You are on page 1of 9

‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫ثورة السيبوي الهندية عام ‪1857‬م‬


‫دراسة تحليلية لعوامل النشوء واسباب الفشل‬
‫م‪.‬د‪ .‬صالح خلف مشاي‬
‫جامعة بابل‪ /‬كلية التربية للعلوم اإلنسانية‬
‫‪The Indian Sipoy Revolution‬‬
‫‪The Uprising and the Cause of Failure‬‬
‫‪Analytic Study‬‬
‫‪Lect. Dr. Salah Khalaf Mashai‬‬
‫‪College of Education for Human Sciences‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪India is considered one of the biggest countries in size and population. India,‬‬
‫‪under the British control, witnessed many revolutions and rebellions. The subject of the‬‬
‫‪study is the revolution of the Sipoy which was the first Indian revolution against the‬‬
‫‪British in 1857.‬‬
‫المقدمة‬
‫تع د الهن د من اك بر دول الع الم من حيث المس احة وع دد الس كان فض ال عم ا تملك ه من امكان ات مادي ة وبش رية‬
‫ل ذلك ك انت ه ذه البالد عرض ة للس يطرة االس تعمارية الس يما االس تعمار البريط اني مم ا جع ل تاريخه ا يم ر ب الكثير من‬
‫الث ورات واالنتفاض ات ض د ذل ك االس تعمار ل ذلك ج اءت اهمي ة ه ذا البحث وذل ك من اج ل تس ليط الض وء على اولى‬
‫الثورات الهندية وهي ثورة السيبوي عام ‪.1857‬‬
‫قسم البحث الى مقدمة وثالثة مباحث وخاتمة‪:‬‬
‫تص دى المبحث االول لبداي ة االس تعمار االوربي والبريط اني للهن د في حين ان المبحث الث اني تن اول االس باب‬
‫المباشرة والغير مباشرة النتفاضة عام ‪ 1857‬وكانت احداث تلك االنتفاضة وكيفية اندالعها عنوانا للمبحث الثالث اما‬
‫المبحث الرابع قتطرق الى اسباب فشل تلك االنتفاضة‪.‬‬
‫ك انت االط اريح الجامعي ة من اهم المص ادر المعتم دة في ه ذا البحث ومن ابرزه ا ن ايف محمد حسن االحب ابي ‪،‬‬
‫الإدارة البريطاني ة في الهن د (‪ ،)1905–1858‬أطروح ة دكت وراه غ ير منش ورة‪ ،‬كلي ة اآلداب‪ ،‬جامع ة بغ داد‪ ،1997 ،‬وك ان‬
‫للك اتب ع ادل حس ن وعب د ال رحمن غ نيم‪ ،‬ت اريخ الهن د الح ديث‪ ،‬الق اهرة‪ ،1984 ،‬دور مهم في اطه ار واب راز الكث ير من‬
‫المعلومات الموجودة في ثنايا هذا البحث ‪.‬‬
‫واخيرا ارجو ان يضيف هذا البحث شيئا مفيدا الى المكتبة التاريخية‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫الغزو االوربي للهند وبداية السيطرة البيرطانية‬
‫كانت الدول االوربية تنظر بترقب غلى شبه القارة الهندية‪ ،‬فقد كانت من اغنى بقاع العالم‪ .‬ففيها تركزت ثروات‬
‫هائلة من المواد الخام واالحجار الكريمة والمعادن الثمينة والتوابل وغيرها من المواد والحاجات التي تفتقر اليها الدول‬
‫االوربية‪ ،‬لذا ما ان بدأ الضعف يدب في أواصر الدولة االسالمية حتى بدأت الدول االوربية تتزاحم من اجل الحصول‬
‫على اكبر شريحة ممكنة من هذا االرث(‪.)1‬‬
‫كان يوم ‪ 20‬آيار عام ‪1498‬م يومًا تاريخيًا من ايام الهند‪ ،‬فيه وصل اسطول برتغالي من ثالث سفن تحمل ‪160‬‬
‫رجًال بقي ادة الرحال ة فاس كودي كام ا ال ذي استكش ف رأس الرج اء الص الح‪ ،‬وق د رس ت الس فن في مين اء كلكت ا‪ ،‬فاس تقبلهم‬
‫ح اكم االقليم ال ذي دهش بمجيء البرتغ اليين‪ ،‬فس ألهم عن الس بب ال ذي دفعهم إلى المجيء أج اب فاس كودي كام ا بإيج از‬

‫‪1‬‬
‫‪ -1‬عادل حسن وعبد الرحمن غنيم‪ ،‬تاريخ الهند الحديث‪ ,‬القاهرة‪،1984،‬ص‪.14‬‬

‫‪656‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫(المسيحية والبهارات ) ولما عاد دي كاما إلى البرتغال كان يحمل معه شحنة كبيرة من البهارات واالحجار الكريمة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫عاد البرتغاليون في السنوات الالحقة وانشأوا أول مستعمرة لهم في كوتشين إلى جنوب كلكتا‪ ،‬وقد احس سالطين‬
‫المماليك في مصر بالخطر فأعدوا اسطوًال سيروه لمقاتلة البرتغاليين‪ ،‬ولكن البرتغاليين انتصروا عليهم في (موقعة ديو)‬
‫ع ام ‪ ،1509‬وفي ع ام ‪ 1510‬ج اء إلى الهن د اح د رج االت االس تعمار البريط اني وه و الفونس و البوك يرك واخ ذ ينش ئ‬
‫مراكز حصينة‪ ،‬وكان احدها ميناء هرمز على مدخل الخليج العربي‪ ،‬واآلخر على الساحل الغربي في والية بيجابور‪،‬‬
‫وق د جعله ا البرتغ اليون عاص مة لمس تعمراتهم في الش رق‪ ،‬ووض ع الب و ك رك خط ة لالختالط ب الهنود ومص اهرتهم‬
‫واستخدموا في الجيش البرتغالي جنودًا من الهنود‪ ،‬وقد تركوا للهندوس حرية العبادة ولكنهم حرموا عليهم ح رق االرام ل‬
‫بعد وفاة ازواجهن إال انهم غيروا سياسة التسامح هذه مع الهندوس فيما بعد ‪ ،‬أما المسلمون فكانوا يعاملونهم معاملة قاسية‬
‫منذ البداية(‪.)2‬‬
‫ب دأ االس تعمار االنكل يزي في بداي ة الق رن الس ابع عش ر مت أخرًا عن االس تعمار البرتغ الي بنح و مائ ة ع ام‪ ،‬ثم ب دا‬
