Professional Documents
Culture Documents
( )1أما " الحمد" :فهو الثناء على هللا بصفات كمالــه ،وســبوغـ نعمــه ،وســعة جــوده ،وبــديع حكمتــه ،ألنــه تعــالى كامــل األســماء
والصفات واألفعال ،ليس في أسمائه اسم مذموم ،بل كلها أسماء حسنى ،وال في صفاته صفة نقص وعيب ،بل هي صــفات كاملــة
من جميع الوجوه ،وهو تعالى جميل األفعال ،ألن أفعاله دائرة بين العــدل واإلحســان ،وهــو محمــودـ على هــذا وعلى هــذا ،فلــه أتم
حمد وأكمله.
و " هللا " :هو المألوه المعبود ،الذي يستحق أن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة ،وال يشرك به شيئا لكمال حمده.
" العلي" :الذي له العلو التام المطلق من جميع الوجوه ،علو الذات ،وعلو القدر ،وعلو القهر.
" األرفق" أي :الرفيق في أفعاله ،فأفعاله كلها رفق ،على غاية المصالح والحكمة ،وقدـ أظهــر ســبحانه لعبــاده من آثــار رفقــه مــا
يستدلون به على كماله وكمال حكمته ورفقه ،كمـا في خلقـه السـموات واألرض ومـا بينهمـا في سـتة أيـام ،مـع أنـه قـادر على أن
يخلقها في لحظة ،وكذلك خلقه اإلنسان والحيوانات والنبات ،على اختالف أنواعــه :يخلقهــا شــيئا فشــيئا ،حــتى تنتهي وتكمــل ،مــع
قدرته على تكميلها في لحظة ،ولكنه رفيقـ حكيم.
فمن رفقه وحكمته :تطويرهاـ في هذه األطوار ،فال تنــافيـ بين قدرتــه وحكمــه ،كمــا أنــه يقــدر على هدايــة الضــالين ،ولكن حكمتــه
اقتضت إبقاءهم على ضاللهم ،عدال منه تعـالى ،ليس ظلمـا ،ألن إعطـاء اإليمـان والهـدىـ محض فضـله ،فـإذا منعـه أحـدا لم يعـد
ظالما ،ال سيما إذا كان المحل غير قابل للنعم.
فكل صفة من صفاته تعالى لها أثر في الخلق واألمر ،وال ينافي بعضها بعضا.
و من فهم هذا األصل العظيم انحلت عنه إشكاالت كثيرة في معرفة أســماء هللا وصــفاته ،ونــزل كــل اســم من أســماء هللا في محلــه
الالئق به.
و قولي:ـ "جامع األشياء والمفرق" :يعني أنه تعالى جمع األشياء في شيء ،وفرقها في شيء آخر ،كما جمع بين خلقــه في كونــه
خلقهم ورزقهم ،وفــرقـ بينهم في األشــكال والصــور ،والطــولـ والقصــر ،والســوادـ والبيــاض ،والحســن والقبح ،وغــير ذلــك من
الصفات.
كل هذا صادر عن كمال قدرته وحكمته ،ووضعه األشياء مواضعهاـ الالئقة بها ،وهللا أعلم.
ذي النعم الواسع الغزيرة //والحكم الباهرة الكثيرة قولي)2( :
( )2هذا بيان لسعة فضله وعطاياه الشاملة لجميع خلقه .فال يخلو مخلوق من نعمه طرفة عين ،وال سيما اآلدمي،فــإن هللا فضــله
وشرفه ،وسخر له ما في السموات وما في األرض ،وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة ،وال يمكن تعداد نعمه .قال تعالى " :وإن
تعدوا نعمة هللا ال تحصوهاـ إن هللا لغفور رحيم" ( النحل .)18 :و لكنه تعالى رضيـ من شكر نعمه باالعتراف بها ،والتحدث بها،
وصرفها في طاعة هللا ،وأن ال يستعان بشيء من نعمه على معاصيه.
و قوليـ " :والحكم الباهرة الكثيرة" :
يعني :أن حكمه تعالى كثيرة تبهر العقول ،وتتعجب منها غاية العجب ،فإن جميع مخلوقاته ومأموراته مشتملة على غاية الحكمة.
و من نظر في هذا الكون وعجائبه ،وسمائه وأرضه ،وشمسه وقمــره ،وكواكبــه ،وفصــوله ،وحيوانــه ،وأشــجاره ونباتــه ،وجبالــه
وبحاره ،وجميع ما يحتوي عليه رأى فيه العجائب العظيمة.
و يكفي اإلنسان نفسه ،فإنه إذا نظر إلى كل عضو من أعضائه علم أنه ال يصلح في غير محله.
و قولي:ـ ( )3ثم الصالة مع سالم دائم //على الرسول القرشي الخاتم
( )4وآله وصحبه األبرار //الحائزي مراتب الفخار
( )3أما الصالة من هللا :فهي ثناؤه على عبده في المأل األعلى ،ففيها حصولـ الخير.
و " السالم" :فيه دفع الشر واآلفات.
و " الرسول" :من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.
و " الخاتم" :الذي ختم هللا به أنبياءه ورسله ،فال نبي بعده.
( " )4وآل النبي " :هم أتباعه على دينه إلى يوم القيامة ،فيدخل فيهم الصحابة ،فيكون عطفهم عليهم من باب عطف الخاص
على العام ،لمزيتهم وشرفهمـ بالعلم النافع والعمل الصالح والتقى الكامل الذي أوجب لهم مفاخر الدنيا واآلخرة رضيـ هللا عنهم.
( )5اعلم هديت أن أفضل المنن //علم يزيل الشك عنك والدرن
( )6ويكشف الحق لذي القلوب //ويوصلـ العبد إلى المطلوب
( )6( ، )6يعني :أن منن هللا على العباد كثيرة ،وأفضل ما من هللا على عبده به هو :العلم النافع.
و ضابطـ العلم النافع – كما قلت في النظم : -أنه يزيل عن القلب شيئين :وهما الشبهات والشهوات.
فـ " الشبهات" :تورث الشك .و الشهوات :تورث درن القلب وقسوته ،وتثبط البدن عن الطاعات.
1
فعالمة العلم النافع :أن يزيل هذين المرضين العظيمين.
و يجلب للعبد في مقابلتهما شيئين وهما " :اليقين" :الذي هو ضد الشكوك.
الثاني " :اإليمان التام" :الموصل للعبد لكل مطلوب ،المثمر لألعمال الصالحة الذي هو ضد للشهوات.
فكلما ازداد اإلنسان من العلم النافع حصل له :كمال اليقين ،وكمال اإلرادة ،وال تتم سعادة العبد إال باجتماعـ هذين األمرين ،وبهمــا
تنال اإلمامة في الدين .قال تعالى " :وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرناـ لما صبروا وكانواـ بآياتنا يوقنون"ـ ( السجدة.)24 :
و درجات اليقين ثالث كل واحدة أعلى من األخرى :علم اليقين ،وعين اليقين ،وحقـ اليقين.
فعلم اليقين :في (الدنيا) كعلمنا اآلن الجنة والنــار .و عين اليقين :إذا وردـ النــاس يــوم القيامــة " :وأزلفت الجنــة للمتقين * وبــرزت
الجحيم للغاوين" ( الشعراء )91-90فرأوهماـ قبل الدخول .و حق اليقين :إذا دخلوهما.
و حاصل ذلك :أن العلم شجرة تثمر كل قول حسن وعمل صالح .و الجهل :شجرة تثمر كل قول وعمل خبيث.
و إذا كان العلم بهذه المثابة ،فينبغي لإلنسان أن يحرص كل الحرص ،ويجتهد كل االجتهاد في تحصيله ،وأن يــديم االســتعانة باهلل
في تحصيله ،ويبدأ باألهم فاألهم منه.
و من أهمه :معرفة أصوله وقواعده التي ترجع مسائله إليها.
