القرآين الرابط بني حاستي السمع والبرص والفؤاد‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﯷ‬
‫َّ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [اإلرساء‪ ]٣٦ :‬وهذا يشري إىل التكامل بني‬
‫العقل واحلواس يف اإلدراك للحقائق‪ ،‬فاحلواس أوالً والعقل ثاني ًا‪ ،‬كام نبه إىل ذلك اخلطاب‬
‫القرآين‪ ،‬فندرك عامل الشهادة باحلواس‪ ،‬ثم نحول تلك املعارف إىل العقل‪ ،‬الذي حيوهلا إىل‬
‫معارف معقولة‪.‬‬

‫أما حاسة اللمس فقد تكلم عنها القرآن الكريم بكوهنا مصدر ًا للمعرفة يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [األنعام‪.]٧ :‬‬

‫واحلواس مصدر من مصادر املعرفة جيعلها القرآن الكريم مرتبطة بالعقل غري مستقلة‬
‫بنفسها‪ ،‬فال قيمة للحواس من دون عقل‪ ،‬فتعطيلها وعدم استعامهلا وإمهاهلا يؤدي إىل تعطيل‬

‫(‪ )1‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.٤٣8‬‬
‫(‪ )٢‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٤‬ص‪.٥80‬‬
‫(‪ )٣‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٥1‬‬
‫(‪ )٤‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٥‬‬

‫‪٢8٢‬‬
‫مهمة العقل‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]1٧9 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﴾ [طه‪.]1٢٦-1٢٤ :‬‬

‫فاحلواس مرتبطة بالعقل متده باملعارف واملعلومات عن املحيط اخلارجي‪ ،‬والعقل‬


‫يقوم بعملية التفسري والتحليل‪ ..‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ﴾ [النحل‪ ]٧8 :‬فيكون العقل مرتبط ًا‬
‫باحلواس يف عامل الشهادة؛ عامل التجربة واملالحظة‪.‬‬

‫بذلك يكون االرتباط بني اإلدراك احليس واإلدراك العقيل معل ًام مه ًام يف أصل تكامل‬
‫العلوم واملعارف‪ ،‬من أجل تدبري االختالف املعريف‪ ،‬فال العقل يستقل وحده وال احلواس‬
‫مستقلة وحدها‪ ،‬فاحلواس متد العقل بإدراكاهتا‪ ،‬والعقل يقدم نتائج ذلك اإلدراك‪ ،‬فهو‬
‫يرجم املعرفة احلسية إىل معرفة عقلية‪.‬‬

‫وكثرية هي اآليات القرآنية التي توجه اإلنسان إىل إدراك املعارف عن طريق حواسه‪،‬‬
‫وذلك بالنظر يف الظواهر الكونية الطبيعية واالجتامعية اإلنسانية من حوله‪ ،‬بالنظر يف‬
‫األنفس واآلفاق‪ .‬وينبه القرآن من خالل ذلك العقل إىل جتميع هذه املعارف احلسية‬
‫وحتويلها إىل معارف عقلية منطقية يبني عليها معارفه الصحيحة‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ‬
‫ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛ ﯜ‬
‫ﯝ﴾ [الغاشية‪.]٢0-1٧ :‬‬

‫والناظر يف اخلطاب القرآين‪ ،‬جيده يدعو إىل سلوك طريق احلس إلدراك املعارف‪ ،‬يقول‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ‬
‫يقول اآللويس‪" :‬واملعنى جعل لكم هذه األشياء آالت‬ ‫[النحل‪]٧8 :‬‬ ‫ﯲ ﯳ﴾‬

‫‪٢8٣‬‬
‫حتصلون هبا العلم واملعرفة بأن حتسوا بمشاعركم جزئيات األشياء‪ ،‬وتدركوها بأفئدتكم‪،‬‬
‫وتنتبهوا ملا بينها من املشاركات واملباينات بتكرير اإلحساس‪ ،‬فيحصل لكم علوم بدهيية‪،‬‬
‫تتمكنون بالنظر فيها من حتصيل العلوم الكسبية"‪ (1(،‬وأشار القرآن الكريم إىل حسة وندم‬
‫من مل يستعملها‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [امللك‪.]10 :‬‬

‫فأصل التكامل بني مصادر املعرفة‪ ،‬اإلدراك احليس (الظاهر والباطن) واإلدراك‬
‫العقيل‪ ،‬والوحي‪ ،‬طريق منهجي أكده القرآن ودعا إليه من أجل املعرفة احلقة واليقينية‪ ،‬فبهذا‬
‫التكامل واالرتباط بني مصادر املعرفة –الوحي والعقل من جهة‪ ،‬والعقل واحلس من جهة‬
‫ثم تتم إدارة‬
‫أخرى‪ -‬حيصل الوفاق املعريف العاصم للعقل من الرشود واالضطراب‪ ،‬ومن ّ‬
‫اخلالف املعريف القائم عىل اختالف اإلدراك العقيل‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أصول تدبري االختالف املنهجية التفصيلية‬

‫متهيد‪:‬‬

‫ذكر القرآن الكريم أصول تدبري االختالف املنهجية التفصيلية –األخالقية واملعرفية‪-‬‬
‫يف سياق حماورة املخالف وجمادلته‪ ،‬سواء منهم املنافقون‪ ،‬أو أهل الكتاب‪ ،‬أو غريهم من‬
‫املرشكني والفلسفات األخرى‪ ،‬فهي عامة وليست خاصة بفئة دون أخرى‪ ،‬سواء يف تدبري‬
‫االختالف داخل الدائرة اإلسالمية‪ ،‬أو خارجها من أهل الكتاب أو غريهم‪ .‬كام أن معاجلة‬
‫األصوليني هلا يف علم اجلدل واملناظرة‪ ،‬ليست خاصة بتدبري االختالف العلمي األصويل‪ ،‬أو‬
‫الداخيل اإلسالمي ‪-‬كام هو متبادر‪ -‬ألن كالمهم عن هذه "القواعد اجلدلية يف سياق أصويل‪،‬‬
‫فمن باب ارتباط املنهج باملوضوع‪ ،‬وإال فهذه القواعد اجلدلية متثل منهج تدبري االختالف‬
‫(‪(٢‬‬
‫بصفة عامة سواء كان خالف ًا داخلي ًا أو خارجي ًا‪".‬‬

‫(‪ )1‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.٤٣8‬‬
‫(‪ )٢‬رفيع‪ ،‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109-108‬‬

‫‪٢8٤‬‬
‫(‪(1‬‬
‫‪ -1‬أصول تدبري االختالف التفصيلية األخالقية‪:‬‬

‫ونتناول هذا املوضوع بالتحليل والدراسة يف اآليت‪:‬‬

‫أ‪ -‬أصل الدعاء وطلب املعونة من اهلل‪:‬‬

‫يؤكد اخلطاب القرآين هذا األصل يف املامرسة اجلدلية؛ ألن االختالف مشيئة إهلية‪،‬‬
‫والضالل واهلدى بيد اهلل تعاىل‪ ،‬والتوفيق للحق والصواب بيده كذلك‪ ،‬لذلك ينبغي عىل‬
‫املجادل أن يسأل اهلل تعاىل أن يلهمه الصواب‪ ،‬وأن ُيريه احلق ويوفقه التباعه والركون إليه‪،‬‬
‫قال تعاىل عىل لسان سيدنا موسى ملا أرسله إىل فرعون‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱﯲﯳﯴ‬
‫ﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂ ﰃ ﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉ‬
‫ﰊ ﴾ [طه‪ ٢٥ :‬إىل ‪ ]٣٦‬فسيدنا موسى يف هذه اآليات طلب املعونة من اهلل يف جمادلة فرعون‬
‫وحماورته‪ ،‬يقول ابن كثري‪" :‬هذا سؤال من موسى‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬لربه عز وجل‪ ،‬أن يرشح له‬
‫(‪(٢‬‬
‫صدره فيام بعثه به‪ ،‬فإنه قد أمره بأمر عظيم‪ ،‬وخطب جسيم‪"...‬‬

‫وكف ِّ‬
‫الفك‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫الكف‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫(‪ (1‬والقرآن الكريم كله أخالق‪" ،‬وقيل‪ :‬حسن اخللق‪ :‬بذل الندى‪ ،‬وكف األذى‪ .‬وقيل‪ُّ :‬‬
‫فك‬
‫وكف القبيح‪ .‬وقيل‪ :‬التخيل من الرذائل‪ ،‬والتحيل بالفضائل‪ ".‬انظر‪:‬‬‫ُّ‬ ‫وقيل‪ :‬بذل اجلميل‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥٦8‬‬
‫وهذه األصول ينتظمها مبدأ "ضبط النفس وتربيتها وتزكيتها‪ "،‬وعدم جماراة ميوالهتا‪ ،‬املؤثرة يف السلوك‬
‫اإلنساين‪ ،‬وإذعانه إىل احلق والتزامه باألصول األخالقية‪ .‬وقد ذكر الغزايل يف "اإلحياء" جمامع هذه اآلفات األخالقية‬
‫يف املناظرة‪ ،‬وخصص لذلك مبحث ًا عنونه بـ‪" :‬بيان آفات املناظرة وما يتولد منها من مهلكات األخالق" وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .٥٦‬وانظر‪" :‬باب أدب اجلدل" يف‪:‬‬
‫‪ -‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن عيل بن ثابت‪ .‬كتاب الفقيه واملتفقه‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل بن يوسف العزازي‪،‬‬
‫الرياض‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬هـ‪199٦/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٧‬‬
‫وقال اجلويني بشأن املجادلة بالتي هي أحسن امللتزمة باآلداب األخالقية والربوية‪" :‬وأحسن يشء يف اجلدال‬
‫املحافظة من كل واحد من املتجادلني عىل أدب اجلدل‪ ،‬فإن األدب يف كل يشء حليته‪ .‬فاألدب يف اجلدل يزين‬
‫صاحبه‪ ،‬وترك األدب فيه يزري به ويشينه‪ .‬ومعظم األدب يف كل صناعة استعامل ما خيتص هبا‪ ،‬واالشتغال بام يعود‬
‫نفعه إىل تقويمها واإلعراض عام ال يعود بنفع إليها‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل إمام احلرمني عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬تقديم وحتقيق‬
‫وتعليق‪ :‬فوقية حسني حممود‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة عيسى احللبي‪ ،‬ط‪1٣99( ،1‬هـ‪19٧9/‬م)‪ ،‬ص‪.٥٣8‬‬
‫(‪ )٢‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢8٢‬‬

‫‪٢8٥‬‬
‫ويقول اجلويني يف تأكيد هذا األصل‪" :‬وقبل أن يرشع يف الكالم يبتدئ بحمد اهلل‬
‫والثناء له‪ ،‬والصالة عىل رسوله‪ ،‬فيستعني بذلك عىل طلب احلق‪ ،‬والتوفيق يف اإلبانة عن‬
‫(‪(1‬‬
‫الباطل وبطوله‪ ،‬والكشف عن الصواب وحقه‪"...‬‬

‫وهذا ما نبه عليه الباجي كذلك بقوله‪" :‬ينبغي للمناظر أن يقدم عىل جدله تقوى اهلل عز‬
‫وجل ليزكو نظره‪ ،‬وحيمد اهلل عز وجل ويصيل عىل رسول اهلل ﷺ كثري ًا‪ ،‬لتكثر بركاته وتعظم‬
‫(‪(٢‬‬
‫فوائده‪ ،‬ثم يسأله املعونة والتوفيق لنفسه عىل طلب احلق وتوفيقه إلدراكه‪"...‬‬

‫وااللتزام هبذا األصل األخالقي‪ ،‬يربط اإلنسان باهلل تعاىل؛ ألنه سبحانه املوفق للحق‬
‫والصواب‪ ،‬فهو العامل الذي ال ختفاه خافية‪ .‬أما علم اإلنسان‪ ،‬وقدراته العقلية‪ ،‬فقارصة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أصل قبول دعوة املخالف للحوار‪:‬‬

‫قبول دعوة املخالف للحوار وعدم اإلعراض عنه‪ ،‬أصل مهم يساعد عىل جعل احلوار‬
‫ثقافة علمية وجمتمعية‪ ،‬فتدبري االختالفات واحلد من النزاعات والرصاعات‪ ،‬حيتم قبول‬
‫احلوار والدعوة إليه‪ ،‬فاإلعراض عن املحاور ينتج بدائل أخرى غري حضارية وال إنسانية‪،‬‬
‫فإن أصل قبول الدعوة للحوار أصل يمهد إلرساء ثقافة تدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬عوض‬
‫اإلعراض عن سامع املخالف‪ ،‬وإرادة احلوار معه وجداله بالتي هي أحسن‪ ،‬فإنه يفوت‬
‫الفرصة عىل طريف املناظرة لالستفادة املعرفية والثقافية‪.‬‬

‫وقد قال تعاىل يف حق املرشكني إذا طلبوا اجلوار واألمان‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬


‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﴾ [التوبة‪ ..." ]٦ :‬واملقصود منه بيان أن الكافر‬
‫إذا جاء طالب ًا للحجة والدليل أو جاء طالب ًا الستامع القرآن‪ ،‬فإنه جيب إمهاله وحيرم قتله‪،‬‬
‫وجيب إيصاله إىل مأمنه‪ ،‬فمتى ظهر عىل املرشك عالمات كونه طالب ًا للحق باحث ًا عن وجه‬
‫(‪(٣‬‬
‫االستدالل ُأمهل وترك‪".‬‬

‫(‪ )1‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٢9‬‬


‫(‪ )٢‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )٣‬الرازي‪ ،‬التفسري الكبري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.٢٣٧-٢٣٥‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٧٦-٧٥‬‬

‫‪٢8٦‬‬
‫ويقول ابن عاشور‪" :‬وملا كانت إقامة املرشك املستجري عند النبي عليه الصالة والسالم‬
‫وإسامعه القرآن‪ ،‬سواء كانت استجارته لذلك أم لغرض‬‫ِ‬ ‫ال ختلو من عرض اإلسالم عليه‬
‫آخر‪ ،‬ملا هو معروف من شأن النبي ﷺ من احلرص عىل هدي الناس‪ ،‬جعل سامع هذا املستجري‬
‫القرآن غاية إلقامته الوقتية عند الرسول ﷺ فدلت هذه الغاية عىل كالم حمذوف إجياز ًا‪ ،‬وهو‬
‫ما تشتمل عليه إقامة املستجري من تفاوض يف مهم‪ ،‬أو طلب الدخول يف اإلسالم‪ ،‬أو عرض‬
‫(‪(1‬‬
‫اإلسالم عليه‪"...‬‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [الزمر‪" ]18-1٧ :‬يقول‬


‫جل ثناؤه لنبيه حممد ﷺ‪ :‬فبرش يا حممد عبادي الذين يستمعون القول من القائلني‪ ،‬فيتبعون‬
‫أرشده وأهداه‪ ،‬وأدله عىل توحيد اهلل‪ ،‬والعمل بطاعته‪ ،‬ويركون ما سوى ذلك من القول‬
‫(‪(٢‬‬
‫الذي ال يدل عىل رشاد‪ ،‬وال هيدي إىل سداد‪".‬‬

‫وقد ذهب املفسون حسب ما وقفت عليه‪ ،‬إىل ما ذكره الطري نفسه‪ ،‬من الثناء عىل‬
‫العباد الذين يستمعون القول فيتبعون األحسن واألهدى إىل احلق‪ ،‬ويف هذا إشارة إىل حث‬
‫القرآن الكريم عىل االستامع للمخالف‪ ،‬وقبول دعوته للحوار واجلدال‪ ،‬وتصحيح املعرفة‪،‬‬
‫واتباع أقرب األقوال للحق‪.‬‬

‫قال تعاىل عىل لسان سيدنا نوح ملا أرسله إىل قومه ليدعوهم إىل الرشد‪ ،‬لكنهم رفضوا‬
‫الدعوة(‪ ﴿ :(٣‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [نوح‪ ]10-٥ :‬مع أن سيدنا‬
‫نوح استعمل معهم أساليب حوارية خمتلفة‪ ،‬لعل ذلك ينفع يف قبول الدعوة واالستجابة له‪،‬‬
‫ال وهنار ًا‪ ،‬رس ًا وجهر ًا‪ ،‬لكنهم حادوا عن احلق‪ ،‬ومل يقبلوا دعوته للحوار وال‬
‫فحاورهم لي ً‬
‫سامع ما عنده‪ ،‬بل أغلقوا آذاهنم‪ ،‬وتنكروا له‪ ،‬واستكروا عن اتباع احلق‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.119-118‬‬


‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪.٢٧٤-٢٧٣‬‬
‫(‪ )٣‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٢٣٢‬‬

‫‪٢8٧‬‬
‫ت‪ -‬أصل االعرتاف باملخالف وقبول رأيه‪:‬‬

‫االعراف باملخالف وقبول رأيه(‪ ،(1‬مقدمة أساسية يف املنهج اجلديل‪ ،‬فاملناظرة واحلوار‬
‫اعراف متبادل؛ ألن املناظرة مراجعة بني رأيني خمتلفني‪ ،‬قصدها الوصول إىل احلقيقة‪ ،‬وال‬
‫يتم هذا القصد من دون االعراف والقبول للرأي املخالف‪ ،‬لذلك يفرض املنهج اجلديل‬
‫القرآين‪ ،‬االعراف باملخالف‪ ،‬وقبول رأيه‪ ،‬ثم مناقشة أفكاره(‪.(٢‬‬

‫دعا القرآن الكريم إىل قبول الرأي املخالف‪ ،‬واالبتعاد عن جو اإلنكار واالنفعال‬
‫والعداء‪ ،‬وذلك يف سياق الرد عىل الكفار ملا اهتموا النبي ﷺ باجلنون‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾ [سبأ‪.]٤٦ :‬‬

‫فإن االعراف باملخالف وقبول رأيه أصل مهم يف املامرسة اجلدلية‪ ،‬وحيكي القرآن‬
‫الكريم قول املرشكني الرافضني لذات املخالف‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﴾ [الزخرف‪ ]٣1 :‬فهم مل يعرضوا عىل الرأي والفكرة‪ ،‬لكنهم اعرضوا عىل ذات‬
‫املخالف‪ ،‬ومتنوا لو أن هذا القرآن أنزل عىل "الوليد بن املغرية بمكة‪ ،‬أو عروة بن مسعود‬
‫الثقفي بالطائف"‪ (٣(،‬فكان رفضهم لرسول اهلل ﷺ استناد ًا إىل شهواهتم ورغباهتم‪ ،‬التي ال‬
‫أساس هلا يف منهج املناظرة واملجادلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬نقل لنا القرآن الكريم‪ ،‬كل اهتامات املخالف للرسل مجيع ًا‪ ،‬ومنهم الرسول حممد ﷺ‪ ،‬حيث قالوا‪" :‬ساحر‪"،‬‬
‫"كذاب‪" "،‬كاهن‪" "،‬شاعر‪ "،‬وكذلك تشكيكهم يف مسألة املعاد‪ ،‬وكثري من قضايا الدين وأحكامه‪ ،‬وقد تعرض‬
‫الباحث يف ثنايا هذه الدراسة – يف غري هذا املوضع‪ -‬لعدد من اآليات القرآنية التي أشارت إىل أقوال املخالفني‪،‬‬
‫وعرض آرائهم ومواقفهم‪ ،‬الدالة عىل اعراف القرآن الكريم باملخالف‪ ،‬وقبول رأيه‪.‬‬
‫وتعرض طه عبد الرمحن بالنقد لفلسفة الواقع الكوين جتاه املخالف بقوله‪" :‬وإذا نحن رجعنا إىل الذين ينظرون‬ ‫َّ‬ ‫(‪)٢‬‬
‫لالختالف يف الواقع الكوين‪ ،‬ظفرنا عندهم بثالثة مبادئ أساسية لضبط االختالف‪ ،‬وهي‪" :‬مبدأ التسامح‪ "،‬و"مبدأ‬
‫االعراف‪ "،‬و"مبدأ التصويب"‪ ...‬ولنبني كيف أهنا ‪-‬املبادئ‪ -‬ال تويف بالغرض املطلوب؛ أي دفع التصلب عن‬
‫االختالف‪ ،‬أو دفع الوقاحة عن األمة‪ ". ...‬انظر بيان ذلك ومناقشته هلذه املبادئ يف‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٤٦‬‬
‫(‪ )٣‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين ‪ ،‬واملحيل‪ ،‬جالل الدين‪ .‬تفسري اجلاللني‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار احلديث‪ ،‬ط‪( ،1‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٦٥0‬‬

‫‪٢88‬‬
‫ومن االعراف باملخالف يف املناظرة‪ ،‬معرفة قدر املناظر وإنزاله منزلته‪" ،‬وعليك‬
‫باملحافظة عىل قدرك وقدر خصمك‪ ،‬وإنزال كل واحد يف وجه كالمك معه درجته ومنزلته‪،‬‬
‫فتميز بني النظري واملسرشد‪ ،‬وبني األستاذ ومن يصلح لك‪ ،‬وال تناظر النظري مناظرة املبتدئ‬
‫واملسرشد‪ ،‬وال تناظر أستاذينك مناظرة األكفاء والنظراء‪ ،‬بل تناظر ك ً‬
‫ال عىل حقه‪ ،‬وحتفظ‬
‫(‪(1‬‬
‫ك ً‬
‫ال عىل رتبته‪".‬‬

‫كان هذا هو موقف القرآن الكريم يف االعراف باملخالف‪ ،‬وهو يمثل موقف املسلمني‬
‫من األغيار‪ ،‬يقول جوستاف لوبون‪" :‬إن مساحمة حممد ﷺ لليهود والنصارى كانت عظيمة‬
‫إىل الغاية‪ ،‬ومل يقل بمثلها مؤسسو األديان التي ظهرت قبله‪ ،‬كاليهودية والنرصانية عىل وجه‬
‫(‪(٢‬‬
‫اخلصوص‪ ،‬وقد سار خلفاؤه عىل سنته‪".‬‬

‫فام هو موقف املخالف غري املسلم من األغيار‪ ،‬والسيام املسلمني منهم يف القرآن الكريم؟‬
‫إذا تأملنا اخلطاب القرآين نجد موقف ًا مغاير ًا‪ ،‬بل موقف ًا غري طبيعي‪ ،‬فاليهود قرصوا التعامل‬
‫بالنبل والعدل والكرم بينهم‪ ،‬وأباحوا ألنفسهم رفض املخالف وإنكاره‪ ،‬بل استصغاره‬
‫واحتقاره بالتعامل معه بالفواحش والرذائل‪ ،‬يف نرجسية فاضحة‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [آل عمران‪ ،]٧٥ :‬وقال تعاىل يف‬
‫نقضهم للعهود مع املخالف‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾‬
‫[البقرة‪ ،]100 :‬وقال تعاىل يف وصف عداوهتم للمؤمنني بكوهنا شديدة‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [املائدة‪.]8٢ :‬‬

‫ومع أن القرآن الكريم جيعل النرصانية أقرب إىل املسلمني مودة من اليهود‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [املائدة‪ ]8٢ :‬إال أن‬
‫بعض املامرسات الكنسية مل تنسجم مع هذه الرؤية واحلقيقة القرآنية‪ .‬ولعل متثالت احلروب‬
‫والرصاعات الدينية التي حدثت يف البلقان وبعض مواقف التنصري يف أفريقيا شاهد عىل هذا‪.‬‬

‫(‪ )1‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣1‬‬


‫(‪ )٢‬لوبون‪ ،‬حضارة العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٣٧‬‬

‫‪٢89‬‬
‫وهذا املوقف اإلنكاري للمخالف أخرنا القرآن عىل أنه موقف متبادل بني اليهود‬
‫والنصارى أنفسهم‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ﴾ [البقرة‪ ]11٣ :‬يقول ابن عاشور‪" :‬معطوف عىل قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [البقرة‪ ]111 :‬لزيادة بيان أن املجازفة دأهبم‪ ،‬وأن رمي املخالف‬
‫بأنه ضال شنشنة قديمة فيهم‪ ،‬فهم يرمون املخالفني بالضالل ملجرد املخالفة‪ (1(،"...‬كام هو‬
‫موقف املرشكني الذين أنكروا األديان كلها‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾‬
‫[األنعام‪ ]91 :‬فهؤالء أنكروا كل خمالف يعتنق دين ًا ساموي ًا كيفام كان‪ ،‬فهم يرفضون املخالف‬
‫املسلم واليهودي واملسيحي‪.‬‬

‫وبعد الكالم عن اعراف القرآن باملخالف‪ ،‬وموقف املخالف من الديانات األخرى‬


‫من أهل القرآن‪ ،‬بقي لنا موقف الغرب العلامين‪ ،‬لتكتمل الصورة للقارئ‪:‬‬

‫ينكر التفكري االستعامري الغريب االختالف والتعدد‪ ،‬ويسعى للهيمنة عىل العامل‪،‬‬
‫وادعاء املركزية احلضارية‪ ،‬ونفي اآلخر املخالف وإقصائه‪ ،‬وعدم االعراف به ثقافة وفكر ًا‬
‫وحضارة‪ ،‬ف "هذه النزعة املركزية قد جعلت الثقافة الغربية تنكر تنوع العامل إىل حضارات‬
‫متعددة ومتاميزة ومستقلة يف ثقافاهتا‪ ،‬فزعمت هذه املركزية أن احلضارة الغربية هي احلضارة‬
‫العاملية‪ ،‬وأن العامل والتحرض قد بدأ باإلغريق‪ ،‬وانتهى بالنهضة الغربية احلديثة‪ ،‬وأن‬
‫إسهامات اآلخرين –وخاصة املسلمني‪ -‬ال تعدو أن تكون "إسهامات" ساعي بريد‪ ،‬نقل‬
‫تراث اإلغريق إىل أوربا عرص النهضة والتنوير‪"...‬‬

‫ال «منتهى‬ ‫ّ‬


‫"أن الديمقراطية الليرالية بإمكاهنا أن تشكل فع ً‬ ‫(‪(٢‬‬
‫وزعم "فوكوياما"‬
‫التطور اإليديولوجي لإلنسانية»‪ ،‬و«الشكل النهائي ألي حكم إنساين»؛ أي‪ :‬إهنا من هذه‬
‫الزاوية «هناية التاريخ»"(‪" ،(٣‬وهذا اخلطاب رصيح يف إلغاء مجيع احلضارات األخرى‪ ،‬ومل‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٧٥‬‬


‫(‪ )٢‬انظر تعليق طه جابر العلواين عىل كتاب "هناية التاريخ" فرانسيس فوكوياما‪.‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٣‬‬
‫(‪ )٣‬فوكوياما‪ ،‬فرانسيس‪ .‬هناية التاريخ واإلنسان األخري‪ ،‬ترمجة‪ :‬فؤاد شاهني ومجيل قاسم ورضا الشايبي‪ ،‬اإلرشاف‬
‫واملراجعة والتقديم‪ :‬مطاع صفدي‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز اإلنامء القومي‪199٣ ،‬م‪ ،‬ص‪...٢٣‬‬

‫‪٢90‬‬
‫تبق يف نظر فوكوياما سوى احلضارة الغربية بعد أن انترصت مبادئها الليرالية‪ ،‬ومل يعرف‬
‫َ‬

‫بيشء ألحد‪ ،‬حتى لإلسالم‪ ،‬فكيف يمكن للغرب أن خيوض حوار ًا حضاري ًا مع طرف مل‬
‫(‪(1‬‬
‫يعرف به بعد؟"‬

‫والغرب من أجل تكريس النظرة اإلقصائية للمخالف –اإلسالمي حتديد ًا‪ -‬أخذ‬
‫يطرح نظام العوملة لفرض أنساقه الثقافية‪ ،‬متجاه ً‬
‫ال خصوصيات الشعوب واحلضارات‪،‬‬

‫(‪ )1‬الغرباوي‪ ،‬ماجد‪ .‬إشكالية التجديد‪ ،‬كتاب قضايا إسالمية معارصة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار اهلادي‪ ( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٤8‬‬
‫وباإلضافة إىل هذه النظرية اإلقصائية اإللغائية الرافضة للمخالف‪ ،‬نجد كذلك نظرية هانتنجتون القائلة "بصدام‬
‫احلضارات"‪( ..‬مقالة منشورة يف جملة‪ ،)199٣( Foreign Affairs :‬وفصل النظرية يف كتابه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬صامويل هانتنجتون‪ ،‬صدام احلضارات إعادة صنع النظام العاملي‪ ،‬ترمجة‪ :‬طلعت الشايب‪ ،‬ط‪1999 ،٢‬م‪.‬‬
‫وقد تناوهلا عدد من الباحثني بطرق خمتلفة‪ ،‬منهم من رشح النظرية‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫‪ -‬مقري‪ ،‬عبد الرزاق‪ .‬صدام احلضارات؛ حماولة للفهم أبعاد وأسباب ومآالت العدوان األمريكي عىل األمة‪،‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬املنصورة‪ :‬دار الكلمة‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬
‫ومنهم من ناقش النظرية ورد عليها‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬املسلمون والعوملة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار التوزيع والنرش اإلسالمية‪٢000 ،‬م‪ .‬وتعرض الكاتب‬
‫لكتاب "صدام احلضارات" صامويل هانتنجتون‪ ،‬يف الباب الثالث‪ ،‬وأثار لديه الكثري من التساؤالت عن‬
‫رضورة وحتمية حدوث رصاع للحضارات‪ ،‬موضح ًا أن األصل يف االختالف يف اإلسالم‪ ،‬هو السلم‬
‫والتحاور والتعايش ال التصارع‪ ،‬داعي ًا حلوار احلضارات‪ ،‬ومذكر ًا بقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗ﴾ (البقرة‪ ،(٢1٦ :‬وأشار إىل النظرية يف بعض كتبه األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬حممد عامرة‪ ،‬احلضارات العاملية تدافع أم رصاع؟ القاهرة‪ :‬هنضة مرص‪ ،‬يف التنوير اإلسالمي (‪ ،)٢٤‬ط‪،1‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٤٦‬‬
‫وقد ناقش حممد عابد اجلابري قضية "صدام احلضارات" يف‪:‬‬
‫‪ -‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ .‬قضايا يف الفكر املعارص‪ :‬العوملة‪ ،‬رصاع احلضارات‪ ،‬العودة إىل األخالق‪ ،‬التسامح‪،‬‬
‫الديمقراطية ونظام القيم‪ ،‬الفلسفة واملدنية‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪199٧ ،1‬م‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫وقد نعدّ دراسة‪ :‬رصاع احلضارات يف املفهوم اإلسالمي‪ ،‬عبد العزيز التوجيري‪ ،‬طريقة مغايرة يف معاجلة‬
‫املوضوع‪ ،‬فقد حاول الركيز عىل النظر الرشعي اإلسالمي للتدافع والتعايش اإلنساين‪.‬‬
‫ومن الكتب التي ألفت يف رشح النظرية‪:‬‬
‫‪ -‬مقري‪ ،‬صدام احلضارات حماولة للفهم وأبعاد وأسباب ومآالت العدوان األمريكي‪ ،‬عىل األمة اإلسالمية‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬قاعود‪ ،‬حييى سعيد حممد‪" .‬طروحات فوكوياما وهانتنغتون والنظام العاملي اجلديد‪ :‬دراسة حتليلية مقارنة"‪،‬‬
‫(رسالة ماجستري‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية‪ ،‬جامعة األزهر‪ ،‬غزة‪1٤٣٥( ،‬ه‪٢01٤/‬م)‪.‬‬

‫‪٢91‬‬
‫مستعم ً‬
‫ال يف ذلك ما توصل إليه من تقدم تكنولوجي ومعلومايت‪ ،‬يف هجوم وتغلغل سافر‬
‫لتنميط القيم‪ ،‬وإحلاق العامل بالفلك الغريب‪.‬‬

‫ويبقى موقف اإلسالم من االعراف باآلخر‪ ،‬موقف ًا متميز ًا عن غريه من مواقف أهل‬
‫الكتاب والغرب العلامين‪.‬‬

‫ث‪ -‬أصل إنصاف املخالف‪:‬‬

‫اإلنصاف(‪ (1‬من أهم أصول احلوار واجلدل مع املخالف؛ ألن املخالف إذا مل يلمس‬
‫من املحاور اإلنصاف‪ ،‬ال يطمئن ملحاورته وال هتدأ نفسه‪ ،‬وال يتهيأ اجلو السليم للحوار؛‬
‫إذ إن املحاور لن يسمع احلجج‪ ،‬ولن يذعن للحق‪ ،‬ولن يتحقق الفهم واإلفهام‪ ،‬فاملحاورة‬
‫واملحاجة ال تصلح وال تنفع إال مع اإلنصاف من النفس‪.‬‬

‫وجاءت آيات كثرية تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم والشنآن‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [املائدة‪ ،]٢ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [املائدة‪ ]8 :‬يقول ابن تيمية‪:‬‬
‫"وهذه اآلية نزلت بسبب بغضهم للكفار‪ ،‬وهو بغض مأمور به‪ ،‬فإذا كان البغض الذي أمر‬
‫اهلل به قد هنى صاحبه أن يظلم من أبغضه‪ ،‬فكيف يف بغض مسلم بتأويل وشبهة أو هبوى‬
‫(‪(٢‬‬
‫نفس‪ ،‬فهو أحق أن ال يظلم بل يعدل عليه‪".‬‬

‫واإلنصاف يف نقل رأي املخالف وحجته منهج قرآين؛ إذ نقل لنا القرآن الكريم آراء‬
‫املخالفني من غري زيادة وال نقصان‪ ،‬بل قد يكون تعبري القرآن الكريم عن آرائهم وأفكارهم‬
‫أحسن وأمجل من تعبرياهتم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫(‪ )1‬يقول حاتم األصم يف بيان إنصافه ملخالفه‪" :‬معي ثالث خصال هبن أظهر عىل خصمي‪ ،‬قالوا‪ :‬أي يشء هي؟ قال‪:‬‬
‫أجتهل عليه‪ .‬فبلغ ذلك أمحد بن حنبل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أفرح إذا أصاب خصمي‪ ،‬وأحزن إذا أخطأ‪ ،‬وأحفظ نفيس أن ال ّ‬
‫سبحان اهلل ما أعقله‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬أبو نعيم‪ ،‬أمحد بن عبداهلل األصفهاين‪ .‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السعادة‪1٣9٤( ،‬هـ‪19٧٤/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،8‬ص‪.8٤‬‬
‫(‪ )٢‬ابن تيمية‪ ،‬منهاج السنة النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٢٧‬‬

‫‪٢9٢‬‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [يس‪ ]٤٧ :‬فمطلب اإلنصاف يقتيض‬
‫عدم حتريف قول املخالف‪ ،‬أو الزيادة أو النقصان فيه‪ ،‬يقول اجلويني‪" :‬وعليهام أن ينصفا يف‬
‫حكاية كل واحد منهام كالم صاحبه من غري زيادة وال نقصان‪ (1(،"...‬ويقول الباجي‪" :‬وال‬
‫(‪(٢‬‬
‫يناظر من ال ينصف من نفسه‪".‬‬

‫فاملنهج اجلديل يفرض عىل املتناظرين اإلنصاف من النفس‪ ،‬وعدم ربط احلق بشخص‬
‫املناظر وذاته‪ ،‬بل احلق ال حيايب أحد ًا "واهلل قد أمرنا أال نقول عليه إال احلق‪ ،‬وأال نقول عليه‬
‫إال بعلم‪ ،‬وأمرنا بالعدل والقسط‪ ،‬فال جيوز لنا إذا قال هيودي أو نرصاين فض ً‬
‫ال عن الرافيض‬
‫(‪(٣‬‬
‫قوالً فيه حق أن نركه أو نرده كله‪ ،‬بل ال نرد إال ما فيه من الباطل دون ما فيه من احلق"‪،‬‬
‫وهذه كلمة عظيمة من عامل جليل‪ ،‬تدل عىل موقف اإلسالم ومنهجه يف إنصاف املخالف‪.‬‬

‫واإلنصاف أصل عام وأسايس يف العملية احلجاجية واجلدلية‪ ،‬يفرض عىل املجادل‬
‫احرام املخالف‪ ،‬وقبوله‪ ،‬والبعد عن اهلوى‪ ،‬واالنتصار للنفس‪" ،‬وعالقة اإلنصاف‬
‫واالحرام عالقة متبادلة بني الطرفني املتجادلني‪ ،‬حيرص عليها كل واحد منهام؛ ألهنا تقود‬
‫إىل قبول احلق‪ ،‬والبعد عن اهلوى‪ ،‬واالنتصار للنفس‪ ،‬أما انتقاص الرجال واحتقارهم فأمر‬
‫(‪(٤‬‬
‫معيب وغري مقبول يف خمتلف الثقافات‪".‬‬

‫ويع ّلم اهلل تعاىل نبيه ﷺ اإلنصاف بقوله‪ ﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬


‫ﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲ ﯳﯴﯵﯶﯷ‬
‫ﯸ﴾ [آل عمران‪ ]٦1 :‬يقول أبو زهرة‪" :‬فأنصفهم بذلك من نفسه‪ ،‬ولو قال أبتهل‬
‫(‪(٥‬‬
‫فأجعل لعنة اهلل عليكم مل يرض النصارى بذلك‪".‬‬

‫(‪ )1‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٤0‬‬


‫(‪ )٢‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )٣‬ابن تيمية‪ ،‬منهاج السنة النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣٤٢‬‬
‫(‪ )٤‬رفيع‪ ،‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9٥‬‬
‫(‪ )٥‬أبو زهرة‪ ،‬تاريخ اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٦8‬‬

‫‪٢9٣‬‬
‫وغالب ًا ينعدم اإلنصاف يف أجواء اخلالف واملناظرة‪ ،‬ويظهر التعصب وأهواء النفوس‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫وقد كان اإلمام مالك يشكو من أهل زمانه قائالً‪" :‬ما يف زماننا يشء أقل من اإلنصاف‪".‬‬
‫فالعدالة واإلنصاف مع املخالف ميزان يضبط حرية الطرفني يف املامرسة اجلدلية‪،‬‬
‫"والعدالة هي امليزان الذي يضبط به كل عمل واحلرية خاضعة هلذا امليزان‪ ،‬تعطي صاحبها‬
‫بمقدار ما يطالب غريه به ال يزيد"‪ (٢(.‬ويقول ابن القيم عن ُخلق العدالة واإلنصاف‪:‬‬
‫"العدل‪ :‬حيمله عىل اعتدال أخالقه‪ ،‬وتوسطه فيها بني طريف اإلفراط والتفريط‪ ،‬فيحمله عىل‬
‫خلق اجلود والسخاء الذي هو توسط بني الذل وا ْل ِق َح ِة‪ ،‬وعىل خلق الشجاعة‪ ،‬الذي هو‬
‫توسط بني اجلبن والتهور‪ ،‬وعىل خلق احللم‪ ،‬الذي هو توسط بني الغضب واملهانة وسقوط‬
‫النفس‪ (٣(".‬ويقول ابن عاشور‪" :‬اإلنصاف من النفس أجىل مظاهر اخللق الكريم‪ ،‬وأدهلا عىل‬
‫رسوخ حمبة العدل يف الضمري‪ .‬واسم اإلنصاف أشهر ما يطلق عىل إعطاء حق الغري طوع ًا‪،‬‬
‫ً (‪(٤‬‬
‫يقال‪ :‬أنصف إذا أعطى حق ًا عليه طوعا‪".‬‬
‫وفيام يآيت الوقوف عىل بعض جتليات اإلنصاف مع املخالف يف اخلطاب القرآين‪:‬‬

‫‪ -‬إنصاف القرآن يف عدم التسوية بني املخالفني (امليسء وغري امليسء)‪:‬‬


‫خيرنا القرآن الكريم عن مواقف املخالفني اجتاه املسلمني‪ ،‬فال جيعل املخالف يف سلة‬
‫واحدة‪ ،‬ويسوي بني اجلميع دون إنصاف‪ ،‬فهو يعرف للمخالف بالصالح عند صالحه‪،‬‬
‫وبالفساد عند فساده‪ ،‬من غري النظر إىل دينه أو جنسه‪ (٥(..‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [التوبة‪ (٦(]٣٤ :‬يقول البنا‪" :‬ويف‬

‫(‪ )1‬ابن عبد الر‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد‪ .‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو األشبال الزهريي‪ ،‬الرياض‪:‬‬
‫دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،1‬ه‪199٤/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٦٣‬‬
‫(‪ )٢‬أبو زهرة‪ ،‬املجتمع اإلنساين يف ظل اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥9‬‬
‫(‪ )٣‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢9٤‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٣٣‬‬
‫(‪ )٥‬الداعوق‪ ،‬عمر وفيق‪» .‬مؤمنو أهل الكتاب ومكانتهم يف اإلسالم‪ »،‬جملة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية‪،‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ديب‪ ،‬العدد‪1٤18( ،1٤ :‬ه‪199٧/‬م)‪ ،‬ص‪.1٤1‬‬
‫(‪ )٦‬ويقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡﯢﯣﯤﯥ ﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾[آل عمران‪ ،]11٥-11٣ :‬ويقول‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ =‬

‫‪٢9٤‬‬
‫التعبري بالكثري دون التعميم عدل وإنصاف يالزمان دائ ًام أحكام القرآن الكريم‪ ،‬وال جتد‬
‫أعدل حك ًام وال أكثر نصفة من أحكامه حني يصدرها حتى عىل خمالفيه‪ ،‬والذين ال يؤمنون‬
‫(‪(1‬‬
‫به‪ ،‬وذلك واضح يف كل مواضعه‪"...‬‬

‫وقال تعاىل بخصوص الفئة األخرى امللعونة‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬


‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [املائدة‪.]٧9-٧8 :‬‬

‫وقال بخصوص النصارى‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ‬


‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [املائدة‪.]8٣-8٢ :‬‬

‫وقال يف الصنف اآلخر املغايل واملرشك مع اهلل غريه‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬


‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‬
‫[املائدة‪ .]٧٣-٧٢ :‬ويف التعبري ب "منهم" إنصاف للمخالف‪ ،‬فالعذاب ال يمس إال الذين قالوا‬
‫مقالة الكفر‪ ،‬بأن اهلل هو املسيح‪ ،‬وأن اهلل هو ثالث ثالثة‪ ،..‬فال يشملهم كلهم‪.‬‬

‫العدالة القرآنية املنصفة للمخالف حتذر املسلمني من ذهنية الكيل بمكيالني‪ ،‬وتفرض‬
‫عليهم املودة والقسط مع املخالف غري املعتدي‪ ،‬إذا كانت جتمعهم معه مشركات وجوامع‪،‬‬

‫= ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﴾ [آل عمران‪ ،]٧٥ :‬ويقول‪ ﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾‬
‫[آل عمران‪﴿ .]110 :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‬
‫[احلديد‪ ﴿ .]٢٦ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ [احلديد‪.]٢٧ :‬‬
‫(‪ )1‬البنا‪ ،‬نظرات يف كتاب اهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢8٧‬‬

‫‪٢9٥‬‬
‫(‪(1‬‬
‫من أجل البناء احلضاري واإلنساين‪.‬‬

‫ويقرر القرآن الكريم هذه احلقيقة الناصعة‪ ،‬التي تقيض بالتمييز بني املخالفني عىل‬
‫أساس قاعدة اإلنصاف مع من ينفي‪ ،‬ويرفض‪ ،‬ويستأصل كل من عداه‪ ،‬سواء كان معادي ًا‬
‫وحمارب ًا له‪ ،‬أو كان مسامل ًا يمد يده للتعاون والتعارف والتكامل احلضاري‪.‬‬

‫‪ -‬إنصاف القرآن للمخالف بالرباءة من قوله وفعله ال منه‪:‬‬

‫حيرص القرآن الكريم يف إنصافه للمخالفني عىل إدامة الصلة معهم‪ ،‬لذلك نجد يف‬
‫القرآن الكريم عدد ًا من اآليات تؤسس لقاعدة‪" :‬الراءة من فعل املخالف أو قوله‪ ...‬ال‬
‫من شخصه"‪ ،‬إنصاف ًا له؛ ألن املخالف ال تصدر عنه األفعال واألقوال اخلاطئة فقط‪ ،‬بل‬
‫قد يصيب وقد خيطئ‪ ،‬والصواب واخلطأ خاضع للتدافع املعريف اإلنساين‪ ،‬فهي مساحة‬
‫للتفاعل‪ ،‬وليست دافع ًا للقطيعة والراءة من شخص املخالف‪.‬‬
‫فاحلق سبحانه خياطب نبيه يف إشارة إىل هذا املعنى يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ﴾ [الشعراء‪ ]٢1٦ :‬فأمره سبحانه بإنذار عشريته‪ ،‬لكن إن عصوا وأرصوا عىل موقفهم‬
‫الرافض للحق‪ ،‬ترأ من عملهم‪ (٢(،‬الذي هو باطل من وجهة نظره‪ ،‬ومل يطلب منه سبحانه‬
‫قتاهلم‪ ،‬أو استئصاهلم‪ ،‬بل الراءة من ترصف املخالف‪ ،‬وتركه وما يعتقد‪.‬‬
‫واملنهج نفسه سلكه النبي ﷺ مع املخالفني املرشكني‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [األنعام‪ ،]19 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾ [األنعام‪.]٧8 :‬‬
‫وينتقل القرآن الكريم من طلب ممارسة هذا املنهج‪ ،‬إىل طلب تعليمه للمخالف‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ﴾‬

‫(‪ )1‬وهذا ما يدل عليه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬


‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [املمتحنة‪ ،]9-٧ :‬ويقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ‬
‫ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [املائدة‪.]8 :‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.٤11‬‬

‫‪٢9٦‬‬
‫[يونس‪ (1(]٤1 :‬فاآلية ختاطب رسول اهلل ﷺ بأن يقول للمكذبني‪ :‬لكل عمله حياسب عليه‪ ،‬ال‬
‫يؤاخذ أحد منا بجريرة عمل اآلخر‪ (٢(،‬فينبغي أن يترأ كل منا من عمل اآلخر أو من قوله‬
‫إذا ظهر له خطؤه من جهته‪ ،‬مع البقاء عىل التواصل احلواري من أجل اإلقناع‪ ،‬ال القطيعة‬
‫والنزاع‪ ،‬والصد واإلنكار‪ ،‬واإلعراض عن سامع الرأي‪.‬‬
‫ويأيت القرآن بعدد من اآليات تؤكد هذه احلقيقة‪ ،‬وختاطب املخالف العتامدها أسلوب ًا‬
‫منهجي ًا لقبول املخالف واالعراف به‪ ،‬وتأكيد حقه يف االختالف‪ ،‬ومسؤوليته عىل أعامله‬
‫وأقواله ومواقفه‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ﴾ [هود‪ ،]٣٥ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [هود‪ ،]٥٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [الشعراء‪.]٢1٦ :‬‬
‫ويف تواضع تام مع املخالف‪ ،‬وإبداء االستعداد للتحاور‪ ،‬واجلدل بالتي هي أحسن‪،‬‬
‫واالعراف بالرأي املخالف يقول اهلل تعاىل تعلي ًام لنبيه حممد ﷺ‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [سبأ‪]٢٥ :‬؛ أي إن كنتم تعدّ ون أن ما ندعو إليه إجرام فلكل عمله ولكل‬
‫ال يسأل أي منا عن عمل اآلخر‪ ،‬وقال يف اآلية التي قبلها‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫(‪(٣‬‬
‫جزاؤه‪،‬‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [سبأ‪" ]٢٤ :‬وهذه غاية النصفة واالعتدال واألدب يف اجلدال‪..،‬‬
‫اجلدل عىل هذا النحو املهذب املوحي أقرب إىل ملس قلوب املستكرين واملعاندين املتطاولني‬
‫باجلاه واملقام‪ ،‬املستكرين عىل اإلذعان واالستسالم‪ ،‬وأجدر بأن يثري التدبر اهلادئ واالقتناع‬
‫(‪(٤‬‬
‫العميق‪ ،‬وهو نموذج من أدب اجلدل ينبغي تدبره من الدعاة‪"...‬‬
‫وبالروح نفسها املتقبلة لآلخر‪ ،‬احلريصة عىل الصلة معه‪ ،‬ورفض القطيعة يقول تعاىل‬
‫توجيه ًا لرسوله ﷺ‪ ،‬وتعلي ًام لبني اإلنسان‪ ﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ﴾ [يونس‪ ،]٤1 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫(‪ )1‬يقول أبو جعفر الطري‪" :‬وقيل‪ :‬إن هذه اآلية منسوخة‪ ،‬نسخها اجلهاد واألمر بالقتال‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.9٥‬‬
‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.9٤‬‬
‫(‪ )٣‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢90٥‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢٢‬ص‪.٢90٥‬‬

‫‪٢9٧‬‬
‫ﭗﭘﭙ ﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [الكافرون‪.]٦-1 :‬‬
‫وجاء عن رسول اهلل ﷺ‪" :‬ال َّل ُه َّم إِ ِّين َأ ْب َر ُأ إِ َل ْي َك ِممَّا َصن ََع َخالِدٌ َم َّرت ْ ِ‬
‫َني"(‪ (1‬فالنبي ﷺ مل يترأ‬
‫من شخص خالد؛ ألنه سيف اإلسالم‪ ،‬فكام أن لسيدنا خالد أخطاء‪ ،‬فإن له ميزات كثرية‪ ،‬مع‬
‫أن املخطئ يف كثري من األحيان قد يصحح خطأه‪ ،‬بظهور احلق له وانجالئه يف املستقبل‪.‬‬

‫واملنهج نفسه سلكه األنبياء قبل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فهذا نبي اهلل إبراهيم يترأ من آهلة قومه‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [الزخرف‪ ،]٢٦ :‬وقول لوط لقومه‬
‫املجرمني فيام حيكيه عنه القرآن‪ ﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الشعراء‪.]1٦8 :‬‬

‫وقد وردت الراءة من شخص املخالف يف القرآن الكريم يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮣ ﮤ‬
‫[املمتحنة‪:‬‬ ‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾‬
‫‪" ]٤‬واملراد هنا الترؤ من خمالطتهم ومالبستهم"(‪ ،(٢‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [التوبة‪ ]1 :‬وهي براءة من املرشكني ألهنم نقضوا العهد‪.(٣(.‬‬