‫االستعمار الفرنسي في الهند بعد ذلك بخمسين عام‪ ،‬وكان لكل منهما شركة للتجارة فاخذ ينشأ تنافس شديد بين االنكليز‬
‫والفرنسيين ادى إلى قيام حروب كثيرة بينهما‪ ،‬وكان كل من الطرفين يدرب فتيان الهند ويسلحهم بأحدث االسلحة‪ ،‬كما‬
‫استغل كل منهما االنقسامات التي كانت سائدة بين الواليات الهندية والخالفات الموجودة بين االمراء من اجل تحريض‬
‫احدهم ضد اآلخر وكان كل منهم ياخذ جانب احد االمراء وامداده بالسالح من اجل مقاتلة االخر وتكون النتيجة اضعاف‬
‫االمراء الهنود لبعضهم البعض‪ ،‬والفائدة النهائية تعود على المستعمر من اجل تسهيل عملية احتالله للبالد(‪.)3‬‬
‫اخذ البرتغاليون وشركة الهند الشرقية االنكليزية والشراكتان الهولندية والفرنسية تتصارع على بسط نفوذها على‬
‫تلك المنطقة‪ .‬وكانت قد ابتدأت عملها التجاري في الهند في عهد الحكم االسالمي للهند‪ .‬وكان االباطرة المغول ابان قوة‬
‫حكمهم ال ينظرون اليهم إال نظرتهم إلى تاجر يريد الكسب المادي‪ ،‬لكن ما ان بدأ الضعف يدب في اوصال الدولة حتى‬
‫ب دأت ه ذه الش ركات دورًا جدي دًا ه و بس ط النف وذ على البالد واخ ذت تتص ارع فيم ا بينه ا ح تى اس تطاعت ش ركة الهن د‬
‫الشرقية االنكليزية ان تحظى بالمقام االول وتقضي على النفوذ البرتغالي والهولندي والفرنسي ويخلو لها الجو لتفعل ما‬
‫تريد وكانت هذه الشركة قد تأسست عندما قام فئة مغامرة من تجار لندن في ‪ /22‬ايلول‪ 1599 /‬بتأسيس هذه الشركة تحت‬
‫اس م (اتح اد التج ار المغ امرين للتج ارة م ع الس رق) وفي ‪/31‬ك انون االول‪1600 /‬م أص درت الملك ة ال زابيث (‪-1588‬‬
‫‪1603‬م) مرسومًا ملكيًا يمنح الشركة حرية التجارة في الهند والمناطق المجاورة لها مدة ‪ 15‬عاما تخضع بعدها لتقرير‬
‫الت اج‪ .‬وق د كرس ت الش ركة جهوده ا في البحث عن ال ثروة في الش رق وح اولت تجنب االلتزام ات السياس ية‪ ،‬ورك زت‬
‫جهوده ا على تج ارة االس تيراد والتص دير‪ ،‬وح اولت ال دخول في عالق ات ص داقة م ع الحك ام المحل يين مم ا س هل على‬
‫البريطانيين غزو اسواق الهند فضًال عن خلو جالياتهم أول االمر من المبشرين وحرصهم على تجنب التدخل في شؤون‬
‫الناس وتظاهرهم بالمودة لهم] ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫أسست الشركة اول مركز تجاري لها في (سورات) بالقرب من بمباي عام ‪ ،1612‬ثم بدأت تنشأ فروع في داخل‬
‫البالد‪ ،‬وفي ع ام ‪ 1640‬أنش أت الش ركة قلع ة (الق ديس ج ورج) ب القرب من مدين ة م دراس‪ ،‬وعلى ال رغم من ق وة‬
‫االمبراطورية المغولية وقتذاك إال انهم كانوا ينظرون إلى االنكليز نظرتهم إلى تاجر ال ُيخشى بأسه(‪.)5‬‬
‫شجع نجاح شركة التجار االنكليز إلى انشاء شركة ثانية‪ .‬ونتيجة تنافس الشركتين رات الحكومة دمجهما في شركة‬
‫واحدة عام ‪ 1661‬في عهد الملك شارك الثاني‪ ،‬والذي خول الشركة الجديدة اصدار النقد‪ ،‬وبظهور هذه الشركة بدأت‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬عبد الرزاق مطلق الفهد‪ ،‬دراسات في حركات التحرر في العالم الثالث‪ ،‬بغداد‪،1985 ،‬ص‪225‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -2‬اسماعيل ياغي‪ ،‬تاريخ شرق اسيا الحديث‪ ،‬الرياض‪ ،1994 ،‬ص‪58-57‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -3‬ك‪ .‬م‪.‬بانيكار‪،‬أسيا والسيطرة الغربية‪ ،‬ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد‪،‬القاهرة‪ ،1962 ،‬ص‪151‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه‬

‫‪657‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫مرحل ة جدي دة من النش اط االنكل يزي ي رمي غلى ابع د من التج ارة‪ ،‬إذ اخ ذت تع د الع دة لالس تيالء على الهن د‪ ،‬وب دأت‬
‫بعملي ات الس لب والنهب لجيرانه ا واع دت له ا جيش ًا ل ذلك‪ .‬ولكن بع د م دة وج دوا انفس هم ال يزال ون أض عف من ان‬
‫يس تطيعوا االس تيالء على الهن د‪ ،‬وال س يما ان الس لطة في الهن د م ا ت زال قوي ة ف تركوا ه ذه الفك رة بع د ان تكب دوا خس ائر‬
‫اقتصادية وعسكرية كبيرة ولكنهم وجدوا انفسهم ام ام منافسة فرنسية في بعض من اطق الهند‪ .‬فك ان عليهم القضاء على‬
‫هذه المنافسة‪ ،‬اذ ان الفرنسيين قد كونوا لهم مراكز تجارية في الهند وبدءوا التدخل في سؤون البالد الداخلية عن طريق‬
‫استغالل الخالفات بين االمراء الهنود ونصرة أحدهم على االخر للحصول على المغانم‪ ،‬فبدء االنكليز العمل للتخلص من‬
‫ه ذه المنافس ة‪ .‬ح تى ج اءت ح رب الس نوات الس بع في ع ام ‪1756‬م في أورب ا فارس ل االنكل يز اس طوًال كب يرًا إلى الهن د‬
‫وحاص ر الحامي ات الفرنس ية في م دراس وبون د يش يري‪ .‬وال تي اض طرت إلى االستس الم وهك ذا تخلص االنكل يز من‬
‫المنافسة الفرنسية(‪.)1‬‬
‫ابت دأ االنكل يز العم ل من اج ل تنفي ذ مخططهم في االس تيالء على البالد فك انت البداي ة من البنغ ال وال تي ك انوا ق د‬