فلهذا قلت )7( :فاحرص على فهمك للقواعد //جامعة المسائل الشوارد
( )8فترتقي في العلم خير مرتقى //وتقتفي سبل الذي قد وفقا
( )9وهذه قواعد نظمتهاـ //من كتب أهل العلم قد حصلتها
( )10جزاهم المولى عظيم األجر //والعفو مع غفرانه والبر
( )10( – )7وهذا ،ألن معرفة القواعد من أقوى األسباب لتسهيل العلم وفهمه وحفظه ،لجمعها المسائل المتفرقة بكالم جامع.
فصل ( )11والنية شرط لسائر العمل //بها الصالح والفساد للعمل
( )11هذه القاعدة أنفع القواعد وأجلها :و تدخل في جميع أبواب العلم ،فصالح األعمال البدنية والمللية – أعمـال القلــوب وأعمــال
الجوارح ، -إنما هو بالنية ،وفسادـ هذه األعمال بفساد النيـة ،فـإذا صــلحت النيــة :صـلحت األقـوال واألعمــال ،وإذا فسـدت النيـة:
فسدت األقوال واألعمال ،كما قال – صلى هللا عليه وسلم " : -إنما األعمال بالنيات ،وإنما لكل امرىء ما نوى" .
" النية" لها مرتبتان :إحداهما تمييز العادة عن العبادة :وذلك أن الصومـ مثال هو :تــرك الطعــام والشــراب ونحوهمــا ،ولكن تــارة
يتركه اإلنسان عادة ،من غير نية التقرب إلى هللا في هذا الترك ،وتارة يكون عبادة ،فالبد من التمييز بينهما.
الثاني :تمييز العبادات بعضهاـ من بعض :فبعضهاـ فرض عين ،وبعضـها فـرض كفايـة ،وبعضـها راتبـة أو وتـر ،وبعضـها سـنن
مطلقة ،فالبد من التمييز.
و من مراتب النية :اإلخالص :هو قدر زائد على مجرد نية العمل ،فالبد من نية نفس العلم والمعمول به.
و هذا هو اإلخالص ،وهو أن يقصد العبد بعمله وجه هللا ال يريد غيره.
فمن أمثلة هذه القاعدة :العبادات كلها ،كالصالة فرضهاـ ونفلهـا ،والزكـاة ،والصـوم ،واالعتكـاف ،والحج ،والعمـرة ،فـرض الكـل
ونفله ،واألضاحي ،والهدي ،والنذور ،والكفارات ،والجهاد ،والعتق ،والتدبير.
و يقال :بل يسريـ هــذا إلى ســائر المباحــات إذا نــوى بهــا التقــوي على طاعــة هللا ،أو التوصــل إليهــا ،كاألكــل والشــرب ،والنــوم،
واكتساب المال ،والنكاح والوطء فيه وفي األمة إذا قصدـ به :اإلعفاف ،أو تحصيل الولد الصالح ،أو تكثير األمة.
و ها هنا معنى ينبغي التنبه له ،وذلك أن الذي يخاطب به العبد نوعان :أمر مقصودـ فعله ،وأمر مقصودـ تركه.
فأما المأمور به :فالبد فيه من النية ،فهي شرط في صحته وحصول الثواب به ،كالصالة ونحوها.ـ
و أما ما يقصد تركه :كإزالة النجاسة في الثوب ،والبدن ،والبقعة ،وكأداء الديون الواجبة.
أما إبراء الذمة من النجاسة والديون :فال يشترط لها نية إبراء الذمة ،ولو لم ينو.
و أما حصول الثواب عليها ،فالبد فيه من نية التقرب إلى هللا في هذا ،وهللا أعلم.
( )12الدين مبني على المصالح //في جلبها والدرء للقبائح
( )12هذا األصل العظيم والقاعدة العامة يدخل فيها الدين كله :فكله مبني على تحصيل المصالح في الدين والدنياـ واآلخرة ،وعلى
دفع المضار في الدين والدنيا واآلخرة.
ما أمر هللا بشيء إال وفيه من المصالح ما ال يحيط به الوصف ،وما نهى عن شيء إال وفيه من المفاسد ما ال يحيط به الوصف.
و من أعظم ما أمر هللا به :التوحيد الذي هو :إفراد هللا بالعبادة.
و هو مشتمل على :صالح القلوب ،وسعتها ،ونورها ،وانشراحها ،وزوال أدرانها ،وفيه مصالح البدن والدنيا واآلخرة.
و أعظم ما نهى هللا عنه :الشرك في عبادته ،والذي هو فساد وحسرة في القلوب واألبدان ،والدنيا واآلخرة.
فكل خير في الدنيا واآلخرة :فهوـ من ثمرات التوحيد ،وكل شر في الدنيا واآلخرة فهوـ من ثمرات الشرك.
2
و مما أمر هللا به :الصالة ،والزكاة ،والصــيام ،والحج ،الــذي من فوائـدـ هــذا :انشــراح الصــدر ونــوره ،وزوالـ همومــه وغمومــه،
ونشاط البدن وخفته ،ونورـ الوجه ،وسعة الرزق ،والمحبـة في قلـوب المؤمـنين ،وفي الزكـاة والصـدقة ،ووجـوه اإلحسـان :زكـاة
النفس وتطهيرها ،وزوالـ الوسخ والدرن عنها ،ودفع حاجة أخيه المسلم ،وزيادة بركة ماله ونماؤه.
مع ما في هـذه األعمـال من عظيم ثـواب هللا الـذي ال يمكن وصـفه ،ومن حصـول رضـاه الـذي هـو أكـبر من كـل شـيء ،وزوال
سخطه.
و كذلك شرع لعباده االجتماع للعبادة في مواضع ،كالصلوات الخمس ،والجمعة ،واألعياد ،ومشاعر الحج ،واالجتمــاعـ لــذكر هللا،
والعلم النافع ،لما في االجتماع من االختالط الذي يوجب :التواددـ والتواصل ،وزوال التقاطع واألحقــاد بينهم ،ومراغمــة الشــيطان
الذي يكره اجتماعهم على الخير ،وحصول التنافس في الخيرات ،واقتداءـ بعضــهم ببعض ،وتعليمـ بعضــهم بعضــا ،وتعلم بعضــهمـ
من بعض ،وكذلك حصول األجر الكثير الذي ال يحصل باالنفراد ،إلى غير ذلك من الحكم.
و أباح سبحانه ،البيع والعقود المباحة ،لما فيه من العدل ،ولحاجة الناس إليها .و أباح الطيبات من المأكل والمشــارب ،والمالبس،
والمناكح ،لما فيها من الخبث والمضرة ،عاجال وآجال ،فتحريمها :حماية لعباده ،وصيانة لهم ،ال بخال عليهم ،بل رحمة منــه بهم،
فكما أن عطاءه رحمة ،فمنعه رحمة .مثال ذلك :أن إنزال المطر بقدر ما يحتاج إليه العباد رحمة منه تعالى ،فإذا زاد تضر زيادته
كان منعه رحمة.
وبالجملة :فإن أوامر الرب قوت القلوب وغذاؤها ،ونواهيه داء القلوب وكلومها .وكذلك :المــواريث ،واألوقــاف ،والوصــايا ،ومــا
في معناها ،اشتملت كلها على غاية المصلحة والمحاسن .وال يمكن ضبط الحكم والمصالح في باب واحد من أبــواب العلم ،فضــال
عن جميعه.
قال ابن القيم رحمه هللا تعالى" :وإذا تأملت الحكمة الباهرة في هذا الدين القويم ،والملة الحنيفية ،والشريعة المحمدية الــتي ال تنــال
العبارة كمالها ،وال يدرك الوصفـ حسنها ،وال تقترح عقول العقالء لو اجتمعت وكانت على أكمل عقل رجــل واحــد منهم فوقهــا،
فإن العقول الكاملة الفاضلة إن أدركت حسنها ،وشدت لهــا ،وأنــه مــا طــرق العــالم شــريعة أكمــل منهــا وال أعظم وال أجــل ،ففيهــا
الشاهد والمشهود له ،والحجة والمحتج له ،والدليل والبرهان ،ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهانا وشاهدا على أنها
من عند هللا تعالى.