‫يف هذا إشارة عظيمة إىل اإليامن واالعراف باملخالف‪ ،‬وأن املخالف قد يأيت بأعامل‬
‫حيمد عليه فيكون من املشركات التي‬
‫تستحق أن ُيبغض عليها و ُيترأ منها‪ ،‬وقد يأيت بام ُ ْ‬
‫يتعاون معه عليها‪ ،‬وأرضية لتدبري االختالف معه‪ ،‬وذلك إنصاف ًا له‪ ،‬لذلك كانت الراءة يف‬
‫القرآن من القول أو الفعل‪ ،‬ال من صاحب القول أو العمل‪.‬‬

‫فالقرآن الكريم حيرص عىل اإلنصاف للمخالف وعدم قطع الصلة معه‪ ،‬ولو كانت‬
‫هذه الصلة ضعيفة‪ ،‬وهذا درس منهجي نستفيده اليوم يف عاملنا املعارص‪ ،‬يف عالقاتنا‬
‫مع املخالفني يف كل رضوب اخلالف والنزاع؛ إذ كثرت اخلالفات والنزاعات‪ ،‬وقل‬
‫الفهم والفقه السليم لألصول املؤسسة للحق يف االختالف‪ ،‬وإبداء الرأي والتعبري عنه‪،‬‬

‫يم َة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬املغازي‪ ،‬باب‪ :‬بعث النبي ﷺ خالد بن الوليد إىل َبني َجذ َ‬
‫ج‪ ،٥‬حديث رقم (‪ ،)٤٣٣9‬ص‪.1٦0‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢8‬ص‪.1٤٤‬‬
‫(‪ )٣‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.٢٢٦-٢٢٥‬‬

‫‪٢98‬‬
‫وسامعه واإلصغاء للمخالف‪ ،‬والصر واحللم املتبادل‪ ،‬حتى تظهر احلقيقة يف جو من‬
‫التعاون والتيارس‪.‬‬

‫‪ -‬إنصاف القرآن يف الرد عىل املخالف امليسء‪:‬‬

‫يف سياق إنصاف املخالف‪ ،‬للقرآن منهج أصيل يف الرد عىل املخالف امليسء‪ (1(،‬الذي‬
‫مل ينضبط بحدود العدل واإلنصاف‪ ،‬يقول تعاىل يف بيان هذا املنهج لرسوله ﷺ‪﴿ :‬ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل‪ ]1٢٥ :‬يروي الطري عن جماهد يف تفسري هذه اآلية‪" :‬أعرض عن‬
‫(‪(٢‬‬
‫أذاهم إياك‪".‬‬

‫فقد التزم القرآن الكريم بمنهج عدم مقابلة اإلساءة باإلساءة مع املخالف‪ ،‬إنصاف ًا‬
‫له‪ ،‬حتى وإن أساء وخرج عن األسلوب احلضاري يف احلوار والتخاطب‪ (٣(،‬فيحكي القرآن‬
‫الكريم التزام سيدنا شعيب بمنهج اإلنصاف‪ ،‬وعدم رد اإلساءة باإلساءة‪ ،‬يف املكاملة واملراجعة‬
‫احلوارية واجلدلية؛ إذ قال له قومه‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [األعراف‪ ]٦٦ :‬وضبط ًا لالختالف‪،‬‬

‫(‪ )1‬القرين‪ ،‬عيل بن عبد اهلل‪" .‬منهج القرآن الكريم يف الرد عىل املخالف يف مسائل االعتقاد‪ "،‬جملة تبيان للدراسات‬
‫القرآنية‪ ،‬اجلمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه‪ ،‬العدد‪1٤٣٥( ،)1٥( :‬ه)‪ ،‬ص‪.٢1٧‬‬
‫(‪ )٢‬الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٦٥‬‬
‫(‪ )٣‬وجاءت آيات عديدة توضح هذا املنهج‪ ،‬نذكر منها قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ﴾ [فصلت‪ ،]٣٤ :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [األعراف‪﴿ ]199 :‬ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [األنعام‪ ،]٦8 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [احلجر‪ ،]99-9٤ :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ﴾ [األنعام‪ ،]108 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [القصص‪.]٥٥ :‬‬
‫وقد وردت آيات كثرية يدعو فيها القرآن الكريم الرسول ﷺ إىل اإلعراض عن املعاندين‪ ،‬منها‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [النساء‪ ﴿ ]٦٣ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾‬
‫[النساء‪ ،]81 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [النجم‪ ،]٣0-٢9 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [السجدة‪:‬‬
‫‪ .]٣0‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عرص‪ ،‬صبحي عبد الرؤوف‪ .‬املعجم املوضوعي آليات القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفضيلة‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬لكن‬
‫رقم اإليداع يشري إىل (‪1990‬م)‪ ،‬ص‪.٣٧0‬‬

‫‪٢99‬‬
‫وعدم االنطالق يف حرية الرد دون إنصاف‪ ،‬مل يزد نبي اهلل شعيب عىل أن نفى وصف السفه‬
‫عن نفسه‪ ،‬وحدد مهمته الرسالية ﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾‬
‫[األعراف‪ ]٦٧ :‬فلم يرد عىل إساءهتم باإلساءة‪ ،‬لكنه اختار املنهج القرآين‪.‬‬

‫وقال تعاىل توجيه ًا لنبيه إىل أن ما يتعرض له من استهزاء تعرض له إخوانه األنبياء‬
‫من قبل‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [األنعام‪ (1(،]10 :‬وتذكريه أن هذه اإلذاية سنة اهلل‬
‫يف األنبياء‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫[اإلرساء‪-٧٦ :‬‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾‬
‫‪ ،]٧٧‬ومن استهزائهم أيض ًا ما ورد يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [األنبياء‪.]٥ :‬‬

‫وقال تعاىل توجيه ًا للمسلمني‪ ،‬ومدح ًا لعباده الصاحلني‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬


‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [الفرقان‪ ]٦٣ :‬إذا خوطبوا باجلهالة والسفاهة‬
‫مل يردوا بمثلها‪ ،‬ومل يعاندوا باملراء واللدد يف اخلصومة‪ ،‬ولكن علمهم القرآن أن يقولوا سداد ًا‬
‫ً‬
‫وعدال‪ ،‬ألن خروج املخالف عن حدود اإلنصاف ال خيول للمومنني‬ ‫وصواب ًا‪ (٢(،‬وإنصاف ًا‬
‫اخلروج عنه‪ ،‬تعلي ًام وتربية للمخالف‪.‬‬

‫فمنهج القرآن الكريم يف الرد عىل املخالف هو الرد العلمي بالدليل والرهان‪ ،‬بعيد ًا عن‬
‫كل إساءة إىل شخص املحاور‪ ،‬يقول تعاىل يف سياق تفنيد دعوى املخالف بأن رسول اهلل ﷺ‬
‫يعلمه إنسان وليس يوحى إليه قال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [النحل‪.]10٣ :‬‬

‫هذه رؤية القرآن لالعراف باملخالف واحرامه‪ ،‬والرقي بالعالقة معه إىل مستوى‬
‫احلجاج العلمي البعيد عن كل إذاية أو تنقيص‪ .‬واآليات يف هذا املعنى يصعب حرصها‬
‫لكثرهتا‪ .‬ولعالقة هذا املعنى الذي نؤصل له بمنظومة األخالق يف القرآن‪ ،‬وهي منظومة غنية‬

‫(‪( )1‬الرعد‪( ،)٣٢ :‬األنبياء‪.(٤1 :‬‬


‫(‪ )٢‬الصنعاين‪ ،‬تفسري القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٧1‬‬

‫‪٣00‬‬
‫(‪(1‬‬
‫ومتشعبة‪ ،‬يقول ابن القيم‪" :‬الدين كله خلق‪ ،‬فمن زاد عليك يف اخللق‪ :‬زاد عليك يف الدين‪".‬‬

‫ج‪ -‬الصدق وعدم االفرتاء يف الدعوى‪:‬‬

‫ضد الكذب‪ ،‬وصدقه احلديث أنبأه بالصدق‪ ،‬ويقال‪ :‬صدقت القوم؛ أي‬ ‫(‪(٢‬‬
‫الصدق‬
‫(‪(٤‬‬ ‫ً‬
‫ومماثال للواقع يف اخلارج"‪،‬‬ ‫قلت هلم صدق ًا‪ (٣(،‬وهو "أن يكون مدلول الكالم اخلري مطابق ًا‬
‫فالصدق يف الدعوى‪ ،‬وعدم الكذب واالفراء عىل املحاور واملجادل‪ ،‬أصل أسايس يف سري‬
‫املناظرة‪ ،‬وحتريف األدلة من أجل الغلبة يف اجلدال أمر مذموم‪ ،‬فالقرآن الكريم حيثنا عىل الصدق‬
‫يف احلديث‪ ،‬واهلل تعاىل أصدق حديث ًا‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [النساء‪ ،]8٧ :‬وقال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [النساء‪ ،]1٢٢ :‬وجاء القرآن الكريم مصدق ًا ملا بني يديه من‬
‫(‪(٥‬‬
‫الكتب السابقة‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [البقرة‪.]٤1 :‬‬

‫واخلطاب القرآين يصف األنبياء بالصدق يف معرض املدح والثناء يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [مريم‪ ،]٤1 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [مريم‪ ،]٥٤ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ [مريم‪.]٥٦ :‬‬
‫ِ‬ ‫الر‪ ،‬وإِ َّن ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج َل َل َي ْصدُ ُق َحتَّى َيك َ‬
‫ُون‬ ‫الر َ ْهيدي إِ َىل اجلَنَّة‪َ ،‬وإِ َّن َّ‬
‫َّ‬ ‫الصدْ َق َ ْهيدي إِ َىل ِ ِّ َ‬‫وقال ﷺ‪" :‬إِ َّن ِّ‬
‫الر ُج َل َل َيك ِْذ ُب َحتَّى‬ ‫ِ‬
‫ور َ ْهيدي إِ َىل الن َِّار‪َ ،‬وإِ َّن َّ‬ ‫ِصدِّ يق ًا‪َ .‬وإِ َّن الك َِذ َب َهي ِدي إِ َىل ال ُف ُج ِ‬
‫ور‪َ ،‬وإِ َّن ال ُف ُج َ‬ ‫ْ‬
‫َب ِعنْدَ اهللَِّ كَذابا‪".‬‬
‫َّ ً (‪(٦‬‬
‫ُي ْكت َ‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .٢9٤‬لتأكيد أن الدين كله‬
‫ال رائع ًا يف كتابه عنونه ب " فصل‪ :‬الدين كله خلق‪".‬‬
‫خلق‪ ،‬وضع ابن القيم فص ً‬
‫(‪ )٢‬ذكر سعيد حوى ستة معان للصدق‪ :‬الصدق يف القول‪ ،‬والصدق يف النية واإلرادة‪ ،‬والصدق يف العزم‪ ،‬والصدق يف‬
‫الوفاء بالعزم‪ ،‬والصدق يف العمل‪ ،‬والصدق يف حتقيق مقامات الدين كلها‪ .‬انظر تفصيل ذلك يف‪:‬‬
‫‪ -‬حوى‪ ،‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧0‬‬
‫(‪ )٣‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬صدق)‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.19٣‬‬
‫(‪ (٤‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٣٤1‬يف سياق تفسري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [البقرة‪.]٢٣ :‬‬
‫(‪ )٥‬وتأمل كذلك‪( :‬البقرة‪( ،)9٧-91-٧9 :‬آل عمران‪( ،)٣ :‬النساء‪( ،)٤٧ :‬املائدة‪( ،)٤8 :‬األنعام‪( ،)9٢ :‬فاطر‪.(٣1 :‬‬
‫(‪ )٦‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬باب‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ﴾ [التوبة‪ ]119 :‬وما ُين َْهى عن الكذب‪ ،‬ج‪ ،8‬حديث رقم (‪ ،)٦09٤‬ص‪.٢٥‬‬

‫‪٣01‬‬
‫فإنه ال يستقيم التفاهم بني الناس‪ ،‬وال يقع التواصل بينهم‪ ،‬والتعاون عىل إدراك‬
‫احلقائق الصحيحة‪ ،‬إال بالصدق يف اإلخبار واإلبانة عن الواقع ف »الصدق هو اإلبانة عن‬
‫احلق‪ ،‬واإلخبار بالواقع‪ ،‬وبه يستقيم التفاهم بني الناس‪ ،‬ويكون التناصح والتعاون‪ ،‬وتسجل‬
‫(‪(1‬‬
‫احلقائق والوقائع‪ ،‬ومن دونه يصري ختاطب الناس غش ًا‪ ،‬وتفامههم باطالً‪ ،‬وتعاوهنم حماالً‪».‬‬

‫فاجلدل املوصل إىل اإلقناع هو اجلدل الصادق‪ ،‬الذي يلتزم فيه الطرفان بالصدق يف‬
‫الدعوى وعدم الكذب فيها‪ ،‬أو حتريفها بام يغري معاملها‪ ،‬وااللتزام األخالقي بالصدق جيعل‬
‫كل طرف يطمئن إىل اآلخر‪ ،‬أما الكذب فيؤدي إىل فقدان الثقة بني طريف احلوار‪ ،‬وهذا مؤ ٍّد‬
‫بدوره إىل فشل املكاملة واملحاورة‪.‬‬

‫وقد وردت آيات كثرية يف النهي عن الكذب واالفراء‪ ،‬والقول من دون علم وال حجة‬
‫وال سلطان من اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [األنعام‪ ،]٢1 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [آل عمران‪ ،]9٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [األعراف‪.]٣٧ :‬‬

‫وقد أخذ اهلل تعاىل امليثاق عىل املخالف بعدم كتم احلق وبيانه للناس يقول تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [آل عمران‪ ،]18٧ :‬ويتو ّعد‬
‫اهلل تعاىل بالعقاب عىل ذلك بالعذاب األليم‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [البقرة‪ ،]1٦0-1٥9 :‬وأشار النبي ﷺ إىل هذا‬
‫أجل َم ُه اهلل ِبلجا ٍم من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نار يو َم القيامة‪".‬‬ ‫املعنى بقوله‪َ " :‬من ُسئ َل َع ْن ع ْل ِم ف َكت ََم ُه‪َ ْ ،‬‬
‫(‪(٢‬‬

‫وقد هنى القرآن الكريم أهل الكتاب عن تلبيس احلق بالباطل‪ ،‬إلخفائه وكتامنه‬
‫وتضييعه يف غامر الباطل‪ ،‬عن علم هبتان ًا وكذب ًا‪ (٣(،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫(‪ )1‬عزام‪ ،‬عبد الوهاب‪ .‬أخالق القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة النور‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٣1‬‬
‫(‪ )٢‬أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬العلم‪ ،‬باب‪ :‬كراهية منع العلم‪ ،‬ج‪ ،٥‬حديث رقم (‪ ،)٣٦٥8‬ص‪.٤99‬‬
‫(‪ )٣‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٤1٤‬‬

‫‪٣0٢‬‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [آل عمران‪" ]٧1 :‬أي تسرونه به‪ ،‬أو ختلطونه به‪ (1("..‬وقال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [آل عمران‪.]٧٥ :‬‬

‫ويشري القرآن الكريم إىل بعض أهل الكتاب‪ ،‬الذين يتخذون الكذب يف الدعوى‬
‫طريق ًا ومسلك ًا يف املامرسة اجلدلية‪ ،‬وهم عىل علم أن ما حياججون به اخلصم هو افراء‬
‫وهبتان‪ ،‬فهم يعطون للنصوص دالالت مفتعلة ومكذوبة‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [آل عمران‪.]٧8 :‬‬

‫وهذا التعمد للكذب عىل اهلل‪ ،‬ال خيص أهل الكتاب فقط‪ ،‬بل تبتىل به كل أمة ضعف‬
‫الدين يف قلوب أهلها‪ ،‬وفسدت ذممهم‪ ،‬حتى ال يتحرج القلب من الكذب عىل اهلل‪ ،‬فإن "هذا‬
‫النموذج من بني إرسائيل كانوا يتلبسون يف كتاب اهلل اجلمل ذات التعبري املجازي‪ ،‬فيلوون‬
‫ألسنتهم هبا؛ أي يف تأويلها واستخراج مدلوالت منها هي ال تدل عليها بغري ليها وحتريفها‪،‬‬
‫ليومهوا الدمهاء أن هذه املدلوالت املبتدعة هي من كتاب اهلل‪ ،‬ويقولون بالفعل هذا ما قاله‬
‫(‪(٢‬‬
‫اهلل‪ ،‬وهو ما مل يقله سبحانه‪"...‬‬

‫وقال تعاىل يف الداللة عىل حتريف أهل الكتاب للتوراة واإلنجيل‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [األنعام‪ ،]91 :‬ومن صور‬
‫كذهبم وحتريفهم تعطيل التوراة واإلنجيل وعدم إقامتها‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ﴾ [املائدة‪ (٣(،]٦٦ :‬وقال تعاىل يف كذهبم‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [آل عمران‪.]9٤-9٣ :‬‬

‫ويقول تعاىل يف شأن إضافتهم ما ليس يف الكتاب‪ ﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬


‫ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬

‫(‪ )1‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.191‬‬
‫(‪ )٢‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٤18‬‬
‫(‪ )٣‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [املائدة‪.]٦8 :‬‬

‫‪٣0٣‬‬
‫[البقرة‪]٧9-٧8 :‬‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‬
‫يقول اآللويس‪ ..." :‬فإن نسبة املحرف والتأويل الزائغ إىل اهلل سبحانه رصحي ًا أشد شناعة من‬
‫(‪(1‬‬
‫نفس التحريف والتأويل‪"...‬‬

‫ويقول تعاىل يف نقلهم اآليات من أماكنها‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬


‫ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [النساء‪ ،]٤٦ :‬ويقول تعاىل يف شأن إخفائهم لآليات‪ ﴿ :‬ﭬ‬
‫ﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [املائدة‪.]1٥ :‬‬

‫واجلرأة عىل حتريف الكلم اإلهلية عن موضعها‪ ،‬نتيجة لقساوة القلب‪ ،‬ومقدمة لنسيان‬
‫ما أنزل اهلل وإمهاله‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [املائدة‪ ]1٥ :‬ثالث‬
‫مراحل‪ :‬قسوة القلب‪ ،‬فالتحريف‪ ،‬فالنسيان‪.‬‬

‫ح‪ -‬األمانة العلمية‪:‬‬

‫األمانة ضد اخليانة‪ (٢(،‬و"اإلنسان األمني" الذي قام بحفظ ما عهد له به حتى يؤديه‬
‫دون نقص أو زيادة أو تغيري‪ (٣(،‬و"املجادل األمني" هو امللتزم بام تقتضيه األمانة العلمية‪ ،‬يف‬
‫النقل واإلخبار‪...‬‬

‫وركز األنبياء عليهم الصالة والسالم عىل هذا األصل األخالقي والربوي يف حماورة‬
‫أقوامهم‪ ،‬يقول اهلل تعاىل يف بيان مهمة سيدنا هود‪ ،‬والتزامه باألمانة يف النقل‪ ﴿ :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [األعراف‪ ،]٦8 :‬بل إن كل األنبياء التزموا األمانة العلمية يف النقل‬
‫وخماطبة أقوامهم‪ :‬نوح وهود وصالح ولوط وشعيب‪ ،...‬كلهم كانت كلمتهم واحدة قال‬

‫(‪ )1‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣0٣‬‬
‫(‪ )٢‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬أمن)‪ ،‬ج‪ ،1٣‬ص‪.٢1‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣0‬ص‪ .1٥٦‬يف سياق تفسري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ﴾[التكوير‪.]٢1 :‬‬

‫‪٣0٤‬‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [الشعراء‪ (1(،]10٧ :‬فاألنبياء خاطبوا أقوامهم بام يدل عىل التزامهم‬
‫هبذا األصل األخالقي والربوي‪ ،‬قبل الدخول يف احلوار واجلدل من أجل اإلقناع‪ ،‬فاألمانة‬
‫العلمية مقدمة أخالقية قبل اجلدل واملناظرة‪.‬‬
‫فاألنبياء أدوا األمانة التي محلهم اهلل تعاىل إياها من غري زيادة أو نقصان‪ ،‬وهذا درس‬
‫جديل أخالقي ينبغي أن نستفيده يف معاجلة قضايانا الفكرية‪ ،‬عند عرضها عىل ميزان اجلدل‬
‫واملناظرة‪ ،‬وذلك بااللتزام باألمانة العلمية يف النقل لألخبار واملعارف‪.‬‬
‫والقرآن الكريم مل يصف األنبياء وحدهم هبذه الصفة‪ ،‬بل وصف الناس العاديني هبا‬
‫كذلك‪ ،‬كي ال يتبادر إىل الذهن أن هذا خلق خاص باألنبياء فقط‪ ،‬قال تعاىل يف إشارة إىل أن‬
‫األمانة من صفات املؤمنني‪ ﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [املؤمنون‪.]8 :‬‬
‫فاألمانة ال غنى عنها يف اجلدل واحلوار اإلنساين‪ ،‬وإال فقدت املجادلة قيمتها يف سر‬
‫احلقائق‪ ،‬وذلك عندما تُفقد الثقة بني املتناظرين‪ ،‬وال يأمن بعضهم بعض ًا‪ ،‬وقد أكد القرآن‬
‫الكريم هذا األصل األخالقي‪ ،‬وهنى عن نقيضه وهو اخليانة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫(‪(٢‬‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [األنفال‪" ]٢٧ :‬أي‪ :‬ما ائتمنتم عليه‪".‬‬
‫فعىل العامل أن يؤدي أمانة العلم للناس‪ ،‬وأن ال خيون أمانته‪ ،‬كام جيب أداء األمانة‬
‫املالية‪" ،‬واألمانة حق عند املكلف يتعلق به حق غريه‪ ،‬ويودعه ألجل أن يوصله إىل ذلك‬
‫(‪(٣‬‬
‫الغري كاملال والعلم‪".‬‬
‫ويقول حمامد رفيع عن أصل األمانة العلمية وتأثريها عىل التحقيق العلمي‪" :‬وإن إمهال‬
‫هذا املبدأ أو اإلخالل به ليؤدي إىل كارثة علمية وعملية‪ ،‬تتمثل يف ظهور علامء يقولون ما‬
‫ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ال يؤمرون‪ ،‬ويوظفون البحث العلمي ألغراض غري علمية‪ ،‬وال‬
‫يتورعون يف تزييف احلقائق العلمية‪ ،‬وهذا ما وقع ‪-‬لألسف‪ -‬لكثري من العلوم منها علم‬
‫(‪(٤‬‬
‫اجلدل‪ ،‬عندما وجله من ُأرشب يف قلبه عجمة اإليامن قبل عجمة الفكر واللسان‪".‬‬

‫(‪( )1‬الشعراء‪( ،)1٧8 ،1٦٢ ،1٤٣ ،1٢٥ ،10٧ :‬الدخان‪.(18 :‬‬


‫(‪ )٢‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫(‪ )٣‬رضا‪ ،‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٣8‬‬
‫(‪ )٤‬رفيع‪ ،‬حممد‪ .‬اجلدل واملناظرة‪ :‬أصول وضوابط‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٣0( ،1‬ه‪٢009/‬م)‪ ،‬ص‪.٥0‬‬

‫‪٣0٥‬‬
‫وأصل األمانة العلمية خلق إنساين رفيع هيدف إىل حفظ احلقوق وعدم ضياعها‪ ،‬وكثري‬
‫من االختالفات والنزاعات نشأت عن اخليانات لألمانات بني بني البرش‪ ،‬لكن اخلطاب القرآين‬
‫يوجه اإلنسانية إىل العالج األخالقي‪ ،‬القادر عىل جتاوز الكثري من النزاعات واالختالفات‪،‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [البقرة‪ ،]٢8٣ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [النساء‪.]٥8 :‬‬

‫يقول سيد قطب يف سياق تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ‬


‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [اإلرساء‪ ..." ]٣٦ :‬واألمانة العلمية التي يشيد هبا‬
‫الناس يف العرص احلديث ليست سوى طرف من األمانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن‬
‫تبعتها الكرى‪ ،‬وجيعل اإلنسان مسؤوالً عن سمعه وبرصه وفؤاده‪ ...،‬أمانة يرتعش الوجدان‬
‫لدقتها وجسامتها كلام نطق اللسان بكلمة‪ ،‬وكلام روى اإلنسان رواية‪ ،‬وكلام أصدر حك ًام عىل‬
‫(‪(1‬‬
‫شخص أو أمر أو حادثة‪".‬‬

‫وقد أشار القرآن الكريم إىل األمانة‪ ،‬واألمانات يف عدد من اآليات ويف سياقات‬
‫خمتلفة‪ ،‬ومن هذه اآليات األمر العام باألمانة للناس مجيع ًا‪ ،‬ويف كل أنواع األمانات‪ ،‬سواء‬
‫كانت علمية أو غريها‪ ،‬يقول الزخمرشي يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫(‪(٢‬‬
‫ﯠ﴾ [النساء‪" ]٥8 :‬اخلطاب عام لكل أحد يف كل أمانة‪"...‬‬

‫خ‪ -‬أصل اجتناب احلوار واجلدل يف املأل‪:‬‬

‫ال أخالقي ًا‪،‬‬


‫أشار القرآن الكريم إىل هذا األصل‪ ،‬ودعا إليه يف املامرسة اجلدلية‪ ،‬أص ً‬
‫الجتناب كل التأثريات واالستفزازات‪ ،‬التي قد تتعرض هلا النفس فال تصمد يف مواجهتها‪،‬‬
‫فتحيد عن املقصد من املحاورة من نشدان احلق والصواب‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [سبأ‪" ]٤٦ :‬واملعنى‪ :‬أن التي أعظكم هبا‪ ،‬قيامكم وتشمريكم لطلب احلق‪..‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،1٥‬ص‪.٢٢٢٧‬‬


‫(‪ )٢‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢٤٢‬‬

‫‪٣0٦‬‬
‫واملراد بقوله‪" :‬مثنى"؛ أي جيتمع اثنان فيتناظران يف أمر رسول اهلل ﷺ‪ .‬واملراد ب "فرادى"‪ :‬أن‬
‫يتفكر الرجل وحده‪ ،‬ومعنى الكالم‪ :‬ليتفكر اإلنسان منكم وحده‪ ،‬وليخل بغريه‪ ،‬وليناظر‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫وليسترش‪ ،‬فيستدل باملصنوعات عىل صانعها‪ ،‬ويصدق الرسول عىل اتباعه‪".‬‬

‫يقول حمامد رفيع‪" :‬فاحلوار حني جيري‪ :‬مثنى‪ ،‬وفرادى‪ ،‬وأعداد ًا متقاربة‪ ،‬يكون أدعى‬
‫إىل استجامع الفكر والرأي‪ ،‬كام أنه يساعد املخطئ عىل أن يرجع إىل احلق‪ ،‬ويتنازل عام هو فيه‬
‫من الباطل أو املشتبه‪ ،‬بخالف احلال أمام الناس‪ ،‬فقد يعز عليه التسليم واالعراف باخلطأ‬
‫أمام مؤيديه أو خمالفيه؛ لذلك بات من الالزم أن يتسلح املجادل برصيد تربوي خلقي‪،‬‬
‫قبل الرصيد املعريف واملنهجي‪ ،‬ليتمكن من الصمود أمام العواصف النفسية‪ ،‬التي حتاول أن‬
‫(‪(٢‬‬
‫تعصف بأمانته العلمية وإخالصه يف مقصده‪".‬‬

‫فهذه دعوة إىل التفكر يف العزلة‪ ،‬أو يف صحبة شخص آخر؛ أي بعيد عن تأثري‬
‫اجلامهري‪ (٣(،‬التي قد تؤثر عىل قبول احلق‪ ،‬وإثارة نوازع الظهور واألثرة‪ ،‬يقول سيد قطب‪:‬‬
‫"‪ ...‬مثنى لرياجع أحدمها اآلخر‪ ،‬ويأخذ معه ويعطي يف غري تأثر بعقلية اجلامهري التي تتبع‬
‫االنفعال الطارئ‪ ،‬وال تتلبث لتتبع احلجة يف هدوء‪ ...‬وفرادى مع النفس وجه ًا لوجه يف‬
‫(‪(٤‬‬
‫متحيص هادئ عميق‪"...‬‬

‫فطلب الظهور‪ ،‬والتلهي باجلدل‪ ،‬واملخاصمة أمام الناس‪ ،‬ابتغاء للجاه والسمعة‬
‫والوجاهة‪ ،‬ليس من مهام اجلدل‪ ،‬يقول اجلويني‪" :‬وتوق جمالس الصدور الذين قصدهم‬
‫بام يسمعون التلهي ال متييز احلق عن الباطل وابتغاء نصيحة اهلل ونصيحة رسوله يف‬
‫الدين‪ ،‬وتبيني احلق ومعرفته‪ (٥(،"...‬ويقول الغزايل‪" :‬أن تكون املناظرة يف اخللوة أحب‬

‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪ ،‬زاد املسري يف علم التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.٤٦٥‬‬
‫(‪ )٢‬رفيع‪ ،‬ضوابط تدبري االختالف مع اآلخر يف أصول الرتاث اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10٤‬‬
‫(‪ )٣‬دراز‪ ،‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٦‬‬
‫(‪ )٤‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٢‬ص‪.٢91٤‬‬
‫(‪ )٥‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣1‬‬

‫‪٣0٧‬‬
‫إليه (املناظر)‪ ،‬وأهم من املحافل وبني أظهر األكابر والسالطني‪ ،‬فإن اخللوة أمجع للفهم‪،‬‬
‫وأحرى بصفاء الذهن والفكر ودرك احلق‪ ،‬ويف حضور اجلمع ما حيرك دواعي الرياء‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫ويوجب احلرص عىل نرصة كل واحد نفسه حمق ًا كان أو مبطالً‪".‬‬

‫وعىل املناظر املجادل أن يميز بني املناظرات التي قصدها التحقيق العلمي‪ ،‬وجمالس‬
‫التسلية والتحرش بني املتناظرين‪ .‬وااللتزام هبذا األصل األخالقي يعصم النفس اإلنسانية‬
‫من امليول إىل حب الظهور والتعايل عىل اخلصم‪ ،‬ورفض احلق‪ .‬فاملناظرة أمام املأل ‪-‬والتي‬
‫غالب ًا ما تكون مشحونة بالتوتر والتعصب للرأي‪ -‬ال توصل إىل نتيجة علمية؛ ألن املناظر ال‬
‫يستطيع أن يذعن للحق إذا كان مع خمالفه‪ ،‬للضغط عليه من مؤيديه أو من معارضيه‪ ،‬فيكون‬
‫ذلك منافي ًا لإلخالص يف طلب احلق‪ ،‬ولعدم حتقق رشط ﴿ﯬ ﯭ﴾ ألن التفكر‬
‫وإمعان النظر بروية يف األدلة‪ ،‬ومعرفة مالبسات القضية املختلف فيها ال يتحقق أمام املأل‪.‬‬
‫د‪ -‬أصل الرفق واللني وعدم اإلساءة للمخالف‪:‬‬

‫الرفق واللني وعدم اإلساءة يف خماطبة الناس‪ ،‬أصل أخالقي وتربوي يف الدعوة‬
‫إىل اهلل عموم ًا‪ ،‬وأصل منهجي يف املكاملة واملراجعة‪ ،‬ويف احلوار واملناظرة واجلدل بالتي‬
‫هي أحسن‪ ،‬فالنفوس البرشية تطمئن خلطاب الرفق‪ ،‬وتنفر من خطاب الشدة واإلساءة‪،‬‬
‫وقد أشارت آيات كثرية هلذا املعنى‪ ،‬توجيه ًا للدعاة واملفكرين‪ ،‬من أجل إدارة اختالفاهتم‬
‫الفكرية بكفاءة عالية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٥‬‬


‫ويقول الغزايل‪" :‬ال تناظر أحد ًا يف مسألة ما استطعت‪ ،‬ألن فيها آفات كثرية‪ ،‬وإثمهام أكر من نفعهام؛ إذ هي‬
‫منبع كل خلق ذميم‪ ،‬كالرياء واحلسد والكر احلقد والعداوات واملباهات وغريها‪ ،‬وإذا وقعت مسألة بينك وبني‬
‫شخص أو قوم وكانت إرادتك فيها أن يظهر احلق وال يضيم‪ ،‬جاز البحث‪ ،‬لكن لتلك اإلرادة عالمتان‪ :‬إحدامها‪:‬‬
‫أن ال تفرق بني أن ينكشف احلال عن لسانك أو عىل لسان غريك‪ ،‬والثانية‪ :‬أن يكون البحث يف اخلالء أحب إليك‬
‫من أن يكون يف املأل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد‪ .‬أهيا الولد‪ ،‬تقديم وحتقيق وفهرسة‪ :‬مجيل إبراهيم حبيب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫القادسية‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٤1‬‬
‫‪ -‬ابن فورك‪ ،‬جمرد مقاالت أيب احلسن األشعري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٣٤‬‬

‫‪٣08‬‬
‫وجاء يف أمر اهلل تعاىل سيدنا موسى عليه السالم بالذهاب إىل فرعون‪ ،‬وخماطبته بالقول‬
‫اللني‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﴾ [طه‪ ]٤٤-٤٢ :‬يقول ابن كثري بعد ذكر أقوال أهل التفسري يف‬
‫"القول اللني"‪" :‬واحلاصل من أقواهلم أن دعوهتام له تكون بكالم رقيق لني قريب سهل‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫ليكون أوقع يف النفوس وأبلغ وأنجع‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف شأن اتباع اللني واحلكمة واملوعظة احلسنة‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ﴾ [العنكبوت‪ ،]٤٦ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬

‫ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل‪ .]1٢٥ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬

‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬

‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [فصلت‪" (٢(]٣٤-٣٣ :‬فأبان أن املجادلة باإلحسان هي احلسنى‪،‬‬


‫وهي الطريقة املثىل‪ ،‬وأن ما كان بخالفها فمذموم‪ ،‬وهو ما ذكره ﴿ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [الزخرف‪ ]٥8 :‬وبان أيض ًا أن معنى قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﴾ [األنعام‪ ]٦8 :‬فيمن قد أونس من رشده‪ ،‬وظهر عناده‪ ،‬وتبني زيغه‪ ،‬وانقطع‬
‫(‪(٣‬‬
‫عذره‪ ،‬وقامت احلجج عليه‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف شأن عدم اإلساءة يف اخلطاب للمخالف‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬


‫ﮅ﴾ [اإلرساء‪ ،]٥٣ :‬ومن الوصايا اإلهلية للسابقني‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [البقرة‪،]8٣ :‬‬
‫ويقول احلق سبحانه لنبيه ﷺ‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [سبأ‪.]٢٥ :‬‬

‫ومن اإلساءة للمخالف السب والشتم والرمي بالتهم الباطلة‪ ،‬فقال تعاىل حكاية عن‬
‫الكفار يف رميهم رسول اهلل ﷺ بالسحر والكذب‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬

‫(‪ )1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢9٥‬‬
‫﴿ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫(‪ )٢‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ ([النساء‪.]11٤ :‬‬
‫(‪ )٣‬ابن فورك‪ ،‬جمرد مقاالت أيب احلسن األشعري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣09‬‬

‫‪٣09‬‬
‫ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [ص‪.]٧-٤ :‬‬

‫ومن اإلساءة للمخالف النجوى والتغامز عىل املخالف‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ﴾ [املجادلة‪ ،]8 :‬وخياطب‬
‫اهلل تعاىل املؤمنني حمذر ًا هلم‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫(‪(1‬‬
‫ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [املجادلة‪.]10-9 :‬‬

‫وهنى القرآن عن رفع الصوت عىل اآلخرين فقال تعاىل‪﴿ :‬ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ‬


‫ﰒ ﰓ ﰔ﴾ [لقامن‪ .]19 :‬أما يف املامرسة اجلدلية‪ ،‬فإن املطلوب أن يكون اخلطاب‬
‫مفهوم ًا واضح ًا للمناظر‪ ،‬ال خيفى عليه يشء منه؛ ألن ذلك يوهم بالضعف‪ ،‬وال يرتفع‬
‫بالشكل الذي يرهقه ويرهق مناظره‪ ،‬يقول الباجي‪" :‬وال يكثر الصياح حتى يشق عىل نفسه‬
‫ألن ذلك يقطعه وينسب منه إىل الضجر‪ ،‬وال خيفي صوته جد ًا فينسب منه إىل ضعف املنة‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫وكان بني ذلك قوام ًا‪".‬‬

‫ومن اإلساءة يف اخلطاب مقاطعة املخالف يف نوبته‪" :‬وال يداخله يف نوبته ويصر له‬
‫(‪(٣‬‬
‫حتى يفرغ من كالمه‪ ،‬فإن املداخلة تذهب بالفائدة وتدعو إىل الوحشة‪".‬‬

‫قال الشاطبي يف شأن حماورة وجمادلة الفرق الذين ذكروا يف حديث االفراق‪" :‬ومتى‬
‫حصل باليد منهم أحد ذاكره برفق‪ ،‬ومل ُي ِر ِه أنه خارج من السنة‪ ،‬بل يريه أنه خمالف للدليل‬
‫الرشعي‪ ،‬وأن الصواب املوافق للسنة كذا وكذا‪ ،‬فإن فعل ذلك من غري تعصب وال إظهار‬
‫غلبة فهو احلج‪ (٤(،‬وهبذه الطريقة دعي اخللق ً‬
‫أوال إىل اهلل تعاىل‪ ،‬حتى إذا عاندوا وأشاعوا‬
‫(‪(٥‬‬
‫اخلالف وأظهروا الفرقة قوبلوا بحسب ذلك‪".‬‬

‫(‪ )1‬ويقول تعاىل‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬


‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [النساء‪.]11٤ :‬‬
‫(‪ )٢‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )٤‬ورد يف نسخ أخرى عوض لفظة‪ " :‬احلج" عبارة‪( :‬أنجح وأنفع)‪.‬‬
‫(‪ )٥‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤٢٧‬‬

‫‪٣10‬‬
‫رحم اهلل تعاىل الشاطبي‪ ،‬عامل بحق‪ ،‬وضع أربعة ضوابط كرى ملجادلة أهل الفرق‬
‫وامللل والنحل داخل الدائرة اإلسالمية‪ ،‬األول‪ :‬مذاكرة املخالف وجمادلته برفق ولني‪،‬‬
‫والثاين‪ :‬أن يبني للمخالف أنه خمالف للدليل وليس خارج ًا عن السنة‪ ،‬والثالث‪ :‬سالمة‬
‫القصد يف اجلدل عن التعصب وإظهار الغلبة عىل املخالف‪ ،‬والرابع‪ :‬إذا عاند املخالف‬
‫وقصد الفرقة عومل باملثل‪ ،‬فإن وقع االلتزام هبذا املنهج كان اجلدل أنجح وأنفع‪" ،‬وهبذه‬
‫الطريقة دعي اخللق أوالً إىل اهلل تعاىل‪".‬‬

‫جيب أن يكون اجلدال بالتي هي أحسن‪ ،‬من الرفق‪ ،‬ولني اجلانب‪ ،‬وعدم التعايل‬
‫والغرور‪ ،‬وإال كان مذموم ًا؛ ألنه سيؤول إىل مفاسد عظيمة وأرضار بالغة‪ ،‬يقول ﷺ‪َ " :‬م ْن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك َ ِ‬
‫ُون ِيف‬ ‫َان ُي ْؤم ُن بِاهللَِّ َوال َي ْو ِم اآلخ ِر َف ْل َي ُق ْل َخ ْري ًا َأ ْو ل َي ْص ُم ْت"‪ ،‬وقال ﷺ‪" :‬إِ َّن ِّ‬
‫الر ْف َق الَ َيك ُ‬ ‫(‪(1‬‬

‫يش ٍء إِ َّال َشا َن ُه"‪ (٢(،‬وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ ‬أنه قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َ ٍ ِ‬
‫يشء إ َّال َزا َن ُه‪َ ،‬و َال ُين َْز ُع م ْن َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ً (‪(٣‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪" :‬إ َّن م ْن خ َيارك ُْم أ ْح َسنَك ُْم أ ْخالَقا‪".‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َمل ْ َيكُن النَّب ُّي ﷺ َفاحش ًا َوالَ ُم َت َف ِّحش ًا‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬ ‫ِ‬

‫فإن اإلساءة إىل املخالف ليست من منهج اجلدل‪ ،‬وال من املروءة اإلنسانية‪ ،‬وال سيام إذا‬
‫كانت اإلساءة متس ما يعتقده املناظر بدهيا عنده‪ ،‬غري قابل للحوار واملناقشة‪ .‬فاملفروض احرام‬
‫معتقده‪ ،‬وترك نقاط االختالف التي ال يرغب املخالف يف إثارهتا‪ ،‬وحماورته يف غري ذلك‪.‬‬

‫وغالب ًا ما تتجه احلوارات إىل نقاش األفكار واملعتقدات التي هي حمل اختالف مع غري‬
‫املسلمني‪ ،‬وهذه األفكار واملعتقدات غالب ًا ما تكون بدهيات ومسلامت غري قابلة للحوار‬
‫ال وهتوين ًا ملعتقده‪ ،‬وغالب ًا‬
‫عند املخالف‪ ،‬وكل حوار وجدال حوهلا يعدّ ه املناظر إساءة وتقلي ً‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬باب‪ :‬حفظ اللسان‪ ،‬ج‪ ،8‬حديث رقم (‪،)٦٤٧٥‬‬
‫ص‪ .11‬وقال ﷺ‪" :‬الك َِل َم ُة ال َّط ِّي َب ُة َصدَ َق ٌة‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬باب‪ :‬طيب الكالم‪ ،‬ج‪ ،8‬حديث رقم (‪ ،)٢8٢٧‬ص‪ .11‬وعن أنس عن النبي ﷺ‬
‫رشوا‪َ ،‬والَ ُتنَ ِّف ُروا"‪ .‬نفسه‪ ،‬كتاب‪ :‬العلم‪ ،‬باب‪ :‬ما كان النبي ﷺ يتخوهلم باملوعظة‬
‫سوا‪َ ،‬و َب ِّ ُ‬ ‫سوا َوالَ ُت َع ِّ ُ‬
‫قال‪َ " :‬ي ِّ ُ‬
‫والعلم كي ال ينفروا‪ ،‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)٦9‬ص‪.٢٥‬‬
‫(‪ )٢‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الر والصلة واألدب‪ ،‬باب‪ :‬فضل الرفق‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪،)٢٥9٤‬‬
‫ص‪.٢00٤‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬املناقب‪ ،‬باب‪ :‬صفة النبي ﷺ‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪،)٣٥٥9‬‬
‫ص‪.189‬‬

‫‪٣11‬‬
‫ما تنتهي هذه املناظرات إىل القطيعة بني طريف اخلالف‪ ،‬وبذلك تكون سبب ًا لتوسيع دائرة‬
‫االختالف ال تضييقها‪.‬‬

‫واملنهج القرآين يدعو لتدبري االختالف‪ ،‬واالبتعاد عن كل ما ييسء ملعتقد املخالف‬


‫أو املقدس عنده‪ ،‬لذلك جاء النهي للنبي ﷺ وللمؤمنني عن ّ‬
‫سب معتقد املخالفني يف‬
‫فتقع القطيعة ويتسع اخلالف‪،‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫الدين‪ ،‬كي ال يكون ذريعة لسب معتقد املسلمني‪،‬‬
‫[األنعام‪]108 :‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‬
‫"والسب‪ :‬كالم يدل عىل حتقري أحد ونسبته إىل نقيصة أو معرة‪ ،‬بالباطل أو باحلق‪..‬‬
‫واملخاطب هبذا النهي املسلمون ال الرسول ﷺ؛ ألن الرسول مل يكن فحاش ًا وال سباب ًا‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫ألن خلقه العظيم حائل بينه وبني ذلك‪"...‬‬

‫لكن جمادلة املخالف واالعراض عليه‪ ،‬ورد دعواه باحلجة والبينة العلمية‪ ،‬ليس من‬
‫الراشق بالتهم والسباب "وليس من السب إبطال ما خيالف اإلسالم من عقائدهم يف مقام‬
‫املجادلة‪ ،‬ولكن السب أن نبارشهم يف غري مقام املناظرة بذلك‪ ،‬ونظري هذا ما قاله علامؤنا‬
‫فيام يصدر من أهل الذمة‪ ،‬من سب اهلل تعاىل أو سب النبي ﷺ‪ ،‬بأهنم إن صدر منهم ما هو‬
‫(‪(٣‬‬
‫من أصول كفرهم فال يعد سب ًا‪ ،‬وإن جتاوزوا ذلك عُدَّ سب ًا‪".‬‬

‫ذ‪ -‬حسن الظن باملخالف وعدم السخرية منه‪:‬‬

‫من مقتىض اجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬حسن الظن باملخالف‪ ،‬وعدم السخرية منه‪ ،‬فذلك‬
‫يساعد عىل التأسيس ملجلس املناظرة والتمهيد هلا‪ ،‬بأن يلتزم طرفا احلوار هبذا األصل‪ ،‬فهو‬
‫أصل أخالقي تربوي متليه مروءة اإلنسان‪ ،‬ومدى التزامه وتدينه‪ ،‬أو عىل األقل مدى التزامه‬
‫بالقواعد األخالقية اإلنسانية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.٣٣‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.٤٢8-٤٢٧‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪.٤٣1-٤٣0‬‬

‫‪٣1٢‬‬
‫وقد جاءت آيات كثرية يف هذا املعنى تشري إىل أمهية هذا األصل‪ ،‬وهي يف جمموعها تشكل‬
‫قواعد املنظومة األخالقية يف القرآن الكريم‪ ،‬نذكر منها عىل سبيل املثال ال احلرص ما ييل‪:‬‬

‫يقول تعاىل يف النهي عن سوء الظن‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫ﭛ﴾ [احلجرات‪ ]1٢ :‬واملراد الظن السوء الذي مل يقم عليه دليل وال برهان صحيح وحاسم‪،‬‬
‫وهو الشك املنهي عنه يف الرشع‪ (1(،‬ملا يتولد عنه من نزاعات وخالفات ال أساس هلا‪ ،‬لذلك‬
‫هنى الرشع عنها حس ًام ملادة النزاع واخلالف املذموم‪ .‬وعن أيب هريرة عن النبي ﷺ قال يف‬
‫ِ (‪(٢‬‬
‫حل ِديث‪".‬‬
‫النهي عن الظن‪" :‬إِ َّياك ُْم َوال َّظ َّن‪َ ،‬فإِ َّن ال َّظ َّن َأك َْذ ُب ا َ‬
‫وقال تعاىل يف النهي عن السخرية واالستهزاء باآلخرين‪ ﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [احلجرات‪" ]11 :‬فالسخرية‬
‫هي‪ :‬أن ال ينظر اإلنسان إىل أخيه بعني اإلجالل‪ ،‬وال يلتفت إليه ويسقطه عن درجته؛‬
‫وحني إذ ال يذكر ما فيه من املعايب‪ ،‬وهذا كام قال بعض الناس تراهم إذا ذكر عندهم‬
‫عدوهم يقولون‪ :‬هو دون أن يذكر‪ ،‬وأقل من أن يلتفت إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ال حتقروا إخوانكم وال‬
‫(‪(٣‬‬
‫تستصغروهم‪"...‬‬

‫فالنهي هنا عن السخرية واالستهزاء عام يفيد الشيوع‪ ،‬وليس خاص ًا بقوم دون قوم‪،‬‬
‫ويقول الشنقيطي عىل املتناظرين‪" :‬أال يستهزئ‬ ‫(‪(٤‬‬
‫فهو هني رصيح يف حتريم السخرية‪،‬‬
‫أحدمها باآلخر ويسخر منه"‪» (٥(،‬ومعنى السخرية االستهانة والتحقري والتنبيه عىل العيوب‬
‫(‪(٦‬‬
‫والنقائص عىل وجه يضحك منه‪"...‬‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪.٣٣٢‬‬


‫(‪ )٢‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ما ال خيطب عىل خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع‪،‬‬
‫ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪ ،)٥1٤٣‬ص‪.٤‬‬
‫(‪ )٣‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢8‬ص‪.1٣1‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٦‬ص‪.٢٤٧‬‬
‫(‪ )٥‬الشنقيطي‪ ،‬أمني‪ .‬آداب البحث واملناظرة‪ ،‬حتقيق‪ :‬سعود العريفي‪ ،‬جدة‪ :‬دار عامل الفوائد‪ ،‬جممع الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪1٤٢٦ ،1‬ه‪ ،‬ص‪.٢٧٤‬‬
‫(‪ (٦‬حوى‪ ،‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤0٥‬‬

‫‪٣1٣‬‬
‫وقد وضع اجلويني يف قواعد آداب اجلدل ما يفيد مثل هذا حيث قال‪" :‬وإ ّياك‬
‫واستصغار من تناظره واالستهزاء به‪ ،‬كائن ًا ما كان؛ ألن خصمك ‪-‬إن كان ممن املفرض‬
‫(‪(1‬‬
‫عليك يف الدين مناظرته‪ -‬فهو نظريك‪ ،‬وال جيمل بك إال مناظرة النظري للنظري‪".‬‬
‫ومن االستخفاف باملخالف‪ ،‬اإلعراض عنه إىل غريه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ [عبس‪ ]10-1 :‬ذكر غري واحد‬
‫من املفسين أن هذه اآليات نزلت يف إعراض رسول اهلل ﷺ عن ابن أم مكتوم‪ ،‬وعبس يف‬
‫(‪(٢‬‬
‫وجهه‪ ،‬وأقبل عىل أحد عظامء قريش‪ ،‬وقد طمع رسول اهلل ﷺ يف إسالمه‪.‬‬
‫وتفرض املناظرة عىل املناظر مساعدة نظريه‪ ،‬بعيد ًا عن السخرية والتحقري‪ ،‬فتحقري‬
‫املناظر حيكم عىل املناظرة بالفشل‪ ،‬ويزكي عوامل االحتقان‪ ،‬ويرز نزعات التغلب‬
‫واالنتصار‪ ،‬يقول اجلويني‪" :‬واستحقار اخلصم كاستحقار يسري من النار‪ ،‬فإنه ينترش من‬
‫(‪(٣‬‬
‫يسريها ما حيرق به كثري من الدنيا‪".‬‬
‫وهناك نصوص قرآنية وحديثية كثرية‪ ،‬تدل عىل النهي عن السب والشتم‪ ،‬واإلساءة‬
‫لآلخرين‪ ،‬ويف املقابل هناك نصوص حتض عىل حسن املعاملة يف القول والفعل‪ ،‬وكل ذلك‬
‫من أجل تدبري االختالف بمنهج حجاجي سليم‪ ،‬يتغيا الوصول إىل احلقائق‪ ،‬ويتقي اإلساءة‬
‫للمخالف وملعتقداته‪.‬‬