‫اتخ ذوها مم رًا إلى داخ ل الهن د‪ ،‬فأخ ذت الش ركة تض غط على والي البنغ ال عن طري ق الت دخل في ش ؤون بالده الداخلي ة‪.‬‬
‫مما اعده والي البنغال االمير (سراج الدولة) اساءة البه فوجد انه البد من استخدام القوة إليقاف تدخلهم ذلك‪ ،‬فقام بالهجوم‬
‫على حص ونهم ليقض ي عليهم وذل ك ع ام ‪1757‬م‪ ،‬ولكن الخالف ات الداخلي ة بين س راج الدول ة ورجاالت ه وال تي اس تغلها‬
‫االنكل يز ادت إلى فش ل س راج الدول ة والقبض علي ه وقتل ه وب ذلك تخلص االنكل يز من اك بر عقب ة ك انت تق ف ام امهم في‬
‫البنغ ال فت ولت الش ركة االش راف على االدارة المالي ة للبنغ ال(‪ .)2‬وب ذلك ض من االنكل يز س يطرة فعلي ة على اغ نى اق اليم‬
‫الهند‪ .‬وصارت شركة الهند الشرقية االنكليزية يتلك الشركة التي تأسست قبا مائة وخمسون عام ًا تقريبا لمنظمة تجارية‪،‬‬
‫س لطة سياس ية وعس كرية تض اهي قوته ا أعظم االمبراطوري ات واوس عها وص ار م دراءها اب اطرة غ ير مت وجين ألق اليم‬
‫شاسعة تفوق مساحتها وسكانها ثلثي االقطار االوربية من ضمنها الجزر البريطانية‪ .‬ولم تعد الشركة التجارية االنكليزية‬
‫كما كانت بل اصبحت دولة تعقد المعاهدات وتعلن الحروب وتسن القوانين وتضرب النقد‪ ،‬واصبح مدير الشركة حاكم ًا‬
‫اعلى له مجلس ادارة وتحت امرته جيوش(‪.)3‬‬
‫هكذا بدأ االنكليز االستيالء على الهند وشن حربًا ال هوادة فيها ضد المسلمين (حكام البالد) استطاعوا فيها القضاء‬
‫على امبراطورية المغول التي حكمت الهند زمن ًا طويًال واقامت حضارة ما تزال آثارها قائمة الى اليوم‪ ،‬ولم تكن شدة‬
‫مراس المسلمين لتردع االنكليز عن عسفهم وما كان عسف االنكليز ليمنع المسلمين من الدفاع عن كيانهم(‪.)4‬‬
‫عن دما ج اء االنكل يز الى الهن د وج دوا المس لمين يحكم ون ذل ك البل د‪ .‬فك ان الع داء ش ديدًا بين المس تعمر االجن بي‬
‫وصاحب النفوذ من اهل البالد‪ ،‬وما ان قويت شوكة البريطانيين بتقادم الزمن حتى ضعفت مكانة المسلمين ضعفًا كبيرا ال‬
‫بسبب السياسة البريطانية بل الن المسلمين ابتعدوا عن االدارة واحجموا عن الثقافة الغربية فكان تأخرهم كبير في هاتين‬
‫الناحيتين(‪.)5‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫أسباب ثورة السيبوي الهندية ‪1857‬م‬
‫‪ -1‬األسباب غير المباشرة‬
‫األسباب االقتصادية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -5‬اسماعيل ياغي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪59‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬اسماعيل ياغي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪59‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -2‬عادل حسن وعبد الرحمن غنيم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -3‬عبد المنعم النمر‪ ،‬تاريخ االسالم في الهند‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪،1985،‬ص‪444‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪445‬‬

‫‪658‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫أدت السيطرة البريطانية على الهند الى تدهور أحوال الطبقة الفالحية‪ ،‬إذ كان وضع الفالح في المناطق‬
‫الغربية والجنوبية من الهند يختلف عن وضعه في المناطق الشمالية‪ ،‬فلم يتكيف األخير مع السياسة البريطانية لذا نمت‬
‫روح الثورة هناك بين الفالحين والزعماء االقطاعيين واتباعهم على حد سواء‪ ،‬كما استاءت الطبقة االرستقراطية في‬
‫الهند هي األخرى من التصرفات المهينة التي مارسها البريطانيون وتجاهلهم للتقاليد الهندية‪ ،‬وأدت سياسة ضم‬
‫األراضي التي طبقها اللورد دلهاوزي الى فقدان االقطاعيين نفوذهم والسيما بعد تطبيق مبدأ الغاء السيادة االسمية‬
‫واأللقاب لعدد كبير من االقطاعيين واخراجهم من أراضيهم(‪.)1‬‬
‫من المسائل التي أدت الى أثارة حكام الواليات الهندية تطبيق دلهاوزي مبدأ سوء الحكم على أراضي حيدر آباد‬
‫عام(‪ ،)1853‬وبتحـذير تـنبؤي للعقيد( سليمان ) كـتب في العام نـفسه بـأن(( الواليات المحلية هي األساس وأنا انظر اليها‬
‫على أنها األساس الحاجز وعندما يتم اكتساحها فإننا سوف نترك تحت رحمة جيشنا المحلي الذي يمكن أن ال يكون‬
‫دائمًا تحت سيطرتنا بـصورة كـافية))(‪ ،)2‬كما كانت الصناعة الهندية الناشئة عرضه للعراقيل ولم يكن اقتصاد الهند‬
‫معتمدًا على الصناعات الهندية ذات الطابع الريفي والمنزلي‪ ،‬إذ انقرضت هذه الصناعات لغزو السلع البريطانية‬
‫المتطورة لألسواق الهندية‪ ،‬فاتجه سكان الهند الى الزراعة السيما بعد تزايد الطلب على المحاصيل الزراعية لسد الحاجة‬
‫المحلية(‪ ، )3‬لذا اعتمد اقتصاد الهند على الزراعة‪ ،‬التي عانت هي األخرى من التدخل‪ ،‬لتطبيق قانون التسوية الدائمة‪،‬‬