و كلها شاهدة هلل بكمال العلم ،وكمال الحكمــة ،وســعة الرحمــة والــبر واإلحســان ،واإلحاطــة بــالغيب والشــهادة ،والعلم بالمبــادىء
والعواقب ،وأنها من أعظم نعم هللا التي أنعم بها على عباده ،فما أنعم على عباده نعمة أجل من أن هــداهم لهــا ،وجعلهم من أهلهــا،
وممن ارتضاهمـ لها وارتضاها لهم ،كما قال تعالى " :لقد من هللا على المؤمنين إذ بعث فيهم رســوال من أنفســهم بتلــو عليهم آياتــه
ويزكيهمـ ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين" (آل عمران ." )164 :ثم أطال الكالم رحمه هللا تعالى.
( )13فإن تزاحم عدد المصالح //يقدم العلى من المصالح
( )13إذا دار األمر بين فعل إحدى المصلحتين وتفويت األخرى ،بحيث ال يمكن الجمع بينهما ،روعي أكبر المصلحتين وأعالها
ففعلت.
فإن كانت إحدى المصلحتين واجبة واألخرىـ سنة ،قدمـ الواجب على السنة،و هذا مثل :إذا أقيمت الصالة الفريضة ،لم يجز ابتــداء
التطوع ،وكذا إذا ضاق الوقت ،وكذلك :ال يجوز نفل الصيام والحج والعمرة عليه وعليه فرض ،بل يقدم الفرض.
وإن كانت المصلحتان واجبتين :قدم أوجبهما ،فيقدم صــالة الفــرض على صــالة النــذر ،وكالنفقــة الالزمــة للزوجــات ،واألقــارب،
والمماليك :تقدم الزوجات ،ثم المماليك ،ثم األوالد ،ثم األقرب فاألقرب ،وكذا صدقة الفطر.
وإن كانت المصلحتان مسنونتين :قدم أفضلهما ،فتقدم الراتبة على السنة ،والسنة على النفل المطلق.
ويقدم ما فيه نفع متعدد :كالتعليم ،وعيــادة المــريض ،واتبــاع الجنــائز ،ونحوهـاـ على مــا نفعــه قاصــر ،كالصــالة النافلــة ،والــذكر،
ونحوها.
وتقدم الصدقة والبر للقريب على غيره .ويقدم من عتق الرقاب أغالها وأنفسها.
ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له ،وهو أنه قد يعـرض للعمـل المفضـول من العـوارض مـا يكـون بـه أفضـل من الفاضـل ،بسـبب
اقتران ما يوجب التفضيل.
واألسباب الموجبة للتفضيل أشياء ،منها :أن يكون العمل المفضول مأمورا بــه بخصــوص هــذا المــوطن ،كاألذكــارـ في الصــالة
وانتقاالتها ،واألذكارـ بعدها ،واألذكارـ الموظفة بأوقاتها،ـ تكون أفضل من القراءة في هذه المواطن.
ومن األسباب الموجبة للتفضيل :أن يكون العمل المفضول مشتمال على مصلحة ال تكون في الفاضل ،كحصولـ تأليف به أو نفــع
متعد ال يحصل بالفاضل ،أو يكون في العمل المفضول دفع مفسدة يظن حصولها في الفاضل.
ومن األسباب الموجبة للتفضيل :أن يكون العمل أزيد مصلحة للقلب من الفاضل ،كما قال اإلمــام أحمــد – رحمــه هللا – لمــا ســئل
عن بعض األعمال " :انظر إلى ما هو أصلح لقلبك فافعله".
فهذه األسباب تصير العمل المفضول أفضل من الفاضل بسبب اقترانها به.
( )14وضده تزاحم المفاسد //يرتكب األدنى من المفاسد
( )14المفاسد :إما محرمات أو مكروهات :كما أن المصالح :إما واجبات ،أو مستحبات.
3
فإذا تزاحمت المفاسد ،بأن يضطر اإلنسان إلى فعل أحدها ،فالواجب أن ال يرتكب المفسدة الكــبرى ،بـل يفعــل الصـغرى ،ارتكابــا
ألهون الشرين ،لدفع أعالهما.
فإن كانت إحدى المفسدتين حراما واألخرى مكروهة :قدم المكروه على الحرام ،فيقدم األكل من المشتبه على الحرام الخالص.
و كذلك يقدم سائر المكروهاتـ على المحرمات.
و إن كانت المفسدتان حرامين :قدم أخفهما تحريما.
و كذا إذا كانت مكروهتين :قدم أهونهما.ـ
و مراتب المحرمات والمكروهاتـ في الصغر والكبرـ تستدعي بسطا كثيرا ال يمكنني ضبطها.
( )15والشرع من أصوله التيسير //في كل أمر نابه تعسيرـ
( )15وذلك أن الشرع مبناه على الرأفة والرحمة والتسهيل :كمال قال تعالى " :وما جعــل عليكم في الــدين من حــرج" ( الحج:
.)78
فإن األمور نوعان :نوع ال يطيقه العباد :فهذا ال يكلفهم هللا به .و الثاني :يطيقونه :واقتضتـ حكمته أمرهم به فأمرهمـ به.
و مع هذا إذا حصل لهم بفعله مشقة وعسر ،فال بد أن يقع التخفيف فيه والتيسير:ـ إما بإسقاطه كله ،أو تخفيفه وتسهيله.
و يدخل في هذه القاعدة أنواع من الفقه:
منها في العبادات :التيمم عند مشقة استعمال المال ،على حسب تفاصيله في كتب الفقه ،والقعودـ في الصــالة عنــد مشــقة القيــام في
الفرض ،وفيـ النفل مطلقا ،وقصرـ الصالة في السفر ،والجمع بين الصالتين ،ونحو ذلك من رخص السفر ونحوها.
و من التخفيف>>ات أيض>>ا :أعــذار الجمعــة والجماعــة ،وتعجيــل الزكــاة ،والتخفيفــات في العبــادات ،والمعــامالت ،والمناكحــات،
والجنايات.
و من التخفيفات المطلقة :فروض الكفايات وسننها ،والعمل بالمظنون ،لمشقة اإلطالع على اليقين ،وهللا أعلم.
( )16وليس واجب بال اقتدارـ //وال محرم مع اضطرار
فلهذا قلت )17( :وكل محظور مع الضرورة //بقدر ما تحتاجه الضرورة
( )16هاتان قاعدتان عظيمتان :ذكرهما شيخ اإلسالم وغيره ،وأنفق العلماء عليهما ،فإن هللا فــرض على عبــاده فــرائض وحــرمـ
عليهم محرمات ،فإذا عجزوا عما أمرهم به وضعفت قدرهمـ عنه لم يوجب عليهم فعل ما لم يقدروا عليه ،بــل أســقطه عنهم ،ومــع
هذا ،إذا كانت لهم أعمال قبل وجودـ هذا المانع فإنه يجري أجرها عليهم ،تفضال منه تعالى.
و كذلك حرم عليهم أشياء حماية لهم وصيانة ،وجعل لهم في المباح فسحة من المحرم.ـ
مــــــع هــــــــذا :إذا اضطرـ اإلنسان إلى محرمـ جاز له فعله فالضرورات تبيح المحظورات :كأكل الميتــة ،وشــرب المــاء النجس
عند الضرورة ،وجواز محظورات الحج وغيره عند الضرورة ،ولكن يجب أن ال يأخذ من المحظور إال بقدر الضرورة.
( )17أي :فال يزيد على ما تحتاج إليه الضرورة.
بل إذا زادت الضرورة وجب الكف عن الباقي ،فيأكل من الميتة ونحوها بقدر ما يزيل الضرورة.
( )18وترجع األحكام لليقين //فال يزيل الشك لليقين
( )18ومعنىـ هذا :أن اإلنسان متى تحقق شيئا ثم شك :هل زال ذلك الشيء المتحقــق أم ال؟ األصــل بقــاء المحقــق ،فيبقى األمــر
على ما كان متحققا.