‫نستخلص مما سبق‪ ،‬أن اخلطاب القرآين يأمر بأن تكون املجادلة "بالتي هي أحسن‪،‬‬
‫بحسن خلق ولطف ولني كالم‪ ،‬ودعوة إىل احلق وحتسينه‪ ،‬ورد عن الباطل وهتجينه‪ ،‬بأقرب‬
‫طريق موصل لذلك‪ ،‬وأن ال يكون القصد منها جمرد املجادلة واملغالبة وحب العلو‪ ،‬بل‬
‫(‪(٤‬‬
‫يكون القصد بيان احلق وهداية اخللق‪"...‬‬

‫(‪ (1‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣1‬‬


‫(‪ (٢‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٣19‬‬
‫(‪ (٣‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٤1‬‬
‫(‪ )٤‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٣٢‬‬

‫‪٣1٤‬‬
‫ر‪ -‬ترك املكابرة واملراء والشدة يف اخلصومة‪:‬‬

‫أمر القرآن الكريم باحلوار واجلدل بالتي هي أحسن‪ (1(،‬بضوابط ومعامل وقواعد تساعد‬
‫عىل تدبري االختالف‪ ،‬والتقليل من حدته‪ ،‬وإن مل تقض عليه هنائي ًا‪ ،‬وهنى عن اجلدل الذي‬
‫قصده املكابرة واملراء‪ (٢(،‬والشدة يف اخلصومة‪ ،‬والغلبة عىل املخالف املحاور‪ ،‬وهو اجلدل‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬‬ ‫(‪(٣‬‬
‫املذموم‪،‬‬
‫﴾ [البقرة‪ ]٢0٤ :‬ويقول اآللويس يف تفسري قوله تعاىل‪﴿" :‬ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ﴾؛ أي شديد املخاصمة يف الباطل‪ ..‬فاملعنى أشد اخلصوم خصومة‪ ،‬واإلضافة فيه‬
‫(‪(٤‬‬
‫لالختصاص كام يف أحسن الناس وجه ًا‪ ،‬ويف اآلية إشارة إىل أن شدة املخاصمة مذمومة‪"...‬‬
‫ويقول تعاىل تذكري ًا لإلنسان لريجع عن ريائه وغيه وخصومته‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [النحل‪ ،]٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [يس‪.]٧٧ :‬‬
‫وقد وصف اخلطاب القرآين املرشكني بأهنم شديدو اخلصومة يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [الزخرف‪ ،]٥8 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [مريم‪" ]9٧ :‬وعر عن الكفار بقوم‬
‫لدّ ذم ًا هلم‪ ،‬بأهنم أهل إيغال يف املراء واملكابرة؛ أي أهل تصميم عىل باطلهم‪ ،‬فال ّلدُ ‪ :‬مجع‬

‫(‪ )1‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [اإلرساء‪ ،]٥٣ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل‪،]1٢٥ :‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [البقرة‪ ،]8٣ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ﴾ [العنكبوت‪ ،]٤٦ :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [النساء‪.]1٤8 :‬‬
‫واعتقدت َم َو َّد َت ُه‪ ».‬انظر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ودافع‪ ،‬إال سقط من ع ْينِي‪ ،‬وال قبل ُه إال ِه ْب ُت ُه‪،‬‬
‫َ‬ ‫(‪ )٢‬وعن الشافعي‪ ،‬قال‪» :‬ما كَا َب َر ِين أحد عىل احلق‬
‫‪ -‬الذهبي‪ ،‬سري أعالم النبالء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.٣٣‬‬
‫(‪ )٣‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ (الكهف‪،(٥٧-٥٦ :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [لقامن‪ ،]٧ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ﴾ [اجلاثية‪.]9-٧ :‬‬
‫(‪ )٤‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤09‬‬

‫‪٣1٥‬‬
‫ألدّ ‪ ،‬وهو األقوى يف ال ّلدد‪ ،‬وهو اإلباية من االعراف باحلق‪ ..‬ومما جره اإلرشاك إىل العرب‬
‫(‪(1‬‬
‫من مذام األخالق التي خلطوا هبا حماسن أخالقهم أهنم ربام متدحوا بال ّلدد‪".‬‬

‫وذم اهلل تعاىل املامرين من املرشكني والكفار املكابرين‪ ،‬الذين جيادلون يف اهلل بغري علم‬
‫عقيل وال دليل نقيل‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫[احلج‪]9-8 :‬‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾‬
‫ومصعر خده‪ٍ ،‬‬
‫الو رأسه‪ ،‬معرض ًا مولي ًا ال يريد أن يسمع‬ ‫َِّ‬ ‫هذا املخاصم بغري علم‪ ،‬هو مستكر‬
‫ما قيل له‪ ،‬تكر ًا وعناد ًا‪" (٢(،‬ويبدو من السياق هنا أن العلم يف اآلية هو العلم العقيل‪ ،‬بدليل‬
‫عطف اهلدى والكتاب املنري عليه‪ ،‬والعطف يقتيض التغاير‪ ،‬فليس عند هؤالء املجادلني يف‬
‫(‪(٣‬‬
‫اهلل علم من عقل‪ ،‬وال دليل من نقل‪".‬‬

‫وذم اخلطاب القرآين اليهود الذين زكوا أنفسهم‪ ،‬وعدّ وا أنفسهم فوق كل األجناس‪،‬‬
‫كام عدّ وا البرشية خدم ًا وعبيد ًا هلم‪ ،‬خلقها الرب خلدمتهم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [النساء‪.]٤9 :‬‬

‫وقال تعاىل يف شأن تكر النمرود وحماججته وخماصمته لسيدنا إبراهيم‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱﭲ ﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ‬
‫(‪(٤‬‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [البقرة‪" ]٢٥8 :‬وكانت تلك املحاجة من بطر امللك وطغيانه‪".‬‬

‫وقال إبليس تكر ًا وتفاخر ًا بالنفس واستعالء عىل خلق اهلل فيام حيكيه القرآن‪ ﴿ :‬ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [األعراف‪ ]1٢ :‬فاملتكر منكر للحق والصواب‪ ،‬واملتكر‬
‫حيتقر من سواه‪ ،‬فهو ال يرى احلق مع غريه‪ ،‬وينفي كل احلقائق ويبقي عىل احلقيقة التي معه‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪.1٧٧-1٧٦‬‬


‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪ .٥٧٤‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‪ .‬الدر املنثور يف التفسري باملأثور‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.1٣-1٢‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٣‬القرضاوي‪ ،‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢٥‬‬
‫(‪ )٤‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣1٥‬‬

‫‪٣1٦‬‬
‫رافض ًا لكل من خالفه‪ ،‬فهو ال يعرف باالختالف وال باملخالف‪ ،‬ومن ثم ال يؤمن بتدبري‬
‫االختالف‪ ،‬باحلوار واجلدل بالتي هي أحسن‪.‬‬

‫ومثل قول إبليس قال فرعون للسحرة بعد ما تبني هلم احلق وأذعنوا له‪ ،‬إنصاف ًا من‬
‫أنفسهم وتواضع ًا‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ﴾ [األعراف‪ ]1٢٣ :‬فهذه األنا املستعلية‪ ،‬من األمراض‬
‫النفسية التي ال ينفع معها حجة وال برهان‪ ،‬فقد عانى األنبياء والرسل ِم ْن ِك ْ ِر أقوامهم‪،‬‬
‫ومعاندهتم للحق مع جالئه باحلجج الظاهرة املحسوسة‪ ،‬وباملعجزات اخلارقة للعادة‪ ،‬لكن‬
‫منهم من آمن‪ ،‬ومنهم من أعرض وأدبر‪.‬‬

‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [القصص‪]٧8 :‬‬ ‫ويف املعنى نفسه قال تعاىل حكاية عن قارون‪﴿ :‬ﭒ‬
‫فالتكر وادعاء امتالك احلقيقة املطلقة‪ ،‬واالستعالء عىل املخالف‪ ،‬سواء كان فرد ًا أو مجاعة‪،‬‬
‫أو حزب ًا أو دولة أو حضارة‪ ،‬إقصاء للرأي اآلخر‪ ،‬وعدم اإليامن بنسبية املعارف‪ ،‬وأن اهلل‬
‫تعاىل خلق الناس ال تعلم شيئ ًا‪ ،‬ثم جعل هلم أدوات اكتساب هذه املعارف دون تفاضل‬
‫بينهم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲ ﯳ﴾ [النحل‪.]٧8 :‬‬

‫فإنه من اخلطأ البني يف املناظرة العلمية ادعاء طرف من أطراف املناظرة امتالك احلقيقة‪،‬‬
‫فرد ًا كان أو مجاعة‪ ،‬فينبغي التسليم بعدم امتالك أي طرف للحقيقة كاملة‪ ،‬فاحلقيقة والعلم‬
‫الكامل ال يعلمه إال اهلل سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [اإلرساء‪ ،]8٥ :‬واحلقيقة‬
‫سواء ذهبنا مع املذهب القائل بتعددها‪ ،‬أو املذهب القائل بوحدهتا‪ ،‬فإن إدراك الناس للحقيقة‬
‫(‪(1‬‬ ‫ٍ‬
‫ألسباب منها الذايت ومنها املوضوعي‪...‬‬ ‫متعدد ونسبي‪ ،‬فالبرش تأتيهم البينات‪ ،‬وخيتلفون‬

‫خاطب اهلل تعاىل املؤمنني بقوله‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ‬


‫ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [األنعام‪ ]1٢1 :‬فالشياطني اجلن واإلنس يوحون إىل أوليائهم ليجادلوا‬
‫املؤمنني‪ .‬كام قال تعاىل خماطب ًا نبيه‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬

‫(‪ )1‬العلواين‪ ،‬التعددية‪ ،‬أصول ومراجعات بني االستتباع واإلبداع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19-18‬‬

‫‪٣1٧‬‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [األنعام‪ ]11٢ :‬فاهلل عز وجل "أخر نبيه أنه جعل له أعداء‬
‫من شياطني اجلن واإلنس‪ ،‬كام جعل ألنبيائه من قبله‪ ،‬يوحي بعضهم إىل بعض املز َّي َن من‬
‫األقوال الباطلة‪ ،‬ثم أعلمه أن أولئك الشياطني يوحون إىل أوليائهم من اإلنس ليجادلوه‬
‫(‪(1‬‬
‫ومن تبعه من املؤمنني‪".‬‬

‫ومن املراء واملكابرة املفضية إىل الشدة يف اخلصومة‪ ،‬والغلبة يف اجلدل‪ ،‬عدم التكافؤ‬
‫بني املتحاورين "قيل‪ :‬ال تصح املناظرة‪ ،‬ويظهر احلق بني املتناظرين‪ ،‬حتى يكونا متقاربني أو‬
‫(‪(٢‬‬
‫مستويني‪ ،‬يف مرتبة واحدة‪ ،‬من الدين والفهم والعقل واإلنصاف وإال فهو مراء ومكابرة‪".‬‬

‫ومن التكر تزكية النفس أمام املخالف‪ ،‬لذلك ينبغي عىل املخالف قبل الدخول يف‬
‫احلوار التعهد بعدم تزكية نفسه أمام حماوره‪ ،‬ولذلك أشار القرآن الكريم بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [النجم‪.]٣٢ :‬‬

‫ومن التكر واملباهاة جمادلة املتعنت "وعليك أن ال تفاتح باملناظرة من تعلمه متعنت ًا؛ ألن‬
‫(‪(٣‬‬
‫كالم املتعنت ومن ال يقصد مرضاة اهلل يف تعرف احلق واحلقيقة بام تقوله يورث املباهاة‪"...‬‬
‫َان ِيف َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال َذ َّر ٍة ِم ْن ِك ْ ٍر"(‪ (٤‬وفس الكر بقوله‪ ..." :‬ا ْل ِك ُر‬ ‫وقال ﷺ‪"َ :‬ال َيدْ ُخل ْ َ‬
‫اجلنَّ َة َم ْن ك َ‬
‫"و َغ ْم ُط الن ِ‬
‫َّاس"‬ ‫َّاس"‪ (٥(،‬يقول املازري‪" :‬معنى " َب َط ُر ا َحلْ ِّق" إبطاله‪َ ...،‬‬ ‫احل ِّق‪َ ،‬و َغ ْم ُط الن ِ‬
‫َب َط ُر ْ َ‬
‫(‪(7‬‬
‫اخل ِص ُم"‪.‬‬
‫هلل َاأل َلدُّ َ‬ ‫معناه استحقار الناس واستهانتهم"‪ (6( .‬وقال ﷺ‪" :‬إِ َّن َأ ْب َغ َض الر َج ِ‬
‫ال إِ َىل ا َِّ‬ ‫ِّ‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.8٣-8٢‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عبد الر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.9٧٢‬‬
‫(‪ )٣‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣٢‬‬
‫(‪ )٤‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬اإليامن‪ ،‬باب‪ :‬حتريم الكر وبيانه‪ ،‬ج‪ ،1‬حديث رقم (‪ ،)91‬ص‪.9٣‬‬
‫(‪ )٥‬املرجع السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.9٣‬‬
‫(‪ )٦‬املازري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عيل بن عمر‪ .‬املعلم بفوائد مسلم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الشاذيل النيفر‪ ،‬تونس واجلزائر‪ :‬الدار‬
‫التونسية للنرش واملؤسسة الوطنية للرمجة والتحقيق والدراسات (بيت احلكمة) واملؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫‪1988‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣0٣‬‬
‫ِْ‬
‫اخل َصامِ﴾‪ ،‬ج‪،٣‬‬ ‫﴿و ُه َو َأ َلدُّ‬ ‫(‪ )٧‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬املظامل والغصب‪ ،‬باب‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫َ‬
‫حديث رقم (‪ ،)٢٤٥٧‬ص‪.1٣1‬‬

‫‪٣18‬‬
‫ز‪ -‬أصل الصرب عىل ما يصدر من املخالف‪:‬‬
‫حيتم التعاون عىل طلب احلقيقة يف املنهج اجلديل‪ ،‬عىل املحاور‪ ،‬التمتع بقدر ٍ‬
‫عال من‬
‫الصر واحللم‪ ،‬عىل ما قد يقع فيه املخالف من أخطاء وهفوات‪ ،‬ومساعدته عىل تصحيحها‪،‬‬
‫وعدم التشنيع والتحامل عليه‪ ،‬بسبب ما وقع فيه من أخطاء‪.‬‬

‫وبالصر واحللم يكون املحاور متأني ًا عفو ًا كري ًام‪ ،‬ال يغضب ألتفه األسباب‪ ،‬وال‬
‫يستفزه اخلصم‪ ،‬ويكظم غيظه وال ينتقم لنفسه‪ .‬وشواهد هذا األصل يف القرآن الكريم‬
‫كثرية‪ ،‬ألمهيته تربوي ًا وأخالقي ًا "ولست أعرف فضيلة أكد القرآن الدعوة إليها توكيده‬
‫الدعوة إىل الصر؛ إذ كان عامد كل نجاح‪ ،‬وقوام كل جهاد‪ ،‬ونظام كل عمل صالح‪ ،‬وقرين‬
‫(‪(1‬‬
‫كل خلق فاضل‪".‬‬

‫وقد جاء الصر يف اخلطاب القرآين يف سياقات خمتلفة ومتنوعة‪ ،‬تدل داللة واضحة‬
‫عىل قوة هذا األصل الربوي يف العالقات اإلنسانية‪ ،‬وأمهيته يف تدبري اختالفاهتم الفكرية‬
‫والعلمية‪ ،‬فالصر أمر به سيد البرشية حممد ﷺ‪ (٢(،‬بل هو خلق لألنبياء عليهم السالم‬
‫قبله‪ (٣(،‬وهو كذلك من منازل أويل العزم‪ (٤(،‬وهو طريق الفوز والفالح‪ ...(٥(،‬إىل غري‬
‫ذلك من سياقاته يف القرآن الكريم‪ ،‬نتعرض فيام ييل إىل بعضها بالتحليل والدراسة‪:‬‬

‫أمر القرآن الكريم بالصر عىل ما قد يصدر من اخلصم من إساءة فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [طه‪ ،]1٣0 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [املزمل‪،]10 :‬‬
‫وأوىص اهلل تعاىل املؤمنني بالصر يف سياق هنيهم عن النزاع املفيض إىل الفشل وذهاب الريح‪،‬‬
‫والثبات عند مالقاة العدو‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬

‫(‪ )1‬عزام‪ ،‬أخالق القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣8‬‬


‫(‪( )٢‬يونس‪( ،)109 :‬هود‪( ،)٤9 :‬هود‪( ،)11٥ :‬النحل‪( ،)1٢٧ :‬مريم‪( ،)٦٥ :‬ق‪.(٣9 :‬‬
‫(‪( )٣‬األنعام‪( ،)٣٤ :‬يوسف‪( ،)18 :‬يوسف‪( ،)8٣ :‬الكهف‪( ،)٦9 :‬األنبياء‪.(10٢ :‬‬
‫(‪( )٤‬آل عمران‪( ،)18٦ :‬إبراهيم‪( ،)1٢ :‬لقامن‪( ،)1٧ :‬السجدة ‪( ،)٢٤ :‬فصلت‪.(٣٥ :‬‬
‫(‪( )٥‬األعراف‪( ،)1٢8 :‬األعراف‪( ،)1٣٧ :‬يوسف‪( ،)90 :‬السجدة‪.(٢٤ :‬‬

‫‪٣19‬‬
‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ [األنفال‪ ]٤٦ :‬يقول القرطبي‪ ﴿" :‬ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾‬
‫(‪(1‬‬
‫أمر بالصر‪ ،‬وهو حممود يف كل املواطن‪ ،‬وخاصة موطن احلرب‪".‬‬

‫ومن الصر كظم الغيظ‪ ،‬والعفو عن الناس‪ ،‬قال تعاىل يف الثناء عىل املتصفني هبذه‬
‫الصفات‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾‬
‫يقول الطري‪" :‬وقوله‪﴿ :‬ﭣ ﭤ﴾ يعني‪ :‬واجلارعني‬ ‫[آل عمران‪]1٣٤-1٣٣ :‬‬

‫الغيظ عند امتالء نفوسهم منه‪ ،‬وكظم الغيظ بتجرعه‪ ،‬وحفظ النفس من أن متيض ما هي‬
‫قادر ٌة عىل إمضائه‪ ،‬باستمكاهنا ممن غاظها‪ ،‬وانتصارها ممن ظلمها‪﴿ .‬ﭥ ﭦ ﭧﭨ﴾‬
‫فإنه يعني‪ :‬والصافحني عن الناس عقوبة ذنوهبم إليهم‪ ،‬وهم عىل االنتقام منهم قادرون‪،‬‬
‫الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْم ِل ُك َن ْف َس ُه ِعنْدَ‬
‫الرص َع ِة‪ ،‬إِ َّن َام َّ‬ ‫فتاركوها هلم‪ (٢(".‬وقال ﷺ‪َ " :‬ليس َّ ِ‬
‫الشديدُ بِ َ ُّ‬ ‫ْ َ‬
‫َ ِ (‪(٤‬‬ ‫ِ (‪(٣‬‬
‫والسفه‪".‬‬ ‫ب"‪ ،‬ف "الغضب‪ :‬حيمله عىل الكر واحلقد واحلسد‪ ،‬والعدوان َّ‬ ‫ال َغ َض‬

‫ويقول سيد قطب يف تفسري اآلية السابقة‪" :‬كذلك تعمل التقوى يف هذا احلقل‪ ،‬بنفس‬
‫البواعث‪ ،‬ونفس املؤثرات‪ .‬فالغيظ انفعال برشي‪ ،‬تصاحبه أو تالحقه فورة يف الدم‪ ،‬فهو‬
‫إحدى دفعات التكوين البرشي‪ ،‬وإحدى رضوراته‪ .‬وما يغلبه اإلنسان إال بتلك الشفافية‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ .٤٥‬يقول السعدي‪ ﴿" :‬ﭔ ﭕ﴾ تنازع ًا يوجب تشتت‬
‫القلوب وتفرقها‪ ﴿ ،‬ﭖ﴾ أي‪ :‬جتبنوا ﴿ ﭗ ﭘ﴾ أي‪ :‬تنحل عزائمكم‪ ،‬وتفرق قوتكم‪ ،‬ويرفع ما وعدتم به‬
‫من النرص‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣٢٢‬‬ ‫‪-‬‬
‫يقول القنوجي‪» :‬فيه النهي عن التنازع‪ ،‬وهو االختالف يف الرأي‪ ،‬فإن ذلك يتسبب عنه الفشل‪ ،‬وهو اجلبن يف‬
‫احلرب‪ ،‬وأما املنازعة باحلجة إلظهار احلق فجائز‪ ،‬كام قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل‪ ]1٢٥ :‬بل هي‬
‫مأمور هبا برشوط مقررة‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫البخاري القنوجي‪ ،‬العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٥‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٧‬ص‪(.٢1٥-٢1٤‬بترصف يسري)‪.‬‬
‫(‪ )٣‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬باب‪ :‬احلذر من الغضب‪ ،‬ج‪ ،8‬حديث رقم (‪،)٦11٤‬‬
‫ص‪.٢8‬‬
‫(‪ )٤‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢9٤‬‬

‫‪٣٢0‬‬
‫اللطيفة املنبعثة من إرشاق التقوى‪ ،‬وإال بتلك القوة الروحية املنبثقة من التطلع إىل أفق أعىل‬
‫وأوسع من آفاق الذات والرضورات‪" (1(".‬فالصر‪ :‬حيمله عىل االحتامل وكظم الغيظ‪ ،‬وكف‬
‫(‪(٢‬‬
‫األذى‪ ،‬واحللم واألناة والرفق‪ ،‬وعدم الطيش والعجلة‪".‬‬

‫ومن مقتضياته العفو والصفح‪،‬‬ ‫(‪(٣‬‬


‫والصر مقدمة ألخالق محيدة كثرية ومتنوعة‪،‬‬
‫وال يقوى عىل‬ ‫[األعراف‪]199 :‬‬ ‫يقول تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾‬
‫تطبيق أحكام هذه اآلية إال من حتىل بالصر واحللم‪ ،‬وهي آية جامعة ملكارم األخالق‪ .‬يروي‬
‫الزخمرشي عن جعفر الصادق‪" :‬أمر اهلل نبيه عليه الصالة والسالم بمكارم األخالق‪ ،‬وليس‬
‫(‪(٤‬‬
‫يف القرآن آية أمجع ملكارم األخالق منها‪".‬‬

‫والواجب عىل البرشية التأيس بسيدنا إبراهيم الذي لقي من أبيه ما لقي‪ ،‬وهدده باجللد‬
‫والرجم‪ ،‬فقال ألبيه املعاند فيام حيكيه القرآن عنه‪ ﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﴾ [مريم‪ ]٤٧ :‬يقول السعدي‪" :‬وقد أمرنا اهلل باتباع ملة إبراهيم‪ ،‬فمن اتباع‬
‫ملته‪ ،‬سلوك طريقه يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬بطريق العلم واحلكمة واللني والسهولة‪ ،‬واالنتقال‬
‫من مرتبة إىل مرتبة والصر عىل ذلك‪ ،‬وعدم السآمة منه‪ ،‬والصر عىل ما ينال الداعي من‬
‫(‪(٥‬‬
‫أذى اخللق بالقول والفعل‪ ،‬ومقابلة ذلك بالصفح والعفو‪ ،‬بل باإلحسان القويل والفعيل‪".‬‬

‫ومن الصر عىل املخالف والرفق به‪ ،‬عدم مقاطعته يف نوبته‪" :‬وعليهام مجيع ًا أن يصر‬
‫كل واحد منهام لصاحبه يف نوبته وإن كان ما يسمعه منه شبه الوسواس؛ ألهنام متساويان يف‬
‫(‪(٦‬‬
‫حق املناوبة‪ ،‬فمن مل يصر منهام لصاحبه فقد قطع عليه حقه‪"...‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٤٧٥‬‬


‫(‪ )٢‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .٢9٤‬ويقول‪» :‬إن خلق‬
‫الصر" أحد أركان حسن اخللق‪ ».‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ .‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢9٤‬‬
‫(‪ )٣‬انظر‪ :‬فصل‪" :‬الصر وفروعه وظواهره السلوكية‪ ".‬عند‪:‬‬
‫‪ -‬امليداين‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣0٥‬‬
‫(‪ )٤‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٤01‬‬
‫(‪ )٥‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤9٤‬‬
‫(‪ )٦‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣٣‬‬

‫‪٣٢1‬‬
‫ومن الصر عىل املخالف عدم املؤاخذة بام صدر عنه من زلل من غري قصد‪ ،‬يقول‬
‫اجلويني يف ذلك‪" :‬وال تؤاخذ اخلصم بام تعلم أنه ال يقصده من أنواع الزلل‪ ،‬بل تعلم أنه‬
‫يسبق اللسان‪ ،‬وملا ال خيلو املتكلم منه"(‪ (1‬ويعلم ذلك منه باالستفسار‪.‬‬

‫الصر أصل مهم يف إدارة احلوار واجلدل‪ ،‬فالناس خيتلفون يف أفهامهم وقدراهتم‬
‫العقلية وميوالهتم النفسية‪ ،‬وسوء أخالقهم‪ ،‬وهذا وغريه حيتم عىل املناظر الصر واحللم‪،‬‬
‫والعفو والصفح‪ ،‬ويصر نفسه مع الناس حتى يصل هبم إىل اإلقناع‪ ،‬ومن أعظم الصر‬
‫الصر عىل شهوات النفس من الرغبة يف االنتصار والظهور عىل اخلصم والتفوق عليه‪ ،‬فإذا‬
‫استطاع املحاور الصر عىل خصمه اخلارجي (املناظر)‪ ،‬وخصمه الداخيل (النفس)‪ ،‬يكون‬
‫قد حتقق بأصل مهم من أصول اجلدل‪ ،‬وتأهل بذلك ملقام اجلدل واملناظرة‪.‬‬

‫س‪ -‬أصل عدم متويه املخالف وخداعه‪:‬‬

‫ليس للمحاور أن جينح للتمويه واخلداع يف املامرسة احلوارية‪ ،‬للسيطرة عىل‬


‫املخالف‪ ،‬وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [آل عمران‪ ]٧٢ :‬يقول‬
‫السعدي‪" :‬أي‪ :‬ادخلوا يف دينهم عىل وجه املكر والكيد أول النهار‪ ،‬فإذا كان آخر النهار‬
‫فاخرجوا منه ﴿ ﱛ ﱜ﴾ عن دينهم‪ ،‬فيقولون‪ :‬لو كان صحيح ًا ملا خرج منه أهل‬
‫العلم والكتاب"‪ ،‬ويقول ابن كثري‪" :‬هذه مكيدة أرادوها لي ْل ُ‬
‫بسوا عىل الضعفاء من الناس‬ ‫(‪(٢‬‬

‫(‪(٣‬‬
‫أ ْمر دينهم‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف قول سيدنا إبراهيم يف جمادلته للنمرود‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‬


‫"وعنى بذلك أين أقتل من‬ ‫[البقرة‪]٢٥8 :‬‬ ‫[البقرة‪ ]٢٥8 :‬ورد النمرود‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃﮄ﴾‬
‫أردت قتله‪ ،‬وأستبقي من أردت استبقاءه‪ ،‬ومن املعلوم أن هذا متويه وتزوير‪ ،‬وحيدة عن‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٥٣٦‬‬


‫(‪ )٢‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٣٤‬‬
‫(‪ )٣‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥9‬‬

‫‪٣٢٢‬‬
‫املقصود‪ (1(،"...‬فإن من اجلدل املذموم "اجلدل بالشغب والتمويه‪ ،‬نرصة للباطل بعد ظهور‬
‫(‪(٢‬‬
‫احلق وبيانه‪".‬‬

‫ويقول تعاىل يف كيد من يدعي اإليامن وخداعه‪ ،‬ويريد التحاكم يف اخلصومات إىل غري‬
‫املرجعية اإلسالمية(‪ ﴿ :(٣‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾‬
‫[النساء‪ ،]٦1-٦0 :‬ف "هذا إنكار من اهلل‪ ،‬عز وجل عىل من يدعي اإليامن بام أنزل اهلل عىل رسوله‬
‫وعىل األنبياء األقدمني‪ ،‬وهو مع ذلك يريد التحاكم يف فصل اخلصومات إىل غري كتاب اهلل‬
‫(‪(٤‬‬
‫وسنة رسوله‪"...‬‬
‫فالتمويه عىل اخلصم‪ ،‬وتزوير احلقائق‪ ،‬وخداع اخلصم ضياع للحقائق‪ ،‬سلوك مشني‬
‫ملن تلبس به‪ ،‬لذا ينبغي عىل طالب احلقائق التنزه عن هذا اخللق‪ ،‬ومواجهة خصمه باحلجج‬
‫والراهني الصحيحة‪ ،‬فالقصد هو الوصول إىل احلق‪ ،‬فينبغي شحذ اهلمم واستنهاضها‬
‫للتحري والتدقيق يف كل ما يعرض من أدلة يف جملس املناظرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.9٥٥‬‬
‫(‪ )٢‬البغدادي‪ ،‬كتاب الفقيه واملتفقه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٥٧‬‬
‫ويذكر اخلطيب البغدادي باإلضافة إىل هذا الوجه املذموم للجدل‪ ،‬وجه ًا آخر وهو‪ :‬اجلدل بغري علم‪ .‬ومن اجلدل‬
‫املذموم‪ -1 :‬اجلدل بالباطل لدحض احلق‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [غافر‪ ،]٥ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [الكهف‪ -٢ .]٥٦ :‬املجادلة يف احلق بعدما تبني‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ﴾ [األنفال‪ -٣ .]٦ :‬اجلدال بال علم‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ﴾ [آل عمران‪.]٦٦ :‬‬
‫(‪ )٣‬ينطبق عىل أهل املرجعية الواحدة‪ ،‬لكن إذا اختلفت املرجعيات‪ ،‬فهناك آليات أخرى لتدبري االختالف مثل‪:‬‬
‫التفاوض للوصول إىل مصالح متوازنة لألطراف‪ ،‬وقد استخدم النبي ﷺ هذه اآللية يف صلح احلديبية‪.‬‬
‫(‪ )٤‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣٤٦‬‬
‫وذكر ابن كثري أن اآلية نزلت يف "رجل من األنصار ورجل من اليهود ختاصام‪ ..‬وقيل‪ :‬يف مجاعة من املنافقني‪،‬‬
‫ممن أظهروا اإلسالم‪ ،‬أرادوا أن يتحاكموا إىل حكام اجلاهلية‪ .‬وقيل غري ذلك‪ ،‬واآلية أعم من ذلك كله‪ ،‬فإهنا ذامة‬
‫ملن عدل عن الكتاب والسنة‪ ،‬وحتاكموا إىل ما سوامها من الباطل‪ ،‬وهو املراد بالطاغوت هاهنا‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٣٤٦‬‬

‫‪٣٢٣‬‬
‫(‪(1‬‬
‫‪ -2‬أصول تدبري االختالف التفصيلية املعرفية‪:‬‬

‫وفيه مسائل‪:‬‬

‫أ‪ -‬أصل االتفاق عىل املرجعية االستداللية واالنضباط هلا‪:‬‬

‫ال بد للمامرسة احلوارية من مرجعية حتكم سريها‪ ،‬من أجل الوصول إىل الغاية من احلوار‬
‫واجلدل‪ ،‬فاالنضباط للمرجعية احلوارية أصل مهم لتدبري االختالف‪ ،‬وتوجيه "للمدعي"‬
‫‪-‬وهو الذي يقول برأي خمصوص ويعتقده‪ -‬و"املعرض" –وهو الذي ال يقول برأي املدعي‬
‫(‪(٢‬‬
‫وال يعتقده‪ -‬نحو األثر املرتب عن اجلدل واملناظرة‪ ،‬من غري انحراف عن القصد‪.‬‬

‫قال تعاىل يف شأن مرجعية املسلمني اجلامعة‪ ،‬ودعوهتم إىل االنضباط إليها‪ ،‬وتدبري‬
‫االختالف عىل أساسها‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ﴾ [النساء‪ ،]٥9 :‬وقال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [األحزاب‪ ،]٣٦ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [النور‪.]٥1 :‬‬

‫ويقول تعاىل يف دعوة الذين أوتوا نصيب ًا من الكتاب‪ ،‬لكتاب اهلل ليحكم بينهم‪ ،‬بوصفه‬
‫مرجعية جامعة‪ ،‬فال يستجيب فريق منهم ويتخلف عن حتكيم هذه املرجعية‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫(‪ )1‬أو اإلفهامية‪ ،‬التي تتعلق بالفهم واإلفهام يف املامرسة احلجاجية‪ ،‬وهذه األصول عدّ تفصي ً‬
‫ال ألصيل‪" :‬السالمة‬
‫العقلية" و"تكامل مصادر املعرفة‪ "،‬اللذين سبقت دراستهام‪.‬‬
‫(‪ )٢‬ومما يدل عملي ًا عىل "أصل االتفاق عىل املرجعية االستداللية واالنضباط هلا »قصة سيدنا ابن عباس مع اخلوارج‪،‬‬
‫قال ‪ ‬للخوارج قبل جمادلتهم‪" :‬قلت‪ :‬أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب اهلل املحكم‪ ،‬وحدثتكم من سنة نبيه ﷺ ما‬
‫ال تنكرون‪ ،‬أترجعون؟ قالوا‪ :‬نعم‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬عبد الرزاق‪ ،‬املصنف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬ال ُّل َق َطة‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف ْ‬
‫احلَ ُرور َّية‪ ،‬ج‪ ،10‬حديث رقم (‪،)18٦٧8‬‬
‫ص‪.1٥٧‬‬
‫‪ -‬الطراين‪ ،‬املعجم الكبري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ومن مناقب عبد اهلل بن عباس‪ ،‬وأخباره‪ ،‬ج‪ ،10‬حديث رقم ‪،10٥98‬‬
‫ص‪.٢٥٧‬‬
‫‪ -‬أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عبد اهلل بن عباس‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣18‬‬

‫‪٣٢٤‬‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [آل عمران‪]٢٣ :‬‬ ‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ‬
‫يقول سيد قطب‪" :‬إنه سؤال التعجيب والتشهري من هذا املوقف املتناقض الغريب‪ .‬موقف‬
‫الذين أوتوا نصيب ًا من الكتاب‪ .‬وهو التوراة لليهود ومعها اإلنجيل للنصارى‪ .‬وكل منهام‬
‫(نصيب) من الكتاب باعتبار أن كتاب اهلل هو كل ما أنزل عىل رسله‪ ،‬وقرر فيه وحدة ألوهيته‬
‫ووحدة قوامته‪ .‬فهو كتاب واحد يف حقيقته‪ ،‬أويت اليهود نصيب ًا منه‪ ،‬وأويت النصارى نصيب ًا منه‪،‬‬
‫وأويت املسلمون الكتاب كله‪ ،‬باعتبار القرآن جامع ًا ألصول الدين كله‪ ،‬ومصدق ًا ملا بني يديه‬
‫من الكتاب‪ ...‬سؤال التعجيب من هؤالء ﴿ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [آل عمران‪ ...]٢٣ :‬ثم هم‬
‫يدعون إىل كتاب اهلل ليحكم بينهم يف خالفاهتم‪ ،‬وليحكم بينهم يف شؤون حياهتم ومعاشهم‪،‬‬
‫فال يستجيبون مجيع ًا هلذه الدعوة‪ ،‬إنام يتخلف فريق منهم‪ ،‬و ُيعرض عن حتكيم كتاب اهلل‬
‫ورشيعته‪ ،‬األمر الذي يتناقض مع اإليامن بأي نصيب من كتاب اهلل‪ ،‬والذي ال يستقيم مع‬
‫(‪(1‬‬
‫دعوى أهنم أهل كتاب‪".‬‬

‫يقول الشاطبي يف رضورة االتفاق عىل املرجعية االستداللية بني اخلصمني‪ :‬السائل‬
‫واملستدل‪" :‬إن اخلصمني إما أن يتفقا عىل أصل يرجعان إليه أم ال‪ ،‬فإن مل يتفقا عىل يشء‪ ،‬مل‬
‫يقع بمناظرهتام فائدة بحال‪ ...،‬ومقصود املناظرة رد اخلصم إىل الصواب بطريق يعرفه‪ ،‬ألن‬
‫رده بغري ما يعرفه من باب تكليف ما ال يطاق‪ ،‬فال بد من رجوعهام إىل دليل يعرفه اخلصم‬
‫(‪(٢‬‬
‫السائل معرفة اخلصم املستدل‪".‬‬

‫ويرى حمامد رفيع يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬


‫ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [لقامن‪" ]٢1 :‬أنكر القرآن الكريم عىل من‬
‫جتاوز البدهييات والقضايا الفطرية املسلمة‪ ،‬ألهنم بذلك مل يبقوا أي أرضية مشركة بينهم‬
‫(‪(٣‬‬
‫وبني غريهم من املسلمني‪".‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٣8٢‬‬


‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪ .٢٤٧‬ذكر الشاطبي أدلة كثرية من القرآن الكريم‬
‫عىل رضورة التزام املتناظرين باملرجعية االستداللية‪.‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٤8-٢٤٧‬‬
‫(‪ )٣‬رفيع‪ ،‬اجلدل واملناظرة‪ :‬أصول وضوابط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٥‬‬

‫‪٣٢٥‬‬
‫واحلوار ليس تداوالً للكالم بني املتحاورين الذين "ال يتبعون يف ذلك طريق ًا معلوم ًا‪،‬‬
‫وال ينضبطون بقاعدة خمصوصة‪ ،‬سوى أن يطلق عنان الكالم لكل واحد منهم حتى ُي ِ‬
‫فرغ ما‬
‫(‪(1‬‬
‫بجعبته باسم حرية الرأي‪".‬‬

‫وجاء يف دستور دولة اإلسالم األوىل عىل عهد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬أن املرجعية املشركة‬
‫هي احلاكمية اإلهلية‪ ..." :‬وإنه ما كان بني أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار ُخياف‬
‫(‪(٢‬‬
‫فساده‪ ،‬فإن مرده إىل اهلل عز وجل‪ ،‬وإىل حممد رسول اهلل ﷺ‪."...،‬‬

‫ب‪ -‬أصل العلم باملوضوع املختلف فيه‪:‬‬

‫العلم والتخصص املعريف يف املوضوع املختلف فيه‪ ،‬والتكافؤ العلمي بني طريف اجلدل‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫أصل مهم وحاسم يف محاية املنهج اجلديل من التطفل‪ ،‬وتطاول من ال علم له باملوضوع‪،‬‬
‫ألن اجلهل باملوضوع ال يوصل للحقيقة‪ (٤(،‬و"التصديق ال يلحق باملجهول"‪ (٥(،‬و"احلكم‬

‫(‪ )1‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢98‬‬
‫(‪ )٢‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص ‪.9٦-9٤‬‬
‫(‪ )٣‬العلم بموضوع االختالف‪ ،‬يقلل من االختالف‪ ،‬ويساعد عىل حسم مادته‪ ،‬فقد كان أول خالف وقع بني الصحابة‬
‫ريض اهلل عنهم هو‪ :‬موضوع وفاة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬حيث أنكره بعض الصحابة‪ ،‬األمر الذي دفع بسيدنا أيب بكر‪،‬‬
‫الذي كان عنده علم باملوضوع املختلف فيه‪ ،‬أن يتلو عىل الصحابة قوله تعاىل‪﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [الزمر‪.]٣0 :‬‬
‫ثم اختلف الصحابة يف املكان الذي يدفن فيه رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهذا اخلالف أيض ًا مل حيسمه إال أبو بكر ‪ ،‬حيث‬
‫كان عنده علم بموضوع اخلالف‪ ،‬وهو حفظه حلديث عن رسول اهلل ﷺ "إن األنبياء يدفنون حيث يقبضون" (ومل‬
‫أجد هذا احلديث هبذه الصيغة‪ ،‬ووجدته عند الرمذي بصيغة أخرى‪ ،‬وهي أن النبي ﷺ قال‪َ " :‬ما َق َب َض اهللَُّ نَبِ ّي ًا إِالَّ‬
‫ب َأ ْن ُيدْ َف َن فِ ِيه‪ ".‬انظر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِيف ا َْمل ْوض ِع ا َّلذي ُحي ُّ‬
‫‪ -‬الرمذي‪ ،‬جامع الرتمذي‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف دفن النبي ﷺ َح ْي ُث ُقبِ َض‪ ،‬ج‪ ،٢‬حديث رقم (‪ ،)1018‬ص‪٣٢9‬‬
‫فدفن يف حجرته الرشيفة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫البغدادي‪ ،‬أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن حممد‪ .‬الفرق بني الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم‪ ،‬عقائد الفرق‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالمية وبيان آراء كبار أعالمها‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد عثامن اخلشن‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة ابن سينا‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.٣٢‬‬
‫(‪ )٤‬يعدّ ابن القيم اجلهل من أركان األخالق السافلة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٢9٥‬‬
‫(‪ )٥‬ابن نجيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن حممد‪ .‬األشباه والنظائر عىل مذهب أيب حنيفة النعامن‪ ،‬وضع حواشيه وخرج‬
‫أحاديثه‪ :‬زكريا عمريات‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤19( ،1‬هـ‪1999/‬م)‪ ،‬ص‪.18٣‬‬

‫‪٣٢٦‬‬
‫عىل اليشء فرع عن تصوره"‪ (1(،‬وال يمكن تصور احلقيقة يف قضية معينة يف غياب العلم‬
‫بمدخالهتا‪ ،‬زيادة عىل أن اخلوض يف املراجعات واملكاملات من دون علم وال معرفة‪ ،‬سبب‬
‫قوي للنزاع والرصاع‪ ،‬واتساع دائرة االختالفات اإلنسانية‪ ،‬لذلك قال علامؤنا‪" :‬لو سكت‬
‫(‪(٢‬‬
‫من ال يعلم سقط االختالف‪".‬‬

‫وألمهية العلم بموضوع اخلالف يف الوصول إىل احلقائق‪ ،‬جاءت نصوص قرآنية كثرية‬
‫يف احلث عليه‪ ،‬وبيان منزلة أهله‪ ،‬واإلنكار عىل القول بغري علم وال معرفة‪ ،‬إىل غري ذلك‬
‫مما ورد يف السياق القرآين حتى "تكررت كلمة (علم) يف القرآن ما يقارب سبعامئة وسبعة‬
‫علو شأن العلم يف اخلطاب القرآين‪.‬‬
‫وعرشين مرة"‪ (٣(،‬ويف هذا داللة قوية عىل ّ‬

‫والعلم املراد هنا ليس مطلق العلم‪ ،‬بل املراد‪" :‬التخصص العلمي واملعريف بموضوع‬
‫اجلدل واملناظرة"؛(‪ (٤‬ألن عملية اإلقناع ال تتحقق بني جاهل وعامل‪ ،‬فاجلهل باملوضوع يؤدي‬

‫(‪ )1‬ابن النجار‪ ،‬تقي الدين أبو البقاء حممد بن أمحد بن عبد العزيز بن عيل الفتوحي‪ .‬رشح الكوكب املنري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫الزحييل ونزيه محاد‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪1٤18( ،٢‬هـ‪199٧/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،٥0‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬احلموي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد مكي‪ .‬غمز عيون البصائر يف رشح األشباه والنظائر‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،1‬هـ‪198٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .٣1٤‬واختلفت عبارات األصوليني حسب سياق استعامل‬
‫العبارة ومن عباراهتم‪" :‬احلكم عىل اليشء بالنفي واإلثبات فرع عن تصوره‪".‬‬
‫‪ -‬اإلسنوي‪ ،‬أبو حممد مجال الدين عبد الرحيم بن احلسن بن عيل‪ .‬هناية السول رشح منهاج الوصول‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،1‬هـ‪1999/‬م)‪ ،‬ص‪" .1٥‬الوضع لليشء فرع عن تصوره‪ ".‬ص ‪.٧9‬‬
‫(‪ )٢‬ابن عبد الر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥8٣‬‬
‫(‪ )٣‬عبد الباقي‪ ،‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤80-٤٦9‬‬
‫(‪ )٤‬وقد طبق علامء اإلسالم هذا األصل‪ ،‬أصل احرام التخصص العلمي‪ ،‬وعدم اجلدل يف غري التخصص‪ ،‬قال عبد اهلل‬
‫بن حنبل‪ :‬سمعت أيب يقول‪ :‬قال الشافعي‪ :‬أنتم أعلم باألخبار الصحاح منا‪ ،‬فإذا كان خر صحيح فأعلمني‬ ‫بن أمحد ِ‬
‫حتى أذهب إليه‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الذهبي‪ ،‬سري أعالم النبالء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ .٣٣‬جاء رجل إىل ْاألَع َْمش "فسأله عن مسألة فلم جيبه‬
‫فيها" قال‪ :‬القول فيها كذا‪ ،‬قال‪" :‬من أين؟" قال‪ :‬من حديث‬ ‫فيها‪ ،‬ونظر فإذا أبو حنيفة فقال‪" :‬يا ُن ْع َام ُن‪ ،‬قل َ‬
‫ِ‬
‫كذا‪ ،‬أنت حدَّ ث َتنَا ُه‪ ،‬قال‪ :‬فقال ْاألَع َْم ُش‪" ،‬نحن َّ‬
‫الصيادلة وأنتم األطبا ُء‪".‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .10٣0‬ويقول أبو ُع َب ْيد ا ْل َقاس َم ْب َن َس َّالمٍ‪" :‬ما‬ ‫‪ -‬ابن عبد ال ّ‬
‫ناظرين رجل قط وكان ُم َفنِّن ًا يف العلوم إال غلبته‪ ،‬وال ناظرين رجل ذو ف ٍّن واحد إال غلبني يف علمه ذلك‪".‬‬
‫اسم‪" :‬ال ُأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حسن ُه" =‬ ‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .٥٢٣‬جاء رجل إىل ا ْل َقاس ِم ْب ِن حممد "سأله عن يشء‪ ،‬فقال ال َق ُ‬

‫‪٣٢٧‬‬
‫إىل التخبط وعدم وضوح الرؤية بني املتحاورين؛ إذ يشرط‪" :‬أن يكون املتناظران عىل معرفة‬
‫باملوضوع الذي يتنازعان فيه‪ ،‬حتى يتكلم كل منهام ضمن الوظيفة املأذون له هبا يف قواعد‬
‫املناظرة وضوابطها‪ ،‬وإذا تكلم مل خيبط خبط عشواء‪ ،‬ومل يناقش يف البدهيات بغري علم‪ ،‬وإذا‬
‫(‪(1‬‬
‫ُألزم باحلق التزم به دون مكابرة‪".‬‬

‫قال تعاىل يف شجب حماجة أهل الكتاب بغري علم وال معرفة يقينية‪﴿ :‬ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [آل عمران‪]٦٦ :‬‬

‫و"يف اآلية دليل عىل املنع من اجلدال ملن ال علم له‪ ،‬واحلظر عىل من ال حتقيق عنده‪ ،‬وقد ورد‬
‫(‪(٢‬‬
‫األمر باجلدال ملن علم وأيقن فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل‪".]1٢٥ :‬‬

‫ويقول السعدي يف اآلية السابقة‪" :‬جداهلم يف إبراهيم جدال يف أمر ليس هلم به علم‪،‬‬
‫فال يمكن هلم وال يسمح هلم أن حيتجوا وجيادلوا يف أمر هم أجانب عنه‪ ،‬وهم جادلوا يف‬
‫(‪(٣‬‬
‫أحكام التوراة واإلنجيل سواء أخطأوا أم أصابوا فليس معهم املحاجة يف شأن إبراهيم"‪،‬‬
‫ونظريه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [احلج‪ .]8 :‬فهذا‬
‫إنكار عليهم يف املجادلة بغري علم‪ ،‬وال حتقق بموضوع اجلدال واملناظرة‪ ،‬يقول ابن كثري‪" :‬هذا‬
‫إنكار عىل من حياج فيام ال علم له به"‪ (٤(،‬ويقول الفخر الرازي‪" :‬املراد من قوله‪ ﴿ :‬ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ هو‪ :‬أهنم زعموا أن رشيعة التوراة واإلنجيل خمالفة لرشيعة القرآن‪ ،‬فكيف‬
‫حتاجون فيام ال علم لكم به‪ ،‬وهو‪ :‬ادعاؤكم أن رشيعة إبراهيم كانت خمالفة لرشيعة حممد‬
‫عليه السالم؟‪ .‬ثم حيتمل يف قوله‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ أنه مل يصفهم‬

‫تنظر إىل طول حليتي وكثرة الناس‬ ‫القاسم‪" :‬ال ْ‬ ‫ُ‬ ‫= فجعل الرجل يقول‪ :‬إين ُدفِ ُ‬
‫عت إليك ال أعرف غريك فقال‬
‫حويل واهلل ما ُأح ِسنُه" فقال شيخ من قريش جالس إىل ِ‬
‫جنبه‪ :‬يا ابن أخي ا ْلزَ ْم َها فواهلل ما رأيتك يف جملس َأ ْن َب َل‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقطع لساين أحب إ ّيل من أن أتك ّلم بام ال علم يل به‪".‬‬ ‫ِ‬
‫منك اليو َم‪ ،‬فقال القاس ُم‪" :‬واهلل ْ‬
‫ألن‬
‫َ‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪.8٣٧ ،٢‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )1‬امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٧٥‬‬
‫(‪ )٢‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.108‬‬
‫(‪ )٣‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٣٤‬‬
‫(‪ )٤‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥8‬‬

‫‪٣٢8‬‬
‫يف العلم حقيقة‪ ،‬وإنام أراد إنكم تستجيزون حماجته فيام تدعون علمه‪ ،‬فكيف حتاجونه فيام‬
‫ال علم لكم به البتة؟‪ .‬ثم حقق ذلك بقوله‪﴿ :‬ﮫ ﮬ﴾ كيف كانت حال هذه الرشائع يف‬
‫(‪(1‬‬
‫املخالفة واملوافقة ﴿ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ كيفية تلك األحوال‪".‬‬