‫الذي زاد من تدهور حال الفالح واإلقطاعي على حد سواء‪ ،‬وقد وصف الكاتب براساد‪ Prasad‬حال سكان الهند قبل‬
‫الثورة قائًال‪(( :‬أصبحـت الهند بقرة حلوب تغذي بريطانيا في حين تم دفع أبنائها بالتدريج الى الموت جـوعًا))(‪.)4‬‬
‫لم يقتصر تأثير سياسة بريطانيا االقتصادية على طبقات معينة بل شملت مختلف الطبقات في المجتمع الهندي‪ ،‬فقد‬
‫حرمت األمراء المخلوعين من رواتبهم مثلما حصل مع نانا صاحب‪ ،‬وأدى ضم مملكتي ساتار وجهانسي ووالية ناكـبور‬
‫للممتلكات البريـطانية الى تدمـير العوائل الحـاكمة فيها‪ ،‬ووصـف الكاتـب جون كي‪1814-1876(John Kaye‬م)‬
‫الطريقة الوحشية التي تم فيها ضـم ناكبور قائًال ((إن جميع الماشية الحية منها والميتة قد تمت مصادرتها‪ ،‬وإ ن‬
‫الحيوانات التي تستخدمها العائلة والحاشية الملكية مثل الفيلة‪،‬الخيول‪ ،‬والثيران‪ ،‬قد تم بيعها بسعر اللحم المتعفن‬
‫للتخلص منها‪ ،‬وتم رفع أثاث ومجوهرات العائلة الملكية‪ ،‬باستثناء بعض الممتلكات التي ارسلت الى سوق كلكتا‪ ،‬ولقد‬
‫سمعت بأن هذا االستيالء وهذه المبيعات قد خلقت أسوأ انطباع ليس فقط في بيرار ولكن كذلك في المقاطعات‬
‫المجاورة وهو أسوأ من انـطباع االسـتيالء على المملكة نفسها))(‪ ،)5‬وفي ذلك اثر ضم الواليات الهندية الى السيطرة‬
‫البريطانية على اقتصاد الهند‪ ،‬إذ أدى الضم الى حرمان الكثير من الرجال الحرفيين من فرصة ممارسة حرفهم‪،‬‬
‫والسيما بعض الصناعات مثل صناعة األواني المزخرفة والنسيج التي لم تعد تجد لها سوقًا بعد أن حلت محلها السلع‬
‫االوربية المنتجة على نحو واسع‪ ،‬وقد وصف فيروز شاه ‪ Feroz Shah‬آثار ذلك قائًال ((أدى إدخال السلع البريطانية‬
‫الى الهند‪ ،‬الى جعل النساجين والنجارين والحدادين عاطلين عن العمل‪ ،‬بعد أن سيطر البريطانيون على حـرفـهم))(‪.)6‬‬
‫وكان من الطبيعي أن تؤدي األوضاع االقتصادية السيئة واإلجراءات البريطانية التي المست حياة الشعب الهندي‪،‬‬
‫الى تزايد النقمة الشعبية ضد الوجود البريطاني في الهند‪ ،‬ساهمت فيما بعد الى اندالع الثورة الهندية‪.‬‬
‫األسباب الدينية واالجتماعية‬
‫كان لصدور قانون انعدام األهلية الدينية لعام (‪1856‬م) األثر السيئ على الهنود؛ ألنه منح شرعية الزواج‬
‫لألرامل الهندوسيات‪ ،‬بل ومنح حق الحماية للهندوس والمسلمين المتحولين الى المسيحية باستيراث ممتلكات أجدادهم‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -5‬عادل حسن وعبد الرحمن غنيم‪ ،‬المصدر السابق‪35،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬محمد حلمي عبد الوهاب‪ ,‬تيارات االصالح والتجديد في شبه القارة الهندية خالل القرنين(‪ ،)20-19‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه‪ ,‬ص‪.44‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -4‬علي عبد هللا احمد فارس‪ ،‬شركة الهند الشرقية البريطانية ودورها في تاريخ الخليج العربي ‪ ،1858-1600‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ,‬ص‪.63‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -5‬عادل حسن وعبد الرحمن غنيم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪63‬‬

‫‪659‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫فعد الهندوس واعتقد المسلمون إن ذلك القانون ضربة لمعتقداتهم الدينية ألنه كان مهينًا للهندوسي بصور خاصة‪،‬‬
‫فبموجبه أصبح من حق المرتد الحصول على إرث األجداد دون تنفيذ االلتزامات الدينية ألجداده المتوفين‪ ،‬أما المسلم‬
‫فإن القانون كان حافزًا للردة ألن مجتمعه غير محصن ضـد خطر الحمالت التبشيرية‪ ،‬وقد صرح روس مانكلز‬
‫)‪ Mangles Ross (1803-1863‬رئيس مجلس مدراء شركة الهند الشرقـية قائـًال ((إن العناية اإللهية قد منحت‬
‫امبراطورية هندستان الى بريطانيا ألجل أن ترفرف راية المسيح منتصرة على أرض الهند بأسرها وأن الجميع يجب‬
‫أن يبذل جهوده الكاملة بحيث اليكون هناك أي تساهل أو ضعف على أي أساس في مواصلة العمل العظيم في هذه‬
‫البالد بهدف جعل جميع الهنود مسيحيين)) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وبهذا الصدد عد سكان الهند إدخال سكك الحديد واالسالك البرقية اعتداء على ديانتهم والسيما بعدما أعلنت‬
‫البعثة التبشيرية في كلكتا بأن أقاليم الهند المختلفة أصبحت مرتبطة ببعضها بوسائل المواصالت الحديدية والبرقية‪،‬‬
‫وبالتالي حان الوقت الذي يرتبط فيه أهل الهند بدين وأحد وكانوا يقصدون الدين المسيحي‪ ،‬لذا عملوا على تنصير‬
‫الهنود‪ ،‬وقد امتد نشاط البعثات التبشيرية الى المدارس والمستشفيات والسجون واألسواق‪ ،‬فضًال عن ذلك انتشرت أخبار‬
‫في الهند بأن الحاكم العام اللورد كاننك أرسل بهدف تحويلهم الى المسيحية‪ ،‬وإ ن أرامل الجنود المقتولين في حرب القرم‬