لو شك في امرأة :هل تزوجها؟ لم يكن له وطؤها استصحابا لحكم التحريم.
و كذا لو شك :هل طلق زوجته أم ال؟ لم تطلق ،وله أن يطأها استصحاباـ للنكاح.
و كذا لو شك في الحدث بعد تيقنه الطهارة أو عكسه ،أو شك في عدد الركعات أو الطواف ،أو السعي ،أو الرمي ونحوه.
و ال تختص هذه القاعدة بالفقه ،بل األصل في كل حادث عدمه ،حتى يتحقق ،كما نقول األصل :انتفاء األحكــام عن المكلفين حــتى
يأتي ما يدل على خالف ذلك.
و األصل في األلفاظ :أنها للحقيقة ،وفي األوامر :أنها للوجوب ،وفيـ النواهي :أنها للتحريم.
و األصل بقاء العموم حتى يتحقق مخصص.
واألصل بقاء حكم النص حتى يرد الناسخ.
و ألجل هذه القاعدة كان االستصحابـ حجة ،وما ينبني على هذه القاعدة ال يطالب بالدليل ،فإنــه مســتندـ إلى حجــة ،لالستصــحاب،
كما أن المدعى عليه في باب الدعاوى ال يطالب بحجة على براءة ذمته ،بل القول في اإلنكار قوله بيمينه.
و لما كانت األحكام ترجع إلى أصولها حتى يتيقن زوال األصل ،احتيج إلى ذكر أصول أشياء إذا شك فيها رجع إلى أصولها.ـ
( )19واألصل في مياهنا الطهارة //واألرض والثياب والحجارة
( )20واألصل في األبضاع واللحوم //والنفس واألموال للمعصومـ
( )21تحريمها حتى يجيء الحل //فافهمـ هداك هللا ما يمل
4
( )19فالمياه كلها :البحار ،واألنهار ،واآلبــار ،والعيــون ،وجميــع مــا تحتــوي عليــه األرض من الــتراب ،واألحجــار ،والســباخ،
والرمال ،والمعادن ،واألشجار،ـ وجميع أصناف المالبس ،كلها طاهرة ،حتى يتيقن زوال أصلها بطروء النجاسة عليها.
( )21 ( ، )20يعني :أن األصل في هذه األشياء التحريم حتى نتيقن الحل :فاألصل في األبضاع التحريم.
و األبضاع :وطء النساء ،فال يحل إال بيقين الحل :إما بنكاح صحيح ،أو بملك اليمين.
و كذلك اللحوم :األصل فيها التحريم ،حتى يتيقن الحل ،ولهــذا إذا اجتمــع في الذبيحــة ســببان :مــبيح ،ومحــرم،ـ غلب التحــريم ،فال
يحل المذبوح والمصيد ،فلو رماه أو ذبحه بآلة مسمومة ،أو رماه فوقعـ في ماء ،أو وطئه شيء يقتل مثله غالبا ،فال يحل.
و كذلك األصل في المعصومـ – وهو المسلم أو المعاهد – تحريم دمه وماله وعرضه ،فال تباح إال بالحق.
فإذا زال األصل ،إما بردة المسلم ،أو زنا المحصن ،أو قتل النفس ،أو نقض المعاهد العهد ،حل قتله.
و كذلك :إذا جنى اإلنسان جناية توجب قطع عضو ،أو تـوجب عقوبـة أو مـاال ،حـل منـه بقـدر مـا يقابـل تلـك الجنايـة ،فـإذا قطـع
عضوا ،أو سرق أو نحوه.
و كذا إذا اسـتدان وأبى الوفـاء :فيؤخـذـ من مالـه بقـدر ذلـك الحـق ،سـواء كـان الـدين هلل ،أو لخلقـه ،أو نفقـة لألقـارب والمماليـك،
والبهائم ،والضيف ،ونحوه.
( )22واألصل في عاداتنا اإلباحة //حتى يجيء صارفـ اإلباحة
( )23وكل فعل طاعة محظورـ //سوى الذي في شرعنا مذكور
( )23 ( ، )22وهذا أصالن :ذكرهما شيخ اإلسالم – رحمه هللا – في كتبه ،وذكرـ أن األصل الذي بنى عليه اإلمام أحمد مذهبه:
أن العادات األصل فيها اإلباحة ،فال يحرم منها إال ما ورد تحريمه.
و أن األصل في العبادات أنه ال يشرع منها إال ما شرعه هللا ورسوله.
فـ ـ " العبــادات " :هي مــا اعتــاد النــاس من :المأكــل ،والمشــارب ،وأصــنافـ المالبس ،والــذهاب ،والمجيء ،والكالم ،وســائر
التصرفات المعتادة ،فال يحرم منها إال ما حرمه هللا ورسوله :إما نصا صريحا ،أو يدخل في عموم أو قياس صــحيح ،وإال فســائر
العادات حالل.
و الدليل على حلها :قوله تعالى " :هو الذي خلق لكم ما في األرض جميعــا" ( البقــرة ،)29 :فهـذا يـدل على أنـه خلـق لنـا مـا في
األرض جميعه ،لننتفع به على أي وجه من وجوه االنتفاع.
و أما " العبادات" :فإن هللا خلق الخلق لعبادته ،وبين في كتابه وعلى لسان رسوله صلى هللا عليه وسلم العبــادات الــتي يعبــد بهــا،
وأمر بإخالصها له ،فمن تقرب بها إلى هللا مخلصا فعمله مقبول ،ومن تقرب هلل بغيرهــا فعملــه مــردود ،كمــا قــال صــلى هللا عليــه
وسلم " :من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد" .وصاحبه داخل في قولـه تعـالى " :أم لهم شـركاء شـرعوا لهم من الـدين مـا لم
يأذن به هللا " (الشورى:ـ .)21
( )24وسائل األمور كالمقاصد //واحكم بهذا الحكم للزوائدـ
( )24يعني :أن الوسائل تعطى أحكام المقاصد ،فإذا كان مأمورا بشيء كان مأموراـ بما ال يتم إال به.
فما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ،وما ال يتم المسنون إال به فهوـ مسنون .وإذا كان منهيا عن شيء كان منهيا عن جميــع طرقــه
وذرائعه ووسائله الموصلة إليه.
فالوسيلة إلى الواجب واجبة :كالمشي إلى الصالة للفريضة ،والزكاة ونحوها ،والجهاد ،وأداء الحقوق الالزمة ،كحقوق هللا تعالى،
وحقوق الوالدين واألقارب والزوجاتـ والمماليك ،فما ال تتم هذه األمور إال به فهو واجب.
و أما المسنون كالنافلة من :الصالة والصدقة والصيام ،والحج ،والعمرة.
و المتعلقة بالخلق كحقوق الخلق المستحبة من :صلة األرحام ،وعيـادة المــريض ،والـذهاب إلى مجـالس العلم ،ونحـوه .فمــا ال تتم
هذه إال به فهوـ مسنون ،كنقل األقدام إليها ،ونحوه.
و أما المحرم :فمنه الشرك األكبر :وهو الشرك في العبادة ،فيحرمـ كل قول وفعل يفضي إليه ،ويكون وســيلة قريبــة إليــه ،ويكــون
شركا أصغر :مثل الحلف بغير هللا ،وتعظيم القبور ،والتبرك بها :الذي لم يبلغ رتبة العبادة ،ألنه ذريعة لعبادتها.
و كذلك الوسائل إلى سائر المعاصي:ـ كالزنا ،وشرب الخمر ،ونحوهما ،فالوسائل إليه محرمة ،والوسيلة إلى المكروه مكروه.
و هذه القاعدة من أنفع القواعد وأعظمها وأكثرها فوائد،ـ ولعلها يدخل فيها ربع الدين.