‫فاجلدل بغري علم مرفوض رشع ًا‪ ،‬ويؤكد اخلطاب القرآين عىل هذا املعنى‪ .‬وكام أشار إىل‬
‫ذلك املفسون يف األقوال السابقة‪ ،‬فاجلهل باملوضوع يعرض احلقائق إىل الضياع‪ ،‬ويعرض‬
‫املناظر اجلاهل إىل االستهزاء والتنقيص‪ ،‬لذلك ال بد من العلم أوالً قبل اخلوض يف املناظرة‪.‬‬
‫وعدّ اخلطيب البغدادي "اجلدال بغري علم"(‪ (٢‬من قسمي اجلدل املذموم‪.‬‬

‫فالقرآن الكريم خياطب البرشية يف كل عرص وزمان‪ ،‬ويقول لسيدنا حممد ﷺ‪:‬‬
‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‬
‫[يوسف‪ ]108 :‬وهو خطاب بوضوح السبيل‪ ،‬واملعرفة اليقينية بالدعوة وموضوعها؛ ألنه‬
‫حتقق عنده به‪ ،‬وهو القائل ﷺ‪" :‬بِ َ‬
‫ئس‬ ‫ال يمكن بحال أن يدعو إىل ما ال يعرفه‪ ،‬أو ما ال َّ‬
‫ِ‬
‫َمط َّي ُة َّ‬
‫الرجل‪َ :‬ز َع ُموا‪".‬‬
‫(‪(٣‬‬

‫ويقول تعاىل لنبيه ﷺ تنبيه ًا عىل هذا األصل اجلديل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾‬
‫[اإلرساء‪ ]٣٦ :‬فعىل املجادل أن يتثبت من كل خر أو ظاهرة‪ ،‬قبل احلكم عليها‪ ،‬ال احلكم عىل‬
‫أمر بمجرد الظنون واألوهام‪ ،‬وقبل التثبت التام منه‪ .‬وقد بني اهلل سبحانه وتعاىل يف هذه اآلية‬
‫املنهج الصحيح‪ ،‬الذي ينبغي سلوكه‪ ..." ،‬ال تقل للناس وفيهم ما ال علم لك به‪ ،‬فرميهم‬
‫بالباطل‪ ،‬وتشهد عليهم بغري احلق‪ ،‬فذلك هو القفو"‪ (٤(،‬ويقول ابن كثري عن قول العلامء يف‬
‫هذه اآلية‪ .." :‬ومضمون ما ذكروه‪ :‬أن اهلل تعاىل هنى عن القول بال علم‪ ،‬بل بالظن الذي هو‬
‫(‪(٥‬‬
‫التوهم واخليال‪ ،‬كام قال تعاىل‪﴿ :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [احلجرات‪".]1٢ :‬‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.99-98‬‬


‫(‪ )٢‬البغدادي‪ ،‬كتاب الفقيه واملتفقه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٥٧‬‬
‫(‪ )٣‬أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬باب‪ :‬قول الرجل‪ :‬زعموا‪ ،‬ج‪ ،٧‬حديث رقم (‪ ،)٤9٧٢‬ص‪.٣٢8‬‬
‫(‪ )٤‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٧‬ص‪.٤٤8‬‬
‫(‪ )٥‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٧٥‬‬

‫‪٣٢9‬‬
‫ويقول سيد قطب‪ ﴿ " :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾‪ ..‬وال تتبع ما مل تعلمه علم اليقني‪،‬‬
‫وما مل تتثبت من صحته‪ :‬من قول يقال ورواية تروى‪ ،‬من ظاهرة تفس أو واقعة تعلل‪ ،‬ومن‬
‫(‪(1‬‬
‫حكم رشعي أو قضية اعتقادية‪"...‬‬

‫ويضيف قائ ً‬
‫ال يف تفسري قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ [اإلرساء‪" ]٣٦ :‬وهذه الكلامت القليلة تقيم منهج ًا كام ً‬
‫ال للقلب‬
‫والعقل‪ ،‬يشمل املنهج العلمي الذي عرفته البرشية حديث ًا جد ًا‪ ،‬ويضيف إليه استقامة القلب‬
‫ومراقبة اهلل‪ ،‬ميزة اإلسالم عىل املناهج العقلية اجلافة! فالتثبيت من كل خر‪ ،‬ومن كل‬
‫ظاهرة‪ ،‬ومن كل حركة قبل احلكم عليها‪ ،‬هو دعوة القرآن الكريم‪ ،‬ومنهج اإلسالم الدقيق‪.‬‬
‫ومتى استقام القلب والعقل عىل هذا املنهج مل يبق جمال للوهم واخلرافة يف عامل العقيدة‪ .‬ومل‬
‫يبق جمال للظن والشبهة يف عامل احلكم والقضاء والتعامل‪ .‬ومل يبق جمال لألحكام السطحية‬
‫(‪(٢‬‬
‫والفروض الومهية يف عامل البحوث والتجارب والعلوم‪"...‬‬

‫ومن مقتضيات هذا األصل قول املناظر‪" :‬ال أدري"‪ ،‬إذا مل يكن له علم بموضوع‬
‫اخلالف؛ ألن العلم واملعرفة اليقينية بموضوع احلوار‪ ،‬من أصول اجلدل واملناظرة‪ ،‬لذلك‬
‫فجهل املناظر باملوضوع ينهي العملية احلوارية‪ ،‬وإال كانت مناقشة غري متكافئة علمي ًا ومعرفي ًا‪.‬‬

‫وقد أشار القرآن الكريم إىل هذا األصل يف آيات عديدة لرسول اهلل ﷺ‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [األحقاف‪،]9 :‬‬
‫ففي اآلية يقول النبي ﷺ للمرشكني إنه ال يدري حاهلم يف الدنيا من إيامهنم أو كفرهم به‬
‫وبرسالته‪ (٣(،‬فنفي رسول اهلل ﷺ عن نفسه العلم هبذه القضية‪ ،‬تنهي احلوار واجلدال حوهلا؛‬
‫ألن علمها عند اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.٢٢٢٧‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1٥‬ص‪.٢٢٢٧‬‬
‫(‪ )٣‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢٢‬ص‪.100‬‬

‫‪٣٣0‬‬
‫ويقول كذلك يف نفي علمه ودرايته بالوقت الذي يقع فيه العقاب عىل املرشكني‪ (1(،‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [األنبياء‪،]109 :‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ [األنبياء‪]111 :‬؛ أي ال أدري لعل‬
‫تأخر العقاب عنكم اختبار لكم‪ (٢(،‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﴾ [اجلن‪]٢٥ :‬؛ أي إنه ﷺ ال يعلم وقت قيام الساعة أو نزول العذاب‪ ،‬فعلم ذلك‬
‫(‪(٣‬‬
‫عند اهلل تعاىل‪.‬‬

‫فإذا كان القرآن الكريم يسجل هذا االعراف من النبي ﷺ بعدم علمه بقضايا‬
‫الغيب‪ (٤(،‬وينسب العلم فيها هلل تعاىل‪ ،‬ويرفض احلوار واجلدل والنظر فيها‪ ،‬استناد ًا إىل عدم‬
‫درايته بتفاصيلها‪ ،‬فهو درس منهجي نستفيده يف حياتنا العملية واحلوارية‪ ،‬بأن ال نخوض‬
‫جداالت بغري علم وال دراية‪ ،‬وأن ال نستحيي من قول‪" :‬ال أدري"‪ ،‬ألن اجلدل بغري علم‬
‫مضيعة للوقت واجلهد‪.‬‬

‫تورع العلامء يف الفتوى بغري علم وال دراية؛ إذ روي أن مالك ًا سأله‬
‫وحيكي ابن القيم ُّ‬
‫"رجل من أهل الغرب‪ ...‬عن مسألة فقال‪ :‬ال أدري‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد اهلل تقول‪ :‬ال أدري؟‬
‫(‪(٥‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأبلغ من وراءك أين ال أدري‪".‬‬

‫(‪ )1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٣88‬‬
‫(‪ )٢‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٣٦0‬‬
‫(‪ )٣‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.٢٧‬‬
‫(‪ )٤‬يقول الفراهي‪ -1" :‬الغيب اسم احلدثان من غاب غيب ًا وغيبة‪ -٢ ..‬يطلق عىل ما غاب عنك وضده الشهادة‪..‬‬
‫‪ -٣‬وعىل ما ال سبيل إىل علمه‪ -٤ ..‬وعىل املكان الذي ليس بمشهد منك‪ ،‬واجلانب الذي ال يتعني‪ -٥..‬وعىل الس‬
‫عموم ًا‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫الفراهي‪ ،‬مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٧1‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ (٥‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٢٧‬‬

‫‪٣٣1‬‬
‫ومن توابع العلم بموضوع اجلدال‪ ،‬حترير حمل النزاع فيه والعلم به بدقة‪ (1(.‬يقول‬
‫حمامد رفيع يف كالمه عن موضوع اجلدل‪ ،‬وحتديد حمل النزاع يف املجادلة‪" :‬موضوع اجلدل‬
‫واحلوار هو جوهر العملية برمتها‪ ،‬وإذا ما جرى االتفاق عىل ذلك كان اجلدل مفيد ًا‬
‫وواضح ًا لألطراف املشاركة فيه؛ ألن حترير حمل النزاع يضمن عدم حتول اجلدل إىل نوع‬
‫من اللجاج‪ (٢(،"...‬ويقول حممد سيد طنطاوي‪" :‬وقد قالوا‪ :‬إن حترير حمل النزاع‪ ،‬يؤدي‬
‫إىل حسن االقتناع‪ ،‬فاأللفاظ متى حتددت معانيها والقضايا متى وضحت معاملها‪ ،‬سهل‬
‫الوصول إىل االتفاق بني املختلفني‪ ،‬وظهر الرأي الذي تؤيده احلجة القويمة‪ ،‬وتطمئن إىل‬
‫(‪(٣‬‬
‫صحته العقول السليمة‪"...‬‬

‫ومن مقتضيات هذا األصل‪ :‬أن يكون موضوع احلوار واجلدل ذا قيمة علمية‪ ،‬وأن ُيبتغى‬
‫َم ْن طرحه للحوار جدوى وفائدة عامة‪ ،‬كدفع رضر شديد أو استجالب خري وفري‪ ،‬يقول‬
‫القرضاوي‪" :‬إن القوم إذا حرموا التوفيق‪ ،‬تركوا العمل‪ ،‬وغرقوا يف اجلدل‪ ،‬وبخاصة أن هذا‬
‫(‪(٤‬‬
‫موافق لطبيعة اإلنسان التي مل هيذهبا اإليامن‪﴿ ،‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ [الكهف‪".]٥٤ :‬‬

‫روي عن مالك بن أنس أن رج ً‬


‫ال سأله عن قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [طه‪]٥ :‬‬

‫فقال مالك‪" :‬االستواء غري جمهول والكيف غري معقول‪ ،‬واإليامن به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪،‬‬

‫(‪ (1‬وقصة سيدنا ابن عباس يف جمادلته للخوارج‪ ،‬دليل تطبيقي ملطلب حترير حمل اخلالف يف العملية الكالمية‪ ،‬لتحجيم‬
‫وأول من آمن به وأصحاب‬ ‫ِ‬ ‫وختَنِ ِه‬
‫اخلالف وضبطه‪ ،‬يقول ‪ " :‬قلت‪ :‬أخروين ما تن ُق ُمون عىل ابن عم رسول اهلل ﷺ َ‬
‫رسول اهلل ﷺ معه؟ "قالوا‪َ :‬ننْ ُق ُم عليه ثالث ًا‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وما ُه َّن؟ قالوا‪ :‬أوهل َّن أنه حكَّم الرجال يف دين اهلل وقد قال‬
‫اهلل‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ﴾ [األنعام‪ ،]٥٧ :‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وماذا؟ قالوا‪ :‬وقاتل ومل يسب ومل يغنم‪ ،‬لئن كانوا كفار ًا لقد ح َّل ْت له‬
‫أمواهلم‪ ،‬ولئن كانوا مؤمنني لقد حرمت عليه دماؤهم؟‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وماذا؟ قالوا‪ :‬حما نفسه من أمري املؤمنني‪ ،‬فإن مل‬
‫يكن أمري املؤمنني فهو أمري الكافرين‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫احلَ ُرور َّية‪ ،‬ج‪ ،10‬حديث رقم (‪ ،)18٦٧8‬ص‪.1٥٧‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬عبد الرزاق‪ ،‬املصنف‪ ،‬كتاب‪ :‬ال ُّل َق َط ِة‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف ْ‬
‫‪ -‬والطراين‪ ،‬املعجم الكبري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬من اسمه عبد اهلل‪ ،‬ومن مناقب عبد اهلل بن عباس وأخباره‪ ،‬ج‪،10‬‬
‫حديث رقم (‪ ،)10٥98‬ص‪.٢٥٧‬‬
‫‪ -‬األصبهاين‪ ،‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عبد اهلل بن عباس‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٣1٥‬‬
‫(‪ )٢‬رفيع‪ ،‬اجلدل واملناظرة أصول وضوابط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٤٣‬‬
‫(‪ )٣‬طنطاوي‪ ،‬أدب احلوار يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٦‬‬
‫(‪ )٤‬القرضاوي‪ ،‬الصحوة اإلسالمية بني االختالف املرشوع والتفرق املذموم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٤1-٢٤0‬‬

‫‪٣٣٢‬‬
‫وما أراك إال ضاالً‪ ،‬فأخرجوه"‪ (1(،‬واستنكر مالك عىل الرجل‪ ،‬ألن املسؤول عنه ال يرتب عليه‬
‫(‪(٢‬‬
‫عمل‪ ،‬سأله عن املتشاهبات‪ ،‬وهي من املواضع التي ُيكره فيها السؤال‪ ،‬كام قرر ذلك الشاطبي‪،‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫ومالك يف هذه املسألة «سلك طريق التفويض‪ ،‬وهو أسلم‪".‬‬
‫يقول الشاطبي بشأن االختالف يف ما ال ينبني عليه فرع عميل‪" :‬املسائل التي ُخيتلف‬
‫فيها‪ ،‬فال ينبني عىل االختالف فيها فرع عميل‪ ،‬إنام تُعدّ من امل َلح‪ ،‬ال فائدة جتنى ثمرة‬
‫(‪(٤‬‬
‫لالختالف فيها‪ ،‬فهي خارجة عن صلب العلم‪".‬‬
‫وكان علامء اإلسالم ّ‬
‫حيذرون املناظر من اخلوض يف غري الواقع أو قريب الوقوع‪،‬‬
‫ويبتعدون عن الطبوليات‪ ،‬عىل نحو ما ذهب إليه الغزايل‪ ..." :‬أن ال يناظر إال يف مسألة واقعة‬
‫أو قريبة الوقوع غالب ًا‪ ،‬وال نرى املناظرين هيتمون بانتقاد املسائل التي تعم البلوى بالفتوى‬
‫(‪(٥‬‬
‫ُسمع فيتسع جمال اجلدل فيها كيفام كان األمر‪"...‬‬
‫فيها‪ ،‬بل يطلبون الطبوليات التي ت َ‬
‫ومن اجتناب ما ال ينبني عليه عمل التنزه عن اللغو واللغط‪ ،‬يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﴾ [الفرقان‪.]٧٢ :‬‬
‫ومن القضايا التي ال ينبني عليها عمل‪ ،‬اختالف الناس اليوم‪ ،‬وحجاجهم حول مسألة‬
‫تعيني ِ‬
‫الف َرق التي ذكرها حديث االفراق‪ ،‬وحماولة تعيني هذه الفرق‪ ،‬وما يتعلق باملتشاهبات‪،‬‬
‫يقول الشاطبي أن من العلم ما "ال يطلب نرشه بإطالق‪ ،‬أو ال يطلب نرشه بالنسبة إىل حال أو‬

‫(‪ )1‬السمرقندي‪ ،‬بحر العلوم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٥‬‬


‫(‪ )٢‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪ .٢٣٧-٢٣٥‬وساق عرشة نامذج لألمور التي ُيكره‬
‫السؤال فيها‪ ،‬ثم قال‪" :‬ويقاس عليها ما سواها‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ .‬ج‪ ،٤‬ص‪.٢٣٧-٢٣٥‬‬
‫يب بن حممد‪ .‬الفكر السامي يف تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫(‪ )٣‬احلجوي‪ ،‬حممد بن احلسن بن العر ّ‬
‫ط‪1٤1٦( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٢8‬‬
‫يقول الشنقيطي‪" :‬فقوله رمحه اهلل‪" :‬االستواء غري جمهول‪ "،‬يوضح أن أصل صفة االستواء ليست من املتشابه‪،‬‬
‫وقوله‪" :‬والكيف غري معقول‪ "،‬يبني أن كيفية االتصاف تدخل يف املتشابه‪ ،‬بناء عىل تفسريه بام استأثر اهلل تعاىل بعلمه‬
‫كام تقدم‪ ،‬وهذا التفصيل ال بد منه خالف ًا لظاهر كالم املؤلف رمحه اهلل‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني‪ .‬مذكرة يف أصول الفقه‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬ط‪٢001 ،٥‬م‪ ،‬ص‪.٧٧‬‬
‫(‪ )٤‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٧‬‬
‫(‪ )٥‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٥-٥٤‬‬

‫‪٣٣٣‬‬
‫وقت أو شخص‪ .‬ومن ذلك تعيني هذه الفرق‪ ،‬فإنه وإن كان ح ّق ًا فقد يثري فتنة‪ ..،‬فيكون من‬
‫تلك اجلهة ممنوع ًا بثه‪ .‬ومن ذلك علم املتشاهبات والكالم فيها‪ ،‬فإن اهلل ذم من اتبعها‪ ،‬فإذا‬
‫(‪(1‬‬
‫مستغنى عنه‪"...‬‬
‫ً‬ ‫ذكرت وعرضت للكالم فيها‪ ،‬فربام أدى ذلك إىل ما هو‬

‫أما من ال علم له فقد قال احلق سبحانه يف حقه‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾‬


‫[النحل‪ ،]٤٣ :‬فسيدنا موسى عليه السالم مل يستنكف أن يتعلم من العبد الصالح‪ ،‬يشري إىل‬
‫ذلك قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [الكهف‪ ،]٦٦ :‬وأنكر‬
‫القرآن عىل من أقبل عىل اجلدال واحلوار بغري علم‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [آل عمران‪.]٦٦ :‬‬

‫ومن مقتضيات هذا األصل التكافؤ العلمي واملعريف بني الطرفني‪ ،‬أو األطراف‬
‫املتناظرة‪ ،‬قال اهلل تعاىل عىل لسان سيدنا إبراهيم يف حواره وجداله مع أبيه‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ [مريم‪ ]٤٣ :‬فسيدنا إبراهيم عنده من العلم‬
‫ما مل يكن عند أبيه‪ ،‬فالتكافؤ العلمي بينهام غري حاصل‪ ،‬لذلك يطالبه سيدنا إبراهيم باتباعه؛‬
‫ألنه أعلم منه وأكفأ‪ .‬يقول ابن كثري‪" :‬يقول‪ :‬فإن كنت من صلبك وترى أين أصغر منك؛‬
‫ألين ولدك‪ ،‬فاعلم أين قد اطلعت من العلم من اهلل عىل ما مل تعلمه أنت؛ وال اطلعت عليه‬
‫(‪(٢‬‬
‫وال جاءك بعد‪".‬‬

‫ومن عدم التكافؤ أن يكون أحد الطرفني أقوى من الطرف اآلخر عسكري ًا أو اقتصادي ًا‪،‬‬
‫وهذا ما حكاه لنا القرآن الكريم عن فرعون رمز االستبداد والقهر والتعايل واالستكبار‬
‫حني جاءه سيدنا موسى حياوره‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ﴾ [غافر‪ ]٢9 :‬وهذا هو منطق احلوار يف عرصنا احلديث بني دول االستكبار العاملي‬
‫ودول االستضعاف‪ ،‬فهو حوار غري متكافئ‪ ،‬لذلك آلت نتائجه لصالح الدول القوية‬
‫اقتصادي ًا وعسكري ًا‪ ،‬وأصبح الطرف األضعف معرض ًا لإلمالء وليس للحوار‪.‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٣٧‬‬


‫(‪ )٢‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢٣٤‬‬

‫‪٣٣٤‬‬
‫ويفرض منهج اجلدل باإلضافة إىل العلم بموضوع اخلالف‪ ،‬العلم بالوحدة الفكرية‬
‫املتكاملة للدعوى التي يراد الدفاع عنها‪ ،‬أو نقدها واالعراض عليها‪ .‬ويرى السيد حممد‬
‫فضل اهلل أن من إشكاالتنا أن هناك نامذج تدخل جمال التدافع الفكري‪ ،‬دون معرفة تامة‬
‫بطبيعة الفكرة التي تدافع عنها‪ ،‬وطبيعة الفكرة التي هتامجها‪ ،‬سواء تعلق األمر بالذين‬
‫يتكلمون باسم اإلسالم أو باسم الكفر‪ ،‬أو الذين يتكلمون باسم حزب أو مجاعة أو مدرسة‬
‫أو مذهب معني داخل دائرة اإلسالم‪ ،‬ال يعرفون عن أفكار مدارسهم‪ ،‬وأفكار مدارس‬
‫خصومهم‪ ،‬إال املفاهيم العامة غري الدقيقة‪ ،‬وبذلك ال تتشكل لدهيم الوحدة الفكرية‬
‫(‪(1‬‬
‫املتكاملة ملدارسهم أو ملدارس خصومهم‪ ،‬فيسيؤون إىل أنفسهم وإىل غريهم‪.‬‬
‫واملناظر حيتاج عموم ًا إىل‪:‬‬
‫‪ -‬العلم بموضوع االختالف‪ :‬وهو موضوع هذه املسألة‪.‬‬
‫‪ -‬العلم بحال املخالف‪ :‬من العلم واجلهل والفطنة والذكاء‪ ،‬مما يتعلق بالفروق الفردية‪.‬‬
‫‪ -‬العلم بنوع االختالف‪ :‬بمعنى هل هذا اخلالف من خالف التنوع‪ ،‬أو خالف‬
‫التضاد‪ ،‬أم هو من اختالف اخلطأ والصواب‪ ،‬أو اختالف الكفر واإليامن‪ ،‬أو غري ذلك من‬
‫أنواع اخلالف‪.‬‬
‫ت‪ -‬أصل حتديد املفاهيم واملصطلحات‪:‬‬
‫حتديد املفاهيم واملصطلحات قبل الدخول يف املحاجة واملناظرة‪ ،‬من القضايا املهمة يف‬
‫تسهيل عملية التخاطب؛ إذ يفرض يف املناظر أن خياطب مناظره بام يفهمه‪ ،‬وأن ال يستعمل‬
‫ألفاظ ًا ال يفهمها أو ألفاظ ًا حمتملة؛ فطرفا احلوار مطالب كل منهام أن يكلم مناظره ويراجعه‬
‫بام قصده من كالمه‪ ،‬فإذا كان خطاب الدعوى غري مفهوم‪ ،‬فإن الرد عىل الدعوى سيكون‬
‫غري مفهوم أيض ًا‪.‬‬

‫وقد أمر اهلل تعاىل بتصحيح املفاهيم‪ ،‬لتكون املكاملة واضحة من غري احتامل‪ ،‬فإذا مل يتم‬
‫حتديد استعامالت األلفاظ واملدلوالت التي استعملت فيها‪ ،‬أدى ذلك إىل سوء الفهم‪ ،‬ألن‬
‫اللفظ الذي حيتمل معنيني أو أكثر‪ ،‬قد يستعمله أحد طريف املناظرة يف داللة معينة‪ ،‬وينرصف‬

‫(‪ )1‬فضل اهلل‪ ،‬احلوار يف القرآن‪ :‬قواعده‪ ،‬أساليبه‪ ،‬معطياته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥1‬‬

‫‪٣٣٥‬‬
‫ذهن املخاطب للداللة األخرى‪ ،‬وقد يتضمن س ّب ًا أو شت ًام‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [البقرة‪ ]10٤ :‬فلفظ "راعنا"‬
‫يقصد به املؤمنون يف خماطبة حممد ﷺ‪ :‬راقبنا‪َّ ،‬‬
‫وتأن بنا فيام تلقننا حتى نفهم عنك‪ ،‬لكن اليهود‬
‫استعملوها يف غري ما يقصده املؤمنون‪ ،‬وهو سب النبي ﷺ‪ ،‬فنهى املؤمنني عن ذلك‪ ،‬وأمروا‬
‫بتصحيح اللفظ‪ ،‬بام يفيد املعنى نفسه ويذهب االلتباس‪ ،‬وهو "انظرنا" أي انظر إلينا‪ ،..‬أو‬
‫(‪(1‬‬
‫أمهلنا لنحفظ‪...‬‬

‫وبعد أن ذكر القرآن الكريم حتريف اليهود للكلم عن مواضعه‪ ،‬وحتريف معاين‬
‫األلفاظ واملصطلحات قال تعاىل‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [النساء‪َّ ]٤٦ :‬بني هلم القرآن األصوب‬
‫واألقوم واألحسن من األلفاظ التي يقع هبا الفهم واإلفهام‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫(‪(٢‬‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ [النساء‪.]٤٦ :‬‬

‫ويؤكد القرآن الكريم قضية وحدة اللغة يف املجادلة واملراجعة الكالمية بني بني‬
‫ال منهجي ًا يف إدارة االختالفات‪ ،‬وتسهيل التواصل‪ ،‬والبيان للخطاب‪،‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬وعدها أص ً‬
‫وذلك بإرسال األنبياء بلغة أقوامهم من أجل البيان‪ ،‬وتسهيل عملية التخاطب‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [إبراهيم‪.]٤ :‬‬

‫ويف ذلك يقول الباجي‪" :‬وال يتكلم عىل ما مل يقع العلم به من جهته‪ ،‬وال يتكلم إال‬
‫عىل املقصود من كالمه‪ ،‬وال يتعرض ملا ال يقصده مما جرى يف خالله‪ ،‬فإن الكالم عىل ما مل‬
‫يقصده عدول عن الغرض املطلوب"‪ (٣(،‬ومما يؤدي إىل العدول عن املطلوب والتكلم يف غري‬
‫املقصود‪ ،‬عدم حتديد لغة احلوار واملصطلحات املستعملة فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٢٦‬‬
‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٤٣٦‬‬
‫(‪ )٣‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪٣٣٦‬‬
‫وبذلك تكون قضية حتديد األلفاظ واملصطلحات‪ ،‬والوقوف عند مدلوالهتا‪،‬‬
‫واالنتقاء من الدالالت ما يوافق فهم املخاطب‪ ،‬قضية مركزية قبل الدخول يف احلجاج‬
‫واملناظرة‪" ،‬إن لتحديد مدلول املصطلحات املراد استعامهلا يف موضوع احلوار مع املخالف‬
‫أولوية خاصة‪ ،‬سيام إذا علمنا أن وترية األداء يف املناظرة واجلدل تتوقف –إىل حد بعيد‪-‬‬
‫عىل التحديد الواضح للمصطلحات املتداولة بني املتناظرين بوصف تلك املصطلحات لغة‬
‫التواصل بينهام‪ ،‬وعىل قدر وضوح هذه اللغة وجالئها تتوقف فائدة اجلدال وثمرة احلوار‬
‫(‪(1‬‬
‫بني أهل اخلالف‪".‬‬

‫ث‪ -‬أصل احلجاج بالدليل والربهان‪:‬‬

‫اهلدف من املحاجة بالدليل والرهان(‪ (٢‬هو طلب احلق‪ ،‬واملحاجة عند أهل التفسري‬
‫وقال‬ ‫(‪(٣‬‬
‫تعني‪ :‬املناقشة‪ ،‬واملناظرة‪ ،‬واملجادلة‪ ،‬واملغالبة‪ ،‬والرد عند اخلالف بالدليل‪،‬‬

‫(‪ )1‬رفيع‪ ،‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫(‪ )٢‬وقد ن ّبه اخلطاب القرآين العقل إىل استخدام أنواع االستدالل اجلديل املختلفة‪ ،‬ذكر منها أبو زهرة أنواع ًا ستة من‬
‫االستدالل‪ ،‬يقول‪" :‬ونحن مع إقرارنا أن منهاج القرآن أعىل من اخلطابة‪ ،‬كام هو أعىل من الشعر ومن السجع‪،‬‬
‫نرى أن نستعري من علامء البالغة‪ ،‬كالم ًا يف مصادر االستدالل‪ ،‬ونريد أن نتعرف املصادر الذاتية التي بنى القرآن‬
‫الكريم استدالله عليها‪ ،‬وإن كان مقامه أعىل وأعظم‪ ،‬وهو معجز يف ذاته‪ ،‬وليس ككالم البرش‪ ،‬وإن بني عىل حروف‬
‫البرش وألفاظهم‪ ،‬ومن جنس كالمهم‪ .‬ويقولون إن االستدالل الذي يستمد من مصادر ذاتية‪ ،‬أي تؤخذ من ذات‬
‫املوضوع‪ ،‬وهي أشبه بالرهان املنطقي‪ ،‬وإن كانت أعىل‪ ،‬هي ستة مواضع أو ينابيع‪ ،‬أوهلا التعريف أي معرفة املاهية‪،‬‬
‫وثانيها التجزئة بذكر أجزاء املوضوع‪ ،‬وثالثها التعميم ثم التخصيص‪ ،‬ورابعها العلة واملعلول‪ ،‬وخامسها املقابلة‪،‬‬
‫وسادسها التشبيه ورضب األمثال‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن؛ نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.٣8٧-٣٧0‬‬
‫(‪ )٣‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪ .٤88‬وانظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪،٤٥1‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢9٣‬‬
‫‪ -‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.19٣‬‬
‫املحاجة املخاصمة‪ ،‬وأكثر‬
‫ّ‬ ‫وقال ابن عاشور‪" :‬املحاجة ُمفاعلة‪ ،‬ومل جيىء فِعلها إالَّ بصيغة املفاعلة‪ .‬ومعنى‬
‫حاج يف معنى املخاصمة بالباطل‪ :‬كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯔ ﯕ﴾ [األنعام‪ ]80 :‬وتقدم عند قوله تعاىل‪:‬‬ ‫استعامل فعل ّ‬
‫﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [البقرة‪ ".]٢٥8 :‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢00‬‬

‫‪٣٣٧‬‬
‫الراغب‪" :‬واملحاجة‪ :‬أن يطلب كل واحد أن يرد اآلخر عن حجته وحمجته"‪ (1(،‬وقال أبو‬
‫حيان‪" :‬املحاجة مفاعلة من اثنني‪ ،‬خمتلفني يف حكمني‪ ،‬يديل كل منهام بحجته عىل صحة‬
‫(‪(٢‬‬
‫دعواه‪".‬‬

‫والدليل واحلجة والرهان‪ :‬املرشد واهلادي إىل املطلوب‪ ،‬يقول الباجي‪" :‬والدليل‪ :‬ما‬
‫صح أن يرشد إىل املطلوب‪ ،‬وهو احلجة والرهان والسلطان"‪ (٣(.‬ويقول الشاطبي يف حقيقة‬
‫الدليل‪" :‬حقيقة الدليل أن يكون ظاهر ًا يف نفسه‪ ،‬وداالً عىل غريه‪ ،‬وإال احتيج إىل دليل‪ ،‬فإن‬
‫(‪(٤‬‬
‫دل الدليل عىل عدم صحته فأحرى أن ال يكون دليالً‪".‬‬

‫فالنظر العقيل يؤدي إىل حقائق علمية‪ ،‬يقتنع هبا املدعي‪ ،‬ويعتقد صحتها وصواهبا‪،‬‬
‫لكن خمالفه قد ال يسلم له بام يعتقده‪ ،‬فيطالبه بالدليل‪ (٥(،‬وحينها يكون صاحب الدعوى‬
‫مطالب ًا بإقامة الدليل والرهان عىل ما يدعيه‪ ،‬ليقنع بذلك خمالفه‪ ،‬وبذلك تكون العملية‬
‫اجلدلية‪ :‬طلب الدليل من أحد طريف املناظرة‪ ،‬وإقامة الدليل من الطرف اآلخر أو االحتجاج‬
‫به‪ (٦(،‬عملية علمية يف حتقيق وتصحيح العلوم واملعارف العقلية‪.‬‬

‫وبذلك يكون هذا األصل حمكوم ًا بعمليتني‪ :‬طلب الدليل من أحد طريف العملية‬
‫احلجاجية‪ ،‬وإقامة الدليل من الطرف اآلخر‪:‬‬

‫(‪ )1‬الراغب‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪( :‬حج)‪ ،‬ص‪.٢19‬‬
‫(‪ )٢‬أبو حيان األندليس‪ ،‬حممد بن يوسف بن عيل‪ .‬تفسري البحر املحيط‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود‪ ،‬عيل حممد‬
‫معوض‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،1‬هـ‪199٣/‬م)‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.1٧٤‬‬
‫(‪ )٣‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫"والدليل ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إىل مطلوب خري‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦٦‬‬
‫(‪ )٤‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.1٧٤‬‬
‫(‪ )٥‬ويذكر طه عبد الرمحن أن هناك أنواع ًا متعددة من الدليل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬روح الدين‪ :‬من ضيق العلامنية إىل سعة االئتامنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦1-٦0‬‬
‫(‪ )٦‬ويطلق أهل اجلدل واملناظرة عىل »املستدل» بكس الدال‪ ،‬طلب الدليل أو االحتجاج بالدليل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪٣٣8‬‬
‫‪ -‬طلب الدليل واحلجة والربهان من املخالف‪:‬‬

‫خصمه بالدليل واحلجة عىل دعواه؛‬


‫َ‬ ‫يقتيض املنهج اجلديل يف هذه املرحلة مطالبة املناظر‬
‫ألنه ال معنى لدعوى بغري دليل‪ ،‬وليس لكل أحد أن يدعي ويعتقد ما يشاء بغري دليل وال‬
‫برهان يعتقد املدعي صحته‪ ،‬ويبني عليه دعواه‪ ،‬وقد صاغ علامء املناظرة قاعدة اشتهرت‬
‫عند أهل هذه الصناعة‪ ،‬وكثر تداوهلا يف كتبهم‪ ،‬وهي قوهلم‪" :‬إن كنت ناق ً‬
‫ال فالصحة‪ ،‬أو‬
‫(‪(1‬‬
‫مدعي ًا فالدليل‪".‬‬

‫ووردت يف القرآن الكريم آيات كثرية يف عدد من السور تطالب املخالف بإقامة الدليل‬
‫عىل دعواه‪ ،‬والرهنة عىل صحتها‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [األنبياء‪ (٢(،]٢٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬


‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [األنعام‪ ،]1٤8 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [األحقاف‪ ،]٤ :‬وقال تعاىل يف ذكر دعوى املرشكني‪ ،‬ومطالبتهم‬
‫بإقامة الدليل‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [األنعام‪ ،]1٤8 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ﴾ [آل عمران‪ ،]9٣ :‬وقال تعاىل يف تسمية احلجة والدليل سلطان ًا‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الصافات‪.]1٥٧-1٥٦ :‬‬

‫وكان املنهج يف املامرسة احلجاجية يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬هو اتباع احلق الذي قام عليه‬
‫الدليل‪ ،‬وكان أئمة اإلسالم يسريون مع الدليل "زاهدين يف التعصب للرجال‪ ،‬واقفني مع‬
‫احلجة واالستدالل‪ ،‬يسريون مع احلق أين سارت ركائبه‪ ،‬ويستقلون مع الصواب حيث‬

‫(‪ )1‬امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٧9‬‬
‫(‪ )٢‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [البقرة‪ ،]111 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ﴾ [النمل‪ ،]٦٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [القصص‪.]٧٥ :‬‬

‫‪٣٣9‬‬
‫استقلت مضاربه‪ ،‬إذا بدا هلم الدليل بأخذته طاروا إليه زرافات ووحدان ًا‪ (1(".‬ف "البحث عن‬
‫الدليل الذي استند إليه اخلصم فيام ذهب إليه مرحلة غاية يف األمهية تصب يف اجتاه استكامل‬
‫جوانب أرضية النقاش‪ ،‬فبالدليل يتميز القول الساقط من القول املعتر‪ ،‬وقد علمنا القرآن‬
‫الكريم أن نتحاكم مع املخالف يف حماورتنا إىل الدليل والرهان‪ ،‬مصداق ًا لقول اهلل تعاىل يف‬
‫(‪(٢‬‬
‫أكثر من سورة‪"...‬‬

‫‪ -‬إقامة الدليل واحلجة والربهان عىل االدعاء‪:‬‬

‫وبعد املطالبة بالدليل‪ ،‬فإنه من الواجب عىل املحاور أن جييب مناظره إىل طلبه بإقامة‬
‫الدليل عىل دعواه‪ ،‬ليرشعا يف عملية التصحيح واإلبطال‪« ،‬اعلم أن الدعوى إىل املذهب‬
‫واملقالة ال بد وأن تكون مبنية عىل حجة وبينة"‪ (٣(.‬وبعد أن طالب القرآن الكريم املخالف‬
‫بإقامة الدليل عىل دعواه‪ ،‬التزم باملنهج نفسه‪ ،‬وأجاب املخالف لطلبه و"ساق الراهني‬
‫واألدلة القادرة عىل إقناع أصعب العقليات"‪ (٤(،‬والقرآن الكريم غني باألدلة عىل هذا املعنى‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﴾‬


‫[األنبياء‪ ]٢٢-٢1 :‬فالقرآن يف هذه اآلية الكريمة ذكر املقدمة األوىل من الدليل ﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫(‪(٥‬‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ﴾ واستغنى عن املقدمة الثانية الشتهارها "ومعلوم أهنام مل تفسدا‪".‬‬

‫(‪ )1‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥‬‬
‫(‪ )٢‬رفيع‪ ،‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10٥‬‬
‫(‪ )٣‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬يف سياق تفسريه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل‪.]1٢٥ :‬‬
‫(‪ (٤‬دراز‪ ،‬مدخل إىل القرآن الكريم عرض تارخيي وحتليل مقارن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8٥‬‬
‫(‪ )٥‬الغزايل‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .10٢‬ومثاله‪ ﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [اإلرساء‪ ]٤٢ :‬ومتامه أنه "معلوم أهنم مل يبتغوا إىل ذي العرش سبيالً‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.10٢‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٣٤0‬‬
‫ففي اآلية دليل عىل "برهان التامنع العقيل"(‪ (1‬الذي حيتج به علامء العقائد‪ ،‬وذلك أنّا لو‬
‫فرضنا إهلني‪ ،‬فأراد أحدمها شيئ ًا‪ ،‬وأراد اآلخر نقيضه‪ ،‬فإما أن تنفذ إرادة كل منهام‪ ،‬وذلك‬
‫حمال‪ ،‬الستحالة اجلمع بني النقيضني يف الزمان واملكان الواحد‪ ،‬وهذه قاعدة عقلية متفق‬
‫عليها‪ ،‬وإما أن تنفذ إرادة واحد منهام دون اآلخر‪ ،‬فيكون األول الذي تنفذ إرادته هو اإلله‪،‬‬
‫والثاين عاجز ًا‪ ،‬فال يصلح أن يكون إهل ًا‪ .‬فاهلل تعاىل مجع يف هذه اآلية بني "الرهان العقيل"‬
‫املتفق عليه و"الرهان العلمي املشاهد"‪ ،‬فهو خياطب املرشكني‪ :‬أتستطيع آهلتكم إحياء‬
‫املوتى؟!‪ ،‬وهو استفهام إنكاري‪ ،‬ثم انظروا إىل الكون هل ترون فيه اختالف ًا‪ ،‬أو فساد ًا يف‬
‫(‪(٢‬‬
‫نظامه؟! وتفكروا يف ملكوت األرض‪ ،‬أال يدلكم ذلك عىل وحدانية اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬


‫ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [املؤمنون‪ ،]91 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ‬
‫(‪(٣‬‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [األعراف‪.]19٥-191 :‬‬

‫لكن املرشكني ردوا كل احلجج واألدلة التي أقامها القرآن‪ ،‬مستمسكني بالتقليد‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [الزخرف‪ ،]٢٣ :‬حتى ملا ُن ِّبهوا عىل وجه الدليل واحلجة بقوله‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ﴾ [الزخرف‪ ]٢٤ :‬كان جواهبم اإلنكار والرفض‪،‬‬

‫(‪ )1‬امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٢9‬‬
‫(‪ )٢‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪ .٣٥0‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬البقاعي‪ ،‬نظم الدرر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.٢9٤‬‬
‫(‪ )٣‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾‬
‫[النحل‪ ،]٢1-٢0 :‬وقال تعاىل يف السياق نفسه‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الفرقان‪ ،]٣ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﴾ [احلج‪.]٧٣ :‬‬

‫‪٣٤1‬‬
‫لكل جديد مل يرثوه عن أسالفهم وتنطبع به عقوهلم وأفكارهم وسلوكاهتم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭱ‬
‫ال وبرهان ًا قاب ً‬
‫ال للنقاش واجلدل‪.‬‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [الزخرف‪ ]٢٤ :‬ومل يكن معتمدهم دلي ً‬

‫واألمر نفسه قاله قوم نوح من قبل‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬


‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾‬
‫[املؤمنون‪ ،]٢٤ :‬ومل يقف األمر عندهم يف التعجب من إنزال رسول برش‪ ،‬أو االستمساك‬
‫بحجة التقليد‪ ،‬بل انتهى هبم األمر إىل تسفيهه والربص به‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [املؤمنون‪.]٢٥ :‬‬
‫وكذلك قوم إبراهيم حني سأهلم الدليل‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ [الشعراء‪ ،]٧٣-٧٢ :‬كان جواهبم يف إقامة الدليل‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [الشعراء‪ ،]٧٤ :‬حينها ملا مل يستعملوا عقوهلم واستمسكوا بالتقليد حجة‬
‫قاطعة هلم‪ ،‬أقام سيدنا إبراهيم احلجة عليهم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ‬
‫يقول‬ ‫[الشعراء‪]8٣-٧٥ :‬‬ ‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾‬
‫الشاطبي‪ ..." :‬مل يكن هلم جواب إال اإلنكار‪ ،‬اعتامد ًا عىل اتباع اآلباء وا ّطراح ًا ملا سواه‪ ،‬ومل‬
‫(‪(1‬‬
‫يزل مثل هذا مذموم ًا يف الرشائع‪"...‬‬
‫فقد ذكر لنا القرآن صور ًا العتامد األنبياء للحجاج باألدلة العقلية يف إقناع أقوامهم‪،‬‬
‫ومن ذلك قصة سيدنا إبراهيم مع أبيه‪ (٢(،‬وحماججته للنمرود‪ (٣(،‬وقصته مع قومه يف حتطيم‬
‫األصنام وبطالن ألوهيتها‪ (٤(،‬وقصة املؤمن من آل فرعون الذي كتم إيامنه‪ ،‬واعتامده للحجة‬
‫املنطقية واملناظرة يف نرصة احلق‪ (٥(،‬ومثاله يف القرآن كثري يف حماججة األنبياء ألقوامهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬االعتصام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥0٦‬‬


‫(‪( )٢‬األنعام‪.(8٣-٧٤ :‬‬
‫(‪( )٣‬البقرة‪.(٢٥8 :‬‬
‫(‪( )٤‬األنبياء‪.(٧0-٥1 :‬‬
‫(‪( )٥‬غافر‪.(٤٤-٢8 :‬‬

‫‪٣٤٢‬‬
‫وقال تعاىل يف إقامة األدلة العقلية املحسوسة عىل وحدانيته ووجوده‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ‪[ ﴾...‬النمل‪ ]٦٤ -٥9 :‬وبعد إقامة األدلة عليهم‪ ،‬طالبهم القرآن بالدليل‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [النمل‪.]٦٤ :‬‬

‫وحيكي القرآن الكريم عىل منكري البعث ملا طلبوا الدليل‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾ [اجلاثية‪ ،]٢٥ :‬فأجاهبم القرآن إىل طلبهم وأقام‬
‫الدليل عىل ما طلبوا‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [اجلاثية‪.]٢٦ :‬‬

‫صنف من املخالفني ال يؤمنون باألدلة ولو رأوها بأعينهم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫لكن هناك‬
‫ْ‬
‫﴿ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [األنعام‪ .]٢٥ :‬أ ّما من أعرض‬
‫عن الدليل بعد إقامته وبيانه واضح ًا جلي ًا فقد قال اهلل تعاىل يف حقه‪ ﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [السجدة‪ ،]٢٢ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [الكهف‪ ،]٥٧ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [البقرة‪ ]٢09 :‬قال اآللويس يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫(‪(1‬‬
‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾‪" :‬احلجج الظاهرة الدالة عىل أنه احلق‪".‬‬

‫كام أنكر القرآن الكريم عىل من جيادل وحياور بغري دليل وال حجة وال سلطان‪،‬‬
‫﴿ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾ [غافر‪ ،]٣٥ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﴾ [غافر‪،]٥٦ :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬

‫(‪ )1‬اآللويس‪ ،‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤9٣‬‬

‫‪٣٤٣‬‬
‫ﯷ﴾ [املؤمنون‪ ]11٧ :‬يقول اآللويس يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ "‪ ...‬تنبيه ًا عىل‬
‫(‪(1‬‬
‫أن التدين بام ال دليل عليه ممنوع فض ً‬
‫ال عام دل الدليل عىل خالفه‪".‬‬

‫فالقرآن الكريم حرص كل احلرص عىل هذا األصل وحتكيمه مع املخالف؛ ألن يف‬
‫إقامة احلجة والدليل عىل االدعاء بناء‪ ،‬وهو مسلك صعب‪ ،‬أما اإلنكار واإلعراض عن حجة‬
‫املخالف‪ ،‬وحماولة إفسادها هدم‪ ،‬وهو مسلك سهل‪ ،‬يقول الراغب األصفهاين‪" :‬واعلم أن‬
‫سبيل إنكار احلجة والسعي إىل إفسادها أسهل من سبيل املعارضة بمثلها واملقابلة هلا‪ ،‬وهلذا‬
‫يتحرى اجلدل اخلصيم أبد ًا بالدفاع ال املعارضة بمثلها‪ ،‬وذلك أن اإلفساد هدم وهو سهل‬
‫(‪(٢‬‬
‫واإلتيان بمثله بناء وهو صعب‪"...‬‬
‫ج‪ -‬أصل نقض دعوى املخالف وتصحيحها بغري عنف‪:‬‬
‫من أجل اإلفهام يف املامرسة احلوارية اجلدلية‪ ،‬والتقارب الفكري والثقايف واحلضاري‪،‬‬
‫ينبغي عذر املخالف‪ ،‬والرد عليه دون طعن وال جتريح‪ ،‬أو عنف أو إكراه‪ ،‬ولو ظهر ملحاوره‬
‫أنه خمطئ؛ ألنه قد يكون مصيب ًا من وجه آخر‪ ،‬فالقضايا االجتهادية التي تقبل االختالف‪،‬‬
‫وتباين اآلراء‪ ،‬يصعب القطع واليقني فيها‪ ،‬لذلك عىل املخالف العارض‪-‬للدعوى‪ -‬أو‬
‫املعرض‪-‬عىل الدعوى‪ -‬أن يقترص يف نظره عىل الدعوى‪ ،‬بغض النظر عن املدعي‪ ،‬والعمل‬
‫عىل التعاون إلنجاح املامرسة احلوارية‪.‬‬
‫واخلطاب القرآين يدعو إىل سلوك الطريق األحسن‪ ،‬يف مقام احلوار‪ ،‬واجلدل الفكري‬
‫واملعريف واحلضاري‪ ،‬من غري عنف وال إكراه‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [فصلت‪ (٣(،]٣٤ :‬ويقول تعاىل‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [اإلرساء‪ ،]٥٣ :‬وقال اهلل عز وجل‬
‫لنبيه‪ ﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬

‫(‪ (1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.٢٧0‬‬


‫(‪ )٢‬الراغب األصفهاين‪ .‬الذريعة إىل مكارم الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.188‬‬
‫(‪ )٣‬ومن املفسين الذين قالوا بنسخ اآلية‪ :‬الكيا اهلرايس الشافعي يقول‪" :‬كان ذلك قبل فرض القتال‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الكيا اهلرايس‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٤‬ص‪.٣٦٣‬‬

‫‪٣٤٤‬‬
‫ﮟ﴾[احلج‪ ،]٦9-٦8 :‬وقال تعاىل يف توجيه نبيه‪ ،‬وتوجيه كل الدعاة ومفكري اإلسالم‪:‬‬
‫﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [النحل‪.]1٢٥ :‬‬
‫وقال تعاىل يويص نبيه بعدم العنف‪ ،‬والشدة مع املنافقني‪ ،‬واالقتصار عىل اإلعراض‪،‬‬
‫والوعظ‪ ،‬والقول البليغ‪ ﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [النساء‪ ]٦٣ :‬يقول الطري يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ﴾ "يقول‪ :‬فدعهم فال تعاقبهم يف أبداهنم وأجسامهم‪ ،‬ولكن عظهم بتخويفك‬
‫ِ‬
‫مكروه ما هم عليه من‬ ‫إياهم بأس اهلل أن حيل هبم‪ ،‬وعقوبته أن تنزل بدارهم‪ ،‬وحذرهم من‬
‫الشك يف أمر اهلل وأمر رسوله ﴿ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ يقول‪ :‬مرهم باتقاء اهلل‬
‫(‪(1‬‬
‫والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده‪".‬‬

‫فاخلطاب القرآين يوجه البرشية إىل تدبري االختالف من خالل أصل نقض دعوى‬
‫املخالف من غري عنف وال إساءة لصاحبها‪ ،‬سواء كان املخالف من أهل ملة اإلسالم أو‬
‫خارجها‪ ،‬وقد وجدت نامذج‪ ،‬وقصص حوارية يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬توضح كيف كان العلامء‬
‫يصححون ويردون عىل الدعاوى يف أدب جم‪ ،‬واحرام رفيع‪ ،‬من غري تسفيه وال تضليل‬
‫وال اهتام‪ .‬يقول القرضاوي يف تعليقه عىل رسالة الليث بن سعد لإلمام مالك‪" (٢( :‬وإن‬