‫نقلن بحرًا الى الهند ليتزوجن من مالك االراضي رغمًا عنهن لتعود أراضيهم في النهاية الى المسيحيين(‪.)2‬‬
‫عد الهندوس السياسة البريطانية مساسا حقيقيا بعاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬فقد جعلت البراهمي والسودار يخضعان لنفس‬
‫القوانين‪ ،‬أما المسلمون فقد كانوا األكثر سخطًا ألن مكانتهم االجتماعية قد تدنت وأصبحوا متخلفين مقارنة باصحاب‬
‫االديان األخرى‪ ،‬وعلى نحو عام يمكن القول إن عدم قبول الهنود في الفروع التشريعية واالدارية في الحكومة أدى الى‬
‫إخفاق البريطانيين في فهم وحل مشاكل الهنود‪ ،‬وقد أدت السياسة البريطانية في الهند الى ظهور عدد من الزعماء‬
‫(‪)3‬‬
‫الهنود يدعون الى مواجهة البريطانيين أشهرهم مولوي فيزاباد الذي حث سكان الواليات الشمالية الغربية على الثورة ‪.‬‬
‫قاد قانون ضم األراضي الى السيطرة على الكثير من عقارات اإلقطاعيين في والية أوده الذين شكلوا طبقة‬
‫ارستقراطية قوية‪ ،‬األمر الذي حول أودة الى مركز لالستياء والمؤامرات ضد البريطانيين‪ ،‬كما شعر الماراثيون باإلهانه‬
‫بسبب ضم مملكتي ساتار وجهانسي ووالية ناكبور‪ ،‬وما زاد االستياء من البريطانيين اقتراح نقل االمبراطور المغولي‬
‫وبالطه الى منطقة كوتب ‪ Kutb‬التي تقع على بعد بضعة اميال عن العاصمة‪ ،‬وفي هذا السياق كتب نابيه يصف وضع‬
‫االمبراطور (( ملك دلهي داخل القصر كان مجرد تمثال أو صورة‪ ،‬إال أنه يشكل نقطة تجمع معنوي تتجمع حولها‬
‫(‪)4‬‬
‫أحالم األمراء المستائين الذين يتغذون على التنبؤات‪ ،‬ومثل هذه التنبؤات والتقاليد حول دلهي غالبًا ما تتحقق)) ‪،‬‬
‫ومن األمور التي أدت الى تدهور الوضع االجتماعي‪ ،‬إضعاف الطبقات القديمة‪ ،‬ودعم الطبقات الجديدة المتمثلة بالطبقة‬
‫الرأسمالية‪ ،‬التي ارتبطت مصالحها السياسية واالقتصادية بالمصالح البريطانية في الهند فضًال عن ذلك جعل اللغة‬
‫اإلنكليزية اللغة الرسمية في المؤسسات الحكومية(‪.)5‬‬
‫ويتضح مما تقدم مستوى التدهور الحاصل في المجال االقتصادي واالجتماعي والديني‪ ،‬مما شكل مناخًا مناسبًا‬
‫لقيام الثورة‪ ،‬ولكن البد من التنويه هنا ان معالم تلك "الثورة" لم تكن مكتملة في ظل مجتمع تسوده الطبقية والتناحر‬
‫الطبقي والديني‪ ،‬لذا يمكن وصفها بالثورة في مراحلها الجنينية‪ ،‬وان كانت قد اكدت كرهها لالحتالل والمحتلين‪ ،‬وتفتحت‬
‫االبواب نسبيًا فيما بعد امام ابناء الهند لتولي المناصب المهمة في الحكومة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -6‬علي عبد هللا احمد فارس‪ ،‬شركة الهند الشرقية البريطانية ودورها في تاريخ الخليج العربي ‪ ،1858-1600‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ,‬ص‪.63‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬المصدر نفسه‪،‬ص‪73‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-2‬عمر االسكندري‪ ،‬تاريخ أوربا في القرن التاسع عشر‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪0‬ت)‪ ،‬ص ص ‪.320-319‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -4‬ك‪ .‬م‪.‬بانيكار‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪158‬‬

‫‪660‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫مما دفع الحكومة البريطانية الى أن تتخذ بعض اإلجراءات للحفاظ على وضعها في الهند‪ ،‬فأصدرت قانون رقم (‬
‫‪ )33‬لعام ‪1857‬المعروف بـ (قانون الطوارئ) الذي يتعلق باألجانب‪ ،‬وقد ورد في مقدمة القانون من األمور الطارئة‬
‫إبالغ ممثلي الحكومات المختلفة في األراضي البريطانية في الهند منع رعايا الدول األجنبية من اإلقامة أو المرور‬
‫والسفر الى الهند دون الحصول على موافقة الحكومة البريطانية في الهند؛ لذا تم إصدار تشريع يقدم بموجبه كل شخص‬
‫أجنبي عند وصوله الى الهند تقريًر ا يوضح فيه بياناته للحكومة البريطانية في الهند‪ ،‬واستنادًا عليه يتم منحهم إجازات‬
‫وفقًا لشروط محددة‪ ،‬ويستثنى اصحاب السفن والعاملون عليها من هذه اإلجراءات‪ ،‬إذ يقدم صاحب السفينة قائمه تضم‬
‫اسماء اولئك(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬االسباب المباشرة‬
‫قبل البدء في السبب المباشر للثورة ال بد من معرفة الفرق التي يتكون منها الجيش البريطاني في الهند‬
‫المعروف بـ السيبوي‪ ،‬تألف من ثالثة جيوش عسكرية هي جيش البنغال وجيش مدراس وجيش بومباي‪ ،‬وبلغ مجموع‬
‫عدد السيبوي ‪ 311038‬جنديًا‪ ،‬بينما بلغ عدد القوات البريطانية ‪ ،39500‬ويبدو إن األعداد الصغيرة لألوربيين يعود‬
‫(‪)2‬‬
‫الى انسحاب الكثير منهم واشتراكهم في حرب القرم و بالد فارس‪ ،‬وأن هؤالء األوربيين كانوا في البنجاب والبنغال ‪،‬‬
‫أما في كلكتا فلم تكن هناك أية كتائب أوربية‪ ،‬ما عدا كتيبة واحدة متمركزة في دينابور في بيهار‪ ،‬إذ كان معظم الجنود‬