و قوليـ " :واحكم بهذا الحكم للزوائد" :
األشياء ثالثة :مقاصد :كالصالة مثال .و وسائل إليها :كالوضوء والمشي .و متممات لها :كرجوعه إلى محله الذي خرج منه.
و قد ذكرنا أن الوسائل تعطى أحكام المقاصد ،فكذلك المتممات لألعمال تعطى أحكامها ،كالرجوع من الصالة ،والجهــاد ،والحج،
واتباع الجنازة ،وعيادة المريض ،ونحوـ ذلك ،فإنه من حين يخرج من محله للعبادة فهو في عبادة حتى يرجع.
5
( )25والخطا واإلكراه والنسيان //أسقطه معبودناـ الرحمان
( )26لكن مع اإلتالف يثبت البدل //وينتفي التأثيم عنه والزلل
( )26( ، )25وهذا من كمال جوده وكرمه – تعالى – ورحمته بعباده :إنه لما كلف عباده بأوامر يفعلونها ،ونواهيـ يجتنبوها ،أنه
إذا صدر منهم إخالل بالمأمور،ـ أو ارتكاب للمحظور ،نسيانا أو خطأ أو إكراها ،إنه عفى عنهم وسامحهم،ـ لقوله – صلى هللا عليه
وسلم – " عفي ألمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهواـ عليه".
قال ابن رجب – رحمه هللا – في " شرح األربعين" – بعدما ذكر النصوص الدالة على رفع اإلثم عن المخطىء والناســي ،فقــال:
" واألظهــر -وهللا أعلم : -أن الناســي والمخطىء قــد عفي عنهمــا ،بمعــنى رفــع اإلثم عنهمــا ،ألن اإلثم مــترتب على المقاصــد
والنيات ،والناسيـ والمخطىء ال قصدـ لهما فال إثم عليهما .وأما رفع األحكام فليس مــرادا من هــذه النصــوص ،فيحتــاج في ثبوتهــا
ونفيها إلى دليل آخر.
و الخطأ :أن يقصد بفعله شيئا ،فيصادف فعله غير ما قصده ،مثل أن يقصد قتل كافر فيصادف مسلما.
و النسيان :أن يكون ذاكرا للشيء فينساه عند الفعل ،وكالهما معفو عنه".
إلى أن قال " :الفصل الثاني :في حكم المكره ،وهو نوعان :أحدهما :من ال اختيار له وال قــدرة على االمتنــاع ،كمن حمــل كرهــا
وأدخل مكانا حلف على االمتناع من دخوله ،أو حمل كرها وضربـ به غيره حتى مــات ذلــك الغــير ،وال قــدرة على االمتنــاع ،أو
أضجعت امرأة ثم زني بها من غير قدرة على االمتناع .فهذا ال إثم عليه باالتفاق ،وال يترتب عليه حنث عند الجمهور ،وق ـدـ حكي
عن بعض السلف -كالنخعيـ – فيه خالف".
ثم قال" :النوع الثاني :من أكره بضرب أو غيره حتى فعل ،فهذا الفعل متعلق بــه التكليــف ،فإنــه يمكنــه أن ال يفعــل ،فهــو مختــار
للفعل ،لكن ليس غرضه نفس الفعل ،بل دفع الضررـ عنه ،فهو مختار من وجه ،غير مختار من وجه ،ولهــذا اختلــف النــاس :هــل
هو مكلف أم ال؟ واتفق العلماء على :أنه لو أكره على قتل معصومـ لم يصح له قتله ،فإنه إنما يقتله باختيــاره ،وافتــداء نفســه بقتلــه.
وهذا إجماع من العلماء المعتد بهم".
ثم ذكر بعد هذا " :أن اإلكراه على األقوال معفو عنها ،ال يأثم اإلنسان إذا أكره عليهما .وأن اإلكــراه على األفعــال فيــه خالف بين
العلماء" .انتهى كالمه رحمه هللا.
و الحاصل :أن اإلثم مرفوعـ عن هؤالء الثالثة .و أما الضمان – إذا أتلـف نفسـا أو مـاال : -فيضـمنون ،ألن الضـمان مـرتب على
نفس الفعل ،سواء قصد أو لم يقصد .و أما اإلثم :فمرتب على المقاصد ،وهللا أعلم.
( )27ومن مسائل األحكام في التبع //يثبت ال إذا استقل فوقعـ
( )27يعني :أنه يثبت تبعا ما ال يثبت استقالال ،فإن من األحكام أشياء يختلف حكمها في حال االنفراد ،وفي حــال التبــع لغيرهــا:
فلها حكم إذا انفردت .ولها حكم إذا تبعت غيرها.
فمن ذلك :في البيع :ال يجوز بيع المجهول استقالال ،ويجوز إذا كان تبعا لغيره والجهالة يسيرة ،كأساسات الحيطــان ،ومــا اختفى
تبعا لما ظهر.
و الحشرات :ال يجوز أكلها منفردة ،ويجوزـ أل الدود ونحوه تبعا للثمرة ونحوها.ـ والنحل في ذبابة.
و الطالق :ال يثبت بشهادة النساء ،فإذا شهدت المرأة أنها أرضعت المرأة وزوجها انفسخ النكاح تبعا لقبول قولهاـ في الرضاع.
( )28والعرف معمول به إذا ورد //حكم من الشرع الشريف لم يحد
( )29معاجل المحظورـ قبل آنه //قد باء بالخسران مع حرمانه
( )28هذا معنى قول الفقهاء " :العادة محكمة" أي :معمول بها.
فإذا نص الشارع على حكم ،وعلق بها شيئا ،فإن نص على حده وتفسيره ،وإال رجع إلى العــرف الجــاري ،وذلــك كــالمعروف في
قوله تعالى " :وعاشروهن بالمعروف" ( النساء ،)19 :وهذا الذي جرى عليه عرف الناس.
و كذلك بر الوالدين ،وصلة األرحام ،فكل ما يعد برا وصلة فهو داخل في ذلك.
و كذلك لفظ القبض والحرز وألفاظ العقود كلها :يرجع فيه إلى عرف الناس.
و من هذا :إذا أمر حماال ونحوه بعمل شيء من غير إجــادة فلـه أجــرة عادتـه ويــدخل في هــذا :تصــرف اإلنســان في ملـك غـيره،
واستعماله بغير إذنه ،إذا جرت العادة بذلك ،والمسـامحة كـالتروحـ بمروحـة غـيره ،ودق بابـه ،ودخـول ملكـه ،ولـو لم يـأذن فيـه،
لجريان العرف بذلك.
( )29هذا معنى قولهم " :من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه"
و هذا عام في أحكام الدنيا واآلخرة ،ويدخل فيها مسائل كثيرة:
منها :إذا قتل مورثه ،أو من أوصىـ له بشيء ،أو قتل العبد المدبر سيده ،فإنه يحرم الميراث والوصية والعتق.
و منها :المطلق في مرض موته ،فإن زوجته ترث منه ولو خرجت من العدة.
و كذلك في أحكام> اآلخرة :فمن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في اآلخرة ،ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في اآلخرة.
6
و كما أن المتعجل للمحظورـ يعاقب بالحرمان ،فمن ترك شيئا هلل تهواه نفسه عوضه هللا خــيرا منــه في الــدنيا واآلخــرة ،فمن تــرك
معاصي هللا ونفسه تشتهيهاـ عوضه هللا إيمانا في قلبه ،وسعة ،وانشراحا ،وبركة في رزقه ،وصحة في بدنه مع ماله من ثــواب هللا
الذي ال يقدر على وصفه ،وهللا المستعان.
( )30وإن أتى التحريمـ في نفس الفعل //أو شرطه فذو فسادـ وخلل
()30هذا حكم العبادات الواقعة على وجه محرم :فإن عاد بالتحريمـ إلى نفس العبادة أو عاد على شرطها فالعمل باطل.