‫(‪ )1‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٥1٥‬‬
‫"وحمصل الرسالة أن مالك ًا أراد مجع‬
‫ّ‬ ‫(‪ )٢‬يقول احلجوي الثعالبي بعد إيراد حاجته من الرسالة‪ ،‬وموضع الشاهد منها‪:‬‬
‫متسك برأيه‪ ،‬وأن ما عليه أهل كل بلد‬ ‫الكلمة عىل عمل املدينة وحديث أهل احلجاز لقوته بام تقدَّ م‪ ،‬لكن الليث َّ‬
‫له حجة وأصل‪.‬أما ما انتقده الليث من أقوال اإلمام فكله أجاب عنه أصحابه يف كتب الفقه واخلالفيات‪ ،‬وليس‬
‫املحل الستقصاء ذلك‪ ،‬وإنام ذلك الكتاب صورة من صور النزاع الذي كان واقع ًا يف هذا العرص‪ ،‬وصورة من‬
‫أصول الفقه‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الثعالبي‪ ،‬الفكر السامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٤٦‬‬
‫رسالة مالك‪ ،‬إىل الليث بن سعد –رمحهام اهلل تعاىل‪ ،-‬رواها عباس الدوري يف‪:‬‬
‫‪ -‬ابن معني‪ ،‬أبو زكريا حييى بن معني بن عون بن زياد املري‪ .‬تاريخ ابن معني (رواية الدوري)‪ ،‬حققه‪ :‬أمحد‬
‫حممد نور سيف‪ ،‬مكة املكرمة‪ :‬مركز البحث العلمي وإحياء الراث اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٣99( ،1‬ه‪19٧9 /‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،٤‬ص‪ .٤8٧‬و ورواها يعقوب بن سفيان يف‪:‬‬
‫‪ -‬الفسوي‪ ،‬أبو عبد اهلل يعقوب بن سفيان بن جوان الفاريس‪ .‬املعرفة والتاريخ‪ ،‬حتقيق‪ :‬أكرم ضياء العمري‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤01( ،٢‬ه‪1981/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٦8٧‬‬

‫‪٣٤٥‬‬
‫من املؤسف اليوم‪ ،‬أن نجد من بني املشتغلني بالدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬من يشهر سيف الذم‬
‫والتجريح لكل من خيالفه‪ ،‬مته ًام إياه بقلة الدين‪ ،‬أو باتباع اهلوى‪ ،‬أو باالبتداع واالنحراف‪،‬‬
‫أو بالنفاق‪ ،‬وربام بالكفر‪ (1(."...‬ويقول احلجوي الثعالبي عن هذه الرسالة عند ترمجة الليث‬
‫بن سعد‪" :‬حماورة علمية‪ ،‬وهو أحسن مثال ألفكار كبار هذا العرص وأدهبم‪ ،‬واحرام بعضهم‬
‫(‪(٢‬‬
‫ألفكار بعض‪".‬‬

‫وقد كان علامء اإلسالم ملتزمني هبذا األصل‪ ،‬فكانوا يناظرون املخالف من غري أن‬
‫يؤدي ذلك إىل اإلساءة إليه ومقاطعته‪ ،‬يقول يونس بن عبد األعىل الصديف –وهو تلميذ‬
‫الشافعي‪ -‬عن الشافعي واصف ًا مدى استيعابه هلذا األصل‪" :‬ما رأيت أعقل من الشافعي‪،‬‬
‫ناظرته يوم ًا يف مسألة‪ ،‬ثم افرقنا‪ ،‬ولقيني‪ ،‬فأخذ بيدي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا موسى‪ ،‬أال يستقيم أن‬
‫نكون إخوان ًا وإن مل نتفق يف مسألة"‪ (٣(،‬ويقول تلميذه اآلخر حممد بن عبد احلكم‪" :‬وما زال‬
‫العلامء قدي ًام وحديث ًا‪ ،‬يرد بعضهم عىل بعض يف البحث والتواليف‪ ،‬وبمثل ذلك يتفقه العامل‪،‬‬
‫(‪(٤‬‬
‫وتترهن له املشكالت‪".‬‬

‫ّ‬
‫إن نقض دعوى املخالف بغري عنف وال إساءة‪ ،‬له أثره الكبري يف تدبري االختالف‬
‫بني طريف النزاع‪ ،‬فالكلمة الطيبة تؤلف‪ ،‬وتط ّيب النفوس‪ ،‬مما يفسح املجال يف الوصول إىل‬
‫اجلوامع املشركة بني املتحاورين‪ ،‬كام أن الكلمة الطيبة تفعل فعلها يف املستمعني‪ ،‬بينام الكلمة‬
‫اخلبيثة املنفعلة تو ّلد النفور والتشاحن‪ّ ،‬‬
‫وحتول احلوار إىل شكل من أشكال املهاترات‪ ،‬ويسود‬
‫االنفعال والغضب‪ ،‬مما يعطل احلوار‪ ،‬أو جيعله عديم الفائدة‪.‬‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬الصحوة اإلسالمية بني االختالف املرشوع والتفرق املذموم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٣٢‬‬
‫(‪ )٢‬الثعالبي‪ ،‬الفكر السامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٤0‬‬
‫(‪ )٣‬الذهبي‪ ،‬سري أعالم النبالء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.1٦‬‬
‫ويقول العباس ال َعن َ ِْري يف املعنى نفسه عن أدب املناظرة بني أمحد بن حنبل وعيل بن املديني‪" :‬كنت عند أمحد‬
‫الشها َد ِة وارتفعت أصواهتام حتى خفت أن يقع بينهام‬ ‫عيل ب ُن ا َْمل ِدينِ ِّي راكب ًا عىل دابة‪ ،‬قال‪ :‬فتناظرا يف َّ‬
‫بن حنبل وجاءه ُّ‬
‫عيل االنرصاف قام أمحد فأخذ ِبركَابِ ِه‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫أراد‬ ‫فلام‬ ‫‪،‬‬ ‫فع‬
‫ُ‬ ‫ويدْ‬ ‫ى‬ ‫ب‬ ‫يأ‬
‫ٌّ َ‬ ‫وعيل‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫ا‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫الش‬ ‫يرى‬ ‫جفا ٌء‪ ،‬وكان أمحدُ‬
‫ابن عبد الر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.9٦8‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )٤‬الذهبي‪ ،‬سري أعالم النبالء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٢‬ص‪.٥00‬‬

‫‪٣٤٦‬‬
‫ح‪ -‬أصل سالمة األسلوب وحسن البيان‪:‬‬

‫فسالمة لغة اخلطاب‪ ،‬وحسن عرض األفكار‪ ،‬أصل مهم يف املنهج اجلديل القرآين‪،‬‬
‫فاأللفاظ قوالب للمعاين‪ ،‬مهمتها إيصال قصد املخاطِب للمخا َطب‪ ،‬بطريقة سليمة‪،‬‬
‫جتعل طريف املناظرة يف توافق تام من الناحية اخلطابية‪ ،‬بحيث يفهم كل منهام قصد مناظره‪.‬‬
‫وهذه سمة اخلطاب القرآين بصفة عامة‪ ،‬يف خطابه للمجتمع البرشي‪ ،‬وجتلت بصفة خاصة‬
‫يف خطاب األنبياء ألقوامهم‪ ،‬وحماوراهتم بأسلوب سليم يوافق فهم املخاطب وعقله‪،‬‬
‫وترتيب األفكار‪ ،‬وعرض هلا بطريقة واضحة ب ّينة‪ ،‬يقول تعاىل أنه أرسل الرسل بلسان‬
‫أقوامهم من أجل التواصل والبيان‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ﴾ [إبراهيم‪.]٤ :‬‬

‫وقال تعاىل يف وصف خطاب القرآن الكريم‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [الشعراء‪،]19٥ :‬‬


‫ويقول تعاىل يف فصاحة لسان سيدنا حممد ﷺ وحسن بيانه للقرآن‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ﴾ [الدخان‪.]٥8 :‬‬

‫وقال تعاىل عن سيدنا نوح‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [هود‪ ]٢٥ :‬يقول‬


‫سيد قطب‪" :‬عىل سنة اهلل يف إرسال كل رسول من قومه‪ ،‬وبلساهنم‪ ،‬تأليف ًا للذين مل تفسد فطرهتم‪،‬‬
‫(‪(1‬‬
‫وتيسري ًا عىل البرش يف التفاهم والتعارف‪".‬‬

‫وجاء يف دعاء سيدنا موسى لربه‪ ،‬أن حيل العقدة من لسانه ليفهم خطابه‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﴾ [طه‪ ،]٢8-٢٧ :‬ودعاؤه لربه أن يرسل معه أخاه هارون‬
‫لفصاحة لسانه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [القصص‪ ،]٣٤ :‬وقال تعاىل عن سيدنا عيسى‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ [الزخرف‪.]٦٣ :‬‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.1٣08‬‬

‫‪٣٤٧‬‬
‫ث‬ ‫وجاء يف الصحيحني عن ُأ ّمنا عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬إن النبي ﷺ كان ُ َ‬
‫"حيدِّ ُ‬
‫َح ِديث ًا َل ْو عَدَّ ُه ال َعا ُّد َألَ ْح َصا ُه"‪ (1(،‬يقول بدر الدين العيني يف رشح هذا احلديث‪" :‬واملراد‬
‫بذلك املبالغة يف الرتيل والتفهيم"‪ (٢(،‬فهو ﷺ كان ال يسع يف حديثه ليفهم املتلقي عنه‪،‬‬
‫وهي مبالغة يف اإلفصاح واإلبانة‪" ،‬ومنه (أي احلديث) يؤخذ أنه حيسن اإلبانة للحديث‬
‫(‪(٣‬‬
‫واإلبالغ يف إفصاحه واألناة يف التحدث‪".‬‬

‫فاملجادل ُيطلب منه البيان يف العبارة؛ ألن األسلوب الواضح‪ ،‬والعبارة الفصيحة هلا‬
‫تأثري عىل السامع‪ ،‬وهلا دور كبري يف التخاطب‪ ،‬فال يمكن فهم الرسالة إذا كان املضمون‬
‫غري واضح‪.‬‬

‫واملقصود هبذا األصل املنهجي‪ :‬استخدام املجادل أساليب التعبري املناسبة‪ ،‬التي‬
‫توصل الرسالة التي يريد املرسل أن يوصلها إىل املتلقي‪ ،‬أثناء حواره معه‪ ،‬وهذا يقتيض‬
‫عدم استخدام مفردات‪ ،‬أو مجل ملتبسة الدالالت واملعاين‪ ،‬مع االقتصاد يف التعبري‬
‫والكالم‪ ،‬دون إجياز ّ‬
‫خيل باملعنى املقصود‪ ،‬وال أن يذهب باملحاور إىل التطويل‪ ،‬الذي جيلب‬
‫امللل‪ ،‬وكثرة األخطاء‪ ،‬وال استعامل األلفاظ الغريبة‪ ،‬وال اجلمل املحتملة بال قرينة‪ .‬وقد‬
‫نبه اجلويني إىل ذلك قائالً‪" :‬وال تورد يف كل موضع من الكالم إال قدر ما حيتاج إليه‪.‬‬
‫وهو نصيحة املشايخ – يقولون ألصحاهبم‪ -‬اتفقوا يف املناظرات‪ ،‬وإنام قيل ذلك؛ ألنه ربام‬
‫توردها هنا كالم ًا ال حتتاج إليه فيفسده اخلصم عليك يف غري موضعه‪ ،‬فيصعب عليك العود‬
‫(‪(٤‬‬
‫إليه يف موضع احلاجة‪".‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬املناقب‪ ،‬باب‪ :‬صفة النبي ﷺ‪ ،‬ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪ ،)٣٥٦٧‬ص‪،190‬‬
‫وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الزهد والرقائق‪ ،‬باب‪ :‬التثبت يف احلديث وحكم كتابة العلم‪،‬‬
‫ج‪ ،٤‬حديث رقم (‪ ،)٧1‬ص‪.٢٢98‬‬
‫(‪ )٢‬العيني‪ ،‬عمدة القاري رشح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1٦‬ص‪.11٥‬‬
‫(‪ )٣‬الصنعاين‪ ،‬حممد بن إسامعيل بن صالح بن حممد الكحالين‪ .‬التنوير رشح اجلامع الصغري للسيوطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫إسحاق حممد إبراهيم‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،1‬هـ‪٢011/‬م)‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.٥٥٣‬‬
‫(‪ )٤‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٢٧-٥٢٦‬‬

‫‪٣٤8‬‬
‫خ‪ -‬أصل التعاون عىل كشف احلقيقة وااللتزام هبا‪:‬‬

‫أصل التعاون عىل كشف احلقيقة وااللتزام هبا‪ ،‬أصل منهجي يف تدبري االختالف العقيل‬
‫واملعريف بني الباحثني عن احلقائق‪ ،‬يف كل احلوارات واملناقشات العلمية‪ ،‬قصد املناظرة يف‬
‫اخلطاب القرآين هو الوصول إىل احلقائق العلمية‪ ،‬وليست سفسطة فارغة‪.‬‬

‫األصل يف الرؤية القرآنية هو الوصول إىل احلقيقة عن طريق اإلقناع‪ ،‬فجوهر العمليات‬
‫العقلية اجلدلية واحلجاجية‪ ،‬إبطال دعوى‪ ،‬وإثبات أخرى‪ ،‬عن طريق التصحيح واإلبطال‪،‬‬
‫لذلك ينبغي لطريف املناظرة التسليم وااللتزام بالتعاون عىل طلب احلق‪ ،‬وعدم النظر إىل‬
‫غريه‪ ،‬وااللتزام به إذا ظهرت معامله‪ ،‬فإذا حتقق هذا األصل العلمي حصل التوافق وتم‬
‫تدبري االختالف املعريف‪ .‬فإن العقول املختلفة حتتاج إىل التعاون عىل كشف احلقائق‪ ،‬كل‬
‫طرف ينظر من زاويته ليشارك غريه يف البناء املعريف‪ ،‬ال الرصاع القائم عىل ال َّلدد يف اخلصومة‬
‫واملكابرة‪ ،‬وعدم اإلذعان للحقيقة‪ (1(.‬وإن العالقة التي تربط بني املتناظرين هي‪" :‬التعاون‬
‫(‪(٢‬‬
‫من أجل الوصول إىل احلقيقة العلمية‪"...‬‬
‫وعليه؛ فإن هذا األصل املنهجي املعريف يف إدارته لالختالف‪ ،‬ينبني عىل مقدمتني‪ ،‬تنظم‬
‫مساره وحتكم وجهته‪ :‬املقدمة األوىل‪ :‬التعاون عىل كشف احلقيقة‪ ،‬واملقدمة الثانية‪ :‬االلتزام هبا‪.‬‬

‫‪ -‬التعاون عىل كشف احلقيقة‪:‬‬

‫جيب عىل الباحثني عن احلقائق االتفاق عىل التعاون عىل كشف احلقيقة وإظهارها‪،‬‬
‫بغض النظر عن اجلهة التي صدرت منها‪ ،‬فبهذا التعاون يتحقق التوافق عىل املقصد والغرض‬
‫املشرك‪ ،‬فإذا احتدت الغاية‪ ،‬مل ترض الوسائل املوصلة إليها‪.‬‬

‫وقد جاءت آيات كثرية تدل عىل هذا املعنى‪ ،‬ومنها خطاب األنبياء ألقوامهم؛ إذ‬
‫خاطبوا أقوامهم ودعوهم إىل احلق واخلري والرشاد‪ ،‬ونفوا عن أنفسهم ابتغاء غري احلق‪ ،‬من‬
‫األغراض الدنيوية الزائلة‪ ،‬بل كانت وجهتهم احلق يف حواراهتم ومناظراهتم ألقوامهم‪ ،‬قال‬

‫(‪ )1‬انظر‪( :‬املائدة‪( ،)110 :‬األنعام‪( ،)٢٥ :‬احلج‪( ،)٥٥ :‬الروم‪.(٥8 :‬‬
‫(‪ )٢‬رفيع‪ ،‬ضوابط االستدالل يف اجلدل واملناظرة أصول وضوابط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥1‬‬

‫‪٣٤9‬‬
‫تعاىل عىل لسان أنبيائه‪﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [األنعام‪،]90 :‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ﴾ [هود‪،]٥1 :‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾‬
‫[يونس‪ ،]٧٢ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾‬
‫(‪(1‬‬
‫[سبأ‪.]٤٧ :‬‬

‫فهم يدعون أقوامهم للحوار مستعدين لقبول احلق إن كان مع غريهم‪ ،‬وهي حقيقة‬
‫أقرها القرآن الكريم يف خطابه لرسول اإلسالم حممد ﷺ‪ ﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ﴾ [الزخرف‪ ،]81 :‬وإن مل يكن يف القرآن كله إال هذه اآلية‪ ،‬يف الداللة عىل االستعداد‬
‫للتعاون عىل احلق‪ ،‬والتنزه عن طلب غريه لكفتنا‪.‬‬
‫فهذه اآليات وغريها يف القرآن الكريم‪ ،‬ترشدنا إىل أصل االلتزام بالتعاون عىل طلب‬
‫احلق‪ ،‬والتنزه عن طلب غريه‪ ،‬يقول الباجي‪" :‬ويقصد بنظره طلب احلق والوكالة عليه‪،‬‬
‫ليدرك مقصوده وحيوز أجره‪ ،‬وال يقصد به املباهاة واملفاخرة فيذهب مقصوده ويكتسب إثمه‬
‫ووزره"‪ (٢(،‬وهذا االلتزام أمر رضوري ملجلس املناظرة‪ ،‬من أجل تصحيح النوايا واالبتعاد‬
‫عن كل املقاصد التي مل توضع املناظرة لتحصيلها‪ ،‬من مباهاة‪ ،‬أو أموال‪ ،‬أو جاه‪ ،‬أو مناصب‪.‬‬
‫وهذا املعنى جتىل بوضوح يف أول خالف سيايس بني املسلمني‪ .‬يقول أبو زهرة بعد‬
‫حكاية قصة احلوار واجلدل الذي دار بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬حول َمن املستحق للخالفة‬
‫بعد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬حيث كان اإلخالص يف طلب احلق قصد الفريقني‪" :‬وقد كانت روح‬
‫الدين تسود املتجادلني‪ ،‬واإلخالص كان يسيطر عىل الفريقني‪ ،‬ولذلك انتهى اخلالف‬
‫ً (‪(٣‬‬
‫وشيكا‪".‬‬
‫فاملوقف الصحيح‪ ،‬هو الوقوف مع احلقيقة‪ ،‬ورفض الباطل بكل أنواعه‪ ،‬يقول حممد‬
‫فضل اهلل يف سياق كالمه عىل رفض اجلدل بالباطل طريق ًا لطلب احلق‪" :‬بل املوقف هو‬
‫موقف الرصاع بني احلق والباطل من أجل الوقوف مع احلق بجميع جماالته ضد الباطل‬

‫(‪ )1‬انظر‪( :‬الشعراء‪( ،)180 ،1٦٤ ،1٢٧ ،109 :‬يوسف‪( ،)10٤ :‬الفرقان‪( ،)٥٧ :‬ص‪.(8٦ :‬‬
‫(‪ )٢‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )٣‬أبو زهرة‪ ،‬تاريخ اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9٤‬‬

‫‪٣٥0‬‬
‫بجميع مظاهره ومواقعه‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن إقرار أي باطل يف أي موقع من املواقع ُيعدّ خيانة ملعركة‬
‫الرصاع بني احلق والباطل‪ ،‬فنحن مع احلق الذي يملكه اخلصم يف نطاقه اخلاص‪ ،‬بنفس القوة‬
‫(‪(1‬‬
‫التي نكون فيها ضد الباطل الذي يعيش يف حياتنا يف بعض حلظات االنحراف‪".‬‬
‫ويقول تعاىل عن رصاع احلق مع الباطل‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [الرعد‪ ،]1٧ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [اإلرساء‪.]81 :‬‬
‫وقد شبه القرآن الكريم احلق والباطل بالشجرتني‪ ،‬وقارن بينهام من حيث اآلثار‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [إبراهيم‪ ]٢٦-٢٤ :‬يقول دراز‪:‬‬
‫"هذا التشبيه ينطبق عىل الصدق والكذب العمليني‪ ،‬كام ينطبق عليهام نظريني‪ ،‬فالفضيلة‬
‫املؤثرة خصبة نافعة تنمي قيمتنا‪ ،‬وترفعنا من ٍ‬
‫عال إىل أعىل‪ ،‬والرذيلة قبيحة‪ ،‬وبال غد‪ ،‬جتعلنا‬
‫(‪(٢‬‬
‫سطحيني مبتذلني‪ ،‬بل إهنا تنزعنا من اإلنسانية‪".‬‬
‫قضية احلوار واجلدل بالتي هي أحسن ليست رصاع ًا بني طريف احلوار‪ ،‬يسعى كل منهام‬
‫للتغلب عىل خصمه‪ ،‬بكل الطرق والوسائل وإن مل تكن مرشوعة‪ ،‬وليست وسيلة لتحصيل‬
‫ما ليس من مقاصدها‪ ،‬بل جوهر قضية احلوار التعاون عىل طلب احلق‪ ،‬فاحلقيقة ال يمكن‬
‫التوصل إليها بوجهة نظر واحدة‪ ،‬فمن أدرك وجه ًا للحقيقة غابت عنه وجوهها األخرى‪،‬‬
‫فينبغي عىل طريف املناظرة االهتامم باحلقيقة ال بمن صدرت عنه‪.‬‬
‫يقول الشافعي‪" :‬ما ناظرت أحد ًا قط إال أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه‬
‫(‪(٣‬‬
‫رعاية من اهلل وحفظ‪ ،‬وما ناظرت أحد ًا إال ومل أبال َّبني اهللُ ّ‬
‫احلق عىل لساين أو لسانه‪".‬‬
‫وبذلك يكون كل من املتناظرين قد تعاونا عىل احلقيقة‪ ،‬فكل واحد منهام قد بذل جهده من‬
‫أجلها‪ ،‬ولوال الطرف الثاين ما استطاع طرف وحده الوصول إىل احلقيقة‪.‬‬

‫(‪ )1‬فضل اهلل‪ ،‬احلوار يف القرآن‪ :‬قواعده‪ ،‬أساليبه‪ ،‬معطياته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦0‬‬
‫(‪ )٢‬دراز‪ ،‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٥8-٢٥٧‬‬
‫(‪ )٣‬األصبهاين‪ ،‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.118‬‬

‫‪٣٥1‬‬
‫‪ -‬قبول احلق من املخالف واإلذعان له‪:‬‬

‫االلتزام باحلقيقة بعد التعاون عىل كشفها‪ ،‬وظهورها‪ ،‬مقدمة ثانية رضورية‪ ،‬وإال كان‬
‫البحث عن احلقيقة بال جدوى‪ ،‬فإن املخالف ينبغي أن يكون قصده هو االلتزام باحلق‪،‬‬
‫أينام ظهر‪ ،‬وعىل أي لسان صدر‪ ،‬ال كام قال املرشكون‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [األنفال‪ ]٣٢ :‬فمنطق‬
‫املامرسة اجلدلية القرآنية يقتيض أن يكون جواهبم‪ :‬اللهم إن كان هذا هو احلق‪ ،‬الذي د َّلت‬
‫عليه احلجج والراهني‪ ،‬اهدنا له‪ ،‬وأرشدنا إليه‪.‬‬

‫جيب قبول احلق من املخالف ولو كان دونك عل ًام أو سن ًا أو منزلة‪ ،‬ويف ذلك أرشد القرآن‬
‫إىل أن ابن آدم األول تع ّلم من غراب كيف يواري سوأة أخيه‪ ،‬كام أن سليامن عليه السالم تع ّلم‬
‫من اهلدهد ما مل يكن يعلمه‪ ﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [النمل‪.]٢٢ :‬‬

‫فقد كان منهج طلب ومناشدة احلق‪ ،‬وجهة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فكان إذا قام من الليل‬
‫ض‪،‬‬ ‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َائ َيل‪ ،‬وإِرسافِ َيل‪َ ،‬فاطِر السامو ِ‬ ‫يفتتح صالته قائالً‪" :‬اللهم رب جر ِائ َيل‪ ،‬و ِميك ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ َ َّ َ ْ َ‬
‫ف فِ ِيه ِم َن‬ ‫ون‪ْ ،‬اه ِد ِين َملِا ْ‬
‫اخت ُِل َ‬ ‫اد َك فِ َيام كَانُوا فِ ِيه َ ْ‬
‫خيت َِل ُف َ‬ ‫ني ِعب ِ‬
‫ْت َ ْحتك ُُم َب ْ َ َ‬‫الش َها َد ِة‪َ ،‬أن َ‬ ‫ِ‬
‫امل ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ب َو َّ‬ ‫َع َ‬
‫ِ ٍ (‪(1‬‬ ‫احل ِّق بِإِ ْذنِ َك‪ ،‬إِن ََّك َهت ِدي من ت ََشاء إِ َىل ِرص ٍ‬
‫فحري بكل مسلم صادق‪ ،‬أن جيأر‬ ‫ٌّ‬ ‫اط ُم ْستَقيم"‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫هبذا الدعاء يف كل وقت وحني‪.‬‬

‫وجاء يف رسالة سيدنا عمر بن اخلطاب ‪ ‬إىل الصحايب اجلليل أيب موسى األشعري ‪:‬‬
‫حل َّق‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وه ِد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"ال يمن ُع ُك قضاء قضيته‬
‫يت فيه لرشدك‪ ،‬أن ت َُراج َع ا َ‬ ‫باألمس‪ ،‬راج ْع َت فيه نفسك‪ُ ،‬‬
‫خري من التَّامدي يف الباطِ ِل"‪ (٢(،‬فهذا توجيه أمري من أمراء املسلمني‬ ‫ومراجع َة ا َ‬
‫حل ِّق ٌ‬ ‫َ‬ ‫قديم‪،‬‬
‫حل َّق ٌ‬‫ا َ‬
‫ألحد أتباعه‪ ،‬بأن يكون اتّباع احلق وجهته‪ ،‬ال حييد عنها‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬صالة املسافرين وقرصها‪ ،‬باب‪ :‬الدعاء يف صالة الليل وقيامه‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫حديث رقم (‪ ،)٧٧0‬ص‪.٥٣٤‬‬
‫(‪ )٢‬الدارقطني‪ ،‬أبو احلسن عيل بن عمر بن أمحد‪ .‬سنن الدارقطني‪ ،‬حققه وضبط نصه وعلق عليه‪ :‬شعيب االرنؤوط وحسن‬
‫عبد املنعم شلبي وعبد اللطيف حرز اهلل وأمحد برهوم‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪ ،‬كتاب يف‬
‫األقضية واألحكام وغري ذلك‪ ،‬كتاب عمر ‪ ‬إىل أيب موسى األشعري‪ ،‬ج‪ ،٥‬حديث رقم (‪ ،)٤٤٧1‬ص‪.٣٦٧‬‬

‫‪٣٥٢‬‬
‫وسأل رجل علي ًا ‪ ‬عن مسألة‪ ،‬فقال فيها‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬ليس كذلك يا أمري املؤمنني‪،‬‬
‫وفوق ِّ‬
‫كل ذي علم عليم"‪ (1(،‬فهذا أمري املؤمنني‬ ‫وأخطأت َ‬
‫ُ‬ ‫"أصبت‬
‫َ‬ ‫ولكن كذا وكذا‪ ،‬فقال عيل ‪:‬‬
‫مل يمنعه علمه وفضله وسلطته من اخلضوع للحق وقبوله‪ ،‬ولو جاء عىل لسان أحد أفراد األمة‪.‬‬

‫ويقتيض منطق البحث عن احلقيقة‪ ،‬تق ُّبل احلق من املخالف إذا د َّلت عليه الراهني‪،‬‬
‫وليس التعصب للرأي‪ ،‬فالدخول يف اجلدل واملناظرة‪ ،‬يعني البحث عن احلقيقة وليس‬
‫برش احلق سبحانه عباده الذين يتبعون أحسن األقوال وليس أضلها‪ ،‬قال‬
‫ضياعها‪ ،‬لذلك َّ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ﴾ [الزمر‪.]18-1٧ :‬‬

‫وتأكيد ًا هلذا األصل يقول اجلويني‪" :‬فال أنفة يف قبول احلق واالنقياد له بأحسن‬
‫الوجوه‪ ،‬فإن الرجوع إىل احلق خري من التامدي يف الباطل"‪ (٢(،‬ويقول الباجي تنبيه ًا للمناظر‬
‫عىل قبول احلق إذا ظهر‪" :‬وإذا بان له احلق أذعن له وانقاد إليه‪ ،‬فإن الغرض بالنظر إصابة‬
‫احلق"‪ (٣(،‬وقد كان غرض علامء ومفكري اإلسالم‪ ،‬إصابة احلق ال إصابة أغراض دنيوية‬
‫من مال أو شهرة أو سلطة‪ .‬يقول الشافعي‪" :‬وددت أن اخللق تعلموا هذا العلم‪ ،‬عىل أن ال‬
‫ينسب إ َّيل حرف منه"‪ (٤(،‬فهذا قمة اإلخالص يف طلب احلق‪.‬‬

‫وقد أنكر أهل الكتاب احلق‪ ،‬ومل يعرفوا به ألحد؛ إذ جعلوه يف جهتهم فقط ﴿ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬

‫(‪ (1‬ابن عبد الر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥٣1‬‬
‫(‪ )٢‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣٧‬‬
‫(‪ )٣‬الباجي‪ ،‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )٤‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن رشف بن مري‪ .‬آداب العامل واملتعلم واملفتي واملستفتي وفضل طالب العلم‪ ،‬طنطا‪ :‬مكتبة‬
‫الصحابة‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬هـ‪198٧/‬م)‪ ،‬ص‪.٢9‬‬
‫"وقال (الشافعي) رمحه اهلل تعاىل‪ :‬ما ناظرت أحد ًا قط عىل الغلبة‪ ،‬ووددت إذا ناظرت أحد ًا أن يظهر احلق عىل يديه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ما كلمت أحد ًا قط إال وددت أن يوفق ويسدد ويعان‪ ،‬ويكون عليه رعاية من اهلل وحفظ‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.٢9‬‬
‫وقال‪" :‬ما ناظرت أحد ًا فأحببت أن خيطئ‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫البغدادي‪ ،‬كتاب الفقيه واملتفقه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥1‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٣٥٣‬‬
‫ﯺ =﴾ [البقرة‪ ،]111 :‬ويف السياق املوضوعي نفسه أنكر بعضهم ما عند‬
‫بعضهم‪ ،‬وهم يعلمون أن ما عند كل طائفة منزل من اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [البقرة‪.]11٣ :‬‬
‫وقال تعاىل يف شأن صدهم عن احلق‪ ﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [آل عمران‪ ،]99 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞ﴾ [البقرة‪.]91 :‬‬
‫وإنكار احلق هذا أمر خطري هيدد مصري اإلنسان يف اآلخرة‪ ،‬وتضيع بسببه احلقائق‬
‫يف الدنيا؛ إذ تنضم إىل اختالف اآلراء‪ ،‬عوامل أخرى‪ ،‬تستغل تباين األنظار واألفكار‬
‫للتنفيس عن أهواء باطنة‪ ،‬ومن ثم ينقلب البحث عن احلقيقة إىل رضب من العناد‪ ،‬ال‬
‫صلة له بالعلم البتة‪.‬‬
‫ولو جتردت النيات للبحث عن احلقيقة‪ ،‬وأقبل روادها‪ ،‬وهم ُبعداء عن طلب الغلبة‬
‫واحلسد والسمعة والرياسة‪ ،‬لق ّلت أو انتهت املنازعات التي مألت التاريخ باألكدار‬
‫واملآيس‪ ،‬ولذلك انص ّبت عناية السلف رمحهم اهلل تعاىل‪ ،‬عىل ختليص النية من الشوائب عند‬
‫املناقشات واملناظرات‪" ،‬فإن احلق مطلوب والتعاون عىل النظر يف العلم وتوارد اخلواطر‬
‫مفيد ومؤثر"‪ (1(،‬ويذكر للمناظرة رشوط ًا‪ ،‬منها‪" :‬أن يكون يف طلب احلق كناشد ضالة‪،‬‬
‫ال يفرق بني أن تظهر الضالة عىل يده أو عىل يد من يعاونه‪ ،‬ويرى رفيقه معين ًا ال خص ًام‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫عرفه اخلطأ وأظهر له احلق"‪.‬‬
‫ويشكره إذا ّ‬
‫كام أن رفض احلق بالتهويل والصياح‪ ،‬وختجيل اخلصم يف موضع االعراض‪ ،‬ليس من‬
‫اجلدل بالتي هي أحسن‪ ،‬التي أمر هبا اخلطاب القرآين‪ ،‬وليس ذلك من املروءة‪ ،‬وال من طلب‬
‫(‪(٣‬‬
‫احلق والنهي عن املنكر‪ ،‬بل ذلك من اجلدل املذموم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣‬‬


‫(‪ )٢‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٥٥‬‬
‫(‪ )٣‬اجلويني‪ ،‬الكافية يف اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٥٣8‬‬

‫‪٣٥٤‬‬
‫ويقول الشاطبي يف املقدمة السابعة يف سياق تقرير أن الرسوخ يف العلم يمنع العامل‬
‫من أن خيالف ما علم به‪ ،‬وحتقق عنده‪ ،‬وإن وقع فعىل ثالثة أوجه‪ :‬األول‪ :‬جمرد العناد‪ :‬وفيه‬
‫خمالفة مقتىض الطبع ّ‬
‫اجلبيل‪ ،‬والغالب عىل هذا الوجه أن يقع بسبب اهلوى‪ .‬والثاين‪ :‬الفلتات‬
‫الناشئة عن الغفالت‪ :‬وهذه ال ينجو منها برش‪ .‬والثالث‪ :‬اجلهل؛ بمعنى أنه ليس من أهل‬
‫(‪(1‬‬
‫العلم وال الرسوخ فيه‪ ،‬ومل َي ِرص له العلم وصف ًا أو كالوصف‪.‬‬

‫ويقول املحاسبي‪" :‬والذي يمنع من الفهم األنفة التي متنع من اخلضوع للحق‪،‬‬
‫وحب الغلبة التي تبعث عىل اجلدال‪ ،‬واجلزع من التخطئة التي متنع من اإلذعان باإلقرار‬
‫بالصواب"‪ (٢(،‬وهذا إبراهيم بن األشعث يسأل الفضيل بن عياض عن التواضع فيجيبه‬
‫(‪(٣‬‬
‫َ‬
‫لزمك أن تقبله من ُه‪".‬‬ ‫قائالً‪" :‬أن ختضع للحق وتنْقا َد له مم ْن سمعت ُه‪ ،‬ولو كان أجهل الناس‬

‫مما سبق نستنتج أن أصل التعاون عىل إظهار احلق‪ ،‬وااللتزام به بعد ظهوره‪ ،‬أصل‬
‫منهجي معريف لتدبري االختالف‪ ،‬فإن املحاور رشيك يف إظهار احلق‪ ،‬سواء ظهر احلق عىل‬
‫لسانك أو لسانه‪ ،‬وأن القصد من املحاورة هو إظهار احلقيقة‪ ،‬فإذا بانت بالدليل والرهان‪،‬‬
‫فال يمنع من االلتزام هبا مانع‪ ،‬من عناد أو أنفة أو تعصب‪.‬‬

‫د‪ -‬أصل مسؤولية املخالف عن رأيه‪ ،‬وحقه يف البقاء عليه‪:‬‬

‫يف املامرسة اجلدلية ال بد من الوقوف عند نتيجة معينة؛ إذ ال يمكن اجلدل واحلوار إىل ما‬
‫توصال إليها‪ ،‬وإقناع أحدمها‬
‫ال هناية‪ ،‬وهذه النهاية قد تكون باقتناع املتناظرين بالنتيجة التي ّ‬
‫لآلخر‪ ،‬وإن مل يقتنع أحد املتجادلني‪ ،‬فإن له احلق يف البقاء عىل رأيه‪ ،‬واملناظر مهمته اإلقناع‪،‬‬
‫وليس الفرض واإلكراه‪ ،‬لذلك قال اهلل عز وجل لرسوله ﷺ‪ ﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬

‫(‪ )1‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات يف أصول الرشيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٥1-٥0‬‬


‫(‪ )٢‬املحاسبي‪ ،‬العقل وفهم القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٣٤‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عبد الر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.٤٢9‬‬

‫‪٣٥٥‬‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [الغاشية‪ .]٢٦-٢1 :‬فمهمة املجادل البيان والتذكري‪ ،‬والتصحيح واإلبطال‬
‫بالدليل والرهان‪ ،‬وإقامة احلجة عىل املناظر‪ ،‬وحماولة اإلقناع بكل الوسائل املرشوعة‪ ،‬فإن‬
‫رفض اخلصم احلق جحود ًا‪ ،‬أو مل يقتنع لعدم وضوح األدلة واحلجج عنده‪ ،‬فإن له احلق يف‬
‫حتمل تبعات رأيه يف الدنيا واآلخرة‪ .‬وهناك آيات قرآنية عديدة توضح‬
‫البقاء عىل رأيه‪ ،‬مع ُّ‬
‫هذا األصل وتق ّعد له‪:‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [سبأ‪ ،]٢٥ :‬وقال تعاىل‪:‬‬


‫﴿ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [هود‪ ،]٣٥ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫[يونس‪]٤1 :‬‬ ‫﴿ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ﴾‬
‫يقول القرضاوي‪" :‬وإنام اصطدم اإلسالم بالرشك‪ ،‬واقتتل الرسول واملرشكون؛ ألهنم مل‬
‫يقابلوه بمثل منطقه‪ ،‬بل قالوا‪ :‬لنا ديننا‪ ،‬وليس لك دينك‪ ،‬ولنا عملنا‪ ،‬وليس لك عملك‪،‬‬
‫من حقنا أن نعبد األوثان وليس من حقك أن تعبد اهلل وتدعو إليه‪ ،‬ومن اتبعك عىل دينك‬
‫(‪(1‬‬
‫بإرادته واختياره كان علينا أن نفتنه عن دينه‪".‬‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬


‫ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [األنعام‪ ،]1٣٥ :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ﴾ [هود‪ ،]9٣ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﴾ [هود‪ ،]1٢٢-1٢1 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬

‫ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [الزمر‪.]٤0-٣9 :‬‬

‫فهذه اآليات تدل بسياقها املوضوعي‪ ،‬عىل مسؤولية املخالف‪ ،‬وحقه يف البقاء عىل رأيه‬
‫بعد اجلدل واحلوار‪ ،‬ومقارعة احلجة باحلجة‪ ،‬فاهلداية والضالل بيد اهلل تعاىل‪ ،‬هو الذي هيدي‬
‫إىل احلق بإذنه‪ ،‬وطرفا اجلدال كل واحد منهام يتحمل مسؤولية رأيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬الصحوة اإلسالمية بني االختالف املرشوع والتفرق املذموم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٤٧‬‬

‫‪٣٥٦‬‬
‫والتمسك به‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ذ‪ -‬اإلشهاد عىل املبدأ واملوقف‬

‫أصل اإلشهاد عىل املبدأ‪ ،‬منهج قرآين‪ ،‬سلكه األنبياء‪ ،‬والدعاة‪ ،‬والصاحلون مع املخالفني‬
‫املعارضني للحق‪ ،‬املرصين عىل الباطل‪ ،‬مع جتيل احلق وهتافت الباطل‪ ،‬وعدم االستمرار يف‬
‫جداهلم وحماججتهم؛ ملا يف ذلك من ضياع األوقات‪ ،‬وفناء األعامر يف ما ال نفع فيه‪ ،‬يقول‬
‫تعاىل لنبيه‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [آل عمران‪ ]٢0 :‬يقول ابن عاشور‪" :‬فإن‬
‫(‪(1‬‬
‫خاصموك خصام مكابرة فقل أسلمت وجهي هلل؛ أي اترك حماججتهم وال ترك دعوهتم‪".‬‬

‫ويف القرآن الكريم آيات تدل بسياقها املوضوعي عىل هذا األصل‪:‬‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [آل عمران‪ ،]٦٤ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ‬


‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [الكافرون‪ ،]٦-1 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [يوسف‪ ،]108 :‬وقال تعاىل‪:‬‬


‫﴿ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾(‪[(٢‬املائدة‪ ]٤9 :‬يقول سيد قطب‪ ..." :‬وال‬
‫(‪(٣‬‬
‫حيولك عن موقفك‪"...‬‬
‫جتعل إعراضهم يفت يف عضدك‪ ،‬أو ّ‬

‫الكف عن جدال‬
‫ّ‬ ‫ويف حالة عدم االستجابة إىل هذه الدعوة املوحدة للبرشية‪ ،‬يلزم‬
‫املخالف واإلشهاد عىل املوقف والتمسك به‪ ،‬قال تعاىل ألهل الكتاب‪ ﴿ (٤( :‬ﭪ ﭫ ﭬ‬

‫(‪ (1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢01-٢00‬‬


‫(‪ )٢‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﴾ [يونس‪ ،]108 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [القصص‪،]٥٥ :‬‬
‫وقال‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [النساء‪،]٦٣ :‬‬
‫وقال‪ ﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﴾ [النمل‪.]81-٧9 :‬‬
‫(‪ )٣‬قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٦‬ص‪.90٤‬‬
‫(‪ )٤‬قيل املخاطب هم أهل الكتابني‪ .‬وقيل‪ :‬وفد نجران‪ .‬وقيل‪ :‬هيود املدينة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الزخمرشي‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪،٣‬‬
‫ص‪.1٧٥‬‬

‫‪٣٥٧‬‬
‫ﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [آل عمران‪ ]٦٤ :‬قال الزخمرشي‪ ﴿" :‬ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ مستوية بيننا وبينكم‪ ،‬ال خيتلف فيها القرآن والتوراة واإلنجيل‪﴿ ،‬ﮄ‬
‫ﮅ﴾ عن التوحيد ﴿ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾؛ أي لزمتكم احلجة فوجب عليكم‬
‫أن تعرفوا وتس ّلموا بأنّا مسلمون دونكم‪ (1(".‬ونظريه قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [التوبة‪ ،]1٢9 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮇ ﮈ‬
‫[النحل‪:‬‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾‬
‫‪ ،]8٣-8٢‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ‬
‫(‪(٢‬‬
‫ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [النور‪.]٥٤ :‬‬

‫فإذا أعرض املخالف عن تدبري االختالف‪ ،‬واالجتامع واالئتالف‪ ،‬والتعاون عىل‬


‫املتفق عليه‪ ،‬واإلعذار يف املختلف فيه‪ ،‬وعدم االقتناع‪ ،‬بالرغم من احلجج والراهني‬
‫الواضحة‪ ،‬فالواجب حينئذ هو اإلشهاد عىل املبدأ واإلعراض عنه‪ ،‬يقول البيضاوي يف آية‬
‫آل عمران السابقة‪﴿ .." :‬ﮄ ﮅ﴾ (عن التوحيد) ﴿ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾؛ أي‬
‫لزمتكم احلجة فاعرفوا بأنا مسلمون دونكم‪ ،‬أو اعرفوا بأنكم كافرون بام نطقت به الكتب‬
‫وتطابقت عليه الرسل"‪ (٣(،‬ويقول ابن عاشور‪" :‬فإن كان ذلك منهم (أي اإلعراض) فقد‬
‫صاروا بحيث ُي ْؤ َي ُس من إسالمهم ِ‬
‫فأعرضوا عنهم‪ ،‬وأمسكوا أنتم بإسالمكم‪ ،‬وأشهدوهم‬
‫(‪(٤‬‬
‫أنكم عىل إسالمكم‪".‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.1٧٦-1٧٥‬‬


‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٥٦-٥٥‬‬
‫(‪ )٢‬ووردت لفظة‪﴿ :‬ﮅ﴾ يف اخلطاب القرآين بام يشعر بتعنيف املخالف يف آيتني‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [النساء‪ ،]89 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [األنبياء‪.]109 :‬‬
‫(‪ )٣‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.٤9-٤8‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢٦9‬‬

‫‪٣٥8‬‬
‫ومعنى اإلشهاد عىل املوقف واملبدأ‪ ،‬هو بيانه وتوضيحه وتسجيله‪ ،‬حتى ال يظن أن‬
‫املسلمني انقطعوا عن متابعة احلوار واجلدال لعوز احلجة والدليل‪" ،‬ومعنى هذا اإلشهاد‬
‫التسجيل عليهم؛ لئال يظهروا إعراض املسلمني عن االسرسال يف حماجتهم يف صورة‬
‫ْ‬
‫(‪(1‬‬
‫العجز‪ ،‬والتسليم بأحقية ما عليه أهل الكتاب‪ ،‬فهذا معنى اإلشهاد عليهم بأنّا مسلمون‪".‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعاىل يأمر سيدنا حممد ﷺ‪ ،‬أن يدعو إىل الدين الذي رشعه لألنبياء‬
‫من قبله‪ ،‬وأن يثبت عليه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ﴾ [الشورى‪ ]1٥ :‬يقول الطري‪" :‬يقول‬
‫رشع لكم‪ ،‬ووىص به نوح ًا‪ ،‬وأوحاه إليك يا حممد‪ ،‬فادع‬
‫تعاىل ذكره‪ :‬فإىل ذلك الدين الذي َ َ‬
‫عباد اهلل‪ ،‬واستقم عىل العمل به‪ ،‬وال تزغ عنه‪ ،‬واثبت عليه كام أمرك ربك باالستقامة‪،(٢(".‬‬
‫(‪(٣‬‬
‫ويقول البيضاوي‪" :‬فادع إىل االتفاق عىل امللة احلنفية‪ ،‬أو االتباع ملا أوتيت‪".‬‬

‫ويقول تعاىل يف االبتعاد عن النزاع واخلصام بعد ما تبني احلق املتفق عليه بالدليل‬
‫والرهان‪﴿ :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ﴾ يقول البيضاوي‪ ..." :‬ال حجاج بمعنى ال خصومة؛ إذ‬
‫(‪(٤‬‬
‫احلق قد ظهر ومل يبق للمحاجة جمال‪ ،‬وال للخالف مبدأ سوى العناد‪".‬‬

‫احلق للمخالف املجادل يف اإلشهاد عىل املبدأ‬


‫ثبت مما سبق‪ ،‬إعطاء اخلطاب القرآين َّ‬
‫والثبات عليه؛ ألن منهج اجلدل يعتمد سلطان الكلمة‪ ،‬ال الفرض واإلكراه عىل تغيري املواقف‬
‫واألفكار‪ ،‬لذلك ن ّبه املحاور املسلم‪ ،‬إىل الثبات عىل احلق‪ ،‬وعدم اجلنوح إىل الباطل‪ ،‬بدعوى‬
‫التقارب مع املخالف‪ ،‬أو التواصل احلضاري معه‪ ،‬وهذا الذي حذر منه القرآن الكريم‪،‬‬
‫نشاهد مظاهره يف واقعنا املعارص‪ ،‬حتت مظلة احلوار احلضاري‪ ،‬أو حوار األديان وتقارهبا‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢٦9‬‬


‫(‪ )٢‬الطري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢1‬ص‪.٥1٦-٥1٥‬‬
‫(‪ )٣‬البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٢٥‬‬
‫(‪ )٤‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،٥‬ص‪.1٢٦-1٢٥‬‬

‫‪٣٥9‬‬
‫ر‪ -‬أصل إفحام املخالف أو انقطاعه‪:‬‬

‫انقطاع املخالف أو عجزه عن مواصلة احلوار‪ ،‬من أصول املنهج اجلديل‪ ،‬التي تنهي‬
‫العملية الكالمية‪ ،‬فانقطاع املخالف‪ ،‬يعني أن احلجة تعوزه‪ ،‬وليس معه ما يدفع به أدلة‬
‫اخلصم املناظر‪ ،‬وحينها ال يبقى له سوى اإلذعان ألدلة خصمه‪ ،‬والتسليم بنتائج احلوار‪" ،‬ال‬
‫خيفى أنه ال بد يف املناقشة أن تنتهي بعجز أحدمها عن دفع دليل اآلخر"‪ (1(،‬فاحلوار يدور بني‬
‫املتحاورين "يف صورة مجلة مرتبة من الدعاوى فاالعراضات فاإلثباتات‪ ،‬ثم االعراضات‬
‫متى لزم األمر"‪ (٢(،‬وهو تعاون بني املحق واملبطل من املتحاورين‪" :‬حتى ينتهي احلوار إما‬
‫(‪(٣‬‬
‫بالعجز عن اإلثبات‪ ،‬أو العجز عن مزيد االعراض‪".‬‬

‫وهناك يف القرآن الكريم صور ونامذج حوارية تدل عىل هذا األصل املنهجي‪ ،‬نتعرض‬
‫لبعضها بالتحليل والدراسة‪:‬‬

‫قال تعاىل يف طلب سيدنا إبراهيم الدليل من أبيه وقومه‪ ﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬


‫ﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﴾‬
‫[الشعراء‪ ]٧٣-٧0 :‬لكنهم حادوا عن اجلواب‪ ،‬وإعطاء الدليل واحلجة عىل ما يعتقدون‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [الشعراء‪ ]٧٤ :‬يقول ابن عبد الر‪" :‬وهذا ليس جواب ًا‬
‫(‪(٤‬‬
‫عن هذا السؤال‪ ،‬ولكنه حيدة وهرب عام لزمهم‪ ،‬وهو رضب من االنقطاع‪".‬‬

‫وقال تعاىل يف قصة إقامة سيدنا إبراهيم احلجة عىل النمرود‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﴾ [البقرة‪ (٥(]٢٥8 :‬فانقطع حني‬

‫(‪ )1‬الشنقيطي‪ ،‬آداب البحث واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧٣‬‬


‫(‪ )٢‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢98‬‬
‫(‪ )٣‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.٢98‬‬
‫(‪ )٤‬ابن عبد الر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪.9٥٥-9٥٤‬‬
‫(‪ )٥‬سجل القرطبي مالحظات حول املحاجة الواردة يف هذه اآلية‪ ،‬نذكر منها‪":‬األوىل‪ :‬تدل اآلية عىل إثبات املناظرة‬
‫واملجادلة وإقامة احلجة‪ ،‬ودليل ذلك كثري من القرآن والسنة‪ .‬الثانية‪ :‬روى عن املزين صاحب الشافعي‪ :‬ومن حق =‬