‫في هذه المنطقة من طبقة البراهمه‪ ،‬وما يقارب الثلث جاؤوا من أوده‪ ،‬وشكلوا مجموعة متجانسة متماسكة في داخل‬
‫الجيش‪ ،‬وبمرور الوقت تخلى أفضل الضباط البريطانيين عن كتائبهم إلشغال مناصب مدنية أكثر فائدة لهم‪ ،‬األمر الذي‬
‫أدى الى اعتماد الحكومة البريطانية على السيبوي في حروبها‪ ،‬والسيما خارج الهند‪ ،‬االمر الذي تنافى مع عقائدهم التي‬
‫تعد كل من يغادر موطنه خارج عن طبقته منبوذًا(‪.)3‬‬
‫أدى إصدار قانون التجنيد اإللزامي عبر البحار لعام( ‪ ،)1856‬الى إستياء شديد في جيش البنغال ألن هذا‬
‫األجراء يعرضهم لفقدان ((طبقتهم ودينهم))‪ ،‬وكان الرابط الوحـيد بين السيبوي والحـكومة ((الراتب الذي يحصلون‬
‫عليه))(‪ ، )4‬وتميز جيش البنغال عن جيشي مدراس وبومباي بمنح الترقيات على أساس األقدمية فقط ولم يكن هناك سن‬
‫تقاعدي‪ ،‬وفي عام (‪ ) 1857‬اقتنع السيبوي بأن البريطانيين مصممون على سلب مكانتهم االجتماعية وتحويلهم بالقوة الى‬
‫الـديانة المـسيحية‪ ،‬فـقد كان العـميد فرانسـيس ويلـر)‪ Brigadier General Francis Wheler (1801-1878‬في‬
‫باراكبور ‪ Barrackpore‬غرب البنغال يعظ وبصورة علنية بتعاليم المسيح لكل طبقات الجيش الهندي ولم يحاول اخفاء‬
‫حماسه في تحويلهم الى المسيحية(‪.)5‬‬
‫في غضون ذلك تم طرد الكثير من السيبوي بسبب رفضهم تنفيذ األمر بحلق ذقونهم وشعر رأسهم‪ ،‬وبعد العديد من‬
‫التجاوزات غير المباشرة على مكانة السيبوي االجتماعية جاءت في كانون الثاني من عام(‪ )1857‬التصريحات‬
‫بخصوص الطلقات المدهونة التي تستخدم في البنادق الجديده التي تم جلبها الى الهند‪ ،‬فقد أشيع بأنها خليط من دهن البقر‬
‫(الحيوان المقدس لدى الهندوس) ودهـن الخـنزيـر (المحرم لدى المسلمين)‪ .‬إذ كان على من يستخدمها قضمها بفمه قبل‬
‫وضعها في البندقية(‪.)6‬‬
‫رفض جيش البنغال االنصياع الى ألوامر التي تشترط عليهم استعمال هذا النوع من الذخيرة‪ ،‬ومما دفع القادة‬
‫العسكريين البريطانيين الى سوق هؤالء الى محاكم عسكرية بتهمه عدم االنضباط العسكري‪ ،‬تصل أحكامها الى اإلعدام‬

‫‪1‬‬
‫‪ -5‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬نايف محمد حسن االحبابي‪،‬الثورة الهندية الكبرى‪ ،1858-1857‬مجلة دراسات في التاريخ واالثار‪ ،‬العددان‪ ،13-12‬السنة الحادية‬
‫والعشرون‪ ،2002 ،‬ص‪.99‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -2‬احمد محمود الساداتي‪ ،‬تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم(الدولة المغولية)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪( ،2‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪293‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -3‬نايف محمد حسن االحبابي‪ ،‬المصدر السابق‪100 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -4‬احمد محمود الساداتي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.299‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -5‬نايف محمد حسن االحبابي‪ ،‬المصدر السابق‪.100 ،‬‬
‫‪661‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫لقادة العصيان‪ ،‬وأدت تلك اإلجراءات بالتالي الى تصاعد روح التحدي وعصيان الجنود ألوامر قادتهم البريطانيين‪ ،‬وقد‬
‫وصل األمر الى قيام أحد الجنود الهنود في السرية الخامسة من الكتيبة(‪ )34‬في فرقة المشاة المحلية في البنغال المدعو‬
‫مانكال باندي )‪Mangal Pandey (1827-1857‬باطالق النار على ضابط بريطاني في ‪ 29‬آذار ‪ ،1857‬كما تم‬
‫اشعال الحرائق في باراكبور‪ ،‬وكانت تلك التطورات الفتيل الذي أشعل نار الثورة في عموم الهند(‪.)1‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اندالع ثورة السيبوي الهندية ‪ 1857‬وعوامل فشلها‬
‫‪ -1‬اندالع الثورة‬
‫توسعت أعمال العنف الثورية بشكل سريع في مناطق مختلفة من الهند‪ ،‬ففي‪ 10‬آيار ‪ 1857‬تمرد الجيش الهندي‬
‫في ميروت شمال غرب دلهي وتحول الى ثورة انتشرت بسرعة متخذة هوية الثورة الشعبية ألجل استقالل الهند‪،‬‬
‫والسيما بعد صدور الحكم بالسجن لمدة عشر سنوات على ‪ 58‬جنديًا من الكتيبة المحلية لمحطة ميروت‪ ،‬بسبب رفضهم‬
‫استخدام الطلقات المدهونة‪ ،‬وثار زمالؤهم وقاموا بقتل الضباط البريطانيين وحرق المحطة العسكرية البريطانية‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وحرروا السجناء‪ ،‬وفي اليوم الثاني توجهـوا بمسيرة مسلـحة نحو دلهي يـهتفون بعبارة ((نمضي قدمًا الى دلهي)) ‪.‬‬
‫لم يبذل أي جهد لمنع الثوار من الوصول الى دلهي سوى قيام بعض الجنود البريطانيين بنسف مخزن للبارود ليحرم‬
‫السيبوي من االستيالء عليه‪ ،‬وقيام عامل التلغراف من إرسال برقية الى البنجاب‪ ،‬فضًال عن عدم وجود قوات بريطانية‬
‫في دلهي‪ ،‬بل كانت تحت حماية ثالث فرق من السيبوي الذين انضموا الى الثوار‪ ،‬وفتكوا بالسكان البريطانيين والهنود‬