مثاله :الصالة في وقت النهي ،أو وهو مســتدبر القبلـة ،أو وعليــه نجاسـة ،أو وهـو محــدث ،أو لم ينـو ،أو اخــل بـركن من أركــان
الصالة وشرطـ من شروطها ،وكذلك صوم أيام النهي ،ونحوـ ذلك :العبادة في هذه المسائل باطلــة .وأمــا إن كــان التحــريم ال يعــود
إلى نفس العبادة ،وال شرطها :فإن العبادة صـحيحة مـع التحــريم ،كالوضـوءـ في اإلنـاء المحــرم ذهبـا ،أ وفضـة ،أو مغصــوبا ،أو
صلى وعليه عمامة حرير ،أو خاتم ذهب،و نحو ذلك :فالصالة صحيحة مع حرمة األفعال.
( )31ومتلف مؤذيه ليس يضمن //بعد الدفاع بالتي هي أحسن
( )32و" أل" تفيد الكل في العموم //في الجمع واإلفرادـ كالعليم
( )31إذا صال عليه آدمي ،أو حيوان ،أو طير في اإلحرام فأتلفه دفعاـ عن نفسه:
فال ضمان عليه ،ولكن يدفعه باألسهل فاألسهل.ـ و أما إذا اضطر إلى صيد ،وهو محرم ،فأتلفه لضرورته ،فإنــه يضــمن ،ولكن ال
إثم عليه.
قال ابن رجب في " قواعده" " :ومن أتلف شيئا لدفع أذاه له :لم يضمنه ،وإن أتلفه لـدفع أذاه بـه :ضـمنه ،ويتخــرج عليـه مسـائل"
فذكرها.
( )32إذا دخلت " أل" على لفظ مفرد ،أو لفظ جمع أفادت" االستغراقـ والعموم لجميع المعنى:
فدخولهاـ على المفرد :مثل قوله تعالى " :والعصر * إن اإلنسان لفي خسر * إال الذين ءامنوا" ( العصر )3-1 :إلخ
أي :كل إنسان خاسر ،ال يختص بإنسان دون غيره ،إال من استثنى ،وهم الذين ءامنــوا بقلــوبهم ،وعملــوا الصــالحات بجــوارحهم،
وتواصواـ بالحق الذي هو العلم النافع والعمل الصالح ،وتواصوا بالصبرـ على ذلك .فهؤالء هم الرابحون ومن فاته شــيء من هــذه
الخصال كان له من الخسار بحسب ما فاته.
وكذلك قوله تعالى " :إن اإلنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعـا " ( المعـارج – 19ـ " ، )21إن
اإلنسان لربه كنود"ـ ( العاديات )6،إلخ " ،إن اإلنسان لظلوم كفار" ( إبراهيم .)34
أي :كل واحد من الناس هذه صفته ،إال من أخرجه من هذه الصفات المذمومة إلى صفات الخير التي هي أضدادها.
و من أمثلة دخول " أل" على المفرد ،دخولها على أسماء هللا وصفاته ،فكلما دخلت على اسم من أسماء اله ،أو صفة من صــفاته:
أفادت جميع ذلك المعنى ،واستغرقت ،وبلغت نهايته :كـ " الحي القيوم" أي :الذي له الحياة الكاملة المستلزمة لصفات الذات.
و القيومية الكاملة :الذي قام بنفسه ،وقام بجميع الخلق تدبيرا.ـ
" العليم" :الذي له العلم الكامل الشامل لكل معلوم.
الرحمن الرحيم :الذي له الرحمة العامة الواسعة لكل مخلوق.
الغني :الذي له الغنى التام المطلق من جميع الوجوه.
العلي األعلى :الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه.
العظيم ،الكبير ،الجليل ،الجميل ،الحميد ،المجيد :الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء ،والجالل ،والجمال ،والحمد ،والمجد.
و قس على هذا بقية األسماء والصفات .ولو لم يكن في هذه القاعدة إال هذا الموضعـ الشريف لكفى بها شرفا وعظمة.
و مثال دخول " أل" على الجمع :فمثل قوله تعالى " :يا أيها الناس أنتم الفقراء على هللا وهللا هو الغني الحميد" فاطر)15 ،
" يا أيها الناس اتقوا ربكم" ( النساء )1 :يدخل في هــذا الخطــاب جميــع النــاس ،وقولــه تعــالى ... " :إنمــا المشــركون نجس "...
( التوبة )28 :يــدخل فيــه كــل مشــرك ،وقولــه " :إن المســلمين والمســلمات" ( األحــزاب )35 :إلى آخرهــا ،يعم هــذه األوصــافـ
المذكورة .وقوله – صلى هللا عليه وسلم " : -إنما األعمال بالنيات" :يعم كل عمل بدني ومالي ،عبادي او مادي ،وهللا أعلم.
( )33والنكرات في سياق النفي //تعطي العموم أو سياق النهي
( )33إذا جاءت النكرة بعد النفي ،أو جاءت بعد النهي :دلت على العمومـ والشمول:
فمثال النكرة في سياق النفي :ال إله إال هللا ،نفت كل إله في السماء واألرض،و أثبتت إلهية هللا تعالى.
و كذلك :ال حول وال قوة إال باهلل ،أي :ال تحول من حال إلى جميع األحوال ،وعلى قوة على ذلك التحول إال باهلل.
و كذا قوله تعالى " :وال يحيطون بشيء من علمه إال بما شاء" ( البقرة.)255 :
و قوله تعالى " :يوم ال تملك نفس لنفس شيئا" ( االنفطار )19 :يعم كل نفس ،وكل شيء.
و مثال النكرة في سياق النهي :قوله تعالى " :وال تدع مع هللا إلها آخــر" ( القصــص " ،)88 :وأن المســاجد هلل فال تــدعو مــع هللا
أحدا" ( الحسن )18 :شامل كل أحد " ،وال تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إال أن يشاء هللا" ( الكهف .)24 -23
7
( )34كذاك " من" و" ما" تفيدان معا //كل العموم أخي فاسمعاـ
( " )34من" و" ما" :تفيدان العموم المستغرق لكل ما دخل عليه:
مثال " من" :قوله تعالى " :هلل من في السموات ومن في األرض" ( يونس )66 :
" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهمـ أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" ( النحل .)92 :
" ولمن خاف مقام ربه جنتان" ( الرحمن )46 :
" ومن يتق هللا يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث ال يحتسب" ( الطالق.)302 :
" ومن يتوكل على هللا فهو حسبه" ( الطالق .)3 :
" ومن أصدق من هللا حديثا" ( النساء .)87 :
" ومن أصدق من هللا قيال" ( النساء )122 :
" ومن أحسن من هللا حكما" ( المائدة)50 :
" ومن يدع مع هللا إلها آخر ال برهان له به فإنما حسابه عند ربه" ( المؤمنون .)117 :
" ومن يطع هللا والرسول فأولئكـ مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقين" ( النساء .)69 :
" ومن يطع هللا ورسوله يدخله جنات تجريـ من تحتها األنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما" ( الفتح.)17 :
" ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه هلل وهو محسن" ( النساء .)125 :
" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه نفسه" ( البقرة .)130 :
إلى غير ذلك من اآليات.
و كذلك األحاديث :كقوله – صلى هللا عليه وسلم " : -ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقــول :من ذا الــذي يــدعوني فأســتجيب
له ،من ذا الذي يسألني فأعطيه ،من ذا الذي يستغفرنيـ فأغفر له".
و األحاديث التي فيها " :من قال كذا" ،أو " من فعل كذا ،فله كذا" :يعم كل من قال أو فعل ذلك.
و مثال ما :قوله تعالى " :وهلل ما في السموات وما في األرض" ( البقرة.)109 :
و في مواطن أخر:
" وما تحمل من أنثى وال تضع إال بعلمه" ( فاطر ( )11:فصلت.)47 :
" وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه" ( سبأ.)39 :
" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"ـ ( الحشر.)7 :
" وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه" ( األنبياء.)25 :
" وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن" ( يونس .)61 :
" وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في األرض وال في السماء" ( يونس .)61 :
" وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير" ( سبأ .)22 :
فتدبر هذه اآليات وما في معناها ينفتح لك باب عظيم من أبواب فهم النصوص.