‫‪٣٦0‬‬
‫ألزمه احلجة‪" (1(،‬فأبطل إبراهيم هذه الدعوى الباطلة التي هي كفر بواح بدليل مقتضاه‪:‬‬
‫أنت عاجز عن اإلتيان بالشمس من املغرب‪ ،‬وكل عاجز عن ذلك فليس برب‪ ،‬ينتج‪:‬‬
‫أنت لست برب‪ ،‬فعارض دليله بدليل صحيح أنتج نقيض دعواه‪ ،‬فصح بطالهنا بإثبات‬
‫نقيضها»‪ ﴿ (٢(،‬ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [البقرة‪" ]٢٥8 :‬فانقطع وخصم وحلقه البهت عند أخد احلجة‬
‫له‪ (٣(».‬ويقول الشنقيطي يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾‬
‫"‪ ..‬ريب يقدر عىل أن يأيت بالشمس من املغرب؛ أي كام أتى هبا من املرشق‪ ،‬فيعكس بعكس‬
‫النقيض املوافق إىل الكرى‪ ،‬والنمرود أيض ًا يس ّلمها‪ ،‬فلهذا هبت"(‪ ،(٤‬وأثنى اهلل تعاىل عىل‬
‫سيدنا إبراهيم فقال‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [األنعام‪.(٥(]8٣ :‬‬

‫واآلية خطاب إهلي فيه‪" :‬أمل تر إىل من عمي عن أدلة اإليامن‪ ،‬وجادل إبراهيم خليل اهلل‬
‫يف ألوهية ربه ووحدانيته‪ ،‬وكيف أخرجه غروره بملكه الذي وهبه ربه من نور الفطرة إىل‬

‫=املناظرة أن يراد هبا اهلل عز وجل‪ ،‬وأن يقبل منها ما تبني‪ .‬الثالثة‪ :‬قالوا‪ :‬ال تصح املناظرة ويظهر احلق بني املتناظرين‬
‫حتى يكونا متقاربني‪ ،‬أو مستويني يف مرتبة واحدة من الدين والعقل والفهم واإلنصاف‪ ،‬وإال فهو هراء ومكابرة‪".‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪(.٢8٧-٢8٦‬بترصف يسري)‪.‬‬
‫(‪ )1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،9٥٥‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬املعجزة الكربى القرآن نزوله‪ ،‬كتابته‪ ،‬مجعه‪ ،‬إعجازه‪ ،‬جدله‪ ،‬علومه‪ ،‬حكم الغناء به‪ ،‬تفسريه‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.1٧8‬‬
‫(‪ )٢‬الشنقيطي‪ ،‬آداب البحث واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢8٥‬‬
‫﴿ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾‬ ‫انظر ما قاله املؤلف يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫[األنعام‪ ،]٧٦ :‬ويف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنبياء‪ ]٢٢ :‬وغريمها مما جييل أصل إفحام املخالف‪،‬‬
‫وانقطاعه بإلزامه احلجة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.٢8٥‬‬
‫(‪ )٣‬ابن عبد الر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص‪ .9٥٤‬وانظر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص‪.٢8٦‬‬
‫(‪ )٤‬الشنقيطي‪ ،‬آداب البحث واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢٧٧‬‬
‫(‪ )٥‬الغزايل‪ ،‬القسطاس املستقيم‪ ،‬ص‪.٤9‬‬
‫وانظر متام الكالم يف صورة امليزان الذي أقامه سيدنا إبراهيم عىل قومه يف هذه اآلية عند املؤلف‪:‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٤9‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٣٦1‬‬
‫ظالم الكفر‪ ،‬فعندما قال له إبراهيم‪ :‬إن اهلل حييي ويميت‪ ،‬بنفخ الروح يف اجلسم وإخراجها‬
‫منه‪ ،‬قال‪ :‬أنا أحيي وأميت‪ ،‬بالعفو والقتل‪ ،‬فقال إبراهيم ليقطع جمادلته‪ :‬إن اهلل يأيت بالشمس‬
‫فتحري وانقطع جدله من قوة احلجة‬ ‫من املرشق ِ‬
‫فأت هبا من املغرب‪ ،‬إن كنت إهل ًا كام تدعي‪،‬‬
‫ّ‬
‫(‪(1‬‬
‫املرصين املعاندين إىل اتباع احلق‪".‬‬
‫ّ‬ ‫التي كشفت عجزه وغروره‪ ،‬واهلل ال يوفق‬

‫إنه ﷺ برش وال أحد من البرش ُأنزل عليه الكتاب‪ ،‬فرد عليهم احلق سبحانه بام يفحمهم‬
‫ويلزمهم احلجة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [األنعام‪" ]91 :‬فبطل بذلك‬
‫إنكارهم لنبوة سيدنا حممد ﷺ‪ ،‬فهو إبطال دليل بإثبات نقيضه‪ ،‬عىل نحو الطرق املعروفة يف‬
‫(‪(٢‬‬
‫املناظرة‪".‬‬

‫يالحظ أن القرآن الكريم يفحم املخالف‪ ،‬ويقيم احلجة عليه‪ ،‬و ُيلزمه إلزام ًا‪» ،‬ويالحظ‬
‫أن القرآن الكريم يف اجلدل الذي يلزم اخلصم ويفحمه جييئه يف اإلفحام من أقرب الطرق‪،‬‬
‫ويقول دراز عن طريقة إفحام القرآن‪» :‬فإن طبيعة استدالالته‪،‬‬ ‫(‪(٣‬‬
‫وأشدها إلزام ًا‪،"...‬‬
‫والطريقة التي يسوق هبا الدليل‪ ،‬قد اختريت كلتامها عىل وجه يفحم أعظم الفالسفة دقة‪،‬‬
‫وأشد املناطقة رصامة‪ ،‬يف الوقت الذي تلبى فيه أكثر املطالب واقعية‪ ،‬كام تروق أرقى األذواق‬
‫(‪(٤‬‬
‫الشعرية وأرقاها‪ ،‬وأبسط املدارك وأقلها‪".‬‬

‫(‪ )1‬جلنة من علامء األزهر‪ ،‬املنتخب يف تفسري القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٦٢‬‬
‫(‪ )٢‬الشنقيطي‪ ،‬آداب البحث واملناظرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٢80-٢٧9‬‬
‫(‪ )٣‬أبو زهرة‪ ،‬تاريخ اجلدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٧٢‬‬
‫ّ‬
‫ويقول الدهلوي‪" :‬واختار سبحانه وتعاىل يف آيات املخاصمة إلزام اخلصم باملشهورات املسلمة‪ ،‬واخلطابيات‬
‫النافعة‪ ،‬ال تنقيح الراهني عىل طريقة املنطقيني‪ "..‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬الفوز الكبري يف أصول التفسري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )٤‬دراز‪ ،‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1٥‬‬

‫‪٣٦٢‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫هبذا املنهج احلواري اجلديل بأصوله التي ذكرناها؛ الكلية والتفصيلية‪ ،‬يتحقق لنا تدبري‬
‫االختالف العلمي‪ ،‬وذلك بالعمل عىل إدراك احلقائق املعرفية الصحيحة الصاحلة لالعتقاد‬
‫واإلعامل‪ ،‬وإخضاعها للمامرسة والعمل بعد اعتقادها عىل مستوى التصور؛ ألنه ال إعامل‬
‫من دون تصور واعتقاد‪.‬‬

‫ّ‬
‫يتخىل املخالف عن‬ ‫وليس من مقاصد منهج اجلدل واحلوار يف اخلطاب القرآين‪ ،‬أن‬
‫وإنام القصد هو التعارف‪ ،‬والتفاهم‪ ،‬والتبادل احلضاري‪،‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫دينه ومعتقده وهويته‪،...‬‬
‫واستكشاف احلقائق‪ ،‬واملساحة املشركة يف ميادين الفكر والثقافة‪ ،‬ويف كل ميادين احلياة‪،‬‬
‫(‪(٢‬‬
‫وبذلك حيصل التقارب‪ ،‬والتآلف بني أفراد املجتمع اإلنساين‪.‬‬

‫تأسيس ًا عىل ما تقدم‪ ،‬يصح القول‪ :‬إن اخلطاب القرآين غني بالنصوص التي تشري إىل‬
‫أصول تدبري االختالف املنهجية‪ ،‬وذلك من خالل صور املناظرات‪ ،‬وكل أنواع املقابلة‪،‬‬
‫وتبادل الكالم‪ ،‬من اجلدل إىل املناظرة إىل احلوار‪ .‬هذا مع ما فيه من إشارات عظيمة‪ ،‬إىل‬
‫اعتامد أسلوب احلكمة‪ ،‬والقول احلسن يف الدعوة واملحاورة‪ ،‬واحلث عىل اعتامد احلجة‬
‫والرهان‪ ،‬مما جيعل من القرآن الكريم خطاب ًا لتدبري االختالف‪ ،‬واالستقرار يف العالقات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وقبول اآلخر‪ ،‬واإلقرار بالتنوع واالختالف‪.‬‬

‫(‪ )1‬املقصود أن يتخىل عن أفكاره باإلكراه واإلجبار وبغري إقناع‪.‬‬


‫(‪ )٢‬يرى طه عبد الرمحن أن احلوار حيقق ثالثة مقاصد‪" :‬والظفر الفعيل بالصواب املطلوب‪ .‬ومتحيص الطرق التي حيتمل‬
‫أن توصل إىل الصواب املطلوب وزيادة املعرفة برأي اجلانب اآلخر‪ ".‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬احلق العريب يف االختالف الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.٣٧-٣٦‬‬

‫‪٣٦٣‬‬
‫اخلامتــة‬
‫يف خامتة هذه الدراسة أحب أن أذكّر باألسئلة البحثية التي قام عليها إشكال هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬لنحاول التذكري كذلك بإجاباهتا التي توصلت إليها الدراسة‪ ،‬فالسؤال املركزي‬
‫الذي أثارته الدراسة هو‪ :‬هل يمكننا نحن املسلمني أن نقدم لآلخر املوافق واملخالف‪،‬‬
‫جواب ًا حضاري ًا لفقه االختالف وتدبريه؟ أي هل يمكننا أن نقف يف األصل األول للترشيع‬
‫اإلسالمي؛ القرآن الكريم‪ ،‬عىل معامل كرى لفهم فلسفة االختالف الديني واإلنساين‪،‬‬
‫وإدارته بحكمة نعرضها عىل املجتمع اإلنساين بدي ً‬
‫ال عن الرصاعات والنزاعات واحلروب‬
‫عمت عاملنا املعارص‪ ،‬ونوضح هبا موقف الرسالة اإلسالمية الصحيحة من اآلخر‪،‬‬ ‫التي ّ‬
‫ونصحح هبا رؤية اآلخر لإلسالم واملسلمني‪ ،‬ونصحح هبا معتقداتنا نحن املسلمني نحو‬
‫املخالف الداخيل واخلارجي‪ ،‬ونراجع ونجدد عىل ضوئها فقه اآلخر يف تراثنا اإلسالمي؟‬

‫وخلصت الدراسة إىل اإلجابات اآلتية‪:‬‬

‫االختالف يف القرآن الكريم‪ ،‬إرادة تكوينية‪ ،‬حكم هبا سبحانه عىل اخللق‪ ،‬وتفرد‬
‫ال من أدلة وجوده‪ ،‬وجعل االختالف مركوز ًا‬
‫بالوحدانية‪ ،‬وجعل االختالف آي ًة من آياته‪ ،‬ودلي ً‬
‫يف فطر اخلالئق‪ ،‬وجزء ًا من تكوينهم اخللقي‪ ،‬خلقهم خمتلفني يف عقوهلم ومداركهم‪ ،‬وميوالهتم‬
‫َ‬
‫الكون‬ ‫احلق سبحانه‬
‫النفسية‪ ،‬وتركيباهتم البدنية‪ ،‬وغريها مما يرجع إىل اختالف البنى‪ ،‬كام جعل ّ‬
‫الذي يعيشون فيه خمتلف ًا يف ظواهره الطبيعية‪ ،‬فكان االختالف يشمل الكوين واإلنساين‪.‬‬

‫وذكر القرآن الكريم االختالف اإلنساين يف سياق االختالف التكويني يف الظواهر‬


‫الكونية‪ ،‬مرشد ًا اإلنسان إىل التأمل يف اختالف التكامل والتوازن‪ ،‬احلاصل يف الكون‪،‬‬
‫ليلفت نظره إىل مقاصد هذا االختالف‪ ،‬ون ّبه اخللق إىل َّ‬
‫أن االختالف سنة تكوينية‪ ،‬وإرادة‬
‫ترشيعية‪ ،‬وأن الترشيعي جاء ليخدم التكويني‪.‬‬

‫ونسب اهلل تعاىل االختالف إىل نفسه‪ ،‬ومل يذمه سبحانه إالّ إذا كان هادم ًا لالئتالف‪،‬‬
‫سواء االئتالف داخل الدائرة اإلسالمية‪ ،‬أو الدائرة اإلنسانية؛ إذ جعل احلق سبحانه لكل‬

‫‪٣٦٥‬‬
‫دائرة جوامع يتم تدبري االختالف عىل وفقها‪ ،‬والذم واقع عىل االختالف اهلادم لالئتالف‪،‬‬
‫املوقع يف التفرق والنزاع‪ ،‬بمعنى االختالف الذي ال جامع له‪.‬‬

‫والقرآن الكريم راعى االختالف التكويني يف اإلنسان‪ ،‬وفق رؤية متكاملة تقوم عىل‬
‫ثالثة مقومات‪ :‬مقوم ترشيع أحكام تناسب أحوال الناس يف احلال والزمان واملكان‪ ،‬ومقوم‬
‫ّ‬
‫حث الناس عىل االجتهاد واستعامل العقل يف قراءة نصوص الوحي وظواهر الكون‪ ،‬ورفض‬
‫التقليد والتبعية من دون حجة وال برهان‪ ،‬ومقوم وضع منهج إلدارة وتدبري هذا االختالف‪.‬‬

‫واشتمل القرآن الكريم عىل رؤية نظرية وتطبيقية ومنهجية لفقه االختالف وتدبريه‪،‬‬
‫وذلك بتقديمه ثالثة مداخل رئيسة لتدبري االختالف‪ :‬عقدية وترشيعية ومنهجية‪ .‬وتكمن‬
‫أمهية تدبري االختالف وفق الرؤية القرآنية‪ ،‬يف توجيه االختالف الوجهة الصحيحة‪ ،‬وإدارته‬
‫بحكمة‪ ،‬كي ال ينحرف عن املنهج الذي رسمه القرآن الكريم‪ ،‬وحيصد نتائج سلبية‪ ،‬وآفات‬
‫خطرية‪ ،‬نتيجة غياب التدبري‪.‬‬

‫ويف املدخل األول ركز القرآن الكريم عىل مستوى اإليامين واالعتقادي يف تدبري‬
‫االختالف الديني واإلنساين‪ ،‬الديني بكون هذه األصول الكلية االعتقادية من أصول‬
‫الدين‪ ،‬التي أمر اهلل تعاىل بإقامتها‪ ،‬وعدم التفرق فيها‪ ،‬وجعلها أرضية مشركة للوفاق‬
‫الديني‪ ،‬واإلنساين بتقديمها ألويل بقية مقرح ًا للوفاق وتدبري االختالف‪ ،‬فاإلنسانية اليوم‬
‫مطالبة ‪-‬بحكم العقل‪ -‬باتباع احلقائق اإليامنية‪.‬‬

‫ويف املدخل الثاين يقرح القرآن الكريم عىل اإلنسانية‪ ،‬املدخل الترشيعي العميل لتدبري‬
‫االختالف‪ ،‬ويعرض من خالله كليات مقاصدية وأصوالً عامة‪ ،‬متثل املشرك اإلنساين لبناء‬
‫االئتالف‪ ،‬واألرضية الوفاقية للتبادل احلضاري اإلنساين‪ ،‬وهي أصول أخالقية مشركة‪،‬‬
‫تعطي اجلواب القرآين والبديل احلضاري للتعاون والتعارف‪ ،‬واحلفاظ عىل السلم العاملي‪.‬‬

‫ال قوي ًا ومه ًام لتدبري االختالف‪ ،‬فهي تفتح‬


‫وتعدّ هذه مقاصد القرآنية الكلية‪ ،‬مدخ ً‬
‫آفاق ًا واسعة أمام املجتمع اإلنساين للتعايش والتعاون‪ ،‬وجتاوز االنغالق الفكري واملعريف‪،‬‬
‫وتقليد املناهج والنظريات الغربية‪ ،‬والتعصب هلا وتقديسها‪ ،‬أو اجلمود والتقديس لبعض‬
‫اآلراء الراثية القديمة‪ ،‬ورفض ما خيالفها‪.‬‬

‫‪٣٦٦‬‬
‫فهذه املقاصد القرآنية‪ ،‬والقيم اإلنسانية املشركة‪ ،‬كفيلة بتدبري االختالف اإلنساين‪،‬‬
‫حتقيق ًا ملقاصد رشعية‪ ،‬ومصالح إنسانية‪ ،‬وربط ًا جلسور التواصل والتبادل الفكري والثقايف‪،‬‬
‫وتكريس ًا للسلم والعدل واملساواة والشورى‪ ،‬وتبشري ًا بمجتمع إنساين يؤمن باالختالف‪،‬‬
‫ويعرف باحلق فيه‪ .‬وال شك أن رفض التعاون والتعارف مع املخالف عىل أساس هذه‬
‫األرضية املشركة‪ ،‬هيدم إنسانية اإلسالم‪ ،‬وعاملية دعوته‪.‬‬

‫ويف املدخل الثالث يقرح القرآن الكريم منهج احلوار واجلدل بالتي هي أحسن‪،‬‬
‫منهج ًا للتبادل املعريف والتحقيق العلمي‪ ،‬ومساعدة اإلنسان عىل التوصل إىل احلقائق‬
‫اليقينية‪ ،‬بوضع أصول عاصمة للعقل من االنحراف‪ ،‬وللنفس والغرائز من الزيغ‪ ،‬وهو‬
‫منهج سلكه األنبياء‪- ،‬وعىل رأسهم حممد بن عبد اهلل ﷺ‪ -‬يف تدبري االختالف مع أقوامهم‪،‬‬
‫وكان منهج ًا ناجع ًا يف دعوة املخالف إىل رسالة السامء‪ ،‬إىل املشرك العقدي والترشيعي‪.‬‬

‫كام أن ما يمكن استخالصه من املنهج اجلديل القرآين بعد حتديد أصوله وقواعده‬
‫الكلية والتفصيلية‪ ،‬هو االعراف باملخالف؛ ألنه ال حديث عن منهج اجلدل واملناظرة إال‬
‫باالعراف باملخالف‪ ،‬ومتكينه من حقه يف إبداء الرأي والتعبري عنه‪ ،‬وحقه يف االعراض‬
‫والنقد‪ ،‬وهذا ما جيعل املخالف رشيك ًا ملخالفه‪ ،‬ومتعاون ًا معه يف الكشف عن احلقائق بكل‬
‫حرية واختيار‪.‬‬

‫وهذا املنهج الذي أسسه اخلطاب القرآين ‪-‬منهج اجلدل واملناظرة‪ -‬مل يبتعد عنه‬
‫كثري ًا علام ُء اإلسالم ومفكّروه‪ ،‬فقد جاء تراثنا العلمي واملعريف‪ ،‬الذي أنتجه علامء اإلسالم‬
‫ومفكّروه‪ ،‬بمذاهبهم الفقهية املتعددة‪ ،‬ومدارسهم العقدية املتنوعة‪ ،‬ومنازعهم الفكرية‬
‫املختلفة‪ ،‬ومشارهبم السياسية املتغايرة‪ ،‬غني ًا بالضوابط والقواعد املنهجية التي تدير‬
‫حصن هذا املنهج األمة‬
‫االختالف مع املخالف‪ ،‬سواء كان داخل امللة أو خارجها‪ .‬فقد َّ‬
‫من االختالف املذموم‪ ،‬وزكّى اخلالف املحمود‪ ،‬الذي هو عامل ثراء ونامء وتطور‪ ،‬ومجع‬
‫طوائف األمة‪ ،‬ومذاهبها‪ ،‬ومناهجها عىل أرضية املؤتلف‪ ،‬واإلعذار يف املختلف‪.‬‬

‫تلك هي حقيقة الرؤية القرآنية لقضية االختالف وتدبريه‪ ،‬حسب ما توصلنا إليه‪ ،‬ونسأل‬
‫اهلل تعاىل أن تكون هذه الدراسة مسامهة ‪-‬إىل جانب ما ُقدِّ م يف هذا املوضوع‪ -‬يف مرشوع الكلمة‬

‫‪٣٦٧‬‬
‫السواء التي يدعو إليها القرآن الكريم َّ‬
‫كل خمالف‪ ،‬من أجل وحدة وألفة املجتمع اإلنساين‪ ،‬عىل‬
‫أساس األصول املشركة التي يعرضها القرآن الكريم يف نظرية متكاملة‪.‬‬

‫وهبذه األصول املستنبطة من كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬يتم تدبري االختالف سواء مع أتباع‬
‫األديان الساموية التي تشرك يف أصول الدين مع اختالف الرشائع‪ ،‬أو غريهم من معتنقي‬
‫الديانات غري الساموية‪ ،‬أو الذين ال ينتسبون إىل أي دين‪ ،‬أو يعتقدون منهج ًا فلسفي ًا أرضي ًا‪،‬‬
‫ما داموا ينتسبون إىل اإلنسانية‪.‬‬

‫هذه أصول جامعة وقواعد كلية لتدبري االختالف اإلنساين‪ ،‬والوفاق املجتمعي‪ ،‬بني‬
‫بني اإلسالم وبني اإلنسان‪ ،‬مستنبطة من كتاب اهلل تعاىل "القرآن الكريم"؛ هذا الكتاب‬
‫املصدق واملهيمن عىل ما سبقه من الكتب الساموية‪ ،‬واملناهج األرضية‪ ،‬اشتمل عىل أصول‬
‫كرى قادرة عىل تدبري االختالف وبناء االئتالف‪.‬‬

‫ونسجل يف األخري أن هذه الدراسة ما هي إال اجتهاد ضمن االجتهادات العلمية التي‬
‫سبقتها‪ ،‬والتي ستتلوها مستقبالً‪ ،‬ملحاولة فهم قضية من أكر القضايا التي تشغل الفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والفكر اإلنساين عموم ًا‪ ،‬وهي قضية تدبري وإدارة االختالف حملي ًا وكوني ًا‪ ،‬وما‬
‫توصلنا إليه من نتائج ما هي إال بداية لفهم إشكاالت هذه القضية‪ ،‬ستتلوها بحول اهلل تعاىل‬
‫حماوالت لدعم مرشوع‪" :‬الكلمة السواء" و"االختالف يف إطار اجلوامع"‪ ،‬ونقض مرشع‪:‬‬
‫"النزعة املركزية االستئصالية" و"الوقاحة اإلنكارية االستعالئية"‪.‬‬

‫ويف األخري أعرض بعض املقرحات لبحوث حتتاج إىل جهد الباحثني‪ ،‬أثارهتا هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬أقدمها كتوصيات‪:‬‬

‫‪ -‬فقه اآلخر يف تراثنا اإلسالمي مراجعة نقدية‪.‬‬

‫‪ -‬أزمة فهم النصوص الرشعية واضطراب مفهوم االختالف‪.‬‬

‫‪ -‬مقاصد القرآن والتأسيس للمشرك اإلنساين‪.‬‬

‫‪ -‬املواطنة‪ :‬دراسة يف حدود األخوة اإليامنية واألخوة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪٣٦8‬‬
‫املراجع‬
‫أوالً‪ :‬املراجع العربية‪:‬‬
‫‪ -‬آل تيمية‪ ،‬عبد السالم وعبد احلليم وأمحد‪ .‬املسودة يف أصول الفقه‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد بن إبراهيم بن‬
‫عباس الذروي‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الفضيلة‪ ،‬ط‪1٤٢٢( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اآللويس‪ ،‬شهاب الدين حممود بن عبد اهلل‪ .‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عيل عبد الباري عطية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٥ ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬األبارة‪ ،‬سمري مثنى عيل‪" .‬منهج القرآن يف تقرير محاية األفكار"‪( ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬وزارة التعليم‬
‫العايل والبحث العلمي‪ ،‬جامعة أم درمان اإلسالمية‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬مجهورية السودان‪،‬‬
‫‪1٤٣٤‬ه‪٢01٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬إسامعيل‪ ،‬فاطمة إسامعيل حممد‪ .‬القرآن والنظر العقيل‪ ،‬هريندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪1٤1٣( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسنوي‪ ،‬أبو حممد مجال الدين عبد الرحيم بن احلسن بن عيل‪ .‬هناية السول رشح منهاج‬
‫الوصول‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،1‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬األشعري‪ ،‬أبو احلسن عيل بن إسامعيل بن إسحاق‪ .‬كتاب اللمع يف الرد عىل أهل الزيغ والبدع‪،‬‬
‫صححه وقدم له وع ّلق عليه‪ :‬محودة غرابة‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة مرص‪19٥٥ ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األشعري‪ ،‬أبو احلسن عيل بن إسامعيل بن إسحاق‪ .‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتبة العرصية‪1٤11( ،‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬األصبحي‪ ،‬اإلمام مالك بن أنس‪ .‬املدونة الكربى‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٥‬ه‪199٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬األنصاري‪ ،‬فريد‪ .‬أبجديات البحث يف العلوم الرشعية‪ ،‬سلسلة احلوار (‪ ،)٢٧‬اململكة املغربية‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ :‬منشورات الفرقان‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬األنصاري‪ ،‬فريد‪ ،‬الفجور السيايس واحلركة اإلسالمية يف املغرب دراسة يف التدافع االجتامعي‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،٢‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أومليل‪ ،‬عيل‪ .‬يف رشعية االختالف‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪199٣ ،٢‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اإلجيي‪ ،‬عضد الدين أبو الفضل عبد الرمحن بن أمحد بن عبد الغفار‪ .‬كتاب املواقف‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد‬
‫الرمحن عمرية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اجليل‪ ،‬ط‪199٧ ،1‬م‪.‬‬

‫‪٣٦9‬‬
‫‪ -‬الباجي‪ ،‬أبو الوليد سليامن بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي‪ .‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد املجيد تركي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪198٧ ،٢‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الباقالين‪ ،‬أبو بكر حممد بن الطيب بن حممد بن جعفر‪ .‬االنتصار للقرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عصام‬
‫القضاة‪ ،‬عامن وبريوت‪ :‬دار الفتح ودار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٢٢( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الباقالين‪ ،‬القايض أبو بكر حممد بن الطيب بن حممد بن جعفر‪ .‬التمهيد يف الرد عىل امللحدة‬
‫واملعطلة واخلوارج واملعتزلة‪ ،‬عُ ني بتصحيحه ونرشه‪ :‬األب رترشد يوسف مكارثي الياسوعي‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬املكتبة الرشقية‪19٥٧ ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إسامعيل اجلعفي‪ .‬اجلامع املسند الصحيح املخترص من أمور‬
‫رسول اهلل ﷺ وسننه وأيامه‪( ،‬صحيح البخاري)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري بن نارص النارص‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪1٤٢٢ ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬مناهج البحث العلمي‪ ،‬الكويت‪ :‬وكالة املطبوعات‪ ،‬ط‪19٧٧ ،٣‬م‪.‬‬
‫‪ -‬برغوث‪ ،‬الطيب‪ .‬منهج النبي ﷺ يف محاية الدعوة واملحافظة عىل منجزاهتا خالل الفرتة املكية‪،‬‬
‫سلسلة قضايا الفكر اإلسالمي (‪ ،)1٧‬هريندن‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٦‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬بروال‪ ،‬أمحد‪ .‬وبوزيدي‪ ،‬سهام‪" .‬التعامل مع اآلخر يف الفكر اإلسالمي املعارص"‪ ،‬جملة البحوث‬
‫والدراسات‪ ،‬جامعة الوادي‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد‪٢01٢ ،)1٣( :‬م‪.‬‬
‫‪ -‬بريبانتي‪ ،‬رالف‪" .‬اإلسالم والغرب‪ :‬تعاون أم صدام"‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬هرندن‪ :‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪1٤٢1( ،)٢0( :‬ه‪٢000/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البطليويس‪ ،‬عبد اهلل بن حممد بن السيد‪ .‬اإلنصاف يف التنبيه عىل املعاين واألسباب التي أوجبت‬
‫االختالف بني املسلمني يف آرائهم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رضوان الداية‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤0٧‬ه‪198٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البغدادي‪ ،‬أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن حممد‪ .‬الفرق بني الفرق وبيان الفرقة الناجية‬
‫منهم‪ ،‬عقائد الفرق اإلسالمية وبيان آراء كبار أعالمها‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد عثامن اخلشن‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة ابن سينا‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬البغوي‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬احلسني بن مسعود بن حممد‪ .‬معامل التنزيل‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬حممد‬

‫‪٣٧0‬‬
‫عبد اهلل النمر وعثامن مجعة ضمريية وسليامن مسلم احلرش‪ ،‬الرياض‪ :‬دار طيبة‪ ،‬ط‪،٤‬‬
‫(‪1٤1٧‬ه‪/1997‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البقاعي‪ ،‬أبو احلسن برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن‪ .‬نظم الدرر يف تناسب اآليات‬
‫والسور‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرزاق غالب املهدي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1415( ،‬ه‪1995/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬بلكا‪ ،‬إلياس‪ .‬الغيب والعقل دراسة يف حدود املعرفة البرشية‪ ،‬هرندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1429( ،1‬ه‪2008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البنا‪ ،‬حسن‪ .‬نظرات يف كتاب اهلل (تفسري الشهيد البنا)‪ ،‬مجعه وحققه وعلق عليه‪ :‬عصام تليمة‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار التوزيع والنرش اإلسالمية‪1423( ،‬ه‪2002/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬بنت الشاطئ‪ ،‬عائشة عبد الرمحن‪ .‬التفسري البياين للقرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪،7‬‬
‫(د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬البهي‪ ،‬حممد‪ .‬منهج القرآن يف تطوير املجتمع‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪1416( ،2‬ه‪1995/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البوشيخي‪ ،‬أمحد‪ .‬اخلالف الفقهي‪ :‬دراسة يف املفهوم واألسباب واآلداب‪ ،‬كتاب املحجة (‪،)2‬‬
‫فاس‪ :‬آنفو‪-‬برانت‪1424( ،‬ه‪2003/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البوطي‪ ،‬حممد سعيد رمضان‪ .‬اجلهاد يف اإلسالم كيف نفهمه؟ وكيف نامرسه؟ بريوت ودمشق‪:‬‬
‫دار الفكر املعارص و دار الفكر‪ ،‬ط‪1414( ،1‬ه‪1993/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البوطي‪ ،‬حممد سعيد رمضان‪ .‬السلفية مرحلة زمنية مباركة ال مذهب إسالمي‪ ،‬دمشق‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬ط‪1431( ،14‬ه‪2010/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البوطي‪ ،‬حممد سعيد رمضان‪ .‬كربى اليقينيات الكونية وجود اخلالق ووظيفة املخلوق‪ ،‬دمشق‬
‫وبريوت‪ :‬دار الفكر املعارص‪ ،‬ط‪1982 ،8‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البيانوين‪ ،‬حممد أبو الفتح‪ .‬املدخل إىل علم الدعوة دراسة منهجية شاملة لتاريخ الدعوة وأصوهلا‬
‫ومناهجها وأساليبها ووسائلها ومشكالهتا يف ضوء النقل والعقل‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ط‪1415( ،3‬ه‪1995/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البريوين‪ ،‬أبو الرحيان حممد بن أمحد‪ .‬اآلثار الباقية عن القرون اخلالية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية‪ ،‬ط‪1428( ،1‬ه‪2008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البيضاوي‪ ،‬نارص الدين‪ ،‬عبد اهلل بن عمر بن حممد بن عيل الشريازي‪ .‬أنوار التنزيل وأرسار‬
‫التأويل‪ ،‬حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وضبط نصه‪ :‬حممد صبحي بن حسن حالق‪ .‬وحممود‬

‫‪٣٧1‬‬
‫أمحد األطرش‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار الرشيد ومؤسسة اإليامن‪ ،‬ط‪1421( ،1‬ه‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن حسني بن عيل‪ .‬مناقب الشافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد صقر‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة دار‬
‫الراث‪ ،‬ط‪1390( ،1‬ه‪1970/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الركي‪ ،‬عبد اهلل بن عبد املحسن‪ .‬أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫(‪1431‬ه‪2010/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الرمذي‪ ،‬أبو عيسى‪ ،‬حممد بن عيسى بن سورة‪ .‬سنن الرتمذي (اجلامع الكبري)‪ ،‬حتقيق‪ :‬بشار‬
‫عواد معروف‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التلمساين‪ ،‬أبو عبد اهلل بن قاسم العقباين‪ .،‬كتاب حتفة الناظر وغنية الذاكر يف حفظ الشعائر‬
‫وتغيري املناكر‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل الشنويف‪ ،‬دمشق‪ :‬املعهد الثقايف الفرنيس‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التهانوي‪ ،‬حممد بن عيل بن القايض حامد بن حممد بن صابر احلنفي‪ ،‬موسوعة كشاف اصطالحات‬
‫الفنون والعلوم‪ ،‬تقديم وإرشاف ومراجعة‪ :‬رفيق العجمي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل دحروج‪ ،‬نقل النص‬
‫الفاريس إىل العربية‪ :‬عبد اهلل اخلالدي‪ ،‬الرمجة األجنبية‪ :‬جورج زيناين‪ ،‬بريوت‪ :‬مكتبة لبنان‬
‫نارشون‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التونجي‪ ،‬عبد السالم‪ .‬مؤسسة العدالة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪ :‬منشورات كلية الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬سلسلة الفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪1402( ،1‬ه‪1993/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬التونيس‪ ،‬خري الدين باشا‪ .‬أقوم املسالك يف معرفة أحوال املاملك‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد احلداد‪ ،‬القاهرة‬
‫وبريوت‪ :‬دار الكتاب املرصي ودار الكتاب اللبناين‪ ،‬ط‪1433( ،1‬ه‪2012/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬التونيس‪ ،‬حممد خليفة‪ .‬اخلطر اليهودى بروتوكوالت حكامء صهيون‪ ،‬ترمجة‪ :‬عباس حممود‬
‫العقاد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪1961 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬اقتضاء الرصاط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬نارص عبد الكريم العقل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار عامل الكتب‪ ،‬ط‪1419( ،7‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬الرياض‪ :‬وزارة‬
‫الشئون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل‬
‫بن حسن بن نارص عبد العزيز بن إبراهيم العسكر و محدان بن حممد احلمدان‪ ،‬الرياض‪ :‬دار‬
‫العاصمة‪ ،‬ط‪1419( ،2‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬

‫‪٣٧٢‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬احلسبة يف اإلسالم "وظيفة احلكومة اإلسالمية"‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1977 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬خالف األمة يف العبادات ومذهب أهل السنة واجلامعة‪،‬‬
‫تقديم وتعليق‪ :‬عثامن مجعة ضمريية‪ ،‬الطائف‪ :‬دار الفاروق‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رشاد سامل‪،‬‬
‫الرياض‪ :‬جامعة حممد بن سعود‪ ،‬ط‪1٤٤٤( ،1‬ه‪.(1991/‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬رفع املالم عن األئمة األعالم‪ ،‬الرياض‪ :‬الرئاسة العامة‬
‫إلدارة البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪1٤1٣ ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬جمموع الفتاوى‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن‬
‫القاسم‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف‪1٤1٦( ،‬ه‪199٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬مقدمة يف أصول التفسري‪ ،‬بريوت‪ :‬دار مكتبة احلياة‪،‬‬
‫(‪1٤00‬ه‪1980/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬منهاج السنة النبوية‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد رشاد سامل‪،‬‬
‫الرياض‪ :‬جامعة حممد بن سعود‪ ،‬ط‪1٤0٦( ،1‬ه‪198٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ .‬النبوات‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد العزيز الطويان‪ ،‬الرياض‪:‬‬
‫أضواء السلف‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،1‬ه‪٢000/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الثعالبي‪ ،‬أبو زيد عبد الرمحن بن حممد بن خملوف املالكي‪ .‬اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عيل حممد معوض وعادل أمحد عبد املوجود‪ ،‬وشارك يف حتقيقه‪ :‬عبد الفتاح أبو سنة‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار إحياء الراث العريب ومؤسسة التاريخ العريب‪ ،‬ط‪1٤18( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ .‬قضايا يف الفكر املعارص‪ :‬العوملة‪ ،‬رصاع احلضارات‪ ،‬العودة إىل األخالق‪،‬‬
‫التسامح‪ ،‬الديمقراطية ونظام القيم‪ ،‬الفلسفة واملدنية‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫ط‪199٧ ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اجلرجاين‪ ،‬عيل بن حممد بن عيل‪ .‬التعريفات‪ ،‬حتقيق‪ :‬مجاعة من العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪198٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن جزي الكلبي‪ ،‬أبو القاسم حممد بن أمحد بن حممد بن عبد اهلل‪ .‬التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،‬عناية‪:‬‬
‫أبو بكر بن عبد اهلل سعداوي‪ ،‬الشارقة‪ :‬املنتدى اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤٣٣( ،1‬ه‪٢01٢/‬م)‪.‬‬

‫‪٣٧٣‬‬
‫‪ -‬اجلصاص‪ ،‬أبو بكر أمحد بن عيل الرازي‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد صادق القمحاوي‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار إحياء الراث العريب‪1٤0٥ ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬اجللعود‪ ،‬حمامس بن عبد اهلل بن حممد‪ .‬املواالة واملعاداة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪ :‬دار اليقني‬
‫للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،1‬ه‪198٧ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن اجلوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن عيل بن حممد القريش البغدادي‪ .‬تلبيس إبليس‪ ،‬دراسة‬
‫وحتقيق‪ :‬أمحد بن عثامن املزيد‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الوطن‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،1‬ه‪٢00٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن اجلوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن عيل بن حممد القريش البغدادي‪ .‬زاد املسري يف علم‬
‫التفسري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري الشاويش وشعيب األرناؤوط وعبد القادر األرناؤوط‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤0٤( ،٢‬ه‪198٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اجلوهري‪ ،‬أبو نرص إسامعيل بن محاد‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد‬
‫عبد الغفور عطار‪ ،‬بريوت‪ :‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،٤‬ه‪198٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل إمام احلرمني عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬االجتهاد (من‬
‫كتاب التلخيص إلمام احلرمني)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد احلميد أبو زنيد‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار القلم‬
‫ودارة العلوم الثقافية‪ ،‬ط‪1٤08 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل إمام احلرمني عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬اإلرشاد إىل قواطع‬
‫األدلة يف أصول االعتقاد‪ ،‬حققه وعلق عليه وقدم له وفهرسه‪ :‬حممد يوسف موسى وعيل عبد‬
‫املنعم عبد احلميد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اخلانجي‪1٣٦9( ،‬ه‪19٥0/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل إمام احلرمني عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬الربهان يف أصول‬
‫الفقه‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد العظيم الديب‪ ،‬الدوحة‪ :‬جامعة قطر‪ ،‬ط‪1٣99 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل إمام احلرمني عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬الشامل يف أصول‬
‫الدين‪ ،‬ح ّققه وقدم له‪ :‬عيل سامي النشار وفيصل بدير عيون وسهري حممد خمتار‪ ،‬اإلسكندرية‪:‬‬
‫مطبعة املعارف‪19٦9 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اجلويني‪ ،‬أبو املعايل إمام احلرمني عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬الكافية يف‬
‫اجلدل‪ ،‬تقديم وحتقيق وتعليق‪ :‬فوقية حسني حممود‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة عيسى احللبي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٣99‬ه‪19٧9/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬احلاكم‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل بن محدويه الضبي النيسابوري‪ .‬املستدرك عىل الصحيحني‪،‬‬

‫‪٣٧٤‬‬
‫حتقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤11( ،1‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو حبيب‪ ،‬سعدي‪ .‬القاموس الفقهي لغة واصطالح ًا‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤08‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل شهاب الدين أمحد بن عيل بن حممد العسقالين‪ .‬فتح الباري رشح صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬ر َّقم كتبه وأبوابه وأحاديثه‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬قام بإخراجه وصححه وأرشف‬
‫عىل طبعه‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬عليه تعليقات‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل ابن باز‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫املعرفة‪1٣٧9 ،‬ه‪.‬‬
‫يب بن حممد‪ .‬الفكر السامي يف تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫‪ -‬احلجوي‪ ،‬حممد بن احلسن بن العر ّ‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬احلدري‪ ،‬خليل بن عبد اهلل بن عبد الرمحن‪" .‬منهجية التفكري العلمي يف القرآن الكريم‪ ،‬وتطبيقاهتا‬
‫الربوية‪ ،‬يف املؤسسات اجلامعية املعارصة‪ ،‬تصور مقرح"‪( ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة أم القرى‪،‬‬
‫كلية الربية‪ ،‬السعودية‪ ،‬مكة املكرمة‪1٤٣٢ ،‬ه)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أمحد حممد شاكر‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اآلفاق اجلديدة‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬رسائل ابن حزم‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان‬
‫عباس‪ ،‬بريوت‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش‪ ،‬ط‪198٣ ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد إبراهيم نرص‪ ،‬عبد الرمحن عمرية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اجليل‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬ابن حسن‪ ،‬نورة‪" .‬الظلم يف ضوء القرآن الكريم‪ :‬حقيقته‪ ،‬أنواعه‪ ،‬أسبابه‪ ،‬آثاره‪ ،‬الوقاية منه"‪،‬‬
‫(رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية العلوم االجتامعية والعلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة احلاج خلرض‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫باتنة‪1٤٣0 ،‬ه‪٢009/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬احلطاب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن الرعينى‪ .‬مواهب اجلليل يف رشح خمترص‬
‫خليل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤1٢( ،٣‬ه‪199٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬حقي‪ ،‬أمحد معاذ علوان‪" .‬الفرق بني النبي والرسول‪ :‬دراسة حتليلية"‪ ،‬جملة كلية الدراسات‬
‫اإلسالمية والعربية‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ديب‪ ،‬العدد (‪٢01٤ ،)٢8‬م‪.‬‬

‫‪٣٧٥‬‬
‫‪ -‬محدان‪ ،‬خالد حسني‪" .‬اإلقناع أسسه وأهدافه يف ضوء أسلوب القرآن الكريم‪ :‬دراسة وصفية‬
‫حتليلية"‪ ،‬مؤمتر الدعوة اإلسالمية ومتغريات العرص‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية بغزة‪ ،‬كلية أصول‬
‫الدين‪1٤٢٦( ،‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬احلموي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد مكي‪ .‬غمز عيون البصائر يف رشح األشباه والنظائر‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،1‬ه‪198٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬حنايشة‪ ،‬عبد الوهاب حممود إبراهيم‪" .‬التفكري وتنميته يف ضوء القرآن الكريم"‪( ،‬رسالة‬
‫ماجستري‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطني‪٢009 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل‪ .‬مسند أمحد‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وآخرون‪،‬‬
‫إرشاف‪ :‬عبد اهلل بن عبد املحسن الركي‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢1( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن احلنبيل‪ ،‬أبو الفرج ناصح الدين‪ .‬كتاب استخراج اجلدل من القرآن الكريم‪ ،‬ضبط نصه‬
‫وخرج أحاديثه‪ :‬حممد صبحي حسن حالق‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الريان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫َّ‬ ‫وعلق عليه‬
‫(‪1٤1٣‬ه‪199٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬احلواس‪ ،‬حممد‪" .‬اإلصالح بني الناس يف القرآن الكريم"‪ ،‬جملة تبيان للدراسات القرآنية‪ ،‬اجلمعية‬
‫العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه‪ ،‬العدد (‪1٤٣٥ ،)1٥‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬حوى‪ ،‬سعيد‪ .‬املستخلص يف تزكية األنفس‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،10‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو حيان األندليس‪ ،‬حممد بن يوسف بن عىل بن يوسف ابن حيان الغرناطي‪ .‬تفسري البحر‬
‫املحيط‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود وعيل حممد معوض‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية لبنان‪،‬‬
‫ط‪1٤1٣( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬احليدر آبادي‪ ،‬حممد محيد اهلل‪ .‬جمموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي واخلالفة الراشدة‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار النفائس‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،٦‬ه‪198٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اخلالدي‪ ،‬حمسن‪" .‬هوى النفس‪ :‬دراسة قرآنية موضوعية"‪ ،‬جملة جامعة النجاح لألبحاث‪،‬‬
‫املجلد‪٢010 ،)٤( ٢٤ :‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن عيل بن ثابت‪ .‬كتاب الفقيه واملتفقه‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل بن يوسف‬
‫العزازي‪ ،‬الرياض‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اخلفيف‪ ،‬عيل‪ .‬أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،٢‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد بن حممد‪ .‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬حقق نصه وخرج أحاديثه وعلق‬
‫عليه‪ :‬عبد اهلل حممد الدرويش‪ ،‬دمشق‪ :‬دار يعرب‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬

‫‪٣٧٦‬‬
‫‪ -‬خليل‪ ،‬عامد الدين‪ .‬العقل املسلم والرؤية احلضارية‪ ،‬الدوحة‪ :‬دار احلرمني‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤0٣‬ه‪.(198٣/‬‬
‫‪ -‬اخلملييش‪ ،‬عبد اهلادي‪ .‬السلم يف القرآن والسنة مرتكزاهتا ووسائل محايتها‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬ط‪1٤٢9( ،1‬ه‪٢008 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬اخلن‪ ،‬مصطفى سعيد‪ .‬أثر االختالف يف القواعد األصولية يف اختالف الفقهاء‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪1٤0٢( ،٣‬ه‪198٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الدارقطني‪ ،‬أبو احلسن عيل بن عمر بن أمحد‪ .‬سنن الدارقطني‪ ،‬حققه وضبط نصه وعلق عليه‪:‬‬
‫شعيب األرنؤوط وحسن عبد املنعم شلبي وعبد اللطيف حرز اهلل وأمحد برهوم‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الداعوق‪ ،‬عمر وفيق‪" .‬مؤمنو أهل الكتاب ومكانتهم يف اإلسالم"‪ ،‬جملة كلية الدراسات‬
‫اإلسالمية والعربية‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ديب‪ ،‬العدد ‪1٤18( ،1٤ :‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬سليامن بن األشعث السجستاين‪ .‬سنن أيب داود‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وكامل قره‬
‫بليل‪ ،‬بريوت‪ :‬مكتبة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٣0( ،1‬ه‪٢009/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ .‬دستور األخالق يف القرآن‪ ،‬تعريب والتحقيق والتعليق‪:‬‬
‫عبد الصبور شاهني‪ ،‬مراجعة‪ :‬السيد حممد بدوي‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،10‬‬
‫(‪1٤18‬ه‪1998/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ .‬الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ األديان‪ ،‬الكويت وبريوت‪ :‬دار القلم‬
‫والرشكة املتحدة للتوزيع والنرش‪ ،‬ط‪19٧٣ ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دراز‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ .‬مدخل إىل القرآن الكريم عرض تارخيي وحتليل مقارن‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد عبد‬
‫العظيم عيل‪ ،‬مراجعة‪ :‬السيد حممد بدوي‪ ،‬الكويت‪ :‬دار القلم‪1٤0٤( ،‬ه‪198٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬دروزة‪ ،‬حممد عزت‪ .‬التفسري احلديث‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٣8٣‬ه‪19٦٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬أبو عبد العزيز أمحد بن عبد الرحيم اهلندي (شاه ويل اهلل)‪ .‬اإلنصاف يف بيان‬
‫أسباب االختالف‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤0٦‬ه‪198٦/‬م)‪.‬‬

‫‪٣٧٧‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬أبو عبد العزيز أمحد بن عبد الرحيم اهلندي (شاه ويل اهلل)‪ .‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬حققه‬
‫وراجعه‪ :‬السيد سابق‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اجليل‪ ،‬ط‪1٤٢٦( ،1‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬أبو عبد العزيز أمحد بن عبد الرحيم اهلندي (شاه ويل اهلل)‪ .‬عقد اجليد يف أحكام‬
‫االجتهاد والتقليد‪ ،‬تقديم‪ :‬عبد اهلل السبت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عيل احللبي األثري‪ ،‬الشارقة‪ :‬دار‬
‫الفتح‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الدهلوي‪ ،‬أبو عبد العزيز أمحد بن عبد الرحيم اهلندي (شاه ويل اهلل)‪ .‬الفوز الكبري يف أصول‬
‫التفسري‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الغوثاين للدراسات القرآنية‪ ،‬ط‪1٤٢9( ،1‬ه‪٢008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الذهبي‪ ،‬أبو عبد اهلل شمس الدين حممد بن أمحد بن عثامن بن قايامز‪ .‬سري أعالم النبالء‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬جمموعة من املحققني بإرشاف شعيب األرناؤوط‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤0٥‬ه‪198٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ،‬زين الدين حممد بن أيب بكر الرازي‪ .‬خمتار الصحاح‪ ،‬حتقيق‪ :‬يوسف حممد‪ ،‬بريوت‬
‫وصيدا‪ :‬املكتبة العرصية والدار النموذجية‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،٥‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ،‬فخر الدين أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسن بن احلسني التيمي البكري‪ .‬مفاتيح‬
‫الغيب (التفسري الكبري)‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤01( ،1‬ه‪1981/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد بن الفضل‪ .‬تفسري الراغب األصفهاين‪ ،‬حتقيق‬
‫الش ِدي‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الوطن‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬ ‫ودراسة‪ :‬عادل بن عيل ِّ‬
‫‪ -‬الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد بن الفضل‪ .‬تفصيل النشأتني وحتصيل‬
‫السعادتني‪ ،‬بريوت‪ :‬دار مكتبة احلياة‪198٣ ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد بن الفضل‪ .‬الذريعة إىل مكارم الرشيعة‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أبو اليزيد أبو زيد العجمي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٢8( ،1‬ه‪٢00٧ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد بن الفضل‪ .‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫صفوان عدنان الداودي‪ ،‬بريوت ودمشق‪ :‬دار القلم والدار الشامية‪ ،‬ط‪1٤1٢ ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬ابن رشد (اجلد)‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد‪ .‬املقدمات املمهدات‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن رشد (احلفيد)‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد‪ .‬الكشف عن مناهج األدلة يف عقائد امللة‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬

‫‪٣٧8‬‬
‫‪ -‬ابن رشد (احلفيد)‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد‪ .‬بداية املجتهد وهناية املقتصد‪ ،‬رشح وحتقيق‬
‫وختريج‪ :‬عبد اهلل العبادي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن رشد (احلفيد)‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد‪ .‬فصل املقال فيام بني احلكمة والرشيعة من‬
‫االتصال‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد عامرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪( ،٢‬د‪ .‬ت‪.).‬‬

‫‪ -‬رضا‪ ،‬حممد رشيد‪ .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪،‬‬
‫‪1990‬م‪.‬‬

‫‪ -‬رضا‪ ،‬حممد رشيد‪ .‬الوحي املحمدي‪ ،‬ثبوت النبوة بالقرآن ودعوة شعوب املدينة إىل اإلسالم دين‬
‫األخوة اإلنسانية والسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة عز الدين للطباعة والنرش‪ ،‬ط‪1٤0٦ ،٣‬ه‪.‬‬

‫‪ -‬الرفاعي‪ ،‬عاطف إبراهيم املتويل‪" .‬احلكم وسياسة األمة يف القرآن الكريم‪ :‬دراسة يف التفسري‬
‫املوضوع"‪( ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة املدينة العاملية‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬ماليزيا‪،‬‬
‫‪1٤٣٦‬ه‪٢01٥/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬األساس املقاصدي للنظام اجلنائي اإلسالمي وأثره يف حفظ العدالة اإلنسانية"‪،‬‬
‫جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬ظهر مهراز‪ ،‬فاس املغرب‪ ،‬العدد‪٢009 ،)1٦( :‬م‪.‬‬

‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬اجلدل واملناظرة‪ :‬أصول وضوابط‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٣0( ،1‬ه‪٢009/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬جدلية الربط بني السلب واإلجياب يف مفهوم العدالة من خالل كليات رسائل‬
‫النور"‪ ،‬كتاب‪ :‬العدالة ألجل عامل أفضل لإلنسانية‪ ،‬املؤمتر العاملي للنوريس‪ ،‬استانبول‪ :‬مؤسسة‬
‫ستانبول للثقافة والعلوم‪ ،‬ط‪1٤٢8( ،1‬ه‪٢00٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬ضوابط تدبري االختالف مع اآلخر يف أصول الراث اإلسالمي"‪ ،‬جملة إسالمية‬
‫املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪،٥٢ :‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬منهج القرآن يف بناء املشرك اإلنساين"‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي للفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد (‪٢011 ،)٦٦‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬النظر الرشعي يف بناء االئتالف وتدبري االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية حتليلية‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٣٣( ،1‬ه‪٢01٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪ .‬النظر املقاصدي رؤية تنزيلية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٣1( ،1‬ه‪٢010/‬م)‪.‬‬

‫‪٣٧9‬‬
‫‪ -‬رفيع‪ ،‬حمامد‪" .‬ضوابط تدبري االختالف مع اآلخر يف أصول الراث اإلسالمي"‪ ،‬جملة إسالمية‬
‫املعرفة‪ ،‬هريندن‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد‪،)٥٢( :‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬األمة هي األصل مقاربة تأصيلية لقضايا الديمقراطية‪ ،‬حرية التعبري‪ ،‬الفن‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬الشبكة العربية لألبحاث والنرش‪ ،‬ط‪٢01٢ ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬الكليات األساسية للرشيعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكلمة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٣٤‬ه‪٢01٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬مقاصد املقاصد‪ :‬الغايات العلمية والعملية ملقاصد الرشيعة‪ ،‬بريوت‪ :‬الشبكة‬
‫العربية لألبحاث والنرش ومركز املقاصد للدراسات والبحوث‪ ،‬ط‪٢01٣ ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الريسوين‪ ،‬أمحد‪ .‬نظرية املقاصد عند الشاطبي‪ ،‬بريوت‪ :‬الدار العاملية للكتاب اإلسالمي‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤1٢‬ه‪199٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬حممد بن حممد املرتىض‪ .‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من‬
‫املحققني‪ ،‬الكويت‪ :‬دار اهلداية للطباعة والنرش والتوزيع‪19٦٥ ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزحييل‪ ،‬حممد مصطفى‪ .‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف املذاهب األربعة‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪ 1٤٢٧( ،1‬ه‪٢00٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الزرقا‪ ،‬أمحد‪ .‬رشح القواعد الفقهية‪ ،‬صححه وعلق عليه‪ :‬مصطفى أمحد الزرقا‪ ،‬دمشق‪ :‬دار‬
‫القلم‪ ،‬ط‪1٤09( ،٢‬ه‪1989/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزركيش‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬بدر الدين حممد بن هبادر بن عبد اهلل الزركيش‪ .‬املنثور يف القواعد الفقهية‪،‬‬
‫الكويت‪ :‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،٢‬ه‪198٥/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزركيش‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬بدر الدين حممد بن هبادر بن عبد اهلل‪ .‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬بريوت والقاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العربية ومطبعة عيسى البايب‬
‫احللبي ورشكائه‪ ،‬ط‪1٣٧٦( ،1‬ه‪19٥٧/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزخمرشي‪ ،‬جار اهلل أبو القاسم حممود بن عمر‪ .‬أساس البالغة‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد باسل عيون السود‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤19( ،1‬ه‪1998/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزخمرشي‪ ،‬جار اهلل أبو القاسم حممود بن عمر‪ .‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪،‬‬

‫‪٣80‬‬
‫وخرج أحاديثه وع ّلق عليه‪ :‬خليل مأمون شيحا‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫َّ‬ ‫اعتنى به‬
‫(‪1٤٣0‬ه‪٢009/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن أيب زمنني‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل بن عيسى املري‪ .‬تفسري القرآن العزيز‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد اهلل بن حسني عكاشة‪ ،‬وحممد بن مصطفى الكنز‪ ،‬القاهرة‪ :‬الفاروق احلديثة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٣‬ه‪٢00٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬تاريخ اجلدل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر العريب‪ ،‬ط‪1980 ،٢‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬زهرة التفاسري‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬املجتمع اإلنساين يف ظل اإلسالم‪ ،‬جدة‪ :‬الدار السعودية‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤01‬ه‪1981/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ .‬نظرية احلرب يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬املجلس األعىل للشؤون اإلسالمية‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬اخلالف يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤08‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬السنن اإلهلية يف األمم واجلامعات واألفراد يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الزيلعي‪ ،‬فخر الدين عثامن بن عيل الزيلعي‪ .‬تبيني احلقائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬القاهرة‪ :‬املطبعة‬
‫الكرى األمريية‪ ،‬بوالق‪ ،‬ط‪1٣1٣ ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬زين‪ ،‬سفري حممد‪" .‬آيات التوبة يف القرآن الكريم‪ :‬دراسة موضوعية"‪( ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة‬
‫املدينة العاملية‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬ماليزيا‪1٤٣٣ ،‬ه‪٢01٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الزين‪ ،‬حممود أمحد‪ .‬حوار القرآن مع املخالفني‪ :‬أصوله وأساليبه‪ ،‬التدقيق اللغوي‪ :‬رشوق حممد‬
‫سلامن‪ ،‬إخراج‪ :‬حميي الدين حسني يوسف‪ ،‬ديب‪ :‬دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخلريي‪،‬‬
‫إدارة البحوث‪ .‬ط‪1٤٣٢( ،1‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬سامل‪ ،‬عطية حممد‪ .‬موقف األمة من اختالف األئمة‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬دار اجلوهرة‪ ،‬ط‪1٤٢٦ ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬السبحاين‪ ،‬جعفر‪ .‬اإلهليات عىل هدى الكتاب والسنة والعقل‪ ،‬حترير‪ :‬حسن حممد العاميل‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬الدار اإلسالمية للطباعة والنرش‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬

‫‪٣81‬‬
‫‪ -‬السخيس‪ ،‬أبو بكر شمس األئمة حممد بن أمحد بن سهل‪ .‬املبسوط‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪،‬‬
‫(‪1٤1٤‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬السعدي‪ ،‬عبد الرمحن بن نارص‪ .‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد الرمحن بن معال اللوحيق‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،1‬ه‪٢000/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو السعود‪ ،‬حممد بن حممد بن مصطفى العامدي‪ .‬إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد القادر أمحد عطا‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرياض احلديثة‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬سعيد‪ ،‬جودت‪ .‬مذهب ابن آدم األول مشكلة العنف يف العمل اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‬
‫املعارص‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،٥‬ه‪199٣ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم بن سالم اهلروي األزدي‪ .‬األجناس من كالم العرب وما اشتبه‬
‫يف اللفظ واختلف يف املعنى‪ ،‬تصحيح‪ :‬امتياز عيل عريش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الرائد العريب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤0٣‬ه‪198٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سالم‪ ،‬حييى بن سالم بن أيب ثعلبة‪ .‬التصاريف تفسري القرآن مما اشتبهت أسامؤه وترصفت‬
‫معانيه‪ ،‬قدمت له وحققته‪ :‬هند شلبي‪ ،‬عامن‪ :‬مؤسسة آل البيت امللكية للفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫(‪1٤٢9‬ه‪٢008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سليامن‪ ،‬أبو احلسن مقاتل بن سليامن البلخي‪ .‬تفسري مقاتل‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد فريد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬السمرقندي‪ ،‬أبو الليث نرص بن حممد بن أمحد بن إبراهيم‪ .‬بحر العلوم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود مطرجي‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬السمعاين‪ ،‬أبو املظفر منصور بن حممد بن عبد اجلبار ابن أمحد املروزى‪ .‬تفسري القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو‬
‫بالل غنيم بن عباس بن غنيم‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الوطن‪ ،‬ط‪1٤18( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬السمني احللبي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن يوسف بن عبد الدايم‪ .‬عمدة احلفاظ يف تفسري أرشف‬
‫األلفاظ‪ ،‬معجم لغوي أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد باسل عيون السود‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٧( 1‬هـ‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد‪ .‬معجم مقاليد العلوم يف احلدود‬
‫والرسوم‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اآلداب‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‪ .‬الدر املنثور يف التفسري باملأثور‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪. ،‬‬

‫‪٣8٢‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‪ .‬واملحيل‪ ،‬جالل الدين حممد بن أمحد‪ .‬تفسري‬
‫اجلاللني‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار احلديث‪ ،‬ط‪( ،1‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‪ .‬صون املنطق والكالم عن فني املنطق والكالم‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عىل سامي النشار وسعاد عيل عبد الرزاق‪ ،‬القاهرة‪ :‬سلسلة إحياء الراث اإلسالمي‪،‬‬
‫جممع البحوث اإلسالمية‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي‪ .‬االعتصام‪ ،‬ضبطه‬
‫وصححه‪ :‬أمحد عبد الشايف‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي‪ .‬املوافقات يف أصول‬
‫وخرج أحاديثه‪ :‬عبد اهلل دراز‪ ،‬وضع ترامجه‪ :‬حممد عبد اهلل دراز‪ ،‬خرج‬
‫َّ‬ ‫الرشيعة‪ ،‬رشحه‬
‫آياته وفهرس موضوعاته‪ :‬عبد السالم عبد الشايف حممد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤11‬ه‪1991/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الشاعر‪ ،‬أمحد عبد احلميد‪ .‬القرآن الكريم يف مواجهة املاديني امللحدين‪ ،‬الكويت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤0٢‬ه‪198٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الشافعي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املطلبي‪ .‬الرسالة‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد شاكر‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة احللبي‪ ،‬ط‪1٣٥8( ،1‬ه‪19٤0/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الشافعي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إدريس‪ .‬األم‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪1٤10( ،‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الرشبيني‪ ،‬شمس الدين حممد بن أمحد اخلطيب‪ .‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،1‬ه‪199٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬شعث‪ ،‬هتاين جر‪" .‬ألفاظ اجلهاد يف القرآن‪ :‬دراسة داللية"‪( ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة األزهر‪،‬‬
‫غزة‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية (‪1٤٣٢‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬
‫وخرج أحاديثه‪ :‬أمحد عمر هاشم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬الشعراوي‪ ،‬حممد متويل‪ .‬تفسري (اخلواطر)‪ ،‬راجع أصله‬
‫القاهرة‪ :‬أخبار اليوم‪ ،‬قطاع الثقافة والكتب واملكتبات‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني‪ .‬آداب البحث واملناظرة‪ ،‬حتقيق‪ :‬سعود العريفي‪ ،‬الرياض وجدة‪ :‬دار‬
‫عامل الفوائد وجممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤٢٦ ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬حممد أمني‪ .‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٥‬ه‪199٥/‬م)‪.‬‬

‫‪٣8٣‬‬
‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني‪ .‬مذكرة يف أصول الفقه‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬ط‪،٥‬‬
‫‪٢001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الشهرستاين‪ ،‬أبو الفتح حممد بن عبد الكريم‪ .‬امللل والنحل‪ ،‬صححه وع ّلق عليه أمحد فهمي‬
‫حممد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،٢‬ه‪199٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن عيل‪ .‬إرشاد الثقات إىل اتفاق الرشائع عىل التوحيد واملعاد والنبوات‪،‬‬
‫صححه وضبطه‪ :‬جمموعة من العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤0٤‬ه‪198٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن عيل‪ .‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ ،‬دمشق‬
‫وبريوت‪ :‬دار ابن كثري ودار الكلم الطيب‪ ،‬ط‪1٤1٤ ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬الشريازي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن عيل بن يوسف‪ .‬املهذب يف فقه الشافعي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الصغري‪ ،‬عبد املجيد‪ .‬فقه ورشعية االختالف يف اإلسالم‪ ،‬مراجعات نقدية يف املفاهيم‬
‫واملصطلحات الكالمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار رؤية‪ ،‬ط‪٢011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬صليبا‪ ،‬مجيل‪ .‬املعجم الفلسفي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب اللبناين‪1٤0٢( ،‬ه‪198٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الصنعاين‪ ،‬أبو بكر عبد الرزاق بن مهام بن نافع احلمريي‪ .‬مصنف عبد الرزاق‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب‬
‫الرمحن األعظمي‪ ،‬سيمالك داهبيل (اهلند)‪ :‬املجلس العلمي‪ ،‬ط‪1٤0٣ ،٢‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬الصنعاين‪ ،‬عبد الرزاق بن اهلامم‪ .‬تفسري القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى مسلم حممد‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1989 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الصنعاين‪ ،‬حممد بن إسامعيل بن صالح بن حممد الكحالين‪ .‬التنوير رشح اجلامع الصغري للسيوطي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد إسحاق حممد إبراهيم‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،1‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن أيب طالب‪ ،‬عيل ‪ ،I‬هنج البالغة‪ ،‬مجعه ونسق أبوابه‪ :‬الرشيف الريض‪ ،‬رشحه وضبط‬
‫نصوصه‪ :‬حممد عبده‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة املعارف‪ ،‬ط‪1410( ،1‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬طبارة‪ ،‬عفيف عبد الفتاح‪ .‬روح الدين اإلسالمي عرض وحتليل ألصول اإلسالم وآدابه وأحكامه‬
‫حتت ضوء العلم والفلسفة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪1993 ،28‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الطباطبائي‪ ،‬حممد حسني‪ .‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬صححه وأرشف عىل طباعته‪ :‬حسني األعلمي‪،‬‬

‫‪٣8٤‬‬
‫بريوت‪ :‬منشورات مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬ط‪1417( ،1‬ه‪1997/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الطراين‪ ،‬أبو القاسم سليامن بن أمحد بن أيوب‪ .‬املعجم الكبري‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي بن عبد املجيد‬
‫السلفي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬ط‪( ،2‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الطربي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الراث‪ ،‬ط‪1387 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬الطري‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬حممد بن جرير‪ .‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد شاكر‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ 1420( ،1‬ه‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة األزدي‪ .‬رشح مشكل اآلثار‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب‬
‫األرنؤوط‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1415( ،1‬ه‪1494/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الطريقي‪ ،‬عبد اهلل بن إبراهيم‪ .‬التعامل مع غري املسلمني‪ :‬أصول معاملتهم واستعامهلم‪ ،‬دراسة‬
‫فقهية‪ ،‬سلسلة الرسائل اجلامعية (‪ ،)47‬القاهرة والرياض‪ :‬دار اهلدي النبوي و دار الفضيلة‪،‬‬
‫ط‪1428( ،1‬ه‪2007/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬طه‪ ،‬عبد املجيد‪" .‬وسطية اإلسالم‪ :‬تتميم وتكميل‪ ،‬ال إقصاء وال هتديم"‪ ،‬جملة األمة الوسط‪،‬‬
‫العدد‪2009 ،)1( :‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عاشور‪ ،‬عبد الفتاح‪ .‬منهج القرآن يف تربية املجتمع‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اخلانجي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1399‬ه‪1979/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر ابن عاشور‪ .‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬تونس واجلزائر‪:‬‬
‫الرشكة التونسية للتوزيع واملؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر ابن عاشور‪ .‬التحرير والتنوير‪ ،‬تونس‪ :‬الدار التونسية‪ ،‬ط‪1984 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر ابن عاشور‪ .‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬حتقيق ودراسة‪ :‬حممد الطاهر‬
‫امليساوي‪ ،‬األردن‪ ،‬عامن‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪1421( ،2‬ه‪2001/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬العامري‪ ،‬أبو املكارم نجم الدين حممد بن حممد بن حممد الغزي‪ .‬رسالة يف الكالم عىل آية األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬حققها وضبطها وعلق عليها‪ :‬نشأت بن كامل املرصي‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫املكتبة اإلسالمية‪ ،‬ط‪1426( ،1‬ه‪2005/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الباقي‪ ،‬حممد فؤاد‪ .‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار احلديث ودار‬
‫الكتب املرصية‪1364 ،‬ه‪.‬‬

‫‪٣8٥‬‬
‫‪ -‬ابن عبد الر‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد‪ .‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬مصطفى بن أمحد العلوي وحممد عبد الكبري البكري‪ ،‬الرباط‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ط‪1387 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬ابن عبد الر‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد‪ .‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو األشبال‬
‫الزهريي‪ ،‬الرياض‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪1414( ،1‬ه‪1994/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عبد احلميد‪ ،‬أمحد خمتار‪ .‬املعجم املوسوعي أللفاظ القرآن الكريم وقراءاته‪ ،‬بمساعدة فريق عمل‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬مؤسسة سطور املعرفة‪ ،‬ط‪1423( ،1‬ه‪2002/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عبد احلميد‪ ،‬أمحد خمتار‪ .‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬بمساعدة فريق عمل‪ ،‬القاهرة‪ :‬عامل‬
‫الكتب‪ ،‬ط‪1429( ،1‬ه‪2008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬تعدد القيم‪ :‬ما مداها؟ وما حدودها؟‪ ،‬مراكش‪ :‬املطبعة الورقية الوطنية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬
‫ط‪2005 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬احلق العريب يف االختالف الفلسفي‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫‪٢00٦‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬روح الدين‪ :‬من ضيق العلامنية إىل سعة االئتامنية‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف‬
‫العريب‪ ،‬ط‪٢01٢ ،٢‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬سؤال األخالق مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪:‬‬
‫املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪٢000 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬اللسان وامليزان أو التكوثر العقيل‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ .‬يف أصول احلوار وجتديد علم الكالم‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫‪٢000‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن عبد السالم‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم السلمي الدمشقي‪ .‬تفسري القرآن‬
‫(اختصار النكت والعيون للاموردي)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن إبراهيم الوهبي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن‬
‫حزم‪1٤1٦( ،‬ه‪199٦ /‬م)‪.‬‬

‫‪٣8٦‬‬
‫‪ -‬ابن عبد السالم‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم السلمي الدمشقي‪ .‬قواعد‬
‫األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الكليات‬
‫األزهرية‪1٤1٤( ،‬ه‪1991/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عبده‪ ،‬حممد‪ .‬األعامل الكاملة‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عامرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،1‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عبده‪ ،‬حممد‪ .‬رسالة التوحيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عامرة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٤‬ه‪199٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو عبيد‪ ،‬معمر بن املثنى التيمي‪ .‬جماز القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد سزكني‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫اخلانجي‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬ابن العريب‪ ،‬أبو بكر حممد بن عبد اهلل بن حممد املعافري اإلشبييل املالكي‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬راجع‬
‫أصوله وخرج أحاديثه وعلق عليه‪ :‬حممد عبد القادر عطا‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤٢٤‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن عرفة‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد الورغمي‪ .‬تفسري ابن عرفة‪ ،‬حتقيق‪ :‬جالل السيوطي‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪٢008 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو عرة‪ ،‬نبيه أمحد حسن‪" .‬املعاملة باملثل يف القرآن الكريم"‪( ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة النجاح‬
‫الوطنية كلية الدراسات العليا‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطني‪٢01٢ ،‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن أيب العز احلنفي‪ ،‬عيل بن عيل بن حممد بن أيب العز احلنفي الدمشقي‪ .‬رشح العقيدة‬
‫الطحاوية‪ ،‬حتقيق‪ :‬مجاعة من العلامء‪ ،‬ختريج‪ :‬نارص الدين األلباين‪ ،‬بريوت‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٦‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عزام‪ ،‬عبد الوهاب‪ .‬أخالق القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة النور‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬العسكري‪ ،‬أبو هالل احلسن بن عبد اهلل بن سهل بن سعيد بن حييى بن مهران‪ .‬الفروق اللغوية‪،‬‬
‫حتقيق وتعليق‪ :‬حممد إبراهيم سليم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار العلم والثقافة‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬عرص‪ ،‬صبحي عبد الرؤوف‪ .‬املعجم املوضوعي آليات القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفضيلة‪،‬‬
‫(د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬عطية‪ ،‬مجال الدين‪ .‬نحو تفعيل مقاصد الرشيعة‪ ،‬هرندن ودمشق‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‬
‫ودار الفكر‪1٤٢٤( ،‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ .‬اإلنسان يف القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬هنضة مرص‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬

‫‪٣8٧‬‬
‫‪ -‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ .‬الفلسفة القرآنية؛ كتاب عن مباحث الفلسفة الروحية واالجتامعية التي‬
‫وردت موضوعاهتا يف الكتاب الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار هنضة مرص‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬العقاد‪ ،‬عباس حممود‪ .‬موسوعة العقاد اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪،‬‬
‫(‪1٣91‬ه‪19٧1/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عالل الفايس‪ ،‬عالل بن عبد الواحد بن عبد السالم الفايس الفهري‪ .‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‬
‫ومكارمها‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1991 ،٥‬م‪.‬‬
‫‪ -‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ .‬أدب االختالف يف اإلسالم‪ ،‬سلسلة قضايا الفكر اإلسالمي (‪ ،)٢‬هريندن‪:‬‬
‫املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪1٤1٣( ،‬ه‪199٢/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ .‬األزمة الفكرية ومناهج التغيري‪ ،‬قضايا إسالمية معارصة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫اهلادي‪ ،‬ط‪1٤٢٤( ،1‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪ .‬التعددية أصول ومراجعات بني االستتباع واإلبداع‪ ، ،‬سلسلة أبحاث علمية‬
‫(‪ ،)11‬القاهرة‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬العلواين‪ ،‬طه جابر‪" .‬مفاهيم القرآن وحتديد مهام األنبياء"‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬العدد (‪1٤٢٤( ،)٣٤-٣٣‬ه‪٢00٣ /‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عيل‪ ،‬أبو احلسني زيد‪ .‬تفسري غريب القرآن املجيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد يوسف الدين‪ ،‬حيدر أباد‪:‬‬
‫مؤسسة تاج يوسف‪ ،‬ط‪1٤٢٢( ،1‬ه‪.(٢001 /‬‬

‫‪ -‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬اإلسالم واآلخر من يعرتف بمن؟‪ ...‬ومن ينكر من؟‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الرشوق‬
‫الدولية‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،٣‬ه‪٢00٢ /‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬اإلسالم والتعددية‪ :‬االختالف والتنوع يف إطار الوحدة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشاد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤18‬ه‪1998/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬احلضارات العاملية تدافع؟ أم رصاع؟ القاهرة‪ :‬دار هنضة مرص‪ ،‬ط‪ ،1‬يف التنوير‬
‫اإلسالمي (‪1998 ،)٢٤‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬معامل املنهج اإلسالمي‪ ،‬سلسلة املنهجية اإلسالمية (‪ ،)٣‬القاهرة وهريندن‪ :‬املعهد‬
‫العاملي للفكر اإلسالمي ودار الرشوق‪ ،)٣( ،‬ط‪1٤11( ،1‬ه‪1991/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عامرة‪ ،‬حممد‪ .‬هذا هو اإلسالم (‪ ،)3‬احرتام املقدسات‪ ،‬خريية األمة‪ :‬رشوط مكتسبة ال عنرصية‬

‫‪٣88‬‬
‫موروثة‪ ،‬عوامل تفوق اإلسالم‪ :‬شهادة غربية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الرشوق الدولية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٦‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬العمري‪ ،‬أكرم ضياء‪ .‬املجتمع املدين يف عهد النبوة‪ ،‬خصائصه وتنظيامته األوىل‪ ،‬حماولة لتطبيق‬
‫قواعد املحدثني يف نقد الروايات التارخيية‪ ،‬املدينة املنورة‪ :‬املكتبة العربية السعودية‪ ،‬اجلامعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬املجلس العلمي‪ ،‬إحياء الراث اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪198٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عوامة‪ ،‬حممد‪ .‬أدب االختالف يف مسائل العلم والدين‪ ،‬بريوت‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٤18‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬العيني‪ ،‬بدر الدين أبو حممد حممود بن أمحد بن موسى بن أمحد‪ ،‬العيني احلنفي‪ .‬عمدة القاري يف‬
‫رشح صحيح البخاري‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الراث العريب‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الغرباوي‪ ،‬ماجد‪ .‬إشكالية التجديد‪ ،‬كتاب قضايا إسالمية معارصة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار اهلادي‪ ( ،‬د‪.‬‬
‫ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ومعه املغني عن محل األسفار‬
‫يف األسفار يف ختريج ما يف اإلحياء من األخبار‪ ،‬للعراقي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٦‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬االقتصاد يف االعتقاد‪ ،‬رشح وحتقيق وتعليق‪ :‬إنصاف‬
‫رمضان‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار قتيبة‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،1‬ه‪٢00٣ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬أهيا الولد‪ ،‬تقديم وحتقيق وفهرسة‪ :‬مجيل إبراهيم‬
‫حبيب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار القادسية‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬جواهر القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رشيد رضا القباين‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار إحياء العلوم‪ ،‬ط‪1٤11( ،٣‬ه‪1990 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد‬
‫سليامن األشقر‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬القسطاس املستقيم‪ ،‬قدَّ م له وذ َّيله وأعاد حتقيقه‪:‬‬
‫فيكتور شلحت‪ ،‬بريوت‪ :‬منشورات دار الرشوق‪ ،‬ط‪198٣ ،٢‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬معارج القدس يف مدارج معرفة النفس‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٦( ،1‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬

‫‪٣89‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬املنخول من تعليقات األصول‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حسن‬
‫هيتو‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1٤00( ،٢‬ه‪1980 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الطويس‪ .‬املنقذ من الضالل‪ ،‬حققه وقدم له‪ :‬حممود بيجو‪،‬‬
‫راجعه‪ :‬حممد سعيد رمضان البوطي وعبد القادر األرناؤوط‪( ،‬د‪ .‬م)‪( :‬د‪ .‬ن)‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬حممد‪ .‬كيف نتعامل مع القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬هنضة مرص‪ ،‬ط‪٢00٥ ،٧‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬حممد‪ .‬املحاور اخلمسة للقرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار هنضة مرص‪ ،‬ط‪( ،1‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬الغزي‪ ،‬حممد أبو احلارث‪ .‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٤‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬أبو احلسني أمحد بن فارس بن زكريا‪ .‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم‬
‫هارون‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪1٣99( ،‬ه‪19٧9/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الفراء‪ ،‬حييى بن زياد بن عبد اهلل بن منظور الديلمي‪ .‬معاين القرآن‪ ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤0٣‬ه‪198٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الفراهي‪ ،‬عبد احلميد الفراهي اهلندي‪ .‬مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية‪ ،‬حتقيق‬
‫ورشح‪ :‬حممد أمجل أيوب اإلصالحي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪٢00٢ ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفراهيدي‪ ،‬اخلليل بن أمحد بن عمرو بن تيم األزدي‪ .‬كتاب العني‪ ،‬حتقيق‪ :‬مهدي املخزومي‬
‫وإبراهيم السامرائي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ومكتبة اهلالل‪ ( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬ابن الفرس‪ ،‬أبو حممد عبد املنعم بن عبد الرحيم اخلزرجي‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬منجية بنت‬
‫اهلادي النفري‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٢٧( ،1‬ه‪٢00٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الفسوي‪ ،‬أبو عبد اهلل يعقوب بن سفيان بن جوان الفاريس‪ .‬املعرفة والتاريخ‪ ،‬حتقيق‪ :‬أكرم ضياء‬
‫العمري‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1٤01( ،٢‬ه‪1981/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬فضل اهلل‪ ،‬حممد حسني‪ .‬تفسري من وحي القرآن‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املالك‪ ،‬ط‪1٤19( ،٢‬ه‪1998/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬فضل اهلل‪ ،‬حممد حسني‪ .‬احلوار يف القرآن‪ :‬قواعده‪ ،‬أساليبه‪ ،‬معطياته‪ ،‬بريوت‪ :‬دار التعارف‬
‫للمطبوعات‪ ،‬ط‪1٤0٧( ،٥‬ه‪198٧ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن فورك‪ ،‬أبو بكر حممد بن احلسن‪ .‬جمرد مقاالت أيب احلسن األشعري‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد عبد الرحيم‬
‫السايح‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬ط‪1٤٢٧( ،٢‬ه‪٢00٦/‬م)‪.‬‬

‫‪٣90‬‬
‫‪ -‬فوكوياما‪ ،‬فرانسيس‪ .‬هناية التاريخ واإلنسان األخري‪ ،‬ترمجة‪ :‬فؤاد شاهني ومجيل قاسم ورضا الشايبي‪،‬‬
‫اإلرشاف واملراجعة والتقديم‪ :‬مطاع صفدي‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز اإلنامء القومي‪199٣ ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفريوز آبادي‪ ،‬جمد الدين أبو طاهر حممد بن يعقوب بن حممد‪ .‬القاموس املحيط‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب‬
‫العرقسويس‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حتقيق الراث يف مؤسسة الرسالة‪ ،‬إرشاف‪ :‬حممد نعيم‬
‫ط‪1٤٢٦( ،8‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الفريوز آبادي‪ ،‬جمد الدين أبو طاهر حممد بن يعقوب بن حممد‪ .‬بصائر ذوي التمييز يف لطائف‬
‫الكتاب العزيز‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عيل النجار‪ ،‬القاهرة‪ :‬وزارة األوقاف‪ ،‬املجلس األعىل للشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬جلنة إحياء الراث اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤1٦( ،٣‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الفيومي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد بن عيل‪ .‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫املكتبة العلمية‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬القاسمي‪ ،‬حممد مجال الدين‪ .‬دالئل التوحيد‪ ،‬صححه وضبطه‪ :‬جمموعة من العلامء إرشاف‬
‫النارش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،1‬ه‪198٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القايض النعامن‪ ،‬أبو حنيفة النعامن بن أيب عبد اهلل حممد بن منصور التميمي‪ .‬اختالف أصول‬
‫املذاهب‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى غالب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار األندلس‪ ،‬ط‪198٣ ،٣‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القايض عبد اجلبار‪ ،‬عبد اجلبار بن أمحد بن عبد اجلبار‪ .‬رشح األصول اخلمسة‪ ،‬تعليق‪ :‬أمحد‬
‫بن احلسني بن أيب هاشم‪ ،‬حققه وقدم له‪ :‬عبد الكريم عثامن‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤1٦‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫ِ‬
‫بفوائد‬ ‫‪ -‬القايض عياض‪ ،‬أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي‪ .‬إكامل املعلم‬
‫مسلم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حييى إسامعيل‪ ،‬املنصورة‪ :‬دار الوفاء للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤19( ،1‬ه‪/‬‬
‫‪1998‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬قاعود‪ ،‬حييى سعيد حممد‪" .‬طروحات فوكوياما وهانتنغتون والنظام العاملي اجلديد‪ :‬دراسة‬
‫حتليلية مقارنة"‪( ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية‪ ،‬جامعة األزهر‪ ،‬غزة‪،‬‬
‫(‪1٤٣٥‬ه‪٢01٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القحطاين‪ ،‬حممد بن سعيد‪ .‬من مفاهيم عقيدة السلف الصالح‪ :‬الوالء والرباء يف اإلسالم‪ ،‬مكة‬
‫املكرمة والرياض‪ :‬دار طيبة‪ ،‬ط‪1٤1٣ ،٦‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬القرايف‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن‪ .‬الفروق «أنوار الربوق يف أنواء‬

‫‪٣91‬‬
‫الفروق»‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬مركز الدراسات الفقهية واالقتصادية حممد أمحد رساج وعيل مجعة‬
‫حممد‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪1٤٢1( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬االجتهاد يف الرشيعة اإلسالمية مع نظرات حتليلية يف االجتهاد املعارص‪،‬‬
‫الكويت والقاهرة‪ :‬دار القلم للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،1‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪" .‬االفتتاحية"‪ ،‬جملة األمة الوسط‪ ،‬االحتاد العاملي لعلامء املسلمني‪ ،‬العدد (‪،)1‬‬
‫السنة (‪٢009 ،)1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬الصحوة اإلسالمية ومهوم الوطن العريب واإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫وهبة‪ ،‬ط‪1٤1٧( ،٢‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬العقل والعلم يف القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤1٦‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬غري املسلمني يف املجتمع اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤1٣‬ه‪199٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬كيف نتعامل مع القرآن العظيم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤٢1‬ه‪٢000/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ .‬املسلمون والعوملة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار التوزيع والنرش اإلسالمية‪٢000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر القرطبي‪ .‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬هشام‬
‫سمري البخاري‪ ،‬الرياض‪ :‬دار عامل الكتب‪1٤٢٣( ،‬ه‪٢00٣ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القرين‪ ،‬عيل بن عبد اهلل‪" .‬منهج القرآن الكريم يف الرد عىل املخالف يف مسائل االعتقاد"‪ ،‬جملة‬
‫تبيان للدراسات القرآنية‪ ،‬اجلمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه‪ ،‬العدد‪،)1٥( :‬‬
‫‪1٤٣٥‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ ،‬سيد‪ .‬العدالة االجتامعية يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤1٣( ،1٣‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ ،‬سيد‪ .‬يف ظالل القرآن‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،٣٢‬ه‪٢00٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ ،‬سيد‪ .‬معامل يف الطريق‪ ،‬القاهرة والرياض‪ :‬دار الرشوق ووزارة املعارف‪ /‬املكتبات‬
‫املدرسية‪ ،‬ط‪1٣99( ،٦‬ه‪19٧9/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬قطب‪ ،‬حممد‪ .‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،1٤‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬

‫‪٣9٢‬‬
‫‪ -‬قلجة‪ ،‬ميساء كامل‪" .‬البناء العقيل يف ضوء القرآن الكريم‪ :‬دراسة موضوعية"‪( ،‬رسالة ماجستري‪،‬‬
‫اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬غزة‪1٤٣0 ،‬ه‪٢009/‬م)‪. .‬‬
‫‪ -‬قميحة‪ ،‬جابر‪ .‬املدخل إىل القيم اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب املرصي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤0٤‬ه‪198٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬قميحة‪ ،‬جابر‪ .‬املعارضة يف اإلسالم بني النظرية والتطبيق‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار اجلالء‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القنوجي‪ ،‬صديق بن حسن بن عيل احلسيني البخاري‪ .‬العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬ابن بسيوين زغلول‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤08( ،٢‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬القييس‪ ،‬عبد احلميد‪" .‬الرهان واستدالالته يف القرآن"‪ ،‬جملة كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬العدد‪:‬‬
‫(‪1٤٢8( ،)1٦‬ه‪٢00٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬دراسة وحتقيق‪:‬‬
‫طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤٢٣( ،٢‬ه‪٢00٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪،‬‬
‫دراسة وحتقيق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الكليات األزهرية‪1٣88( ،‬ه‪19٦8/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬األمثال يف القرآن‪ ،‬دراسة وحتقيق‪:‬‬
‫نارص بن سعد الرشيد‪ ،‬مكة املكرمة‪ :‬مطابع الصفا‪ ،‬ط‪1٤0٢( ،٢‬ه‪198٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪،‬‬
‫بريوت والكويت‪ :‬مؤسسة الرسالة ومكتبة املنار اإلسالمية‪ ،‬ط‪1٤1٥( ،٢٧‬ه‪199٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر‬
‫واحلكمة والتعليل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بدر الدين احللبي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪1٣98( ،‬ه‪19٧8/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬الصواعق املرسلة يف الرد عىل اجلهمية‬
‫واملعطلة‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬عيل بن حممد الدخيل اهلل‪ ،‬الرياض‪ :‬دار العاصمة‪ ،‬ط‪1٤08 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬الطرق احلكمية يف السياسة‬
‫الرشعية‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد مجيل غازي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة املدين‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬مدارج السالكني بني منازل‬
‫إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد املعتصم باهلل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪،٣‬‬
‫(‪1٤1٦‬ه‪199٦/‬م)‪.‬‬

‫‪٣9٣‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب الدمشقي‪ .‬هداية احليارى يف أجوبة اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ابن زيدون‪ ،‬ط‪1٤10( ،1‬ه‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء عامد الدين إسامعيل بن عمر بن كثري الدمشقي‪ .‬البداية والنهاية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل‬
‫شريي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الراث العريب‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء عامد الدين إسامعيل بن عمر بن كثري الدمشقي‪ .‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫سامي بن حممد سالمة‪ ،‬بريوت والرياض‪ :‬دار طيبة للنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،٢‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الكواكبي‪ ،‬عبد الرمحن‪ .‬طبائع االستبداد ومصارع االستعباد‪ ،‬تقديم‪ :‬أسعد السحمراين‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار النفائس‪ ،‬ط‪1٤٢٧( ،٣‬ه‪٢00٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الكيا اهلرايس‪ ،‬عامد الدين عيل بن حممد‪ .‬أحكام القرآن‪ ،‬ضبطه وصححه‪ :‬مجاعة من العلامء‬
‫بإرشاف النارش‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1٤0٣( ،1‬ه‪198٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ .‬فلسفة الرتبية اإلسالمية‪ :‬دراسة مقارنة بني فلسفة الرتبية اإلسالمية‬
‫والفلسفات الرتبوية املعارصة‪ ،‬مكة املكرمة وجدة‪ :‬مكتبة املنارة ودار املنارة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤0٧‬ه‪198٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪ .‬مناهج الرتبية اإلسالمية واملربون العاملون فيها‪ ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪،‬‬
‫ط‪1٤1٦( ،1‬ه‪199٥ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬البوم‪ ،‬جول‪ .‬تفصيل آيات القرآن احلكيم‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة عيسى‬
‫البايب احللبي‪ ،‬ط‪1٣٤٢( ،1‬ه‪19٢٤ /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬لوبون‪ ،‬جوستاف‪ .‬حضارة العرب‪ ،‬ترمجة‪ :‬عادل زعير‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة هنداوي للتعليم‬
‫والثقافة‪٢01٣ ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد الربعي القزويني‪ .‬سنن ابن ماجه‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬فيصل عيسى البايب احللبي‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬املازري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عيل بن عمر‪ .‬املعلم بفوائد مسلم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الشاذيل النيفر‪،‬‬
‫تونس واجلزائر‪ :‬الدار التونسية للنرش واملؤسسة الوطنية للرمجة والتحقيق والدراسات (بيت‬
‫احلكمة) واملؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪1988 ،٢‬م‪.‬‬
‫‪ -‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد‪ .‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد كريم راجح‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫إقرأ‪ ،‬ط‪1٤0٥( ،٤‬ه‪198٥/‬م)‪.‬‬

‫‪٣9٤‬‬
‫‪ -‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد‪ .‬أعالم النبوة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤0٦‬ه‪198٦/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬املرد‪ ،‬أبو العباس حممد بن يزيد‪ .‬ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن املجيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد‬
‫حممد سليامن أبو رعد‪ ،‬الكويت‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬سلسلة الرسائل‬
‫الراثية‪ ،‬ط‪1٤09( ،1‬ه‪1989/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬املجايل‪ ،‬حممد خازر‪" ،‬مصطلح "التفكر" كام جاء يف القرآن الكريم‪ ،‬دراسة موضوعية"‪ ،‬جملة‬
‫الرشيعة والقانون‪ ،‬العدد‪1٤٢٦( ،)٢٣( :‬ه‪٢00٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬جممع اللغة العربية‪ .‬معجم ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية العامة للتأليف والنرش‪،‬‬
‫(‪1٤09‬ه‪1989/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬املحاسبي‪ ،‬أبو عبد اهلل احلارث بن أسد‪ .‬العقل وفهم القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسني القوتيل‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬ط‪1٣91( ،1‬ه‪19٧1/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬املراكيش‪ ،‬ابن البناء‪ .‬رسالة يف اجلدل بمقتىض قواعد األصول‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمامد رفيع‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫ابن حزم‪ ،‬ط‪1٤٣1( ،1‬ه‪٢010/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬مرزوق‪ ،‬عبد الصبور‪ .‬معجم األعالم واملوضوعات يف القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪،‬‬
‫ط‪1٤1٥( ،1‬ه‪199٥/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬املرغيناين‪ ،‬أبو احلسن برهان الدين عيل بن أيب بكر بن عبد اجلليل‪ .‬متن بداية املبتدي يف فقه أيب‬
‫حنيفة‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة ومطبعة حممد عيل صبح‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري‪ .‬املسند الصحيح املخترص بنقل العدل‬
‫عن العدل إىل رسول اهلل ﷺ (صحيح مسلم)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫إحياء الراث العريب‪ ،‬ط‪( ،1‬د‪ .‬ت‪.).‬‬
‫‪ -‬املسريي‪ ،‬عبد الوهاب‪ .‬العلامنية اجلزئية والعلامنية الشاملة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤٢٣‬ه‪٢00٢/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم وآخرون‪ .‬املعجم الوسيط‪ ،‬القاهرة‪ :‬جممع اللغة العربية ومكتبة الرشوق‬
‫الدولية‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،٤‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬املطعني‪ ،‬عبد العظيم‪ .‬مبادئ التعايش السلمي يف اإلسالم‪ :‬منهج ًا‪ ..‬وسرية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفتح‬
‫لإلعالم العريب‪1٤1٧( ،‬ه‪199٦ /‬م)‪.‬‬

‫‪٣9٥‬‬
‫‪ -‬ابن معني‪ ،‬أبو زكريا حييى بن معني بن عون بن زياد املري‪ .‬تاريخ ابن معني (رواية الدوري)‪،‬‬
‫حققه‪ :‬أمحد حممد نور سيف‪ ،‬مكة املكرمة‪ :‬مركز البحث العلمي وإحياء الراث اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪1٣99( ،1‬ه‪19٧9 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬مقري‪ ،‬عبد الرزاق‪ .‬صدام احلضارات؛ حماولة للفهم أبعاد وأسباب ومآالت العدوان األمريكي‬
‫عىل األمة اإلسالمية‪ ،‬املنصورة‪ :‬دار الكلمة‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،1‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن‪ .‬منهجية التكامل املعريف مقدمات يف املنهجية اإلسالمية‪ ،‬هرندن‪ :‬املعهد‬
‫العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،1‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن عيل الرويفعي‪ .‬لسان العرب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫صادر‪ ،‬ط‪1٤1٤ ،٣‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬مولوي‪ ،‬فيصل‪ .‬املسلم مواطن ًا يف أوروبا‪ ،‬سلسلة قضايا األمة (‪ ،)٢‬لندن‪ :‬االحتاد العاملي لعلامء‬
‫املسلمني‪ ،‬جلنة التأليف والرمجة‪1٤٢9( ،‬ه‪٢008/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ .‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪،٥‬‬
‫(‪1٤٢0‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ .‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬دمشق‪ :‬دار‬
‫القلم‪ ،‬ط‪1٤1٤( ،٤‬ه‪199٣/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ .‬العقيدة اإلسالمية وأسسها‪ ،‬دمشق وبريوت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫(‪1٣99‬ه‪19٧9 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ميغوليفسكي‪ ،‬أ‪.‬س‪ .‬أرسار اآلهلة والديانات‪ ،‬ترمجة‪ :‬حسان خمائيل إسحاق‪ ،‬دمشق‪ :‬دار عالء‬
‫الدين‪ ،‬ط‪٢009 ،٤‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن النجار‪ ،‬تقي الدين أبو البقاء حممد بن أمحد بن عبد العزيز بن عيل الفتوحي‪ .‬رشح الكوكب‬
‫املنري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الزحييل ونزيه محاد‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪1٤18( ،٢‬ه‪199٧/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ابن نجيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن حممد‪ .‬األشباه والنظائر عىل مذهب أيب حنيفة النعامن‪،‬‬
‫وضع حواشيه وخرج أحاديثه‪ :‬زكريا عمريات‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪1٤19‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الندوي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن عبد احلي‪ .‬النبوة هي الوسيلة الوحيدة للمعرفة الصحيحة‬

‫‪٣9٦‬‬
‫واهلداية الكاملة وبعض موافقات واتفاقات‪ ،‬اهلند لكهنؤ‪ :‬املجمع اإلسالمي العاملي‪،‬‬
‫(‪1٤08‬ه‪1988/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬النسفي‪ ،‬أبو الركات عبد اهلل بن أمحد بن حممود‪ .‬كنز الدقائق‪ ،‬حتقيق‪ :‬سائد بكداش‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار البشائر اإلسالمية ودار الساج‪ ،‬ط‪1٤٣٢( ،1‬ه‪٢011/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬النشار‪ ،‬عيل سامي‪ .‬نشأة الفكر الفلسفي يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪19٧٧ ،9‬م‪.‬‬

‫‪ -‬النوريس‪ ،‬بديع الزمان سعيد‪ .‬كليات رسائل النور (‪ )1‬الكلامت‪ ،‬ترمجة‪ :‬إحسان قاسم صاحلي‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬رشكة سوزلر للنرش‪ ،‬ط‪٢00٤ ،٤‬م‪.‬‬

‫‪ -‬أبو نعيم‪ ،‬أمحد بن عبد اهلل األصفهاين‪ .‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السعادة‪،‬‬
‫(‪1٣9٤‬ه‪19٧٤/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن رشف بن مري النووي‪ .‬املنهاج رشح صحيح مسلم بن احلجاج‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار إحياء الراث العريب‪ ،‬ط‪1٣9٢ ،٢‬ه‪.‬‬

‫‪ -‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن رشف بن مري‪ .‬آداب العامل واملتعلم واملفتي واملستفتي وفضل طالب‬
‫العلم‪ ،‬طنطا‪ :‬مكتبة الصحابة‪ ،‬ط‪1٤08( ،1‬ه‪198٧/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬النويري‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن عبد الوهاب‪ .‬هناية األرب يف فنون األدب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب‬
‫والوثائق القومية‪ ،‬ط‪1٤٢٣ ،1‬ه‪.‬‬

‫‪ -‬ابن هشام‪ ،‬عبد امللك بن هشام بن أيوب احلمريي املعافري‪ .‬السرية النبوية‪ ،‬ختريج وحتقيق‪ :‬وليد‬
‫بن حممد سالمة وخالد بن حممد بن عثامن‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الصفا‪ ،‬ط‪1٤٢٢( ،1‬ه‪٢001/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬هويدي‪ ،‬فهمي‪ .‬مواطنون ال ذميون‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1٤٢0( ،٣‬ه‪1999/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬هنتنجتون‪ ،‬صامويل‪ .‬صدام احلضارات إعادة صنع النظام العاملي‪ ،‬ترمجة‪ :‬طلعت الشايب‪ ،‬ط‪،٢‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬

‫‪ -‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ .‬املوسوعة الفقهية‪ ،‬الكويت والقاهرة‪ :‬وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية ومطابع دار الصفوة‪ ،‬ط‪( ،1‬من‪1٤٢٧-1٤0٤ :‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن الوزير‪ ،‬حممد بن إبراهيم‪ .‬الربهان القاطع يف إثبات الصانع ومجيع ما جاءت به الرشائع‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬املطبعة السلفية‪1٣9٤ ،‬ه‪.‬‬

‫‪٣9٧‬‬
‫‪ -‬أبو يعىل‪ ،‬القايض أبو يعىل حممد بن احلسني احلنبيل ابن الفراء‪ .‬املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬حتقيق‪:‬‬

‫وديع زيدان حداد‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املرشق‪ ،‬ط‪198٦ ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -‬اليوسف‪ ،‬عبد اهلل أمحد‪ .‬رشعية االختالف‪ :‬دراسة تأصيلية منهجية للرأي اآلخر يف الفكر‬

‫اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اهلادي‪ ،‬ط‪1٤٢٥( ،٢‬ه‪٢00٤/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬أبو يوسف‪ ،‬يعقوب بن إبراهيم بن حبيب األنصاري الكويف البغدادي‪ .‬اخلراج‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه عبد‬

‫الرؤوف سعد وسعد حسن حممد‪ ،‬القاهرة‪ :‬املكتبة األزهرية للراث‪( ،‬د‪ .‬ت‪.).‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املواقع اإللكرتونية‪:‬‬