‫الذين اعتنقوا الديانة المسيحية بطريقة بشعة‪ ،‬ومن تبقى منهم هرب والبعض اآلخر تحصنوا بالقرب من المدينة‪،‬‬
‫وبوصول الثوار الى دلهي اعلنوا بهادر شاه امبراطورًا للهند وقائدًا لهم؛ وقد تفاجأ األخير باندالع الثورة كما تفاجأ‬
‫البريطانيون‪ ،‬لكنه تولى القيادة بشيء من التردد‪ ،‬إال أن مكانته كإمبراطور للهند أعطى للثورة سلطة رسمية وعزز‬
‫خطابها(‪.)3‬‬
‫انتشرت الثورة بعد سقوط دلهي في شمال الهند لتشمل كاونبور ولكناو عاصمة أودة والمناطق الزراعية في أودة‪،‬‬
‫ما أدى الى هروب الموظفين المدنيين بسبب غياب القوات البريطانية الداعمة لهم‪ ،‬ودخلت البالد في حال فوضى‪ ،‬قاتل‬
‫الهندوس جنبًا الى جنب مع المسلمين‪ ،‬بينما كانت البنجاب والبنغال مخلصتين للبريطانيين على الرغم من تعاطف‬
‫البنجابيين قليًال مع السيبوي الذين إجتاحوهم مؤخرًا‪ ،‬إال أنهم لم يمتلكوا أية عاطفة تجاه اإلمبراطور‪ ،‬فقد استطاع‬
‫البنجابيون بجهود السير جون لورنس من نزع سالح كتائب الجنود السيبوي‪ ،‬وتنظيم جيش صغير من الجنود األوربيين‬
‫وأصبحت البنجاب والبنغال قاعدة النطالق القوات البريطانية‪ ،‬وتمكن لورنس من الحفاظ على عالقته الجيدة باألفغان‪ ،‬إذ‬
‫أدرك رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون بأن المحافظة على اإلمبراطورية الهندية قد يتطلب استخدام القوة العسكرية‬
‫فأكد قائال ((ليس بوسع أي فرد أن يتظاهر بالقول إننا قد ال نضطر للدفاع عن الهند في الهند))(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬أسباب فشل ثورة السيبوي الهندية ‪.1857‬‬
‫اتسمت الثورة الهندية في مراحلها األولى بسرية التنظيم‪ ،‬لكن اندالعها قبل نضوجها أدى الى عرقلة خطط‬
‫قادتها‪ ،‬وفي الوقت نفسه ورثت الثورة مظاهر الضعف في النظام القديم‪ ،‬الذي حاول يائسًا اخراج البريطانيين من‬
‫البالد‪ ،‬وعلى الرغم من تمتع الزعماء القطاعيين بتعاطف السكان‪ ،‬إال إنهم اتسموا بعدم القدرة واالفتقار الى التنظيم‬
‫والتنسيق‪ ،‬إذ وقف الكثير منهم متفرجًا لمعرفة الطرف المنتصر(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ - 6‬الفيلد كارفر مارشال‪ ،‬تراث عريق عبر سبع عصور للجيش البريطاني‪ ،‬ترجمة عبد الجبار محمود شكري‪ ،‬بغداد‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬عادل حسن وعبد الرحمن غنيم‪ ،‬المصدر السابق‪،‬ص‪84‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه ‪2-‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -3‬نايف محمد حسن االحبابي‪ ،‬اإلدارة البريطانية في الهند( ‪ ،)1905 – 1858‬أطروحة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ص ‪55-54‬‬

‫‪662‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫من أهم أسباب فشل الثورة‪ ،‬نجاح البريطانيين في إضعاف أواصر الوحدة الوطنية‪ ،‬وغياب القيادة الوطنية الموحدة‪،‬‬
‫ومما يثير الدهشة أن القوات البريطانية نجحت في الحصول على دعم القوات السيخية‪ ،‬التي تعد من ألد خصوم‬
‫المحتلين‪ ،‬وكذلك حصولها على دعم ومساعدة الكوركا‪ ،‬ما أدى الى اضعاف الرابطة الوطنية بين أبناء الشعب الهندي‪،‬‬
‫فضًال عن غياب التخطيط بين قادة الثورة‪ ،‬وضعف وسائل االتصال بين بعضهم البعض في سنوات اندالع الثورة(‪.)1‬‬
‫وقد كان من أسباب عدم نجاح الثورة غياب القيادة الموحدة‪ ،‬فلم تكن هناك شخصية قيادية كارزمية‪Charismatic‬‬
‫‪- Leadership‬مصطلح يوناني يعني تمتع الشخص بالتأثير على اآلخرين والجاذبية واإلقناع وبذلك يكون منقذ‬
‫للشعب‪ -‬بين زعماء الثورة تستطيع تنظيم وقيادة الثوار ولملمة شملهم وكسب إعجابهم ألجل تحقيق مصالح موحدة‪ ،‬وأن‬
‫كثيرًا من رموز الثورة كانوا قد قدموا مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية‪ ،‬كما تصفوا باألنانية وعدم‬
‫ومنهم بهادر شاه فعلى على الرغم‬ ‫(‪)2‬‬
‫القدرة على التخطيط وفقدان الشجاعة الكافية لخوض المعارك على نطاق واسع‬
‫من شعبيته الكبيره لم يكن له دور فعال في الثورة‪ ،‬إذ كان مجرد شخصية مشهورة ولم يكن قائدًا لعملياته‪ ،‬وفي الجانب‬
‫اآلخر فأن القادة البريطانيين مثل جون لورنس و اوترام و هافيلوك كانوا منظمين ومخططين مقتدرين‪ ،‬إذ كان لسياسة‬
‫جون لورنس في الحفاظ على البنجاب ونظرته الثاقبة األثر في النجاحات التي حققها البريطانيون في الهند‪ ،‬إذ أمتاز‬
‫(‪)3‬‬
‫بالنظرة الثاقبة‬
‫كانت القوات العسكرية المحلية سيئة التدريب والمعدات وتنقصها اإلمكانية القتالية لمواجهة حرب شديدة‪ ،‬وإ ن ((كادر‬
‫الضباط الهنود لم يتلق إال ما يسمى في الجيش التدريب األساسي واستعمال السالح وأن اولئك الضباط كانوا جاهلين‬
‫وافتقر الثوار لفهم ستراتيجية الحرب‪ ،‬فمع أن دلهي مثلت النقطة األساسية والمهمة في‬ ‫(‪،)4‬‬