( )35و مثله المفرد إذ يضافـ //فافهم هديت الرشد ما يضافـ
( )36وال يتم الحكم حتى تجتمع //كل الشروطـ والموانع ترتفع
( )35يعني :أن المضاف يعم عموم الجمع ويستغرق جميع المعنى :كقوله تعالى " :وأما بنعمة ربك فحدث" ( الضحى" ،)11 :
وإن تعدوا نعمة هللا ال تحصوها"ـ ( إبراهيم ( ،)34:النحل ،)18:يعم كل نعمة دينية أو دنيوية.
و قوله " :يا عبادي" ( العنكبوت ( ،)56:الزمر ،)53:وهو كثير في الكتاب والسنة :ال يدخل فيه جميع العباد.
و قوله "سبحان الذي أسرى بعبده" ( اإلسراء" ،)1:تبارك الذي نزل الفرقان على عبده" ( الفرقـان ،)1:إشــارة إلى قيامــه بجميــع
وظائف العبودية.
( )36هذا أصل كبير وقاعدة عظيمة :يحصل به لمن حقق نفع عظيم وينفتح له باب من أبواب فهم النصوص المطلقة الــتي طالمــا
كثر فيها االضطراب واالشتباه:
ومعنى هذا األصل :أن األحكام ال تتم وال يترتب عليها مقتضاها والحكم المعلق بها :حتى تتم شروطها ،وتنتفي موانعها.
و أما إذا عدمت الشروط ،أو وجدت الشروط ولكن قام مانع :لم يتم الحكم ،ولم يترتب عليه مقتضاه لعدم وجودـ الشرط ،أو لوجود
المانع ،فافهمـ هذا الموضع.
و لنمثل لهذا األصل بمثال يستدل به اللبيب على ما وراءه :فنقول:
إن التوحيدـ مثمر لكل خير في الدنيا واآلخرة ودافع لكل شــر فيهمــا ،ولكن ال تحصــل هــذه األمــور إال باجتمــاع شــروطه ،وانتفــاء
موانعه.
فأما شروطه :فهي على القلب ،واللسان ،والجوارح.ـ
أما الذي على اللسان :فهو النطق بالتوحيد ،وجميع أقوال الخير متممات له.
و أما الذي على القلب :فهي إقراره وتصديقه ومحبته للتوحيد وأهله ،وبغضه للشرك وأهله ،ومعرفة القلب لمعناه ويقينه عليه.
و أما الذي على الجوارح :في انقيادها للعمل بالتوحيد وأعماله الظاهرة والباطنة.
هذه شروطه ،و أما موانعه ومفسداته :فهي ضد هذه الشروط ،أو ضد بعضها .وجماعـ الموانع أنها :إما شــرك ،وإمــا بدعــة ،وإمــا
معصية.
فالشرك نوعان :أكبر وأصغر.ـ
8
فالشرك األكبر نوعان :يمنعه ويبطله بالكلية.
و الشرك األصغر ،والبدعة ،وسائر المعاصي:ـ تنقصه بحسبها ،وال تزيله بالكلية.
فإذا فهمت هذا ،فهمت النصوص التي فيها " :أن من أتى بالتوحيدـ حصل له كذا واندفعـ عنه كذا" :إنه ليس مجرد القــول .وكــذلك
النصوص التي فيها "من قال كذا" أو "عمل كذا" إنما المراد بـه القـول التـام والعمـل التـام ،وهـو الـذي اجتمعت شـروطه وانتفت
موانعه.
ومن أعظم شروط األعمال كلها :اإلخالص ،وكونهاـ على السنة.
وكذلك الوضوء:ـ ال يتم إال باجتماع شروطه وفروضه ،وانتفاء موانعه وهي نواقضه .وكذلك الصالة :ال تتم حتى توجـد أركانهــا
وشروطها ،وتنتفيـ مبطالتها .وكذا الزكاة ،والصيام ،والحج ،والعمرة ،وسائر األعمال :ال تتم إال بوجود الشروطـ وانتفاء الموانع.
وكذلك الميراث :ال يرث إال شخص قام به شرط اإلرث ،وهو :سببه ،وانتفى عنه مانعه .و كذلك النكاح وسائرـ العقود :لها شروط
وموانع قد فصلت في كتب األحكام.
و ليكن هذا األصل على بالك ،وحكمه في كل دقيق وجليل ،فللدعاء شروط وموانع ،وللمحبة والحقــوق والرجــاء والتوبــة شــروطـ
وموانع .وهللا المستعان على القيام بشروط األعمال ودفعـ موانعها ،إنه جواد كريم.
( )37و من أتى بما عليه من عمل //قد استحق ماله على العمل
( )37أشياء توجب الضمان ،لو استقلت كانت تلك اآلثار هدرا غير مضمونة :و مفهوم هذا البيت :أن ما نشأ من غير المأذون فيه
فإنه مضمون :فما تولد عن المأذون فيه فهو تابع للمأذون فيه ،وما تولد من غير المأذون فيه فهوـ تابع له.
مثال هذا :أن يقطع يد غيره ،فيسريـ ذلك القطع إلى إتالف نفسه أو بعض أعضائه .فهل تضمن تلك السراية أم ال؟
الجواب :إن كان القطع قصاصاـ أو حدا ،فإن سرايته هدر ،وإن كان القطع جناية ضمنت السراية تبعا للجناية.
و كذا ،لو أراد أن يمر بين يديه إنسان وهو يصلي ،ثم دافعه حتى أفضىـ إلى تلفه أو تلف بعضــه :لم يضــمن ،ألنــه مــأذون لــه من
الشرع ،ولو دفعه من غير إذن منه وال من الشارع ثم تلف :ضمنه.
و من أمثال هذا :أنه لو وطىء زوجته ثم عقرها :فإن كانت يوطأـ مثلها لم يضمن ذلك العقر ،ألنه مأذون فيه.
و إن كانت ال يوطأـ مثلها :ضمنه.
و من ذلك :لو وضع حجرا في الطريق،ـ أو حفر بئرا فيه ،ثم أتلف به إنسان أو حيوان ،فإن كان الحفر ونحوه مأذونـاـ لــه فيــه بــأن
كان لنفع المسلمين :لم يضمن ما تلف بهن وعن كان متعديا فيه :ضمن.
و مما يشبه هذه القاعــدة :أن اآلثــار الناشــئة عن الطاعــة مثــاب عليهــا ،وال ســيما إن كــانت مكروهــة للنفــوس :كالنصــب والتعب،
ورائحة الصوم الكريهة للنفوس ،وأن اآلثار الناشئة عن المعصية تبع للمعصية ،وهللا أعلم.
و مما يدخل في هذا :أن من غضب ،وكان غضبه هلل ،فصدرـ عن ذلك الغضب أقوال وأفعـالـ ال تجـوز ،متــأوال في ذلـك مجتهـدا،
فإنه معفي عنه ،كما قال عمر – رضي هللا عنــه -للنــبي – صــلى هللا عليــه وســلم – في شــأن حــاطب بن أبي بلتعــة :إنــه منــافق.
واعتراضه على النبي – صلى هللا عليه وسلم – في قصة الحديبية ونحوها.ـ بخالف من قصده متابعــة هــواه والحميــة لنفسـه ،فإنــه
يعاقب على ما صدر عنه من األقوال واألفعال.ـ
( )38وكل حكم دائر مع علته //وهي التي قد أوجبت لشرعته
( )39وكل شرط الزم للعاقد //في البيع والنكاح والمقاصدـ
( )40إال شروطاـ حللت محرما //أو عكسه فباطالت فاعلما
( ) 38يعني :أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ،إذا وجدت العلة وجد الحكم ،وإن انتفت العلة انتفى الحكم:
والعلة :هي التي شرع الحكم ألجلها.