‫‪- http: //www.alquran.ma/Article.aspx?C=5562‬‬

‫‪- http: //www.fiqhacademy.org.sa/qrarat/17-9.htm‬‬

‫‪- https: //www.youtube.com/watch?v=KwetodXI0Cc‬‬

‫‪- https: //www.youtube.com/watch?v=ZvfQ_Vx6k3o#t= 29‬‬

‫‪٣98‬‬
‫الكشاف‬
‫اختالف داخيل‪.612 :‬‬ ‫أ‬
‫اختالف يف إطار اجلوامع‪،18 ،77 ،47 ،17 ،24 ،72 :‬‬ ‫آراء‪،891 ،104 ،26 ،25 ،05 ،14 ،83 ،73 ،31 :‬‬
‫‪.863‬‬ ‫‪،292 ،662 ،322 ،222 ،602 ،502 ،202‬‬
‫اختالف مصالح األمم واألقوام‪.25 :‬‬ ‫‪.173 ،663 ،453 ،443 ،623‬‬
‫اختالف وتنوع‪.74 ،71 :‬‬ ‫آيات قرآنية‪.653 :‬‬
‫أخطاء‪.843 ،913 ،89 ،942 ،91 ،71 :‬‬ ‫إبصار احلق‪.27 :‬‬
‫أخالق‪،922 ،722 ،302 ،141 ،201 ،27 ،23 :‬‬ ‫اجتامع عىل املشركات‪.51 :‬‬
‫‪،003 ،052 ،542 ،342 ،242 ،042 ،132‬‬ ‫اجتهاد‪،85 ،75 ،15 ،44 ،72 ،62 ،42 ،22 ،81 :‬‬
‫‪.123 ،613‬‬ ‫‪،131 ،08 ،67 ،07 ،86 ،66 ،26 ،06 ،95‬‬
‫أخوة إنسانية‪.863 ،152 ،761 ،89 ،41 :‬‬ ‫‪،812 ،712 ،402 ،202 ،002 ،391 ،381‬‬
‫إدارة االختالف‪.863 ،633 ،212 ،491 ،82 ،12 :‬‬ ‫‪،663 ،372 ،272 ،072 ،962 ،352 ،932‬‬
‫أدب االختالف‪.73 ،53 ،22 :‬‬ ‫‪.293 ،873 ،473‬‬
‫أدب االختالف يف اإلسالم (كتاب)‪.752 ،73 ،22 :‬‬ ‫أحاديث نبوية‪.871 ،631 ،52 :‬‬
‫إدراك احلقائق‪،062 ،152 ،532 ،141 ،18 ،35 :‬‬ ‫احرام املقدسات‪.983 ،37 ،12 :‬‬
‫‪.363 ،203 ،972 ،772 ،472 ،862‬‬ ‫أحكام‪،411 ،801 ،08 ،27 ،85 ،75 ،25 ،14 ،04 :‬‬
‫أديان‪،321 ،221 ،611 ،501 ،18 ،35 ،25 ،05 :‬‬ ‫‪،561 ،261 ،751 ،351 ،641 ،921 ،611‬‬
‫‪،953 ،092 ،982 ،662 ،162 ،751 ،451‬‬ ‫‪،052 ،342 ،142 ،812 ،412 ،402 ،171‬‬
‫‪.863‬‬ ‫‪،123 ،592 ،472 ،272 ،862 ،462 ،162‬‬
‫إرادة اهلل الترشيعية‪.05 ،24 :‬‬ ‫‪.663 ،033 ،823‬‬
‫استدالل‪،121 ،021 ،38 ،17 ،65 ،55 ،62 ،42 :‬‬ ‫اختالف االجتهادات‪.91 :‬‬
‫‪،462 ،362 ،752 ،252 ،432 ،081 ،941‬‬ ‫اختالف األمم واألقوام‪.25 :‬‬
‫‪،872 ،772 ،572 ،472 ،962 ،662 ،562‬‬ ‫اختالف الرأي‪.61 :‬‬
‫‪.833 ،682 ،082‬‬ ‫اختالف الصحابة‪.77 :‬‬
‫استشهاد‪.281 ،42 :‬‬ ‫اختالف تكامل وتوازن‪.64 :‬‬
‫استعامل العقل‪،272 ،172 ،962 ،08 ،75 ،15 :‬‬ ‫اختالف تكويني‪.366 ،365 ،57 ،56 ،51 ،48 :‬‬
‫‪.663 ،572 ،372‬‬ ‫اختالف تكويني وترشيعي‪.08 ،24 ،72 :‬‬
‫استقراء نصوص القرآن الكريم‪.51 :‬‬ ‫اختالف خارجي‪.612 :‬‬

‫‪٣99‬‬
‫أفكار‪،711 ،68 ،25 ،05 ،14 ،83 ،73 ،52 ،31 :‬‬ ‫إسالم منترص (موقع)‪.81 :‬‬
‫‪،152 ،532 ،222 ،502 ،891 ،771 ،851‬‬ ‫إسالم وتعددية‪.751 ،97 ،12 :‬‬
‫‪،643 ،533 ،113 ،882 ،662 ،562 ،352‬‬ ‫أسلوب دعوة‪.71 :‬‬
‫‪.953 ،453 ،743‬‬ ‫أسيئ فهم االختالف‪.15 :‬‬
‫إقامة الدين‪.301 ،79 ،09 ،27 :‬‬ ‫األشعري‪ ،‬أبو احلسن عيل بن إسامعيل‪،121 ،66 :‬‬
‫إقامة السلم وترك احلرب‪.031 ،921 ،82 :‬‬ ‫‪.963‬‬
‫إقامة العدل ونفي الظلم‪.82 :‬‬ ‫إشكال حقيقي‪.91 :‬‬
‫أقليات يف املجتمع اإلسالمي‪.12 :‬‬ ‫إشكال علمي‪.22 ،02 :‬‬
‫إقناع‪،792 ،532 ،021 ،48 ،65 ،55 ،45 ،35 ،15 :‬‬ ‫إشكال معريف‪.61 :‬‬
‫‪،943 ،243 ،043 ،723 ،223 ،503 ،203‬‬ ‫إصالح العامل‪.25 :‬‬
‫‪.653 ،553‬‬ ‫إصالح الكون‪.401 :‬‬
‫التزام بالعهود واملواثيق‪.912 ،012 ،702 ،82 :‬‬ ‫أصول الدين‪،511 ،411 ،18 ،37 ،86 ،56 ،61 :‬‬
‫ألفة‪،79 ،59 ،49 ،78 ،47 ،37 ،36 ،51 ،41 ،31 :‬‬ ‫‪.863 ،663 ،523‬‬
‫‪،541 ،631 ،531 ،421 ،711 ،501 ،89‬‬ ‫أصول إيامنية‪.721 ،621 ،421 ،38 ،72 :‬‬
‫‪،591 ،191 ،981 ،581 ،261 ،651 ،251‬‬ ‫أصول ترشيعية عملية‪.432 ،232 ،921 ،82 :‬‬
‫‪،032 ،622 ،912 ،602 ،502 ،791 ،691‬‬ ‫أصول تصورية‪.432 ،82 :‬‬
‫‪.863‬‬ ‫أصول عملية‪.82 :‬‬
‫أمر باالجتهاد‪.75 ،15 :‬‬ ‫أصول كلية عامة‪.82 ،02 :‬‬
‫أمر باملعروف وهني عن املنكر‪،912 ،281 ،861 ،82 :‬‬ ‫أصول منهجية لتدبري االختالف‪.532 ،432 ،82 :‬‬
‫‪،622 ،522 ،422 ،322 ،222 ،122 ،022‬‬ ‫أصول وضوابط علمية‪.81 :‬‬
‫‪.032 ،922 ،822 ،722‬‬ ‫أصول ومقاصد‪.49 ،52 :‬‬
‫أمر بتزكية النفوس وهتذيبها‪.27 :‬‬ ‫اعراف باملخالف‪،892 ،982 ،882 ،502 ،12 :‬‬
‫أمن‪،202 ،481 ،661 ،951 ،531 ،431 ،41 :‬‬ ‫‪.763 ،003‬‬
‫‪.503 ،912 ،612 ،702‬‬ ‫االعتصام (كتاب)‪.86 ،36 ،95 :‬‬
‫أنبياء ورسل‪،99 ،89 ،79 ،49 ،19 ،17 ،82 ،72 :‬‬ ‫اعتصام بحبل اهلل‪.622 ،36 ،51 :‬‬
‫‪.512 ،641 ،711 ،801 ،601 ،401 ،001‬‬ ‫إعجاز القرآن‪.55 :‬‬
‫إنذار‪.892 ،692 ،001 ،99 ،79 ،37 :‬‬ ‫اعوجاج يف االستدالل‪،362 ،752 ،252 ،432 ،17 :‬‬
‫أهل احلضارات‪.27 :‬‬ ‫‪.572 ،462‬‬
‫أهل الكتاب‪،601 ،39 ،97 ،87 ،27 ،46 ،26 ،16 :‬‬ ‫إفحام‪.263 ،063 ،45 :‬‬

‫‪٤00‬‬
‫تبادل احلضاري‪.663 ،363 ،261 ،71 ،61 :‬‬ ‫‪،251 ،241 ،221 ،611 ،211 ،901 ،801‬‬
‫تباين‪،551 ،89 ،87 ،95 ،44 ،83 ،63 ،53 ،33 :‬‬ ‫‪،722 ،312 ،081 ،571 ،471 ،861 ،351‬‬
‫‪.453 ،443 ،222‬‬ ‫‪،303 ،203 ،292 ،482 ،662 ،132 ،822‬‬
‫تبشري‪.763 ،901 ،001 ،79 :‬‬ ‫‪.953 ،753 ،353 ،823‬‬
‫جتاوز اخلالفات اجلزئية‪.61 :‬‬ ‫أهواء‪،622 ،741 ،201 ،17 ،66 ،56 ،46 ،36 :‬‬
‫التحرير والتنوير (كتاب)‪،85 ،65 ،84 ،64 ،54 ،93 :‬‬ ‫‪،062 ،952 ،852 ،752 ،452 ،152 ،542‬‬
‫‪،741 ،041 ،831 ،131 ،511 ،19 ،27 ،26‬‬ ‫‪.453 ،492 ،762 ،362 ،162‬‬
‫‪،322 ،012 ،202 ،102 ،002 ،991 ،941‬‬ ‫ائتالف إنساين‪.681 ،79 ،81 :‬‬
‫‪،892 ،092 ،782 ،872 ،462 ،362 ،422‬‬ ‫إيامن باهلل وتوحيده‪.29 ،19 ،09 ،78 ،58 ،48 ،72 :‬‬
‫‪،753 ،733 ،613 ،313 ،213 ،403 ،103‬‬ ‫إيامين‪،402 ،821 ،721 ،911 ،49 ،29 ،97 ،02 :‬‬
‫‪.683 ،853‬‬ ‫‪.663 ،832‬‬
‫حتقيق مصالح‪.512 ،412 ،081 ،971 :‬‬ ‫ب‬
‫حتكيم‪،523 ،523 ،262 ،361 ،621 ،321 ،76 :‬‬ ‫باحثون‪.51 :‬‬
‫‪.443‬‬ ‫بحث عن املشرك‪.32 :‬‬
‫حتليل‪،641 ،49 ،48 ،85 ،72 ،62 ،52 ،42 ،22 :‬‬ ‫بداية املجتهد وهناية املقتصد (كتاب)‪.973 ،22 :‬‬
‫‪،913 ،582 ،382 ،862 ،352 ،732 ،481‬‬ ‫بدع‪.233 ،821 ،07 ،46 ،36 :‬‬
‫‪.063‬‬ ‫برهان‪،321 ،021 ،711 ،801 ،38 ،65 ،55 ،61 :‬‬
‫تداخل احلضارات والثقافات‪.71 :‬‬ ‫‪،762 ،562 ،462 ،162 ،352 ،252 ،921‬‬
‫تدبر واعتبار‪.862 :‬‬ ‫‪،043 ،933 ،833 ،733 ،713 ،313 ،003‬‬
‫تدبري االختالف اإلنساين‪،49 ،78 ،58 ،14 ،51 :‬‬ ‫‪.663 ،363 ،953 ،653 ،553 ،243 ،143‬‬
‫‪،012 ،481 ،541 ،441 ،531 ،921 ،811‬‬ ‫بناء االئتالف‪،011 ،27 ،32 ،02 ،91 ،81 ،61 :‬‬
‫‪.863 ،763 ،682 ،252 ،032 ،122 ،912‬‬ ‫‪.863 ،663 ،032 ،961 ،681 ،261 ،751‬‬
‫تدبري االختالف الديني‪.663 ،011 ،88 ،38 ،82 :‬‬ ‫بني اإلسالم‪.863 ،39 ،14 ،02 :‬‬
‫تراث إسالمي‪.92 ،12 :‬‬ ‫بني اإلنسان‪،481 ،421 ،39 ،74 ،64 ،14 ،02 :‬‬
‫تربية‪.003 ،242 ،042 ،832 ،502 ،791 :‬‬ ‫‪.863 ،633 ،792 ،162‬‬
‫ترك االستبداد‪.891 ،82 :‬‬ ‫البوشيخي‪ ،‬أمحد‪.173 ،73 ،22 :‬‬
‫ترك اخلصام‪.481 ،82 :‬‬ ‫ت‬
‫تسامح‪.252 ،052 ،941 ،011 ،32 :‬‬ ‫تأسيس للحوار‪.12 :‬‬
‫تصحيح الرؤية إىل اخلالف‪.51 :‬‬ ‫تأويل املتشابه‪.67 :‬‬

‫‪٤01‬‬
‫توبة‪.942 ،842 :‬‬ ‫تصحيح شبهات‪.12 :‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم‪،101 ،77 ،06 ،85 ،22 :‬‬ ‫تصحيح معريف‪.51 :‬‬
‫‪.381 ،161 ،451 ،021 ،111‬‬ ‫تصديق‪،501 ،201 ،69 ،95 ،65 ،55 ،45 ،35 :‬‬
‫ث‬ ‫‪،421 ،811 ،411 ،011 ،901 ،801 ،601‬‬
‫ثقافة االختالف وتدبريه‪.71 :‬‬ ‫‪.543 ،623‬‬
‫ثقافة‪،092 ،682 ،562 ،132 ،87 ،91 ،71 ،31 :‬‬ ‫تصور إسالمي‪.762 ،47 :‬‬
‫‪.363‬‬ ‫تصورات خاطئة‪.51 :‬‬
‫ج‬ ‫تضاد‪.533 ،64 ،33 ،31 :‬‬
‫جدل ومناظرة‪،723 ،423 ،482 ،332 ،52 ،81 :‬‬ ‫تطرف‪.91 :‬‬
‫‪.763 ،353 ،733 ،133 ،033‬‬ ‫تعارف‪،761 ،541 ،97 ،57 ،14 ،91 ،71 ،61 :‬‬
‫جزئيات‪.482 ،282 ،98 ،62 :‬‬ ‫‪،363 ،743 ،692 ،912 ،081 ،771 ،671‬‬
‫جوامع‪،77 ،47 ،27 ،17 ،76 ،74 ،24 ،72 ،12 :‬‬ ‫‪.763 ،663‬‬
‫‪،663 ،643 ،592 ،032 ،451 ،18 ،87‬‬ ‫تعاقب‪.14 ،73 ،33 :‬‬
‫‪.863‬‬ ‫تعامل مع االختالف‪.91 :‬‬
‫ح‬ ‫تعاون إنساين‪،181 ،871 ،761 ،461 ،14 ،82 :‬‬
‫حاجة املجتمع اإلنساين‪.71 :‬‬ ‫‪.381 ،281‬‬
‫حاكم‪،402 ،751 ،401 ،301 ،95 ،05 ،84 ،31 :‬‬ ‫تعدد املذاهب الفقهية‪.91 :‬‬
‫‪.912‬‬ ‫تعددية يف إطار اجلوامع‪.12 :‬‬
‫حجاج‪.953 ،243 ،733 ،003 ،532 ،38 :‬‬ ‫تعددية‪.712 ،12 ،71 :‬‬
‫حديث االختالف رمحة‪.12 :‬‬ ‫تغاير‪،613 ،551 ،87 ،65 ،94 ،64 ،63 ،33 ،23 :‬‬
‫حديث االفراق‪.333 ،013 ،47 ،12 :‬‬ ‫‪.763‬‬
‫حرب‪،331 ،231 ،131 ،031 ،921 ،04 ،82 ،32 :‬‬ ‫تفاسري املتأخرة واملعارصة‪.52 :‬‬
‫‪،441 ،341 ،141 ،041 ،631 ،531 ،431‬‬ ‫تفاوض‪.782 :‬‬
‫‪،121 ،202 ،102 ،381 ،181 ،171 ،551‬‬ ‫تقارب‪.363 ،953 ،443 ،813 ،703 ،152 ،14 :‬‬
‫‪.023 ،892 ،022 ،612 ،412‬‬ ‫تنظيم العالقات اإلنسانية‪،941 ،641 ،401 ،71 :‬‬
‫حرية‪،041 ،931 ،831 ،731 ،431 ،011 ،05 ،41 :‬‬ ‫‪.912 ،751‬‬
‫‪،492 ،252 ،532 ،032 ،602 ،441 ،341‬‬ ‫تواصل‪،191 ،981 ،761 ،661 ،14 ،71 ،61 :‬‬
‫‪.763 ،623 ،003‬‬ ‫‪،743 ،733 ،633 ،203 ،792 ،032 ،891‬‬
‫حضارات عاملية‪.983 ،192 ،12 :‬‬ ‫‪.763 ،953‬‬

‫‪٤0٢‬‬
‫‪،231 ،031 ،721 ،621 ،811 ،401 ،201‬‬ ‫حضارة إسالمية‪.81 :‬‬
‫‪،151 ،051 ،841 ،641 ،541 ،141 ،931‬‬ ‫حضارة‪.713 ،192 ،092 ،742 ،771 ،71 ،31 :‬‬
‫‪،271 ،071 ،461 ،951 ،551 ،451 ،351‬‬ ‫احلق اإلسالمي يف االختالف الفكري (كتاب)‪،05 ،12 :‬‬
‫‪،132 ،022 ،802 ،702 ،791 ،781 ،481‬‬ ‫‪،623 ،882 ،572 ،842 ،542 ،271 ،261‬‬
‫‪،942 ،442 ،342 ،042 ،932 ،532 ،432‬‬ ‫‪.873 ،063‬‬
‫‪،162 ،752 ،552 ،452 ،352 ،152 ،052‬‬ ‫احلق العريب يف االختالف الفلسفي (كتاب)‪،363 ،12 :‬‬
‫‪،372 ،962 ،762 ،662 ،562 ،462 ،262‬‬ ‫‪.783‬‬
‫‪،382 ،282 ،182 ،082 ،872 ،572 ،472‬‬ ‫حقائق يقينية‪.352 ،61 :‬‬
‫‪،513 ،413 ،603 ،103 ،492 ،982 ،582‬‬ ‫حقوق اإلنسان‪.402 ،971 ،961 ،421 ،02 ،71 :‬‬
‫‪،743 ،543 ،443 ،923 ،723 ،913 ،613‬‬ ‫حقيقة االختالف اإلنساين‪.91 :‬‬
‫‪.763 ،363 ،953 ،453 ،943‬‬ ‫حقيقة رشعية‪.24 :‬‬
‫خالف املذاهب الفقهية‪:‬‬ ‫حقيقة علمية ومعرفية‪.862 :‬‬
‫اخلالف يف الرشيعة اإلسالمية (كتاب)‪.22 :‬‬ ‫حكم بني خمتلفني‪.41 ،31 :‬‬
‫خري‪،101 ،001 ،99 ،39 ،74 ،64 ،93 ،83 ،01 ،9 :‬‬ ‫حكمة‪،08 ،65 ،55 ،45 ،35 ،54 ،04 ،93 ،02 :‬‬
‫‪،161 ،061 ،621 ،711 ،611 ،301 ،201‬‬ ‫‪،932 ،832 ،931 ،431 ،921 ،121 ،911‬‬
‫‪،591 ،491 ،881 ،781 ،281 ،871 ،861‬‬ ‫‪،663 ،563 ،363 ،123 ،903 ،172 ،042‬‬
‫‪،132 ،822 ،722 ،422 ،322 ،122 ،512‬‬ ‫‪.973‬‬
‫‪،072 ،552 ،642 ،542 ،242 ،142 ،932‬‬ ‫حوار قيمي وأخالقي‪.12 :‬‬
‫‪.353 ،253 ،943 ،233 ،572‬‬ ‫حوار‪،19 ،14 ،82 ،62 ،42 ،32 ،12 ،71 ،61 :‬‬
‫خريية األمة‪.132 ،722 :‬‬ ‫‪،882 ،782 ،682 ،352 ،252 ،432 ،912‬‬
‫د‬ ‫‪،603 ،503 ،203 ،992 ،792 ،292 ،192‬‬
‫دائرة الصواب واخلطأ‪.91 :‬‬ ‫‪،813 ،713 ،513 ،213 ،803،113 ،703‬‬
‫دائرة الظنيات‪.91 :‬‬ ‫‪،433 ،233 ،133 ،033 ،623 ،423 ،223‬‬
‫دائرة القطعيات ‪.91 :‬‬ ‫‪،153 ،053 ،643 ،443 ،733 ،633 ،533‬‬
‫دائرة الكفر واإليامن‪.91 :‬‬ ‫‪.763 ،363 ،063 ،953 ،653 ،553‬‬
‫دراسات جامعية أكاديمية‪.02 :‬‬ ‫خ‬
‫دراسات ومقاالت‪.02 :‬‬ ‫ختم النبوة‪.711 ،401 :‬‬
‫دراسة تأصيلية حتليلية‪.92 ،32 :‬‬ ‫خطاب قرآين‪،36 ،85 ،75 ،50 ،34،84 ،92 ،02 :‬‬
‫دراسة تأصيلية منهجية‪.993 ،072 ،12 :‬‬ ‫‪،101 ،59 ،88 ،58 ،48 ،47 ،96 ،76 ،66‬‬

‫‪٤0٣‬‬
‫رفيع‪ ،‬حمامد‪،851 ،751 ،541 ،07 ،24 ،32 ،22 :‬‬ ‫دراسة موضوعية‪،393 ،583 ،762 ،252 ،942 :‬‬
‫‪.361‬‬ ‫‪.693‬‬
‫رؤية اإلسالم لآلخر‪.51 :‬‬ ‫دعوة إىل املشرك‪.17 ،02 :‬‬

‫رؤية قرآنية‪.34 ،61 ،51 :‬‬ ‫دعوة للقتال‪.02 :‬‬

‫ز‬ ‫دليل‪،401 ،201 ،001 ،27 ،96 ،76 ،06 ،84 ،61 :‬‬
‫‪،181 ،871 ،771 ،241 ،921 ،021 ،911‬‬
‫زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪.95 ،74 ،22 :‬‬
‫‪،442 ،832 ،822 ،612 ،481 ،381 ،281‬‬
‫زيغ‪.763 ،903 ،08 ،67 ،07 ،76 ،56 :‬‬
‫‪،562 ،462 ،362 ،162 ،062 ،452 ،252‬‬
‫س‬
‫‪،113 ،013 ،003 ،682 ،472 ،072 ،962‬‬
‫سائغ‪.95 ،12 :‬‬
‫‪،933 ،833 ،733 ،823 ،523 ،613 ،313‬‬
‫سلم عاملي‪.663 ،541 ،531 ،02 :‬‬
‫‪،653 ،553 ،443 ،343 ،243 ،143 ،043‬‬
‫ِس ْلم‪،331 ،231 ،131 ،031 ،921 ،82 ،02 ،41 :‬‬
‫‪.563 ،263 ،163 ،063 ،953‬‬
‫‪،041 ،931 ،831 ،731 ،631 ،531 ،431‬‬
‫الدهلوي‪ ،‬ويل اهلل‪.99 ،75 ،22 :‬‬
‫‪،791 ،951 ،541 ،441 ،341 ،241 ،141‬‬ ‫دول عربية وإسالمية‪.81 :‬‬
‫‪.663 ،052 ،912 ،212 ،112‬‬ ‫ديمقراطية‪،092 ،702 ،602 ،502 ،402 ،71 :‬‬
‫السلمي‪ ،‬العز بن عبد السالم‪.04 :‬‬ ‫‪.192‬‬
‫سنة كونية‪.082 ،24 :‬‬ ‫دين‪،66 ،56 ،46 ،36 ،26 ،35 ،25 ،91 ،61 ،31 :‬‬
‫سؤال مركزي‪.563 ،02 :‬‬ ‫‪،97 ،77 ،57 ،47 ،37 ،27 ،17 ،07 ،86‬‬
‫سياسة رشعية‪.841 ،131 ،81 :‬‬ ‫‪،69 ،29 ،19 ،09 ،98 ،48 ،38 ،18 ،08‬‬
‫سياق حجاجي برهاين‪.34 :‬‬ ‫‪،901 ،701 ،501 ،401 ،301 ،001 ،79‬‬
‫سياق قرآين‪.723 ،913 ،49 ،87 ،77 ،24 ،72 :‬‬ ‫‪،721 ،621 ،711 ،511 ،411 ،211 ،111‬‬

‫ش‬ ‫‪،961 ،751 ،341 ،931 ،731 ،821،431‬‬

‫الشاطبي‪ ،‬إبراهيم بن موسى‪.41 ،31 :‬‬ ‫‪،132 ،102 ،691 ،081 ،871 ،271 ،171‬‬
‫‪،213 ،703 ،303 ،103 ،662 ،162 ،542‬‬
‫الشافعي‪ ،‬حممد بن إدريس‪.43 :‬‬
‫‪.863 ،663 ،953 ،643 ،523 ،813 ،413‬‬
‫شبهات باطلة‪.46 :‬‬
‫ر‬
‫رشائع ساموية‪،821 ،621 ،611 ،311 ،38 ،12،15 :‬‬
‫الرازي‪ ،‬فخر الدين حممد بن عمر‪.873 ،05 :‬‬
‫‪.961 ،741‬‬
‫رأي فقهي‪.91 :‬‬
‫رشعية االختالف‪.12 :‬‬
‫رمحة‪،341 ،67 ،17 ،76 ،16 ،06 ،35 ،12 ،91 :‬‬
‫شورى‪،302 ،202 ،102 ،002 ،991 ،891 ،85 :‬‬
‫‪.052 ،722 ،322 ،212 ،081 ،251‬‬
‫‪.763 ،602 ،502 ،402‬‬
‫ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد‪.77 :‬‬

‫‪٤0٤‬‬
‫‪،351 ،251 ،151 ،051 ،941 ،841 ،741‬‬ ‫ص‬
‫‪،061 ،951 ،851 ،751 ،651 ،551 ،451‬‬ ‫صحيفة املدينة‪.312 ،97 :‬‬
‫‪،291 ،091 ،371 ،661 ،361 ،261 ،161‬‬ ‫صدام‪.812 ،53 ،81 ،51 :‬‬
‫‪،492 ،392 ،292 ،982 ،052 ،602 ،491‬‬ ‫صدق‪،703 ،203 ،103 ،972 ،801 ،701 ،27 :‬‬
‫‪.763 ،992 ،592‬‬ ‫‪.153‬‬
‫عدم االتفاق‪.08 ،14 ،83 ،63 ،33 ،23 :‬‬ ‫رصاع‪،531 ،421 ،37 ،14 ،53 ،12 ،81 ،71 ،51 :‬‬
‫عدم التساوي‪.33 :‬‬ ‫‪،952 ،352 ،442 ،702 ،691 ،261 ،631‬‬
‫عدم التفريق‪.901 ،59 ،43 :‬‬ ‫‪.153 ،053 ،943 ،723 ،872 ،662‬‬
‫عقائد‪،272 ،002 ،771 ،38 ،46 ،26 ،45 ،54 :‬‬ ‫صلح‪،481 ،431 ،231 ،131 ،001 ،83 ،82 :‬‬
‫‪.143‬‬ ‫‪،191 ،091 ،98 ،881 ،781 ،681 ،581‬‬
‫عقل‪،39 ،68 ،48 ،08 ،95 ،75 ،55 ،15 ،05 ،61 :‬‬ ‫‪،891 ،791 ،691 ،591 ،491 ،391 ،291‬‬
‫‪،521 ،321 ،411 ،801 ،401 ،301 ،201‬‬ ‫‪.052 ،912 ،812 ،612 ،512 ،312 ،202‬‬
‫‪،922 ،122 ،022 ،271 ،171 ،961 ،921‬‬ ‫ض‬
‫‪،552 ،452 ،352 ،252 ،152 ،842 ،432‬‬ ‫ضبط العالقات اإلنسانية‪.71 :‬‬
‫‪،262 ،162 ،062 ،952 ،852 ،752 ،652‬‬ ‫رضورة برشية‪.24 :‬‬
‫‪،172 ،072 ،962 ،862 ،762 ،662 ،462‬‬ ‫ضالالت‪.972 ،46 :‬‬
‫‪،972 ،872 ،772 ،572 ،472 ،372 ،272‬‬ ‫ضوابط اجلدل واملناظرة‪.22 :‬‬
‫‪،813 ،613 ،482 ،382 ،282 ،182 ،082‬‬ ‫ط‬
‫‪.763 ،663 ،033‬‬ ‫طرح غريب‪.71 :‬‬
‫عقوبات معنوية‪.96 :‬‬ ‫طوائف‪،981 ،681 ،481 ،151 ،68 ،27 ،07 ،51 :‬‬
‫عقيدة‪،051 ،621 ،801 ،001 ،48 ،97 ،57 ،05 :‬‬ ‫‪.763 ،791‬‬
‫‪،962 ،162 ،352 ،712 ،212 ،081 ،171‬‬ ‫ظ‬
‫‪.033 ،472 ،272‬‬ ‫ظنون‪.923 ،462 ،17 :‬‬
‫عالقات إنسانية‪،421 ،711 ،401 ،301 ،02 ،71 :‬‬ ‫ع‬
‫‪،912 ،271 ،751 ،941 ،641 ،541 ،621‬‬ ‫ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر‪.75 ،84 ،93 :‬‬
‫‪.913 ،052‬‬ ‫ابن عباس‪ ،‬عبد اهلل‪.233 ،423 :‬‬
‫عالقات دولية‪.641 ،131 ،81 :‬‬ ‫عبد الرمحن‪ ،‬طه‪،532 ،271 ،261 ،05 ،12 ،02 :‬‬
‫علم الكالم‪.52 :‬‬ ‫‪.363 ،833 ،882 ،462 ،752 ،342 ،632‬‬
‫علامء‪،221 ،701 ،68 ،46 ،75 ،52 ،42 ،71 ،9 :‬‬ ‫عدل‪،641 ،541 ،341 ،041 ،431 ،55 ،82 ،91 :‬‬

‫‪٤0٥‬‬
‫فلسفة غربية‪.02 :‬‬ ‫‪،812 ،402 ،102 ،381 ،871 ،771 ،531‬‬
‫فهم الدين‪.18 ،07 :‬‬ ‫‪،503 ،972 ،672 ،472 ،272 ،652 ،422‬‬
‫فهم عميق‪.51 :‬‬ ‫‪،643 ،543 ،143 ،933 ،333 ،133 ،923‬‬
‫يف رشعية االختالف (كتاب)‪.991 ،94 ،12 :‬‬ ‫‪.763 ،353‬‬
‫ق‬ ‫العلواين‪ ،‬طه جابر‪،111 ،69 ،57 ،16 ،73 ،22 :‬‬
‫قتل املخالف‪.91 :‬‬ ‫‪.092 ،082 ،872 ،862 ،702‬‬
‫قراءة قرآنية‪.47 :‬‬ ‫علوم ومعارف‪،772 ،472 ،842 ،602 ،17 ،52 :‬‬
‫قسط‪،051 ،941 ،841 ،741 ،641 ،541 ،91 :‬‬ ‫‪.833 ،382 ،082 ،972‬‬
‫‪،161 ،851 ،751 ،551 ،451 ،251 ،151‬‬ ‫عامرة‪ ،‬حممد‪.951 ،97 ،37 ،12 :‬‬
‫‪.592 ،392 ،181 ،361 ،261‬‬ ‫عمران‪،851 ،821 ،721 ،401 ،69 ،48 ،41 :‬‬
‫القسطاس املستقيم (كتاب)‪.163 ،972 ،55 ،05 ،94 :‬‬ ‫‪،602 ،502 ،081 ،871 ،261 ،061 ،951‬‬
‫قصد أصيل‪.32 ،51 :‬‬ ‫‪.932 ،032 ،612 ،702‬‬
‫قصد اهلل الترشيعي‪.02 :‬‬ ‫عنف‪.643 ،543 ،443 ،371 ،821 :‬‬
‫قصد تبعي‪.51 :‬‬ ‫عهد الصحابة‪.22 :‬‬
‫قضايا األمة‪.81 :‬‬ ‫عهد نبوي‪.612 ،312 ،12 :‬‬
‫قواعد عملية كلية‪.61 :‬‬ ‫عهود ومواثيق‪،212 ،012 ،802 ،702 ،82 ،91 :‬‬
‫قواعد قرآنية كرى‪.82 :‬‬ ‫‪.912‬‬
‫قواعد منهجية‪.61 :‬‬ ‫عوامل تفوق اإلسالم‪.37 ،12 :‬‬
‫قوة‪،602 ،302 ،261 ،041 ،931 ،821 ،87 ،47 :‬‬ ‫غ‬
‫‪.263 ،153 ،123 ،913 ،772 ،812 ،902‬‬ ‫الغزايل‪ ،‬حممد بن حممد‪،88 ،58 ،86 ،05 ،94 ،31 :‬‬
‫قوميات‪.152 ،27 ،74 :‬‬ ‫‪.803 ،772 ،201‬‬
‫قيم‪،152 ،242 ،181 ،261 ،051 ،841 ،421 ،69 :‬‬ ‫ف‬
‫‪.763 ،662‬‬ ‫فرق إسالمية‪.51 :‬‬
‫ك‬ ‫فطرة‪،642 ،542 ،921 ،501 ،99 ،98 ،68 ،75 :‬‬
‫كرامة إنسانية‪.991 ،18 :‬‬ ‫‪.163 ،662 ،152 ،942 ،842 ،742‬‬
‫كالم‪ ،‬كالمية‪،221 ،99 ،38 ،86 ،64 ،26 ،52 :‬‬ ‫فقه االختالف‪.663 ،563 ،502 ،34 ،02 ،81 ،71 :‬‬
‫‪،103 ،392 ،092 ،782 ،682 ،162 ،381‬‬ ‫فقهية‪.763 ،86 ،95 ،22 ،91 :‬‬
‫‪،633 ،623 ،813 ،413 ،213 ،903 ،703‬‬ ‫فكر إسالمي‪.863 ،12 :‬‬
‫‪.363 ،843‬‬ ‫فلسفة الرصاع‪.71 :‬‬

‫‪٤0٦‬‬
‫مصري ومآل‪،621 ،421 ،221 ،911 ،811 ،48 ،82 :‬‬ ‫كلمة سواء‪.863 ،09 :‬‬
‫‪.821 ،721‬‬ ‫كلمة طيبة موحدة‪.27 :‬‬
‫مفكرو اإلسالم‪.871 ،38 ،77 ،81 :‬‬ ‫كليات القرآن املقاصدية‪.91 :‬‬
‫مفكرون‪.71 :‬‬ ‫م‬
‫مفهوم االختالف‪.863 ،13 ،72 :‬‬ ‫متشابه‪.062 ،67 ،76 ،66 ،56 ،46 :‬‬
‫مقاصد كلية‪.171 :‬‬ ‫جمتمع إنساين‪.763 :‬‬
‫مقاالت اإلسالميني (كتاب)‪.522 ،66 :‬‬ ‫حمتاج‪.202 ،76 ،45 :‬‬
‫مقاالت‪.02 ،81 :‬‬ ‫حمكم‪.67 ،76 ،66 ،56 ،46 :‬‬
‫مقرح إسالمي‪.02 :‬‬ ‫خمالف داخل دائرة اإلسالم‪.71 :‬‬
‫مقصد ترشيعي عام‪.71 :‬‬ ‫خمالف ديني وحضاري‪.51 :‬‬
‫مقصد قرآين عام‪.51 :‬‬ ‫خالف معتدي‪.91 :‬‬
‫مكلفني‪.852 ،25 :‬‬ ‫مدارس فكرية‪.91 :‬‬
‫ملة إسالمية‪.56 :‬‬ ‫مذاهب‪،56 ،46 ،95 ،05 ،83 ،73 ،22 ،91 ،51 :‬‬
‫ملل ونحل‪.113 ،46 ،52 ،81 :‬‬ ‫‪.242 ،761 ،611 ،511 ،47 ،27‬‬
‫منازعة‪.952 ،981 ،53 ،33 :‬‬ ‫مذموم‪،38 ،08 ،17 ،07 ،56 ،46 ،16 ،95 ،12 :‬‬
‫منجز إنساين‪.41 :‬‬ ‫‪،313 ،113 ،903 ،103 ،752 ،602 ،302‬‬
‫منطق‪.353 ،253 ،433 ،551 ،97 ،65 ،64 ،52 :‬‬ ‫‪.763 ،453 ،243 ،923 ،323 ،513‬‬
‫منهج استقرائي‪.62 :‬‬ ‫مذهب ابن آدم األول (كتاب)‪.931 ،031 ،02 :‬‬
‫منهج القرآن الكريم‪.003 ،71 :‬‬ ‫مراجعات نقدية‪.12 :‬‬
‫منهج حتلييل استنباطي‪.62 :‬‬ ‫مراكز علمية خمتصة‪.61 :‬‬
‫منهج جديل‪،743 ،933 ،623 ،392 ،882 ،42 :‬‬ ‫مرجعية فكرية‪.32 :‬‬
‫‪.063‬‬ ‫مساواة‪.763 ،052 ،361 ،751 ،551 ،251 ،621 :‬‬
‫منهج وصفي‪.62 :‬‬ ‫مشاقة‪.53 :‬‬
‫مواطنة‪.863 ،761 ،97 :‬‬ ‫مشركات عقدية‪.72 :‬‬
‫موافق‪،402 ،281 ،751 ،551 ،051 ،63 ،91 ،31 :‬‬ ‫مشركات كرى‪.61 :‬‬
‫‪.563 ،163 ،233 ،013‬‬ ‫مصادر اإلسالم األصلية‪.81 :‬‬
‫املوافقات يف أصول الرشيعة (كتاب)‪،43 ،62 ،24 :‬‬ ‫مصادر الترشيع اإلسالمي‪.42 :‬‬
‫‪،442 ،032 ،271 ،961 ،66 ،75 ،05 ،94‬‬ ‫مصلحة‪،812 ،291 ،971 ،271 ،171 ،071 ،68 :‬‬
‫‪.553 ،433 ،333 ،523 ،062 ،752 ،052‬‬ ‫‪.552‬‬

‫‪٤0٧‬‬
‫‪.223 ،023 ،813 ،803 ،703 ،603 ،403‬‬ ‫موعظة‪.903 ،931 ،65 ،55 ،45 ،35 :‬‬
‫نقد‪.763 ،563 ،752 ،252 ،532 ،12 ،02 ،9 :‬‬ ‫مؤلفات الفكر‪.52 :‬‬
‫هـ‬ ‫امليداين‪ ،‬حسن عبد الرمحن حبنكة‪.632 ،201 ،22 :‬‬
‫هيمنة املخالف‪.81 :‬‬ ‫ن‬
‫و‬ ‫نزاعات إنسانية‪.421 :‬‬
‫واقع كوين‪.842 ،261 ،02 :‬‬ ‫نسخ املتأخر للمتقدم‪.15 :‬‬
‫وحدة‪،26 ،65 ،14 ،12 ،91 ،81 ،71 ،51 ،31 :‬‬ ‫نظر أصويل‪.32 :‬‬
‫‪،49 ،09 ،78 ،48 ،18 ،97 ،87 ،57 ،47 ،17‬‬ ‫نظر ترشيعي‪.32 :‬‬
‫‪،711 ،511 ،411 ،901 ،501 ،89 ،79 ،59‬‬ ‫نظر تكويني‪.32 :‬‬
‫‪،631 ،531 ،721 ،621 ،321 ،911 ،811‬‬ ‫نظر رشعي‪.32 ،91 :‬‬
‫‪،422 ،602 ،502 ،791 ،491 ،761 ،651‬‬ ‫نظرية متكاملة‪.863 ،02 :‬‬
‫‪.863 ،633 ،533 ،523 ،442 ،132 ،622‬‬ ‫نفس‪،201 ،101 ،69 ،39 ،78 ،68 ،57 ،61 ،9 :‬‬
‫وفاق التام‪.61 :‬‬ ‫‪،302 ،271 ،071 ،551 ،051 ،341 ،311‬‬
‫وفاق قائم عىل املشرك‪.61 :‬‬ ‫‪،142 ،042 ،932 ،832 ،732 ،632 ،532‬‬
‫وفاق‪،202 ،691 ،981 ،84 ،33 ،02 ،81 ،61 ،41 :‬‬ ‫‪،942 ،842 ،742 ،642 ،542 ،342 ،242‬‬
‫‪.863 ،663 ،482 ،572 ،952 ،242 ،232‬‬ ‫‪،062 ،952 ،852 ،752 ،252 ،152 ،052‬‬
‫وقاحة إنكارية‪.863 ،572 ،02 :‬‬ ‫‪،492 ،392 ،292 ،082 ،462 ،262 ،162‬‬

‫‪٤08‬‬
‫ﺻﺪﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻬﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‬
‫ﻟﻠﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب‬ ‫القيــم الحامعيــة‪ :‬فلســفتها ومرجعيتهــا وتجلياتهــا‬
‫أﳼء ﻓﻬﻢ اﻻﺧﺘﻼف ﰲ ﻋﺎﳌﻨﺎ اﳌﻌﺎﴏ‪ ،‬وأﺻﺒﺢ ﻟﻼﺧﺘﻼف ﻣﻌﻨﻰ اﻟﴫاع واﻟﺼﺪام‪ ،‬ووﻗﻊ‬ ‫فتحي حسن ملكاوي‬
‫ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻐﺮﰊ وﻟﺪ ﻋﺎم ‪١٩٧٨‬م ﰲ ﻗﺮﻳﺔ‬
‫اﻟﺰرﻳﻘﺎت‪ ،‬ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮاﺷﻴﺪﻳﺔ‪ ،‬ﺟﻨﻮب اﳌﻤﻠﻜﺔ اﳌﻐﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬
‫وأن اﳌﺨﺎﻟﻒ ﰲ اﻟﺮأي واﳌﻌ ﹶﺘ ﹶﻘﺪ ﳚﺐ‬
‫ﴍ‪ ،‬ﱠ‬‫اﻻﺿﻄﺮاب ﰲ ﻓﻘﻪ اﻻﺧﺘﻼف وﺗﺪﺑﲑه‪ ،‬واﻋﺘﹸﻘﺪ أن اﻻﺧﺘﻼف ﻛ ﹼﻠﻪ ﱞ‬ ‫نظريــة النمــو المعرفــي فــي المنظــور النفســي ٕا�ســ�مي‬
‫ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﺷﻬﺎدة اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﻔﻜﺮ‬
‫وإﻗﺼﺎؤه‪ ،‬ﺑﻞ واﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻪ‪ ،‬وﻇﻬﺮ ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺑﺎﺣﺜﻮن وﻣﻨ ﱢﻈﺮون ﳍﺬا اﻻﲡﺎه ﻣﻦ اﳌﺴﻠﻤﲔ وﻣﻦ‬
‫ﹸ‬ ‫رﻓﻀﻪ‬ ‫ريم عبد الرزاق الزعبي‬

‫اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﰲ ﻓﺎس‬


‫ﹼ‬
‫وﻏﺬاه اﻹﻋﻼم‪ ،‬ﻓﺘﻌﺪدت اﳉﻬﺎت اﻟﺪاﻋﻴﺔ إﱃ اﻟﻔﺮﻗﺔ واﻟﴫاع ﺑﲔ اﻟﻄﻮاﺋﻒ‬ ‫ﻏﲑﻫﻢ‪ ،‬واﻧﺘﴩ ﻫﺬا اﻟﻔﻜﺮ‬ ‫مفهومهــا ووظائفُ هــا ومتطلبا ُتهــا‬
‫ُ‬ ‫الجامعــة الحضاريــة‪:‬‬
‫ﹺ‬
‫واﻟﻔﺮق اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬وﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﲔ اﳌﺨﺎﻟﻒ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﳊﻀﺎري‪.‬‬ ‫حسان عبد �� ��ه حسان‬
‫ﻋﺎم ‪٢٠١٦‬م‪ .‬ﻳﻌﻤﻞ ﺣﺎﻟﻴﺎ أﺳﺘﺎذ ﹰا ﳌﺎدة اﻟﱰﺑﻴﺔ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ إﻓﺮان‪ .‬ﺷﺎرك ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ‬ ‫وﰲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﳌﺸﺤﻮن ﺑﺎﻟﻨﱢﺰاﻋﺎت واﻟﴫاﻋﺎت‪ ،‬واﳊﺮوب اﳌﺪﻣﺮة ﻟﻠﺤﺮث واﻟﻨﺴﻞ‪ ،‬ﺟﺎء ﻫﺬا‬ ‫الجوانــب العاطفيــة فــي حيــاة ا ٔ�نبيــاء‪ :‬كشــف و ٔتامــ�ت نفســية‬
‫اﳌﺆﲤﺮات واﻟﻨﺪوات واﳌﻠﺘﻘﻴﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ داﺧﻞ اﳌﻐﺮب‬ ‫مالك بدري‬
‫اﻟﻜﺘﺎب ﳌﺤﺎوﻟﺔ ﺣﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﺷﻜﺎﻻت اﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﳌﻮﺿﻮع‪ ،‬واﻹﺟﺎﺑﺎت ﻋﻦ ﺗﺴﺎؤﻻﺗﻪ اﳌﻄﺮوﺣﺔ‬
‫وﺧﺎرﺟﻪ‪ .‬رﺋﻴﺲ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﺪﺑﲑ اﻻﺧﺘﻼف ﻟﻠﺪراﺳﺎت‬ ‫رؤيــة العالــم‪ :‬حضــور وممارســات فــي الفكــر والعلــم والتعليــم‬
‫واﻗﱰاح اﻵﻟﻴﺎت اﳌﻨﻬﺠﻴﺔ ﻟﻠﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﳌﺸﱰك اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻹﻧﺴﺎﲏ‪ ،‬ﻟﺘﺪﺑﲑ اﻻﺧﺘﻼف ﺑﺤﻜﻤﺔ‪ ،‬وﺗﻀﻴﻴﻖ‬
‫واﻷﺑﺤﺎث‪ .‬ﻋﻀﻮ ﻣﺆﺳﺲ ﳌﺮﻛﺰ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻔﻬﺮﻳﺔ‬ ‫فتحي حسن ملكاوي‬
‫داﺋﺮﺗﻪ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ‪ ،‬ﻣﻦ أﺟﻞ اﳌﺴﺎﳘﺔ ﰲ ﻣﴩوع‪" :‬اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺴﻮاء" و"اﻻﺧﺘﻼف ﰲ إﻃﺎر اﳉﻮاﻣﻊ"‪ ،‬وﻧﻘﺾ‬
‫ﻟﻸﺑﺤﺎث واﻟﺪراﺳﺎت وﻋﻀﻮ اﳌﺮﻛﺰ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﻠﻨﻈﺮ‬ ‫التربيــة الوالديــة‪ :‬رؤيــة منهجيــة تطبيقيــة فــي التربيــة ا ٔ�ســرية‬
‫ﻣﴩوع‪" :‬اﻟﻨﺰﻋﺔ اﳌﺮﻛﺰﻳﺔ اﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻴﺔ"‪.‬‬
‫اﳌﻘﺎﺻﺪي ﰲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﳌﻌﺎﴏة‪ .‬ﻟﻪ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺑﺤﺎث‬ ‫هشام الطالب‪ ،‬عبد الحميد ٔابو سليمان‪ ،‬عمر الطالب‬
‫اﳌﻨﺸﻮرة ﰲ اﳌﺠﻼت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﳌﺤﻜﹼﻤﺔ‪.‬‬ ‫ﻛﲈ ﺟﺎء ﳌﻌﺎﳉﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻷﻣﺔ‪ ،‬ﰲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺬات وﻣﻊ اﻵﺧﺮ‪ ،‬وﺑﺎﻷﺧﺺ ﰲ وﻗﺘﻨﺎ‬
‫المنهــج الفينومينولوجــي فــي دراســة الديــن وتطبيقاتــه‬
‫اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﲏ‪:‬‬ ‫اﳊﺎﴐ اﻟﺬي ﻇﻬﺮت ﻓﻴﻪ ﳎﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ردود اﻟﻔﻌﻞ‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﲡﺎوزت اﻟﻨﻘﺎش اﻟﻌﻠﻤﻲ‪ ،‬إﱃ اﻟﱰاﺷﻖ ﺑﺎﻟﺘﻬﻢ‪.‬‬ ‫عند ٕاسماعيل الفاروقي‬
‫‪sadikiamarimohamed@gmail.com‬‬ ‫واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻋﺪم اﻟﻮﻋﻲ ﺑﻔﻘﻪ اﻻﺧﺘﻼف‪ ،‬اﳌﺆﺳﺲ ﻋﲆ أﺻﻮل وﺿﻮاﺑﻂ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻗﺔ‬ ‫عامر شنيور‬
‫واﻟﻨﺰاع‪ ،‬وﻣﺴﺎﻋﺪة ﻋﲆ اﻟﻮﺣﺪة واﻻﺋﺘﻼف؛ إذ ﱠ‬
‫إن اﻹﺷﻜﺎل ﻟﻴﺲ ﰲ اﻻﺧﺘﻼف‪ ،‬اﻟﺬي ﻫﻮ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﻦ اﷲ‬
‫تفسير القرٓان بالقرٓان‬
‫ﺗﻌﺎﱃ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ‪ ،‬ﺑﻞ ﰲ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺗﺪﺑﲑه وإدارﺗﻪ‪ ،‬وﺣﺴﻦ ﺗﺴﻴﲑه وﺗﻮﺟﻴﻬﻪ‪ ،‬ﺑﲈ ﳜﺪم اﻟﻮﻓﺎق واﻻﺋﺘﻼف‬ ‫طه جابر العلواني‬
‫اﻹﻧﺴﺎﲏ‪.‬‬
‫ا ٔ�وصــاف التجســيدية للخالــق فــي التــراث اليهــودي‬
‫وا�س�مي تمثيل ما � يمكن تمثيله‬ ‫والمسيحي ٕ‬
‫ذو الفقار علي شاه‬
‫صــورة ٕا�نســان بيــن المرجعيتيــن ٕا�ســ�مية والغربيــة‬
‫تحرير‪ :‬رائد عكاشة وعائشة الخضيري‬
‫اﳌﻌﻬﺪ اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬

You might also like