‫في التكنيك والستراتيجية))‬
‫الثورة وإ ن سقوطها يعني كسر العمود الفقري للثوار‪ ،‬إال أن الثوار لم يحاولوا انقاذها عندما تمت محاصرتها من القوات‬
‫البريطانية‪ ،‬ولم يبادر نانا صاحب بإرسال قوات من لكناو إلنقاذ العاصمة‪ ،‬إذ ربما كان يخشى من أن يقود نجاح الثوار‬
‫في دلهي الى بهادر شاه‪ ،‬والسيما أن نانا صاحب لم يكن مستعدًا للتعامل معه(‪.)5‬‬
‫ومن األسباب التي أدت الى فشل الثورة عدم اشتراك جميع أجزاء الهند فيها واقتصارها على األجزاء الشمالية‪ ،‬فلم‬
‫تشترك األجزاء الغربية والشرقية والجنوبية فيها‪ ،‬وبقيت السند والنيبال مخلصتين للبريطانيين‪ ،‬وان دوست محمد في‬
‫أفغانستان قدم مساعدة للبريطانيين‪ ،‬في حين لم يحصل الثوار على دعم شعبي من األجزاء الشمالية‪-‬الغربية من الهند‬
‫التي تشكل اآلن باكستان‪ ،‬كما لم يحصل الثوار على دعم من سكان البنجاب وراجبوتانا؛ ألنهم كانوا يفضلون اإلدارة‬
‫البريطانية المنضبطة على اإلدارة الفوضوية لألمراء الهنود‪ ،‬فقد وضح السير جون ستراجي(‪Sir John Strache‬‬
‫)‪ (1823-1907‬ذلك عندما كتب ((نقل عدد من القرى التي كانت ولفترة طويلة ضمن اإلدارة البريطانية الى إمارة‬
‫من اإلمارات المحلية التي كان يسودها االنضباط‪ ،‬ولكن رغم ذلك سوف ال أنسى االحتجاجات الصاخبه والشاملة التي‬
‫أظهرها الناس ضد الظلم والقسوة التي تعرضوا لها من األمراء الهنود))(‪ ،)6‬وساندت الطبقة المتوسطة التي نشأت في‬
‫ظل الحكم البريطاني القوات البريطانية للحفاظ على مصالحها‪.)7‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -4‬حيدر صبري الخيقاني‪ ،‬الملكة فكتوريا وأثرها في السياسة البريطانية(‪ ،)1901-1837‬أطروحة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعة بغداد‪ ،2009 ،‬ص‪.173‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -5‬المصدر نفسه‬
‫‪2‬‬
‫‪ -6‬نايف محمد حسن االحبابي‪ ،‬اإلدارة البريطانية في الهند( ‪،)1905 – 1858‬المصدر السابق ‪60‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -1‬عبد العزيز عبد الغني ابراهيم‪ ،‬حكومة الهند البريطانية واإلدارة في الخليج العربي "دراسة وثائقية"‪ ،‬الرياض‪ ،1981،‬ص‪.78‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه‪.80 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه‪.80 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- -4‬عبد الفتاح ابراهيم‪ ،‬على طريق الهند‪ ،‬ط‪،5‬بغداد‪ ،2004 ،‬ص‪.44‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -5‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫نيسان‪2015/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪20/‬‬

‫ومن األمور التي كانت لصالح البريطانيين انتهاء حرب القرم لصالحهم‪ ،‬قبل اندالع الثورة الهندية‪ ،‬ما سهل عليهم‬
‫مقاومة الثورة واخمادها‪ ،‬والتخلص من الدعم الروسي للثوار‪،‬إذ كان الثوار معزولين دوليًا وإ ن األمل الوحيد الذي كان‬
‫يراودهم هو تحقيق االنتصار قبل وصول االمدادات من بريطانيا(‪.)1‬‬
‫كما أدى تطور جهاز االستخبارات البريطانية دورًا مهمًا في اتخاذ اإلجراءات الالزمة ضد الثوار‪ ،‬فقبل الهجوم‬
‫على لكناو وصلت معلومات توزيع القوات المحلية في لكناو‪ ،‬الى العقيد كولن كامبل الذي اقترب بقواته من لكناو‪ ،‬وقد‬
‫سرع ورود هذه المعلومات بتقدم القوات البريطانية لالستيالء على لكناو‪ ،‬فانتهت الثورة بانتصار عسكري بريطاني‬
‫ولم تنته بأية اتفاقية أو شروط للتسوية‪ ،‬إذ لم تكن هناك أي جهة يمكن التفاوض معها(‪.)2‬‬
‫الخاتمة‬
‫من خالل البحث في انتفاضة عام ‪ 1857‬توصلنا الى هذه االستنتاجات‪:‬‬
‫‪ -1‬ان الشعب الهندي قد قاوم االستعمار البريطاني منذ البداية ولم يكن يوما خانعا له‪.‬‬
‫‪ -2‬حدثت هذه االنتفاضة نتيجة للقوانين والتصرفات الجائرة الستعمار البريطاني‪.‬‬
‫‪ -3‬كان الفرق الكبير بين ما يمتلكه الجيش البريطاني من اسلحة ومعدات مقارنة بالوسائل اليدوية والبدائية للشعب‬
‫الهندي من ابرز االسباب الكبيرة لفشل االنتفاضة‪.‬‬
‫‪ -4‬على الرغم من فشل االنتفاضة اال انها كانت نبراسا ليس للحركة الوطنية في الهند فقط وانما لحركات التحرر‬
‫في للعالم الثالث اجمع‪.‬‬
‫‪ -5‬كانت من اهم النتائج السلبية لهذه االنتفاضة انها ادت ربط ادارة الهند بالتاج البريطاني مباشرة وانهاء ادارة‬
‫شركة الهند الشرقية لتلك البالد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -6‬المصدر نفسه‪.،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -7‬جواهر الل نهرو‪ ،‬لمحات من تاريخ العالم‪ ،‬ترجمة لجنه من االساتذه الجامعيين‪ ،‬منشورات المكتبة التجارية للطباعة والتوزيع والنشر‪،‬‬
‫‪ ،1957‬ص‪.212‬‬

‫‪664‬‬

You might also like