و يدخل تحت هذه القاعدة مسائل كثيرة:
منها :أن المشقة علق عليها أحكام كثيرة من التخفيفات بـ :الصالة والزكاة ،والصـوم ،والحج ،والعمـرة ،ونحوهـاـ من األحكـام .إذا
وجدت المشقة حصلت التخفيفات المترتبة عليها ،وإذا عدمت المشقة عدمت هذه األحكام .وتفصيل المشقة معروف في كتب الفقه.
و من ذلك :التكليــف :وهـو البلــوغ والعقـل علـق عليــه أمـور كثــيرة من :الوجـوب في العبــادات ،وصـحة العقـود في المعــامالت،
ووجوب القود في الجنايات ،ووجوب الحدود ،والعقوبات كلها متعلقة بالتكليف ،تثبت بوجوده ،وتنتفي بعدمه.
و كذلك التمييز ،والعقل ،واإلسالم :شرط لصحة جميــع العبــادات ،ال تصــح إال بهــا ،بـل جميــع شــروطـ األحكـام داخلـة تحت هـذا
األصل.
( ) 40 ( ، ) 39وهذا أصل كبير ،وقاعدة كلية في الشروط الصحيحة والشروط الباطلة:
و ذلك أن الشروطـ في جميع العقود نوعان :صحيحة وباطلة.
فأما الصحيحة :فهي:كل شرط اشترطه المتعاقدان ،لهما أو ألحدهما فيه مصلحة ،وليس فيه محذورـ من الشارع ،ويدخل في هــذا:
جميع الشروطـ في البيع ،والشروطـ في اإلجارة والجعالة ،والشروطـ في الرهون والضمانات ،والشــروط في النكــاح ،وغيرهــا من
الشروط على اختالف أنواعها ،فإنهاـ شروط الزمة للمتعاوضين ،إذا لم يف أحدهما بما عليه منها كان لآلخر الفسخ.
و الشرط :إما لفظي ،وإما عرفي ،وإما شرعي.
9
وأما الشروط الباطلة :فهي التي تضــمنت :إمــا تحليــل حــرام ،أو تحــريم حالل ،ويــدخل فيهــا :جميــع الشــروطـ الباطلــة في الــبيع،
واإلجارة ،والــرهن ،والوقــف ،والنكــاح ،فإنهــا مشــتملة على تحــريم الحالل ،أو تحليــل الحــرام ،ومن تأملهــا وجــدها كــذلك ،وهي
مذكورة في كتب األحكام.
( )41تستعمل القرعة عند المبهم //من الحقوق أو لدى التزاحم
( ) 41يعني :أن القرعة تستعمل إذا جهل المستحق لحق من الحقوق وال مزية ألحــدهما على اآلخــر ،أو حصــل الــتزاحم في أمــر
من األمور وال مرجح ألحدهما.
و تحت هذا القاعدة دالئل كثيرة:
منها :إذا تشاح اثنان في األذان ،أو اإلقامة ،أو اإلمامة في الصالة ،أو صالة الجنازة ،وليس أحـدهما أولى من اآلخـر ،فإنـه يقــرع
بينهما.
و كذلك :إذا تنازع اثنان لقطة ،أو لقيطا ،أو مكانا ،ونحوه ،وال مرجح ألحدهما على اآلخر ،فإنها تستعمل القرعة.
و كذلك :إذا طلق من نسائه واحدة مبهمة أم معينة ثم نسيها ،أو أعتق من عبيده مبهما ،فإنه تخــرج المطلقــة والعتــق بالقرعــة ،إلى
غيرها من المسائل.
( )42وإن تساوى العمالن اجتمعا //وصح فعل واحد فاستمعاـ
( )43وكل مشغول فال يشغل //مثاله المرهون والمسبل
( ) 42إذا اجتمع عمالن من جنس واحد ،وكانت أفعالهما متفقة :اكتفي بأحدهما ،ودخل فيه اآلخر:
و ذلك فيه مسائل :منها :إذا دخل المسجد وصلى الراتبة وتحية المسجد ركعتين ،نوى بهما جميع السنن ،أجزأ عنها.
وكذلك سنة الوضوء :إذا نوى بها الراتبة.
وكذلك المعتمر :إذا طاف طواف العمرة :أجزأه عن طواف القدوم.
والقارن :يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد ،وسعي واحد.
( ) 43هذا معنى قول الفقهاء " :المشغول ال يشغل" :و ذلك أن الشيء إذا اشـتغل بشـيء لم يشـغل بغـيره ،حـتى يفـرغ من هـذا
المشغول به وذلك ،كالرهن :ال يباع ،وال يوهب ،وال يرهن ،حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن.
و كذلك الموقوف:ـ ال يباع ،وال يوهب ،وال يرهن ،النشغاله بالوقف.ـ
و كذلك األجير الخاص :وهو من استؤجر زمنا كيوم وساعة ونحوه لعمل :ال يشغل في هذه المـدة لغـير من اسـتأجره ،ألن زمانـه
مستحق للمؤجر ،مشغول به.
و الدار المؤجرة ال تؤجر حتى تفرغ المدة ،بل كل مشغول بحق ال يشغل بآخر حتى يفرغ الحق عنه ،وهللا أعلم.
( )44و من يؤد عن أخيه واجبا //له الرجوع إن نوى يطالبا
( ) 44معنى هذا :أن كل من أدى عن غيره دينا واجبا عليه ونوى الرجوع عليه :فإنه يرجع عليــه ،ويلــزم المــؤدى عنــه مــا أداه
عنه.
و يدخل تحت هذا جميع ديون اآلدميين ،من :القرض ،والسلم ،وأثمان السلع ،والنفقات الواجبة للزوجات ،والمماليــك ،واألقــارب،
والبهائم.
و يدخل في هذا :قضاء الضامن والكفيل ما على المضمون عنه والمكفول له ،ولو لم يـأذن في الضــمان وال في الكفالــة وال ألداء،
وهذا كله إذا نوى الرجوع ،فإن لم ينو الرجوع :فأجره على هللا ،وال يرجع على من أدى عنه.
و هذا أيضا كله في الديون التي ال تحتاج إلى نية .فأما ما يحتاج إلى نية كالزكوات والكفــارات ونحوهــا :فال يــؤدىـ عن غــيره إال
بإذنه ،ألن هذا األداء ال يبرىء من أدى عنه ،الحتياجه إلى نيته ،وهللا أعلم.
( )45و الوازع الطبعي عن العصيان //كالوازع الشرعي بال نكران
( )46والحمد هلل على التمام //في البدء والختام والدوامـ
( )47ثم الصالة مع سالم شائع //على النبي وصحبه والتابع
( ) 46الوازع عن الشيء :هو الموجب لتركه :و معنى هذا :أن هللا حرم على عباده المحرمات ،صيانة لهم ،ونصب لهم على
تركها وازعات طبعية ،ووازعات شرعية ،فالذي تميل إليه النفوس وتشتهيه جعــل لــه عقوبــات مناســبة لتلــك الجنايــة ،خفــة وثقال
ومحال .وأما المحرمات التي تنفر منها النفوس فلم يرتب عليها حدا ،اكتفــاء بــوازع الطبــع ونفرتــه منهــا ،وذلــك كأكــل النجاســات
والسموم ،وشرحها ،فإنه لم يرتب عليها عقوبة ،بل يعزر عليها كسائر المعاصي التي لم يرتب عليها عقوبة.
( ) 47 ( ، )46حمدا هلل في مبدأ األعمال وختامها:ـ و استدامة ذلك الحمد من أسباب الزيادة لفضل هللا وكرمه.
و حمد هللا على األمور يوجب بركتها وزكاءها ونماءها وحفظها من اآلفات ،ويوجب كمال االنتفاع بها.
و أسأل هللا بمنه وكرمه الذي تتالشى وتضمحلـ في جنبه الذنوب ،أن يجعل في هذه الرسالة جميع ما أشرنا إليه من هذه الفوائد.
10
و هللا الموفقـ للصواب -و صلى هللا على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 18 -ذو القعدة سنة 1331هجرية
11